‫ﻣﺎﻟ ﻚ ﺑ ﻦ ﻧ ﺒ ﻲ و اﻟ ﻨﻈﺎ م اﻟ ﺪ وﻟ ﻲ ا ﻻ ﻗ ﺘ ﺼﺎ د ي اﻟ ﺠ ﺪﻳ ﺪ‬

‫ﺑﻘ ﻠ ﻢ‪ :‬أ‪ .‬ﺷ ﻨ ﻮف ﺷﻌ ﯿﺐ‬

‫اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻷول ‪ :‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ و اﻟﻨﻈﺎم اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺠﺪﯾﺪ‬

‫اﻟﻤﻄﻠﺐ اﻷول ‪ :‬اﻟﺘﻨﺒﺆ ﺑﺎﻟﺘﻜﺘﻼت و اﻧﮭﯿﺎر اﻟﻨﻈﺎم اﻻﺷﺘﺮاﻛﻲ‬
‫ﯾﺮى ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ أن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻘﺴﻢ إﻟﻰ ﻣﺤﻮرﯾﻦ ﻣﺤﻮر اﻟﻤﺎدة اﻷوﻟﯿﺔ وﻋﺒﺮ ﻋﻨﮫ ﺑﺎﻟﻘﺎرة اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ ‪ ،‬وﻣﺤﻮر اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ وﻋﺒﺮ ﻋﻨﮫ ﺑﺎﻟﻘﺎرة اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ‬
‫‪ ،‬ﻓﺎﻟﻤﺤﻮر اﻷول ﺗﻘﻄﻨﮫ اﻟﺸﻌﻮب اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺘﺨﻠﻒ ﻓﻲ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻤﺠﺎﻻت أﻣﺎ اﻟﻤﺤﻮر اﻟﺜﺎﻧﻲ ﺣﺴﺐ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﺗﻮﻓﺮ ﻋﻠﻰ درﺟﺔ ﻣﻦ اﻻزدھﺎر و اﻟﺮﻗﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة‬
‫اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ‪ ،‬وﻛﺎﻧﺖ ﺛﺮوات اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺘﺨﻠﻒ ﻣﺴﺘﻐﻠﺔ ﻣﻦ ﻃﺮف اﻟﻤﺤﻮر اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ رﻏﻢ اﻟﺤﺮب اﻟﺒﺎردة اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺎﺋﺪة ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ اﻻﺷﺘﺮاﻛﻲ و اﻟﻤﻌﺴﻜﺮ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ ‪،‬‬
‫و ﻟﻜﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﻛﺎن ﯾﺮى أﻧﮭﻤﺎ وﺟﮭﺎن ﻟﻌﻤﻠﺔ واﺣﺪة ‪ ،‬وﺧﺼﻮﺻﺎ ﻓﯿﻤﺎ ﯾﺘﻌﻠﻖ ﺑﻤﺸﻜﻠﺔ ﺗﺴﻮﯾﻖ اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﯿﺔ و اﺳﺘﻐﻼل اﻟﺜﺮوات و اﻟﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺪوﻟﻲ ﻋﻦ‬
‫ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ ‪.‬‬
‫وﻓﻲ ھﺬا اﻹﻃﺎر ﻛﺎن ﯾﺮى ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ أن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻛﺎن ﯾﺘﺠﮫ ﻧﺤﻮ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ وذﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻗﺮ اﻧﮭﯿﺎر اﻻﺷﺘﺮاﻛﯿﺔ و ﻇﮭﻮر ﻋﺼﺮ اﻟﺘﻜﺘﻼت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ وﺑﺬﻟﻚ ﻃﺮح اﻟﻤﺸﺮوع‬
‫اﻟﺒﺪﯾﻞ ﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ ھﺬه اﻟﺘﺤﺪﯾﺎت و اﻟﺘﻜﺘﻼت اﻟﺪوﻟﯿﺔ وھﺬا ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ ﻣﺎ ﺗﺠﻠﻰ و ﻇﮭﺮ ﻓﻲ ﺗﻮﺣﯿﺪ أورﺑﺎ و أﺻﺒﺤﺖ ﻛﺘﻠﺔ واﺣﺪة ‪ ،‬ﺑﻌﻤﻠﺔ واﺣﺪة ‪ ،‬و اﻟﺒﺪﯾﻞ اﻟﺬي أﺷﺎر إﻟﯿﮫ ھﻮ‬
‫اﻟﺘﻜﺘﻼت اﻹﻗﻠﯿﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻄﻲ ﻗﻮة ﻟﻼﻗﺘﺼﺎد اﻷﻓﺮو آﺳﯿﻮي ‪ ،‬أو ﻓﻜﺮة ﻛﻮﻣﻨﻮﻟﺚ ﯾﻀﻢ اﻟﺪول اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ و اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺣﯿﺪ ﻣﺤﻮر اﻟﻤﺎدة اﻷوﻟﯿﺔ ﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ‬
‫اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪ ھﺬه اﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ ﺗﺤﻤﻞ ﻃﺎﺑﻊ اﻟﺘﻌﺎﯾﺶ اﻻﻗﺘﺼﺎدي‪ ،‬وﯾﺮى أﻧﮫ ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ إﯾﺠﺎد ﻧﻘﻄﺔ اﻟﺘﻘﺎء ﺑﯿﻦ ﻣﺤﻮر اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ و ﻣﺤﻮر اﻟﻤﺎدة اﻷوﻟﯿﺔ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻤﺤﻮر‬
‫اﻟﺸﻤﺎﻟﻲ ﺣﺴﺐ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﻋﻤﻞ داﺋﻤﺎ ﻋﻠﻰ إﯾﺠﺎد اﻟﺘﻜﺘﻼت اﻹﻗﻠﯿﻤﯿﺔ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻋﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﺎرﺑﺔ ﻛﻞ ﺗﻜـﺘﻞ ﯾـﺒﻨﻰ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﻣﻮاﺟﮭﺔ ﻣﺤﻮر اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ و ﻟﺬﻟﻚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺘﻜﻠﻢ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻣﺆﺗﻤﺮ ﺑﺎﻧﺪوﻧﻎ )‪ (1‬ﯾﺮى ﺑﺄﻧﮫ ﺑﺪاﯾﺔ ﺑﻨﺎء ﺟﺴﺮ ﯾﺮﺑﻂ اﻗﺘﺼﺎدﯾﺎت إﻓﺮﯾﻘﯿﺎ ﺑﺂﺳﯿﺎ و ﺑﮭﺬا اﻟﻐﺮض ﻋﻤﻞ ﻣﺤﻮر اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻋﻠﻰ إﻧﺸﺎء ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﻮﺣﺪة اﻹﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ‬
‫اﻟﺘﻔﺮﻗﺔ ﺑﯿﻦ أﺳﯿﺎ و إﻓﺮﯾﻘﯿﺎ)‪ (2‬أو ﺑﺎﻷﺣﺮى ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻓﺸﻞ ﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﻣﺆﺗﻤﺮ ﺑﺎﻧﺪوﻧﻎ ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻨﻈﺎم اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪ ﯾﻈﮭﺮ ﺑﻤﻨﻄﻖ اﻧﮭﯿﺎر اﻻﺷﺘﺮاﻛﯿﺔ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ و ﺿﻌﻒ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻧﯿﺔ و اﻷزﻣﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﮫ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺪوﻟﻲ ﻋﻤﻮﻣﺎ‬
‫ﺑﺤﻜﻢ أن اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ ﺗﻘﺘﻀﻲ اﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﻤﺎل ﺑﻮﺻﻔﮫ اﻟﻮﺳﯿﻠﺔ اﻟﻮﺣﯿﺪة ﻟﺪﻓﻊ ﻋﺠﻠﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎد و ﯾﺒﻘﻰ ھﺬا اﻟﻤﻨﻄﻖ ﻧﻈﺮﯾﺎ ﻣﻌﻠﻘﺎ ﻋﻤﻠﯿﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ‪ ،‬أﺿﻒ إﻟﻰ ذﻟﻚ‬
‫اﻹﻓﺮاط ﻓﻲ اﻹﻧﺘﺎج واﻟﺘﻔﺮﯾﻂ ﻓﻲ اﻟﺘﻮزﯾﻊ ﻓﺄﺳﺒﺎب اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻛﻤﺎ ﯾﻌﺒﺮ ﻋﻨﮭﺎ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﺗﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺼﻨﺎﻋﯿﺔ و اﻟﻤﺎدﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻠﻐﮭﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ ‪.‬‬
‫ﯾﺮى ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ أن اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻮر اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ‪ ،‬ﯾﺠﺐ أن ﺗﺄﺧﺬ ﻓﻲ اﻋﺘﺒﺎرھﺎ اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻮر اﻟﻤﺎدة اﻷوﻟﯿﺔ ﻷﻧﮭﻤﺎ ﻣﺘﻜﺎﻣﻼن ﻓﻲ اﻻﻃﺮاد اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻓﺈذا اﻧﻔﺼﻼ ﻓﺮﺑﻤﺎ‬
‫ﻻ ﺗﺤﻞ ﻛﻠﺘﺎھﻤﺎ ﺑﻤﻔﺮدھﺎ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺘﻌﺎﯾﺶ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻮر اﻟﻘﻮة ﯾﺴﯿﻄﺮ ﺑﺪون ﺷﻚ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺎ ﻟﺪﯾﮫ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ‬
‫وﻋﻮاﻣﻞ اﻟﻘﻮة و اﻹﻣﻜﺎﻧﯿﺎت اﻟﻤﺎدﯾﺔ ‪ ،‬ﻓﮭﻨﺎك داﺋﻤﺎ وﺣﺪة ﻓﻲ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﺗﻨﺒﺜﻖ ﻣﻦ اﻟﻤﺼﯿﺮ اﻟﻤﺸﺘﺮك و ﺳﻨﺠﺪ أﻣﺎﻣﻨﺎ ﺛﻼﺛﺔ ﺣﻠﻮل ﻣﺘﺮاﺑﻄﺔ ﻓﻲ اﻟﺬھﻦ ‪ ،‬اﻟﺤﻞ اﻟﺬي‬
‫ﯾﺼﺪر ﻋﻦ ﺳﯿﺎﺳﺔ ﺣﻜﻮﻣﯿﺔ و اﻟﺤﻞ اﻟﺬي ﯾﺼﺪر ﻋﻦ ﺣﺘﻤﯿﺔ اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻟﺘﻲ ھﻲ ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻷﻣﺮ اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻟﺬي ﯾﺤﺪده وﯾﻔﺮﺿﮫ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ھﻲ واﻗﻊ ﻟﻌﺼﺮﻧﺎ و ﻏﺎﯾﺔ ﻣﺤﺘﻮﻣﺔ‬
‫ﻟﺘﻄﻮرﻧﺎ اﻟﺮاھﻦ و ﺿﺮورة ﺗﻔﺮﺿﮭﺎ اﻟﻈﺮوف اﻟﺼﻨﺎﻋﯿﺔ و اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻓﺮﺿﮭﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ و ﻗﺪ دﺧﻠﺖ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﺑﺸﻄﺮﯾﮭﺎ اﻟﻤﺘﺨﻠﻒ و اﻟﻤﺘﻘﺪم ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ‪.‬‬
‫وﯾﺮى ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ أن اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺮاھﺎ و ﻓﻲ واﻗﻌﮭﺎ اﻟﻤﺎدي ‪ ،‬ﻟﯿﺴﺖ اﺗﺠﺎھﺎ ﻋﻘﻠﯿﺎ أو ﺳﯿﺎﺳﯿﺎ و إﻧﻤﺎ ھﻲ ﻇﺎھﺮة اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ‪،‬و إذا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻇﮭﺮت‬
‫ﺑﻮادرھﺎ ﻓﻲ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻓﻠﯿﺲ ﻣﻌﻨﻰ ھﺬا أﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻤﺪ ﺑﻌﺾ ﻋﻨﺎﺻﺮھﺎ اﻟﻔﻜﺮﯾﺔ و اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻣﻦ أﺻﻮل ﺑﻌﯿﺪة ‪ ،‬ﻓﺈﻧﮭﺎ اﺗﺒﻌﺖ ﺗﻄﻮر اﻟﻨﺸﺎط اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ‪ ،‬و‬
‫اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﯾﺠﺐ أن ﺗﺨﻠﻖ ﺟﻮھﺮھﺎ اﻟﺨﺎص أي ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻠﺸﺮوط اﻟﺘﺎرﯾﺨﯿﺔ و اﻟﺠﻐﺮاﻓﯿﺔ و ﺑﺬﻟﻚ ﺑﺘﺠﺴﯿﺪ ﻋﻨﺎﺻﺮھﺎ اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ و اﻟﺰﻣﻨﯿﺔ و ﺗﺤﻘﯿﻖ ﻓﻜﺮة اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻤﻮﺣﺪ‬
‫)‪.(3‬‬
‫ﻓﻔﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﺗﻜﻮن ﻓﯿﮫ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﻗﺪ ﺣﺪدت وﺟﮭﺘﮭﺎ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ و ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺪان اﻻﻗﺘﺼﺎد ﯾﻈﮭﺮ اﻻﺗﺠﺎه واﺿﺤﺎ ﻟﻠﺨﺮوج ﻋﻦ اﻟﻤﻘﺎﯾﯿﺲ اﻟﺘﻘﻠﯿﺪﯾﺔ ﻓﮭﻨﺎك ﻣﻦ ﯾﺪﻋﻮ‬
‫إﻟﻰ ﺗﺠﺎوز اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ ‪،‬و ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺎﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻛﻞ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ و اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﻛﻤﺎ ﯾﺮى ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﯾﺴﺘﺪﻋﻲ أن ﺗﺮاﺟﻊ ﻋﺎﻟﻢ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻘﻠﯿﺪﯾﺔ و ھﺬه اﻟﻤﺮاﺟﻌﺔ‬
‫ﺗﮭﺪف إﻟﻰ إﻟﻐﺎء اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ و اﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺼﻞ اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺤﻮرﯾﻦ واﻟﺘﻲ ﻟﮭﺎ ﺗﺄﺛﯿﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﯿﺪان اﻻﻗﺘﺼﺎدي و ﻣﺤﺎوﻟﺔ اﻟﺘﻘﺎرب ﺑﯿﻦ‬
‫اﻗﺘﺼﺎدﯾﺎت اﻟﺸﻤﺎل و اﻟﺠﻨﻮب ‪.‬‬
‫إن اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺪوﻟﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺠﺪﯾﺪ اﺗﻀﺤﺖ ﻣﻌﺎﻟﻤﮫ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﺑﻌﺪ اﻧﮭﯿﺎر اﻻﺷﺘﺮاﻛﯿﺔ و ﻋﻮﻟﻤﺔ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ و اﻷرﺿﯿﺔ اﻟﺘﻲ وﺿﻊ ﻋﻠﻰ أﺳﺎﺳﮭﺎ ھﺬا اﻟﻨﻈﺎم اﻻﻗﺘﺼﺎدي‬
‫اﻟﺠﺪﯾﺪ ھﻲ ﻧﺘﺎج ﻋﻤﻞ ﯾﺪﺧﻞ ﻓﻲ اﻷﺳﺲ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ أﺳﺎﺳﮭﺎ اﻟﻘﺎرة اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ أو ﻣﺤﻮر اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ وﻟﺬﻟﻚ ﺣﺴﺐ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﯾﺮى أن ھﺬا اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺠﺪﯾﺪ ﻟﯿﺲ ﺟﺪﯾﺪا ﻓﻲ‬
‫ﻣﻀﻤﻮﻧﮫ ﻷﻧﮫ ﺳﯿﺎﺳﺔ – اﺳﺘﻌﻤﺎرﯾﺔ – ﻗﺪﯾﻤﺔ و ﻟﻜﻲ ﯾﺠﺪ ﻣﺤﻮر اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﯿﺔ اﻟﻤﺨﺮج ﻣﻦ داﺋﺮة اﻟﺘﺨﻠﻒ و ﻋﺪم اﻟﻮﻗﻮع ﻓﻲ ﻓﺦ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ‪ ،‬أن ﻻ ﯾﻌﺘﻤﺪ ھﺬا اﻟﻤﺤﻮر ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻹﻗﻠﯿﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ أﻧﺸﺄھﺎ اﻻﺳﺘﻌﻤﺎر و أﻣﻠﻰ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻗﺮاراﺗﮭﺎ ‪ ،‬ﺑﻞ ﯾﺠﺐ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻜﺘـﻞ اﻟـﻘﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ‬
‫ھﺬا اﻟﻨﻈﺎم اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺪوﻟﻲ اﻟﺬي ﯾﻤﺜﻞ ﻣﺤﻮر اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ‪ ،‬و ذﻟﻚ ﻣﻦ ﺧﻼل اﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﺘﻮﻓﺮة و ﺧﺼﻮﺻﺎ اﻟﻨﻔﻂ و ھﺬا اﻟﺤﻞ ﻟﯿﺲ ﻛﺎﻓﯿﺎ ﺣﺴﺐ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﺑﻞ‬
‫ھﻮ ﺑﺪاﯾﺔ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻟﻠﺨﺮوج ﻣﻦ ﻇﺎھﺮة اﻟﺘﺨﻠﻒ اﻟﺘﻲ ﯾﻌﺎﻧﯿﮭﺎ ﻣﺤﻮر اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﯿﺔ ‪.‬‬
‫وﯾﻤﻜﻦ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أن اﻟﺘﻜﺘﻼت اﻟﺘﻲ ﯾﻘﺮھﺎ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﻻ ﺗﻜﻮن ﻣﺒﻨﯿﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻹﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ ‪ ،‬ﻓﺎﻻﻗﺘﺼﺎد ﻛﻌﻠﻢ ﻣﮭﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻃﺒﯿﻌﺘﮫ اﻹﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ ﻣﺎ ھﻮ إﻻ اﻟﺘﻄﺒﯿﻖ‬
‫ﻟﻠﺤﻀﺎرة ‪ ،‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺗﻮﻓﯿﺮ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﺮوط اﻟﻤﻌﻨﻮﯾﺔ و اﻟﻤﺎدﯾﺔ ﺣﺘﻰ ﯾﺴﻤﺢ ﻷي ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻛﺎن ﺑﺘﻮﻓﯿﺮ ﻛﻞ اﻟﻀﻤﺎﻧﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻟﻜﻞ ﻓﺮد و ﻟﻜﻞ ﺑﻠﺪ و ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس‬
‫اﻟﺘﻮﻓﯿﻖ ﺑﯿﻦ ﻣﻌﺎدﻟﺔ إﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﻣﻌﯿﻨﺔ ﺑﻤﻌﺎدﻟﺔ اﻟﻘﺮن ‪ 21‬اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ‪ ،‬ﺑﻐﯿﺔ ﺧﻠﻖ إﻧﺴﺎن ﺗﻨﻤﯿﺔ ﺟﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻷﺳﺎس ‪ ،‬و ﯾﺮى ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ أن اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ھﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﺳﻢ ﺧﻄﻮط‬
‫اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن ‪ ، 21‬وﻋﻠﯿﮫ ﯾﺠﺐ أن ﻻ ﯾﻜﻮن اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺘﺨﻠﻒ ﻓﺌﺔ ‪ ،‬اﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻣﻨﻌﺰﻟﺔ ‪ ،‬و ﻣﻦ اﻟﻮاﺟﺐ اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻓﻲ ﻃﺒﯿﻌﺘﮭﺎ اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ ‪ ،‬وإﻻ اﻧﺘﮭﻰ‬
‫ﺑﻨﺎ اﻷﻣﺮ إﻟﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﻧﻈﺮﯾﺔ )‪ ، (4‬و ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻷﺳﺎس ﯾﻤﻜﻦ ﻣﺴﺎﯾﺮة ﺗﻄﻮر اﻟﻨﻈﺎم اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺪوﻟﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪ ‪.‬‬
‫اﻟﻤﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ ‪ :‬ﺗﻄﻮر اﻟﻨﻈﺎم اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺪوﻟﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺬي ﻛﺎن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﯾﻤﺮ ﺑﺜﻮرة ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲ ‪ ،‬ﺑﺪأت اﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻨﺎﻣﻲ ‪ ،‬ﺑﺈﻋﺎدة اﻟﻨﻈﺮ ﻓﯿﮭﺎ ﯾﺨﺺ ﺗﻮزﯾﻊ اﻟﻤﺰاﯾﺎ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﺑﯿﻦ ﺳﻜﺎن‬
‫اﻟﻌﺎﻟﻢ وﺗﺠﻠﻰ ھﺬا ﺑﺎﻟﻤﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺈﻧﺸﺎء ﻧﻈﺎم اﻗﺘﺼﺎدي ﺟﺪﯾﺪ ﺑﺤﯿﺚ ﻛﺎن أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻠﺜﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻻ ﯾﺤﺼﻠﻮن إﻻ ﻋﻠﻰ ﺛﻠﺚ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ و اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﮭﺪدون ﺑﺎﻟﻔﻘﺮ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ أﺻﺒﺢ‬
‫ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﺗﻔﺮﻗﺔ ﺑﯿﻦ ﻣﺎ ھﻮ اﻗﺘﺼﺎدي و ﻣﺎ ھﻮ ﺳﯿﺎﺳﻲ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺴﺎﺋﺪ أن اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ ﺗﻌﻨﻲ دراﺳﺔ اﻟﺴﻠﻄﺔ و أن اﻻﻗﺘﺼﺎد ﯾﮭﺘﻢ ﺑﺎﻟﺘﺒﺎدل ‪ ،‬وﻟﺬﻟﻚ ﺑﺪأ‬
‫اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻨﺎﻣﻲ ﯾﻄﺎﻟﺐ ﺑﺈﻋﺎدة اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎت اﻟﺘﺒﺎدل اﻟﺪوﻟﻲ وﺗﺠﻠﻰ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﺆﺗﻤﺮ ﺟﻨﯿﻒ ﻟﻠﺘﺠﺎرة‬
‫و اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ‪ ، 1964‬ﻛﻤﺎ ﺑﺪأت ﺑﻮادر اﻟﻨﻈﺎم اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪ ﺗﻈﮭﺮ ﺑﻮﺿﻮح ﻓﻲ ﻗﻤﺔ دول ﻋﺪم اﻻﻧﺤﯿﺎز اﻟﻤﻨﻌﻘﺪة ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ‪ 1973‬و ھﺬا ﺗﺮﺗﺐ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ‬
‫ﺣﻮل ﺗﺠﺎرة اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﯿﺔ وذﻟﻚ ﻓﻲ دورة ﻟﻠﺠﻤﻌﯿﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻸﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة وﺻﺪرﻓﻲ ھﺬا اﻟﺸﺄن ﻗﺮار إﻧﺸﺎء ﻧﻈﺎم اﻗﺘﺼﺎدي دوﻟﻲ ﺟﺪﯾﺪ ﺳﻨﺔ ‪ 1974‬م و ﺗﻀﻤﻦ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ‬
‫اﻟﻌﻤﻞ ﻹﻗﺎﻣﺔ اﻟﻨﻈﺎم اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺪوﻟﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪ)‪ (5‬اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﻟﮭﺎ أھﻤﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ وﺧﺼﻮﺻﺎ ﺗﺠﺎرة اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﯿﺔ وﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻐﺬاء اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻨﻘﺪي‬
‫اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ و دوره ﻓﻲ ﺗﻤﻮﯾﻞ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺳﯿﺎﺳﺔ اﻟﺘﺼﻨﯿﻊ و اﻧﺘﻘﺎل اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺎ و ﺗﻨﻈﯿﻢ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺮﻛﺎت اﻟﻤﺘﻌﺪدة اﻟﺠﻨﺴﯿﺎت و ﻛﺬا ﺗﻨﺸﯿﻂ اﻟﺘﻌﺎون ﺑﯿﻦ‬
 ‫اﻟﺪول اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ‪.‬‬
‫وﻓﻲ ھﺬا اﻹﻃﺎر ﯾﺘﻜﻠﻢ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﻓﻜﺮة اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻤﻮﺣﺪ و ﺑﻨﺎء اﻟﺘﻌﺎون اﻻﻗﺘﺼﺎدي واﻟﺨﺮوج ﻣﻦ ﻧﻄﺎق اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻘﻮﻣﻲ اﻟﻤﺤﺪود‪ ،‬ﻟﺒﻨﺎء اﻟﺘﻜﺎﻣﻞ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﺑﯿﻦ‬
‫اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ و اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻟﻜﻲ ﯾﺘﻢ ﺗﺠﺎوز ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺗﺴﻮﯾﻖ اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﯿﺔ و ﻣﻮاﺟﮭﺔ اﻟﻘﺎرة اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ وﻓﻲ إﻃﺎر ﺗﻄﻮر اﻟﻨﻈﺎم اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﯾﺮى ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﺿﺮورة‬
‫ﺗﺰاﻣﻦ ھﺬا اﻟﺘﻄﻮر ﺑﺒﻨﺎء اﻟﻮﻋﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎدي و اﻟﺘﺨﺼﺺ اﻟﻔﻨﻲ وﺗﻮﺟﯿﮫ اﻹﻃﺎر اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻧﺤﻮ ﻓﮭﻢ ﺣﯿﺜﯿﺎت ﺗﻄﻮر اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻛﺎن ﯾﺮى أن اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﺘﺠﮫ‬
‫ﻧﺤﻮ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ وھﺬا ﺑﻌﺪ ﺗﻨﺒﺆه ﺑﺎﻧﮭﯿﺎر اﻟﻨﻈﺎم اﻻﺷﺘﺮاﻛﻲ‪،‬ﻟﻜﻦ ﻣﻔﮭﻮم اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺘﻄﺎﺑﻖ ﻣﻊ ﻣﻔﮭﻮم اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻣﻦ ﺣﯿﺚ اﻟﺘﻄﻮر وﻟﻜﻦ ﯾﺨﺘﻠﻔﺎ ﻣﻦ ﺣﯿﺚ أﺛﺎرھﻤﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ‪،‬ﻓﻲ ھﺬا اﻹﻃﺎر ﻧﺘﻜﻠﻢ ﺣﻮل اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ‪.‬‬
‫وﻟﻜﻲ ﺗﺤﺪد اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ وﺟﮭﺘﮭﺎ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﯾﺠﺐ أن ﺗﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﺎﻣﻞ اﻟﻤﻘﻠﻞ اﻟﺬي ﯾﻨﻘﺺ ﻣﻦ اﻟﻘﺪرة اﻟﺘﺄﺛﯿﺮﯾﺔ ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ اﻃﺮاد اﻟﻨﻤﻮ اﻻﻗﺘﺼﺎدي)‪ (6‬أي‬
