Professional Documents
Culture Documents
المسلمون
والعولمة
تأليف
السأتاذ؛ محمد قطب
1
المسلمون والعولمة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
يشتتكو المستتلمون اليتتوم مأن العولمة ونتتذرها الخطتتيرة التتتي
تتهتتددهم ،وحق لهم أن يشتتكوا ،فهم في مأقدمأة المقصتتودين بهتتا،
سواء كتتان عنتتوانهم " العتتالم الستتلمأي " أو " العتتالم الثتتالث " أو "
الدول النامأية " أو " الدول المتخلفة " أو " الدول الفقيرة "!
ولكنهم -في شكواهم وتخوفهم -قلما يتبادر إلى أذهتتانهم أنهم
-بسبب تقاعسهم ،وتفلتهم مأن تكاليف دينهم ،وانحتترافهم عنه خلل
القتترون الختتيرة -هم الستتبب الول فيما يلقتتون اليتتوم مأن هتتوان
وعستتف ،وأنهم هم -بستتبب تفلتهم هتتذا -هم التتذين أتتتاحوا لقتتوة
جاهلية بربرية أن تفتتترض نفوذها على العتتتالم ،وتكتستتتحهم هم مأن
الطريق!
وفي هذه الصفحات القليلة أحاول أن ألقي الضتتوء ستتريعا على
بعض النقاط حول العولمة ومأوقف المسلمين مأنها ،مأبتتتدئات بالحتتديث
عن أبعاد العولمة ثم عن مأسئولية المأة المسلمة عن بروزها وتمكنها
ثم عن مأوقف المسلمين مأنها في الحاضر والمستقبل.
ول يفوتتتتني كتتتذلك أن أشتتتير إلى مأوقف " العلمتتتانيين " مأن
العولمتتة ،وتتترحيبهم بها واستبشتتارهم بها على أنها الداة الكاستتحة
)البلدوزر( التي ستقتلع لهم الستتلم مأن جتتذوره ،بعد أن تعبتتوا هم -
بفؤوسهم ومأعتتاولهم -في مأحاولة هدمأه واقتلعا جتتذوره ،وبتتاءوا مأن
مأحاولتهم بالفشل والخذلن.
وفي الختتير نلقي نظتترة ستتريعة على المستتتقبل المنظتتور:
مأستقبل العولمة ،ومأستقبل السلم.
وإن تكن هتتذه الصتتفحات القليلة ل تفي بحق مأوضتتوعا ضتتخم
ن )وذَك ّ ْر َ
فََإ إ ّ كهتتتذا ،فإنما هي مأجتتترد تتتتذكرة ،عمل بقوله تعتتتالىَ :
ين( ) (1وعلى الله قصد السبيل ومأنه العتتون، من إ َ
ؤ إ ع ال ْ ُ
م ْ الذّك ْ َرى تَن ْ َ
ف ُ
وعليه التوكل ،ومأنه التوفيق..
محمد قطب
2
المسلمون والعولمة
أبعاد العولمة
يتستتتاءل كثتتتير مأن النتتتاس :مأا المقصتتتود بالعولمة على وجه
التحديد؟
وبعيدا عن التعريفات النظرية نضرب مأثل مأن الواقع يبين البعاد
الواقعية للعولمة.
مأنذ فترة ليست بعيدة عمدت الدول المنتجة للبترول إلى خفض
النتاج بغية رفع أستتعاره في الستتوق ،بعد أن كتتانت قد انخفضت إلى
الحضتتتيض نتيجة الزيتتتادة في النتتتتاج .وبالفعل ارتفعت الستتتعار،
وقاربت القمة التي كانت قد وصلت إليها في سنوات "الطفرة".
وهنا تدخلت القوى " العظمى " ..أو بالحرى " القوة العظمى "
لتفتتترض على التتتدول المنتجة أن تضخ في الستتتوق كميتتتات أكتتتبر،
لينخفض السعر إلى المستوى الذي يناسب مأصتتالح القتتوى العظمى،
أو بالحرى يناسب جشعهم ومأطامأعهم.
وفي النهاية لم تجد التتدول المنتجة بتتدا مأن الخضتتوعا للضتتغط
الواقع عليهتتتا ،وتحت طائلة التهديد بالعقوبتتتات اضتتتطرت إلى رفع
إنتاجها بالقدر الذي طلب مأنها أو قريبا مأنه!
ذلك مأثال واقعي للوجه القتصتتادي للعولمتتة ،ل يحتتتاج إلى جهد
في استخلصا أبعتتاده ووستتائله .فالعتتالم الثتتالث -التتذي ينتج مأعظم
البتتتترول المستتتتخدم الن في الصتتتناعة العالميتتتة ،والتتتذي يمثل
المسلمون الجانب الكبر مأنه -يملك " خامأتتات " كثتتيرة ،تحتتتاج إليها
التتدول الصتتناعية ،ولكنه ل يملك المصتتانع ،ول يملك الختتبرة والتقنية
التي يدير بها تلك المصتتانع إن وجتتدت.ت والتتذي يملك الختتبرة والتقنية
هو الغتترب -وعلى رأسه أمأريكا -ومأن ثم فتتإن هتتذا الغتترب يفتترض
على العالم الثالث -الفقير الجاهل المستضعف -أن يبيع له مأا يملك
مأن الخامأتتات بتتأبخس الثمتتان ،ثم يصتتنّعها عنتتده،ت ثم يعيتتدها مأصتتنعة
فيبيعها للعالم الثتتالث بتتأغلى الثمتتان ،فتتيربح أرباحا كثتتيرة في وقت
واحد :مأادية ومأعنوية .المادية ببخس سعر الشراء ورفع ستتعر التتبيع،
والمعنوية بتتتإذلل العتتتالم الثتتتالث وإشتتتعاره دائما بالتبعية والضتتتآلة
والعجز.
هذا الوجه مأن وجوه العولمة أوضح مأن أن يحتاج إلى بيان!
ولكن له وسائل قد تحتاج إلى شيء مأن البيان.
فالخصخصة التي فرضت على دول العالم الثالث ذات أبعاد.
3
المسلمون والعولمة
فمن أبعادها رفع ستتتتلطة الدولة عن مأمتلكاتها " القومأية " ،فل
تعود تملك لها مأنعا ً ول مأنحا ً ول حماية ول استتتغلل ً يعتتود عليها وعلى
شعوبها بالخير ،وإنما تملّك في الخطوة الولى للقطاعا الخاصا ،بحجة
أنه هو القدر على إدارتها واستغللها ،أو بأية حجة مأن الحجج التي قد
تكون صحيحة في ذاتها ،ولكنها ل تخفي السبب الحقيقي!
وفي الخطتتوة التالية تعتترض المجتتالت المخصخصة للستتتثمار
العالمي ،فتأتي رؤوس المأتتوال العالمية " فتشتتارك! " في عمليتتات
الستتتتثمار ،مأشتتتترطة شتتتروطا مأعينة في صتتتالحها ،مأنها تخفيض
الضرائب عليها ،والستتماح لها بنقل أرباحها إلى الختتارج ،وعتتدمت وضع
العراقيلت أمأامأها بعمل حماية جمركية أو حماية مأن أي نوعا للصناعات
المحلية الصغيرة التتتي يتتديرها رأس المتتال المحلي بجهتتده الختتاصا،
فتعجز هذه -بدون حماية -عن المنافسة في الستتواق العالميتتة ،بل
في السواق المحلية ذاتهتتا ،فينتهي بها المأر إلى " المشتتاركة! " مأع
رأس المال الجنبي..ت أو إلى الفناء!
العولمة إذن في وجهها القتصادي -بالنسبة للعالم الثتتالث على
القل -هي السيطرة الكاسحة لرأس المال الغربي على اقتصاديات
العتتالم الثتتالث ،ووضتتعه بين فكّي الكماشتتة ،ستتواء بخفض أستتعار
الخامأات ،أو رفع أسعار النتاج ،مأع تختتدير التتدول وشتتعوبها بتمتتنيتهم
بالرواج القتصادي الذي ستتيحدثت في العتتالم الثتتالث نتيجة العولمتتة،
والذي سيعين الدول على تستتديدت ديونهتتا ،ويوجد فتترصا عمل جديتتدة
أمأتتام المتعطلين مأن أبنائها التتذين ل يجتتدون فرصا للعمل في الزمأة
الراهنتتتة .وهو حق على المتتتدى القتتتريب ،ولكنه ينتهي بتنحية هتتتذه
الشتتعوب عن مأقومأتتات وجودهتتا ،وستتيطرة الغتترب عليهتتا ،والتحكم
الكامأل في مأصائرها.
والن يبرز سؤال له أهمية بالغة..
مأن المالك الكبر لرأس المال الجنبي الذي يأتي للستتتثمار بعد
أن تفتّح له البواب؟!
إنه -شئنا أم أبينا -رأس المال اليهودي العالمي ،الذي يستتيطر
في بلده الصلية ،ويسعى لبسط سيطرته على العالم كله!
وهنا يتتتتبرز وجه جديد مأن وجتتتتوه العولمتتتتة ،ل يقل أثتتتترا عن
السيطرة القتصادية ،بل هو في نظرنا أخطر وأشد!
4
المسلمون والعولمة
إن المخطط اليهودي للمأميين )وهم كل المأم مأن غتتير اليهتتود(
كما هو وارد عنتتدهم في التلمتتود ،هو أن المأمتتيينت هم الحمتتير التتذين
خلقهم الله لتتتيركبهم شتتتعب الله المختتتتار ،وأن مأن فضل الله على
الشتتعب المختتتار أن خلق هتتذه الحمتتير على صتتورة آدمأية ليتمكن
الشعب المختار مأن استخدامأها!!ت
ويترتب على هذه النظرة أمأور كثيرة..ت وخطيرة.
فمتى يستحمر النسان ..وكيف يستحمر؟!
ما
منَا بَنإي آدَ َ قَََ دْ ك َ ّر ْ ول َ َ
إن الله يقتتتول في مأحكم التنزيتتتلَ ) :
َََات
إ ن الطّيّب َ م َ م إ ه ْقن ََََا ُ و َر َز ْ َََر َ
إ ح والْب َ ْ في الْب َ ّ
َََر َ م إ ه ْ ملْن ََََا ُ ح َ و َ َ
ً ).(1
ضيل ( ْ
ن خَلقنَا تَف إ ْ َ م ْ م ّ ير إ َ
م عَلى كث إ ٍ َ ه ْ ضلنَا ُْ وف ّ َ َ
فالصل في النسان هو الكرامأة والتكريم..
ََوب ل ٌ قل ُم ُ ه ْ ولكنه -في حتتالت -يهبط أستتفل ستتافلين) :ل َ ُ
ان ل م آذَ ٌ ه ْول َ ُ َ ها
ون ب إ َصَََََ ُر َ ن ل يُب ْ إ عي ُ ٌم أَ ْ ه ْ ول َ ُ َ هاَََََون ب إ َ
َ ه
ق ُ ف َ يَ ْ
م ه ُك ُ ل أُولَئ إ َ ضَََ ّ م أَ َ ه ْ ْ
َََل ُ عَََاما إ ب َ الَن ْ َ
ك كَ ْ ها أُولَئ إ َ ون ب إ َ ع َ م ُسَََ َ يَ ْ
)(2
ون( . فل ُ َ الْغَا إ
َ
ةا( ).(3 و َر ٍس َ ق ْ ن َ م ْ ت إ ف ّر ْ ف َرةاٌ َ ستَن ْ إ م ْ م ٌر ُ ح ُ م ُ ه ْ )كَأن ّ ُ
ذلك حين يعرضون عن عبادة الله ،ويعبدون غيره..
ومأعنى ذلك بعبتتارة أختترى أن النستتان ل يستتتحمر وهو صتتاحب
عقيدة،ت وصاحب أخلق إيمانية نابعة مأن العقيدة..
فتتإذا كتتان هتتدفنا استتتحمار البشر -لغاية في نفوستتنا -فمتتاذا
نفعل؟
الجابة واضحة :نفسد عقائدهم ،ونفسد أخلقهم!
وهتتتذا مأا تقتتتوم به المتتتؤتمرات الدولية التتتتي تقتتتام بين الحين
والحين ،لعطتتتاء الشتتترعية للفوضى الخلقية والشتتتذوذ الجنستتتي،
وحرية الجهاض ،وتكوين " أسرة!! " مأن غتتير زوج وزوجتتة ،ورفع يد
الباء عن التدخل في سلوكيات البنتتاء ،وحرية العتقتتاد التتتي تعتتني -
فيما تعني -حرية اللحاد!
إن هذه المؤتمرات ل تقام عبثا! إنها -بكل بشتتاعتها المقتتززة -
جتتزء مأتتدروس بعناية مأن المخطط الكبتتيرت الشتترير التتذي يقتتوم به
5
المسلمون والعولمة
ْ َ
هل والل ّ ُ
سََادا ً َ ض َ
ف َ في ال ْر إ
ن إو َ
ع ْ
س َ
وي َ ْ
المفستتدون في الرضَ ) :
م ْب ال ْ ُ
).(4
ين(
د َ س إ
ف إ ح ّ
يُ إ
وهي ليست شيئا قائما بذاته ،وإن وضعت لها عناوين مأتخصصة،
كمؤتمر " السكان " أو مأؤتمر " المرأة عام " 2000أو غيرهتتا ،إنما
هي أجزاء مأترابطة مأتماسكة -وإن اختلفت اتجاهاتها -تتحركت بإرادة
مأوحدة ،كما تتحتتركت أذرعا الخطبتتوط في اتجاهتتات مأختلفتتة ،فتنهش
مأن هنا وتنهش مأن هنتتاك ،ولكن بتتإرادة مأركزية واحتتدة ،مأركتتزة في
رأس الخطبوط!
واتخاذها شكل " مأؤتمرات دولية " ومأحاولة فرضها على الناس
فرضا عن طريق هيئة المأم ،وتهديد المخالفين -وخاصة المسلمين -
بتوقيع العقوبات عليهم إن لم ينفذوا قراراتها ،كل ذلك له دللت..
الدللة الولى أنه قد أمأكن بالفعل استتتحمار عتتدد مأن البشتتر،
ينطقون بما يريد الشيطان مأنهم أن ينطقتتوا بتته ،في جتترأة ووقاحتتة،
ترم،فيطالبون علنية بعصيان الله والتمرد على أوامأتتره ،وتحليل مأا حت ّ
ل ،والتشتتريع بغتتير مأا أنتتزل ،ويقيمتتون مأن أجل ذلك " وتحريم مأا أح ت ّ
المتتتؤتمرات " يتعتتتالنون فيها بكل قتتتبيح ،ول يتحرجتتتونت مأن ذلك ول
يتأثمون .وهو درك مأن الهبوط لم تهبط إليه البشرية قط في تاريخها
كله .فكل مأا ينادون به مأن القبائح قد حدث مأن قبل في تتتاريخ المأم،
ولكن لم تكن له شرعية ،إنما كان يرتكب خفية أو شبه خفيتتة ،ثم إنه
لم يكن واسع النتشار ،لن النفس البشرية -التي كرمأها الله -كانت
تستبشع -حتتتتى في انحرافاتها -أن تمتتتارس النحطتتتاط الحيتتتواني
باسمه الصريح! والحالت الشاذة كحالة قتتوم لتتوط تعتتتبر -بالنستتبة
لمجموعا البشرية -حالة فردية شتتاذة ،مألعونة في الرض والستتماء..
أمأا اليوم فيراد إعطاء هتتذا الهبتتوط شتترعية يتعتتالن بهتتا ،وتصتتبح هي
الصل الشائع بين الناس!
والدللة الثانية أن المفسدين ل يكتفون بما أفسدوا بالفعتتل ،ول
يقنعون بما بين أيتتديهم مأن الحمر المستتتنفرة ،إنما يريتتدون المزيتتد!
يريدون أن يستحمروا البشتترية جمعتتاء ،ويستتتخدمأونت مأا بين أيتتديهم
مأن الدوات " الدولية! " لنشر الستحمار في البشرية!
والدللة الخاصتتة ،التتتي ل ينبغي أن تفوتنا نحن المستتلمين ،أن
الستتلم بالتتذات هو المستتتهدف الول ،وأن " أصتتحاب الشتتأن " لن
6
المسلمون والعولمة
وليستتتريحوا حتتتى يتتردوا المستتلمين عن دينهم ..إن استتتطاعواَ ) :
اسأََتَطَاعُوا(
ن ْ َن إدينإك ُ ْ
م إإ إ ََردّوك ُ ْ
مع ْ حتّى ي َ ُ قاتإلُونَك ُ ْ
م َ ي َ َزال ُ َ
ون ي ُ َ
).(1
* * *
العولمة إذن ليست وجها واحتتدا كما قد تبتتدو لول وهلتتة ..إنما
هي -كما رأينا -أخطبوطية تشتتمل القتصتتاد ،والسياستتة ،والفكتتر،
والدين ،والخلق ،والثقافة ،والتقاليد ،والعادات.
وحتى لو فرضنا جتتدل -وهو غتتير صتتحيح -أن الهتتدف الساسي
هو الستتيطرة القتصتتادية ،فتتإن هتتذه ل تتم بغتتير مأعاوناتها الختترى!
فتتالقوم التتذين لهم دين يعتتتزون بتته ،وأخلق يعتتتزون بهتتا ،وثقافة
مأتمتتيزة ،ومأقومأتتات ذاتية يحرصتتون عليهتتا ،ل ينصتتاعون بستتهولة
للستتيطرة القتصتتادية ولو حاصتترتهم مأن كل جتتانب ،إنما اعتتتزازهم
بقيمهم الخاصة ستتيجعلهم يقتتاومأون ،وستتيجعلهم -ولو على المتتدى
البعيد -يستتتعون إلى التحتتترر مأن العبودية المتتتراد فرضتتتها عليهم،
وعندئذت يفشل التخطيتتتتط ،ويفشل الخطبتتتتوط! فل بد إذن مأن أجل
السيطرة القتصادية ذاتها مأن مأحو شخصية المأم ،وتذويب مأقومأاتها
النفسية والفكرية والعقدية ،ليسلس قيادها للمسيطر الشيطان!
7
المسلمون والعولمة
مسئولية المة السألمية
أخرج الله هذه المأة -أمأة التوحيدت -لتحقق أهدافا مأعينة:
لتكتتون ختتير أمأة أختترجت للنتتاس ،تتتأمأر بتتالمعروف وتنهى عن
ْ ة أُ ْ ُ
ون
م ُر َ اس ت َََأ ُ ت لإلن ّ) (1إ ج ْ َر َ
خَ إ م ٍ خي ْ َر أ ّ م َ المنكر وتتتؤمأن باللتته) :كُنْت ُ ْ
ه( . ون بإالل ّ إ من ُ َ ؤ إ وت ُ ْر َ منْك َ إ َن ال ْ ُ نع إ و َ ه ْوتَن ْ َ وف َ إ ع ُر م ْ بإال ْ َ
ك )وكَذَل إ َ ولتكون رائدة ومأرشتتدة وشتتاهدة على كل البشتتريةَ :
هدَاءَ عَلَى الن ّ سأ َطا ً لإتَكُون ََُوا ُ جعلْن َََاك ُ ُ
ويَك َُ َ
َون اس َ إ شَ َ و َ ة َ م ًمأ ّ ْ َ َ
ً )(2
هيدا( . ش إ م َ ول عَلَيْك ُ ْ سأ ُ الر ُ ّ
ولتحمل رسالة النبي الخاتم عليه الصلة والستتلم إلى البشتترية
كافة ،على مأتتدى التتزمأن كله مأن بعثته عليه الصتتلة والستتلم إلى أن
يرث الله الرض ومأن عليها ،لتختترج النتتاس مأن الظلمتتات إلى النتتور
َك اب أَن ْ َزلْن َََاهُ إإلَي َْ َ على هدى الكتاب المنزل مأن عندت اللتته) :الر كإت َ ٌ
م إإلَى ه ْ ن َرب ّ إ ور ب إََََإإذْ إ ََََات إإلَى الن ّ إ إ من الظّل ُ َ م َ س إ ج النّا َ ََََْر َ
إ لإتُخ
ما و َ ات َ او إ م َ الس َ َّ في ما إ ه َ ذي ل َ َ ُ ه ال ّ إ د الل ّ إ مي َ إ ح إ َز ال ْ َ زيَ إ ع إ ط ال ْ َ ص َرا إ إ
ض( . )(3 َ ْ
في ال ْر إ إ
وكفل الله لهتتتذه المأة -حين تقتتتوم برستتتالتها :الستتتتخلف
مل َََُوا ع إ و َ م َ منْك ُ ْ من َََُوا إ ين آ َ ذ َ ه ال ّ إ )وعََََدَ الل ّ ُ والتمكين والتتتتأمأينَ :
ف ال ّ إ اسأتَخْل َ ََ َ ْ
ن م ْ ين إ ذ َ ما ْ ض كَ َ في ال ْر إ م إ ه ْ فن ّ ُ خل إ َ ست َ ْ ات لَي َ ْ ح إ ص ال إ َ ال ّ
م ه ْولَيُب ََََدّلَن ّ ُ م َ ه ْ ضَََى ل َ ُ ارت َ َ ذي ْ م ال ّ إ ه ُ م إدين َ ُ ه ْ ن لَ ُ مكّن َ ّ ولَي ُ َ َ مه ْ إ قبْل إ َ
شيْئاً( ).(4 فه َ
ون بإي َ رك ُ َ ش إ عبُدُونَنإي ل ي ُ ْ منا ً ي َ ْ مأ ْ َو إ إ ْ دخ ْ ع إ ن بَ ْ م ْ إ
وتحقق ذلك كله في واقع الرض عتتدةت قتترون ،كتتانت فيها المأة
السلمأية خير أمأة على وجه الرض في كل اتجتتاه :عقتتديا ،وأخلقيتتا،
وفكريا ،وعلميا ،وسياستتيا ،وحربيتتا ،واقتصتتاديا ،وحضتتاريا ..وفي كل
مأجال مأن مأجالت الحياة ،في الوقت الذي كانت فيه أوربا غارقة في
ظلمات مأا يطلقون عليه هم :قرونهم الوسطى المظلمة..
