You are on page 1of 7

‫عــزوف المغاربة عن القراءة بقلم‪ :‬عمر دغوغي‬

‫تاريخ النشر ‪27-02-2020 :‬‬

‫عــزوف المغاربة عن القراءة‬


‫بقلم‪ :‬عمر دغوغي اإلدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية‪                              .‬‬
‫‪                                                                       omar.dghoughi1989@gmail.com‬‬
‫‪                          ‬‬
‫" الكتاب خير جليس"‪ ،‬بيت شعري شهير للمتنبي‪ ،‬يعكس أهمية القراءة في حياتنا‪ ،‬سبق أن‬
‫اّت َخ َذ ْت ُه اليونسكو شعارا لالحتفال باليوم العالمي للكتاب‪ ،‬لكن شباب اليوم‪ ،‬يرى أن الكتاب أصبح‬
‫شيئا من الماضي‪ ،‬حيث لم َي ُع د وحده الذي يتربع على عرش المعرفة‪ ،‬بسب ارتفاع أسعاره‬
‫وهجوم التكنولوجيا عليه‪ ،‬وصار يواجه أزمة حقيقية مع القارئ والناشر والمؤلف‪.‬‬

‫‪ ‬ومع كل هذا الوضع المأساوي الذي يشهده واقع الكتاب و القراءة في عالمنا العربي‪ ،‬تبرز بعض‬
‫المبادرات للَح ّد من هذه الظاهرة الخطيرة‪ ،‬حيث احتضنت مدينة أكادير بتاريخ ‪25/10/2014‬‬
‫‪ ،‬تجمعا َض ّم ‪ 5000‬مشارك في أكبر تجمع للقراء‪ ،‬على شكل أكبر لوحة بشرية استعراضية لكلمة‬

‫"اقرأ " في العالم‪ ،‬يتطلع من خالله المنظمون إلى دخول موسوعة "غينيس" لألرقام القياسية‪،‬‬
‫وتشجيع فعل القراءة‪ ،‬وتغيير وضع الكتاب الذي َر َكّناُه جانبا‪ ،‬لُنعيد فتحه من جديد‪ ،‬ليدخل نور‬
‫المعرفة إلى البيوت فيجلو العقول‪ ،‬كما يدخل نور الشمس إليها فيجلو األبصار‪ .‬‬

‫‪ ‬واألرقام في المغرب‪ ،‬كما في معظم الدول العربية ُم خجلة‪ ،‬فالقراءة عندنا ليست عادة أصيلة‪،‬‬
‫والمغاربة ال يرون الكتاب ضرورة للروح‪ ،‬كما يرون الرغيف ضرورة للبدن‪.‬‬

‫‪ ‬والشريحة المهتمة بالقراءة الورقية تتقلص نظرا للقراءة اإللكترونية‪ ،‬ومن يشترون الكتب على‬
‫قلتهم‪ ،‬يكتفون بتزيين رفوف مكتباتهم بها‪.‬‬

‫وحتى معارض الكتب التي تعتبر آلية مهمة لنشر القراءة‪ ،‬ال يعرف المغرب سوى معرضا سنويا‬
‫واحدا‪ ،‬عالوة عن تقلص عدد الكتبيين إلى حد ينذر بالخطر‪ ،‬واختفاء العديد من المكتبات‬
‫العريقة التي ظلت تشتغل منذ سنوات كمعالم ثقافية لبعض المدن‪.‬‬

‫‪ ‬ويبدو الجفاء واضحا حتى في قراءة الصحف‪ ،‬حيث إن مبيعات الصحيفة األولى سنة ‪2013‬‬
‫لم يتجاوز ‪ 90‬ألف نسخة يوميا‪ ،‬في حين لم تتجاوز نسبة قراءة جرائد أخرى عتبة ‪ 379‬نسخة‬
‫يوميا‪.‬‬

‫‪ ‬والغريب أنه يمكن للطالب ببالدنا‪ ،‬أن يحصل على شهادات عليا‪ ،‬دون أن يكون قد قرأ ولو كتابا‬
‫في السنة الدراسية‪ ،‬ناهيك عن األمية المرتفعة بالمغرب‪ .‬وفي تقرير برنامج األمم المتحدة‬
‫اإلنمائي‪ ،‬يحتل المغرب الرتبة ‪ 162‬في الئحة القراءة والكتابة‪ ،‬وال تتجاوز النسبة المئوية‬
‫لميزانية وزارة الثقافة‪ ،‬ضمن المالية العامة ‪ 0.63‬في المائة برسم سنة ‪. 2013‬‬