‫أن اﻟﺘﻄﻮراﻻﻗﺘﺼﺎدي ﯾﺠﺐ أن ﯾﺘﺰاﻣﻦ ﺑﺸﺮوط ﺗﻤﻜﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻣﻦ اﻻﻧﺘﻘﺎل ﻣﻦ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻟﻨﺒﺎﺗﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﻮﺿﻊ اﻹﯾﺠﺎﺑﻲ اﻟﻔﻌﺎل أي‬
‫ﻣﻦ اﻟﻮاﺟﺐ أن ﻧﻀﻊ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ أوﻻ ﻓﻲ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎت اﻟﺒﻘﺎء و وﺿﻊ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻐﺬاء ﻓﻲ ھﺬا اﻹﻃﺎر ‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺘﻮﻇﯿﻒ اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻟﻠﻤﻮاد اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ ﻓﺎﻟﺘﻮﻇﯿﻒ‬
‫اﻟﻜﺎﻣﻞ ﻟﮭﺬه اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﯾﺆدي ﺑﻨﺎ إﻟﻰ أن ﻧﺘﻜﻠﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻛﻘﻮة ﻣﺆﺛﺮة ﻓﻌﻼ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ‪.‬‬
‫اﻟﻤﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﻟﺚ ‪:‬اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻛﻘﻮة ﻣﺆﺛﺮة‬
‫ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺮﻗﻌﺔ اﻟﺠﻐﺮاﻓﯿﺔ اﻟﻮاﺳﻌﺔ و اﻟﻤﻮارد اﻟﻤﺎدﯾﺔ و اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ اﻟﮭﺎﺋﻠﺔ ﯾﻤﻜﻦ اﻋﺘﺒﺎر اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻛﻘﻮة ﻣﺆﺛﺮة ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ و ﻟﻜﻦ رﻏﻢ‬
‫اﻻﺳﺘﻘﻼل اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ اﻟﺬي ﺣﺼﻠﺖ ﻋﻠﯿﮫ ھﺬه اﻟﺪول واﻧﺪﻣﺎﺟﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻇﻠﺖ اﻗﺘﺼﺎدﯾﺎ ﻋﺎﺟﺰة ﻋﻦ ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﺤﺮﻛﯿﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ‪ ،‬ﻷن ﻣﺤﻮر اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﺑﺎت‬
‫ﯾﺴﯿﻄﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﯿﺌﺔ و ﺗﺸﻜﻠﮭﺎ و ﯾﻀﻊ ﻗﻮاﻋﺪ ﻟﻠﺘﻌﺎﻣﻞ اﻟﺘﺠﺎري و اﻟﺪول اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﻟﯿﺴﺖ أﻣﺎﻣﮭﺎ ﺳﻮى أن ﺗﺘﻌﺎﯾﺶ و ﺗﺘﻜﯿﻒ ﻣﻊ ھﺬه اﻟﺒﯿﺌﺔ ‪ ،‬ﻓﻤﺤﻮر اﻟﻘﻮة ﻛﻤﺎ‬
‫ﯾﺴﻤﯿﮫ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﯾﺴﺘﺨﺪم اﻟﻘﻮة و اﻟﺴﻠﻄﺔ و اﻟﺪول اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺴﻮق ‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أن اﻟﺘﻘﺴﯿﻢ اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﻌﻤﻞ أدى إﻟﻰ اﺣﺘﻜﺎر اﻟﺪول اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ‬
‫ﻟﻠﻘﻄﺎﻋﺎت اﻟﺤﯿﻮﯾﺔ ذات اﻹﻣﻜﺎﻧﯿﺎت اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺔ اﻟﻤﺘﻄﻮر )‪. (7‬‬
‫ﻓﻲ ﺣﯿﻦ أن اﻟﺪول اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﻇﻠﺖ ﻣﺤﺘﻔﻈﺔ ﺑﺎﻟﻘﻄﺎﻋﺎت اﻟﺮاﻛﺪة‪ ،‬وذات اﻟﺘﺄﺛﯿﺮ اﻟﻤﺤﺪود ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎد ‪ ،‬وﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎن ﯾﺠﺐ ﺗﻐﯿﯿﺮ ھﺬه اﻷوﺿﺎع ﺑﺘﺪﻋﯿﻢ دور اﻟﺪوﻟﺔ و ﻛﺬا ﻋﻦ‬
‫ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻮﻋﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎدي‪ ،‬وﺑﺎﻟﻤﺸﺎﻛﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺮﻗﻞ اﻟﺪول اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ و ﺗﻘﻠﻞ ﻣﻦ دورھﺎ ﻓﻲ اﻟﺘﺄﺛﯿﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ و ﺗﺤﺴﯿﻦ ﺷﺮوط اﻟﺘﺒﺎدل‬
‫اﻟﺘﺠﺎري ‪ ،‬ﻟﻠﺤﺪ ﻣﻦ اﻹﺟﺤﺎف اﻟﺬي ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻨﮫ اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﻮق اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ و ﺿﺮورة إدراك أھﻤﯿﺔ اﻟﻔﺠﻮة اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﺑﯿﻦ ﻣﺤﻮر اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ وﻣﺤﻮر اﻟﻤﺎدة اﻷوﻟﯿﺔ و‬
‫ذﻟﻚ ﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺠﺪﯾـﺪ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ واﻟﺬي ﻣﻦ ﺷﺄﻧﮫ إﻋﻄﺎء دور ﺟﺪﯾﺪ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻛﻘﻮة ﻣﺆﺛﺮة ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﻮاﺟﮭﺔ ﺗﺤﺪﯾﺎت اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ و ﻟﯿﺲ‬
‫ﻣﻮاﺟﮭﺔ اﻟﻨﻈﺎم اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻄﺎﻟﺐ ﺑﮫ‪،‬ﻛﻤﺎ ﺳﺒﻖ وأن ذﻛﺮﻧﺎ ﻓﺈن ﻣﻔﮭﻮم اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﯾﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻣﻔﮭﻮم اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻣﻦ ﺣﯿﺚ أن اﻷوﻟﻰ ﺿﺮورة ﺣﺘﻤﯿﺔ واﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﺣﺎﻟﺔ‬
‫ﺗﻔﺮﺿﮭﺎ اﻟﻈﺮوف اﻟﺪوﻟﯿﺔ اﻟﺮاھﻨﺔ‪.‬‬
‫وإذا اﻋﺘﺒﺮﻧﺎ أن اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻛﻘﻮة ﻣﺆﺛﺮة ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻓﺈن ﻣﺤﺪودﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻨﻤﻮ أﺻﺒﺤﺖ واﺿﺤﺔ ﻓﺎﻟﺴﻜﺎن واﻹﻧﺘﺎج اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ و ﻧﻌﻨﻲ‬
‫ﺑﺬﻟﻚ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر ﯾﺒﺎﺷﺮان ﺗﺄﺛﯿﺮات إﯾﺠﺎﺑﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻤﻮ ﻓﻲ ﺣﯿﻦ أن اﻟﻐﺬاء و اﻟﻤﻮارد ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺘﺠﺪدة و ﺗﺪھﻮر اﻟﺒﯿﺌﺔ ﺑﮭﺎ ﺗﺄﺛﯿﺮات ﺳﻠﺒﯿﺔ ﻓﺄﻓﻜﺎر اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﯿﻦ ﺣﻮل ﺧﺼﺎﺋﺺ‬
‫اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ و ﻣﻦ ﺛﻢ اﻟﺒﯿﺌﺔ‪ ،‬اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ أن اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ﻟﯿﺴﺖ داﺋﻤﺔ ﺑﻞ ھﻲ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﮭﻼك ﻓﺎﻻﺳﺘﮭﻼك ‪ ،‬و اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ﯾﻤﻠﻚ ﻋﻠﻰ أراﺿﯿﮫ ﺟﺰءا ﻛﺒﯿﺮا ﻣﻦ اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﯿﺔ‬
‫‪ ،‬ﻛﺎﻟﺒﺘﺮول و اﻟﻨﺤﺎس اﻟﺘﻲ ﺗﻤﻠﻚ زاﻣﺒﯿﺎ ﺷﯿﻠﻲ ‪ ،‬زاﺋﯿﺮ ‪ ،‬ﺑﯿﺮو ‪ ،‬أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ‪70‬ﺑﺎﻟﻤﺎﺋﺔ و اﻟﺮﺻﺎص اﻟﺬي ﯾﻤﻠﻚ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﻠﻰ ﺛﻼﺛﺔ أرﺑﺎع ¾ ﻣﻦ ﺻﺎدراﺗﮫ و‪ 80‬ﺑﺎﻟﻤﺎﺋﺔ‬
‫ﻣﻦ ﺻﺎدرات اﻷﻟﻤﻨﯿﻮم ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺼﻨﻊ )‪. (8‬‬
‫ﻓﺤﺮب أﻛﺘﻮﺑﺮ ﻣﺜﻼ و رﻓﻊ أﺳﻌﺎر اﻟﺒﺘﺮول ﺗﺪل ﻋﻠﻰ إﻗﺮار اﻟﺪول اﻟﺼﻨﺎﻋﯿﺔ ﺑﻘﻮة اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ و ﺗﺄﺛﯿﺮه ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻮر اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ‪ ،‬ﻓﻤﻦ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻨﺸﺄ ﻓﯿﮭﺎ اﺗﻔﺎق ﻋﻠﻰ‬
‫إﻧﺸﺎء ﻛﺘﻠﺔ اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﯿﺔ )‪ ، (9‬ﻛﻤﺎ ﯾﻌﺒﺮ ﻋﻨﮭﺎ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﺑﺘﻐﯿﯿﺮ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺪوﻟﻲ ‪ ،‬و ﻧﻈﺎم اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ و ﯾﺼﺒﺢ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ دور ﻛﺒﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ‬
‫اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎرھﺎ وﺳﯿﻠﺔ ﻟﺘﻮﺟﯿﮫ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ‪ ،‬أﺿﻒ إﻟﻰ ذﻟﻚ ﺻﻨﺪوق اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺪوﻟﻲ و اﻟﺒﻨﻚ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ‪.‬‬
‫إن ﻗﯿﺎم ﻧﻈﺎم اﻗﺘﺼﺎدي دوﻟﻲ ﺟﺪﯾﺪ ﯾﻤﺜﻞ ﻓﻲ ﺗﻘﺪﯾﺮ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ اﻟﻮﺳﯿﻠﺔ اﻟﻜﻔﯿﻠﺔ ﺑﺘﻐﯿﺮ ﻋﻼﻗﺎت اﻟﺴﯿﻄﺮة اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻣﻨﺬ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ وﻗﺪ أﻋﺪ‬
‫اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﻮن ﻧﻈﺮﯾﺎت ھﺎﻣﺔ ﻟﺘﻔﺴﯿﺮ ﻃﺒﯿﻌﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ)‪ ،(10‬ﻓﻨﻈﺮﯾﺎت اﻹﻣﺒﺮﯾﺎﻟﯿﺔ و اﻟﺘﺒﺎدل اﻟﻼﻣﺘﻜﺎﻓﺊ و أﻃﺮوﺣﺎت اﻟﺘﺮاﻛﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ وﺳﯿﺎﺳﺔ‬
‫اﻟﺤﻤﺎﯾﺔ ﻛﻠﮭﺎ ﺗﺪل ﻋﻠﻰ اﻹﺳﮭﺎم اﻟﻜﺒﯿﺮ اﻟﺬي ﻗﺪﻣﮫ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﻮن ﻟﻔﮭﻢ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة اﻟﻜﺒﺮى وﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﺈن اﻟﻨﻈﺎم اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺪوﻟﻲ اﻟﺬي ﻧﺎدت ﺑﮫ ﺑﻠﺪان اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ‬
‫ﻓﻲ اﻟﺴﺒﻌﯿﻨﺎت ﻣﻦ أﺟﻞ إﻋﺎدة اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ‪ ،‬اﻟﺬي ﻗﺪ ﯾﺨﺘﻠﻒ ﻓﻲ ﻣﻀﻤﻮﻧﮫ ﻋﻦ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ‪.‬‬
‫وﺿﻤﻦ ﻣﺎ ﯾﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻗﻄﻌﺖ اﻟﺪول اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﻣﻌﺘﺒﺮة ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻖ ﺗﻜﻮﯾﻦ ﻧﻈﺎم اﻗﺘﺼﺎدي ﻋﺎﻟﻤﻲ ﺟﺪﯾﺪ ﻣﻨﺬ اﻟﺴﺒﻌﯿﻨﯿﺎت وﺣﺴﺐ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ أﯾﻀﺎ‪ ،‬ﺑﯿﺪ أن ﻛﺘﻠﺔ‬
‫اﻟﺸﻤﺎل اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ ﻋﻤﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﻓﺮض ﺷﺮوط وﻃﺮاﺋﻖ أﺧﺮى اﺑﺘﺪاء ﻣﻦ ﻣﻨﻌﻄﻒ أزﻣﺔ اﻟﺒﺘﺮول ‪1982‬م أﯾﻦ اﺳﺘﻌﺎدت اﻟﺪول اﻟﻤﺴﺘﮭﻠﻜﺔ ﻗﯿﺎدة اﻟﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ اﻷﺳﻌﺎر‪ ،‬وﯾﻤﻜﻦ‬
‫اﻟﻘﻮل أن ﻣﺠﮭﻮدات اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻣﻨﺬ ‪1973‬م ذھﺒﺖ دون ﺗﺄﺛﯿﺮ ﻓﻲ ﻇﺮوف اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ)‪.(11‬‬
‫اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻟﺜﺎﻧﻲ ‪ :‬ﻋﻮﻟﻤﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ وآﻟﯿﺎت ﺳﯿﻄﺮﺗﮫ‬
‫اﻟﻤﻄﻠﺐ اﻷول ‪:‬ﻣﻔﮭﻮم اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ‬
‫ﯾﻤﻜﻦ ﺗﻌﺮﯾﻒ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﺑﺄﻧﮭﺎ ﺗﻌﻨﻲ ﺑﺸﻜﻞ ﻋﺎم اﻧﺪﻣﺎج أﺳﻮاق اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ ﻣﯿﺪان اﻟﺘﺠﺎرة واﻻﺳﺘﺜﻤﺎرات اﻟﻤﺒﺎﺷﺮة و اﻧﺘﻘﺎل اﻷﻣﻮال و اﻟﻘﻮى اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﺎت ﻓﻲ إﻃﺎر ﻣﻦ‬
‫اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ و ﺣﺮﯾﺔ اﻷﺳﻮاق ‪ ،‬وﺧﻀﻮع اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﻘﻮى اﻟﺴﻮق اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﯾﺆدي إﻟﻰ اﻧﮭﯿﺎر اﻟﺤﺪود اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ وأن اﻟﻌﻨﺼﺮ اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻈﺎھﺮة ھﻲ اﻟﺸﺮﻛﺎت‬
‫اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ ﻣﺘﻌﺪدة اﻟﺠﻨﺴﯿﺎت‪ ،‬وھﺬا اﻟﻤﻔﮭﻮم ﻟﻠﻌﻮﻟﻤﺔ ﯾﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻣﻔﮭﻮم اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺪوﻟﻲ )‪.(12‬‬
‫ﻓﺎﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺪوﻟﻲ ﯾﺮﻛﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﺴﯿﺎدة و ﻗﺪ ﺗﻜﻮن ھﺬه اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻓﻲ ﻣﯿﺪان اﻟﺘﺠﺎرة و اﻻﺳﺘﺜﻤﺎرات اﻟﻤﺒﺎﺷﺮة وﻏﯿﺮ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮة و ﻟﻜﻦ‬
‫ﯾﺒﻘﻰ ﻟﻠﺪوﻟﺔ دورا ﻓﻲ إدارة اﻗﺘﺼﺎدھﺎ ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺪوﻟﺔ ﺗﺸﻜﻞ اﻟﻌﻨﺼﺮ اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺪوﻟﻲ وﺗﺸﻜﻞ اﻟﺸﺮﻛﺎت اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﻌﻨﺼﺮ اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﻣﻔﮭﻮم اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ‪ ،‬ھﺬه‬
‫اﻟﺸﺮﻛﺎت ﺗﺸﻜﻞ ﻗﯿﻤﺔ ﻣﺒﯿﻌﺎﺗﮭﺎ اﻟﺴﻨﻮﯾﺔ ﺗﺘﺠﺎوز اﻟﻨﺎﺗﺞ اﻟﻤﺤﻠﻲ اﻹﺟﻤﺎﻟﻲ ﻟﻌﺪد ﻣﻦ اﻟﺪول اﻟﻤﺘﻮﺳﻄﺔ اﻟﺤﺠﻢ )‪ (2‬و ﺑﺬﻟﻚ و ﻧﻈﺮا ﻻﺳﺘﺜﻤﺎراﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺪول ﺑﺼﻔﺔ‬
‫ﻣﺒﺎﺷﺮة ‪ ،‬أو ﻏﯿﺮ ﻣﺒﺎﺷﺮة ﻓﺈﻧﮭﺎ ﻗﺎدرة ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺪ ﻣﻦ ﺳﯿﺎدة ھﺬه اﻟﺪول و ھﺬا ﯾﺘﻢ ﺗﺤﺖ رﻋﺎﯾﺔ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ‪ ،‬و اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻣﺜﻞ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ‬
‫ﻟﻠﺘﺠﺎرة ‪.‬‬
‫ﻓﺈذا ﻟﻢ ﺗﻠﺘﺰم دوﻟﺔ ﻣﺎ ﺑﮭﺬه اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ ﻧﺰﺣﺖ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎرات ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮة واﻟﺘﻮﻇﯿﻔﺎت اﻷﺧﺮى ﻣﻤﺎ ﯾﺆدي إﻟﻰ اﻧﺨﻔﺎض أﺳﻌﺎر ﻋﻤﻼت و أﺳﻌﺎر أﺳﮭﻢ و ﺳﻨﺪات اﻟﺪوﻟﺔ‬
‫واﻧﺨﻔﺎض اﺣﺘﯿﺎﻃﺎت ﻣﺼﺮﻓﮭﺎ اﻟﻤﺮﻛﺰي ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻼت اﻷﺟﻨﺒﯿﺔ وﺣﺪوث إﻓﻼﺳﺎت ﻣﺎﻟﯿﺔ ﻋﺪﯾﺪة ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﯾﻀﻄﺮھﺎ إﻟﻰ اﻟﻠﺠﻮء إﻟﻰ ﺻﻨﺪوق اﻟﻨـﻘﺪ اﻟﺪوﻟﻲ وھﺬا ﻣﺎ ﺣﺪث ﻓﻲ‬
‫أزﻣﺔ اﻟﻤﻜﺴﯿﻚ ﻋﺎم ‪ 1995‬وﻓﻲ اﻷزﻣﺎت اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺷﮭﺪﺗﮭﺎ ﺑﻌﺾ ﺑﻠﺪان ﺟﻨﻮب ﺷﺮق آﺳﯿﺎ ﻣﻨﺬ ‪ 1997‬ﻛﻤﺎﻟﯿﺰﯾﺎ و أﻧﺪ وﻧﺴﯿﺎ و ﺗﺎﯾﻼﻧﺪ و ﺗﺎﯾﻮان و ﻛﻮرﯾﺎ اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ ‪.‬‬
‫إن ﻇﺎھﺮة اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺠﺮي اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻨﮭﺎ ﺗﺆدي ﺑﻨﺎ إﻟﻰ ﻃﺮح اﻟﺴﺆال اﻟﺘﺎﻟﻲ ‪ ،‬ھﻞ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻗﺪر ﻛﺎﺳﺢ ﻻ ﻣﻔﺮ ﻣﻨﮫ ؟ و أﻧﮫ ﻻ ﺑﺪﯾﻞ ﻋﻦ ﻗﺒﻮل ﺳﯿﺎﺳﺘﮭﺎ و ﻧﺘﺎﺋﺠﮭﺎ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻤﯿﺪان اﻻﻗﺘﺼﺎدي ‪ .‬ﻓﺈذا ﻛﺎن اﻷﻣﺮ ﻛﺬﻟﻚ ‪ ،‬ﻓﻼ ﻣﻌﻨﻰ ﺣﯿﻨﺌﺬ ﻟﻺﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪور ﺣﻮل اﻟﺘﻌﺎﯾﺶ و اﻟﺘﺤﺪي ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﻮاﺟﮭﺔ زﺣﻒ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ‪.‬‬
‫وﯾﻘﻮل ﺟﻮن ﻣﯿﻨﺮد ﻛﯿﻨﺰ "دﻋﻨﺎ ﻧﺘﺨﻠﺺ‪ ...‬ﻣﻦ اﻟﻤﺒﺎدئ اﻟﻤﯿﺘﺎﻓﯿﺰﯾﻘﯿﺔ واﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻨﺪ إﻟﯿﮭﺎ ﻣﻦ وﻗﺖ ﻷﺧﺮ ﺳﯿﺎﺳﺔ اﻟﺤﺮﯾﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ‪ ،‬ﻟﯿﺲ ﺻﺤﯿﺤﺎ أن اﻷﻓﺮاد‬
‫ﯾﻤﺘﻠﻜﻮن ﺣﺮﯾﺔ ﻃﺒﯿﻌﯿﺔ ﻓﻲ ﻓﻌﺎﻟﯿﺘﮭﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ‪ ،‬ﻻ ﯾﻮﺟﺪ ﻋﻘﺪ ﯾﻤﻨﺢ ﺣﻘﻮﻗﺎ داﺋﻤﺔ ﻟﻠﺬﯾﻦ ﯾﻤﻠﻜﻮن أو اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺴﺘﺤﻮذون ‪ ،‬ﻟﯿﺲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﺤﻜﻮﻣﺎ ﻣﻦ اﻷﻋﻠﻰ ﺑﺤﯿﺚ ﯾﻮﺟﺪ داﺋﻤﺎ‬
‫اﻧﺴﺠﺎم ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻔﺮدﯾﺔ و ﻣﺼﻠﺤﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ و ﻟﯿﺲ إدارة اﻟﻌﺎﻟﻢ ھﻨﺎ ﻓﻲ اﻷﺳﻔﻞ ﺗﺤﻘﻖ ﻋﻤﻠﯿﺎ ھﺬا اﻻﻧﺴﺠﺎم ‪ ،‬ﻟﯿﺲ اﺳﺘﻨﺘﺎﺟﺎ ﺻﺤﯿﺤﺎ ﻣﻦ ﻣﺒﺎدئ اﻻﻗﺘﺼﺎد أن‬
‫اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ اﻟﻤﺘﻨﻮرة ﺗﺼﺐ داﺋﻤﺎ ﻓﻲ ﺧﺎﻧﺔ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ‪ ،‬ﻛﻤﺎ أﻧﮫ ﻟﯿﺲ ﺻﺤﯿﺤﺎ أن اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ ھﻲ ﺑﻌﺎﻣﺔ ﻣﺘﻨﻮرة ‪ ،‬ﻓﻌﻨﺪﻣﺎ ﯾﺘﺼﺮف اﻷﻓﺮاد ﺑﺼﻮرة‬
‫ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻟﻜﻲ ﯾﺤﻘﻘﻮا أھﺪاﻓﮭﻢ ﻓﮭﻢ ﻓﻲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﻮال إﻣﺎ ﺟﺎھﻠﻮن ﺟﺪا أو ﺿﻌﻔﺎء ﺟﺪا ﻟﯿﺤﻘﻘﻮا ﺣﺘﻰ ھﺬه ﻻ ﺗﻈﮭﺮ اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ أن اﻷﻓﺮاد ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺸﻜﻠﻮن وﺣﺪة اﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ھﻢ‬
 ‫داﺋﻤﺎ أﻗﻞ ﺑﺼﯿﺮة ﻣﻨﮭﻢ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺘﺼﺮﻓﻮن ﺑﺼﻮرة ﻣﻔﺮدة ‪ ...‬ﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﻘﺮ اﺳﺘﻨﺎدا إﻟﻰ أرﺿﯿﺔ ﺗﺠﺮﯾﺪﯾﺔ ‪ ،‬ﺑﻞ ﯾﺠﺐ أن ﻧﻘﺮر اﺳﺘﻨﺎدا إﻟﻰ اﻟﻤﺰاﯾﺎ اﻟﺘﻔﺼﯿﻠﯿﺔ ‪ ..‬ﻣﺎ ﯾﺠﺐ‬
‫أن ﺗﺄﺧﺬ اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﮭﺎ ﺗﻮﺟﯿﮭﮫ ﻣﺴﺘﺮﺷﺪة ﺑﺤﻜﻤﺔ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ و ﻣﺎ ﯾﺠﺐ أن ﺗﺘﺮﻛﮫ و ﺑﺄﻗﻞ ﺗﺪﺧﻞ ﻣﻤﻜﻦ ﻟﻠﺠﮭﺪ اﻟﻔﺮدي ")‪. (14‬‬
‫إن ﻣﺎھﻮ ﻗﺎﺋﻢ ﺣﺎﻟﯿﺎ ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ ﯾﻤﺜﻞ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺮاﺣﻞ ﺗﻄﻮر اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ ‪ ،‬ھﺬا اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺬي ھﻮ أﻛﺜﺮ ﺗﻜﺎﻣﻼ و اﻧﺪﻣﺎﺟﺎ ﻣﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺪوﻟﻲ‬
‫وﻣﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮم أن اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ اﻟﺬي ﯾﮭﺪف إﻟﻰ ﺗﻌﻤﯿﻢ اﻷرﺑﺎح اﻟﺨﺎﺻﺔ و اﻟﺘﻮﺳﻊ و ﺗﺮاﻛﻢ رأس اﻟﻤﺎل ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎرات و ﻇﮭﻮر اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ‪ ،‬إذ‬
‫ﻟﻢ ﯾﺘﻌﺮض ﻟﻠﺮﻛﻮد و اﻟﻜﺴﺎد اﻟﻤﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ أزﻣﺎت دورﯾﺔ ﻛﻤﺎ ذﻛﺮ ﻛﺎرل ﻣﺎرﻛﺲ وﻣﻦ أھﻢ آﻟﯿﺎت ﺗﺤﻘﯿﻖ ھﺬا اﻟﺘﻮﺳﻊ ھﻮ ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﺪﻣﺞ ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﻜﺒﺮى و اﻟﻌﻤﻞ‬
‫ﻋﻠﻰ رﺳﻤﻠﺔ اﻟﻔﻮاﺋﺪ ﻟﺰﯾﺎدة اﻹﻧﺘﺎج و اﻟﺘﺠﺎرة ‪.‬‬
‫ھﺬه اﻟﺴﻤﺎت ﻟﻠﻨﻈﺎم اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻟﺮاھﻦ ھﻲ ﻣﺎ ﺗﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻌﻮﻟﻤﺔ اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ وﻓﻲ ھﺬا اﻹﻃﺎر ﺗﻌﻤﻞ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺄﻣﯿﻦ ﻧﻈﺎﻣﮭﺎ ﻋﺒﺮ ﺗﺤﻘﯿﻖ ﺣﺮﯾﺔ اﻟﺘﺠﺎرة‬
‫اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ وﺣﺮﯾﺔ اﻧﺘﻘﺎل رؤوس اﻷﻣﻮال ‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﻀﺎرﺑﺎت اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ ﺑﺎﻟﻌﻤﻼت اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺤﻮﯾﻞ و ﺑﺎﻻﺳﺘﺜﻤﺎرات ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮة ﺣﯿﺚ ﺑﻠﻎ اﻟﺤﺠﻢ اﻟﺴﻨﻮي ﻟﻠﻤﺘﺎﺟﺮة‬
‫ﺑﺎﻟﻌﻤﻼت اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﺤﻮﯾﻞ ﻋﺎم ‪1995‬م ﺣﻮاﻟﻲ ‪ 73‬ﻣﺮة ﺣﺠﻢ اﻟﺼﺎدرات اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻣﻦ اﻟﺴﻠﻊ و اﻟﺨﺪﻣﺎت ‪ ،‬ھﺬه اﻟﻤﻀﺎرﺑﺎت ﻟﯿﺲ ﻟﮭﺎ ﻋﻼﻗﺔ ﻛﺒﯿﺮة ﺑﻌﻤﻠﯿﺔ اﻹﻧﺘﺎج و اﻟﺘﺠﺎرة‬
‫‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﯾﻀﯿﻒ ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺼﺪر وذﻟﻚ ﺗﺤﻘﻖ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ)‪.(15‬‬
‫ﻓﻜﯿﻒ ﺳﺘﻮاﺟﮫ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ أﺑﻌﺎد وﺗﺤﺪﯾﺎت اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ؟‬
‫اﻟﻤﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﻧــﻲ ‪ :‬أﺑﻌﺎد و ﺗﺤﺪﯾﺎت اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ‬
‫إن أھﻢ ﻣﺎ ﻣﯿﺰ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻇﮭﻮر اﻟﻨﻈﺎم اﻻﺷﺘﺮاﻛﻲ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻠﯿﺒﺮاﻟﻲ ﻛﺄﺳﻠﻮب أو ﻧﻤﻂ اﻗﺘﺼﺎدي ﯾﻨﺎﻓﺲ ﻧﻤﻂ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺤﺮ ‪ ،‬إﻻ أن اﻟﺘﻌﺎﯾﺶ ﺑﯿـﻦ اﻟﻨﻈﺎﻣﯿﻦ ﻟﻢ‬
‫ﯾﻠﺒﺚ أن ﺗﺤﻮل إﻟﻰ ﺻﺮاع ‪ ،‬اﻧﺘﮭﻰ ﺑﺎﻧﮭﯿﺎر اﻟﻨﻈﺎم اﻻﺷﺘﺮاﻛﻲ واﻧﺘﮭﺎء ﺗﺴﯿﯿﺮ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻤﺨﻄﻂ ‪ ،‬ﻟﯿﺒﺪأ ﻓﻲ ﺗﻌﻤﯿﻢ و ﻧﺸﺮ ﻣﺒﺎدئ و أﺳﺲ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺤﺮ ﻋﺒﺮ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻟﯿﺴﮭﻞ‬
‫اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﺪول اﻻﺷﺘﺮاﻛﯿﺔ و ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ اﺳﺘﻐﻼﻟﮭﺎ و اﻟﮭﯿﻤﻨﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺪول اﻟﺴﺎﺋﺮة ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻨﻤﻮ ﯾﻮﺿﻊ آﻟﯿﺎت ﺟﺪﯾﺪة إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ وﻣﻦ ﺑﯿﻦ‬
