You are on page 1of 50

‫المسلمون والعولمة‬

‫المسلمون‬
‫والعولمة‬

‫تأليف‬
‫السأتاذ؛ محمد قطب‬

‫قال عليه الصلةا و السلما‪" :‬يوشك أن تتتداعى عليكم المأم كما‬


‫تتتداعى الكلة على قصتتعتها ‪ .‬قتتالوا‪ :‬أمأن قلة نحن يومأئذ يا رستتول‬
‫الله؟ قتتال‪" :‬إنكم يومأئذت كثتتير‪ ،‬ولكنكم غثتتاء كغثتتاء الستتيل‪ .‬ولينزعن‬
‫الله المهابة مأن صدور أعدائكم وليقذفن في قلوبكم الوهن"‪ .‬قتتالوا‪:‬‬
‫ومأا الوهن يا رسول الله؟ قال‪" :‬حب الدنيا وكراهية الموت"‪.‬‬
‫رواه أحمد والترمأذي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫مقدمة‬
‫يشتتكو المستتلمون اليتتوم مأن العولمة ونتتذرها الخطتتيرة التتتي‬
‫تتهتتددهم‪ ،‬وحق لهم أن يشتتكوا‪ ،‬فهم في مأقدمأة المقصتتودين بهتتا‪،‬‬
‫سواء كتتان عنتتوانهم " العتتالم الستتلمأي " أو " العتتالم الثتتالث " أو "‬
‫الدول النامأية " أو " الدول المتخلفة " أو " الدول الفقيرة "!‬
‫ولكنهم ‪ -‬في شكواهم وتخوفهم ‪ -‬قلما يتبادر إلى أذهتتانهم أنهم‬
‫‪ -‬بسبب تقاعسهم‪ ،‬وتفلتهم مأن تكاليف دينهم‪ ،‬وانحتترافهم عنه خلل‬
‫القتترون الختتيرة ‪ -‬هم الستتبب الول فيما يلقتتون اليتتوم مأن هتتوان‬
‫وعستتف‪ ،‬وأنهم هم ‪ -‬بستتبب تفلتهم هتتذا ‪ -‬هم التتذين أتتتاحوا لقتتوة‬
‫جاهلية بربرية أن تفتتترض نفوذها على العتتتالم‪ ،‬وتكتستتتحهم هم مأن‬
‫الطريق!‬
‫وفي هذه الصفحات القليلة أحاول أن ألقي الضتتوء ستتريعا على‬
‫بعض النقاط حول العولمة ومأوقف المسلمين مأنها‪ ،‬مأبتتتدئات بالحتتديث‬
‫عن أبعاد العولمة ثم عن مأسئولية المأة المسلمة عن بروزها وتمكنها‬
‫ثم عن مأوقف المسلمين مأنها في الحاضر والمستقبل‪.‬‬
‫ول يفوتتتتني كتتتذلك أن أشتتتير إلى مأوقف " العلمتتتانيين " مأن‬
‫العولمتتة‪ ،‬وتتترحيبهم بها واستبشتتارهم بها على أنها الداة الكاستتحة‬
‫)البلدوزر( التي ستقتلع لهم الستتلم مأن جتتذوره‪ ،‬بعد أن تعبتتوا هم ‪-‬‬
‫بفؤوسهم ومأعتتاولهم ‪ -‬في مأحاولة هدمأه واقتلعا جتتذوره‪ ،‬وبتتاءوا مأن‬
‫مأحاولتهم بالفشل والخذلن‪.‬‬
‫وفي الختتير نلقي نظتترة ستتريعة على المستتتقبل المنظتتور‪:‬‬
‫مأستقبل العولمة‪ ،‬ومأستقبل السلم‪.‬‬
‫وإن تكن هتتذه الصتتفحات القليلة ل تفي بحق مأوضتتوعا ضتتخم‬
‫ن‬ ‫)وذَك ّ ْر َ‬
‫فََإ إ ّ‬ ‫كهتتتذا‪ ،‬فإنما هي مأجتتترد تتتتذكرة‪ ،‬عمل بقوله تعتتتالى‪َ :‬‬
‫ين( )‪ (1‬وعلى الله قصد السبيل ومأنه العتتون‪،‬‬ ‫من إ َ‬
‫ؤ إ‬ ‫ع ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫الذّك ْ َرى تَن ْ َ‬
‫ف ُ‬
‫وعليه التوكل‪ ،‬ومأنه التوفيق‪..‬‬
‫محمد قطب‬

‫)( سورة الذاريات )‪(55‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫أبعاد العولمة‬
‫يتستتتاءل كثتتتير مأن النتتتاس‪ :‬مأا المقصتتتود بالعولمة على وجه‬
‫التحديد؟‬
‫وبعيدا عن التعريفات النظرية نضرب مأثل مأن الواقع يبين البعاد‬
‫الواقعية للعولمة‪.‬‬
‫مأنذ فترة ليست بعيدة عمدت الدول المنتجة للبترول إلى خفض‬
‫النتاج بغية رفع أستتعاره في الستتوق‪ ،‬بعد أن كتتانت قد انخفضت إلى‬
‫الحضتتتيض نتيجة الزيتتتادة في النتتتتاج‪ .‬وبالفعل ارتفعت الستتتعار‪،‬‬
‫وقاربت القمة التي كانت قد وصلت إليها في سنوات "الطفرة"‪.‬‬
‫وهنا تدخلت القوى " العظمى "‪ ..‬أو بالحرى " القوة العظمى "‬
‫لتفتتترض على التتتدول المنتجة أن تضخ في الستتتوق كميتتتات أكتتتبر‪،‬‬
‫لينخفض السعر إلى المستوى الذي يناسب مأصتتالح القتتوى العظمى‪،‬‬
‫أو بالحرى يناسب جشعهم ومأطامأعهم‪.‬‬
‫وفي النهاية لم تجد التتدول المنتجة بتتدا مأن الخضتتوعا للضتتغط‬
‫الواقع عليهتتتا‪ ،‬وتحت طائلة التهديد بالعقوبتتتات اضتتتطرت إلى رفع‬
‫إنتاجها بالقدر الذي طلب مأنها أو قريبا مأنه!‬
‫ذلك مأثال واقعي للوجه القتصتتادي للعولمتتة‪ ،‬ل يحتتتاج إلى جهد‬
‫في استخلصا أبعتتاده ووستتائله‪ .‬فالعتتالم الثتتالث ‪ -‬التتذي ينتج مأعظم‬
‫البتتتترول المستتتتخدم الن في الصتتتناعة العالميتتتة‪ ،‬والتتتذي يمثل‬
‫المسلمون الجانب الكبر مأنه ‪ -‬يملك " خامأتتات " كثتتيرة‪ ،‬تحتتتاج إليها‬
‫التتدول الصتتناعية‪ ،‬ولكنه ل يملك المصتتانع‪ ،‬ول يملك الختتبرة والتقنية‬
‫التي يدير بها تلك المصتتانع إن وجتتدت‪.‬ت والتتذي يملك الختتبرة والتقنية‬
‫هو الغتترب ‪ -‬وعلى رأسه أمأريكا ‪ -‬ومأن ثم فتتإن هتتذا الغتترب يفتترض‬
‫على العالم الثالث ‪ -‬الفقير الجاهل المستضعف ‪ -‬أن يبيع له مأا يملك‬
‫مأن الخامأتتات بتتأبخس الثمتتان‪ ،‬ثم يصتتنّعها عنتتده‪،‬ت ثم يعيتتدها مأصتتنعة‬
‫فيبيعها للعالم الثتتالث بتتأغلى الثمتتان‪ ،‬فتتيربح أرباحا كثتتيرة في وقت‬
‫واحد‪ :‬مأادية ومأعنوية‪ .‬المادية ببخس سعر الشراء ورفع ستتعر التتبيع‪،‬‬
‫والمعنوية بتتتإذلل العتتتالم الثتتتالث وإشتتتعاره دائما بالتبعية والضتتتآلة‬
‫والعجز‪.‬‬
‫هذا الوجه مأن وجوه العولمة أوضح مأن أن يحتاج إلى بيان!‬
‫ولكن له وسائل قد تحتاج إلى شيء مأن البيان‪.‬‬
‫فالخصخصة التي فرضت على دول العالم الثالث ذات أبعاد‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫فمن أبعادها رفع ستتتتلطة الدولة عن مأمتلكاتها " القومأية "‪ ،‬فل‬
‫تعود تملك لها مأنعا ً ول مأنحا ً ول حماية ول استتتغلل ً يعتتود عليها وعلى‬
‫شعوبها بالخير‪ ،‬وإنما تملّك في الخطوة الولى للقطاعا الخاصا‪ ،‬بحجة‬
‫أنه هو القدر على إدارتها واستغللها‪ ،‬أو بأية حجة مأن الحجج التي قد‬
‫تكون صحيحة في ذاتها‪ ،‬ولكنها ل تخفي السبب الحقيقي!‬
‫وفي الخطتتوة التالية تعتترض المجتتالت المخصخصة للستتتثمار‬
‫العالمي‪ ،‬فتأتي رؤوس المأتتوال العالمية " فتشتتارك! " في عمليتتات‬
‫الستتتتثمار‪ ،‬مأشتتتترطة شتتتروطا مأعينة في صتتتالحها‪ ،‬مأنها تخفيض‬
‫الضرائب عليها‪ ،‬والستتماح لها بنقل أرباحها إلى الختتارج‪ ،‬وعتتدمت وضع‬
‫العراقيلت أمأامأها بعمل حماية جمركية أو حماية مأن أي نوعا للصناعات‬
‫المحلية الصغيرة التتتي يتتديرها رأس المتتال المحلي بجهتتده الختتاصا‪،‬‬
‫فتعجز هذه ‪ -‬بدون حماية ‪ -‬عن المنافسة في الستتواق العالميتتة‪ ،‬بل‬
‫في السواق المحلية ذاتهتتا‪ ،‬فينتهي بها المأر إلى " المشتتاركة! " مأع‬
‫رأس المال الجنبي‪..‬ت أو إلى الفناء!‬
‫العولمة إذن في وجهها القتصادي ‪ -‬بالنسبة للعالم الثتتالث على‬
‫القل ‪ -‬هي السيطرة الكاسحة لرأس المال الغربي على اقتصاديات‬
‫العتتالم الثتتالث‪ ،‬ووضتتعه بين فكّي الكماشتتة‪ ،‬ستتواء بخفض أستتعار‬
‫الخامأات‪ ،‬أو رفع أسعار النتاج‪ ،‬مأع تختتدير التتدول وشتتعوبها بتمتتنيتهم‬
‫بالرواج القتصادي الذي ستتيحدثت في العتتالم الثتتالث نتيجة العولمتتة‪،‬‬
‫والذي سيعين الدول على تستتديدت ديونهتتا‪ ،‬ويوجد فتترصا عمل جديتتدة‬
‫أمأتتام المتعطلين مأن أبنائها التتذين ل يجتتدون فرصا للعمل في الزمأة‬
‫الراهنتتتة‪ .‬وهو حق على المتتتدى القتتتريب‪ ،‬ولكنه ينتهي بتنحية هتتتذه‬
‫الشتتعوب عن مأقومأتتات وجودهتتا‪ ،‬وستتيطرة الغتترب عليهتتا‪ ،‬والتحكم‬
‫الكامأل في مأصائرها‪.‬‬
‫والن يبرز سؤال له أهمية بالغة‪..‬‬
‫مأن المالك الكبر لرأس المال الجنبي الذي يأتي للستتتثمار بعد‬
‫أن تفتّح له البواب؟!‬
‫إنه ‪ -‬شئنا أم أبينا ‪ -‬رأس المال اليهودي العالمي‪ ،‬الذي يستتيطر‬
‫في بلده الصلية‪ ،‬ويسعى لبسط سيطرته على العالم كله!‬
‫وهنا يتتتتبرز وجه جديد مأن وجتتتتوه العولمتتتتة‪ ،‬ل يقل أثتتتترا عن‬
‫السيطرة القتصادية‪ ،‬بل هو في نظرنا أخطر وأشد!‬

‫‪4‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫إن المخطط اليهودي للمأميين )وهم كل المأم مأن غتتير اليهتتود(‬
‫كما هو وارد عنتتدهم في التلمتتود‪ ،‬هو أن المأمتتيينت هم الحمتتير التتذين‬
‫خلقهم الله لتتتيركبهم شتتتعب الله المختتتتار‪ ،‬وأن مأن فضل الله على‬
‫الشتتعب المختتتار أن خلق هتتذه الحمتتير على صتتورة آدمأية ليتمكن‬
‫الشعب المختار مأن استخدامأها!!ت‬
‫ويترتب على هذه النظرة أمأور كثيرة‪..‬ت وخطيرة‪.‬‬
‫فمتى يستحمر النسان‪ ..‬وكيف يستحمر؟!‬
‫ما‬
‫منَا بَنإي آدَ َ‬ ‫قَََ دْ ك َ ّر ْ‬ ‫ول َ َ‬
‫إن الله يقتتتول في مأحكم التنزيتتتل‪َ ) :‬‬
‫َََات‬
‫إ‬ ‫ن الطّيّب َ‬ ‫م َ‬ ‫م إ‬ ‫ه ْ‬‫قن ََََا ُ‬ ‫و َر َز ْ‬ ‫َََر َ‬
‫إ‬ ‫ح‬ ‫والْب َ ْ‬ ‫في الْب َ ّ‬
‫َََر َ‬ ‫م إ‬ ‫ه ْ‬ ‫ملْن ََََا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ً )‪.(1‬‬
‫ضيل (‬ ‫ْ‬
‫ن خَلقنَا تَف إ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ير إ‬ ‫َ‬
‫م عَلى كث إ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ضلنَا ُ‬‫ْ‬ ‫وف ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فالصل في النسان هو الكرامأة والتكريم‪..‬‬
‫ََوب ل‬ ‫ٌ‬ ‫قل ُ‬‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ولكنه ‪ -‬في حتتالت ‪ -‬يهبط أستتفل ستتافلين‪) :‬ل َ ُ‬
‫ان ل‬ ‫م آذَ ٌ‬ ‫ه ْ‬‫ول َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ها‬
‫ون ب إ َ‬‫صَََََ ُر َ‬ ‫ن ل يُب ْ إ‬ ‫عي ُ ٌ‬‫م أَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ها‬‫َََََون ب إ َ‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ق ُ‬ ‫ف َ‬ ‫يَ ْ‬
‫م‬ ‫ه ُ‬‫ك ُ‬ ‫ل أُولَئ إ َ‬ ‫ضَََ ّ‬ ‫م أَ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ْ‬
‫َََل ُ‬ ‫عَََاما إ ب َ‬ ‫الَن ْ َ‬
‫ك كَ ْ‬ ‫ها أُولَئ إ َ‬ ‫ون ب إ َ‬ ‫ع َ‬ ‫م ُ‬‫سَََ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫)‪(2‬‬
‫ون( ‪.‬‬ ‫فل ُ َ‬ ‫الْغَا إ‬
‫َ‬
‫ةا( )‪.(3‬‬ ‫و َر ٍ‬‫س َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت إ‬ ‫ف ّر ْ‬ ‫ف َرةاٌ َ‬ ‫ستَن ْ إ‬ ‫م ْ‬ ‫م ٌر ُ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫)كَأن ّ ُ‬
‫ذلك حين يعرضون عن عبادة الله‪ ،‬ويعبدون غيره‪..‬‬
‫ومأعنى ذلك بعبتتارة أختترى أن النستتان ل يستتتحمر وهو صتتاحب‬
‫عقيدة‪،‬ت وصاحب أخلق إيمانية نابعة مأن العقيدة‪..‬‬
‫فتتإذا كتتان هتتدفنا استتتحمار البشر ‪ -‬لغاية في نفوستتنا ‪ -‬فمتتاذا‬
‫نفعل؟‬
‫الجابة واضحة‪ :‬نفسد عقائدهم‪ ،‬ونفسد أخلقهم!‬
‫وهتتتذا مأا تقتتتوم به المتتتؤتمرات الدولية التتتتي تقتتتام بين الحين‬
‫والحين‪ ،‬لعطتتتاء الشتتترعية للفوضى الخلقية والشتتتذوذ الجنستتتي‪،‬‬
‫وحرية الجهاض‪ ،‬وتكوين " أسرة!! " مأن غتتير زوج وزوجتتة‪ ،‬ورفع يد‬
‫الباء عن التدخل في سلوكيات البنتتاء‪ ،‬وحرية العتقتتاد التتتي تعتتني ‪-‬‬
‫فيما تعني ‪ -‬حرية اللحاد!‬
‫إن هذه المؤتمرات ل تقام عبثا! إنها ‪ -‬بكل بشتتاعتها المقتتززة ‪-‬‬
‫جتتزء مأتتدروس بعناية مأن المخطط الكبتتيرت الشتترير التتذي يقتتوم به‬

‫)( سورة السراء )‪(70‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة العراف )‪(179‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة المدثر )‪(51 - 50‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪5‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫ْ َ‬
‫هل‬ ‫والل ّ ُ‬
‫سََادا ً َ‬ ‫ض َ‬
‫ف َ‬ ‫في ال ْر إ‬
‫ن إ‬‫و َ‬
‫ع ْ‬
‫س َ‬
‫وي َ ْ‬
‫المفستتدون في الرض‪َ ) :‬‬
‫م ْ‬‫ب ال ْ ُ‬
‫)‪.(4‬‬
‫ين(‬
‫د َ‬ ‫س إ‬
‫ف إ‬ ‫ح ّ‬
‫يُ إ‬
‫وهي ليست شيئا قائما بذاته‪ ،‬وإن وضعت لها عناوين مأتخصصة‪،‬‬
‫كمؤتمر " السكان " أو مأؤتمر " المرأة عام ‪ " 2000‬أو غيرهتتا‪ ،‬إنما‬
‫هي أجزاء مأترابطة مأتماسكة ‪ -‬وإن اختلفت اتجاهاتها ‪ -‬تتحركت بإرادة‬
‫مأوحدة‪ ،‬كما تتحتتركت أذرعا الخطبتتوط في اتجاهتتات مأختلفتتة‪ ،‬فتنهش‬
‫مأن هنا وتنهش مأن هنتتاك‪ ،‬ولكن بتتإرادة مأركزية واحتتدة‪ ،‬مأركتتزة في‬
‫رأس الخطبوط!‬
‫واتخاذها شكل " مأؤتمرات دولية " ومأحاولة فرضها على الناس‬
‫فرضا عن طريق هيئة المأم‪ ،‬وتهديد المخالفين ‪ -‬وخاصة المسلمين ‪-‬‬
‫بتوقيع العقوبات عليهم إن لم ينفذوا قراراتها‪ ،‬كل ذلك له دللت‪..‬‬
‫الدللة الولى أنه قد أمأكن بالفعل استتتحمار عتتدد مأن البشتتر‪،‬‬
‫ينطقون بما يريد الشيطان مأنهم أن ينطقتتوا بتته‪ ،‬في جتترأة ووقاحتتة‪،‬‬
‫ترم‪،‬‬‫فيطالبون علنية بعصيان الله والتمرد على أوامأتتره‪ ،‬وتحليل مأا حت ّ‬
‫ل‪ ،‬والتشتتريع بغتتير مأا أنتتزل‪ ،‬ويقيمتتون مأن أجل ذلك "‬ ‫وتحريم مأا أح ت ّ‬
‫المتتتؤتمرات " يتعتتتالنون فيها بكل قتتتبيح‪ ،‬ول يتحرجتتتونت مأن ذلك ول‬
‫يتأثمون‪ .‬وهو درك مأن الهبوط لم تهبط إليه البشرية قط في تاريخها‬
‫كله‪ .‬فكل مأا ينادون به مأن القبائح قد حدث مأن قبل في تتتاريخ المأم‪،‬‬
‫ولكن لم تكن له شرعية‪ ،‬إنما كان يرتكب خفية أو شبه خفيتتة‪ ،‬ثم إنه‬
‫لم يكن واسع النتشار‪ ،‬لن النفس البشرية ‪ -‬التي كرمأها الله ‪ -‬كانت‬
‫تستبشع ‪ -‬حتتتتى في انحرافاتها ‪ -‬أن تمتتتارس النحطتتتاط الحيتتتواني‬
‫باسمه الصريح! والحالت الشاذة كحالة قتتوم لتتوط تعتتتبر ‪ -‬بالنستتبة‬
‫لمجموعا البشرية ‪ -‬حالة فردية شتتاذة‪ ،‬مألعونة في الرض والستتماء‪..‬‬
‫أمأا اليوم فيراد إعطاء هتتذا الهبتتوط شتترعية يتعتتالن بهتتا‪ ،‬وتصتتبح هي‬
‫الصل الشائع بين الناس!‬
‫والدللة الثانية أن المفسدين ل يكتفون بما أفسدوا بالفعتتل‪ ،‬ول‬
‫يقنعون بما بين أيتتديهم مأن الحمر المستتتنفرة‪ ،‬إنما يريتتدون المزيتتد!‬
‫يريدون أن يستحمروا البشتترية جمعتتاء‪ ،‬ويستتتخدمأونت مأا بين أيتتديهم‬
‫مأن الدوات " الدولية! " لنشر الستحمار في البشرية!‬
‫والدللة الخاصتتة‪ ،‬التتتي ل ينبغي أن تفوتنا نحن المستتلمين‪ ،‬أن‬
‫الستتلم بالتتذات هو المستتتهدف الول‪ ،‬وأن " أصتتحاب الشتتأن " لن‬

‫)( سورة المائدة )‪(64‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪6‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫ول‬‫يستتتريحوا حتتتى يتتردوا المستتلمين عن دينهم‪ ..‬إن استتتطاعوا‪َ ) :‬‬
‫اسأََتَطَاعُوا(‬
‫ن ْ‬ ‫َن إدينإك ُ ْ‬
‫م إإ إ‬ ‫ََردّوك ُ ْ‬
‫مع ْ‬ ‫حتّى ي َ ُ‬ ‫قاتإلُونَك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ي َ َزال ُ َ‬
‫ون ي ُ َ‬
‫)‪.(1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫العولمة إذن ليست وجها واحتتدا كما قد تبتتدو لول وهلتتة‪ ..‬إنما‬
‫هي ‪ -‬كما رأينا ‪ -‬أخطبوطية تشتتمل القتصتتاد‪ ،‬والسياستتة‪ ،‬والفكتتر‪،‬‬
‫والدين‪ ،‬والخلق‪ ،‬والثقافة‪ ،‬والتقاليد‪ ،‬والعادات‪.‬‬
‫وحتى لو فرضنا جتتدل ‪ -‬وهو غتتير صتتحيح ‪ -‬أن الهتتدف الساسي‬
‫هو الستتيطرة القتصتتادية‪ ،‬فتتإن هتتذه ل تتم بغتتير مأعاوناتها الختترى!‬
‫فتتالقوم التتذين لهم دين يعتتتزون بتته‪ ،‬وأخلق يعتتتزون بهتتا‪ ،‬وثقافة‬
‫مأتمتتيزة‪ ،‬ومأقومأتتات ذاتية يحرصتتون عليهتتا‪ ،‬ل ينصتتاعون بستتهولة‬
‫للستتيطرة القتصتتادية ولو حاصتترتهم مأن كل جتتانب‪ ،‬إنما اعتتتزازهم‬
‫بقيمهم الخاصة ستتيجعلهم يقتتاومأون‪ ،‬وستتيجعلهم ‪ -‬ولو على المتتدى‬
‫البعيد ‪ -‬يستتتعون إلى التحتتترر مأن العبودية المتتتراد فرضتتتها عليهم‪،‬‬
‫وعندئذت يفشل التخطيتتتتط‪ ،‬ويفشل الخطبتتتتوط! فل بد إذن مأن أجل‬
‫السيطرة القتصادية ذاتها مأن مأحو شخصية المأم‪ ،‬وتذويب مأقومأاتها‬
‫النفسية والفكرية والعقدية‪ ،‬ليسلس قيادها للمسيطر الشيطان!‬

‫)( سورة البقرة )‪(217‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪7‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫مسئولية المة السألمية‬
‫أخرج الله هذه المأة ‪ -‬أمأة التوحيدت ‪ -‬لتحقق أهدافا مأعينة‪:‬‬
‫لتكتتون ختتير أمأة أختترجت للنتتاس‪ ،‬تتتأمأر بتتالمعروف وتنهى عن‬
‫ْ‬ ‫ة أُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ون‬
‫م ُر َ‬ ‫اس ت َََأ ُ‬ ‫ت لإلن ّ)‪ (1‬إ‬ ‫ج ْ‬ ‫َر َ‬
‫خَ إ‬ ‫م ٍ‬ ‫خي ْ َر أ ّ‬ ‫م َ‬ ‫المنكر وتتتؤمأن باللتته‪) :‬كُنْت ُ ْ‬
‫ه( ‪.‬‬ ‫ون بإالل ّ إ‬ ‫من ُ َ‬ ‫ؤ إ‬ ‫وت ُ ْ‬‫ر َ‬ ‫منْك َ إ‬ ‫َن ال ْ ُ‬ ‫نع إ‬ ‫و َ‬ ‫ه ْ‬‫وتَن ْ َ‬ ‫وف َ‬ ‫إ‬ ‫ع ُر‬ ‫م ْ‬ ‫بإال ْ َ‬
‫ك‬ ‫)وكَذَل إ َ‬ ‫ولتكون رائدة ومأرشتتدة وشتتاهدة على كل البشتترية‪َ :‬‬
‫هدَاءَ عَلَى الن ّ‬ ‫سأ َطا ً لإتَكُون ََُوا ُ‬ ‫جعلْن َََاك ُ ُ‬
‫ويَك َُ َ‬
‫َون‬ ‫اس َ‬ ‫إ‬ ‫شَ َ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫م ً‬‫مأ ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫ً )‪(2‬‬
‫هيدا( ‪.‬‬ ‫ش إ‬ ‫م َ‬ ‫ول عَلَيْك ُ ْ‬ ‫سأ ُ‬ ‫الر ُ‬ ‫ّ‬
‫ولتحمل رسالة النبي الخاتم عليه الصلة والستتلم إلى البشتترية‬
‫كافة‪ ،‬على مأتتدى التتزمأن كله مأن بعثته عليه الصتتلة والستتلم إلى أن‬
‫يرث الله الرض ومأن عليها‪ ،‬لتختترج النتتاس مأن الظلمتتات إلى النتتور‬
‫َك‬ ‫اب أَن ْ َزلْن َََاهُ إإلَي َْ َ‬ ‫على هدى الكتاب المنزل مأن عندت اللتته‪) :‬الر كإت َ ٌ‬
‫م إإلَى‬ ‫ه ْ‬ ‫ن َرب ّ إ‬ ‫ور ب إََََإإذْ إ‬ ‫ََََات إإلَى الن ّ إ‬ ‫إ‬ ‫م‬‫ن الظّل ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫س إ‬ ‫ج النّا َ‬ ‫ََََْر َ‬
‫إ‬ ‫لإتُخ‬
‫ما‬ ‫و َ‬ ‫ات َ‬ ‫او إ‬ ‫م َ‬ ‫الس َ َ‬‫ّ‬ ‫في‬ ‫ما إ‬ ‫ه َ‬ ‫ذي ل َ َ ُ‬ ‫ه ال ّ إ‬ ‫د الل ّ إ‬ ‫مي َ إ‬ ‫ح إ‬ ‫َز ال ْ َ‬ ‫زيَ إ‬ ‫ع إ‬ ‫ط ال ْ َ‬ ‫ص َرا إ‬ ‫إ‬
‫ض( ‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫في ال ْر إ‬ ‫إ‬
‫وكفل الله لهتتتذه المأة ‪ -‬حين تقتتتوم برستتتالتها‪ :‬الستتتتخلف‬
‫مل َََُوا‬ ‫ع إ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫منْك ُ ْ‬ ‫من َََُوا إ‬ ‫ين آ َ‬ ‫ذ َ‬ ‫ه ال ّ إ‬ ‫)وعََََدَ الل ّ ُ‬ ‫والتمكين والتتتتأمأين‪َ :‬‬
‫ف ال ّ إ‬ ‫اسأتَخْل َ ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ين إ‬ ‫ذ َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫في ال ْر إ‬ ‫م إ‬ ‫ه ْ‬ ‫فن ّ ُ‬ ‫خل إ َ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ات لَي َ ْ‬ ‫ح إ‬ ‫ص ال إ َ‬ ‫ال ّ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬‫ولَيُب ََََدّلَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ضَََى ل َ ُ‬ ‫ارت َ َ‬ ‫ذي ْ‬ ‫م ال ّ إ‬ ‫ه ُ‬ ‫م إدين َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫مكّن َ ّ‬ ‫ولَي ُ َ‬ ‫َ‬ ‫م‬‫ه ْ‬ ‫إ‬ ‫قبْل إ‬ ‫َ‬
‫شيْئاً( )‪.(4‬‬ ‫فه َ‬
‫ون بإي َ‬ ‫رك ُ َ‬ ‫ش إ‬ ‫عبُدُونَنإي ل ي ُ ْ‬ ‫منا ً ي َ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َو إ إ ْ‬ ‫دخ ْ‬ ‫ع إ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫إ‬
‫وتحقق ذلك كله في واقع الرض عتتدةت قتترون‪ ،‬كتتانت فيها المأة‬
‫السلمأية خير أمأة على وجه الرض في كل اتجتتاه‪ :‬عقتتديا‪ ،‬وأخلقيتتا‪،‬‬
‫وفكريا‪ ،‬وعلميا‪ ،‬وسياستتيا‪ ،‬وحربيتتا‪ ،‬واقتصتتاديا‪ ،‬وحضتتاريا‪ ..‬وفي كل‬
‫مأجال مأن مأجالت الحياة‪ ،‬في الوقت الذي كانت فيه أوربا غارقة في‬
‫ظلمات مأا يطلقون عليه هم‪ :‬قرونهم الوسطى المظلمة‪..‬‬
‫تحقق للمأة السيادة والمنعة والقتتوة‪ .‬وتحقق لها لول مأتترة في‬
‫التاريخ مأعنى " المأة "‪ ،‬التي تجمع شعوبا مأختلفتتة‪ ،‬وأجناسا مأختلفتتة‪،‬‬
‫ولغتتات مأختلفتتة‪ ،‬يرتبطتتون كلهم بربتتاط واحد هو " الستتلم "‪ ،‬وإن‬

