You are on page 1of 653

‫دار اﻹﻣﺎم ﻣﺴﻠﻢ ﻟﻠﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﻳﻊ‪ ١٤٤١ ،‬ﻫـ‬ ‫ح‬

‫ﻓﻬﺮﺳﺔ ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﻤﻠﻚ ﻓﻬﺪ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ أﺛﻨﺎء اﻟﻨﺸﺮ‬


‫اﻟﺒﺪر‪ ،‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺤﺴﻦ اﻟﻌﺒﺎد‬
‫أﺣﺎدﻳﺚ اﻷذﻛﺎر واﻷدﻋﻴﺔ‪ / .‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻤﺤﺴﻦ اﻟﻌﺒﺎد اﻟﺒﺪر‪.‬‬
‫‪00966532627111‬‬
‫اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻟﻤﻨﻮرة‪١٤٤٢ ،‬ﻫـ‬ ‫‪00966590960002‬‬

‫ردﻣﻚ‪٩٧٨-٦٠٣-٨٢٨٧-٨٠-٤ :‬‬ ‫‪daremslm@gmail.com‬‬

‫أ‪ .‬اﻟﻌﻨﻮان‬ ‫‪ -١‬اﻷدﻋﻴﺔ واﻷذﻛﺎر ‪ -٢‬اﻟﺤﺪﻳﺚ ‪ -‬ﻣﺒﺎﺣﺚ ﻋﺎﻣﺔ‬ ‫‪daremslm‬‬


‫‪١٤٤٢-٨٥٧١‬‬ ‫دﻳﻮي ‪٢١٢٫٩٣‬‬
‫رﻗﻢ اﻹﻳﺪاع‪١٤٤٢-٨٥٧١ :‬‬
‫ردﻣﻚ‪٩٧٨-٦٠٣-٨٢٨٧-٨٠-٤ :‬‬

‫‪ ١٤٤٣‬ﻫ ‪٢٠٢٢ -‬م‬ ‫‪Sutor.center@gmail.com‬‬


‫ﺻﻒ ـ ـ ﺗﻨﺴﻴﻖ ـ ـ ﺗﺼﻤﻴﻢ‬
‫ﺑﺤﺚ ﻋﻠﻤﻲ ـ ـ ﻃﺒﺎﻋﺔ ـ ـ ﹼ‬
‫ْ‬
‫ِإﻋـ ــﺪاد‬
(L
(
.
(.
(:
(-
((
-
'
(J k4='
. % . . w
w
k.
O W U
w. - --...
; W
% .-h..x..------.-4
OW
1= ! .V-

ôa-
'wz .œ iq.i ol.)+w.lJ kw's..r-'wb q.
ata-z kw'x.w txp w. J.œ wkw'.wh
.

ugJ'tj.-wa; ' t:2.w:*sJ6Iy ow


I<:'
Nicw:I
> i))ugJcpt
'+X'Va'ho.- cu
-Iw I
ww ô.'
V'' .

g
':.o1I'
oI
Ja') G <z4 I.Io .
' t& J
a. 4)w d'
: ufwe'
. /ur57%hJ oI
. '':'R-
+'* e.Y * vYa*
.<
I. D
-;I
éAIjJ
I I 5 .I '
.
o.. w . '$.. .Q'wu-ww ho vowi, . '
'. 'O
v atv=w-
-ul, ..w. o 'uyv
I* 'O ' 1f '
.= -,Jlz
œh'-'uwl,

. .. y . u.s

G z

1=.lA l.=. w'


o.u
'9l1
'.*'l.=.
‫‪7‬‬ ‫‪ -1‬فضل ال ِّذكر‬

‫‪1‬‬

‫فضل ال ِّذكر‬

‫بأهم األمور وأعظمها‬‫ِّ‬ ‫إن الحديث عن ذكر اهلل ‪ D‬حديث يتع َّلق‬ ‫َّ‬
‫وأج ِّلها وأوالها بالعناية واالهتمام؛ إذ هو يتع َّلق بـ«ذكر اهلل العظيم»؛ ذكر ِّ‬
‫رب‬
‫ِ‬
‫وموجد‬ ‫رب العالمين‪ ،‬ذكر خالق َ‬
‫الخلق وباري الرب َّية‬ ‫السموات واألرض ِّ‬ ‫َّ‬
‫النَّاس أجمعين‪ ،‬ذكر للقائل سبحانه‪﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ﴾ [الحشر‪.]24-22 :‬‬
‫خير ما ُعمرت به األوقات‪ ،‬وأنفقت فيه األنفاس‪،‬‬ ‫َّ ِ‬
‫إن ذك َْر اهلل ‪ C‬هو ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بذكر اهلل ‪ C‬تطمئ ُّن قلوب المؤمنين‪ ،‬وتس ُكن‬ ‫الساعات‪.‬‬‫و ُأ ْمضيت فيه َّ‬
‫ُ‬
‫عنوان‬ ‫نفوسهم‪ ،‬ويع ُظم يقينُهم‪ ،‬ويزدا ُد إيمانُهم‪ ،‬وتقوى صلتهم بر ِّبهم‪ .‬وهو‬ ‫ُ‬
‫وسعادة و ُأ ٍ‬
‫نس‬ ‫ٍ‬ ‫كل ٍ‬
‫خير‬ ‫إن َّ‬ ‫وسبيل الفالح يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬بل َّ‬ ‫ُ‬ ‫السعادة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫الشرائع ك َّلها‬ ‫إن َّ‬ ‫ف على تحقيقه‪ ،‬بل َّ‬ ‫ٍ‬
‫مأنينة يف الدُّ نيا واآلخرة متو ِّق ٌ‬ ‫وراحة و ُط‬‫ٍ‬
‫اهلل ‪D‬‬ ‫وال َّطاعات جمي َعها إنَّما ُشرعت إلقامة ذكر اهلل ‪ .D‬فما َش َر َع ُ‬
‫ذكر اهلل؛‬ ‫والحج وغير ذلك من ال َّطاعات َّإل إلقامة ِ‬ ‫َّ‬ ‫والصيام‬
‫ِّ‬ ‫الصالة‬
‫لعباده َّ‬
‫الصائِ ِمي َن َأ ْع َظ ُم‬
‫ول اهلل ﷺ َأ َّن َر ُج ًل َس َأ َل ُه‪َ « :‬أ ُّي َّ‬ ‫ثبت يف الحديث َعن رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ولهذا َ‬
‫ِ‬
‫الح َّج‪،‬‬
‫الزكَاةَ‪َ ،‬و َ‬ ‫الص َلةَ‪َ ،‬و َّ‬‫َأ ْج ًرا؟» َق َال‪َ « :‬أ ْك َث ُر ُه ْم هلل ‪ F‬ذك ًْرا»‪ُ ،‬ث َّم َذك ََر َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪8‬‬

‫«أ ْك َث ُر ُه ْم هلل ‪ِ F‬ذك ًْرا» َف َق َال َأ ُبو‬ ‫ول‪َ :‬‬‫ول اهلل ﷺ َي ُق ُ‬ ‫الصدَ َقةَ‪ .‬ك ُُّل َذل ِ َك َر ُس ُ‬‫َو َّ‬
‫ول اهلل ﷺ‪:‬‬ ‫الذاكِ ُر َ‬
‫ون بِ ُك ِّل َخ ْي ٍر»‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫ب َّ‬
‫ص َذ َه َ‬‫َب ْك ٍر ل ِ ُع َم َر‪َ « :‬يا َأ َبا َح ْف ٍ‬
‫«أ َج ْل»‪ .‬رواه أحمد(‪.)1‬‬ ‫َ‬
‫فالذاكرون هم ِ‬
‫الرفيعة‪ ،‬والمنازل‬ ‫الحقي ُقون باألجور العظيمة‪ ،‬والدَّ رجات َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫وقوهتا‪،‬‬ ‫روح القلوب وحيا ُتها‪،‬‬ ‫العالية يف الجنَّة؛ َّ ِ‬
‫وسبب زكاهتا َّ‬ ‫ُ‬ ‫ألن ذك َْر اهلل هو ُ‬
‫والخيرات العميمة يف الدُّ نيا واآلخرة ما ال‬ ‫ِ‬ ‫ويرت َّتب عليه من األجور العظيمة‬
‫اهلل ‪.C‬‬ ‫يحصي عدَّ ُه َّإل ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫«ل َيز َُال لِ َسان َ‬
‫خرجه‬ ‫ُك َر ْط ًبا م ْن ِذ ْكرِ اهلل»‪َّ .‬‬ ‫ويف الحديث عن نب ِّينا ﷺ قال‪َ :‬‬
‫سبب‪ :‬وهو كما قال عبد اهلل بن ُبسر‪- I‬راوي‬ ‫اإلمام أحمد وغيره(‪ .)2‬وله ٌ‬
‫ول اهللِ‪ ،‬إِ َّن َش َرائِ َع‬‫«يا َر ُس َ‬ ‫َّبي ‪ O‬وقال له‪َ :‬‬ ‫رجل أتى الن َّ‬ ‫أن ً‬ ‫الحديث‪َّ -‬‬
‫ث بِ ِه» ويف لفظ‪« :‬إِ َّن َش َرائِ َع‬ ‫ال ْس َل ِم َقدْ َك ُث َر ْت َع َل َّي‪َ ،‬ف َأ ْخبِ ْرنِي بِ َش ْي ٍء َأت ََش َّب ُ‬ ‫ِْ‬
‫ك بِ ِه ج ِامع؟»‪ ،‬هكذا طلب مِ‬ ‫ِْ‬
‫َّبي‬
‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫اب َنت ََم َّس ُ‬ ‫ال ْس َل ِم َقدْ َك ُث َر ْت َع َل ْينَا‪َ ،‬ف َب ٌ‬
‫علي‪ ،‬فأريدُ با ًبا‬ ‫دت‬
‫ْ‬ ‫تعدَّ‬ ‫أي‬ ‫»؛‬ ‫ت‬
‫ْ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ث‬ ‫«ش َرائِ َع ِ‬
‫اإل ْس َل ِم َقدْ َك ُ‬ ‫‪ ،O‬قال‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫ُك َر ْط ًبا ِم ْن ِذ ْكرِ‬ ‫«ل َيز َُال لِ َسان َ‬‫فقال ‪َ :O‬‬ ‫أتمسك به‪َ ،‬‬ ‫من الخير جام ًعا َّ‬
‫يتمسك به‪ ،‬فأرشده النَّبِ ُّي ﷺ‬ ‫ِ‬
‫السائل كان يريد با ًبا جام ًعا من الخير َّ‬ ‫اهلل»؛ فهذا َّ‬
‫النَّاصح األمين إلى ذكر اهلل ‪.C‬‬
‫َّبي ‪ O‬لهذا ا َّلذي َك ُث َرت‬ ‫وهنا تأ َّمل ‪-‬أخي الكريم‪ -‬توجي َه الن ِّ‬
‫يتمس ُك به‪ ،‬تتح َّق ُق‬
‫أمرا جام ًعا َّ‬
‫وتنوعت‪ ،‬فأراد ً‬ ‫عليه شرائع اإلسالم وتعدَّ دت َّ‬
‫خير ْي الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬فأرشدَ ه ﷺ إلى عم ٍل هو‬ ‫ويحصل به َ‬ ‫ِّ‬ ‫به سعادته‪،‬‬
‫ِ‬
‫العظيمة‬ ‫مِ ْن أيسر األعمال َم ُؤو َن ًة وأخ ِّفها تطبي ًقا‪ ،‬ويتَّرتب عليه من األجور‬
‫(((  أخرجه أحمد يف المسند (‪.)15614‬‬
‫ِّرمذي (‪ ،)3375‬وابن ماجه (‪،)3793‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أحمد يف المسند (‪ ،)17680‬والت‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪9‬‬ ‫‪ -1‬فضل ال ِّذكر‬

‫وإن َك ُث َر وتعدَّ د فهو مِن‬


‫الذكر ْ‬
‫ألن ِّ‬ ‫ِ‬
‫الكثيرة ما ال يرت َّتب على سواه‪َّ .‬‬ ‫ِ‬
‫والخيرات‬
‫ألن حركة‬ ‫وأيسرها‪ ،‬وال يتط َّلب من صاحبه مجهو ًدا ً‬
‫كبيرا؛ َّ‬ ‫أخف األعمال َ‬ ‫ِّ‬
‫تشق على اإلنسان وال تك ِّلفه‪ ،‬وال يحصل له بسببها‬ ‫ال ِّلسان بذكر َّ‬
‫الرحمن ال ُّ‬
‫وسكون القلب‪ ،‬ويتح َّقق‬
‫والراحة ُ‬ ‫يحصل له بذلك ال ُّطمأنين ُة َّ‬
‫ب وجهدٌ ‪ ،‬بل ُ‬‫َت َع ٌ‬
‫والسعادة‪.‬‬
‫له بذلك الفالح َّ‬
‫‪-‬كالصالة‪ ،‬والمشي إلى‬‫َّ‬ ‫وعمل ال ِّلسان عندما ُيقارن بأعمال الجوارح‬
‫ُ‬
‫أن هذه األعمال‬ ‫والصيام وغير ذلك‪ -‬نجد َّ‬‫ِّ‬ ‫والحج‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫المساجد‪ ،‬والوضوء‪،‬‬
‫ٍ‬
‫شخص‬ ‫أيضا المش َّقة نسب َّية من‬
‫ر َّبما يكون فيها شيء من المش َّقة‪ ،‬وقد تكون ً‬
‫والصحيح والمريض‪،‬‬ ‫ذكر اهلل ‪ C‬فللنَّاس ك ِّلهم؛ َّ‬
‫الصغير والكبير‪َّ ،‬‬ ‫آلخر‪ ،‬أ َّما ُ‬
‫والذكر واألنثى‪ ،‬ال يك ِّلف أحدً ا شي ًئا‪ ،‬ويستطيع العبد أن ُي َح ِّر َك لسانَه هبذا الخير‬ ‫َّ‬
‫وتعب‪ ،‬وينال‬‫ٌ‬ ‫ذاكرا‪ُ ،‬م ْثن ِ ًيا عليه‪ ،‬دون أن يحصل له مش َّق ٌة‬
‫مس ِّب ًحا هلل‪ ،‬حامدً ا له‪ً ،‬‬
‫إل اهلل ‪،E‬‬
‫ٍ‬
‫وخيرات وافرة يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬ال يحصيها َّ‬ ‫أجورا عظيمة‬
‫ً‬
‫َان َخ ِفي َفت ِ‬
‫َان َع َلى‬ ‫الصحيحين(‪« :-)1‬ك َِل َمت ِ‬ ‫ولهذا قال ‪- O‬كما يف َّ‬
‫الذكر على ال ِّلسان‬ ‫ان»؛ َّأول ما بدأ يف هذا الحديث أرشد إلى هذا؛ خ َّف ِة ِّ‬ ‫ال ِّل َس ِ‬
‫أيضا؟ قال‪:‬‬ ‫وسهولته‪ ،‬وأنَّه ال يك ِّلف يصاحبه ٌ‬
‫تعب أو مش َّقةٌ‪ .‬وماذا ً‬ ‫و ُيسره ُ‬
‫َان‪َ ،‬حبِي َبت ِ‬ ‫َان فِي ِ‬
‫الميز ِ‬ ‫« َث ِقي َلت ِ‬
‫حبيب إلى اهلل ووزنُه ثقيل‬
‫ٌ‬ ‫فالذكر‬ ‫َان إِ َلى َّ‬
‫الر ْح َم ِن»؛ ِّ‬
‫ثم ذكر الكلمتين‪« :‬سبحان اهلل وبحمده‪ ،‬سبحان اهلل العظيم»‪.‬‬ ‫عنده‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫بتوفيقه‪ ،‬أ َّما َمن‬ ‫ن أعانَه اهلل وأمدَّ ه ‪F‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خفيف على لسان َم ْ‬ ‫ٌ‬ ‫كر اهلل‬
‫فذ ُ‬
‫يشق عليه ويصعب‪ ،‬وال يستطيع أن يذكُر‬ ‫فإن ذكر اهلل ُّ‬ ‫خذ َله اهلل ‪-‬والعياذ باهلل‪َّ -‬‬
‫ملل وسآم ٌة من ِّ‬
‫الذكر‪،‬‬ ‫اهلل‪ ،‬بل يجد يف ذلك مش َّق ًة وتع ًبا‪ ،‬ور َّبما تربَّم وحصل له ٌ‬
‫َ‬
‫الخذالن‪ ،‬ودليل ِ‬
‫الحرمان‪.‬‬ ‫عالمة ِ‬
‫ِ‬ ‫وهذا من‬
‫البخاري (‪ ،)6406‬ومسلم (‪.)2694‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪10‬‬

‫يتمسك به وأن‬ ‫مسلم أن َّ‬ ‫ٍ‬ ‫جامع للخير؛ ين َبغي على ِّ‬
‫كل‬ ‫ٌ‬ ‫باب‬
‫ذكر اهلل ‪ٌ C‬‬ ‫ُ‬
‫الحث على‬ ‫ِّ‬ ‫والسنَّة من‬ ‫ِ‬
‫نصوص الكتاب ُّ‬ ‫َ‬
‫يكون من أهله‪ ،‬وكم يف‬ ‫يتش َّب َث به وأن‬
‫للذاكرين‪ ،‬وما يرت َّتب‬ ‫الذكر وتفضيله وبيان عظيم أجره وما أعدَّ ه اهلل ‪َّ F‬‬ ‫ِّ‬
‫الذكر من الفوائد العظيمة وال َّثمرات الكريمة والخيرات الجزيلة يف الدُّ نيا‬ ‫على ِّ‬
‫يدل على ِع َظم شأن هذه ال َّطاعة وجاللة قدرها ورفيع مكانتها‬ ‫مما ُّ‬
‫واآلخرة؛ َّ‬
‫عند اهلل ‪.F‬‬
‫العلمة ابن ق ِّيم الجوز َّية‪ :‬يف هذا الباب رسال ٌة فريدة‪ ،‬لم ُيكتَب‬ ‫ولإلمام َّ‬
‫الشأن متداولة بين أهل العلم وطالبه؛‬ ‫أعلم‪ -‬على منوالها مث ُلها‪ ،‬عظيم ُة َّ‬ ‫‪-‬فيما ُ‬
‫الص ِّيب»‪ :‬هو‬‫الص ِّيب من ال َكلِم ال َّط ِّيب»‪ ،‬و«الوابل َّ‬ ‫أسماها ‪« :V‬الوابل َّ‬
‫المطر النَّافع وهي كذلك‪.‬‬
‫ثم شرع‪ :‬يف عدِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الرسالة‪« :‬ويف ِّ‬
‫أكثر من مائة فائدة»‪َّ ،‬‬ ‫الذكر ُ‬ ‫قال يف تلك ِّ‬
‫الذكر وثمراتِه ما يزيد‬ ‫ِ‬
‫فوائد ِّ‬ ‫الذكر وثمراتِه يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬وعدَّ من‬ ‫فوائد ِّ‬
‫واحدة منها كافي ٌة يف تحريك القلوب وتنشيط النُّفوس‬ ‫ٍ‬ ‫السبعين فائدة‪ُّ ،‬‬
‫كل‬ ‫على َّ‬
‫يقرأ هذا‬ ‫فكيف هبا إذا اجتمعت؟! ولهذا َّ‬ ‫ِ‬ ‫للعناية هبذه ال َّط ِ‬
‫قل أن َ‬ ‫َ‬ ‫العظيمة‪،‬‬ ‫اعة‬
‫وتحسن حاله ‪-‬بإذن اهلل‪-‬‬ ‫ِ‬
‫والفائدة َّإل‬ ‫مسلم قراء ًة متأنِّي ًة طال ًبا للنَّف ِع‬ ‫الكتاب‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫يف ذكره هلل ‪ C‬وتزيدُ عنايته به‪.‬‬
‫وبسطها وأطال يف إيضاحها وبيانِها‬ ‫الذكر َ‬ ‫لما عدَّ د فوائد ِّ‬ ‫وهو ‪َّ V‬‬
‫يكون عليها‬ ‫َ‬ ‫الذكر ا َّلتي ين َبغي أن‬ ‫فصول يف أنواع ِّ‬ ‫ً‬ ‫عقب ذلك‬ ‫وأهنى ذلك؛ عقدَ ِ‬
‫المسلم‪ ،‬فما أن يفرغ القارئ من هذا التشويق والتَّرغيب بذكر اهلل؛ َّإل ويجد‬
‫ثم سر ًدا‬‫كتاب اهلل وسنَّ ُة نب ِّيه ﷺ‪َّ ،‬‬ ‫دل عليها ُ‬ ‫الذكر ا َّلتي َّ‬ ‫أمامه بس ًطا ناف ًعا ألنواع ِّ‬
‫ألهم األذكار المو َّظفة للمسلم يف يومه وليلته‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫واف ًيا‬
‫ٍ‬
‫مسلم؛ األب يعتني باقتنائه‬ ‫أن هذا الكتاب ينبغي أن يعتني به ُّ‬
‫كل‬ ‫ولهذا أرى َّ‬
‫َ‬
‫‪11‬‬ ‫‪ -1‬فضل ال ِّذكر‬

‫يحرص على‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬


‫العلم‬ ‫وطالب‬
‫ُ‬ ‫وإهدائه ألوالده وأهل بيته ويح ُّثهم على قراءتِه‪،‬‬
‫لعظم نفعه وكِ َب ِر فائدته‪.‬‬ ‫اقتنائِه واالستفادة منه‪ ،‬ويتداول بين المسلمين ِ‬
‫ُ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫الذكر من خالل ما ذكره ‪:V‬‬ ‫‪ ‬وفيما يلي تخليص ل�شيء من فوائد ِ‬
‫ّ‬
‫طمأنينة القلب‪ ،‬قال ‪﴿ :C‬ﰏ ﰐ‬ ‫الذكر‪ :‬أنَّه سبب ُ‬ ‫‪ ‬فمن فوائد ِ‬
‫وسكونه و ُأنسه‬ ‫[الرعد‪ ،]28 :‬ف ُطمأنينة القلب ‪-‬وهي راحته ُ‬ ‫ﰑ ﰒ ﰓ﴾ َّ‬
‫أهل القلوب‬ ‫فالذاكرون اهلل هم ُ‬ ‫الذكر‪َّ ،‬‬ ‫لقه وضجره‪ -‬ثمر ٌة من ثمار ِّ‬ ‫وذهاب َق ِ‬
‫ُ‬
‫والراحة يف أحوالهم ك ِّلها؛ يف ُع ْس ِرهم‬ ‫ِ‬
‫السعيدة ا َّلتي ُمل َئت باألنس َّ‬ ‫المطمئنَّة َّ‬ ‫ُ‬
‫ومرضهم‪ ،‬ال‬ ‫ِ‬ ‫وص َّحتهم‬ ‫وغناهم وفقرهم‪ِ ،‬‬ ‫ويسرهم‪ ،‬وشدَّ هتم ورخائهم‪ِ ،‬‬
‫ُ‬
‫والضجر‪ ،‬بل قلوهبم مطمئنَّة ساكن ٌة ومرتاح ٌة يف أحوالهم ك ِّلها؛‬ ‫ينتا ُبهم القلق َّ‬
‫الم ْؤ ِم ِن؛ إِ َّن َأ ْم َر ُه ُك َّل ُه َخ ْي ٌر‪َ ،‬و َل ْي َس‬ ‫ِ‬
‫متعج ًبا‪َ « :‬ع َج ًبا لَ ْمرِ ُ‬
‫ِّ‬ ‫ولهذا قال ‪O‬‬
‫َان َخ ْي ًرا َل ُه‪َ ،‬وإِ ْن َأ َصا َب ْت ُه َض َّرا ُء‬ ‫اك ِلَ َح ٍد إِ َّل لِ ْل ُم ْؤ ِم ِن؛ إِ ْن َأ َصا َب ْت ُه َس َّرا ُء َشك ََر َفك َ‬
‫َذ َ‬
‫َان َخ ْي ًرا َل ُه»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫َص َب َر َفك َ‬
‫الصدر‪،‬‬‫منشرح َّ‬
‫ُ‬ ‫مرتاح البال‪،‬‬
‫ُ‬ ‫مستمرة؛ مطمئ ُّن القلب‪،‬‬
‫َّ‬ ‫فالمؤمن يف ُطمأنينة‬
‫مليئ باألنس‪ ،‬وهذا ك ُّله إنَّما حصل له بمواظبته على ذكر اهلل واستمراره على‬‫ٌ‬
‫ذلك‪﴿ ،‬ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ﴾ َّ‬
‫[الرعد‪:‬‬
‫‪]28‬؛ تطمئ ُّن قلو ُبهم بذكر اهلل ال بذكر ٍ‬
‫أمر آخر؛ فبه يزول قلقها واضطراهبا‬
‫وتحضرها أفراحها َّ‬
‫ولذاهتا‪.‬‬
‫وحري َّأل تطمئ َّن لشيء‬
‫ٌّ‬ ‫حقيق هبا‬
‫ٌ‬ ‫﴿ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ﴾‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ألذ للقلوب وال أشهى وال أحلى من مح َّبتها لخالقها‬ ‫سوى ذكره؛ فإنَّه ال شيء َّ‬
‫واألنس به ومعرفته‪ ،‬وعلى قدر معرفتها باهلل ومح َّبتها له يكون ذكرها له‪.‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2999‬‬


‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪12‬‬

‫‪2‬‬

‫فوائد ال ِّذكر (‪)1‬‬

‫ِ‬ ‫ّ‬
‫القلوب الحياة الحقيق َّية‪ ،‬وبدونه‬ ‫الذكر العظيمة‪ :‬أنَّه حيا ُة‬ ‫‪ ‬من فوائد ِ‬
‫«م َث ُل‬
‫َّبي ﷺ أنَّه قال‪َ :‬‬ ‫البخاري عن الن ِّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ِّ‬ ‫يموت القلب؛ ولهذا ثبت يف صحيح‬
‫ت»‪ .‬ولفظه عند مسلم(‪:)2‬‬ ‫ا َّل ِذي ي ْذكُر ربه وا َّل ِذي َل ي ْذكُر ربه م َث ُل ا ْلحي وا ْلمي ِ‬
‫َ ِّ َ ِّ‬ ‫َ ُ َ َّ ُ َ‬ ‫َ ُ َ َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ا َّلذي َل ُي ْذك َُر اهللُ فيه َم َث ُل ا ْل َح ِّي وا ْل َم ِّيت»‪.‬‬ ‫ت ا َّل ِذي ُي ْذك َُر فيه اهللُ وا ْل َب ْي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫«م َث ُل ا ْلبي ِ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫الذاكرين مثل بيوت‬ ‫الذاكر هلل مثله مثل الحي‪ ،‬وبيوت َّ‬ ‫فجعل ‪َّ O‬‬
‫ِّ‬
‫األحياء‪ ،‬وجعل ‪َ O‬م َثل ا َّلذي ال يذكر اهلل كمثل الم ِّيت‪ ،‬وبيوت‬
‫ٍ‬
‫حديث‬ ‫ا َّلذين ال يذكرون اهلل كبيوت األموات‪ ،‬وهي المقابر؛ ولهذا قال يف‬
‫«ل ت َْج َع ُلوا ُب ُيو َتك ُْم َم َقابِ َر» رواه مسلم من حديث أبي هريرة ‪،)3(I‬‬ ‫آخر‪َ :‬‬
‫الصالة وات ُلوا كال َم اهلل؛ َّ‬
‫ألن البيت إذا‬ ‫أي‪ :‬اذكروا اهلل يف بيوتكم وأقيموا فيها َّ‬
‫الصالة؛ يكون مثل‬ ‫ال ُيت َلى فيه كال ُم اهلل‪ ،‬وال ُي ْ‬
‫ذكر فيه سبحانه‪ ،‬وال ُت َقام فيه َّ‬
‫المقربة ا َّلتي هي بيت األموات‪.‬‬
‫حث ‪ O‬على صالة النَّافلة يف البيت فقال‪« :‬إِ َّن َأ ْف َض َل‬ ‫ولهذا َّ‬
‫البخاري من حديث زيد بن‬ ‫ُّ‬ ‫المر ِء فِي َب ْيتِ ِه إِ َّل الم ْكتُو َبةَ»‪ .‬رواه‬ ‫ِ‬
‫الص َلة َص َل ُة ْ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ألن البيت ا َّلذي ال ُيذكر فيه اهلل ‪C‬‬ ‫البيت مقربةً‪َّ ،‬‬
‫لئل يكون ُ‬ ‫ثابت ‪)4(I‬؛ َّ‬
‫البخاري (‪.)6407‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)779‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)780‬‬
‫البخاري (‪.)731‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪13‬‬ ‫‪ -2‬فوائد ال ِّذكر (‪)1‬‬

‫وال ُيص َّلى فيه مثله كمثل المقربة ‪-‬بيت األموات‪ -‬بل يصبح خرا ًبا ال َي ِرد إليه‬
‫الشياطين‬ ‫تتوارد عليه َّ‬ ‫وال يدخله َّإل َّ‬
‫الشياطين‪ ،‬أ َّما المالئكة ال تدخله‪ ،‬وإنَّما َ‬
‫الش ُّر‪ ،‬وتتوالى عليه‬ ‫الخير من البيت‪ ،‬ويكثر فيه َّ‬
‫ُ‬ ‫مأوى لها؛ فيذهب‬ ‫ويكون ً‬
‫أنواع من الفساد‪ .‬واهلل ‪ C‬يقول‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫المصائب‪ ،‬ويقع فيه‬
‫ُ‬ ‫المشاكل‪ ،‬وتك ُثر فيه‬
‫﴿ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫[الزخرف‪.]37-36 :‬‬ ‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ ُّ‬

‫ألنفسهم ولبيوهتم‬ ‫ِ‬ ‫ينصحوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ولهذا يجب على أهل البيوت المؤمنة أن َ‬
‫الصالة وكثرة ذكر اهلل وفع ِل‬ ‫فيعمروها بذكر اهلل ‪D‬؛ بتالوة القرآن وبإقامة َّ‬ ‫ُ‬
‫تكون بيو ُتهم من بيوت األحياء‪ ،‬وحتَّى يكونوا هم من األحياء‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الخيرات حتَّى‬
‫فذكر اهلل ‪ C‬هو حيا ُة القلوب حقيقةً‪ ،‬وبدونه يموت القلب‪ .‬وقد نقل ابن‬ ‫ُ‬
‫للذكر ولحال القلب‬ ‫تشبيها عجي ًبا ِّ‬
‫ً‬ ‫الق ِّيم‪ :‬عن شيخه شيخ اإلسالم ابن تيم َّية‪:‬‬
‫حال‬ ‫فكيف يكون ُ‬ ‫للسمك؛‬ ‫ِ‬ ‫مع ذكر اهلل حيث قال‪ِّ :‬‬
‫َ‬ ‫«الذكر للقلب مثل الماء َّ‬
‫ٍ‬
‫حظات‬ ‫السمك إذا فارق الماء ل ِ َل‬ ‫السمك إذا فارق الماء!»(‪ ،)1‬ومعلو ٌم َّ‬
‫أن َّ‬ ‫َّ‬
‫تحصل له الحياة‬ ‫بعد عن ِّ‬‫يموت‪ ،‬والقلب إذا ُأ ِ‬
‫الذكر ولم ُيعمر به يموت‪ ،‬فال ُ‬
‫إل بذكر اهلل‪ ،‬ولهذا قال اهلل سبحانه‪﴿ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬ ‫َّ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ﴾ [األنفال‪.]24 :‬‬
‫«روحا»؛ كقوله‪﴿ :‬ﮈ‬
‫ً‬ ‫وسمى ‪ F‬يف مواطن عديدة من القرآن الوحي‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [النَّحل‪ ،]2-1 :‬كذلك قوله‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ﴾‬
‫[الشورى‪.]52 :‬‬
‫ُّ‬

‫الص ِّيب (ص‪.)42‬‬


‫(((  الوابل َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪14‬‬

‫«روحا»؛ قال ‪:D‬‬


‫ً‬ ‫ُ‬
‫جربيل‪-‬‬ ‫وسمى اهلل ‪َ F‬من ُ‬
‫ينزل بالوحي ‪-‬وهو‬ ‫َّ‬
‫﴿ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫روح‪،‬‬
‫ينزل بالوحي‪ٌ -‬‬ ‫[الشعراء‪ ،]195-192 :‬فجربيل؛ ‪-‬ا َّلذي ُ‬ ‫ﮣ ﮤ ﮥ﴾ ُّ‬
‫وذك ِْر اهلل ‪،F‬‬ ‫بالوحي ِ‬
‫ِ‬ ‫ألن حيا َة القلوب ال تكون َّإل‬ ‫روح؛ َّ‬ ‫نفسه ٌ‬ ‫والوحي ُ‬
‫ِ‬
‫والفساد‪ ،‬بينما إذا َع ُم َر ْت بذكر اهلل‬ ‫وبدونه تموت و َت ْق ُسو و ُت ْظلِم و َت ْع ُمر َّ‬
‫بالش ِّر‬
‫وعمت فيها الربكةُ‪.‬‬ ‫الصالح َّ‬ ‫تنامى فيها الخير وتزا َيد فيها َّ‬
‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫حصن‬ ‫يطان و ُيبعده عن العبد‪ ،‬فيكون يف‬ ‫الش َ‬ ‫يطر ُد َّ‬
‫الذكر‪ :‬أنَّه ُ‬ ‫‪ ‬ومن فوائد ِ‬
‫سبيل‪ .‬وقد جاء يف الحديث ا َّلذي‬ ‫الشيطان إليه ً‬ ‫مكين ال يجد َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وحرز‬ ‫ٍ‬
‫حصين‬
‫َّبي ﷺ أنَّه‬ ‫وغيره بإسناد صحيح عن الن ِّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُ‬ ‫خرجه اإلمام أحمد يف «المسند»‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫س ك َِل َمات َأ ْن َي ْع َم َل بِ ِه َّن‪،‬‬ ‫بن َز َكرِ َّيا ‪ I‬بخَ ْم ِ‬ ‫«إن اهلل ‪َ D‬أم َر َي ْح َيى َ‬ ‫قال‪َّ :‬‬
‫أن زكر َّيا قال لقومه‪« :‬إِ َّن‬ ‫يل َأ ْن َي ْع َم ُلوا بِ ِه َّن»‪ ،‬ويف الحديث َّ‬ ‫َو َأ ْن َي ْأ ُم َر َبنِي إِ ْس َرائِ َ‬
‫ِ‬ ‫ربي َأمرنِي بِ َخم ِ ِ ٍ‬
‫ثم ذكر األمر بالتَّوحيد‬ ‫س كَل َمات َو َأ َم َرني َأ ْن آ ُم َرك ُْم بِ ِه َّن»؛ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ِّ َ َ‬
‫ثم ذكر األمر‬ ‫بالصدقة‪َّ ،‬‬ ‫بالصيام‪ُ ،‬ث َّم األمر َّ‬ ‫بالصالة‪ُ ،‬ث َّم األمر ِّ‬ ‫َّأو ًل‪ُ ،‬ث َّم األمر َّ‬
‫«وآ ُم ُرك ُْم بِ ِذك ِْر اهلل ‪ D‬كَثِ ًيرا‪َ ،‬وإِ َّن َم َث َل‬ ‫الخامس وهو األمر بذكر اهلل‪َ ،‬‬
‫فقال‪َ :‬‬
‫َذل ِ َك ك ََم َث ِل َر ُج ٍل َط َل َب ُه ال َعدُ ُّو ِس َرا ًعا فِي َأ َث ِر ِه(‪َ )2‬ف َأ َتى ِح ْصنًا َح ِصينًا‪َ ،‬فت ََح َّص َن‬
‫َان فِي ِذك ِْر اهلل ‪.»D‬‬ ‫ان إِ َذا ك َ‬‫الشي َط ِ‬ ‫يه‪ ،‬وإِ َّن العبدَ َأحصن ما ي ُك ُ ِ‬
‫ون م َن َّ ْ‬ ‫َْ ْ َ ُ َ َ‬ ‫ف َ‬
‫ِ ِ‬

‫يصل إليه َّ‬


‫الشيطان‬ ‫حصن حصين ِ‬
‫وح ْر ٍز مكين‪ ،‬ال ُ‬ ‫ٍ‬ ‫فا َّلذي يذكر اهلل يف‬
‫وال يخلص إليه أبدً ا؛ قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ﴾ [النَّاس‪]2-1 :‬؛ ﴿ﮍ ﮎ﴾ هذه‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2863‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)17170‬والت‬
‫العدو لقتله وللبطش به‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  أي‪ :‬لح َق ُه‬
‫‪15‬‬ ‫‪ -2‬فوائد ال ِّذكر (‪)1‬‬

‫الشيطان‪« :‬الوسواس الخنَّاس»؛ يقول ابن ع َّباس ‪ L‬يف معنى هاتين‬ ‫صفة َّ‬
‫ب ا ْب ِن آ َد َم‪َ ،‬فإِ َذا َس َها َو َغ َف َل َو ْس َو َس‪َ ،‬وإِ َذا‬ ‫ان َجاثِ ٌم َع َلى َق ْل ِ‬‫«الش ْي َط ُ‬
‫الكلمتَين‪َّ :‬‬ ‫َ‬
‫الشيطان‬ ‫ربي يف «تفسيره» ؛ إذا ذكر العبدُ ر َّبه َخن ََس َّ‬ ‫(‪)1‬‬
‫َذك ََر اهلل َخن ََس» رواه ال َّط ُّ‬
‫ت‬ ‫«و َلكِ ْن ُق ْل بِ ْس ِم اهَّللِ‪َ ،‬فإِن َ‬
‫َّك إِ َذا ُق ْل َ‬ ‫كالذباب‪ ،‬كما يف الحديث َ‬ ‫وتصاغر وأصبح ُّ‬
‫الذاكر وين ُفر منه؛ ولهذا‬ ‫اب»(‪ ،)2‬بل يو ِّلي عن َّ‬ ‫ُون ِم ْث َل ُّ‬
‫الذ َب ِ‬ ‫ك ت ََصا َغ َر َحتَّى َيك َ‬ ‫َذلِ َ‬
‫اط» متَّفق عليه(‪،)3‬‬ ‫ان َو َل ُه ُض َر ٌ‬ ‫الش ْي َط ُ‬‫لص َل ِة َأ ْد َب َر َّ‬ ‫ُود ِ‬
‫ي ل َّ‬
‫ِ‬
‫جاء يف الحديث‪« :‬إِذا ن َ‬
‫ان ين ِْفر ِمن ا ْلبي ِ‬ ‫«ل ت َْج َع ُلوا ُب ُيو َتك ُْم َم َقابِ َر إِ َّن َّ‬
‫ت‬ ‫الش ْي َط َ َ ُ َ َ ْ‬ ‫وأيضا جاء يف الحديث‪َ :‬‬ ‫ً‬
‫ذكر اهلل‪ ،‬بل ُيؤذيه‬ ‫سماع ِ‬ ‫َ‬ ‫الشيطان‬ ‫ور ُة ا ْل َب َق َر ِة»(‪ ،)4‬فال يطيق َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ا َّلذى ُت ْق َر ُأ فيه ُس َ‬
‫ذكر هلل ‪.C‬‬‫الذكر و ُين ِّفره ويبتَعد تما ًما من المكان ا َّلذي فيه ٌ‬‫ِّ‬
‫مكين يحميه ‪-‬بإذن اهلل ‪ -F‬من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وحرز‬ ‫فالذاكر يف ِح ْص ٍن َح ِص ٍ‬
‫ين‬ ‫َّ‬
‫الرجيم‪ ،‬أ َّما إذا غفل المرء عن ذكر اهلل توالت عليه َّ‬
‫الشياطين ودفعتُه‬ ‫الشيطان َّ‬ ‫َّ‬
‫أزا‪ ،‬كما تقدَّ م يف قول اهلل ‪﴿ :D‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬ ‫وأزته للمعصية ًّ‬ ‫للباطل َّ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [الزخرف‪ ]26 :‬أي‪ :‬مالز ٌم ال ُّ‬
‫ينفك عنه‪.‬‬
‫ومفهو ُم المخا َلفة لآلية‪ :‬أنَّه إذا َذكَر اهلل ‪ C‬ابتعد منه َّ‬
‫الشيطان؛ ِّ‬
‫فالذكر‬
‫سمى من أهل العلم كتابه‬ ‫أح َس َن ُصن ًعا َم ْن َّ‬
‫الرجيم‪ ،‬ولهذا ْ‬
‫الشيطان َّ‬ ‫حص ٌن من َّ‬
‫«حصن المسلم»‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬ ‫«الحصن الحصين»‪ ،‬أو ِ‬ ‫الذكر ِ‬ ‫يف ِّ‬
‫فالذكر هو الحصن الحصين‪ ،‬وهو ِح ْص ُن‬ ‫مسماه؛ ِّ‬ ‫ٌ‬
‫صادق على َّ‬ ‫اسم‬
‫وهذا ٌ‬
‫الح ْر ُز ا َّلذي ُيحفظ به المسلم ‪-‬بإذن اهلل ‪ ،-F‬وال يجد‬ ‫المسلم‪ ،‬وهو ِ‬

‫ربي (‪ .)754/24‬وانظر‪ :‬مصنَّف ابن أبي شيبة (‪ ،)34774‬بإسناد‬ ‫(((  جامع البيان لل َّط ِّ‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)4982‬‬
‫َّ‬
‫البخاري (‪ ،)608‬ومسلم (‪.)389‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)780‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪16‬‬

‫ذكرت‬ ‫كل شيء؛ إذا‬ ‫ِ‬


‫األوقات ك ِّلها ويف ِّ‬ ‫ذاكرا هلل يف‬ ‫الشيطان ً‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫سبيل إلى َمن كان ً‬
‫الشيطان‪ ،‬وإذا ذكر َته عند دخولك إلى البيت ابتعد‬ ‫اهلل ‪ D‬على ال َّطعام ابتعد َّ‬
‫أمر تذكر اهلل ‪ C‬عليه ال يكون َّ‬
‫للشيطان إليك فيه‬ ‫كل ٍ‬ ‫يطان‪ ،‬وهكذا يف ِّ‬
‫الش ُ‬ ‫َّ‬
‫مزه ون ِ‬
‫َفخه‬ ‫وه ِ‬
‫الشيطان وكيده وشروره َ‬ ‫حفظ من وساوس َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬
‫سبيل‪ ،‬وتكون يف‬
‫ونَفثِه(‪.)1‬‬
‫الذكر‪ ،‬بل قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬فلو‬ ‫فهذه فائدة عظيمة وجليلة من فوائد ِّ‬
‫الذكر َّإل هذه الخصلة الواحدة لكان حقي ًقا بالعبد أن ال يفرت لسانه‬
‫لم يكن يف ِّ‬
‫عدوه َّإل‬
‫يحرز نفسه من ِّ‬ ‫من ذكر اهلل تعالى وأن ال يزال لهجا بذكره؛ فإنَّه ال ِ‬
‫العدو َّإل من باب الغفلة‪ ،‬فهو يرصده فإذا غفل وثب‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ‬
‫بالذكر وال يدخل عليه‬
‫عدو اهلل تعالى وتصاغر وانقمع»(‪.)2‬‬
‫عليه وافرتسه‪ ،‬وإذا ذكر اهلل تعالى انخنس ُّ‬
‫ّ‬
‫فالقلب يقسو بسبب‬
‫ُ‬ ‫الذكر‪ :‬أنَّه ُيذهب َقسوة ال َقلب؛‬
‫‪ ‬ومن فوائد ِ‬
‫ذيب قسو َة‬
‫الذنوب والتَّفريط يف طاعة اهلل ونحو ذلك‪ ،‬وليس هناك شيء ُي ُ‬ ‫ُّ‬
‫القلب مثل ذكر اهلل ‪ ،C‬وليس هناك شي ٌء يجلب القسوة للقلب مثل الغفلة‬
‫عن ذكر اهلل‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾‬
‫يدل عليه سياق اآلية الكريمة‪-‬‬ ‫[الحديد‪ .]17-16 :‬فقسوة القلب سب ُبها ‪-‬كما ُّ‬
‫حصل هذا ال ُبعد‬
‫الذكر وعن القيام بأمر اهلل‪ ،‬فإذا َ‬ ‫هو طول األ َمد بال ُبعد عن ِّ‬
‫والرجوع إلى‬‫حصلت القسوةُ‪ ،‬وال تزول هذه القسوة َّإل بالعودة إلى ذكر اهلل ُّ‬
‫وصححه‬
‫َّ‬ ‫الش ْع ُر‪َ ،‬و َن ْف ُخ ُه‪ :‬ا ْلكِ ْب ُر»‪ .‬سنن ابن ماجه (‪،)808‬‬
‫(((  « َ‌ه ْم ُز ُه‪‌ :‬ا ْل ُمو َتةُ‪َ ،‬و َن ْف ُث ُه‪ِّ :‬‬
‫الص ْر ُع»‪ .‬مجموع الفتاوى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األلبان ُّي‪ .‬وقال شيخ اإلسالم‪‌َ « :‬ه ْم ُز ُه ‌الموتة‪َ ،‬وه َي َّ‬
‫(‪.)521/16‬‬
‫الص ِّيب (ص‪.)37‬‬ ‫(((  الوابل َّ‬
‫‪17‬‬ ‫‪ -2‬فوائد ال ِّذكر (‪)1‬‬

‫اهلل ‪ ،E‬ولهذا قال يف اآلية ا َّلتي تليها‪﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ‬


‫األرض بعد‬
‫َ‬ ‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾ أي‪ :‬فكما أنَّه ‪ُ E‬يحيي‬
‫القلوب الم ِّيتة بالوحي ِّ‬
‫والذكر هلل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫موهتا بالماء والمطر؛ فإنَّه ُيحيي ‪F‬‬
‫وذهبت عنه القسوةُ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫اإلنسان ر َّبه َحيِي قل ُبه‬
‫ُ‬ ‫فإذا ذكَر‬
‫البصري‪ :‬وقال له‪ :‬يا أبا سعيد‬ ‫ِّ‬ ‫الحسن‬
‫َ‬ ‫رجل أتى إلى اإلمام‬ ‫أن ً‬ ‫ولهذا ُيؤ َثر َّ‬
‫«أ ِذ ْب ُه بذكر اهلل»(‪ ،)1‬أي‪َ :‬أ ِذ ْب هذه القسو َة ا َّلتي يف‬
‫أشكو إليك قسو َة قلبي؟! قال‪َ :‬‬
‫فذكر اهلل ‪ُ C‬يذهب القسو َة ا َّلتي تقع يف‬ ‫قلبك باإلكثار من ذكر اهلل ‪ُ ،F‬‬
‫ألن القلب‬ ‫وسكون وطمأنينة‪ .‬قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬وهذا َّ‬ ‫ٍ‬ ‫القلب؛ فتتبدَّ ل إلى ٍ‬
‫لين‬
‫ك َّلما اشتدَّ ت به الغفلة اشتدَّ ت به القسوة‪ ،‬فإذا ذكر اهلل تعالى ذابت تلك القسوة‬
‫الرصاص يف النَّار‪ ،‬فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر اهلل ‪.)2(»D‬‬ ‫كما يذوب َّ‬
‫والمفاسد واألضرار المتو ِّلدة عن إضاعة ِّ‬
‫الذكر كثيرة‪ ،‬قال ابن الق ِّيم‬
‫الحق‪ ،‬وفساد القلب‪ ،‬وخمول‬ ‫ِّ‬ ‫‪« :V‬ق َّلة التَّوفيق‪ ،‬وفساد َّ‬
‫الرأي‪ ،‬وخفاء‬
‫الذكر‪ ،‬وإضاعة الوقت‪ ،‬ونُفرة الخلق‪ ،‬والوحشة بين العبد وبين ر ِّبه‪ ،‬ومنع‬ ‫ِّ‬
‫الرزق والعمر‪ ،‬وحرمان العلم‬ ‫ومحق الربكة يف ِّ‬
‫ُّ‬ ‫إجابة الدُّ عاء‪ ،‬وقسوة القلب‪،‬‬
‫السوء ا َّل ِذين‬
‫الصدر‪ ،‬واالبتالء بقرناء ُّ‬ ‫العدو‪ ،‬وضيق َّ‬
‫ِّ‬ ‫الذ ِّل وإهانة‬
‫ولباس ُّ‬
‫والغم‪ ،‬وضنك المعيشة‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫الهم‬
‫يفسدون القلب ويض ِّيعون الوقت‪ ،‬وطول ِّ‬
‫الزرع عن‬ ‫وكسف البال؛ تتو َّلد من المعصية والغفلة عن ذكر اهلل كما يتو َّلد َّ‬
‫الماء‪ ،‬واإلحراق عن النَّار‪ ،‬وأضداد هذه تتو َّلد عن ال َّطاعة»(‪.)3‬‬

‫الزهد (‪،)1510‬‬
‫الجوزي يف ذ ِّم الهوى (ص‪ ،)69‬ورواه أحمد يف ُّ‬
‫ِّ‬ ‫(((  رواه هبذا ال َّلفظ ابن‬
‫الرقة والبكاء (‪ ،)48‬والخرائطي يف اعتالل القلوب (‪ ،)53‬بلفظ‪:‬‬‫وابن أبي الدُّ نيا يف ِّ‬
‫« َأ ْدنِ ِه مِ َن ِّ‬
‫الذك ِْر»‪.‬‬
‫الص ِّيب (ص‪.)71‬‬ ‫(((  الوابل َّ‬
‫((( الفوائد (ص‪.)32‬‬
r
=,,
-
!r .--
r' h

(#)4 2!= !#
:y -'-'
. AU. J < Jw7 fbuwo..oz- J.wv k....ow e - '.''-œ ' '--u -w =) va 13
S'j 'I . . j. 'I'hjr I Svji5 v' q'' I' *
'
tgzkJtsxp a- ..4p x. J .u''
mw. wonI..w.'.jkjN
l'uklr J J.i<;lM J .,

u)yz .u uER. .+.,


.
--.q'' --wo ..-.-x
-I.-x .a ( .c, .
x,
E4%'
u

.
...4 c.hzY
' e UEh' r7.
p1(
1''-'z- ucalq ''e=f.
e == v . &$ .i J w > ,4 . +.*J wa.;.-
. 1 Ci'I.. .,' .' .
.-
1lo'
.w t
a AJ u.' C'<)?v I
.m,-.u.<)l .
. u,wa' 'jJt=w )Jtz.
'œ 'pwxtwk'
,
l ap a.bUEh;!

zm '
A 'g.<J'0'
$ ..
JL . ..
yp'oo..1
! ..r .-
..
z. g <J'0ù-a-o'
. . . ... ..w.sju.>1.
..
4 za
'.b
..
h
l
. r .! . ! . '-! ,* . .- o âe
ôao 5 i J'apha '.V w J .)):J.'
o'xa.'sxcph'whaI
a . o.ao ut'w .;f '
e -..?Nuwa h- .>a-
-wz
'ç;
r ' wu.Jj
.

QI
‫‪19‬‬ ‫‪ -3‬فوائد ال ِّذكر (‪)2‬‬
‫ك يف م ْلكِي َشيئًا‪ ،‬يا ِعب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ ِ‬ ‫كَانُوا َع َلى َأ ْت َقى َق ْل ِ‬
‫ادي‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ب َر ُج ٍل َواحد م ْنك ُْم‪َ ،‬ما زَا َد َذل َ ُ‬
‫اح ٍد َما‬
‫ب رج ٍل و ِ‬ ‫ِ‬
‫َل ْو َأ َّن َأ َّو َلك ُْم َوآخ َرك ُْم َوإِن َْسك ُْم َو ِجنَّك ُْم كَانُوا َع َلى َأ ْف َجرِ َق ْل ِ َ ُ َ‬
‫ك ِم ْن ُم ْلكِي َش ْيئًا»‪ .‬أخرجه مسلم(‪.)1‬‬ ‫َن َق َص َذلِ َ‬
‫تضره معصية العاصين‪ ،‬وال‬ ‫فهو ‪ F‬ال تن َف ُعه طاع ُة ال َّطائعين‪ ،‬وال ُّ‬
‫الذاكرين‪ ،‬وال ُي ِنقص من ملكِه غفل ُة الغافلين؛ لكنَّه ُلط ًفا منه‬ ‫ذكر َّ‬ ‫ِ‬
‫يزيد يف ملكه ُ‬
‫نفسه‬ ‫‪ F‬بعباده وإحسانًا ي ْذكُر من َذكَره يف المأل األعلى؛ من ذكَر اهلل يف ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ ُ َ ْ َُ‬
‫نفسه‪ ،‬وم ْن ذك ََر اهلل يف مأل ذك ََره اهلل ‪ F‬يف مأل خ ْي ٍر‬ ‫ذكَره اهلل ‪ F‬يف ِ‬
‫َُ‬
‫من ُْهم‪.‬‬
‫وقد جاء يف «صحيح مسلم» عن معاوية‪ I‬قال‪ :‬إِ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهلل ﷺ‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫«ج َل ْسنَا ن َْذك ُُر‬ ‫«ما َأ ْج َل َسك ُْم؟» َقا ُلوا‪َ :‬‬ ‫َخ َر َج َع َلى َح ْل َقة م ْن َأ ْص َحابِه؛ َف َق َال‪َ :‬‬
‫ل ْس َلمِ‪َ ،‬و َم َّن بِ ِه َع َل ْينَا»؛ َق َال‪« :‬آهللِ َما َأ ْج َل َس ُك ْم‬ ‫اهللَ‪َ ،‬ون َْح َمدُ ُه َع َلى َما َهدَ انَا لِ ْ ِ‬
‫«أ َما إِنِّي َل ْم َأ ْست َْح ِل ْفك ُْم ت ُْه َم ًة‬ ‫«واهللِ؛ َما َأ ْج َل َسنَا إِ َّل َذ َ‬
‫اك»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫اك؟» َقا ُلوا‪َ :‬‬ ‫إِ َّل َذ َ‬
‫الملئِ َكةَ»(‪)2‬؛ ُيباهي‬ ‫اهي بِك ُُم َ‬ ‫يل َف َأ ْخبرنِي َأ َّن اهلل ‪ D‬يب ِ‬
‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َلك ُْم‪َ ،‬و َلكِنَّ ُه َأتَانِي ِج ْبرِ ُ‬
‫اجتمعوا على‬ ‫ِ‬ ‫المالئكة َّ‬
‫اجتمعوا لذكري‪َ ،‬‬ ‫بالذاكرين‪ ،‬يقول‪ :‬انظروا إلى عبادي َ‬
‫اجتمعوا على َحمدي‪ ،‬يباهي هبم المالئكةَ‪.‬‬ ‫ُشكري‪َ ،‬‬
‫«ما‬ ‫ويف «صحيح مسلم» من حديث أبي هريرة ‪ I‬قال ‪َ :O‬‬
‫ت‬ ‫َاب اهلل ِ َو َيتَدَ َار ُسو َن ُه َب ْين َُه ْم إِ َّل َن َز َل ْ‬ ‫وت اهلل ِ ي ْت ُل َ ِ‬
‫ون كت َ‬ ‫َ‬
‫ت ِمن بي ِ‬
‫ْ ُُ‬
‫اجتَمع َقوم فِي بي ٍ‬
‫ْ َ َ ْ ٌ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ْن‬‫الر ْح َمةُ‪َ ،‬و َح َّفت ُْه ُم ا ْل َم َلئ َكةُ‪َ ،‬و َذك ََر ُه ُم اهللُ ف َ‬ ‫َع َل ْي ِه ُم َّ‬
‫السكينَةُ‪َ ،‬و َغش َيت ُْه ُم َّ‬
‫الذاكر هلل ‪D‬؛ وهي َّ‬
‫أن‬ ‫ِعنْدَ ُه»(‪)3‬؛ فهذه منزل ٌة رفيعة ودرج ٌة عالي ٌة ُمنيفة ينالها َّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2577‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2701‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2699‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪20‬‬

‫فإن الواحدَ من النَّاس إذا‬ ‫اهلل ‪ F‬يذكُره‪ .‬ولكن لتع ُّلق النُّفوس بالدُّ نيا أكثر؛ َّ‬
‫الرئيس سيذكُرك بكذا وسيمدَ ُحك عند‬ ‫قمت بالعم ِل الفالينِّ َّ‬
‫فإن َّ‬ ‫قيل له‪« :‬إذا َ‬ ‫َ‬
‫المسؤولين»؛ فإنَّه ينشط للعمل‪ ،‬لكن ِذكْر اهلل ا َّلذي َنن َُال به ِذك َْر اهللِ لنا نض ُعف‬
‫وتقصيرنا وتضيِيعنا وإهمالِنا وعد ِم‬ ‫ِ‬ ‫عنه وال ننشط للقيام به! وهذا من تفريطِنا‬
‫ِ‬
‫العناية واالهتما ِم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األمر ح َّقه من‬ ‫إعطائِنا لهذا‬
‫بذكر ِه هلل صال َة‬
‫ينال ِ‬ ‫ّ‬
‫الذاكر ُ‬ ‫أن َّ‬‫تابع لما قب َله‪َّ :-‬‬‫الذكر ‪-‬وهو ٌ‬ ‫‪ ‬ومن فوائد ِ‬
‫اهلل ومالئكتِه عليه‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ِ‬
‫ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎ‬
‫ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ﴾ [األحزاب‪ ،]42-41 :‬فهذه فائد ٌة من فوائد ِّ‬
‫الذكر‪،‬‬
‫الذاكر ُ‬
‫ينال صال َة اهلل عليه وصال َة المالئكة‪.‬‬ ‫أن َّ‬
‫وهو‪َّ :‬‬
‫ثناؤه عليه يف المأل األعلى‪- ‬كما تقدَّ م‪.-‬‬
‫‪ -‬أ َّما صال ُة اهلل عليه؛ فهي ُ‬
‫ُ‬
‫إيمان َّ‬
‫الشخص‬ ‫‪ -‬وأ َّما صال ُة المالئكة عليه؛ فبدُ عائهم له‪ ،‬وك َّلما ع ُظم‬
‫بالخير زاد بذلك ُدعاؤهم له‪ ،‬قال اهلل ‪:D‬‬ ‫تمسكه َ‬ ‫ذكره هلل و َق ِوي ُّ‬‫وزاد ُ‬
‫﴿ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ‬
‫ﯫﯬﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ‬
‫ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ٌ‬
‫مبارك من‬ ‫عظيم‬
‫ٌ‬ ‫ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [غافر‪]9-7 :‬؛ هذا دعا ٌء‬
‫الممتثلين ألوامِره ‪.E‬‬ ‫المطيعين له‪ُ ،‬‬ ‫المالئكة للمؤمنين َّ‬
‫الذاكرين هلل‪ُ ،‬‬
‫سؤال قد يخ ُطر على البال‪ ،‬وهو‪َ :‬ما ا َّلذي ع َطف‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬وهاهنا ‪-‬أ ُّيها المو َّفق‪-‬‬
‫االستمرار‬
‫َ‬ ‫هؤالء المالئكة على المؤمنين وصاروا هبذه المنزلة عندهم؛ وهي‬
‫ِ‬
‫جنس ال َبشر!‬ ‫مختلف عن‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫المالئكة‬ ‫أن جنس‬‫والمداومة على الدُّ عاء لهم؟ مع َّ‬
‫َ‬
‫‪21‬‬ ‫‪ -3‬فوائد ال ِّذكر (‪)2‬‬

‫مختلف‪ ،‬ومع‬
‫ٌ‬ ‫فالجنس‬
‫ُ‬ ‫والبشر ُخلِقوا من طين‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فالمالئكة ُخلِقوا من نور‪،‬‬
‫وسبب ذلك وجود‬ ‫ُ‬ ‫ذلك وجد هذا العطف من المالئك َة على المؤمنين؛‬
‫ِ‬
‫وذكره‬ ‫ِ‬
‫اإليمان باهلل‬ ‫الرابطة الوثيقة بين المؤمنين وبين المالئكة‪ ،‬رابط ُة‬ ‫هذه َّ‬
‫‪ ،F‬قال ‪ ﴿ :C‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫واإليمان به ‪،F‬‬ ‫ُ‬ ‫بحمد اهلل‬
‫َّسبيح َ‬ ‫الرابطة‪ :‬الت ُ‬ ‫ﯙ ﯚ﴾؛ هذه هي َّ‬
‫ذكر اإلنسان هلل وع ُظ َم حمدُ ه وع ُظ َم إيمانُه زاد دعا ُء المالئكة له‬ ‫فك َّلما َع ُظ َم ُ‬
‫والسداد والجنَّة والنَّجاة من‬ ‫اهلل ‪ F‬له التَّوفيق َّ‬ ‫وسؤالهم َ‬
‫ُ‬ ‫واستغفارهم له‬
‫ُ‬
‫النَّار‪ ،‬وغير ذلك من األمور ا َّلتي ُذكرت يف اآلية الكريمة‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن ال ِّلسان‬
‫الذكر‪ :‬أنَّه سبب لحفظ ال ِّلسان؛ يقول العلماء‪َّ :‬‬ ‫‪ ‬ومن فوائد ِ‬
‫ذكر اهلل‪ -‬تك َّلم‬
‫المسلم بخير ‪-‬وأعظم الخير ُ‬ ‫ُ‬ ‫إنَّما ُخلِ َق للكالم‪ ،‬فإذا لم يتك َّلم‬
‫كل‬‫والفساد؛ ولهذا من َي َب َس ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬لسانُه عن ذكر اهلل؛ انط َلق يف ِّ‬ ‫َ‬ ‫بالشر‬
‫ِّ‬
‫والسخر َية‪ ،‬واالستهزاء‪ ،‬والكذب وال ُفحش ونحو‬ ‫ِ‬
‫فساد؛ يف الغيبة‪ ،‬والنَّميمة‪ُّ ،‬‬
‫ذهب‬
‫بالذكر َ‬ ‫الذكر انطلق يف الباطل‪ ،‬وإذا اشتَغل ِّ‬ ‫ذلك‪ ،‬فإذا ي َبس ال ِّلسان عن ِّ‬
‫حصلت له الصيان ٌة بمثل المحافظة‬ ‫سان وال َ‬ ‫عنه الباطل‪ ،‬ولهذا ما ُحفظ ال ِّل ُ‬
‫لسان المرء ويحف ُظه م َن الوقوع‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يصون‬ ‫ِ‬
‫على ذكر اهلل ‪ .F‬فذكر اهلل ‪C‬‬
‫والسخرية واالستهزاء‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يف الغيبة والنَّميمة ُّ‬
‫ِ‬ ‫ّ‬
‫الذاكر هلل‪ ،‬ولهذا يقال‬ ‫حب َّ‬ ‫الذكر‪ :‬أنَّه عالم ٌة على ع َظ ِم ِّ‬ ‫‪ ‬ومن فوائد ِ‬
‫الصادق ليس شيء يف قلبه أعظم من‬ ‫أحب شي ًئا أكثر من ذكره»‪ ،‬والمؤمن َّ‬ ‫« َمن َّ‬
‫جل يف عاله‪.‬‬ ‫الذكر له َّ‬ ‫مح َّبة اهلل المثمرة فيه كثرة ِّ‬
‫الذكر‪ :‬أنَّه يورث ِجالء القلب من صداه‪ ،‬وصدأ القلب‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬ومن فوائد ِ‬
‫الذكر والتَّوبة واالستغفار‪ .‬قال أبو الدَّ رداء ‪:I‬‬ ‫الغفل ُة والهوى‪ ،‬وجالؤه‪ِّ :‬‬
‫البيهقي يف‬ ‫رواه‬ ‫»‬ ‫ِ‬
‫وب ِذك ُْر اهلل ‪D‬‬ ‫«إِ َّن لِك ُِّل َش ْي ٍء ِج َل ًء‪َ ،‬وإِ َّن ِج َل َء ا ْل ُق ُل ِ‬
‫ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪22‬‬

‫أن القلب يصدأ كما يصدأ‬ ‫شعب اإليمان(‪ .)1‬قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬وال ريب َّ‬
‫بالذكر؛ فإنَّه يجلوه حتَّى يدعه كالمرآة‬ ‫والفضة وغيرهما‪ ،‬وجالؤه ِّ‬ ‫َّ‬ ‫النُّحاس‬
‫الذكر صدأ‪ ،‬فإذا ذكر جاله»(‪.)2‬‬ ‫البيضاء‪ ،‬فإذا ُترك ِّ‬

‫الذكر‪ :‬أنَّه ِغراس الجنَّة فقد روى الت‬


‫ّ‬
‫ِّرمذي يف جامعه من‬ ‫ُّ‬ ‫‪ ‬ومن فوائد ِ‬
‫ِ‬ ‫حديث عبد اهلل بن مسعود ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ل ِق ُ‬
‫يت إِ ْب َراه َ‬
‫يم َل ْي َل َة‬
‫الس َل َم‪َ ،‬و َأ ْخبِ ْر ُه ْم َأ َّن ا ْل َجنَّ َة َط ِّي َب ُة‬ ‫ُأسرِي بِي َف َق َال‪ :‬يا محمدُ َأ ْقرِئْ ُأمت َ ِ‬
‫َك منِّي َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ َ َّ‬ ‫ْ َ‬
‫ان اهلل ِ َوا ْل َح ْمدُ لِ َّل ِه َو َل إِ َل َه‬ ‫ان‪َ ،‬و َأ َّن ِغ َر َاس َها‪ُ :‬س ْب َح َ‬ ‫اء‪َ ،‬و َأن ََّها ِقي َع ٌ‬
‫التُّرب ِة ع ْذب ُة ا ْلم ِ‬
‫َْ َ َ َ‬
‫الزبير عن جابر عن النَّبِ ِّي‬ ‫ِّرمذي من حديث أبي ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫إِ َّل اهَّللُ َواهَّللُ َأ ْك َب ُر»(‪ .)3‬ويف الت‬
‫الجن َِّة»(‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫ت َل ُه َنخْ َل ٌة في َ‬ ‫ان اهلل ِ ا ْل َعظِي ِم َوبِ َح ْم ِد ِه ُغرِ َس ْ‬
‫«م ْن َق َال‪ُ :‬س ْب َح َ‬ ‫ﷺ قال‪َ :‬‬
‫الص ِّيب»‬
‫كتاب «الوابل َّ‬
‫َ‬ ‫أن فوائد ِّ‬
‫الذكر كثيرة وينظر يف بسطها‬ ‫والحاصل َّ‬
‫َّ‬
‫للعلمة ابن الق ِّيم ‪.V‬‬
‫عدي‪ ،:‬جمع فيها‪:‬‬
‫الس ِّ‬
‫الرحمن ابن ناصر ِّ‬ ‫ويف أبيات جميلة َّ‬
‫للعلمة عبد َّ‬
‫جملة من فوائد ِّ‬
‫الذكر وثماره‪ ،‬يقول فيها‪:‬‬
‫ـك ويطر ُد‬ ‫والهم عنـ َ‬
‫َّ‬ ‫يزيـ ُـل َّ‬
‫الشــقى‬ ‫فذكـ ُـر إلـ ِـه ال َعـ ِ‬
‫ـرش سـ ًّـرا ومعلنًــا‬ ‫ِ‬

‫يوما ُيشـ ِّـر ُد‬


‫ـواس ً‬‫ـك الوسـ ُ‬ ‫وإن يأتِـ َ‬ ‫ويجلــب للخيـ ِ‬
‫ـرات دن ًيــا وآجـ ًـا‬ ‫ُ‬
‫السـ ِ‬
‫ـبق ُمفـ ِّـر ُد‬ ‫ـأن كثيـ َـر ِّ‬
‫الذكــر يف َّ‬ ‫بـ َّ‬ ‫يومــا لصحبِه‬ ‫المختار ً‬
‫ُ‬ ‫ف َقــد أخبـ َـر‬
‫والشــكرِ ُ‬
‫بالحســن يعبــدُ‬ ‫ذكــرِه ُّ‬ ‫ووصــى معــا ًذا يسـ ُ‬
‫ـتعين إله ُه على‬ ‫َّ‬

‫(((  شعب اإليمان (‪.)520‬‬


‫الص ِّيب (ص‪.)40‬‬
‫(((  الوابل َّ‬
‫ِ‬
‫وحسنه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪،)3462‬‬ ‫(((  رواه الت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه الرتمذي (‪،)3464‬‬
‫َّ‬
‫‪23‬‬ ‫‪ -3‬فوائد ال ِّذكر (‪)2‬‬

‫ـل َّ‬
‫الشــرائع يجهدُ‬ ‫ٍ‬
‫لنصيحة وقــد كان يف حمـ ِ‬ ‫ٍ‬
‫لشخص قد أتى‬ ‫وأوصى‬
‫كل األمــور وت ِ‬
‫ُســعدُ‬ ‫بــأن ال يــزال رط ًبــا لســانُك هــذه تُعيــن علــى ِّ‬
‫ُمهــد‬
‫والمســاكن ت َ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫عــدن‬ ‫ِ‬
‫ألهلـــه بجنَّــات‬ ‫غــرس‬ ‫أن ِّ‬
‫الذكــر‬ ‫وأخبــر َّ‬
‫ٌ‬
‫األمــور ُيســدِّ د‬
‫كل ُ‬ ‫أن اهلل َيذكُـــــــر عبــــــدَ ُه ومعــه علــى ِّ‬
‫وأخبـــــر َّ‬
‫الذكــر يبقــى بجن ٍ‬ ‫أن ِّ‬
‫َّكليــف حيــن ُيخ َّلــدُ‬
‫ُ‬ ‫وينقطــع الت‬
‫ُ‬ ‫َّــة‬ ‫وأخبــر َّ‬
‫ِ‬
‫اإللــه ومرشــدُ‬ ‫حــب‬ ‫ٌ‬
‫طريــق إلــى‬ ‫ولــو لــم يكــن يف ذك ـرِه غيــر أ َّنــه‬
‫ِّ‬
‫قــول للدِّ يانــة مفســدُ‬‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬
‫ونميمــة وعــن ِّ‬ ‫ٍ‬
‫غيبــة‬ ‫وينهــى الفتَــى عــن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحــدُ‬ ‫الم َّ‬ ‫ــم ُ‬ ‫ـم ورغبـــ ـ ٌة بكثــرة ذكــرِ اهلل ن ْع َ‬ ‫لــكان لنــا حـــــ ٌّ‬
‫ـظ عظيـ ٌ‬
‫ذكرنــا كمـــــا َقـ َّـل منَّــا لإللـــــــه التَّع ُّبـــــــدُ‬ ‫ولكنَّنــا مـــــن ِ‬
‫جهلنــا َّ‬
‫قــل ُ‬
(
F-
(-
(.
(z
((()
- . J t k-
-
2x iajisfwu A.a% u .

(!)a i..$.A
'
..
q. '..p t
w..xa q.1 ... . .
... .33A,h'hoa.àkl@Ehct
n. '1.
E.2.J'q'' è.:o'.
- ,,. 0
./...'s ';.c
u' : ''tx:.tkhata
.

Jw ' ' ' I ' . ' Q1 '


uôa' Q1'lu-
.p u. w
.ghv= .zCo
- A=kô.S..LO.ôow...p u#.-
w;u'
.'
.o-.y'.. .s I@.rC'uhy uu
.
fp
.
..

.J,.
. J ucwwç
I rwkt .u ôI. :Io j,.w= .'
e.9u. 1...0 .'
1 ..0.
,;C. .
.r'vl @ER% z
'
w-.2
''
.1 ''.vo-.-e 4.
-3 k
.
y,.OJ .t
kha,.J o
.. ''
t...,
..
1
-1I. .
LCZ wL.1
.;...J
k.s=.
a J d.:.... J % ô.kA u .s.
v pe . . z w
. w y

o?< .fo, 4'z.'


5tL=;u6'.< z'<z ' . '.>r;< .4'za
. . ..n' ,Ez.z'
..>r;N'.< '<.
'.ojVJQ1
J+x r.;zr u o
.
, .vw
. o !
.o .! . !.
;
ojyaz
' .wok4JI.k.UI !' ..o'Iw.H VQ
,'Aju
';I
.QoJj7. 6.Iuajv=LsI7
a- , .OJz.u Jkl
.&? pt. -k'%z rzf
-wh 5 u .-s..p >t.- k-.l.os-,=.-
w w . u .A' w I k.
J û . . .j . o; . 'ok
;
' CI.. 'lul.w'
up rb-..w l<3'I k.g.ul'o '
'k.gI- (r' < .1L'hJ'
.w11
.25bm' k'
J . w,=I
*
<,k
ze
' z vl'
.
%-.% tl-tlL z-tz'x o ba!gs.u' ' h l:' caa-? I
-4:.u ,;' - - qfv.wb- uzs
J;ô v o1Lv. tk1)).:1
-.
uu'...=
.;...
-.c w1.t;.
àkttïwelzvn
je . v ï - gon
CNuwYh&
-t'*)IaxJ.t
khâ'a3'1I.c- . t--' 'kxI- t2
-4' :!o%1ï- 1ta-t '4k!
. -h
; l'''
'' '-
-e
: d: o..
-o:1o.. Ls ..k
.; ,
. o
..t.=,hy,
'.uwazw. ,
o .. .. , ,
(@-' - rl..41
w-
4klzL1):.
o-'.
,a7:.
u'I.u7'
-a1
.13-k
>
wy
's-tp
hJv,-olz
(h'7'
k':
'
))..
v
'
..o.
9.('
k't#:
))kl)t'
' Q.l
.I.
AI
J)(''
‫‪25‬‬ ‫‪ -4‬تأمالت يف بعض اآليات احلاثَّة على ذكر اهلل (‪)1‬‬

‫«و َلكِ ْن َأتَانِي‬


‫ت ُْه َم ًة َلك ُْم» ‪-‬أي‪ :‬لم أطلب منكم الحلف ألنَّني أ َّتهمكم بكذب‪َ -‬‬
‫اهي بِك ُْم َم َلئِ َك َت ُه»(‪.)1‬‬
‫يل آنِ ًفا َف َأ ْخبرنِي َأ َّن اهلل يب ِ‬
‫َ َُ‬ ‫ََ‬ ‫ِج ْبرِ ُ‬
‫وهذا هو معنى قوله‪﴿ :‬ﯩ ﯪ﴾؛ إذا ذكرت اهلل ‪ D‬يف نفسك‬
‫ذكرك اهلل يف نفسه‪ ،‬وإذا ذكرته ‪ D‬يف مإلٍ ذكرك اهلل يف مإلٍ خير منهم‪ ،‬وهذا‬
‫الذاكر؛ أن يحظى هبذه المنزلة العظيمة؛ أن يذكره اهلل ‪F‬‬‫من عاجل بشرى َّ‬
‫يف المأل األعلى‪.‬‬
‫وأيضا مثل هذا ما جاء يف صحيح مسلم عن أبي هريرة ‪ I‬قال‪:‬‬ ‫ً‬
‫وت اهلل ِ ي ْت ُلون كِتَاب اهلل ِ‬ ‫ت ِمن بي ِ‬ ‫قال ‪« :O‬ما اجتَمع َقوم فِي بي ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ُُ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ َ َ ٌْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ْح َمةُ‪َ ،‬و َح َّفت ُْه ُم‬
‫السكينَةُ‪َ ،‬و َغش َيت ُْه ُم َّ‬ ‫ت َع َل ْي ِه ُم َّ‬‫َو َيتَدَ َار ُسو َن ُه َب ْين َُه ْم إِ َّل َن َز َل ْ‬
‫يم ْن ِعنْدَ ُه»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْل َم َلئ َكةُ‪َ ،‬و َذك ََر ُه ُم اهللُ ف َ‬
‫لربه محفوف بذكرين من رِّبه له‪ :‬‬ ‫ذكر العبد ّ‬ ‫إن َ‬ ‫ثم َّ‬ ‫‪َّ ‬‬
‫ِ‬
‫ذاكرا له‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كر قبله به صار العبد ً‬ ‫‪ -1‬ذ ٌ‬
‫مذكورا‪.‬‬ ‫كر بعده به صار العبد‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫‪ -2‬وذ ٌ‬
‫ونوع بعده‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫نوع قبل ذكر العبد لر ِّبه‪،‬‬ ‫الرب لعبده نوعان‪ٌ :‬‬
‫‪ ‬فذكر ّ‬
‫ِ‬
‫أن ِذكر‬ ‫َو َق َال َت َعا َلى‪﴿ :‬ﯪ ﯫ ﯬﯭ﴾ [العنكبوت‪]45 :‬؛ وهذه اآلية فيها َّ‬
‫كل شيء‪.‬‬ ‫اهلل ‪ D‬هو أفضل األعمال وأكربها‪ ،‬وهو أكرب من ِّ‬
‫ذاكر‬
‫ذكر اهلل لكم أك َب ُر من ذكركم له يف عبادتكم وصلواتكم‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫أي‪ُ :‬‬
‫َمن َذك ََره‪ .‬قاله ‪-‬بمعناه‪ -‬اب ُن مسعود‪ ،‬وابن ع َّباس‪ ،‬وأبو الدَّ رداء‪ ،‬وأبو َّقرة‪،‬‬
‫وسلمان‪ ،‬والحس ُن‪ .‬واختاره ابن جرير ال َّط ُّ‬
‫ربي(‪.)3‬‬ ‫ُ‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2701‬‬


‫(((  رواه مسلم (‪.)2699‬‬
‫(((  جامع البيان لل َّط ِّ‬
‫ربي (‪.)42/20‬‬
'
. .
.'.kwal'9)Gzï'u.p2o I r-$'.

w
1'
1- .o=Fœw Lç .- t.'.
a:1a
'ism-
.-51-
oojs-
;u9
', e-C.-%L.ou9
'xkjacfz-
'X
xJ
'.. *z
'
uwhoumu '+ -1u.. .w pf '+ -Slq: -CJJb.o1w-z gJzô 'wI
.u,
rMJ .wo
J
wsxgu$hu:;
/25UU
JZJhw...
4u ,IuwpIy .,.sp
jo j .

o ol.,.
o..Nho''u o u v.. ox..w .= .. ., . . v.e.( o e..w
. ï.
.
pU-
L-U . .
5h''* u.se''VJ.b b.'J>'5lh'e'*',t.* 'I'
-
uwkap-'I7 ta
'I
wqso' o
'Iow =Q '
uj.a'
x
. . . t
=.x a
Iuap 'œ > w e)%.
ea p
u, uuy t.u u ..M l<.Fw owwr.w4usoz ù>- +J,
'
0.45CC..>I.q
( ' 'I9pI.--.''I'..
pt'4.
w;-
'
I **5a ww
'f,' * Iow
Ix 1hl= .
*
r-o.wxn u4' q'o
ahz' 'z*wes
'= rk.
..pz'-w'twi
*
'' 1
wq'uou
'ouz
'W
1-5I,
. . . . : . u4.
; o.... ...oxo .. 'E ;; ..o.... o.eo a . ..': '' â J
.
KTO .J Q,-@yJ ;
- Jln..1!.*C!.J Q.- '$bwj; ! ku';)).
' a'
J k'
I uj.,
.,)a
w
1ôh.?) .t.u)!.
z.?z .. v. - ;bA
-.
ob'
'
q
f-t
.JLw.
Q
.!
..
., a-... .o wvh -cJ u l) a . pl UVX.N h - owww..u ..(e
'
J , .. , .. .' o ''
f '5I '
e' 'I I' ' . ;f'' ' ' '
us- J 'a '
e z'c='
.z..s).hz,.u2h el'
w
x.
-e
. -
.uc. '
'%J Jb .-'=='
t- . . Jâ k.''?
- . JJùr-.. -
-2*- JJ ùr-- m== . . .1%l-1h ''
â '' ''
a o. .'.7 a ; .
.o '
'
.
;
o ;; .. o u th 'h o .
. lo.: .. o
.. .. .. .
'j .. .
. o :
'h o ''..
1..?. 'tàhu !' a1kze '- zw -wzqw iuallz...= al!atL'wlw'.4- a.)-. o.>
.
:u.. '
s
. >..,.; '; .. ..
..'' :o . '; .. .. 9..
o : :;.'o'.; : o ;:; .'o'
.'
;
':zu,w a ' e' .t. ;t <.k t1.4'zhl.
'a'
e'.csk
''.
'Iv=''
e';f%. ,L'.p1!.y.zvea''-' L' .p1
tulgsbW' .uJ1w lwtp ..ow r'Y'1ww*rW4L<))' ''
''''Y'A .
X ' t.
.w
'
‫‪27‬‬ ‫‪ -4‬تأمالت يف بعض اآليات احلاثَّة على ذكر اهلل (‪)1‬‬

‫وقال تعالى ﴿ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬
‫ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ‬
‫ﰒ ﰓ ﰔ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [األحزاب‪-41 :‬‬
‫‪]44‬؛ فهذه اآلية فيها األمر بذكر اهلل ‪ D‬بالكثرة‪ ،‬ولها نظائر يف القرآن‪ ،‬ويأيت‬
‫أيضا يف القرآن آيات فيها مدح لهؤالء‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ‬ ‫ً‬
‫أمر زائد‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [األحزاب‪ ،]35 :‬فهاهنا ٌ‬
‫مكثرا من ذكر‬ ‫مجرد األمر ِّ‬
‫بالذكر؛ وهو األمر بذكر اهلل بالكثرة‪ ،‬بأن تكون ً‬ ‫على َّ‬
‫الذكر هلل ‪ ،F‬ال يكون ذكرك هلل ً‬
‫قليل‪ ،‬واهلل ‪ C‬ذ َّم المنافقين‬ ‫اهلل‪ ،‬كثير ِّ‬
‫هبذا قال تعالى‪﴿ :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [النِّساء‪.]142 :‬‬
‫ٌ‬
‫وأفضال كريمة‪ ،‬منها‬ ‫أجور عظيمة‬
‫ٌ‬ ‫وذكر اهلل ‪ F‬بالكثرة يرت َّتب عليه‬
‫ما ُذكر يف اآلية المتقدِّ مة‪﴿ :‬ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ‬
‫ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾‬
‫[األحزاب‪]44-43 :‬؛ فهذه ك ُّلها من ثمرات اإلكثار من ذكر اهلل؛ أن يص ِّلي ُّ‬
‫رب‬
‫العالمين عليه‪.‬‬
‫‪ -‬وصالته ‪ F‬على عبده المؤمن‪ :‬ذكره له يف المأل األعلى‪ ،‬على‬
‫المعنى ا َّل ِذي تقدَّ م معنا‪.‬‬
‫‪ -‬وصالة المالئكة عليه‪ :‬أي بطلب ذلك له‪.‬‬
‫ثم يرت َّتب على ذلك ما جاء يف قوله‪﴿ :‬ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ‬
‫َّ‬
‫سبب مبارك لخروج العبد من ال ُّظلمات إلى‬
‫ٌ‬ ‫ﰑ ﰒ ﰓ﴾؛ فهو‬
‫ثم يحظى برحمة اهلل‬ ‫علو درجته عند اهلل ‪َّ ،E‬‬
‫عظيم يف ِّ‬
‫ٌ‬ ‫وسبب‬
‫ٌ‬ ‫النُّور‪،‬‬
‫الخاصة بعبده المؤمن‪﴿ ،‬ﰑ ﰒ ﰓ﴾؛ فهذه ك ُّلها فضائل وثمار‬ ‫َّ‬
‫وآثار لإلكثار من ذكر اهلل ‪.F‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪28‬‬

‫أعظم التَّرغيب يف اإلكثار من‬


‫ُ‬ ‫فقوله‪﴿ :‬ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ﴾ فيه‬
‫حض على ذلك؛ أي‪ :‬أنَّه سبحانه َي ْذك ُُركُم فاذكروه أنتم‪ ،‬وهو‬ ‫ذكر اهلل‪ ،‬وأحس ُن ٍّ‬
‫نظير قولِه ‪﴿ :E‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [البقرة‪]152 :‬؛‬ ‫ُ‬
‫الحظ األوفر والنَّصيب األكمل من ذكر اهلل لهم‬ ‫ُّ‬ ‫فالمكثرون من ذكر اهلل لهم‬
‫وصالتِ ِه عليهم ومالئكتِ ِه‪ .‬روي عن ابن ع َّباس ‪ L‬يف معنى اآلية أنَّه قال‪:‬‬
‫اهلل عليكم هو ومالئكتُه»‪،‬‬ ‫«فإذا فعلتم ذلك ‪-‬أي أكثرتم من ذكر اهلل‪ -‬ص َّلى ُ‬
‫كل الفالح‪ ،‬وفاز الفوز المبين‪.‬‬ ‫اهلل عليه ومالئِكتُه فقد أفلح َّ‬
‫و َمن ص َّلى ُ‬
‫َو َق َال َت َعا َلى‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ﴾ [األحزاب‪]35 :‬؛ يف هذه اآلية ِذكر ما أعدَّ ه اهلل ‪َّ F‬‬
‫للذاكرين اهلل‬
‫والذاكرات من المغفرة واألجر العظيم‪ ،‬وهذه فضيلة من فضائل ِّ‬
‫الذكْر‬ ‫كثيرا َّ‬
‫ً‬
‫وثمر ٌة عظيم ٌة من ثماره‪.‬‬
‫«ه َذا ُج ْمدَ ُ‬ ‫ِ‬
‫ان َس َب َق‬ ‫ومثلها الحديث المشهور ا َّلذي قال فيه ‪َ :O‬‬
‫«الذاكِ ُر َ‬
‫ون‬ ‫ول اهللِ؟» قال‪َّ :‬‬‫فردون َيا َر ُس َ‬
‫الم ِّ‬
‫«ومن ُ‬ ‫ا ْل ُم َف ِّردون»‪ ،‬فقال َّ‬
‫الصحابة‪َ :‬‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫اهلل كَثِيرا و َّ ِ‬
‫بالس ْبق‪ ،‬بأنَّهم الس َّبا ُقون‬
‫فمدَ َحهم وأثنى عليهم َّ‬ ‫الذاك َرات» ؛ َ‬ ‫َ ً َ‬
‫للخيرات‪ ،‬الحائزون أعلى المقامات ورفيع الدَّ رجات‪.‬‬
‫و َمن يتأ َّم ُل هذه النُّصوص وغيرها من النُّصوص الكثيرة الواردة يف بيان‬
‫كثيرا َّ‬
‫والذاكرات وجزيل ثواهبم‪ ،‬وما أعدَّ اهلل لهم من‬ ‫عظيم أجر َّ‬
‫الذاكرين اهلل ً‬
‫ويهتز‬
‫ُّ‬ ‫تتحرك نفسه شو ًقا وطم ًعا‪،‬‬
‫النَّعيم المقيم وال َّثواب الكبير يوم القيامة؛ َّ‬
‫قل ُبه ح ًّبا ور َغ ًبا يف أن يكون من هؤالء أه ِل هذا المقام َّ‬
‫الرفيع والمنزلة العالية‪.‬‬
‫بكل مسلم أن‬ ‫سؤال عظيم يجدر ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫العبد ذلك؟ وهذا‬ ‫بم ُ‬
‫ينال‬ ‫‪ ‬ولكن َ‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2676‬‬


‫‪29‬‬ ‫‪ -4‬تأمالت يف بعض اآليات احلاثَّة على ذكر اهلل (‪)1‬‬

‫كثيرا‬ ‫السلف يف معنى َّ‬


‫الذاكرين اهلل ً‬ ‫يقف عنده وأن يعرف جوابه‪ ،‬وقد جاء عن َّ‬
‫والذاكرات ٌ‬
‫نقول عديدةٌ؛ منها‪:‬‬ ‫َّ‬
‫ما روي عن ابن ع َّباس ‪ L‬أنَّه قال‪« :‬المراد‪ :‬يذكرون اهلل يف أدبار‬
‫وغدوا وعش ًّيا‪ ،‬ويف المضاجع‪ ،‬وك َّلما استيقظ من نومه‪ ،‬وك َّلما غدا‬
‫ًّ‬ ‫الصلوات‬
‫َّ‬
‫أو راح من منزله ذكَر اهلل تعالى»(‪.)1‬‬
‫كثيرا َّ‬
‫والذاكرات حتَّى يذكر اهلل‬ ‫وقال مجاهد‪« :‬ال يكون من َّ‬
‫الذاكرين اهلل ً‬
‫قائما وقاعدً ا ومضطج ًعا»(‪.)2‬‬
‫ً‬
‫الصلوات الخمس بحقوقها فهو ٌ‬
‫داخل يف قول اهلل‬ ‫وقال عطاء‪َ « :‬من ص َّلى َّ‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﴾»(‪.)3‬‬
‫الصال ُة من ال َّليل‪ ،‬فقد روى أبو داود وابن ماجه‬ ‫ومن صفة هؤالء‪َّ :‬‬
‫والعراقي‬ ‫َّووي‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫ُّ‬ ‫هبي والن ُّ‬ ‫صححه الحاكم والذ ُّ‬ ‫والحاكم وغيرهم بإسناد صحيح َّ‬
‫الخدري ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا‬ ‫ِّ‬ ‫وغيرهم من حديث أبي سعيد‬
‫َأي َق َظ الرج ُل َأه َله ِمن ال َّلي ِل َفص َّليا َأو ص َّلى ر ْكع َتي ِن ج ِميعا كُتِبا ِمن َّ ِ‬
‫الذاكرِ َ‬
‫ين‬ ‫َ َ ْ َ ً َ َ‬ ‫َّ ُ ْ ُ َ ْ َ َ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫الذاكِر ِ‬
‫ات»(‪.)4‬‬ ‫َو َّ َ‬
‫َّووي‪ :‬عنه يف كتابه األذكار عن‬
‫الصالح فيما نقله الن ُّ‬‫وقد ُسئل أبو عمرو بن َّ‬
‫والذاكرات؟ فقال‪« :‬إذا واظب‬ ‫كثيرا َّ‬ ‫ال َقدْ ر ا َّل ِذي يصير به العبد من َّ‬
‫الذاكرين اهلل ً‬
‫صباحا ومسا ًء يف األوقات واألحوال المختلفة‬ ‫ً‬ ‫على األذكار المأثورة المثبتة‬
‫كثيرا‬ ‫وهنارا‪ ،‬وهي مب َّينة يف كتاب عمل اليوم وال َّليلة‪ ،‬كان من َّ‬
‫الذاكرين اهلل ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ليل‬

‫َّووي (ص‪.)10‬‬
‫(((  األذكار للن ِّ‬
‫السابق‪.‬‬
‫(((  المصدر َّ‬
‫السابق‪.‬‬
‫(((  المصدر َّ‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)1309‬وابن ماجه (‪،)1335‬‬
‫َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪30‬‬

‫َّ‬
‫والذاكرات»(‪.)1‬‬
‫«وأقل ذلك‬ ‫ُّ‬ ‫عدي ‪:V‬‬ ‫الس ُّ‬‫الرحمن بن ناصر ِّ‬ ‫العلمة عبد َّ‬ ‫ويقول َّ‬
‫الشيخ َّ‬
‫الصلوات الخمس‪ ،‬وعند‬ ‫الصباح والمساء‪ ،‬وأدبار َّ‬ ‫أن يالزم اإلنسان أوراد َّ‬
‫العوارض واألسباب‪ ،‬وينبغي مداومة ذلك يف جميع األوقات على جميع‬
‫فإن ذلك عبادة يسبق هبا العامل وهو مسرتيح‪ ،‬ودا ٍع إلى مح َّبة اهلل‬ ‫األحوال‪َّ ،‬‬
‫وكف ال ِّلسان عن الكالم القبيح»‪ .‬اهـ كالمه(‪.)2‬‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫وعون على الخير‪،‬‬ ‫ومعرفته‪،‬‬

‫َّووي (ص‪.)11 - 10‬‬


‫(((  األذكار للن ِّ‬
‫الرحمن يف تفسير كالم المنَّان (ص‪.)667‬‬
‫(((  تيسير الكريم َّ‬
‫‪31‬‬ ‫‪ -5‬تأمالت يف بعض اآليات احلاثَّة على ذكر اهلل (‪)2‬‬

‫‪5‬‬

‫تأمالت يف بعض اآليات احلاثَّة‬


‫على ذكر اهلل (‪)2‬‬

‫قال اهلل ‪﴿ :D‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ﴾ [األحزاب‪.]41 :‬‬


‫وقال سبحانه‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧﮨ﴾ [البقرة‪.]200 :‬‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [آل عمران‪.]191 :‬‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ﴾ [األحزاب‪.]35 :‬‬
‫أمر اهلل تعالى يف هذه اآليات بذكره بالكثرة؛ وذلك لشدَّ ة حاجة العبد إلى‬
‫فأي لحظة‬ ‫ذلك وافتقاره إليه أعظم االفتقار‪ ،‬وعدم استغنائه عنه طرفة عين‪ُّ ،‬‬
‫مما ربح‬ ‫أعظم َّ‬
‫َ‬ ‫خال فيها العبدُ عن ِذكر اهلل كانت عليه ال له‪ ،‬وكان خسرانه فيها‬
‫وندم على ذلك عند لقاء اهلل ‪ .E‬بل لقد ثبت عن‬ ‫يف غفلته عن اهلل‪ِ ،‬‬
‫والح ْلية ألبي نعيم‪ -‬من حديث أ ِّم‬ ‫ِ‬ ‫للبيهقي‪،‬‬ ‫النَّبِ ِّي ﷺ ‪-‬كما يف شعب اإليمان‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫«ما م ْن َسا َعة ت َُم ُّر بِا ْب ِن آ َد َم َل ْم َي ْذ ُكرِ اهللَ‬ ‫المؤمنين عائشة ‪ J‬أنَّه ﷺ قال‪َ :‬‬
‫فِ َيها إِ َّل ت ََح َّس َر َع َل ْي َها َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة»(‪.)1‬‬
‫َو َقول اهلل ‪﴿ :D‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [آل عمران‪:‬‬

‫البيهقي يف شعب اإليمان (‪ ،)508‬وأبو نعيم يف الحلية (‪.)٣٦٢-٣٦١ /٥‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪32‬‬

‫الزك َّية ال َّط ِّيبة‪،‬‬


‫الراجحة َّ‬
‫وصف ألولي األلباب‪ ،‬أولي العقول َّ‬
‫ٌ‬ ‫‪]191‬؛ هذا‬
‫قال اهلل ‪﴿ :D‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ﴾ [آل عمران‪ ،]190 :‬كأنَّه قيل َمن هم؟ وما ِحليتهم؟ وما صفتهم؟ قال‪:‬‬
‫﴿ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾‪.‬‬
‫الزك ِّية والقلوب ال َّط ِّيبة هذا شأهنم؛ يتف َّكرون يف خلق‬ ‫فأهل العقول َّ‬
‫باطل ولم‬‫السماوات واألرض‪ ،‬ويعلمون هبذا التَّف ُّكر الجميل أنَّها لم ُتخلق ً‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫وخطب جليل‪ ،‬أال وهو‪ :‬أن ُيعبد‬ ‫ألمر عظيم‬ ‫توجد عب ًثا‪ ،‬وإنَّما ُخلقت و ُأوجدت ٍ‬
‫ثم‬
‫خص بالعبادة‪ ،‬وأن ُيخضع له و ُيذل خشو ًعا وركو ًعا وسجو ًدا‪َّ .‬‬ ‫اهلل‪ ،‬وأن ُي َّ‬
‫وصف لهم‬
‫ٌ‬ ‫ذكر ِحليتهم قال‪﴿ :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾؛ وهذا‬
‫كل أحوالهم‪ ،‬كما جاء وصف النَّبِ ِّي ‪ O‬بذلك يف‬ ‫بأنَّهم يذكرون اهلل يف ِّ‬
‫قائما وقاعدً ا ومضطج ًعا‪.‬‬
‫كل أحيانه» ‪ ،‬أي‪ً :‬‬
‫(‪)1‬‬ ‫الحديث‪« :‬أنَّه كان يذكر اهلل على ِّ‬
‫أن من صفة أولي األلباب ومن حليتهم‪ :‬ذكر اهلل بالكثرة‬ ‫فاآلية دليل على َّ‬
‫كل حالة؛ يذكرون اهلل مضطجعين‪ ،‬ويذكرون اهلل قاعدين‪ ،‬ويذكرون اهلل‬ ‫ويف ِّ‬
‫كل أحوالهم ذاكرون اهلل ‪ .F‬عن مجاهد قال‪« :‬ال يكون‬ ‫قائمين‪ ،‬فهم يف ِّ‬
‫قائما وقاعدً ا ومضطج ًعا»(‪.)2‬‬
‫كثيرا حتَّى يذكر اهلل ً‬ ‫عبد من َّ‬
‫الذاكرين اهلل ً‬
‫الذكر؛ ِّ‬
‫فالذكر‬ ‫يعم األوقات واألحوال ك َّلها مثل ِّ‬
‫وليس يف األعمال شيء ُّ‬
‫ضرائه‬‫مع المرء يف جلوسه‪ ،‬ويف سفره‪ ،‬ويف ح ِّله‪ ،‬ويف ترحاله‪ ،‬ويف مرضه‪ ،‬ويف َّ‬
‫وسرائه‪ ،‬ويف شدَّ ته ورخائه‪ ،‬ويف فراشه عندما يأوي لينام‪ ،‬وعندما يستيقظ من‬
‫َّ‬
‫كل أحواله‪.‬‬ ‫فالذكر مع المسلم يف ِّ‬
‫نومه‪ِّ ،‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)373‬‬


‫َّووي (ص‪.)10‬‬
‫(((  األذكار للن ِّ‬
‫‪33‬‬ ‫‪ -5‬تأمالت يف بعض اآليات احلاثَّة على ذكر اهلل (‪)2‬‬

‫أن ذكر اهلل والعناية به والمواظبة عليه أكرب‬ ‫وأيضا اآلية فيها داللة على َّ‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫للسموات‬ ‫عون للعبد على زوال الغفلة عنه‪ ،‬وعلى تح ُّقق التَّف ُّكر يف خلق اهلل َّ‬
‫فالذكر إذا ُوجد زالت الغفلة‪ ،‬وإذا زالت الغفلة حصل للعبد التَّذكُّر‬ ‫واألرض؛ ِّ‬
‫ِ‬
‫يمرون بآيات اهلل‬ ‫َّبصر يف آيات اهلل ويف مخلوقاته‪ ،‬بخالف أكثر النَّاس ا َّلذين ُّ‬
‫والت ُّ‬
‫ِ‬
‫حرك فيهم ساكنًا‪ ،‬وال كأنَّها‬ ‫العظام الباهرة وهم معرضون! ال تؤ ِّثر فيهم وال ُت ِّ‬
‫الذاكرين اهلل‬ ‫تعنيهم بشيء‪ .‬وهذا ك ُّله بسبب تراكم الغفلة‪ ،‬فإذا كان العبد من َّ‬
‫مما يكون‬ ‫فإن ذكره هلل يفتح له باب التَّف ُّكر يف مخلوقات اهلل العظيمة‪َّ ،‬‬
‫‪َّ F‬‬
‫وحسن صلته باهلل‪.‬‬
‫وقوة يقينه ُ‬
‫سب ًبا يف زيادة إيمانه َّ‬
‫وقول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫أيضا فيها األمر بذكر‬ ‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ﴾ [البقرة‪]200 :‬؛ هذه اآلية ً‬
‫«م ْن َح َّج هلل ِ َف َل ْم َي ْر ُف ْ‬
‫ث َو َل ْم‬ ‫اهلل بالكثرة‪ ،‬قد جاء يف الحديث عن النَّبِ ِّي ﷺ‪َ :‬‬
‫الذنوب واآلثام‪ .‬فحال َمن كان‬ ‫َي ْف ُس ْق‪َ ،‬ر َج َع َك َي ْو ِم َو َلدَ ْت ُه ُأ ُّم ُه»(‪ ،)1‬أي‪ :‬نق ًّيا من ُّ‬
‫ويسرها له أن‬ ‫َّ‬ ‫هذا شأنه قد خرج من هذه ال َّطاعة العظيمة ا َّلتِي م َّن اهلل عليه هبا‬
‫الذكر هلل ال أن يكون من الغافلين‪ ،‬ولهذا ليس من عالمات الخير‬ ‫يكون كثير ِّ‬
‫أن يغفل اإلنسان عن ذكر اهلل وال سيما ِ‬
‫عقب هذه ال َّطاعة الكبيرة وأمثالها من‬ ‫َّ‬
‫أن ذكر اهلل كما أنَّه روح العبادة ومقصودها‪،‬‬ ‫ال َّطاعات؛ وهذا فيه دليل على َّ‬
‫فكذلك ينبغي أن ُت َّتوج به العبادة و ُتختم به ويكثر على إثرها‪.‬‬
‫فإن فيه إشارة إلى َّ‬
‫أن العبد‬ ‫ٍ‬
‫فائدة ونف ٍع للمسلم؛ َّ‬ ‫هذا إضافة إلى ما فيه من‬
‫يمل من عبادة اهلل‪ ،‬فلهذا ك َّلما ختم طاع ًة من ال َّطاعات لهج بذكر اهلل‬
‫لم َّ‬
‫وقوة العزيمة يف العناية‬
‫الرغبة وعظيم الحرص َّ‬ ‫مما ُّ‬
‫يدل على شدَّ ة َّ‬ ‫بالكثرة؛ َّ‬
‫بعبادة اهلل ‪E‬؛ فهو يذكر اهلل يف ال َّطاعات الكبار المأمور هبا ‪-‬فرائض‬

‫البخاري (‪ ،)1521‬ومسلم (‪.)1350‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪34‬‬

‫وحافزا‬
‫ً‬ ‫أيضا يختمها باإلكثار من ذكر اهلل‪ ،‬ليكون ذلك معينًا له‬
‫ثم ً‬‫اإلسالم‪َّ -‬‬
‫مما يستقبله من طاعات آتية‬
‫له على لين العبادات وسهولتها و ُيسرها عليه َّ‬
‫وعبادات قادمة‪.‬‬
‫الصيام به ففي قول اهلل ‪﴿ :D‬ﯟ ﯠ﴾ أي‪ :‬عدَّ ة‬
‫أ َّما ختم ِّ‬
‫الصيام ﴿ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [البقرة‪.]185 :‬‬ ‫ِّ‬
‫الحج به‪ ،‬فقد تقدَّ م يف قوله‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ِّ‬ ‫وأ َّما ختم‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ﴾‪.‬‬
‫الصالة به‪ ،‬ففي قوله‪﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫وأ َّما ختم َّ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜﮝ﴾ [النِّساء‪.]103 :‬‬
‫وأ َّما ختم الجمعة به‪ ،‬ففي قوله‪﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ﴾ [الجمعة‪.]10 :‬‬
‫أيضا أن يكون خاتمة الحياة الدُّ نيا‪،‬‬‫الذكر خاتمة ال َّطاعات فينبغي ً‬ ‫أن ِّ‬
‫وكما َّ‬
‫آخر كالم العبد من الدُّ نيا «ال إله َّإل اهلل» دخل الجنَّة‪.‬‬
‫وإذا كان ُ‬
‫َو َق َال اهلل ‪﴿ :D‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ﴾ [المنافقون‪]9 :‬؛ فيها هني اهلل عن الغفلة‬
‫والشراء وما إلى ذلك‪،‬‬‫بأي أمر‪ ،‬ال باألموال والتِّجارات وال بالبيع ِّ‬
‫عن ذكره ِّ‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫أيضا بانشغال اإلنسان بأوالده وبيته ومصالحه‬
‫وال ً‬
‫خص هذين األمرين‬ ‫﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ﴾؛ َّ‬
‫لكوهنما أكثر ما يشغل اإلنسان عن ذكر اهلل‪ ،‬ولهذا قال اهلل تعالى يف‬ ‫ِّ‬
‫بالذكر‪ْ :‬‬
‫آية أخرى‪﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ﴾ [التَّغابن‪ ،]15 :‬فالمال فتنة والولد فتنة‪،‬‬
‫وهما شاغل لإلنسان عن ذكر اهلل َّإل َمن حفظه اهلل وأعانه‪ ،‬ولهذا جاء النَّهي‬
‫‪35‬‬ ‫‪ -5‬تأمالت يف بعض اآليات احلاثَّة على ذكر اهلل (‪)2‬‬

‫هنا عن أن يلهي المرء ماله أو ولده عن ذكر ر ِّبه؛ ﴿ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬


‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ﴾‪.‬‬
‫قد وردت هذه اآلية يف سورة المنافقون‪ ،‬والمنافقون وصفهم اهلل ‪ D‬يف‬
‫سورة أخرى بقوله‪﴿ :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [النِّساء‪ ،]142 :‬وألجل ذلك قال‬
‫إن ذكر هذه اآلية ا َّلتِي فيها هني العبد عن الغفلة عن ذكر اهلل يف هذه‬‫العلماء‪َّ :‬‬
‫السورة ا َّلتِي ُخ َّصت بأوصاف المنافقين وأعمالهم والتَّحذير من النِّفاق فيه‬ ‫ُّ‬
‫أن اإلكثار من ذكر اهلل ‪ٌ D‬‬
‫أمان من النِّفاق‪ ،‬ولهذا‬ ‫حكمة؛ وهي‪ :‬اإلشارة إلى َّ‬
‫لما ُسئل عن الخوارج؛ قيل‪ :‬أمنافقون هم؟ قال‪« :‬المنافقون‬ ‫علي ‪َّ I‬‬ ‫قال ٌّ‬
‫ال يذكرون اهلل َّإل ً‬
‫قليل»(‪ .)1‬فذكر اهلل بالكثرة من فوائده العظيمة‪ :‬أنَّه أمان‬
‫ألن اهلل ‪ D‬وصف المنافقين بأنَّهم ال يذكرون اهلل َّإل ً‬
‫قليل‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫من النِّفاق َّ‬
‫ذكرهم هلل قليل‪.‬‬
‫وقوله ﴿ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ﴾ [المنافقون‪ ]9 :‬فيه اإلخبار‬
‫الذكر بالتِّجارة‪ ،‬أو لهى عن‬‫فمن لهى عن ِّ‬
‫عن ُخسران َمن لهى عنه بغيره‪َ ،‬‬
‫ِّ‬
‫الذكر باألوالد فهو خاسر‪.‬‬
‫أن إقبال المرء على أمر المال ومصلحة األوالد واألنس هبم ال‬ ‫الحاصل َّ‬
‫مضرة فيه‪ ،‬لكن بقيد‪ :‬أن ال يكون على حساب طاعة اهلل‬ ‫حرج فيه وال بأس وال َّ‬
‫حق‬ ‫كل ذي ٍّ‬‫وذكره وشكره وحسن عبادته؛ َّأل يطغى على ذلك‪ ،‬وإنَّما يعطي َّ‬
‫شك َّ‬
‫أن‬ ‫ح َّقه ويضع األمور يف مواضعها وال يجعل شي ًئا يطغى على شيء‪ .‬وال َّ‬
‫من أعظم الحرمان وأشدِّ الخسران أن تطغى عناية المرء بالمال والولد على‬
‫طاعة اهلل وذكره وشكره ‪.E‬‬
‫الصحيح ا َّل ِذي يقول فيه‬
‫ومما يوضح خطورة هذا األمر ويب ِّينه‪ :‬الحديث َّ‬
‫َّ‬
‫السنن (‪.)16722‬‬
‫والبيهقي يف ُّ‬
‫ُّ‬ ‫الصالة (‪،)591‬‬
‫المروزي يف تعظيم قدر َّ‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪36‬‬
‫َان ويب َقى معه و ِ‬
‫احدٌ ‪َ :‬ي ْت َب ُع ُه َأ ْه ُل ُه‬ ‫ت َث َل َثةٌ‪َ ،‬ف َي ْر ِج ُع ا ْثن ِ َ َ ْ َ َ ُ َ‬
‫«ي ْت َب ُع ا ْل َم ِّي َ‬
‫‪َ :O‬‬
‫َو َما ُل ُه َو َع َم ُل ُه؛ َف َي ْر ِج ُع َأ ْه ُل ُه َو َما ُل ُه‪َ ،‬و َي ْب َقى َع َم ُل ُه»‪ .‬متَّفق عليه(‪ ،)1‬فال يدخل مع‬
‫طالحا‪ -‬وال يعني هذا ترك‬ ‫ً‬ ‫صالحا أو‬
‫ً‬ ‫اإلنسان يف قربه َّإل العمل ‪-‬سوا ٌء كان‬
‫الرزق وترك رعاية األوالد واألنس هبم‪ ،‬وإنَّما‬ ‫المال والتِّجارة وترك طلب ِّ‬
‫الصالة والقيام بطاعة‬ ‫المراد‪َّ :‬أل تشغل هذه األشياء المرء عن ذكر اهلل وإقام َّ‬
‫اهلل‪.‬‬
‫‪﴿ :D‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ﴾ [فاطر‪:‬‬ ‫ويقول اهلل‬
‫‪]10‬؛ هذه اآلية فيها داللة على فضيلة الكلم ال َّط ِّيب ومكانته‪ ،‬والكلم ال َّط ِّيب‪:‬‬
‫هو ذكر اهلل ‪﴿ ،D‬ﯪ ﯫ ﯬﯭ﴾‪ ،‬أي‪ :‬يرفع الكلم ال َّط ِّيب‪ ،‬فال ُبدَّ‬
‫الزاكية ا َّلتِي هي‬ ‫منهما فال ُيكتفى بأحدهما دون اآلخر‪ ،‬بل ال ُبدَّ من األقوال َّ‬
‫المقربة إلى اهلل‪ .‬ولهذا الدِّ ين‬‫ِّ‬ ‫الصالحة‬
‫ذكر اهلل ودعائه‪ ،‬وال ُبدَّ من األعمال َّ‬
‫يتقرب هبا المسلم إلى‬ ‫وأعمال صالحة َّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫أقوال مباركة‬ ‫ٌ‬
‫وعمل؛‬ ‫واإليمان ٌ‬
‫قول‬
‫اهلل‪.‬‬
‫‪ ‬وفي اآلية تنبيهان َّ‬
‫مهمان‪:‬‬
‫كل كلِم ُيقبل‪ ،‬وإنَّما ا َّل ِذي ُيقبل‬
‫األول‪ :‬يتع َّلق بالكلِم؛ أال وهو‪ :‬أنه ليس ُّ‬ ‫َّ‬
‫الكلِم الموصوف بأنَّه ط ِّيب‪ ،‬وال سبيل إلى معرفة الكلِم أهو ط ِّيب أو ليس‬
‫الشارع الحكيم؛ بالتَّعويل على كالم اهلل وكالم رسوله‬ ‫بط ِّيب َّإل من خالل َّ‬
‫ذكر هلل ُيقبل أ ًّيا كانت صفته وأ ًّيا كانت طريقته‪ ،‬وإنَّما‬ ‫كل ٍ‬ ‫‪ ،O‬فليس ُّ‬
‫الذكر إنَّما ُيعلم من كتاب اهلل‬ ‫الذكر ما كان ط ِّي ًبا‪ ،‬وال َّط ِّيب من ِّ‬ ‫ا َّل ِذي ُيقبل من ِّ‬
‫وسنَّة نب ِّيه ‪ .O‬فهذا فيه التَّنبيه على أهم َّية التَّعويل على الكتاب‬
‫والسنَّة يف ِّ‬
‫الذكر والدُّ عاء‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫البخاري (‪ ،)6514‬ومسلم (‪.)2960‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪37‬‬ ‫‪ -5‬تأمالت يف بعض اآليات احلاثَّة على ذكر اهلل (‪)2‬‬

‫الثاني‪ :‬يف قوله ﴿ﯪ ﯫ ﯬﯭ﴾‪ ،‬فليس ُّ‬ ‫َّ‬


‫كل عم ٍل ُيقبل‪ ،‬بل‬ ‫األمر‬
‫بالصالح‪،‬‬
‫صالحا‪ ،‬قال‪﴿ :‬ﯪ ﯫ﴾؛ وصف العمل َّ‬ ‫ً‬ ‫ال ُيقبل َّإل إذا كان‬
‫صالحا‪ ،‬وصالح العمل من عدمه إنَّما ُيعرف من‬
‫ً‬ ‫فالعمل ال ُيقبل َّإل إذا كان‬
‫والسنَّة‪.‬‬
‫طريق الكتاب ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪38‬‬

‫‪6‬‬

‫تأمالت يف بعض اآليات احلاثَّة‬


‫على ذكر اهلل (‪)3‬‬

‫قال اهلل ‪﴿ :D‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ﴾ [األحزاب‪َ ]14:‬ق َال‬


‫َت َعا َلى‪﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ٍ‬
‫جملة‬ ‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [األعراف‪]205 :‬؛ هذه اآلية العظيمة اشتملت على‬
‫ط ِّي ٍبة من اآلداب الكريمة ا َّلتِي ينبغي أن يتح َّلى هبا َّ‬
‫الذاكر؛ فمن هذه اآلداب‪:‬‬
‫ً‬
‫ألن اإلخفاء‬‫الذاكر‪ -‬أي يخفيه؛ َّ‬
‫الذكر يف نفسه ‪-‬يف نفس َّ‬ ‫َّأول‪ :‬أن يكون ِّ‬
‫الرياء‪.‬‬
‫وأقرب إلى اإلجابة‪ ،‬وأبعدُ من ِّ‬‫ُ‬ ‫أدخل يف اإلخالص‪،‬‬ ‫ُ‬
‫َّضرع؛ وهو التَّذ ُّلل والخضوع واالعرتاف‬ ‫ثانيا‪ :‬أن يكون على سبيل الت ُّ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫بالتَّقصير‪ ،‬ليتح َّقق فيه ذ َّلة العبود َّية واالنكسار لعظمة ُّ‬
‫الربوب َّية‪.‬‬
‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬أن يكون على وجه الخيفة؛ أي‪ :‬الخوف من المؤاخذة على التَّقصير‬
‫وأل ُيقبل‪ ،‬قال اهلل تعالى يف صفة المؤمنين‬ ‫يف العمل‪ ،‬والخشية من أن ُير َّد َّ‬
‫السابقين ألرفع الدَّ رجات‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬ ‫المسارعين يف الخيرات َّ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [المؤمنون‪:‬‬
‫‪ ،]61-60‬قد ثبت يف المسند وغيره عن عائشة ‪ J‬أنَّها سألت النَّبِ َّي ﷺ عن‬
‫الر ُج ُل َيزْنِي َو َي ْسرِ ُق َو َي ْش َر ُب ا ْلخَ ْم َر َو َيخَ ُ‬ ‫هؤالء فقالت‪« :‬يا رس َ ِ‬
‫اف‬ ‫ول اهلل َأ ُه َو َّ‬ ‫َ َ ُ‬
‫الر ُج ُل ُي َص ِّلي َو َي ُصو ُم َو َيت ََصدَّ ُق‬ ‫ِ‬ ‫الصدِّ ِ‬ ‫َأ ْن ُي َّ‬
‫يق‪َ ،‬و َلكنَّ ُه َّ‬ ‫«ل‪َ ،‬يا ا ْبنَ َة ِّ‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫عذ َب؟» َ‬
‫اف َأ ْن َل ُي ْق َب َل ِمنْ ُه»(‪.)1‬‬
‫َو َيخَ ُ‬

‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)25263‬وابن ماجه (‪،)4198‬‬
‫‪39‬‬ ‫‪ -6‬تأمالت يف بعض اآليات احلاثَّة على ذكر اهلل (‪)3‬‬

‫ابعا‪ :‬أن يكون دون الجهر؛ ألنَّه أقرب إلى ُحسن التَّف ُّكر‪ ،‬قال ابن كثير‬
‫ر ً‬
‫ستحب أن يكون‬ ‫ُّ‬ ‫‪« :V‬ولهذا قال‪﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ وهكذا ُي‬
‫الصحيحين عن أبي موسى‬ ‫وجهرا بلي ًغا»(‪ ،)1‬ويف َّ‬ ‫ً‬ ‫الذكر‪ ،‬ال يكون ندا ًء‬ ‫ِّ‬
‫األشعري ‪ I‬قال‪ :‬رفع النَّاس أصواهتم بالدُّ عاء يف بعض األسفار‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫َّاس ْار َب ُعوا َع َلى َأ ْن ُفسك ُْم‪ ،‬إِ َّنك ُْم َل ْي َس تَدْ ُع َ‬
‫ون‬ ‫«يا َأ ُّي َها الن ُ‬
‫فقال لهم النَّبِ ُّي ﷺ‪َ :‬‬
‫اح َل ِة‬
‫ون س ِميعا َقرِيبا‪َ ،‬أ ْقرب إِ َلى َأح ِدكُم ِمن عن ُِق ر ِ‬
‫َ ْ ْ ُ َ‬ ‫ً َ ُ‬
‫ِ‬
‫َأ َص َّم َو َل َغائ ًبا‪ ،‬إِ َّنك ُْم تَدْ ُع َ َ ً‬
‫َأ َح ِدك ُْم»(‪.)2‬‬
‫خامسا‪ :‬أن يكون بال ِّلسان ال بالقلب وحده‪ ،‬وهو مستفا ٌد من قوله‪﴿ :‬ﯨ‬ ‫ً‬
‫األمر‬
‫َ‬ ‫ألن معناه‪ :‬ومتك ِّل ًما كال ًما دون الجهر‪ ،‬ويكون المرا ُد باآلية‪:‬‬ ‫ﯩ﴾؛ َّ‬
‫الذكر بين ال ِّلسان والقلب‪ ،‬وقد يقال‪ :‬هو ذكره يف قلبه بال لسانه‬ ‫بالجمع يف ِّ‬
‫األصح كما ح َّقق‬ ‫ُّ‬ ‫األول هو‬ ‫أن َّ‬ ‫بقوله بعد ذلك‪﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾؛ َّإل َّ‬
‫وغيره من أهل العلم ‪.X‬‬ ‫شيخ اإلسالم ابن تيم َّية ُ‬ ‫ذلك ُ‬
‫وقد ن َّظر ابن تيم َّية‪ :‬لذلك بقوله ﷺ فيما روى عن ر ِّبه أنَّه قال‪َ « :‬فإِ ْن َذك ََرنِى‬
‫إل َخ ْيرٍ ِمنْ ُه»(‪ ،)3‬قال‪:‬‬ ‫إل َذك َْر ُت ُه فِي َم ٍ‬‫فِى َن ْف ِس ِه َذك َْر ُت ُه فِى َن ْف ِسي َوإِ ْن َذك ََرنِي فِي َم ٍ‬
‫الذكر يف المأل‪ ،‬وهو‬ ‫قسيم ِّ‬ ‫َ‬ ‫«وهذا يدخل فيه ذكره بال ِّلسان يف نفسه‪ ،‬فإنَّه جعله‬
‫نظير قوله‪﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾»‪ ،‬والدَّ ليل على ذلك أنَّه قال بعده‪﴿ :‬ﯬ‬
‫بالغدو واآلصال يف‬ ‫ِّ‬ ‫المشروع‬
‫َ‬ ‫ﯭ﴾ [األعراف‪ ،]205 :‬ومعلوم َّ‬
‫أن ذكر اهلل‬
‫الصالة هو بال ِّلسان مع القلب‪ ،‬مثل صال َت ْي الفجر والعصر‪،‬‬ ‫الصالة وخارج َّ‬ ‫َّ‬
‫الصالتين‪ ،‬وما أمر به النَّبِ ُّي ﷺ وع َّلمه وف َعله من‬ ‫والذكر المشروع عقب َّ‬ ‫ِّ‬
‫األذكار واألدعية المأثورة من عمل اليوم وال َّليلة المشروعة طر َف ْي النَّهار‬
‫(((  تفسير ابن كثير (‪.)487/3‬‬
‫البخاري (‪ ،)2992‬ومسلم (‪.)2704‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫البخاري (‪ ،)7405‬ومسلم (‪.)2675‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪40‬‬

‫بالغدو واآلصال»(‪.)1‬‬ ‫ِّ‬


‫فتدل اآلية‬ ‫بالغدو واآلصال؛ أي يف البكرة والعشي؛ ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫يكون‬ ‫أن‬ ‫ا‪:‬‬ ‫ً‬
‫سادس‬
‫ِّ‬
‫على مز َّية هذين الوقتين‪ ،‬ألنَّهما وقت سكون ودعة وتع ُّب ٍد اجتهاد‪ ،‬وما بينهما‬
‫أن عمل العبد يصعد َّأول‬ ‫الغالب فيه االنقطاع إلى أمر المعاش‪ ،‬وقد ورد َّ‬ ‫ُ‬
‫بالذكر‪ ،‬فقد‬ ‫الذكر فيهما ليكون ابتداء عمله واختتامه ِّ‬ ‫فطلب ِّ‬ ‫ُ‬ ‫النَّهار وآخره؛‬
‫ون فِيك ُْم‬ ‫«ي َت َعا َق ُب َ‬ ‫الصحيحن من حديث أبي هريرة ‪ I‬عن النَّبِ ِّي ﷺ‪َ :‬‬ ‫جاء يف َّ‬
‫ون فِي َص َل ِة ا ْل َع ْصرِ َو َص َل ِة ا ْل َف ْجرِ‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫ار َو َي ْجت َِم ُع َ‬ ‫َم َلئِ َك ٌة بِال َّل ْي ِل َو َم َلئِ َك ٌة بِالن ََّه ِ‬
‫ف تَر ْكتُم ِعب ِ‬ ‫ين َباتُوا فِيك ُْم َف َي ْس َأ ُل ُه ْم َو ْه َو َأ ْع َل ُم بِ ِه ْم َف َي ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫ادي؟‬ ‫ول‪َ :‬ك ْي َ َ ْ َ‬ ‫َي ْع ُر ُج ا َّلذ َ‬
‫ون»(‪.)2‬‬ ‫َاه ْم َو ُه ْم ُي َص ُّل َ‬‫ون َو َأ َت ْين ُ‬
‫َاه ْم َو ُه ْم ُي َص ُّل َ‬ ‫ون ت ََر ْكن ُ‬ ‫َف َي ُقو ُل َ‬
‫سابعا‪ :‬النَّهي عن الغفلة عن ذكره بقوله‪ ﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﴾؛ أي‪:‬‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫إشعار بطلب دوام ذكره تعالى‬ ‫ٌ‬ ‫ويلهون‪ ،‬وفيه‬ ‫من ا َّلذين يغفلون عن ذكر اهلل َ‬
‫قل‪.‬‬ ‫وأحب العمل إلى اهلل َأ ْد َو ُمه وإن َّ‬ ‫ُّ‬ ‫واالستمرار عليه‪،‬‬
‫القاسمي‬
‫ُّ‬ ‫فهذه سبع ُة آداب عظيمة اشتملت عليها هذه اآلية الكريمة ذكرها‬
‫يف كتابه «محاسن التَّأويل»(‪ِّ ،)3‬‬
‫وللذكر آداب كثيرة أخرى سيأيت معنا شيء منها‬
‫الح ًقا إن شاء اهلل‪.‬‬
‫َّ‬
‫وحذر‬ ‫حث على ذكره يف هذه اآلية ور َّغب فيه‬ ‫إن اهلل ‪ F‬لما َّ‬ ‫ثم َّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يقوي دواعي ِّ‬
‫الذكر‬ ‫من ضدِّ ه وهو الغفلة‪ ،‬ذكر عقبها يف اآلية ا َّلتي تليها ما ِّ‬
‫و ُين ِْهض الهمم إليه بمدح المالئكة ا َّل ِذين يس ِّبحون ال َّليل والنَّهار ال يفرتون‪،‬‬
‫فقال سبحانه‪﴿ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ﴾‬
‫[األعراف‪.]206 :‬‬
‫(((  مجموع الفتاوى (‪.)34/15‬‬
‫البخاري (‪ ،)555‬ومسلم (‪.)632‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫للقاسمي (‪.)248 - 247/5‬‬
‫ِّ‬ ‫(((  محاسن التَّأويل‬
‫‪41‬‬ ‫‪ -6‬تأمالت يف بعض اآليات احلاثَّة على ذكر اهلل (‪)3‬‬

‫والمراد بقوله‪﴿ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾ أي‪ :‬المالئكة‪ ،‬وقد وصفهم اهلل يف‬


‫‪E‬‬ ‫هذه اآلية بعدم االستكبار عن عبادة اهلل وأنَّهم يس ِّبحون اهلل وله‬
‫حث المؤمنين وترغيبم يف أن يقتدوا هبم فيما ذكر‬ ‫يتضمن َّ‬
‫َّ‬ ‫يسجدون‪ ،‬وهذا‬
‫عنهم؛ ألنَّه إذا كان أولئك ‪-‬وهم معصومون من َّ‬
‫الذنب والخطأ‪ -‬هذه حالهم‬
‫يف التَّسبيح ِّ‬
‫والذكر والعبادة فكيف ينبغي أن تكون حال غيرهم!!‬
‫ولهذا يقول ابن كثير ‪« :V‬وإنَّما ذكرهم هبذا ل ُيتش َّبه هبم يف كثرة طاعتهم‬
‫السجو ُد ها هنا‪ ،‬لما ذكر سجودهم هلل ‪ E‬كما‬ ‫وعبادهتم‪ ،‬ولهذا ُش ِر َع لنا ُّ‬
‫الصفوف‬ ‫يتمون ُّ‬ ‫ُّ‬
‫تصف المالئكة عند ر ِّبها‪ُّ ،‬‬ ‫«أل تص ُّفون كما‬
‫جاء يف الحديث‪َّ :‬‬
‫ف» ‪ ،‬وهذه َّأول سجدة يف القرآن َّ‬
‫مما ُيشرع لتاليها‬ ‫(‪)1‬‬
‫الص ِّ‬
‫ويتراصون يف َّ‬
‫ُّ‬ ‫األُ َول‬
‫السجود باإلجماع»(‪.)2‬‬
‫ومستمعيها ُّ‬
‫«ثم ذكر تعالى َّ‬
‫أن له عبا ًدا‬ ‫ِ‬ ‫ويقول َّ‬
‫عدي ‪َّ :V‬‬ ‫الرحمن بن س ٍّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫مستديمين لعبادته مالزمين لخدمته وهم المالئكة؛ لتعلموا َّ‬
‫أن اهلل ال يريد أن‬
‫ليتعزز هبا من ذ َّل ٍة‪ ،‬وإنَّما يريد نفع أنفسكم وأن‬
‫يتك َّثر بعبادتكم من ق َّل ٍة‪ ،‬وال َّ‬
‫تربحوا عليه أضعاف أضعاف ما ِ‬
‫عملتم‪ ،‬فقال‪﴿ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ﴾من‬
‫المقربين وحملة العرش والكروب ِّيين ﴿ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾بل‬ ‫َّ‬ ‫المالئكة‬
‫﴿و ُي َس ِّب ُحونَه﴾ ال َّليل والنَّهار ال يفرتون‪،‬‬
‫يذعنون لها وينقادون ألوامر ر ِّبهم‪َ ،‬‬
‫﴿ﯼ﴾ وحده ال شريك له ﴿ﯽ﴾‪ ،‬فليقتد العباد هبؤالء المالئكة الكرام‪،‬‬
‫وليداوموا على عبادة الملك َّ‬
‫العلم»‪ .‬اهـ كالمه (‪.)3‬‬
‫لما هنى عباده عن أن يكونوا من الغافلين‬ ‫‪ ‬واملقصود‪َّ :‬‬
‫أن اهلل ‪َّ F‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)430‬‬
‫(((  تفسير ابن كثير (‪.)539/3‬‬
‫الرحمن (ص‪.)314‬‬
‫(((  تيسير الكريم َّ‬
wki
'
pal'.,ak
szt...
u2.
;.1 l-l,
r
,'
up.joUJ axp
. h. Fw duv.
. .w
sz us acx z
v > A-
VJ5tJ IzI
+'* hw'
.x NJ'
uu u%
..'zaxp
.>S5
'< '
z,.x...g ô.t..
o-â uô.f0
'.F.:1

*&n Q I.$oo
'iZ
A=*
I
..Fuo I
..y;J J,..
V..Jlap
.5r.
.oIoI
w.wuhwe'
' ô....
.
'S uà
.
Jus h-'
1I J.5
. . J . JJ .
u.. ;N II
y u'' aZ.J.U '
--u.. I.p I.çIJ'I'
olw .J' z
pî& e.' îj y I,kz'
tmp us.wI
JJj.1.
u5ju'I
wClI
u.

ptwuv s .rxw.,.u @olw.x u


.
p'..tp pJJxulNu zww.
a Jwc)l'.
x1... .k,$ .)..p-'y'
...tkI
J1 1 *5 1 J'
* fZ '
'.Iw'r ah,uv-iv=.QpI,kzwx .
. w h. k.s.A, u
;fuw
..t
fh.).
..
.
u)Io''
tfJIh
l
. 1
.
o.Iwq.Jg5thô-.t.ào'Iw c.t;Jo.'Ia,
Js
5r.kIk>-.
1iI
M-I
..,
sz' C'- I .
&''v'.-lhk-w?
'xrb' -b- .
oou.o LQ.
;
J Z'NJ 7 'S .
'4 7tQt ='*C3-J7t ''>

' 4pz.2i8.
:5 hô..
t.
à

.u 9 =x J

. u;.a ..v o o 4JSkllo to ,5'lo.t.a a 1wkx qx r00lo)w zc'


wou u,

Jt=6.I.'
='=' Iwt
-yJz; k(hhF'r').uIo.
JI'p I
.'
uJ '(r'q'/t) .'z'
eIt.o'IQ'JI.'
K' u4
‫‪43‬‬ ‫‪ -6‬تأمالت يف بعض اآليات احلاثَّة على ذكر اهلل (‪)3‬‬

‫﴿ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ﴾ [الفاتحة‪]5-1 :‬؛ ﴿ﭢ ﭣ﴾ هذه العبادة؛ نعبدك وال نعبد‬
‫غيرك‪ ،‬لكنَّها لم ُتذكر َّإل بعد أن ُأرسيت أركاهنا؛ َّ‬
‫فإن المسلم عندما يقرأ‬
‫﴿ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾؛ الحمد‪ :‬هو ال َّثناء على المحمود مع ح ِّبه‪َّ ،‬‬
‫ألن‬
‫حب‬ ‫مدحا‪ ،‬ففي الحمد ُّ‬
‫يسمى ً‬ ‫يسمى حمدً ا وإنَّما َّ‬ ‫ال َّثناء لو كان بال ٍّ‬
‫حب ال َّ‬
‫حب اهلل‪،‬‬ ‫اهلل‪ ،‬فالمسلم عندما يقرأ ﴿ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾ يقوم يف قلبه ُّ‬
‫الرجاء‪﴿ ،‬ﯮ‬ ‫وعندما يقرأ ﴿ﭛ ﭜ﴾ ويذكر رحمة اهلل يقوم يف قلبه َّ‬
‫ﯯ﴾ [اإلسراء‪ ،]57 :‬وعندما يقرأ ﴿ﭞ ﭟ ﭠ﴾ أي‪ :‬يوم الحساب‬
‫دل عليه ﴿ﭖ ﭗ‬ ‫فبالحب ا َّل ِذي َّ‬
‫ُّ‬ ‫والعقاب والجزاء يقوم يف قلبه الخوف؛‬
‫دل عليه ﴿ﭛ ﭜ﴾‪ ،‬وبالخوف ا َّل ِذي‬ ‫وبالرجاء ا َّل ِذي َّ‬
‫ﭘ ﭙ﴾‪َّ ،‬‬
‫بالحب والخوف‬ ‫ِّ‬ ‫دل عليه ﴿ﭞ ﭟ ﭠ﴾‪﴿ ،‬ﭢ ﭣ﴾؛ أي‪ :‬نعبدك يا اهلل‬ ‫َّ‬
‫والرجاء‪.‬‬
‫َّ‬
‫محركات القلوب إلى اهلل‬ ‫أن ِّ‬‫قال شيخ اإلسالم ابن تيم َّية ‪« :V‬اعلم َّ‬
‫والرجاء‪ ،‬وأقواها المح َّبة وهي مقصود ٌة تراد‬ ‫‪ D‬ثالثة‪ :‬المح َّبة والخوف َّ‬
‫لذاهتا‪ ،‬ألنَّها تراد يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬بخالف الخوف فإنَّه يزول يف اآلخرة‪،‬‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ [يونس‪:‬‬
‫الزجر والمنع من الخروج عن ال َّطريق‪ ،‬فالمح َّبة‬ ‫‪ ،]62‬والخوف المقصود منه‪َّ :‬‬
‫وقوهتا يكون سيره إليه‪،‬‬ ‫السير إلى محبوبه‪ ،‬وعلى قدر ضعفها َّ‬ ‫ُتلقي العبد يف َّ‬
‫والرجاء يقوده؛ فهذا ٌ‬
‫أصل‬ ‫والخوف يمنعه أن يخرج عن طريق المحبوب‪َّ ،‬‬
‫عظيم يجب على ِّ‬
‫كل عبد أن يتن َّبه له‪ ،‬فإنَّه ال تحصل له العبود َّية بدونه»(‪.)1‬‬

‫(((  مجموع الفتاوى (‪.)95/1‬‬


‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪44‬‬

‫‪7‬‬

‫تنوُّع األدلَّة ال َّدالة على فضل ال ِّذكر‬

‫الذكر وعظيم أجره‪ ،‬وبيان ما أعدَّ ه اهلل ألهله من‬ ‫حديث عن فضيلة ِّ‬
‫ٌ‬ ‫تقدَّ م‬
‫أيضا ذكر‬ ‫ومر ً‬ ‫وحسن العاقبة وهناءة العيش‪َّ ،‬‬ ‫جميل ال َّثواب وكريم المآب ُ‬
‫شيء من فوائده العطِرة‪ ،‬وثماره الكريمة اليانعة‪ ،‬وعواقبه الحميدة يف الدُّ نيا‬ ‫ٍ‬
‫فإن دالالت‬ ‫الرفيعة والدَّ رجة العالية؛ َّ‬ ‫ولما كان ِّ‬
‫الذكر هبذه المنزلة َّ‬ ‫واآلخرة‪َّ .‬‬
‫متنوعة‪ ،‬وكان مجيئه يف القرآن الكريم على‬ ‫النُّصوص المب ِّينة لفضله جاءت ِّ‬
‫الذكر وجليل‬ ‫تدل على عظيم شأن ِّ‬ ‫وجوه كثيرة‪ ،‬وهي بمجموعها وأفرادها ُّ‬
‫قدره‪.‬‬
‫إن ِّ‬
‫الذكر‬ ‫السالكين»‪َّ :‬‬
‫وقد ذكر اإلمام ابن الق ِّيم ‪ V‬يف كتابه «مدارج َّ‬
‫ثم أورد بعد ذلك‬
‫ورد يف القرآن الكريم على عشرة أوجه‪ ،‬ذكرها مجملة‪َّ ،‬‬
‫تفصيلها؛ فقال ‪:)1(V‬‬
‫األمر به مطل ًقا ومق َّيدً ا‪.‬‬ ‫َّ‬
‫«األول‪ُ :‬‬
‫َّ‬
‫الثاني‪ :‬النَّهي عن ضدِّ ه من الغفلة والنِّسيان‪.‬‬
‫َّ‬
‫الثالث‪ :‬تعليق الفالح باستدامته وكثرته‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬ال َّثناء على أهله‪ ،‬واإلخبار بما أعدَّ اهلل لهم من الجنَّة والمغفرة‪.‬‬
‫َّ‬

‫الخامس‪ :‬اإلخبار عن خسران َمن َل َها عنه بغيره‪.‬‬

‫السالكين (‪.)396/2‬‬
‫(((  مدارج َّ‬
‫‪45‬‬ ‫‪ -7‬تنوُّع األدلَّة ال َّدالة على فضل ال ِّذكر‬

‫السادس‪ :‬أنَّه سبحانه جعل ذكره لهم جزا ًء لذكرهم له‪.‬‬


‫َّ‬

‫كل شيء‪.‬‬‫السابع‪ :‬اإلخبار بأنَّه أك َب ُر من ِّ‬


‫َّ‬
‫َّ‬
‫الصالحة‪ ،‬كما كان مفتاحها‪.‬‬ ‫الثامن‪ :‬أنَّه جعله خاتمة األعمال َّ‬
‫َّ‬
‫التاسع‪ :‬اإلخبار عن أهله بأنَّهم هم أهل االنتفاع بآياته‪ ،‬وأنَّهم أولو األلباب‬
‫دون غيرهم‪.‬‬
‫الصالحة وروحها‪ ،‬فمتى ُع ِدمته‬
‫العاشر‪ :‬أنَّه جعله قرين جميع األعمال َّ‬
‫كانت كالجسد بال روح»‪.‬‬
‫‪َّ ‬‬
‫ثم شرع في بيان تفصيل هذه األوجه العشرة‪:‬‬
‫األول‪ :‬وهو األمر به مطل ًقا ومق َّيدً ا‪ ،‬فكقوله تعالى‪﴿ :‬ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫‪ -‬أ َّما َّ‬
‫ﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊ‬
‫ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ﴾ [األحزاب‪،]43-41 :‬‬
‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [األعراف‪.]205 :‬‬
‫‪ -‬وأ َّما النَّهي عن ضدِّ ه‪ ،‬فكقوله‪﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [األعراف‪،]205 :‬‬
‫وقوله‪﴿ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [الحشر‪:‬‬
‫‪.]19‬‬
‫‪ -‬وأ َّما تعليق الفالح باإلكثار منه‪ ،‬فكقوله‪﴿ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ﴾ [األنفال‪.]45 :‬‬

‫‪ -‬وأ َّما ال َّثناء على أهله ُ‬


‫وحسن جزائهم‪ ،‬فكقوله‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ﴾ إلى قوله ﴿ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [األحزاب‪.]35 :‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪46‬‬

‫‪ -‬وأ َّما خسران َمن لها عنه‪ ،‬فكقوله‪﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬


‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ﴾ [المنافقون‪.]9 :‬‬
‫‪ -‬وأ َّما ج ْعل ذكره لهم جزاء لذكرهم له‪ ،‬فكقوله‪﴿ :‬ﯩ ﯪ‬
‫محفوف بذكرين من‬
‫ٌ‬ ‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [البقرة‪ِ ،]152 :‬‬
‫وذكر العبد لر ِّبه‬
‫مذكورا‪ ،‬فذكر‬
‫ً‬ ‫وذكر بعده به صار العبد‬
‫ٌ‬ ‫ذاكرا له‪،‬‬
‫ر ِّبه له‪ :‬ذكر قبله به صار العبد ً‬
‫ونوع بعده‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫نوع قبل ذكر العبد لر ِّبه‪،‬‬
‫الرب لعبده نوعان‪ٌ :‬‬
‫ِّ‬
‫‪ -‬وأ َّما اإلخبار عنه بأنَّه أك َب ُر من ِّ‬
‫كل شيء‪ ،‬فكقوله تعالى‪﴿ :‬ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬﯭ﴾ [العنكبوت‪.]45 :‬‬
‫الصيام بقوله‪﴿ :‬ﯠ‬
‫الصالحة به‪ ،‬فكما ختم به عمل ِّ‬
‫‪ -‬وأ َّما ختم األعمال َّ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [البقرة‪ ،]185 :‬وختم به‬
‫الحج يف قوله‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫َّ‬
‫الصالة بقوله‪﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧﮨ﴾ [البقرة‪ ،]200 :‬وختم به َّ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ﴾ [النِّساء‪ ،]103 :‬وختم به الجمعة‬
‫بقوله‪﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫آخر‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ﴾ [الجمعة‪]10 :‬؛ ولهذا كان خاتمة الحياة الدُّ نيا‪ ،‬وإذا كان ُ‬
‫كالم العبد أدخله اهلل الجنَّة‪.‬‬
‫‪ -‬وأ َّما اختصاص َّ‬
‫الذاكرين باالنتفاع بآياته‪ ،‬وهم أولو األلباب والعقول‪،‬‬
‫فكقوله سبحانه‪﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [آل عمران‪.]191-190 :‬‬
‫‪ -‬وأ َّما مصاحبته لجميع األعمال واقرتانه هبا وأنَّه روحها‪ ،‬فإنَّه سبحانه‬
‫‪47‬‬ ‫‪ -7‬تنوُّع األدلَّة ال َّدالة على فضل ال ِّذكر‬

‫بالصيام‬
‫بالصالة كقوله تعالى‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ﴾ [طه‪ ،]14 :‬وقرنه ِّ‬
‫قرنه َّ‬
‫الحج ول ُّبه ومقصوده‪ ،‬كما قال ﷺ‪« :‬إنَّما‬
‫ِّ‬ ‫وبالحج ومناسكه‪ ،‬بل هو روح‬
‫ِّ‬
‫ورمي الجمار إلقامة ذكر‬
‫ُ‬ ‫الصفا والمروة‬
‫عي بين َّ‬ ‫ُجعل ال َّطواف بالبيت َّ‬
‫والس ُ‬
‫اهلل»(‪ ،)1‬وقرنه بالجهاد وأمر بذكره عند مالقاة األقران‪ ،‬ومكافحة األعداء‪،‬‬
‫فقال تعالى‪﴿ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ﴾ [األنفال‪.]45 :‬‬
‫الذكر يف القرآن الكريم‪ ،‬وذكر ِّ‬
‫لكل‬ ‫ورد فيها ِّ‬ ‫فهذه وجو ٌه عشر ٌة‬
‫(‪)2‬‬

‫بعض األمثلة من اآليات القرآن َّية‪ .‬والقرآن الكريم ملي ٌء باآليات‬‫وجه منها ُ‬
‫لمن قرأ‬
‫المندرجة تحت هذه األنواع‪ ،‬وهي يسيرة الحصول قريبة المتناول َ‬
‫القرآن الكريم وتد َّبر آياته‪.‬‬
‫الشوكاين ‪ V‬يف ٍ‬
‫سياق آخر وهو ينطبق‬ ‫وما أحسن وأروع ما قاله اإلما ُم َّ‬
‫على سياقنا هذا تمام االنطباق‪ ،‬حيث قال ‪« :V‬واعلم َّ‬
‫أن إيراد اآليات‬
‫القرآن َّية على إثبات ِّ‬
‫كل مقصد من هذه المقاصد ال يحتاج إليه َمن يقرأ القرآن‬
‫أي موضع شاء‪،‬‬‫العظيم‪ ،‬فإنَّه إذا أخذ المصحف الكريم وقف على ذلك يف ِّ‬
‫أي ٍّ‬
‫محل أراد‪ ،‬ووجده مشحونًا به من فاتحته إلى‬ ‫أحب‪ ،‬ويف ِّ‬
‫َّ‬ ‫أي مكان‬
‫ومن ِّ‬
‫خاتمته»‪ .‬اهـ كالمه(‪.)3‬‬
‫لب القرآن‬ ‫كتاب ٍ‬
‫ذكر هلل؛ فذكر اهلل تعالى هو ُّ‬ ‫ُ‬ ‫إن القرآن الكريم ك َّله‬
‫بل َّ‬
‫وروحه وحقيقته وغاي ُة مقصوده‪ ،‬يقول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ُ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [ص‪ ،]29 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬

‫ِّرمذي (‪.)902‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)1888‬والت‬
‫السالكين (‪.)399 – 397/2‬‬ ‫(((  مدارج َّ‬
‫ِ‬ ‫(((  إرشاد ال ِّثقات إلى ا ِّتفاق َّ‬
‫الشرائع على التَّوحيد والمعاد والن َُّّبوات َّ‬
‫للشوكان ِّي (ص‪.)10‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪48‬‬

‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ﴾ [ق‪ ،]37 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭟ ﭠ‬


‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ﴾‬
‫[اإلسراء‪ ،]9 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾ [ق‪ ،]45 :‬واآليات يف‬
‫هذا المعنى كثيرة‪.‬‬
‫ذكرا يف قوله‪﴿ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ‬
‫سمى اهلل ‪ E‬كتا َبه العزيز ً‬
‫وقد َّ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ﴾ [األنبياء‪ ،]50 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [النَّحل‪ ،]44 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ﴾ [آل عمران‪ ،]58 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ﴾ [األعراف‪ ،]63 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾‬
‫[الحجر‪ ،]9 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ﴾ [ص‪ ،]1 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫آيات كثير ٌة يف‬
‫فصلت‪ .]42-41 :‬ويف هذا المعنى ٌ‬
‫ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [ ِّ‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫آي‬ ‫وحث عليه ور َّغب فيه يف ٍ‬
‫َّ‬ ‫لما أمر بذكره يف القرآن‬
‫إن اهلل ‪َّ F‬‬‫ثم َّ‬
‫َّ‬
‫كر هلل حقيق ًة‬ ‫يتم ِّ‬ ‫ٍ‬
‫كثيرة منه‪َّ ،‬‬
‫الذ ُ‬ ‫أيضا من الوقوع يف ضدِّ ه وهو الغفلة‪ ،‬إذ ال ُّ‬
‫حذر ً‬
‫َّإل بالتَّخ ُّلص من الغفلة والبعد عنها‪ ،‬وقد جمع اهلل ‪ E‬بين هذين‬
‫بالذكر والنَّهي عن الغفلة‪-‬‬ ‫األمرين يف آية واحدة من القرآن ‪-‬أعني األمر ِّ‬
‫وذلك يف قوله تعالى من آخر سورة األعراف‪﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [األعراف‪.]205 :‬‬
‫والمراد بقوله يف خاتمة اآلية ﴿ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ أي‪ :‬من ا َّل ِذين نسوا‬
‫اهلل فأنساهم أنفسهم‪ ،‬فإنَّهم ُح ِرموا خيري الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬وأعرضوا َّ‬
‫عمن ُّ‬
‫كل‬
‫الشقاوة والخيبة يف‬ ‫السعادة وال َفوز يف ذكره وعبود َّيته‪ ،‬وأقبلوا على َمن ُّ‬
‫كل َّ‬ ‫َّ‬
‫‪49‬‬ ‫‪ -7‬تنوُّع األدلَّة ال َّدالة على فضل ال ِّذكر‬

‫وتحذير من الغفلة عنه‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫أمر ِّ‬
‫بالذكر والمواظبة عليه‪،‬‬ ‫االشتغال به‪ .‬ويف اآلية ٌ‬
‫وتحذير من سبيل الغافلين‪.‬‬
‫ٌ‬
‫والغفل ُة دا ٌء خطير إذا اعرتى اإلنسان وتم َّكن منه لم يشتغل بطاعة اهلل‬
‫عمل‬‫المبعدة عن ذكر اهلل‪ ،‬وإن ِ‬
‫ِ‬ ‫وذكره وعبادته‪ ،‬بل يشتغل باألمور الملهية‬
‫أعمال من ال َّطاعة والعبادة فإنَّها تأيت منه على حال س ِّيئة ووض ٍع غير حسن‪،‬‬
‫ً‬
‫فتكون أعماله عاري ًة من الخشوع والخضوع واإلنابة وال ُّطمأنينة والخشية‬
‫والصدق واإلخالص‪.‬‬
‫ِّ‬
‫َّحذير منها وذ ُّمها وبيان‬
‫ولهذا جاء يف القرآن الكريم يف مواضع كثيرة منه الت ُ‬
‫المعرضين؛ يقول‬ ‫ِ‬ ‫سوء عاقبتها‪ ،‬وأنَّها من خصال الكافرين وصفات المنافقين‬
‫اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ﴾ [األعراف‪ ،]179 :‬ويقول اهلل ‪﴿ :D‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ‬
‫ﭥ ﭦ﴾ [يونس‪ ،]8-7 :‬ويقول تعالى‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫الروم‪ ،]7 :‬واآليات يف هذا المعنى كثيرة‪.‬‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [ ُّ‬

‫الذكر‪ِ -‬جالء القلوب وصقالها ودواؤها‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬وهو ‪-‬أي ِّ‬
‫غشيها اعتاللها‪ ،‬وك َّلما ازداد َّ‬
‫الذاكر يف ذكره استغرا ًقا؛ ازداد المذكور مح َّب ًة‬ ‫إذا ِ‬
‫كل‬ ‫إلى لقائه واشتيا ًقا‪ ،‬وإذا واطأ يف ذكره قلبه للسانه؛ نسي يف جنب ذكره َّ‬
‫كل شيء‪ .‬به يزول الوقر‬ ‫عوضا من ِّ‬‫كل شيء‪ ،‬وكان له ً‬ ‫شيء‪ِ ،‬‬
‫وحفظ اهلل عليه َّ‬
‫عن األسماع والبكم عن األلسن‪ ،‬وتنقشع ال ُّظلمة عن األبصار‪ ،‬ز َّين اهلل به‬
‫الذاكرين كما ز َّين بالنُّور أبصار النَّاظرين؛ فال ِّلسان الغافل كالعين العمياء‬
‫ألسنة َّ‬
‫الذكر‪ -‬باب اهلل األعظم المفتوح بينه‬ ‫الش َّلء‪ ،‬وهو ‪-‬أي ِّ‬ ‫الصماء واليد َّ‬‫واألذن َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪50‬‬

‫البصري ‪« :V‬تف َّقدوا‬ ‫ُّ‬ ‫وبين عبده‪ ،‬ما لم يغلقه العبد بغفلته‪ ،‬قال الحسن‬
‫وإل‬
‫الذكر وقراءة القرآن؛ فإن وجدتم َّ‬ ‫الصالة ويف ِّ‬
‫الحالوة يف ثالثة أشياء‪ :‬يف َّ‬
‫الشيطان‬ ‫الشيطان كما يصرع َّ‬ ‫وبالذكر يصرع العبد َّ‬‫ِّ‬ ‫أن الباب مغلق»(‪،)1‬‬
‫فاعلموا َّ‬
‫الذكر من القلب ْ‬
‫فإن‬ ‫السلف ‪ :V‬إذا تم َّكن ِّ‬ ‫أهل الغفلة والنِّسيان‪ ،‬قال بعض َّ‬
‫الشيطان‪ ،‬فيجتمع عليه‬ ‫صرعه كما يصرع اإلنسان إذا دنا منه َّ‬ ‫الشيطان َ‬ ‫دنا منه َّ‬
‫الذكر‪ -‬روح‬ ‫مسه اإلنسي»‪ ،‬وهو ‪-‬أي ِّ‬ ‫الشياطين فيقولون‪ :‬ما لهذا؟ فيقال‪ :‬قد َّ‬ ‫َّ‬
‫ُّ‬
‫الصالحة؛ فإذا خال العمل عن ذكر اهلل كان كالجسد ا َّل ِذي ال روح‬ ‫األعمال َّ‬
‫فيه»‪ .‬اهـ كالم ابن الق ِّيم ‪.)2(V‬‬

‫(((  رواه أبو نعيم يف الحلية (‪.)146/10‬‬


‫السالكين (‪.)396/2‬‬‫(((  مدارج َّ‬
‫‪51‬‬ ‫‪ -8‬حديث‪ :‬مثل ال َّ ِذي يذكر رب َّه وال َّ ِذي ال يذكر رب َّه مثل احل ِّي وامليِّت‬

‫‪8‬‬

‫حديث‪ :‬مثل ال َّ ِذي يذكر رب َّه وال َّ ِذي‬


‫ال يذكر رب َّه مثل احل ِّي وامليِّت‬

‫وسى األَ ْش َع ِر ِّي‬ ‫حديث َأبِي ُم َ‬ ‫ُ‬ ‫الذكر‬ ‫من األحاديث العظيمة الواردة يف فضل ِّ‬
‫«م َث ُل ا َّل ِذي َي ْذك ُُر َر َّب ُه َوا َّل ِذي َل َي ْذك ُُر َر َّب ُه َم َث ُل ا ْل َح ِّي‬
‫َّبي ﷺ‪َ :‬‬ ‫َ َ َ َ‬
‫‪ I‬قال‪ :‬قال الن ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وا ْلمي ِ‬
‫«م َث ُل ا ْل َب ْيت ا َّلذي ُي ْذك َُر اهللُ‬ ‫البخاري ومسلم ‪ ،‬و َل ْف ُظ ُم ْسل ٍم‪َ :‬‬ ‫ُّ‬ ‫ت» رواه‬ ‫َ َ ِّ‬
‫(‪)1‬‬

‫ت»‪.‬‬ ‫ت ا َّل ِذي َل ي ْذكَر اهلل فِ ِيه م َث ُل ا ْلحي وا ْلمي ِ‬ ‫فِ ِيه وا ْلبي ِ‬
‫َ ِّ َ َ ِّ‬ ‫ُ ُ ُ َ‬ ‫َ َْ‬
‫الذكر هو حياة‬ ‫إن َم َثل الغافل عن ذكر اهلل م َث ُل الم ِّيت‪ ،‬وقد تقدَّ م معنا َّ‬
‫أن ِّ‬ ‫َّ‬
‫السمك‬ ‫القلوب حقيقةً‪ ،‬فال حياة لها بدونه‪ ،‬وحاجتها إليه أعظم من حاجة َّ‬
‫الحي‪ ،‬والقلب الغافل هو القلب الم ِّيت‪.‬‬ ‫إلى الماء؛ فالقلب َّ‬
‫الذاكر هو القلب‬
‫ُّ‬
‫للذاكر جليلةٌ‪ ،‬وفضيلة له‬ ‫الشوكانِي ‪« :V‬منقب ٌة َّ‬ ‫ففي هذا التَّمثيل كما يقول َّ‬
‫ُّ‬
‫حياة ذات َّي ٍة وروح َّي ٍة لما يغشاه من‬
‫ٍ‬ ‫نبيلة‪ ،‬وأنَّه بما يقع منه من ذكر اهلل ‪ D‬يف‬
‫ٍ‬
‫حياة‬ ‫أن التَّارك ِّ‬
‫للذكر وإن كان يف‬ ‫األنوار‪ ،‬ولما يصل إليه من األجور‪ ،‬كما َّ‬
‫اعتبار بل هو شبي ٌه باألموات»‪ .‬اهـ كالمه ‪.)2(V‬‬ ‫ٌ‬ ‫ذات َّي ٍة فليس لها‬
‫الكريم ﷺ يف هذا الحديث بيت َّ‬
‫الذاكر بمنزلة بيت‬ ‫ُ‬ ‫لقد جعل النَّبِ ُّي‬
‫الحي‪ ،‬وبيت الغافل بمنزلة بيت الم ِّيت وهو القرب‪ ،‬ويف ال َّلفظ َّ‬
‫األول جعل‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬
‫الحديث بمجموع‬ ‫فتضمن‬
‫َّ‬ ‫الحي‪ ،‬والغافل بمنزلة الم ِّيت؛‬ ‫َّ‬
‫الذاكر نفسه بمنزلة‬
‫ِّ‬
‫البخاري (‪ ،)6407‬ومسلم (‪.)779‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  تحفة َّ‬
‫الذاكرين بعدَّ ة الحصن الحصين من كالم س ِّيد المرسلين (ص‪.)20‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪52‬‬

‫كالحي يف بيوت األحياء‪ ،‬والقلب الغافل كالم ِّيت يف‬ ‫أن القلب َّ‬
‫الذاكر‬ ‫لف َظ ْيه‪َّ :‬‬
‫ِّ‬
‫قبور لقلوهبم‪ ،‬وقلوهبم فيها‬
‫فإن أبدان الغافلين ٌ‬‫بيوت األموات‪ ،‬وعلى هذا َّ‬
‫كاألموات يف القبور‪ ،‬ولهذا قيل‪:‬‬
‫قبــور‬
‫ُ‬ ‫وأجســامهم قبــل القبــور‬ ‫فنســيان ذكــر اهلل مــوت قلوبهــم‬
‫نشــور‬
‫ُ‬ ‫وليــس لهــم حتَّــى النُّشــور‬ ‫وأرواحهم يف وحشـ ٍـة من جسومهم‬
‫أيضا‪:‬‬
‫وقيل ً‬
‫وارس‬
‫ُ‬ ‫وأجســامهم فهي القبور الــدَّ‬ ‫فنســيان ذكــر اهلل مــوت قلوبهــم‬
‫أوانــس‬
‫ُ‬ ‫ولكنَّهــا عنــد الخبيــث‬ ‫وأرواحهــم يف وحشــة مــن حبيبهــم‬

‫ـورا‪،‬‬
‫ـح يف الحديــث عــن نب ِّينــا ﷺ النَّهـ ُـي عــن جعــل البيــوت قبـ ً‬ ‫ولهــذا صـ َّ‬
‫الصحيحيــن مــن حديــث‬ ‫أي‪ :‬ال يص َّلــى فيهــا وال يذكــر اهلل تعالــى فيهــا‪ ،‬ففــي َّ‬
‫ُــم‬ ‫ِ‬ ‫أن النَّبِــي ﷺ قــال‪« :‬اجع ُلــوا ِمــن ص َلتِك ِ‬ ‫ابــن عمــر ‪َّ L‬‬
‫ُــم فــي ُب ُيوتك ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ـورا»(‪ ،)1‬وروى مســلم يف صحيحــه مــن حديــث أبــي هريــرة‬ ‫وهــا ُق ُبـ ً‬ ‫َو َل َتتَّخ ُذ َ‬
‫الشـي َط َ ِ ِ‬
‫ـن‬
‫ان َينْفـ ُـر مـ َ‬ ‫ـم َ‌م َقابِـ َـر‪ ،‬إِ َّن َّ ْ‬ ‫‪ I‬عــن النَّبِـ ِّـي ﷺ قــال‪َ :‬‬
‫«ل ت َْج َع ُلــوا‌ ُب ُيو َت ُكـ ْ‬
‫ـور ُة ا ْل َب َقـ َـر ِة»(‪ ،)2‬ويف ســنن أبــي داود وغيــره بإســناد‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ا ْل َب ْيــت ا َّلــذي ُت ْقـ َـر ُأ فيــه ُسـ َ‬
‫«ل ت َْج َع ُلــوا‬ ‫حســن مــن حديــث أبــي هريــرة ‪ I‬قــال‪ :‬قــال رســول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫ـم َت ْب ُلغُنِــي‬
‫ـي َفـإِ َّن َص َل َت ُكـ ْ‬
‫ِ‬
‫ـورا‪َ ،‬و َل ت َْج َع ُلــوا َق ْبـرِي عيــدً ا‪َ ،‬و َص ُّلــوا َع َلـ َّ‬
‫ـم ُق ُبـ ً‬ ‫ُب ُيو َت ُكـ ْ‬
‫ـم»(‪.)3‬‬‫ـث ُكنْ ُتـ ْ‬ ‫َح ْيـ ُ‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيم َّية‪ :‬يف بيان معنى قوله‪« :‬ال تجعلوا بيوتكم‬

‫البخاري (‪ ،)432‬ومسلم (‪.)777‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)780‬‬
‫(((  رواه أبو داود (‪.)2042‬‬
‫‪53‬‬ ‫‪ -8‬حديث‪ :‬مثل ال َّ ِذي يذكر رب َّه وال َّ ِذي ال يذكر رب َّه مثل احل ِّي وامليِّت‬

‫الصالة فيها والدُّ عاء والقراءة فتكون بمنزلة‬ ‫قبورا»‪« :‬أي ال ُتع ِّطلوها عن َّ‬ ‫ً‬
‫تحريها عند القبور‪ ،‬عكس‬ ‫بتحري العبادة يف البيوت‪ ،‬وهنى عن ِّ‬ ‫القبور؛ فأمر ِّ‬
‫ما يفعله المشركون من النَّصارى و َمن تش َّبه هبم»‪ .‬اهـ كالمه ‪.)1(V‬‬
‫وضدها؛ انقسمت القلوب‬ ‫‪َ ‬ولَّا كان القلب بهذه املثابة يوصف بالحياة ّ‬
‫ِ‬
‫بحسب ذلك إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫ٍ‬
‫بوجه‬ ‫ٌ‬
‫شرك‬ ‫السليم؛ وهو ا َّل ِذي سلم من أن يكون لغير اهلل فيه‬ ‫األول‪ :‬القلب َّ‬
‫َّ‬
‫ما‪ ،‬بل قد خلصت عبود َّيته هلل؛ إراد ًة ومح َّب ًة وتوك ًُّل وإناب ًة وإخبا ًتا وخشي ًة‬
‫وإن أبغض أبغض يف اهلل‪،‬‬ ‫أحب يف اهلل‪ْ ،‬‬‫َّ‬ ‫أحب‬
‫َّ‬ ‫ورجا ًء‪ ،‬وخ ُلص عم ُله هلل‪ْ ،‬‬
‫فإن‬
‫وإن منع منع هلل‪ ،‬ويكون الحاكم عليه يف أموره ك ِّلها هو‬ ‫وإن أعطى أعطى هلل‪ْ ،‬‬ ‫ْ‬
‫ما جاء به رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فال يتقدَّ م بين يديه ال بعقيدة وال قول وال عمل‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ضدُّ هذا وهو القلب الم ِّيت ا َّل ِذي ال حياة به؛ فهو ال يعرف ر َّبه‬
‫َّ‬

‫واقف مع شهواته‬ ‫ٌ‬ ‫وال يعبده وال يمتثل أمره وال يفعل ما يح ُّبه ويرضاه‪ ،‬بل هو‬
‫سخط ر ِّبه وغض ُبه‪ ،‬فهو متع ِّبدٌ لغير اهلل ح ًّبا وخو ًفا ورجا ًء‬
‫ُ‬ ‫ولذاته ولو كان فيها‬ ‫َّ‬
‫وإن أبغض أبغض لهواه‪،‬‬ ‫أحب لهواه‪ْ ،‬‬ ‫أحب َّ‬
‫إن َّ‬ ‫وذل‪ْ ،‬‬‫وتعظيما ًّ‬
‫ً‬ ‫ورضا وسخ ًطا‬ ‫ً‬
‫وأحب إليه من رضا‬ ‫ُّ‬ ‫وإن منع منع لهواه‪ ،‬فهو آ َث ُر عنده‬ ‫وإن أعطى أعطى لهواه‪ْ ،‬‬ ‫ْ‬
‫والشهوة قائده‪ ،‬والجهل سائقه‪ ،‬والغفلة مركبه‪.‬‬ ‫ر ِّبه ومواله‪ ،‬فالهوى إمامه‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫مرة‪ ،‬وهذه ُتمدُّ ه‬‫الثالث‪ :‬قلب له حياة وبه ع َّلة؛ فله ما َّدتان؛ ُتمدُّ ه هذه َّ‬
‫ِ‬
‫واإلخالص‬ ‫أخرى‪ ،‬وهو لما غلب عليه منهما‪ ،‬ففيه من مح َّبة اهلل واإليمان به‬
‫الشهوات وإيثارها والحرص‬ ‫له والتَّو ُّك ِل عليه ما هو ما َّدة حياته‪ ،‬وفيه من مح َّبة َّ‬
‫وحب ال ُع ُل ِّو ما هو ما َّدة هالكه‬
‫ِّ‬ ‫على تحصيلها ومن الحسد والكِ ْبر والعجب‬
‫و َع َطبِه‪.‬‬
‫الصراط المستقيم (‪.)172/2‬‬
‫(((  اقتضاء ِّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪54‬‬

‫يابس م ِّيت‪ ،‬وال َّثالث مريض فإ َّما‬


‫مخبت ل ِّي ٌن‪ ،‬وال َّثاين ٌ‬
‫ٌ‬ ‫حي‬
‫األول ٌّ‬‫فالقلب َّ‬
‫فإن القلب لكي تبقى له‬ ‫السالمة أدنى وإ َّما إلى العطب أدنى‪ .‬وعلى هذا َّ‬ ‫إلى َّ‬
‫قو َته؛ وهو‬
‫محتاج إلى ما يحفظ عليه َّ‬ ‫ٌ‬ ‫حيا ُت ُه وتزول عنه غفل ُت ُه ُّ‬
‫وتتم له استقام ُت ُه‬
‫كل ما يسخطه‬ ‫اإليمان وأوراد ال َّطاعات والمحافظة على ذكر اهلل‪ ،‬والبعدُ عن ِّ‬
‫لذة وال نعيم وال صالح َّإل بأن يكون ُ‬
‫اهلل‬ ‫‪ ،F‬وال سعادة للقلب وال َّ‬
‫كل ما سواه‪ ،‬فبهذا‬‫وأحب إليه من ِّ‬‫َّ‬ ‫وحده إلهه وفاطره ومعبوده وغاية مطلوبه‪،‬‬
‫تكون نجاة القلب من الغفلة وسالمته من اله َلكة‪ ،‬وهبذا تسري فيه الحياة‪،‬‬
‫والتَّوفيق بيد اهلل وحده‪.‬‬
‫األشعري ‪ I‬المتقدِّ م له روايتان ‪-‬كما تقدَّ م‪-‬‬ ‫ِّ‬ ‫وحديث أبي موسى‬
‫بالشخص نفسه‪ ،‬وال َّثانية تتع َّلق بالبيت ا َّل ِذي يسكنه؛ أخذ بعض‬‫األولى تتع َّلق َّ‬
‫أن َمن ال يذكر اهلل يصبح صدره مقربة لقلبه‪ ،‬ويكون‬ ‫العلماء منه فائدة وهي‪َّ :‬‬
‫وأن حياة القلوب ال تكون َّإل ِّ‬
‫بالذكر‪،‬‬ ‫والحالة إذ قلبه م ِّيت مدفون يف صدره‪َّ ،‬‬
‫موت للقلوب‪.‬‬‫والغفلة عنه ٌ‬
‫الذكر ومكانته بضرب األمثال‪ ،‬واألمثال يؤتى‬ ‫ويف الحديث بيان ألهم َّية ِّ‬
‫كثيرا‪ ،‬بل يف القرآن ‪-‬كما يقول‬
‫والسنَّة ً‬
‫هبا لتوضيح األمور‪ ،‬وهي تأيت يف القرآن ُّ‬
‫ابن الق ِّيم‪ -‬ما يزيد على األربعين مثل‪ ،‬واهلل ‪ D‬يقول‪﴿ :‬ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ﴾ [العنكبوت‪ ]43 :‬ففي األمثال نفع‬
‫وتوضيح للمسائل‪ .‬والنَّبِ ُّي ‪ O‬ضرب يف هذا‬ ‫ٌ‬ ‫عظيم وتقريب لألمور‬
‫الحي‪،‬‬ ‫أن مثل َّ‬
‫الذاكر مثل‬ ‫للذاكر‪ ،‬وم َثل للغافل؛ فذكر َّ‬‫الحديث مثلين‪ :‬م َثل َّ‬
‫ِّ‬
‫أن حياة القلوب حقيق ًة إنَّما تكون بذكر‬‫وم َثل الغافل مثل الم ِّيت‪ .‬وهذا فيه َّ‬
‫اهلل‪ ،‬فبذكره تحيا القلوب‪ ،‬وبالغفلة عنه تموت‪.‬‬
‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬وصدأ القلب بأمرين‪ :‬بالغفلة َّ‬
‫والذنب‪ ،‬وجالؤه‬
‫‪55‬‬ ‫‪ -8‬حديث‪ :‬مثل ال َّ ِذي يذكر رب َّه وال َّ ِذي ال يذكر رب َّه مثل احل ِّي وامليِّت‬

‫الصدأ‬
‫فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته كان َّ‬ ‫ِّ‬
‫والذكر؛ َ‬ ‫بشيئين‪ :‬باالستغفار‬
‫صدئ القلب لم تنطبع فيه صور‬‫مرتاكبا على قلبه‪ ،‬وصدأه بحسب غفلته‪ ،‬وإذا ِ‬
‫ً‬
‫والحق يف صورة‬
‫َّ‬ ‫الحق‪،‬‬
‫المعلومات على ما هي عليه‪ ،‬فيرى الباطل يف صورة ِّ‬
‫الصدأ أظلم؛ فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما‬ ‫الباطل؛ ألنَّه لما تراكم عليه َّ‬
‫تصوره وإدراكه‪ ،‬فال‬
‫الران فسد ُّ‬‫الصدأ واسو َّد وركبه َّ‬
‫هي عليه‪ ،‬فإذا تراكم عليه َّ‬
‫باطل‪ ،‬وهذا أعظم عقوبات القلب‪.‬‬ ‫يق َبل ح ًّقا وال ينكر ً‬
‫وأصل ذلك من الغفلة وا ِّتباع الهوى فإنَّهما يطمسان نور القلب و ُيعميان‬
‫بصره‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾‬
‫[الكهف‪ ،]28 :‬فإذا أراد العبد أن يقتدي برجل فلينظر؛ هل هو من أهل ِّ‬
‫الذكر‬
‫أو من الغافلين؟ وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي؟ فإن كان الحاكم عليه‬
‫هو الهوى وهو من أهل الغفلة وأمره فر ًطا لم ِ‬
‫يقتد به ولم يتبعه فإنَّه يقوده إلى‬ ‫ْ‬
‫الهالك‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬ومعنى الف ُرط‪:‬‬
‫* قد ُف ِّسر بالتَّضييع؛ أي أمره ا َّل ِذي يجب أن يلزمه ويقوم به وبه رشده‬
‫ضائع قد َّفرط فيه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وفالحه؛‬
‫* و ُف ِّسر باإلسراف؛ أي قد أفرط‪.‬‬
‫* و ُف ِّسر باإلهالك‪.‬‬
‫للحق‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫* و ُف ِّسر بالخالف‬
‫أن اهلل ‪ E‬هنى عن طاعة َمن‬ ‫وك ُّلها أقوال متقاربة‪ ،‬والمقصود‪َّ :‬‬
‫للرجل أن ينظر يف شيخه وقدوته ومتبوعه؛ فإن‬ ‫الصفات‪ ،‬فينبغي َّ‬ ‫جمع هذه ِّ‬
‫ممن غلب عليه ذكر اهلل ‪ D‬وا ِّتباع ُّ‬
‫السنَّة‬ ‫وجده كذلك فل ُيبعد منه‪ ،‬وإن وجده َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪56‬‬

‫وأمره غير مفروط عليه بل هو حازم يف أمره فليستمسك بغرزه‪ ،‬وال فرق بين‬
‫الحي‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِّ‬
‫الحي والم ِّيت إل بالذكر‪ ،‬فمثل الذي يذكر ر َّبه والذي ال يذكر ر َّبه كمثل ِّ‬ ‫ِّ‬
‫والم ِّيت»‪ .‬اهـ كالم ابن الق ِّيم ‪. V‬‬
‫(‪)1‬‬

‫نشأ‬ ‫ولهذا ينبغي أن يكون هناك تعاون يف البيوت على أن ُتعمر ِ‬


‫بذكْر اهلل‪ ،‬و ُي َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الصباح والمساء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الصغار وأهل البيت على العناية بذكْر اهلل؛ وال س َّيما أذكار َّ‬ ‫ِّ‬
‫السنَّة‪.‬‬
‫فإنَّها أكثر األذكار وأوسعها ورو ًدا يف ُّ‬
‫الصباح والمساء‬ ‫ولهذا كان متأ ِّكدً ا علينا أن نُعنَى باألذكار عمو ًما‪ ،‬وبأذكار َّ‬
‫الصلوات‪ ،‬واألذكار ا َّلتِي ُتقال عند‬ ‫على وجه الخصوص‪ ،‬وكذلك أذكار أدبار َّ‬
‫خاصة نفسه وفِيمن ي ُعول أن ُيعنى هبا‬ ‫ِ‬
‫فكل ذلك م َّما يجدُ ر بالمسلم يف َّ‬ ‫النَّوم؛ ُّ‬
‫ولتدب‬ ‫الرجيم‪،‬‬ ‫عناي ًة كبيرة؛ لتكون له ِحصنًا حصينًا ِ‬
‫وح ْر ًزا متينًا من َّ‬
‫َّ‬ ‫الشيطان َّ‬
‫الحياة الحقيق َّية يف البيوت‪.‬‬
‫ستحب له البسملة عند الدُّ خول‪ ،‬وإذا دخل يجتهدُ يف اإلكثار من ذكر‬ ‫ُّ‬ ‫ف ُي‬
‫اهلل يف بيته‪ ،‬فإذا عمر البيت بذكر اهلل د َّبت فيه الحياة وهربت منه َّ‬
‫الشياطين‬
‫والصالح واالستقامة والتَّعاون والتَّرابط واأللفة والمح َّبة وظهر‬
‫وعمر بالخير َّ‬
‫فيه أنواع البِ ِّر؛ وصار يتنامى بالخير ويحيا حياة ط ِّيبة‪ ،‬بينما إذا كان البيت يف‬
‫الرديئة‪ ،‬وينشأ‬ ‫الصفات َّ‬ ‫ٍ‬
‫الذميمة واألعمال َّ‬ ‫غفلة عن ذكر اهلل يموت وتكثر فيه ِّ‬
‫الذميمة‪ .‬فذكر‬ ‫الصفات َّ‬
‫فيه التَّباغض والتَّشاحن والتَّحاسد إلى غير ذلك من ِّ‬
‫اهلل ‪ D‬حصن البيوت وأماهنا وطمأنينتها ومرتكز سعادهتا ومدار فالحها‬
‫ونجاحها‪.‬‬

‫الص ِّيب (ص‪.)40‬‬


‫(((  الوابل َّ‬
‫‪57‬‬ ‫إل حفَّتهم املالئكة‬
‫‪ -9‬حديث‪ :‬ال يقعد قوم يذكرون اهلل عز وجل َّ‬

‫‪9‬‬

‫حديث‪ :‬ال يقعد قوم يذكرون اهلل ‪D‬‬

‫إل حفَّتهم املالئكة‬


‫َّ‬

‫«ل‬ ‫يد ‪َ L‬أن َُّهما َش ِهدَ ا َع َلى النَّبِ ِّي ﷺ أ َّن ُه َق َال‪َ :‬‬ ‫َعن َأبِي ُهرير َة و َأبِي س ِع ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ْ‬
‫ت َع َل ْي ِه ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ْح َمةُ‪َ ،‬و َن َز َل ْ‬ ‫ون اهللَ إِ َّل َح َّفت ُْه ُم ا ْل َم َلئ َكةُ‪َ ،‬و َغش َيت ُْه ُم َّ‬ ‫َي ْق ُعدُ َق ْو ٌم َي ْذك ُُر َ‬
‫يم ْن ِعنْدَ ُه»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫السكي َنةُ‪َ ،‬و َذك ََر ُه ُم اهللُ ف َ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫اجت ََم َع‬ ‫وروى مسلم عن َأبِى هرير َة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال رس ُ ِ‬
‫«و َما ْ‬
‫ول اهَّلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫ٌ َ ْ‬
‫َاب اهَّلل ِ َو َيتَدَ َار ُسو َن ُه َب ْين َُه ْم إِ َّل َن َز َل ْ‬
‫ت َع َل ْي ِه ُم‬ ‫وت اهَّلل ِ ي ْت ُل َ ِ‬
‫ون كت َ‬ ‫َ‬
‫ت ِمن بي ِ‬
‫ْ ُُ‬
‫َقوم فِي بي ٍ‬
‫َْ‬ ‫ٌْ‬
‫يم ْن ِعنْدَ ُه‪َ ،‬و َم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ْح َمةُ‪َ ،‬و َح َّفت ُْه ُم ا ْل َم َلئ َكةُ‪َ ،‬و َذك ََر ُه ُم اهَّللُ ف َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السكينَةُ‪َ ،‬و َغش َيت ُْه ُم َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َب َّط َأ بِه َع َم ُل ُه َل ْم ُي ْسرِ ْع بِه ن ََس ُب ُه»(‪.)2‬‬
‫الذكر يف ٍ‬
‫بيت‬ ‫جاء هذا الحديث يف بعض رواياته مق َّيدً ا بأن يكون هذا ِّ‬
‫أن الجلوس لذكر اهلل‬ ‫من بيوت اهلل‪ ،‬ويف بعضها ُمطلقا دون تقييد؛ فأفاد ذلك َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مكان آخر ينال العبد به‬ ‫وتع ُّلم العلم سواء كان يف بيت من بيوت اهلل أو يف ِّ‬
‫أي‬
‫أن كون ذلك يف المسجد أكمل وأعظم وأعلى‬ ‫شك َّ‬ ‫هذا الفضل‪ ،‬لكن ما من ٍّ‬
‫لمن حصل منه ذلك يف غير المسجد أن ينال هذه‬ ‫شأنًا وأرفع منزلةً‪ ،‬لكن ُيرجى َ‬
‫الرواية ا َّلتي جاءت مطلقة غير مق َّيدة بالمسجد‪.‬‬ ‫يدل لذلك هذه ِّ‬ ‫الفضيلة‪ ،‬كما ُّ‬
‫ج ِد فِي َت ْح ِصيل َه ِذ ِه ا ْل َف ِضي َلة ِال ْجتِ َماع فِي‬ ‫«و ُي ْل َحق بِا ْلمس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َّووي ‪َ :V‬‬ ‫قال الن ُّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2700‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2699‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪58‬‬

‫وهما إِ ْن َشا َء اهَّلل َت َعا َلى‪َ ،‬و َيدُ ُّل َع َل ْي ِه ا ْل َح ِديث ا َّل ِذي َب ْعده‬
‫َمدْ َر َسة َو ِر َباط َون َْح َ‬
‫اضع‪َ ،‬و َي ُكون ال َّت ْقيِيد فِي ا ْل َح ِديث ْالَ َّول َخ َر َج‬ ‫َفإِ َّنه م ْط َلق ي َتنَاول ج ِميع ا ْلمو ِ‬
‫ََ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ِ‬
‫الز َمان‪َ ،‬ف َل َي ُكون َل ُه َم ْف ُهوم ُي ْع َمل بِه»‪ .‬اهـ(‪.)1‬‬ ‫َع َلى ا ْل َغالِب‪َ ،‬ل ِس َّي َما فِي َذل ِ َك َّ‬
‫«ل َي ْق ُعدُ َق ْو ٌم َي ْذك ُُر َ‬
‫ون اهَّللَ»‪ ،‬ويف ال َّثاين قال‪:‬‬ ‫األول قال‪َ :‬‬
‫ويف الحديث َّ‬
‫ِ‬ ‫«ي ْت ُل َ ِ‬
‫َاب اهَّلل َو َيتَدَ َار ُسو َن ُه َب ْين َُه ْم»؛ إذا ُجمع بين ال َّلفظتين أفاد فائدة َّ‬
‫مهمة‬ ‫ون كت َ‬ ‫َ‬
‫أن ذكر اهلل ‪ E‬ال ينحصر يف التَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل‬ ‫عظيمة وهي‪َّ :‬‬
‫والسنَّة‪ ،‬والتَّف ُّقه يف الدِّ ين‪،‬‬
‫والتَّكبير! بل الجلوس للعلم‪ ،‬ومدارسة القرآن ُّ‬
‫وأحب كذا‪،‬‬
‫َّ‬ ‫إخبارا عنه سبحانه بأنَّه أمر بكذا أو هنى عن كذا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وتعليم شرع اهلل‬
‫فكل هذا من ذكر اهلل ‪.F‬‬ ‫وسخط كذا‪ ،‬ورضي كذا؛ ُّ‬

‫اض ا ْل َجن َِّة َف ْار َت ُعوا»‬


‫ويف الحديث قال ‪« :O‬إِ َذا َم َر ْرت ُْم بِرِ َي ِ‬
‫الذكر‪ :‬أي‬ ‫الذكْر»(‪ ،)2‬والمراد بحلق ِّ‬ ‫قالوا‪ :‬وما رياض الجنَّة؟ قال‪ِ :‬‬
‫«ح َل ِق ِّ‬
‫مجالس العلم؛ مجالس الحالل والحرام‪ ،‬وبيان األحكام‪ ،‬وبيان شرع اهلل‬
‫وتوضح‬
‫َّ‬ ‫فإن مجالس العلم ا َّلتِي ُيب َّين فيها الحالل والحرام‪،‬‬
‫‪ .C‬ولهذا َّ‬
‫الذكر مجالس‬ ‫ذكر هلل‪ .‬قال عطاء الخرسانِي‪« :‬مجالس ِّ‬ ‫فيها األحكام مجالس ٍ‬
‫ُّ‬
‫وتحج‬
‫ُّ‬ ‫الحالل والحرام‪ ،‬كيف تشرتي وتبيع‪ ،‬وتص ِّلي وتصوم‪ ،‬وتنكح وتط ِّلق‬
‫العدوي يف حلقة يتذاكرون‬
‫ُّ‬ ‫الس َوار‬
‫السلف وهو أبو ُّ‬ ‫وأشباه هذا» ‪ .‬وكان أحد َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫العلم ومعهم فتى شاب‪ ،‬فقال لهم‪ :‬قولوا‪ :‬سبحان اهلل والحمد هلل‪ ،‬فغضب أبو‬
‫أي شيء كنَّا إ ًذا»(‪.)4‬‬
‫السوار وقال‪« :‬ويحك يف ِّ‬
‫ُّ‬

‫َّووي (‪.)22/17‬‬
‫(((  شرح مسلم للن ِّ‬
‫ِ‬
‫وحسنه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪،)3510‬‬ ‫(((  رواه الت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫(((  رواه أبو زرعة يف تاريخه (ص‪.)359‬‬
‫الزهد (‪.)1844‬‬
‫(((  رواه أحمد يف ُّ‬
‫‪59‬‬ ‫إل حفَّتهم املالئكة‬
‫‪ -9‬حديث‪ :‬ال يقعد قوم يذكرون اهلل عز وجل َّ‬

‫مختصة بالمجالس ا َّلتِي ُيذكر فيها اسم‬ ‫َّ‬ ‫الذكر ليست‬ ‫أن مجالس ِّ‬ ‫الحاصل َّ‬
‫الر ِّب بالتَّسبيح والتَّحميد والتَّكبير ونحو ذلك‪ ،‬بل هي شامل ٌة للمجالس ا َّلتِي‬ ‫َّ‬
‫ُيذكر فيها أمره وهنيه وحالله وحرامه‪ ،‬وما يح ُّبه ويرضاه‪ ،‬وما يكرهه ويأباه‪،‬‬
‫الذكر أنفع من ذلك‪.‬‬ ‫بل ر َّبما كان هذا ِّ‬
‫السكِينَةُ‪،‬‬‫ت عليه ِم َّ‬ ‫ُ‪ ،‬و َن َز َل ْ‬
‫الر ْح َمة َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم َلئ َكةُ‪َ ،‬و َغش َيت ُْه ُم َّ‬ ‫قوله‪« :‬إِ َّل َح َّفت ُْه ُم َ‬
‫ات اهللِ َو َس َل ُم ُه َع َل ْي ِه‪ -‬أربعة فضائل‬ ‫‪-‬ص َل َو ُ‬ ‫يمن عنْدَ ُه»؛ عدَّ د َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َذك ََر ُه ُم اهَّللُ ف َ‬
‫كل واحدة منها من أعظم ما يكون‪ ،‬ينالها العبد‬ ‫الذكر‪ُّ ،‬‬ ‫عظيمة ُتنال يف مجالس ِّ‬
‫ذكر هلل تعالى‪.‬‬ ‫ويحظى هبا إذا جلس يف مجلس ٍ‬
‫ِ‬
‫الرحمة بأجنحتها كما جاء‬ ‫الم َلئ َكةُ»‪ ،‬أي‪ :‬تح ُّفهم مالئكة َّ‬ ‫«ح َّفت ُْه ُم َ‬ ‫األولى‪َ :‬‬
‫ا‪ ‬ي ْلت َِم ُس فِ ِيه ِع ْل ًما َس َّه َل اهَّلل َل ُه‪َ  ‬طرِي ًقا‪ ‬إِ َلى‬
‫ك َطري ًق َ‬ ‫«م ْن َس َل َ‬ ‫يف الحديث اآلخر‪َ :‬‬
‫ب ا ْل ِع ْل ِم ِر ًضا بِ َما َي ْصن َُع»(‪،)1‬‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫أجن َحت ََها لطال َ‬
‫إن الم َلئِ َك َة َلت ََضع ِ‬
‫ُ ْ‬
‫ِ‬
‫الجنَّة‪َ ،‬و َّ َ‬
‫َ‬
‫تحف طالب العلم من حين يخرج من بيته قاصدً ا مكان العلم‬ ‫ُّ‬ ‫فالمالئكة‬
‫لطلبه‪ ،‬وتح ُّفه وهو يف مجلس العلم‪ .‬هذا وإن لم نر المالئكة يح ُّفون مجالس‬
‫ألن هذا‬ ‫شك فيه وال ريب؛ َّ‬ ‫العلم بأجنحتهم َّإل أنَّا نؤمن بذلك إيمانًا جاز ًما ال َّ‬
‫ات اهللِ َو َس َل ُم ُه َع َل ْي ِه‪.‬‬ ‫الصادق المصدوق َص َل َو ُ‬ ‫الخرب جاءنا عن َّ‬
‫ِ‬
‫الر ْح َمةُ»‪ ،‬أي‪ :‬تغشاهم رحمة اهلل ‪ D‬وتنزل عليهم‪،‬‬ ‫«و َغش َيت ُْه ُم َّ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫الجلوس‬
‫َ‬ ‫الرحمة و ُتنال هبا‪:‬‬ ‫أن من أعظم األمور ا َّلتي ُتطلب هبا َّ‬ ‫يدل على َّ‬ ‫وهذا ُّ‬
‫الذكر ا َّلتِي تحيا هبا القلوب‪ ،‬ويقوى هبا اإليمان‪ ،‬ويزيد‬ ‫وحلق ِّ‬ ‫يف مجالس العلم ِ‬
‫الصلة باهلل ‪.F‬‬ ‫هبا اليقين‪ ،‬وتعظم هبا ِّ‬
‫السكِينَةُ»‪ ،‬أي‪ :‬يحصل لهم يف مجالس العلم‬ ‫ت عليه ِم َّ‬ ‫«و َن َز َل ْ‬‫قوله‪َ :‬‬
‫وكثيرا ما يتحدَّ ث النَّاس هبذا؛ تجد‬
‫ً‬ ‫الذكر طمأنينة يف القلوب‪،‬‬ ‫ومجالس ِّ‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)2682‬وابن ماجه (‪،)223‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)3641‬والت‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪60‬‬

‫الشيء العظيم! فإذا دخلت‬ ‫الهم والقلق والمشاكل َّ‬


‫أحدهم يقول‪« :‬عندي من ِّ‬
‫بلذة وطمأنينة وسكون‪ ،‬وكأن ما‬ ‫المسجد وجلست يف حلقة العلم أشعر َّ‬
‫أصل قلق»‪ ،‬وهذا ك ُّله من الفضائل المباركة ا َّلتِي ينالها العبد يف مجالس‬
‫عندي ً‬
‫الس ِّيئة‬
‫العلم‪ .‬بينما مجالس الغفلة كالغيبة والنَّميمة ونحو ذلك من المجالس َّ‬
‫إذا قام منها العبد يقوم منها بوحشة يف قلبه‪ ،‬وقلق‪ ،‬واضطراب‪ ،‬وضيق صدر‪.‬‬
‫الذكر وتلك‬ ‫والعاقل إذا وازن بين هذه الخيرات العظيمة ا َّلتِي ُتنال يف مجالس ِّ‬
‫بدل عن مجالس‬ ‫األضرار ا َّلتِي ترت َّتب على مجالس الغفلة؛ فإنَّه ال يبغي ً‬
‫الذكر؛ مجالس العلم واإليمان‪ ،‬بل سيكون حرصه عليها أشدَّ ما يكون‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫يمن ِعنْدَ ُه»‪ ،‬أي‪ :‬ذكرهم اهلل يف المأل األعلى‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬
‫«و َذك ََر ُه ُم اهَّللُ ف َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫َفسي‪ ،‬ومن َذك ََرين‬ ‫الحديث يقول اهلل ‪َ « :D‬فإن َذكرين يف َن ْف ِس ِه‪َ ،‬ذكَر ُته يف ن ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫َ‬
‫إل َخيرٍ من ُْهم»‪ .‬متَّفق عليه(‪ ،)1‬وروى مسلم َعن َأبِى س ِع ٍ‬
‫يد‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫إل‪ ،‬ذكَر ُت ُه يف َم ٍ ْ‬ ‫يف َم ٍ‬
‫ج ِد َف َق َال َما َأ ْج َل َس ُك ْم؟‬ ‫او َي ُة ‪َ I‬ع َلى َح ْل َق ٍة فِى ا ْلمس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ا ْل ُخدْ ِر ِّى َق َال َخ َر َج ُم َع ِ‬
‫اك؟ َقا ُلوا َواهَّللِ َما َأ ْج َل َسنَا إِ َّل‬ ‫اهَّلل‪َ ،‬ق َال‪ :‬آهَّللِ َما َأ ْج َل َس ُك ْم إِ َّل َذ َ‬
‫َقا ُلوا َج َل ْسنَا ن َْذك ُُر َ‬
‫ول اهَّللِ‬ ‫َان َأ َحدٌ بِمن ِْز َلتِي مِ ْن رس ِ‬ ‫اك‪َ .‬ق َال َأ َما إِين َل ْم َأ ْست َْحلِ ْف ُك ْم ُت ْه َم ًة َل ُك ْم‪َ ،‬و َما ك َ‬ ‫َذ َ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َخ َر َج َع َلى َح ْل َق ٍة مِ ْن َأ ْص َحابِ ِه َف َق َال‪:‬‬ ‫ﷺ َأ َق َّل َعنْ ُه َح ِدي ًثا مِنِّي‪َ ،‬وإِ َّن َر ُس َ‬
‫إل ْس َل ِم َو َم َّن بِ ِه‬
‫«ج َل ْسنَا ن َْذك ُُر اهَّللَ َون َْح َمدُ ُه َع َلى َما َهدَ انَا لِ ِ‬ ‫«ما َأ ْج َل َسك ُْم؟» َقا ُلوا‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫اك»‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫«واهَّلل ِ َما َأ ْج َل َسنَا إِ َّل َذ َ‬
‫اك؟» َقا ُلوا‪َ :‬‬ ‫َع َل ْينَا» َق َال‪« :‬آهَّلل ِ َما َأ ْج َل َسك ُْم إِ َّل َذ َ‬
‫ِ‬
‫يل َف َأ ْخ َب َرني َأ َّن اهَّللَ ‪D‬‬ ‫«أ َما إِنِّي َل ْم َأ ْست َْح ِل ْفك ُْم ت ُْه َم ًة َلك ُْم َو َلكِنَّ ُه َأتَانِي ِج ْبرِ ُ‬ ‫َ‬
‫اهى بِك ُُم ا ْل َم َلئِ َكةَ»(‪.)2‬‬ ‫يب ِ‬
‫َُ‬
‫الذكر ما رواه مسلم َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ق َال‪:‬‬ ‫ومما ورد يف فضل ِّ‬ ‫َّ‬
‫البخاري (‪ ،)7405‬ومسلم (‪.)2675‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2701‬‬
‫‪61‬‬ ‫إل حفَّتهم املالئكة‬
‫‪ -9‬حديث‪ :‬ال يقعد قوم يذكرون اهلل عز وجل َّ‬

‫ان» َف َق َال‪:‬‬ ‫قال َل ُه ُ‬


‫«ج ْمدَ ُ‬ ‫ول اهلل َي ِس ُير فِي َط ِر ِيق َم َّك َة َف َم َّر َع َلى َج َب ٍل ُي ُ‬ ‫َان َر ُس ُ‬‫«ك َ‬
‫ول اهلل؟‬ ‫ون َيا َر ُس َ‬ ‫«س ُيروا؛ َه َذا ُج ْمدَ ُ‬
‫ان‪َ ،‬س َب َق ا ْل ُم َف ِّر ُد َ‬
‫ون»‪ .‬قا ُلوا‪َ :‬و َما ا ْل ُم َف ِّر ُد َ‬ ‫ِ‬
‫السبق‪،‬‬ ‫فردين هم أهل َّ‬ ‫الم ِّ‬
‫إن ُ‬ ‫ات»(‪ ،)1‬أي‪َّ :‬‬ ‫الذاكِ َر ُ‬ ‫ون اهللَ كَثِ ًيرا َو َّ‬
‫«الذاكِ ُر َ‬
‫َق َال‪َّ :‬‬
‫صور العاملين يف ميدان سباق يتسابقون ويتنافسون يف هذا‬ ‫وكأن الحديث ُي ِّ‬ ‫َّ‬
‫السبق يف‬ ‫المفردون‪ ،‬فهم أهل َّ‬ ‫ِّ‬ ‫أن أسبقهم يف هذا الميدان‬ ‫الميدان‪ ،‬و ُيب ِّين َّ‬
‫المفردون يا رسول‬ ‫ِّ‬ ‫الصحابة ‪« :M‬وما‬ ‫ميدان التَّنافس يف طاعة اهلل‪ ،‬قال َّ‬
‫«الذاكِ ُر َ‬
‫ون اهللَ‬ ‫اهلل؟» أي‪ :‬ما صفتهم وما هي أعمالهم؟ قال ‪َّ :O‬‬
‫وأن أهل العناية به‬ ‫الذكر‪َّ ،‬‬ ‫يدل على فضل ِّ‬ ‫الذاكِ َرات»؛ فالحديث ُّ‬
‫كَثِ ًيرا َو َّ‬
‫َّقرب إلى اهلل ‪F‬‬ ‫الس ْبق يف ميدان التَّسابق يف الت ُّ‬
‫الرعاية له هم أهل َّ‬
‫وأهل ِّ‬
‫الصالحة‪.‬‬
‫باألعمال َّ‬
‫«أن ِّ‬
‫الذكر يس ِّير‬ ‫الذكر العظيمة كما يقول ابن الق ِّيم ‪َّ :V‬‬
‫فمن فوائد ِّ‬
‫ولذته‪،‬‬‫صحته وسقمه ويف حال نعيمه َّ‬
‫العبد وهو يف فراشه ويف سوقه ويف حال َّ‬
‫يعم األوقات واألحوال مثله‪ ،‬حتَّى يس ِّير العبد وهو نائم على‬
‫وليس شيء ُّ‬
‫ٍ‬
‫مستلق‬ ‫الركب وهو‬‫فراشه فيسبق القائم مع الغفلة‪ ،‬فيصبح هذا وقد قطع َّ‬
‫الركب‪ ،‬وذلك فضل اهلل يؤتيه من‬
‫على فراشه‪ ،‬ويصبح ذلك الغافل يف ساقة َّ‬
‫يشاء»(‪.)2‬‬
‫المتنوعة يزدادون بأعمالهم‬ ‫ِّ‬ ‫السائرون إلى اهلل باألعمال‬‫وإذا كان َّ‬
‫الس َّباق يف هذا المضمار‬ ‫فإن َّ‬
‫الذاكر هلل بالكثرة هو َّ‬ ‫الصالحة قر ًبا من اهلل ‪َّ D‬‬
‫َّ‬
‫الذكر وعظيم شأنه ومح َّبة اهلل َّ‬
‫للذاكرين‬ ‫لعلو شأن ِّ‬
‫السبق يف هذا الميدان؛ ِّ‬
‫وله َّ‬
‫يعم األوقات واألحوال مثله‪،‬‬ ‫اهلل َّ‬
‫والذاكرات‪ ،‬وألنَّه ليس يف األعمال شيء ُّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2676‬‬
‫الص ِّيب (ص‪.)49‬‬
‫(((  الوابل َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪62‬‬
‫ِ‬
‫فالذكر مع المرء يف جلوسه ويف سفره ويف ح ِّله وترحاله ويف مرضه ويف َّ‬
‫ضرائه‬ ‫ِّ‬
‫وسرائه ويف ِشدَّ ته ورخائه ويف ِّ‬
‫كل أحواله‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وقد سئل شيخ اإلسالم ابن تيم َّية‪ :‬عن أفضل األعمال بعد الفرائض؟‬
‫فأجاب بأنَّه «يختلف باختالف النَّاس فيما يقدرون عليه وما يناسب أوقاهتم‪،‬‬
‫مما هو كاإلجماع بين‬ ‫لكل أحد‪ ،‬لكن َّ‬ ‫مفصل ِّ‬ ‫جواب جامع َّ‬ ‫ٌ‬ ‫فال يمكن فيه‬
‫دائما هو أفضل ما شغل العبد به نفسه يف‬ ‫أن مالزمة ذكر اهلل ً‬ ‫العلماء باهلل وأمره؛ َّ‬
‫ِ‬
‫المفردون‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫دل حديث أبي هريرة ا َّلذي رواه مسلم َ‬
‫«س َب َق‬ ‫الجملة‪ ،‬وعلى ذلك َّ‬
‫والذاكرات»(‪،)1‬‬ ‫كثيرا َّ‬ ‫الذاكرون اهلل ً‬ ‫المفردون؟ قال َّ‬ ‫ِّ‬ ‫رسول اهللِ ومن‬ ‫َ‬ ‫قالوا‪ :‬يا‬
‫وفيما رواه أبو داود عن أبي الدَّ رداء ‪ I‬عن النَّبِ ِّي ﷺ أنَّه قال‪َ « :‬أ َل ُأ َن ِّب ُئ ُك ْم‬
‫‌عنْدَ ‌ َملِيكِ ُك ْم‪َ ،‬و َأ ْر َف ِع َها فِي َد َر َجاتِ ُك ْم‪َ ،‬و َخ ْي ٍر َل ُك ْم مِ ْن‬
‫اها ِ‬‫بِ َخ ْي ِر َأ ْع َمال ِ ُك ْم َو َأ ْر َض َ‬
‫ب َوا ْل َو ِر ِق‪َ ،‬ومِ ْن َأ ْن َت ْل َق ْوا عَدُ َّوك ُْم َفت َْض ِر ُبوا َأ ْعنَا َق ُه ْم‪َ ،‬و َي ْض ِر ُبوا‬ ‫الذ َه ِ‬
‫اء َّ‬ ‫إِ ْع َط ِ‬
‫«ذك ُْر اهَّللِ»(‪ .)2‬والدَّ الئل القرآن َّية‬ ‫ول اهَّللِ؟ َق َال‪ِ :‬‬ ‫اك َيا َر ُس َ‬‫َأ ْعنَا َق ُك ْم؟» َقا ُلوا‪َ :‬و َما َذ َ‬
‫وأقل ذلك أن يالزم العبد األذكار‬ ‫ونظرا على ذلك كثيرة‪ُّ ،‬‬ ‫بصرا وخ َب ًرا ً‬ ‫واإليمان َّية ً‬
‫المأثورة عن مع ِّلم الخير وإمام المتَّقين ﷺ؛ كاألذكار المؤ َّقتة يف َّأول النَّهار‬
‫الصلوات‪،‬‬ ‫وآخره‪ ،‬وعند أخذ المضجع‪ ،‬وعند االستيقاظ من المنام‪ ،‬وأدبار َّ‬
‫والشرب‪ ،‬وال ِّلباس‪ ،‬والجماع‪،‬‬ ‫واألذكار المق َّيدة‪ ،‬مثل‪ :‬ما يقال عند األكل‪ُّ ،‬‬
‫والرعد‬ ‫ودخول المنزل والمسجد والخالء والخروج من ذلك‪ ،‬وعند المطر َّ‬
‫المسماة بعمل اليوم وال َّليلة»‪ .‬اهـ(‪.)3‬‬ ‫َّ‬ ‫إلى غير ذلك‪ ،‬وقد ُصنِّفت له الكتب‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2676‬‬


‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)3377‬وابن ماجه (‪،)3790‬‬
‫(((  رواه الت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫(((  مجموع الفتاوى (‪.)660/10‬‬
‫‪63‬‬ ‫‪ -10‬حديث‪ :‬إ َّن هلل مالئكة يطوفون يف ال ُّطرق يلتمسون أهل ال ِّذكر‬

‫‪10‬‬

‫حديث‪ :‬إ َّن هلل مالئكة يطوفون يف ال ُّطرق‬


‫يلتمسون أهل ال ِّذكر‬

‫عن َأبِي هرير َة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال رس ُ ِ‬


‫ول اهَّلل ﷺ‪« :‬إِ َّن لِ َّل ِه َم َلئِ َك ًة َي ُطو ُف َ‬
‫ون‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫َ ْ‬
‫ون اهَّللَ َتنَا َد ْوا َه ُل ُّموا‬ ‫الذ ْكرِ‪َ ،‬فإِ َذا َو َجدُ وا َق ْو ًما َي ْذك ُُر َ‬ ‫ون َأ ْه َل ِّ‬ ‫فِي ال ُّط ُر ِق َي ْلت َِم ُس َ‬
‫إِ َلى حاجتِكُم‪َ ،‬ق َال َفيح ُّفونَهم بِ َأجنِحتِ ِهم إِ َلى السم ِ‬
‫اء الدُّ ْن َيا‪َ ،‬ق َال َف َي ْس َأ ُل ُه ْم َر ُّب ُه ْم‬ ‫َّ َ‬ ‫َ ُ ُ ْ ْ َ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ول ِعب ِ‬ ‫ِ‬
‫َك‬‫َك َو ُي َك ِّب ُرون َ‬ ‫ون‪ُ :‬ي َس ِّب ُحون َ‬ ‫ادي؟ َقا ُلوا َي ُقو ُل َ‬ ‫‪-‬و ُه َو َأ ْع َل ُم من ُْه ْم‪َ -‬ما َي ُق ُ َ‬ ‫َ‬
‫ون‪َ :‬ل َواهَّلل ِ َما‬ ‫ول‪َ :‬ه ْل َر َأ ْونِي؟ َق َال َف َي ُقو ُل َ‬ ‫َك‪َ ،‬ق َال َف َي ُق ُ‬ ‫َك َو ُي َم ِّجدُ ون َ‬ ‫َو َي ْح َمدُ ون َ‬
‫ك‬ ‫ون‪َ :‬ل ْو َر َأ ْو َك كَانُوا َأ َشدَّ َل َ‬ ‫ف َل ْو َر َأ ْونِي؟ َق َال َي ُقو ُل َ‬ ‫ول‪َ :‬و َك ْي َ‬ ‫َر َأ ْو َك‪َ ،‬ق َال َف َي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬ف َما َي ْس َأ ُلونِي؟‬ ‫يحا‪َ ،‬ق َال َي ُق ُ‬ ‫ك ت َْسبِ ً‬‫جيدً ا َوت َْح ِميدً ا َو َأ ْك َث َر َل َ‬ ‫ك ت َْم ِ‬ ‫ِع َبا َد ًة َو َأ َشدَّ َل َ‬
‫ون َل َواهَّلل ِ َيا َر ِّب َما‬ ‫ول‪َ :‬و َه ْل َر َأ ْو َها؟ َق َال َي ُقو ُل َ‬ ‫َك ا ْل َجنَّةَ‪َ ،‬ق َال َي ُق ُ‬ ‫َق َال‪َ :‬ي ْس َأ ُلون َ‬
‫ون‪َ :‬ل ْو َأن َُّه ْم َر َأ ْو َها كَانُوا‬ ‫ف َل ْو َأن َُّه ْم َر َأ ْو َها؟ َق َال َي ُقو ُل َ‬ ‫ول‪َ :‬ف َك ْي َ‬ ‫َر َأ ْو َها‪َ ،‬ق َال َي ُق ُ‬
‫ون َق َال‬ ‫َأ َشدَّ َع َل ْي َها ِح ْر ًصا َو َأ َشدَّ َل َها َط َل ًبا َو َأ ْع َظ َم فِ َيها َر ْغ َبةً‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف ِم َّم َي َت َع َّو ُذ َ‬
‫ول‪َ :‬و َه ْل َر َأ ْو َها؟ َق َال َي ُقو ُلون‪َ :‬ل َواهَّلل ِ َيا َر ِّب َما‬ ‫ون‪ِ :‬م ْن الن ِ‬
‫َّار‪َ ،‬ق َال َي ُق ُ‬ ‫َي ُقو ُل َ‬
‫ون‪َ :‬ل ْو َر َأ ْو َها كَانُوا َأ َشدَّ ِمن َْها‬ ‫ف َل ْو َر َأ ْو َها؟ َق َال َي ُقو ُل َ‬ ‫ول‪َ :‬ف َك ْي َ‬ ‫َر َأ ْو َها‪َ ،‬ق َال َي ُق ُ‬
‫ول‬ ‫ول‪َ :‬ف ُأ ْش ِهدُ ك ُْم َأنِّي َقدْ َغ َف ْر ُت َل ُه ْم‪َ ،‬ق َال َي ُق ُ‬ ‫فِ َر ًارا َو َأ َشدَّ َل َها َمخَ ا َفةً‪َ ،‬ق َال َف َي ُق ُ‬
‫اج ٍة َق َال ُه ْم ا ْل ُج َل َسا ُء َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يه ْم ُف َل ٌن َل ْي َس من ُْه ْم إِن ََّما َجا َء ل َح َ‬ ‫ك ِم ْن ا ْل َم َلئِك َِة‪ :‬فِ ِ‬ ‫َم َل ٌ‬
‫ِ‬
‫يس ُه ْم»‪ .‬متَّفق عليه(‪.)1‬‬ ‫َي ْش َقى بِ ِه ْم َجل ُ‬
‫البخاري (‪ ،)6408‬ومسلم (‪.)2689‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪64‬‬

‫الذكر مجالس مالئكة‪ ،‬فليس من مجالس‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬مجالس ِّ‬
‫ثم ساق حديث أبي هريرة‬ ‫الدُّ نيا لهم مجلس َّإل مجلس يذكر اهلل تعالى فيه‪َّ ،‬‬
‫ثم قال‪ :‬فهذا من بركتهم على نفوسهم وعلى جليسهم فلهم نصيب‬ ‫المتقدِّ م َّ‬
‫من قوله سبحانه ﴿ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ﴾ [مريم‪ ،]31 :‬فهكذا المؤمن‬
‫حل؛ فمجالس ِّ‬
‫الذكر مجالس المالئكة‪،‬‬ ‫حل‪ ،‬والفاجر مشؤو ٌم أين َّ‬ ‫مبارك أين َّ‬‫ٌ‬
‫مضاف إلى شكله وأشباهه‪ُّ ،‬‬
‫وكل‬ ‫ٌ‬ ‫الشياطين‪ٌّ ،‬‬
‫وكل‬ ‫ومجالس الغفلة مجالس َّ‬
‫امرئ يصير إلى ما يناسبه»‪ .‬اهـ(‪.)1‬‬