‫ھﺬه اﻵﻟﯿﺎت اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة اﻟﺘﻲ ﺣﻠﺖ ﻣﺤﻞ اﻹﺗﻔﺎﻗﯿﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة واﻟﺘﻌﺮﯾﻔﺔ اﻟﺠﻤﺮﻛﯿﺔ – اﻟﺠﺎت – وﺑﮭﺬا أﺻﺒﺤﺖ اﻟﻮﻻﯾﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة ﺗﻤﺜﻞ اﻷﺣﺎدﯾﺔ اﻟﻘﻄﺒﯿﺔ ‪،‬‬
‫ﻟﺘﺴﯿﯿﺮ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ واﻟﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﯿﮫ وھﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻤﻮﻗﻊ و ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻈﺎم اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺪوﻟﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪ‪ ،‬وﻟﻜﻦ اﻟﺴﺆال اﻟﺬي ﯾﻄﺮح أﯾﻦ ﻣﻮﻗﻊ اﻟﺒﻠﺪان‬
‫اﻟﺴﺎﺋﺮة ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻖ ھﺬا اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺠﺪﯾﺪ اﻟﺘﻲ ﺳﻤﯿﻨﺎھﺎ دول اﻟﻘﺎرة اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ؟‬
‫ﻓﺒﺤﻠﻮل ﻗﻮاﻋﺪ اﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻮق ‪ ،‬ﻣﺤﻞ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻤﺨﻄﻂ ‪ ،‬اﻟﺬي ﺗﻤﯿﺰ ﺑﺎﻟﻀﻌﻒ واﻟﮭﺸﺎﺷﺔ وذﻟﻚ ﺗﺤﺖ ﺿﻐﻮﻃﺎت اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻤﺰري اﻟﺬي وﺟﺪت اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻻﺷﺘﺮاﻛﯿﺔ ﻧﻔﺴﮭﺎ‬
‫ﻓﯿﮫ ﺑﻌﺪ اﻧﮭﯿﺎرھﺎ ﻣﺒﺎﺷﺮة ‪ ،‬و ﻛﺬﻟﻚ إﺛﺮ ﻣﺴﺎوﻣﺎت ﺻﻨﺪوق اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺪوﻟﻲ و اﻟﺒﻨﻚ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻺﻧﺸﺎء و اﻟﺘﻌﻤﯿﺮ ‪ ،‬اﻟﻠﺬان أﺻﺒﺤﺎ ﯾﺴﯿﺮان ﺑﻠﺪان اﻟﻘﺎرة اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ ﺑﺘﻮﺻﯿﺎﺗﮭﻢ‬
‫اﻟﻤﻌﮭﻮدة ‪ ،‬وذﻟﻚ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ ﺑﺮاﻣﺞ اﻹﺻﻼﺣﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﻤﻔﺮوﺿﺔ ﻋﻠﯿﮭﺎ ‪ ،‬ھﺬه اﻟﺒﺮاﻣﺞ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﮭﺎ اﻧﻌﻜﺎﺳﺎت اﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ واﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﺟﺪ ﺳﻠﺒﯿﺔ ‪ ،‬ﺣﯿﺚ أدت إﻟﻰ ﺗﻜﺴﯿﺮ‬
‫اﻟﻨﺴﯿﺞ اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﺒﻠﺪان وﻏﻠﻖ اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺸﻲء اﻟﺬي ﻧﺘﺞ ﻋﻨﮫ ﻇﺎھﺮة اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﺴﺮﯾﺢ اﻟﺠﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻌﻤﺎل ‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أن ﺗﻄﺒﯿﻖ‬
‫ﺑﺮاﻣﺞ اﻟﺘﻌﺪﯾﻞ اﻟﮭﯿﻜﻠﻲ راﻓﻘﮫ ﺗﺨﻔﯿﺾ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻤﺤﻠﯿﺔ ﻷﻏﻠﺒﯿﺔ ھﺬه اﻟﺒﻠﺪان و ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺗﺪﻧﻲ اﻟﻘﺪرة اﻟﺸﺮاﺋﯿﺔ وارﺗﻔﺎع اﻷﺳﻌﺎر وﻏﻼء اﻟﻤﻌﯿﺸﺔ ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻓﺸﻠﺖ ھﺬه‬
‫اﻹﺻﻼﺣﺎت ﻓﻲ ﺣﻞ اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻟﺘﻠﻚ اﻟﺒﻠﺪان )‪. (16‬‬
‫ھﺬه اﻟﻤﺸﺎﻛﻞ أﻏﺮﻗﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﻓﺦ اﻟﻤﺪﯾﻮﻧﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﺘﻌﻤﻞ ﻛﺄداة ﻓﺎﻋﻠﺔ ﻟﻠﻀﻐﻂ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻓﺼﺪ ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻷھﺪاف واﻟﺴﯿﺎﺳﺎت اﻟﻤﺴﻄﺮة ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺻﻨﺪوق اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺪوﻟﻲ واﻟﺒﻨﻚ‬
‫اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻺﻧﺸﺎء واﻟﺘﻌﻤﯿﺮ اﻟﺨﺎﺿﻌﯿﻦ ﻹدارة ﻣﺤﻮر اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ و ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ اﻟﻮﻻﯾﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﯾﻜﯿﺔ و ﻋﻠﻰ إﺛﺮ إﻓﻼس ﻣﻌﻈﻢ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺘﻲ اﻧﺘﮭﺠﺖ اﻻﺷﺘﺮاﻛﯿﺔ ﺑﺪأ ﯾﻠﻮح‬
‫ﻓﻲ اﻷﻓﻖ ﻣﺎ ﯾﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ‪.‬‬
‫اﻟﻤﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﻟﺚ ‪ :‬اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ‬
‫ﯾﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل أﻧﮫ ﺑﻌﺪ ﺣﻮاﻟﻲ ﻗﺮﻧﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺰﻣﻦ ﻇﮭﺮ اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ و اﻟﺨﻼف واﺿﺤﺎ ﺑﯿﻦ اﻻﺷﺘﺮاﻛﯿﺔ و اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ و ﻣﻊ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ و اﻧﮭﯿﺎر اﻻﺗﺤﺎد اﻟﺴﻮﻓﯿﺘﻲ ‪،‬‬
‫ﺑﺪت اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ و ﻛﺄﻧﮭﺎ ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻟﻠﺘﻌﺎﻣﻞ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﺑﺪون ﻣﻨﺎزع و ﺑﺎﻋﺘﺒﺎر اﻟﻮﻻﯾﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﯾﻜﯿﺔ دوﻟﺔ رأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﻟﮭﺎ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻹﻧﻤﺎء‬
‫اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻌﯿﺪ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻜﻮﻧﮫ ﯾﻐﺬي اﻟﻨﻤﻮ اﻻﻗﺘﺼﺎدي و ﻟﺬﻟﻚ ﻋﻤﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﻧﺸﺮ اﻗﺘﺼﺎدﯾﺎت رأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ ﻓﻲ ﺑﻠﺪان أﺧﺮى ‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ إﻗﺎﻣﺔ ﻣﺆﺳﺴﺎت اﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ‬
‫رأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﻧﻄﺎق ﻋﺎﻟﻤﻲ و ھﺬا ﺑﺪأ ﻣﻦ اﺗﻔﺎق " ﺑﺮﯾﺘﻮن وودز " ‪ ،‬ﻛﺼﻨﺪوق اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺪوﻟﻲ و اﻟﺒﻨﻚ اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻺﻧﺸﺎء و اﻟﺘﻌﻤﯿﺮ ‪ ،‬ﺗﻢ اﺗﻔﺎﻗﯿﺔ اﻟﺠﺎت ‪GATT‬اﻟﺘﻲ ﺣﻮﻟﺖ‬
‫ﻓﻲ ﺳﻨﺔ ‪ 1995‬إﻟﻰ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة ) )‪OMC‬و ﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ‪.‬‬
‫ﺑﺰوال اﻻﺷﺘﺮاﻛﯿﺔ أﺻﺒﺤﺖ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ ﻧﻈﺎﻣﺎ ﻋﺎﻟﻤﯿﺎ و ﺗﺠﺴﺪ ذﻟﻚ ﺑﺎﺳﺘﻌﺎدة ﺗﻔﻮﻗﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل ﺻﻨﺎﻋﺘﻲ اﻟﺴﯿﺎرات و اﻟﻜﻮﻣﺒﯿﻮﺗﺮ)‪ (17‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻧﻔﻮذھﺎ ﻓﻲ اﻷﺑﺤﺎث ﻓﻲ‬
‫ﺣﻘﻞ اﻟﺘﻘﻨﯿﺔ اﻟﺮﻓﯿﻌﺔ واﻟﺘﻄﻮﯾﺮ و ﺑﺬﻟﻚ أﺻﺒﺤﺖ ﺗﺴﯿﻄﺮ ﻋﻠﻰ اﻷﺳﻮاق اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﺒﺮاﻣﺞ اﻟﺤﺎﺳﻮب و ﺷﺒﻜﺔ اﻻﺗﺼﺎﻻت اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ‪ .‬ﺑﺬﻟﻚ أﺻﺒﺢ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ‬
‫ﯾﻮاﺟﮫ ﺛﻮرة ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺔ ﺣﺎدة ‪ ،‬ﻓﻤﺎ اﻟﻌﻤﻞ ؟‬
‫ﻟﻜﻦ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻓﻲ إﻃﺎر ﻣﺎ ﯾﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻟﯿﺴﺖ ﻣﻄﻠﻘﺔ ‪ ،‬ﺑﻞ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻣﺘﻌﺪد اﻷﻗﻄﺎب ‪ ،‬ﻓﻤﻌﻤﻞ اﻗﺘﺼﺎد أورﺑﺎ اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ أﺿﺨﻢ ﻣﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻷﻣﺮﯾﻜﻲ ‪،‬‬
‫ﻓﻤﺠﻤﻞ اﻗﺘﺼﺎد أورﺑﺎ اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ أﺿﺨﻢ ﻣﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻷﻣﺮﯾﻜﻲ و ﻛﺬﻟﻚ اﻗﺘﺼﺎد ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺷﺮق آﺳﯿﺎ ﻓﺎﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﮫ دور ﻣﺮﻛﺰي ﻓﻲ اﻟﻘﺮن ‪ 21‬م وﺧﺼﻮﺻﺎ‬
‫ﺑﺎﺳﺘﻜﻤﺎل آﻟﯿﺎت ﺳﯿﻄﺮﺗﮫ ‪.‬‬
‫وﯾﺮى اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﻮن إن ﻣﺎ ﯾﻤﯿﺰ ھﺬه اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ھﻮ ﺳﻌﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﺪول ﻣﻦ أﺟﻞ ﺗﺤﻘﯿﻖ رﻓﺎھﯿﺘﮭﺎ اﻟﻤﺎدﯾﺔ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻻﻧﺪﻣﺎج اﻗﺘﺼﺎدي ﻟﻤﺨﺘﻠﻒ اﻟﺪول ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ و‬
‫ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺼﺪد ﯾﻤﻜﻦ ﺗﺼﻨﯿﻒ اﻟﺒﻠﺪان اﻧﻄﻼﻗﺎ ﻣﻦ ﻣﺆﺷﺮات اﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ )‪،(18‬ﻓﺎﻟﺪول اﻟﻤﺼﻨﻌﺔ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ ھﻲ اﻟﺪول اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺻﻠﺖ إﻟﻰ اﻣﺘﻼك ﻣﻘﺪار ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ‬
‫إﻧﺘﺎج اﻟﺴﻠﻊ واﻟﺨﺪﻣﺎت و ﺗﺴﺘﺨﺪم ﺗﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺎ ﻣﺘﻘﺪﻣﺔ ﻓﻲ ﻗﻄﺎع اﻟﻔﻼﺣﺔ واﺳﺘﺨﺮاج اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﯿﺔ ‪،‬واﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ھﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺤﺘﻞ اﻟﺰراﻋﺔ و اﻟﻤﻮاد اﻟﻤﻨﺠﻤﯿﺔ ﻣﻜﺎﻧﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻘﻄﺎع اﻹﻧﺘﺎﺟﻲ و اﻟﺘﻲ ھﻲ ﺑﺼﺪد اﻛﺘﺴﺎب ﻗﺪرة اﻹﻧﺘﺎج اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ )‪. (19‬‬
‫وﻋﻠﯿﮫ وﺣﺴﺐ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﻮن ﻓﺈن اﻟﻌﻨﺼﺮ اﻟﻤﺤﺪد ﻟﻠﺘﺠﺎرة اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﯾﻜﻤﻦ ﻓﻲ اﻟﻔﺠﻮة اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺒﻠﺪان ‪ ،‬ﺑﺤﯿﺚ أﺻﺒﺢ ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﺮأس ﻣﺎﻟﯿﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﯾﺘﻢ‬
‫ﺗﺼﺪﯾﺮ ﺳﻠﻌﺎ ذات ﻛﺜﺎﻓﺔ ﻣﻦ ﺣﯿﺚ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺎت اﻟﺠﺪﯾﺪة ﻣﻦ ﻃﺮف اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺼﻨﺎﻋﯿﺔ‪ ،‬و ﺑﺬﻟﻚ ﺑﺪأ ﺗﻮﺳﻊ ﻣﺤﯿﻂ اﻟﺘﺪاول و ﺗﻜﻮﯾﻦ اﻟﺴﻮق اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ اﻟﺬي ﯾﺴﺎﻋﺪ وﯾﺤﻘﻖ‬
‫إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ ﺑﯿﻊ ﺑﻀﺎﺋﻊ رأس اﻟﻤﺎل ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺘﻮى اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ)‪.(20‬‬
‫اﻟﻤﻄﻠﺐ اﻟﺮاﺑﻊ ‪ :‬اﺳﺘﻜﻤﺎل آﻟﯿﺎت اﻟﺴﯿﻄﺮة‬
‫إذا ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺆﺳﺴﺎت ﺑﺮﯾﺘﻮن وودز ﻗﺪ ﺷﺮع ﻓﻲ إﻧﺸﺎﺋﮭﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﺑﺘﺄﺳﯿﺲ ﺻﻨﺪوق اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺪوﻟﻲ و اﻟﺒﻨﻚ اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻺﻧﺸﺎء واﻟﺘﻌﻤﯿﺮ‪ ،‬ﻓﺈن آﻟﯿﺎت ﺳﯿﻄﺮة‬
‫اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ‪ ،‬ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻜﻤﻞ إﻻ ﺳﻨﺔ ‪ ، 1995‬اﻟﺘﻲ دﺧﻠﺖ ﻓﯿﮭﺎ اﺗﻔﺎﻗﯿﺔ اﻷورﻏﻮي ﺣﯿﺰ اﻟﺘﻨﻔﯿﺬ ﺑﻌﺪ اﻟﺘﻮﻗﯿﻊ ﻋﻠﯿﮭﺎ ﻓﻲ ‪ 1994‬ﺑﻤﺪﯾﻨﺔ ﻣﺮاﻛﺶ اﻟﻤﻐﺮﺑﯿﺔ ‪ ،‬و اﻟﺘﻲ ﺣﻠﺖ‬
‫ﻣﺤﻞ اﻹﺗﻔﺎﻗﯿﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة و اﻟﺘﻌﺮﯾﻔﺔ اﻟﺠﻤﺮﻛﯿﺔ وﻗﺪ ﺗﻀﻤﻨﺖ اﺗﻔﺎﻗﯿﺔ اﻷورﻏﻮي إﻧﺸﺎء اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻤﻞ ﻣﮭﻤﺔ ﺻﻨﺪوق اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺪوﻟﻲ واﻟﺒﻨﻚ‬
‫اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻺﻧﺸﺎء واﻟﺘﻌﻤﯿﺮ‪.‬‬
‫واﻟﻤﻌﺮوف ﻋﻠﻰ ﺻﻨﺪوق اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺪوﻟﻲ و اﻟﺒﻨﻚ اﻟﺪوﻟﻲ ‪،‬أﻧﮭﻤﺎ وﺟﮭﺎن ﻟﻌﻤﻠﺔ واﺣﺪة ھﺪﻓﮭﺎ اﻟﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ اﻗﺘﺼﺎدﯾﺎت اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺴﺎﺋﺮة ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻨﻤﻮ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ إﻋﺎﻧﺔ ﺗﺴﯿﯿﺮ‬
‫اﻟﻨﻤﻮ ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﻋﺎدﯾﺔ ‪ ،‬ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺒﺮاﻣﺞ اﻹﺻﻼﺣﯿﺔ وإﺧﻀﺎﻋﮭﺎ ﻟﺴﯿﺎﺳﺎت اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ ﺑﻄﺮاﺋﻖ ﻣﺘﺒﺎﯾﻨﺔ ‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﯿﻦ ﺗﻌﻤﻞ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة اﻟﺘﻲ ﺣﻠﺖ ﻣﺤﻞ‬
‫اﻟﺠﺎت ﻋﻠﻰ ﺟﻠﺐ اﻷرﺑﺎح ﻟﻠﺒﻠﺪان اﻟﻜﺒﺮى ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﮭﯿﻤﻨﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺘﺠﺎرﯾﺔ ﻣﻊ اﻟﺪول اﻟﻀﻌﯿﻔﺔ وﻻﺳﯿﻤﺎ ﻓﻲ ﻣﯿﺪان اﻟﺰراﻋﺔ واﻟﺬي ﺳﺒﻖ و أن ﻗﻠﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ‬
‫اﻷول ﺑﺄﻧﮭﺎ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺛﺪﯾﺎ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻤﺸﺘﺮك اﻟﻤﻮﺣﺪ ﻣﻊ اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﯿﺔ اﻟﺨﺎم ‪.‬‬
‫واﻟﻤﻼﺣﻆ أن دول اﻟﻘﺎرة اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ و اﻟﻤﻨﺘﻤﯿﺔ إﻟﻰ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ "‪ " 77‬ﻏﯿﺮ راﺿﯿﺔ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ ﻣﺤﻜﻤﺔ دوﻟﯿﺔ ﺗﺴﻦ ﻗﻮاﻧﯿﻦ ﻹدارة‬
 ‫اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺪوﻟﯿﺔ وإﻗﺼﺎء اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ اﻟﻤﺤﻠﯿﺔ ‪ ،‬اﻟﺸﻲء اﻟﺬي ﯾﻌﯿﻖ وﯾﻌﺮﻗﻞ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺪوﻟﯿﺔ و ﻟﺼﺎﻟﺢ اﻟﺪول اﻟﺼﻨﺎﻋﯿﺔ وھﻨﺎك ﺧﻼﻓﺎت ﺣﺘﻰ ﺑﯿﻦ اﻟﺪول اﻟﻜﺒﺮى ﺑﺸﺄن ﻋﺪم‬
‫اﻟﺘﺰام ﺑﻌﻀﮭﺎ ﺑﻘﻮاﻋﺪ اﺗﻔﺎﻗﯿﺔ اﻷورﻏﻮاي و ﺧﺎﺻﺔ ﺗﻠﻚ اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺮﻓﻊ اﻟﺪﻋﻢ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺰراﻋﯿﺔ وھﺬا اﻟﺨﻼف ﻇﮭﺮ واﺿﺤﺎ ﻓﻲ اﻟﻨﺪوة اﻟﻮزارﯾﺔ ﻟﻠﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ‬
‫ﻟﻠﺘﺠﺎرة ﺑﻤﺪﯾﻨﺔ ﺳﯿﺎﺗﻞ اﻷﻣﺮﯾﻜﯿﺔ ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ ‪ ، 1999‬ﺑﺤﯿﺚ ﻓﺸﻠﺖ ﻓﻲ ﺗﻘﺮﯾﺐ وﺟﮭﺎت اﻟﻨﻈﺮ ﺑﯿﻦ اﻟﻮﻻﯾﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﯾﻜﯿﺔ واﻻﺗﺤﺎد اﻷورﺑﻲ ‪ ،‬ﺑﺤﯿﺚ اﺳﺘﻤﺮ اﻟﺨﻼف ﺣﻮل‬
‫اﻟﻤﻠﻒ اﻟﺰراﻋﻲ و اﻟﺴﯿﺎﺳﺎت اﻟﺤﻤﺎﺋﯿﺔ )‪. (21‬‬
‫ﻛﻤﺎ ﻋﺠﺰت ﻋﻦ اﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻤﻄﺎﻟﺐ اﻟﺪول اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ أﻏﻠﺒﯿﺔ أﻋﻀﺎء اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ‪ ،‬ﺣﯿﺚ ھﻤﺸﺖ و أﺑﻌﺪت اﻧﺸﻐﺎﻻﺗﮭﺎ ﻋﻦ اﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺎت وأﺻﺒﺤﺖ ھﺬه اﻟﺪول ﺧﺎﺳﺮة ﻓﻲ‬
‫ﻋﻼﻗﺎﺗﮭﺎ اﻟﺘﺠﺎرﯾﺔ ﻣﻊ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻐﻨﯿﺔ ‪ ،‬اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻓﺾ ﻓﺘﺢ أﺳﻮاﻗﮭﺎ ﻟﺼﺎدرات ﺗﻠﻚ اﻟﺪول وھﺬا ﻋﻠﻰ ﻋﻜﺲ ﺗﺼﺮﯾﺤﺎت اﻟﻤﺪﯾﺮ اﻟﻌﺎم ﻟﻠﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة و اﻷﻣﯿﻦ اﻟﻌﺎم‬
‫ﻟﻸﻣﻢ اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻟﻠﺬان أﻛﺪ ﻗﺒﻞ اﻧﻄﻼق أﺷﻐﺎل ﺗﻠﻚ اﻟﻨﺪوة ﻋﻠﻰ ﺿﺮورة إﻟﻐﺎء اﻟﻘﯿﻮد اﻟﻤﻔﺮوﺿﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﺘﺠﺎت‬
‫اﻟﺪول اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ و ﻓﺘﺢ اﻷﺳﻮاق أﻣﺎﻣﮭﺎ وﺣﺴﺐ ﻣﻨﺸﻮرات اﻟﺒﻨﻚ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ وﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﻌﺎون واﻟﺘﻨﻤﯿﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻓﺈن ﺗﺤﺮﯾﺮ اﻟﻤﺒﺎدرات ﻟﻠﻌﺸﺮﯾﺔ اﻟﻘﺎدﻣﺔ ‪2007 – 1997‬‬
‫ﺗﺤﻘﻖ ﻟﻠﺪول اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ رﺑﺤﺎ ﻗﺪره ‪ 450‬ﻣﻠﯿﺎر دوﻻر و ‪ 170‬ﻣﻠﯿﺎر دوﻻر ﻟﺪول أورﺑﺎ اﻟﺸﺮﻗﯿﺔ وﻣﻦ ﺧﻼل اﻹﺣﺼﺎﺋﯿﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺸﯿﺮ إﻟﻰ أن ﺻﺎدرات اﻟﻘﺎرة اﻹﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ﺑﺄﻛﻤﻠﮭﺎ‬
‫ﻻ ﺗﻤﺜﻞ ﺳﻮى ‪ %1‬ﻣﻦ اﻟﻤﺒﺎدﻻت اﻟﺘﺠﺎرﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ وﺣﺼﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮ داﺧﻞ ھﺬه اﻟﻨﺴﺒﺔ ﻻ ﺗﺘﻌﺪى ‪. (22)%4‬‬
‫وﻓﻲ دراﺳﺔ ﺣﺪﯾﺜﺔ ﻟﻠﺒﻨﻚ اﻟﺪوﻟﻲ ﻓﺈن اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﯿﺔ ﺗﺤﻈﻰ ﺑﺘﺨﻔﯿﻀﺎت ﻛﺒﯿﺮة ﻋﻠﻰ ﻋﻜﺲ اﻟﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﺰراﻋﯿﺔ )‪ (23‬وﻓﻲ ھﺬا اﻟﺴﯿﺎق ﯾﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺎرة اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ‬
‫ﺗﺪﻋﯿﻢ اﻟﺤﻮار واﻟﺘﻌﺎون ﺟﻨﻮب ﺟﻨﻮب ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﻮاﺟﮭﺔ زﺣﻒ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ و ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ ﺗﺪﻋﯿﻢ دورھﺎ داﺧﻞ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أن اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﺗﺸﻜﻞ‬
‫اﻷﻏﻠﺒﯿﺔ داﺧﻞ ھﺬه اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ ‪ ،‬ﺑﻐﯿﺔ اﻟﺨﺮوج ﻣﻦ داﺋﺮة اﻟﺘﺨﻠﻒ وﻋﺪم اﻟﻮﻗﻮع ﻓﻲ ﻓﺦ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ‪.‬‬
‫ﻟﻜﻦ ﻣﺒﺎدئ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺘﺠﺎري اﻟﻤﺘﻌﺪد اﻷﻃﺮاف ‪ ،‬اﻟﺬي أﺻﺒﺤﺖ ﺗﺸﺮف اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة و اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﻤﻜﻤﻠﺔ ﻟﺪورھﺎ ﻣﻔﺮوض ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺮأس ﻣﺎﻟﯿﺔ‬
‫‪،‬ﯾﺠﺴﺪ ھﯿﻤﻨﺔ اﻷﻃﺮاف اﻟﻘﻮﯾﺔ و ﯾﻜﺮس أوﻟﻮﯾﺔ ﻣﺼﺎﻟﺤﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ وھﺬا ﯾﻌﻨﻲ ﺑﺄن آﻟﯿﺎت اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺘﺠﺎري اﻟﻤﺘﺠﺪد ﺳﯿﺆدي إﻟﻰ اﻟﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻮزﯾﻊ ﻏﯿﺮ‬
‫اﻟﻤﺘﻮازن ﻟﻠﺜﺮوات و ﻣﻜﺎﺳﺐ اﻟﻨﻤﻮ وﺗﻜﺎﻟﯿﻒ اﻟﺘﺤﻮﻻت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻮاﺣﺪ واﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻓﺎﻟﻨﻈﺎم اﻟﺘﺠﺎري اﻟﻤﺘﻌﺪد اﻷﻃﺮاف اﻟﺤﺎﻟﻲ ﯾﺮﺗﻜﺰ ﻓﻲ أﺳﺴﮫ اﻹﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺬھﺒﯿﺔ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ )‪ (24‬ﻟﻜﻦ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺘﺠﺎري اﻟﺪوﻟﻲ اﻟﺴﺎﺋﺪ ﻻ ﯾﻮﻓﺮ ﺿﻤﺎﻧﺎ ﻟﺤﺼﻮل اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺼﺔ ﻋﺎدﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﺪوﻟﯿﺔ أو ﺣﻤﺎﯾﺔ ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ‬
‫ﻟﻤﺴﺘﻮى أﺳﻌﺎر ﻣﻨﺘﺠﺎﺗﮭﺎ ﻓﻲ أﺳﻮاق اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺼﻨﺎﻋﯿﺔ و ھﺬا ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺆﺗﻤﺮ اﻟﺘﺠﺎرة واﻟﺘﻨﻤﯿﺔ)‪.(25‬‬
‫اﻟﻤﺒﺤـﺚ اﻟﺜــﺎﻟﺚ ‪ :‬ﻣﻈﺎھﺮ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ‬
‫اﻟﻤﻄـﻠﺐ اﻷول ‪ :‬اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ و ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ‬
‫إن ﻣﻮﺿﻮع اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ أﺻﺒﺢ ﯾﺸﻐﻞ ﻣﺴﺎﺣﺎت ﻣﻦ اﻟﻔﻜﺮ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ‪ ،‬ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أن اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻇﮭﺮت ﺑﺎﻧﮭﯿﺎر اﻻﺷﺘﺮاﻛﯿﺔ و ﻇﮭﻮر اﻟﺴﯿﺎﺳﺎت اﻟﻠﯿﺒﺮاﻟﯿﺔ اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺣﻲ‬
‫ﺑﺎﻟﻌﻮدة إﻟﻰ اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻟﺴﺤﯿﻖ ﻟﻠﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ و ذﻟﻚ ﺑﻌﺪ ﻣﺪة ﻃﻐﺖ ﻓﯿﮭﺎ اﻷﻓﻜﺎر اﻻﺷﺘﺮاﻛﯿﺔ وﻣﺒﺎدئ اﻟﻌﺪاﻟﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ‪ .‬ھﺬه اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﺠﺪﯾﺪة و ﺣﺴﺐ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﯿﻦ )‪(26‬‬
‫ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗﮭﺪم ﻛﻞ ﻣﺎ ﺣﻘﻘﺘﮫ اﻟﺪول اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ و اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﻋﻤﻮﻣﺎ و اﻟﻄﺒﻘﺔ اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺼﻮص ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ ﻣﻜﺘﺴﺒﺎت و ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻓﯿﻤﺎ ﯾﺨﺺ اﺑﺘﻌﺎد‬