‫)( سورة آل عمران )‪(110‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة البقرة )‪(143‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة إبراهيم )‪(2،1‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( سورة النور )‪(55‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪8‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫تباعتتدت المستتافات بينهم‪ ،‬وإن اختلفت علقتتات الحكتتام بعضتتهم‬
‫ببعض‪ ،‬فرباط " السلم " الذي يوحد قلوبهم ومأشتتاعرهم أقتتوى في‬
‫نفوسهم مأن كل مأا يسبب الفرقة أو الخلف‪ .‬مأنه يتخذون عقيتتدتهم‪،‬‬
‫ومأنه يستمدون أنماط حيتتاتهم وأخلقيتتاتهم وستتلوكياتهم وتوجهتتاتهم‬
‫العامأة‪ ،‬وإن كان لكل شعب خصوصياته‪ ،‬ولكل فرد خصوصياته‪.‬‬
‫وتحقق لها الرخاء القتصادي الناشئ مأن ستتعي المستتلمين في‬
‫فجاج الرض‪ ،‬ينشرون فيها النور‪ ،‬ويكشتتفون مأجاهيلهتتا‪ ،‬ويعمرونهتتا‪،‬‬
‫ض ذَل َََُول ً‬ ‫َََل لَكُم ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫َََو ال ّ إ‬
‫ال ْر َ‬ ‫ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه َ‬ ‫تحقيقا للتوجيه الربتتتاني‪ُ ) :‬‬
‫َو‬‫ور()‪ُ ) .(1‬‬
‫ه َ‬ ‫ش ُ‬ ‫وإإلَي ْ إ‬
‫ه الن ّ ُ‬ ‫ه َ‬‫ق إ‬ ‫ر ْز إ‬
‫إ‬ ‫ن‬
‫م ْ‬ ‫وكُلُوا إ‬ ‫ها َ‬ ‫منَاكإب إ َ‬‫في َ‬ ‫شوا إ‬ ‫م ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫َ‬
‫ْ َ‬ ‫أَن ْ َ َ‬
‫ها( )‪.(2‬‬ ‫في َ‬ ‫م إ‬ ‫م َرك ُ ْ‬ ‫ع َ‬
‫اسأت َ ْ‬
‫و ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ال ْر إ‬ ‫م َ‬‫م إ‬‫شأك ُ ْ‬
‫وتحقق لها نشاط فكري وعقلي وعلمي غتتير مأستتبوق‪ ،‬يزخر به‬
‫إنتاج تلك القرون ‪ -‬قرون التمكين ‪ -‬في اتجاهتتات مأتباينتتة‪ :‬في الفقه‬
‫والصول‪ ،‬في التاريخ‪ ،‬في الطب والفلك والرياضتتيات‪ ،‬في التترحلت‬
‫والكشتتوف الجغرافيتتة‪ ،‬وفي كل مأنحى مأن مأنتتاحي الحيتتاة المتتوّارة‬
‫الدفاقتتة‪ ،‬التواقة إلى المعرفتتة‪ ،‬التواقة إلى تحقيق الخلفة الراشتتدة‬
‫ْ َ‬
‫ض‬‫في ال ْر إ‬ ‫ع ٌ‬
‫ََل إ‬ ‫جا إ‬‫ة إإنّي َ‬ ‫ملئاإك َََ إ‬ ‫ك لإل ْ َ‬‫ََال َرب ّ َ‬
‫َ‬ ‫وإإذْ َ‬
‫ق‬ ‫في الرض‪َ ) :‬‬
‫ة( )‪.(3‬‬‫يف ً‬‫خل إ َ‬
‫َ‬
‫وتحقق لها وجتتود حضتتاري واستتع‪ ،‬ل ينحصر في النتتتاج المتتادي‬
‫والحضتتارة الماديتتة‪ ،‬مأن إنشتتاء مأتتدن وعمتتارة مأبتتان وتوفتتير طتترق‪،‬‬
‫وفنتتون إدارة‪ ،‬إنما يحقق المعتتنى الجتتوهري للحضتتارة أي الرتقتتاء "‬
‫بالنستتان " ليكتتون جتتديرا بتتالتكريم الربتتاني‪ :‬الرتقتتاء به عقيتتدة‪،‬‬
‫وأخلقتتا‪ ،‬وستتلوكا‪ ،‬وفكتترا‪ ،‬ومأعرفتتة‪ ،‬ينبع مأنها النشتتاط المتتادي‪ ،‬ول‬
‫تنحصر فيه‪.‬‬
‫كانت هذه المأة أول أمأة عرفت مأجانية التعليم‪ ،‬ومأجانية العلج‪،‬‬
‫وأوقفت على هذين المأرين أوقافا طائلة ل تعتمد على ستتخاء الدولة‬
‫أو تقتيرها‪ ،‬أو عنايتها أو إهمالها‪ ،‬بقتتدر مأا تعتمد على دوافع الختتير في‬
‫النفوس‪ ،‬ودوافع البذل والعطاء‪.‬‬
‫وكانت أول أمأة عرفت إنشاء بيوت لرعاية العجتتزة‪ ،‬ودور ليتتواء‬
‫الحيوانات الضالة لرعايتها وإطعامأها!‬

‫)( سورة الملك )‪(15‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة هود )‪(61‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة البقرة )‪(30‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪9‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫وكتتتتانت أول أمأة ‪ -‬أو المأة الوحيتتتتدةت ‪ -‬التتتتتي تفي بعهودها مأع‬
‫الخرين‪ ،‬وتلتتتزم بتتالمواثيق‪ ،‬ول تبرمأها في وقت الحاجة لتمزقها في‬
‫أول فرصة مأواتية!‬
‫وكانت أول أمأة ‪ -‬أو المأة الوحيدةت ‪ -‬التي ل تضتتطهد المختتالفين‬
‫مأنهم على عقائتتدهم وعبتتاداتهم وكل‬ ‫لها في العقيدة‪ ،‬بل ترعاهم‪ ،‬وتؤ ّ‬
‫نشاطاتهم القتصادية والحياتية مأا دامأوا غتتير مأحتتاربين ول مأجتتاهرين‬
‫بالعداء!‬
‫باختصار‪ ..‬كانت هي المأة المتحضرة في الرض‪..‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ولكن انقلبا هائل حدث في التاريخ!‬
‫لم يحدث بطبيعة الحتتال بين يتتوم وليلتتة‪ ..‬فل شتتيء يحتتدث بين‬
‫يوم وليلة إل أقدار الله الخارقة! وحتى " النقلبات العسكرية " التي‬
‫ستترت في عصر " التنتتوير!!ت " التتذي نعيشه اليتتوم‪ ،‬ل تتم بين يتتوم‬
‫وليلة‪ ،‬إنما تستغرق وقتا في التفكير‪ ،‬وفي التحضير‪ ،‬قبل أن يفاجأ بها‬
‫الناس على ساحة الواقع‪..‬‬
‫إنما حدث النقلب خلل عدة قرون‪..‬‬
‫تدريجيا‪ ..‬انحسرت مأساحة " الدين " في النفوس‪.‬‬
‫لقد نزل هذا الدين ليشمل الحياة كلها مأن كل جوانبهتتا‪ ،‬ل ليحتل‬
‫ق ْ‬
‫ل‬ ‫جانبا واحدا مأن جوانب الحياة‪ ،‬أيّا كتتان حجمه وأهميته الذاتيتتة‪ُ ) :‬‬
‫ين ل‬‫م َ‬‫عََال َ إ‬
‫ب ال ْ َ‬ ‫مََاتإي لإل ّ إ‬
‫ه َر ّ‬ ‫م َ‬
‫و َ‬
‫ي َ‬
‫حي َََا َ‬
‫م ْ‬‫و َ‬‫سَكإي َ‬ ‫ون ُ ُ‬
‫صَلتإي َ‬ ‫ن َ‬ ‫إإ ّ‬
‫ه‪.(1) (...‬‬‫يك ل َ ُ‬
‫ر َ‬‫ش إ‬ ‫َ‬
‫فاليمان بالله الواحد هو أهم مأا في حياة النستتان وأثمن مأا في‬
‫هذه الحياة‪ .‬ولكنه إن استثمر في داخل الوجدان‪ ،‬ولم يبسط إشعاعه‬
‫على مأساحات الحياة المختلفة‪ ،‬فلن يكون هو " التتدين " التتذي أنزله‬
‫الله‪ ،‬وأمأر باتباعه‪ ،‬وعاقب على تركه‪ ،‬وأثاب على التيان به!‬
‫إنما دين الله هو " مأا وقر في القلب وصدّقه العمل "‪.‬‬
‫إن الله لم يطلب مأن النتتتتتاس فقط أن يؤمأنتتتتتوا في أعمتتتتتاق‬
‫وجدانهم بأنه سبحانه هو الواحد الحد‪ ،‬الفرد الصمد‪ ،‬الذي لم يلد ولم‬
‫يولد ولم يكن له كفوا أحتتد‪..‬ت وإن كتتان هتتذا هو الستتاس التتذي ينبتتني‬
‫عليه كل شيء‪ ..‬إنما طلب سبحانه مأن الناس أن يستتري التوحيد في‬
‫كل جنبتتات حيتتاتهم باتبتتاعا أوامأتتره والنتهتتاء عن نواهيه واللتتتزام بما‬

‫)( سورة النعام )‪(163 - 162‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪10‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫أنزل مأن تشريع وتوجيه‪ ..‬وكل حيد عن هذا السبيل أو مأخالفة له هي‬
‫نقص في اليمان يؤثر في " الميزان " كما يؤثر في النتائج! واليمان‬
‫‪ -‬كما يقتتتتتتتتول علماؤنا ‪ -‬يزيد وينقص‪ .‬يزيد بالطاعتتتتتتتتات وينقص‬
‫بالمعاصي‪.‬‬
‫وتختلف درجات النقص بتتاختلف نتتوعا الحيد ومأقتتدار المخالفتتة‪،‬‬
‫وإن كتتتانت ل تنقض أصل اليمتتتان إل إذا وقع مأن النستتتان عمل مأن‬
‫العمال الناقضة المنصوصا عليها في كتاب الله وسنة رسوله وأجمع‬
‫عليها العلمتتاء‪ ،‬كمن سب الله أو رستتوله صتتلى الله عليه وستتلم‪ ،‬أو‬
‫شرعا بغير مأا أنزل الله‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫سجد إلى صنم‪ ،‬أو أهان المصحف‪ ،‬أو‬
‫ويعمل هذا الدين في واقع الرض ويؤتي ثمتتتاره الجنية بمقدار‬
‫ما يلتزما به أهله ويتبعََون ما جََاء فيََه‪ .‬فتتإن لم يلتتتزمأوا‪ ،‬ولم‬
‫يتبعتتوا‪ ،‬ينحسر " التتدين " في نفتتوس النتتاس‪ ،‬وتنحسر ثمتتاره في‬
‫الرض بمقَََدار ما حَََدث من الحيَََد‪ ،‬ومقَََدار ما وقع من‬
‫النحراف‪.‬‬
‫واليات في كتاب الله واضحة تمام الوضوح في هذا المأر‪ ،‬كما‬
‫صطَ َ‬ ‫هي في كل أمأر‪) :‬ث ُ َ‬
‫عبَا إدنَا‬ ‫ن إ‬ ‫م ْ‬ ‫فيْنَا إ‬ ‫ين ا ْ‬ ‫ذ َ‬ ‫اب ال ّ إ‬ ‫و َرثْنَا الْكإت َ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ّ‬
‫ق‬‫سأََََاب إ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫و إ‬ ‫صََََدٌ َ‬ ‫قت َ إ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫و إ‬ ‫ه َ‬ ‫سََََ إ‬ ‫ف إ‬ ‫م لإن َ ْ‬ ‫م ظَََََال إ ٌ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫ف إ‬ ‫َ‬
‫ير( )‪.(1‬‬ ‫ل الْكَب إ ُ‬ ‫ض ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ك ُ‬ ‫ه ذَل إ َ‬ ‫ن الل ّ إ‬ ‫ات بإإإذْ إ‬ ‫خي ْ َر إ‬ ‫بإال ْ َ‬
‫وكل هتتؤلء مأؤمأنتتونت ‪ -‬على درجتتات مأن اليمتتان‪ ،‬ودرجتتات مأن‬
‫فضل الله ورحمته ورضوانه ‪ -‬مأا لم ينقضوا أصل اليمان‪ ..‬أمأا هؤلء‪:‬‬
‫َولّى َ‬ ‫قول ََُون آمنّا باللّه وبالرسأََول َ‬
‫ق‬ ‫ريََ ٌ‬ ‫ف إ‬ ‫م يَت ََ َ‬ ‫عنَا ث ُ ّ‬ ‫وأ ط َ ْ‬ ‫إ َ‬ ‫إ َ إ ّ ُ‬ ‫إ‬ ‫َ َ‬ ‫)وي َ ُ‬‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وإإذَا دُعََُوا إإلى الل إ‬
‫ه‬ ‫ين َ‬ ‫من إ َ‬ ‫مؤ إ‬ ‫ما أولئإك بإال ُ‬ ‫و َ‬ ‫د ذَلإك َ‬ ‫ع إ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م إ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫إ‬
‫ون( ‪َ ) .‬‬ ‫م إإذَا َ‬ ‫حك ُ َ‬
‫)‪(2‬‬
‫فل‬ ‫ضَ َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ع إ‬ ‫م ْ‬‫م ُ‬ ‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬ ‫ق إ‬ ‫ري َ ٌ‬ ‫ف إ‬ ‫ه ْ‬ ‫م بَيْن َ ُ‬ ‫ه لإي َ ْ‬ ‫سأ َول إ إ‬ ‫و َر ُ‬ ‫َ‬
‫مل‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫ج َر بَيْن َ ُ‬ ‫شَََ َ‬ ‫ما َ‬ ‫في َ‬ ‫َََوك إ‬ ‫َ‬ ‫م‬‫حك ُ‬ ‫ّ‬ ‫حتّى ي ُ َ‬ ‫َََون َ‬ ‫َ‬ ‫من ُ‬‫ؤ إ‬‫ك ل يُ ْ‬ ‫و َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫س َلإيما ً(‬ ‫ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫في أن ْ ُ‬
‫موا ت َ ْ‬ ‫س َل ُ‬ ‫وي ُ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ض َي ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫م ّ‬ ‫ح َرجََا إ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س إ‬‫ف إ‬ ‫جدُوا إ‬ ‫يَ إ‬
‫)‪.(3‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫تلك حقيقة الدين كما أنزلها الله‪ ،‬وكما علمها رستتوله صتتلى الله‬
‫عليه وسلم لصحابه‪ ،‬وكما فهمتها الجيال الولى مأن المسلمين‪.‬‬

‫)( سورة فاطر )‪(32‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة النور )‪(48 - 47‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة النساء )‪(65‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪11‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫لذلك كان الفكر الرجائي الذي دخل في حيتتاة المستتلمين غريبا‬
‫كل الغربة عن السلم الذي أنزله الله‪ ،‬ذلك الفكر الذي يخرج العمل‬
‫مأن مأسمى اليمان‪ ،‬بل مأن مأقتضاه‪ ،‬والتتذي يقتتول‪ " :‬مأن قتتال ل إله‬
‫إل الله فهو مأتتؤمأن ولو لم يعمل عمل واحتتدا مأن أعمتتال الستتلم "‪،‬‬
‫والذي يقول‪ " :‬اليمان هو التصديق والقتترار‪ ،‬وليس العمل داخل في‬
‫مأستتتتمى اليمتتتتان "‪) ،‬والمستتتتمى ليس هو السم كما يخيل لبعض‬
‫الناس‪ ،‬إنما هو حقيقة الشيء الذي يطلق عليه الستتم‪ ،‬ومأنه قتتولهم‪:‬‬
‫اسم على مأسمى‪ .‬أي اسم صادق الوصف للموصوف به(‪.‬‬
‫نعم! كتان هتتذا الفكر غريبا كل الغربة عن الستتلم‪ ،‬وكتتتاب الله‬
‫ملُوا‬ ‫ع إ‬ ‫و َ‬ ‫منُوا َ‬ ‫ين آ َ‬ ‫ذ َ‬ ‫المنزل يتكرر فيه مأئات المرات قوله تعالى‪) :‬ال ّ إ‬
‫ين‬ ‫ذ َ‬ ‫ين ال ّ إ‬ ‫من إ َ‬ ‫ؤ إ‬ ‫م ْ‬ ‫ش َر ال ْ ُ‬ ‫)ويُب َ ّ‬ ‫ات( ويرد فيه َمأثل هذه َ اليات‪َ :‬‬ ‫ح إ‬ ‫ص ال إ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ه أبََدا ً( )‪.(1‬‬ ‫َ‬
‫في إ‬ ‫ين إ‬ ‫ماكإث إ َ‬ ‫سنا ً َ‬ ‫ح َ‬ ‫جرا ً َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ات أ ّ‬ ‫ح إ‬ ‫ص ال إ َ‬ ‫ون ال ّ‬ ‫مل ُ َ‬ ‫ع َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ين‬ ‫من إ َ‬ ‫ؤ إ‬‫مَ ْ‬ ‫ش َ ُر ال ْ ُ‬ ‫ويُب َ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫َو ُ‬ ‫قَ َ‬ ‫ي أَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ه‬‫دي لإلّتإي إ‬ ‫هَ إ‬ ‫آن ي َ ْ‬ ‫قَ ْر َ‬ ‫هذَا ال ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫)إ إ ّ‬
‫جََرا ً كَب إََيرا ( ‪َ ) .‬‬
‫ً )‪(2‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ات أ ّ‬ ‫ح إ‬ ‫الصََال إ َ‬ ‫ّ‬ ‫ََون‬
‫َ‬ ‫مل ُ‬ ‫ع َ‬‫ين ي َ ْ‬ ‫ذ َ‬ ‫ال ّ إ‬
‫ةا‬
‫عب َََادَ إ‬ ‫ك بإ إ‬ ‫ر ْ‬ ‫ش إ‬ ‫ول ي ُ ْ‬ ‫صالإحا ً َ‬ ‫مل ً َ‬ ‫ع َ‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬ ‫ع َ‬ ‫فلْي َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قاءَ َرب ّ إ‬ ‫جوا ل إ َ‬ ‫ان ي َ ْر ُ‬ ‫كَ َ‬
‫م ب إََالّتإي ت ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫رب َ‬
‫قََ ّربُك ُ ْ‬ ‫ولدُك ُ ْ‬ ‫ََوالُك ُ ْ‬ ‫حََدا ً( ‪َ ) .‬‬
‫)‪(3‬‬
‫م‬ ‫ول أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫و َ‬ ‫هأ َ‬ ‫َ ّ إ‬
‫ُ‬
‫َزاءُ‬ ‫جَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫فأولَئ إ َ‬ ‫صََالإحا ً َ‬ ‫َل َ‬ ‫مَ َ‬ ‫ع إ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫فى إ إ ّل َ‬ ‫عن ََْدَنَا ُزل ْ َ‬ ‫إ‬
‫ُر َ‬ ‫في الْغ ُ‬ ‫ملُوا َ‬
‫)‪(4‬‬
‫ون( ‪.‬‬ ‫من ُ َ‬ ‫ات آ إ‬ ‫ف إ‬ ‫م إ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ع إ‬ ‫ما َ‬ ‫ف بإ َ‬ ‫ع إ‬ ‫ض ْ‬ ‫ال ّ‬
‫وكتتذلك كتتان الفكر الصتتوفي غريبا عن الستتلم كما أنزله اللتته‪،‬‬
‫ذلك الفكر الذي يحصر العبتتادة في الوجد التتروحي والتتذكر‪ ،‬ويضتتخم‬
‫الشتتيخ في حس المريد حتتتى يصتتبح واستتطة بينه وبين اللتته‪ ،‬بينما‬
‫الستتلم ينفي كل وستتاطة بين العبد والتترب‪ ،‬ويجعل العبتتادة شتتامألة‬
‫لكل حياة النسان‪ ،‬ويجعل الجهاد ذروة سنام المأر‪:‬‬
‫قريب أ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫سأأَل َ‬
‫اع‬ ‫)‪ (5‬إ‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫ةا‬ ‫ْو‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫يب‬
‫ُ‬ ‫ج‬‫إ‬ ‫ٌ‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫إ‬‫ف‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ي‬ ‫د‬
‫إ‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫ع‬ ‫إ‬ ‫ك‬ ‫)وإإذَا َ‬ ‫َ‬
‫ون( ‪.‬‬ ‫شَدُ َ‬ ‫م ي َ ْر ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫عل ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫منُوا بإي ل َ‬ ‫ؤ إ‬ ‫ولي ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ي َ‬ ‫جيبُوا ل إ‬ ‫ست َ إ‬ ‫فلي َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َان َ‬ ‫إ‬ ‫إإذَا دَع‬
‫َ‬
‫صََلتإي‬ ‫ن َ‬ ‫َل إ إ ّ‬ ‫قَ ْ‬ ‫م( )‪ُ ) .(6‬‬ ‫ب لَك ُ ْ‬ ‫ج ْ‬ ‫سأََت َ إ‬ ‫م ادْعََُونإي أ ْ‬ ‫َال َربّك ُ ُ‬ ‫قَ َ‬ ‫و َ‬ ‫) َ‬
‫ه‪(..‬‬ ‫يك ل َََ ُ‬ ‫ر َ‬ ‫شََ إ‬ ‫ين ل َ‬ ‫م َ‬ ‫عال َ إ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫ماتإي لإل ّ إ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫ي َ‬ ‫حيَا َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫سكإي َ‬ ‫ون ُ ُ‬ ‫َ‬

‫)( سورة الكهف )‪(3 - 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة السراء )‪(9‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة الكهف )‪(110‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( سورة سبأ )‪(37‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( سورة البقرة )‪(186‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( سورة غافر )‪(60‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪12‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫هَ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫م إ‬ ‫جيك ُ ْ‬ ‫ةا تُن ْ إ‬ ‫َار ٍ‬ ‫جَ َ‬ ‫م عَلَى ت إ َ‬ ‫َل أدُلّك ُ ْ‬ ‫من ََُوا َ‬ ‫ين آ َ‬ ‫ذ َ‬ ‫ها ال ّ إ‬ ‫‪) .‬يَا أي ّ َ‬
‫)‪(1‬‬