تحقق للمأة السيادة والمنعة والقتتوة .وتحقق لها لول مأتترة في
التاريخ مأعنى " المأة " ،التي تجمع شعوبا مأختلفتتة ،وأجناسا مأختلفتتة،
ولغتتات مأختلفتتة ،يرتبطتتون كلهم بربتتاط واحد هو " الستتلم " ،وإن
8
المسلمون والعولمة
تباعتتدت المستتافات بينهم ،وإن اختلفت علقتتات الحكتتام بعضتتهم
ببعض ،فرباط " السلم " الذي يوحد قلوبهم ومأشتتاعرهم أقتتوى في
نفوسهم مأن كل مأا يسبب الفرقة أو الخلف .مأنه يتخذون عقيتتدتهم،
ومأنه يستمدون أنماط حيتتاتهم وأخلقيتتاتهم وستتلوكياتهم وتوجهتتاتهم
العامأة ،وإن كان لكل شعب خصوصياته ،ولكل فرد خصوصياته.
وتحقق لها الرخاء القتصادي الناشئ مأن ستتعي المستتلمين في
فجاج الرض ،ينشرون فيها النور ،ويكشتتفون مأجاهيلهتتا ،ويعمرونهتتا،
ض ذَل َََُول ً َََل لَكُم ْ َ ع َ َََو ال ّ إ
ال ْر َ ُ ج َ ذي َ ه َ تحقيقا للتوجيه الربتتتانيُ ) :
َوور()ُ ) .(1
ه َ ش ُ وإإلَي ْ إ
ه الن ّ ُ ه َق إ ر ْز إ
إ ن
م ْ وكُلُوا إ ها َ منَاكإب إ َفي َ شوا إ م ُ فا ْ َ
ْ َ أَن ْ َ َ
ها( ).(2 في َ م إ م َرك ُ ْ ع َ
اسأت َ ْ
و ْ ض َ ن ال ْر إ م َم إشأك ُ ْ
وتحقق لها نشاط فكري وعقلي وعلمي غتتير مأستتبوق ،يزخر به
إنتاج تلك القرون -قرون التمكين -في اتجاهتتات مأتباينتتة :في الفقه
والصول ،في التاريخ ،في الطب والفلك والرياضتتيات ،في التترحلت
والكشتتوف الجغرافيتتة ،وفي كل مأنحى مأن مأنتتاحي الحيتتاة المتتوّارة
الدفاقتتة ،التواقة إلى المعرفتتة ،التواقة إلى تحقيق الخلفة الراشتتدة
ْ َ
ضفي ال ْر إ ع ٌ
ََل إ جا إة إإنّي َ ملئاإك َََ إ ك لإل ْ َََال َرب ّ َ
َ وإإذْ َ
ق في الرضَ ) :
ة( ).(3يف ًخل إ َ
َ
وتحقق لها وجتتود حضتتاري واستتع ،ل ينحصر في النتتتاج المتتادي
والحضتتارة الماديتتة ،مأن إنشتتاء مأتتدن وعمتتارة مأبتتان وتوفتتير طتترق،
وفنتتون إدارة ،إنما يحقق المعتتنى الجتتوهري للحضتتارة أي الرتقتتاء "
بالنستتان " ليكتتون جتتديرا بتتالتكريم الربتتاني :الرتقتتاء به عقيتتدة،
وأخلقتتا ،وستتلوكا ،وفكتترا ،ومأعرفتتة ،ينبع مأنها النشتتاط المتتادي ،ول
تنحصر فيه.
كانت هذه المأة أول أمأة عرفت مأجانية التعليم ،ومأجانية العلج،
وأوقفت على هذين المأرين أوقافا طائلة ل تعتمد على ستتخاء الدولة
أو تقتيرها ،أو عنايتها أو إهمالها ،بقتتدر مأا تعتمد على دوافع الختتير في
النفوس ،ودوافع البذل والعطاء.
وكانت أول أمأة عرفت إنشاء بيوت لرعاية العجتتزة ،ودور ليتتواء
الحيوانات الضالة لرعايتها وإطعامأها!
9
المسلمون والعولمة
وكتتتتانت أول أمأة -أو المأة الوحيتتتتدةت -التتتتتي تفي بعهودها مأع
الخرين ،وتلتتتزم بتتالمواثيق ،ول تبرمأها في وقت الحاجة لتمزقها في
أول فرصة مأواتية!
وكانت أول أمأة -أو المأة الوحيدةت -التي ل تضتتطهد المختتالفين
مأنهم على عقائتتدهم وعبتتاداتهم وكل لها في العقيدة ،بل ترعاهم ،وتؤ ّ
نشاطاتهم القتصادية والحياتية مأا دامأوا غتتير مأحتتاربين ول مأجتتاهرين
بالعداء!
باختصار ..كانت هي المأة المتحضرة في الرض..
* * *
ولكن انقلبا هائل حدث في التاريخ!
لم يحدث بطبيعة الحتتال بين يتتوم وليلتتة ..فل شتتيء يحتتدث بين
يوم وليلة إل أقدار الله الخارقة! وحتى " النقلبات العسكرية " التي
ستترت في عصر " التنتتوير!!ت " التتذي نعيشه اليتتوم ،ل تتم بين يتتوم
وليلة ،إنما تستغرق وقتا في التفكير ،وفي التحضير ،قبل أن يفاجأ بها
الناس على ساحة الواقع..
إنما حدث النقلب خلل عدة قرون..
تدريجيا ..انحسرت مأساحة " الدين " في النفوس.
لقد نزل هذا الدين ليشمل الحياة كلها مأن كل جوانبهتتا ،ل ليحتل
ق ْ
ل جانبا واحدا مأن جوانب الحياة ،أيّا كتتان حجمه وأهميته الذاتيتتةُ ) :
ين لم َعََال َ إ
ب ال ْ َ مََاتإي لإل ّ إ
ه َر ّ م َ
و َ
ي َ
حي َََا َ
م ْو َسَكإي َ ون ُ ُ
صَلتإي َ ن َ إإ ّ
ه.(1) (...يك ل َ ُ
ر َش إ َ
فاليمان بالله الواحد هو أهم مأا في حياة النستتان وأثمن مأا في
هذه الحياة .ولكنه إن استثمر في داخل الوجدان ،ولم يبسط إشعاعه
على مأساحات الحياة المختلفة ،فلن يكون هو " التتدين " التتذي أنزله
الله ،وأمأر باتباعه ،وعاقب على تركه ،وأثاب على التيان به!
إنما دين الله هو " مأا وقر في القلب وصدّقه العمل ".
إن الله لم يطلب مأن النتتتتتاس فقط أن يؤمأنتتتتتوا في أعمتتتتتاق
وجدانهم بأنه سبحانه هو الواحد الحد ،الفرد الصمد ،الذي لم يلد ولم
يولد ولم يكن له كفوا أحتتد..ت وإن كتتان هتتذا هو الستتاس التتذي ينبتتني
عليه كل شيء ..إنما طلب سبحانه مأن الناس أن يستتري التوحيد في
كل جنبتتات حيتتاتهم باتبتتاعا أوامأتتره والنتهتتاء عن نواهيه واللتتتزام بما
10
المسلمون والعولمة
أنزل مأن تشريع وتوجيه ..وكل حيد عن هذا السبيل أو مأخالفة له هي
نقص في اليمان يؤثر في " الميزان " كما يؤثر في النتائج! واليمان
-كما يقتتتتتتتتول علماؤنا -يزيد وينقص .يزيد بالطاعتتتتتتتتات وينقص
بالمعاصي.
وتختلف درجات النقص بتتاختلف نتتوعا الحيد ومأقتتدار المخالفتتة،
وإن كتتتانت ل تنقض أصل اليمتتتان إل إذا وقع مأن النستتتان عمل مأن
العمال الناقضة المنصوصا عليها في كتاب الله وسنة رسوله وأجمع
عليها العلمتتاء ،كمن سب الله أو رستتوله صتتلى الله عليه وستتلم ،أو
شرعا بغير مأا أنزل الله.. ّ سجد إلى صنم ،أو أهان المصحف ،أو
ويعمل هذا الدين في واقع الرض ويؤتي ثمتتتاره الجنية بمقدار
ما يلتزما به أهله ويتبعََون ما جََاء فيََه .فتتإن لم يلتتتزمأوا ،ولم
يتبعتتوا ،ينحسر " التتدين " في نفتتوس النتتاس ،وتنحسر ثمتتاره في
الرض بمقَََدار ما حَََدث من الحيَََد ،ومقَََدار ما وقع من
النحراف.
واليات في كتاب الله واضحة تمام الوضوح في هذا المأر ،كما
صطَ َ هي في كل أمأر) :ث ُ َ
عبَا إدنَا ن إ م ْ فيْنَا إ ين ا ْ ذ َ اب ال ّ إ و َرثْنَا الْكإت َ َ مأ ْ ّ
قسأََََاب إ ٌ م َ ه ْ من ْ ُ
و إ صََََدٌ َ قت َ إ م ْ م ُ ه ْ من ْ ُ و إ ه َ سََََ إ ف إ م لإن َ ْ م ظَََََال إ ٌ ه ْ من ْ ُف إ َ
ير( ).(1 ل الْكَب إ ُ ض ُ ف ْ و ال ْ َ ه َ ك ُ ه ذَل إ َ ن الل ّ إ ات بإإإذْ إ خي ْ َر إ بإال ْ َ
وكل هتتؤلء مأؤمأنتتونت -على درجتتات مأن اليمتتان ،ودرجتتات مأن
فضل الله ورحمته ورضوانه -مأا لم ينقضوا أصل اليمان ..أمأا هؤلء:
َولّى َ قول ََُون آمنّا باللّه وبالرسأََول َ
ق ريََ ٌ ف إ م يَت ََ َ عنَا ث ُ ّ وأ ط َ ْ إ َ إ َ إ ّ ُ إ َ َ )وي َ َُ
ّ َ ْ ْ َ َ ُ َ
وإإذَا دُعََُوا إإلى الل إ
ه ين َ من إ َ مؤ إ ما أولئإك بإال ُ و َ د ذَلإك َ ع إ ن بَ ْ م ْ م إ ه ْ من ْ ُ إ
ون( َ ) . م إإذَا َ حك ُ َ
)(2
فل ضَ َ ر ُ ع إ م ْم ُ ه ْمن ْ ُ ق إ ري َ ٌ ف إ ه ْ م بَيْن َ ُ ه لإي َ ْ سأ َول إ إ و َر ُ َ
مل م ثُ ّ ه ْ ج َر بَيْن َ ُ شَََ َ ما َ في َ َََوك إ َ محك ُ ّ حتّى ي ُ َ َََون َ َ من ُؤ إك ل يُ ْ و َرب ّ َ َ
س َلإيما ً( ّ ما َ ً َ
في أن ْ ُ
موا ت َ ْ س َل ُ وي ُ َ ت َ ض َي ْ َ ق َ م ّ ح َرجََا إ م َ ه ْ س إف إ جدُوا إ يَ إ
).(3
* * *
تلك حقيقة الدين كما أنزلها الله ،وكما علمها رستتوله صتتلى الله
عليه وسلم لصحابه ،وكما فهمتها الجيال الولى مأن المسلمين.
11
المسلمون والعولمة
لذلك كان الفكر الرجائي الذي دخل في حيتتاة المستتلمين غريبا
كل الغربة عن السلم الذي أنزله الله ،ذلك الفكر الذي يخرج العمل
مأن مأسمى اليمان ،بل مأن مأقتضاه ،والتتذي يقتتول " :مأن قتتال ل إله
إل الله فهو مأتتؤمأن ولو لم يعمل عمل واحتتدا مأن أعمتتال الستتلم "،
والذي يقول " :اليمان هو التصديق والقتترار ،وليس العمل داخل في
مأستتتتمى اليمتتتتان ") ،والمستتتتمى ليس هو السم كما يخيل لبعض
الناس ،إنما هو حقيقة الشيء الذي يطلق عليه الستتم ،ومأنه قتتولهم:
اسم على مأسمى .أي اسم صادق الوصف للموصوف به(.
نعم! كتان هتتذا الفكر غريبا كل الغربة عن الستتلم ،وكتتتاب الله
ملُوا ع إ و َ منُوا َ ين آ َ ذ َ المنزل يتكرر فيه مأئات المرات قوله تعالى) :ال ّ إ
ين ذ َ ين ال ّ إ من إ َ ؤ إ م ْ ش َر ال ْ ُ )ويُب َ ّ ات( ويرد فيه َمأثل هذه َ الياتَ : ح إ ص ال إ َ ال ّ
ه أبََدا ً( ).(1 َ
في إ ين إ ماكإث إ َ سنا ً َ ح َ جرا ً َ مأ ْ ه ْ ن لَ ُ ات أ ّ ح إ ص ال إ َ ون ال ّ مل ُ َ ع َ يَ ْ
ين من إ َ ؤ إمَ ْ ش َ ُر ال ْ ُ ويُب َ ّ ما َ َو ُ قَ َ ي أَ ْ َ هدي لإلّتإي إ هَ إ آن ي َ ْ قَ ْر َ هذَا ال ْ ُ ن َ )إ إ ّ
جََرا ً كَب إََيرا ( َ ) .
ً )(2 َ َ
ن م ْ ف َ مأ ْ ه ْ ن لَ ُ ات أ ّ ح إ الصََال إ َ ّ ََون
َ مل ُ ع َين ي َ ْ ذ َ ال ّ إ
ةا
عب َََادَ إ ك بإ إ ر ْ ش إ ول ي ُ ْ صالإحا ً َ مل ً َ ع َ ل َ م ْ ع َ فلْي َ ْ ه َ قاءَ َرب ّ إ جوا ل إ َ ان ي َ ْر ُ كَ َ
م ب إََالّتإي ت ُ َ َ َ رب َ
قََ ّربُك ُ ْ ولدُك ُ ْ ََوالُك ُ ْ حََدا ً( َ ) .
)(3
م ول أ ْ م َ م َ ما أ ْ و َ هأ َ َ ّ إ
ُ
َزاءُ جَ َ م َ ه ْ ك لَ ُ فأولَئ إ َ صََالإحا ً َ َل َ مَ َ ع إ و َ ن َ م َ نآ َ م ْ فى إ إ ّل َ عن ََْدَنَا ُزل ْ َ إ
ُر َ في الْغ ُ ملُوا َ
)(4
ون( . من ُ َ ات آ إ ف إ م إ ه ْ و ُ ع إ ما َ ف بإ َ ع إ ض ْ ال ّ
وكتتذلك كتتان الفكر الصتتوفي غريبا عن الستتلم كما أنزله اللتته،
ذلك الفكر الذي يحصر العبتتادة في الوجد التتروحي والتتذكر ،ويضتتخم
الشتتيخ في حس المريد حتتتى يصتتبح واستتطة بينه وبين اللتته ،بينما
الستتلم ينفي كل وستتاطة بين العبد والتترب ،ويجعل العبتتادة شتتامألة
لكل حياة النسان ،ويجعل الجهاد ذروة سنام المأر:
قريب أ ُ َ َ َ سأأَل َ
اع ) (5إ ّ د َ ال َ ةا ْوَ ع َ د يب
ُ جإ ٌ إ ي ّ ن إ إف ي ّ ن ع
َ ي د
إ ا َ بع إ ك )وإإذَا َ َ
ون( . شَدُ َ م ي َ ْر ُ ه ْ عل ُ ّ َ
منُوا بإي ل َ ؤ إ ولي ُ ْ ْ ي َ جيبُوا ل إ ست َ إ فلي َ ْ ْ َان َ إ إإذَا دَع
َ
صََلتإي ن َ َل إ إ ّ قَ ْ م( )ُ ) .(6 ب لَك ُ ْ ج ْ سأََت َ إ م ادْعََُونإي أ ْ َال َربّك ُ ُ قَ َ و َ ) َ
ه(.. يك ل َََ ُ ر َ شََ إ ين ل َ م َ عال َ إ ب ال ْ َ ه َر ّ ماتإي لإل ّ إ م َ و َ ي َ حيَا َ م ْ و َ سكإي َ ون ُ ُ َ
12
المسلمون والعولمة
هَ ْ َ َ
ن م ْ م إ جيك ُ ْ ةا تُن ْ إ َار ٍ جَ َ م عَلَى ت إ َ َل أدُلّك ُ ْ من ََُوا َ ين آ َ ذ َ ها ال ّ إ ) .يَا أي ّ َ
)(1
يل سأَب إ إ في َ ون إ هَ دُ َ جا إ وت ُ َ ه َ سأَول إ إ و َر ُ ه َ َون بإالل ّ إ من َُ َ ؤ إ اب أَلإيم ٍ ت ُ ْ عَذَ ٍ َ
َ َ
َون َ مَ عل َ ُ م تَ ْ ن كُنْت ُ ْ م إإ ْ َر لَك ُ ْ خي َْ ٌ م َ م ذَلإك ُ ْ سََك ُ ْ ف إ وأن ْ ُ م َ والإك ُ ْ م َ ه ب إََأ ْ الل ّ إ
حتإها ْ َ
َار هَ ُ الن ْ َ ن تَ ْ َ م ْ َري إ جَ إ ات ت َ ْ جن ّ ٍ م َ خلْك ُ ْ وي ُ َدْ إ م َ م ذُنُوبَك ُ ْ ْف ْر لَك ُ ْ يَغ إ
يم( ).(2 عظإ ُ و ُز ال ْ َ ف ْ ك ال ْ َ ن ذَل إ َ عد ْ ٍ ات َ جن ّ إ في َ ة إ ن طَيّب َ ً س اك إ َ م َ و َ َ
" أل أختتبرك بتترأس المأر وعمتتوده وذروة ستتنامأه؟ رأس المأر
السلم ،وعموده الصلة ،وذروة سنامأه الجهاد " )أخرجه الترمأذي(.
كذلك كان حصر السلم في النطاق الفردي وإسقاط التكتتاليف
الجماعية والجتماعية والسياستتتتتية والمأر بتتتتتالمعروف والنهي عن
المنكتتتر ،غريبا عن الستتتلم كما أنزله اللتتته ،وقد فتتترض الله هتتتذه
التكاليف كلها كما فرض التكتتاليف الفردية وإن كتتان قد جعل بعضتتها
فرض كفاية ل فرض عين ،ولكن المأة تأثم بمجموعها إن لم يقم فيها
أحد بهذه التكاليف.
