Professional Documents
Culture Documents
عــزوف المغاربة عن القراءة بقلم - عمر دغوغي
عــزوف المغاربة عن القراءة بقلم - عمر دغوغي
ومع كل هذا الوضع المأساوي الذي يشهده واقع الكتاب و القراءة في عالمنا العربي ،تبرز بعض
المبادرات للَح ّد من هذه الظاهرة الخطيرة ،حيث احتضنت مدينة أكادير بتاريخ 25/10/2014
،تجمعا َض ّم 5000مشارك في أكبر تجمع للقراء ،على شكل أكبر لوحة بشرية استعراضية لكلمة
"اقرأ " في العالم ،يتطلع من خالله المنظمون إلى دخول موسوعة "غينيس" لألرقام القياسية،
وتشجيع فعل القراءة ،وتغيير وضع الكتاب الذي َر َكّناُه جانبا ،لُنعيد فتحه من جديد ،ليدخل نور
المعرفة إلى البيوت فيجلو العقول ،كما يدخل نور الشمس إليها فيجلو األبصار .
واألرقام في المغرب ،كما في معظم الدول العربية ُم خجلة ،فالقراءة عندنا ليست عادة أصيلة،
والمغاربة ال يرون الكتاب ضرورة للروح ،كما يرون الرغيف ضرورة للبدن.
والشريحة المهتمة بالقراءة الورقية تتقلص نظرا للقراءة اإللكترونية ،ومن يشترون الكتب على
قلتهم ،يكتفون بتزيين رفوف مكتباتهم بها.
وحتى معارض الكتب التي تعتبر آلية مهمة لنشر القراءة ،ال يعرف المغرب سوى معرضا سنويا
واحدا ،عالوة عن تقلص عدد الكتبيين إلى حد ينذر بالخطر ،واختفاء العديد من المكتبات
العريقة التي ظلت تشتغل منذ سنوات كمعالم ثقافية لبعض المدن.
ويبدو الجفاء واضحا حتى في قراءة الصحف ،حيث إن مبيعات الصحيفة األولى سنة 2013
لم يتجاوز 90ألف نسخة يوميا ،في حين لم تتجاوز نسبة قراءة جرائد أخرى عتبة 379نسخة
يوميا.
والغريب أنه يمكن للطالب ببالدنا ،أن يحصل على شهادات عليا ،دون أن يكون قد قرأ ولو كتابا
في السنة الدراسية ،ناهيك عن األمية المرتفعة بالمغرب .وفي تقرير برنامج األمم المتحدة
اإلنمائي ،يحتل المغرب الرتبة 162في الئحة القراءة والكتابة ،وال تتجاوز النسبة المئوية
لميزانية وزارة الثقافة ،ضمن المالية العامة 0.63في المائة برسم سنة . 2013
ويصل عدد دور النشر إلى 32دارا ،ويصدر عنها ُم جتمعة 1000عنوان سنويا ،وتطبع من كل
كتاب 3000نسخة ،وال تباع منه إال 2000نسخة في ثماني سنوات ،ناهيك عن أن نسبة
القراءة في المغرب ،ال تتجاوز اثنين في المائة للكتب ،بمعدل قراءة ال يتجاوز دقيقتين في
اليوم ،بينما ال تزيد نسبة المقروءة للصحف على ثالث عشرة صحيفة لكل ألف مواطن ،وهو ما
انعكس على حالة الركود التي تشهدها المكتبات العامة وأماكن بيع الكتب و أكشاك الجرائد
والمجالت ،مما يؤكد أن القراءة تعيش وضعا بائسا ،ال يبعث على االرتياح .
وحسب اإلحصائيات ،العرب أقل أمة تقرأ ،وكشف استطالع للرأي أجرته " ياهو مكتوب"
لألبحاث ،أن ربع سكان العالم العربي ،نادرا ما يقرؤون كتبا .ويحتل الكتاب في جوجل google
المرتبة 153من بين اهتماماتنا العربية.
وأهم 3مواضيع يبحث عنها العربي في جوجل google هي الجنس ،الطبخ ،ثم الفضائح.
وفي سنة 2009تم تحميل 150كتابا ،مقابل 43مليون فيلم وأغنية في نفس العام.
ويتفوق المغنيين بضعفين على المتنبي ونزار قباني ونجيب محفوظ ومحمود درويش
مجتمعين.