‫يل‬ ‫سأَب إ إ‬ ‫في َ‬ ‫ون إ‬ ‫هَ دُ َ‬ ‫جا إ‬ ‫وت ُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫سأَول إ إ‬ ‫و َر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫َون بإالل ّ إ‬ ‫من َُ َ‬ ‫ؤ إ‬ ‫اب أَلإيم ٍ ت ُ ْ‬ ‫عَذَ ٍ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َون‬ ‫َ‬ ‫مَ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ن كُنْت ُ ْ‬ ‫م إإ ْ‬ ‫َر لَك ُ ْ‬ ‫خي َْ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫م ذَلإك ُ ْ‬ ‫سََك ُ ْ‬ ‫ف إ‬ ‫وأن ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫والإك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ب إََأ ْ‬ ‫الل ّ إ‬
‫حتإها ْ َ‬
‫َار‬ ‫هَ ُ‬ ‫الن ْ َ‬ ‫ن تَ ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َري إ‬ ‫جَ إ‬ ‫ات ت َ ْ‬ ‫جن ّ ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خلْك ُ ْ‬ ‫وي ُ َدْ إ‬ ‫م َ‬ ‫م ذُنُوبَك ُ ْ‬ ‫ْف ْر لَك ُ ْ‬ ‫يَغ إ‬
‫يم( )‪.(2‬‬ ‫عظإ ُ‬ ‫و ُز ال ْ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ن ذَل إ َ‬ ‫عد ْ ٍ‬ ‫ات َ‬ ‫جن ّ إ‬ ‫في َ‬ ‫ة إ‬ ‫ن طَيّب َ ً‬ ‫س اك إ َ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫" أل أختتبرك بتترأس المأر وعمتتوده وذروة ستتنامأه؟ رأس المأر‬
‫السلم‪ ،‬وعموده الصلة‪ ،‬وذروة سنامأه الجهاد " )أخرجه الترمأذي(‪.‬‬
‫كذلك كان حصر السلم في النطاق الفردي وإسقاط التكتتاليف‬
‫الجماعية والجتماعية والسياستتتتتية والمأر بتتتتتالمعروف والنهي عن‬
‫المنكتتتر‪ ،‬غريبا عن الستتتلم كما أنزله اللتتته‪ ،‬وقد فتتترض الله هتتتذه‬
‫التكاليف كلها كما فرض التكتتاليف الفردية وإن كتتان قد جعل بعضتتها‬
‫فرض كفاية ل فرض عين‪ ،‬ولكن المأة تأثم بمجموعها إن لم يقم فيها‬
‫أحد بهذه التكاليف‪.‬‬
‫وكذلك كان التواكل وإهمتتال الخذ بالستتباب بحجة التوكل على‬
‫الله غريبا عن الستتلم كما أنزله اللتته‪ ،‬التتذي أمأر بالتوكل ولكنه أمأر‬
‫ه( )‪.(4‬‬ ‫ل عَلَى الل ّ إ‬ ‫وك ّ ْ‬ ‫فت َ َ‬ ‫ت )‪َ (3‬‬ ‫م َ‬ ‫َز ْ‬ ‫فََإإذَا عََ َ‬ ‫مأعه باتختتاذ الستتباب‪َ ) :‬‬
‫عَ دّوا‬ ‫وأ َ إ‬ ‫ون َ‬ ‫َز َ‬ ‫جَ ُ‬ ‫ع إ‬ ‫م ل يُ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫قوا إإن ّ ُ‬ ‫سأ َب َ ُ‬ ‫ف ُروا َ‬ ‫ين ك َ َ‬ ‫ذ َ‬ ‫ن ال ّ إ‬ ‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ول ي َ ْ‬ ‫) َ‬
‫ه‬‫َون ب إ َ إ‬ ‫هب َُ َ‬ ‫َل ت ُ ْر إ‬ ‫خي َْ إ‬ ‫ط ال ْ َ‬ ‫رب َََا إ‬ ‫ن إ‬ ‫م ْ‬ ‫و إ‬ ‫ةا َ‬ ‫َو ٍ‬ ‫قَ ّ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م إ‬ ‫عت ُ ْ‬ ‫اسأتَطَ ْ‬ ‫ما ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫ه‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫مََون َ ُ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن دُون إ إ‬ ‫م ْ‬ ‫ين إ‬ ‫َََر َ‬ ‫و آخ إ‬ ‫م َ‬ ‫وك ُ ْ‬ ‫وعَََدُ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫و الل ّ إ‬ ‫عَََدُ ّ‬
‫م‬ ‫ف إإلَيْك ُ ْ‬ ‫َو ّ‬ ‫ه ي َُ َ‬ ‫يل الل ّ إ‬ ‫سأَب إ إ‬ ‫في َ‬ ‫ء إ‬ ‫ي ٍ‬ ‫شَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قَ وا إ‬ ‫ف ُ‬ ‫ما تُن ْ إ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ُ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫ض ذَل ََُول ً‬ ‫ََل لَكُم ْ َ‬ ‫َ‬
‫ال ْر َ‬ ‫ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ََو ال ّ إ‬ ‫ه َ‬ ‫ََون( )‪ُ ) .(5‬‬ ‫َ‬ ‫م ل تُظْل َ ُ‬
‫م‬ ‫وأنْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫)‪(6‬‬
‫ور( ‪.‬‬ ‫ش ُ‬ ‫ه الن ّ ُ‬ ‫َ‬
‫وإإلي ْ إ‬ ‫ه َ‬ ‫ق إ‬ ‫ر ْز إ‬ ‫ن إ‬ ‫م ْ‬ ‫وكلوا إ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ها َ‬ ‫منَاكإب إ َ‬ ‫في َ‬ ‫شوا إ‬ ‫م ُ‬ ‫فا ْ‬ ‫َ‬
‫كذلك كان انفراج الطريق بين العمل للدنيا والعمل للخرة غريبا‬
‫ه‬‫َاك الل ّ ُ‬ ‫ما آت ََ َ‬ ‫في َ‬ ‫َغ إ‬ ‫)وابْت ََ)‪(7‬إ‬ ‫عن الستتلم كما أنزله اللتته‪ ،‬والله يقتتول‪َ :‬‬
‫ن الدّنْيَا‪. (..‬‬ ‫م َ‬ ‫ك إ‬ ‫صيب َ َ‬ ‫س نَ إ‬ ‫ول تَن ْ َ‬ ‫خ َرةاَ َ‬ ‫ال إ‬ ‫ار ْ‬ ‫الدّ َ‬
‫ولكن هذه المأتتراض كلها وجتتدت في المأة ‪ -‬تتتدريجيا ‪ -‬ثم تزايد‬
‫حجمها وأثرها كلما مأر عليها الزمأن دون علج‪.‬‬
‫)( سورة النعام )‪(163 - 162‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة الصف )‪(12 - 11‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( العزيمة ليست هي مجرد النية‪،،‬إنما تشمل العداد لتحقيق النية‬ ‫‪3‬‬

‫)( سورة آل عمران )‪(159‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( سورة النفال )‪(60 - 59‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( سورة الملك )‪(15‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( سورة القصص )‪(77‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪13‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫ول نقتتول مأع ذلك إن العلج لم يوجد أبتتدا‪ ،‬فتتذلك ظلم للتتتاريخ‪،‬‬
‫ولم يمر على المسلمين عصر خل تمامأا مأن المصلحين‪ .‬ولكن نقتتول‬
‫إن حركات الصلح كانت أقل مأن المطلوب‪ ،‬في حين كانت المأراض‬
‫تتزايد على الدوام‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫حين انحسر الستتتلم في قلتتتوب النتتتاس ‪ -‬إل مأن رحم ربك ‪-‬‬
‫انحسر إشتتعاعه في عتتالم الواقتتع‪ ..‬فالشتتعاعا المنعكس على عتتالم‬
‫الواقع إنما مأصدره ذلك النور المنبعث مأن القلتتوب‪ ،‬وعلى قتتدر قتتوة‬
‫ذلك النور أو ضعفه تكون الضتتاءة أو يكتتون الظلم‪ ،‬حسب ستتنة الله‬
‫التي ل تتخلف ول تحتتابي ول تجامأل أحتتدا مأن النتتاس لتتدعوى يتتدعيها‬
‫ت الل ّ إ‬
‫ه‬ ‫سََن ّ إ‬‫جََ دَ ل إ ُ‬‫ن تَ إ‬ ‫فل َ ْ‬‫بلستتانه ول يعمل بها في عتتالم الواقتتع‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫مََانإيّك ُ ْ‬ ‫ََويلً( ‪) .‬لَي ْ َ‬ ‫ت الل ّ إ‬ ‫ول َ ْ‬
‫ديل ً َ‬
‫)‪(1‬‬
‫ول‬ ‫م َ‬ ‫س بإأ َ‬ ‫ح إ‬ ‫ه تَ ْ‬ ‫سن ّ إ‬
‫جد َ ل إ ُ‬
‫ن تَ إ‬ ‫تَب ْ إ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ه إ‬‫جَ دْ ل ََ ُ‬
‫ول ي َ إ‬ ‫ه َ‬ ‫َز ب إَ إ‬‫جَ َ‬‫سأوءا ً ي ُ ْ‬
‫ل ُ‬ ‫م ْ‬‫ع َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫م ْ‬‫اب َ‬‫ل الْكإت َ إ‬ ‫ه إ‬‫ي أَ ْ‬ ‫م ان إ ّ‬
‫أ َ‬
‫َ‬
‫صيرا ً( )‪.(2‬‬ ‫ول ن َ إ‬ ‫ولإيّا ً َ‬‫ه َ‬ ‫ون الل ّ إ‬
‫دُ إ‬
‫م أختتتذت المأة رويتتتدا رويتتتدا تتتتدخل في الظلم‪ :‬ظلم‬ ‫ومأن ث َ ّ‬
‫الجهل‪ ..‬ظلم الضعف‪ ..‬ظلم التخلف‪ ..‬ظلم الفقر‪ ..‬ظلم الجمود‪..‬‬
‫ظلم النحسار‪.‬‬
‫ولم يكن ذلك بسبب " التتدين " كما يتتزعم المطموسو البصتتيرةت‬
‫الذين أضاعا الغزو الفكري ألبابهم‪ ،‬إنما كتتان ‪ -‬كما هو واضح ‪ -‬بستتبب‬
‫البعد التدريجي عن حقيقة الدين‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫وفي التتوقت التتذي بتتدأت فيه المأة الستتلمأية تضتتعف وتنكمش‬
‫وتنحستتر‪ ،‬كتتانت أوربا قد بتتدأت تتتبرز وتتقتتدم وتتوستتع‪ ،‬في جميع‬
‫المجالت التي انحسر فيها الوجود السلمأي!‬
‫وكتتان في هتتذا الوضع جملة مأن المفارقتتات‪ ،‬تبتتدو غريبة لول‬
‫وهلتتة‪ ،‬ولكنها مأنطقية ومأفهومأة إذا عرضتتناها على الستتنن الربانيتتة‪،‬‬
‫وعلى وعد الله ووعيده‪.‬‬
‫كتانت نهضة أوربا ‪ -‬كلها تقريبا ‪ -‬مأستتتمدةت مأن أصتتول إستتلمأية‪،‬‬
‫ومأع ذلك كتتتتان مأوقف أوربا مأن الستتتتلم هو مأوقف الجاحد الحاقد‬
‫المتربص المتنمر المتأهب للنقضاض!‬

‫)( سورة فاطر )‪(43‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة النساء )‪(123‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪14‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫كانت أوربا قد خرجت مأن قرونها الوسطى المظلمة على هتتدى‬
‫مأا اقتبسته مأن علوم المستتلمين وفنتتونهم وحضتتارتهم‪ ،‬ولكنها كتتانت‬
‫في الوقت ذاته مأعادية للسلم والمسلمين‪.‬‬
‫ولم يكن هتتتذا رد الفعل التلقتتتائي‪ ،‬أو الطتتتبيعي في مأثل هتتتذا‬
‫الموقف‪.‬‬
‫لقد ظلت أوربا في قرونها الوستتتتطى المظلمة مأا يقتتتترب مأن‬
‫عشرة قرون‪ ،‬ل تحس أنها في ظلم!ت ولم تشعر بالظلم وتتترغب في‬
‫الخروج مأنه إل حين رأت النور! نور السلم!‬
‫وقد كتتان احتكاكها بالستتلم ‪ -‬التتذي أخرجها مأن الظلمتتات إلى‬
‫النتتور ‪ -‬عن طتترق ثلث‪ .‬أحتتدها الحتتروب الصتتليبية التتتي أطلعت‬
‫الوربتتتيين على بلد تعيش حيتتتاة مأختلفة تمامأا عن حيتتتاتهم في كل‬
‫اتجتتاه‪ ،‬ثم العلقتتات التجارية التتتي أقامأتها جنتتوة والبندقية وغيرهما‬
‫بالعتتتالم الستتتلمأي‪ ،‬ثم البعتتتوث التعليمية التتتتي أرستتتلتها أوربا إلى‬
‫المدارس السلمأية في الندلس وصقلية الستتلمأية وغيرهما مأن بلد‬
‫المستتتلمين‪ ،‬والتتتتي عتتتاد مأنها أولئك المبعوثتتتون في شتتتغف هائل‬
‫بالحضارة السلمأية والعلوم السلمأية والفكر السلمأي‪..‬ت‬
‫وكانت أوربا ‪ -‬بهذه التأثيرات ‪ -‬على وشك أن تدخل في السلم‬
‫كما يقول المؤرخ البريطاني ويلز في كتاب " مأعالم تاريخ النسانية "‬
‫)‪ (1‬وكما يشير غيره مأن المؤرخين والكتاب الغربيين )‪.(2‬‬
‫وهنا جن جنتتتون الكنيسة الوربيتتتة‪ ،‬وقتتتامأت تحتتتارب النفتتتوذ‬
‫السلمأي بضراوة ووحشية‪ ،‬عن طريق مأحتتاكم التفتتتيشت مأن ناحيتتة‪،‬‬
‫كما كلفت كتابها وشتتتعراءها مأن ناحية أختتترى أن يشتتتوهوا صتتتورة‬
‫الستتلم في نفتتوس الوربتتيين‪ ،‬ويرمأتتوه بكل نقيصتتة‪ ،‬لينفتتروا مأنه‬
‫الراغبين فيه‪ ،‬أو المتأثرين بحضارته وعلومأه وفكره‪.‬‬
‫ويجب أن نعتترف ‪ -‬نحن المستتلمين بصتتفة خاصة ‪ -‬أن جوردانو‬
‫برونو أحرق حيا‪ ،‬وهدد كوبرنيكوس وجاليليو بالحرق أحياء لنهم تبنتتوا‬
‫أفكارا علمية مأستمدةت مأن العلماء المسلمين‪ .‬فكان حرق مأن أحتترق‬
‫والتهديد بحتتترق الختتترين مأوقفا صتتتليبيا في مأبعثتتته‪ ،‬وفظا مأتوحشا‬
‫كطابع الحتتروب الصتتليبية كلها مأن أول التتتاريخ إلى اللحظة الراهنتتة‪،‬‬
‫التتتي رأينا نمتتاذج مأنها في البوستتنة والهرسك وكوستتوفا والشيشتتان‬
‫)( ج‪ 3 ،‬ص ‪ 966‬من الترجمة العربية ‪ -‬ترجمة عبد‪ ،‬العزيز توفيق جاويد‪ ،‬طبع لجنة التأليف والترجمة‬ ‫‪1‬‬

‫والنشر بالقاهرة‬
‫)( انظر على سبيل المثال "شمس ال تشرق على الغرب" من تأليف زيجريد هونكة‬ ‫‪2‬‬

‫‪15‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫)في عصر الديمقراطية والحرية واحتتتتترامت " الخر "!!( وإن كتتتتانت‬
‫المراجع الوربية ل تشير بطبيعة الحال إلى هذه الحقيقة‪..‬‬
‫إنما التتتذي يهمنا هنا أن نتتتبين أنه نتيجة لفاعيل الكنيسة وقعت‬
‫أوربا في مأتتأزق ضتتخم كتتانت آثتتاره وبتتال ً على البشتترية‪ .‬فطغيتتان‬
‫الكنيسة في القتترون الوستتطى )التتذي لم تشتتعر أوربا أنه طغيتتان إل‬
‫بعد احتكاكها بالسلم والمستتلمين( كتتانت نتيجته أن أوربا نفتترت مأن‬
‫دين الكنيسة وتمردت عليتته‪ .‬وفظاظتها في حتترب النفتتوذ الستتلمأي‬
‫بالتعتتذيب والتشتتويه كتتانت نتيجته أن أوربا نفتترت مأن الستتلم ولم‬
‫تتتدخل فيتته‪ ،‬فتترجعت أوربا إلى مأيراثها الغتتريقي الرومأتتاني الوثتتني‬
‫تستمد مأنه أفكارها وقيمها ومأبادئها في عداء واضح مأع الدين‪.‬‬
‫وهنا ولدت الكارثة التي تعاني مأنها البشتترية إلى هتتذه اللحظتتة‪،‬‬
‫وهي وجود قوة مأادية وعلمية واقتصتتادية وتقنية هائلتتة‪ ،‬مأع انحطتتاط‬
‫روحي وأخلقي بتتالغ المتتدى‪ ،‬لم تهبط البشتترية إلى مأثله في تاريخها‬
‫كله‪..‬‬
‫هذا الوضع ‪ -‬على غرابته ‪ -‬ل يشتتكل مأشتتكلة بالنستتبة للمستتلم‬
‫الواعي الذي يدرك السنن الربانية‪ ،‬ويعلم مأن كتاب الله وسنة رسول‬
‫صتتلى الله عليه وستتلم كيف تجتتري المأتتور في واقع البشر مأحكومأة‬
‫بهذه السنن التي ل تتبتتدل ول تتحتتول‪ .‬ول يشتتكل هتتذا الوضع له فتنة‬
‫ما‬ ‫سََوا َ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫فل َ ّ‬‫تفتنه عن دينه‪ ،‬لنه يقرأ في كتاب الله قوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫اب ك ُ ّ‬ ‫فتَحنَا عَلَيه َ‬
‫يءٍ‪ (1) (..‬فيعلم أنه ل‬ ‫شََ ْ‬ ‫ََل َ‬ ‫ََو َ‬‫م أب ْ َ‬ ‫ْ إ ْ‬ ‫ه َ ْ‬ ‫ذُك ّ ُروا ب إََ إ‬
‫تناقض ول غرابة في أن يكون القوم كفارا ومألحدة‪،‬ت وأن تكون أبواب‬
‫كل شتتتتيء مأن القتتتتوة المادية والعلميتتتتة والقتصتتتتادية والحربية‬
‫والسياسية مأفتوحة لهم إلى حين يقدره الله سبحانه وتعالى بحكمته‪:‬‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫فَََإإذَا ُ‬ ‫ة َ‬‫غت ََََ ً‬‫م بَ ْ‬ ‫ما أُوت َََُوا )‪ (2‬أَخََََ ذْنَا ُ‬
‫ه ْ‬ ‫حَََوا ب إ َ‬ ‫ر ُ‬
‫ف إ‬‫حتّى إإذَا َ‬ ‫) َ‬
‫ب‬ ‫مَ دُ لإل ّ إ‬
‫ه َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫وال ْ َ‬‫مََوا َ‬ ‫ين ظَل َ ُ‬
‫ذ َ‬ ‫وما إ ال ّ إ‬
‫قَ ْ‬‫ع دَاب إ ُر ال ْ َ‬
‫قطإ َ‬ ‫ف ُ‬‫ون َ‬‫س َ‬ ‫مبْل إ ُ‬‫ُ‬
‫)‪(3‬‬
‫ين( ‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫عال َ إ‬
‫ال ْ َ‬
‫نعم! ل غرابة في هتتذا الوضع بالنستتبة للمستتلم التتواعي التتذي‬
‫يتتدرك ستتنن اللتته‪ .‬ولكنه فتنة ضتتخمة لمن ل يتتدرك هتتذه الستتنن‬
‫وحكمتها‪ ،‬لن الحسبة ستكون في رأسه على هتتذا النحتتو‪ :‬لقد كتتانت‬
‫أوربا في يوم مأن اليام مأتدينة‪ ،‬فكانت تعيش في ظلم مأطبق‪ ،‬وكان‬
‫)( سورة النعام )‪(44‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( أي استولى عليهم الغرور‪ ،‬وطغوا في الرض بغير الحق‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة النعام )‪(45 - 44‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪16‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫يحيط بها الجهل والجمتتود مأن كل جتتانب‪ ،‬فلما نبتتذتت التتدين تقتتدمأت‬
‫وتحضرت وقفتتزت قفتتزات هائلة في كل اتجتتاه! إذن‪ ..‬فالتتدين صتتنو‬
‫للظلم والتتتأخر ؛ والكفر واللحتتاد والتمتترد على التتدين صتتنو للتقتتدمت‬
‫والتحضر و الرقي!!‬
‫أية فتنة لمن طمست بصيرته عن إدراك سنن الله وحكمتها؟!‬
‫وليس بنا هنا أن نفند هذه الفتنة فقد فنتتدناها في أمأتتاكن أختترى‬
‫)‪.(1‬‬
‫ولكن يعنينا كثتتيرا أن نبين مأستتئولية المأة الستتلمأية في هتتذه‬
‫الفتنة‪ ،‬وهي مأسئولية ضخمة في الحقيقة‪.‬‬
‫فلو أن المأة الستتلمأية لم تقع في أمأراضتتها التتتي ستتردنا جانبا‬
‫مأنها فيما سبق‪ ،‬أو لو أن المأة عالجت أمأراضها أول ً بتتأول ولم تتتدعها‬
‫تستفحل كما حتتدث بالفعتتل‪ ،‬فتتإن صتتورة أختترى غتتير الواقع الحتتالي‬
‫كانت قمينة أن تقع في الرض بتقدير الله‪.‬‬
‫كتتتتانت أوربا ستتتتتتقوى بما تعلمت مأن علتتتتوم المستتتتلمين‪،‬‬
‫وبالضافات التي أضافتها إليها في انطلقتها الفتية التي اكتسبتها مأن‬
‫تحطيم القيتتود التتتي كتتانت الكنيسة تكبلها بها باسم التتدين‪ ..‬ولكنها‬
‫أول‪ :‬لم تكن لتبلغ مأا بلغته اليوم مأن القوة‪ ،‬فإنها لم تبلغ هذا المتتدى‬
‫مأن القتتوة إل بضََعف المسََلمين حين انطلقت أوربا الصتتليبية ‪-‬‬
‫مأدفوعة بصتتليبيتها ‪ -‬تحتل بلد العتتالم الستتلمأي‪ ،‬وتستترق مأواردهتتا‪،‬‬
‫وتضاعف ثروتها‪ ،‬وتستزيدت كل يوم مأن وسائل القوة التتتي تمكنها مأن‬
‫مأزيد مأن الستتيطرة‪ ،‬ومأزيدت مأن ستتلب ثتتروات المستتلمين‪ ..‬ثم إنها‬
‫ثانيا‪ :‬لم تكن لتكتتتون هي النمتتتوذج الوحيد أمأتتتام النتتتاس للقتتتوة‬
‫والتمكين‪ .‬إنما كان سيوجد نموذجان للتمكين والقوة‪ ،‬أحدهما مأتتؤمأن‬
‫والخر كافر‪ ،‬فيسهل على الناس أن يميزوا بين كل النوعين ليختتتاروا‬
‫أحستتنهما‪ .‬فأحتتدهما قتتوي مأمكّن في الرض‪ ،‬مأتقتتدمت مأتحضر مأتعلم‬
‫من ََُوا‬‫ين آ َ‬
‫ذ َ‬ ‫مأثقف نشتتتيط مأتحتتترك‪ ،‬تحفّه البركة والطمأنينتتتة‪) :‬ال ّ إ‬
‫قلُوبهم ب َذكْر الل ّ َ‬
‫قل َُ ُ‬
‫َوب(‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مئ إ ّ‬‫ه تَطْ َ‬
‫ر الل ّ إ‬
‫ذك ْ إ‬
‫ه أل ب إ َ إ‬‫إ‬ ‫نَ ُ َ ُ ُ ْ إ إ إ‬ ‫مئ إ ّ‬‫وتَطْ َ‬‫َ‬
‫َات‬ ‫َ‬
‫م ب َ َرك َ ٍ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وا ل َ‬ ‫وات ّ َ‬ ‫ْ‬
‫ل ال ُ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬ ‫)‪(2‬‬
‫حنَا عَلي ْ إ‬‫فت َ ْ‬ ‫قَ ْ‬ ‫منُوا َ‬‫ق َرى آ َ‬
‫ْ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫وأ ّ‬‫ول ْ‬ ‫‪َ ).‬‬
‫ض( )‪.(3‬‬
‫وال ْر إ‬ ‫ء َ‬
‫ما إ‬
‫الس َ‬
‫ّ‬ ‫ن‬
‫م َ‬ ‫إ‬