‫َّ‬
‫والذاكر يسعد به‬ ‫فليخرت العبدُ أعجب المجلسين إليه وأوالهما به‪،‬‬
‫ويتضرر‪.‬‬
‫َّ‬ ‫جليسه‪ ،‬بخالف الغافل َّ‬
‫واللغي فإنَّه يشقى به جليسه‬
‫أن هلل ‪ D‬مالئك ًة زائدين على‬ ‫وقد أفاد حديث أبي هريرة ‪َّ I‬‬
‫المالئكة ا َّل ِذين يكتبون األعمال؛ يجوبون ال ُّطرقات يلتمسون مجالس ِّ‬
‫الذكر‬
‫هلموا‬ ‫ِ‬ ‫بح ًثا عنها‬
‫وحرصا عليها‪ ،‬فإذا ظفروا بشيء من تلك المجالس قالوا‪ُّ :‬‬
‫ً‬
‫إلى حاجتكم ‪-‬ويف رواية بغيتكم‪ -‬أي‪ :‬مطلوبكم ومرغوبكم؛ أي‪ :‬ما تطلبون‬
‫ثم‬
‫الذكر‪َّ ،‬‬ ‫الذاكر‪ ،‬فإنَّا قد وجدنا جماعة من أهل ِّ‬ ‫الذكر وزيارة َّ‬ ‫من استماع ِّ‬
‫يح ُّفون أهل هذا المجلس بأجنحتهم‪ ،‬وعند مسلم « َفإِ َذا َو َجدُ وا َم ْج ِل ًسا فِ ِيه‬
‫ف َب ْع ُض ُه ْم َب ْع ًضا بِ َأ ْجن ِ َحتِ ِه ْم َحتَّى َي ْم َلئُوا َما َب ْين َُه ْم َو َب ْي َن‬
‫ِذك ٌْر َق َعدُ وا َم َع ُه ْم َو َح َّ‬
‫الذكر ال يرون هؤالء المالئكة‪ ،‬وهم‬ ‫اء الدُّ ْن َيا»‪ .‬و َمن كانوا يف مجلس ِّ‬ ‫السم ِ‬
‫َّ َ‬
‫ِ‬
‫ألن ا َّلذي‬ ‫وإن لم يروهم َّإل أنَّهم من وجودهم وقيامهم هبذا العمل على يقين؛ َّ‬
‫الصادق المصدوق ‪.O‬‬ ‫أخرب بذلك َّ‬
‫ول ِعب ِ‬ ‫ِ‬
‫ادي؟»؛ فيذكرون‬ ‫قال « َف َي ْس َأ ُل ُه ْم َر ُّب ُه ْم َ‬
‫‪-‬و ُه َو َأ ْع َل ُم من ُْه ْم‪َ -‬ما َي ُق ُ َ‬
‫عنهم اشتغالهم بذكر اهلل وتمجيده وتعظيمه وطلب الجنَّة والبحث عن أسباهبا‬
‫الص ِّيب (ص‪.)73‬‬
‫(((  الوابل َّ‬
‫‪65‬‬ ‫‪ -10‬حديث‪ :‬إ َّن هلل مالئكة يطوفون يف ال ُّطرق يلتمسون أهل ال ِّذكر‬

‫ييسرها واستعاذهتم من النَّار؛ فهم مجتمعون على هذه‬ ‫وسؤال اهلل ‪ D‬أن ِّ‬
‫ِ‬
‫وتسمى‬
‫َّ‬ ‫األصول ال َّثالثة العظيمة ا َّلتي مر ُّدها إلى المح َّبة َّ‬
‫والرجاء والخوف‪،‬‬
‫«أركان التَّع ُّبد»؛ فيستفاد من هذا الحديث‪ :‬أهم َّية تنمية هذه األركان ال َّثالثة يف‬
‫ِ‬
‫تقويها‪ ،‬ومن أفضل ذلك عقد مجالس العلم لها‪.‬‬ ‫القلب وا ِّتخاذ األسباب ا َّلتي ِّ‬
‫الر ُّب سبحانه‪َ « :‬ف ُأ ْش ِهدُ ك ُْم َأنِّي َقدْ َغ َف ْر ُت َل ُه ْم»؛ أي‪:‬‬
‫ثم يف تمامه يقول َّ‬ ‫َّ‬
‫يه ْم ُف َل ٌن َل ْي َس ِمن ُْه ْم»‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ألهل هذا المجلس‪ ،‬فيقول ملك من المالئكة‪« :‬فِ ِ‬
‫«ه ُم ا ْل ُج َل َسا ُء‬ ‫ليس من أهل هذا المجلس و«إِنَّما جاء لِح ٍ‬
‫اجة»‪ ،‬فيقول اهلل ‪ُ :D‬‬ ‫َ َ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫يس ُه ْم»؛ قال ابن حجر ‪« :V‬ويف هذه العبارة مبالغة يف نفي‬ ‫َل َي ْش َقى بِ ِه ْم َجل ُ‬
‫الذاكرين‪ ،‬فلو قيل‪« :‬لسعد هبم جليسهم» لكان ذلك يف غاية‬ ‫الشقاء عن جليس َّ‬ ‫َّ‬
‫الفضل‪ ،‬لكن التَّصريح بنفي َّ‬
‫الشقاء أبلغ يف حصول المقصود»(‪.)1‬‬
‫الذكر؛ حتَّى ولو لم يكن من‬‫وهذا فيه أهم َّية جلوس المرء يف مجالس ِّ‬
‫هبمة طالب العلم المعروفة تقييدً ا وتدوينًا وضب ًطا وإتقانًا؛ َّ‬
‫ألن الجلوس‬ ‫أهلها َّ‬
‫نفسه له أثر عظيم‪.‬‬
‫أن مجالس العلم والدَّ عوة والتَّفقيه يف دين اهلل تكتنفها‬ ‫أيضا َّ‬ ‫وفيه فائدة ً‬
‫وت اهَّلل ِ‬
‫ت ِمن بي ِ‬ ‫الربكة وتعمها‪ ،‬وقد تقدَّ م يف الحديث «وما اجتَمع َقوم فِي بي ٍ‬
‫ْ ُُ‬ ‫َْ‬ ‫ََ ْ َ َ ٌْ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ْت ُل َ ِ‬
‫السكينَةُ‪َ ،‬و َغش َيت ُْه ُم َّ‬
‫الر ْح َمةُ‪،‬‬ ‫ت َع َل ْي ِه ُم َّ‬
‫َاب اهَّلل َو َيتَدَ َار ُسو َن ُه َب ْين َُه ْم إِ َّل َن َز َل ْ‬‫ون كت َ‬ ‫َ‬
‫يم ْن ِعنْدَ ُه»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َح َّفت ُْه ُم ا ْل َم َلئ َكةُ‪َ ،‬و َذك ََر ُه ُم اهَّللُ ف َ‬
‫وقول ابن الق ِّيم ‪« :V‬فمجالس ِّ‬
‫الذكر مجالس المالئكة‪ ،‬ومجالس‬
‫وكل مضاف إلى شكله وأشباهه‪ُّ ،‬‬
‫وكل امرئ يصير‬ ‫الشياطين‪ٌّ ،‬‬
‫الغفلة مجالس َّ‬

‫(((  فتح الباري (‪.)213/11‬‬


‫(((  رواه مسلم (‪.)2699‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪66‬‬

‫إلى ما يناسبه»(‪ .)1‬فيه وعظ وإيقاظ للقلوب وتنبيه للغافل‪ ،‬لهذا ينبغي على‬
‫المرء أن يتف َّقد نفسه و ينظر يف حاله ومجالسه وهل نفسه م َّيالة لمجالس‬
‫الذكر؟ أو َّ‬
‫أن نفسه منقبضة وغير راغبة وال م َّيالة إليها؟ بل م َّيالة إلى مجالس‬ ‫ِّ‬
‫كل امرئ يصبو إلى ما يناسبه‪ ،‬فليحاسب نفسه وليجاهدها‬ ‫أن َّ‬
‫ال َّلهو‪ ،‬فليعلم َّ‬
‫على الخالص من هذا البالء‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪« :V‬ويف الحديث فضل مجالس ِّ‬
‫الذكر‬
‫والذاكرين وفضل االجتماع على ذلك‪َّ ،‬‬
‫وأن جليسهم يندرج معهم يف جميع‬ ‫َّ‬
‫يتفضل اهلل تعالى به عليهم إكرا ًما لهم ولو لم يشاركهم يف أصل ِّ‬
‫الذكر‪ .‬وفيه‬ ‫ما َّ‬
‫السائل‬
‫السؤال قد يصدر من َّ‬ ‫مح َّبة المالئكة بني آدم واعتناؤهم هبم‪ .‬وفيه َّ‬
‫أن ُّ‬
‫وهو أعلم بالمسئول عنه من المسئول؛ إلظهار العناية بالمسؤول عنه والتَّنويه‬
‫بقدره واإلعالن بشرف منزلته»(‪.)2‬‬
‫ِّرمذي وغيره َع ْن‬ ‫ُّ‬ ‫الذكر يف ُسنَّة النَّبِ ِّي ﷺ ما رواه الت‬ ‫ومما ورد يف فضل ِّ‬ ‫َّ‬
‫إن َش َرائِ َع ْ ِ‬
‫ال ْس َل ِم َقدْ‬ ‫ول اهلل َّ‬ ‫«يا َر ُس َ‬ ‫أن َر ُج ًل َ‬ ‫َع ْب ِد اهلل ْب ِن ُب ْس ٍر ‪َّ I‬‬
‫قال‪َ :‬‬
‫ُك َر ْط ًبا ِم ْن ِذ ْكرِ‬ ‫«ل َيز َُال لِ َسان ُ‬ ‫ث بِ ِه»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬‫َك ُث َر ْت َع َل َّي‪َ ،‬ف َأ ْخبِ ْرنِي بِ َش ْي ٍء َأت ََش َّب ُ‬
‫والزكاة‪،‬‬ ‫كالصالة‪َّ ،‬‬ ‫علي؛ َّ‬ ‫رت َّ‬ ‫الشرع قد ك ُث ْ‬ ‫اهلل»(‪ ،)3‬أي‪ :‬أمور اإلسالم وأعمال َّ‬
‫الشرع كما هو‬ ‫والحج‪ ،‬ونحوها من ال َّطاعات‪ ،‬فلم أقدر الوفاء بأمور َّ‬ ‫ِّ‬ ‫والصيام‬
‫ِّ‬
‫ح ُّقها‪ ،‬وال أقدر على المواظبة والمداومة عليها‪َ ،‬ف َأ ْخبِ ْرنِي بِ َش ْي ٍء َأ َت َش َّب ُث بِ ِه‪،‬‬
‫أتمسك به‪.‬‬ ‫أي‪َّ :‬‬
‫الص ِّيب (ص‪.)73‬‬ ‫(((  الوابل َّ‬
‫(((  فتح الباري (‪.)213/11‬‬
‫ِّرمذي (‪ ،)3375‬وابن ماجه (‪،)3793‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أحمد يف المسند (‪ ،)17680‬والت‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬
(g
y.
yy
.
y
,
y-
y-
;y
-
y
q;, 42I.x' -
. h.œ' IL 'a>%
a tlu:w.
'
1 ''.uu.w .h.
o--
o'
s.k<p-ô.
yE
'
<y.=.'..-.' J
.sr'llq.1a,
u k -Jiu.jp.-*
u.11la>
' u..
.'
u:mJ.
'11pk
.v
u .r''l11a>

''
J .. o g 'D g g J
. e ..
'3 qN w-
.:$ww
:IG j.e e c.z
Ir. J.j #vj .e 0wu,vr.:e d'
-.tlw!
.
S g ? . . g
wv
V.4'
c2Y tn.>wz
'1a1a>
'o'>.fw..o'Iw.S tth'a:z1u.xlu ..';t1!)l
uw5
. lJ'.x,I
. r'w u.
w u'
. o . y . J g
<tN w.w.
lljw1u
IW j..
z< e.otwao..yp
tW q.
o v...k
IG
1 &. .1jwrl j
.çuv'u'y.
V..o
'I
a..s$31ôao q.1y(-w'luw
..wo.hC
'x.
.an.wt
:w.wk u.
. .wtol)Itw .
hà t.'
JsA.
llJ''o.oIy
' J. .g .. .. . ig s
r..11lu' u.-'tx'z oi3 tou'p Akwo'ulX v
.. '5 Ii to w,..wz.i oup
.. ' .

a*
a.+é'Iww. J w
.vVa'J w '
.e-
u:Iygjz'w é .
-ugJv-.->jJ;.'
'J'
.
. '9 . .
>w:Iu1t-'.gI)w;.t-.JjI'V-
,;
à o : . . ,. . ' J à
lt-wwo.. .'a lkt utw. t.b.. I
w wxml
* '
tw.uupIwla, 'gL;slx:J v.:-pvu'
. m3 J;* 1 uo z-
;
'C
f 'J. 5I j 5 .
u s:- ô.kJ )é jx;I..kJ'
urI
S JIg.Fx
Ip qp1'
:z.p J & ,ô.:.
' u
p Ip<fu,'
t:.pa,.
*z qf
o
aauJ kb
f..; zv .
a 'p'o> Lb o.'.LLJJ!z .a u r ks. .
.
s o ' '
w .x.
'<,-.
).w?z.'
I:a IS;
- 'aI.
'k.cxyN'lm.
çwQ
k''Q+
' .pl'a
'.ç n'I..X >wst5J
<% ' ..> e.t
'mp'j k.àI
'

w
%, o'aJ-çjJ
t.
$.
:5wm
.s1% @wt'
..15I)uox'
. I7rytwN
.rIùXJI>. .-JJIJXo
cw.r1 .
,s JI
l--=57 .v.p'
NlI
QO z Q I
'wy.
Nl '.A Y. (
tw. ;
s l.
' pv. lIwkx ,l .
b.% -v. j, I -1-z n v w
. cw. w jalb'tw.
1z k%.w <u..
u JuwNU à.F
%..F4
.fe.2w= - .4w w,elolU.
w ô w= o NJJ bw= J'3 @u.
1JIu.'..
C'u.
.u
g
4bh.SL.u.s-''WIhz
'Iw'X Jkstp LL'
.'
1,./I
VJ=L.,al1.:uy .
2 àvz. . . so.JI
Ji
.zk
u..; .

v. :.x.
4 ,v.oy '
tkJhAJk.
uJY a lz-IL..U.
.G 7 OJ.
- J15-J,J>='7 a .SJJI..J
.'
.
S &'
6J
J o'
a,;.ou u' G wyJô.kca à. iI L2J
'
uç z5L' ''
'I' 1p' s ' ' o
.. . , w %. ..
?..zru run uozm lk.:-x .
.w lz
'u<'5to,UXA.L.. y.J.afJJ
p'
.rC.'5
u I../%
gl ' l I ' l S t'
'
H?ql.alH?ga
.. m.w
, w.
qhal
: .. o J
' .
aexg
.v
.t.
'!A ! ' J atfa;z .
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪68‬‬

‫األمــور وت ِ‬
‫ُســعدُ‬ ‫ِ‬ ‫ُعيــن علــى ِّ‬
‫كل‬ ‫بــأن ال َ‬
‫يــزال رط ًبــا لســانُك هــذه ت ُ‬ ‫ْ‬
‫«ل َي َز ُال ل ِ َسان َُك َر ْط ًبا مِ ْن ِذك ِْر اهللِ»؛ فيه داللة‬ ‫فقول النَّبِ ِّي ﷺ لهذا َّ‬
‫الرجل َ‬
‫بالذكر ومواظبته عليه‬ ‫يحصل بسبب عناية العبد ِّ‬ ‫ُ‬ ‫على ال ُّليونة والتَّيسير ا َّل ِذي‬
‫تدل على ُل ٍ‬
‫يونة يف‬ ‫الرطوبة ُّ‬ ‫وإكثاره منه ف ُيصبح لسانه رط ًبا من ذكر اهلل‪ ،‬وهذه ُّ‬
‫الشرائع ا َّلتِي يؤمر هبا‪.‬‬ ‫إقباله على ال َّطاعات والعبادات وأنواع َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫«ل َيز َُال لِ َسان َ‬
‫تدل على التَّيسير‬ ‫الرطوبة ُّ‬ ‫ُك َر ْط ًبا م ْن ِذ ْكرِ اهلل»‪ ،‬وهذه ُّ‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫الغلظة وزوال قسوة‬ ‫والسهولة وال ِّلين وزوال الجفاف ا َّل ِذي كان عنده‪ ،‬وزوال ِ‬
‫ُّ‬
‫رجل جاء‬‫أن ً‬ ‫القلب‪ ،‬والقلب إذا قسى ال يميل لل َّطاعات‪ ،‬وقد جاء يف األثر َّ‬
‫البصري‪ :‬وقال‪ :‬أشكو إليك قسوة قلبي قال‪« :‬أ ِذ ْب ُه بذكر اهلل»(‪،)1‬‬ ‫ِّ‬ ‫إلى الحسن‬
‫فذكر اهلل ‪ُ F‬يل ِّين القلب و ُيرطب ال ِّلسان‪ ،‬فإذا حصل لِين القلب ورطوبة‬
‫وتتيسر‬
‫َّ‬ ‫ال ِّلسان ذهب عن اإلنسان ال ِّثقل وأصبح مكانه ليونة؛ فتلين له ال َّطاعات‬
‫له العبادة‪ ،‬وينشرح صدره إليها ويأنس بالقيام هبا‪ ،‬وتكون العبادة َّقرة عين‬
‫ِ‬
‫قوي العزائم‬ ‫الصعاب‪ ،‬و ُي ِّ‬ ‫سهل ِّ‬ ‫له‪ ،‬فذكر اهلل ‪ D‬هو ا َّلذي ُيل ِّين العسير و ُي ِّ‬
‫اله َمم‪ ،‬و ُيقبل بالعبد على طاعة اهلل‪.‬‬ ‫وتنهض به ِ‬

‫بالصالة»‬ ‫فهذه ك ُّلها ثمار لذكر اهلل ‪ ،F‬وفرق بين َمن يقول ِ‬
‫«أرحنا َّ‬
‫الصالة‬ ‫الصالة»‪ ،‬بعض النَّاس ُيص ِّلي ولكنَّه ُّ‬
‫يمل من َّ‬ ‫ومن يقول ِ‬
‫«أرحنا من َّ‬
‫وقرة‬ ‫ويتضايق ويجدها ثقيلة على قلبه‪ ،‬وآخر ُيص ِّلي وهو يجد َّ‬
‫الصالة راحة له َّ‬
‫عين‪.‬‬
‫للمنذري‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫وقد روى اب ُن أبي الدُّ نيا ‪-‬كما يف التَّرغيب والتَّرهيب‬
‫الزهد (‪،)1510‬‬
‫الجوزي يف ذ ِّم الهوى (ص‪ ،)69‬ورواه أحمد يف ُّ‬
‫ِّ‬ ‫(((  رواه هبذا ال َّلفظ ابن‬
‫الرقة والبكاء (‪ ،)48‬والخرائطي يف اعتالل القلوب (‪ ،)53‬بلفظ‪:‬‬
‫وابن أبي الدُّ نيا يف ِّ‬
‫« َأ ْدنِ ِه مِ َن ِّ‬
‫الذك ِْر»‪.‬‬
‫‪69‬‬ ‫‪ -10‬حديث‪ :‬إ َّن هلل مالئكة يطوفون يف ال ُّطرق يلتمسون أهل ال ِّذكر‬

‫إسناده حسن‪ -‬عن األعمش عن سالم بن أبي الجعد قال‪ :‬قيل ألبي الدَّ رداء‪:‬‬
‫ُ‬
‫وأفضل‬ ‫كثير‪،‬‬
‫نسمة من مال رجل ٌ‬ ‫نسمة قال‪َّ :‬‬
‫«إن مائة َ‬ ‫رجل أعتق مائة َ‬‫إن ً‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫لسان أحدكم رط ًبا من ذكر‬ ‫إيمان ملزو ٌم بال َّليل والنَّهار‪ ،‬وأن ال يزال‬
‫ٌ‬ ‫من ذلك‬
‫اهلل»(‪.)1‬‬

‫بي يف الدُّ عاء (‪ ،)91‬وابن أبي شيبة يف المصنَّف (‪ .)29464‬وانظر‪:‬‬


‫الض ُّ‬
‫(((  رواه َّ‬
‫التَّرغيب والتَّرهيب (‪.)896‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪70‬‬

‫‪11‬‬

‫فضل الذكر وجمالسه‬

‫او َي ُة ‪َ I‬ع َلى َح ْل َق ٍة فِي‬ ‫يد ا ْل ُخدْ ِر ِّي ‪َ I‬ق َال‪َ :‬خ َر َج ُم َع ِ‬ ‫َعن َأبِي س ِع ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫اهلل‪َ ،‬ق َال‪ :‬آهللِ َما َأ ْج َل َس ُك ْم إِ َّل‬ ‫ِ ِ‬
‫ا ْل َم ْسجد‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ما َأ ْج َل َس ُك ْم؟ َقا ُلوا‪َ :‬ج َل ْسنَا ن َْذك ُُر َ‬
‫اك‪َ ،‬ق َال‪َ :‬أ َما إِنِّي َل ْم َأ ْست َْحلِ ْف ُك ْم ُت ْه َم ًة َل ُك ْم‪،‬‬ ‫اك؟ َقا ُلوا‪َ :‬و اهللِ َما َأ ْج َل َسنَا إِ َّل َذ َ‬‫َذ َ‬
‫ول اهلل‬ ‫َان َأ َحدٌ بِ َمن ِْز َلتِي مِ ْن َر ُسول اهلل ﷺ َأ َق َّل َعنْ ُه َح ِدي ًثا مِنِّي‪َ ،‬وإِ َّن َر ُس َ‬ ‫َو َما ك َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫«ما َأ ْج َل َسك ُْم؟» َقا ُلوا‪َ :‬ج َل ْسنَا ن َْذك ُُر َ‬
‫اهلل‬ ‫ﷺ َخ َر َج َع َلى َح ْل َقة م ْن َأ ْص َحابِه َف َق َال‪َ :‬‬
‫َون َْح َمدُ ُه َع َلى َما َهدَ انَا ل ِ ْلِ ْس َل ِم َو َم َّن بِ ِه َع َل ْينَا‪َ ،‬ق َال‪« :‬آهلل ِ َما َأ ْج َل َسك ُْم إِ َّل َذاكَ؟»‬
‫«أ َما إِنِّي َل ْم َأ ْست َْح ِل ْفك ُْم ت ُْه َم ًة َلك ُْم‪َ ،‬و َلكِنَّ ُه‬
‫اك‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫َقا ُلوا‪َ :‬واهلل َما َأ ْج َل َسنَا إِ َّل َذ َ‬
‫اهي بِك ُُم ا ْل َم َلئِ َكةَ»‪ .‬رواه مسلم(‪ .)1‬قوله‪« :‬ت ُْه َم ًة‬ ‫يل َف َأ ْخبرنِي َأ َّن اهلل يب ِ‬
‫َ َُ‬ ‫ََ‬ ‫َأتَانِي ِج ْبرِ ُ‬
‫َلك ُْم»‪ ،‬أي‪َ :‬ش ًّكا يف ِصدْ قِ ُكم‪.‬‬
‫الذاكر أن يحظى هبذه المنزلة العظيمة؛ أن يذكره اهلل‬ ‫هذا من عاجل بشرى َّ‬
‫‪ F‬يف المأل األعلى‪ ،‬الكرام األطهار الربرة مالئكة اهلل‪ .‬وهذه المباهاة من‬
‫وأن ِّ‬
‫للذكر مز َّي ًة على‬ ‫الذكر عنده ومح َّبته له‪َّ ،‬‬
‫دليل على شرف ِّ‬ ‫الر ِّب ‪ٌ F‬‬ ‫َّ‬
‫وأيضا دليل على مغفرة اهلل لهم‪ ،‬وقد تقدَّ م يف الحديث‬ ‫غيره من األعمال‪ً ،‬‬
‫الرضا والغفران‬ ‫«أ ْش ِهدُ ك ُْم َأنِّي َقدْ َغ َف ْر ُت َل ُه ْم»‪ ،‬فمباهاته سبحانه ٌ‬
‫دليل على ِّ‬ ‫ُ‬
‫ألن اهلل ال يباهي بأهل المعصية والغفلة‪ ،‬وإنَّما‬ ‫والفوز بكرامة اهلل وإنعامه؛ َّ‬
‫وتعظيما وخو ًفا من النَّار‬
‫ً‬ ‫ذكرا هلل وتمجيدً ا‬
‫بمن اجتمعوا على الخير؛ ً‬ ‫يباهي َ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2701‬‬
‫‪71‬‬ ‫‪ -11‬فضل الذكر وجمالسه‬

‫وطل ًبا للجنَّة‪ ،‬فهذا ا َّل ِذي اجتمعوا عليه كان موج ًبا لغفران ذنوهبم وموج ًبا‬
‫لمباهاة اهلل هبم المالئكة‪.‬‬
‫«قال اهللُ‪َ :‬أنَا ِعنْدَ َظ ِّن َع ْب ِدي‬
‫قال‪َ :‬ق َال النبي ﷺ‪َ :‬‬
‫ُّ‬
‫َو َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬‬
‫بِي‪َ ،‬و َأنَا َم َع ُه إِ َذا َذك ََرنِي؛ َفإِ ْن َذك ََرنِي فِي َن ْف ِس ِه َذك َْر ُت ُه فِي َن ْف ِسي‪َ ،‬وإِ ْن َذك ََرنِي فِي‬
‫إل َخ ْيرٍ ِمن ُْه ْم»‪ .‬متَّفق عليه(‪.)1‬‬ ‫إل َذك َْر ُت ُه فِي َم ٍ‬ ‫َم ٍ‬

‫مكانة أعظم من أن‬ ‫ٍ‬ ‫وأي‬ ‫ٍ‬


‫ثواب ُّ‬ ‫وأي‬
‫وهذا جزاء من جنس العمل‪ُّ ،‬‬
‫الخاصة‬
‫َّ‬ ‫أيضا ذكر مع َّية اهلل‬ ‫يحظى عبد اهلل المؤمن بذكر اهلل له‪ ،‬ويف الحديث ً‬
‫ُّ‬
‫الحظ‬ ‫ونصرا وتأييدً ا ومعونة‪ .‬فالمكثرون من ذكر اهلل لهم‬ ‫ً‬ ‫للذاكرين؛ حف ًظا‬ ‫َّ‬
‫األوفر والنَّصيب األكمل من ذكر اهلل لهم ومع َّيته لهم‪.‬‬
‫«أ َل ُأ َن ِّب ُئك ُْم بِخَ ْيرِ‬ ‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫َو َع ْن َأبِي الدَّ ْر َد ِاء ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ْفاق‬‫َاها ِعنْدَ َم ِليكِك ُْم‪َ ،‬و َأ ْر َف ِع َها يف َد َرجاتِك ُْم‪َ ،‬و َخ ْيرٍ َلك ُْم ِم ْن إِن ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْعمالك ُْم‪َ ،‬و َأ ْزك َ‬
‫والو ِر ِق‪َ ،‬و َخ ْيرٍ َلك ُْم ِم ْن َأ ْن َت ْل َق ْوا َعدُ َّوك ُْم َفت َْضرِ ُبوا َأ ْعنَا َق ُه ْم َو َي ْضرِ ُبوا‬
‫ب َ‬ ‫الذ َه ِ‬ ‫َّ‬
‫ِّرمذي وابن ماجه(‪.)2‬‬ ‫ُّ‬ ‫َأ ْعنا َقك ُْم؟» َقا ُلوا‪َ :‬ب َلى‪َ ،‬ق َال‪ِ « :‬ذك ُْر اهلل َت َعالى»‪ .‬رواه الت‬
‫الو ِرق‪ِ :‬‬
‫الف َّضة‪.‬‬ ‫َ‬
‫شوق للقلوب‬ ‫بدأ النَّبِ ُّي ‪ O‬هذا الحديث هبذا األسلوب ُ‬
‫الم ِّ‬
‫«أ َل ُأ َن ِّب ُئك ُْم»‪ ،‬و«أال» كما‬
‫والجاذب للنُّفوس‪ ،‬حيث بدأ ‪ O‬بقوله‪َ :‬‬
‫والمخاطب لما س ُيلقى عليه و ُيب َّين له من‬ ‫للسامع ُ‬ ‫قال العلماء أداة تنبيه‪ ،‬تنبيه َّ‬
‫العلم والكالم المفيد‪.‬‬
‫و«خير» أ ْفعل ِ‬ ‫ِ‬
‫تفضيل‪ ،‬أي‪ْ :‬‬
‫أخيرها‬ ‫«أ َل ُأ َن ِّب ُئك ُْم بِخَ ْيرِ َأ ْع َمالك ُْم؟»‪ْ َ ،‬‬
‫قال‪َ :‬‬
‫أن ِّ‬
‫الذكر هو‬ ‫الذكر خير األعمال‪ ،‬بل تقدَّ م معنا َّ‬ ‫أن ِّ‬ ‫أ ْف َضلها؛ ففيه داللة على َّ‬

‫البخاري (‪ ،)7405‬ومسلم (‪.)2675‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)3377‬وابن ماجه (‪،)3790‬‬‫(((  رواه الت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪72‬‬

‫تفاضلهم فيها بذكر اهلل؛‬


‫تفاضل النَّاس يف األعمال بحسب ُ‬ ‫روح األعمال‪َّ ،‬‬
‫وأن ُ‬
‫فإن الفضيلة فيه تعظم ومكانته تعلو‪ ،‬بحسب‬ ‫فك َّلما كان العامل أكثر ً‬
‫ذكرا هلل؛ َّ‬
‫حظ العابد فيه من ذكر اهلل ‪ ،F‬فك َّلما كان ذكره هلل أعظم كان ح ُّظه من‬ ‫ِّ‬
‫هذا ال َّثواب أكرب‪.‬‬
‫َاها ِعنْدَ َم ِليكِك ُْم»‪ ،‬أزكاها قيل‪ :‬أطهرها‪ ،‬وقيل‪ :‬المراد‬ ‫«و َأ ْزك َ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫فالزكاء يأيت و ُيراد‬ ‫وخيرا‪َّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫الزيادة‪ ،‬أي‪ :‬أعظمها برك ًة ونما ًء‬ ‫بالزكاء النَّماء وهو ِّ‬ ‫َّ‬
‫َّطهر‪.‬‬‫به النَّماء‪ ،‬ويأيت ويراد به الت ُّ‬
‫إن‬ ‫«و َأ ْر َف ِع َها فِي َد َر َجاتِك ُْم»‪ ،‬أي‪ :‬أكثرها رف ًعا للدَّ رجات؛ بحيث َّ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫والمكثر منها ال يزال يزداد ِرفع ًة عند اهلل ‪ ،D‬فهي ترفع‬ ‫المواظب عليها ُ‬
‫الصالحة عمو ًما ترفع‬ ‫العبد عند اهلل أكثر من غيرها من األعمال‪ ،‬واألعمال َّ‬
‫الذكر أكثر األعمال رف ًعا للعامل عند اهلل‪.‬‬ ‫العبد عند اهلل ‪ ،D‬لك َّن ِّ‬
‫ب َوا ْل َو ِر ِق»‪ ،‬أي‪ :‬وأفضل لكم من‬ ‫الذ َه ِ‬
‫اق َّ‬ ‫«و َخ ْيرٍ َلك ُْم ِم ْن إِ ْن َف ِ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫أن بذل المال ‪-‬والس َّيما أنْفسه وهو‬ ‫والفضة‪ ،‬ومن المعلوم َّ‬ ‫َّ‬ ‫الذهب‬ ‫إنفاق َّ‬
‫والفضة‪ -‬صدق ًة يف سبيل اهلل من خير األعمال وأح ِّبها إلى اهلل‪ ،‬لك َّن‬ ‫َّ‬ ‫الذهب‬ ‫َّ‬
‫أعظم من ذلك‪.‬‬ ‫كر اهلل ‪D‬‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ذ َ‬
‫«و َخ ْي ٌر َلك ُْم ِم ْن َأ ْن َت ْل ُقوا َعدُ َّوك ُْم َفت َْضرِ ُبوا َأ ْعنَا َق ُه ْم َو َي ْضرِ ُبوا‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫العدو و ُتجاهدوهنم يف سبيل اهلل‬ ‫َاقك ُْم»‪ ،‬أي‪ :‬أفضل لكم من أن تلقوا‬ ‫َأعن ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫يدل على‬ ‫َفت َْض ِر ُبوا َأ ْعنَا َق ُه ْم َو َي ْض ِر ُبوا َأ ْعنَاقِ ُك ْم و ُتستشهدون يف سبيل اهلل؛ وهذا ُّ‬
‫إلقامة ِذكر اهلل‬ ‫الذكر‪ ،‬وأنَّه أفضل من الجهاد‪ ،‬بل الجهاد إنَّما ُشرع ِ‬ ‫فضيلة ِّ‬
‫فدل الحديث‬ ‫طاعة إنَّما ُشرعت إلقامة ذكر اهلل؛ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫وإعالء كلمة اهلل‪ ،‬بل ُّ‬
‫وكل‬
‫الرفيعة وأنَّه خير األعمال‪ .‬وهذا ال يعني‬ ‫على فضيلة ِّ‬
‫الذكر العظيمة ومنزلته َّ‬
‫كالصدقة والجهاد واالستشهاد يف سبيل اهلل‪،‬‬‫َّ‬ ‫التَّقليل من شأن تلك األعمال‬
‫‪73‬‬ ‫‪ -11‬فضل الذكر وجمالسه‬

‫الذكر وعظيم مكانته وأنَّه أرفع األعمال وأج ُّلها وأح ُّبها‬
‫وإنَّما يفيد بيان فضل ِّ‬
‫إلى اهلل ‪.E‬‬
‫أي األعمال أفضل؟ قال‪« :‬أ َّما تقرأ القرآن ﴿ﯪ‬
‫قيل لسلمان ‪ُّ :I‬‬
‫ﯫ ﯬﯭ﴾ [العنكبوت‪ ،)1(»!]45 :‬وذكر ابن أبي الدُّ نيا عن ابن ع َّباس ‪L‬‬
‫«ذكر اهلل أكبر»(‪.)2‬‬
‫أي العمل أفضل؟ قال‪ُ :‬‬
‫أنَّه ُسئل‪ُّ :‬‬
‫فالصالة ُشرعت ألجل إقامة ذكر اهلل‪،‬‬ ‫وذكر اهلل هو مقصود األعمال ك ِّلها؛ َّ‬
‫والصيام شرع إلقامة ذكر اهلل‪ ،‬وال َّطاعات ك ُّلها‬‫ِّ‬ ‫والحج ُشرع إلقامة ذكر اهلل‪،‬‬
‫ُّ‬
‫إنَّما ُشرعت إلقامة ذكر اهلل‪ ،‬ولهذا قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ﴾‬
‫الصالة من أجل ذكر اهلل ‪.D‬‬
‫[طه‪]14 :‬؛ أي‪ :‬أقم َّ‬
‫تضر ٌع إلى اهلل تعالى‪ ،‬وقيا ٌم‬
‫الصالة؛ إذ هي ُّ‬
‫وهذا فيه تنبي ٌه على عظيم قدر َّ‬
‫الذكر‪،‬‬‫فالصالة هي ِّ‬‫وسؤال له ‪ ،F‬وإقام ٌة لذكره‪ .‬وعلى هذا َّ‬ ‫ٌ‬ ‫بين يديه‪،‬‬
‫ذكرا‪ ،‬وذلك يف قوله‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫سماها اهلل تعالى ً‬
‫وقد َّ‬
‫ذكرا؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫الصالة هنا ً‬ ‫فسمى َّ‬ ‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾ [الجمعة‪َّ ،]9 :‬‬
‫اف‬‫الحج‪« :‬إِن ََّما ُج ِع َل ال َّط َو ُ‬ ‫ِّ‬ ‫روحها و ُل ُّبها وحقيقتُها‪ ،‬وقال ﷺ يف‬ ‫الذكر هو ُ‬ ‫ِّ‬
‫ل َق َام ِة ِذ ْكرِ اهَّلل ِ»(‪ ،)3‬وجاء يف الحديث‬ ‫ار ِ ِ‬
‫ج َم ِ‬‫الص َفا َوا ْل َم ْر َو ِة َو َر ْمي ا ْل ِ‬ ‫ِ‬
‫بِا ْل َب ْيت َو َب ْي َن َّ‬
‫ُ‬
‫«أ ْك َث ُر ُه ْم لِ َّل ِه ِذك ًْرا»‪ ،‬قيل‪:‬‬ ‫أجرا؟ قال‪َ :‬‬‫أي المص ِّلين أعظم ً‬ ‫أن النَّبِ َّي ﷺ ُسئل‪ُّ :‬‬ ‫َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫أجرا؟ قال‪َ :‬‬
‫وأي المجاهدين‬ ‫«أ ْك َث ُر ُه ْم ل َّله ِذك ًْرا»‪ ،‬قيل‪ُّ :‬‬ ‫الصائمين أكثر ً‬ ‫وأي َّ‬‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫أجرا؟ قال َ‬
‫كل العبادات‬ ‫أجرا يف ِّ‬ ‫«أ ْك َث ُر ُه ْم ل َّله ِذك ًْرا» ‪ .‬فأعظم النَّاس ً‬ ‫أعظم ً‬
‫(‪)4‬‬

‫ل َش ْي َء َأ ْف َض ُل مِ ْن ِذك ِْر اهَّللِ»‪.‬‬


‫(((  رواه ابن جرير يف جامع البيان (‪ ،)44/20‬وزاد‪َ « :‬‬
‫بي يف الدُّ عاء (‪ ،)101‬وابن أبي شيبة يف المصنَّف (‪.)34777‬‬ ‫الض ُّ‬
‫(((  رواه َّ‬
‫ِّرمذي (‪.)902‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)1888‬والت‬
‫(((  أخرجه أحمد يف المسند (‪.)15614‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪74‬‬

‫ذكرا هلل ‪ F‬فيها بالقلب وال ِّلسان‪ِّ ،‬‬


‫فالذكر هو‬ ‫وجميع ال َّطاعات أكثرهم ً‬
‫لب األعمال‪.‬‬
‫خير األعمال وهو ُّ‬
‫ذكرا هلل؛‬
‫كل عمل أكثرهم فيه ً‬ ‫«إن أفضل أهل ِّ‬‫قال ابن الق ِّيم ‪َّ :V‬‬
‫ذكرا‬
‫ذكرا هلل يف صومهم‪ ،‬وأفضل المتصدِّ قين أكثرهم ً‬ ‫الص َّوام أكثرهم ً‬ ‫ُ‬
‫فأفضل ُّ‬
‫ثم أورد‬‫ذكرا هلل‪ ،‬وهكذا سائر األعمال» ‪َّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الحجاج أكثرهم ً‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫وأفضل‬ ‫هلل‪،‬‬
‫«إن َأ ْع َظ َمكم هذا‬
‫الحديث المتقدِّ م‪ ،‬وأورد عقبه عن عبيد بن ُعمير‪ :‬أنَّه قال‪ْ :‬‬
‫العدو أن تقاتلوه‪،‬‬ ‫ال َّل ُيل أن ُتكابدوه‪ ،‬وب ِ‬
‫خ ْلتم بالمال أن تنفقوه‪ ،‬وج ُبنتم عن‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫فأكثروا من ذكر اهلل ‪.)2(»D‬‬
‫الذكر على‬ ‫قال اب ُن رجب ‪« :V‬وقد تكاثرت النُّصوص بتفضيل ِّ‬
‫الصدقة بالمال وغيره من األعمال»(‪ُ ،)3‬ث َّم أورد حديث أبي الدَّ رداء المتقدِّ م‬
‫َّ‬
‫وجمل ًة من األحاديث األخرى الدَّ الة على المعنى نفسه‪.‬‬
‫للمنذري‪ ،‬وقال‬
‫ِّ‬ ‫وقد روى اب ُن أبي الدُّ نيا ‪-‬كما يف التَّرغيب والتَّرهيب‬
‫إسناده حسن‪ -‬عن األعمش عن سالم بن أبي الجعد قال‪ :‬قيل ألبي الدَّ رداء‪:‬‬
‫ُ‬
‫وأفضل‬ ‫كثير‪،‬‬
‫نسمة من مال رجل ٌ‬ ‫نسمة قال‪َّ :‬‬
‫«إن مائة َ‬ ‫إن ً‬
‫رجل أعتق مائة َ‬ ‫َّ‬
‫لسان أحدكم رط ًبا من‬ ‫ُ‬ ‫إيمان ملزو ٌم بال َّليل والنَّهار‪ ،‬وأن ال يزال‬
‫ٌ‬ ‫من ذلك‬
‫الرقاب وأنَّه مع عظم فضله ال يعدل‬ ‫ذكر اهلل» ؛ فب َّين ‪ E‬فضل عتق ِّ‬
‫(‪)4‬‬

‫لف‬‫الذكر والمداومة عليه‪ ،‬وقد جاء يف هذا المعنى آثار كثير ٌة عن الس ِ‬
‫مالزمة ِّ‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫إلي‬
‫أحب َّ‬ ‫ُّ‬ ‫«لَ ْن ُأس ِّبح اهلل تعالى تسبيحات‬
‫‪ .X‬يقول ابن مسعود ‪َ :I‬‬
‫الص ِّيب (ص‪.)75‬‬ ‫(((  الوابل َّ‬
‫الزهد (‪.)2228‬‬
‫(((  رواه ابن أبي شيبة يف المصنَّف (‪ ،)29726‬وأحمد يف ُّ‬
‫(((  جامع العلوم والحكم (‪.)66/2‬‬
‫بي يف الدُّ عاء (‪ ،)91‬وابن أبي شيبة يف المصنَّف (‪ .)29464‬وانظر‪:‬‬
‫الض ُّ‬
‫(((  رواه َّ‬
‫التَّرغيب والتَّرهيب (‪.)896‬‬
‫‪75‬‬ ‫‪ -11‬فضل الذكر وجمالسه‬

‫عددهن دنانير يف سبيل اهلل»(‪.)1‬‬


‫َّ‬ ‫من أن ُأنفق‬
‫الذكر‪ ،‬وأنَّه يعدل عتق‬ ‫أن هذا الحديث العظيم أفاد فضيلة ِّ‬ ‫الحاصل َّ‬
‫الرقاب‪ ،‬ونفقة األموال‪ ،‬والحمل على الخيل يف سبيل اهلل ‪ ،D‬ويعدل‬ ‫ِّ‬
‫بالسيف يف سبيل اهلل ‪ .D‬وقد جلس عبد اهلل بن عمرو وعبد اهلل بن‬ ‫الضرب َّ‬ ‫َّ‬
‫مسعود ‪ M‬فقال عبد اهلل بن مسعود‪« :‬ألَن آخذ يف طريق أقول فيه‪ :‬سبحان‬
‫إلي من أن أنفق عدده َّن دنانير‬ ‫اهلل‪ ،‬والحمد هلل‪ ،‬وال إله َّإل اهلل‪ ،‬واهلل أكرب ُّ‬
‫أحب َّ‬
‫إلي‬
‫أحب َّ‬ ‫يف سبيل اهلل»‪ ،‬فقال عبد اهلل بن عمرو‪« :‬ألن آخذ يف طريق فأقوله َّن ُّ‬
‫من أن أحمل عدده َّن على الخيل يف سبيل اهلل ‪.)2(»D‬‬
‫الصدقة‬ ‫إن ِّ‬
‫الصحابة والتَّابعين؛ َّ‬ ‫ٍ‬
‫الذكر أفضل من َّ‬ ‫وكذلك قال غ ُير واحد من َّ‬
‫واآلثار يف هذا المعنى عنهم كثيرةٌ‪ ،‬وهي ال تعني التَّقليل من‬ ‫ُ‬ ‫بعدده من المال‪.‬‬
‫الرقاب يف سبيل‬ ‫شأن النَّفقة يف سبيل اهلل‪ ،‬والحمل على الخيل يف سبيله‪ ،‬وعتق ِّ‬
‫ورفعة مكانته‪ ،‬وأنَّه‬‫وبيان عظيم قدره‪ِ ،‬‬
‫ُ‬ ‫اهلل‪ ،‬وإنَّما المرا ُد هبا‪ :‬تعلي ُة شأن ِّ‬
‫الذكر‪،‬‬
‫ال يعدله شي ٌء من هذه األمور‪.‬‬

‫والبيهقي يف شعب اإليمان (‪.)659‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه ابن أبي شيبة (‪،)29422‬‬
‫البيهقي يف شعب اإليمان (‪.)660‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪76‬‬

‫‪12‬‬

‫فضل ال ُّدعاء (‪)1‬‬

‫كل خير‬‫جليل‪ ،‬ومكان ًة عالية؛ فهو مفتاح ِّ‬‫ً‬ ‫عظيما‪ ،‬ومقا ًما‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫إن للدُّ عاء شأنًا‬
‫يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬و َمن ُأعطي الدُّ عاء ُأعطي الخير؛ ألنَّه ُأعطي مفاتيح الخير؛‬
‫أن الخير ك َّله بيد اهلل‪ ،‬وال سبيل إلى تحصيله َّإل بمنِّه وفضله وعطائه‬ ‫وذلك َّ‬
‫ِ‬
‫الخير؟‬ ‫جماع‬
‫ُ‬ ‫«تذكرت ما‬
‫ُ‬ ‫الش ِّخير ‪:V‬‬ ‫مطرف بن عبد اهلل بن ِّ‬ ‫‪ .D‬قال ِّ‬
‫أنت ال تقدر‬ ‫فإذا الخير كثير؛ الصوم والصال ُة وإذا هو يف ِ ِ‬
‫يد اهلل ‪ ،D‬وإذا َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُ ٌ‬
‫جماع الخير الدُّ عا ُء»‪ .‬رواه‬
‫ُ‬ ‫أن َ‬
‫تسأ َل ُه فيعط َيك‪ ،‬فإذا‬ ‫على ما يف يد اهلل ‪َّ D‬إل ْ‬
‫الزهد(‪.)1‬‬ ‫اإلمام أحمد يف ُّ‬
‫ألن األمور‬ ‫فالدُّ عاء أساس الخيرات ومفتاح الفضائل والمكرمات؛ َّ‬
‫فمن و ِّفق للدُّ عاء فقد نال‬ ‫وذل‪َ ،‬‬ ‫عزا ًّ‬ ‫ك َّلها بيد اهلل عطا ًء ومن ًعا‪ً ،‬‬
‫خفضا ورف ًعا‪ًّ ،‬‬
‫خير أن تع َلم‬‫كل ٍ‬ ‫«أساس ِّ‬‫ُ‬ ‫مفتاح الخير‪ .‬قال اإلمام ابن الق ِّيم‪ :‬يف كتابه الفوائد‪:‬‬
‫الحسنات مِن نِعمه‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ َّ‬
‫أن‬ ‫اهلل كان وما َلم يشأ َلم يكن؛ فتي َّقن‬ ‫أن ما شا َء ُ‬ ‫َّ‬
‫ئات مِن خذالنِه‬ ‫وأن السي ِ‬
‫وتتض َّر َع إليه أن ال يقط َعها عنك‪ِّ َّ َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫فتشكره عليها‬ ‫َ‬
‫ول بينك وبينها‪ ،‬وال َيكِ َل َك يف فع ِل الحسنات وترك‬ ‫وعقوبتِه ف َت ْبت َِه َل إليه أن َي ُح َ‬
‫ِ‬
‫بتوفيق اهلل‬ ‫خير فأص ُله‬ ‫كل ٍ‬ ‫أن َّ‬ ‫نفسك‪ ،‬وقد َأ ْجمع العارفون على َّ‬ ‫السيئات إلى ِ‬
‫َّ ِّ‬
‫َّوفيق أن ال يكِ َلك اهلل‬ ‫أن الت َ‬ ‫شر فأص ُله ِخذالنُه لعبده‪ ،‬وأجمعوا َّ‬ ‫وكل ٍّ‬ ‫للعبد‪َّ ،‬‬
‫كل ٍ‬
‫خير‬ ‫ذالن هو أن يخ ِّلي بينَك وبين نفسك‪ ،‬فإذا كان ُّ‬ ‫الخ َ‬ ‫وأن ِ‬ ‫إلى نفسك‪َّ ،‬‬

‫الزهد (‪.)1344‬‬
‫(((  رواه أحمد يف ُّ‬
‫‪77‬‬ ‫‪ -12‬فضل الدعاء (‪)1‬‬
‫ُ‬
‫وصدق‬ ‫واالفتقار‬ ‫فمفتاحه الدُّ عا ُء‬ ‫ِ‬
‫العبد‪-‬‬ ‫فأص ُله التَّوفيق ‪-‬وهو بيد اهلل ال بيد‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المفتاح فقد أراد أن يفتح‬ ‫هبة إليه‪ ،‬فمتى َأعطى العبدَ هذا‬ ‫غبة والر ِ‬
‫ال َّلجأ والر ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫باب الخير ُم ْر َت ًجا دونه‪ ...‬وما ُأيت َمن ُأيت َّإل‬
‫له‪ ،‬ومتى أض َّله عن المفتاح بقي ُ‬
‫وإهمال االفتقار والدُّ عاء‪ ،‬وال َظ ِف َر َمن َظ ِف َر ‪-‬بمشيئة‬
‫ِ‬ ‫كر‬ ‫مِن قِ َبل إضاعة ُّ‬
‫الش ِ‬
‫ِ‬
‫االفتقار والدُّ عاء»‪ .‬اهـ(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫وصدق‬ ‫اهلل وعونِه‪َّ -‬إل بقيامه ُّ‬
‫بالش ِ‬
‫كر‬
‫عظيم‪ ،‬ومكانتُه فيه ساميةٌ‪ ،‬ومنزلتُه منه عالية؛ إذ‬ ‫ٌ‬ ‫والدُّ عا ُء شأنُه يف اإلسالم‬
‫ُّصوص‬
‫ُ‬ ‫وأنفع القربات‪ ،‬ولهذا جاءت الن‬ ‫ُ‬ ‫وأعظم ال َّطاعات‬
‫ُ‬ ‫أجل العبادات‬ ‫هو ُّ‬
‫الكثير ُة يف كتاب اهلل وسنة رسوله ﷺ مب ِّين ًة فضله‪ُ ،‬من َِّوه ًة بمكانته وعظم‬
‫دالالت هذه النُّصوص المب ِّينة‬
‫ُ‬ ‫تنوعت‬ ‫شأنه‪ ،‬مر ِّغب ُة فيه وحا َّث ًة عليه‪ ،‬وقد َّ‬
‫والحث عليه‪ ،‬ويف بعضها التَّحذير‬‫ُّ‬ ‫األمر به‬
‫ُ‬ ‫لفضل الدُّ عاء؛ فجاء يف بعضها‬
‫ذكر ِعظم ثوابه وكرب أجره عند اهلل‪ ،‬ويف‬ ‫من تركه واالستكبار عنه‪ ،‬ويف بعضها ُ‬
‫وغير ذلك من أنواع‬ ‫مدح المؤمنين لقيامهم به وال َّثنا ُء عليهم بتكميله‪ُ ،‬‬ ‫بعضها ُ‬
‫الدَّ الالت يف القرآن على عظم فضل الدُّ عاء‪.‬‬
‫إن اهلل سبحانه قد افتتح كتابه الكريم بالدُّ عاء واختممه به؛ فسورة‬ ‫بل َّ‬
‫بأجل المطالب‬ ‫«الفاتحة» ا َّلتِي هي فاتحة القرآن الكريم مشتمل ٌة على دعاء اهلل ِّ‬
‫الصراط المستقيم‬ ‫وأكمل المقاصد‪ ،‬أال وهو سؤال اهلل ‪ D‬الهداي َة إلى ِّ‬
‫واإلعان َة على عبادته والقيا َم بطاعته ‪ ،E‬وسور ُة «النَّاس» ا َّلتِي هي‬
‫خاتمة القرآن الكريم مشتمل ٌة على دعاء اهلل سبحانه‪ ،‬وذلك باالستعاذة به‬
‫يوسوس يف صدور النَّاس من ِ‬
‫الجنَّة‬ ‫ُ‬ ‫شر الوسواس الخنَّاس ا َّل ِذي‬‫سبحانه من ِّ‬
‫دليل على‬‫افتتاح القرآن الكريم بالدُّ عاء واختتا َمه به ٌ‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫والنَّاس‪ ،‬وما من ٍ‬
‫ريب َّ‬
‫روح العبادات ول ُّبها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫عظم شأن الدُّ عاء وأنَّه ُ‬

‫(((  الفوائد (ص‪.)97‬‬


‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪78‬‬

‫سمى الدُّ عا َء يف القرآن عباد ًة يف أكثر من آية‪ ،‬مِ َّما ُّ‬


‫يدل‬ ‫بل َّ‬
‫إن اهلل ‪َّ C‬‬
‫على ِعظم مكانته‪ ،‬كقوله سبحانه‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [غافر‪ ،]60 :‬وكقوله سبحانه‬
‫فيما حكاه عن نب ِّيه إبراهيم ‪﴿ :S‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ‬
‫وسمى‬
‫ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ﴾ [مريم‪ ،]49-48 :‬ونحوها من اآليات‪َّ ،‬‬
‫سبحانه الدُّ عا َء ِدينًا كما يف قوله‪﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ﴾ [غافر‪،]14 :‬‬
‫ونحوها من اآليات‪.‬‬
‫وروحها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أساس العبود َّية‬
‫ُ‬ ‫عظيم شأن الدُّ عاء‪ ،‬وأنَّه‬
‫َ‬ ‫وهذا ك ُّله ُيب ِّين لنا‬
‫ِ‬
‫وإظهار االفتقار إليه‪،‬‬ ‫وعنوان التَّذ ُّلل والخضوع واالنكسار بين يدي َّ‬
‫الر ِّب‬ ‫ُ‬
‫آي كثيرة من القرآن الكريم‪ ،‬يقول‬ ‫حث اهلل عبا َده عليه ور َّغبهم فيه يف ٍ‬ ‫ولهذا َّ‬
‫اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾‬
‫[األعراف‪ ،]56-55 :‬وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [غافر‪.]65 :‬‬
‫قريب منهم؛ ُيجيب دعا َءهم‪،‬‬ ‫وأخرب سبحانه ‪-‬مر ِّغبا عباده يف الدُّ ِ‬
‫عاء‪ -‬بأنَّه‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ً‬
‫و ُيح ِّق ُق رجا َءهم‪ ،‬ويعطيهم سؤلهم‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾‬
‫[البقرة‪ ،]186 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡﯢ﴾ [النَّمل‪.]62 :‬‬
‫دعاؤه له‬
‫ُ‬ ‫فإن العبدَ ك َّلما ع ُظمت معرفتُه باهلل وقويت ِصلتُه به كان‬ ‫ولهذا َّ‬
‫أعظم النَّاس تحقي ًقا‬
‫َ‬ ‫ور ُس ُله‬
‫وانكساره بين يديه أشدَّ ؛ ولهذا كان أنبيا ُء اهلل ُ‬
‫ُ‬ ‫أعظم‬
‫َ‬
1hI:'
e.'
J'>' 'hV
'
!
;
uoakl
o

C w- =u> *

t.
JaJ
J
-1a'
:10 .
z bw'-Bz
--t1k'
.r, ,!' b..,
' +vJ1z
- -4.w 211u.
JJ w: aJ.A> u'= -'J'u9yea
CJ
X Iw1
I -411
..:.wfz'
z-'
<.%naazbt-Q-'
.fo'
f'ux1
Jt.....UCxJ!Z J t. ''1., - .

5* ' . i s 9.! J f 5'


'%'I.z.w.uouI;h-z.
= 'jJV=
'1'.
iJojk>'5.
Ik
hz'm'.5Iuj
.:'
uo.15Io
-
'I.4.
.
m
wep :h>= .>.x,
.
.
'
-.a hz& x. ' luy.
wpk.
...2,
1.
1hotftwwcoot,.xhol :%. uz
':. . .I. .. ;
.. ! . 1 v riuohl.t.x!juw #..Ipt. j
.p arj s g.o s ..'
o.tcwoa.:.lyuw .w hhao w'yw x. u.
'r z.yx-lz pI .
.

'u.az'h)u.u >J >..z.c 'h...bl'1a* r ax 'l


. k. . .
? ..J s J !o
; ! o.
;
ot..
cph'lu%...1-<.>='llJ.
(3tos
't;'
xu 'f1a 2:
-7.w'''
*)''
:L ç
'yaa'lJh.
'%.
u-'
tao'u> ,.X ..llu>:a,
'l, aoH-
'=..ov w llw'-= .> J.'% u b'l, 4%lusu
. 'ç u.x12'b.
o J ;'
' . ., !
;
X
**
JI
QJ
rju,
JJJ.)
=.PCMI J
..o-'ûjx!jy U. i0.k-Mz
.'
Zly./u .u't'8 X.S>us.;I&xrjJ
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪80‬‬
‫روح العبادة‪ ،‬إلى غير ذلك من األمور ا َّلتِي تب ِّين ِعظم قدر الدُّ عاء ِ‬
‫ورفعة‬ ‫هو ُ‬
‫شأنه‪.‬‬
‫ماس ٌة يف أموره ك ِّلها‪ ،‬وضرور َته إليه َّ‬
‫ملح ٌة‬ ‫إن حاج َة المسلم إلى الدُّ عاء َّ‬ ‫َّ‬
‫ثل‬ ‫جميعها‪ ،‬وقد َض َر َب َأحدُ أهل العلم لِحال المسلم مع الدُّ عاء َم ً‬ ‫ِ‬ ‫يف شؤونه‬
‫عظم ضرورته إليه‪ ،‬روى اإلمام‬ ‫ُ‬ ‫ويظهر به‬
‫ُ‬ ‫بدي ًعا تستبين به شدَّ ُة حاجته إليه‬
‫وجدت للمؤمن‬ ‫ُ‬ ‫الزهد(‪ )1‬عن قتادة قال‪ :‬قال ُم َو ِّر ٌق ‪« :V‬ما‬ ‫أحمد يف كتاب ُّ‬
‫لعل اهلل ‪ D‬أن‬ ‫رب‪َّ ،‬‬‫رب يا ِّ‬‫رجل يف البحر على خشبة‪ ،‬فهو يدعو يا ِّ‬ ‫مثل َّإل ً‬ ‫ً‬
‫بصدق وأ َل َّح عليه بالدُّ عاء و َأك َث َر من سؤالِه أجاب‬ ‫ٍ‬ ‫ينج َيه»‪ .‬و َمن أقبل على اهلل‬
‫والسعادة يف‬‫أبواب الخير َّ‬ ‫َ‬ ‫اهلل دعا َءه‪ ،‬وح َّقق رجا َءه‪ ،‬وأعطاه ُس ْؤ َله‪ ،‬وفتح له‬
‫الدُّ نيا واآلخرة‪.‬‬
‫ومفتقر إليه يف جمي ِع حاجاتِه‪ ،‬ال‬ ‫ٌ‬ ‫كل شؤونِه‪،‬‬ ‫محتاج إلى اهلل يف ِّ‬‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫إن العبدَ‬
‫غني حميدٌ ‪ ،‬ال حاجة‬ ‫الر ُّب سبحانه فإنَّه ٌّ‬‫يستغني عن ر ِّبه ومواله طرفة عين‪ ،‬وأ َّما َّ‬
‫له بطاعات العباد ودعواهتم‪ ،‬وال يعود نف ُعها إليه‪ ،‬وإنَّما هم ا َّل ِذين ينتفعون هبا‪،‬‬
‫ِ‬
‫يتضررون هبا‪ ،‬ولهذا قال سبحانه‪﴿ :‬ﮥ‬ ‫يتضر ُر بمعاصيهم وإنَّما هم ا َّلذين َّ‬ ‫وال َّ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [فاطر‪ ،]17-15 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ﴾ [اإلسراء‪ ،]15 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [إبراهيم‪ ،]8-7 :‬واآليات يف هذا‬
‫المعنى كثيرة‪.‬‬
‫إن اهلل ‪ F‬مع كمال ِغناه عن عباده وعن طاعاهتم ودعواهتم‬
‫ثم َّ‬
‫َّ‬
‫الزهد (‪.)1760‬‬
‫(((  رواه أحمد يف ُّ‬
‫‪81‬‬ ‫‪ -12‬فضل الدعاء (‪)1‬‬

‫عبادة العابدين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫دعاء الدَّ اعي َن المخبتين‪ ،‬ورؤي َة‬ ‫سماع‬ ‫حب‬
‫َ‬ ‫وتوباهتم؛ فإنَّه ُي ُّ‬
‫المنيبين‪ ،‬بل إنَّه سبحانه يفرح بتوبة عبده أشدَّ‬ ‫ويفرح بتوبة التَّائبين ُ‬
‫ُ‬ ‫المطيعين‪،‬‬
‫من فرح َمن ض َّلت راحلتُه ا َّلتِي عليها طعامه وشرابه بفالة من األرض‪ ،‬وطلبها‬
‫ثم غلبته عينُه فنام واستيقظ فإذا هي قائم ٌة‬ ‫حتَّى َأيِ َس منها‪ ،‬واستسلم للموت‪َّ ،‬‬
‫فرح بتوبة‬ ‫المخلوق من ال َف َرحِ ‪ ،‬فاهلل سبحانه َي ُ‬
‫ُ‬ ‫يتصو ُره‬
‫َّ‬ ‫عنده‪ ،‬وهذا أعلى ما‬
‫عباده َأ َشدَّ مِن فرحِ هذا بِ ُلقياه لراحلته‪ ،‬هذا مع ِغناه سبحانه الكامل عن‬ ‫ِ‬
‫طاعات عباده وتوباهتم إليه‪ ،‬وذلك ك ُّله إنَّما يعود نف ُعه إليهم دونَه‪ ،‬وهذا من‬
‫حب‬ ‫الضرر عنهم؛ فهو ُي ُّ‬ ‫وده وإحسانِه إلى عباده ومح َّبته لنفعهم ودفع َّ‬ ‫كمال ج ِ‬
‫ُ‬
‫حب‬ ‫ويتقربوا إليه‪ ،‬و ُي ُّ‬
‫َّ‬ ‫من عباده أن يعرفوه و ُيح ُّبوه ويتَّقوه ويخافوه و ُيطيعوه‬
‫قيل ال َع َثرات‪ ،‬و ُيك ِّفر‬ ‫أن يعلموا أنَّه يغفر الخطيئات‪ ،‬ويجيب الدَّ عوات‪ ،‬و ُي َ‬
‫الس ِّيئات‪ ،‬ويرزق َمن يشاء بغير حساب‪.‬‬ ‫َّ‬
‫كمال ر ِّبه وجال َله وكرمه وإحسانه‬ ‫َ‬ ‫فحري بعبد اهلل المؤمن إذا عرف‬ ‫ٌّ‬
‫وجو َده أن ُينزل به جميع حاجاته‪ ،‬وأن ُيكثر من دعائه ومناجاته‪ ،‬وأن‬ ‫وفض َله ُ‬
‫ال َي ْقنَط مِن رحمة ر ِّبه وال ييأس من َر ْو ِحه؛ فإنَّه ال َي ْي َأ ُس مِن َر ْوحِ اهلل َّإل القو ُم‬
‫الكافرون‪.‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪82‬‬

‫‪13‬‬

‫فضل ال ُّدعاء (‪)2‬‬

‫من اآليات الكريمة الحا َّثة على الدُّ عاء قول اهلل ‪﴿ :D‬ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾‬
‫حبيب إلى اهلل ‪،D‬‬
‫ٌ‬ ‫[غافر‪ ،]60 :‬وقد جمعت هذه اآلية بين أمرين‪ :‬أحدهما‬
‫بغيض إليه سبحانه؛ الحبيب إلى اهلل ‪ C‬ما ذكره يف قوله‪﴿ :‬ﭟ‬ ‫واآلخر ٌ‬
‫يحب من عباده أن يدعوه‪ .‬والبغيض إليه ‪ C‬ما ذكره‬ ‫ُّ‬ ‫ﭠ ﭡﭢ﴾؛ فهو‬
‫يف قوله ﴿ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾‪ ،‬أي‪ :‬عن دعائي‪ ،‬فهو يبغض‬
‫سمى اهلل ‪ D‬يف اآلية الدُّ عاء عبادةً‪ ،‬والمستكرب‬
‫المستكربين عن دعائه‪ ،‬وقد َّ‬
‫أحب‬ ‫عن الدُّ عاء‪ُ :‬مستكربًا عن العبادة‪ .‬وقد كان سفيان ال َّث ُّ‬
‫وري‪ :‬يقول‪« :‬يا َمن ُّ‬
‫أبغض عباده إليه َمن َلم يسأله‪ ،‬وليس‬ ‫عباده إليه َمن سأله فأكثر سؤاله‪ ،‬ويا َمن ُ‬
‫وغيره(‪.)1‬‬
‫رب»‪ .‬رواه ابن أبي حاتم ُ‬ ‫غيرك يا ِّ‬
‫كذلك ُ‬
‫ب اهلل ‪ D‬للدُّ عاء‪ ،‬ولعباده‬ ‫وح َّ‬
‫وهذا يب ِّين مكانة الدُّ عاء العظيمة‪ُ ،‬‬
‫الدَّ اعين‪ ،‬وتحذيره ‪ C‬من اإلعراض عن الدُّ عاء‪ ،‬وقد جمع اهلل يف قوله‪:‬‬
‫﴿ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ جمع للمستكربين‬
‫عن الدُّ عاء بين العقوبة بدخول النَّار وبين التَّحقير واإلهانة‪ ،‬تك َّبروا عن دعاء‬
‫اهلل فأهاهنم سبحانه‪ ،‬فهم يدخلون جهنَّم ﴿ﭪ﴾‪ ،‬أي‪ :‬حقيرين ذليلين‪.‬‬
‫ُجمع عليهم العذاب واإلهانة‪ ،‬عقوبة لهم على استكبارهم‪.‬‬

‫(((  حكاه عنه ابن كثير يف تفسيره (‪.)153/7‬‬


‫‪83‬‬ ‫‪ -13‬فضل الدعاء (‪)2‬‬
‫فالحاصل َّ‬
‫أن هذه اآلية آية عظيمة يف شأن الدُّ عاء وبيان مكانته وعظيم‬
‫ب اهلل ‪ E‬له‪ ،‬وتحذيره ‪ C‬من اإلعراض عن الدُّ عاء‪،‬‬ ‫وح ِّ‬
‫شأنه‪ُ ،‬‬
‫واالستكبار عنه‪.‬‬
‫أن الدُّ عاء مستجاب‪َّ ،‬‬
‫وأن َمن دعا‬ ‫وقوله يف هذه اآلية‪﴿ :‬ﭠ ﭡﭢ﴾ فيه َّ‬
‫اهلل ‪ D‬أجابه وأعطاه سؤله‪ ،‬فهو ال ُيخ ِّيب عبدً ا دعاه وال يرد مؤمنًا ناجاه‪،‬‬
‫لكن على المؤمن يف هذا الباب أن ُيعنى بما يكون سب ًبا إلجابة دعائه‪ ،‬وأن‬
‫مفصل الح ًقا‬‫سبب لر ِّده وعدم قبوله‪ ،‬وسيأيت عن هذا حديث َّ‬ ‫ٌ‬ ‫مما هو‬
‫يحذر َّ‬
‫بإذن اهلل‪.‬‬
‫َّ‬
‫الدعاء من ِع َّدة جهات‪:‬‬ ‫دلت على فضيلة ُّ‬ ‫‪ ‬وهذه اآلية‬
‫فرب العالمين‬ ‫أن اهلل ‪ D‬أمر به‪﴿ ،‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ﴾‪ُّ ،‬‬ ‫األولى‪َّ :‬‬
‫دليل على فضله‪ ،‬وعظم شأنه عند اهلل ‪.F‬‬ ‫أمر به‪ ،‬واألمر به ٌ‬
‫َّ‬
‫أن اهلل ‪ E‬وعد يف هذه اآلية باإلجابة‪﴿ :‬ﭠ ﭡﭢ﴾؛‬ ‫الثانية‪َّ :‬‬
‫فاإلجابة مضمونة‪ ،‬و َمن ُأ ْل ِهم الدُّ عاء فقد أريد به اإلجابة؛ ألنَّه ‪ E‬وعد‬
‫أن اهلل‬ ‫هبا واهلل ال يخلف الميعاد‪ ،‬فهذه فضيلة أخرى للدُّ عاء د َّلت عليها اآلية؛ َّ‬
‫يستجيب دعاء من دعاه ويح ِّقق رجاء َمن رجاه‪ ،‬ال يتعاظمه ذنب أن يغفره وال‬
‫حاجة يسألها أن يعطيها‪ ،‬وهذا من ُلطف اهلل بعباده وعظيم إكرامه لهم وإحسانه‬
‫هبم؛ فهو سبحانه ال ُيخ ِّيب عبدً ا دعاه‪ ،‬وال ُير ُّد مؤمنًا ناجاه‪ ،‬يقول اهلل تعالى‬
‫است َْهدُ ونِي‬ ‫ِ ِ‬
‫«يا ع َبادي ُك ُّلك ُْم َض ٌّال إِ َّل َم ْن َهدَ ْي ُت ُه َف ْ‬ ‫القدسي‪َ :‬‬
‫ِّ‬ ‫كما يف الحديث‬
‫ادي‬ ‫ادي ُك ُّلكُم جائِع إِ َّل من َأ ْطعم ُته َفاس َت ْط ِعمونِي ُأ ْط ِعمكُم‪ ،‬يا ِعب ِ‬ ‫َأه ِدكُم‪ ،‬يا ِعب ِ‬
‫ْ ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ٌ َ ْ َْ ُ ْ‬ ‫ْ ْ َ َ‬
‫ادي إِ َّنك ُْم تُخْ طِئ َ‬
‫ُون بِال َّل ْي ِل‬ ‫ار إِ َّل من كَسو ُته َفاس َتكْسونِي َأكْسكُم‪ ،‬يا ِعب ِ‬
‫ُ ْ َ َ‬ ‫ُك ُّلك ُْم َع ٍ َ ْ َ ْ ُ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ار َو َأنَا َأ ْغ ِف ُر ُّ‬ ‫َوالن ََّه ِ‬
‫اس َتغْف ُروني َأ ْغف ْر َلك ُْم»‪ ،‬وقال فيه‪َ :‬‬
‫«يا‬ ‫ُوب َجمي ًعا َف ْ‬
‫الذن َ‬
‫اح ٍد َف َس َأ ُلونِي‬‫يد و ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ع َبادي َل ْو َأ َّن َأ َّو َلك ُْم َوآخ َرك ُْم َوإِن َْسك ُْم َو ِج َّنك ُْم َق ُاموا في َصع َ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪84‬‬

‫ك ِم َّما ِعن ِْدي إِ َّل ك ََما َي ْن ُق ُص ا ْل ِمخْ َي ُط إِ َذا‬


‫ان َم ْس َأ َل َت ُه َما َن َق َص َذلِ َ‬
‫ت ك َُّل إِن َْس ٍ‬ ‫َف َأ ْع َط ْي ُ‬
‫ِ‬
‫ذر ‪.)1(I‬‬ ‫ُأ ْدخ َل ا ْل َب ْح َر»‪ .‬رواه مسلم يف سياق طويل من حديث أبي ٍّ‬
‫َّ‬
‫فسمى‬ ‫أن اهلل ‪ D‬قال‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾؛ َّ‬ ‫الثالثة‪َّ :‬‬
‫السنن األربعة‬ ‫أن الدُّ عاء عبادة‪ ،‬ولهذا جاء يف ُّ‬ ‫تدل على َّ‬ ‫الدُّ عاء عبادة‪ ،‬فاآلية ُّ‬
‫ِ‬
‫أن النَّبِ َّي ﷺ قال‪« :‬الدُّ َعا ُء ُه َو الع َبا َدةُ» َّ‬
‫ثم‬ ‫من حديث النُّعمان بن بشير ‪َّ L‬‬
‫تال هذه اآلية‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ﴾(‪ .)2‬وروى الحاكم بإسناد حسن عن ابن ع َّباس‬
‫‪ L‬مرفو ًعا‪« :‬أفضل العبادة الدُّ عاء‪ ،‬وقرأ‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡﭢ﴾»(‪.)3‬‬
‫نوع من االستكبار‪ ،‬والدُّ عاء‬ ‫أن ترك الدُّ عاء ٌ‬ ‫تدل على َّ‬ ‫أن اآلية ُّ‬ ‫الرابعة‪َّ :‬‬ ‫َّ‬
‫مبال به وال‬ ‫ال يشق على اإلنسان وال يكلفه شي ًئا‪ ،‬فإذا كان تاركًا للدُّ عاء غير ٍ‬
‫نوع من االستكبار‪ ،‬ولهذا قال‬ ‫ِ‬
‫مهتم مع شدَّ ة حاجته وافتقاره إلى اهلل فهذا ٌ‬ ‫ٍّ‬
‫‪﴿ :E‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾‪.‬‬
‫فالشاهد‪َّ :‬‬ ‫َّ‬
‫أن اآلية فيها داللة عظيمة على فضيلة الدُّ عاء‪ ،‬وعظيم مكانة‬
‫أجل العبادات وأشرفها‪.‬‬ ‫الدُّ عاء عند اهلل وأنَّه عبادة من ِّ‬
‫رسالة له يف وجوب توحيد اهلل ‪ D‬بعد أن أورد هذه‬ ‫ٍ‬ ‫الشوكانِ ُّي‪ :‬يف‬‫قال َّ‬
‫مطلوب‬ ‫ٌ‬ ‫اآليات الب ِّينات د َّلت على َّ‬
‫أن الدُّ عا َء‬ ‫ُ‬ ‫اآلية وآيات يف معناها‪« :‬فهذه‬
‫انضم‬
‫َّ‬ ‫هلل ‪ D‬من عباده‪ ،‬وهذا القدر يكفي يف إثبات كونه عبادة‪ ،‬فكيف إذا‬
‫إلى ذلك النَّهي عن دعاء غير اهلل‪ ،‬قال اهلل ‪﴿ :D‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ [الجن‪:‬‬
‫ُ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2577‬‬
‫َّسائي يف الكربى (‪ ،)11400‬وابن‬
‫ِّرمذي (‪ ،)2969‬والن ُّ‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)1479‬والت‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ماجه (‪،)3828‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي يف صحيح الجامع (‪.)2002‬‬ ‫(((  رواه الحاكم يف المستدرك (‪،)1805‬‬
‫َّ‬
‫‪85‬‬ ‫‪ -13‬فضل الدعاء (‪)2‬‬

‫‪ ،]18‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [ َّ‬


‫الرعد‪:‬‬
‫غيره ضار ًبا له األمثال‪﴿ :‬ﯞ ﯟ‬
‫‪ ،]14‬وقال سبحانه ناع ًيا على َمن يدعو َ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ﴾ [األعراف‪ ،]194 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾‬
‫تصريحا ال يبقى‬
‫ً‬ ‫الكريم َّ‬
‫بأن الدعا َء عباد ٌة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫صرح‬
‫[سبأ‪ .]22 :‬فكيف إذا َّ‬
‫لمرتاب‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬ ‫ٍ‬ ‫ريب‬‫عنده ٌ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾؛ فقد طلب اهلل سبحانه من عباده يف هذه ِ‬
‫اآلية‬ ‫َ ُ‬
‫وجعل جزا َء الدُّ عاء له منهم اإلجاب َة منه‪ ،‬فقال‪﴿ :‬ﭠ ﭡﭢ﴾‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أن يدعوه‪،‬‬
‫ثم تو َّعدهم على االستكبار عن هذه العبادة‬ ‫ولهذا جزمه لكونه جوا ًبا لألمر‪َّ ،‬‬
‫تفسيرا‬
‫ً‬ ‫صرح به يف آخر اآلية‪ ،‬وجعل العباد َة مكان الدُّ عاء‬ ‫‪-‬أعني الدُّ عاء‪ -‬بما َّ‬
‫األمر ا َّل ِذي طلبه منهم وأرشدهم إليه‬ ‫بأن هذا َ‬ ‫وإيضاحا لمعناه‪ ،‬وبيانًا لعباده َّ‬‫ً‬ ‫له‬
‫ِ‬
‫نفسه وخلق لها عباده‪ ،‬كما قال اهلل تعالى‪:‬‬ ‫خص هبا َ‬ ‫نوع من عبادته ا َّلتي َّ‬ ‫هو ٌ‬
‫الذاريات‪ ،]56 :‬ومع هذا ك ِّله فقد جاءت‬ ‫﴿ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ [ َّ‬
‫أن الدُّ عا َء من أكمل أنواع العبادة»(‪،)1‬‬ ‫يدل أبلغ داللة على َّ‬ ‫المطهر ُة بما ُّ‬
‫َّ‬ ‫السنَّة‬
‫ُّ‬
‫السنَّة‪.‬‬ ‫ثم ذكر‪ :‬ما ُّ‬
‫يدل على ذلك من ُّ‬ ‫َّ‬
‫السائل‬ ‫والدُّ عاء نوعان‪ :‬دعاء عبادة‪ ،‬ودعاء مسألة‪ ،‬والعابد داع كما َّ‬
‫أن َّ‬
‫داعٍ‪ ،‬وهبما ُف ِّسر قوله تعالى ﴿ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ﴾؛ قيل‪ :‬أطيعوين‬
‫أثبكم‪ ،‬وقيل‪ :‬سلوين أعطكم‪ ،‬و ُف ِّسر هبما قوله تعالى ﴿ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ﴾ [البقرة‪.]186 :‬‬
‫قال ابن الق ِّيم ‪َّ :V‬‬
‫«فإن الدُّ عاء يف القرآن يراد به هذا تارة وهذا تارة‪،‬‬
‫فإن دعاء المسألة‪ :‬هو طلب ما ينفع‬ ‫ويراد به مجموعهما وهما متالزمان؛ َّ‬

‫الشوكانِ ِّي (‪.)171/1‬‬


‫الربانِ ّي من فتاوى اإلمام َّ‬
‫(((  الفتح َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪86‬‬

‫الض َّر والنَّفع فإنَّه‬


‫وكل َمن يملك َّ‬ ‫يضره أو دفعه‪ُّ ،‬‬ ‫الدَّ اعي وطلب كشف ما ُّ‬
‫والضرر‪ ،‬ولهذا أنكر‬ ‫هو المعبود ح ًّقا‪ ،‬والمعبود ال ُبدَّ أن يكون مال ًكا للنَّفع َّ‬
‫ضرا وال نف ًعا‪ ،‬وذلك كثير يف‬
‫اهلل تعالى على َمن عبد من دونه ما ال يملك ًّ‬
‫القرآن كقوله تعالى‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾‬
‫[يونس‪ ،]18 :‬وقوله تعالى‪﴿ :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ﴾ [يونس‪:‬‬
‫‪ ،]108‬وقوله تعالى‪﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ﴾ [المائدة‪ ،]76 :‬وقوله تعالى‪﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ﴾‬
‫[األنبياء‪ ،]67-66 :‬وقوله تعالى‪﴿ :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ‬
‫ﮩﮪﮫﮬﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ‬
‫ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ‬
‫الشعراء‪ ،]73-69 :‬وقوله تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﮫ﴾ [ ُّ‬
‫ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ‬
‫ﭦ﴾ [الفرقان‪ ،]3 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ‬
‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ﴾ [الفرقان‪]55 :‬؛ فنفى سبحانه عن هؤالء المعبودين‬
‫والض َّر القاصر والمتعدِّ ي فال يملكونه ألنفسهم وال لعابديهم‪،‬‬ ‫من دونه النَّفع َّ‬
‫أن المعبود ال ُبدَّ أن يكون مال ًكا للنَّفع َّ‬
‫والض ِّر‪ ،‬فهو‬ ‫وهذا يف القرآن كثير‪ ،‬بيد َّ‬
‫والض ِّر دعاء المسألة‪ ،‬و ُيدعى خو ًفا ورجا ًء دعاء العبادة‪ ،‬ف ُعلم َّ‬
‫أن‬ ‫ُيدعى للنَّفع َّ‬
‫ُّ‬
‫المسألة‪،‬وكل دعاء مسألة‬ ‫فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء‬ ‫النَّوعين متالزمان‪ُّ ،‬‬
‫متضمن لدعاء العبادة»‪ .‬اهـ(‪.)1‬‬
‫ِّ‬
‫(((  بدائع الفوائد (‪.)2/3‬‬
‫‪87‬‬ ‫‪ -13‬فضل الدعاء (‪)2‬‬

‫ويجتمع النَّوعان يف سورة الفاتحة‪ ،‬فقوله تعالى‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ‬


‫ﭙ﴾ هذا دعاء عبادة؛ ألنَّه ثناء على اهلل‪ ،‬وقوله‪﴿ :‬ﭛ ﭜ﴾ دعاء‬
‫عبادة‪ ،‬وقوله ﴿ﭞ ﭟ ﭠ﴾ دعاء عبادة‪ ،‬وقوله ﴿ﭢ ﭣ﴾ دعاء عبادة‪،‬‬
‫السورة دعاء مسألة‪ .‬ولهذا يقول اهلل ‪C‬‬ ‫وقوله ﴿ﭤ ﭥ﴾ إلى آخر ُّ‬
‫الصالة بيني وبين عبدي نصفين»(‪ ،)1‬يعني‪:‬‬ ‫القدسي‪« :‬قسمت َّ‬
‫ِّ‬ ‫يف الحديث‬
‫سماها صالة ألنَّها دعاء «بيني وبين عبدي نصفين»‪َّ ،‬‬
‫ألن َّأولها دعاء‬ ‫الفاتحة‪َّ ،‬‬
‫عبادة اهلل وآخرها دعاء مسألة‪ ،‬والعالقة بين دعاء العبادة ودعاء المسألة‪َّ :‬‬
‫أن‬
‫دعاء العبادة ُم ْس َت ْل ِز ٌم لدعاء المسألة‪ ،‬فإذا قال‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ﴾ يلزم من هذا أن يسأل اهلل سبحانه‪ ،‬ودعاء‬
‫أن دعاء العبادة ٌ‬
‫داخل يف دعاء المسألة‪،‬‬ ‫متضم ٌن لدعاء العبادة‪ ،‬بمعنى‪َّ :‬‬
‫ِّ‬ ‫المسألة‬
‫يتضمن سؤاله أنَّه يعبد اهلل بذلك‪.‬‬
‫َّ‬ ‫فا َّل ِذي يسأل اهلل حوائجه‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)395‬‬


‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪88‬‬

‫‪14‬‬

‫فضل ال ُّدعاء (‪)3‬‬

‫من اآليات الكريمة الحا َّثة على الدُّ عاء قول اهلل ‪﴿ :D‬ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ﴾ [البقرة‪.]186 :‬‬
‫﴿و َي ْس َأ ُلون ََك﴾؛‬
‫آيات عديدة مبدوءة بقوله‪َ ﴿ :‬ي ْس َأ ُلون ََك﴾ أو َ‬
‫يف القرآن الكريم ٌ‬
‫كقوله‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [البقرة‪ ،]222 :‬وقوله‪﴿ :‬ﮮ‬
‫ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾ [البقرة‪ ،]189 :‬وكقوله‪﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ﴾ [البقرة‪:‬‬
‫‪ ،]219‬وكقوله‪﴿ :‬ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ﴾ [البقرة‪ ،]220 :‬وكقوله‪:‬‬
‫﴿ﮐ ﮑ ﮒ﴾ [طه‪ ،]105 :‬وقوله‪﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰﯱ﴾ [اإلسراء‪،]85 :‬‬
‫وك ُّلها يأيت بعدها قوله سبحانه ﴿ﭙ﴾‪.‬‬
‫بينما يف هذه اآلية آية الدُّ عاء ارتفعت ﴿ﭙ﴾؛ ﴿ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮﯯ﴾‪ ،‬ولم يقل فقل إنِّي قريب؛ وهذا فيه تنبيه إلى ٍ‬
‫أمر عظيم ن َّبه عليه‬
‫أن أمور الدِّ ين وأحكامه ال سبيل إلى العلم هبا َّإل بالواسطة‬‫أهل العلم؛ وهو َّ‬
‫ِ‬
‫فيتوجه العبد إلى اهلل مباشرة‬
‫َّ‬ ‫﴿ﭙ﴾‪ ،‬وأ َّما الدُّ عاء ‪-‬ا َّلذي هو الت ُّ‬
‫َّوجه إلى اهلل‪-‬‬
‫بال واسطة‪ ،‬فال يجعل بينه وبين اهلل سبحانه واسطة‪ ،‬ولهذا إذا قيل‪ :‬هل األنبياء‬
‫واسطة بين اهلل وبين خلقه؟ يقال‪ :‬في هذا تفصيل‪:‬‬
‫‪89‬‬ ‫‪ -14‬فضل الدعاء (‪)3‬‬

‫إذا كان المراد بذلك البالغ وبيان الدِّ ين؛ يقال نعم هم واسطة فال سبيل‬
‫إلى معرفة الدِّ ين َّإل من خاللهم‪.‬‬
‫َّوجه والعبادة إلى اهلل فليس بين العبد وبين اهلل‬
‫وأ َّما إذا كان المراد بذلك الت ُّ‬
‫واسطة؛ ﴿ﭟ ﭠ ﭡﭢ﴾ [غافر‪ .]60 :‬ال تجعل بينك وبين اهلل ‪E‬‬
‫بالسؤال والدُّ عاء واإللحاح عليه‪،‬‬
‫توجه إليه أينما كنت مباشرة ُّ‬‫واسطة‪ ،‬وإنَّما َّ‬
‫قريب كما أخرب ‪.E‬‬ ‫ٌ‬ ‫فهو‬
‫ممن دعاه‪ُ ،‬يجيب دعاءه‪،‬‬ ‫قريب َّ‬
‫ٌ‬ ‫﴿ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ﴾؛‬
‫و ُيح ِّقق رجاءه‪ ،‬و ُيعطيه سؤله‪ ،‬وال ُيخ ِّيب سبحانه عبدً ا دعاه وال مؤمنًا ناجاه‪.‬‬
‫وقوله‪﴿ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ﴾ [البقرة‪ ]186 :‬وهذا فيه ٌّ‬
‫حث على‬
‫ٌ‬
‫وبيان أنَّه مستجاب ال ُير ُّد‪.‬‬ ‫وترغيب فيه‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫الدُّ عاء‬
‫وقوله‪﴿ :‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾ ختمت اآلية هبذين‬
‫القيدين العظيمين‪﴿ ،‬ﯶ ﯷ﴾‪ :‬هذا كمال العمل‪﴿ ،‬ﯸ ﯹ﴾‪ :‬هذا‬
‫صحة المعتقد؛ وهذان أعظم ما يكون به إجابة الدُّ عاء‪َّ ،‬‬
‫فإن استجابة العبد هلل‬ ‫َّ‬
‫ألن المعاصي عثرة يف طريق اإلجابة‬ ‫بفعل ما أمر وترك ما هنى عنه وزجر؛ َّ‬
‫السلف‪« :‬ال تستبطيء اإلجابة وقد سددت طرقها‬ ‫تسدُّ طريقها كما قال بعض َّ‬
‫ُ‬
‫بالمعاصي»(‪ ،)1‬وقد أخذ بعض ُّ‬
‫الشعراء هذا المعنى‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ـم ننســاه عنــد كشــف الكــروب‬
‫ثـ َّ‬ ‫ٍ‬
‫كــرب‬ ‫نحــن ندعــو اإللــه يف ِّ‬
‫كل‬
‫بالذنــوب‬ ‫قــد ســددنا طريقهــا ُّ‬ ‫كيـــــف نرجــــو إجابـــــة لدعـــ ٍ‬
‫ـاء‬
‫ث َأ ْغ َب َر َي ُمدُّ َيدَ ْي ِه‬
‫الس َف َر َأ ْش َع َ‬ ‫«الر ُج َل ُيطِ ُ‬
‫يل َّ‬ ‫وقد ذكر النَّبِ ُّي ﷺ يف الحديث‪َّ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ى‬ ‫إِ َلى َّ‬
‫الس َماء َيا َر ِّب َيا َر ِّب َو َم ْط َع ُم ُه َح َرا ٌم َو َم ْش َر ُب ُه َح َرا ٌم َو َم ْل َب ُس ُه َح َرا ٌم َو ُغذ َ‬
‫(((  صيد الخاطر (ص‪ ،)221‬وجامع العلوم والحكم (‪.)277/1‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪90‬‬

‫اب لِ َذلِ َ‬
‫ك»(‪.)1‬‬ ‫بِا ْل َح َرا ِم َف َأنَّى ُي ْست ََج ُ‬
‫وصالح العمل هما أعظم ما يكون به إجابة الدُّ عاء‪ ،‬نظير‬
‫ُ‬ ‫فصحة المعتقد‬
‫َّ‬
‫الشورى‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬ ‫هذه اآلية قول اهلل ‪ E‬يف سورة ُّ‬
‫الشورى‪ ،]26 :‬قال ابن جرير‪ :‬معناه يستجيب الدُّ عاء‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ﴾ [ ُّ‬
‫سبب إلجابة دعائهم‪.‬‬
‫الصالح ٌ‬ ‫لهم‪ .‬فما معهم من اإليمان والعمل َّ‬
‫ُ‬
‫أحاديث كثيرة يف التَّرغيب يف الدُّ عاء؛‬ ‫السنَّة عن النَّبِ ِّي ﷺ‬
‫هذا وقد ثبت يف ُّ‬
‫السائلين و ُيجيب الدَّ اعين وال ُيخ ِّيب رجاء المؤمنين‪،‬‬ ‫أن اهلل تبارك ُيعطي َّ‬‫ببيان َّ‬
‫ب من ناجاه أو يمنع‬ ‫ِ‬
‫فهو سبحانه ح ِّي ٌّي كريم‪ ،‬أكر ُم من أن ير َّد َمن دعاه أو يخ ِّي َ‬
‫َمن سأله‪.‬‬
‫الفارسي ‪ I‬عن النَّبِ ِّي ﷺ قال‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّرمذي عن سلمان‬ ‫ُّ‬ ‫روى أبو داود والت‬
‫يم َي ْست َْحيِي ِم ْن َع ْب ِد ِه إِ َذا َر َف َع َيدَ ْي ِه إِ َل ْي ِه َأ ْن َي ُر َّد ُه َما ِص ْف ًرا»(‪،)2‬‬
‫«إِ َّن اهللَ َحيِ ٌّي َكرِ ٌ‬
‫أي‪ :‬خالية‪.‬‬
‫اهلل‬
‫أن َ‬ ‫وجاء يف الحديث القدسي يف بيان منزلة أولياء اهلل المتَّقين عند اهلل‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬
‫«م ْن َعا َدى لِي َول ًّيا فقدْ آذ ْن ُت ُه بال َح ْرب‪َ ،‬و َما َتق َّر َب إل َّي َع ْبدي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫‪ F‬يقول‪َ :‬‬
‫ت َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َما َيز َُال َع ْب ِدي َي َت َق َّر ُب إِ َل َّي بِالن ََّوافِ ِل َحتَّى‬ ‫ب إِ َل َّي ِم َّما ا ْفت ََر ْض ُ‬ ‫ٍ‬
‫بِ َش ْيء َأ َح َّ‬
‫ْت َس ْم َع ُه ا َّل ِذي َي ْس َم ُع بِه‪َ ِ،‬و َب َص َر ُه ا َّل ِذي ُي ْب ِص ُر بِ ِه‪َ ،‬و َيدَ ُه‬ ‫ُأ ِح َّب ُه؛ َفإِ َذا َأ ْح َب ْب ُت ُه ُكن ُ‬
‫ا َّلتِي َي ْب ُط ُش بِ َها َو ِر ْج َل ُه ا َّلتِي َي ْم ِشي بِ َها‪َ ،‬وإِ ْن َس َأ َلنِي َلُ ْعطِ َي َّن ُه َو َلئِ ِن ْاس َت َعا َذنِي‬
‫البخاري(‪.)3‬‬
‫ُّ‬ ‫ألُ ِع َيذ َّن ُه»‪ .‬رواه‬
‫فهذان الحديثان وما جاء يف معناها ُّ‬
‫تدل أبين داللة على َّ‬
‫أن اهلل ‪ F‬ال‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)1015‬‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪،)3556‬‬
‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)1488‬والت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫البخاري (‪.)6502‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪91‬‬ ‫‪ -14‬فضل الدعاء (‪)3‬‬

‫ير ُّد َمن سأله من عباده المؤمنين وال يخ ِّيب َمن رجاه‪ ،‬لكن قد استُشكل هذا‬
‫‪-‬كما ذكر الحافظ ابن حجر‪َّ -‬‬
‫بأن جماع ًة من ال ُع َّباد ُّ‬
‫والصلحاء َد َعوا وبالغوا‬
‫تتنوع‪ ،‬فتار ًة يقع المطلوب‬‫أن اإلجاب َة َّ‬ ‫و َلم ُيجابوا‪ ،‬قال ‪« :V‬والجواب َّ‬
‫ٍ‬
‫لحكمة‪ ،‬وتار ًة قد تقع اإلجاب ُة ولكن‬ ‫بعينه على الفور‪ ،‬وتار ًة يقع ولكن َّ‬
‫يتأخر‬
‫بغير عين المطلوب؛ حيث ال يكون يف المطلوب مصلح ٌة ناجزةٌ‪ ،‬ويف الواقع‬
‫أصلح منها»(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫مصلح ٌة ناجز ٌة أو‬
‫«إن َّ‬
‫كل دا ٍع ُيستجاب له‪ ،‬لكن َّ‬
‫تتنوع اإلجابةُ؛ فتارة تقع بعين‬ ‫وقال ‪َّ :V‬‬
‫بعوض»(‪ ،)2‬وقد ورد يف هذا المعنى ا َّل ِذي ذكره‪ :‬أحاديث‬ ‫ما دعا به‪ ،‬وتارة ِ‬
‫عديدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫«ما‬
‫الصامت ‪ I‬رفعه‪َ :‬‬ ‫ِّرمذي والحاكم من حديث ُعبادة بن َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ما رواه الت‬
‫ف عنْه ِمن الس ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ع َلى األَر ِ ِ‬
‫وء‬ ‫اها‪َ ،‬أ ْو َص َر َ َ ُ َ ُّ‬
‫ض ُم ْسل ٌم َيدْ ُعو اهَّللَ بِدَ ْع َوة إِ َّل آتَا ُه اهَّللُ إِ َّي َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِم ْث َل َها»(‪.)3‬‬
‫والبخاري يف األدب المفرد والحاكم وغيرهم عن‬ ‫ُّ‬ ‫وروى اإلمام أحمد‬
‫«ما ِم ْن ُم ْس ِل ٍم َيدْ ُعو بِدَ ْع َو ٍة َل ْي َس‬ ‫أن النَّبِ َّي ﷺ قال‪َ :‬‬ ‫الخدري ‪َّ I‬‬ ‫ِّ‬ ‫أبي سعيد‬
‫فِيها إِ ْثم و َل َقطِيع ُة ر ِح ٍم إِ َّل َأع َطاه اهلل بِها إِحدَ ى َث َل ٍ‬
‫ث‪ :‬إِ َّما َأ ْن ُي َع ِّج َل َل ُه َد ْع َو َت ُه‪،‬‬ ‫ْ ُ ُ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ٌ َ‬
‫وء ِم ْث َل َها‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬يا‬ ‫ف عنْه ِمن الس ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوإِ َّما َأ ْن َيدَّ خ َر َها َل ُه في ْالخ َرة‪َ ،‬وإِ َّما َأ ْن َي ْصرِ َ َ ُ َ ُّ‬
‫ول اهلل ِ إِ ًذا ُنكْثِ ُر‪َ ،‬ق َال‪ :‬اهللُ َأ ْك َث ُر»(‪.)4‬‬
‫َر ُس َ‬
‫الصحيحين من حديث أبي هريرة ‪ I‬عن النَّبِ ِّي ﷺ أنَّه قال‪:‬‬ ‫ويف َّ‬
‫(((  فتح الباري (‪.)345/11‬‬
‫(((  المصدر نفسه‪.‬‬
‫ِ‬
‫ِّرمذي (‪ ،)3573‬وقال األلبان ُّي‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬‫(((  رواه الت‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫والبخاري يف األدب المفرد (‪،)710‬‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)11133‬‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪92‬‬

‫ب لِي»(‪.)1‬‬ ‫اب ِلَ َح ِدك ُْم َما َل ْم َي ْع َج ْل َي ُق ُ‬


‫ول َد َع ْو ُت َف َل ْم ُي ْست ََج ْ‬ ‫«ي ْست ََج ُ‬
‫ُ‬
‫ادق المصدوق يف هذه األحاديث أنَّه ال بدَّ يف الدَّ ِ‬
‫عوة الخالية‬ ‫الص ُ‬
‫ُ‬ ‫فقد أخرب َّ‬
‫يصرف‬
‫ُ‬ ‫معج ًل‪ ،‬أو مثلِه من الخير َّ‬
‫مؤج ًل‪ ،‬أو‬ ‫السؤل َّ‬
‫من العدوان من إعطاء ُّ‬
‫السوء مثله‪.‬‬
‫عنه من ُّ‬
‫عين المسؤول؛ فهذا‬ ‫أن إجاب َة الدَّ اعي يف سؤاله ُّ‬
‫أعم من إعطائه َ‬ ‫وبهذا يتب َّين َّ‬
‫أيضا جوابين آخرين‪:‬‬
‫السابق‪ ،‬وقد ذكر أهل العلم ً‬ ‫هو جواب االستشكال َّ‬
‫تضمنت‬ ‫السؤال مطل ًقا‪ ،‬وإنَّما َّ‬ ‫أن إجاب َة الدَّ اعي َلم تضمن عط َّية ُّ‬ ‫أحدهما‪َّ :‬‬
‫أعم من إعطاء‬ ‫السائل‪ ،‬وإجاب ُة الدَّ اعي ُّ‬ ‫أعم من َّ‬ ‫إجابة الدَّ اعي‪ ،‬والدَّ اعي ُّ‬
‫«م ْن‬
‫السائل‪،‬كما تقدَّ م معنا يف حديث النُّزول التَّفريق بينهما بقوله سبحانه‪َ :‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والسائل‪،‬‬ ‫ففرق بين الدَّ اعي َّ‬ ‫يب َل ُه َم ْن َي ْس َأ ُلني َف ُأ ْعط َي ُه» ؛ َّ‬
‫َج َ‬‫َيدْ ُعوني َف َأ ْست ِ‬
‫(‪)2‬‬

‫قائم من جهة َّ‬


‫أن‬ ‫وبين اإلجابة واإلعطاء‪ ،‬لكن االستشكال مع هذه اإلجابة ٌ‬
‫أيضا موعو ٌد باإلعطاء كما يف الحديث المتقدِّ م‪.‬‬ ‫ائل ً‬ ‫الس َ‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫الصالحة‬ ‫أن الدُّ عا َء يف اقتضاء اإلجابة شأنه كسائر األعمال َّ‬ ‫الجواب الثاني‪َّ :‬‬
‫والسبب له شروط‬ ‫مقتض لنيل المطلوب‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫سبب‬
‫يف اقتضائها اإلثابة‪ ،‬فالدُّ عا ُء ٌ‬
‫وإل فال يحصل‬ ‫وموانع؛ فإذا حصلت شروطه وانتفت موانعه حصل المطلوب‪َّ ،‬‬
‫الصالحة والكلمات ال َّط ِّيبة‪.‬‬ ‫الشأن يف قبول األعمال َّ‬ ‫ذلك المطلوب‪ ،‬كما هو َّ‬
‫أن يف جميع‬ ‫كالش ُ‬‫الشأن يف الدُّ عا َء َّ‬ ‫وهذا أحس َن ما قيل يف ذلك؛ َّ‬
‫فإن َّ‬
‫المسلم شرو َطها وابتعد عن موانع‬ ‫ُ‬ ‫الصالحة‪ ،‬ال ُتقبل َّإل إذا استوىف‬
‫األعمال َّ‬
‫العمل ال ُيقبل‪ .‬فالدُّ عا ُء يف نفسه‬‫َ‬ ‫الشرط َّ‬
‫فإن‬ ‫المانع وانتفى َّ‬
‫ُ‬ ‫قبولها‪ ،‬أ َّما إذا ُوجد‬
‫قو َة ِه َّمة الدَّ اعي‬‫لكل خير يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬لكنَّه يستدعي َّ‬‫مفتاح ِّ‬
‫ٌ‬ ‫مفيدٌ وهو‬
‫البخاري (‪ ،)6340‬ومسلم (‪.)2735‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫البخاري (‪ ،)1145‬ومسلم (‪.)758‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪93‬‬ ‫‪ -14‬فضل الدعاء (‪)3‬‬

‫قصده و ُبعدَ ه عن األمور ا َّلتِي تمنع من القبول‪.‬‬


‫وصح َة عزيمتِه وحسن ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬فإنَّه ‪-‬أي‪ :‬الدُّ عاء‪ -‬من أقوى األسباب يف دف ِع‬
‫ٍ‬
‫لضعف يف نفسه‬ ‫أثره؛ إ َّما‬‫المكروه وحصول المطلوب‪ ،‬ولكن قد يتخ َّلف عنه ُ‬
‫اهلل ل ِ َما فيه من العدوان‪ ،‬وإ َّما لضعف القلب وعدم‬ ‫بأن يكون دعا ًء ال ُيح ُّبه ُ‬
‫خو جدًّ ا‪،‬‬ ‫الر ِ‬ ‫بمنزلة ال َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫إقباله على اهلل وجمعيتِه عليه وقت الدُّ ِ‬
‫وس َّ‬ ‫عاء‪ ،‬فيكون‬ ‫َّ‬
‫خروجا ضعي ًفا‪ ،‬وإ َّما لحصول المانع من اإلجابة من أكل‬ ‫ً‬ ‫هم يخرج منه‬ ‫الس َ‬ ‫فإن َّ‬ ‫َّ‬
‫هوة وال َّلهو‬ ‫والش ِ‬ ‫الغفلة َّ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واستيالء‬ ‫الذنوب على القلوب‪،‬‬ ‫ور ْي ِن ُّ‬ ‫الحرام وال ُّظ ِ‬
‫لم َ‬
‫وغلبتِها عليها‪ ،‬كما يف مستدرك الحاكم من حديث أبي هريرة ‪ I‬عن النَّبِ ِّي‬
‫يب ُد َعا ًء‬ ‫َج ُ‬ ‫ال َجا َب ِة‪َ ،‬وا ْع َل ُموا َأ َّن اهَّللَ َل َي ْست ِ‬
‫ُون بِ ْ ِ‬ ‫ﷺ قال‪« :‬ادعوا اهَّلل و َأ ْنتُم م ِ‬
‫وقن َ‬ ‫َ َ ْ ُ‬ ‫ُْ‬
‫مزيل للدَّ اء‪ ،‬ولك َّن غفل َة القلب عن اهلل‬ ‫ب َغافِ ٍل َل ٍه»(‪ ،)1‬فهذا دوا ٌء نافع ٌ‬ ‫ِم ْن َق ْل ٍ‬
‫قوته و ُيضعفها‪ ،‬كما يف صحيح مسلم‬ ‫بطل َّ‬ ‫أكل الحرام ُي ُ‬ ‫قو َته‪ ،‬وكذلك ُ‬ ‫بطل َّ‬ ‫ُت ُ‬
‫ب‬ ‫َّاس إِ َّن اهَّللَ َط ِّي ٌ‬
‫«أ ُّي َها الن ُ‬ ‫من حديث أبي هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين‪َ ،‬ف َق َال‪﴿ :‬ﮡ‬ ‫ين بِ َما َأ َم َر بِه ا ْل ُم ْر َسل َ‬ ‫َل َي ْق َب ُل إِ َّل َط ِّي ًبا‪َ ،‬وإِ َّن اهَّللَ َأ َم َر ا ْل ُم ْؤمن َ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [المؤمنون‪َ ،]51 :‬و َق َال‬
‫الر ُج َل‬ ‫﴿ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [البقرة‪ُ ،]172 :‬ث َّم َذك ََر َّ‬
‫ث َأ ْغبر يمدُّ يدَ ي ِه إِ َلى السم ِ‬ ‫ُيطِ ُ‬
‫اء َيا َر ِّب َيا َر ِّب َو َم ْط َع ُم ُه َح َرا ٌم‬ ‫َّ َ‬ ‫الس َف َر َأ ْش َع َ َ َ َ ُ َ ْ‬ ‫يل َّ‬
‫ك»(‪.)3(»)2‬‬ ‫اب لِ َذلِ َ‬ ‫ى بِا ْل َح َرا ِم َف َأنَّى ُي ْست ََج ُ‬
‫ِ‬
‫َو َم ْش َر ُب ُه َح َرا ٌم َو َم ْل َب ُس ُه َح َرا ٌم َو ُغذ َ‬
‫فأشار صلوات اهلل وسالمه عليه يف هذا الحديث إلى آداب الدُّ عاء‪ ،‬وإلى‬
‫دالالت‬
‫ٌ‬ ‫األسباب ا َّلتِي تقتضي إجابته‪ ،‬وإلى ما يمنع من إجابته‪ ،‬والحديث فيه‬
‫وإشارات نافع ٌة يف هذا الباب سيأيت بيانُها وإيضاحها الح ًقا إن شاء اهلل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫عظيم ٌة‬
‫وحسنه ااأللبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)3479‬والحاكم يف المستدرك (‪،)1817‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)1015‬‬
‫(((  الجواب الكايف (ص‪.)9‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪94‬‬

‫‪15‬‬

‫فضل ال ُّدعاء (‪)4‬‬

‫ِ‬
‫السنَّة النَّبو َّية يف فضل الدُّ عاء‪ :‬ما رواه النُّ ْع َمان ْب ِن َبش ٍ‬
‫ير ‪L‬‬ ‫مما ورد يف ُّ‬
‫َّ‬
‫ول اهلل ﷺ َق َال‪« :‬الدُّ َعا ُء ُه َو ا ْل ِع َبا َدةُ»‪ُ ،‬ث َّم َق َر َأ‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫َأ َّن َر ُس َ‬
‫ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [غافر‪:‬‬
‫ِّرمذي(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫‪ .]60‬رواه أبو داود والت‬
‫قوله‪« :‬الدُّ عاء هو العبادة»؛ هذا من أساليب الحصر‪ ،‬نظيره قول النَّبِ ِّي ﷺ‪:‬‬
‫يحة»(‪ ،)3‬وإذا كان النَّبِي ‪O‬‬
‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫«الح ُّج َع َر َفة»(‪ ،)2‬وقوله ﷺ‪« :‬الدِّ ُ‬
‫ين النَّص َ‬ ‫َ‬
‫علو مكانة الدُّ عاء يف العبادة‬ ‫قد أخرب عن الدُّ عاء بأنَّه هو العبادة؛ فهذا دليل على ِّ‬
‫ورفيع شأنه فيها‪ ،‬وأنَّه أعظمها وأج ُّلها وأح ُّبها إلى اهلل‪ ،‬وأكرمها عنده ‪،I‬‬
‫وسيأيت يف الحديث « َليس َشيء َأكْرم ع َلى اهلل ِ ِمن الدُّ ع ِ‬
‫اء»(‪.)4‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ٌ َ َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫فـ«الدُّ عاء هو العبادة»‪ ،‬أي‪ :‬أعظم العبادة وأج ُّلها وأرفعها مكانة‪َّ .‬‬
‫ثم قرأ‬
‫‪ O‬شاهدً ا لذلك قول اهلل ‪﴿ :C‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ‬
‫فسمى‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [غافر‪]60 :‬؛ َّ‬
‫استكبارا عن عبادته‪ .‬لم يقل يستكربون عن‬ ‫ً‬ ‫‪ C‬االستكبار عن دعائه‬
‫دعائي! بل قال‪﴿ :‬ﭦ ﭧ﴾؛ َّ‬
‫فدل هذا على َّ‬
‫أن الدُّ عاء هو العبادة‪.‬‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)1479‬وابن ماجه (‪،)3828‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)2969‬والت‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫َّسائي (‪ ،)3016‬وابن ماجه (‪،)3015‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)889‬والن ُّ‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)55‬‬
‫ِ‬
‫وحسنه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)3370‬وابن ماجه (‪،)3829‬‬ ‫(((  رواه الت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫‪95‬‬ ‫‪ -15‬فضل الدعاء (‪)4‬‬

‫ووجه ذلك من حيث النَّظر‪َّ :‬‬


‫أن اإلنسان إذا دعا ر َّبه فقد اعرتف هلل ‪D‬‬
‫أحب إليه من‬ ‫ُّ‬ ‫وأن العطاء‬ ‫كل شيء قدير َّ‬ ‫بالكمال وإجابة الدُّ عاء وأنَّه على ِّ‬
‫ثم إنَّه لم يلجأ إلى غيره لم يدع غير اهلل ال مل ًكا وال نب ًّيا وال ول ًّيا وال قري ًبا‬
‫المنع َّ‬
‫وال بعيدً ا‪ ،‬وهذا هو حقيقة العبادة‪ .‬وبذلك تعرف أنَّك إذا دعوت اهلل أثبت‬
‫على هذا الدُّ عاء سوا ًء استُجيب لك أم ال؛ ألنَّك تع َّبدت هلل ‪ D‬وعبدت اهلل‬
‫رب ارحمني‪ ،‬يا رب ارزقني‪ ،‬يا رب‬
‫رب اغفر لي‪ ،‬يا ِّ‬
‫‪ ،D‬فإذا قلت‪« :‬يا ِّ‬
‫ثواب عظيم عنده‬
‫تقربك إلى اهلل ‪ ،D‬و ُيكتب اهلل لك هبا ٌ‬
‫اهدين»‪ ،‬فهذه عبادة ِّ‬
‫َّ‬
‫جل يف عاله‪.‬‬
‫ماسة يف صالح دينه ودنياه‬ ‫ثم كيف يستكرب المرء عن الدُّ عاء وحاجته إليه َّ‬ ‫َّ‬
‫َّوجه إلى اهلل‪ ،‬ومن الدُّ عاء‬ ‫و ُأخراه! فال يمكن أن يصلح شيء منها َّإل بالت ُّ‬
‫المأثور عن نب ِّينا ‪ O‬قوله‪َ « :‬ال َّل ُه َّم َأ ْص ِل ْح لِي ِدينِي َا َّل ِذي ُه َو ِع ْص َم ُة‬
‫آخ َرتِي َا َّلتِي فِ َيها‬
‫اشي‪ ،‬و َأص ِلح لِي ِ‬
‫َ ْ ْ‬
‫َأمرِي‪ ،‬و َأص ِلح لِي د ْنياي َا َّلتِي فِيها مع ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ْ‬
‫اح ًة لِي ِم ْن ك ُِّل َش ٍّر»‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫اج َع ْل َا ْل َح َيا َة ِز َيا َد ًة لي في ك ُِّل َخ ْيرٍ‪َ ،‬و َا ْل َم ْو َت َر َ‬
‫ِ‬
‫َم َعادي‪َ ،‬و ْ‬
‫رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫وروى الحاكم بإسناد حسن عن ابن ع َّباس ‪ L‬مرفو ًعا‪« :‬أفضل‬
‫العبادة الدُّ عاء‪ ،‬وقرأ‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ﴾»(‪)2‬؛ ففي هذا دالل ٌة‬
‫روحها‬
‫على فضل الدُّ عاء وعظيم كرمه عند اهلل‪ ،‬ورفيع مكانته من العبادة‪ ،‬وأنَّه ُ‬
‫ول ُّبها وأفض ُلها‪.‬‬
‫والعبادة ك ُّلها ٌّ‬
‫حق هلل وحده ال يجوز صرف شيء منها لغيره ‪.E‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2720‬‬


‫َّســائي يف الكــرى (‪،)11400‬‬
‫ُّ‬ ‫ِّرمــذي (‪ ،)2969‬والن‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبــو داود (‪ ،)1479‬والت‬
‫ِ‬
‫وصححــه األلبانـ ُّـي‪.‬‬ ‫وابــن ماجــه (‪،)3828‬‬
‫َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪96‬‬

‫قال اهلل ‪ C‬عن الدُّ عاء‪﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬


‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ﴾ [األعراف‪ ،]56-55 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ﴾ [اإلسراء‪ ،]110 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [غافر‪.]65 :‬‬
‫أن هذا‬ ‫يعلم َّ‬‫َ‬ ‫يدرك خطور َة األمر‪ ،‬وأن‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫مسلم أن‬ ‫كل‬‫الواجب على ِّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ُ‬
‫المخلوق‬ ‫شرك‬‫غيره‪ ،‬وكيف ُي َ‬ ‫شرك معه فيه ُ‬ ‫خالص هلل ‪ D‬ال يجوز أن ُي َ‬ ‫ٌ‬ ‫حق‬
‫ٌّ‬
‫ِ‬
‫بإجابة‬ ‫المتفر ُد‬ ‫ك العظيم! ا َّل ِذي بيده أز َّم ُة األمور‪،‬‬ ‫العاجز بالملِ ِ‬
‫ُ‬ ‫عيف‬
‫الض ُ‬ ‫َّ‬
‫ِّ‬
‫الخير ك ُّله وإليه‬ ‫األمر ك ُّله وبيده‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األمر‬
‫يرجع ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الدُّ عاء وكشف الكروب‪ ،‬ا َّلذي له ُ‬
‫ضعيف َّإل‬
‫ٌ‬ ‫ك ُّله‪ ،‬ال ُمع ِّقب لحكمه وال را َّد لقضائه‪ ،‬ا َّل ِذي ‪ E‬ما تع َّلق به‬
‫ٌ‬
‫مستوحش‬ ‫فقير َّإل أعطاه الغنى‪ ،‬وال‬ ‫العزةَ‪ ،‬وال ٌ‬ ‫القوةَ‪ ،‬وال ٌ‬
‫ذليل َّإل أناله َّ‬ ‫أفاده َّ‬
‫مضطر َّإل كشف ُض َّره‪ ،‬وال شريدٌ‬‫ٌ‬ ‫مغلوب َّإل أ َّيده ونصره‪ ،‬وال‬
‫ٌ‬ ‫َّإل َ‬
‫آنسه‪ ،‬وال‬
‫ويغيث الملهوفين‪ ،‬و ُيعطي‬ ‫ُ‬ ‫المضطرين‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫َّإل آواه؛ فهو سبحانه ا َّل ِذي يجيب‬
‫الحق‬ ‫ُ‬
‫الملك ُّ‬ ‫مانع لما أعطى‪ ،‬وال ُمعطي لما منع‪ ،‬ال إله َّإل هو‬ ‫السائلين‪ ،‬ال َ‬‫َّ‬
‫المبين‪.‬‬
‫متصر ًفا‬
‫ِّ‬ ‫إلها مستح ًّقا للعبادة َّإل َمن كان خال ًقا راز ًقا مال ًكا‬ ‫فإنَّه ال يكون ً‬
‫بكل‬‫حكيما‪ ،‬موصو ًفا ِّ‬ ‫ً‬ ‫عليما‬
‫ً‬ ‫بصيرا‬
‫ً‬ ‫مد ِّب ًرا لجميع األمور‪ ،‬ح ًّيا ق ُّيو ًما سمي ًعا‬
‫كل ما عداه‪ ،‬ال مع ِّقب‬ ‫مفتقرا إليه ُّ‬
‫ً‬ ‫عمن سواه‪،‬‬ ‫كل نقص‪ ،‬غن ًّيا َّ‬ ‫منز ًها عن ِّ‬
‫كمال َّ‬
‫السماء‪ ،‬وال‬
‫لحكمه وال را َّد لقضائه‪ ،‬وال يعجزه شيء يف األرض وال يف َّ‬
‫السماوات وال يف األرض وال تخفى عليه خافية‪،‬‬ ‫ذرة يف َّ‬ ‫يعزب عنه مثقال َّ‬
‫وهذه صفات اهلل ‪ C‬ا َّلتِي ال تنبغي َّإل له‪ ،‬وال يشركه فيها غيره؛ فكذلك ال‬
‫يستحق أن ُيسأل َّإل هو‪ ،‬لكمال صفاته وغناه ‪.C‬‬ ‫ُّ‬
‫‪97‬‬ ‫‪ -15‬فضل الدعاء (‪)4‬‬
‫وقد أجمع ُ‬
‫أهل العلم على َّ‬
‫أن َمن صرف شي ًئا من الدُّ عاء لغير اهلل فهو‬
‫والسعاد َة مِن هذا اإلثم المبين‬ ‫الفوز َّ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫مشرك باهلل؛ فليحذر َمن يريد لنفسه‬
‫ِ‬
‫والخطر العظيم‪.‬‬
‫أن هذا التَّفضيل للدُّ عاء يف قوله ﷺ‪« :‬الدُّ عاء هو‬‫ثم ينبغي أن يتن َّبه إلى َّ‬
‫َّ‬
‫العبادة»‪ ،‬وقوله‪« :‬أفضل العبادة الدُّ عاء»؛ ال يعنِي تفضيل الدُّ عاء على غيره من‬
‫ُ‬
‫أفضل من جنس الدُّ عاء من حيث النَّظر إلى‬ ‫العبادات مطل ًقا‪ ،‬بل جنس ِّ‬
‫الذكر‬
‫كر أفضل من الدُّ عاء‪،‬‬ ‫الذكر‪ِّ ،‬‬
‫والذ ُ‬ ‫أفضل من ِّ‬‫ُ‬ ‫مجر ًدا‪ ،‬وقراءة القرآن‬ ‫ٍّ‬
‫كل منهما َّ‬
‫يعرض للمفضول ما يجعله‬ ‫مجر ًدا‪ ،‬وقد ِ‬
‫كل منها َّ‬ ‫هذا من حيث النَّظر إلى ٍّ‬
‫أولى من الفاضل‪.‬‬
‫شريف من العلم ينبغي للمسلم أن يدركه وأن يعتني بفهمه؛‬
‫ٌ‬ ‫باب‬
‫وهذا ٌ‬
‫كل وقت وحال‪ ،‬وليحوز على األكمل له يف عبادته لر ِّبه‬‫ليدرك األفضل يف ِّ‬
‫وطاعته لمواله يف ِّ‬
‫كل زمان ومكان‪ ،‬وقد ذكر شيخ اإلسالم ابن تيم َّية ‪V‬‬

‫ضاب ًطا دقي ًقا للتَّفاضل بين العبادات ُّ‬


‫وتنوع ذلك بحسب أجناس العبادات‬
‫وأوقاهتا واختالف أمكنتها واختالف القدرة على القيام هبا ونحو ذلك‪ ،‬وعلى‬
‫َ‬
‫األفضل له بحسب تلك االعتبارات المشار إليها‪.‬‬ ‫المسلم‬
‫ُ‬ ‫ضوئه ُيدرك‬
‫يتنوع‪:‬‬
‫«إن األفضل َّ‬
‫قال ‪َّ :V‬‬
‫الصالة أفضل من جنس‬
‫جنس َّ‬
‫َ‬ ‫تار ًة بحسب أجناس العبادات‪ ،‬كما َّ‬
‫أن‬
‫ُ‬
‫أفضل من‬ ‫الذكر‪ ،‬وجنس ِّ‬
‫الذكر‬ ‫القراءة‪ ،‬وجنس القراءة أفضل من جنس ِّ‬
‫جنس الدُّ عاء‪.‬‬
‫كر والدُّ عا َء بعد‬ ‫أن القراء َة ِّ‬
‫والذ َ‬ ‫وتار ًة يختلف باختالف األوقات كما َّ‬
‫الصالة‪.‬‬
‫الفجر والعصر هو المشروع دون َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪98‬‬

‫الركوع‬‫كر والدُّ عا َء يف ُّ‬ ‫أن ِّ‬


‫الذ َ‬ ‫وتار ًة باختالف عمل اإلنسان ال َّظاهر‪ ،‬كما َّ‬
‫كر والدُّ عا ُء يف ال َّطواف‬ ‫والسجود هو المشروع دون القراءة‪ ،‬وكذلك ِّ‬
‫الذ ُ‬ ‫ُّ‬
‫مشروع باال ِّتفاق‪ ،‬وأ َّما القراءة يف ال َّطواف ففيها نزاع معروف‪.‬‬
‫المشروع بعرفة ومزدلفة وعند ِ‬
‫الجمار‬ ‫َ‬ ‫وتار ًة باختالف األمكنة؛ كما َّ‬
‫أن‬
‫الصالة ونحوها‪ ،‬وال َّطواف‬
‫كر والدُّ عاء دون َّ‬ ‫الصفا والمروة هو ِّ‬
‫الذ ُ‬ ‫وعند َّ‬
‫والصالة للمقيمين بم َّكة أفضل‪.‬‬
‫الصالة‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫أفضل من َّ‬ ‫بالبيت للوارد‬
‫الحج‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫للرجال أفضل من‬‫وتار ًة باختالف مرتبة جنس العبادة؛ فالجهاد ِّ‬
‫ُ‬
‫أفضل من‬ ‫المتزوجة طاعتها لزوجها‬
‫ِّ‬ ‫الحج‪ ،‬والمرأة‬
‫ُّ‬ ‫وأ َّما النِّساء فجهاده َّن‬
‫طاعتها ألبويها‪ ،‬بخالف األ ِّيمة فإنَّها مأمورة بطاعة أبويها‪.‬‬
‫وتار ًة يختلف باختالف حال قدرة العبد وعجز؛‪ ،‬فما يقدر عليه من‬
‫َ‬
‫أفضل‪.‬‬ ‫جنس المعجوز عنه‬
‫مما يعجز عنه‪ ،‬وإن كان ُ‬ ‫ُ‬
‫أفضل يف ح ِّقه َّ‬ ‫العبادات‬
‫كثير من النَّاس ويتَّبعون أهواءهم‪َّ ،‬‬
‫فإن من‬ ‫واسع يغلو فيه ٌ‬‫ٌ‬ ‫باب‬
‫وهذا ٌ‬
‫ٍ‬
‫لمناسبة له ولكونه أنفع لقلبه‬ ‫َ‬
‫أفضل يف ح ِّقه‬ ‫َ‬
‫العمل إذا كان‬ ‫الن ِ‬
‫َّاس َمن يرى َّ‬
‫أن‬
‫أفضل لجميع النَّاس ويأمرهم بمثل ذلك‪ ،‬واهلل‬ ‫َ‬ ‫وأطوع لر ِّبه يريد أن يجعله‬
‫محمدً ا ﷺ بالكتاب والحكمة‪ ،‬وجعله رحم ًة للعباد وهاد ًيا لهم يأمر‬ ‫َّ‬ ‫بعث‬
‫ناصحا للمسلمين‪ ،‬يقصد‬ ‫ٍ‬
‫إنسان بِما هو أصلح له؛ فعلى المسلم أن يكون‬ ‫َّ‬
‫كل‬
‫ً‬
‫ِّ‬
‫لكل إنسان ما هو أصلح له‪.‬‬
‫تطوعه بالعلم أفضل له‪ ،‬ومنهم‬ ‫أن من النَّاس من يكون ُّ‬‫وهبذا تب َّين لك َّ‬
‫تطو ُعه بالعبادات البدن َّية‬ ‫َ‬
‫أفضل‪ ،‬ومنهم َمن يكون ُّ‬ ‫تطو ُعه بالجهاد‬ ‫َمن يكون ُّ‬
‫أفضل له‪ ،‬واألفضل المطلق ما كان أشبه بحال النَّبِ ِّي ﷺ‬
‫َ‬ ‫والصيام‬
‫ِّ‬ ‫كالصالة‬
‫َّ‬
‫محمد ﷺ»‪ .‬اهـ‬ ‫خير الكالم كالم اهلل‪ ،‬وخير الهدى هدى َّ‬ ‫وظاهرا‪َّ ،‬‬
‫فإن َ‬ ‫ً‬ ‫باطنًا‬
‫‪99‬‬ ‫‪ -15‬فضل الدعاء (‪)4‬‬

‫كالمه ‪.)1(V‬‬
‫واف يف هذا الباب‬ ‫مشتمل على تحقيق متقن وتأصيل ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫وهو كما ترى‬
‫قربة إلى‬‫الم ِّ‬ ‫َ‬
‫واألكمل يف العبادات واألمور ُ‬ ‫َ‬
‫األفضل‬ ‫العظيم ل ِ َمن أراد لنفسه‬
‫ٍ‬
‫وحال‪ :‬هو مراعاة ُسنَّة النَّبِ ِّي ﷺ‬ ‫كل ٍ‬
‫وقت‬ ‫األفضل يف ِّ‬
‫َ‬ ‫اهلل ‪ ،D‬وحاص ُله َّ‬
‫أن‬
‫يف ذلك الوقت والحال‪ ،‬واالشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه‪،‬‬
‫فبذلك يدرك المسلم الكمال‪ ،‬ويظفر باألفضل واألكمل‪.‬‬
‫َ‬
‫األعمال المتساوية يف الجنس تتفاضل بتفاضل‬ ‫على أنَّه ينبغي أن ُيعلم َّ‬
‫أن‬
‫ما يف القلوب من اإليمان باهلل والمح َّبة له والتَّعظيم لشرعه وقصد وجهه‬
‫تفاضل ال يحصيه وال يحيط به َّإل اهلل‪.‬‬
‫ً‬ ‫بالعمل‬
‫هبي‪ :‬يف سير أعالم النُّبالء‬ ‫َّ‬
‫ومن لطيف ما ُيذكر يف هذا الباب‪ :‬ما أورده الذ ُّ‬
‫أن عبد اهلل بن عمر‬‫يف ترجمة اإلمام مالك بن أنس ‪-‬إمام دار الهجرة ‪َّ - V‬‬
‫مري العابد كتب إلى اإلمام مالك َي ُح ُّضه على االنفراد والعمل‪ ،‬فكتب إليه‬ ‫ال ُع َّ‬
‫األعمال كما قسم األرزاق‪ُ ،‬فر َّب رجل‬ ‫َ‬ ‫مالك بن أنس ‪َّ :V‬‬
‫«إن اهلل قسم‬ ‫ُ‬
‫َشر العلم‬‫الصوم‪ ،‬وآخر فتح له يف الجهاد‪ ،‬فن ُ‬ ‫الصالة‪ ،‬ولم يفتح له يف َّ‬ ‫ُفتح له يف َّ‬
‫رضيت بِما فتح لي‪ ،‬وما أظ ُّن ما أنا فيه بدون ما‬ ‫ُ‬ ‫من أفضل أعمال البِ ِّر‪ ،‬وقد‬
‫أنت فيه‪ ،‬وأرجو أن يكون كِالنَا على خير وبِ ٍّر»(‪.)2‬‬

‫(((  مجموع الفتاوى (‪ ،)427/10‬والفتاوى الكربى (‪.)164/2‬‬


‫(((  سير أعالم النُّبالء (‪.)114/8‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪100‬‬

‫‪16‬‬

‫فضل ال ُّدعاء (‪)5‬‬

‫قال‪َ « :‬ل ْي َس َش ْي ٌء َأك َْر َم َع َلى اهلل ِ ِم َن‬


‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ع ِن النَّبِي ﷺ َ‬
‫ِّ‬
‫ِّرمذي وابن ماجه ‪.‬‬ ‫اء»‪ .‬رواه الت‬ ‫الدُّ ع ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫وحبيب‬
‫ٌ‬ ‫كريم على اهلل‬
‫ٌ‬ ‫وعلو مكانته‪ ،‬وأنَّه‬
‫ِّ‬ ‫يف هذا بيان عظيم شأن الدُّ عاء‪،‬‬
‫إليه سبحانه‪ ،‬وليس شي ٌء أكرم على اهلل من الدُّ عاء‪ ،‬وفيه مح َّبة اهلل ‪ D‬للدُّ عاء‬
‫ولعباده الدَّ اعين‪ ،‬وفيه َّ‬
‫أن الدُّ عاء مستجاب ال ير ُّد‪.‬‬
‫الرحيم إذا سئل شي ًئا بعينه‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيم َّية ‪« :V‬والكريم َّ‬
‫وعلم أنَّه ال يصلح للعبد إعطاؤه أعطاه نظيره‪ ،‬كما يصنع الوالد بولده إذا طلب‬
‫منه ما ليس له؛ فإنَّه يعطيه من ماله نظيره ‪-‬وهلل المثل األعلى‪ -‬وكما فعل النَّبِ ُّي‬
‫عمه أن يو ِّليهم والية ال تصلح‬ ‫‪ O‬لما طلبت منه طائفة من بني ِّ‬
‫وزوجهم كما فعل بالفضل بن‬ ‫لهم؛ فأعطاهم من الخمس ما أغناهم عن ذلك َّ‬
‫ع َّباس وربيعة بن الحارث بن عبد الم َّطلب‪ ،‬وقد روي يف الحديث « َل ْي َس َش ْي ٌء‬
‫حق»‪ .‬ا هـ(‪.)2‬‬‫اء» وهذا ٌّ‬ ‫َأكْرم َع َلى اهللِ مِن الدُّ َع ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫ب‬ ‫«م ْن َل ْم َيدْ ُع اهللَ ُس ْب َحا َن ُه َغض َ‬‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫قال َر ُس ُ‬
‫َو َعنْ ُه ‪َ I‬ق َال‪َ :‬‬
‫ِّرمذي وابن ماجه وال َّلفظ له(‪.)3‬‬ ‫ُّ‬ ‫َع َل ْي ِه» رواه الت‬

‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)3370‬وابن ماجه (‪،)3829‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫(((  مجموع الفتاوى (‪.)368/14‬‬
‫ِ‬
‫وحسنه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)3373‬وابن ماجه (‪،)3827‬‬‫(((  رواه الت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
X . I:e.'
g A .h.

o;tpo '.p k...p , qplt


w z '.p pm x '.w4 v..-wx '
c-.
''s '
œl
f 5.
v...w.xz
'.x
' J'w
IC IJ'ik
.ô47ap ..m
r k..x 't'
glJ
'I.
'x-izp
'a.
'5u''.5w
Ix'w5Ir s..
'
w4, .e't
,. ''aww
ww , kptçX w. ='
w.
Jn'
.xw.4-..Lp t.x'-..f ô47.k-z'pmu.wx jv.+%Y .J7l -.>-J..u'
..+x
.
! ;! 9 '' : 9
I . T.
'ke 4aIu...w9w,.,'ah
, ;! '' ,.,'
;
ôow.p u..
x .+. ull,py al u a Io.1 wkwxlhx '
' uoulaua p
. I ' 1 , .. I ''1. I ' I 1
. . pwluha ov upm apu u.w .wx vw l
a âo - x;
<-
.
-#' . Jt..''.= > rl!w-q
.w
t 'z ' w'-Sf-aw1w.-w. a
J1v- . a1
!
. ' s . , ;! . s IC . '' '
> .w t. '--J b ey.m : c7'$ r. pt
1
j . f
w yu,w:I .H .e .x '
o +.Tj .PX wa. 1 !
. .
.wj y.p= ' f ' 1 x :jkf
..x '
'
w J k-'.> y c.0 .1 1 ml
., . z.. oj J
jI..f..$1I
.. j ..vua
'i.
t,-.)u
'...x.
m>I'
...
. ' IF.
. p....';
.
i.?-'
' .p.w1I
.
3 -.1X.. z4jQ7I
*ku% . k.k
o. b*JL
I X1lJ
o f f S' J J'
5i c=*'-'alo.up .sok..x ' u.(kI', 9 I
bQ4' zx
. .
.
. w . ..7 -).zuj7 w1p'x-u.w-x oIw ..k.
W .t>=' 5jt)Nr@ggo
j.
I r -J . J . s o J
+,N tzw S.NrI9- zwJ=w.
' : -J 11I I1' ' - ' :f t)lbuax-b 'w kaoz
k.hbuuap uw AJue tsw .u= 1'
.

w w Z *7 f 5
Ct.p!Jb3P !7--=a>a.2! 'zJ CO *
-
. 1Z 1)
J.'
tp-tJIUJJJ %ô.k.w.I
- u.s
d I
=C
+'
;; ;; .. w
vstwa
Q. '@'(
çaotxa%a
.'J
.. ! 'R'1J-
U-F.
. 1zùuJ
3
tv %a
.
.'J .. !aL.'zJ - .
p s ! g. .
.w .2 .oui.o.x .v.é.J.
wa . y q. o wf .9 .u
'
' I Nr
I m J #c :1 j t f J' I ' ' ' ' j11
. J..wy. w.x w sdusxv' ôz).uk>..JJpl,Q luFw v
ut '
ap3. lpupap
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪102‬‬

‫اء‬‫ول اهلل ﷺ َق َال‪« :‬ين ِْز ُل ربنا ‪ F‬ك َُّل َلي َل ٍة إِ َلى السم ِ‬ ‫َو َعنْ ُه ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُّ‬
‫يب َل ُه؟ َم ْن َي ْس َأ‬ ‫ول‪َ :‬م ْن ُيدْ ُعونِي َف َأ ْست ِ‬
‫َج َ‬ ‫ث ال َّل ْي ِل ْال ِخرِ‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ين َي ْب َقى ُث ُل ُ‬ ‫ِ‬
‫الدُّ ْن َيا ح َ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬‫ُّ‬ ‫ُلنِي َف ُأ ْعطِ َي ُه؟ َم ْن َي ْس َتغ ِْف ُرنِي َف َأ ْغ ِف َر َل ُه؟»‪ .‬رواه‬
‫وقت شريف‬ ‫حديث عظيم يف بيان ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫اإللهي‪-‬‬ ‫هذا الحديث ‪-‬حديث النُّزول‬
‫ِّ‬
‫وأن الدُّ عاء فيه مستجاب وأرجى من غيره‪ ،‬وهو ال ُّثلث األخير من‬ ‫للدُّ عاء‪َّ ،‬‬
‫ال َّليل‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭡ ﭢ﴾ [آل عمران‪ ،]17 :‬وقال ‪:C‬‬
‫الذاريات‪ ،]18 :‬ويكفي شر ًفا لهذا الوقت ومكان ًة له؛ َّ‬
‫أن‬ ‫﴿ﮓ ﮔ ﮕ﴾ [ َّ‬
‫رب العالمين ‪ E‬ينزل فيه ‪-‬كما أخرب نب ُّيه ‪ً -O‬‬
‫نزول يليق‬ ‫َّ‬
‫«ل‬
‫السماء الدُّ نيا‪ .‬ولهذا جاء يف بعض روايات الحديث‪َ :‬‬
‫بجالله وكماله إلى َّ‬
‫َأس َأ ُل عن ِعب ِ‬
‫ادي َأ َحدً ا َغ ْيرِي»(‪ ،)2‬ويقول ‪َ « :C‬من يدعوين؟ َمن يسألني؟‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫َمن يستغفرين؟»؛ يقول ذلك يف هذا الوقت َّ‬
‫كل ليلة‪ ،‬فهو أحرى أوقات إجابة‬
‫الدُّ عاء‪.‬‬
‫ُ‬
‫أفضل أوقات الدُّ عاء‬ ‫ِ‬
‫المبارك‪ ،‬وأنَّه‬ ‫ِ‬
‫الوقت‬ ‫فالحديث ٌ‬
‫دليل على فض ِل هذا‬ ‫ُ‬
‫مستجاب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫بالسؤال‪َّ ،‬‬
‫وأن الدُّ عا َء يف هذا الوقت‬ ‫واالستغفار واإلقبال على اهلل ُّ‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيم َّية ‪« :V‬والنَّاس يف آخر ال َّليل يكون يف قلوهبم من‬
‫مناسب لنزوله‬ ‫قة ما ال يوجد يف غير ذلك الوقت‪ ،‬وهذا‬ ‫التَّوجه والتَّقرب والر ِ‬
‫ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫إلى سماء الدُّ نيا‪ ،‬وقوله‪ :‬هل من داعٍ‪ ،‬هل من سائل‪ ،‬هل من تائب» اهـ كال ُمه‬
‫‪.)3(V‬‬

‫البخاري (‪ ،)1145‬ومسلم (‪.)758‬‬ ‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬


‫ِ‬
‫وصححها األلبان ُّي كما يف‬ ‫ِ‬
‫(((  رواه أحمد (‪ ،)16215‬والنَّسائ ُّي يف الكربى (‪،)10236‬‬
‫َّ‬
‫الصحيحة (‪.)359/8‬‬
‫َّ‬
‫(((  مجموع الفتاوى (‪.)130/5‬‬
‫‪103‬‬ ‫‪ -16‬فضل الدعاء (‪)5‬‬

‫البخاري يف األدب المفرد‪،‬‬ ‫الدعاء‪ :‬ما رواه‬ ‫أيضا في فضل ُّ‬ ‫‪ ‬وم َّما ورد ً‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫وابن ِح َّبان يف صحيحه عن أبي هريرة ‪ I‬موقو ًفا‪ ،‬وال َّطربانِ ُّي يف األوسط‬
‫اء‪َ ،‬و َأ ْبخَ ُل‬‫َّاس من عج َز ع ِن الدُّ ع ِ‬ ‫عنه‪ ،‬عن النَّبِي ﷺ مرفو ًعا قال‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫«أ ْع َج ُز الن ِ َ ْ َ‬ ‫ِّ‬
‫ٍ‬ ‫يسير جدًّ ا على ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ‬
‫كل أحد‪ ،‬فهو ال‬ ‫أمره ٌ‬ ‫الس َلمِ» ؛ فالدُّ عا ُء ُ‬ ‫َّاس َم ْن َبخ َل ب َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫تعب وال مش َّقةٌ؛ ولهذا‬ ‫يتط َّلب جهدً ا عند القيام به‪ ،‬وال يلحق الدَّ اعي بسببه ٌ‬
‫وح ِر ٌّي بِ َمن عجز عنه مع‬ ‫العجز عنه والتَّواين يف أدائه هو أشدُّ ال َعجز‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫فإن‬
‫ضعيف‬
‫ُ‬ ‫الهم ِة‬ ‫ِ‬
‫عجز عن الدُّ عاء َّإل َدن ُّي َّ‬ ‫سره وسهولته أن يعجز عن غيره‪ ،‬وال َي ُ‬ ‫ُي ِ‬
‫اإليمان‪.‬‬
‫الدعاء‪ :‬ما رواه اإلمام أحمد وابن ماجه وغيرهما‬ ‫‪ ‬وم َّما جاء في فضل ُّ‬
‫ِ‬
‫«ل َي ُر ُّد ا ْل َقدَ َر إِ َّل الدُّ َعا ُء»(‪)2‬؛ فهذا فيه دليل‬
‫أن النَّبِي ﷺ قال‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫عن ثوبان ‪َّ I‬‬
‫أن اهلل سبحانه يدفع بالدُّ عاء ما قد قضاه على العبد‪ ،‬وقد ورد يف هذا‬ ‫على َّ‬
‫أن الدُّ عا َء مِن َقدَ ِر اهلل ‪D‬؛ إذ إنَّه‬ ‫أحاديث عديدة‪ ،‬وحاصل معناها‪َّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫المعنى‬
‫عبده قضا ًء مق َّيدً ا بأن ال يدعوه‪ ،‬فإذا دعاه اندفع‬ ‫سبحانه قد يقضي باألمر على ِ‬
‫أن الدُّ عا َء من أعظم األسباب ا َّلتِي ُتنال هبا سعادة‬ ‫عنه‪ .‬ويف هذا دالل ٌة على َّ‬
‫مطلوب وال‬ ‫ٍ‬ ‫تأثير له يف حصول‬ ‫أن الدُّ عا َء ال َ‬ ‫لمن يعتقد َّ‬ ‫الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬خال ًفا َ‬
‫وأن ما حصل به يحصل بدونه‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫محضة‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫عبادة‬ ‫مجر ُد‬ ‫ٍ‬
‫مرهوب‪ ،‬وإنَّما هو َّ‬ ‫دفع‬
‫قدر الدُّ عاء‪.‬‬
‫ف َ‬ ‫وال يقول هذا َمن َع َر َ‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪« :V‬ولهذا ُأمر النَّاس بالدُّ ِ‬
‫عاء واالستعان َِة‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫كال على ال َقدَ ِر‬ ‫وغير ذلك مِن األسباب‪ ،‬و َمن قال‪« :‬أنا ال أدعو وال ُ‬
‫أسأل» ا ِّت ً‬ ‫ِ‬
‫ؤال من األسباب ا َّلتِي ينال هبا مغفر ُته‬ ‫والس َ‬ ‫اهلل َ‬
‫جعل الدُّ عا َء ُّ‬ ‫كان مخط ًئا؛ َّ‬
‫ألن َ‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  األدب المفرد (‪ ،)1042‬وصحيح ابن ِح َّبان (‪،)4498‬‬
‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)22413‬وابن ماجه (‪،)4022‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪104‬‬

‫عاء َلم َيحصل‬ ‫ورحمتُه وهداه ونصره ورز ُقه‪ ،‬وإذا قدَّ ر للعبد خيرا يناله بالدُّ ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫أحوال العباد وعواقبِهم فإنَّما قدَّ ره اهلل‬ ‫ِ‬ ‫اهلل و َعلِ َمه من‬ ‫بدون الدُّ عاء‪ ،‬وما قدَّ ر ُ‬
‫المقادير إلى المواقيت‪ ،‬فليس يف الدُّ نيا واآلخرة شيء َّإل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يسوق‬ ‫ٍ‬
‫بأسباب‬
‫خالق األسباب والمس َّب َبات»‪ .‬اهـ(‪.)1‬‬ ‫بسبب‪ ،‬واهلل ُ‬
‫الدعاء‪ :‬ما رواه مسلم َع ْن َأبِى َذ ٍّر ‪َ I‬ع ِن‬ ‫ومما ورد في فضل ُّ‬ ‫‪َّ ‬‬
‫ت ال ُّظ ْل َم‬ ‫ادي إِنِّي َح َّر ْم ُ‬ ‫النَّبِى ﷺ فِيما روى َع ِن اهَّللِ ‪َ F‬أ َّنه َق َال‪« :‬يا ِعب ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ِّ‬
‫ادي ُك ُّلك ُْم َض ٌّال إِ َّل َم ْن‬ ‫ع َلى َن ْف ِسي وجع ْل ُته بينَكُم محرما َف َل َت َظا َلموا‪ ،‬يا ِعب ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ َ َ ُ َ ْ ْ ُ َ َّ ً‬ ‫َ‬
‫اس َت ْط ِع ُمونِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫است َْهدُ وني َأ ْهدك ُْم‪َ ،‬يا ع َبادي ُك ُّلك ُْم َجائ ٌع إِ َّل َم ْن َأ ْط َع ْم ُت ُه َف ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َهدَ ْي ُت ُه َف ْ‬
‫اس َتك ُْسونِي َأك ُْسك ُْم‪َ ،‬يا ِع َبادي‬ ‫ار إِ َّل َم ْن ك ََس ْو ُت ُه َف ْ‬ ‫ادي ُك ُّلك ُْم َع ٍ‬ ‫ُأ ْط ِعمكُم‪ ،‬يا ِعب ِ‬
‫ْ ْ َ َ‬
‫اس َتغ ِْف ُرونِي َأ ْغ ِف ْر َلك ُْم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُوب َجمي ًعا َف ْ‬ ‫الذن َ‬ ‫ار َو َأنَا َأ ْغ ِف ُر ُّ‬ ‫ُون بِال َّل ْي ِل َوالن ََّه ِ‬ ‫إِ َّنك ُْم تُخْ طِئ َ‬
‫ادي‬ ‫ادي إِ َّنكُم َلن َتب ُلغُوا َضرى َفت َُضرونِي و َلن َتب ُلغُوا َن ْف ِعي َف َتنْ َفعونِي‪ ،‬يا ِعب ِ‬ ‫يا ِعب ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫َ َ‬
‫اح ٍد ِمنْك ُْم‬ ‫ب رج ٍل و ِ‬
‫َل ْو َأ َّن َأ َّو َلك ُْم َوآخ َرك ُْم َوإِن َْسك ُْم َو ِجنَّك ُْم كَانُوا َع َلى َأ ْت َقى َق ْل ِ َ ُ َ‬
‫ِ‬
‫آخ َرك ُْم َوإِن َْسك ُْم َو ِجنَّك ُْم‬ ‫ادي َلو َأ َّن َأو َلكُم و ِ‬ ‫ك فِي م ْلكِي َشيئًا‪ ،‬يا ِعب ِ‬ ‫َما زَا َد َذلِ َ‬
‫َّ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ك ِمن م ْلكِي َشيئًا‪ ،‬يا ِعب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫كَانُوا َع َلى َأ ْف َجرِ َق ْل ِ‬
‫ادي َل ْو‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ب َر ُج ٍل َواحد َما َن َق َص َذل َ ْ ُ‬
‫ت‬ ‫اح ٍد َف َس َأ ُلونِي َف َأ ْع َط ْي ُ‬ ‫يد و ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫َأ َّن َأ َّو َلك ُْم َوآخ َرك ُْم َوإِن َْسك ُْم َو ِجنَّك ُْم َق ُاموا في َصع َ‬
‫ِ‬
‫ك ِم َّما ِعن ِْدي إِ َّل ك ََما َي ْن ُق ُص ا ْل ِمخْ َي ُط إِ َذا ُأ ْد ِخ َل‬ ‫ان َم ْس َأ َل َت ُه َما َن َق َص َذلِ َ‬ ‫ك َُّل إِن َْس ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اها؛ َف َم ْن َو َجدَ‬ ‫ا ْل َب ْح َر‪َ ،‬يا ع َبادي إِن ََّما ه َي َأ ْع َما ُلك ُْم ُأ ْحص َيها َلك ُْم ُث َّم ُأ َو ِّفيك ُْم إِ َّي َ‬
‫وم َّن إِ َّل َن ْف َس ُه»(‪.)2‬‬ ‫ك َف َل َي ُل َ‬ ‫َخ ْي ًرا َف ْل َي ْح َم ِد اهَّللَ َو َم ْن َو َجدَ َغ ْي َر َذلِ َ‬
‫جميع مصالح دينهم‬‫َ‬ ‫يحب أن يسأله العبا ُد‬
‫ُّ‬ ‫اهلل‬
‫أن َ‬ ‫ويف الحديث دالل ٌة على َّ‬
‫والشراب والكسوة وغير ذلك‪ ،‬كما يسألونه الهداي َة‬ ‫ودنياهم؛ من ال َّطعام َّ‬

‫(((  مجموع الفتاوى (‪.)70 - 69/8‬‬


‫(((  رواه مسلم (‪.)2577‬‬
‫‪105‬‬ ‫‪ -16‬فضل الدعاء (‪)5‬‬

‫ونحو ذلك‪ ،‬ووعدَ هم سبحانه على‬ ‫َّوفيق واإلعان َة على ال َّط ِ‬


‫اعة‬ ‫والمغفر َة والت َ‬
‫َ‬
‫ذلك ك ِّله باإلجابة‪.‬‬
‫قدرة اهلل سبحانه وكمال ملكِه‪َّ ،‬‬
‫وأن مل َكه‬ ‫ِ‬ ‫أيضا دالل ٌة على كمال‬ ‫وفيه ً‬
‫األولين واآلخرين من الج ِّن‬
‫تنقص بالعطاء‪ ،‬ولو أعطى َّ‬
‫ُ‬ ‫وخزائنَه ال تنفدُ وال‬
‫جميع ما سألوه يف مقا ٍم واحد‪.‬‬
‫َ‬ ‫واإلنس‬
‫حث على اإلكثار من سؤاله وإنزال جميع الحوائجِ به‪،‬‬ ‫ويف ذلك ٌّ‬
‫«يدُ اهلل ِ َم ْلَى َل‬ ‫الصحيحين عن أبي هريرة ‪ I‬عن النَّبِ ِّي ﷺ قال‪َ :‬‬ ‫ويف َّ‬
‫السموات‬ ‫يض َها َن َفق ٌة َس َّحا ُء ال َّليل والنَّهار‪ ،‬أفرأيتم ما أنفق ر ُّبكم منذ خلق َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ت َِغ ُ‬
‫واألرض! فإنَّه َلم َي ِغ ْض ما يف يمينه»(‪.)2‬‬
‫ك ِم َّما ِعن ِْدي إِ َّل ك ََما َينْ ُق ُص‬
‫«ما َن َق َص َذلِ َ‬
‫وتأ َّمل قوله سبحانه يف الحديث‪َ :‬‬
‫بأن ما عند اهلل ال ينقص البتَّة‪ ،‬كما‬ ‫فإن فيه تحقي ًقا َّ‬‫ا ْل ِمخْ َي ُط إِ َذا ُأ ْد ِخ َل ا ْل َب ْح َر»؛ َّ‬
‫البحر إذا ُغمس‬ ‫َ‬ ‫قال تعالى‪﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ﴾ [النَّحل‪َّ ،]96 :‬‬
‫فإن‬
‫عصفورا‬
‫ً‬ ‫ثم ُأخرجت َلم ُت ِنقص من البحر شي ًئا‪ ،‬وكذلك لو ُفرض َّ‬
‫أن‬ ‫فيه إبرة َّ‬
‫ٍ‬
‫عطاء أو‬ ‫شرب منه فإنَّه ال ُينقص البحر شي ًئا‪ ،‬وهو سبحانه إذا أراد شي ًئا من‬
‫غير ذلك قال له‪ :‬كن فيكون‪ ،‬كما قال سبحانه‪﴿ :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬ ‫عذاب أو ِ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [يس‪ ،]82 :‬وقال سبحانه‪﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫تصور فيمن هذا شأنُه أن ينقص‬ ‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [النَّحل‪ ،]40 :‬فكيف ُي َّ‬
‫ما عنده أو ينفد!!‬

‫(((  أي‪ :‬ال ُتنقصها‪.‬‬


‫البخاري (‪ ،)4684‬ومسلم (‪.)993‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪106‬‬

‫‪17‬‬

‫فضل االستغفار‬

‫االستغفار‪ :‬هو طلب مغفرة ُّ‬


‫الذنوب‪ ،‬والتَّجاوز عن الخطايا والتَّقصير‬
‫آي كثيرة من كتابه‪،‬‬‫وحث عليه يف ٍ‬
‫َّ‬ ‫يف جنب اهلل‪ ،‬واهلل ‪ D‬أمر باالستغفار‬
‫جيب دعاءهم‪،‬‬‫وب َّين أنَّه يغفر ذنوب المذنبين‪ ،‬ويقبل استغفار المستغفرين‪ ،‬و ُي ُ‬
‫ويغفر ذنوهبم‪ ،‬و ُي ِقيل عثراهتم‪ ،‬ويغفر ز َّلتهم‪ ،‬قال اهلل ‪﴿ :F‬ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ﴾ [الزمر‪ ،]53 :‬وقال ‪﴿ :C‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [آل عمران‪،]135 :‬‬
‫الذنوب‪ ،‬ومن أسمائه سبحانه‪« :‬الغفور»‪ ،‬و«الغ َّفار»‪،‬‬ ‫فأخرب عن نفسه بغفران ُّ‬
‫و«الت ََّّواب»‪ ،‬ودعا عباده إلى االستغفار ور َّغبهم فيه وح َّثهم عليه يف آيات كثيرة‪.‬‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ [نوح‪.]12-10 :‬‬
‫الذنوب مهما عظمت‪ ،‬و َمن طلب من اهلل‬ ‫﴿ﯿ ﰀ ﰁ﴾‪ ،‬أي‪ :‬يغفر ُّ‬
‫صاد ًقا أن يغفر له؛ غفر له سبحانه‪ ،‬وقوله سبحانه‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫معجلة يف الدُّ نيا‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ هذه ثمار َّ‬
‫لالستغفار‪ ،‬أ َّما ثوابه يف اآلخرة ُّ‬
‫فأجل وأعظم‪.‬‬

‫فينبغي على العبد َّأل يغفل عن االستغفار وأن يكون ُم ً‬


‫كثرا منه‪ ،‬فاالستغفار‬
‫وحصول التَّيسير والخير‬ ‫الرزق‪ ،‬وحلول الربكة‪ ،‬وزوال الهموم‪ُ ،‬‬ ‫فتح باب ِّ‬
‫‪107‬‬ ‫‪ -17‬فضل االستغفار‬

‫والفرج‪ ،‬ودفع البالء ِّ‬


‫والشدَّ ة َّ‬
‫واللواء‪ ،‬وثماره وآثاره وبركاته على العبد يف‬
‫دنياه و ُأخراه ال حدَّ لها وال عدَّ ‪.‬‬
‫أمير المؤمنين عمر بن الخ َّطاب ‪ I‬خرج يستسقي فلم يزد‬ ‫أن َ‬‫ُيروى َّ‬
‫استسقيت؟ فقال‪« :‬لقد‬
‫َ‬ ‫على االستغفار حتَّى رجع‪ُ ،‬فأمطروا؛ فقالوا‪ :‬ما رأيناك‬
‫ِ‬
‫ثم قرأ‪﴿ :‬ﯼ ﯽ‬ ‫المطر بِمجاديح َّ‬
‫السماء ا َّلتي يستنزل هبا المطر‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫طلبت‬
‫ُ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾»(‪.)1‬‬
‫البصري‪ :‬الجدوبةَ‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫رجل إلى الحسن‬‫وقال ابن َصبيح‪ :‬شكا ٌ‬
‫ِ‬
‫«استغفر اهلل»‪ ،‬وقال له آخر‪:‬‬ ‫ِ‬
‫«استغفر اهلل»‪ ،‬وشكا إليه آخر الفقر‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫ِ‬
‫«استغفر اهلل»‪ ،‬وشكا إليه آخر جفاف بستانه‪،‬‬ ‫ادع اهلل أن يرزقني ولدً ا‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫إن اهلل‬ ‫ِ‬
‫«استغفر اهلل»‪ ،‬فقلنا له يف ذلك؟ فقال‪ :‬ما قلت من عندي شي ًئا‪َّ ،‬‬ ‫فقال له‪:‬‬
‫تعالى يقول يف سورة نوح‪﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾(‪.)2‬‬
‫الرزق‬‫ومعنى اآلية‪ ،‬أي‪ :‬إذا ُتبتم إلى اهلل واستغفرتموه وأطعتموه ك َّثر ِّ‬
‫وأنبت‬
‫َ‬ ‫وأنبت لكم من بركات األرض‪،‬‬ ‫َ‬ ‫السماء‪،‬‬‫عليكم‪ ،‬وأسقاكم من بركات َّ‬
‫َ‬
‫األموال‬ ‫ٍ‬
‫بأموال وبني َن‪ ،‬أي‪ :‬أعطاكم‬ ‫الضرع‪ ،‬وأمدَّ كم‬
‫وأدر لكم َّ‬
‫رع‪َّ ،‬‬
‫الز َ‬
‫لكم َّ‬
‫واألوالد‪ ،‬وجعل لكم جن ٍ‬
‫َّات فيها أنواع ال ِّثمار وخ َّللها باألهنار الجارية بينها‪،‬‬ ‫َ‬
‫إلى غير ذلك من صنوف الخيرات وأنواع العطايا والهبات‪.‬‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾ [هود‪.]52 :‬‬
‫هذه ك ُّلها آثار عظيمة لالستغفار؛ ﴿ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾ فهو من‬
‫والرعد (‪.)84‬‬
‫(((  رواه ابن أبي شيبة يف المصنَّف (‪ ،)8343‬وابن أبي الدُّ نيا يف المطر َّ‬
‫(((  انظر‪ :‬فتح الباري (‪.)98/11‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪108‬‬

‫أعظم أسباب نزول الغيث‪ ،‬وحلول الربكة‪ ،‬وخروج بركات األرض من زروع‬
‫ويحصل هبا‬
‫ُ‬ ‫ونبات‪ ،‬وأشجار وثمار نافعات‪﴿ ،‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ﴾‪ ،‬أي‪:‬‬
‫وصحة األجساد‪ ،‬فكم فيه من بركة عظيمة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫قوة األبدان‬
‫َّ‬
‫الضائقات؛ من جفاف األرض‪ ،‬وحصول الفقر والعوز والحاجة‪،‬‬ ‫فجميع َّ‬
‫وتوالي ال ُكرب‪ ،‬إلى غير ذلك زوالها بأن يكثر العبد من االستغفار‪ ،‬وكثرة‬
‫االستغفار من العبد أمارة الفرج‪ ،‬وحلول الخير‪ ،‬والربكة وزوال الهموم‬
‫والكرب بإذن اهلل ‪.E‬‬
‫وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ﴾ [هود‪.]3 :‬‬
‫أيضا من عوائد االستغفار وثماره وآثاره العظيمة؛ ﴿ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫وهذه ً‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ﴾ أي‪ُ :‬يعطكم من رزقه ما تتمتَّعون به وتنتفعون ﴿ﯕ ﯖ ﯗ﴾‪،‬‬
‫أي‪ :‬إلى وقت وفاتكم ﴿ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ﴾‪ ،‬أي‪ :‬يعطي أهل اإلحسان‬
‫والبِ ِّر من فضله ِّ‬
‫وبره ما هو جزا ٌء إلحساهنم من حصول ما يح ُّبون ودفع ما‬
‫يكرهون‪.‬‬
‫وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ﴾ [األنفال‪.]33 :‬‬
‫أن العبد يف ٍ‬
‫أمان من العذاب‬ ‫هذه آية عظيمة يف شأن االستغفار؛ ففيها َّ‬
‫كثرا من االستغفار‪ ،‬قال ابن ع َّباس ‪« :L‬كان فيهم ‪-‬أي األ َّمة‪-‬‬ ‫ما دام ُم ً‬
‫أمانان‪ :‬النَّبِ ُّي ﷺ‪ ،‬واالستغفار؛ فذهب النَّبِ ُّي ﷺ وبقي االستغفار»(‪ ،)1‬فهذا‬
‫أمان باقي يف األ َّمة ما داموا مكثرين من االستغفار‪ ،‬وك َّلما عظمت عناية األ َّمة‬
‫ٌ‬

‫(((  جامع البيان لل َّط ِّ‬


‫ربي (‪.)512/13‬‬
‫‪109‬‬ ‫‪ -17‬فضل االستغفار‬

‫والرزايا والنِّقم ما يعلمون‬


‫به دفع اهلل به عن العباد والبالد من الباليا والمحن َّ‬
‫وما ال يعلمون‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ُّ َّ‬
‫الحث على االستغفار والترغيب فيه وبيان‬
‫ِ‬ ‫السنة أحاديث كثيرة في‬ ‫‪ ‬وفي‬
‫فضله‪:‬‬
‫روى ابن ماجه يف سننه عن عبد اهلل بن ُبسر ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫حي َفتِ ِه ْاستِ ْغ َف ًارا كَثِ ًيرا»(‪.)1‬‬
‫ﷺ‪ُ « :‬طوبى لِمن وجدَ فِي ص ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ َ َ‬
‫المقدسي يف األحاديث المختارة‬ ‫ياء‬ ‫والض‬
‫ِّ‬ ‫األوسط‬ ‫يف‬ ‫ي‬ ‫وروى ال َّطربانِ‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫حي َف ُته َف ْليكْثرِ‬
‫الزبير ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬من َأحب َأ ْن تَسره ص ِ‬ ‫عن ُّ‬
‫ُ ُ ْ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ ْ َ َّ‬
‫ار»(‪.)2‬‬ ‫فِ َيها ِم َن ِال ْستِ ْغ َف ِ‬

‫وغيرهما عن بالل بن يسار بن زيد عن أبيه عن‬ ‫ِّرمذي ُ‬ ‫ُّ‬ ‫وروى أبو داود والت‬
‫«م ْن َق َال‪َ :‬أ ْس َتغ ِْف ُر اهللَ ا َّل ِذي َل إِ َل َه إِ َّل ُه َو ا ْل َح ُّي‬ ‫جدِّ ه أنَّه سمع النَّبِ َّي ﷺ‪ ،‬يقول‪َ :‬‬
‫َان َفر ِمن الزَّح ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ف»(‪.)3‬‬ ‫ُوب إِ َل ْيه‪ُ ،‬غف َر َل ُه َوإِ ْن ك َ َّ َ ْ‬ ‫ا ْل َق ُّيو ُم َو َأت ُ‬
‫«واهلل ِ إِنِّي‬‫وعن أبي هريرة ‪ I‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫البخاري(‪.)4‬‬
‫ُّ‬ ‫ين َم َّرةً»‪ .‬رواه‬ ‫ُوب إِ َل ْيه في ا ْل َي ْو ِم َأ ْك َث َر م ْن َس ْبع َ‬
‫َلَ ْس َتغْف ُر اهللَ َو َأت ُ‬
‫ت َأ َحدً ا َأ ْك َثر ِم ْن رس ِ‬
‫ول‬ ‫«ما َر َأ ْي ُ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫وثبت عن أبي هريرة ‪ E‬أنَّه قال‪َ :‬‬
‫ُوب إِ َل ْي ِه»(‪.)5‬‬ ‫ِ‬
‫ول‪َ :‬أ ْس َتغْف ُر اهللَ َو َأت ُ‬ ‫اهلل ِ ﷺ َي ُق ُ‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫(((  رواه ابن ماجه (‪،)3818‬‬
‫ِ‬
‫وحسنه األلبان ُّي يف صحيح‬ ‫(((  ال َّطربانِ ُّي يف األوسط (‪ِّ ،)839‬‬
‫والضياء يف المختارة (‪َّ ،)892‬‬
‫التَّرغيب والتَّرهيب (‪.)1619‬‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)1517‬والرتمذي (‪،)3577‬‬
‫َّ‬
‫البخاري (‪.)6307‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(((  رواه النَّسائ ُّي يف الكربى (‪ ،)10215‬وابن ح َّبان (‪،)924‬‬
‫َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪110‬‬

‫يدل على كثرة مالزمته ﷺ لالستغفار وعظيم عنايته به‪ ،‬مع أنَّه ﷺ قد‬ ‫وهذا ُّ‬
‫تأخر! َّإل أنَّه ‪ O‬كان كثير االستغفار‬ ‫غفر اهلل له ما تقدَّ م من ذنبه وما َّ‬
‫ٍ‬
‫استغفارات كثيرة‪،‬‬ ‫الصحابة ‪ M‬يحصون له يف مجالسه‬ ‫يف مجالسه‪ ،‬وكان َّ‬
‫ُوب إِ َل ْي ِه»‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وكثيرا ما يسمعونه ص َلو ُ ِ‬
‫«أس َتغْف ُر اهَّللَ َو َأت ُ‬
‫ات اهلل َو َس َل ُم ُه َع َل ْيه يقول‪ْ :‬‬ ‫َ َ‬ ‫ً‬
‫ُب َع َل َّي»‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫«ر ِّب ا ْغف ْر ل َ‬
‫ي‪ ،‬وت ْ‬ ‫ويقول‪َ :‬‬
‫فكان ‪ O‬مالز ًما لالستغفار يف ِّ‬
‫كل أوقاته‪ ،‬حتَّى إنَّه ‪O‬‬
‫الشريفة وعمره المديد باالستغفار‪ ،‬كما جاء يف حديث عائشة‬ ‫ختم حياته َّ‬
‫‪ J‬تقول‪ :‬مات ﷺ بين سحري ونحري‪ ،‬وسمعته يقول ‪:O‬‬
‫ختم لحياته ك ِّلها‬ ‫يق األَ ْع َلى» ‪ ،‬فهذا ٌ‬
‫(‪)1‬‬ ‫الرفِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫«ال َّل ُه َّم ا ْغف ْر لي َو ْار َح ْمني َو َأ ْلح ْقني بِ َّ‬
‫ات اهللِ َو َس َل ُم ُه َع َل ْي ِه باالستغفار‪ ،‬كما أنَّه كان يختم مجالسه‬ ‫المباركة َص َل َو ُ‬
‫باالستغفار‪.‬‬
‫«أن رس َ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس‬
‫ول اهلل ﷺ َج َم َع الن َ‬ ‫وأخرج النَّسائ ُّي عن أبي هريرة ‪ُ َ َّ َ :I‬‬
‫ُوب إِ َل ْي ِه فِي ا ْل َي ْو ِم ِما َئ َة َم َّر ٍة»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫َّاس تُو ُبوا إِ َلى اهلل‪َ ،‬فإِنِّي َأت ُ‬
‫َف َق َال‪َ :‬يا َأ ُّي َها الن ُ‬
‫أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َّن ُه َل ُيغ ُ‬
‫َان َع َلى َق ْلبِي‪،‬‬ ‫األغر المزنِي ‪َّ :I‬‬ ‫ِّ‬ ‫وعن‬
‫ِّ‬
‫َوإِنِّي َلَ ْس َتغ ِْف ُر اهللَ فِي ا ْل َي ْو ِم ِما َئ َة َم َّر ٍة»‪ .‬رواه مسلم(‪ .)3‬قوله‪َ « :‬ل ُيغَان»؛ الغين‪:‬‬
‫ِ‬
‫يسلم منه البشر‪.‬‬ ‫السهو ا َّلذي ال ْ‬ ‫الغيم‪ ،‬والمراد‪ :‬ما يغشاه من َّ‬
‫كل ما يغشاه من‬‫فهذا فيه أثر االستغفار على القلب‪ ،‬وأنَّه يجلو عن القلب َّ‬
‫قلي ٍل أو كثير‪ ،‬فك َّلما كان العبد كثير االستغفار كان هذا االستغفار ِجالء لقلبه‬
‫وزكا ًء لنفسه‪.‬‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)3496‬وابن ماجه (‪،)1619‬‬ ‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫ِّرمذي (‪ ،)3259‬وابن ماجه‬ ‫ِ‬
‫(((  رواه النَّسائ ُّي يف الكربى (‪ ،)10192‬ونحوه عند الت‬
‫ِّ‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(‪،)3815‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2702‬‬
‫‪111‬‬ ‫‪ -17‬فضل االستغفار‬

‫ول اهللِ ﷺ فِي ا ْل َم ْجلِ ِ‬


‫س‬ ‫وعن ابن عمر ‪ L‬قال‪« :‬إِ ْن ُكنَّا َلنَ ُعدُّ لِرس ِ‬
‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫يم»‪ .‬رواه أبو‬ ‫الرح ُ‬ ‫ب َع َل َّي‪ ،‬إِن ََّك َأن َْت الت ََّّو ُ‬
‫اب َّ‬ ‫ا ْل َواحد ما َئ ُة َم َّرة‪َ :‬ر ِّب ا ْغف ْر لي َو ُت ْ‬
‫ِّرمذي(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫داود والت‬
‫ٌ‬
‫‪ ‬وقد ثبت عنه ﷺ في االستغفار صيغ عديدة‪:‬‬
‫«ما َر َأ ْي ُ‬
‫ت‬ ‫‪ -‬منها قوله‪« :‬أستغفر اهلل وأتوب إليه»‪ ،‬قال أبو هريرة ‪َ :I‬‬
‫وأتوب إليه ِمن رسول اهلل ﷺ»(‪.)2‬‬
‫ُ‬ ‫أستغفر اهللَ‬
‫ُ‬ ‫َأ َحدً ا َأ ْك َثر ِم ْن َأ ْن َي ُق َ‬
‫ول‪:‬‬
‫الرحيم»‪ ،‬وقد‬ ‫علي إنَّك أنت الت ََّّواب َّ‬ ‫«رب اغفر لي‪ ،‬وتُب َّ‬ ‫‪ -‬ومنها قوله‪ِّ :‬‬
‫تقدَّ م يف حديث ابن عمر ‪.L‬‬
‫أن أبا بكر قال للنَّبِ ِّي ﷺ‪َ « :‬ع ِّل ْمنِي ُد َعا ًء‬ ‫الصحيحين‪َّ :‬‬ ‫‪ -‬ومنها ما ثبت يف َّ‬
‫ت َن ْف ِسي ُظ ْل ًما كَثِ ًيرا َو َل َيغ ِْف ُر‬
‫َأ ْد ُعو بِ ِه فِي َص َلتِي؟» َق َال‪ُ « :‬ق ْل‪ :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َظ َل ْم ُ‬
‫ور‬‫ْت ا ْل َغ ُف ُ‬‫َّك َأن َ‬‫ْت‪َ ،‬فا ْغ ِف ْر لِي َمغ ِْف َر ًة ِم ْن ِعن ِْد َك َو ْار َح ْمنِي‪ ،‬إِن َ‬ ‫ُوب إِ َّل َأن َ‬
‫الذن َ‬ ‫ُّ‬
‫يم»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫الرح ُ‬ ‫َّ‬
‫‪I‬‬ ‫األشعري‬
‫ِّ‬ ‫الصحيحين من حديث أبي موسى‬ ‫‪ -‬ومنها ما يف َّ‬
‫عن النَّبِ ِّي ﷺ أنَّه كان يدعو هبذا الدُّ عاء‪« :‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي َخطِيئَتِي َو َج ْه ِلي‪،‬‬
‫ْت َأ ْع َل ُم بِ ِه ِمنِّي‪ ،‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي ِجدِّ ي َو َهزْلِي‪،‬‬ ‫َوإِ ْس َرافِي فِي َأ ْمرِي‪َ ،‬و َما َأن َ‬
‫ت َو َما َأ َّخ ْر ُت‪َ ،‬و َما‬ ‫ك ِعن ِْدي‪ ،‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي َما َقدَّ ْم ُ‬ ‫َو َخ َطئِي َو َع ْم ِدي‪َ ،‬وك ُُّل َذلِ َ‬
‫ْت ا ْل ُم َؤ ِّخ ُر‪َ ،‬و َأن َ‬
‫ْت‬ ‫ْت َأ ْع َل ُم بِ ِه ِمنِّي‪َ ،‬أن َ‬
‫ْت ا ْل ُم َقدِّ ُم َو َأن َ‬ ‫ْت‪َ ،‬و َما َأن َ‬‫َأ ْس َر ْر ُت َو َما َأ ْع َلن ُ‬
‫َع َلى ك ُِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير»(‪.)4‬‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3434‬‬‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)1516‬والت‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه النَّسائِ ُّي يف الكربى (‪ ،)10215‬وابن ح َّبان (‪،)924‬‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫البخاري (‪ ،)834‬ومسلم (‪.)2705‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫البخاري (‪ ،)6398‬ومسلم (‪.)2719‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪112‬‬

‫َّشهد‬
‫‪ -‬ومنها ما ثبت يف صحيح مسلم أنَّه كان من آخر ما يقوله ﷺ بين الت ُّ‬
‫ت َو َما َأ َّخ ْر ُت‪َ ،‬و َما َأ ْس َر ْر ُت َو َما َأ ْع َلن ُ‬
‫ْت‪َ ،‬و َما‬ ‫والتَّسليم‪« :‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي َما َقدَّ ْم ُ‬
‫ْت»(‪.)1‬‬ ‫ْت ا ْل ُم َؤ ِّخ ُر‪َ ،‬ل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬ ‫ْت َأ ْع َل ُم بِ ِه ِمنِّي‪َ ،‬أن َ‬
‫ْت ا ْل ُم َقدِّ ُم َو َأن َ‬ ‫ت‪َ ،‬و َما َأن َ‬‫َأ ْس َر ْف ُ‬
‫الحق‬
‫ٌ‬ ‫‪ -‬ومنها ‪-‬وهو أ َت ُّمها وأكم ُلها‪ -‬س ِّيدُ االستغفار‪ ،‬وسيأيت عنه حديث‬
‫بإذن اهلل‪.‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)771‬‬


‫‪113‬‬ ‫‪ -18‬شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)1‬‬

‫‪18‬‬

‫شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)1‬‬

‫مهم ينبغي على الدَّ اعي أن يعنى به؛ ليكون ذلك موج ًبا لقبول‬ ‫باب ٌّ‬ ‫هذا ٌ‬
‫وآداب تثمر قبول الدُّ عاء‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫شروط‬ ‫دعائه وعدم ر ِّد سؤاله؛ ذلك َّ‬
‫أن الدُّ عاء له‬
‫ثمة موانع تمنع من إجابة الدُّ عاء‪ ،‬فعلى العبد أن ُيعنى هبذا‬ ‫وأيضا َّ‬
‫وعدم ر ِّده‪ً ،‬‬
‫المقام عناية عظيمة‪ ،‬بأن يعرف موجبات قبول الدُّ عاء فيح ِّققها؛ لتكون سب ًبا‬
‫أيضا موانع قبول الدُّ عاء ليتَّقيها ويحذرها؛ ألنَّها‬ ‫لقبول دعائه‪ ،‬وأن يعرف ً‬
‫آيات وأحاديث كثيرة‪.‬‬ ‫موجب ٌة لر ِّد دعائه‪ ،‬ويف هذا الباب ٌ‬
‫﴿ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [غافر‪:‬‬ ‫قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫‪.]65‬‬
‫أهم شرط وأعظم ضابط يف هذا الباب؛ ﴿ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ﴾‪،‬‬
‫هذا ُّ‬
‫أي‪ :‬أخلصوا الدُّ عاء هلل‪ ،‬فال تدعوا َّإل اهلل‪ ،‬ويف حديث ابن ع َّباس ‪ L‬قال‪:‬‬
‫است َِع ْن بِاهَّللِ‪َ ،‬وا ْع َل ْم َأ َّن‬ ‫ْت َف ْ‬ ‫اس َأ ِل اهَّللَ‪َ ،‬وإِ َذا ْاس َت َعن َ‬
‫ت َف ْ‬ ‫قال النَّبِ ُّي ﷺ‪« :‬إِ َذا َس َأ ْل َ‬
‫ك‪،‬‬ ‫وك إِ َّل بِ َش ْي ٍء َقدْ َك َت َب ُه اهَّللُ َل َ‬‫وك بِ َش ْي ٍء َل ْم َينْ َف ُع َ‬
‫ت َع َلى َأ ْن َينْ َف ُع َ‬ ‫ُْال َّم َة َل ِو ْ‬
‫اجت ََم َع ْ‬
‫ك‪،‬‬ ‫وك إِ َّل بِ َش ْي ٍء َقدْ َك َت َب ُه اهَّللُ َع َل ْي َ‬
‫وك بِ َش ْي ٍء َل ْم َي ُض ُّر َ‬ ‫اجت ََم ُعوا َع َلى َأ ْن َي ُض ُّر َ‬ ‫َو َل ِو ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ف»(‪.)1‬‬ ‫الص ُح ُ‬ ‫ُرف َعت ْالَ ْق َل ُم َو َج َّفت ُّ‬
‫كفر وضالل‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ودعاء غير اهلل ٌ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾ [األحقاف‪ ،]5 :‬وقال تعالى‪:‬‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2516‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪114‬‬

‫﴿ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [اإلسراء‪:‬‬
‫‪ ،]56‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ﴾ [سبأ‪،]22 :‬‬
‫خالصا هلل‪.‬‬
‫ً‬ ‫واآليات يف هذا المعنى كثيرة‪ .‬فهذا أعظم ضابط؛ أن يكون الدُّ عاء‬
‫موحدً ا‪ ،‬فهذا أعظم النِّعم‬
‫مخلصا يف عبادته مفر ًدا ر َّبه هبا ِّ‬
‫ً‬ ‫وإذا كان العبد‬
‫وأكرب المنن‪ ،‬ولهذا ُأتبع اإلخالص يف اآلية بالحمد ﴿ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [غافر‪ ،]65 :‬فهذه أكرب نعمة وأعظم مِنَّة؛ أن يكون العبد‬
‫من أهل اإلخالص والتَّوحيد؛ ولهذا ُختمت بحمده ‪ E‬على هذه‬
‫النِّعمة العظيمة‪.‬‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ﴾ [األعراف‪.]56-55 :‬‬
‫ّ‬
‫جمعت هاتان اآليتان جملة من اآلداب العظيمة للدُّ عاء‪ِ ،‬‬
‫ولعلي أشير إليها‬
‫باختصار‪:‬‬
‫وحدوه دون سواه؛ فالدُّ عاء عبادة ال‬ ‫األول‪ :‬قوله ﴿ﮨ ﮩ﴾‪ ،‬أي‪ِّ :‬‬ ‫َّ‬
‫رب العالمين‪ ،‬وال يستح ُّقها أحدٌ سواه‪.‬‬ ‫يلتجئ فيها َّإل إلى ِّ‬
‫َّ‬
‫السؤال وال َّطلب؛‬‫َّضرع‪ :‬هو اإللحاح ودوام ُّ‬ ‫الثاني‪ :‬قوله ﴿ﮪ﴾‪ ،‬والت ُّ‬
‫ِ‬
‫يحب منك أن ُت َّ‬
‫لح‬ ‫ُّ‬ ‫أي‪َ :‬أل َّح على اهلل بالدُّ عاء‪ ،‬وأكثر من الدُّ عاء ُّ‬
‫والسؤال‪ ،‬فاهلل‬
‫المتضرعين‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫وتضرع‬
‫ُّ‬ ‫الملحين‬
‫ِّ‬ ‫إلحاح‬
‫َ‬ ‫ويحب‬
‫ُّ‬ ‫عليه‪،‬‬
‫َّ‬
‫الثالث‪﴿ :‬ﮫﮬ﴾‪ ،‬أي‪ :‬بينك وبين اهلل؛ فال ترفع صوتك به‪ ،‬بل تدعوه‬
‫ٍ‬
‫حرك‬ ‫تحرك لسانك‪ ،‬بل ِّ‬ ‫دعا ًء خف ًّيا بصوت خافت‪ .‬وليس المراد بـ«خفية» َّأل ِّ‬
‫‪115‬‬ ‫‪ -18‬شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)1‬‬
‫ٍ‬
‫لسانك بكلمات الدُّ عاء ولكن بصوت خافت‪ ،‬قال اهلل ‪ D‬عن زكر َّيا ‪S‬‬
‫وأتم يف‬
‫﴿ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾ [مريم‪]3 :‬؛ ناداه نداء خف ًّيا ليكون أكمل َّ‬
‫إخالصه لر ِّبه ‪.E‬‬
‫الرابع‪ :‬قوله ﴿ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾‪ ،‬واالعتداء يف الدُّ عاء بابه واسع‪،‬‬ ‫َّ‬
‫السنَّة‪ ،‬ففي اآلية التَّحذير من االعتداء‬ ‫كل ما خالف ُّ‬ ‫ويمكن جمع ذلك يف ِّ‬
‫يف الدُّ عاء بمخالفة هدي النَّبِ ِّي الكريم ‪ ،O‬وقد قال ‪:O‬‬
‫ون فِي الدُّ ع ِ‬
‫اء َوال َّط ُه ِ‬
‫ور»(‪.)1‬‬ ‫ُون َب ْع ِدي َق ْو ٌم ِم ْن َه ِذ ِه ْالُ َّم ِة َي ْعتَدُ َ‬
‫«س َيك ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الخامس‪ :‬قوله ﴿ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾‪ ،‬أي‪ :‬بعد أن أصلحها‬
‫والسنَّة والهدي القويم ا َّل ِذي جاء به النَّبِ ُّي الكريم ‪،O‬‬‫اهلل بالتَّوحيد ُّ‬
‫الصالح‬‫بالشرك‪ ،‬وال تفسدوها بالبدع والمعاصي‪ ،‬بل اعتنوا هبذا َّ‬ ‫فال تفسدوها ِّ‬
‫وسط سبحانه النَّهي عن اإلفساد يف‬‫تحقي ًقا له ومداوم ًة عليه وحف ًظا له‪ .‬وقد َّ‬
‫أثناء األمر بالدُّ عاء لإليذان بأن َمن ال يعرف نفسه بالحاجة واالفتقار إلى‬
‫وخفية وال خو ًفا‬
‫تضر ًعا ُ‬
‫رحمة ر ِّبه الغني القدير وفضله وإحسانه‪ ،‬وال يدعوه ُّ‬
‫من عقابه وطم ًعا يف غفرانه‪ ،‬فإنَّه يكون أقرب إلى اإلفساد منه إلى اإلصالح‪.‬‬
‫والسابع‪ :‬قوله ﴿ﯙ ﯚ ﯛﯜ﴾‪ ،‬أي‪ :‬اجمعوا يف دعاءكم بين‬ ‫السادس َّ‬ ‫َّ‬
‫الرجاء والخوف؛ وهذان ركنان ال ُبدَّ منهما يف ِّ‬
‫كل عبادة‪،‬‬ ‫الخوف وال َّطمع‪َّ ،‬‬
‫طاعة وأنت ترجو رحمة اهلل وتخاف عذابه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بأن تدعو اهلل وتعبده وتقوم ِّ‬
‫بكل‬
‫ثم ختمها بقوله‪﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾‪ ،‬وهذا فيه إشارة‬ ‫َّ‬
‫إلى تحقيق مقام اإلحسان يف العبادة‪ ،‬وهو كما قال ‪َ :O‬‬
‫«أ ْن َت ْع ُبدَ اهَّللَ‬
‫ك ََأن َ‬
‫َّك ت ََرا ُه»‪.‬‬
‫عدي ‪« :V‬وحاصل ما ذكر اهلل من آداب الدُّ عاء‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫قال َّ‬
‫الشيخ ابن س ٍّ‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)1480‬وابن ماجه (‪،)3864‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪116‬‬

‫يتضمنه الخفية وإخفاؤه وإسراره‪ ،‬وأن‬


‫َّ‬ ‫اإلخالص فيه هلل وحده‪َّ ،‬‬
‫ألن ذلك‬
‫ً‬
‫غافل وال آمنًا وال غير مبال باإلجابة‪ ،‬وهذا‬ ‫يكون القلب خائ ًفا طام ًعا‪ ،‬ال‬
‫فإن اإلحسان يف ِّ‬
‫كل عبادة بذل الجهد فيها‪ ،‬وأداؤها‬ ‫من إحسان الدُّ عاء؛ َّ‬
‫كاملة ال نقص فيها بوجه من الوجوه‪ ،‬ولهذا قال‪﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ﴾‪ ،‬أي‪ :‬يف عبادة اهلل‪ ،‬المحسنين إلى عباد اهلل‪ ،‬فك َّلما كان العبد أكثر‬
‫إحسانًا كان أقرب إلى رحمة ر ِّبه‪ ،‬وكان ر ُّبه قري ًبا منه برحمته‪ ،‬ويف هذا من‬
‫الحث على اإلحسان ما ال يخفى»(‪.)1‬‬‫ِّ‬
‫تضمن كما تقدَّ م أد ًبا عظيما‬
‫وقوله سبحانه‪﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ﴾ َّ‬
‫ِ‬
‫الجهر به‪ ،‬كما قال اهلل تعالى‪:‬‬ ‫وإسراره وعد ُم‬ ‫إخفاؤه‬
‫ُ‬ ‫من آداب الدُّ ِ‬
‫عاء‪ ،‬أال وهو‬
‫ُ‬
‫الصحيحين عن‬ ‫﴿ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [األعراف‪ ،]205 :‬وقد ثبت يف َّ‬
‫ول‬ ‫اء‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫أبي موسى األشعري ‪ I‬قال‪« :‬ر َفع النَّاس َأصواتَهم بِالدُّ ع ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ َ ُ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ِّ‬
‫ون َأ َص َّم َو َل َغائِ ًبا‪ ،‬إِ َّن‬ ‫ِ‬
‫َّاس‪ْ ،‬ار َب ُعوا َع َلى َأ ْن ُف ِسك ُْم‪َ ،‬فإِ َّنك ُْم َل تَدْ ُع َ‬‫اهلل ﷺ‪َ :‬أ ُّي َها الن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب»(‪.)2‬‬ ‫يع َقرِ ٌ‬ ‫ا َّلذي تَدْ ُعو َن ُه َسم ٌ‬
‫ِ‬
‫األرض من‬ ‫البصري ‪« :V‬لقد أدركنا أقوا ًما ما كان على‬
‫ُّ‬ ‫قال الحسن‬
‫الس ِّر فيكون عالني ًة أبدً ا‪ ،‬ولقد كان المسلمون‬
‫عم ٍل يقدرون أن يعملوه يف ِّ‬
‫صوت‪ ،‬إن كان َّإل ً‬
‫همسا بينهم وبين ر ِّبهم‬ ‫ٌ‬ ‫يجتهدون يف الدُّ عاء وما ُيسمع لهم‬
‫اهلل‬
‫أن َ‬ ‫‪ ،D‬وذلك َأ َّن اهلل تعالى يقول‪﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ﴾‪ ،‬وذلك َّ‬
‫رضي فِع َله فقال‪﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾»(‪.)3‬‬ ‫َ‬ ‫صالحا‬
‫ً‬ ‫ذك ََر عبدً ا‬
‫ياح يف الدُّ عاء‪،‬‬
‫والص ُ‬
‫الصوت والنَّدا ُء ِّ‬
‫رفع َّ‬
‫وقال ابن ُجريج ‪« :V‬يكره ُ‬
‫الرحمن (ص‪.)291‬‬ ‫(((  تيسير الكريم َّ‬
‫البخاري (‪ ،)6384‬ومسلم (‪.)2704‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه ابن جرير يف جامع البيان (‪.)14777‬‬
‫‪117‬‬ ‫‪ -18‬شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)1‬‬

‫أدب ال ُبدَّ منه‪،‬‬ ‫ِ‬


‫الجهر به ٌ‬ ‫َّضرع واالستكانة»(‪ ،)1‬فإخفاء الدُّ عاء وعد ُم‬
‫ويؤمر بالت ُّ‬
‫ب عليه من الفوائد والفضائل والمناف ِع ما ال ُيعدُّ وال ُيحصى‪.‬‬ ‫ويرت َّت ُ‬
‫عديدة َّ‬‫ً‬ ‫َ‬ ‫تيمية‪ :‬إلخفاء ُّ‬
‫‪ ‬وقد ذكر شيخ اإلسالم ابن َّ‬
‫يتبين من‬ ‫الدعاء فوائد‬
‫ّ‬
‫املترت ِبة على إخفا ِئه‪:‬‬
‫ُ‬ ‫أهمي ُة إخفاء ُّ‬
‫خاللها َّ‬
‫العوائد والفضائل ِ‬‫ِ‬ ‫الدعاء وكثرة‬
‫الخفي‪.‬‬ ‫ألن صاح َبه يعلم َّ‬
‫أن اهلل يسمع الدُّ عا َء‬ ‫أعظم إيمانًا؛ َّ‬
‫ُ‬ ‫أحدها‪ :‬أنَّه‬
‫َّ‬
‫الخفي؛ فال‬ ‫أعظم يف األدب والت ِ‬
‫َّعظيم‪ ،‬فإذا كان يسمع الدُّ عا َء‬ ‫ُ‬ ‫وثانيها‪ :‬أنَّه‬
‫َّ‬
‫الصوت به‪.‬‬ ‫يليق باألدب بين يديه َّإل خفض َّ‬
‫َّضر ِع والخشوع ا َّل ِذي هو روح الدُّ عاء و ُل ُّبه ومقصو ُده؛‬ ‫ثالثها‪ :‬أنَّه ُ‬
‫أبلغ يف الت ُّ‬
‫يسأل مسأل َة مسكين ذلي ٍل قد انكسر قل ُبه وذ َّلت‬ ‫ُ‬ ‫الذ َ‬
‫ليل إنَّما‬ ‫الخاشع َّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫فإن‬
‫جوارحه وخشع صو ُته‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أبلغ يف اإلخالص‪.‬‬ ‫رابعها‪ :‬أنَّه ُ‬
‫فإن رفع الص ِ‬ ‫القلب على ِّ ِ‬
‫ِ‬ ‫أبلغ يف َجمع َّي ِة‬
‫الذ َّلة يف الدُّ عاء‪َّ َ َّ ،‬‬ ‫خامسها‪ :‬أنَّه ُ‬
‫وت‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وقصده للمدعو سبحانه‪.‬‬ ‫همته‬ ‫ِ‬ ‫يفرقه‪ ،‬فك َّلما خفض صو َته كان َ‬
‫أبلغ يف تجريد َّ‬ ‫ِّ‬
‫قرب صاحبِه للقريب‪ ،‬ال مسألة نداء البعيد للبعيد‪،‬‬ ‫دال على ِ‬ ‫سادسها‪ :‬أنَّه ٌّ‬
‫فلما‬ ‫ِ‬
‫ولهذا أثنى اهلل على عبده زكر َّيا بقوله‪﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾‪َّ ،‬‬
‫قريب أخفى دعا َءه ما أمكنه‪.‬‬‫ٍ‬ ‫أقرب إليه من ِّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬ ‫القلب ُق ْر َب اهلل وأنَّه‬
‫ُ‬ ‫استحضر‬
‫يم ُّل‪،‬‬ ‫فإن ال ِّل َ‬
‫سان ال َ‬ ‫والسؤال؛ َّ‬
‫ُّ‬ ‫سابعها‪ :‬أنَّه أ ْدعى إلى دوا ِم ال َّط ِ‬
‫لب‬ ‫ُ‬
‫وتضعف‬
‫ُ‬ ‫يمل ال ِّلسان‬
‫والجوارح ال تتعب‪ ،‬بخالف ما إذا رفع صو َته‪ ،‬فإنَّه قد ُّ‬ ‫َ‬
‫ويكرر‪ ،‬فإذا رفع صو َته فإنَّه ال يطول له‪ ،‬بخالف َمن‬ ‫ِّ‬ ‫قواه‪ ،‬وهذا نظير َمن يقر ُأ‬
‫خفض صو َته‪.‬‬

‫(((  جامع البيان لل َّط ِّ‬


‫ربي (‪.)487/12‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪118‬‬

‫اعي‬ ‫َّ‬ ‫أن إخفا َء الدُّ عاء أبعدُ له من القواط ِع‬ ‫ثامنها‪َّ :‬‬
‫والمشوشات‪ ،‬فإن الدَّ َ‬ ‫ِّ‬
‫تشويش وال غيره‪ ،‬وإذا‬ ‫ٌ‬ ‫يحصل على هذا‬ ‫ُ‬ ‫يدر به أحدٌ ‪ ،‬فال‬ ‫إذا أخفى دعا َءه َلم ِ‬
‫أن‬ ‫األرواح البشر َّية وال ُبدَّ ‪ ،‬ومانعته وعارضته‪ ،‬ولو َلم يكن َّإل َّ‬ ‫ُ‬ ‫جهر به فرطت‬
‫أثر الدُّ عاء‪ ،‬و َم ْن له تجرب ٌة يعرف هذا‪ ،‬فإذا‬ ‫فيضعف ُ‬‫ُ‬ ‫تع ُّلقها به ُيفزع عليه ِه َّمتَه‬
‫أسر الدُّ عا َء أمِن هذه المفسدةَ‪.‬‬ ‫َّ‬
‫درها‪،‬‬ ‫نعمة حاسد على َق ِ‬ ‫ولكل ٍ‬‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫اإلقبال والتَّع ُّبد‪،‬‬ ‫أن أعظم الن ِ‬
‫ِّعمة‬ ‫تاسعها‪َّ :‬‬‫ُ‬
‫َ‬
‫فإن أن ُف َس الحاسدين متع ِّلق ٌة‬ ‫ِّعمة‪َّ ،‬‬‫د َّقت أو ج َّلت‪ ،‬وال نعم َة أعظم من هذه الن ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫أسلم من إخفاء نعمته عن الحاسد‪ ،‬وقد قال يعقوب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هبا‪ ،‬وليس للمحسود‬
‫ُ‬
‫ليوسف ‪﴿ :R‬ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ﴾ [يوسف‪]5 :‬‬
‫اآلية‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العظيمة وال ِّث ِ‬ ‫ِ‬
‫إخفاء‬ ‫ب على‬ ‫مار الكريمة التي ترت َّت ُ‬ ‫الفوائد‬ ‫فهذه جمل ٌة من‬
‫ِ‬
‫إخفاء الدُّ عاء‬ ‫يظهر للمسلم أهم َّي ُة‬ ‫الجهر به‪ ،‬ومِن خاللها‬ ‫ِ‬ ‫كر وعد ِم‬‫الذ ِ‬‫ِّ‬
‫ُ‬
‫ب عليه ِضدُّ ذلك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجهر به وإعالنه‪ ،‬فإنَّه يرت َّت ُ‬ ‫وإسراره‪ ،‬بخالف‬
‫‪119‬‬ ‫‪ -19‬شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)2‬‬

‫‪19‬‬

‫شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)2‬‬

‫الحذر من االعتداء‬ ‫المسلم أشدَّ َ‬


‫ُ‬ ‫المهم ِة للدُّ عاء‪ :‬أن يحذر‬
‫َّ‬
‫الض ِ‬
‫وابط‬ ‫إن من َّ‬‫َّ‬
‫قتصر عليه‪ ،‬يقول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮨ‬ ‫فيه‪ ،‬واالعتدا ُء‪ :‬هو تجاوز ما ينبغي أن ُي َ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [األعراف‪ ،]55 :‬فأرشد ‪ F‬يف‬
‫صالح دينهم ودنياهم وأخراهم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الكريمة عبا َده إلى دعائه ا َّل ِذي هو‬
‫ِ‬ ‫هذه ِ‬
‫اآلية‬
‫يحب المعتدين‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫السياق عن االعتداء بإخباره أنَّه ال‬ ‫ثم هناهم سبحانه يف هذا ِّ‬ ‫َّ‬
‫حب فاع َله‪ ،‬و َمن ال‬ ‫ٌ‬
‫مسخوط عنده‪ ،‬ال ُي ُّ‬ ‫أن االعتداء مكرو ٌه له‬ ‫فدل ذلك على َّ‬ ‫َّ‬
‫وأي فض ٍل ُيؤ ِّمل!‬
‫خير ينال! ُّ‬ ‫فأي ٍ‬
‫يح ُّبه اهلل ُّ‬
‫كل نوع من‬ ‫يشمل َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّهي عن االعتداء يف اآلية وإن كان جاء عا ًّما‬ ‫َّ َّ‬
‫ثم إن الن َ‬
‫عقب األمر بالدُّ عاء ُّ‬ ‫االعتداء‪َّ ،‬إل أنَّه لمجيئِه ِ‬
‫خاصة على المنع من‬ ‫يدل دالل ًة َّ‬
‫المشتمل على االعتداء ال‬ ‫َ‬ ‫أن الدُّ عا َء‬ ‫ِ‬
‫وبيان َّ‬ ‫االعتداء يف الدُّ عاء والتَّحذير منه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫يح ُّبه اهلل من عباده وال يرضاه لهم؛ ولهذا روي عن ابن ع َّباس ‪ L‬يف قوله‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾‪ ،‬قال‪« :‬يف الدُّ عاء وال يف غيره»(‪ ،)1‬وعن قتادة‪:‬‬
‫اجتَن ِ ُبوا ا ْل ُعدْ َو َ‬
‫ان‬ ‫ِ ِ‬
‫ض الدُّ عاء ا ْعتدَ ا ًء؛ َف ْ‬ ‫يف معنى اآلية قال‪« :‬ا ْع َل ُموا َأ َّن فِي َب ْع ِ‬
‫ِ (‪)2‬‬ ‫ِ ِ‬
‫الربيع ‪ V‬يف معنى اآلية‬ ‫َوال ْعتدَ ا َء إِ ِن ْاس َت َط ْعت ُْم َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهلل» ‪ ،‬وعن َّ‬
‫ك»(‪.)3‬‬ ‫يت َعنْ ُه َأ ْو َما َينْ َب ِغي َل َ‬ ‫اك َأ ْن ت َْس َأ َل َر َّب َ‬
‫ك َأ ْم ًرا َقدْ ن ُِه َ‬ ‫قال‪« :‬إِ َّي َ‬

‫(((  جامع البيان لل َّط ِّ‬


‫ربي (‪.)487/12‬‬
‫يوطي (‪.)475/3‬‬
‫للس ِّ‬ ‫(((  الدُّ ُّر المنثور ُّ‬
‫يوطي (‪.)476/3‬‬
‫للس ِّ‬ ‫(((  الدُّ ُّر المنثور ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪120‬‬

‫أن من األُ َّمة َمن سيقع يف االعتداء يف‬ ‫وقد جاء عن النَّبِي ﷺ ما ُّ‬
‫يدل على َّ‬
‫ِّ‬
‫ِّ‬
‫محذ ًرا منه ناه ًيا عنه مب ِّينًا لخطره‪،‬‬ ‫الدُّ عاء‪ ،‬وعندما أخرب ﷺ بذلك أخرب به‬
‫وهذا من َتمام وكمال نصحه أل َّمته صلوات اهلل وسالمه عليه‪ ،‬وهو ً‬
‫أيضا من‬
‫ُبوته ﷺ‪.‬‬
‫عالمات ن َّ‬
‫وغيرهما عن عبد اهلل بن مغ َّفل ‪:I‬‬ ‫ُ‬ ‫روى اإلمام أحمد وابن ماجه‬
‫ين ا ْل َجن َِّة إِ َذا‬‫ك ا ْل َق ْص َر ْالَ ْب َي َض َع ْن َي ِم ِ‬ ‫أنَّه سمع ابنه يقول‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫َّار‪َ ،‬فإِنِّي َس ِم ْع ُت‬ ‫اهلل ا ْل َجنَّ َة َو َت َع َّو ْذ بِاهللِ مِ َن الن ِ‬
‫ني‪َ ،‬س ِل َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ْ‬
‫َد َخلت َُها»‪ ،‬فقال‪ :‬أ ْي ُب َّ‬
‫ور»(‪.)1‬‬ ‫اء َوال ُّط ُه ِ‬‫ون فِي الدُّ ع ِ‬‫ُون فِي َه ِذ ِه ْالُ َّم ِة َق ْو ٌم َي ْعتَدُ َ‬ ‫«س َيك ُ‬ ‫النَّبِي ﷺ ُ‬
‫َ‬ ‫يقول‪َ :‬‬ ‫َّ‬
‫وروى اإلمام أحمد وأبو داود عن سعد بن أبي و َّقاص ‪ I‬أنَّه سمع‬
‫يم َها َوإِ ْس َت ْب َر َق َها َون َْح ًوا ِم ْن َه َذا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ك ا ْل َجنَّ َة َونَع َ‬‫ابنًا له يدعو يقول‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫كثيرا‪،‬‬‫خيرا ً‬ ‫اهلل ً‬ ‫سألت َ‬ ‫َ‬ ‫َّار َو َس َل ِس ِل َها َو َأ ْغ َللِ َها»‪ ،‬فقال‪ :‬لقد‬ ‫ك ِم َن الن ِ‬
‫َو َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬إِ َّن ُه َس َيك ُ‬
‫ُون‬ ‫ُ‬ ‫شر كثير‪ ،‬وإنِّي‬ ‫ذت باهلل من ٍّ‬ ‫وتعو َ‬‫َّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َقوم يعتَدُ َ ِ‬
‫اآليةَ‪﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬ ‫ون في الدُّ َعاء‪َ ،‬و َق َر َأ َهذه َ‬ ‫ٌْ َْ‬
‫هم إنِّي أسألك الجنَّة وما َّقر َب إِ َل ْي َها‬ ‫وإن بحسبِك أن تقول‪ :‬ال َّل َّ‬ ‫ﮰ﴾»‪َّ ،‬‬
‫َّار َو َما َق َّر َب إِ َل ْي َها مِ ْن َق ْو ٍل َأ ْو َع َملٍ»(‪.)2‬‬
‫مِ ْن َق ْو ٍل َأ ْو َع َملٍ‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َك مِ َن الن ِ‬

‫فأخرب صلوات اهلل وسالمه عليه أنَّه سيكون قو ٌم من أ َّمته يعتدون يف الدُّ عاء؛‬
‫ذر من الوقوع يف شيء منه‪.‬‬ ‫وح ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ناه ًيا عن ذلك‪ ،‬وليكون المسلمون يف َحيطة َ‬
‫واسع؛ إذ هو ‪-‬كما تقدَّ م تعري ُفه‪ -‬تجاوز ما‬
‫ٌ‬ ‫باب‬
‫إن االعتدا َء يف الدُّ عاء ٌ‬ ‫َّ‬
‫َّبوي‬ ‫ٍ‬ ‫قتصر عليه‪ ،‬وعلى هذا ُّ‬
‫للسنَّة ومفارقة للهدي الن ِّ‬
‫فكل مخالفة ُّ‬ ‫ينبغي أن ُي َ‬
‫متنوع ٌة وكثير ٌة ال‬
‫أن المخالفات ِّ‬ ‫الكريم يف الدُّ عاء ُيعدُّ اعتدا ًء‪ ،‬ومن المعلوم َّ‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)16796‬وابن ماجه (‪،)3864‬‬
‫(((  رواه أحمد (‪ ،)1483‬وأبو داود (‪ ،)1480‬وقال األلبانِ ُّي‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫‪121‬‬ ‫‪ -19‬شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)2‬‬
‫ِ‬
‫االعتداء ما قد يبلغ‬ ‫أيضا متفاوت ٌة يف خطورهتا؛ ِ‬
‫فمن‬ ‫ثم هي ً‬ ‫نوع واحد‪َّ ،‬‬
‫يجمعها ٌ‬
‫غير اهلل أو سأله‬
‫فمن اعتدى يف دعائه بأن دعا َ‬‫حدَّ الكفر‪ ،‬ومنه ما هو دون ذلك‪َ ،‬‬
‫ضره أو جلب نفعه أو شفا َء مرضه أو نحو ذلك‪ ،‬فقد وقع‬ ‫أو طلب منه كشف ِّ‬
‫خطرا‪ ،‬ولهذا قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯫ‬ ‫ِ‬
‫أعظم أنواع االعتداء يف الدُّ عاء وأشدِّ ها ً‬ ‫يف‬
‫ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ‬
‫ﯼ﴾ [األحقاف‪.]5 :‬‬
‫أضل‬‫أن اهلل تعالى ح َكم بأنَّه ال ُّ‬
‫المفسرين يف معنى هذه اآلية َّ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫وحاصل كالم‬
‫مِ َّمن يدعو من دون اهلل َمن ال يستجيب له إلى يوم القيامة‪ ،‬ومعنى االستفهام‬
‫غير اهلل ودعاه‪،‬‬ ‫ً ِ‬ ‫الض َّلل ك ِّلهم ُ‬
‫ضالل م َّمن ع َبد َ‬ ‫أبلغ‬ ‫إنكار أن يكون يف ُّ‬
‫ُ‬ ‫يف اآلية‪:‬‬
‫العاجز‬
‫َ‬ ‫عيف‬
‫الض َ‬ ‫المجيب القدير‪ ،‬ويدعو مِن دونه َّ‬
‫ِ‬ ‫السمي ِع‬
‫حيث يرتك دعاء َّ‬
‫ا َّل ِذي ال قدرة له على االستجابة‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ‬
‫أخطر أنواع االعتداء يف الدُّ عاء وأشدُّ ها‬
‫ُ‬ ‫الرعد‪ ،]14 :‬فهذا‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ﴾ [ َّ‬
‫ضررا‪.‬‬
‫ً‬
‫أعظم المعتدين عدوانًا‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ُ‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيم َّية ‪« :V‬فهؤالء‬
‫الشرك وهو وضع العبادة يف غير موضعها‪ ،‬فهذا العدوان ال ُبدَّ‬ ‫أعظم العدوان َّ‬
‫داخل يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾»(‪.)1‬‬ ‫ً‬ ‫أن يكون‬
‫حق اهلل الخالص‬ ‫صرف العبدُ َّ‬
‫َ‬ ‫اعتداء أعظم وأشدُّ من هذا! أن َي‬‫ٍ‬ ‫وأي‬
‫ُّ‬
‫ضرا وال‬ ‫ٍ‬
‫مخلوق ال َي ُ‬
‫ملك لنفسه ًّ‬ ‫‪-‬ا َّل ِذي ال يجوز أن ُيصرف ألحد سواه‪ -‬إلى‬
‫ٍ‬
‫فضل عن أن َيملك شي ًئا من ذلك لغيره‪،‬‬ ‫نشورا‪ً ،‬‬
‫ً‬ ‫َرشدً ا‪ ،‬وال مو ًتا وال حيا ًة وال‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬

‫(((  مجموع الفتاوى (‪.)23/15‬‬


‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪122‬‬

‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ﴾ [الفرقان‪ ،]3 :‬وقال تعالى‪:‬‬


‫﴿ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ﴾ [األعراف‪ ،]194 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ‬
‫ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ﴾ [سبأ‪.]22 :‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيم َّية ‪« :V‬وقوله تعالى‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫يحب المعتدين يف الدُّ عاء‪ ،‬كا َّل ِذي َيسأل ما ال‬ ‫ُّ‬ ‫ﮰ﴾‪ ،‬قيل‪ :‬المراد إنَّه ال‬
‫يليق به من منازل األنبياء وغير ذلك‪ ،‬وقد روى أبو داود يف سننه عن عبد اهلل بن‬
‫ين ا ْل َجن َِّة إِ َذا‬‫ك ا ْل َق ْص َر ْالَ ْب َي َض َع ْن َي ِم ِ‬ ‫مغ َّفل أنَّه سمع ابنَه يقول‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫سمعت رسول‬ ‫وتعوذ به من النَّار‪ ،‬فإنِّي‬ ‫اهلل الجنَّة‬‫ني س ِل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َد َخلت َُها»‪ ،‬فقال‪ :‬يا ُب َّ‬
‫ور والدُّ ع ِ‬ ‫ُون فِي ه ِذ ِه ْالُم ِة َقوم يعتَدُ َ ِ‬
‫اء»»‪.‬‬ ‫ون في ال ُّط ُه ِ َ َ‬ ‫َّ ْ ٌ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫«س َيك ُ‬ ‫اهلل ﷺ يقول‪َ :‬‬
‫ثم قال ‪« :V‬وإن كان االعتداء مرا ًدا هبا فهو من جملة المراد‪ ،‬واهلل‬ ‫َّ‬
‫غيره‪ ،‬كما قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮛ‬ ‫كل شيء دعا ًء كان أو َ‬ ‫يحب المعتدين يف ِّ‬
‫ُّ‬ ‫ال‬
‫ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ﴾ [المائدة‪ .»]87 :‬اهـ(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫‪ ‬وعلى هذا َّ‬
‫فإن اآلية الكريمة تكون دالة على أمرين اثنين‪:‬‬
‫تضر ًعا ُ‬
‫وخفيةً‪.‬‬ ‫ب فيه‪ ،‬وهو دعا ُء اهلل ‪ُّ D‬‬ ‫محبوب إلى اهلل مر َّغ ٌ‬
‫ٌ‬ ‫أحدهما‪:‬‬
‫َّ‬
‫مسخوط عنده‪ُ ،‬م َّ‬
‫حذ ٌر منه أشدَّ التَّحذير‪ ،‬وهو االعتداء‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫والثاني‪ :‬مكرو ٌه له‬
‫بغضه وزجر عنه بما هو‬
‫مما ُي ُ‬ ‫فأمر بِما ُيح ُّبه وندب إليه ور َّغب فيه‪َّ ،‬‬
‫وحذر َّ‬
‫يحب فاع َله‪ ،‬و َمن ال‬
‫ُّ‬ ‫إخباره سبحانه بأنَّه ال‬
‫ُ‬ ‫الزجر والتَّحذير‪ ،‬وهو‬
‫أبلغ طرق َّ‬
‫وأي فض ٍل يؤ ّمل!‬ ‫فأي ٍ‬
‫خير ينال! ُّ‬ ‫يح ُّبه اهلل ُّ‬

‫(((  مجموع الفتاوى (‪.)22/15‬‬


‫‪123‬‬ ‫‪ -19‬شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)2‬‬
‫حذر بال ٍغ وحي ِ‬
‫طة كاملة‬ ‫كل مسلم أن يكون يف ٍ‬ ‫ومن هنا كان متأ ّكدً ا على ِّ‬
‫َْ‬
‫وبالبعد عن ضوابِطه وأصولِه‬
‫ِ‬ ‫من االعتداء يف الدُّ عاء بتجاوز حدِّ َّ‬
‫الشريعة فيه‪،‬‬
‫مشتق من العدوان‪ ،‬وهو تجاوز ما ينبغي أن ُيقتصر‬
‫ٌّ‬ ‫المعلومة‪ .‬واالعتداء‪:‬‬
‫الشريعة وضوابِطها المعلومة‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﯭ ﯮ‬ ‫عليه من حدود َّ‬
‫فصله اهلل سبحانه لعباده من َّ‬
‫الشرائع‬ ‫ﯯ ﯰ ﯱﯲ﴾ [البقرة‪ ،]229 :‬أي‪َّ :‬‬
‫أن ما َّ‬
‫والوقوف عنده وعد ُم تعدِّ يه‪﴿ ،‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ُ‬ ‫واألحكام يجب مالزمتُه‬
‫وأي ٍ‬
‫ظلم للنَّفس أنكى وأشدُّ من تجاوز الحدود‬ ‫ﭳ ﭴ ﭵﭶ﴾ [ال َّطالق‪ُّ ،]1 :‬‬
‫المهمة الم َّت َبعة؟!‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الشرع َّية وضوابطها‬
‫متجاوز يف دعائه‬
‫ٌ‬ ‫ثم كيف ُي َؤ ِّمل المرء اإلجابة و َيطمع يف القبول وهو‬ ‫َّ‬
‫المقررة؟! فالدُّ عا ُء المعتدَ ى فيه ال يح ُّبه اهلل‬
‫َّ‬ ‫الشريعة ومتعدٍّ حدو َدها‬ ‫َ‬
‫ضوابط َّ‬
‫وال يرضاه‪ ،‬فكيف يؤ ِّمل صاح ُبه أن ُيستجاب منه و ُيقبل‪.‬‬
‫سؤال اهلل ‪ D‬ما ال يجوز أن ُي َ‬
‫سأ َله؛ من‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬ومن االعتداء في ُّ‬
‫الدعاء‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الذنوب وغشيان المعاصي‪،‬‬ ‫حرمات وارتكاب ُّ‬ ‫‪-‬مثل‪ -‬على فع ِل ُ‬
‫الم َّ‬ ‫ً‬ ‫المعونة‬
‫يس َر له طري ًقا‬ ‫َ‬
‫والباطل‪ ،‬أو أن ُي ِّ‬ ‫اإلثم‬
‫َ‬ ‫كأن يسأل اهلل أن يعينه على سفر يريد به‬
‫أراد به المعصية والعدوان‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫الدعاء‪ :‬أن َ‬
‫يسأل اهلل ما ُعلم من حكمته سبحانه أنَّه ال‬ ‫‪ ‬ومن االعتداء في ُّ‬

‫يفعله‪ ،‬كأن يسأل اهلل تخليده إلى يوم القيامة‪ ،‬أو أن يسأله أن يرفع عنه لواز َم‬
‫والشراب والهواء‪ ،‬أو أن يسأل اهلل إطال َعه‬ ‫البشر َّية من الحاجة إلى ال َّطعام َّ‬
‫على َغيبِه وما استأثر سبحانه بعلمه‪ ،‬أو أن يسأل اهلل أن َي َ‬
‫هب له ولدً ا من غير‬
‫يحب فاعله‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫زوجة‪ ،‬ونحو ذلك مِ َّما سؤا ُله اعتدا ٌء ال يح ُّبه اهلل وال‬
‫بالسائل من المنازل‬ ‫سؤال اهلل ما ال يليق َّ‬ ‫ُ‬ ‫الدعاء‪:‬‬‫‪ ‬ومن االعتداء في ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪124‬‬

‫والمرسلين‪ ،‬أو يكون م َل ًكا‪ ،‬أو نحو‬‫َ‬ ‫َ‬


‫منازل األنبياء‬ ‫والدَّ رجات‪ ،‬كأن يسأل اهلل‬
‫ذلك‪.‬‬
‫متضرع‪ ،‬بل يدعو دعا ًء‬ ‫اهلل غير‬ ‫‪ ‬وكذلك من االعتداء في ُّ‬
‫ِّ‬ ‫يدعو َ‬‫َ‬ ‫الدعاء‪ :‬أن‬
‫الم ِد ِّل على ر ِّبه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يكون فيه كالمستغني ُ‬
‫ثن به على‬‫‪ ‬ومن االعتداء‪ :‬أن َي ْع ُبدَ ه بِ َما َلم يشرع‪ ،‬و ُيثنِي عليه بِما َلم ُي ِ‬
‫نفسه وال ِ‬
‫أذ َن فيه‪.‬‬ ‫ِ‬

‫والخزي‬‫ِ‬ ‫الدعاء‪ :‬الدُّ عا ُء على المؤمنين بال َّلعنة‬ ‫‪ ‬ومن االعتداء في ُّ‬
‫السلف يف معنى المعتدين يف اآلية المتقدِّ مة‪« :‬هم ا َّل ِذين‬ ‫بعض َّ‬ ‫والهوان‪ ،‬قال ُ‬
‫هم ا ْل َعنْهم‪،‬‬
‫اخزهم‪ ،‬ال َّل َّ‬ ‫هم ِ‬ ‫يحل‪ ،‬فيقولون‪ :‬ال َّل َّ‬ ‫يدعون على المؤمنين فيما ال ُّ‬
‫«ل تَدْ ُعوا َع َلى‬ ‫ونحو ذلك»(‪ ،)1‬وجاء عن سعيد بن ُجبير يف معنى اآلية قال‪َ :‬‬
‫ك ُعدْ َوان»(‪.)2‬‬ ‫ك‪َ ،‬فإِ َّن َذلِ َ‬‫اخ ِز ِه َوا ْل َعنْ ُه َون َْح َو َذلِ َ‬ ‫والم ْؤ ِمن َِة َّ‬
‫بالش ِّر؛ ال َّل ُه َّم ْ‬ ‫المؤمن ُ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫خل باألدب‪ ،‬قال عبد‬ ‫الصوت به رف ًعا ُي ُّ‬ ‫ُّ‬
‫‪ ‬ومن االعتداء في الدعاء‪ :‬رفع َّ‬
‫ت‬‫اء اعتِدَ اء؛ يكْره ر ْفع الصو ِ‬ ‫ِ‬ ‫الملك بن عبد العزيز بن جريج‪ِ َّ :‬‬
‫«إن م َن الدُّ َع ْ ً ُ َ ُ َ ُ َّ ْ‬
‫َّضرع واالستكانة»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫ياح بالدُّ عاء‪ ،‬ويؤمر بالت ُّ‬ ‫والص ُ‬ ‫َوالنِّدَ ا ُء ِّ‬
‫محمد‬
‫للسنَّة وابتعاده عن هدي نب ِّينا َّ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان بحسب مفارقته ُّ‬ ‫وعمو ًما َّ‬
‫فإن‬
‫صلوات اهلل وسالمه عليه يكون نصي ُبه من االعتداء والتَّجاوز‪ ،‬و َمن ِلز َم َ‬
‫هدي‬ ‫ُ‬
‫وحفظ بإذن اهلل من‬‫الزلل‪ُ ،‬‬ ‫النَّبِ ِّي الكريم ‪ O‬وتق َّيد بسنَّته أمِن من َّ‬
‫الخطل‪.‬‬

‫البغوي (‪.)237/3‬‬‫ِّ‬ ‫(((  انظر‪ :‬تفسير‬


‫(((  رواه ابن أبي حاتم يف التَّفسير (‪.)8596‬‬
‫ربي (‪.)487/12‬‬ ‫(((  جامع البيان لل َّط ِّ‬
fs
---x
-E
-
7
-'
-
l. IrI4Q'JI
t41.
J'u?.
' w.Y'

- 1 - - - t' - k-
> v' -- u -
(r).t/.1..9.1-:.u-b-.z
v - - .
w w .
+ ., j

' .: 'J s o
!
; o Jo
'
o5$
....5I
z u.t'
e..o a Ik.st
'p pI
-.z
.5I
s ..*.:. uo.15IuaI;l.woJlv.t=...1..5Ij.k
:- Jlp' V ..sl
d
9J
o.kl o-.t..
..
oxl 5rbu Lx.xzJl
o I: .. r i'
..ww ..xw 5.
oIbk .
:
q. .
w,J o. uJ=l
w c7/ 1
z
à J . 3 '
r
.
Nk-zhJ o
'NL=J
'h,d'
zn.u. Q Iu.s.tp çw-
1'''11
s 41 1x'
u
t'ailu.s.'wt'o'I't'lr'> , ou.'.J
à .; .! . .,
k.s.
w .Fw o uw pupaphkxt' a.+ah
l.0=..
w-= .awa-h'qhaJ . qpvz-w)u.s.tp
ex. . . I. r
. J - J 5.
qf.
tww
.t
.wlu.. ge,j rw
I fo.wt
.o Q h . ;k)- ' î,ho
.hL=.
:Tjx.
:'.2 .j.
'4o I<sS

-
. I ug u-
.1 $ ea

...p.
.k.ha,Io. ''5huso u q..w.. al.1..4.w.wI
s-
.

