Professional Documents
Culture Documents
تتميز مرحلة المراهقة بتغيرات واضحة ونمو سريع على المستوى الجسمي والعقلي والنفسي واالجتماعي.
وقد لوحظت بعض الفروق بين الجنسين فيما يخص فترة البلوغ ،حيث أن الفتاة تصل إلى مرحلة النضج
الجنسي قبل الفتى بمعدل سنتين في المتوسط .كما أن هناك فروقا بين األفراد في سرعة النمو واكتمال
النضج ،يمكن إرجاعها إلى عوامل التغذية والمناخ واألمراض وغيرها .ففي المناطق الحارة يصل األطفال
إلى النضج الجنسي والمراهقة في سن مبكرة مقارنة مع أطفال المناطق الباردة.
كما تؤثر حاالت المرض الطويل والضعف على تأخر النضج الجنسي ،ومعنى ذلك أن فترة المراهقة في
رمتها هي نتاج للتفاعل بين مختلف العوامل البيولوجية والنفسية واالجتماعية والثقافية واالقتصادية
والبيئية ،حيث تظهر على المراهق آثار الطفرة النوعية لهذه المرحلة االنتقالية ،فيستجيب لها بسلوكيات
تتفق تارة مع معايير المجتمع ،وتارة مع مزاجه الخاص .فماهي إذن هي تجليات هذا النمو؟ وكيف يتفاعل
معها المراهق؟
.1النمو الجسمي
تتميز مرحلة المراهقة على المستوى الجسمي بنمو الغدد الجنسية Les glandes - Sex glands
sexuellesالتي تمكن من القيام بوظائف التناسل .وهذه الغدد الجنسية عبارة عن المبيضين عند األنثى
والخصيتين عند الذكر.
بالنسبة لألنثى
تقوم الغدد الجنسية (المبيضان) بإفراز البويضات فيظهر الطمث عند الفتاة بسبب انفجار البويضة
الناضجة في المبيض ،فينتج عنه نزول دم الحيض ويظهر أول حيض لدى األنثى ما بين سن التاسعة
والرابعة عشرة ،وذلك بحسب المتغيرات التكوينية والفيزيولوجية والعوامل البيئية .ويصاحب النضج
الجنسي في مرحلة المراهقة ظهور مميزات أخرى يطلق عليها الصفات الجنسية الثانوية ،وتتجلى في
نمو عظام الحوض ،وتراكم الدهون في األرداف ونموهما بشكل واضح ،كما تتجلى في ظهور الشعر
فوق العانة وتحت اإلبط وكذلك نمو الثديين والمهبل والرحم .وتحدث دورة الحيض للفتاة كل 28يوما
وقد ال يكون حدوث الدورة منتظما في بداية البلوغ فقد يتأخر ظهورها مرة أخرى بين شهر وسنة كاملة
لتعود إلى االنتظام بشكل تلقائي.
بالنسبة للذكر
تقوم الغدد التناسلية عند الذكر(الخصيتان) بإفراز الحيوانات المنوية والهرمونات الجنسية وتمتزج
الحيوانات المنوية بسائل منوي لزج تفرزه البروستات .ويرافق النمو الجسمي عند الفتى ظهور بعض
الصفات الجنسية الثانوية كخشونة الصوت ونمو الشعر فوق العانة والذقن والشارب .باإلضافة إلى نضج
الغدد الجنسية وظهور بعض التغيرات التي تحدث في إفراز الغدد الصماء Glandes endocriniennes
سواء عند الذكر أو األنثى ،وهي عبارة عن مجموعة الغدد التي ال تتوفر على قنوات تمكنها من وضع
إفرازاها خارج الجسم ،بل تصبها مباشرة في الدم ،وتسمى إفرازات هذه الغدد بالهرمونات وهي عبارة عن
مواد عضوية .ففي مرحلة المراهقة يزداد إفراز الغدة النخامية hypophyseللهرمونات المنبهة للجنس
بينما يحدث ضمور في الغدد الصنوبرية epiphyseوالتيموسية أو الزعترية .Thymus
وعموما يمكن القول بأن النمو الجسمي في مرحلة المراهقة يتجلى على شكل تغيرات جسمية خارجية
يمكن للمراهق وللوسط االجتماعي أن يالحظها بسهولة ووضوح .كما أن هناك تغيرات فيسيولوجية داخلية
تتجلى في الوظائف الجديدة التي تقوم بها األعضاء في مرحلة المراهقة.