‫)( انظر على سبيل المثال‪" :‬قضية التنوير في العالم السلمي"‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة الرعد )‪(28‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة العراف )‪(96‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪17‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫والخر قتتتوي مأمكّن في الرض‪ ،‬مأتقتتتدم في الجتتتوانب المادية‬
‫والعلمية‪ ،‬ولكنه مأحروم مأن البركة والطمأنينة‪ ،‬يعج بالقلق والنتحتتتار‬
‫والجنون والمأراض النفستتية والعصتتبية والمختتدرات والجريمتتة‪ ..‬كما‬
‫أن أحتتدهما ‪ -‬مأع قوته وتمكنه ‪ -‬ل يستتعى إلى ظلم الختترين وستتلب‬
‫أقتتواتهم والتحكم المتتذل فيهم‪ ،‬بينما الخر قتتوة غاشتتمة ل تكف عن‬
‫العدوان وإذلل الخرين ل لشيء إل لرواء شهوة السلطان!‬
‫عندئذت لم تكن لتوجد الفتنة‪ ..‬أو في القليل لم تكن الفتنة لتجتاح‬
‫كل الرض!‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫لقد كان غياب المأة السلمأية عن الستتاحة هو الكارثة الحقيقية‬
‫التتتي أصتتابت البشتترية‪ ،‬لنه أخلى الستتاحة مأن النمتتوذج الصتتحيح‬
‫للحضارة النسانية‪ ،‬وأتاح للنموذج المنحرف أن ينفتترد بالستتاحة‪ ،‬وأن‬
‫يفتن الناس عن ربهم وآخرتهم ودينهم وأخلقهم‪ ..‬وإنسانيتهم!‬
‫ولقد كتتانت حكمة الله مأن إختتراج هتتذه المأة أن ترشد النتتاس‪..‬‬
‫سأََطا ً‬ ‫ك جعلْنَاك ُ ُ‬
‫و َ‬‫ة َ‬ ‫م ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫ْ‬ ‫وكَذَل إ َ َ َ‬ ‫كل الناس‪ ..‬إلى النموذج الصحيح‪َ ) :‬‬
‫هيداً(‬ ‫شَ إ‬ ‫م َ‬ ‫ول عَلَيْك ُ ْ‬ ‫سأ ُ‬ ‫الر ُ‬
‫ون ّ‬ ‫ويَك ُ َ‬ ‫اس َ‬
‫إ‬ ‫هدَاءَ عَلَى الن ّ‬ ‫ش َ‬ ‫لإتَكُونُوا ُ‬
‫ْ‬ ‫خي َََر أُم ُ‬
‫ون ب إَََال ْ َ‬ ‫‪) .‬كُنْت ُ ْ‬
‫)‪(1‬‬
‫وف‬ ‫إ‬ ‫ع ُر‬
‫م ْ‬ ‫م ُر َ‬ ‫اس ت ََََأ ُ‬
‫ت لإلن ّ )‪(2‬إ‬ ‫ج ْ‬ ‫َََْر َ‬
‫ة أخ إ‬ ‫م َ ْ َ ّ ٍ‬
‫ه( ‪.‬‬ ‫ون بإالل ّ إ‬ ‫من ُ َ‬ ‫ؤ إ‬ ‫وت ُ ْ‬‫ر َ‬ ‫منْك َ إ‬ ‫َن ال ْ ُ‬ ‫نع إ‬ ‫و َ‬ ‫ه ْ‬
‫وتَن ْ َ‬ ‫َ‬
‫وحين قتتامأت برستتالتها على الوجه الصتتحيح أختترجت كثتتيرا مأن‬
‫الناس مأن الظلمات إلى النور‪ ،‬سواء مأن آمأن بالسلم والتزم بتته‪ ،‬أو‬
‫مأخ َْرجها مأن‬ ‫اقتبس مأن نتتوره دون أن يتتتؤمأن بخ كما فعلت أوربا في َ‬
‫قرونها الوسطى المظلمة‪..‬‬
‫ولكنها حين تقاعست عن أداء رستتالتها‪ ،‬بستتبب مأا أصتتابها مأن‬
‫أمأراض في مأسيرتها‪ ،‬فقد أتاحت الفرصة للطاغوت أن يبسط نفوذه‬
‫على البشر‪ ،‬ويخرجهم مأن النور إلى الظلمات‪.‬‬
‫ات إإلَى الن ّ إ‬
‫ور‬ ‫م إ‬ ‫ن الظّل ُ َ‬ ‫م َ‬‫م إ‬ ‫ه ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫ْر ُ‬
‫منُوا يُخ إ‬ ‫ين آ َ‬‫ذ َ‬ ‫ي ال ّ إ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ول إ‬ ‫ه َ‬ ‫)الل ّ ُ‬
‫ور‬‫ن الن ّ إ‬‫م َ‬ ‫م إ‬ ‫ه ْ‬‫جََون َ ُ‬ ‫ْر ُ‬
‫وت يُخ إ‬ ‫غ ُ‬ ‫م الطّا ُ‬ ‫ه ُ‬‫ؤ ُ‬ ‫ولإي َََا ُ‬ ‫فََ ُروا أ ْ‬ ‫ين ك َ َ‬ ‫ذ َ‬ ‫وال ّ إ‬ ‫َ‬
‫)‪(3‬‬
‫ات‪. (...‬‬ ‫م إ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫إإلى الظل َ‬ ‫َ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫)( سورة البقرة )‪(143‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة آل عمران )‪(110‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة البقرة )‪(257‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪18‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫على أن الكارثة الكبرى التي أصابت البشتترية نتيجة غيتتاب المأة‬
‫الستتتلمأية عن الستتتاحة لم تكن هتتتذه‪ ،‬إنما كتتتانت بتتتروز اليهتتتود‪،‬‬
‫وسيطرتهم الحالية على مأقدراتت البشرية‪.‬‬
‫وقد يفاجأ القتتارئ بهتتذه المقولتتة‪ ،‬وقد يستتتغربها‪ ..‬ولكن ها هي‬
‫ذي ‪ -‬ببساطة ‪ -‬وقائع التاريخ‪.‬‬
‫فمتتتى بتتدأت الستتيطرة الحالية لليهتتود‪ ،‬وكيف وصتتلت إلى مأا‬
‫وصلت إليه اليوم؟‬
‫بدأت مأع الثورة الصناعية‪..‬‬
‫فقد كانت الثتتورة الصتتناعية في حاجة إلى عنصتترين أساستتيين‪:‬‬
‫المال الوفير التتذي يمكن أن ينشئ المصتتانع‪ ،‬والعمتتال المحشتتودين‬
‫في المدن التي تقوم فيها المصانع‪.‬‬
‫فأمأا العمتتتال فقد كتتتانوا مأحتجتتتزين في الرض الزراعية التتتتي‬
‫يملكها أمأراء القطاعا‪ ،‬وكانوا عبيدا في تلك الرض ل يملكون النتقال‬
‫مأنها إلى المدينتتة‪ ،‬بل ل يملكتتون النتقتتال مأن إقطاعية إلى أختترى إل‬
‫بإذن أمأير القطاعية‪ ،‬وإل اعتتتبروا عبيتتدا آبقين‪ ،‬وأعيتتدوا إلى أرضتتهم‬
‫مأوسومأين على جباههم بالنار‪..‬‬
‫وكان ل بد مأن تحطيم القطتتاعا مأن أجل تغذية الثتتورة الصتتناعية‬
‫بالعمال‪..‬‬
‫وقتتتامأت الثتتتورة الفرنستتتية بتتتذلك‪ ..‬وحتتتررت " عبيد الرض "‬
‫ومأنحتهم حرية النتقال‪.‬‬
‫ومأعلوم لكل الناس دور اليهود في إشعال الثورة الفرنستتية عن‬
‫طريق الجمعيتتات الماستتونية المنتشتترة يومأئذ في فرنستتا‪ ،‬وإن كتتان‬
‫قتتول اليهتتود إنهم هم التتذين صتتنعوا الثتتورة الفرنستتية تبجح يتجتتاوز‬
‫الواقع‪ ،‬فلتتول الغضب المكبتتوت المتتتراكم خلل القتترون مأن مأظتتالم‬
‫القطتتاعا وفظائعه مأا استتتطاعا اليهتتود أن يفجتتروا الثتتورة على النحو‬
‫الذي فعلوه‪..‬‬
‫وأمأا المتتال اللزم لدارة الثتتورة الصتتناعية فلم يكن مأتتتوافرا إل‬
‫عند فئتتتتين اثنتتتتين في أوربا في ذلك الحين‪ ،‬هما أمأتتتراء القطتتتاعا‬
‫والمرابون اليهود‪.‬‬
‫أمأا أمأتتتتراء القطتتتتاعا فقد امأتنعتتتتوا تمامأا عن تمويل الثتتتتورة‬
‫الصتتناعية! فهم بتتادئ ذي بتتدء فلحتتون )وإن كتتانوا أمأتتراء بالستتم!(‬
‫والفلح ل يغامأر بتشغيل مأاله في غير التتدورة الزراعية التتتي يحفظها‬
‫‪19‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫عن ظهر قلب‪ ،‬ويحفظ تقلباتها واحتمالتهتتتتا‪ .‬فهو يلقي البتتتتذرة في‬
‫الرض‪ ،‬ويتعهدها حتى تختترج مأحاصتتيلها‪ ،‬فيستتتهلك مأنها مأا يستتتهلك‬
‫لنفسه‪ ،‬ويحتجز مأا تحتاج إليه الرض مأن "التقاوى " للزرعة القادمأة‪،‬‬
‫ويبيع الفائض في السوق‪..‬‬
‫ثم إن الثتتورة الصتتناعية في أول عهتتدها لم تكن رابحة في كثتتير‬
‫مأن الحالت! فلم تكن هناك كثافة سكانية كبيرة في المدن‪ ،‬ولم تكن‬
‫هناك طرق مأعبدة لتصريف النتاج على نطاق واستتع‪ ،‬ولم تكن هنتتاك‬
‫وسائل إعلن‪ ..‬وكلها مأن الضتترورات التتتي ل تستتتغني عنها الصتتناعة‬
‫الرابحة‪.‬‬
‫وفضل عن ذلك فقد كانت هناك مأعوّقتتات نفستتية تقف في وجه‬
‫الثورة الصناعية‪ ،‬فقد كان الناس ‪ -‬في سذاجتهم ‪ -‬ل يرحبون بالنتاج‬
‫اللي‪ ،‬لن به ‪ -‬كما يعتقدون ‪ -‬مأس شتتيطان وأنه ستتيمحو البركة مأن‬
‫حياتهم‪ ،‬وكانوا لذلك يفضلون عليه النتاج اليدوي )‪!(1‬‬
‫وأمأا المرابتتون اليهتتود فقد أقبلتتوا على تمويل الثتتورة الصتتناعية‬
‫بشغف شديد‪ ،‬ولعاب سائل! ذلك أنهم ل يشغّلون أمأتتوالهم مأباشتترة‪،‬‬
‫ول يتعرضون للتتربح والخستتارة‪ ،‬وإنما يقرضتتونها بالربتتا‪ ،‬والمقتتترض‬
‫يكسب أو يخسر حسب ظروفه وظروف السوق‪ ،‬أمأا هم فقد ضتتمنوا‬
‫أمأوالهم ‪ -‬قبل إقراضتتها ‪ -‬وضتتمنوا إلى جانبها مأكستتبهم الربتتوي عن‬
‫طريق الشروط التي يضعونها للقراض!‬
‫وبذلك وقعت الثورة الصناعية في قبضتتتهم مأنذت اللحظة الولى‪،‬‬
‫وصاروا هم مأديريهات ودهاقنتهتتا‪ .‬وعن طريق الربتتاح الربوية الضتتخمة‬
‫اشتتتروا التتذهب‪ ،‬وتحكمتتوا به في عملت الرض‪ ،‬ثم اشتتتروا وستتائل‬
‫العلم‪،‬ت ثم اشتروا الساسة وضمائرهم‪ ..‬وستتيطروا على كل الرض!‬
‫وحين سيطروا أثتتاروا الحتتروب بين التتدول لتتترويج صتتناعة الستتلح ‪-‬‬
‫وهم روادها وتجارها مأن قديم ‪ -‬فزادت صناعة الستتلح مأن ثتترواتهم‪،‬‬
‫ومأن قدرتهم على التحكم في مأقدراتت البشرية!‬
‫تلك ‪ -‬باختصار شديد ‪ -‬قصة السيطرة اليهودية التي تهيمن الن‬
‫على الناس‪ .‬وفي طياتها كثير مأن التفصيلت التي ل يتسع المقام هنا‬
‫للحتتديث فيهتتا‪ ،‬إنما نتتذكر مأنها مأجتترد ذكتتر‪ :‬نشر الفستتاد الخلقي‪،‬‬
‫والفوضى الجنسية‪ ،‬واللحاد‪ ،‬والمخدرات‪ ،‬وألوان الجنون المختلفتتة‪:‬‬

‫)( كان حدس الناس صادقا في هذا المر‪ ،‬ومحقت البركة بالفعل من حياة الناس ل بسبب الصناعة‪ ،‬في‬ ‫‪1‬‬

‫ذاتها كما ظنوا بسذاجتهم‪ ،‬ولكن بسبب الطريقة الربوية التي أديرت بها الصناعة كما سيجيء بعد قليل!‬
‫‪20‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫جنتتون الكتترة‪ ،‬وجنتتون الستترعة‪ .‬وجنتتون التترقص‪ .‬وجنتتون الزيتتاء‬
‫)الموضة(‪..‬‬
‫إلى جانب النزاعتتات الدولية المستتتمرة التتتي تتتؤدي إلى جنتتون‬
‫التسلح‪..‬‬
‫والن يتتأتي الستتؤال‪ :‬مأا دور المأة الستتلمأية في كل ذلتتك؟ أو‬
‫بالحرى مأا مأسئوليتها في كل ذلك؟‬
‫إن مأسئوليتها أعظم بكثتتير‪،‬ت وأخطر بكثتتير مأما يتتدور في خلتتدها‬
‫في وضعها الراهن‪ ،‬وهي مأقهتتورة مأستتتذلة مأستضتتعفة‪ ،‬تنهتتال عليها‬
‫الضربات مأن كل جانب‪.‬‬
‫فلو أنها كتتتتانت قائمة برستتتتالتها على الوجه الصتتتتحيح‪ ،‬عامألة‬
‫بمقتضيات تلك الرسالة في عالم الواقتتع‪ ،‬فتتأين كتتان يتوقع أن تقتتوم‬
‫الثورة الصناعية ابتداءً؟‬
‫كتتانت ستتتقوم بطبيعة الحتتال في أكتتثر البلد تقتتدمأا مأن الناحية‬
‫العلمية والعملية‪ ..‬فأين كان ذلك في أيام قيام المأة برسالتها؟‬
‫ألم تكن في بلد المسلمين؟ في الندلس‪ .‬وصتتقلية الستتلمأية‪،‬‬
‫وفي بلد المشرق المختلفة؟‬
‫ولو قتتامأت الثتتورة الصتتناعية ‪ -‬المنبثقة مأن اختتتراعا اللة ‪ -‬في‬
‫ترم في‬ ‫داخل العالم الستتلمأي‪ ،‬فهل كتتانت ستتتقوم على الربتتا‪ ،‬المحت ّ‬
‫شريعة الله؟‬
‫وحين ينسد هذا الباب ‪ -‬الذي نفذ مأنه اليهود بضراوة ‪ -‬فهل كان‬
‫سيتاح لهم كل مأا أتيح لهم مأن سيطرة عن طريق الربا وجمع الذهب‬
‫وشراء ضمائر الساسة وإفساد الخلق؟!‬
‫الجابة واضحة‪ ..‬أو لعلها الن قد وضحت‪..‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫إن علو اليهود وإفستتادهم في الرض قتتدر مأقتتدور‪ ،‬مأكتتتوبت في‬
‫ن‬
‫س َد ُ ّ‬
‫ف إ‬ ‫َاب لَت ُ ْ‬
‫في الْكإت ََ إ‬ ‫َ‬
‫رائايل إ‬ ‫ضيْنَا إإلَى بَنإي إ إ ْ‬
‫سأ‬ ‫ق َ‬ ‫)و َ‬
‫كتاب الله‪َ :‬‬
‫وا ً كَبإيرا( ‪.‬‬
‫ً )‪(1‬‬ ‫ْ َ‬
‫ن عُل ُ ّ‬
‫عل ُ ّ‬
‫ولَت َ ْ‬
‫ن َ‬‫م ّرتَي ْ إ‬‫ض َ‬
‫في ال ْر إ‬‫إ‬
‫وسواء أكانت المرتان المذكورتان في كتاب الله تاريختتا ً مأضتتى‪،‬‬
‫أم كانت إحداهما قد مأضت والثانية هي الواقعة اليوم كما يتتترى بعض‬
‫التتذين يتعرضتتون لتفستتير اليتتة‪ ،‬ففي كتتتاب الله إشتتارة إلى مأكتتان‬

‫)( سورة السراء )‪(4‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪21‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫م‬ ‫عَدْت ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫)وإ إ ْ‬‫عودتهم إلى الفساد والفساد في قوله تعالى بعد ذلك‪َ :‬‬
‫عدْنَا( )‪.(1‬‬ ‫ُ‬
‫ولكن كتاب الله علمنا أن كتتون الشتتيء قتتدرا ل ينفي مأستتئولية‬
‫البشر حين يتصرفون تصتترفا خاطئا يتعلق به ذلك القتتدر‪ .‬ففي وقعة‬
‫أحد التي وقعت فيها مأخالفة المسلمين لتعليمات الرسول صتتلى الله‬
‫ة َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫صََبْت ُ ْ‬ ‫قد ْ أ َ‬ ‫صيب َ ٌ‬ ‫م إ‬ ‫م ُ‬ ‫صابَتْك ُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ول َ ّ‬ ‫عليه وسلم نزل قوله تعالى‪) :‬أ َ‬
‫ه عَلَى‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إإ ّ‬ ‫سََك ُ ْ‬ ‫ف إ‬ ‫د أَن ْ ُ‬‫عن ْ إ‬ ‫ن إ‬ ‫م ْ‬ ‫و إ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫هذَا ُ‬ ‫م أَنّى َ‬ ‫قلْت ُ ْ‬ ‫ها ُ‬ ‫مثْلَي ْ َ‬ ‫إ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ن الل إ‬ ‫فبإإإذْ إ‬ ‫ان َ‬ ‫ع إ‬ ‫م َ‬ ‫ج ْ‬
‫قى ال َ‬ ‫ما الت َ َ‬ ‫و َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫صابَك ُ ْ‬ ‫ما أ َ‬ ‫و َ‬‫ير َ‬
‫د ٌ‬ ‫ق إ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫قوا‪.(2)(...‬‬ ‫ف ُ‬ ‫ين نَا َ‬ ‫ذ َ‬ ‫م ال ّ إ‬ ‫عل َ َ‬ ‫ولإي َ ْ‬
‫ين َ‬ ‫من إ َ‬ ‫ؤ إ‬‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫عل َ َ‬
‫ولإي َ ْ‬ ‫َ‬
‫هو قتتتدر‪ ،‬وله حكمته عندت اللتتته‪ .‬ولكن مأستتتئوليتكم فيه قائمة‬
‫لمخالفتكم أمأر قائدكم عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫والستتيطرة العالمية لليهتتود القائمة اليتتوم قتتدر‪ ،‬وله حكمته عند‬
‫الله ستتبحانه وتعتتالى‪ .‬ولكن ل ينفي ذلك مأستتئولية المأة الستتلمأية‪،‬‬
‫التي أقامأها الله لتكون شاهدة ورائدة لكل البشرية‪.‬‬
‫لقد قصتتترت المأة تقصتتتيرا واضتتتحا في أداء رستتتالتها‪ ،‬ستتتواء‬
‫بالمنازعات التتتي قضت على دولة المستتلمين في النتتدلس )وكتتانت‬
‫مأنارة العلم والحضارة والتقدم في أوربا( والتي استعان فيها المأتتراء‬
‫المستتلمون بعضتتهم على بعض بالصتتليبيينت )!( أو بتتالجمود الفكتتري‬
‫والروحي والعلمي في المشتترق‪ ،‬أو بالبتتدعا والمعاصي والنحرافتتات‬
‫العقديتتة‪ ،‬أو بالتقتتاعس عن إعتتداد العتتدة‪ ،‬أو بالنصتتراف عن عمتتارة‬
‫الرض‪ ،‬أو بالسكوت على الستبداد السياسي‪ ،‬أو‪ ..‬أو‪..‬‬
‫وكانت النتيجة حسب ستتنة الله هي انحستتار الوجتتود الستتلمأي‬
‫ك‬‫في الساحة بسبب مأا تغتتير مأن حقيقة الستتلم في النفتتوس‪) :‬ذَل إ َ‬
‫ها عَلَى َ‬ ‫غيرا ً نإعم ً َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫غي ّ ُروا َ‬ ‫حتّى ي ُ َ‬ ‫وما ٍ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫م َ‬ ‫ع َ‬ ‫ة أن ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫م َ ّ‬ ‫ك ُ‬‫م يَ ُ‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫بإأ ّ‬
‫م( )‪.(3‬‬ ‫ه ْ‬ ‫س إ‬ ‫ف إ‬ ‫بإأَن ْ ُ‬
‫وترتب على انحسار الوجود السلمأي بروز القوة الجاهلية التتتي‬
‫تحكم الرض اليتتوم‪ ،‬ستتواء عنينات بها الغتترب في مأجموعتته‪ ،‬أو أمأريكا‬
‫بالذات‪ ،‬أو اليهود الذين يسيطرون هنا وهناك‪..‬‬
‫وتظل المأة الستتلمأية تحمل مأستتئوليتها في ذلك أمأتتام اللتته‪..‬‬
‫وأمأام التاريخ‪.‬‬
‫)( سورة السراء )‪(8‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة آل عمران )‪(167 - 166‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة النفال )‪(53‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪22‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫وهنا نتتأتي إلى نقطة هامأة يجب الشتتارة إليها في ختتتام هتتذه‬
‫الحديث‪.‬‬
‫إن أكتتتثر المتحتتتدثينت عن الوضتتتاعا القائمة في الرض اليتتتوم‬
‫يتتتأرجحون بين اتجتتاهين‪ ،‬أحتتدهما يلقى باللئمة ‪ -‬كامألة ‪ -‬على المأة‬
‫السلمأية‪ ،‬والخر يلقي باللئمة ‪ -‬كامألة ‪ -‬على الغتترب ومأؤامأرته ضد‬
‫الستتلم‪ .‬وكل فريق يتتدافع ‪ -‬بحتترارة ‪ -‬عن اتجاهتته‪ ،‬ويصب اللتتوم ‪-‬‬
‫وأحيانا اللعنات ‪ -‬على الفريق الخر‪.‬‬
‫والتفكير على هذا النحو يؤدي إلى نتائج خاطئة‪ ،‬سواء صتتدر عن‬
‫العلمانيين‪ ،‬الذين يسخرون مأن فكرة المتتؤامأرة ويهتتزأون بمعتنقيهتتا‪،‬‬
‫أو عن الستتلمأيين التتذين يفستترون المأر كله بتتالمؤامأرة القائمة ضد‬
‫السلم‪.‬‬
‫إن المأتترين مأعا مأوجتتودان اليتتوم في الستتاحة! وإثبتتات وجتتود‬
‫أحدهما ليس على الطلق نفيا لوجود الخر! لنهما ليسا مأتعارضتتين‪،‬‬
‫بل هما مأتصاحبانت مأتعانقان! فتقصير المأة الستتلمأية حقيقة واقعتتة‪،‬‬
‫ومأتتؤامأرةت الغتتترب على الستتتلم حقيقة واقعة ل ينكرها إل مأغالتتط‪.‬‬
‫وكلهما يتفاعل مأع الخر‪ .‬فلتتول تقصتتير المأة الستتلمأية مأا استتتطاعا‬
‫الغتترب الصتتليبي أن ينفذ مأؤامأرته ضد الستتلم‪ ،‬ولتتول المتتؤامأرة مأا‬
‫أحبطت كل المحتتاولت التتتي تقتتوم بها المأة لمعتتاودة النهتتوض مأن‬
‫كبوتها‪.‬‬
‫والحديث النبوي الشريف الذي صدرنا به هتتذا البحث يشتتير إلى‬
‫المأرين مأعا ً مأتصاحبينت مأتعانقين‪ :‬تكالب العتتداء على المأة كتتتداعي‬
‫الكلة على قصتتعتها )وهتتذه هي المتتؤامأرة( وكتتون المأة في وضتتعها‬
‫الحتتالي غثتتاء كغثتتاء الستتيل‪ ،‬لما أصتتابها مأن التتوهن‪ ،‬وهو حب التتدنيا‬
‫وكراهية الموت‪.‬‬
‫وإن هذا الحتتديث التتذي يصف أحوالنا اليتتوم بهتتذه الدقة لهو مأن‬
‫الوحي‪ ..‬وإنه لمن العجاز‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫ماذا يملك المسلمون؟‬
‫يقلّب المسلمون في مأشتتارق الرض ومأغاربها أكفّهم في حتتيرة‬
‫ويقولتتون‪ :‬مأتتاذا نفعل إزاء العولمتتة؟ هل نملك شتتيئا في الحاضر أو‬
‫المستقبل؟‬
‫أمأا في الحاضر فقد تكون الجابة صتتعبة بالفعتتل‪ ..‬ولكن ل ؛ لن‬
‫العولمة هي ذلك الغول الذي ل يقهر‪ ،‬والتتذي ل يملك النتتاس إزاءه إل‬
‫الذعتتان والتستتليم‪ ..‬فقد بتتدأت المجابهة بالفعل في المتتؤتمر التتذي‬
‫أقيم في مأدينة " ستتتتياتل " ولكنها ‪ -‬مأع السف ‪ -‬كتتتتانت مأن غتتتتير‬
‫المسلمين!‬
‫إنما تأتي صعوبة الجابة مأن سوء الحال التي وصتتلت إليها المأة‬
‫السلمأية‪..‬‬
‫لم تصل المأة في تاريخها كله إلى هذه الدرجة مأن الهتتوان على‬
‫ترد ويتتذبّح أبناؤها بعشتترات اللتتوف‬ ‫تارد وتشت ّ‬
‫نفسها وعلى الناس‪ ،‬تطت َ‬
‫ومأئتتات اللتتوف في أوربا وأفريقيا وآستتيا ول تتحتترك‪ ،‬ول يصتتدر عنها‬
‫فعل يوقف هتتتذه المتتتذابح الوحشتتتية أو يتتترد عليهتتتا‪ .‬وتستتتلب مأنها‬
‫فلسطين‪ ،‬وتسلب مأنها القدس وهي واقفة تتفرج كالمأخوذ‪..‬‬
‫ومأن جهة أختترى لم يتجمع العتتالم كله على المأة الستتلمأية كما‬
‫مع اليتتوم‪ ،‬يأكل حقوقها علنيتتة‪ ،‬ويستتلب أقواتهتتا‪ ،‬ويحتتارب دينها‬ ‫تج ّ‬
‫ومأعتقتتداتها ومأقومأتتات وجودها الفكتتري والتتروحي والمتتادي‪ ،‬وهي‬
‫عتتاجزة مأستتلوبة الرادة‪ ..‬وإن همت بحركة أو حتتتى حتتدثت نفستتها‪،‬‬
‫تمتد أصتتابع العصتتابة الدولية كلها صتتارخة‪ :‬أصتتوليون! إرهتتابيون!‬
‫اقتلوهم! أو ضعوهم في السجون!‬
‫وفي الوقت ذاته هناك نقص فادح في أدوات المواجهة‪..‬‬
‫فمن أدوات المواجهة الختتبرة التكنولوجية والتصتتنيع‪ ،‬والمأة في‬
‫كل المجالين فقتتيرة إلى حد يقتترب مأن الفلس‪ ،‬وفي الجتتانب الخر‬
‫وحتتتوش ضتتتارية تتجمع لتأكل الخضر واليتتتابس‪ ،‬ولتعطل كل حركة‬
‫تهدف إلى اكتساب الخبرة أو تنمية النتاج‪.‬‬
‫نعم! ولكن‪!..‬‬
‫فتى حديث للرسول صلى الله‬ ‫ً‬ ‫مأن قديم كان يستوقفني وأنا بعد‬
‫عليه وستتلم يقتتول‪ " :‬مأن رأى مأنكم مأنكتترا فليغتتيرهت بيتتده‪،‬ت فمن لم‬
‫)‪(1‬‬
‫يستطع فبلسانه‪ ،‬فمن لم يستتتطع فبقلبتته‪ ،‬وهو أضتتعف اليمتتان "‬
‫)( متفق عليه‬ ‫‪1‬‬

‫‪24‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫وحديث في ذات التجاه يقول‪ " :‬فمن جاهدهم بيده فهو مأؤمأن‪ ،‬ومأن‬
‫جاهدهم بلسانه فهو مأتتؤمأن‪ ،‬ومأن جاهتتدهم بقلبه فهو مأتتؤمأن‪ .‬وليس‬
‫وراء ذلك مأن اليمان حبة خردل " )‪.(1‬‬
‫كان يستوقفني بشدة أن الرسول صلى الله عليه وستتلم ستتماه‬
‫جهادا‪ ،‬وسماه تغييرا‪ ،‬مأع أنه مأستكن في داخل القلب‪ ،‬ول يغتتير شتتيئا‬
‫مأن الواقع المراد تغييره!‬
‫وحين كبر وعتتيي‪ ،‬وزادت تجتتاربي فهمت أشتتياء مأما كتتان خافيا‬
‫علي مأن مأعاني الحديث‪.‬‬
‫إن الجيش في المعركة قد ينهزم‪ ،‬وقد يتقهقر‪ ،‬وقد يلجئه العتتدو‬
‫إلى الخروج مأن ساحة القتال‪ ..‬نعم! ولكن! هناك قلعة أخيرة يحتمي‬
‫في داخلها حتتتتى تواتيه الفرصة لمعتتتاودة القتتتتال‪ .‬وطالما هو مأحتم‬
‫بقلعته لم يستتتلمها للعتتتدو‪ ،‬فهو في حالة جهتتتاد‪ ،‬لنه مأا زال مأحتفظا‬
‫بجنديته وباستتتتعداده‪.‬ت أمأا إذا ستتتلم القلعة فقد انتهى المأتتتر‪ ،‬وحلت‬
‫الهزيمة التي ليس مأنها فكاك!‬
‫وتلك القلعة بالنسبة للمنكر هي القلب‪..‬‬
‫ومأن ثم يسمي الرسول صتتلى الله عليه وستتلم النكتتار بتتالقلب‬
‫جهادا‪ ،‬ويسميه تغييرا‪ ،‬مأع أنه ل يغير شيئا في الواقع الراهن‪.‬‬
‫إن المنكِر بقلبه لم يستستتلم للمأر الواقتتع‪ ،‬ولم يعطه شتترعية‬
‫الوجتتود‪ .‬لم يعتتتبر الواقع صتتوابا‪ ،‬أو ضتتربة لزب ل فكتتاك مأنهتتا‪ .‬إنما‬
‫اعتبر فقط أنه الن في هذه اللحظة عاجز عن التغيير بستتبب ضتتعفه‬
‫أمأام ضراوة المنكر‪ .‬ولكنه مأؤمأن بتتأن مأوقفه هو ‪ -‬هو الصتتواب‪ ،‬وهو‬
‫التتذي له شتترعية الوجتتود‪ ،‬أمأا المنكَر فل شتترعية لتته‪ ،‬ول هو على‬
‫صواب‪ ،‬وإن كانت له السيطرة في اللحظة الراهنة‪.‬‬
‫هل يستوي هو والذي سلم القلعة‪ ،‬ونفض يديه مأن المعركة؟‬
‫كل بالطبع! ل يستويان مأثل!ت‬
‫فأمأا الول فهو الن عاجز‪ .‬نعم‪ ،‬ل يملك مأن أمأر نفسه شيئا وهو‬
‫مأحتتاط ومأحاصر ومأقهتتور‪ ،‬ولكنه مأتتؤمأن بقضتتيته مأا يتتزال‪ .‬ومأا يتتزال‬
‫يراقب الحداث‪ ،‬يتلمس الفرصة التي قد تسنح في أية لحظة‪ ،‬ليخرج‬
‫مأن القلعة‪ ،‬ويعود إلى الميدان‪.‬‬