='w <'
wN.tsw , ôo,, e , J uuç J .> ..
= 4'
= 1
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪126‬‬

‫وقد نقل ابن الق ِّيم ‪ V‬عن أحمد بن أبي الحوراء قال‪ :‬سمعت أبا‬
‫بالصالة على‬ ‫ِ‬
‫سليمان الدَّ اران َّي يقول‪َ « :‬من أراد أن يسأل اهلل حاجته فليبدأ َّ‬
‫الصال َة على‬ ‫فإن َّ‬‫بالصالة على النَّبِي ﷺ‪َّ ،‬‬
‫النَّبِ ِّي ﷺ وليسأل حاجته‪ ،‬وليختم َّ‬
‫ِّ‬
‫النَّبِ ِّي ﷺ مقبولةٌ‪ ،‬واهلل أكر ُم أن ير َّد ما بينهما»(‪.)1‬‬
‫َحب ا ْلجو ِامع ِمن الدُّ ع ِ‬
‫اء‬ ‫ِ‬ ‫َعن َعائِ َش َة ‪َ J‬قا َل ْت‪« :‬كَان رس ُ ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ َي ْست ُّ َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ك»‪ .‬رواه أبو داود(‪ ،)2‬وسنده صحيح على شرط مسلم‪.‬‬ ‫َو َيدَ ُع َما ِس َوى َذلِ َ‬
‫يتضمن ح ًّثا للمسلمين على أن يعنوا بدعوات النَّبِ ِّي الكريم‬ ‫َّ‬ ‫وهذا‬
‫اختصت بأنَّها أتت على المطالب‬ ‫َّ‬ ‫‪ O‬وأن يحافظوا عليها؛ ألنَّها‬
‫الرفيعة‪ ،‬إيمانًا باهلل‪ ،‬وثقة به‪ ،‬ويقينًا بما عنده ‪،F‬‬ ‫العالية والمقاصد َّ‬
‫وجمعت خير الدُّ نيا واآلخرة‪ .‬وكان ‪ O‬من أكثر دعائه قوله «ر َّبنا‬
‫آتنا يف الدُّ نيا حسنة ويف اآلخرة حسنة وقنا عذاب النَّار»‪ ،‬وهذا دعاء جامع‬
‫لخيري الدُّ نيا واآلخرة‪.‬‬
‫وأدعيته ‪ O‬عمو ًما جامعة للخير وفيها المطالب العالية‬
‫السالمة من الخطأ‪ ،‬ولو أنَّك أخذت دعاء أنشأه بعض‬ ‫والغايات النَّبيلة وفيها َّ‬
‫النَّاس أو أنشأته أنت بنفسك فال تأمن! ر َّبما يكون فيه خطأ أو اعتداء حملك‬
‫الرغبة‪ ،‬فقد يدخل اإلنسان يف شيء من األمور‬ ‫ِ‬
‫عليه زيادة الحرص وشدَّ ة َّ‬
‫يذكرها يكون فيها اعتداء وهو ال يشعر‪ ،‬لكنَّه إذا أخذ بالدُّ عاء ا َّل ِذي كان يدعو‬
‫السالمة‬
‫شامل للخير ففيه َّ‬ ‫ً‬ ‫به النَّبِ ُّي ‪ ،O‬فإنَّه إضافة إلى كونه جام ًعا‬
‫والزلل‪.‬‬
‫من الخطأ َّ‬

‫أن النَّبِ َّي ﷺ قال لها‪َ :‬‬


‫«يا عائش ُة‬ ‫وغيره(‪ )3‬من حديث عائشة َّ‬
‫الفريابي ُ‬
‫ُّ‬ ‫روى‬

‫(((  جالء األفهام (ص‪.)337‬‬


‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)1482‬‬
‫َّ‬
‫(((  ذكره ابن رجب يف جامع العلوم والحكم (‪.)533/2‬‬
‫‪127‬‬ ‫‪ -20‬شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)3‬‬

‫ت‬ ‫آج ِل ِه‪َ ،‬ما َع ِل ْم ُ‬ ‫اج ِل ِه َو ِ‬ ‫ك ِم َن ا ْلخَ ْيرِ ُك ِّل ِه َع ِ‬ ‫عليك بجوامع الدُّ عاء‪ :‬ال َّل ُه َّم إنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬ ‫ِ‬
‫ت ِم ْن ُه َو َما َل ْم‬ ‫آج ِل ِه‪َ ،‬ما َع ِل ْم ُ‬ ‫اج ِل ِه َو ِ‬ ‫الش ِّر ُك ِّل ِه َع ِ‬‫ك ِم َن َّ‬ ‫ِم ْن ُه َو َما َل ْم َأ ْع َل ْم‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫ك‬ ‫ك‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َ‬ ‫ك ِم ْن ُه ُم َح َّمدٌ َع ْبدُ َك َو َنبِ ُّي َ‬ ‫ك ِم ْن َخ ْيرِ َما َس َأ َل َ‬ ‫َأ ْع َل ْم‪ ،‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫ك ا ْل َج َّن َة َو َما َق َّر َب إِ َل ْي َها ِم ْن‬ ‫ك‪ ،‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬ ‫ِم ْن َش ِّر َما َعا َذ ِم ْن ُه َع ْبدُ َك َو َنبِ ُّي َ‬
‫ك َما‬ ‫َّار َو َما َق َّر َب إِ َل ْي َها ِم ْن َق ْو ٍل َو َع َم ٍل‪َ ،‬و َأ ْس َأ ُل َ‬ ‫ك ِم َن الن ِ‬ ‫َق ْو ٍل َو َع َم ٍل‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َق َضي َ ِ ِ‬
‫وخرجه اإلمام أحمد وابن ماجه‬ ‫ت لي م ْن َق َضاء َأ ْن ت َْج َع َل َعاق َب َت ُه َر َشدً ا»‪َّ ،‬‬ ‫ْ‬
‫وابن ِح َّبان يف صحيحه والحاكم‪ ،‬وليس عندهم ذكر جوامع الدُّ عاء(‪ ،)1‬وعند‬
‫وخرجه أبو بكر األثرم وعنده‬ ‫ِ‬
‫وذكره‪َّ .‬‬ ‫َ‬ ‫«عليك بالكوامل‪،»...‬‬ ‫أحمد والحاكم‪:‬‬
‫ك َأ ْن ت َْأ ُخ ِذي بِ َج َو ِام ِع ا ْلك َِل ِم َو َف َواتِ َحه‪ ،»...‬وذكر‬ ‫أن النَّبِي ﷺ قال لها‪« :‬ما منَع ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫هذا الدُّ عاء(‪.)2‬‬
‫أن هذا الدُّ عاء ا َّل ِذي وصفه النَّبِ ُّي ﷺ بجوامع الكالم لم يسلم‬ ‫والعجيب َّ‬
‫َ‬
‫«أسألك‬ ‫الصالحون) بعد قوله‪:‬‬ ‫الزيادة فيه!! فيزيد بعضهم‪( :‬وعبادك َّ‬ ‫نفسه من ِّ‬
‫شر ما عاذ منه عبدُ ك‬ ‫محمدٌ عبدُ ك ونب ُّيك‪ ،‬وأعوذ بك من ِّ‬ ‫سألك منه َّ‬ ‫َ‬ ‫خير ما‬ ‫مِن ِ‬
‫الزيادة استدراك على هذا الدُّ عاء الجامع الكامل‪ ،‬ومن المعلوم‬ ‫ونب ُّيك»‪ ،‬وهذه ِّ‬
‫الصالحين من عباد اهلل ليس عندهم مطالب يف أدعيتهم زائدة عن المأثور‬ ‫أن َّ‬ ‫َّ‬
‫حوت الخير ك َّله والفضل أجمعه‪.‬‬ ‫عنه ﷺ‪ ،‬إذ دعواته ‪َ O‬‬
‫َّعوذ‬
‫ويزيد بعضهم يف سؤال الجنَّة‪ :‬حورها وأشجارها وأهنارها‪ ،‬ويف الت ُّ‬
‫وغساقها؛ وهذا معدود من االعتداء يف الدُّ عاء‪،‬‬ ‫َّعوذ من حميمها َّ‬ ‫من النَّار‪ :‬الت ُّ‬
‫كما يف الحديث ا َّل ِذي رواه أحمد وأبو داود وغيرهما عن ابن سعد بن أبي‬
‫و َّقاص ‪ I‬قال‪َ :‬س ِم َعنِي َأبِي‪َ ،‬و َأنَا َأ ُق ُ‬
‫ول‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َك ا ْل َجنَّةَ‪،‬‬
‫(((  أحمد (‪ ،)25019‬وابن ماجه (‪ ،)3846‬وابن ح َّبان (‪ ،)869‬والحاكم يف مستدركه‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(‪،)1914‬‬
‫الحنبلي يف فتح الباري (‪ ،)310/9‬وقال‪« :‬وهذا إسناد جيد»‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  ذكره ابن رجب‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪128‬‬

‫َّار‪َ ،‬و َس َل ِسلِ َها‪َ ،‬و َأ ْغ َلل ِ َها‪،‬‬


‫يم َها‪َ ،‬و َب ْه َجت ََها‪َ ،‬وك ََذا‪َ ،‬وك ََذا‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َك مِ َن الن ِ‬ ‫ِ‬
‫َونَع َ‬
‫ُون َق ْو ٌم‬
‫«س َيك ُ‬ ‫ول‪َ :‬‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ ‪َ ،‬ي ُق ُ‬ ‫َوك ََذا‪َ ،‬وك ََذا»‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا ُبنَي‪ ،‬إِنِّي َس ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫يت‌ا ْل َجنَّ َة ُأ ْعطيت ََها َو َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون من ُْه ْم‪ ،‬إِن ََّك إِ ْن‌ ُأ ْعط َ‬ ‫ون فِي الدُّ ع ِ‬
‫اء»؛ َفإِ َّي َ‬
‫اك َأ ْن َت ُك َ‬ ‫َي ْعتَدُ َ‬
‫َ‬
‫الش ِّر»(‪.)1‬‬‫َّار ُأ ِع ْذ َت مِن َْها‪َ ،‬و َما فِ َيها مِ َن َّ‬‫فِ َيها مِ َن ا ْل َخ ْي ِر‪َ ،‬وإِ ْن ُأ ِع ْذ َت مِ َن الن ِ‬

‫وروى اإلمام أحمد يف المسند عن عبد اهلل بن مسعود ‪ I‬قال‪:‬‬


‫ول اهلل ِ ﷺ ُع ِّل َم َف َواتِ َح ا ْلخَ ْيرِ َو َج َو ِام َع ُه‪َ ،‬أ ْو َج َو ِام َع ا ْلخَ ْيرِ َو َف َواتِ َح ُه‬ ‫«إِ َّن َر ُس َ‬
‫َو َخ َواتِ َم ُه‪ .)2(»...‬واألحاديث يف هذا المعنى كثيرة‪ ،‬فإنَّه ﷺ ُأعطي جوامع‬
‫الصحيحين عن أبي هريرة ‪ I‬عن‬ ‫ص ببدائع الح َكم‪ ،‬كما يف َّ‬ ‫الكلم ُ‬
‫وخ َّ‬
‫ِ (‪)3‬‬ ‫ِ‬ ‫النَّبِ ِّي ﷺ قال‪ُ « :‬ب ِع ْث ُ‬
‫هري‬‫الز ُّ‬ ‫محمد بن شهاب ُّ‬ ‫ت بِ َج َوام ِع ا ْلكَلمِ» ‪ ،‬قال اإلمام َّ‬
‫أن اهلل يجمع له األمور الكثيرة ا َّلتِي كانت‬ ‫‪« :V‬جوامع الكلم فيما بلغنا‪َّ :‬‬
‫ُتكتب يف الكتب قبله يف األمر الواحد واألمرين ونحو ذلك»‪ .‬اهـ(‪.)4‬‬
‫الموج ِز القلي ِل ال َّلفظ الكثير المعاين‪،‬‬
‫َ‬ ‫وحاص ُله أنَّه ﷺ كان يتك َّلم بالكالم‬
‫الشأن يف أذكاره وأدعيته صلوات اهلل وسالمه عليه‪ ،‬كان ُيعجبه من‬ ‫وهكذا َّ‬
‫جوامع ِّ‬
‫الذكر والدُّ عاء ويدَ ع ما بين ذلك‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ذلك‬
‫ِ‬
‫األدعية النَّبو َّية ورفيع‬ ‫مسلم أن يعرف ِع َظ َم قدر‬
‫ٍ‬ ‫فالواجب على ِّ‬
‫كل‬ ‫وإ ًذا‬
‫ُ‬
‫عادة ومفاتيح الفالح يف‬ ‫مكانتها‪ ،‬وأنَّها مشتمل ٌة على مجامع الخير وأبواب الس ِ‬
‫َّ‬
‫المسلم ر َّبه مِن خير ما سأله منه عبدُ ه‬
‫ُ‬ ‫السؤال أن َ‬
‫يسأل‬ ‫فخير ُّ‬
‫ُ‬ ‫الدُّ نيا واآلخرة؛‬
‫شر ما استعاذ منه عبدُ ه‬ ‫وأفضل االستعاذة أن يستعيذ باهلل من ِّ‬‫ُ‬ ‫ورسو ُله ﷺ‪،‬‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)1483‬وأبو داود (‪،)1480‬‬
‫الصحيحة (‪.)472/3‬‬ ‫السلسلة َّ‬
‫(((  رواه أحمد (‪ ،)4160( ،)3877‬وانظر‪ِّ :‬‬
‫البخاري (‪ ،)2977‬ومسلم (‪.)523‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫الصحيح البن المل ِّقن (‪.)107/18‬‬ ‫(((  انظر‪ :‬التَّوضيح لشرح الجامع َّ‬
‫‪129‬‬ ‫‪ -20‬شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)3‬‬

‫وآخره‪،‬‬ ‫وأو َله‬ ‫ِ‬ ‫ورسو ُله ﷺ؛ َّ‬


‫َ‬ ‫فواتح الخير وخوات َمه‪ ،‬وجوام َعه‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫فإن يف ذلك‬
‫وظاهره وباطنَه‪.‬‬
‫فإن اهلل‬ ‫والسن َِّة يجدها كذلك؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫جميع األدعية الواردة يف القرآن ُّ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫و َمن يتأ َّمل‬
‫ِ‬
‫األمر‬ ‫األدعية وفواتح الخير وتمام‬ ‫ِ‬ ‫جوامع‬ ‫محمد ﷺ‬
‫َ‬ ‫‪ F‬قد اختار لنب ِّيه َّ‬
‫َ‬
‫والفضل‬ ‫العميم‬
‫َ‬ ‫الخير‬
‫َ‬ ‫المسلم هذا‬
‫ُ‬ ‫وكماله يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬فكيف يدَ ُع‬
‫أدعية أخرى‬ ‫ٍ‬ ‫العظيم ا َّل ِذي اشتملت عليه أدعي ُة النَّبِ ِّي الكريم ﷺ! و ُيقبِ ُل على‬
‫أئمة الضالل المتك ِّلفين يف الدِّ ين ما ليس منه‪،‬‬ ‫ممن ال ُتؤ َم ُن غائلتُهم من َّ‬ ‫لغيره َّ‬
‫صحت به‬ ‫ولهذا يقول الخ َّطابِ ُّي ‪« :V‬أولى ما ُيدعى به و ُيستعمل منه ما َّ‬
‫الغلط يعرض‬ ‫َ‬ ‫الصحيحة‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫الرواي ُة عن رسول اهلل ﷺ وثبت عنه باألسانيد َّ‬ ‫ِّ‬
‫وتباين مذاهبهم يف‬ ‫ِ‬ ‫كثيرا يف األدعية ا َّلتِي يختارها النَّاس الختالف معارفهم‬ ‫ً‬
‫وباب الدُّ عاء مط َّي ٌة مظنَّ ٌة للخطر‪ ،‬وما تحت قدم الدَّ اعي‬ ‫ُ‬ ‫االعتقاد واالنتحال‪،‬‬
‫العثار‪ ،‬وما‬ ‫الزلل‪ ،‬وليسلك منه الجدَ د ا َّل ِذي يؤمن معه ِ‬ ‫دحض‪ ،‬فليحذر فيه َّ‬ ‫ٌ‬
‫َ‬
‫التَّوفيق َّإل باهلل ‪ .»D‬اهـ كالمه ‪.)1(V‬‬
‫و َمن يتأ َّمل األدعي َة المأثورة ا َّلتِي جاءت يف كتاب اهلل تعالى وسنَّة رسوله‬
‫ِ‬
‫والمقاصد‬ ‫ِ‬
‫العالية‬ ‫ِ‬
‫المطالب‬ ‫والكمال والوفا َء بتحقيق‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الجمال‬ ‫ﷺ يجدُ فيها‬
‫السالمة فيها واألمان من الوقوع‬ ‫َ‬ ‫الر ِ‬
‫الكامل يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬مع َّ‬ ‫والخير‬
‫َ‬ ‫فيعة‬ ‫َّ‬
‫وحي اهلل وتنزيله‪.‬‬ ‫والزلل؛ ألنَّها معصومة من ذلك؛ وذلك ألنَّها ُّ‬ ‫يف الخطأ َّ‬
‫ِ‬
‫المحافظة على‬ ‫َّاس يف‬‫أئم َة العلم األمنا َء النَّاصحين ُير ِّغبون الن َ‬ ‫ولذا نجد َّ‬
‫االعتناء بربط النَّاس‬ ‫ِ‬ ‫األدعية المأثورة واألذكار المشروعة‪ ،‬ويعتنون تمام‬ ‫ِ‬
‫والفوز بكبير‬ ‫َ‬ ‫السالم َة والعصم َة‬ ‫ألن يف ذلك َّ‬ ‫بكتاب ر ِّبهم وسن َِّة نب ِّيهم ﷺ؛ َّ‬
‫الغنيمة‪ ،‬ومن ذلك قول اإلمام الجليل شيخ اإلسالم ابن تيم َّية ‪« :V‬وينبغي‬

‫(((  شأن الدُّ عاء للخ َّطابِ ِّي (ص‪.)2‬‬


‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪130‬‬
‫ِ‬
‫فإن ذلك ال‬ ‫الشرع َّية ا َّلتي جاء هبا الكتاب ُّ‬
‫والسنَّة؛ َّ‬ ‫للخلق أن يدعوا باألدعية َّ‬
‫صراط ا َّل ِذين أنعم اهلل عليهم‬
‫ُ‬ ‫الص ُ‬
‫راط المستقيم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وحسنه‪ ،‬وأنَّه ِّ‬
‫ريب يف فضله ُ‬
‫وحسن أولئك رفي ًقا»(‪.)1‬‬ ‫ُ‬ ‫والصالحين‬
‫والشهداء َّ‬ ‫والصدِّ يقين ُّ‬
‫من النَّب ِّيين ِّ‬
‫السنَّة والجماعة؛‬ ‫وغيره من أهل العلم أهل ُّ‬ ‫فتأ َّمل كال َم هذا اإلمام النَّاصح ِ‬
‫تفقيه الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫ِ‬ ‫وأنفاسهم يف سبي ِل‬ ‫كرسوا جهو َدهم وبذلوا أوقا َتهم‬
‫َ‬ ‫كيف أنَّهم َّ‬
‫صراط اهلل‬‫ُ‬ ‫وحسن القيام هبا؛ إذ هي‬ ‫ِ‬ ‫بالسن َِّة وربطِ ِهم بِها ودعوتِهم إلى تحقيقها‬ ‫ُّ‬
‫المستقيم وحب ُله المتين‪.‬‬
‫الشرع َّية ا َّلتِي جاء هبا‬ ‫تأ َّمل قو َله ‪« :V‬ينبغي للخلق أن يدعوا باألدعية َّ‬
‫بالحق‪ ،‬بخالف‬ ‫دق القيام‬ ‫وص َ‬ ‫للخ ْلق ِ‬ ‫ِ‬
‫َّصيحة َ‬ ‫والسنَّة» تجد فيه تما َم الن‬
‫ِّ‬ ‫الكتاب ُّ‬
‫َّاس إلى أنفسهم ويربطوهنم‬ ‫ِ‬ ‫أئم ِة َّ‬
‫الضالل ودعاة الباطل؛ فإنَّهم يدعون الن َ‬ ‫َّ‬
‫بأشخاصهم‪ ،‬فرتاهم ُينشئون للنَّاس أورا ًدا وأدعي ًة من قِ َبل أنفسهم‪ ،‬ويع ِّظمون‬
‫علون من قدرها رغب ًة يف تكثير األتباع واستقطاب المريدين‪ ،‬كما‬ ‫من شأنِها‪ ،‬و ُي َ‬
‫الجليل معاذ بن جبل ‪« :I‬إِ َّن ِم ْن َو َرائِك ُْم‌فِ َتنًا َ‌ي ْك ُث ُر‌فِ َيها‬ ‫ُ‬ ‫حابي‬
‫الص ُّ‬ ‫قال َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‌ا ْل َم ُال‪َ ،‬و ُي ْفت َُح فِ َيها ا ْل ُق ْر ُ‬
‫الر ُج ُل‪َ ،‬وا ْل َم ْر َأةُ‪،‬‬ ‫آن َحتَّى َي ْأ ُخ َذ ُه ا ْل ُم ْؤم ُن َوا ْل ُمنَاف ُق‪َ ،‬و َّ‬
‫َّاس َل‬ ‫ول‪َ :‬ما لِلن ِ‬ ‫ك َقائِ ٌل َأ ْن َي ُق َ‬ ‫وش ُ‬ ‫والص ِغير‪ ،‬وا ْل َكبِير‪ ،‬وا ْلعبدُ ‪ ،‬وا ْلحر‪َ ،‬في ِ‬
‫ُ َ َ ْ َ ُ ُّ ُ‬ ‫َ َّ ُ َ‬
‫آن؟ َما ُه ْم بِ ُم َّتبِ ِع َّي َحتَّى َأ ْبت َِد َع َل ُه ْم َغ ْي َر ُه‪َ ،‬فإِ َّياك ُْم َو َما‬ ‫َي َّتبِ ُعونِي َو َقدْ َق َر ْأ ُت ا ْل ُق ْر َ‬
‫الشريعة‪،‬‬ ‫واآلجري يف َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ا ْبت ُِد َع‪َ ،‬فإِ َّن َما ا ْبت ُِد َع َض َل َلةٌ»‪ .‬رواه أبو داود يف سننه‪،‬‬
‫وسنده صحيح(‪.)2‬‬
‫المسلم على َتمام الحذر من مثل هؤالء‪ ،‬وليحرص َتمام الحرص‬‫ُ‬ ‫فليكن‬
‫والرفعة‪ ،‬والتَّوفيق بيد اهلل وحده ال شريك له‪.‬‬
‫السالمة ِّ‬
‫السنَّة؛ ففيها َّ‬
‫على لزوم ُّ‬
‫(((  مجموع الفتاوى (‪.)346/1‬‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي موقو ًفا‪.‬‬ ‫واآلجر ُّي يف الشريعة (‪،)90‬‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)4611‬‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫‪131‬‬ ‫‪ -21‬شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)4‬‬

‫‪21‬‬

‫شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)4‬‬

‫ال َجا َب ِة‪،‬‬


‫ُون بِ ْ ِ‬ ‫عن أبي هريرة ‪ I‬عن النَّبِي ﷺ قال‪« :‬ادعوا اهَّلل و َأ ْنتُم م ِ‬
‫وقن َ‬ ‫ََ ْ ُ‬ ‫ُْ‬ ‫ِّ‬
‫ِّرمذي ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ب َغاف ٍل َله»‪ .‬رواه الت‬ ‫ِ‬ ‫يب ُد َعا ًء ِم ْن َق ْل ٍ‬ ‫َوا ْع َل ُموا َأ َّن اهَّللَ َل َي ْست ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُّ‬ ‫َج ُ‬
‫اهلل رجا َءه وأن ُيجيب دعا َءه؛ أن يدعو‬ ‫الواجب على َمن أراد أن ُيح ِّقق ُ‬ ‫َ‬ ‫إن‬‫َّ‬
‫الرجاء‬ ‫عظيم ال ِّثقة باهلل‪ ،‬شديدَ َّ‬ ‫َ‬ ‫بأن اهلل يجيب دعاءه‪ ،‬ويكون‬ ‫ر َّبه وهو موق ٌن َّ‬
‫حضور‬
‫ُ‬ ‫فيما عنده‪ .‬قال ابن رجب ‪« :V‬ومِن أعظم شرائطه ‪-‬أي‪ :‬الدُّ عاء‪-‬‬
‫ِّرمذي من حديث أبي هريرة‬ ‫ُّ‬ ‫خرج الت‬ ‫القلب ورجا ُء اإلجابة من اهلل تعالى‪ ،‬كما َّ‬
‫ال َجا َب ِة‪َ ،‬فإِ َّن اهللَ َل َي ْق َب ُل‬
‫ُون بِ ْ ِ‬
‫وقن َ‬‫‪ I‬عن النَّبِي ﷺ قال‪« :‬ادعوا اهلل و َأ ْنتُم م ِ‬
‫َ َ ْ ُ‬ ‫ُْ‬ ‫ِّ‬
‫ٍ (‪)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ُد َعا ًء ِم ْن َق ْل ٍ‬
‫ب َغاف ٍل َله» ‪ ،‬ويف المسند عن عبد اهلل بن عمرو ‪ L‬عن‬
‫ض‪َ ،‬فإِ َذا َس َأ ْلت ُُم‬‫وب َأ ْو ِع َيةٌ‪َ ،‬ف َب ْع ُض َها َأ ْو َعى ِم ْن َب ْع ٍ‬ ‫ِِ‬
‫النَّبِ ِّي ﷺ قال‪« :‬إِ َّن َهذه ا ْل ُق ُل َ‬
‫يب لِ َع ْب ٍد ُد َعا ًء ِم ْن َظ ْهرِ‬ ‫َج ُ‬ ‫ال َجا َب ِة؛ َفإِ َّن اهَّللَ َل َي ْست ِ‬
‫ُون بِ ْ ِ‬
‫وقن َ‬‫اهَّلل‪َ ،‬فاس َأ ُلوه و َأ ْنتُم م ِ‬
‫َ ْ ُ َ ْ ُ‬
‫ْت‪،‬‬ ‫ب َغافِ ٍل»(‪)3‬؛ ولهذا نُهي العبدُ أن يقول يف دعائه‪ « :‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي إِ ْن ِشئ َ‬ ‫َق ْل ٍ‬
‫َو َلكِ ْن لِ َي ْع ِز ِم ا ْل َم ْس َأ َلةَ؛ َفإِ َّن اهَّللَ َل ُم ْكرِ َه َل ُه»(‪ .)4‬ونُهي أن يستعجل ويرتك الدُّ عاء‬
‫وجعل ذلك من موانع اإلجابة‪ ،‬حتَّى ال يقطع رجا َءه من‬ ‫الستبطاء اإلجابة‪ُ ،‬‬
‫الملحين يف الدُّ عاء‪ .‬فما دام‬
‫ِّ‬ ‫يحب‬
‫ُّ‬ ‫المدَّ ة؛ فإنَّه سبحانه‬
‫إجابة دعائه ولو طالت ُ‬
‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3479‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫ِ‬
‫وحسنه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪،)3479‬‬ ‫(((  رواه الت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫(((  رواه أحمد يف مسنده (‪.)6655‬‬
‫البخاري (‪ ،)6339‬ومسلم (‪.)2679‬‬ ‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪132‬‬

‫قريب من‬
‫ٌ‬ ‫الرجاء فهو‬
‫لح يف الدُّ عاء ويطمع يف اإلجابة من غير قطع َّ‬ ‫العبدُ ُي ُّ‬
‫اإلجابة‪ ،‬ومن أد َمن َق ْر َع األبواب يوشك أن ُيفتح له»‪ .‬اهـ كالمه ‪.)1(V‬‬
‫واألمور ك ُّلها بيده ومعقود ٌة بقضائه‬ ‫ُ‬ ‫المسلم واث ًقا بر ِّبه‬
‫ُ‬ ‫وكيف ال يكون‬
‫و َقدَ ِره!! فما شاء اهلل كان كما شاء‪ ،‬يف الوقت ا َّل ِذي يشاء‪ ،‬على الوجه ا َّل ِذي‬
‫نافذ يف‬ ‫وحكمه سبحانه ٌ‬ ‫تأخر‪ُ ،‬‬ ‫يشاء‪ ،‬من غير زيادة وال نقصان وال تقدُّ م وال ُّ‬
‫والجو‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫السموات وأقطارها‪ ،‬ويف األرض وما عليها وما تحتها‪ ،‬ويف البحار‬ ‫َّ‬
‫ويصرفها و ُيحدث فيها ما يشاء‪﴿ ،‬ﯛ ﯜ‬ ‫ِّ‬ ‫وذراته‪ُ ،‬يق ِّلبها‬ ‫ويف سائر أجزاء العا َلم َّ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ﴾ [فاطر‪ ،]2 :‬أحاط‬
‫كل شيء رحم ًة وحكمة‪ ،‬له‬ ‫كل شيء عد ًدا‪ ،‬ووسع َّ‬ ‫علما‪ ،‬وأحصى َّ‬ ‫بكل شيء ً‬ ‫ِّ‬
‫لك والحمد‪ ،‬وله الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬وله النِّعمة والفضل‪،‬‬ ‫الم ُ‬‫الخلق واألمر‪ ،‬وله ُ‬ ‫ُ‬
‫كل شيء‪ ﴿ ،‬ﮐ‬ ‫كل شيء‪ ،‬ووسعت رحمتُه َّ‬ ‫وله ال َّثناء الحسن‪ ،‬شملت قدر ُته َّ‬
‫يغفره‪،‬‬ ‫ذنب أن َ‬ ‫الرحمن‪ ،]29 :‬ال يتعاظمه ٌ‬ ‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﴾ [ َّ‬
‫وجنَّهم‬ ‫أهل سماواته وأهل أرضه إنسهم ِ‬ ‫أن َ‬ ‫وال حاج ٌة ُيسألها أن يعطيها‪ ،‬لو َّ‬
‫وكبيرهم ر ْطبهم ويابسهم قاموا يف صعيد واحد‬ ‫َ‬ ‫صغيرهم‬ ‫َ‬ ‫ح َّيهم وم ِّيتَهم‬
‫ذرة‪،‬‬ ‫مما عنده مثقال َّ‬ ‫كل واحد منهم ما سأله ما نقص ذلك َّ‬ ‫فسألوه فأعطى َّ‬
‫﴿ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [يس‪.]82 :‬‬
‫العظيمة ا َّلتِي ال ُبدَّ من تو ُّفرها‬
‫ِ‬ ‫والش ِ‬
‫روط‬ ‫المهمة ُّ‬ ‫َّ‬ ‫الضوابط‬ ‫فإن من َّ‬ ‫ولهذا َّ‬
‫بقلب غاف ٍل ٍ‬
‫اله‬ ‫ٍ‬ ‫حضور قلب الدَّ اعي وعد َم غفلته؛ ألنَّه إذا دعا‬ ‫يف الدُّ عاء‪:‬‬
‫َ‬
‫الر ْخو‪ ،‬فإنَّه‬
‫شأن دعائه كالقوس ِّ‬ ‫أثره‪ ،‬وأصبح ُ‬ ‫قو ُة دعائه وض ُعف ُ‬ ‫ض ُعفت َّ‬
‫أثره‪ ،‬ولهذا‬ ‫خروجا ضعي ًفا‪ ،‬فيضعف بذلك ُ‬ ‫ً‬ ‫السهم‬ ‫إذا كان كذلك خرج منه َّ‬
‫َّحذير من الغفلة‪،‬‬ ‫الحث على حضور القلب يف الدُّ عاء‪ ،‬والت ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ورد عن النَّبِ ِّي ﷺ‬
‫مانع من موانع قبوله كما تقدَّ م‪.‬‬ ‫بأن عد َم ذلك ٌ‬ ‫واإلخبار َّ‬
‫ُ‬
‫(((  جامع العلوم والحكم (‪.)403/2‬‬
‫‪133‬‬ ‫‪ -21‬شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)4‬‬

‫فال ُبدَّ للمسلم مع الدُّ عاء مِن حضور القلب وعدم الغفلة واإليقان باإلجابة؛‬
‫ِ‬
‫القلب وعد َم‬ ‫العلم ُة ابن الق ِّيم يف كتابه الجواب الكايف(‪ :)1‬غفل َة‬
‫وقد عدَّ اإلمام َّ‬
‫واحتج على ذلك بالحديث المتقدِّ م‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫حضوره مان ًعا من موانع إجابة الدُّ عاء‪،‬‬
‫قو َته»‪ ،‬وقال‬
‫مزيل للدَّ اء‪ ،‬ولكن غفلة القلب ُتبطل َّ‬ ‫نافع ٌ‬
‫ثم قال‪« :‬وهذا دوا ٌء ٌ‬‫َّ‬
‫مع َّيتُه ب ُك ِّل َّيتِه على المطلوب‪،‬‬
‫‪« :V‬وإذا جمع مع الدُّ عاء حضور القلب وج ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الستَّة‪ :‬وهو ال ُّثلث األخير من ال َّليل‪ ،‬وعند‬ ‫وصادف وقتًا من أوقات اإلجابة ِّ‬
‫الصلوات المكتوبة‪ ،‬وعند صعود اإلمام‬
‫األذان‪ ،‬وبين األذان واإلقامة‪ ،‬وأدبار َّ‬
‫الصالة من ذلك اليوم‪ ،‬وآخر ساعة‬‫يوم الجمعة على المنرب حتَّى ُتقضى َّ‬
‫الر ِّب‪ ،‬و ُذ ًّل له‬
‫وانكسارا بين يدي َّ‬
‫ً‬ ‫بعد العصر‪ ،‬وصادف خشو ًعا يف القلب‪،‬‬
‫وتضر ًعا ِ‬
‫ور َّقةً‪ ،‬واستقبل الدَّ اعي القبلةَ‪ ،‬وكان على طهارة‪ ،‬ورفع يديه إلى اهلل‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫ثم‬‫محمد عبده ورسوله ﷺ‪َّ ،‬‬ ‫بالصالة على َّ‬ ‫وبدأ بحمد اهلل وال َّثناء عليه‪َّ ،‬‬
‫ثم ثنَّى َّ‬
‫وألح عليه يف المسألة‬
‫ثم دخل على اهلل َّ‬ ‫قدَّ م بين يدي حاجته التَّوب َة واالستغفار‪َّ ،‬‬
‫وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده‪ ،‬وقدَّ م بين يدي‬ ‫َّ‬ ‫ودعاه رغبة ورهبة‪،‬‬
‫دعائه صدقةً‪َّ ،‬‬
‫فإن هذا الدُّ عا َء ال يكاد ُير ُّد أبدً ا‪ ،‬وال س َّيما إن صادف األدعي َة‬
‫متضمنَ ٌة لالسم األعظم»‪ .‬اهـ‬ ‫ِ‬
‫اإلجابة‪ ،‬أو أنَّها‬ ‫ا َّلتِي أخرب النَّبِ ُّي ﷺ أنَّها مظنَّ ُة‬
‫ِّ‬
‫كالمه ‪.)2(V‬‬
‫«ل َي ُق ْل َأ َحدُ ك ُْم ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي إِ ْن‬ ‫عن أبي هريرة ‪ I‬عن النَّبِ ِّي ﷺ‪َ :‬‬
‫ْت ْار ُز ْقنِي إِ ْن ِشئ َ‬
‫ْت َو ْل َي ْع ِز ْم َم ْس َأ َل َت ُه إِ َّن ُه َي ْف َع ُل َما َي َشا ُء َل‬ ‫ْت ْار َح ْمنِي إِ ْن ِشئ َ‬
‫ِشئ َ‬
‫«ل َي ُقو َل َّن َأ َحدُ كُم‪ :‬ال َّل ُه َّم‬ ‫ُم ْكرِ ُه َل ُه» متَّفق عليه(‪ ،)3‬ويف لفظ عند مسلم‪ ،‬قال‪َ :‬‬

‫(((  الجواب الكايف (ص‪.)9‬‬


‫السابق (ص‪.)12‬‬‫(((  المصدر َّ‬
‫البخاري (‪ ،)7477‬ومسلم (‪.)2679‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪134‬‬

‫الم ْس َأل َة َول ُيع ِّظم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْت‪ ،‬ال َّل ُه َّم ْار َح ْمنِي إِ ْن ِشئ َ‬ ‫ا ْغ ِف ْر لِي إِ ْن ِشئ َ‬
‫ْت‪َ ،‬و َلكن ل َي ْع ِزم َ‬
‫الر ْغ َبة؛ َفإِ َّن اهللَ َت َعا َلى َل َي َت َعا َظ ُمه َش ْي ٌء َأ ْع َطاه»‪.‬‬
‫َّ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ «إِ َذا دعا َأحدُ كُم َف ْليع ِزم فِي الدُّ ع ِ‬
‫اء َو َل‬ ‫َس َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫و َع ْن َأن ٍ‬
‫َ‬ ‫ََ َ ْ َْ ْ‬
‫ْت َف َأ ْعطِنِى َفإِ َّن اهَّللَ َل ُم ْس َت ْكرِ َه َل ُه»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫َي ُق ِل ال َّل ُه َّم إِ ْن ِشئ َ‬
‫الم ْس َألة؛‬ ‫ِ‬
‫الخدري ‪ I‬قال‪« :‬إِ َذا َد َع ْوتُم اهللَ َف ْار َف ُعوا في َ‬ ‫ِّ‬ ‫وعن أبي سعيد‬
‫زموا؛ َفإِ َّن اهللَ َل ُم ْس َت ْكرِه َل ُه»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َفإِ َّن َما عنْدَ ه َل َي ْن َفدُ م ْن ُه َش ْي ٌء‪َ ،‬وإِ َذا َد َع ْوتُم َفا ْع ُ‬
‫رواه ابن أبي شيبة يف المصنَّف(‪.)2‬‬
‫يدعوه العبدُ‬ ‫فم َّما يتناىف مع تمام اإليمان باهلل وكمال توحيده سبحانه أن‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ْت»‪ ،‬أو‪:‬‬ ‫وهو غير عاز ٍم يف مسألته؛ بأن يقول يف دعائه‪« :‬ال َّل ُه َّم ْار َح ْمنِي إِ ْن ِشئ َ‬
‫ونحو ذلك‪ .‬لِما يف‬ ‫َ‬ ‫ْت»‪،‬‬ ‫ْت»‪ ،‬أو‪« :‬ال َّل ُه َّم َو ِّف ْقنِي إِ ْن ِشئ َ‬ ‫«ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي إِ ْن ِشئ َ‬
‫قة فيما عنده‪.‬‬ ‫هذا القول من إيهام االستغناء عن اهلل وعدم ال ِّث ِ‬

‫الوهاب‪ :‬هذا‬ ‫محمد بن عبد َّ‬ ‫َّ‬ ‫وقد أورد اإلمام المجدِّ د شيخ اإلسالم‬
‫الحديث يف كتاب التَّوحيد وترجم له بقوله‪« :‬باب قول‪ :‬ال َّل ُه َّم اغفر لي إن‬
‫أن عد َم العزم يف الدُّ عاء وتعلي َقه‬ ‫شئت»(‪ ،)3‬وهو‪ :‬ين ِّبه هبذه التَّرجمة إلى َّ‬
‫مما يتناىف مع التَّوحيد الواجب ا َّل ِذي ينبغي أن يكون عليه المسلم؛‬ ‫بالمشيئة َّ‬
‫الرغبة‪ ،‬وق َّل ِة‬ ‫يدل على ٍ‬
‫فتور يف َّ‬ ‫شئت» ُّ‬ ‫َ‬ ‫قول القائلِ‪« :‬ال َّل ُه َّم اغفر لي إن‬
‫ألن َ‬ ‫َّ‬
‫وإل‬‫حصل َّ‬ ‫َ‬ ‫المطلوب إن‬
‫َ‬ ‫أن هذا‬‫يتضمن َّ‬‫َّ‬ ‫َّ‬
‫وكأن هذا القول‬ ‫اهتما ٍم يف ال َّطلب‪،‬‬
‫واالضطرار ا َّل ِذي‬
‫ُ‬ ‫االفتقار‬
‫ُ‬ ‫استغنى عنه‪ ،‬و َمن كان هذه حاله َلم يتح َّقق من حاله‬
‫دليل على ق َّلة معرفته بذنوبه وسوء عاقبتها‬ ‫روح العبادة و ُل ُّبها‪ ،‬وكان ذلك ً‬ ‫هو ُ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2678‬‬
‫(((  رواه ابن أبي شيبة يف المصنَّف (‪.)29368‬‬
‫(((  كتاب التَّوحيد (ص‪.)126‬‬
‫‪135‬‬ ‫‪ -21‬شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)4‬‬
‫ِ‬
‫وضعف يقينه باهلل ‪ D‬وإجابته‬ ‫وشدَّ ِة احتياجه إليه‪،‬‬
‫وق َّلة معرفته برحمة ربه‪ِ ،‬‬
‫ِّ‬
‫للدُّ عاء‪.‬‬
‫ليج ِزم يف طلبته‪ ،‬ويح ِّقق‬ ‫ولهذا قال يف الحديث‪« :‬ول َي ِ‬
‫عزم المسألةَ»‪ ،‬أي‪ْ :‬‬
‫دل على علمه بعظيم ما يطلب من‬ ‫رغبته‪ ،‬ويتي َّقن اإلجابة؛ فإنَّه إذا فعل ذلك َّ‬
‫محتاج‬
‫ٌ‬ ‫مضطر إليه‪ ،‬وعلى أنَّه‬
‫ٌّ‬ ‫مفتقر إلى ما يطلب‬
‫ٌ‬ ‫والرحمة‪ ،‬وعلى أنَّه‬
‫المغفرة َّ‬
‫مفتقر إليه‪ ،‬ال يستغني عن مغفرته ورحمته طرف َة عين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫إلى اهلل‬
‫لح يف الدُّ عاء‪ ،‬وال‬ ‫الواجب على المسلم إذا دعا اهلل أن يجتهدَ و ُي َّ‬ ‫َ‬ ‫ولهذا َّ‬
‫فإن‬
‫وصدق‪،‬‬ ‫شئت» كالمستثنِي‪ ،‬بل يدعو دعاء البائس الفقير؛ بإلحاحٍ ‪ِ ،‬‬ ‫َي ُقل‪« :‬إن َ‬
‫َ‬
‫وجدٍّ ‪ ،‬واجتهاد‪ ،‬مع ال ِّثقة الكاملة باهلل وال َّطمع فيما عنده‪ ،‬وحسن ال َّظ ِّن به‬ ‫ِ‬
‫«أنَا ِعنْدَ َظ ِّن َع ْب ِدي بِي‬ ‫سبحانه‪ ،‬وهو ‪ C‬يقول كما يف الحديث القدسي‪َ :‬‬
‫ِّ‬
‫البخاري ومسلم يف صحيحهما ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ُّ‬ ‫َو َأنَا َم َع ُه إِ َذا َذك ََرنِي»‪ .‬أخرجه‬
‫َّاس ك َُّل ُج ُم َع ٍة َم َّرةً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫«حدِّ ث الن َ‬ ‫اس ‪َ L‬ق َال‪َ :‬‬ ‫َو َع ْن ِع ْك ِر َم َة َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫ِ‬ ‫ت َفمر َتي ِن‪َ ،‬فإِ ْن َأ ْك َثر َت َف َث َل َ ِ‬
‫آن‪َ ،‬و َل‬ ‫َّاس َه َذا ا ْل ُق ْر َ‬ ‫ث م َر ٍار‪َ ،‬و َل تُم َّل الن َ‬ ‫ْ‬ ‫َفإِ ْن َأ َب ْي َ َ َّ ْ‬
‫يث ِم ْن َح ِديثِ ِه ْم َف َت ُق ُّص َع َل ْي ِه ْم‪َ ،‬ف َت ْق َط ُع َع َل ْي ِه ْم‬ ‫َّك ت َْأتِي ا ْل َقوم وهم فِي ح ِد ٍ‬
‫َ‬ ‫َْ َ ُ ْ‬ ‫ُأ ْل ِف َين َ‬
‫وك َف َحدِّ ْث ُه ْم َو ُه ْم َي ْشت َُهو َن ُه‪َ ،‬فا ْن ُظرِ‬ ‫ت‪َ ،‬فإِ َذا َأ َم ُر َ‬ ‫َح ِدي َث ُه ْم َفت ُِم ُّل ُه ْم‪َ ،‬و َلكِ ْن َأن ِْص ْ‬
‫ول اهلل ﷺ َو َأ ْص َحا َب ُه َل َي ْف َع ُل َ‬
‫ون‬ ‫اجتَن ِ ْب ُه‪َ ،‬فإِنِّي َع ِهدْ ُت َر ُس َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ْج َع م َن الدُّ َعاء َف ْ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِ َّل َذلِ َ‬
‫البخاري(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫َاب‪ .‬رواه‬ ‫ون إِ َّل َذل َك ال ْجتن َ‬ ‫ك»‪ ،‬أي‪َ :‬ل َي ْف َع ُل َ‬
‫ف‬ ‫الس ْجع يف الدُّ عاء‪ ،‬وتك ُّل ُ‬ ‫ف َّ‬ ‫مِ َّما ينبغي للمسلم تجنُّ ُبه يف دعائه‪ :‬تك ُّل ُ‬
‫«باب‬
‫البخاري‪ :‬يف كتاب الدَّ عوات من صحيحه‪ُ :‬‬ ‫ُّ‬ ‫صنعة الكالم له‪ ،‬قال اإلمام‬
‫والس ْج ُع‪ :‬هو الكالم المق َّفى من غير مراعاة‬ ‫الس ْجع يف الدُّ عاء»‪َّ ،‬‬ ‫ما ُيكره من َّ‬
‫البخاري (‪ ،)7405‬ومسلم (‪.)2675‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫البخاري (‪.)6337‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪136‬‬

‫أمر مكروه‪َ ،‬لم يكن عليه النَّبِ ُّي ﷺ وال أحدٌ من‬
‫وزن‪ ،‬وتك ُّلف ذلك يف الدُّ عاء ٌ‬
‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ وأصحا َبه‬ ‫عهدت‬
‫ُ‬ ‫أصحابه‪ ،‬ولهذا قال ابن ع َّباس ‪« :L‬فإنِّي‬
‫األزهري ‪« :V‬وإنَّما كرهه ﷺ‬
‫ُّ‬ ‫ال يفعلون َّإل ذلك»‪ ،‬أي‪ :‬االجتناب‪ ،‬قال‬
‫قصة المرأة من ُهذيل»(‪.)1‬‬
‫الكهان‪ ،‬كما يف َّ‬
‫لمشاكلته كالم َّ‬
‫القرطبي‬
‫ُّ‬ ‫الس ْجع يف الدُّ عاء يف جملة موانع اإلجابة‪ ،‬قال‬
‫ف َّ‬‫ولذا عُدَّ تك ُّل ُ‬
‫والسنَّة فيتخ َّير ألفا ًظا ُم َف َّقرة‬
‫‪« :V‬ومنها‪ :‬أن يدعو بما ليس من الكتاب ُّ‬
‫معول عليها‪ ،‬فيجعلها‬ ‫مسجع ًة قد وجدها يف كراريس ال أصل لها وال َّ‬
‫وكلمات َّ‬
‫شعاره‪ ،‬ويرتك ما دعا به رسوله ﷺ‪ُّ ،‬‬
‫وكل هذا يمنع من استجابة الدُّ عاء»(‪.)2‬‬ ‫َ‬
‫والس ْج ُع المذمو ُم‪ :‬هو المتك َّلف ا َّل ِذي يجتهد صاح ُبه يف تصنُّعه‪ ،‬فيشغله‬
‫َّ‬
‫الضراعة واالفتقار‪ ،‬فأ َّما إن ُوجد‬
‫ذلك عن اإلخالص والخشوع‪ ،‬و ُيلهيه عن َّ‬
‫وحصل بال تصنُّع وال تك ُّلف ومِن غير ٍ‬
‫قصد إليه فال بأس به‪.‬‬
‫القلب‬
‫َ‬ ‫فاريني ‪« :V‬وال يتك َّلف َّ‬
‫الس ْجع يف الدُّ عاء‪ ،‬فإنَّه ُيشغل‬ ‫ُّ‬ ‫الس‬
‫قال َّ‬
‫بدعوات محفوظة معه له أو لغيره من غير تك ُّلف‬ ‫ٍ‬ ‫الخشوع‪ ،‬وإن دعا‬ ‫و ُيذهب‬
‫َ‬
‫سج ٍع فليس بممنوع»(‪.)3‬‬
‫الس ْجع‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪ :‬يف شرحه لحديث ابن ع َّباس المتقدِّ م يف ذ ِّم َّ‬
‫ألن ذلك كان‬ ‫الصحيحة؛ َّ‬ ‫يف الدُّ عاء‪« :‬وال َي ِرد على ذلك ما وقع يف األحاديث َّ‬
‫قصد إليه؛ وألجل هذا يجيء يف غاية االنسجام‪ ،‬كقوله ﷺ يف‬ ‫يصدر من غير ٍ‬
‫األحز ِ‬
‫َاب»(‪ ،)4‬وكقوله‬ ‫نزل الكتاب‪ ،‬سرِيع ِ‬
‫الح َساب‪َ ،‬ه ِ‬ ‫الجهاد‪« :‬ال َّل ُه َّم ُم َ‬
‫ازم ْ‬ ‫َ‬
‫(((  انظر‪ :‬فتح الباري (‪.)139/11‬‬
‫للقرطبي (‪.)226/7‬‬
‫ِّ‬ ‫(((  الجامع ألحكام القرآن‬
‫فاريني (‪.)409/1‬‬
‫ِّ‬ ‫للس‬
‫(((  غذاء األلباب َّ‬
‫البخاري (‪ ،)2933‬ومسلم (‪.)1742‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪137‬‬ ‫‪ -21‬شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)4‬‬
‫ك ِم ْن َع ٍ‬
‫ين‬ ‫«صدَ ق َو ْعدَ ه َو َأ َع َّز ُجنْدَ ه‪ .)1(»...‬الحديث‪ ،‬وكقوله‪َ :‬‬
‫«أ ُعو ُذ بِ َ‬ ‫ﷺ‪َ :‬‬
‫س َل ت َْش َبع‪َ ،‬و َق ْل ٍ‬
‫ب َل َيخْ َشع»(‪ ،)2‬وك ُّلها صحيحة»(‪.)3‬‬ ‫َل تَدْ َم ُع‪َ ،‬و َن ْف ٍ‬

‫وحسنه‬
‫َّ‬ ‫(((  روى نحوه أبو داود (‪ ،)4547‬والنَّسائِ ُّي (‪ ،)4799‬وابن ماجه (‪،)2628‬‬
‫األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪ )2722‬بلفظ مقارب‪.‬‬
‫(((  فتح الباري (‪.)139/11‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪138‬‬

‫‪22‬‬

‫شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)5‬‬

‫ب َل‬ ‫َّاس إِ َّن اهللَ َط ِّي ٌ‬


‫«أ ُّي َها الن ُ‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪َ :‬‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين‪َ ،‬ف َق َال‪﴿ :‬ﮡ ﮢ‬ ‫ين بِ َما َأ َم َر بِه ا ْل ُم ْر َسل َ‬
‫َي ْق َب ُل إِ َّل َط ِّي ًبا‪َ ،‬وإِ َّن اهللَ َأ َم َر ا ْل ُم ْؤمن َ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [المؤمنون‪َ ،]51 :‬و َق َال‪﴿ :‬ﭽ‬
‫يل‬ ‫الر ُج َل ُيطِ ُ‬ ‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [البقرة‪ُ ،]172 :‬ث َّم َذك ََر َّ‬
‫ث َأ ْغبر يمدُّ يدَ ي ِه إِ َلى السم ِ‬
‫اء‪َ :‬يا َر ِّب َيا َر ِّب‪َ ،‬و َم ْط َع ُم ُه َح َرا ٌم َو َم ْش َر ُب ُه‬ ‫َّ َ‬ ‫الس َف َر َأ ْش َع َ َ َ َ ُ َ ْ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك؟!»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫اب ل َذل َ‬‫ي بِا ْل َح َرا ِم َف َأنَّى ُي ْست ََج ُ‬‫َح َرا ٌم َو َم ْل َب ُس ُه َح َرا ٌم َو ُغذ َ‬
‫ِ‬
‫الرسول ﷺ‪ ،‬وقد جمع فيه صلوات اهلل‬ ‫ُيعدُّ هذا الحديث من جوام ِع كَلم َّ‬
‫وسالمه عليه جمل ًة ط ِّيب ًة من آداب الدُّ عاء‪ ،‬وشروط قبوله‪ ،‬واألمور المانعة‬
‫ِ‬
‫من القبول‪ ،‬وقد بدأه ‪ O‬باإلشارة إلى خطورة أك ِل الحرام وأنَّه ٌ‬
‫مانع‬
‫سبب من‬‫أن إطاب َة المطعم ٌ‬ ‫من موانع قبول الدُّ عاء‪ .‬ومفهوم المخالفة لذلك‪َّ :‬‬
‫يستجيب‬
‫َ‬ ‫سره أن‬
‫وهب بن من ِّبه ‪َ « :V‬م ْن َّ‬ ‫ُ‬ ‫أسباب قبول الدُّ عاء‪ ،‬كما قال‬
‫طب ُط ْع َمتَه»(‪ ،)2‬و َل َّما سئل سعدُ بن أبي و َّقاص ‪ I‬قيل له‪:‬‬ ‫اهلل َد ْعو َته فل ُي ْ‬
‫ُ‬
‫رفعت إلى فمي ُلقم ًة َّإل وأنا عال ِ ٌم من أين مجي ُئها‬
‫ُ‬ ‫تستجاب دعوتك؟ قال‪« :‬ما‬
‫ومن أين خرجت»(‪.)3‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)1015‬‬


‫(((  جامع العلوم والحكم (‪.)275/1‬‬
‫(((  المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪139‬‬ ‫‪ -22‬شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)5‬‬
‫َّغذي به‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫وشربه و ُل َ‬
‫بسه والت ِّ‬ ‫أ َّما من استمرأ ‪-‬والعياذ باهلل‪َ -‬‬
‫أكل الحرام ُ‬
‫إجابة دعوته‪ ،‬ولهذا قال ‪ O‬يف‬ ‫ِ‬ ‫فع َله هذا يكون سب ًبا موج ًبا لعدم‬
‫اب ل ِ َذل ِ َك؟!»‪ ،‬أي‪ :‬كيف ُيستجاب له؟! فهو استفها ٌم‬ ‫الحديث‪َ « :‬ف َأنَّى ُي ْست ََج ُ‬
‫المحرمات‬
‫َّ‬ ‫ارتكاب‬
‫ُ‬ ‫أيضا‬
‫َّعجب واالستبعاد‪ .‬وقد يكون ً‬ ‫وقع على وجه الت ُّ‬
‫السلف‪« :‬ال‬ ‫اإلجابة‪ ،‬وكذلك ُ‬‫ِ‬
‫ترك الواجبات‪ ،‬كما قال بعض َّ‬ ‫الفعل َّية مان ًعا من‬
‫سددت ُطر َقها بالمعاصي»(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫تستبطئ اإلجاب َة وقد‬
‫فإن توب َة العبد إلى ر ِّبه‪ ،‬و ُبعدَ ه عن معاصيه‪ ،‬وإقبا َله على طاعته‬
‫ولهذا َّ‬
‫وانكساره بين يديه‪ ،‬و ُذ َّله وخضو َعه‬
‫َ‬ ‫وعبادته‪ ،‬وإطابتَه لمطعمه ومشربِه وملبسه‪،‬‬
‫ِ‬
‫إجابة الدُّ عاء‪ ،‬وأضدا ُد‬ ‫كل ذلك من موجبات القبول ومن أسباب‬ ‫له سبحانه؛ ُّ‬
‫الر ِّد‪.‬‬
‫ذلك من موجبات َّ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫عظيمة لقبو ِل‬
‫ٍ‬ ‫املتقدم أربعة أسباب‬
‫ِ‬ ‫‪ ‬لقد ذكر رسول هللا ﷺ في الحديث‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫الدعاء تقت�ضي إجابته‪:‬‬
‫بمجرده يقتضي إجاب َة الدُّ عاء‪ ،‬كما يف حديث‬ ‫َّ‬ ‫والسفر‬
‫السفر؛ َّ‬ ‫أحدها‪ :‬إطالة َّ‬
‫ك فِ ِ‬
‫يه َّن‪َ :‬د ْع َو ُة‬ ‫ات َل َش َّ‬
‫ات ُم ْست ََجا َب ٌ‬ ‫ث دعو ٍ‬
‫أبي هريرة عن النَّبِ ِّي ﷺ‪َ « :‬ث َل ُ َ َ َ‬
‫ا ْل َم ْظ ُلومِ‪َ ،‬و َد ْع َو ُة ا ْل ُم َسافِرِ‪َ ،‬و َد ْع َو ُة ا ْل َوالِ ِد لِ َو َل ِد ِه»‪ .‬رواه أبو داود وابن ماجه‬
‫ِّرمذي‪« :‬ودعوة الوالد على ولده»‪ .‬ومتى‬ ‫ِّ‬ ‫ِّرمذي بإسناد حسن(‪ ،)2‬ولفظ الت‬ ‫ُّ‬ ‫والت‬
‫حصول انكسار النَّفس‬ ‫ِ‬ ‫إجابة الدُّ عاء؛ ألنَّه مظِنَّ ُة‬‫ِ‬ ‫أقرب إلى‬
‫َ‬ ‫فر كان‬ ‫الس ُ‬‫طال َّ‬
‫واالنكسار من أعظم أسباب‬ ‫ِّ‬
‫المشاق‪،‬‬ ‫وتحم ِل‬ ‫ربة عن األوطان‬ ‫بطول ال ُغ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫إجابة الدُّ عاء‪.‬‬
‫أيضا من مقتضيات‬ ‫متواض ًعا ُمتذ ِّل ًل مستكينًا؛ فهذا ً‬ ‫ِ‬ ‫الثاني‪ :‬أن يكون‬
‫َّ‬

‫الجوزي (ص‪.)221‬‬
‫ِّ‬ ‫(((  صيد الخاطر البن‬
‫ِ‬
‫وحسنه األلبان ُّي‪.‬‬
‫ِّرمذي (‪ ،)1905‬وابن ماجه (‪َّ ،)3862‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)1536‬والت‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪140‬‬

‫ث َمدْ ُفو ٍع‬ ‫«ر َّب َأ ْش َع َ‬ ‫اإلجابة كما يف الحديث المشهور عن النَّبِ ِّي ﷺ قال‪ُ :‬‬
‫اب َل ْو َأ ْق َس َم َع َلى اهَّلل َلَ َب َّر ُه»‪ .‬رواه مسلم(‪ ،)1‬وعن ابن ع َّباس ‪L‬‬
‫ِ‬ ‫بِ ْالَ ْب َو ِ‬
‫َل َّما ُسئل عن صالة رسول اهلل ﷺ يف االستسقاء؟ قال‪« :‬خرج رسول اهلل ﷺ‬
‫وغيره(‪.)2‬‬ ‫تضر ًعا‪ .»...‬الحديث رواه أبو داود ُ‬ ‫متبذ ًل متواض ًعا ُم ِّ‬ ‫ِّ‬
‫السماء؛ وهو مِن آداب الدُّ عاء ا َّلتِي ُيرجى بسببها‬
‫َّ‬
‫الثالث‪ :‬مدُّ اليدين إلى َّ‬
‫الفارسي ‪ I‬عن النَّبِ ِّي ﷺ‬ ‫ِّ‬ ‫إجابته‪ ،‬ففي سنن أبي داود وغيره عن سلمان‬
‫يم‪َ ،‬ي ْست َْحيِي ِم ْن َع ْب ِد ِه إِ َذا َر َف َع إِ َل ْي ِه َيدَ ْي ِه َأ ْن َي ُر َّد ُه َما ِص ْف ًرا‬
‫قال‪« :‬إِ َّن اهَّللَ َحيِ ٌّي َكرِ ٌ‬
‫َخائِ َب َت ْي ِن»(‪.)3‬‬
‫الرابع‪ :‬اإللحاح على اهلل بتكرير ذكر ربوب َّيته؛ وهو من أعظم ما يطلب به‬ ‫َّ‬
‫مرات‬‫رب ثالث َّ‬
‫رب يا ِّ‬
‫إجابة الدُّ عاء‪ ،‬روي عن عطاء أنَّه قال‪« :‬ما قال عبدٌ يا ِّ‬
‫ثم تال قوله‬
‫للحسن فقال‪ :‬أ َّما تقرؤون القرآن؟ َّ‬
‫فذكر ذلك َ‬ ‫اهلل إليه‪ُ ،‬‬
‫َّإل نَظر ُ‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ‬
‫ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [آل عمران‪ .»]195-191 :‬رواه أبو نعيم يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحلية(‪ .)4‬ولهذا؛ َّ‬
‫غالب األدعية المذكورة يف القرآن مفتتح ٌة باسم ِّ‬
‫الرب‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فإن‬
‫رب كما‬ ‫ولهذا َل َّما ُسئل مالك‪َّ :‬‬
‫عمن يقول يف الدُّ عاء يا س ِّيدي‪ ،‬قال‪« :‬يقول‪ :‬يا ِّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2622‬‬
‫ِ‬
‫وحسنه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ِّرمذي (‪ ،)558‬والنَّسائ ُّي (‪،)1508‬‬‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)1165‬والت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪،)3556‬‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)1488‬والت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫(((  حلية األولياء ألبي نعيم (‪.)313/3‬‬
‫‪141‬‬ ‫‪ -22‬شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)5‬‬

‫قالت األنبياء يف دعائهم»(‪.)1‬‬


‫عظيمة إلجابة الدُّ عاء انتظمها قول النَّبِ ِّي ﷺ يف ذلك‬ ‫ٍ‬ ‫فهذه أربعة أسباب‬
‫ث َأ ْغبر يمدُّ يدَ ي ِه إِ َلى السم ِ‬ ‫«يطِ ُ‬
‫اء‪َ :‬يا َر ِّب َيا َر ِّب»‪ ،‬ومع‬ ‫َّ َ‬ ‫الس َف َر َأ ْش َع َ َ َ َ ُ َ ْ‬ ‫يل َّ‬ ‫الرجل ُ‬ ‫َّ‬
‫وملبسه‬
‫َ‬ ‫مطعمه حرا ٌم‬ ‫َ‬ ‫ذلك استبعد صلوات اهلل وسالمه عليه إجاب َة دعائه؛ َّ‬
‫ألن‬
‫حرا ٌم‪ ،‬و َمشر َبه حرا ٌم‪ ،‬و ُغذي بالحرام‪ ،‬فكيف ُيستجاب ل ِ َمن كانت هذه حاله!‬
‫ستعن‬ ‫ولهذا فليتق اهلل عبدُ اهلل المؤمن يف طعامه وشرابه وسائر شؤونه‪ ،‬ولي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫باهلل على ذلك‪ ،‬فالتَّوفيق بيده وحده‪.‬‬
‫ول‪« :‬ال َّل ُه َّم‬ ‫«س ِم َعنِي َأبِي َو َأنَا َأ ُق ُ‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫اص ‪َ I‬‬ ‫ابن ل ِ َس ْع ِد ْب ِن َأبِي َو َّق ٍ‬ ‫َو َع ْن ٍ‬
‫َّار َو َس َل ِس ِل َها‬ ‫ك ِم َن الن ِ‬ ‫يم َها َو َب ْه َجت ََها َوكَذا َوكَذا‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َ‬ ‫ِ‬ ‫إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫ك ا ْل َجنَّ َة َونَع َ‬
‫ُون‬
‫«س َيك ُ‬ ‫ول‪َ :‬‬ ‫ول اهلل َي ُق ُ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫«يا ُبن ََّي‪ ،‬إِنِّي َس ِم ْع ُ‬ ‫ِ‬
‫َو َأ ْغ َلل َها َوك ََذا َوك ََذا»‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬
‫يت ا ْل َجنَّ َة ُأ ْعطِيت ََها‬ ‫َّك إِ ْن ُأ ْعطِ َ‬
‫ُون ِمن ُْه ْم؛ إِن َ‬
‫اك َأ ْن َتك َ‬ ‫ون فِي الدُّ ع ِ‬
‫اء»‪َ ،‬فإِ َّي َ‬ ‫َ‬ ‫َق ْو ٌم َي ْعتَدُ َ‬
‫الش ِّر»‪ .‬رواه‬ ‫َّار ُأ ِع ْذ َت ِمن َْها َو َما فِ َيها ِم َن َّ‬ ‫َو َما فِ َيها ِم َن ا ْلخَ ْيرِ‪َ ،‬وإِ ْن ُأ ِع ْذ َت ِم َن الن ِ‬
‫أحمد وأبو داود(‪.)2‬‬
‫ومث ُله ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم عن عبد اهلل بن مغ َّفل‬
‫ين ا ْل َجن َِّة إِ َذا‬
‫‪ I‬أنَّه سمع ابنَه يقول‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َك ال َق ْص َر ْالَ ْب َي َض َع ْن َي ِم ِ‬
‫ول‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫َّار‪َ ،‬فإِنِّي َس ِم ْع ُ‬
‫ي ُبنَي‪َ ،‬س ِل اهللَ ا ْل َجنَّ َة َو َت َع َّو ْذ بِ ِه ِم َن الن ِ‬ ‫َ‬
‫َد َخ ْلت َُها»‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬أ ْ َّ‬
‫اء»(‪.)3‬‬ ‫ور والدُّ ع ِ‬
‫ون في ال ُّط ُه ِ َ َ‬
‫ُون فِي ه ِذ ِه ْالُم ِة َقوم يعتَدُ َ ِ‬
‫َّ ْ ٌ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫«س َيك ُ‬‫ول‪َ :‬‬‫اهلل ِ ﷺ َي ُق ُ‬
‫إن دعوات النَّبِ ِّي الكريم ‪ O‬أتت جامع ًة للخير ك ِّله؛ ففيها‬ ‫َّ‬
‫السالمة من الخطأ‪ .‬وإذا كانت هبذا‬‫المطالب العالية والغايات النَّبيلة وفيها َّ‬
‫(((  انظر‪ :‬جامع العلوم والحكم (‪.)274/1‬‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)1483‬وأبو داود (‪،)1480‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)16796‬وابن ماجه (‪،)3864‬‬
‫َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪142‬‬

‫الوصف فال يسوغ أن ُيدخل اإلنسان يف هذه الدَّ عوات الجامعة تفاصيل‬
‫تضمنته دعواته ‪ ،O‬ويتَّضح‬ ‫َّ‬ ‫ُتنقص من هذه المعنى العظيم ا َّلتِي‬
‫فصل ابن سعد‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي‬ ‫ِ‬
‫هذا بالمثال ا َّلذي ورد يف هذا الحديث‪ ،‬فعندما َّ‬
‫َّار َو َس َل ِس ِل َها‬ ‫ك ِم َن الن ِ‬ ‫يم َها َو َب ْه َجت ََها َوكَذا َوكَذا‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َ‬ ‫ِ‬
‫ك ا ْل َج َّن َة َونَع َ‬ ‫َأ ْس َأ ُل َ‬
‫ول‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫«يا ُبن ََّي‪ ،‬إِنِّي َس ِم ْع ُ‬ ‫َو َأ ْغ َلل َها َوك ََذا َوك ََذا»‪ ،‬قال له والده سعد ﷺ‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫َّك إِ ْن‬‫ُون ِمن ُْه ْم؛ إِن َ‬‫اك َأ ْن َتك َ‬ ‫ون فِي الدُّ ع ِ‬
‫اء»‪َ ،‬فإِ َّي َ‬ ‫َ‬ ‫ُون َق ْو ٌم َي ْعتَدُ َ‬ ‫«س َيك ُ‬ ‫ول‪َ :‬‬ ‫اهلل َي ُق ُ‬
‫َّار ُأ ِع ْذ َت ِمن َْها َو َما‬
‫يت ا ْل َج َّن َة ُأ ْعطِيت ََها َو َما فِ َيها ِم َن ا ْلخَ ْيرِ‪َ ،‬وإِ ْن ُأ ِع ْذ َت ِم َن الن ِ‬
‫ُأ ْعطِ َ‬
‫محذ ًرا له أن يكون من هؤالء ا َّل ِذين يعتدون يف دعائهم‪ ،‬مرشدً ا‬ ‫الش ِّر»؛ ِّ‬ ‫فِ َيها ِم َن َّ‬
‫له الى العناية بدعوات النَّبِ ِّي يف شمولها وجمع َّيتها للخير ك ِّله دون أن يدخل يف‬
‫هذه التَّفاصيل ا َّلتِي ُتدخله يف جملة المعتدين بالدُّ عاء‪.‬‬
‫الزيادة المستقيمة من حيث‬
‫وإذا كان سعد قال ما قاله البنه ألجل تلك ِّ‬
‫شرا من‬
‫تتضمن ًّ‬
‫َّ‬ ‫بمن يف أيديهم أدعية فيها تفاصيل‬ ‫المعنى‪ ،‬فكيف َّ‬
‫الشأن َ‬
‫ٍ‬
‫ألفاظ شرك َّية أو كلمات بدع َّية أو مخالفات لهدي النَّبِ ِّي الكريم ‪!O‬‬
‫أن يف األ َّمة كما أخرب النَّبِي ‪S‬‬
‫أن المسلم ينبغي له أن يعلم َّ‬
‫الحاصل َّ‬
‫ُّ‬
‫َمن سيعتدي يف الدُّ عاء؛ فليحذر أن يكون من هؤالء‪ ،‬واالعتداء يف الدُّ عاء من‬
‫«م ْن َع ِم َل‬
‫موجبات َر ِّده‪ ،‬ويكفي يف ذلك قول النَّبِ ِّي الكريم ‪َ :O‬‬
‫َع َم ًل َل ْي َس َع َل ْي ِه َأ ْم ُرنَا َف ُه َو َر ٌّد»‪ ،‬أي‪ :‬مردود على صاحبه غير مقبول منه‪.‬‬
‫لقد أخرب صلوات اهلل وسالمه عليه أنَّه سيكون قو ٌم من أ َّمته يعتدون يف‬
‫ذر من الوقوع يف شيء‬ ‫وح ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الدُّ عاء ناه ًيا عن ذلك‪ ،‬وليكون المسلمون يف َحيطة َ‬
‫المة من ذلك َّإل بلزوم السنَّة واقتفاء آثار الر ِ‬
‫سول‬ ‫منه‪ ،‬وال سبيل إلى الس ِ‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﷺ‪ ،‬كما قال ‪َ « :O‬فإِ َّن ُه َم ْن َيع ْش منْك ُْم َب ْعدى َف َس َي َرى ْ‬
‫اخت َل ًفا‬
‫ين‪ ،‬ت ََم َّسكُوا بِ َها َو َع ُّضوا‬ ‫اء ا ْلمه ِديين ِ ِ‬
‫كَثِيرا‪َ ،‬فع َليكُم بِسنَّتِى وسن َِّة ا ْلخُ َل َف ِ‬
‫الراشد َ‬ ‫َ ْ ِّ َ َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫ً َ ْ ْ ُ‬
‫‪143‬‬ ‫‪ -22‬شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)5‬‬

‫ور‪َ ،‬فإِ َّن ك َُّل ُم ْحدَ َث ٍة بِدْ َعةٌ‪َ ،‬وك َُّل بِدْ َع ٍة‬ ‫اج ِذ‪ ،‬وإِياكُم ومحدَ َث ِ‬
‫ات ْالُ ُم ِ‬ ‫َع َل ْي َها بِالن ََّو ِ َ َّ ْ َ ُ ْ‬
‫َض َل َلةٌ»(‪.)1‬‬
‫واسع؛ إذ هو كما تقدَّ م تعري ُفه‪ :‬تجاوز ما ينبغي‬
‫ٌ‬ ‫باب‬ ‫َّ‬
‫إن االعتدا َء يف الدُّ عاء ٌ‬
‫َّبوي الكريم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قتصر عليه‪ .‬وعلى هذا ُّ‬
‫للسنَّة ومفارقة للهدي الن ِّ‬
‫فكل مخالفة ُّ‬ ‫أن ُي َ‬
‫متنوع ٌة وكثير ٌة ال يجمعها‬
‫أن المخالفات ِّ‬ ‫يف الدُّ عاء ُيعدُّ اعتدا ًء‪ .‬ومن المعلوم َّ‬
‫ِ‬
‫االعتداء ما يبلغ حدَّ الكفر‪،‬‬ ‫فمن‬‫أيضا متفاوت ٌة يف خطورهتا‪ِ ،‬‬
‫ثم هي ً‬ ‫نوع واحد‪َّ ،‬‬
‫ٌ‬
‫ومنها ما هو دون ذلك‪.‬‬
‫لسنَّة النَّبِ ِّي ﷺ و ُبعده عن هديه يكون‬
‫أن العبد بحسب مفارقته ُ‬ ‫والحاصل َّ‬
‫هدي النَّبِ ِّي الكريم ‪ O‬وتق َّيد‬ ‫نصي ُبه من االعتداء يف الدُّ عاء‪ ،‬و َمن ِلز َم َ‬
‫ِ‬
‫بسنَّته أمن الخطأ وتح َّققت له َّ‬
‫السالمة‪.‬‬ ‫ُ‬

‫ِّرمــذي (‪ ،)2676‬وابــن ماجــه‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه أحمــد (‪ ،)17144‬وأبــو داود (‪ ،)4607‬والت‬
‫ــي‪.‬‬‫ِ‬
‫وصححــه األلبان ُّ‬
‫َّ‬ ‫(‪،)42‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪144‬‬

‫‪23‬‬

‫شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)6‬‬

‫اب لِ ْل َع ْب ِد َما َل ْم‬


‫«ل َيز َُال ُي ْست ََج ُ‬
‫ول اهلل ﷺ َق َال‪َ :‬‬ ‫أن َر ُس َ‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َّ I‬‬
‫ول اهلل‪َ ،‬ما ِال ْستِ ْع َج ُال؟‬ ‫ج ْل»‪ ،‬قِ َيل‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َيدْ ُع بِإِ ْث ٍم َأ ْو َقطِي َع ِة َر ِحمٍ؛ َما َل ْم َي ْس َت ْع ِ‬
‫ك‬ ‫يب لِي‪َ ،‬ف َي ْست َْح ِس ُر ِعنْدَ َذلِ َ‬ ‫ول َقدْ َد َع ْو ُت َو َقدْ َد َع ْو ُت َف َل ْم َأ َر َي ْست ِ‬
‫َج ُ‬ ‫«ي ُق ُ‬‫َق َال‪َ :‬‬
‫َو َيدَ ُع الدُّ َعا َء»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫يستعجل الدَّ اعي ويستبطئ اإلجابةَ‪،‬‬ ‫َّ‬
‫إن من آداب الدُّ عاء العظيمة َّأل‬
‫ويم ُّل ويرتك الدُّ عا َء‪ ،‬ويقع يف اليأس من ْ‬
‫روح اهلل والقنوط من‬ ‫فيستحسر َ‬
‫وأن ذلك من موانع‬ ‫دل الحديث على النَّهي عن استعجال الدُّ عاء َّ‬ ‫رحمته‪ ،‬فقد َّ‬
‫اب ِلَ َح ِدك ُْم َما َل ْم‬‫«ي ْست ََج ُ‬
‫إجابته وأسباب عدم قبوله‪ ،‬ويف لفظ للحديث‪ُ :‬‬
‫ب لِي»(‪.)2‬‬
‫ول َد َع ْو ُت َف َل ْم ُي ْست ََج ْ‬‫َي ْع َج ْل؛ َي ُق ُ‬
‫ويف المسند بإسناد ج ِّيد من حديث أنس ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫«ي ُق ُ‬ ‫ِ‬ ‫«ل َيز َُال ا ْل َع ْبدُ بِخَ ْيرٍ َما َل ْم َي ْس َت ْع ِ‬
‫ول‪:‬‬ ‫ف َي ْس َت ْعج ُل؟ َق َال‪َ :‬‬
‫ج ْل»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬و َك ْي َ‬ ‫َ‬
‫ب لِي»(‪ ،)3‬قال ابن حجر ‪« :V‬ويف هذا الحديث‬ ‫َقدْ َد َع ْو ُت َر ِّبي َف َل ْم َي ْست ِ‬
‫َج ْ‬
‫لب وال ييأس من اإلجابة؛ ل ِ َما يف‬ ‫أدب من آداب الدُّ عاء‪ ،‬وهو أنَّه ُي ِ‬
‫الزم ال َّط َ‬ ‫ٌ‬
‫السلف‪ :‬ألنا‬
‫بعض َّ‬
‫ذلك من االنقياد واالستسالم وإظهار االفتقار‪ ،‬حتَّى قال ُ‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2735‬‬


‫البخاري (‪ ،)6340‬ومسلم (‪.)2735‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه أحمد (‪ ،)13008‬وهو صحيح لغيره‪ ،‬صحيح التَّرغيب والتَّرهيب (‪.)1650‬‬
‫‪145‬‬ ‫‪ -23‬شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)6‬‬

‫اودي‪ُ :‬يخشى على‬


‫ُّ‬ ‫أشدُّ خشية أن ُأ ْح َرم الدُّ عاء من أن ُأ ْح َرم اإلجابة‪ ،‬وقال الدَّ‬
‫دعوت فلم يستجب لي أن ُيحرم اإلجابة وما قام مقامها‬
‫ُ‬ ‫َمن خالف وقال‪ :‬قد‬
‫من اال ِّدخار والتَّكفير»(‪.)1‬‬
‫ونقل عن ابن ب َّطال أنَّه قال يف شرح الحديث‪« :‬المعنى‪ :‬أنَّه يسأم فيترك‬
‫ُّ‬
‫يستحق به اإلجابة‪،‬‬ ‫كالمان بدعائه‪ ،‬أو أنَّه أتى من الدُّ عاء ما‬
‫ِّ‬ ‫الدُّ عاء‪ ،‬فيكون‬
‫للر ِّب الكريم ا َّل ِذي ال تعجزه اإلجابة وال ُينقصه العطاء»(‪.)2‬‬
‫كالمبخِّ ل َّ‬
‫فيصير ُ‬
‫الواجب على َمن أراد أن ُيح ِّقق اهلل رجا َءه وأن ُيجيب دعا َءه أن يدعو‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ُ‬
‫فاستعجال‬ ‫عظيم ال ِّثقة باهلل‪ ،‬شديدُ َّ‬
‫الرجاء فيما عنده‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ر َّبه وهو موق ٌن باإلجابة؛‬
‫َ‬ ‫ب أثر الدُّ عاء عليه؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫المستعجل عندما‬ ‫ألن‬ ‫اإلجابة آف ٌة من اآلفات تمنع تر ُّت َ‬
‫يستحسر ويدَ ُع الدُّ عا َء‪ ،‬ويكون بذلك كما يقول ابن الق ِّيم‬
‫ُ‬ ‫يستبطئ اإلجاب َة‬
‫ِ‬
‫فلما‬
‫غرسا فجعل يتعاهده ويسقيه‪َّ ،‬‬ ‫غر َس ً‬ ‫بذرا‪ ،‬أو َ‬ ‫بذر ً‬‫‪« :V‬بِمنزلة َمن َ‬
‫استبطأ كما َله وإدراكَه تركَه وأهمله»(‪.)3‬‬
‫بن الصامِ ِ‬
‫ض‬‫«ما َع َلى ْالَ ْر ِ‬ ‫ول اهلل ﷺ َق َال‪َ :‬‬ ‫ت ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬ ‫َو َع ْن ُعبا َد َة ِ َّ‬
‫وء ِم ْث َل َها؛ َما َل ْم‬
‫ف عنْه ِمن الس ِ‬
‫اها‪َ ،‬أ ْو َص َر َ َ ُ َ ُّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُم ْسل ٌم َيدْ ُعو اهللَ بِدَ ْع َوة إِ َّل آتَا ُه اهَّللُ إِ َّي َ‬
‫َيدْ ُع بِإِ ْث ٍم َأ ْو َقطِي َع ِة َر ِحمٍ»‪َ ،‬ف َق َال َر ُج ٌل مِ َن ا ْل َق ْو ِم‪ :‬إِ ًذا ُن ْكثِر؟ َق َال‪« :‬اهَّللُ َأ ْك َث ُر»‪.‬‬
‫والبخاري يف األدب المفرد والحاكم‬ ‫ُّ‬ ‫ِّرمذي(‪ .)4‬وروى اإلمام أحمد‬ ‫ُّ‬ ‫رواه الت‬
‫«ما ِم ْن ُم ْس ِل ٍم َيدْ ُعو‬
‫النبي ﷺ قال‪َ :‬‬ ‫َّ‬
‫الخدري ‪ I‬أن َّ‬ ‫ِّ‬ ‫وغيرهم عن أبي سعيد‬
‫بِدَ عو ٍة َليس فِيها إِ ْثم و َل َقطِيع ُة ر ِح ٍم إِ َّل َأع َطاه اهلل بِها إِحدَ ى َث َل ٍ‬
‫ث‪ :‬إِ َّما َأ ْن‬ ‫ْ ُ ُ َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ ْ َ َ ٌ َ‬
‫(((  فتح الباري (‪.)141/11‬‬
‫البخاري البن ب َّطال (‪.)100/10‬‬
‫ِّ‬ ‫(((  شرح صحيح‬
‫(((  الجواب الكايف (ص‪.)11‬‬
‫ِ‬
‫ِّرمذي (‪ ،)3573‬وقال األلبان ُّي‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫(((  رواه الت‬
‫ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪146‬‬
‫ف ع ْنه ِمن الس ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وء‬ ‫ُي َع ِّج َل َل ُه َد ْع َو َت ُه‪َ ،‬وإِ َّما َأ ْن َيدَّ خ َر َها َل ُه في ْالخ َرة‪َ ،‬وإِ َّما َأ ْن َي ْصرِ َ َ ُ َ ُّ‬
‫ول اهللِ إ ًذا ُن ْكثِ ُر؟ َ‬
‫قال‪« :‬اهللُ َأ ْك َث ُر»(‪.)1‬‬ ‫ِم ْث َل َها»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫فقد أخرب النَّبِي ﷺ أنَّه ال بدَّ يف الدَّ ِ‬
‫عوة الخالية من العدوان من إعطاء‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫السوء مثله‪،‬‬ ‫مؤج ًل‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫معج ًل‪ ،‬أو مثله من الخير َّ‬
‫يصرف عنه من ُّ‬
‫ُ‬ ‫السؤل َّ‬‫ُّ‬
‫الجوزي ‪« :V‬اعلم َّ‬
‫أن دعاء المؤمن‬ ‫ِّ‬ ‫تتنوع‪ .‬قال ابن‬ ‫فاإلجابة متح ِّققة لكنَّها َّ‬
‫يعوض بما هو أولى له‬ ‫ال ير ُّد‪ ،‬غير أنَّه قد يكون األولى له تأخير اإلجابة‪ ،‬أو َّ‬
‫عاجل أو آجال؛ فينبغي للمؤمن أن ال يرتك ال َّطلب من ر ِّبه؛ فإنَّه متع َّبد بالدُّ عاء‬
‫ً‬
‫كما هو متع َّبد بالتَّسليم والتَّفويض»(‪.)2‬‬
‫يبي ‪« :V‬أي‪ :‬اهلل أكثر إجابة من دعائكم‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وقوله‪« :‬اهلل أكثر»‪ ،‬قال الط ُّ‬
‫إن معناه‪ :‬فضل اهلل أكثر‪ ،‬أي‪ :‬ما يعطيه من فضله وسعة كرمه أكثر‬ ‫وقيل َّ‬
‫مما يعطيكم يف مقابل دعائكم‪ ،‬وقيل‪ :‬اهلل أغلب يف الكثرة فال تعجزونه يف‬ ‫َّ‬
‫االستكثار؛ َّ‬
‫فإن خزائنه ال تنفد وعطاياه ال تفنى‪ ،‬وقيل‪ :‬اهلل أكثر ثوا ًبا وعطا ًء‬
‫مما يف نفوسكم فأكثروا ما شئتم‪ ،‬فإنَّه تعالى يقابل أدعيتكم بما هو أكثر منها‬
‫َّ‬
‫ُّ‬
‫وأجل»(‪.)3‬‬
‫ج ُب ُه ا ْل َج َو ِام ُع ِم َن‬
‫َان النَّبِي ﷺ ُي ْع ِ‬
‫ُّ‬ ‫عن أ ُّم المؤمنين عائش ُة ‪ J‬قالت‪« :‬ك َ‬
‫ك»‪ .‬رواه أبو داود(‪ .)4‬وعن عبد اهلل بن مسعود ‪I‬‬ ‫اء‪َ ،‬و َيدَ ُع َما َب ْي َن َذلِ َ‬
‫الدُّ ع ِ‬
‫َ‬
‫ول اهلل ِ ﷺ ُع ِّل َم َف َواتِ َح ا ْلخَ ْيرِ َو َج َو ِام َع ُه َو َخ َواتِ َم ُه»‪ .‬رواه أحمد(‪.)5‬‬ ‫قال‪« :‬إِ َّن َر ُس َ‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫والبخاري يف األدب المفرد (‪،)710‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)11133‬‬
‫(((  انظر‪ :‬فتح الباري (‪.)141/11‬‬
‫(((  انظر‪ :‬مرقاة المفاتيح (‪.)1538/4‬‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)25151‬وأبو داود (‪،)1482‬‬
‫َّ‬
‫الصحيحة (‪.)472/3‬‬ ‫السلسلة َّ‬
‫(((  رواه أحمد (‪ ،)4160( ،)3877‬وانظر‪ِّ :‬‬
‫‪147‬‬ ‫‪ -23‬شروط ال ُّدعاء وآدابه (‪)6‬‬

‫السور َة من القرآن‪،‬‬ ‫وقد كان النَّبِ ُّي ﷺ ُيع ِّلم أصحابه الدُّ عاء كما ُيع ِّلمهم ُّ‬
‫الصحابة ‪ M‬يطلبون منه أن يع ِّلمهم دعا ًء يدعون به مع أنَّهم كانوا‬ ‫وكان َّ‬
‫صو ُب َمن يخطئ منهم ولو يف لفظ واحد من‬ ‫ٍ‬ ‫أهل ٍ‬
‫َ‬
‫علم وفصاحة‪ ،‬وكان ﷺ ُي ِّ‬
‫الذكر والدُّ عاء‪.‬‬ ‫ألفاظ ِّ‬
‫ِ‬
‫األدعية النَّبو َّية ورفيع‬ ‫مسلم أن يعرف ِع َظ َم قدر‬ ‫ٍ‬ ‫فالواجب على ِّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬
‫عادة ومفاتيح الفالح يف‬ ‫مكانتها‪ ،‬وأنَّها مشتمل ٌة على مجامع الخير وأبواب الس ِ‬
‫َّ‬
‫المسلم ر َّبه مِن خير ما سأله منه عبدُ ه‬
‫ُ‬ ‫السؤال أن َ‬
‫يسأل‬ ‫فخير ُّ‬ ‫ُ‬ ‫الدُّ نيا واآلخرة‪،‬‬
‫شر ما استعاذ منه‬ ‫وأفضل االستعاذة أن يستعيذ باهلل من ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ورسو ُله َّ‬
‫محمد ﷺ‪،‬‬
‫الزيادة واالستدراك على الدَّ عوات‬ ‫محمد ﷺ‪ ،‬وأن يحذر من ِّ‬ ‫عبدُ اهلل ورسو ُله َّ‬
‫المأثورة عن النَّبِ ِّي‪O ‬؛‪ ‬بإضافة كلمة يستحسنها‪ ،‬أو زيادة جملة‬
‫يستجودها‪.‬‬
‫َّ‬ ‫‪ ‬وفيما يلي ٌ‬
‫ذكر لبعض النماذج ملا هو شائع من هذا القبيل‪:‬‬
‫فمن ذلكم‪ :‬قول بعضهم «يا مق ِّلب القلوب‪ ‬واألبصار ث ِّبت قلبي على‬
‫دينك»‪ ،‬وقد ثبت هذا الدُّ عاء مرفو ًعا إلى النَّبِ ِّي ‪ O‬عن غير واحد‬
‫ِّرمذي يف جامعه‬
‫ُّ‬ ‫الصحابة بدون زيادة «واألبصار»‪ ،‬منها‪ :‬ما رواه الت‬ ‫من َّ‬
‫واإلمام أحمد يف مسنده عن أنس بن مالك ‪ I‬قال‪ :‬كان رسول اهلل ﷺ‬
‫ِّرمذي‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫ك»(‪ .)1‬قال الت‬ ‫ت َق ْلبِي َع َلى ِدين ِ َ‬ ‫ب ال ُق ُل ِ‬
‫وب َث ِّب ْ‬ ‫«يا ُم َق ِّل َ‬
‫يكثر أن يقول‪َ :‬‬
‫«ويف الباب عن النَّواس بن سمعان‪ ،‬وأ ِّم سلمة‪ ،‬وعبد اهلل بن عمرو‪ ،‬وعائشة‪،‬‬
‫ذر ‪.»M‬‬ ‫وأبي ٍّ‬
‫َّ‬
‫ولعل من زاده أخذه من قوله تعالى‪﴿ :‬ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ﴾ [األنعام‪ ،]110 :‬ومقام اآلية مقا ٌم آخر؛ إذ‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2140‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)12107‬والت‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪148‬‬

‫هي يف بيان عقوبة اهلل للمشركين بتقليب القلوب وج ْعل الغشاوة على األبصار‪،‬‬
‫الصراط المستقيم‪.‬‬
‫والحيلولة بينهم وبين اإليمان وعدم التَّوفيق لسلوك ِّ‬
‫أقل من‬ ‫كذلك من األمثلة‪ :‬قول‪« :‬ال تكلني إلى نفسي طرفة عين‪ ‬وال َّ‬
‫أقل من ذلك»‪ ،‬روى أبو داود يف سننه واإلمام أحمد يف‬ ‫ذلك»؛ بزيادة‪« :‬وال َّ‬
‫مسنده وابن ِح َّبان يف صحيحه من حديث أبي بكرة ‪ I‬عن النَّبِ ِّي ﷺ أنَّه‬
‫َك َأ ْر ُجو َف َل تَكِ ْلنِي إِ َلى َن ْف ِسي َط ْر َف َة َع ْي ٍن‪،‬‬ ‫ات ا ْل َمك ُْر ِ‬
‫وب ال َّل ُه َّم َر ْح َمت َ‬ ‫قال‪َ « :‬د َع َو ُ‬
‫أقل من ذلك» ال أصل‬ ‫ْت»(‪ ،)1‬فزيادة‪« ‬وال ّ‬ ‫َو َأ ْص ِل ْح لِي َش ْأنِي ُك َّل ُه‪َ ،‬ل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫الشديد إلى‬ ‫لها يف هذا الحديث‪ ،‬والمقصود من ذكر طرفة العين بيان االفتقار َّ‬
‫أي لحظة مهما ق َّلت‪.‬‬ ‫اهلل ‪ D‬وعدم استغناء العبد عنه يف ِّ‬
‫محمد ﷺ‬
‫كذلك من األمثلة‪ :‬قول‪« :‬من خير ما سألك منه عبدك ونب ُّيك َّ‬
‫َّعوذ‪ .‬هذا‬
‫السؤال والت ُّ‬
‫الصالحون» يف ُّ‬‫الصالحون»‪ ،‬بزيادة‪« :‬وعبادك َّ‬ ‫وعبادك َّ‬
‫استدراك على هذا الدُّ عاء الجامع الكامل‪ ،‬كما سبق التنبيه عليه‪.‬‬
‫كذلك من األمثلة‪ :‬قول‪« :‬اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني»‪.‬‬
‫بزيادة‪« :‬كريم»‪ ،‬وقد روى الرتمذي وابن ماجه وأحمد عن عائشة ‪J‬‬
‫ِ‬ ‫قالت‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهَّلل‪َ ،‬أ َر َأ ْي َت إِ ْن َوا َف ْق ُت َل ْي َل َة ا ْل َقدْ ِر؛ َما َأ ْد ُعو؟ َق َال‪َ « :‬ت ُقول َ‬
‫ين‪:‬‬ ‫َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ب ا ْل َع ْف َو َفا ْع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ال َّل ُه َّم إِن َ‬
‫اسم من أسماء اهلل‬ ‫ف َعنِّي» ‪ ،‬والكريم ٌ‬
‫(‪)2‬‬
‫َّك َع ُف ٌّو تُح ُّ‬
‫أصل له يف هذا الحديث‪.‬‬ ‫الحسنى‪ ،‬لكن لم يثبت يف هذا الموضع‪ ،‬وال َ‬
‫كذلك من األمثلة‪ :‬قول‪« :‬أستغفر اهلل العظيم‪ ‬من ِّ‬
‫كل ذنب عظيم»‪ ،‬وقد‬
‫السنَّة صيغ كثيرة لالستغفار ليس يف شيء منها التَّقييد َّ‬
‫بالذنب العظيم‪،‬‬ ‫ثبت يف ُّ‬
‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)20430‬وأبو داود (‪،)5090‬‬
‫وصححه‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)3513‬وابن ماجه (‪،)3850‬‬ ‫ُّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)25384‬والت‬
‫األلبانِ ُّي‪.‬‬
'

--1
h4q I'kI..z'? :.i;..
4.u ?.,-..rr
'
8aJ : o
.'
; o.o. .J a'J . ; ,c I C
i' 1 J
'
<tçw o ; ,,?.p! 1h
J.oo.aw ..
,a .= à.s.oI Qlw w,J'#.m.w L
oz .> s v).=-t'
.
w '.x a.vw.w ôl9).t
(&p.w 9U'
JW 9q:.w!9J 919bdl.
'
.
w9ab
O=
. 1
- .
jo.'V .'.xzEmD
'
, .J .p.gYIus''- *9 k.dIki.w.x.
. .w ..x '
uA)
..jJ J)J ' .
.
.s. w.
'
ui.
of o 1 al f .
Jz.1g.ss;!z' ao'wl
z
x .xv
- w : 'z ïJ z oJ..p!z !)):wt
.p-t1IhA.
. G-LJYCwojI
- .- . . .. .
.; i
'i
t', .. o ;
> o.2 ; a'
J : , k ..
.
;.y o
xz J% ur u
. a . a ul.,
M ur-o'
;. J.
. ,
. .
.
u'1 1
. r t.
e;. != 1La
o; . â o- f.g : ;
o â #f v â ozz
x o o o J ;;
o vo o
='!L: '' 1L'z. .z;J
s; x
.
'
.'
w! L
<:or
..
::
.m ! L
<: u
:.
wo
.a L
< J
o ov sx 7 or
. .e
.
*
' ' ! !u
5u--v R
x
.
.. w J o r x - .v :Q t: : . x â .â
. tz.u o. c.- $ vawlz m +U!wwlz ::0.11.:=1vao e : o1 -.
..
;;g. ...) g . .. J
v. :x w Ly k./zw!:..
$.-7.#<1r zh
e
l:c'
+'ShpNkcrs?J,exa'p'h..
.thuNkxlI ,
2z ! t#>1-$t.y
-'.J
-1-$otp.j
. . o 'ç '
2!rt,
1 J'vlw.a'
Q !.19t,2*
1='Q.êb.'
r>.'.ê*
1a'tf
.
W Y ;Jw........*
.
1.4,
..m$ck..0!..1;w..h-
SJ !i.
!f.
%!v1x.--.!zvt-
=,
-;s;J . .

..Fu .
Du.uu 1Icuy, -'zJ.'.
k .rv .r<a
<t'-2 . ù'Q4ys u I't
(J ..yjJ J.kx y j
tQ 1* 51 'ît
..etrx w x I
.
J . . 9 'J
'*=. Q'lIv,;q..z.u Iosx. ovz.à.SJ'
oJ kle+ 51
0 .;w'w'
uJlx;lJ g.'
Sz
zp-.çj.k
u tu ;
'u. wx ow . a +-w woI<wC 1 .0t
wtuppn. u.rI, uzo.
' tfw '.....0 .I.œl1
.:.c
. . . . .
.. X'
, . u. . w w. . J
.1 -
Wz
uy
%. - .
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪150‬‬

‫‪24‬‬

‫فضل القرآن الكرمي (‪)1‬‬

‫ُ‬
‫القرآن الكريم؛ إذ هو خير ما‬ ‫الذكر وأج َّله شأنا وأرفعه مكان ًة‬‫أفضل ِّ‬‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ِ‬
‫ينبغي للعبد أن يذكر اهلل به‪ ،‬فهو كالمه ‪ F‬ا َّلذي هو ُ‬
‫خير الكالم وأحسنُه‬
‫وأصد ُقه وأنف ُعه‪ ،‬وهو وحي اهلل وتنزي ُله ا َّل ِذي ال يأتيه الباطل من بين يديه وال‬
‫ٍ‬
‫رسول‪ ،‬على عبده‬ ‫كتاب أنزله اهلل ‪ F‬على أفضل‬ ‫ٍ‬ ‫من خلفه‪ ،‬وهو أفضل‬
‫محمد بن عبد اهلل صلوات اهلل وسالمه عليه‪.‬‬ ‫ومصطفاه وخيرته من خلقه َّ‬
‫كتاب اهلل‬
‫أمر ال يخفى على المسلمين‪ ،‬فهو ُ‬ ‫وشر ُفه ٌ‬
‫وفضل القرآن الكريم َ‬
‫رب العالمين‪ ،‬وكالم خالق الخلق أجمعين‪ ،‬وهو حبل اهلل المتين‪ ،‬وهو ِّ‬
‫الذكر‬ ‫ِّ‬
‫تلتبس به‬
‫ُ‬ ‫الصراط المستقيم؛ هو ا َّل ِذي ال تزيغ به األهواء‪ ،‬وال‬ ‫الحكيم‪ ،‬وهو ِّ‬
‫يشبع منه العلماء‪ ،‬وال يخ َلق عن كثرة َّ‬
‫الر ِّد‪ ،‬وال تنقضي عجائبه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫األلسن‪ ،‬وال‬
‫عمل به ُأجر‪ ،‬و َمن ح َكم به عدَ ل‪ ،‬و َمن دعا إليه ُهدي‬‫من قال به صدق‪ ،‬ومن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫إلى صراط مستقيم‪.‬‬
‫وروحه‬
‫ُ‬ ‫لب القرآن‬ ‫كتاب ٍ‬
‫ذكر هلل؛ فذكر اهلل تعالى هو ُّ‬ ‫ُ‬ ‫والقرآن الكريم ك ُّله‬
‫وحقيقته وغاي ُة مقصوده‪ ،‬يقول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [ص‪ ،]29 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ﴾ [ق‪ ،]37 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ﴾ [اإلسراء‪ ،]9 :‬وقال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾ [ق‪ ،]45 :‬واآليات يف هذا المعنى كثيرة‪.‬‬
‫‪151‬‬ ‫‪ -24‬فضل القرآن الكرمي (‪)1‬‬

‫ذكرا‪ ،‬فقال‪﴿ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ‬


‫سمى اهلل ‪ D‬كتا َبه العزيز ً‬
‫وقد َّ‬
‫ﮙ ﮚ﴾ [األنبياء‪ ،]50 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ﴾ [النَّحل‪ ،]44 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾‬
‫[آل عمران‪ ،]58 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢﭣ﴾ [األعراف‪ ،]69 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾‬
‫[الحجر‪ ،]9 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭑﭒ ﭓ ﭔ ﭕ﴾ [ص‪ ،]1 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫آيات كثيرة يف‬
‫ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [فصلت‪ .]42-41 :‬ويف هذا المعنى ٌ‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫فإن اهلل ‪ F‬قد أنزل‬ ‫إن تالوة القرآن وتد َّبره هي أعظم أبواب الهداية؛ َّ‬
‫َّ‬
‫ونورا وبشرى وذكرى َّ‬
‫للذاكرين‪،‬‬ ‫كتابه المبين على عباده هدً ى ورحم ًة وضيا ًء ً‬
‫وجعله مباركًا وهدً ى للعالمين‪ ،‬وجعل فيه شفاء من األسقام وال ِس َّيما أسقام‬
‫القلوب وأمراضها من شبهات وشهوات‪ ،‬وجعله رحم ًة للعالمين‪ ،‬يهدي‬
‫وصرف فيه ‪ E‬من اآليات والوعيد لع َّلهم يتَّقون أو‬ ‫َّ‬ ‫ل َّلتِي هي أقوم‪،‬‬
‫يحدث لهم ذكرى‪.‬‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾‬
‫[النَّحل‪ ،]89 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ﴾ [األعراف‪ ،]52 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ﴾ [األنعام‪ ،]155 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [األنعام‪ ،]92 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ﴾ [اإلسراء‪ ،]9 :‬وقال تعالى‪:‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪152‬‬

‫﴿ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾‬
‫[اإلسراء‪.]82 :‬‬
‫فإن اهلل ‪ F‬أمر عباده وح َّثهم على قراءة القرآن وتد ُّبره يف غير‬ ‫ولهذا َّ‬
‫آية من القرآن‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [النِّساء‪ ،]82 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫محمد‪ ،]24 :‬وأخرب سبحانه أنَّه إنَّما أنزله لتُتد َّبر آيا ُته‪ ،‬فقال‬
‫ﮖ ﮗ﴾ [ َّ‬
‫‪﴿ :C‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [ص‪،]29 :‬‬
‫الصراط المستقيم هو ترك تد ُّبر‬ ‫ضل عن ِّ‬ ‫أن سبب عدم هداية من َّ‬
‫وب َّين سبحانه َّ‬
‫القرآن واالستكبار عن سماعه‪ ،‬فقال تعالى‪﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [المؤمنون‪ ،]68-66 :‬أي‪ :‬أنَّهم لو تد َّبروا القرآن ألوجب‬
‫لهم اإليمان‪ ،‬ولمنعهم من الكفر والعصيان‪َّ ،‬‬
‫فدل ذلك على َّ‬
‫أن تد ُّبر القرآن‬
‫كل َش ٍّر‪.‬‬ ‫كل ٍ‬
‫خير ويعصم من ِّ‬ ‫يدعو إلى ِّ‬
‫ووصف اهلل القرآن بأنَّه أحس ُن الحديث‪ ،‬وأنَّه تعالى ثنَّى فيه من اآليات‬
‫تقشعر خشي ًة وخو ًفا؛‬
‫ُّ‬ ‫وأن جلود األبرار عند سماعه‬‫ور َّدد القول فيه ل ُيفهم‪َّ ،‬‬
‫فقال تعالى‪﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫الزمر‪.]23 :‬‬
‫ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ﴾ [ ُّ‬

‫وعاتب سبحانه المؤمنين على عدم خشوعهم عند سماع القرآن‪،‬‬


‫وحذرهم من مشاهبة الك َّفار يف ذلك‪ ،‬فقال سبحانه‪﴿ :‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫َّ‬
‫ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ‬
‫ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾ [الحديد‪ ،]16 :‬وأخرب سبحانه عن القرآن أنَّه يزيد‬
‫‪153‬‬ ‫‪ -24‬فضل القرآن الكرمي (‪)1‬‬

‫المؤمنين إيمانًا إذا قرأوه وتد َّبروا آياته‪ ،‬فقال سبحانه‪﴿ :‬ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾‬
‫[األنفال‪.]2 :‬‬
‫يخرون لألذقان‬ ‫وأخرب عن صالح أهل الكتاب َّ‬
‫أن القرآن إذا تلي عليهم ُّ‬
‫وتسليما‪ ،‬فقال سبحانه‪﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ً‬ ‫ُس َّجدً ا يبكون ويزيدهم خشو ًعا وإيمانًا‬
‫ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾‬
‫[اإلسراء‪.]109-107 :‬‬
‫وأخرب سبحانه بأنَّه لو أنزل القرآن الكريم على جب ٍل لخشع وتصدَّ ع من‬
‫وقوة أثره‪ ،‬فقال‬ ‫خشية اهلل‪ ،‬وجعل هذا ً‬
‫مثل للنَّاس يب ِّين لهم عظمة القرآن َّ‬
‫‪﴿ :C‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [الحشر‪.]21 :‬‬
‫حذر عباده من اإلعراض عن القرآن الكريم‬ ‫فإن اهلل تعالى قد َّ‬
‫ُث َّم مع هذا َّ‬
‫عل ذلك من اإلثم‬ ‫أشدَّ التَّحذير‪ ،‬وب َّين لهم خطورة ذلك‪ ،‬وما يجنيه َمن َف َ‬
‫والوزر ا َّل ِذي يحمله معه يوم القيامة؛ بسبب إعراضه عن القرآن وعدم تل ِّقيه‬
‫بالقبول والتَّسليم‪ ،‬يقول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [طه‪،]101-99 :‬‬
‫ذكرا لرسول اهلل ﷺ وأل َّمته‪ ،‬فيجب تل ِّقيه بالقبول والتَّسليم‬ ‫فإذا كان القرآن ً‬
‫الصراط المستقيم‪ ،‬وأن ُيق َبل عليه‬ ‫وأن ُيهتدى بنوره إلى ِّ‬ ‫واالنقياد والتَّعظيم‪ْ ،‬‬
‫والصدود أو بما هو أخطر من ذلك‬ ‫بالتَّع ُّلم والتَّعليم‪ ،‬وأ َّما مقابلته باإلعراض ُّ‬
‫يستحق فاعله العقوبة؛ ولهذا قال‬
‫ُّ‬ ‫كفر لهذه النِّعمة‬
‫من اإلنكار والجحود؛ فإنَّه ُ‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾‪.‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪154‬‬

‫وصف للقرآن الكريم بأنَّه‬


‫ٌ‬ ‫وقوله يف اآلية‪﴿ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ فيه‬
‫أن القرآن الكريم‬ ‫آيات كثيرة يف هذا المعنى‪ ،‬وهذا يعني َّ‬ ‫مر معنا ٌ‬ ‫ِ‬
‫ذكر‪ ،‬وقد َّ‬
‫كر ُيتَذك َُّر به ما هلل تعالى من األسماء‬ ‫ِ‬ ‫السابقة َّ‬
‫واللحقة‪ ،‬وذ ٌ‬ ‫ذكر لألخبار َّ‬ ‫فيه ٌ‬
‫والصفات الكاملة‪ ،‬و ُيتذكَّر به أحكام األمر والنَّهي وأحكام الجزاء‪،‬‬ ‫الحسنى ِّ‬
‫مشتمل على أحسن ما يكون من األحكام‬ ‫ٌ‬ ‫أن القرآن‬ ‫مما ُّ‬
‫يدل على َّ‬ ‫وهذا أيضا َّ‬
‫والف َطر بحسنها وكمالها‪.‬‬‫ا َّلتِي تشهد العقول ِ‬

‫حق قدره‪،‬‬ ‫بكل مسلم أن يع ِّظمه ويقدُ ره َّ‬ ‫لحري ِّ‬ ‫ٌّ‬ ‫إن كتا ًبا هذا بعض شأنه‬ ‫َّ‬
‫حق تالوته؛ بتد ُّبر آياته والتَّف ُّكر والتَّع ُّقل لمعانيه‪ ،‬وبالعمل بما يقتضيه‪،‬‬ ‫ويتلوه َّ‬
‫العلمة ابن الق ِّيم ‪« :V‬فال شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن‬ ‫وكما يقول َّ‬
‫السائرين وأحوال العاملين ومقامات‬ ‫جامع لجميع منازل َّ‬ ‫ٌ‬ ‫بالتَّد ُّبر والتَّف ُّكر؛ فإنَّه‬
‫والرجاء واإلنابة‬ ‫والشوق والخوف َّ‬ ‫َّ‬ ‫العارفين‪ ،‬وهو ا َّل ِذي يورث المح َّبة‬
‫والصرب وسائر األحوال ا َّلتِي هبا حياة‬ ‫َّ‬ ‫والشكر‬ ‫والرضا والتَّفويض ُّ‬ ‫والتَّوكُّل ِّ‬
‫الصفات واألفعال المذمومة ا َّلتِي هبا‬ ‫القلب وكماله‪ ،‬وكذلك يزجر عن جميع ِّ‬
‫فساد القلب وهالكه‪ ،‬فلو علِم النَّاس ما يف قراءة القرآن بالتَّد ُّبر؛ الشتغلوا هبا‬
‫محتاج إليها يف شفاء قلبه‬ ‫كل ما سواها‪ ،‬فإذا قرأه بتف ُّك ٍر حتَّى مر ٍ‬
‫بآية وهو‬ ‫عن ِّ‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ختمة بغير‬ ‫خير من قراءة‬ ‫مرة ولو ليلة‪ ،‬فقراءة آية بتف ُّك ٍر ُّ‬
‫وتفه ٍم ٌ‬ ‫كررها ولو مائة َّ‬ ‫َّ‬
‫وتفهم‪ ،‬وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول اإليمان وذوق حالوة القرآن»‪.‬‬ ‫تد ُّبر ُّ‬
‫اهـ كالمه ‪.)1(V‬‬
‫و َمن كان يف قراءته للقرآن على هذا الوصف أ َّثر فيه القرآن غاية التَّأثير‬
‫الراسخين‪،‬‬ ‫وانتفع بتالوته تمام االنتفاع‪ ،‬وكان بذلك من أهل العلم واإليمان َّ‬
‫وهذا هو مقصود القرآن وغاية مطلوبه‪ ،‬ولهذا يقول شيخ اإلسالم ابن تيم َّية‬

‫السعادة (‪.)187/1‬‬
‫(((  مفتاح دار َّ‬
‫‪155‬‬ ‫‪ -24‬فضل القرآن الكرمي (‪)1‬‬

‫‪« :V‬والمطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به‪ ،‬فإنَّه إن لم تكن‬


‫همة حافظه؛ لم يكن من أهل العلم والدِّ ين»(‪ .)1‬وهبذا يظفر العبد بربكة‬
‫هذه َّ‬
‫القرآن‪.‬‬
‫َق َال اهلل َت َعا َلى‪﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾‬
‫نبي مبارك‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫كتاب ُمبارك‪ ،‬ونزل يف ليلة مباركة‪ ،‬وأنزل على ٍّ‬ ‫ٌ‬ ‫[ص‪ ،]29 :‬فهو‬
‫كتاب ُأنزل على خير‬ ‫ٍ‬ ‫ات اهللِ َو َس َل ُم ُه َع َل ْي ِه‪ ،‬فهو خير‬
‫ورسول مبارك َص َل َو ُ‬ ‫ٍ‬
‫ات اهللِ َو َس َل ُم ُه َع َل ْي ِه‪ ،‬وبركة هذا القرآن إنَّما ُتنال بحسن التَّد ُّبر‬ ‫ٍ‬
‫رسول َص َل َو ُ‬
‫آلياته والتَّأ ُّمل يف معانيه والعمل هبداياته‪ ،‬وهذا التَّد ُّبر لكتاب اهلل هو مفتاح‬
‫كل خير‪ ،‬وبه يزداد اإليمان يف القلب‪ .‬فإنَّه‬ ‫العلوم والمعارف‪ ،‬وبه ُيستنتج ُّ‬
‫بالر ِّب المعبود‪ ،‬وما له من صفات الكمال‪ ،‬وما ُي َّنزه عنه من سمات‬ ‫يعرف َّ‬‫ِّ‬
‫الموصلة إليه وصفة أهلها‪ ،‬وما لهم عند القدوم‬ ‫ِّ‬ ‫ويعرف ال َّطريق‬‫ِّ‬ ‫النَّقص‪،‬‬
‫الموصلة إلى العذاب‬ ‫ِّ‬ ‫الحقيقي‪ ،‬وال َّطريق‬
‫ُّ‬ ‫العدو‬
‫ُّ‬ ‫العدو ا َّل ِذي هو‬
‫َّ‬ ‫ويعرف‬ ‫عليه‪ِّ ،‬‬
‫وصفة أهلها‪ ،‬وما لهم عند وجود أسباب العقاب‪ .‬وك َّلما ازداد العبد تأ ُّم ًل فيه‬
‫وعمل وبصيرة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫علما‬‫ازداد ً‬

‫(((  مجموع الفتاوى (‪.)55/23‬‬


‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪156‬‬

‫‪25‬‬

‫فضل القرآن الكرمي (‪)2‬‬

‫الذكر وأج ُّله شأنًا‬ ‫تقدَّ م الحديث عن فضل القرآن الكريم وبيان أنَّه أفضل ِّ‬
‫سوق لطرف من األحاديث النَّبو َّية يف فضل القرآن‬ ‫وأرفعه مكانة‪ ،‬وفيما يلي ٌ‬
‫وعمل‪.‬‬‫ً‬ ‫وفهما‬
‫ً‬ ‫وبيان عظيم مكانته وثواب العناية به تالو ًة‬
‫ول‪« :‬ا ْق َر ُءوا‬ ‫ول اهلل ﷺ َي ُق ُ‬ ‫اهلِي ‪َ I‬ق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َِ ُ‬
‫َع ْن أبي أ َما َم َة ال َب ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫آن؛ َفإِ َّن ُه َي ْأتي َي ْو َم ا ْلق َي َامة َشفي ًعا َلَ ْص َحابِه‪ ،‬ا ْق َر ُءوا الز َّْه َر َاو ْي ِن ا ْل َب َق َر َة َو ُس َ‬
‫ور َة‬ ‫ا ْل ُق ْر َ‬
‫َان َأ ْو ك ََأن َُّه َما َغ َيايت ِ‬ ‫ان ي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة ك ََأن َُّه َما َغ َم َامت ِ‬‫ِ ِ‬ ‫آل ِع ْم َر َ‬ ‫ِ‬
‫َان َأ ْو‬ ‫َ‬ ‫ان؛ َفإِن َُّه َما ت َْأت َي َ‬
‫ور َة ا ْل َب َق َر ِة؛‬
‫ان َع ْن َأ ْص َحابِ ِه َما‪ ،‬ا ْق َر ُءوا ُس َ‬ ‫اج ِ‬‫اف ت َُح َّ‬ ‫ان ِم ْن َط ْيرٍ َص َو َّ‬ ‫ك ََأن َُّه َما فِ ْر َق ِ‬
‫َفإِ َّن َأ ْخ َذ َها َب َر َك ٌة َوت َْرك ََها َح ْس َر ٌة َو َل ت َْستَطِي ُع َها ا ْل َب َط َلةُ»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫هذه فضيل ٌة عظيمة من فضائل تالوة القرآن‪ ،‬وثمر ٌة عظيمة من ثمار العناية‬
‫به؛ أ َّن ُه َي ْأتِي َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة َش ِفي ًعا ِلَ ْص َحابِ ِه‪ ،‬أي‪ :‬يشفع لقارئه وتاليه عند اهلل‪،‬‬
‫تحاجان عن صاحبهما يوم القيامة‪ ،‬ولكن‬ ‫َّ‬ ‫يتقدَّ مه سورة البقرة وآل عمران‬
‫الرسول ﷺ ق َّيد قراءة القرآن ا َّلتِي ُينال هبا هذا الفضل بالعمل به‪ ،‬لما رواه‬ ‫َّ‬
‫ول‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ان ا ْلك َلبِي‪ I‬قال َسم ْع ُت النَّبِي ﷺ َي ُق ُ‬ ‫ِ‬ ‫مسلم عن الن ََّّواس ْب َن َس ْم َع َ‬
‫َّ‬
‫ور ُة ا ْل َب َق َر ِة َو ُآل‬ ‫آن يوم ا ْل ِقيام ِة و َأه ِل ِه ا َّل ِذين كَانُوا يعم ُل َ ِ‬
‫ون بِه َت ْقدُ ُم ُه ُس َ‬ ‫ََْ‬ ‫َ‬ ‫«ي ْؤتَى بِا ْل ُق ْر ِ َ ْ َ َ َ َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫ال َما نَسيت ُُه َّن َب ْعدُ َق َال‪« :‬ك ََأن َُّه َما‬ ‫ول اهَّلل ﷺ َث َل َث َة َأم َث ٍ‬
‫ْ‬ ‫ان»‪َ ،‬و َض َر َب َل ُه َما َر ُس ُ‬ ‫ِع ْم َر َ‬
‫ان ِم ْن َط ْيرٍ َص َو َّ‬
‫اف‬ ‫ان َب ْين َُه َما َش ْر ٌق َأ ْو ك ََأن َُّه َما ِح ْز َق ِ‬‫َان َس ْو َد َاو ِ‬
‫َان َأ ْو ُظ َّلت ِ‬
‫َغ َم َامت ِ‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)804‬‬


‫‪157‬‬ ‫‪ -25‬فضل القرآن الكرمي (‪)2‬‬
‫ان عن ص ِ‬
‫احبِ ِه َما»(‪.)1‬‬ ‫اج ِ َ ْ َ‬
‫ت َُح َّ‬
‫أهم شيء يف القرآن العمل به‪ ،‬ويؤ ِّيد هذا قول اهلل‬ ‫ويف هذا داللة على َّ‬
‫أن َّ‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [ص‪،]29 :‬‬
‫يتفهمون معانيه ويعملون هبدايته‪ .‬قال الفضيل ‪« :V‬إنَّما أنزل القرآن‬ ‫أي‪َّ :‬‬
‫عمل»‪ ،‬ومعنى قولِه‪« :‬لِيعم َل به»(‪ ،)2‬أي‪ :‬لي ِ‬
‫ح ُّلوا‬ ‫ليعمل به فاتَّخذ النَّاس قراءته ً‬
‫ُ‬ ‫َُْ‬
‫عمل»‪ ،‬أي‪ :‬ال يتد َّبرونه وال‬ ‫ويحرموا َح َرا َمه‪« ،‬فاتَّخذ النَّاس قراءته ً‬
‫ِّ‬ ‫َح َل َله‬
‫يعملون بما فيه‪.‬‬
‫وأئمة الفضل والخير يولون هذا الموضوع عناي ًة‬ ‫أهل العلم َّ‬ ‫وقد كان ُ‬
‫خاص ًة ويعتنون به عناي ًة فائقة؛ إذ به تأيت ثمرة القرآن‪ ،‬و ُينال ما يرت َّتب عليه‬ ‫َّ‬
‫وإحسان‪ ،‬وبدون هذه اآلداب ال ينال التَّالي ال َّثمرة‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وثواب‬ ‫ٍ‬
‫عظيمة‬ ‫ٍ‬
‫أجور‬ ‫من‬
‫يحصل الخير العظيم وال َّثواب الجزيل المأمول‪ ،‬بل ر َّبما كان‬ ‫المرجوة‪ ،‬وال ِّ‬
‫وخصيما له يوم القيامة‪ .‬فقد ثبت عن النَّبِ ِّي ﷺ أنَّه قال‪:‬‬ ‫ً‬ ‫حج ًة عليه‬ ‫القرآن َّ‬
‫ين»(‪ .)3‬وثبت عنه ﷺ أنَّه قال‪:‬‬ ‫َاب َأ ْق َو ًاما َو َي َض ُع َ‬
‫آخرِ َ‬ ‫«إن اهللَ َي ْر َف ُع بِ َه َذا ا ْلكِت ِ‬ ‫َّ‬
‫ك»(‪ ،)4‬وكالهما يف صحيح مسلم‪.‬‬ ‫ك َأ ْو َع َل ْي َ‬ ‫آن ُح َّج ٌة َل َ‬‫«وا ْل ُق ْر ُ‬ ‫َ‬
‫لمن عمل به وتأ َّدب بآدابه‪ ،‬وأ َّما من ض َّيع حدوده وأهمل‬ ‫حج ٌة َ‬
‫فالقرآن َّ‬
‫حج ًة عليه يوم القيامة‪ ،‬ولهذا يقول‬
‫فإن القرآن يكون َّ‬‫وفرط يف واجباته؛ َّ‬
‫حقوقه َّ‬
‫قتادة ‪« :V‬لم يجالس هذا القرآن أحدٌ َّإل قام عنه بزيادة أو نقصان»(‪ ،)5‬أي‪:‬‬
‫بزيادة يف اإليمان والخير إن عمل به‪ ،‬أو نقصان من ذلك إن أهمله وض َّيع حقوقه‪.‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)805‬‬


‫اآلجر ُّي يف أخالق أهل القرآن (‪ ،)37‬والخطيب يف اقتضاء العلم (‪.)116‬‬
‫ِّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)817‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)223‬‬
‫الزهد (‪ ،)788‬والفريابِ ُّي يف فضائل القرآن (‪.)77‬‬
‫(((  رواه ابن المبارك يف ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪158‬‬

‫اآلجر ُّي ‪« :V‬فالمؤمن العاقل إذا تال القرآن استعرض القرآن‬ ‫ِّ‬ ‫قال‬
‫حذره مواله َح ِذ َره‪،‬‬
‫حسن من فعله وما ق ُبح منه؛ فما َّ‬ ‫فكان كالمرآة يرى هبا ما ُ‬
‫ِ‬
‫فمن كانت‬ ‫خوفه به من عقابه خافه‪ ،‬وما ر َّغبه فيه مواله رغب فيه ورجاه‪َ ،‬‬ ‫وما َّ‬
‫حق رعايته‪،‬‬ ‫حق تالوته ورعاه َّ‬ ‫الصفة فقد تاله َّ‬‫هذه صفته أو ما قارب هذه ِّ‬
‫وحرزا‪ ،‬و َمن كان هذا وصفه نفع نفسه‬ ‫ً‬ ‫وأنيسا‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫القرآن شاهدً ا وشفي ًعا‬ ‫وكان له‬
‫كل خير يف الدُّ نيا واآلخرة»(‪.)1‬‬ ‫ونفع أهله‪ ،‬وعاد على والديه وعلى ولده ُّ‬
‫«خ ْي ُرك ُْم َم ْن َت َع َّل َم‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫ان‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس َ‬ ‫ان بن َع َّف َ‬‫َو َع ْن ُع ْث َم َ‬
‫البخاري(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫آن َو َع َّل َم ُه»‪ .‬رواه‬
‫ال ُق ْر َ‬
‫وهذا الحديث فيه شهادة عظيمة من النَّبِ ِّي ‪ O‬ألهل القرآن‬
‫مشتغل بتع ُّلم‬ ‫ً‬ ‫فمن كان منهم‬ ‫وتعليما بالخير َّية‪ ،‬أي‪ :‬أنَّهم خير عباد اهلل‪َ ،‬‬ ‫ً‬ ‫تع ُّل ًما‬
‫حظ العبد من هذا الكتاب‬ ‫القرآن وتعليمه فهو من خير عباد اهلل‪ ،‬وك َّلما زاد ُّ‬
‫وعمل؛ زاد نصيبه وح ُّظه من الخير َّية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وتعليما‬
‫ً‬ ‫علما وتع ُّل ًما‬ ‫ً‬
‫«م ْن َق َر َأ َح ْر ًفا‬ ‫ود ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫و َعن َعب ِد اهلل بن مسع ٍ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫ْ َ ْ ُ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫الح َسنَ ُة بِ َع ْشرِ َأ ْم َثالِ َها‪َ ،‬ل َأ ُق ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِم ْن كِت ِ‬
‫ف‪،‬‬ ‫ول‪( :‬الم) َح ْر ٌ‬ ‫َاب اهلل َف َل ُه بِه َح َسنَةٌ‪َ ،‬و َ‬
‫ِّرمذي(‪.)3‬‬ ‫ف»‪ .‬رواه الت‬ ‫يم َح ْر ٌ‬ ‫ف‪ ،‬و َلم حر ٌ ِ‬ ‫َو َلكِ ْن َألِ ٌ‬
‫ُّ‬ ‫ف‪َ ،‬وم ٌ‬ ‫ف َح ْر ٌ َ ٌ َ ْ‬
‫وهذا فيه فضل قراءة القرآن‪ ،‬وأنَّه ك َّلما زاد العبد من القراءة زاد ح ُّظه‬
‫ونصيبه من هذا األجر العظيم‪ .‬ومثله ما رواه َع ْبدُ اهللِ ْب ُن َع ْم ٍرو ‪َ I‬ع ِن‬
‫ب ا ْل ُقر ِ‬
‫آن‪« :-‬ا ْق َر ْأ َو ْارت َِق َو َرت ِّْل ك ََما ُكن َ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ْت‬ ‫النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪ُ :‬ي َق ُال ‪َ -‬ي ْعني ل َصاح ِ ْ‬
‫ِّرمذي(‪.)4‬‬
‫ُّ‬ ‫آخرِ َآي ٍة َت ْق َر ُأ بِ َها»‪ .‬رواه أبو داود والت‬ ‫َك ِعنْدَ ِ‬
‫ت َُرت ُِّل فِي الدُّ ْن َيا؛ َفإِ َّن َمن ِْز َلت َ‬

‫(((  أخالق أهل القرآن (ص‪.)81 - 80‬‬


‫البخاري (‪.)5027‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫ِّرمذي (‪.)2910‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫ِ‬
‫ِّرمذي (‪ ،)2914‬وقال األلبان ُّي‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)1464‬والت‬
‫ُّ‬
‫‪159‬‬ ‫‪ -25‬فضل القرآن الكرمي (‪)2‬‬

‫«م َث ُل ا ْل ُم ْؤ ِم ِن‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫وسى األَ ْش َع ِر ِّي ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َو َع ْن َأبِي ُم َ‬
‫الم ْؤ ِم ِن‬‫ب‪َ ،‬و َم َث ُل ُ‬ ‫ب َو َط ْع ُم َها َط ِّي ٌ‬
‫ِ‬
‫آن ك ََم َث ِل األُت ُْر َّجة؛ ِر ُ‬
‫يح َها َط ِّي ٌ‬ ‫ا َّل ِذي َي ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬
‫المنَافِ ِق ا َّل ِذي‬ ‫يح َل َها َو َط ْع ُم َها ُح ْل ٌو‪َ ،‬و َم َث ُل ُ‬
‫ِ‬ ‫ا َّل ِذي َل َي ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬
‫آن ك ََم َث ِل الت َّْم َرة؛ َل ِر َ‬
‫المنَافِ ِق ا َّل ِذي َل َي ْق َر ُأ‬
‫ب َو َط ْع ُم َها ُم ٌّر‪َ ،‬و َم َث ُل ُ‬ ‫يح َها َط ِّي ٌ‬
‫ِ‬
‫الر ْي َحانَة؛ ِر ُ‬‫آن َم َث ُل َّ‬ ‫َي ْق َر ُأ ال ُق ْر َ‬
‫ِ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫يح َو َط ْع ُم َها ُم ٌّر»‪ .‬رواه‬ ‫الح ْن َظ َلة؛ َل ْي َس َل َها ِر ٌ‬
‫آن ك ََم َث ِل َ‬ ‫ال ُق ْر َ‬
‫أن ال َّط ِّيب ك َّله مع القرآن‪ ،‬سوا ًء من حيث ال َّطعم أو من‬
‫وقد أفاد الحديث َّ‬
‫ً‬
‫وعمل وتالو ًة وتد ُّب ًرا‬ ‫فمن كان من أهل القرآن إيمانًا واحتسا ًبا‬‫الريح؛ َ‬ ‫حيث ِّ‬
‫الرائحة وطيب ال َّطعم‪ ،‬و َمن كان من أهل العمل بالقرآن ولم‬ ‫اجتمع فيه طيب َّ‬
‫الرائحة‪.‬‬‫يكن من أهل التِّالوة فاز بطيب ال َّطعم وفاته طيب َّ‬
‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬فجعل النَّاس أربعة أقسام‪ :‬أهل اإليمان والقرآن‬
‫وهم خيار النَّاس‪ ،‬ال َّثاين أهل اإليمان ا َّل ِذين ال يقرءون القرآن وهم دوهنم؛‬
‫السعداء‪ .‬واألشقياء قسمان‪ :‬أحدهما َمن أويت قرآنًا بال إيمان فهو‬ ‫فهؤالء هم ُّ‬
‫أن القرآن واإليمان‬ ‫منافق‪ ،‬وال َّثاين َمن ال أويت قرآنًا وال إيمانًا‪ .‬والمقصود‪َّ :‬‬
‫كل خير يف الدُّ نيا‬ ‫أصل ِّ‬ ‫هما نور يجعله اهلل يف قلب َمن يشاء من عباده‪ ،‬وأنَّهما ُ‬
‫أجل العلوم وأفضلها‪ ،‬بل ال علم يف الحقيقة ينفع صاحبه‬ ‫واآلخرة‪ ،‬وعلمهما ُّ‬
‫َّإل علمهما‪ ،‬واهلل يهدي َمن يشاء إلى صراط مستقيم»(‪.)2‬‬
‫الص َّف ِة‬ ‫ِ‬ ‫وعن ع ْقب َة ب ِن عامِ ٍر ‪َ I‬ق َال‪َ :‬خرج رس ُ ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ َون َْح ُن في ُّ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫َ ْ ُ َ ْ َ‬
‫يق َف َي ْأتِ َي ِمنْ ُه بِنَا َق َت ْي ِن‬
‫ان َأ ْو إِ َلى ا ْل َع ِق ِ‬‫ب َأ ْن َي ْغدُ َو ك َُّل َي ْو ٍم إِ َلى ُب ْط َح َ‬ ‫ِ‬ ‫َف َق َال‪َ :‬‬
‫«أ ُّيك ُْم ُيح ُّ‬
‫«أ َف َل‬ ‫ك‪َ .‬ق َال‪َ :‬‬ ‫ب َذلِ َ‬ ‫كَوماوي ِن فِي َغيرِ إِ ْث ٍم و َل َق ْط ِع ر ِحمٍ» َف ُق ْلنَا يا رس َ ِ ِ‬
‫ول اهَّلل نُح ُّ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َْ‬
‫َاب اهَّلل ِ ‪َ D‬خ ْي ٌر َل ُه ِم ْن‬ ‫ج ِد َف َي ْع َل َم َأ ْو َي ْق َر َأ َآي َت ْي ِن ِم ْن كِت ِ‬
‫َي ْغدُ و َأ َحدُ ك ُْم إِ َلى ا ْل َم ْس ِ‬

‫البخاري (‪ ،)5427‬ومسلم (‪.)797‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫السعادة (‪.)55/1‬‬‫(((  مفتاح دار َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪160‬‬

‫اد ِه َّن ِم َن‬ ‫ث‪ ،‬و َأربع َخير َله ِمن َأربع‪ ٍ،‬و ِمن َأعدَ ِ‬
‫َ ْ َ ٌ ٌْ ُ ْ ْ َ َ ْ ْ‬
‫ث َخير َله ِمن َث َل ٍ‬
‫نَا َق َت ْي ِن‪َ ،‬و َث َل ٌ ْ ٌ ُ ْ‬
‫البِ ِل»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫ِْ‬

‫عظيما‬
‫ً‬ ‫أن قراءة القرآن هي ا َّلتِي تنفع العبد يف الدُّ نيا واآلخرة نف ًعا‬ ‫وذلك َّ‬
‫بخالف اإلبل‪ ،‬فأراد ﷺ ترغيبهم يف الباقيات وتزهيدهم عن الفانيات؛ بح ِّثهم‬
‫على تع ُّلم القرآن وتعليمه وتالوته‪.‬‬
‫ب َأ َحدُ ك ُْم إِ َذا َر َج َع‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ‪ِ َ :‬‬ ‫ومثله حديث َأبِى ُه َر ْي َر َة َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫«أ ُيح ُّ‬
‫ث‬ ‫ان؟» ُق ْلنَا َن َع ْم‪َ .‬ق َال‪َ « :‬ف َث َل ُ‬ ‫ات ِع َظا ٍم ِس َم ٍ‬ ‫ث َخ ِل َف ٍ‬ ‫جدَ فِ ِيه َث َل َ‬ ‫إِ َلى َأ ْه ِل ِه َأ ْن َي ِ‬
‫ان»‪ .‬رواه‬ ‫ات ِع َظا ٍم ِس َم ٍ‬ ‫ث َخ ِل َف ٍ‬ ‫ات ي ْقر ُأ بِ ِهن َأحدُ كُم يف ص َلتِ ِه َخير َله ِمن َث َل ِ‬
‫ٌْ ُ ْ‬ ‫َّ َ ْ َ‬
‫ٍ‬
‫َآي َ َ‬
‫مسلم(‪.)2‬‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َق َال‪« :‬لَ َح َسدَ إِلَّ فِي ا ْث َن َت ْي ِن‪:‬‬ ‫و َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫ار َف َس ِم َع ُه َج ٌار َل ُه‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫آن َف ُه َو َي ْت ُلو ُه آنَا َء ال َّل ْي ِل َوآنَا َء الن ََّه ِ‬ ‫َر ُج ٌل َع َّل َم ُه اهَّللُ ا ْل ُق ْر َ‬
‫يت ِم ْث َل ما ُأوتِي ُف َل ٌن َفع ِم ْل ُ ِ‬ ‫« َل ْيتَنِي ُأوتِ ُ‬
‫اهَّلل َم ًال َف ُه َو‬‫ت م ْث َل َما َي ْع َم ُل»‪َ ،‬و َر ُج ٌل آ َتا ُه ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت ِم ْث َل َما‬ ‫يت ِم ْث َل َما ُأوتِ َي ُف َل ٌن َف َع ِم ْل ُ‬ ‫ُي ْهلِ ُك ُه فِي ا ْل َح ِّق َف َق َال َر ُجلٌ‪َ « :‬ل ْيتَنِي ُأوتِ ُ‬
‫البخاري(‪.)3‬‬
‫ُّ‬ ‫َي ْع َم ُل»‪ .‬رواه‬
‫أن غير صاحب القرآن يغبط صاحب القرآن بما أعطيه من العمل‬ ‫فهذا فيه َّ‬
‫بالقرآن؛ فاغتباط صاحب القرآن بعمل نفسه أولى بأن ُي َس َّر ويرتاح ويفرح‬
‫بذلك‪ ،‬كما قال اهلل سبحانه‪﴿ :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ‬
‫ﮙ ﮚ﴾ [يونس‪ ،]58-57 :‬فأمر ‪ E‬يف اآلية بالفرح بالقرآن ا َّل ِذي‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)803‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)802‬‬
‫البخاري (‪.)5026‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪161‬‬ ‫‪ -25‬فضل القرآن الكرمي (‪)2‬‬

‫نعمة ومن ٍَّة وفض ٍل َّ‬


‫تفضل اهلل به على عباده؛ فبذلك فليفرحوا هو خير‬ ‫هو أعظم ٍ‬
‫ولذاهتا المضمح َّلة َّ‬
‫الزائلة عن قريب‪.‬‬ ‫مما يجمعون من متاع الدُّ نيا َّ‬
‫لهم َّ‬
‫ال َّل ُه َّم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجالء همومنا‬
‫حي يا ق ُّيوم يا ذا الجالل واإلكرام‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وغمومنا‪ ،‬وأصلح لنا شأننا كله يا ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪162‬‬

‫‪26‬‬

‫فضل التَّحميد والتَّكبري والتَّهليل‬


‫والتَّسبيح (‪)1‬‬

‫رفيع‬
‫قدر ٌ‬ ‫أربع كلمات له َّن ٌ‬ ‫الذكر بعد القرآن الكريم ُ‬ ‫إن خير الكالم وأفضل ِّ‬ ‫َّ‬
‫و«ل إِ َل َه‬ ‫و«الح ْمدُ هلل ِ»‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ان اهلل ِ»‪،‬‬ ‫«س ْب َح َ‬ ‫عظيم ومكان ٌة عالي ٌة يف دين اهلل‪ ،‬ه َّن‪ُ :‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وشأن‬
‫إِ َّل اهللُ»‪ ،‬و«اهللُ َأ ْك َب ُر» وهي من القرآن‪ .‬وقد ورد يف فضل هذه الكلمات األربع‬
‫تدل دالل ًة قو َّي ًة على عظم شأن وقدر هذه الكلمات وما يرت َّتب على‬ ‫نصوص كثير ٌة ُّ‬ ‫ٌ‬
‫متوالية يف الدُّ نيا واآلخرة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وخيرات‬ ‫ٍ‬
‫كريمة‬ ‫ٍ‬
‫وأفضال‬ ‫ٍ‬
‫عظيمة‬ ‫ٍ‬
‫أجور‬ ‫القيام هب َّن من‬
‫ب ا ْلك ََل ِم إِ َلى‬ ‫سول اهَّلل ِ ﷺ‪َ :‬‬
‫«أ َح ُّ‬ ‫ب ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُ‬ ‫َع ْن َس ُم َر َة ْب ِن ُجنْدَ ٍ‬
‫ان اهَّللِ‪َ ،‬وا ْل َح ْمدُ لِ َّل ِه‪َ ،‬و َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ‪َ ،‬واهَّللُ َأ ْك َب ُر‪َ .‬ل َي ُض ُّر َك َب َأ ِّي ِه َّن‬ ‫ِ‬
‫اهَّلل َأ ْر َب ٌع؛ ُس ْب َح َ‬
‫َبدَ ْأ َت»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫ب» أف َعل تفضيل؛ فأفضل الكلمات وأعظمها شأنًا عند اهلل‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫«أ َح ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان اهلل‪َ ،‬وا ْل َح ْمدُ هلل‪َ ،‬و َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ‪َ ،‬واهللُ‬ ‫(س ْب َح َ‬
‫سبحانه هؤالء الكلمات األربع‪ُ :‬‬
‫ستحب له أن ُيكثر يف حياته من ذكر اهلل ‪D‬‬ ‫ُّ‬ ‫أن المسلم ُي‬ ‫َأ ْك َب ُر)‪ ،‬وهذا يفيد َّ‬
‫ِ‬
‫أحب الكالم إليه سبحانه‪.‬‬ ‫هبؤالء الكلمات ا َّلتي هي ُّ‬
‫أحب الكالم إلى اهلل؛ َّ‬
‫فإن إقباله‬ ‫ُّ‬ ‫أن هؤالء الكلمات‬ ‫وإذا عرف المسلم َّ‬
‫عليها سيعظم‪ ،‬وعنايته هبا ستكرب‪ ،‬واهتمامه هبا سيزيد‪ ،‬وال ُبدَّ مع العناية من‬
‫ٍ‬
‫عناية بفهم معانيها ومعرفة مدلوالهتا‪.‬‬ ‫ذكر اهلل هبا بالكثرة من‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2137‬‬


‫‪163‬‬ ‫‪ -26‬فضل التَّحميد والتَّكبري والتَّهليل والتَّسبيح (‪)1‬‬

‫ان اهلل ِ» فهي كلمة تنزيه وتقديس؛ فبقولك‪« :‬سبحان اهلل» ُت ِّنزه اهلل‬ ‫أ َّما ُ‬
‫«س ْب َح َ‬
‫ٍ‬
‫تنزيه هلل عن النَّقائص‪ ،‬وعن‬ ‫مما ال يليق به‪ ،‬فسبحان اهلل كلمة‬ ‫و ُتقدِّ سه و ُت َب ِّرئه َّ‬
‫وعما ال يليق به سبحانه‪ ،‬وعن مماثلة المخلوقات‪ ،‬فاهلل ‪ُ D‬م َّنزه‬ ‫العيوب‪َّ ،‬‬
‫عن ذلك ك ِّله‪ ،‬فهي كلمة تنزيه‪ ،‬ولهذا قال اهلل ‪﴿ :D‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ِ‬
‫عما يصفه به أعداء‬ ‫[الصافات‪ ،]180 :‬أي‪َ :‬ت َّنزه و َتقدَّ س ُّ‬
‫رب الع َّزة َّ‬ ‫َّ‬ ‫ﯿ﴾‬
‫الرسل‪ ،‬فالتَّسبيح تنزي ٌه هلل وتقديس له‪ ،‬ومن أسمائه ‪« :F‬القدُّ وس»‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫و«الس ُّبوح»؛ وهذه ك ُّلها أسماء تنزيه وتقديس هلل وتربئة له من‬ ‫ُّ‬ ‫و«السالم»‪،‬‬
‫َّ‬
‫أنزه اهلل‪ ،‬وال يحسن بالمسلم أن‬ ‫النَّقائص‪ ،‬فقول المسلم‪« :‬سبح َ ِ‬
‫ان اهلل»‪ ،‬أي‪ِّ :‬‬ ‫ُ ْ َ‬
‫يقول هذه الكلمة وهو ال يدري ما هي‪ ،‬وال يدري ما تعني‪ ،‬بل الواجب أن‬
‫تدل عليه‪َّ ،‬‬
‫وإل‬ ‫يقولها وسائر األذكار المشروعة وهو يعي معناها ويعرف ما ُّ‬
‫ضعيف األثر‪.‬‬‫َ‬ ‫فإن إتيانه هبا سيكون‬ ‫َّ‬
‫َو«ا ْل َح ْمدُ هلل ِ» فيها ال َّثناء على اهلل سبحانه؛ إذا قلت‪« :‬ا ْل َح ْمدُ هللِ» أثنيت على‬
‫الحب‪ ،‬ثنا ٌء عليه سبحانه بأسمائه وصفاته‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ألن الحمد‪ :‬ثنا ٌء مع‬‫اهلل مع ح ِّبه؛ َّ‬
‫والصفات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وثنا ٌء عليه سبحانه بنعمه ومننه وعطاياه‪ ،‬فاهلل ُيحمد على األسماء ِّ‬
‫و ُيحمد على النِّعم والعطايا والهبات‪.‬‬
‫الشرك‪ ،‬وهي‬ ‫«ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ» فيها التَّوحيد واإلخالص والرباءة من ِّ‬ ‫َو َ‬
‫قائم ٌة على ركنين اثنين‪ :‬النَّفي يف َّأولها‪ ،‬واإلثبات يف آخرها‪ ،‬وال توحيد َّإل‬
‫بكل معانيها هلل‬ ‫كل َمن سوى اهلل‪ ،‬وإثبات العبود َّية ِّ‬ ‫هبما؛ نفي العبود َّية عن ِّ‬
‫وحده ال شريك له‪ .‬فهي كلمة التَّوحيد وكلمة اإلخالص‪ ،‬وهي الكلمة ا َّلتِي‬
‫جعلها إبراهيم ‪ S‬باقية يف َع ِقبِه لع َّلهم يرجعون‪ ،‬وهي كلمة التَّقوى‪ ،‬وهي‬
‫السعادة‪ ،‬وهي أعظم النِّعم‬ ‫الشهادة‪ ،‬وهي مفتاح دار َّ‬ ‫الوثقى‪ ،‬وهي كلمة َّ‬ ‫ال ُعروة ُ‬
‫ِ‬ ‫ُّ ِ‬
‫سميها بعض أهل العلم‬ ‫وأجل المنن‪ ،‬ولهذا لما ذكر اهلل يف سورة النَّحل ا َّلتي ُي ِّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪164‬‬

‫«سورة النِّعم»؛ لكثرة ما ذكر ‪ C‬فيها من نعمه على عباده بدأها بنعمة «ال‬
‫إله َّإل اهلل» كلمة التَّوحيد‪ .‬ولهذا قال سفيان بن عيينة ‪« :V‬ما أنعم اهلل على‬
‫عرفهم ال إله َّإل اهلل»(‪ ،)1‬فهي أكرب النِّعم‪ ،‬وهي أفضل‬
‫العباد نعمة أعظم من أن َّ‬
‫وأجل ال َّطاعات‪ ،‬وأفضل الكلمات‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫الحسنات‪،‬‬
‫َّمسك بال إله َّإل اهلل َّإل بالعلم بمعناها‪ ،‬والعمل بمقتضاها‪،‬‬ ‫وال يكون الت ُّ‬
‫والصدق يف قولها؛ فالعلم َيخرج به قائلها عن طريقة النَّصارى ا َّل ِذين يعملون‬ ‫ِّ‬
‫وال يعلمون‪ ،‬والعمل َيخرج به عن طريقة اليهود ا َّل ِذين يعلمون وال يعملون‪،‬‬
‫والصدق َيخرج فيه عن طريقة المنافقين ا َّل ِذين ُيظهرون ما ال ُيبطنون‪ ،‬فال ُبدَّ‬
‫ِّ‬
‫وصدق يف‬‫ٌ‬ ‫وعمل بمقتضاها‪،‬‬‫ٌ‬ ‫علم بمعناها‪،‬‬ ‫والصدق‪ٌ ،‬‬ ‫فيها من العلم والعمل ِّ‬
‫قولها بحيث يقولها من قلبه‪ ،‬ويواطؤ قلبه لسانه‪.‬‬
‫الرابعة‪« :‬اهللُ َأ ْك َب ُر»؛ والتَّكبير فيه التَّعظيم هلل‪ ،‬واعتقاد أنَّه سبحانه‬ ‫ثم الكلمة َّ‬ ‫َّ‬
‫المتعال ا َّلذي ال أكرب منه‪﴿ ،‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘﭙ﴾ [األنعام‪ ،]19 :‬فاهلل‬ ‫ِ‬
‫الكبير ُ‬
‫كل شيء‪.‬‬ ‫المتعال ا َّل ِذي ال أكرب منه‪ ،‬فاهلل أكرب‪ ،‬أي‪ :‬من ِّ‬ ‫‪ D‬هو الكبير ُ‬
‫أن النَّبِ َّي ‪ O‬قال ل َع ِد ِّي بن حاتم يف َّأول‬ ‫ولهذا جاء يف الحديث َّ‬
‫ي‪َ ،‬ما ُي ِف ُّر َك؟» أي‪ :‬ما ا َّل ِذي يجعلك ِتف ُّر عن اإلسالم وهترب‬ ‫ِ‬
‫«يا َعد ُّ‬ ‫إسالمه‪َ :‬‬
‫«أ ُي ِف ُّر َك َأ ْن ُي َق َال‪َ :‬ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ؟ َو َه ْل إِ َل ٌه َغ ْي ُر اهللِ! َأ ُي ِف ُّر َك َأ ْن ُي َق َال‪ :‬اهللُ َأ ْك َب ُر؟‬‫منه‪َ ،‬‬
‫أن اهلل ‪ D‬الكبير‬ ‫تدل على َّ‬ ‫َو َه ْل َش ْي ٌء َأ ْك َب ُر ِم َن اهللِ!»(‪ ،)2‬فكلمة «اهلل أكرب» ُّ‬
‫المتعال ا َّل ِذي ال أكرب منه‪ ،‬ففي قول‪« :‬اهلل أكرب» تعظيم اهلل واعتقاد أنَّه ال أكرب‬ ‫ُ‬
‫مستحضرا لداللتها يسقط من‬ ‫ً‬ ‫مستشعرا لمعناها‬ ‫ً‬ ‫منه‪ ،‬وعندما يقولها المسلم‬
‫كل شيء كبير‪ ،‬ولهذا ُشرع لنا أن نَستفتح هبا صالتنا‪ ،‬بل ُجعل تحريمها‬ ‫قلبه ُّ‬

‫(((  رواه ابن أبي الدُّ نيا يف كتاب ُّ‬


‫الشكر (‪ ،)96‬وأبو نعيم يف الحلية (‪.)272/7‬‬
‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2953‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)19381‬والت‬
‫‪165‬‬ ‫‪ -26‬فضل التَّحميد والتَّكبري والتَّهليل والتَّسبيح (‪)1‬‬

‫التَّكبير؛ فيدخل المرء يف صالته وهو للت َِّّو ُمنشغل بأمور كثيرة‪ ،‬كبيرة يف قلبه‪،‬‬
‫مستحضرا‬
‫ً‬ ‫«اهلل َأ ْك َب ُر»‬
‫وعظيمة عنده ومستحوذة على اهتمامه‪ ،‬فإذا قال‪ُ :‬‬
‫كل هذه األمور تتساقط وال يبقى يف قلبه َّإل تعظيم‬ ‫مستشعرا داللتها‪ُّ ،‬‬
‫ً‬ ‫معناها‬
‫والخشوع بين يديه‪ .‬و َمن يدرك‬ ‫ُ‬ ‫الخضوع والتَّذ ُّلل‬
‫اهلل واإلقبال عليه وحسن ُ‬
‫أمورا كثيرة من اإلكباب على‬ ‫ومتمها ُتذهب عن قلبه ً‬‫هذه الكلمة على وجهها ِّ‬
‫الدُّ نيا‪ ،‬واإلقبال عليها واالفتتان بملهياهتا‪ ،‬واالنصراف عن اآلخرة‪ ،‬فهي كلم ٌة‬
‫معان عظيمة ينبغي على المسلم أن يستحضر معناها‪ ،‬وأن‬ ‫ٍ‬ ‫جليلة ُّ‬
‫تدل على‬
‫يفهم مدلولها‪ ،‬وأن يح ِّقق ما تقتضيه من التَّعظيم واإلجالل هلل ‪.F‬‬
‫أحب الكالم إلى اهلل‪ ،‬وقد قال‬ ‫ُّ‬ ‫أن هؤالء الكلمات األربع ُه َّن‬ ‫الحاصل َّ‬
‫أحب الكالم إلى‬ ‫ُّ‬ ‫الس َّر يف كون هذه الكلمات األربع‬ ‫لعل ِّ‬ ‫بعض أهل العلم َّ‬
‫ألن «سبحان اهلل»‬ ‫اهلل‪ :‬أنَّها جمعت معاين أسماء اهلل الحسنى وصفاته العليا؛ َّ‬
‫كل ما ال يليق بجالله وكماله وعظمته‬ ‫فيها التَّنزيه هلل والتَّربئة والتَّقديس له عن ِّ‬
‫سبحانه‪ .‬و«الحمد» فيه إثبات نعوت الكمال وصفات الجالل‪ ،‬و«اهلل أكرب»‬
‫فيها إثبات عظمة اهلل وكربيائه‪ ،‬و«ال إله َّإل اهلل» فيها إثبات الوحدان َّية وأنَّه‬
‫يفرد وحده ‪D‬‬ ‫بحق سواه‪ ،‬وأن َ‬ ‫بحق وال معبود ٍّ‬ ‫األحد الواحد المعبود ٍّ‬
‫بالعبادة ويخ َلص له الدِّ ين‪ .‬و َمن و َّفقه اهلل ‪ D‬لإلكثار من هذه الكلمات‬
‫وتقوي‬ ‫األربع مع استحضار ما د َّلت عليه من معنى؛ فإنَّها ال تزال تجدِّ د إيمانه ِّ‬
‫عقيدته وتوحيده وتمتِّن صلته باهلل سبحانه‪.‬‬
‫ان اهَّللِ‪،‬‬
‫«س ْب َح َ‬
‫ول‪ُ :‬‬ ‫«ل ْن َأ ُق َ‬‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫قال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َو َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬‬
‫الش ْم ُس»‪.‬‬ ‫ت َع َل ْي ِه َّ‬ ‫ب إِ َل َّي ِم َّما َط َل َع ْ‬ ‫َوا ْل َح ْمدُ هلل‪َ ،‬و َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ‪َ ،‬واهَّللُ َأ ْك َب ُر؛ َأ َح ُّ‬
‫رواه مسلم(‪.)1‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)1695‬‬


‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪166‬‬

‫الشمس تطلع على الدُّ نيا ك ِّلها‪ ،‬ومعنى ذلك َّ‬


‫أن هؤالء‬ ‫ومن المعلوم َّ‬
‫أن َّ‬
‫أحب إليه ‪ O‬من الدُّ نيا وما عليها‪ ،‬والدُّ نيا مليئة باألمور‬ ‫ُّ‬ ‫الكلمات‬
‫ا َّلتِي هي حبيبة إلى النُّفوس ومرغوبة عند النَّاس قد َألِفوا ح َّبها‪ ،‬فيقول‬
‫ان اهللِ‪َ ،‬وا ْل َح ْمدُ هللِ‪َ ،‬و َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ‪َ ،‬واهللُ َأ ْك َب ُر؛‬
‫ول‪ُ :‬س ْب َح َ‬ ‫«لَ ْن َأ ُق َ‬ ‫‪َ :O‬‬
‫إلي من هذه الدُّ نيا وما فيها‪.‬‬ ‫أحب َّ‬ ‫الش ْم ُس»‪ ،‬أي‪ُّ :‬‬ ‫ت َع َل ْي ِه َّ‬ ‫ب إِ َل َّي ِم َّما َط َل َع ْ‬
‫َأ َح ُّ‬
‫أن النَّبِ َّي ‪ O‬قال‪« :‬الدُّ ْن َيا َم ْل ُعو َن ٌة َم ْل ُع ٌ‬
‫ون‬ ‫حديث آخر َّ‬ ‫ٍ‬ ‫وقد جاء يف‬
‫الذكر‪ ،‬وال خير‬ ‫َما فِ َيها إِ َّل ِذك َْر اهلل ِ َو َما َو َال ُه»(‪ ،)1‬فال خير يف الدُّ نيا إذا خلت من ِّ‬
‫فيها إذا عدمت تسبيح اهلل‪ ،‬وتحميده‪ ،‬وتكبيره‪ ،‬وهتليله‪ ،‬وتعظيمه‪ ،‬وتمجيده‪.‬‬
‫خير يف الدُّ نيا أن يعيش اإلنسان عليها وهو ٍ‬
‫خال من ذكر اهلل ‪ D‬عديم‬ ‫وأي ٍ‬
‫ُّ‬
‫العناية بذكره ‪F‬؟! وكأنَّه ‪ O‬يقول لأل َّمة‪ :‬ال تلهكم الدُّ نيا‬
‫فإن الملهيات‬ ‫وال تشغلكم عن هذه الكلمات العظيمات الحبيبة إلى اهلل؛ َّ‬
‫َّ‬
‫والشواغل يف الدُّ نيا كثيرة ال تنتهي‪.‬‬
‫«ي ْصبِ ُح َع َلى ك ُِّل ُس َل َمى ِم ْن‬ ‫وعن َأبِي َذر ‪َ I‬أ َّن رس َ ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ َق َال‪ُ :‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ٍّ‬ ‫َ َ ْ‬
‫يح ٍة َصدَ َقةٌ‪َ ،‬وك ُُّل ت َْح ِميدَ ٍة َصدَ َقةٌ‪َ ،‬وك ُُّل ت َْه ِلي َل ٍة َصدَ َقةٌ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َأ َحدك ُْم َصدَ َقةٌ؛ َفك ُُّل ت َْسبِ َ‬
‫وف َصدَ َقةٌ‪َ ،‬ون َْه ٌي َع ِن ا ْل ُمنْ َكرِ َصدَ َقةٌ‪َ ،‬و ُي ْج ِزئُ‬ ‫وك ُُّل َت ْكبِير ٍة صدَ َقةٌ‪ ،‬و َأمر بِا ْلمعر ِ‬
‫َ ٌْ َ ُْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫اصل‬ ‫الضحى»‪ .‬رواه مسلم(‪ .)2‬الس َلمى‪ :‬الم َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك َر ْك َعت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن َذل َ‬
‫ُّ َ‬ ‫َان َي ْر َك ُع ُه َما م َن ُّ َ‬
‫ا َّلتِي ت ُكون بين ِ‬
‫الع َظام‪.‬‬ ‫ْ‬
‫ان ِم ْن َبنِي‬ ‫ول اهلل ﷺ َق َال‪« :‬إِ َّن ُه ُخ ِل َق ك ُُّل إِن َْس ٍ‬ ‫َو َع ْن عائِ َش َة ‪َ J‬أ َّن َر ُس َ‬
‫ِّين َو َث َلثِ َمائ َِة َم ْف ِص ٍل؛ َف َم ْن َك َّب َر اهَّللَ‪َ ،‬و َح ِمدَ اهَّللَ‪َ ،‬و َه َّل َل اهَّللَ‪َ ،‬و َس َّب َح‬ ‫ِ‬
‫آ َد َم َع َلى ست َ‬
‫َّاس‪َ ،‬أ ْو َش ْو َكةً‪َ ،‬أ ْو َع ْظ ًما َع ْن‬ ‫يق الن ِ‬ ‫اهَّللَ‪َ ،‬و ْاس َت ْغ َف َر اهَّللَ‪َ ،‬و َعز ََل َح َج ًرا َع ْن َطرِ ِ‬

‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)2322‬وابن ماجه (‪،)4112‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)720‬‬
‫‪167‬‬ ‫‪ -26‬فضل التَّحميد والتَّكبري والتَّهليل والتَّسبيح (‪)1‬‬

‫ِّين َوال َّث َلثِ ِمائ َِة‬


‫الست َ‬ ‫وف‪َ ،‬أ ْو ن ََهى َع ْن ُم ْن َكرٍ َعدَ َد تِ ْل َ‬
‫ك ِّ‬
‫َّاس‪ ،‬و َأمر بِمعر ٍ‬
‫يق الن ِ َ َ َ َ ْ ُ‬ ‫َطرِ ِ‬
‫َّار»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫الس َل َمى؛ َفإِ َّن ُه َي ْم ِشي َي ْو َمئِ ٍذ َو َقدْ ز َْحز ََح َن ْف َس ُه َع ِن الن ِ‬
‫ُّ‬
‫كل يوم صدقة عن‬ ‫ومطلوب منه َّ‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫مفصل‪،‬‬ ‫كل إنسان ثالثمائة وستِّين‬ ‫يف ِّ‬
‫كل ما‬ ‫للمنعم‪ ،‬لكنَّها ليست قاصرة على صدقة المال‪ ،‬بل ُّ‬ ‫ِ‬ ‫شكرا‬ ‫ِّ‬
‫كل مفصل ً‬
‫قول أو عمل أو بذل مال أو غير ذلك؛ يكون صدقة‪ ،‬وأعظم‬ ‫يقرب إلى اهلل من ٍ‬
‫ِّ‬
‫أحب الكالم إلى اهلل‪ ،‬ولهذا بدأ النَّبِ ُّي‬ ‫ِ‬
‫ذلك وأج ُّله الكلمات األربع ا َّلتي هي‬
‫ُّ‬
‫شكرا‬
‫كل أ َّيامه ً‬ ‫فيستحب للمسلم أن يستكثر من هؤالء الكلمات يف ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫ﷺ هبا‪،‬‬
‫إلنعام المولى ‪.D‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)1007‬‬


‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪168‬‬

‫‪27‬‬

‫فضل التَّحميد والتَّكبري والتَّهليل‬


‫والتَّسبيح (‪)2‬‬

‫ِ‬ ‫َاسا مِ ْن َأ ْص َح ِ‬
‫«يا‬‫اب النَّبِ ِّي ﷺ َقا ُلوا للنَّبِ ِّي ﷺ‪َ :‬‬ ‫ذر ‪َ « :I‬أ َّن ن ً‬ ‫َع ْن أبي ٍّ‬
‫ون ك ََما‬ ‫وم َ‬ ‫ون ك ََما ن َُص ِّلي‪َ ،‬و َي ُص ُ‬ ‫ور؛ ُي َص ُّل َ‬‫ور بِاألُ ُج ِ‬ ‫ب َأ ْه ُل الدُّ ُث ِ‬ ‫ول اهلل‪َ ،‬ذ َه َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫«أ َو َل ْي َس َقدْ َج َع َل اهَّللُ َلك ُْم َما‬ ‫ول َأ ْم َوالِ ِه ْم»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫ون بِ ُف ُض ِ‬ ‫ن َُصو ُم‪َ ،‬و َيت ََصدَّ ُق َ‬
‫يح ٍة َصدَ َقةً‪َ ،‬وك ُِّل َت ْكبِ َير ٍة َصدَ َقةً‪َ ،‬وك ُِّل ت َْح ِميدَ ٍة َصدَ َقةً‪،‬‬ ‫ون؛ إِ َّن بِك ُِّل ت َْسبِ َ‬ ‫ت ََّصدَّ ُق َ‬
‫وف َصدَ َقةٌ‪َ ،‬ون َْه ٌي َع ْن ُمنْ َكرٍ َصدَ َقةٌ‪َ ،‬وفِي‬ ‫وك ُِّل تَه ِلي َل ٍة صدَ َقةً‪ ،‬و َأمر بِا ْلمعر ِ‬
‫َ ٌْ َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ُون َل ُه فِ َيها‬
‫ول اهلل‪َ ،‬أ َي ْأتِي َأ َحدُ نَا َش ْه َو َت ُه َو َيك ُ‬ ‫«يا َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫ُب ْض ِع َأ َحدك ُْم َصدَ َقةٌ»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬‬
‫ك إِ َذا‬ ‫َان َع َل ْي ِه فِ َيها ِوز ٌْر؟ َفك ََذلِ َ‬ ‫«أ َر َأ ْيت ُْم َل ْو َو َض َع َها فِي َح َرا ٍم َأك َ‬ ‫َأ ْج ٌر؟»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫َان َل ُه َأ ْج ٌر»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫َو َض َع َها فِي ا ْل َح َل ِل ك َ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪:‬‬ ‫اج ِري َن َأ َت ْوا َر ُس َ‬ ‫و َع ْن َأبِى ُهر ْير َة ‪َ I‬أ َّن ُف َقراء ا ْلم َه ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب َأ ْه ُل الدُّ ُث ِ‬
‫اك؟» َقا ُلوا‪:‬‬ ‫ور بِالدَّ َر َجات ا ْل ُع َلى َوالنَّعي ِم ا ْل ُمقيمِ»‪َ ،‬ف َق َال َ‬
‫«و َما َذ َ‬ ‫« َذ َه َ‬
‫ون َوالَ َنت ََصدَّ ُق َو ُي ْعتِ ُق َ‬
‫ون‬ ‫ون ك ََما ن َُصو ُم َو َيت ََصدَّ ُق َ‬ ‫وم َ‬ ‫ون ك ََما ن َُص ِّلى َو َي ُص ُ‬ ‫«ي َص ُّل َ‬‫ُ‬
‫ُون بِ ِه َم ْن َس َب َقك ُْم‬
‫«أ َف َل ُأ َع ِّل ُمك ُْم َش ْيئًا تُدْ ِرك َ‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ‪َ :‬‬ ‫َو َل ُن ْعتِ ُق»‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫ُون َأ َحدٌ َأ ْف َض َل ِم ْنك ُْم إِ َّل َم ْن َصن ََع ِم ْث َل َما‬ ‫ون بِ ِه َم ْن َب ْعدَ ك ُْم َو َل َيك ُ‬ ‫َوت َْسبِ ُق َ‬
‫ص َنعتُم؟»‪َ ،‬قا ُلوا ب َلى يا رس َ ِ‬
‫ون ُد ُب َر‬
‫ون َوت َْح َمدُ َ‬ ‫ول اهَّلل‪َ ،‬ق َال‪« :‬ت َُس ِّب ُح َ‬
‫ون َو ُت َك ِّب ُر َ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ‬ ‫اج ِري َن إِ َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫ين مرةً»‪َ ،‬فر َج َع ُف َقراء ا ْلم َه ِ‬
‫َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ك ُِّل َص َلة َث َل ًثا َو َث َلث َ َ َّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)1006‬‬
‫‪169‬‬ ‫‪ -27‬فضل التَّحميد والتَّكبري والتَّهليل والتَّسبيح (‪)2‬‬
‫ول اهَّللِ‬‫ال بِ َما َف َع ْلنَا َف َف َع ُلوا ِم ْث َل ُه»‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬‫َف َقا ُلوا‪« :‬س ِم َع إِ ْخ َوا ُننَا َأ ْه ُل ْالَم َو ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك َف ْض ُل اهَّلل ِ ُي ْؤتِ ِيه َم ْن َي َشا ُء»‪ .‬متَّفق عليه(‪.)1‬‬ ‫ﷺ‪َ « :‬ذلِ َ‬
‫ٍ‬
‫ورغبة‬ ‫ٍ‬
‫حرص‬ ‫مجيء هؤالء الفقراء إلى النَّبِ ِّي ‪ O‬ناشئ عن‬
‫ب َأ ْه ُل‬ ‫وحب يف المنافسة فيه؛ فأتوا رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فقالوا‪َ « :‬ذ َه َ‬ ‫ٍّ‬ ‫يف الخير‬
‫ات ا ْل ُع َلى َوالن َِّعي ِم ا ْل ُم ِقيمِ»‪ ،‬أي‪ :‬ذهب أهل األموال وأصحاب‬ ‫ور بِالدَّ رج ِ‬
‫َ َ‬ ‫الدُّ ُث ِ‬
‫ون‬‫وم َ‬ ‫ون ك ََما ن َُص ِّلى َو َي ُص ُ‬ ‫«ي َص ُّل َ‬ ‫الغنى باألجور وتحصيل الدَّ رجات العالية‪ُ ،‬‬
‫ون ويج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون‬ ‫اهدُ َ‬ ‫ك ََما ن َُصو ُم‪َ ،‬و َل ُهم َف ْضل م ْن َأ ْم َوال ِهم َي ُح ُّجون بِ َها َو َي ْعتَم ُر َ َ ُ َ‬
‫ون»‪ ،‬فهم مثلنا يص ُّلون ويصومون نشرتك وإ َّياهم يف هاتين ال َّطاعتين‪،‬‬
‫َو َيت ََصدَّ ُق َ‬
‫يحجون هبا‬
‫ُّ‬ ‫لكن عندهم فضل أموال ‪-‬أي‪ :‬أموال زائدة عن حاجتهم‪-‬‬
‫ويعتمرون ويصرفون منها يف الجهاد ويتصدَّ قون يف سبيل اهلل‪ ،‬ونحن فقراء ال‬
‫نمتلك مثل هذا المال ا َّل ِذي يمتلكه هؤالء حتَّى نشاركهم يف هذا األجر‪.‬‬
‫ُون بِ ِه َم ْن َس َب َقك ُْم‬
‫«أ َف َل ُأ َع ِّل ُمك ُْم َش ْيئًا تُدْ ِرك َ‬
‫فقال لهم ‪َ :O‬‬
‫ون بِ ِه َم ْن َب ْعدَ ك ُْم؟» َمن سبقكم‪ ،‬أي‪ :‬إلى الدَّ رجات العالية والمنازل‬ ‫َوت َْسبِ ُق َ‬
‫الرفيعة‪.‬‬
‫َّ‬
‫ُون َأ َحدٌ َأ ْف َض َل ِمنْك ُْم إِ َّل َم ْن َصن ََع ِم ْث َل َما َصنَ ْعت ُْم»‪ ،‬أي‪:‬‬
‫«و َل َيك ُ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫ولكن َمن صنع مثل ما صنعتم فال تسبقونه‪ ،‬وال يفضل عليه أحد كما ال يفضل‬
‫عليكم‪.‬‬
‫ول اهلل ِ»‪ ،‬أي‪ :‬نريد ذلك؛ ألنَّهم ما جاءوا ً‬
‫أصل َّإل‬ ‫قوله‪َ « :‬قا ُلوا‪َ :‬ب َلى َيا َر ُس َ‬
‫طم ًعا يف الخير ورغبة فيه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ون ُد ُب َر ك ُِّل َص َلة َث َل ًثا َو َث َلث َ‬
‫ين َم َّرةً»‪،‬‬ ‫ون َو ُت َك ِّب ُر َ‬
‫ون َوت َْح َمدُ َ‬ ‫قال‪« :‬ت َُس ِّب ُح َ‬
‫البخاري (‪ ،)6329‬ومسلم (‪.)595‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪170‬‬

‫مرة‪ ،‬فقوله‪« :‬ثال ًثا وثالثين» شامل ِّ‬


‫لكل‬ ‫بحيث يكون المجموع تس ًعا وتسعين َّ‬
‫وكل تحميدة‪.‬‬‫وكل تكبيرة‪ِّ ،‬‬
‫تسبيحة‪ِّ ،‬‬

‫فسمع األنصار ا َّل ِذين هم أهل الدُّ ثور هبذا فبادروا إلى العمل به؛‬
‫الصلوات ثال ًثا وثالثين َّ‬
‫مرة مثل‬ ‫فأخذوا يس ِّبحون ويك ِّبرون ويحمدون أدبار َّ‬
‫السابقة باقية‪ ،‬فأتى الفقراء إلى النَّبِ ِّي ﷺ‬ ‫الشكوى َّ‬ ‫المهاجرين؛ فأصبحت َّ‬
‫ال بِ َما َف َع ْلنَا َف َف َع ُلوا ِم ْث َل ُه»‪ ،‬فقال‪:‬‬‫ول اهلل ِ س ِم َع إِ ْخ َوا ُننَا َأ ْه ُل ْالَم َو ِ‬‫«يا َر ُس َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وقالوا‪َ :‬‬
‫ك َف ْض ُل اهَّلل ِ ُي ْؤتِ ِيه َم ْن َي َشا ُء»‪.‬‬
‫« َذلِ َ‬
‫تنوب عن‬
‫ُ‬ ‫الذكر هبذه الكلمات‪َّ :‬‬
‫أن إدامته‬ ‫أن من فوائد ِّ‬
‫فأفاد الحديث َّ‬
‫كحج‬
‫ِّ‬ ‫ال َّطاعات وتقوم مقامها‪ ،‬سواء كانت َبدَ ن َّي ًة أو مال َّيةً‪ ،‬أو بدن َّي ًة مال َّي ًة‬
‫الحج والعمرة‬ ‫ِّ‬ ‫عما فاهتم من‬ ‫عوضا لهم َّ‬ ‫َّطوع؛ فقد جعل النَّبِي ﷺ ِّ‬
‫الذكر ً‬ ‫الت ُّ‬
‫ُّ‬
‫الذكر‪ .‬وقد ظ َّن الفقراء أن ال صدقة‬ ‫والجهاد‪ ،‬وأخربهم أنَّهم يسبقوهنم هبذا ِّ‬
‫أن جميع أنواع فعل‬ ‫َّإل بالمال‪ ،‬وهم عاجزون عن ذلك‪ ،‬فأخربهم النَّبِي ﷺ َّ‬
‫ُّ‬
‫الصدقات هؤالء الكلمات‬ ‫المعروف واإلحسان صدقةٌ‪ ،‬وذكر يف مقدِّ مة هذه َّ‬
‫األربع‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬والحمد هلل‪ ،‬وال إله َّإل اهلل‪ ،‬واهلل أكرب‪.‬‬
‫الذكر‬ ‫وأن أهل ِّ‬ ‫الذكر ميدان سبق يف طاعة اهلل‪َّ ،‬‬ ‫أن هذا ِّ‬ ‫دليل على َّ‬ ‫أيضا ٌ‬ ‫وفيه ً‬
‫ون»(‪.)1‬‬ ‫الس َّباقون‪ ،‬كما قال النَّبِ ُّي ‪َ :O‬‬
‫«س َب َق ا ْل ُم َف ِّر ُد َ‬ ‫بالكثرة هم َّ‬
‫ول اهلل ﷺ‬ ‫«جاء َأ ْعرابِي إِ َلى رس ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ َ ِ َّ ٍ‬
‫َ ُ‬ ‫َو َع ْن َس ْعد ْبن أبي َوقاص ‪ I‬قال‪ٌّ َ َ َ :‬‬
‫يك َل ُه‪ ،‬اهَّللُ‬ ‫َف َق َال‪َ :‬ع ِّل ْمنِي ك ََل ًما َأ ُقو ُل ُه؟ َق َال‪ُ « :‬ق ْل‪َ :‬ل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ َو ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪َ ،‬ل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل‬ ‫له كَثِ ًيرا‪ُ ،‬س ْب َح َ‬
‫ان اهلل َر ِّب ا ْل َعا َلم َ‬
‫َأ ْكبر َكبِيرا‪ ،‬وا ْلحمدُ لِ ِ‬
‫َُ ً َ َ ْ‬
‫بِاهلل ِ ا ْل َع ِز ِيز ا ْل َحكِيمِ»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َه ُؤ َلء ل ِ َر ِّبي َف َما لِي؟ َق َال‪ُ « :‬قل‪ :‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي‪،‬‬
‫ِ‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2676‬‬


‫‪171‬‬ ‫‪ -27‬فضل التَّحميد والتَّكبري والتَّهليل والتَّسبيح (‪)2‬‬

‫َو ْار َح ْمنِي‪َ ،‬و ْاه ِدنِي‪َ ،‬و ْار ُز ْقنِي»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫«جا َء َر ُج ٌل إِ َلى النَّبِ ِّي ﷺ َف َق َال‪:‬‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫َو َع ْن َع ْب ِد اهلل ْب ِن َأبِي َأ ْو َفى ‪َ I‬‬
‫آن َش ْيئًا َف َع ِّل ْمنِي َما ُي ْج ِزئُنِي ِمنْ ُه»‪َ ،‬ق َال‪ُ « :‬ق ْل‪:‬‬ ‫آخ َذ ِم َن ا ْل ُق ْر ِ‬
‫يع َأ ْن ُ‬ ‫ِ‬
‫«إِنِّي َل َأ ْستَط ُ‬
‫ان اهلل‪َ ،‬وا ْل َح ْمدُ هلل َو َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ‪َ ،‬واهللُ َأ ْك َب ُر‪َ ،‬و َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهلل‬
‫ُس ْب َح َ‬
‫له‪َ ،‬ف َما لِي؟» َق َال‪ُ « :‬ق ْل‪ :‬ال َّل ُه َّم‬ ‫ول اهلل‪ ،‬ه َذا لِ ِ‬
‫َ‬ ‫«يا َر ُس َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْل َعل ِّي ا ْل َعظيمِ»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫ول‬ ‫ْار َح ْمنِي‪َ ،‬و ْار ُز ْقنِي‪َ ،‬و َعافِنِي‪َ ،‬و ْاه ِدنِي»‪َ ،‬ف َل َّما َقا َم َق َال َه َك َذا بِ َي ِد ِه‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫«أ َّما َه َذا َف َقدْ َمأل َ َيدَ ُه ِم َن ا ْلخَ ْيرِ»‪ .‬رواه أبو داود(‪.)2‬‬ ‫اهلل‪َ :‬‬

‫وأيضا على أصحابه من بعده‬ ‫ً‬ ‫كان األعراب يتوافدون على النَّبِ ِّي ﷺ‪،‬‬
‫وعلى العلماء لمعرفة الخير‪ ،‬فالخير ال ُبدَّ أن ِيفد اإلنسان إليه‪ ،‬وأن ُيقبل عليه‪،‬‬
‫وأن يبحث عنه‪ ،‬وأن يسأل عنه‪ ،‬وأن ال يبقى منقط ًعا يف هجرته أو يف قريته أو‬
‫منعزل عن الخير‪ ،‬بل ينبغي أن َيقدُ م إلى أماكن العلم‬ ‫ً‬ ‫يف مكانه أو عند غنمه‬
‫ثم يرجع إلى مكانه‪ ،‬ال أن يبقى حياته إلى أن‬ ‫وأماكن الخير ويسأل عن الخير َّ‬
‫يأتيه الموت وهو مع ِّط ٌل نفسه عن معرفة الخير‪ .‬فهذا يؤخذ منه منهج وهو‪ :‬أنَّه‬
‫والضيعات أن َيقدُ م إلى أماكن‬
‫ينبغي على من أراد لنفسه الخير من أهل القرى َّ‬
‫يخصص وقتًا من حياته َيقدُ م فيه على أهل العلم ويسأل ويتع َّلم‬ ‫ِّ‬ ‫العلم؛ بأن‬
‫دينه‪ ،‬وقد قال ‪« :O‬إِن ََّما ا ْل ِع ْل ُم بِال َّت َع ُّلم»(‪.)3‬‬
‫أعرابي؛‬
‫ٌّ‬ ‫الصحابة من حول النَّبِ ِّي ‪ O‬يفرحون إذا جاء‬ ‫وقد كان َّ‬
‫ألنَّه ستأيت أسئلة وحينئذ سيخرج علم ويستفيد النَّاس ويحصل أمور فيها نفع‬
‫عظيم وفائدة كبيرة‪.‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2696‬‬
‫ِ‬
‫وحسنه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)832‬‬
‫َّ‬
‫(((  رواه ال َّطربانِـ ُّـي يف الكبيــر (‪ ،)929‬وقــال األلبانـ ُّـي‪ :‬حســن لغيــره‪ ،‬صحيــح التَّرغيــب‬
‫ِ‬
‫والتَّرهيــب (‪.)136/1‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪172‬‬

‫ات َأ ُقو ُل ُه َّن»‪ ،‬طلب أن ُيرشده‬ ‫ول اهلل ِ ع ِّلمنِي ك َِلم ٍ‬ ‫«يا َر ُس َ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫األعرابي‪َ :‬‬ ‫ُّ‬ ‫قال‬
‫ذكر يقوله و ُيحافظ عليه‪ ،‬فقال له ‪ُ « :O‬ق ْل‪َ :‬ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ َو ْحدَ ُه‬ ‫إلى ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪َ ،‬ل‬ ‫ان اهلل َر ِّب ا ْل َعا َلم َ‬ ‫يك َل ُه‪ ،‬اهللُ َأ ْك َب ُر َكبِ ًيرا‪َ ،‬وا ْل َح ْمدُ هلل كَثِ ًيرا‪َ ،‬و ُس ْب َح َ‬
‫َل َشرِ َ‬
‫َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهلل ِ ا ْل َع ِز ِيز ا ْل َحكِيمِ»؛ فع َّلمه هؤالء الكلمات العظيمة‪ ،‬وك ُّلها‬
‫ذكر هلل‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ذكر هلل‪ ،‬ك ُّله تمجيدٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫«ه ُؤ َلء ل َر ِّبي‪َ ،‬ف َما لي؟» أي‪ :‬هذا ك ُّله ٌ‬ ‫األعرابي‪َ :‬‬
‫ُّ‬ ‫فقال‬
‫أيضا شي ًئا لي‪ ،‬دعوات‬ ‫وثنا ٌء وتحميدٌ وتكبير ك ُّله لر ِّبي ( َف َما لِي؟) أي‪ :‬أنا أريد ً‬
‫أسألها ر ِّبي‪.‬‬
‫فقال له النَّبِ ُّي ‪ُ « :O‬ق ِل‪ :‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي‪َ ،‬و ْار َح ْمنِي‪َ ،‬و ْاه ِدنِي‪،‬‬
‫َو َعافِنِي‪َ ،‬و ْار ُز ْقنِي»‪ ،‬وقد أرشده النَّبِ ُّي ‪ O‬على المواظبة هؤالء‬
‫رشد وير َّغب يف المواظبة على‬ ‫كل مسلم ُي َ‬ ‫أن َّ‬
‫الكلمات‪ ،‬وهذا نستفيد منه‪َّ :‬‬
‫ِ‬
‫أحب الكالم إلى اهلل ‪.D‬‬ ‫هذه الكلمات ا َّلتي هي ُّ‬
‫وأرشده ‪ O‬إلى هذا الدُّ عاء الجامع لخيري الدُّ نيا واآلخرة‪،‬‬
‫جامع محيط بالخير؛ جزء منه يتع َّلق بثواب اآلخرة‪ ،‬وجزء منه يتع َّلق‬
‫ٌ‬ ‫وهو دعاء‬
‫بأمر اإلنسان يف الدُّ نيا ومعاشه فيها‪ ،‬وبدأ صلوات اهلل وسالمه عليه بما يتع َّلق‬
‫هم اغفر لي وارحمني‬ ‫أجل‪ ،‬فقال‪« :‬قل‪ :‬ال َّل َّ‬
‫ألن شأهنا أعظم وأمرها ُّ‬
‫باآلخرة؛ َّ‬
‫واهدين وعافني وارزقني»‪.‬‬
‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم» أصلها‪ :‬يا اهلل‪ُ ،‬حذف من َّأولها ياء النِّداء و ُع ِّوض عنه بالميم‬
‫ا َّلتِي يف آخرها؛ فهي ندا ٌء هلل هبذا االسم العظيم ا َّل ِذي هو من أعظم أسماء اهلل‬
‫‪ F‬أو أعظمها‪.‬‬
‫وقوله‪« :‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي»‪ ،‬أي‪ :‬ذنبي ك َّله د َّقه وج َّله‪َّ ،‬أوله وآخره‪ِ ،‬س َّره‬
I --1 vj-
w . .r. w .It.w. Ij ....Iu ..vv
n 4
.. J1
w=j .> ..wa
..1j :'r . -
.u5>.u .> J w =.ap
7! .
,.w' >x.> u.ha,(uwa
. .
'
w, x oN : h' . :
.<.upJ
'
* , . 5 'J . ''
. ô z .
p J, . ,o.kp p-
..= -z e wl e..w k-..txaa.q.az.k1hz

zax .u a.tv . c tw eaxlzl


x .e h.t+ kt l.J @,
YXJud11 '
.rg'3'h u .5
uw I ;'
. , r-
uJ
t ha.l'xï O..).AI.
.'.A oow l.w'IuE>-R
t:
; ,. ( oxul
.:' .u -' .
uv- u.olu'1(uw l
Ksd ouixx .. a: - w . ..
1
...
-
3 ui
.
t. e'
-;(W
J::Hhl ' 5@*,
.<.

cst.m 'k
'o A

k.,
s:..
u,
Iw,I
a-kkj I pyyj t 1
, - ,
uttw.w eN @(SoXv JL c..
t ..
ue w - .u))..
.. .... ...d ''.
,yt;
u.y, ..
à o J
I.u ol
. e:.X JIuJ
sr.
l'ja..
lI
..kJ)lJ S.jeta.v5j=tuab
.'I; e.;M'' 'jzzx'5
.IjA'.
.
'

SZ j

.1-----.--....o .tLsAFJ4
zv.v
jb.......-----,
.
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪174‬‬

‫‪28‬‬

‫فضل التَّحميد والتَّكبري والتَّهليل‬


‫والتَّسبيح (‪)3‬‬

‫ِ‬ ‫سول اهلل ﷺ‪َ « :‬ل ِق ُ‬ ‫َعن َعب ِد اهلل ب ِن مسع ٍ‬


‫يم‬ ‫يت إِ ْب َراه َ‬ ‫قال َر ُ‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫ود ‪َ I‬‬ ‫ْ َ ْ ُ‬ ‫ْ ْ‬
‫الس َل َم‪َ ،‬و َأ ْخبِ ْر ُه ْم‪َ :‬أ َّن ا ْل َج َّن َة‬ ‫َلي َل َة ُأسرِي بِي‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬يا محمدُ ‪َ ،‬أ ْقرِئْ ُأمت َ ِ‬
‫َك منِّي َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ َ َّ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان اهَّلل‪َ ،‬وا ْل َح ْمدُ هلل َو َل‬ ‫ان‪َ ،‬و َأ َّن غ َر َاس َها‪ُ :‬س ْب َح َ‬ ‫َط ِّي َب ُة الت ُّْر َب ِة‪َ ،‬ع ْذ َب ُة ا ْل َماء‪َ ،‬و َأن ََّها قي َع ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّرمذي(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ‪َ ،‬واهَّللُ َأ ْك َب ُر»‪ .‬رواه الت‬
‫ِلقي النَّبِ ُّي ‪ O‬ليلة أسري به إبراهيم ‪-‬أي‪ :‬الخليل ‪-S‬‬
‫الس َل َم‪َ ،‬و َأ ْخبِ ْر ُه ْم‪َ :‬أ َّن ا ْل َجنَّ َة َط ِّي َب ُة الت ُّْر َب ِة‪،‬‬‫َك منِّي َّ‬
‫فقال‪« :‬يا محمدُ ‪َ ،‬أ ْقرئ ُأمت َ ِ‬
‫َ َّ‬ ‫َ ُ َ َّ‬
‫والقيعان‪ :‬هي األرض المستوية المنبسطة الخصبة‬ ‫ان»‪ِ ،‬‬ ‫اء‪َ ،‬و َأن ََّها ِقي َع ٌ‬‫ع ْذب ُة ا ْلم ِ‬
‫َ َ َ‬
‫للزرع‪.‬‬ ‫للزراعة‪ ،‬وماؤها عذب‪ ،‬فهي مه َّيئة َّ‬ ‫الصالحة ِّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫كثيرا وصفتها كذا وكذا من‬ ‫لو قيل ألحدنا‪ :‬يوجد أرض ثمنها ال يك ِّلف ً‬
‫تحرك قلبه أن يمتلكها وأن يزرع فيها من النَّخيل وأطايب‬ ‫األوصاف ال َّط ِّيبة‪َّ ،‬‬
‫األشجار مما تح ُّبه نفسه‪ ،‬فانظر هذا التَّرغيب ما أعظمه! وهذا من نصح‬
‫الس َل َم‪َ ،‬و َأ ْخبِ ْر ُه ْم‪َ :‬أ َّن‬ ‫ِ‬ ‫محمد ﷺ‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫«أ ْقرِئ ُْه ْم منِّي َّ‬ ‫َّ‬ ‫إبراهيم ‪ S‬أل َّمة‬
‫ان»‪ ،‬أي‪ :‬جاهزة تما ًما؛ ألن يك َثر فيها‬ ‫اء‪َ ،‬و َأن ََّها ِقي َع ٌ‬ ‫ا ْلجنَّ َة َطيب ُة التُّرب ِة‪ ،‬ع ْذب ُة ا ْلم ِ‬
‫ِّ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫الغرس‪ ،‬وغرسها ال ُيك ِّلفك شي ًئا؛ غراسها‪ :‬التَّسبيح‪ ،‬والتَّحميد‪ ،‬والتَّهليل‪،‬‬
‫ال‬ ‫والتَّكبير‪ .‬بينما غرس شجر الدُّ نيا يحتاج إلى جهد جهيد؛ يحتاج إلى عم ٍ‬
‫َّ‬
‫الشجر‪.‬‬ ‫ومعاول‪ ،‬وعملٍ‪ ،‬وحفر وأشياء كثيرة حتَّى يغرس هذا َّ‬ ‫َ‬

‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3462‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫‪175‬‬ ‫‪ -28‬فضل التَّحميد والتَّكبري والتَّهليل والتَّسبيح (‪)3‬‬

‫دخل أحد النَّاصحين على رج ٍل مس ٍّن له سنوات وهو على فراشه أقعده‬
‫فلما س َّلم عليه وجلس معه ً‬
‫قليل أمسك يده‪ ،‬وقال له‪« :‬يافالن‬ ‫ِ‬
‫المرض والك َبر‪َّ ،‬‬
‫يتحرك‪ ،‬فكأنَّه‬
‫نخل)‪ ،‬وهو مقعد ال َّ‬‫نخل»‪ ،‬وأخذ يعيدها عليه‪( :‬اغرس ً‬ ‫اغرس ً‬
‫لم ينتبه‪ ،‬فقال له‪« :‬س ِّبح‪ ،‬ك ِّبر‪ ،‬احمد اهلل‪ ،‬ه ِّلل»‪ُ .‬يشير إلى هذا الحديث‪.‬‬
‫أن هذا الغرس ال يك ِّلف اإلنسان شي ًئا حتَّى وهو على فراشه‪،‬‬ ‫الشاهد َّ‬
‫َّ‬
‫يمكنه غرس هذا النَّخل وبكثرة بالتَّسبيح‪ ،‬والتَّحميد‪ ،‬والتَّهليل‪ ،‬والتَّكبير؛‬
‫فهي غراس الجنَّة‪.‬‬
‫للزرع واإلنبات‪ ،‬وماؤها ط ِّيب‪،‬‬‫أن الجنَّة أرضها خصبة مه َّيئة َّ‬ ‫الحاصل‪َّ :‬‬
‫الشجر فيها وإلى حسن‬ ‫وإذا كانت األرض ط ِّيبة والماء ط ِّيب ُيطمئ ُّن إلى نماء َّ‬
‫أي أرض! بل يعرف األماكن‬ ‫والفلح عندما يريد أن يزرع ال يختار َّ‬ ‫َّ‬ ‫ثمرها‪،‬‬
‫بعض األشجار ال‬ ‫للزراعة من غيرها‪ ،‬إذ بعض األماكن لو ُزرع فيها ُ‬ ‫الصالحة ِّ‬‫َّ‬
‫أرض ط ِّيبة‪ ،‬وماؤها ط ِّيب‪ ،‬وهي قيعان‪،‬‬ ‫تثمر أو ال تنمو النَّماء الحسن؛ والجنَّة ٌ‬
‫والشجر ينبت فيها بسرعة وهذه األوصاف لألرض تغري الفالحين‪ ،‬فالفالح‬ ‫َّ‬
‫ا َّل ِذي له هنمة ورغبة يف األشجار والنَّخيل ِّ‬
‫والزراعة وعنده أموال‪ ،‬عندما ُيذكَر‬
‫الصفة؛ أرض ط ِّيبة‪ ،‬وماؤها عذب‪ ،‬وهي قيعان منبسطة مستوية‬ ‫له أرض هبذه ِّ‬
‫علو وانخفاض؛ اشرتاها بأغلى األثمان‪.‬‬ ‫تعرجات أو ٌّ‬ ‫ليس فيها ُّ‬
‫والجنَّة غراسها‪ :‬سبحان اهلل‪ ،‬والحمد هلل‪ ،‬وال إله َّإل اهلل‪ ،‬واهلل أكرب‪ .‬ف ُك َّلما‬
‫زاد العبد من هذه الكلمات المباركات زاد غراسه يف الجنَّة‪.‬‬
‫ِ‬
‫فإذا قال الحريص «إِ ًذا ُن ْكث ُر»‪ ،‬وقد قال ذلك بعض َّ‬
‫الصحابة‪ ،‬فقال النَّبِ ُّي‬
‫«اهَّلل َأ ْك َث ُر»‪ ،‬فهذا باب خير مفتوح‪ ،‬فقل ما شئت‬ ‫‪ O‬يف هذا المقام‪ُ :‬‬
‫الذكر وواظب عليه يزد غرسك يف الجنَّة‪ ،‬واهلل واسع عليم‪ .‬وكما َّ‬
‫أن‬ ‫من هذا ِّ‬
‫غرس بساتين الجنَّة ِّ‬
‫بالذكر فكذلك بناء مساكنها‪.‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪176‬‬

‫ات َو َلدُ‬ ‫ول اهللِ ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا َم َ‬ ‫وسى األَ ْش َع ِر ِّي ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬ ‫َع ْن َأبِي ُم َ‬
‫ول‪َ :‬ق َب ْضت ُْم َث َم َر َة‬ ‫ون‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬‫ا ْل َع ْب ِد َق َال اهَّللُ لِ َم َلئِكَتِ ِه‪َ :‬ق َب ْضت ُْم َو َلدَ َع ْب ِدي؟ َف َي ُقو ُل َ‬
‫ون‪َ :‬ح ِمدَ َك َو ْاست َْر َج َع‬ ‫ول‪َ :‬ما َذا َق َال َع ْب ِدي؟ َف َي ُقو ُل َ‬ ‫ون‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫اد ِه‪َ ،‬ف َي ُقو ُل َ‬
‫ُف َؤ ِ‬
‫ول اهَّللُ‪ :‬ا ْبنُوا لِ َع ْب ِدي َب ْيتًا فِي‬ ‫‪-‬أي‪ :‬قال‪ :‬الحمد هلل‪ ،‬إنَّا هلل وإنَّا إليه راجعون‪َ -‬ف َي ُق ُ‬
‫فالذكر غراسها وبناؤها‪.‬‬ ‫الح ْم ِد»(‪)1‬؛ ِّ‬ ‫ت َ‬ ‫الجن َِّة‪َ ،‬و َس ُّمو ُه َب ْي َ‬
‫َ‬
‫«ما‬ ‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫قال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫اص ‪َ L‬‬ ‫َو َع ْن َع ْب ِد اهلل ْب ِن َع ْم ِرو ْب ِن ال َع ِ‬
‫له‪،‬‬ ‫ان اهَّللِ‪ ،‬وا ْلحمدُ لِ ِ‬ ‫ول‪َ :‬ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ‪َ ،‬واهللُ َأ ْك َب ُر‪َ ،‬و ُس ْب َح َ‬ ‫ض َر ُج ٌل َي ُق ُ‬ ‫َع َلى ْالَ ْر ِ‬
‫َ َ ْ‬
‫َت ِم ْث َل َز َب ِد ا ْل َب ْحرِ»‪.‬‬ ‫َو َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهلل‪ ،‬إِ َّل َك َّف َر ْت َعنْ ُه ِم ْن ُذنُوبِ ِه َوإِ ْن كَان ْ‬
‫ِّرمذي وأحمد وال َّلفظ له(‪.)2‬‬ ‫ُّ‬ ‫رواه الت‬
‫الو َر ِق‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ك ‪َ I‬أ َّن رس َ ِ‬ ‫َس ب ِن مال ِ ٍ‬
‫ول اهلل ﷺ َم َّر بِ َش َج َرة َيابِ َسة َ‬ ‫َ ُ‬ ‫و َع ْن َأن ِ ْ َ‬
‫ان اهلل ِ َو َل إِ َل َه إِ َّل‬ ‫الو َر ُق‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬إِ َّن ا ْل َح ْمدُ لِ َّل ِه َو ُس ْب َح َ‬ ‫َف َض َر َب َها بِ َع َصا ُه َف َتنَا َث َر َ‬
‫الش َج َر ِة»‪ .‬رواه‬ ‫ُوب ا ْل َع ْب ِد ك ََما ت ََسا َق َط َو َر ُق َه ِذ ِه َّ‬ ‫اق ُط ِم ْن ُذن ِ‬ ‫اهَّلل واهَّلل َأ ْكبر؛ َلتُس ِ‬
‫ُ َ ُ َُ َ‬
‫ِّرمذي(‪.)3‬‬
‫ُّ‬ ‫الت‬
‫الصغائر‪ ،‬لما ثبت يف صحيح مسلم‬ ‫بالذنوب المك َّفرة هنا‪ ،‬أي‪َّ :‬‬ ‫والمراد ُّ‬
‫ات الخَ ْم ُس‬ ‫«الص َل َو ُ‬
‫أن رسول اهلل ﷺ كان يقول‪َّ :‬‬ ‫عن أبي هريرة ‪َّ :I‬‬
‫ات ما بينَهن إِ َذا اجتُنِب ِ‬ ‫ان إِ َلى َر َم َض َ‬ ‫الج ُم َع ِة َو َر َم َض ُ‬
‫ت‬ ‫ْ َ‬ ‫ان ُم َك ِّف َر ٌ َ َ ْ ُ َّ‬ ‫الج ُم َع ُة إِ َلى ُ‬
‫َو ُ‬
‫ألن الكبيرة ال ُيك ِّفرها َّإل التَّوبة‪.‬‬ ‫ال َك َبائِ ُر»(‪ ،)4‬فق َّيد التَّكفير باجتناب الكبائر؛ َّ‬
‫و َعن َعب ِد اهللِ ب ِن َشدَّ ٍ‬
‫اد َأ َّن َن َف ًرا مِ ْن َبنِي ُع ْذ َر َة َثالَ َث ًة َأ َت ْوا النَّبِ َّي ﷺ َف َأ ْس َل ُموا‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)1021‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫ِ‬
‫وحسنه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪،)3460‬‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)6973‬والت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫وحسنه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪،)3533‬‬ ‫(((  رواه الت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)233‬‬
‫‪177‬‬ ‫‪ -28‬فضل التَّحميد والتَّكبري والتَّهليل والتَّسبيح (‪)3‬‬