.2النمو العقلي
تتميز فترة المراهقة بنمو سريع للقدرات العقلية ،حيث تنضج االستعدادات الخاصة للمراهق ،فيصبح قادرا
على القيام بالعديد من العمليات العقلية العليا التي لم تكن موجودة في السابق .ويعتمد بياجي في تفسيره
للمراهقة على الجانب المعرفي ،حيث يعتبر النمو عملية متصلة ،وأن مرحلة المراهقة ترتبط بالمراحل
السابقة .وتوازي فترة المراهقة حسب بياجي ميالد العمليات الصورية أو المجردة ،وهي مرحلة متقدمة من
مراحل النمو المعرفي عند الطفل .والتي تبلغ اكتمالها ما بين 16-15سنة عند المراهق بتوازي مع نضج
المنظومة العصبية .ومن الخصائص العامة لهذه المرحلة أيضا اكتساب نوع جديد من االستدالل.
كما يتميز التفكير لدى المراهق بنوع من التجريد ،وإعادة النظر فيما تلقاه من قيم ومعايير اجتماعية ،وهو
ما يدل على نمو الذكاء وبعض القدرات النقدية.
فهو يريد أن يبني معاييره الخاصة التي تقوم على أساس االقتناع ال على أساس التلقين من اآلخر .لذلك نجد
لديه الكثير من التساؤالت حول األشياء الميتافيزيقية ،مثل التساؤل حول أصل العالم ،وهللا ،وحقيقة الرسل
والمالئكة ...إضافة إلى اهتمامه بمشاهير الفن والرياضة والعلم وأبطال التاريخ ،ومحاولة تقمص بعض
الشخصيات المعروفة في مجال معين.
كما يمتاز خياله بالعمق والخصوبة ويميل إلى إشباع كثير من رغباته عن طريق أحالم اليقظة .وإذا كانت
هذه هي خاصية النمو العقلي لدى المراهق فإن ذلك ال ينفي وجود بعض الصعوبات في التعلم والتي يجب
أن يأخذها المدرس بعين االعتبار ويتعامل معها بنوع من المرونة والمعالجة التربوية السليمة .ومن أبرز
هذه الصعوبات تشتت االنتباه بسبب عوامل داخلية أو خارجية ،فقد يشرد عقل التلميذ وينشغل بأحالم
اليقظة وما يمر بذهنه من خواطر وأفكار ،وهو ينظر في نفس الوقت إلى المدرس حيث يكون ذلك الحاضر
الغائب.
وقد يرجع البعض ذلك إلى عدم اهتمام التلميذ بالدرس .وهناك حاالت أخرى يكون فيها التلميذ كثير الكالم
والحديث مع زمالئه خاصة أثناء شرح الدرس ،وإذا ما جلس في مكان ما فهو ال يستقر في حالة واحدة.
ومن ثم كان دور التحفيز هاما إلثارة اهتمام التالميذ بموضوع الدرس .فالتلميذ المراهق في حاجة إلى وقت
إضافي ليبدي استعداده وقدرته على استيعاب الدرس ومتابعة ما يجري داخل الفصل الدراسي .فقد يعاني
التلميذ من عدم القدرة على المتابعة والتواصل وينصرف ذهنه للتفكير في أشياء أخرى استعصى عليه
فهمها فيحاول جاهدا أن يفهمها بنفسه .وقد يعيد المدرس شرح الدرس ويطرح التلميذ سؤاال عن أمر سبق
أن ناقشه المدرس قبل دقائق فيتهمه بالعبث واالنصراف عن الدرس.