‫)( أخرجه مسلم‬ ‫‪1‬‬

‫‪25‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫وأمأا الخر فقد انتهت القضية في حسه‪ ،‬واستكان للمأر الواقتتع‪،‬‬
‫ولم يعد يفكر في تغيتتيره‪.‬ت بل خطّأ نفسه على مأوقفه الستتابق مأنتته‪،‬‬
‫وعزم على أل ّ يعود!‬
‫فتتترق هائل في الحقيقتتتة‪ .‬والرستتتول الملهم صتتتلى الله عليه‬
‫وستتلم‪ ،‬يعلم ‪ -‬بما علمه ربه ‪ -‬حقيقة الفتترق بين المأتترين‪ .‬ولكنه في‬
‫التتتوقت ذاته يحتتتذر مأن الركتتتون إلى هتتتذا الوضع ركتتتون الراحة‬
‫والستقرار! فهو يعلم ‪ -‬بما علمه ربه ‪ -‬أن النفوس تركن وتسترخي!‬
‫فيقتتتول مأحتتتذرا‪ " :‬وذلك أضتتتعف اليمتتتان "‪ " ،‬وليس وراء ذلك مأن‬
‫اليمتتان حبة ختتردل "‪ ..‬لكي يحتترصا المتتؤمأن على أل يتتتزحزحت عن‬
‫مأوقفه الخير هذا مأهما كانت الظروف ومأهما كانت الحوال‪..‬‬
‫والمنكِر بقلبه ل يشتتارك في المنكر التتذي عجز عن تغيتتيره‪..‬ت ل‬
‫يشتتارك فيه إل مأكرهتتا‪ .‬لنه إن شتتارك مأوافقا وراضتتيا ومأقتنعا فقد‬
‫سلم القلعة‪ ،‬وترك المعركة إلى غير رجعة!‬
‫وهتتذا هو " الجهتتاد " التتذي أشتتار إليه الرستتول صتتلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ..‬فهو يجاهد أن يستتقط‪ ..‬يجاهد الهزيمة الداخلية التتتي ل بتترء‬
‫مأنها‪ ،‬لنها مأن أمأراض القلوب‪.‬‬
‫" أل وإن في الجسد مأضتتغة إذا صتتلحت صتتلح الجسد كلتته‪ ،‬وإذا‬
‫فسدت فسد الجسد كله‪ .‬أل وهي القلب " )‪.(1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫المأة الستتتتلمأية قد ل تملك شتتتتيئا في الميتتتتدان القتصتتتتادي‬
‫والصتتتناعي في اللحظة الراهنة تقف به في وجه الزوبعة الكاستتتحة‬
‫التي تطلقها العولمة‪ ،‬لتبسط سيطرتها على كل الرض‪..‬‬
‫أقول قد‪ ،‬ول أقول إنه الشيء المؤكد‪ ،‬جريتتا ً فقط مأع الحتمتتال‬
‫السوأ الذي يصتتوره دعتتاة العولمتتة‪ ،‬إذ يقولتتون إنها الداهية التتدهياء‪،‬‬
‫التي ل قبل لحد بالوقوف في وجهها‪..‬‬
‫ومأع ذلك فهي ‪ -‬حتى في لحظتها الراهنة ‪ -‬تملك كثيرا إذا لجأت‬
‫إلى قلعتهتتا‪ ،‬فتحصتتنت في داخلها مأن الهزيمة الداخلية التتتي تجتتتاح‬
‫قلوب المهزومأين‪.‬‬
‫فأمأا القضايا القتصادية فل نتعرض لها هنا‪ ،‬ونترك الحتتديث عنها‬
‫مح فقط إلى أن المنطقة التتتي امأتد‬ ‫للمختصتتين في شتتئونها‪ ،‬ولكنا نل ّ‬
‫فيها الستتتلم بقتتتدر مأن الله هي أغتتتنى بقعة في الرض‪ ،‬بمواردها‬

‫)( رواه الشيخان‬ ‫‪1‬‬

‫‪26‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫الطبيعية مأن مأياه ونبات وخامأات‪ ،‬كما أن تعدادها البشري يزيد اليوم‬
‫على اللف مأليتتتون‪ .‬وهي تملك ‪ -‬رغم كل الضتتتعف التتتذي تعانيه أن‬
‫تشكل وحدة ‪ -‬أو وحدات ‪ -‬اقتصتتادية تستتتغل مأواردها وطاقاتها على‬
‫نحو أفضتتل‪ ،‬فتصتتمد أمأتتام الضتتغوط كما تفعل مأاليزيا في التتوقت‬
‫الحاضر‪ ،‬على التترغم مأن كل العراقيلت التتتي توضع عمتتدا في طريقها‬
‫لكي ل تفلت مأن الحصار!‬
‫وأمأا الختتبرة فيمكن أن تكتسب رغم كل العراقيتتل‪ ..‬فتتالعقول‬
‫الستتتلمأية المهتتتاجرة ‪ -‬التتتتي ألجأتها ظروفها الخاصة أو العامأة إلى‬
‫الهجتتترة إلى الغتتترب ‪ -‬تملك الختتتبرة‪ ،‬والغتتترب ذاته يستتتتعين بها‬
‫وبخبراتها حتتتتى في أدق الشتتتئون‪ ..‬شتتتئون الطاقة النووية وارتيتتتاد‬
‫الفضاء!‬
‫ومأع ذلك فإنا نترك أمأور القتصاد للمختصين‪..‬ت‬
‫أمأور أختترى‪ ،‬فالمأة ‪ -‬بكل فتترد فيها ‪ -‬هي جهة الختصتتاصا!‬ ‫ٌ‬ ‫أمأا‬
‫وهي تملك الكثير!ت‬
‫أمأر العقيتتتتتدة‪..‬ت أمأر الخلق‪ ..‬أمأر القيم‪ ..‬أمأر المبتتتتادئ‪ ..‬أمأر‬
‫النسان‪ ،‬وغاية وجوده‪ ،‬ومأعيار إنجازاته‪.‬‬
‫هتتذه أمأتتور يملكها كل فتترد مألكية خاصتتة‪ ،‬بمعتتنى أنها جتتزء مأن‬
‫كيانه الذاتي‪ ،‬ل ينفصل عن ذاتتته‪ ،‬وعن وجتتوده الشخصتتي‪ ،‬ويملك أن‬
‫يحافظ عليها في داخل قلبه ‪ -‬في داخل قلعته ‪ -‬مأهما كانت الفتن مأن‬
‫حوله‪.‬‬
‫وهتتذه المأتتور كلها يملك المستتلم فيها زادا ربانيا أصتتيل ل يأتيه‬
‫الباطل مأن بين يديه ول مأن خلفتتته‪ ،‬بينما يملك الغتتترب فيها بضتتتاعة‬
‫زائفة مأهما بلغ مأن لمعانها ؛ بضتتاعة صتتنعها البشر مأن عندت أنفستتهم‬
‫وهم في أشد حالت النحطتتاط التتروحي والخلقي‪ ،‬لظتتروف مأحلية‬
‫بحتة عندهم‪ ،‬وإن زعموا أنها ذات طابع إنستتاني شتتامأل‪ ،‬يشتتمل ‪ -‬أو‬
‫يجب أن يشمل ‪ -‬كل أرجاء الرض!‬
‫مأا النسان في نظر الغرب؟!‬
‫إنه ذلك الحيوان الدارويني المتطور‪ ،‬التتذي تطتتور عقله وإبهامأه‬
‫)!( فاستتتطاعا أن يفكر وينطق ويستتتخدمت الدوات‪ ،‬فصتتنع الحضتتارة‬
‫المادية‪..‬‬

‫‪27‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫وأمأا هدفه في الحيتتتاة فهو الستتتتمتاعا الحسي مأن جهة والغلبة‬
‫في الصراعا ‪ -‬صراعا البقاء ‪ -‬مأن جهة أخرى‪ ،‬وأدواته في الصتتراعا هي‬
‫العلم والحرب والسياسة‪.‬‬
‫ثم إنه هو مأرجع ذاتتتته‪ ،‬ل مأرجع فوقتتته‪ ،‬وكل مأا يفعله فتتتتبريره‬
‫الوحد أنه صادر عنه‪ ..‬أي أنه هو الله‪..‬‬
‫وهذا الحيوان المتأله هو الذي يريد أن يفرض " حضتتارته " على‬
‫كل الرض!!‬
‫كل والله! ولن يكون بإذن الله‪..‬‬
‫إن النستتان كما خلقه الله أعلى بكثتتير‪،‬ت وأكتترم بكثتتير‪،‬ت مأن أن‬
‫قََ دْ‬ ‫)ول َ َ‬
‫ينحصر فيما تريد هتتذه الحضتتارة الزائفة أن تحصتتره فيتته‪َ ..‬‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫م إ‬ ‫ه ْ‬ ‫قن َََا ُ‬‫و َر َز ْ‬ ‫َر َ‬ ‫إ‬ ‫حَ‬‫والْب َ ْ‬ ‫َر َ‬ ‫في الْب ََ ّ‬ ‫م إ‬ ‫ه ْ‬‫ملْن َََا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫و َ‬
‫ما َ‬ ‫منَا بَنإي آدَ َ‬ ‫ك َ ّر ْ‬
‫ضيلً( )‪.(1‬‬ ‫ف إ‬ ‫قنَا ت َ ْ‬ ‫ن خَل َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ير إ‬ ‫م عَلَى كَث إ ٍ‬ ‫ه ْ‬ ‫ضلْنَا ُ‬ ‫ف ّ‬ ‫و َ‬ ‫ات َ‬ ‫الطّيّب َ إ‬
‫ك‬ ‫ال َرب ّ َ‬ ‫ق َ‬ ‫إنه قبضة مأن طين الرض‪ ،‬ونفخة مأن روح الله‪) ..‬إإذْ َ‬
‫ه‬‫في َ إ‬ ‫ْت إ‬ ‫فخ ُ‬ ‫ون َ َ‬
‫ه َ‬ ‫ويْت ُ ُ‬ ‫سأ ّ‬‫فإإذَا َ‬ ‫ين َ‬ ‫ن طإ)‪ٍ (2‬‬ ‫م ْ‬ ‫شرا ً إ‬ ‫ق بَ َ‬ ‫ة إإنّي خَال إ ٌ‬ ‫ملئاإك َ إ‬ ‫لإل ْ َ‬
‫ين( ‪.‬‬ ‫د َ‬ ‫اج إ‬
‫سأ إ‬ ‫ه َ‬ ‫عوا ل َ ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫ف َ‬
‫حي َ‬ ‫ن ُرو إ‬ ‫م ْ‬ ‫إ‬
‫والذين يتعامألون مأع قبضة الطين وحدها ويهملون نفخة الروح ل‬
‫يتعامألون مأع " النسان "‪ ،‬وإنما يتعامألون مأع مأسخ مأشتتوه يقتتول الله‬
‫م‬ ‫ول َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ََون ب إ َ‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ق ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ََوب ل ي َ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫قل ُ‬‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫عنه إنه أضل مأن الحيتتوان‪) :‬ل َ ُ‬
‫ك‬ ‫ها أُولَئ إ َ‬ ‫ون ب إ َ‬ ‫ع َ‬ ‫م ُ‬ ‫سَََََ َ‬ ‫ان ل ي َ ْ‬ ‫م آذَ ٌ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول َ ُ‬‫ه ُا َ‬
‫ون ب إ َ‬
‫صَََََ ُر َ‬ ‫ن ل يُب ْ إ‬ ‫عي ُ ٌ‬ ‫أَ ْ‬
‫ون( )‪.(3‬‬ ‫فل ُ َ‬ ‫م الْغَا إ‬ ‫ه ُ‬‫ك ُ‬ ‫ل أولَئ إ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫م أَ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫عاما إ ب َ ْ‬ ‫الَن ْ َ‬ ‫كَ ْ‬
‫ول يشتتفع لهم‪ ،‬ول يرفع مأن هبتتوطهم كل مأا يملكتتون مأن تقتتدم‬
‫علمي وتكنولوجي واقتصادي وحتتربي وسياسي إل حين يعتتودون إلى‬
‫إنسانيتهم كما خلقها الله مأن قبضة طين ونفخة وروح‪..‬‬
‫أمأا تأله ذلك الحيتتتتوان ‪ -‬والعولمة جتتتتزء مأن هتتتتذا التأله ‪ -‬فهو‬
‫مأمقتتوت مألعتتون عند اللتته‪ ،‬ثم إنه في الرض إلى زوال حسب ستتنة‬
‫الله‪ ،‬مأهما استكبرت أصحابه في الرض فترة مأن الزمأان!‬
‫إن الحضارة الغربية تملك إيجابيات هائلة دون شك‪ ،‬ل ينكرها إل‬
‫مأغالط‪ ،‬وتملك كذلك سلبيات هائلة ل ينكرها إل مأغالط‪.‬‬
‫فالتقتتدم العلمي والتكنولتتوجي وعبقرية التنظيم والجد في أخذ‬
‫المأور والمثابرة وطول النفس‪ ..‬كلها إيجابيات‪ .‬وهي التي تسند هذه‬
‫)( سورة السراء )‪(70‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة ص )‪(72 - 71‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة العراف )‪(179‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪28‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫الحضارة وتطيل عمرها في الرض حسب سنة مأن ستتنن اللتته‪َ ) :‬‬
‫ها‬ ‫في َ‬ ‫م إ‬ ‫ه ْ‬ ‫مََال َ ُ‬
‫ع َ‬‫م أَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫َو ّ َ‬
‫ف إإلي ْ إ‬ ‫ها ن َُ َ‬ ‫زينَت َ َ‬‫و إ‬‫حي َََاةاَ ال َدّنْيَا َ‬‫ريدُ ال ْ َ‬ ‫كَ َ‬
‫ان ي ُ إ‬
‫ون()‪.(1‬‬‫َس َ‬ ‫ها ل يُبْخ ُ‬ ‫في َ‬ ‫م إ‬ ‫ه ْ‬‫و ُ‬ ‫َ‬
‫والفستتتتاد الخلقي والتتتتروحي والفوضى الجنستتتتية والباحية‬
‫المفرطة والشتتذوذ والخمر والمختتدرات والجريمتتة‪ ،‬والطغيتتان في‬
‫الرض بغير الحق وإذلل الخرين وقهرهم‪ ،‬كلها سلبيات‪ ،‬مأصيرها أن‬
‫تعصف بهتتذه الحضتتارة ‪ -‬مأهما طتتال مأكثها في الرض ‪ -‬حسب ستتنة‬
‫ة‬
‫غت َ َ ً‬ ‫م بَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫خَ ذْنَا ُ‬ ‫ما أُوت ََُوا أ َ َ‬ ‫حوا ب إ َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ف إ‬ ‫حتّى إإذَا َ‬ ‫مأن ستتنن اللتته‪َ ..) :‬‬
‫يروا‬ ‫سَ َُ‬ ‫ف إ‬ ‫ن َ‬ ‫سأ َن َ ٌ‬‫م ُ‬ ‫قبْلإك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت إ‬ ‫قَ دْ خَل َ ْ‬ ‫ون( )‪َ ) .(2‬‬ ‫س َ‬ ‫مبْل إ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫فإإذَا ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫وكَأي ّ ْ‬ ‫ين( ‪َ ) .‬‬
‫)‪(3‬‬
‫مكَذّب إ َ‬ ‫ة ال ْ ُ‬ ‫قب َ ُ‬ ‫ان عَا إ‬ ‫ف كَ َ‬ ‫فانْظُ ُروا كَي ْ َ‬ ‫ض َ‬ ‫إ‬ ‫ال َ ْر‬ ‫في ْ‬ ‫إ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ير(‬ ‫صَ ُ‬ ‫م إ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫وإإل َ ّ‬ ‫ها َ‬ ‫خَ ذْت ُ َ‬ ‫مأ َ‬ ‫ة ثُ ّ‬
‫م ٌ‬ ‫ي ظَال إ َ‬ ‫ه َ‬‫و إ‬‫ها َ‬ ‫ت لَ َ‬
‫ملَي ْ ُ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫ق ْري َ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫)‪(4‬‬
‫‪.‬‬
‫وهنتتاك أمأر مأما تملكه هتتذه الحضتتارة يختلط فيه الحق والباطل‬
‫بصتتتورة تخفى على كثتتتيرين‪ ،‬وتوقع في الفتنة كثتتتيرين‪ ،‬فيأختتتذهم‬
‫للؤها‪ ،‬فتنزلق أبصارهم عن مأساوئها‪.‬‬
‫ذلك هو " الديمقراطية " و " حقوق النسان "‪.‬‬
‫ل يصدق الناس أنها مأسرحية جميلة‪ ،‬وأن فيها مأن الباطل بقتتدر‬
‫مأا فيها مأن الحق!‬
‫أبتتتتتترز وجوهها ول شك هو الحرية السياستتتتتتية‪ ،‬والحقتتتتتتوق‬
‫والضمانات التي كسبتها " الشعوب " في مأواجهة الطغاة المستبدين‬
‫الذين كانوا يحكمونها مأن قبل‪ ،‬وكسبها " الفرد " إزاء " الدولة "‪.‬‬
‫ولكن مأن المسيطر الحقيقي وراء المسرحية الجميلة التي يبدو‬
‫فيها الفتترد العتتادي ‪ -‬التتذي يستتمونه في كثتتير مأن الحيتتان " رجل‬
‫الشارعا " ‪ -‬وكأنه هو الذي يحكم‪ ،‬وهو الذي يقرر مأصاير المأور؟!‬
‫إنه في الواقع رأس المتتتال! ومأن التتتذي يستتتيطر على رءوس‬
‫المأوال؟! إنهم ‪ -‬بداهة ‪ -‬اليهود!‬
‫ومأن هنا يتضح كيف أن اليهود في أمأريكا ‪ -‬وهم قلة عددية ‪ -‬هم‬
‫الذين يعينون رؤساء الجمهورية‪ ،‬وهم الذين يسقطونهم إذا شتتاءوا أو‬
‫يقتلونهم كما قتلوا كنيدي عام ‪ 1963‬م حين لم يستجب لهوائهم‪.‬‬
‫)( سورة هود )‪(15‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة النعام )‪(44‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة آل عمران )‪(137‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( سورة الحج )‪(48‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪29‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫إن المتتواطن هنتتاك هو التتذي ينتخب مأمثليه التتذين يتتذهبون إلى‬
‫البرلمتتان‪ ،‬والتتذين يحاستتبون الحكومأة ويقتتررون لها سياستتتها‪ .‬وهو‬
‫ينتخب مأمثليه بحرية كامألة ل ضغط فيها ول تزوير‪.‬‬
‫نعم! ولكن!‬
‫مأن الذي يوجهه إلى اختيار هذا الشخص أو ذاك؟‬
‫أهو ذكاؤه الختتاصا؟ أهو تفكتتيره التتذاتي؟ أهو تعمقه في دراسة‬
‫المأور والموازنة بينها؟‬
‫أم هي وسائل العلم التتتي تصب في رأسه الفكتتار المطلوبتتة‪،‬‬
‫وتوجهه التوجيه المطلوب؟‬
‫ومأن الذي يملك وسائل العلم؟!‬
‫حقيقة يقع تنافس حتتاد بين " الحتتزاب " للفتتوز بتتأكبر عتتدد مأن‬
‫المقاعد ليتمكنتتوا مأن الستتتيلء على دفة الحكم‪ ،‬ويقع هتتذا التنتتافس‬
‫حرا ‪ -‬تمامأا ‪ -‬مأن كل تدخل تفرضه الحكومأة القائمة في الحكم‪.‬‬
‫ولكن‪ ..‬مأا الفرق في النهاية بين هذه الحكومأة وتلك في القضية‬
‫الرئيسية‪ ،‬وهي سيطرة رأس المال‪ ،‬وسيطرة الذين يسيطرون على‬
‫رأس المال؟!‬
‫هل هناك فرق حقيقي؟!‬
‫إذن فليتخيل مأن شاء أنه هو الذي يدير المأور! وليتخيلت مأن شاء‬
‫أن " الشتتتعب " حقيقة هو التتتذي يحكم مأا دام هتتتذا ل يضر مأصتتتالح‬
‫الرأسمالية!‬
‫لو رجعنا إلى الشعار الذي رفعه اليهود على الثتتورة الفرنستتية ‪-‬‬
‫التي ولدت مأنها الديمقراطية ‪ -‬نفهم أشياء كثيرة‪ ،‬مأهمة ونافعة‪..‬‬
‫كان هذا الشعار هو‪.Laissez Passer - Laissez Faire :‬‬
‫والكلمة الولى مأعناها " دعه يفعل )مأا يشتتتاء( " والكلمة الثانية‬
‫مأعناها " دعه يمر )مأن حيث يشتتاء( " فمن التتذي يفعتتل؟ ومأن التتذي‬
‫يمر؟‬
‫أمأا الذي يفعل )مأا يشاء( فهو الناس‪ ..‬الشعب‪ ..‬رجل الشارعا‪..‬‬
‫الفرد‪ ..‬يفعل مأا يشاء‪ ،‬و "مأا يشاء " هتتذه يتتدخل فيها ‪ -‬بفعل التوجيه‬
‫المخطط ‪ -‬حرية اللحتتتتاد‪ ،‬وحرية الفستتتتاد الخلقي تحت عنتتتتوان "‬
‫الحرية الشخصتتتية " التتتتي ترتكز عليها الديمقراطية وتجعلها هتتتدفا‬
‫أساسيا في فلسفتها‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫وأمأا الذي يمر )مأن حيث يشاء( فهو رأس المال‪ .‬ترفع الحتتواجز‬
‫كلها مأن أمأامأه لكي يضتتتاعف أرباحتتته‪ ،‬أيّا كتتتانت الوستتتائل التتتتي‬
‫يستخدمأها‪،‬ت وأيّا كان مأردودها على الناس‪ ..‬على الشعب‪ ..‬على رجل‬
‫الشارعا‪ ..‬على الفرد‪ ..‬فمرة تكون خدمأة حقيقية نافعة‪ ،‬ومأتترة تكتتون‬
‫دمأارا شامأل في النفوس والخلق‪ ..‬وفي كل حالة يكون رأس المتتال‬
‫هو الرابح الكبر‪ ،‬وكثيرا مأا يكون هو الرابح الوحيد!‬
‫وهكتتذا يختلط في هتتذه الديمقراطية الحق والباطتتل‪ ،‬وقد يغلب‬
‫الحق مأرة‪ ،‬أمأا الباطل فمرات‪..‬‬
‫وأيّا يكن المأر فلننظر مأتتتتتاذا تصتتتتتدر إلينا العولمة حين تحكم‬
‫قبضتها علينا! هل ستصدر لنا إيجابياتها؟ أم تصدر لنا السلبيات؟!‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫فأمأا التقدم التكنولوجي والعلمي فهي تسمح مأنه بالقدر الذي "‬
‫ل يضر مأصالحها! " أمأا " السرار " الساسية التي يقوم عليها التقدم‬
‫الحقيقي فحكر عليها ل تستتمح لحد أن يمتلكتته‪ .‬وكم مأن عتتالم في‬
‫التتذرة مأن أبنتتاء العتتالم الثتتالث ‪ -‬الستتلمأي بصتتفة خاصة ‪ -‬قتل )في‬
‫ظتتروف غامأضتتة!( أو تحطمت به الطتتائرة في الجتتو! أو في القليل‬
‫اشترى ليخدمت مأصالح الدولة التي تستخدمأه!ت‬
‫وصحيح أنه لو ترك حتترا فتتالغلب أنه ستتيبيع نفسه وعلمتته‪ ،‬لن‬
‫وطنه الصتتلي لن يلتفت إليه ولن يشتتجعه على البحث‪ ،‬ولن يستتتثمرت‬
‫علمه وخبرتتته‪ ..‬ولكن هتتذا ل ينفي ستتوء النية مأن الجتتانب الختتر‪،‬‬
‫الجانب الذي إمأا أن يستثمر جهده لصالحه‪ ،‬أو ينفيه مأن الرض!‬
‫أمأا الفستتاد الخلقي والتتروحي فخذ مأنه مأا تستتتطيع‪ ،‬وفتتوق مأا‬
‫تستتتطيع‪ ..‬بل هو أبتترز جتتوانب العولمة في حقيقة الواقتتع‪ ..‬ترسخ‬
‫أسسه كل يتتوم‪ :‬في الفضتتائيات التتتي تبث كل رذيلتتة‪ .‬في مأنتتاهج‬
‫التعليم التتتي يطلبتتون أن يحتتذف مأنها كل مأا يحافظ على مأقومأتتات‬
‫المأة الذاتية‪ ،‬مأن دين أو أخلق أو تقاليد أو مأبادئ‪ ،‬وتقام المتتؤتمرات‬
‫لتنشر التمتترد على أوامأر الله علنيتتة‪ ،‬وتفتترض قراراتها فرضا على‬
‫الناس‪ ،‬ويعاقب المعترضون بالحرمأان مأن " رحمتتة! " صتتندوق النقد‬
‫الدولي‪ ،‬أو غيره مأن مأؤسسات الستعباد!‬
‫أمأا " الديمقراطية " التي يمنتتون بها " المستتاكين " في العتتالم‬
‫الثالث‪ ،‬الرازحين تحت أنظمة الستبداد السياسي فهي كتتتذلك داخلة‬
‫في اللعبة!‬
‫‪31‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫فأمأا ‪) Laissez Faire‬دعه يفعل مأا يشاء( يلحد‪ ،‬ويعربد‪ ،‬ويفسق‪،‬‬
‫ويتتدمأرت التتتراث‪ ،‬ويهتتدم الثتتوابت‪ ،‬فهتتذه تفتح لها أوسع البتتواب في‬
‫ويحتتترض النتتتاس عليها بكل الوستتتائل‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫الديمقراطية المستتتتوردة‪،‬‬
‫وستتتائل العلم‪ ،‬ومأنتتتاهج التعليم‪ ،‬وتعرية " المتتترأة " في الشتتتارعا‬
‫والمقهى )الكازينو( والشاطئ والمكتب‪ ..‬والمجلس!‬
‫وأمأا الحقتتتتتتتتوق والضتتتتتتتتمانات الحقيقية ‪ -‬وهي أثمن مأا في‬
‫الديمقراطية ‪ -‬فهذه غير قابلة للتصديرت إلى العالم الثالث‪ ..‬لنها حكر‬
‫على الرجل البيض‪ ..‬ذلك لنها لو استنبتت حقيقة في العتتالم الثتتالث‬
‫فسيتحرر‪،‬ت ويسترد كيانه المفقود‪ ،‬ويعارض العولمة في النهاية‪ ،‬التتتي‬
‫تستعبدهت للطاغوت العالمي‪ ..‬ومأن ثم فليأخذ مأسرحياتها يتلهى بهتتا‪..‬‬
‫أمأا حقيقتها فتظل مأنه بعيدة المنال!‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫إذا كان المأر كذلك فالعجب للجماعات الستتلمأية التتتي تقتتولب‬
‫نفسها في قالب العولمة‪ ،‬أو في قالب " الديمقراطية " ظنّا مأنها أنها‬
‫بهذا الصنيع تكسب أرضا جديدة‪ ،‬أو تفلت مأن الحصار الواقع عليها!‬
‫أفبعد كل التجارب التي مأضت مأا تزال الخديعة قائمة؟!‬
‫أفل يتتتذكرون أن أمأريكا صتتتاحبة العولمة ‪ -‬أو اليهتتتود التتتذين‬
‫يسيّرونها ‪ -‬هي التي زرعت في العالم السلمأي تلك الحكومأات التي‬
‫وتشردهم وتضع شبابهم في المعتقلت والسجون؟‬ ‫ّ‬ ‫تذبّحهم وتقتّلهم‬
‫فما التتتتتذي ستتتتتيتغير في خريطة الحتتتتتداث حين نعتنق نحن‬
‫الديمقراطية التعددية‪ ،‬ونجعلها شتتعارا لنتتا‪ ،‬نعلنتته‪ ،‬وننتتادي بتته‪ ،‬ونؤكد‬
‫عليه‪ ،‬ونقسم بأغلظ اليمان أننا سنتبعه؟!‬
‫هل ستتيمنحنا هتتذا شتتيئا مأن الحقتتوق المستتلوبة أو الضتتمانات‬
‫المطلوبة؟ أليس صتتاحب العولمة هو ذاته التتذي يحتترض الحكومأتتات‬
‫على مأقاومأة التيار السلمأي وكبته ومأحاولة القضاء عليه؟! فما الذي‬
‫ستتيتغير حين نعلن نحن أنفستتنا ديمقراطتتيينت تعتتددين؟! ومأا حصتتيلة‬
‫تجربة الجزائر‪ ،‬وتجربة حزب الرفاه في تركيا؟!‬
‫إننا ل نتتدعو إلى العنتتف‪..‬ت ونعلن بملء أفواهنا أننا ل نجتتيزه‪،‬ت ول‬
‫نعتقد أنه يفيد الدعوة‪ ،‬بل نقول إنه مأخالف للمنهج النبتتوي‪ ،‬وإنه يضر‬
‫)‪.(1‬‬
‫الدعوة ول ينفعها‬