‫يه ْم؟ َق َال َط ْل َحةُ‪َ :‬أنَا‪َ .‬ق َال‪َ :‬ف َكانُوا ِعنْدَ َط ْل َحةَ‪،‬‬ ‫َق َال‪َ :‬ف َق َال النَّبِي ﷺ‪َ :‬م ْن َي ْك ِفين ِ ِ‬
‫ُّ‬
‫َفبع َث النَّبِي ﷺ بع ًثا َف َخرج فيه َأحدُ ُهم َفاست ُْش ِهدَ ‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ثم بع َث بع ًثا َف َخرج فِيهِ‬
‫َ َ‬ ‫َّ َ َ َ ْ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ُّ‬ ‫ََ‬
‫اش ِه‪َ ،‬ق َال َط ْلحةُ‪َ :‬فر َأي ُت ه ُؤ ِ‬ ‫ات ال َّثال ِ ُث َع َلى فِر ِ‬ ‫است ُْش ِهدَ ‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ث َّم َم َ‬
‫الء‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫آخ ُر َف ْ‬ ‫َ‬
‫اش ِه َأ َما َم ُه ْم‪َ ،‬و َر َأ ْي ُت‬ ‫ال َّث َل َث َة ا َّل ِذين كَانُوا ِعن ِْدي فِي ا ْلجن َِّة‪َ ،‬فر َأي ُت ا ْلمي َت َع َلى فِر ِ‬
‫َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫آخ َر ُه ْم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فدَ َخ َلنِي‬ ‫يه‪ ،‬ور َأي ُت ا َّل ِذي است ُْش ِهدَ َأو َله ِم ِ‬
‫َّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫است ُْش ِهدَ َأخ ًيرا َيل َ َ ْ‬ ‫ا َّلذي ْ‬
‫ِ‬
‫ول اهللِ ﷺ‪:‬‬ ‫مِ ْن َذل ِ َك‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ َت ْي ُت النَّبِي ﷺ َف َذك َْر ُت َذل ِ َك َل ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك! َل ْي َس أ َحدٌ أ ْف َض َل عنْدَ اهلل م ْن ُم ْؤم ٍن ُي َع َّم ُر في اإل ْسال ِم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫«و َما َأ ْنك َْر َت ِم ْن َذلِ َ‬ ‫َ‬
‫يح ِه َو َت ْكبِيرِ ِه َوت َْه ِل ِيل ِه»‪ .‬رواه أحمد(‪.)1‬‬ ‫لِتَسبِ ِ‬
‫ْ‬
‫وحسن‬ ‫عمره‬ ‫ِ‬ ‫وقد َّ‬
‫ُ‬ ‫دل هذا الحديث العظيم على عظم فضل من طال ُ‬
‫مكثرا من هؤالء الكلمات األربع‪.‬‬ ‫عم ُله‪ ،‬ولم يزل لسانُه َر ْط ًبا بذكر اهلل ‪ً D‬‬
‫ِ ٍ‬
‫و َع ْن َأبِي َسعيد ا ْل ُخدْ ِر ِّي َو َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ L‬ع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪« :‬إِ َّن اهَّللَ‬
‫ان اهللِ‪َ ،‬وا ْل َح ْمدُ لِ َّل ِه‪َ ،‬و َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ‪َ ،‬واهَّللُ َأ ْك َب ُر‪،‬‬ ‫اص َط َفى ِم َن ا ْلك ََل ِم َأ ْر َب ًعا‪ُ :‬س ْب َح َ‬ ‫ْ‬
‫ون َس ِّي َئةً‪َ ،‬و َم ْن‬ ‫ون َح َسنَ ًة َو ُح َّط َعنْ ُه ِع ْش ُر َ‬ ‫ب َل ُه ِع ْش ُر َ‬ ‫َفمن َق َال‪ :‬سبح َ ِ ِ‬
‫ان اهلل كُت َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫ك‪َ ،‬و َم ْن َق َال‪ :‬ا ْل َح ْمدُ‬ ‫ك‪َ ،‬و َم ْن َق َال‪َ :‬ل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ َف ِم ْث ُل َذلِ َ‬ ‫َق َال‪ :‬اهَّللُ َأ ْك َب ُر َف ِم ْث ُل َذلِ َ‬
‫ون َح َسنَةً‪َ ،‬أ ْو ُح َّط َعنْ ُه َث َل ُث َ‬ ‫ب َل ُه بِ َها َث َل ُث َ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫لِ َّل ِه رب ا ْلعا َل ِم ِ ِ‬
‫ون‬ ‫ين م ْن ق َب ِل َن ْفسه كُت َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ َ‬
‫َس ِّي َئةً»‪ .‬رواه أحمد(‪.)2‬‬
‫لعباده‪ ،‬ور َّتب على ِذكره‬
‫أن اهلل اختار هؤالء الكلمات واصطفاهن ِ‬
‫َّ‬ ‫فيه َّ‬
‫جزيل‪ ،‬وقد زاد يف ثواب الحمد عندما يقوله العبد‬ ‫ً‬ ‫أجورا عظيم ًة وثوا ًبا‬
‫ً‬ ‫هب َّن‬
‫رب أو حدوث‬ ‫ألن الحمد ال يقع غال ًبا َّإل بعد سبب؛ كأك ٍل أو ُش ٍ‬ ‫مِن قِ َبل نفسه‪َّ :‬‬
‫(((  رواه أحمد (‪ ،)1401‬وقال األلبانِ ُّي‪ :‬حسن لغيره‪ ،‬صحيح التَّرغيب والتَّرهيب‬
‫(‪.)3367‬‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪ ،‬صحيح التَّرغيب والتَّرهيب (‪.)1554‬‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)8012‬‬
‫َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪178‬‬

‫سدي إليه وقت الحمد‪ ،‬فإذا أنشأ العبد الحمد‬ ‫نعمة‪ ،‬فكأنَّه وقع يف مقابلة ما ُأ َ‬
‫نعمة؛ زاد ثوابه‪.‬‬ ‫من قِبل نفسه دون أن يدفعه لذلك تجدُّ د ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫«خ ُذوا ُجنَّ َتك ُْم»‪ُ ،‬ق ْلنَا‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪ُ :‬‬ ‫و َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َّار‪ُ ،‬قو ُلوا‪ُ :‬س ْب َح َ‬
‫ان‬ ‫«ل؛ ُجنَّ َتك ُْم ِم َن الن ِ‬ ‫ول اهللِ‪ِ :‬م ْن َعدُ ٍّو َقدْ َح َض َر؟ َق َال‪َ :‬‬ ‫َيا َر ُس َ‬
‫ْجي ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫اهلل‪َ ،‬وا ْل َح ْمدُ ل َّله‪َ ،‬و َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ‪َ ،‬واهَّللُ َأ ْك َب ُر؛ َفإِن ََّها َي ْأت َ‬
‫ين َي ْو َم ا ْلق َي َامة ُمن ِ َ‬
‫ات»‪ .‬رواه الحاكم يف المستدرك(‪.)1‬‬ ‫الصالِ َح ُ‬ ‫ات َّ‬
‫ات‪ ،‬وهن ا ْلب ِ‬
‫اق َي ُ‬ ‫َ ُ َّ َ‬
‫وم َقدَّ م ٍ‬
‫َُ َ‬
‫نجيات‬
‫ٌ‬ ‫فمن فضائله َّن‪ :‬أن َُّه َّن ُجنَّ ٌة لقائله َّن من النَّار‪ ،‬ويأتين يوم القيامة ُم‬
‫ووصفه َّن بأن َُّه َّن الباقيات‬
‫ُ‬ ‫مات له يف المنازل والدَّ رجات‪،‬‬ ‫لقائلِ ِه َّن ومقدَّ ٌ‬
‫الصالحات‪ ،‬وقد قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫َّ‬
‫جزاؤها‪ ،‬وهذا‬
‫ُ‬ ‫ﭞ﴾ [الكهف‪ ،]46 :‬والباقيات‪ ،‬أي‪ :‬ا َّلتِي يبقى ثوا ُبها‪ ،‬ويدوم‬
‫خير أ َم ٍل يؤ ِّمله العبد وأفضل ثواب يرجوه‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ول‪َ « :‬بخٍ َبخٍ‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ َي ُق ُ‬ ‫وعن َأبي َس ْل َمى ‪َ I‬ق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ان اهَّللِ‪َ ،‬وا ْل َح ْمدُ لِ َّل ِه‪َ ،‬و َل‬
‫َان‪ُ :‬س ْب َح َ‬ ‫س‪َ -‬ما َأ ْث َق َل ُه َّن فِي ا ْل ِميز ِ‬ ‫‪-‬و َأ َش َار بِ َي ِد ِه بِخَ ْم ٍ‬ ‫َ‬
‫الصالِ ُح ُيت ََو َّفى لِ ْل َم ْر ِء ا ْل ُم ْس ِل ِم َف َي ْحت َِس ُب ُه»‪ .‬رواه‬ ‫إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ‪َ ،‬واهَّللُ َأ ْك َب ُر‪َ ،‬وا ْل َو َلدُ َّ‬
‫ثقيالت يف الميزان‪ ،‬وقوله يف الحديث‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫الحاكم وابن ِح َّبان(‪ .)2‬فأخرب ﷺ أنَّه ُّن‬
‫بالشيء وبيان تفضيله‪.‬‬ ‫« َبخٍ َبخٍ »‪ ،‬هي‪ :‬كلمة ُتقال عند اإلعجاب َّ‬
‫السنَّة النَّبو َّية لهؤالء الكلمات األربع‪،‬‬
‫فهذه بعض الفضائل الواردة يف ُّ‬
‫فضائل مخصوص ٌة سيأيت تفاصيلها إن شاء اهلل‪ ،‬و َمن‬‫ُ‬ ‫وقد ورد ِّ‬
‫لكل كلمة منه َّن‬

‫وحسنه األلبانِ ُّي يف صحيح التَّرغيب والتَّرهيب‬


‫(((  رواه الحاكم يف المستدرك (‪َّ ،)1985‬‬
‫(‪.)1567‬‬
‫وصححه‬ ‫ِ‬
‫(((  رواه الحاكم يف المستدرك (‪ ،)1885‬وابن ح َّبان يف صحيحه (‪،)833‬‬
‫َّ‬
‫األلبانِ ُّي يف صحيح التَّرغيب والتَّرهيب (‪.)1557‬‬
‫‪179‬‬ ‫‪ -28‬فضل التَّحميد والتَّكبري والتَّهليل والتَّسبيح (‪)3‬‬

‫قدر هؤالء‬‫يتأ َّمل هذه الفضائل المتقدِّ مة يجد أنَّها عظيمةٌ‪ ،‬ودا َّل ٌة على عظيم ِ‬
‫ورفعة شأهن َّن وكثرة فوائده َّن وعوائده َّن على العبد المؤمن‪ ،‬فما‬ ‫الكلمات ِ‬
‫ِ‬
‫عليه َّن‪.‬‬ ‫أعظم هؤالء الكلمات‪ ،‬وما َّ‬
‫أجل شأن َُه َّن‪ ،‬وما أك َب َر الخير المرت ِّتب‬ ‫َ‬
‫نسأل اهلل أن يو ِّفقنا للمحافظة عليه َّن‪ ،‬وأن يجعلنا من أهله َّن ا َّل ِذين ألسنتهم‬
‫قريب مجيب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سميع‬
‫ٌ‬ ‫رطب ٌة بذلك‪ ،‬إنَّه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪180‬‬

‫‪29‬‬

‫فضل التَّهليل‬

‫«ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ‬ ‫«م ْن َق َال‪َ :‬‬ ‫ول اهلل ﷺ َق َال‪َ :‬‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫ك َو َل ُه ا ْل َح ْمدُ َو ُه َو َع َلى ك ُِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير» فِي َي ْو ٍم ِما َئ َة‬ ‫َو ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬
‫يك َل ُه‪َ ،‬ل ُه ا ْل ُم ْل ُ‬
‫ت َعنْ ُه ِما َئ ُة َس ِّيئ ٍَة‪،‬‬ ‫ت َله ِما َئ ُة حسن ٍَة‪ ،‬وم ِ‬
‫ح َي ْ‬ ‫َ َ َُ‬
‫ِ‬
‫اب‪َ ،‬وكُت َب ْ ُ‬ ‫َت َل ُه َعدْ َل َع ْشرِ ِر َق ٍ‬ ‫َم َّر ٍة؛ كَان ْ‬
‫ت َأ َحدٌ بِ َأ ْف َض َل ِم َّما‬ ‫ك حتَّى يم ِسي‪ ،‬و َلم ي ْأ ِ‬
‫َ ْ َ‬
‫ِ‬
‫ان َي ْو َم ُه َذل َ َ ُ ْ‬ ‫الش ْي َط ِ‬ ‫َت َل ُه ِح ْرزًا ِم َن َّ‬ ‫َوكَان ْ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬‫ُّ‬ ‫ك»‪ .‬رواه‬ ‫َجا َء بِ ِه؛ إِ َّل َأ َحدٌ َع ِم َل َأ ْك َث َر ِم ْن َذلِ َ‬
‫«م ْن َق َال‪َ :‬ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ َو ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬
‫يك َل ُه‪َ ،‬ل ُه‬ ‫جمع ‪ O‬يف قوله‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫َّوحيد‬ ‫ك َو َل ُه ا ْل َح ْمدُ َو ُه َو َع َلى ك ُِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير»؛ بين التَّوحيد وبراهينه‪ ،‬الت‬
‫ا ْل ُم ْل ُ‬
‫ا َّل ِذي خلقنا اهلل ‪ D‬ألجله وأوجدنا لتحقيقه‪ ،‬وبراهينِه ودالئله الدَّ ا َّلة على‬
‫وجوب إخالصه هلل وإفراده به سبحانه دون سواه‪.‬‬
‫أ َّما التَّوحيد ففي قوله «ال إله َّإل اهلل»‪ ،‬فهذه الكلمة العظيمة هي كلمة‬
‫أجل الكلمات وأفضلها وأعظمها على اإلطالق‪ ،‬وال يوجد يف‬ ‫التَّوحيد‪ ،‬وهي ُّ‬
‫ون‬ ‫ت َ‌أنَا َ‬
‫‌والنَّبِ ُّي َ‬ ‫«و َخ ْي ُر َ‌ما‌ ُق ْل ُ‬
‫الكلمات كلم ٌة أفضل منها‪ ،‬كما قال ‪َ :O‬‬
‫الح ْمدُ َو ُه َو َع َلى ك ُِّل‬ ‫ك َو َل ُه َ‬ ‫الم ْل ُ‬ ‫ِم ْن َق ْب ِلي‪َ :‬ل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ َو ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬
‫يك َل ُه‪َ ،‬ل ُه ُ‬
‫َش ْي ٍء َق ِد ٌير»(‪ ،)2‬وال توحيد َّإل هبا‪ ،‬وهي قائمة على ركنين‪ :‬النَّفي واإلثبات؛‬
‫البخاري (‪ ،)3293‬ومسلم (‪.)2691‬‬ ‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫ِ‬
‫ِّرمذي (‪ ،)3585‬وقال األلبان ُّي‪« :‬حسن لغيره»‪ ،‬وانظر‪ :‬صحيح الرتغيب‬‫(((  رواه الت‬
‫ُّ‬
‫والرتهيب (‪.)1536‬‬
‫‪181‬‬ ‫‪ -29‬فضل التَّهليل‬

‫موحدً ا َّإل هبذا النَّفي واإلثبات‪،‬‬


‫«إل اهلل» إثبات؛ فال يكون المرء ِّ‬ ‫«ال إله» نفي‪َّ ،‬‬
‫فعندما يقول المسلم‪« :‬ال إله َّإل اهلل» ال ُبدَّ مع قولها أن يعرف ما ا َّل ِذي نفته؟‬
‫وما ا َّل ِذي أثبتته؟ ليكون نفيه وإثباته عن علم‪ ،‬كما قال اهلل ‪﴿ :D‬ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫«إل َمن شهد بال إله َّإل اهلل‪،‬‬ ‫المفسرون‪َّ :‬‬
‫ِّ‬ ‫الزخرف‪ ،]86 :‬قال‬ ‫ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [ ُّ‬
‫وهم يعلمون معنى ما شهدوا به»‪ ،‬وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ﴾‬
‫محمد‪.]19 :‬‬
‫[ َّ‬

‫نفي عا ٌّم‬ ‫َّ ِ‬


‫والنَّفي الذي اشتملت عليه هذه الكلمة هو نفي عا ٌّم‪« ،‬ال إله» ٌ‬
‫بكل معانيها هلل‬ ‫خاص للعبود َّية ِّ‬‫ٌّ‬ ‫كل َمن سوى اهلل‪َّ ،‬‬
‫«إل اهلل» إثبات‬ ‫للعبود َّية عن ِّ‬
‫وإثبات‬
‫ٌ‬ ‫كل َمن سوى اهلل‪،‬‬ ‫وحده‪ ،‬ففي قول‪« :‬ال إله إال اهلل» نفي للعبود َّية عن ِّ‬
‫بحق َّإل اهلل‪،‬‬
‫بكل معانيها هلل وحده‪ .‬فــ«ال إله إال اهلل»‪ ،‬أي‪ :‬ال معبود ٍّ‬ ‫للعبود َّية ِّ‬
‫﴿ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥ﴾ [األنعام‪.]163-162 :‬‬
‫جليل؛ أكَّده يف هذا‬ ‫ً‬ ‫عظيما وشأنه شأنًا‬ ‫ً‬ ‫ولما كان مقام التَّوحيد مقا ًما‬‫َّ‬
‫«و ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬
‫يك َل ُه»‪،‬‬ ‫التَّهليل المبارك بركنيه النَّفي واإلثبات‪ ،‬وذلك يف قوله‪َ :‬‬
‫فهي ُمؤكِّدة للتَّوحيد‪ ،‬فقوله‪« :‬وحده» تأك ٌيد لإلثبات‪ ،‬وقوله‪« :‬ال شريك له»‬
‫تأكيدٌ للنَّفي‪.‬‬
‫الح ْمدُ َو ُه َو َع َلى ك ُِّل َش ْي ٍء‬ ‫ك َو َل ُه َ‬
‫الم ْل ُ‬
‫وأ َّما براهين التَّوحيد ففي قوله‪َ « :‬ل ُه ُ‬
‫وأن الحمد‬ ‫الملك هلل‪َّ ،‬‬ ‫أن ُ‬ ‫أن َمن عرف َّ‬ ‫َق ِد ٌير»؛ فهذه براهي ٌن للتَّوحيد‪ ،‬بمعنى‪َّ :‬‬
‫وأن قدرته شاملة‪ ،‬إلى غير‬ ‫وأن مشيئته نافذة‪َّ ،‬‬ ‫كل شيء قدير‪َّ ،‬‬ ‫وأن اهلل على ِّ‬‫هلل‪َّ ،‬‬
‫فإن الواجب عليه أن ُيخلص العبادة هلل؛ فال يدعو َّإل اهلل‪،‬‬ ‫ذلك من المعاين؛ َّ‬
‫والشفاء َّإل من اهلل‪.‬‬ ‫وال يستغيث َّإل باهلل‪ ،‬وال يطلب المدد والعون والنَّصر ِّ‬
‫مرة‪ ،‬وال يكون قوله‬
‫ستحب للمسلم أن يقول هذه الكلمة يف اليوم مائة َّ‬
‫ُّ‬ ‫ُي‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪182‬‬

‫ألفاظ يأيت هبا لسانُه دون أن يستشعر معناها‪ ،‬بل عليه أن ير ِّددها‬ ‫ٍ‬ ‫مجرد‬‫لها َّ‬
‫الشرك‪ ،‬والتَّعظيم‬ ‫مستشعرا للتَّوحيد ا َّل ِذي د َّلت عليه‪ ،‬واإلخالص والرباءة من ِّ‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«م ْن َقا َل َها في َي ْو ٍم ما َئ َة َم َّرة»‪ ،‬فهل ُتقال‬
‫والتَّمجيد هلل ‪ .F‬وقد تقدَّ م فضل َ‬
‫الصباح الباكر مع أذكار‬ ‫األولى أن يؤتى بها في َّ‬ ‫تؤخر؟ ْ‬ ‫الصباح الباكر‪ ،‬أو َّ‬ ‫يف َّ‬
‫الصباح لسببين‪:‬‬ ‫َّ‬

‫األول‪ :‬مسارع ًة للخيرات‪ ،‬ومبادر ًة يف تحصيل هذا الخير العظيم وال َّثواب‬ ‫َّ‬
‫العميم‪ ،‬والمرء ال يدري ما يعرض له‪.‬‬
‫َّ‬
‫الثاني‪ :‬تحصيل ما يرت َّتب على هذه الكلمة من األجور العظيمة واألفضال‬
‫حرزا له من َّ‬
‫الشيطان‪.‬‬ ‫الكريمة من َّأول النَّهار‪ ،‬ومن ذلك أن تكون ً‬
‫النب ُّي ‪ O‬في ثواب هذا َّ‬
‫التهليل في اليوم مائة َّ‬ ‫َّ‬
‫مرة‬ ‫‪ ‬وقد ذكر ِ‬
‫فضائل عظيمة‪:‬‬
‫اب»‪ ،‬أي‪ :‬له ثواب يعادل عشر‬ ‫َت َل ُه َعدْ َل َع ْشرِ ِر َق ٍ‬ ‫الفضيلة األولى‪« :‬كَان ْ‬
‫رقاب‪ ،‬كأنَّه أعتق عشر رقاب يف سبيل اهلل‪ ،‬لو أراد المرء أن يعتق يف يوم من‬
‫ثم إذا تو َّفر المال قد ال تتو َّفر ِّ‬
‫الرقاب‬ ‫أ َّيامه رقا ًبا يف سبيل اهلل الحتاج إلى المال‪َّ ،‬‬
‫مرة؛ كانت له عدل‬ ‫للعتق يف سبيل اهلل‪ ،‬لكنَّه إذا قال هذه الكلمة يف اليوم مائة َّ‬
‫أيضا على عظيم مكانة هذه‬ ‫يدل ً‬ ‫عشر رقاب‪ ،‬وهذا فضل اهلل سبحانه‪ ،‬وهو ُّ‬
‫األذكار عند اهلل ومح َّبته أن ُيكثِر العباد منها؛ ليكثر هبا ثواهبم عنده سبحانه‪.‬‬
‫بكل كلمة من هؤالء الكلمات‬ ‫ت َل ُه ِما َئ ُة َح َسن ٍَة»‪ ،‬أي‪ِّ :‬‬
‫الفضيلة الثانية‪« :‬كُتِ َب ْ‬
‫َّ‬
‫يوضح ذلك حديث أبي‬ ‫ُيكتب له حسنة عند اهلل‪ ،‬لكن ما نوع هذه الحسنة؟ ِّ‬
‫ذر ‪ I‬يف مسند اإلمام أحمد عندما سأل النَّبِ َّي ‪ O‬فقال‪« :‬أفمن‬ ‫ٍّ‬
‫«هي َأحسن ا ْلحسن ِ‬ ‫ِ‬
‫َات»(‪،)1‬‬ ‫الحسنات ال إله َّإل اهلل»؟ قال ‪َ َ ُ َ ْ َ :O‬‬
‫ِ‬
‫ــي يف كلمــة اإلخــاص البــن رجــب‬
‫وحســنه األلبان ُّ‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه ال َّط ُّ‬
‫ــري (‪،)14292‬‬
‫(ص‪.)55‬‬
‫‪183‬‬ ‫‪ -29‬فضل التَّهليل‬

‫فالحسنة ا َّلتِي ُتكتب له هي أحسن الحسنات وأج ُّلها وأفضلها‪.‬‬


‫ت َعنْ ُه ِما َئ ُة َس ِّيئ ٍَة»‪ ،‬أي‪ُ :‬يمحى عنه مائة س ِّي ٍئة من‬ ‫الثالثة‪« :‬وم ِ‬ ‫َّ‬
‫ح َي ْ‬ ‫َُ‬ ‫الفضيلة‬
‫س ِّيئاته ا َّلتِي اقرتفها وفعلها‪.‬‬
‫ك َحتَّى ُي ْم ِسي»‪،‬‬ ‫ان َي ْو َم ُه َذلِ َ‬
‫الش ْي َط ِ‬‫َت َل ُه ِح ْرزًا ِم َن َّ‬ ‫«وكَان ْ‬ ‫الرابعة‪َ :‬‬ ‫الفضيلة َّ‬
‫الشيطان يومه‬ ‫الشيطان‪ ،‬فال يقربه َّ‬ ‫أي‪ :‬تكون حاف ًظا وواق ًيا وحصنًا حصينًا من َّ‬
‫الشيطان‬ ‫وحرز متين‪ ،‬يقيه من َّ‬ ‫ٍ‬ ‫حصن حصين‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ذلك حتَّى يمسي؛ ألنَّه أصبح يف‬
‫الرجيم فال يقربه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ت َأ َحدٌ بِ َأ ْف َض َل ِم َّما َجا َء بِ ِه؛ إِ َّل َأ َحدٌ َع ِم َل َأ ْك َث َر‬ ‫الفضيلة الخامسة‪« :‬و َلم ي ْأ ِ‬
‫َ ْ َ‬
‫ثم استزاد من أبواب البِ ِّر الكثيرة من‬ ‫ك»‪ ،‬أي‪َّ :‬إل رجل أتى هبذا العمل‪َّ ،‬‬ ‫ِم ْن َذلِ َ‬
‫وبر للوالدين وصلة لألرحام إلى غير ذلك‪.‬‬ ‫صالة وصدقة ٍّ‬
‫الذ ِ‬ ‫َّ‬
‫نوب يوم القيامة‪،‬‬ ‫ترجح بصحائف ُّ‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬ومن فضائل ال إله إل هللا‪ :‬أنَّها‬
‫خرج يف المسند‬ ‫الم َّ‬ ‫كما يف حديث عبد اهلل بن عمرو بن العاص ‪ُ L‬‬
‫اح بِ َر ُج ٍل‬ ‫«ي َص ُ‬ ‫ِّرمذي وابن ماجه وغيرهم بإسناد ج ِّيد عن النَّبِ ِّي ﷺ أنَّه قال‪ُ :‬‬ ‫ِّ‬ ‫والت‬
‫ج ًّل ك ُُّل‬ ‫ون ِس ِ‬ ‫وس ا ْلخَ الَئِ ِق َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة‪َ ،‬ف ُين َْش ُر َل ُه تِ ْس ٌع َوتِ ْس ُع َ‬ ‫ِم ْن ُأ َّمتِي َع َلى ُرؤُ ِ‬
‫ول‬ ‫ول‪َ :‬ل َيا َر ِّب‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ج ٍّل َمدَّ ا ْل َب َصرِ‪ُ ،‬ث َّم ُي َق ُال َل ُه‪َ :‬أ ُتنْكِ ُر ِم ْن َه َذا َش ْيئًا؟ َف َي ُق ُ‬ ‫ِس ِ‬
‫ول‪َ :‬ب َلى إِ َّن‬ ‫ول‪َ :‬ل َيا َر ِّب‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫الر ُج ُل َف َي ُق ُ‬ ‫اب َّ‬ ‫ك ُع ْذ ٌر‪َ ،‬أ ْو َح َسنَةٌ؟ َف َي َه ُ‬ ‫‪َ :D‬أ َل َ‬
‫«أ ْش َهدُ َأ ْن َل‬ ‫ك‪َ ،‬ف ُيخْ َر ُج َل ُه بِ َطا َق ٌة فِ َيها َ‬ ‫َات‪َ ،‬وإِ َّن ُه َل ُظ ْل َم َع َل ْي َ‬ ‫ك ِعنْدَ نَا حسن ٍ‬
‫َ َ‬ ‫َل َ‬
‫ول‪َ :‬يا َر ِّب َما َه ِذ ِه ا ْلبِ َطا َق ُة َم َع َه ِذ ِه‬ ‫إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ َو َأ َّن ُم َح َّمدً ا َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه»‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ج َّل ُت فِي كِ َّف ٍة‪َ ،‬وا ْلبِ َطا َق ُة‬ ‫الس ِ‬‫وض ُع ِّ‬ ‫َّك َل ُت ْظ َل ُم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف ُي َ‬ ‫ول‪ :‬إِن َ‬‫ت؟ َف َي ُق ُ‬ ‫ج َّل ِ‬ ‫الس ِ‬‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ج َّل ُت‪َ ،‬و َث ُق َلت ا ْلبِ َطا َقةُ»(‪.)1‬‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫فِي ك َّفة َف َط َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اشت ِّ‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)2639‬وابن ماجه (‪،)4300‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)6994‬والت‬
‫يف صحيح التَّرغيب والتَّرهيب (‪.)1533‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪184‬‬

‫أن هذا قد قام بقلبه من اإليمان ما جعل بطاقته ا َّلتِي فيها «ال إله‬ ‫وال ريب َّ‬
‫جلت‪ ،‬إذ النَّاس متفاضلون يف األعمال بحسب ما‬ ‫الس َّ‬ ‫َّإل اهلل» تطيش بتلك ِّ‬
‫وإل فكم من قائل لـ«ال إله َّإل اهلل» ال يحصل له مثل‬ ‫يقوم بقلوهبم من اإليمان‪َّ ،‬‬
‫الصحيحين(‪ )1‬من حديث أنس بن‬ ‫هذا؛ لضعف إيمانه هبا يف قلبه‪ ،‬فقد ورد يف َّ‬
‫َّار َم ْن َق َال‪َ :‬ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ‬ ‫«يخْ ُر ُج ِم َن الن ِ‬ ‫مالك ‪ I‬عن النَّبِ ِّي ﷺ أنَّه قال‪َ :‬‬
‫َّار َم ْن َق َال‪َ :‬ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ َوفِي َق ْلبِ ِه‬ ‫َوفِي َق ْلبِ ِه َوز ُْن َش ِع َير ٍة ِم ْن َخ ْيرٍ‪َ ،‬و َيخْ ُر ُج ِم َن الن ِ‬
‫َّار َم ْن َق َال‪َ :‬ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ َوفِي َق ْلبِ ِه َوز ُْن َذ َّر ٍة ِم ْن‬
‫َوز ُْن ُب َّر ٍة ِم ْن َخ ْيرٍ‪َ ،‬و َيخْ ُر ُج ِم َن الن ِ‬
‫أن أهل «ال إله َّإل اهلل» متفاوتون فيها بحسب ما قام يف‬ ‫فدل ذلك على َّ‬ ‫َخ ْيرٍ»؛ َّ‬
‫قلوهبم من إيمان‪.‬‬
‫بالسموات واألرض رجحت‬ ‫نت َّ‬ ‫‪ ‬ومن فضائل هذه الكلمة‪ :‬أنَّها لو ُو ِز ْ‬
‫ُوحا َق َال‬ ‫«أ َّن ن ً‬ ‫هب َّن‪ ،‬كما يف المسند عن عبد اهلل بن عمرو ‪ L‬عن النَّبِي ﷺ‪َ :‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫الس ْب َع َل ْو‬
‫ين َّ‬ ‫الس ْب َع َو ْالَ َرض َ‬ ‫الس َم َوات َّ‬ ‫ل ْبنه عنْدَ َم ْوته‪ُ :‬آم ُر َك بِ َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ؛ َفإِ َّن َّ‬
‫ت بِ ِه َّن َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ‪،‬‬ ‫ت َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ فِي كِ َّف ٍة؛ َر َج َح ْ‬ ‫ت فِي كِ َّف ٍة‪َ ،‬و ُو ِض َع ْ‬ ‫ُو ِض َع ْ‬
‫الس ْب َع فِي َحل َق ٍة ُم ْب َه َم ٍة َل َق َص َمت ُْه َّن َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫الس َم َوات َّ‬ ‫َو َل ْو َأ َّن َّ‬
‫الحجب حتَّى‬‫‪ ‬ومن فضائلها‪ :‬أنَّها ليس لها دون اهلل حجاب‪ ،‬بل تخرق ُ‬
‫ِّرمذي بإسناد حسن عن أبي هريرة ‪ I‬عن‬ ‫ِّ‬ ‫تصل إلى اهلل ‪ ،D‬ففي الت‬
‫ت َله َأبواب السم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء‬ ‫«ما َق َال َع ْبدٌ َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ ُمخْ ل ًصا إِ َّل ُفت َح ْ ُ ْ َ ُ َّ َ‬
‫النَّبِ ِّي ﷺ أنَّه قال‪َ :‬‬
‫َب ا ْل َك َبائِ َر»(‪.)3‬‬ ‫اج َتن َ‬
‫ش َما ْ‬ ‫َحتَّى ُت ْف ِضي إِ َلى ا ْل َع ْر ِ‬

‫أن النَّبِ َّي‬


‫‪ ‬ومن فضائلها‪ :‬أنَّها نجا ٌة لقائلها من النَّار‪ ،‬ففي صحيح مسلم‪َّ :‬‬
‫(((  رواه البخاري (‪ ،)44‬ومسلم (‪.)193‬‬
‫(((  رواه أحمد (‪ ،)6583‬وقال األلبانِ ُّي‪ :‬صحيح لغيره‪ ،‬صحيح التَّرغيب والتَّرهيب‬
‫(‪.)1530‬‬
‫ِ‬
‫وحسنه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪،)3590‬‬‫(((  رواه الت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫‪185‬‬ ‫‪ -29‬فضل التَّهليل‬

‫َّار»(‪ .)1‬ويف‬ ‫«خ َر َج ِم َن الن ِ‬


‫ﷺ سمع مؤ ِّذنًا يقول‪ :‬أشهد أن ال إله َّإل اهلل‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫الصحيحين من حديث ِعتبان ‪ I‬عن النَّبِ ِّي ﷺ أنَّه قال‪« :‬إِ َّن اهللَ َح َّر َم َع َلى‬ ‫َّ‬
‫ك َو ْج َه اهلل ِ»(‪.)2‬‬
‫َّار َم ْن َق َال‪َ :‬ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ َي ْبت َِغي بِ َذلِ َ‬
‫الن ِ‬

‫أن النَّبِ َّي ﷺ جعلها أفضل ُشعب اإليمان‪،‬‬ ‫‪ ‬ومن فضائل هذه الكلمة‪َّ :‬‬
‫ان بِ ْض ٌع‬
‫يم ُ‬ ‫أن النَّبِي ﷺ قال‪ِ ْ :‬‬
‫«ال َ‬ ‫الصحيحين من حديث أبي هريرة ‪َّ I‬‬ ‫ففي َّ‬
‫َّ‬
‫يق»(‪.)3‬‬ ‫ون ُش ْع َبةً‪َ :‬أ ْع َل َها َق ْو ُل َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ‪َ ،‬و َأ ْدن َ‬
‫َاها إِ َما َط ُة ْالَ َذى َع ِن ال َّطرِ ِ‬ ‫َو َس ْب ُع َ‬
‫ِّرمذي‬
‫ِّ‬ ‫الذكر‪ ،‬كما يف الت‬ ‫ُ‬
‫أفضل ِّ‬ ‫أن النَّبِ َّي ﷺ أخرب أنَّها‬ ‫‪ ‬ومن فضائلها‪َّ :‬‬
‫وغيره من حديث جابر ‪ I‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪َ :‬‬
‫«أ ْف َض ُل‬
‫اء ا ْل َح ْمدُ هلل ِ»(‪.)4‬‬
‫الذ ْكرِ َل إِ َله إِ َّل اهلل‪ ،‬و َأ ْف َض ُل الدُّ ع ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫وفضائل هذه الكلمة وموقعها من الدِّ ين فوق ما يص ُفه الواصفون و َي ُعدُّ ُه‬
‫العا ُّدون‪.‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)382‬‬


‫البخاري (‪ ،)425‬ومسلم (‪.)33‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫البخاري (‪ ،)9‬ومسلم (‪.)35‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫ِ‬
‫وحسنه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)3383‬وابن ماجه (‪،)3800‬‬ ‫(((  رواه الت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪186‬‬

‫‪30‬‬

‫فضل التَّسبيح والتَّحميد‬

‫َان َع َلى‬ ‫َان َخ ِفي َفت ِ‬‫ول اهلل ﷺ‪« :‬ك َِل َمت ِ‬ ‫َع ْن أبي هريرة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ان اهَّلل ِ َوبِ َح ْم ِد ِه‪،‬‬ ‫َان فِي ا ْل ِميز ِ‬
‫َان‪َ ،‬حبِي َبت ِ‬
‫َان إِ َلى َّ‬
‫الر ْح َم ِن؛ ُس ْب َح َ‬ ‫ان‪َ ،‬ث ِقي َلت ِ‬ ‫ال ِّل َس ِ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬‫ُّ‬ ‫ان اهَّلل ِ ا ْل َعظِيمِ»‪ .‬رواه‬
‫ُس ْب َح َ‬
‫الصحيح‪ ،‬وكان قد بدأه‬ ‫البخاري كتابه َّ‬
‫ُّ‬ ‫هذا حديث عظيم ختم به اإلمام‬
‫أن العمل َّأول ما يبدأ‬ ‫ات»‪ ،‬إشار ًة منه ‪ V‬إلى َّ‬ ‫بحديث «إِنَّما ْالَعم ُال بِالنِّي ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫يكون نِ َّيةً‪ ،‬وآخر أمره يوزن يوم القيامة ُث َّم تكون المجازاة‪.‬‬
‫مشو ٍق‪ ،‬وهذا من كمال نصحه‬ ‫وقد بدأ النَّبِ ُّي ﷺ هذا الحديث بأسلوب ِّ‬
‫ألن «سبحان اهلل وبحمده» مبتدأ‪ ،‬وخربه «كلمتان حبيبتان»‪،‬‬ ‫‪َّ ،O‬‬
‫شوق إليه‪ ،‬و َأ ْك َث َر من وصف الخرب‬ ‫ِ‬ ‫ولك َّن النَّبِي ‪َّ O‬‬
‫أخر المبتدأ ل ُي ِّ‬ ‫َّ‬
‫تشوي ًقا وترغي ًبا‪.‬‬
‫ف ال ِّل َ‬
‫سان جهدً ا أو مش َّقةً‪،‬‬ ‫ليست تك ِّل ُ‬
‫ْ‬ ‫ان»‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫«خ ِفي َفت ِ‬
‫َان َع َلى ال ِّل َس ِ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫وكلمات صعب ُة‬
‫ٌ‬ ‫بل هي خفيفة عليه‪ ،‬وبعض الكالم قد يكون يف تركيبه ثِ ٌ‬
‫قل‬
‫ُّطق‪ ،‬فيكون فيها شيء من ال ِّثقل‪ ،‬لك َّن هاتين الكلمتين خفيفتان على‬ ‫الن ِ‬
‫ال ِّلسان‪ ،‬ال ثقل فيهما عليه وال كَلفة‪.‬‬
‫َان فِي ِ‬
‫الميز ِ‬
‫َان»‪ ،‬أي‪ :‬عندما ُتوضع يوم القيامة يف الميزان لها‬ ‫وقوله‪َ « :‬ث ِقي َلت ِ‬
‫حقيقي له كِ َّفتان‪:‬‬
‫ٌّ‬
‫ِ‬
‫ميزان يوم القيامة‪ ،‬وهو ميزان‬ ‫إثبات‬
‫ُ‬ ‫ثقل عظيم فيه‪ ،‬ويف هذا‬
‫البخاري (‪ ،)6406‬ومسلم (‪.)2694‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪187‬‬ ‫‪ -30‬فضل التَّسبيح والتَّحميد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َّفة توضع فيه الحسنات‪ ،‬وك َّفة توضع فيه َّ‬
‫الس ِّيئات‪ ،‬وهاتان الكلمتان يثقل‬
‫حسنات ِ‬
‫العبد يو َم القيامة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ميزان‬ ‫هبما‬
‫يحب أن يسمعها من‬‫ُّ‬ ‫للر ْح َم ِن»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬
‫أن اهلل سبحانه‬ ‫«حبِي َبت ِ‬
‫َان َّ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫تضره معصي ُة‬
‫غني عن تسبيح العبد‪ ،‬فال تنفعه طاع ُة َمن أطاع وال ُّ‬ ‫عبده‪ ،‬مع أنَّه ٌّ‬
‫يحب أن يسمعها من عبده‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫َمن عصى‪ ،‬ولك ْن من عظيم كرمه وكمال إحسانه‬
‫«الرحمن»‪ ،‬إشارة إلى عظم ِّ‬
‫حظ قائلها من‬ ‫اسم اهلل ‪َّ F‬‬ ‫و ُذكر هنا ُ‬
‫ِ‬
‫نصيب وافر من رحمة اهلل ا َّلتي َّ‬
‫خص هبا‬ ‫ٌ‬ ‫فمن حافظ عليها؛ فله‬ ‫رحمة اهلل؛ َ‬
‫خص لفظ‬ ‫عباده المؤمنين‪﴿ ،‬ﰑ ﰒ ﰓ﴾ [األحزاب‪ .]43 :‬وقد َّ‬
‫بيان ِسعة رحمة اهلل على عباده؛‬
‫ألن المقصو َد من الحديث ُ‬ ‫بالذكر؛ َّ‬
‫«الرحمن» ِّ‬ ‫َّ‬
‫حيث يجازي على العمل القليل ال َّثواب الجزيل واألجر العظيم‪.‬‬
‫وقد جمع هنا مع التَّسبيح يف الجملة األولى الحمد‪ ،‬ويف الجملة ال َّثانية‬
‫إثبات المحامد ك ِّلها هلل‪ ،‬والتَّعظيم فيه إثبات العظمة‬
‫ُ‬ ‫التَّعظيم‪ ،‬والحمد فيه‬
‫دال على عظمة اهلل يف أسمائه‪،‬‬ ‫هلل‪ ،‬والعظيم‪ :‬اسم من أسمائه الحسنى وهو ٌّ‬
‫وعظمته يف ذاته‪ ،‬وعظمته يف صفاته‪ ،‬وعظمته يف شرعه‪.‬‬
‫والتَّسبيح تار ًة يأيت يف القرآن مقرتنًا بالحمد‪ ،‬وتارة يأيت مقرتنًا باألسماء‬
‫والصفات؛ وهنا يف هذا الحديث اجتمع النَّوعان‪ ،‬فقوله‪« :‬سبحان اهلل‬ ‫ِّ‬
‫وبحمده» جاء التَّسبيح مقرتنًا بالحمد‪ ،‬وقوله‪« :‬سبحان اهلل العظيم» جاء‬
‫أن تسبيح اهلل ‪ F‬ال ُبدَّ معه من‬ ‫بالصفات‪ .‬وهذا فيه التَّنبيه إلى َّ‬
‫مقرتنًا ِّ‬
‫وحمد‪ ،‬ويف قوله‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫حمده وإثبات صفاته‪ ،‬ففي قوله‪« :‬سبحان اهلل وبحمده» َّنزه‬
‫أن التَّسبيح ال ُبدَّ معه‬‫«سبحان اهلل العظيم» َّنزه وع َّظم‪ .‬ويف هذا داللة على َّ‬
‫ألن التَّسبيح‬‫من إثبات عظمة اهلل‪ ،‬وكماله يف صفاته ونعوته سبحانه؛ وذلك َّ‬
‫إثبات المحامد ك ِّلها هلل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫هو تنزي ُه اهلل عن النَّقائص والعيوب‪ ،‬والتَّحميدُ فيه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪188‬‬
‫واإلثبات ُ ِ‬
‫مجر ًدا‪ ،‬ولكن ورد مقرونًا‬ ‫السلب‪ ،‬ولهذا لم َي ِرد الت ُ‬
‫َّسبيح َّ‬ ‫أكمل م َن َّ‬
‫بما يدُ ُّل على إثبات الكمال؛ فتار ًة ُي ُ‬
‫قرن بالحمد كما يف هذه النُّصوص‪ ،‬وتار ًة‬
‫باسم من األسماء الدَّ الة على العظمة والجالل‪ ،‬كقول‪« :‬سبحان اهلل‬ ‫ٍ‬ ‫ُي ُ‬
‫قرن‬
‫العظيم»‪ ،‬وقول‪« :‬سبحان ر ِّبي األعلى»‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫تضمن معنًى ثبوت ًّيا؛ ولهذا عندما َّنزه اهلل‬ ‫َّ‬ ‫مدحا َّإل إذا‬‫والتَّنزيه ال يكون ً‬
‫الرسل س َّلم على المرسلين‬ ‫مما وصفه به أعداء ُّ‬ ‫عما ال يليق به َّ‬ ‫‪ F‬نفسه َّ‬
‫اللئق به‪ ،‬وذلك يف‬ ‫ا َّل ِذين يثبتون هلل صفات كماله ونعوت جالله على الوجه َّ‬
‫قوله‪﴿ :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫نفسه بعد‬ ‫اهلل َ‬ ‫أيضا حمدَ ُ‬ ‫الصا َّفات‪ .]182-180 :‬ويف هذه اآلية ً‬ ‫ﰇ ﰈ﴾ [ َّ‬
‫َّسبيح فيه تنزيه‬ ‫الصفات‪ ،‬والت َ‬ ‫إثبات كمال ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ألن الحمدَ فيه‬ ‫أن َّنزهها؛ وذلك َّ‬
‫فجمع يف اآلية بين التَّنزيه عن العيوب بالتَّسبيح‪،‬‬ ‫اهلل عن النَّقائص والعيوب؛ ُ‬
‫َّسبيح‬
‫كثيرا‪ ،‬فالت ُ‬ ‫والسنَّة ً‬ ‫وإثبات الكمال بالحمد‪ .‬وهذا المعنى ِيرد يف القرآن ُّ‬
‫الحق يف‬‫ُّ‬ ‫المنهج‬
‫ُ‬ ‫والحمدُ أصالن عظيمان وأساسان متينان‪ ،‬يقوم عليهما‬
‫والصفات‪.‬‬ ‫توحيد األسماء ِّ‬
‫كل‬‫جاهد نفسه على اإلكثار من هاتين الكلمتين يف ِّ‬ ‫فينبغي للعبد أن ي ِ‬
‫ُ‬
‫حرك لسانه‬ ‫تختص بوقت مع َّي ٍن وإنَّما ُتقال متى شاء العبد‪ُ ،‬ي ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫أوقاته‪ ،‬وهي ال‬
‫الرحمن سبحانه‪.‬‬ ‫أمرا حبي ًبا إلى َّ‬ ‫هبا ليث ِّقل ميزانه‪ ،‬وليفعل ً‬
‫ِّرمذي‪ ،‬وابن ِح َّبان‪،‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ُّ‬ ‫‪ ‬ومن فضائل التسبيح والتحميد‪ :‬ما رواه الت‬
‫الزبير عن جابر ‪ I‬عن النَّبِ ِّي ﷺ أنَّه‬ ‫والحاكم‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬من طريق أبي ُّ‬
‫الجن َِّة»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫ت َل ُه َنخْ َل ٌة في َ‬‫ان اهلل ِ ال َعظِي ِم َوبِ َح ْم ِد ِه ُغرِ َس ْ‬ ‫«م ْن َق َال ُس ْب َح َ‬
‫قال‪َ :‬‬
‫‪ ‬ومن فضائلهما‪ :‬ما رواه ال َّطربانِ ُّي والحاكم من حديث نافع بن ُجبير‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3464‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫‪189‬‬ ‫‪ -30‬فضل التَّسبيح والتَّحميد‬

‫ان اهلل ِ َوبِ َح ْم ِد ِه‪،‬‬


‫«م ْن َق َال ُس ْب َح َ‬ ‫ابن مطعم عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫َك ال َّل ُه َّم َوبِ َح ْم ِد َك‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ْت‪َ ،‬أ ْس َتغْف ُر َك َو َأت ُ‬
‫ُوب إِ َل ْي َ‬ ‫ُس ْب َحان َ‬
‫س َلغ ٍْو‬ ‫َت كَال َّطابِ ِع ُي ْط َب ُع َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َم ْن َقا َل َها فِي َم ْج ِل ِ‬
‫س ِذ ْكرٍ كَان ْ‬ ‫َف َقا َل َها فِي َم ْج ِل ِ‬
‫َت َك َّف َار ًة َل ُه»(‪.)1‬‬
‫كَان ْ‬
‫َّبي ﷺ‬
‫ِّرمذي وابن ح َّبان والحاكم عن أبي هريرة ‪ I‬عن الن ِّ‬
‫ُّ‬ ‫وروى الت‬
‫س َف َك ُث َر فِ ِيه َل َغ ُط ُه‪َ ،‬ف َق َال َق ْب َل َأ ْن َي ُقو َم ِم ْن َم ْج ِل ِس ِه‬ ‫«م ْن َج َل َس فِي َم ْج ِل ٍ‬ ‫أنَّه قال‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫َك ال َّل ُه َّم َر َّبنَا َوبِ َح ْم ِد َك‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬ ‫َذلِ َ‬
‫ُوب‬ ‫ْت‪َ ،‬أ ْس َتغْف ُر َك َو َأت ُ‬ ‫ك‪ُ :‬س ْب َحان َ‬
‫ك»(‪.)2‬‬ ‫َان فِي َم ْج ِل ِس ِه َذلِ َ‬ ‫ك‪ ،‬إِ َّل ُغ ِف َر َل ُه َما ك َ‬ ‫إِ َل ْي َ‬

‫اص َط َفى اهللُ‬ ‫«أ ْف َض ُل ا ْلك ََل ِم َما ْ‬ ‫أن النَّبي ﷺ قال‪َ :‬‬ ‫ذر ‪َّ I‬‬ ‫وعن أبي ٍّ‬
‫َّ‬
‫أن‬‫ان اهلل ِ َوبِ َح ْم ِد ِه»‪ .‬رواه مسلم(‪ .)3‬ويف لفظ آخر للحديث َّ‬ ‫لِ َم َلئِكَتِ ِه‪ُ :‬س ْب َح َ‬
‫هلل‬
‫ول ا ِ‬ ‫ذر قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪«َ :‬أ َل ُأخْ بِ ُر َك بِ َأ َح ِّب ا ْلك ََل ِم إِ َلى اهللِ؟» ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫أبا ٍّ‬
‫ِ‬
‫َأ ْخبِرنِي بِ َأحب ا ْل َك َل ِم إِ َلى اهلل‪َ .‬ق َال‪« :‬إِن َأحب ا ْلك ََل ِم إِ َلى اهللِ‪ :‬سبحان اهلل ِ‬
‫ُ ْ َ َ‬ ‫َّ َ َّ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ْ‬
‫فدل هذا الحديث على عظيم مكانة هذه الكلمة عند اهلل ‪.D‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوبِ َح ْمده»(‪)4‬؛ َّ‬
‫أن َمن قال‪ :‬سبحان اهلل وبحمده يف‬ ‫ومن فضائلهما‪ :‬ما أخرب به النَّبي ﷺ َّ‬
‫ُّ‬ ‫‪ِ ‬‬
‫الصحيح من حديث أبي هريرة‬ ‫مرة ُح َّطت عنه ذنو ُبه ولو ك ُثرت‪ ،‬ففي َّ‬ ‫يو ٍم مائة َّ‬
‫ت‬‫ان اهلل ِ َوبِ َح ْم ِد ِه فِي َي ْو ٍم ِما َئ َة َم َّر ٍة ُح َّط ْ‬
‫«م ْن َق َال‪ُ :‬س ْب َح َ‬ ‫َّبي ﷺ قال‪َ :‬‬ ‫َّ‬
‫‪ I‬أن الن َّ‬
‫َت ِم ْث َل َز َب ِد ا ْل َب ْحرِ»(‪.)5‬‬
‫َخ َط َايا ُه َوإِ ْن كَان ْ‬

‫وصححــه األلبــاينُّ يف‬ ‫ــي (‪ ،)1919‬والحاكــم يف مســتدركه (‪،)1970‬‬ ‫َّ ِ‬


‫َّ‬ ‫(((  رواه الطربان ُّ‬
‫الصحيحــة (‪ ،)81‬ويف صحيــح الجامــع (‪.)6430‬‬ ‫السلســلة َّ‬ ‫ِّ‬
‫ِّرمــذي (‪ ،)3433‬وابــن ح َّبــان (‪ ،)594‬والحاكــم يف مســتدركه (‪،)1969‬‬
‫ُّ‬ ‫((( رواه الت‬
‫وصححــه األلبــاينُّ‪.‬‬ ‫َّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2731‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.) 2731‬‬
‫البخاري (‪ ،)6405‬ومسلم (‪.)2691‬‬ ‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪190‬‬

‫مرة؛ لم‬ ‫مرة ويف المساء مائة َّ‬ ‫الصباح مائة َّ‬ ‫أن َمن قالها يف َّ‬ ‫وثبت عنه ﷺ َّ‬
‫مما جاء به‪َّ ،‬إل َمن قال مثل ذلك وزاد عليه؛ فقد‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫بأفضل َّ‬ ‫يأت أحدٌ يو َم القيامة‬
‫روى مسلم يف صحيحه من حديث أبي هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫ان اهلل ِ وبِحم ِد ِه ِما َئ َة مر ٍة َلم ي ْأ ِ‬
‫ت َأ َحدٌ‬ ‫ين ُي ْم ِسي‪ُ :‬س ْب َح َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َّ ْ َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫«م ْن َق َال ح ْي َن ُي ْصبِ ُح َوح َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْو َم ا ْلق َي َامة بِ َأ ْف َض َل م َّما َجا َء بِه‪ ،‬إِ َّل َأ َحدٌ َق َال م ْث َل َما َق َال َأ ْو زَا َد َع َل ْيه»(‪.)1‬‬
‫فالتَّسبيح يف هذه األحاديث قرين التَّحميد‪ ،‬ويف القرآن يقول اهلل تعالى‪:‬‬
‫﴿ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [البقرة‪ ،]30 :‬وقال سبحانه‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ﴾‬
‫[اإلسراء‪ ،]44 :‬وقال سبحانه‪﴿ :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾‬
‫َك ال َّل ُه َّم َر َّبنَا‬
‫«س ْب َحان َ‬
‫َّبي ﷺ يقول يف ركوعه وسجوده‪ُ :‬‬ ‫[النصر‪ ،]3 :‬فكان الن ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يتأول القرآن‪ ،‬كما ثبت يف الحديث(‪ )2‬عن أ ِّم‬ ‫َوبِ َح ْمد َك ال َّل ُه َّم ا ْغف ْر لي»؛ َّ‬
‫َك ال َّل ُه َّم َوبِ َح ْم ِد َك» تأويل‬‫«س ْب َحان َ‬
‫المؤمنين عائشة ‪ ،J‬فجعل قوله‪ُ :‬‬
‫﴿ﭿ ﮀ ﮁ﴾‪ ،‬وقد قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ﴾ [غافر‪ ،]55 :‬وقال‪﴿ :‬ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [ ُّ‬
‫الروم‪-17 :‬‬
‫‪ ،]18‬والنُّصوص يف اقرتاهنما كثيرة‪.‬‬
‫بن َأبِي َو َّق ٍ‬
‫اص‬ ‫التسبيح‪ :‬ما رواه مسلم َع ْن َس ْع ِد ِ‬ ‫َّ‬
‫ومما ورد في فضل‬ ‫‪َّ ‬‬
‫ب ك َُّل َي ْو ٍم َأ ْل َ‬ ‫ِ‬ ‫«أ َي ْع ِ‬ ‫َق َال‪ُ « :‬كنَّا ِعنْدَ رس ِ‬
‫ف‬ ‫ج ُز َأ َحدُ ك ُْم َأ ْن َيكْس َ‬ ‫ول اهلل ﷺ َف َق َال‪َ :‬‬ ‫َ ُ‬
‫ف َح َسن ٍَة؟ َق َال‪:‬‬ ‫ب َأ َحدُ نَا َأ ْل َ‬ ‫ِ‬
‫ف َي ْكس ُ‬ ‫َح َسن ٍَة؟» َف َس َأ َل ُه َسائِ ٌل مِ ْن ُج َل َسائِ ِه‪َ :‬ك ْي َ‬
‫ف َخطِيئ ٍَة»(‪.)3‬‬ ‫ف َح َسن ٍَة‪َ ،‬أ ْو ُي َح ُّط َعنْ ُه َأ ْل ُ‬ ‫َب َل ُه َأ ْل ُ‬ ‫«يسبح ِما َئ َة تَسبِ ٍ‬
‫يحة؛ َف ُي ْكت ُ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ َ ِّ ُ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2692‬‬
‫البخاري (‪ ،)817‬ومسلم (‪.)484‬‬
‫ُّ‬ ‫((( ‬
‫(((  مسلم (‪.)2698‬‬
‫‪191‬‬ ‫‪ -30‬فضل التَّسبيح والتَّحميد‬

‫وكثيرا ما يأيت مثل هذا األسلوب يف حديثه‬ ‫ً‬ ‫وهذا أسلوب تشويق وترغيب‪،‬‬
‫حرصه على‬ ‫ِ‬ ‫صلوات اهلل وسالمه عليه‪ ،‬وهذا من كمال نُصحه أل َّمته‪ ،‬وشدَّ ة‬
‫نفعهم وارتفاعهم وعنايتهم بذكر اهلل وبطاعته عمو ًما‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ب ك َُّل َي ْو ٍم َأ ْل َ‬ ‫ِ‬ ‫«أ َي ْع ِ‬
‫لما قال ذلك‬ ‫ف َح َسنَة؟» َّ‬ ‫ج ُز َأ َحدُ ك ُْم َأ ْن َيكْس َ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫الصحابة شوقا لمعرفة هذا األمر‪ ،‬فقال َسائِ ٌل‬ ‫تحركت قلوب َّ‬ ‫‪َّ O‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ب َأ َحدُ نَا َأ ْل َ‬ ‫ِ‬ ‫مِ ْن ُج َل َسائِ ِه‪َ « :‬ك ْي َ‬
‫نحصل‬ ‫ف َح َسنَة؟» أي‪ :‬ما ال َّطريقة ا َّلتي ِّ‬ ‫ف َي ْكس ُ‬
‫يح ٍة»‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫ِ‬
‫«ي َس ِّب ُح ما َئ َة ت َْسبِ َ‬
‫هبا هذا القدر من الحسنات؟ فقال ‪ُ :O‬‬
‫ف‬‫ف َح َسن ٍَة‪َ ،‬أ ْو ت َُح ُّط َعنْ ُه َأ ْل َ‬ ‫َب َل ُه َأ ْل َ‬ ‫مرة‪َ « ،‬ف ُت ْكت ُ‬ ‫يقول‪« :‬سبحان اهلل» مائة َّ‬
‫ألن الحسنة بعشر أمثالها‪ ،‬فهو إذا قال‪( :‬سبحان‬ ‫َخطِيئ ٍَة»؛ ُتكتب له ألف حسنة؛ َّ‬
‫مرة‪ ،‬والحسنة بعشر أمثالها؛ فهذه ألف حسنة‪.‬‬ ‫اهلل) مائة َّ‬
‫يحصله يف دقيقتين أو‬ ‫ِّ‬ ‫أن المرء‬ ‫وهذا ثواب عظيم وأجر جزيل ر َّبما َّ‬
‫الصغائر‪ ،‬أ َّما كبائر ُّ‬
‫الذنوب فال ُبدَّ فيها من‬ ‫والذنوب المك َّفرة هنا‪ :‬هي َّ‬
‫ثالث‪ُّ ،‬‬
‫التَّوبة‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ﴾ [النِّساء‪ ،]31 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ﴾ [النَّجم‪.]32 :‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪192‬‬

‫‪31‬‬

‫إل َّ‬
‫بالل‬ ‫فضل ال حول وال قوَّة َّ‬

‫وبيان ِعظم‬
‫ِ‬ ‫ُّصوص بتفضيلها‬
‫ُ‬ ‫إن من الكلمات العظيمة ا َّلتي جاءت الن‬ ‫َّ‬
‫قوة َّإل باهلل ِ»‪ ،‬وقد جاءت يف بعض‬‫ول َّ‬ ‫الح ْو َقلة؛ وهي قول َ‬
‫«ل َح ْول َ‬ ‫شأهنا‪َ :‬‬
‫أحب الكالم إلى اهلل ‪،D‬‬‫األحاديث مضمومة إلى الكلمات األربع ا َّلتي هي ُّ‬
‫فصل عنها‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫حديث ُم َّ‬ ‫وقد سبق‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫‪ ‬ومن النصوص التي وردت فيها هذه الكلمة مضمومة إلى أولئك الكلمات‪:‬‬
‫ِّرمذي والحاكم من حديث عبد اهلل بن عمرو بن العاص‬ ‫ُّ‬ ‫‪ -‬ما رواه الت‬
‫ول‪َ :‬ل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ‬ ‫ض َأ َحدٌ َي ُق ُ‬ ‫«ما َع َلى األَ ْر ِ‬ ‫‪ L‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫َت ِم ْث َل َز َب ِد‬ ‫َواهَّللُ َأ ْك َب ُر َو َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهَّللِ‪ ،‬إِ َّل ُك ِّف َر ْت َعنْ ُه َخ َط َايا ُه َو َل ْو كَان ْ‬
‫ال َب ْحرِ»(‪.)1‬‬
‫قطني وغيرهم عن ابن أبي أوىف‬ ‫َّسائي والدَّ َار ُّ‬ ‫وأيضا ما رواه أبو داود والن ُّ‬ ‫‪ً -‬‬
‫يع َأ ْن َأ َت َع َّل َم ا ْل ُق ْر َ‬ ‫ِ‬
‫آن‪،‬‬ ‫‪ L‬قال‪َ :‬جا َء َر ُج ٌل إِ َلى النَّبِ ِّي ﷺ َف َق َال‪« :‬إِنِّي َل َأ ْستَط ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َف َع ِّل ْمنِي َش ْيئًا ُي ْج ِزينِي»‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ت ُق ُ‬
‫ان اهلل َوا ْل َح ْمدُ ل َّله‪َ ،‬و َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ‬ ‫ول‪ُ :‬س ْب َح َ‬
‫َواهللُ َأ ْك َب ُر‪َ ،‬و َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهلل ِ»‪َ ،‬ف َق َال األَ ْع َرابِ ُّي‪َ :‬ه َك َذا‪َ ،‬و َق َب َض بِ َي ِد ِه‪،‬‬
‫ول‪ :‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي‪َ ،‬و ْار َح ْمنِي‪َ ،‬و َعافِنِي‪،‬‬ ‫«ه َذا لِ َّل ِه‪َ ،‬ف َما لِي؟» َق َال‪َ « :‬ت ُق ُ‬ ‫َف َق َال‪َ :‬‬
‫«أ َّما َه َذا‬‫َو ْار ُز ْقنِي‪َ ،‬و ْاه ِدنِي»‪َ ،‬ف َأ َخ َذ َها األَ ْع َرابِي‪َ ،‬و َق َب َض َك َّف ْي ِه‪َ ،‬ف َق َال النَّبي ﷺ‪َ :‬‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫َف َقدْ َمأل َ َيدَ ْي ِه ِم َن ا ْلخَ ْيرِ»(‪.)2‬‬

‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)3460‬والحاكم يف المستدرك (‪،)1853‬‬ ‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬ ‫قطني (‪،)1196‬‬ ‫ِ‬
‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)832‬والنَّسائ ُّي (‪ ،)924‬والدَّ ار‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫‪193‬‬ ‫إل َّ‬
‫بالل‬ ‫‪ -31‬فضل ال حول وال قوَّة َّ‬

‫أن رسول اهلل ﷺ قال‪:‬‬ ‫الخدري ‪َّ I‬‬ ‫ِّ‬ ‫وروي من حديث أبي سعيد‬ ‫‪ُ -‬‬
‫ول اهللِ؟ قال‪:‬‬ ‫ات»‪ ،‬قيل‪َ :‬و َما ِه َي َيا َر ُس َ‬ ‫ات الصالِح ِ‬
‫َّ َ‬
‫اقي ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«اس َتكْث ُروا م َن ا ْل َب َ‬ ‫ْ‬
‫يح‪َ ،‬والت َّْح ِميدُ ‪َ ،‬و َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهلل ِ»‪ ،‬رواه‬
‫يل‪َ ،‬والت َّْسبِ ُ‬ ‫«ال َّت ْكبِ ُير‪َ ،‬والت َّْه ِل ُ‬
‫وغيرهم ويف سنده كالم‪.‬‬
‫ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫أحمد وابن ح َّبان والحاكم‬
‫الصالحات»‬ ‫قوة َّإل باهلل» يف جملة‪« :‬الباقيات َّ‬ ‫ول َّ‬ ‫«ل َح ْو َل َ‬ ‫لكن جاء عدُّ ‪َ :‬‬
‫الصحابة والتَّابعين؛ فقد روى اإلمام أحمد يف مسنده َّ‬
‫أن‬ ‫عن غير واحد من َّ‬
‫الصالحات ما هي؟‬ ‫أمير المؤمنين عثمان بن ع َّفان ‪ُ I‬سئل عن الباقيات َّ‬
‫ول َح ْو َل َو َل‬ ‫والح ْمدُ هللِ‪ ،‬واهللُ أ ْك َب ُر‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫حان اهلل‪َ ،‬‬
‫وس ْب َ‬ ‫ِ‬
‫فقال‪« :‬ه َي َل إِ َل َه َّإل اهللُ‪ُ ،‬‬
‫ُق َّوة َّإل باهلل ِ»(‪ ،)2‬وروى ابن جرير عن ابن عمر ‪ L‬أنَّه ُسئل عن الباقيات‬
‫قوة‬
‫ول َّ‬ ‫ول َ‬ ‫ول َح َ‬ ‫حان اهلل ِ َ‬ ‫وس ْب َ‬ ‫أكبر‪ُ ،‬‬ ‫«ل إ َله َّإل اهللُ‪ ،‬واهللُ ُ‬‫الصالحات؟ فقال‪َ :‬‬ ‫َّ‬
‫ات‪:‬‬ ‫الصالِ َح ُ‬ ‫َّإل باهلل ِ»(‪ ،)3‬وروى مالك عن سعيد بن المسيب قال‪« :‬الب ِ‬
‫ات َّ‬ ‫اق َي ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫والح ْمدُ هللِ‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ول ُق َّوة َّإل باهلل»(‪.)4‬‬ ‫ول َح ْو َل َ‬ ‫ول إِ َله َّإل اهللُ‪ ،‬واهللُ ُ‬
‫أكبر‪َ ،‬‬ ‫حان اهلل‪َ ،‬‬ ‫ُس ْب َ‬
‫ربي عن عمارة بن ص َّياد قال‪« :‬سألني سعيد ابن‬ ‫وروى ابن جرير ال َّط ُّ‬
‫والصيام‪ ،‬قال‪ :‬لم ُتصب‪،‬‬ ‫الصالة ِّ‬
‫الصالحات‪ ،‬فقلت‪َّ :‬‬ ‫المس ِّيب عن الباقيات َّ‬
‫والحج‪ ،‬فقال‪ :‬لم ُتصب‪ ،‬ولكنَّه َّن الكلمات الخمس‪ :‬ال إله َّإل‬ ‫ُّ‬ ‫الزكاة‬
‫فقلت‪َّ :‬‬
‫قوة َّإل باهلل»(‪.)5‬‬
‫اهلل‪ ،‬واهلل أكرب‪ ،‬وسبحان اهلل‪ ،‬والحمد هلل‪ ،‬وال حول وال َّ‬
‫الصالحات» محصورة يف‬ ‫وأثر ابن المس ِّيب هذا يوهم َّ‬
‫أن «الباقيات َّ‬
‫(((  رواه أحمد (‪ ،)11713‬والحاكم يف المستدرك (‪ ،)1889‬وابن ح َّبان (‪،)840‬‬
‫وض َّعفه األلباينُّ يف ضعيف الجامع (‪.)119/1‬‬
‫(((  رواه أحمد (‪.)513‬‬
‫ربي (‪.)33/18‬‬ ‫(((  رواه ال َّط ُّ‬
‫(((  رواه مالك يف المو َّطأ (‪.)1001‬‬
‫الطربي (‪.)35/18‬‬‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪194‬‬

‫أن «الباقيات‬ ‫هؤالء الكلمات الخمس‪ ،‬وا َّلذي عليه المح ِّققون من أهل العلم َّ‬
‫الصالحات» ه َّن جميع أعمال الخير‪ ،‬كما جاء عن ابن ع َّباس ‪ L‬يف قوله‪:‬‬ ‫َّ‬
‫﴿ﭗ ﭘ﴾ [الكهف‪ ،]46 :‬قال‪« :‬هي ذكر اهلل؛ قول ال إله َّإل اهلل‪،‬‬
‫قوة َّإل باهلل‪،‬‬‫واهلل أكبر‪ ،‬وسبحان اهلل‪ ،‬والحمد هلل‪ ،‬وتبارك اهلل‪ ،‬وال حول وال َّ‬
‫والصدقة‬
‫والحج َّ‬ ‫ُّ‬ ‫والصالة‬ ‫وأستغفر اهلل‪ ،‬وص َّلى اهلل على رسول اهلل‪ِّ ،‬‬
‫والصيام َّ‬
‫الصالحات‬ ‫وهن الباقيات َّ‬ ‫والصلة وجميع أعمال الحسنات‪َّ ،‬‬ ‫والعتق والجهاد ِّ‬
‫السموات واألرض»(‪.)1‬‬ ‫ا َّلتي تبقى ألهلها يف الجنَّة ما دامت َّ‬
‫قوة َّإل باهلل‪ -‬وبيان‬ ‫وقد ورد يف فضل هذه الكلمة ‪-‬أعني ال حول وال َّ‬
‫خاصة عن‬ ‫نصوص َّ‬ ‫ٌ‬ ‫أجر وثواب‬ ‫عظيم مكانتها عند اهلل وما يرت َّتب عليها من ٍ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫«أكْثِ ُروا ِم ْن‬
‫‪ -‬منها ما روا ُه أحمد َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬أ َّن النَّبِي ﷺ َق َال‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫ِ (‪)2‬‬
‫الجنَّة» ‪.‬‬‫ُوز َ‬‫َق ْو ِل‪َ :‬ل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهلل ِ؛ َفإِنَّها َكنْ ٌز ِم ْن ُكن ِ‬

‫األشعري ‪ I‬قال‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫البخاري ومسلم عن أبي موسى‬ ‫ُّ‬ ‫‪ -‬ومنها ما رواه‬
‫َّبي ﷺ يف سفر فكنَّا إذا علونا ك َّبرنا‪ ،‬ويف رواية‪ :‬فجعلنا ال نصعد‬ ‫كنَّا مع الن ِّ‬
‫َّبي‬ ‫ٍ َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫شرفا وال نعلو شرفا وال هنبط يف واد إل رفعنا أصواتنا بالتَّكبير‪ ،‬فقال الن ُّ‬
‫ون َأ َص َّم َو َل َغائِ ًبا‪َ ،‬و َلكِ ْن‬ ‫‌ار َب ُعوا‌ َع َلى َ‌أ ْن ُف ِسك ُْم‪َ ‌،‬فإِ َّنك ُْم َل تَدْ ُع َ‬‫َّاس ْ‬
‫«أ ُّي َها‌الن ُ‬ ‫ﷺ‪َ :‬‬
‫قوة َّإل‬ ‫ون س ِميعا ب ِ‬
‫علي وأنا أقول يف نفسي‪ :‬ال حول وال َّ‬ ‫َّ‬ ‫أتى‬ ‫ثم‬
‫َّ‬ ‫ا»‪،‬‬ ‫ير‬‫ً‬ ‫ص‬ ‫تَدْ ُع َ َ ً َ‬
‫س‪ُ ،‬ق ْل‪َ :‬ل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهَّللِ‪َ ،‬فإِن ََّها َكنْ ٌز ِم ْن‬ ‫«يا َع ْبدَ اهَّلل ِ ْب َن َق ْي ٍ‬ ‫باهلل‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫الجن َِّة؟ َل َح ْو َل‬ ‫ُوز َ‬ ‫ك َع َلى ك َِل َم ٍة ِهي َك ْن ٌز ِم ْن ُكن ِ‬
‫َ‬
‫الجن َِّة»‪َ ،‬أ ْو َق َال‪َ :‬‬
‫«أ َل َأ ُد ُّل َ‬ ‫ُوز َ‬ ‫ُكن ِ‬
‫َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهَّلل ِ»(‪.)3‬‬

‫الطربي (‪.)35/18‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه أحمد (‪.)8406‬‬
‫البخاري (‪ ،)6384‬ومسلم (‪.)2704‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪195‬‬ ‫إل َّ‬
‫بالل‬ ‫‪ -31‬فضل ال حول وال قوَّة َّ‬

‫قال بعض أهل العلم يف التَّعليق على هذا الحديث‪ :‬كان ‪ S‬مع ِّل ًما‬
‫فأحب ل َّلذين رفعوا‬ ‫َّ‬ ‫الزيادة؛‬ ‫أحب لهم ِّ‬ ‫أل َّمته فال يراهم على حالة من الخير َّإل َّ‬
‫والقوة‬
‫َّ‬ ‫أصواهتم بكلمة اإلخالص والتَّكبير أن يضيفوا إليها ال َّتربِّي من الحول‬
‫فيجمعوا بين التَّوحيد واإليمان بالقدر‪ ،‬وقد جاء يف الحديث‪« :‬إذا قال العبد ال‬
‫قوة َّإل باهلل‪ ،‬قال اهلل‪ :‬أسلم عبدي واستسلم» رواه الحاكم(‪ )1‬بإسناد‬ ‫حول وال َّ‬
‫قوي‪ .‬ويف رواية‪« :‬أال أد ُّلك على كلمة من تحت‬ ‫قال عنه الحافظ ابن حجر‪ٌّ :‬‬
‫قوة َّإل باهلل‪ ،‬فيقول اهلل ‪ :D‬أسلم‬ ‫العرش من كنز الجنَّة؟ تقول‪ :‬ال حول وال َّ‬
‫عبدي واستسلم» رواه الحاكم(‪ ،)2‬وقال‪ :‬صحيح وال ُيحفظ له ع َّلة‪ ،‬ووافقه‬
‫هبي‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الذ ُّ‬
‫ِّرمذي وابن ح َّبان وغيرهم عن أبي أ ُّيوب‬ ‫ُّ‬ ‫‪ -‬وروى اإلمام أحمد والت‬
‫مر على إبراهيم ‪-‬على نب ِّينا و‬ ‫َّبي ﷺ ليلة ُأسري به َّ‬ ‫َّ‬
‫األنصاري ‪ I‬أن الن َّ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َك َف ْل ُيكْثِ ُروا ِم ْن ِغ َر ِ‬‫«م ْر ُأ َّمت َ‬
‫اس‬ ‫اس ا ْل َجنَّة»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬و َما غ َر ُ‬ ‫‪ -O‬فقال‪ُ :‬‬
‫«ل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهلل ِ»(‪.)3‬‬
‫ا ْل َجن َِّة؟ َق َال‪َ :‬‬
‫ِّرمذي والحاكم وغيرهم عن قيس بن سعد بن عبادة‬ ‫ُّ‬ ‫‪ -‬وروى أحمد والت‬
‫َّبي ﷺ وقال لي‪َ « :‬أ َل َأ ُد ُّل َك‬ ‫فمر بي الن ُّ‬‫َّبي ﷺ يخدمه قال‪َّ :‬‬ ‫أن أباه دفعه إلى الن ِّ‬
‫َّ‬
‫«ل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهَّلل ِ»(‪.)4‬‬ ‫الجن َِّة؟» ُق ْل ُت‪َ :‬ب َلى؟ َق َال‪َ :‬‬
‫اب َ‬ ‫اب مِ ْن َأ ْب َو ِ‬
‫َع َلى َب ٍ‬

‫فهذه بعض األحاديث المشتملة على بيان فضل هذه الكلمة العظيمة‪،‬‬
‫(((  رواه الحاكم يف المستدرك (‪.)1850‬‬
‫وصححه األلباين يف صحيح الجامع (‪.)2614‬‬ ‫َّ‬ ‫(((  الحاكم يف المستدرك (‪،)54‬‬
‫صححه األلباينُّ يف صحيح التَّرغيب‬
‫(((  رواه أحمد (‪ ،)23552‬وابن ح َّبان (‪ ،)821‬و َّ‬
‫والتَّرهيب (‪.)1583‬‬
‫ِّرمذي (‪ ،)3581‬والحاكم يف المستدرك (‪،)7787‬‬ ‫ُّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)15480‬والت‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪196‬‬

‫وما يرت َّتب عليها من أجور عظيمة‪ ،‬وخيرات جليلة‪ ،‬وفوائد ِّ‬
‫متنوعة يف الدُّ نيا‬
‫والقوة َّإل‬
‫َّ‬ ‫الحول‬‫واآلخرة‪ .‬وهي كلمة إسال ٍم واستسال ٍم‪ ،‬وتفويض وترب ٍُّؤ من َ‬
‫قو ٌة يف‬
‫شر‪ ،‬وال َّ‬ ‫وأن العبدَ ال يملك من ِ‬
‫أمره شي ًئا‪ ،‬وليس له حيل ٌة يف دف ِع ٍّ‬ ‫باهلل‪َّ ،‬‬
‫تحول للعبد من معصية إلى طاعة‪ ،‬وال من مرض‬ ‫جلب ٍ‬
‫خير َّإل بإرادة اهلل‪ .‬فال ُّ‬ ‫ِ‬
‫قوة‪ ،‬وال من نقص إلى كمال وزيادة‪َّ ،‬إل باهلل‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وهن إلى َّ‬ ‫صحة‪ ،‬وال من‬ ‫إلى َّ‬
‫هدف من أهدافه أو غاية من‬ ‫ٍ‬ ‫بشأن من شؤونه‪ ،‬أو تحقيق‬ ‫ٍ‬ ‫قوة له على القيام‬ ‫وال َّ‬
‫غاياته َّإل باهلل العظيم‪ ،‬فما شاء اهلل كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪ِ ،‬‬
‫فأز َّم ُة األمور بيده‬
‫يصرفها كيف يشاء ويقضي‬‫وأمور الخالئق معقودة بقضائه وقدره ِّ‬ ‫ُ‬ ‫سبحانه‪،‬‬
‫فيها بما يريد‪ ،‬ال را َّد لقضائه وال مع ِّقب لحكمه‪ ،‬فما شاء كان كما شاء يف‬
‫الوقت ا َّلذي يشاء على الوجه ا َّلذي يشاء من غير زيادة وال نقصان؛ وال تقدُّ م‬
‫تأخر‪ ،‬له الخلق واألمر‪ ،‬وله الملك والحمد‪ ،‬وله الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬وله‬ ‫وال ُّ‬
‫النِّعمة والفضل‪ ،‬وله ال َّثناء الحسن‪ ،‬شملت قدر ُته َّ‬
‫كل شيء‪﴿ ،‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [يس‪﴿ ،]82 :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫الواجب‬
‫َ‬ ‫ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ﴾ [فاطر‪]2 :‬؛ و َمن كان هذا شأنه َّ‬
‫فإن‬
‫اإلسال ُم أللوه َّيته‪ ،‬واالستسال ُم لعظمته‪ ،‬وتفويض األمور ك ِّلها إليه‪ ،‬والترب ُُّؤ‬
‫اهلل عبا َده بذكره هبذه الكلمة العظيمة ا َّلتي‬
‫والقوة َّإل به‪ ،‬ولهذا تع َّبد ُ‬
‫َّ‬ ‫من الحول‬
‫وكنز من كنوزها‪.‬‬
‫باب عظيم من أبواب الجنَّة ٌ‬
‫هي ٌ‬
‫فهي كلم ٌة عظيم ٌة تعني‪ :‬اإلخالص هلل وحده باالستعانة‪ ،‬كما َّ‬
‫أن كلم َة‬
‫التَّوحيد «ال إله َّإل اهلل» تعني‪ :‬اإلخالص هلل بالعبادة؛ فال تتح َّقق «ال إله َّإل‬
‫اهلل» َّإل بإخالص العبادة ك ِّلها هلل‪ ،‬وال تتح َّقق «ال حول وال َّ‬
‫قوة َّإل باهلل»‬
‫َّإل بإخالص االستعانة ك ِّلها هلل‪ .‬وقد جمع اهلل بين هذين األمرين يف سورة‬
‫الفاتحة‪ ،‬أفضل سورة يف القرآن‪ ،‬وذلك يف قوله‪﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾‬
‫‪197‬‬ ‫إل َّ‬
‫بالل‬ ‫‪ -31‬فضل ال حول وال قوَّة َّ‬

‫وتفويض‬
‫ٌ‬ ‫والقو ِة‬
‫َّ‬ ‫الشرك‪ ،‬وال َّثاين ترب ٌُّؤ من الحول‬
‫فاألول ترب ٌُّؤ من ِّ‬
‫َّ‬ ‫[الفاتحة‪]5 :‬؛‬
‫إلى اهلل‪ .‬والعبادة متع ِّلقة بألوه َّية اهلل‪ ،‬واالستعانة متع ِّلقة بربوب َّيته‪.‬‬
‫العباد ُة غاية‪ ،‬واالستعانة وسيلة‪ ،‬فال سبيل إلى تحقيق تلك الغاية العظيمة‬
‫َّإل هبذه الوسيلة العظيمة ا َّلتي هي االستعانة باهلل ا َّلذي ال حول وال َّ‬
‫قوة َّإل به؛‬
‫ولهذا يخطئ َمن يستخدمها يف غير باهبا‪ ،‬أو يجعلها يف غير مقصودها‪ ،‬قال‬
‫قوة‬
‫أن هذه الكلمة ‪-‬أي‪ :‬ال حول وال َّ‬ ‫شيخ اإلسالم ابن تيم َّية ‪« :V‬وذلك َّ‬
‫وكثير من النَّاس يقولها عند‬
‫ٌ‬ ‫َّإل باهلل‪ -‬هي كلمة استعانة ال كلمة اسرتجاع‪،‬‬
‫المصائب بمنزلة االسرتجاع‪ ،‬ويقولها جز ًعا ال صربًا»(‪.)1‬‬
‫السلف ‪ X‬لهذه الكلمة‬ ‫‪ ‬وعلى هذا املعنى املُشار إليه يدور ُ‬
‫فهم َّ‬
‫العظيمة‪:‬‬
‫أخرج ابن أبي حاتم يف تفسيره عن ابن ع َّباس ‪ L‬يف معنى «ال حول‬
‫قوة َّإل باهلل»‪ ،‬قال‪« :‬ال حول بنا على العمل بال َّطاعة َّإل باهلل‪ ،‬وال َّ‬
‫قوة لنا‬ ‫وال َّ‬
‫على ترك المعصية َّإل باهلل»(‪.)2‬‬
‫علي بن أبي طالب ‪ I‬يف معناها‪ ،‬أي‪« :‬أنَّا ال نملك مع‬ ‫وروي عن ِّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اهلل شي ًئا‪ ،‬وال نملك من دونه‪ ،‬وال نملك َّإل ما م َّل َكنا م َّما هو أملك به منَّا» ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫وروي عن عبد اهلل بن مسعود ‪ I‬أنَّه قال يف معناها‪« :‬أي‪ :‬ال حول عن‬ ‫ُ‬
‫قوة على طاعته َّإل بمعونته»(‪.)4‬‬
‫معصية اهلل َّإل بعصمته‪ ،‬وال َّ‬
‫قوة َّإل باهلل»‪ ،‬قال‪:‬‬
‫محمد أنَّه ُسئل عن تفسير «ال حول وال َّ‬
‫وعن زهير بن َّ‬
‫(((  االستقامة (‪.)81/2‬‬
‫يوطي يف الدُّ ِّر المنثور يف التَّفسير بالمأثور (‪.)393/5‬‬
‫الس ُّ‬
‫(((  ذكره ُّ‬
‫الربان َّية (‪.)242/1‬‬‫(((  ذكره ابن علَّن يف الفتوحات َّ‬
‫َّووي يف شرح مسلم (‪.)26/17‬‬ ‫(((  ذكره الن ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪198‬‬

‫مما تكره َّإل بعون اهلل»(‪.)1‬‬


‫تحب َّإل باهلل‪ ،‬وال تمتنع َّ‬
‫ُّ‬ ‫«ال تأخذ ما‬
‫ولهذا ُيشرع للمسلم أن يقول هذه الكلمة يف استقباله لمصالح دينه ودنياه‪،‬‬
‫وقد أرشد نب ُّينا ﷺ َمن يخرج من بيته أن يقول‪« :‬بِ ْس ِم اهللِ‪َ ،‬ت َو َّك ْل ُت َع َلى اهللِ‪َ ،‬ل‬
‫حي‬ ‫الة‪،‬‬ ‫الص‬ ‫على‬ ‫«حي‬ ‫الة‪:‬‬ ‫للص‬ ‫نادي‬ ‫الم‬ ‫نادى‬ ‫وإذا‬ ‫»‪،‬‬‫حو َل و َل ُقو َة إِ َّل بِاهللِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َ َّ‬
‫قوة َّإل باهلل»‪ ،‬طل ًبا‬ ‫ٍ‬
‫على الفالح» ُيشرع للمسلم أن يقول حينئذ‪« :‬ال حول وال َّ‬
‫ٍ‬
‫استعانة وتفويض‪.‬‬ ‫للعون من اهلل سبحانه‪ ،‬فهي كلمة‬

‫يوطي يف الدُّ ِّر المنثور يف التَّفسير بالمأثور (‪.)394/5‬‬


‫الس ُّ‬
‫(((  ذكره ُّ‬
‫‪199‬‬ ‫وسلم‬ ‫‪ -32‬فضل ال َّصالة على الن َّ ّ‬
‫يب صلى اهلل عليه ِ‬

‫‪32‬‬
‫فضل ال َّصالة على الن َّ ِّ‬
‫يب ﷺ‬

‫اهلل َت َعا َلى‪﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬


‫َق َال ُ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ﴾ [األحزاب‪.]56 :‬‬
‫أن اهلل سبحانه‬ ‫قال الحافظ ابن كثير ‪« :V‬والمقصود من هذه اآلية‪َّ :‬‬
‫أخرب عباده بمنزلة عبده ونب ِّيه عنده يف المأل األعلى بأنَّه يثني عليه عند المالئكة‬
‫بالصالة‬‫فلي َّ‬ ‫الس ِّ‬ ‫ثم أمر تعالى أهل العالم ُّ‬ ‫وأن المالئكة تص ِّلي عليه؛ َّ‬ ‫المقربين‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫فلي‬
‫والس ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫العلوي‬
‫ِّ‬ ‫العالمين‬
‫َ‬ ‫والتَّسليم عليه‪ ،‬ليجتمع ال َّثناء عليه من أهل‬
‫َّبي ﷺ اقتداء باهلل ومالئكته‪،‬‬ ‫بالصالة على الن ِّ‬ ‫جمي ًعا»(‪ .)1‬فأمر اهلل المؤمنين َّ‬
‫وتعظيما له ﷺ ومح َّبة‬ ‫ً‬ ‫وتكميل إليماهنم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وجزا ًء له على بعض حقوقه عليهم‪،‬‬
‫وتكفيرا من س ِّيئاهتم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وإكرا ًما‪ ،‬وزياد ًة يف حسنات المؤمنين‪،‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫بي ﷺ أحاديث عديدة‪:‬‬ ‫الن ّ‬
‫‪ ‬وقد ورد في فضل الصالة على ِ‬
‫ول‪:‬‬ ‫ول اهلل ﷺ َي ُق ُ‬ ‫اص ‪َ L‬أ َّن ُه َس ِم َع َر ُس َ‬ ‫َع ْن َع ْب ِد اهلل ِ‬
‫بن َع ْم ِرو ْب ِن ا ْل َع ِ‬
‫«م ْن َص َّلى َع َل َّي َص َل ًة َص َّلى اهلل َع َل ْي ِه بِ َها َع ْش ًرا»‪ .‬رواه مسلم(‪.)2‬‬ ‫َ‬
‫ول اهلل ﷺ َق َال‪« :‬من ص َّلى ع َلي و ِ‬
‫احدَ ًة‬ ‫َو َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫َ َّ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫َص َّلى اهَّللُ َع َل ْي ِه َع ْش ًرا»‪ .‬رواه مسلم(‪.)3‬‬

‫(((  تفسير ابن كثير (‪.)457/6‬‬


‫(((  رواه مسلم (‪.)384‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)408‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪200‬‬

‫َّاس بِي‬ ‫«أ ْو َلى الن ِ‬ ‫ول اهلل ﷺ َق َال‪َ :‬‬ ‫ود ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬ ‫و َعن َعب ِد اهلل ب ِن مسع ٍ‬
‫ْ َ ْ ُ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫ِّرمذي(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫الق َي َام ِة َأ ْك َث ُر ُه ْم َع َل َّي َص َلةً»‪ .‬رواه الت‬ ‫يوم ِ‬
‫َْ َ‬
‫يل َم ْن ُذكِ ْر ُت ِعنْدَ ُه‬ ‫خ ُ‬ ‫وعن حسين بن علي ‪َ L‬أ َّن النَّبِي ﷺ َق َال‪« :‬ا ْلب ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ُ َ ْ‬
‫كثيرا»(‪.)2‬‬ ‫ف َل ْم ُي َص ِّل َع َل َّي»‪ .‬قال أبو سعيد ‪-‬أحد رواة الحديث‪« -‬ﷺ ً‬
‫الص َل َة َع َل َّي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اس ‪َ L‬ق َال‪َ :‬ق َال رس ُ ِ‬ ‫و َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ « :‬م ْن نَس َي َّ‬ ‫َ ُ‬
‫َخطِ َئ َط ِر َيق ا ْل َجن َِّة»‪ .‬أخرجه ابن ماجه(‪.)3‬‬
‫ْف َر ُج ٍل ُذكِ ْر ُت‬ ‫«ر ِغ َم َأن ُ‬ ‫وعن َأبِي هرير َة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫َ ْ‬
‫ان ُث َّم ان َْس َل َخ َق ْب َل َأ ْن‬ ‫ْف َر ُج ٍل َد َخ َل َع َل ْي ِه َر َم َض ُ‬ ‫ِعنْدَ ُه َف َل ْم ُي َص ِّل َع َل َّي‪َ ،‬و َر ِغ َم َأن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُي ْغ َف َر َل ُه‪َ ،‬و َر ِغ َم َأن ُ‬
‫الج َّنةَ»‪ .‬رواه‬ ‫ْف َر ُج ٍل َأ ْد َر َك عنْدَ ُه َأ َب َوا ُه الك َب َر َف َل ْم ُيدْ خ َل ُه َ‬
‫ِّرمذي(‪.)4‬‬
‫ُّ‬ ‫الت‬
‫َان رس ُ ِ‬
‫ب ُث ُل َثا ال َّل ْي ِل‬ ‫ول اهلل ﷺ إِ َذا َذ َه َ‬ ‫ب ‪َ I‬ق َال‪ :‬ك َ َ ُ‬ ‫وعن ُأ َبي ْب ِن َك ْع ٍ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫الراد َفةُ‪،‬‬ ‫الراج َف ُة َت ْت َب ُع َها َّ‬ ‫َّاس ا ْذك ُُروا اهَّللَ ا ْذك ُُروا اهَّللَ َجا َءت َّ‬ ‫«يا أ ُّي َها الن ُ‬ ‫َقا َم َف َق َال‪َ :‬‬
‫ول اهلل ِ إِنِّي‬ ‫ت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َجا َء ا ْل َم ْو ُت بِ َما فِ ِيه‪َ ،‬جا َء ا ْل َم ْو ُت بِ َما فِ ِيه»‪َ ،‬ق َال ُأ َب ٌّي‪ُ :‬ق ْل ُ‬
‫ت‪:‬‬ ‫ْت» َق َال‪ُ :‬ق ْل ُ‬ ‫«ما ِشئ َ‬ ‫ك م ْن َص َلتي؟ َف َق َال‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ك َفكَم َأجع ُل َل َ ِ‬
‫ْ ْ َ‬ ‫الص َل َة َع َل ْي َ‬ ‫ِ‬
‫ُأكْث ُر َّ‬
‫«ما‬‫ف؟ َق َال‪َ :‬‬ ‫ت‪ :‬الن ِّْص َ‬ ‫ك»‪ُ ،‬ق ْل ُ‬ ‫ْت‪َ ،‬فإِ ْن ِز ْد َت َف ُه َو َخ ْي ٌر َل َ‬ ‫«ما ِشئ َ‬ ‫الر ُب َع؟ َق َال‪َ :‬‬ ‫ُّ‬
‫ْت‪َ ،‬فإِ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ْت‪َ ،‬فإِ ْن ِز ْد َت َف ُه َو َخ ْي ٌر َل َ‬ ‫ِشئ َ‬
‫«ما شئ َ‬ ‫ت‪َ :‬فال ُّث ُل َث ْي ِن؟ َق َال‪َ :‬‬ ‫ك»‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ك َص َلتِي ُك َّل َها؟ َق َال‪« :‬إِ ًذا ُت ْك َفى َه َّم َ‬ ‫ت‪َ :‬أ ْج َع ُل َل َ‬ ‫ك»‪ُ ،‬ق ْل ُ‬ ‫ِز ْد َت َف ُه َو َخ ْي ٌر َل َ‬
‫ِّرمذي(‪.)5‬‬
‫ُّ‬ ‫ك»‪ .‬رواه الت‬ ‫ك َذ ْن ُب َ‬ ‫َو ُي ْغ َف ُر َل َ‬

‫ِّرمذي (‪.)484‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫وصححه األلبانِ ُّي يف صحيح الجامع (‪.)2878‬‬ ‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)1736‬‬
‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫(((  رواه ابن ماجه (‪،)908‬‬
‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3545‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2457‬‬ ‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫‪201‬‬ ‫وسلم‬ ‫‪ -32‬فضل ال َّصالة على الن َّ ّ‬
‫يب صلى اهلل عليه ِ‬

‫السائل‪ :‬كم أجعل لك من‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيم َّية ‪« :V‬وقول َّ‬
‫الصالة يف ا ُّللغة هي الدُّ عاء‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫صاليت؟ يعني‪ :‬من دعائي؛ َّ‬
‫فإن َّ‬
‫صل على‬ ‫﴿ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ﴾ [التَّوبة‪ .]103 :‬وقال النَّبي ﷺ «ال َّل ُه َّم ِّ‬
‫ُّ‬
‫علي يا رسول اهلل وعلى زوجي‪ ،‬فقال ﷺ‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫آل أبي أوىف»‪ ،‬وقالت امرأة‪ :‬صل َّ‬
‫السائل‪ ،‬أي‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬ ‫«ص َّلى اهلل عليك وعلى زوجك»‪ .‬فيكون مقصود َّ‬
‫الش َّر؛ فكم أجعل لك من‬ ‫َّ‬
‫إن لي دعا ًء أدعو به أستجلب به الخير وأستدفع به َّ‬
‫فلما انتهى إلى قوله‪ :‬أجعل لك صاليت ك َّلها؟ قال‬‫الدُّ عاء؟ قال‪« :‬ما شئت»‪َّ ،‬‬
‫الرواية األخرى «إ ًذا يكفيك اهلل ما َّ‬
‫أهمك‬ ‫«إذ ًا ُتكفى َّ‬
‫همك و ُيغفر ذن ُبك»‪ ،‬ويف ِّ‬
‫من أمر دنياك وآخرتك»؛ وهذا غاية ما يدعو به اإلنسان من جلب الخيرات‬
‫المضرات؛ َّ‬
‫فإن الدُّ عاء فيه تحصيل المطلوب واندفاع المرهوب»(‪.)1‬‬ ‫َّ‬ ‫ودفع‬
‫ول‪« :‬إِ َذا َس ِم ْعت ُُم‬ ‫اص َأ َّن ُه َس ِم َع النَّبِ َّى ﷺ َي ُق ُ‬ ‫و َع ْن َع ْب ِد اهَّللِ ْب ِن َع ْم ِرو ْب ِن ا ْل َع ِ‬
‫ول‪ُ ،‬ث َّم َص ُّلوا َع َل َّي؛ َفإِ َّن ُه َم ْن َص َّلى َع َل َّي َص َل ًة َص َّلى اهَّللُ‬ ‫ا ْل ُم َؤ ِّذ َن َف ُقو ُلوا ِم ْث َل َما َي ُق ُ‬
‫َع َل ْي ِه بِ َها َع ْش ًرا‪ُ ،‬ث َّم َس ُلوا اهَّللَ لِ َى ا ْل َو ِسي َل َة َفإِن ََّها َمن ِْز َل ٌة فِى ا ْل َجن َِّة َل تَن َب ِغي إِ َّل لِ َع ْب ٍد‬
‫ُون َأنَا ُه َو‪َ ،‬ف َم ْن َس َأ َل لِ َى ا ْل َو ِسي َل َة َح َّل ْ‬ ‫ِمن ِعب ِ ِ‬
‫الش َفا َعةُ»‪.‬‬ ‫ت َل ُه َّ‬ ‫اد اهَّلل َو َأ ْر ُجو َأ ْن َأك َ‬ ‫ْ َ‬
‫رواه مسلم(‪.)2‬‬
‫الصالة‬
‫وقد صنَّف أهل العلم مصنَّفات مفردة يف األحاديث الواردة يف َّ‬
‫والسالم‬
‫الصالة َّ‬
‫والسالم عليه ﷺ‪ ،‬وأحسنها وأكثرها فائدة «جالء األفهام يف َّ‬
‫َّ‬
‫على خير األنام» َّ‬
‫للعلمة ابن الق ِّيم؛ وهو كتاب ق ِّي ٌم يف بابه ذكر فيه األحاديث‬
‫صح ًة وضع ًفا‪،‬‬
‫َّبي ﷺ يف هذه العبادة العظيمة‪ ،‬والكالم عليها َّ‬ ‫الواردة عن الن ِّ‬
‫فقها واستنبا ًطا‪ ،‬وقد قال عنه ‪ V‬يف مقدِّ مته‪« :‬وهو كتاب فر ٌد يف معناه‪ ،‬لم‬ ‫ً‬
‫َّوسل والوسيلة (‪ ،)314/1‬ومجموع الفتاوى (‪.)349/1‬‬
‫(((  قاعدة جليلة يف الت ُّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)384‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪202‬‬

‫الصالة‬ ‫ُيسبق إلى مثله يف كثرة فوائده وغزارهتا‪َ ،‬ب َّينَّا فيه األحاديث الواردة يف َّ‬
‫والسالم عليه ﷺ‪ ،‬وصحيحها من حسنها ومعلولها‪ ،‬وب َّينَّا ما يف معلولها من‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ثم أسرار هذا الدُّ عاء وشرفه وما اشتمل عليه من الحكم‬ ‫العلل بيانًا شاف ًيا‪َّ ،‬‬
‫ثم الكالم يف مقدار الواجب‬ ‫الصالة عليه ﷺ ومحا َّلها‪َّ ،‬‬ ‫ثم مواطن َّ‬ ‫والفوائد‪َّ ،‬‬
‫الزائف‪ ،‬ومخ َبر‬ ‫الراجح وتزييف َّ‬ ‫منها‪ ،‬واختالف أهل العلم فيه‪ ،‬وترجيح َّ‬
‫رب العالمين»‪ .‬اهـ كالمه(‪.)1‬‬ ‫الكتاب فوق وصفه‪ ،‬والحمد هلل ِّ‬
‫َّبي ﷺ أ َّمتَه كما ثبت يف أحاديث صحيحة كيف يص ُّلون‬ ‫هذا وقد علم الن ُّ‬
‫َّ‬
‫عليه‪ ،‬وخير الهدي هديه ‪.O‬‬
‫بن ُع ْج َر َة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬خ َر َج َع َل ْينَا النَّبِ ُّي ﷺ َف ُق ْلنَا‪:‬‬ ‫ب ِ‬ ‫َع ْن َأبِي ُم َح َّم ٍد َك ْع ِ‬
‫ف ن َُص ِّلي َع َل ْي َك؟ َق َال‪ُ « :‬قو ُلوا‪:‬‬ ‫ف ن َُس ِّل ُم َع َل ْي َك‪َ ،‬ف َك ْي َ‬ ‫ول اهللِ َقدْ َعلِ ْمنَا َك ْي َ‬ ‫َيا َر ُس َ‬
‫يم‪ ،‬إِن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آل ُم َح َّم ٍد‪ ،‬ك ََما َص َّل ْي َ‬ ‫ال َّل ُهم َص ِّل َع َلى م َحم ٍد َو َع َلى ِ‬
‫َّك‬ ‫ت َع َلى آل إِ ْب َراه َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َّ‬
‫ْت َع َلى آلِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ار ْك َع َلى ُم َح َّمد َو َع َلى آل ُم َح َّمد‪ ،‬ك ََما َب َارك َ‬ ‫جيدٌ ‪ ،‬ال َّل ُه َّم َب ِ‬ ‫َح ِميدٌ َم ِ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)2‬‬ ‫ُّ‬ ‫جيدٌ »‪ .‬رواه‬ ‫َّك َح ِميدٌ َم ِ‬ ‫يم‪ ،‬إِن َ‬ ‫ِ‬
‫إِ ْب َراه َ‬
‫ول اهلل ﷺ َون َْح ُن فِي‬ ‫ود ا ْل َبدْ ِر ِّي ‪َ I‬ق َال‪َ :‬أ َتانَا َر ُس ُ‬ ‫و َعن َأبِي مسع ٍ‬
‫َ ْ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫مجلِ ِ ِ‬
‫س َس ْعد ا ْب ِن ُع َبا َدةَ‪َ ،‬ف َق َال َل ُه َبش ُير ْب ُن َس ْعد‪َ :‬أ َم َرنَا ُ‬
‫اهلل َت َعا َلى َأ ْن ن َُص ِّل َي َع َل ْي َك‬ ‫َ ْ‬
‫ول اهلل ﷺ َحتَّى َت َمنَّ ْينَا‬ ‫ف ن َُص ِّلي َع َل ْي َك؟ َق َال‪َ :‬ف َس َك َت َر ُس ُ‬ ‫ول اهلل َف َك ْي َ‬‫َيا َر ُس َ‬
‫ول اهلل ﷺ‪ُ « :‬قو ُلوا‪ :‬ال َّل ُه َّم َص ِّل َع َلى ُم َح َّم ٍد َو َع َلى‬ ‫َأ َّن ُه َل ْم َي ْس َأ ْل ُه‪ُ ،‬ث َّم َق َال َر ُس ُ‬
‫آل ُم َح َّم ٍد‬ ‫ار ْك َع َلى م َحم ٍد َو َع َلى ِ‬
‫ُ َّ‬ ‫يم‪َ ،‬و َب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َع َلى آل إِ ْب َراه َ‬ ‫آل ُم َح َّم ٍد‪ ،‬ك ََما َص َّل ْي َ‬ ‫ِ‬
‫الس َل ُم ك ََما َقدْ‬‫جيدٌ ‪َ ،‬و َّ‬ ‫َّك َح ِميدٌ َم ِ‬ ‫ين‪ ،‬إِن َ‬ ‫ِ‬ ‫اه ِ‬
‫يم في ا ْل َعا َلم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْت َع َلى آل إِ ْب َر َ‬ ‫ك ََما َب َارك َ‬
‫َع ِل ْمت ُْم»‪ .‬رواه مسلم(‪.)3‬‬

‫(((  جالء األفهام (ص‪.)27‬‬


‫البخاري (‪ ،)6357‬ومسلم (‪.)406‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)405‬‬
‫‪203‬‬ ‫وسلم‬ ‫‪ -32‬فضل ال َّصالة على الن َّ ّ‬
‫يب صلى اهلل عليه ِ‬

‫ف ن َُص ِّلي‬ ‫ول اهلل َك ْي َ‬ ‫اع ِد ِّي ‪َ I‬ق َال‪َ :‬قا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫و َعن َأبِي حمي ٍد الس ِ‬
‫ُ َ ْ َّ‬ ‫َ ْ‬
‫اج ِه َو ُذ ِّر َّيتِ ِه ك ََما َص َّل ْي َ‬
‫ت‬ ‫َع َل ْي َك؟ َق َال‪ُ « :‬قو ُلوا‪ :‬ال َّل ُه َّم َص ِّل َع َلى ُم َح َّم ٍد‪َ ،‬و َع َلى َأز َْو ِ‬
‫ْت َع َلى‬ ‫اج ِه‪َ ،‬و ُذ ِّر َّيتِ ِه ك ََما َب َارك َ‬
‫ار ْك َع َلى ُم َح َّم ٍد‪َ ،‬و َع َلى َأز َْو ِ‬ ‫يم‪َ ،‬و َب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع َلى آل إِ ْب َراه َ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫جيدٌ »‪ .‬رواه‬ ‫َّك َح ِميدٌ َم ِ‬ ‫يم‪ ،‬إِن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آل إِ ْب َراه َ‬
‫والصالة على النَّبِ ِّي ﷺ هي من اهلل ُ‬
‫ثناؤه عليه يف المأل األعلى وتعظيمه‪،‬‬ ‫َّ‬
‫وصالة المالئكة والمؤمنين عليه هي طلب ذلك له ﷺ من اهلل تعالى؛ والمراد‪:‬‬
‫البخاري يف صحيحه عن أبي‬
‫ُّ‬ ‫الصالة؛ حكى‬
‫الزيادة ال طلب أصل َّ‬
‫طلب ِّ‬
‫العالية‪ :‬أنَّه قال يف معنى قوله تعالى‪﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾‪« :‬صالة اهلل‪ :‬ثناؤه عليه عند المالئكة‪،‬‬
‫وصالة المالئكة‪ :‬الدُّ عاء»(‪.)2‬‬
‫آل ُم َح َّم ٍد»‪ ،‬الربكة‪ :‬النَّماء‬
‫ار ْك َع َلى م َحم ٍد َو َع َلى ِ‬
‫ُ َّ‬ ‫ومعنى قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َب ِ‬
‫يتضمن طلب إعطائه ﷺ من‬
‫َّ‬ ‫والزيادة‪ ،‬والتَّربيك‪ :‬الدُّ عاء بذلك‪ ،‬فهو دعا ٌء‬
‫ِّ‬
‫الخير وإدامته له ومضاعفته له وزيادته‪.‬‬

‫وهذه الكيف َّيات ا َّلتي ع َّلمها ﷺ أصحابه عندما سألوه عن كيف َّية َّ‬
‫الصالة‬
‫الصيغة ا َّلتي فيها الجمع‬
‫الصالة عليه ﷺ‪ ،‬وأكملها ِّ‬
‫عليه ﷺ هي أفضل كيف َّيات َّ‬
‫والصالة على إبراهيم ﷺ وآله‪.‬‬
‫َّبي ﷺ وآله‪َّ ،‬‬
‫الصالة على الن ِّ‬
‫بين َّ‬
‫َّبي ﷺ أصحابه هبا‪ :‬الحافظ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫أجاب‬ ‫ي‬‫استدل بتفضيل الكيفية ا َّلتِ‬
‫َّ‬ ‫وممن‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ابن حجر يف فتح الباري‪ ،‬فقد قال فيه‪« :‬قلت‪ :‬واست ُِد َّل بتعليمه ﷺ ألصحابه‬
‫الصالة عليه؛ ألنَّه ال يختار‬
‫الكيف َّية بعد سؤالهم عنها بأنَّها أفضل كيف َّيات َّ‬
‫البخاري (‪ ،)3369‬ومسلم (‪.)407‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫البخاري مع َّلقا يف صحيحه (‪.)120/6‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪204‬‬

‫لنفسه َّإل األشرف األفضل‪ ،‬ويرت َّتب على ذلك‪ :‬لو حلف أن يص ِّلي عليه‬
‫الصالة‪ ،‬فطريق الربِّ أن يأيت بذلك»‪.‬‬
‫أفضل َّ‬
‫الروضة‪ ،‬وذكر كيف َّيات أخرى‬ ‫صوب ذلك يف َّ‬ ‫َّووي ‪َّ V‬‬ ‫أن الن َّ‬‫ثم ذكر َّ‬
‫َّ‬
‫ثم قال‪« :‬وا َّلذي يرشد إليه الدُّ ليل َّ‬
‫أن الربَّ يحصل بما‬ ‫يحصل هبا بِ ُّر الحلف‪َّ ،‬‬
‫سره أن يكتال بالمكيال األوىف إذا‬ ‫يف حديث أبي هريرة ‪I‬؛ لقوله‪َ « :‬من َّ‬
‫َّبي وأزواجه أ َّمهات المؤمنين‬ ‫هم ِّ‬‫ص َّلى علينا فليقل‪ :‬ال َّل َّ‬
‫محمد الن ِّ‬
‫َّ‬ ‫صل على‬
‫وذر َّيته وأهل بيته كما ص َّليت على إبراهيم‪ »...‬الحديث‪ ،‬واهلل أعلم»‪ .‬اهـ‬ ‫ِّ‬
‫كالمه ‪.)1( V‬‬
‫والسالم عليه‬
‫الصالة َّ‬
‫الصالح ومنهم المحدِّ ثون بذكر َّ‬
‫السلف َّ‬‫وقد درج َّ‬
‫ﷺ عند ذكره بصياغتين مختصرتين‪:‬‬
‫َّ‬
‫إحداهما‪« :‬ﷺ»‪ ،‬والثانية‪.»O« :‬‬
‫الصالح يف كتابه علوم الحديث‪« :‬ينبغي له –أي‪ :‬كاتب الحديث‪-‬‬ ‫قال ابن َّ‬
‫الصالة والتَّسليم على رسول اهلل ﷺ عند ذكره؛ وال يسأم‬ ‫أن يحافظ على َك ْتبِه َّ‬
‫يتعجلها طلبة‬
‫َّ‬ ‫فإن ذلك من أكرب الفوائد ا َّلتي‬ ‫من تكرير ذلك عند تكريره؛ َّ‬
‫عظيما»(‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫الحديث وكت َبته‪ ،‬و َمن أغفل ذلك ُحرم ح ًّظا‬

‫(((  فتح الباري (‪.)166/11‬‬


‫الصالح (‪.)298‬‬
‫(((  مقدِّ مة ابن َّ‬
‫‪205‬‬ ‫‪ -33‬أذكار طريف النَّهار (‪)1‬‬

‫‪33‬‬

‫أذكار طريف النَّهار (‪)1‬‬

‫إن أذكار طر َف ْي النَّهار ُت َعدُّ من أعظم األذكار المو َّظفة المق َّيدة شأنًا‬‫َّ‬
‫وأعظمها مكانة‪ ،‬وهي أوسع األذكار المأثورة المق َّيدة وأكثرها أحاديث‪ ،‬وقد‬
‫تنوعت هذه األحاديث ا َّلتي وردت يف أذكار طر َف ْي النَّهار يف أبواب الدِّ ين‬ ‫َّ‬
‫وخ ُل ًقا كما سيأيت‪.‬‬
‫المختلفة؛ توحيدً ا وعقيد ًة وعباد ًة ُ‬
‫َّبي ﷺ‬
‫وجدير بالمسلم أن يكون مواظ ًبا على األذكار المأثورة عن الن ِّ‬
‫ٌ‬
‫يف هذين الوقتين‪ ،‬مقدِّ ما لها على سائر أموره‪ ،‬وال ينبغي للعبد أن ِ‬
‫يخ َّل هبا؛‬
‫وتكفير‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حفظ له ورفع ٌة لدرجاته‬ ‫لشدَّ ة حاجة العبد إليها يف ِّ‬
‫كل يو ٍم وليلة؛ ألنَّها‬
‫الشرور واآلفات‪ ،‬وثمارها ومنافعها ال‬ ‫لس ِّيئاته وتكثير لحسناته ووقاي ٌة له من ُّ‬
‫ُتعدُّ وال ُتحصى‪.‬‬
‫األوزاعي عن قراءة‬
‫َّ‬ ‫«سألت‬
‫ُ‬ ‫ربي عن عمرو بن أبي سلمة قال‪:‬‬ ‫روى ال َّط ُّ‬
‫محمد ‪-‬يعني سعيد بن المس ِّيب‪-‬‬
‫الذكر؟ فقال‪ :‬سل أبا َّ‬ ‫ب إليك أم ِّ‬ ‫القرآن أ ْع َج ُ‬
‫األوزاعي‪ :‬إنَّه ليس شي ٌء يعدل القرآن‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫فسألته‪ ،‬فقال‪ :‬بل القرآن‪ ،‬فقال‬
‫الشمس وقبل‬ ‫ولكن إنَّما كان هدي َمن سلف يذكرون اهلل تعالى قبل طلوع َّ‬
‫أن القرآن هو أفضل األذكار وال يعدله شيء‪،‬‬ ‫الغروب»(‪)1‬؛ فأشار ‪ V‬إلى َّ‬
‫الصلوات وغيرها تكون يف‬ ‫الصباح والمساء وأدبار َّ‬‫لك َّن األذكار الواردة يف َّ‬
‫وقتها أفضل‪.‬‬

‫القرطبي يف التَّذكار يف أفضل األذكار (ص‪.)59‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  ذكره‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪206‬‬
‫ٍ‬
‫ألفاظ‬ ‫ٍ‬
‫كلمات ُتقال أو‬ ‫مجرد‬ ‫هذا وينبغي التَّن ُّبه إلى َّ‬
‫أن هذه األذكار ليست َّ‬
‫وتقوي العقيدة و ُتمتِّن‬ ‫ِّ‬ ‫ُيؤتى هبا فقط‪ ،‬بل هي أذكار جاءت لتجدِّ د التَّوحيد‬
‫وتقوي التَّوكُّل عليه وال ِّثقة به؛ لتكون صل ًة متجدِّ دة باهلل‪،‬‬ ‫الصلة باهلل ‪ِّ I‬‬ ‫ِّ‬
‫وتقديسا‪ ،‬وتوحيدً ا بتجدِّ د ال َّليالي واأل َّيام‪.‬‬
‫ً‬ ‫وتعظيما وتمجيدً ا‬‫ً‬ ‫ثنا ًء عليه‪،‬‬
‫و َمن كان يأيت هبذا األذكار دون أن يعي مقاصدها ويح ِّقق ما د َّلت عليه من‬
‫ٍ‬
‫وإيمان‪ ،‬وتوكُّل؛ فإنَّها تكون يف ح ِّقه ضعيفة األثر إن لم تكن‬ ‫ٍ‬
‫واعتقاد‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫توحيد‪،‬‬
‫عديمة األثر؛ إذ ال ينتفع هبا َّإل َمن قالها مح ِّق ًقا معانيها وغاياهتا ومقاصدها‪.‬‬
‫س‪َ ،‬وما َب ْي َن ال َع ْص ِر‬
‫الش ْم ِ‬
‫الص ْبحِ َو ُط ُلو ِع َّ‬
‫ووقت هذه األذكار‪َ :‬ما َب ْي َن ُّ‬
‫س؛ ُيقال لهما‪« :‬طرفا النَّهار» ألنَّهما َّأول النَّهار وآخره‪ُ ،‬يبدأ‬ ‫الش ْم ِ‬ ‫َو ُغ ُر ِ‬
‫وب َّ‬
‫الشمس‪ ،‬وآخر‬ ‫وأول النَّهار‪ :‬هو الوقت ا َّلذي يسبق طلوع َّ‬ ‫هبما النَّهار و ُيختم‪َّ .‬‬
‫الذكر‬ ‫النَّهار‪ :‬هو الوقت ا َّلذي يسبق غروهبا؛ وهذان الوقتان هما خيرا أوقات ِّ‬
‫وأفضلها وأعظمها شأنًا‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫نصوص كثيرة‬ ‫‪ ‬وقد جاء في الترغيب في ذكر هللا ‪ F‬في هذين الوقتين‬
‫ُّ َّ‬
‫والسنة‪:‬‬ ‫في الكتاب‬
‫اهلل َت َعا َلى‪﴿ :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾‬
‫َق َال ُ‬
‫ِ‬
‫واألصيل‪ :‬آخر‬ ‫الشمس‪،‬‬ ‫[األحزاب‪ .]42-41 :‬وال ُبكرة‪َّ :‬أول النَّهار قبل طلوع َّ‬
‫الش ْمس‪.‬‬ ‫النَّهار َما َب ْي َن ال َع ْصر َو ُغ ِ‬
‫روب َّ‬
‫ور َك ِلُ َّمتِي فِي ُبك ِ‬
‫ُور َها»(‪ ،)1‬وشأن البكور‬ ‫وقد قال النَّبي ‪ُ « :O‬ب ِ‬
‫ُّ‬
‫شأن عظيم؛ ألنَّه مفتاح اليوم وبدايته‪ ،‬وما يكون يف َّأول النَّهار ينسحب على‬ ‫ٌ‬
‫«أول النَّهار شبابه‪ ،‬وآخر النَّهار شيخوخته‪،‬‬ ‫باقيه‪ ،‬كما قال بعض أهل العلم‪َّ :‬‬
‫وصححه‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)1212‬وابن ماجه (‪،)2236‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)2606‬والت‬
‫األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫‪207‬‬ ‫‪ -33‬أذكار طريف النَّهار (‪)1‬‬

‫أن ا َّلذي يكون عليه اإلنسان يف‬ ‫ٍ‬


‫شيء شاب عليه»(‪ ،)1‬أي‪َّ :‬‬ ‫شب على‬ ‫ومن َّ‬
‫الصباح الباكر هو ا َّلذي يكون عليه طيلة يومه؛ فما يكون يف َّأول النَّهار يكون‬
‫َّ‬
‫كسل فكسل‪.‬‬‫وإن ً‬‫إن نشا ًطا فنشاط‪ْ ،‬‬ ‫كذلك يف آخره؛ ْ‬
‫وإذا ض َّيع المرء َّأول اليوم ‪-‬ا َّلذي هو وقت الربكة والفضيلة وحلول‬
‫فإن يومه يضيع؛ ولهذا ينبغي تع ُّلم األذكار المشروعة المأثورة‬ ‫األرزاق‪َّ -‬‬
‫عود‬ ‫ستحب أن ُتقال يف َّ‬
‫الصباح الباكر‪ ،‬وأن ُي ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫ال َّثابتة عن رسولنا ﷺ وا َّلتي ُي‬
‫أمرا ُمعتا ًدا مألو ًفا ال يستطيع المرء أن َّ‬
‫ينفك عنه‪،‬‬ ‫المرء نفسه عليها حتَّى تصبح ً‬
‫وال يستطيع تركه‪.‬‬
‫أيضا آخر النَّهار ‪-‬وهو الوقت ا َّلذي بعد صالة العصر إلى قبل‬
‫وهكذا ً‬
‫الشمس‪ -‬يحافظ على أذكاره المشروعة فيه؛ ليكون ُمفتتَح يومِه‬ ‫غروب َّ‬
‫ذكر اهلل‪.‬‬
‫ومختتَمه ُ‬
‫وقد أ َمر اهلل ‪ D‬بذكره وتسبيحه يف هذين الوقتين‪ ،‬لك ْن ما األذكار ا َّلتي‬
‫ُتقال؟ وما ألفاظها؟ وما أعدادها؟ جاءت ُّ‬
‫السنَّة النَّبو َّية شارح ًة لذلك ومب ِّينة؛‬
‫فإن امتثال أمر اهلل ‪ F‬بذكره يف هذين الوقتين يكون با ِّتباع سنَّة‬ ‫ولهذا َّ‬
‫َّعرف على هديه صلوات اهلل وسالمه عليه يف ذكر اهلل ‪F‬‬ ‫َّبي ﷺ والت ُّ‬
‫الن ِّ‬
‫السنَّة األذكار ا َّلتي يحسن بالمسلم‬ ‫يف هذين الوقتين العظيمين؛ فقد ب َّينت ُّ‬
‫الصحيحة الواردة يف تعيين‬ ‫أن يواظب عليها يف هذين الوقتين‪ ،‬فاألحاديث َّ‬
‫األذكار ا َّلتي ُتقال يف هذين الوقتين عديدة‪ ،‬وسيأيت عرض لجملة منها مع بيان‬
‫معانيها وإيضاح هداياهتا ومقاصدها‪.‬‬
‫َو َق َال اهلل َت َعا َلى‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ﴾ [غافر‪.]55 :‬‬
‫اإلب َكار‪ :‬أول النَّهار‪ ،‬والع ِشي‪ِ :‬‬
‫آخ َره‪.‬‬ ‫َ ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫السعادة (‪.)216/2‬‬
‫(((  ذكر نحوه ابن الق ِّيم يف مفتاح دار َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪208‬‬

‫َو َق َ‬
‫ال تعالى‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ ُّ‬
‫[الروم‪.]17 :‬‬

‫َو َق َال َت َعا َلى‪﴿ :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [ق‪.]39 :‬‬


‫ففيها األمر بالجمع بين ذكر اهلل تعالى يف َّأول النَّهار وهو اإلبكار‪ ،‬وآخر‬
‫العشي‪ ،‬و ُيقال له‪ :‬اآلصال‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫النَّهار وهو‬
‫«لَ ْن َأ ْق ُعدَ َم َع َق ْو ٍم‬ ‫َس ب ِن مال ِ ٍ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫ك ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫وعن َأن ِ ْ َ‬
‫ب إِ َل َّي ِم ْن َأ ْن ُأ ْعتِ َق‬ ‫ون اهَّللَ َت َعا َلى ِم ْن َص َل ِة ا ْل َغدَ ِاة َحتَّى َت ْط ُل َع َّ‬
‫الش ْم ُس َأ َح ُّ‬ ‫َي ْذك ُُر َ‬
‫ون اهَّللَ ِم ْن َص َل ِة ا ْل َع ْصرِ إِ َلى‬ ‫يل‪َ ،‬و َلَ ْن َأ ْق ُعدَ َم َع َق ْو ٍم َي ْذك ُُر َ‬ ‫َأربع ًة ِمن و َل ِد إِسم ِ‬
‫اع َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََْ ْ َ‬
‫ب إِ َل َّي ِم ْن َأ ْن ُأ ْعتِ َق َأ ْر َب َعةً»‪ .‬رواه أبو داود(‪.)1‬‬ ‫الش ْم ُس َأ َح ُّ‬
‫َأ ْن َتغ ُْر َب َّ‬
‫عرض لشيء من هذه األذكار المشروعة واألدعية المأثورة‬
‫وفيما يلي ٌ‬
‫ا َّلتي ُتقال يف هذين الوقتين الفاضلين‪ ،‬مع بيان شيء من معانيها العظيمة‬
‫وداللتها القويمة‪.‬‬
‫ِّرمذي وغيرهما عن عثمان بن ع َّفان ‪ I‬قال‪َ :‬‬
‫قال‬ ‫ُّ‬ ‫روى أبو داود والت‬
‫اء ك ُِّل َلي َل ٍة‪« :‬بِس ِم اهلل ِ‬ ‫ول فِي صباحِ ك ُِّل يو ٍم ومس ِ‬ ‫«ما ِم ْن َع ْب ٍد َي ُق ُ‬ ‫َر ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ََ َ‬ ‫َ َ‬ ‫سول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا َّل ِذي َل َي ُض ُّر َم َع ْاس ِم ِه َش ْي ٌء فِي األَ ْر ِ‬
‫يم»‬‫يع ا ْل َعل ُ‬‫السم ُ‬ ‫الس َماء َو ُه َو َّ‬
‫ض َو َل في َّ‬
‫ث مر ٍ‬
‫ات َف َي ُض َّر ُه َش ْي ٌء»(‪.)2‬‬ ‫َث َل َ َ َّ‬
‫كل صباح‬ ‫المسلم َّ‬
‫ُ‬ ‫هذا من األذكار العظيمة ا َّلتي ينبغي أن ُيحافظ عليها‬
‫ٍ‬
‫ضر مصيبة أو‬ ‫ومساء‪ ،‬ليكون بذلك محفو ًظا بإذن اهلل من أن يصيبه فجأ ُة بالء أو ُّ‬
‫ِّرمذي عن أبان بن عثمان‪ :‬وهو راوي الحديث عن‬ ‫ِّ‬ ‫نحو ذلك‪ .‬جاء يف سنن الت‬
‫شلل يصيب أحد ش َّق ْي الجسم‪ -‬فجعل‬ ‫عثمان أنَّه قد أصابه طرف فالج ‪-‬وهو ٌ‬

‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)3667‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3388‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)5088‬والت‬
‫‪209‬‬ ‫‪ -33‬أذكار طريف النَّهار (‪)1‬‬
‫َ‬
‫الحديث كما حدَّ ثتُك‪،‬‬ ‫رجل منهم ينظر إليه فقال له أبان‪« :‬ما َتنظر؟ أ َما َّ‬
‫إن‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫علي َقدَ َره»(‪.)1‬‬ ‫ولكنِّي َلم َأ ُق ْله يومئذ ل ُيمضي ُ‬
‫اهلل َّ‬
‫مرات َّ‬
‫كل صباح ومساء‪ ،‬كما أرشدَ‬ ‫َ‬
‫ثالث َّ‬ ‫والسنَّة يف هذا ِّ‬
‫الذكر أن ُيقال‬ ‫ُّ‬
‫النَّبِ ُّي ﷺ إلى ذلك‪.‬‬
‫وقوله يف هذا الحديث‪« :‬بسم اهلل»‪ ،‬أي‪ :‬بسم اهلل أستعيذ؛ ُّ‬
‫فكل فاع ٍل ُي َقدِّ ر‬
‫ابح ُي َقدِّ ُر‪:‬‬ ‫سمل‪ ،‬فاآلكِ ُل ُيقدِّ ر‪ :‬بسم اهلل آكُل‪َّ ،‬‬
‫والذ ُ‬
‫فعل مناسبا لحاله عندما يب ِ‬
‫َُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ُب‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫والكاتب ُي َقدِّ ُر‪ :‬بسم اهلل أكت ُ‬
‫ُ‬ ‫بسم اهلل َأذ َب ُح‪،‬‬
‫ض و َل فِي السم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اء»‪ ،‬أي‪ :‬ال‬ ‫َّ َ‬ ‫وقوله‪« :‬ا َّلذي َل َي ُض ُّر َم َع ْاسمه َش ْي ٌء في األَ ْر ِ َ‬
‫السماء؛ فإنَّه ال‬ ‫الض ِّر إليه ال من جهة األرض وال من جهة َّ‬ ‫سبيل إلى وصول ُّ‬
‫أن المرء ذاكر هلل فهو يف حصن حصين وحرز‬ ‫يضر مع اسم اهلل شيء‪ ،‬وما دام َّ‬ ‫ُّ‬
‫الصباح والمساء وغيرها «حصن‬ ‫سمي بعض أهل العلم أذكار َّ‬ ‫مكين‪ ،‬ولهذا ُي ِّ‬
‫يضر المرء شيء مادام‬ ‫المسلم» أو «الحصن الحصين» أو نحو ذلك؛ ألنَّه ال ُّ‬
‫كاف عبده إذا التجئ إليه واعتصم به‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬ ‫ذاكرا هلل‪ ،‬واهلل ‪ٍ D‬‬
‫ً‬
‫ﮫ ﮬﮭ﴾ [ال َّطالق‪.]3 :‬‬
‫والعليم‬ ‫السميع ألقوال العباد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫يم»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬ ‫يع ال َعل ُ‬
‫السم ُ‬ ‫«و ُه َو َّ‬‫وقوله‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫بأفعالهم؛ ا َّلذي ال تخفى عليه خافية يف األرض وال يف َّ‬
‫السماء‪.‬‬
‫تعم جميع األشياء؛‬ ‫وتعم هنا‪ُّ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫وقوله‪َ « :‬ف َي ُض َّر ُه َش ْيء»‪« ،‬شيء» نكرة‬
‫السموم‬ ‫أيضا اعتداء ذوات ُّ‬ ‫الشيطان‪ ،‬واألسقام‪ ،‬واألمراض‪ ،‬ويشمل ً‬ ‫فيشمل َّ‬
‫أن عقر ًبا أو ح َّي ًة‬ ‫يضره شيء‪ .‬ولو ُقدِّ ر َّ‬‫كالح َّية والعقرب إلى غير ذلك؛ فما ُّ‬
‫سمها‪.‬‬
‫يضره ُّ‬
‫لدغته فإنَّه ال ُّ‬
‫اء ك ُِّل َل ْي َل ٍة»‪،‬‬
‫ول فِي صباحِ ك ُِّل يو ٍم ومس ِ‬
‫َْ ََ َ‬ ‫َ َ‬ ‫«ما ِم ْن َع ْب ٍد َي ُق ُ‬
‫قوله ‪َ :O‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3388‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪210‬‬

‫الصباح ثالث‬ ‫كل يوم؛ يف َّ‬‫الذكر يف ِّ‬


‫هذا فيه تأكيدٌ على المواظبة على هذا ِّ‬
‫يضره شيء‬ ‫مرات‪ .‬فإذا ُو ِّفق العبد للمواظبة عليه ال ُّ‬
‫مرات‪ ،‬ويف المساء ثالث َّ‬ ‫َّ‬
‫يف أ َّيامه‪ ،‬وال يف لياليه؛ ألنَّه يكون محفو ًظا بحفظ اهلل ‪ ،E‬وال ُبدَّ مع‬
‫والسيف ‪-‬كما يقال‪ -‬بضاربه‪ ،‬فهذا ذكر‬ ‫المواظبة من اليقين باهلل وال ِّثقة به‪َّ ،‬‬
‫عظيم ومؤ ِّثر‪ ،‬لك ْن إذا كان اإلنسان ليس عنده ثقة وال يقين فالتَّأثير فيه يضعف‬
‫تما ًما‪.‬‬
(J77
'/
- - J rt - k-
(t)?$Ji
t L .b ?Gà; - .,
- .---- -- -- - -
- -- -- -- -
-% -.--- - -
I
x s ç vx : é . s f
1.
.2lw1(..wvt.t
v .-.
z'.J ta
a -.='1l u1i V9.Wèr
p1
v V ;ï
o.'
.J 1
J '
W k../I''#'
a*AJIz.ac'.v.ss.p) oru.zA
-

z..p;)v
'u:w - ; ..o.v.
--.j.
7
. J tav
,!)
J.'wa
1I kz..
- )-
- I
r5I '- aluw vwl
-p '.x.:=-f-
I-
iu o, a g. swu.u ôhgt.t s.=,Lit
l L ..w ..o.:>LU'1<J1..
z;
o ;;
;; . .. '' . ;
Coâ .. 05 .'
:; o .. '' ' ' .!
J ..
'
.
'
:
.' .' ''
.
kze '
h.wL t'
- .
J!.<J1..
z
-
J - . z.e 1):wn
o !
. w
r' %6
;; '
.eo
- .w.....>
..Jb kze
' )):o-'a.vxA'.
?
.'
<p;a''f f.,.s 1 ';!' * 'TI I G'o '' ..'.?
...: â' JC. ô' '''' ''
.
p.t<qo.uh))J ' k>'axz- o,J.t41..2!.5 .1. 4.0.,A . (' J L...;>r-w
t* A.'.'w u-z.1.*.1'C
'
A' o.'JvX
y J J. w*
1 o ..'' * â .'
I
xwaz Iwx
.
'y ' h'w.I.
..1=p
p
.:= ''5..0'1ukt'Jo'H U''! .'G.2 w .''r'r'.Hp O'>o.' '0'1L)
'')'ov
1u-

w .px.x h.# o- '


..
,m.
vu.I.u7u qpt
..
w tu k<:.k..
w
.e.=v
'' 5u'w z uIç Ja;Ih'I..
bu s
1j. !.
; ' . o..u* .
x..u1 ,** u r. tpw
Ic 1 h..
*auh a. -.
to .y I'
U11 'u z. at
t'sw IC w
w . a w.- up.vw.
1I '' '' 1 : :' . çp *' * * '
/.+ >.; w.V u..ulvz. x ,, .c=Iwe. lw'.xzluI
>-'.J JIk'%.wx.v
.t.w.z'ax'lw.pp
,
u.

w...,to oI)aav= OJlz ua,a-'5I<+J


'I, . stsv5h' .e?w1'
x 5Iôa>
' u..
y q.w'
r= '
.x
- & v w . --
. + +.w op= , q;a Q
.u .u o .zl
I
w
.
- .= 'e ,s u%.axplI
: w$e s -uxg 4exjI
='<=%
*k.gAx.5 Iu pup I.1ttp
1,
I
eiz=1z.L h.u..<a
.Ia vs...
t.r...
t: &JI
u51 .fo.h
l..w1...
xcu kklw.kowTI-
oIz) wkv
.Olcm T'tw ...y'I
v w - ... . ..
I
+ *-p'.u1e* . pI->.5Iô.'tg' u (Ixw '+1.k<. A.IJ rs'f.-*ql
* ' '.
t> <u'QIà t*R.'L-5J-
C
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪212‬‬

‫َّعوذ‪.‬‬
‫تحصنت هبذا الت ُّ‬
‫العقرب ولم تشعر بشيء لكوهنا قد َّ‬
‫الس ُّم‪ ،‬وال يكون له نفوذ‬ ‫يضرك ُّ‬‫وإن ُلدغت ال ُّ‬ ‫فقوله‪َ « :‬ل ْم ت َُض َّر َك»‪ ،‬أي‪ْ :‬‬
‫محصنًا يف لياليه بإذن اهلل‬
‫َّ‬ ‫مؤ ِّثر يف بدنك‪ ،‬فبالمواظبة عليه َّ‬
‫كل ليلة يكون العبد‬
‫السموم‪ ،‬ولو قدِّ ر َّ‬
‫أن شي ًئا منها لدغه فإنَّها ال‬ ‫‪ D‬من هذه الهوا ِّم وذوات ُّ‬
‫تضره‪.‬‬
‫ُّ‬
‫قوله يف الحديث‪« :‬أعوذ»‪ ،‬أي‪ :‬ألتجئ‪ ،‬فاالستعاذ ُة االلتجا ُء واالعتصا ُم‪،‬‬
‫يك من َش ِّره‪،‬‬ ‫شيء َتخا ُفه إلى من يع ِصمك منه وي ِ‬
‫حم َ‬ ‫ٍ‬ ‫الهر ُب مِن‬
‫َ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫وحقيقتُها‪َ :‬‬
‫َ‬
‫والتجأ‬ ‫فالعائِ ُذ باهلل قد َه َرب مِ َّما يؤذيه أو ُيهل ُكه إلى ر ِّبه ومالكِه‪ ،‬واعتصم به‬
‫إليه‪.‬‬
‫والمراد «بكلمات اهلل الت ََّّامة»‪ ،‬قيل‪ :‬هي القرآن الكريم‪ ،‬وقيل‪ :‬هي كلماته‬
‫َقص وال‬ ‫الكون َّية القدر َّية‪ ،‬والمراد بالتَّا َّمات‪ ،‬أي‪ :‬الكامالت ا َّلتي ال َيلح ُقها ن ٌ‬
‫أن المراد هنا‪ :‬الكلمات الكون َّية ولذا‬ ‫البشر‪ .‬واألقرب َّ‬ ‫عيب‪ ،‬كما يلحق كال َم َ‬ ‫ٌ‬
‫«الليت ال يجاوزه َّن ٌّبر وال فاجر»‪.‬‬ ‫يأيت يف بعض األحاديث قوله‪َّ :‬‬
‫أي مخلوق قام به َّ‬
‫الش ُّر من‬ ‫لق»‪ ،‬أي‪ :‬مِن ِّ‬ ‫شر ما َخ َ‬ ‫ِ‬
‫شر‪ ،‬يف ِّ‬
‫كل ٍّ‬ ‫وقوله‪« :‬من ِّ‬
‫أي نو ٍع‬
‫ريحا أو صاعقة‪َّ ،‬‬ ‫حيوان أو غيره‪ ،‬إنس ًّيا كان أو ِجنِّ ًّيا‪ ،‬أو ها َّم ًة أو دا َّب ًة أو ً‬
‫كان من أنواع َّ‬
‫الش ِّر‪.‬‬
‫وأن االستعاذة‬‫ويف الحديث دالل ٌة على مشروعية االستعاذة بصفات اهلل‪َّ ،‬‬
‫وأن كال َم اهلل ‪-‬ومنه القرآن‪ -‬ليس بمخلوق‪ ،‬إذ لو‬ ‫عباد ٌة ال يجوز صر ُفها لغير اهلل‪َّ ،‬‬
‫ألن االستعاذة بالمخلوق ال تجوز بل هي ٌ‬
‫شرك باهلل‪.‬‬ ‫كان مخلو ًقا َلم ُيستعذ به؛ َّ‬
‫ث مر ٍ‬
‫ات»‪ ،‬من أهل العلم َمن‬ ‫«م ْن‪َ  ‬ق َال إِ َذا َأ ْم َسى َث َل َ َ َّ‬‫وقوله ‪َ :O‬‬
‫إن هذا دعا ٌء إنَّما ُيقال يف المساء فقط‪ ،‬ور َّبما ُيقال‪َّ :‬‬
‫إن الحكمة يف أنَّه‬ ‫قال‪َّ :‬‬
‫‪213‬‬ ‫‪ -34‬أذكار طريف النَّهار (‪)2‬‬

‫أن هذه الحشرات والح َّيات والعقارب تظهر‬ ‫ألن الغالب َّ‬ ‫ُيقال يف المساء فقط؛ َّ‬
‫أن اإلنسان إذا نام وكان حوله ح َّيات‬ ‫يف ال َّليل وتختفي يف النَّهار‪ ،‬وأمر آخر‪َّ :‬‬
‫وعقارب ُيخشى عليه منها؛ ألنَّه ال يشعر هبا‪ ،‬وأ َّما إذا كان غير نائم فإنَّه يراها‬
‫أخف وأيسر‪ ،‬وغالب لدغها يف ال َّليل ولهذا ُخ َّصت هذه‬ ‫ُّ‬ ‫ويشاهدها؛ فاألمر‬
‫الدَّ عوة يف المساء‪ ،‬قال‪َ « :‬م ْن‪َ  ‬ق َال إِ َذا َأ ْم َسى»‪.‬‬
‫الصباح؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫وبعض أهل العلم يقول‪ :‬ال بأس أن تقولها يف جملة أذكار َّ‬
‫كل حال‬ ‫الصباح‪ ،‬وعلى ِّ‬ ‫أيضا تطلبه يف َّ‬ ‫المعنى ا َّلذي تطلبه بقولها يف المساء ً‬
‫ظاهر الحديث أنَّها ُتقال يف المساء‪.‬‬
‫ك َأ ْن‬ ‫ك ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال النَّبِي ﷺ ل ِ َفاطِمةَ‪« :‬ما يم َنع ِ‬ ‫َس ب ِن مال ِ ٍ‬
‫َ َْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َو َع ْن َأن ِ ْ َ‬
‫ت وإِ َذا َأمسي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‪َ :‬يا َح ُّي َيا َق ُّيو ُم‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ت َْس َمعي َما ُأوصيك بِه‪َ ،‬أ ْن َت ُقولي إِذا َأ ْص َب ْح َ‬
‫يث‪َ ،‬أ ْص ِل ْح لِي َش ْأنِي ُك َّل ُه‪َ ،‬و َل تَكِ ْلنِي إِ َلى َن ْف ِسي َط ْر َف َة َع ْي ٍن»‪.‬‬ ‫ك َأ ْست َِغ ُ‬
‫بِ َر ْح َمتِ َ‬
‫رواه النَّسائِ ُّي يف الكربى(‪.)1‬‬
‫مشتمل على وص ِّية عظيمة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫حديث عظيم يف باب أذكار طر َف ْي النَّهار‬ ‫ٌ‬ ‫هذا‬
‫والموصى‬‫َ‬ ‫الموصي هو س ِّيد ولد آدم ‪-‬صلوات اهلل وسالمه وبركاته عليه‪،-‬‬
‫الصحابة أجمعين؛‬ ‫بذلك بنته س ِّيدة نساء العالمين ‪ J‬وأرضاها وعن َّ‬
‫مسلم ومسلمة أن ُيعنى هبا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫شأن عظيم ينبغي ِّ‬
‫لكل‬ ‫فهذه وص َّية لها ٌ‬
‫يك بِ ِه»‪ ،‬وهذا فيه‬ ‫وص ِ‬ ‫ك َأ ْن تَسم ِعي ما ُأ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫قال لها ‪« :O‬ما يم َنع ِ‬
‫َ َْ ُ‬
‫حث لها ‪ J‬أن تنتبه وأن تعتني هبذه الوص َّية العظيمة ا َّلتي يوصيها هبا‬ ‫ٌّ‬
‫‪.O‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصباح ويف المساء‬ ‫«أ ْن َت ُقولي إِ َذا َأ ْص َب ْحت َوإِ َذا َأ ْم َس ْيت»‪ ،‬أي‪ :‬يف َّ‬ ‫قال‪َ :‬‬

‫الصحيحة‬
‫السلسلة َّ‬
‫وصححه األلباينُّ يف ِّ‬
‫َّ‬ ‫السنن الكربى (‪،)10330‬‬
‫َّسائي يف ُّ‬
‫(((  رواه الن ُّ‬
‫(‪.)227‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪214‬‬

‫يث َأ ْص ِل ْح لِي َش ْأنِي ُك َّل ُه‪َ ،‬و َل تَكِ ْلنِي إِ َلى َن ْف ِسي‬ ‫ك َأ ْست َِغ ُ‬ ‫«يا َح ُّي َيا َق ُّيو ُم بِ َر ْح َمتِ َ‬‫َ‬
‫ستحب أن ُّتقال‬ ‫ُّ‬ ‫َط ْر َف َة َع ْي ٍن»‪ ،‬وهذه الكلمة ا َّلتي جاءت يف هذه الوص َّية وا َّلتي ُي‬
‫ستحب للمسلم أن يفتتح يومه‬ ‫ُّ‬ ‫الصباح ويف المساء هي كلمة تفويض‪ .‬ف ُي‬ ‫يف َّ‬
‫أيضا مساءه وليله بالتَّفويض؛ تفويض أمره إلى اهلل‪.‬‬ ‫بالتَّفويض‪ ،‬وأن يبدأ ً‬
‫يث‪َ ،‬أ ْص ِل ْح لِي َش ْأنِي ُك َّل ُه‪َ ،‬و َل‬ ‫ك َأ ْست َِغ ُ‬
‫«يا َح ُّي َيا َق ُّيو ُم بِ َر ْح َمتِ َ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫مفو ًضا أمرك إلى اهلل‪ ،‬مت َب ِّرئًا من‬ ‫تَك ْلني إِ َلى َن ْفسي َط ْر َف َة َع ْي ٍن»‪ ،‬تبدأ يومك ِّ‬
‫جل يف عاله َّأل يكلك إلى نفسك؛ ألنَّه لو‬ ‫سائل ر َّبك َّ‬ ‫ً‬ ‫وقوهتا‪،‬‬
‫حول نفسك َّ‬
‫وكلك إلى نفسك يف يومك‪ ،‬أو وكلك إلى نفسك يف ليلتك وكلك إلى ضعف‬
‫وعجز؛ فالتَّوفيق َّأل يكلك اهلل َّإل إليه‪ ،‬والخذالن ‪-‬والعياذ باهلل‪ -‬أن ُيوكل‬
‫وأن تربأ من‬ ‫كل يوم أن تبدأ يومك بالتفويض ْ‬ ‫ستحب َّ‬‫ُّ‬ ‫العبد إلى نفسه‪ .‬ولهذا ُي‬
‫«ل تَكِ ْلنِي إِ َلى َن ْف ِسي» كأنَّك تقول‪:‬‬ ‫وأن ُتعلن ضعفك؛ َ‬ ‫وقوهتا‪ْ ،‬‬ ‫حول نفسك َّ‬
‫وقوهتا‪ ،‬ال حول‬ ‫كل أوقايت يف ضعف‪ ،‬أبرأ من حول نفسي َّ‬ ‫أنا ضعيف عاجز يف ِّ‬
‫قوة َّإل بك‪.‬‬ ‫لي وال َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يسيرا‪ ،‬وال لحظ ًة‬ ‫قوله‪َ « :‬ف َل تَك ْلني إِ َلى َن ْفسي َط ْر َف َة َع ْي ٍن»‪ ،‬أي‪ :‬وال وقتًا ً‬
‫يسيرة‪ ،‬فالمراد بطرفة العين‪ :‬الوقت اليسير؛ ولهذا ال يصلح أن ُيضاف إليها‬
‫ألن طرفة‬ ‫أقل من ذلك)‪ ،‬فهذا من الخطأ‪ ،‬وفيه استدراك على الحديث؛ َّ‬ ‫(وال َّ‬
‫أقل شيء‪.‬‬ ‫العين هي ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫توسل إلى‬ ‫«أ ْن َت ُقولي إِ َذا َأ ْص َب ْحت َوإِ َذا َأ ْم َس ْيت‪َ :‬يا َح ُّي َيا َق ُّيو ُم»‪ ،‬هذا ُّ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫اهلل هبذين االسمين العظيمين‪ ،‬ومن أهل العلم َمن يرى أنَّهما اسم اهلل األعظم‬
‫ا َّلذي اذا ُدعي به أجاب‪ ،‬وإذا ُسئل به أعطى‪.‬‬
‫متوس ًل إليك‬ ‫ِّ‬ ‫يث»‪ ،‬أي‪ :‬أطلب منك يا اهلل‬ ‫ك َأ ْست َِغ ُ‬ ‫وقوله‪« :‬بِ َر ْح َمتِ َ‬
‫برحمتك أن ُتغيثني‪ ،‬طال ًبا منك نجايت وسالمتي وعافيتي‪.‬‬
‫‪215‬‬ ‫‪ -34‬أذكار طريف النَّهار (‪)2‬‬

‫«أ ْص ِل ْح لِي َش ْأنِي ُك َّل ُه»‪ ،‬هذه تتناول جميع شؤونك الدِّ ين َّية‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫وأيضا يف المساء‬ ‫الصباح ً‬ ‫والدُّ نيو َّية‪ ،‬وجميع مصالحك‪ ،‬وأنت هبذا الدُّ عاء يف َّ‬
‫يسرها اهلل لك‪ ،‬وغير ناجحة َّإل إذا‬ ‫أن جميع مصالحك متع ِّطلة َّإل إذا َّ‬ ‫قر َّ‬ ‫ُت ُّ‬
‫و َّفقك اهلل وأعانك على تحصيلها‪.‬‬
‫«و َل تَكِ ْلنِي إِ َلى َن ْف ِسي»‪ ،‬أي‪ :‬إلى فهمي‪ ،‬وال إلى علمي‪ ،‬وال إلى‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫كل هذا ال تكلني إليه‪ ،‬بل‬ ‫قدريت‪ ،‬وال إلى مهاريت‪ ،‬وال إلى خربيت‪ ،‬إلى آخره‪ُّ ،‬‬
‫وكل أحوالي‬ ‫وقويت ضعيفة‪ ،‬وقدريت ضعيفة‪ُّ ،‬‬ ‫ال تكلني َّإل إليك؛ فعلمي قليل‪َّ ،‬‬
‫قوة َّإل بك‪ ،‬فال تكلني إلى نفسي طرفة عين‪.‬‬ ‫ضعيفة‪ ،‬ال حول لي وال َّ‬
‫واإلنسان إذا ُوكِ َل إلى نفسه يضيع‪ ،‬و َمن اعتمد على غير اهلل ‪-‬على نفسه‬
‫أو على مخلوق من المخلوقات– فهو يف ضياع‪ ،‬والمسلم ال يلجأ َّإل إلى اهلل‪،‬‬
‫يفوض أموره َّإل إلى اهلل‪ ،‬فال غنى له عن ر ِّبه طرفة‬ ‫وال يستعين َّإل باهلل‪ ،‬وال ِّ‬
‫عين‪﴿ :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [فاطر‪ ،]15 :‬فالعبد‬
‫فيه فقر ذاتِ ٌّي لس ِّيده ومواله‪ ،‬واهلل ‪ D‬فيه غنى كامل عن المخلوقات‪ ،‬ولهذا‬
‫ال غنى لإلنسان عن اهلل طرفة عين‪ ،‬ولو ُوكل إلى نفسه ولو لحظ ًة واحدة ضاع‪.‬‬
‫«و َل تَكِ ْلنِي إِ َلى َن ْف ِسي َط ْر َف َة َع ْي ٍن»‪ ،‬أي‪ :‬ال تكلني َّإل إليك‪ ،‬وإذا‬ ‫فقوله‪َ :‬‬
‫وهدي‪ ،‬كما يف دعاء الخروج من المنزل‬ ‫فوض العبد أمره إلى ر ِّبه ُو ِّفق وكُفي ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ُل م ْن َب ْيته‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫َس ْب ِن َمالك ‪َ I‬أ َّن النَّبِ َّى ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا َخ َر َج َّ‬ ‫َع ْن َأن ِ‬
‫يت‬‫ت َع َلى اهَّلل ِ َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهَّلل ِ»‪َ ،‬ق َال ُي َق ُال ِحينَئِ ٍذ‪ُ :‬ه ِد َ‬ ‫بِ ْس ِم اهَّلل ِ ت ََو َّك ْل ُ‬
‫ف َل َك بِ َر ُج ٍل‬ ‫ان َ‬
‫آخ ُر‪َ :‬ك ْي َ‬ ‫الش َياطِي ُن‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫ول َل ُه َش ْي َط ٌ‬ ‫يت‪َ ،‬ف َت َتن ََّحى َل ُه َّ‬ ‫يت َو ُوقِ َ‬ ‫َوك ُِف َ‬
‫َقدْ ُه ِد َي َوك ُِف َي َو ُوقِ َي»‪ .‬رواه أبو داود(‪.)1‬‬
‫وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ﴾ [ال َّطالق‪ ،]3 :‬وقال تعالى‪:‬‬

‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)5095‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪216‬‬

‫الزمر‪ ،]36 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯩ ﯪ ﯫ﴾‬


‫﴿ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ﴾ [ ُّ‬
‫الزمر‪ ،]38 :‬فا َّلذي يتوكَّل على اهلل ‪ D‬ويعتمد تمام االعتماد عليه ويلجأ إليه‬ ‫[ ُّ‬
‫تمام االلتجاء ُيسدَّ د و ُيو َّفق و ُيعان و ُيهدى إلى صراط اهلل المستقيم‪ ،‬قال اهلل‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [آل عمران‪]101 :‬‬

‫َّبي ﷺ لبنته فاطمة‬ ‫قال َّ‬


‫الشوكاينُّ‪ :‬يف بيان مكان تلك الوص َّية؛ وص َّية الن ِّ‬
‫صالح َّ‬
‫الشأن‬ ‫َ‬ ‫كل صباح ومساء‪« :‬والحديث من جوامع الكلم؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫فيما تقوله َّ‬
‫يفر شيء منها؛ فيفوز ُ‬
‫قائل هذا إذا‬ ‫جميع أمور الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬فال ُّ‬
‫َ‬ ‫ك ِّله يتناول‬
‫بخير ْي الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬مع ما يف الحديث من تفويض‬
‫اهلل عليه باإلجابة َ‬
‫تفضل ُ‬
‫َّ‬
‫ِّ‬
‫وأجل خصاله‬ ‫فإن ذلك من أعظم اإليمان‬ ‫الر ِّب ‪E‬؛ َّ‬ ‫األمور إلى َّ‬
‫وأشرف أنواعه»(‪.)1‬‬

‫للشوكانِ ِّي (ص‪.)107‬‬ ‫(((  تحفة َّ‬


‫الذاكرين َّ‬
‫‪217‬‬ ‫‪ -35‬أذكار طريف النَّهار (‪)3‬‬

‫‪35‬‬

‫أذكار طر َف ْي النَّهار (‪)3‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عن َأبِي هرير َة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال رس ُ ِ‬


‫ين ُي ْصبِ ُح َوح َ‬
‫ين‬ ‫«م ْن َق َال ح َ‬ ‫ول اهَّلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫َ ْ‬
‫ان اهلل ِ وبِحم ِد ِه» ِما َئ َة مر ٍة؛ َلم ي ْأ ِ‬
‫ت َأ َحدٌ َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة بِ َأ ْف َض َل ِم َّما‬ ‫«س ْب َح َ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ُي ْمسي‪ُ :‬‬
‫َجا َء بِ ِه‪ ،‬إِ َّل َأ َحدٌ َق َال ِم ْث َل َما َق َال َأ ْو زَا َد َع َل ْي ِه»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫كل‬‫الصباح والمساء العظيمة‪ ،‬أن يقول المسلم يف صباح ِّ‬ ‫هذا من أذكار َّ‬
‫جمع بين التَّسبيح والتَّحميد‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫مرة‪،‬‬
‫يوم ومسائه‪« :‬سبحان اهلل وبحمده» مائة َّ‬
‫مما ينايف‬ ‫كل ما ال يليق به ‪َّ E‬‬ ‫والتَّسبيح‪ :‬تنزيه هلل وتقديس وتربئة له من ِّ‬
‫كماله وعظمته وجالله‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾‬
‫الصافات‪ ،]180 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓﯔ﴾ [يونس‪،]68 :‬‬ ‫[ َّ‬
‫والحمد‪ :‬هو إثبات الكمال هلل سبحانه‪.‬‬
‫ان اهلل ِ َوبِ َح ْم ِد ِه» أي‪ :‬أس ِّبح اهلل حال كوين حامدً ا له؛ فهو‬ ‫«س ْب َح َ‬
‫وقوله‪ُ :‬‬
‫تسبيح مع إثبات الكمال هلل سبحانه‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫ت َأ َحدٌ َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة بِ َأ ْف َض َل ِم َّما َجا َء بِ ِه‪ ،‬إِ َّل َأ َحدٌ َق َال ِم ْث َل‬ ‫قوله‪َ « :‬لم ي ْأ ِ‬
‫ْ َ‬
‫«أ ْو زَا َد َع َل ْي ِه» أن‬
‫فضل عظيم‪ ،‬وليس معنى قوله‪َ :‬‬ ‫َما َق َال َأ ْو زَا َد َع َل ْي ِه»؛ هذا ٌ‬
‫مثل‪ ،‬بل ُتعدُّ المائة كما جاءت‬
‫مرات ً‬
‫يقول‪ :‬سبحان اهلل وبحمده مائة وعشر َّ‬
‫والزيادة تكون بأنواع األذكار األخرى المطلقة والمق َّيدة‪.‬‬
‫يف الحديث‪ِّ ،‬‬
‫مرة ويف‬
‫الصباح مائة َّ‬
‫فهذا فيه التَّأكيد على أهم َّية العناية هبذا التَّسبيح يف َّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2692‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪218‬‬

‫والشارع له حكمة يف هذا العدد‪ ،‬فيعدُّ ها المرء مائة كما ورد‪،‬‬ ‫مرة‪َّ ،‬‬‫المساء مائة َّ‬
‫والذكر؛ فالباب‬ ‫وإذا ختم المائة وأكملها وال يزال يرغب يف التَّسبيح والتَّهليل ِّ‬
‫وذكرا ُمق َّيدً ا‪ ،‬فالمق َّيد ُيؤتى به‬
‫ً‬ ‫ذكرا ُمطل ًقا‬ ‫المطلق‪َّ ،‬‬
‫ألن هناك ً‬ ‫للذكر ُ‬ ‫مفتوح ِّ‬
‫والذكر المطلق ال ُيحدُّ بعدد‪.‬‬ ‫مق َّيدً ا كما جاء بالعدد ا َّلذي جاء‪ِّ ،‬‬
‫الذكر له أهم َّيته؛ من جهة عظم الموعود المرت ِّتب يوم القيامة على‬ ‫وهذا ِّ‬
‫أهم َّية العناية به‬ ‫ُص يف القرآن يف مواضع على ِّ‬ ‫وألن التَّسبيح ن َّ‬ ‫َّ‬ ‫المحافظة عليه‪،‬‬
‫مر معنا جمل ٌة ط ِّيبة من هذه اآليات ا َّلتي فيها األمر‬ ‫الصباح والمساء‪ ،‬وقد َّ‬ ‫يف َّ‬
‫علو شأنه ورفيع‬ ‫يدل على ِّ‬ ‫مما ُّ‬ ‫الصباح والمساء‪َّ ،‬‬ ‫تعيينًا وتحديدً ا بالتَّسبيح يف َّ‬
‫قدره وعظيم ثوابه عند اهلل ‪.E‬‬
‫أن َمن قال «سبحان‬ ‫ومِن فضائل التَّسبيح هبذا العدد‪ :‬ما أخرب به النَّبي ﷺ؛ َّ‬
‫ُّ‬
‫الصحيح من‬ ‫مرة ُح َّطت عنه ذنو ُبه ولو ك ُثرت‪ .‬ففي َّ‬ ‫اهلل وبحمده» يف يو ٍم مائة َّ‬
‫ان اهلل ِ َوبِ َح ْم ِد ِه» فِي‬
‫«س ْب َح َ‬ ‫«م ْن َق َال ُ‬ ‫َّبي ﷺ قال‪َ :‬‬ ‫َّ‬
‫حديث أبي هريرة ‪ I‬أن الن َّ‬
‫َت ِم ْث َل َز َب ِد ال َب ْحرِ»(‪.)1‬‬ ‫ت َخ َط َايا ُه َوإِ ْن كَان ْ‬ ‫َي ْو ٍم ِما َئ َة َم َّر ٍة ُح َّط ْ‬
‫ِّرمذي وغيرهما َع ْن َع ْب ِد‬ ‫ُّ‬ ‫الصباح والمساء‪ :‬ما رواه أبو داود والت‬ ‫ومن أذكار َّ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ‬ ‫ب َر ُس َ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ب َق َال‪َ :‬خ َر ْجنَا في َل ْي َلة َمط َيرة َو ُظ ْل َمة َشديدَ ة َن ْط ُل ُ‬ ‫اهللِ ْب ِن ُخ َب ْي ٍ‬
‫ُي َص ِّلي َلنَا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ ْد َر ْك ُت ُه‪َ ،‬ف َق َال‪ُ « :‬ق ْل»‪َ ،‬ف َل ْم َأ ُق ْل َش ْي ًئا‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ُ « :‬ق ْل»‪َ ،‬ف َل ْم َأ ُق ْل‬
‫ال‪ُ « :‬ق ْل‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ [اإلخالص‪:‬‬ ‫ول؟ َق َ‬ ‫َش ْي ًئا‪َ ،‬ق َال‪ُ « :‬ق ْل»‪ُ ،‬ق ْل ُت‪َ :‬ما َأ ُق ُ‬
‫يك ِم ْن ك ُِّل َش ْي ٍء»(‪.)2‬‬ ‫ات َتك ِْف َ‬ ‫ث مر ٍ‬
‫ين ت ُْمسي َوت ُْصبِ ُح َث َل َ َ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ]1‬وا ْل ُم َع ِّو َذ َت ْي ِن ح َ‬
‫وظلمة شديدة»‪ ،‬أي‪ :‬مطرها غزير وظلمتها شديدة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫قوله‪« :‬ليلة مطيرة‬
‫والغالب يف كثير من النَّاس أن يحصل له فيها خوف وقلق‪ ،‬ولهذا فمن فوائد‬
‫البخاري (‪ ،)6405‬ومسلم (‪.)2691‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3575‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)5082‬والت‬
‫‪219‬‬ ‫‪ -35‬أذكار طريف النَّهار (‪)3‬‬

‫أن التَّعليم بالمناسبة أمكن يف تم ُّكن الفائدة لدى المتل ِّقي َّ‬
‫والسامع‪،‬‬ ‫الحديث‪َّ :‬‬
‫فعبد اهلل بن ُخبيب ‪ I‬يذكر أنَّهم كانوا يف ليلة مطيرة وشديدة ال ُّظلمة‪،‬‬
‫ويف مثلها قد يحصل لكثير من النَّاس شيء من المخاوف أو الفزع‪ ،‬فع َّلمهم‬
‫مما يكون به وقاية العبد‬
‫‪ O‬بالمناسبة ما ُيقال يف هذا الموطن َّ‬
‫وسالمته‪.‬‬
‫قوله‪َ « :‬ف َق َال‪ُ « :‬ق ْل»‪َ ،‬ف َل ْم َأ ُق ْل َش ْيئًا‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ُ « :‬ق ْل»‪َ ،‬ف َل ْم َأ ُق ْل َش ْيئًا‪َ ،‬ق َال‪:‬‬
‫مرات يقول له‪( :‬قل)‪ ،‬وال يدري‬ ‫تكرر ذلك ثالث َّ‬ ‫ول؟»‪َّ .‬‬ ‫ت‪َ :‬ما َأ ُق ُ‬ ‫« ُق ْل»‪ُ ،‬ق ْل ُ‬
‫خاصة يف هذا الموقف؛ ليلة‬ ‫ماذا يقول؟ لك ْن نفسه تتط َّلع أن يعرف ماذا يقول؟ َّ‬
‫َّبي‬ ‫َّ‬
‫مظلمة وخوف وقلق‪ ،‬وهو من أساليب التَّشويق التي تكثر يف أحاديث الن ِّ‬
‫ﷺ‪ ،‬وهذا من حرصه الدَّ اخل يف عموم قوله‪﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ﴾‬
‫[التَّوبة‪.]128 :‬‬
‫والمعوذتين»‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫فقال‪ :‬ما أقول؟ قال ‪« :O‬قل‪ :‬قل هو اهلل أحد‪،‬‬
‫السور ال َّثالث ُيقال‬
‫برب النَّاس؛ وهذه ُّ‬
‫برب الفلق‪ ،‬وقل أعوذ ِّ‬‫أي‪ :‬قل أعوذ ِّ‬
‫تعوذ‪ ،‬لكنَّها ُيطلق‬
‫وإن كانت سورة اإلخالص ليس فيها ُّ‬ ‫«المعوذات»‪ْ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫لها‬
‫المعوذات تغلي ًبا‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫عليها‬
‫مرات تكفيك من ِّ‬
‫كل شيء»‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫وقوله‪« :‬حين تمسي وتصبح ثالث َّ‬
‫الضرر من جهته‪ ،‬وكذا المخاوف‬
‫كل شيء تخافه أو تخشى َّ‬ ‫كفاية تا َّمة من ِّ‬
‫ا َّلتي تلحق القلب يف بعض األحوال‪.‬‬
‫َّبي‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫السور الثالث لها شأن عظيم؛ فسورة اإلخالص وصفها الن ُّ‬ ‫وهذه ُّ‬
‫‪ O‬بأنَّها تعدل ثلث القرآن‪ ،‬كما جاء يف صحيح مسلم قال‬
‫آن فِي َل ْي َل ٍة؟» فقالوا‪َ :‬و َك ْي َ‬
‫ف‬ ‫ث ال ُق ْر ِ‬
‫«أ َي ْعج ُز َأ َحدُ ك ُْم َأ ْن َي ْق َر َأ ُث ُل َ‬
‫‪َ :O‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪220‬‬

‫ث‬‫«ي ْق َر ُأ‪ُ :‬ق ْل ُه َو اهللُ َأ َحدٌ ؛ َف ِه َي َت ْع ِد ُل ُث ُل َ‬ ‫آن فِي َل ْي َل ٍة؟ َ‬


‫قال‪َ :‬‬
‫ث ال ُق ْر ِ‬
‫َي ْق َر ُأ ُث ُل َ‬
‫أن َمن قرأها يكون قد قرأ ثلث القرآن‪،‬‬ ‫أن لها هذا ال َّثواب‪ ،‬ال َّ‬ ‫ال ُق ْرآنِ»(‪ ،)1‬أي‪َّ :‬‬
‫بيان لثواب هذه‬ ‫مثل ثال ًثا عن قراءة القرآن‪ ،‬وإنَّما هذا ٌ‬ ‫أو أنَّه ُيستغنى بقراءهتا ً‬
‫تعدل ثلث القرآن‪.‬‬ ‫السورة ومكانتها وعظيم منزلتها وأنَّها ُ‬ ‫ُّ‬
‫أمورا‬
‫الجملة ً‬‫أن القرآن يشمل من حيث ُ‬ ‫وقد قال ال ُعلماء يف معنى ذلك‪َّ :‬‬
‫ثالثة‪ :‬التَّوحيد وبيان أسماء اهلل وصفاته‪ ،‬واألحكام‪ :‬األوامر والنَّواهي‪،‬‬
‫والقصص واألخبار‪ .‬وسورة قل هو اهلل أحد ُأخلصت لبيان صفة َّ‬
‫الر ِّب‬
‫سمى سورة اإلخالص‪.‬‬ ‫‪ ،E‬ولهذا ُت َّ‬
‫رجل‬‫َّبي ﷺ أ َّمر ً‬ ‫َّ‬
‫الصحيحين من حديث عائشة ‪ J‬أن الن َّ‬ ‫وقد جاء يف َّ‬
‫كل ركعة بــ«قل هو اهلل أحد»‪،‬‬ ‫الصالة ويختم يف ِّ‬ ‫على سر َّية‪ ،‬فكان يقرأ هبم يف َّ‬
‫َّبي ﷺ وسألوه‪ ،‬فقال‬ ‫الصحابة‪ ،‬فأتوا إلى الن ِّ‬ ‫فأشكل هذا األمر على َمن معه من َّ‬
‫ك؟» فسألوه‪ ،‬قال‪ِ :‬‬
‫«لَن ََّها ِص َف ُة‬ ‫ي َش ْي ٍء َي ْصن َُع َذلِ َ‬ ‫ِ‬
‫«س ُلو ُه لَ ِّ‬
‫لهم ‪َ :O‬‬
‫ِ‬
‫َّبي ‪،O‬‬ ‫الصحابة ذلك للن ِّ‬ ‫ب َأ ْن َأ ْق َر َأ بِ َها»‪ ،‬فذكر َّ‬ ‫الر ْح َم ِن َو َأنَا ُأح ُّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫أهم َّية مح َّبة أسماء اهلل وصفاته‬ ‫«أ ْخبِ ُرو ُه َأ َّن اهللَ ُيح ُّب ُه» ‪ُ .‬يستفاد من هذا‪ِّ :‬‬ ‫فقال‪َ :‬‬
‫(‪)2‬‬

‫والسنَّة‪ ،‬والفرح بسماعها وتالوهتا وفهمها وتد ُّبرها‪.‬‬ ‫الواردة يف القرآن ُ‬


‫َّاس»‪ ،‬و ُيقال لهما‬ ‫وأ َّما « ُق ْل َأ ُع ُو ُذ بِ َر ِّب ال َف َل ِق»‪ ،‬و« ُق ْل َأ ُع ُو ُذ بِ َر ِّب الن ِ‬
‫َّعوذ‬
‫برب النَّاس والت ُّ‬ ‫َّعوذ ِّ‬ ‫َّعوذ باهلل سبحانه؛ الت ُّ‬ ‫«المعوذتان»؛ لما فيهما من الت ُّ‬ ‫ِّ‬
‫الشرور واآلفات‪ .‬وقد جاء يف فضلهما ما ثبت يف صحيح مسلم‬ ‫برب الفلق من ُّ‬ ‫ِّ‬
‫ات َل ْم ُي َر ِم ْث ُل ُه َّن َق ُّط‬ ‫أن النَّبي ﷺ قال لعقبة بن عامر ‪ُ :I‬‬
‫«أن ِْز َل َع َل َّي َآي ٌ‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫السورتين‪.‬‬ ‫ا ْل ُم َع ِّو َذ َت ْي ِن» ؛ فأبلغ ما يكون يف التَّعويذ؛ التَّعويذ هباتين ُّ‬
‫(‪)3‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)259‬‬


‫(((  رواه مسلم (‪.)813‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)814‬‬
‫‪221‬‬ ‫‪ -35‬أذكار طريف النَّهار (‪)3‬‬

‫ب‬‫الح ِّ‬
‫قوله‪﴿ :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [الفلق‪ ،]1 :‬أي‪ :‬اهلل ‪ E‬فالق َ‬
‫ٍ‬
‫مخلوق‬ ‫شر ك ُِّل‬‫والنَّوى‪ ،‬وفالق اإلصباح‪﴿ ،‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [الفلق‪ ،]2 :‬أي‪ :‬من ِّ‬
‫شر‪ ،‬وهذا يشمل جميع ما خلق اهلل؛ من إنس وج ٍّن وحيوانات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫قام فيه ٌّ‬
‫الش ِّر ا َّلذي فيها‪﴿ ،‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [الفلق‪،]3 :‬‬ ‫ف ُيستعاذ بخالقها‪ ،‬من َّ‬
‫شر ما يكون يف ال َّليل حين يغشى النَّاس وتنتشر فيه كثير من األرواح‬ ‫أي‪ :‬من ِّ‬
‫الش ِّريرة والحيوانات المؤذية‪﴿ ،‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ [الفلق‪،]4 :‬‬ ‫ِّ‬
‫السحر‪﴿ ،‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬ ‫الليت ين ُفثن يف العقد ويفعلن ِّ‬ ‫السواحر َّ‬‫أي‪َّ :‬‬
‫السورة‬ ‫ٍ‬ ‫شر ِّ‬
‫فتضمنت ُّ‬‫َّ‬ ‫إنسان؛‬ ‫كل حاسد باشر حسد‬ ‫ﭾ﴾ [الفلق‪ ،]5 :‬أي‪ :‬من ِّ‬
‫وخصوصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫الشرور عمو ًما‬‫االستعاذة من جميع أنواع ُّ‬
‫َّعوذ ﴿ﮂ ﮃ﴾ [النَّاس‪﴿ ،]1 :‬ﮅ ﮆ﴾‬
‫وسورة النَّاس‪ :‬فيها الت ُّ‬
‫[النَّاس‪﴿ ،]2 :‬ﮈ ﮉ﴾ [النَّاس‪]3 :‬؛ ﴿ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ﴾ [النَّاس‪:‬‬
‫الرجيم ﴿ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ [النَّاس‪:‬‬ ‫‪ ،]4‬ا َّلذي هو َّ‬
‫الشيطان َّ‬
‫الشرور ك ِّلها وما َّدهتا‪،‬‬
‫‪ ،]5‬أي‪ :‬يلقي الوساوس يف صدور النَّاس‪ ،‬وهو أصل ُّ‬
‫الش َّر ويريهم إ َّياه يف صورة حسنة‪ِّ ،‬‬
‫وينشط إرادهتم لفعله‪ ،‬ويق ِّبح‬ ‫فيحسن لهم َّ‬
‫ِّ‬
‫دائما هبذه‬‫لهم الخير ويث ِّبطهم عنه‪ ،‬ويريهم إ َّياه يف صورة غير صورته‪ ،‬وهو ً‬
‫الحال يوسوس ويخنس؛ إذا غفل العبد عن ذكر اهلل وسوس‪ ،‬وإذا ذكر ر َّبه‬
‫خنس‪.‬‬
‫السورتين وبيان‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬والمقصود‪ :‬الكالم على هاتين ُّ‬
‫الضرورة إليهما‪ ،‬وأنَّه ال يستغني عنهما أحد‬
‫عظيم منفعتهما وشدَّ ة الحاجة بل َّ‬
‫وأن حاجة‬ ‫الشرور‪َّ ،‬‬ ‫السحر والعين وسائر ُّ‬
‫خاصا يف دفع ِّ‬
‫تأثيرا ًّ‬ ‫قط‪َّ ،‬‬
‫وأن لهما ً‬ ‫ُّ‬
‫السورتين أعظم من حاجته إلى النَّ َفس وال َّطعام‬
‫العبد إلى االستعاذة هباتين ُّ‬
‫والشراب وال ِّلباس»(‪.)1‬‬
‫َّ‬

‫(((  بدائع الفوائد (‪.)199/2‬‬


‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪222‬‬

‫ستحب‬
‫ُّ‬ ‫الشأن جليلة القدر ُي‬ ‫سور عظيمة َّ‬ ‫السور ال َّثالث ٌ‬ ‫الحاصل‪َّ :‬‬
‫أن هذه ُّ‬
‫ات إذا أمسى‪،‬‬ ‫ات إذا أصبح‪ ،‬وثالث مر ٍ‬ ‫للمسلم أن يقرأها يوميا؛ ثالث مر ٍ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ًّ‬
‫ستحب‬‫ُّ‬ ‫مرةً‪ ،‬و ُي‬
‫مر ًة َّ‬
‫الصلوات المكتوبة َّ‬ ‫ستحب له كذلك أن يقرأها أدبار َّ‬
‫ُّ‬ ‫و ُي‬
‫أيضا أن يقرأها عندما يأوي إلى فراشه؛ يقرأها وينفث يف يده ويمسح ما‬ ‫له ً‬
‫السور‬ ‫ستحب فيها قراءة هذه ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫كل ذلك من المواضع ا َّلتي ُي‬ ‫استطاع من بدنه‪ُّ ،‬‬
‫ال َّثالث‪.‬‬
‫السور وغيرها من األذكار أن يأيت هبا مع‬ ‫وينبغي للعبد عندما يقرأ هذه ُّ‬
‫ال ِّثقة باهلل‪ ،‬ال على وجه التَّجربة‪ ،‬فليس هذا حال المسلم الواثق باهلل؛ بل ينبغي‬
‫فمن قرأ‬
‫الرغبة فيما عنده‪َ ،‬‬ ‫أن يقولها مع ال ِّثقة باهلل وحسن الت ُّ‬
‫َّوجه إليه وصدق َّ‬
‫ات يف المساء كفته من‬ ‫ات يف الصباح وثالث مر ٍ‬ ‫هذه السور ال َّثالث ثالث مر ٍ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫مجرب‪.‬‬
‫كل شيء‪ ،‬كما أخرب بذلك رسول اهلل ﷺ؛ ال يحتاج األمر إلى تجربة ِّ‬ ‫ِّ‬
‫‪223‬‬ ‫‪ -36‬أذكار طريف النَّهار (‪)4‬‬

‫‪36‬‬

‫أذكار طر َف ْي النَّهار (‪)4‬‬

‫ول‪:‬‬‫ار َأ ْن َت ُق َ‬ ‫«س ِّيدُ ِال ْستِ ْغ َف ِ‬ ‫س ‪َ I‬ع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪َ :‬‬ ‫اد ْب ِن َأ ْو ٍ‬ ‫َعن َشدَّ ِ‬
‫ْ‬
‫ْت‪َ ،‬خ َل ْقتَنِي َو َأنَا َع ْبدُ َك‪َ ،‬و َأنَا َع َلى َع ْه ِد َك َو َو ْع ِد َك‬ ‫ْت َر ِّبي َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬ ‫«ال َّل ُه َّم َأن َ‬
‫ك َع َل َّي‪َ ،‬و َأ ُبو ُء بِ َذ ْنبِي‬ ‫ك بِن ِ ْع َمتِ َ‬ ‫ك ِم ْن َش ِّر َما َصنَ ْع ُ‬
‫ت‪َ ،‬أ ُبو ُء َل َ‬ ‫ت‪َ ،‬أ ُعو ُذ بِ َ‬ ‫َما ْاس َت َط ْع ُ‬
‫ار م ِ‬ ‫ِ‬ ‫فا ْغ ِف ْر لِي؛ َفإِ َّن ُه َل َيغ ِْف ُر ُّ‬
‫ات‬‫وقنًا بِ َها َف َم َ‬ ‫ْت»‪َ ،‬و َم ْن َقا َل َها م َن الن ََّه ِ ُ‬ ‫ُوب إِ َّل َأن َ‬‫الذن َ‬
‫ِمن يو ِم ِه َقب َل َأ ْن يم ِسي َفهو ِمن َأه ِل ا ْلجن َِّة‪ ،‬ومن َقا َلها ِمن ال َّلي ِل وهو م ِ‬
‫وق ٌن بِ َها‪،‬‬ ‫َ ََ ْ َ َ ْ َ ْ َ ُ‬ ‫ُْ َ ُ َ ْ ْ‬ ‫ْ َْ ْ‬
‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫ات َق ْب َل َأ ْن ُي ْصبِ َح َف ْه َو ِم ْن َأ ْه ِل ا ْل َجن َِّة»‪ .‬رواه‬ ‫َف َم َ‬
‫َّبي ﷺ هذا الحديث بتعلية شأن هذا االستغفار‪ ،‬وبيان رفيع مكانته‪،‬‬
‫بدأ الن ُّ‬
‫فوصفه بأنَّه س ِّيد االستغفار‪ ،‬ويف هذا ٌ‬
‫دليل على أنَّه أفضل صيغ االستغفار؛‬
‫الس ِّيد هو المقدَّ م على غيره لكمال أوصافه وجمال نعوته‪ .‬وإنَّما كان هذا‬ ‫َّ‬
‫ألن َّ‬
‫االستغفار س ِّيدَ االستغفار وأفض َله‪ :‬لما حواه من المعاين العظيمة الجامعة من‬
‫ُ‬
‫والقوة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫التَّوحيد‪ ،‬والتَّعظيم هلل‪ ،‬واإلفراد له بالوحدان َّية‪ ،‬والرباءة من الحول‬
‫بالضعف‪ ،‬واإلقرار َّ‬
‫بالذنب‪ ،‬واالعرتاف‬ ‫واالعتصام به سبحانه‪ ،‬واالعرتاف َّ‬
‫ثم بعد ذلك أتى‬ ‫ٍ‬ ‫وأن َّ‬
‫بالنِّعمة‪َّ ،‬‬
‫كل نعمة يف العبد فهي من اهلل‪ ،‬وأنَّه المنعم هبا‪َّ ،‬‬
‫طلب الغفران‪.‬‬
‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم»‪ ،‬هي بمعنى يا اهلل‪ُ ،‬ح ِذف ياء النِّداء من َّأولها‪ ،‬و ُع ِّوضت‬
‫البخاري (‪.)6306‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪224‬‬

‫عوض‪ ،‬فال يقال يا‬ ‫ِ‬


‫والم َّ‬
‫الساكنة يف آخرها‪ ،‬وال ُيجمع بين العوض ُ‬ ‫بالميم َّ‬
‫ألن الميم ِعوض عن الياء‪ ،‬فال ُيجمع بينها وبين الياء‪.‬‬
‫ال َّل ُه َّم؛ َّ‬
‫و«اهلل» معناها كما يقول ابن ع َّباس ‪ ،L‬أي‪« :‬ذو األلوه َّية والعبود َّية‬
‫فجمع هذا االسم يف داللته بين األلوه َّية ا َّلتي هي‬
‫على خلقه أجمعين» ‪َ .‬‬
‫(‪)1‬‬

‫الر ِّب‪ ،‬والعبود َّية ا َّلتي هي فعل العبد‪.‬‬


‫وصف َّ‬
‫جمع بين نوعي التَّوحيد‪ :‬توحيد‬
‫ٌ‬ ‫قوله‪« :‬أنت ر ِّبي ال إله َّإل أنت»‪ ،‬هذا‬
‫الربوب َّية‪ ،‬أي‪ :‬خالقي‬
‫الربوب َّية‪ ،‬وتوحيد األلوه َّية‪« ،‬أنت ر ِّبي» هذا توحيد ُّ‬
‫ُّ‬
‫والمتصرف المد ِّبر‪ ،‬ا َّلذي بيدك األمر ال شريك‬
‫ِّ‬ ‫ورازقي وموجدي من العدم‪،‬‬
‫لك‪« ،‬ال إله َّإل أنت» هذا توحيد األلوه َّية‪ ،‬أي‪ :‬أنت المعبود ٍّ‬
‫بحق وال معبود‬
‫بحق سواك‪.‬‬
‫ٍّ‬
‫وقوله‪« :‬خلقتني وأنا عبدك» هذا تأكيد للنَّوعين‪ ،‬فقوله‪« :‬خلقتني»‬
‫هذا متع ِّلق بقوله أنت ر ِّبي‪ ،‬وقوله‪« :‬وأنا عبدك» هذا متع ِّلق بال إله َّإل أنت‪،‬‬
‫الر ُّب الخالق المد ِّبر ال شريك لك‪« ،‬وأنا عبدك»‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫«خلقتني»‪ ،‬أي‪ :‬أنت َّ‬
‫والذ ِّل والخضوع‪ ،‬مثلها قول اهلل تعالى يف سورة األنعام‪:‬‬
‫أفردك وحدك بالعبادة ُّ‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ﴾ [األنعام‪.]102 :‬‬
‫ٌ‬
‫ميثاق عظيم بين‬ ‫قوله‪« :‬وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت» هذا‬
‫العبد وبين اهلل يجب على العبد أن يويف به‪ ،‬نظير قوله تعالى‪﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ٌ‬
‫وميثاق عظيم نعبدك وال‬ ‫ﭥ﴾ [الفاتحة‪ ،]5 :‬هذا عهدٌ بين العبد وبين اهلل‪،‬‬
‫نعبد غيرك‪ ،‬ونستعين بك وال نستعين بغيرك‪.‬‬
‫وقوله‪« :‬ما استطعت»‪ ،‬أي‪ :‬أنا على ما عاهدتك عليه من لزوم طاعتك‬

‫(((  رواه ال َّط ُّ‬


‫ربي يف التَّفسير (‪.)123/1‬‬
‫‪225‬‬ ‫‪ -36‬أذكار طريف النَّهار (‪)4‬‬
‫والقيام بعبادتك واإلقبال عليك ما استطعت؛ وهذا فيه َّ‬
‫أن األوامر بحسب‬
‫قائما ْ‬
‫فإن لم تستطع‬ ‫ِّ‬
‫«صل ً‬ ‫االستطاعة ﴿ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التَّغابن‪،]16 :‬‬
‫فقاعدً ا‪ ،‬فإن لم تستطع فعلى جنب»‪.‬‬
‫تعوذ باهلل ‪ D‬من جميع‬
‫شر ما صنعت» هذا ُّ‬ ‫وقوله‪« :‬أعوذ بك من ِّ‬
‫الس ِّيئة ا َّلتي وقعت من العبد وفعلها‪.‬‬
‫األعمال َّ‬
‫المتفضل‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫علي»‪ ،‬أي‪ :‬اعرتف بأنَّك أنت المنعم‬
‫وقوله‪« :‬أبوء لك بنعمتك َّ‬
‫وأن النِّعمة ك َّلها منك وبيدك‪.‬‬
‫َّ‬
‫أن العبد ُأويت ُع ُمر الدُّ نيا‪ ،‬وقطع ذلك العمر مستغر ًقا يف طاعة اهلل‬ ‫فلو َّ‬
‫لفظة ما أ َّدى شكر ُعشر معشار نعمه‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬وال‬ ‫يعصه يف لحظة‬ ‫وعبادته ولم ِ‬
‫كل عمره مضاع ًفا إلى ما ال هناية من األعمار ما أ َّدى شكر‬ ‫سبحانه؛ بل لو أنفق َّ‬
‫الشكر! فال سبيل إلى‬ ‫والشكر نعمة تحتاج إلى مثلها من ُّ‬ ‫نعمة واحدة‪ ،‬كيف ُّ‬ ‫ٍ‬
‫تأدية شكر ُعشر معشار نعمه َّإل باالعرتاف بالعجز والتَّقصير‪ ،‬ولهذا جاء يف‬
‫علي وأبوء بذنبي فاغفر لي؛ فإنَّه ال يغفر‬‫س ِّيد االستغفار «أبوء لك بنعمتك َّ‬
‫ُ‬
‫ولفظ النِّعمة وإن كان مفر ًدا يف هذا الدُّ عاء لكنَّه مضاف؛‬ ‫الذنوب َّإل أنت»‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫كل نعمة ال َّظاهرة والباطنة من نعمة اإليمان‪ ،‬والوجود من العدم‪،‬‬ ‫فيعم َّ‬
‫ُّ‬
‫والصحة‪ ،‬وغير ذلك من النِّعم َّ‬
‫الليت‬ ‫ِّ‬ ‫والسمع‪ ،‬والبصر‪ ،‬والعقل‪ ،‬والعلم‪،‬‬ ‫َّ‬
‫أنعم اهلل هبا على عباده‪.‬‬
‫مذنب‬
‫ٌ‬ ‫قوله‪« :‬وأبوء بذنبي»‪ ،‬أي‪ :‬اعرتف بذنوبي وخطاياي‪ ،‬وأنَّني عبدٌ‬
‫ومقصر يف جنبك يا اهلل‪ ،‬واالعرتاف َّ‬
‫بالذنب َّبوابة التَّوبة ومدخلها العظيم‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫يحس أنَّه مذنب‪ ،‬فيتمادى‬
‫وهو نعمة عظيمة‪ ،‬والبالء‪ :‬عندما يذنب المرء وال ُّ‬
‫وبوابة صالح وهو‬ ‫الذنب‪ ،‬أ َّما َمن إذا أذنب تأ َّلم قلبه وندم‪ ،‬فهذه أمارة ٍ‬
‫خير َّ‬ ‫يف َّ‬
‫َّأول مراحل التَّوبة‪.‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪226‬‬

‫السؤال‪ ،‬لكن ُقدِّ م بين يديه التَّوحيد‪ ،‬والعهد بلزوم‬ ‫ِ ِ‬


‫قوله‪َ « :‬فا ْغف ْر لي» هذا ُّ‬
‫الس ِّيئة ا َّلتي فعلها العبد‪ ،‬واالعرتاف‬
‫ال َّطاعة‪ ،‬واالستعاذة باهلل من األعمال َّ‬
‫بالنِّعمة‪ ،‬واالعرتاف َّ‬
‫بالذنب‪.‬‬
‫ْت» هذا فيه اعتقاد العبد‪ ،‬وإيمانه‬ ‫ُوب إِ َّل َأن َ‬
‫الذن َ‬‫وقوله‪َ « :‬فإِ َّن ُه َل َيغ ِْف ُر ُّ‬
‫الذنوب مهما عظمت ومهما ك ُبرت‪ ،‬ال يتعاظمه ذنب أن‬ ‫بأن اهلل ‪ D‬يغفر ُّ‬ ‫َّ‬
‫يغفره ﴿ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [آل عمران‪﴿ ،]135 :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ﴾‬
‫الزمر‪.]53 :‬‬
‫[ ُّ‬

‫«فتضمن هذا االستغفار ‪-‬أي ا َّلذي يف س ِّيد‬ ‫َّ‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪:V‬‬
‫االعرتاف من العبد بربوب َّية اهلل وإله َّيته وتوحيده‪ ،‬واالعرتاف‬ ‫َ‬ ‫االستغفار‪-‬‬
‫عجزه عن أداء ح ِّقه وتقصيره فيه‪،‬‬ ‫بأنَّه خال ُقه‪ ،‬العال ِ ُم به؛ إذ أنشأه نشأ ًة تستلز ُم َ‬
‫مهرب له منه‪ ،‬وال ول ِ َّي‬
‫َ‬ ‫واالعرتاف بأنَّه عبدُ ه ا َّلذي ناصيتُه بيده ويف قبضتِه‪ ،‬ال‬
‫ثم التزا ُم الدُّ خول تحت عهده ‪-‬وهو أمره وهنيه‪ -‬ا َّلذي عَهدَ ه إليه‬ ‫له سواه‪َّ ،‬‬
‫وأن ذلك بحسب استطاعتي ال بحسب أداء ح ِّقك‪ ،‬فإنَّه‬ ‫على لسان رسوله ﷺ‪َّ ،‬‬
‫المقل وقدر ال َّطاقة‪ ،‬ومع ذلك فأنا مصدِّ ٌق‬ ‫ِّ‬ ‫غير مقدور للبشر‪ ،‬وإنَّما هو جهد‬
‫بوعدك ا َّلذي وعدته ألهل طاعتك بال َّثواب وأله ِل معصيتك بالعقاب‪ ،‬فأنا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثم أفزع إلى االستعاذة واالعتصام بك من‬ ‫مقيم على عهدك ُمصدِّ ٌق بوعدك‪َّ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫وإل أحاطت‬ ‫وهنيك‪ ،‬فإنَّك إن َلم تع ْذين من ِّ‬
‫شره َّ‬ ‫َ‬ ‫أمرك‬ ‫طت فيه من‬ ‫شر ما َّفر ُ‬‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫علي‬‫سبب الهالك‪ ،‬وأنا أ ُّقر لك وألتزم بنعمتك َّ‬ ‫فإن إضاع َة ح ِّقك ُ‬‫بي الهلكة‪َّ ،‬‬
‫نب‬ ‫الذ ُ‬ ‫ُ‬
‫والفضل‪ ،‬ومنِّي َّ‬ ‫ُ‬
‫واإلحسان‬ ‫وأقِ ُّر وألتزم وأنجع بذنبي‪ ،‬فمنك النِّعم ُة‬
‫شره‪ ،‬إنَّه ال يغفر‬‫بمحو ذنبي‪ ،‬وأن ُتعفيني من ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫فأسألك أن تغفر لي‬ ‫واإلساءةُ‪،‬‬
‫أنت‪ ،‬فلهذا كان هذا الدُّ عا ُء س ِّيدَ االستغفار»(‪.)1‬‬ ‫نوب َّإل َ‬ ‫الذ َ‬ ‫ُّ‬

‫السالكين (‪.)236/1‬‬
‫(((  مدارج َّ‬
vx-
v-1 1t)ak..
l.?...a
k ' pz;..rn,

-.- ov!9v .-
4,
-.x'w',,.z>tu te-.Lu-7v*2z-J%S!k'
z--
't#bk'z'zh
/:evHv
A+ùk
-
J o
A+9
. . .a'1<9b
.h:wtu'b%g .w'r7v- .4>z . !U V.%Jb k'z'
ezb.
uxl
*.!.>1k'z.
e
'.INjI'
uu'> wuo .
Lw 5I.w ?=
z.
u m.a'p' ;
!5IIAA
tpa. a*J
' kgI Jo e.
;Ho1 %*C
la.é u(ux)
' (
1k*
z
'e
g . J
. . .L '' J
w1'uo.oN'jJ )I
.
-
çl'$rj.F uuIvc.o.:5Iu.4 >.
..
. g.S .:?lJ*;..*.I
- <zo.F bou :
*..0
...z'
a
-+*a.2..5Iu'olJ
'
'
.s-r%j1;g!*!z-'.J)J'.='..-r'Cp'h4 ....uqp'-,lS'''
'- z2..' - ''3'1 .
-i Jtt '
.
ï'
u # zz. us'.-, .
towuw ....
. ..g
.

*J rj o . 1 . .w H .;
u w alu,.to-x ha.
w;.k
(.u .w a!%!w.a1.w ,= ..% .)u;a . itu ,
J$ I: I1 . . .o '
iI
*.b wkx $I '.. mw:ku,
. .
'

rmx .oulv.
twax w aoww u 'i@casw o l$ i.4- .#
1, x IJ ' ' 1 -& -J
;
fvlLJ. /w )w'1I v. .$
J k<t. )Iw'
* '- e-CJ.
>.Iu./i'-'alza*.JI)
u. :
.4uc,Iz.
a kî'.M.
' .
'wwooI==.a..+j.=-ot
.w'...*,.,.
1- 1ju1o>-e...
aj
.Y*7& ))'qp
.tl%J 1-
vza
= ' o

'I f...ukzI
.Aot
-
wow tu.-zz .u#.w.
'-k <j
p. ,ol'
t.wï.)z uom I
wow4Ja,
..
$I.
ui3I'oll'
wJ l.xL;:Im...1.h
. . . L 5 ,. .. .. ..,. .. . ,* -
uy
> u <'
Nfu u..i
J..L
nu'1p'
wr.
l1''s..,
u. .
I1J k'su,
u '.> %.
I> '
.w
I .
z1 .Y
..
- ' . ) .. ; .:v .' .. o'
; : o'
; .J
rs.u.
.-
-'
k! - % '.k
.
t!J:wJ-.a''1.,'
. - a1%.1A).1% o'1.1+.
. -,w1)'.'w.
'e'z'
+ ..
='I
-
. s x .. x
. h
Ja,.
e- k*'x rja,z
zc .z.-o k.
o-'I..s ...a..w5Iw1 ww
.. I
a.kt.'
(u,Q 1 ':o%1 .2
'. :t.ws
o j9 .> . n '.4)J .e. -.
.c..
= ou,.
A AN '..wulJ z
a a.<
.
fu 9kt
(ww'a L1t.w
zulhz u qf ,,.= 6..Lbt.
:gl'n- a.uJ1%1 4)1N a
î: ..
'1 L<X txl!1.
0
.