‫‪ ‬ويصل عدد دور النشر إلى ‪ 32‬دارا‪ ،‬ويصدر عنها ُم جتمعة ‪ 1000‬عنوان سنويا‪ ،‬وتطبع من كل‬
‫كتاب ‪ 3000‬نسخة‪ ،‬وال تباع منه إال ‪ 2000‬نسخة في ثماني سنوات‪ ،‬ناهيك عن أن نسبة‬
‫القراءة في المغرب‪ ،‬ال تتجاوز اثنين في المائة للكتب‪ ،‬بمعدل قراءة ال يتجاوز دقيقتين في‬
‫اليوم‪ ،‬بينما ال تزيد نسبة المقروءة للصحف على ثالث عشرة صحيفة لكل ألف مواطن‪ ،‬وهو ما‬

‫انعكس على حالة الركود التي تشهدها المكتبات العامة وأماكن بيع الكتب و أكشاك الجرائد‬
‫والمجالت‪ ،‬مما يؤكد أن القراءة تعيش وضعا بائسا‪ ،‬ال يبعث على االرتياح‪ .‬‬
‫وحسب اإلحصائيات‪ ،‬العرب أقل أمة تقرأ‪ ،‬وكشف استطالع للرأي أجرته " ياهو مكتوب"‬
‫لألبحاث‪ ،‬أن ربع سكان العالم العربي‪ ،‬نادرا ما يقرؤون كتبا‪ .‬ويحتل الكتاب في جوجل ‪google ‬‬
‫المرتبة ‪ 153‬من بين اهتماماتنا العربية‪.‬‬

‫وأهم ‪ 3‬مواضيع يبحث عنها العربي في جوجل ‪ google ‬هي الجنس‪ ،‬الطبخ‪ ،‬ثم الفضائح‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 2009‬تم تحميل ‪ 150‬كتابا‪ ،‬مقابل ‪ 43‬مليون فيلم وأغنية في نفس العام‪.‬‬

‫ويتفوق المغنيين بضعفين على المتنبي ونزار قباني ونجيب محفوظ ومحمود درويش‬
‫مجتمعين‪.‬‬

‫‪ ‬واألغرب من ذلك‪ ،‬أن ‪ %72‬من خريجي الجامعات يتخرجون دون أن يستعيروا كتابا واحدا من‬

‫مكتبة الجامعة‪ ،‬بل حتى من يقرأ من شبابنا‪ ،‬ال يهتم إال بالروايات الغرامية وفن الطهي وكتب‬
‫السحر والجن‪.‬‬

‫ويكفي أن نعلم‪ ،‬أن كتب التنجيم هي ثاني أكثر الكتب قراءة في الوطن العربي‪ .‬كما أن العرب‬
‫لم ينشروا منذ ذروة حضارتهم‪ ،‬في زمن الخليفة المأمون‪ ،‬أي منذ القرن التاسع الميالدي‪ ،‬حتى‬
‫منتصف القرن العشرين‪ ،‬إال ما مجموعه مائة ألف كتاب فقط‪ ،‬وهو ما تنشره أوروبا في أقل من‬
‫سنة‪.‬‬
‫وتنتج الدول العربية ‪ %1.1‬فقط من معدل اإلنتاج العالمي للكتاب‪ ،‬ويقدر ما َي ْص در في الوطن‬
‫العربي من كتب جديدة ‪ 5000‬كتاب‪ ،‬بينما َي ْص در في أمريكا ما يزيد على ‪ 290‬ألف كتاب‬
‫جديد سنويا‪.‬‬

‫‪ ‬ويصدر الناشرون العرب سنويا كتابا واحدا لكل ربع مليون شخص في العالم العربي‪ ،‬مقابل‬
‫كتاب لكل خمسة آالف شخص في الغرب‪ .‬أضف إلى ذلك‪ ،‬أن ما تستهلكه دار نشر فرنسية‬
‫واحدة من الورق هي " باليمار "‪ ،‬يفوق ما تستهلكه مطابع العرب من المحيط إلى الخليج‪.‬‬

‫‪ ‬وخالل األلف عام التي مضت‪ ،‬منذ عهد الخليفة المامون‪ ،‬ترجم العرب من الكتب ما يساوي عدد‬
‫الكتب التي تترجمها إسبانيا خالل عام واحد فقط ! ‪ ،‬وفي مقابل ذلك‪ ،‬تترجم إسرائيل ‪ 15‬ألف‬
‫كتاب سنويا باللغة العبرية‪ ،‬وال تترجم الدول العربية حاليا أكثر من ‪ 330‬كتابا سنويا !‪ .‬كما أن‬
‫كل ‪ 20‬عربيا يقرأ كتابا واحدا في السنة‪ ،‬بينما يقرأ األوروبي ‪ 7‬كتب في العام‪ ،‬أما معدل القراءة‬
‫عند اإلنسان العربي‪ ،‬فيبلغ ‪ 6‬دقائق في السنة‪ ،‬مقابل ‪ 36‬ساعة لإلنسان الغربي‪.‬‬