‫اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ﻋﻦ اﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ اﻟﻨﺸﺎط اﻻﻗﺘﺼﺎدي و اﻟﺘﻌﺎون ﻓﻲ ﺗﻮزﯾﻊ اﻟﺘﺪﺧﻞ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻋﺪة أﻣﻮر ﺗﺒﺪو و أﻧﮭﺎ ﺑﺪأت ﺗﻈﮭﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﻼﻣﺢ اﻟﺤﯿﺎة اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﻄﻠﻊ‬
‫اﻟﻘﺮن اﻟﻮاﺣﺪ و اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻛﺰﯾﺎدة اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ واﻧﺨﻔﺎض اﻷﺟﻮر و ﺗﺪھﻮر ﻣﺴﺘﻮﯾﺎت اﻟﻤﻌﯿﺸﺔ و ﺗﻘﻠﺺ اﻟﺨﺪﻣﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺪﻣﮭﺎ اﻟﺪوﻟﺔ ﻛﺎﻟﺼﺤﺔ و اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ ‪.‬‬
‫إذا ﻣﺎ ﺳﺎرت اﻷﻣﻮر ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻮاﻟﮭﺎ اﻟﺤﺎﻟﻲ ﻣﻊ إﻃﻼق آﻟﯿﺎت اﻟﺴﻮق وﺗﺠﺎھﻞ ﻣﺸﻜﻼت اﻟﻘﺎرة اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ ﻓﺈن اﻟﻮﺿﻊ ﺳﯿﺰداد ﺧﻄﻮرة وﺧﺼﻮﺻﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﺮى أن ﺑﻌﺾ‬
‫اﻷﻓﻜﺎر اﻟﻤﻀﺎدة ﻟﻠﻌﺪاﻟﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ و اﻟﺘﻲ ﺑﺪأت ﺗﻠﻮح ﻓﻲ اﻷﻓﻖ ‪ ،‬ﺑﺄن ﻣﺮاﻋﺎة اﻟﺒﻌﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﺣﺘﯿﺎﺟﺎت اﻟﻔﻘﺮاء أﺻﺒﺤﺖ ﻋﺒﺌﺎ ﻻ ﯾﻄﺎق ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أﻧﮫ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ‬
‫دوﻟﺔ أن ﺗﺘﺤﻤﻞ ﺟﺰءا ﻣﻦ اﻟﺘﻀﺤﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ وﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﻼﻣﺴﺎواة ﺑﺎت أﻣﺮا ﻻ ﻣﻨﺎص ﻣﻨﮫ)‪.(27‬‬
‫ھﺬه اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﯾﺮوج ﻟﮭﺎ ﻣﻨﻈﺮو اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ وﺟﺪت ﻟﮭﺎ اﻧﻌﻜﺎﺳﺎﺗﮭﺎ اﻟﻮاﺿﺤﺔ ﻓﻲ اﻟﺴﯿﺎﺳﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ ﻓﺤﺴﺐ " ھﺎﻧﺲ‪ -‬ﺑﺘﺮﻣﺎرﺗﯿﻦ و ﺷﻮﻣﺎن‬
‫ھﺎراﻟﺪ " أن ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻮاﺣﺪ و اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﺳﯿﻜﻮن ھﻨﺎك ‪ % 20‬ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺎن اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻤﻜﻨﮭﻢ اﻟﻌﻤﻞ و اﻟﺤﺼﻮل ﻋﻠﻰ اﻟﻌﯿﺶ و اﻟﺪﺧﻞ ‪ ،‬أﻣﺎ اﻟﻨﺴﺒﺔ اﻟﺒﺎﻗﯿﺔ ‪ %80‬ﺗﻤﺜﻞ‬
‫اﻟﺴﻜﺎن اﻟﻔﺎﺋﻀﯿﻦ ﻋﻦ اﻟﺤﺎﺟﺔ اﻟﺬﯾﻦ ﻻ ﯾﻤﻜﻨﮭﻢ اﻟﻌﯿﺶ إﻻ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﺘﺒﺮﻋﺎت و اﻷﻋﻤﺎل اﻟﺨﯿﺮﯾﺔ )‪ (28‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ أن ‪ %20‬ﻣﻦ اﻟﯿﺪ اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﺗﻜﻔﻲ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﻮاﺣﺪ و‬
‫اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ﻟﻠﺤﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺸﺎط اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﺪوﻟﻲ وﻻ ﺗﻜﻮن ھﻨﺎك ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻠﯿﺪ اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻨﺴﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺘﻜﻔﻲ ﻹﻧﺘﺎج اﻟﺴﻠﻊ و اﻟﺨﺪﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﯾﺤﺘﺎج إﻟﯿﮭﺎ‬
‫اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ و ھﺬه اﻟﻨﺴﺒﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﺑﺎﻹﻧﺘﺎج و اﻟﻜﺴﺐ و اﻻﺳﺘﮭﻼك و ﻟﻜﻦ اﻟﻨﺴﺒﺔ اﻟﻤﺘﺒﻘﯿﺔ ﺳﻮف ﺗﻮاﺟﮫ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﻋﻈﯿﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﻌﻤﻞ و إن ﻛﺎﻧﻮا ﯾﺮﻏﺒﻮن ﻓﻲ‬
‫اﻟﻌﻤﻞ وھﺬا ﺣﺴﺐ اﻟﻜﺎﺗﺐ اﻷﻣﺮﯾﻜﻲ ﺟﺮﯾﻤﻲ رﯾﻔﻜﻦ ‪ ،‬ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻌﻤﻞ )‪. (29‬‬
‫ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أن اﻟﻤﺴﺎﻋﺪات اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻏﯿﺮ واردة ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮﺿﮭﺎ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ و ﻓﻲ ﻇﻞ ھﺬه اﻷوﺿﺎع ﻓﺈن أھﻤﯿﺔ رأس اﻟﻤﺎل ﯾﻜﻮن ﻟﮭﺎ ﺷﺄن ﻛﺒﯿﺮ و ذﻟﻚ‬
‫ﺑﺎﻟﻀﻐﻂ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻜﻮﻣﺎت ﻣﻦ أﺟﻞ ﻓﺮض ﺑﻌﺾ اﻟﻘﻮاﻋﺪ ﻟﻠﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ اﻟﺴﻮق‪،‬ﻛﺈﻟﻐﺎء ﺑﻌﺾ اﻟﺘﺸﺮﯾﻌﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺤﻘﻖ ﻣﻜﺎﺳﺐ ﻟﻠﻌﻤﺎل ﻣﺜﻞ إﻋﺎﻧﺎت اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ و ﺧﻮﺻﺼﺔ‬
‫اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ وﺗﺤﻮﯾﻞ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﺪﻣﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﻮم ﺑﮭﺎ اﻟﺪوﻟﺔ و ھﺬا ﯾﺪﺧﻞ ﺣﺴﺐ ﻣﻨﻄﻖ رؤوس اﻷﻣﻮال ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﺤﺘﻤﯿﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺸﺒﯿﮭﺔ ﺑﺎﻷﺣﺪاث‬
‫اﻟﻄﺒﯿﻌﯿﺔ وﻛﻞ ھﺬا ﺗﻢ ﻓﻲ إﻃﺎر اﺳﺘﻜﻤﺎل آﻟﯿﺎت اﻟﺴﯿﻄﺮة اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﺑﺎﻟﺘﻮﻗﯿﻊ ﻋﻠﻰ اﺗﻔﺎﻗﯿﺔ ﻣﻨﻈﻤﺔ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺮ ﺑﺄن اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﺗﺒﺪو و ﻛﺄﻧﮭﺎ‬
‫ﻓﻲ ﻧﻤﻮ ﻣﻄﺮد ﯾﺴﺘﻔﯿﺪ ﻣﻨﮫ اﻟﺠﻤﯿﻊ وھﺬا ﻛﻤﺎ ﯾﺮى أﻧﺼﺎر أﻓﻜﺎر اﻟﻠﯿﺒﺮاﻟﯿﺔ اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ و ﻣﺮوﺟﻮ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ‪.‬‬
‫وﻓﻲ ﻇﻞ ھﺬه اﻟﺘﻨﺎﻗﻀﺎت اﻟﺘﻲ ﯾﺸﮭﺪھﺎ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ و ﺑﺎﺳﺘﻜﻤﺎل آﻟﯿﺎت اﻟﺴﯿﻄﺮة ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻼﻗﺘﺼﺎد اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ‪،‬ﺳﻮف ﺗﻜﻮن اﻟﻤﺴﺎﻋﺪات اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺪم ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﺤﻮر‬
‫اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ إﻟﻰ ﻣﺤﻮر اﻟﻤﺎدة اﻷوﻟﯿﺔ ﻻ وﺟﻮد ﻟﮭﺎ)‪ (30‬و ﺗﺠﺎھﻞ ﻣﺤﻮر اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﻟﻤﺸﻜﻼت اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ و ﺑﺎﻟﺨﺼﻮص ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻘﺎرة اﻷﻓﺮﯾﻘﯿﺔ‪،‬أﺿﻒ إﻟﻰ ذﻟﻚ زﯾﺎدة‬
‫دﺧﻮل ھﺬه اﻟﺒﻠﺪان ﻓﻲ ﻓﺦ اﻟﻤﺪﯾﻮﻧﯿﺔ اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ‪.‬‬
‫وﻣﻊ ﻣﺎ ﯾﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻌﻮﻟﻤﺔ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻔﺮوﻗﺎت واﻟﻔﺠﻮة ﺑﯿﻦ ﻣﺤﻮر اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ و ﻣﺤﻮر اﻟﻤﺎدة اﻷوﻟﯿﺔ ﺳﻮف ﺗﺰداد اﺗﺴﺎﻋﺎ‪ ،‬ﺑﺤﯿﺚ ھﻨﺎك ‪ %20‬ﻣﻦ ﺳﻜﺎن اﻟﻌﺎﻟﻢ‬
‫ﺗﺴﺘﺤﻮذ ﻋﻠﻰ ‪ %85‬ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺗﺞ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻹﺟﻤﺎﻟﻲ و ﻋﻠﻰ ‪ %84‬ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرة اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ و ھﺬه اﻟﻔﺠﻮة ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺤﻮرﯾﻦ و اﻟﺘﻔﺎوت اﻟﺸﺎﺳﻊ ﻓﻲ ﺗﻮزﯾﻊ اﻟﺪﺧﻞ ﯾﻘﺎﺑﻠﮫ ﺗﻔﺎوت‬
‫داﺧﻞ ﻛﻞ ﺑﻠﺪ و ﺳﻮف ﯾﺼﺒﺢ ھﺬا اﻟﺘﻔﺎوت أﻛﺜﺮ ﺣﺪة‪ ،‬ﻛﻤﺎ أن ھﺬه اﻟﻔﺌﺔ اﻟﻤﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﺜﺮوة اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﺗﻤﻠﻚ ‪ %85‬ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮع ﻣﺪﺧﺮات اﻟﻌﺎﻟﻢ‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ زﯾﺎدة‬
‫اﻟﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎدة اﻷوﻟﯿﺔ‪ ،‬ﺑﺤﯿﺚ ﯾﺘﻢ اﺳﺘﮭﻼك ‪ % 85‬ﻣﻦ اﻻﺳﺘﮭﻼك اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻠﺨﺸﺐ و ‪ %75‬ﻣﻦ اﻟﺤﺪﯾﺪ واﻟﺼﻠﺐ و ﻧﺤﻮ ‪%70‬ﻣﻦ اﻻﺳﺘﮭﻼك اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ اﻟﺬي‬
‫ﺳﻮف ﯾﺼﻞ إﻟﻰ ﺿﻌﻒ ھﺬا اﻻﺳﺘﮭﻼك ﻓﻲ ﺳﻨﺔ ‪2020‬م و ھﺬا ﺣﺴﺐ اﻟﺨﺒﺮاء)‪.(31‬‬
‫وﻓﻲ ﻇﻞ ھﺬه اﻷوﺿﺎع ﺻﺎر اﻟﺘﺪھﻮر اﻻﻗﺘﺼﺎدي و اﻟﺘﺪﻣﯿﺮ اﻟﺒﯿﺌﻲ واﻻﻧﺤﻄﺎط اﻟﺜﻘﺎﻓﻲ‪ ،‬ھﻲ اﻷﻣﻮر اﻟﺘﻲ ﺗﺨﯿﻢ ﺑﻄﺎﺑﻌﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﯿﺎة اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻟﻠﺒﻠﺪان‬
‫اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ‪ ،‬ھﺬه اﻷرﻗﺎم ﺗﻮﺣﻲ أﯾﻀﺎ ﺑﺰﯾﺎدة اﺗﺴﺎع اﻟﻔﺠﻮة ﺑﯿﻦ اﻟﻤﺤﻮرﯾﻦ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﺗﺘﺤﻤﻞ اﻟﻤﺤﻮر اﻟﻨﺎﻣﻲ ﻋﻮاﻗﺐ اﻟﺘﻠﻮث اﻟﺒﯿﺌﻲ‪.‬‬
‫اﻟﻤﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ ‪ :‬ﺗﺤﺮﯾﺮ أﺳﻮاق رأس اﻟﻤﺎل‪.‬‬
‫إن اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻛﻤﺎ ﺳﺒﻖ اﻟﺬﻛﺮ ارﺗﺒﻄﺖ ﺑﺎﻟﺴﯿﺎﺳﺎت اﻟﻠﯿﺒﺮاﻟﯿﺔ اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ‪ ،‬و ذﻟﻚ ﺑﺘﺤﺮﯾﺮ اﻷﺳﻮاق اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ و اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ و اﻟﺘﺨﻠﻲ ﻋﻦ اﻟﻀﻮاﺑﻂ اﻟﺘﻘﻠﯿﺪﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺴﯿﺮ اﻟﻌﻤﻞ‬
‫اﻟﻤﺼﺮﻓﻲ و اﻟﻨﻈﻢ اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ وأﺻﺒﺢ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ ﻗﺒﻀﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﻀﺎرﺑﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﺘﺎﺟﺮون ﺑﺎﻟﻌﻤﻼت و اﻷوراق اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ‪ ،‬ﻣﺴﺘﺨﺪﻣﯿﻦ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻷﻣﻮال اﻟﺘﻲ ﺗﻮﻓﺮھﺎ‬
‫ﺻﻨﺎدﯾﻖ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﺪوﻟﯿﺔ‪ ،‬و ﺻﻨﺎدﯾﻖ اﻟﺘﺄﻣﯿﻦ و اﻟﻤﻌﺎﺷﺎت و اﻟﺒﻨﻮك ‪ ،‬ھﺬه اﻷﻣﻮر ﻛﻤﺎ ﯾﺸﯿﺮ ﺑﻌﺾ اﻟﺨﺒﺮاء ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﺎل ﺗﺴﺒﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻷزﻣﺎت و ھﺬا ﯾﺘﻢ‬
‫وﻓﻘﺎ ﻟﻠﻘﻮاﻧﯿﻦ اﻟﺘﻲ أﻗﺮﺗﮭﺎ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺼﻨﺎﻋﯿﺔ ﻓﻲ إﻃﺎر ﺗﺤﺮﯾﺮ اﻷﺳﻮاق اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ و اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ وﺗﺤﺖ ﺿﻐﻂ ﺻﻨﺪوق اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺪوﻟﻲ و ﻣﻦ اﺟﻞ اﻟﺘﻀﺤﯿﺔ ﺑﺎﻟﻌﺪاﻟﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ و‬
‫ﺧﻮﺻﺼﺔ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت و إﻃﻼق ﺳﻌﺮ اﻟﺼﺮف و اﻻﻧﻔﺘﺎح ﻋﻠﻰ اﻷﺳﻮاق اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ و ﺗﻘﻠﯿﺺ اﻹﻧﻔﺎق اﻟﺤﻜﻮﻣﻲ‪.‬‬
‫اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ أﺻﺒﺤﺖ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﮭﺬه اﻟﻀﻐﻮﻃﺎت ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ وذﻟﻚ ﻟﻌﺠﺰھﺎ ﻋﻦ ﺗﺴﺪﯾﺪ دﯾﻮﻧﮭﺎ اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ و اﻋﺘﻤﺎدھﺎ اﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﻤﺎﻟﻲ‬
‫وﻃﻠﺐ رؤوس اﻷﻣﻮال ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺼﻨﺎﻋﯿﺔ و ﻓﻲ ھﺬا اﻹﻃﺎر داﺋﻤﺎ أﺻﺒﺤﺖ اﻟﺒﻠﺪان ﺗﻨﺎﻓﺲ ﻣﻦ اﺟﻞ ﺗﺨﻔﯿﺾ ﺗﻜﻠﻔﺔ اﻹﻧﺘﺎج و ﻟﺬﻟﻚ وﺟﺪت ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻣﺠﺒﺮة ﻋﻠﻰ ﺗﺴﺮﯾﺢ‬
 ‫اﻟﻌﻤﺎل و أدت ﺣﺮﯾﺔ اﻧﺘﻘﺎل رؤوس اﻷﻣﻮال ﻋﺒﺮ اﻟﺤﺪود إﻟﻰ زﯾﺎدة اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ واﻟﺘﻔﺎوت ﻓﻲ ﺗﻮزﯾﻊ اﻟﺜﺮوة و زﯾﺎدة ﺳﺎﻋﺎت اﻟﻌﻤﻞ وﺗﺨﻔﯿﺾ اﻷﺟﻮر ﺑﺤﺠﺔ ﺗﮭﯿﺌﺔ اﻟﺸﻌﻮب‬
‫ﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ ﺳﻮق اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ وإﺑﻌﺎد اﻟﺪول ﻋﻦ اﻟﺘﺪﺧﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﯿﺎة اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ و ﺗﺠﺎھﻞ اﻟﺒﻌﺪ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ‪.‬‬
‫ھﺬه اﻟﻤﻌﻄﯿﺎت ﺳﻮف ﺗﻀﻊ اﻟﺒﻠﺪان ﻓﻲ ﻣﻮاﺟﮭﺔ ﻣﺸﺎﻛﻞ اﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ واﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ أﺧﺮى ﻓﻲ ﻣﻄﻠﻊ اﻟﻘﺮن ‪ 21‬ھﺬا ﻧﺎﺗﺞ ﻋﻦ إﻓﺮازات اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ و ﻣﻦ ﺟﺮاء ھﺬا‬
‫اﻟﺘﻄﻮر ﻓﻲ اﻟﺒﻮرﺻﺎت و اﻷﺳﻮاق اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﺗﻜﻮن اﻟﺒﻠﺪان ﻓﻲ ﻣﻮﻗـﻊ ﯾﺼﻌﺐ اﻟﺘﺤﻜﻢ ﻓﯿﮫ إذا ﻣﺎ ﺣﺪث اﻧﮭـﯿﺎر ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ وﻃﻐﯿﺎﻧﮫ اﻟﻤﺪﻣﺮ ﻟﻠﻌﺪاﻟﺔ‬
‫اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ و إﺳﺎءﺗﮫ ﻟﻠﺒﯿﺌﺔ ‪،‬ﻷن اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻓﻲ أﺳﻮاق رأس اﻟﻤﺎل ﺗﻌﻨﻲ أﻣﺮﻛﺔ اﻟﻌﺎﻟﻢ)‪(32‬إﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﺎ‪.‬‬
‫وﻣﻦ أﺧﻄﺮ ﻣﺎ ﻧﺠﻢ ﻋﻦ ﻋﻮﻟﻤﺔ اﻷﺳﻮاق اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ ﻟﻠﺒﻼد اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ھﻮ ﺗﺪوﯾﻞ ﻣﺪﺧﺮاﺗﮭﺎ اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ)‪ (33‬ﺑﻤﻌﻨﻰ ھﺮوب اﻷﻣﻮال اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ ﻟﻠﺨﺎرج و رﻏﻢ أﻧﮭﺎ ﻇﺎھﺮة ﻗﺪﯾﻤﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ و ﺗﻌﺪ أﺳﺒﺎﺑﮭﺎ و ﺗﻨﻮع أﺷﻜﺎﻟﮭﺎ‪ ،‬إﻻ أن إﺟﺮاءات اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ اﻟﻤﺎﻟﻲ اﻟﻤﺤﻠﻲ و اﻟﺪوﻟﻲ اﻟﺘﻲ ﻧﻔﺬﺗﮭﺎ ھﺬه اﻟﺒﻠﺪان ﻓﻲ ﻋﻘﺪ اﻟﺘﺴﻌﯿﻨﯿﺎت ﻗﺪ ﺗﻨﺠﻢ ﻋﻨﮭﺎ ﻇﺎھﺮة‬
‫ﺳﻠﺒﯿﺔ ﻣﺜﻞ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﯿﺰان اﻟﻤﺪﻓﻮﻋﺎت وﻛﺬا ﻋﻠﻰ ﻗﺪرة اﻟﺒﻠﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاﻛﻢ و اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر و ﻋﻠﻰ ﺧﺪﻣﺔ دﯾﻮﻧﮫ اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ وﻋﻠﻰ اﻟﺘﺪﻓﻖ اﻟﺼﺎﻓﻲ ﻟﺮؤوس اﻷﻣﻮال اﻷﺟﻨﺒﯿﺔ‪.‬‬
‫أﺿﻒ اﻟﻰ ذﻟﻚ ھﻨﺎك ﻣﺨﺎﻃﺮ أﺧﺮى ﺗﻨﺠﻢ ﻋﻦ ﺗﺤﺮﯾﺮ أﺳﻮاق رؤوس اﻷﻣﻮال وﻋﻮﻟﻤﺔ اﻷﺳﻮاق اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ و ﺗﻤﺜﻞ ﻓﻲ دﺧﻮل اﻷﻣﻮال اﻟﻘﺬرة ﺑﻤﻌﻨﻰ ﻏﺴﯿﻞ اﻷﻣﻮال وھﻮ‬
‫ﻣﺤﺎوﻟﺔ إﺧﻔﺎء اﻟﻤﺼﺪر ﻏﯿﺮ اﻟﺸﺮﻋﻲ اﻟﺬي ﺗﺤﻘﻘﺖ ﻓﻲ إﻃﺎر ﻋﻤﻠﯿﺎت ﺑﻨﺎء وﺗﺮاﻛﻢ اﻟﺜﺮوات )‪، (34‬وﻟﺬﻟﻚ ﻓﻼ ﯾﻤﻜﻦ اﻟﺤﺪﯾﺚ ﻋﻦ اﻟﻤﺰاﯾﺎ اﻟﻤﺘﻮﻗﻌﺔ ﻋﻦ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ ‪،‬ﺑﻞ‬
‫ﯾﺠﺐ اﻹﺣﺎﻃﺔ أﯾﻀﺎ ﺑﺎﻟﻤﺨﺎﻃﺮاﻟﺘﻲ ﺗﻨﺠﻢ ﻋﻨﮭﺎ وﯾﻤﻜﻦ اﻹﺷﺎرة ھﻨﺎ اﻟﻰ أن اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ ﺗﺆدي اﻟﻰ ﺣﺪوث ﺗﺪﻓﻘﺎت ﻛﺜﯿﺮة ﻟﺮؤوس اﻷﻣﻮال ﻃﻮﯾﻠﺔ اﻷﺟﻞ و ھﺬا أﻣﺮ‬
‫ﻣﺮﻏﻮب ﻓﯿﮫ )‪.(35‬‬
‫اﻟﻤﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﻟﺚ ‪:‬دور اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ‬
‫إن اﻟﺘﻌﺮﯾﻒ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻟﻠﻌﻮﻟﻤﺔ ﻋﻠﻰ أن اﻟﻌﻨﺼﺮ اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻹدارﺗﮭﺎ ھﻮ اﻟﺸﺮﻛﺎت اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ ﻣﺘﻌﺪدة اﻟﺠﻨﺴﯿﺎت و اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻨﻲ ﻛﻞ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻣﻦ ﺑﻠﺪ ﻣﻌﯿﻦ ﻟﮭﺎ ﻧﺸﺎﻃﺎت ﻣﺴﺘﻘﺮة‬
‫و ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﺮﻗﺎﺑﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﺑﻠﺪﯾﻦ أﺟﻨﺒﯿﯿﻦ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ و ﺗﺤﻘﻖ ﻓﻲ ھﺬﯾﻦ اﻟﺒﻠﺪﯾﻦ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ‪ % 10‬ﻣﻦ رﻗﻢ أﻋﻤﺎﻟﮭﺎ )‪،(36‬وﻟﯿﺴﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ﻛﻤﺎ ھﻮ اﻟﺸﺄن ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎد‬
‫اﻟﺪوﻟﻲ‪،‬ھﺬا ﯾﻮﺣﻲ ﺑﺄن دوراﻟﺪوﻟﺔ ﻗﺪ ﺗﻼﺷﻰ ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ‪ ،‬ﻟﻜﻦ اﻟﺨﺒﺮاء ﯾﺮون اﻧﮫ ﻣﺎ ﺗﺰال اﻟﺪوﻟﺔ ﺗﻘﻮم ﺑﺪور ﻛﺒﯿﺮ ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺎت اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻘﺮن‬
‫اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ وﻛﻤﺆﺷﺮ ﻓﻲ دورھﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﺑﺄﻧﮫ ﻓﻲ ﺧﻼل ‪ 1995‬أﻧﻔﻘﺖ اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ أﻣﺮﯾﻜﺎ ‪ %33‬ﻣﻦ ﻧﺎﺗﺠﮭﺎ اﻟﻤﺤﻠﻲ اﻹﺟﻤﺎﻟﻲ و ﻓﻲ أﻟﻤﺎﻧﯿﺎ ‪ ،%49‬ﻛﻤﺎ أن‬
‫ﺣﺠﻢ اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ ﻛﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺪول ﻣﺎزال ﻟﮭﺎ ﺷﺄن ﻛﺒﯿﺮ‪ ،‬ﺑﺤﯿﺚ إﻧﻔﺎق اﻟﺪوﻟﺔ ﯾﺆدي إﻟﻰ ﺳﯿﻄﺮﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﺟﺰء ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ ﻣﻮارد اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ و إﻟﻰ ﺗﻮﺟﯿﮫ ھﺬا اﻟﺠﺰء ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ‬
‫اﻷھﺪاف اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻏﺐ ﻓﯿﮭﺎ)‪.(37‬‬
‫ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أن أﻏﻠﺐ اﻟﺸﺮﻛﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﺷﺮﻛﺎت ﺗﻮﺟﺪ ﻣﻌﻈﻢ أﺻﻮﻟﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺪوﻟﺔ اﻷم و إن ﺣﻮاﻟﻲ ‪ %75‬ﻣﻦ اﻟﻘﯿﻤﺔ اﻟﻤﻀﺎﻓﺔ ﻣﻦ إﻧﺘﺎﺟﮭﺎ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﯾﺘﻢ ﻓﻲ ﻣﻮﻃﻨﮭﺎ‬
‫اﻷﺻﻠﻲ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻧﺘﻘﺎل ﻗﻮة اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺒﺸﺮي ھﻨﺎك ﻗﯿﻮد ﻣﻦ ﻃﺮف اﻟﺪول اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ و ﺿﻌﺖ ﻟﻠﺤﺪ ﻣﻦ ﺣﺮﯾﺔ ھﺠﺮة ﻗﻮة اﻟﻌﻤﻞ اﻟﺒﺸﺮي‪ ،‬أﺿﻒ إﻟﻰ ذﻟﻚ أن‬
‫ﻣﺎ ﯾﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻌﻮﻟﻤﺔ اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ ﻻ ﺗﺸﻤﻞ اﻏﻠﺐ دول اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﺄﻏﻠﺐ دول اﻟﻌﺎﻟﻢ و ﺧﺼﻮﺻﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﻻ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﺤﺮﯾﺔ ﺗﺤﻮﯾﻞ ﻋﻤﻼﺗﮭﺎ اﻟﻤﺤﻠﯿﺔ إﻟﻰ ﻋﻤﻼت أﺟﻨﺒﯿﺔ و ﻻ ﺗﺴﻤﺢ‬
‫ﻟﻤﻮاﻃﻨﯿﮭﺎ ﺑﺎﻻﻗﺘﺮاض ﻣﻦ ﻣﺴﺘﺜﻤﺮﯾﻦ أﺟﺎﻧﺐ ﻋﺒﺮ إﺻﺪار ﺳﻨﺪات أو أﺳﮭﻢ و ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻠﻤﺴﺘﺜﻤﺮﯾﻦ اﻷﺟﺎﻧﺐ ﺷﺮاء ﺳﻨﺪات أو أﺳﮭﻢ ﻛﮭﺬه إذا ﻟﻢ ﯾﻜﻮﻧﻮا ﻗﺎدرﯾﻦ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺑﯿﻌﮭﺎ ﻣﺘﻰ ﯾﺸﺎءون وإﻟﻰ ﺗﺤﻮﯾﻞ ﻗﯿﻤﺘﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻷﺟﻨﺒﯿﺔ اﻟﻤﺮﻏﻮب ﻓﯿﮭﺎ)‪.(38‬‬
‫وﻣﻦ ﺟﮭﺔ أﺧﺮى ﻓﺎن اﻟﺘﻜﺎﻣﻞ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﯾﺘﺰاﻣﻦ ﻣﻊ أﻓﻜﺎر اﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻷﻧﺼﺎر اﻟﻠﯿﺒﺮاﻟﯿﺔ اﻟﺤﺪﯾﺜﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺎدي ﺑﻌﺪم ﺗﺪﺧﻞ اﻟﺪوﻟﺔ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﺗﺤﺮﯾﺮ اﻟﺘﺠﺎرة و‬
‫ﺣﺮﯾﺔ ﺗﻨﻘﻞ رؤوس اﻷﻣﻮال و ﺧﻮﺻﺼﺔ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﻌﻤﻮﻣﯿﺔ‪ ،‬ھﺬه ﺗﻌﺘﺒﺮوﺳﺎﺋﻞ اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﺘﻨﺎول اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ‪ ،‬وھﻨﺎ ﯾﺠﺐ ﻣﻼﺣﻈﺔ أن دﻋﻮة ﻣﺮوﺟﻲ‬
‫اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ إﻟﻰ ﺗﺨﻠﻲ اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﻋﻦ ﺟﺰء ﻛﺒﯿﺮ ﻣﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎد وﻛﺬا ﺗﺮك ﺣﺮﯾﺔ ﺣﺮﻛﺔ اﻟﺸﺮﻛﺎت ﻣﺘﻌﺪدة اﻟﺠﻨﺴﯿﺎت ﻓﻲ أراﺿﯿﮭﺎ ‪،‬وإﻗﺎﻣﺔ ﻣﻨﺎﻃﻖ‬
‫ﺣﺮة ﺗﺘﻨﺎﻗﺾ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻣﻊ ﻣﺎ ﺗﻘﻮم ﺑﮫ اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ ﺑﻠﺪان ھﺆﻻء اﻟﻤﺮوﺟﯿﻦ ‪ ،‬ﺣﯿﺚ ﯾﺰداد ﺗﻮﺟﯿﮭﮭﺎ ﻟﻼﻗﺘﺼﺎد أوﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻟﻌﺐ دور اﻟﻤﺸﺮف واﻟﻤﻮﺟﮫ واﻟﻤﺪاﻓﻊ ﻋﻦ‬