.01..w J.1 . .u ov ..@


‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪228‬‬

‫يتوسل إلى اهلل ‪ F‬بين يدي‬ ‫تعليم للمسلم كيف َّ‬


‫ٌ‬ ‫وهذا الحديث فيه‬
‫يتوسل إلى اهلل بتوحيده‪ ،‬وبمح َّبته لدينه‪ ،‬وبالتزامه‬
‫َّ‬ ‫دعائه ومناجاته؛ بأن‬
‫الذنوب‬‫بالذنب‪ ،‬وباعرتافه بأنَّه ال يغفر ُّ‬
‫بشرعه‪ ،‬وباعرتافه بنعمته‪ ،‬وبإقراره َّ‬
‫التوسالت‬‫ُّ‬ ‫َّإل هو؛ هذه ك ُّلها وسائل عظيمة‪ ،‬فكيف يهمل بعض النَّاس هذه‬
‫الت لم ُتشرع وال دليل عليها يف‬‫العظيمة المباركة المشروعة! ويشتغلوا بتوس ٍ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫كتاب اهلل وال يف سنَّة نب ِّيه ﷺ‪.‬‬

‫أن من آداب الدُّ عاء‪ :‬أن يقدِّ م الدَّ اعي بين يدي دعائه الحمد وال َّثناء‬
‫وفيه َّ‬
‫على اهلل‪ ،‬واالعرتاف بالعبادة‪ ،‬والخضوع هلل‪ ،‬والتَّذ ُّلل بين يديه‪ ،‬واالعرتاف‬
‫بالذنب والخطأ والتَّقصير؛ فك َّلما كان الدُّ عاء كذلك كان أكمل‪.‬‬ ‫َّ‬
‫‪229‬‬ ‫‪ -37‬أذكار طريف النَّهار (‪)5‬‬

‫‪37‬‬

‫أذكار طر َف ْي النَّهار (‪)5‬‬

‫إن من أذكار طر َف ْي النَّهار العظيمة‪ :‬ما رواه مسلم يف صحيحه َع ْن َع ْب ِد اهلل ْب ِن‬ ‫َّ‬
‫له‪،‬‬‫َان َنبِي اهَّللِ ﷺ إِ َذا َأمسى َق َال‪«َ :‬أمسينَا و َأمسى ا ْلم ْل ُك لِ ِ‬ ‫قال‪« :‬ك َ‬ ‫عود ‪َ I‬‬ ‫مس ٍ‬
‫ُ‬ ‫ْ َْ َ ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫ُّ‬ ‫َْ‬
‫ك َو َل ُه ا ْل َح ْمدُ َو ُه َو َع َلى‬ ‫يك َل ُه‪َ ،‬ل ُه ا ْل ُم ْل ُ‬ ‫له‪َ ،‬ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ َو ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬ ‫وا ْلحمدُ لِ ِ‬
‫َ َ ْ‬
‫ك‬ ‫ك َخ ْي َر َما فِي َه ِذ ِه ال َّل ْي َل ِة َو َخ ْي َر َما َب ْعدَ َها‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َ‬ ‫ك ُِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير‪َ ،‬ر ِّب َأ ْس َأ ُل َ‬
‫وء ا ْلكِ َبرِ‪،‬‬
‫ك ِمن ا ْلكَس ِل وس ِ‬
‫َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫م ْن َش ِّر َما في َهذه ال َّل ْي َلة َو َش ِّر َما َب ْعدَ َها‪َ ،‬ر ِّب َأ ُعو ُذ بِ َ َ‬
‫ِ‬
‫اب فِي ا ْل َق ْبرِ»‪َ ،‬وإِ َذا َأ ْص َب َح َق َال َذل ِ َك‬ ‫اب فِي الن ِ‬
‫َّار َو َع َذ ٍ‬ ‫ك ِم ْن َع َذ ٍ‬ ‫َر ِّب َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫ك هلل ِ»(‪.)1‬‬ ‫«أ ْص َب ْحنَا َو َأ ْص َب َح ا ْل ُم ْل ُ‬‫َأ ْي ًضا‪َ :‬‬

‫قوله‪« :‬أمسينا» هذا فيه استشعار العبد للنِّعمة العظيمة والمنَّة الجسيمة أن‬
‫وتفضل عليه بذلك؛ أن دخل يف المساء وكان من‬ ‫َّ‬ ‫جعله اهلل من أهل المساء‬
‫فمن‬‫أهله‪ ،‬فمن النَّاس َمن يصبح وال يمسي‪ ،‬ومنهم َمن يمسي وال يصبح‪َ ،‬‬
‫بالص َّحة والعافية عليه أن يستشعر حصول هذه النِّعمة له‬
‫كان من أهل المساء ِّ‬
‫بفضل اهلل ومنِّه ‪.F‬‬
‫بأن الملك ك َّله هلل‬
‫وقوله‪« :‬وأمسى الملك هلل»‪ ،‬هذا فيه تجديد االعرتاف َّ‬
‫‪ D‬واإلقرار له ‪ C‬بذلك‪.‬‬
‫قوله‪« :‬والحمد هلل»‪ ،‬هذا فيه حمد اهلل على النِّعمة بعد استشعار العبد لها‪.‬‬
‫قوله‪« :‬ال إله َّإل اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو على‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2723‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪230‬‬

‫َّأكيد على معناها‬ ‫ٍ‬


‫شيء قدير»‪ ،‬هذه كلمة التَّوحيد‪ ،‬وقد ُأتبعت بأمرين‪ :‬الت ِ‬ ‫ِّ‬
‫كل‬
‫ٍ‬
‫شيء من براهينها ودالئلها؛ فقوله‪« :‬وحده ال شريك له»‪ ،‬هذا‬ ‫ِ‬
‫وذكر‬ ‫ومدلولها‪،‬‬
‫فيه التَّأكيد على معناها ومدلولها‪ ،‬وقوله‪« :‬له الملك وله الحمد وهو على ِّ‬
‫كل‬
‫ٍ‬
‫شيء قدير»‪ ،‬هذا ذكر لرباهين التَّوحيد ودالئله‪.‬‬
‫«رب أسألك خير ما يف هذه ال َّليلة»‪ ،‬هذا هو المطلوب وما تقدَّ م‬
‫قوله‪ِّ :‬‬
‫وسائل بين يديه‪ ،‬أي‪ :‬أسألك خير ما أنزلته هذه ال َّليلة من منن وعطايا وبركات‬
‫دين َّية ودنيو َّية‪« ،‬وخير ما بعدها»‪ ،‬أي‪ :‬من ال َّليالي واأل َّيام‪.‬‬
‫شر كائن وواقع‬ ‫شر ما يف هذه ال َّليلة»‪ ،‬أي‪ :‬من ِّ‬
‫كل ٍّ‬ ‫وقوله‪« :‬وأعوذ بك من ِّ‬
‫«وشر ما بعدها»‪ ،‬أي‪ :‬من ال َّليالي واأل َّيام‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫يف هذه ال َّليلة‪،‬‬
‫وتأ َّمل عظم شأن هذا الدُّ عاء؛ وأنت ُمقبل على ليلة وال تدري ما ا َّلذي‬
‫سيحصل لك فيها؟ وما أنت مقبل عليه فيها؛ حياة أو موت‪ ،‬هداية أو ضالل‪،‬‬
‫الرحمن‪ ،]29 :‬فتبدأ‬
‫ذل‪ ،‬األمر بيد اهلل ﴿ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ﴾ [ َّ‬‫عز أو ٌّ‬
‫غنى أو فقر‪ٌّ ،‬‬
‫بتفويض األمر هلل ‪ F‬يف حصول الخير فيها والوقاية من َّ‬
‫الش ِّر‪.‬‬
‫«رب أعوذ بك من الكسل»‪ ،‬الكسل‪ :‬هو عدم انبعاث النَّفس للقيام‬ ‫قوله‪ِّ :‬‬
‫بمصالح المرء الدِّ ين َّية والدُّ نيو َّية مع القدرة عليها‪ ،‬وبه تتع َّطل مصالح المرء‪،‬‬
‫ليسلم المرء من‬ ‫َّعوذ باهلل من الكسل وظيف ٌة يوم َّية يف ِّ‬
‫كل صباح ومساء‪ْ ،‬‬ ‫فالت ُّ‬
‫الكسل ولينهض بمصالحه‪ .‬والكسل قد ُيقعد اإلنسان عن العمل من أساسه‪،‬‬
‫أو يقعده عن اإلتيان به على تمامه وكماله؛ فقد يكسل فال يعمل‪ ،‬وقد يكسل‬
‫ٍ‬
‫تعوذ باهلل منه‪.‬‬ ‫ويعمل لك ْن بضعف ووهن‪ ،‬وك ُّله َّ‬
‫مما ُي َّ‬
‫الخرف عندما ُير ُّد‬ ‫ِ‬
‫قوله‪« :‬وسوء الكبر»‪ ،‬أي‪ :‬ما يلحق اإلنسان يف كربه من َ‬
‫َّعوذ سؤال اهلل أن ُيمتِّعه‬
‫فتضمن هذا الت ُّ‬
‫َّ‬ ‫إلى أرذل العمر‪ ،‬بل ر َّبما ذهاب العقل‪.‬‬
‫‪231‬‬ ‫‪ -37‬أذكار طريف النَّهار (‪)5‬‬

‫ممن قال فيهم ‪:O‬‬ ‫يف كربه وهرمه بسالمة فكره وعقله‪ ،‬ليكون َّ‬
‫ُم‪ ‬م ْن َط َال ُع ْم ُر ُه َو َح ُس َن َع َم ُل ُه»(‪ ،)1‬ال أن يكون كربه على فساد يف عقله‪،‬‬
‫«خيرك َ‬
‫ُ‬
‫أمور باطلة‪ ،‬وأشياء تؤذيه وتؤذي َمن حوله‪ .‬ولهذا يحتاج العبد أن‬ ‫وخرف يف ٍ‬ ‫َ‬
‫لح على اهلل ‪ F‬أن يجعل كربه على خير‪ ،‬وأن يجعل خواتيمه على خير‪.‬‬ ‫ُي َّ‬
‫بك ِمن ْ‬
‫أن ُأ َر َّد إلى ْأر َذ ِل ال ُع ُمرِ»‪ ،‬أي‪ :‬وما‬ ‫ومثله قوله يف حديث آخر‪َ :‬‬
‫«وأ ُعو ُذ َ‬
‫يكون فيه من األمور ا َّلتي تسوء اإلنسان‪.‬‬
‫ص هذين‬ ‫ٍ‬
‫عذاب يف النَّار وعذاب يف القبر»‪َ ،‬خ َّ‬ ‫«رب أعوذ بك من‬
‫قوله‪ِّ :‬‬
‫العذابين ألنَّهما أشدُّ العذاب؛ أ َّما عذاب القرب فهو َّأول منازل اآلخرة‪ ،‬وإذا‬
‫السنَّة أحاديث عديدة يف‬‫مما بعده‪ ،‬وقد جاء يف ُّ‬
‫نجا المرء من عذاب القرب نجا َّ‬
‫حق‪.‬‬ ‫َّعوذ باهلل من عذاب القرب‪َّ ،‬‬
‫وأن عذاب القرب ٌّ‬ ‫الت ُّ‬
‫َّبي ﷺ يقوله مواظ ًبا عليه‬ ‫ِ‬ ‫الحاصل َّ‬
‫ذكر عظيم وور ٌد مبارك كان الن ُّ‬ ‫أن هذا ٌ‬
‫وكل مساء‪.‬‬ ‫كل صباحٍ َّ‬ ‫َّ‬
‫ول‪:‬‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ ُي َع ِّل ُم َأ ْص َحا َب ُه َي ُق ُ‬ ‫َو َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ق َال‪ :‬ك َ‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫ك‬ ‫ك ن َْح َيا َوبِ َ‬ ‫ك َأ ْم َس ْينَا‪َ ،‬وبِ َ‬ ‫ك َأ ْص َب ْحنَا‪َ ،‬وبِ َ‬ ‫«إِ َذا َأ ْص َب َح َأ َحدُ ك ُْم َف ْل َي ُق ْل‪« :‬ال َّل ُه َّم بِ َ‬
‫ك َأ ْص َب ْحنَا‪،‬‬ ‫ك َأ ْم َس ْينَا‪َ ،‬وبِ َ‬ ‫ور»‪َ ،‬وإِ َذا َأ ْم َسى َف ْل َي ُق ْل‪« :‬ال َّل ُه َّم بِ َ‬ ‫ك الن ُُّش ُ‬ ‫وت‪َ ،‬وإِ َل ْي َ‬
‫ن َُم ُ‬
‫والبخاري‬
‫ُّ‬ ‫ِّرمذي وابن ماجه‬ ‫ُّ‬ ‫ك ا ْل َم ِص ُير»‪ .‬رواه الت‬ ‫وت‪َ ،‬وإِ َل ْي َ‬
‫ك ن َُم ُ‬ ‫ك ن َْح َيا َوبِ َ‬‫َوبِ َ‬
‫َّسائي(‪.)2‬‬ ‫يف األدب المفرد‪ ،‬والن ُّ‬
‫كل صباحٍ َّ‬
‫وكل‬ ‫أيضا من األذكار العظيمة ا َّلتي ُيشرع للمسلم أن يقولها َّ‬
‫هذا ً‬
‫مساء‪ ،‬وهو قائم على االعرتاف بالنِّعمة واستشعار المنَّة واستحضار العاقبة‪،‬‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2329‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه بنحوه الت‬
‫والبخاري يف األدب المفرد‬
‫ُّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)3391‬وابن ماجه (‪،)3868‬‬ ‫ُّ‬ ‫(((  رواه والت‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫السنن الكربى (‪،)10323‬‬
‫َّ‬ ‫(‪ ،)1199‬والنَّسائي يف ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪232‬‬

‫الصباح وإدراك المساء‪،‬‬


‫قائم على استحضار المرء منَّة اهلل عليه بإدراك َّ‬ ‫فهو ٌ‬
‫مقرا َّ‬
‫أن حياته وموته بيد اهلل‪ ،‬وأنَّه طوع تدبير اهلل وتصريفه مع استشعار المآل‬ ‫ًّ‬
‫والمصير إليه ‪.F‬‬

‫قوله‪« :‬ال َّل َّ‬


‫هم بك أصبحنا» بك‪ ،‬أي‪ :‬بتيسيرك ومنك يا اهلل‪« ،‬أصبحنا»‪:‬‬
‫الصباح وكنَّا من أهله‪ ،‬فهذه منَّتك يا اهلل وفضلك‪« ،‬وبك أمسينا»‪ ،‬أي‪:‬‬
‫أدركنا َّ‬
‫المتكررة‬
‫ِّ‬ ‫أدركنا المساء‪ ،‬فهذا فيه اعرتاف العبد بالمنَّة وفضل اهلل عليه‪ .‬والباء‬
‫ملتجئ إليه ‪.D‬‬
‫ٌ‬ ‫يف هذه الجمل باء االستعانة‪ ،‬فهو يف ِّ‬
‫كل ذلك مستعي ٌن باهلل‬
‫قوله‪« :‬وبك نحيا وبك نموت»‪ ،‬أي‪ :‬لك مماتنا ومحيانا ونحن يف ذلك‬
‫طوع تدبيرك يا اهلل‪ ،‬فالحياة بيدك‪ ،‬والموت بيدك‪﴿ ،‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ﴾ [عبس‪.]22-21 :‬‬
‫ولما كانت القومة من النَّوم شبيه ًة بالبعث والنُّشور‪ ،‬قال‪ :‬يف خاتمته‬
‫َّ‬
‫«وإليك النُّشور» للمناسبة والتَّشابه‪.‬‬

‫قال‪« :‬وإذا أمسى‪ ،‬فليقل‪ :‬ال َّل َّ‬


‫هم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك‬
‫نموت وإليك المصير»‪ ،‬أي‪ :‬بمنِّك وفضلك وتيسيرك‪.‬‬
‫ولما كان المساء يعقبه النَّوم ا َّل ِذي هو شبي ٌه بالموت‪ ،‬بل هو موت كما‬
‫َّ‬
‫يف الحديث‪« :‬الحمد هلل ا َّلذي أحيانا بعد ما أماتنا»‪ ،‬ناسب أن ُيقال يف المساء‬
‫«وإليك المصير»‪ ،‬فالمصير هو المرجع إلى اهلل ‪ ،D‬والمرجع يكون بدايته‬
‫أيضا قال يف خاتمته‪« :‬وإليك المصير»‪.‬‬ ‫الموت‪ ،‬فللمناسبة ً‬
‫ول اهَّلل ِ ﷺ ُي َع ِّل ُم َأ ْص َحا َب ُه َي ُق ُ‬
‫ول»‪ ،‬هذا فيه كمال‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫وقوله يف َّأوله‪« :‬ك َ‬
‫نصحه ‪ O‬وحرصه على التَّعليم ونفع النَّاس ما ينفعهم يف دينهم‬
‫ودنياهم وذكرهم لر ِّبهم وموالهم ‪ ،E‬وسيأيت معنا أحاديث عديدة‬
‫‪233‬‬ ‫‪ -37‬أذكار طريف النَّهار (‪)5‬‬

‫الصحابة يأتون إليه ﷺ ويسألونه أن يع ِّلمهم شي ًئا‬ ‫الذكر والدُّ عاء َّ‬
‫أن َّ‬ ‫يف باب ِّ‬
‫يذكرون اهلل به‪ ،‬وشي ًئا يدعون اهلل به‪ ،‬فكان ُيع ِّلمهم صلوات اهلل وسالمه عليه‪،‬‬
‫الصحابة‪« :‬كان يع ِّلمنا إ َّياها كما‬
‫بل جاء يف بعض الدَّ عوات واألذكار يقول َّ‬
‫السورة من القرآن»‪ ،‬وهذا يد ُّلنا على ضرورة العناية باألذكار النَّبو َّية‬ ‫يع ِّلمنا ُّ‬
‫ألن تغيير ال َّلفظ قد‬ ‫بألفاظها المأثورة عنه ‪ O‬دون زيادة أو تغيير؛ َّ‬
‫ٍ‬
‫لفظة يف الدُّ عاء من نفسه فتغ ِّير‬ ‫ُيغ ِّير المعنى‪ ،‬وبعض النَّاس قد يجتهد يف زيادة‬
‫فمثل‪ :‬بعض النَّاس يقول‪« :‬أستغفر اهلل العظيم من ك ُِّل‬ ‫المعنى أو ر َّبما ُت ْض ِعفه‪ً ،‬‬
‫فيفوت على نفسه كمال االستغفار‪ ،‬حيث‬ ‫السجع ِّ‬‫أن يكمل َّ‬ ‫ذنب عظيم»‪ ،‬يريد ْ‬ ‫ٍ‬
‫خص طلب المغفرة َّ‬
‫للذنب العظيم فقط‪.‬‬ ‫َّ‬
‫أن بعض النَّاس قد يجتهد اجتها ًدا يؤ ِّثر على الدُّ عاء إ َّما بضعفه‪،‬‬ ‫الحاصل َّ‬
‫ويفوت‬
‫أو بتغ ُّير معناه‪ ،‬أو بنقص مقصوده‪ ،‬فلماذا ُيدخل نفسه يف هذه المداخل ِّ‬
‫َّبي ‪ O‬المعصوم من‬ ‫َّ‬
‫عليها كمال الدَّ عوات النَّبو َّية التي جاءت عن الن ِّ‬
‫وأجل المقاصد‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫والزلل! المشتملة على غاية المطالب‬ ‫الخطأ َّ‬
‫يعود نفسه على التَّق ُّيد بالدَّ عوات المأثورة عن‬‫فينبغي على المسلم أن ِّ‬
‫ٍ‬
‫لزيادة يرى أنَّها جميلة أو مفيدة أو‬ ‫َّبي ﷺ دون أن يزيد فيها‪ ،‬وإن دعته نفسه‬
‫الن ِّ‬
‫حسنة فليرتكها؛ فما صح عن النَّبي ‪ِ O‬‬
‫فيه الكفاي ٌة والكمال والوفاء‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫أن فيها تحقيق سعادته‬ ‫وقد يختار المرء لنفسه صيغ ًة مع َّين ًة من الدُّ عاء يرى َّ‬
‫شر أو خطر إ َّما يف الدُّ نيا أو‬ ‫تتضمنه من ٍّ‬ ‫َّ‬ ‫يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬ويخفى عليه ما قد‬
‫والسالمة يف الدُّ نيا‬ ‫والصالح َّ‬ ‫اآلخرة‪ ،‬بينما األدعية النَّبو َّية ليس فيها َّإل الخير َّ‬
‫أن رسول اهلل ﷺ‬ ‫واآلخرة‪ ،‬روى مسلم يف صحيحه عن أنس بن مالك ‪َّ I‬‬
‫ول اهَّللِ ﷺ‪:‬‬ ‫َعا َد َر ُج ًل مِ َن ا ْل ُم ْسلِ ِمي َن َقدْ َخ َف َت َف َص َار مِ ْث َل ا ْل َف ْرخِ ‪َ ،‬ف َق َال َل ُه َر ُس ُ‬
‫ول‪ :‬ال َّل ُه َّم َما ُكن َ‬
‫ْت‬ ‫ْت َأ ُق ُ‬ ‫«ه ْل ُكن َْت َتدْ ُعو بِ َش ٍ‬
‫يء َأ ْو َت ْس َأ ُل ُه إِ َّيا ُه؟» َق َال‪َ « :‬ن َع ْم؛ ُكن ُ‬ ‫َ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪234‬‬
‫ول اهَّللِ ﷺ‪« :‬سبحان اهَّلل ِ‬‫اآلخ َر ِة َف َع ِّج ْل ُه لِي فِي الدُّ ْن َيا»‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫اقبِي بِ ِه فِي ِ‬ ‫مع ِ‬
‫ُ ْ َ َ‬ ‫ُ َ‬
‫اآلخ َر ِة‬
‫ت ال َّلهم آتِنَا فِي الدُّ ْنيا حس َن ًة وفِي ِ‬
‫َ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫‪-‬أ ْو َل ت َْستَطي ُع ُه‪َ -‬أ َف َل ُق ْل َ ُ َّ‬ ‫َل تُطِي ُق ُه َ‬
‫اب الن ِ‬ ‫ِ‬
‫اهَّلل َل ُه َف َش َفا ُه(‪ .)1‬فجمع له صلوات اهلل‬ ‫َّار»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فدَ َعا َ‬ ‫َح َس َن ًة َوقنَا َع َذ َ‬
‫وسالمه عليه يف هذا الدُّ عاء العظيم ا َّلذي أرشده إليه بين خيري الدُّ نيا واآلخرة‬
‫الشرور‪.‬‬‫والسالمة فيهما من جميع ُّ‬ ‫َّ‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2688‬‬


‫‪235‬‬ ‫‪ -38‬أذكار طريف النَّهار (‪)6‬‬

‫‪38‬‬

‫أذكار طر َف ْي النَّهار (‪)6‬‬

‫ِّرمذي‬
‫ُّ‬ ‫الصباح والمساء‪ :‬ما رواه الت‬ ‫إن من األدعية العظيمة المأثورة يف َّ‬ ‫َّ‬
‫ول اهلل ُم ْرنِي‬ ‫«يا َر ُس َ‬ ‫الصدِّ َيق َق َال‪َ :‬‬ ‫وأبو داود َع ْن َأبِى ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬أ َّن َأ َبا َب ْك ٍر ِّ‬
‫ات‬ ‫ت»‪َ ،‬ق َال‪ُ « :‬قل‪« :‬ال َّلهم َفاطِر السمو ِ‬ ‫ت َوإِ َذا َأ ْم َس ْي ُ‬ ‫بِك َِلم ٍ‬
‫ات َأ ُقو ُل ُه َّن إِ َذا َأ ْص َب ْح ُ‬
‫ُ َّ َ َّ َ َ‬ ‫َ‬
‫ْت‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الش َها َدة َر َّب ك ُِّل َش ْيء َو َم ِلي َك ُه‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬ ‫ب َو َّ‬ ‫ِ‬
‫ض َعال َم ا ْل َغ ْي ِ‬ ‫َو ْالَ ْر ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الشي َط ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأعو ُذ بِ َ ِ‬
‫«و َأ ْن‬‫خرى‪َ :‬‬ ‫ان َوش ْركه»‪َ ،‬وفي ِر َوا َية ُأ َ‬ ‫ك م ْن َش ِّر َن ْفسي‪َ ،‬و َش ِّر َّ ْ‬ ‫ُ‬
‫ت َوإِ َذا‬ ‫ف َع َلى َن ْفسي ُسوء ًا‪َ ،‬أ ْو ُأ ُج َّر ُه إِ َلى ُم ْس ِلمٍ»‪َ ،‬ق َال‪ُ « :‬ق ْل َها إِ َذا َأ ْص َب ْح َ‬ ‫ِ‬ ‫َأ ْق َترِ َ‬
‫ك»(‪.)1‬‬ ‫ت َوإِ َذا َأ َخ ْذ َت َم ْض َج َع َ‬ ‫َأ ْم َس ْي َ‬
‫الراء‬
‫الشين َو َّ‬ ‫«و ِش ْركِ ِه»‪ ،‬أي‪َ :‬ما َيدْ ُعو إ َل ْيه مِن ِّ‬
‫الش ْرك‪ ،‬و ُي ْر َوى ب َفتْح ِّ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫«و َش َركِ ِه»‪ ،‬أي‪َ :‬ح َبائِله‪.‬‬
‫َ‬
‫الصباح والمساء وعندما يأوي‬ ‫حديث عظيم فيما ُيشرع أن ُيقال يف َّ‬ ‫ٌ‬ ‫هذا‬
‫ومرة يف المساء‪،‬‬ ‫الصباح‪َّ ،‬‬ ‫مرة يف َّ‬ ‫مرات‪َّ :‬‬ ‫المرء إلى فراشه لينام؛ فهو يقال ثالث َّ‬
‫ومرة عندما يأوي المرء إلى فراشه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ول اهلل مرنِي بِك َِلم ٍ‬
‫ات َأ ُقو ُل ُه َّن‬ ‫«يا َر ُس َ‬
‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫ولنتأ َّمل هنا قول أبي بكر ‪َ :I‬‬
‫ت»‪ ،‬وأبو بكر ‪-‬كما ال يخفى‪ -‬هو خير األ َّمة وأعلمها‬ ‫ت َوإِ َذا َأ ْم َس ْي ُ‬
‫إِ َذا َأ ْص َب ْح ُ‬
‫َّبي‬
‫وأفقهها ‪ I-‬وأرضاه‪ -‬ومع هذا العلم والفقه والخير َّية يطلب من الن ِّ‬
‫ﷺ أن ُيع ِّلمه شي ًئا يقوله إذا أصبح وإذا أمسى! قارن هذا بما يفعله َمن يكتبون‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3392‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)5067‬والت‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪236‬‬

‫الصباح ويف المساء‬‫للنَّاس أورا ًدا يخرتعوهنا وينشئوهنا ويضعون لها أعدا ًدا يف َّ‬
‫وعند النَّوم إلى غير ذلك‪ ،‬هكذا إنشا ًء من عقولهم واخرتاعهم حدَ ًثا يف دين‬
‫وإشغال للعوا ِّم بما لم ُينزل به اهلل ‪ E‬سلطانًا‪ ،‬لتدرك الفرق‬ ‫ً‬ ‫اهلل‪،‬‬
‫أتباع للهدى وأتباع إلمام الهدى‬ ‫أئمة الهدى ٌ‬ ‫أئمة الهدى وغيرهم؛ َّ‬
‫فإن َّ‬ ‫بين َّ‬
‫وتخرصاهتم وظنوهنم‪.‬‬‫ُّ‬ ‫أتباع لعقولهم وآرائهم‬
‫‪ ،O‬و َمن سواهم ٌ‬
‫َّبي ﷺ وقال‪« :‬مرين‬ ‫فصدِّ يق األ َّمة ‪ I‬وأرضاه وهو َمن هو‪ ،‬جاء إلى الن ِّ‬
‫الصحيحين َأ َّن ُه َق َال لِرس ِ‬
‫ول‬ ‫أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت»‪ ،‬ويف َّ‬ ‫َّ‬ ‫بكلمات‬
‫َ ُ‬
‫اهَّللِ ﷺ‪َ « :‬ع ِّل ْمنِي ُد َعا ًء َأ ْد ُعو بِ ِه فِي َص َلتِي»‪َ ،‬ق َال‪ُ « :‬ق ِل ال َّل ُه َّم إِنِّي َظ َل ْم ُ‬
‫ت َن ْف ِسي‬
‫ْت َفا ْغ ِف ْر لِي َمغ ِْف َر ًة ِم ْن ِعن ِْد َك َو ْار َح ْمنِى إِن َ‬
‫َّك‬ ‫ُوب إِ َّل َأن َ‬ ‫ُظ ْل ًما َكبِ ًيرا َو َل َيغ ِْف ُر ُّ‬
‫الذن َ‬
‫يم»(‪.)1‬‬ ‫ْت ا ْل َغ ُفور ِ‬ ‫َأن َ‬
‫الرح ُ‬ ‫ُ َّ‬
‫َّبي ﷺ‬ ‫ٍ‬
‫الصحابة يف أدعية وأذكار كثيرة يأتون إلى الن ِّ‬
‫وهكذا غيره من َّ‬
‫متأخرة يكتبون للنَّاس أشياء من‬ ‫ثم يأيت أناس يف قرون ِّ‬ ‫ويقولون ع ِّلمنا‪َّ ،‬‬
‫الصباح ويف المساء وعند النَّوم وعند‬ ‫عقولهم ينشروهنا بين العوا ِّم‪ ،‬لتُقال يف َّ‬
‫الدُّ خول وعند الخروج إلى آخره‪ ،‬فأماتوا بذلك سننًا وأحيوا بد ًعا ما أنزل اهلل‬
‫هبا من سلطان‪.‬‬
‫متقر ٌر يف نفوس‬ ‫يت»‪ ،‬هذا يفيد أنَّه ِّ‬ ‫ت وإِ َذا َأ ْم َس ُ‬ ‫«أ ُقو ُل ُه َّن إِ َذا َأ ْص َب ْح ُ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫الصباح الباكر‪ ،‬والمساء ا َّلذي هو آخر النَّهار‪ ،‬وقت ٍ‬
‫ذكر‬ ‫أن وقت َّ‬ ‫الصحابة َّ‬‫َّ‬
‫وحسن االلتجاء إلى اهلل‪ ،‬يدركون ذلك وهو‬ ‫بالذكر والدُّ عاء ُ‬ ‫ودعاء؛ ُيش َغل ِّ‬
‫َّبي ﷺ أن ُيع ِّلمه شي ًئا يقوله يف هذين‬ ‫متقر ٌر عندهم‪ ،‬ولذا طلب ‪ I‬من الن ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الوقتين‪.‬‬
‫الش َها َد ِة َر َّب‬ ‫ض َعالِ َم ا ْل َغ ْي ِ‬
‫ب َو َّ‬ ‫ات َو ْالَ ْر ِ‬‫قوله‪ُ « :‬قل‪« :‬ال َّلهم َفاطِر السمو ِ‬
‫َ َّ َ َ‬ ‫ُ َّ‬
‫البخاري (‪ ،)834‬ومسلم (‪.)2705‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪237‬‬ ‫‪ -38‬أذكار طريف النَّهار (‪)6‬‬

‫ك ُِّل َش ْي ٍء َو َم ِلي َك ُه‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬


‫ْت»؛ هذه ك ُّلها ُّ‬
‫توسالت بين يدي‬
‫مطلوب عظيم‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫ض»‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫ات َو ْالَ ْر ِ‬ ‫أول هذه التَّوسالت قوله‪« :‬ال َّلهم َفاطِر السمو ِ‬
‫َ َّ َ َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫دت بذلك وحدك يا اهلل‪.‬‬ ‫تفر َ‬
‫موجدهما ومبدعهما وخالقهما‪َّ ،‬‬
‫علما ِّ‬
‫بكل شيء‬ ‫ب َّ ِ‬ ‫وقوله‪َ « :‬عالِم ال َغ ْي ِ‬
‫والش َها َدة»‪ ،‬أي‪ :‬يا َمن أحطت ً‬
‫كل شيء‪ ،‬وقوله‪« :‬عالم الغيب»‪ ،‬أي‪ :‬بالنِّسبة لنا‪ ،‬أ َّما اهلل ‪D‬‬ ‫ووسع علمك َّ‬
‫والس ُّر عنده عالنية‪ ،‬ال تخفى‬ ‫بكل شيء‪ ،‬الغيب عنده شهادة‪ِّ ،‬‬ ‫علما ِّ‬
‫فقد أحاط ً‬
‫عليه خافية‪.‬‬
‫الر ُّب هو‪ :‬الخالق المد ِّبر‪.‬‬ ‫«رب ِّ‬
‫كل َش ْيء»‪َّ ،‬‬ ‫وقوله‪َّ :‬‬
‫كل شيء فالملك ك ُّله بيد اهلل‪.‬‬
‫وقوله‪« :‬ومليكه»‪ ،‬أي‪ :‬مالك ِّ‬
‫وقوله‪« :‬أشهد أن ال إله َّإل أنت» هذه شهادة التَّوحيد‪ ،‬وأغلب األذكار‬
‫تتضمن هذه الكلمة العظيمة؛ ألنَّها عماد الدَّ ين وأساسه‬ ‫َّ‬ ‫واألدعية المأثورة‬
‫ا َّلذي عليه قيامه‪.‬‬
‫ف‬‫ان َو ِش ْركِ ِه‪َ ،‬و َأ ْن ا ْق َترِ َ‬ ‫ك ِم ْن َش ِّر َن ْف ِسي‪َ ،‬و َش ِّر َّ‬
‫الش ْي َط ِ‬ ‫ قوله‪َ « :‬أ ُعو ُذ بِ َ‬
‫َع َلى َن ْف ِسي ُسو ًءا َأ ْو َأ ُج َّره إِ َلى ُم ْس ِلمٍ»‪ ،‬هذا هو المطلوب؛ وهو أربعة أشياء‬
‫الشيطان وشركه‪،‬‬ ‫شر َّ‬ ‫َّعوذ من ِّ‬ ‫شر النَّفس‪ ،‬والت ُّ‬ ‫َّعوذ من ِّ‬ ‫َّعوذ باهلل منها‪ :‬الت ُّ‬‫جاء الت ُّ‬
‫السوء إلى أحد‬ ‫يجر ُّ‬ ‫َّعوذ من أن َّ‬ ‫َّعوذ من أن يقرتف على نفسه سو ًءا‪ ،‬والت ُّ‬ ‫والت ُّ‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫فإن قوله‪« :‬أعوذ بك‬ ‫الش ِّر ونتيجتيه؛ َّ‬
‫َّعوذ بين مصدري َّ‬ ‫وقد جمع هذا الت ُّ‬
‫َّّ‬ ‫الشيطان»؛ هذا ُّ‬
‫تعوذ من مصدري الش ِر‪:‬‬ ‫وشر َّ‬
‫شر نفسي ِّ‬ ‫من ِّ‬
‫بالسوء و تدفعه إلى َّ‬
‫الش ِّر‬ ‫بالسوء؛ فإنَّها تأمر صاحبها ُّ‬
‫األول‪ :‬النَّفس األ َّمارة ُّ‬
‫َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪238‬‬

‫﴿ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ﴾ [يوسف‪ ،]53 :‬ولهذا يحتاج العبد إلى‬


‫شر هذه النَّفس‪.‬‬ ‫َّعوذ باهلل ‪ F‬من ِّ‬ ‫أن يكثر من الت ُّ‬
‫الشرور وأساسها الدَّ اعي إلى ِّ‬ ‫َّ‬
‫شر‬
‫كل ٍّ‬ ‫الشيطان؛ فهو منبع ُّ‬ ‫شر َّ‬ ‫والثاني‪ُّ :‬‬
‫وفساد‪.‬‬
‫الشرك‪﴿ ،‬ﭶ‬ ‫وش ْركِه»‪ ،‬أي‪ :‬ما يدعو إليه من ِّ‬ ‫الشيطان ِ‬‫شر َّ‬‫وقوله‪« :‬من ِّ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [فاطر‪ ،]6 :‬أي‪ :‬ك َّف ًارا مشركين‪.‬‬
‫والش َرك‪ ،‬أي‪ :‬الحبائل والمصائد ا َّلتي ينصبها‬ ‫َّ‬ ‫«ش َركِه»‪،‬‬ ‫ويف رواية َ‬
‫رب‬ ‫الشيطان ليصطاد هبا النَّاس ليخرجهم من الدَّ ين وليوقعهم فيما ُيسخط اهلل َّ‬ ‫َّ‬
‫الشيطان قاعدٌ البن آدم بأطرقه»(‪،)1‬‬ ‫العالمين‪ ،‬ويف الحديث قال النَّبي ﷺ‪َّ :‬‬
‫«إن َّ‬ ‫ُّ‬
‫كل طريق يسلكه؛ يضع مصائده ليحرمه من ال َّطاعة‪ ،‬أو يوقعه‬ ‫أي‪ :‬جالس له يف ِّ‬
‫يف المعصية‪.‬‬
‫ف َع َلى َن ْف ِسي ُسو ًءا َأ ْو َأ ُج َّره إِ َلى ُم ْس ِلمٍ» هاتان نتيجتا‬
‫«و َأ ْن ا ْق َترِ َ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َّ‬
‫األمارة والشيطان ُيف�ضي إلى نتيجتين‪:‬‬ ‫النفس َّ‬ ‫ألن الش َّر الذي منبعه‬ ‫الش ِّر؛‬‫َّ‬
‫األولى‪ :‬أن يقرتف على نفسه سو ًءا؛ باقرتاف المعاصي وارتكاب الخطايا‬ ‫ْ‬
‫واآلثام‪.‬‬
‫َّ‬
‫السوء إلى أحد من المسلمين بإيذائه أو بدعوته إلى‬ ‫يجر هذا ُّ‬ ‫والثانية‪ :‬أن َّ‬
‫شر‪.‬‬‫ٍّ‬
‫تعو ٌذ عظيم من ٍ‬
‫أمور أربعة هما مصدرا َّ‬
‫الش ِّر ونتيجتاه‪.‬‬ ‫أن هذا ُّ‬ ‫فالحاصل َّ‬
‫َّفس‬ ‫«فذك ََر ‪-‬أي‪ :‬النَّبِ ُّي ﷺ‪َ -‬م ْصدَ َري َّ‬
‫الش ِّر وهما‪ :‬الن ُ‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪َ :V‬‬
‫والشيطان‪ ،‬و َذكَر َم ْو ِر َد ْيه ونِ َها َي َت ْيه وهما َع ْو ُده على نفسه أو على أخيه المسلم؛‬
‫َّ‬

‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّسائي (‪،)3134‬‬
‫(((  رواه أحمد (‪ ،)15958‬والن ُّ‬
‫‪239‬‬ ‫‪ -38‬أذكار طريف النَّهار (‪)6‬‬
‫الش ِّر و َم ِ‬
‫وار َده يف أوجز لفظه وأخصره وأجمعه وأبينه»‪.‬‬ ‫مصادر َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الحديث‬ ‫فجمع‬
‫اهـ كالمه ‪.)1(V‬‬
‫إن يف هذا الحديث فائدة عظيمة من جهة االرتباط بين توحيدي‬ ‫ثم َّ‬ ‫َّ‬
‫ومدخل لتوحيد العبادة؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ً‬ ‫الربوب َّية ُي َعدُّ َّبواب ًة‬
‫الربوب َّية والعبادة؛ وتوحيد ُّ‬
‫ُّ‬
‫كل شيءٍ‬ ‫ورب ِّ‬ ‫إقرار العبد َّ‬
‫السموات واألرض ُّ‬ ‫فاطر َّ‬
‫بأن اهلل ‪ D‬هو وحده ُ‬
‫فرد هبا‬‫والشهادة؛ يوجب أن ُتخ َلص له العبادة وأن ُي َ‬ ‫وعالم الغيب َّ‬
‫ُ‬ ‫ومليكه‬
‫وحده دون سواه؛ ولهذا قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [األنبياء‪:‬‬
‫‪ ،]92‬وقال سبحانه‪﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [البقرة‪ ،]22-21 :‬أي‪:‬‬
‫ال تجعلوا هلل شركاء يف العبادة وأنتم تعلمون أنَّه ال خالق لكم غير اهلل‪ ،‬فكما‬
‫فرد‬ ‫والملك والتَّدبير؛ فالواجب أن ُي َ‬
‫والرزق ُ‬ ‫تفرد وحده بالخلق‪ِّ ،‬‬ ‫أنَّه سبحانه َّ‬
‫وحده بالعبادة‪.‬‬
‫ِ‬
‫واألرض‪،‬‬ ‫وهكذا يف الحديث ذكر أو ًل معاين الربوبية‪َ « :‬فاطِر السم ِ‬
‫وات‬ ‫َ َّ َ‬ ‫ُّ َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ب و َّ ِ‬
‫ثم ذكر بعد ذلك توحيد‬ ‫الش َهادة‪َ ،‬ر َّب ك ُِّل َشيء َو َملي َك ُه»‪َّ ،‬‬ ‫الم ال َغ ْي ِ َ‬
‫َع َ‬
‫بحق‬
‫بحق وال معبود ٍّ‬ ‫نت»‪ ،‬أي‪ :‬أنَّك المعبود ٍّ‬ ‫«أ ْش َهدُ َأن َل إِ َله إِ َّل َأ َ‬
‫العبادة‪َ :‬‬
‫تفردت‬ ‫سواك‪ُ ،‬أخلص لك ديني و ُأفردك وحدك بالعبادة‪ ،‬كما أنَّك وحدك َّ‬
‫بالخلق واإليجاد ال شريك لك‪.‬‬
‫فإن هذه األذكار النَّبو َّية والمحافظة عليها ُتجدِّ د التَّوحيد؛ فال يزال‬ ‫ولهذا َّ‬
‫َّبي‬
‫العبد هبذه األذكار ُيجدِّ د توحيده وإيمانه وإسالمه‪ ،‬ويف الحديث يقول الن ُّ‬
‫اس َأ ُلوا‬ ‫ِ ِ‬ ‫‪« :O‬إِ َّن ْ ِ‬
‫ان ل َيخ َل ُق يف َج ْوف َأ َحدكُم ك ََما َيخْ َل ُق ال َّث ُ‬
‫وب؛ َف ْ‬ ‫يم َ‬
‫‪ ‬ال َ‬
‫(((  بدائع الفوائد (‪.)209/2‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪240‬‬

‫ان‪ ‬فِي‪ُ  ‬ق ُلوبِك ُْم»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬


‫اهللَ َأ ْن ُي َجدِّ َد ْال َ‬
‫يم َ‬
‫وأعظم ما يجدِّ د التَّوحيد تكرار كلمة التَّوحيد «ال إله َّإل اهلل»‪ ،‬تلك الكلمة‬
‫العظيمة ا َّلتي جعلها إبراهيم الخليل ‪ S‬باقي ًة يف عقبه يتوارثها األنبياء‬
‫محمد ﷺ ألتباعه‬ ‫ورثها إمام الحنفاء َّ‬ ‫وأتبا ُعهم بعضهم عن بعض‪ ،‬وهي ا َّلتي َّ‬
‫الصباح والمساء‪ ،‬وأذكار‬ ‫سر تكرارها وكثرهتا يف أذكار َّ‬ ‫إلى يوم القيامة‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫َّبي ﷺ‪.‬‬ ‫الصلوات‪ ،‬وأذكار النَّوم وغيرها من األذكار المأثورة عن الن ِّ‬ ‫َّ‬
‫الز َرقي ‪I‬‬
‫اش ُّ ِ‬ ‫ومن ذلكم ما رواه أبو داود وابن ماجه َع ْن َأبِي َع َّي ٍ‬
‫ِّ‬
‫يك َل ُه‪،‬‬ ‫«ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ َو ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬ ‫«م ْن َق َال إِ َذا َأ ْص َب َح‪َ :‬‬
‫ول اهلل ﷺ َق َال‪َ :‬‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬
‫َان َل ُه ِعدْ ُل َر َق َب ٍة ِم ْن َو َل ِد‬‫ك َو َل ُه ا ْل َح ْمدُ ‪َ ،‬و ُه َو َع َلى ك ُِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير»؛ ك َ‬‫َل ُه ا ْل ُم ْل ُ‬
‫َات‪َ ،‬و ُرفِ َع َل ُه َع ْش ُر‬ ‫َات‪ ،‬وح َّط عنْه ع ْشر سيئ ٍ‬
‫َ ُ َ ُ َ ُ َ ِّ‬
‫يل‪ ،‬وكُتِب َله ع ْشر حسن ٍ‬
‫إِ ْس َماع َ َ َ ُ َ ُ َ َ‬
‫ِ‬
‫ان َحتَّى ُي ْم ِسي‪َ ،‬وإِ ْن َقا َل َها إِ َذا َأ ْم َسى ك َ‬
‫َان َل ُه‬ ‫َان فِي ِح ْر ٍز ِم َن َّ‬
‫الش ْي َط ِ‬ ‫ات‪َ ،‬وك َ‬ ‫درج ٍ‬
‫ََ َ‬
‫ِ (‪)2‬‬
‫ك َحتَّى ُي ْصب َح» ‪.‬‬ ‫ِم ْث ُل َذل َ‬
‫ِ‬

‫هذا الحديث فيه فضل قول‪« :‬ال إله َّإل اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬له الملك‬
‫مر ًة‬ ‫ٍ‬ ‫وله الحمد وهو على ِّ‬
‫الصباح ويف المساء‪ ،‬فيه قولها َّ‬ ‫كل شيء قدير» يف َّ‬
‫مرة؛ فهذا‬ ‫مرات‪ ،‬ويف بعضها مائة َّ‬ ‫واحدة‪ ،‬وجاء يف بعض األحاديث عشر َّ‬
‫فضل العظيم‪،‬‬ ‫مرات يرت َّتب عليها ٌ‬ ‫مرة‪ ،‬والعشر َّ‬ ‫ميدان منافسة‪ ،‬فأفضلها مائة َّ‬
‫الصباح ويف أوراد المساء؛‬ ‫مر ًة واحدة يف أوراد َّ‬ ‫أقل من أن يقولها المسلم َّ‬ ‫وال َّ‬
‫ب َل ُه‬ ‫ِ‬ ‫َان َله ِعدْ ُل ر َقب ٍة ِمن و َل ِد إِسم ِ‬
‫اع َ‬
‫يل‪َ ،‬وكُت َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫ليفوز هبذا الموعود العظيم‪« :‬ك َ ُ‬
‫َان فِي ِح ْر ٍز‬ ‫َات‪ ،‬ورفِع َله ع ْشر درج ٍ‬
‫ات‪َ ،‬وك َ‬ ‫َ ُ َ ُ َ ُ ََ َ‬
‫َات‪ ،‬وح َّط عنْه ع ْشر سيئ ٍ‬
‫َ ُ َ ُ َ ُ َ ِّ‬
‫ع ْشر حسن ٍ‬
‫َ ُ َ َ‬
‫ِم َن َّ‬
‫الش ْي َط ِ‬
‫ان»‪.‬‬

‫وصححه‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه ال َّطربانِ ُّي يف المعجم الكبير (‪ ،)14668‬والحاكم يف المستدرك (‪،)5‬‬
‫الصحيحة (‪ ،)1585‬ويف صحيح الجامع (‪.)1590‬‬ ‫السلسلة َّ‬‫األلباينُّ يف ِّ‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)5077‬وابن ماجه (‪،)3867‬‬
‫‪241‬‬ ‫‪ -39‬أذكار طريف النَّهار (‪)7‬‬

‫‪39‬‬

‫أذكار طر َف ْي النَّهار (‪)7‬‬

‫ات‬ ‫ول اهلل ﷺ يدَ ع َه ُؤ َل ِء الدَّ َعو ِ‬ ‫قال‪َ :‬ل ْم َي ُك ْن َر ُس ُ‬ ‫ابن ُع َم َر ‪َ L‬‬ ‫َع ْن ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِحي َن ُي ْم ِسي َو ِحي َن ُي ْصبِ ُح‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َك ا ْل َعافِ َي َة فِي الدُّ ْن َيا َو ْال ِخ َر ِة‪ ،‬ال َّل ُه َّم‬
‫اي َو َأ ْه ِلي َو َمالِي‪ ،‬ال َّل ُه َّم ْاست ُْر َع ْو َراتِي‪،‬‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫إِنِّي َأ ْس َأ ُل َك ا ْل َع ْف َو َوا ْل َعاف َي َة في ديني َو ُد ْن َي َ‬
‫ي َو ِم ْن َخ ْل ِفي‪َ ،‬و َع ْن َي ِمينِي َو َع ْن‬ ‫ِ ِ‬
‫اح َف ْظني م ْن َب ْي ِن َيدَ َّ‬
‫ِ‬
‫َوآم ْن َر ْو َعاتي‪ ،‬ال َّل ُه َّم ْ‬
‫ِ‬

‫ِش َمالِي‪َ ،‬و ِم ْن َف ْو ِقي‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َع َظ َمتِ َك َأ ْن ُأ ْغت ََال ِم ْن ت َْحتِي»‪ .‬رواه أبو داود وابن‬
‫ماجه(‪.)1‬‬
‫الصباح والمساء‪ ،‬يقول‬ ‫َّبي ﷺ يف َّ‬ ‫هذا من األوراد العظيمة المأثورة عن الن ِّ‬
‫ول اهلل ﷺ يدَ ع َه ُؤ َل ِء الدَّ َعو ِ‬
‫ات ِحي َن ُي ْم ِسي‬ ‫ابن عمر ‪َ « :L‬ل ْم َي ُك ْن َر ُس ُ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫الصباح ويف المساء‪ ،‬واهلل ‪C‬‬ ‫َوحي َن ُي ْصبِ ُح»‪ ،‬أي‪ :‬أنَّه مواظب عليها يوم ًّيا يف َّ‬
‫يقول‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ﴾ [األحزاب‪.]21 :‬‬
‫ك ا ْل َعافِ َي َة فِي الدُّ ْن َيا َو ْال ِخ َر ِة»‪ ،‬العافية شأهنا عظيم؛‬
‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫َّبي ‪،O‬‬ ‫خيرا من المعافاة كما قال ذلك الن ُّ‬ ‫فإنَّه لم ُيعط أحد بعد اليقين ً‬
‫ول اهللِ‬ ‫عم النَّبي ﷺ قال ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫وجاء يف الحديث َّ‬
‫ِّ‬ ‫أن الع َّباس‪َّ I‬‬
‫«س ِل اهَّللَ ال َعافِ َيةَ»‪َ ،‬ف َم َك ْث ُت َأ َّيا ًما ُث َّم ِج ْئ ُت‬ ‫ِ‬
‫َع ِّل ْمني َش ْي ًئا َأ ْس َأ ُل ُه َ‬
‫اهَّلل ‪َ ،D‬ق َال‪َ :‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)5074‬وابن ماجه (‪،)3871‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪242‬‬
‫اس َيا َعم رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َف ُق ْلت‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول‬ ‫َّ َ ُ‬ ‫ول اهلل َع ِّل ْمني َش ْي ًئا َأ ْس َأ ُل ُه َ‬
‫اهَّلل‪َ ،‬ف َق َال لي‪َ « :‬يا َع َّب ُ‬ ‫ُ َ َ ُ‬
‫اآلخ َر ِة»(‪ ،)1‬فا َّلذي يكرمه اهلل ويؤتيه العافية يف‬ ‫اهللِ‪ ،‬س ِل اهَّلل العافِي َة فِي الدُّ ْنيا و ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫الشرور يف الدَّ ارين‪.‬‬ ‫السالمة والنَّجاة والوقاية من ُّ‬ ‫الدُّ نيا واآلخرة قد تح َّققت له َّ‬
‫اي َو َأ ْه ِلي َو َمالِي»‪،‬‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫ك ا ْل َع ْف َو َوا ْل َعاف َي َة في ديني َو ُد ْن َي َ‬‫وقوله‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫الذنوب‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ﴾‬ ‫الصفح والتَّجاوز عن ُّ‬ ‫العفو‪ :‬أي َّ‬
‫الشورى‪ ،]25 :‬والعافية؛ أعاد سؤال اهلل العافية اهتما ًما هبا‪.‬‬ ‫[ ُّ‬
‫ٍ‬
‫شيء‬ ‫الدين‪ :‬أن يسلم للمرء دينه؛ بأن ُيحفظ له إيمانه من‬ ‫‪ ‬والعافية في ّ‬
‫ِ‬
‫والصراط المستقيم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫يثلمه‪ ،‬أو ٍ‬
‫أمر ينقصه‪ ،‬أو بدعة تحرفه عن الجا َّدة ِّ‬
‫والشرور والمحن‪.‬‬ ‫الدنيا‪ :‬بأن تسلم للمرء دنياه‪ ،‬من اآلفات ُّ‬ ‫‪ ‬والعافية في ُّ‬

‫‪ ‬والعافية في األهل‪ :‬بسالمتهم وحفظهم ووقايتهم من ُّ‬


‫الشرور‪.‬‬
‫‪ ‬والعافية في املال‪ :‬بحفظه من اآلفات ا َّلتي تفسده أو تتلفه أو تخرجه‬
‫ِ‬
‫الغش أو غير ذلك‪.‬‬ ‫عن ا ْلح ِّل‪ ،‬كالوقوع يف ِّ‬
‫الربا أو ِّ‬
‫‪ ‬وقد ذكر هنا شيئين‪ :‬العفو‪ ،‬والعافية؛ فأحد هذين ال َّلفظين يتع َّلق بما‬
‫طلب من اهلل ‪F‬‬ ‫مضى‪ ،‬واآلخر يتع َّلق بما سيأيت‪ .‬فسؤال اهلل العفو‪ :‬هو ال َّ‬
‫أن يعفو عنه ما مضى من خطأ وتقصير وذنب ونحو ذلك‪ .‬والعافية‪ :‬ال َّطلب‬
‫الشرور ومن اآلثام فيما بقي من حياته‪.‬‬ ‫منه ‪ D‬أن يقيه وأن يس ِّلمه من ُّ‬
‫وهذان ال َّلفظان من األلفاظ ا َّلتي يقول عنها أهل العلم «إذا اجتمعت‬
‫افرتقت‪ ،‬وإذا افرتقت اجتمعت»؛ فإذا ُذكر العفو وحده شمل معنى العافية‪،‬‬
‫وإذا ُذكرت العافية وحدها شملت معنى العفو‪ ،‬وإذا ُذكرا م ًعا ‪-‬كما هنا‪-‬‬
‫مثل‪ :‬قول عائشة‬‫أصبح العفو متع ِّل ًقا بالماضي والعافية متع ِّلقة بالمستقبل‪ً ،‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3514‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)1783‬والت‬
$z-
r-1 1j,)aw..?..,u zz;..rc$

lzL . <> <i.


1 . 41o..
k2l4).1 .- air.1z1
..:..1
-u1) .
'2'
..
-'.
ï
,s<,.J'
....u .j
-.w'w
I5w.-o
''
w .r,y
1h' : do 9 7 CZ
w v=w 3 t t
(k.e k''''tv't; ' 1k-....xivG' ..%..'1.7 1''JA7hJ''U<
'I- 'J#*l1
3%t(i'
;!
J
-
t;-w uz kuw. v=apIo.wtk+ïu.so txwG-L. v=#ak<J
.txpIus'''u w G-L. u> v=ax I
!
,
.s-'rh, Ja o.Tjaaxp
cu5
.
1hw .awo
.p.-w

p..g: pw = u .:-l .w gkob47x.xy.- > !wp - 1 1).oozaz


t .j - .
wtw >
J
u1Ikl
.
'A J bI
.
-
-.e
.A>e .<twk.v:jz4j+'r*'5I-
.. 1jujk:J
D)>(*J ' ; y ...u# t' a
Kd w . . 'z(
:.'o
.
'I
m.1
k...... IJ- J>-C.z+phpw apIha> .. J, .oJv
z.o k;.t.
foI>.+-lz k4.6
. >u u.
'r.o>= lw
.e)
8.k-u-w a. à ooo l u-1 vux . /.uqcas
as vow .. ul Z4Nho u .s
t.p <. o pwww hz
I .cj
).p .- 'LVJ.T
''
i ..
r
.w- u=i.p.. '
+ 1.=
.
:!' ' e.w:I'- ,i-S l.
,w -ux .uotxw'
*uw.u
u. .. Kd .
I-,I..wuh
1:5'
.. I
w + .a.).z Jolj.,i-S 4bja,'LJ o.olc I *. 'J
.*x % kz
azl 1h J I
.e wC.I, .u5 w
,>I w az'
w >- u. J' Kd
-
.. w .tt'
.
9 p
.w.p'Q5joa.xw.e)u'.
xp-....
I a It);
':
IVIJ'
....u5@u%
-.'' I'
lu.sw ''a>I
té.vw,
o 'U J l
ui
s -Jvzx1I
z uo
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪244‬‬

‫اختل األمن؛ ضاع‪ ،‬واهلل ‪ D‬هو‬ ‫كل ذلك إذا َّ‬ ‫أعراضهم وبيوهتم وأموالهم‪ُّ ،‬‬
‫ا َّلذي يؤ ِّمن الخائف‪ ،‬و ُيجير المستجير ويحفظ عباده‪.‬‬
‫اع ِّي ‪َ I‬ق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت‬ ‫اب ا ْل ُخ َز ِ‬
‫وقد ثبت يف المعجم الكبير لل َّطربانِي عن َخ َّب ٍ‬
‫ِّ‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫ض َعنِّي َد ْيني» ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‪« :‬ال َّل ُه َّم ْاست ُْر َع ْو َرتي‪َ ،‬وآم ْن َر ْو َعتي‪َ ،‬وا ْق ِ‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ َي ُق ُ‬ ‫َر ُس َ‬
‫يدل على مزيد اهتمام هبذه الدَّ عوة‪ ،‬فهي من الدَّ عوات المق َّيدة ا َّلتي يؤتى هبا‬ ‫وهذا ُّ‬
‫وأيضا من الدَّ عوات المطلقة ا َّلتي يؤتى هبا يف األوقات المختلفة‪.‬‬ ‫كل صباح ومساء‪ً ،‬‬ ‫َّ‬
‫ي َو ِم ْن َخ ْل ِفي‪َ ،‬و َع ْن َي ِمينِي َو َع ْن‬ ‫ِ ِ‬
‫اح َف ْظني م ْن َب ْي ِن َيدَ َّ‬ ‫وقوله‪« :‬ال َّل ُه َّم ْ‬
‫ك َأ ْن ُأ ْغت ََال ِم ْن ت َْحتِي»؛ هذا تحصين للمرء‬ ‫ِش َمالِي‪َ ،‬و ِم ْن َف ْو ِقي‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َع َظ َمتِ َ‬
‫والشمال والفوق‬ ‫وحفظ تا ٌّم من األمام والخلف واليمين ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫من جميع جهاته‪،‬‬
‫حصنًا‬‫كل صباح ومساء يصبح بفضل اهلل ُم َّ‬ ‫والتَّحت‪ .‬و َمن يدعو هبذا الدُّ عاء يف ِّ‬
‫خاصة‪ ،‬فإنَّه أكثر‬ ‫الشيطان َّ‬ ‫شر َّ‬ ‫الشرور عا َّمة‪ ،‬ومن ِّ‬ ‫كل جهاته من جميع ُّ‬ ‫من ِّ‬
‫شيء ُيخشى منه يف هذا الباب‪ ،‬وهو يأيت اإلنسان من جهات عديدة لصدِّ ه‬
‫الصراط المستقيم؛ ﴿ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬ ‫عن دين اهلل وحرفه عن ِّ‬
‫فمن دعا هبذا الدُّ عاء‬ ‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ [األعراف‪َ ،]17 :‬‬
‫أي جهة أتاه؛‬ ‫منفذا إليه من ِّ‬ ‫الشيطان ً‬ ‫صاد ًقا ملتج ًئا إلى اهلل حفظه اهلل وال يجد َّ‬
‫كل جهاته‪.‬‬ ‫محفوظ بحفظ اهلل من ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫ألنَّه‬
‫وقوله‪« :‬وأعوذ بعظمتك أن ُأغتال من تحتي»‪ ،‬أي‪ :‬أن يكون مويت وهالكي‬
‫غيل ًة من تحتي‪ ،‬والغيلة‪ :‬أن ُيفاجئ اإلنسان شيء من تحته؛ كالرباكين أو‬
‫الزلزال أو الفيضانات أو ال ُّطوفان أو نحو ذلك من األمور‪ ،‬فيسأل اهلل الحفظ‬
‫ِّ‬
‫والسالمة من ذلك ك ِّله‪﴿ ،‬ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [يوسف‪.]64 :‬‬ ‫َّ‬
‫وصححه األلباينُّ يف صحيح الجامع‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه ال َّطرباينُّ يف المعجم الكبير (‪،)3710‬‬
‫(‪.)1262‬‬
‫‪245‬‬ ‫‪ -39‬أذكار طريف النَّهار (‪)7‬‬

‫الص َّحة والعافية من ِّ‬


‫أجل نعم اهلل على‬ ‫«ولما كانت ِّ‬
‫قال ابن الق ِّيم ‪َّ :V‬‬
‫عبده وأجزل عطاياه وأوفر منحه‪ ،‬بل العافية المطلقة ُّ‬
‫أجل النِّعم على اإلطالق‬
‫لمن ُرزق ح ًّظا من التَّوفيق مراعا ُتها وحفظها وحمايتها َّ‬
‫عما يضا ُّدها‪،‬‬ ‫فحقيق َ‬
‫البخاري يف صحيحه من حديث ابن ع َّباس ‪ L‬قال‪ :‬قال رسول‬ ‫ُّ‬ ‫وقد روى‬
‫الص َّح ُة َوال َف َرا ُغ»(‪ ،)1‬ويف الت‬
‫ِّرمذي‬
‫ِّ‬ ‫يه َما كَثِ ٌير ِم َن الن ِ‬
‫َّاس‪ِّ :‬‬ ‫ون فِ ِ‬ ‫ﷺ‪« :‬نِ ْع َمت ِ‬
‫َان َم ْغ ُب ٌ‬
‫األنصاري قال‪ :‬قال‬ ‫ِّ‬ ‫وابن ماجه وغيرهما من حديث عبيد اهلل بن محصن‬
‫وت َي ْو ِم ِه َفكَأن ََّما‬
‫«م ْن َأ ْص َب َح ِمنْك ُْم َم َعا ًفى فِي َج َس ِد ِه ِآمنًا فِي ِس ْربِ ِه ِعنْدَ ُه ُق ُ‬ ‫ﷺ‪َ :‬‬
‫َّبي ﷺ أنَّه‬ ‫أيضا من حديث أبي هريرة عن الن ِّ‬ ‫ِّرمذي ً‬
‫ِّ‬ ‫ِحيز ْ‬
‫َت َل ُه الدُّ ْن َيا»(‪ ،)2‬ويف الت‬
‫ك‬‫الق َي َام ِة ِم َن الن َِّعي ِم َأ ْن ُي َق َال َل ُه‪َ :‬أ َل ْم ن َُص ِّح َل َ‬
‫«أول ما يس َأ ُل عنْه العبدُ يوم ِ‬
‫قال‪َ ْ َ ْ َ ُ َ ْ ُ َ َّ َ :‬‬
‫ِ ِ (‪)3‬‬ ‫نروك ِمن الم ِ‬
‫كو ِ‬
‫السلف يف‬ ‫ارد» ‪ ،‬ومن ها هنا قال َمن قال من َّ‬ ‫اء ال َب‬ ‫َ َ‬ ‫ِج ْس َم َ َ‬
‫الص َّحة‪.‬‬
‫قوله تعالى‪﴿ :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ [التَّكاثر‪ ]8 :‬قال‪ :‬عن ِّ‬
‫اس َس ِل اهللَ‬ ‫«يا َع َّب ُ‬
‫َّبي ﷺ قال للع َّباس‪َ :‬‬ ‫َّ‬
‫ويف مسند اإلمام أحمد أن الن َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الصدِّ يق قال سمعت‬ ‫ال َعاف َي َة في الدُّ ْن َيا َواآلخ َرة»(‪ ،)4‬وفيه عن أبي بكر ِّ‬
‫والم َعا َفاة‪َ ،‬ف َما ُأوتِي َأ َحدٌ َب ْعدَ ال َي ِقين‬ ‫ِ‬
‫«س ُلوا اهللَ ال َيقين ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ يقول‪َ :‬‬
‫ِ ِ (‪)5‬‬ ‫ِ‬
‫يتم صالح العبد‬ ‫َخ ْي ًرا م َن ال َعاف َية» ‪ ،‬فجمع بين عافيتي الدِّ ين والدُّ نيا‪ ،‬وال ُّ‬
‫يف الدَّ ارين َّإل باليقين والعافية؛ فاليقين يدفع عنه عقوبات اآلخرة‪ ،‬والعافية‬
‫َّسائي من حديث أبي هريرة‬ ‫تدفع عنه أمراض الدُّ نيا يف قلبه وبدنه‪ .‬ويف سنن الن ِّ‬
‫الم َعا َفاةَ‪َ ،‬ف َما ُأوتِي َأ َحدٌ َب ْعدَ َي ِق ٍ‬
‫ين َخ ًيرا‬ ‫ِ‬
‫«س ُلوا اهللَ ال َع ْف َو َوال َعاف َي َة َو ُ‬
‫‪ I‬يرفعه َ‬
‫البخاري (‪.)6412‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2346‬‬ ‫ُّ‬ ‫(((  رواه ابن ماجه (‪ ،)4141‬والت‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3358‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3514‬‬‫ُّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)1783‬والت‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)5‬وابن ماجه (‪،)3749‬‬
‫َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪246‬‬

‫الشرور الماضية بالعفو‪ ،‬والحاضرة‬‫تتضمن إزالة ُّ‬


‫َّ‬ ‫ِمن ُم َعا َف ٍاة»(‪ ،)1‬وهذه ال َّثالثة‬
‫تتضمن المداومة واالستمرار على‬
‫َّ‬ ‫بالعافية‪ ،‬والمستقبلة بالمعافاة؛ فإنَّها‬
‫العافية»‪ .‬اهـ كالمه ‪.)2(V‬‬
‫الشكر عن مسعر قال‪ :‬كان عبد األعلى‬ ‫روى ابن أبي الدُّ نيا يف كتابه ُّ‬
‫بأحق‬
‫فإن المبتلى وإن اشتدَّ بالؤه ليس َّ‬ ‫التَّيمي‪ ،‬يقول‪« :‬أكثروا سؤال العافية؛ َّ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫بالدُّ عاء من المعاىف ا َّلذي ال يأمن البالء‪ ،‬وما المبتلون اليوم َّإل من أهل العافية‬
‫باألمس‪ ،‬وما المبتلون بعد اليوم َّإل من أهل العافية اليوم‪ ،‬ولو كان بالء ُّ‬
‫يجره‬
‫إلى خير ما كنَّا من رجال البالء‪ ،‬إنَّه ُر َّب بالء يف الدُّ نيا قد أجهد يف الدُّ نيا‬
‫وأجزى يف اآلخرة‪ ،‬فما يأمن َمن أطال المقام على معصية اهلل أن يكون قد بقي‬
‫ثم يقول عند‬ ‫له يف بق َّية عمره من البالء ما يحذره يف الدُّ نيا ويفضحه يف اآلخرة‪َّ ،‬‬
‫عمل ال نجزيها‪،‬‬ ‫وإن ندأب له ً‬ ‫ذلك‪ :‬الحمد هلل ا َّلذي إن نعدُّ نعمه ال نُحصيها‪ْ ،‬‬
‫نعمر فيها ال نبليها»(‪.)3‬‬
‫وإن َّ‬‫ْ‬
‫البصري ‪ :V‬إذا ابتدأ حديثه‪ ،‬يقول‪« :‬الحمد هلل‪ ،‬ال َّل ُه َّم‬ ‫ُّ‬ ‫وكان الحسن‬
‫وفرجت عنَّا‪ ،‬لك‬ ‫ر َّبنا لك الحمد بما خلقتنا ورزقتنا وهديتنا وع َّلمتنا وأنقذتنا َّ‬
‫الحمد باإلسالم‪ ،‬ولك الحمد بالقرآن‪ ،‬ولك الحمد باألهل والمال والمعافاة‪،‬‬
‫عدونا‪ ،‬وبسطت رزقنا‪ ،‬وأظهرت أمننا‪ ،‬وجمعت فرقتنا‪ ،‬وأحسنت‬ ‫َّ‬ ‫كبت‬‫َّ‬
‫كثيرا‪،‬‬‫كل ما سألناك ر َّبنا أعطيتنا؛ فلك الحمد على ذلك حمدً ا ً‬ ‫معافاتنا‪ ،‬ومن ِّ‬
‫سر أو عالنية أو‬ ‫بكل نعمة أنعمت هبا علينا يف قديم أو حديث أو ٍّ‬ ‫لك الحمد ِّ‬
‫حي أو م ِّيت أو شاهد أو غائب‪ ،‬لك الحمد حتَّى ترضى‪،‬‬ ‫خاصة أو عا َّمة أو ٍّ‬
‫َّ‬
‫ولك الحمد إذا رضيت»(‪.)4‬‬

‫السنن الكربى (‪.)10651‬‬


‫َّسائي يف ُّ‬
‫(((  رواه الن ُّ‬
‫(((  زاد المعاد (‪.)196/4‬‬
‫(((  رواه ابن أبي الدُّ نيا يف كتاب ُّ‬
‫الشكر (ص‪.)157‬‬
‫البيهقي يف شعب اإليمان (‪.)4266‬‬‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪247‬‬ ‫‪ -40‬أذكار طريف النَّهار (‪)8‬‬

‫‪40‬‬

‫أذكار طر َف ْي النَّهار (‪)8‬‬

‫الصباح‪ :‬ما رواه مسلم َع ْن ُج َو ْي ِر َي َة ‪َ « J‬أ َّن النَّبِ َّي ﷺ َخ َر َج‬ ‫من أذكار َّ‬
‫ج ِد َها‪ُ ،‬ث َّم َر َج َع َب ْعدَ َأ ْن َأ ْض َحى‬ ‫الص ْب َح َو ِهي فِي مس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ى‬ ‫مِ ْن ِعن ِْد َها ُب ْك َر ًة ِحي َن َص َّ‬
‫ل‬
‫ت‪َ :‬ن َع ْم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َع َلى ا ْل َحال ا َّلتي َف َار ْقتُك َع َل ْي َها؟» َقا َل ْ‬ ‫و ِهي جالِسةٌ‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ما ِز ْل ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫َت بِما ُق ْل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ت بعدَ ِك َأربع ك َِلم ٍ‬
‫ت‬ ‫ث َم َّرات َل ْو ُو ِزن ْ َ‬ ‫ات َث َل َ‬ ‫ََْ َ‬ ‫َق َال النَّبِ ُّي ﷺ‪َ « :‬ل َقدْ ُق ْل ُ َ ْ‬
‫ان اهلل ِ َوبِ َح ْم ِد ِه َعدَ َد َخ ْل ِق ِه‪َ ،‬و ِر َضا َن ْف ِس ِه‪َ ،‬و ِز َن َة َع ْر ِش ِه‪،‬‬ ‫ُمن ُْذ ا ْل َي ْو ِم َل َو َز َنت ُْه َّن‪ُ :‬س ْب َح َ‬
‫َو ِمدَ ا َد ك َِل َماتِ ِه»(‪.)1‬‬
‫«الذكر المض َّعف»؛‬ ‫يسميه العلماء‪ِّ :‬‬ ‫الذكر العظيم ال َّثابت عن نب ِّينا ﷺ ِّ‬ ‫هذا ِّ‬
‫ذكر ألفاظه قليلة وثوابه عظيم‪ ،‬فجويرية ‪ J‬جلست يف مصالها من‬ ‫ألنَّه ٌ‬
‫ذكر هلل حتَّى‬‫الضحى تذكر اهلل‪ ،‬وما زالت على تلك الحال يف ٍ‬ ‫الصبح إلى ُّ‬ ‫بعد ُّ‬
‫مرات‪:‬‬ ‫َّبي ﷺ‪ ،‬فقال لها‪ :‬لقد قلت بعدك أربع كلمات ثالث َّ‬ ‫رجع إليها الن ُّ‬
‫ان اهلل ِ َوبِ َح ْم ِد ِه َعدَ َد َخ ْل ِق ِه‪َ ،‬و ِر َضا َن ْف ِس ِه‪َ ،‬و ِز َن َة َع ْر ِش ِه‪َ ،‬و ِمدَ ا َد ك َِل َماتِ ِه»‪ ،‬لو‬
‫«س ْب َح َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫استمرت‬
‫َّ‬ ‫ذكر كثير‬ ‫ُو ِزن َْت بما قلت منذ اليوم لوزنته َّن‪ .‬وا َّلذي قالته منذ اليوم ٌ‬
‫الضحى‪ ،‬وأخربها ‪ O‬أنَّه قال بعدها تلك‬ ‫الصباح إلى ُّ‬
‫فيه من َّ‬
‫الكلمات ا َّلتي لو ُوزنت بما قالته لوزنته‪ ،‬يعني‪ :‬لو ُوضع ذكرها ا َّلذي ذكرت‬
‫ً‬
‫معادل له مساو ًيا له‪.‬‬ ‫اهلل ‪ E‬به يف ميزان وهذا ِّ‬
‫الذكر يف ميزان لكان‬
‫فهم ذكره بعض أهل العلم‪.‬‬ ‫وهذا ٌ‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2726‬‬


‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪248‬‬

‫«لوزنتهن»‪ ،‬أي‪ :‬لرجحت عليه َّن‪ ،‬أي‪ :‬لكانت أثقل منه َّن يف‬
‫َّ‬ ‫وقيل‪:‬‬
‫الميزان‪.‬‬
‫ف ثوابه عند اهلل ‪.E‬‬ ‫ذكر ُم َض َّعف قليل ٌة ألفاظه مض َّع ٌ‬ ‫فهذا ٌ‬
‫ج ِد َها»‪ ،‬المسجد‪ :‬قد يطلق على المبنى ا َّلذي ُبني‬ ‫«و ِهي فِي َم ْس ِ‬
‫قوله‪َ َ :‬‬
‫ِ‬
‫للصالة ﴿ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ﴾ [النُّور‪ ،]36 :‬ويطلق‬ ‫و ُأعدَّ َّ‬
‫ت لِي‬ ‫«ج ِع َل ْ‬
‫على المكان ا َّلذي ُيسجد فيه ويص َّلى فيه‪ ،‬كما يف الحديث‪ُ :‬‬
‫َّ‬
‫مصلها‪.‬‬ ‫ورا»‪ ،‬فالمراد بقوله‪« :‬وهي يف مسجدها»‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫جدً ا َو َط ُه ً‬‫ْالَ ْر ُض َم ْس ِ‬

‫كل ما ال يليق به‬ ‫أنزه اهلل وأقدِّ سه عن ِّ‬


‫قوله‪« :‬سبحان اهلل وبحمده»‪ ،‬أي‪ِّ :‬‬
‫حامدً ا له مثن ًيا عليه بما هو أهله‪.‬‬
‫قوله‪َ « :‬عدَ َد َخ ْل ِق ِه»‪ ،‬هذا تضعيف للعدد والكمية‪ ،‬أي‪ :‬عدد ما خ َلق اهلل‪،‬‬
‫وهذا ال ُيحصيه َّإل اهلل ‪.D‬‬
‫«و ِر َضا َن ْف ِس ِه»‪ ،‬وهذه تضعيف للصفة والكيفية‪ ،‬أي‪ :‬يكون هبذا‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫التَّسبيح والحمد رضا اهلل ‪ E‬والفوز برضوانه‪ ،‬واهلل ‪ C‬يقول‪:‬‬
‫كل شيء‪.‬‬ ‫﴿ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ﴾ [التَّوبة‪ ،]72 :‬أي‪ :‬أكرب من ِّ‬
‫قوله‪« :‬و ِز َن َة عر ِش ِه»‪ ،‬وهذا تضعيف ِ‬
‫للع َظم وال ِّثقل وكِ َبر المقدار‪ ،‬العرش‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫أكرب المخلوقات وهو سقفها‪ ،‬وهو أثقل األوزان؛ ولهذا وصفه اهلل سبحانه‬
‫يف القرآن بــ ﴿ﯫ ﯬ﴾ [التَّوبة‪ ،]129 :‬ووصفه بــ ﴿ﯔ ﯕ﴾ [الربوج‪:‬‬
‫السعة‪ ،‬فالعرش هو أوسع المخلوقات‬ ‫ألن المجد هو َّ‬‫‪ ،]15‬أي‪ :‬الواسع؛ َّ‬
‫ِ‬
‫الرحمن‪.‬‬ ‫يدل على ع َظم شأن هذا التَّسبيح ا َّلذي زنته ِزنة عرش َّ‬
‫وأكربها‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫«و ِمدَ ا َد ك َِل َماتِ ِه»‪ ،‬وهذا يشمل األقسام الثالثة المتقدمة‪ ،‬والمداد‪:‬‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫الحرب ا َّلذي ُيكتب به‪ ،‬وكلمات اهلل ليس لها حدٌّ وليس لها إحصاء؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫هو ِ‬
‫‪249‬‬ ‫‪ -40‬أذكار طريف النَّهار (‪)8‬‬

‫ألن اهلل تعالى متك ِّل ٌم بال ابتداء‪ ،‬ويتك َّلم بال انتهاء‪ ،‬فال‬
‫كالم اهلل ال يتناهى؛ َّ‬
‫حصر لكالمه وال هناية له‪.‬‬
‫يستحق التَّسبيح بذلك القدر والعدد‪ ،‬كقوله‬ ‫ُّ‬ ‫أن اهلل سبحانه‬‫والمقصو ُد‪َّ :‬‬
‫ض َو ِمل َء َما َب ْين َُهما َو ِمل َء َما‬‫األر ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الس َموات َومل َء ْ‬
‫ِ‬
‫الحمدُ ‪ ،‬مل َء َّ‬
‫ك َ‬ ‫ﷺ‪« :‬ر َّبنا و َل َ‬
‫تسبيحا بذلك القدر والعدد؛‬ ‫ً‬ ‫ْت ِمن َش ْي ٍء َب ْعدُ »‪ ،‬وليس المراد َّ‬
‫أن العبدَ س َّبح‬ ‫ِشئ َ‬
‫الر ُّب من التَّسبيح؛ فذاك‬ ‫فإن فعل العبد محصور‪ ،‬وإنَّما المراد ما يستح ُّقه َّ‬ ‫َّ‬
‫ا َّلذي يعظم ُ‬
‫قدره‪.‬‬
‫العلمة ابن الق ِّيم ‪- V‬يف شرح له لهذا الحديث وبيان ما فيه من‬ ‫قال َّ‬
‫أعظم‬ ‫كر المضاعف‪ ،‬وهو‬ ‫سمى ِّ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫الذ ُ‬ ‫لطائف جليلة ومعارف عظيمة‪« :-‬وهذا ُي َّ‬
‫قول‬ ‫فإن َ‬ ‫الذكر وفهمه‪َّ ،‬‬ ‫يظهر يف معرفة هذا ِّ‬ ‫الذكر المفرد‪ ،‬وهذا إنَّما‬ ‫ثناء من ِّ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫تضمن‬ ‫َّ‬ ‫وإخبارا‪،‬‬
‫ً‬ ‫تضمن إنشا ًء‬ ‫َّ‬ ‫ان اهلل ِ َوبِ َح ْم ِد ِه َعدَ َد َخ ْل ِق ِه)؛‬ ‫(س ْب َح َ‬ ‫المس ِّبح‪ُ :‬‬
‫كل مخلوق كان أو هو كائ ٌن إلى‬ ‫الر ُّب من التَّسبيح عد َد ِّ‬ ‫عما يستح ُّقه َّ‬ ‫إخبارا َّ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫الر ِّب وتعظيمه وال َّثناء عليه هذا العد َد‬ ‫ما ال هناي َة له‪،‬‬
‫اإلخبار عن تنزيه َّ‬ ‫َ‬ ‫فتضمن‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫المحصون‪.‬‬ ‫العظيم ا َّلذي ال يبلغ ُه العا ُّدون وال ُيحصيه ُ‬ ‫َ‬
‫أن ما أتى به العبدُ من التَّسبيح هذا‬ ‫العبد لتسبيحٍ هذا شأنُه‪ ،‬ال َّ‬ ‫وتضمن إنشاء ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫تسبيح‬
‫ٌ‬ ‫الر ُّب ‪ E‬من التَّسبيح هو‬ ‫أن ما يستح ُّقه َّ‬ ‫قدره وعد ُده‪ ،‬بل أخرب َّ‬ ‫ُ‬
‫فإن تجدُّ َد المخلوقات ال‬ ‫لذكره؛ َّ‬ ‫يبلغ العد َد ا َّلذي لو كان يف عدد ما يزيد عليه َ‬
‫حصى الحاضر‪.‬‬ ‫يتناهى عد ًدا‪ ،‬وال ُي َ‬
‫عظيمين؛ أحدهما‪ :‬أن يكون‬ ‫َ‬ ‫أمرين‬ ‫يتضمن َ‬ ‫َّ‬ ‫(و ِر َضا َن ْف ِس ِه)‬ ‫وكذلك قوله‪َ :‬‬
‫األول‬ ‫مساو لرضا نفسه‪ ،‬كما أنَّه يف َّ‬ ‫ٍ‬ ‫تسبيحا هو يف العظمة والجالل‬ ‫ً‬ ‫المرا ُد‬
‫أمر ال هناية‬ ‫الر ِّب ٌ‬
‫أن رضا نفس َّ‬ ‫ريب َّ‬ ‫مساو لعدد خلقه‪ ،‬وال َ‬ ‫ٍ‬ ‫مخربٌ عن تسبيحٍ‬
‫يتضمن التَّعظيم والتَّنزيه‪،‬‬
‫َّ‬ ‫َّسبيح ثنا ٌء عليه سبحانه‬
‫له يف العظمة والوصف‪ .‬والت ُ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪250‬‬

‫أعظم‬
‫ُ‬ ‫ونعوت جالله ال هناي َة لها وال غاية‪ ،‬بل هي‬ ‫ُ‬ ‫أوصاف كماله‬ ‫ُ‬ ‫فإذا كانت‬
‫إخبارا وإنشا ًء‪،‬‬
‫ً‬ ‫وأجل؛ كان ال َّثنا ُء عليه هبا كذلك؛ إذ هو تابِ ٌع لها‬ ‫ُّ‬ ‫من ذلك‬
‫األول من غير عكس‪ .‬وإذا كان إحسانُه سبحانه‬ ‫ينتظم المعنى َّ‬ ‫ُ‬ ‫وهذا المعنى‬
‫وثمرته فكيف بصفة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫موجبات رضاه‬ ‫وخيره ال منتهى له وهو من‬ ‫وثوا ُبه وبركتُه‬
‫ُ‬
‫الرضا؟!‬ ‫ِّ‬
‫ب ‪،E‬‬ ‫الر ِّ‬
‫إثبات العرش‪ ،‬وإضافته إلى َّ‬ ‫ُ‬ ‫(و ِز َن َة َع ْر ِش ِه) فيه‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫أثقل منه ُلوزن به‬ ‫أثقل المخلوقات على اإلطالق؛ إذ لو كان شي ٌء َ‬ ‫وأنَّه ُ‬
‫فة والكيف َّية‪ ،‬وال َّثالث‬ ‫َّضعيف األول للعدد والكمية‪ ،‬وال َّثاين للص ِ‬ ‫التَّسبيح‪ .‬فالت‬
‫ِّ‬ ‫ِّ َّ‬ ‫ُ َّ‬
‫للع َظم وال ِّث َقل وكِ َبر المقدار‪.‬‬ ‫ِ‬

‫فإن مدا َد كلماته‬ ‫يعم األقسام ال َّثالثة ويشملها؛ َّ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫وقوله‪ِ :‬‬
‫(ومدَ ا َد كَل َماته) هذا ُّ‬ ‫َ‬
‫سبحانه ال هناي َة لقدره وال لصفته وال لعدده‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ﴾ [الكهف‪ ،]109 :‬وقال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫البحر‬
‫ُ‬ ‫ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ﴾ [لقمان‪ ،]27 :‬ومعنى هذا أنَّه لو فرض‬
‫وجميع أشجار األرض أقال ًما‪ ،‬واألقال ُم تستمدُّ بذلك المداد‪ ،‬فتفنى‬ ‫ُ‬ ‫مدا ًدا‪،‬‬
‫الر ِّب ال تفنى وال تنفد‪.‬‬
‫البحار واألقالم‪ ،‬وكلمات َّ‬
‫ِ‬
‫الجالل ما‬ ‫أن يف هذا التَّسبيح من صفات الكمال ونعوت‬ ‫والمقصو ُد‪َّ :‬‬
‫َ‬
‫أفضل من غيره‪ .»...‬اهـ كالمه ‪.)1(V‬‬ ‫يوجب أن يكون‬
‫ات يف‬ ‫أن هذا ذكر عظيم يستحب للمسلم أن يقوله ثالث مر ٍ‬ ‫فالحاصل َّ‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫َّبي الكريم ‪ ،O‬ولنستشعر ِعظم نعمة اهلل علينا‬ ‫ِّ‬
‫كل صباحٍ ِّ‬
‫تأس ًيا بالن ِّ‬
‫والذكر المضاعف ا َّلذي‬ ‫بأن هدانا إلى هذه الكلمات العظيمة ِّ‬ ‫‪ْ E‬‬

‫والضعيف (ص‪.)35‬‬
‫الصحيح َّ‬
‫(((  المنار المنيف يف َّ‬
‫‪251‬‬ ‫‪ -40‬أذكار طريف النَّهار (‪)8‬‬

‫كلمات قالئل ال تأخذ‬ ‫ٌ‬ ‫جور الكثيرة وال َّثواب ِ‬


‫الجزيل‪،‬‬ ‫ر َّتب عليه سبحانه األُ َ‬
‫صباح‬
‫ٌ‬ ‫من العبد وقتًا وفيها ثواب مضاعف‪ ،‬ومع ذلك كثير من النَّاس يأيت عليه‬
‫وآخر‪ ،‬بل وصباحات وهو ال يقول هذا التَّسبيح! إ َّما أنَّه ال يعرفه‪ ،‬أو ألنَّه‬
‫مهتم به‪.‬‬
‫غير ٍّ‬ ‫يعرفه ولكنَّه ُ‬
‫ُّ ّ‬ ‫‪ ‬وهنا ّ‬
‫النساء في البيوت‪ ،‬أال وهي‪ :‬أن ينظرن يف‬ ‫أنبه على فائدة تخص ِ‬ ‫ِ‬
‫الصحابة أ َّمهات المؤمنين وه َّن قدوة للمسلمات‪ ،‬فجويرية‬ ‫طريقة نساء َّ‬
‫الضحى‪ ،‬وهذا خير‬ ‫مصلها تذكر اهلل ‪ E‬حتَّى ُّ‬ ‫َّ‬ ‫‪ J‬تجلس يف‬
‫جلة‪،‬‬ ‫الليت إذا ص َّلت الواحدة منه َّن تص ِّلي َع ِ‬ ‫كثيرا من النِّساء َّ‬‫عظيم يفوت ً‬
‫الصحابة؛ ْ‬
‫بأن‬ ‫تتأسى بنساء َّ‬ ‫مصلها وتقوم منه‪ ،‬ومن الخير لها أن َّ‬ ‫َّ‬ ‫ثم تطوي‬ ‫َّ‬
‫بالصالة والجلوس يف المص َّلى تذكر اهلل‪ ،‬وتطمئ ُّن يف مصلَّ ها وال‬ ‫تبدأ يومها َّ‬
‫تضطرها للقيام فلتأخذ نصيبها وح َّظها‬ ‫ٌ‬
‫أعمال‬ ‫جلة‪ ،‬وإذا كان وراءها‬ ‫تكون َع ِ‬
‫ُّ‬
‫ثم بعد‬ ‫الصباح وطمأنينة القلب‪َّ ،‬‬ ‫من هذا الجلوس طل ًبا لربكة اإلبكار وأذكار َّ‬
‫ذلك تنهض ألعمالها ومصالحها وأوالدها مستصحب ًة معها هذه الربكة ا َّلتي‬
‫حصلتها يف البكور‪.‬‬ ‫َّ‬
‫َّبي ‪ O‬عندما أرشدها إلى‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫هل‬ ‫وهو‪:‬‬ ‫عليه‪،‬‬ ‫ه‬ ‫وأمر آخر ُأ ّ‬
‫نب‬ ‫‪ٌ ‬‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫مصلها والجلوس فيه‬ ‫َّ‬ ‫األربع كلمات‪ ،‬هل أراد منها أن تكتفي هبا وترتك‬
‫ذكر عظيم مضاعف‬ ‫والذكر الكثير ا َّلذي كانت تقوله؟ أو أراد أن ُيرشدها إلى ٍ‬ ‫ِّ‬
‫باب‬‫الذكر ٌ‬ ‫أن ِّ‬‫تعتني به مع األذكار ا َّلتي كانت ُتحافظ عليها؟ ومن المعلوم َّ‬
‫خاص ًة وردت أذكار عديدة ُيشرع للمسلم أن يأيت هبا‬ ‫َّ‬ ‫الصباح‬
‫واسع‪ ،‬ويف َّ‬
‫متنوعات من‬ ‫يف صباحه؛ من تسبيح‪ ،‬وهتليل‪ ،‬وتحميد‪ ،‬ودعوات‪ ،‬وأذكار ِّ‬
‫َّبي ‪.O‬‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫ُجملتها هذا الذكر المضاعف الذي أرشد إليه الن ُّ‬
‫ت بعدَ ِك َأربع ك َِلم ٍ‬
‫ات»؛ لم يقله لها تزهيدً ا‬ ‫ََْ َ‬ ‫الصالة « ُق ْل ُ َ ْ‬‫فلما قال لها عليه َّ‬
‫َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪252‬‬

‫َّ‬
‫مصلها من أجله‪ ،‬وال‬ ‫الذكر ا َّلذي كانت جالس ًة يف‬
‫منه ‪ O‬لها يف ِّ‬
‫أيضا يف هذا الجلوس‪ ،‬فقد ثبت عنه ﷺ التَّرغيب يف هذا الجلوس ً‬
‫قول‬ ‫تزهيدً ا ً‬
‫ً‬
‫وفعل يف أحاديث عديدة‪:‬‬
‫َان إِ َذا َص َّلى‬ ‫ففي صحيح مسلم َع ْن َجابِ ِر ْب ِن َس ُم َر َة ‪َ « :I‬أ َّن النَّبِي ﷺ ك َ‬
‫َّ‬
‫الش ْم ُس َح َسنًا»(‪ ،)1‬وروى أبو داود يف سننه‬ ‫ا ْل َف ْج َر َج َل َس فِى ُم َص َّل ُه َحتَّى َت ْط ُل َع َّ‬
‫«لَ ْن َأ ْق ُعدَ َم َع َق ْو ٍم َي ْذك ُُر َ‬
‫ون‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ‪َ :‬‬ ‫ك ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َس ب ِن مال ِ ٍ‬
‫َع ْن َأن ِ ْ َ‬
‫ب إِ َل َّي ِم ْن َأ ْن ُأ ْعتِ َق َأ ْر َب َع ًة ِم ْن‬ ‫اهَّللَ َت َعا َلى ِم ْن َص َل ِة ا ْل َغدَ ِاة َحتَّى َت ْط ُل َع َّ‬
‫الش ْم ُس َأ َح ُّ‬
‫ون اهَّللَ ِم ْن َص َل ِة ا ْل َع ْصرِ إِ َلى َأ ْن َتغ ُْر َب‬ ‫يل‪َ ،‬و َل ْن َأ ْق ُعدَ َم َع َق ْو ٍم َي ْذك ُُر َ‬ ‫اع َ‬ ‫و َل ِد إِسم ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ب إِ َل َّي ِم ْن َأ ْن ُأ ْعتِ َق َأ ْر َب َعةً»(‪.)2‬‬ ‫الش ْم ُس َأ َح ُّ‬
‫َّ‬
‫لما ذكر لها فضل هؤالء الكلمات األربع أراد‬‫فالحاصل أنَّه ‪َّ O‬‬
‫أن ُتدرجها يف جملة األذكار ا َّلتي تعتني هبا يف صباحها الباكر‪.‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)670‬‬


‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)3667‬‬
‫‪253‬‬ ‫‪ -41‬أذكار طريف النَّهار (‪)9‬‬

‫‪41‬‬

‫أذكار طر َف ْي النَّهار (‪)9‬‬

‫الر ْح َم ِن ْب ِن َأ ْب َزى ‪َ I‬ق َال‪:‬‬ ‫ِ‬


‫الصباح‪ :‬ما رواه أحمد َع ْن َع ْبد َّ‬ ‫من أذكار َّ‬
‫اإل ْس َلمِ‪َ ،‬و َع َلى ك َِل َم ِة‬
‫«أ ْص َب ْحنَا َع َلى فِ ْط َر ِة ِ‬
‫ول‪َ :‬‬‫ول اهَّللِ ﷺ إِ َذا َأ ْص َب َح َي ُق ُ‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫ك َ‬
‫يم َحنِي ًفا ُم ْس ِل ًما‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ص‪َ ،‬و َع َلى ِد ِ‬
‫ين َنبِ ِّينَا ُم َح َّمد ﷺ‪َ ،‬و َع َلى م َّلة َأبِينَا إِ ْب َراه َ‬ ‫ال ْخ َل ِ‬‫ِْ‬
‫ِ‬ ‫وما ك َ ِ‬
‫ين»(‪.)1‬‬ ‫َان م َن ا ْل ُم ْشرِك َ‬ ‫ََ‬
‫قائم على تجديد التَّوحيد؛ يجدِّ د المسلم يف ِّ‬
‫كل صباح‬ ‫هذا ِّ‬
‫الذكر العظيم ٌ‬
‫كر‬
‫مستمرا للتَّوحيد مع ِّ‬
‫ًّ‬ ‫ويكرره َّ‬
‫كل يوم ليكون تجديدً ا‬ ‫ِّ‬ ‫من خالله توحيده‪،‬‬
‫قائما‬
‫دخول ً‬ ‫ً‬ ‫األ َّيام‪ .‬وينبغي للمسلم أن يقوله عن يقين وإخالص ليدخل يومه‬
‫على هذه األسس العظيمة واألركان المتينة‪ :‬الفطرة‪ ،‬واإلخالص‪ ،‬واال ِّتباع‪،‬‬
‫واالهتداء هبدي نب ِّينا ﷺ‪ ،‬وم َّلة أبينا إبراهيم الحنيف َّية َّ‬
‫السمحة‪.‬‬
‫«أ ْص َب ْحنَا َع َلى فِ ْط َر ِة ْ ِ‬
‫ال ْس َلمِ»‪ ،‬أي‪ :‬ا َّلتي فطر اهلل ‪ E‬النَّاس‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫عليها‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾‬
‫فسدِّ د وجهك‬‫الروم‪ .]30 :‬قال ابن كثير ‪ :V‬يف معنى اآلية‪« :‬يقول تعالى َ‬ ‫[ ُّ‬
‫واستمر على الدِّ ين ا َّلذي شرعه اهلل لك من الحنيف َّية م َّلة إبراهيم ا َّلذي هداك‬
‫َّ‬
‫السليمة ا َّلتي‬
‫وكملها لك غاية الكمال‪ ،‬وأنت مع ذلك الز ٌم فطر َتك َّ‬
‫اهلل لها َّ‬
‫الصحيحة‬
‫السلسلة َّ‬
‫وصححه األلباينُّ يف ِّ‬
‫َّ‬ ‫ارمي (‪،)2730‬‬
‫(((  رواه أحمد (‪ ،)15360‬والدَّ ُّ‬
‫(‪.)2989‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪254‬‬

‫الخلق عليها‪ ،‬فإنَّه تعالى فطر خل َقه على معرفته وتوحيده‪ ،‬وأنَّه ال إله‬
‫َ‬ ‫فطر‬
‫غيره»‪ .‬اهـ كالمه ‪.)1(V‬‬
‫ٍ‬
‫فلعارض َع َر َض‬ ‫فهذا األصل يف جميع النَّاس؛ و َمن خرج عن هذا األصل‬
‫المجاشعي ‪ I‬عن النَّبِ ِّي ﷺ فيما‬ ‫ِّ‬ ‫لفطرته فأفسدها‪ ،‬كما يف حديث عياض‬
‫ادي حنَ َفاء ُك َّلهم‪ ،‬وإنَّهم َأ َتتْهم َّ ِ‬ ‫ت ِعب ِ‬
‫ين‬
‫الش َياط ُ‬ ‫ُ َ ُ ْ َ ُ ْ ُ‬ ‫يرويه عن ر ِّبه أنَّه قال‪« :‬إنِّي َخل ْق ُ َ‬
‫ت َل ُه ْم‪َ ،‬و َأ َم َرتْهم َأ ْن ُي ْشرِكُوا بِي‬ ‫اجتَا َلتْهم َع ْن ِدين ِ ِه ْم‪َ ،‬و َح َّر َم ْ‬
‫ت َع َل ْي ِه ْم َما َأ ْح َل ْل ُ‬ ‫َف ْ‬
‫ِ‬
‫الصحيحين من حديث‬ ‫َما َل ْم ُأ ِنز ْل بِه ُس ْل َطانًا»‪ .‬رواه مسلم يف صحيحه(‪ .)2‬ويف َّ‬
‫الف ْط َر ِة‪،‬‬
‫ود َّإل يو َلدُ ع َلى ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أبي هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬ما من مو ُل ٍ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫َف َأ َب َوا ُه ُي َه ِّو َدانِ ِه َأ ْو ُين َِّص َرانِ ِه َأ ْو ُي َم ِّج َسانِ ِه»(‪.)3‬‬
‫صبح وهو على‬ ‫صبح حين ُي ُ‬ ‫أن نعمة اهلل على عبده عظيم ٌة أن ُي َ‬ ‫شك َّ‬ ‫وال َّ‬
‫انحراف‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ث أو َت َغ ُّي ٌر أو‬‫فطرة سليمة َلم ُيصبها َت َل ُّو ٌ‬ ‫ٍ‬

‫ص»‪ ،‬أي‪ :‬ال إله َّإل اهلل؛ كلمة التَّوحيد؛ َّ‬


‫ألن‬ ‫ال ْخ َل ِ‬ ‫«و َع َلى ك َِل َم ِة ْ ِ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫فيها إخالص الدِّ ين هلل ﴿ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [الب ِّينة‪﴿ ،]5 :‬ﮆ ﮇ‬
‫الزمر‪ ،]3 :‬فاإلخالص ال يكون َّإل بـ«ال إله َّإل اهلل»‪ ،‬فهي كلمة‬ ‫ﮈ ﮉﮊ﴾ [ ُّ‬
‫أس أمره‪ ،‬ألجلها ُخلقت الخليقة‬ ‫ور ُ‬
‫وأساسه َ‬
‫ُ‬ ‫اإلخالص وهي رأس الدِّ ين‬
‫ِ‬
‫َّاس إلى مؤمنين وك َّفار‪ ،‬وهي‬ ‫الر ُسل و ُأ ِنزلت ال ُكتب‪ ،‬وهبا افرتق الن ُ‬ ‫و ُأ ْرس َلت ُّ‬
‫ُزبدة دعوة المرسلين وخالصة رسالتِهم‪ ،‬وهي أعظم نعم اهلل على عباده‪ ،‬ويف‬
‫هذا يقول سفيان بن عيينة ‪« :V‬ما أنعم اهلل على ٍ‬
‫عبد من العباد نعم ًة أعظم‬
‫عرفهم ال إله َّإل اهلل»(‪.)4‬‬ ‫من أن َّ‬
‫(((  تفسير ابن كثير (‪.)313/6‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2865‬‬
‫البخاري (‪ ،)1359‬ومسلم (‪.)2658‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  ذكره ابن رجب يف كلمة اإلخالص (ص‪.)53‬‬
‫‪255‬‬ ‫‪ -41‬أذكار طريف النَّهار (‪)9‬‬
‫ٍ‬
‫وبراءة منه‬ ‫إخالص وتوحيد‪ٍ ،‬‬
‫ونبذ ِّ‬
‫للشرك‬ ‫ٍ‬ ‫«ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ» هي كلم ُة‬
‫وكلمة َ‬
‫ومن أهله‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [ ُّ‬
‫الزخرف‪:‬‬
‫‪.]28-26‬‬
‫وإذا أصبح العبدُ وهو على هذه الكلمة العظيمة َلم ُيغ ِّير و َلم ُي َبدِّ ل فقد‬
‫ُّ‬
‫الحث‬ ‫ولع َظم شأن بدء اليوم هبذه الكلمة العظيمة جاء‬ ‫أصبح على خير حال‪ِ ،‬‬
‫ذكر أجر َمن قالها‬ ‫كل صباح‪ ،‬وقد سبق ُ‬ ‫مرات عديدة َّ‬‫على اإلكثار من قولها َّ‬
‫مرة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وأجر َمن قالها مائة َّ‬ ‫مرات‪،‬‬
‫حين يصبح عشر َّ‬
‫ين َنبِ ِّينَا ُم َح َّم ٍد ﷺ»‪ ،‬أي‪ :‬وأصبحنا على ذلكم الدِّ ين‬
‫«و َع َلى ِد ِ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫العظيم ا َّلذي رضيه اهلل لعباده دينًا‪ ،‬وبعث به نب َّيه الكريم َّ‬
‫محمدً ا ﷺ‪ ،‬وقال فيه‬
‫سبحانه‪﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ﴾‬
‫[المائدة‪ ،]3 :‬وقال سبحانه‪﴿ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ﴾ [آل عمران‪ ،]19 :‬وقال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [آل‬
‫عمران‪.]85 :‬‬
‫محمد ﷺ؛ وهو االستسال ُم هلل بالتَّوحيد‬ ‫َّ‬ ‫فهذا هو دين النَّبِ ِّي الكريم‬
‫وإن نعمة اهلل ‪ C‬على عبده‬ ‫الشرك وأهله‪َّ ،‬‬ ‫واالنقياد له بال َّطاعة والرباءة من ِّ‬
‫والصراط المستقيم؛ صراط ا َّلذين‬ ‫ِّ‬ ‫عظيمة أن يصبح على هذا الدِّ ين العظيم‬
‫الضا ِّلين‪.‬‬‫أنعم اهلل عليهم غير المغضوب عليهم وال َّ‬
‫يقول اهلل تعالى مذك ًِّرا عباده ا َّلذين َح َباهم هبذه النِّعمة و َم َّن عليهم هبا‪:‬‬
‫﴿ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ﴾‬
‫[الحجرات‪ ،]7 :‬ويقول تعالى‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ﴾ [النُّور‪]21 :‬؛ فل َّله ما أع َظ َمها من منَّة وما أج َّلها من نعمة‪.‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪256‬‬
‫ِ‬ ‫اهيم حنِي ًفا مس ِلما وما ك َ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين»‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫الم ْشرِك َ‬
‫َان م َن ُ‬ ‫ُ ْ ً ََ‬ ‫«و َع َلى م َّلة َأبِينَا إِ ْب َر َ َ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫الرحمن ‪ ،S‬وهي‬ ‫وأصبحت على هذه الم َّلة المباركة م َّلة إبراهيم خليل َّ‬
‫«حنِي ًفا‬
‫الشرك‪ ،‬ولهذا قال َ‬ ‫َّمس ُك باإلسالم والبعد عن َّ‬ ‫السمحة والت ُّ‬ ‫الحنيف َّي ُة َّ‬
‫ِ‬ ‫مس ِلما وما ك َ ِ‬
‫ين»‪ ،‬وهي م َّلة مبارك ٌة ال يرتكها وال يرغب عنها‬ ‫الم ْشرِك َ‬ ‫َان م َن ُ‬ ‫ُ ْ ً ََ‬
‫والس َفه‪ ،‬ولهذا قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫بالغي َّ‬ ‫َّإل َمن َح َك َم على نفسه‬
‫ِّ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ﴾‬
‫[البقرة‪.]130 :‬‬
‫وقد أمر اهلل ‪ D‬نب َّيه ﷺ با ِّتباع هذه الم َّلة وهداه إليها‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾‬
‫[األنعام‪ ،]161 :‬وقال تعالى ُم ْم َتنًّا على عباده هبذه النَّعمة‪﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ‬
‫الحج‪.]78 :‬‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [ ُّ‬
‫َّ‬
‫‪ ‬هذه ثالث صفات مللة إبراهيم ُجمعت في هذا الحديث‪:‬‬
‫السمحة‪ ،‬والحنيف هو المائل‪﴿ ،‬ﭥ ﭦ ﭧ‬ ‫َّ‬
‫الصفة األولى‪ :‬الحنيف َّية َّ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [النَّحل‪ ،]120 :‬الحنيف‪ :‬هو المائل عن‬
‫الحق والهدى والتَّوحيد‪،‬‬ ‫الضالل‪ ،‬المائل عن الباطل‪ ،‬المائل عن ِّ‬
‫الشرك إلى ِّ‬ ‫َّ‬
‫الحق‬
‫ِّ‬ ‫الضالل والباطل‪ ،‬واالستقامة على‬
‫فالحنيف َّية هي البعد والتَّجايف عن َّ‬
‫والهدى‪.‬‬
‫َّ‬
‫مستقيما محاف ًظا على أوامر اهلل‪،‬‬
‫ً‬ ‫مستسلما منقا ًدا‬
‫ً‬ ‫الثانية‪ُ :‬م ْس ِل ًما‪ ،‬أي‪:‬‬
‫فاإلسالم‪ :‬هو االستسالم هلل بالتَّوحيد‪ ،‬واالنقياد له بال َّطاعة‪ ،‬والرباءة من‬
‫ِّ‬
‫الشرك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫(و َما ك َا َن م َن ا ْل ُم ْشرِك َ‬
‫ين)‪ ،‬أي‪ :‬ال يف أقواله وال يف أعماله‪ ،‬وال‬ ‫الثالثة‪َ :‬‬
‫‪257‬‬ ‫‪ -41‬أذكار طريف النَّهار (‪)9‬‬

‫الصفة يف‬
‫الموحدين الحنفاء‪ .‬وقد وصفه اهلل هبذه ِّ‬
‫ِّ‬ ‫يف جميع أحواله؛ ألنَّه إمام‬
‫خمسة مواضع من القرآن‪:‬‬
‫‪ -‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ﴾ [البقرة‪.]135 :‬‬
‫‪ -‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ﴾ [آل عمران‪.]67 :‬‬
‫‪ -‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ [آل‬
‫عمران‪.]95 :‬‬
‫‪ -‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [األنعام‪.]161 :‬‬
‫‪ -‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ﴾ [النَّحل‪.]123 :‬‬
‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬وتأ َّمل هذه األلفاظ ‪-‬أي‪ :‬ا َّلتي وردت يف الحديث‪-‬‬
‫كيف جعل الفطرة لإلسالم؛ فإنَّه فطرة اهلل ا َّلتي فطر النَّاس عليها‪ ،‬وكلمة‬
‫االخالص هي شهادة أن ال اله َّإل اهلل‪ ،‬والم َّلة إلبراهيم؛ فإنَّه صاحب الم َّلة‬
‫وهي التَّوحيد وعبادة اهلل تعالى وحده ال شريك له ومح َّبته فوق ِّ‬
‫كل مح َّبة‪،‬‬
‫والدِّ ين لنب ِّينا ﷺ وهو دينه الكامل وشرعه التَّا ُّم الجامع لذلك ك ِّله»‪ .‬اهـ كالمه‬
‫‪.)1(V‬‬
‫أن هـذه المعـاين هـي أسـس اليوم‬ ‫‪ ‬ومـن فوائـد هـذا الحديـث العظيمـة‪َّ :‬‬
‫ا َّلتـي عليهـا بنـاؤه؛ المحافظـ ُة علـى الفطـرة‪ ،‬وإخلاص التَّوحيـد هلل‪ ،‬وا ِّتبـاع‬

‫(((  جالء األفهام (ص‪.)268‬‬


‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪258‬‬

‫َّبـي ﷺ‪ ،‬وا ِّتبـاع م َّلـة إبراهيـم الم َّلـة الحنيف َّيـة ا َّلتـي هـي البراءة مـن‬
‫هـدي الن ِّ‬
‫فتضمنـت هـذه‬
‫َّ‬ ‫الشـرك والخلـوص منـه‪ ،‬وهـي قِـوام المسـلم ونظـام حياتـه‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫تضمنت أسـاس‬ ‫الكلمـات قاعـدة الدِّ يـن وبنـاء اإلسلام وأسـاس اإليمـان‪ ،‬بل َّ‬
‫السـعادة والفلاح يف الدُّ نيـا واآلخـرة‪ ،‬ولهـذا ينبغـي للمسـلم أن ُيحافـظ علـى‬ ‫َّ‬
‫كل صبـاح مـع استشـعار المعـاين وتحقيـق‬ ‫هـؤالء الكلمـات محافظـ ًة تا َّمـة يف ِّ‬
‫الـدَّ الالت‪.‬‬
‫لما ذكر األحوال عند الفتن ذكر‬ ‫َّبي ‪َّ O‬‬ ‫َّ‬
‫ومما يؤكِّد ذلك أن الن َّ‬ ‫َّ‬
‫كافرا ويصبح مؤمنًا؛ من‬ ‫كافرا‪ ،‬و ُيمسي ً‬ ‫أن من النَّاس َمن ُيمسي مؤمنًا و ُيصبح ً‬ ‫َّ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َق َال‪« :‬ب ِ‬
‫اد ُروا‬ ‫كثرة الفتن ا َّلتِي يراها‪ ،‬ف َع ْن َأبِى ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫َ‬
‫الر ُج ُل ُم ْؤ ِمنًا َو ُي ْم ِسى كَافِ ًرا َأ ْو ُي ْم ِسى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫بِاألَ ْع َمال ف َتنًا كَق َط ِع ال َّل ْي ِل ا ْل ُم ْظل ِم ُي ْصبِ ُح َّ‬
‫ض ِم َن الدُّ ْن َيا»‪ .‬رواه مسلم(‪ ،)1‬فيأيت هذا‬ ‫يع ِدينَ ُه بِ َع َر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُم ْؤمنًا َو ُي ْصبِ ُح كَاف ًرا َيبِ ُ‬
‫السالمة واألمان والنَّجاة‪.‬‬ ‫صمام َّ‬ ‫كل صباح ليكون َّ‬ ‫الذكر العظيم المبارك يف ِّ‬ ‫ِّ‬
‫فإن النِّعمة على العبد عظيمة أن يصبح حين يصبح ولم تتغ َّير فطرته‬ ‫ولهذا َّ‬
‫ص‪َ ،‬و َع َلى ِد ِ‬
‫ين‬ ‫اإلس َل ِم‪َ ،‬و َع َلى كَلِم ِة ِ‬
‫اإل ْخ َل ِ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ولم تتبدَّ ل‪ ،‬بأن يصبح َع َلى ف ْط َرة ْ‬
‫َان مِ َن ا ْل ُم ْش ِركِي َن؛‬
‫يم َحنِي ًفا ُم ْسلِ ًما َو َما ك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫َنبِ ِّينَا ُم َح َّمد ﷺ‪َ ،‬و َع َلى م َّلة َأبِينَا إِ ْب َراه َ‬
‫ولهذا ُشرع للعبد أن يقولها َّ‬
‫كل صباح حفا ًظا على هذه األسس غير مبدِّ ل وال‬
‫مغ ِّير‪.‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)118‬‬


‫‪259‬‬ ‫‪ -42‬أذكار طريف النَّهار (‪)10‬‬

‫‪42‬‬

‫أذكار طر َف ْي النَّهار (‪)10‬‬

‫يستحب للمسلم أن يواظب عليها َّ‬


‫كل‬ ‫ُّ‬ ‫إن من الدَّ عوات العظيمة ا َّلتي‬ ‫َّ‬
‫ول‬ ‫صباح‪ :‬ما رواه أحمد وابن ماجه َع ْن ُأ ِّم َس َل َم َة ‪َ J‬أ َّن النَّبِي ﷺ ك َ‬
‫َان َي ُق ُ‬
‫َّ‬
‫ك ِع ْل ًما نَافِ ًعا‪َ ،‬و ِر ْز ًقا ط ِّي ًبا‪َ ،‬و َع َم ًل‬
‫َ‬ ‫الص ْب َح ِحي َن ُي َس ِّل ُم‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫إِ َذا َص َّلى ُّ‬
‫ُم َت َق َّب ًل»(‪.)1‬‬
‫أهداف المسلم يف يومه‪ ،‬بل‬ ‫ُ‬ ‫هذه ال َّثالثة ا َّلتي جمعها هذا الدُّ عاء هي‬
‫والرزق ال َّط ِّيب‪ ،‬والعمل‬ ‫أهدافه يف يومه منحصرة يف هذه ال َّثالثة‪ :‬العلم النَّافع‪ِّ ،‬‬
‫الصالح‪ ،‬ليس له فيه أهداف غيرها‪ .‬وكأنَّه يف افتتاحه ليومه بذكر هذه األمور‬ ‫َّ‬
‫أجمع‬
‫ُ‬ ‫أن هذا‬ ‫ال َّثالثة دون غيرها ُيحدِّ ُد أهدا َفه ومقاصدَ ه يف يومه‪ ،‬وال ريب َّ‬
‫لقلب اإلنسان وأضبط لسيره ومسلكه‪ ،‬بخالف َمن يصبح دون أن يستشعر‬
‫ونجد المعتنين‬ ‫أهدا َفه وغاياته ومقاصدَ ه ا َّلتي يعزم على القيام هبا يف يومه‪ِ ،‬‬
‫كل عم ٍل يقوم به اإلنسان‪،‬‬ ‫وصون بتحديد األهداف يف ِّ‬ ‫بالتَّربية واآلداب ُي ُ‬
‫وأسلم من التَّشتُّت‬ ‫َ‬ ‫كل سبي ٍل يسلكه؛ ليكون ذلك َأد َعى لتحقيق أهدافه‪،‬‬ ‫ويف ِّ‬
‫ٍ‬
‫أهداف‬ ‫يسير َو ْف َق‬ ‫شك َّ‬
‫وأضبط له يف مساره وعمله‪ ،‬وما من ٍّ‬ ‫َ‬
‫أن َمن ُ‬ ‫واالرتباك‪،‬‬
‫وأسلم مِ َّمن يسير دون تحديد أهداف‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وأضبط‬ ‫دة ومقاصدَ مع َّي ٍنة ُ‬
‫أكمل‬ ‫محدَّ ٍ‬
‫ودون تعيين مقصد‪.‬‬
‫واإلتيان هبذه الدَّ عوة يف َّأول اليوم يف غاية المناسبة؛ َّ‬
‫ألن َّأول اليوم هو‬

‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)26602‬وابن ماجه (‪،)925‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪260‬‬

‫والرزق والعمل؛ فناسب أن يبدأ يومه‬ ‫يحصل العبد العلم ِّ‬


‫باكورته ويف اليوم ِّ‬
‫ثم يسأل اهلل ‪ D‬أن‬ ‫ستحضرا أهدافه فيه‪ ،‬ليدخل فيه وهو محدِّ ٌد أهدافه‪َّ ،‬‬
‫ً‬ ‫ُم‬
‫يو ِّفقه لتحقيق هذه األهداف‪ .‬فليس يف اإلتيان هبذا الدُّ عاء يف مفتتح اليوم‬
‫تض َّر ٌع إلى اهلل ولجو ٌء إليه بأن َي ُم َّن‬‫تحديدٌ لألهداف فيه فحسب‪ ،‬بل هو َ‬
‫قوة‬ ‫بتحصيل هذه المقاصد العظيمة واألهداف النَّبيلة؛ إذ ال حول للعبد وال َّ‬
‫وال قدرة عنده على َجلب نفع أو َدفع ُض ٍّر َّإل بإذن ر ِّبه سبحانه‪ ،‬إليه يلجأ‪ ،‬وبه‬
‫يستعين‪ ،‬وعليه يتوكَّل‪.‬‬
‫الرزق ال َّط ِّيب‬
‫بدأ هذه األهداف بسؤال اهلل العلم النَّافع قبل سؤاله ِّ‬
‫ألن العلم النَّافع هو األساس ا َّلذي به ُتعرف األمور و ُيم َّيز به‬
‫الصالح؛ َّ‬ ‫والعمل َّ‬
‫الصالح‪ ،‬وهذا فيه‬ ‫الصالح وغير َّ‬‫الرزق ال َّط ِّيب وغير ال َّط ِّيب‪ ،‬وبين العمل َّ‬
‫بين ِّ‬
‫أن العلم مقدَّ ٌم على القول والعمل وبه ُيبدأ‪ ،‬كما قال اهلل ‪:F‬‬ ‫داللة على َّ‬
‫محمد‪]19 :‬؛ فبدأ‬ ‫﴿ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﰔ﴾ [ َّ‬
‫بالعلم قبل القول والعمل‪.‬‬
‫فال ُبدَّ أن ُيبدأ بالعلم قبل القول والعمل‪ ،‬وإذا لم ُيبدأ به اختلطت األمور‬
‫والتبست األحكام ولم ينضبط لإلنسان أمره ال يف عمله وال يف رزقه‪ ،‬والمسلم‬
‫يتقرب به إليه‬
‫أي عمل َّ‬ ‫صالحا؛ فال يقبل اهلل ‪ D‬منه َّ‬ ‫ً‬ ‫مأمور بأن يكون عمله‬
‫ٌ‬
‫يصح للمسلم أن‬ ‫ُّ‬ ‫ومطلوب منه أن يكون رزقه ط ِّي ًبا؛ فال‬
‫ٌ‬ ‫صالحا‪،‬‬
‫ً‬ ‫َّإل إذا كان‬
‫كل ما يقع يف يده من طعام أو شراب‪ ،‬بل ال ُبدَّ أن يكون ط ِّي ًبا؛ ومعرفة‬ ‫َي ْط َعم َّ‬
‫والرزق ال َّط ِّيب من غيره ال ُبدَّ فيه من العلم النَّافع‬
‫الصالح من غيره ِّ‬‫العمل َّ‬
‫ولهذا بدأ به‪ ،‬فاألصل أن يتع َّلم المسلم دينه وأحكام شرعه قبل أن يعمل‪،‬‬
‫السؤال والتَّف ُّقه والتَّع ُّلم إلى ما بعد العمل! بينما‬
‫يؤخرون ُّ‬‫وكثير من النَّاس ِّ‬
‫اهلل على‬
‫السؤال عن الحكم قبل العمل‪ ،‬فبالعلم ُيبدأ؛ ل ُيعبد ُ‬
‫األصل أن يكون ُّ‬
‫‪261‬‬ ‫‪ -42‬أذكار طريف النَّهار (‪)10‬‬

‫بصيرة‪ ،‬فصار متأ ِّكدً ا أن يكون يف أولى أولويات المرء واهتماماته يف يومه أن‬
‫حظ من العلم‪.‬‬ ‫يكون له فيه ٌّ‬
‫يومي للمسلم‪ ،‬فيحرص أن يكون له‬ ‫هدف‬
‫ٌ‬ ‫أن طلب العلم‬ ‫وهبذا ُيعلم َّ‬
‫ٌّ‬
‫يسيرا‪.‬‬
‫قدرا ً‬
‫يفوت يو ًما بال نصيب منه ولو ً‬ ‫نصيب من العلم يف ِّ‬
‫كل يوم؛ فال ِّ‬ ‫ٌ‬
‫هم‬‫السبب؛ فإذا قال‪« :‬ال َّل َّ‬ ‫ثم على الدَّ اعي هبذا الدُّ عاء أن ُيتبع الدُّ عاء ببذل َّ‬ ‫َّ‬
‫إنِّي أسألك العلم النَّافع» يف بكوره‪ ،‬عليه أن ُيجاهد نفسه على تحصيل نصيب‬
‫ثم نام‬ ‫الصبح َّ‬ ‫أن إنسانًا دعا هبذا الدُّ عاء بعد ُّ‬ ‫وحظ منه يف يومه‪ .‬فلو َّ‬ ‫ٍّ‬ ‫من العلم‬
‫السبب‪ ،‬قد قال ﷺ‪« :‬إِن ََّما‬ ‫حتَّى ال ُّظهر لن يأتيه العلم على فراشه! ألنَّه لم يبذل َّ‬
‫ك‪َ ،‬و ْاست َِع ْن بِاهَّلل ِ»؛‬ ‫«احرِ ْص َع َلى َما َي ْن َف ُع َ‬ ‫ا ْلع ْل ُم بِال َّت َع ُّل ْم»‪ ،‬وقال ‪ْ :O‬‬
‫ِ‬
‫حرص‪ ،‬وبذل وسعٍ‪ ،‬وجدٍّ واجتهاد‪ ،‬وصرب ومصابرة؛‬ ‫ٍ‬ ‫فال بدَّ مع الدُّ عاء من‬
‫ك اهَّللُ بِ ِه َطرِي ًقا إلى‬ ‫ب فِ ِيه ِع ْل ًما َس َل َ‬ ‫ك َطرِي ًقا َي ْط ُل ُ‬ ‫«م ْن َس َل َ‬ ‫ولهذا قال ‪َ :S‬‬
‫ب ا ْل ِع ْل ِم ِر ًضا بما يصنع‪َ ،‬وإِ َّن ا ْل َعالِ َم‬ ‫ا ْل َجن َِّة‪َ ،‬وإِ َّن ا ْل َم َلئِ َك َة َلت ََض ُع َأ ْجن ِ َحت ََها لِ َطالِ ِ‬
‫اء‪َ ،‬وإِ َّن َف ْض َل‬ ‫َان فِي ا ْلم ِ‬‫حيت ُ‬ ‫ض حتَّى ا ْل ِ‬ ‫ات َو َم ْن فِي األَ ْر ِ‬ ‫َليس َتغ ِْفر َله من فِي السمو ِ‬
‫َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َْ ُ َُ ْ‬
‫ب‪َ ،‬وإِ َّن ا ْل ُع َل َما َء‬ ‫ا ْل َعالِ ِم َع َلى ا ْل َعابِ ِد َك َف ْض ِل ا ْل َق َمرِ َل ْي َل َة ا ْل َبدْ ِر َع َلى َسائِرِ ا ْلك ََواكِ ِ‬
‫اء‪َ ،‬وإِ َّن األَ ْنبِ َيا َء َل ْم ُي َو ِّر ُثوا ِدين ًَارا َو َل ِد ْر َه ًما إِن ََّما َو َّر ُثوا ا ْل ِع ْل َم؛ َف َم ْن‬‫ور َث ُة األَ ْنبِي ِ‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬
‫السبب وهو سلوك ال َّطريق لطلب العلم‪.‬‬ ‫َأ َخ َذ ُه َأ َخ َذ بِ َح ٍّظ َوافرٍ»‪ ،‬فأمر ببذل َّ‬
‫«علما ناف ًعا»‪ ،‬أي‪ :‬ناف ًعا يف نفسه‪ ،‬وناف ًعا لمتع ِّلمه بأن ينتفع به؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ً‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫من العلم ما ليس بنافع‪ ،‬ومنه ما هو نافع لك ْن ال ينتفع به َمن تع َّلمه‪ ،‬فسأل اهلل‬
‫أن المسلم عندما‬ ‫مهمة وهي‪َّ :‬‬‫أيضا فيه فائدة َّ‬ ‫يم َّن عليه بالعلم النَّافع‪ .‬وهذا ً‬
‫أن ُ‬
‫يقربه إلى اهلل‪ ،‬ا َّلذي مدح اهلل‬‫يطلب العلم عليه أن يطلب العلم النَّافع ا َّلذي ِّ‬
‫‪ D‬أهله وأثنى عليهم وذكَر فضلهم وسابقتهم وم َّيزهم على َمن سواهم‪،‬‬
‫الزمر‪ ،]9 :‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫قال تعالى‪﴿ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ﴾ [ ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪262‬‬

‫﴿ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﴾‬
‫[المجادلة‪ ،]11 :‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ‬
‫الرعد‪ ،]19 :‬وهو العلم ا َّلذي به يعرف المسلم الغاية ا َّلتي ُخلق‬
‫ﭠ ﭡ ﴾ [ َّ‬
‫والسبيل إلى تحقيقها على الوجه ا َّلذي ُيرضي اهلل ‪.F‬‬ ‫ألجلها َّ‬
‫ضارة؛ أ َّما العلم النَّافع‪ :‬فهو‬ ‫والعلوم على نوعين‪ :‬علوم نافعة‪ ،‬وعلوم َّ‬
‫تضر اإلنسان وترديه يف دينه‬ ‫الض َّارة‪ :‬فهي ا َّلتي ُّ‬ ‫المقرب إلى اهلل‪ ،‬وأ َّما العلوم َّ‬ ‫ِّ‬
‫والشعوذة وال َّطالسم ونحوها‪ .‬وكان ﷺ َّ‬
‫يتعوذ باهلل من‬ ‫السحر َّ‬ ‫ودنياه؛ كتع ُّلم ِّ‬
‫العلم ا َّلذي ال ينفع‪ ،‬ويسأل اهلل العلم النَّافع‪ ،‬ومن أدعيته صلوات اهلل وسالمه‬
‫عليه‪« :‬ال َّل ُه َّم ا ْن َف ْعنِي بِ َما َع َّل ْمتَنِي‪َ ،‬و َع ِّل ْمنِي َما َينْ َف ُعنِي‪َ ،‬و ِز ْدنِي ِع ْل ًما»(‪ ،)1‬ومنها‪:‬‬
‫ك ِم ْن ِع ْل ٍم َل َينْ َف ُع»(‪.)2‬‬ ‫«ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫يتحرى العلم ا َّلذي ينفع‪ ،‬قال ﷺ «إِ َّن اهَّللَ َي ْر َف ُع بِ َه َذا‬
‫َّ‬ ‫فالمسلم ينبغي أن‬
‫يصحح ن َّيته يف طلبه؛ بأن يطلب‬ ‫ِّ‬ ‫ين»‪ ،‬وعليه أن‬‫آخرِ َ‬ ‫َاب َأ ْق َو ًاما َو َي َض ُع بِ ِه َ‬
‫ا ْلكِت ِ‬
‫العلم لينتفع به‪ ،‬ولينال به رضا اهلل ‪ D‬وثوابه‪.‬‬
‫حالل ليس فيه شبهةٌ‪ ،‬أو مخالف ٌة لشرع اهلل أو‬ ‫ً‬ ‫قوله‪« :‬ورز ًقا ط ِّي ًبا»‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ٍ‬
‫طريق لم يشرعه اهلل‪.‬‬ ‫مثل‪ :‬من‬ ‫حرمه اهلل‪ ،‬بتحصيل هذا المال‪ً ،‬‬ ‫ارتكاب ٍ‬
‫ألمر َّ‬ ‫ٌ‬
‫يحصله النَّاس على نوعين‪ :‬ط ِّيب‪ ،‬وخبيث‪ .‬واهلل ‪َّ D‬‬
‫أحل‬ ‫ِّ‬ ‫فالرزق ا َّلذي‬
‫ِّ‬
‫الرزق كذلك َّ‬
‫فإن َمن يطلب‬ ‫وحرم عليهم الخبائث‪ .‬وإذا كان ِّ‬ ‫لعباده ال َّط ِّيبات َّ‬
‫بالرزق‬ ‫ليحصله‪ ،‬وعلى ٍ‬
‫علم ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫بالرزق ال َّطيب‬ ‫الرزق ينبغي أن يكون على ٍ‬
‫علم ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الخبيث ليحذره ويجتنبه‪.‬‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)2599‬وابن ماجه (‪،)3833‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2722‬‬
‫‪263‬‬ ‫‪ -42‬أذكار طريف النَّهار (‪)10‬‬

‫صالحا»‪ ،‬والعمل‬‫ً‬ ‫«وعمل‬


‫ً‬ ‫الروايات‪:‬‬ ‫«وعمل متق َّب ًل»‪ ،‬ويف بعض ِّ‬
‫ً‬ ‫قوله‪:‬‬
‫الصالح هو المتق َّبل‪ ،‬والمتق َّبل هو ا َّلذي قامت فيه شروط قبول العمل‪ ،‬قال‬ ‫َّ‬
‫اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ِ‬
‫ﭯ﴾ [اإلسراء‪ ،]19 :‬أي‪ :‬متق َّب ًل مرض ًّيا عند اهلل‪ ،‬مدَّ خ ًرا لهم ً‬
‫أجرا وثوا ًبا‬
‫َّ‬
‫عنده‪ .‬وال يكون العمل كذلك إل بشرطين‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يخلص فيه العامل هلل‪.‬‬
‫‪ -2‬وأن يكون على وفق سنَّة رسول اهلل ﷺ‪.‬‬
‫وأصو ُبه»‪،‬‬
‫َ‬ ‫ولهذا قال الفضيل ابن عياض‪ :‬يف معنى اآلية‪« :‬أي‪ :‬أخ َل ُصه‬
‫خالصا ولم يكن‬
‫ً‬ ‫قيل يا أبا علي وما أخلصه وأصوبه؟ قال‪َّ :‬‬
‫«إن العمل إذا كان‬ ‫ٍّ‬
‫خالصا‬
‫ً‬ ‫خالصا لم ُيقبل حتَّى يكون‬
‫ً‬ ‫صوا ًبا لم ُيقبل‪ ،‬وإذا كان صوا ًبا ولم يكن‬
‫(‪)1‬‬
‫السنَّة»‬
‫والصواب‪ :‬ما كان على ُّ‬
‫صوا ًبا‪ ،‬والخالص‪ :‬ما كان هلل‪َّ ،‬‬
‫الشرطان أو أحدُ هما‬ ‫الصواب‪ ،‬وإذا َّ‬
‫اختل َّ‬ ‫الصالح‪ :‬هو الخالص َّ‬
‫فالعمل َّ‬
‫صالحا‪ .‬وأحوال العمل من حيث اإلخالص واملتابعة أربعة‪:‬‬
‫ً‬ ‫لم يكن العمل‬
‫لسنَّة رسول اهلل ﷺ؛ وهذا وحده هو‬ ‫عمل خالص هلل موافق ُ‬ ‫الحالة األولى‪ٌ :‬‬
‫الصفة العظيمة‪.‬‬
‫بالصالح‪ ،‬وال يوصف سواه هبذه ِّ‬ ‫ا َّلذي يوصف َّ‬
‫الثانية‪ٌ :‬‬ ‫َّ‬
‫عمل خالص هلل لكنَّه ليس على وفق سنَّة رسول اهلل ﷺ؛‬ ‫الحالة‬
‫وهذا يكثر عند المتع ِّبدة باألهواء والبدع‪.‬‬
‫َّ‬
‫خالصا هلل‪،‬‬
‫ً‬ ‫والحالة الثالثة‪ :‬أن يأيت بالعمل مواف ًقا ُّ‬
‫للسنَّة لكنَّه ال يكون‬
‫َّبي‬ ‫َّ‬
‫السمعة أو نحو ذلك‪ .‬وقد جاء يف الحديث‪ :‬أن الن َّ‬ ‫الرياء أو ُّ‬ ‫بل يكون فيه ِّ‬
‫الصحابة وهم يتذاكرون‪ ،‬قال‪« :‬ما تذاكرون؟»‬ ‫‪ O‬خرج يو ًما على َّ‬
‫(((  حلية األولياء (‪.)95/8‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪264‬‬

‫ف َع َل ْيك ُْم‬ ‫«أ َل ُأ ْخبِ ُرك ُْم بِ َما ُه َو َأ ْخ َو ُ‬


‫قالوا نتذاكر فتنة المسيح الدَّ جال‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫«الش ْر ُك ا ْلخَ ِف ُّي؛ َأ ْن َي ُقو َم‬ ‫ِعن ِْدي ِم ْن ا ْلم ِسيحِ الدَّ َّج ِ‬
‫ال؟» َق َال ُق ْلنَا َب َلى‪َ ،‬ف َق َال‪ِّ :‬‬ ‫َ‬
‫الر ُج ُل ُي َص ِّلي َف ُيز َِّي ُن َص َل َت ُه لِ َما َي َرى ِم ْن َن َظرِ َر ُج ٍل»(‪ ،)1‬فهو يص ِّلي ويز ِّين‬ ‫َّ‬
‫السنَّة‬
‫الصالة إنَّما يكون بالتزام ُّ‬ ‫ويحسنها ‪-‬ومن المعلوم َّ‬
‫أن تزيين َّ‬ ‫ِّ‬ ‫صالته‬
‫َّبي ‪ -O‬لكنَّه يز ِّينها ليس هلل وإنَّما لما يرى من نظر رجل‪.‬‬ ‫وهدي الن ِّ‬
‫خالصا هلل‪ ،‬وهو‬
‫ً‬ ‫السنَّة يف هيئته وصفته ولكنَّه ال يكون‬
‫فالعمل قد يكون على ُّ‬
‫صالحا؛ ألنَّه افتقد شر ًطا لصالح العمل وهو اإلخالص هلل ‪.F‬‬ ‫ً‬ ‫هبذا ليس‬
‫خالصا هلل وال على سنَّة رسول اهلل ﷺ‪،‬‬
‫ً‬ ‫الرابعة‪ :‬أن يكون العمل ليس‬
‫الحالة َّ‬
‫يتقرب هبا إلى غير اهلل ‪.F‬‬
‫أي‪ :‬أن يتع َّبد بعبادات محدثة‪ ،‬ويف الوقت نفسه َّ‬
‫َ‬
‫حافظ‬ ‫حس ُن بالمسلم أن ُي‬
‫كبير الفائدة‪َ ،‬ي ُ‬
‫عظيم النَّفع ُ‬
‫ُ‬ ‫الحاصل َّ‬
‫أن هذا دعا ٌء‬
‫ِ‬
‫الخيرات العظيم َة‬ ‫َّبي الكريم ‪O‬؛ لين ََال هذه‬ ‫َّ‬
‫عليه كل صباح تأس ًيا بالن ِّ‬
‫َ‬
‫واألفضال الكريمةَ‪ ،‬واهلل وحده المو ِّفق‪.‬‬

‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه ابن ماجه (‪،)4204‬‬
‫‪265‬‬ ‫‪ -43‬أذكار النَّوم (‪)1‬‬

‫‪43‬‬

‫أذكار النَّوم (‪)1‬‬

‫النَّوم آية من آيات اهلل العظيمة الدَّ الة على كمال تدبيره وعظمة تقديره‬
‫المستحق للعبادة وحده‪ ،‬يقول ‪﴿ :D‬ﮮ ﮯ ﮰ‬ ‫ُّ‬ ‫سبحانه‪ ،‬وأنَّه ‪C‬‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [ ُّ‬
‫الروم‪:‬‬
‫أيضا رحمة من اهلل سبحانه بالعباد؛‬ ‫‪ ،]23‬والنَّوم كما أنَّه آية من آيات اهلل فهو ً‬
‫يسر لهم وقتًا يسرتيحون فيه‪ ،‬وه َّيأ لهم هذا النَّوم ا َّلذي تكون به راحتهم‪،‬‬ ‫حيث َّ‬
‫يقول اهلل ‪﴿ :D‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﴾ [القصص‪.]73 :‬‬
‫ٍ‬
‫وأذكار عظيمة ثابتة عن نب ِّينا ﷺ‬ ‫ٍ‬
‫بأوراد مباركة‬ ‫السنَّة النَّبو َّية‬
‫وقد جاءت ُّ‬
‫ستحب للمسلم أن يقوله عندما يأوي إلى فراشه لينام‪ ،‬وهذه األوراد لها‬ ‫ُّ‬ ‫فيما ُي‬
‫ثمارها العظيمة وآثارها المباركة‪ ،‬فينبغي على العبد أن يحرص على أن يأيت‬
‫ً‬
‫وتحصيل لربكاهتا‪.‬‬ ‫تيسر منها اغتنا ًما لخيراهتا‬ ‫بما َّ‬
‫ذكر هلل ‪F‬؛‬ ‫والمسلم النَّاصح لنفسه الحريص على الخير ينام على ٍ‬
‫ومرة يقرأ آيات‪،‬‬
‫فمرة يس ِّبح‪َّ ،‬‬
‫فإذا وضع جنبه على فراشه أخذ يشتغل بذكر اهلل؛ َّ‬
‫ومرة يأيت بأدعية‪ ،‬وهكذا‪ .‬فينام وهو ذاكر هلل ‪ ،F‬وذلك فضل اهلل يؤتيه‬ ‫َّ‬
‫َمن يشاء واهلل ذو الفضل العظيم‪ .‬وشتَّان بين َمن ينام وهو على هذه األذكار‬
‫العظيمة المباركة‪ ،‬وبين َمن ينام على غير ذلك‪.‬‬
‫يأوي المرء إلى فراشه على طهارة‪ ،‬وأن ينفض فراشه‪،‬‬
‫َ‬ ‫السنَّة أن‬
‫ومن ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪266‬‬

‫وأن يضطجع على ش ِّقه األيمن‪ ،‬وأن يضع ك َّفه اليمنى تحت خدِّ ه األيمن‪َّ ،‬‬
‫ثم‬
‫ت َج ْنبِي»(‪ ،)1‬ويمضي يف‬ ‫اس ِم َ‬
‫ك ال َّل ُه َّم َو َض ْع ُ‬ ‫بالذكر‪ ،‬بادئًا بالتَّسمية «بِ ْ‬
‫ينشغل ِّ‬
‫األذكار إلى أن ينام على هذه الحال العظيمة المباركة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫النوم ْ‬ ‫َّ‬
‫يجد َّأنها في الجملة تتعلق بأمور‪:‬‬ ‫ومن َّ‬
‫يتأمل أذكار‬ ‫‪َ ‬‬
‫َ َ ُّ‬
‫‪َّ ‬إما تذك ٌر للموت؛ ولهذا نجد يف أدعية النَّوم تذكير بالموت‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫اح َف ْظ َها»‪ ،‬ومثل‪« :‬ال َّل ُه َّم ِقنِي‬ ‫«ال َّلهم إِ ْن َأمسك َ ِ‬
‫ْت َن ْفسي َف ْار َح ْم َها َوإِ ْن َأ ْر َس ْلت ََها َف ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َّ‬
‫ك‬‫اها َل َ‬ ‫ت َن ْف ِسي َو َأن َ‬
‫ْت َتت ََو َّف َ‬ ‫ْت َخ َل ْق َ‬‫ث ِع َبا َد َك»‪ ،‬ومثل‪« :‬ال َّل ُه َّم َأن َ‬ ‫َع َذا َب َ‬
‫ك َي ْو َم َت ْب َع ُ‬
‫اها»؛ فهذا نوع‪.‬‬
‫َم َمات َُها َو َم ْح َي َ‬
‫نظر ملا م�ضى من وقته‪ ،‬وما أكرمه هللا به من طعام وشراب ولباس‬ ‫‪ ‬أو ٌ‬
‫ومسكن؛ فهذه نِعم تستوجب الحمد‪ ،‬فيقول إذا أوى إلى فراشه‪« :‬الحمدُ هلل ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ا َّل ِذي َأ ْط َع َمنَا َو َس َقانَا‪َ ،‬و َك َفانَا َو َآوانَا‪َ ،‬فك َْم ِم َّم ْن َل كَافِي َل ُه َو َل ُم ْؤ ِوي»‪.‬‬
‫الكرسي واآليتين‬ ‫آية‬ ‫بقراءة‬ ‫العظيمة؛‬ ‫اإليمان‬ ‫ل‬ ‫ُّ‬
‫تذك ٌ‬
‫ِّ‬ ‫ألصو‬ ‫ر‬ ‫‪ ‬أو‬
‫ك ا َّل ِذي‬ ‫ْت بِكِتَابِ َ‬ ‫«آمن ُ‬
‫األخيرتين من سورة البقرة‪ ،‬وما جاء يف حديث الرباء‪َ :‬‬
‫ت»‪.‬‬ ‫ت َوبِنَبِ ِّيك ا َّل ِذي َأ ْر َس ْل َ‬ ‫َأ ْن َز َل ْ‬
‫ُّ‬
‫املتنوعة كما يف قراءة «قل‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫رور‬ ‫الش‬ ‫تعوذات باهلل بأن ُيحفظ العبد من‬ ‫‪ ‬أو ُّ‬
‫برب النَّاس» عند النَّوم‪.‬‬ ‫برب الفلق»‪ ،‬و «قل أعوذ ِّ‬ ‫أعوذ ِّ‬
‫اش ِه‌ك َُّل َل ْي َل ٍة َج َم َع‬‫َان‌إِ َذا َ‌أوى‌إِ َلى‌فِر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫«أن النَّبِ َّي ﷺ‌ك َ‬ ‫عن عائشة ‪َّ :J‬‬
‫يه َما َف َق َر َأ ‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ [اإلخالص‪ ،]1 :‬و﴿ﭤ ﭥ‬ ‫ث فِ ِ‬ ‫َك َّف ْي ِه‪ُ ،‬ث َّم َن َف َ‬
‫ﭦ ﭧ﴾ [الفلق‪ ،]1 :‬و﴿ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [النَّاس‪ُ ،]1 :‬ث َّم َي ْم َس ُح بِ ِه َما‬
‫اع ِم ْن َج َس ِد ِه‪َ ،‬ي ْبدَ ُأ بِ ِه َما َع َلى َر ْأ ِس ِه َو َو ْج ِه ِه َو َما َأ ْق َب َل ِم ْن َج َس ِد ِه َي ْف َع ُل‬ ‫َما ْاس َت َط َ‬
‫البخاري (‪ ،)6320‬ومسلم (‪.)2714‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪267‬‬ ‫‪ -43‬أذكار النَّوم (‪)1‬‬
‫ث مر ٍ‬ ‫َذلِ َ‬
‫ات»(‪.)1‬‬ ‫ك َث َل َ َ َّ‬
‫يمسه‬
‫يحصن العبد نفسه‪ ،‬ل ُيحفظ يف منامه من أن َّ‬ ‫ِّ‬ ‫تعو ٌذ وتحصين‬
‫فهذا ُّ‬
‫خاص ًة َّ‬
‫أن اإلنسان‬ ‫شر أو أن يصيبه شيء من الهوا ِّم المؤذية‪َّ ،‬‬
‫مكروه أو يناله ٌّ‬
‫غافل ال يدري بما حوله‪ ،‬فإذا أتى هبذا ِ‬
‫الورد‬ ‫نائما؛ فإنَّه يكون ً‬
‫عندما يكون ً‬
‫ٍ‬
‫وكفاية ووقاية‪ ،‬وال يزال عليه من اهلل حافظ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وحفظ‬ ‫أصبح يف ٍ‬
‫حرز‬
‫كل ليلة كما قالت عائشة‪:‬‬ ‫وقد كان ‪ O‬يحافظ على هذا الورد َّ‬
‫كل ليلة حتَّى جاء يف‬ ‫اش ِه ك َُّل َل ْي َل ٍة»‪ ،‬فكان يحافظ عليه َّ‬
‫َان إِ َذا َأوى إِ َلى فِر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫«ك َ‬
‫ك بِ ِه»‪،‬‬
‫َان َي ْأ ُمر َأ ْن َأ ْف َع َل َذلِ َ‬
‫«فلما ْاش َتكَى ك َ‬
‫بعض طرق هذا الحديث‪ ،‬قالت‪َّ :‬‬
‫يدل على شدَّ ة محافظته عليه ﷺ‪.‬‬ ‫وهذا ُّ‬
‫ِ‬
‫ضم يديه وألصق إحداهما باألخرى مفتوحتان‬ ‫«ج َم َع َك َّف ْيه»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬
‫وقولها‪َ :‬‬
‫ثم يمسح بيده‬
‫ثم كان ‪ O‬ينفث َّ‬ ‫إلى جهة وجهه ليباشر النَّفث فيهما‪َّ .‬‬
‫ما استطاع من جسده‪ ،‬وهذه التِّالوة والنَّفث والمسح هذا ك ُّله تحصين للعبد‬
‫من أن يصيبه أذى‪.‬‬
‫«و َما َأ ْق َب َل ِم ْن َج َس ِد ِه»‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫«ي ْبدَ ُأ بِ ِه َما َع َلى َر ْأسه َو َو ْج ِهه» بدأ باألشرف َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫والسنَّة أن يفعل ذلك ثالث‬ ‫بالرأس والوجه‪ُّ ،‬‬ ‫مسح للبدن ك ِّله‪ ،‬لكنَّه يبدأ َّ‬ ‫فهو ٌ‬
‫َّبي ﷺ‪.‬‬
‫مرات‪ ،‬كما فعل ذلك الن ُّ‬
‫َّ‬
‫وكان ‪ O‬يواظب على ذلك مواظب ًة تا َّمة حتَّى يف مرض وفاته‪،‬‬
‫لما ثقل ‪ O‬كان يقرأ ويأمر عائشة أن ُت ِم َّر‬ ‫الصحيحين َّ‬
‫كما جاء يف َّ‬
‫بيده على ما استطاعت من جسده ‪ ،O‬حيث ال يتم َّكن مع ثقل‬
‫المرض أن يباشر تحريكها بنفسه‪.‬‬
‫البخاري (‪.)5017‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪268‬‬

‫التعوذ المبارك ا َّلذي‬ ‫مستعيذ بمثل هذا ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫متحص ٌن وال استعاذ‬ ‫ِّ‬ ‫تحصن‬ ‫و َما َّ‬
‫الجهني ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫جاء عن النَّبِ ِّي ﷺ‪ ،‬فعن عقبة بن عامر‬
‫ِ‬
‫تعوذات عظيمة‬ ‫ات َل ْم َأ َر م ْث َل ُه َّن؛ ا ْل ُم َع ِّو َذ َت ْي ِن ُث َّم َق َر َأ ُه َما»(‪ ،)1‬فهي ُّ‬ ‫«أن ِْز َل َع َل َّي َآي ٌ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫ثم يمسح‬ ‫السور ال َّثالث وينفث في يده‪َّ ،‬‬ ‫وتحصنات مباركة‪ ،‬يقرأ المسلم هذه ُّ‬ ‫ُّ‬
‫كامل لجميع البدن‪.‬‬ ‫بيده َما استطاع من بدنه ما أقبل منه وأدبر؛ تحصينًا ً‬
‫«آم ُرك ُْم‬ ‫الصحيح َّ‬ ‫ِ‬
‫أن زكر َّيا ‪ S‬قال لقومه‪ُ :‬‬ ‫ولهذا جاء في الحديث َّ‬
‫بِ ِذ ْكرِ اهللِ‪َ ،‬فإِ َّن َم َثل ا َّل ِذي َي ْذك ُُر َر َّب ُه َم َثل َر ُج ٍل ا ْن َط َل َق َخ ْل َف ُه ا ْل َعدُ ُّو ِس َرا ًعا َف َأ َوى‬
‫الذاكر‪ ،‬كَأنَّه‬ ‫ين‪َ ،‬ف َل ْم َي ْستَطِ ْع َعدُ ُّو ُه َأ ْن َي ِص َل إِ َل ْي ِه»(‪)2‬؛ فهذا مثل َّ‬ ‫إِ َلى ِح ْص ٍن َح ِص ٍ‬
‫عدوه أن يدخل عليه فِيه‪.‬‬ ‫حصن مغلق فال يستطيع ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫دخل فِي‬
‫ول اهَّلل ِ‬ ‫«و َّك َلنِي َر ُس ُ‬ ‫َّ‬
‫‪ ‬ومن أوراد النوم‪ :‬ما رواه عن أبي هريرة ‪ I‬قال‪َ :‬‬
‫ت‪:‬‬ ‫‌م َن‌ال َّط َعا ِم َف َأ َخ ْذ ُت ُه‪َ ،‬و ُق ْل ُ‬ ‫‌آت‌ َفجع َل‌يح ُثو ِ‬ ‫ان‪َ ‌،‬ف َأتَانِي ٍ‬ ‫َاة َر َم َض َ‬ ‫ظ َزك ِ‬ ‫ح ْف ِ‬ ‫ﷺ بِ ِ‬
‫َ َ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّك إِ َلى رس ِ ِ‬ ‫َواهَّلل ِ َلَ ْر َف َعن َ‬
‫َاج‪َ ،‬و َع َل َّي ع َي ٌال َولي َح َ‬
‫اج ٌة‬ ‫ول اهَّلل ﷺ‪َ ،‬ق َال‪ :‬إِنِّي ُم ْحت ٌ‬ ‫َ ُ‬
‫«يا َأ َبا ُه َر ْي َرةَ‪َ ،‬ما َف َع َل‬ ‫ت‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ﷺ‪َ :‬‬ ‫ت َعنْ ُه‪َ ،‬ف َأ ْص َب ْح ُ‬ ‫َش ِديدَ ةٌ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فخَ َّل ْي ُ‬
‫اج ًة َش ِديدَ ةً‪َ ،‬و ِع َي ًال‪َ ،‬ف َر ِح ْم ُت ُه‪،‬‬ ‫ت ‪ :‬ي ا رس َ ِ‬ ‫َأ ِس ُير َك ال َب ِ‬
‫ول اهَّلل‪َ ،‬شكَا َح َ‬ ‫ار َحةَ»‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُ َ َ ُ‬
‫ت َأ َّن ُه َس َي ُعو ُد‪ ،‬لِ َق ْو ِل‬ ‫ك‪َ ،‬و َس َي ُعو ُد»‪َ ،‬ف َع َر ْف ُ‬ ‫«أ َما إِ َّن ُه َقدْ ك ََذ َب َ‬ ‫ت َسبِي َل ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫َفخَ َّل ْي ُ‬
‫ت‪:‬‬ ‫ول اهَّلل ِ ﷺ إِ َّن ُه َس َي ُعو ُد‪َ ،‬ف َر َصدْ ُت ُه‪َ ،‬ف َجا َء َي ْح ُثو ِم َن ال َّط َعامِ‪َ ،‬ف َأ َخ ْذ ُت ُه‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬ ‫رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫َاج َو َع َل َّي ِع َي ٌال‪َ ،‬ل َأ ُعو ُد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َّك إِ َلى رس ِ ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ َق َال‪َ :‬د ْعني َفإِنِّي ُم ْحت ٌ‬ ‫َ ُ‬ ‫َلَ ْر َف َعن َ‬
‫«يا َأ َبا ُه َر ْي َرةَ‪،‬‬ ‫ت‪َ ،‬ف َق َال لِي رس ُ ِ‬ ‫ت َسبِي َل ُه‪َ ،‬ف َأ ْص َب ْح ُ‬ ‫َف َر ِح ْم ُت ُه‪َ ،‬فخَ َّل ْي ُ‬
‫ول اهَّلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫َ ُ‬
‫اج ًة َش ِديدَ ةً‪َ ،‬و ِع َي ًال‪َ ،‬ف َر ِح ْم ُت ُه‪،‬‬ ‫ت ‪ :‬ي ا رس َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهَّلل َشكَا َح َ‬ ‫َما َف َع َل َأس ُير َك»‪ُ ،‬ق ْل ُ َ َ ُ‬
‫ك َو َس َي ُعو ُد»‪َ ،‬ف َر َصدْ ُت ُه ال َّثالِ َثةَ‪َ ،‬ف َجا َء َي ْح ُثو‬ ‫«أ َما إِ َّن ُه َقدْ ك ََذ َب َ‬‫ت َسبِي َل ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫َفخَ َّل ْي ُ‬
‫الصحيحة‬
‫السلسلة َّ‬
‫وصححه األلباينُّ يف ِّ‬
‫َّ‬ ‫ارمي (‪،)3484‬‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)17355‬والدَّ ُّ‬
‫(‪ ،)3499‬ويف صحيح الجامع (‪.)1499‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2863‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫‪269‬‬ ‫‪ -43‬أذكار النَّوم (‪)1‬‬
‫آخر َث َل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِم َن ال َّط َعامِ‪َ ،‬ف َأ َخ ْذ ُت ُه‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬
‫ث‬ ‫َّك إِ َلى َر ُسول اهَّلل ﷺ‪َ ،‬و َه َذا ُ‬ ‫ت‪َ :‬لَ ْر َف َعن َ‬
‫ات َينْ َف ُع َ‬ ‫ك ك َِلم ٍ‬ ‫َّك َت ْز ُع ُم َل َت ُعو ُد‪ُ ،‬ث َّم َت ُعو ُد َق َال‪َ :‬د ْعنِي ُأ َع ِّل ْم َ‬ ‫ات‪َ ،‬أن َ‬ ‫مر ٍ‬
‫ك اهَّللُ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫ك‪َ ،‬فا ْق َر ْأ َآي َة الك ُْر ِس ِّي‪﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ‬ ‫اش َ‬ ‫ت إِ َلى فِر ِ‬
‫َ‬ ‫ت‪َ :‬ما ُه َو؟ َق َال‪ :‬إِ َذا َأ َو ْي َ‬ ‫بِ َها‪ُ ،‬ق ْل ُ‬
‫ك ِمن اهَّلل ِ‬ ‫اآليةَ‪َ ،‬فإِن َ‬ ‫ِ‬
‫َّك َل ْن َيز ََال َع َل ْي َ َ‬ ‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ﴾ [البقرة‪َ ]255 :‬حتَّى تَخْ ت َم َ‬
‫ت َف َق َال لِي‬ ‫ت َسبِي َل ُه‪َ ،‬ف َأ ْص َب ْح ُ‬ ‫ان َحتَّى ت ُْصبِ َح‪َ ،‬فخَ َّل ْي ُ‬ ‫َّك َش ْي َط ٌ‬ ‫َحافِ ٌظ‪َ ،‬و َل َي ْق َر َبن َ‬
‫ول اهَّللِ‪َ ،‬ز َع َم َأ َّن ُه ُي َع ِّل ُمنِي‬ ‫ت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ار َحةَ»‪ُ ،‬ق ْل ُ‬ ‫«ما َف َع َل َأ ِس ُير َك ال َب ِ‬ ‫ول اهَّلل ﷺ‪َ :‬‬
‫رس ُ ِ‬
‫َ ُ‬
‫ت‬ ‫ت‪َ :‬ق َال لِي‪ :‬إِ َذا َأ َو ْي َ‬ ‫«ما ِه َي»‪ُ ،‬ق ْل ُ‬ ‫ت َسبِي َل ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫ات َينْ َف ُعنِي اهَّللُ بِ َها‪َ ،‬فخَ َّل ْي ُ‬ ‫ك َِلم ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآليةَ‪﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬ ‫ك َفا ْق َر ْأ َآي َة الك ُْرس ِّي م ْن َأ َّول َها َحتَّى تَخْ ت َم َ‬ ‫إِ َلى ف َراش َ‬
‫ان َحتَّى‬ ‫ك َش ْي َط ٌ‬ ‫ك ِم َن اهَّلل ِ َحافِ ٌظ‪َ ،‬و َل َي ْق َر َب َ‬ ‫ﮨ ﮩﮪ﴾‪َ ،‬و َق َال لِي‪َ :‬ل ْن َيز ََال َع َل ْي َ‬
‫ك‬ ‫«أ َما إِ َّن ُه َقدْ َصدَ َق َ‬ ‫‪-‬وكَانُوا َأ ْح َر َص َشي ٍء َع َلى الخَ ْيرِ ‪َ -‬ف َق َال النَّبِي ﷺ‪َ :‬‬ ‫ت ُْصبِ َح َ‬
‫ُّ‬ ‫ْ‬
‫ال َيا َأ َبا ُه َر ْي َرةَ»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ل‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ذ َ‬ ‫ث َلي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اك‬ ‫ب ُمن ُْذ َث َل َ‬ ‫وب‪َ ،‬ت ْع َل ُم َم ْن تُخَ اط ُ‬ ‫َو ُه َو ك َُذ ٌ‬
‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫َش ْي َط ٌ‬
‫ان»‪ .‬رواه‬
‫ستحب‬
‫ُّ‬ ‫أيضا من األوراد العظيمة المأثورة عن نب ِّينا ﷺ وا َّلتي ُي‬
‫فهذا ً‬
‫الكرسي‪،‬‬ ‫كل ليلة إذا أوى المسلم إلى فراشه؛ أن يقرأ آية‬ ‫المحافظة عليها َّ‬
‫ِّ‬
‫َّ‬
‫وأن َمن قرأها إذا أوى إلى فراشه؛ فإنَّه ال يزال عليه من اهلل حافظ‪ ،‬وال يقربه‬
‫َّ‬
‫الشيطان حتَّى يصبح‪ ،‬ففيها تحصي ٌن تا ٌّم للعبد‪.‬‬
‫الكرسي أعظم آية يف كتاب اهلل سبحانه‪ ،‬كما جاء يف صحيح مسلم‬ ‫ِّ‬ ‫وآية‬
‫ي َآي ٍة‬ ‫ِ‬ ‫ب َق َال‪َ :‬ق َال رس ُ ِ‬
‫«يا َأ َبا ا ْل ُمنْذ ِر َأتَدْ ِري َأ ُّ‬
‫ول اهَّلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫َ ُ‬ ‫من حديث ُأ َبي ْب ِن َك ْع ٍ‬
‫ِّ‬
‫«يا َأ َبا ا ْل ُمن ِْذرِ‬ ‫َ‬ ‫ك أ ْع َظ ُم»‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ق ْل ُت‪ُ :‬‬
‫اهَّلل َو َر ُسو ُل ُه أ ْع َل ُم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫َ‬ ‫َاب اهَّلل ِ َم َع َ‬‫ِم ْن كِت ِ‬
‫ت‪﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬ ‫َاب اهَّلل ِ َم َع َ‬
‫ك َأ ْع َظ ُم؟» َق َال‪ُ :‬ق ْل ُ‬ ‫ي َآي ٍة ِم ْن كِت ِ‬ ‫َأتَدْ ِري َأ ُّ‬

‫البخاري (‪.)2311‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪270‬‬

‫ك ا ْل ِع ْل ُم َأ َبا ا ْل ُمن ِْذ ِر»(‪،)1‬‬‫«واهَّلل ِ لِ َي ْهن ِ َ‬ ‫ِ‬


‫ﮩﮪ﴾‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َض َر َب في َصدْ ِري َو َق َال‪َ :‬‬
‫ويسره لك‪.‬‬ ‫أي‪ :‬هني ًئا لك هذا العلم ا َّلذي ساقه اهلل لك َّ‬
‫ِ‬
‫أكثر من عشرة‬ ‫ويف هذه اآلية تقرير التَّوحيد بذكر براهينه‪ ،‬حيث ُذكر فيها ُ‬
‫ذكر لخمسة أسماء حسنى هلل‪ ،‬وفيها من صفات اهلل ‪E‬‬ ‫براهين‪ ،‬وفيها ٌ‬
‫ما يزيد على العشرين صفة‪.‬‬
‫تفرده بالكمال والجالل ما‬
‫ففيها من توحيد اهلل وتمجيده وتعظيمه وبيان ُّ‬
‫َ‬
‫الحفظ والكفايةَ‪ ،‬فهي آي ٌة عظيم ٌة فيها من المعاين الجليلة‬ ‫يح ِّقق ل ِ َمن قرأها‬
‫يدل على ِعظمها وجاللة شأهنا‪.‬‬ ‫والدَّ الالت العميقة والمعارف اإليمان َّية ما ُّ‬
‫ٍ‬
‫استشعار للتَّوحيد‬ ‫ٍ‬
‫بغفلة وعدم‬ ‫ٍ‬
‫بصدق‪ ،‬ال أن يقرأها‬ ‫لكن ينبغي أن يقرأها المرء‬
‫بصدق كان لها عظيم األثر يف تحقيق الحفظ‬ ‫ٍ‬ ‫ا َّلذي د َّلت عليه؛ فإنَّه إن قرأها‬
‫للعبد والكفاية‪.‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)810‬‬


‫‪271‬‬ ‫‪ -44‬أذكار النَّوم (‪)2‬‬

‫‪44‬‬

‫أذكار النَّوم (‪)2‬‬

‫عن أبي مسعود ‪ I‬قال‪ :‬قال النَّبي ﷺ‪« :‬من َقر َأ بِ ْالي َتي ِن ِمن ِ‬
‫آخرِ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ُّ‬
‫ور ِة ا ْل َب َق َر ِة فِي َل ْي َل ٍة َك َفتَا ُه»‪ .‬متَّفق عليه(‪ ،)1‬أي‪ :‬قول اهلل تعالى ﴿ﮗ ﮘ‬
‫ُس َ‬
‫السورة‪.‬‬ ‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ﴾ [البقرة‪ ]285 :‬إلى آخر ُّ‬
‫‪ ‬وهاتان اآليتان عظيمتان؛ األولى منهما‪ :‬فيها تقرير اإليمان بذكر أصوله‪:‬‬
‫أيضا‪ :‬االستسالم هلل ﴿ﮭ‬
‫﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾‪ ،‬وفيها ً‬
‫ﮮ ﮯﮰ﴾‪ ،‬أي‪ :‬استسلمنا وانقدنا ألمره طاع ًة وذلّ وخضو ًعا‪.‬‬
‫َّ‬
‫بأن اهلل ال يك ِّلف العباد ما ال يطيقون أو ما ُّ‬
‫يشق‬ ‫والثانية‪ :‬فيها اإلخبار َّ‬
‫عليهم‪.‬‬
‫ألن النَّبي ﷺ أخرب َّ‬
‫أن‬ ‫ٍ‬
‫دعوات عظيمات مباركات مستجابات؛ َّ‬ ‫وتضمنت‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ستحب للمسلم‬ ‫ُّ‬ ‫لمن دعا هبذه الدَّ عوات؛ ف ُي‬
‫اهلل قال‪« :‬قد فعلت»‪ ،‬أي‪ :‬أجبت َ‬
‫مستمر ًة على قراءة هاتين اآليتين َّ‬
‫كل ليلة‪ .‬ومعنى « َك َفتَا ُه»‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫أن يواظب مواظب ًة‬
‫شر ما يؤذيه‪ ،‬وأ َّما قول َمن قال‪ :‬معنى « َك َفتَا ُه»‪ ،‬أي‪ :‬تكفيانه عن قيام‬
‫أي‪ :‬من ِّ‬
‫ال َّليل؛ فهذا غير صحيح‪.‬‬
‫«ما َأ َرى َأ َحدً ا َي ْع ِق ُل‬ ‫علي بن أبي طالب ‪ I‬أنَّه قال‪َ :‬‬ ‫وقد ورد عن ِّ‬
‫ور ِة ال َب َق َر ِة؛ َفإِن ََّها ِم ْن َكن ٍْز‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َب َل َغ ُه ِ‬
‫اإل ْس َل ُم َينَا ُم َحتَّى َي ْق َر َأ َآي َة الك ُْرس ِّي‪َ ،‬و َخ َوات َ‬
‫يم ُس َ‬
‫البخاري (‪ ،)5009‬ومسلم (‪.)808‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪272‬‬

‫كنز تحت العرش» هذا ثابت عن نب ِّينا‬ ‫ش»(‪ ،)1‬وقوله‪« :‬إنَّها من ٍ‬ ‫ت ال َع ْر ِ‬


‫ت َْح َ‬
‫«أ ْعطِ ُ‬
‫يت‬ ‫ذر ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪ُ :‬‬ ‫‪ O‬من حديث أبي ٍّ‬
‫ت َكن ٍْز ِم ْن ت َْحت ال َع ْر ِ‬
‫ش‪َ ،‬ل ْم ُي ْع َط ُه َّن َنبِ ٌّي َق ْب ِلي»‪.‬‬ ‫َخواتِيم سور ِة الب َقر ِة ِمن بي ِ‬
‫َ َ ُ َ َ َ ْ َْ‬
‫رواه أحمد(‪.)2‬‬
‫محمدً ا ﷺ وأ َّمته‪ ،‬وكما يف الحديث‬ ‫خص اهلل تعالى به رسوله َّ‬ ‫مما َّ‬ ‫فهما َّ‬
‫ول اهللِ ﷺ ا ْنت ُِهي بِ ِه إِ َلى‬ ‫عن عبد اهلل بن مسعود ‪ I‬قال‪« :‬لما ُأس ِري بِرس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َّ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫األر ِ‬
‫ض‬ ‫الساد َسة إِ َل ْي َها َينْت َِهي َما ُي ْع َر ُج بِه م َن ْ‬ ‫الس َماء َّ‬ ‫المنْت ََهى‪َ ،‬وه َي في َّ‬ ‫سدْ َرة ُ‬
‫ن َف ْوقِ َها ف ُي ْق َبض مِن َْها‪ ،‬قال‪﴿ :‬ﮚ ﮛ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َف ُي ْق َبض من َْها‪َ ،‬وإِ َل ْي َها َينْت َِهي َما ُي ْهبط بِه م ْ‬
‫فأعطي رسول اهلل ﷺ‬ ‫قال‪ُ :‬‬ ‫ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [النَّجم‪ ،]16 :‬قال‪ :‬فراش من ذهب‪َ ،‬‬
‫ور ِة ال َب َق َر ِة‪َ ،‬و ُغ ِف َر ل ِ َم ْن َل‬
‫يم ُس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصلوات الخمس‪ ،‬و ُأ ْعطي َخ َوات َ‬ ‫ثال ًثا‪ُ :‬أعطي َّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الم ْقحمات»‪ .‬رواه مسلم(‪.)3‬‬ ‫ُي ْش ِر ُك بِاهلل م ْن ُأ َّمته َش ْي ًئا ُ‬
‫نقيضا‬ ‫َّبي ﷺ سمع ً‬ ‫وعن ابن ع َّباس ‪ L‬قال‪ :‬بينما جربيل قاعد عند الن ِّ‬
‫اء ُفتِ َح ال َي ْو َم‪َ ،‬ل ْم ُي ْفت َْح َق ُّط إِ َّل‬ ‫من فوقه‪ ،‬فرفع رأسه‪ ،‬فقال‪« :‬ه َذا باب ِمن السم ِ‬
‫َ َ ٌ َ َّ َ‬
‫ض َل ْم َين ِْز ْل َق ُّط إِ َّل ال َي ْو َم‪،‬‬ ‫ك َنز ََل إِ َلى ْالَ ْر ِ‬‫ك‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ه َذا َم َل ٌ‬‫ال َي ْو َم‪َ ،‬فنَز ََل ِمنْ ُه َم َل ٌ‬
‫َاب‪،‬‬ ‫ك‪َ :‬فاتِ َحة الكِت ِ‬ ‫ُور ْي ِن ُأوتِيت َُه َما َل ْم ُي ْؤتهما َنبِ ٌّي َق ْب َل َ‬ ‫ِ‬
‫َف َس َّل َم‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬أ ْبش ْر بِن َ‬
‫ف ِمن ُْه َما إِ َّل ُأ ْعطِي َت ُه»‪ .‬رواه مسلم(‪.)4‬‬ ‫و َخواتِيم سور ِة الب َقر ِة‪َ ،‬لن َت ْقر َأ بِحر ٍ‬
‫ُ َ َ َ ْ َ َ ْ‬ ‫َ َ‬
‫َّبي‬
‫قوله‪﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾ [البقرة‪ ،]285 :‬إخبار عن الن ِّ‬
‫ﷺ‪ ،‬وشهادة من اهلل له ‪ O‬بإيمانه بما ُأنزل إليه من ر ِّبه؛ وذلك‬
‫السنن (‪.)3427‬‬
‫ارمي يف ُّ‬
‫(((  رواه الدَّ ُّ‬
‫الصحيحة (‪ ،)1482‬ويف‬
‫السلسلة َّ‬
‫ين يف ِّ‬
‫وصححه األلبا ُّ‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪)21344‬‬
‫صحيح الجامع (‪.)1060‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)173‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)806‬‬
‫‪273‬‬ ‫‪ -44‬أذكار النَّوم (‪)2‬‬

‫الرسالة والن َُّّبوة؛‬


‫يتضمن إعطاءه ثواب أكمل أهل اإليمان زياد ًة على ثواب ِّ‬
‫َّ‬
‫ألنَّه ﷺ شارك المؤمنين يف اإليمان ونال منه أعلى مراتبه‪ ،‬وامتاز عنهم‬
‫بالرسالة والن َُّّبوة‪.‬‬
‫ِّ‬
‫عطف على ﴿ﮘ﴾‪ ،‬وهو شهادة للمؤمنين‬
‫ٌ‬ ‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ﮞﮟ﴾‬
‫بأنَّهم آمنوا بما آمن به رسولهم ﷺ‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾‪ ،‬شهادة لهم جمي ًعا‬
‫باإليمان بالقواعد الخمسة ا َّلتِي ال يكون أحد مؤمنًا َّإل هبا‪ ،‬وهي‪ :‬اإليمان‬
‫باهلل‪ ،‬ومالئكته‪ ،‬وكتبه‪ ،‬ورسله‪ ،‬واليوم اآلخر‪.‬‬
‫وقوله‪﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ﴾‪ ،‬حكاي ٌة عن أهل اإليمان أنَّهم‬
‫يفرقون بين أحد من رسل اهلل‪ ،‬بل يؤمنون بجميعهم‪.‬‬
‫يقولون هذا‪ ،‬أي‪ :‬أنَّهم ال ِّ‬
‫وقوله‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯﮰ﴾‪ ،‬أي‪ :‬سمعنا قولك يا ر َّبنا وفهمناه وقمنا‬
‫به‪ ،‬وامتثلنا العمل بمقتضاه‪ .‬وهذا إقرار منهم بركني اإليمان ا َّل َذين ال يقوم‬
‫المتضمنة لكمال‬
‫ِّ‬ ‫المتضمن للقبول‪ ،‬والتَّسليم وال َّطاعة‬
‫ِّ‬ ‫َّإل هبما وهما‪َّ :‬‬
‫السمع‬
‫االنقياد وامتثال األمر‪.‬‬
‫ثم قالوا‪﴿ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾؛ ألنَّهم علموا أنَّهم لن يفوا مقام‬ ‫َّ‬
‫اإليمان ح َّقه مع القبول وال َّطاعة ا َّلذي يقتضيه منهم‪ ،‬وأنَّهم ال بدَّ أن تميل هبم‬
‫غلبات ال ِّطباع ودواعي البشر َّية إلى بعض التَّقصير يف واجبات اإليمان‪ ،‬وأنَّه‬
‫يلم شعث ذلك َّإل مغفرة اهلل لهم؛ فسألوه غفرانه ا َّلذي هو غاية سعادهتم‬ ‫ال ُّ‬
‫ثم اعرتفوا َّ‬
‫أن مصيرهم ومر َّدهم إلى‬ ‫وهناية كمالهم‪ ،‬فقالوا‪﴿ :‬ﮱ ﯓ﴾‪َّ ،‬‬
‫الرجوع إليه‪ ،‬فقالوا‪﴿ :‬ﯔ ﯕ﴾‪،‬‬ ‫الحق ا َّلذي ال ُبدَّ لهم من ُّ‬
‫ِّ‬ ‫موالهم‬
‫فتضمنت هذه الكلمات إيماهنم به‪ ،‬ودخولهم تحت‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫إيمان باليوم اآلخر‪.‬‬ ‫وهذا‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪274‬‬

‫طاعته وعبود َّيته‪ ،‬واعرتافهم بربوب َّيته‪ ،‬واضطرارهم إلى مغفرته‪ ،‬واعرتافهم‬
‫بالرجوع إليه يوم الحساب‪.‬‬‫بالتَّقصير يف ح ِّقه‪ ،‬وإقرارهم ُّ‬
‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ﴾ [البقرة‪ ،]286 :‬أي‪ :‬ال يك ِّلف‬
‫اهلل أحدً ا فوق طاقته‪ ،‬بل جميع ما ك َّلف عباده به ً‬
‫أمرا وهن ًيا فهم مطيقون له‬
‫قادرون عليه‪ ،‬وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته هبم وإحسانه إليهم‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ﴾ [البقرة‪ ،]286 :‬أي‪ :‬للنَّفس‬
‫شر؛ وذلك يف األعمال ا َّلتي تحت‬ ‫ما كسبت من خير‪ ،‬وعليها ما اكتسبت من ٍّ‬
‫أن ثمرة التَّكليف وغايته عائدة على العباد‪ ،‬وأنَّه سبحانه‬ ‫بيان َّ‬
‫التَّكليف‪ .‬ويف هذا ٌ‬
‫القدسي‪َ « :‬يا‬
‫ِّ‬ ‫وتضرره باكتساهبم‪ ،‬كما يف الحديث‬ ‫ُّ‬ ‫يتعالى عن انتفاعه بكسبهم‬
‫ادي إِ َّن ُك ْم َل ْن َت ْب ُل ُغوا َض ِّري َفت َُض ُّرونِي َو َل ْن َت ْب ُل ُغوا َن ْف ِعي‪َ ،‬ف َتنْ َف ُعونِي»(‪ ،)1‬بل‬
‫ِعب ِ‬
‫َ‬
‫لهم كسبهم ونفعه‪ ،‬وعليهم اكتساهبم وضرره‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ﴾ [اإلسراء‪ ،]15 :‬فلم يأمرهم تعالى بما‬
‫عما هناهم‬ ‫وتكر ًما‪ ،‬ولم ينههم َّ‬ ‫ُّ‬ ‫أمرهم به حاج ًة منه إليهم‪ ،‬بل رحم ًة وإحسانًا‬
‫عنه َّإل حمي ًة لهم وحف ًظا وصيان ًة وعافية‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ﴾ [البقرة‪]286 :‬؛ إرشا ٌد‬
‫أن ما َك َّلف به عباده عهو ٌد‬ ‫من اهلل تعالى للمؤمنين إلى هذا الدُّ عاء‪ ،‬وذلك َّ‬
‫ووصايا تجب مراعاهتا والمحافظة عليها وعدم اإلخالل بشيء منها‪ ،‬لك ْن‬
‫والضعف والتَّقصير‪ ،‬فكان يف‬ ‫غلبات ال ِّطباع البشر َّية تأبى َّإل النِّسيان والخطأ َّ‬
‫هذا الدُّ عاء سؤال المؤمنين ر َّبهم مسامحته إ َّياهم يف ذلك ك ِّله ور ْفع موجبه‬
‫َّبي ﷺ قال‪« :‬إِ َّن اهللَ َو َض َع‬
‫عنهم‪ .‬ويف الحديث عن ابن ع َّباس ‪ :L‬عن الن ِّ‬
‫ان َو َما ْاس ُت ْكرِ ُهوا َع َل ْي ِه»‪ .‬رواه ابن ماجه(‪.)2‬‬
‫َع ْن ُأ َّمتِي ا ْلخَ َط َأ َوالن ِّْس َي َ‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2577‬‬


‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه ابن ماجه (‪،)2045‬‬
‫َّ‬
‫‪275‬‬ ‫‪ -44‬أذكار النَّوم (‪)2‬‬
‫وهذا من عظيم م ِّن اهلل وواسع فضله سبحانه ْ‬
‫أن تجاوز عن عباده ما وقع‬
‫منهم من قبيل الخطأ والنِّسيان أو على سبيل اإلكراه؛ فله الحمد على فضله‬
‫وإحسانه‪ ،‬وله ُّ‬
‫الشكر سبحانه على منِّه وإكرامه‪.‬‬
‫وقوله‪﴿ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ﴾ [البقرة‪:‬‬
‫وإن أطقناها‪ ،‬كما شر ْعته لألمم‬ ‫‪ ،]286‬أي‪ :‬ال تك ِّلفنا من األعمال َّ‬
‫الشا َّقة ْ‬
‫سؤال للتَّخفيف‬ ‫ٌ‬ ‫السابقة قبلنا من األغالل واآلصار ا َّلتي كانت عليهم‪ .‬وهذا‬ ‫َّ‬
‫ت‬ ‫ِ‬
‫يف أمره تعالى وهنيه‪ ،‬وقد ُبعث نب ُّينا ﷺ بذلك‪ ،‬كما قال ﷺ‪« :‬إِنِّي ُأ ْرس ْل ُ‬
‫بِ َحن ِ ِيف َّي ٍة َس ْم َح ٍة»‪ .‬رواه أحمد من حديث أ ِّم المؤمنين عائشة ‪.)1(J‬‬
‫ٌ‬
‫سؤال يف‬ ‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ﴾ [البقرة‪،]286 :‬‬
‫القضاء والقدر والمصائب والبالء‪ ،‬أي‪ :‬ال تبتلينا بما ال قِبل لنا به؛ وذلك أنَّهم‬
‫ِ‬
‫عما يأمرهم به وينهاهم عنه‪ ،‬سألوه التَّخفيف يف‬ ‫لما علموا أنَّهم غير منف ِّكين َّ‬
‫َّ‬
‫قضائه وقدره كما سألوه التَّخفيف يف أمره وهنيه‪.‬‬
‫اعف عنَّا فيما‬
‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ﴾ [البقرة‪ ،]286 :‬أي‪ُّ :‬‬
‫مما تعلمه من تقصيرنا وزللنا‪ ،‬واغفر لنا فيما بيننا وبين عبادك‪ ،‬فال‬
‫بيننا وبينك َّ‬
‫ُتظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة‪ ،‬وارحمنا فيما ُيستقبل بأن ال نقع يف‬
‫إن املذنب محتاج إلى ثالثة أشياء‪:‬‬‫ذنوب ُأخر‪ ،‬ولهذا يقال‪َّ :‬‬

‫‪ -1‬أن يعفو اهلل عنه فيما بينه وبينه‪.‬‬


‫‪ -2‬وأن يسرته عن عباده فال يفضحه به بينهم‪.‬‬
‫‪ -3‬وأن يس ِّلمه فيما بقي فال يقع يف نظيره‪.‬‬

‫الصحيحة (‪ :)443/4‬إسناده‬ ‫ِ‬


‫السلسلة َّ‬
‫(((  رواه أحمد (‪ ،)24855‬وقال األلبان ُّي يف ِّ‬
‫ج ِّيد‪.‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪276‬‬

‫تضمنها هذا الدُّ عاء ‪-‬وهي‪ :‬العفو‪ ،‬والمغفرة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وهذه ال َّثالثة ا َّلتي‬
‫حق اهلل‬ ‫متضمن إلسقاط ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫والرحمة‪ -‬هي مدار سعادة العبد وفالحه‪ ،‬فالعفو‬ ‫َّ‬
‫شر ذنوهبم وإقباله عليهم ورضاه‬ ‫متضمنة لوقايتهم َّ‬
‫ِّ‬ ‫ومسامحتهم به‪ ،‬والمغفرة‬
‫متضمنة لألمرين مع زيادة اإلحسان والعطف والبِ ِّر‪ ،‬فال َّثالثة‬‫ِّ‬ ‫والرحمة‬‫عنهم‪َّ ،‬‬
‫الش ِّر والفوز بالخير‪.‬‬‫تتضمن النَّجاة من َّ‬
‫َّ‬
‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ﰈ ﰉ﴾ [البقرة‪ ،]286 :‬أي‪ :‬أنت ول ُّينا وناصرنا‪،‬‬
‫توس ٌل‬
‫قوة لنا َّإل بك‪ .‬وهذا ُّ‬
‫وعليك توكُّلنا وأنت المستعان‪ ،‬وال حول وال َّ‬
‫الحق ا َّلذي ال مولى لهم سواه‪ ،‬فهو ناصرهم‬‫باعرتافهم أنَّه سبحانه موالهم ُّ‬
‫الحق ال معبود لهم‬‫وهاديهم وكافيهم و ُمعينهم ومجيب دعواهتم ومعبودهم ُّ‬
‫سواه‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ﴾ [البقرة‪ ]286 :‬دعا ٌء بالنَّصر‬
‫ويتضمن ذلك قهرهم‪ ،‬وشفاء صدورهم منهم‪ ،‬وإذهاب غيظ‬ ‫َّ‬ ‫على األعداء‪،‬‬
‫يتضمن التَّم ُّكن من إعالن عبادة ر ِّبهم وإظهار دينه وإعالء كلمته‪.‬‬
‫َّ‬ ‫قلوهبم‪ ،‬كما‬
‫‪277‬‬ ‫‪ -45‬أذكار النَّوم (‪)3‬‬

‫‪45‬‬

‫أذكار النَّوم (‪)3‬‬

‫اش ِه َق َال‪:‬‬ ‫َان النَّبِي ﷺ إِ َذا َأوى إِ َلى فِر ِ‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫عن حذيفة بن اليمان ‪ I‬قال‪« :‬ك َ‬
‫وت َو َأ ْح َيا‪َ ،‬وإِ َذا َقا َم َق َال‪ :‬ا ْل َح ْمدُ هلل ِ ا َّل ِذي َأ ْح َيانَا َب ْعدَ َما َأ َما َتنَا‬ ‫اس ِم َ‬
‫ك ال َّل ُه َّم َأ ُم ُ‬ ‫بِ ْ‬
‫ِ‬
‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫ور»‪ .‬رواه‬ ‫َوإِ َل ْيه الن ُُّش ُ‬
‫َّبي ‪ O‬يحافظ عليه ك َّلما أوى إلى فراشه‪،‬‬ ‫ذكر كان الن ُّ‬ ‫هذا ٌ‬
‫اش ِه»‪ ،‬ويف بعضها‪« :‬ك َ‬
‫َان إِ َذا َأ َخ َذ‬ ‫َان إِ َذا َأوى إِ َلى فِر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫جاء يف بعض رواياته‪« :‬ك َ‬
‫َم ْضج َع ُه»‪ ،‬أي‪ :‬نام على جنبه‪.‬‬
‫وت َو َأ ْح َيا»؛ الباء لالستعانة‪ ،‬والمعنى‪ :‬أنام‬ ‫ك ال َّل ُه َّم َأ ُم ُ‬ ‫اس ِم َ‬
‫قوله‪« :‬بِ ْ‬
‫ذاكرا‬‫وت َو َأ ْح َيا»‪ ،‬أي‪ :‬أنا على هذا الحال ً‬ ‫مستعينًا بك طال ًبا حفظك‪َ .‬‬
‫«أ ُم ُ‬
‫حييت‬
‫ُ‬ ‫اسمك أحيا ما‬ ‫َ‬ ‫السمك مع ِّظ ًما لجنابك‪ ،‬على ذلك أموت وأحيا‪ ،‬فبذكر‬
‫عين؛‬ ‫طرف َة ٍ‬ ‫المسلم ال غنى له عن ذكر ر ِّبه ْ‬‫َ‬ ‫أموت‪ .‬ويف هذا إشار ٌة إلى َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫وعليه‬
‫يختم أعما َله بذكر‬ ‫ُ‬ ‫عند نومِه ويف يق َظته ويف جميع شؤونه‪ ،‬فها هو عند النَّوم‬
‫ثم هو يف جميع أحايينه محاف ًظا‬ ‫اهلل‪ ،‬وعند االنتباه يكون َّأو َل أعماله ُ‬
‫ذكر اهلل‪َّ ،‬‬
‫بعث يو َم القيامة‪.‬‬ ‫على ذكر اهلل‪ ،‬فعلى ذكره سبحانه يحيا‪ ،‬وعليه يموت‪ ،‬وعليه ُي ُ‬
‫الذكر على الحياة؛ ألنَّه هو ا َّلذي سيصير إليه المرء بالنَّوم‬ ‫وقدَّ م الموت يف ِّ‬
‫الشيء‬ ‫ا َّلذي هو شبي ٌه بالموت مذك ٌِّر به‪ .‬وقدَّ م ذكر الحياة عند االستيقاظ؛ ألنَّه َّ‬
‫ا َّلذي حصل له حيا ٌة بعد موت‪.‬‬
‫البخاري (‪.)6312‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪278‬‬

‫موت ووفاة كما‬ ‫نفسه ٌ‬ ‫أن النَّوم َ‬ ‫وذكر الموت عند إرادة النَّوم فيه دالل ٌة على َّ‬
‫الزمر‪]42 :‬؛‬ ‫قال اهلل‪﴿ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ﴾ [ ُّ‬
‫ولهذا قال يف تمامه عند االستيقاظ‪« :‬ا ْل َح ْمدُ هلل ِ ا َّل ِذي َأ ْح َيانَا َب ْعدَ َما َأ َما َتنَا»‪،‬‬
‫أن النَّوم ا َّلذي كان عليه اإلنسان ُيعدُّ مو ًتا‪ ،‬والنَّائم يشبه الم ِّيت‪.‬‬ ‫إشار ًة إلى َّ‬
‫وقوله إذا استيقظ‪« :‬ا ْل َح ْمدُ هلل ِ ا َّل ِذي َأ ْح َيانَا َب ْعدَ َما َأ َما َتنَا»‪ ،‬فيه حمد اهلل على‬
‫إنسان اضطجع ونام‬ ‫ٍ‬ ‫يسر له االستيقاظ من هذا النَّوم‪ ،‬فكم من‬ ‫هذه النِّعمة ْ‬
‫أن َّ‬
‫صحيحا معا ًفى‪ ،‬يتابع‬ ‫ً‬ ‫وكانت هي نومته لم يقم منها‪ ،‬فيحمد اهلل على أن أقامه‬
‫السكون‬ ‫الراحة ونصي ًبا من ُّ‬ ‫أن أخذ ح ًّظا من َّ‬ ‫مصالحه الدِّ ين َّية والدُّ نيو َّية بعد ْ‬
‫والمن َِّة الجسيمة نعمة‬ ‫ا َّلذي يسره اهلل له؛ فيحمد اهلل على هذه النِّعمة العظيمة ِ‬
‫َّ‬
‫حال‬ ‫اإلنسان َ‬
‫َ‬ ‫االستيقاظ بعد النَّوم‪ ،‬ومن المعلوم َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫اإلحيا ُء بعد اإلماتة‪ ،‬أي‪:‬‬
‫نومِه يتع َّط ُل عن االنتفاع هبذه الحياة والتَّم ُّك ِن من أداء العبادات‪ ،‬فإذا استيقظ‬
‫وليتقرب إلى‬ ‫َّ‬ ‫الصالحات‬ ‫المانع‪ ،‬و ُأعطي فسح ًة يف العمر ليعمل َّ‬ ‫ُ‬ ‫زال عنه ذلك‬
‫اهلل ‪C‬؛ فعليه أن يستشعر هذه النِّعمة‪ ،‬وأن يحمد اهلل على هذه المنَّة‪ ،‬ولهذا‬
‫ويشكره‬
‫ُ‬ ‫اهلل ‪ C‬على هذا اإلنعام‬ ‫ُشرع له أن يبادر إلى الحمد‪ ،‬فهو يحمدُ َ‬
‫سبحانه على هذا العطاء واإلكرام‪.‬‬
‫َّ‬
‫اإلنسان بالموت ا َّلذي هو هناي ُة‬ ‫َ‬ ‫وم العظيمة‪ :‬أنَّه ُيذك ُِّر‬ ‫فوائد الن ِ‬
‫ِ‬ ‫‪ ‬ومن‬
‫الحي ا َّلذي ال يموت‪ ،‬فالنَّومة موتةٌ‪َ ،‬وال َق ْو َمة‬ ‫حي َّإل‬ ‫ُ ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫َّ‬ ‫كل إنسان ومآل كل ٍّ‬
‫فإن النَّومة من أعظم المذكِّرات للعبد‬ ‫منه حياة‪ .‬وإذا كان شأن النَّوم كذلك؛ َّ‬
‫بالموت‪ ،‬الموت ا َّلذي ُيفارق به العبدُ هذه الحيا ُة الدُّ نيا‪ ،‬فالنَّومة تذكِّرك يوم ًّيا‬
‫الموتة ا َّلتي تنتقل هبا من هذه الحياة‪ ،‬بل أحيانًا عندما ينام اإلنسان يجد نفسه‬
‫الفرح على وجهه‪ ،‬وأحيانًا ينام‬
‫ُ‬ ‫فرحا ُيرى‬
‫وأهنارا فيقوم ً‬
‫ً‬ ‫دخل جنَّ ًة وبساتين‬
‫الفزع على وجهه‪ ،‬وهذا ك ُّله يذكِّر‬
‫ُ‬ ‫ويدخل يف عذاب وشدائد فيقوم فز ًعا ُيرى‬
‫بالموت وما بعده وما يكون فيه من نعيم أو عذاب‪.‬‬
‫‪279‬‬ ‫‪ -45‬أذكار النَّوم (‪)3‬‬

‫ويف االستيقاظ من النَّوم دالل ٌة على قدرة اهلل سبحانه على بعث األجساد‬
‫بعد موهتا وإحيائها بعد وفاهتا؛ ولهذا قال عند االستيقاظ‪« :‬الحمدُ هلل ا َّلذي‬
‫البعث يوم القيامة واإلحيا ُء بعد‬ ‫ُ‬ ‫ُّشور هو‬
‫أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النُّشور»‪ ،‬والن ُ‬
‫موت كما تقدَّ م‪ -‬على إثبات‬ ‫اإلماتة‪ ،‬فن َّب َه بإعادة اليق َظة بعد النَّوم ‪-‬ا َّلذي هو ٌ‬
‫لرب العالمين‪ .‬ولهذا ثبت يف‬ ‫َّاس ِّ‬ ‫البعث بعد الموت يوم القيامة؛ يوم يقوم الن ُ‬
‫مسند اإلمام أحمد واألدب المفرد من حديث الرباء بن عازب ‪ I‬قال‪:‬‬
‫كان النَّبِ ُّي ﷺ إذا أراد أن ينام وضع يدَ ه تحت خدِّ ه األيمن وقال‪« :‬ال َّل ُه َّم ِقنِي‬
‫ث ِع َبا َد َك»(‪.)1‬‬ ‫َع َذا َب َ‬
‫ك َي ْو َم َت ْب َع ُ‬
‫ومن فوائد ذلك‪ :‬أنَّه يأيت مذك ًِّرا للعبد؛ كما أنَّك قمت من فراشك من هذه‬
‫لرب العالمين‪،‬‬ ‫ونشور وقيام من القبور ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫الموتة بمنَّة اهلل فسيحصل لك ٌ‬
‫بعث‬
‫مستحضرا هذا المعنى ُفتح له باب االستعداد والتَّه ُّيؤ‬ ‫ً‬ ‫فإذا قال‪« :‬وإليه النُّشور»‬
‫والمجازاة على األعمال‪ ،‬وكأنَّه قيل لك‪ :‬النُّشور‬ ‫ِ‬ ‫للنُّشور والقيا ِم بين يدي اهلل‬
‫إلى اهلل وقد ُأعطيت فرص ًة للعمل فاستعدَّ وهت َّيأ وأقبِ ْل على اهلل ‪.F‬‬
‫اش ِه‬‫وعن أبي هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال النَّبي ﷺ‪« :‬إِ َذا َأوى َأحدُ كُم إِ َلى فِر ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫َار ِه؛ َفإِ َّن ُه َل َيدْ ِري َما َخلفه َع َل ْيه‪ُ ،‬ث َّم َي ُق ُ‬ ‫ْفض فِر َاشه بِدَ ِ‬
‫اخ َلة إِز ِ‬
‫ك‬ ‫اسم َ‬ ‫ول‪ :‬بِ ْ‬ ‫َف ْل َين ْ َ ُ‬
‫ْت َن ْف ِسي َف ْار َح ْم َها‪َ ،‬وإِ ْن َأ ْر َس ْلت ََها‬‫ك َأ ْر َف ُع ُه‪ ،‬إِ ْن َأ ْم َسك َ‬ ‫ت َج ْنبِي‪َ ،‬وبِ َ‬ ‫َر ِّبي َو َض ْع ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين»‪ .‬متَّفق عليه(‪.)2‬‬ ‫الصالح َ‬ ‫اح َف ْظ َها بِ َما ت َْح َف ُظ بِه ع َبا َد َك َّ‬
‫َف ْ‬
‫وهذا الحديث من األذكار العظيمة المأثورة عن نب ِّينا ‪ O‬فيما‬
‫أن َّأول ما يبدأ به‪ :‬ينفض فراشه‬‫ستحب للمسلم أن يقوله إذا أوى إلى فراشه‪ ،‬وفيه َّ‬
‫ُّ‬ ‫ُي‬
‫يضر النَّائم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بداخلة إزاره‪ ،‬وذلك ليزيل ما قد يكون عليه من شيء ُيخشى أن َّ‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والبخاري يف األدب المفرد (‪،)1215‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)18660‬‬
‫البخاري (‪ ،)6320‬ومسلم (‪.)2714‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪280‬‬

‫‪ ‬واإلزار‪ :‬هو ما يأتزر به اإلنسان ويل ُّفه على جزء بدنه األسفل‪ ،‬وهو‬
‫لف على البدن له طرف‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المحرم‪ ،‬ومن المعلوم َّ‬
‫أن ما ُي ُّ‬ ‫ال ِّلباس ا َّلذي يلبسه‬
‫اللبس طرفه؛ فإنَّه يستطيع أن ينفض به الفراش‪ ،‬بخالف ال َّثوب لو‬
‫وإذا َف َّك َّ‬
‫أراد المرء أن ينفض بطرفه فراشه ما استطاع‪ ،‬بينما األمر يف اإلزار أيسر! ُّ‬
‫يحل‬
‫طرفه وينفض الفراش ِ‬
‫بداخلته‪ ،‬والمراد بالدَّ اخلة‪ :‬طرف اإلزار ا َّلذي يلي‬
‫إزار ِه»‪ ،‬وهي الحاشية ا َّلتي تلي الجلد‪.‬‬
‫«بصن ِ َف ِة ِ‬
‫الجسد‪ ،‬وجاء يف رواية‪َ :‬‬
‫وإذا كان على المرء قميص أو ثوب ولم يم ِّكنه أن يفعل هذا؛ فلينفض‬
‫لما ذكر هذا األمر ب َّين الع َّلة‪ ،‬فقال‪« :‬فإِ َّن ُه َل‬
‫َّبي ﷺ َّ‬
‫تيسر له‪ ،‬والن ُّ‬
‫فراشه بما َّ‬
‫َيدْ ري َما خ َل َف ُه َع َل ْي ِه»‪ ،‬فقد يخلفه على فراشه حشرة مؤذية‪ ،‬أو قذر‪ ،‬أو شيء‬
‫يسير من ال َّطعام فر َّبما كان سب ًبا الستجالب الهوا ِّم أو الحشرات إلى فراشه‪،‬‬
‫وإذا كان يف البيت الفويسقة وهي الفأرة فقد تستجلب بعض األذى إلى‬
‫أيضا بإضرام النَّار يف‬ ‫الفراش‪ ،‬كما أنَّها تؤذي بإفساد حاجة اإلنسان‪ ،‬وتؤذي ً‬
‫اس َق َال‪َ :‬جا َء ْت َف ْأ َر ٌة َف َأ َخ َذ ْت َت ُج ُّر‬
‫البيت؛ روى أبو داود يف سننه َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫اعدً ا‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ َع َلى ا ْل ُخ ْم َر ِة ا َّلتِي ك َ‬
‫َان َق ِ‬ ‫ا ْل َفتِي َل َة َف َجاء ْت بِ َها َف َأ ْل َقت َْها َب ْي َن َيدَ ْي رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫َع َل ْي َها َف َأ ْح َر َق ْت مِن َْها مِ ْث َل َم ْو ِض ِع الدِّ ْر َه ِم‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬إِ َذا نِ ْمت ُْم َف َأ ْط ِفئُوا ُس ُر َجك ُْم؛‬
‫ان َيدُ ُّل ِم ْث َل َه ِذ ِه َع َلى َه َذا َفت َْحرِ ُقك ُْم»(‪.)1‬‬
‫الش ْي َط َ‬ ‫َفإِ َّن َّ‬
‫البخاري يف األدب المفرد عن َأبي ُأ َما َم َة‬ ‫ُّ‬ ‫الشيطان روى‬ ‫وقد يفعل ذلك َّ‬
‫اش َأ َح ِدك ُْم َب ْعدَ َما َي ْفرِ ُش ُه َأ ْه ُل ُه َو ُي َه ِّيئُو َن ُه‪َ ،‬ف ُي ْل ِقي‬
‫ان َي ْأتِي إِ َلى فِ َر ِ‬ ‫قال‪« :‬إِ َّن َّ‬
‫الش ْي َط َ‬
‫ب‬ ‫ك َف َل َيغ َْض ْ‬ ‫ْض َب ُه َع َلى َأ ْه ِل ِه‪َ ،‬فإِ َذا َو َجدَ َذلِ َ‬ ‫الشيء‪ ،‬لِيغ ِ‬ ‫ِ‬
‫َع َل ْيه ا ْل ُعو َد َأ ِو ا ْل َح َج َر َأ ِو َّ ْ َ ُ‬
‫ان»(‪.)2‬‬ ‫َع َلى َأ ْه ِل ِه‪َ ،‬ق َال‪ِ :‬لَ َّن ُه ِم ْن َع َم ِل َّ‬
‫الش ْي َط ِ‬

‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)5247‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫البخاري يف األدب المفرد (‪،)1191‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪281‬‬ ‫‪ -45‬أذكار النَّوم (‪)3‬‬

‫مر على الفراش وبيده‬


‫الج َّهال َّ‬
‫الصغار ُ‬
‫وقد يكون هذا من أحد األوالد ِّ‬
‫الشيطان إلى مثل هذا‪ .‬فهذه‬ ‫طعام فوقع شيء منه على الفراش‪ ،‬وقد يدفعه َّ‬
‫َّبي ﷺ هذا اإلرشاد الكريم المبارك أن‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫األمور كلها أمور متوقعة‪ ،‬وقد أرشدَ الن ُّ‬
‫ينفض المرء فراشه هبذه ال َّطريقة الموصوفة يف الحديث هبذه األريح َّية وهبذا‬
‫وجه إليه نب ُّينا الكريم ﷺ‪ ،‬وقال‪« :‬فإِ َّن ُه َل َيدْ ري ما خ َل َف ُه عل ْي ِه»‪،‬‬
‫األدب ا َّلذي َّ‬
‫وغضب شديد على أهله‪ ،‬بل ُترتك‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وكثرة لوم‬ ‫بحث ومن أين؟ ولماذا؟‬‫ٍ‬ ‫دون‬
‫الرعونة ا َّلتي قد تكون من بعض ِّ‬
‫الرجال يف البيوت بعدم احتمال أدنى‬ ‫هذه ُّ‬
‫أقل القليل‪.‬‬ ‫شيء أو َّ‬
‫متوس ًل إلى اهلل ‪ F‬به‪،‬‬ ‫اس ِم َ‬
‫ك ر ِّبي»‪ ،‬ذكر هذا االسم العظيم ِّ‬ ‫قوله‪« :‬بِ ْ‬
‫بوبية هللا ‪ F‬لخلقه نوعان‪:‬‬ ‫ور َّ‬

‫والرزق‪ ،‬والملك‪ ،‬واإلنعام‪،‬‬


‫عامة؛ ومن معانيها‪ :‬الخلق‪ِّ ،‬‬
‫‪ -1‬ربوب َّية َّ‬
‫والتَّدبير‪ ...‬إلى غير ذلك‪.‬‬
‫خاصة‪ ،‬أي‪ :‬بعباده المؤمنين وحزبه المتَّقين‪ ،‬وهذه تعني‬
‫َّ‬ ‫‪ -2‬وربوب َّية‬
‫وكثيرا‬
‫ً‬ ‫تربيتهم على اإليمان والهداية واالستقامة والمحافظة على طاعة اهلل‪.‬‬
‫توس ًل إليه هبذه‬
‫ما يأيت يف دعوات األنبياء ندا ُء اهلل ‪ I‬هبذا االسم «ر ِّبي»‪ُّ ،‬‬
‫الخاصة؛ تربية التَّوفيق والهداية والمنَّة باإلسالم واالستقامة على طاعة‬
‫َّ‬ ‫التَّربية‬
‫اهلل ‪.F‬‬
‫أن اضطجاعي على الفراش‬ ‫ك َأ ْر َف ُعه»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬
‫ت َجنْبِي‪َ ،‬وبِ َ‬
‫«و َض ْع ُ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫وكذلك قيامي وهنوضي منه ك َّله بك‪ ،‬أي‪ :‬بمعونتك يا اهلل‪ ،‬وتيسيرك و َمنِّك‬
‫مستشعرا أنَّه طوع تدبيره وتصريفه ‪.I‬‬ ‫ً‬ ‫وفضلك؛ فينام مستعينًا باهلل‬
‫وقوله‪« :‬إِ ْن َأمسك َ ِ‬
‫ْت َن ْفسي َف ْار َح ْم َها‪َ ،‬وإِ ْن َأ ْر َس ْلت ََها َف ْ‬
‫اح َف ْظ َها بِ َما ت َْح َف ُظ‬ ‫ْ َ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪282‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أن َمن أراد أن ينام ال يدري أروحه ُترسل أو‬ ‫ين»‪ ،‬هذا فيه َّ‬ ‫بِه ع َبا َد َك َّ‬
‫الصالح َ‬
‫تقبض يف نومته‪ ،‬فيسأل اهلل إن ُقبضت أن يرحمها‪ ،‬وإن ُأرسلت أن يحفظها‬
‫الصالحين‪ .‬وهذا فيه َّ‬
‫أن روح العابد بيد اهلل‬ ‫يتولها بما يتو َّلى به عباده َّ‬ ‫وأن َّ‬
‫ا َّلذي أوجدها من العدم‪ ،‬فهو سبحانه إن شاء أمسكها حال نوم اإلنسان‬
‫فيصبح يف عداد الموتى‪ ،‬وإن شاء أرسلها فيبقى على قيد الحياة‪ ،‬هلل سبحانه‬
‫مما ُتها ومحياها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مجرد الحفظ‬ ‫َّ‬ ‫حين»‪ ،‬لم يطلب‬ ‫الصال َ‬ ‫وقوله‪« :‬بِما تح َف ُظ بِه عبا َد َك َّ‬
‫خص اهلل ‪ F‬به عبا َده‬ ‫ا َّلذي تصلح به األجساد‪ ،‬بل طلب الحفظ ا َّلذي َّ‬
‫الصالحين؛ حفظهم باإليمان واالستقامة وال َّطاعة ِّ‬
‫والرعاية ألوامر اهلل والبعد‬ ‫َّ‬
‫والشرور‪.‬‬ ‫عن نواهيه‪ ،‬وحفظهم من أنواع األذى ُّ‬
‫‪283‬‬ ‫‪ -46‬أذكار النَّوم (‪)4‬‬

‫‪46‬‬

‫أذكار النَّوم (‪)4‬‬

‫ك‬ ‫َّبي ﷺ‪« :‬إِ َذا َأ َخ ْذ َت َم ْض َج َع َ‬ ‫عن الرباء بن عازب ‪ L‬قال‪ :‬قال الن ُّ‬
‫ك األَ ْي َم ِن‪ُ ،‬ث َّم ُقل‪« :‬ال َّل ُه َّم‬ ‫ج ْع َع َلى ِش ِّق َ‬ ‫اض َط ِ‬ ‫لص َل ِة‪ُ ،‬ث َّم ْ‬ ‫ِ‬
‫َفت ََو َّض ْأ ُو ُضو َء َك ل َّ‬
‫ك َو َأ ْل َج ْأ ُت‬ ‫ت َأ ْمرِي إِ َل ْي َ‬ ‫ك َو َف َّو ْض ُ‬ ‫ت َو ْج ِهي إِ َل ْي َ‬ ‫ك َو َو َّج ْه ُ‬ ‫ت َن ْف ِسي إِ َل ْي َ‬ ‫َأ ْس َل ْم ُ‬
‫ك‬ ‫ْت بِكِتَابِ َ‬ ‫ك‪َ ،‬آمن ُ‬ ‫ْك إِ َّل إِ َل ْي َ‬‫ك‪َ ،‬ل َم ْل َج َأ َو َل َمن َْجا ِمن َ‬ ‫ك َر ْغ َب ًة َو َر ْه َب ًة إِ َل ْي َ‬ ‫َظ ْهرِي إِ َل ْي َ‬
‫ت‬ ‫ك؛ َفإِ ْن ُم َّ‬ ‫آخرِ ك ََل ِم َ‬ ‫ت»‪ ،‬واجع ْلهن ِمن ِ‬
‫ك ا َّلذي َأ ْر َس ْل َ َ ْ َ ُ َّ ْ‬
‫ت‪ ،‬وبِنَبِي َ ِ‬
‫ا َّلذي َأ ْن َز ْل َ َ ِّ‬
‫ِ‬
‫ْت‬ ‫«آمن ُ‬
‫ت‪َ :‬‬ ‫ْت َع َلى ا ْل ِف ْط َرة» َق َال‪َ :‬ف َر َّد ْدت ُُه َّن ألَ ْست َْذكِ َر ُه َّن‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬ ‫ت َو َأن َ‬ ‫ك ُم َّ‬ ‫ِم ْن َل ْي َلتِ َ‬
‫ت»(‪.)1‬‬ ‫ك ا َّل ِذي َأ ْر َس ْل َ‬ ‫ْت بِنَبِ ِّي َ‬
‫«ل‪ُ ،‬ق ْل‪َ :‬آمن ُ‬ ‫ت»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫ك ا َّل ِذي َأ ْر َس ْل َ‬ ‫بِ َر ُسولِ َ‬
‫هذا من أوراد النَّوم العظيمة ال َّثابتة عن نب ِّينا ‪ ،O‬وقد اشتمل‬
‫يحسن بالمسلم أن يأيت هبا عندما يأوي إلى فراشه‪،‬‬ ‫على بعض اآلداب ا َّلتي ُ‬
‫للصالة؛ لينام على طهارة‪ ،‬وليكون على أكمل‬ ‫يتوضأ وضوءه َّ‬ ‫وأول ذلك‪ :‬أن َّ‬ ‫َّ‬
‫وأيضا من أجل أن يأيت بأذكار النَّوم وهو على طهارة‪ ،‬وهذا‬ ‫أحواله عند نومه‪ً ،‬‬
‫َّيمن وهو أكمل أحوال‬ ‫ثم ينام على ش ِّقه األيمن؛ ألنَّه ﷺ كان يعجبه الت ُّ‬ ‫أكمل‪َّ ،‬‬
‫ت َجنْبِي»‪.‬‬ ‫اس ِم َ‬
‫ك ال َّل ُه َّم َو َض ْع ُ‬ ‫َّبي ﷺ‪« :‬بِ ْ‬ ‫اإلنسان يف نومه‪ ،‬وقد تقدَّ م قول الن ِّ‬
‫رضيت َتمام‬
‫ُ‬ ‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬إنَّني ‪-‬يا اهلل‪ -‬قد‬ ‫ت َن ْف ِسي إِ َل ْي َ‬
‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َأ ْس َل ْم ُ‬
‫شئت وتقضي فيها بما‬ ‫َصرف فيها بما َ‬ ‫الرضا أن تكون نفسي تحت مشيئتك‪َ ،‬تت َّ‬ ‫ِّ‬
‫السموات واألرض‪،‬‬ ‫أردت من إمساكها أو إرسالها‪ ،‬فأنت ا َّلذي بيدك مقاليد َّ‬ ‫َ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2710‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪284‬‬

‫أردت‪،‬‬
‫َ‬ ‫ونواصي العباد جميعهم معقود ٌة بقضائك وقدرك؛ تقضي فيهم بما‬
‫وتحكم فيهم بما تشاء‪ ،‬ال را َّد لقضائك وال مع ِّقب لحكمك‪.‬‬
‫وتوجهي وقصد‬
‫ُّ‬ ‫ت َو ْج ِهي إِ َل ْي َ‬
‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬جعلت وجهتي‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫«و َو َّج ْه ُ‬
‫مخلصا ال أبتغي َّإل وجهك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قلبي إليك‬
‫جعلت شأنِي ك َّله إليك؛ ويف هذا‬
‫ُ‬ ‫ك»‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫ت َأ ْمرِي إِ َل ْي َ‬
‫«و َف َّو ْض ُ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫قوة َّإل به‬
‫االعتما ُد على اهلل ‪ D‬وحسن التَّوكُّل عليه‪ ،‬إذ ال حول للعبد وال َّ‬
‫‪.E‬‬
‫لما‬‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬أسند ُته إلى حفظك ورعايتك؛ َ‬ ‫«و َأ ْل َج ْأ ُت َظ ْهرِي إِ َل ْي َ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫تقوى به سواك‪ ،‬وال ينفع أحدً ا َّإل حماك‪ .‬ويف هذا إشار ٌة‬ ‫مت أنَّه ال سند ُي َّ‬ ‫علِ ُ‬
‫إلى افتقار العبد إلى اهلل ‪ D‬يف شأنه ك ِّله يف نومه ويقظته وحركته وسكونه‬
‫وسائر أحواله‪.‬‬
‫راغب راهب؛‬
‫ٌ‬ ‫«ر ْغ َب ًة َو َر ْه َب ًة إِ َل ْي َ‬
‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬إنَّني أقول ما سبق ك َّله وأنا‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫وراهب منك ومن‬
‫ٌ‬ ‫الرغبة يف فضلك الواسع وإنعامك العظيم‪،‬‬
‫راغب تمام َّ‬
‫ٌ‬
‫والصالحين من عباد اهلل؛‬
‫َّ‬ ‫كل ٍ‬
‫أمر يوقع يف سخطك‪ ،‬وهذا هو شأن األنبياء‬ ‫ِّ‬
‫الر َغب َّ‬
‫والر َهب‪ ،‬كما قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯦ ﯧ‬ ‫يجمعون يف دعائهم بين َّ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ﴾ [األنبياء‪.]90 :‬‬
‫مهر َب وال‬
‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬ال مالذ وال َ‬ ‫«ل َم ْل َج َأ َو َل َمن َْجى ِمن َ‬
‫ْك إِ َّل إِ َل ْي َ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫ص من عقوبتك َّإل بالفزع إليك واالعتماد عليك‪ ،‬كما قال تعالى‪ ﴿ :‬ﰃ‬ ‫َم ْخ َل َ‬
‫تفر منه‪َّ ،‬إل َّ‬
‫رب‬ ‫وكل شيء تخافه ُّ‬ ‫الذاريات‪ُّ ،]50 :‬‬ ‫ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﴾ [ َّ‬
‫العالمين إذا تح َّقق فيك الخوف منه فررت إليه ولجأت إليه؛ ألنَّك تعلم َّ‬
‫أن‬
‫زوال خوفك وحصول نجاتك ال يكون َّإل بال ُّلجوء إليه سبحانه‪.‬‬
--1 4# ..
)u:I. :A
. L-t'h1 Iti.
u j ..q..juq(.'.'.j...
Joja .g
'j '
kj;
-
>'
J,z
''K.
;Dy
' '
..!a .2
.. .
'!.'
'.tH
%
. . -
*.-
wfw u:.ao 'h
! 5@',
J:+.
. . . .
j .5 -
oxu
''.w
. .- N'J e.u .ts w-
.. . . j!>I
. w.:Ioz.u..N'o.x:IreX :IJ
'I=
'J
'Ie.a''
ax'hui. I..-ct
nn1u*'wv)J -'
y :!s. ' u-:k'
.o u.?v u.r2
...J .:
..j..
.. 7 u Iu.).?'I7 ta.+e . ..a ;...s.
. - f - é j. -
witw w' o.'..LCa.u I7' )wz'
wu. 'w5IJ o'V J 'I7w'
*nz'hg.FsI w kc''Lw4OI7 h '2Z
4:.7>=4'
C.'='
x . 'J
J. w .w:Iku*.I
.= w.w. 'u 4J....
.9o-5z.w yb.œl
' wQw 5w'
a. w =h, w. I
. w )Io..ap
'1I

u.ss'x
''.-.
J 5ri
. wu
xa'.IJ w'
.+J
'Iw..p w11
0.
:1
- N' ,'tO. *I
>*v9 <3- I Q.7 bw.t'*-5I
'* w./ ANIJ'Q+
*>J
t
* t . . . j.
' .u puo-o . L
.:- , a aw sa G. u v w

y'I'
.. +'G'4-Nw'z Q hlzI*' b
= a-t)l<t ',1.% . .M 'm '1k
. '
.
rê ' ' ' . 1
')'
:) .e'H'
f s .. - . ! .
ja.4-w'u +p I1vu;u..kvr'
*IjJ'uç;'%'j,cpI-J3.15j.r<'.jKdlo -.
I;v.u1jj.'
u5T'vIw.w5jwyx.-u 'I
Cw=-' &IJ't)lu.sl'i-
oJ'
z-jIhw' ka
vk-l'J 'o-oG'
Jwtlxvnv-'L-..0-)ICI/kS;r.ol.iwnw'
uo-'
t<
-:a'lô.'
t.:u
'
;x-<:--'
2
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪286‬‬

‫اجتَا َلت ُْه ْم َع ْن ِدين ِ ِه ْم»(‪.)1‬‬


‫ين َف ْ‬
‫ادي حنَ َفاء‪َ ،‬فأ َتتْهم َّ ِ‬
‫الش َياط ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ُ َ‬
‫ِعب ِ‬
‫َ‬
‫ت‬‫«وإِ ْن َأ ْص َب ْح َ‬
‫وقد جاء يف بعض روايات هذا الحديث أنَّه ﷺ قال‪َ :‬‬
‫خيرا‪،‬‬
‫الصباح ً‬ ‫َأ َص ْب َ‬
‫ت َخ ْي ًرا»‪ ،‬أي‪ :‬إن َلم َت ُمت من ليلتك تلك أصبت يف َّ‬
‫ثوا ًبا لك على اهتمامك هبذا األمر‪ .‬ونستفيد من هذا فائدة عظيمة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أن المحافظة على هذه األذكار بركة على العبد يف حياته ومماته؛ ف ُيكتب له‬ ‫َّ‬
‫الربكة يف حياته وإصابة الخير‪ ،‬و ُيكتب له التَّوفيق للموت على الفطرة‪ ،‬فيفوز‬
‫بالسعادة ويتح َّقق له الفالح‪.‬‬
‫َّ‬
‫وقد جمع هذا الدُّ عاء األصول ال َّثالثة ا َّلتي ُيسأل عنها العبد إذا أدرج‬
‫ومن نب ُّيك؟»‪ ،‬وقد يموت المرء يف نومته‬
‫«من ر ُّبك؟ وما دينك؟ َ‬
‫يف قربه‪َ :‬‬
‫عظيم أن ينام على هذه الفطرة جام ًعا هذه األصول‪ :‬التَّوحيدَ‬
‫ٌ‬ ‫تلك‪ ،‬فكم هو‬
‫وبالرسول ‪.O‬‬
‫واإلخالص واإلقرار بالدِّ ين‪ ،‬وبالكتاب‪َّ ،‬‬
‫تفخيما ألمره وبيانًا‬
‫ً‬ ‫ت َخ ْي ًرا»‪ ،‬ن َّكر الخير ا َّلذي ُيصاب و ُينال؛‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫«أ َص ْب َ‬
‫لعظمه‪ ،‬وفضل اهلل ‪ E‬واسع‪ ،‬والعط َّية على قدر المعطي‪.‬‬
‫ويف قول النَّبِ ِّي ﷺ للرباء َل َّما ر َّدد الدُّ عا َء من أجل استذكاره‪َ :‬‬
‫«ل‪ُ ،‬ق ْل َآمن ُ‬
‫ْت‬
‫دليل على أهم َّية التَّق ُّيد هبذه األذكار بألفاظها الواردة؛‬ ‫ت»؛ ٌ‬ ‫ك ا َّل ِذي َأ ْر َس ْل َ‬
‫بِنَبِ ِّي َ‬
‫لكمالها يف مبناها ومعناها‪.‬‬
‫أن المرء لو اجتهد يف إنشاء ٍ‬
‫ذكر ال يأمن من خطأ أو نقص‬ ‫وهذا نستفيد منه‪َّ :‬‬
‫ذكرا من نفسه! بل‬ ‫أو خلل‪ ،‬مهما كان علمه ومكانته‪ ،‬فالرباء ‪ I‬لم ُينشئ ً‬
‫َّبي ‪ ،O‬وتغ َّيرت عنده لفظ ٌة واحد ٌة فيه‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ِّ َّ‬
‫أتى بالذكر الذي تلقاه من الن ِّ‬
‫بمن يدع األذكار المشروعة ك ِّل َّي ًة‬
‫وصحح له‪ ،‬فكيف َ‬
‫َّ‬ ‫«ل»‪،‬‬
‫َّبي ﷺ‪َ :‬‬‫فقال له الن ُّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2865‬‬
‫‪287‬‬ ‫‪ -46‬أذكار النَّوم (‪)4‬‬