وكذلك كان التواكل وإهمتتال الخذ بالستتباب بحجة التوكل على
الله غريبا عن الستتلم كما أنزله اللتته ،التتذي أمأر بالتوكل ولكنه أمأر
ه( ).(4 ل عَلَى الل ّ إ وك ّ ْ فت َ َ ت )َ (3 م َ َز ْ فََإإذَا عََ َ مأعه باتختتاذ الستتبابَ ) :
عَ دّوا وأ َ إ ون َ َز َ جَ ُ ع إ م ل يُ ْ ه ْ قوا إإن ّ ُ سأ َب َ ُ ف ُروا َ ين ك َ َ ذ َ ن ال ّ إ سب َ ّ ح َ ول ي َ ْ ) َ
هَون ب إ َ إ هب َُ َ َل ت ُ ْر إ خي َْ إ ط ال ْ َ رب َََا إ ن إ م ْ و إ ةا َ َو ٍ قَ ّ ن ُ م ْ م إ عت ُ ْ اسأتَطَ ْ ما ْ م َ ه ْ لَ ُ
ه م الل ّ ُ ه ُ مََون َ ُ عل َ ُ م ل تَ ْ ه ْ ن دُون إ إ م ْ ين إ َََر َ و آخ إ م َ وك ُ ْ وعَََدُ ّ ه َ و الل ّ إ عَََدُ ّ
م ف إإلَيْك ُ ْ َو ّ ه ي َُ َ يل الل ّ إ سأَب إ إ في َ ء إ ي ٍ شَ ْ ن َ م ْ قَ وا إ ف ُ ما تُن ْ إ و َ م َ ه ْ م ُ عل َ ُ يَ ْ
ض ذَل ََُول ً ََل لَكُم ْ َ َ
ال ْر َ ُ ع َ ج َ ذي َ ََو ال ّ إ ه َ ََون( )ُ ) .(5 َ م ل تُظْل َ ُ
م وأنْت ُ ْ َ
)(6
ور( . ش ُ ه الن ّ ُ َ
وإإلي ْ إ ه َ ق إ ر ْز إ ن إ م ْ وكلوا إ ُ ُ ها َ منَاكإب إ َ في َ شوا إ م ُ فا ْ َ
كذلك كان انفراج الطريق بين العمل للدنيا والعمل للخرة غريبا
هَاك الل ّ ُ ما آت ََ َ في َ َغ إ )وابْت ََ)(7إ عن الستتلم كما أنزله اللتته ،والله يقتتولَ :
ن الدّنْيَا. (.. م َ ك إ صيب َ َ س نَ إ ول تَن ْ َ خ َرةاَ َ ال إ ار ْ الدّ َ
ولكن هذه المأتتراض كلها وجتتدت في المأة -تتتدريجيا -ثم تزايد
حجمها وأثرها كلما مأر عليها الزمأن دون علج.
)( سورة النعام )(163 - 162 1
)( العزيمة ليست هي مجرد النية،،إنما تشمل العداد لتحقيق النية 3
13
المسلمون والعولمة
ول نقتتول مأع ذلك إن العلج لم يوجد أبتتدا ،فتتذلك ظلم للتتتاريخ،
ولم يمر على المسلمين عصر خل تمامأا مأن المصلحين .ولكن نقتتول
إن حركات الصلح كانت أقل مأن المطلوب ،في حين كانت المأراض
تتزايد على الدوام.
* * *
حين انحسر الستتتلم في قلتتتوب النتتتاس -إل مأن رحم ربك -
انحسر إشتتعاعه في عتتالم الواقتتع ..فالشتتعاعا المنعكس على عتتالم
الواقع إنما مأصدره ذلك النور المنبعث مأن القلتتوب ،وعلى قتتدر قتتوة
ذلك النور أو ضعفه تكون الضتتاءة أو يكتتون الظلم ،حسب ستتنة الله
التي ل تتخلف ول تحتتابي ول تجامأل أحتتدا مأن النتتاس لتتدعوى يتتدعيها
ت الل ّ إ
ه سََن ّ إجََ دَ ل إ ُن تَ إ فل َ ْبلستتانه ول يعمل بها في عتتالم الواقتتعَ ) :
َ
مََانإيّك ُ ْ ََويلً( ) .لَي ْ َ ت الل ّ إ ول َ ْ
ديل ً َ
)(1
ول م َ س بإأ َ ح إ ه تَ ْ سن ّ إ
جد َ ل إ ُ
ن تَ إ تَب ْ إ
نم ْ ه إجَ دْ ل ََ ُ
ول ي َ إ ه َ َز ب إَ إجَ َسأوءا ً ي ُ ْ
ل ُ م ْع َ ن يَ ْ
م ْاب َل الْكإت َ إ ه إي أَ ْ م ان إ ّ
أ َ
َ
صيرا ً( ).(2 ول ن َ إ ولإيّا ً َه َ ون الل ّ إ
دُ إ
م أختتتذت المأة رويتتتدا رويتتتدا تتتتدخل في الظلم :ظلم ومأن ث َ ّ
الجهل ..ظلم الضعف ..ظلم التخلف ..ظلم الفقر ..ظلم الجمود..
ظلم النحسار.
ولم يكن ذلك بسبب " التتدين " كما يتتزعم المطموسو البصتتيرةت
الذين أضاعا الغزو الفكري ألبابهم ،إنما كتتان -كما هو واضح -بستتبب
البعد التدريجي عن حقيقة الدين.
* * *
وفي التتوقت التتذي بتتدأت فيه المأة الستتلمأية تضتتعف وتنكمش
وتنحستتر ،كتتانت أوربا قد بتتدأت تتتبرز وتتقتتدم وتتوستتع ،في جميع
المجالت التي انحسر فيها الوجود السلمأي!
وكتتان في هتتذا الوضع جملة مأن المفارقتتات ،تبتتدو غريبة لول
وهلتتة ،ولكنها مأنطقية ومأفهومأة إذا عرضتتناها على الستتنن الربانيتتة،
وعلى وعد الله ووعيده.
كتانت نهضة أوربا -كلها تقريبا -مأستتتمدةت مأن أصتتول إستتلمأية،
ومأع ذلك كتتتتان مأوقف أوربا مأن الستتتتلم هو مأوقف الجاحد الحاقد
المتربص المتنمر المتأهب للنقضاض!
14
المسلمون والعولمة
كانت أوربا قد خرجت مأن قرونها الوسطى المظلمة على هتتدى
مأا اقتبسته مأن علوم المستتلمين وفنتتونهم وحضتتارتهم ،ولكنها كتتانت
في الوقت ذاته مأعادية للسلم والمسلمين.
ولم يكن هتتتذا رد الفعل التلقتتتائي ،أو الطتتتبيعي في مأثل هتتتذا
الموقف.
لقد ظلت أوربا في قرونها الوستتتتطى المظلمة مأا يقتتتترب مأن
عشرة قرون ،ل تحس أنها في ظلم!ت ولم تشعر بالظلم وتتترغب في
الخروج مأنه إل حين رأت النور! نور السلم!
وقد كتتان احتكاكها بالستتلم -التتذي أخرجها مأن الظلمتتات إلى
النتتور -عن طتترق ثلث .أحتتدها الحتتروب الصتتليبية التتتي أطلعت
الوربتتتيين على بلد تعيش حيتتتاة مأختلفة تمامأا عن حيتتتاتهم في كل
اتجتتاه ،ثم العلقتتات التجارية التتتي أقامأتها جنتتوة والبندقية وغيرهما
بالعتتتالم الستتتلمأي ،ثم البعتتتوث التعليمية التتتتي أرستتتلتها أوربا إلى
المدارس السلمأية في الندلس وصقلية الستتلمأية وغيرهما مأن بلد
المستتتلمين ،والتتتتي عتتتاد مأنها أولئك المبعوثتتتون في شتتتغف هائل
بالحضارة السلمأية والعلوم السلمأية والفكر السلمأي..ت
وكانت أوربا -بهذه التأثيرات -على وشك أن تدخل في السلم
كما يقول المؤرخ البريطاني ويلز في كتاب " مأعالم تاريخ النسانية "
) (1وكما يشير غيره مأن المؤرخين والكتاب الغربيين ).(2
وهنا جن جنتتتون الكنيسة الوربيتتتة ،وقتتتامأت تحتتتارب النفتتتوذ
السلمأي بضراوة ووحشية ،عن طريق مأحتتاكم التفتتتيشت مأن ناحيتتة،
كما كلفت كتابها وشتتتعراءها مأن ناحية أختتترى أن يشتتتوهوا صتتتورة
الستتلم في نفتتوس الوربتتيين ،ويرمأتتوه بكل نقيصتتة ،لينفتتروا مأنه
الراغبين فيه ،أو المتأثرين بحضارته وعلومأه وفكره.
ويجب أن نعتترف -نحن المستتلمين بصتتفة خاصة -أن جوردانو
برونو أحرق حيا ،وهدد كوبرنيكوس وجاليليو بالحرق أحياء لنهم تبنتتوا
أفكارا علمية مأستمدةت مأن العلماء المسلمين .فكان حرق مأن أحتترق
والتهديد بحتتترق الختتترين مأوقفا صتتتليبيا في مأبعثتتته ،وفظا مأتوحشا
كطابع الحتتروب الصتتليبية كلها مأن أول التتتاريخ إلى اللحظة الراهنتتة،
التتتي رأينا نمتتاذج مأنها في البوستتنة والهرسك وكوستتوفا والشيشتتان
)( ج 3 ،ص 966من الترجمة العربية -ترجمة عبد ،العزيز توفيق جاويد ،طبع لجنة التأليف والترجمة 1
والنشر بالقاهرة
)( انظر على سبيل المثال "شمس ال تشرق على الغرب" من تأليف زيجريد هونكة 2
15
المسلمون والعولمة
)في عصر الديمقراطية والحرية واحتتتتترامت " الخر "!!( وإن كتتتتانت
المراجع الوربية ل تشير بطبيعة الحال إلى هذه الحقيقة..
إنما التتتذي يهمنا هنا أن نتتتبين أنه نتيجة لفاعيل الكنيسة وقعت
أوربا في مأتتأزق ضتتخم كتتانت آثتتاره وبتتال ً على البشتترية .فطغيتتان
الكنيسة في القتترون الوستتطى )التتذي لم تشتتعر أوربا أنه طغيتتان إل
بعد احتكاكها بالسلم والمستتلمين( كتتانت نتيجته أن أوربا نفتترت مأن
دين الكنيسة وتمردت عليتته .وفظاظتها في حتترب النفتتوذ الستتلمأي
بالتعتتذيب والتشتتويه كتتانت نتيجته أن أوربا نفتترت مأن الستتلم ولم
تتتدخل فيتته ،فتترجعت أوربا إلى مأيراثها الغتتريقي الرومأتتاني الوثتتني
تستمد مأنه أفكارها وقيمها ومأبادئها في عداء واضح مأع الدين.
وهنا ولدت الكارثة التي تعاني مأنها البشتترية إلى هتتذه اللحظتتة،
وهي وجود قوة مأادية وعلمية واقتصتتادية وتقنية هائلتتة ،مأع انحطتتاط
روحي وأخلقي بتتالغ المتتدى ،لم تهبط البشتترية إلى مأثله في تاريخها
كله..
هذا الوضع -على غرابته -ل يشتتكل مأشتتكلة بالنستتبة للمستتلم
الواعي الذي يدرك السنن الربانية ،ويعلم مأن كتاب الله وسنة رسول
صتتلى الله عليه وستتلم كيف تجتتري المأتتور في واقع البشر مأحكومأة
بهذه السنن التي ل تتبتتدل ول تتحتتول .ول يشتتكل هتتذا الوضع له فتنة
ما سََوا َ ما ن َ ُ فل َ ّتفتنه عن دينه ،لنه يقرأ في كتاب الله قوله تعالىَ ) :
اب ك ُ ّ فتَحنَا عَلَيه َ
يءٍ (1) (..فيعلم أنه ل شََ ْ ََل َ ََو َم أب ْ َ ْ إ ْ ه َ ْ ذُك ّ ُروا ب إََ إ
تناقض ول غرابة في أن يكون القوم كفارا ومألحدة،ت وأن تكون أبواب
كل شتتتتيء مأن القتتتتوة المادية والعلميتتتتة والقتصتتتتادية والحربية
والسياسية مأفتوحة لهم إلى حين يقدره الله سبحانه وتعالى بحكمته:
مه ْ فَََإإذَا ُ ة َغت ََََ ًم بَ ْ ما أُوت َََُوا ) (2أَخََََ ذْنَا ُ
ه ْ حَََوا ب إ َ ر ُ
ف إحتّى إإذَا َ ) َ
ب مَ دُ لإل ّ إ
ه َر ّ ح ْ وال ْ َمََوا َ ين ظَل َ ُ
ذ َ وما إ ال ّ إ
قَ ْع دَاب إ ُر ال ْ َ
قطإ َ ف ُون َس َ مبْل إ ُُ
)(3
ين( . م َ عال َ إ
ال ْ َ
نعم! ل غرابة في هتتذا الوضع بالنستتبة للمستتلم التتواعي التتذي
يتتدرك ستتنن اللتته .ولكنه فتنة ضتتخمة لمن ل يتتدرك هتتذه الستتنن
وحكمتها ،لن الحسبة ستكون في رأسه على هتتذا النحتتو :لقد كتتانت
أوربا في يوم مأن اليام مأتدينة ،فكانت تعيش في ظلم مأطبق ،وكان
)( سورة النعام )(44 1
16
المسلمون والعولمة
يحيط بها الجهل والجمتتود مأن كل جتتانب ،فلما نبتتذتت التتدين تقتتدمأت
وتحضرت وقفتتزت قفتتزات هائلة في كل اتجتتاه! إذن ..فالتتدين صتتنو
للظلم والتتتأخر ؛ والكفر واللحتتاد والتمتترد على التتدين صتتنو للتقتتدمت
والتحضر و الرقي!!
أية فتنة لمن طمست بصيرته عن إدراك سنن الله وحكمتها؟!
وليس بنا هنا أن نفند هذه الفتنة فقد فنتتدناها في أمأتتاكن أختترى
).(1
ولكن يعنينا كثتتيرا أن نبين مأستتئولية المأة الستتلمأية في هتتذه
الفتنة ،وهي مأسئولية ضخمة في الحقيقة.
فلو أن المأة الستتلمأية لم تقع في أمأراضتتها التتتي ستتردنا جانبا
مأنها فيما سبق ،أو لو أن المأة عالجت أمأراضها أول ً بتتأول ولم تتتدعها
تستفحل كما حتتدث بالفعتتل ،فتتإن صتتورة أختترى غتتير الواقع الحتتالي
كانت قمينة أن تقع في الرض بتقدير الله.
كتتتتانت أوربا ستتتتتتقوى بما تعلمت مأن علتتتتوم المستتتتلمين،
وبالضافات التي أضافتها إليها في انطلقتها الفتية التي اكتسبتها مأن
تحطيم القيتتود التتتي كتتانت الكنيسة تكبلها بها باسم التتدين ..ولكنها
أول :لم تكن لتبلغ مأا بلغته اليوم مأن القوة ،فإنها لم تبلغ هذا المتتدى
مأن القتتوة إل بضََعف المسََلمين حين انطلقت أوربا الصتتليبية -
مأدفوعة بصتتليبيتها -تحتل بلد العتتالم الستتلمأي ،وتستترق مأواردهتتا،
وتضاعف ثروتها ،وتستزيدت كل يوم مأن وسائل القوة التتتي تمكنها مأن
مأزيد مأن الستتيطرة ،ومأزيدت مأن ستتلب ثتتروات المستتلمين ..ثم إنها
ثانيا :لم تكن لتكتتتون هي النمتتتوذج الوحيد أمأتتتام النتتتاس للقتتتوة
والتمكين .إنما كان سيوجد نموذجان للتمكين والقوة ،أحدهما مأتتؤمأن
والخر كافر ،فيسهل على الناس أن يميزوا بين كل النوعين ليختتتاروا
أحستتنهما .فأحتتدهما قتتوي مأمكّن في الرض ،مأتقتتدمت مأتحضر مأتعلم
من ََُواين آ َ
ذ َ مأثقف نشتتتيط مأتحتتترك ،تحفّه البركة والطمأنينتتتة) :ال ّ إ
قلُوبهم ب َذكْر الل ّ َ
قل َُ ُ
َوب( ن ال ْ ُ مئ إ ّه تَطْ َ
ر الل ّ إ
ذك ْ إ
ه أل ب إ َ إإ نَ ُ َ ُ ُ ْ إ إ إ مئ إ ّوتَطْ ََ
َات َ
م ب َ َرك َ ٍ ه ْ َ َ
وا ل َ وات ّ َ ْ
ل ال ُ ه َ َ )(2
حنَا عَلي ْ إفت َ ْ قَ ْ منُوا َق َرى آ َ
ْ َ
نأ ْ وأ ّول ْ َ ).
ض( ).(3
وال ْر إ ء َ
ما إ
الس َ
ّ ن
م َ إ
)( انظر على سبيل المثال" :قضية التنوير في العالم السلمي" 1
17
المسلمون والعولمة
والخر قتتتوي مأمكّن في الرض ،مأتقتتتدم في الجتتتوانب المادية
والعلمية ،ولكنه مأحروم مأن البركة والطمأنينة ،يعج بالقلق والنتحتتتار
والجنون والمأراض النفستتية والعصتتبية والمختتدرات والجريمتتة ..كما
أن أحتتدهما -مأع قوته وتمكنه -ل يستتعى إلى ظلم الختترين وستتلب
أقتتواتهم والتحكم المتتذل فيهم ،بينما الخر قتتوة غاشتتمة ل تكف عن
العدوان وإذلل الخرين ل لشيء إل لرواء شهوة السلطان!
عندئذت لم تكن لتوجد الفتنة ..أو في القليل لم تكن الفتنة لتجتاح
كل الرض!
* * *
لقد كان غياب المأة السلمأية عن الستتاحة هو الكارثة الحقيقية
التتتي أصتتابت البشتترية ،لنه أخلى الستتاحة مأن النمتتوذج الصتتحيح
للحضارة النسانية ،وأتاح للنموذج المنحرف أن ينفتترد بالستتاحة ،وأن
يفتن الناس عن ربهم وآخرتهم ودينهم وأخلقهم ..وإنسانيتهم!
ولقد كتتانت حكمة الله مأن إختتراج هتتذه المأة أن ترشد النتتاس..
سأََطا ً ك جعلْنَاك ُ ُ
و َة َ م ً مأ ّ ْ وكَذَل إ َ َ َ كل الناس ..إلى النموذج الصحيحَ ) :
هيداً( شَ إ م َ ول عَلَيْك ُ ْ سأ ُ الر ُ
ون ّ ويَك ُ َ اس َ
إ هدَاءَ عَلَى الن ّ ش َ لإتَكُونُوا ُ
ْ خي َََر أُم ُ
ون ب إَََال ْ َ ) .كُنْت ُ ْ
)(1
وف إ ع ُر
م ْ م ُر َ اس ت ََََأ ُ
ت لإلن ّ )(2إ ج ْ َََْر َ
ة أخ إ م َ ْ َ ّ ٍ
ه( . ون بإالل ّ إ من ُ َ ؤ إ وت ُ ْر َ منْك َ إ َن ال ْ ُ نع إ و َ ه ْ
وتَن ْ َ َ
وحين قتتامأت برستتالتها على الوجه الصتتحيح أختترجت كثتتيرا مأن
الناس مأن الظلمات إلى النور ،سواء مأن آمأن بالسلم والتزم بتته ،أو
مأخ َْرجها مأن اقتبس مأن نتتوره دون أن يتتتؤمأن بخ كما فعلت أوربا في َ
قرونها الوسطى المظلمة..
ولكنها حين تقاعست عن أداء رستتالتها ،بستتبب مأا أصتتابها مأن
أمأراض في مأسيرتها ،فقد أتاحت الفرصة للطاغوت أن يبسط نفوذه
على البشر ،ويخرجهم مأن النور إلى الظلمات.
ات إإلَى الن ّ إ
ور م إ ن الظّل ُ َ م َم إ ه ْ ج ُ ْر ُ
منُوا يُخ إ ين آ َذ َ ي ال ّ إ
َ ّ ول إ ه َ )الل ّ ُ
ورن الن ّ إم َ م إ ه ْجََون َ ُ ْر ُ
وت يُخ إ غ ُ م الطّا ُ ه ُؤ ُ ولإي َََا ُ فََ ُروا أ ْ ين ك َ َ ذ َ وال ّ إ َ
)(3
ات. (... م إ ُ ّ
إإلى الظل َ َ
* * *
18
المسلمون والعولمة
على أن الكارثة الكبرى التي أصابت البشتترية نتيجة غيتتاب المأة
الستتتلمأية عن الستتتاحة لم تكن هتتتذه ،إنما كتتتانت بتتتروز اليهتتتود،
وسيطرتهم الحالية على مأقدراتت البشرية.
وقد يفاجأ القتتارئ بهتتذه المقولتتة ،وقد يستتتغربها ..ولكن ها هي
ذي -ببساطة -وقائع التاريخ.