‫‪ ‬ومن دون اإلطالة في وصف الظاهرة‪ ،‬يجب النظر ولو بسرعة في أهم األسباب التي تجعل‬
‫المغاربة عازفين عن القراءة‪:‬‬

‫‪_1‬مجتمعات العالم الثالث أرهقها الفقر‪ ،‬فتنازلت عن الكتاب مقابل الخبز‪ .‬وتشير إحصائيات‬
‫المندوبية السامية للتخطيط‪ ،‬أن ما ُت نفقه األسر المغربية على التعليم والترفيه والثقافة‪ ،‬ال‬
‫يتجاوز ‪ %3.6‬من مجموع نفقات األسرة المغربية‪.‬‬

‫وقد تكون أسعار الكتب المرتفعة سببا في عزوف الناس عن القراءة‪ ،‬لكن إذا قارنا إنفاق بعض‬
‫األسر‪ ،‬على المأكل والملبس وملء البطن وأمور أخرى‪ ،‬مع ثمن كتاب في حدود ‪ 50‬درهما‪،‬‬
‫سنجد أن ذلك عذر ال مبرر له‪ ،‬ناهيك عن أن السيدات يستطعن تكوين مكتبة رائعة‪ ،‬إذا وضعن‬
‫في اعتبارهن شراء كتاب مع كل حملة لهن على محالت بيع العطور والماكياج‪ .‬ويرى يونس عبد‬
‫الحفيظ جنوحي‪ ،‬في مقال له " المغاربة شعب ال يقرأ " أن " المغاربة يستهلكون قدرا كبيرا من‬
‫الخمور‪ ،‬رغم الفقر‪ ،‬والتي تفوق ثمنها ثمن الكتب بكثير‪ ،‬ويدمنون الجلوس في المقاهي‪ ،‬وال‬
‫وجود للكتاب ضمن األولويات الكبرى للمغاربة"‪.‬‬

‫‪_2‬ثورة المعلومات جعلت العالم قرية صغيرة‪ ،‬ساهمت في إبعاد الناس عن الكتاب‪ ،‬ذلك أن‬
‫التطور الهائل أدى إلى قتل الرغبة في القراءة‪ ،‬واالستعاضة عنها بالمشاهدة الحسية والبصرية‬
‫والصوتية‪ ،‬حيث أصبحت األجهزة الحديثة تقدم المعلومات دون مجهود يبذله المستمع أو‬
‫المشاهد‪.‬‬

‫‪ ‬فكمية المعلومات التي يمكن أن تحصل عليها عبر مشاهدة فيلم وثائقي مثال‪ ،‬تعادل ضعف‬
‫المعلومات التي قد تحصل عليها نتيجة قراءة كتاب‪ ،‬إضافة إلى قوة تخزين تلك المعلومات في‬
‫الذاكرة نتيجة عمل أكثر من حاسة معا‪.‬‬

‫‪_ 3‬السياسات الرسمية ال تشجع على التصالح مع الكتاب‪ ،‬حيث سبق أن رفض أحمد بوزفور‪،‬‬
‫أحد رواد القصة القصيرة بالمغرب‪ ،‬جائزة حكومية‪ ،‬قائال إنه ال يقبل جائزة وزارة الثقافة عن‬
‫كتاب طبعت منه ألف نسخة‪ ،‬ولم توزع منها إال ‪ 500‬في أسواق شعب تفوق ساكنته ‪ 30‬مليون‬
‫نسمة‪.‬‬

‫‪ ‬وتكشف الدراسات عن وجود مكتبة لكل ‪ 134‬ألف نسمة‪ ،‬ويصل العجز حسب معايير اليونسكو‬
‫إلى ‪ 4‬آالف مكتبة بالمغرب‪ ،‬ومنذ سنوات طويلة توقف بناء المكتبات العامة‪ .‬ويرى أغلب‬
‫الكتبيين‪ ،‬أن المكتبة مشروع تجاري فاشل‪ ،‬بسبب تفشي ظاهرة االستنساخ الضوئي التي تحول‬
‫دون تداول الكتاب‪.‬‬