‫ويستبدلها بأشياء ُينشئها ويستحسنها؟! وحقيق هؤالء أن يقال لهم‪ :‬ال ثم ال‪،‬‬
‫الذكر المشروع المأثور عن نب ِّينا‬ ‫وهبذا ندرك الحرمان ا َّلذي يناله َمن يبتعد عن ِّ‬
‫وأذكار مبتدعة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بأوراد محدثة‬ ‫ٍ‬ ‫الكريم ‪ O‬ويستعيض عنها‬
‫أيضا‪ :‬ضرورة المحافظة على الدَّ عوات المأثورة واألذكار‬ ‫‪ ‬ويستفاد منه ً‬
‫يتم َّإل هبذه ال َّطريقة‬ ‫َّبي ﷺ‪ ،‬وهذا ال ُّ‬ ‫َّ‬
‫الواردة بألفاظها النَّبو َّية الثابتة عن الن ِّ‬
‫ٍ‬ ‫الواردة يف هذا الحديث؛ تسمع ِّ‬
‫ثم تعرض عليه‬ ‫الذكر َّأو ًل من حافظ له متقن‪َّ ،‬‬
‫حفظك له حتَّى تستثبت من سالمته من الغلط‪ .‬وهذا العرض له مكانة معروفة‬
‫ت؟» َق َال‪َ « :‬ن َع ْم»‪،‬‬ ‫الز َب ْي ِر َأ َّن ُه َق َال ِل ْبن ِ ِه ِه َشا ٍم‪َ « :‬ك َت ْب َ‬
‫عند المحدِّ ثين‪َ ،‬ع ْن ُع ْر َو َة ْب ِن ُّ‬
‫ُب»(‪.)1‬‬ ‫«ل»‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ل ْم َت ْكت ْ‬ ‫ك؟» َق َال‪َ :‬‬ ‫ت كِتَا َب َ‬
‫َق َال‪َ « :‬ع َر ْض َ‬
‫صحتها وسالمتها ود َّقة ألفاظها‪ ،‬فتغ ُّير‬ ‫والغرض من عرضها التَّأكُّد من َّ‬
‫الحركة اإلعراب َّية مثالً يغ ُّير المعنى‪ ،‬وتبدُّ ل كلمة بأخرى يغ ِّيره‪ ،‬وأحيانًا نطق‬
‫كأن يمدَّ يف الكلمة مدًّ ا يف‬ ‫الصحيح لغ ًة ُيغ ِّير المعنى‪ْ ،‬‬ ‫الكلمة على غير نطقها َّ‬
‫غير موضعه‪ ،‬فالحاجة إذ ًا إلى العرض شديدة حتَّى يضبط هذه األذكار ضب ًطا‬
‫ات اهللِ َو َس َل ُم ُه َع َل ْي ِه‪.‬‬
‫صحيحا بألفاظها المأثورة عن نب ِّينا َص َل َو ُ‬
‫ً‬
‫ويف فتاوى ال َّلجنة الدَّ ائمة لإلفتاء قال مشايخنا الكرام‪« :‬األصل يف‬
‫األذكار وسائر العبادات الوقوف عند ما ورد من عباراهتا وكيف َّياهتا يف كتاب‬
‫البخاري وغيره عن الرباء بن عازب ‪I‬‬ ‫ُّ‬ ‫اهلل وسنَّة رسوله ﷺ‪ ،‬لما رواه‬
‫ج ْع‬ ‫اض َط ِ‬ ‫لص َل ِة‪ُ ،‬ث َّم ْ‬ ‫ِ‬
‫ك َفت ََو َّضأ ُو ُضو َء َك ل َّ‬ ‫ت َم ْضج َع َ‬ ‫َّبي ﷺ‪« :‬إِ َذا َأ َت ْي َ‬ ‫قال‪ :‬قال الن ُّ‬
‫ك‬ ‫ت َأ ْمرِي إِ َل ْي َ‬ ‫ت َن ْف ِسي إِ َل ْي َ‬
‫ك َو َف َّو ْض ُ‬ ‫ك األَ ْي َم ِن‪ُ ،‬ث َّم ُق ْل‪ :‬ال َّل ُه َّم َأ ْس َل ْم ُ‬ ‫َع َلى ِش ِّق َ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ك‪َ ،‬ل َم ْل َج َأ َو َل َمن َْجا ِمن َ‬
‫ْك إِ َّل إِ َل ْي َ‬ ‫ك َر ْغ َب ًة َو َر ْه َب ًة إِ َل ْي َ‬ ‫َو َأ ْل َج ْأ ُت َظ ْهرِي إِ َل ْي َ‬

‫البغدادي يف الكفاية‬
‫ُّ‬ ‫السنن الكربى (‪ ،)778‬والخطيب‬
‫البيهقي يف المدخل إلى ُّ‬
‫ُّ‬ ‫(((  ذكره‬
‫(‪.)237/1‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪288‬‬

‫ت ِم ْن َل ْي َلتِ َ‬
‫ك َف َأن َ‬
‫ْت‬ ‫ك ا َّل ِذي َأ ْر َس ْل َ‬
‫ت؛ َفإِ ْن ُم َّ‬ ‫ت َوبِ َنبِ ِّي َ‬‫ك ا َّل ِذي َأ ْن َز ْل َ‬
‫ْت بِكِتَابِ َ‬
‫َآمن ُ‬
‫ول»‪ ،‬فقلت أستذكره َّن‪ :‬وبرسولك ا َّلذي‬ ‫آخ َر َما َت ُق ُ‬ ‫الف ْطر ِة‪ ،‬واجع ْلهن ِ‬ ‫ع َلى ِ‬
‫َ َ ْ َ ُ َّ‬ ‫َ‬
‫َّبي ﷺ على الرباء بن‬ ‫ت» ‪ ،‬فأبى الن ُّ‬
‫(‪)1‬‬
‫«ل‪َ ،‬ونب ِّيك ا َّل ِذي َأ ْر َس ْل َ‬ ‫أرسلت‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫الذكر والدُّ عاء عند‬ ‫عازب أن يضع كلمة‪ :‬ورسولك‪ ،‬مكان كلمة‪ :‬ونب ِّيك‪ ،‬يف ِّ‬
‫النَّوم»(‪. )2‬‬

‫البخاري (‪ ،)247‬ومسلم (‪.)2710‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  فتاوى ال َّلجنة الدَّ ائمة (‪.)90/6‬‬
‫‪289‬‬ ‫‪ -47‬أذكار النَّوم (‪)5‬‬

‫‪47‬‬

‫أذكار النَّوم (‪)5‬‬

‫َّبي ﷺ تسأله‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬


‫علي بن أبي طالب ‪ :I‬أن فاطمة ‪ J‬أتت الن َّ‬ ‫عن ِّ‬
‫حين اهَّلل ِعنْدَ من َِام ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َث َل ًثا‬ ‫َ‬ ‫«أ َل ُأ ْخبِ ُرك َما ُه َو َخ ْي ٌر َلك منْ ُه؟ ت َُس ِّب َ َ‬ ‫خاد ًما‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين»‪ُ ،‬ث َّم َق َال‬ ‫ين اهَّللَ َأ ْر َب ًعا َو َث َلث َ‬
‫ين‪َ ،‬و ُت َك ِّبرِ َ‬
‫ين اهَّللَ َث َل ًثا َو َث َلث َ‬
‫ين‪َ ،‬وت َْح َمد َ‬ ‫َو َث َلث َ‬
‫ون‪َ ،‬ف َما ت ََر ْكت َُها َب ْعدُ »‪ ،‬قيل‪ :‬وال ليلة ص ِّفين؟ قال‪:‬‬ ‫ان‪ :‬إِ ْحدَ ُاه َّن َأ ْر َب ٌع َو َث َل ُث َ‬
‫ُس ْف َي ُ‬
‫«وال ليلة ص ِّفين»‪ .‬متَّفق عليه(‪.)1‬‬
‫َّبي ‪ O‬ورضي عنها إلى‬ ‫قصة مجيء فاطمة بنت الن ِّ‬ ‫يف هذا الحديث َّ‬
‫والدها صلوات اهلل وسالمه عليه تسأله خاد ًما ليخ ِّفف عنها؛ لما كانت تجده من‬
‫علي ‪ I‬أنَّه قال يف وصف‬ ‫َّ‬
‫المشقة يف العمل‪ ،‬وقد ُروي يف سنن أبي داود عن ٍّ‬
‫الر َحى َحتَّى َأ َّث َر فِي َي ِد َها‪،‬‬ ‫ما كانت تجده من مش َّقة يف أعمالها‪« :‬إِن ََّها َج َّر ْت بِ َّ‬
‫ت َحتَّى ا ْغ َب َّر ْت ثِ َيا ُب َها»(‪.)2‬‬ ‫ت بِا ْل ِقرب ِة حتَّى َأ َّثر فِي نَحرِها‪ ،‬و َكنَس ِ‬
‫ت ا ْل َب ْي َ‬ ‫ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َو ْاس َت َق ْ‬
‫وشوقها إليه‪.‬‬ ‫خير لها من خادم‪َّ ،‬‬ ‫أمر هو ٌ‬ ‫فأرشدها النَّبي ‪ O‬إلى ٍ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫فلما هت َّيأت نفسها وتحفزت لمعرفة‬ ‫«أ َل ُأ ْخبِ ُرك َما ُه َو َخ ْي ٌر لك م ْن َخادمٍ»؛ َّ‬
‫َ‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫حين اهلل ِعنْدَ من َِام ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َث َل ًثا‬ ‫َ‬ ‫هذا األمر ا َّلذي هو خير لها من خادم‪ ،‬قال لها‪« :‬ت َُس ِّب َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين»‪ ،‬فيكون‬ ‫ين اهللَ َأ ْر َب ًعا َو َث َلث َ‬
‫ين‪َ ،‬و ُت َك ِّبرِ َ‬‫ين اهللَ َث َل ًثا َو َث َلث َ‬ ‫َو َث َلث َ‬
‫ين‪َ ،‬وت َْح َمد َ‬
‫مجموع ذلك مائة‪.‬‬
‫البخاري (‪ ،)5362‬ومسلم (‪.)2727‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه أبو داود (‪.)2988‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪290‬‬

‫‪I‬‬ ‫علي‬
‫أيضا زوجها ٌّ‬ ‫ففرحت بذلك وعنيت به ‪ ،J‬وفرح به ً‬
‫حتَّى إنَّه أخرب عن شدَّ ة مواظبته عليه أنَّه ما تركه منذ سمعه من رسول اهلل ﷺ‪،‬‬
‫«و َل َل ْي َل َة ِص ِّفين؟» وهي ال َّليلة ا َّلتي دار فيه القتال بينه وبين أهل َّ‬
‫الشام‪،‬‬ ‫قيل له‪َ :‬‬
‫«و َل َل ْي َل َة ِص ِّفين»‪ ،‬أي‪ :‬ما تركه وال تلك ال َّليلة مع شدَّ ة األمر فيها‪.‬‬‫فقال‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫وفوائده العظيمة‬ ‫الذكر‬‫أن من فضائل ِّ‬ ‫وقد أخذ العلماء من هذا الحديث‪َّ :‬‬
‫وهمته‪ ،‬ويف هذا يقول اب ُن الق ِّيم‬
‫وصحته ونشاطه َّ‬ ‫َّ‬ ‫قو ًة يف بدنه‬‫اكر َّ‬ ‫أنَّه يعطي َّ‬
‫الذ َ‬
‫الذكر ما لم يظ َّن فعله‬ ‫قوة حتَّى إنَّه ليفعل مع ِّ‬ ‫الذاكر َّ‬ ‫«الذكر يعطي َّ‬ ‫‪ِّ :V‬‬
‫قوة شيخ اإلسالم ابن تيم َّية يف سننه وكالمه وإقدامه‬ ‫شاهدت من َّ‬
‫ُ‬ ‫بدونه‪ ،‬وقد‬
‫أمرا عجي ًبا؛ فكان يكتب يف اليوم من التَّصنيف ما يكتبه النَّاسخ يف جمعه‬ ‫وكتابه ً‬
‫َ‬
‫حديث‬ ‫ثم أورد‬
‫عظيما‪َّ ،»...‬‬
‫ً‬ ‫أمرا‬
‫قوته يف الحرب ً‬ ‫وأكثر‪ ،‬وقد شاهد العسكر من َّ‬
‫قو ًة يف بدنِه ُمغني ًة‬
‫إن من داوم على ذلك وجد َّ‬ ‫عق َبه‪« :‬فقيل َّ‬ ‫علي المتقدِّ م‪ ،‬وقال ِ‬
‫ٍّ‬
‫عن خادم» ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫والروح فإذا فقده العبد صار بمنزلة‬ ‫الذكر «أنَّه قوت القلب ُّ‬ ‫وذكر‪ :‬يف فوائد ِّ‬
‫مرة‬‫قوته»‪ ،‬قال‪ :‬وحضرت شيخ االسالم ابن تيم َّية‪َّ :‬‬ ‫الجسم إذا حيل بينه وبين َّ‬
‫إلي‬
‫ثم التفت َّ‬ ‫ثم جلس يذكر اهلل إلى قريب من انتصاف النَّهار‪َّ ،‬‬ ‫ص َّلى الفجر‪َّ ،‬‬
‫قويت أو كال ًما قري ًبا منه(‪.)2‬‬ ‫وقال‪ :‬هذه غدويت‪ ،‬ولو لم أتغدَّ الغداء سقطت َّ‬
‫ونقل‪ :‬عن شيخ اإلسالم ابن تيم َّية أنَّه قال‪َ « :‬ب َلغنا أنَّه َمن حافظ على هؤالء‬
‫الكلمات َلم يأخذه إعيا ٌء فيما يعانيه من شغ ٍل وغيره»(‪.)3‬‬
‫الصلحاء المحافظين على طاعة اهلل ‪ F‬يف‬ ‫فسر لنا َ‬
‫حال كثير من ُّ‬ ‫وهذا ُي ِّ‬
‫همتهم‪ ،‬وتبكيرهم إلى بيوت اهلل‪ ،‬وقطع المسافة ال َّطويلة ذها ًبا‬
‫وعلو َّ‬
‫ِّ‬ ‫نشاطهم‬
‫الص ِّيب (ص‪.)77‬‬
‫(((  الوابل َّ‬
‫الص ِّيب (ص‪.)42‬‬
‫(((  الوابل َّ‬
‫الص ِّيب (ص‪.)97‬‬ ‫(((  الوابل َّ‬
‫‪291‬‬ ‫‪ -47‬أذكار النَّوم (‪)5‬‬

‫إليها‪ ،‬مع شدَّ ة ضعف أبداهنم وكرب سنِّهم! فهذا ك ُّله من آثار المواظبة على ذكر‬
‫بقوة ونشاط‪ ،‬ويحفظها لهم‪.‬‬ ‫اهلل والمحافظة عليه‪ ،‬فاهلل ‪ D‬يمدُّ أجسامهم َّ‬
‫وقد جاء يف رواية لهذا الحديث يف صحيح مسلم عن َعلِ ٍّي ‪َ I‬أ َّن‬
‫الر َحى فِي َي ِد َها‪َ ،‬و َأ َتى النَّبِ َّي ﷺ َس ْب ٌي َفا ْن َط َل َق ْت‬ ‫ِ‬
‫َفاط َم َة ْاش َت َك ْت َما َت ْل َقى م َن َّ‬
‫ِ‬
‫ج ِ‬
‫يء‬ ‫جدْ ُه َو َل ِق َي ْت َعائِ َش َة َف َأ ْخ َبر ْت َها‪َ ،‬ف َلما َجاء النَّبِي ﷺ َأ ْخ َبر ْت ُه َعائِ َش ُة بِم ِ‬ ‫َف َلم َت ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ُ ََ َ‬ ‫ِ ََ‬ ‫َ ََ ْ‬ ‫َِ‬ ‫ِ‬ ‫َِ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َّبي ﷺ‬ ‫فاط َم َة إل ْي َها ف َجا َء النَّب ُّي ﷺ إل ْينَا َوقدْ أخذنَا َم َضاج َعنَا فذ َه ْبنَا َنقو ُم فقال الن ُّ‬
‫«أ َل‬ ‫« َع َلى َمكَانِك َُما»‪َ ،‬ف َق َعدَ َب ْينَنَا َحتَّى َو َجدْ ُت َب ْر َد َقدَ مِ ِه َع َلى َصدْ ِري‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ُأ َع ِّل ُمك َُما َخ ْي ًرا ِم َّما َس َأ ْلت َُما؛ إِ َذا َأ َخ ْذت َُما َم َض ِ‬
‫ين‬ ‫اج َعك َُما َأ ْن ُت َك ِّب َرا اهَّللَ َأ ْر َب ًعا َو َث َلث َ‬
‫ادمٍ»(‪.)1‬‬‫وتُسبحاه َث َل ًثا و َث َلثِين وتَحمدَ اه َث َل ًثا و َثالَثِين َفهو َخير َلكُما ِمن َخ ِ‬
‫َ ُ َ ٌْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ِّ َ ُ‬
‫تأ َّمل رعاك اهلل‪ :‬ما أن سمع ﷺ بمجيء ابنته إليه وطلبها لهذا األمر َّإل‬
‫وحسن مالطفته وتمام‬ ‫بالذهاب إليها يف بيتها؛ وهذا من كمال ُخلقه ُ‬‫وبادر َّ‬
‫إحسانه ألهله وولده وعظيم عنايته هبم‪ ،‬بخالف حال كثير من النَّاس يف مثل‬
‫هذا المقام من ضعف االحتمال وق َّلة االهتمام‪ ،‬واألخالق متفاوتة‪ ،‬ونب ُّينا ﷺ‬
‫ن المعاشرة‪ ،‬كما وصفه اهلل ‪C‬‬ ‫َ‬
‫وجمال األدب‪ ،‬وحس َ‬ ‫الخلق‪،‬‬ ‫أوتِي َ‬
‫كمال ُ‬
‫َ‬
‫بذلك يف قوله‪﴿ :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [القلم‪.]4 :‬‬
‫َان‪َ -‬ل‬ ‫‪-‬أ ْو َخ َّلت ِ‬
‫َان َ‬ ‫«خ ْص َلت ِ‬ ‫وعن عبد اهلل عمرو ‪ L‬عن النَّبِ ِّي ﷺ قال‪َ :‬‬
‫يل؛‬ ‫الجنَّةَ‪ُ ،‬ه َما َي ِس ٌير َو َم ْن َي ْع َم ُل بِ ِه َما َق ِل ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُي َحاف ُظ َع َل ْي ِه َما َع ْبدٌ ُم ْسل ٌم إِ َّل َد َخ َل َ‬
‫ون‬
‫ك َخ ْم ُس َ‬ ‫ُي َس ِّب ُح فِي ُد ُبرِ ك ُِّل َص َل ٍة َع ْش ًرا‪َ ،‬و َي ْح َمدُ َع ْش ًرا‪َ ،‬و ُي َك ِّب ُر َع ْش ًرا؛ َف َذلِ َ‬
‫ين إِذا َأ َخ َذ‬ ‫ِ‬ ‫ف و َخمس ِمائ ٍَة فِي ِ‬
‫الميز ِ‬ ‫َو َما َئ ٌة بِال ِّل َس ِ‬
‫َان‪َ ،‬و ُي َك ِّب ُر َأ ْر َب ًعا َو َث َلث َ‬ ‫ان َو َأ ْل ٌ َ ْ ُ‬
‫ك ِما َئ ٌة بِال ِّل َس ِ‬
‫ان‬ ‫ين؛ َف َذلِ َ‬ ‫ِ‬
‫ين‪َ ،‬و ُي َس ِّب ُح َث َل ًثا َو َث َلث َ‬
‫ِ‬
‫ج َع ُه‪َ ،‬و َي ْح َمدُ َث َل ًثا َو َث َلث َ‬‫َم ْض ِ‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫ول اهلل ِ ﷺ َي ْع ِقدُ َها بِ َي ِد ِه‪َ .‬قا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫ف فِي ا ْل ِميز ِ‬
‫َان»‪َ ،‬ف َل َقدْ َر َأ ْي ُ‬ ‫َو َأ ْل ٌ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2727‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪292‬‬

‫ان فِي َمن َِام ِه‬ ‫«ي ْأتِي َأ َحدَ ك ُُم َّ‬
‫الش ْي َط ُ‬ ‫يل؟ َق َال‪َ :‬‬ ‫ف ُه َما َي ِس ٌير َو َم ْن َي ْع َم ُل بِ ِه َما َق ِل ٌ‬
‫َك ْي َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َف ُين َِّو ُم ُه َق ْب َل َأ ْن َي ُقو َل ُه‪َ ،‬و َي ْأتيه في َص َلته َف ُي َذك ُِّر ُه َح َ‬
‫اج ًة َق ْب َل َأ ْن َي ُقو َل َها»‪َ .‬رواه أبو‬
‫ِّرمذي(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫داود والت‬
‫علي المتقدِّ م من التَّسبيح‬ ‫مطابق لحديث ٍّ‬ ‫ٌ‬ ‫وهذا كذلك من أذكار النَّوم وهو‬
‫والتَّحميد ثال ًثا وثالثين والتَّكبير أرب ًعا وثالثين‪ ،‬والحسنة بعشر أمثالها فهو‬
‫مائة بال ِّلسان وألف يف الميزان‪.‬‬
‫يل؟» قالوا‬ ‫ف ُه َما َي ِس ٌير َو َم ْن َي ْع َم ُل بِ ِه َما َق ِل ٌ‬ ‫الصحابة ‪َ « :M‬ك ْي َ‬ ‫وقول َّ‬
‫لمن يعمل هذا‬ ‫تعجب؛ إذا كان هذا ال َّثواب الجزيل َ‬ ‫ذلك مستفهمين استفهام ُّ‬
‫ِ‬
‫وأي شيء يصرفهم عن ذلك مع عظم‬ ‫العمل القليل فكيف يق ُّل العاملون به؟! ُّ‬
‫الصالة حتَّى‬ ‫الشيطان يوسوس للمرء يف َّ‬ ‫ال َّثواب؟! فب َّين لهم ‪َّ O‬‬
‫أن َّ‬
‫الذكر عقيبها‪ ،‬و ُي ِّنومه عند االضطجاع على فراشه قبل أن يقولها‪.‬‬ ‫يغفل عن ِّ‬
‫ول اهلل ِ ﷺ إِ َذا َأ َرا َد َأ ْن َينَا َم‬ ‫َان َر ُس ُ‬‫وعن البراء بن عازب ‪ L‬قال‪ :‬ك َ‬
‫ث ِع َبا َد َك»‪.‬‬ ‫ول‪« :‬ال َّل ُه َّم ِقنِي َع َذا َب َ‬
‫ك َي ْو َم َت ْب َع ُ‬ ‫ت َخدِّ ِه ْالَ ْي َم َن‪َ ،‬و َي ُق ُ‬
‫َو َض َع َيدَ ُه ت َْح َ‬
‫رواه أحمد(‪.)2‬‬
‫فيه إثبات ُسنَّتين عند النَّوم‪ :‬النَّوم على الجنب األيمن‪ ،‬ووضع اليد تحت‬
‫ث‬ ‫ثم يقول‪« :‬ال َّل ُه َّم ِقنِي َع َذا َب َ‬
‫ك َي ْو َم َت ْب َع ُ‬ ‫الخدِّ األيمن‪ ،‬وهذه أنفع نومة للعبد‪َّ ،‬‬
‫ألن النَّوم يذكِّر بالوقوف بين يدي اهلل؛ ألنَّه يذكِّر بالموت‬ ‫ِع َبا َد َك»‪ ،‬يقول ذلك؛ َّ‬
‫بل هو موت ٌة صغرى‪ ،‬والموت يذكِّر بما بعده‪ .‬قد قال ‪« O‬تذكَّروا‬
‫والسالمة من العذاب‪.‬‬ ‫هادم ال َّل َّذات»‪ ،‬فناسب المقام سؤال اهلل ‪ D‬النَّجاة َّ‬
‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم ِقنِي»‪ ،‬أي‪ :‬من الوقاية‪ ،‬أي‪ :‬أسألك أن َت ِق َيني وأن ُتس ِّلمني وأن‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3410‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)5065‬والت‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي يف صحيح األدب المفرد (‪.)925‬‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)18472‬‬
‫َّ‬
‫‪293‬‬ ‫‪ -47‬أذكار النَّوم (‪)5‬‬

‫تنجيني من عذابك يوم تبعث عبادك يوم الحساب والمجازاة على األعمال‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫اش ِه‪َ ،‬ق َال‪« :‬ا ْل َح ْمدُ‬
‫َان إِ َذا َأوى إِ َلى فِر ِ‬ ‫وعن أنس ‪َ :M‬أن رس َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ول اهلل ﷺ ك َ‬ ‫َّ َ ُ‬
‫هلل ِ ا َّل ِذي َأ ْط َع َمنا َو َس َقانا‪َ ،‬و َك َفانَا َو َآوانَا‪َ ،‬فك َْم ِم َّمن َل كَافِي َل ُه َو َل ُم ْؤ ِوي»‪ .‬رواه‬
‫مسلم(‪.)1‬‬
‫يف هذا الدُّ عاء تذك ٌُّر من المسلم عندما يريد أن ينام ل ِ َماضي أ َّيامه وسالف‬
‫أوقاته وما أمدَّ ه اهلل فيها من المطعم والمشرب والكفاية واإليواء‪ ،‬يف ِ‬
‫حال‬ ‫ُ‬
‫ويغذيه‪ ،‬أو شرا ًبا يسدُّ‬ ‫ِّ‬ ‫عدد من النَّاس منهم َمن ال يجد طعا ًما ُيشبعه‬ ‫وجود ٍ‬
‫لباسا يسرتُه ويواريه‪ ،‬أو مسكنًا يستك ُّن فيه ويؤويه‪ ،‬بل منهم‬ ‫ظمأه ويرويه‪ ،‬أو ً‬
‫اهلل بال َّطعام‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫فمن أكر َمه ُ‬ ‫َمن أدركه حت ُفه يف مجاعات مهلكة وقحط مفجع؛ َ‬
‫يستشعر ِعظم نعمة اهلل عليه‬ ‫َ‬ ‫يجب أن‬ ‫ُ‬ ‫والشراب وم َّن عليه بالكفاية واإليواء‬ ‫َّ‬
‫والشراب وأكرمه بالكفاية واإليواء‪.‬‬ ‫يس َر له هذا الغذاء َّ‬ ‫وك َب َر منَّته سبحانه بأن َّ‬
‫فاهلل ‪ C‬يقول‪ ﴿ :‬ﭭ ﭮ‬ ‫ٌ‬
‫مؤذن بدوامها والمزيد‪ُ ،‬‬ ‫وشكر النِّعمة‬
‫ُ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﴾ [إبراهيم‪،]7 :‬‬
‫فالشكر معه المزيدُ دائما وأبدً ا؛ ولذا قيل‪َ « :‬فمتَى َلم َتر حا َل َك فِي م ِز ٍ‬
‫يد‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُّ ُ‬
‫الش ْك َر»(‪ ،)2‬أي‪ :‬فإنَّك إذا استقبلته كان المزيدُ حليفك‪.‬‬ ‫اس َت ْقبِ ِل ُّ‬
‫َف ْ‬
‫«الح ْمدُ هلل ِ ا َّل ِذي َأ ْط َع َمنَا َو َس َقانَا‪ »...‬إلى آخره فيه ال َّثنا ُء على اهلل‬
‫قو ُله‪َ :‬‬
‫‪ D‬وحمدُ ه سبحانه على سوابغ نعمائه وتوالي فضله وعطائه‪ ،‬وجزيل‬
‫مواهبه‪ ،‬وسعة إحسانه‪ ،‬وكريم أياديه‪ ،‬وهو سبحانه ُ‬
‫أهل الحمد وال َّثناء‪.‬‬
‫شر المؤذيات ووقانا أذى‬ ‫«و َك َفانَا» من الكفاية‪ ،‬أي‪ :‬دفع عنَّا َّ‬‫قوله‪َ :‬‬
‫الغوائل والعاديات‪ ،‬وقيل‪ :‬معناه كفانا ُم ِه َّماتنا وقضى لنا حاجاتِنا‪ ،‬وال مانع‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2715‬‬
‫السالكين (‪.)236/2‬‬
‫(((  انظر‪ :‬مدارج َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪294‬‬

‫مندرج‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫داخل يف معنى الكفاية‪،‬‬ ‫من أن يكون كال المعنيين مرا ًدا‪ ،‬إذ ٌّ‬
‫كل منهما‬
‫تحت مدلولها‪.‬‬
‫«و َآوانَا»‪ ،‬أي‪ :‬ه َّيأ لنا مأوى نأوي إليه‪ ،‬ورزقنا مسكنًا نسكن فيه‪،‬‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫ٍ‬
‫مسكن‬ ‫ور َّدنا إلى المنْزل لنسرتيح فيه‪ ،‬ولم يجعلنا منتشرين كالبهائم بال‬
‫وال مأوى‪ ،‬قال اهلل تعالى ُم ْم َتنًّا على عباده هبذه النِّعمة‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫الحر والربد‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ﭕ ﭖ﴾ [النَّحل‪ ،]80 :‬أي‪ :‬تسكنون فيها‪ ،‬و ُتكنُّكم من‬
‫وتسرتكم من األعين‪ ،‬وتجتمعون فيها أنتم و َمن تعولون‪ ،‬وفيها من المصالح‬
‫والمنافع ما ال يمكن اإلحاط ُة به‪ .‬فالحمدُ هلل ا َّلذي َم َّن فأفضل وأعطى فأجزل‪،‬‬
‫حب سبحانه ويرضى‪.‬‬ ‫كثيرا ط ِّي ًبا مباركًا فيه كما ُي ُّ‬
‫له الحمد حمدً ا ً‬
‫ّ‬ ‫‪ ‬وعلى هذا َّ‬
‫متذك ًرا‬
‫ِ‬ ‫املسلم عندما يأوي إلى فراشه ينبغي أن يكون‬‫َ‬ ‫فإن‬
‫أمرين‪:‬‬
‫اهلل على ما أمدَّ ه فيها‬
‫‪ -1‬ما مضى من أ َّيامه يف نعمة وطيب عيش؛ فيحمدُ َ‬
‫الص َّحة والعافية والمطعم والمشرب والمسكن وغير ذلك‪.‬‬
‫من ِّ‬
‫‪ -2‬وأن يتذكَّر ما يستقبل من أوقاته؛ وهو فيها بين أمرين‪ :‬إ َّما أن ُت َ‬
‫قبض‬
‫فسح له يف أجله؛‬ ‫اهلل إن كان ذلك المغفر َة والرحمةَ‪ ،‬أو أن ُي َ‬ ‫روحه؛ فهو ُ‬
‫يسأل َ‬ ‫ُ‬
‫الصالحين‪.‬‬ ‫فهو يسأل اهلل يف هذه الحال أن يحفظه بما يحفظ به عبا َده َّ‬
‫‪295‬‬ ‫‪ -48‬أذكار النَّوم (‪)6‬‬

‫‪48‬‬

‫أذكار النَّوم (‪)6‬‬

‫َع ْن َع ْب ِد اهَّللِ ْب ِن ُع َم َر ‪َ L‬أ َّن ُه َأ َم َر َر ُج ًل إِ َذا َأ َخ َذ َم ْض َج َع ُه‪َ ،‬ق َال‪ :‬قل‪:‬‬


‫اها‪ ،‬إِ ْن َأ ْح َي ْيت ََها َف ْ‬
‫اح َف ْظ َها‪،‬‬ ‫ك َم َمات َُها َو َم ْح َي َ‬ ‫اها َل َ‬ ‫ت َن ْف ِسي َو َأن َ‬
‫ْت ت ََو َّف َ‬ ‫«ال َّل ُه َّم َخ َل ْق َ‬
‫ك ا ْل َعافِ َيةَ»‪َ ،‬ف َق َال َل ُه َر ُج ٌل َأ َس ِم ْع َت َه َذا مِ ْن‬ ‫َوإِ ْن َأ َمت ََّها َفا ْغ ِف ْر َل َها‪ ،‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫ول اهَّلل ِ ﷺ»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫«م ْن َخيرٍ ِم ْن ُعمر ِم ْن رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬
‫ُعمر؟ َف َق َال‪ِ :‬‬
‫ََ‬
‫اهلل ‪ E‬بتع ُّلم األذكار واألدعية‬ ‫أكر َمه ُ‬‫أن َمن َ‬ ‫يف هذا من الفائدة َّ‬
‫ٍ‬
‫بحاجة‬ ‫كثيرا من النَّاس‬ ‫غيره‪َّ ،‬‬
‫ألن ً‬ ‫أن يع ِّل َمها َ‬ ‫المأثورة وحافظ عليها؛ عليه ْ‬
‫هنج المسلم كنهجِ‬ ‫الذكر المأثور؛ فال يبخل عليهم‪ ،‬وليك ْن ُ‬ ‫إلى َمن يع ِّلمهم ِّ‬
‫رجل أن يقول هذه الدَّ عوات إذا أخذ‬ ‫الصحابة‪ ،‬فها هو ابن عمر ‪ L‬يأمر ً‬ ‫َّ‬
‫اع ِل ِه»(‪ ،)2‬وهذا من أحسن الهدايا‬ ‫مضجعه‪ ،‬وقد قال ﷺ‪« :‬الدَّ ُّال ع َلى الخَ يرِ َك َف ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫الصحابة ‪ M‬يتها َدون‬ ‫والتُّحف ا َّلتي يقدِّ مها المسلم إلخوانه‪ ،‬وقد كان َّ‬
‫السنن المأثورة؛ َيلقى أحدُ هم أخاه فيقول له‪ :‬أال أهدي لك هد َّية؟ فيقول‪:‬‬
‫بلى‪ .‬فيقول‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول كذا؛ ف ُيهديه حدي ًثا‪.‬‬
‫اها»‪ ،‬هذا اإلقرار بالتَّو ِّفي واإلحياء‬ ‫ت َن ْف ِسي َو َأن َ‬
‫ْت ت ََو َّف َ‬ ‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َخ َل ْق َ‬
‫يقر‬ ‫وبيده ‪ E‬جا َء مقدِّ م ًة بين يدَ ْي مطلوبه وحاجته؛ فهو َّأو ً‬ ‫وأنَّه هلل ِ‬
‫ال ُّ‬
‫بأن األمور بيده‪َ « ،‬أن َْت َخ َل ْق َت َن ْف ِسي»‪ ،‬أي‪ :‬أنت ا َّلذي أوجدهتا من‬ ‫هلل ‪َّ F‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2712‬‬


‫(((  روى مسلم نحوه (‪.)1893‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪296‬‬

‫العدم وخلقتني بعد ْ‬


‫أن لم أكن‪﴿ ،‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [اإلنسان‪:‬‬
‫يقر ويعرتف هلل بأنَّه هو ا َّلذي خلق نفسه وأوجدها من العدم‪ ،‬أي‪:‬‬
‫‪ ،]2-1‬فهو ُّ‬
‫تفردت بإيجادها‪ ،‬وأنت يا اهلل تتو َّفاها‪ ،‬أي‪ُ :‬تميتها متى َ‬
‫شئت‪ ،‬فمويت‬ ‫أنت يا اهلل َّ‬
‫وقبض روحي ومفارقتي لهذه الحياة بيدك‪ ،‬فاألمر إليك وحدك‪.‬‬
‫وتدبيرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫اها»‪ ،‬أي‪ :‬مويت لك وحيايت لك مل ًكا‬ ‫قوله‪َ « :‬ل َ‬
‫ك َم َمات َُها َو َم ْح َي َ‬
‫ابن لها قال لها‪« :‬هلل ِ َما َأ َخ َذ َو َل ُه‬
‫لما َواسى النَّبي ﷺ إحدى بناته يف وفاة ٍ‬
‫ُّ‬ ‫ولهذا َّ‬
‫َما َأ ْع َطى»‪ ،‬أي‪ :‬األمر ك ُّله هلل‪ ،‬و َط ْوع تصريفه وتدبيره ‪.E‬‬
‫وتصرفه يف العباد إمات ًة‬
‫ُّ‬ ‫وعلى هذا يكون المعنى‪ :‬إقرار العبد بربوب َّية اهلل‬
‫وتدبيرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وإحيا ًء وخل ًقا‬
‫مخلصا‬
‫ً‬ ‫اها)‪ ،‬أي‪ :‬أحيا وأموت لك‬ ‫وقد يكون المعنى‪َ ( :‬ل َ‬
‫ك َم َمات َُها َو َم ْح َي َ‬
‫قائما بال َّطاعة أبتغي هبا وجهك؛ وهذا فيه إشارة إلى فعل العبد يف مماته‬ ‫ً‬
‫ومحياه‪ ،‬أنَّه يحيا على اإلسالم وال َّطاعة‪ ،‬ويموت على اإليمان والتَّوحيد‬
‫الصالة على الجنازة‪« :‬ال َّل ُه َّم َم ْن َأ ْح َي ْي َت ُه ِمنَّا‬ ‫واإلخالص‪ ،‬كما ورد يف الدُّ عاء يف َّ‬
‫يم ِ‬
‫ان»(‪.)1‬‬ ‫اإل َ‬ ‫َف َأ ْحيِ ِه َع َلى ِ‬
‫اإل ْسالَمِ‪َ ،‬و َم ْن ت ََو َّف ْي َت ُه َفت ََو َّف ُه َع َلى ِ‬

‫قوله‪« :‬إِ ْن َأ ْح َي ْيت ََها َف ْ‬


‫اح َف ْظ َها»‪ ،‬هذا هو المطلوب‪ ،‬وما تقدَّ م وسيلة بين‬
‫كتبت لنفسي حياة وفسح ًة يف العمر «فاحفظها»‪،‬‬
‫َ‬ ‫يديه‪« ،‬إن أحييتها»‪ ،‬أي‪ :‬إن‬
‫الصالحين‪.‬‬
‫أي‪ :‬بما تحفظ به عبادك َّ‬
‫«وإِ ْن َأ َمت ََّها َفا ْغ ِف ْر َل َها»‪ ،‬وهذا نظير ما تقدَّ م يف حديث أبي هريرة ‪:I‬‬
‫َ‬
‫وصححه‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)1024‬وابن ماجه (‪،)1498‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)3201‬والت‬
‫األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫‪297‬‬ ‫‪ -48‬أذكار النَّوم (‪)6‬‬

‫اح َف ْظ َها بِ َما ت َْح َف ُظ بِ ِه ِع َبا َد َك‬ ‫« َفإِ ْن َأمسك َ ِ‬


‫ْت َن ْفسي َف ْار َح ْم َها‪َ ،‬وإِ ْن َأ ْر َس ْلت ََها َف ْ‬ ‫ْ َ‬
‫حين»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الصال َ‬‫َّ‬
‫ك ال َعافِ َيةَ»‪ ،‬والعافية‬ ‫سؤال اهلل العافية؛ قال‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬ ‫َ‬ ‫وزاد هنا‬
‫الخير ك َّله‪ ،‬والعافية المطلوبة هنا‬ ‫َ‬ ‫شأهنا عظيم‪ ،‬و َمن ُأعطِ َي العافية فقد أويتَ‬
‫مطلقة‪ ،‬فتشمل العافية يف البدن والولد والمال‪ ،‬ويف الدِّ ين واآلخرة والدُّ نيا‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ I‬قال‪ :‬كان رسول اهلل ﷺ يأمرنا إذا أخذنا مضجعنا‬
‫ش ا ْل َعظِيمِ‪َ ،‬ر َّبنَا َو َر َّب‬ ‫ض َو َر َّب ا ْل َع ْر ِ‬ ‫ات َو َر َّب األَ ْر ِ‬ ‫أن نقول‪« :‬ال َّلهم رب السمو ِ‬
‫ُ َّ َ َّ َّ َ َ‬
‫ك ِم ْن‬ ‫ان‪َ ،‬أ ُعو ُذ بِ َ‬‫يل َوا ْل ُف ْر َق ِ‬ ‫ْج ِ‬ ‫ب َوالن ََّوى َو ُمن ِْز َل الت َّْو َر ِاة َو ِ‬
‫اإلن ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ك ُِّل َش ْيء‪َ ،‬فال َق ا ْل َح ِّ‬
‫ْت‬‫ك َش ْي ٌء‪َ ،‬و َأن َ‬ ‫ْت األَ َّو ُل َف َل ْي َس َق ْب َل َ‬ ‫َاص َيتِ َها‪ ،‬ال َّل ُه َّم َأن َ‬ ‫آخ ٌذ بِن ِ‬ ‫ْت ِ‬ ‫َش ِّر ك ُِّل َدا َّب ٍة َأن َ‬
‫ْت ا ْل َباطِ ُن‬ ‫ك َش ْي ٌء‪َ ،‬و َأن َ‬ ‫اه ُر َف َل ْي َس َف ْو َق َ‬‫ْت ال َّظ ِ‬ ‫اآلخ ُر َف َل ْي َس َب ْعدَ َك َش ْي ٌء‪َ ،‬و َأن َ‬ ‫ِ‬
‫ض َعنَّا الدَّ ْي َن َو َأ ْغنِنَا ِم َن ا ْل َف ْقرِ»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫َك َش ْي ٌء‪ ،‬ا ْق ِ‬ ‫َف َل ْي َس ُدون َ‬
‫ليلة عندما يأوي إلى‬ ‫كل ٍ‬ ‫حافظ عليه َّ‬ ‫َ‬ ‫هذا دعا ٌء عظيم‪ ،‬يحس ُن بالمسلم أن ُي‬
‫لكل شيء؛‬ ‫الت عظيمة إلى اهلل ‪ F‬بربوب َّيته ِّ‬ ‫مشتمل على توس ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫فراشه‪ ،‬وهو‬
‫ُّ‬
‫السبع‪ ،‬والعرش العظيم‪ ،‬وبإنزاله لكالمه العظيم‬ ‫السبع‪ ،‬واألرضين َّ‬ ‫للسموات َّ‬ ‫َّ‬
‫اإلنسان برعايتِه ويكأله بعنايته‪ ،‬ويحف َظه من جميع‬ ‫َ‬ ‫ووحيه المبين‪ ،‬بأن يحيط‬
‫توسل إلى اهلل ‪ C‬ببعض أسمائه العظيمة الدَّ ا َّلة‬ ‫ومشتمل على ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫الشرور‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫بكل شيء‪ ،‬بأن يقضي عن اإلنسان د ْينَه‬ ‫على كماله وجالله وعظمته وإحاطته ِّ‬
‫و ُيغنيه من فقره‪.‬‬
‫ش ال َعظِيمِ»‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫ض‪َ ،‬و َر َّب ال َع ْر ِ‬ ‫ات‪َ ،‬و َر َّب األَ ْر ِ‬ ‫قوله‪« :‬ال َّلهم رب السمو ِ‬
‫ُ َّ َ َّ َّ َ َ‬
‫خص هذه‬ ‫خالق هذه الكائنات العظيمة ومبدعها وموجدها من العدم‪ .‬وقد َّ‬ ‫يا َ‬
‫بالذكر‪ :‬لعظمها‪ ،‬وكربها‪ ،‬ولكثرة ما فيها من اآليات الب ِّينات‬ ‫المخلوقات ِّ‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2713‬‬


‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪298‬‬

‫جميع‬ ‫وإل َّ‬


‫فإن‬ ‫بدعها‪َّ ،‬‬ ‫وعظمة م ِ‬
‫ِ‬ ‫والدَّ الالت الباهرات على كمال خالقها‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫المخلوقات صغيرها وكبيرها‪ ،‬دقيقها وجليلها فيها آي ٌة ب ِّين ٌة على كمال الخالق‬
‫وعظمة المبدع سبحانه‪.‬‬
‫تعميم بعد‬ ‫ٌ‬ ‫«ر َّبنَا َو َر َّب ك ُِّل َش ْي ٍء»‪ ،‬وهذا‬ ‫ولهذا ع َّقب هذا الدُّ عاء بقوله‪َ :‬‬
‫مختص بما ُذكر‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫أن األمر‬ ‫لئل ُيظ َّن َّ‬ ‫تخصيص؛ َّ‬
‫أعظم‬‫ُ‬ ‫ش ال َعظِيمِ»‪ ،‬فيه داللة على عظمة العرش‪ ،‬وأنَّه‬ ‫«ر َّب ال َع ْر ِ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫المخلوقات‪ ،‬وقد جاء يف الحديث عن النَّبِ ِّي ﷺ أنَّه قال‪َ « :‬ما ال ُك ْر ِس ُّي فِي‬
‫ض»(‪ ،)1‬وإذا‬ ‫يد ُأ ْل ِق َي ْت َب ْي َن َظ ْه َر ْي َف َل ٍة مِ َن األَ ْر ِ‬ ‫ش إِ َّل كَحل َق ٍة مِن ح ِد ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ال َع ْر ِ‬
‫بدعه‬ ‫كان هذا المخلوق هبذه العظمة والمجد والسعة‪ ،‬فكيف بخالقه وم ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ َ‬
‫‪!E‬‬
‫الش ُّق‪ ،‬أي‪ :‬ا َّلذي ُّ‬ ‫ب َوالن ََّوى»‪ ،‬من الف ْلق وهو َّ‬ ‫ِ‬
‫يشق ح َّبة‬ ‫الح ِّ‬ ‫وقوله‪َ « :‬فال َق َ‬
‫أشجار‬ ‫ٌ‬ ‫فإن النباتات إ َّما‬‫والزروع؛ َّ‬ ‫ال َّطعام ونوى التَّمر وغيره لتخرج األشجار ُّ‬
‫ب‪ ،‬واهلل سبحانه لكمال ُقدرته وبديع خلقه‬ ‫الح ُّ‬‫زروع أصلها َ‬ ‫ٌ‬ ‫أصلها النَّوى‪ ،‬أو‬
‫الحب والنَّوى اليابس ا َّلذي‪ ،‬كالحجر ال ينمو وال يزيد‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫هو ا َّلذي يفتح هذا‬
‫واألشجار الكبيرة‪ .‬ويف هذا آي ٌة باهر ٌة‬ ‫ُ‬ ‫روع العظيم ُة‬ ‫الز ُ‬ ‫فينفرج وتخرج منه ُّ‬
‫الخالق سبحانه‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعظمة‬ ‫على كمال الم ِ‬
‫بدع‬ ‫ُ‬
‫ﭖﭗ﴾ [األنعام‪.]95 :‬‬
‫توس ٌل إلى اهلل ‪D‬‬ ‫ان»‪ ،‬هذا فيه ُّ‬ ‫يل َوال ُف ْر َق ِ‬‫ْج ِ‬ ‫«و ُمن ِْز َل الت َّْو ِر ِاة َو ِ‬
‫اإلن ِ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫َّاس وفالحهم وسعادهتم‬ ‫بإنزاله لهذه الكتب العظيمة المشتملة على هداية الن ِ‬
‫أعظم كتب أنزلها اهلل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الكتب ال َّثالثة؛ ألنَّها‬ ‫َ‬ ‫خص هذه‬ ‫يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬وقد َّ‬
‫وذكَرها مر َّتب ًة ترتي ًبا زمن ًّيا‪ ،‬فذكر َّأو ًل التورا َة ا َّلتي ُأنزلت على موسى ‪،S‬‬

‫(((  رواه أبو َّ‬


‫الشيخ األصبهاينُّ يف كتاب العظمة (‪.)587/2‬‬
‫‪299‬‬ ‫‪ -48‬أذكار النَّوم (‪)6‬‬

‫ثم الفرقان وهو القرآن الكريم‬ ‫ثم اإلنجيل ا َّلذي ُأنزل على عيسى ‪َّ ،S‬‬ ‫َّ‬
‫المنزلة وناسخ لما قبله‪.‬‬ ‫محمد ﷺ‪ ،‬وهو خاتمة الكتب َّ‬ ‫ا َّلذي ُأنزل على َّ‬
‫ك ِم ْن َش ِّر ك ُِّل َدا َّب ٍة َأن َ‬
‫ْت‬ ‫«أ ُعو ُذ بِ َ‬ ‫ثم قال بعد ذكره لهذه الوسائل العظيمة‪َ :‬‬ ‫َّ‬
‫شروع يف ذكر رغبة اإلنسان وحاجته ومطلوبه من ر ِّبه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آخ ٌذ بِنَاص َيت َها»‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬
‫وأعتصم بك وأحتمي بجنابك «من‬ ‫ُ‬ ‫ألتجئ‬
‫ُ‬ ‫سبحانه‪ ،‬وقوله‪« :‬أعوذ بك»‪ ،‬أي‪:‬‬
‫يدب على األرض‪ ،‬وهو‬ ‫كل ما ُّ‬ ‫كل دا َّب ٍة أنت ٌ‬
‫آخذ بناصيتها»‪ ،‬والدَّ ا َّبة هي ُّ‬ ‫شر ِّ‬
‫ِّ‬
‫يشمل ا َّلذي يمشي على بطنه أو على رجلين أو على أربع‪ ،‬قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫﴿ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲﭳ﴾ [النُّور‪.]45 :‬‬
‫أن المخلوقات ك َّلها داخل ٌة‬ ‫َاص َيتِ َها»‪ ،‬فيه دالل ٌة على َّ‬
‫آخ ٌذ بِن ِ‬
‫ْت ِ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫«أن َ‬
‫يتصرف فيها‬
‫َّ‬ ‫قادر عليها‪،‬‬
‫آخذ بنواصيها ٌ‬ ‫تحت قهره وسلطانه‪ ،‬فهو سبحانه ٌ‬
‫اهلل تعالى فيما ذكره عن هود ‪:S‬‬ ‫كيف يشاء ويحكم فيها بما يريد‪ .‬قال ُ‬
‫الرأس‪.‬‬
‫﴿ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ﴾ [هود‪ ،]56 :‬والنَّاصيةُ‪ :‬مقدَّ م َّ‬
‫متوس ًل إلى اهلل سبحانه ببعض أسمائه الحسنى وصفاته العظيمة‪:‬‬ ‫ثم قال ِّ‬ ‫َّ‬
‫ْت‬ ‫ِ‬
‫ْت اآلخ ُر َف َل ْي َس َب ْعدَ َك َش ْي ٌء‪َ ،‬و َأن َ‬ ‫ك َش ْي ٌء‪َ ،‬و َأن َ‬ ‫ْت األَ َّو ُل َف َل ْي َس َق ْب َل َ‬ ‫«ال َّل ُه َّم َأن َ‬
‫َك َش ْي ٌء»‪ ،‬ويف هذا دالل ٌة‬ ‫ْت ال َباطِ ُن َف َل ْي َس ُدون َ‬ ‫ك َش ْي ٌء‪َ ،‬و َأن َ‬ ‫اه ُر َف َل ْي َس َف ْو َق َ‬‫ال َّظ ِ‬
‫كل‬ ‫كل شيء‪ ،‬وأبد َّيتِه سبحانه وبقائِه بعد ِّ‬ ‫على َّأول َّي ِة اهلل سبحانه وأنَّه قبل ِّ‬
‫اهر ا َّلذي ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعلوه على خلقه واستوائه على عرشه وفوق َّيته‪ ،‬وأنَّه ال َّظ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫شيء‪،‬‬
‫شيء فو َقه‪ ،‬و ُقربِه سبحانه من خلقه وإحاطتِه هبم‪ ،‬وأنَّه ‪ C‬الباط ُن ا َّلذي ال‬
‫الر ِّب سبحانه‪ ،‬وهما‬ ‫ومدار هذه األسماء األربعة على بيان إحاطة َّ‬ ‫ُ‬ ‫شي َء دونه‪.‬‬
‫«األول» و«اآلخر»‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫اسمه‬
‫دل عليها ُ‬ ‫إحاطتان‪ :‬زمان َّية ومكان َّية؛ أ َّما الزمان َّية فقد َّ‬
‫اسمه «ال َّظاهر» و«الباطن»‪ ،‬هذا مقتضى تفسير‬ ‫دل عليها ُ‬ ‫وأ َّما المكان َّية فقد َّ‬
‫النَّبِ ِّي ﷺ‪ ،‬وال تفسير أكمل من تفسيره‪.‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪300‬‬

‫ض َعنَّا الدَّ ْي َن‪َ ،‬و َأ ْغنِنَا ِم َن ال َف ْقرِ»‪ ،‬هو سؤال اهلل ‪ F‬وطلب‬
‫وقوله‪« :‬ا ْق ِ‬
‫َّوسالت‪.‬‬ ‫منه سبحانه بعد تلك الت ُّ‬
‫ض َعنَّا الدَّ ْي َن»‪ ،‬أي‪َ :‬أ ِّد عنَّا حقوق اهلل وحقوق العباد من جميع‬
‫وقوله‪« :‬ا ْق ِ‬
‫قوة له َّإل‬
‫والقوة‪ ،‬وأنَّه ال حول وال َّ‬
‫َّ‬ ‫الحول‬
‫األنواع‪ ،‬ويف هذا تربِّي اإلنسان من َ‬
‫باهلل العظيم‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫خلو ذات‬ ‫«و َأ ْغننَا م َن ال َف ْقرِ»‪ ،‬الغنى‪ :‬هو عدم الحاجة‪ ،‬والفقر‪ُّ :‬‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫بعض كفايته‪ ،‬أو َلم يجد شي ًئا ً‬
‫أصل‪.‬‬ ‫اليد‪ ،‬والفقير هو َمن وجد َ‬
‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫يؤرق‬
‫عظيم‪ ،‬قد ِّ‬‫ٌ‬ ‫والفقر كالهما َه ٌّم‬
‫َ‬ ‫ثم من المعلوم َّ‬
‫أن الدَّ ي َن‬
‫ويمنعه من النَّوم‪ ،‬فإذا َلجأ العبدُ إلى اهلل وطلب منه سبحانه مدَّ ه وعونه ِّ‬
‫متوس ًل‬
‫عندئذ تسكن وتطمئ ُّن‪ ،‬وقل َبه يرتاح‬ ‫ٍ‬ ‫نفسه‬ ‫التوسالت العظيمة‪َّ ،‬‬
‫فإن َ‬ ‫ُّ‬ ‫إليه بتلك‬
‫السموات واألرض‪،‬‬ ‫أمره إلى َمن بيده أز َّمة األمور ومقاليد َّ‬ ‫ويهدأ؛ ألنَّه َوك ََل َ‬
‫القلب‬
‫ُ‬ ‫أمره إذا أراد شي ًئا أن يقول له كن فيكون‪ ،‬وكيف ال يطمئ ُّن‬ ‫و َلجأ إلى َمن ُ‬
‫وقد تع َّلق بِ َمن هذا شأنه‪.‬‬
‫‪301‬‬ ‫‪ -49‬أذكار االنتباه من النَّوم (‪)1‬‬

‫‪49‬‬

‫أذكار االنتباه من النَّوم (‪)1‬‬

‫«م ْن َت َع َّار ِم َن ال َّل ْي ِل َف َق َال‪:‬‬


‫َّبي ﷺ َق َال‪َ :‬‬ ‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ن‬‫ت ‪َ I‬ع ِ‬ ‫َعن ُعباد َة ب ِن الصامِ ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ َ َ ْ‬
‫ك َو َل ُه ا ْل َح ْمدُ َو ُه َو َع َلى ك ُِّل َش ْي ٍء‬ ‫«ل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ َو ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬
‫يك َل ُه‪َ ،‬ل ُه ا ْل ُم ْل ُ‬ ‫َ‬
‫ان اهَّللِ‪َ ،‬و َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ‪َ ،‬واهَّللُ َأ ْك َب ُر‪َ ،‬و َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة‬ ‫َق ِدير‪ ،‬ا ْلحمدُ لِ ِ‬
‫له‪َ ،‬و ُس ْب َح َ‬ ‫ٌ َ ْ‬
‫ت‬ ‫يب له‪َ ،‬فإِ ْن ت ََو َّض َأ َو َص َّلى ُقبِ َل ْ‬ ‫ُج َ‬‫إِ َّل بِاهَّلل ِ»‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ :‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي‪َ ،‬أ ْو َد َعا؛ ْاست ِ‬
‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫َص َل ُت ُه»‪ .‬رواه‬
‫ليل غال ًبا يكون عن طول نوم‪ ،‬بخالف النَّوم ا َّلذي‬ ‫االستيقاظ من النَّوم ً‬
‫ص نوم ال َّليل هبذا ِّ‬
‫الذكر؛ ألنَّه‬ ‫يكون يف النَّهار فإنَّه لفرتة محدودة‪ ،‬ولهذا ُخ َّ‬
‫الذكر ناسب أن يكون مع انتباه‬ ‫مع طول النَّوم واالستغراق فيه واالنقطاع عن ِّ‬
‫اإلنسان من هذا النَّوم ال َّطويل مبادر ًة لذكر اهلل ‪ .F‬وهذا من أمارات‬
‫ألن نومه وإن طال‬ ‫الشديدة لذكر اهلل؛ َّ‬ ‫الخير يف العبد‪ ،‬وفيه داللة على مالزمته َّ‬
‫فبمجرد أن يقوم من نومه يعود إلى ُأ ِلفه ذكر اهلل ‪.F‬‬ ‫َّ‬ ‫ال يفصله عن ِّ‬
‫الذكر‪،‬‬
‫لمن كان مالز ًما لذكر اهلل‪ ،‬قد النت نفسه‬ ‫وهذا ال يته َّيأ ِّ‬
‫لكل أحد‪ ،‬وإنَّما يته َّيأ َ‬
‫الصفة‬‫بالذكر‪ ،‬واستدامت ُه واعتادت ُه وألفته واطمأنَّت به‪ ،‬فإذا كان المرء هبذه ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ألن ذكر اهلل هو غاية مقصوده؛‬ ‫الذكر مباشرة؛ َّ‬ ‫الرجوع إلى ِّ‬ ‫هت َّيأ له حين قومته‪ُّ ،‬‬
‫عليه ينام وعليه يقوم‪.‬‬
‫«من َت َع َّار ِم َن ال َّل ْي ِل»‪ ،‬أي‪َ :‬من أستيقظ من نوم ال َّليل‪ ،‬سواء استيقظ‬‫قوله‪َ :‬‬
‫يف وقت استيقاظه‪ ،‬أو استيقظ يف أثناء ال َّليل لعارض‪.‬‬
‫البخاري (‪.)1154‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪302‬‬

‫الح ْمدُ ‪ ،‬وهو‬ ‫ك وله َ‬ ‫الم ْل ُ‬ ‫قال‪َ :‬ل إ َل َه َّإل اهَّللُ َو ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬
‫يك َل ُه‪َ ،‬ل ُه ُ‬ ‫قوله‪َ « :‬ف َ‬
‫ول إ َل َه َّإل اهَّللُ‪ ،‬واهَّللُ َأ ْك َب ُر‪َ ،‬‬
‫ول‬ ‫ان اهَّللِ‪َ ،‬‬
‫وس ْب َح َ‬ ‫ِ ِ‬
‫الح ْمدُ ل َّله‪ُ ،‬‬
‫ٍ ِ‬
‫ع َلى ك ُِّل شيء َقد ٌير‪َ ،‬‬
‫فإن‬
‫يب له‪ْ ،‬‬ ‫ُج َ‬ ‫ول ُق َّو َة َّإل باهَّلل ِ العظيم‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ :‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي‪َ ،‬أ ْو َد َعا‪ْ ،‬است ِ‬
‫َح ْو َل َ‬
‫وأعمال مباركة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ت َص َل ُت ُه»؛ اجتمعت هنا خيرات عظيمة‪،‬‬ ‫وص َّلى ُقبِ َل ْ‬ ‫ت ََو َّض َأ َ‬
‫َّبي ‪.O‬‬ ‫ووجه إليه الن ُّ‬ ‫وأذكار نافعة يف هذا ا َّلذي أرشد إليه َّ‬
‫ك َو َل ُه ا ْل َح ْمدُ ‪،‬‬ ‫«ل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ َو ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬
‫يك َل ُه‪َ ،‬ل ُه ا ْل ُم ْل ُ‬ ‫بدأ َّأو ًل بالتَّهليل‪َ :‬‬
‫اهَّلل» هي كلمة التَّوحيد ا َّلتِي عليها قيام‬ ‫«ل إ َل َه َّإل ُ‬ ‫َو ُه َو َع َلى ك ُِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير»‪َ ،‬و َ‬
‫الدِّ ين‪ ،‬وال توحيد َّإل بما د َّلت عليه هذه الكلمة‪ ،‬وهي قائمة على ُركنين‪ :‬نفي‬
‫خاص يف آخرها‪ ،‬نفي للعبود َّية عن ِّ‬
‫كل‬ ‫ٌّ‬ ‫وإثبات؛ نفي عا ٌّم يف َّأولها‪ ،‬وإثبات‬
‫ٌ‬
‫فرد‬ ‫بكل معانيها هلل وحده‪ ،‬فهو ‪ D‬ا َّلذي ُي َ‬ ‫َمن سوى اهلل‪ ،‬وإثبات للعبود َّية ِّ‬
‫خص بالعبادة‪ ،‬و ُتصرف له بجميع أنواعها دون سواه‪.‬‬ ‫بال َّطاعة‪ ،‬و ُي ُّ‬
‫«و ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬
‫يك َل ُه»‪ ،‬فيه تأكيد لمعنى «ال إ َل َه َّإل اهَّللُ»‪ ،‬ففي قوله‪:‬‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫«وحده» تأكيد لإلثبات‪ ،‬وقوله‪« :‬ال شريك له» تأكيد للنَّفي‪.‬‬
‫ك َو َل ُه ا ْل َح ْمدُ َو ُه َو َع َلى ك ُِّل‬ ‫ثم أتبع ذلك بذكر براهينها‪ ،‬فقال‪َ « :‬ل ُه ا ْل ُم ْل ُ‬ ‫َّ‬
‫كل‬ ‫المستحق للحمد ك ِّله ا َّلذي هو على ِّ‬ ‫َّ‬ ‫فإن َمن له الملك ك ُّله‬ ‫َش ْي ٍء َقد ٌير»؛ َّ‬
‫ِ‬
‫بحق‪ ،‬وال‪ُ  ‬يصرف شيء من العبادة‬ ‫شيء قدير؛ هو ا َّلذي ال إله َّإل هو‪ ،‬المعبود ِّ‬
‫َّإل له ‪.E‬‬
‫ان اهلل ِ َو َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ َواهللُ أك َب ُر»‪ ،‬وهؤالء‬ ‫ِ‬
‫«الح ْمدُ هلل َو ُس ْب َح َ‬ ‫ثم يقول‪َ :‬‬ ‫َّ‬
‫َّبي ﷺ‬ ‫أحب الكالم إلى اهلل‪ ،‬وقد جاء يف الحديث عن الن ِّ‬ ‫الكلمات األربع ه َّن ُّ‬
‫الح ْمدُ هلل ِ َو َل إِ َل َه إِ َّل‬ ‫ِ‬
‫ان اهلل َو َ‬
‫ِ‬
‫ب ا ْلك ََل ِم إِ َلى اهلل َأ ْر َب ُع ك َِل َمات‪ُ :‬س ْب َح َ‬ ‫«أ َح ُّ‬‫أنَّه قال‪َ :‬‬
‫الح ْمدُ هللِ‪َ ،‬و َل إِ َل َه‬ ‫ِ‬
‫ان اهلل‪َ ،‬و َ‬
‫ول ُس ْب َح َ‬ ‫اهللُ‪َ ،‬واهللُ َأ ْك َب ُر»‪ ،‬وقال ‪َ :O‬‬
‫«لَ ْن َأ ُق َ‬
‫الش ْم ُس»‪ ،‬أي‪ :‬من الدُّ نيا وما فيها‪.‬‬ ‫ت َع َل ْي ِه َّ‬‫ب إِ َل َّي ِم َّما َط َل َع ْ‬
‫إِ َّل اهللُ‪َ ،‬واهللُ َأ ْك َب ُر؛ َأ َح ُّ‬
‫‪303‬‬ ‫‪ -49‬أذكار االنتباه من النَّوم (‪)1‬‬

‫و«الح ْمدُ هلل ِ»‪ ،‬فيها ال َّثناء على اهلل وإثبات الكمال له ‪.E‬‬ ‫َ‬
‫وعما ال يليق به ‪.D‬‬ ‫ِ‬
‫ان اهلل»‪ ،‬فيها تنزيه اهلل عن النَّقائص‪َّ ،‬‬ ‫و«س ْب َح َ‬ ‫ُ‬
‫و«ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ»‪ ،‬فيها توحيد اهلل وإخالص الدِّ ين له‪ ،‬والرباءة من ِّ‬
‫الشرك‪.‬‬ ‫َ‬
‫و«اهللُ أك َب ُر»‪ ،‬فيها تعظيم اهلل‪ ،‬واعتقاد أنَّه ال أكرب منه ‪.E‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫تحول من حال‬ ‫«و َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهلل ا ْل َعل ِّي ا ْل َعظيمِ»‪ ،‬أي‪ :‬ال ُّ‬
‫ثم يقول‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫قوة للعبد يمارس هبا أعماله ومصالحه َّإل باهلل‪ ،‬بمدده‬ ‫ٍ‬
‫إلى حال‪ ،‬وال حصول َّ‬
‫ضالل إلى هداية‪ ،‬ومن‬ ‫ٍ‬ ‫صحة‪ ،‬ومن‬‫مرض إلى َّ‬ ‫ٍ‬ ‫تحول من‬ ‫وعونه وتوفيقه؛ فال ُّ‬
‫فقر إلى غنًى َّإل باهلل‪ ،‬فهي كلمة استعانة‪ ،‬ولهذا ُيشرع‬ ‫قوة‪ ،‬ومن ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ضعف إلى َّ‬
‫الذكر‬ ‫قولها يف استقبال األعمال والمها ِّم والمصالح الدِّ ين َّية والدُّ نيو َّية‪ ،‬كما يف ِّ‬
‫ت َع َلى‬ ‫ا َّل ِذي يشرع للمسلم أن يقوله عندما يخرج من بيته‪« :‬بِ ْس ِم اهللِ‪ ،‬ت ََو َّك ْل ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لمن‬ ‫ألي مصلحة دين َّية أو دنيو َّية‪ ،،‬ويشرع َ‬ ‫‪ ‬ح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهلل»‪ِّ ،‬‬ ‫اهلل‪َ ،‬ل َ‬
‫«ل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة‬ ‫حي على الفالح» أن يقول‪َ :‬‬ ‫الصالة‪َّ ،‬‬ ‫«حي على َّ‬ ‫سمع النِّداء‪َّ :‬‬
‫إِ َّل بِاهلل ِ»؛ طل ًبا للعون من اهلل‪ ،‬فاإلتيان هبا يف هذا الموضع يف غاية المناسبة‪.‬‬
‫وهكذا من استيقظ من النَّوم وبادر إلى ذكر اهلل بما تقدَّ م يشرع له أن يقول‪:‬‬
‫ثم‬ ‫قوة َّإل باهلل»؛ ألنَّه سينهض من فراشه للوضوء َّ‬
‫والصالة ومن َّ‬ ‫«ال حول وال َّ‬
‫ٍ‬
‫وعزيمة ونشاط‬ ‫هبم ٍة‬
‫المتنوعة؛ فيحتاج إلى االستعانة باهلل‪ ،‬ليقوم َّ‬ ‫ِّ‬ ‫لمصالحه‬
‫بمدد من اهلل سبحانه وعون‪.‬‬
‫فكل شيء‬ ‫وقوله‪« :‬ال َع ِل ِّي ال َعظِيم»‪ ،‬أي‪ :‬ا َّلذي ال أعلى منه وال أعظم منه؛ ُّ‬
‫علو اهلل‬
‫رب سواه؛ فيستشعر َّ‬ ‫تحت قهره وسلطانه وعظمته‪ ،‬ال إله َّإل هو وال َّ‬
‫قوة االرتباط به وكمال االلتجاء إليه‬ ‫‪ F‬وعظمته‪ ،‬وهذا يدفع بقلبه إلى َّ‬
‫وتعظيمه سبحانه‪.‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪304‬‬

‫للشك‪ ،‬وقيل ‪-‬وهو‬ ‫قال‪ :‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي‪َ ،‬أ ْو َد َعا»‪« ،‬أو» قيل‪ :‬إنَّها َّ‬
‫« ُث َّم َ‬
‫األقرب‪ :-‬أنَّها للتَّنويع‪ ،‬أي‪ :‬سواء استغفر أو دعا؛ فإنَّه ُيستجاب له‪ ،‬إن استغفر‬
‫ُغفر له‪ ،‬وإن دعا وسأل اهلل حاجة من حاجاته أجاب اهلل ُدعاءه‪ ،‬ومن الخير‬
‫للعبد أن يجمع بين األمرين‪ :‬يدعو ويستغفر‪.‬‬
‫الشريف‪ ،‬ويف هذه الحال‬ ‫وحري بالعبد يف هذا الموضع‪ ،‬ويف هذا الوقت َّ‬ ‫ٌّ‬
‫حال انتباه العبد من نومه على ذكر هلل هبذه الكلمات العظيمة ا َّلتي هي‬ ‫المباركة؛ ِ‬
‫أعظم الكلمات على اإلطالق؛ أن يستغفر‪ ،‬وأن يدعو ر َّبه معتن ًيا هبذين األمرين‬
‫فإن دعاءه مستجاب‪ .‬وقد روى أبو داود يف سننه وأحمد يف المسند‬ ‫العظيمين؛ َّ‬
‫يت َع َلى ِذ ْكرِ‬ ‫«ما ِم ْن ُم ْس ِل ٍم َيبِ ُ‬‫َّبي ﷺ قال‪َ :‬‬ ‫وغيرهما عن معاذ بن جبل ‪ I‬عن الن ِّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ِ َطاه ًرا َف َي َت َع َّار م َن ال َّل ِ‬
‫يل َف َي ْس َأ ُل اهللَ خَ ْي ًرا م َن الدُّ ْن َيا َواآلخ َرة َّإل َأ ْع َطا ُه اهللُ إِ َّيا ُه»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ت َص َل ُت ُه»‪ ،‬وصالة مسبوقة بتلك األعمال‬ ‫«فإن ت ََو َّض َأ َ‬


‫وص َّلى ُقبِ َل ْ‬ ‫قوله‪ْ :‬‬
‫البخاري‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫حري أن ُتقبل‪ .‬وقد أخرج اإلمام‬
‫ٌّ‬ ‫الجليلة‪ ،‬والخصال العظيمة‬
‫تعار من ال َّليل‬
‫َّهجد من صحيحه‪« ،‬باب‪ :‬فضل َمن َّ‬ ‫هذا الحديث يف كتاب الت ُّ‬
‫الصالة يف تلك الحال‬ ‫أن َمن ص َّلى يف ذلك الوقت وبادر إلى َّ‬ ‫فص َّلى»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬
‫فصال ُته حر َّي ٌة بالقبول‪ ،‬والقبول يف هذا الموطن أرجى منه يف غيره‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫‪ ‬الحاصل َّ‬
‫أن هذه األعمال ُيؤتى بها على هذا الترتيب الذي جاء في هذا‬
‫الحديث العظيم املبارك‪:‬‬
‫ً‬
‫ك َو َل ُه ا ْل َح ْمدُ َو ُه َو‬‫الم ْل ُ‬ ‫«ل إِ َله إِ َّل اهللُ َو ْحدَ ه َل َشرِ َ‬
‫يك َل ُه‪َ ،‬ل ُه ُ‬ ‫َّأول‪ :‬يقول‪َ :‬‬
‫َع َلى ك ُِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير»‪.‬‬

‫ول إِ َله َّإل اهللُ‪ ،‬واهللُ‬ ‫وسبحان اهللِ‪َ ،‬‬


‫َ‬ ‫ثانيا‪ :‬يأيت بالكلمات األربع‪« :‬الحمدُ هللِ‪،‬‬ ‫ً‬
‫أكبر»‪.‬‬
‫ُ‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)22048‬وأبو داود (‪،)5042‬‬
‫‪305‬‬ ‫‪ -49‬أذكار االنتباه من النَّوم (‪)1‬‬

‫العلي العظيم»‪ ،‬وهي كلمة استعانة‬ ‫ول ُقوة َّإل باهلل ِ‬


‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫«ل‬
‫َ‬ ‫يقول‪:‬‬
‫ً‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ا‪:‬‬ ‫ثالث‬
‫كما تقدَّ م‪.‬‬
‫بأي صيغة من صيغ‬ ‫ً‬
‫رابعا‪ :‬يستغفر ويدعو‪ ،‬يقول‪« :‬استغفر اهلل»‪ ،‬أو ِّ‬
‫االستغفار المأثورة‪ ،‬أو يدعو‪« :‬ر َّبنا آتنا يف الدُّ نيا حسنة‪ ،‬ويف اآلخرة حسنة‪،‬‬
‫أي دعاء من األدعية الجامعة لخيري الدُّ نيا واألخرة؛‬ ‫وقنا عذاب النَّار»‪ ،‬أو ِّ‬
‫فإنَّه إن استغفر ُغفر له‪ ،‬وإن دعا استجيب له‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬أن يبادر إلى الوضوء‪ ،‬بأن ينهض من فراشه بعد هذه األمور األربعة‬ ‫ً‬
‫ستحب له‬
‫ُّ‬ ‫ويتوضأ ليكون على طهارة؛ ألنَّه بنومه تنتقض طهارته‪ ،‬وقد تقدَّ م أنَّه ُي‬ ‫َّ‬
‫َّطهر‪.‬‬
‫ستحب له أن يبادر إلى الت ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫أن ينام على طهارة‪ ،‬وال َّطهارة تنتقض بالنَّوم‪ ،‬ف ُي‬
‫فإن صالته مقبولة‪.‬‬ ‫تيسر له من صالة ال َّليل؛ َّ‬‫سادسا‪ :‬أن يص ِّلي ما َّ‬
‫ً‬

‫وتكون هذه األعمال اليسيرة ا َّلتي لن تأخذ منه وقتًا‪ ،‬برك ًة له يف يومه ك ِّله‪،‬‬
‫خير له‪ ،‬وباب قبول‪ ،‬وتوفيق‪ ،‬وسداد أمر يف يومه ك ِّله‪.‬‬ ‫وسبب ٍ‬

‫وقد أورد الحافظ ابن حجر يف شرحه لهذا الحديث فائد ًة لطيف ًة حول‬
‫البخاري‪ ،‬قال‪« :‬أجريت‬ ‫الراوي عن‬ ‫ِ‬ ‫العناية هبذا ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ربري َّ‬
‫الذكر‪ ،‬عن أبي عبد اهلل الف ِّ‬
‫آت ‪-‬أي‪ :‬يف المنام‪ -‬فقرأ‪:‬‬‫مت فأتاين ٍ‬‫ثم نِ ُ‬ ‫هذا ِّ‬
‫الذكر على لساين عند انتباهي‪َّ ،‬‬
‫[الحج‪.)1(»]24 :‬‬
‫ُّ‬ ‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾‬

‫شك َّ‬
‫أن َمن ُيهدى إلى هذه األعمال العظيمة واألذكار المباركة قد‬ ‫وما من ٍّ‬
‫ٍ‬
‫صراط مستقيم‪ ،‬بل كانت أعماله هذه‬ ‫دي إلى‬ ‫دي إلى ال َّط ِّيب من القول ُ‬
‫وه َ‬ ‫ُه َ‬
‫خير له وبركة يف حياته؛ فليجتهد المسلم وال يحرم نفسه من هذا الخير‬ ‫باب ٍ‬‫َ‬
‫العظيم‪ .‬واهلل المو ِّفق وحده ال شريك له‪.‬‬

‫(((  فتح الباري (‪.)41/3‬‬


(
y-
FIP
II
.I
.
:
I.
.I
J),
- D -
- - û* k.-
> - .
(t)A>tJ!i.qzkit'!lGài ,
. '
'v
- - .. .
-
O .- -
5--''-''M j

....o7 o ; a '
.
';? ....
..
.o'''o .
.
. .... J
.
.
. . 'w1.u..
w 1 Ln- .!;:1) . - '1l .p'p
'
e.- ..
' .
.w -
.'. 0u.a ''
A l .p
p
ô ,J .bln- h-..
oJ aol.
lque'zu ouz'a-uo..sb..c'Liu.a.S!<tl !
..!
n '
;
.4I
k.h'a-M''
'J !... . o . !
; s.. .. .
'r.cJlw.Z ma.*..11011
. Mh5
.*C
% Jle2--4-1
*5u.ww.L.w- <f)I
=* x+>- Akw
.woôan

twxp
v. ' '
k-o.ét
. 1
w lvs.
.
j...w' J.' ou
.
1
k..
.
..cq. ..g.. 'Iuta.
.
. -
t;..
- x
' = ;k
.f - .. 1-
.dbbu )):qp,u
bchueh
' zszlz c'uL.Yla pm'jz'NrIw..x J'' tx'w4.u.x.a us'Iax .-'k.:w ' .iI
akww
‫‪307‬‬ ‫‪ -50‬أذكار االنتباه من النَّوم (‪)2‬‬
‫القدري؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ِّ‬ ‫«و َأ ِذ َن لِي بِ ِذ ْكرِ ِه»‪ ،‬المراد باإلذن هنا‪ :‬اإلذن الكونِ ِّي‬‫قوله‪َ :‬‬
‫الشرعي‪ ،‬كقوله تعالى‪﴿ :‬ﮩ ﮪ ﮫﮬ﴾ [يونس‪:‬‬
‫اإلذن تار ًة يراد به اإلذن َّ ِّ‬
‫‪ ،]59‬أي‪ :‬هل اهلل شرع لكم ذلك؟ وتار ًة يراد به اإلذن الكونِ ِّي‪ ،‬كقوله‪:‬‬
‫﴿ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [البقرة‪ ،]251 :‬أي‪ :‬بمشيئته وقضائه وقدره‪.‬‬
‫وقدرا‬
‫ً‬ ‫«و َأ ِذ َن لِي بِ ِذ ْكرِ ِه»‪ ،‬أي‪ :‬قدَّ ر لي ذلك وكتبه لي كونًا‬
‫فالمراد بقوله‪َ :‬‬
‫ذاكرا له‪ .‬وأ َّما شر ًعا ودينًا‪ ،‬فاإلذن للجميع والدَّ عوة للجميع‪ ،‬لكن ال‬ ‫أن أقوم ً‬
‫إل َمن قدَّ ر اهلل له ذلك وكتبه له‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬ ‫يفعل ذلك َّ‬
‫ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ﴾ [يونس‪ ،]25 :‬وهذه نعمة عظيمة ومنَّة كبيرة‬
‫م َّن اهلل ‪ F‬هبا على عبده‪.‬‬
‫بالذكر هو العبد‪ ،‬والمثيب على‬ ‫بالذكر هو اهلل‪ ،‬والمنتفع ِّ‬
‫وتأ َّمل؛ اآلذن ِّ‬
‫يبتدئ عبا َده بالنِّعم‬
‫ُ‬ ‫الذكر هو اهلل‪ ،‬فهو سبحانه من عظيم فضله وواسع إنعامه‬ ‫ِّ‬
‫فضل‪ ،‬وله سبحانه‬ ‫شكرا‪ ،‬وله الم ُّن ً‬
‫ً‬ ‫أعظم ال َّثواب‪ ،‬فله الحمدُ‬
‫َ‬ ‫ويثي ُبهم عليها‬
‫الحمدُ يف اآلخرة واألولى‪.‬‬
‫وعمو ًما ا َّلذي ينبغي للمسلم عند قيامه من نومه هو المبادرة إلى ذكر اهلل‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هم ٍة‬
‫وحرص‬ ‫عالية‬ ‫ليبارك له يف يومه‪ ،‬وليكون فيه نشي ًطا ذا َّ‬ ‫والصالة؛ َ‬ ‫والوضوء َّ‬
‫الشيطان‪.‬‬ ‫وخبث النَّفس وتس ُّلط َّ‬ ‫وليسلم بذلك من الكسل ُ‬ ‫على الخير‪ْ ،‬‬
‫ان َع َلى َقافِ َي ِة‬ ‫الش ْي َط ُ‬ ‫«ي ْع ِقدُ َّ‬ ‫ول اهلل ﷺ َق َال‪َ :‬‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫يل‬ ‫ك َل ْي ٌل َط ِو ٌ‬ ‫ث ُع َق ٍد‪َ ،‬ي ْضرِ ُب ك َُّل ُع ْقدَ ٍة َمكَان ََها‪َ ،‬ع َل ْي َ‬ ‫س َأ َح ِدك ُْم إِ َذا ُه َو نَا َم َث َل َ‬ ‫َر ْأ ِ‬
‫ت ُع ْقدَ ةٌ‪َ ،‬فإِ ْن َص َّلى‬ ‫ت ُع ْقدَ ةٌ‪َ ،‬فإِ ْن ت ََو َّض َأ ان َْح َّل ْ‬ ‫َف ْار ُقدْ ؛ َفإِ ِن ْاس َت ْي َق َظ َف َذك ََر اهَّللَ ان َْح َّل ْ‬
‫ِ‬
‫س ك َْس َل َن»‪.‬‬ ‫يث النَّ ْف ِ‬ ‫س‪َ ،‬وإِ َّل َأ ْص َب َح َخبِ َ‬ ‫ب النَّ ْف ِ‬ ‫ت ُع ْقدَ ةٌ‪َ ،‬ف َأ ْص َب َح نَشي ًطا َط ِّي َ‬ ‫ان َْح َّل ْ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫رواه‬
‫البخاري (‪ ،)1142‬ومسلم (‪.)776‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪308‬‬

‫ويف المسند لإلمام أحمد من حديث جابر بن عبد اهلل ‪ L‬قال‪ :‬قال‬
‫ث ُع َقد‬ ‫«ما ِم ْن َذ َكرٍ َو َل ُأ ْن َثى إِ َّل َو َع َلى َر ْأ ِس ِه َجرير َم ْع ُقو ٌد َث َل َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ‪َ :‬‬
‫ت ُع ْقدَ ةٌ‪،‬‬ ‫ين َي ْرقد‪َ ،‬فإِن ْاس َت ْي َق َظ َف َذك ََر اهللَ ان َْح َّل ْ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬أي‪َ :‬ح ْبل َم ْع ُقو ٌد َث َلث ُع َقد‪ -‬ح َ‬
‫ت ُع َقدُ ه ُك ُّل َها»(‪.)1‬‬ ‫الص َل ِة ان َْح َّل ْ‬ ‫َوض َأ ان َْح َّل ْ‬
‫ت ُع ْقدَ ةٌ‪َ ،‬فإِ َذا َقا َم إِ َلى َّ‬ ‫َفإِ َذا َقا َم َفت َّ‬
‫مؤخر رأس اإلنسان عندما‬ ‫يطان يعقد على َّ‬ ‫الش َ‬ ‫دل هذان الحديثان على َّ‬
‫أن َّ‬ ‫َّ‬
‫ك َل ْي ٌل َط ِو ٌ‬
‫يل َف ْار ُقدْ »‬ ‫ٍ‬
‫عقدة مكاهنا‪َ « :‬ع َل ْي َ‬ ‫ينام ثالث عقد‪ ،‬ويضرب على ِّ‬
‫كل‬
‫لهمته‪ ،‬فإذا ذكر العبدُ ر َّبه انح َّل ْت عقد ٌة من‬ ‫ونقضا َّ‬ ‫ً‬ ‫تخذيل له وتثبي ًطا لعزمه‬
‫ً‬
‫وتوضأ انح َّل ْت العقد ٌة ال َّثانية‪ ،‬فإذا ص َّلى انح َّل ْت عن ُه‬ ‫َّ‬ ‫هذه العقد‪ ،‬فإذا قام‬
‫نفسه‪ ،‬وأصبح نشي ًطا‬ ‫همتُه‪ ،‬وطابت ُ‬ ‫جميع العقد‪ ،‬وذهب عنه الكسل‪ ،‬وع َلت َّ‬
‫الشيطان‪ ،‬وتخ َّفف‬ ‫مقبل عليه؛ وذلك ألنَّه تخ َّلص من عقد َّ‬ ‫حريصا على الخير ً‬ ‫ً‬
‫الرحمن‪.‬‬
‫من أعباء الغفلة والنِّسيان‪ ،‬وحصل له الفوز برضا َّ‬
‫الش َ‬
‫يطان قد يعقد على مواضع الوضوء من‬ ‫وجاء يف حديث آخر َّ‬
‫أن َّ‬
‫وتوضأ انح َّلت عنه تلك العقد‪.‬‬
‫َّ‬ ‫المسلم‪ ،‬فإذا قام‬
‫فقد أخرج أحمد وابن ح َّبان يف صحيحه ‪-‬وال َّلفظ له‪ -‬من حديث ُعقبة‬
‫«ر ُج ٌل ِم ْن ُأ َّمتِي َي ُقو ُم ال َّل ْي َل‬ ‫سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪َ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ابن عامر ‪ I‬قال‪:‬‬
‫ت ُع ْقدَ ةٌ‪َ ،‬فإِ َذا َو َّض َأ‬ ‫ور َو َع َل ْي ِه ُع َقدٌ ‪َ ،‬فإِ َذا َو َّض َأ َيدَ ْي ِه ان َْح َّل ْ‬
‫ُي َعالِ ُج َن ْف َس ُه إِ َلى ال َّط ُه ِ‬
‫ت‬ ‫ت ُع ْقدَ ةٌ‪َ ،‬وإِ َذا َو َّض َأ ِر ْج َل ْي ِه ان َْح َّل ْ‬ ‫ت ُع ْقدَ ةٌ‪َ ،‬وإِ َذا َم َس َح َر ْأ َس ُه ان َْح َّل ْ‬
‫َو ْج َه ُه ان َْح َّل ْ‬
‫اب‪ :‬ا ْن ُظ ُروا إِ َلى َع ْبدَ ي َه َذا ُي َعالِ ُج‬ ‫الح َج ِ‬ ‫ول اهلل ‪ C‬ل َّل ِذي وراء ِ‬
‫ََ َ‬ ‫ُع ْقدَ ةٌ‪َ ،‬ف َي ُق ُ ُ‬
‫َن ْف َس ُه لِ َي ْس َأ َلنِي‪َ ،‬ما َس َأ َلنِي َع ْب ِدي َه َذا َف ُه َو َل ُه‪َ ،‬ما َس َأ َلنِي َع ْب ِدي َه َذا َف ُه َو َل ُه»(‪.)2‬‬

‫وصححه األلباينُّ يف صحيح التَّرغيب والتَّرهيب (‪.)614‬‬


‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)14387‬‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي يف صحيح التَّرغيب‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)17790‬وابن ح َّبان (‪،)2555‬‬
‫َّ‬
‫والتَّرهيب (‪.)631‬‬
‫‪309‬‬ ‫‪ -50‬أذكار االنتباه من النَّوم (‪)2‬‬
‫تنحل عن المسلم بالوضوء‪ ،‬فبِغسل اليدين ُّ‬
‫تنحل ُعقدة‪،‬‬ ‫فهذه عُقدٌ أربع ُّ‬
‫الرج َلين‬ ‫ُّ‬
‫تنحل ُعقدة‪ ،‬وبغسل ِّ‬ ‫الرأس‬
‫تنحل ُعقدة‪ ،‬وبمسح َّ‬ ‫ُّ‬ ‫وبغسل الوجه‬
‫ُّ‬
‫تنحل ُعقدة‪ .‬وهي عُقدٌ حقيق َّية يعقدها َّ‬
‫الشيطان على اإلنسان ليث ِّبطه عن‬
‫الخير‪ ،‬وليثنيه عن القيام إلى طاعة اهلل‪.‬‬
‫الصحيحين عن أبي هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا‬ ‫وثبت يف َّ‬
‫يت‬ ‫ان َيبِ ُ‬
‫الش ْي َط َ‬ ‫ْاس َت ْي َق َظ َأ َحدُ ك ُْم ِم ْن َمن َِام ِه َف ْل َيت ََو َّض ْأ َو ْل َي ْس َتنْثِ ْر َث َل َ‬
‫ث َم َّرات؛ َفإِ َّن َّ‬
‫يم ِه»(‪.)1‬‬
‫اش ِ‬ ‫ع َلى َخي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اهلل تعالى عند النَّو ِم وأتى باألذكار‬ ‫أن َمن َذك ََر َ‬ ‫وقد ذكر أهل العلم َّ‬
‫يسلم من هذه‬ ‫والتعوذات المأثورة ال يدخل يف هذه األحاديث‪ ،‬بل ْ‬ ‫ُّ‬ ‫المشروعة‬
‫أن َمن أتى هبا ال يزال عليه من اهلل‬ ‫ُص يف بعض أذكار النَّوم َّ‬ ‫ال ُعقد؛ ألنَّه قد ن َّ‬
‫شيطان حتَّى ُيصبح‪.‬‬‫ٌ‬ ‫حافظ‪ ،‬وال يقربه‬
‫و َع ْن َع ْب ِد اهَّللِ بن مسعود ‪َ I‬ق َال ُذكِ َر ِعنْدَ النَّبِ ِّي ﷺ َر ُج ٌل َف ِق َيل َما َز َال نَائِ ًما‬
‫البخاري‬
‫ُّ‬ ‫ان فِي ُأ ُذنِ ِه»‪ .‬رواه‬ ‫الص َل ِة‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ب َال َّ‬
‫الش ْي َط ُ‬ ‫َحتَّى َأ ْص َب َح َما َقا َم إِ َلى َّ‬
‫ومسلم(‪.)2‬‬
‫للصالة‪ ،‬لم يقم لهذه‬ ‫أي‪ :‬ما قام لذكر اهلل‪ ،‬وال قام للوضوء‪ ،‬وال قام َّ‬
‫حل‪،‬‬ ‫األشياء بل نام حتَّى أصبح‪ ،‬فيستيقظ وال ُعقد كما هي على حالها لم ُت َّ‬
‫الشيطان يف أذنه‪ ،‬ومن ا َّلذي يرضى لنفسه بمثل‬‫إضاف ًة إلى هذا يقوم وقد بال َّ‬
‫والصالة‬ ‫هذه الفعلة َّ‬
‫الذميمة!! و َمن ينام حتَّى يصبح تاركًا ذكر اهلل والوضوء َّ‬
‫ب َمن كان كذلك خيب ًة وخسارة‬ ‫وحس ُ‬
‫ْ‬ ‫فهو شاء أم أبى قد رضي لنفسه بذلك‪،‬‬
‫الرجل من َ‬
‫الخ ْيبة‬ ‫وشرا‪ ،‬وقد جاء عن ابن مسعود ‪ I‬أنَّه قال‪« :‬حسب َّ‬ ‫ًّ‬
‫البخاري (‪ ،)3295‬ومسلم (‪.)238‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫البخاري (‪ ،)1144‬ومسلم (‪.)774‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪310‬‬

‫والشر أن ينام حتَّى ُيصبح وقد بال َّ‬


‫الشيطان يف أذنه‪ ،‬فلم يذكر اهلل ليله حتَّى‬ ‫ِّ‬
‫يصبح»(‪.)1‬‬
‫وهنا نُدرك الربكة العظيمة والخير العميم ا َّلذي يكتسبه المسلم بحفظه‬
‫َّبي الكريم ‪O‬؛‬ ‫لألذكار ومحافظته عليها‪ ،‬ومحافظته على ُسنَّة الن ِّ‬
‫خير وبركة؛ خير للمرء يف نومته‪ ،‬وخير له يف قومته‪ ،‬وخير له يف حياته‬
‫فالسنَّة ٌ‬
‫ُّ‬
‫ك ِّلها‪ ،‬فال يحرم المسلم نفسه من مثل هذا الخير العظيم والفضل العميم‪.‬‬
‫ات َل ْي َل ًة‬ ‫اس ‪َ L‬أ ْخ َب َر ُه َأ َّن ُه َب َ‬ ‫اس َأ َّن ا ْب َن َع َّب ٍ‬ ‫ب َم ْو َلى ا ْب ِن َع َّب ٍ‬ ‫و َع ْن ك َُر ْي ٍ‬
‫ض ا ْل ِو َسا َد ِة‬ ‫ت فِي َع ْر ِ‬ ‫اض َط َج ْع ُ‬ ‫‪-‬و ِه َى َخا َل ُت ُه‪َ -‬ق َال‪َ « :‬ف ْ‬ ‫ِِ‬
‫عنْدَ َم ْي ُمو َن َة ُأ ِّم ا ْل ُم ْؤمني َن َ‬
‫ِ‬
‫ف‬ ‫ول اهَّلل ِ ﷺ َحتَّى ا ْنت ََص َ‬ ‫ول اهَّلل ِ ﷺ َو َأ ْه ُل ُه فِي ُطولِ َها‪َ ،‬فنَا َم َر ُس ُ‬ ‫اض َط َج َع َر ُس ُ‬ ‫َو ْ‬
‫ول اهَّلل ِ ﷺ َف َج َع َل َي ْم َس ُح الن َّْو َم‬ ‫يل‪ْ ،‬اس َت ْي َق َظ َر ُس ُ‬ ‫يل َأ ْو َب ْعدَ ُه بِ َق ِل ٍ‬‫ال َّل ْي ُل َأ ْو َق ْب َل ُه بِ َق ِل ٍ‬
‫ان‪ُ ،‬ث َّم َقا َم‬ ‫آل ِع ْم َر َ‬ ‫ات ا ْلخَ َواتِم ِم ْن سور ِة ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫عن وج ِه ِه بِي ِد ِه‪ُ ،‬ثم َقر َأ ا ْلع ْشر اآلي ِ‬
‫َّ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ ْ‬
‫اس‬‫إِ َلى َش ٍّن ُم َع َّل َق ٍة َفت ََو َّض َأ ِمن َْها َف َأ ْح َس َن ُو ُضو َء ُه‪ُ ،‬ث َّم َقا َم َف َص َّلى»‪َ .‬ق َال ا ْب ُن َع َّب ٍ‬
‫ت إِ َلى‬ ‫ت َف ُق ْم ُ‬ ‫ول اهَّلل ِ ﷺ‪ُ ،‬ث َّم َذ َه ْب ُ‬ ‫ت ِم ْث َل َما َصن ََع َر ُس ُ‬ ‫ت َف َص َن ْع ُ‬ ‫‪َ « :L‬ف ُق ْم ُ‬
‫ول اهَّلل ِ ﷺ َيدَ ُه ا ْل ُي ْمنَى َع َلى َر ْأ ِسي َو َأ َخ َذ بِ ُأ ُذنِي ا ْل ُي ْمنَى َي ْفتِ ُل َها‬ ‫َج ْنبِ ِه َف َو َض َع َر ُس ُ‬
‫َف َص َّلى َر ْك َع َت ْي ِن‪ُ ،‬ث َّم َر ْك َع َت ْي ِن‪ُ ،‬ث َّم َر ْك َع َت ْي ِن‪ُ ،‬ث َّم َر ْك َع َت ْي ِن‪ُ ،‬ث َّم َر ْك َع َت ْي ِن‪ُ ،‬ث َّم َر ْك َع َت ْي ِن‪،‬‬
‫اض َط َج َع َحتَّى َجا َء ا ْل ُم َؤ ِّذ ُن َف َقا َم َف َص َّلى َر ْك َع َت ْي ِن َخ ِفي َف َت ْي ِن‪ُ ،‬ث َّم َخ َر َج‬ ‫ُث َّم َأ ْوتَر‪ُ َ،‬ث َّم ْ‬
‫الص ْب َح»(‪.)2‬‬ ‫َف َص َّلى ُّ‬
‫لمن انتبه من نومه أن يمسح على وجهه وأن يقرأ هذه اآليات‬ ‫ستحب َ‬
‫ُّ‬ ‫ف ُي‬
‫َّبي ﷺ‪ ،‬ولكن‬ ‫لتهجده اقتداء بالن ِّ‬
‫ُّ‬ ‫العشر من آخر آل عمران إذا قام من ال َّليل‬
‫َّبي ﷺ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ينبغي له أن يقرأها بتد ُّبر لها وعق ٍل لمعانيها‪ .‬ف َع ْن َعائِ َش َة ‪َّ J‬‬
‫أن‬
‫َّ‬
‫زي يف قيام ال َّليل (‪.)103/1‬‬
‫المر َو ُّ‬
‫(((  رواه ْ‬
‫البخاري (‪ ،)183‬ومسلم (‪.)763‬‬ ‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪311‬‬ ‫‪ -50‬أذكار االنتباه من النَّوم (‪)2‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َع َل َّي ال َّل ْي َل َة َآيةٌ‪َ ،‬و ْي ٌل ل َم ْن َق َر َأ َها َو َل ْم َي َت َفك َّْر ف َ‬
‫يها ﴿ﮉ ﮊ ﮋ‬ ‫قال‪َ « :‬ل َقدْ َن َز َل ْ‬
‫ﮌ ﮍ﴾ [آل عمران‪ْ ]190 :‬ال َي َة ُك َّل َها» رواه ابن ح َّبان يف صحيحه(‪.)1‬‬
‫قيل لألوزاعي ‪ :V‬ما غاية التَّف ُّكر فيه َّن؟ قال‪« :‬يقرؤه َّن‪ ،‬وهو‬
‫السلف يف استحباب التَّف ُّكر مطل ًقا‪.‬‬
‫يعقله َّن» ‪ .‬وقد وردت أحاديث وآثار عن َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫الصحيحة (‪ ،)68‬ويف صحيح‬


‫السلسلة َّ‬ ‫وصححه األلباينُّ يف ِّ‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه ابن ح َّبان (‪،)620‬‬
‫التَّرغيب والتَّرهيب (‪.)1468‬‬
‫يوطي يف الدُّ ِّر المنثور (‪.)409/2‬‬
‫والس ُّ‬ ‫(((  ذكره ابن كثير يف تفسيره (‪ُّ ،)167/2‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪312‬‬

‫‪51‬‬

‫ما يقال عند الفزع يف النَّوم‬

‫ول اهلل ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا َف ِز َع َأ َحدُ ك ُْم‬


‫أن َر ُس َ‬‫َع ْن َع ْب ِد اهلل ْبن َع ْم ٍرو ‪َّ L‬‬
‫اد ِه‪،‬‬
‫ات ِمن َغ َضبِ ِه و ِع َقابِ ِه و َشر ِعب ِ‬
‫َ ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ات اهلل التَّام ِ‬
‫َّ‬
‫«أعو ُذ بِك َِلم ِ‬
‫َ‬ ‫في الن َّْو ِم َف ْل َي ُق ْل‪ُ َ :‬‬
‫ِ‬
‫ون»؛ َفإِن ََّها َل ْن ت َُض َّر ُه»‪ .‬رواه أبو داود‬ ‫َ‬ ‫الش َياطِ ِ‬
‫ين َو َأ ْن ي ْح ُض ُر ِ‬ ‫َات َّ‬ ‫و ِمن همز ِ‬
‫َ ْ َ َ‬
‫ِّرمذي(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫والت‬
‫وروى اإلمام أحمد يف مسنده عن الوليد بن الوليد ‪ I‬أنَّه قال‪ :‬يا رسول‬
‫ات اهلل ِ‬
‫ك َف ُق ْل‪َ :‬أعو ُذ بِك َِلم ِ‬ ‫ج َع َ‬‫اهلل ﷺ إنِّي أجدُ وحشةً‪ ،‬قال‪« :‬إِ َذا َأ َخ ْذ َت َم ْض ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ين َوأن ي ْح ُض ُر ِ‬
‫ون؛‬ ‫َ‬ ‫الش َياطِ ِ‬‫َات َّ‬ ‫اد ِه‪ ،‬و ِمن همز ِ‬
‫َ ْ َ َ‬
‫التَّام ِة ِمن َغ َضبِ ِه و ِع َقابِ ِه و َشر ِعب ِ‬
‫َ ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ي َأ ْن َل َي ْق َربك»(‪.)2‬‬
‫وبالحرِ ِّ‬
‫َ‬ ‫َفإِ َّن ُه َل َي ُض ُّر َك‪،‬‬
‫محمد بن المنكدر‪ ،‬قال‪ :‬جاء‬ ‫السن ِِّّي يف عمل اليوم وال َّليلة عن َّ‬ ‫وروى ابن ُّ‬
‫ت إِ َلى‬ ‫أهاويل يراها يف المنام‪ ،‬فقال‪« :‬إِ َذا َأ َو ْي َ‬ ‫َ‬ ‫رجل إلى النَّبِ ِّي ﷺ فشكا إليه‬ ‫ٌ‬
‫ات اهلل ِ التَّام ِة ِمن َغ َضبِ ِه و ِع َقابِ ِه‪ ،‬و ِمن َشر ِعب ِ‬
‫اد ِه‪َ ،‬و ِم ْن‬ ‫فراشك َف ُق ْل‪َ :‬أعو ُذ بِك َِلم ِ‬
‫ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ون»(‪.)3‬‬ ‫ين َو َأ ْن ي ْح ُض ُر ِ‬
‫َ‬ ‫الش َياطِ ِ‬ ‫همز ِ‬
‫َات َّ‬ ‫َ َ‬
‫األحاديث‪ ‬أن رسول اهلل ﷺ كان ُيع ِّلمهم من الفزع كلمات ُتقال‬
‫َّ‬ ‫يف هذه‬

‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3528‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)3893‬والت‬
‫الصحيحة (‪ :)536/6‬رجال‬ ‫السلسلة َّ‬
‫(((  رواه أحمد (‪ ،)16573‬وقال األلباينُّ يف ِّ‬
‫إسناده ثقات رجال َّ‬
‫الشيخين‪ ،‬لكنَّه منقطع‪.‬‬
‫السلسلة‬
‫وصححه األلباينُّ يف ِّ‬ ‫َّ‬ ‫السن ِِّّي يف عمل اليوم وال َّليلة (‪،)671/1‬‬
‫(((  رواه ابن ُّ‬
‫الصحيحة (‪.)264‬‬ ‫َّ‬
‫‪313‬‬ ‫‪ -51‬ما يقال عند الفزع يف النَّوم‬

‫َّعوذ المأثور عن‬ ‫إذا حصل الفزع والقلق‪ ،‬بأن يقول هذه الكلمات أو هذا الت ُّ‬
‫َان ُي َع ِّل ُم ُهم ِم َن ال َف َز ِع ك َِل َمات»‪ ،‬أي‪ :‬كلمات ُتقال‬
‫َّبي ‪ ،O‬قال‪« :‬ك َ‬ ‫الن ِّ‬
‫عند الفزع ف ُيذهبه اهلل‪.‬‬
‫ات اهلل ِ التَّام ِ‬ ‫«أعو ُذ بِك َِلم ِ‬
‫ات»‪ ،‬االستعاذة التجاء إلى اهلل واحتما ٌء به‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫قوله‪ُ َ :‬‬
‫‪ E‬وفزع إليه‪.‬‬
‫ات»‪ ،‬قيل‪ :‬المراد «بكلمات اهلل»‪ ،‬أي‪ :‬القرآن‪،‬‬ ‫ات اهلل ِ التَّام ِ‬ ‫وقوله‪« :‬بِك َِلم ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫وقيل‪« :‬كلماته»‪ ،‬أي‪ :‬الكون َّية القدر َّية‪ ،‬كما قال اهلل تعالى ﴿ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [يس‪.]82 :‬‬
‫ومعنى «التَّا َّمات»‪ ،‬أي‪ :‬ا َّلتي ال يلحقها نقص‪ ،‬وقال اهلل تعالى يف شأن‬
‫فصلت‪ ،]42 :‬وقال يف شأن‬ ‫القرآن‪﴿ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ﴾ [ ِّ‬
‫الرعد‪ ،]41 :‬فكلمات اهلل تا َّم ٌة ال يلحقها‬
‫كلماته الكون َّية‪﴿ :‬ﯸ ﯹ ﯺﯻ﴾ [ َّ‬
‫نقص‪.‬‬
‫والر ُّب يغضب‬‫الر ِّب ‪َّ ،E‬‬ ‫قوله‪« :‬من غضبه وعقابه»‪ ،‬أي‪ :‬غضب َّ‬
‫ويرضى كما أخرب عن نفسه يف كتابه‪ ،‬وكما أخرب عنه رسو ُل ُه ﷺ‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [الفتح‪ ،]6 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ﴾‬
‫وثمة أمور توجب غضب اهلل وحلول‬ ‫[المجادلة‪]22 :‬؛ فهو يغضب ويرضى‪َّ ،‬‬
‫والذنوب‪،‬‬ ‫عقابه على عبده؛ وهذا فيه إشارة وتنبيه إلى البعد عن المعاصي ُّ‬
‫الذنوب والمعاصي أعظم أسباب القلق؛ ألنَّها‬ ‫أن ُّ‬
‫وأيضا فيه تنبيه وإشار ٌة إلى َّ‬
‫ً‬
‫ووجد العقاب‪ ،‬وقد يكون القلق والفزع والهموم‬ ‫إذا ُوجدت ُوجد الغضب ُ‬
‫َّعوذ باهلل من غضبه ومن عقابه‪،‬‬
‫المعجلة‪ ،‬فيبادر المرء إلى الت ُّ‬
‫َّ‬ ‫نو ًعا من العقوبة‬
‫الذنوب‬ ‫يتضمن البعد عن موجبات الغضب وموجبات العقاب‪ ،‬وهي ُّ‬ ‫َّ‬ ‫وهذا‬
‫ا َّلتي تسخط اهلل ‪ F‬وتوجب حلول العقوبة ونزولها‪.‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪314‬‬

‫شر من‬
‫كل َمن قام به ٌّ‬‫شر ِّ‬
‫«وشر عباده»‪ ،‬أي‪ :‬وأعوذ بك يا اهلل من ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫شر منهم‪،‬‬
‫شر‪ ،‬بل المراد‪َ :‬من كان فيه ٌّ‬ ‫كل عبد فيه ٌّ‬ ‫أن َّ‬‫عبادك‪ .‬وليس معناه َّ‬
‫والفجار ونحوهم‪.‬‬‫َّ‬ ‫الشياطين‪ ،‬والج َّن‪ ،‬والبغاة‪،‬‬‫فيشمل َّ‬
‫الشيطان ونفثه‬ ‫الش َياطِين َو َأن َي ْح ُض ُر َ‬
‫ون»‪ ،‬أي‪ :‬نفخ َّ‬ ‫َات َّ‬‫وقوله‪« :‬و ِمن همز ِ‬
‫َ ْ َ َ‬
‫ووساوسه وما ُيلقيه يف النَّفس؛ وهذا فيه إشارة إلى أعظم موجبات القلق‪،‬‬
‫وأمورا‬
‫ً‬ ‫الشيطان على النَّفس‪ ،‬ف ُيدخل يف نفس اإلنسان أشياء‬ ‫وأعظم مداخل َّ‬
‫ليمأل قلبه قل ًقا وفز ًعا وخو ًفا‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [آل عمران‪ ،]175 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ﴾ [المجادلة‪.]10 :‬‬
‫«و َأن َي ْح ُض ُرون»‪ ،‬أي‪ :‬وأن يقربوا المكان ا َّلذي أنا فيه‪ ،‬قال اهلل‬‫وقوله‪َ :‬‬
‫تعالى يف أواخر سورة المؤمنون‪﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫تعو ٌذ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [المؤمنون‪ ،]98-97 :‬فاشتمل هذا على أمرين‪ُّ :‬‬
‫الشيطان‬‫وتعو ٌذ به ‪ F‬من أن يقرب َّ‬ ‫ُّ‬ ‫باهلل ‪ F‬من همزات َّ‬
‫الشيطان‪،‬‬
‫الشيطان من وساوسه‪ ،‬ومن‬ ‫ٍ‬
‫سالمة تا َّمة من َّ‬ ‫المكان ا َّلذي فيه العبد؛ ليكون يف‬
‫قربانه للمكان ا َّلذي هو فيه‪.‬‬
‫لمن أصابه قلق‪ ،‬أو هلع‪ ،‬أو فزع‪ ،‬أو‬ ‫تعو ٌذ عظيم مبارك ُيشرع َ‬ ‫فهذا ُّ‬
‫اضطراب يف منامه‪ ،‬أن يأيت به‪ ،‬فهو يشرع إذا كان اإلنسان يصيبه الفزع يف‬
‫َّعوذ الوارد يف هذه الحالة ‪-‬حالة الفزع يف النَّوم‪ -‬يجد‬
‫منامه‪ .‬و َمن يتأ َّمل هذا الت ُّ‬
‫أن اإلنسان عندما يصيبه فزع أو خوف إ َّما أن يكون خو ًفا من غضب اهلل أو‬ ‫َّ‬
‫شر بعض النَّاس يخشى أن يعتدوا عليه أو يؤذوه أو‬
‫عقابه‪ ،‬أو يكون فز ًعا من ِّ‬
‫شر َّ‬
‫الشيطان وأن يحضر العبد فيؤذيه‪ .‬فانتظم‬ ‫يتعرضوا له بسوء‪ ،‬أو خو ًفا من ِّ‬ ‫َّ‬
‫َّعوذ ذلك ك َّله‪.‬‬
‫هذا الت ُّ‬
‫‪315‬‬ ‫‪ -51‬ما يقال عند الفزع يف النَّوم‬

‫ويوجب عقابه؛ أن يلجأ العبدُ يف ُملِ َّماته وعند‬ ‫ُ‬ ‫الر َّب‬‫غضب َّ‬ ‫ُ‬ ‫وإن مِ َّما ُي‬ ‫َّ‬
‫عبد‬ ‫الضعيف أن يلجأ إلى ٍ‬ ‫يليق بالعبد َّ‬ ‫غيره سبحانه‪ ،‬وكيف ُ‬ ‫خوفه وفزعه إلى ِ‬
‫رب العا َلمين‬ ‫مخلوق مثلِه‪ ،‬و َيدَ ُع َّ‬ ‫ٍ‬ ‫المخلوق إلى‬ ‫ُ‬ ‫ضعيف مثلِه! وكيف يلجأ‬
‫أفكار َمن يذهبون‬ ‫ِ‬ ‫عقول وتفاه َة‬ ‫ِ‬ ‫وخالق الخلق أجمعين!! وهنا ندرك َضحالة‬ ‫َ‬
‫والعرافين والدَّ جاجلة والمشعوذين‬ ‫َّ‬ ‫يف ُملِ َّماتِهم وعند َفزعهم إلى الكهنة‬
‫يشكون إليهم حا َلهم‪،‬‬ ‫الشياطين‪ْ ،‬‬ ‫وغيرهم من إخوان َّ‬ ‫ِ‬ ‫والمنجمين‬ ‫ِّ‬ ‫والسحرة‬ ‫َّ‬
‫تخليصهم من كربتِهم وإنجاءهم‬ ‫َ‬ ‫و ُي ِنزلون بأبواهبم حاجتَهم‪ ،‬ويطلبون منهم‬
‫طلب َّإل من اهلل وال ُيلجأ فيها َّإل‬ ‫من فزعهم‪ ،‬إلى غير ذلك من األمور ا َّلتي ال ُت ُ‬
‫إليه وحده‪﴿ ،‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ﴾ [النَّمل‪ ،]62 :‬فهل يجيب المض َط َّر ا َّل ِذي‬
‫ِ‬ ‫وتعسر عليه المطلوب واض ُط َّر َ‬
‫للخالص م َّما هو فيه َّإل ُ‬
‫اهلل‬ ‫َّ‬ ‫الكروب‬
‫ُ‬ ‫أقلقته‬
‫ح ُّل به َّإل اهلل وحده؟!‬ ‫اإلنسان وي ِ‬ ‫السو َء ا َّلذي ُيصيب‬
‫َ َ‬ ‫وحده؟! وهل يكشف ُّ‬
‫وإل َل َما أقبلوا على‬ ‫قليل‪ ،‬وتد ُّب ُرهم له ضعيف‪َّ ،‬‬ ‫َّاس لهذا األمر ٌ‬ ‫تذك ُُّر الن ِ‬ ‫ولك ْن َ‬
‫أحد سواه‪.‬‬ ‫غيره‪ ،‬و َلما لجأوا إلى ٍ‬
‫َ‬
‫يه َع ْن َجدِّ ِه َأ َّن‬ ‫ب َعن َأبِ ِ‬
‫وقد روى أبو داود يف سننه َع ْن َع ْم ِرو ْب ِن ُش َع ْي ٍ ْ‬
‫ات اهَّلل ِ الت ََّّام ِة ِم ْن‬‫«أعو ُذ بِك َِلم ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َان ُي َع ِّل ُم ُه ْم م َن ا ْل َف َز ِع كَلِ َمات‪ُ َ :‬‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ ك َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫َان‬‫«وك َ‬ ‫ون»‪ ،‬قال‪َ :‬‬ ‫ين َو َأ ْن ي ْح ُض ُر ِ‬
‫َ‬ ‫الش َياطِ ِ‬ ‫ات َّ‬ ‫اد ِه و ِمن همزَ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َغ َضبِه َو َش ِّر ع َب َ ْ َ َ‬
‫ِ‬
‫َع ْبدُ اهَّلل ِ ْب ُن َع ْمرٍو ُي َع ِّل ُم ُه َّن َم ْن َع َق َل ِم ْن َبن ِ ِيه‪َ ،‬و َم ْن َل ْم َي ْع ِق ْل َك َت َب ُه َف َأ ْع َل َق ُه َع َل ْي ِه»(‪.)1‬‬
‫لكل‬ ‫أي‪ :‬كان ‪ُ I‬يح ِّفظها َمن يعقل من بنيه و ُيل ِّقنه إ َّياه‪ ،‬وهذا أمر مشروع ِّ‬
‫واحد أن ُيل ِّقن ابنه األذكار‪ ،‬وإذا كان ُيصيب ابنَه يف منامه شي ٌء من الخوف‪،‬‬
‫تعوذ‬ ‫بني متى ما أصابك خوف يف منامك َّ‬ ‫َّعوذ‪ ،‬ويقول له‪« :‬يا َّ‬ ‫ُيح ِّفظه هذا الت ُّ‬
‫فإن اهلل ُيذهبه عنك»‪.‬‬ ‫َّعوذ؛ َّ‬ ‫هبذا الت ُّ‬
‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)3893‬قال األلباينُّ‪« :‬حسن دون قوله‪ :‬وكان عبداهلل‪.»...‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪316‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«و َم ْن َل ْم َي ْعق ْل َك َت َب ُه َف َأ ْع َل َق ُه َع َل ْيه»‪ ،‬أي‪ :‬يكتبه يف ً‬
‫لوحا فيع ِّلقه عليه‪.‬‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫مخالف لما‬
‫ٌ‬ ‫وهذا ا َّلذي جاء عن عبد اهلل بن عمرو ‪ L‬يف هذه ِّ‬
‫الرواية‬
‫َّبي ﷺ من النَّهي عن تعليق التَّمائم وبيان أنَّها من‬
‫جاء يف األحاديث عن الن ِّ‬
‫الشرك‪ ،‬وهذا األثر لم يثبت عن عبد اهلل بن عمرو ‪I‬؛ َّ‬
‫ألن فيه عنعنة ابن‬ ‫ِّ‬
‫َّعوذ ثابت لمجيئه من طريق يثبت هبا‪.‬‬‫إسحاق‪ ،‬ولكن الت ُّ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫‪َ ‬‬
‫مشروعية تعليق التمائم من القرآن ومن‬ ‫يستدل بهذا الفعل على‬ ‫ومن‬
‫َّ‬
‫الدعوات املأثورة؛ ال َّ‬
‫حجة له فيه من جهتين‪:‬‬
‫الجهة األولى‪ :‬أنَّه لم يثبت سنده إلى عبد اهلل بن عمرو ‪.L‬‬
‫َّ‬
‫الجهة الثانية‪ :‬على فرض ثبوته‪ ،‬يحتمل أن يكون المراد بفعل ابن عمرو‬
‫‪ L‬أنَّه يع ِّلقه عليه حتَّى يبقى يف لوحٍ أمامه بحيث يقرأه إلى أن يحفظه‪،‬‬
‫تم حفظ‬ ‫مثل‪ :‬األلواح ا َّلتي ُيكتب فيها القرآن من أجل الحفظ‪ ،‬بحيث إذا َّ‬
‫نصا آخر‪ ،‬ف ُيع َّلق عليه حتَّى يكون معه ليحفظه‪ ،‬ال‬
‫محي وكتب له بدله ًّ‬ ‫ال َّلوح ُ‬
‫ثم ُيستغنى عن ال َّلوح‬
‫تيسيرا لهم ليحفظوها‪َّ ،‬‬
‫ً‬ ‫على أنَّه تميمة‪ .‬فهو يكتبها ألبنائه‬
‫إذا حفظ الولد ما فيه‪.‬‬
‫ثم‬ ‫َّأما أن ُيع ِّلق آيات من القرآن توضع يف خرقة أو يف جلد أو ُّ‬
‫تعوذات‪َّ ،‬‬
‫ثم يع ِّلقها اإلنسان على بدنه؛ فهذا ال يجوز ألسباب كثيرة‬
‫توضع يف جلد‪َّ ،‬‬
‫ذكرها العلماء‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ً‬
‫َّأول‪ :‬بعدً ا عن امتهان القرآن الكريم‪.‬‬
‫يمةً؛ َف َل َأت ََّم‬ ‫ِ‬
‫«م ْن تع َّلق تَم َ‬
‫ثانيا‪ :‬لعموم األد َّلة المانعة من تعليق التَّمائم‪َ ،‬‬
‫ً‬
‫اهللُ َل ُه»(‪.)1‬‬

‫(((  رواه أحمد (‪.)17404‬‬


‫‪317‬‬ ‫‪ -51‬ما يقال عند الفزع يف النَّوم‬
‫ً‬
‫للشرك والوقوع يف الباطل‪.‬‬‫ألن هذا فيه وسيلة ِّ‬ ‫ثالثا‪َّ :‬‬
‫الرقية‪ ،‬بأن يقرأ وينفث على نفسه‬ ‫الباب‪:‬‬ ‫هذا‬ ‫يف‬ ‫لنا‬ ‫رع‬‫ش‬‫ُ‬ ‫ي‬‫ذ‬‫أن ا َّل ِ‬
‫َّ‬
‫ً‬
‫ُّ‬ ‫‪:‬‬ ‫ابعا‬‫ر‬
‫أو على مريضه‪.‬‬
‫قال َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز ابن باز ‪« :V‬أ َّما إذا كانت من القرآن أو من‬
‫دعوات معروفة ّ‬
‫طيبة؛ فهذه اختلف فيها العلماء‪:‬‬
‫ِ‬
‫السلف‬
‫‪ -‬فقال بعضهم‪ :‬يجوز تعليقها‪ ،‬و ُيروى هذا عن جماعة من َّ‬
‫جعلوها كالقراءة على المريض‪.‬‬
‫‪ -‬والقول ال َّثاين‪ :‬أنَّها ال تجوز‪ ،‬وهذا هو المعروف عن عبد اهلل بن مسعود‬
‫السلف والخلف‪ ،‬قالوا‪ :‬ال يجوز تعليقها ولو‬ ‫وحذيفة ‪ L‬وجماعة من َّ‬
‫وعمل بالعموم؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ً‬ ‫وحسما لما َّدة ِّ‬
‫الشرك‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كانت من القرآن؛ سدًّ ا َّ‬
‫للذريعة‪،‬‬
‫ِ‬
‫تستثن شي ًئا‪ .‬والواجب األخذ‬ ‫األحاديث المانعة من التَّمائم أحاديث عا َّمة لم‬
‫ألن ذلك يفضي إلى تعليق غيرها‬ ‫أصل؛ َّ‬ ‫بالعموم‪ ،‬فال يجوز شيء من التَّمائم ً‬
‫الصواب لظهور دليله»‪ .‬اهـ‬‫والتباس األمر‪ ،‬فوجب منع الجميع‪ ،‬وهذا هو َّ‬
‫كالمه ‪.)1(V‬‬

‫(((  مجموع فتاوى ابن باز (‪.)51/1‬‬


‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪318‬‬

‫‪52‬‬

‫ما يقوله َمن رأى يف منامه ما ُيح ُّب أو يكره‬

‫ول‪« :‬إِ َذا َر َأى َأ َحدُ ك ُْم‬ ‫يد ا ْل ُخدْ ِر ِّي ‪َ I‬أ َّن ُه َس ِم َع النَّبِي ﷺ َي ُق ُ‬ ‫َعن َأبِي س ِع ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫َّ‬
‫ث بِ َها‪َ ،‬وإِ َذا َر َأى َغ ْي َر‬‫ح ُّب َها َفإِن ََّما ِه َي ِم َن اهَّللِ؛ َف ْل َي ْح َم ِد اهَّللَ َع َل ْي َها َو ْل ُي َحدِّ ْ‬
‫رؤْ يا ي ِ‬
‫ُ َ ُ‬
‫ان؛ َف ْليست َِع ْذ ِمن َشرها‪ ،‬و َل ي ْذكُرها ألَحدٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َذلِ َ‬
‫َ‬ ‫ْ ِّ َ َ َ ْ َ‬ ‫الش ْي َط ِ َ ْ‬ ‫ك م َّما َيك َْر ُه َفإِن ََّما ه َي م َن َّ‬
‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫َفإِن ََّها َل ت َُض ُّر ُه»‪ .‬رواه‬
‫الر ْؤ َيا َفت ُْم ِر ُضنِي‬
‫الرحمن‪ ،‬قال‪َ :‬ل َقدْ ُكن ُْت َأ َرى ُّ‬ ‫َو َع ْن أبي َس َل َم َة بن عبد َّ‬
‫الر ْؤ َيا ُت ْم ِر ُضنِي‪َ ،‬حتَّى‬ ‫ول‪َ :‬و َأنَا ُكن ُْت َلَ َرى ُّ‬ ‫َحتَّى َس ِم ْع ُت َأ َبا َقتَا َد َة ‪َ I‬ي ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َس ِم ْع ُت النَّبِي ﷺ َي ُق ُ‬
‫ب‬ ‫«الرؤْ َيا ا ْل َح َسنَ ُة م َن اهلل؛ َفإِ َذا َر َأى َأ َحدُ ك ُْم َما ُيح ُّ‬ ‫ول‪ُّ :‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ب‪َ ،‬وإ َذا َرأى َما َيك َْر ُه َف ْل َي َت َع َّو ْذ بِاهلل م ْن َش ِّر َها َوم ْن َش ِّر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ث بِه إ َّل َم ْن ُيح ُّ‬ ‫َف َل ُي َحدِّ ْ‬
‫البخاري‬
‫ُّ‬ ‫ث بِ َها َأ َحد ًا؛ َفإِن ََّها َل ْن ت َُض َّر ُه»‪ .‬رواه‬ ‫ان‪َ ،‬و ْل َيت ِْف ْل َث َل ًثا‪َ ،‬و َل ُي َحدِّ ْ‬
‫الش ْي َط ِ‬
‫َّ‬
‫للبخاري(‪.)2‬‬
‫ِّ‬ ‫ومسلم وال َّلفظ‬
‫ِ‬
‫َو َع ْن َجابِ ٍر ‪َ I‬ع ْن َر ُسول اهلل ﷺ َأ َّن ُه َق َال‪« :‬إِ َذا َر َأى َأ َحدُ ك ُُم ُّ‬
‫الرؤْ َيا‬
‫ان َث َل ًثا‪َ ،‬و ْل َيت ََح َّو ْل‬ ‫ار ِه َث َل ًثا‪َ ،‬و ْل َي ْست َِع ْذ بِاهلل ِ ِم َن َّ‬
‫الش ْي َط ِ‬ ‫َيك َْر ُه َها َف ْل َي ْب ُص ْق َع ْن َي َس ِ‬
‫َان َع َل ْي ِه»‪ .‬رواه مسلم(‪.)3‬‬ ‫َع ْن َج ْنبِ ِه ا َّل ِذي ك َ‬

‫د َّلت هذه األحاديث على جملة من الفوائد تتع َّلق ُّ‬


‫بالرؤيا وما ينبغي أن‬
‫البخاري (‪.)6985‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫البخاري (‪ ،)7044‬ومسلم (‪.)2261‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2262‬‬
‫‪319‬‬ ‫‪ -52‬ما يقوله َمن رأى يف منامه ما ُيح ُّب أو يكره‬

‫سر‪ ،‬أو أمور‬ ‫يكون عليه المؤمن تجاه ما يراه يف منامه من ٍ‬


‫أمور يفرح برؤيتها و ُي ُّ‬
‫يحزن لرؤيتها ويضجر‪.‬‬
‫‪ ‬ومن فوائد هذه األحاديث ما يلي‪:‬‬
‫ً‬
‫الصالحة يراها المسلم‪ ،‬وأنَّها من اهلل ‪D‬؛ ساقها‬ ‫الرؤيا َّ‬
‫تعظيم شأن ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َّأول‪:‬‬
‫وتأنيسا لقلبه و َط ْم َأ َن ًة لفؤاده‪ ،‬كما‬ ‫ً‬ ‫إلى عبده المؤمن يف حياته بشار ًة له بالخير‪،‬‬
‫غير واحد‬ ‫قال اهلل ‪﴿ :E‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [يونس‪ ،]64 :‬قال ُ‬
‫الصال ِ ُح َأ ْو ُت َرى َل ُه»(‪.)1‬‬
‫الر ُج ُل َّ‬
‫الصال َح ُة َي َر َاها َّ‬
‫ِ‬
‫الر ْؤ َيا َّ‬
‫ِ‬
‫السلف‪« :‬ه َي ُّ‬ ‫من َّ‬
‫أن ما يراه المؤمن يف منامه ِم َّما يكرهه إنَّما هو من َّ‬
‫الشيطان؛‬ ‫ثانيا‪ :‬بيان َّ‬
‫ً‬
‫بضارهم شي ًئا َّإل بإذن اهلل‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫حزن ا َّلذين آمنوا وليس‬ ‫ل َي ُ‬
‫َّ‬
‫ويتلخ ُ‬ ‫املسلم عندما يرى في منامه ما ُي ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ص‬ ‫حب‬ ‫ثالثا‪ :‬بيان ما ينبغي أن يفعله‬
‫ذلك في َّ‬
‫عدة أمور‪:‬‬
‫الصالحة يراها أو ُترى‬ ‫بالرؤيا َّ‬‫ويستبشر ُّ‬
‫َ‬ ‫يفرح‬
‫المسلم ينبغي له أن َ‬
‫َ‬ ‫‪َّ -1‬‬
‫أن‬
‫الم ْؤ ِم َن َو َل َتغ ُُّر ُه»(‪.)2‬‬
‫السلف «ت َُس ُّر ُ‬
‫فالرؤيا كما قال بعض َّ‬
‫له‪ ،‬وأن ال يغرتَّ‪ُّ ،‬‬
‫اهلل ‪ D‬على هذا الخير ا َّلذي ساقه إليه‪ ،‬والفض ِل ا َّلذي‬ ‫‪ -2‬أن يحمدَ َ‬
‫ِّ‬
‫المبشرة‪.‬‬ ‫الرؤيا‬
‫منحه إ َّياه‪ ،‬حيث أكر َمه هبذه ُّ‬
‫وجلسائه ا َّلذين شأهنم معه أنَّهم‬‫حب من إخوانه ُ‬ ‫‪ -3‬أن ُيحدِّ َ‬
‫ث هبا َمن ُي ُّ‬
‫الرؤيا‬
‫يتعاونون معه على الخير ويتواصون معه على الربِّ واإلحسان؛ فتكون ُّ‬
‫ضي يف مجاالته‪.‬‬ ‫للم ِّ‬
‫وحافزا ُ‬
‫ً‬ ‫ا َّلتي رآها سب ًبا لزيادة الخير فيهم‪،‬‬
‫‪ -4‬أن ال ُيحدِّ ث هبا َمن يكره؛ در ًءا لمفسدة حصول األذى منه أو الحسد‬
‫أو نحو ذلك‪.‬‬
‫ربي يف تفسيره (‪.)127/15‬‬‫(((  ذكره ال َّط ُّ‬
‫الجوزي (ص‪.)379‬‬
‫ِّ‬ ‫(((  قاله أحمد‪ ،‬كما يف مناقب اإلمام أحمد البن‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪320‬‬

‫ابعا‪ :‬ومن الفوائد ا َّلتِي اشتملت عليها األحاديث المتقدِّ مة؛ بيان ما ينبغي‬
‫ر ً‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫أن يفعله المسلم إذا رأى يف منامه ما يكره‪ ،‬ويتلخص ذلك في األمور التالية‪:‬‬
‫الشيطان يريد به تحزين المؤمن وإدخال‬ ‫يعلم َّ‬
‫أن ذلك إنَّما هو من َّ‬ ‫‪ -1‬أن َ‬
‫والغم والفزع عليه‪ ،‬فعليه أن ال يلتفت إلى مكر َّ‬
‫الشيطان‪ ،‬وأن ال يشغل‬ ‫ِّ‬ ‫الهم‬
‫ِّ‬
‫با َله بذلك‪.‬‬
‫َّعوذ‪ :‬التجا ٌء إلى اهلل‬
‫الرجيم‪ ،‬والت ُّ‬
‫الشيطان َّ‬‫وشر َّ‬‫شرها ِّ‬ ‫يتعوذ باهلل من ِّ‬
‫‪ -2‬أن َّ‬
‫واعتصا ٌم به ‪﴿ ،E‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [آل عمران‪.]101 :‬‬
‫يطان يأيت اب َن آدم مِن قِ َبل‬
‫الش َ‬‫ألن َّ‬ ‫‪ -3‬أن يتفل عن يساره ثال ًثا‪ ،‬وقد قيل‪َّ :‬‬
‫قريب من جهة اليسار‪ ،‬فيأيت‬ ‫ٌ‬ ‫والقلب‬
‫ُ‬ ‫يساره‪ ،‬ألنَّه يريد أن ُيوسوس يف القلب‪،‬‬
‫َّ‬
‫الشيطان من جهته القريبة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫أن يف‬‫يتحو َل عن جنبه ا َّل ِذي كان عليه‪ ،‬وقيل يف الحكمة من هذا‪َّ :‬‬ ‫َّ‬ ‫‪ -4‬أن‬
‫حال ُمفرحة‪ ،‬كما‬ ‫َّحول من هذه الحال المسيئة المحزنة إلى ٍ‬ ‫ً‬
‫تفاؤل بالت ُّ‬ ‫ذلك‬
‫تفاؤل بتغ ُّي ِر الحال‬
‫ً‬ ‫الرداء يف االستسقاء‪،‬‬ ‫قال ال ُعلماء يف الحكمة من تحويل ِّ‬
‫من الجدب إلى الغيث‪.‬‬
‫أمور يكرهها‪ ،‬وقد جاء يف‬ ‫ٍ‬ ‫‪َّ -5‬أل ُيحدِّ ث أحدً ا بما رأى يف منامه من‬
‫رجل إلى النَّبِ ِّي ﷺ فقال‪« :‬يا رسول‬ ‫صحيح مسلم عن جابر ‪ I‬قال‪ :‬جاء ٌ‬
‫ِ‬
‫ب‬‫كأن رأسي ُقطع»‪ ،‬قال‪ :‬فضحك النَّبِ ُّي ﷺ‪ ،‬وقال‪« :‬إِ َذا َلع َ‬ ‫رأيت يف المنام َّ‬
‫اهلل ُ‬
‫ان بِ َأح ِدكُم فِي من َِام ِه َف َل يحدِّ ْ ِ‬
‫َّاس»‪ ،‬ويف رواية أخرى قال‪ :‬جاء‬ ‫ث بِه الن َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫الش ْي َط ُ َ ْ‬ ‫َّ‬
‫المنَا ِم ك ََأ َّن َر ْأ ِسي ُضرِ َب‬ ‫ول اهللِ! ر َأي ُ ِ‬
‫ت في َ‬ ‫َ ْ‬ ‫«يا َر ُس َ‬ ‫أعرابي إلى النَّبِ ِّي ﷺ فقال‪َ :‬‬
‫ٌّ‬
‫«ل تُحدِّ ثِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫دت على أ َثره»‪ ،‬فقال‬
‫لألعرابي‪َ َ :‬‬
‫ِّ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫فتَدَ ْح َر َج فاشتدَ ُ‬
‫ك»(‪.)1‬‬ ‫ك فِي َمن َِام َ‬‫الشيطان بِ َ‬‫َّاس بتل ُّعب َّ‬
‫الن َ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2268‬‬
‫‪321‬‬ ‫‪ -52‬ما يقوله َمن رأى يف منامه ما ُيح ُّب أو يكره‬

‫تضره رؤياه‪ ،‬بل يكون فع ُله‬ ‫إن النَّبِي ﷺ قد أخرب َّ‬


‫أن َمن فعل ما تقدَّ م ال ُّ‬ ‫ثم َّ‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫شر َّ‬
‫الشياطين‪.‬‬ ‫الرؤيا ومن ِّ‬‫شر ُّ‬
‫لهذه األمور سب ًبا واق ًيا بإذن اهلل من ِّ‬
‫الراوي للحديث عن أبي قتادة‪َ « :‬ف َل َّما‬ ‫الرحمن َّ‬ ‫قال أبو سلمة بن عبد َّ‬
‫َّبي ‪ O‬قال‪:‬‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ْت ُأ َبالِي بِ َها»‪ ،‬أي‪ِ :‬لَ َّ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ن‬‫ك‬‫ُ‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ف‬ ‫ت بِه َذا الح ِد ِ‬
‫يث َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ع‬
‫ْ‬
‫سِ‬
‫م‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫السلف ‪ ،X‬أال‬ ‫«إِن ََّها َل ْن ت َُض َّر َك»‪ .‬وهذا نستفيد منه فائدة تتع َّلق بمسلك َّ‬
‫َّبي ‪ ،O‬وشدَّ ة‬ ‫وهي‪ :‬شدَّ ة قرهبم من النُّصوص‪ ،‬ويقينهم بكالم الن ِّ‬
‫ولما سمع‬‫الرؤى ا َّلتي رآها ثقيلة عليه وتمرضه‪َّ ،‬‬
‫طمأنينتهم له‪ ،‬فكانت تلك ُّ‬
‫السلف‪،‬‬
‫السنَّة يف نفوس َّ‬
‫قوة أثر ُّ‬ ‫هذا الحديث أصبح ال ُيبالي‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫يدل على َّ‬
‫وشدَّ ة انتفاعهم هبا‪.‬‬
‫وعلى العبد مع ذلك ك ِّله أن يكون متَّق ًيا هلل‪ ،‬محاف ًظا على طاعته‪ ،‬بعيدً ا‬
‫عن معاصيه؛ ليكون بذلك محفو ًظا بحفظ اهلل ُمحا ًطا برعايته وعنايته سبحانه‪.‬‬
‫ال َما َر َأ ْي َت فِي الن َّْو ِم»(‪.)1‬‬
‫وقد قال ابن سيرين ‪« :V‬ا َّت ِق اهلل فِي ال َي َق َظ ِة‪َ ،‬و َل ُت َب ِ‬
‫َ‬
‫«الرؤْ َيا ا ْل َح َسنَ ُة ِم ْن‬ ‫ك ‪َ I‬أ َّن رس َ ِ‬ ‫َس ب ِن مال ِ ٍ‬
‫ول اهَّلل ﷺ َق َال‪ُّ :‬‬ ‫َ ُ‬ ‫و َع ْن َأن ِ ْ َ‬
‫البخاري(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫ين ُج ْز ًءا ِم َن النُّ ُب َّو ِة»‪ .‬رواه‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫الصالحِ ُج ْز ٌء م ْن ستَّة َو َأ ْر َبع َ‬
‫الر ُج ِل َّ‬
‫َّ‬
‫ان َل ْم َت َكدْ ُرؤْ َيا ا ْل ُم ْس ِل ِم‬
‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة َع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا ا ْقت ََر َب الز ََّم ُ‬
‫س‬ ‫َتك ِْذ ُب‪َ ،‬و َأ ْصدَ ُقك ُْم ُرؤْ َيا َأ ْصدَ ُقك ُْم َح ِدي ًثا‪َ ،‬و ُرؤْ َيا ا ْل ُم ْس ِل ِم ُج ْز ٌء ِم ْن َخ ْم ٍ‬
‫الصالِ َح ِة ُب ْش َرى ِم َن اهَّللِ‪َ ،‬و ُرؤْ َيا‬ ‫الرؤْ َيا َث َل َثةٌ‪َ :‬ف ُرؤْ َيا َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ُج ْز ًءا م َن النُّ ُب َّوة‪َ ،‬و ُّ‬
‫ِ‬
‫َو َأ ْر َبع َ‬
‫ان‪َ ،‬و ُرؤْ َيا ِم َّما ُي َحدِّ ُ‬
‫ث ا ْل َم ْر ُء َن ْف َس ُه؛ َفإِ ْن َر َأى َأ َحدُ ك ُْم َما َيك َْر ُه‬ ‫ين ِم َن َّ‬
‫الش ْي َط ِ‬ ‫ت َْح ِز ٌ‬
‫َّاس»‪ .‬رواه مسلم(‪.)3‬‬ ‫ث بِ َها الن َ‬ ‫َف ْل َي ُق ْم َف ْل ُي َص ِّل َو َل ُي َحدِّ ْ‬

‫(((  ذكره أبو نعيم يف حلية األولياء (‪.)273/2‬‬


‫البخاري (‪.)6983‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2263‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪322‬‬

‫وحي؛ فإنَّها معصومة من َّ‬


‫الشيطان‬ ‫ٌ‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬ورؤيا األنبياء‬
‫وهذا با ِّتفاق األ َّمة‪ ،‬ولهذا أقدم الخليل على ذبح ابنه إسماعيل عليهما َّ‬
‫السالم‬
‫الصريح‪ ،‬فإن وافقته َّ‬
‫وإل لم‬ ‫بالرؤيا‪ .‬وأ َّما رؤيا غيرهم فتُعرض على الوحي َّ‬
‫ُّ‬
‫ُيعمل هبا‪ .‬فإن قيل فما تقولون إذا كانت رؤيا صادقة أو تواطأت؟ قلنا متى‬
‫كانت كذلك استحال مخالفتها للوحي‪ ،‬بل ال تكون َّإل مطابق ًة له من ِّبه ًة عليه أو‬
‫الرائي اندراجها فيه‪ ،‬فيتن َّبه‬ ‫من ِّبه ًة على اندراج قض َّية َّ‬
‫خاصة يف حكمه لم يعرف َّ‬
‫الصدق وأكل الحالل‬
‫فليتحر ِّ‬
‫َّ‬ ‫بالرؤيا على ذلك‪ .‬و َمن أراد أن تصدق رؤياه‬
‫ُّ‬
‫والمحافظة على األمر والنَّهي‪ ،‬ولينم على طهارة كاملة‪ ،‬مستقبل القبلة‪،‬‬
‫الرؤيا‪:‬‬ ‫ويذكر اهلل حتَّى تغلبه عيناه؛ َّ‬
‫فإن رؤياه ال تكاد تكذب ألبتَّة‪ .‬وأصدق ُّ‬
‫الرحمة والمغفرة وسكون‬
‫اإللهي واقرتاب َّ‬
‫ِّ‬ ‫رؤيا األسحار؛ فإنَّه وقت النُّزول‬
‫الشياطين واألرواح َّ‬
‫الشيطان َّية»‪.‬‬ ‫الشياطين‪ ،‬وعكسه رؤيا العتمة عند انتشار َّ‬
‫َّ‬
‫المنَا ِم َف َقدْ َرآنِي؛ َفإِ َّن‬ ‫ِ‬
‫«م ْن َرآني يف َ‬ ‫ول اهلل ﷺ َق َال‪َ :‬‬ ‫َس‪َ :‬أ َّن َر ُس َ‬
‫و َع ْن َأن ٍ‬
‫ين ُج ْز ًءا ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫الم ْؤم ِن ُج ْز ٌء م ْن ستَّة َو َأ ْر َبع َ‬ ‫ان َل َيتَخَ َّي ُل بِي»‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬‬
‫«و ُرؤْ َيا ُ‬ ‫الش ْي َط َ‬
‫َّ‬
‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫النُّ ُب َّو ِة»‪ .‬رواه‬
‫كرم اهلل ‪ E‬هبا عبدَ ه المؤمن‪،‬‬ ‫الرؤيا الحسنة ا َّلتي ُي ِ‬ ‫ويف هذا ُ‬
‫فضل ُّ‬
‫المبشرات‪ ،‬ومنها رؤية النَّبِ ِّي ﷺ يف المنام‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫وهي م َن‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫المنَا ِم َف َقدْ‬ ‫و َع ْن َع ْبد اهلل ْب ِن َم ْس ُعود ‪َ I‬ع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪َ :‬‬
‫«م ْن َرآني يف َ‬
‫ِّرمذي(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫ان َل َيت ََم َّث ُل بِي»‪ .‬رواه الت‬
‫الش ْي َط َ‬ ‫َرآنِي؛ َفإِ َّن َّ‬
‫المنَا ِم َف َقدْ‬ ‫ِ‬ ‫و َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫«م ْن َرآني يف َ‬
‫ول‪ ‬اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫البخاري (‪.)6994‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2276‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫‪323‬‬ ‫‪ -52‬ما يقوله َمن رأى يف منامه ما ُيح ُّب أو يكره‬
‫(‪)1‬‬
‫ان َل َيت ََص َّو ُر‪َ ،‬أ ْو َق َال‪َ :‬ل َيت ََش َّب ُه بِي»‪ .‬متَّفق عليه‬ ‫َرآنِي؛ َفإِ َّن َّ‬
‫الش ْي َط َ‬
‫بصفة أخرى‪ ،‬إذ‬ ‫ٍ‬ ‫َّبي ﷺ بصفته المعهودة المعروفة‪ ،‬ال‬ ‫أي‪َ :‬من رأى الن َّ‬
‫الر ُسول‪ٰ ،‬لكِن ال يمكن‬ ‫الشيطان لإلنسان بصفة أخرى‪ ،‬ويقول إنَّه َّ‬
‫ٍ‬ ‫قد يأيت َّ‬
‫بصفة نب ِّينا ﷺ‪.‬‬‫ِ‬ ‫لشخص يف المنام‬ ‫ٍ‬ ‫للشيطان أبد ًا أن يأيت‬ ‫َّ‬
‫ف‪َ -‬ق َال‪َ :‬ر َأ ْي ُت النَّبِ َّي ﷺ فِي‬ ‫اح َ‬ ‫َان ي ْكتُب المص ِ‬
‫‪-‬وك َ َ ُ َ َ‬ ‫ارس ِّي َ‬
‫َعن ي ِزيدَ ال َف ِ ِ‬
‫ْ َ‬
‫اس‪ :‬إِنِّي َر َأ ْي ُت َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫لت‪ :‬ل ْب ِن َع َّب ٍ‬ ‫المنَا ِم َز َم َن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫ول اهلل‬ ‫اس ‪َ ،L‬ق َال‪َ :‬ف ُق ُ‬ ‫َ‬
‫ان َل‬ ‫ول‪« :‬إِ َّن َّ‬
‫الش ْي َط َ‬ ‫َان َي ُق ُ‬‫ول اهلل ﷺ ك َ‬ ‫اس‪« :‬إِ َّن َر ُس َ‬ ‫ﷺ فِي الن َّْو ِم‪َ ،‬ف َق َال ا ْب ُن َع َّب ٍ‬
‫يع َأ ْن َتنْ َع َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َه َذا‬ ‫يع َأ ْن َيت ََش َّب َه بِي‪َ ،‬ف َم ْن َرآني يف الن َّْو ِم َف َقدْ َرآني»‪َ ،‬هل ت َْستَط ُ‬ ‫َي ْستَط ُ‬
‫الر ُج َل ْي ِن‪ِ ،‬ج ْس ُم ُه‬ ‫ك َر ُج ًل َب ْي َن َّ‬ ‫ت َل َ‬ ‫الر ُج َل ا َّلذي َر َأ ْي َت ُه يف الن َّْومِ؟ َق َال‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬أ ْن َع ُ‬ ‫َّ‬
‫يل دوائرِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اض‪َ ،‬أك َْح ُل ال َع ْينَ ْي ِن‪َ ،‬ح َس ُن َّ‬ ‫َو َل ْح ُم ُه َأ ْس َم ُر إِ َلى ا ْل َب َي ِ‬
‫الضحك‪َ ،‬جم ُ َ َ‬
‫ف‪َ :‬و َل‬ ‫الو ْج ِه‪َ ،‬م َل َ ْت لِ ْح َي ُت ُه َما َب ْي َن َه ِذ ِه إِ َلى َه ِذ ِه‪َ ،‬قدْ َم َل َ ْت ن َْح َر ُه» ‪َ -‬ق َال َع ْو ٌ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس ‪َ « :L‬ل ْو َر َأ ْي َت ُه في ال َي َق َظة َما‬ ‫ِ‬
‫َان َم َع َه َذا النَّ ْعت‪َ -‬ف َق َال ا ْب ُن َع َّب ٍ‬ ‫َأ ْد ِري َما ك َ‬
‫ت َأ ْن َتنْ َع َت ُه َف ْو َق َه َذا»‪ .‬رواه أحمد(‪.)2‬‬ ‫ْاس َت َط ْع َ‬
‫أراد ابن ع َّباس هبٰذا أن ينظر يف الوصف؛ فإن كان مطاب ًقا لما يعرفه من‬
‫يطان ال يتم َّثل به‪ ،‬وإن َ‬
‫كان رأى‬ ‫الش َ‬ ‫وصف النَّبي ﷺ فإنَّه يكون قد رآه؛ َّ‬
‫ألن َّ‬ ‫ِّ‬
‫الفارسي‬ ‫َّبي ﷺ‪ .‬وكان ا َّلذي رآه يزيد‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬
‫ُّ‬ ‫رجل بصفة أخرى فال يكون رأى الن َّ‬
‫َّبي ﷺ‪.‬‬ ‫ً‬
‫مطابقا لصفة الن ِّ‬
‫الرؤى ال يجوز أن يبنى عليه‬
‫َّبي ﷺ وعموم ُّ‬ ‫ثم َّ‬
‫الرؤيا يف المنام للن ِّ‬
‫إن هذه ُّ‬ ‫َّ‬
‫َّبي ﷺ يف‬
‫اطبي ‪« :V‬ور َّبما قال بعضهم رأيت الن َّ‬ ‫الش ُّ‬‫أحكام شرع َّية‪ ،‬قال َّ‬
‫معرضا عن الحدود‬
‫ً‬ ‫النَّوم‪ ،‬فقال لي‪ :‬كذا‪ ،‬وأمرين‪ :‬بكذا‪ ،‬فيعمل هبا ويرتك هبا‪،‬‬
‫البخاري (‪ ،)6993‬ومسلم (‪ ،)2266‬وأحمد يف المسند (‪ ،)9316‬وال َّلفظ له‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫وحسنه األلباينُّ يف مختصر َّ‬
‫الشمائل (‪.)347‬‬ ‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)3410‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪324‬‬

‫الرؤيا من غير األنبياء ال ُيحكم هبا‬ ‫الشريعة! وهو خطأ؛ َّ‬


‫ألن ُّ‬ ‫الموضوعة يف َّ‬
‫شر ًعا على حال‪َّ ،‬إل أن ُتعرض على ما يف أيدينا من األحكام َّ‬
‫الشرع َّية‪ ،‬فإن‬
‫وإل وجب تركها واإلعراض عنها‪ ،‬وإنَّما فائدهتا‬ ‫سوغتها ُعمل بمقتضاها َّ‬ ‫َّ‬
‫خاصة‪ ،‬وأ َّما استفادة األحكام فال»‪ .‬اهـ كالمه ‪.)1(V‬‬
‫البشارة أو النَّذارة َّ‬

‫(((  االعتصام (‪.)93/2‬‬


‫‪325‬‬ ‫‪ -53‬أذكار اخلروج من املزنل (‪)1‬‬

‫‪53‬‬

‫أذكار اخلروج من املزنل (‪)1‬‬

‫الر ُج ُل ِم ْن َب ْيتِ ِه‪،‬‬


‫َس ْب ِن َمالك ‪َ I‬أ َّن النَّبِ َّي ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا َخ َر َج َّ‬
‫ِ ٍ‬ ‫َع ْن َأن ِ‬
‫ت َع َلى اهَّللِ‪َ ،‬ل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهَّللِ»‪ُ ،‬ي َق ُال ِحينَئِ ٍذ‪:‬‬ ‫َف َق َال‪« :‬بِ ْس ِم اهَّللِ‪ ،‬ت ََو َّك ْل ُ‬
‫ك‬ ‫ف َل َ‬ ‫آخ ُر‪َ :‬ك ْي َ‬
‫ان َ‬ ‫ول َل ُه َش ْي َط ٌ‬ ‫ان‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬‫الش ْي َط ُ‬
‫يت‪َ ،‬و َتن ََّحى َعنْ ُه َّ‬ ‫يت َو ُو ِق َ‬ ‫يت َوك ُِف َ‬‫ُه ِد َ‬
‫ِّرمذي(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫ي َوك ُِف َي َو ُو ِق َي؟»‪ .‬رواه أبو داود والت‬ ‫ِ‬
‫بِ َر ُج ٍل َقدْ ُهد َ‬
‫مر ٍة يخرج فيها من‬ ‫كل َّ‬ ‫ستحب أن يقوله يف ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫للمسلم ُي‬ ‫نافع‬
‫ذكر مبارك ٌ‬ ‫هذا ٌ‬
‫بيته لقضاء شيء من مصالِحه الدِّ ين َّية أو الدُّ نيو َّية؛ وذلك ليكون محفو ًظا يف‬
‫سيره‪ُ ،‬معانًا يف قضاء مصالحه‪ ،‬مسدَّ ًدا يف وجهته وحاجته‪ ،‬والعبدُ ال ِغنى له‬
‫عن ر ِّبه طرفة عين‪ ،‬أن يكون له حاف ًظا ومؤ ِّيدً ا و ُمسدِّ ًدا وهاد ًيا‪ ،‬وال ينال العبدُ‬
‫َّوجه إلى اهلل ‪ D‬يف حصوله ونيله‪ ،‬فأرشد صلوات اهلل وسالمه‬ ‫ذلك َّإل بالت ُّ‬
‫كر المبارك ل ُيهدى يف طريقه‪،‬‬ ‫الذ َ‬ ‫عليه َمن خرج من َمنْزله إلى أن يقول هذا ِّ‬
‫الشرور واآلفات‪.‬‬ ‫ول ُيكفى َه َّمه وحاجتَه‪ ،‬وليوقى ُّ‬
‫الر ُج ُل ِم ْن َب ْيتِ ِه»‪ ،‬أي‪ :‬حال خروجه من بيته‪ ،‬ال يقوله وهو‬ ‫قوله‪« :‬إِ َذا َخ َر َج َّ‬
‫أيضا بعدما يمضي يف ال َّطريق‪ ،‬لكن‬ ‫يف وسط المنزل لم يخرج بعد‪ ،‬وال يقوله ً‬
‫ومثل البيت المنزل‬ ‫لو فاته ذلك يف َّأول الخروج‪ ،‬فال بأس أن يأيت به إذا خرج‪ُ ،‬‬
‫ا َّلذي ُيسافر منه المسافر‪.‬‬
‫فعل مناس ًبا لحالِه‬ ‫فكل فاع ٍل يقدِّ ر ً‬ ‫وقوله‪« :‬بِ ْس ِم اهلل ِ»‪ ،‬أي‪ :‬بسم اهلل أخرج‪ُّ ،‬‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3426‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)5095‬والت‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪326‬‬

‫عندما يبسمل‪ ،‬والباء يف «بسم اهلل» لالستعانة‪ ،‬أي‪ :‬أخرج طال ًبا من اهلل العون‬
‫والحفظ والتَّسديد‪.‬‬
‫جميع أموري‬
‫َ‬ ‫ضت‬ ‫وفو ُ‬
‫اعتمدت عليه‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ت َع َلى اهلل ِ»‪ ،‬أي‪:‬‬
‫وقوله‪« :‬ت ََو َّك ْل ُ‬
‫إليه‪ ،‬فالتَّوك ُُّل هو االعتما ُد والتَّفويض وهو من أعمال القلوب‪ ،‬وال يجوز‬
‫إخالصه هلل وحده‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬ ‫ُ‬ ‫صر ُفه لغير اهلل‪ ،‬بل يجب‬
‫ﰁ ﰂ﴾ [المائدة‪ ،]23 :‬أي‪ :‬عليه وحده ال على غيره؛ فجعل ذلك شر ًطا‬
‫يف اإليمان‪.‬‬
‫وأعظمها؛ ل ِ َما ينشأ‬
‫ُ‬ ‫أجمع أنواع العبادة‪ ،‬وأعلى مقامات التَّوحيد‪،‬‬
‫ُ‬ ‫والتَّوك ُُّل‬
‫المتنوعة‪ ،‬فإنَّه إذا اعتمد العبدُ على اهلل‬
‫ِّ‬ ‫الصالحة‪ ،‬وال َّطاعات‬
‫عنه من األعمال َّ‬
‫إخالصه‪ ،‬وقويت صلتُه‬
‫ُ‬ ‫صح‬
‫يف جميع أموره الدِّ ين َّية والدُّ نيو َّية دون َمن سواه َّ‬
‫همه‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫اهلل َّ‬
‫بر ِّبه‪ ،‬وزاد إقباله عليه‪ ،‬وكفاه ُ‬
‫لعدو‪ ،‬ولو‬
‫ٍّ‬ ‫ﮬﮭ﴾ [ال َّطالق‪ ،]3 :‬أي‪ :‬كافيه‪ ،‬و َمن كان اهلل كافيه فال مطمع فيه‬
‫ومخرجا‪ ،‬ورزقه‬
‫ً‬ ‫السموات واألرض و َمن فيه َّن لجعل اهلل له َفر ًجا‬
‫كادت له َّ‬
‫أعظم‬
‫ُ‬ ‫من حيث ال يحتسب‪ .‬ويف هذا دالل ٌة على ِع َظ ِم فضل التَّوكُّل وأنَّه‬
‫المضار‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫أسباب جلب المنافع ودفع‬
‫ٍ‬
‫وتفويض‬ ‫«ل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهلل ِ»‪ ،‬هي كلمة إسال ٍم واستسال ٍم‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫والقوة َّإل به‪َّ ،‬‬
‫وأن العبدَ ال يملك من أمره شي ًئا‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫إلى اهلل‪ ،‬وتربٍّؤ من الحول‬
‫«ل‬ ‫قو ٌة يف جلب خير َّإل بإرادته سبحانه‪ُ ،‬‬
‫وقول‪َ :‬‬ ‫وليس له حيل ٌة يف دفع ٍّ‬
‫شر وال َّ‬
‫َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل باهلل ِ» ُتنال به اإلعانة من اهلل ‪.E‬‬
‫ِ‬
‫تحول من حال إلى حال وال‬ ‫«ل َح ْو َل َو َل َّ‬
‫قوة َّإل باهلل»‪ ،‬أي‪ :‬ال ُّ‬ ‫ومعنى َ‬
‫صحة‪ ،‬وال من فقر إلى‬ ‫قوة للعبد َّإل باهلل‪ ،‬وال ُّ‬
‫تحول من مرض إلى َّ‬ ‫حصول َّ‬
‫‪327‬‬ ‫‪ -53‬أذكار اخلروج من املزنل (‪)1‬‬

‫غنى‪ ،‬وال من جهل إلى علم‪ ،‬وال من تقاعس عن العبادة إلى الجدِّ فيها؛ َّإل‬
‫باهلل ‪.D‬‬
‫مشتمل على‬‫ً‬ ‫كر لوجده من َّأوله إلى آخره‬ ‫ولو تأ َّمل المسلم هذا ِّ‬
‫الذ َ‬
‫االلتجاء إلى اهلل‪ ،‬واالعتصام به‪ ،‬واالعتماد عليه‪ ،‬وتفويض األمور ك ِّلها إليه‪،‬‬
‫ِ‬
‫وتسديده‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وتوفيقه‬ ‫و َمن كان كذلك حظي بحفظ اهلل له وعونِه‬
‫يت»‪،‬‬‫يت َو ُو ِق َ‬
‫يت َوك ُِف َ‬ ‫«ي َق ُال َل ُه‪ُ :‬ه ِد َ‬ ‫ِ ٍِ‬
‫«ي َق ُال حينَئذ»‪ ،‬ويف رواية‪ُ :‬‬ ‫وقوله‪ُ :‬‬
‫القائل هو اهلل‪ ،‬ويجوز أن يكون َم َل ًكا من المالئكة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يجوز أن يكون‬
‫والصواب بسبب استعانتك باهلل‬ ‫َّ‬ ‫يت»‪ ،‬أي‪ :‬إلى طريق ِّ‬
‫الحق‬ ‫«ه ِد َ‬
‫وقوله‪ُ :‬‬
‫ِ‬
‫بصدده‪ ،‬و َمن يهده اهلل فال ُم ِض َّل له‪.‬‬ ‫على سلوك ما أنت‬
‫خروي‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫دنيوي أو ُأ‬
‫ٍّ‬ ‫هم‬ ‫يت»‪ ،‬أي‪ :‬كُفيت َّ‬
‫كل ٍّ‬ ‫«وك ُِف َ‬‫وقوله‪َ :‬‬
‫شر أعدائك من َّ‬
‫الشياطين وغيرهم‪.‬‬ ‫«و ُو ِق َ‬
‫يت»‪ ،‬أي‪ُ :‬ح َ‬
‫فظت من ِّ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫الشيطان؛ ألنَّه َمن كان هذا‬ ‫ان»‪ ،‬أي‪ :‬يبتعد عنه َّ‬ ‫الش ْي َط ُ‬
‫وقوله‪َ « :‬ف َي َتن ََّحى َعنْ ُه َّ‬
‫رز مكين‬ ‫صن حصين ِ‬
‫وح ٍ‬ ‫للشيطان عليه؛ ألنَّه قد أصبح يف ِح ٍ‬ ‫شأنه فال سبيل َّ‬
‫الرجيم‪.‬‬ ‫الشيطان َّ‬ ‫ُيحمى فيه من َّ‬
‫ك بِ َر ُج ٍل َقدْ ُه ِدي َوك ُِفي َو ُو ِقي»‪،‬‬ ‫ف َل َ‬
‫آخ ُر‪َ :‬ك ْي َ‬ ‫ان َ‬ ‫ول َش ْي َط ٌ‬ ‫وقوله‪َ « :‬ف َي ُق ُ‬
‫الشخص‬ ‫الشيطان ا َّلذي كان يريد إغواء هذا َّ‬ ‫الشياطين لهذا َّ‬ ‫أي‪ :‬يقول أحد َّ‬
‫ُ‬
‫السبيل إلى‬ ‫وإيذاءه‪ :‬كيف لك برج ٍل قد ُهدي وكُفي ووقي؟ أي‪ :‬كيف لك‬
‫إغواء وإيذاء رجل نال هذه الخصال‪ :‬الهدايةَ‪ ،‬والكفايةَ‪ ،‬والوقايةَ‪.‬‬
‫ِ‬
‫المحافظة عليه عند‬ ‫وأهم َّي ِة‬ ‫الذكر المبارك‬‫وهذا يد ُّلنا على ِع َظم شأن هذا ِّ‬
‫ِّ‬
‫األوصاف المبارك َة‬
‫َ‬ ‫مرة يخرج فيها؛ لينال هذه‬ ‫كل َّ‬ ‫خروج المسلم من منْزله يف ِّ‬
‫مار العظيمة المذكورة يف هذا الحديث‪.‬‬ ‫وال ِّث َ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪328‬‬

‫يسمع‬
‫ُ‬ ‫يت» وإن كان َمن خرج من بيت ال‬ ‫يت َو ُه ِد َ‬ ‫يت َو ُو ِق َ‬
‫وهذا القول «ك ُِف َ‬
‫لكن المؤمن من ذلك على يقين‪ ،‬فهذا من جملة اإليمان‬ ‫قائل‪ِ ،‬‬ ‫صو ًتا وال ً‬
‫بالغيب ا َّلذي مدح اهلل أهله بقوله‪﴿ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [البقرة‪:‬‬
‫‪ ،]3-2‬فيخرج على ال ِّثقة باهلل ‪ F‬وحسن االعتماد عليه ‪ ،C‬مطمئنَّ ًة‬
‫نفسه بحصول الكفاية والهداية والوقاية‪.‬‬
‫أن َمن خرج من بيته‬ ‫واحدة من هذه ال َّثالث لها متع َّلق؛ وذلك َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬
‫وكل‬
‫هم تح ُّقق األمر ا َّلذي خرج ألجله وانشغل باله‬ ‫لمصلحة دين َّية أو دنيو َّية يحمل َّ‬
‫شر األشرار وكيد المؤذين وعدوان المعتدين‪،‬‬ ‫السالمة من ِّ‬ ‫هم َّ‬ ‫به‪ ،‬ويحمل َّ‬
‫«هديت‬ ‫السداد والتَّوفيق واإلصابة‪ ،‬فيقال له يف ذلك ك ِّله‪ُ :‬‬ ‫هم َّ‬ ‫أيضا َّ‬ ‫ويحمل ً‬
‫ووقيت»‪.‬‬ ‫وكُفيت ُ‬
‫الضالل‪،‬‬ ‫السوية وسلِمت من َّ‬ ‫يت»‪ ،‬أي‪ :‬ال َّطريق المستقيم والجا َّدة َّ‬ ‫«ه ِد َ‬ ‫ُ‬
‫ويدخل يف ذلك اهتدائه إلى المصالح ا َّلتي خرج ألجلها من مصالح دينه‬
‫ودنياه‪.‬‬
‫هم‬ ‫ألمر ما يحمل َّ‬‫مهتما ٍ‬‫ألن َمن يخرج يخرج ًّ‬ ‫أهمك؛ َّ‬ ‫يت»‪ ،‬أي‪ :‬ما َّ‬ ‫«وك ُِف َ‬ ‫َ‬
‫أهمك‪.‬‬ ‫وهم تح ُّققه وصالحه‪ ،‬فيقال له‪« :‬كُفيت»‪ ،‬أي‪ :‬أمر هذا ا َّلذي َّ‬ ‫فعله َّ‬
‫ظلم‪ ،‬أو‬ ‫ضرر‪ ،‬أو أذى‪ ،‬أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مما تخشى أن يحصل لك من‬ ‫يت»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬ ‫«و ُو ِق َ‬ ‫َ‬
‫عدوان‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫الشيطان عند بيته قاعدٌ‬ ‫فإن َّ‬ ‫مرة يخرج فيها من بيته َّ‬ ‫كل َّ‬ ‫إن المرء يف ِّ‬‫ثم َّ‬‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان َقاعدٌ ل ْب ِن آ َد َم بِ َأ ْط ُر ُقه»‪،‬‬ ‫بانتظار خروجه‪ ،‬وقد قال ‪« :O‬إِ َّن َّ‬
‫الش ْي َط َ‬
‫مل‪ .‬وهذا يؤكِّد الحاجة‬ ‫كل وال َي ُّ‬ ‫كل طريق يسلكه فهو قاعد له فيه‪ ،‬ال َي ُّ‬ ‫أي‪ :‬يف ِّ‬
‫مرة يخرج‬ ‫كل َّ‬ ‫الملحة َّأل ينسى المسلم هذه الكلمات يف ِّ‬ ‫َّ‬ ‫والضرورة‬
‫الشديدة َّ‬ ‫َّ‬
‫مرة تخرج فيها من بيتك تحتاج إلى هذه األمور‬ ‫كل َّ‬ ‫فيها من بيته؛ ألنَّك يف ِّ‬
‫‪329‬‬ ‫‪ -53‬أذكار اخلروج من املزنل (‪)1‬‬

‫الشيطان‪،‬‬‫أيضا أن يبتعد عنك َّ‬ ‫العظام‪ :‬الهداية‪ ،‬والكفاية‪ ،‬والوقاية‪ .‬وتحتاج ً‬


‫الشيطان»‪ ،‬بمعنى‪ :‬ابتعد‪ ،‬و َمن خرج على هذه الحال‬ ‫«تنحى عنه َّ‬ ‫ولهذا قال‪َّ :‬‬
‫للشيطان عليه سبيل‪ ،‬ولهذا‬ ‫ذاكرا فليس َّ‬ ‫بالذكر‪ ،‬و َمن كان هلل ً‬ ‫محصنًا ِّ‬
‫َّ‬ ‫خرج‬
‫ِ‬ ‫ول لِ َش ْي َط ٍ‬
‫ي‬‫ك بِ َر ُج ٍل َقدْ ُهد َ‬
‫ف َل َ‬
‫آخ َر‪َ :‬ك ْي َ‬
‫ان َ‬ ‫ان‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬‫الش ْي َط ُ‬
‫قال‪َ « :‬تن ََّحى َعنْ ُه َّ‬
‫َوك ُِف َي َو ُو ِق َي»‪ ،‬إنَّما سبي ُله على الغافلين‪ ،‬كما قال اهلل ‪﴿ :D‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫الزخرف‪.]36 :‬‬ ‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [ ُّ‬

‫يسلم من هذا‬ ‫أن َمن يذكر اهلل هذا ِّ‬


‫الذكر عندما يخرج من بيته‪ْ ،‬‬ ‫وتأ َّمل هنا َّ‬
‫أيضا من أعوانه وإخوانه من َّ‬
‫الشياطين‪.‬‬ ‫ويسلم ً‬ ‫الشيطان ا َّلذي يرصده ليخرج‪ْ ،‬‬ ‫َّ‬
‫أن ا َّلذي يرصد اإلنسان إلغوائه ليس شيطانًا واحد ًا بل شياطين‪،‬‬
‫وهذا فيه فائدة‪َّ :‬‬
‫بعضا‬
‫بعضهم ً‬‫الشياطين ُ‬ ‫أعلم َّ‬
‫ذاكرا هلل؛ َ‬
‫مسم ًيا ً‬
‫ولهذا إذا خرج المسلم من بيته ِّ‬
‫ٍ‬
‫حصن‬ ‫يتعرض له أحدٌ منهم؛ ألنَّه خرج وهو يف‬‫أن هذا ال سبيل لهم عليه‪ ،‬فال َّ‬ ‫َّ‬
‫الرجيم‪.‬‬‫الشيطان َّ‬‫وحرز متين يحميه بإذن اهلل ‪ F‬من َّ‬ ‫ٍ‬ ‫حصين‬
‫السبب‪ ،‬أ َّما التَّوكُّل‬ ‫ومن فوائد هذا الحديث‪َّ :‬‬
‫أن التَّوكُّل ال ُبدَّ فيه من بذل َّ‬
‫مع تعطيل األسباب فهو تواكل‪ ،‬فهذا المذكور يف الحديث خرج من بيته وا َّتجه‬
‫السبب معتمدٌ على‬ ‫السبب‪ ،‬وهو مع بذل َّ‬ ‫بذل َّ‬ ‫إلى مصالح دينه ودنياه وهذا َ‬
‫يأت بالتَّوكُّل مع تع ُّطل األسباب‪،‬‬ ‫الرب ‪ F‬ا َّلذي بيده أزمة األمور‪ ،‬فلم ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ ِّ‬
‫َّبي‬ ‫ِ‬
‫ولم يأت باألسباب معتمدً ا عليها؛ بل جاء باألمرين م ًعا‪ ،‬على حدِّ قول الن ِّ‬
‫جزْ»‪ ،‬وقال ﷺ‪َ « :‬ل ْو َأ َّنك ُْم‬ ‫ك َو ْاست َِع ْن بِاهَّلل ِ َوالَ َت ْع ِ‬ ‫«احرِ ْص َع َلى َما َينْ َف ُع َ‬ ‫ﷺ‪ْ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫وح‬
‫اصا َوت َُر ُ‬ ‫ون َع َلى اهلل َح َّق ت ََوكُّله َل ُر ِز ْقت ُْم ك ََما ُي ْرز َُق ال َّط ْي ُر َت ْغدُ و خ َم ً‬
‫ُكنْت ُْم ت ََو َّك ُل َ‬
‫عشها‬ ‫الرزق ال تبقى يف ِّ‬ ‫السبب فهي تغدو تبحث عن ِّ‬ ‫بِ َطانًا»‪ ،‬فال َّطير بذلت َّ‬
‫أن التَّوكُّل أن‬ ‫تنتظر مجيئه‪ ،‬ولهذا ُيخطئ بعض النَّاس يف فهم التَّوكُّل؛ فيظ ُّن َّ‬
‫يبقى اإلنسان مع ِّط ًل األسباب اعتما ًدا على التَّوكُّل‪ ،‬وهذا تفريط وإضاعة‪.‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪330‬‬

‫وقد قال سعيد بن جبير ‪« :V‬التَّوكُّل على اهلل جماع اإليمان»(‪)1‬؛‬


‫أن حقيقة التَّوكُّل هو عمل القلب وعبود َّيته اعتما ًدا على اهلل وثق ًة به‬ ‫وذلك َّ‬
‫ورضا بما يقضيه له؛ لعلمه بكفايته سبحانه وحسن‬ ‫وتفويضا إليه ً‬
‫ً‬ ‫والتجا ًء إليه‬
‫فوض إليه أموره‪ ،‬مع قيامه باألسباب المأمور هبا واجتهاده‬ ‫اختياره لعبده إذا َّ‬
‫مصاحب للمؤمن يف أموره ك ِّلها الدِّ ين َّية والدُّ نيو َّية؛ فهو‬
‫ٌ‬ ‫يف تحصيلها‪ ،‬وهو‬
‫وبره‪ ،‬وغير ذلك من أمور دينه‪،‬‬ ‫وحجه‪ِّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫مصاحب له يف صالته‪ ،‬وصيامه‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫للرزق‪ ،‬وطلبه للمباح وغير ذلك من أمور دنياه‪.‬‬ ‫ومصاحب له يف جلبه ِّ‬

‫(((  رواه ابن أبي شيبة يف المصنَّف (‪ ،)29589‬وابن أبي حاتم يف تفسيره (‪ ،)8784‬وأبو‬
‫نعيم يف الحلية (‪.)274/4‬‬
‫‪331‬‬ ‫‪ -54‬أذكار اخلروج من املزنل (‪)2‬‬

‫‪54‬‬

‫أذكار اخلروج من املزنل (‪)2‬‬

‫أيضا عند الخروج من المنزل‪ :‬ما رواه أبو داود وابن‬ ‫ستحب أن ُيقال ً‬ ‫ُّ‬ ‫مما ُي‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ماجه َع ْن ُأ ِّم َس َل َم َة ‪َ J‬قا َل ْت‪َ :‬ما َخ َر َج النَّبِ ُّي ﷺ م ْن َب ْيتي َق ُّط إِ َّل َر َف َع َط ْر َف ُه‬
‫ك َأ ْن َأ ِض َّل َأ ْو ُأ َض َّل‪َ ،‬أ ْو َأ ِز َّل َأ ْو ُأز ََّل‪َ ،‬أ ْو‬
‫اء‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ُعو ُذ بِ َ‬ ‫إِ َلى السم ِ‬
‫َّ َ‬
‫َأ ْظ ِل َم َأ ْو ُأ ْظ َل َم‪َ ،‬أ ْو َأ ْج َه َل َأ ْو ُي ْج َه َل َع َل َّي»(‪.)1‬‬
‫و َمن تأ َّمل هذا الدُّ عاء وجده مواف ًقا ل َّل ِذي قبله يف الغاية والمقصود‪ ،‬فقوله‬
‫موافق لقوله يف هذا الحديث‪« :‬ال َّل ُه َّم إنِّي َأ ُعو ُذ‬ ‫ٌ‬ ‫يت»‬ ‫«ه ِد َ‬
‫األول‪ُ :‬‬
‫يف الحديث َّ‬
‫«أ ْظ ِل َم َأ ْو ُأ ْظ َل َم»‪ ،‬وقوله‪:‬‬ ‫موافق لقوله‪َ :‬‬
‫ٌ‬ ‫ك َأ ْن َأ ِض َّل َأ ْو ُأ َض َّل»‪ ،‬وقوله‪« :‬كُفيت»‬ ‫بِ َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َِ َ ُ‬
‫علي»؛ فيكون العبدُ‬ ‫موافق لقوله‪« :‬أز َّل أ ْو أز ََّل‪ ،‬أ ْو أ ْج َه َل أ ْو ُي ْج َه َل َّ‬
‫ٌ‬ ‫«ووقيت»‬ ‫ُ‬
‫أن‬‫متعو ًذا باهلل مِ َّما ُيبعده من الهداية والكفاية والوقاية‪ ،‬وال بأس لو َّ‬ ‫بذلك ِّ‬
‫العبدَ جمع بين هذين الدُّ عاءين‪.‬‬
‫«ما َخ َر َج النَّبِ ُّي ﷺ ِم ْن َب ْيتِي َق ُّط إِ َّل َر َف َع َط ْر َف ُه‬ ‫وقول ُأ ِّم َس َل َم َة ‪َ :J‬‬
‫مرة‬ ‫اء َف َق َال‪ ،»...‬وذكرت الدُّ عاء؛ يفيد مواظبة النَّبِي ﷺ عليه يف ِّ‬ ‫إِ َلى السم ِ‬
‫كل َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ َ‬
‫أهم َّية مواظبة المسلم على هذا الدُّ عاء‬ ‫يخرج فيها من بيته‪ .‬ويف هذا دالل ٌة على ِّ‬
‫الخير والربك ُة‬ ‫َّبي ﷺ‪ ،‬ويف ذلك‬ ‫يف ِّ‬
‫ُ‬ ‫مرة يخرج فيها من منزله تأس ًّيا بالن ِّ‬ ‫كل َّ‬
‫والسالمة والغنيمة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)5094‬وابن ماجه (‪ ،)3884‬قال األلباينُّ صحيح دون قوله رفع‬
‫السماء‪.‬‬
‫طرفه إلى َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪332‬‬
‫ِ‬
‫الس َماء»‪ ،‬فيه دالل ٌة على ِّ‬
‫علو اهلل على‬ ‫وقولها ‪« :J‬إِ َّل َر َف َع َط ْر َف ُه إِ َلى َّ‬
‫مستو على عرشه بائ ٌن‬‫ٍ‬ ‫الر َّب العظيم ا َّلذي ندعوه ونسأله ونرجوه‬ ‫وأن َّ‬‫خلقه‪َّ ،‬‬
‫من خلقه‪ ،‬كما قال ‪﴿ :E‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ﴾ [الفرقان‪.]59 :‬‬
‫فع األيدي إلى‬ ‫بعلو اهلل‪ ،‬كما َّ‬ ‫ٌ‬ ‫رف إلى الس ِ‬ ‫َفر ْفع ال َّط ِ‬
‫أن َر َ‬ ‫إيمان ِّ‬ ‫ماء فيه‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ‬
‫حافظ المغرب أبو عمر بن عبد الربِّ ‪V‬‬ ‫ُ‬ ‫بعلو اهلل‪ ،‬قال‬ ‫ٌ‬
‫إيمان ِّ‬ ‫السماء فيه‬‫َّ‬
‫ِ‬
‫أيضا‬
‫الح َّجة ً‬
‫علو اهلل‪« :‬ومن ُ‬ ‫يف كتابه «التَّمهيد» وهو بصدد ذكره األد َّل َة على ِّ‬
‫الموحدين أجمعين من‬ ‫ِّ‬ ‫أن‬‫السبع‪َّ :‬‬ ‫السموات َّ‬ ‫يف أنَّه ‪ D‬على العرش فوق َّ‬
‫السماء‬‫وجوههم إلى َّ‬
‫َ‬ ‫أمر‪ ،‬أو نزلت هبم ِشدَّ ةٌ‪ ،‬رفعوا‬ ‫العرب والعجم إذا كرهبم ٌ‬
‫الخاصة والعا َّمة من أن‬ ‫َّ‬ ‫وأعرف عند‬
‫ُ‬ ‫يستغيثون ر َّبهم ‪ ،F‬وهذا أشهر‬
‫اضطرار َلم ُيؤنِّبهم عليه أحدٌ وال أنكره‬ ‫ٌ‬ ‫ُيحتاج فيه إلى أكثر من حكايتِه؛ ألنَّه‬
‫عليهم مسلم»‪ .‬اهـ كالمه ‪.)1(V‬‬
‫أهم َّية استشعار مراقبة اهلل‬ ‫وأيضا يف رفع ال َّطرف إلى َّ‬
‫السماء دالل ٌة على ِّ‬ ‫ً‬
‫عليم هبم ال تخفى عليه منهم خافية‪َّ ،‬‬
‫وأن أز َّمة‬ ‫لع على عباده‪ٌ ،‬‬ ‫وأنَّه سبحانه م َّط ٌ‬
‫األمور بيده‪ ،‬فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬
‫ك‪ »...‬إلى آخره‪ .‬االستعاذ ُة‬ ‫وقوله ﷺ يف هذا الدُّ عاء‪« :‬ال َّل ُه َّم إنِّي َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫بيان معناها وأنَّها اعتصا ٌم باهلل والتجا ٌء إليه‪ ،‬ويف هذا الدُّ عاء التجا ٌء إلى‬ ‫سبق ُ‬
‫حمي العبدَ من أن يقع يف شيء من هذه األمور المذكورة‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫اهلل ‪ D‬بأن َي َ‬
‫أن َي ِض َّل َأ ْو ُي َض َّل‪َ ،‬أ ْو َي ِز َّل َأ ْو ُي َز َّل‪َ ،‬أ ْو َي ْظلِ َم َأ ْو ُي ْظ َل َم‪َ ،‬أ ْو َي ْج َه َل َأ ْو ُي ْج َه َل عليه‪.‬‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫مخالطة النَّاس‬ ‫يخرج من بيته البدَّ له يف خروجه من‬ ‫أن َمن‬ ‫ومن المعلوم َّ‬
‫ُ‬
‫ومعاشرتِهم‪ ،‬والنَّاس أجناس وأصناف ومعادن‪ ،‬وأخالقهم متفاوتة‪ ،‬و َمن‬
‫خشى عليهم منه‪ ،‬فهذا محتمل‪ ،‬وذاك محتمل‪،‬‬ ‫خشى عليه منهم‪ ،‬و ُي َ‬ ‫يعاشرهم ُي َ‬
‫(((  التَّمهيد (‪.)134/7‬‬
‫‪333‬‬ ‫‪ -54‬أذكار اخلروج من املزنل (‪)2‬‬

‫َّاص ُح لنفسه يخاف أن ُيبتلى بسبب هذه المخالطة والمعاشرة بالعدول عن‬ ‫والن ِ‬
‫ال َّطريق القويم والمسلك المستقيم ا َّلذي ينبغي أن يكون عليه المسلم‪ ،‬وذلك‬
‫ضل‪ ،‬أو متع ِّل ًقا بأمر الدُّ نيا بأن َيظلم أو‬‫قد يكون متع ِّل ًقا بالدِّ ين بأن َي ِض َّل أو ُي َّ‬
‫والمعاشرين بأن ِيز َّل أو ُي َز َّل أو َي َ‬
‫جهل أو‬ ‫َ‬ ‫يظلم‪ ،‬أو متع ِّل ًقا بشأن المخا َلطين‬
‫جهل عليه؛ فاستعاذ من جميع هذه األحوال هبذه األلفاظ البليغة والكلمات‬ ‫ُي َ‬
‫الوافية الدَّ قيقة‪.‬‬
‫«إن اإلنسان إذا خرج من منزله ال ُبدَّ أن يعاشر النَّاس‬ ‫قال ال ِّطيبي ‪َّ :V‬‬
‫ُّ‬
‫الصراط المستقيم‪ ،‬فإ َّما أن يكون يف أمر‬ ‫ويزاول األمور‪ ،‬فيخاف أن يعدل عن ِّ‬
‫ضل‪ ،‬وإ َّما أن يكون يف أمر الدُّ نيا؛ فإ َّما بسبب‬ ‫يضل أو ُي َّ‬ ‫الدِّ ين فال يخلو من أن َّ‬
‫جريان المعاملة معهم بأن يظلم أو ُيظلم‪ ،‬وإ َّما بسبب االختالط والمصاحبة‬
‫فإ َّما أن يجهل أو ُيجهل‪ ،‬فاستُعيذ من هذه األحوال ك ِّلها بلفظ سلس موجز‪،‬‬
‫وروعي المطابقة المعنو َّية والمشاكلة ال َّلفظ َّية»‪ .‬اهـ كالمه ‪.)1(V‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الضالل‬‫تعو ٌذ باهلل من َّ‬‫ك َأ ْن َأض َّل َأ ْو ُأ َض َّل»‪ ،‬فيه ُّ‬
‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم إنِّي َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫طلب التَّوفيق‬
‫متضم ٌن َ‬ ‫ِّ‬ ‫وهو ِضدُّ الهداية‪ ،‬وسؤاله ‪ F‬اإلعاذة من َّ‬
‫الضالل‬
‫للهداية‪.‬‬
‫أمرا ُيفضي بي إلى‬ ‫أضل يف نفسي بأن أرتكب ً‬ ‫أضل»‪ ،‬أي‪ :‬أن َّ‬ ‫وقوله‪« :‬أن َّ‬
‫الضالل‪ ،‬أو أقرتف ذن ًبا يجنح بي عن سبيل الهداية‪.‬‬ ‫َّ‬
‫«أ ْو ُأ َض َّل»‪ ،‬أي‪ :‬أن يض َّلنِي غيري من شياطين اإلنس والج ِّن ا َّلذين‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫أن ضالل‬ ‫السبيل‪ .‬وهذا فيه َّ‬
‫هم لهم َّإل إضالل النَّاس وصدّ هم عن سواء َّ‬ ‫ال َّ‬
‫الضالل‪ ،‬وقد يكون‬ ‫بالسوء فتحرفه إلى طريق َّ‬ ‫ِ‬
‫المرء قد يكون من نفسه األ َّمارة ُّ‬
‫بسبب إضالل شياطين اإلنس والج ِّن له‪.‬‬

‫(((  انظر‪ :‬مرقاة المفاتيح (‪.)1694/4‬‬


‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪334‬‬

‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫يهوي‬
‫َ‬ ‫«أ ْو َأ ِز َّل َأ ْو ُأز ََّل» من الز َّلة وهي ال َعثرة؛ وذلك بأن‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫عن طريق االستقامة‪ ،‬ومن ذلك قولهم‪« :‬ز َّلت قدَ م فالن»‪ ،‬أي‪ :‬وقع من ٍّ‬
‫علو‬
‫تزل عليه األقدا ُم وال تثبت‪ ،‬والمراد‬ ‫«طريق مز َّلة»‪ ،‬أي‪ُّ :‬‬
‫ٌ‬ ‫إلى هبوط‪ ،‬و ُيقال‪:‬‬
‫الرجل‪ ،‬وقوله‪َ « :‬أ ِز َّل»‪،‬‬ ‫تشبيها بز َّلة ِّ‬
‫ً‬ ‫الذنب من حيث ال يشعر؛‬ ‫الوقوع يف َّ‬
‫ُ‬ ‫هنا‪:‬‬
‫أي‪ :‬من نفسي‪ ،‬وقوله‪ُ « :‬أ َز َّل»‪ ،‬أي‪ :‬أن يوقعنِي غيري يف َّ‬
‫الز َلل‪.‬‬
‫«أ ْو َأ ْظ ِل َم َأ ْو ُأ ْظ َل َم» من ال ُّظلم‪ ،‬وهو وضع َّ‬
‫الشيء يف غير موضعه‪.‬‬ ‫وقوله‪َ :‬‬

‫وجرها إلى اإلثم‪،‬‬ ‫ِ‬


‫بإيقاعها يف الخطأ‬ ‫«أ ْو َأ ْظ ِل َم»‪ ،‬أي‪ :‬نفسي‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫ِّ‬
‫حق‪ ،‬أو أناله بشيء من‬
‫أتصرف يف ملكه بغير ٍّ‬
‫َّ‬ ‫وغيري بأن أعتدي عليه‪ ،‬أو‬
‫والسوء‪.‬‬
‫األذى ُّ‬
‫«أ ْو ُأ ْظ َل َم»‪ ،‬أي‪ :‬أن يظلِمنِي أحدٌ من الن ِ‬
‫َّاس يف نفسي أو مالي أو‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫ِعرضي‪.‬‬
‫«أ ْو َأ ْج َه َل َأ ْو ُي ْج َه َل َع َل َّي» من الجهل‪ ،‬وهو ضدُّ العلم‪.‬‬
‫وقوله‪َ :‬‬

‫أفعل فِعل الجهالء‪ ،‬أو أشتغل يف شيء ال يعنِينِي‪ ،‬أو‬


‫«أ ْج َه َل»‪ ،‬أي‪ُ :‬‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫علي‪.‬‬ ‫َ‬
‫الحق الواجب َّ‬ ‫أجهل َّ‬
‫علي بأن ُيقابِ َلنِي مقابلة‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫وقوله‪« :‬أ ْو ُي ْج َهل َعل َّي»‪ ،‬أي‪ :‬أن يجهل غيري َّ‬
‫والسباب ونحو ذلك‪.‬‬
‫بالسفاهة والوقاحة ِّ‬
‫الجهالء َّ‬
‫و َمن سلِم من الغلط مع غيره يف شيء من هذه الخصال‪ ،‬ومِن أن َي َ‬
‫غلط‬
‫َّعو ُذ من‬ ‫ِ‬
‫َّاس منه‪ .‬فالحديث فيه الت ُّ‬ ‫غيره يف شيء منها فقد عوفي وعويف الن ُ‬
‫معه ُ‬
‫نفسه‪ ،‬ومن طرف النَّاس ا َّلذين‬ ‫هذه األمور من ال َّطرفين‪ :‬من طرف المتعوذ ِ‬
‫ِّ‬
‫السلف يقول يف دعائه‪« :‬ال َّل ُه َّم َس ِّل ْمنِي َو َس ِّل ْم‬‫بعض َّ‬ ‫ُّ‬
‫ويحتك هبم‪ ،‬وكان ُ‬ ‫يلقاهم‬
‫‪335‬‬ ‫‪ -54‬أذكار اخلروج من املزنل (‪)2‬‬

‫شره‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َّاس سالمون من ِّ‬
‫شر النَّاس‪ ،‬والن ُ‬
‫منِّي» ‪ ،‬و َمن كان هذا شأنُه سال ًما من ِّ‬
‫(‪)1‬‬

‫فهو على ٍ‬
‫خير عظيم‪.‬‬
‫مرة‬ ‫حافظ عليه َّ‬
‫كل َّ‬ ‫َ‬ ‫أن هذا دعا ٌء عظيم ينبغي على المسلم أن ُي‬ ‫الحاصل َّ‬
‫معتصما به سبحانه من أن يناله شي ٌء‬
‫ً‬ ‫يخرج فيها من بيته؛ ليكون ملتج ًئا إلى اهلل‬
‫فيحذر أشدَّ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫باألسباب؛‬ ‫َ‬
‫يأخذ‬ ‫ثم عليه مع هذا االلتجاء أن‬ ‫من تلك األمور‪َّ .‬‬
‫والزلل وال ُّظلم والجهل‪ ،‬فيكون بذلك جام ًعا بين فعل‬ ‫الضالل َّ‬ ‫الحذر من َّ‬
‫َ‬
‫األسباب واالستعانة عليها باهلل ‪.E‬‬
‫توقيت يف غاية المناسبة؛ وهو أنَّه‬
‫ٌ‬ ‫ثم َّ‬
‫إن التَّوقيت للمجيء هبذا الدُّ عاء‬ ‫َّ‬
‫ألي مصلحة دين َّية أو‬ ‫مرة يخرج فيها‪ ‬من بيته ِّ‬ ‫ُيشرع للمسلم أن يقوله َّ‬
‫كل َّ‬
‫أن َمن خرج من منزله نسيه عند‬ ‫دنيو َّية‪ ،‬لتتح َّقق له هذا المغانم واألرباح‪ .‬ولو َّ‬
‫ألن المعنى ‪-‬وهو طلب‬ ‫الخروج فال حرج أن يأيت به بعد مض ِّيه يف ال َّطريق؛ َّ‬
‫محتاجا إليه‪.‬‬
‫ً‬ ‫والزلل والجهل وال ُّظلم‪ -‬ال يزال مطلو ًبا‬ ‫الضالل َّ‬
‫السالمة من َّ‬ ‫َّ‬
‫السبب‪ ،‬بأن يحرص عند مالقاة‬ ‫ثم َمن يدعو هبذا الدُّ عاء عليه أن يبذل َّ‬ ‫َّ‬
‫النَّاس على ُح ْسن المعاملة وطيب المعاشرة‪ ،‬وال ُب ْعد عن إيذاء النَّاس أو‬
‫لقي بنفسه يف مواضع ِ‬
‫الفتَن‪،‬‬ ‫االعتداء عليهم‪ .‬ومن األسباب المطلوبة هنا‪ :‬ألَّ ي ِ‬
‫ُ‬
‫خرجت من البيت بدعاء الخروج ا َّلذي تكون به‬ ‫ُ‬ ‫دعوت عندما‬ ‫ُ‬ ‫ثم يقول‪« :‬قد‬ ‫َّ‬
‫ثم هو ُيلقي بنفسه يف مواضع التَّهلكة!! فالواجب مع الدُّ عاء أن‬ ‫ِ‬
‫السالمة»‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫السليمة‪ ،‬واألماكن ال َّط ِّيبة‪ ،‬ويبتعد عن‬ ‫السديدة‪ ،‬وال ُّط ُرق َّ‬‫يس ُلك المسالك َّ‬
‫والر ْيب والفساد‪.‬‬ ‫أماكن َّ‬
‫الش ِّر َّ‬
‫الضالل‬
‫الحذر من َّ‬
‫فيحذر أشدَّ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫باألسباب؛‬ ‫َ‬
‫يأخذ‬ ‫فمع االلتجاء ال ُبدَّ أن‬

‫ل‬ ‫َان ا ْب ُن ا ْل ُم َس ِّي ِ‬


‫ب ال َي َكا ُد يفتى ُف ْت َيا َو َ‬ ‫البخاري يف التَّاريخ الكبير (‪« :)511/3‬ك َ‬ ‫ُّ‬ ‫(((  روى‬
‫‌و َس ِّل ْم‌مِنِّي»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ول َش ْي ًئا إِ َّل َق َال‪ :‬ال َّل ُه َّم َ‬
‫‌س ِّل ْمني َ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪336‬‬

‫والزلل وال ُّظلم والجهل‪ ،‬فيكون بذلك جام ًعا بين فعل األسباب واالستعانة‬
‫َّ‬
‫عليها باهلل ‪.F‬‬
‫مرة يخرجون فيها من بيوهتم على‬ ‫كل َّ‬ ‫هذا ولو واظب المسلمون يف ِّ‬
‫أهم َّية االحرتاز من هذه األمور؛ لسلِمت‬ ‫َّعوذ المبارك مستشعرين ِّ‬ ‫هذا الت ُّ‬
‫تتكرر وتقع‬ ‫والشرور ا َّلتي ال تزال َّ‬ ‫المجتمعات المسلمة من كثير من الفتن ُّ‬
‫بالسنَّة وضعف العناية هبا‪.‬‬ ‫فيه؛ بسبب التَّفريط ُّ‬
‫َان بِ ِم ْص ٍر فِي فِ ْتن َِة ا ْب ِن ُّ‬
‫الز َب ْي ِر‬ ‫عن عون بن عبد اهلل قال‪« :‬بينَا رج ٌل فِي بست ٍ‬
‫ُْ‬ ‫َْ َ ُ‬
‫اة َقائِ ٌم‬‫احب مِسح ٍ‬ ‫ِ‬
‫ض‪ ،‬إِ ْذ َر َف َع َر ْأ َس ُه َفإِ َذا َص ُ ْ َ‬ ‫َجال ِ ٌس َم ْه ُمو ٌم َح ِزي ٌن َينْ ُك ُث فِي ْالَ ْر ِ‬
‫اك َم ْه ُمو ًما َح ِزينًا؟ َف َك َأ َّن ُه ْاز َد َرا ُه‪،‬‬ ‫اة‪َ :‬ما لِي َأ َر َ‬ ‫احب ا ْل ِمسح ِ‬
‫ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َب ْي َن َيدَ ْيه‪َ ،‬ف َق َال َص ُ‬
‫اة‪ :‬إِ ْن ي ُكن لِلدُّ ْنيا َفالدُّ ْنيا َعر ٌض ح ِ‬ ‫احب ا ْل ِمسح ِ‬ ‫ِ‬
‫اض ٌر‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َف َق َال‪َ :‬ل َش ْي َء‪َ ،‬ف َق َال َص ُ‬
‫اد ٌر َي ْف ِص ُل‬ ‫يه ملِ ٌك َق ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْأك ُُل منْ ُه ا ْل َب ُّر َوا ْل َفاج ُر‪َ ،‬وإِ َّن ْالخ َر َة َأ َج ٌل َصاد ٌق َي ْح ُك ُم ف َ‬
‫اص ِل ال َّل ْح ِم‪َ ،‬م ْن َأ ْخ َط َأ‬ ‫اص َل مِ ْث َل م َف ِ‬ ‫بين ا ْلح ِّق وا ْلباطِلِ‪ ،‬حتَّى َذكَر َأ َّن َلها م َف ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َ َ َ‬
‫ون‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫يه ا ْل ُم ْسلِ ُم َ‬‫مِنْها َشي ًئا َأ ْخ َط َأ ا ْلح َّق‪َ ،‬ف َلما س ِمع بِ َذل ِ َك َق َال‪ْ :‬اهتِمامِي بِما فِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫اهَّلل َس ُين ِْج َ‬
‫يك بِ َش َف َقت َك َع َلى ا ْل ُم ْسلمي َن؛ َو َس ْل‪َ ،‬م ْن َذا ا َّلذي َس َأ َل َ‬
‫اهَّلل‬ ‫َف َق َال‪َ :‬فإِ َّن َ‬
‫ج ْب ُه؟ َو َت َوك ََّل َع َل ْي ِه َف َل ْم َي ْك ِف ِه؟ َو َوثِ َق بِ ِه‪َ ،‬ف َل ْم ُين ِْج ِه؟‬ ‫َف َلم ُي ْعطِ ِه؟ َو َد َعا اهَّلل َف َلم ُي ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ب مِن َْها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‪ :‬ال َّل ُه َّم َس ِّل ْمني َو َس ِّل ْم منِّي‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فت ََج َّل ْت َو َل ْم ُأص ْ‬ ‫َق َال‪َ :‬ف َط ِف ْق ُت َأ ُق ُ‬
‫بِ َش ْي ٍء»(‪.)1‬‬
‫ولفظ الدعاء المأثور أشمل وأوىف‪.‬‬

‫(((  رواه ابن أبي شيبة يف مصنفه (‪.)35979‬‬


‫‪337‬‬ ‫‪ -55‬أذكار دخول املزنل‬

‫‪55‬‬

‫أذكار دخول املزنل‬

‫ِ‬
‫ثم إذا دخل أن‬ ‫ستحب للمسلم عند دخوله المنزل أن يقول‪« :‬بِ ْس ِم اهَّلل»‪َّ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ُي‬
‫َّبي ﷺ‬ ‫البخاري ومسلم عن الن ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫يجتهد يف اإلكثار من ذكر اهلل يف بيته؛ فقد روى‬
‫‪ ،‬وال َب ْيت ا َّل ِذي َل ُي ْذك َُر فِ ِيه اهللُ َم َث ُل ا ْل َح ِّي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫«م َث ُل ال َب ْيت ا َّلذي ُي ْذك َُر فيه اهللُ َ‬‫أنَّه قال‪َ :‬‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫السالم‪ ،‬سوا ٌء كان يف البيت أحدٌ أو لم‬ ‫َوا ْل َم ِّيت» ‪ ،‬و ُيشرع إذا دخل أن ُيلقي َّ‬
‫اهلل َت َعا َلى‪﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬ ‫يكن فيه أحد‪َ ،‬ق َال ُ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨﯩ﴾ [النُّور‪.]61 :‬‬

‫قوله تعالى‪﴿ :‬ﯠ ﯡ ﯢ﴾‪ ،‬أي‪ :‬ل ُيس ِّلم بعضكم على بعض‪ ،‬فجعل‬
‫ٍ‬
‫الجسد الواحد يف توا ِّدهم‬ ‫لما كانوا َم َثل‬ ‫المؤمنين بمثابة الن ِ‬
‫َّفس الواحدة َّ‬
‫فمن دخل بيتًا عليه أن ُيس ِّلم سواء كان يف البيت أحدٌ‬ ‫وتعاطفهم وتراحمهم‪َ ،‬‬
‫سعدي‪ :‬يف تفسير هذه اآلية‪﴿« :‬ﯝ ﯞ ﯟ﴾‬ ‫ِّ‬ ‫أو لم يكن فيه أحد‪ .‬قال اب ُن‬
‫الشرط‪ ،‬يشمل بيت اإلنسان وبيت غيره‪ ،‬سواء كان يف البيت‬ ‫نكرة يف سياق َّ‬
‫ساك ٌن أم ال‪ ،‬فإذا دخلها اإلنسان ﴿ﯠ ﯡ ﯢ﴾‪ ،‬أي‪ :‬فليس ِّلم بعضكم‬
‫ألن المسلمين كأنَّهم شخص واحد‪ ،‬من توا ِّدهم وتراحمهم‬ ‫على بعض؛ َّ‬
‫فرق بين بيت‬ ‫مشروع لدخول سائر البيوت من غير ٍ‬ ‫فالسالم‬
‫ٌ‬ ‫وتعاطفهم‪َّ ،‬‬
‫السالم‪ ،‬فقال‪﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ﴾‪،‬‬ ‫ثم مدح هذا َّ‬ ‫وبيت‪َّ ،‬‬
‫«السالم علينا‬
‫«السالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته»‪ ،‬أو َّ‬ ‫أي‪ :‬سالمكم بقول‪َّ :‬‬

‫البخاري (‪ ،)6407‬ومسلم (‪ ،)779‬وال َّلفظ له‪.‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪338‬‬

‫الصالحين» إذ تدخلون البيوت ﴿ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾‪ ،‬أي‪:‬‬


‫وعلى عباد اهلل َّ‬
‫السالمة من‬
‫قد شرعها لكم وجعلها تح َّيتكم؛ ﴿ﯧ﴾ الشتمالها على َّ‬
‫والزيادة‪َ ﴿ ،‬ط ِّي َبةً﴾؛ ألنَّها من الكلم‬
‫الرحمة والربكة والنَّماء ِّ‬‫النَّقص‪ ،‬وحصول َّ‬
‫نفس للمح َّيا‪ ،‬ومح َّب ٍة وجلب مو َّدة»‪.‬‬‫ال َّط ِّيب المحبوب عند اهلل‪ ،‬ا َّلذي فيه طيب ٍ‬
‫اهـ كالمه(‪.)1‬‬
‫الر ُج ُل‬‫ول‪« :‬إِ َذا َد َخ َل َّ‬ ‫َع ْن َجابِ ِر ْب ِن َع ْب ِد اهلل ‪َ L‬أ َّن ُه َس ِم َع النَّبِي ﷺ َي ُق ُ‬
‫َّ‬
‫يت َلك ُْم َو َل َع َشا َء‪،‬‬ ‫ان‪َ :‬ل َمبِ َ‬ ‫َب ْي َت ُه َف َذك ََر اهَّللَ ِعنْدَ ُد ُخولِ ِه َو ِعنْدَ َط َع ِام ِه‪َ ،‬ق َال َّ‬
‫الش ْي َط ُ‬
‫ان‪َ :‬أ ْد َر ْكت ُُم ا ْل َمبِ َ‬
‫يت‪َ ،‬وإِ َذا َل ْم‬ ‫َوإِ َذا َد َخ َل َف َل ْم َي ْذ ُكرِ اهَّللَ ِعنْدَ ُد ُخولِ ِه‪َ ،‬ق َال َّ‬
‫الش ْي َط ُ‬
‫يت َوا ْل َع َشا َء»‪ .‬رواه مسلم(‪.)2‬‬ ‫َي ْذ ُكرِ اهَّللَ ِعنْدَ َط َع ِام ِه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬أ ْد َر ْكت ُُم ا ْل َمبِ َ‬
‫يف هذا الحديث مشروع َّية ذكر اهلل عند دخول المنزل وعند تناول ال َّطعام‪،‬‬
‫يسلم من َّ‬
‫الشيطان ومن مشاركته له‬ ‫َّ‬
‫وأن َمن يذكر اهلل عند دخوله وعند طعامه ْ‬
‫يف بيته ومِن مشاركته له يف طعامه‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ﴾ [اإلسراء‪ ،]65-64 :‬قال‬
‫المفسرين أنَّه يدخل يف مشاركة‬
‫ِّ‬ ‫كثير من‬
‫سعدي ‪« :V‬ذكر ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫َّ‬
‫الشيخ ابن‬
‫الشيطان يف األموال واألوالد ترك التَّسمية عند ال َّطعام َّ‬
‫والشراب والجماع‪،‬‬ ‫َّ‬
‫سم اهلل يف ذلك؛ شارك فيه َّ‬
‫الشيطان كما ورد فيه الحديث»(‪.)3‬‬ ‫وأنَّه إذا لم ُي ِّ‬
‫حق الغافل عن ذكر اهلل‬
‫فقوله‪﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾ هذا يف ِّ‬
‫الشيطان يف ماله وولده‪ ،‬وقد أفاد الحديث َّ‬
‫أن هذه المشاركة‬ ‫‪F‬؛ فيشاركه َّ‬

‫عدي (ص‪.)575‬‬
‫الس ِّ‬
‫(((  تفسير ِّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2018‬‬
‫عدي (ص‪.)461‬‬‫الس ِّ‬
‫(((  تفسير ِّ‬
‫‪339‬‬ ‫‪ -55‬أذكار دخول املزنل‬

‫للشيطان عليهم سبيل‪ ،‬بل هم‬ ‫الذاكرون اهلل فليس َّ‬ ‫تحصل برتك التَّسمية‪ ،‬أ َّما َّ‬
‫ً‬
‫ووكيل‪.‬‬ ‫محفوظون بحفظ اهلل‪ ،‬وكفى به حاف ًظا‬
‫الر ُج ُل َب ْي َت ُه َف َذك ََر اهَّللَ ِعنْدَ ُد ُخولِ ِه َو ِعنْدَ َط َع ِام ِه‪َ ،‬ق َال‬
‫قوله‪« :‬إِ َذا َد َخ َل َّ‬
‫يت َلك ُْم َو َل َع َشا َء»‪ ،‬هذا فيه انتفاء هذه المشاركة‪ ،‬يف المال‬ ‫ان‪َ :‬ل َمبِ َ‬ ‫الش ْي َط ُ‬
‫َّ‬
‫الذكر هلل ‪.F‬‬ ‫واألوالد وال َّطعام‪ ،‬أي‪ :‬أنَّها تنتفي بحصول ِّ‬
‫ان‪َ :‬أ ْد َر ْكت ُُم‬‫الش ْي َط ُ‬‫«وإِ َذا َد َخ َل َف َل ْم َي ْذ ُكرِ اهَّللَ ِعنْدَ ُد ُخولِ ِه‪َ ،‬ق َال َّ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫للشيطان ل ُيشاركَه‬ ‫أن َمن ترك ذكر اهلل فإنَّه قد فتح بذلك با ًبا َّ‬ ‫يت»‪ ،‬ففيه َّ‬ ‫ا ْل َمبِ َ‬
‫الس ِّيئ الخبيث‬ ‫يف بيته وليشاركه يف ولده وطعامه‪ .‬و َمن هذا ا َّلذي يرضى لهذا َّ‬
‫أن يشاركه يف ماله وولده وطعامه! وقد قال ﷺ‪« :‬ال تُصاحب َّإل مؤمنًا‪ ،‬وال‬
‫يأكل طعامك َّإل تقي»(‪ .)1‬وا َّلذي يرتك التَّسمية قد رضي ذلك شاء أم أبى؛‬
‫مر ٍة يدخل‬ ‫كل َّ‬ ‫ولهذا يحتاج المقام من العبد َّأل يغفل عن ذكر اهلل ‪ F‬يف ِّ‬
‫شرع يف ح ِّقه ذلك‪ ،‬حتَّى‬ ‫ولد وأهل‪ُّ ،‬‬ ‫فيها‪ ،‬يسمي هو والدَّ اخلون معه من ٍ‬
‫الكل ُي َ‬ ‫ُ ِّ‬
‫الشيطان ومن مشاركته‪.‬‬ ‫تحصل الكفاية للجميع‪ ،‬وحتَّى يسلم الجميع من َّ‬
‫الشيطان كما أنَّه جالس عند بيت المسلم ينتظر خروجه؛‬ ‫أيضا‪َّ :‬‬
‫أن َّ‬ ‫ويف هذا ً‬
‫جالس‬
‫ٌ‬ ‫ليمنعه من ال َّطاعة وليصدَّ ه عن الخير وليدفعه إلى المعصية‪ ،‬فهو ً‬
‫أيضا‬
‫له عند بيته ينتظر دخوله ليدخل معه إلى بيته؛ ليشاركه يف ماله وولده ومبيته‬
‫منتظرا الدَّ اخل‬
‫ً‬ ‫وغير ذلك من أموره ا َّلتي يف بيته‪ ،‬فهو يجلس عند البيت‬
‫ومنتظرا الخارج؛ ينتظر الخارج ليصدَّ ه‪ ،‬وينتظر الدَّ اخل ليدخل معه‪.‬‬
‫ً‬
‫ثم عند ال َّطعام يقول‪َ :‬‬
‫«أ ْد َر ْكت ُُم‬ ‫يت»‪َّ ،‬‬ ‫ان‪َ :‬أ ْد َر ْكت ُُم َ‬
‫المبِ َ‬ ‫الش ْي َط ُ‬
‫وقوله‪َ « :‬ق َال َّ‬
‫أن ا َّلذي س ُيشارك عند ترك التَّسمية ليس شيطانًا واحد ًا‬ ‫المبِ َ‬
‫يت َوال َع َشا َء» يفيد َّ‬ ‫َ‬
‫مفتوح لهم على مصراعيه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫بل شياطين‪ ،‬ولهذا يناديهم ويخربهم َّ‬
‫أن الباب‬

‫وحسنه األلباينُّ‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2395‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)4834‬والت‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪340‬‬