فمتتتى بتتدأت الستتيطرة الحالية لليهتتود ،وكيف وصتتلت إلى مأا
وصلت إليه اليوم؟
بدأت مأع الثورة الصناعية..
فقد كانت الثتتورة الصتتناعية في حاجة إلى عنصتترين أساستتيين:
المال الوفير التتذي يمكن أن ينشئ المصتتانع ،والعمتتال المحشتتودين
في المدن التي تقوم فيها المصانع.
فأمأا العمتتتال فقد كتتتانوا مأحتجتتتزين في الرض الزراعية التتتتي
يملكها أمأراء القطاعا ،وكانوا عبيدا في تلك الرض ل يملكون النتقال
مأنها إلى المدينتتة ،بل ل يملكتتون النتقتتال مأن إقطاعية إلى أختترى إل
بإذن أمأير القطاعية ،وإل اعتتتبروا عبيتتدا آبقين ،وأعيتتدوا إلى أرضتتهم
مأوسومأين على جباههم بالنار..
وكان ل بد مأن تحطيم القطتتاعا مأن أجل تغذية الثتتورة الصتتناعية
بالعمال..
وقتتتامأت الثتتتورة الفرنستتتية بتتتذلك ..وحتتتررت " عبيد الرض "
ومأنحتهم حرية النتقال.
ومأعلوم لكل الناس دور اليهود في إشعال الثورة الفرنستتية عن
طريق الجمعيتتات الماستتونية المنتشتترة يومأئذ في فرنستتا ،وإن كتتان
قتتول اليهتتود إنهم هم التتذين صتتنعوا الثتتورة الفرنستتية تبجح يتجتتاوز
الواقع ،فلتتول الغضب المكبتتوت المتتتراكم خلل القتترون مأن مأظتتالم
القطتتاعا وفظائعه مأا استتتطاعا اليهتتود أن يفجتتروا الثتتورة على النحو
الذي فعلوه..
وأمأا المتتال اللزم لدارة الثتتورة الصتتناعية فلم يكن مأتتتوافرا إل
عند فئتتتتين اثنتتتتين في أوربا في ذلك الحين ،هما أمأتتتراء القطتتتاعا
والمرابون اليهود.
أمأا أمأتتتتراء القطتتتتاعا فقد امأتنعتتتتوا تمامأا عن تمويل الثتتتتورة
الصتتناعية! فهم بتتادئ ذي بتتدء فلحتتون )وإن كتتانوا أمأتتراء بالستتم!(
والفلح ل يغامأر بتشغيل مأاله في غير التتدورة الزراعية التتتي يحفظها
19
المسلمون والعولمة
عن ظهر قلب ،ويحفظ تقلباتها واحتمالتهتتتتا .فهو يلقي البتتتتذرة في
الرض ،ويتعهدها حتى تختترج مأحاصتتيلها ،فيستتتهلك مأنها مأا يستتتهلك
لنفسه ،ويحتجز مأا تحتاج إليه الرض مأن "التقاوى " للزرعة القادمأة،
ويبيع الفائض في السوق..
ثم إن الثتتورة الصتتناعية في أول عهتتدها لم تكن رابحة في كثتتير
مأن الحالت! فلم تكن هناك كثافة سكانية كبيرة في المدن ،ولم تكن
هناك طرق مأعبدة لتصريف النتاج على نطاق واستتع ،ولم تكن هنتتاك
وسائل إعلن ..وكلها مأن الضتترورات التتتي ل تستتتغني عنها الصتتناعة
الرابحة.
وفضل عن ذلك فقد كانت هناك مأعوّقتتات نفستتية تقف في وجه
الثورة الصناعية ،فقد كان الناس -في سذاجتهم -ل يرحبون بالنتاج
اللي ،لن به -كما يعتقدون -مأس شتتيطان وأنه ستتيمحو البركة مأن
حياتهم ،وكانوا لذلك يفضلون عليه النتاج اليدوي )!(1
وأمأا المرابتتون اليهتتود فقد أقبلتتوا على تمويل الثتتورة الصتتناعية
بشغف شديد ،ولعاب سائل! ذلك أنهم ل يشغّلون أمأتتوالهم مأباشتترة،
ول يتعرضون للتتربح والخستتارة ،وإنما يقرضتتونها بالربتتا ،والمقتتترض
يكسب أو يخسر حسب ظروفه وظروف السوق ،أمأا هم فقد ضتتمنوا
أمأوالهم -قبل إقراضتتها -وضتتمنوا إلى جانبها مأكستتبهم الربتتوي عن
طريق الشروط التي يضعونها للقراض!
وبذلك وقعت الثورة الصناعية في قبضتتتهم مأنذت اللحظة الولى،
وصاروا هم مأديريهات ودهاقنتهتتا .وعن طريق الربتتاح الربوية الضتتخمة
اشتتتروا التتذهب ،وتحكمتتوا به في عملت الرض ،ثم اشتتتروا وستتائل
العلم،ت ثم اشتروا الساسة وضمائرهم ..وستتيطروا على كل الرض!
وحين سيطروا أثتتاروا الحتتروب بين التتدول لتتترويج صتتناعة الستتلح -
وهم روادها وتجارها مأن قديم -فزادت صناعة الستتلح مأن ثتترواتهم،
ومأن قدرتهم على التحكم في مأقدراتت البشرية!
تلك -باختصار شديد -قصة السيطرة اليهودية التي تهيمن الن
على الناس .وفي طياتها كثير مأن التفصيلت التي ل يتسع المقام هنا
للحتتديث فيهتتا ،إنما نتتذكر مأنها مأجتترد ذكتتر :نشر الفستتاد الخلقي،
والفوضى الجنسية ،واللحاد ،والمخدرات ،وألوان الجنون المختلفتتة:
)( كان حدس الناس صادقا في هذا المر ،ومحقت البركة بالفعل من حياة الناس ل بسبب الصناعة ،في 1
ذاتها كما ظنوا بسذاجتهم ،ولكن بسبب الطريقة الربوية التي أديرت بها الصناعة كما سيجيء بعد قليل!
20
المسلمون والعولمة
جنتتون الكتترة ،وجنتتون الستترعة .وجنتتون التترقص .وجنتتون الزيتتاء
)الموضة(..
إلى جانب النزاعتتات الدولية المستتتمرة التتتي تتتؤدي إلى جنتتون
التسلح..
والن يتتأتي الستتؤال :مأا دور المأة الستتلمأية في كل ذلتتك؟ أو
بالحرى مأا مأسئوليتها في كل ذلك؟
إن مأسئوليتها أعظم بكثتتير،ت وأخطر بكثتتير مأما يتتدور في خلتتدها
في وضعها الراهن ،وهي مأقهتتورة مأستتتذلة مأستضتتعفة ،تنهتتال عليها
الضربات مأن كل جانب.
فلو أنها كتتتتانت قائمة برستتتتالتها على الوجه الصتتتتحيح ،عامألة
بمقتضيات تلك الرسالة في عالم الواقتتع ،فتتأين كتتان يتوقع أن تقتتوم
الثورة الصناعية ابتداءً؟
كتتانت ستتتقوم بطبيعة الحتتال في أكتتثر البلد تقتتدمأا مأن الناحية
العلمية والعملية ..فأين كان ذلك في أيام قيام المأة برسالتها؟
ألم تكن في بلد المسلمين؟ في الندلس .وصتتقلية الستتلمأية،
وفي بلد المشرق المختلفة؟
ولو قتتامأت الثتتورة الصتتناعية -المنبثقة مأن اختتتراعا اللة -في
ترم في داخل العالم الستتلمأي ،فهل كتتانت ستتتقوم على الربتتا ،المحت ّ
شريعة الله؟
وحين ينسد هذا الباب -الذي نفذ مأنه اليهود بضراوة -فهل كان
سيتاح لهم كل مأا أتيح لهم مأن سيطرة عن طريق الربا وجمع الذهب
وشراء ضمائر الساسة وإفساد الخلق؟!
الجابة واضحة ..أو لعلها الن قد وضحت..
* * *
إن علو اليهود وإفستتادهم في الرض قتتدر مأقتتدور ،مأكتتتوبت في
ن
س َد ُ ّ
ف إ َاب لَت ُ ْ
في الْكإت ََ إ َ
رائايل إ ضيْنَا إإلَى بَنإي إ إ ْ
سأ ق َ )و َ
كتاب اللهَ :
وا ً كَبإيرا( .
ً )(1 ْ َ
ن عُل ُ ّ
عل ُ ّ
ولَت َ ْ
ن َم ّرتَي ْ إض َ
في ال ْر إإ
وسواء أكانت المرتان المذكورتان في كتاب الله تاريختتا ً مأضتتى،
أم كانت إحداهما قد مأضت والثانية هي الواقعة اليوم كما يتتترى بعض
التتذين يتعرضتتون لتفستتير اليتتة ،ففي كتتتاب الله إشتتارة إلى مأكتتان
21
المسلمون والعولمة
م عَدْت ُ ْ ن ُ )وإ إ ْعودتهم إلى الفساد والفساد في قوله تعالى بعد ذلكَ :
عدْنَا( ).(1 ُ
ولكن كتاب الله علمنا أن كتتون الشتتيء قتتدرا ل ينفي مأستتئولية
البشر حين يتصرفون تصتترفا خاطئا يتعلق به ذلك القتتدر .ففي وقعة
أحد التي وقعت فيها مأخالفة المسلمين لتعليمات الرسول صتتلى الله
ة َ َ َ َ
م صََبْت ُ ْ قد ْ أ َ صيب َ ٌ م إ م ُ صابَتْك ُ ْ ما أ َ ول َ ّ عليه وسلم نزل قوله تعالى) :أ َ
ه عَلَى ن الل ّ َ م إإ ّ سََك ُ ْ ف إ د أَن ْ ُعن ْ إ ن إ م ْ و إ ه َ ل ُ ق ْ هذَا ُ م أَنّى َ قلْت ُ ْ ها ُ مثْلَي ْ َ إ
ّ ْ ْ َ
ه
ن الل إ فبإإإذْ إ ان َ ع إ م َ ج ْ
قى ال َ ما الت َ َ و َ م يَ ْ صابَك ُ ْ ما أ َ و َير َ
د ٌ ق إ ء َ ي ٍ ش ْ ل َ كُ ّ
قوا.(2)(... ف ُ ين نَا َ ذ َ م ال ّ إ عل َ َ ولإي َ ْ
ين َ من إ َ ؤ إم ْ م ال ْ ُ عل َ َ
ولإي َ ْ َ
هو قتتتدر ،وله حكمته عندت اللتتته .ولكن مأستتتئوليتكم فيه قائمة
لمخالفتكم أمأر قائدكم عليه الصلة والسلم.
والستتيطرة العالمية لليهتتود القائمة اليتتوم قتتدر ،وله حكمته عند
الله ستتبحانه وتعتتالى .ولكن ل ينفي ذلك مأستتئولية المأة الستتلمأية،
التي أقامأها الله لتكون شاهدة ورائدة لكل البشرية.
لقد قصتتترت المأة تقصتتتيرا واضتتتحا في أداء رستتتالتها ،ستتتواء
بالمنازعات التتتي قضت على دولة المستتلمين في النتتدلس )وكتتانت
مأنارة العلم والحضارة والتقدم في أوربا( والتي استعان فيها المأتتراء
المستتلمون بعضتتهم على بعض بالصتتليبيينت )!( أو بتتالجمود الفكتتري
والروحي والعلمي في المشتترق ،أو بالبتتدعا والمعاصي والنحرافتتات
العقديتتة ،أو بالتقتتاعس عن إعتتداد العتتدة ،أو بالنصتتراف عن عمتتارة
الرض ،أو بالسكوت على الستبداد السياسي ،أو ..أو..
وكانت النتيجة حسب ستتنة الله هي انحستتار الوجتتود الستتلمأي
كفي الساحة بسبب مأا تغتتير مأن حقيقة الستتلم في النفتتوس) :ذَل إ َ
ها عَلَى َ غيرا ً نإعم ً َ َ
ما غي ّ ُروا َ حتّى ي ُ َ وما ٍ َ ق ْ م َ ع َ ة أن ْ َ ْ َ م َ ّ ك ُم يَ ُ ه لَ ْ ن الل ّ َ بإأ ّ
م( ).(3 ه ْ س إ ف إ بإأَن ْ ُ
وترتب على انحسار الوجود السلمأي بروز القوة الجاهلية التتتي
تحكم الرض اليتتوم ،ستتواء عنينات بها الغتترب في مأجموعتته ،أو أمأريكا
بالذات ،أو اليهود الذين يسيطرون هنا وهناك..
وتظل المأة الستتلمأية تحمل مأستتئوليتها في ذلك أمأتتام اللتته..
وأمأام التاريخ.
)( سورة السراء )(8 1
22
المسلمون والعولمة
وهنا نتتأتي إلى نقطة هامأة يجب الشتتارة إليها في ختتتام هتتذه
الحديث.
إن أكتتتثر المتحتتتدثينت عن الوضتتتاعا القائمة في الرض اليتتتوم
يتتتأرجحون بين اتجتتاهين ،أحتتدهما يلقى باللئمة -كامألة -على المأة
السلمأية ،والخر يلقي باللئمة -كامألة -على الغتترب ومأؤامأرته ضد
الستتلم .وكل فريق يتتدافع -بحتترارة -عن اتجاهتته ،ويصب اللتتوم -
وأحيانا اللعنات -على الفريق الخر.
والتفكير على هذا النحو يؤدي إلى نتائج خاطئة ،سواء صتتدر عن
العلمانيين ،الذين يسخرون مأن فكرة المتتؤامأرة ويهتتزأون بمعتنقيهتتا،
أو عن الستتلمأيين التتذين يفستترون المأر كله بتتالمؤامأرة القائمة ضد
السلم.
إن المأتترين مأعا مأوجتتودان اليتتوم في الستتاحة! وإثبتتات وجتتود
أحدهما ليس على الطلق نفيا لوجود الخر! لنهما ليسا مأتعارضتتين،
بل هما مأتصاحبانت مأتعانقان! فتقصير المأة الستتلمأية حقيقة واقعتتة،
ومأتتؤامأرةت الغتتترب على الستتتلم حقيقة واقعة ل ينكرها إل مأغالتتط.
وكلهما يتفاعل مأع الخر .فلتتول تقصتتير المأة الستتلمأية مأا استتتطاعا
الغتترب الصتتليبي أن ينفذ مأؤامأرته ضد الستتلم ،ولتتول المتتؤامأرة مأا
أحبطت كل المحتتاولت التتتي تقتتوم بها المأة لمعتتاودة النهتتوض مأن
كبوتها.
والحديث النبوي الشريف الذي صدرنا به هتتذا البحث يشتتير إلى
المأرين مأعا ً مأتصاحبينت مأتعانقين :تكالب العتتداء على المأة كتتتداعي
الكلة على قصتتعتها )وهتتذه هي المتتؤامأرة( وكتتون المأة في وضتتعها
الحتتالي غثتتاء كغثتتاء الستتيل ،لما أصتتابها مأن التتوهن ،وهو حب التتدنيا
وكراهية الموت.
وإن هذا الحتتديث التتذي يصف أحوالنا اليتتوم بهتتذه الدقة لهو مأن
الوحي ..وإنه لمن العجاز.
23
المسلمون والعولمة
ماذا يملك المسلمون؟
يقلّب المسلمون في مأشتتارق الرض ومأغاربها أكفّهم في حتتيرة
ويقولتتون :مأتتاذا نفعل إزاء العولمتتة؟ هل نملك شتتيئا في الحاضر أو
المستقبل؟
أمأا في الحاضر فقد تكون الجابة صتتعبة بالفعتتل ..ولكن ل ؛ لن
العولمة هي ذلك الغول الذي ل يقهر ،والتتذي ل يملك النتتاس إزاءه إل
الذعتتان والتستتليم ..فقد بتتدأت المجابهة بالفعل في المتتؤتمر التتذي
أقيم في مأدينة " ستتتتياتل " ولكنها -مأع السف -كتتتتانت مأن غتتتتير
المسلمين!
إنما تأتي صعوبة الجابة مأن سوء الحال التي وصتتلت إليها المأة
السلمأية..
لم تصل المأة في تاريخها كله إلى هذه الدرجة مأن الهتتوان على
ترد ويتتذبّح أبناؤها بعشتترات اللتتوف تارد وتشت ّ
نفسها وعلى الناس ،تطت َ
ومأئتتات اللتتوف في أوربا وأفريقيا وآستتيا ول تتحتترك ،ول يصتتدر عنها
فعل يوقف هتتتذه المتتتذابح الوحشتتتية أو يتتترد عليهتتتا .وتستتتلب مأنها
فلسطين ،وتسلب مأنها القدس وهي واقفة تتفرج كالمأخوذ..
ومأن جهة أختترى لم يتجمع العتتالم كله على المأة الستتلمأية كما
مع اليتتوم ،يأكل حقوقها علنيتتة ،ويستتلب أقواتهتتا ،ويحتتارب دينها تج ّ
ومأعتقتتداتها ومأقومأتتات وجودها الفكتتري والتتروحي والمتتادي ،وهي
عتتاجزة مأستتلوبة الرادة ..وإن همت بحركة أو حتتتى حتتدثت نفستتها،
تمتد أصتتابع العصتتابة الدولية كلها صتتارخة :أصتتوليون! إرهتتابيون!
اقتلوهم! أو ضعوهم في السجون!
وفي الوقت ذاته هناك نقص فادح في أدوات المواجهة..
فمن أدوات المواجهة الختتبرة التكنولوجية والتصتتنيع ،والمأة في
كل المجالين فقتتيرة إلى حد يقتترب مأن الفلس ،وفي الجتتانب الخر
وحتتتوش ضتتتارية تتجمع لتأكل الخضر واليتتتابس ،ولتعطل كل حركة
تهدف إلى اكتساب الخبرة أو تنمية النتاج.
نعم! ولكن!..
فتى حديث للرسول صلى الله ً مأن قديم كان يستوقفني وأنا بعد
عليه وستتلم يقتتول " :مأن رأى مأنكم مأنكتترا فليغتتيرهت بيتتده،ت فمن لم
)(1
يستطع فبلسانه ،فمن لم يستتتطع فبقلبتته ،وهو أضتتعف اليمتتان "
)( متفق عليه 1
24
المسلمون والعولمة
وحديث في ذات التجاه يقول " :فمن جاهدهم بيده فهو مأؤمأن ،ومأن
جاهدهم بلسانه فهو مأتتؤمأن ،ومأن جاهتتدهم بقلبه فهو مأتتؤمأن .وليس
وراء ذلك مأن اليمان حبة خردل " ).(1
كان يستوقفني بشدة أن الرسول صلى الله عليه وستتلم ستتماه
جهادا ،وسماه تغييرا ،مأع أنه مأستكن في داخل القلب ،ول يغتتير شتتيئا
مأن الواقع المراد تغييره!
وحين كبر وعتتيي ،وزادت تجتتاربي فهمت أشتتياء مأما كتتان خافيا
علي مأن مأعاني الحديث.
إن الجيش في المعركة قد ينهزم ،وقد يتقهقر ،وقد يلجئه العتتدو
إلى الخروج مأن ساحة القتال ..نعم! ولكن! هناك قلعة أخيرة يحتمي
في داخلها حتتتتى تواتيه الفرصة لمعتتتاودة القتتتتال .وطالما هو مأحتم
بقلعته لم يستتتلمها للعتتتدو ،فهو في حالة جهتتتاد ،لنه مأا زال مأحتفظا
بجنديته وباستتتتعداده.ت أمأا إذا ستتتلم القلعة فقد انتهى المأتتتر ،وحلت
الهزيمة التي ليس مأنها فكاك!
وتلك القلعة بالنسبة للمنكر هي القلب..
ومأن ثم يسمي الرسول صتتلى الله عليه وستتلم النكتتار بتتالقلب
جهادا ،ويسميه تغييرا ،مأع أنه ل يغير شيئا في الواقع الراهن.
إن المنكِر بقلبه لم يستستتلم للمأر الواقتتع ،ولم يعطه شتترعية
الوجتتود .لم يعتتتبر الواقع صتتوابا ،أو ضتتربة لزب ل فكتتاك مأنهتتا .إنما
اعتبر فقط أنه الن في هذه اللحظة عاجز عن التغيير بستتبب ضتتعفه
أمأام ضراوة المنكر .ولكنه مأؤمأن بتتأن مأوقفه هو -هو الصتتواب ،وهو
التتذي له شتترعية الوجتتود ،أمأا المنكَر فل شتترعية لتته ،ول هو على
صواب ،وإن كانت له السيطرة في اللحظة الراهنة.