‫ﻣﺼﺎﻟﺢ ﺷﺮﻛﺎﺗﮭﺎ وﻣﻮاﻃﻨﯿﮭﺎ اﻟﻤﺘﻌﺎﻣﻠﯿﻦ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﻮب ‪،‬ھﺬا اﻟﻤﻨﻄﻖ واﺿﺢ ﻓﻲ وﺳﺎﺋﻠﮫ اﻟﻤﺴﺘﻌﻤﻠﺔ وھﻲ ﻃﺮاﺋﻖ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﺪول اﻟﺸﻤﺎل ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﯿﺔ اﻟﻮﺻﻮل وﺑﺄﻛﺜﺮ ﺳﮭﻮﻟﺔ اﻟﻰ‬
‫ﻣﺼﺎدر اﻟﻤﻮارد اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ وﻋﻠﻰ رأﺳﮭﺎ اﻟﻄﺎﻗﺔ ‪،‬ھﺬه اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ ﻟﯿﺴﺖ ﺟﺪﯾﺪة ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ ﻷﻧﮭﺎ وﻟﺪت ﻣﻌﮫ أو ﻋﻠﻰ اﻷﺻﺢ وﻟﺪ ﻋﻠﻰ أﺳﺎﺳﮭﺎ‬
‫)‪.(39‬‬
‫ھﺬه اﻟﺘﻄﻮرات ﻻ ﺗﻤﻨﺢ ﻓﺮﺻﺎ ﻟﻠﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ واﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﻟﻠﺘﻄﻮر ﻋﻠﻰ ﻧﺤﻮ ﯾﺘﺰاﻣﻦ ﻣﻊ ﻣﺘﻄﻠﺒﺎت اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ إذا ﻟﻢ ﺗﺘﺪﺧﻞ اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺠﺎﻻت و ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻓﺎن ﻧﺠﺎح ھﺬه‬
‫اﻟﺒﻠﺪان ﯾﺘﻄﻠﺐ ﻋﻤﻼ ﻣﺘﺰاﻣﻨﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺪان اﻻﻗﺘﺼﺎدي و ﯾﺘﻤﺜﻞ ﻓﻲ إﺻﻼح اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ)‪ (40‬و ﻟﺬﻟﻚ وﺟﺐ إﺻﻼح اﻟﺪوﻟﺔ و إﻋﺎدة أوﻟﻮﯾﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ ﻋﻠﻰ اﻻﻗﺘﺼﺎد‪.‬‬
‫إن ﻣﻈﺎھﺮ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﺗﻮﺣﻲ ﺑﺎن ﻛﻞ ﺑﻠﺪ ﻟﻢ ﯾﻌﺪ ﯾﮭﺘﻢ إﻻ ﺑﻤﺎ ﯾﺤﺘﺎﺟﮫ ﻻن اﻟﻤﺴﺎﻋﺪات اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﺪﻣﮭﺎ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺼﻨﺎﻋﯿﺔ ﻟﻠﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ھﻲ ﻓﻲ اﻧﺨﻔﺎض‬
‫ﻣﺴﺘﻤﺮ‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ارﺗﻔﺎع اﻟﻤﺠﻤﻮع اﻟﻜﻠﻲ ﻟﻠﻤﺪﯾﻮﻧﯿﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﺳﻨﺔ ‪ 1996‬ارﺗﻔﻌﺖ اﻟﺪﯾﻮن ﻟﺘﺼﻞ اﻟﻰ ‪ 1.94‬أﻟﻒ ﻣﻠﯿﺎر دوﻻر ﺑﺤﯿﺚ ارﺗﻔﻌﺖ‬
‫ﺿﻌﻒ ﻣﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﯿﮫ ﻗﺒﻞ ‪ 10‬ﺳﻨﻮات وأﺻﺒﺤﺖ اﻟﻘﺎرة اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ ﺗﺘﺠﺎھﻞ ﻣﺄﺳﺎة اﻟﻘﺎرة اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ‪.‬‬
‫اﻟﻤﺒﺤﺚ اﻟﺮاﺑﻊ‪ :‬ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻗﺘﺼﺎد اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﺑﺪول اﻟﺠﻨﻮب ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ‬
‫اﻟﻤﻄﻠﺐ اﻷول‪ :‬ﺿﺮورة وﺟﻮد رؤﯾﺔ اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ ﻟﻠﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ‬
‫إن اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ھﻲ ﺣﺼﯿﻠﺔ اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺎت وﺳﯿﺎﺳﺎت وإﺟﺮاءات اﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﺗﺤﺮﻛﮭﺎ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ و ﯾﺘﺠﻠﻰ ذﻟﻚ ﺑﺈﻋﺎدة ﺗﺸﻜﯿﻞ اﻟﻨﻈﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻓﻲ ﺻﻮرة اﻗﺘﺼﺎد‬
‫اﻟﺴﻮق وﻣﻦ ﺟﮭﺔ ﻋﻮﻟﻤﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﺑﺈﻋﺎدة ﺻﯿﺎﻏﺘﮭﺎ وﻓﻖ ﺷﺮوط اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة و ﻧﺠﺪ ﻋﻮﻟﻤﺔ أﺳﻮاق اﻟﺴﻠﻊ واﻟﺨﺪﻣﺎت واﻟﻤﺎل واﻟﻨﻘﺪ و ﺗﻤﻮﯾﻞ‬
‫اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر)‪.(41‬‬
‫وإذا ﺗﺄﻣﻠﻨﺎ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﺑﻤﻌﺎﻧﯿﮭﺎ و أﺑﻌﺎدھﺎ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻧﺠﺪ أن اﻟﺘﺒﺎدل ﻻ ﯾﻘﺘﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﻓﺎﺋﺾ اﻹﻧﺘﺎج و إﻧﻤﺎ اﻟﺘﺒﺎدل أﺿﺤﻰ ﯾﻤﺜﻞ ﻣﻜﻮﻧﺎ ﻻﻏﻨﻰ ﻋﻨﮫ ﻻﺳﺘﻤﺮار اﻹﻧﺘﺎج‪ ،‬ﺳﻮاء‬
‫ﻛﺎن ﻣﺘﻜﺎﻓﺌﺎ أو ﻏﯿﺮ ﻣﺘﻜﺎﻓﺊ‪ ،‬و ھﺬا ﻣﺎ ﯾﻌﻤﻖ اﻟﻔﺠﻮة ﺑﯿﻦ اﻗﺘﺼﺎدﯾﺎت ﻛﻞ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ و اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ ‪،‬وﺗﮭﻤﯿﺶ اﻗﺘﺼﺎدﯾﺎت اﻟﺠﻨﻮب ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺎت‬
‫اﻟﻨﻔﻄﯿﺔ‪.‬‬
‫وﻟﺬﻟﻚ وﺟﺐ ﺿﺮورة اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻜﯿﻔﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﮭﺎ ﯾﻤﻜﻦ ﺗﻘﻠﯿﺺ اﻟﻔﺠﻮة ﺑﯿﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ واﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ أو ﺑﯿﻦ اﻟﻘﺎرة اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ و اﻟﻘﺎرة اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ و ﻛﯿﻔﯿﺔ‬
‫اﻻرﺗﻘﺎء ﺑﺂﻟﯿﺎت اﻟﺘﺄﻗﻠﻢ اﻹﯾﺠﺎﺑﻲ ﻣﻊ ﻣﺨﺎﻃﺮ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ واﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﻈﯿﻢ اﻟﻘﺪرة اﻟﺘﻨﺎﻓﺴﯿﺔ ﺣﺘﻰ ﺗﺘﻀﺎﻋﻒ ﻣﻜﺎﺳﺐ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ‪،‬وﯾﻤﻜﻦ اﻹﺷﺎرة ھﻨﺎ إﻟﻰ أن ﺗﻘﻠﯿﺺ ﻗﯿﻮد و‬
‫ﻣﺨﺎﻃﺮ وﺧﺴﺎﺋﺮ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ واﻟﺘﮭﻤﯿﺶ‪ ،‬ﻗﺪ أﺻﺒﺢ ﻣﺮﺗﺒﻄﺎ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻛﺒﯿﺮ ﺑﻘﺪرة اﻟﺒﻠﺪان ﻋﻠﻰ زﯾﺎدة ﺣﺼﺘﮭﺎ ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﯾﺤﻘﻘﮫ اﻟﺒﻠﺪ ﻣﻦ ﻗﯿﻤﺔ ﻣﻀﺎﻓﺔ‬
‫ﻋﺒﺮ ﻣﺸﺎرﻛﺘﮫ ﻓﻲ اﻟﻤﺼﻨﻊ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ)‪. (42‬‬
‫إن اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﺳﻮف ﺗﻮاﺟﮫ ﺗﺤﺪﯾﺎت ﺧﺎﺻﺔ إذا ﻻﺣﻈﻨﺎ أن ﺗﺤﺮﯾﺮ اﻷﺳﻮاق ﯾﺘﺴﺎرع و ﺧﺼﻮﺻﺎ اﻧﺘﻘﺎل ﻗﻮة اﻟﻌﻤﻞ و ﻧﻘﻞ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺎ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﻘﻠﯿﺺ دور اﻟﺪوﻟﺔ‬
‫ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺎل اﻻﻗﺘﺼﺎدي و ﻟﺼﺎﻟﺢ ﻗﻮى اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻓﻲ وﺿﻊ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺗﺤﺪﯾﺪ ﻣﻌﺪﻻت اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر واﻟﻨﻤﻮ اﻻﻗﺘﺼﺎدي و ﻣﺴﺘﻮﯾﺎت اﻟﺘﺸﻐﯿﻞ و‬
‫اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ‪ ،‬ﻛﻞ ھﺬه اﻷﻣﻮر ﺳﻮف ﺗﻮاﺟﮫ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ‪.‬‬
‫ﻟﻜﻦ ھﻞ ﺗﻤﻠﻚ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ رؤﯾﺔ اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ ﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ ﺗﺤﺪﯾﺎت اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ؟‬
‫ﻓﻲ ھﺬا اﻹﻃﺎر ﯾﺠﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ أن ﺗﺒﺤﺚ ﻓﻲ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﮭﺎ ﺑﻮﺿﻊ اﻟﺨﻄﻮط اﻟﻌﺮﯾﻀﺔ ﻟﺤﺮﻛﺎﺗﮭﺎ ﻧﺤﻮ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ‪،‬وھﺬا ﻻ ﯾﺘﻢ إﻻ ﺑﺪراﺳﺔ وﺿﻌﯿﺘﮭﺎ‬
‫اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ وﻣﺎ ﺗﻮﻓﺮه اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻣﻦ ﻣﺰاﯾﺎ ﻣﻤﻜﻨﺔ وأﯾﻀﺎ اﻟﻤﺨﺎﻃﺮ‪،‬وﺑﺒﺬﻟﮭﺎ ﻣﺠﮭﻮدا ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻤﺠﺎل ﯾﻤﻜﻦ ﻟﮭﺎ أن ﺗﺤﺴﻢ ﻓﻜﺮﯾﺎ وﺳﯿﺎﺳﯿﺎ ﺑﯿﻦ ﺧﯿﺎر اﻟﺘﺄﻗﻠﻢ‬
‫ﺑﺸﻜﻞ إﯾﺠﺎﺑﻲ ﻣﻊ ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ‪ ،‬او اﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ اﻟﺴﻠﺒﯿﺔ ﻟﻠﻌﻮﻟﻤﺔ‪،‬وﺑﻤﻔﮭﻮم آﺧﺮ إﻣﺎ أن ﺗﺘﻔﺎﻋﻞ إﯾﺠﺎﺑﯿﺎ ﻣﻊ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﺑﻤﺎ ﯾﻘﻠﺺ ﺧﺴﺎﺋﺮھﺎ و ﯾﻌﻈﻢ ﻣﻜﺎﺳﺒﮭﺎ‪ ،‬وإﻣﺎ اﻟﻌﻜﺲ‬
‫وﺑﺬﻟﻚ ﺳﻮف ﺗﺘﻌﺎﻇﻢ اﻟﺨﺴﺎﺋﺮ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ و ﺧﺼﻮﺻﺎ أن اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪ ﺑﺄﺑﻌﺎده اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ و ﻏﯿﺮ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﺣﺪﺛﺖ ﻓﯿﮫ ﺗﻐﯿﺮات ﻛﺒﯿﺮة ﻓﻲ اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ‬
 ‫اﻟﻤﺠﺎﻻت ﺳﻮاء ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ ھﯿﻜﻞ اﻻﻗﺘﺼﺎد أو اﻟﻨﻈﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻓﻠﻘﺪ ﺗﺮﺗﺒﺖ اﻟﺘﺤﻮﻻت ﻓﻲ ھﯿﻜﻞ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻋﻠﻰ إﻧﺠﺎزات اﻟﺜﻮرة اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ و اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺔ اﻟﺘﻲ زادت ﻓﻲ ﺗﮭﻤﯿﺶ ﻛﺘﻠﺔ اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﯿﺔ‪ ،‬أﻣﺎ ﻓﯿﻤﺎ ﯾﺨﺺ اﻟﺘﺤﻮﻻت ﻓﻲ‬
‫اﻟﻨﻈﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻓﻘﺪ ﺗﺠﻠﺖ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﯿﺔ اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ و ﺗﺠﺪﯾﺪ اﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻮق و اﻧﻔﺘﺎح اﻗﺘﺼﺎدﯾﺎت اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ‪ ،‬ھﺬه اﻟﺘﺤﻮﻻت زادت ﻣﻦ ﻋﻤﻖ اﻷزﻣﺔ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ و ﻧﻼﺣﻆ ذﻟﻚ ﻓﻲ أواﺧﺮ ﻋﻘﺪ اﻟﺘﺴﻌﯿﻨﺎت ﻓﻲ إﻋﺎدة ﻋﺼﺮ اﻟﻨﻔﻂ اﻟﺮﺧﯿﺺ و ﺑﻤﺎ ﯾﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﻦ ﺧﺴﺎﺋﺮ ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺎت اﻟﻨﻔﻄﯿﺔ‪ ،‬و ﻗﯿﻮد ﻧﻘﻞ‬
‫اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺎ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻘﺎرة اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ‪،‬ﻛﻞ ھﺬا ﯾﺘﻢ ﻣﻊ اﺳﺘﻤﺮار ﺷﺮوط اﻟﺘﺒﺎدل ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺘﻜﺎﻓﺊ و ﺗﮭﻤﯿﺶ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ اﻟﻤﺼﺪرة ﻟﻠﻤﻮاد اﻷوﻟﯿﺔ‪.‬‬
‫وﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ آﺧﺮ ﻧﻼﺣﻆ اﺳﺘﻜﻤﺎل آﻟﯿﺎت اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ واﻧﻔﺮادھﺎ ﺑﻘﯿﺎدة اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻛﻤﺎ ﯾﻼﺣﻆ ان دور ﺻﻨﺪوق اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺪوﻟﻲ وﻣﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﺒﻨﻚ اﻟﺪوﻟﻲ ﻗﺪ‬
‫أﺻﺒﺢ ﺷﺎﻣﻼ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ‪ ،‬ﺑﯿﻨﻤﺎ ﺗﻌﺎﻇﻢ دور اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻧﺠﺪ اﻟﺘﻜﺘﻼت اﻹﻗﻠﯿﻤﯿﺔ ﺗﺴﻌﻰ إﻟﻰ اﻟﺘﺄﻗﻠﻢ اﻹﯾﺠﺎﺑﻲ و ھﺬا ﻣﺎ ﻧﻼﺣﻈﮫ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻻﺗﺤﺎد اﻷوروﺑﻲ‪ ،‬أﻣﺎ‬
‫اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻧﻼﺣﻆ اﻟﻘﺼﻮر ﻓﻲ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ و ﻓﻲ اﻟﺨﻄﺎب اﻻﻗﺘﺼﺎدي و ﻗﺼﻮر ﻓﻲ اﻟﻘﻮى اﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﮭﺎ ﺗﻌﺰﯾﺰ ﻗﺪرة اﻗﺘﺼﺎدﯾﺎت اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻧﺸﯿﺮ إﻟﻰ ﺿﻌﻒ‬
‫اﻟﺘﻮﺟﮫ اﻟﻌﻤﻠﻲ ﻹﻗﺎﻣﺔ اﻟﺘﻜﺘﻼت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻟﻠﺘﺄﺛﯿﺮ اﻹﯾﺠﺎﺑﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻄﻮرات اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ وﻋﻠﻰ اﻟﺨﺮﯾﻄﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ)‪، (43‬ﯾﻤﻜﻦ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ‬
‫أن ﺑﻌﺾ اﻟﺘﻜﺘﻼت اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻣﺜﻞ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺘﻌﺎون اﻟﺨﻠﯿﺠﻲ ‪،‬واﺗﺤﺎد اﻟﻤﻐﺮب اﻟﻌﺮﺑﻲ وﻋﺪة ﺗﻜﺘﻼت إﻗﻠﯿﻤﯿﺔ ﻓﻲ إﻓﺮﯾﻘﯿﺎ ﻻ ﺗﻠﻌﺐ دورا ھﺎﻣﺎ داﺧﻞ اﻟﻤﻨﻈﻤﺎت اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ‬
‫وﺣﺎﻟﯿﺎ ﻟﯿﺲ ﻟﮭﺎ ﺗﺄﺛﯿﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ‪.‬‬
‫وﻗﺪ ارﺗﺒﻄﺖ اﻟﺘﺤﻮﻻت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﺑﻈﮭﻮر أوﻟﻮﯾﺎت اﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻋﺎﻟﻤﯿﺔ ﺟﺪﯾﺪة و ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﮭﺎ ﺗﺤﺪي اﻟﺘﻘﺪم اﻟﻌﻠﻤﻲ اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲ و ﺗﻐﯿﯿﺮ اﻟﺪور اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻟﻠﺪوﻟﺔ واﺣﺘﺪام‬
‫اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ و ﻓﻲ ھﺬا اﻹﻃﺎر ﻧﻼﺣﻆ ﻏﯿﺎب ﺑﺮاﻣﺞ ﻟﻠﺪول اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻟﻼرﺗﻔﺎع ﺑﻔﻌﺎﻟﯿﺔ وﻛﻔﺎءة ﻋﻮاﻣﻞ اﻹﻧﺘﺎج ﺧﺎﺻﺔ اﻟﻌﻤﻞ و ﺗﻌﻈﯿﻢ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﻘﺪرات‬
‫اﻟﺘﻨﺎﻓﺴﯿﺔ وھﻨﺎ ﯾﺠﺐ اﻹﺷﺎرة ﺑﺎن ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﯾﺮﻛﺰ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻤﻞ وﻋﻠﻰ ﺗﻮﺣﯿﺪ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻹﻧﺘﺎج ﻣﻦ اﺟﻞ إﻧﺠﺎح اﻟﺨﻄﻂ اﻟﺘﻨﻤﻮﯾﺔ )‪(44‬‬
‫أﺿﻒ إﻟﻰ ﻛﻞ ھﺬا ﻓﺎن ھﺬه اﻟﺘﺤﻮﻻت اﻧﻌﻜﺴﺖ ﻓﻲ إﻋﺎدة ﺻﯿﺎﻏﺔ اﻟﻔﻜﺮ اﻻﻗﺘﺼﺎدي اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺑﻨﻈﺮﯾﺎﺗﮫ و ﻣﻔﺎھﯿﻤﮫ و ﻣﻦ اﺟﻞ ﻣﻮاﺟﮫ اﻟﺘﺤﺪﯾﺎت اﻟﺠﺪﯾﺪة‪ ،‬ﻧﻌﻄﻲ ھﻨﺎ اﻷھﻤﯿﺔ‬
‫اﻟﺒﺎﻟﻐﺔ ﻟﻠﻔﻜﺮ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻋﻨﺪ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﻣﻦ اﺟﻞ اﻟﻌــﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﻛﯿﻔﯿﺔ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻨﮫ‪ ،‬ﺗﺤﻘﯿﻖ ﻏﺎﯾﺎت اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ وإﻋﻄﺎء أھﻤﯿﺔ ﻟﻠﺘﻨﻤﯿﺔ اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ‪،‬‬
‫أي إﻋﻄﺎء ﻗﯿﻤﺔ ﻓﻌﺎﻟﺔ ﻟﻠﻌﻨﺼﺮ اﻟﺒﺸﺮي ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ اﻟﻤﺘﻮاﺻﻠﺔ‪ ،‬ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﯾﻼﺣﻆ أن اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺗﻀﻊ ﻗﻀﺎﯾﺎ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ و اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ اﻟﻤﺘﻮاﺻﻠﺔ ﻓﻲ‬
‫أوﻟﻮﯾﺎت ﻣﻔﺎھﯿﻢ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ و اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﺑﻐﯿﺔ ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻟﺤﺮﻛﯿﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻓﻲ إﻃﺎر ﺗﺤﺪﯾﺎت ﻋﻮﻟﻤﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎد و اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻤﺘﻜﺎﻓﺊ ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ‬
‫اﻟﺠﺪﯾﺪ)‪ (45‬وﻓﻲ وﻗﺖ ﻣﺘﺄﺧﺮ ﻣﻦ ﺛﻤﺎﻧﯿﻨﯿﺎت اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ اﺗﺠﮭﺖ ﻋﺪة ﺑﻠﺪان إﻟﻰ ھﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ ﻹﻧﺸﺎء ﻣﻌﺎھﺪ ﻟﻺدارة واﻟﻌﻠﻮم اﻟﻤﺘﺨﺼﺼﺔ ﻓﻲ اﻹدارة واﻟﺘﺴﯿﯿﺮ وﻓﺘﺢ‬
‫ﻣﺮاﻛﺰ ﺑﺤﻮث ﻣﺘﻌﺪدة ﺗﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻣﻮاﺿﯿﻊ ھﺬا اﻟﻤﯿﺪان ھﺬه اﻟﻤﺠﮭﻮدات ﻟﻢ ﺗﻌﻂ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﻤﻨﺘﻈﺮة ﻣﻨﮭﺎ ‪،‬وھﺬا اﻟﺘﺄﺧﺮ راﺟﻊ إﻟﻰ اﻟﻘﺼﻮر ﻓﻲ اﻟﻮﻋﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻟﺪى اﻟﻄﺒﻘﺔ‬
‫أو اﻟﻨﺨﺒﺔ اﻟﻤﺘﻔﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺪان اﻻﻗﺘﺼﺎدي و ﻗﺼﻮر ﺗﻔﺴﯿﺮھﺎ و اﻋﺘﻤﺎدھﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻠﻮل اﻟﺠﺎھﺰة اﻟﻤﺴﺘﻮردة ﻟﻠﻤﺸﺎﻛﻞ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﻤﻮﺟﻮدة ﻓﻲ اﻟﻘﺎرة اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ‪.‬‬
‫ﯾﻌﺘﺒﺮ ﺗﺤﺪﯾﺪ اﻻﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺘﻨﻤﯿﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ و اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ اﺧﺘﯿﺎرا ﺑﯿﻦ إﻣﻜﺎﻧﯿﺎت ﺑﺪﯾﻠﺔ ﺗﺘﻨﻮع ﺑﺎﺧﺘﻼف اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﻌﻨﯿﺔ ﻓﺤﺴﺐ اﻟﺨﺒﺮاء ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺪان اﻻﻗﺘﺼﺎدي‬
‫)‪ ،(46‬ﻓﻠﯿﺲ ھﻨﺎك ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ إﻧﻤﺎﺋﻲ واﺣﺪ ﯾﺼﻠﺢ ﻟﺠﻤﯿﻊ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ و ﻣﺎ ﻗﺪ ﯾﻜﻮن ﻣﻼﺋﻤﺎ و ﻓﻌﺎﻻ ﻓﻲ ﺑﻠﺪ ﻣﺎ ﻗﺪ ﻻ ﯾﻜﻮن ﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﺑﻠﺪ آﺧﺮ أي ﯾﺤﺘﺎج ﻛﻞ ﺑﻠﺪ إﻟﻰ ﺳﯿﺎﺳﺎت‬
‫ﺧﺎﺻﺔ ﺗﻼﺋﻢ ﻣﻤﯿﺰاﺗﮫ و ﻣﺸﺎﻛﻠﮫ و أھﺪاﻓﮫ وھﺬا ﻣﺎ أﻛﺪ ﻋﻠﯿﮫ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ و ﺗﺤﺪﯾﺪ اﻻﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺘﻨﻤﯿﺔ –ﻣﺴﺄﻟﺔ ﻓﻲ ﻏﺎﯾﺔ اﻷھﻤﯿﺔ‪-‬وﻛﺬﻟﻚ ﯾﺮﻛﺰ ﺑﻌﺾ‬
‫اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﯿﻦ ﻋﻠﻰ أن ﺗﻜﻮن اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﻣﺒﻨﯿﺔ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ اﻹﺟﺮاءات أو اﻟﺸﺮوط )‪ ،(47‬و أھﻤﮭﺎ ﺗﺤﺪﯾﺪ اﻟﻤﺸﺮوع اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ واﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﯿﻖ ﺗﻮازن و‬
‫ﺗﻜﺎﻣﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﻌﺎم و اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺨﺎص ﺑﻤﺎ ﯾﻀﻤﻦ ﺗﺤﻘﯿﻖ أھﺪاف اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ‪.‬‬
‫اﻟﻤﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ‪ :‬اﻗﺘﺼﺎد اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺪول اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ‬
‫ﯾﺘﻼزم ﻣﻌﻨﻰ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﻀﻤﺎر اﻹﻧﺘﺎج‪ ،‬اﻟﺘﺒﺎدل اﻟﻤﺎدي ﻣﻊ ﻣﻌﻨﻰ اﻻﻧﺘﻘﺎل ﻣﻦ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﻮﻃﻨﻲ إﻟﻰ اﻟﻤﺠﺎل اﻟﻜﻮﻧﻲ‪ ،‬ﻏﯿﺮ أﻧﮫ ﯾﻨﻄﻮي ﻋﻠﻰ ﺗﻌﯿﯿﻦ زﻣﺎﻧﻲ أﯾﻀﺎ‪ ،‬ﻣﺎ ﺑﻌﺪ‬
‫اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻮﻃﻨﯿﺔ اﻟﺘﻲ أﻧﺠﺒﮭﺎ اﻟﻌﺼﺮ اﻟﺤﺪﯾﺚ إﻃﺎرا ﻛﯿﺎﻧﯿﺎ ﻟﺼﻨﺎﻋﺔ أھﻢ وﻗﺎﺋﻊ اﻟﺘﻘﺪم اﻻﻗﺘﺼﺎدي)‪ ،(48‬ﻓﻠﯿﺴﺖ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﺳﻮى اﻟﺴﯿﻄﺮة اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻟﻤﺤﻮر اﻟﻘﻮة ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋﺮ‬
‫اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺎت اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ‪ ،‬ﺑﻤﻔﮭﻮﻣﮭﺎ اﻟﺤﺎﻟﻲ ھﻲ اﻟﺪرﺟﺔ اﻟﻌﻠﯿﺎ ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎت اﻟﺘﺒﻌﯿﺔ و اﻟﮭﯿﻤﻨﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ‪ ،‬و ھﻲ ﻛﻤﺎ ﯾﺮى ﻣﺮوﺟﻮھﺎ ﻟﺤﻈﺔ اﻻﻧﺘﺼﺎر ﻟﻠﻨﻈﺎم اﻟﺮأﺳﻤﺎﻟﻲ‬
‫اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ و ھﻲ ﻧﻈﺎم ﯾﺒﺘﻠﻊ اﻗﺘﺼﺎدﯾﺎ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ)‪ ،(49‬ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة واﻟﮭﯿﺌﺎت اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ‪.‬‬
‫ﻛﻤﺎ أﺷﺮﻧﺎ إﻟﯿﮫ ﻓﺈن ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﯾﺮى أن اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺮح ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻟﯿﺴﺖ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﺑﺎﻟﻤﻔﮭﻮم اﻟﻀﯿﻖ ﻟﻠﻤﺼﻄﻠﺢ و ﻟﻜﻨﮭﺎ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﻧﻔﺴﯿﺔ و‬
‫ﺛﻘﺎﻓﯿﺔ ﻗﺒﻞ ان ﺗﻜﻮن اﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪﯾﻨﺎﻣﯿﻜﯿﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻋﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺮق ﺑﯿﻦ ﺑﻠﺪ ﻣﺘﻄﻮر ﺑﻠﺪ ﻣﺘﺨﻠﻒ‪ ،‬ﻻن اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﺣﺎﻟﯿﺎ ﻣﺤﺪودة ﺑﻤﺠﺎل ﺟﻐﺮاﻓﻲ و ھﻲ ﺗﻌﻜﺲ ﻣﺠﺎﻻ‬
‫ﺛﻘﺎﻓﯿﺎ ﻣﻌﯿﻨﺎ ﻓﺎﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﺑﻤﻔﮭﻮﻣﮭﺎ ﻟﺪى اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ھﻲ اﻟﻤﺎدة و اﻟﺘﻜﺪﯾﺲ‪-‬ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ اﻟﻌﻤﻠﻲ‪ -‬و ھﻲ ﺗﻨﻤﯿﺔ ﻗﺎﺻﺮة ﻻن اﻟﻤﻨﮭﺞ اﻟﻤﺴﺘﺨﺪم ﻓﻲ ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﯾﺘﻀﻤﻦ‬
‫اﻷﺷﯿﺎء و اﻹﻧﺴﺎن و ﻛﺎن ﯾﻨﻘﺼﮫ اﻟﺒﻌﺪ اﻟﺨﺎص ﺑﺎﻷﻓﻜﺎر‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻮاﻗﻊ أن اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﺬي ﻻ ﯾﺘﻨﺢ أﻓﻜﺎره اﻟﺨﺎﺻﺔ اﻟﻤﻮﺟﮭﺔ ﻻ ﯾﻤﻜﻨﮫ أن ﯾﺼﻨﻊ إﻧﺘﺎﺟﮫ اﻻﺳﺘﮭﻼﻛﻲ و ﻻ أدواﺗﮫ اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺘﺠﮭﯿﺰ ‪ ،‬ان اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻟﯿﺴﺖ ﻣﺠﺮد‬