‫وفعل يشاركون يمدُّ الواحد منهم يده إلى ال َّطعام‪ ،‬ويأكل وإن لم يره اآلكلون‪،‬‬ ‫ً‬
‫روى مسلم يف صحيحه َع ْن ُح َذ ْي َف َة َق َال‪ُ « :‬كنَّا إِ َذا َح َض ْرنَا َم َع النَّبِ ِّي ﷺ َط َعا ًما‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َف َي َض َع َيدَ ُه‪َ ،‬وإِنَّا َح َض ْرنَا َم َع ُه َم َّر ًة َط َعا ًما‬ ‫َل ْم ن ََض ْع َأ ْي ِد َينَا َحتَّى َي ْبدَ َأ َر ُس ُ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ‬ ‫ار َي ٌة ك ََأن ََّها ُتدْ َف ُع؛ َف َذ َه َب ْت لِت ََض َع َيدَ َها فِي ال َّط َعا ِم َف َأ َخ َذ َر ُس ُ‬ ‫َف َجا َء ْت َج ِ‬
‫الش ْي َط َ‬
‫ان‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ‪« :‬إِ َّن َّ‬ ‫بِ َي ِد َها‪ُ ،‬ث َّم َجا َء َأ ْع َرابِي ك ََأن ََّما ُيدْ َف ُع َف َأ َخ َذ بِ َي ِد ِه‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫ٌّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َح ُّل ال َّط َعا َم َأ ْن َل ُي ْذك ََر ْاس ُم اهَّلل َع َل ْيه‪َ ،‬وإِ َّن ُه َجا َء بِ َهذه ا ْل َجار َية ل َي ْستَح َّل بِ َها‬ ‫يست ِ‬
‫َْ‬
‫َح َّل بِ ِه َف َأ َخ ْذ ُت بِ َي ِد ِه‪َ ،‬وا َّل ِذي َن ْف ِسي‬ ‫َف َأ َخ ْذ ُت بِي ِدها‪َ ،‬فجاء بِه َذا األَعرابِي لِيست ِ‬
‫ْ َ ِّ َ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫بِ َي ِد ِه إِ َّن َيدَ ُه فِي َي ِدي َم َع َي ِد َها»(‪.)1‬‬
‫بمجرد ترك التَّسمية‪ ،‬فلو تركها واحد من األوالد‬ ‫َّ‬ ‫فالمشاركة حاصل ٌة‬
‫أن التَّسمية مطلوب ٌة من الجميع‪َّ ،‬‬
‫ويعود‬ ‫الشيطان ال َّطعام‪ ،‬وهذا يؤكِّد َّ‬ ‫َّ‬
‫استحل به َّ‬
‫الصغار على العناية هبا و ُيذكَّرون إذا غ َفلوا‪ ،‬و َمن ا َّلذي يرضى أن يجلس يأكل‬
‫ِّ‬
‫الشياطين!‬ ‫الشيطان أو َّ‬ ‫ال َّطعام هو وأوالده ومعهم َّ‬
‫نسي التَّسمية يف َّأول طعامه؛ فعليه أن‬ ‫َّ‬
‫َّبي ﷺ أن َمن َ‬ ‫السنَّة عن الن ِّ‬ ‫وجاء يف ُّ‬
‫آخ َر ُه»‪ ،‬أي‪َّ :‬أو َل ال َّطعام وآخر‬ ‫يقولها يف أثناء ال َّطعام بلفظ‪« :‬بِس ِم اهلل ِ َأو َله و ِ‬
‫َّ ُ َ‬ ‫ْ‬
‫ول اهَّلل ِ ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا َأك ََل َأ َحدُ ك ُْم َف ْل َي ْذ ُكرِ‬ ‫ال َّطعام‪ .‬ف َع ْن َعائِ َش َة ‪َ J‬أ َّن َر ُس َ‬
‫ْاس َم اهَّلل ِ َت َعا َلى‪َ ،‬فإِ ْن ن َِس َي َأ ْن َي ْذك َُر ْاس َم اهَّلل ِ َت َعا َلى فِي َأ َّولِ ِه‪َ ،‬ف ْل َي ُق ْل‪ :‬بِ ْس ِم اهَّلل ِ َأ َّو َل ُه‬
‫آخ َر ُه»‪ .‬رواه أبو داود(‪.)2‬‬ ‫و ِ‬
‫َ‬
‫ول اهَّلل ِ ﷺ َجالِ ًسا‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫شي ‪َ I‬ق َال‪ :‬ك َ‬ ‫ُ‬
‫وروى أبو داود َع ْن أ َم َّي َة ْب ِن َمخْ ٍّ‬
‫َو َر ُج ٌل َي ْأك ُُل َف َل ْم ُي َس ِّم‪َ ،‬حتَّى َل ْم َي ْب َق ِم ْن َط َع ِام ِه إِ َّل ُل ْق َم ٌة َف َل َّما َر َف َع َها إِ َلى فِ ِيه‪،‬‬
‫ان َي ْأك ُُل‬ ‫آخره»‪َ ،‬ف َض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الش ْي َط ُ‬
‫«ما ز ََال َّ‬ ‫ك النَّبِ ُّي ﷺ‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬‬ ‫ح َ‬ ‫َق َال‪« :‬بِ ْس ِم اهَّلل َأ َّو َل ُه َو َ ُ‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2017‬‬


‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)3767‬‬
‫َّ‬
‫‪341‬‬ ‫‪ -55‬أذكار دخول املزنل‬

‫َم َع ُه‪َ ،‬ف َل َّما َذك ََر ْاس َم اهَّلل ِ ‪ْ D‬اس َت َقا َء َما فِي َب ْطن ِ ِه»(‪ ،)1‬لكن هذا الحديث غير‬
‫تنبيها‬
‫مجهول‪ ،‬وقد ذكرته لشهرته ً‬ ‫ً‬ ‫ألن يف سنده ً‬
‫رجل‬ ‫ثابت عن النَّبي ﷺ؛ َّ‬
‫ِّ‬
‫على ضعفه وعدم ثبوته‪.‬‬
‫والجار‬
‫ُّ‬ ‫وقوله‪« :‬بِ ْس ِم اهَّلل ِ»‪ ،‬الباء باء االستعانة‪ ،‬أي‪ :‬أدخل مستعينًا باهلل‪،‬‬
‫بمحذوف‪ ،‬تقديره‪ :‬أدخل‪ ،‬وعند ال َّطعام‬ ‫ٍ‬ ‫والمجرور يف قوله‪« :‬بِ ْس ِم اهَّلل ِ» متع ِّل ٌق‬
‫تقديره آكل‪.‬‬
‫اكر‬ ‫والذ ُ‬
‫ِ‬
‫لإلنسان‪َّ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫حافظ‬ ‫للشيطان‬ ‫أن ِذكر اهلل ‪ D‬طار ٌد َّ‬ ‫والحاصل َّ‬
‫ييأس منه و ُيدرك أنَّه ال‬ ‫يطان ُ‬ ‫الش َ‬‫إن َّ‬ ‫الشيطان بحفظ اهلل‪ ،‬بل َّ‬ ‫محفوظ من َّ‬ ‫ٌ‬ ‫هلل‬
‫الشيطان وشاركه يف طعامه وشرابه‬ ‫كر الز َمه َّ‬ ‫الذ ِ‬
‫سبيل له عليه‪ ،‬وإذا غفل عن ِّ‬
‫ومبيته‪ ،‬واهلل تعالى يقول‪﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾‬
‫[الزخرف‪.]36 :‬‬ ‫ُّ‬

‫ت َع َلى‬ ‫«يا ُبن ََّي‪ ،‬إِ َذا َد َخ ْل َ‬‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫قال لِي َر ُس ُ‬ ‫َس ‪َ I‬ق َال‪َ :‬‬ ‫َو َع ْن َأن ٍ‬
‫ِّرمذي(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫ك»‪ .‬رواه الت‬ ‫ك َو َع َلى َأ ْه ِل َب ْيتِ َ‬ ‫َأ ْه ِل َ‬
‫ك َف َس ِّل ْم؛ َيك ُْن َب َر َك ًة َع َل ْي َ‬
‫بني»‪ ،‬هذا من التَّل ُّطف يف الخطاب ُ‬
‫وحسن التَّو ُّدد منه صلوات اهلل‬ ‫قوله «يا َّ‬
‫وسالمه عليه‪.‬‬

‫ك َف َس ِّل ْم»‪ ،‬وهذا فيه مشروع َّية َّ‬


‫السالم إذا‬ ‫ت َع َلى َأ ْه ِل َ‬
‫«يا ُبن ََّي‪ ،‬إِ َذا َد َخ ْل َ‬
‫قال‪َ :‬‬
‫دخل المرء على أهله‪.‬‬
‫السال ُم برك ًة عليك‬
‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬يكن َّ‬ ‫ك َو َع َلى َأ ْه ِل َب ْيتِ َ‬ ‫«يك ُْن َب َر َك ًة َع َل ْي َ‬
‫قال‪َ :‬‬
‫يفوت على نفسه حلول‬ ‫المس ِّلم‪ ،‬وعلى أهل بيتك‪ ،‬فما ينبغي للمسلم أن ِّ‬ ‫أ َّيها ُ‬
‫مر ٍة يدخل فيها بيته‪.‬‬ ‫كل َّ‬ ‫هذه الربكة عليه وعلى أهل بيته يف ِّ‬

‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)3768‬وض َّعفه األلباينُّ‪.‬‬


‫(((  رواه التِّرمذي (‪.)2698‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪342‬‬

‫ومن الربكة العظيمة ا َّلتي ينالها َمن يس ِّلم إذا دخل بيته‪ :‬ما روى أبو داود‬
‫ول اهَّلل ِ ﷺ َق َال‪َ « :‬ث َل َث ٌة ُك ُّلهم َض ِامن ع َلى اهَّلل ِ‬ ‫اه ِلي َع ْن رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ‬
‫ٌ َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َع ْن أبِي أ َم َام َة ا ْل َب ِّ‬
‫يل اهَّلل ِ َف ُه َو َض ِام ٌن َع َلى اهَّلل ِ َحتَّى َيت ََو َّفا ُه َف ُيدْ ِخ َل ُه‬ ‫از ًيا فِي َسبِ ِ‬ ‫‪َ D‬ر ُج ٌل َخ َر َج َغ ِ‬
‫ج ِد َف ُه َو َض ِام ٌن‬ ‫اح إِ َلى ا ْل َم ْس ِ‬
‫يمة‪َ ،‬و َر ُج ٌل َر َ‬
‫ا ْلج َّن َة َأو يرده بِما ن ََال ِمن َأجرٍ و َغن ِ ٍ‬
‫ْ ْ َ َ‬ ‫َ ْ َ ُ َّ ُ َ‬
‫يم ٍة‪َ ،‬و َر ُج ٌل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع َلى اهَّلل َحتَّى َيت ََو َّفا ُه َف ُيدْ خ َل ُه ا ْل َج َّن َة َأ ْو َي ُر َّد ُه بِ َما ن ََال م ْن َأ ْجرٍ َو َغن َ‬
‫َد َخ َل َب ْي َت ُه بِ َس َل ٍم َف ُه َو َض ِام ٌن َع َلى اهَّلل ِ ‪ .)1(»D‬ورواه ابن ح َّبان بلفظ‪َ « :‬ث َل َث ٌة‬
‫ات َأ ْد َخ َل ُه اهَّللُ ا ْل َج َّنةَ‪َ :‬م ْن‬ ‫اش ُر ِز َق َوك ُِف َي‪َ ،‬وإِ ْن َم َ‬ ‫ُك ُّل ُه ْم َض ِام ٌن َع َلى اهَّللِ‪ ،‬إِ ْن َع َ‬
‫ج ِد َف ُه َو َض ِام ٌن َع َلى‬ ‫َد َخ َل َب ْي َت ُه َف َس َّل َم َف ُه َو َض ِام ٌن َع َلى اهَّلل‪َ ،‬و َم ْن َخ َر َج إِ َلى ا ْل َم ْس ِ‬
‫يل اهَّلل ِ َف ُه َو َض ِام ٌن َع َلى اهَّلل ِ»(‪.)2‬‬‫اهَّللِ‪َ ،‬و َم ْن َخ َر َج فِي َسبِ ِ‬

‫فتأ َّمل أ َّيها المس ِّلم هذه الربكة العظيمة إن كتب اهلل لك حيا ًة رزقك وكفاك‪،‬‬
‫وإن تو َّفاك أدخلك الجنَّة‪.‬‬

‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)2494‬‬
‫وصححه األلباينُّ يف صحيح األدب المفرد (‪ ،)1094‬ويف‬‫َّ‬ ‫(((  رواه ابن ح َّبان (‪،)499‬‬
‫صحيح التَّرغيب والتَّرهيب (‪.)321‬‬
‫‪343‬‬ ‫‪ -56‬أذكار دخول اخلالء واخلروج منه واألذكار املتعلِّقة بالوضوء‬

‫‪56‬‬

‫أذكار دخول اخلالء واخلروج‬


‫منه واألذكار املتعلِّقة بالوضوء‬

‫َس ب ِن مالِ ٍ‬
‫َان النَّبِ ُّي ﷺ إِ َذا َد َخ َل ا ْلخَ َل َء َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم‬
‫ك ‪َ I‬ق َال‪ :‬ك َ‬ ‫َع ْن َأن ِ ْ َ‬
‫ث وا ْلخَ بائِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫إِنِّي َأعو ُذ بِ َ ِ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫ث»‪ .‬رواه‬ ‫ك م َن ا ْلخُ ُب َ َ‬ ‫ُ‬
‫والخبث‪ :‬جمع خبيث‪ ،‬والخبائث‪ :‬جمع‬ ‫ُ‬ ‫الحاجة‪.‬‬ ‫ا ْل َخ َلء‪ :‬مو ِضع َق ِ‬
‫ضاء‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫خبيثة‪.‬‬
‫وقد جاء يف بعض طرق الحديث ِذكر البسملة يف َّأوله‪ ،‬قال ابن حجر‬
‫الحديث من طريق عبد العزيز بن المختار‪،‬‬ ‫َ‬ ‫مري هذا‬ ‫‪« :V‬وقد روى ال ُع ُّ‬
‫عن عبد العزيز بن ُصهيب‪ ،‬بلفظ األمر‪« :‬إذا دخلتم الخال َء‪ ،‬فقولوا‪ :‬بسم‬
‫اهلل‪ ،‬أعوذ باهلل من الخبث والخبائث»‪ ،‬وإسنا ُده على شرط مسلم وفيه زيادة‬
‫التَّسمية»(‪.)2‬‬
‫«سرتُ ما بين‬ ‫ويشهد لهذا ما رواه ابن ماجه وغيره عن علي ‪ I‬مرفو ًعا‪ِ :‬‬
‫ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حديث‬‫ٌ‬ ‫الج ِّن وعورات َبنِي آدم إذا دخل الخال َء أن يقول‪ :‬بسم اهلل»(‪ ،)3‬وهو‬ ‫ِ‬
‫صحيح بمجموع طرقه‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫َان النَّبِ ُّي ﷺ إِ َذا َخ َر َج ِم َن ا ْلخَ َل ِء‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫َو َع ْن َعائِ َش َة ‪َ J‬قا َل ْت‪« :‬ك َ‬
‫البخاري (‪ ،)142‬ومسلم (‪.)375‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  فتح الباري (‪.)244/1‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه ابن ماجه (‪،)297‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪344‬‬

‫ِّرمذي وال َّلفظ له(‪.)1‬‬


‫ُّ‬ ‫« ُغ ْف َران َ‬
‫َك»‪ .‬رواه أبو داود والت‬
‫َك» يف هذا المقام قيل يف معناه‪ ،‬أي‪ :‬خو ًفا من تقصيره يف‬ ‫وقوله‪ُ « :‬غ ْف َران َ‬
‫سهل خروجه‪ ،‬فرأى‬ ‫ثم َّ‬
‫ثم هضمه‪َّ ،‬‬‫أداء شكر هذه النِّعمة الجليلة أن أطعمه‪َّ ،‬‬
‫حق هذه النِّعمة‪ ،‬فتداركه باالستغفار‪.‬‬
‫قاصرا عن بلوغ ِّ‬ ‫ً‬ ‫شكره‬
‫وال يجوز للمسلم أن يتك َّلم وقت قضائه الحاجة‪ ،‬وال يشتغل بشيء من‬
‫مر‬ ‫«أن ً‬
‫رجل َّ‬ ‫الذكر والدُّ عاء‪ ،‬ففي صحيح مسلم عن ابن عمر ‪ L‬قال‪َّ :‬‬ ‫ِّ‬
‫ورسول اهلل ﷺ يبول‪ ،‬فس َّلم عليه؛ ف َلم يرد عليه»(‪ .)2‬وعن جابِ ِر ب ِن عب ِد اهللِ‬
‫َ ْ َ ْ َْ‬ ‫َّ‬
‫ول اهللِ‬ ‫ول َف َس َّل َم َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َق َال َل ُه َر ُس ُ‬
‫‪َ L‬أ َّن َر ُج ًل َم َّر َع َلى النَّبِيﷺ َو ُه َو َي ُب ُ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ت َذل َ‬
‫ك َل ْم‬ ‫ﷺ‪« :‬إِ َذا َر َأ ْيتَنِي َع َلى ِم ْث ِل َه ِذ ِه ا ْل َحا َلة َف َل ت َُس ِّل ْم َع َل َّي؛ َفإِن َ‬
‫َّك إِ ْن َف َع ْل َ‬ ‫ِ‬
‫ك»(‪.)3‬‬ ‫َأ ُر َّد َع َل ْي َ‬
‫المسلم ال ينبغي له أن يتك َّلم وقت قضاء الحاجة؛‬ ‫َ‬ ‫ففي هذا دالل ٌة على َّ‬
‫أن‬
‫األول‪ ،‬وقال كما يف الحديث‬ ‫ألن النَّبِ َّي ﷺ َلم ُير َّد عليه بشيء كما يف الحديث َّ‬ ‫َّ‬
‫ك»‪ .‬وال ينبغي له كذلك أن يشتغل بشيء‬ ‫ك َل ْم َأ ُر َّد َع َل ْي َ‬‫ت َذلِ َ‬ ‫ال َّثاين‪« :‬إِ ْن َف َع ْل َ‬
‫الذكر والدُّ عاء‪ ،‬والسالم ِ‬
‫السالم على هذا‬ ‫َّبي ﷺ َلم ير َّد َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫كر ودعاء؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ٌ‬ ‫ذ‬ ‫َّ ُ‬ ‫من ِّ‬
‫المس ِّلم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫املتعلقة بالوضوء‪ :‬التسمية في َّأوله‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬ومن األذكار‬
‫«ل َص َل َة لِ َم ْن َل ُو ُضو َء‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َل ُه‪َ ،‬و َل ُو ُضو َء لِ َم ْن َل ْم َي ْذ ُكرِ ْاس َم اهلل ِ َع َل ْي ِه»‪ .‬رواه أبو داود وابن ماجه(‪ .)4‬وهو‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)7‬وابن ماجه (‪،)300‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)30‬والت‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)370‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬‫َّ‬ ‫(((  رواه ابن ماجه (‪،)352‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)101‬وابن ماجه (‪،)399‬‬
‫‪345‬‬ ‫‪ -56‬أذكار دخول اخلالء واخلروج منه واألذكار املتعلِّقة بالوضوء‬
‫غير واحد من أهل العلم‪ ،‬وهو ٌّ‬
‫دال على‬ ‫حسنه ُ‬‫حديث حسن بشواهده‪ ،‬وقد َّ‬ ‫ٌ‬
‫مشروع َّية التَّسمية يف َّأول الوضوء‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء ‪ X‬يف حكمها؛ فذهب الجمهور إلى أنَّها مستح َّبة‪.‬‬
‫ذاكرا له‪،‬‬
‫عالما بالحكم ً‬ ‫بعض أهل العلم إلى القول بوجوهبا‪ ،‬إذا كان ً‬‫وذهب ُ‬
‫فإن جهل حكمها أو نسيها فال حرج عليه وال يلز ُمه إعادة الوضوء‪.‬‬
‫بن باز‪ :‬عن حك ِم َمن ترك التَّسمية يف‬ ‫يخ عبد العزيز ُ‬ ‫وقد سئل اإلمام َّ‬
‫الش ُ‬
‫صحة الوضوء بدون‬ ‫جمهور أهل العلم إلى َّ‬ ‫ُ‬ ‫الوضوء ناس ًيا‪ ،‬فقال‪« :‬قد ذهب‬
‫والذكر‪ ،‬لما‬ ‫بعض أهل العلم إلى وجوب التَّسمية مع العلم ِّ‬ ‫تسمية‪ ،‬وذهب ُ‬
‫«ل ُو ُضو َء لِ َم ْن َل ْم َي ْذ ُكرِ ْاس َم اهَّلل ِ َت َعا َلى َع َل ْي ِه»(‪ ،)1‬لك ْن َمن‬‫روي عنه ﷺ أنَّه قال‪َ :‬‬
‫جاهل فوضوؤه صحيح‪ ،‬وليس عليه إعاد ُته ولو قلنا بوجوب‬ ‫ً‬ ‫تركها ناس ًيا أو‬
‫جة يف ذلك قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯥ‬ ‫والح َّ‬
‫معذور بالجهل والنِّسيان‪ُ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫التَّسمية؛ ألنَّه‬
‫صح عن رسول اهلل ﷺ َّ‬
‫أن‬ ‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ﴾ [البقرة‪ ،]286 :‬وقد َّ‬
‫نسيت التَّسمي َة يف‬
‫َ‬ ‫اهلل سبحانه قد استجاب هذا الدُّ عا َء‪ ،‬وبذلك تعلم أنَّك إذا‬
‫ثم ذكرهتا يف أثنائه؛ فإنَّك ُت َس ِّمي‪ ،‬وليس عليك أن تعيد َّأو ًل؛‬ ‫ِ‬
‫َّأول الوضوء َّ‬
‫معذور بالنِّسيان»‪ .‬اهـ كالمه ‪.)2(V‬‬ ‫ٌ‬ ‫ألنَّك‬
‫عضو بدعاء‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫الدعاء على أعضاء الوضوء في أثناء الوضوء‪ُّ ،‬‬ ‫وأما ُّ‬ ‫‪َّ ‬‬
‫اليد دعا ًء‪ ،‬ولغسل الوجه دعا ًء‪ ،‬ولغسل ال َقدم‬ ‫يجعل لغسل ِ‬‫َ‬ ‫مخصوص؛ بأن‬
‫دعا ًء ونحو ذلك؛ فهذا َلم يثبت فيه شي ٌء عن النَّبِ ِّي ﷺ‪ ،‬وليس للمسلم أن‬
‫اسقنِي‬
‫بعضهم عند المضمضة‪« :‬ال َّلهم ِ‬
‫ُ َّ‬
‫يعمل بشيء من ذلك‪ ،‬ومن ذلك قول ِ‬ ‫َ‬
‫كأسا ال أظمأ بعده أبدً ا»‪ ،‬وعند االستنشاق‪« :‬ال َّل ُه َّم ال تحرمنِي‬
‫من حوض نب ِّيك ً‬
‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)25‬وابن ماجه (‪،)397‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫(((  مجموع فتاوى ابن باز (‪.)100/10‬‬
wki
'
pa-
z'.,auzt...2.
,.1 l'-it.$
J . s ;J : s
u .: ry ..e .7 +.
w ..
A.:aS'I
W1I)).
.* =1I u.z u 7 tt(u.i.'
uw.7 u.
u +tAJ
.z.cszjJ
5
o I:I . , 'o 5 !
;
* bur lcb'x k.d'u.
**' s k.e. I*'&I:Ij.
'.tagIw.
.
lvW'u J b(;*7>7 ;*''=.7oup.a
s z-t, s zw c..>.ev'bh . - m v= u a u ., ...y on, u o
ï t. .J sr .gt .J .
w vobho..x= - w.e. u'hw.- ker'
r1
...1a
Ixifhhl' .to'oNIkmwx
'wv u J uktluhk.stp
.

j((w1 l>..-.5Ius1
. : .g ay)
u.d
'a :i
.
. v,blj))'
'.>*I .'5I t..J u J ctlu .ww ojJ ou.Ja'
' :1 I 9 $ :1 - 5$ : o $' ;!
a
I.t- w %..Fw u.
..
zrhw=h, . re >-Q ='hw,
.J
.pp < pol
. utbz .yQ;
. ;J ' 9s Jj
'
.utfoaxz -1
.1'1.J.t-lI
.u$
J axa'h,uA
':.-w51%uop'
u.r'
oA J'
tw5Yl
'). 5 g .p .,
.vz.w .z. u.sw ,.
wtxph+ .zwo.. zsu )u o%à .xl
..f)
)'0,.'.
w-=.a..
..
z- k..''î ae
el :I .
.X . .
..
4 k-j.w Ya . aIw1=w) .w '
w
+1 tw INJ .
wa
'p y u
u hw w zl. .0 w .jS u=ap- tw 9uqxz)N h<u 5 I5 . 'wax t'ahz
' '
a..u.Z.D.4.4$uC,
‫‪347‬‬ ‫‪ -56‬أذكار دخول اخلالء واخلروج منه واألذكار املتعلِّقة بالوضوء‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الم َت َط ِّهرين»(‪،)1‬‬ ‫اج َع ْلني م َن الت ََّّوابِين ْ‬
‫واج َع ْلني م َن ُ‬ ‫ِّرمذي‪ ،‬وزاد‪« :‬ال َّل ُه َّم ْ‬
‫ُّ‬ ‫ورواه الت‬
‫وهي زياد ٌة ثابت ُة كما ب َّين أهل العلم‪.‬‬
‫الصحابة ‪M‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رص َّ‬ ‫ويف هذا الحديث يذكر ُعقبة بن عامر ‪ I‬ح َ‬
‫على أوقاتِهم وتعاونَهم بينهم التَّعاون ا َّلذي ُيح ِّقق الفائد َة للجميع‪ ،‬ومِن ذلك‬
‫ضمون إب َلهم َ‬ ‫ِ‬
‫بعضها‬ ‫أنَّهم كانوا يتناوبون ر ْع َي إبلهم‪ ،‬فيجتمع الجماع ُة و َي ُّ‬
‫ولينصرف‬
‫َ‬ ‫أرفق هبم‪،‬‬
‫كل يوم واحدٌ منهم؛ ليكون ذلك َ‬ ‫إلى بعض‪ ،‬فيرعاها َّ‬
‫الباقون يف مصالِحهم وحاجاهتم‪ ،‬وليته َّيأ لهم فرص ٌة أكربُ لالستفادة من النَّبِ ِّي‬
‫ﷺ وحضور مجالِسه‪.‬‬
‫و َل َّما كانت نوب ُة عقبة ‪ ،I‬وعندما عاد باإلبل إلى مراحها يف آخر‬
‫النَّهار وفرغ من أمرها‪ ،‬جاء إلى مجلس رسول اهلل ﷺ؛ ليدرك شي ًئا من فوائده‬
‫ولينهل من معينه المبارك‪ ،‬فأدرك فائدة عظيم ًة فرح هبا‪ ،‬وهي قول النَّبِ ِّي ﷺ‪:‬‬
‫«ما ِم ْن ُم ْس ِل ٍم َيت ََو َّض ُأ َف ُي ْح ِس ُن ُو ُضو َء ُه‪ُ ،‬ث َّم َي ُقو ُم َف ُي َص ِّلي َر ْك َع َت ْي ِن ُم ْقبِ ٌل َع َل ْي َها‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بِ َق ْلبِه َو َو ْج ِهه إِ َّل َو َج َب ْ‬
‫الجنَّةُ»‪ ،‬فقال ‪ُ - I‬مبد ًيا إعجابه هبذه الفائدة‬ ‫ت َل ُه َ‬
‫عمر ب ُن الخ َّطاب ‪ I‬وكان قد رآه‬ ‫العظيمة‪« :-‬ما أجو َد هذه»‪ ،‬فسمعه ُ‬
‫حين دخل‪ ،‬فقال له‪« :‬ا َّلتِي َق ْب َل َها َأ ْج َو ُد»‪ُ ،‬يشير إلى فائدة قالها النَّبِ ُّي ﷺ قبل‬
‫الصحاب ُة ‪ M‬من‬ ‫دخول عقبة ‪ ،I‬ويف هذا دالل ٌة على ما كان عليه َّ‬
‫أبواب العلم وأمور اإليمان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫رص على الخير والتَّعاون يف الدَّ اللة على‬ ‫الح ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬أ ْو‬‫«ما ِمنْك ُْم ِم ْن َأ َح ٍد َيت ََو َّض ُأ‪َ ،‬ف ُي ْب ِلغُ َ‬ ‫أن النَّبِ َّي ﷺ قال‪َ :‬‬ ‫عمر ‪َّ I‬‬ ‫فذكر له ُ‬
‫وأ َّن ُم َح َّمدً ا َع ْبدُ اهلل ِ َو َر ُسو ُل ُه‬
‫ول‪َ :‬أ ْش َهدُ أن َل إِ َل َه إِ َّل اهلل َ‬ ‫الو ُضو َء‪ُ ،‬ث َّم َي ُق ُ‬ ‫َف ُي ْسبِغُ ‪ُ -‬‬
‫الجن َِّة ال َّث َمانِ َي ِة‪َ ،‬يدْ ُخ ُل ِم ْن َأ ِّي َها َشا َء»‪.‬‬‫اب َ‬ ‫ت َل ُه َأ ْب َو ُ‬‫إِ َّل ُفتِ َح ْ‬
‫فضل إسباغ الوضوء بإكمالِه وإتمامه على الوجه المسنون‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ويف هذا‬

‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)55‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪348‬‬

‫وأن َمن فعل ذلك‬ ‫العظيم ِ‬


‫عقب الوضوء‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫المحافظة على هذا ِّ‬
‫الذكر‬ ‫ِ‬ ‫وفضل‬
‫ُفتحت له أبواب الجنَّة ال َّثمانية ليدخل من أ ِّيها شاء‪.‬‬
‫واج َع ْلنِي ِم َن‬ ‫ِ ِ‬
‫اج َع ْلني م َن الت ََّّوابِين ْ‬ ‫هم ْ‬ ‫يضم إليه‪« :‬ال َّل َّ‬ ‫َّ‬ ‫ستحب أن‬‫ُّ‬ ‫وي‬
‫ُ‬
‫ِّرمذي كما تقدَّ م‪.‬‬‫ِّ‬ ‫الزيادة عند الت‬ ‫الم َت َّط ِّهرين»؛ لثبوت هذه ِّ‬ ‫ُ‬
‫ْت‪َ ،‬أ ْس َتغ ِْف ُر َك‬
‫«س ْب َحانَك ال َّل ُه َّم وبِ َح ْم ِد َك َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬ ‫وله أن يقول كذلك‪ُ :‬‬
‫ِ‬
‫َّسائي يف عمل اليوم وال َّليلة والحاكم يف مستدركه‬ ‫ُوب إليك»؛ لما رواه الن ُّ‬ ‫َو َأت ُ‬
‫«م ْن ت ََو َّض َأ‬‫الخدري ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫ِّ‬ ‫وغيرهما عن أبي سعيد‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫َك ال َّل ُه َّم َوبِ َح ْم ِد َك َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫ك»‪،‬‬ ‫ْت‪َ ،‬أ ْس َتغْف ُر َك َو َأت ُ‬
‫ُوب إِ َل ْي َ‬ ‫«س ْب َحان َ‬
‫ثم قال‪ُ :‬‬ ‫َّ‬
‫ثم ُطبع ب َطا َبعٍ‪ ،‬ف َلم ُيكسر إلى يوم القيامة»(‪ ،)1‬وال َّطا َبع‪ :‬الخاتم‪.‬‬ ‫كُتب يف َر ٍّق‪َّ ،‬‬
‫يريد أنَّه ُيختم عليه‪ ،‬وال ُيفتح إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫الذكر المتع ِّل ِق بالوضوء‪ ،‬قال ابن الق ِّيم‬
‫فهذا جمل ُة ما ثبت عن النَّبِي ﷺ من ِّ‬
‫ِّ‬
‫‪« :V‬ولم ُيحفظ عنه ‪-‬أي‪ :‬رسول اهلل ﷺ‪ -‬أنَّه كان يقول على وضوئه شي ًئا‬
‫فكذب مختلق‬ ‫ٌ‬ ‫وكل حديث يف أذكار الوضوء ا َّلذي ُيقال عليه‬ ‫غير التَّسمية‪ُّ ،‬‬
‫حديث التَّسمية وحدي َث ْي عمر‬
‫َ‬ ‫ثم استثنى‪:‬‬
‫يقل رسول اهلل ﷺ شي ًئا منه» ‪َّ ،‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫َلم ْ‬
‫وأبي سعيد المتقدِّ َمين‪.‬‬
‫وحري بالمسلم أن يحافظ على ال َّطهارة بسننها العظيمة وآداهبا المباركة‬
‫ٌّ‬
‫ٍ‬
‫خيرات وأجور‪.‬‬ ‫ليفوز بما يرت َّتب عليها من‬

‫السنن الكربى (‪ ،)9829‬ويف عمل اليوم وال َّليلة (‪ ،)81‬والحاكم يف‬ ‫َّسائي يف ُّ‬
‫(((  رواه الن ُّ‬
‫الصحيحة (‪ ،)2333‬ويف صحيح‬ ‫السلسلة َّ‬
‫وصححه األلباينُّ يف ِّ‬
‫َّ‬ ‫مستدركه (‪،)2072‬‬
‫التَّرغيب والتَّرهيب (‪.)1473‬‬
‫(((  زاد المعاد (‪.)188/1‬‬
‫‪349‬‬ ‫‪ -57‬أذكار التَّوجُّه للمسجد ودخوله واخلروج منه‬

‫‪57‬‬

‫أذكار التَّو ُّجه للمسجد‬


‫ودخوله واخلروج منه‬

‫متطه ًرا؛ ف َع ْن َأبِي‬ ‫ِّ‬ ‫ستحب للمسلم إذا خرج من بيته للمسجد أن يخرج‬ ‫ُّ‬ ‫ُي‬
‫ت ِم ْن‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ‪« :‬من َت َطهر فِي بيتِ ِه ُثم م َشى إِ َلى بي ٍ‬ ‫ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َْ‬ ‫َ ْ َّ َ َ ْ َّ َ‬
‫َت خ ْط َوتَا ُه إِ ْحدَ ُاه َما ت َُح ُّط َخطِي َئ ًة‬ ‫ض اهَّللِ؛ كَان ْ‬‫يض ًة ِم ْن َف َرائِ ِ‬‫وت اهَّلل ِ لِ َي ْق ِض َي َفرِ َ‬ ‫بي ِ‬
‫ُُ‬
‫َو ْالُ ْخ َرى ت َْر َف ُع َد َر َجةً»‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ول اهللِ ﷺ‬ ‫ب ْب ِن ُع ْج َر َة ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬ ‫وأل ُيش ِّبك بين أصابعه؛ ف َع ْن َك ْع ِ‬ ‫َّ‬
‫ج ِد َف َل‬ ‫َق َال‪« :‬إِ َذا ت ََو َّض َأ َأ َحدُ ك ُْم َف َأ ْح َس َن ُو ُضو َء ُه‪ُ ،‬ث َّم َخ َر َج َع ِامدً ا إِ َلى ا ْل َم ْس ِ‬
‫ِّرمذي(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫ُي َش ِّبك ََّن َب ْي َن َأ َصابِ ِع ِه؛ َفإِ َّن ُه فِي َص َل ٍة»‪ .‬رواه الت‬
‫ول اهَّللِ‬‫وأل يسعى سعيا‪ ،‬بل يمشي مشيا؛ فعن َأبي ُهر ْير َة ‪َ I‬ع ْن رس ِ‬ ‫َّ‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫السكِينَةُ‪َ ،‬ف َما‬ ‫ون َو َع َل ْيك ُُم َّ‬‫ُوها َو َأ ْنت ُْم ت َْم ُش َ‬ ‫ِ‬
‫الص َلة َف ْأت َ‬‫ي بِ َّ‬
‫ِ‬
‫ﷺ أنَّه َق َال‪« :‬إِ َذا نُود َ‬
‫َأ ْد َر ْكت ُْم َف َص ُّلوا َو َما َفا َتك ُْم َف َأتِ ُّموا»‪ .‬رواه مسلم(‪.)3‬‬
‫َّبي‬ ‫َّ‬
‫ُحب له أن ُيقدِّ م قدمه اليمنى؛ ألن الن َّ‬ ‫ثم إذا وصل إلى باب المسجد است َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫َّيمن؛ ف َع ْن َعائِ َش َة ‪َ J‬قا َل ْت‪« :‬ك َ‬
‫ب‬ ‫َان النَّبِ ُّي ﷺ ُيح ُّ‬ ‫حب الت ُّ‬
‫‪ُ O‬ي ُّ‬
‫ور ِه َو َت َر ُّجلِ ِه َو َتنَ ُّعلِ ِه» متَّفق عليه(‪.)4‬‬
‫اع فِي َش ْأنِ ِه ُك ِّل ِه فِي ُط ُه ِ‬
‫اس َت َط َ‬
‫ال َّت َي ُّم َن َما ْ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)666‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)386‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)602‬‬
‫البخاري (‪ ،)426‬ومسلم (‪.)268‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪350‬‬

‫ثم يأتي باألذكار المأثورة لدخول المسجد‪ ،‬وسيأيت إيرادها‪.‬‬


‫َّ‬
‫وإذا دخل المسجد ُيبادر إلى أداء تح َّية المسجد‪ ،‬فعن َأبي َقتَا َد َة ْبن ِر ْب ِع ٍّي‬
‫جدَ َف َل َي ْج ِل ْس‬ ‫ار ِّي ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال النَّبِي ﷺ‪« :‬إِ َذا َد َخ َل َأ َحدُ ك ُُم ا ْل َم ْس ِ‬
‫ُّ‬
‫ْالن َْص ِ‬
‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫َحتَّى ُي َص ِّل َي َر ْك َع َت ْي ِن»‪ .‬رواه‬
‫ثم إذا جلس يف المسجد عليه أن يجلس متأ ِّد ًبا بآداب المسجد‪ ،‬ويشغل‬
‫َّ‬
‫يقربه من اهلل ‪ D‬وينال به رحمته؛ ألنَّه قال ‪-‬وهو يدخل مع‬
‫وقته فيه بما ِّ‬
‫الرحمة تحتاج إلى‬
‫باب المسجد‪« :-‬وافتح لي أبواب رحمتك»‪ ،‬وأبواب َّ‬
‫وحسن صلة باهلل ‪ F‬وقيام بطاعته‪ ،‬بأن ُيعنى‬ ‫وحسن تع ِّبد ُ‬
‫وتقرب ُ‬ ‫عمل ُّ‬
‫والصالة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫باألعمال ا َّلتي ُتدنيه من رحمة اهلل؛ كتالوة القرآن‪ ،‬وكثرة ِّ‬
‫الذكر‪،‬‬
‫وحضور حلق العلم ومجالس ِّ‬
‫الذكر‪.‬‬
‫الص َلة‪،‬‬ ‫منتظرا َّ‬
‫ً‬ ‫وأن يحتسب خطواته ا َّلتي خطاها إلى المسجد وجلوسه فيه‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َق َال‪َ :‬‬
‫«أ َل َأ ُد ُّلك ُْم َع َلى َما َي ْم ُحو اهَّللُ بِ ِه‬ ‫ف َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهَّللِ‪َ .‬ق َال‪« :‬إِسبا ُغ ا ْلو ُض ِ‬
‫وء‬ ‫ات؟» َقا ُلوا َب َلى َيا َر ُس َ‬ ‫ا ْلخَ َطايا وير َفع بِ ِه الدَّ رج ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َْ ُ‬
‫الص َل ِة َف َذلِك ُُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجد‪َ ،‬وانْت َظ ُار َّ‬
‫الص َلة َب ْعدَ َّ‬
‫َار ِه‪ ،‬و َك ْثر ُة ا ْلخُ َطا إِ َلى ا ْلمس ِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َع َلى ا ْل َمك ِ َ َ‬
‫اط»‪ .‬رواه مسلم(‪.)2‬‬ ‫الر َب ُ‬
‫ِّ‬
‫متوج ًها إلى المسجد أن يدعو بما ورد يف‬ ‫ِّ‬ ‫ستحب له إذا خرج من بيته‬ ‫ُّ‬ ‫وي‬
‫ُ‬
‫الص َل ِة َو ُه َو َي ُقول‪:‬‬
‫اس ‪َ L‬أ َّن النَّبِ َّي ﷺ َخ َر َج إِ َلى َّ‬ ‫حديث َع ْب ِد اهلل ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اج َع ْل‬
‫ُورا‪َ ،‬و ْ‬‫اج َع ْل في َس ْمعي ن ً‬ ‫ُورا‪َ ،‬و ْ‬
‫ُورا‪َ ،‬وفي ل َساني ن ً‬ ‫اج َع ْل في َق ْلبِي ن ً‬ ‫«ال َّل ُه َّم ْ‬
‫اج َع ْل ِم ْن َف ْو ِقي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُورا‪َ ،‬وم ْن َأ َمامي ن ً‬
‫ُورا‪َ ،‬و ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اج َع ْل م ْن َخ ْلفي ن ً‬ ‫ُورا‪َ ،‬و ْ‬ ‫في َب َصرِي ن ً‬
‫ِ‬

‫البخاري (‪.)1163‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)251‬‬
‫‪351‬‬ ‫‪ -57‬أذكار التَّوجُّه للمسجد ودخوله واخلروج منه‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُورا‪ ،‬ال َّل ُه َّم َأ ْعطني ن ً‬
‫ُورا»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫ُورا‪َ ،‬وم ْن ت َْحتي ن ً‬
‫ن ً‬
‫والدُّ عاء هبذا الدُّ عاء العظيم عند الخروج إلى المسجد يف غاية المناسبة؛‬
‫ُور»‬‫«والص َل ُة ن ٌ‬ ‫الصالة أنَّها نور‪ ،‬قال ﷺ‪:‬‬ ‫َّبي ‪ O‬أخرب عن َّ‬ ‫َّ‬
‫َّ‬ ‫ألن الن َّ‬
‫ِ ِ‬
‫رواه مسلم(‪ ،)2‬و َع ْن َع ْبد اهلل ْب ِن َع ْم ٍرو ‪َ L‬ع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َأ َّن ُه َذك ََر َّ‬
‫الص َل َة‬
‫ُورا َو ُب ْر َهانًا َون ََجا ًة َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة‪َ ،‬و َم ْن َل ْم‬ ‫«م ْن َحا َف َظ َع َل ْي َها كَان ْ‬
‫َت َل ُه ن ً‬ ‫َي ْو ًما‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬
‫ون‬‫َان َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة َم َع َق ُار َ‬‫ان َو َل ن ََجاةٌ‪َ ،‬وك َ‬ ‫ُور َو َل ُب ْر َه ٌ‬ ‫ِ‬
‫ُي َحاف ْظ َع َل ْي َها َل ْم َيك ُْن َل ُه ن ٌ‬
‫ف»‪ .‬رواه أحمد(‪.)3‬‬ ‫ان و ُأبي ب ِن َخ َل ٍ‬ ‫ِ‬
‫َوف ْر َع ْو َن َو َه َام َ َ َ ِّ ْ‬
‫لمن خرج إلى هذا النَّور أن يسأل اهلل‬ ‫ُحب َ‬
‫نورا است َّ‬
‫الصالة ً‬
‫فلما كانت َّ‬
‫َّ‬
‫ً‬
‫سؤال تفصيل ًّيا‪ ،‬بحيث‬ ‫أيضا سؤاله النُّور‬
‫النُّور يف طريقه إليها‪ ،‬وأن يكون ً‬
‫كل جانب‪ .‬قال ابن‬ ‫كل أجزائه وجميع أعضائه ويحيط به من ِّ‬ ‫يشمل النُّور َّ‬
‫ذراته ال َّظاهرة والباطنة‪،‬‬
‫الق ِّيم ‪« :V‬فسأل ر َّبه ‪ F‬أن يجعل النُّور يف َّ‬
‫وأن يجعله محي ًطا به من جميع جهاته‪ ،‬وأن يجعل ذاته وجملته ً‬
‫نورا»(‪.)4‬‬
‫ول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا‬ ‫َو َع ْن َأبِي ُح َم ْي ٍد َأ ْو َع ْن َأبِي ُأ َس ْي ٍد ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫اب َر ْح َمتِ َ‬
‫ك»‪َ ،‬وإِ َذا َخ َر َج‬ ‫ِ‬
‫جدَ َف ْل َي ُقل‪« :‬ال َّل ُه َّم ا ْفت َْح لي َأ ْب َو َ‬ ‫َد َخ َل َأ َحدُ ك ُُم ا ْل َم ْس ِ‬
‫ك»‪ .‬رواه مسلم(‪.)5‬‬ ‫ك ِم ْن َف ْض ِل َ‬ ‫َف ْل َي ُقل‪ :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫أن هذه الكلمات ُتقال حال‬ ‫قوله‪« :‬إِ َذا‪َ  ‬د َخ َل َأ َحدُ ك ُُم ا ْل َم ْس ِ‬
‫جدَ »‪ ،‬هذا يفيد َّ‬
‫الدُّ خول عند باب المسجد‪.‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)763‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)223‬‬
‫(((  رواه أحمد (‪.)6576‬‬
‫الص ِّيب (ص‪.)50‬‬
‫(((  الوابل َّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)713‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪352‬‬

‫ك»؛ َّ‬
‫لعل الحكمة يف‬ ‫اب َر ْح َمتِ َ‬ ‫ِ‬
‫وقوله عند الدُّ خول‪« :‬ال َّل ُه َّم ا ْفت َْح لي َأ ْب َو َ‬
‫والصالة ِّ‬
‫والذكْر‪ ،‬وهذه‬ ‫َّ‬ ‫داخل للعبادة وال َّطاعة‬ ‫ٌ‬ ‫أن الدَّ اخل للمسجد‬‫ذلك‪َّ :‬‬
‫أمور ُتف َعل طل ًبا لرحمة اهلل؛ فناسب عند الدُّ خول أن يسأل اهلل أن‬
‫ٌ‬ ‫األمور‬
‫يتضمن أن ُيه ِّيئ له من العبادة وال َّطاعة ُ‬
‫وح ْسن‬ ‫َّ‬ ‫الرحمة‪ .‬وهذا‬
‫يفتح له أبواب َّ‬
‫الخشوع والتذ ُّلل يف بيت اهلل ما ينال به رحمة اهلل‪.‬‬
‫ويدخل يف سؤال اهلل ‪ C‬أن يفتح أبواب رحمته‪ :‬أن يفتح له أبواب‬
‫للصالة بخشوع وطمأنينة‪ ،‬وأن‬ ‫الرحمة؛ بأن يشرح صدره َّ‬‫الربِّ ا َّلتي ُتنال هبا َّ‬
‫يشرح صدره للجلوس يف ِحلق العلم واالستفادة فيها من الفقه يف دين اهلل‪،‬‬
‫وأن يشرح صدره للجلوس لقراءة القرآن وتد ُّبر معانيه‪ ،‬والجلوس لذكر اهلل‬
‫فكل هذه المعاين تدخل تحت هذه الدَّ عوة‪ ،‬فهي‬ ‫‪ D‬دون سآمة أو ملل‪ُّ ،‬‬
‫أيضا إلى أشياء مساندة‬
‫أبواب وليست با ًبا واحدً ا‪ ،‬ونيل هذه األبواب يحتاج ً‬
‫ٌ‬
‫تقدَّ مت اإلشارة إليها؛ َّأل يأيت وهو يسعى‪ ،‬بل يأيت مش ًيا وهو مالزم َّ‬
‫السكينة‪،‬‬
‫ً‬
‫مجال رح ًبا‬ ‫وال يش ِّبك بين أصابعه‪ ،‬إلى غير ذلك من اآلداب ا َّلتي ُته ِّيئ له‬
‫للرحمة‪.‬‬
‫لينال من هذه األبواب العظيمة َّ‬
‫السبب ا َّلذي ينال به رحمة اهلل‪ ،‬بمجاهدة نفسه‬
‫ثم عليه بعد ذلك أن يبذل َّ‬ ‫َّ‬
‫على فعل ال َّطاعات وال ُق َرب ا َّلتي ينال هبا هذه َّ‬
‫الرحمة‪.‬‬
‫ك ِم ْن َف ْض ِل َ‬
‫ك»؛‬ ‫وأ َّما عند الخروج فالمشروع أن يقول‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫ألن المسلم إذا خرج من المسجد سيخرج لحاجاته ومصالحه من أمور ُدنياه؛‬ ‫َّ‬
‫ب أن يسأل اهلل ‪ F‬أن يفتح له أبواب ال َف ْضل‪.‬‬
‫فناس َ‬
‫َ‬
‫وعن أنس بن مالك ‪ I‬قال‪« :‬كان رسول اهلل ﷺ إذا دخل المسجدَ‬
‫بس ِم اهللِ‪ ،‬ال َّل ُه َّم َص ِّل‬ ‫بس ِم اهللِ‪ ،‬ال َّل ُه َّم َص ِّل َع َلى ُم َح َّمد‪َ ،‬وإذا َخ َر َج َ‬
‫قال‪ْ :‬‬ ‫قال‪ْ :‬‬
‫‪353‬‬ ‫‪ -57‬أذكار التَّوجُّه للمسجد ودخوله واخلروج منه‬

‫السن ِِّّي يف عمل اليوم وال َّليلة(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬


‫َع َلى ُم َح َّمد»‪ .‬رواه ابن ُّ‬
‫الم ْس ِ‬
‫جدَ‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ I‬عن النَّبِ ِّي ﷺ أنَّه قال‪« :‬إِذا َد َخ َل َأ َحدُ ك ُُم َ‬
‫ك»‪َ ،‬وإِ َذا َخ َر َج فل ُيس ِّلم‬ ‫اب َر ْح َمتِ َ‬ ‫ِ‬
‫فل ُيس ِّلم على النَّبِ ِّي َو ْل َي ُق ْل‪ :‬ال َّل ُه َّم ا ْفت َْح لي َأ ْب َو َ‬
‫َّسائي وابن ماجه‬ ‫على النَّبِي َو ْل َي ُق ْل‪ :‬ال َّل ُه َّم ا ْع ِص ْمنِي ِم َن َّ َ ِ‬
‫الش ْيطان»‪ .‬رواه الن ُّ‬ ‫ِّ‬
‫َ ِ (‪)3‬‬
‫الش ْيطان» ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والحاكم ‪ ،‬وجاء يف بعض رواياته‪« :‬ال َّل ُه َّم َباعدْ ني م َن َّ‬ ‫(‪)2‬‬

‫لت‪:‬‬ ‫والتَّسمية استعان ٌة باهلل‪ ،‬والباء يف قول «بِ ْس ِم اهلل ِ» باء االستعانة‪ ،‬فإذا ُق َ‬
‫«بِ ْس ِم اهللِ» عند دخول المسجد‪ ،‬فالمعنى‪ :‬أدخل مستعينًا باهلل‪ ،‬طال ًبا مدده‬
‫وتوفيقه ‪.F‬‬
‫حق من حقوقه‬ ‫ول اهلل ِ ﷺ» عند الدُّ خول‪ ،‬هذا ٌّ‬ ‫الص َل ُة َوالس َلم َع َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫«و َّ‬ ‫َ‬
‫ألن اهلل قد جعله واسط ًة وسب ًبا يف معرفة هذه ال َّطاعات العظيمة ا َّلتي‬ ‫المتأكِّدة؛ َّ‬
‫ُتنال هبا رحمة اهلل‪.‬‬
‫َان إِ َذا َد َخ َل‬ ‫اص ‪َ L‬ع ِن النَّبِي ﷺ َأ َّن ُه ك َ‬ ‫َو َع ْن َع ْب ِد اهلل ْب ِن َع ْم ِرو ْب ِن ا ْل َع ِ‬
‫ِّ‬
‫«أ ُعو ُذ بِاهلل ِ ا ْل َعظِيمِ‪َ ،‬وبِ َو ْج ِه ِه ا ْل َكرِيمِ‪َ ،‬و ُس ْل َطانِ ِه ا ْل َق ِديمِ‪ِ ،‬م َن‬ ‫جدَ َق َال‪َ :‬‬ ‫ا ْلمس ِ‬
‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‪ُ :‬حف َظ منِّي َسائ َر ا ْل َي ْو ِم»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الر ِجيمِ»‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬فإِ َذا َق َال َذل َك‪َ ،‬ق َال َّ‬
‫الش ْي َط ُ‬ ‫الش ْي َط ِ‬
‫َّ‬
‫ان َّ‬
‫رواه أبو داود(‪.)4‬‬
‫الرجيم عند‬ ‫َّعوذ باهلل من َّ‬
‫الشيطان َّ‬ ‫وهذا الحديث ُّ‬
‫يدل على مشروع َّية الت ُّ‬
‫الشيطان أحرص ما يكون على إغواء‬ ‫أن َّ‬‫دخول المسجد‪ ،‬والحكمة يف ذلك‪َّ :‬‬
‫العبد يف صالته وإشغاله فيها‪ ،‬حتَّى تنتهي وما عقل شي ًئا منها‪.‬‬
‫وحسـنه األلبـاينُّ يف تخريـج الكلـم‬‫َّ‬ ‫السـن ِِّّي يف عمـل اليـوم وال َّليلـة (‪،)88‬‬
‫(((  رواه ابـن ُّ‬
‫ال َّط ِّيـب (ص‪.)64‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫السنن الكربى (‪ ،)9838‬وابن ماجه (‪،)773‬‬ ‫َّسائي يف ُّ‬‫(((  رواه الن ُّ‬
‫السنن الكربى (‪ ،)9838‬ويف عمل اليوم وال َّليلة (‪.)90‬‬ ‫َّسائي يف ُّ‬‫(((  رواه الن ُّ‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)466‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪354‬‬

‫وتأ َّمل هذا الفضل العميم ا َّلذي يناله َمن يأيت هبذا الت ُّ‬
‫َّعوذ؛ وهو‪ :‬أنَّه ُيحفظ‬
‫الشيطان سائر اليوم‪ ،‬أي‪ :‬يومه ك ِّله‪.‬‬‫من َّ‬
‫الشيطان عند الدُّ خول‪،‬‬ ‫َّعوذ باهلل من َّ‬ ‫وقد أفاد هذا الحديث مشروع َّية الت ُّ‬
‫الشيطان عند الخروج من المسجد‪ .‬والحكمة‬ ‫َّعوذ من َّ‬
‫وقد تقدَّ م مشروع َّية الت ُّ‬
‫الشيطان عند دخول المسجد‪ :‬أن يسلم العبد من وساوسه‬ ‫َّعوذ باهلل من َّ‬‫من الت ُّ‬
‫ماسة إلى هذا‬ ‫والذكر ومجالس العلم‪ ،‬وأ َّما عند الخروج؛ فالحاجة َّ‬ ‫الصالة ِّ‬ ‫يف َّ‬
‫ألن العبد إذا خرج من بيت اهلل ُمص ِّل ًيا‪ ،‬راك ًعا‪ ،‬ساجدً ا‪ ،‬تال ًيا‪ً ،‬‬
‫ذاكرا‪،‬‬ ‫َّعوذ؛ َّ‬ ‫الت ُّ‬
‫الشيطان يريد أن يمحو أثر هذا الخير‪ ،‬وأن يوقِعه‬ ‫الرحمة‪َّ ،‬‬
‫فإن َّ‬ ‫حص ًل أبواب َّ‬ ‫ُم ِّ‬
‫فوت نصيبه‬ ‫حريص على العبد يف دخوله للمسجد ل ُي ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫يف المساءة‪ ،‬فهو كما أنَّه‬
‫الرحمة‪ ،‬فهو كذلك حريص عليه عند خروجه من المسجد ليأخذ به إلى‬ ‫من َّ‬
‫أبواب َّ‬
‫الش ِّر‪.‬‬
‫الروايات‪ :‬أن يقول المسلم عند دخوله‬ ‫إن مجموع ما د َّلت عليه هذه ِّ‬ ‫ثم َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫المسجد‪« :‬بِس ِم اهللِ‪ ،‬والص َل ُة والس َلم ع َلى رس ِ ِ‬
‫اب‬‫ول اهلل‪ ،‬ال َّل ُه َّم ا ْفت َْح لي َأ ْب َو َ‬ ‫َ َّ ُ َ َ ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫ْ‬
‫الش ْي َط ِ‬
‫ان‬ ‫ك‪َ ،‬أ ُعو ُذ بِاهلل ِ ا ْل َعظِيمِ‪َ ،‬وبِ َو ْج ِه ِه ال َكرِيمِ‪َ ،‬وبِ ُس ْل َطانِ ِه ال َق ِدي ِم ِم َن َّ‬ ‫َر ْح َمتِ َ‬
‫الص َل ُة َوالس َلم َع َلى رس ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫الر ِجيمِ»‪ .‬وأن يقول عند الخروج‪« :‬بِ ْس ِم اهلل‪َ ،‬و َّ‬ ‫َّ‬
‫ان»؛ فهذه أكمل‬ ‫الش ْي َط ِ‬ ‫ك‪ ،‬ال َّل ُه َّم ا ْع ِص ْمنِي ِم َن َّ‬ ‫ك ِم ْن َف ْض ِل َ‬ ‫اهللِ‪ ،‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫الصيغ من مجموع األد َّلة ا َّلتي وردت يف هذا الباب‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫‪355‬‬ ‫‪ -58‬أذكار األذان (‪)1‬‬

‫‪58‬‬

‫أذكار األذان (‪)1‬‬

‫ٌ‬
‫مشتمل على‬ ‫الصالة‪ -‬ندا ٌء عظيم‬
‫األذان ‪-‬وهو اإلعالم بدخول وقت َّ‬
‫للصالة‪ ،‬والمناداة لثواهبا وما يرت َّتب‬
‫التَّوحيد والتَّكبير والتَّعظيم هلل‪ ،‬والمناداة َّ‬
‫ٍ‬
‫وإخالص هلل‪ ،‬وقد‬ ‫ٍ‬
‫وتوحيد‬ ‫ٍ‬
‫إيمان‬ ‫كلمات‬
‫ُ‬ ‫عليها من الخير؛ فهو ندا ٌء مبارك‪،‬‬
‫َّبي الكريم ‪.O‬‬
‫ورد يف فضله أحاديث عن الن ِّ‬
‫«ل‬
‫ول‪َ :‬‬ ‫ول اهلل ﷺ َي ُق ُ‬ ‫يد ا ْل ُخدْ ِر ِّي ‪َ I‬قال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫َعن َأبِي س ِع ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ت ا ْل ُم َؤ ِّذ ِن ِج ٌّن َو َل إِن ٌْس َو َل َش ْي ٌء إِ َّل َش ِهدَ َل ُه َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة»‪.‬‬
‫يسمع مدَ ى صو ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َْ َ ُ َ‬
‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫رواه‬
‫كل َمن يسمع صوت‬ ‫«إل َش ِهدَ َل ُه َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة»‪ ،‬أي‪ :‬شهد له بذلك ُّ‬
‫قوله‪َّ :‬‬
‫المؤ ِّذن؛ بأن ُينطقه اهلل ‪ F‬يوم القيامة َّ‬
‫بالشهادة له‪ ،‬فتشهد له الجبال‪،‬‬
‫وكل َمن يسمع صوته يشهدون‬ ‫وتشهد له األشجار‪ ،‬ويشهد له الج ُّن واإلنس‪ُّ ،‬‬
‫هتليل‬ ‫المدوي ا َّلذي ينادي َّ‬
‫للصالة ً‬ ‫ِّ‬ ‫والصوت‬‫له يوم القيامة هبذا النِّداء ال َّط ِّيب َّ‬
‫«مدَ ى َص ْوتِ ِه»‪ ،‬أي‪ :‬قدر ما يبلغه صوت‬
‫وتعظيما هلل ‪ .F‬وقوله‪َ :‬‬ ‫ً‬ ‫وتكبيرا‬
‫ً‬
‫المؤ ِّذن‪.‬‬
‫البخاري ومسلم عن أبي هريرة ‪َّ I‬‬
‫أن‬ ‫ُّ‬ ‫‪ ‬ومن فضائل األذان‪ :‬ما رواه‬
‫ف ْالَ َّو ِل‪ُ ،‬ث َّم َل ْم َي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جدُ وا‬ ‫الص ِّ‬ ‫رسول اهلل ﷺ قال‪َ « :‬ل ْو َي ْع َل ُم الن ُ‬
‫َّاس َما في النِّدَ اء َو َّ‬
‫البخاري (‪.)609‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪356‬‬

‫جيرِ َل ْس َت َب ُقوا إِ َل ْي ِه‪َ ،‬و َل ْو‬


‫ون َما فِي الت َّْه ِ‬ ‫إِ َّل َأ ْن َي ْست َِه ُموا َع َل ْي ِه َل ْست ََه ُموا‪َ ،‬و َل ْو َي ْع َل ُم َ‬
‫الص ْبحِ َلَت َْو ُه َما َو َل ْو َح ْب ًوا»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫يع َلم َ ِ‬
‫ون َما في ا ْل َعت ََمة َو ُّ‬ ‫َْ ُ‬
‫االقرتاع‪.‬‬
‫ُ‬ ‫واالستها ُم‪:‬‬
‫َّهجير‪ :‬التَّبكير إلى صالة ال ُّظهر‪ ،‬وقيل‪ :‬إلى ِّ‬
‫كل صالة‪.‬‬ ‫والت ُ‬
‫والعتمة‪ :‬صالة ِ‬
‫العشاء‪.‬‬
‫البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة‬ ‫ُّ‬ ‫‪ ‬ومن فضائل األذان‪ :‬ما رواه‬
‫اط َحتَّى‬ ‫ان َل ُه ُض َر ٌ‬ ‫لص َل ِة َأ ْد َب َر َّ‬
‫الش ْي َط ُ‬ ‫ُود ِ‬
‫ي ل َّ‬
‫ِ‬
‫أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َذا ن َ‬ ‫‪َّ I‬‬
‫الص َل ِة َأ ْد َب َر‪َ ،‬حتَّى إِ َذا‬
‫ين َأ ْق َب َل‪َ ،‬حتَّى إِ َذا ُث ِّو َب بِ َّ‬
‫ِ‬
‫ين‪َ ،‬فإِ َذا ُقض َي الت َّْأ ِذ ُ‬
‫َل َي ْس َم َع الت َّْأ ِذ َ‬
‫ول َل ُه‪ :‬ا ْذك ُْر ك ََذا َوا ْذك ُْر‬ ‫يب َأ ْق َب َل‪َ ،‬حتَّى َيخْ طِ َر َب ْي َن ا ْل َم ْر ِء َو َن ْف ِس ِه َي ُق ُ‬
‫ُقض َي ال َّت ْث ِو ُ‬
‫ِ‬
‫الر ُج ُل َما َيدْ ِري ك َْم َص َّلى»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ََذا ل َما َل ْم َيك ُْن َي ْذك ُُر م ْن َق ْب ُل‪َ ،‬حتَّى َي َظ َّل َّ‬
‫الشيطان‪ ،‬وأنَّه إذا سمعه و َّلى هار ًبا‬
‫أن األذان يطر ُد َّ‬‫دل الحديث على َّ‬ ‫وقد َّ‬
‫نفورا عن سماعه‪ ،‬فإذا ُقضي‬ ‫حتَّى ال يسمع التَّأذين‪ ،‬فهو حينما يسمعه يهرب ً‬
‫موسوسا؛ ل ُيفسد على المص ِّلي صالته‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يرجع‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يمر بين المرء ونفسه‬ ‫الم ْرء َو َن ْفسه»‪ ،‬أي‪ :‬حتَّى َّ‬
‫«حتَّى َيخْ ط َر َب ْي َن َ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫فيحول بينه وبين ما يريده منها من اإلقبال على صالته‪ ،‬والخشوع فيها‪ ،‬وضبط‬
‫ما قضى منها وما بقي عليه‪ ،‬فيقول له‪« :‬اذكر كذا‪ ،‬اذكر كذ» لما لم يكن ذكره‬
‫يف صالته فيشغله بذلك عنها حتَّى يبقى متح ِّي ًرا ال يدري كم ص َّلى‪.‬‬
‫والنُّصوص يف فضل األذان كثيرة‪.‬‬
‫ول اهلل ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا َس ِم ْعت ُُم النِّدَ ا َء‬
‫الخدري ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫ِّ‬ ‫َو َع ْن أبي سعيد‬
‫البخاري (‪ ،)615‬ومسلم (‪.)437‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫البخاري (‪ ،)608‬ومسلم (‪.)389‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪357‬‬ ‫‪ -58‬أذكار األذان (‪)1‬‬

‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫َف ُقو ُلوا ِم ْث َل ما َي ُق ُ‬
‫ول ا ْل ُم َؤ ِّذ ُن»‪ .‬رواه‬
‫كل َمن سمع النِّداء‪ ،‬أ ًّيا كان عمله وقت النِّداء؛ ُّ‬
‫فكل‬ ‫حق ِّ‬
‫هذا ُيشرع يف ِّ‬
‫شيء يتو َّقف‪ ،‬و َينشغل المرء بسماع النِّداء وباإلجابة؛ إذا كان يلقي ً‬
‫علما‪ ،‬أو‬
‫فكل هذه األعمال تتو َّقف‪ ،‬فأفضل عمل تقوم‬ ‫يقرأ ُقرءانًا‪ ،‬أو يس ِّبح ويذكر اهلل‪ُّ ،‬‬
‫به وقت النِّداء سماع األذان‪ ،‬وأن تقول مثلما يقول المؤ ِّذن‪ ،‬فهو أفضل من‬
‫تالوة القرآن‪ ،‬وأفضل من قول‪« :‬سبحان اهلل‪ ،‬والحمد هلل‪ ،‬وال إله َّإل اهلل‪ ،‬واهلل‬
‫أحب الكالم إلى اهلل‪ ،‬وأفضل من الكالم يف مسائل العلم وبيان‬ ‫أكرب» ا َّلتي هي ُّ‬
‫الدِّ ين‪ ،‬فكيف بما هو دون ذلك!‬
‫كل ٍ‬
‫وقت‬ ‫أن األفضل يف ِّ‬ ‫وهذا مبني على قاعدة ذكرها العلماء‪ ،‬وهي‪َّ :‬‬
‫ٌّ‬
‫للصالة فأفضل شيء تفعله‬ ‫للسنَّة يف ذلك الوقت‪ ،‬فإذا نادى المنادي َّ‬ ‫األوفق ُّ‬
‫ُ‬
‫أن تستمع وتقول مثلما يقول‪ ،‬وهذا فيه فائدة عظيمة وثواب عظيم‪ ،‬وسيأيت يف‬
‫أيضا ثمار مباركة على المسلم‪.‬‬ ‫أن َمن فعل ذلك دخل الجنَّة‪ .‬وفيه ً‬ ‫الحديث َّ‬
‫وهذا يجده العبد من نفسه عندما يحسن االستماع للمؤ ِّذن وير ِّدد معه‪،‬‬
‫وفرق بين من كان كذلك وبين من يشتغل بأموره غير ِ‬
‫مبال بالمؤ ِّذن‪ ،‬وغير‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مر ِّد ٍد معه‪ .‬و َمن ينظر إلى حال نفسه إذا أحسن االستماع والتَّرديد مع المؤ ِّذن‪،‬‬
‫ألن هذا االستماع والتَّرديد‬ ‫وحاله إذا لم يفعل ذلك يجد الفرق شاس ًعا؛ َّ‬
‫وتبكيرا‬
‫ً‬ ‫وتحركًا وشو ًقا له‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ُيكسب القلب سكونًا وطمأنينةً‪ ،‬وح ًّبا للمسجد‪،‬‬
‫الذهاب إليه‪ ،‬إلى غير ذلك من الخيرات الكثيرة ا َّلتِي تنشأ عن هذا االستماع‬ ‫يف َّ‬
‫فإن غالب َمن يأتون إلى المساجد واإلمام راكع أو يف هناية‬ ‫والتَّرديد‪ .‬ولهذا َّ‬
‫الصالة لم َي ْر َع ْوا لألذان اهتما ًما‪ ،‬و َمن يأتون المساجد ُمب ِّكرين؛ فلسماع‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫فرط يف هذه‬ ‫أثر يف ذلك‪ ،‬فما ينبغي للمسلم أن ُي ِّ‬ ‫األذان والتَّرديد مع المؤ ِّذن ٌ‬
‫حصلها عندما يستمع للمؤ ِّذن وير ِّدد معه‪.‬‬ ‫الخيرات العظيمة ا َّلتي ُي ِّ‬
‫البخاري (‪ ،)611‬ومسلم (‪.)383‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪358‬‬

‫أن المشروع للمسلم عندما يسمع‬ ‫ينبه عليه في هذا املقام‪َّ :‬‬ ‫ومما َّ‬
‫‪َّ ‬‬
‫النِّداء أن يقول مثل ما يقول المؤ ِّذن تما ًما بدون زيادة وال نقصان‪َّ ،‬إل عند‬
‫قوة َّإل باهلل»‪ ،‬لك َّن بعض النَّاس ُيك ِّلف نفسه بعض‬
‫الحيعلة يقول «ال حول وال َّ‬
‫مثل عند قول المؤ ِّذن «اهلل أكرب»‪ ،D :‬أو ح ًّقا أو نحو‬ ‫الزيادات‪ ،‬فيقول‪ً ،‬‬
‫ِّ‬
‫فيفرط يف المشروع ويشتغل بما لم ُيشرع‪.‬‬
‫ذلك من األلفاظ‪ِّ ،‬‬
‫ويحسن بالمسلم عندما ير ِّدد مع المؤ ِّذن كلمات األذان أن يستحضر‬
‫وأل تكون معاملته مع هذه األلفاظ معامل ًة لفظ َّي ًة َّ‬
‫مجردة‪ ،‬بل عليه‬ ‫معانيها‪َّ ،‬‬
‫و«حي‬
‫َّ‬ ‫أن يستحضر المعاين‪ ،‬فـ«ال إله َّإل اهلل» توحيد‪ ،‬و«اهلل أكرب» تعظيم هلل‪،‬‬
‫و«حي على الفالح» نداء لنيل ثواهبا؛ ليجمع يف‬ ‫َّ‬ ‫للصالة‪،‬‬
‫الصالة» نداء َّ‬
‫على َّ‬
‫الذكر بين ذكر القلب وذكر ال ِّلسان‪.‬‬
‫هذا ِّ‬
‫ول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا َق َال‬ ‫اب ‪َ E‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َو َع ْن ُع َم َر ْب ِن ا ْل َخ َّط ِ‬
‫«أ ْش َهدُ‬ ‫ا ْل ُم َؤ ِّذ ُن‪« :‬اهللُ َأ ْك َب ُر اهللُ َأ ْك َب ُر»‪َ ،‬ف َق َال َأ َحدُ ك ُُم‪ :‬اهللُ َأ ْك َب ُر اهللُ َأ ْك َب ُر‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬‬
‫ول‬ ‫«أ ْش َهدُ َأ َّن ُم َح َّمدً ا َر ُس ُ‬ ‫َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬‬
‫الص َل ِة»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ل‬ ‫«ح َّي َع َلى َّ‬ ‫ول اهلل‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬‬ ‫اهلل»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ َّن ُم َح َّمدً ا َر ُس ُ‬
‫«ح َّي َع َلى ا ْل َف َلحِ »‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل‬ ‫َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل باهلل‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬‬
‫باهلل‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪« :‬اهللُ َأ ْك َب ُر اهللُ َأ ْك َب ُر»‪َ ،‬ق َال‪ :‬اهللُ َأ ْك َب ُر اهللُ َأ ْك َب ُر‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬‬
‫«ل إِ َل َه إِ َّل‬
‫اهللُ»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ ِم ْن َق ْلبِ ِه؛ َد َخ َل ا ْل َجنَّةَ»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫تفصيل لإلجمال ا َّلذي تقدَّ م يف حديث أبي سعيد ‪.I‬‬
‫ٌ‬ ‫هذا الحديث فيه‬
‫وقوله‪« :‬اهلل أكبر» هذا فيه تكبير اهلل ‪ D‬واعتقاد أنَّه ال أكرب منه ‪،D‬‬
‫دي «ما ُي َ‬
‫فرك يا‬ ‫َّبي ﷺ ل َع ٍّ‬ ‫ِّ‬
‫ومعنى‪« :‬اهلل أكبر»‪ ،‬أي‪ :‬من كل شيء‪ ،‬كما قال الن ُّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)385‬‬
‫‪359‬‬ ‫‪ -58‬أذكار األذان (‪)1‬‬

‫عدي‪َ ،‬أ ُي ِف ُّر َك َأ ْن ُي َق ْال‪ :‬اهللُ َأ ْك َب ُر!‪َ ،‬و َه ْل َش ْي ٌء َأ ْك َب ُر ِم ْن اهللِ؟»(‪ .)1‬والبدء بالتَّكبير‬
‫ُّ‬
‫ذهب عن القلب األشياء‬ ‫يف ألفاظ األذان‪ ،‬وكذلك البدء بالتَّكبير يف الصالة ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫اطمأن المرء عند سماع‬ ‫َّ‬ ‫ا َّلتي ك ُبرت يف القلب ومألته واشتدَّ ان ِْه َماكه هبا؛ فإذا‬
‫مستشعرا المعاين والدَّ الالت؛ خرجت هذه األشياء‬ ‫ً‬ ‫األذان ور َّدد مع المؤ ِّذن‬
‫وحل مح َّلها ال ُّطمأنينة والتَّعظيم هلل واالنشغال بذكره سبحانه كما‬
‫من قلبه َّ‬
‫يحب من عباده‪.‬‬
‫ُّ‬
‫«أ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ»‪ ،‬أي‪ُ :‬أقِ ُّر وأعرتف بأن اهلل ‪ D‬هو‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫نفي‬ ‫َّ‬
‫نفي وإثبات؛ ٌ‬ ‫بحق سواه‪ ،‬فـ«ال إله إل اهلل» فيها ٌ‬ ‫بحق وال معبود ٍّ‬ ‫المعبود ٍّ‬
‫خاص يف آخرها للعبود َّية‬
‫ٌّ‬ ‫كل َمن سوى اهلل‪ ،‬وإثبات‬ ‫عا ٌّم يف َّأولها للعبود َّية عن ِّ‬
‫بكل معانيها هلل وحده؛ وهذا هو التَّوحيد‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫بالرسالة‪ ،‬تعني‪:‬‬
‫َّبي ﷺ ِّ‬ ‫ول اهللِ»‪َّ ،‬‬
‫الشهادة للن ِّ‬
‫«أ ْش َهدُ َأ َّن ُم َح َّمدً ا َر ُس ُ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫عما هنى عنه وزجر‪ ،‬كما قال‬‫طاعته فيما أمر‪ ،‬وتصديقه فيما أخرب‪ ،‬واالنتهاء َّ‬
‫اهلل ‪﴿ :E‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ﴾ [النِّساء‪.]64 :‬‬
‫ِ‬
‫هلموا إليها دعوا أعمالكم‪ ،‬واتركوا‬ ‫«ح َّي َع َلى َّ‬
‫الص َلة»‪ ،‬أي‪ُّ :‬‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫لمن سمع النِّداء أن يرتك‬ ‫مصالحكم وأقبِلوا على هذه َّ‬
‫الصالة؛ ولهذا ُيشرع َ‬
‫أعماله وأن يقبل على صالته‪.‬‬
‫«ل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهللِ»‪ ،‬وهي‬
‫السامع أن يقول هنا‪َ :‬‬
‫حق َّ‬
‫و ُيشرع يف ِّ‬
‫عون اهلل ‪ ،D‬فال يمكن أن يص ِّلي وأن َّ‬
‫يتم صالته‬ ‫كلمة استعانة يطلب قائلها َ‬
‫َّإل إذا أعانه اهلل‪.‬‬
‫«ح َّي َع َلى ا ْل َف َلحِ »‪ ،‬المراد بالفالح‪ :‬ال َّثواب واألجر والخير‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2953‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)19381‬والت‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪360‬‬

‫الصالة‪ ،‬والفالح ‪-‬كما قال العلماء‪ -‬أجمع كلمه لحيازة‬ ‫المرت ِّتب على أداء َّ‬
‫خيرات ال‬
‫ٌ‬ ‫الصالة يرت َّتب عليها‬ ‫خير ْي الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬وهذا فيه إشارة إلى َّ‬
‫أن َّ‬ ‫َ‬
‫حدَّ لها وال عدّ ؛ دنيو َّية و ُأخرو َّية‪.‬‬
‫بأن َمن قالها مِ ْن َق ْلبِ ِه َد َخ َل‬
‫ثم ختم النَّبي ‪ O‬هذا الحديث َّ‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫حاضرا‪ ،‬ال أن يقولها المرء بلسانه والقلب‬ ‫ً‬ ‫ا ْل َجنَّةَ؛ فينبغي أن يكون القلب‬
‫غافل‪ ،‬فليس المطلوب أن ُتر َّدد هذه األلفاظ بال ِّلسان مع انشغال القلب‬
‫وانصرافه عنها! بل عليه أن يقولها من قلبه‪ ،‬وذلك باالجتهاد يف طرد الغفلة‪،‬‬
‫للسماع لهذه الدَّ عوة التَّا َّمة العظيمة‬ ‫السماع لألذان‪ ،‬وأن يجمع قلبه َّ‬ ‫وحسن َّ‬
‫المباركة‪ ،‬وأن يقول مثلما يقول المؤ ِّذن مجاهدً ا نفسه على استحضار معاين‬
‫هذه الكلمات العظيمة وهداياهتا القويمة‪ ،‬مح ِّق ًقا يف قلبه ما تقتضيه من التَّوحيد‬
‫بالرسالة‪ ،‬واالستعانة‬ ‫والشهادة هلل بالوحدان َّية‪ ،‬ولنب ِّيه ﷺ ِّ‬ ‫والتَّكبير‪ ،‬والتَّعظيم‪َّ ،‬‬
‫وصدق معه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بإخالص هلل ‪F‬‬ ‫ٍ‬ ‫بالر ِّب ‪ F‬على تحقيق هذه األمور‪،‬‬ ‫َّ‬
‫أصل ال ُبدَّ منه يف‬ ‫ففي قوله‪« :‬من قلبِه» دالل ٌة على اشرتاط اإلخالص؛ ألنَّه ٌ‬
‫قبول األعمال واألقوال ك ِّلها‪.‬‬
‫«دخل الجنَّة» يفيد َّ‬
‫أن سماع األذان والعناية به َّبواب ٌة عظيمة‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫إقبال على األعمال‬ ‫ٍ‬ ‫كريم لنيل الجنَّة بما يفتحه على العبد من‬ ‫ومدخل‬
‫ٌ‬
‫ُ‬
‫والقول كما‬ ‫والقربات النَّافعة ا َّلتي يدعو إليها ُحسن سماع األذان‬
‫ُ‬ ‫الصالحة‬
‫َّ‬
‫يقول المؤ ِّذن‪.‬‬
‫‪361‬‬ ‫‪ -59‬أذكار األذان (‪)2‬‬

‫‪59‬‬

‫أذكار األذان (‪)2‬‬

‫ول‪« :‬إِ َذا‬ ‫اص ‪َ L‬أ َّن ُه َس ِم َع النَّبِي ﷺ َي ُق ُ‬ ‫َع ْن َع ْب ِد اهلل ْب ِن َع ْم ِرو ْب ِن ا ْل َع ِ‬
‫َّ‬
‫ول‪ُ ،‬ث َّم َص ُّلوا َع َل َّي؛ َفإِ َّن ُه َم ْن َص َّلى َع َل َّي َص َل ًة‬ ‫َس ِم ْعت ُُم ا ْل ُم َؤ ِّذ َن َف ُقو ُلوا ِم ْث َل َما َي ُق ُ‬
‫َص َّلى اهللُ َع َل ْي ِه بِ َها َع ْش ًرا‪ُ ،‬ث َّم َس ُلوا اهللَ لِ َي ا ْل َو ِسي َلةَ؛ َفإِن ََّها َمن ِْز َل ٌة فِي ا ْل َجن َِّة َل َتنْ َب ِغي‬
‫ُون َأنَا ُه َو؛ َف َم ْن َس َأ َل لِ َي ا ْل َو ِسي َل َة َح َّل ْ‬ ‫إِ َّل لِعب ٍد ِمن ِعب ِ ِ‬
‫ت َل ُه‬ ‫اد اهَّلل‪َ ،‬و َأ ْر ُجو َأ ْن َأك َ‬ ‫َْ ْ َ‬
‫الش َفا َعةُ»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫َّ‬
‫دل هذا الحديث على‪ :‬أنَّه ُيشرع للمسلم بعد سماعه المؤ ِّذن وقوله مثلما‬ ‫َّ‬
‫َّبي ‪ ،O‬وخير ما ُيؤتى به‬ ‫بالصالة على الن ِّ‬ ‫عقب ذلك َّ‬ ‫يقول؛ أن يأيت َ‬
‫َّبي ‪ O‬أصحابه‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الصال ُة اإلبراهيم َّية التي علمها الن ُّ‬ ‫من ذلك وأفضله‪َّ :‬‬
‫ِ ِ‬
‫ب ْب ُن ُع ْج َرةَ‪،‬‬ ‫عندما سألوه كيف ُيص ُّلون عليه؟ عن ا ْب َن َأبِى َل ْي َلى َق َال َلق َيني َك ْع ُ‬
‫ف‬‫ول اهَّلل ِ ﷺ‪َ ،‬ف ُق ْلنَا َقدْ َع َر ْفنَا َك ْي َ‬ ‫ك َه ِد َّيةً؟ َخ َر َج َع َل ْينَا َر ُس ُ‬ ‫َف َق َال‪َ :‬أ َل ُأ ْه ِدي َل َ‬
‫ك؟ َق َال‪ُ « :‬قو ُلوا ال َّل ُه َّم َص ِّل َع َلى ُم َح َّم ٍد َو َع َلى‬ ‫ف ن َُص ِّلي َع َل ْي َ‬ ‫ن َُس ِّل ُم َع َل ْي َ‬
‫ك َف َك ْي َ‬
‫ار ْك َع َلى‬ ‫جيدٌ ‪ ،‬ال َّل ُه َّم َب ِ‬‫َّك َح ِميدٌ َم ِ‬ ‫يم إِن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َع َلى آل إِ ْب َراه َ‬ ‫آل ُم َح َّم ٍد ك ََما َص َّل ْي َ‬ ‫ِ‬
‫جيدٌ »‪ .‬متَّفق‬ ‫َّك َح ِميدٌ َم ِ‬ ‫يم إِن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْت َع َلى آل إِ ْب َراه َ‬ ‫آل ُم َح َّم ٍد ك ََما َب َارك َ‬ ‫م َحم ٍد َو َع َلى ِ‬
‫ُ َّ‬
‫عليه(‪.)2‬‬
‫علي بالوسيلة‪،‬‬ ‫ن‬
‫َّ‬ ‫يم‬
‫ُ‬ ‫أن‬ ‫اهلل‬ ‫من‬ ‫اطلبوا‬ ‫أي‪:‬‬ ‫َ»‪،‬‬
‫ة‬ ‫قوله‪ُ « :‬ث َّم َس ُلوا اهللَ لِ َي ا ْل َو ِسي َ‬
‫ل‬
‫َّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)384‬‬
‫البخاري (‪ ،)6357‬ومسلم (‪.)406‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪362‬‬

‫السؤال‪ ،‬وستأيت من حديث‬ ‫ٍ‬


‫الصيغة لهذا ُّ‬
‫وقد ب َّين ‪ O‬يف حديث آخر ِّ‬
‫جابر ‪ I‬قري ًبا‪.‬‬
‫قوله‪َ « :‬فإِنَّها من ِْز َل ٌة فِي ا ْلجن َِّة َل َتنْب ِغي إِ َّل لِعب ٍد ِمن ِعب ِ ِ‬
‫اد اهَّلل‪َ ،‬و َأ ْر ُجو َأ ْن َأك َ‬
‫ُون‬ ‫َْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫خصها اهلل ‪ F‬لواحد من‬ ‫َأنَا ُه َو»‪ ،‬أي‪ :‬مكانة ودرجة عالية رفيعة يف الجنَّة َّ‬
‫ُون َأنَا ُه َو»‪ ،‬أي‪ :‬أن أكون صاحب‬
‫«و َأ ْر ُجو َأ ْن َأك َ‬
‫عباد اهلل‪ ،‬قال ‪َ :O‬‬
‫هذه المنزلة‪.‬‬
‫ثم ذكر ال َّثواب ا َّلذي يناله َمن يحافظ على هذه الدَّ عوة العظيمة‪ ،‬قال‪َ « :‬ف َم ْن‬ ‫َّ‬
‫َّبي ‪،O‬‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫شفاعة‬ ‫له‬ ‫ت‬‫ل‬‫الش َفا َعةُ»‪ ،‬أي‪ :‬ح َّ‬
‫َّ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫تَ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫الو ِسي َل َة َح َّ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫َ‬
‫س َأ َل لِ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫لمن ال يشرك‬ ‫وهذا فيه إثبات َّ‬
‫الشفاعة له ﷺ‪ ،‬وأنَّه يشفع ألهل اإلخالص؛ َ‬
‫باهلل شي ًئا‪.‬‬
‫َّبي ‪ُ O‬تنال بأسباب‪ ،‬ويف‬ ‫َّ‬
‫وقد أفاد الحديث أن شفاعة الن ِّ‬
‫الحديث بيان سبب من أسباب نيلها‪ ،‬وأعظم أسباب نيلها أمران‪ ،‬بل أصالن‬
‫َّ‬
‫البد منهما‪:‬‬
‫األول‪ :‬إخالص العبادة هلل ‪F‬؛ ولهذا جاء يف الحديث عن أبي هريرة‬ ‫َّ‬
‫الق َيا َم ِة؟»‬
‫َّاس بِ َش َفا َعتِ َك يوم ِ‬
‫َْ َ‬ ‫ول اهللِ َم ْن َأ ْس َعدُ الن ِ‬ ‫لت َيا َر ُس َ‬ ‫‪ I‬قال‪ُ « :‬ق ُ‬
‫البخاري(‪ .)1‬وروى مسلم‬ ‫ُّ‬ ‫الصا ِم ْن َق ْلبِ ِه»‪ .‬رواه‬ ‫«م ْن َق َال َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ َخ ً‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫ول اهَّللِ ﷺ‪« :‬لِك ُِّل َنبِ ٍّي‬ ‫أيضًا يف صحيحه َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫اخ َت َب ْأ ُت َد ْع َوتِي َش َفا َع ًة ِلُ َّمتِي َي ْو َم‬
‫َد ْع َو ٌة ُم ْست ََجا َب ٌة َف َت َع َّج َل ك ُُّل َنبِ ٍّي َد ْع َو َت ُه‪َ ،‬وإِنِّي ْ‬
‫ات ِم ْن ُأ َّمتِي َل ُي ْشرِ ُك بِاهَّلل ِ َش ْيئًا»(‪.)2‬‬
‫ا ْل ِق َي َام ِة؛ َف ِه َي نَائِ َل ٌة إِ ْن َشا َء اهَّللُ َم ْن َم َ‬
‫البخاري (‪.)6570‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)199‬‬
‫‪363‬‬ ‫‪ -59‬أذكار األذان (‪)2‬‬
‫َّ‬
‫والسير على منهاجه‪ ،‬والقيام باألعمال‬ ‫َّبي ‪َّ ،O‬‬ ‫األمر الثاني‪ :‬اتِّباع الن ِّ‬
‫ب األَ ْس َل ِم ِّي ‪َ I‬ق َال‬ ‫الصالحة ا َّلتي أمر هبا ودعا إليها‪ ،‬عن َربِي َع َة ْب ِن َك ْع ٍ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ َف َأ َتي ُته بِو ُضوئِ ِه وح ِ ِ‬ ‫يت م َع رس ِ‬
‫«س ْل»‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪:‬‬ ‫اجته‪َ ،‬ف َق َال لي‪َ :‬‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ُكن ُْت َأبِ ُ َ َ ُ‬
‫اك»‪َ .‬ق َال‪:‬‬ ‫«ه َو َذ َ‬ ‫ك؟» ُق ْل ُت‪ُ :‬‬ ‫َك فِي ا ْل َجن َِّة»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫«أ َو َغ ْي َر َذلِ َ‬ ‫ك ُم َرا َف َقت َ‬ ‫«أ ْس َأ ُل َ‬‫َ‬
‫ود»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫ك بِ َك ْثر ِة السج ِ‬ ‫« َف َأ ِعنِّي َع َلى َن ْف ِس َ‬
‫َ ُّ ُ‬
‫ِ‬ ‫َو َع ْن َجابِ ِر ْب ِن َع ْب ِد اهلل ‪َ L‬أ َّن َر ُس َ‬
‫ين َي ْس َم ُع‬ ‫«م ْن َق َال ح َ‬ ‫ول اهلل ﷺ َق َال‪َ :‬‬
‫آت ُم َح َّمدً ا ا ْل َو ِسي َل َة‬
‫النِّدَ اء‪« :‬ال َّلهم رب ه ِذ ِه الدَّ عو ِة التَّام ِة والص َل ِة ا ْل َقائِم ِة‪ِ ،‬‬
‫َ‬ ‫َّ َ َّ‬ ‫َْ‬ ‫ُ َّ َ َّ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َل ُه َش َفا َعتي َي ْو َم ا ْلق َي َامة»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوا ْل َفضي َلةَ‪َ ،‬وا ْب َع ْث ُه َم َق ًاما َم ْح ُمو ًدا ا َّلذي َو َعدْ َت ُه»؛ َح َّل ْ‬
‫البخاري(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫رواه‬
‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َر َّب َه ِذ ِه الدَّ ْع َو ِة الت ََّّام ِة» اإلشارة يف قوله‪« :‬هذه» إلى األذان‪،‬‬
‫فاألذان دعوة تا َّمة؛ لما اشتمل عليه من األلفاظ الكاملة واألذكار العظيمة‬
‫بالرسالة‪ ،‬فهي دعو ٌة‬ ‫َّبي ‪ِّ O‬‬ ‫والتَّعظيم هلل والتَّوحيد‪َّ ،‬‬
‫والشهادة للن ِّ‬
‫تا َّمة جمعت الخير ك َّله‪.‬‬
‫«والصالة القائمة»‪ ،‬أي‪ :‬المنا َدى لها والمأمور بإقامتها؛ فهي‬ ‫َّ‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫أمر اهلل ‪ D‬بإقامتها والمحافظة عليها والمداومة على اإلتيان‬ ‫صالة قائمة‪َ ،‬‬
‫مستمرة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫أيضا ال‪ ‬ينسخها شيء‪ ،‬بل هي باقية‬ ‫هبا‪ ،‬وهي قائمة ً‬
‫الو ِسي َلةَ»‪ ،‬تقدَّ م َّ‬
‫أن «الوسيلة» منزلة عالية يف الجنَّة‬ ‫محمدً ا ﷺ َ‬‫وقوله‪« :‬آت َّ‬
‫ال تنبغي َّإل لواحد من عباد اهلل‪.‬‬
‫والرتبة العل َّية وعظمة الخيرات‬
‫السن َّية ُّ‬
‫قوله‪« :‬والفضيلة»‪ ،‬أي‪ :‬المكانة َّ‬
‫والفضائل ا َّلتي يم ُّن اهلل ‪ F‬عليه هبا‪.‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)489‬‬


‫البخاري (‪.)614‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪364‬‬

‫مقاما محمو ًدا ا َّلذي وعدته»‪ ،‬أي‪ :‬يف قولك ﴿ﮃ ﮄ ﮅ‬


‫قوله‪« :‬وابعثه ً‬
‫تفخيما له وتعلي ًة لشأنه‪ ،‬ومن‬
‫ً‬ ‫ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [اإلسراء‪ ،]79 :‬وقد ن َّكر المقام‬
‫فإن النَّاس يلحقهم من‬‫الشفاعة العظمى يوم القيامة؛ َّ‬ ‫هذا المقام المحمود‪َّ :‬‬
‫والغم ما ال يطيقون يف ذلك اليوم العظيم فيأذن اهلل ‪ C‬يف ذلك اليوم‬ ‫ِّ‬ ‫الكرب‬
‫ك‪َ ،‬و َس ْل ُت ْع َطه‪َ ،‬و ْاش َف ْع ت َُش َّفع»(‪.)1‬‬ ‫«ار َف ْع َر ْأ َس َ‬ ‫بالشفاعة‪ ،‬يقول‪ْ :‬‬ ‫َّبي ﷺ َّ‬ ‫للن ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو َع ْن َس ْع ِد ْب ِن َأبِي َو َّق ٍ‬
‫ين‬‫«م ْن َق َال ح َ‬ ‫اص ‪َ I‬ع ْن َر ُسول اهلل ﷺ َأ َّن ُه َق َال‪َ :‬‬
‫يك َل ُه‪َ ،‬و َأ َّن ُم َح َّمدً ا َع ْبدُ ُه‬ ‫«أ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ َو ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬
‫َي ْس َم ُع ا ْل ُم َؤ ِّذ َن‪َ :‬‬
‫اإل ْس َل ِم ِدينًا»؛ ُغ ِف َر َل ُه َذ ْن ُب ُه»‪.‬‬
‫ول‪َ ،‬وبِ ِ‬ ‫يت بِاهلل ِ َر ًّبا‪َ ،‬وبِ ُم َح َّم ٍد َر ُس ً‬ ‫َو َر ُسو ُل ُه‪َ ،‬ر ِض ُ‬
‫رواه مسلم(‪.)2‬‬
‫محمدً ا رسول اهلل»‪،‬‬ ‫أن َّ‬ ‫وهذا يؤتى به عندما يفرغ المؤ ِّذن من قول‪« :‬أشهد َّ‬
‫الم َؤ ِّذ َن‪َ :‬أ ْش َهدُ‬ ‫ِ‬
‫فقد رواه أبو عوانة يف مستخرجه بلفظ‪َ « :‬م ْن َق َال حي َن َي ْس َم ُع ُ‬
‫يت بِاهللِ‪ »...‬الحديث(‪ ،)3‬وهو‬ ‫اهلل َر ِض ُ‬‫اهلل‪ ،‬قال‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل ُ‬
‫َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل ُ‬
‫مرة‬ ‫امع يقول ذلك بعد جواب المؤ ِّذن على َّ‬
‫الشهادتين‪ ،‬يقوله َّ‬ ‫الس َ‬ ‫صريح يف َّ‬
‫أن َّ‬ ‫ٌ‬
‫واحدة‪.‬‬
‫الرضا باهلل ر ًّبا‬ ‫ِ‬ ‫يت بِاهَّلل ِ َر ًّبا‪َ ،‬وبِ ُم َح َّم ٍد َر ُس ً‬
‫ول‪َ ،‬وبِ ْ ِ‬
‫ال ْس َل ِم دينًا»‪ِّ ،‬‬ ‫«ر ِض ُ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫يقتضي اإلخالص‪ ،‬واإلقبال على اهلل‪ ،‬ومح َّبته سبحانه‪ ،‬ومح َّبة دينه‪ ،‬واإلقبال‬
‫ٍ‬
‫بمحمد ‪ O‬يتط َّلب انشراح َّ‬
‫الصدر لما جاء به‬ ‫َّ‬ ‫والرضا‬
‫على طاعته‪ِّ .‬‬
‫واإلقبال على سنته‪ ،‬ومح َّبته‪ ،‬وتقديم مح َّبته ‪ O‬على مح َّبة النَّفس‬
‫والرضا باإلسالم دينًا‪ :‬يتط َّلب‬
‫والنَّفيس والوالد والولد والنَّاس أجمعين‪ِّ .‬‬
‫البخاري (‪ ،)4476‬ومسلم (‪.)193‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)386‬‬
‫(((  رواه أبو عوانة يف مستخرجه (‪.)995‬‬
‫‪365‬‬ ‫‪ -59‬أذكار األذان (‪)2‬‬

‫مح َّبة هذا الدِّ ين‪ ،‬وأن ُيقبِل عليه‪ ،‬وأن ُيحافظ عليه‪ .‬وهذه المذكورات هي‬
‫دخلون قبورهم‪.‬‬‫األصول ال َّثالثة ا َّلتي ُيسأل النَّاس عنها عندما ُي َ‬
‫ِ‬ ‫و َعن َعب ِد اهَّللِ ب ِن َعم ٍرو ‪َ L‬أ َّن رج ًل َق َال‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهَّلل إِ َّن ا ْل ُم َؤ ِّذن َ‬
‫ين‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ت َف َس ْل ُت ْع َط ْه»‪.‬‬ ‫ون‪َ ،‬فإِ َذا ا ْنت ََه ْي َ‬ ‫ي ْف ُض ُلو َننَا‪َ ،‬ف َق َال رس ُ ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ‪ُ « :‬ق ْل ك ََما َي ُقو ُل َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫رواه أبو داود(‪.)1‬‬
‫«ل ي َر ُّد الدُّ َعا ُء َب ْي َن ْالَ َذ ِ‬
‫ان‬ ‫َس ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال رس ُ ِ‬ ‫َو َع ْن َأن ٍ‬
‫ول اهَّلل ﷺ‪ُ َ :‬‬ ‫َ ُ‬
‫ِّرمذي(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫ال َق َام ِة»‪ .‬رواه أبو داود والت‬
‫َو ْ ِ‬

‫وقد أفاد الحديثان َّ‬


‫أن الدُّ عاء مستجاب بعد األذان‪ ،‬وبين األذان واإلقامة‪.‬‬
‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬وأ َّما َهدْ ُيه ﷺ يف ِّ‬
‫الذكر عند األذان وبعدَ ه‪ ،‬فشرع‬
‫ُ‬
‫أل َّمته منه خمسة أنواع‪:‬‬
‫الصالة»‪،‬‬ ‫«حي على َّ‬ ‫ِّ َّ‬
‫السامع كما يقول المؤذن‪ ،‬إل يف لفظ‪َّ :‬‬ ‫أحدها‪ :‬أن يقول َّ‬
‫«ل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة َّإل باهللِ»‪ ،‬ولم‬‫صح عنه إبدا ُلهما بـ َ‬
‫«حي على الفالح»؛ فإنَّه َّ‬
‫َّ‬
‫«حي على الفالح»‪ ،‬وال‬ ‫الصالة»‪َّ ،‬‬ ‫«حي على َّ‬‫الجمع بينها وبين‪َّ :‬‬
‫ُ‬ ‫يجئ عنه‬
‫صح عنه إبدا ُلهما بالحوقلة‪ ،‬وهذا‬ ‫وهدْ ُيه ﷺ ا َّلذي َّ‬‫االقتصار على الحيعلة‪َ ،‬‬
‫ُ‬
‫فإن كلمات األذان ِذك ٌْر‪،‬‬ ‫والسامع؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫مقتضى الحكمة المطابقة لحال المؤ ِّذن َّ‬
‫لمن سمعه‪َ ،‬ف ُس َّن‬ ‫الصالة َ‬
‫للسامع أن يقولها‪ ،‬وكلمات الحيعلة دعا ٌء إلى َّ‬ ‫َف ُس َّن َّ‬
‫للسامع أن َي ْست َِعي َن على هذه الدَّ عوة بكلمة اإلعانة وهى‪َ :‬‬
‫«ل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫بِاهلل»‪.‬‬
‫ول اهللِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل‪َ ،‬و َأ َّن ُم َح َّمدً ا َر ُس ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫ل‬‫َّ‬ ‫إ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫أن‬ ‫دُ‬ ‫ه‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫أ‬ ‫َا‬
‫ن‬ ‫أ‬ ‫«و‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫أن‬ ‫اني‪:‬‬‫الث‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)524‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)212‬‬‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)521‬والت‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪366‬‬

‫أن َم ْن َق َال‬ ‫ول»‪َ ،‬و َأ ْخ َب َر َّ‬ ‫باإلس َل ِم ِدينًا‪ ،‬وبِ ُم َح َّم ٍد ﷺ َر ُس ً‬ ‫يت بِاهلل َر ًّبا‪َ ،‬و ْ‬ ‫َر ِض ُ‬
‫ذل ِ َك ُغ ِف َر َل ُه َذ ْن ُب ُه‪.‬‬
‫َّ‬
‫َّبي ﷺ بعدَ َفراغه من إجابة المؤ ِّذن‪ ،‬وأك َْم ُل ما‬ ‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫على‬ ‫ي‬‫َ‬
‫الثالث‪ :‬أن ُيص ِّ‬
‫ل‬
‫ُ‬
‫الصالة اإلبراهيم َّية كما ع َّلمه أ َّمته أن ُيص ُّلوا‬ ‫صل إليه‪ ،‬هي َّ‬ ‫ُيص َّلى عليه بِه و َي ُ‬
‫أكمل منها‪.‬‬ ‫عليه‪ ،‬فال صال َة عليه ُ‬
‫هذ ِه الدَّ عو ِة التَّام ِة‪ ،‬والص ِ‬
‫الة‬ ‫يقول بعد صالته عليه‪« :‬ال َّلهم رب ِ‬ ‫الرابع‪ :‬أن َ‬ ‫َّ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫ُ َّ َ َّ‬
‫الو ِسي َل َة وال َف ِضي َلةَ‪ ،‬وا ْب َع ْث ُه َم َق ًاما َم ْح ُمو ًدا ا َّل ِذي َو َعدْ َت ُه إِن َ‬
‫َّك‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ال َقائ َمة‪ ،‬آت ُم َح َّمدً ا َ‬
‫المي َعا َد»‪ ،‬هكذا جاء هبذا ال َّلفظ‪« :‬مقا ًما محمو ًدا»‪ ،‬بال ألف وال الم‪،‬‬ ‫ف ِ‬ ‫َل تُخْ ِل ُ‬
‫صح عنه ﷺ‪.‬‬ ‫وهكذا َّ‬
‫ويسأل اهلل من فضله؛ فإنَّه ُي ْست ََجاب له‪،‬‬ ‫َ‬ ‫يدعو لنفسه بعد ذلك‬ ‫َ‬ ‫الخامس‪ :‬أن‬
‫ين‪َ -‬فإ َذا ا ْنتَه ْي َ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َف َس ْل‬ ‫الم َؤ ِّذن َ‬
‫‪-‬ي ْعني ُ‬ ‫السنن عنه ﷺ‪ُ « :‬ق ْل ك ََما َي ُقو ُل َ‬
‫ون َ‬ ‫كما يف ُّ‬
‫ُت ْع َط ْه»(‪.)1‬‬

‫(((  زاد المعاد (‪.)356 /2‬‬


‫‪367‬‬ ‫‪ -60‬أدعية االستفتاح (‪)1‬‬

‫‪60‬‬

‫أدعية االستفتاح (‪)1‬‬

‫فهو ال ُّطهور‪ ،‬وأ َّما‬


‫الصالة لها مفتاح وافتتاح واستفتاح؛ أ َّما مفتاحها‪َ :‬‬ ‫َّ‬
‫فهو ما يقال بين تكبيرة اإلحرام‬ ‫فهو تكبيرة اإلحرام‪ ،‬وأ َّما استفتاحها‪َ :‬‬ ‫افتتاحها‪َ :‬‬
‫ول اهَّللِ ﷺ‪:‬‬
‫الذكر والدُّ عاء‪َ ،‬ع ْن َعلِي ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ٍّ‬
‫وقراءة الفاتحة مِن ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم»‪ .‬رواه أبو داود‬ ‫يم َها ال َّت ْكبِ ُير‪َ ،‬وت َْحلي ُل َها الت َّْسل ُ‬
‫ور‪َ ،‬وت َْحرِ ُ‬
‫الص َلة ال ُّط ُه ُ‬
‫َاح َّ‬ ‫«م ْفت ُ‬
‫ِّرمذي وابن ماجه(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫والت‬
‫والتَّكبير هو َّأول ما َيبدأ به المسلم صالته‪ ،‬يقول‪« :‬اهللُ َأ ْك َب ُر»‪ ،‬فإذا ك َّبر‬
‫وحرمت عليه األمور ا َّلتي تحرم على المص ِّلي‪ ،‬كالكالم‬ ‫الصالة‪ُ ،‬‬ ‫دخل يف َّ‬
‫الر ِّب تعالى‬ ‫والحركة ونحو ذلك‪ .‬قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬فتحريمها تكبير َّ‬
‫وتخصيصه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وإفراده‬ ‫كل نقص وعيب‪،‬‬ ‫كل كمال له‪ ،‬وتنزيِه عن ِّ‬ ‫الجامع إلثبات ِّ‬
‫الصالة وأقوالها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أفعال َّ‬ ‫يتضمن تفاصيل‬ ‫َّ‬ ‫وتعظيمه وإجالله؛ فالتَّكبير‬ ‫بذلك‪،‬‬
‫وأي‬
‫تفصيل لمضمون «اهلل أكرب»‪ُّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫فالصالة من َّأولها إلى آخرها‬ ‫وهيئاهتا‪َّ ،‬‬
‫المتضمن لإلخالص والتَّوحيد»(‪.)2‬‬ ‫ِّ‬ ‫تحريم أحسن من هذا التَّحريم‬
‫نبينا‬‫السنة عن ّ‬ ‫وأما االستفتاح فقد ورد فيه صيغ عديدة ثبتت بها ُّ‬ ‫‪َّ ‬‬
‫ِ‬
‫الكريم ‪:O‬‬
‫الص َل ِة َس َك َت‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل ﷺ إِ َذا َك َّب َر في َّ‬
‫َان َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ق َال‪ :‬ك َ‬

‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي ‪ ،‬وابن ماجه (‪،)275‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)61‬والت‬
‫الصالة وأحكام تاركها (‪.)153‬‬‫(((  َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪368‬‬

‫ول اهللِ‪ ،‬بِ َأبِي َأن َْت َو ُأ ِّمي َأ َر َأ ْي َت ُس ُكو َت َك َب ْي َن‬‫ُهنَ َّي ًة َق ْب َل َأ ْن َي ْق َر َأ‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ول؟ َق َال‪َ :‬‬ ‫ال َّت ْكبِ ِير َوا ْل ِق َرا َء ِة‪َ ،‬ما َت ُق ُ‬
‫اي ك ََما‬ ‫ول‪ :‬ال َّل ُه َّم َباعدْ َب ْيني َو َب ْي َن َخ َط َاي َ‬ ‫«أ ُق ُ‬
‫ِ ِ‬
‫اي ك ََما ُينَ َّقى ال َّث ْو ُب‬ ‫ب‪ ،‬ال َّل ُه َّم َن ِّقني م ْن َخ َط َاي َ‬ ‫َبا َعدْ َت َب ْي َن ا ْل َم ْشرِ ِق َو َ‬
‫الم ْغرِ ِ‬
‫اء َوا ْل َب َر ِد»‪ .‬رواه‬
‫َس‪ ،‬ال َّلهم ا ْغ ِس ْلنِي ِمن َخ َطاياي بِال َّث ْلجِ والم ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َّ‬ ‫األَ ْب َي ُض ِم َن الدَّ ن ِ‬
‫البخاري ومسلم وال َّلفظ له(‪.)1‬‬
‫ُّ‬
‫الص َل ِة َسك َ‬
‫َت ُهنَ َّي ًة َق ْب َل َأ ْن َي ْق َر َأ»‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل ﷺ إِ َذا َك َّب َر في َّ‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫قوله‪« :‬ك َ‬
‫قصيرا‪ ،‬وجاء يف رواية‪« :‬إسكاتةً»‪ ،‬أي‪ :‬سكتة يسيرة‪« ،‬قبل أن يقرأ»‪،‬‬
‫ً‬ ‫أي‪ :‬وقتًا‬
‫أي‪ :‬قبل أن يشرع يف قراءة الفاتحة‪.‬‬
‫ْت َو ُأ ِّمي»‪ ،‬أي‪ :‬أفديك بأبي وأ ِّمي‪.‬‬ ‫ول اهللِ‪ ،‬بِ َأبِي َأن َ‬ ‫ت‪َ :‬يا َر ُس َ‬‫قوله‪َ « :‬ف ُق ْل ُ‬
‫ول؟» وهذا فيه حرص‬ ‫َك َب ْي َن ال َّت ْكبِيرِ َوا ْل ِق َرا َء ِة‪َ ،‬ما َت ُق ُ‬
‫ت ُسكُوت َ‬ ‫«أ َر َأ ْي َ‬
‫َ‬
‫الصحابة ‪ M‬على الخير وبحثهم عنه‪ ،‬فالحظ ‪ I‬أنَّه ‪O‬‬
‫َّ‬
‫يسكت إسكات ًة يسيرة بين التَّكبير والقراءة‪ ،‬فسأل هبذا األسلوب ال َّلطيف قال‪:‬‬
‫ً‬
‫سؤال عن‬ ‫ول؟»‬‫َك َب ْي َن ال َّت ْكبِيرِ َوا ْل ِق َرا َء ِة‪َ ،‬ما َت ُق ُ‬
‫ت ُسكُوت َ‬ ‫«بِ َأبِي َأن َ‬
‫ْت َو ُأ ِّمي َأ َر َأ ْي َ‬
‫هديه ‪ O‬وطريقته؛ ليأتسى به صلوات اهلل وسالمه عليه‪.‬‬
‫اي ك ََما َبا َعدْ َت َب ْي َن ا ْل َم ْشرِ ِق‬ ‫ِ ِ‬
‫قال‪« :‬أقول‪ :‬ال َّل ُه َّم َباعدْ َب ْيني َو َب ْي َن َخ َط َاي َ‬
‫اي ك ََما ُينَ َّقى ال َّث ْو ُب األَ ْب َي ُض ِم َن الدَّ ن ِ‬
‫َس‪ ،‬ال َّل ُه َّم‬ ‫ِ ِ‬ ‫الم ْغرِ ِ‬
‫ب‪ ،‬ال َّل ُه َّم َن ِّقني م ْن َخ َط َاي َ‬ ‫َو َ‬
‫اء َوا ْل َب َر ِد»‪ ،‬وك ُّله دعاء قائم على سؤال اهلل‬ ‫ا ْغ ِس ْلنِي ِمن َخ َطاياي بِال َّث ْلجِ والم ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫‪ F‬أن ُيقيله من خطاياه‪ ،‬وأن ين ِّق َيه منها‪ ،‬وأن يباعد بينه وبينها‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫قال يف الجملة األولى‪« :‬ال َّل ُه َّم َباعدْ َب ْيني َو َب ْي َن َخ َط َاي َ‬
‫اي ك ََما َبا َعدْ َت َب ْي َن‬
‫ب»‪ ،‬بدأ بسؤال المباعدة بينه وبين خطاياه كما بين المشرق‬ ‫ا ْل َم ْشرِ ِق َو َ‬
‫الم ْغرِ ِ‬

‫البخاري (‪ ،)744‬ومسلم (‪.)598‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪369‬‬ ‫‪ -60‬أدعية االستفتاح (‪)1‬‬

‫والمغرب؛ ألنَّهما أوسع الجهات الموجودة‪ ،‬وهي غاية ما يبا َلغ فيه يف تباعد‬
‫الجهات‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫طهرين منها «ك ََما‬
‫اي»‪ ،‬أي‪ِّ :‬‬ ‫وقوله يف الجملة ال َّثانية‪« :‬ال َّل ُه َّم َن ِّقني م ْن َخ َط َاي َ‬
‫وخص ال َّثوب األبيض؛ ألنَّه يتم َّيز عن غيره‬ ‫َّ‬ ‫َس»‪،‬‬ ‫ُينَ َّقى ال َّث ْو ُب ْالَ ْب َي ُض ِم َن الدَّ ن ِ‬
‫بأن الوسخ يظهر عليه‪ ،‬والنَّقاء يظهر فيه‪ ،‬بخالف األسود‪.‬‬ ‫من ال َّثياب َّ‬
‫مهمة يف المسلك ا َّلذي ينبغي أن يكون عليه‬ ‫ويستفاد من هذا الدُّ عاء فائدة َّ‬
‫المسلم‪ ،‬أال وهي‪ :‬أنَّه ينبغي على المسلم أن يحرص على أن يكون دينه نق ًّيا‬
‫يلوثه شيء وال يكدِّ ره دنس‪ ،‬بل يحافظ على نقائه‪،‬‬ ‫كنظافة ال َّثوب األبيض ال ِّ‬
‫و ُطهره‪ ،‬وصفائه‪.‬‬
‫اء َوا ْل َب َر ِد»‪،‬‬
‫وقال يف الجملة ال َّثالثة‪« :‬ال َّلهم ا ْغ ِس ْلنِي ِمن َخ َطاياي بِال َّث ْلجِ وا ْلم ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َّ‬
‫ألن الماء ين ِّظف وين ِّقي‪ ،‬وال َّثلج والربد يربِّد‪،‬‬ ‫ذكر هذه األمور ال َّثالثة يف التَّنقية؛ َّ‬
‫الذنوب‪.‬‬ ‫دنس وحرارة‪ ،‬وهذا أكمل ما يكون يف التَّنقية من ُّ‬ ‫والخطيئة لها ٌ‬
‫داوى‬ ‫أن الدَّ اء ُي َ‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬ويف هذا الحديث من الفقه‪َّ :‬‬
‫فإن يف الخطايا من الحرارة والحريق ما ُيضا ُّده‪ :‬ال َّث ُ‬
‫لج‪ ،‬وال َب َر ُد‪ ،‬والما ُء‬ ‫بضدِّ ه؛ َّ‬
‫ألن يف الماء البارد من‬ ‫أبلغ يف إزالة الوسخ؛ َّ‬ ‫الحار ُ‬
‫َّ‬ ‫البارد‪ .‬وال يقال‪َّ :‬‬
‫إن الماء‬
‫الحار‪ ،‬والخطايا ُتوجب أثرين‪ :‬التَّدنيس‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫تصليب الجسم وتقويته ما ليس يف‬
‫ف القلب و ُيص ِّل ُب ُه‪ ،‬فذكر الماء البارد‬ ‫فالمطلوب مداواهتا بما ين ِّظ ُ‬
‫ُ‬ ‫واإلرخاء‪،‬‬
‫وال َّثلج وال َب َرد إشار ًة إلى هذين األمرين»(‪.)1‬‬
‫وقال الكرماينُّ ‪ُ « :V‬يحتمل أن يكون يف الدَّ عوات ال َّثالث إشار ًة إلى‬
‫األزمنة ال َّثالثة؛ فالمباعدة للمستقبل‪ ،‬والتَّنقية للحال‪ ،‬وال َغ ْسل للماضي»(‪.)2‬‬
‫(((  زاد المعاد (‪.)269/4‬‬
‫(((  انظر‪ :‬فتح الباري (‪ ،)320/2‬ومرقاة المفاتيح (‪.)89/3‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪370‬‬

‫الصالة من أعظم‬ ‫الصالة هبذا االستفتاح يف غاية المناسبة؛ َّ‬


‫ألن َّ‬ ‫واستفتاح َّ‬
‫عظيم يف مالقاة اهلل‬
‫ٌ‬ ‫الرحمة والمغفرة ونيل ثواب اهلل‪ ،‬فكم هو‬
‫أسباب حصول َّ‬
‫الصالة أن يدخل المسلم هذه العبادة َّ‬
‫الشريفة العظيمة الجليلة‬ ‫‪ E‬هبذه َّ‬
‫سائل اهلل أن ُين ِّقيه من خطاياه وأن يباعد بينه وبينها‪.‬‬
‫هبذا النَّقاء‪ً ،‬‬
‫َّبي ﷺ كان يستفتح هبذا الدُّ عاء صالته فقد ورد كذلك يف‬ ‫َّ‬
‫وكما أن الن َّ‬
‫َّبي ﷺ كان يقول‪ « :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ُعو ُذ‬ ‫َّ‬
‫أدعيته المطلقة‪ ،‬فعن عائشة ‪ J‬أن الن َّ‬
‫اب ال َق ْبرِ‪َ ،‬و ِم ْن‬ ‫المغ َْرمِ‪َ ،‬و ِم ْن فِ ْتن َِة ال َق ْبرِ‪َ ،‬و َع َذ ِ‬ ‫الم ْأ َث ِم َو َ‬ ‫اله َرمِ‪َ ،‬و َ‬‫‌و َ‬
‫‌ب ِ َ ِ‬
‫ك‌م َن‌الك ََس ِل َ‬
‫ك ِم ْن فِ ْتن َِة ال َف ْقرِ‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ‬‫الغنَى‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َ‬ ‫َّار‪ ،‬و ِمن َشر فِ ْتن َِة ِ‬
‫اب الن ِ َ ْ ِّ‬ ‫فِ ْتن َِة الن ِ‬
‫َّار َو َع َذ ِ‬
‫اء ال َّث ْلجِ َوال َب َر ِد‪،‬‬‫ال‪ ،‬ال َّلهم ا ْغ ِس ْل عنِّي َخ َطاياي بِم ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬
‫ك ِم ْن فِ ْتن َِة الم ِسيحِ الدَّ َّج ِ‬
‫َ‬ ‫بِ َ‬
‫اعدْ َب ْينِي َو َب ْي َن‬
‫َس‪ ،‬وب ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ال َّث ْو َب األَ ْب َي َض م َن الدَّ ن ِ َ َ‬ ‫َون َِّق َق ْلبِي ِم َن الخَ َط َايا ك ََما َن َّق ْي َ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫ب»‪ .‬رواه‬ ‫الم ْغرِ ِ‬ ‫الم ْشرِ ِق َو َ‬ ‫اي ك ََما َبا َعدْ َت َب ْي َن َ‬ ‫َخ َط َاي َ‬
‫الص َل َة َق َال‪:‬‬ ‫اس َت ْفت ََح َّ‬ ‫ول اهلل ﷺ إِ َذا ْ‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫و َع ْن عائِ َش َة ‪َ J‬قا َل ْت‪ :‬ك َ‬
‫ك‪َ ،‬و َت َعا َلى َجدُّ َك‪َ ،‬و َل إِ َل َه َغ ْي ُر َك»‪.‬‬ ‫َك ال َّل ُه َّم َوبِ َح ْم ِد َك‪َ ،‬و َت َب َار َك ْاس ُم َ‬ ‫«س ْب َحان َ‬ ‫ُ‬
‫ِّرمذي ورواه مسلم عن عمر بن الخ َّطاب ‪ I‬موقو ًفا‬ ‫ُّ‬ ‫رواه أبو داود‪ ،‬والت‬
‫عليه(‪.)2‬‬
‫الصحابة‪ ،‬وهو‬
‫ورد هذا االستفتاح من طرق عديدة عن غير واحد من َّ‬
‫َّبي ‪ ،O‬وهو بالنظر إلى معناه أفضل أنواع‬ ‫ثابت بمجموعها عن الن ِّ‬
‫االستفتاحات ال َّثابتة؛ ألنَّه أجمعها يف باب ال َّثناء على اهلل‪ ،‬فقد جمع الباقيات‬
‫َّسبيح‪ ،‬والتَّحميد‪ ،‬والتَّكبير‪ ،‬والتَّهليل»‪ُّ ،‬‬
‫كل ذلك اجتمع يف هذه‬ ‫الصالحات «الت َ‬
‫َّ‬
‫البخاري (‪ ،)6368‬ومسلم (‪.)589‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫وصححه األلباينُّ‪ ،‬ورواه مسلم عن عمر‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)243‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)776‬والت‬
‫موقو ًفا (‪.)399‬‬
‫‪371‬‬ ‫‪ -60‬أدعية االستفتاح (‪)1‬‬

‫َك ال َّل ُه َّم َوبِ َح ْم ِد َك»‪،‬‬


‫«س ْب َحان َ‬
‫الصيغة العظيمة؛ فالتَّسبيح والتَّحميد يف قوله‪ُ :‬‬
‫ِّ‬
‫«و َل إِ َل َه َغ ْي ُر َك»‬
‫«و َت َعا َلى َجدُّ َك» فهذا فيه عظمة اهلل ‪َ ،D‬‬ ‫والتَّكبير ُّ‬
‫يدل عليه‪َ :‬‬
‫وأيضا التَّكبير جاء يف االفتتاح‪ ،‬فاجتمع يف هذا‬
‫ً‬ ‫فيه توحيد اهلل ‪،E‬‬
‫أحب الكالم إلى اهلل سبحانه؛ فسبب‬
‫ُّ‬ ‫االستفتاح؛ الكلمات األربع ا َّلتي هي‬
‫أن فضل بعض ِّ‬
‫الذكر على‬ ‫تفضيله على غيره‪ ،‬كما يقول ابن تيم َّية ‪« :V‬هو َّ‬
‫اختص به الفاضل‪ ،‬ال ألجل إسناده»(‪.)1‬‬‫َّ‬ ‫بعض‪ ،‬هو ألجل ما‬
‫وقد كان عمر بن الخ َّطاب ‪ I‬يرفع به صوته ُيع ِّلمه النَّاس‪َ ،‬ع ْن َع ْبدَ َة‬
‫َك‬ ‫ال ِء ا ْل َكلِم ِ‬
‫ات‪َ ،‬ي ُق ُ‬
‫ول‪ُ :‬س ْب َحان َ‬ ‫َان َي ْج َه ُر بِ َه ُؤ َ‬
‫اب ‪ I‬ك َ‬ ‫« َأ َّن ُع َم َر ْب َن ا ْل َخ َّط ِ‬
‫َ‬
‫ال َّل ُه َّم َوبِ َح ْم ِد َك َت َب َار َك ْاس ُم َ‬
‫ك َو َت َعا َلى َجدُّ َك َو َل إِ َل َه َغ ْي ُر َك»‪ .‬رواه مسلم(‪ .)2‬قال‬
‫عمل به أكثر النَّاس»(‪.)3‬‬ ‫ابن تيمية ‪« :V‬ولهذا شاع هذا االستفتاح حتَّى ِ‬
‫َّ‬
‫َك ال َّل ُه َّم َوبِ َح ْم ِد َك»‪ ،‬هذا فيه تسبيح اهلل وحمده ‪.E‬‬ ‫«س ْب َحان َ‬ ‫قوله‪ُ :‬‬
‫«وبِ َح ْم ِد َك» هذا فيه ثناء على‬ ‫َك ال َّل ُه َّم»‪ ،‬أي‪ُ :‬أ ِّنزهك يا اهلل‪َ ،‬‬‫«س ْب َحان َ‬ ‫ومعنى ُ‬
‫جمع بين تقديس‬ ‫ٌ‬ ‫اهلل ‪ ،D‬فجمع بين التَّسبيح والحمد؛ ويف الجمع بينهما‬
‫اهلل ‪ D‬وتنزيه وإثبات الكمال له‪ ،‬وهذا ا َّلذي يقوم عليه توحيد األسماء‬
‫وعما ال يليق به‬
‫والصفات؛ التَّنزيه‪ ،‬واإلثبات‪ .‬تنزيه اهلل ‪ D‬عن النَّقائص َّ‬
‫ِّ‬
‫سبحانه‪ ،‬وإثبات الكمال له ‪.E‬‬
‫َ‬
‫شأنك وعظم قدرك‪.‬‬ ‫«و َت َب َار َك ْاس ُم َ‬
‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬تعالى‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫«و َت َعا َلى َجدُّ َك» هذا فيه إثبات العظمة والجالل والكربياء والتَّعالي‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫أجل منه ‪ .E‬وهذان‬ ‫هلل سبحانه‪ ،‬وأنَّه ال أكرب منه‪ ،‬وال أعظم منه‪ ،‬وال َّ‬

‫(((  مجموع الفتاوى (‪.)342/22‬‬


‫(((  رواه مسلم (‪.)399‬‬
‫(((  مجموع الفتاوى (‪ ،)196/24‬والفتاوى الكربى (‪.)355/2‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪372‬‬

‫ال َّلفظان ثابتان يف القرآن قال تعالى‪﴿ :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ﴾ [ َّ‬


‫الرحمن‪:‬‬
‫ن‪﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾‬
‫‪ ،]78‬وقال تعالى يف َّأول سورة الج ِّ‬
‫[الج ّن‪.]3 :‬‬
‫«و َل إِ َل َه َغ ْي ُر َك» هذا فيه توحيد اهلل ‪ D‬يف العبادة‪ ،‬وأنَّه المعبود‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫بحق سواه‪.‬‬ ‫بحق‪ ،‬وال معبود ٍّ‬ ‫ٍّ‬
‫أن هذا االستفتاح كما أنَّه جمع الكلمات األربع ا َّلتي هي ُّ‬
‫أحب‬ ‫وهبذا ُيعلم َّ‬
‫الكالم إلى اهلل؛ فإنَّه قد جمع أنواع التَّوحيد ال َّثالثة ا َّلتي عليها قيام الدِّ ين‪:‬‬
‫يدل‬‫والصفات‪ .‬وهذا ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫الربوب َّية‪ ،‬وتوحيد األلوه َّية‪ ،‬وتوحيد األسماء‬ ‫توحيد ُّ‬
‫على كمال هذا االستفتاح يف معناه مع كماله يف مبناه‪ ،‬حيث اشتمل على أعظم‬
‫ال َّثناء والتَّمجيد هلل ‪ ،D‬واشتمل على تحقيق التَّوحيد بأنواعه؛ توحيد اهلل‬
‫‪ D‬يف ربوب َّيته‪ ،‬وتوحيده ‪ E‬يف أسمائه وصفاته‪ ،‬وتوحيده ‪ F‬يف‬
‫أفضل أنواع االستفتاحات‪.‬‬ ‫َ‬ ‫االستفتاح‬
‫ُ‬ ‫ألوه َّيته‪ ،‬وألجل هذا كان هذا‬
‫محضا‪ ،‬مثل‪:‬‬‫ً‬ ‫قال ابن تيم َّية ‪« :V‬فأفضل أنواع االستفتاح ما كان ثنا ًء‬
‫هم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدُّ ك وال إله غيرك»‪،‬‬ ‫«سبحانك ال َّل َّ‬
‫وأصيل»‪ ،‬ولكن‬‫ً‬ ‫كثيرا وسبحان اهلل بكر ًة‬
‫كبيرا والحمد هلل ً‬ ‫وقوله‪« :‬اهلل أكرب ً‬
‫الصالحات ا َّلتي‬
‫تضمن ذكر الباقيات َّ‬ ‫ذاك فيه من ال َّثناء ما ليس يف هذا؛ فإنَّه َّ‬
‫وتضمن قوله‪( :‬تبارك اسمك وتعالى جدُّ ك)‬ ‫َّ‬ ‫هي أفضل الكالم بعد القرآن‪،‬‬
‫السلف يستفتحون به‪ ،‬وكان عمر بن‬ ‫أيضا‪ ،‬ولهذا كان أكثر َّ‬ ‫وهما من القرآن ً‬
‫الخ َّطاب ‪ I‬يجهر به يع ِّلمه النَّاس»(‪.)1‬‬

‫(((  مجموع الفتاوى (‪.)394/22‬‬


‫‪373‬‬ ‫‪ -61‬أدعية االستفتاح (‪)2‬‬

‫‪61‬‬

‫أدعية االستفتاح (‪)2‬‬

‫َان إِ َذا َقا َم إِ َلى‬ ‫ول اهلل ﷺ َأ َّن ُه ك َ‬ ‫ب ‪َ I‬ع ْن رس ِ‬


‫َ ُ‬ ‫َع ْن َعلِي ْب ِن َأبِي َطال ِ ٍ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َوات َواألَ ْر َض َحني ًفا َو َما أنَا م َن‬ ‫ت َو ْجه َي ل َّلذي َف َط َر َّ‬ ‫«و َّج ْه ُ‬‫الص َلة‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يك‬ ‫ين‪َ ،‬ل َشرِ َ‬ ‫اي َو َم َماتي لله َر ِّب ا ْل َعا َلم َ‬ ‫ين‪ ،‬إِ َّن َص َلتي َون ُُسكي َو َم ْح َي َ‬ ‫ا ْل ُم ْشرِك َ‬
‫ْت‪َ ،‬أن َ‬ ‫ك َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬ ‫ْت ا ْل َم ِل ُ‬ ‫ين‪ ،‬ال َّل ُه َّم َأن َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َله‪ ،‬وبِ َذلِ َ ِ‬
‫ْت‬ ‫ك ُأم ْر ُت‪َ ،‬و َأنَا م َن ا ْل ُم ْسلم َ‬ ‫ُ َ‬
‫ت بِ َذ ْنبِي‪َ ،‬فا ْغ ِف ْر لِي ُذنُوبِي َج ِمي ًعا؛ إِ َّن ُه‬ ‫ت َن ْف ِسي‪َ ،‬وا ْعت ََر ْف ُ‬ ‫َر ِّبي َو َأنَا َع ْبدُ َك‪َ ،‬ظ َل ْم ُ‬
‫ْت‪َ ،‬و ْاه ِدنِي ِلَ ْح َس ِن ْالَ ْخ َل ِق‪َ ،‬ل َي ْه ِدي ِلَ ْح َسن ِ َها إِ َّل‬ ‫ُوب إِ َّل َأن َ‬ ‫الذن َ‬‫َل َيغ ِْف ُر ُّ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ك َو َس ْعدَ ْي َ‬ ‫ف َعنِّي َس ِّيئ ََها إِ َّل َأن َ‬
‫ْت‪َ ،‬ل َّب ْي َ‬ ‫ف َعنِّي َس ِّيئ ََها َل َي ْصرِ ُ‬ ‫اصرِ ْ‬ ‫ْت‪َ ،‬و ْ‬ ‫َأن َ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ْت َو َت َعا َل ْي َ‬
‫ك‪َ ،‬ت َب َارك َ‬ ‫ك َوإِ َل ْي َ‬ ‫ك‪َ ،‬أنَا بِ َ‬ ‫الش ُّر َل ْي َس إِ َل ْي َ‬ ‫ك‪َ ،‬و َّ‬ ‫َوا ْلخَ ْي ُر ُك ُّل ُه فِي َيدَ ْي َ‬
‫ِ‬
‫ك»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫َأ ْس َتغْف ُر َك َو َأت ُ‬
‫ُوب إِ َل ْي َ‬
‫قوله‪« :‬كَان رس ُ ِ‬
‫الص َلة»‪ ،‬أي‪ :‬المكتوبة وغيرها‪،‬‬ ‫ول اهلل ﷺ إِ َذا َقا َم إِ َلى َّ‬ ‫َ َ ُ‬
‫خاص بصالة ال َّليل‪ ،‬بل هو عا ٌّم‬
‫ٌّ‬ ‫وليس يف طرق الحديث ما ُّ‬
‫يدل على أنَّه‬
‫رسول‬‫ُ‬ ‫«كان‬
‫َ‬ ‫بسند صحيح‪ ،‬بلفظ‪:‬‬ ‫كل صالة‪ .‬وقد رواه الدَّ ارقطني ٍ‬ ‫يستفتح به َّ‬
‫ُّ‬
‫قائم على اإلخبار‬ ‫ِ‬
‫الصالة المكتوبة» ‪ ،‬وهذا االستفتاح ٌ‬ ‫اهلل ﷺ إذا قا َم إلى َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫بالعبودية والدُّ ِ‬
‫عاء واالستغفار‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ت َو ْج ِهي ل َّلذي َف َطر َّ‬
‫الس َم َاوات َواألَ ْرض حني ًفا»‪ ،‬أي‪ :‬هلل‬ ‫«و َّج ْه ُ‬
‫قوله‪َ :‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)771‬‬


‫ارقطني يف سننه (‪.)1138‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الدَّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪374‬‬

‫َّوجه هلل ‪ D‬باإلخالص‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮉ‬


‫وحده دون سواه‪ ،‬ففيه الت ُّ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ﴾ [لقمان‪ ،]22 :‬أي‪ :‬بال‬
‫إله َّإل اهلل‪.‬‬
‫قوله‪« :‬ل َّل ِذي َف َطر السماو ِ‬
‫ات واألَ ْرض»‪ ،‬أي‪ :‬ل َّل ِذي أبدعهما وأوجدهما‬ ‫َّ َ َ‬
‫من العدم‪ ،‬وهو اهلل ‪.E‬‬
‫«حني ًفا»‪ ،‬أي‪ً :‬‬
‫مائل‪ ،‬والحنيف‪ :‬هو المائل عن ِّ‬
‫الشرك إلى التَّوحيد‪ ،‬وعن‬
‫طاعة‪ ،‬قال اهلل ‪ D‬يف وصف نب ِّيه إبراهيم ‪﴿ :S‬ﭥ‬ ‫المعصية إلى ال َّ‬
‫سمى‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [النَّحل‪]120 :‬؛ ولهذا ُي َّ‬
‫دين إبراهيم «الحنيف َّية»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين»‪ ،‬أي‪ :‬بري ٌء منه ومن أهلِه‪ ،‬وال ُّ‬
‫يصح التَّوحيد َّإل‬ ‫الم ْشرِك َ‬ ‫«و َما َأنَا م َن ُ‬
‫َ‬
‫هبذا‪﴿ ،‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ﴾ [الممتحنة‪.]4 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين»‪ ،‬ذكر‬ ‫قوله‪« :‬إِ َّن َص َلتي َون ُُسكي َو َم ْح َي َ‬
‫اي َو َم َماتي هلل َر ِّب ال َعا َلم َ‬
‫فالصالة أفضل العبادة البدن َّية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الصالة والنُّسك؛ ألنَّهما أفضل العبادات‪،‬‬ ‫َّ‬
‫بالذكر؛ لشرفهما‬ ‫وخصهما دون غيرهما ِّ‬ ‫َّ‬ ‫والنُّسك أفضل العبادات المال َّية‪،‬‬
‫وع َظم فضلهما‪ ،‬و َمن أخلص يف صالته ون ُُسكِه استلزم ذلك إخالصه هلل يف‬ ‫ِ‬
‫سائر أعمالِه‪ ،‬وقد جمع اهلل بينهما يف قوله‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ﴾ [الكوثر‪،]2 :‬‬
‫وقوله‪﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾ [األنعام‪.]162 :‬‬
‫اي َو َم َماتِي»‪ ،‬أي‪ :‬ما أحيا عليه من العبادة وال َّطاعة‪،‬‬
‫«و َم ْح َي َ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫رب العالمين‪ ،‬وهذا فيه‬ ‫وما أموت عليه من اإليمان والخضوع‪ ،‬ك ُّله هلل ِّ‬
‫اإلخالص هلل ‪.D‬‬
‫‪375‬‬ ‫‪ -61‬أدعية االستفتاح (‪)2‬‬

‫«ل َشرِ َ‬
‫يك َل ُه»‪ ،‬أي‪ :‬ليس له شريك يف شيء من ذلك؛ ال شريك له‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫يف صاليت‪ ،‬وال شريك له يف نُسكي‪ ،‬وال شريك له فيما أحيا عليه‪ ،‬وما أموت‬
‫ٌ‬
‫شريك يف ذلك‪.‬‬ ‫عليه‪ .‬ليس هلل ‪F‬‬
‫قوله‪« :‬وبِ َذلِ َ ِ‬
‫َّوجه والتَّذ ُّلل‬ ‫ك ُأم ْر ُت»‪ ،‬أي‪ :‬وبذلك اإلخالص ُ‬
‫وحسن الت ُّ‬ ‫َ‬
‫والخضوع أ ُمرت‪ ،‬أي‪ :‬أمرين اهلل ‪ ،D‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾‪.‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين»‪ ،‬هذا فيه االنتساب لإلسالم‪ ،‬قال اهلل تعالى‪:‬‬ ‫«و َأنَا م َن ُ‬
‫الم ْسلم َ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫الحج‪ ]78 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬ ‫﴿ﯗ ﯘ ﯙ﴾ [ ُّ‬
‫فصلت‪.]33 :‬‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [ ِّ‬

‫العلمي‬
‫ِّ‬ ‫جمع بين التَّوحيدين‬
‫ٌ‬ ‫ْت»‪ ،‬فيه‬ ‫ك َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬‫الم ِل ُ‬
‫ْت َ‬‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َأن َ‬
‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬الملك ك ُّله لك‪ ،‬ال شريك لك‬ ‫الم ِل ُ‬
‫ْت َ‬ ‫والعملي؛ العلمي يف قوله‪َ :‬‬
‫«أن َ‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ‬
‫بحق وال‬
‫ْت»‪ ،‬أي‪ :‬المعبود ٍّ‬ ‫َ‬
‫«ل إِ َل َه َّإل أن َ‬
‫والعملي يف قوله‪َ :‬‬ ‫يف شيء من ذلك‪،‬‬
‫ُّ‬
‫تفردت وحدك بالملك ال شريك لك‬
‫بحق سواك‪ ،‬والمعنى‪ :‬كما أنَّك َّ‬‫معبود ٍّ‬
‫ُفنفردك بالعبادة وحدك ال ندَّ لك‪.‬‬
‫ْت‬ ‫ْت َر ِّبي َو َأنَا َع ْبدُ َك»‪ ،‬فقوله‪َ :‬‬
‫«أن َ‬ ‫ثم أكَّد هذا التَّوحيد بنوعيه‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫«أن َ‬ ‫َّ‬
‫العملي‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫«و َأنَا َع ْبدُ َك» هذا التَّوحيد‬ ‫العلمي‪ ،‬وقوله‪َ :‬‬ ‫ُّ‬ ‫ر ِّبي» هذا التَّوحيد‬
‫ت بِ َذ ْنبِي»‪ ،‬هذا اعرتاف العبد بحاله وما‬ ‫ت َن ْف ِسي‪َ ،‬وا ْعت ََر ْف ُ‬
‫قوله‪َ « :‬ظ َل ْم ُ‬
‫ت َن ْف ِسي»‪ُ ،‬ظلم النَّفس يكون بفعل‬ ‫الذنب والتَّقصير‪ .‬فقوله‪َ « :‬ظ َل ْم ُ‬ ‫عنده من َّ‬
‫الذنب‪ ،‬ويكون بتقصير العبد يف ال َّطاعة والعبادة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫قوله‪َ « :‬فا ْغ ِف ْر لِي ُذنُوبِي َج ِمي ًعا»‪ ،‬هذا طلب للغفران جاء بعد تلك الوسائل‬
‫العظيمة‪.‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪376‬‬

‫نوب َّإل أنت»‪ ،‬أي‪ :‬أنت وحدك ا َّلذي تغفر ُّ‬


‫الذنوب‪،‬‬ ‫قوله‪« :‬إِ َّن ُه َل َيغ ِْف ُر ُّ‬
‫الذ َ‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [آل عمران‪ ،]135 :‬أي‪ :‬ال يغفرها‬
‫أحدٌ سواك‪.‬‬
‫قوله‪« :‬واهدين ألحسن األخالق‪ ،‬ال يهدي ألحسنها َّإل أنت‪ ،‬واصرف‬
‫عنِّي س ِّيئها‪ ،‬ال يصرف عنِّي س ِّيئها َّإل أنت»‪ ،‬فيه سؤال اهلل ‪ E‬أن يهدي‬
‫عبده إلى أحسن األخالق وأطيبها وأزكاها‪ ،‬ال يهدي ألحسنها سواه‪ ،‬عن‬
‫«إن هذه األخالق منائح يمنحها اهلل ‪َ D‬من‬ ‫طاوس بن كيسان ‪ V‬قال‪َّ :‬‬
‫صالحا»(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫خيرا منحه منها ُخل ًقا‬
‫يشاء من عباده‪ ،‬فإذا أراد اهلل بعبد ً‬
‫مقصر‬‫كثير من النَّاس يشتكي من رعونة أخالقه وفظاظتها‪ ،‬ومع ذلك هو ِّ‬
‫يف دعاء ر ِّبه أن يهديه ألحسن األخالق وأن ُيعيذه من س ِّيئها!! و َمن صدق مع‬
‫اهلل يف هذا الدُّ عاء أعطاه سبحانه من عظيم الخلق ما ال يحتسب وما ال يظ ُّن أنَّه‬
‫حصله‪ ،‬واهلل واسع الفضل‪.‬‬ ‫ُي ِّ‬
‫السبب‪ ،‬وذلك بمجاهدة النَّفس على‬ ‫ومن دعا هبذا الدُّ عاء عليه ببذل َّ‬
‫التَّح ِّلي باألخالق الفاضلة واآلداب الحسنة وال ُبعد عن أضدادها‪ .‬ويف الدُّ عاء‬
‫الصالة َّبوابة عظيمة و َم ٌ‬
‫دخل‬ ‫أن َّ‬‫الصالة يف فاتحتها تنبي ٌه إلى َّ‬
‫هبذه الدَّ عوة يف َّ‬
‫مبارك إلصالح األخالق وتحسينها والب ُع ِد عن س ِّيئها‪ ،‬وقد قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫﴿ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ﴾ [العنكبوت‪.]45 :‬‬
‫ٌ‬
‫وامتثال ألمره‪،‬‬ ‫قوله‪« :‬ل َّبيك وسعديك»‪ ،‬التَّلبية‪ :‬استجاب ٌة هلل سبحانه‬
‫فمعنى «ل َّبيك»‪ ،‬أي‪ :‬استجبت لندائك وامتثلت أمرك‪« ،‬وسعديك»‪ ،‬أي‪:‬‬
‫مطيع‬
‫ٌ‬ ‫سامع‬
‫ٌ‬ ‫إسعا ًدا بعد إسعاد‪ ،‬والمراد‪ :‬طاع ًة بعد طاعة‪ ،‬والمعنى‪ :‬إنِّي‬
‫علي المنَّة يف ذلك‪ ،‬والحمد فيه عائد إليك‪.‬‬
‫ممتثل‪ ،‬ولك َّ‬
‫(((  رواه ابن أبي الدُّ نيا يف مكارم األخالق (ص‪.)32‬‬
‫‪377‬‬ ‫‪ -61‬أدعية االستفتاح (‪)2‬‬

‫قوله‪« :‬والخير ك ُّله يف يديك»‪ ،‬أي‪ :‬خزائن الخير ك ُّلها بيدك‪ ،‬ولهذا جاء يف‬
‫كل خير خزائنه بيدك‪ ،‬وأعوذ بك‬ ‫هم إنِّي أسألك من ِّ‬ ‫َّبي ﷺ قوله‪« :‬ال َّل َّ‬ ‫أدعية الن ِّ‬
‫شر خزائنه بيدك»(‪ ،)1‬فالخير ك ُّله بيد اهلل فال ُيطلب َّإل منه سبحانه‪ ،‬وال‬ ‫من ِّ‬
‫كل ٍّ‬
‫ُيلتجأ يف طلبه َّإل إليه‪.‬‬
‫الش ِّر أن ُينسب إليه‪َّ ،‬‬
‫فالش ُّر ال‬ ‫«والش ُّر ليس إليك»‪ ،‬فيه تنزيه اهلل عن َّ‬
‫َّ‬ ‫قوله‪:‬‬
‫ُينسب إلى اهلل بوجه من الوجوه‪ ،‬ال يف ذاته‪ ،‬وال يف أسمائه‪ ،‬وال يف صفاته‪ ،‬وال‬
‫المقضي ال يف‬
‫ِّ‬ ‫الش ُّر يدخل يف مخلوقاته ومفعوالته‪َّ ،‬‬
‫فالش ُّر يف‬ ‫يف أفعاله‪ ،‬وإنَّما َّ‬
‫كل ما نُسب إليه فهو خير‪.‬‬‫الش ِّر إليه‪ ،‬بل ُّ‬
‫القضاء‪ ،‬فتبارك وتعالى عن نسبة َّ‬
‫قوله‪« :‬أنا بك وإليك»‪« ،‬بك»‪ ،‬أي‪ :‬مستجير‪« ،‬وإليك»‪ ،‬أي‪ :‬ملتجأ‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫وكل هذا يحتمله ال َّلفظ‪.‬‬
‫«بك» أحيا وأموت‪« ،‬وإليك»‪ ،‬أي‪ :‬المصير والمرجع‪ُّ .‬‬
‫استحققت ال َّثناء وتكاثر خيرك‪ ،‬وأصل الكلمة‬
‫َ‬ ‫قوله‪« :‬تباركت»‪ ،‬أي‪:‬‬
‫للدَّ وام وال ُّثبوت‪.‬‬
‫«وتعاليت»‪ ،‬أي‪ :‬ارتفعت عظمتك وظهر قهرك وقدرتك‪.‬‬
‫قوله‪« :‬أستغفرك وأتوب إليك»‪ ،‬فيه الجمع بين االستغفار والتَّوبة‪،‬‬
‫واالستغفار‪ :‬هو طلب محو ُّ‬
‫الذنوب واإلقالة منها والعفو عنها‪ .‬والتَّوبة‪ُ :‬يراد‬
‫هبا ترك العبد ُّ‬
‫للذنوب وإقالعه عنها‪ ،‬وعزمه على عدم فعل شيء منها‪.‬‬
‫استفتاح عظيم‪ ،‬وهو ثابت عن نب ِّينا‬
‫ٌ‬ ‫أن هذا االستفتاح‬ ‫الشاهد‪َّ :‬‬
‫َّ‬
‫‪ .O‬والنَّبِ ُّي ﷺ َلم يكن يداو ُم على نو ٍع من االستفتاحات‪ ،‬بل‬
‫يستفتح هبذا تارةً‪ ،‬وهبذا تارةً‪.‬‬
‫وصححه األلباينُّ‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه الحاكم يف مستدركه (‪ ،)1924‬وال َّطرباينُّ يف الدُّ عاء (‪،)1445‬‬
‫الصحيحة (‪ ،)1540‬ويف صحيح الجامع (‪.)1260‬‬ ‫السلسلة َّ‬
‫يف ِّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪378‬‬
‫َّ‬
‫النب ّي ﷺ ُ‬
‫يجد َّأنها على ثالثة‬ ‫ِِ‬
‫‪َ ‬‬
‫ومن َّ‬
‫يتأمل في االستفتاحات املأثورة عن‬
‫أنواع‪:‬‬
‫نوع فيه ال َّثنا ُء على اهلل‪.‬‬
‫‪ٌ -1‬‬
‫إخبار من العبد عن عبادة اهلل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ونوع فيه‬
‫ٌ‬ ‫‪-2‬‬
‫ونوع فيه دعا ٌء وطلب‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫‪-3‬‬
‫وأعلى ذلك ما كان ثنا ًء على اهلل‪ ،‬ويليه ما كان خربًا من العبد عن عبادة‬
‫اهلل‪ ،‬ويليه ما كان دعا ًء من العبد‪.‬‬
‫‪379‬‬ ‫‪ -62‬أدعية االستفتاح (‪)3‬‬

‫‪62‬‬

‫أدعية االستفتاح (‪)3‬‬

‫ول اهللِ ﷺ إِ َذا َقا َم مِ َن ال َّل ْي ِل ا ْف َتت ََح َص َل َت ُه‪:‬‬ ‫كان َر ُس ُ‬‫َع ْن عائِ َش َة ‪ J‬قا َل ْت‪َ :‬‬
‫ب‬ ‫ض َعالِ َم ا ْل َغ ْي ِ‬ ‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫يل َفاطِر السمو ِ‬
‫َ َّ َ َ‬ ‫يل َوإِ ْس َرافِ َ‬
‫يل َو ِميكَائِ َ‬ ‫«ال َّل ُه َّم َر َّب ِج ْب َرائِ َ‬
‫ف فِ ِيه‬ ‫اخت ُِل َ‬ ‫ون‪ْ ،‬اه ِدنِي لِ َما ْ‬ ‫يما كَانُوا فِ ِيه َيخْ ت َِل ُف َ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ْت ت َْحك ُُم َب ْي َن ع َباد َك ف َ‬ ‫الش َها َد ِة َأن َ‬
‫َو َّ‬
‫اط ُم ْست َِقيمٍ»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫َّك تَه ِدي من ت ََشاء إِ َلى ِصر ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ك؛ إِن َ ْ‬ ‫ِم َن ا ْل َح ِّق بِإِ ْذنِ َ‬
‫َّبي ﷺ‪ ،‬منها هذا االستفتاح‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫عن‬ ‫ثبتت‬ ‫ٍ‬
‫باستفتاحات‬ ‫ُخ َّصت صالة ال َّليل‬
‫ِّ‬
‫وال بأس أن يستفتح المسلم صالته من ال َّليل باالستفتاحات العا َّمة ا َّلتي‬
‫هم باعد بيني‬ ‫هم»‪ ،‬أو «ال َّل َّ‬ ‫«وجهت وجهي»‪ ،‬أو «سبحانك ال َّل َّ‬ ‫تقدَّ مت‪ ،‬كقوله‪َّ :‬‬
‫وبين خطاياي»‪.‬‬
‫يل َوإِ ْس َرافِ َ‬
‫يل»‪ ،‬تخصيص هؤالء ال َّثالثة‬ ‫يل َو ِميكَائِ َ‬
‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َر َّب ِج ْب َرائِ َ‬
‫دليل على شرفهم وفضيلتهم وتقدُّ مهم على غيرهم من‬ ‫بالذكر فيه ٌ‬ ‫من المالئكة ِّ‬
‫َّبي ﷺ لم يكن ليختار يف هذه الوسيلة َّإل المخلوقات‬ ‫َّ‬
‫المالئكة؛ وذلك أن الن َّ‬
‫العظام‪.‬‬
‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬فذكَر هؤالء ال َّثالثة من المالئكة؛ لكمال‬
‫اختصاصهم واصطفائهم وقرهبم من اهلل‪ ،‬وكم من َم َلك غيرهم يف َّ‬
‫السموات‬
‫يسم َّإل هؤالء ال َّثالثة؛ فجربيل صاحب الوحي ا َّلذي به حياة القلوب‬
‫فلم ِّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)770‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪380‬‬

‫واألرواح‪ ،‬وميكائيل صاحب القطر ا َّلذي به حياة األرض والحيوان والنَّبات‪،‬‬


‫الصور ا َّلذي إذا نفخ فيه أح َيت نفختُه بإذن اهلل األموات‬
‫وإسرافيل صاحب ُّ‬
‫وأخرجتهم من قبورهم»‪ .‬اهـ كالمه ‪.)1(V‬‬
‫‪ ‬فجبريل‪ :‬وكَّل اهلل إليه النُّزول بالوحي ا َّلذي هو حياة القلوب وال حياة‬
‫إل به‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬ ‫لها َّ‬
‫الشعراء‪ ،]194-192 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [ ُّ‬
‫«روحا»؛ ألنَّه ينزل بالوحي ا َّلذي‬
‫ً‬ ‫وس ِّم َي‬
‫فالروح هو جربيل‪ُ ،‬‬
‫ﭧ﴾ [القدر‪ُّ ،]4 :‬‬
‫ألن به حياة القلوب‪ ،‬فكذلك َمن‬ ‫أن الوحي نفسه روح؛ َّ‬ ‫به حياة القلوب‪ ،‬وكما َّ‬
‫«روحا»‪.‬‬
‫ً‬ ‫ينزل به ُس ِّم َي‬
‫‪ ‬وميكائيل‪ :‬هو الملك ا َّلذي وكَّل اهلل إليه القطر‪ ،‬ونزول المطر ا َّلذي به‬
‫حياة العباد والنَّبات والحيوان‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ﴾‬
‫[األنبياء‪.]30 :‬‬
‫‪ ‬وإسرافيل‪ُ :‬وكِّل إليه نوع آخر من الحياة؛ حيث ُوكِّل إليه النَّفخ يف‬
‫الصور صعق َمن‬ ‫«قرن ُينفخ فيه»‪ ،‬وإذا نُفخ يف ُّ‬
‫ٌ‬ ‫والصور كما قال ﷺ‪:‬‬
‫الصور‪ُّ ،‬‬
‫ُّ‬
‫السماوات و َمن يف األرض َّإل ما شاء اهلل‪ ،‬وإذا نُفخ فيه نفخة ثانية قام النَّاس‬
‫يف َّ‬
‫لرب العالمين‪ ،‬قال اهلل‬
‫لرب العالمين‪ ،‬وهبذه النَّفخة حياة النَّاس وقيا ُمهم ِّ‬
‫ِّ‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ‬
‫الزمر‪.]69-68 :‬‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [ ُّ‬

‫وا َّلذي يطلبه العبد يف هذا االستفتاح حياة قلبه باالستقامة على شرع اهلل‬
‫والضالالت واالنحرافات؛ فكان يف غاية‬
‫ودينه‪ ،‬والبعد عن األهواء والبدع َّ‬
‫(((  زاد المعاد (‪.)44/1‬‬
L-r?i-
h-1 1t')'.
''
u..
a l.I.
G.z2I'n'V
,. ! .,
a-ux ..O k.ûx. ''.pt..b.-
hk-.uz+-lhI J J .
'1hI.k-..a='o..;o
',=- ''I'
u';hvu.-1Ictw'
', uu
' ..w21
. h,'vw shaw xcw'hz
.

sts..x <-.'> 't2


y u=w& = wl.>u;fnJ gh' .- / .qpza
u.

u- ao.auzp)..,Nh.
,-
.
,.0kuwt.o...s--y kw ,s..
'
,=.-'<;,ùo uawwt.o
.

u
. Eh9.
. œy.
q .'.. ... kucgIwv
.Iw.-
:I9 JIp-'' w'u
wph
. o ;!=.,th; u-
'x..tw.'tlw ô.t:. ooI Lou <'xA'tI
v'w a. .
u.)h.u.:olk'
c'Jp u.g'
t.
p
'1.4'u'MJ
'''
ulh'J hJ

kmp
.
.l). /w,= A> kta . ' .. ui
,-1vAgts Lw.
a-2
:o.t.
...
pwx'ir' Qx;a '1)). 'Zvza
.1'jw1a1*ùô>-
2 ..x':u.rw.x:u.' Vo lJï
.m,-.u. 'Lk a-. u. )I *NIl (sAy u.12
z3
. . >
'l<F'5.i<) * '
. twv=Y..

'

o'
u& .
:I..*..t.o wuu.s'
uwf=.
.'
-'.tkr'.-Vx 11
J KEc.:ias'
r lq''-.
..
.-.
tx' .'
.z t-v
J-'
w..u'.w..-g
.
v.'.
-..
5ruI')..Gz I.: =$'où
' u IwwtôlIw. .1 '1I s...i .=1lz uu- 1I
, .t .. .p ug -/../2y.
u:( Vx -@k-
+- ..r'f..tp ..'
.v . .çJ..t'
tp
'
r
.
,x N h. ,:.u,
' .' ,.
l9uo ..oa,u Iw.tew;ua. .., uo;Iw.uibcw:u.w'.w. I
$z U - V.O.-:JohJ
: :' 3: * ' 11 Z1
to .x;,eu..xuha o u$ a usv,'aha
u.

j ,.p J , jp .
>GRly' u.uk.zlo.
.l J. '
J @e. .=%
' w votL uéap ' <qIp'w; axlI
..wtï ..wf lao,
I
.oS uw11.% h'Iz o' u.S h'u' vI,wb
C'*, atv0.2. 5s
I Q Ir1 4v. j..&-'' .mw.
v c..b'p m.a
' '1
.ap
., . ! 1
; s ,
w1w=w5
>a1I%..Fwz
I kz*w5wIwvsp1h.kIw',:)).'.
.a o.a.as k.ç>.
. >J'.5ju-g'
uyww
w .: a.wx oc' uN
. Ia I
a.

%..Fuo w mwv.
b ow'
rul
- owi
. h.kg bktu>w.tcx z
- owi
. hw=w .wJ
e -5u. $='
.a e- c=
.J . .
.q.5u%
.. .
ww
.5ra-Vx :Ie1J .Q1ja j wjzI L.
J.. 'u
'I

. ($s-hw,y
.o)zu..1
.Ia.u
Iwa1w'
.I kx0
ww t. .v.-
e%>-)t
a IIôI
.. -C
r5
'7 '
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪382‬‬

‫ك»‪ ،‬هذا هو المطلوب‪ ،‬أن‬ ‫ف فِ ِيه ِم َن ا ْل َح ِّق بِإِ ْذنِ َ‬ ‫«اه ِدنِي لِ َما ْ‬
‫اخت ُِل َ‬ ‫قوله‪ْ :‬‬
‫الحق‪،‬‬
‫الحق بإذنه‪ ،‬والنَّاس قد يقع بينهم اختالف يف ِّ‬ ‫يهديه لما اختلف فيه من ِّ‬
‫أقوال عديدة يف المسألة الواحدة أو الحكم الواحد‪ ،‬ويحتار المرء‬ ‫ً‬ ‫فتجد لهم‬
‫الصواب فيها؟ وقد تشتبه بعض األحكام على‬ ‫يف بعض المسائل ال يدري ما َّ‬
‫كثير من النَّاس‪ ،‬كما يف الحديث‪« :‬إِ َّن ا ْل َحال ََل َب ِّي ٌن َوإِ َّن ا ْل َح َرا َم َب ِّي ٌن َو َب ْين َُه َما‬
‫َّاس»‪ ،‬وقد يخفى حكمها‪ ،‬وقد ينشأ المرء منذ‬ ‫ات َل َي ْع َل ُم ُه َّن كَثِ ٌير ِم َن الن ِ‬
‫ُم ْش َتبِ َه ٌ‬
‫ثم يته َّيأ له أن يقرأ كتا ًبا أو‬ ‫صغره على عم ٍل مخالف ُّ‬
‫للسنَّة تر َّبى عليه وترعرع‪َّ ،‬‬
‫مشكل عنده؛ هل‬ ‫ً‬ ‫السنَّة‪ ،‬فيبقى‬
‫أن هذا األمر خالف ُّ‬ ‫عالما يب ِّين للنَّاس َّ‬
‫يسمع ً‬
‫بالسنَّة ا َّلتي استبانت له وا َّتضح دليلها ويرتك ما عليه اآلباء؟ أو يبقى على‬ ‫يأخذ ُّ‬
‫ما هو عليه؟ فيصبح يف اضطراب‪ ،‬فما أحوجنا إلى هذا الدُّ عاء واإلكثار منه‪.‬‬
‫بالحق مع قصده وإيثاره‬‫ِّ‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬والهداية هي العلم‬
‫بالحق المريد له‪ ،‬وهي أعظم نعمة هلل على‬ ‫ِّ‬ ‫على غيره‪ ،‬فالمهتدي هو العامل‬
‫الصراط المستقيم َّ‬
‫كل يوم وليلة يف‬ ‫العبد؛ ولهذا أمرنا سبحانه أن نسأله هداية ِّ‬
‫الحق ا َّلذي يرضى اهلل يف ِّ‬
‫كل‬ ‫فإن العبد محتاج إلى معرفة ِّ‬ ‫صلواتنا الخمس‪َّ ،‬‬
‫الحق فيجعل‬ ‫محتاج إلى َمن يلهمه قصد ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫حركة ظاهرة وباطنة‪ ،‬فإذا عرفها فهو‬
‫أن ما يجهله العبد أضعاف‬ ‫ثم إلى َمن يقدِّ ره على فعله‪ ،‬ومعلو ٌم َّ‬ ‫إرادته يف قلبه َّ‬
‫حق ال تطاوعه نفسه على إرادته‪ ،‬ولو‬ ‫كل ما يعلم أنَّه ٌّ‬ ‫وإن َّ‬
‫أضعاف ما يعلمه‪َّ ،‬‬
‫وقت إلى هداية تتع َّلق بالماضي‬ ‫كل ٍ‬ ‫مضطر َّ‬ ‫أراده لعجز عن كثير منه‪ ،‬فهو‬
‫ٌّ‬
‫محتاج إلى محاسبة نفسه عليه‪ ،‬وهل‬ ‫ٌ‬ ‫وبالحال والمستقبل؛ أ َّما الماضي فهو‬
‫الحق فيتوب‬
‫السداد؟ فيشكر اهلل عليه ويستديمه‪ ،‬أم خرج فيه عن ِّ‬ ‫وقع على َّ‬
‫إلى اهلل تعالى منه ويتسغفره ويعزم على أن ال يعود‪ ،‬وأ َّما الهداية يف الحال فهي‬
‫مطلوبة منه‪ ،‬فإنَّه ابن وقته فيحتاج ان يعلم حكم ما هو متل ِّبس به من األفعال‬
‫‪383‬‬ ‫‪ -62‬أدعية االستفتاح (‪)3‬‬

‫هل هو صواب أم خطأ؟ وأ َّما المستقبل فحاجته يف الهداية أظهر ليكون سيره‬
‫اضطرارا‬
‫ً‬ ‫على الطريق‪ ،‬وإذا كان هذا شأن الهداية ُعلم َّ‬
‫أن العبد أشدُّ شيء‬
‫إليها»(‪.)1‬‬
‫ألححت ‪-‬أ َّيها العبد‪ -‬على‬‫َ‬ ‫وكان ابن تيم َّية‪ :‬كثير الوص َّية هبذا الدُّ عاء‪ ،‬وإذا‬
‫تيسرت لك أبواب‬ ‫الحق بإذنه َّ‬‫اهلل ورجوته أن يهديك إلى ما اختلف فيه من ِّ‬
‫الحق وظهر‪.‬‬
‫الخير وبان لك ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫وقوله‪« :‬إن َ ِ‬
‫توسل خامس‪،‬‬ ‫َّك ت َْهدي َم ْن ت ََشا ُء إِ َلى ص َراط ُم ْستَقيمٍ»‪ ،‬هذا ُّ‬
‫الصراط المستقيم بيد اهلل‪،‬‬ ‫أن هدايتك إلى ِّ‬ ‫وهو إقرارك واعرتافك وإيمانك َّ‬
‫قال اهلل لنب ِّيه‪ :‬ﷺ ﴿ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ﴾ [القصص‪:‬‬
‫‪ ،]56‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ﴾ [يوسف‪،]103 :‬‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ﴾ [النَّحل‪،]37 :‬‬
‫أي أحد كائن َمن كان َّإل َّ‬
‫رب‬ ‫الصراط المستقيم ليست بيد ِّ‬ ‫فالهداية إلى ِّ‬
‫العالمين سبحانه ﴿ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾ [األنعام‪:‬‬
‫‪﴿ ،]39‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ﴾ [النَّحل‪ ،]93 :‬فالهداية بيده سبحانه‪،‬‬
‫اط ُم ْست َِقيمٍ»‪ ،‬نسأل‬‫َّك تَه ِدي من ت ََشاء إِ َلى ِصر ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫توسلك هذا‪« :‬إن َ ْ‬ ‫ولهذا تقول يف ُّ‬
‫اهلل أن يهدينا أجمعين‪ ،‬وأن يصلح قلوبنا‪ ،‬وأن يأخذنا بنواصينا إلى صراطه‬
‫المستقيم‪.‬‬
‫محمدً ا ﷺ هبذا الدُّ عاء يف القرآن الكريم‪ ،‬قال اهلل‬
‫وقد أمر اهلل تعالى نب َّيه َّ‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫الزمر‪ ،]46 :‬أمره به بعدما ذكر عن المشركين ما ذكر‬ ‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [ ُّ‬
‫الشرك ونفرهتم عن التَّوحيد‪ .‬والمعنى‪ :‬ادع ‪-‬أ َّيها‬ ‫من المذ َّمة لهم يف ح ِّبهم ِّ‬

‫السعادة (‪.)83/1‬‬
‫(((  انظر‪ :‬مفتاح دار َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪384‬‬

‫السماوات واألرض‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫َّبي‪ -‬اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬ا َّلذي هو فاطر َّ‬
‫الن ُّ‬
‫الس ُّر والعالنية‬
‫خالقهما على غير مثال سبق ﴿ﯜ ﯝ ﯞ﴾‪ ،‬أي‪ِّ :‬‬
‫﴿ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾‪ ،‬أي‪ :‬يف دنياهم‪ ،‬وستفصل بينهم‬
‫يوم معادهم‪ ،‬وقيامهم من قبورهم‪.‬‬
‫ويف هذا تعليم للعباد أن يحسنوا االلتجاء إلى اهلل تعالى‪ ،‬والدُّ عاء بأسمائه‬
‫َّوسل إليه هبا‪.‬‬
‫الحسنى والت ُّ‬
‫ومما ُين َّبه عليه يف هذا المقام‪َّ :‬‬
‫أن العبد إذا دعا هبذا الدَّ عاء أو غيره من‬ ‫َّ‬
‫السبب‪ ،‬فإذا قال‪« :‬اهدين لما اختلف فيه»‬ ‫األدعية عليه أن ُيتبِع الدُّ عاء ببذل َّ‬
‫عليه أن يأخذ باألسباب؛ وذلك بمجاهدة النَّفس على سلوك طريق العلم‪،‬‬
‫والصواب‪ ،‬وعدم التَّر ُّدد يف قبوله‪.‬‬
‫الحق َّ‬
‫وتحري ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫وتل ِّقيه عن أهله‪،‬‬
‫‪385‬‬ ‫‪ -63‬أدعية االستفتاح (‪)4‬‬

‫‪63‬‬

‫أدعية االستفتاح (‪)4‬‬

‫َان النَّبِ ُّي ﷺ إِ َذا َقا َم مِ َن ال َّل ْي ِل َيت ََه َّجدُ ‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫قال‪ :‬ك َ‬ ‫اس ‪َ L‬‬ ‫ابن َع َّب ٍ‬ ‫َع ْن ِ‬
‫ك ا ْل َح ْمدُ ‪،‬‬ ‫يه َّن‪َ ،‬و َل َ‬ ‫ض َو َم ْن فِ ِ‬ ‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫ْت َقيم السمو ِ‬
‫ك ا ْل َح ْمدُ ‪َ ،‬أن َ ِّ ُ َّ َ َ‬ ‫هم َل َ‬‫«ال َّل َّ‬
‫ك السمو ِ‬ ‫ك ا ْلحمدُ ‪َ ،‬أن َ ِ‬ ‫ض َو َم ْن فِ ِ‬ ‫ْت نُور السمو ِ‬
‫ات‬ ‫ْت َمل ُ َّ َ َ‬ ‫يه َّن‪َ ،‬و َل َ َ ْ‬ ‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫َأن َ ُ َّ َ َ‬
‫ك ا ْل َح ُّق‪،‬‬ ‫ْت ا ْل َح ُّق‪َ ،‬و َو ْعدُ َك ا ْل َح ُّق‪َ ،‬و َق ْو ُل َ‬ ‫ك ا ْل َح ْمدُ ‪َ ،‬أن َ‬ ‫يه َّن‪َ ،‬و َل َ‬ ‫ض َو َم ْن فِ ِ‬ ‫َواألَ ْر ِ‬
‫السا َع ُة‬‫ون َح ٌّق‪َ ،‬و ُم َح َّمدٌ ﷺ َح ٌّق‪َ ،‬و َّ‬ ‫َولِ َقاؤُ َك َح ٌّق‪َ ،‬وا ْل َجنَّ ُة َح ٌّق‪َ ،‬والن َُّار َح ٌّق‪َ ،‬والنَّبِ ُّي َ‬
‫ك‬ ‫ت‪َ ،‬وبِ َ‬ ‫ك َأ َن ْب ُ‬ ‫ت‪َ ،‬وإِ َل ْي َ‬ ‫ك ت ََو َّك ْل ُ‬ ‫ْت‪َ ،‬و َع َل ْي َ‬ ‫ك َآمن ُ‬ ‫ت‪َ ،‬وبِ َ‬ ‫ك َأ ْس َل ْم ُ‬ ‫هم َل َ‬ ‫َح ٌّق‪ ،‬ال َّل َّ‬
‫ت َو َما َأ َّخ ْر ُت َو َما َأ ْس َر ْر ُت َو َما‬ ‫ت‪َ ،‬فا ْغ ِف ْر لِي َما َقدَّ ْم ُ‬ ‫ك َحاك َْم ُ‬ ‫ت‪َ ،‬وإِ َل ْي َ‬ ‫اص ْم ُ‬ ‫َخ َ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫ْت»‪ .‬رواه‬ ‫الم َؤ ِّخ ُر‪َ ،‬ل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫ْت ُ‬ ‫ْت الم َقدِّ ُم َو َأن َ‬ ‫ْت‪َ ،‬أن َ‬ ‫َأ ْع َلن ُ‬
‫ول قو َة َّإل باهلل»‪.‬‬ ‫حول َ‬ ‫«ول َ‬ ‫رواية‪َ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫وزا َد يف‬
‫َمل على اثنتين وعشرين جملةً‪ ،‬كان نب ُّينا‬ ‫جامع مشت ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫عظيم‬
‫ٌ‬ ‫فهذا مت ٌن‬
‫كل ليلة يستفتح به صال َته من ال َّليل‪.‬‬ ‫يكرره َّ‬ ‫‪ِّ O‬‬
‫استفتاحا‬
‫ً‬ ‫المستمرة هبذه الكلمات العظيمات‬‫َّ‬ ‫أن هذه العناي َة‬ ‫وما مِن ريب َّ‬
‫تدل على ِعظم شأهنا وجاللة َقدْ رها‪ ،‬الس َّيما إذا كانت يف‬ ‫لصالة ال َّليل هبا ُّ‬
‫وسكون ال َكون‪ ،‬وهو وقت ُق ٍ‬
‫رب‬ ‫وه ْجعة النَّاس ُ‬ ‫وهدأة الخلق َ‬ ‫جوف ال َّليل َ‬
‫الر ُّب ‪ F‬إلى‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ورحمة؛ ُتفتَح فيه‬
‫وينزل فيه َّ‬ ‫حمات‪،‬‬ ‫بالر‬
‫السماء َّ‬ ‫أبواب َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الصالح النَّاصح بي َن يدي ر ِّبه‬ ‫ِ‬
‫يقف العبدُ َّ‬‫والهبات‪ ،‬إذ ُ‬ ‫َسماء الدُّ نيا بال َعطايا‬
‫البخاري (‪ ،)1120‬ومسلم (‪.)769‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪386‬‬

‫تيسر مِن صالة‬ ‫ِ‬


‫الشريف الفاضل‪ ،‬ل ُيص ِّلي لر ِّبه ما َّ‬
‫الوقت َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ F‬يف هذا‬
‫تفيض إيمانًا وتصدي ًقا وتوحيدً ا‬ ‫مستفتِ ًحا لها هبذه ال َكلمات ال َعظيمات ا َّلتي ُ‬
‫وتوس ًل بأسمائِه وصفاتِه ‪ ،D‬وبالخضوع‬ ‫ُّ‬ ‫وإخالصا واستسال ًما هلل ‪F‬‬ ‫ً‬
‫ُ‬
‫البالغ يف‬ ‫ُ‬
‫يكون له األثر‬ ‫مما‬ ‫ِ‬
‫واالنكسار بي َن يدَ ْيه‪َّ ،‬‬ ‫لعزتِه وجالله‪،‬‬
‫له والتَّذ ُّلل َّ‬
‫ِ‬
‫وتثبيت التَّوحيد‪.‬‬ ‫تجديد اإليمان‪ ،‬وترسيخ االعت َقاد‪،‬‬
‫ض َو َم ْن فِ ِ‬
‫يه َّن»‪ ،‬بدأ‬ ‫ْت َقيم السمو ِ‬
‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫ك ا ْل َح ْمدُ ‪َ ،‬أن َ ِّ ُ َّ َ َ‬
‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َل َ‬
‫والسموات بحمد اهلل ‪ ،F‬والحمدُ ‪ :‬هو‬ ‫لرب األرض َّ‬ ‫ﷺ هذه المناجاة ِّ‬
‫ال َّثناء على اهلل بما هو أه ُله مع ح ِّبه َّ‬
‫جل يف ُعاله‪.‬‬
‫ض َو َم ْن فِ ِ‬
‫يه َّن»‪ ،‬أي‪ :‬القائم بشؤون‬ ‫ْت َقيم السمو ِ‬
‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫«أن َ ِّ ُ َّ َ َ‬
‫الر ِّب‬
‫وتسخيرا‪ ،‬فاألمر بيد َّ‬
‫ً‬ ‫وتدبيرا‬
‫ً‬ ‫السموات واألرض و َمن فيه َّن تصري ًفا‬‫َّ‬
‫كل هذه‬ ‫فالسموات واألرض و َمن فيه َّن ُّ‬ ‫‪ ،F‬وطوع تدبير الق ُّيوم؛ َّ‬
‫الكائنات قائمة بأمر اهلل ‪.E‬‬
‫يه َّن»‪ ،‬فيه إثبات‬ ‫ض َو َم ْن فِ ِ‬ ‫ْت نُور السمو ِ‬
‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫الح ْمدُ ‪َ ،‬أن َ ُ َّ َ َ‬‫ك َ‬‫«و َل َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫الحجاب عن وجهه‬ ‫َ‬ ‫كشف‬
‫َ‬ ‫اسما هلل ‪ ،D‬وصف ًة له ‪ F‬ا َّلذي لو‬ ‫النُّور ً‬
‫ومما ُّ‬
‫يدل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ألحر َقت ُس ُب ُ‬
‫بصره من خلقه‪َّ ،‬‬ ‫ونور جالله ما انتهى إليه ُ‬ ‫حات وجهه ُ‬
‫السموات واألرض ب ُقدرتِه‪.‬‬ ‫نير َّ‬
‫اهلل ‪ُ E‬م ُ‬ ‫أن َ‬‫إثبات َّ‬
‫ُ‬ ‫تضمنه‬
‫عليه يف ُّ‬
‫السموات‬ ‫ض َو َم ْن فِ ِ‬
‫يه َّن»‪ ،‬فيه إثبات َّ‬
‫أن َّ‬
‫ْت م ِل ُك السمو ِ‬
‫ات َواألَ ْر ِ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫«أن َ َ‬
‫ذرة‪،‬‬
‫شريك يف الملك وال يف مقدار َّ‬‫ٌ‬ ‫ك هلل‪ ،‬ليس له ‪D‬‬ ‫واألرض و َمن فيه َّن م ْل ٌ‬
‫ويميت ويحيي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ويرزق‪،‬‬
‫يخلق ُ‬
‫يشاء؛ ُ‬ ‫بل الملك ك ُّله هلل‪ ،‬يد ِّب ُر أمر الممالك كيف َ‬
‫ويعز ِ‬
‫ويذ ُّل‪،‬‬
‫ويخفض وير َفع‪ ،‬ال را َّد لحكمه‪ ،‬وال مع ِّق َ‬
‫ب لقضائه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ويقضي وين ِّفذ‪ُّ ،‬‬
‫اسم من أسماء اهلل الحسنى‪،‬‬
‫و«الحق»‪ٌ :‬‬
‫ُّ‬ ‫الح ُّق»‪،‬‬
‫ْت َ‬‫الح ْمدُ َأن َ‬
‫ك َ‬ ‫«و َل َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫‪387‬‬ ‫‪ -63‬أدعية االستفتاح (‪)4‬‬

‫ريب‪ ،‬ال يف ذاتِه‪ ،‬وال يف أسمائه وصفاتِه‪،‬‬ ‫شك فيه وال َ‬ ‫ومعناه‪ ،‬أي‪ :‬ا َّلذي ال َّ‬
‫بحق سواه‪ ،‬وهو‬ ‫بحق‪ ،‬وال معبو َد ٍّ‬‫وال يف ربوب َّيته‪ ،‬وال يف ألوه َّيته‪ ،‬فهو المعبود ٍّ‬
‫حق‪،‬‬
‫حق‪ ،‬ودينه وشرعه ٌّ‬ ‫حق‪ ،‬وأفعاله وأقواله ٌّ‬ ‫حق‪ ،‬وأسماؤه وصفاته ٌّ‬ ‫‪ٌّ F‬‬
‫الحق؛‬
‫حق‪ ،‬وله ‪ E‬وحده دعو ُة ِّ‬ ‫حق‪ ،‬ولقاؤه ٌّ‬ ‫حق‪ ،‬ووعده ٌّ‬ ‫وأخباره ك ُّلها ٌّ‬
‫للحق المبين ‪.E‬‬ ‫ِّ‬ ‫صرف شي ٌء من العبادة َّإل‬ ‫ُ‬ ‫فال ُيدعى َّإل اهلل‪ ،‬وال ُي‬
‫صادق الوعد‪ ،‬ال يخلف الميعاد‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الح ُّق»‪ ،‬واهلل سبحانه‬ ‫«و َو ْعدُ َك َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫كل ما‬‫اهلل ‪ُ D‬يوفِي عبا َده وأوليا َءه وأصفيا َءه َّ‬ ‫إيمان َّ‬
‫بأن َ‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا‬
‫وهذا فيه ً‬
‫ٍ‬
‫وكرامات يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬قال اهلل‬ ‫ٍ‬
‫وخيرات‬ ‫ٍ‬
‫وهبات‬ ‫وعدَ ُهم به من عطايا‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [النِّساء‪ ،]122 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫الروم‪.]6 :‬‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [ ُّ‬

‫الح ُّق»‪ ،‬أي‪ :‬ال َ‬


‫باطل فيه‪ ،‬كما قال اهلل سبحانه‪﴿ :‬ﭡ‬ ‫ك َ‬ ‫«و َق ْو ُل َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [البقرة‪ ،]147 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ﴾ [البقرة‪ ،]26 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ﴾‬
‫[البقرة‪ ،]149 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫[فصلت‪ ،]42 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮠ﴾ ِّ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [النِّساء‪.]82 :‬‬
‫قوله‪ِ :‬‬
‫حاضرا يف ذهن‬‫ً‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫عظيم ينبغي أن‬
‫ٌ‬ ‫«ول َقاؤُ َك َح ٌّق»‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫أمر‬ ‫َ‬
‫ال َعبد‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ﴾ [البقرة‪ ،]223 :‬وقال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [البقرة‪ ،]249 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭑ‬
‫سيقف بي َن يدي اهلل‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫عقيدة ثابتة أنَّه‬ ‫ﭒ ﭓ ﭔﭕ﴾ [األحزاب‪]44 :‬؛ فيكون على‬
‫وتزو ًدا ليوم المعاد‪.‬‬
‫عمل واستعدا ًدا ُّ‬‫‪ ،F‬فهذا ُيثمر ً‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪388‬‬

‫الج َّن ُة َح ٌّق‪َ ،‬والن َُّار َح ٌّق»‪ ،‬فيه اإليمان بالجنَّة والنَّار‪ ،‬وهما مِن‬
‫«و َ‬‫قوله‪َ :‬‬
‫موضع مِن كتابه‪،‬‬
‫ووقوعه يف غير ما ِ‬ ‫ِ‬ ‫أقسم على صدقِه‬ ‫َ‬ ‫الصادق ا َّلذي‬‫وعده َّ‬
‫قال اهلل تعالى يف وعد المؤمنين بالجنَّة‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [التَّوبة‪ ،]72 :‬وقال يف و ْع ِد الكافرين بالنَّار‪:‬‬
‫﴿ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧﯨ‬
‫ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [التَّوبة‪.]68 :‬‬
‫أصل من‬ ‫ٌ‬ ‫بالرسل الكرام‪ ،‬وهو‬ ‫ُ‬
‫اإليمان ُّ‬ ‫ون َح ٌّق»‪ ،‬وهذا‬ ‫«والنَّبِ ُّي َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫بالرسل‪ ،‬قال‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫أصول اإليمان؛ َّ‬
‫اإليمان يقوم على ستَّة أصول منها اإليمان ُّ‬ ‫فإن‬ ‫ُ‬
‫اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫إيمان بأنَّهم صفو ُة الخلق‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫ٌ‬ ‫ﮤ ﮥ﴾ [البقرة‪ ،]285 :‬واإليمان هبم‪:‬‬
‫بالحق والهدى‪ ،‬وأنَّهم جميعهم صادقون‬ ‫ِّ‬ ‫اهلل اجتباهم‪ ،‬وأنَّهم قد بع َث ُهم اهلل‬
‫عرفين‪،‬‬ ‫مصدوقون‪َ ،‬بر َر ٌة راشدون‪ ،‬أتقياء ناصحون‪ ،‬هدا ٌة مهتدون‪ ،‬بع َث ُهم به ُم ِّ‬
‫ولمن خال َفهم ُمنذرين‪ ،‬فب َّلغوا أ َم َمهم ما‬ ‫مبشرين‪َ ،‬‬‫ولمن أجا َب ُهم ِّ‬ ‫وإليه داعين‪َ ،‬‬
‫شرا َّإل‬
‫أممهم عليه‪ ،‬وال ًّ‬ ‫خيرا َّإل د ُّلوا َ‬
‫أمرهم اهلل به البال َغ المبين‪ ،‬فما تركوا ً‬ ‫ُ‬
‫حذروهم منه‪.‬‬‫َّ‬
‫محمد ﷺ‪ِ ،‬خيرة اهلل‬‫بنبوة َّ‬ ‫الخاص َّ‬
‫ُّ‬ ‫«و ُم َح َّمدٌ ﷺ َح ٌّق»‪ ،‬فيه اإليمان‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫من خلقه‪ ،‬وصفوته من عباده‪ ،‬وأكرم الخلق على ر ِّبه‪ ،‬إمام المتَّقين‪ ،‬وقائد‬
‫المحجلين‪ ،‬وس ِّيد ولد آدم أجمعين‪ ،‬وخاتم النَّب ِّيين‪﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬ ‫َّ‬ ‫الغر‬
‫ِّ‬
‫بالحق‬
‫ِّ‬ ‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ﴾ [األحزاب‪ ،]40 :‬أرسله اهلل‬
‫منيرا؛ فب َّلغ البالغ المبين‪،‬‬
‫وسراجا ً‬
‫ً‬ ‫ونذيرا وداع ًيا إلى اهلل بإذنه‬
‫ً‬ ‫بشيرا‬
‫والهدى ً‬
‫حذرها منه‪.‬‬ ‫شرا َّإل َّ‬
‫دل أ َّمته عليه‪ ،‬وال ًّ‬‫خيرا َّإل َّ‬
‫وما ترك ً‬
‫‪389‬‬ ‫‪ -63‬أدعية االستفتاح (‪)4‬‬

‫الصور‬ ‫الصور يف ُّ‬ ‫الساعة‪ ،‬أي‪ :‬ا َّلتي َينفخ فيها ُ‬


‫ملك ُّ‬ ‫السا َع ُة َح ٌّق» َّ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫«و َّ‬
‫وينتَهي هذا العالم‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫الروم‪،]12 :‬‬‫الروم‪ ،]55 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ﴾ [ ُّ‬ ‫ﮛﮜ﴾ [ ُّ‬
‫الروم‪ ،]14 :‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [ ُّ‬
‫الحج‪ ،]7 :‬ويقال لها «ساعة»؛ ألنَّها تقع يف لحظة‬ ‫﴿ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [ ُّ‬
‫بكل تفاصيلها وتبدأ الحيا ُة‬‫كل شيء‪ ،‬وتنقضي الحيا ُة الدُّ نيا ِّ‬ ‫واحدة فينتهي ُّ‬
‫اآلخرة‪.‬‬
‫ك َأ ْس َل ْم ُ‬
‫ت»‪ ،‬أي‪ :‬انقدت‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ‬ ‫هم َل َ‬
‫قوله‪« :‬ال َّل َّ‬
‫﴿ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ﴾ [ ُّ‬
‫الحج‪:‬‬ ‫الزمر‪ ،]54 :‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫ﯟ ﯠ﴾ [ ُّ‬
‫‪ ،]34‬واإلسالم‪ :‬هو االستِسالم هلل بالتَّوحيد‪ ،‬واالنقيا ُد له بال َّطاعة‪ ،‬والخلوص‬
‫من ِّ‬
‫الشرك‪.‬‬
‫بحق سواك‪ ،‬قال اهلل‬ ‫ْت» ً‬
‫إلها ور ًّبا ومعبو ًدا‪ ،‬وال معبود ٍّ‬ ‫ك َآمن ُ‬‫«وبِ َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [البقرة‪ ،]136 :‬وهذا أعظم أركان الدِّ ين‪ ،‬وأصل‬
‫وتفرده بأسمائه وصفاته‪،‬‬
‫أصول اإليمان‪ ،‬ومعناه اإليمان بوحدان َّية اهلل تعالى ُّ‬
‫وأن ما ُعبِد مِن دونه فعباد ُته أبطل الباطل‬
‫الحق المبين‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫واإليمان بأنَّه اإلله‬
‫الضالل‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫وأضل َّ‬
‫ت»‪ ،‬فيه التَّوكُّل على اهلل وحده‪ ،‬وحقيقة التَّوكُّل‬ ‫ك ت ََو َّك ْل ُ‬
‫«و َع َل ْي َ‬‫قوله‪َ :‬‬
‫وتفويضا إليه‬
‫ً‬ ‫عمل ال َقلب وعبود َّيته اعتما ًدا على اهلل وثق ًة به والتجا ًء إليه‬ ‫هو‪ُ :‬‬
‫فوض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اختياره لعبده إذا َّ‬ ‫وحسن‬ ‫ورضا بما يقضيه له؛ لعلمه بكفايته سبحانه ُ‬ ‫ً‬
‫واجتهاده يف تحصيلها‪َ ،‬‬
‫دون تعدٍّ‬ ‫ِ‬ ‫أموره‪ ،‬مع قيامِه باألسباب المأمور هبا‬ ‫إليه َ‬
‫سبب غير مأمور أو سلوك طريق غير مشروع‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إلى فعل‬
‫ك َأ َن ْب ُ‬
‫ت»‪ ،‬اإلنابة‪ :‬هي ُّ‬
‫الرجوع إلى اهلل باإلقبال عليه وعلى‬ ‫«وإِ َل ْي َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪390‬‬

‫اهلل‬
‫الزمر‪ ،]54 :‬وقد ذكَر ُ‬‫طاعته‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [ ُّ‬
‫اإلناب َة يف مواضع كثيرة م َن القرآن وأثنى على المنيبين وأمر باإلنابة إليه‪.‬‬
‫محاجتي‬
‫َّ‬ ‫ت»‪ ،‬أي‪ :‬أنَّني مستعي ٌن بك ‪-‬يا اهلل‪ -‬يف‬‫اص ْم ُ‬
‫ك َخ َ‬ ‫«وبِ َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫عقائدهم وضاللهم‬ ‫ألعدائك‪ ،‬وردي عليهم‪ ،‬وبياين لفس ِ‬
‫اد‬ ‫َ‬ ‫ومخاصمتي‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫ملتجئ إليك وحدَ ك‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وباطلِهم‪،‬‬
‫ت»‪ ،‬هذا فيه َّ‬
‫أن التَّحاكم إنَّما يكون إلى شرع اهلل‪ ،‬قال‬ ‫«وإِ َل ْي َ‬
‫ك َحاك َْم ُ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫الشورى‪.]10 :‬‬ ‫ﯽ ﯾ﴾ [ ُّ‬

‫ْت»‪ ،‬أي‪:‬‬‫ت َو َما َأ َّخ ْر ُت‪َ ،‬و َما َأ ْس َر ْر ُت َو َما َأ ْع َلن ُ‬‫قوله‪َ « :‬فا ْغ ِف ْر لِي َما َقدَّ ْم ُ‬
‫كريم‪ ،‬وأنت‬
‫ٌ‬ ‫وصفحك‬ ‫َ‬ ‫فإن رحمتَك واسعةٌ‪،‬‬ ‫الذنوب؛ َّ‬ ‫جميع ُّ‬
‫َ‬ ‫فاغفر لي يا اهلل‬
‫أنت‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ ﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ‬ ‫نوب َّإل َ‬ ‫الذ َ‬ ‫يغفر ُّ‬ ‫الرحيم‪ ،‬وال ُ‬ ‫الغفور َّ‬
‫ُ‬
‫ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ﴾‬
‫[آل عمران‪.]135 :‬‬
‫االسم ْين‬
‫َ‬ ‫توس ٌل إلى اهلل َ‬
‫هبذ ْين‬ ‫الم َؤ ِّخ ُر»‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫ْت ُ‬‫ْت الم َقدِّ ُم‪َ ،‬و َأن َ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫«أن َ‬
‫ور َدا يف هذا الحديث يف سياق طلب ال ُغفران‬ ‫العظيم ْين هلل سبحانه‪ ،‬وقد َ‬ ‫َ‬
‫ليس إليه شي ٌء من أمر سعادتِه أو‬ ‫أن العبد َ‬ ‫بيان َّ‬
‫جميعها‪ ،‬ويف هذا ٌ‬ ‫ِ‬ ‫للذنوب‬‫ُّ‬
‫تأخ ِره‪ ،‬إن اهتدى فبهداية اهلل إ َّياه‪،‬‬‫رفعه‪ ،‬أو تقدُّ مِه أو ُّ‬ ‫خفضه أو ِ‬ ‫ِ‬ ‫شقاوتِه‪ ،‬أو‬
‫ضل فبصرفِه عن الهدى‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫ثبت على اإليمان فبتثبيته سبحانه‪ ،‬وإن َّ‬ ‫وإن َ‬
‫يتصرف فيها بما شاء‪ ،‬ال يمتَنع عليه شيء‬
‫َّ‬ ‫قلوب العباد هو اهلل‪،‬‬
‫َ‬ ‫ا َّلذي يتو َّلى‬
‫منها‪ ،‬يق ِّلبها كيف يشاء‪.‬‬

‫ْت»‪ ،‬هذا ٌ‬
‫ختم لهذه المناجاة العظيمة بأعظم الكلمات‬ ‫«ل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫‪391‬‬ ‫‪ -63‬أدعية االستفتاح (‪)4‬‬

‫اهلل»‪ ،‬ا َّلتي ألجلها ُخلقت الخليقةُ‪،‬‬ ‫«ل إِ َل َه إِ َّل ُ‬ ‫على اإلطالق؛ كلمة التَّوحيد َ‬
‫الكتب‪ ،‬وهبا افرتق النَّاس إلى مؤمنين وك َّفار‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫سل‪ ،‬و ُأنزلت‬ ‫الر ُ‬ ‫و ُأرسلت ُّ‬
‫الكلمة وموق ُعها م َن‬
‫َ‬ ‫وسعداء أهل الجنَّة‪ ،‬وأشقياء أهل النَّار‪ .‬وفضائل هذه‬ ‫ُ‬
‫فوق ما يص ُفه الواصفون ويعر ُفه العارفون‪.‬‬ ‫الدِّ ين َ‬
‫ٍ‬
‫وتفويض‬ ‫«و َل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة َّإل بِاهلل»‪ ،‬هي كلمة إسال ٍم واستِسال ٍم‪،‬‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫أمره شي ًئا‪ ،‬وليس له‬ ‫يملك من ِ‬‫ُ‬ ‫وأن العبدَ ال‬‫والقوة َّإل باهلل‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫الحول‬ ‫وترب ٍُّؤ من َ‬
‫تحول للعبد مِن‬ ‫خير َّإل بإرادته تعالى‪ ،‬فال ُّ‬‫جلب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫قو ٌة يف‬
‫شر وال َّ‬ ‫حيل ٌة يف دف ِع ٍّ‬
‫قوة‪ ،‬وال مِن‬ ‫ٍ‬
‫وهن إلى َّ‬ ‫صحة‪ ،‬وال مِن‬ ‫ِ‬
‫معصية إلى طاعة‪ ،‬وال من مرض إلى َّ‬
‫بشأن مِن شؤونِه أو غاية‬ ‫ٍ‬ ‫قوة له على القيام‬ ‫ٍ‬
‫كمال وزيادة َّإل باهلل‪ ،‬وال َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫نقص إلى‬
‫مِن غاياته َّإل باهلل العظيم‪.‬‬
‫ب لي ٍل يقوم المر ُء المسلم يف جوفه ليص ِّل َي لر ِّبه‬ ‫أال ما أهن ََأ َّ‬
‫وألذ وأط َي َ‬
‫مستشعرا‬
‫ً‬ ‫مستفتحا هبذا االستفتاح العظيم‪،‬‬
‫ً‬ ‫َب اهلل له من صالة‪،‬‬ ‫ومواله ما كت َ‬
‫مقو ًيا صلتَه بر ِّبه‬ ‫ِ‬
‫العظيمة ودالالته الجليلة‪ ،‬مجدِّ ًدا إيمانَه وتوحيدَ ه‪ِّ ،‬‬‫َ‬ ‫معانيه‬
‫الزك َّية‪ ،‬والمقامات العل َّية‪،‬‬
‫ب عليه من األحوال َّ‬ ‫ومو َله‪ ،‬راج ًيا َ‬
‫نيل ما يرت َّت ُ‬ ‫ْ‬
‫والنَّتائج العظيمة‪ ،‬واآلثار المباركة‪ ،‬وال َعوائد الحميدة‪ ،‬وباهلل وحدَ ه التَّوفيق‬
‫َ‬
‫شريك له‪.‬‬ ‫ال‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪392‬‬

‫‪64‬‬

‫أدعية الرُّكوع والقيام منه وال ُّسجود‬


‫واجللسة بني ال َّسجدتني (‪)1‬‬

‫ات َل ْي َل ٍة َفا ْف َتت ََح ا ْل َب َق َرةَ‪،‬‬


‫ت َم َع ال َّنبِ ِّي ﷺ َذ َ‬ ‫«ص َّل ْي ُ‬
‫َع ْن ُح َذ ْي َف َة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬‬
‫ت‪:‬‬ ‫ت‪ُ :‬ي َص ِّلي بِ َها فِي َر ْك َع ٍة‪َ ،‬ف َم َضى‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬ ‫ت َي ْرك َُع ِعنْدَ ا ْل ِمائ َِة‪ُ ،‬ث َّم َم َضى‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬ ‫َف ُق ْل ُ‬
‫ان َف َق َر َأ َها‪َ ،‬ي ْق َر ُأ ُمت ََر ِّس ًل‪،‬‬ ‫َي ْرك َُع بِ َها‪ُ ،‬ث َّم ا ْف َتت ََح الن َِّسا َء َف َق َر َأ َها‪ُ ،‬ث َّم ا ْف َتت ََح َآل ِع ْم َر َ‬
‫ال َس َأ َل‪َ ،‬وإِ َذا َم َّر بِ َت َع ُّو ٍذ َت َع َّو َذ‪ُ ،‬ث َّم َرك ََع‬ ‫يح س َّب َح‪َ ،‬وإِ َذا مر بِس َؤ ٍ‬ ‫ٍ ِ‬
‫َ َّ ُ‬ ‫إِ َذا َم َّر بِ َآية ف َيها ت َْسبِ ٌ َ‬
‫َان ُركُو ُع ُه ن َْح ًوا ِم ْن ِق َي ِام ِه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪:‬‬ ‫ان َر ِّب َي ا ْل َعظِيمِ»‪َ ،‬فك َ‬ ‫«س ْب َح َ‬ ‫ول‪ُ :‬‬ ‫َف َج َع َل َي ُق ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬
‫«س ْب َح َ‬ ‫«سم َع اهللُ ل َم ْن َحمدَ ُه»‪ُ ،‬ث َّم َقا َم َط ِو ًيل َقرِي ًبا م َّما َرك ََع‪ُ ،‬ث َّم َس َجدَ َف َق َال‪ُ :‬‬ ‫َ‬
‫َان ُس ُجو ُد ُه َقرِي ًبا ِم ْن ِق َي ِام ِه»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫َر ِّب َي األَ ْع َلى» َفك َ‬
‫المسلم يف ركوعه «سبحان ر ِّبي العظيم»‬
‫ُ‬ ‫يف هذا الحديث مشروع َّية أن َ‬
‫يقول‬
‫للراكع أن‬ ‫رع َّ‬ ‫ويف سجوده «سبحان ر ِّبي األعلى»‪ ،‬قال ابن الق ِّيم ‪ُ :V‬‬
‫«فش َ‬
‫يوصف‬ ‫ذكر َعظمة ر ِّبه يف حال انخفاضه هو وتطامنه وخضوعه‪ ،‬وأنَّه سبحانه َ‬ ‫َي َ‬
‫الراكع‬ ‫عما يضا ُّد كربياءه وجالله وعظمته‪ ،‬فأفضل ما يقول َّ‬ ‫بوصف عظمته َّ‬
‫على اإلطالق‪( :‬سبحان ر ِّبي العظيم)؛ َّ‬
‫فإن اهلل سبحانه أمر العباد بذلك‪ ،‬وع َّين‬
‫لما نزلت‪﴿ :‬ﯶ‬ ‫الذكر َّ‬ ‫َّ‬
‫المحل لهذا ِّ‬ ‫فير بينه وبين عباده هذا‬ ‫المب ِّل ُغ عنه َّ‬
‫الس ُ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ﴾ [الواقعة‪ ]74 :‬قال‪« :‬اجعلوها يف ركوعكم»(‪.)2‬‬
‫«وشرع فيه من ال َّثناء على اهلل ما يناسبه‪ ،‬وهو قول‬
‫السجود‪ُ :‬‬
‫وقال‪ :‬عن ُّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)772‬‬
‫الصالة وأحكام تاركها (ص‪.)145‬‬
‫(((  انظر‪َّ :‬‬
‫‪393‬‬ ‫‪ -64‬أدعية الرُّكوع والقيام منه وال ُّسجود واجللسة بني ال َّسجدتني (‪)1‬‬
‫العبد‪( :‬سبحان ر ِّبي األعلى)‪ ،‬فهذا أفضل ما ُيقال فيه‪ ،‬ولم ِ‬
‫يرد عن النَّبِ ِّي ﷺ‬
‫السجود بغيره‪ ،‬حيث قال‪( :‬اجعلوها يف سجودكم)‪ ...‬وكان وصف‬ ‫أمره يف ُّ‬
‫َّ‬
‫انحط إلى‬ ‫الساجد ا َّلذي قد‬
‫بالعلو يف هذه الحال يف غاية المناسبة لحال َّ‬
‫ِّ‬ ‫الر ِّب‬
‫َّ‬
‫علو ر ِّبه يف حال سقوطه‪ ،‬وهو كما ذكر عظمته يف‬ ‫السفل على وجهه‪ ،‬فذكر َّ‬ ‫ُّ‬
‫وعلوه»(‪.)1‬‬ ‫َّ‬ ‫مما يضا ُّد عظمته‬ ‫عما ال يليق به َّ‬ ‫ونزه ر َّبه َّ‬
‫حال خضوعه يف ركوعه‪َّ ،‬‬
‫ول اهللِ ﷺ إِ َذا‬ ‫يث َطويلٍ‪َ :‬أ َّن َر ُس َ‬ ‫ب ‪ I‬يف ح ِد ٍ‬
‫َ‬ ‫َو َع ْن َعلِي ْب ِن َأبِي طال ِ ٍ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ك َس ْمعي‪،‬‬ ‫ت‪َ ،‬خ َش َع َل َ‬ ‫ك َأ ْس َل ْم ُ‬
‫ْت‪َ ،‬و َل َ‬ ‫ك َآمن ُ‬ ‫ت‪َ ،‬وبِ َ‬ ‫ك َر َك ْع ُ‬ ‫َرك ََع َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم َل َ‬
‫ك ا ْل َح ْمدُ‬ ‫َو َب َصرِي‪َ ،‬و ُمخِّ ي َو َع ْظ ِمي‪َ ،‬و َع َصبِي»‪َ ،‬وإِ َذا َر َف َع َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم َر َّبنَا َل َ‬
‫ْت ِم ْن َش ْي ٍء َب ْعدُ »‪.‬‬ ‫ض َو ِم ْل َء َما َب ْين َُه َما َو ِم ْل َء َما ِشئ َ‬ ‫ات َو ِم ْل َء األَ ْر ِ‬ ‫ِم ْلء السمو ِ‬
‫َ َّ َ َ‬
‫ت‪َ ،‬س َجدَ َو ْج ِهي‬ ‫ك َأ ْس َل ْم ُ‬ ‫ْت‪َ ،‬و َل َ‬‫ك َآمن ُ‬ ‫ك َس َجدْ ُت‪َ ،‬وبِ َ‬ ‫َوإِ َذا َس َجدَ َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم َل َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين»‪ .‬رواه‬ ‫ل َّلذي َخ َل َق ُه‪َ ،‬و َص َّو َر ُه َو َش َّق َس ْم َع ُه َو َب َص َر ُه‪َ ،‬ت َب َار َك اهللُ َأ ْح َس ُن الخَ الق َ‬
‫مسلم(‪.)2‬‬
‫الجار والمجرور يف قوله‪« :‬لك» على الفعل‬
‫ِّ‬ ‫قوله‪« :‬لك ركعت»‪ ،‬تقديم‬
‫والفاعل؛ يفيد االختصاص‪ ،‬أي‪ :‬لك وحدك يا اهلل ركوعي‪ ،‬وهذا فيه إعالن‬
‫اإلخالص والرباءة من ِّ‬
‫الشرك‪.‬‬
‫أقر ْر ُت وصدَّ قت‪.‬‬
‫قوله‪« :‬وبك آمنت»‪ ،‬أي‪َ :‬‬
‫وقوله‪« :‬ولك أسلمت»‪ ،‬أي‪ :‬انقدت وأطعت‪.‬‬
‫يخصه‬
‫فإن لإليمان معنًى ُّ‬ ‫وإذا ُجمع بين اإليمان واإلسالم يف ٍ‬
‫سياق واحد‪َّ ،‬‬
‫يخصه‪ ،‬كما جاء ذلك مب َّينًا يف حديث جربيل المشهور عندما‬
‫ولإلسالم معنًى ُّ‬
‫َّبي ‪ O‬عن اإلسالم‪ ،‬قال‪« :‬أخبرين عن اإلسالم»‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫سأل الن َّ‬
‫الصالة وأحكام تاركها (ص‪.)149‬‬
‫(((  انظر‪َّ :‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)771‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪394‬‬

‫الصالة وتؤتي‬ ‫محمدً ا رسول اهلل‪ ،‬وتقيم َّ‬ ‫وأن َّ‬ ‫«اإلسالم أن تشهد أن ال إله َّإل اهلل َّ‬
‫وتحج بيت اهلل الحرام»‪ ،‬قال‪« :‬أخبرين عن اإليمان»‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الزَّكاة‪ ،‬وتصوم رمضان‬
‫قال‪« :‬اإليمان أن تؤمن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر‪ ،‬وأن تؤمن‬
‫ففسر اإلسالم بأعمال الدِّ ين ال َّظاهرة وشرائعه التَّع ُّبد َّية‪،‬‬ ‫وشره»؛ َّ‬ ‫بالقدر خيره ِّ‬
‫وفسر اإليمان بعقائد الدِّ ين الباطنة وأصوله ا َّلتي مكاهنا القلب‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الذكر‬ ‫قوله‪« :‬خَ َش َع َل َك َس ْم ِعي‪َ ،‬و َب َصرِي‪َ ،‬و ُمخِّ ي َو َع ْظ ِمي‪َ ،‬و َع َصبِي»‪ ،‬هذا ِّ‬
‫والمخ والعظم والعصب‪-‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪-‬السمع والبصر‬ ‫المفصل لهذه األعضاء من اإلنسان َّ‬ ‫َّ‬
‫بكل أجزائه هلل ‪ ،F‬فالخشوع هو خضوع العبد‬ ‫فيه استشعار خضوع اإلنسان ِّ‬
‫وتمام ذ ِّله وانكساره بين يدي ر ِّبه ‪F‬؛ وهذا فيه فائدة أن ُتجاهد نفسك على‬
‫حفظ هذه األشياء من الغفلة والخروج عن الخشوع‪ ،‬فال يتناسب مع قولك‪:‬‬
‫«خ َش َع َل َك َس ْم ِعي‪َ ،‬و َب َص ِري‪َ ،‬و ُم ِّخي َو َع ْظ ِمي‪َ ،‬و َع َصبِي» أن تجيل بصرك‪ ،‬أو‬ ‫َ‬
‫تنصت إلى صوت بعيد يتحدَّ ث فتصغي ماذا يقول من باب الفضول؛ فال ُبدَّ أن‬
‫فعل يف سمعك ويف‬ ‫كل أجزائك فتكون خاش ًعا ً‬‫تستحضر هذا الخشوع التَّا َّم يف ِّ‬
‫مخك‪ ،‬ويف عظمك‪ ،‬ويف عصبك‪ ،‬ويف جميع أجزائك‪.‬‬ ‫بصرك‪ ،‬ويف ِّ‬
‫الركوع‪ ،‬يقول‪ :‬سمع اهلل لمن حمده ر َّبنا ولك‬
‫قوله‪« :‬وإذا رفع رأسه من ُّ‬
‫السماوات وملء األرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من‬ ‫الحمد ملء َّ‬
‫بالسمع‪ :‬سمع اإلجابة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾‬ ‫شيء بعد»‪ ،‬المراد َّ‬
‫[إبراهيم‪ ،]39 :‬أي‪ :‬مجيب الدُّ عاء‪.‬‬
‫الح ْمدُ »‪ ،‬أي‪ :‬الحمد لك وحدك مل ًكا واستحقا ًقا‪،‬‬
‫ك َ‬ ‫قوله‪« :‬ر َّبنا َو َل َ‬
‫حمدً ا على أسمائك الحسنى وصفاتك وكمالك وعظمتك‪ ،‬وحمدً ا على‬
‫بالصالة‬ ‫نعمك ومننك ا َّلتِي ال ُتعدُّ وال ُتحصى‪ ،‬ومن أعظم نعمه ْ‬
‫أن م َّن عليك َّ‬
‫الساجدين‪.‬‬ ‫وجعلك من هؤالء المص ِّلين َّ‬
‫الراكعين َّ‬
‫‪395‬‬ ‫‪ -64‬أدعية الرُّكوع والقيام منه وال ُّسجود واجللسة بني ال َّسجدتني (‪)1‬‬