هل يستوي هو والذي سلم القلعة ،ونفض يديه مأن المعركة؟
كل بالطبع! ل يستويان مأثل!ت
فأمأا الول فهو الن عاجز .نعم ،ل يملك مأن أمأر نفسه شيئا وهو
مأحتتاط ومأحاصر ومأقهتتور ،ولكنه مأتتؤمأن بقضتتيته مأا يتتزال .ومأا يتتزال
يراقب الحداث ،يتلمس الفرصة التي قد تسنح في أية لحظة ،ليخرج
مأن القلعة ،ويعود إلى الميدان.
25
المسلمون والعولمة
وأمأا الخر فقد انتهت القضية في حسه ،واستكان للمأر الواقتتع،
ولم يعد يفكر في تغيتتيره.ت بل خطّأ نفسه على مأوقفه الستتابق مأنتته،
وعزم على أل ّ يعود!
فتتترق هائل في الحقيقتتتة .والرستتتول الملهم صتتتلى الله عليه
وستتلم ،يعلم -بما علمه ربه -حقيقة الفتترق بين المأتترين .ولكنه في
التتتوقت ذاته يحتتتذر مأن الركتتتون إلى هتتتذا الوضع ركتتتون الراحة
والستقرار! فهو يعلم -بما علمه ربه -أن النفوس تركن وتسترخي!
فيقتتتول مأحتتتذرا " :وذلك أضتتتعف اليمتتتان " " ،وليس وراء ذلك مأن
اليمتتان حبة ختتردل " ..لكي يحتترصا المتتؤمأن على أل يتتتزحزحت عن
مأوقفه الخير هذا مأهما كانت الظروف ومأهما كانت الحوال..
والمنكِر بقلبه ل يشتتارك في المنكر التتذي عجز عن تغيتتيره..ت ل
يشتتارك فيه إل مأكرهتتا .لنه إن شتتارك مأوافقا وراضتتيا ومأقتنعا فقد
سلم القلعة ،وترك المعركة إلى غير رجعة!
وهتتذا هو " الجهتتاد " التتذي أشتتار إليه الرستتول صتتلى الله عليه
وسلم ..فهو يجاهد أن يستتقط ..يجاهد الهزيمة الداخلية التتتي ل بتترء
مأنها ،لنها مأن أمأراض القلوب.
" أل وإن في الجسد مأضتتغة إذا صتتلحت صتتلح الجسد كلتته ،وإذا
فسدت فسد الجسد كله .أل وهي القلب " ).(1
* * *
المأة الستتتتلمأية قد ل تملك شتتتتيئا في الميتتتتدان القتصتتتتادي
والصتتتناعي في اللحظة الراهنة تقف به في وجه الزوبعة الكاستتتحة
التي تطلقها العولمة ،لتبسط سيطرتها على كل الرض..
أقول قد ،ول أقول إنه الشيء المؤكد ،جريتتا ً فقط مأع الحتمتتال
السوأ الذي يصتتوره دعتتاة العولمتتة ،إذ يقولتتون إنها الداهية التتدهياء،
التي ل قبل لحد بالوقوف في وجهها..
ومأع ذلك فهي -حتى في لحظتها الراهنة -تملك كثيرا إذا لجأت
إلى قلعتهتتا ،فتحصتتنت في داخلها مأن الهزيمة الداخلية التتتي تجتتتاح
قلوب المهزومأين.
فأمأا القضايا القتصادية فل نتعرض لها هنا ،ونترك الحتتديث عنها
مح فقط إلى أن المنطقة التتتي امأتد للمختصتتين في شتتئونها ،ولكنا نل ّ
فيها الستتتلم بقتتتدر مأن الله هي أغتتتنى بقعة في الرض ،بمواردها
26
المسلمون والعولمة
الطبيعية مأن مأياه ونبات وخامأات ،كما أن تعدادها البشري يزيد اليوم
على اللف مأليتتتون .وهي تملك -رغم كل الضتتتعف التتتذي تعانيه أن
تشكل وحدة -أو وحدات -اقتصتتادية تستتتغل مأواردها وطاقاتها على
نحو أفضتتل ،فتصتتمد أمأتتام الضتتغوط كما تفعل مأاليزيا في التتوقت
الحاضر ،على التترغم مأن كل العراقيلت التتتي توضع عمتتدا في طريقها
لكي ل تفلت مأن الحصار!
وأمأا الختتبرة فيمكن أن تكتسب رغم كل العراقيتتل ..فتتالعقول
الستتتلمأية المهتتتاجرة -التتتتي ألجأتها ظروفها الخاصة أو العامأة إلى
الهجتتترة إلى الغتتترب -تملك الختتتبرة ،والغتتترب ذاته يستتتتعين بها
وبخبراتها حتتتتى في أدق الشتتتئون ..شتتتئون الطاقة النووية وارتيتتتاد
الفضاء!
ومأع ذلك فإنا نترك أمأور القتصاد للمختصين..ت
أمأور أختترى ،فالمأة -بكل فتترد فيها -هي جهة الختصتتاصا! ٌ أمأا
وهي تملك الكثير!ت
أمأر العقيتتتتتدة..ت أمأر الخلق ..أمأر القيم ..أمأر المبتتتتادئ ..أمأر
النسان ،وغاية وجوده ،ومأعيار إنجازاته.
هتتذه أمأتتور يملكها كل فتترد مألكية خاصتتة ،بمعتتنى أنها جتتزء مأن
كيانه الذاتي ،ل ينفصل عن ذاتتته ،وعن وجتتوده الشخصتتي ،ويملك أن
يحافظ عليها في داخل قلبه -في داخل قلعته -مأهما كانت الفتن مأن
حوله.
وهتتذه المأتتور كلها يملك المستتلم فيها زادا ربانيا أصتتيل ل يأتيه
الباطل مأن بين يديه ول مأن خلفتتته ،بينما يملك الغتتترب فيها بضتتتاعة
زائفة مأهما بلغ مأن لمعانها ؛ بضتتاعة صتتنعها البشر مأن عندت أنفستتهم
وهم في أشد حالت النحطتتاط التتروحي والخلقي ،لظتتروف مأحلية
بحتة عندهم ،وإن زعموا أنها ذات طابع إنستتاني شتتامأل ،يشتتمل -أو
يجب أن يشمل -كل أرجاء الرض!
مأا النسان في نظر الغرب؟!
إنه ذلك الحيوان الدارويني المتطور ،التتذي تطتتور عقله وإبهامأه
)!( فاستتتطاعا أن يفكر وينطق ويستتتخدمت الدوات ،فصتتنع الحضتتارة
المادية..
27
المسلمون والعولمة
وأمأا هدفه في الحيتتتاة فهو الستتتتمتاعا الحسي مأن جهة والغلبة
في الصراعا -صراعا البقاء -مأن جهة أخرى ،وأدواته في الصتتراعا هي
العلم والحرب والسياسة.
ثم إنه هو مأرجع ذاتتتته ،ل مأرجع فوقتتته ،وكل مأا يفعله فتتتتبريره
الوحد أنه صادر عنه ..أي أنه هو الله..
وهذا الحيوان المتأله هو الذي يريد أن يفرض " حضتتارته " على
كل الرض!!
كل والله! ولن يكون بإذن الله..
إن النستتان كما خلقه الله أعلى بكثتتير،ت وأكتترم بكثتتير،ت مأن أن
قََ دْ )ول َ َ
ينحصر فيما تريد هتتذه الحضتتارة الزائفة أن تحصتتره فيتتهَ ..
نم َ م إ ه ْ قن َََا ُو َر َز ْ َر َ إ حَوالْب َ ْ َر َ في الْب ََ ّ م إ ه ْملْن َََا ُ ح َ و َ
ما َ منَا بَنإي آدَ َ ك َ ّر ْ
ضيلً( ).(1 ف إ قنَا ت َ ْ ن خَل َ ْ م ْ م ّ ير إ م عَلَى كَث إ ٍ ه ْ ضلْنَا ُ ف ّ و َ ات َ الطّيّب َ إ
ك ال َرب ّ َ ق َ إنه قبضة مأن طين الرض ،ونفخة مأن روح الله) ..إإذْ َ
هفي َ إ ْت إ فخ ُ ون َ َ
ه َ ويْت ُ ُ سأ ّفإإذَا َ ين َ ن طإ)ٍ (2 م ْ شرا ً إ ق بَ َ ة إإنّي خَال إ ٌ ملئاإك َ إ لإل ْ َ
ين( . د َ اج إ
سأ إ ه َ عوا ل َ ُ ق ُ ف َ
حي َ ن ُرو إ م ْ إ
والذين يتعامألون مأع قبضة الطين وحدها ويهملون نفخة الروح ل
يتعامألون مأع " النسان " ،وإنما يتعامألون مأع مأسخ مأشتتوه يقتتول الله
م ول َ ُ
ه ْ ها َ ََون ب إ َ
َ ه
ق ُ ف َ ََوب ل ي َ ْ ٌ قل ُم ُ ه ْ عنه إنه أضل مأن الحيتتوان) :ل َ ُ
ك ها أُولَئ إ َ ون ب إ َ ع َ م ُ سَََََ َ ان ل ي َ ْ م آذَ ٌ ه ْ ول َ ُه ُا َ
ون ب إ َ
صَََََ ُر َ ن ل يُب ْ إ عي ُ ٌ أَ ْ
ون( ).(3 فل ُ َ م الْغَا إ ه ُك ُ ل أولَئ إ َ ض ّ م أَ َ ه ْ ل ُ عاما إ ب َ ْ الَن ْ َ كَ ْ
ول يشتتفع لهم ،ول يرفع مأن هبتتوطهم كل مأا يملكتتون مأن تقتتدم
علمي وتكنولوجي واقتصادي وحتتربي وسياسي إل حين يعتتودون إلى
إنسانيتهم كما خلقها الله مأن قبضة طين ونفخة وروح..
أمأا تأله ذلك الحيتتتتوان -والعولمة جتتتتزء مأن هتتتتذا التأله -فهو
مأمقتتوت مألعتتون عند اللتته ،ثم إنه في الرض إلى زوال حسب ستتنة
الله ،مأهما استكبرت أصحابه في الرض فترة مأن الزمأان!
إن الحضارة الغربية تملك إيجابيات هائلة دون شك ،ل ينكرها إل
مأغالط ،وتملك كذلك سلبيات هائلة ل ينكرها إل مأغالط.
فالتقتتدم العلمي والتكنولتتوجي وعبقرية التنظيم والجد في أخذ
المأور والمثابرة وطول النفس ..كلها إيجابيات .وهي التي تسند هذه
)( سورة السراء )(70 1
28
المسلمون والعولمة
نم ْ الحضارة وتطيل عمرها في الرض حسب سنة مأن ستتنن اللتتهَ ) :
ها في َ م إ ه ْ مََال َ ُ
ع َم أَ ْ ه ْ َو ّ َ
ف إإلي ْ إ ها ن َُ َ زينَت َ َو إحي َََاةاَ ال َدّنْيَا َريدُ ال ْ َ كَ َ
ان ي ُ إ
ون().(1َس َ ها ل يُبْخ ُ في َ م إ ه ْو ُ َ
والفستتتتاد الخلقي والتتتتروحي والفوضى الجنستتتتية والباحية
المفرطة والشتتذوذ والخمر والمختتدرات والجريمتتة ،والطغيتتان في
الرض بغير الحق وإذلل الخرين وقهرهم ،كلها سلبيات ،مأصيرها أن
تعصف بهتتذه الحضتتارة -مأهما طتتال مأكثها في الرض -حسب ستتنة
ة
غت َ َ ً م بَ ْ ه ْ خَ ذْنَا ُ ما أُوت ََُوا أ َ َ حوا ب إ َ ر ُ ف إ حتّى إإذَا َ مأن ستتنن اللتتهَ ..) :
يروا سَ َُ ف إ ن َ سأ َن َ ٌم ُ قبْلإك ُ ْ ن َ م ْ ت إ قَ دْ خَل َ ْ ون( )َ ) .(2 س َ مبْل إ ُ م ُ ه ْ فإإذَا ُ َ
ن وكَأي ّ ْ ين( َ ) .
)(3
مكَذّب إ َ ة ال ْ ُ قب َ ُ ان عَا إ ف كَ َ فانْظُ ُروا كَي ْ َ ض َ إ ال َ ْر في ْ إ
َ َ
ير( صَ ُ م إ ي ال ْ َ وإإل َ ّ ها َ خَ ذْت ُ َ مأ َ ة ثُ ّ
م ٌ ي ظَال إ َ ه َو إها َ ت لَ َ
ملَي ْ ُ ةأ ْ ق ْري َ ٍ ن َ م ْ َ
)(4
.
وهنتتاك أمأر مأما تملكه هتتذه الحضتتارة يختلط فيه الحق والباطل
بصتتتورة تخفى على كثتتتيرين ،وتوقع في الفتنة كثتتتيرين ،فيأختتتذهم
للؤها ،فتنزلق أبصارهم عن مأساوئها.
ذلك هو " الديمقراطية " و " حقوق النسان ".
ل يصدق الناس أنها مأسرحية جميلة ،وأن فيها مأن الباطل بقتتدر
مأا فيها مأن الحق!
أبتتتتتترز وجوهها ول شك هو الحرية السياستتتتتتية ،والحقتتتتتتوق
والضمانات التي كسبتها " الشعوب " في مأواجهة الطغاة المستبدين
الذين كانوا يحكمونها مأن قبل ،وكسبها " الفرد " إزاء " الدولة ".
ولكن مأن المسيطر الحقيقي وراء المسرحية الجميلة التي يبدو
فيها الفتترد العتتادي -التتذي يستتمونه في كثتتير مأن الحيتتان " رجل
الشارعا " -وكأنه هو الذي يحكم ،وهو الذي يقرر مأصاير المأور؟!
إنه في الواقع رأس المتتتال! ومأن التتتذي يستتتيطر على رءوس
المأوال؟! إنهم -بداهة -اليهود!
ومأن هنا يتضح كيف أن اليهود في أمأريكا -وهم قلة عددية -هم
الذين يعينون رؤساء الجمهورية ،وهم الذين يسقطونهم إذا شتتاءوا أو
يقتلونهم كما قتلوا كنيدي عام 1963م حين لم يستجب لهوائهم.
)( سورة هود )(15 1
29
المسلمون والعولمة
إن المتتواطن هنتتاك هو التتذي ينتخب مأمثليه التتذين يتتذهبون إلى
البرلمتتان ،والتتذين يحاستتبون الحكومأة ويقتتررون لها سياستتتها .وهو
ينتخب مأمثليه بحرية كامألة ل ضغط فيها ول تزوير.
نعم! ولكن!
مأن الذي يوجهه إلى اختيار هذا الشخص أو ذاك؟
أهو ذكاؤه الختتاصا؟ أهو تفكتتيره التتذاتي؟ أهو تعمقه في دراسة
المأور والموازنة بينها؟
أم هي وسائل العلم التتتي تصب في رأسه الفكتتار المطلوبتتة،
وتوجهه التوجيه المطلوب؟
ومأن الذي يملك وسائل العلم؟!
حقيقة يقع تنافس حتتاد بين " الحتتزاب " للفتتوز بتتأكبر عتتدد مأن
المقاعد ليتمكنتتوا مأن الستتتيلء على دفة الحكم ،ويقع هتتذا التنتتافس
حرا -تمامأا -مأن كل تدخل تفرضه الحكومأة القائمة في الحكم.
ولكن ..مأا الفرق في النهاية بين هذه الحكومأة وتلك في القضية
الرئيسية ،وهي سيطرة رأس المال ،وسيطرة الذين يسيطرون على
رأس المال؟!
هل هناك فرق حقيقي؟!
إذن فليتخيل مأن شاء أنه هو الذي يدير المأور! وليتخيلت مأن شاء
أن " الشتتتعب " حقيقة هو التتتذي يحكم مأا دام هتتتذا ل يضر مأصتتتالح
الرأسمالية!
لو رجعنا إلى الشعار الذي رفعه اليهود على الثتتورة الفرنستتية -
التي ولدت مأنها الديمقراطية -نفهم أشياء كثيرة ،مأهمة ونافعة..
كان هذا الشعار هو.Laissez Passer - Laissez Faire :
والكلمة الولى مأعناها " دعه يفعل )مأا يشتتتاء( " والكلمة الثانية
مأعناها " دعه يمر )مأن حيث يشتتاء( " فمن التتذي يفعتتل؟ ومأن التتذي
يمر؟
أمأا الذي يفعل )مأا يشاء( فهو الناس ..الشعب ..رجل الشارعا..
الفرد ..يفعل مأا يشاء ،و "مأا يشاء " هتتذه يتتدخل فيها -بفعل التوجيه
المخطط -حرية اللحتتتتاد ،وحرية الفستتتتاد الخلقي تحت عنتتتتوان "
الحرية الشخصتتتية " التتتتي ترتكز عليها الديمقراطية وتجعلها هتتتدفا
أساسيا في فلسفتها.
30
المسلمون والعولمة
وأمأا الذي يمر )مأن حيث يشاء( فهو رأس المال .ترفع الحتتواجز
كلها مأن أمأامأه لكي يضتتتاعف أرباحتتته ،أيّا كتتتانت الوستتتائل التتتتي
يستخدمأها،ت وأيّا كان مأردودها على الناس ..على الشعب ..على رجل
الشارعا ..على الفرد ..فمرة تكون خدمأة حقيقية نافعة ،ومأتترة تكتتون
دمأارا شامأل في النفوس والخلق ..وفي كل حالة يكون رأس المتتال
هو الرابح الكبر ،وكثيرا مأا يكون هو الرابح الوحيد!
وهكتتذا يختلط في هتتذه الديمقراطية الحق والباطتتل ،وقد يغلب
الحق مأرة ،أمأا الباطل فمرات..
وأيّا يكن المأر فلننظر مأتتتتتاذا تصتتتتتدر إلينا العولمة حين تحكم
قبضتها علينا! هل ستصدر لنا إيجابياتها؟ أم تصدر لنا السلبيات؟!
* * *
فأمأا التقدم التكنولوجي والعلمي فهي تسمح مأنه بالقدر الذي "
ل يضر مأصالحها! " أمأا " السرار " الساسية التي يقوم عليها التقدم
الحقيقي فحكر عليها ل تستتمح لحد أن يمتلكتته .وكم مأن عتتالم في
التتذرة مأن أبنتتاء العتتالم الثتتالث -الستتلمأي بصتتفة خاصة -قتل )في
ظتتروف غامأضتتة!( أو تحطمت به الطتتائرة في الجتتو! أو في القليل
اشترى ليخدمت مأصالح الدولة التي تستخدمأه!ت
وصحيح أنه لو ترك حتترا فتتالغلب أنه ستتيبيع نفسه وعلمتته ،لن
وطنه الصتتلي لن يلتفت إليه ولن يشتتجعه على البحث ،ولن يستتتثمرت
علمه وخبرتتته ..ولكن هتتذا ل ينفي ستتوء النية مأن الجتتانب الختتر،
الجانب الذي إمأا أن يستثمر جهده لصالحه ،أو ينفيه مأن الرض!
أمأا الفستتاد الخلقي والتتروحي فخذ مأنه مأا تستتتطيع ،وفتتوق مأا
تستتتطيع ..بل هو أبتترز جتتوانب العولمة في حقيقة الواقتتع ..ترسخ
أسسه كل يتتوم :في الفضتتائيات التتتي تبث كل رذيلتتة .في مأنتتاهج
التعليم التتتي يطلبتتون أن يحتتذف مأنها كل مأا يحافظ على مأقومأتتات
المأة الذاتية ،مأن دين أو أخلق أو تقاليد أو مأبادئ ،وتقام المتتؤتمرات
لتنشر التمتترد على أوامأر الله علنيتتة ،وتفتترض قراراتها فرضا على
الناس ،ويعاقب المعترضون بالحرمأان مأن " رحمتتة! " صتتندوق النقد
الدولي ،أو غيره مأن مأؤسسات الستعباد!
أمأا " الديمقراطية " التي يمنتتون بها " المستتاكين " في العتتالم
الثالث ،الرازحين تحت أنظمة الستبداد السياسي فهي كتتتذلك داخلة
في اللعبة!
31
المسلمون والعولمة
فأمأا ) Laissez Faireدعه يفعل مأا يشاء( يلحد ،ويعربد ،ويفسق،
ويتتدمأرت التتتراث ،ويهتتدم الثتتوابت ،فهتتذه تفتح لها أوسع البتتواب في
ويحتتترض النتتتاس عليها بكل الوستتتائل.. ّ الديمقراطية المستتتتوردة،
وستتتائل العلم ،ومأنتتتاهج التعليم ،وتعرية " المتتترأة " في الشتتتارعا
والمقهى )الكازينو( والشاطئ والمكتب ..والمجلس!