‫أﻣﻮال و ﺧﺒﺮة و ﺗﻨﻈﯿﻢ ﺑﻞ ھﻲ ﻗﺒﻞ ذﻟﻚ ﺗﺮﺗﺒﻂ ﺑﺄﺟﮭﺰة ﻧﻔﺴﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎدﻟﺔ اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ ﻟﺪى اﻟﻔﺮد اﻟﺬي ﯾﻔﻜﺮ ﻓﻲ اﻟﺨﻄﻂ وھﻮ اﻟﺬي ﯾﻨﻔﺬھﺎ وھﺬه اﻟﻤﻌﺎدﻟﺔ ﻛﻤﺎ ﯾﺮى ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ‬
‫ﻧﺒﻲ ﻟﯿﺴﺖ ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻄﯿﺎت اﻟﺒﺴﯿﻄﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺪھﺎ ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺎ ﻓﻲ اﻟﺠﮭﺎزاﻟﻤﯿﻜﺎﻧﯿﻜﻲ اﻟﺬي ﻧﺸﺘﺮﯾﮫ و ﻟﻜﻨﮭﺎ ﺷﺊ ﯾﻜﺘﺴﺐ ﺟﻨﺒﺎ إﻟﻰ ﺟﻨﺐ ﻣﻊ ﺗﻜﻮﯾﻦ اﻟﻔﺮد و ﺛﻘﺎﻓﺘﮫ ھﺬا اﻟﺠﺎﻧﺐ‬
‫اﻟﺘﺮﺑﻮﯾﺔ اﻟﺬي ﺗﻨﻘﺺ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﻔﺸﻞ اﻟﻜﺒﯿﺮ ﻟﻤﻌﻈﻢ ﻣﺤﺎوﻻت اﻟﺒﻨﺎء ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﯾﻌﻮد اﻟﻰ اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ او اﻻﻧﻘﺴﺎم اﻟﻤﻮﺟﻮد ﻟﺪى ﺣﯿﺎة اﻟﻔﺮد أﻓﻘﯿﺎ و رأﺳﯿﺎ داﺧﻞ اﻟﺒﻠﺪان‬
‫اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ و ﻋﺪم اﺧﺘﯿﺎر اﻟﻨﻤﻮذج اﻟﺬي ﻣﻦ ﺧﻼﻟﮫ ﯾﻤﻜﻦ ﺗﻌﺒﺌﺔ اﻟﻄﺎﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ وﺗﺘﻮﺣﺪ ﺣﻮﻟﮫ اﻟﺠﮭﻮد ﻓﻲ إﻃﺎر ﻣﻦ اﻟﻔﻌﺎﻟﯿﺔ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ اﻗﺘﺼﺎد اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ و ﻟﻜﻦ‬
‫اﻟﻤﺸﻜﻞ اﻟﺬي ﯾﻄﺮح ﻓﻲ ھﺬا اﻹﻃﺎر ھﻮ ﻣﺸﻜﻞ اﻟﻘﻮت ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ‪ ،‬ﻗﺒﻞ ﻣﺸﻜﻞ اﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ ﻟﻠﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻓﻤﻦ اﻟﻨﺎﺣﯿﺔ اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻗﺘﺼﺎد اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ‬
‫ﺑﻄﺮﯾﻘﺔ ﻣﺴﺘﻘﻠﺔ ﻋﻦ اﻗﺘﺼﺎد ﻣﺘﯿﻦ ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ اﻗﺘﺼﺎد اﻟﻘﻮت)‪ (50‬ﻓﺎﻟﺼﻠﺔ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ وﺛﯿﻘﺔ و ﻟﻦ ﯾﺘﺤﻘﻖ ھﺬا اﻟﺘﻮﻓﯿﻖ ﺑﯿﻨﮭﻤﺎ إﻻ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ)‪ ،(51‬إﻻ أن‬
‫اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻛﻮﺳﯿﻠﺔ ﻟﻠﺘﻨﻤﯿﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻏﯿﺮ ﻣﻤﻜﻦ ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﺣﺴﺐ اﻟﺒﻌﺾ‪،‬ﻓﺎﻟﻘﺎرة اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺴﯿﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺛﺮوات اﻟﻘﺎرة اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ‬
‫ورﻃﺘﮭﺎ ﻓﻲ ﺗﺼﺪﯾﺮ اﻟﻤﺸﺎرﯾﻊ اﻟﺠﺎھﺰة ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﺴﯿﻄﺮة ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﯿﺔ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ أﻣﺎﻣﮭﺎ أﺳﻠﻮﺑﺎن ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ اﻗﺘﺼﺎد اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ إﻣﺎ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﻤﺎﻟﻲ ﺑﺎﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ و ھﻮ اﺳﺘﺜﻤﺎر ﻛﻼﺳﯿﻜﻲ أﺛﺒﺘﺖ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻋﺪم‬
‫ﻧﺠﺎﺣﮭﺎ ﻓﯿﮫ و ھﻨﺎ ﯾﻜﻤﻦ اﻟﻤﺸﻜﻞ أﻣﺎم ﺗﺪﻓﻖ رؤوس اﻷﻣﻮال ﺑﺤﯿﺚ ﺳﻮف ﺗﺼﺎدف ھﺬه اﻟﺒﻠﺪان ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻷﻣﻮال ﻣﻦ اﺟﻞ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر و اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ رأس اﻟﻤﺎل‬
‫ﻓﻲ اﻟﺘﺮاﻛﻢ ﻣﻦ اﺟﻞ رﻓﻊ ﻣﺘﻮﺳﻂ اﻟﺪﺧﻞ اﻟﻔﺮدي‪.‬‬
‫وﻓﻲ ھﺬا اﻹﻃﺎر ﻛﻢ ﯾﻜﻮن ﻣﺒﻠﻎ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﻤﺎﻟﻲ ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ اﻗﺘﺼﺎد اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ اﻟﻤﺮﻏﻮب ﻓﯿﮫ ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺪوﻟﯿﺔ‪ ،‬ان اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ و اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ اﻟﻜﻼﺳﯿﻜﯿﺔ أي‬
‫ﺑﺎﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ ﯾﺠﻌﻞ ﻣﮭﻤﺔ ھﺬه اﻟﺒﻠﺪان ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻣﺄزق اﻗﺘﺼﺎدي و ﯾﺠﻌﻞ ﺧﻄﻂ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺮأس اﻟﻤﺎل اﻷﺟﻨﺒﻲ و ﺷﺮوط ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ واﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﺗﺠﻌﻞ اﻟﺒﻠﺪان ﻻ‬
‫ﺗﺤﺎﻓﻆ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺮاﺑﻂ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ و اﻟﺜﻘﺔ اﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻄﺒﻘﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ داﺧﻞ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ‪ ،‬وﻧﺠﺪ اﻟﯿﻮم اﻟﺪول اﻟﻤﻐﺎرﺑﯿﺔ و ﻣﺼﺮ و اﻟﺪول اﻹﻓﺮﯾﻘﯿﺔ ﺗﻘﻮم‬
‫ﺑﺎﺗﺼﺎﻻت و ﻣﻔﺎوﺿﺎت وﻓﺘﺢ اﻗﺘﺼﺎدھﺎ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ ﻋﺮض اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت ﻟﻠﺨﻮﺻﺼﺔ ‪،‬أو اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﻷﺟﻨﺒﻲ اﻟﻤﺒﺎﺷﺮ ‪،‬وﻟﻜﻨﮭﺎ ﺗﺠﺪ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ ﺗﻠﻘﻲ ھﺪه اﻻﺳﺘﺜﻤﺎرات ﻣﺎﻋﺪا‬
‫ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻟﻘﻄﺎﻋﺎت اﻟﻤﺮﺑﺤﺔ ﻣﺜﻞ ﻗﻄﺎع اﻟﻤﺤﺮوﻗﺎت و اﻷدوﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﺣﺎﻟﯿﺎ ‪.‬‬
‫ﻟﺬﻟﻚ وﺟﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ و ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺪ ﺑﻠﺪان اﻟﻘﺎرة اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ ﻛﻤﺎ ﯾﻌﺒﺮ ﻋﻨﮭﺎ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ اﻧﺘﮭﺎج اﻟﻄﺮﯾﻘﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﻟﻼﺳﺘﺜﻤﺎر ﺑﺤﯿﺚ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ‬
‫ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻲ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر و ھﺬه ﻓﻜﺮة ﺟﺪﯾﺪة ﻓﻲ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﯾﻄﺮﺣﮭﺎ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﺑﺤﯿﺚ ﯾﻤﻜﻦ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻤﺤﯿﻂ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﺒﻌﺪ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻗﺒﻞ اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﻤﺤﯿﻂ‬
‫اﻻﻗﺘﺼﺎدي‪ ،‬ﯾﺠﺐ أن ﯾﻜﻮن اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻨﺘﺠﺎ و ﻋﺎﻣﻼ و أن ﯾﻜﻮن اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻃﻠﯿﻌﺔ اﻟﻘﯿﻢ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ و ﻋﺪم اﻟﺘﻘﻠﯿﻞ ﻣﻦ ﻗﯿﻤﺔ اﻟﻌﻤﻞ)‪ (52‬واﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﯿﺔ‬
‫اﻟﺨﺎم و اﻟﺰراﻋﺔ ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ اﻗﺘﺼﺎد اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ و اﻗﺘﺼﺎد اﻟﻘﻮت ﻣﻌﺎ‪ ،‬ﻓﺮأس اﻟﻤﺎل أﺻﺒﺢ ﻻ ﯾﺸﻜﻞ ﺣﻼ ﺑﻞ ﻋﺒﺌﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻘﻀﯿﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﮭﺬه ﻟﺒﻠﺪان ﯾﺠﺐ أن ﺗﺒﺪأ‬
 ‫ﻣﻦ اﻟﻤﺤﯿﻂ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﺘﺼﻞ إﻟﻰ اﻟﻤﺤﯿﻂ اﻻﻗﺘﺼﺎدي و ﺗﺸﻐﯿﻞ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﺴﻮاﻋﺪ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺜﻞ اﻟﺮﺻﯿﺪ اﻟﺤﻘﯿﻘﻲ ﻟﮭﺬه اﻟﺒﻠﺪان ﻓﻲ ﻟﺤﻈﺔ اﻹﻗﻼع اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻣﻦ ﻧﻘﻄﺔ‬
‫اﻟﺼﻔﺮ)‪. (53‬‬
‫ﻛﺎن ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﯾﺮى ﺑﺄﻧﮫ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﺗﺸﻐﯿﻞ ﻛﻞ اﻟﺴﻮاﻋﺪ إذا ﻟﻢ ﺗﺄﺧﺬ اﻟﺪوﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺎﺗﻘﮭﺎ إﻃﻌﺎم ﺟﻤﯿﻊ اﻷﻓﻮاه‪ ،‬ﻣﻦ ھﻨﺎ ﯾﺘﺒﯿﻦ ﻟﻨﺎ اﻟﺮﺑﻂ اﻟﻤﻮﺟﻮد ﺑﯿﻦ اﻗﺘﺼﺎد اﻟﻘﻮت‬
‫واﻗﺘﺼﺎد اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ و ھﺬا ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺘﺤﻘﻖ إذا ﺗﻢ إﻧﺘﺎج اﻛﺒﺮ ﻗﺪر ﻣﻤﻜﻦ ﻣﻦ اﻟﻐﺬاء و ﺗﻮزﯾﻌﮫ ﻋﻠﻰ أﺣﺴﻦ ﺻﻮرة ﻣﻤﻜﻨﺔ و اﻟﺘﻘﻠﯿﻞ ﻣﻦ اﺳﺘﮭﻼك اﻟﺴﻠﻊ اﻟﻜﻤﺎﻟﯿﺔ وھﺬا ﯾﻤﻜﻦ‬
‫أن ﯾﺘﻢ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ ﺗﻨﻈﯿﻢ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﺰراﻋﻲ و اﻟﺘﻤﯿﯿﺰ ﺑﯿﻦ ﻗﻮة اﻟﺸﺮاء و ﻗﻮة اﻟﻌﻤﻞ‪ ،‬ﺑﺤﯿﺚ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﻮن ﻟﺒﻠﺪ ﻣﺎ إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ اﻟﺼﻨﻊ ﯾﻤﻜﻦ ان ﺗﺘﺨﻠﻰ ﻋﻦ اﻟﺸﺮاء ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج‬
‫ﻓﻘﻮة اﻟﺸﺮاء ﺗﻤﺜﻞ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﻤﺎﻟﻲ و ﻗﻮة اﻟﻌﻤﻞ ﺗﻤﺜﻞ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ و اﻟﻘﺪرة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻟﻘﺪرة اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺘﺠﺮﺑﺔ اﻷﻟﻤﺎﻧﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺮﻗﻨﺎ ﻟﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻷول وﻇﺎھﺮﺗﻲ اﻟﺼﯿﻦ اﻟﺸﻌﺒﯿﺔ و اﻟﯿﺎﺑﺎن ﺗﻌﻄﯿﻨﺎ ﺻﻮرة واﺿﺤﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ‪ ،‬ﻓﺄﻟﻤﺎﻧﯿﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ اﻟﺜﺎﻧﯿﺔ‬
‫ﻓﻘﺪت ﻗﺪرﺗﮭﺎ اﻟﺸﺮاﺋﯿﺔ ﻓﻲ اﻷﺳﻮاق اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ و اﻋﺘﻤﺪت ﻓﻲ ﻧﮭﻀﺘﮭﺎ ﻋﻠﻰ ﻗﻮة اﻟﻌﻤﻞ و اﻟﻘﺪرة اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﺴﻤﯿﮭﺎ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬رﻏﻢ ﻣﻦ‬
‫ﯾﺤﺎول اﻟﺘﺸﻜﯿﻚ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﻄﺮح ﺑﺤﺠﺔ أن أﻟﻤﺎﻧﯿﺎ ﻧﮭﻀﺖ اﻗﺘﺼﺎدﯾﺎ ﺑﻔﻀﻞ ﻣﺸﺮوع ﻣﺎرﺷﺎل و ﻟﻜﻦ ھﻞ ﻛﺎن ﻣﺸﺮوع ﻣﺎرﺷﺎل ﻣﻮﺟﻮد ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ؟ ﻻن اﻟﻌﺼﺮ‬
‫اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ﻓﻲ أﻟﻤﺎﻧﯿﺎ ﻟﻢ ﯾﺒﺪأ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﺷﻲء ﯾﺴﻤﻰ ﻣﺸﺮوع ﻣﺎرﺷﺎل)‪.(54‬‬
‫وﻋﻠﯿﮫ ﻓﺎﻟﻄﺮﯾﻘﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ و اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﻣﺎ ھﻮ إﻻ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻗﺘﺼﺎد اﻟﻘﻮت و اﻗﺘﺼﺎد اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ و ذﻟﻚ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ ﺗﺤﻮﯾﻞ‬
‫اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻣﻦ إﻃﺎر اﻟﻘﻮة و اﻟﺴﻜﻮن إﻟﻲ إﻃﺎر اﻟﻌﻤﻞ و اﻟﺤﺮﻛﯿﺔ أي ﺑﺘﻮﺟﯿﮫ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻹﻧﺘﺎج ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ اﻟﺪﻗﯿﻖ وﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﯾﺮى أن اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ‬
‫ﻓﻲ ﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺛﻮرة ﺛﻘﺎﻓﯿﺔ ﻟﺘﺤﺮﯾﻚ اﻟﻨﻔﻮس ﻓﺎﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﻻ ﺗﺴﺘﻮرد و ﻻ ﺗﺸﺘﺮى ﺑﻞ ھﻲ ﺗﺮاﻛﯿﺐ ذھﻨﯿﺔ وﻣﻌﺎدﻻت اﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻗﺒﻞ أن ﺗﻜﻮن ﻣﺴﺄﻟﺔ ﺑﺤﺚ ﻋﻦ اﻷﻣﻮال ﻣﻦ اﺟﻞ‬
‫اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر‪ ،‬ﻓﮭﻨﺎك ﻗﯿﻢ أﺧﻼق‪ ،‬اﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ و ﺛﻘﺎﻓﯿﺔ ﻻ ﺗﺴﺘﻮرد و ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ أن ﺗﺼﻨﻊ ھﺬه اﻟﻘﯿﻢ واﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﻣﻦ ﺑﯿﻦ ھﺬه اﻟﻘﯿﻢ ﻓﮭﻲ ﺗﺼﻨﻊ ﻣﺜﻠﮭﺎ ﻣﺜﻞ اﻟﺒﺎﺧﺮة‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟﺘﺨﻠﻒ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻣﺼﺪره اﻟﺘﺨﻠﻒ اﻟﺬھﻨﻲ و ﺑﻄﺎﻟﺔ اﻟﻌﻘﻮل ﻓﻜﻞ ﺷﻲء ﯾﻨﺘﻈﺮ اﻹﻧﺠﺎز داﺧﻞ اﻟﻘﺎرة اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ و ﻟﺬﻟﻚ ﻻﺑﺪ ﻣﻦ اﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﺴﻮاﻋﺪ و اﻟﻌﻘﻮل و اﻟﺴﺎﻋﺎت و‬
‫اﻟﺪﻗﺎﺋﻖ وﻛﻞ ﺷﻲء ﻣﻦ اﻟﺘﺮاب ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ اﻟﺤﺮﻛﯿﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ و اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﻤﺎﻟﻲ ﻻ ﯾﻌﺘﺒﺮ إﻻ ﻗﻀﯿﺔ ﺗﻀﺎف إﻟﻰ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪.‬‬
‫ﺑﯿﺪ ان أﻧﻤﺎط اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﺗﻤﺜﻞ ﻧﻘﻄﺔ اﻟﺘﺮﻛﯿﺰ اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ ﻟﻔﻜﺮة اﻟﻨﻤﻮ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻨﻈﺮﯾﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﺗﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻛﯿﻔﯿﺔ اﻟﻮﺻﻮل إﻟﻰ أﻋﻠﻰ درﺟﺔ ﻟﻠﺮﻓﺎھﯿﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ‬
‫اﻻﺳﺘﻐﻼل اﻷﻣﺜﻞ ﻟﻠﻤﻮارد اﻟﻨﺎدرة و اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻨﺼﺮ اﻟﺒﺸﺮي‪ ،‬ﻓﻲ ھﺬا اﻹﻃﺎر ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺘﻜﻠﻢ ﻋﻦ أﻧﻤﺎط اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ واﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻤﻮ اﻟﻤﺘﻮازن و اﻟﺬي ﯾﻌﻨﻲ أن‬
‫ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﺗﺒﺪأ ﺑﺎﻟﻘﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺿﯿﻖ اﻟﺴﻮق ﻓﺎﻧﺨﻔﺎض اﻹﻧﺘﺎﺟﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﯾﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﯿﮫ اﻧﺨﻔﺎض ﻓﻲ اﻟﺪﺧﻞ و ﻣﻦ ﺛﻢ اﻧﺨﻔﺎض اﻟﺤﺎﻓﺰ ﻋﻠﻰ‬
‫اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر)‪ (55‬و ﺑﺬﻟﻚ ﺗﻜﻮن اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ اﻟﻨﻤﻮ اﻟﻤﺘﻮازن ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ وﺿﻊ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ اﺳﺘﺜﻤﺎري ﯾﺘﻮﺟﮫ إﻟﻰ اﻟﻤﺸﺮوﻋﺎت اﻟﺼﻨﺎﻋﯿﺔ‪ .‬ﻏﯿﺮ أن ھﻨﺎك ﻃﺮح آﺧﺮ ﯾﺮى ﺑﺄﻧﮫ‬
‫ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ اﻗﺘﺼﺎد ﺗﻨﻤﯿﺔ ﯾﺠﺐ اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺪرة ﻓﻲ اﺗﺨﺎذ اﻟﻘﺮارات و ﺑﺼﻮرة ﺧﺎﺻﺔ اﺗﺨﺎذ ﻗﺮارات اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر ﺑﺄﻋﻠﻰ ﻓﻌﺎﻟﯿﺔ ﻣﻤﻜﻨﺔ)‪ (56‬و ﻣﮭﻤﺎ ﯾﻜﻦ اﻷﻣﺮ ﻓﺎن‬
‫اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر ﺳﻮف ﯾﺨﻠﻖ ﻓﺮﺻﺎ أﺧﺮى ﻟﻠﻌﻤﻞ و اﻹﻧﺘﺎج و ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﯾﺸﻜﻞ دﻓﻌﺎ ﺟﺪﯾﺪا ﻟﻠﺘﻨﻤﯿﺔ‪ ،‬و ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻷﺳﺎس ﻓﺎن اﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ھﻮ اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﺴﻠﯿﻢ ﻟﺘﺄﻣﯿﻦ و ﺗﻄﻮﯾﺮ اﻟﻨﺸﺎﻃﺎت‬
‫اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻣﻦ اﺟﻞ ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻗﺘﺼﺎد اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ‪.‬‬
‫اﻟﻤﻄﻠﺐ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪ :‬ﺗﻮﺟﯿﮫ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻹﻧﺘﺎج ﻛﺎﻟﻀﺮورة ﻟﻠﺘﻨﻤﯿﺔ‬
‫إن رأس اﻟﻤﺎل ﻟﻢ ﯾﺘﻜﻮن ﺑﻌﺪ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ و اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﺑﺎﻟﻜﯿﻔﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻢ ﻓﯿﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﺼﻨﺎﻋﯿﺔ و ﻋﻠﯿﮫ ﻓﺎﻟﻤﺸﻜﻞ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ذو ﻃﺎﺑﻊ ﯾﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ اﻟﻮﺿﻊ‬
‫ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺘﻄﻮرة ﻓﺮاس اﻟﻤﺎل ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره آﻟﺔ اﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﺗﻨﮭﺾ ﺑﺎﻟﺘﻘﺪم اﻟﻤﺎدي ﻻ ﯾﺠﺐ أن ﯾﻜﻮن آﻟﺔ ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ﻓﻲ ﯾﺪ ﻓﺌﺔ رأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ ﻛﻤﺎ ﯾﺮى ﻣﺎرﻛﺲ‪ ،‬و ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺎن ﺗﻮﺟﯿﮫ‬
‫راس اﻟﻤﺎل و ھﻮ ﻻ ﯾﺰال ﻓﻲ ﻃﻮر اﻟﺘﻜﻮﯾﻦ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻻ ﯾﺘﺼﻞ ﺑﺎﻟﻜﻢ ﺑﻞ ﺑﺎﻟﻜﯿﻒ ﺑﺤﯿﺚ ﯾﻜﻮن اﻷﻣﺮ ﻣﺘﻌﻠﻘﺎ ﺑﻜﻞ ﺟﺰء ﻣﻦ راس اﻟﻤﺎل‪ ،‬ﯾﺠﺐ أن ﯾﻜﻮن ﻣﺘﺤﺮﻛﺎ و‬
‫ﯾﺨﻠﻖ ﻣﻌﮫ ﻋﻤﻼ ﻧﺸﺎﻃﺎ‪ ،‬ﻣﺎ اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﻜﻤﻲ ﻓﺎﻧﮫ ﯾﺨﺺ اﻟﺘﻮﺳﻊ و ﺗﻜﻮﯾﻦ راس اﻟﻤﺎل)‪. (57‬‬
‫ھﺬا اﻟﺘﻮﺟﯿﮫ ﻟﺮاس اﻟﻤﺎل ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻼزﻣﮫ ﺗﻮﺟﯿﮫ اﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره اﻟﺮﻛﻦ اﻷﻋﻈﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ اﻹﻧﺘﺎﺟﯿﺔ ﺑﺤﯿﺚ ﻧﺠﺪ اﻟﻌﻤﻞ ھﻮ اﻟﺬي ﯾﺤﺪد ﻣﺼﯿﺮ اﻷﺷﯿﺎء ﻓﻲ اﻹﻃﺎر‬
‫اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ و ذﻟﻚ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﻨﻈﻢ و ﺗﻘﺴﯿﻢ اﻟﻌﻤﻞ وﺑﺘﻮﺟﯿﮫ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻟﺘﻜﻮﯾﻦ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻛﻤﺎ ﯾﻘﺮ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺳﯿﺮ اﻟﺠﮭﻮد اﻟﺠﻤﺎﻋﯿﺔ ﻓﻲ اﺗﺠﺎه‬
‫واﺣﺪ ﺑﻤﺎ ﻓﻲ ذﻟﻚ ﺟﮭﺪ اﻟﺘﺎﺟﺮ و ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺤﺮﻓﺔ و اﻟﻔﻼح و ﺟﮭﻮد اﻟﺪوﻟﺔ ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﻤﺮاﻗﺒﺔ و اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ اﻟﺸﺎﻣﻞ و ذﻟﻚ ﻣﻦ اﺟﻞ ﺗﻐﯿﯿﺮ وﺿﻊ اﻹﻧﺴﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﺤﻮر اﻟﻤﺘﺨﻠﻒ‬
‫و ﺧﻠﻖ ﺑﯿﺌﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﻟﮫ ﺑﺤﯿﺚ ﺗﻨﻄﻠﻖ ھﺬه اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎن ذاﺗﮫ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره ھﻮ اﻟﺬي ﯾﻘﻮم ﺑﺎﻟﻌﻤﻞ وﺑﺎﺳﺘﺨﺪام راس اﻟﻤﺎل و ﺑﺘﻮﺟﯿﮫ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻔﺮد ﻧﻌﻨﻲ ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻮﻋﻲ‬
‫اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻓﻲ ھﺬا اﻹﻃﺎر ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺸﺘﻖ اﻟﻌﻤﻞ ﻣﻌﻨﺎه‪.‬‬
‫وھﻨﺎ ﯾﻤﻜﻦ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ اﻧﮫ ﻻ ﯾﮭﻤﻨﺎ ﺗﻤﻮﻗﻊ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﺿﻤﻦ اﻟﻤﻔﻜﺮﯾﻦ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﯿﻦ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﯾﮭﻤﻨﺎ اﻟﻤﻮاﺿﯿﻊ اﻟﺘﻲ ﺗﻄﺮق ﻟﮭﺎ و ﺣﺎول أن ﯾﻌﻄﻲ اﻟﻌﻼج ﻟﮭﺎ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺘﻮﺟﯿﮫ‬
‫ھﻮ ﺗﺠﻨﺐ اﻹﺳﺮاف ﻓﻲ اﻟﺠﮭﺪ و اﻟﻮﻗﺖ ﻓﺈذا ﺗﻢ ﺗﻮﺟﯿﮫ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ وﻋﯿﮫ اﻻﻗﺘﺼﺎدي و إﻧﺸﺎء ﺳﻠﻮﻛﮫ اﻟﺠﺪﯾﺪ ﯾﻤﻜﻦ ﻣﺎ ﯾﻌﺒﺮ ﻋﻨﮫ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﺑﺈﻧﺴﺎن‬
‫اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدي و إﻧﺸﺎء ﺳﻠﻮﻛﮫ اﻟﺠﺪﯾﺪ ﯾﻤﻜﻦ ﺻﻨﻊ ﻣﺎ ﯾﻌﺒﺮ ﻋﻨﮫ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﺑﺈﻧﺴﺎن اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﺣﺘﻰ ﯾﻤﻜﻨﮫ اﻟﺘﺄﺛﯿﺮ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد‪ ،‬ﻓﺎﻹﻧﺴﺎن ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﺆﺛﺮ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺑﺜﻼث ﻣﺆﺛﺮات ﺑﻔﻜﺮه‪ ،‬ﺑﻌﻠﻤﮫ‪ ،‬ﺑﻤﺎﻟﮫ و ﻟﺬﻟﻚ ﯾﺠﺐ ﺗﻮﺟﯿﮫ اﻹﻧﺴﺎن ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎره اﻧﮫ ﯾﺸﻜﻞ اﻟﻤﺤﻮر اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ أي ﯾﺠﺐ‬
‫أن ﺗﺼﻨﻊ اﻟﺤﻀﺎرة داﺧﻞ اﻹﻧﺴﺎن ﺗﺒﻌﺎ ﻟﻘﺎﻧﻮن اﻟﺘﻐﯿﯿﺮ اﻟﺤﻀﺎري‪ ،‬ﺑﺘﻮﺟﯿﮫ اﻹﻧﺴﺎن و ﺑﺎﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﻌﻤﻠﻲ ﻧﺘﻔﺎدى اﻟﻼﻓﻌﺎﻟﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﯿﺰ إﻧﺴﺎن اﻟﻘﺎرة اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ‪ ،‬ﺑﺘﻮﺟﯿﮫ‬