‫‪ ‬وقد جرى الحديث بالمغرب منذ سنة ‪ ،2011‬عن خطة وطنية للكتاب والقراءة العمومية‪ ،‬غير‬
‫أنها أقبرت دون أن ترى النور‪ .‬‬

‫‪_ 4‬القراءة عادة ال تولد مع اإلنسان‪ ،‬وال يمكن أن نكتسب عادة القراءة‪ ،‬إذا لم نجد مثاال بشخص‬
‫قارئ في األسرة أو في المدرسة‪ .‬فالكثير من القراء ارتبطوا بعالم القراءة‪ ،‬بسبب وجودهم في‬
‫أسر تحتضن الكتاب‪ ،‬والطفل إذا ُع ّو د وُع ّلم على شيء حسن منذ الصغر‪ ،‬نشأ على حب هذا‬
‫الشيء‪.‬‬

‫‪ ‬فلو رأى الطفل أباه وأمه أو أحد إخوته محتضنا لكتاب يقرأ فيه بين الفينة واألخرى‪ ،‬فسيعمل‬
‫عاجال أم آجال على محاكاتهم‪ .‬وحبذا لو كانت هدايا اآلباء إلى أوالدهم في بعض األحيان كتبا‬
‫وقصصا مختارة‪ .‬‬

‫‪_5‬الدعاية لها دور كبير في الترغيب والتحبيب‪ ،‬فقد تسأل شخصا في الغرب‪ ،‬لماذا تقرأ الكتاب‬

‫(الفالني) ؟‪ ،‬فيجيبك‪ :‬رأيت إعالنا أو عرضا في إحدى القنوات أو الصحف اليومية أو المجالت‪.‬‬

‫‪ ‬فالقنوات الغربية حكومية كانت أو خاصة‪ ،‬تخصص عشرات البرامج للعناية بالكتاب تقديما‬
‫وتسويقا‪.‬‬

‫أما عندنا‪ ،‬فيكاد األمر يقتصر على بضع حصص حوارية ال ابتكار فيها وال تجديد‪ .‬أما اإلعالم‬
‫المكتوب‪ ،‬فالمالحق األدبية قليلة وغير منتظمة‪ ،‬مقارنة بما يخصص للرياضة‪.‬‬

‫وعندما كانت أمتنا تحمل مشعل الحضارة‪ ،‬كان السلف الصالح يقبلون على اقتناء الكتب‬
‫وقراءتها على نور الشموع‪ ،‬باذلين في ذلك الغالي والرخيص‪.‬‬

‫وللعلماء أخبار عجيبة أكثر من أن ُت ْح صى في حب القراءة ومالزمة الكتاب‪.‬‬

‫‪ ‬ولقد ُع رف من السلف ُع ّش اق للقراءة‪ ،‬حتى صاروا مضرب المثل في ذلك‪.‬‬

‫‪ ‬ومنهم الجاحظ الذي كان يكتري دكاكين الوراقين ويبيت فيها للقراءة‪ ،‬وما ُر ئي وإال في يده‬
‫كتاب‪ ،‬ولحب القراءة مات الجاحظ تحت كتبه‪ .‬ومثله الوزير الفتح بن خاقان‪ ،‬الذي كان يحضر‬
‫لمجالسة المتوكل‪ ،‬فإذا أراد الخليفة القيام لحاجة ما‪ ،‬أخرج الفتح كتابا من كمه وقرأه في‬
‫مجلس الخليفة إلى حين عودته إليه‪.‬‬
‫‪ ‬ومنهم إسماعيل بن إسحاق القاضي الذي يذكر صاحبه أبو هفان‪ ،‬أنه ما دخل عليه في حياته إال‬
‫رآه ينظر في كتاب‪ .‬وتوفي مسلم صاحب الصحيح وهو يطالع كتابا‪.‬‬

‫‪ ‬وكان أبو الوفاء ابن عقيل يقرأ وهو يمشي‪ .‬وقال ابن الجوزي قرأت في شبابي عشرين ألف‬
‫مجلد‪.‬‬

‫‪ ‬أما اليوم‪ ،‬فقد أصبح الكتاب وحيدا ال جليس له‪ ،‬ولم يعد القدوة رموز العلم واألدب والثقافة‪،‬‬
‫بل تصدر المشهد اإلعالمي‪ ،‬رموز الكرة والفن الهابط‪ ،‬وصارت سياسة البالد‪ ،‬ضخ مزيد من‬
‫األموال الطائلة في صناعة نجوم الرياضة‪ ،‬علما أن الرياضة هي أكبر مجال لخسارتنا‪.‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة لدنيا الوطن © ‪2017 - 2003‬‬

You might also like