وأمأا الحقتتتتتتتتوق والضتتتتتتتتمانات الحقيقية -وهي أثمن مأا في
الديمقراطية -فهذه غير قابلة للتصديرت إلى العالم الثالث ..لنها حكر
على الرجل البيض ..ذلك لنها لو استنبتت حقيقة في العتتالم الثتتالث
فسيتحرر،ت ويسترد كيانه المفقود ،ويعارض العولمة في النهاية ،التتتي
تستعبدهت للطاغوت العالمي ..ومأن ثم فليأخذ مأسرحياتها يتلهى بهتتا..
أمأا حقيقتها فتظل مأنه بعيدة المنال!
* * *
إذا كان المأر كذلك فالعجب للجماعات الستتلمأية التتتي تقتتولب
نفسها في قالب العولمة ،أو في قالب " الديمقراطية " ظنّا مأنها أنها
بهذا الصنيع تكسب أرضا جديدة ،أو تفلت مأن الحصار الواقع عليها!
أفبعد كل التجارب التي مأضت مأا تزال الخديعة قائمة؟!
أفل يتتتذكرون أن أمأريكا صتتتاحبة العولمة -أو اليهتتتود التتتذين
يسيّرونها -هي التي زرعت في العالم السلمأي تلك الحكومأات التي
وتشردهم وتضع شبابهم في المعتقلت والسجون؟ ّ تذبّحهم وتقتّلهم
فما التتتتتذي ستتتتتيتغير في خريطة الحتتتتتداث حين نعتنق نحن
الديمقراطية التعددية ،ونجعلها شتتعارا لنتتا ،نعلنتته ،وننتتادي بتته ،ونؤكد
عليه ،ونقسم بأغلظ اليمان أننا سنتبعه؟!
هل ستتيمنحنا هتتذا شتتيئا مأن الحقتتوق المستتلوبة أو الضتتمانات
المطلوبة؟ أليس صتتاحب العولمة هو ذاته التتذي يحتترض الحكومأتتات
على مأقاومأة التيار السلمأي وكبته ومأحاولة القضاء عليه؟! فما الذي
ستتيتغير حين نعلن نحن أنفستتنا ديمقراطتتيينت تعتتددين؟! ومأا حصتتيلة
تجربة الجزائر ،وتجربة حزب الرفاه في تركيا؟!
إننا ل نتتدعو إلى العنتتف..ت ونعلن بملء أفواهنا أننا ل نجتتيزه،ت ول
نعتقد أنه يفيد الدعوة ،بل نقول إنه مأخالف للمنهج النبتتوي ،وإنه يضر
).(1
الدعوة ول ينفعها
)( انظر ان شئت كتاب " واقعنا،المعاصر" وكتاب "كيف ندعو الناس" 1
32
المسلمون والعولمة
ولكنا نقول مأع ذلك إن تحكيم شريعة الله إلتتزام ربتتاني ،ل خيتتار
فل للبشر في تركه أو العراض عنه إذا أرادوا أن يكونوا مأستتلمينَ ) :
مل م ثُ ّ
ه ْ ج َر بَيْن َ ُشَََ َما َ في َ َ
َََوك إ حك ّ ُ
م حتّى ي ُ َ َََون َ
َ من ُؤ إك ل يُ ْ و َرب ّ َ َ
ً )(1
سلإيما( . ّ ما َ ً َ
في أن ْ ُ
موا ت َ ْ سل ُ وي ُ َ
ت َ ضي ْ َ ق َ م ّح َرجا إ م َ ه ْ إ س
ف إ جدُوا إ يَ إ
َ ضى اللّه ورسأول ُ َ
مََرا ً أ ْ
ن هأ ْ ُ ُ َ َ ُ ق َ ة إإذَا َ من َ ٍ ؤ إم ْ ول ُ َ ن
ٍ م
ؤ إ م ْ ان ل إ ُما ك َ َ و َ) َ
َ م ال ْ إ ون ل َ ُ
يَك ُ َ
)(2
م( . ه ْ ر إ م إنأ ْ م ْخي َ َرةاُ إ ه ُ
وليس بيننا وبين الديمقراطية -كتنظيم سياسي -خصتتتتتتتتومأة
ذاتية ،وإنما الخصومأة هي مأن جانبهم ،لنهم يرفضون اللتزام بتحكيم
شتتريعة اللتته! فهل يصل المأر بتتأي حركة إستتلمأية أن تقبل وضتتعا
يرفض تحكيم شريعة اللتته ،وتمنحه شتترعية الوجتتود؟! وحين نتنتتازل
عن هذا اللزام الرباني ،فماذا يبقى لنا مأن السلم؟! وحين ل نتنتتازل
-ول خيار لنا في عدمت التنازل -ترفضنا الديمقراطية ولو تمستتحنا بها
ألف عام!!
ما ل بد مأن التنبيه إليه! ثم إن هناك وه ً
إن الديمقراطية -أو قل على وجه التحديد إيجابياتها مأن
ضمانات وحقوق -ليست جهازا يستورد ،فيوصل بالتتدائرة الكهربائية
فينتج مأن ذات نفسه حقوقا وضمانات!
إن الديمقراطية التي يستتتمتع بها الغتترب اليتتوم بإيجابياتها )ودعا
عنك مأؤقتا ستتتتتلبياتها( عمرها مأائتا عتتتتتام على القل مأن الكفتتتتتاح
المتواصل ،قتتدمأت فيه الشتتعوب ضتتحايا عديتتدين مأن أبنائهتتا ،قتّلتتوا،
وشردوا ،وسجنوا ،وحوربوا بكل وسائل الحرب ،حتى استتتطاعوا في ّ
النهاية أن يحصتتتلوا على مأا تشتتتتمل عليه الديمقراطية مأن حقتتتوق
وضمانات ،وإن كانوا لم يستطيعوا قط أن يتغلبتتوا على ستتلبياتها لنها
-عندهم -سبيكة واحدة اختلط فيها الحق والباطل.
فهل سنصل نحن إلى مأا وصلوا إليه مأن حقوق وضمانات بمجرد
أن نعلن أنفستتنا ديمقراطتتيين؟!ت أم ل بد مأن تربية المأة لكي تحافظ
على حقوقها وترفض العتتتداء عليهتتا ،كما تتتربت المأم التتتي وصتتلت
إلى مأا وصلت إليه مأن خلل كفاحها ونضالها وتضحياتها؟!
ضتتتتتن بطيء مأ ْوإذا لم يكن مأن التربية بتتتتتد ،وهي عمل مأجهد ُ
الثمتترة وإن كتتان أكيد المفعتتول ،فهل الجتتدر بنا نحن المستتلمين أن
33
المسلمون والعولمة
نبتتتتذل جهد التربية في أمأر يختلط فيه الحق والباطتتتتل ،أم في المأر
الذي ل يأتيه الباطل مأن بين يديه ول مأن خلفه ،وهو السلم؟!
في كل الحتتالين ستتنبذل الجهتتد ،ونصتتبر على اللواء ،ولكنا في
إحدى الحتتالين نحتترز مأتتتاعا التتدنيا )وهو مأشتتوب( ،ونحتترز غضب الله
بالعراض عن شريعته ،وفي الحالة الثانية نحرز مأتاعا الدنيا ورضتتوان
الله.
ات ح إ الصَََال إ َ ّ مل َََُوا ع إ و َ م َ منْك ُ ْ من َََُوا إ ين آ َ ذ َ ه ال ّ إ )وعََََدَ الل ّ ُ َ
ّ َ َ ْ
مه ْ قبْل إ إ ن َ م ْ ين إ ذ َ ف ال إ اسأَََتَخْل َ ما ْ ض كَ َ في ال ْر إ م إ ه َْفن ّ ُ خل إ َ سَََت َ ْ لَي َ ْ
د
عَ إ ن بَ ْ م ْ م إ ه ْ ولَيُب َ َدّلَن ّ ُ م َ ه ْ ض َى ل َ ُ ارت َ َذي ْ م ال ّ إ ه ُ م إدين َ ُ ه ْ ن لَ ُ مكّن َ ّ ولَي ُ َ َ
ً )(1
شيْئا( . ون بإي َ ُ عبُدُونَنإي ل ي ُ ْ ً َ
رك َ ش إ منا ي َ ْ مأ ْ ه ْ ف إَو إخ ْ
اتجن ّ ٍ ه َ خل ْ َ ُ ه يُدْ إ سأ َول َ ُ و َر ُ ه َ ع الل ّ َ ن يُطإ إ م ْ و َ ه َ حدُودُ الل ّ إ ك ُ )تإل ْ َ
حتإها ْ َ
يم( عظإ ُ و ُز ال ْ َ فََ ْ ك ال ْ َوذَل إ َ ها َ في َ ين إ د َ ار خَال إ إ ه ُ الن ْ َ ن تَ ْ َ م ْ ري إ ج إ تَ ْ
).(2
34
المسلمون والعولمة
ك ول إََََذَل إ َ ك َ م َرب ّ َ ح َ ن َر إ م ْ ين إ إ ّل َ ف َ ختَل إ إ م ْ ََََون ُ
َ ول ي َ َزال ُ حََََ دَةاً َ وا إ َ
)(1
م. (... ه ْ ق ُ خَل َ َ
إنما يلتتزم الستتلم مأعتنقيه بثتتوابت مأعينة ومأعتتايير مأعينة يعلم
الحكيم الخبتتير أنها لزمأة لتكتتوين النستتان الصتتالح ،التتذي يصتتلح أن
في ل إ ع ٌ جا إ ة إإنّي َ ملئاإك َ إ ك لإل ْ َ ال َرب ّ َ ق َ )وإإذْ َ يكون خليفة في الرضَ :
ض َ ْ خل إ َ َ علْن َ ).(2
خل إ َ ْ َ
في ال ْر إ ة إ يفََ ً ََاك َ ج َ اودُ إإنّا َ )يَا دَ ُ يفََ ةً( ض َ ال ْر إ
يل سأب إ إ َن َ كع ْ ضل ّ َ في ُ إ وى َ ه َ ع ال ْ َ ول تَتّب إ إ ق َ ح ّ اس بإال ْ َ إ ن الن ّ م بَي ْ َ حك ُ ْ فا ْ َ
ه.(3) (... الل ّ إ
ولكنه -حتتتى مأع مأعتنقيه -ل يجعلهم نستتخا مأكتتررةت كتتاللت.
والتتدليل التتواقعي هو اختلف المتتذاهب واختلف الراء ،التتذي أقرته
المأة مأنذت يومأها الول ،ولم تضق به ،ولم تضيق عليه ،إنما تضيق على
الذين يخرجون على الثوابت بحجة الحرية الشخصية أو حجة الجتهاد
أو غيرها مأن المعتتاذير للتفلت مأن دين اللتته ..فهتتؤلء حكم الله فيهم
أنهم مأرتدون.
أمأا غتتير مأعتنقيه فتتإن كتتانوا يعيشتتون على أرضه وتحت رايته "
فلهم مأا لنا وعليهم مأا علينا " وإن كانوا خارج أرضه وختتارج ستتلطانه
فإن كانوا مأحاربين يحاربون ،وإن كانوا مأسالمين يعاهدون ،ويعامألون
ين في الََدّ إ م إ قََ اتإلُوك ُ ْ م يُ َ ين ل َ ْ ذ َ َن ال ّ إ ه ع َإ م الل ّ ُ ه اك ُ ُ بالقسط) :ل يَن ْ َ
نم إإ ّ ه ْ َ ُ وت ُ ْ ارك ُ ْ ج وك ُ ْ ول َ ْ
سَََطوا إإلي ْ إ ق إ م َ ه ْ ن تَب َ ّرو ُ مأ ْ ن إدي َ إ م ْ م إ ْر ُ م يُخ إ َ
م ُ
قََاتَلوك ُ ْ ين َ ذ َ ّ
َن ال إ ّ هََاك ُ ُ م ْ ْ ّ
هع إ م الل ُ ما يَن ْ َ ين إإن ّ َ سطإ َ ق إ ب ال ُ ح ّ ه يُ إ الل َ
م اجك ُ ْ
ََْر إ ه ُروا عَلَى إإخ َ وظَا َ م َ ارك ُ ْإ ن إدي َ م ْ م إ جوك ُ ْ ْر ُ َ وأَخ ين َ في الدّ إ إ
ُ َ
م الظّال إ ُ فأولَئ إ َ م َ ول ّ ُ ول ّ ْ
).(4
ون(م َ ه ُ ك ُ ه ْ ن يَت َ َ م ْ و َ م َ ه ْ و ُ ن تَ َ أ ْ
وإذا كتتتتتتانت العولمة حصتتتتتتيلتها الحقيقية النهائية استتتتتتتعباد
المستضعفين لسلطانها ،تحت أي عنوان وتحت أية مأعاذير ،فالسلم
هو التتذي جعل عمر -رضي الله عنه -يقتتول لحد ولتتته :يا عمتترو!
مأتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمأهاتهم أحرارا؟!
إنما قبل ذلك كلتته ،وفتتوق ذلك كله أنه إذا كتتانت العولمة تص تدّر
للنتتتاس اللحتتتاد والفستتتاد الخلقي والفوضى الجنستتتية والشتتتذوذ
والنحراف ،وتفرضه في " مأؤتمرات! " عالمية ،فالسلم حريص كل
)( سورة هود )(119 - 118 1
35
المسلمون والعولمة
الحرصا على تطهتتير النتتاس مأن التتدنس التتروحي والخلقي ،لتتيرتفع
الناس إلى المستوى اللئق " بالنسان ".
إن التقتتتتدم العلمي والتكنولتتتتوجي والتنظيمي ل علقة له البتة
بالنحلل الخلقي ،وليس مأن مأستلزمأات ذلك التقدم أن تفسد أخلق
الناس وينحطوا إلى الدرك الحيواني كما هو حتتادث في " الحضتتارة "
الغربية! إنما حدث ذلك عندهم -كما أسلفنا -لظتتروف مأحلية خاصة
في حياتهم ،ليس لها طتتابع العمتتوم ،ول هي مأن الستتنن التتتي ل تحيد
ول تتبدل!
وقد أعطى الستتتلم -وقت استمستتتاك النتتتاس به على الوجه
الصتتحيح ،أو قريبا مأن الصتتحيح -حضتتارة إنستتانية مأتقدمأة في جميع
الميتتتادين ،دون تبتتتذل خلقي ول انتكتتتاس روحي ،بل كتتتان المجتمع
الستتتلمأي أقل المجتمعتتتات البشتتترية وقوعا في الفاحشتتتة ،وأقلها
إدمأتتان خمتتر ،وأقلها إدمأتتان مأختتدرات،ت وأقلها جتترائم ،وأكثرها صتتلة
وعبادة ،وأكثرها ترابطا أسريا ،وأكثرها طمأنينة ،وأكثرها بركة!
* * *
والسلم -بصورته الحقيقية -ليس مأوجودا اليوم إل في الفراد
الذين يمارسونه عن إيمتتان واعا بحقيقتتته .أمأا الغثتتاء التتذي أختتبر عنه
الرسول صلى الله عليه وستتلم -بصتترف النظر عن وضتتعه في حكم
الله )وتلك قضتتية ل نتعتترض لهتتا( -فالستتلم غتتريب عنه كما أختتبر
الصادق المصدوق:
" بدأ السلم غريبا ،وسيعود غريبا كما بدأ ،فطوبى للغرباء " ).(1
ومأهمة الغربتتاء -كما جتتاء في رواية الترمأتتذيت -أن يصتتلحوا مأا
أفسد الناس مأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وتلك مأهمة الحركات السلمأية..
ليست مأهمتها أن تتقولب في قالب العولمة لكي تعيش! فتتذلك
نداء أعدائها ليقضوا عليها في النهاية ويتخلصوا مأنها!
والستتلم لم يتتتنزل ليجتتاري انحرافتتات البشتتر ،وإنما ليصتتححها
ويهيمن عليها.
36
المسلمون والعولمة
ن م َ ه إ ن يَدَي َْ إ ما بَي ْ َ صَدّقا ً ل إ َ م َ ق ُ ح ّ َاب ب إََال ْ َ ك الْكإت ََ َ )وأَن ْ َزلْنَا إإلَي ْ َ َ
ّ َ َ ً
ع ول تَتّب إ َ ْ ه َ ل الل ُ َز َ ما أن َْ َ م بإ َه ْ م بَيْن َ ُ حك ُْ فََا ْ ه َ منا عَلي ْ إ هي ْ إ م َو ُ اب َ الْكإت َ إ
ق( ).(1 ح ّ ن ال ْ َ م َ ك إ جاءَ َ ما َ ع ّ م َ ه ْواءَ ُ ه َ أَ ْ
ولكي يعود الناس إلى السلم على وجهه الصتتحيح ،أو قريبا مأن
الصتتتتحيح ،يحتتتتتاجون إلى جهد جاهد يبتتتتذل في التربية على حقيقة
ن ولكنه أكيد المفعتتول ،ولو استتتغرق تمامأه ض ٍ مأ ْ السلم..ت جهد مأجهد ُ
عدة أجيال.
ولن تتتتربى المأة على حقيقة الستتلم بكتتتاب ينشتتر ،أو مأوعظة
تلقى ،أو خطبة حماستتية في مأزايا الستتلم ،وإن كتتان هتتذا كله مأن
الدوات الضرورية للدعوة..
إنما يتتتتربى النتتتاس بالقتتتدوة أول ،ثم بالموعظة الصتتتادرة عن
القدوة ،التتتي تجد صتتداها في القلتتوب حين تصتتدر عن قلتتوب مأؤمأنة
بالفعتتل ،مألتزمأة بالفعتتل ،مأمثلة له في ستتلوكها التتواقعي ،داعية إلى
َ
ةا
ير ٍ صَ َ ه عَلَى ب َ إ سأبإيلإي أدْعُو إإلَى الل ّ إ ه َ ذ إ ه إ ل َ ق ْ الله على بصيرةُ ) :
َ َ
ين( ).(2 رك إ َ ش إ م ْ ن ال ْ ُم َ ما أنَا إ و َ ه َ ان الل ّ إ ح َ سأب ْ َ و ُ عنإي َ ن اتّب َ َ م إ و َأنَا َ
ومأن أجل ذلك تحتاج الحركات الستتلمأية أن تكتتون هي ذاتها قد
ترتبت على حقيقة ل إله إل الله ،ومأقتضياتت ل إله إل اللتته ،لتستتتطيع
أن تنقل للنتتتاس تجربة حية مأاثلة في عتتتالم الواقتتتع ،يراها النتتتاس
فيقتدون بها حين ي ُ تدْعَوْن إليهتتا ..وذلك مأا ستتميناه " إنشتتاء القاعتتدة
الصلبة " التي تقوم فيما بعد بدعوةت الناس )..(3
ولن تجد الحركات السلمأية السبيل مأيسرا إلى أي الهدفين ،بل
ستتتجد العراقيلت مأن كل جتتانب ،وتجد المعوقتات ..ولكن هتتذا قتتدرها
َ َ َ
منّا قول ََُوا آ َ ن يَ ُ ن يُت ْ َرك ََُوا أ ْ سأ ْ ب النّا ُ س َ ح إ الذي قدره لها الله) :أ َ
هن الل ّ ُ م ّ عل َ َ
فلَي َ ْ
م َ ه ْ قبْل إ إن َ م ْين إ ذ َ فتَنّا ال ّ إ قَََ دْ َ ول َ َ َََون َ
َ فتَن ُ م ل يُ ْ ه ْ و ُ َ
)(4
ين( . ن الكَا إذب إ َ ْ م ّ عل َ َ ولي َ َْ قوا َ صد َ ُ ين َ ذ َ ّ
ال إ
ولكن الهتتدف المقصتتود مأن الضتتخامأة بحيث يستتتحق كل جهد
يبذل فيه ،فوق أنه عبادة خالصة لله.
الهدف في النهاية -ولو استتتغرق تمامأه عتتدةت أجيتتال -هو إبتتراز
النموذج الحضاري الصحيح ،ليخرج الناس مأن الظلمات إلى النور..