‫)( انظر ان شئت كتاب " واقعنا‪،‬المعاصر" وكتاب "كيف ندعو الناس"‬ ‫‪1‬‬

‫‪32‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫ولكنا نقول مأع ذلك إن تحكيم شريعة الله إلتتزام ربتتاني‪ ،‬ل خيتتار‬
‫فل‬ ‫للبشر في تركه أو العراض عنه إذا أرادوا أن يكونوا مأستتلمين‪َ ) :‬‬
‫مل‬ ‫م ثُ ّ‬
‫ه ْ‬ ‫ج َر بَيْن َ ُ‬‫شَََ َ‬‫ما َ‬ ‫في َ‬ ‫َ‬
‫َََوك إ‬ ‫حك ّ ُ‬
‫م‬ ‫حتّى ي ُ َ‬ ‫َََون َ‬
‫َ‬ ‫من ُ‬‫ؤ إ‬‫ك ل يُ ْ‬ ‫و َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫ً )‪(1‬‬
‫سلإيما( ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫في أن ْ ُ‬
‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ُ‬ ‫وي ُ َ‬
‫ت َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫م ّ‬‫ح َرجا إ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫إ‬ ‫س‬
‫ف إ‬ ‫جدُوا إ‬ ‫يَ إ‬
‫َ‬ ‫ضى اللّه ورسأول ُ َ‬
‫مََرا ً أ ْ‬
‫ن‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ َ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫ة إإذَا َ‬ ‫من َ ٍ‬ ‫ؤ إ‬‫م ْ‬ ‫ول ُ‬ ‫َ‬ ‫ن‬
‫ٍ‬ ‫م‬
‫ؤ إ‬ ‫م ْ‬ ‫ان ل إ ُ‬‫ما ك َ َ‬ ‫و َ‬‫) َ‬
‫َ‬ ‫م ال ْ إ‬ ‫ون ل َ ُ‬
‫يَك ُ َ‬
‫)‪(2‬‬
‫م( ‪.‬‬ ‫ه ْ‬ ‫ر إ‬ ‫م إ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬‫خي َ َرةاُ إ‬ ‫ه ُ‬
‫وليس بيننا وبين الديمقراطية ‪ -‬كتنظيم سياسي ‪ -‬خصتتتتتتتتومأة‬
‫ذاتية‪ ،‬وإنما الخصومأة هي مأن جانبهم‪ ،‬لنهم يرفضون اللتزام بتحكيم‬
‫شتتريعة اللتته! فهل يصل المأر بتتأي حركة إستتلمأية أن تقبل وضتتعا‬
‫يرفض تحكيم شريعة اللتته‪ ،‬وتمنحه شتترعية الوجتتود؟! وحين نتنتتازل‬
‫عن هذا اللزام الرباني‪ ،‬فماذا يبقى لنا مأن السلم؟! وحين ل نتنتتازل‬
‫‪ -‬ول خيار لنا في عدمت التنازل ‪ -‬ترفضنا الديمقراطية ولو تمستتحنا بها‬
‫ألف عام!!‬
‫ما ل بد مأن التنبيه إليه!‬ ‫ثم إن هناك وه ً‬
‫إن الديمقراطية ‪ -‬أو قل على وجه التحديد إيجابياتها مأن‬
‫ضمانات وحقوق ‪ -‬ليست جهازا يستورد‪ ،‬فيوصل بالتتدائرة الكهربائية‬
‫فينتج مأن ذات نفسه حقوقا وضمانات!‬
‫إن الديمقراطية التي يستتتمتع بها الغتترب اليتتوم بإيجابياتها )ودعا‬
‫عنك مأؤقتا ستتتتتلبياتها( عمرها مأائتا عتتتتتام على القل مأن الكفتتتتتاح‬
‫المتواصل‪ ،‬قتتدمأت فيه الشتتعوب ضتتحايا عديتتدين مأن أبنائهتتا‪ ،‬قتّلتتوا‪،‬‬
‫وشردوا‪ ،‬وسجنوا‪ ،‬وحوربوا بكل وسائل الحرب‪ ،‬حتى استتتطاعوا في‬ ‫ّ‬
‫النهاية أن يحصتتتلوا على مأا تشتتتتمل عليه الديمقراطية مأن حقتتتوق‬
‫وضمانات‪ ،‬وإن كانوا لم يستطيعوا قط أن يتغلبتتوا على ستتلبياتها لنها‬
‫‪ -‬عندهم ‪ -‬سبيكة واحدة اختلط فيها الحق والباطل‪.‬‬
‫فهل سنصل نحن إلى مأا وصلوا إليه مأن حقوق وضمانات بمجرد‬
‫أن نعلن أنفستتنا ديمقراطتتيين؟!ت أم ل بد مأن تربية المأة لكي تحافظ‬
‫على حقوقها وترفض العتتتداء عليهتتا‪ ،‬كما تتتربت المأم التتتي وصتتلت‬
‫إلى مأا وصلت إليه مأن خلل كفاحها ونضالها وتضحياتها؟!‬
‫ضتتتتتن بطيء‬ ‫مأ ْ‬‫وإذا لم يكن مأن التربية بتتتتتد‪ ،‬وهي عمل مأجهد ُ‬
‫الثمتترة وإن كتتان أكيد المفعتتول‪ ،‬فهل الجتتدر بنا نحن المستتلمين أن‬

‫)‪ (2‬سورة النساء )‪(65‬‬ ‫‪1‬‬

‫)‪ (3‬سورة الحزاب )‪(36‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪33‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫نبتتتتذل جهد التربية في أمأر يختلط فيه الحق والباطتتتتل‪ ،‬أم في المأر‬
‫الذي ل يأتيه الباطل مأن بين يديه ول مأن خلفه‪ ،‬وهو السلم؟!‬
‫في كل الحتتالين ستتنبذل الجهتتد‪ ،‬ونصتتبر على اللواء‪ ،‬ولكنا في‬
‫إحدى الحتتالين نحتترز مأتتتاعا التتدنيا )وهو مأشتتوب(‪ ،‬ونحتترز غضب الله‬
‫بالعراض عن شريعته‪ ،‬وفي الحالة الثانية نحرز مأتاعا الدنيا ورضتتوان‬
‫الله‪.‬‬
‫ات‬ ‫ح إ‬ ‫الصَََال إ َ‬ ‫ّ‬ ‫مل َََُوا‬ ‫ع إ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫منْك ُ ْ‬ ‫من َََُوا إ‬ ‫ين آ َ‬ ‫ذ َ‬ ‫ه ال ّ إ‬ ‫)وعََََدَ الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫قبْل إ إ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ين إ‬ ‫ذ َ‬ ‫ف ال إ‬ ‫اسأَََتَخْل َ‬ ‫ما ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫في ال ْر إ‬ ‫م إ‬ ‫ه َْ‬‫فن ّ ُ‬ ‫خل إ َ‬ ‫سَََت َ ْ‬ ‫لَي َ ْ‬
‫د‬
‫عَ إ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م إ‬ ‫ه ْ‬ ‫ولَيُب َ َدّلَن ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ض َى ل َ ُ‬ ‫ارت َ َ‬‫ذي ْ‬ ‫م ال ّ إ‬ ‫ه ُ‬ ‫م إدين َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫مكّن َ ّ‬ ‫ولَي ُ َ‬ ‫َ‬
‫ً )‪(1‬‬
‫شيْئا( ‪.‬‬ ‫ون بإي َ‬ ‫ُ‬ ‫عبُدُونَنإي ل ي ُ ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫رك َ‬ ‫ش إ‬ ‫منا ي َ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف إ‬‫َو إ‬‫خ ْ‬
‫ات‬‫جن ّ ٍ‬ ‫ه َ‬ ‫خل ْ َ ُ‬ ‫ه يُدْ إ‬ ‫سأ َول َ ُ‬ ‫و َر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ع الل ّ َ‬ ‫ن يُطإ إ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫حدُودُ الل ّ إ‬ ‫ك ُ‬ ‫)تإل ْ َ‬
‫حتإها ْ َ‬
‫يم(‬ ‫عظإ ُ‬ ‫و ُز ال ْ َ‬ ‫فََ ْ‬ ‫ك ال ْ َ‬‫وذَل إ َ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫ين إ‬ ‫د َ‬ ‫ار خَال إ إ‬ ‫ه ُ‬ ‫الن ْ َ‬ ‫ن تَ ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ري إ‬ ‫ج إ‬ ‫تَ ْ‬
‫)‪.(2‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫إن الحركة السلمأية تملك الكثير‪..‬ت‬
‫فبدل مأن أن تقولب نفسها في القالب الذي يريتتدهت لها أعتتداؤها‪،‬‬
‫فترستخ بتتذلك كيد أعتتدائها لهتتا‪ ..‬بتتدل مأن ذلك عليها أن تتتبرز البتتديل‬ ‫ّ‬
‫الغائب‪ ،‬وتعرض النظام العالمي الصحيح‪.‬‬
‫السلم هو النظام العالمي الصحيح‪ .‬سواء بالنسبة لمعتنقيه‪ ،‬أو‬
‫بالنسبة " للخر " الذي لم يعتنق السلم‪.‬‬
‫فإذا كانت السمة الكتتبرى للعولمة هي القهر واللتتزام والضتتغط‬
‫على المستضعفين ليخضعوا لسلطانها‪ .‬فإن السمة الكتتبرى للستتلم‬
‫ين‪ًَ...) ،(3) (..‬‬
‫ي‪(4‬الَدّ إ‬ ‫ف‬
‫َراهَ إ‬‫َأنه َل يكتتره أحتتدا على اعتناقتته‪) :‬ل إإك َْ َ‬
‫ين( ) ؟!‬ ‫من إ َ‬ ‫ؤ إ‬ ‫حتّى يَكُونُوا ُ‬
‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ت تُك ْ إ‬
‫رهُ النّا َ‬ ‫أ َ‬
‫فأن ْ َ‬
‫وإذا كانت السمة البارزة للعولمة هي فرض قالب مأعين للحيتتاة‬
‫‪ -‬هو القالب المأريكي ‪ -‬ليتقتتولب النتتاس في داخله قستترا‪ ،‬ولو كتتان‬
‫مأقاستتهم مأختلفا عن مأقاستته‪ ،‬فتتم قتتولبتهم ببتتتر بعض أعضتتائهم أو‬
‫تحطيمها‪ ،‬فإن الستتلم ‪ -‬دين الله ‪ -‬يقر الختلف كتتأمأر واقتتع‪ ،‬فرضه‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫م ً‬
‫سأ ّ‬‫ل النّا َ‬ ‫ع َ‬ ‫ك لَ َ‬
‫ج َ‬ ‫شاءَ َرب ّ َ‬ ‫و َ‬ ‫)ول َ ْ‬
‫الله في الخليقة لحكمة يريدها‪َ :‬‬
‫)‪ (1‬سورة النور )‪(55‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة النساء )‪(13‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة البقرة )‪(256‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( سورة يونس )‪(99‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪34‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫ك‬ ‫ول إََََذَل إ َ‬ ‫ك َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر إ‬ ‫م ْ‬ ‫ين إ إ ّل َ‬ ‫ف َ‬ ‫ختَل إ إ‬ ‫م ْ‬ ‫ََََون ُ‬
‫َ‬ ‫ول ي َ َزال ُ‬ ‫حََََ دَةاً َ‬ ‫وا إ‬ ‫َ‬
‫)‪(1‬‬
‫م‪. (...‬‬ ‫ه ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫خَل َ‬ ‫َ‬
‫إنما يلتتزم الستتلم مأعتنقيه بثتتوابت مأعينة ومأعتتايير مأعينة يعلم‬
‫الحكيم الخبتتير أنها لزمأة لتكتتوين النستتان الصتتالح‪ ،‬التتذي يصتتلح أن‬
‫في‬ ‫ل إ‬ ‫ع ٌ‬ ‫جا إ‬ ‫ة إإنّي َ‬ ‫ملئاإك َ إ‬ ‫ك لإل ْ َ‬ ‫ال َرب ّ َ‬ ‫ق َ‬ ‫)وإإذْ َ‬ ‫يكون خليفة في الرض‪َ :‬‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫خل إ َ‬ ‫َ‬ ‫علْن َ‬ ‫)‪.(2‬‬
‫خل إ َ‬ ‫ْ َ‬
‫في ال ْر إ‬ ‫ة إ‬ ‫يفََ ً‬ ‫ََاك َ‬ ‫ج َ‬ ‫اودُ إإنّا َ‬ ‫)يَا دَ ُ‬ ‫يفََ ةً(‬ ‫ض َ‬ ‫ال ْر إ‬
‫يل‬ ‫سأب إ إ‬ ‫َن َ‬ ‫كع ْ‬ ‫ضل ّ َ‬ ‫في ُ إ‬ ‫وى َ‬ ‫ه َ‬ ‫ع ال ْ َ‬ ‫ول تَتّب إ إ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫اس بإال ْ َ‬ ‫إ‬ ‫ن الن ّ‬ ‫م بَي ْ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫فا ْ‬ ‫َ‬
‫ه‪.(3) (...‬‬ ‫الل ّ إ‬
‫ولكنه ‪ -‬حتتتى مأع مأعتنقيه ‪ -‬ل يجعلهم نستتخا مأكتتررةت كتتاللت‪.‬‬
‫والتتدليل التتواقعي هو اختلف المتتذاهب واختلف الراء‪ ،‬التتذي أقرته‬
‫المأة مأنذت يومأها الول‪ ،‬ولم تضق به‪ ،‬ولم تضيق عليه‪ ،‬إنما تضيق على‬
‫الذين يخرجون على الثوابت بحجة الحرية الشخصية أو حجة الجتهاد‬
‫أو غيرها مأن المعتتاذير للتفلت مأن دين اللتته‪ ..‬فهتتؤلء حكم الله فيهم‬
‫أنهم مأرتدون‪.‬‬
‫أمأا غتتير مأعتنقيه فتتإن كتتانوا يعيشتتون على أرضه وتحت رايته "‬
‫فلهم مأا لنا وعليهم مأا علينا " وإن كانوا خارج أرضه وختتارج ستتلطانه‬
‫فإن كانوا مأحاربين يحاربون‪ ،‬وإن كانوا مأسالمين يعاهدون‪ ،‬ويعامألون‬
‫ين‬ ‫في الََدّ إ‬ ‫م إ‬ ‫قََ اتإلُوك ُ ْ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ين ل َ ْ‬ ‫ذ َ‬ ‫َن ال ّ إ‬ ‫ه ع َإ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ه اك ُ ُ‬ ‫بالقسط‪) :‬ل يَن ْ َ‬
‫ن‬‫م إإ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وت ُ ْ‬ ‫ارك ُ ْ‬ ‫ج وك ُ ْ‬ ‫ول َ ْ‬
‫سَََطوا إإلي ْ إ‬ ‫ق إ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن تَب َ ّرو ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن إدي َ إ‬ ‫م ْ‬ ‫م إ‬ ‫ْر ُ‬ ‫م يُخ إ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫قََاتَلوك ُ ْ‬ ‫ين َ‬ ‫ذ َ‬ ‫ّ‬
‫َن ال إ‬ ‫ّ‬ ‫هََاك ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫هع إ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ما يَن ْ َ‬ ‫ين إإن ّ َ‬ ‫سطإ َ‬ ‫ق إ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ إ‬ ‫الل َ‬
‫م‬ ‫اجك ُ ْ‬
‫ََْر إ‬ ‫ه ُروا عَلَى إإخ َ‬ ‫وظَا َ‬ ‫م َ‬ ‫ارك ُ ْ‬‫إ‬ ‫ن إدي َ‬ ‫م ْ‬ ‫م إ‬ ‫جوك ُ ْ‬ ‫ْر ُ‬ ‫َ‬ ‫وأَخ‬ ‫ين َ‬ ‫في الدّ إ‬ ‫إ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م الظّال إ ُ‬ ‫فأولَئ إ َ‬ ‫م َ‬ ‫ول ّ ُ‬ ‫ول ّ ْ‬
‫)‪.(4‬‬
‫ون(‬‫م َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن يَت َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫أ ْ‬
‫وإذا كتتتتتتانت العولمة حصتتتتتتيلتها الحقيقية النهائية استتتتتتتعباد‬
‫المستضعفين لسلطانها‪ ،‬تحت أي عنوان وتحت أية مأعاذير‪ ،‬فالسلم‬
‫هو التتذي جعل عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬يقتتول لحد ولتتته‪ :‬يا عمتترو!‬
‫مأتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمأهاتهم أحرارا؟!‬
‫إنما قبل ذلك كلتته‪ ،‬وفتتوق ذلك كله أنه إذا كتتانت العولمة تص تدّر‬
‫للنتتتاس اللحتتتاد والفستتتاد الخلقي والفوضى الجنستتتية والشتتتذوذ‬
‫والنحراف‪ ،‬وتفرضه في " مأؤتمرات! " عالمية‪ ،‬فالسلم حريص كل‬
‫)( سورة هود )‪(119 - 118‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة البقرة )‪(30‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة ص )‪(26‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( سورة الممتحنة )‪(9 - 8‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪35‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫الحرصا على تطهتتير النتتاس مأن التتدنس التتروحي والخلقي‪ ،‬لتتيرتفع‬
‫الناس إلى المستوى اللئق " بالنسان "‪.‬‬
‫إن التقتتتتدم العلمي والتكنولتتتتوجي والتنظيمي ل علقة له البتة‬
‫بالنحلل الخلقي‪ ،‬وليس مأن مأستلزمأات ذلك التقدم أن تفسد أخلق‬
‫الناس وينحطوا إلى الدرك الحيواني كما هو حتتادث في " الحضتتارة "‬
‫الغربية! إنما حدث ذلك عندهم ‪ -‬كما أسلفنا ‪ -‬لظتتروف مأحلية خاصة‬
‫في حياتهم‪ ،‬ليس لها طتتابع العمتتوم‪ ،‬ول هي مأن الستتنن التتتي ل تحيد‬
‫ول تتبدل!‬
‫وقد أعطى الستتتلم ‪ -‬وقت استمستتتاك النتتتاس به على الوجه‬
‫الصتتحيح‪ ،‬أو قريبا مأن الصتتحيح ‪ -‬حضتتارة إنستتانية مأتقدمأة في جميع‬
‫الميتتتادين‪ ،‬دون تبتتتذل خلقي ول انتكتتتاس روحي‪ ،‬بل كتتتان المجتمع‬
‫الستتتلمأي أقل المجتمعتتتات البشتتترية وقوعا في الفاحشتتتة‪ ،‬وأقلها‬
‫إدمأتتان خمتتر‪ ،‬وأقلها إدمأتتان مأختتدرات‪،‬ت وأقلها جتترائم‪ ،‬وأكثرها صتتلة‬
‫وعبادة‪ ،‬وأكثرها ترابطا أسريا‪ ،‬وأكثرها طمأنينة‪ ،‬وأكثرها بركة!‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫والسلم ‪ -‬بصورته الحقيقية ‪ -‬ليس مأوجودا اليوم إل في الفراد‬
‫الذين يمارسونه عن إيمتتان واعا بحقيقتتته‪ .‬أمأا الغثتتاء التتذي أختتبر عنه‬
‫الرسول صلى الله عليه وستتلم ‪ -‬بصتترف النظر عن وضتتعه في حكم‬
‫الله )وتلك قضتتية ل نتعتترض لهتتا( ‪ -‬فالستتلم غتتريب عنه كما أختتبر‬
‫الصادق المصدوق‪:‬‬
‫" بدأ السلم غريبا‪ ،‬وسيعود غريبا كما بدأ‪ ،‬فطوبى للغرباء " )‪.(1‬‬
‫ومأهمة الغربتتاء ‪ -‬كما جتتاء في رواية الترمأتتذيت ‪ -‬أن يصتتلحوا مأا‬
‫أفسد الناس مأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وتلك مأهمة الحركات السلمأية‪..‬‬
‫ليست مأهمتها أن تتقولب في قالب العولمة لكي تعيش! فتتذلك‬
‫نداء أعدائها ليقضوا عليها في النهاية ويتخلصوا مأنها!‬
‫والستتلم لم يتتتنزل ليجتتاري انحرافتتات البشتتر‪ ،‬وإنما ليصتتححها‬
‫ويهيمن عليها‪.‬‬

‫)( أخرجه مسلم‬ ‫‪1‬‬

‫‪36‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫ه إ‬ ‫ن يَدَي َْ إ‬ ‫ما بَي ْ َ‬ ‫صَدّقا ً ل إ َ‬ ‫م َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫َاب ب إََال ْ َ‬ ‫ك الْكإت ََ َ‬ ‫)وأَن ْ َزلْنَا إإلَي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ع‬ ‫ول تَتّب إ َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫َز َ‬ ‫ما أن َْ َ‬ ‫م بإ َ‬‫ه ْ‬ ‫م بَيْن َ ُ‬ ‫حك ْ‬‫ُ‬ ‫فََا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫منا عَلي ْ إ‬ ‫هي ْ إ‬ ‫م َ‬‫و ُ‬ ‫اب َ‬ ‫الْكإت َ إ‬
‫ق( )‪.(1‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك إ‬ ‫جاءَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ع ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫واءَ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ولكي يعود الناس إلى السلم على وجهه الصتتحيح‪ ،‬أو قريبا مأن‬
‫الصتتتتحيح‪ ،‬يحتتتتتاجون إلى جهد جاهد يبتتتتذل في التربية على حقيقة‬
‫ن ولكنه أكيد المفعتتول‪ ،‬ولو استتتغرق تمامأه‬ ‫ض ٍ‬ ‫مأ ْ‬ ‫السلم‪..‬ت جهد مأجهد ُ‬
‫عدة أجيال‪.‬‬
‫ولن تتتتربى المأة على حقيقة الستتلم بكتتتاب ينشتتر‪ ،‬أو مأوعظة‬
‫تلقى‪ ،‬أو خطبة حماستتية في مأزايا الستتلم‪ ،‬وإن كتتان هتتذا كله مأن‬
‫الدوات الضرورية للدعوة‪..‬‬
‫إنما يتتتتربى النتتتاس بالقتتتدوة أول‪ ،‬ثم بالموعظة الصتتتادرة عن‬
‫القدوة‪ ،‬التتتي تجد صتتداها في القلتتوب حين تصتتدر عن قلتتوب مأؤمأنة‬
‫بالفعتتل‪ ،‬مألتزمأة بالفعتتل‪ ،‬مأمثلة له في ستتلوكها التتواقعي‪ ،‬داعية إلى‬
‫َ‬
‫ةا‬
‫ير ٍ‬ ‫صَ َ‬ ‫ه عَلَى ب َ إ‬ ‫سأبإيلإي أدْعُو إإلَى الل ّ إ‬ ‫ه َ‬ ‫ذ إ‬ ‫ه إ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫الله على بصيرة‪ُ ) :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ين( )‪.(2‬‬ ‫رك إ َ‬ ‫ش إ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ما أنَا إ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ان الل ّ إ‬ ‫ح َ‬ ‫سأب ْ َ‬ ‫و ُ‬ ‫عنإي َ‬ ‫ن اتّب َ َ‬ ‫م إ‬ ‫و َ‬‫أنَا َ‬
‫ومأن أجل ذلك تحتاج الحركات الستتلمأية أن تكتتون هي ذاتها قد‬
‫ترتبت على حقيقة ل إله إل الله‪ ،‬ومأقتضياتت ل إله إل اللتته‪ ،‬لتستتتطيع‬
‫أن تنقل للنتتتاس تجربة حية مأاثلة في عتتتالم الواقتتتع‪ ،‬يراها النتتتاس‬
‫فيقتدون بها حين ي ُ تدْعَوْن إليهتتا‪ ..‬وذلك مأا ستتميناه " إنشتتاء القاعتتدة‬
‫الصلبة " التي تقوم فيما بعد بدعوةت الناس )‪..(3‬‬
‫ولن تجد الحركات السلمأية السبيل مأيسرا إلى أي الهدفين‪ ،‬بل‬
‫ستتتجد العراقيلت مأن كل جتتانب‪ ،‬وتجد المعوقتات‪ ..‬ولكن هتتذا قتتدرها‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫منّا‬ ‫قول ََُوا آ َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫ن يُت ْ َرك ََُوا أ ْ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ب النّا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح إ‬ ‫الذي قدره لها الله‪) :‬أ َ‬
‫ه‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫عل َ َ‬
‫فلَي َ ْ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قبْل إ إ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ين إ‬ ‫ذ َ‬ ‫فتَنّا ال ّ إ‬ ‫قَََ دْ َ‬ ‫ول َ َ‬ ‫َََون َ‬
‫َ‬ ‫فتَن ُ‬ ‫م ل يُ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫)‪(4‬‬
‫ين( ‪.‬‬ ‫ن الكَا إذب إ َ‬ ‫ْ‬ ‫م ّ‬ ‫عل َ‬ ‫َ‬ ‫ولي َ ْ‬‫َ‬ ‫قوا َ‬ ‫صد َ ُ‬ ‫ين َ‬ ‫ذ َ‬ ‫ّ‬
‫ال إ‬
‫ولكن الهتتدف المقصتتود مأن الضتتخامأة بحيث يستتتحق كل جهد‬
‫يبذل فيه‪ ،‬فوق أنه عبادة خالصة لله‪.‬‬
‫الهدف في النهاية ‪ -‬ولو استتتغرق تمامأه عتتدةت أجيتتال ‪ -‬هو إبتتراز‬
‫النموذج الحضاري الصحيح‪ ،‬ليخرج الناس مأن الظلمات إلى النور‪..‬‬
‫)( سورة المائدة )‪(48‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة يوسف )‪(108‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( انظر إن شئت كتاب "كيف ندعو الناس"‬ ‫‪3‬‬