‫اﻹﻧﺴﺎن و اﻟﻌﻤﻞ و ﺗﻮﺟﯿﮫ راس اﻟﻤﺎل ﺗﻜﻮن اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ اﺳﺘﻜﻤﻠﺖ اﻟﺸﺮوط اﻟﻀﺮورﯾﺔ ﻟﺒﻨﺎء اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻤﺸﺘﺮك اﻟﺬي ﺳﻮف ﻧﺘﻄﺮق ﻟﮫ ﻓﻲ اﻟﻔﺼﻞ اﻟﺜﺎﻟﺚ‪.‬‬
‫واﻟﻤﻼﺣﻆ إن اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ ﺗﻜﻮﯾﻦ رؤوس اﻷﻣﻮال وﻧﻘﺺ اﻟﻤﯿﻞ إﻟﻰ اﻻدﺧﺎر و ﻋﺪم اﻻﺳﺘﻌﻤﺎل اﻟﺴﻠﯿﻢ ﻟﻠﻔﺎﺋﺾ اﻻﻗﺘﺼﺎدي)‪ (58‬ﺑﺤﯿﺚ ﯾﺘﻢ اﺳﺘﻐﻼل‬
‫اﻟﻔﺎﺋﺾ ﻓﻲ ﻗﻄﺎﻋﺎت ﻏﯿﺮ ﻣﻨﺘﺠﺔ و ﻟﺬﻟﻚ ﻧﺠﺪ اﻟﻨﻘﺺ ﻓﻲ رؤوس اﻷﻣﻮال و ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺗﻠﺠﺄ ھﺬه اﻟﺒﻠﺪان إﻟﻰ ﺗﻤﻮﯾﻞ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎرات ﻣﻦ ﻣﺼﺎدر ﺧﺎرﺟﯿﺔ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻧﺠﺪھﺎ ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣﻦ‬
‫ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻻﺳﺘﺨﺪام اﻷﻣﺜﻞ ﻟﻠﻘﺮوض و ﻣﻨﮫ ﺗﺠﺪ ﻧﻔﺴﮭﺎ أﻣﺎم ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻤﺪﯾﻮﻧﯿﺔ و ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻷﺳﺎس ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻀﺮوري اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﻮﺟﯿﮫ ﻋﻨﺼﺮ رأس اﻟﻤﺎل ﺗﻮﺟﯿﮭﺎ‬
‫ﺳﻠﯿﻤﺎ‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﻓﯿﻤﺎ ﯾﺨﺺ اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ ﺗﻄﻮﯾﺮ اﻟﻌﻨﺼﺮ اﻟﺒﺸﺮي و ﺗﻨﻤﯿﺔ اﻟﻤﻮارد اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ ﻓﯿﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﻢ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻻرﺗﻘﺎء ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻢ و اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ و ﺗﺤﻮﯾﻞ اﻟﻌﻠﻢ إﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﺗﻨﻈﯿﻤﯿﺔ‬
‫ﺗﺴﺘﺨﺪم ﻓﻲ اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ و ﺗﻨﻤﯿﺔ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ اﻟﺬاﺗﯿﺔ وﺗﻌﻤﯿﻖ اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﺔ‪ ،‬ﺗﻌﺰﯾﺰ اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺘﻨﻈﯿﻤﻲ واﻟﺘﺨﻄﯿﻄﻲ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺗﻌﺒﺌﺔ اﻟﻄﺎﻗﺎت اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ و اﻻﺳﺘﺨﺪام‬
‫اﻷﻣﺜﻞ ﻟﻺﻣﻜﺎﻧﯿﺎت اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ و اﻟﻮﻗﺖ)‪ (59‬واﻟﯿﻮم ﺗﺘﻤﺜﻞ اﻟﻤﮭﻤﺔ اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ ﻟﺒﻨﺎء ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﻓﻲ ﺗﺜﻤﯿﻦ ﻋﻮاﻣﻞ اﻹﻧﺘﺎج ﺳﻮاء ﺗﻌﻠﻖ اﻷﻣﺮ ﺑﺘﺜﻤﯿﻦ رأس اﻟﻤﺎل ﻓﻲ‬
‫اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﻜﺒﺮى ﻧﻈﺮا ﻷھﻤﯿﺘﮭﺎ ووزﻧﮭﺎ)‪ (60‬أو ﻋﻮاﻣﻞ اﻹﻧﺘﺎج اﻷﺧﺮى وﺗﺠﻨﯿﺪ اﻛﺒﺮ ﻟﻌﻨﺼﺮ اﻟﻌﻤﻞ‪.‬‬
‫اﻟﻤﻄﻠﺐ اﻟﺮاﺑﻊ‪ :‬اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ اﻟﺪﻗﯿﻖ ﻛﻮﺳﯿﻠﺔ ﻟﻠﺘﻨﻤﯿﺔ‬
‫إن ﺑﺮاﻣﺞ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ و اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ﻓﺸﻠﺖ ﺑﺸﻜﻞ ﻛﺒﯿﺮ و ﻣﺎ واﻗﻊ اﻟﻘﺎرة اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ إﻻ دﻟﯿﻞ ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ھﺬه اﻟﺒﺮاﻣﺞ اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻜﺘﺐ ﻟﮭﺎ‬
‫اﻟﻨﺠﺎح ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﻈﺮوف اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﯿﺸﮭﺎ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ إﻻ إذا ﺗﻢ رﺳﻢ ﺧﻄﻂ ﺗﻨﻤﻮﯾﺔ دﻗﯿﻘﺔ ﺗﺄﺧﺬ ﺑﻌﯿﻦ اﻻﻋﺘﺒﺎر اﻟﺘﺤﺪﯾﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻮاﺟﮫ ھﺬه اﻟﺒﻠﺪان ﺑﺪءا ﺑﺎﻟﺘﺤﺪﯾﺎت‬
‫اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ و ﺑﺈﺻﻼح اﻟﺨﻠﻞ اﻟﻤﻮﺟﻮد داﺧﻞ ﺑﺮاﻣﺞ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ‪ ،‬أﺿﻒ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﻹﻧﺠﺎح اﻟﻤﺨﻄﻄﺎت اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﻓﺎﻟﺘﺨﻄﯿﻂ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﯾﺠﺐ ان ﯾﻜﻮن ﻣﺒﻨﯿﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ أﺳﺎس أوﻟﻮﯾﺎت اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ واﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﻔﺮص اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ‪ ،‬ﺑﺤﯿﺚ ﺗﻜﻮن ﻣﺴﺠﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﮭﺠﯿﺘﮫ اﻟﺘﺨﻄﯿﻄﯿﺔ و ﻓﻲ ﺧﻄﺘﮫ اﻟﺘﻘﻨﯿﺔ و اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ أوﻟﻮﯾﺎت‬
‫اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻐﺬاﺋﻲ ﺑﻐﯿﺔ إﻃﻌﺎم ﺟﻤﯿﻊ اﻷﻓﻮاه ﺣﺘﻰ ﯾﺘﺴﻨﻰ ﻟﺠﻤﯿﻊ اﻟﺴﻮاﻋﺪ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﺒﻲ إﻃﺎر اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ و ﻓﺮﺿﯿﺎﺗﮫ‪ ،‬ﻻن اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ ﯾﻔﻘﺪ ﻛﻞ ﻣﻌﻨﺎه اﻟﺘﻘﻨﻲ ﺑﺪءا ﻣﻦ‬
‫اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻜﻮن ﻓﯿﮭﺎ ﻓﻜﺮﺗﮫ اﻟﺮاﺋﺪة ﻣﺴﺘﻮﺣﺎة ﻣﻦ اﻟﺨﺎرج)‪.(61‬‬
‫ﻓﮭﺬا ﻻ ﯾﻜﻮن ﺗﺨﻄﯿﻄﺎ ﺑﻞ ﻣﺠﺮد ﻣﮭﺎرة و ﺧﻄﻂ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﯾﺠﺐ أن ﺗﻮاﺟﮫ اﻹﺻﻼح اﻟﺰراﻋﻲ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺒﯿﻦ ﻓﺎﻷول ھﻮ ﺗﺨﺼﯿﺺ اﻷراﺿﻲ ﻟﻤﮭﻤﺔ اﻹﻧﺘﺎج‬
‫وﻓﻘﺎ ﻟﻤﻌﻄﯿﺎت اﻗﺘﺼﺎد اﻟﻘﻮت ﻣﻦ ﺟﮭﺔ و اﻗﺘﺼﺎد اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﻣﻦ ﺟﮭﺔ ﺛﺎﻧﯿﺔ و اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻟﺜﺎﻧﻲ وﺿﻊ ﺟﮭﺎز ﻓﻌﺎل ﯾﺤﻤﻲ اﻟﻤﺴﺎﺣﺎت اﻟﺰراﻋﯿﺔ اﻟﻤﻨﺘﺠﺔ ﻓﺎﻟﺘﺨﻄﯿﻂ ﻣﻈﮭﺮ ﻣﻦ‬
 ‫ﻣﻈﺎھﺮ ﺗﻌﺠﯿﻞ اﻹﻗﻼع اﻻﻗﺘﺼﺎدي و ھﻮ ﺟﺎﻧﺐ ﯾﺨﺺ اﻟﻤﯿﺪان اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻟﺘﺪارك اﻟﺘﺨﻠﻒ ﺑﻄﺮاﺋﻖ ﻓﻨﯿﺔ ﻣﺘﺴﺎرﻋﺔ ﺗﺴﺎﯾﺮ ﺗﻄﻮرات اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ‪.‬‬
‫و ﻣﺎ ﯾﻼﺣﻆ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ ان اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ ﻻ ﯾﻌﻄﻲ ﻧﻔﺲ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻷن أﻓﻜﺎر اﻟﻤﺨﻄﻂ ﻓﻲ ﺟﻮھﺮھﺎ أﻓﻜﺎر ﻋﻘﯿﻤﺔ و ﻻن ﻋﻠﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد ﻛﻤﺎ ﯾﺘﺼﻮر ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﻟﻢ ﯾﺒﺮز‬
‫ﻋﻦ اﻷﺣﺪاث اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﺑﻌﻤﻠﯿﺔ ﺗﺠﺮﯾﺪ ﺻﺮﻓﺔ وﻓﻘﺎ ﻟﻠﻄﺮﯾﻖ اﻟﺬي اﺗﺒﻌﺘﮫ اﻟﮭﻨﺪﺳﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ وﺿﻌﺖ ﻣﺴﻠﻤﺎﺗﮭﺎ اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ‪ ،‬ﻓﺂدم ﺳﻤﯿﺚ ﻗﺪ وﺿﻊ ﻟﮫ ﻣﺒﺪأ اﻟﻤﺼﻠﺤﺔ اﻟﻔﺮدﯾﺔ و‬
‫ﺣﺮﯾﺔ اﻟﺘﺼﺮف و ﻣﺎرﻛﺲ وﺿﻊ ﻟﮫ ﻣﺒﺪأ اﻟﺘﺴﯿﯿﺮ اﻟﺴﻠﻄﺎﻧﻲ و اﻟﺼﺮاع اﻟﻄﺒﻘﻲ‪ ،‬ﻓﺒﻌﺾ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ وﺿﻌﺖ ﻣﺨﻄﻄﺎت ﺗﻨﻤﻮﯾﺔ اﺷﺘﺮاﻛﯿﺔ ﻣﻦ ﺣﯿﺚ اﻷھﺪاف ﺛﻢ ﺣﺪدت‬
‫ﻃﺮاﺋﻖ ﺗﻨﻔﯿﺬ ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻤﻨﮭﺞ رأﺳﻤﺎﻟﻲ ﻣﻦ ﺣﯿﺚ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ و ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻓﻲ ﻣﺠﺎل اﻻﺳﺘﺜﻤﺎرات‪.‬‬
‫إن اﻹﻗﻼع اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﯾﺠﺐ ﻟﻦ ﯾﻨﻄﻠﻖ ﻣﻦ ﻣﺨﻄﻄﺎت ﺗﻨﻤﻮﯾﺔ ﺗﺮى اﻟﻮاﻗﻊ اﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﺑﺒﻌﺪه اﻻﻗﺘﺼﺎدي و أي ﻣﺨﻄﻂ ﻧﻔﻜﺮ ﻓﯿﮫ ﺑﺄﻓﻜﺎر اﻵﺧﺮﯾﻦ و ﻧﺤﺎول إﻧﺠﺎزه ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ‬
‫ﻏﯿﺮھﻢ ﻣﻌﺮض ﻟﻠﻔﺸﻞ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﯿﺔ اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻤﺸﻜﻞ ﻟﺪى اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﯾﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﻛﯿﻔﯿﺔ ﺧﻠﻖ ﺷﺮوط ﻟﻺﻗﻼع اﻻﻗﺘﺼﺎدي و ھﺬه ھﻲ ﺷﺮوط ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺟﻮھﺮھﺎ)‪ (62‬و ﻗﺪ ﺗﻄﺮق اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﻮن إﻟﻰ ھﺬا اﻟﻤﺸﻜﻞ وﺧﺼﻮﺻﺎ ﻓﯿﻤﺎ ﯾﺨﺺ ﺷﺮوط اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ ﻓﻲ اﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻮق‪ ،‬ﻓﺎﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺴﺘﺜﻤﺮ ﺑﻘﺪر اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ‬
‫اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ و اﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﻔﻼﺣﻲ و اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﯿﺔ اﻟﺨﺎم و رأس اﻟﻤﺎل اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ھﺬا ھﻮ اﻟﺮﺻﯿﺪ اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻟﺒﻠﺪان اﻟﻘﺎرة اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ و ﻛﻞ ﻗﺮض أو ﻣﺴﺎﻋﺪة ﻣﻦ‬
‫اﻟﻘﺎرة اﻟﺸﻤﺎﻟﯿﺔ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﻜﻮن ﻗﺎﻋﺪة ﯾﻘﻮم ﻋﻠﻰ أﺳﺎﺳﮭﺎ اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ‪ ،‬ﻓﺎﻷﻣﺮ ﯾﺨﺺ ﺗﺤﺮﯾﻚ اﻟﻤﺎل و ﺗﻨﺸﯿﻄﮫ ﻣﻦ اﺟﻞ اﻟﻌﻤﻞ و اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر و ﻟﯿﺲ ﻓﻲ ﺗﻜﺪﯾﺲ اﻟﺜﺮوة‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟﻤﺸﻜﻞ ﻣﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﻤﻨﮭﺞ اﻟﺬي ﯾﺤﺪد دور اﻟﻤﺎل ﻣﻦ اﺟﻞ ﺑﻨﺎء اﻟﺤﯿﺎة اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻓﻲ إﻃﺎر ﻃﺎﺑﻊ ﺷﻤﻮﻟﻲ و ﻋﺎدل ﻻ ﻓﻲ ﻃﺎﺑﻊ إﻗﻄﺎﻋﻲ وﺑﺬﻟﻚ ﯾﻜﺘﻤﻞ ﺗﻮﺟﯿﮫ رأس اﻟﻤﺎل ﻣﻊ‬
‫ﺗﻮﺟﯿﮫ اﻟﻌﻤﻞ ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ اﻟﺸﺮوط اﻟﻀﺮورﯾﺔ ﻟﻺﻗﻼع اﻻﻗﺘﺼﺎدي‪ ،‬ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ اﻟﺪﻗﯿﻖ وﻟﯿﺲ اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ اﻟﺬي أﺷﺮﻧﺎ إﻟﯿﮫ ﻓﻲ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ ﻓﺎﻟﺘﺨﻄﯿﻂ ﻣﻮﺟﻮد ﻣﻨﺬ‬
‫‪ 1947‬وﻃﺒﻖ ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻻﺷﺘﺮاﻛﻲ ﻣﻨﺪ ‪ 1920‬و ﻟﻜﻦ ﺑﺮاﻣﺞ اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ ﻟﻢ ﺗﻌﻄﻲ ﺛﻤﺎرھﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺪان اﻻﻗﺘﺼﺎدي داﺧﻞ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻟﻸﺳﺒﺎب اﻟﻤﺬﻛﻮرة آﻧﻔﺎ‪.‬‬
‫إن ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﻻ ﯾﻤﻜﻨﮭﺎ اﻟﻨﺠﺎح إﻻ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻤﻨﮭﺞ اﻟﺘﻨﻈﯿﻤﻲ واﻟﺘﺨﻄﯿﻄﻲ وﻧﻌﻨﻲ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ ﯾﻤﻜﻦ وﺿﻊ اﻟﺒﺮاﻣﺞ اﻟﻔﻌﺎﻟﺔ و ذﻟﻚ ﻟﺘﺠﻨﺐ ﺗﻜﺮار اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﻔﺎﺷﻠﺔ‬
‫أو ﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ ﻣﺎ ﯾﺘﻌﺬر ﻣﻼﻗﺎﺗﮫ ﺑﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﻔﻌﺎﻟﯿﺔ ﻓﺎﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺘﻘﺪم ﻏﻠﺐ ﻋﻠﯿﮫ اﻟﻄﺎﺑﻊ اﻟﺘﻨﻈﯿﻤﻲ و اﻟﺘﺨﻄﯿﻄﻲ و ﻟﺬﻟﻚ ﻇﮭﺮ ﻟﺪﯾﮭﻢ ﻣﻨﺎھﺞ ﻟﻺﺻﻼح ورﺑﻂ اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ وھﯿﺎﻛﻠﮭﺎ‬
‫ﺑﺎﻟﺸﺮوط اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻞ ﻓﯿﮭﺎ واﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﺘﺠﺎرب اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ و ﻣﻨﮭﺞ اﻹﺻﻼح اﻟﻤﺆﺳﺴﻲ و ﻣﻨﮭﺞ اﻹدارة ﺑﺎﻷھﺪاف و اﻟﻤﺤﺎﺳﺒﺔ ﺑﺎﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻋﺪد ﻣﻦ اﻟﺘﻘﻨﯿﺎت‬
‫اﻟﻤﺴﺎﻋﺪة ﻓﻲ اﻹدارة وﻛﺬﻟﻚ اﻟﺘﺤﻠﯿﻞ اﻻﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﻲ اﻟﺬي ﯾﻘﻮم ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ أﺳﺒﺎب اﻟﻔﺸﻞ و أﺳﺒﺎب اﻟﻨﺠﺎح ھﺬه اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ واﻷدوات اﻟﺘﻘﻨﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﺮاﻗﺒﺔ و ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺗﻨﻔﯿﺬ‬
‫اﻷﻋﻤﺎل واﻟﺨﻄﻂ و اﻟﺒﺮاﻣﺞ ﺗﻠﻌﺐ دورا ﻣﻜﻤﻼ وﺿﺮورﯾﺎ ﻟﻨﺠﺎح ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ )‪.(63‬‬
‫اﻟﺨﺎﺗﻤﺔ‬
‫إن اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺮاھﺎ ﻟﯿﺴﺖ ﻇﺎھﺮة ﻣﻦ ﻣﻔﺎﺟﺂت اﻟﺘﺎرﯾﺦ و ﻟﯿﺴﺖ اﺗﺠﺎھﺎ ﻋﻘﻠﯿﺎ أو أﺳﺎﺳﯿﺎ و إﻧﻤﺎ ھﻲ ﻇﺎھﺮة اﻟﻘﺮن ‪ ،‬و ھﻲ ﻓﻲ واﻗﻌﮭﺎ اﻟﻤﺎدي ﻧﺘﺎج ﻟﻤﻘﺪرة اﻹﻧﺴﺎن‬
‫وﻟﻠﻤﺴﺘﻮى اﻟﺬي ﺑﻠﻐﮫ ﻧﺸﺎﻃﮫ اﻟﻔﻜﺮي و ھﻲ ﻏﺎﯾﺔ ﻣﺤﺘﻮﻣﺔ ﻟﺘﻄﻮرﻧﺎ اﻟﺮاھﻦ و ﺿﺮورة ﺗﻔﺮﺿﮭﺎ اﻟﻈﺮوف اﻟﺼﻨﺎﻋﯿﺔ و اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺑﻠﻐﮭﺎ اﻟﻌﺎﻟﻢ‪ ،‬ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﺷﻚ ﻻن‬
‫اﻟﻀﺮورة ھﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺣﻲ إﻟﻰ ﺟﻮن ﺗﻮﯾﻨﺒﻲ ﺑﻨﻈﺮﯾﺔ ﻋﻦ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺘﻌﺎوﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ اﻟﺬي ﯾﺮى اﻧﮫ اﻟﻄﺮﯾﻖ اﻟﻮﺣﯿﺪ ﻟﻠﺨﺮوج ﻣﻦ اﻷزﻣﺔ اﻟﺮاھﻨﺔ و اﻟﻮﺳﯿﻠﺔ‬
‫اﻟﻮﺣﯿﺪة أﻣﺎم اﻹﻧﺴﺎن ﻟﻠﺨﻼص ﻣﻨﮭﺎ وﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﯾﻤﻜﻦ إزاﻟﺔ اﻟﺘﻌﺎرض اﻟﻤﻮﺟﻮد ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ‪.‬‬
‫إذا دﻟﺖ ھﺬه اﻻﻋﺘﺒﺎرات ﻋﻠﻰ وﺟﻮب ﺗﻨﻈﯿﻢ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺣﯿﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ ﻃﺒﻘﺎ ﻟﺨﻄﺔ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻋﺎﻟﻤﯿﺔ‪ ،‬ﻓﻤﻦ اﻟﻨﺎﺣﯿﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﺗﺪل ﻋﻠﻰ وﺟﻮب ﺗﺤﻘﯿﻖ ھﺬا اﻟﻮﺿﻊ ﻓﻲ‬
‫ﺻﻮرة ﺣﻀﺎرة ﻋﺎﻟﻤﯿﺔ و ﺑﮭﺬا اﻟﺸﺮط اﻟﻤﺰدوج ﯾﺘﺤﻘﻖ اﻟﺤﻞ اﻟﺤﺎﺳﻢ ﻟﻤﺸﻜﻠﺔ اﻟﻤﺼﯿﺮ اﻟﻤﺸﺘﺮك ‪ ،‬ﻓﺄﻓﻜﺎر ﺷﮭﻮد اﻟﻌﺼﺮ اﻟﻜﺒﺎر ﺗﺘﻼﻗﻰ ﻣﻊ اﻟﻀﺮورات اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ ﻟﺘﻄﻮره و‬
‫ﻟﻘﺪ دﺧﻠﺖ اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ﻓﻲ ﻋﮭﺪ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﺗﺤﺖ ﺿﻐﻂ ھﺬا اﻟﺘﻄﻮر و ﺑﻔﻀﻞ اﻟﺪﻓﻊ اﻟﺮوﺣﻲ اﻟﺬي ﺣﻀﻲ ﺑﮫ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﻠﻰ ﯾﺪ رواده و ﺑﺬﻟﻚ اﻟﻮاﻗﻊ ﯾﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل ان اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻗﺪ ﺑﺪأت‬
‫ﻣﻨﺬ ﻣﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ وﻟﯿﺲ ﻣﻌﻨﻰ ھﺬا أﻧﮭﺎ ﻻ ﺗﺴﺘﻤﺪ ﻋﻨﺎﺻﺮھﺎ اﻟﻔﻜﺮﯾﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻣﻦ أﺻﻮل ﺑﻌﯿﺪة و ھﻜﺬا ﺗﺪﺧﻞ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻖ اﻷﻓﺮاد و اﻟﺪول و ذﻟﻚ ﻋﻦ‬
‫ﻃﺮﯾﻖ ﻣﺎ ﯾﺴﻤﻰ ﺑﺎﻹﻧﺘﺎج اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ و اﻻﺳﺘﮭﻼك اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ و اﻟﻤﻮاﻃﻦ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ‪.‬‬
‫ﯾﺮى ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ أﻧﮫ ﻹﺗﻤﺎم اﻟﺤﻞ اﻟﺸﺎﻣﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻓﮭﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻮرھﺎ اﻟﺨﺎص ﻋﻠﯿﮭﺎ أن ﺗﺨﻠﻖ أوﻻ ﺟﻮھﺮھﺎ اﻟﺨﺎص ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻠﺸﺮوط اﻟﺘﺎرﯾﺨﯿﺔ و‬
‫اﻟﺠﻐﺮاﻓﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻮﺿﻊ ﻓﯿﮭﺎ اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ‪،‬ﯾﺠﺐ أن ﺗﺨﻠﻖ ﺣﻀﺎرة داﺧﻞ اﻹﻧﺴﺎن اﻟﻤﺘﺨﻠﻒ و ﺑﺬﻟﻚ ﺗﺨﻠﻖ ﺟﻤﯿﻊ ﻋﻨﺎﺻﺮھﺎ اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ و اﻟﺰﻣﻨﯿﺔ و ﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﺗﺨﻠﻖ ﺛﻘﺎﻓﺔ و اﻗﺘﺼﺎدا و‬
‫ﺳﯿﺎﺳﺔ و ﻋﻠﯿﮫ وﺟﺐ ﺗﺤﺪﯾﺪ اﺗﺠﺎھﮭﺎ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺣﺘﻰ ﯾﺼﺒﺢ ﻧﺼﯿﺐ ھﺬه اﻟﺒﻠﺪان ﻓﻲ ﺣﻞ اﻷزﻣﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﺣﺎﺳﻤﺎ وذﻟﻚ ﺑﺘﻌﺰﯾﺰ دورھﺎ داﺧﻞ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة و ﻣﻦ‬
‫ھﻨﺎ ﯾﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل اﻧﮫ ﺣﺎن وﻗﺖ اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﺔ‪ ،‬ﺑﻞ إن اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺪ ﻣﺴﺆوﻟﺔ ﻋﻦ ﺗﺤﻘﯿﻖ ھﺬا اﻟﻮﺿﻊ ﺗﺮى ﻧﻔﺴﮭﺎ ﻣﻀﻄﺮة إﻟﻰ أن ﺗﺄﺧﺬ ﻓﻲ اﻟﺤﺴﺒﺎن ﺑﻌﺾ اﻟﻈﺮوف‬
‫اﻟﻨﻔﺴﯿﺔ إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻋﺘﺒﺎرھﺎ ﻟﻠﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﻤﺎدﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺆﺛﺮ ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ اﻻﻗﺘﺼﺎدي و ﺗﻮﺟﯿﮭﮫ ﻓﻲ اﻟﻨﻄﺎق اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻻ ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺪان اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ وھﺬا اﻟﺘﺪﺧﻞ ﻟﻠﻤﺒﺪأ اﻷﺧﻼﻗﻲ ﻓﻲ‬
‫اﻟﻤﯿﺪان اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﯾﻈﮭﺮ ﺟﻠﯿﺎ و ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻧﻈﺮﯾﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ‪.‬‬
‫ﻓﺎﺗﺠﺎه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻮر اﻟﺼﻨﺎﻋﺔ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺄﺧﺬ ﻓﻲ اﻋﺘﺒﺎرھﺎ اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻮر اﻟﻤﺎدة اﻷوﻟﯿﺔ وﻛﻤﺎ ﯾﻌﺒﺮ ﻋﻨﮫ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﻓﺎن اﻟﺘﻌﺎﯾﺶ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ ھﻮ اﻟﺬي ﯾﺴﻄﺮ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﺑﺴﺒﺐ ﻣﺎ ﻟﺪﯾﮫ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ وﻋﻮاﻣﻞ اﻟﻘﻮة و اﻹﻣﻜﺎﻧﯿﺎت اﻟﻤﺎدﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ اﻟﺤﺴﺒﺎن‪ .‬أن اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﺗﺘﺴﻢ‬
‫داﺋﻤﺎ ﺑﺒﻠﺪان ﻣﺴﯿﻄﺮة و أﺧﺮى ﺗﺎﺑﻌﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺒﻠﺪان اﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻠﺒﯿﺌﺔ اﻟﺘﻲ ﻓﺮﺿﺘﮭﺎ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺴﯿﻄﺮة و ﺗﺘﻜﯿﻒ ﻣﻌﮭﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﯾﺴﺎﻋﺪھﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺎھﻤﺔ ﻓﻲ ﺣﻞ اﻷزﻣﺔ‬
‫اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻓﺎﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺴﯿﻄﺮة ﺗﺘﺤﻜﻢ ﻓﻲ اﻟﻘﻄﺎﻋﺎت و اﻟﺘﻐﯿﺮات و ﻣﻦ ﺛﻢ ﻓﮭﻲ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﻨﻮع ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻘﺮار واﻟﺜﺎﻧﯿﺔ ﺗﺨﻀﻊ ﻟﮭﺬه اﻟﺘﻐﯿﺮات و ﺗﺨﻀﻊ ﻟﻘﻮة و ﺳﻠﻄﺔ اﻟﺒﻠﺪان‬
‫اﻟﺼﻨﺎﻋﯿﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻢ ﺗﺨﺮج ﻣﻦ ھﺬا اﻹﻃﺎر و ﻣﻊ ذﻟﻚ ﻓﯿﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﺘﻄﻮرات اﻟﺮاھﻨﺔ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﻐﺒﺮ ھﺬه اﻟﺼﻮرة ﺑﺰﯾﺎدة دور اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ‬
‫و اﻟﺘﺄﺛﯿﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ ذاﺗﮭﺎ ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر أن ﻣﺎ ﯾﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﺜﺎﻟﺚ ﯾﻤﺜﻞ ﻗﻮة ﻣﺆﺛﺮة ﺑﻤﺎ ﯾﻤﻠﻚ ﻣﻦ ﻣﻮارد ﺑﺸﺮﯾﺔ و رﻗﻊ ﺟﻐﺮاﻓﯿﺔ واﺳﻌﺔ و ﻣﻮاد أوﻟﯿﺔ ھﺎﺋﻠﺔ‪،‬‬
‫ﻟﻜﻦ ﻣﻊ اﺳﺘﻜﻤﺎل آﻟﯿﺎت اﻟﺴﯿﻄﺮة ﻟﻠﺮأﺳﻤﺎﻟﯿﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ وﺑﺮوز دور و أھﻤﯿﺔ اﻟﺸﺮﻛﺎت اﻟﻤﺘﻌﺪدة اﻟﺠﻨﺴﯿﺎت ﻛﻌﻨﺼﺮ أﺳﺎﺳﻲ و ﻣﺤﺮك ﻟﻠﻨﻈﺎم اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪ او ﻣﺎ ﯾﺴﻤﯿﮫ‬
‫ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ و ﻣﺎ ﯾﺼﻄﻠﺢ ﻋﻠﯿﮫ ﺣﺎﻟﯿﺎ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﺑﺄﺑﻌﺎدھﺎ وﻣﻈﺎھﺮھﺎ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ‪ ،‬ﻓﺎن دور اﻟﺪوﻟﺔ ﯾﺠﺐ أن ﯾﺘﻌﺰز داﺧﻞ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻣﻦ اﺟﻞ ﺗﺤﻘﯿﻖ اﻗﺘﺼﺎد‬
‫اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﻋﻦ ﻃﺮﯾﻖ ﺗﻮﺟﯿﮫ ﻋﻨﺎﺻﺮ اﻹﻧﺘﺎج و اﻟﺘﺨﻄﯿﻂ اﻟﺪﻗﯿﻖ‪.‬‬