)( سورة المائدة )(48 1
37
المسلمون والعولمة
ون ْ ُون إإلَى ال ْ َ )ولْتَكُن منْك ُ ُ
م ُر َ وي ََََََأ َََََُر َ
إ خي ْ ة ي ََََََدْع َ م ٌ
مأ ّ ْ ْ إ َ
ْ َ ُ ْ
م ْ َ َ بإال ْ َ
)(1
ون( . ح َ فل إ ُ م ال ُ ه ُوأولئإك ُ ر َمنْك إَن ال ُ
نع إ و َ ه ْ
ويَن ْ َ
وف َ
إ ع ُر
م ْ
* * *
إن النموذج الحضاري القائم اليتتوم يشتتكل فتنة كبتتيرة للنتتاس..
ففيه مأن ألوان التقتتدم مأا هو نتتافع حقيقة للنتتاس ،ولزم لهم لتتيرتفع
مأستتتواهم الحيتتاتي ،وفيه في التتوقت ذاته انتكاستتات روحية وخلقية
تهبط بالناس إلى درك أحط مأن الحيوان ..والناس -لهبوطهم إل مأن
رحم ربك -يأختتتذون المأتتترين مأعتتتاً ،على أنهما -مأعا -هما التقتتتدم
والرفعة والتتترقي!! ومأن أجل ذلك ل يحستتتون في لحظة النتكتتتاس
أنهم مأنتكسون ،بل يظنون أنهم مأاضتتون في طريق الرفعة مأا دامأتتوا
يمارسون ألوان التقدم التي تتيحها هذه الحضارة..
ولن يفصل الناس بين الخير والشر في هذه الحضارة ،فيستبقوا
الخير ويستزيدوا مأه ويسعوا إلى التخلص مأن الشر ،بكتاب ينشتتر ،أو
مأوعظة تلقى ،أو خطبة حماسية.
إنما يحتتتاجون إلى نمتتوذج واقعي ،يحقق مأا في هتتذه الحضتتارة
مأن ختتتتتتتتير -أو في القليل ل يعوقه عن النطلق في طريقه -وفي
التتتوقت ذاته يتطهر مأن التتتدنس المتمثل في اللحتتتاد مأن ناحيتتتة،
والفوضى الجنستتية والنحتتراف والشتتذوذ مأن ناحية أختترى ..فيتبعتتوا
رضى وارتياح.ً النموذج على هدى وبصيرة ،وعن
وحين يحتتدث ذلك تكتتون البشتترية قد ارتفعت بالفعتتل ،الرفعة
الحقيقية التي تحقق كيان " النسان "..
فمن يرشد البشرية إلى ذلك إل الذين يملكون المنهج الصتتحيح،
والذين كلفوا تكليفا بإبلغه للناس؟!
* * *
إن الرد الحقيقي على الطاغوت الحالي التتذي يستتمى العولمتتة،
هو إبراز النمتتوذج الصتتحيح التتذي يجب أن يكتتون عليه النستتان ،لكي
يصدق الناس -في عالم الواقع -أنه يمكن أن يتقتتدم النستتان علميا
وتكنولوجيا واقتصتتاديا وحربيا وسياستتيا وهو مأحافظ على إنستتانيته،
مأحافظ على نظافته ،مأتتترفع عن التتدنايا ،مأتطهر مأن التترجس ،قتتائم
38
المسلمون والعولمة
وأَن ْ َزلْنَا
ََات َ
إ سألَنَا بإالْبَيّن َ
سألْنَا ُر ُ
بالقسط ،مأعتدل الميزان) :ل َ َ َ
قدْ أ ْر َ
ط.(2)(.. س إ ق ْ س بإال ْ إ
وما النّا ُق َ ان لإي َ ُ
يز َ
م َوال ْ إ م الْكإت َ َ
اب َ ه ُ
ع ُ
م َ
َ
وبدهي أن المسلمين لن يستتتطيعوا في يتتوم وليلة أن يتجتتاوزوا
التخلف العلمي والتكنولوجي والقتصادي الذي وقعوا فيه حين بعتتدوا
عن حقيقة السلم ،وأن ذلك -حتى إن بدأوه اليوم -سيستغرق عدةت
أجيتتال ،وستتيظل الفتتارق بين المتقتتدمأينت والمتتتأخرين قائمتتا ،بل قد
يزداد اتساعا مأع كل قفزة جديدةت يقفزها العلم..
ولكنهم إن استكانوا لهذا العجز فقعدوا عن تغيتتير أحتتوالهم فلن
يفلحوا إذن أبدا!
وليعلمتتوا أن التتذي تحتتتاج إليه البشتترية اليتتوم ليس مأزيتتدات مأن
النتاج المادي ،ول مأزيدات مأن أسلحة الدمأار الشامأل ..إنما تحتتتاج إلى
شتتيء أهم مأن ذلك بكثتتير،ت وأنفع مأن ذلك بكثتتير :هو طمأنينة القلب
وصفاء الروح.
وحين يقتتدم لهم المستتلمون ذلتتك ،مأع علمهم الحتتثيث لتلفي
تخلفهم الذي هم واقعون فيه ،يكونون قد قتتدمأوا لهم خدمأة ل توازيها
خدمأتتة ،لنها هي التتتي ستتتنقذهم مأن التتدمأار ،وفي التتوقت ذاته فتتإن
السلم لن يستتلبهم تقتتدمأهم المتتادي التتذي هم عليه حريصتتون ،فلم
يكن الستتلم قط عتتدوا للتقتتدم العلمي أو المتتادي ،إنما كتتان عتتدوا
للخلل التتذي يحتتدث في حيتتاة النتتاس حين ينستتون ربهم وينستتون
آخرتهم ويستحبون عليها الحياة الدنيا ،فينتهي أمأرهم -حسب السنن
الربانية -إلى الدمأار..
* * *
والن نعود إلى السؤال التتذي بتتدأنا بتته :مأتتاذا يملك المستتلمون
إزاء الطاغوت الكاسح الذي يواجههم؟
فأمأا مأجموعا المأة فيملكون أضتتعف اليمتتان ،وهو إنكتتار القلب،
وهو فرض عين عليهم لنه ليس وراء ذلك مأن اليمان حبة خردل..
وأمأا الحركة السلمأية فتملك المشروعا الطويل الجل ،الذي قد
يستغرق عدة أجيال ،ولكن يجب أن تجند نفسها له مأنذ اللحظتتة ،وهو
عليها فرض عين ..ذلك هو إعادة المأة بالتربية إلى حقيقة الستتلم،
لتقتتدم النمتتوذج الحضتتاري التتذي يستتاعد النتتاس على الختتروج مأن
الظلمات إلى النور.
39
المسلمون والعولمة
موقف العلمانيين
يبتتدي العلمتتانيون ترحيبا ظتتاهرا بالعولمتتة ،ويرتقبونها بفتتارغ
الصتتبر ،ويبشتترون بتتالخير العميم التتذي ستتيهب علينا مأن العولمتتة،
ليخرجنا مأن التخلف إلى الحداثة ..ول يخفي بعضتتهم فرحته بأنها هي
التي ستزيل مأن حياتنا بقايا " القرون الوسطى " التي مأا تزال عالقة
بنا..
بعبارة أخرى تزيل لهم السلم!!
هكذا يفكرون ..وهكذا يحلمون..
ويعجب النسان لهتتذا المسخ الشتتائه التتذي يقتترأ تاريخه بعيتتون
غيره ،ويزن نفسه بميزان غيره،ت ويتلشى هو حتى يصير كأنه غيره!
لقد كانت القرون الوسطى في أوربا هي قرون الظلم ..وقُتترِ َ
ن
هذا الظلم -بجهالة -بالدين ،مأن حيث هو دين! فقيل إن أوربا كانت
تعيش في الظلم لنها كانت تعيش في ظل الدين ،وحين نبذت الدين
تقدمأت وارتقت وخرجت مأن الظلم إلى النور..
ونحن نعلم جيتتدا أن عصر التتتدين في أوربا كتتان عصر الظلم،
وأن أوربا تقدمأت حين نبذتت دينها .ولكنا جتتديرون أن تكتتون لنا رؤيتنا
الواضتتحة لهتتذا المأتتر ،بما نملك مأن المعتتايير التتتي ل تملكها أوربتتا،
وبكوننا ونحن ختتتارج التتدائرة -أو ختتتارج الزمأة -أقتتتدر على الرؤية
الشتتامألة التتتي قد ل يقتتدر عليها الموجتتودون في داخلهتتا ،المتتتأثرون
بأفعالها وردود أفعالها ،الواقعون تحت ضغوطها وانفعالتهتتا ،التتتي قد
تغشي النظرة وتفسد الرؤية.
إن أوربا لم تعتتترف في تجربتها -قط -دين الله المتتتنزل! إنما
عرفت دينا صنعته تصورات بشرية ضتتالة ،أفستتدت مأنه مأا أفستتدت،
ثم أفسدت به مأا أفسدت!
وعرفت كيانا كهنوتيا مأبتدعات مأا أنتتزل الله به مأن ستتلطان ،طغى
وتجبر حين واتته الفرصة ،ففرض على الناس طغيانا روحيتتا ،وطغيانا
حتتوّل الحيتتاة
مأاليا ،وطغيانا عقليتتا ،وطغيانا سياستتيا ،وطغيانا عليمتتاَ ،
إلى جحيم ل يطتتتتاق ،ومأع ذلك أطاقته أوربا مأا يقتتتترب مأن عشتتتترة
قتترون ،ولم تتتدرك مأا فيه مأن الزيتتف ،ومأا فيه مأن الجحتتاف بكيتتان
النسان إل بعد أن احتكت بالسلم والمستتلمين كما أشتترنا في فصل
سابق.
40
المسلمون والعولمة
وعندئذت انقلبت أوربا مأائة وثمانين درجة كامألة ..فألّهت النستتان
بدل مأن الله ،وانكبت على الحياة التتدنيا بتتدل مأن التوجه إلى الختترة،
وحكّمت العقل في المأور كلها بدل مأن مأقولت الدين ،أي المقتتولت
التي كانت تقولها الكنيسة باسم الدين..
وأوربا حرة تفعل بدينها مأا تشاء!
ولكن الرؤية المستتتقيمة ،غتتير المتتتأثرة بانفعتتالت المعركتتة..
الرؤية " العقلنية " الصتتحيحة ..والرؤية " العلمية " المتثبتتتة ،كتتان
ينبغي أن تدرس وتحلل وتنظر في السباب والنتائج ،فتكشف حقتتائق
المأتتر ،التتتي قد يغيبها النفعتتال الثتتائر ،أو رغبة الثتتأر والنتقتتام مأن
طغيان الكنيسة.
ففي الفترة ذاتها التي عاشتها أوربا في ظلماتها ،كان هناك نتتور
ساطع مأشتترق مأتتتألق ،مأنبثقت مأن التتدين ..ولكن مأن التتدين الصتتحيح
الذي لم تفسده التصورات الباطلة ،والذي ليس له كهنوت ول رجتتال
دين يفرضتتتون على النتتتاس مأا يفرضتتتون ،ويحرقتتتونهم أحيتتتاء حين
يرفضون!
ومأن الحق أن نتتتتذكر -كما ذكرنا مأن قبل -أن أوربا كتتتتانت قد
أوشكت أن تتتدخل في هتتذا التتدين ،لتتول عنف الكنيسة في مأحاربتتته،
ومأحاربة تأثيراته في نفوس الوربيين وأفكارهم.
ولكن الحصتتتيلة النهائية على أي حتتتال كتتتانت نبذ التتتدين جملة
وإقصتتتاءه عن الهيمنة على واقع الحيتتتاة ،أو -في أحسن الحتتتوال -
تحجيمه حتى يصتتبح علقة خاصة بين العبد والتترب ،مأكانها القلب ،ول
صلة لها بواقع الحيتتاة السياسي أو القتصتتادي أو العلمي أو الخلقي
أو الفكري أو الجتماعي...ت إلخ.
مأرة أخرى نقول إن أوربا حرة تفعل بدينها مأا تشاء!
أمأا العلمانيون الذين يحملون أسماء إستتلمأية فما التتذي دهتتاهم
حتتتى صتتاروا يتصتتايحون بما صتتاحت به أوربا مأن قبتتل ،ويفتترون مأن
الدين ،ويدعون إلى الفرار مأنه كما فتترت أوربا مأن قبتتل ،ودينهم غتتير
ذلك الدين ،وظروفهم غير تلك الظروف؟!
إنستتان يعتترج لن في قدمأه شتتوكة تؤلمه إذا اتكأ عليهتتا ،فيتتأتي
إنسان ستتليم القتتدمأين فيقتتول :أريد أن أعتترج مأثل هتتذا الرجتتل ،لن
عرجته تعجبني!!
مأا علينا!
41
المسلمون والعولمة
إنما نتحدث هنا عن الفرحة الغامأرة التي يتحدثت بها العلمتتانيون
شتت َريات عن العولمة ،والترحيب الحار الذي يستقبلون به أنباءها ،والب ُ ْ
التي يبثونها بالخير الذي سوف يغمرنا مأن جرائها!
اش َ َ
َون
من َُ َ ؤ إين ل ي ُ ْ ذ َ َوب ال ّ إقل َُ ُ ت ُ مأ ّز ْ حدَهُ ْ َ و ْ ه َ وإإذَا ذُك إ َر الل ّ ُ ) َ
ون( ).(1 ش ُر َ ستَب ْ إ م يَ ْ ه ْه إإذَا ُ ن دُون إ إ م ْين إ ذ َ وإإذَا ذُك إ َر ال ّ إ ةا َ
خ َر إال إبإ ْ
مأن أشد مأا يستبشرون به -كما صرح مأتحدثون مأنهم -القضتتاء
على الدين!
ولو قتتالوا إن الواقع التتذي تعيشه المأة اليتتوم واقع ستتيئ غاية
الستتوء ،في جميع المجتتالت ،وإنه ل بد مأن إصتتلحه ،لتفقنا مأعهم بل
نزاعا ،فنحن ل نفتأ نردد هذه الحقيقة في كل مأناسبة..
أمأا مأوضع الخلف الجذري بيننا وبينهم فهو نظرتهم إلى الستتبب
في هذه الحال ،وبالتالي نظرتهم إلى طريقة العلج .فهم يقولتتون إن
" التتتدين " هو الستتتبب في البلء كلتتته ،وإن العلج هو نبذ التتتدين أو
تحجيمه -كما فعلت أوربا -ونحن نقول إن البعد عن حقيقة الدين هو
السبب في البلء كله ،ومأن ثم فتتالعلج هو العتتودة الصتتادقة إلى هتتذا
الدين.
ونحن هنا ل نناقشتتتتهم في آرائهم ) ..(2إنما ننتتتتاقش فتتتترحتهم
واستبشارهم ..هل هي قائمة على أساس حقيقي؟ أم هم يحلمتتون؟
أم هم يتمنون ثم يصدقون أمأانيهم؟!
هل ستقضي العولمة حقيقة على المد السلمأي؟!
نتتترى نحن على العكس ،أنها ستتتتكون ستتتببا قويا مأن أستتتباب
انتشار الصحوة السلمأية في كل الرجاء!
ه
َور إ
م ن َُ إ مت إ ّه ُ والل ّ ُ م َ ه ْ ه إ وا إف َ ه ب إََأ َ ْ َور الل ّ إَ فئُوا ن َُ ون لإيُطْ إ ريدُ َ )ي ُ إ
َ
ينو إد إ
هَ دَى َ ه بإال ْ ُ سأَول َ ُ ل َر ُ سأَ َ ذي أ ْر َ َو ال ّ إ هَ َون ُف ُر َ رهَ الْك َََا إ و كَ إول َ ْ َ
).(3
رك ُ َ
ون( ش إ م ْ ْ
رهَ ال ُ و كَ إ َ
ول ْ ه َ ّ
ين كُل إ َ ْ ْ
ه َرهُ عَلى الدّ إ ق لإيُظ إ ح ّ ال َ
مأن زمأن بعيتتد ،في أوائل الخمستتينيات مأن هتتذا القتترن ،ألقى "
توينتتبي " المتتؤرخ البريطتتاني الشتتهير مأحاضتترة بعنتتوان " الستتلم
والمستقبل " قال فيها :إن السلم الن نائم نومأة أهل الكهف .ولكن
النتتائم قد يستتتيقظ إذا وجتتدت دواعي اليقظتتة .وقد أثبت الستتلم
وجوده القتتوي مأتترتين تتتاريخيتين مأن قبتتل ،الولى حين اكتسح نصف
)( سورة الزمر )(45 1
)( ناقشنا هذا المر تفصيل في كتاب "قضية التنوير في العالم السلمي" 2
42
المسلمون والعولمة
المأبراطورية الرومأانية في ستتنوات قلئتتل ،والثانية حين تغلب على
الصتتليبيينت في القتترون الوستتطى .واليتتوم توجد شتتعوب بروليتارية
)يقصد الشعوب المستذلة الخانعة للذلل ،التي ل تثور ضده ،ويقصد
بها شعوب " العالم الثالث "( يستتتغلها الغتترب ويضتتغط عليهتتا ،فتتإذا
اشتد الضغط فسوف تتحركت هذه الشعوب لتسترد كيانها المستتلوب،
وعندئذت قد يجد الستتلم الفرصة لتتتزعّم هتتذه الحركتتة ،وقيتتادة هتتذه
الشعوب في صراعها مأع الغرب ..وفي الخير قال :ونرجو أل يحتتدث
ذلك!!
ولكن التتذي كتتان يخشتتاه توينتتبي ،ويرجو أل يحتتدث ،قد حتتدث
بالفعتتل ،وقتتامأت الصتتحوة الستتلمأية على التترغم مأن كل الحتترب
المصبوبة عليها ،أو ربما بسبب هذه الحرب!
واليوم تأتي العولمة لتشعل الموقف!
إن العولمة هي أسوأ صورة مأن صتتور الستتتعمار عرفتها الرض
حتى اليوم ..صورة عاتية غاشمة ل تريد فقط سلب أقوات الشتتعوب
واستغللها ،إنما تريد مأحو شخصيتها ،وتحويلها إلى أتباعا وعبيد.ت
ورد الفعل المتوقع -ولو بعد فتتترة مأن التتوقت -هو ثتتورة هتتذه
الشتتعوب لكيانها المستتلوب ،وتحركها لستتترداد مأا ستتلب مأنها مأن
خامأات وأمأوال ،وكرامأات وعقول وقلوب..
وسيكون السلم هو قائد حركة التحرير!ت
ول شك في أن العلمتتتتتانيين سيضتتتتتحكون مألء أفتتتتتواههم،
وستتيقولون لنتتا :إنكم تحلمتتون ،ثم تصتتدقون أحلمأكم،ت فقد جتتاءتكم
الكاستتحة الماستتحة التتتي ل تبقي ول تتتذر ،ول طاقة أمأامأها لحد مأن
البشتتر! فضل عن الضتتعاف المهازيتتل ،الرجعتتيين المتخلفين ،التتذين
يعيشون بعقلية القرون الوسطى في عصر التنوير!
ونقول نحن إنا واقعيون جدا ،بصرف النظر عما تتمناه النفوس،
فتتالنفوس دائما تتمتتنى مأا تتترغب ،ولكن بعض النتتاس يتمنتتون وهم
يحلمون ،وآختترين يتمنتتون وهم واقعيتتون ،يعرفتتون مأواقع أقتتدامأهم،
ويدركون عقبات الطريق.
ولنأخذ واقعة مأعينة ،ولنستخرج مأنها دللتها..
تلك الواقعة هي رواية " وليمة لعشاب البحر "..
43
المسلمون والعولمة
لقد كانت أمأنية التتذين قتتامأوا بإعتتادة نشتترها ،أن يصل المجتمع
ب فيها الله ورستتوله ،ويُهتتزأ بدينتته ،ويُستتخر مأن ست ّ
إلى الحالة التي ي ُ َ
مأفاهيمه ثم ل يتحرك!ت
ولكنهم -بحماقة -تجاوزوا الخطوط الحمراء!
وعندئذت وقعت الواقعة التتتي لم تتتدر بخلد أحتتد ،ولم تخطر على
البتتال ،فتتانفجر المكبتتوت التتديني كلتته ،وتحتترك مأن لم يكن يُتَوقع أن
يتحرك ،واستنكر حتى مأن لم يكن يُتوقع أن يستنكر!
تلك الواقعة لها دللتها..
فقد أوغل العلمانيون في مأهاجمة الدين زمأنا ،والناس ستتاكتون.
وأغراهم سكوت الناس فزادوا إيغال ،مأستندينت إلى القوى التي تقدم
لهم الحماية وهم يهاجمون الدين..
ولكنهم كانوا -في أبراجهم العاجية -يعالجون " قضايا " يختلط
فيها الحق والباطتتل ،و ينفعل بها ول لها إل فريق مأحتتدود مأن النتتاس،
وإن كانت في عمومأها تثير اشمئزاز الناس واستنكارهم.