واألغرب من ذلك ،أن %72من خريجي الجامعات يتخرجون دون أن يستعيروا كتابا واحدا من
مكتبة الجامعة ،بل حتى من يقرأ من شبابنا ،ال يهتم إال بالروايات الغرامية وفن الطهي وكتب
السحر والجن.
ويكفي أن نعلم ،أن كتب التنجيم هي ثاني أكثر الكتب قراءة في الوطن العربي .كما أن العرب
لم ينشروا منذ ذروة حضارتهم ،في زمن الخليفة المأمون ،أي منذ القرن التاسع الميالدي ،حتى
منتصف القرن العشرين ،إال ما مجموعه مائة ألف كتاب فقط ،وهو ما تنشره أوروبا في أقل من
سنة.
وتنتج الدول العربية %1.1فقط من معدل اإلنتاج العالمي للكتاب ،ويقدر ما َي ْص در في الوطن
العربي من كتب جديدة 5000كتاب ،بينما َي ْص در في أمريكا ما يزيد على 290ألف كتاب
جديد سنويا.
ويصدر الناشرون العرب سنويا كتابا واحدا لكل ربع مليون شخص في العالم العربي ،مقابل
كتاب لكل خمسة آالف شخص في الغرب .أضف إلى ذلك ،أن ما تستهلكه دار نشر فرنسية
واحدة من الورق هي " باليمار " ،يفوق ما تستهلكه مطابع العرب من المحيط إلى الخليج.
وخالل األلف عام التي مضت ،منذ عهد الخليفة المامون ،ترجم العرب من الكتب ما يساوي عدد
الكتب التي تترجمها إسبانيا خالل عام واحد فقط ! ،وفي مقابل ذلك ،تترجم إسرائيل 15ألف
كتاب سنويا باللغة العبرية ،وال تترجم الدول العربية حاليا أكثر من 330كتابا سنويا ! .كما أن
كل 20عربيا يقرأ كتابا واحدا في السنة ،بينما يقرأ األوروبي 7كتب في العام ،أما معدل القراءة
عند اإلنسان العربي ،فيبلغ 6دقائق في السنة ،مقابل 36ساعة لإلنسان الغربي.
ومن دون اإلطالة في وصف الظاهرة ،يجب النظر ولو بسرعة في أهم األسباب التي تجعل
المغاربة عازفين عن القراءة:
_1مجتمعات العالم الثالث أرهقها الفقر ،فتنازلت عن الكتاب مقابل الخبز .وتشير إحصائيات
المندوبية السامية للتخطيط ،أن ما ُت نفقه األسر المغربية على التعليم والترفيه والثقافة ،ال
يتجاوز %3.6من مجموع نفقات األسرة المغربية.
وقد تكون أسعار الكتب المرتفعة سببا في عزوف الناس عن القراءة ،لكن إذا قارنا إنفاق بعض
األسر ،على المأكل والملبس وملء البطن وأمور أخرى ،مع ثمن كتاب في حدود 50درهما،
سنجد أن ذلك عذر ال مبرر له ،ناهيك عن أن السيدات يستطعن تكوين مكتبة رائعة ،إذا وضعن
في اعتبارهن شراء كتاب مع كل حملة لهن على محالت بيع العطور والماكياج .ويرى يونس عبد
الحفيظ جنوحي ،في مقال له " المغاربة شعب ال يقرأ " أن " المغاربة يستهلكون قدرا كبيرا من
الخمور ،رغم الفقر ،والتي تفوق ثمنها ثمن الكتب بكثير ،ويدمنون الجلوس في المقاهي ،وال
وجود للكتاب ضمن األولويات الكبرى للمغاربة".
_2ثورة المعلومات جعلت العالم قرية صغيرة ،ساهمت في إبعاد الناس عن الكتاب ،ذلك أن
التطور الهائل أدى إلى قتل الرغبة في القراءة ،واالستعاضة عنها بالمشاهدة الحسية والبصرية
والصوتية ،حيث أصبحت األجهزة الحديثة تقدم المعلومات دون مجهود يبذله المستمع أو
المشاهد.
فكمية المعلومات التي يمكن أن تحصل عليها عبر مشاهدة فيلم وثائقي مثال ،تعادل ضعف
المعلومات التي قد تحصل عليها نتيجة قراءة كتاب ،إضافة إلى قوة تخزين تلك المعلومات في
الذاكرة نتيجة عمل أكثر من حاسة معا.