‫ﻣﮭﻤﺎ ﯾﻜﻦ اﻷﻣﺮ ﺳﻮاء ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺘﻮﻗﻌﺎت ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﻻﺗﺠﺎه اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻧﺤﻮ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ و ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻨﻈﺎم اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪ اﻟﺬي ﻧﺎدت ﺑﮫ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﻄﻠﻊ اﻟﺴﺒﻌﯿﻨﺎت ﻣﻦ‬
‫اﺟﻞ إﻋﺎدة اﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ و اﻟﺘﺒﺎدل اﻟﺘﺠﺎري و اﻟﺬي ﯾﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﻧﻈﺎم اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ و ﺧﺼﻮﺻﺎ ﻓﻲ ﻧﻄﺎق ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة ﻓﺎن اﻟﺒﻠﺪان‬
‫اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﺳﻮف ﺗﻮاﺟﮫ ﺗﺤﺪﯾﺎت و ﻣﻌﺎدﻻت اﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﺻﻌﺒﺔ ﻻ ﯾﻤﻜﻦ ﺣﻠﮭﺎ إذا ﻣﺎ ﺳﺎرت اﻷﻣﻮر ﻛﻤﺎ ھﻲ ﻋﻠﯿﮫ ﻓﻜﻞ ﺷﺊ ﯾﻨﺘﻈﺮ اﻹﻧﺠﺎز داﺧﻞ اﻟﻘﺎرة اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ‪ ،‬ﻟﻜﻦ‬
‫ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﯾﻤﻜﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ دﻋﻢ اﻟﺘﻌﺎون ﺑﯿﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ و اﺳﺘﺨﺪام ﻋﺎﻣﻞ اﻟﺰﻣﻦ ﺑﺘﻮﻇﯿﻒ اﻟﻤﻮارد اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ ﺑﻐﯿﺔ اﻻﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ اﻟﻔﺮص اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ‪.‬‬
‫اﻻﺳﺘﻨﺘﺎج‪:‬‬
‫‪ -1‬رﻏﻢ ﻣﺎ ﯾﺤﺪث ﻣﻦ ﺗﻐﯿﺮات ﻋﻠﻰ اﻟﺴﺎﺣﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺪان اﻻﻗﺘﺼﺎدي وﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻓﺎن اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻻ ﺗﻮﻟﻲ أھﻤﯿﺔ ﻟﻠﻌﻨﺼﺮ‬
‫اﻟﺒﺸﺮي‪.‬‬
‫‪ -2‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﯾﺮى اﻧﮫ ﻣﻦ اﻟﻮﺟﮭﺔ اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ ﯾﻤﻜﻦ ﻟﻜﺘﻠﺔ اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﯿﺔ أن ﺗﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ إﻋﺎدة ﺗﻜﻮﯾﻦ اﻟﻜﺘﻠﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ اﻷﺳﯿﻮﯾﺔ و دﻓﻌﮭﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ إﻟﻰ أن ﺗﺴﯿﺮ ﻓﻲ اﺗﺠﺎه‬
‫اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ‪ ،‬ﻻ أن ﺗﻜﻮن ﻣﺠﺮد إﺟﺮاءات ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ و ﻟﻜﻲ ﯾﻜﻮن ﻟﮭﺎ ﺗﺄﺛﯿﺮ أﻛﺜﺮ ﻓﻤﻦ اﻟﻮاﺟﺐ أن ﺗﻌﺎد ﺻﯿﺎﻏﺔ ﻓﻜﺮﺗﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﺼﻄﻠﺤﺎت اﻟﺒﻘﺎء و ﻛﻲ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ اھﺘﻤﺎﻣﮭﺎ‬
‫ﺑﺎﻟﻤﺸﻜﻼت اﻟﻌﻀﻮﯾﺔ ﻟﻺﻧﺴﺎن ﻧﻔﺴﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﺤﻮر ﻃﻨﺠﺔ – ﺟﺎﻛﺎرﺗﺎ‪.‬‬
‫‪ -3‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﯾﺮى اﻧﮫ ھﻨﺎك ﻓﺠﻮة ﺑﯿﻦ اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ و اﻟﺘﻄﺒﯿﻖ و ﺑﯿﻦ اﻟﻔﻜﺮة واﻟﺴﻠﻮك ﻓﺎﻟﺘﻔﻜﯿﺮ ﻓﻲ ﻣﺸﺎﻛﻞ اﻟﻘﺎرة اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﺠﻨﻮﺑﯿﺔ ﯾﺴﺘﺪﻋﻲ ﻣﺮاﺟﻌﺔ ﻋﺎﻟﻢ اﻷﻓﻜﺎر و‬
‫ھﺬه اﻟﻤﺮاﺟﻌﺔ ﺗﮭﺪف ﻋﻤﻠﯿﺎ إﻟﻰ إزاﻟﺔ اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻔﺼﻞ ﺑﯿﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺘﺨﻠﻔﺔ و اﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ ھﺬا اﻻﺗﺠﺎه ﻓﻲ اﻷﻓﻜﺎر و اﻟﺘﻘﺎرب ﺑﯿﻦ اﻟﻘﺎرﺗﯿﻦ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ‬
‫اﻻﻗﺘﺼﺎد ﯾﻨﺘﺞ ﻋﻨﮫ ﺗﺄﺛﯿﺮا ﻋﻠﻰ ﺗﻄﻮر اﻟﻌﺎﻟﻢ‪.‬‬
‫‪ -4‬إن اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻟﺬي ﻃﺎﻟﺒﺖ ﺑﮫ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﻣﺎزال ﻟﻢ ﯾﺘﺤﻘﻖ وﺧﺼﻮﺻﺎ ﻓﯿﻤﺎ ﯾﺨﺺ ﺗﺠﺎرة اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﯿﺔ و ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻐﺬاء‪ ،‬اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻨﻘﺪي اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ و دوره ﻓﻲ‬
 ‫ﺗﻤﻮﯾﻞ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ أﺿﻒ إﻟﻰ ذﻟﻚ ﺳﯿﺎﺳﺔ اﻟﺘﺼﻨﯿﻊ و اﻧﺘﻘﺎل اﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺔ و ﺗﻨﻈﯿﻢ اﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺸﺮﻛﺎت ﻣﺘﻌﺪدة اﻟﺠﻨﺴﯿﺎت‪ ،‬ﻓﺎﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﺑﺸﻜﻠﮭﺎ اﻟﺤﺎﻟﻲ و ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ‬
‫اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة دﻟﯿﻞ ﻋﻠﻰ أن اﻟﻔﺠﻮة ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺰداد اﺗﺴﺎﻋﺎ ﺑﯿﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ واﻟﻤﺘﻘﺪﻣﺔ و ﻟﺬﻟﻚ ﯾﺠﺐ اﻻھﺘﻤﺎم و اﻟﺘﺮﻛﯿﺰ ﻋﻠﻰ أھﻤﯿﺔ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت و ﺧﺼﻮﺻﺎ ﺑﻌﺪ‬
‫ﻇﮭﻮر ﻣﺎ ﯾﺴﻤﻰ ﺑﺎﻗﺘﺼﺎد اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺬي ﺳﻮف ﯾﻜﻮن ﻟﮫ ﺷﺄن ﻛﺒﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن‪.21‬‬
‫‪ -5‬ﯾﺮﻛﺰ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﺿﺮورة اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻻن اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر اﻟﻤﺎﻟﻲ ﻛﻮﺳﯿﻠﺔ ﻟﻠﺘﻨﻤﯿﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﯾﺸﻜﻞ ﻋﺎﺋﻘﺎ ﺑﻞ ﯾﻤﺜﻞ ﻋﺒﺌﺎ وﺧﺼﻮﺻﺎ ﻓﯿﻤﺎ ﯾﺘﻌﻠﻖ‬
‫ﺑﺨﺪﻣﺎت اﻟﺪﯾﻮن و ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻧﺴﺒﺘﮭﺎ إﻟﻰ ﻧﺴﺒﺔ اﻟﺼﺎدرات‬
‫‪ -6‬ﺗﻤﯿﺰ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﺑﻄﺮح رؤﯾﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﻓﯿﻤﺎ ﯾﺨﺺ ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﺑﺤﯿﺚ ﯾﺮى إﻣﻜﺎﻧﯿﺔ اﻻﻧﻄﻼق ﻣﻦ اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﻟﻠﻮﺻﻮل إﻟﻰ اﻻﺳﺘﺜﻤﺎر و ذﻟﻚ ﺑﻮﺿﻊ اﻟﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﻃﻠﯿﻌﺔ اﻟﻘﯿﻢ‬
‫اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ و ﯾﺮى ﺑﺎن اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ ﺗﺼﻨﻊ و ﻻ ﺗﺸﺘﺮى –ﻻ ﺗﺴﺘﻮرد‪ -‬و أن ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺷﺮاء ﻣﻨﺘﻮﺟﺎت ﺣﻀﺎرة أﺧﺮى ﺗﻌﻨﻲ اﻟﺘﻜﺪﯾﺲ ﻻ اﻟﺒﻨﺎء‪.‬‬
‫‪ -7‬إن ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﺒﻨﺎء اﻻﻗﺘﺼﺎدي ﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﻧﺘﺼﻮر ﻧﺠﺎﺣﮭﺎ إن ﻟﻢ ﯾﻜﻦ إﻧﺠﺎزھﺎ أﺧﺬ ﻓﻲ اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻗﯿﻤﺔ ﻟﻌﻨﺼﺮ اﻟﺒﺸﺮي ‪.‬‬
‫‪ -8‬إن اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ ﯾﺠﺐ ﻋﻠﯿﮭﺎ أن ﺗﻮاﺟﮫ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﺑﻮﺿﻮح و ﺟﺪﯾﺔ ﻟﺤﻞ ﻣﺸﺎﻛﻠﮭﺎ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ھﺬه اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﯾﻤﻜﻦ ﺻﯿﺎﻏﺘﮭﺎ ﻓﻲ اﻷﺳﺌﻠﺔ اﻟﺘﺎﻟﯿﺔ ﻋﻠﻰ اﻋﺘﺒﺎر‬
‫أن اﻹﻧﺴﺎن ھﻮ ﻣﺤﻮر اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﻐﯿﺮﯾﺔ‪:‬‬
‫‪ -‬ﻣﺎذا ﯾﺠﺐ أن ﻧﻐﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ ؟‬
‫‪ -‬ﻣﺎ ھﻲ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ و اﻟﻤﻨﺎھﺞ اﻟﺘﻲ ﻧﺴﺘﺨﺪﻣﮭﺎ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺘﻐﯿﯿﺮ؟‬
‫‪ -‬ﻣﺎ ھﻮ اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺮﺋﯿﺴﻲ اﻟﺬي ﯾﮭﺪف إﻟﯿﮫ ﺗﻐﯿﯿﺮ ﻛﮭﺬا؟‬

‫اﻟﻤﺼﺪر‪ :‬ﻣﺠﻠﺔ ﻋﻠﻮم إﻧﺴﺎﻧﯿﺔ ‪WWW.ULUM.NL‬اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ‪ :‬اﻟﻌﺪد ‪ 31‬ـ ﻧﻮﻓﻤﺒﺮ‪2006‬‬

‫*‪Cadre Financier au sein de Groupement British Petroleum & Sonatrach, ALGERIA, Doctorant « La pratique comptable‬‬
‫‪.« dans les sociétés multinationales et la normalisation comptable internationale, 2002-2006‬‬
‫)‪ - (1‬ﻣﺆﺗﻤﺮ ﺑﺎﻧﺪوﻧﻎ ‪ ، 1955‬و ﻋﻠﻰ ﺿﻮء ذﻟﻚ ﻛﺘﺐ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ اﻟﻔﻜﺮة اﻷﻓﺮوآﺳﯿﻮﯾﺔ‬
‫)‪ - (2‬ﺳﻠﯿﻤﺎن ﻃﯿﺎر ‪ ،‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ و اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺪوﻟﻲ ‪ ،‬ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻨﻮر ‪ ،‬اﻟﺠﺰاﺋﺮ‪ ، 28/10/9119 :‬ص‪.01:‬‬
‫)‪ - (3‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ‪ ،‬ﻓﻜﺮة اﻹﻓﺮﯾﻘﯿﺔ اﻵﺳﯿﻮﯾﺔ ‪ ،‬ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻋﺒﺪ اﻟﺼﺎﺑﻮر ﺷﺎھﯿﻦ ‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪ :‬دار اﻟﻔﻜﺮ ‪1981‬م ‪،‬ص‪.110:‬‬
‫)‪ (4‬ـ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ‪ ،‬اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد ‪ ،‬ص‪21 :‬‬
‫)‪ - (5‬ﺣﺎزم اﻟﺒﺒﻼوي ‪ ،‬ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب ﻋﺼﺮ ﺟﺪﯾﺪ ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬ﺑﯿﺮوت‪ :‬دار اﻟﺸﺮوق‪1983،‬م‪ ،‬ص‪.223 :‬‬
‫)‪ - (6‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ‪ ،‬اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد‪ ،‬ص‪.23 :‬‬
‫)‪ - (7‬ﺣﺎزم اﻟﺒﺒﻼوي ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ ‪ ،‬ص‪.234:‬‬
‫)‪ - (8‬اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ،‬ص‪.235:‬‬
‫)‪ - (9‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ‪ ،‬اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد ‪ ،‬ص‪.33 :‬‬
‫)‪ - (01‬ﺟﺮاد ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﯾﺰ ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.25 :‬‬
‫)‪ - (11‬ﻧﺎﺻﺮ دادي ﻋﺪون ‪ ،‬اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﺔ ﺗﺠﺎه اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ‪ ،‬ﺑﺤﺚ ﻏﯿﺮ ﻣﻨﺸﻮر‪.‬‬
‫)‪ - (12‬ﻣﺤﻤﺪ اﻷﻃﺮش‪ ،‬اﻟﻌﺮب و اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ‪ ،‬اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻌﺮﺑﻲ‪ ،‬اﻟﻌﺪد ‪1999‬م‪ ،‬ص‪.109 :‬اﻟﻌﺮب و اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻓﻲ اﻷﺻﻞ ‪ ،‬ﻧﺪوة ﻧﻈﻤﮭﺎ ﻣﺮﻛﺰ دراﺳﺎت اﻟﻮﺣﺪة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ‪،‬‬
‫ﺑﯿﺮوت ‪18/12/1997‬‬
‫)‪ - (13‬ﻣﺤﻤﺪ اﻷﻃﺮش ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ ‪ ،‬ص ‪ . 111‬ﻣﺤﻤﺪ اﻷﻃﺮش اﻗﺘﺼﺎدي ﻋﺮﺑﻲ و وزﯾﺮ ﺳﺎﺑﻖ ﻓﻲ ﺳﻮرﯾﺎ‬
‫)‪JOHN Maynard keynes ,The end of Laissez Faire,1926 in:JohnMaynard Keynes, Essays in Persuasion , London, New- (14‬‬
‫‪York, 1963,P:312 & 313‬‬
‫ﻧﻘﻼ ﻋﻦ ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻌﺮﺑﻲ‪ ،‬اﻟﻌﺪد ‪ ، 1999‬ص‪. 24:‬‬
‫)‪ - (15‬أﺧﺬت اﻷرﻗﺎم ﻣﻦ ‪International Monetary Fund-IMF-World economic Outlook .may:‬‬
‫‪ .Table N/15 P:64 1997‬ﻧﻘﻼ ﻋﻦ ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻌﺮﺑﻲ‪ ،‬اﻟﻌﺪد ‪ ،1999‬ص‪ (16) .29:‬ـ ﺿﯿﺎء ﻗﺮﯾﺸﻲ ‪،‬اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ﻓﺮص وﺗﺤﺪﯾﺎت ‪ ،‬اﻟﺘﻤﻮﯾﻞ و اﻟﺘﻤﻨﯿﺔ ‪ ،‬ﻣﺎرس‬
‫‪،1993‬ص‪.28 :‬‬
‫)‪ - (17‬أﻧﻈﺮ‪:‬ﺷﻌﯿﺐ ﺷﻨﻮف ‪ ،‬اﻟﺤﺮﻛﯿﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻋﻨﺪ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﺑﺎﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ وﺗﺤﺪﯾﺎت اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ‪ ،‬رﺳﺎﻟﺔ ﻣﺎﺟﺴﺘﯿﺮ ‪ ، 2002‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ‪ ،‬اﻟﻤﻠﺤﻖ رﻗﻢ ‪3:‬‬
‫اﻗﺘﺼﺎد اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت‪.‬‬
‫)‪ - (18‬ﺟﺮاد ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﯾﺰ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.25 :‬‬
‫)‪ - (19‬ﻟﻌﻮﯾﺴﺎت ﺟﻤﺎل اﻟﺪﯾﻦ ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ ‪ ،‬ص‪33 :‬‬
‫)‪ -(20‬ﺑﻦ أﺷﻨﮭﻮ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻄﯿﻒ ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.283 :‬‬
‫)‪ -(21‬اﻟﺴﯿﺎﺳﺎت اﻟﺤﻤﺎﺋﯿﺔ ﻟﻠﻤﻨﺘﺠﺎت اﻟﻤﺤﻠﯿﺔ و اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻮﻟﯿﺪة ﻣﻦ ﺧﻄﺮ اﻟﻤﻨﺎﻓﺴﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ‪.‬‬
‫)‪ -(22‬ﺗﻘﺮﯾﺮ اﻟﺒﻨﻚ اﻟﺪوﻟﻲ ‪ ،‬اﻷﻓﺎق اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ‪.1995 ،‬‬
‫)‪ -(23‬ﻣﻨﺸﻮرات اﻟﺒﻨﻚ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ‪ ،‬اﻟﻨﺪوة اﻟﻮزاري اﻟﻤﻨﻌﻘﺪة ﻓﻲ ﺳﯿﺎﺗﻞ اﻷﻣﺮﯾﻜﯿﺔ و اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة ‪ ،‬دﯾﺴﻤﺒﺮ ‪-(24) 1999‬ﺻﺎﻟﺤﻲ ﺻﺎﻟﺢ‪ ،‬دور‬
‫اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة ﻓﻲ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺘﺠﺎري اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪ‪ ،‬دراﺳﺎت اﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ‪ ،‬اﻟﻌﺪد ‪ ،2000 /1421‬ص‪.95 :‬‬
‫)‪ -(25‬ﻟﻌﻮﯾﺴﺎت ﺟﻤﺎل اﻟﺪﯾﻦ ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ ‪ ،‬ص‪.67 :‬‬
‫)‪ -(26‬ھﺎﻧﺲ‪-‬ﺑﺘﺮ ﻣﺎرﺗﯿﻦ ‪ ،‬ھﺎراﻟﺪ ﺷﻮﻣﺎن ‪ ،‬ﻓﺦ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ‪،‬ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻋﺪﻧﺎن ﻋﺒﺎس ﻋﻠﻲ ‪ ،‬ﻣﺮاﺟﻌﺔ و ﺗﻘﺪﯾﻢ رﻣﺰي زﻛﻲ‪ ،‬ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ‪ ،‬اﻟﻌﺪد‪ ،238:‬ص‪.90 :‬‬
‫)‪ -(27‬اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪،‬ص ‪. 92:‬‬
‫)‪ - (28‬ھﺎﻧﺲ ‪ ،‬ﺑﺘﺮﻣﺎرﺗﯿﻦ ‪ ،‬ھﺎراﻟﺪ ﺷﻮﻣﺎن ‪ ،‬ﻣﺮاﺟﻌﺔ و ﺗﻘﺪﯾﻢ رﻣﺰي زﻛﻲ ‪ ،‬ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ‪ ،‬اﻟﻌﺪد ‪ ، 238‬ص ‪. 88:‬‬
‫)‪ - (29‬اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪ ،‬ص‪.89 :‬‬
‫)‪ -(30‬ھﺎﻧﺲ‪،‬ﺑﯿﺘﺮﻣﺎرﺗﯿﻦ‪ ،‬ھﺎراﻟﺪ ﺷﻮﻣﺎن‪،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ ص‪.97:‬‬
‫)‪ -(31‬اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪،‬ص‪. 103:‬‬
‫)‪ -(32‬رﻏﻢ ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ اﻻﺗﺤﺎد اﻷورﺑﻲ و دول ﺟﻨﻮب ﺷﺮق آﺳﯿﺎ ﻟﻠﻮﻻﯾﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﯾﻜﯿﺔ‪.‬‬
 ‫)‪ -(33‬رﻣﺰي زﻛﻲ ‪ ،‬اﻟﻤﺨﺎﻃﺮ اﻟﻨﺎﺟﻤﺔ ﻋﻦ ﻋﻮﻟﻤﺔ اﻷﺳﻮاق اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ‪ ،‬دراﺳﺎت اﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ‪،‬اﻟﺠﺰاﺋﺮ‪ ،‬اﻟﻌﺪد ‪ ، 2000/ 1421‬ص‪.46:‬‬
‫)‪ -(34‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪،‬ص‪.47:‬‬
‫)‪ -(35‬ﻧﻔﺴﮫ ‪ ،‬ص‪.51:‬‬
‫)‪ -(36‬ﺟﺮاد ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﯾﺰ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ ‪ ،‬ص‪.77:‬‬
‫)‪ -(37‬رﻣﺰي زﻛﻲ‪ ،‬آﻟﯿﺎت اﻟﻔﻮﺿﻰ ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻟﺮاھﻦ‪ ،‬اﻟﻌﺮﺑﻲ‪ ،‬اﻟﻌﺪد ‪ ،482‬ﺟﺎﻧﻔﻲ ‪ ،99‬ص‪.110 :‬‬
‫)‪ -(38‬ﻧﻔــﺴﮫ ‪ ،‬ص ‪. 112 :‬‬
‫)‪ -(39‬اﻧﻈﺮ ‪ :‬ﻧﺎﺻﺮ دادي ﻋﺪون ‪ ،‬اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﺔ ﺗﺠﺎه اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ‪ ،‬ﺑﺤﺚ ﻏﯿﺮ ﻣﻨﺸﻮر ‪.‬‬
‫)‪ -(40‬ﻣﺠﻠﺔ ‪ ,The economist‬ﻧﻘﻼ ﻋﻦ ﻋﺎﻟﻢ اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ‪ ،‬اﻟﻌﺪد‪ ،1998 ،238‬ص‪.315 :‬‬
‫)‪ -(41‬ﻃﮫ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﻠﯿﻢ‪ ،‬ھﻞ ﯾﻤﻠﻚ اﻟﻌﺮب رؤﯾﺔ اﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ‪ ،‬اﻟﻌﺮﺑﻲ‪ ،‬اﻟﻌﺪد ‪ ،485‬ص‪.32:‬‬
‫)‪ -(42‬أي ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ﺣﻘﻘﮫ ﻛﻞ ﺑﻠﺪ ﻣﻦ اﻧﺘﺎج و ﺗﺰوﯾﺪ اﻟﺴﻮق اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﺑﺎﻟﺼﺎدرات‪.‬‬
‫)‪ -(43‬ﻃﮫ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﻠﯿﻢ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.40:‬‬
‫)‪ -(44‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ‪ ،‬ﺷﺮوط اﻟﻨﮭﻀﺔ ‪ ،‬ص‪.113:‬‬
‫)‪ -(45‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ‪ ،‬اﻟﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ ‪،‬ص‪. 115:‬‬
‫)‪ -(46‬ﻟﻌﻮﯾﺴﺎت ﺟﻤﺎل اﻟﺪﯾﻦ‪،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.77:‬‬
‫)‪-(47‬ﻧﻔﺴﮫ ‪،‬ص‪78:‬‬
‫)‪ -(48‬ﻣﺮﻛﺰ دراﺳﺎت اﻟﻮﺣﺪة اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ‪ ،‬اﻟﻌﺮب و اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ‪،‬ﺑﯿﺮوت‪:‬ﻧﻘﻼ ﻋﻦ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻌﺮﺑﻲ‪ ،‬اﻟﻌﺪد ‪ ،1999‬ص‪.111:‬‬
‫)‪ -(49‬اﻧﻈﺮ‪:‬ﺷﻌﯿﺐ ﺷﻨﻮف ‪ ،‬اﻟﺤﺮﻛﯿﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻋﻨﺪ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ﺑﺎﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ وﺗﺤﺪﯾﺎت اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ‪ ،‬رﺳﺎﻟﺔ ﻣﺎﺟﺴﺘﯿﺮ ‪ ، 2002‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮ‪ ،‬اﻟﻤﻠﺤﻖ رﻗﻢ ‪2‬‬
‫‪.‬اﻟﻤﻨﻈﻤﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة ﻧﻈﺎم –ﺣﻮت –ﯾﺒﺘﻠﻊ اﻗﺘﺼﺎدﯾﺎت اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻨﺎﻣﯿﺔ‪.‬‬
‫)‪ -(50‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ‪ ،‬ﺑﯿﻦ اﻟﺮﺷﺎد و اﻟﺘﯿﮫ‪،‬دﻣﺸﻖ‪:‬دار اﻟﻔﻜﺮ‪،‬ص‪.183:‬‬
‫)‪ -(51‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ‪ ،‬اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ اﻻﻗﺘﺼﺎد‪،‬ص‪.75:‬‬
‫)‪ -(52‬ﺑﺸﯿﺮ ﻣﺼﯿﻄﻔﻰ‪ ،‬ﻗﯿﻤﺔ اﻟﻌﻨﺼﺮ اﻟﺒﺸﺮي ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ﻋﻨﺪ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ‪ ،‬دول اﻟﺨﻠﯿﺞ ‪ 14‬دﻗﯿﻖ ﻋﻤﻞ ﻓﻲ اﻟﯿﻮم‪ ،‬و اﻟﯿﺎﺑﺎن ‪10‬ﺳﺎﻋﺎت ﻋﻤﻞ ﯾﻮﻣﯿﺎ‪ ،‬ﻣﻦ‬
‫ﻧﺪوة ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ‪،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮ‪.26/12/99،‬‬
‫)‪ -(53‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﺒﻲ‪ ،‬ﺑﯿﻦ اﻟﺮﺷﺎد و اﻟﺘﯿﮫ‪،‬ص‪.186:‬‬
‫)‪ -(54‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ‪ ،‬اﻟﻤﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪193:‬‬
‫)‪ -(55‬ﻟﻌﻮﯾﺴﺎت ﺟﻤﺎل اﻟﺪﯾﻦ ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪،‬ص‪.41:‬‬
‫)‪ -(56‬اﻟﻔﺮق ﺑﯿﻦ اﻟﺮأي اﻻول و اﻟﺜﺎﻧﻲ‪،‬اﻻول ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﻨﻤﻮ اﻟﻤﺘﻮازن ﯾﺮى ﺑﺎن اﻟﻤﺸﻜﻞ ﻓﻲ ﺿﯿﻖ اﻟﺴﻮق‪ ،‬اﻣﺎ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﯾﻤﺜﻞ ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﻨﻤﻮ ﻏﯿﺮ اﻟﻤﺘﻮازن ﯾﺮى ﺑﺎن اﻟﺘﻨﻤﯿﺔ‬
‫ﺗﺘﺨﺬ ﺷﻜﻞ ﺗﺮﻛﯿﺰ اﻟﻤﻮارد ﻓﻲ ﻋﺪد ﻣﺤﺪود ﻣﻦ اﻷﻧﺸﻄﺔ ھﻮ اﻟﻘﻄﺎع اﻟﻘﺎﺋﺪ‪.‬‬
‫)‪ -(57‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ‪ ،‬ﺷﺮوط اﻟﻨﮭﻀﺔ‪ ،‬دﻣﺸﻖ‪ :‬دار اﻟﻔﻜﺮ‪،‬ص‪.120:‬‬
‫)‪ -(58‬ﻟﻌﻮﯾﺴﺎت ﺟﻤﺎل اﻟﺪﯾﻦ‪،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪،‬ص‪.54:‬‬
‫)‪ -(59‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ ‪،‬ﺷﻮرط اﻟﻨﮭﻀﺔ‪،‬ص‪.115 :‬‬
‫)‪ -(60‬دﻣﺪوم ﻛﻤﺎل‪ ،‬دور اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﺼﻐﯿﺮة و اﻟﻤﺘﻮﺳﻄﺔ ﻓﻲ ﺗﺜﻤﯿﻦ ﻋﻮاﻣﻞ اﻹﻧﺘﺎج ﻓﻲ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻤﺮ ﺑﺈﻋﺎدة اﻟﮭﯿﻜﻠﺔ‪،‬دراﺳﺎت اﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ ‪،‬اﻟﻌﺪد‪2000‬‬
‫‪،‬ص‪.183:‬‬
‫)‪ -(61‬ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﻧﺒﻲ‪ ،‬ﻣﻦ اﺟﻞ اﻟﺘﻐﯿﯿﺮ‪،‬دﻣﺸﻖ‪ :‬دار اﻟﻔﻜﺮ‪،‬ص‪33:‬‬
‫)‪ -(62‬ﻣﺎﻟﻚ ﻧﺐ ﻧﺒﻲ‪ ،‬ﺑﯿﻦ اﻟﺮﺷﺎد و اﻟﺘﯿﮫ‪،‬ص‪.172:‬‬
‫)‪ -(63‬أﻧﻈﺮ ﻧﺎﺻﺮ دادي ﻋﺪون ‪،‬اﺳﺘﺮاﺗﺠﯿﺔ اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﺔ ﺗﺠﺎه اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ ‪.‬‬