أمأا حين مأس المأر مأا هو " مأعلتتوم مأن التتدين بالضتترورة " مأن
تقديس لله سبحانه وتعالى ،وتوقير للرسول صتتلى الله عليه وستتلم،
واحترام للتتدين المتتنزل مأن عندت اللتته ..فعندئذ انفجر المختتزون كلتته،
رغم كل المخاطر التي كانت تحيط بالنفجار!
والعولمة ترتكب ذات الحماقة..
تتجاوز الخطوط الحمراء!
وفي المتتؤتمرات التتداعرة التتتي تتتدعو إلى الفوضى الحيوانيتتة،
وتدعو إلى إعطاء الشرعية للفسق والفجتتور والشتتذوذ والنحتتراف..
يتجاوز " المتآمأرون " الخطتتوط الحمتتراء ،ويمستتون مأا هو " مأعلتتوم
مأن الفطرة بالضرورة " فينفجرت المخزون!
وذلك فضل عن الضتتغط القتصتتادي والضتتغط السياسي التتذي
يصاحب العولمة ،ويؤدي في النهاية إلى النفجار..
إن العولمة -ستتتواء كتتتانت أمأريكية بحتتتتة ،أو يهودية بحتتتتة ،أو
خليطا مأتجانسا مأتعاونا مأن المأريكية واليهودية -تعمل -بحماقة -
ضد مأصالحها في نهاية المطاف!
44
المسلمون والعولمة
مستقبل العولمة
الغيب لله..
ْ َ
ب إ إ ّل الل ّ ُ
ه( ض ال ْ َ
غي ْ َ وال ْر إ ات َ
او إ
م َ
الس َ
ّ في
ن إ
م ْ عل َ ُ
م َ ل ل يَ ْ ) ُ
ق ْ
).(1
ولكن هنتتاك ستتننا ربانية تجتتري في حيتتاة البشتتر ،وهي ستتنن ل
تتخلف ول تتبدل ،وهناك وعد ووعيد مأن عند الله ،ل يتخلفتتان كتتذلك،
وهنتتاك واقع مأشتتهود ،يمكن رؤيته وتقتتدير احتمالته على ضتتوء تلك
السنن ،وذلك الوعد والوعيد..ت
وكلها تقتتول إن هتتذه العولمتتة ،ستتواء كتتانت -كما قلنا في نهاية
الفصل الستتابق -أمأريكية بحتتتة ،أو يهودية بحتتتة ،أو خليطا مأتجانسا
مأتعاونا مأن المأريكية واليهودية ،لن تعيش طويل كما يتمنى أصحابها!
إنها بادئ ذي بدء مأخالفة لقدر مأسبق مأن أقتتدار اللتته ،أل يكتتون
ك ش َاءَ َرب ّ َ َو َ ول ََ ْ واحتتدة على اليمتتان أو على الكفتترَ ) : النتتاس أمأة
ُ
م ح َ ن َر إ م ْ ين إ إ ّل َ ف ََ ختَل إ إ م ْ ول ي َ َزال َُ َ
َون ُ حَ دَةاً َ وا إ ة َ م ً سأ ّ َل النّا َ عَ َ ج َ لَ َ
ة
جن ّ إ ن ال ْ إ م َ م إ هن ّ َ ج َ ن َ م َل َ ّ ة رب ّ َ َ
ك َل ْ َ م ُ ت كَل إ َ م ْ وت َ ّ َ م ه ْ ق ُ ك خَل َ َ ولإذَل إ َ َ ك َرب ّ َ
ش َاءَ اللّه لَجعلَك ُ ُ َ
َو َ ول ََ ْ
)(2
حَ دَةاً وا إة َ م ً مأ ّ ْ ُ َ َ ين( َ ..) . ع َ م إ ج َ اس أ ْ إ والن ّ َ
)(3
م. (.. ُ
ما آتَاك ْ في َ م إ وك َْ ُ ُ
ن لإيَبْل َ ولك إ ْ َ َ
فكل مأحاولة لصتتبغ النتتاس كلهم صتتبغة واحتتدة ،تفرضتتها القتتوة
الغاشمة ،هي مأحاولة فاشلة مأنذت البدء ،وإن قدّر لها شيء مأن النجاح
في بعض أرجاء الرض لفترة مأحدودة مأن الزمأان.
فاشتتلة لنها مأخالفة لرادة ربانية أزليتتة ،والله هو التتذي يقتتدر
المقادير ،وليس البشر ،وإن ظنوا في لحظات غرورهم وتتتألههم أنهم
قادرون!
ال َ ْر ) َ َ
نم ْ قالُوا َ و َ ق َ ح ّ ر ال ْ َ إ غي ْ ض بإ َ إ
في ْ اسأتَكْب َ ُروا إ ف ْ ما عَادٌ َ فأ ّ
م ه ْ من ْ ُ شََدّ إ و أَ َ ه َ م ُ ه ْ ق ُ ذي خَل َ َ ه ال ّ إ ن الل ّ َ وا أ ّ
َ
ْ م ي َ َر ول َ ْ َ
قوةاً أ َ
ّ منّا ُ شد ّ إ أَ َ
ص َرا ً ص ْر َ ريحََا ً َ م إ ه ْ َ فأ َ ْر َ ْ ون َ وكَانُوا بإآياتإنَا ي َ ْ ُ
سأ َلنَا عَلي ْ إ حد ُ َ ج َ وةاً َ
َ
ق ّ
ةا ال َدّنْيَا حي َََا إ في ال ْ َ ي إ إ َز
خَ ْ اب ال ْ إ عذ َ َ م َ ه ْ يق ُذ َ ات لإن ُ إ س ٍ ح َ في أيّاما ٍ ن َ إ إ
َ َ َ اب ْ
ن أنّا و َ فل ي َ َر ْ ون( ) ..) .(4أ َ ص ُر َ م ل يُن ْ َ ه ْ و ُ ْزى َ ةا أخ َ خ َر إ ال إ عذ َ ُ ول َ َ َ
45
المسلمون والعولمة
ون( ).(1 م الْغََََالإب ُ َ ه ُف ُها أ َ َف َ ن أَطْ َرا إ م ْ ها إ صَََ َ ق ُ ض نَن ْ ُال ْر َ
ن ََََأْتإي ْ َ
والل ّ ُ
ه ها َ ن أَطْ َرا إ
ف َ م ْها إ صَََ َ ق ُ ض نَن ْ ُال ْر َ
)أَولَم ي ََََروا أَنّا ن ََََأْتإي ْ َ
َ ْ َ ْ
)(2
اب( . س إ ح َ ْ
ع ال إ ري ُ سأ إ
و َ ه َ و ُه َ م إ ْ
حك إ ب لإ ُق َ ع ّ م َ مل ُ حك ُ ُيَ ْ
وهي فاشلة ثانيا لنها مأخالفة لسنة أختترى مأن ستتنن اللتته ،وهي
مأداولة اليتتتتام بين النتتتتاس )بمعتتتتنى النصر والهزيمتتتتة ،والتمكين
والزوال(.
وتإل َْ َ
َك مثْل ُ َ َُ
ه َ ح إ
َر ٌ
قَ ْما َو َ قَ ْس ال ْ َ م ّ قد ْ َف َ ح َ ق ْر ٌ م َ سك ُ ْ س ْ م َ ن يَ ْ )إ إ ْ
ْ َ
اس().(3 إ ن الن ّ ها بَي ْ َاول ُ َاما نُدَ إ الي ّ ُ
ثم إنها -في الواقع المشتتتتهود الن -تجد مأجابهة ومأعارضة في
أكثر مأن مأكتتان! ففرنسا وألمانيا في أوربا تستتتنكفان أن تصتتوغ لهما
أمأريكا طريقة حياتهمتتتتا ،وتقفتتتتان بشتتتتدة أمأتتتتام كل مأحاولة لمحو
شخصتتيتهما ،وطبعهما بطتتابع غتتير طابعهما التتذاتي ،ستتواء في عتتالم
اللغة أو الفكر أو الثقافة أو الستتتتلوك اليتتتتومأي ،فضل عن السياسة
والقتصاد.
وفي آستتيا توجد الصتتين واليابتتان ،وكلتاهما قتتوة راستتخة في
الرض ،ل يسهل مأحوهتتا ،ول إخضتتاعها ،ول طمس مأعالمهتتا ،ول إذابة
شخصيتها كما تشتهي العولمة.
وذلك فضل عن الحركة الستتتلمأية ،المكبوتة الن بكل وستتتائل
الكبت ،ولكنها حية تستعصي على كل مأحاولة لوأدهتتتتتا ،أو مأنعها مأن
النتشار.
* * *
وعلى فتترض أن العولمة أمأريكيتتة ،فأمأريكا ذاتها مأهتتددة -مأن
داخلها -بالنهيتتار! ولستتنا نحن التتذين نقتتول ذلك إنما تقوله صتتحفهم
وكتابهم ومأفكروهم.
حقا إن القوة المادية لمأريكات مأن الضتتخامأة بحيث يصتتعب حتتتى
على القتتوى العالمية الختترى مأجاراتها أو التصتتدي لهتتا ،ولكن القتتوة
المادية ليست هي في النهاية التي تقتترر مأصتتاير المأم ،أو على القل
ليست وحدها التي تقرر مأصتتايرهم ..وحين يتفشى التتترف ،ويتفشى
الترهل )مأما نبه إليه كلنتون ذاته في كلمات وجهها إلى شعبه( وحين
تتفشى الفوضى الجنستتية والشتتذوذ والنحتتراف ،ويتعتتالن الشتتواذ
)( سورة النبياء )(44 1
46
المسلمون والعولمة
بشتتذوذهم ويطلبتتون مأن دستتتورهم وبرلمتتانهم أن يقر بشتترعيتهمت
وشتتترعية ستتتلوكهم المنحتتترف ..وحين تتفشى الخمر والمختتتدرات
والجريمة ..فكل ذلك مأن عوارض الدمأار ،مأهما كانت القوة المادية..
ولسنا نقتتول إن أمأريكا ستتتنهار غتتدا صتتباحا! فتتإن مأا لتتديها مأن
عوامأل القوة اليجابية يمكن أن يمد لها فترة مأن الزمأن بحسب ستتنة
الله .ولكنا نقول -فقط -إن هذا المأر ل يتوقع كثيرا أن يطول.
وأمأا إن كتتتانت العولمة يهوديتتتة ،تعمل مأن خلل أمأريكتتتا ،وهو
ضيْنَا إإلَى ق َ و َ الرجح في نظرنا ،فلليهود في كتاب الله وعد ووعيدَ ) :
ن ْ َ َََاب لَت ُ ْ في الْكإت َ َ
َََرتَي ْ إ م ّ ض َ في ال ْر إ ن إ سَََدُ ّ ف إ
ُ
إ رائايل إ سأَََ بَنإي إ إ ْ
عب َََادا ً م إ عثْنَا عَلَيْك ُ ْ ما ب َ َ ه َ عدُ أول ُ و ْ جاءَ َ فإإذَا َ وا ً كَبإيرا ً َ ن عُل ُ ّ عل ُ ّ ولَت َ ْ َ
وعََْدا ً َ َ د َ س َ ْ لَنَا أولإي ب َََأ ُ
ََان َ َ َ وك ار َ الََدّي َ إ لل خ اسأََوا إ ج ُ ف َ دي ٍ شََ إ ٍ
فعَََول ً ثُم رددنَا لَكُم الْك ََََرةاَ عَلَيهم َ
ال و ٍ م َ م ب إَََأ ْ مَََ دَدْنَاك ُ ْ وأ ْ ْ إ ْ َ ّ ُ ّ َ َ ْ م ْ ُ َ
م َلن ْ ُ َ َ َ َ
م سََك ُ ْ ف إ سنْت ُ َْح َ مأ ْ سنْت ُ َْ ح َ نأ ْ فيرا ً إ إ ْ م أكْث َ َر ن َ إ علْنَاك ُ ْ ج َ و َ ين َ وبَن إ َ َ
ُ ْ َ َ َ ْ َ
م هك ْ جََو َ و ُ س َوءُوا ُ ةا لإي َ ُ َر إ خَ َ ع َدُ ال إ و ْ جاءَ َ ها فإإذَا َ م فل َ سأأت ُ ْ نأ َ وإ إ ْ َ
َوا َ و َ َ ُ َ ْ ُ
ما عَل َ ْ ولإيُتَب ّ ُروا َ ةا َ َر ٍ مَ ّ ل َ ما دَخَل ََوهُ أ ّ جد َ ك َ سَ إ م ْ ولإي َ َدْخُلوا ال َ َ
َ ً
مك ُ ْ َسى َربّك ُ ْ
)(1
عدْنَا. (... م ُ عدْت ُ ْ ن ُ وإ إ ْ م َ ح َ ن ي َ ْر َ مأ ْ تَتْبإيراَ ع َ
ويستوي -كما أشرنا مأن قبل -أن تكتتون المرتتتان المتتذكورتان
تتتتاريخيتين ،أو تكتتتون إحتتتداهما تاريخية والثانية هي الواقعة اليتتتوم..
ع َدْنَا( فيه الفيصل فيما نحن بصتتدده.ت م ُ ع َدْت ُ ْ ن ُ )وإ إ ْ فقوله تعتتالىَ :
فاليات تقول إنه كلما عل اليهود في الرض وأفسدوا -سواء مأتترة أو
مأتترات -جتتاء العقتتاب الربتتاني فتتأنزلهم مأن علتتوهم وأجتترى عليهم
َوما إ ال ْ إ َ
ن م ْ ة َ مَ إ قيَا َ م إإلَى ي ََ ْ ه ْ ن عَلي ْ إ
عث َ ّ َ ك لَيَب ْ َ ن َرب ّ َ )وإإذْ تَأذّ َ وعيتتدهَ :
)(2
اب( . عذ َ إ سأوءَ ال ْ َ م ُ ه ْ م ُ سو ُ يَ ُ
وهم اليوم في قمة العلو ..ولم يستتبق لهم في تتتاريخهم كله أن
علوا وسيطروا بمقدار مأا لهم اليتتوم مأن العلو والستتيطرة في أرجتتاء
الرض.
والله هو التتذي يقتتدر ،وله حكمته في تقتتديره ستتواء عرفنا نحن
الحكمة أم لم نعرفها.
47
المسلمون والعولمة
وله حكمة ول شك في المألء لليهتتتتتتتتود وتمكينهم في الرض:
ضربت عَلَيهم الذّل ّ ُ َ
َل
حب َْ ٍ و َ ه َ ن الل ّ إم َ َل إ
حب َْ ٍفوا إ إ ّل ب إ َ ق ُما ث ُ إ ن َ ة أي ْ َ ْ إ ُ ) ُ إ َ ْ
)(1
اس. (.. إ ن الن ّ م َ إ
فهم مأمكنون بحبل مأن الله ابتتتداء ،أي بتقتتديرت مأن الله وإمأتتداد،
ثم بحبل مأن الناس الذين يعينونهم على تنفيذت مأخططاتهم.
أمأا الحكمة في ذلك فل نعرفهتتا ،لنها ليست مأتتذكورة في كتتتاب
الله ول في حديث الرستتول صتتلى الله عليه وستتلم ،ولكن ربما كتتان
الله يعتتاقب البشتترية التتتي كفتترت اليتتوم كفتترا لم تكفتترهت مأن قبتتل،
فأنكرت وجود الله )في جزء غير قليل مأنها( وشتتردت عن هديه )في
الجتتزء الكتتبر مأنهتتا( ويعتتاقب المأة الستتلمأية بالتتذات على تفريطها
وتقاعسها ..يعاقب الجميع بتسليط اليهود عليهم تحقيقا لقوله تعالى:
ث عَلَيكُم عَ تذ َابا ً مأن فَتتوقك ُ َ َ
ت ح ِن تَ ْمأ ْ م أو ْ ِْ ِ ْ ِ ْ ْ ْ ن يَبْعَ َ ل هُتتوَ ال ْ َقتتادِ ُر عَلَى أ ْ )قُ ْ
ْ أَرجلِك ُ َ
ض( ).(2 س بَعْ ٍ م بَأ َ ضك ُ ْشيَعا ً وَيُذِيقَ بَعْ َ م ِ سك ُ ْ م أوْ يَلْب ِ َ ْ ْ ُ
وأيّا تكن الحكمة فالتتتذي يهمنا هنا أن هتتتذا العلو والفستتتاد في
الرض مأحتتدود بتتزمأن مأعين يقتتدره اللتته ،وليس طويل المأتتد ،لنه
استثناء مأن القاعدة ،وليس هو القاعدة ،وإن تكن القاعدة مأن تقتتدير
الله ،والستثناء كذلك مأن تقدير الله..
* * *
وليس مأعتتتنى هتتتذا كله أن العولمة أمأر هين ول خطر مأنتتته ،ول
يستأهل مأنا اهتمامأا ول حركة..
إنه عاصفة جائحة هوجاء..
والعاصتتفة تهتتدأ بعد حين ،ولكنها تكتتون قد دمأتترت مأا دمأتترت،
وخربت مأا خربت ،مأما قد يحتاج في إصلحه إلى عشرات السنين..
وإنما نقول للناس في العالم السلمأي تحصنوا قتتدر الطاقة مأن
العاصفة الهوجاء .تحصنوا أول بالتمسك بتتدينكمت وأخلقكم وثتتوابتكم،
ثم تحصنوا ثانيا ببذل أقصى الجهد في تحصتتيل العلم والتقنية وزيتتادة
النتاج ،لعلكم بذلك تقللون آثار الدمأار الذي تخلفه العاصفة.
ثم نقول لهم كما قال مأوسى عليه السلم لقومأه وهم في أتتتون
ض لإل ّ إ ن ْ َ عينُوا بإالل ّ إ
ن
م ْ ها َ ورث ُ َ
ه يُ إ ال ْر َ اصََب إ ُروا إ إ ّ و ْ ه َ )اسأََت َ إ
ْ البتلء:
ين( ).(3 ق َ مت ّ إ ة لإل ْ ُقب َ ُعا إ وال ْ َه َ عبَا إد إ ن إ م ْ شاءُ إ يَ َ
)( سورة آل عمران )(112 1
48
المسلمون والعولمة
الفهرس
مأقدمأة -
أبعاد العولمة -
مأسئولية المأة السلمأية -
مأاذا يملك المسلمون؟ -
مأوقف العلمانيين -
مأستقبل العولمة -
49
المسلمون والعولمة
هذه دعوتنا
-دعتتتوة الى الهجتتترة إلى الله بتجريدت التوحيتتتد،ت والتتتبراءة مأن
الشرك والتنديد ،والهجرة إلى رستتوله صتلى الله عليه وستتلم بتجريدت
المتابعة له.
-دعوة إلى إظهار التوحيد ،بإعلن أوثق عرى اليمان ،والصتتدعا
مد وإبراهيم عليهما السلم ،وإظهار مأتتوالة التوحيد بملة الخليلين مأح ّ
وأهله ،وإبداء البراءة مأن الشرك وأهله.
-دعتتوة إلى تحقيق التوحيد بجهتتاد الطتتواغيت كل الطتتواغيت
باللستتان والستتنان ،لختتراج العبتتاد مأن عبتتادة العبتتاد إلى عبتتادة رب
العباد ،ومأن جور المناهج والقوانين والديان إلى عدل ونور السلم.
-دعتتوة إلى طلب العلم الشتترعي مأن مأعينه الصتتافي ،وكسر
صنميّة علماء الحكومأات ،بنبذت تقليد الحبار والرهبتتان التتذين أفستتدوا
الدين ،ولبّسوا على المسلمين...
وأحبار سوء ورهبانها وهل أفسد الدين إل الملوك
-دعوة إلى البصيرةت في الواقع ،وإلى استبانة سبيل المجرمأين،
كل المجتترمأين على اختلف مأللهم ونحلهم} ،قل هتتذه ستتبيلي أدعو
إلى الله على بصتتتتتيرة أنا ومأن اتبعتتتتتني وستتتتتبحان الله ومأا أنا مأن
المشركين{.
-دعوة إلى العدادت الجاد على كافة الصعدة للجهتتاد في ستتبيل
اللتته ،والستتعي في قتتتال الطتتواغيت وأنصتتارهم ،واليهتتود وأحلفهم،
لتحرير المسلمين وديارهم مأن قيد أسرهم واحتللهم.
-ودعوة إلى اللحاق بركب الطائفة الظاهرة القائمة بدين الله،
الذين ل يضرهم مأن خالفهم ول مأن خذلهم حتى يأتي أمأر الله.