ولعل إثارة انتباه التلميذ المراهق تتطلب توفير بعض الشروط الموضوعية أهمها:
• مالئمة موضوع التعلم الهتمامات التلميذ.
• العالقة التفاعلية بين التلميذ والمدرس ،فكلما كانت هذه العالقة قائمة
على االحترام والود والتفهم كلما أعطت المراهق الثقة بالنفس وكانت
أكثر تحفيزا له على التحصيل واالنتباه ،عكس العالقة القائمة على
التسلط والعدوانية والتحقير.
• العالقة التفاعلية بين المراهق وجماعة القسم ،ذلك أن العمل الجماعي داخل
الفصل الدراسي يتيح للمراهق فرص إغناء شخصيته وإعدادها من خالل التعامل
مع أقرانه وفق عالقات ومبادئ محددة ،وهذا ما يجعل المراهق يكتسب أفكارا
وطرقا مختلفة في التواصل مع اآلخرين.
.3النمو النفسي واالجتماعي
يمكن الحديث عن اتجاهين حول النمو النفسي واالجتماعي والخصائص المميزة للمراهقوهما كالتالي:
االتجاه األول وهو اتجاه غالب ،يعتبر المراهقة مرحلة شك ومعاناة وتوتر وقلـق وعـدم استقرار وصراع
وثورة على الذات واألسرة وتمرد على الوالدين وخروج عن العـادات والتقاليـد .ويفسر أصحاب هذا
االتجاه اضطراب المراهق وعدم توافقه في هذه المرحلة بعملية البلوغ وما يصاحبها من تغيرات في نمو
الغدد ووظائفها ،حيث يشعر الناشئ بمشاعر غريبة قد يضطرب بسببها .كماما قد يغذي ذلك عالقات
الصراع بين اآلباء واألبناء بسبب التباعد في االتجاهات واألفكار ،مما يجعل المراهق متأرجحا بين
التقدم نحو الرشد ،والنكوص إلى الطفولة.
كما أن المراهق يصبح أكثر تمركزا حول ذاته من مرحلة الطفولة .فهو يريد إخضـاع الواقع لرغباته
ويجعل من نفسه محور الكون .في حين أن الراشد يخضع لمتطلبات الواقع ويعمل على الموازنة
والتوفيق بينها وبين المحيط االجتماعي .فالمراهق ينظر إلى نفسه كذات مستقلة ويتجه إلى تعميق الوعي
بذاته ويتأملها باستمرار وكأنها شيء جديد بالنسبة إليه .ويسمي يونج هذه الظاهرة بتيقظ الشعور أو
الميالد النفسي الذي يتم بعد البلوغ وانبثاق الحياة الجنسية ،حيث تظهر تغيرات جسمية مفاجئة بشكل يثير
انزعاج المراهق ويجعله كثير االهتمام بنفسه .فالمراهق عندما كان طفال لم يكن ليهتم كثيرا بتغيراته
الجسمية .ألن النمو في فترة الطفولـة خاصة منها الوسطى والمتأخرة يكون بطيئا جدا لدرجة ال يشعر
معها بتقدم واضح .كمـا أن الطفل يهتم كثيرا باللعب واستكشاف العالم الخارجي ،لكنه بمجرد ما يصل
مرحلة البلـوغ يتحول هذا االهتمام إلى ذاته فيقضي ساعات طويلة أمام المرآة ينظر إلى جسمه ويتأمل
مختلف التغيرات التي لحقته ،مما قد يسبب له الكثير من االنزعاج واإلحراج واالضطراب ،وباألخص إذا
كان األفراد المحيطين به يثيرون انتباهه باستمرار إلى هذه التغيرات كعالمة علـى تخبطـه وضرورة
ابتعاده عن التصرفات الطفولية.
شكرا على حسن االصغاء والتفاعل