‫)( سورة العنكبوت )‪(3 - 2‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪37‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫ون‬ ‫ْ‬ ‫ُون إإلَى ال ْ َ‬ ‫)ولْتَكُن منْك ُ ُ‬
‫م ُر َ‬ ‫وي ََََََأ ُ‬‫َََََر َ‬
‫إ‬ ‫خي ْ‬ ‫ة ي ََََََدْع َ‬ ‫م ٌ‬
‫مأ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ إ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بإال ْ َ‬
‫)‪(1‬‬
‫ون( ‪.‬‬ ‫ح َ‬ ‫فل إ ُ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ه ُ‬‫وأولئإك ُ‬ ‫ر َ‬‫منْك إ‬‫َن ال ُ‬
‫نع إ‬ ‫و َ‬ ‫ه ْ‬
‫ويَن ْ َ‬
‫وف َ‬
‫إ‬ ‫ع ُر‬
‫م ْ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫إن النموذج الحضاري القائم اليتتوم يشتتكل فتنة كبتتيرة للنتتاس‪..‬‬
‫ففيه مأن ألوان التقتتدم مأا هو نتتافع حقيقة للنتتاس‪ ،‬ولزم لهم لتتيرتفع‬
‫مأستتتواهم الحيتتاتي‪ ،‬وفيه في التتوقت ذاته انتكاستتات روحية وخلقية‬
‫تهبط بالناس إلى درك أحط مأن الحيوان‪ ..‬والناس ‪ -‬لهبوطهم إل مأن‬
‫رحم ربك ‪ -‬يأختتتذون المأتتترين مأعتتتاً‪ ،‬على أنهما ‪ -‬مأعا ‪ -‬هما التقتتتدم‬
‫والرفعة والتتترقي!! ومأن أجل ذلك ل يحستتتون في لحظة النتكتتتاس‬
‫أنهم مأنتكسون‪ ،‬بل يظنون أنهم مأاضتتون في طريق الرفعة مأا دامأتتوا‬
‫يمارسون ألوان التقدم التي تتيحها هذه الحضارة‪..‬‬
‫ولن يفصل الناس بين الخير والشر في هذه الحضارة‪ ،‬فيستبقوا‬
‫الخير ويستزيدوا مأه ويسعوا إلى التخلص مأن الشر‪ ،‬بكتاب ينشتتر‪ ،‬أو‬
‫مأوعظة تلقى‪ ،‬أو خطبة حماسية‪.‬‬
‫إنما يحتتتاجون إلى نمتتوذج واقعي‪ ،‬يحقق مأا في هتتذه الحضتتارة‬
‫مأن ختتتتتتتتير ‪ -‬أو في القليل ل يعوقه عن النطلق في طريقه ‪ -‬وفي‬
‫التتتوقت ذاته يتطهر مأن التتتدنس المتمثل في اللحتتتاد مأن ناحيتتتة‪،‬‬
‫والفوضى الجنستتية والنحتتراف والشتتذوذ مأن ناحية أختترى‪ ..‬فيتبعتتوا‬
‫رضى وارتياح‪.‬‬‫ً‬ ‫النموذج على هدى وبصيرة‪ ،‬وعن‬
‫وحين يحتتدث ذلك تكتتون البشتترية قد ارتفعت بالفعتتل‪ ،‬الرفعة‬
‫الحقيقية التي تحقق كيان " النسان "‪..‬‬
‫فمن يرشد البشرية إلى ذلك إل الذين يملكون المنهج الصتتحيح‪،‬‬
‫والذين كلفوا تكليفا بإبلغه للناس؟!‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫إن الرد الحقيقي على الطاغوت الحالي التتذي يستتمى العولمتتة‪،‬‬
‫هو إبراز النمتتوذج الصتتحيح التتذي يجب أن يكتتون عليه النستتان‪ ،‬لكي‬
‫يصدق الناس ‪ -‬في عالم الواقع ‪ -‬أنه يمكن أن يتقتتدم النستتان علميا‬
‫وتكنولوجيا واقتصتتاديا وحربيا وسياستتيا وهو مأحافظ على إنستتانيته‪،‬‬
‫مأحافظ على نظافته‪ ،‬مأتتترفع عن التتدنايا‪ ،‬مأتطهر مأن التترجس‪ ،‬قتتائم‬

‫)( سورة آل عمران )‪(104‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪38‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫وأَن ْ َزلْنَا‬
‫ََات َ‬
‫إ‬ ‫سألَنَا بإالْبَيّن َ‬
‫سألْنَا ُر ُ‬
‫بالقسط‪ ،‬مأعتدل الميزان‪) :‬ل َ َ َ‬
‫قدْ أ ْر َ‬
‫ط‪.(2)(..‬‬ ‫س إ‬ ‫ق ْ‬ ‫س بإال ْ إ‬
‫وما النّا ُ‬‫ق َ‬ ‫ان لإي َ ُ‬
‫يز َ‬
‫م َ‬‫وال ْ إ‬ ‫م الْكإت َ َ‬
‫اب َ‬ ‫ه ُ‬
‫ع ُ‬
‫م َ‬
‫َ‬
‫وبدهي أن المسلمين لن يستتتطيعوا في يتتوم وليلة أن يتجتتاوزوا‬
‫التخلف العلمي والتكنولوجي والقتصادي الذي وقعوا فيه حين بعتتدوا‬
‫عن حقيقة السلم‪ ،‬وأن ذلك ‪ -‬حتى إن بدأوه اليوم ‪ -‬سيستغرق عدةت‬
‫أجيتتال‪ ،‬وستتيظل الفتتارق بين المتقتتدمأينت والمتتتأخرين قائمتتا‪ ،‬بل قد‬
‫يزداد اتساعا مأع كل قفزة جديدةت يقفزها العلم‪..‬‬
‫ولكنهم إن استكانوا لهذا العجز فقعدوا عن تغيتتير أحتتوالهم فلن‬
‫يفلحوا إذن أبدا!‬
‫وليعلمتتوا أن التتذي تحتتتاج إليه البشتترية اليتتوم ليس مأزيتتدات مأن‬
‫النتاج المادي‪ ،‬ول مأزيدات مأن أسلحة الدمأار الشامأل‪ ..‬إنما تحتتتاج إلى‬
‫شتتيء أهم مأن ذلك بكثتتير‪،‬ت وأنفع مأن ذلك بكثتتير‪ :‬هو طمأنينة القلب‬
‫وصفاء الروح‪.‬‬
‫وحين يقتتدم لهم المستتلمون ذلتتك‪ ،‬مأع علمهم الحتتثيث لتلفي‬
‫تخلفهم الذي هم واقعون فيه‪ ،‬يكونون قد قتتدمأوا لهم خدمأة ل توازيها‬
‫خدمأتتة‪ ،‬لنها هي التتتي ستتتنقذهم مأن التتدمأار‪ ،‬وفي التتوقت ذاته فتتإن‬
‫السلم لن يستتلبهم تقتتدمأهم المتتادي التتذي هم عليه حريصتتون‪ ،‬فلم‬
‫يكن الستتلم قط عتتدوا للتقتتدم العلمي أو المتتادي‪ ،‬إنما كتتان عتتدوا‬
‫للخلل التتذي يحتتدث في حيتتاة النتتاس حين ينستتون ربهم وينستتون‬
‫آخرتهم ويستحبون عليها الحياة الدنيا‪ ،‬فينتهي أمأرهم ‪ -‬حسب السنن‬
‫الربانية ‪ -‬إلى الدمأار‪..‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫والن نعود إلى السؤال التتذي بتتدأنا بتته‪ :‬مأتتاذا يملك المستتلمون‬
‫إزاء الطاغوت الكاسح الذي يواجههم؟‬
‫فأمأا مأجموعا المأة فيملكون أضتتعف اليمتتان‪ ،‬وهو إنكتتار القلب‪،‬‬
‫وهو فرض عين عليهم لنه ليس وراء ذلك مأن اليمان حبة خردل‪..‬‬
‫وأمأا الحركة السلمأية فتملك المشروعا الطويل الجل‪ ،‬الذي قد‬
‫يستغرق عدة أجيال‪ ،‬ولكن يجب أن تجند نفسها له مأنذ اللحظتتة‪ ،‬وهو‬
‫عليها فرض عين‪ ..‬ذلك هو إعادة المأة بالتربية إلى حقيقة الستتلم‪،‬‬
‫لتقتتدم النمتتوذج الحضتتاري التتذي يستتاعد النتتاس على الختتروج مأن‬
‫الظلمات إلى النور‪.‬‬

‫)( سورة الحديد )‪(25‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪39‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫موقف العلمانيين‬
‫يبتتدي العلمتتانيون ترحيبا ظتتاهرا بالعولمتتة‪ ،‬ويرتقبونها بفتتارغ‬
‫الصتتبر‪ ،‬ويبشتترون بتتالخير العميم التتذي ستتيهب علينا مأن العولمتتة‪،‬‬
‫ليخرجنا مأن التخلف إلى الحداثة‪ ..‬ول يخفي بعضتتهم فرحته بأنها هي‬
‫التي ستزيل مأن حياتنا بقايا " القرون الوسطى " التي مأا تزال عالقة‬
‫بنا‪..‬‬
‫بعبارة أخرى تزيل لهم السلم!!‬
‫هكذا يفكرون‪ ..‬وهكذا يحلمون‪..‬‬
‫ويعجب النسان لهتتذا المسخ الشتتائه التتذي يقتترأ تاريخه بعيتتون‬
‫غيره‪ ،‬ويزن نفسه بميزان غيره‪،‬ت ويتلشى هو حتى يصير كأنه غيره!‬
‫لقد كانت القرون الوسطى في أوربا هي قرون الظلم‪ ..‬وقُتترِ َ‬
‫ن‬
‫هذا الظلم ‪ -‬بجهالة ‪ -‬بالدين‪ ،‬مأن حيث هو دين! فقيل إن أوربا كانت‬
‫تعيش في الظلم لنها كانت تعيش في ظل الدين‪ ،‬وحين نبذت الدين‬
‫تقدمأت وارتقت وخرجت مأن الظلم إلى النور‪..‬‬
‫ونحن نعلم جيتتدا أن عصر التتتدين في أوربا كتتان عصر الظلم‪،‬‬
‫وأن أوربا تقدمأت حين نبذتت دينها‪ .‬ولكنا جتتديرون أن تكتتون لنا رؤيتنا‬
‫الواضتتحة لهتتذا المأتتر‪ ،‬بما نملك مأن المعتتايير التتتي ل تملكها أوربتتا‪،‬‬
‫وبكوننا ونحن ختتتارج التتدائرة ‪ -‬أو ختتتارج الزمأة ‪ -‬أقتتتدر على الرؤية‬
‫الشتتامألة التتتي قد ل يقتتدر عليها الموجتتودون في داخلهتتا‪ ،‬المتتتأثرون‬
‫بأفعالها وردود أفعالها‪ ،‬الواقعون تحت ضغوطها وانفعالتهتتا‪ ،‬التتتي قد‬
‫تغشي النظرة وتفسد الرؤية‪.‬‬
‫إن أوربا لم تعتتترف في تجربتها ‪ -‬قط ‪ -‬دين الله المتتتنزل! إنما‬
‫عرفت دينا صنعته تصورات بشرية ضتتالة‪ ،‬أفستتدت مأنه مأا أفستتدت‪،‬‬
‫ثم أفسدت به مأا أفسدت!‬
‫وعرفت كيانا كهنوتيا مأبتدعات مأا أنتتزل الله به مأن ستتلطان‪ ،‬طغى‬
‫وتجبر حين واتته الفرصة‪ ،‬ففرض على الناس طغيانا روحيتتا‪ ،‬وطغيانا‬
‫حتتوّل الحيتتاة‬
‫مأاليا‪ ،‬وطغيانا عقليتتا‪ ،‬وطغيانا سياستتيا‪ ،‬وطغيانا عليمتتا‪َ ،‬‬
‫إلى جحيم ل يطتتتتاق‪ ،‬ومأع ذلك أطاقته أوربا مأا يقتتتترب مأن عشتتتترة‬
‫قتترون‪ ،‬ولم تتتدرك مأا فيه مأن الزيتتف‪ ،‬ومأا فيه مأن الجحتتاف بكيتتان‬
‫النسان إل بعد أن احتكت بالسلم والمستتلمين كما أشتترنا في فصل‬
‫سابق‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫وعندئذت انقلبت أوربا مأائة وثمانين درجة كامألة‪ ..‬فألّهت النستتان‬
‫بدل مأن الله‪ ،‬وانكبت على الحياة التتدنيا بتتدل مأن التوجه إلى الختترة‪،‬‬
‫وحكّمت العقل في المأور كلها بدل مأن مأقولت الدين‪ ،‬أي المقتتولت‬
‫التي كانت تقولها الكنيسة باسم الدين‪..‬‬
‫وأوربا حرة تفعل بدينها مأا تشاء!‬
‫ولكن الرؤية المستتتقيمة‪ ،‬غتتير المتتتأثرة بانفعتتالت المعركتتة‪..‬‬
‫الرؤية " العقلنية " الصتتحيحة‪ ..‬والرؤية " العلمية " المتثبتتتة‪ ،‬كتتان‬
‫ينبغي أن تدرس وتحلل وتنظر في السباب والنتائج‪ ،‬فتكشف حقتتائق‬
‫المأتتر‪ ،‬التتتي قد يغيبها النفعتتال الثتتائر‪ ،‬أو رغبة الثتتأر والنتقتتام مأن‬
‫طغيان الكنيسة‪.‬‬
‫ففي الفترة ذاتها التي عاشتها أوربا في ظلماتها‪ ،‬كان هناك نتتور‬
‫ساطع مأشتترق مأتتتألق‪ ،‬مأنبثقت مأن التتدين‪ ..‬ولكن مأن التتدين الصتتحيح‬
‫الذي لم تفسده التصورات الباطلة‪ ،‬والذي ليس له كهنوت ول رجتتال‬
‫دين يفرضتتتون على النتتتاس مأا يفرضتتتون‪ ،‬ويحرقتتتونهم أحيتتتاء حين‬
‫يرفضون!‬
‫ومأن الحق أن نتتتتذكر ‪ -‬كما ذكرنا مأن قبل ‪ -‬أن أوربا كتتتتانت قد‬
‫أوشكت أن تتتدخل في هتتذا التتدين‪ ،‬لتتول عنف الكنيسة في مأحاربتتته‪،‬‬
‫ومأحاربة تأثيراته في نفوس الوربيين وأفكارهم‪.‬‬
‫ولكن الحصتتتيلة النهائية على أي حتتتال كتتتانت نبذ التتتدين جملة‬
‫وإقصتتتاءه عن الهيمنة على واقع الحيتتتاة‪ ،‬أو ‪ -‬في أحسن الحتتتوال ‪-‬‬
‫تحجيمه حتى يصتتبح علقة خاصة بين العبد والتترب‪ ،‬مأكانها القلب‪ ،‬ول‬
‫صلة لها بواقع الحيتتاة السياسي أو القتصتتادي أو العلمي أو الخلقي‬
‫أو الفكري أو الجتماعي‪...‬ت إلخ‪.‬‬
‫مأرة أخرى نقول إن أوربا حرة تفعل بدينها مأا تشاء!‬
‫أمأا العلمانيون الذين يحملون أسماء إستتلمأية فما التتذي دهتتاهم‬
‫حتتتى صتتاروا يتصتتايحون بما صتتاحت به أوربا مأن قبتتل‪ ،‬ويفتترون مأن‬
‫الدين‪ ،‬ويدعون إلى الفرار مأنه كما فتترت أوربا مأن قبتتل‪ ،‬ودينهم غتتير‬
‫ذلك الدين‪ ،‬وظروفهم غير تلك الظروف؟!‬
‫إنستتان يعتترج لن في قدمأه شتتوكة تؤلمه إذا اتكأ عليهتتا‪ ،‬فيتتأتي‬
‫إنسان ستتليم القتتدمأين فيقتتول‪ :‬أريد أن أعتترج مأثل هتتذا الرجتتل‪ ،‬لن‬
‫عرجته تعجبني!!‬
‫مأا علينا!‬
‫‪41‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫إنما نتحدث هنا عن الفرحة الغامأرة التي يتحدثت بها العلمتتانيون‬
‫شتت َريات‬ ‫عن العولمة‪ ،‬والترحيب الحار الذي يستقبلون به أنباءها‪ ،‬والب ُ ْ‬
‫التي يبثونها بالخير الذي سوف يغمرنا مأن جرائها!‬
‫اش َ َ‬
‫َون‬
‫من َُ َ‬ ‫ؤ إ‬‫ين ل ي ُ ْ‬ ‫ذ َ‬ ‫َوب ال ّ إ‬‫قل َُ ُ‬ ‫ت ُ‬ ‫مأ ّز ْ‬ ‫حدَهُ ْ َ‬ ‫و ْ‬ ‫ه َ‬ ‫وإإذَا ذُك إ َر الل ّ ُ‬ ‫) َ‬
‫ون( )‪.(1‬‬ ‫ش ُر َ‬ ‫ستَب ْ إ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ه ْ‬‫ه إإذَا ُ‬ ‫ن دُون إ إ‬ ‫م ْ‬‫ين إ‬ ‫ذ َ‬ ‫وإإذَا ذُك إ َر ال ّ إ‬ ‫ةا َ‬
‫خ َر إ‬‫ال إ‬‫بإ ْ‬
‫مأن أشد مأا يستبشرون به ‪ -‬كما صرح مأتحدثون مأنهم ‪ -‬القضتتاء‬
‫على الدين!‬
‫ولو قتتالوا إن الواقع التتذي تعيشه المأة اليتتوم واقع ستتيئ غاية‬
‫الستتوء‪ ،‬في جميع المجتتالت‪ ،‬وإنه ل بد مأن إصتتلحه‪ ،‬لتفقنا مأعهم بل‬
‫نزاعا‪ ،‬فنحن ل نفتأ نردد هذه الحقيقة في كل مأناسبة‪..‬‬
‫أمأا مأوضع الخلف الجذري بيننا وبينهم فهو نظرتهم إلى الستتبب‬
‫في هذه الحال‪ ،‬وبالتالي نظرتهم إلى طريقة العلج‪ .‬فهم يقولتتون إن‬
‫" التتتدين " هو الستتتبب في البلء كلتتته‪ ،‬وإن العلج هو نبذ التتتدين أو‬
‫تحجيمه ‪ -‬كما فعلت أوربا ‪ -‬ونحن نقول إن البعد عن حقيقة الدين هو‬
‫السبب في البلء كله‪ ،‬ومأن ثم فتتالعلج هو العتتودة الصتتادقة إلى هتتذا‬
‫الدين‪.‬‬
‫ونحن هنا ل نناقشتتتتهم في آرائهم )‪ ..(2‬إنما ننتتتتاقش فتتتترحتهم‬
‫واستبشارهم‪ ..‬هل هي قائمة على أساس حقيقي؟ أم هم يحلمتتون؟‬
‫أم هم يتمنون ثم يصدقون أمأانيهم؟!‬
‫هل ستقضي العولمة حقيقة على المد السلمأي؟!‬
‫نتتترى نحن على العكس‪ ،‬أنها ستتتتكون ستتتببا قويا مأن أستتتباب‬
‫انتشار الصحوة السلمأية في كل الرجاء!‬
‫ه‬
‫َور إ‬
‫م ن َُ إ‬ ‫مت إ ّ‬‫ه ُ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه إ‬ ‫وا إ‬‫ف َ‬ ‫ه ب إََأ َ ْ‬ ‫َور الل ّ إ‬‫َ‬ ‫فئُوا ن َُ‬ ‫ون لإيُطْ إ‬ ‫ريدُ َ‬ ‫)ي ُ إ‬
‫َ‬
‫ين‬‫و إد إ‬
‫هَ دَى َ‬ ‫ه بإال ْ ُ‬ ‫سأَول َ ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫سأَ َ‬ ‫ذي أ ْر َ‬ ‫َو ال ّ إ‬ ‫هَ َ‬‫ون ُ‬‫ف ُر َ‬ ‫رهَ الْك َََا إ‬ ‫و كَ إ‬‫ول َ ْ‬ ‫َ‬
‫)‪.(3‬‬
‫رك ُ َ‬
‫ون(‬ ‫ش إ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫رهَ ال ُ‬ ‫و كَ إ‬ ‫َ‬
‫ول ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ين كُل إ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه َرهُ عَلى الدّ إ‬ ‫ق لإيُظ إ‬ ‫ح ّ‬ ‫ال َ‬
‫مأن زمأن بعيتتد‪ ،‬في أوائل الخمستتينيات مأن هتتذا القتترن‪ ،‬ألقى "‬
‫توينتتبي " المتتؤرخ البريطتتاني الشتتهير مأحاضتترة بعنتتوان " الستتلم‬
‫والمستقبل " قال فيها‪ :‬إن السلم الن نائم نومأة أهل الكهف‪ .‬ولكن‬
‫النتتائم قد يستتتيقظ إذا وجتتدت دواعي اليقظتتة‪ .‬وقد أثبت الستتلم‬
‫وجوده القتتوي مأتترتين تتتاريخيتين مأن قبتتل‪ ،‬الولى حين اكتسح نصف‬
‫)( سورة الزمر )‪(45‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ناقشنا هذا المر تفصيل في كتاب "قضية التنوير في العالم السلمي"‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة الصف )‪(9 - 8‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪42‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫المأبراطورية الرومأانية في ستتنوات قلئتتل‪ ،‬والثانية حين تغلب على‬
‫الصتتليبيينت في القتترون الوستتطى‪ .‬واليتتوم توجد شتتعوب بروليتارية‬
‫)يقصد الشعوب المستذلة الخانعة للذلل‪ ،‬التي ل تثور ضده‪ ،‬ويقصد‬
‫بها شعوب " العالم الثالث "( يستتتغلها الغتترب ويضتتغط عليهتتا‪ ،‬فتتإذا‬
‫اشتد الضغط فسوف تتحركت هذه الشعوب لتسترد كيانها المستتلوب‪،‬‬
‫وعندئذت قد يجد الستتلم الفرصة لتتتزعّم هتتذه الحركتتة‪ ،‬وقيتتادة هتتذه‬
‫الشعوب في صراعها مأع الغرب‪ ..‬وفي الخير قال‪ :‬ونرجو أل يحتتدث‬
‫ذلك!!‬
‫ولكن التتذي كتتان يخشتتاه توينتتبي‪ ،‬ويرجو أل يحتتدث‪ ،‬قد حتتدث‬
‫بالفعتتل‪ ،‬وقتتامأت الصتتحوة الستتلمأية على التترغم مأن كل الحتترب‬
‫المصبوبة عليها‪ ،‬أو ربما بسبب هذه الحرب!‬
‫واليوم تأتي العولمة لتشعل الموقف!‬
‫إن العولمة هي أسوأ صورة مأن صتتور الستتتعمار عرفتها الرض‬
‫حتى اليوم‪ ..‬صورة عاتية غاشمة ل تريد فقط سلب أقوات الشتتعوب‬
‫واستغللها‪ ،‬إنما تريد مأحو شخصيتها‪ ،‬وتحويلها إلى أتباعا وعبيد‪.‬ت‬
‫ورد الفعل المتوقع ‪ -‬ولو بعد فتتترة مأن التتوقت ‪ -‬هو ثتتورة هتتذه‬
‫الشتتعوب لكيانها المستتلوب‪ ،‬وتحركها لستتترداد مأا ستتلب مأنها مأن‬
‫خامأات وأمأوال‪ ،‬وكرامأات وعقول وقلوب‪..‬‬
‫وسيكون السلم هو قائد حركة التحرير!ت‬
‫ول شك في أن العلمتتتتتانيين سيضتتتتتحكون مألء أفتتتتتواههم‪،‬‬
‫وستتيقولون لنتتا‪ :‬إنكم تحلمتتون‪ ،‬ثم تصتتدقون أحلمأكم‪،‬ت فقد جتتاءتكم‬
‫الكاستتحة الماستتحة التتتي ل تبقي ول تتتذر‪ ،‬ول طاقة أمأامأها لحد مأن‬
‫البشتتر! فضل عن الضتتعاف المهازيتتل‪ ،‬الرجعتتيين المتخلفين‪ ،‬التتذين‬
‫يعيشون بعقلية القرون الوسطى في عصر التنوير!‬
‫ونقول نحن إنا واقعيون جدا‪ ،‬بصرف النظر عما تتمناه النفوس‪،‬‬
‫فتتالنفوس دائما تتمتتنى مأا تتترغب‪ ،‬ولكن بعض النتتاس يتمنتتون وهم‬
‫يحلمون‪ ،‬وآختترين يتمنتتون وهم واقعيتتون‪ ،‬يعرفتتون مأواقع أقتتدامأهم‪،‬‬
‫ويدركون عقبات الطريق‪.‬‬
‫ولنأخذ واقعة مأعينة‪ ،‬ولنستخرج مأنها دللتها‪..‬‬
‫تلك الواقعة هي رواية " وليمة لعشاب البحر "‪..‬‬

‫‪43‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫لقد كانت أمأنية التتذين قتتامأوا بإعتتادة نشتترها‪ ،‬أن يصل المجتمع‬
‫ب فيها الله ورستتوله‪ ،‬ويُهتتزأ بدينتته‪ ،‬ويُستتخر مأن‬ ‫ست ّ‬
‫إلى الحالة التي ي ُ َ‬
‫مأفاهيمه ثم ل يتحرك!ت‬
‫ولكنهم ‪ -‬بحماقة ‪ -‬تجاوزوا الخطوط الحمراء!‬
‫وعندئذت وقعت الواقعة التتتي لم تتتدر بخلد أحتتد‪ ،‬ولم تخطر على‬
‫البتتال‪ ،‬فتتانفجر المكبتتوت التتديني كلتته‪ ،‬وتحتترك مأن لم يكن يُتَوقع أن‬
‫يتحرك‪ ،‬واستنكر حتى مأن لم يكن يُتوقع أن يستنكر!‬
‫تلك الواقعة لها دللتها‪..‬‬
‫فقد أوغل العلمانيون في مأهاجمة الدين زمأنا‪ ،‬والناس ستتاكتون‪.‬‬
‫وأغراهم سكوت الناس فزادوا إيغال‪ ،‬مأستندينت إلى القوى التي تقدم‬
‫لهم الحماية وهم يهاجمون الدين‪..‬‬
‫ولكنهم كانوا ‪ -‬في أبراجهم العاجية ‪ -‬يعالجون " قضايا " يختلط‬
‫فيها الحق والباطتتل‪ ،‬و ينفعل بها ول لها إل فريق مأحتتدود مأن النتتاس‪،‬‬
‫وإن كانت في عمومأها تثير اشمئزاز الناس واستنكارهم‪.‬‬
‫أمأا حين مأس المأر مأا هو " مأعلتتوم مأن التتدين بالضتترورة " مأن‬
‫تقديس لله سبحانه وتعالى‪ ،‬وتوقير للرسول صتتلى الله عليه وستتلم‪،‬‬
‫واحترام للتتدين المتتنزل مأن عندت اللتته‪ ..‬فعندئذ انفجر المختتزون كلتته‪،‬‬
‫رغم كل المخاطر التي كانت تحيط بالنفجار!‬
‫والعولمة ترتكب ذات الحماقة‪..‬‬
‫تتجاوز الخطوط الحمراء!‬
‫وفي المتتؤتمرات التتداعرة التتتي تتتدعو إلى الفوضى الحيوانيتتة‪،‬‬
‫وتدعو إلى إعطاء الشرعية للفسق والفجتتور والشتتذوذ والنحتتراف‪..‬‬
‫يتجاوز " المتآمأرون " الخطتتوط الحمتتراء‪ ،‬ويمستتون مأا هو " مأعلتتوم‬
‫مأن الفطرة بالضرورة " فينفجرت المخزون!‬
‫وذلك فضل عن الضتتغط القتصتتادي والضتتغط السياسي التتذي‬
‫يصاحب العولمة‪ ،‬ويؤدي في النهاية إلى النفجار‪..‬‬
‫إن العولمة ‪ -‬ستتتواء كتتتانت أمأريكية بحتتتتة‪ ،‬أو يهودية بحتتتتة‪ ،‬أو‬
‫خليطا مأتجانسا مأتعاونا مأن المأريكية واليهودية ‪ -‬تعمل ‪ -‬بحماقة ‪-‬‬
‫ضد مأصالحها في نهاية المطاف!‬