_ 3السياسات الرسمية ال تشجع على التصالح مع الكتاب ،حيث سبق أن رفض أحمد بوزفور،
أحد رواد القصة القصيرة بالمغرب ،جائزة حكومية ،قائال إنه ال يقبل جائزة وزارة الثقافة عن
كتاب طبعت منه ألف نسخة ،ولم توزع منها إال 500في أسواق شعب تفوق ساكنته 30مليون
نسمة.
وتكشف الدراسات عن وجود مكتبة لكل 134ألف نسمة ،ويصل العجز حسب معايير اليونسكو
إلى 4آالف مكتبة بالمغرب ،ومنذ سنوات طويلة توقف بناء المكتبات العامة .ويرى أغلب
الكتبيين ،أن المكتبة مشروع تجاري فاشل ،بسبب تفشي ظاهرة االستنساخ الضوئي التي تحول
دون تداول الكتاب.
وقد جرى الحديث بالمغرب منذ سنة ،2011عن خطة وطنية للكتاب والقراءة العمومية ،غير
أنها أقبرت دون أن ترى النور .
_ 4القراءة عادة ال تولد مع اإلنسان ،وال يمكن أن نكتسب عادة القراءة ،إذا لم نجد مثاال بشخص
قارئ في األسرة أو في المدرسة .فالكثير من القراء ارتبطوا بعالم القراءة ،بسبب وجودهم في
أسر تحتضن الكتاب ،والطفل إذا ُع ّو د وُع ّلم على شيء حسن منذ الصغر ،نشأ على حب هذا
الشيء.
فلو رأى الطفل أباه وأمه أو أحد إخوته محتضنا لكتاب يقرأ فيه بين الفينة واألخرى ،فسيعمل
عاجال أم آجال على محاكاتهم .وحبذا لو كانت هدايا اآلباء إلى أوالدهم في بعض األحيان كتبا
وقصصا مختارة .
_5الدعاية لها دور كبير في الترغيب والتحبيب ،فقد تسأل شخصا في الغرب ،لماذا تقرأ الكتاب
(الفالني) ؟ ،فيجيبك :رأيت إعالنا أو عرضا في إحدى القنوات أو الصحف اليومية أو المجالت.
فالقنوات الغربية حكومية كانت أو خاصة ،تخصص عشرات البرامج للعناية بالكتاب تقديما
وتسويقا.
أما عندنا ،فيكاد األمر يقتصر على بضع حصص حوارية ال ابتكار فيها وال تجديد .أما اإلعالم
المكتوب ،فالمالحق األدبية قليلة وغير منتظمة ،مقارنة بما يخصص للرياضة.
وعندما كانت أمتنا تحمل مشعل الحضارة ،كان السلف الصالح يقبلون على اقتناء الكتب
وقراءتها على نور الشموع ،باذلين في ذلك الغالي والرخيص.
ومنهم الجاحظ الذي كان يكتري دكاكين الوراقين ويبيت فيها للقراءة ،وما ُر ئي وإال في يده
كتاب ،ولحب القراءة مات الجاحظ تحت كتبه .ومثله الوزير الفتح بن خاقان ،الذي كان يحضر
لمجالسة المتوكل ،فإذا أراد الخليفة القيام لحاجة ما ،أخرج الفتح كتابا من كمه وقرأه في
مجلس الخليفة إلى حين عودته إليه.
ومنهم إسماعيل بن إسحاق القاضي الذي يذكر صاحبه أبو هفان ،أنه ما دخل عليه في حياته إال
رآه ينظر في كتاب .وتوفي مسلم صاحب الصحيح وهو يطالع كتابا.
وكان أبو الوفاء ابن عقيل يقرأ وهو يمشي .وقال ابن الجوزي قرأت في شبابي عشرين ألف
مجلد.
أما اليوم ،فقد أصبح الكتاب وحيدا ال جليس له ،ولم يعد القدوة رموز العلم واألدب والثقافة،
بل تصدر المشهد اإلعالمي ،رموز الكرة والفن الهابط ،وصارت سياسة البالد ،ضخ مزيد من
األموال الطائلة في صناعة نجوم الرياضة ،علما أن الرياضة هي أكبر مجال لخسارتنا.