‫‪44‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫مستقبل العولمة‬
‫الغيب لله‪..‬‬
‫ْ َ‬
‫ب إ إ ّل الل ّ ُ‬
‫ه(‬ ‫ض ال ْ َ‬
‫غي ْ َ‬ ‫وال ْر إ‬ ‫ات َ‬
‫او إ‬
‫م َ‬
‫الس َ‬
‫ّ‬ ‫في‬
‫ن إ‬
‫م ْ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ل ل يَ ْ‬ ‫) ُ‬
‫ق ْ‬
‫)‪.(1‬‬
‫ولكن هنتتاك ستتننا ربانية تجتتري في حيتتاة البشتتر‪ ،‬وهي ستتنن ل‬
‫تتخلف ول تتبدل‪ ،‬وهناك وعد ووعيد مأن عند الله‪ ،‬ل يتخلفتتان كتتذلك‪،‬‬
‫وهنتتاك واقع مأشتتهود‪ ،‬يمكن رؤيته وتقتتدير احتمالته على ضتتوء تلك‬
‫السنن‪ ،‬وذلك الوعد والوعيد‪..‬ت‬
‫وكلها تقتتول إن هتتذه العولمتتة‪ ،‬ستتواء كتتانت ‪ -‬كما قلنا في نهاية‬
‫الفصل الستتابق ‪ -‬أمأريكية بحتتتة‪ ،‬أو يهودية بحتتتة‪ ،‬أو خليطا مأتجانسا‬
‫مأتعاونا مأن المأريكية واليهودية‪ ،‬لن تعيش طويل كما يتمنى أصحابها!‬
‫إنها بادئ ذي بدء مأخالفة لقدر مأسبق مأن أقتتدار اللتته‪ ،‬أل يكتتون‬
‫ك‬ ‫ش َاءَ َرب ّ َ‬ ‫َو َ‬ ‫ول ََ ْ‬ ‫واحتتدة على اليمتتان أو على الكفتتر‪َ ) :‬‬ ‫النتتاس أمأة‬
‫ُ‬
‫م‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر إ‬ ‫م ْ‬ ‫ين إ إ ّل َ‬ ‫ف ََ‬ ‫ختَل إ إ‬ ‫م ْ‬ ‫ول ي َ َزال َُ َ‬
‫َون ُ‬ ‫حَ دَةاً َ‬ ‫وا إ‬ ‫ة َ‬ ‫م ً‬ ‫سأ ّ‬ ‫َل النّا َ‬ ‫عَ َ‬ ‫ج َ‬ ‫لَ َ‬
‫ة‬
‫جن ّ إ‬ ‫ن ال ْ إ‬ ‫م َ‬ ‫م إ‬ ‫هن ّ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن َ‬ ‫م َل َ ّ‬ ‫ة رب ّ َ َ‬
‫ك َل ْ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫ت كَل إ َ‬ ‫م ْ‬ ‫وت َ ّ‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ك خَل َ َ‬ ‫ولإذَل إ َ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ش َاءَ اللّه لَجعلَك ُ ُ‬ ‫َ‬
‫َو َ‬ ‫ول ََ ْ‬
‫)‪(2‬‬
‫حَ دَةاً‬ ‫وا إ‬‫ة َ‬ ‫م ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ين( ‪َ ..) .‬‬ ‫ع َ‬ ‫م إ‬ ‫ج َ‬ ‫اس أ ْ‬ ‫إ‬ ‫والن ّ‬ ‫َ‬
‫)‪(3‬‬
‫م‪. (..‬‬ ‫ُ‬
‫ما آتَاك ْ‬ ‫في َ‬ ‫م إ‬ ‫وك َْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ن لإيَبْل َ‬ ‫ولك إ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فكل مأحاولة لصتتبغ النتتاس كلهم صتتبغة واحتتدة‪ ،‬تفرضتتها القتتوة‬
‫الغاشمة‪ ،‬هي مأحاولة فاشلة مأنذت البدء‪ ،‬وإن قدّر لها شيء مأن النجاح‬
‫في بعض أرجاء الرض لفترة مأحدودة مأن الزمأان‪.‬‬
‫فاشتتلة لنها مأخالفة لرادة ربانية أزليتتة‪ ،‬والله هو التتذي يقتتدر‬
‫المقادير‪ ،‬وليس البشر‪ ،‬وإن ظنوا في لحظات غرورهم وتتتألههم أنهم‬
‫قادرون!‬
‫ال َ ْر‬ ‫) َ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫قالُوا َ‬ ‫و َ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ر ال ْ َ‬ ‫إ‬ ‫غي ْ‬ ‫ض بإ َ‬ ‫إ‬
‫في ْ‬ ‫اسأتَكْب َ ُروا إ‬ ‫ف ْ‬ ‫ما عَادٌ َ‬ ‫فأ ّ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫شََدّ إ‬ ‫و أَ َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ذي خَل َ َ‬ ‫ه ال ّ إ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وا أ ّ‬
‫َ‬
‫ْ‬ ‫م ي َ َر‬ ‫ول َ ْ‬ ‫َ‬
‫قوةاً أ َ‬
‫ّ‬ ‫منّا ُ‬ ‫شد ّ إ‬ ‫أَ َ‬
‫ص َرا ً‬ ‫ص ْر َ‬ ‫ريحََا ً َ‬ ‫م إ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬ ‫فأ َ ْر َ ْ‬ ‫ون َ‬ ‫وكَانُوا بإآياتإنَا ي َ ْ‬ ‫ُ‬
‫سأ َلنَا عَلي ْ إ‬ ‫حد ُ َ‬ ‫ج َ‬ ‫وةاً َ‬
‫َ‬
‫ق ّ‬
‫ةا ال َدّنْيَا‬ ‫حي َََا إ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫ي إ‬ ‫إ‬ ‫َز‬
‫خَ ْ‬ ‫اب ال ْ إ‬ ‫عذ َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫يق ُ‬‫ذ َ‬ ‫ات لإن ُ إ‬ ‫س ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫في أيّاما ٍ ن َ إ‬ ‫إ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اب ْ‬
‫ن أنّا‬ ‫و َ‬ ‫فل ي َ َر ْ‬ ‫ون( )‪ ..) .(4‬أ َ‬ ‫ص ُر َ‬ ‫م ل يُن ْ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ْزى َ‬ ‫ةا أخ َ‬ ‫خ َر إ‬ ‫ال إ‬ ‫عذ َ ُ‬ ‫ول َ َ‬ ‫َ‬

‫)( سورة النمل )‪(65‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة هود )‪(119 - 118‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة المائدة )‪(48‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( سورة فصلت )‪(16 - 15‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪45‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫ون( )‪.(1‬‬ ‫م الْغََََالإب ُ َ‬ ‫ه ُ‬‫ف ُ‬‫ها أ َ َ‬‫ف َ‬ ‫ن أَطْ َرا إ‬ ‫م ْ‬ ‫ها إ‬ ‫صَََ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ض نَن ْ ُ‬‫ال ْر َ‬
‫ن ََََأْتإي ْ َ‬
‫والل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ها َ‬ ‫ن أَطْ َرا إ‬
‫ف َ‬ ‫م ْ‬‫ها إ‬ ‫صَََ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ض نَن ْ ُ‬‫ال ْر َ‬
‫)أَولَم ي ََََروا أَنّا ن ََََأْتإي ْ َ‬
‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫)‪(2‬‬
‫اب( ‪.‬‬ ‫س إ‬ ‫ح َ‬ ‫ْ‬
‫ع ال إ‬ ‫ري ُ‬ ‫سأ إ‬
‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬‫ه َ‬ ‫م إ‬ ‫ْ‬
‫حك إ‬ ‫ب لإ ُ‬‫ق َ‬ ‫ع ّ‬ ‫م َ‬ ‫مل ُ‬ ‫حك ُ ُ‬‫يَ ْ‬
‫وهي فاشلة ثانيا لنها مأخالفة لسنة أختترى مأن ستتنن اللتته‪ ،‬وهي‬
‫مأداولة اليتتتتام بين النتتتتاس )بمعتتتتنى النصر والهزيمتتتتة‪ ،‬والتمكين‬
‫والزوال(‪.‬‬
‫وتإل َْ َ‬
‫َك‬ ‫مثْل ُ َ َُ‬
‫ه َ‬ ‫ح إ‬
‫َر ٌ‬
‫قَ ْ‬‫ما َ‬‫و َ‬ ‫قَ ْ‬‫س ال ْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫قد ْ َ‬‫ف َ‬ ‫ح َ‬ ‫ق ْر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫)إ إ ْ‬
‫ْ َ‬
‫اس()‪.(3‬‬ ‫إ‬ ‫ن الن ّ‬ ‫ها بَي ْ َ‬‫اول ُ َ‬‫اما نُدَ إ‬ ‫الي ّ ُ‬
‫ثم إنها ‪ -‬في الواقع المشتتتتهود الن ‪ -‬تجد مأجابهة ومأعارضة في‬
‫أكثر مأن مأكتتان! ففرنسا وألمانيا في أوربا تستتتنكفان أن تصتتوغ لهما‬
‫أمأريكا طريقة حياتهمتتتتا‪ ،‬وتقفتتتتان بشتتتتدة أمأتتتتام كل مأحاولة لمحو‬
‫شخصتتيتهما‪ ،‬وطبعهما بطتتابع غتتير طابعهما التتذاتي‪ ،‬ستتواء في عتتالم‬
‫اللغة أو الفكر أو الثقافة أو الستتتتلوك اليتتتتومأي‪ ،‬فضل عن السياسة‬
‫والقتصاد‪.‬‬
‫وفي آستتيا توجد الصتتين واليابتتان‪ ،‬وكلتاهما قتتوة راستتخة في‬
‫الرض‪ ،‬ل يسهل مأحوهتتا‪ ،‬ول إخضتتاعها‪ ،‬ول طمس مأعالمهتتا‪ ،‬ول إذابة‬
‫شخصيتها كما تشتهي العولمة‪.‬‬
‫وذلك فضل عن الحركة الستتتلمأية‪ ،‬المكبوتة الن بكل وستتتائل‬
‫الكبت‪ ،‬ولكنها حية تستعصي على كل مأحاولة لوأدهتتتتتا‪ ،‬أو مأنعها مأن‬
‫النتشار‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫وعلى فتترض أن العولمة أمأريكيتتة‪ ،‬فأمأريكا ذاتها مأهتتددة ‪ -‬مأن‬
‫داخلها ‪ -‬بالنهيتتار! ولستتنا نحن التتذين نقتتول ذلك إنما تقوله صتتحفهم‬
‫وكتابهم ومأفكروهم‪.‬‬
‫حقا إن القوة المادية لمأريكات مأن الضتتخامأة بحيث يصتتعب حتتتى‬
‫على القتتوى العالمية الختترى مأجاراتها أو التصتتدي لهتتا‪ ،‬ولكن القتتوة‬
‫المادية ليست هي في النهاية التي تقتترر مأصتتاير المأم‪ ،‬أو على القل‬
‫ليست وحدها التي تقرر مأصتتايرهم‪ ..‬وحين يتفشى التتترف‪ ،‬ويتفشى‬
‫الترهل )مأما نبه إليه كلنتون ذاته في كلمات وجهها إلى شعبه( وحين‬
‫تتفشى الفوضى الجنستتية والشتتذوذ والنحتتراف‪ ،‬ويتعتتالن الشتتواذ‬
‫)( سورة النبياء )‪(44‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة الرعد )‪(41‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة آل عمران )‪(140‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪46‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫بشتتذوذهم ويطلبتتون مأن دستتتورهم وبرلمتتانهم أن يقر بشتترعيتهمت‬
‫وشتتترعية ستتتلوكهم المنحتتترف‪ ..‬وحين تتفشى الخمر والمختتتدرات‬
‫والجريمة‪ ..‬فكل ذلك مأن عوارض الدمأار‪ ،‬مأهما كانت القوة المادية‪..‬‬
‫ولسنا نقتتول إن أمأريكا ستتتنهار غتتدا صتتباحا! فتتإن مأا لتتديها مأن‬
‫عوامأل القوة اليجابية يمكن أن يمد لها فترة مأن الزمأن بحسب ستتنة‬
‫الله‪ .‬ولكنا نقول ‪ -‬فقط ‪ -‬إن هذا المأر ل يتوقع كثيرا أن يطول‪.‬‬
‫وأمأا إن كتتتانت العولمة يهوديتتتة‪ ،‬تعمل مأن خلل أمأريكتتتا‪ ،‬وهو‬
‫ضيْنَا إإلَى‬ ‫ق َ‬ ‫و َ‬ ‫الرجح في نظرنا‪ ،‬فلليهود في كتاب الله وعد ووعيد‪َ ) :‬‬
‫ن‬ ‫ْ َ‬ ‫َََاب لَت ُ ْ‬ ‫في الْكإت َ‬ ‫َ‬
‫َََرتَي ْ إ‬ ‫م ّ‬ ‫ض َ‬ ‫في ال ْر إ‬ ‫ن إ‬ ‫سَََدُ ّ‬ ‫ف إ‬
‫ُ‬
‫إ‬ ‫رائايل إ‬ ‫سأَََ‬ ‫بَنإي إ إ ْ‬
‫عب َََادا ً‬ ‫م إ‬ ‫عثْنَا عَلَيْك ُ ْ‬ ‫ما ب َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫عدُ أول ُ‬ ‫و ْ‬ ‫جاءَ َ‬ ‫فإإذَا َ‬ ‫وا ً كَبإيرا ً َ‬ ‫ن عُل ُ ّ‬ ‫عل ُ ّ‬ ‫ولَت َ ْ‬ ‫َ‬
‫وعََْدا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫د َ‬ ‫س َ‬ ‫ْ‬ ‫لَنَا أولإي ب َََأ‬ ‫ُ‬
‫ََان َ َ‬ ‫َ‬ ‫وك‬ ‫ار َ‬ ‫الََدّي َ إ‬ ‫لل‬ ‫خ‬ ‫اسأََوا إ‬ ‫ج ُ‬ ‫ف َ‬ ‫دي ٍ‬ ‫شََ إ‬ ‫ٍ‬
‫فعَََول ً ثُم رددنَا لَكُم الْك ََََرةاَ عَلَيهم َ‬
‫ال‬ ‫و ٍ‬ ‫م َ‬ ‫م ب إَََأ ْ‬ ‫مَََ دَدْنَاك ُ ْ‬ ‫وأ ْ‬ ‫ْ إ ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ َ َ ْ‬ ‫م ْ ُ‬ ‫َ‬
‫م َلن ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫سََك ُ ْ‬ ‫ف إ‬ ‫سنْت ُ َْ‬‫ح َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫سنْت ُ َْ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫فيرا ً إ إ ْ‬ ‫م أكْث َ َر ن َ إ‬ ‫علْنَاك ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫ين َ‬ ‫وبَن إ َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫هك ْ‬ ‫جََو َ‬ ‫و ُ‬ ‫س َوءُوا ُ‬ ‫ةا لإي َ ُ‬ ‫َر إ‬ ‫خَ َ‬ ‫ع َدُ ال إ‬ ‫و ْ‬ ‫جاءَ َ‬ ‫ها فإإذَا َ‬ ‫م فل َ‬ ‫سأأت ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫وإ إ ْ‬ ‫َ‬
‫َوا‬ ‫َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ما عَل َ ْ‬ ‫ولإيُتَب ّ ُروا َ‬ ‫ةا َ‬ ‫َر ٍ‬ ‫مَ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫ما دَخَل ََوهُ أ ّ‬ ‫جد َ ك َ‬ ‫سَ إ‬ ‫م ْ‬ ‫ولإي َ َدْخُلوا ال َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫مك ُ ْ‬ ‫َسى َربّك ُ ْ‬
‫)‪(1‬‬
‫عدْنَا‪. (...‬‬ ‫م ُ‬ ‫عدْت ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫وإ إ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ي َ ْر َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫تَتْبإيراَ ع َ‬
‫ويستوي ‪ -‬كما أشرنا مأن قبل ‪ -‬أن تكتتون المرتتتان المتتذكورتان‬
‫تتتتاريخيتين‪ ،‬أو تكتتتون إحتتتداهما تاريخية والثانية هي الواقعة اليتتتوم‪..‬‬
‫ع َدْنَا( فيه الفيصل فيما نحن بصتتدده‪.‬ت‬ ‫م ُ‬ ‫ع َدْت ُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫)وإ إ ْ‬ ‫فقوله تعتتالى‪َ :‬‬
‫فاليات تقول إنه كلما عل اليهود في الرض وأفسدوا ‪ -‬سواء مأتترة أو‬
‫مأتترات ‪ -‬جتتاء العقتتاب الربتتاني فتتأنزلهم مأن علتتوهم وأجتترى عليهم‬
‫َوما إ ال ْ إ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫ة َ‬ ‫مَ إ‬ ‫قيَا َ‬ ‫م إإلَى ي ََ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن عَلي ْ إ‬
‫عث َ ّ َ‬ ‫ك لَيَب ْ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫)وإإذْ تَأذّ َ‬ ‫وعيتتده‪َ :‬‬
‫)‪(2‬‬
‫اب( ‪.‬‬ ‫عذ َ إ‬ ‫سأوءَ ال ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫وهم اليوم في قمة العلو‪ ..‬ولم يستتبق لهم في تتتاريخهم كله أن‬
‫علوا وسيطروا بمقدار مأا لهم اليتتوم مأن العلو والستتيطرة في أرجتتاء‬
‫الرض‪.‬‬
‫والله هو التتذي يقتتدر‪ ،‬وله حكمته في تقتتديره ستتواء عرفنا نحن‬
‫الحكمة أم لم نعرفها‪.‬‬

‫)( سورة السراء )‪(8 - 4‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة العراف )‪(167‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪47‬‬
‫المسلمون والعولمة‬
‫وله حكمة ول شك في المألء لليهتتتتتتتتود وتمكينهم في الرض‪:‬‬
‫ضربت عَلَيهم الذّل ّ ُ َ‬
‫َل‬
‫حب َْ ٍ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ إ‬‫م َ‬ ‫َل إ‬
‫حب َْ ٍ‬‫فوا إ إ ّل ب إ َ‬ ‫ق ُ‬‫ما ث ُ إ‬ ‫ن َ‬ ‫ة أي ْ َ‬ ‫ْ إ ُ‬ ‫) ُ إ َ ْ‬
‫)‪(1‬‬
‫اس‪. (..‬‬ ‫إ‬ ‫ن الن ّ‬ ‫م َ‬ ‫إ‬
‫فهم مأمكنون بحبل مأن الله ابتتتداء‪ ،‬أي بتقتتديرت مأن الله وإمأتتداد‪،‬‬
‫ثم بحبل مأن الناس الذين يعينونهم على تنفيذت مأخططاتهم‪.‬‬
‫أمأا الحكمة في ذلك فل نعرفهتتا‪ ،‬لنها ليست مأتتذكورة في كتتتاب‬
‫الله ول في حديث الرستتول صتتلى الله عليه وستتلم‪ ،‬ولكن ربما كتتان‬
‫الله يعتتاقب البشتترية التتتي كفتترت اليتتوم كفتترا لم تكفتترهت مأن قبتتل‪،‬‬
‫فأنكرت وجود الله )في جزء غير قليل مأنها( وشتتردت عن هديه )في‬
‫الجتتزء الكتتبر مأنهتتا( ويعتتاقب المأة الستتلمأية بالتتذات على تفريطها‬
‫وتقاعسها‪ ..‬يعاقب الجميع بتسليط اليهود عليهم تحقيقا لقوله تعالى‪:‬‬
‫ث عَلَيكُم عَ تذ َابا ً مأن فَتتوقك ُ َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ح ِ‬‫ن تَ ْ‬‫مأ ْ‬ ‫م أو ْ ِ‬‫ْ ِ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ن يَبْعَ َ‬ ‫ل هُتتوَ ال ْ َقتتادِ ُر عَلَى أ ْ‬ ‫)قُ ْ‬
‫ْ‬ ‫أَرجلِك ُ َ‬
‫ض( )‪.(2‬‬ ‫س بَعْ ٍ‬ ‫م بَأ َ‬ ‫ضك ُ ْ‬‫شيَعا ً وَيُذِيقَ بَعْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫م أوْ يَلْب ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬
‫وأيّا تكن الحكمة فالتتتذي يهمنا هنا أن هتتتذا العلو والفستتتاد في‬
‫الرض مأحتتدود بتتزمأن مأعين يقتتدره اللتته‪ ،‬وليس طويل المأتتد‪ ،‬لنه‬
‫استثناء مأن القاعدة‪ ،‬وليس هو القاعدة‪ ،‬وإن تكن القاعدة مأن تقتتدير‬
‫الله‪ ،‬والستثناء كذلك مأن تقدير الله‪..‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫وليس مأعتتتنى هتتتذا كله أن العولمة أمأر هين ول خطر مأنتتته‪ ،‬ول‬
‫يستأهل مأنا اهتمامأا ول حركة‪..‬‬
‫إنه عاصفة جائحة هوجاء‪..‬‬
‫والعاصتتفة تهتتدأ بعد حين‪ ،‬ولكنها تكتتون قد دمأتترت مأا دمأتترت‪،‬‬
‫وخربت مأا خربت‪ ،‬مأما قد يحتاج في إصلحه إلى عشرات السنين‪..‬‬
‫وإنما نقول للناس في العالم السلمأي تحصنوا قتتدر الطاقة مأن‬
‫العاصفة الهوجاء‪ .‬تحصنوا أول بالتمسك بتتدينكمت وأخلقكم وثتتوابتكم‪،‬‬
‫ثم تحصنوا ثانيا ببذل أقصى الجهد في تحصتتيل العلم والتقنية وزيتتادة‬
‫النتاج‪ ،‬لعلكم بذلك تقللون آثار الدمأار الذي تخلفه العاصفة‪.‬‬
‫ثم نقول لهم كما قال مأوسى عليه السلم لقومأه وهم في أتتتون‬
‫ض لإل ّ إ‬ ‫ن ْ َ‬ ‫عينُوا بإالل ّ إ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ورث ُ َ‬
‫ه يُ إ‬ ‫ال ْر َ‬ ‫اصََب إ ُروا إ إ ّ‬ ‫و ْ‬ ‫ه َ‬ ‫)اسأََت َ إ‬
‫ْ‬ ‫البتلء‪:‬‬
‫ين( )‪.(3‬‬ ‫ق َ‬ ‫مت ّ إ‬ ‫ة لإل ْ ُ‬‫قب َ ُ‬‫عا إ‬ ‫وال ْ َ‬‫ه َ‬ ‫عبَا إد إ‬ ‫ن إ‬ ‫م ْ‬ ‫شاءُ إ‬ ‫يَ َ‬
‫)( سورة آل عمران )‪(112‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة النعام )‪(65‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة العراف )‪(128‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪48‬‬
‫المسلمون والعولمة‬

‫الفهرس‬

‫مأقدمأة‬ ‫‪-‬‬
‫أبعاد العولمة‬ ‫‪-‬‬
‫مأسئولية المأة السلمأية‬ ‫‪-‬‬
‫مأاذا يملك المسلمون؟‬ ‫‪-‬‬
‫مأوقف العلمانيين‬ ‫‪-‬‬
‫مأستقبل العولمة‬ ‫‪-‬‬

‫‪49‬‬
‫المسلمون والعولمة‬

‫هذه دعوتنا‬
‫‪ -‬دعتتتوة الى الهجتتترة إلى الله بتجريدت التوحيتتتد‪،‬ت والتتتبراءة مأن‬
‫الشرك والتنديد‪ ،‬والهجرة إلى رستتوله صتلى الله عليه وستتلم بتجريدت‬
‫المتابعة له‪.‬‬
‫‪ -‬دعوة إلى إظهار التوحيد‪ ،‬بإعلن أوثق عرى اليمان‪ ،‬والصتتدعا‬
‫مد وإبراهيم عليهما السلم‪ ،‬وإظهار مأتتوالة التوحيد‬ ‫بملة الخليلين مأح ّ‬
‫وأهله‪ ،‬وإبداء البراءة مأن الشرك وأهله‪.‬‬
‫‪ -‬دعتتوة إلى تحقيق التوحيد بجهتتاد الطتتواغيت كل الطتتواغيت‬
‫باللستتان والستتنان‪ ،‬لختتراج العبتتاد مأن عبتتادة العبتتاد إلى عبتتادة رب‬
‫العباد‪ ،‬ومأن جور المناهج والقوانين والديان إلى عدل ونور السلم‪.‬‬
‫‪ -‬دعتتوة إلى طلب العلم الشتترعي مأن مأعينه الصتتافي‪ ،‬وكسر‬
‫صنميّة علماء الحكومأات‪ ،‬بنبذت تقليد الحبار والرهبتتان التتذين أفستتدوا‬
‫الدين‪ ،‬ولبّسوا على المسلمين‪...‬‬
‫وأحبار سوء ورهبانها‬ ‫وهل أفسد الدين إل الملوك‬
‫‪ -‬دعوة إلى البصيرةت في الواقع‪ ،‬وإلى استبانة سبيل المجرمأين‪،‬‬
‫كل المجتترمأين على اختلف مأللهم ونحلهم‪} ،‬قل هتتذه ستتبيلي أدعو‬
‫إلى الله على بصتتتتتيرة أنا ومأن اتبعتتتتتني وستتتتتبحان الله ومأا أنا مأن‬
‫المشركين{‪.‬‬
‫‪ -‬دعوة إلى العدادت الجاد على كافة الصعدة للجهتتاد في ستتبيل‬
‫اللتته‪ ،‬والستتعي في قتتتال الطتتواغيت وأنصتتارهم‪ ،‬واليهتتود وأحلفهم‪،‬‬
‫لتحرير المسلمين وديارهم مأن قيد أسرهم واحتللهم‪.‬‬
‫‪ -‬ودعوة إلى اللحاق بركب الطائفة الظاهرة القائمة بدين الله‪،‬‬
‫الذين ل يضرهم مأن خالفهم ول مأن خذلهم حتى يأتي أمأر الله‪.‬‬

‫موقعنا على الشبكة‬


‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.almaqdese.com‬‬ ‫منبر التوحيد والجهاد‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬ ‫والجهاد‬ ‫منبر التوحيد‬
‫‪www.tawhed.ws‬‬
‫‪www.almaqdese.com‬‬
‫‪www.tawhed.ws‬‬
‫‪www.alsunnah.info‬‬
‫‪www.almaqdese.com‬‬
‫‪http://www.abu-qatada.com‬‬ ‫‪www.abu-qatada.com‬‬
‫‪www.alsunnah.info‬‬
‫‪www.abu-qatada.com‬‬

You might also like