‫يقول ابن الق ِّيم ‪« :V‬وال ُيهمل أمر هذه الواو يف قوله‪( :‬ر َّبنا ولك‬
‫الصحيحين‪ ،‬وهي تجعل الكالم يف تقدير‬ ‫الحمد)؛ فإنَّه قد نُدب األمر هبا يف َّ‬
‫الر ُّب‬
‫متضمن يف المعنى أنت َّ‬
‫ِّ‬ ‫جملتين قائمتين بأنفسهما؛ َّ‬
‫فإن قوله‪( :‬ر َّبنا)‬
‫والملك الق ُّيوم ا َّلذي بيديه أز َّمة األمور وإليه مرجعها‪ ،‬فعطف على هذا‬
‫فتضمن ذلك معنى‬
‫َّ‬ ‫المعنى المفهوم من قوله‪( :‬ر َّبنا) قوله‪( :‬ولك الحمد)‬
‫الموحد‪« :‬له الملك وله الحمد»(‪.)1‬‬
‫ِّ‬ ‫قول‬
‫السماوات وملء األرض» هذا بيان لحال الحمد وصفته‪،‬‬
‫قوله‪« :‬ملء َّ‬
‫السماوات كثر ًة ويمأل األرض ويمأل ما بينهما‪ ،‬فهذا حمدٌ‬ ‫أي‪ :‬حمدً ا يمأل َّ‬
‫ثم أضاف إليه حمدً ا يمأل األشياء ا َّلتي لم‬‫يمأل األشياء الموجودة الكائنة‪َّ ،‬‬
‫ْت ِم ْن َش ْي ٍء َب ْعدُ »‪ ،‬فهو حمدٌ يمأل الموجود ويمأل‬
‫«و ِم ْل َء َما ِشئ َ‬
‫تكن‪ ،‬قال َ‬
‫ما لم يوجد كثرةً‪ ،‬فهو حمدٌ ال حصر له وال حدَّ وال عدّ ‪ .‬وكم هو جميل بك‬
‫السعة يف الحمد‪.‬‬ ‫‪-‬أ ُّيها المسلم‪ -‬وأنت تحمد اهلل ‪ E‬أن تستحضر هذه َّ‬
‫هم َل َ‬ ‫ِِ‬ ‫قوله‪« :‬وإِ َذا سجدَ ‪ ،‬ي ُق ُ ِ‬
‫سجدْ ُت»‪ ،‬وهذه كذلك‬ ‫ك َ‬ ‫ول في ُس ُجوده‪ :‬ال َّل َّ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫خاص باهلل ال يجوز أن يصرف لغيره ُس ْب َحا َن ُه‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫السجود‬ ‫تفيد االختصاص‪َّ ،‬‬
‫وأن ُّ‬
‫ك َأ ْس َل ْم ُ‬
‫ت»‪ ،‬تقدَّ م معناه‪.‬‬ ‫ْت َو َل َ‬ ‫«وبِ َ‬
‫ك َآمن ُ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫وصوره َّ‬
‫وشق سمعه وبصره تبارك اهلل‬ ‫َّ‬ ‫قوله‪« :‬سجد وجهي ل َّلذي خلقه‬
‫وصوره‬
‫َّ‬ ‫السجود ال يكون َّإل للخالق ا َّلذي خلق وجه العبد‬
‫أحسن الخالقين»‪ُّ ،‬‬
‫السمع والبصر‪﴿ ،‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫وخلقه يف أحسن تقويم‪ ،‬وجعل له َّ‬
‫ﭠ﴾ [التِّين‪﴿ ،]4 :‬ﮠ ﮡ ﮢ﴾ [غافر‪﴿ ،]64 :‬ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ﴾ [اإلسراء‪ ،]70 :‬فهو ‪ D‬وحده ا َّلذي م َّن على العبد هبذه النِّعمة‪ ،‬وهذا‬

‫الصالة وأحكام تاركها (ص‪.)146‬‬


‫(((  انظر‪َّ :‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪396‬‬

‫والصورة الحسنة‪ ،‬والهيئة ال َّط ِّيبة‪َّ ،‬‬


‫فلما يضع وجهه على‬ ‫ُّ‬ ‫الوجه الجميل‪،‬‬
‫األرض يضعه ُذ ًّل هلل وخضو ًعا له معرت ًفا بنعمته ومنَّته وفضله ‪.E‬‬
‫سمى هذا الحمد «الحمد المضاعف»؛ َّ‬
‫ألن لفظه قليل وثوابه مضاعف‬ ‫و ُي َّ‬
‫مضاعف ًة عظيمة‪.‬‬
‫ود ِه‪:‬‬
‫ُوع ِه وسج ِ‬
‫َ ُ ُ‬
‫ول فِي رك ِ‬
‫ُ‬ ‫َان َي ُق ُ‬ ‫َو َع ْن َعائِ َش َة ‪َ :J‬أ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهلل ﷺ ك َ‬
‫ِ ِ‬
‫الروحِ »‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬‫وس َر ُّب ا ْل َم َلئكَة َو ُّ‬
‫وح ُقدُّ ٌ‬
‫«س ُّب ٌ‬
‫ُ‬
‫وس»‪ ،‬هذان اسمان عظيمان َّ‬
‫دالن على تنزيه اهلل عن‬ ‫وح ُقدُّ ٌ‬
‫قوله‪« :‬س ُّب ٌ‬
‫كالسنَة‬ ‫النَّقائص والعيوب‪ ،‬وتربئته عن ِّ‬
‫كل ما ُيضا ُّد كماله وينايف عظمته‪ِّ ،‬‬
‫والنَّوم وال ُّلغوب والوالد والولد وغيرها‪ ،‬وعن أن يشبهه أحد من خلقه أو‬
‫وتنزه عن َّ‬
‫الشبيه والنَّظير والمثال‬ ‫أن يشبه هو أحدً ا من خلقه‪ ،‬تعالى وتقدَّ س َّ‬
‫المنزه عن ِّ‬
‫كل ما‬ ‫الشورى‪ ،]11 :‬فهو َّ‬ ‫﴿ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [ ُّ‬
‫الضدِّ والنِّدِّ والك ُفؤ‬
‫المنزه عن ِّ‬
‫َّ‬ ‫ينايف صفات المجد والعظمة والكمال‪ ،‬وهو‬
‫واألمثال‪.‬‬
‫والروح»‪ ،‬فيه اإلقرار بربوب َّيته ُس ْب َحا َن ُه للمالئكة‪ ،‬هذا‬ ‫ِ‬
‫«رب المالئكة ُّ‬
‫قوله‪ُّ :‬‬
‫الخلق العظيم‪ ،‬وهم عبا ٌد مكرمون‪﴿ ،‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ﴾‬
‫[التَّحريم‪.]6 :‬‬
‫بالذكر هنا تشري ًفا له وتعلي ًة لقدره‪،‬‬
‫وخصه ِّ‬
‫َّ‬ ‫«والروح»‪ ،‬هو جربيل ‪،S‬‬
‫ُّ‬
‫روحا؛ ألنَّه كان‬
‫«رب المالئكة»! وقد ُس ِّم َي جربيل ً‬
‫مع أنَّه داخل يف عموم قوله ُّ‬
‫ينزل بالوحي ‪-‬كالم اهلل ‪ -F‬على رسول اهلل ﷺ‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮓ‬
‫ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)487‬‬


‫‪397‬‬ ‫‪ -64‬أدعية الرُّكوع والقيام منه وال ُّسجود واجللسة بني ال َّسجدتني (‪)1‬‬

‫[الشعراء‪ ،]195-192 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬


‫ﮣ ﮤ ﮥ﴾ ُّ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [القدر‪ ،]4 :‬فكان ينزل بالوحي ا َّلذي به حياة القلوب‪.‬‬
‫وقلوب العباد ال يمكن أن تحيا َّإل بالوحي‪ ،‬أ َّما بدونه فال حياة لها‪ ،‬قال‬
‫اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ﴾ [األنعام‪ ،]122 :‬ميتًا مع أنَّه كان يمشي‬
‫ويتحرك ويقوم ويجلس! فالحياة الحقيق َّية إنَّما ُتنال بالوحي‬
‫َّ‬ ‫ويأكل ويشرب‬
‫واالستجابة ألمر اهلل‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ﴾‬
‫اهلل‬
‫لكل ما دعا ُ‬ ‫وصف مالزم ِّ‬
‫ٌ‬ ‫[األنفال‪ ،]24 :‬فقوله‪﴿ :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ﴾‬
‫والروح بعبود َّية اهلل‬
‫فإن حياة القلب ُّ‬ ‫ورسوله إليه‪ ،‬وبيان لفائدته وحكمته؛ َّ‬
‫تعالى ولزوم طاعته وطاعة رسوله ﷺ على الدَّ وام‪.‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪398‬‬

‫‪65‬‬

‫أدعية الرُّكوع والقيام منه وال ُّسجود‬


‫واجللسة بني ال َّسجدتني (‪)2‬‬

‫ُوع ِه‬
‫ول فِي رك ِ‬
‫ُ‬ ‫َان النَّبِ ُّي ﷺ ُيكْثِ ُر َأ ْن َي ُق َ‬ ‫َع ْن عائشة ‪َ J‬أن ََّها َقا َل ْت‪« :‬ك َ‬
‫آن»‪.‬‬‫َك ال َّل ُه َّم َر َّبنَا َوبِ َح ْم ِد َك‪ ،‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي»؛ َيت ََأ َّو ُل ا ْل ُق ْر َ‬
‫«س ْب َحان َ‬ ‫ِِ‬
‫َو ُس ُجوده‪ُ :‬‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫رواه‬
‫لما نزل عليه ﷺ قول اهلل َت َعا َلى‪:‬‬
‫«يتأول القرآن»‪ ،‬تعني‪ :‬أنَّه َّ‬
‫قولها ‪َّ :J‬‬
‫﴿ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [النَّصر‪ ،]1:‬فكان ‪O‬‬
‫يأيت بما يؤول إليه وهو فعل ما ُطلب منه يف القرآن؛ َّ‬
‫ألن التَّأويل ُيراد به تار ًة‬
‫التَّفسير‪ ،‬وتار ًة يراد ما يؤول إليه َّ‬
‫الشيء‪.‬‬
‫والسجود؛ إذا ركع المسلم يقوله وإذا سجد‬
‫الركوع ُّ‬
‫ذكر ُيقال يف ُّ‬
‫وهذا ٌ‬
‫ثم طلب لمغفرة ُّ‬
‫الذنوب‪.‬‬ ‫يقوله‪ ،‬وهو تسبيح هلل ‪ D‬مع حمد وثناء‪َّ ،‬‬
‫ت م َع رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‬ ‫َو َع ْن َع ْوف ْب ِن َمالك األَ ْش َجع ِّي ‪َ E‬ق َال‪ُ « :‬ق ْم ُ َ َ ُ‬
‫ف َف َس َأ َل‪َ ،‬و َل َي ُم ُّر بِ َآي ِة‬ ‫ور َة ا ْل َب َق َر ِة؛ َل َي ُم ُّر بِ َآي ِة َر ْح َم ٍة إِ َّل َو َق َ‬
‫َل ْي َل ًة َف َقا َم َف َق َر َأ ُس َ‬
‫ِِ‬ ‫ف َف َتعو َذ‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ثم ركَع بِ َقدْ ِر ِقي ِام ِه؛ ي ُق ُ ِ‬
‫ان‬‫(س ْب َح َ‬ ‫ول في ُركُوعه‪ُ :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫اب إِ َّل َو َق َ َ َّ‬ ‫َع َذ ٍ‬
‫اء َوا ْل َع َظ َم ِة)‪ُ ،‬ث َّم َس َجدَ بِ َقدْ ِر ِق َي ِام ِه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‬‫ُوت وا ْلكِبرِي ِ‬
‫َ ْ َ‬
‫وت وا ْلم َلك ِ‬
‫َ َ‬
‫ِذي ا ْلجبر ِ‬
‫َ َُ‬
‫البخاري (‪ ،)817‬ومسلم (‪.)484‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪399‬‬ ‫‪ -65‬أدعية الرُّكوع والقيام منه وال ُّسجود واجللسة بني ال َّسجدتني (‪)2‬‬

‫ورةً»‪ .‬رواه أبو‬ ‫آل ِع ْم َر َ‬


‫ان‪ُ ،‬ث َّم َق َر َأ ُس َ‬
‫ور ًة ُس َ‬
‫ك‪ُ ،‬ثم َقام َف َقر َأ بِ ِ‬‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫في ُس ُجوده م ْث َل َذل َ َّ َ َ‬
‫ِ‬
‫َّسائي(‪.)1‬‬
‫داود والن ُّ‬
‫السنَّة ا َّلتي مضى عليها هديه ﷺ يف صالة ال َّليل أن يقف مع‬ ‫هذا فيه َّ‬
‫أن ُّ‬
‫متعو ًذا‪ ،‬وآيات التَّعظيم هلل ‪ F‬مس ِّب ًحا‪،‬‬ ‫سائل‪ ،‬وآيات العذاب ِّ‬ ‫آيات النَّعيم ً‬
‫ليل بكتاب اهلل؛ فيجمع‬ ‫وهذا من تمام التَّد ُّبر لكالم اهلل ‪ F‬يف قيام العبد ً‬
‫َّعوذ به‬ ‫بين التَّالوة والتَّد ُّبر لكالم اهلل ‪ ،F‬وسؤال اهلل من فضله‪ ،‬والت ُّ‬
‫‪ E‬من عذابه‪.‬‬
‫مر بآية نعيم‪ ،‬أي‪ :‬فيها ِذكر للجنَّة أو ذكر لل َّثواب أو ذكر‬
‫فهذا هديه ﷺ إذا َّ‬
‫إلنعام اهلل ‪ F‬على عباده سأل اهلل من فضله‪ ،‬وإذا مر ٍ‬
‫بآية فيها ذكر النَّار‪ ،‬أو‬ ‫َّ‬
‫مما ُيعين العبد‬ ‫تعوذ‪ .‬وهذا َّ‬ ‫ذكر العذاب‪ ،‬أو ذكر سخط اهلل ‪ F‬وعقوبته َّ‬
‫على تد ُّبر القرآن والتَّف ُّكر يف معانيه؛ فإذا كان يف صالة نافلة فإنَّه ُيس ُّن أن يسأل‬
‫ويتعوذ عند آية الوعيد والس َّيما يف صالة ال َّليل؛ ألنَّه ثبت ذلك‬
‫َّ‬ ‫الرحمة‬
‫عند آية َّ‬
‫َّبي ﷺ أنَّه ال يفعل ذلك؛‬ ‫َّ‬
‫َّبي ﷺ‪ ،‬وأ َّما يف الفريضة فالظاهر من حال الن ِّ‬ ‫عن الن ِّ‬
‫يتعوذ عند آية الوعيد‬ ‫ألن الواصفين لصالته ﷺ لم يذكروا أنَّه كان يف الفريضة َّ‬ ‫َّ‬
‫الرحمة‪.‬‬
‫أو يسأل عند آية َّ‬
‫ت َم َع النَّبِ ِّي ﷺ‬ ‫ومثل هذا ما جاء يف حديث حذيفة ‪َ ،I‬ق َال‪َ :‬‬
‫«ص َّل ْي ُ‬
‫ت ُي َص ِّلي بِ َها‬ ‫ت َي ْرك َُع ِعنْدَ ا ْل ِمائ َِة‪ُ ،‬ث َّم َم َضى َف ُق ْل ُ‬ ‫ات َل ْي َل ٍة َفا ْف َتت ََح ا ْل َب َق َرةَ‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬
‫َذ َ‬
‫ت َي ْرك َُع بِ َها‪ُ ،‬ث َّم ا ْف َتت ََح الن َِّسا َء َف َق َر َأ َها‪ُ ،‬ث َّم ا ْف َتت ََح َآل ِع ْم َر َ‬
‫ان‬ ‫فِي َر ْك َع ٍة َف َم َضى َف ُق ْل ُ‬
‫يح س َّب َح َوإِ َذا مر بِس َؤ ٍ‬
‫ال َس َأ َل َوإِ َذا َم َّر‬ ‫ٍ ِ‬
‫َ َّ ُ‬ ‫َف َق َر َأ َها َي ْق َر ُأ ُمت ََر ِّسالً؛ إِ َذا َم َّر بِ َآية ف َيها ت َْسبِ ٌ َ‬
‫َان ُركُو ُع ُه ن َْح ًوا‬ ‫ان َر ِّب َي ا ْل َعظِيمِ)‪َ ،‬فك َ‬ ‫(س ْب َح َ‬ ‫ول‪ُ :‬‬ ‫بِ َت َع ُّو ٍذ َت َع َّو َذ‪ُ ،‬ث َّم َرك ََع َف َج َع َل َي ُق ُ‬
‫(س ِم َع اهَّللُ لِ َم ْن َح ِمدَ ُه)‪ُ ،‬ث َّم َقا َم َط ِو ًيل َقرِي ًبا ِم َّما َرك ََع‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫م ْن ق َيامه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪َ :‬‬
‫ِ ِ ِِ‬

‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّسائي (‪،)1132‬‬
‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)873‬والن ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪400‬‬

‫َان ُس ُجو ُد ُه َقرِي ًبا ِم ْن ِق َي ِام ِه»‪ .‬رواه‬


‫ان َر ِّب َي األَ ْع َلى)‪َ ،‬فك َ‬ ‫َس َجدَ ‪َ ،‬ف َق َال‪ُ :‬‬
‫(س ْب َح َ‬
‫مسلم(‪.)1‬‬
‫ويف هذا َّ‬
‫أن هديه ﷺ يف صالته تعديل األركان‪ ،‬وأن يكون ركوعه وقيامه‬
‫وسجوده والقيام منه متقار ًبا‪.‬‬
‫وت والم َلك ِ‬
‫ُوت»‪ ،‬أي‪َ :‬تن ََّزه وتقدَّ س‪،‬‬ ‫ان ِذي الجبر ِ‬ ‫«س ْب َح َ‬
‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫قوله‪ُ :‬‬
‫كالر َحموت‬
‫َّ‬ ‫و«الجربوت» و«الملكوت» َف َع ُلوت من الجرب والملك‪،‬‬
‫والرهبة‪ .‬والعرب تقول‪:‬‬ ‫والرغبة َّ‬
‫الرحمة َّ‬‫وت من َّ‬ ‫والر َهبوت‪َ ،‬ف َع ُل ٌ‬
‫والر َغبوت َّ‬
‫َّ‬
‫خير من أن ُترحم‪ .‬فالجربوت‬
‫(رهبوت خير من رحموت)‪ ،‬أي‪ :‬أن ُترهب ٌ‬
‫يتضمن من معاين أسماء اهلل وصفاته ما َّ‬
‫دل عليه معنى الملك‬ ‫َّ‬ ‫والملكوت‬
‫الج َّبار‪ ،‬قال اهلل تعالى يف آخر سورة يس ﴿ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ﴾ [يس‪.]83 :‬‬
‫ِ‬
‫«والكبرياء والعظمة»‪ ،‬أي‪ :‬وذي الكربياء والعظمة‪ ،‬وهما وصفان‬ ‫قوله‪:‬‬
‫الصحيح‬ ‫خاصان باهلل ال يستح ُّقهما أحدٌ سواه‪ ،‬كما ثبت يف الحديث َّ‬ ‫متقاربان َّ‬
‫فمن ناز َعنِي‬ ‫ِ‬
‫عن النَّبِ ِّي ﷺ‪« :‬قال اهلل ‪ :D‬الك ْبريا ُء ر َدائي‪ ،‬والع َظم ُة إزاري‪َ ،‬‬
‫واحدً ا منهما َق َذ ْفته يف النَّار»‪ ،‬فجعل الع َظم َة بِمنْزلة اإلزار‪ ،‬والكربياء بمنْزلة‬
‫الشريك‬ ‫الر ِّب سبحانه هبما‪ ،‬وتنْزيهه سبحانه عن َّ‬ ‫الرداء‪ ،‬إشار ًة إلى اختصاص َّ‬ ‫ِّ‬
‫يف شيء من ذلك‪.‬‬
‫«س ِم َع‬‫اإل َما ُم َ‬ ‫ول اهلل ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا َق َال ِ‬ ‫َو َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫ك ا ْل َح ْمدُ »؛ َفإِ َّن ُه َم ْن َوا َف َق َق ْو ُل ُه َق ْو َل‬‫اهَّللُ لِ َم ْن َح ِمدَ ُه»‪َ ،‬ف ُقو ُلوا‪« :‬ال َّل ُه َّم َر َّبنَا َل َ‬
‫ك ا ْل َح ْمدُ »‪ .‬رواه‬ ‫الم َلئِك َِة؛ ُغ ِف َر َل ُه َما َت َقدَّ َم ِم ْن َذ ْنبِ ِه»‪ ،‬ويف لفظ‪« :‬ال َّل ُه َّم َر َّبنا َو َل َ‬
‫َ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)772‬‬
‫‪401‬‬ ‫‪ -65‬أدعية الرُّكوع والقيام منه وال ُّسجود واجللسة بني ال َّسجدتني (‪)2‬‬

‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬
‫ُّ‬
‫أمر هذه الواو يف قوله‪( :‬ر َّبنا‬
‫وقد تقدَّ م قول ابن الق ِّيم ‪ :V‬أن ال ُيهمل َ‬
‫ولك الحمد)؛ ألهنا تجعل الكال َم يف تقدير جملتين قائمتين بأنفسهما‪.‬‬
‫ول اهلل ﷺ إِ َذا َر َف َع َر ْأ َس ُه‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫يد ا ْل ُخدْ ِر ِّي ‪َ I‬ق َال‪ :‬ك َ‬ ‫و َعن َأبِي س ِع ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ْت‬ ‫ض َو ِم ْل َء َما ِشئ َ‬ ‫ات َو ْالَ ْر ِ‬ ‫ك ا ْلحمدُ ِم ْلء السمو ِ‬
‫َ َّ َ َ‬ ‫«ر َّبنَا َل َ َ ْ‬ ‫الركُوعِ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫م َن ُّ‬
‫ِ‬
‫ك َع ْبدٌ ‪ ،‬ال َّل ُه َّم َل‬ ‫َاء َوا ْل َم ْج ِد‪َ ،‬أ َح ُّق َما َق َال ا ْل َع ْبدُ ‪َ ،‬و ُك ُّلنَا َل َ‬
‫ِمن َشي ٍء بعدُ ‪َ ،‬أه َل ال َّثن ِ‬
‫ْ ْ َْ ْ‬
‫ْك ا ْل َجدُّ »‪ .‬رواه‬ ‫ت‪َ ،‬و َل َينْ َف ُع َذا ا ْل َجدِّ ِمن َ‬ ‫ت‪َ ،‬و َل ُم ْعطِ َي لِ َما َمنَ ْع َ‬ ‫َمانِ َع لِ َما َأ ْع َط ْي َ‬
‫مسلم(‪.)2‬‬
‫وصف‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫شيء َب ْعدُ » هذا‬ ‫ْت ِمن‬
‫وم ْلء ما ِشئ َ‬
‫ض‪ِ ،‬‬
‫واألر ِ‬ ‫«م ْلء السم ِ‬
‫وات‬ ‫قوله‪ِ :‬‬
‫ْ‬ ‫َ َّ َ‬
‫السماء‬
‫السماوات‪ ،‬ويمأل األرض‪ ،‬ويمأل ما بين َّ‬ ‫للحمد وقدره أنَّه يمأل َّ‬
‫وصف هذا‬ ‫واألرض‪ ،‬ويمأل كذلك ما شاء اهلل ‪ F‬من شيء بعد؛ فيكون َ‬
‫الحمد بأنَّه يمأل األشياء الموجودة‪ ،‬ويمأل األشياء ا َّلتي لم توجد بعد‪.‬‬
‫قوله‪« :‬أهل ال َّثناء والمجد»‪ ،‬أي‪ :‬أنت يا اهلل ٌ‬
‫أهل أن ُيثنَى عليك و ُت َم َّجد‬
‫لعظمة صفاتك وكمال نعوتك وتوالي نعمك وكثرة آالئك‪.‬‬
‫إن هذا ال َّثناء عليك والتَّمجيد هو ُّ‬
‫أحق‬ ‫«أحق ما قال العبد»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬
‫ُّ‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫«أحق» خ َب ٌر لمبتدأ محذوف تقديره‪ :‬هذا‬ ‫ُّ‬ ‫شيء قاله العبد وتل َّفظ به‪ ،‬فقوله‪:‬‬
‫تقريرا لحمده وتمجيده وال َّثناء عليه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ال َّثناء والتَّمجيد‪ .‬وقد جاءت هذه الجملة‬
‫وأفضل أمر تك َّلم به‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أحق شيء نَطق به العبدُ‬ ‫ولبيان َّ‬
‫أن ذلك ُّ‬
‫«أحق» أفعل‬
‫ُّ‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيم َّية ‪« :V‬هذا لفظ الحديث‬
‫البخاري (‪ ،)796‬ومسلم (‪.)409‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)477‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪402‬‬

‫(حق ما قال العبد)‪ ،‬وهذا‬ ‫تفضيل‪ ،‬وقد غلط فيه طائف ٌة من المصنِّفين‪ ،‬فقالوا‪ٌّ :‬‬
‫الحق والباطل‪ ،‬بل‬
‫فإن العبدَ يقول َّ‬ ‫الرسول‪ ،‬وليس هو بقول سديد؛ َّ‬ ‫ليس لفظ َّ‬
‫الر ُّب‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ﴾ [ص‪ ،]84 :‬ولكن لفظه‬ ‫الحق ما يقوله َّ‬ ‫ُّ‬
‫أحق ما قال العبد‪ ،‬أو هذا‬‫«أحق ما قال العبد» خرب مبتدأ محذوف‪ ،‬أي‪ :‬الحمدُ ُّ‬ ‫ُّ‬
‫أحق ما قاله العبد‪ ،‬ولهذا‬
‫أن الحمد ُّ‬ ‫أحق ما قال العبد‪ ،‬ففيه ب َّين َّ‬ ‫‪-‬وهو الحمد‪ُّ -‬‬
‫كل خطبة‬ ‫كل صالة‪ ،‬و َأ ْن ُت ْف َتت ََح به الفاتحة‪ ،‬وأوجب قو َله يف ِّ‬ ‫أوجب قو َله يف ِّ‬
‫كل أمر ذي بال»‪ .‬اهـ(‪.)1‬‬ ‫ويف ِّ‬
‫وأن ذلك حكم لجميع‬ ‫وقوله‪« :‬و ُك ُّلنا لك عبد»‪ ،‬فيه اعرتاف بالعبود َّية‪َّ ،‬‬
‫رب لهم‬ ‫النَّاس‪ ،‬فك ُّلهم مع َّبدون ُم َذ َّل ُلون هلل سبحانه‪ ،‬هو ر ُّبهم وخال ُقهم ال َّ‬
‫خالق سواه‪.‬‬
‫وال َ‬

‫ت»‪ ،‬فيه االعرتاف ُّ‬


‫بتفرد اهلل‬ ‫ت َو َل ُم ْعطِ َي لِ َما َمنَ ْع َ‬
‫«ل َمانِ َع لِ َما َأ ْع َط ْي َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫والرفع‪ ،‬ال شريك له يف‬ ‫تعالى بال َعطاء والمنع‪ ،‬والقبض والبسط‪ ،‬والخفض َّ‬
‫شيء من ذلك‪ ،‬فما يكتبه سبحانه لعبده من خير ونعمة أو بالء ونقمة فال را َّد‬
‫له وال مانع لوقوعه‪ ،‬وما َيمنعه سبحانه عن عبده من الخير والنِّعمة أو البالء‬
‫والنِّقمة فال سبيل لوقوعه‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ﴾ [يونس‪ ،]107 :‬وكما قال سبحانه‪ ﴿ :‬ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﴾‬
‫المتفر ُد بالعطاء والمنع‪ ،‬وإذا أعطى سبحانه َلم ُيطق‬
‫ِّ‬ ‫[فاطر‪ ،]2 :‬فهو سبحانه‬
‫منع َمن أعطاه‪ ،‬وإذا َمنع َلم ُيطق أحد إعطاء َمن منعه‪.‬‬ ‫أحد َ‬
‫قوله‪َ « :‬و َل َي ْن َف ُع َذا الجدِّ ِمن َ‬
‫ْك الجدُّ »‪ ،‬أي‪ :‬ال ينفع عنده‪ ،‬وال ُيخ ِّلص من‬
‫والرئاسة‬
‫عذابه‪ ،‬وال ُيدين من كرامته جدود بني آدم‪ ،‬أي‪ :‬حظوظهم من الملك ِّ‬
‫والس ِّيئة (ص‪.)77‬‬
‫(((  انظر‪ :‬الحسنة َّ‬
‫‪403‬‬ ‫‪ -65‬أدعية الرُّكوع والقيام منه وال ُّسجود واجللسة بني ال َّسجدتني (‪)2‬‬

‫َّقرب إليه بطاعته وإيثار‬ ‫والغنى وطيب العيش وغير ذلك‪ ،‬وإنَّما ينفعهم عنده الت ُّ‬
‫مرضاته‪.‬‬
‫الز َرقِ ِّي ‪َ ،I‬ق َال‪ُ :‬كنَّا َي ْو ًما ن َُص ِّلي َو َرا َء النَّبِ ِّي ﷺ‪،‬‬ ‫َو َع ْن ِر َفا َع َة ْب ِن َرافِ ٍع ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َف َلما ر َفع ر ْأسه مِن الر ْكع ِة‪َ ،‬ق َال‪ِ :‬‬
‫«سم َع اهَّللُ ل َم ْن َحمدَ ُه»‪َ ،‬ق َال َر ُج ٌل َو َرا َء ُه‪َ :‬‬
‫«ر َّبنَا‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َ َ ُ َ َّ َ‬
‫«م ِن ا ْل ُم َت َك ِّل ُم؟»‬
‫ف َق َال‪َ :‬‬ ‫ك ا ْل َح ْمدُ ‪َ ،‬ح ْمدً ا كَثِ ًيرا َط ِّي ًبا ُم َب َاركًا فِ ِيه»‪َ ،‬ف َل َّما ان َْص َر َ‬ ‫َو َل َ‬
‫ين َم َلكًا َي ْبت َِد ُرون ََها‪َ ،‬أ ُّي ُه ْم َي ْك ُت ُب َها َأ َّو ُل»‪ .‬رواه‬ ‫ِ‬
‫ت بِ ْض َع ًة َو َث َلث َ‬ ‫«ر َأ ْي ُ‬
‫َق َال‪َ :‬أنَا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬
‫كثيرا ط ِّي ًبا ُمباركًا فيه»‪ ،‬أي‪ :‬أحمده حمدً ا‪ ،‬و«حمدً ا» مفعول‬
‫قوله‪« :‬حمدً ا ً‬
‫«كثيرا ط ِّي ًبا مباركًا فيه» هذه صفات للحمد‪ ،‬أي‪:‬‬
‫ً‬ ‫مطلق مؤكِّد لعامله‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫أحمدك حمدً ا موصو ًفا بالكثرة وال ِّطيب والربكة‪.‬‬
‫قوله‪« :‬لقد رأيت بضعة وثالثين ملكًا يبتدرونها»‪ ،‬أي‪ :‬يتسابقون إلى‬
‫كتابتها يف صحائف الحسنات‪.‬‬

‫البخاري (‪.)799‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪404‬‬

‫‪66‬‬

‫أدعية الرُّكوع والقيام منه وال ُّسجود‬


‫واجللسة بني ال َّسجدتني (‪)3‬‬

‫ُون ا ْل َع ْبدُ ِم ْن َر ِّب ِه‬ ‫ول اهلل ﷺ َق َال‪َ :‬‬


‫«أ ْق َر ُب َما َيك ُ‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫اجدٌ ؛ َف َأكْثِ ُروا الدُّ َعا َء»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫َو ُه َو َس ِ‬

‫الذ ِّل والخضوع؛‬


‫أكمل هيئات ُ‬ ‫ُ‬ ‫السجود هيئة ُذ ٍّل وخضوع هلل‪ ،‬بل هي‬ ‫ُّ‬
‫إن العبد يهوي إلى األرض ويضع جبهته عليها و ُيم ِّكن وجهه منها‪،‬‬ ‫حيث َّ‬
‫واض ًعا يديه على األرض‪ ،‬وركبتيه على األرض‪ ،‬وأطراف قدميه على األرض‬
‫الذ ِّل والخضوع واالنكسار بين‬‫ساجدً ا على هذه األعضاء‪ ،‬فهي حال كمال يف ُّ‬
‫يدي اهلل ‪ ،C‬وحال ٍ‬
‫قرب من اهلل‪ ،‬ولهذا نُدب يف هذه الحال إلى اإلكثار من‬
‫الدُّ عاء‪ ،‬قال‪« :‬فأكثروا الدُّ عاء»‪.‬‬
‫الس ُجو ُد‬ ‫«و َأ َّما ُّ‬
‫ويف صحيح مسلم من حديث ابن ع َّباس ‪ L‬قال ﷺ‪َ :‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اجت َِهدُ وا فى الدُّ َعاء َف َقم ٌن َأ ْن ُي ْست ََج َ‬
‫اب َلك ُْم»(‪.)2‬‬ ‫َف ْ‬
‫يه‪ ،‬وقوله‪َ « :‬ف َق ِم ٌن‬ ‫هذين الحديثين خص السجود بِ ْالَمر بِالدُّ َع ِ‬
‫اء فِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َففي َ ْ‬
‫أن إلجابة‬ ‫حري‪ ،‬وجدير أن يستجاب لكم؛ وهذا فيه َّ‬ ‫ٌّ‬ ‫اب َلك ُْم»‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫َأ ْن ُي ْست ََج َ‬
‫يخر العبد ساجدً ا هلل‪َ ،‬ف َق ِم ٌن أن ُيستجاب له‬ ‫الدُّ عاء أسبا ًبا‪ ،‬من أعظمها عندما ُّ‬
‫والذ ِّل الكامل بين يدي اهلل ‪.D‬‬ ‫حال الخضوع التَّا ِّم ُّ‬ ‫لشرف هذه الحال؛ ِ‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)482‬‬


‫(((  رواه مسلم (‪.)479‬‬
‫‪405‬‬ ‫‪ -66‬أدعية الرُّكوع والقيام منه وال ُّسجود واجللسة بني ال َّسجدتني (‪)3‬‬

‫َّبي ﷺ أنوا ًعا من األدعية كان ﷺ يدعو هبا يف سجوده‪،‬‬ ‫وقد ثبت عن الن ِّ‬
‫سيأيت ذكر شيء منها‪.‬‬
‫ود ِه‪« :‬ال َّل ُه َّم‬
‫ول فِي سج ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫َان َي ُق ُ‬ ‫ول اهللِ ﷺ ك َ‬ ‫أن َر ُس َ‬
‫َو َع ْن أبي هريرة ‪َّ I‬‬
‫آخ َر ُه‪َ ،‬و َع َلنِ َي َت ُه َو ِس َّر ُه»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫ا ْغ ِفر لِي َذ ْنبِي ُك َّله‪ِ ،‬د َّقه و ِج َّله‪ ،‬و َأو َله و ِ‬
‫ُ ُ َ ُ َ َّ ُ َ‬ ‫ْ‬
‫هذه صيغة من صيغ االستغفار العظيمة كان ‪ O‬يقولها يف‬
‫الذنوب ك ِّلها؛ الدَّ قيق منها والجليل‪ ،‬المتقدِّ م منها‬
‫سجوده‪ ،‬يسأل ر َّبه غفران ُّ‬
‫والس ِّر منها والمعلن‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫والمتأخر‪ِّ ،‬‬
‫استحضارا‬
‫ً‬ ‫«سره وعلنه»؛‬ ‫وتأ َّمل هذا التَّنويع «د َّقه وج َّله»‪َّ ،‬‬
‫«أوله وآخره»‪َّ ،‬‬
‫الذنوب‪ ،‬وهذا أبلغ يف االستغفار‪.‬‬ ‫من العبد ألنواع ُّ‬
‫َّبي‬‫علي ‪ I‬فيما كان يقوله الن ُّ‬ ‫قال ابن الق ِّيم‪ :‬يف كالمه على حديث ٍّ‬
‫أخرت وما أسررت‬ ‫هم اغفر لي ما قدَّ مت وما َّ‬ ‫َّشهد والتَّسليم‪« :‬ال َّل َّ‬ ‫ﷺ بين الت ُّ‬
‫المؤخر ال‬ ‫ِّ‬ ‫وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به منِّي‪ ،‬أنت المقدِّ م وأنت‬
‫كل ما صنعت»‬ ‫إله َّإل أنت» رواه مسلم‪ ،‬قال‪« :‬ومعلو ٌم أنَّه لو قيل‪« :‬اغفر لي َّ‬
‫َّضرع وإظهار العبود َّية‬ ‫كان أوجز‪ ،‬ولكن لفظ الحديث يف مقام الدُّ عاء والت ُّ‬
‫تفصيل أحسن وأبلغ‬ ‫ً‬ ‫واالفتقار باستحضار األنواع ا َّلتي يتوب العبدُ منها‬
‫هم اغفر‬ ‫من اإليجاز واالختصار‪ ،‬وكذلك قوله ﷺ يف الحديث اآلخر‪« :‬ال َّل َّ‬
‫سره وعالنيته‪َّ ،‬أو َله وآخره»‪ ،‬ويف الحديث‪« :‬ال َّل َّ‬
‫هم‬ ‫لي ذنبي ك َّله د َّقه وج َّله‪َّ ،‬‬
‫هم اغفر‬ ‫اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرايف يف أمري وما أنت أعلم به منِّي‪ ،‬ال َّل َّ‬
‫كثير يف األدعية‬ ‫وكل ذلك عندي»؛ وهذا ٌ‬ ‫وهزلي وخطئي وعمدي ُّ‬ ‫لي جدِّ ي َ‬
‫وافتقار إليه وتذ ُّل ٌل بين يديه‪ ،‬فك َّلما ك َّثره العبدُ‬
‫ٌ‬ ‫المأثورة؛ َّ‬
‫فإن الدُّ عا َء عبود َّي ٌة هلل‬
‫أبلغ يف عبود َّيته وإظهار فقره‬ ‫ونوع ُجم َله كان ذلك َ‬ ‫وطوله وأعاده وأبداه َّ‬ ‫َّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)483‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪406‬‬

‫وأعظم لثوابه‪ ،‬وهذا بخالف‬ ‫َ‬ ‫أقرب له من ر ِّبه‬


‫َ‬ ‫وتذ ُّللِه وحاجته‪ ،‬وكان ذلك‬
‫وكررت حوائجك إليه أبرمته وث َّقلت عليه‬ ‫المخلوق! فإنَّك ك َّلما ك َّثرت سؤاله َّ‬
‫وأحب إليه‪ ،‬واهلل سبحانه‬ ‫أعظم عنده‬ ‫نت عليه‪ ،‬وك َّلما تركت سؤاله كان‬ ‫ِ‬
‫وه َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ححت عليه يف الدُّ عاء أح َّب َك‪،‬‬
‫َ‬ ‫وأحب إليه‪ ،‬وك َّلما َأ ْل‬
‫َّ‬ ‫أقرب إليه‬
‫كنت َ‬ ‫ك َّلما سألته َ‬
‫و َمن َلم يسأل اهلل يغضب عليه‪.‬‬
‫تركت سؤاله و ُبن َُّي آدم حين ُيسأل يغضب»(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫فاهلل يغضب إن‬
‫علمه العبدُ‬ ‫الش ُ‬
‫مول؛ لتأيت التَّوب ُة على ما َ‬ ‫وقال ‪« :V‬فهذا التَّعميم وهذا ُّ‬
‫مِن ذنوبِه وما َلم يعلمه»(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫المأمور به يف قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ‬ ‫ريب َّ‬
‫أن هذا من النُّصحِ يف التَّوبة‬ ‫وال َ‬
‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ‬
‫َّ َّ‬
‫الن َ‬
‫صح في‬ ‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [التَّحريم‪ ،]8 :‬وقد ب َّين ابن الق ِّيم‪ :‬أن‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫يتضمن ثالثة أشياء‪:‬‬ ‫وبة‬
‫الت ِ‬
‫الذنوب واستغرا ُقها هبا‪ ،‬بحيث ال َتدَ ُع ذن ًبا َّإل تناو َلتْه‪.‬‬ ‫تعميم جميع ُّ‬
‫ُ‬ ‫األول‪:‬‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫والصدق بك ِّل َّيته عليها‪ ،‬بحيث ال يبقى عنده تر ُّد ٌد وال‬ ‫والثاني‪ :‬إجماع العزم ِّ‬
‫مبادرا هبا‪.‬‬
‫ً‬ ‫كل إرادته وعزيمتِه‬‫انتظار‪ ،‬بل يجمع عليها َّ‬ ‫ٌ‬ ‫تلو ٌم وال‬ ‫ُّ‬
‫إخالصها‪ ،‬ووقو ُعها‬ ‫ِ‬ ‫الشوائب والعلل القادحة يف‬ ‫تخليصها من َّ‬
‫َّ‬
‫ُ‬ ‫الثالث‪:‬‬
‫كمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مما عنده‪ ،‬ال َ‬ ‫والرهبة َّ‬
‫والرغبة فيما لديه َّ‬
‫لمحض الخوف من اهلل وخشيته َّ‬
‫قوته‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحرمته ومنصبه ورئاسته‪ ،‬ولحفظ حاله‪ ،‬أو لحفظ َّ‬ ‫يتوب لحفظ جاهه ُ‬
‫لئل يتس َّلط عليه‬ ‫الهرب من ذ ِّمهم‪ ،‬أو َّ‬‫ِ‬ ‫حمد النَّاس‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫وماله‪ ،‬أو استدعاء‬
‫(((  انظر‪ :‬جالء األفهام (ص‪.)298‬‬
‫السالكين (‪.)283/1‬‬
‫(((  انظر‪ :‬مدارج َّ‬
‫‪407‬‬ ‫‪ -66‬أدعية الرُّكوع والقيام منه وال ُّسجود واجللسة بني ال َّسجدتني (‪)3‬‬

‫ونحو ذلك من‬ ‫ِ‬ ‫إلفالسه وعجزه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫السفهاء‪ ،‬أو لقضاء هنمته من الدُّ نيا‪ ،‬أو‬ ‫ُّ‬
‫فاألول‪ :‬يتع َّلق بما يتوب منه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫وخلوصها هلل ‪D‬؛‬ ‫صحتها‬ ‫العلل ا َّلتي تقدح يف َّ‬
‫َّائب ِ‬ ‫واألوسط‪ :‬يتع َّلق بذات الت ِ‬
‫ونفسه‪ ،‬وهبذه‬ ‫ُ‬ ‫بمن يتوب إليه‪،‬‬ ‫وال َّثالث‪ :‬يتع َّلق َ‬
‫َّوبة‪ ،‬والتَّوفيق بيد اهلل‬ ‫األمور ال َّثالثة يكون العبدُ قد أتى بأكمل ما يكون من الت ِ‬ ‫ِ‬
‫وحده(‪.)1‬‬
‫اش‪،‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ َل ْي َل ًة مِ َن ا ْل ِف َر ِ‬ ‫َو َع ْن َعائِ َش َة ‪َ J‬قا َل ْت‪َ :‬ف َقدْ ُت َر ُس َ‬
‫ج ِد‪ ،‬و ُهما منْصوبت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َان‪،‬‬ ‫َفا ْلت ََم ْس ُت ُه َف َو َق َع ْت َيدي َع َلى َب ْط ِن َقدَ َم ْيه َو ُه َو في ا ْل َم ْس ِ َ َ َ ُ َ‬
‫ك‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ‬ ‫ك ِم ْن ُع ُقو َبتِ َ‬ ‫ك‪َ ،‬وبِ ُم َعا َفاتِ َ‬ ‫اك ِم ْن َسخَ طِ َ‬ ‫ول‪« :‬ال َّل ُه َّم َأ ُعو ُذ بِرِ َض َ‬
‫َو ُه َو َي ُق ُ‬
‫ك»‪ .‬رواه مسلم(‪.)2‬‬ ‫ت َع َلى َن ْف ِس َ‬ ‫ْت ك ََما َأ ْثنَ ْي َ‬
‫ك‪َ ،‬أن َ‬ ‫ْك‪َ ،‬ل ُأ ْح ِصي َثنَا ًء َع َل ْي َ‬ ‫ك ِمن َ‬ ‫بِ َ‬
‫بطن القدم‪ :‬هو ا َّلذي يلي األرض‪ ،‬وظاهر القدم‪ :‬هو الجزء األعلى ا َّلذي‬
‫ُيشرع المسح عليه‪.‬‬
‫لج َأ منه َّإل‬‫العظيم على أنَّه ال َم َف َّر َّإل إلى اهلل‪ ،‬وال َم َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الحديث‬ ‫دل هذا‬ ‫وقد َّ‬
‫األمر ك ُّله‬
‫إليه‪ ،‬فأز َّم ُة األمور ك ُّلها بيده‪ ،‬ونواصي العباد معقود ٌة بقضائه وقدَ ره‪ُ ،‬‬
‫والخير ك ُّله يف يديه‪ ،‬فمنه تعالى المن َْجا‬ ‫ُ‬ ‫له‪ ،‬والحمدُ ك ُّله له‪ ،‬والملك ك ُّله له‪،‬‬
‫شر ما هو كائن بمشيئته وقدرته‪ ،‬فاإلعاذة‬ ‫الم ْل َجأ‪ ،‬وهبا االستعاذة من ِّ‬ ‫وإليه َ‬
‫تحقيق‬
‫ٌ‬ ‫فعله والمستعاذ منه فعله أو مفعوله ا َّلذي خلقه بمشيئته‪ ،‬وهذا ك ُّله‬
‫رب غيره‪ ،‬وال خالق سواه‪ ،‬وال يملك المخلوق‬ ‫للتَّوحيد والقدر‪ ،‬وأنَّه ال َّ‬
‫نشورا‪ ،‬بل األمر ك ُّله هلل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ضرا وال نف ًعا وال مو ًتا وال حيا ًة وال‬ ‫لنفسه وال لغيره ًّ‬
‫ليس ألحد سواه منه شيء‪.‬‬
‫ت َع َلى‬ ‫ْت ك ََما َأ ْث َن ْي َ‬ ‫«ل ُأ ْح ِصي َثنَا ًء َع َل ْي َ‬
‫ك َأن َ‬ ‫وقوله يف ختام هذا الدُّ عاء‪َ :‬‬
‫السالكين (‪.)317/1‬‬
‫(((  انظر‪ :‬مدارج َّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)486‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪408‬‬

‫وكمال أسمائه وصفاته‬ ‫َ‬ ‫بأن َ‬


‫شأن اهلل سبحانه وعظمتَه‬ ‫االعرتاف َّ‬
‫ُ‬ ‫ك»‪ ،‬فيه‬ ‫َن ْف ِس َ‬
‫وأج ُّل من أن ُيحصيها أحدٌ من الخلق‪ ،‬أو يبلغ أحد حقيق َة ال َّثناء عليه‬
‫أعظم َ‬
‫ُ‬
‫غيره سبحانه‪.‬‬
‫الس ْجدَ َت ْي ِن‪« :‬ال َّل ُه َّم‬ ‫َان النَّبِي ﷺ َي ُق ُ‬
‫ول َب ْي َن َّ‬ ‫اس ‪َ L‬ق َال‪ :‬ك َ‬ ‫َو َع ْن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫ُّ‬
‫ِّرمذي‪ ،‬ولفظ‬ ‫ُّ‬ ‫ا ْغ ِف ْر لِي َو ْار َح ْمنِي َو َعافِنِي َو ْاه ِدنِي َو ْار ُز ْقنِي»‪ .‬رواه أبو داود والت‬
‫«و َعافِنِي»(‪.)1‬‬
‫اج ُب ْرني» بدل قوله‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫«و ْ‬
‫ِّرمذي‪َ :‬‬‫ِّ‬ ‫الت‬
‫السجدتين‪ ،‬قد أحاطت بالخير ك ِّله‬ ‫فهذه ستَّة ٍ‬
‫أمور ُتطلب يف الجلسة بين َّ‬
‫وجمعته ك َّله‪.‬‬
‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي»‪ ،‬هذا فيه طلب مغفرة ُّ‬
‫الذنوب بسرتها والتَّجاوز‬
‫عنها‪.‬‬
‫سؤال لرحمة اهلل ‪ F‬ا َّلتي من آثارها نيل‬
‫ٌ‬ ‫قوله‪« :‬وارحمني»‪ ،‬هذا‬
‫ثواب اهلل ودخول الجنَّة والبعد عن غضبه وعقابه ‪.E‬‬
‫الصراط‬
‫كل خير؛ الهداية إلى ِّ‬ ‫قوله‪« :‬واهدين»‪ ،‬يتناول الهداية إلى ِّ‬
‫المستقيم‪ ،‬وال َّثبات على ِّ‬
‫الحق‪ ،‬والفوز بالجنَّة‪ ،‬والنَّجاة من النَّار‪.‬‬
‫والضعف ونحو ذلك‪.‬‬
‫قوله‪« :‬واجبرين»‪ ،‬بسدِّ النَّقص والحاجة والفقر َّ‬
‫قوله‪« :‬وعافني»‪ ،‬بالوقاية من ُّ‬
‫الشرور واآلفات والمعاصي واآلثام‪.‬‬
‫َّ‬
‫والشراب‬ ‫نيوي ا َّلذي هو ال َّطعام‬
‫الرزق الدُّ َّ‬
‫قوله‪« :‬وارزقني»‪ ،‬يشمل ِّ‬
‫يني ا َّلذي هو اإليمان‬ ‫وال ِّلباس والمسكن والملبس والمركب‪ِّ ،‬‬
‫والرزق الدِّ َّ‬
‫وال َّطاعة والعبادة‪.‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)284‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)850‬والت‬
‫‪409‬‬ ‫‪ -66‬أدعية الرُّكوع والقيام منه وال ُّسجود واجللسة بني ال َّسجدتني (‪)3‬‬

‫السجدتين‪ ،‬وهي محيطة وجامعة‬ ‫أمور ستَّة ُتطلب يف القعدة بين َّ‬
‫فهذه ٌ‬
‫ُ‬
‫وسؤال‬ ‫الذنوب‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فسؤال المغفرة فيه الوقاية من َش ِّر ُّ‬ ‫ومستوعبة للخير ك ِّله‪،‬‬
‫حصيل الخير والبِ ِّر واإلحسان‪ ،‬وسؤال اهلل أن َي ْج ُب َره فيه سدُّ‬ ‫ُ‬ ‫الرحمة فيه َت‬
‫َّ‬
‫يعوضه‪ ،‬وسؤال‬
‫وج ْب ُر كسره‪ ،‬وأن ير َّد عليه ما ذهب من الخير وأن ِّ‬ ‫حاجته َ‬
‫السالمة من اآلفات والفتن والنَّجاة من الباليا والمحن‪ ،‬وسؤال‬ ‫العافية فيه َّ‬
‫السعادة والفالح يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬وسؤال‬
‫الهداية فيه التَّوصل إلى أبواب َّ‬
‫الروح من‬
‫والشراب‪ ،‬وما به قوام ُّ‬‫الرزق فيه نيل ما به قوام البدن من ال َّطعام َّ‬
‫ِّ‬
‫العلم واإليمان‪.‬‬
‫السعادة‬‫فجاء هذا الدُّ عاء العظيم المشروع يف هذه الجلسة جام ًعا ألصول َّ‬
‫أعظمه‬
‫َ‬ ‫مشتمل على ُس ُبل الفالح يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬فما‬ ‫ً‬ ‫محي ًطا بأبواب الخير‪،‬‬
‫من دعاء‪ ،‬وما أحس َن إحاطته وجمعه‪.‬‬

‫الس ْجدَ َت ْي ِن‪َ :‬‬


‫«ر ِّب‬ ‫سول اهللِ ﷺ َ‬
‫كان َي ُق ُ‬
‫ول َب ْي َن َّ‬ ‫َو َع ْن ُح َذ ْي َف َة ‪َ I‬أ َّن َر َ‬
‫ا ْغ ِف ْر لِي‪َ ،‬ر ِّب ا ْغ ِف ْر لِي»‪ .‬رواه ابن ماجه(‪.)1‬‬
‫مرتين فقط‪،‬‬
‫رب اغفر لي» ليس المراد أن يقولها َّ‬
‫«رب اغفر لي‪ِّ ،‬‬ ‫قوله‪ِّ :‬‬
‫وإنَّما هذا إشارة إلى التَّكرار واإلكثار من طلب المغفرة يف هذا الجلوس بين‬
‫السجدتين‪.‬‬ ‫َّ‬

‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه ابن ماجه (‪،)897‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪410‬‬

‫‪67‬‬

‫ذكر التَّشهد وال َّصالة على الن َّ ِّ‬


‫يب ﷺ‬

‫أحاديث عديدة فيها ص َي ٌغ متقاربة‬ ‫ُ‬ ‫لقد ثبت عن النَّبِ ِّي ﷺ يف الت ُّ‬
‫َّشهد‬
‫َّشهد‪ ،‬ك ُّلها جائز ٌة مشروعة‪.‬‬ ‫للت ُّ‬
‫ف النَّبِ ِّي ﷺ ُق ْلنَا‪:‬‬ ‫عود ‪َ I‬ق َال‪ُ :‬كنَّا إِ َذا َص َّل ْينَا َخ ْل َ‬ ‫َعن َعب ِد اهلل ب ِن مس ٍ‬
‫ْ َ ْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ول‬ ‫الس َل ُم َع َلى ُف َل ٍن َو ُف َل ٍن»‪َ ،‬فا ْل َت َف َت إِ َل ْينَا َر ُس ُ‬ ‫يل‪َّ ،‬‬ ‫يل َو ِميكَائِ َ‬ ‫«الس َل ُم َع َلى ِج ْبرِ َ‬ ‫َّ‬
‫ات هَّللِ‪،‬‬ ‫اهلل ﷺ‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬إِ َّن اهَّلل هو الس َلم‪َ ،‬فإِ َذا ص َّلى َأحدُ كُم َف ْلي ُق ْل‪« :‬الت ِ‬
‫َّح َّي ُ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َّ ُ‬
‫ِ‬
‫الس َل ُم‬ ‫ك َأ ُّي َها النَّبِ ُّي َو َر ْح َم ُة اهلل َو َب َركَا ُت ُه‪َّ ،‬‬ ‫الس َل ُم َع َل ْي َ‬‫ات‪َّ ،‬‬ ‫ات َوال َّط ِّي َب ُ‬
‫الص َل َو ُ‬
‫َو َّ‬
‫وها َأصاب ْت ك َُّل َعب ٍد ل ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫له‬ ‫ْ‬ ‫ين»‪َ ،‬فإِ َّن ُك ْم إِ َذا ُق ْلت ُُم َ َ َ‬ ‫الصالح َ‬ ‫َع َل ْينَا َو َع َلى ع َباد اهلل َّ‬
‫«أ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ‪َ ،‬و َأ ْش َهدُ َأ َّن ُم َح َّمدً ا َع ْبدُ ُه‬ ‫ض‪َ ،‬‬ ‫اء َواألَ ْر ِ‬ ‫صالِحٍ فِي السم ِ‬
‫َّ َ‬ ‫َ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫َو َر ُسو ُل ُه»‪ .‬رواه‬
‫وعن عبد اهلل بن ع َّباس ‪ L‬أنَّه قال‪ :‬كان رسول اهلل ﷺ ُي َع ِّل ُمنَا الت ََّش ُّهدَ‬
‫ات‬‫الص َل َو ُ‬ ‫ات ا ْل ُم َب َارك ُ‬ ‫ول‪« :‬الت ِ‬ ‫ان َي ُق ُ‬
‫آن‪َ ،‬ف َك َ‬ ‫كَما يع ِّلمنَا السور َة مِن ا ْل ُقر ِ‬
‫َات َّ‬ ‫َّح َّي ُ‬ ‫ُّ َ َ ْ‬ ‫َ َُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َل ُم َع َل ْينَا َو َع َلى‬ ‫ك َأ ُّي َها النَّبِ ُّي َو َر ْح َم ُة اهَّلل َو َب َركَا ُت ُه‪َّ ،‬‬ ‫الس َل ُم َع َل ْي َ‬
‫ات ل َّله‪َّ ،‬‬ ‫ال َّط ِّي َب ُ‬
‫ول اهَّللِ»‪ .‬رواه‬ ‫ين‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ َو َأ ْش َهدُ َأ َّن ُم َح َّمدً ا َر ُس ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫الصالح َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ع َباد اهَّلل َّ‬
‫مسلم(‪.)2‬‬
‫ات‬ ‫أن النَّبي ﷺ ع َّلمهم التَّشهد‪« :‬الت ِ‬
‫َّح َّي ُ‬ ‫األشعري ‪َّ I‬‬ ‫وعن أبي موسى‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫البخاري (‪ ،)831‬ومسلم (‪.)402‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)403‬‬
‫‪411‬‬ ‫‪ -67‬ذكر التَّشهد وال َّصالة على الن َّ ِّ‬
‫يب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ِ‬ ‫ات الص َلو ُ ِ ِ‬
‫الس َل ُم‬ ‫ك َأ ُّي َها ال َّنبِ ُّي َو َر ْح َم ُة اهَّلل َو َب َركَا ُت ُه‪َّ ،‬‬ ‫الس َل ُم َع َل ْي َ‬ ‫ات ل َّله‪َّ ،‬‬ ‫ال َّط ِّي َب ُ َّ َ‬
‫ين‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ َو َأ ْش َهدُ َأ َّن ُم َح َّمدً ا َع ْبدُ ُه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الصالح َ‬ ‫َع َل ْينَا َو َع َلى ع َباد اهَّلل َّ‬
‫َو َر ُسو ُل ُه»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫ات لِ َّل ِه‬ ‫وعن ابن عمر ‪ I‬عن رسول اهلل ﷺ يف التَّشهد‪« :‬الت ِ‬
‫َّح َّي ُ‬ ‫ُّ‬
‫ك َأ ُّي َها النَّبِ ُّي َو َر ْح َم ُة اهَّلل ِ َو َب َركَا ُت ُه‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ْن َل‬ ‫الس َل ُم َع َل ْي َ‬ ‫ات‪َّ ،‬‬ ‫ات ال َّط ِّي َب ُ‬
‫الص َل َو ُ‬ ‫َّ‬
‫إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ َو َأ ْش َهدُ َأ َّن ُم َح َّمدً ا َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه»‪ .‬رواه أبو داود(‪.)2‬‬
‫اب ‪I‬‬ ‫القاري َأ َّن ُه َس ِم َع ُع َم َر ْب َن ا ْل َخ َّط ِ‬ ‫ِّ‬
‫وعن عبد الرحمن بن ٍ‬
‫عبد‬ ‫َّ‬
‫ات لِ َّلهِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات ل َّله الزَّاك َي ُ‬ ‫ول‪ُ « :‬قو ُلوا التَّح َّي ُ‬ ‫َّاس الت ََّش ُّهدَ ‪َ ،‬ي ُق ُ‬ ‫َو ُه َو َع َلى ا ْلمنْ َب ِر ُي َع ِّل ُم الن َ‬
‫ِ‬ ‫ات‪ ،‬الص َلو ُ ِ ِ‬
‫الس َل ُم‬ ‫ك َأ ُّي َها النَّبِ ُّي َو َر ْح َم ُة اهَّلل َو َب َركَا ُت ُه‪َّ ،‬‬ ‫الس َل ُم َع َل ْي َ‬ ‫ات ل َّله‪َّ ،‬‬ ‫َّ َ‬ ‫ال َّط ِّي َب ُ‬
‫ين‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ َو َأ ْش َهدُ َأ َّن ُم َح َّمدً ا َع ْبدُ ُه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الصالح َ‬ ‫َع َل ْينَا َو َع َلى ع َباد اهَّلل َّ‬
‫َو َر ُسو ُل ُه»‪ .‬رواه مالك يف المو َّطأ(‪.)3‬‬
‫َّشهدات أجزأه‪ .‬وذهب‬ ‫تشهد ُأيت به من هذه الت ُّ‬
‫«فأي ُّ‬‫قال ابن الق ِّيم ‪ُّ :V‬‬
‫تشهد ابن‬
‫افعي إلى ُّ‬ ‫تشهد ابن مسعود‪ ،‬وذهب َّ‬
‫الش ُّ‬ ‫اإلمام أحمد وأبو حنيفة إلى ُّ‬
‫جزئ»‪ .‬اهـ‬ ‫والكل ٍ‬
‫كاف ُم ٌ‬ ‫ُّ‬ ‫تشهد عمر ‪،E‬‬ ‫ع َّباس‪ ،‬وذهب مالك إلى ُّ‬
‫كالمه ‪.)4(V‬‬
‫ُ‬
‫أكمل‬ ‫الصيغ ُة الواردة يف حديث ابن مسعود‪ ،‬فهي‬ ‫الصيغ ِّ‬ ‫ُ‬
‫وأكمل هذه ِّ‬
‫الصيغة الواردة يف حديث ابن ع َّباس وغيره من األحاديث الواردة يف هذا‬
‫من ِّ‬
‫يتضمن‬
‫َّ‬ ‫تشهد ابن مسعود‬ ‫َّ‬
‫«ألن ُّ‬ ‫الباب؛ وذلك كما يقول ابن الق ِّيم ‪:V‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)404‬‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)971‬‬
‫السنن الكربى (‪ ،)2838‬والحاكم يف‬
‫والبيهقي يف ُّ‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه مالك يف المو َّطأ (‪،)146‬‬
‫الصالة (‪.)901/3‬‬ ‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي يف أصل صفة َّ‬‫َّ‬ ‫مستدركه (‪،)979‬‬
‫الص ِّيب (ص‪.)110‬‬ ‫(((  انظر‪ :‬الوابل َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪412‬‬

‫كل جملة يف‬ ‫وتشهد ابن ع َّباس جمل ٌة واحدة»(‪ ،)1‬فتكون ُّ‬‫ُّ‬ ‫مل متغايرة‪،‬‬‫ُج ً‬
‫والصلوات‬ ‫ًّ‬
‫مستقل لوجود الواو يف قوله‪« :‬التَّح َّيات هلل َّ‬ ‫حديث ابن مسعود ثنا ًء‬
‫وال َّط ِّيبات»‪ ،‬بخالف ما إذا حذفت فإنَّها تكون صفة لما قبلها‪ ،‬فتعدُّ د ال َّثناء يف‬
‫صريح‪ ،‬فهو أولى وأكمل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫حديث ابن مسعود‬
‫أصح ما‬
‫ثم إنَّه هو المشهور بين كثير من أهل العلم‪ ،‬ومن حيث اإلسناد هو ُّ‬ ‫َّ‬
‫ِّرمذي ‪« :V‬حديث ابن مسعود قد ُروي‬ ‫ُّ‬ ‫ورد يف هذا الباب‪ ،‬ولهذا يقول الت‬
‫َّشهد‪ ،‬والعمل‬‫أصح حديث ُروي عن النَّبِ ِّي ﷺ يف الت ُّ‬
‫ُّ‬ ‫عنه من غير وجه‪ ،‬وهو‬
‫عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النَّبِ ِّي ﷺ و َمن بعدهم من التَّابعين»(‪.)2‬‬
‫كل ذلك جائز‬ ‫َّشهدات الواردة ُّ‬
‫فإن العمل به أو بغيره من الت ُّ‬ ‫كل َّ‬ ‫وعلى ٍّ‬
‫وسائغ‪.‬‬
‫قوله‪« :‬التَّح َّيات» جمع تح َّية‪ ،‬والمراد التَّعظيمات بكا َّفة ِص َيغها وجميع‬
‫كل ذلك هلل وحده‬‫وذل وخضوع وخشوع وانكسار‪ُّ ،‬‬ ‫هيئاهتا من ركوع وسجود ٍّ‬
‫ال شريك له‪ ،‬وهي له سبحانه مل ًكا واستحقا ًقا‪.‬‬
‫الركوع‬ ‫الصالة َّ‬
‫الشرع َّية ذات ُّ‬ ‫«والصلوات»‪ ،‬قيل‪ :‬المراد به َّ‬ ‫َّ‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫الصالة لغة الدُّ عاء‪ُّ ،‬‬
‫وكل ذلك هلل‪،‬‬ ‫والسجود‪ ،‬وقيل‪ :‬المراد الدُّ عاء؛ َّ‬
‫فإن معنى َّ‬ ‫ُّ‬
‫فالصالة ك ُّلها هلل فال ُيصرف شيء منها لغيره‪ ،‬والدُّ عاء ك ُّله هلل فال ُيصرف شيء‬ ‫َّ‬
‫منه ألحد سواه‪.‬‬
‫وقوله‪« :‬وال َّط ِّيبات» جمع ط ِّيبة‪ ،‬والمراد‪ :‬األقوال ال َّط ِّيبات واألعمال‬
‫تقرب بشيء منها ألحد سواه‪ ،‬فهو‬ ‫تقرب هبا إليه‪ ،‬وال ُي َّ‬ ‫ال َّط ِّيبات ك ُّلها هلل‪ُ ،‬ي َّ‬
‫ب من قول أو فعل‪.‬‬ ‫بكل ط ِّي ٍ‬
‫َقر ُب إليه ِّ‬ ‫سبحانه ُيت َّ‬
‫الصالة وأحكام تاركها (ص‪.)168‬‬
‫(((  انظر‪َّ :‬‬
‫ِّرمذي تحت حديث رقم (‪.)289‬‬
‫ِّ‬ ‫(((  انظر‪ :‬سنن الت‬
‫‪413‬‬ ‫‪ -67‬ذكر التَّشهد وال َّصالة على الن َّ ِّ‬
‫يب صلى اهلل عليه وسلم‬

‫«السالم عليك ُّأيها ال َّنبِ ُّي ورحمة اهلل وبركاته»‪ ،‬هذا دعا ٌء للنَّبِ ِّي ﷺ‬
‫وقوله‪َّ :‬‬
‫والرحمة والربكة‪ ،‬وا َّلذي ُيدعى له ال ُيدعى مع اهلل‪.‬‬
‫بالسالم َّ‬
‫َّ‬
‫الصالحين»‪ ،‬فيه دعا ٌء للنَّفس ولعموم‬ ‫«السالم علينا وعلى عباد اهلل َّ‬
‫وقوله‪َّ :‬‬
‫كل آفة وعيب ونقص وسوء‪ ،‬وهو مِن جوامع كَلِ ِم‬ ‫بالسالمة من ِّ‬
‫المؤمنين َّ‬
‫النَّبِ ِّي ﷺ‪.‬‬

‫لش َرفِه ومزيد ح ِّقه‬ ‫قال بعض أهل العلم‪َ « :‬ع َّل َمهم أن ُيفردوه ﷺ ِّ‬
‫بالذكر؛ َ‬
‫أمرهم‬ ‫ثم َ‬
‫أهم‪َّ ،‬‬
‫ألن االهتما َم هبا ُّ‬ ‫ثم ع َّلمهم أن ُي َخ ِّصصوا َ‬
‫أنفسهم َّأو ًل؛ َّ‬ ‫عليهم‪َّ ،‬‬
‫الصالحين إعال ًما منه َّ‬
‫بأن الدُّ عاء للمؤمنين ينبغي أن يكون‬ ‫السالم على َّ‬
‫بتعميم َّ‬
‫ً‬
‫شامل لهم»(‪.)1‬‬
‫«أ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ َو َأ ْش َهدُ َأ َّن ُم َح َّمدً ا َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه»‪ ،‬فيه‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫والرسالة‪ ،‬فهو صلوات‬
‫الشهادة هلل ‪ F‬بالوحدان َّية‪ ،‬ولنب ِّيه ﷺ بالعبود َّية ِّ‬ ‫َّ‬
‫اهلل وسالمه عليه عَبدٌ ال ُيعبد؛ بل رسول ُي َطاع و ُيتَّبع‪.‬‬
‫َّبي ﷺ فقد ب َّينها رسول اهلل ﷺ ألصحابه حين‬
‫الصالة على الن ِّ‬
‫أ َّما كيف َّية َّ‬
‫سألوه عن ذلك‪ ،‬وقد وردت هذه الكيف َّية من طرق كثيرة عن جماعة من‬
‫الصحابة ‪.M‬‬ ‫َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ْب ُن ُع ْج َر َة ‪َ I‬ف َق َال‪:‬‬ ‫الر ْح َم ِن ْب َن َأبِي َل ْي َلى َق َال‪َ :‬لق َيني َك ْع ُ‬ ‫َع ْن عبد َّ‬
‫َأ َل ُأ ْه ِدي َل َك َه ِد َّي ًة َس ِم ْعت َُها مِ َن النَّبِ ِّي ﷺ؟ َف ُق ْل ُت‪َ :‬ب َلى‪َ ،‬ف َأ ْه ِد َها لِي‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬
‫ت؟ َفإِ َّن‬ ‫ف الص َل ُة َع َلي ُكم َأ ْه َل ا ْلبي ِ‬ ‫ول اهلل ﷺ َف ُق ْلنَا‪ :‬يا رس َ ِ‬ ‫َس َأ ْلنَا َر ُس َ‬
‫َْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ول اهلل َك ْي َ َّ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ف ن َُس ِّل ُم َع َل ْي ُك ْم‪َ ،‬ق َال‪ُ « :‬قو ُلوا‪ :‬ال َّل ُه َّم َص ِّل َع َلى ُم َح َّم ٍد‪َ ،‬و َع َلى‬ ‫اهلل َقدْ َع َّل َمنَا َك ْي َ‬
‫َ‬
‫جيدٌ ‪ ،‬ال َّل ُه َّم‬ ‫َّك َح ِميدٌ َم ِ‬
‫يم إِن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم َو َع َلى آل إِ ْب َراه َ‬
‫ِ‬
‫ت َع َلى إِ ْب َراه َ‬ ‫آل ُم َح َّم ٍد‪ ،‬ك ََما َص َّل ْي َ‬ ‫ِ‬

‫البيضاري كما يف فتح الباري (‪.)313/2‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  قاله‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪414‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آل ُم َح َّم ٍد‪ ،‬ك ََما َب َارك َ‬ ‫ار ْك َع َلى م َحم ٍد َو َع َلى ِ‬ ‫َب ِ‬
‫يم‬‫يم َو َع َلى آل إِ ْب َراه َ‬ ‫ْت َع َلى إِ ْب َراه َ‬ ‫ُ َّ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫جيدٌ »‪ .‬رواه‬ ‫َّك َح ِميدٌ َم ِ‬ ‫إِن َ‬
‫ف ن َُص ِّلي‬ ‫ول اهلل َك ْي َ‬ ‫اع ِد ِّي ‪َ I‬أن َُّه ْم َقا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫و َعن أبي حمي ٍد الس ِ‬
‫ُ َ ْ َّ‬ ‫َ ْ‬
‫اج ِه َو ُذ ِّر َّيتِ ِه‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪ُ « :‬قو ُلوا‪ :‬ال َّل ُه َّم َص ِّل َع َلى ُم َح َّم ٍد َو َأز َْو ِ‬ ‫َع َل ْي َك؟ َف َق َال َر ُس ُ‬
‫ْت‬ ‫اج ِه َو ُذ ِّر َّيتِ ِه ك ََما َب َارك َ‬ ‫ار ْك َع َلى ُم َح َّم ٍد َو َأز َْو ِ‬ ‫يم‪َ ،‬و َب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َع َلى آل إِ ْب َراه َ‬ ‫ك ََما َص َّل ْي َ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)2‬‬ ‫ُّ‬ ‫جيدٌ »‪ .‬رواه‬ ‫َّك َح ِميدٌ َم ِ‬ ‫يم‪ ،‬إِن َ‬ ‫ِ‬
‫َع َلى آل إِ ْب َراه َ‬
‫ِ‬

‫ول اهَّللِ ﷺ َون َْح ُن فِي‬ ‫األنصاري ‪ I‬قال‪َ :‬أ َتانَا َر ُس ُ‬ ‫ِّ‬ ‫وعن أبي مسعود‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َم ْجلِ ِ‬
‫اهَّلل َت َعا َلى َأ ْن ن َُص ِّل َي َع َل ْي َك‬ ‫س َس ْعد ْب ِن ُع َبا َدةَ‪َ ،‬ف َق َال َل ُه َبش ُير ْب ُن َس ْعد‪َ :‬أ َم َرنَا ُ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َحتَّى َت َمنَّ ْينَا َأ َّن ُه َل ْم‬ ‫ف ن َُص ِّلي َع َل ْي َك؟ َق َال َف َس َك َت َر ُس ُ‬ ‫ول اهَّللِ َف َك ْي َ‬ ‫َيا َر ُس َ‬
‫آل ُم َح َّم ٍد‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ‪ُ « :‬قو ُلوا ال َّل ُهم َص ِّل َع َلى م َحم ٍد َو َع َلى ِ‬ ‫َي ْس َأ ْل ُه‪ُ ،‬ث َّم َق َال َر ُس ُ‬
‫ُ َّ‬ ‫َّ‬
‫ْت‬ ‫آل ُم َح َّم ٍد ك ََما َب َارك َ‬ ‫ار ْك َع َلى م َحم ٍد َو َع َلى ِ‬
‫ُ َّ‬ ‫يم‪َ ،‬و َب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َع َلى آل إِ ْب َراه َ‬ ‫ك ََما َص َّل ْي َ‬
‫الس َل ُم ك ََما َقدْ َع ِل ْمت ُْم»‪ .‬رواه‬ ‫جيدٌ ‪َ .‬و َّ‬ ‫َّك َح ِميدٌ َم ِ‬ ‫ين إِن َ‬ ‫ِ‬
‫يم في ا ْل َعا َلم َ‬
‫اه ِ‬ ‫ِ‬
‫َع َلى آل إِ ْب َر َ‬
‫ِ‬
‫مسلم(‪.)3‬‬

‫وهذه الكيف َّية ا َّلتي ع َّلم ﷺ أصحابه إ َّياها عندما سألوه عن كيف َّية َّ‬
‫الصالة‬
‫الصيغة ا َّلتي فيها الجمع‬
‫الصالة عليه ﷺ‪ .‬وأكملها ِّ‬ ‫عليه ﷺ هي أفضل كيف َّيات َّ‬
‫والصالة على إبراهيم ﷺ وآله‪.‬‬ ‫َّبي ﷺ وآله‪َّ ،‬‬ ‫الصالة على الن ِّ‬
‫بين َّ‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪« :‬واست ُِد َّل بتعليمه ﷺ ألصحابه الكيف َّية بعد‬
‫الصالة عليه؛ ألنَّه ال يختار لنفسه َّإل‬ ‫سؤالهم عنها بأنَّها أفضل كيف َّيات َّ‬
‫الصالة‪،‬‬‫األشرف األفضل‪ ،‬ويرت َّتب على ذلك‪ :‬لو حلف أن ُيص ِّلي عليه أفضل َّ‬
‫البخاري (‪ ،)3370‬ومسلم (‪.)406‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫البخاري (‪ ،)3369‬ومسلم (‪.)407‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)405‬‬
‫‪415‬‬ ‫‪ -67‬ذكر التَّشهد وال َّصالة على الن َّ ِّ‬
‫يب صلى اهلل عليه وسلم‬

‫فطريق البِ ِّر أن يأيت بذلك»(‪.)1‬‬


‫والصالة على النَّبِ ِّي ﷺ هي من اهلل‪ُ :‬‬
‫ثناؤه عليه يف المأل األعلى وتعظيمه‪،‬‬ ‫َّ‬
‫وصالة المالئكة والمؤمنين عليه‪ :‬هي طلب ذلك له ﷺ من اهلل‪ ،‬والمراد طلب‬
‫الصالة‪.‬‬
‫الزيادة ال طلب أصل َّ‬ ‫ِّ‬
‫البخاري يف صحيحه عن أبي العالية‪ :‬أنَّه قال يف معنى قوله‬
‫ُّ‬ ‫وقد حكى‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ﴾ [األحزاب‪ ]56 :‬قال‪« :‬صالة اهلل‪ :‬ثناؤه عليه عند المالئكة‪ ،‬وصالة‬
‫المالئكة‪ :‬الدُّ عاء»(‪.)2‬‬

‫وقول كعب ‪« :I‬أال ُأهدي لك َّ‬


‫هدي ًة سمعتُها من النَّبِ ِّي ﷺ»‪ ،‬فيه‬
‫بسنَّة النَّبِ ِّي ﷺ وشدَّ ة َفر ِحهم هبا‪ ،‬بل كانوا يعدُّ وهنا‬
‫السلف ‪ُ X‬‬
‫ِ‬
‫ع َظ ُم عناية َّ‬
‫من نفائس األمور و َثمين األشياء‪ ،‬وهي عندهم ُتعدُّ هد َّي ًة ثمينة َيفرحون هبا‬
‫و ُي َس ُّرون بسماعها و َي ْهنَأون بتهاديها‪.‬‬
‫محمد»‪ ،‬الربكة‪ :‬النَّماء‬
‫َّ‬ ‫محم ٍد وعلى آل‬ ‫َّ‬ ‫هم بارك على‬ ‫ومعنى قوله‪« :‬ال َّل َّ‬
‫والزيادة‪ ،‬والتَّربيك الدُّ عاء بذلك‪ ،‬يقول‪ :‬باركه اهلل‪ ،‬وبارك فيه‪ ،‬وبارك عليه‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫يتضمن إعطا َءه ﷺ من الخير وإدامته له‪ ،‬ومضاعفته له‬ ‫َّ‬ ‫وبارك له؛ فهو دعا ٌء‬
‫وزيادته‪.‬‬

‫(((  انظر‪ :‬فتح الباري (‪.)166/11‬‬


‫البخاري (‪.)120/6‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
(
y-
ryk
yy
,y
.
:
y.
.y
Jl,
O - -
- - V - Q-
(!).vï
i' ;.+ J;:(u2;kz;k.)v ; ..
x - -. - v v -
. . . .-

wxuaow:ja kp-
Iw.kjrIôa'A .,:-
. ,Nuw
*1j,,
'z'-
x *5I F' ou'wzNl
. wNh 1ZF' wxuax.5h
.J.
.I
..JhJ-
' Jh, uU. v=fIJ-
' Jhh.t> J. yw'zw
.'J uwlf.U .'<=
''hwGJui
. o''
J''I
utzo
.
'.-ys jwu'.LJe
. ,.-:,
..
'uIax -,5%s-rj .
4.juj
..w;jkt<!/w a. * x )).OJu-
- f
. Tj
.1 sa/hklwaxp
.

y .iIIA :' ïg J uaj.u .. ; .f J J aju(<J


ke'w p..ullI.S @e' W . w uouJIC ,
. .wp
.!.u w.rê)).
.g vJ
J
'u u
- .
.
JfIIC.t )IJ.Q Ja joapl.W.tj)I
.. . J J
wQ M I' .1J I 4iN+.5jg.w ,. l
7+3'J u+Q
‫‪417‬‬ ‫‪ -68‬األدعية يف ال َّصالة وبعد التَّشه ُّد (‪)1‬‬
‫حق‪َّ ،‬‬
‫وأن المسلم ينبغي‬ ‫قوله‪« :‬ومن عذاب القبر»‪ ،‬فيه َّ‬
‫أن عذاب القرب ٌّ‬
‫يتعوذ باهلل منه‪.‬‬
‫عليه أن َّ‬
‫َّعوذ‬
‫قوله‪« :‬ومن فتنة المحيا والممات»‪ ،‬أي‪ :‬الحياة والموت‪ ،‬والمراد الت ُّ‬
‫من جميع فتن الدَّ ارين؛ يف الحياة من ِّ‬
‫كل ما َي ُض ُّر بدين اإلنسان أو بدنه أو دنياه‪،‬‬
‫ويف الموت من شدائده وما يكون بعده من أهوال‪.‬‬
‫قوله‪« :‬ومن فتنة المسيح الدَّ َّجال»‪ ،‬المسيح الدَّ َّجال هو منبع من منابع‬
‫والضالل‪ ،‬ومصدر من مصادر الفتن واألوجال‪ ،‬يكون خروجه على‬ ‫الكفر َّ‬
‫مسيحا؛ َّ‬
‫ألن إحدى‬ ‫ً‬ ‫الساعة‪ُ ،‬س ِّمي‬
‫الزمان‪ ،‬وهو شرط من أشراط َّ‬
‫النَّاس آخر َّ‬
‫دج ًال من الدَّ جل وهو الكذب‪،‬‬ ‫وس ِّم َي َّ‬ ‫عينيه َممسوحة‪ ،‬فهو أعور عينه اليمنى‪ُ ،‬‬
‫حذر منه قومه وأنذر‪.‬‬‫وفتنة خروجه من أعظم الفتن‪ ،‬وما من َنبِي بعثه اهلل َّإل َّ‬
‫ٍّ‬
‫هم إنِّي أعوذ بك من المأثم والمغرم»‪ ،‬المأثم‪ :‬هو األمر ا َّلذي‬ ‫قوله‪« :‬ال َّل َّ‬
‫والمغرم‪ :‬ما يلزم اإلنسان أداؤه‬
‫َ‬ ‫والذنوب‪،‬‬ ‫يأثم به اإلنسان من جميع المعاصي ُّ‬
‫حق اهلل‪ ،‬والمغرم‪:‬‬
‫بسبب جناية أو معاملة أو نحو ذلك‪ ،‬فالمأثم إشارة إلى ِّ‬
‫إشار ٌة إلى حقوق العباد‪.‬‬
‫قوله‪« :‬فقال قائل‪ :‬ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟»‪ ،‬ويف رواية للنَّسائي َّ‬
‫أن‬ ‫ِّ‬
‫السائل عن ذلك عائشة‪ ،‬ولفظها‪« :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل! ما أكثر ما تستعيذ من‬
‫َّ‬
‫المغرم»(‪ ،)1‬وهو سؤال عن الحكمة من كثرة استعاذته من المغرم‪.‬‬
‫الرجل إذا غرم حدَّ ث فكذب ووعد فأخلف»‪،‬‬
‫«إن َّ‬
‫فقال رسول اهلل ﷺ‪َّ :‬‬
‫المتحمل‬
‫ِّ‬ ‫تحملها فكان بذلك من الغارمين‪ ،‬والغارم‪ :‬هو‬
‫أي‪ :‬صار عليه ديون َّ‬
‫لحقوق النَّاس‪ُ ،‬‬
‫فشرع له أن يستعيذ من المغرم؛ ألنَّه عندما يكون كذلك‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّسائي (‪،)5454‬‬
‫(((  رواه الن ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪418‬‬

‫يضطر‬ ‫بالسداد؛ فإنَّه‬ ‫ِ‬


‫ُّ‬ ‫يحدِّ ث فيكذب ويعد فيخلف‪ ،‬إذا أتاه الدَّ ائنون يطالبونه َّ‬
‫ألن يكذب عليهم وأن يعدهم فيخلف‪.‬‬ ‫ْ‬
‫حمل نفسه ديونًا‪ ،‬وهذا‬ ‫أن المرء ال ينبغي له أن ُي ِّ‬ ‫‪ ‬ويستفاد من الحديث‪َّ :‬‬
‫أموال كثيرة يف أمور‬ ‫ً‬ ‫أمر هتاون فيه كثير من النَّاس‪ ،‬ور َّبما يستدين البعض‬
‫طويل ال يسدِّ دها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫هي من الكمال َّيات‪ ،‬و ُيرهق نفسه يف ديون ر َّبما يعيش وقتًا‬
‫والدَّ ْين أمره عظيم وشأنه خطير وال يليق بالمسلم أن يتهاون به‪ ،‬فعن عقبة بن‬
‫ُخي ُفوا َأ ْن ُف َسك ُْم َب ْعدَ َأ ْمن ِ َها»‪َ ،‬قا ُلوا‪:‬‬
‫«ل ت ِ‬ ‫عامر ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫ول اهللِ؟»‪َ ،‬ق َال‪« :‬الدَّ ْي ُن»‪ .‬رواه أحمد(‪.)1‬‬ ‫اك َيا َر ُس َ‬ ‫«و َما َذ َ‬‫َ‬
‫الصدِّ يق ‪َ I‬أ َّن ُه َق َال لِلنَّبِ ِّي ﷺ‪َ :‬ع ِّل ْمنِي ُد َعا ًء َأ ْد ُعو بِ ِه فِي‬ ‫َو َع ْن َأبِي َب ْك ٍر ِّ‬
‫ُوب‬
‫الذن َ‬ ‫ت َن ْف ِسي ُظ ْل ًما كَثِ ًيرا‪َ ،‬و َل َيغ ِْف ُر ُّ‬ ‫َص َلتِي؟ َق َال‪ُ « :‬قل‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َظ َل ْم ُ‬
‫يم»‪ .‬رواه‬ ‫ْت ا ْل َغ ُفور ِ‬ ‫َّك َأن َ‬‫ْت‪َ ،‬فا ْغ ِف ْر لِي َمغ ِْف َر ًة ِم ْن ِعن ِْد َك َو ْار َح ْمنِي‪ ،‬إِن َ‬ ‫إِ َّل َأن َ‬
‫الرح ُ‬ ‫ُ َّ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)2‬‬ ‫ُّ‬
‫َّوسل إلى اهلل باالعرتاف‬
‫الشريف العظيم القدر بين الت ُّ‬ ‫جمع هذا الدُّ عاء َّ‬
‫َّوسل إليه ‪ D‬بفضله وجوده وأنَّه المنفرد‬ ‫بحال العبد وظلمه لنفسه‪ ،‬والت ُّ‬
‫َّوسل هبذين األمرين‪.‬‬
‫ثم سؤال حاجته بعد الت ُّ‬‫الذنوب‪َّ ،‬‬ ‫بغفران ُّ‬
‫قال ابن تيم َّية ‪« :V‬فهذا فيه وصف العبد لحال نفسه المقتضي حاجته‬
‫إلى المغفرة‪ ،‬وفيه وصف ر ِّبه ا َّلذي يوجب أنَّه ال يقدر على هذا المطلوب‬
‫غيره‪ ،‬وفيه التَّصريح بسؤال العبد لمطلوبه‪ ،‬وفيه بيان المقتضي لإلجابة وهو‬
‫والرحمة؛ فهذا ونحوه أكمل أنواع ال َّطلب»(‪.)3‬‬‫الر ِّب بالمغفرة َّ‬
‫وصف َّ‬
‫الصحيحة (‪ ،)2420‬ويف‬
‫السلسلة َّ‬
‫وصححه األلباينُّ يف ِّ‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)17320‬‬
‫صحيح التَّرغيب والتَّرهيب (‪.)1797‬‬
‫البخاري (‪ ،)834‬ومسلم (‪.)2705‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  انظر‪ :‬مجموع الفتاوى (‪ ،)247/10‬والفتاوى الكربى (‪.)225/5‬‬
‫‪419‬‬ ‫‪ -68‬األدعية يف ال َّصالة وبعد التَّشه ُّد (‪)1‬‬

‫محمد‬
‫َّ‬ ‫ولنتأ َّمل هنا صدِّ يق األ َّمة ‪ I‬وأرضاه‪ ،‬وهو خير أ َّمة‬
‫ول اهللِ!‬
‫«يا َر ُس َ‬
‫َّبي ﷺ‪ ،‬ويقول‪َ :‬‬ ‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫إلى‬ ‫يأيت‬ ‫وفقيهها‪،‬‬ ‫مها‬ ‫‪ O‬وعال ِ‬
‫َع ِّل ْمنِي ُد َعا ًء َأ ْد ُعو اهللَ بِ ِه فِي َص َلتِي» فهذا فيه لفت إلى أهم َّية الدُّ عاء المأثور‪،‬‬
‫الصحابة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وعظم مكانته يف قلوب َّ‬
‫بكر ‪ I‬لديه القدرة على أن ُينشئ دعا ًء يدعو اهلل به يف صالته‬ ‫أليس أبو ٍ‬
‫صحيح المعنى‪ ،‬كامل المبنى‪ ،‬قويم الدَّ اللة‪ ،‬يطلب فيه من خيري الدُّ نيا‬ ‫َ‬
‫َّبي ‪ O‬وطلب‬ ‫واآلخرة؟! بلى‪ ،‬لكن مع هذا لم يفعل‪ ،‬بل أتى الن َّ‬
‫منه أن يع ِّلمه‪ ،‬فشتَّان بين هذا وبين َمن أنشأوا دعوات متك َّلفة وأدعية مخرتعة‬
‫انشغلوا هبا وهجروا بسببها المأثور‪.‬‬
‫ستحب‬
‫ُّ‬ ‫أن هذا الدُّ عاء ُي‬ ‫قوله‪َ « :‬ع ِّل ْمنِي ُد َعا ًء َأ ْد ُعو بِ ِه فِي َص َلتِي»‪ ،‬هذا يفيد َّ‬
‫َّبي ﷺ أمر باإلكثار من الدُّ عاء‬ ‫َّ‬
‫السجود؛ ألن الن َّ‬ ‫الصالة‪ ،‬قيل يف ُّ‬ ‫أن ُيدعى به يف َّ‬
‫َّشهد قبل‬ ‫اب َلك ُْم»‪ ،‬وقيل‪ :‬يف هناية الت ُّ‬ ‫أن ُي ْست ََج َ‬ ‫السجود‪ ،‬وقال‪« :‬إنَّه َق ِم ٌن ْ‬ ‫يف ُّ‬
‫‪ ‬من‪ ‬الدُّ ع ِ‬ ‫ِ‬
‫اء َما َشا َء»‪ ،‬واألمر يف ذلك‬ ‫َ‬ ‫َّبي ﷺ قال‪ُ « :‬ث َّم ْل َيتَخَ َّي ْر َ‬ ‫َّ‬
‫السالم؛ ألن الن َّ‬ ‫َّ‬
‫السالم‪.‬‬ ‫واسع‪ ،‬سواء أتى به يف سجوده‪ ،‬أو أتى به قبل َّ‬
‫الزيادة‬ ‫«أ ْد ُعو بِ ِه فِي َص َلتِي َوفِي َب ْيتِي»(‪ ،)1‬وهذه ِّ‬ ‫ويف رواية عند مسلم قال‪َ :‬‬
‫أيضا‬ ‫بالصالة‪ ،‬فهو ً‬ ‫أن هذا الدُّ عاء كما أنَّه من الدَّ عوات المق َّيدة َّ‬ ‫وهي ثابتة تفيد َّ‬
‫المطلقة ا َّلتي يدعو هبا المسلم متى شاء‪.‬‬ ‫من الدَّ عوات ُ‬
‫ُوب إِ َّل‬‫الذن َ‬ ‫ت َن ْف ِسي ُظ ْل ًما كَثِ ًيرا‪َ ،‬و َل َيغ ِْف ُر ُّ‬ ‫قوله‪ُ « :‬قل‪ :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َظ َل ْم ُ‬
‫يم»‪ ،‬هذه‬ ‫ْت ا ْل َغ ُفور ِ‬ ‫َّك َأن َ‬‫ْت‪َ ،‬فا ْغ ِف ْر لِي َمغ ِْف َر ًة ِم ْن ِعن ِْد َك‪َ ،‬و ْار َح ْمنِي‪ ،‬إِن َ‬ ‫َأن َ‬
‫الرح ُ‬ ‫ُ َّ‬
‫َّبي ﷺ صدِّ يق األ َّمة أن يقولها يف صالته ويف بيته‪ ،‬وقد‬ ‫َّ‬
‫دعوة عظيمة علمها الن ُّ‬
‫ع َّلم اهلل آدم ‪ S‬أن يدعو هبذا؛ ﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2705‬‬


‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪420‬‬

‫ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [األعراف‪ ،]23 :‬وقال موسى ‪﴿ :S‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬


‫ﮌ ﮍ﴾ [القصص‪ ،]16 :‬وقال يونس ‪﴿ :S‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫َّبي ﷺ إذا استوى على الدَّ ا َّبة‬ ‫ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [األنبياء‪ ،]87 :‬وكان الن ُّ‬
‫ت َن ْف ِسي؛ َفا ْغ ِف ْر‬ ‫َك َظ َل ْم ُ‬‫ْت ُس ْب َحان َ‬ ‫«ل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫فحمد اهلل وس َّبح وك َّبر‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫َّبي ﷺ كان يقول يف استفتاحه‪« :‬ال َّل ُه َّم‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫لي»‪ ،‬ويف صحيح مسلم وغيره أن الن َّ‬
‫ت بِ َذ ْنبِي َفا ْغ ِف ْر لِي ُذنُوبِي َج ِمي ًعا إِ َّن ُه‬ ‫ت َن ْف ِسي َوا ْعت ََر ْف ُ‬‫ْت َر ِّبي َو َأنَا َع ْبدُ َك َظ َل ْم ُ‬‫َأن َ‬
‫ْت»(‪.)1‬‬ ‫ُوب إِ َّل َأن َ‬
‫الذن َ‬ ‫َل َيغ ِْف ُر ُّ‬
‫فهذا وسيلة مباركة لنيل مغفرة اهلل‪ ،‬ولهذا بدأ به هنا‪ ،‬قال‪ُ « :‬ق ْل‪ :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي‬
‫ت َن ْف ِسي ُظ ْل ًما كَثِ ًيرا»‪ ،‬فجعل اعرتافه بظلمه لنفسه وتقصيره وسيلة له عند‬ ‫َظ َل ْم ُ‬
‫اهلل ‪ F‬بأن يغفر له ذنبه‪.‬‬
‫ْت»‪ ،‬هذا نظير قول اهلل سبحانه‪﴿ :‬ﭸ ﭹ‬ ‫ُوب إِ َّل َأن َ‬
‫الذن َ‬ ‫«و َل َيغ ِْف ُر ُّ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫الذنوب ويعفو عن‬ ‫ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [آل عمران‪ ،]135 :‬فهو ‪ E‬يغفر ُّ‬
‫الس ِّيئات مهما عظمت‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬ ‫َّ‬
‫الزمر‪ ،]53 :‬ال يتعاظمه سبحانه‬ ‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ﴾ [ ُّ‬
‫ذنب أن يغفره‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫إنابة إليه‪،‬‬‫صلة به‪ ،‬وقوة ٍ‬ ‫وهذا يكسب العبد قوة رجاء باهلل ‪ F‬وحسن ٍ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫الذنوب َّإل اهلل‪،‬‬ ‫ألن هذا اإلقرار بأنَّه ال يغفر ُّ‬ ‫وقوة طم ٍع يف مغفرته ورحمته؛ َّ‬ ‫َّ‬
‫الذنوب مهما عظمت ومهما كربت يغفرها سبحانه‪ ،‬وال يغفرها َّإل اهلل‬ ‫وأن ُّ‬ ‫َّ‬
‫ا َّلذي بيده الغفران والصفح والعفو‪ ،‬وليس بيد ٍ‬
‫أحد سواه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الصفح‬ ‫طلب َّ‬ ‫قوله‪َ « :‬فا ْغف ْر لي َمغْف َر ًة م ْن عنْد َك»‪ ،‬هذا طلب المغفرة‪ ،‬وهو ُ‬
‫والز َّلة‪.‬‬
‫الذنب والخطيئة َّ‬ ‫والسرت عن َّ‬ ‫والعفو َّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)771‬‬
‫‪421‬‬ ‫‪ -68‬األدعية يف ال َّصالة وبعد التَّشه ُّد (‪)1‬‬

‫مقص ٌر‬
‫علي‪ ،‬فأنا ِّ‬ ‫ِ ِ ِ َ‬
‫وتتفضل هبا َّ‬
‫َّ‬ ‫وقوله‪« :‬م ْن عنْدك»‪ ،‬أي‪ :‬مغفر ًة تم ُّن هبا َّ‬
‫علي‬
‫وتكر ًما بمغفرة‬ ‫تفض ًل‬
‫علي ُّ‬ ‫ُّ‬
‫ُّ‬ ‫كثير الذنوب كثير الخطايا‪ ،‬فأسألك يا اهلل أن تم َّن َّ‬
‫من عندك‪.‬‬
‫الرحمة‪ ،‬فجمع بين طلب المغفرة وطلب‬ ‫ِ‬
‫«و ْار َح ْمني»‪ ،‬هذا طلب َّ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫الرحمة‪ ،‬وإذا اجتمعتا تكون المغفرة متع ِّلق ًة بما مضى من أعمال العبد من‬ ‫َّ‬
‫الرحمة متع ِّلق ًة بما يأيت‪،‬‬‫تقصير وز َّلة‪ ،‬وذنب وخطيئة يطلب غفراهنا‪ ،‬وتكون َّ‬
‫الصالحين؛ بأن ُأسدَّ د وأو َّفق‪ ،‬ويكون‬ ‫بمعنى‪ :‬أدخلني برحمتك يف عبادك َّ‬
‫الذنوب والخطايا‪.‬‬ ‫الصالح واالستقامة والبعد عن ُّ‬ ‫حليفي يف مستقبلي َّ‬
‫فتع َّلق قوله‪َ « :‬فا ْغ ِف ْر لِي َو ْار َح ْمنِي» بماضي العبد ومستقبله‪ ،‬ما مضى من‬
‫أ َّيامي وأوقايت وأعمالي أطلب منك يا اهلل أن تغفره لي‪ ،‬وما أستقبل من حيايت‬
‫السداد‪ ،‬والتَّوفيق‪،‬‬ ‫الصالحين؛ فيكون َّ‬ ‫أسألك أن ُتدخلني برحمتك يف عبادك َّ‬
‫والصالح‪ ،‬واالستقامة‪ ،‬والمعافاة‪ ،‬حليفي فيما استقبل من أ َّيام حيايت‪.‬‬ ‫َّ‬
‫َّوسل إلى اهلل ‪ F‬هبذين االسمين العظيمين‪:‬‬
‫ثم ختم هذا الدُّ عاء بالت ُّ‬‫َّ‬
‫يم»‪.‬‬ ‫«ا ْل َغ ُفور ِ‬
‫الرح ُ‬
‫ُ َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪422‬‬

‫‪69‬‬

‫األدعية يف ال َّصالة وبعد التَّشه ُّد (‪)2‬‬

‫َان ِم ْن‬ ‫حديث َط ِويل‪َ :‬أن رس َ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َع ْن َعلِي ْب ِن َأبِي َطال ِ ٍ‬
‫ول اهَّلل ﷺ ك َ‬ ‫َّ َ ُ‬ ‫ب ‪ I‬يف‬ ‫ِّ‬
‫َ‬
‫ت َو َما أ َّخ ْر ُت‪َ ،‬و َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول َب ْي َن الت ََّش ُّهد َوالت َّْسليمِ‪« :‬ال َّل ُه َّم ا ْغف ْر لي َما َقدَّ ْم ُ‬ ‫ِ‬
‫آخرِ َما َي ُق ُ‬
‫ْت‬ ‫ْت َأ ْع َل ُم بِ ِه ِمنِّي‪َ ،‬أن َ‬
‫ْت ا ْل ُم َقدِّ ُم َو َأن َ‬ ‫ت‪َ ،‬و َما َأن َ‬
‫ْت‪َ ،‬و َما َأ ْس َر ْف ُ‬‫َأ ْس َر ْر ُت َو َما َأ ْع َلن ُ‬
‫ْت»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫ا ْل ُم َؤ ِّخ ُر َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫هذه صيغة عظيمة يف االستغفار تتناول ذنوب العبد ك َّلها المتقدِّ َم منها‬
‫سرا وما وقع عالنية‪.‬‬ ‫والمتأخر‪ ،‬وما وقع منها ًّ‬ ‫ِّ‬
‫الذنوب‪.‬‬ ‫ت»‪ ،‬أي‪ :‬قبل هذا الوقت من ُّ‬ ‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي َما َقدَّ ْم ُ‬
‫«و َما َأ َّخ ْر ُت»‪ ،‬أي‪ :‬عنه‪.‬‬
‫َ‬
‫مستورا ال ي َّطلع عليه َّإل اهلل‪،‬‬
‫ً‬ ‫ْت»‪ ،‬أي‪ :‬ما كان منها‬‫«و َما َأ ْس َر ْر ُت َو َما َأ ْع َلن ُ‬
‫َ‬
‫وما كان عالنية ي َّطلع عليه النَّاس‪.‬‬
‫ت»‪ ،‬أي‪ :‬ما تجاوزت فيه الحدَّ ‪.‬‬ ‫«و َما َأ ْس َر ْف ُ‬‫َ‬
‫ْت َأ ْع َل ُم بِ ِه ِمنِّي»‪ ،‬العبد يذنب وينسى ذنوبه‪ ،‬ويعصي وينسى‬‫«و َما َأن َ‬ ‫َ‬
‫وكل ذلك محفوظ عليه‪﴿ ،‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ‬ ‫معاصيه‪ُّ ،‬‬
‫ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ﴾ [المجادلة‪.]6 :‬‬
‫الم َؤ ِّخ ُر»‪ ،‬هذا فيه َّ‬
‫أن تقدُّ م اإلنسان إلى الخير من‬ ‫ْت ُ‬‫الم َقدِّ ُم َو َأن َ‬
‫ْت ُ‬ ‫َ‬
‫«أن َ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)771‬‬
‫‪423‬‬ ‫‪ -69‬األدعية يف ال َّصالة وبعد التَّشه ُّد (‪)2‬‬

‫تأخره عن الخير‬ ‫اإليمان والعافية والنِّعمة ال يكون َّإل من اهلل ‪ ،F‬كذلك ُّ‬
‫ونيل مغفرة اهلل ‪ D‬ورحمته ونعمته ال يكون َّإل من اهلل؛ فأز َّمة العباد بيده‪،‬‬
‫وأمورهم معقودة بقضائه وقدره‪ ،‬فما شاء اهلل كان‪ ،‬وما لم يشأ لم يكن‪.‬‬
‫ْت»‪ ،‬هذا إعالن بالتَّوحيد يف تمام هذا االستغفار‪،‬‬ ‫«ل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫والتَّوحيد من موجبات المغفرة‪ ،‬بل هو أعظم موجبات المغفرة كما يف‬
‫ض َخ َط َايا‪ُ ،‬ث َّم َل ِقيتَنِي‬ ‫َّك َل ْو َأ َت ْيتَنِي بِ ُق َر ِ‬
‫اب ْالَ ْر ِ‬ ‫«يا ا ْب َن آ َد َم إِن َ‬
‫القدسي‪َ :‬‬
‫ِّ‬ ‫الحديث‬
‫وكثيرا ما يأيت إعالن التَّوحيد يف‬ ‫ً‬ ‫ُك بِ ُق َرابِ َها َمغ ِْف َرةً»(‪،)1‬‬ ‫َل ت ُْشرِ ُك بِي َش ْيئًا َلَ َت ْيت َ‬
‫َّبي ‪.O‬‬ ‫األدعية واالستغفارات المأثورة عن الن ِّ‬
‫اب النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪َ :‬ق َال النَّبِ ُّي ﷺ ل ِ َر ُجلٍ‪:‬‬ ‫ض َأ ْص َح ِ‬ ‫َو َع ْن َأبِي َصالِحٍ َع ْن َب ْع ِ‬
‫ك ا ْل َجنَّةَ‪،‬‬ ‫ول‪ :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬ ‫الص َل ِة؟»‪َ .‬ق َال‪َ :‬‬
‫«أت ََش َّهدُ َو َأ ُق ُ‬ ‫ول في َّ‬
‫ف َت ُق ُ ِ‬ ‫« َك ْي َ‬
‫َك َو َل َد ْندَ َن َة ُم َعا ٍذ»‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي‬‫َّار‪َ ،‬أ َما إِنِّي َل ُأ ْح ِس ُن َد ْندَ َنت َ‬
‫ك ِم َن الن ِ‬ ‫َو َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫«ح ْو َل َها ُندَ ن ِْد ُن»‪ .‬رواه أبو داود وابن ماجه(‪.)2‬‬ ‫ﷺ‪َ :‬‬
‫الص َل ِة؟» أي‪ :‬ما الدُّ عاء ا َّلذي تدعو به يف صالتك؟‬ ‫ول في َّ‬
‫ف َت ُق ُ ِ‬ ‫قوله‪َ « :‬ك ْي َ‬

‫َّشهد ا َّلذي يكون يف آخر َّ‬


‫الصالة‪،‬‬ ‫«أتشهد»‪ ،‬أي‪ :‬آيت بالت ُّ‬ ‫َّ‬ ‫الرجل‪:‬‬ ‫قال َّ‬
‫ك ِم َن الن ِ‬
‫َّار»‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫الج َّن َة َو َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫ك َ‬ ‫ول ‪َ -‬أ ْي‪َ :‬ب ْعدَ الت ََّش ُّهد‪ -‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫«و َأ ُق ُ‬
‫َ‬
‫وأتعوذ به من النَّار‪.‬‬
‫َّ‬ ‫أقتصر على هاتين الكلمتين‪ :‬أسأل اهلل الجنَّة‪،‬‬
‫َّشهد يدعو‬
‫َّبي ‪ O‬بعد الت ُّ‬ ‫َّ‬
‫الرجل؛ ألنَّه يعلم أن الن َّ‬
‫ثم استدرك َّ‬
‫َّ‬
‫متنوعة وعديدة‪ُ ،‬تعرف من مكثه ‪ O‬يف جلوس الت ُّ‬
‫َّشهد‪،‬‬ ‫بأدعية ِّ‬
‫الرجل‬
‫الصحابة يحافظون على مثل هذه األدعية‪ ،‬فاستدرك َّ‬ ‫ومعا ٌذ ُ‬
‫وغيره من َّ‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3540‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)792‬وابن ماجه (‪،)910‬‬
‫َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪424‬‬

‫«أ َما إِنِّي َل ُأ ْح ِس ُن َد ْندَ نتك َو َل َد ْندَ نة ُم َعاذ»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬


‫الشيء ا َّلذي تقوله‬ ‫وقال‪َ :‬‬
‫وكذلك يقوله معاذ ال أحسنه‪.‬‬
‫«ح ْو َل َها‬ ‫َّبي ‪- O‬وما أجمل ما قال ‪ -O‬قال‪َ :‬‬ ‫فقال الن ُّ‬
‫جئت فيه بما حوله ندندن‪ ،‬فنحن ندندن حول‬ ‫ُندَ ن ِْد ُن»‪ ،‬أي‪ :‬ا َّلذي تقوله هذا َ‬
‫الجنَّة والنَّار‪.‬‬
‫اسرٍ َص َل ًة‬ ‫يه ‪ I‬قال‪« :‬ص َّلى بِنَا عمار بن ي ِ‬ ‫ب َعن َأبِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َّ ُ ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫السائ ِ ْ‬ ‫َو َع ْن َع َطاء ْب ِن َّ‬
‫الص َلةَ! َف َق َال‪َ :‬أ َّما‬ ‫ْت َّ‬ ‫ت َأ ْو َأ ْو َجز َ‬ ‫َف َأ ْو َج َز فِ َيها‪َ ،‬ف َق َال َل ُه َب ْع ُض ا ْل َق ْومِ‪َ :‬ل َقدْ َخ َّف ْف َ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ ،‬ف َل َّما َقا َم َتبِ َع ُه‬ ‫ات س ِم ْعت ُُه َّن ِم ْن رس ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َع َلى َذلِ َ‬
‫َ ُ‬ ‫ك َف َقدْ َد َع ْو ُت ف َيها بِدَ َع َو َ‬
‫اء‪ُ ،‬ث َّم َجا َء‬ ‫رج ٌل ِمن ا ْل َقو ِم ‪-‬هو َأبِي َغير َأ َّنه َكنَى عن َن ْف ِس ِه‪َ -‬فس َأ َله ع ِن الدُّ ع ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ُ‬
‫ت‬ ‫ك َع َلى ا ْلخَ ْل ِق‪َ ،‬أ ْحيِنِي َما َع ِل ْم َ‬ ‫ب‪َ ،‬و ُقدْ َرتِ َ‬ ‫ك ا ْل َغ ْي َ‬ ‫َف َأ ْخ َب َر بِ ِه ا ْل َق ْو َم‪« :‬ال َّل ُه َّم بِ ِع ْل ِم َ‬
‫َك فِي‬ ‫ك َخ ْش َيت َ‬ ‫ت ا ْل َو َفا َة َخ ْي ًرا لِي‪ ،‬ال َّل ُه َّم َو َأ ْس َأ ُل َ‬ ‫ا ْل َح َيا َة َخ ْي ًرا لِي‪َ ،‬وت ََو َّفنِي إِ َذا َع ِل ْم َ‬
‫ك ا ْل َق ْصدَ‬ ‫ب‪َ ،‬و َأ ْس َأ ُل َ‬ ‫الر َضا َوا ْلغ ََض ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش َهاد ِة‪ ،‬و َأس َأ ُل َ ِ‬ ‫ا ْل َغ ْي ِ‬
‫ك كَل َم َة ا ْل َح ِّق في ِّ‬ ‫ب َو َّ َ َ ْ‬
‫ك‬ ‫ك ُق َّر َة َع ْي ٍن َل َتنْ َقطِ ُع‪َ ،‬و َأ ْس َأ ُل َ‬ ‫يما َل َينْ َفدُ ‪َ ،‬و َأ ْس َأ ُل َ‬ ‫ك نَع ً‬
‫فِي ا ْل َف ْقرِ وا ْل ِغنَى‪ ،‬و َأس َأ ُل َ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ك َل َّذ َة النَّ َظرِ إِ َلى‬ ‫ت‪َ ،‬و َأ ْس َأ ُل َ‬ ‫ش بعدَ ا ْلمو ِ‬ ‫اء‪َ ،‬و َأ ْس َأ ُل َ‬ ‫الر َضا بعدَ ا ْل َق َض ِ‬
‫ك َب ْر َد ا ْل َع ْي ِ َ ْ َ ْ‬ ‫َْ‬ ‫ِّ‬
‫ك؛ فِي َغ ْيرِ َض َّرا َء ُم ِض َّر ٍة‪َ ،‬و َل فِ ْتن ٍَة ُم ِض َّل ٍة‪ ،‬ال َّل ُه َّم ز َِّينَّا‬ ‫الش ْو َق إِ َلى لِ َقائِ َ‬ ‫ك‪َ ،‬و َّ‬ ‫َو ْج ِه َ‬
‫َّسائي(‪.)1‬‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫رواه‬ ‫»‪.‬‬ ‫ين‬ ‫ان‪ ،‬واجع ْلنَا هدَ ا ًة مهت ِ‬
‫َد‬ ‫يم ِ‬ ‫بِ ِزين َِة ِ‬
‫اإل‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مشتمل على معان عظيمة ودالالت‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫كبير الفائدة‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫عظيم النَّفع ُ‬ ‫ُ‬ ‫حديث‬ ‫هذا‬
‫نافعة متع ِّلقة بالعقيدة والعبادة واألخالق‪ ،‬وإنَّما تعظم فائد ُة المسلم من مثل‬
‫وفهمه لدالالهتا ومراميها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫هذه الدَّ عوات المباركة بوقوفه على معانيها‪،‬‬
‫نفسه على تحقيقها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ومجاهدته َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم بِ ِع ْل ِم َ‬
‫الح َيا َة‬ ‫ك ال َغ ْيب َو ُقدْ َرتك َع َلى الخَ ْلق؛ َأ ْحيِني َما َعل ْمت َ‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّسائي (‪،)1305‬‬
‫(((  رواه الن ُّ‬
‫‪425‬‬ ‫‪ -69‬األدعية يف ال َّصالة وبعد التَّشه ُّد (‪)2‬‬

‫تفويض العبد أموره إلى‬‫ُ‬ ‫الو َفاة َخ ْي ًرا لِي»‪ ،‬فيه‬ ‫ت َ‬‫َخ ْي ًرا لِي‪َ ،‬وت ََو َّفنِي إ َذا َع ِل ْم َ‬
‫متوس ًل إليه سبحانه بعلمه ا َّلذي‬
‫ِّ‬ ‫وطلب الخيرة يف أحواله منه سبحانه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫اهلل‪،‬‬
‫ظاهرها‬
‫بكل شيء‪ ،‬وأنَّه سبحانه يعلم خفايا األمور وبواطنَها‪ ،‬كما يعلم َ‬ ‫أحاط ِّ‬
‫و َع َلنَها‪ ،‬وبقدرته النَّافذة يف جميع الخلق‪ ،‬فال ُم َع ِّقب لحكمه وال را َّد لقضائه‪.‬‬
‫الش َها َدة»‪ ،‬أي‪ :‬أن أخشاك يا اهلل يف‬ ‫«وأ ْس َأ ُلك َخ ْش َيتَك فِي ال َغ ْيب َو َّ‬‫قوله‪َ :‬‬
‫الس ِّر والعالنية‪ ،‬وال َّظاهر والباطن‪ ،‬ويف حال كوين مع النَّاس أو غائ ًبا عنهم‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ﴾ [الملك‪.]12 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحق‬
‫قول ِّ‬ ‫سؤال اهلل َ‬
‫ب»‪ ،‬فيه ُ‬ ‫الر َضا والغ ََض ِ‬ ‫«وأ ْس َأ ُلك كَل َم َة َ‬
‫الح ِّق في ِّ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫الحق يف النَّاس حال الغضب عزيز؛‬ ‫وقول ِّ‬ ‫ُ‬ ‫حال رضا اإلنسان وحال غضبه‪،‬‬
‫الحق ويفعل غير العدل‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫خالف‬
‫َ‬ ‫الغضب يحمل صاحبه على أن يقول‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ألن‬
‫وقد مدح اهلل من عباده َمن يغفر إذا غضب‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫الشورى‪.]37 :‬‬
‫ﮗ﴾ [ ُّ‬

‫والغنَى»‪ ،‬أي‪ :‬أن أكون مقتصدً ا يف حال‬‫ك ال َقصد فِي ال َف ْقرِ ِ‬


‫«و َأ ْس َأ ُل َ‬
‫ْ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫فقيرا َلم يقتِّر خو ًفا‬
‫َّوسط واالعتدال؛ فإن كان ً‬ ‫فقري وغناي‪ ،‬والقصد‪ :‬هو الت ُّ‬
‫الرزق‪ ،‬ولم ُيسرف بتحميل نفسه ما ال طاقة له به‪ ،‬كما قال اهلل تعالى‪:‬‬ ‫من نفاد ِّ‬
‫﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [اإلسراء‪:‬‬

‫‪ ،]29‬وإن كان غن ًّيا َلم يحمله غناه على َّ‬


‫السرف وال ُّ‬
‫طغيان‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾ [الفرقان‪ ،]67 :‬والقوام‪:‬‬
‫كل األمور حسن‪.‬‬ ‫َّوسط‪ ،‬وهو يف ِّ‬ ‫القصد والت ُّ‬
‫ِ‬
‫«و َأ ْس َأ ُلك نَع ً‬
‫يما َل َينْ َفدُ »‪ ،‬النَّعيم ا َّلذي ال ينفد هو نعيم اآلخرة‪ ،‬كما‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ﴾ [النَّحل‪ ،]96 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾ [ص‪.]54 :‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪426‬‬

‫ك ُق َّر َة َع ْي ٍن َل َت ْن َقطِع»‪َّ ،‬قرة العين من جملة النَّعيم‪ ،‬والنَّعيم‬


‫«و َأ ْس َأ ُل َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫منه ما هو منقطع ومنه ما ال ينقطع‪ ،‬و َمن َّقرت عينه بالدُّ نيا؛ َف ُق َّرة عينه منقطعة‬
‫وب بالخوف من الفواجع والمن ِّغصات؛‬ ‫زائل‪ ،‬وهو مع ذلك َم ُش ٌ‬ ‫وسروره فيها ٌ‬
‫تقر عينُه يف الدُّ نيا َّإل بمح َّبة اهلل وذكره والمحافظة على‬ ‫فإن المؤمن ال ُّ‬ ‫ولهذا َّ‬
‫الص َل ِة»‪ ،‬و َمن حصلت له َّقرة‬ ‫ِ‬
‫قر ُة َع ْيني يف َّ‬ ‫«وج ِع َل ْ‬
‫ت َّ‬ ‫طاعته‪ ،‬كما قال ﷺ‪ُ :‬‬
‫العين هبذا؛ فقد حصلت له َّقر ُة العين ا َّلتي ال تنقطع يف الدُّ نيا وال يف الربزخ وال‬
‫يف اآلخرة‪.‬‬
‫الرضا بعد القضاء؛ ألنَّه حينئذ‬ ‫الر َضا َب ْعدَ ال َق َضاء»‪ ،‬سأل ِّ‬ ‫ك ِّ‬ ‫«و َأ ْس َأ ُل َ‬‫قوله‪َ :‬‬
‫الرضا‪،‬‬ ‫الرضا قبل القضاء فإنَّه عز ٌم من العبد على ِّ‬ ‫الرضا‪ ،‬وأ َّما ِّ‬ ‫تب َّين حقيقة ِّ‬
‫الرضا إذا وقع القضاء‪.‬‬ ‫وإنَّما يتح َّقق ِّ‬
‫ش بعدَ المو ِ‬ ‫«و َأ ْس َأ ُل َ‬
‫العيش وطي َبه‬ ‫َ‬ ‫يدل على َّ‬
‫أن‬ ‫ت»‪ ،‬هذا ُّ‬ ‫ك َبر َد ال َع ْي ِ َ ْ َ ْ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫ص‪ ،‬ولو َلم يكن له‬ ‫فإن العيش قبل الموت من َّغ ٌ‬ ‫وبرده إنَّما يكون بعد الموت‪َّ ،‬‬
‫ص غير الموت لكفى‪ ،‬فكيف وله من ِّغصات كثيرة من الهموم والغموم‬ ‫من ِّغ ٌ‬
‫واألسقام والهرم ومفارقة األح َّبة وغير ذلك‪.‬‬
‫ك‪ ،‬فِي َغ ْير َض َّراء‬ ‫الش ْو َق إِ َلى لِ َقائِ َ‬
‫ك َو َّ‬ ‫ك َّلذ َة النَّ َظر إِ َلى َو ْج ِه َ‬ ‫«و َأ ْس َأ ُل َ‬‫وقوله‪َ :‬‬
‫الش ُ‬
‫وق‬ ‫ُم ِض َّرة َو َل فِ ْتنَة ُم ِض َّلة»‪ ،‬هذا قد ُجمع فيه بين أطيب شيء يف الدُّ نيا وهو َّ‬
‫َّظر إلى وجهه الكريم‪ ،‬و َل َّما كان‬ ‫إلى لقاء اهلل‪ ،‬وأطيب شيء يف اآلخرة وهو الن ُ‬
‫يض ُّره يف الدُّ نيا‪ ،‬أو يفتنه يف الدِّ ين‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫َتما ُم ذلك موقو ًفا على عدم وجود ما ُ‬
‫مضرة وال فتنة مض َّلة»‪.‬‬ ‫«يف غير ضراء َّ‬
‫اج َع ْلنَا ُهدَ ا ًة ُم ْهت َِدين»‪ ،‬زينة اإليمان‬ ‫ان َو ْ‬ ‫يم ِ‬‫اإل َ‬ ‫هم زينَّا بِ ِزين َِة ِ‬
‫وقوله‪« :‬ال َّل َّ ِّ‬
‫الصحيح واألعمال القلب َّية الفاضلة‪ ،‬وزينة ال ِّلسان‬ ‫تشمل زينة القلب باالعتقاد َّ‬
‫بالذكر وتالوة القرآن واألمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر ونحو ذلك‪ ،‬وزينة‬ ‫ِّ‬
‫‪427‬‬ ‫‪ -69‬األدعية يف ال َّصالة وبعد التَّشه ُّد (‪)2‬‬

‫المقربة إلى اهلل‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭾ‬


‫ِّ‬ ‫الصالحة وال َّطاعات‬
‫الجوارح باألعمال َّ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ﴾ [الحجرات‪.]7 :‬‬
‫ِ‬
‫غيرنا‪ ،‬وهذا‬ ‫وهندي َ‬
‫َ‬ ‫«واج َع ْلنَا ُهدَ ا ًة ُم ْهتَدين»‪ ،‬أي‪ :‬بأن ن َ‬
‫َهدي أنفسنَا‬ ‫وقوله‪ْ :‬‬
‫بالحق م َّتبِ ًعا له‪ ،‬مع ِّل ًما لغيره مرشدً ا له؛‬
‫ِّ‬ ‫عالما‬
‫أفضل الدَّ رجات؛ أن يكون العبد ً‬ ‫ُ‬
‫فبهذا يكون هاد ًيا مهد ًّيا‪ ،‬نسأل اهلل ‪ D‬أن يهدينا أجمعين‪ ،‬وأن يجعلنا ُهدا ًة‬
‫ُمهتدين‪.‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪428‬‬

‫‪70‬‬

‫األذكار بعد ال َّسالم (‪)1‬‬

‫ف ِم ْن َص َلتِ ِه ْاس َت ْغ َف َر‬ ‫ول اهلل ِ ﷺ إِ َذا ان َْص َر َ‬‫َان َر ُس ُ‬‫ان ‪َ I‬ق َال‪ :‬ك َ‬ ‫َع ْن َث ْو َب َ‬
‫اإلك َْرامِ»‪.‬‬ ‫ْت َذا ا ْل َج َل ِل َو ِ‬‫الس َل ُم‪َ ،‬ت َب َارك َ‬
‫ْك َّ‬ ‫الس َل ُم‪َ ،‬و ِمن َ‬
‫ْت َّ‬ ‫َث َل ًثا‪َ ،‬و َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم َأن َ‬
‫ول‪َ :‬أ ْس َتغ ِْف ُر اهللَ‪،‬‬ ‫ف ِال ْستِ ْغ َف ُار؟ َق َال‪َ « :‬ت ُق ُ‬ ‫َق َال ا ْلولِيدُ ‪َ :‬ف ُق ْل ُت لِألَو َز ِ‬
‫اع ِّي‪َ :‬ك ْي َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َأ ْس َتغ ِْف ُر اهللَ»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫والصفح عن‬ ‫َّ‬ ‫‪ ‬االستغفار‪ :‬هو طلب المغفرة بالعفو عن التَّقصير‬
‫أن العبد يلحظ تقصيره يف‬ ‫الصالة‪َّ :‬‬‫الذنب‪ .‬والمناسبة لمجيء االستغفار دبر َّ‬ ‫َّ‬
‫نقص وعدم إتيانه هبا على التَّمام والكمال‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صالته‪ ،‬وما قد يكون فيها من‬
‫الحج‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬ ‫ِّ‬ ‫ومثله االستغفار يف تمام‬
‫ألن المسلم إذا‬ ‫ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [البقرة‪]199 :‬؛ َّ‬
‫جاء بال َّطاعة فمهما بذل واجتهد يف تكميلها وتتميمها والنَّصح فيها ال ُبدَّ من‬
‫الصالة‬
‫التَّقصير والنَّقص والخطأ؛ ولهذا نُدب إلى االستغفار عند الفراغ من َّ‬
‫ُحب للمسلم أن ُيبادر فور انقضاء صالته إلى‬ ‫ليكون جربًا لتقصيره‪ ،‬ولهذا است َّ‬
‫االستغفار ثال ًثا‪.‬‬
‫إظهار َه ْضم النَّفس‪،‬‬ ‫فالحكم ُة من اإلتيان باالستغفار بعد الص ِ‬
‫الة هي‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫بحق الصالة‪ ،‬و َلم ِ‬
‫يأت بما ينبغي لها على التَّمام والكمال‪،‬‬ ‫وأن العبدَ َلم َي ُقم ِّ َّ‬ ‫َّ‬
‫يستغفر‬
‫ُ‬ ‫والمقص ُر‬
‫ِّ‬ ‫يكون قد َو َق َع يف شيء من النَّقص والتَّقصير‪،‬‬
‫َ‬ ‫بل ال ُبدَّ أن‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)591‬‬


‫‪429‬‬ ‫‪ -70‬األذكار بعد ال َّسالم (‪)1‬‬

‫ويكون يف استغفاره َج ْب ٌر ل ِ َما فيه من نقص أو‬


‫َ‬ ‫تجاو َز عن تقصيره‪،‬‬ ‫لع َّله أن ُي َ‬
‫تقصير‪.‬‬
‫والسالمة‬‫السالم اسمك َّ‬ ‫الس َل ُم»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬
‫ْك َّ‬‫‪ ،‬و ِمن َ‬
‫الس َل ُم َ‬ ‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم أن َ‬
‫ْت َّ‬
‫المنزه عن النَّقص والعيب‪ ،‬ونحن عبادك فقراء إليك‪ ،‬وعرض ٌة َّ‬
‫للش ِّر‬ ‫وصفك‪َّ ،‬‬
‫والسالم منك ُيطلب‪ ،‬وإليك فيه ُيلتجأ‪ ،‬وال ُيلتجأ يف‬
‫واآلفات والمصائب‪َّ ،‬‬
‫طلبه إلى ٍ‬
‫أحد سواك‪.‬‬
‫تعاظمت يا اهلل‪ ،‬فلك العظم ُة الكاملة والكربياء‬
‫َ‬ ‫قوله‪« :‬تباركت »‪ ،‬أي‪:‬‬
‫التَّا ُّم‪ ،‬وع ُظ َمت أوصا ُفك وكثرت خيرا ُتك َّ‬
‫وعم إحسانُك‪.‬‬
‫قوله‪َ « :‬ذا ا ْل َج َل ِل َو ِ‬
‫اإلك َْرامِ»‪ ،‬أي‪ :‬يا صاحب الجالل واإلكرام‪ ،‬وهما‬
‫للر ِّب سبحانه َّ‬
‫دالن على كمال عظمته وكربيائه ومجده‪،‬‬ ‫وصفان عظيمان َّ‬
‫مما يستوجب على العباد‬
‫وعلى كثرة صفاته الجليلة وتعدُّ د عطاياه الجميلة‪َّ ،‬‬
‫ً‬
‫وإجالل له‪.‬‬ ‫وتعظيما‬
‫ً‬ ‫أن تمتلئ قلو ُبهم مح َّب ًة‬
‫َب ا ْل ُم ِغ َير ُة ‪ I‬إِ َلى ُم َع ِ‬
‫او َي َة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫َو َع ْن َو َّراد َم ْو َلى ا ْل ُمغ َيرة ْب ِن ُش ْع َب َة َق َال‪َ :‬كت َ‬
‫ول فِي ُد ُبرِ ك ُِّل َص َل ٍة َم ْكتُو َب ٍة‪:‬‬ ‫َان َي ُق ُ‬
‫ول اهلل ﷺ ك َ‬ ‫ان ‪َ :L‬أ َّن َر ُس َ‬ ‫ا ْب ِن َأبِي ُس ْف َي َ‬
‫ك َو َل ُه ا ْل َح ْمدُ َو ْه َو َع َلى ك ُِّل َش ْي ٍء‬ ‫«ل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ َو ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬
‫يك َل ُه‪َ ،‬ل ُه ا ْل ُم ْل ُ‬ ‫َ‬
‫ْك‬ ‫ت‪َ ،‬و َل َينْ َف ُع َذا ا ْل َجدِّ ِمن َ‬
‫ت‪َ ،‬و َل ُم ْعطِ َي لِ َما َمنَ ْع َ‬ ‫َق ِد ٌير‪ ،‬ال َّل ُه َّم َل َمانِ َع لِ َما َأ ْع َط ْي َ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫ا ْل َجدُّ »‪ .‬رواه‬
‫الة ِحي َن ُي َس ِّل ُم‪:‬‬ ‫قول يف دب ِر ك ُِّل ص ٍ‬
‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫كان َي ُ‬ ‫الز َب ْي ِر ‪ L‬أ َّن ُه َ‬ ‫بن ُّ‬ ‫َو َع ْن َع ْب ِد اهلل ِ‬
‫ك َو َل ُه ا ْل َح ْمدُ َو ُه َو َع َلى ك ُِّل َش ْي ٍء‬ ‫يك َل ُه‪َ ،‬ل ُه ا ْل ُم ْل ُ‬‫«ل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ َو ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬ ‫َ‬
‫َق ِد ٌير‪َ ،‬ل َح ْو َل َو َل ُق َّو َة إِ َّل بِاهَّللِ‪َ ،‬ل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ‪َ ،‬و َل َن ْع ُبدُ إِ َّل إِ َّيا ُه‪َ ،‬ل ُه النِّ ْع َم ُة َو َل ُه‬
‫البخاري (‪ ،)844‬ومسلم (‪.)414‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪430‬‬

‫ون»‪،‬‬‫ين َو َل ْو َكرِ َه ا ْلكَافِ ُر َ‬ ‫ِ ِ‬


‫ا ْل َف ْض ُل‪َ ،‬و َل ُه ال َّثنَا ُء ا ْل َح َس ُن‪َ ،‬ل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ ُمخْ لص َ‬
‫ين َل ُه الدِّ َ‬
‫ول اهلل ِ ﷺ ُي َه ِّل ُل بِ ِه َّن ُد ُب َر ك ُِّل َص َل ٍة»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫َو َق َال‪« :‬ك َ‬
‫ٍ ِ‬
‫السنَّة أن‬
‫أن من ُّ‬ ‫ين ُي َس ِّل ُم»‪ ،‬يفيد َّ‬ ‫قول يف ُد ُبرِ ك ُِّل َص َلة ح َ‬ ‫«كان َي ُ‬ ‫َ‬ ‫قوله‪:‬‬
‫‪ ،‬ومِن َْك‬
‫السالم عقب االستغفار ثال ًثا‪ ،‬وقول‪« :‬ال َّل ُه َّم أن َْت الس ََّل ُم َ‬ ‫ُيبادر به بعد َّ‬
‫واإلك َْرا ِم»‪ ،‬ولذا قال يف تمامه‪ :‬يه ِّلل هب َّن دبر ِّ‬
‫كل‬ ‫الج َل ِل ِ‬ ‫ْت َيا َذا َ‬ ‫الس ََّل ُم‪َ  ،‬ت َب َارك َ‬
‫صالة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫‪ ‬وقد جمع هذا َّ‬
‫التهليل املبارك أنواع التوحيد الثالثة‪:‬‬
‫تكررت فيه كلمة التَّوحيد «ال إله َّإل اهلل» ثالث‬
‫‪ ‬أما توحيد العبادة فقد َّ‬
‫َّ‬
‫ويوضح مدلولها‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫يقرر معناها‪ ،‬ويؤكِّد حقيقتها‪،‬‬
‫مرة بما ِّ‬ ‫مرات‪ ،‬و ُأتبعت يف ِّ‬
‫كل ِّ‬ ‫َّ‬
‫«و ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬
‫يك َل ُه»‪ ،‬تأكيد لما َّقررته من‬ ‫‪ -‬فقوله بعد التَّهليلة األولى‪َ :‬‬
‫النَّفي واإلثبات؛ فقوله «وحده» تأكيد لإلثبات‪ ،‬وقوله‪« :‬ال شريك له» تأكيد‬
‫للنَّفي‪.‬‬
‫«و َل َن ْع ُبدُ إِ َّل إِ َّيا ُه»‪ ،‬فيه ٌ‬
‫بيان لمعناها وتفسير‬ ‫‪ -‬وقوله بعد التَّهليلة ال َّثانية‪َ :‬‬
‫كل َمن سوى‬ ‫لمدلولها‪ ،‬وأنَّها تعني نفي العبادة بجميع أنواعها وأفرادها عن ِّ‬
‫اهلل‪ ،‬وإثباهتا هلل وحده ال شريك له‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫تقرير لمدلولها كذلك‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ين َل ُه الدِّ َ‬
‫ين»‪،‬‬ ‫«مخْ لص َ‬ ‫‪ -‬وقوله بعد التَّهليلة ال َّثالثة‪ُ :‬‬
‫وأنَّها كلمة اإلخالص‪ ،‬فال يستفيد منها قائلها َّإل إذا أخلص دينه هلل‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [الب ِّينة‪.]8 :‬‬
‫جامع‬
‫ٌ‬ ‫تعريف‬
‫ٌ‬ ‫أيضا أن ُي َّ‬
‫لخص منه‬ ‫تقرير لتوحيد العبادة‪ ،‬ويمكن ً‬
‫وكل ذلك ٌ‬ ‫ُّ‬
‫لتوحيد العبادة‪ ،‬فيقال هو‪ :‬أن ال نعبد َّإل اهلل وحده ال شريك له مخلصين له‬
‫الدِّ ين‪.‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)594‬‬
‫‪431‬‬ ‫‪ -70‬األذكار بعد ال َّسالم (‪)1‬‬

‫الح ْمدُ َو ُه َو َع َلى ك ُِّل‬


‫ك َو َل ُه َ‬
‫الم ْل ُ‬
‫‪ ‬وأما توحيد الربوبية؛ ففي قوله‪َ « :‬ل ُه ُ‬
‫ُّ َّ‬ ‫َّ‬
‫تفرده سبحانه بالملك‬ ‫إن ُّ‬ ‫َش ْي ٍء َق ِد ٌير»‪ ،‬ويف قوله‪َ « :‬ل ُه النِّ ْع َم ُة َو َل ُه ال َف ْض ُل»؛ إذ َّ‬
‫كل شيء‪ ،‬والنِّعمة والفضل ك ُّله من معاين ربوب َّيته سبحانه‪َّ ،‬‬
‫ومما‬ ‫والقدرة على ِّ‬
‫رب لهم سواه وال مالك َّإل هو‪،‬‬ ‫رب العالمين ال َّ‬ ‫ُيحمد عليه سبحانه‪ :‬أنَّه ُّ‬
‫والنِّعمة بيده والفضل فضله يؤتيه َمن يشاء واهلل ذو الفضل العظيم‪.‬‬

‫«و َل ُه َ‬
‫الح ْمدُ »؛ ألنَّه سبحانه‬ ‫ّ‬
‫والصفات؛ ففي قوله‪َ :‬‬ ‫َّ‬
‫‪ ‬وأما توحيد األسماء ِ‬
‫«و َل ُه ال َّثنَا ُء‬
‫وأيضا يف قوله‪َ :‬‬
‫ُيحمد كذلك على أسمائه الحسنى وصفاته العليا‪ً .‬‬
‫الح َس ُن»؛ ألنَّه سبحانه ُيثنَى عليه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا‪ ،‬كما قال أعلم‬ ‫َ‬
‫ك ِم ْن‬ ‫ك‪َ ،‬وبِ ُم َعا َفاتِ َ‬ ‫اك ِم ْن َسخَ طِ َ‬ ‫محمدٌ ﷺ‪« :‬ال َّل ُه َّم َأ ُعو ُذ بِرِ َض َ‬ ‫َّ‬ ‫خلقه به نب ُّينا‬
‫ك»‪.‬‬ ‫ت َع َلى َن ْف ِس َ‬ ‫ْت ك ََما َأ ْثنَ ْي َ‬
‫ك َأن َ‬ ‫ْك َل ُأ ْح ِصي َثنَا ًء َع َل ْي َ‬‫ك ِمن َ‬‫ُع ُقو َبتِك‪َ َ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫الشفاعة‪ُ « :‬ث َّم َي ْفت َُح اهَّللُ َع َل َّي ِم ْن‬ ‫رواه مسلم(‪ .)1‬وكذلك قوله ﷺ يف حديث َّ‬
‫البخاري‬
‫ُّ‬ ‫َاء َع َل ْي ِه َش ْيئًا َل ْم َي ْفت َْح ُه َع َلى َأ َح ٍد َق ْب ِلي»‪ .‬رواه‬ ‫مح ِام ِد ِه وحس ِن ال َّثن ِ‬
‫َ ُ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ومسلم(‪ .)2‬قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬وتلك المحامد هي بأسمائه وصفاته»(‪.)3‬‬
‫والصفات يف هذا‬ ‫ِّ‬ ‫الربوب َّية وتوحيد األسماء‬ ‫وقد ُذكر ٌّ‬
‫كل من توحيد ُّ‬
‫المتفرد بالملك‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫وبيان َّ‬ ‫التَّهليل المبارك لالستدالل هبما على توحيد العبادة‪،‬‬
‫ِّ‬
‫والمتفر َد بال َّثناء الحسن‬
‫ِّ‬ ‫كل شيء والنِّعمة والفضل‪،‬‬ ‫والحمد والقدرة على ِّ‬
‫المستحق للعبادة ال شريك له‪ ،‬وأنَّه‬
‫ُّ‬ ‫لعظمة أسمائه وكمال صفاته هو وحده‬
‫وكفر‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وباطل‬ ‫ٌ‬
‫ضالل‬ ‫بحق سواه‪َّ ،‬‬
‫وأن عبادة َمن سواه‬ ‫بحق وال معبود ٍّ‬
‫المعبود ٍّ‬
‫وطغيان‪.‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)486‬‬
‫البخاري (‪ ،)4712‬ومسلم (‪.)194‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  بدائع الفوائد (‪.)294/1‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪432‬‬

‫تدل على معنى‪ ،‬بل‬ ‫مجرد ًة ال ُّ‬


‫أن هذه الكلمات ليست ألفا ًظا َّ‬
‫وهبذا ُيعلم َّ‬
‫ٍ‬
‫معان عظيمة ودالالت عميقة تنتظم التَّوحيد بأنواعه ال َّثالثة‪ ،‬والواجب‬ ‫لها‬
‫كل َمن ير ِّدد هذه الكلمات أن يستحضر ما د َّلت عليه‪ ،‬وأن يعرف ما‬ ‫على ِّ‬
‫تضمنته بحيث يكون مستمس ًكا بالتَّوحيد محاف ًظا عليه مراع ًيا لحقوقه‪ ،‬مجان ًبا‬
‫َّ‬
‫تما َم المجانبة لنواقضه وما يضا ُّده‪ُ ،‬معلنًا له ال تأخذه يف اهلل لومة الئم‪ ،‬ولو كره‬
‫جميل وعظيم أن نضبط هذه التَّهليالت وما ُأتبعت به ُّ‬
‫كل‬ ‫ٌ‬ ‫الكافرون‪ .‬وكم هو‬
‫تأكيد للتَّوحيد وتجديد له وترسيخٍ له يف القلوب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫واحدة منها من‬
‫«م ْن َس َّب َح اهللَ فِي ُد ُبرِ ك ُِّل‬ ‫ول اهلل ﷺ َق َال‪َ :‬‬ ‫أن َر ُس َ‬ ‫َو َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َّ I‬‬
‫ك‬ ‫ين؛ َفتِ ْل َ‬ ‫ِ‬
‫ين‪َ ،‬و َك َّب َر اهللَ َث َل ًثا َو َث َلث َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪َ ،‬و َحمدَ اهللَ َث َل ًثا َو َث َلث َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َص َلة َث َل ًثا َو َث َلث َ‬
‫ك‬ ‫«ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ َو ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬
‫يك َل ُه‪َ ،‬ل ُه ا ْل ُم ْل ُ‬ ‫ون‪َ ،‬و َق َال ت ََما َم ا ْل ِمائ َِة‪َ :‬‬‫تِ ْس َع ٌة َوتِ ْس ُع َ‬
‫َت ِم ْث َل َز َب ِد‬ ‫َو َل ُه ا ْل َح ْمدُ ‪َ ،‬و ُه َو َع َلى ك ُِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير»؛ ُغ ِف َر ْت َخ َط َايا ُه َوإِ ْن كَان ْ‬
‫ا ْل َب ْحرِ»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ين‬‫ين َو َحمدَ اهللَ َث َل ًثا َو َث َلث َ‬ ‫«م ْن َس َّب َح اهللَ في ُد ُبرِ ك ُِّل َص َلة َث َل ًثا َو َث َلث َ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫كل صالة‪« :‬سبحان اهلل» ثال ًثا وثالثين‬ ‫ين»‪ ،‬أي‪ :‬قال عقب ِّ‬ ‫ِ‬
‫َو َك َّب َر اهللَ َث َل ًثا َو َث َلث َ‬
‫مرةً‪.‬‬ ‫مرةً‪ ،‬و«اهلل أكرب» ثال ًثا وثالثين َّ‬ ‫مرةً‪ ،‬و«الحمد هلل» ثال ًثا وثالثين َّ‬ ‫َّ‬
‫الم ْلك‪َ ،‬و َل ُه‬ ‫يك َل ُه‪َ ،‬ل ُه ُ‬ ‫المئ َِة‪َ :-‬ل إِ َله إِ َّل اهللُ َو ْحدَ ه َل َشرِ َ‬ ‫«و َق َال ‪-‬تَمام ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫كل َش ْي ٍء َق ِد ٌير»‪ ،‬وهذه كلمة التَّوحيد وتقدَّ م الكالم على‬ ‫الح ْمدُ َو ُه َو َع َلى ِّ‬ ‫َ‬
‫معناها‪.‬‬
‫َت ِم ْث َل َز َب ِد ال َب ْحرِ»‪ ،‬أي‪ُ :‬تغفر له ذنوبه ولو كانت‬ ‫« ُغ ِف َر ْت َخ َط َايا ُه َوإِ ْن كَان ْ‬
‫الصغائر‪ ،‬أ َّما الكبائر ال‬ ‫بالذنوب ا َّلتي ُتغفر‪َّ :‬‬ ‫كثر ًة مثل زبد البحر‪ .‬والمقصود ُّ‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)597‬‬


‫‪433‬‬ ‫‪ -70‬األذكار بعد ال َّسالم (‪)1‬‬
‫لمن ُيحافظ على هذه التَّسبيحات دبر ِّ‬
‫كل‬ ‫ُيك ِّفرها َّإل التَّوبة‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫ثواب عظيم َ‬
‫صالة ينبغي على ِّ‬
‫كل ناصح لنفسه َّأل ِّ‬
‫يفرط فيه‪.‬‬
‫والسنَّة أن يعقد هذه التَّسبيحات بيده كما كان ‪ O‬يفعل؛ ف َع ْن‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫«ر َأ ْي ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ َي ْعقدُ الت َّْسبِ َ‬
‫يح بِ َيمينه»‪،‬‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫َع ْبد اهَّلل ْب ِن َع ْم ٍرو ‪َ L‬ق َال‪َ :‬‬
‫رواه أبو داود(‪.)1‬‬
‫ب‬ ‫َو َع ْن أبي هريرة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬جا َء ا ْل ُف َق َرا ُء إِ َلى النَّبِ ِّي ﷺ ‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪َ « :‬ذ َه َ‬
‫ون ك ََما‬ ‫يم؛ ُي َص ُّل َ‬ ‫يم ا ْل ُم ِق ِ‬‫ات ا ْل ُع َل َوالن َِّع ِ‬ ‫ال بِالدَّ رج ِ‬
‫َ َ‬ ‫ور مِ َن األَم َو ِ‬
‫ْ‬ ‫َأ ْه ُل الدُّ ُث ِ‬
‫ون بِ َها َو َي ْعت َِم ُر َ‬
‫ون‬ ‫ال َي ُح ُّج َ‬ ‫ون كَما ن َُصوم‪َ ،‬و َل ُهم َف ْض ٌل مِ ْن َأم َو ٍ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ن َُص ِّلي‪َ ،‬و َي ُصو ُم َ َ‬
‫«أ َل ُأ َحدِّ ُثك ُْم بِ َأ ْمرٍ إِ ْن َأ َخ ْذت ُْم بِ ِه َأ ْد َر ْكت ُْم َم ْن‬‫ون!»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫ون َو َيت ََصدَّ ُق َ‬ ‫اهدُ َ‬ ‫ويج ِ‬
‫َُ َ‬
‫ِ‬
‫َس َب َقك ُْم َو َل ْم ُيدْ ِر ْكك ُْم َأ َحدٌ َب ْعدَ ك ُْم‪َ ،‬و ُكنْت ُْم َخ ْي َر َم ْن َأ ْنت ُْم َب ْي َن َظ ْه َرا َن ْيه‪ ،‬إِ َّل َم ْن‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َع ِم َل ِم ْث َل ُه؟ ت َُس ِّب ُح َ‬
‫ين»‪،‬‬ ‫ف ك ُِّل َص َلة َث َل ًثا َو َث َلث َ‬ ‫ون َخ ْل َ‬ ‫ون َو ُت َك ِّب ُر َ‬
‫ون َوت َْح َمدُ َ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)2‬‬ ‫ُّ‬ ‫رواه‬
‫وحب‬
‫ٍّ‬ ‫حرص ورغبة يف الخير‬ ‫ٍ‬ ‫هذا اإلتيان من فقراء المهاجرين ناشئ عن‬
‫يف المنافسة فيه‪ ،‬قالوا‪ :‬ذهب أهل الدُّ ثور‪ ،‬أي‪ :‬األموال الكثيرة بالدَّ رجات‬
‫ون ك ََما ن َُصو ُم‪َ ،‬و َل ُه ْم‬
‫وم َ‬ ‫ون ك ََما ن َُص ِّلي‪َ ،‬و َي ُص ُ‬
‫«ي َص ُّل َ‬
‫العالية والنَّعيم المقيم؛ ُ‬
‫ون ويج ِ‬ ‫ِ‬ ‫َف ْض ٌل ِم ْن َأم َو ٍ‬
‫ون»‪ ،‬أي‪ :‬ونحن‬ ‫ون َو َيت ََصدَّ ُق َ‬
‫اهدُ َ‬ ‫ون بِ َها َو َي ْعتَم ُر َ َ ُ َ‬
‫ال َي ُح ُّج َ‬ ‫ْ‬
‫فقراء ال نمتلك مثل هذا المال ا َّلذي يمتلكه هؤالء حتَّى نشاركهم يف هذه‬
‫األجور‪.‬‬
‫«أ َل ُأ َحدِّ ُثك ُْم بِ َأ ْمرٍ إِ ْن َأ َخ ْذت ُْم بِ ِه َأ ْد َر ْكت ُْم َم ْن َس َب َقك ُْم َو َل ْم‬
‫فقال ‪َ :O‬‬
‫ُيدْ ِر ْكك ُْم َأ َحدٌ َب ْعدَ ك ُْم‪َ ،‬و ُكنْت ُْم َخ ْي َر َم ْن َأ ْنت ُْم َب ْي َن َظ ْه َرا َن ْي ِه‪ ،‬إِ َّل َم ْن َع ِم َل ِم ْث َل ُه؟» شدَّ‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)1502‬‬
‫البخاري (‪ )843‬وال َّلفظ له‪ ،‬ومسلم (‪.)595‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪434‬‬

‫ف ك ُِّل َص َل ٍة‬
‫ون َخ ْل َ‬
‫ون َو ُت َك ِّب ُر َ‬
‫ون َوت َْح َمدُ َ‬
‫ثم قال‪« :‬ت َُس ِّب ُح َ‬
‫وشوقهم‪َّ ،‬‬
‫انتباههم َّ‬
‫كل صالة ثال ًثا وثالثين تسبيحةً‪ ،‬وتحمدون‬ ‫ين»‪ ،‬أي‪ :‬تس ِّبحون دبر ِّ‬ ‫ِ‬
‫َث َل ًثا َو َث َلث َ‬
‫ثال ًثا وثالثين تحميدةً‪ ،‬وتك ِّبرون ثال ًثا وثالثين تكبيرةً؛ بحيث يكون المجموع‬
‫لكل تسبيحة وتكبيرة وتحميدة كما‬ ‫تس ًعا وتسعين‪ ،‬فقوله ثال ًثا وثالثين شامل ِّ‬
‫يف الحديث ا َّلذي قبله‪.‬‬
k'1
U

.uw. p- '.u.o-ôz'vuz .œh<ra,w'.so.b.


o :o'lkt.e.,*-'0'
.t.wlzh
l
IM .
' toI
wv5IJ'lh'.II>.
'....w. '
to >.4IJ'v'
.S ' -I Z H -*''*Hz-hl
.w C'.o uit .. Ly+. .k'
.

‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪436‬‬

‫«ي َس ِّبحه َع ْش ًرا َو َي ْح َمدُ ه َع ْش ًرا َو ُي َك ِّبره َع ْش ًرا»‪ ،‬أي‪ :‬يقول «سبحان‬ ‫قوله ُ‬
‫مرات‪ ،‬و«اهلل أكرب»‬ ‫مرات‪ ،‬و«الحمد هلل» عشر َّ‬ ‫الصالة عشر َّ‬ ‫اهلل» بعد انتهاء َّ‬
‫كر ثال ًثا‬ ‫السابقة ا َّلتي فيها هذا ِّ‬
‫الذ ُ‬ ‫مرات‪ ،‬وهذا االختالف عن األحاديث َّ‬ ‫عشر َّ‬
‫ألن هذا وارد وله‬ ‫اختالف الت َُّّنوع وليس التَّضا َّد؛ َّ‬
‫َ‬ ‫سميه أهل العلم‬ ‫وثالثين ُي ِّ‬
‫بأي منهما خير‪.‬‬
‫ثوابه‪ ،‬وذاك وارد وله ثوابه‪ ،‬والعمل ٍّ‬
‫ان»‪ ،‬عشر وعشر وعشر هذه ثالثون‪،‬‬ ‫ون َو ِمئَة بِال ِّل َس ِ‬
‫ك َخ ْم ُس َ‬ ‫«و َذلِ َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫الصلوات المكتوبة فالنَّاتج مئة وخمسون‪.‬‬ ‫فإذا ضربت بخمس عدد َّ‬
‫ف و َخمس ِمائ ٍَة فِي ِ‬
‫الميز ِ‬
‫ألن الحسنة بعشر أمثالها؛ فإذا‬ ‫َان»؛ َّ‬ ‫«و َأ ْل ٌ َ ْ ُ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫ُضربت عشر يف مئة وخمسين فالنَّاتج ألف وخمسمائة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َو ُي َس ِّب ُح َث َل ًثا‬‫ين إِ َذا َأ َخ َذ َم ْضج َع ُه َو َي ْح َمدُ َث َل ًثا َو َث َلث َ‬ ‫«و ُي َك ِّبر َأ ْرب ًعا َو َث َلث َ‬ ‫َ‬
‫َان»‪ ،‬أي‪ :‬يواظب َّ‬ ‫الميز ِ‬ ‫ف فِي ِ‬ ‫ك ِم َئ ٌة بِال ِّل َس ِ‬
‫ان َو َأ ْل ٌ‬ ‫ين؛ َف َذلِ َ‬ ‫ِ‬
‫مرة عندما‬ ‫كل َّ‬ ‫َو َث َلث َ‬
‫يأوي إلى فراشه على أربع وثالثين تكبير ًة وثالث وثالثين تسبيح ًة وثالث‬
‫ألن الحسنة‬ ‫وثالثين تحميدةً‪ ،‬فالمجموع مئة بال ِّلسان‪ ،‬لكنَّها يف الميزان ألف؛ َّ‬
‫َّبي ﷺ‬ ‫بعشر أمثالها‪ .‬وهو نظير ما جاء يف حديث فاطمة ‪ J‬عندما أتت الن َّ‬
‫الذكر‪ ،‬وأرشدها أنَّه خير لها من خادم‪ ،‬وقد‬ ‫وسألته خاد ًما فد َّلها على هذا ِّ‬
‫تقدَّ م الحديث‪.‬‬
‫ول اهلل ِ ﷺ َي ْع ِقدُ َها بِ َي ِد ِه»‪،‬‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫قال عبد اهلل بن عمرو ‪َ « :L‬ف َل َقدْ َر َأ ْي ُ‬
‫َّبي ﷺ يجعل اليمنى لما طاب‪ ،‬واليسرى لما سوى ذلك‪.‬‬ ‫َّ‬
‫أي‪ :‬اليمنى؛ ألن الن َّ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ‬ ‫«ر َأ ْي ُت َر ُس َ‬
‫وقد جاء يف حديث عبد اهلل ‪ L‬عند أبي داود َ‬
‫يح بِ َي ِمين ِ ِه»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫َي ْعقدُ الت َّْسبِ َ‬
‫وصححه‬
‫َّ‬ ‫َّسائي (‪،)1355‬‬
‫ِّرمذي (‪ ،)3411‬والن ُّ‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)1502‬والت‬
‫األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫‪437‬‬ ‫‪ -71‬األذكار بعد ال َّسالم (‪)2‬‬

‫يل؟» أي‪ :‬ما‬ ‫ف ُه َما َي ِس ٌير َو َم ْن َي ْع َمل بِ ِه َما َق ِل ٌ‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬ك ْي َ‬‫قوله‪َ « :‬قا ُلوا َيا َر ُس َ‬
‫وجه ذلك؟‬
‫الش ْي َطان فِي َمن َِام ِه َف ُين َِّو ُم ُه َق ْب َل َأ ْن َي ُقو َل ُه»‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫«ي ْأتِي َأ َحدَ ك ُْم‪َ ،‬ي ْعنِي‪َّ :‬‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫الذكر المبارك‪.‬‬ ‫يشغله بأمور إلى أن تغفي عيناه قبل أن يأيت هبذا ِّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫اج َت ُه َق ْب َل َأ ْن َي ُقو َل َها»‪ ،‬أي‪ :‬يبدأ معه يف‬ ‫«و َي ْأتيه في َص َلته َف ُي َذك ُِّر ُه َح َ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫بالذهاب إليها قبل‬ ‫الصالة َّ‬ ‫عجل بعد انقضاء َّ‬ ‫الصالة ُيذكِّره بأشياء حتَّى ُي ِّ‬ ‫أثناء َّ‬
‫الصالة‬ ‫بالذكر المشروع عقب َّ‬ ‫اطمأن وأتى ِّ‬ ‫َّ‬ ‫الذكر‪ .‬مع أنَّه لو‬ ‫أن يقول هذا ِّ‬
‫أي مصلحة‪ ،‬بل‬ ‫كامالً لم يأخذ منه َّإل خمس دقائق تقري ًبا‪ ،‬ولن تفوت عليه ُّ‬
‫وتيسيرا وتوفي ًقا وسدا ًدا ونعمةً‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سينعكس على حياته وحاجته برك ًة‬
‫ول اهلل ِ ﷺ َأ ْن َأ ْقر َأ ا ْلمعو َذ ِ‬
‫ات‬ ‫«أ َم َرنِي َر ُس ُ‬ ‫َو َع ْن ُع ْق َب َة ْب ِن َعامِ ٍر ‪َ I‬ق َال‪َ :‬‬
‫َ ُ َ ِّ‬
‫َّسائي(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫ُد ُب َر كُل َص َلة» رواه أبو داود والن ُّ‬
‫والمعوذات يراد هبا‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ [اإلخالص‪ ]1:‬و﴿ﭤ ﭥ ﭦ‬ ‫ِّ‬
‫ﭧ﴾ [الفلق‪ ]1:‬و﴿ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [النِّساء‪]1 :‬؛ وقد ُأطلق على ثالثتها‬
‫«المعوذات» على وجه التَّغليب كما قال ذلك الحافظ ابن حجر‪ :‬وغيره من‬ ‫ِّ‬
‫الر ِّب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ودخلت سور ُة اإلخالص معهما ل ِ َما‬
‫اشتملت عليه من صفة َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫أهل العلم‪،‬‬
‫صرح فيها بلفظ التَّعويذ‪.‬‬ ‫وإن َلم ُي ِّ‬
‫«م ْن َق َر َأ َآ َي َة الك ُْر ِس ِّي يف‬ ‫سول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫قال َر ُ‬ ‫قال‪َ :‬‬ ‫َو َع ْن أبي ُأما َم َة ‪َ I‬‬
‫َّسائي يف‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫رواه‬ ‫»‬ ‫وت‬
‫َ‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ول ا ْل َجن َِّة َّإل َ‬
‫أ‬ ‫ُد ُبرِ ك ُِّل َص َل ٍة م ْكتُو َب ٍة َلم يمنَ ْعه ِم ْن ُد ُخ ِ‬
‫ْ َْ ُ‬ ‫َ‬
‫ُّ‬
‫عمل اليوم وال َّليلة(‪.)2‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّسائي (‪،)1336‬‬
‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)1523‬والن ُّ‬
‫وصححه‬
‫َّ‬ ‫السنن الكربى (‪،)9848‬‬ ‫َّسائي يف عمل اليوم وال َّليلة (‪ ،)100‬ويف ُّ‬
‫(((  رواه الن ُّ‬
‫األلباينُّ يف صحيح التَّرغيب والتَّرهيب (‪.)1595‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪438‬‬

‫الجن َِّة إِ َّل َأ ْن َي ُم َ‬


‫وت»‪ ،‬أي‪َ :‬لم يكن بينه‬ ‫ول َ‬‫والمراد بقوله‪َ « :‬لم يم َن ْعه ِم ْن ُد ُخ ِ‬
‫ْ َْ ُ‬
‫وبين دخول الجنَّة َّإل الموت‪.‬‬
‫قال ابن الق ِّيم ‪ :V‬وبلغني عن شيخ اإلسالم ابن تيم َّية‪ :‬أنَّه قال‪« :‬ما‬
‫أن الجنَّة قريبة من‬ ‫كل صالة َّإل نسيانًا أو نحوه»(‪ ،)1‬وهذا فيه َّ‬ ‫تركته عقيب ِّ‬
‫«الجنَّ ُة َأ ْق َر ُب‬
‫أهلها ليس بينها و بين أهلها َّإل الموت‪ .‬ففيه شاهد لحديث‪َ :‬‬
‫البخاري(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫ك»‪ .‬رواه‬ ‫اك َن ْع ِل ِه‪َ ،‬والن َُّار ِم ْث ُل َذلِ َ‬‫إِ َلى َأح ِدكُم ِمن ِشر ِ‬
‫َ ْ ْ َ‬
‫وآية الكرسي يستحب أن ُتقرأ يف اليوم وال َّليلة ثماين مرات‪ :‬خمس مر ٍ‬
‫ات‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ ُ‬
‫ومرتين يف‬ ‫ومر ًة عند النَّوم عندما يأوي إلى فراشه‪َّ ،‬‬ ‫الصلوات المكتوبة‪َّ ،‬‬ ‫أدبار َّ‬
‫الصباح والمساء‪.‬‬ ‫أذكار َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫و َعن مع ِ‬
‫«يا ُم َعا ُذ‪،‬‬ ‫ول اهلل ﷺ َأ َخ َذ بِ َيده‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬‬ ‫اذ ْب ِن َج َب ٍل ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬ ‫َ ْ َُ‬
‫ِ‬
‫يك َيا ُم َعا ُذ َل تَدَ َع َّن في ُد ُبرِ‬ ‫«أوص َ‬ ‫ِ‬ ‫ك»‪َ ،‬ف َق َال‪ُ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‪َ ،‬واهلل إِنِّي َلُح ُّب َ‬ ‫َواهلل ِ إِنِّي َلُح ُّب َ‬
‫ِ‬
‫ك»‪ .‬رواه أبو‬ ‫ول‪« :‬ال َّل ُه َّم َأ ِعنِّي َع َلى ِذ ْكرِ َك َو ُش ْكرِ َك َو ُح ْس ِن ِع َبا َدتِ َ‬ ‫ك ُِّل َص َل ٍة َت ُق ُ‬
‫َّسائي(‪.)3‬‬‫داود والن ُّ‬
‫ف يف‬ ‫إحسان من النَّبي ﷺ‪ ،‬وجميل تل ُّط ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫فيه‬ ‫هذا‬ ‫»‪،‬‬ ‫«أ َخ َذ بِي ِد ِ‬
‫ه‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫المعاملة والتَّوجيه‪.‬‬
‫«يا ُم َعا ُذ»‪ ،‬وهذا مزيد تل ُّطف‪.‬‬ ‫ثم ناداه باسمه َ‬ ‫َّ‬
‫ك»‪ ،‬وهذا كذلك فيه زيادة لطف وحسن تو ُّدد‪.‬‬ ‫«واهلل ِ إِنِّي ِلُ ِح ُّب َ‬
‫ثم قال له‪َ :‬‬ ‫َّ‬
‫الحب والنُّصح؛ َّ‬
‫فإن‬ ‫ُّ‬ ‫أن مصدر هذه الوص َّية‬ ‫وقدَّ م ﷺ المح َّبة ل ُيعلِم معا ًذا َّ‬
‫مقتضى المح َّبة الحقيق َّية النُّصح والدَّ اللة للخير‪.‬‬

‫(((  انظر‪ :‬زاد المعاد (‪.)294/1‬‬


‫البخاري (‪.)6488‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّسائي (‪،)1303‬‬
‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)1522‬والن ُّ‬
‫‪439‬‬ ‫‪ -71‬األذكار بعد ال َّسالم (‪)2‬‬

‫لهمته واستدعا ٌء النتباهه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫يك َيا ُم َعا ُذ»‪ ،‬فيه ً‬ ‫وص َ‬ ‫«أ ِ‬‫قوله‪ُ :‬‬
‫شحذ َّ‬ ‫أيضا‬
‫الحث على المواظبة على‬ ‫ُّ‬ ‫ول»‪ ،‬فيه‬ ‫«ل تَدَ َع َّن فِي ُد ُبرِ ك ُِّل َص َل ٍة َأ ْن َت ُق َ‬‫قوله‪َ :‬‬
‫كل صالة‪.‬‬ ‫هذا الدُّ عاء دبر ِّ‬
‫ك»‪ ،‬يطلب من اهلل‬ ‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َأ ِعنِّي َع َلى ِذ ْكرِ َك َو ُش ْكرِ َك َو ُح ْس ِن ِع َبا َدتِ َ‬
‫والشكر وحسن العبادة‪ ،‬وهذا أفضل ما ُيطلب وأنفعه‪.‬‬ ‫الذكر ُّ‬ ‫‪ D‬العون على ِّ‬
‫الر ُّب ‪ F‬اإلعانة‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬ولهذا كان من أفضل ما ُيسأل َّ‬
‫َّبي لح ِّبه معاذ بن جبل ‪ I‬فقال‪ :‬يا معاذ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫على مرضاته وهو الذي علمه الن ُّ‬
‫كل صالة‪« :‬ال َّل ُه َّم َأ ِعنِّي َع َلى ِذ ْكرِ َك‬
‫واهلل إنِّي ألح ُّبك فال تنس أن تقول دبر ِّ‬
‫ك»‪ ،‬فأنفع الدُّ عاء طلب العون على مرضاته وأفضل‬ ‫َو ُش ْكرِ َك َو ُح ْس ِن ِع َبا َدتِ َ‬
‫المواهب إسعافه هبذا المطلوب‪ ،‬وجميع األدعية المأثورة مدارها على هذا‪،‬‬
‫وعلى دفع ما يضا ُّده‪ ،‬وعلى تكميله وتيسير أسبابه فتأ َّملها»(‪.)1‬‬
‫أنفع الدُّ عاء فإذا هو سؤال‬
‫لت َ‬ ‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيم َّية ‪« :V‬تأ َّم ُ‬
‫ثم رأيته يف الفاتحة يف إ َّياك نعبد وإ َّياك نستعين»(‪.)2‬‬
‫العون على مرضاته‪َّ ،‬‬
‫الصالة؛ فالمص ِّلي لوال توفيق‬ ‫وتأ َّمل المناسبة من اإلتيان هبذا ِّ‬
‫الذكر بعد َّ‬
‫الصالة ا َّلتي‬
‫اهلل له وعونه ما ص َّلى‪ ،‬فناسب تجديد طلب العون عقب هذه َّ‬
‫الصالة وأكرمتني بأدائها فال‬
‫يسرت لي المجيء لهذه َّ‬ ‫يسرها اهلل‪ ،‬أي‪ :‬كما َّ‬
‫َّ‬
‫تكلني إلى نفسي طرفة عين‪ ،‬بل أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك‪.‬‬
‫قوله‪« :‬أعنِّي»‪ ،‬أي‪ :‬أمدَّ ين بعونك‪.‬‬
‫وقوله‪َ « :‬ع َلى ِذ ْكرِ َك»‪ ،‬أي‪ :‬على القيام بذكرك على الوجه ا َّلذي تح ُّبه‬
‫وترضاه‪.‬‬
‫السالكين (‪.)100/1‬‬
‫(((  انظر‪ :‬مدارج َّ‬
‫(((  انظر‪ :‬المستدرك على مجموع الفتاوى (‪.)175/1‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪440‬‬

‫«و ُش ْكرِ َك»‪ ،‬أي‪ :‬على القيام بشكرك على نعمك العظيمة وعطاياك‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫وإقرارا بنعمة‬
‫ً‬ ‫الكثيرة ا َّلتي ال ُتعدُّ وال ُتحصى؛ وهو بالقلب‪ :‬اعرتا ًفا ومح َّبة‬
‫شكرا وثنا ًء وحمدً ا هلل‪ ،‬وبالجوارح‪ :‬أن يستعملها يف طاعة اهلل‬ ‫اهلل‪ ،‬وبال ِّلسان‪ً :‬‬
‫‪.F‬‬
‫ألن المطلوب يف العبادة‬ ‫ك»‪ ،‬ولم يقل وعبادتك؛ َّ‬ ‫«و ُح ْس ِن ِع َبا َدتِ َ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫اإلحسان‪ ،‬وال يكون ذلك َّإل بأمرين‪ :‬اإلخالص هلل‪ ،‬والمتابعة لرسوله ﷺ‪.‬‬

‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ﴾ [الملك‪،]2 :‬‬


‫وأصو ُبه»‪ ،‬قيل يا أبا‬
‫َ‬ ‫قال الفضيل ابن عياض‪ :‬يف معنى اآلية‪« :‬أي‪ :‬أخ َل ُصه‬
‫خالصا ولم يكن صوا ًبا‬‫ً‬ ‫علي وما أخلصه وأصوبه؟ قال‪َّ :‬‬
‫«إن العمل إذا كان‬ ‫ٍّ‬
‫خالصا صوا ًبا‪،‬‬
‫ً‬ ‫خالصا لم ُيقبل حتَّى يكون‬
‫ً‬ ‫لم ُيقبل‪ ،‬وإذا كان صوا ًبا ولم يكن‬
‫السنَّة»(‪)1‬؛ هذا معنى قوله‪:‬‬ ‫والصواب‪ :‬ما كان على ُّ‬ ‫َّ‬ ‫والخالص‪ :‬ما كان هلل‪،‬‬
‫«ح ْس ِن ِع َبا َدتِ َك»‪ ،‬أي‪ :‬أن تكون خالص ًة هلل صوا ًبا وفق سنَّة رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫يدل على‬ ‫كل صالة مكتوبة فقد جاء ما ُّ‬ ‫وهذا الدُّ عاء كما أنَّه ورد مق َّيدً ا ُدبر ِّ‬
‫أي وقت شاء‪ ،‬فعن‬ ‫أنَّه من األدعية المطلقة ا َّلتي ُيناسب أن يدعو هبا المسلم يف ِّ‬
‫َّاس َأ ْن ت َْجت َِهدُ وا‬
‫ون َأ ُّي َها الن ُ‬
‫ُح ُّب َ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ قال لهم‪َ :‬‬
‫«أت ِ‬ ‫َ‬ ‫أبي هريرة ‪َّ :I‬‬
‫أن‬
‫ول اهللِ‪ ،‬قال‪ُ « :‬قو ُلوا‪ :‬ال َّل ُه َّم َأ ِعنِّي َع َلى ِذ ْكرِ َك‬ ‫اء؟» قالوا‪َ :‬ن َع ْم َيا َر ُس َ‬ ‫فِي الدُّ ع ِ‬
‫َ‬
‫ك»‪ .‬رواه الحاكم(‪.)2‬‬ ‫َو ُش ْكرِ َك‪َ ،‬و ُح ْس ِن ِع َبا َدتِ َ‬

‫(((  حلية األولياء (‪.)95/8‬‬


‫وصححه‬
‫َّ‬ ‫والبيهقي يف الدَّ عوات الكبير (‪،)275‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الحاكم يف المستدرك (‪،)1838‬‬
‫األلباينُّ يف صحيح الجامع (‪.)81‬‬
‫‪441‬‬ ‫‪ -72‬دعاء القنوت يف صالة الوتر‬

‫‪72‬‬

‫دعاء القنوت يف صالة الوتر‬

‫ات َأ ُقو ُل ُه َّن‬ ‫ول اهللِ ﷺ كَلِم ٍ‬ ‫َع ِن ا ْل َح َس ِن ْب ِن َعلِي ‪َ L‬ق َال‪َ :‬ع َّل َمنِي َر ُس ُ‬
‫َ‬ ‫ٍّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫يم ْن‬ ‫ت‪َ ،‬وت ََو َّلني ف َ‬ ‫يم ْن َعا َف ْي َ‬‫ت‪َ ،‬و َعافني ف َ‬ ‫يم ْن َهدَ ْي َ‬‫في ا ْل ِو ْت ِر‪« :‬ال َّل ُه َّم ْاهدني ف َ‬
‫َّك َت ْق ِضي َو َل ُي ْق َضى‬ ‫ت؛ إِن َ‬ ‫ت‪َ ،‬و ِقنِي َش َّر َما َق َض ْي َ‬ ‫يما َأ ْع َط ْي َ‬ ‫ت‪ ،‬و ب ِ ِ ِ‬
‫ار ْك لي ف َ‬ ‫ت ََو َّل ْي َ َ َ‬
‫ت»‪.‬‬ ‫ْت َر َّبنَا َو َت َعا َل ْي َ‬
‫ت‪َ ،‬ت َب َارك َ‬ ‫ت‪َ ،‬و َل َي ِع ُّز َم ْن َعا َد ْي َ‬ ‫ك‪َ ،‬وإِ َّن ُه َل َي ِذ ُّل َم ْن َوا َل ْي َ‬
‫َع َل ْي َ‬
‫َّسائي وابن ماجه (‪.)1‬‬ ‫ِّرمذي والن ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫رواه أبو داود والت‬
‫مشتمل على مطالب جليلة ومقاصد عظيمة؛ ففيه سؤال‬ ‫ٌ‬ ‫عظيم‬
‫ٌ‬ ‫هذا دعا ٌء‬
‫األمور ك َّلها‬
‫َ‬ ‫اهلل الهدايةَ‪ ،‬والعافيةَ‪ ،‬والت ََّو ِّلي والربكة‪ ،‬والوقاية‪ ،‬مع اإلقرار َّ‬
‫بأن‬
‫بيده وتحت تدبيره‪ ،‬فما شاء كان وما َلم يشأ َلم يكن‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِِ ِ‬
‫سؤال اهلل‬ ‫ت»‪ ،‬فيه‬ ‫قوله يف َّأول هذا الدُّ عاء‪« :‬ال َّل ُه َّم ْاهدني ف َ‬
‫يم ْن َهدَ ْي َ‬
‫بالحق وعمله به‪ ،‬فليست الهداي ُة أن‬ ‫ِّ‬ ‫لعلم العبد‬ ‫الهداية التَّامة النَّافعة الجامعة ِ‬
‫َّ‬
‫الحق بال عم ٍل به‪ ،‬وليست كذلك أن يعمل بال ٍ‬
‫علم ناف ٍع يهتدي به‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫يعلم العبدُ‬
‫َ‬
‫الصالح‪.‬‬ ‫فالهداي ُة النَّافع ُة هي التَّوفيق للعلم النَّافع والعمل َّ‬
‫ت»‪ ،‬فيه فوائد‪:‬‬ ‫يم ْن َهدَ ْي َ‬ ‫ِ‬
‫وقوله‪« :‬ف َ‬
‫وزمرتِهم ورفقتهم‪،‬‬ ‫أحدها‪ :‬أنَّه سؤال له أن يدخ َله يف جملة المهد ِّيين ُ‬
‫وحسن أولئك رفي ًقا‪.‬‬

‫َّسـائي (‪ ،)1745‬وابـن ماجـه‬


‫ِّرمـذي (‪ ،)464‬والن ُّ‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبـو داود (‪ ،)1425‬والت‬
‫وصححـه األلبـاينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(‪،)1178‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪442‬‬
‫َّ‬
‫ديت من‬ ‫توس ًل إليه بإحسانه وإنعامه‪ ،‬أي‪ :‬يا ِّ‬
‫رب قد َه َ‬ ‫الثانية‪َّ :‬‬
‫أن فيه ُّ‬
‫أحسنت إليهم واهدين‬
‫َ‬ ‫إلي كما‬ ‫كثيرا ً‬
‫فضل منك وإحسانًا؛ فأحسن َّ‬ ‫بشرا ً‬
‫عبادك ً‬
‫كما َهدَ يتَهم‪.‬‬
‫َّ‬
‫أن ما حصل ألولئك من الهدى َلم يكن منهم وال بأنفسهم‪ ،‬وإنَّما‬ ‫الثالثة‪َّ :‬‬
‫كان منك فأنت ا َّلذي َهدَ يتَهم‪.‬‬
‫سؤال اهلل العافية المطلقة؛ وهي‬ ‫ُ‬ ‫ت»‪ ،‬فيه‬ ‫يم ْن َعا َف ْي َ‬‫ِِ ِ‬
‫«و َعافني ف َ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫العافية من الكفر والفسوق والعصيان والغفلة واألمراض واألسقام والفتن‬
‫وفِعل ما ال يح ُّبه وترك ما يح ُّبه؛ فحقيق ُة العافية أن يعافيك اهلل من أمراض‬
‫البدن وأمراض القلوب‪ .‬والعافية من أمراض القلوب شأهنا أعظم من العافية‬
‫من أمراض البدن‪ ،‬ولذا ورد يف الدُّ عاء المأثور‪« :‬ال َّل ُه َّم َل ت َْج َع ْل ُم ِصي َب َتنَا فِي‬
‫ِدينِنَا»(‪)1‬؛ ألنَّها أعظم المصائب‪.‬‬
‫‪ ‬وأمراض القلوب تعود إلى شيئين‪:‬‬
‫الشهوات ا َّلتي منشؤها الهوى‪.‬‬
‫‪ -1‬إلى َّ‬
‫الشبهات ا َّلتي منشؤها الجهل‪.‬‬
‫‪ -2‬وإلى ُّ‬
‫أحب إليه من العافية؛ ألنَّها كلم ٌة جامع ٌة للتَّخ ُّلص من‬
‫الر ُّب شي ًئا َّ‬
‫وما ُسئل َّ‬
‫عم رسول اهلل ﷺ أنَّه‬ ‫الش ِّر ك ِّله وأسبابه‪ ،‬ويف األدب المفرد وغيره عن الع َّباس ِّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫قال‪ :‬قلت يا رسول اهلل! ع ِّلمني شي ًئا أسأل اهلل به‪ ،‬فقال‪« :‬يا ع َّباس‪ ،‬س ِل َ‬
‫اهلل‬
‫ثم جئت‪ ،‬فقلت‪ :‬ع ِّلمني شي ًئا أسأل َ‬
‫اهلل به يا رسول اهلل‪،‬‬ ‫مكثت ً‬
‫قليل َّ‬ ‫ُ‬ ‫ثم‬
‫العافيةَ»‪َّ ،‬‬
‫اهلل العافي َة يف الدُّ نيا واآلخرة»(‪ .)2‬وقال‬
‫عم رسول اهلل! َس ِل َ‬
‫فقال‪« :‬يا ع َّباس! يا َّ‬
‫ِّرمذي (‪ ،)3502‬وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3514‬‬ ‫ُّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)1783‬والت‬
‫‪443‬‬ ‫‪ -72‬دعاء القنوت يف صالة الوتر‬

‫ين َخ ْي ًرا ِم َن ال َعافِ َي ِة»‪.‬‬ ‫«اس َأ ُلوا اهَّللَ ال َع ْف َو َوال َعافِ َيةَ‪َ ،‬فإِ َّن َأ َحدً ا َل ْم ُي ْع َط َب ْعدَ ال َي ِق ِ‬ ‫ﷺ‪ْ :‬‬
‫ِّرمذي(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫رواه الت‬
‫سؤال اهلل الت ََّو ِّلي الكامل ا َّلذي يقتضي‬ ‫ُ‬ ‫يم ْن ت ََو َّل ْي َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت»‪ ،‬فيه‬ ‫«وت ََو َّلني ف َ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫كل ما ُيغضب اهلل‪ ،‬ومنه قول اهلل‬ ‫َّصر والتَّسديدَ واإلبعا َد عن ِّ‬ ‫َّوفيق واإلعان َة والن َ‬ ‫الت َ‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ﴾ [البقرة‪ ،]257 :‬وقو ُله‪:‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ [األعراف‪ ،]196 :‬وقوله‪:‬‬
‫﴿ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [آل عمران‪ ،]68 :‬وقوله‪﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ﴾ [الجاثية‪،]19 :‬‬
‫خاص ٌة هبم‪ ،‬تقتضي حفظهم‪ ،‬ونصرهم‪ ،‬وتأييدهم‪ ،‬ومعونتهم‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وهي والي ٌة‬
‫الشرور‪.‬‬ ‫ووقايتهم من ُّ‬
‫ت»‪ ،‬أي‪ :‬أنَّه‬ ‫ويدل على هذا قو ُله يف هذا الدُّ عاء‪« :‬إِ َّن ُه َل َي ِذ ُّل َم ْن َوا َل ْي َ‬ ‫ُّ‬
‫ذل يف‬ ‫أن َمن َح َصل له ٌّ‬ ‫عزيز غالب بسبب تو ِّليك له‪ ،‬ويف هذا تنبي ٌه على َّ‬ ‫منصور ٌ‬ ‫ٌ‬
‫الذ ُّل‬
‫وإل فمع الوالية الكاملة ينتفي ُّ‬ ‫النَّاس فهو بنقصان ما فاته من تو ِّلي اهلل‪َّ ،‬‬
‫الذليل‪.‬‬ ‫ك ُّله‪ ،‬ولو ُس ِّلط عليه َمن يف أقطار األرض فهو العزيز غير َّ‬
‫يما َأ ْع َط ْي َ‬ ‫وقوله‪« :‬وب ِ ِ ِ‬
‫ت»‪ ،‬الربكةُ‪ :‬هي الخير الكثير ال َّثابت‪ ،‬ففي‬ ‫ار ْك لي ف َ‬ ‫ََ‬
‫كل ما أعطاه؛ من علم أو مال أو ولد أو مسكن أو غير‬ ‫هذا سؤال اهلل الربكة يف ِّ‬
‫ويوس َع له فيه‪ ،‬ويحفظه ويس ِّل َمه من اآلفات‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ذلك؛ بأن يث ِّبتَه له‪،‬‬
‫مال كثير لكنَّهم ال ينتفعون بمالهم‪ ،‬يجمعونه وال‬ ‫فمن النَّاس َمن عنده ٌ‬
‫ينتفعون به! وهذا من نزع الربكة‪ .‬ومن النَّاس َمن عنده أوالد‪ ،‬لك َّن أوالده ال‬
‫ينفعونه لما فيهم من عقوق‪ ،‬فلم ُي َب َار ْك له فيهم‪ .‬ومن النَّاس َمن أعطاه اهلل ً‬
‫علما‬
‫كثيرا‪ ،‬لكن ال يظهر أثر العلم عليه يف عبادته‪ ،‬وال يف أخالقه‪ ،‬وال يف سلوكه‪،‬‬ ‫ً‬
‫واحتقارا لهم‪،‬‬ ‫استكبارا عليهم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وال يف معاملته مع النَّاس‪ ،‬بل قد ُي ْكسبه العلم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ِّرمذي (‪ ،)3558‬وقال األلبانِ ُّي‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪444‬‬

‫وال ينتفع النَّاس بعلمه‪ ،‬ال بتدريس‪ ،‬وال بتوجيه‪ ،‬وال بتأليف‪ ،‬ور َّبما كان علمه‬
‫حج ًة عليه ال له‪ ،‬وهذا بال شك حرمان عظيم‪ ،‬فكم هي حاجة العبد َّ‬
‫ماسة إلى‬ ‫َّ‬
‫سؤال ر ِّبه أن يبارك له فيما أعطاه‪.‬‬
‫شر ا َّلذي قضيتَه‪َّ ،‬‬
‫فإن اهلل تعالى قد‬ ‫«و ِقنِي َش َّر َما َق َض ْي َ‬
‫ت»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫واقع يف بعض مخلوقاته ال يف خلقه وفعله؛‬ ‫بالش ِّر لحكمة بالغة‪َّ ،‬‬
‫والش ُّر ٌ‬ ‫يقضي َّ‬
‫يتضمن سؤال اهلل الوقاية من ُّ‬
‫الشرور‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫خير ك ُّله‪ .‬وهذا الدُّ عاء‬
‫فإن فع َله وخل َقه ٌ‬
‫َّ‬
‫والسالمة من اآلفات‪ ،‬والحفظ عن الباليا والفتن‪ ،‬وال ُّل ْطف يف القضاء بأن‬
‫َّ‬
‫يصرف عنه َّ‬
‫الش َّر‪.‬‬
‫َّبي ‪،O‬‬ ‫وهذا المعنى يأيت يف دعوات عديدة مأثورة عن الن ِّ‬
‫آج ِل ِه‪،‬‬ ‫اج ِل ِه َو ِ‬
‫ك ِم َن ا ْلخَ ْيرِ ُك ِّل ِه َع ِ‬ ‫مثل‪ :‬قوله يف دعائه الجامع‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫آج ِل ِه»‪ .‬رواه أحمد عن عائشة ‪.)1(J‬‬ ‫اج ِل ِه َو ِ‬ ‫الش ِّر ُك ِّل ِه َع ِ‬
‫ك ِم َن َّ‬ ‫َو َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫اح َف ْظنِي‬ ‫ِ‬
‫ال ْس َل ِم َقائ ًما‪َ ،‬و ْ‬ ‫اح َف ْظنِي بِ ْ ِ‬‫ومثل‪ :‬قوله ‪ O‬يف دعائه‪« :‬ال َّل ُه َّم ْ‬
‫اإلس َل ِم ر ِاقدً ا‪ ،‬و َل تُشمت بِي عدُ وا ح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اسدً ا‪ ،‬ال َّل ُه َّم‬ ‫َ ًّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اح َف ْظني بِ ِ ْ‬ ‫اإل ْس َل ِم َقاعدً ا‪َ ،‬و ْ‬‫بِ ِ‬
‫ك ِم ْن ك ُِّل َش ٍّر َخزَائِنُ ُه بِ َي ِد َك»‪.‬‬ ‫ك ِم ْن ك ُِّل َخ ْيرٍ َخزَائِنُ ُه بِ َي ِد َك َو َأ ُعو ُذ بِ َ‬ ‫إنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫رواه الحاكم عن عبد اهلل بن مسعود ‪.)2(I‬‬
‫َّوسل إلى اهلل سبحانه بأنَّه‬ ‫َّك َت ْق ِضي َو َل ُي ْق َضى َع َل ْي َ‬
‫ك»‪ ،‬فيه الت ُّ‬ ‫قوله‪« :‬إِن َ‬
‫الحكم التَّا َّم والمشيئ َة النَّافذ َة والقدرة َّ‬
‫الشاملة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ألن له‬ ‫يقضي على ِّ‬
‫كل شيء؛ َّ‬
‫لحكمه وال‬
‫فهو سبحانه يقضي يف عباده بما يشاء ويحكم فيهم بما يريد‪ ،‬ال را َّد ُ‬
‫مع ِّقب لقضائه‪.‬‬
‫وصححه األلباينُّ يف صحيح األدب المفرد (‪.)498‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)25019‬‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي يف صحيح الجامع (‪.)1260‬‬ ‫(((  رواه الحاكم يف المستدرك (‪،)1924‬‬
‫َّ‬
‫‪445‬‬ ‫‪ -72‬دعاء القنوت يف صالة الوتر‬

‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬أنَّه سبحانه ال يقضي عليه أحدٌ من العباد‬ ‫«و َل ُي ْق َضى َع َل ْي َ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫بشيء‪ ،‬فالعباد ال يحكمون على اهلل‪ ،‬بل اهلل سبحانه هو ا َّلذي يحكم عليهم بما‬
‫يشاء ويقضي فيهم بما يريد‪.‬‬
‫ت»‪ ،‬هذا كالتَّعليل لما سبق‬ ‫ت َو َل َي ِع ُّز َم ْن َعا َد ْي َ‬
‫وقوله‪« :‬إِ َّن ُه َل َي ِذ ُّل َم ْن َوا َل ْي َ‬
‫فإن اهلل سبحانه إذا تو َّلى العبدَ فإنَّه ال ُي َذ ُّل‪،‬‬ ‫يم ْن َت َو َّل ْي َت»؛ َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫«و َت َو َّلني ف َ‬ ‫يف قوله‪َ :‬‬
‫عدو له‪ ،‬قال اهلل‬ ‫كل ٍّ‬ ‫الذ َّل على ِّ‬ ‫وإذا عادى أحدً ا فإنَّه ال ُي َع ُّز‪ .‬وقد كتب سبحانه ُّ‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ‬
‫فمن عادى اهلل ‪ D‬فهو‬ ‫ﰖ ﰗﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﴾ [المجادلة‪َ ،]21-20 :‬‬
‫عزيزا‪ ،‬فاألمر بيده سبحانه‪ ،‬قال اهلل ‪﴿ :D‬ﮇ ﮈ‬ ‫ذليل ال يمكن أن يكون ً‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ‬
‫ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [آل عمران‪ ،]26 :‬وال ُتطلب َّ‬
‫العزة َّإل من اهلل وال‬
‫إل بطاعته سبحانه‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬ ‫ُتنال َّ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [المنافقون‪.]8 :‬‬
‫تعاظمت يا اهلل؛‬
‫َ‬ ‫ت»‪ ،‬معنى تباركت‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫ْت َر َّبنَا َو َت َعا َل ْي َ‬
‫وقوله‪َ « :‬ت َب َارك َ‬
‫فلك العظم ُة الكاملة والكربياء التَّا ُّم‪ ،‬وع ُظ َمت أوصا ُفك وكثرت خيرا ُتك‬
‫وعم إحسانُك‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وقهرا؛ فهو‬
‫ً‬ ‫العلو المطلق ذا ًتا و َقدْ ًرا‬
‫َّ‬ ‫أن لك‬ ‫ت»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬ ‫«و َت َعا َل ْي َ‬‫وقوله‪َ :‬‬
‫والعلي‬
‫ُّ‬ ‫لي بذاته قد استوى على عرشه استوا ًء يليق بجالله وكماله‪،‬‬ ‫سبحانه ال َع ُّ‬
‫فإن صفاته عظيم ٌة ال يماثلها وال يقارهبا صف ُة‬ ‫علو صفاته وعظمتُها‪َّ ،‬‬ ‫ب َقدْ ره وهو ُّ‬
‫الكائنات بأسرها‪ ،‬فجميع‬ ‫ُ‬ ‫كل شيء ودانت له‬ ‫أحد‪ ،‬والعلي بقهره حيث َق َه َر َّ‬
‫ُّ‬
‫متحرك وال يسكن ساكن َّإل بإذنه‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫يتحرك منهم‬
‫الخلق نواصيهم بيده فال َّ‬
‫السعادة يف‬ ‫وعلى ٍّ‬
‫كل فهذا دعا ٌء عظيم جامع ألبواب الخير وأصول َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪446‬‬

‫الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬فعلى المسلم أن يعتني به يف وتره ا َّلذي َيختم به صالة ال َّليل‪،‬‬
‫ثم ختم‬ ‫واالستغفار لهم‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫وال بأس لو زاد على ذلك الدُّ عا َء لعموم المؤمنين‬
‫والسالم على رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫بالصالة َّ‬ ‫َّ‬
‫ول فِي ِو ْت ِر ِه‪« :‬ال َّل ُه َّم‬ ‫ب ‪َ ،I‬أ َّن النَّبِي ﷺ ك َ‬
‫َان َي ُق ُ‬
‫َّ‬
‫و َع ْن َعلِي ْب ِن َأبِي َطال ِ ٍ‬
‫ِّ‬
‫ْك‬ ‫ِ‬
‫ك من َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك‪َ ،‬وأ ُعوذ ب َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ك م ْن ُعقو َبت َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ك‪َ ،‬وأ ُعوذ ب ُم َعافات َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إِنِّي َأ ُعو ُذ بِرِ َضاك م ْن َسخَ ط َ‬
‫َ‬
‫ِّرمذي‬
‫ُّ‬ ‫ك»‪ .‬رواه أبو داود والت‬ ‫ت َع َلى َن ْف ِس َ‬ ‫ْت ك ََما َأ ْثنَ ْي َ‬ ‫َل ُأ ْح ِصي َثنَا ًء َع َل ْي َ‬
‫ك‪َ ،‬أن َ‬
‫َّسائي(‪.)1‬‬
‫والن ُّ‬
‫لج َأ منه َّإل‬‫العظيم على أنَّه ال َم َف َّر َّإل إلى اهلل‪ ،‬وال َم َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الحديث‬ ‫دل هذا‬‫وقد َّ‬
‫األمر ك ُّله‬
‫فأز َّم ُة األمور ك ُّلها بيده‪ ،‬ونواصي العباد معقود ٌة بقضائه وقدَ ره؛ ُ‬ ‫إليه‪ِ ،‬‬
‫المن َْجى‪،‬‬‫والخير ك ُّله يف يديه‪ ،‬فمنه تعالى َ‬ ‫ُ‬ ‫له‪ ،‬والحمدُ ك ُّله له‪ ،‬والملك ك ُّله له‪،‬‬
‫شر ما هو كائن بمشيئته وقدرته‪ ،‬فاإلعاذة‬ ‫الم ْل َجأ‪ ،‬وبه االستعاذة من ِّ‬ ‫وإليه َ‬
‫تحقيق‬
‫ٌ‬ ‫فعله‪ ،‬والمستعاذ منه فعله أو مفعوله ا َّلذي خلقه بمشيئته؛ وهذا ك ُّله‬
‫ُ‬
‫المخلوق لنفسه‬ ‫رب غيره وال خالق سواه‪ ،‬وال يملك‬ ‫للتَّوحيد والقدر‪ ،‬وأنَّه ال َّ‬
‫نشورا‪ ،‬بل األمر ك ُّله هلل‪ ،‬ليس‬ ‫ً‬ ‫ضرا وال نف ًعا وال مو ًتا وال حيا ًة وال‬ ‫وال لغيره ًّ‬
‫ألحد سواه منه شيء‪.‬‬‫ٍ‬

‫ت َع َلى‬ ‫ْت ك ََما َأ ْثنَ ْي َ‬ ‫«ل ُأ ْح ِصي َثنَا ًء َع َل ْي َ‬


‫ك َأن َ‬ ‫وقوله يف ختام هذا الدُّ عاء‪َ :‬‬
‫وكمال أسمائه وصفاته‬ ‫َ‬ ‫شأن اهلل سبحانه وعظمتَه‬ ‫بأن َ‬ ‫االعرتاف َّ‬
‫ُ‬ ‫ك»‪ ،‬فيه‬ ‫َن ْف ِس َ‬
‫وأج ُّل من أن ُيحصيها أحدٌ من الخلق‪ ،‬أو يبلغ أحد حقيق َة ال َّثناء عليه‬ ‫أعظم َ‬
‫ُ‬
‫غيره سبحانه‪.‬‬
‫ان ا ْل َملِك ال ُقدُّ وس»‬
‫«س ْب َح َ‬‫السالم من صالة الوتر‪ُ :‬‬‫السنَّة أن يقول بعد َّ‬
‫ومن ُّ‬
‫الرحمن بن أبزى ‪I‬‬ ‫َّبي ﷺ‪ ،‬فعن عبد َّ‬‫مرات؛ لثبوت ذلك عن الن ِّ‬ ‫ثالث َّ‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّسائي (‪،)1747‬‬
‫ِّرمذي (‪ ،)3566‬والن ُّ‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)1427‬والت‬
‫‪447‬‬ ‫‪ -72‬دعاء القنوت يف صالة الوتر‬

‫َان ُيوتِ ُر بِـ﴿ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ﴾ [األعلى‪َ ،]1:‬و﴿ﭑ ﭒ‬ ‫قال‪َ :‬أ َّن َر ُس َ‬


‫ول اهلل ﷺ ك َ‬ ‫ِ‬
‫َان َي ُق ُ‬
‫ول‬ ‫ﭓ﴾ [الكافرون‪َ ،]1:‬و﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ [اإلخالص‪َ ،]1:‬وك َ‬
‫ِ َّ ِ َ ِ‬ ‫«س ْب َح َ ْ ِ ِ ْ ُ‬
‫َّسائي(‪.)1‬‬ ‫ِ َ ً َ‬
‫ان ال َملك القدُّ وس ثالَثا َي ْرف ُع َص ْو َت ُه بالثالثة»‪ .‬رواه الن ّ‬ ‫إِ َذا َس َّل َم‪ُ :‬‬
‫والحكمة من قراءة سور َت ْي اإلخالص يف الوتر وكذلك يف سنَّة الفجر‪:‬‬
‫متضمنة للتَّوحيد‬
‫ِّ‬ ‫متضمنتان للتَّوحيد؛ فأ َّما ﴿ﭑ ﭒ ﭓ﴾ فهي‬ ‫ِّ‬ ‫أنَّهما‬
‫اإلرادي‪ ،‬وهو إخالص الدِّ ين هلل بالقصد واإلرادة‪ ،‬وأ َّما سورة ﴿ﭑ ﭒ‬
‫ِّ‬ ‫العملي‬
‫ِّ‬
‫العلمي‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫القولي‬
‫ِّ‬ ‫فمتضمنة للتَّوحيد‬
‫ِّ‬ ‫ﭓ ﭔ﴾‬

‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّسائي (‪،)1732‬‬
‫(((  رواه الن ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪448‬‬

‫‪73‬‬

‫دعاء االستخارة‬

‫ول اهلل ﷺ ُي َع ِّل ُمنَا ِال ْستِ َخ َار َة‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َجابِ ِر ْب ِن َع ْب ِد اهلل ‪َ L‬ق َال‪ :‬ك َ‬
‫ور كَما يع ِّلمنَا السور َة مِن ا ْل ُقر ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‪« :‬إِ َذا َه َّم َأ َحدُ ك ُْم بِاألَ ْمرِ َف ْل َي ْرك َْع‬ ‫آن‪َ ،‬ي ُق ُ‬ ‫في األُ ُم ِ َ ُ َ ُ ُّ َ َ ْ‬
‫ك‪َ ،‬و َأ ْس َت ْق ِد ُر َك‬ ‫َخ ُير َك بِ ِع ْل ِم َ‬
‫يض ِة‪ُ ،‬ثم لِي ُق ِل‪« :‬ال َّلهم إِنِّي َأست ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫َر ْك َع َت ْي ِن ِم ْن َغ ْيرِ ا ْل َفرِ َ‬
‫َّك َت ْق ِد ُر َو َل َأ ْق ِد ُر‪َ ،‬و َت ْع َل ُم َو َل َأ ْع َل ُم‪،‬‬‫ك ا ْل َعظِيمِ؛ َفإِن َ‬ ‫ك ِم ْن َف ْض ِل َ‬ ‫ك‪َ ،‬و َأ ْس َأ ُل َ‬‫بِ ُقدْ َرتِ َ‬
‫ْت َتع َلم َأ َّن ه َذا األَمر َخير لِي فِي ِدينِي ومع ِ‬ ‫َو َأن َ‬
‫اشي‬ ‫ََ َ‬ ‫ْ َ ٌْ‬ ‫وب‪ ،‬ال َّل ُه َّم إِ ْن ُكن َ ْ ُ َ‬ ‫ْت َع َّل ُم ا ْل ُغ ُي ِ‬
‫ار ْك لِي‬ ‫آج ِل ِه‪َ -‬فا ْقدُ ْر ُه لِي َو َي ِّس ْر ُه لِي ُث َّم َب ِ‬ ‫اج ِل َأ ْمرِي َو ِ‬ ‫‪-‬أ ْو َق َال‪َ :‬ع ِ‬ ‫اق َب ِة َأ ْمرِي َ‬ ‫وع ِ‬
‫َ َ‬
‫‪-‬أ ْو‬‫اق َب ِة َأ ْمرِي َ‬ ‫اشي وع ِ‬
‫َ َ‬
‫ْت َتع َلم َأ َّن ه َذا األَمر َشر لِي فِي ِدينِي ومع ِ‬
‫ََ َ‬ ‫ْ َ ٌّ‬ ‫َ‬ ‫فيه‪َ ،‬وإِ ْن ُكن َ ْ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫اصرِ ْفنِي َعنْ ُه‪َ ،‬وا ْقدُ ْر لِ َي ا ْلخَ ْي َر‬ ‫اصرِ ْف ُه َعنِّي َو ْ‬
‫اج ِل َأمرِي و ِ ِ ِ‬
‫آجله‪َ -‬ف ْ‬ ‫َ‬ ‫َق َال‪ :‬في َع ِ ْ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬
‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫اج َت ُه»‪ .‬رواه‬ ‫«و ُي َس ِّمي َح َ‬ ‫َان‪ُ ،‬ث َّم َأ ْرضني»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫ثك َ‬ ‫َح ْي ُ‬
‫المبارك ا َّلذي أرشد إليه النَّبِ ُّي ﷺ يف هذا المقام‪ ،‬مقام‬
‫ُ‬ ‫العظيم‬
‫ُ‬ ‫هذا الدعا ُء‬
‫المسلم وهو مرت ِّدد يف مآله؛ هل هو‬‫ُ‬ ‫طلب الخيرة يف األمر ا َّلذي يقدم عليه‬
‫وض أل َّمة اإلسالم‬ ‫ضر‪ ،‬وهو ِع ٌ‬
‫شر‪ ،‬وهل هو إلى نفع أو إلى ٍّ‬ ‫إلى خير أو إلى ٍّ‬
‫عما كان عليه أهل الجاهل َّية من َز ْجر ال َّطير واالستقسام باألزالم؛ إذا َبدَ ْت‬ ‫َّ‬
‫للواحد منهم حاجةٌ‪ :‬من نكاح‪ ،‬أو سفر‪ ،‬أو بيع‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬فيطلبون بذلك‬
‫وس َف ٌه كان عليه أهل الجاهل َّية‪ ،‬وأ َّما‬ ‫ٌ‬
‫ضالل َ‬ ‫علم ما ُقسم لهم يف الغيب‪ ،‬وهذا‬
‫وسبل‬ ‫أ َّم ُة اإلسالم فقد هداهم اهلل تعالى إلى َمراشد األمور ومفاتيح الخير ُ‬
‫البخاري (‪.)1162‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪449‬‬ ‫‪ -73‬دعاء االستخارة‬

‫السعادة يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬ومن ذلكم هذا الدُّ عاء العظيم ا َّلذي ُهديت إليه أ َّمة‬
‫َّ‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫وافتقار‬
‫ٌ‬ ‫«وعو َضهم هبذا الدُّ عاء ا َّلذي هو توحيدٌ‬
‫َّ‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪:V‬‬
‫الخير ك ُّله‪ ،‬ا َّلذي ال يأيت بالحسنات َّإل‬‫ُ‬ ‫لمن بيده‬ ‫ٌ‬
‫وسؤال َ‬ ‫وعبود َّي ٌة وتوك ٌُّل‬
‫الس ِّيئات َّإل هو‪ ،‬ا َّلذي إذا فتح لعبده رحم ًة َلم يستطع أحدٌ‬ ‫هو‪ ،‬وال يصرف َّ‬
‫حبسها عنه‪ ،‬وإذا أمسكها َلم يستطع أحد إرسا َلها إليه‪ ،‬من التَّط ُّير والتَّنجيم‬ ‫َ‬
‫طالع أهل‬ ‫ُ‬ ‫السعيد‪،‬‬ ‫واختيار ال َّطالع ونحوه‪ ،‬فهذا الدُّ عا ُء هو ال َّطالع الميمون َّ‬
‫الشرك‬ ‫السعادة والتَّوفيق‪ ،‬ا َّلذين سبقت لهم من اهلل الحسنى‪ ،‬ال طالع أهل ِّ‬ ‫َّ‬
‫فتضمن‬
‫َّ‬ ‫والشقاء والخذالن ا َّلذين يجعلون مع اهلل إ َل ًها آخر فسوف يعلمون‪.‬‬ ‫َّ‬
‫واإلقرار بصفات كماله من كمال العلم‬ ‫َ‬ ‫اإلقرار بوجوده سبحانه‪،‬‬‫َ‬ ‫هذا الدُّ عا ُء‬
‫وتفويض األمر إليه‪ ،‬واالستعان َة به‪،‬‬
‫َ‬ ‫واإلقرار بربوب َّيته‪،‬‬
‫َ‬ ‫والقدرة واإلرادة‪،‬‬
‫والقوة َّإل به‪،‬‬
‫َّ‬ ‫والخروج من عهدة نفسه وال َّت َب ِّري من الحول‬ ‫َ‬ ‫والتَّوك َُّل عليه‪،‬‬
‫واعرتاف العبد بعجزه عن علمه بمصالح نفسه وقدرته عليها وإرادته لها‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫َ‬
‫الحق‪ »...‬إلى أن قال ‪« :V‬والمقصود‬ ‫ِّ‬ ‫ذلك ك َّله بيد ول ِّيه وفاطره وإ َلهه‬
‫وتفويض إليه واستقسا ٌم ب ُقدرته وعلمه وحسن‬ ‫ٌ‬ ‫أن االستخار َة توك ٌُّل على اهلل‬ ‫َّ‬
‫الر َضى به ر ًّبا‪ ،‬ا َّلذي ال يذوق َطعم اإليمان َمن‬ ‫اختياره لعبده‪ ،‬وهي من لوازم ِّ‬
‫ِ‬
‫َلم يكن كذلك‪ ،‬وإن َرض َي بالمقدور بعدها فذلك عالمة َّ‬
‫السعادة»‪ .‬اهـ كالمه‬
‫‪.)1(V‬‬
‫بكل شيء‪ ،‬واست ْقدَ َره بقدرته‬ ‫وما ندم َمن استخار ر َّبه بعلمه المحيط ِّ‬
‫كل شيء‪ ،‬وسأله سبحانه من فضله العظيم‪.‬‬ ‫الكاملة على ِّ‬
‫ول اهلل ِ ﷺ ُي َع ِّل ُمنَا ِال ْستِخَ َار َة فِي ْالُ ُم ِ‬
‫ور‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫ُ‬
‫وقول جابر ‪« :I‬ك َ‬
‫(((  انظر‪ :‬زاد المعاد (‪.)405/2‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪450‬‬
‫ور َة ِم َن ال ُق ْر ِ‬
‫آن»‪ ،‬فيه دالل ٌة على شدَّ ة اهتمام النَّبِ ِّي ﷺ هبذا‬ ‫ُك ِّل َها ك ََما ُي َع ِّل ُمنَا ُّ‬
‫الس َ‬
‫ا ُّلدعاء والمحافظة عليه والعناية به‪.‬‬
‫ول َلنَا‪ :‬إِ َذا َه َّم َأ َحدُ ك ُْم بِ ْالَ ْمرِ»‪ ،‬أي‪ :‬من األمور ا َّلتي ال يدري‬
‫«ي ُق ُ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫الزواج أو نحو ذلك‪ ،‬وال استخارة يف فعل الواجب‬
‫السفر أو َّ‬
‫ما عاقبتها‪ ،‬مثل‪َّ :‬‬
‫المحرم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫أو ترك‬
‫يض ِة»‪ ،‬أي‪ :‬فل ُي َص ِّل ركعتين من غير‬ ‫وقوله‪َ « :‬ف ْل َي ْرك َْع َر ْك َع َت ْي ِن ِم ْن َغ ْيرِ ال َفرِ َ‬
‫مفتاحا له لنيل الخير‪ ،‬وسب ًبا‬
‫ً‬ ‫الصلوات المفروضة‪ ،‬وذلك لتكون صال ُته‬ ‫َّ‬
‫يأت يف شيء من طرق الحديث تعيين‬ ‫إلجابة مطلوبه وتحقيق مرغوبه‪ ،‬ولم ِ‬
‫المستخير‬ ‫الصالة؛ ولذا يقر ُأ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫قراءة مع َّينة من آي القرآن أو سوره لتُقرأ يف هذه َّ‬
‫يس َره اهلل له من القرآن دون التزام شيء مع َّين‪.‬‬ ‫ما َّ‬
‫الصالة‪ ،‬أي‪:‬‬
‫أن الدُّ عاء يكون بعد الفراغ من َّ‬ ‫وقوله‪ُ « :‬ث َّم لِ َي ُق ْل»‪ ،‬ظاهره َّ‬
‫الصالة‬
‫السالم‪ ،‬أي‪ :‬بعد الفراغ من أذكار َّ‬ ‫بعد أن يس ِّلم‪ ،‬ويحتمل َّ‬
‫أن ذلك قبل َّ‬
‫السالم‪.‬‬ ‫ودعائها‪ .‬واألَ ْولى َّ‬
‫األول‪ ،‬أي‪ :‬أن يكون الدُّ عاء بعد َّ‬
‫ألن رف َعهما من أسباب إجابة الدُّ عاء‪.‬‬ ‫واألفضل أن يرفع يديه عند الدُّ عاء؛ َّ‬ ‫ُ‬
‫ان ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال رس ُ ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ‪« :‬إِ َّن َر َّبك ُْم ‪َ F‬حيِ ٌّي َكرِ ٌ‬
‫يم‬ ‫َ ُ‬ ‫َع ْن َس ْل َم َ‬
‫ِّرمذي‬
‫ُّ‬ ‫َي ْست َْحيِي ِم ْن َع ْب ِد ِه إِ َذا َر َف َع َيدَ ْي ِه إِ َل ْي ِه َأ ْن َي ُر َّد ُه َما ِص ْف ًرا»‪ .‬رواه أبو داود والت‬
‫وابن ماجه(‪.)1‬‬
‫و َمن كان ال يحفظ الدُّ عا َء وقرأه من كتاب فال حرج عليه‪ ،‬وعليه أن‬
‫والصدق يف الدُّ عاء‪ ،‬والتَّأ ُّمل يف معاين‬
‫ِّ‬ ‫يجتهد يف إحضار قلبه‪ ،‬والخشوع هلل‬
‫وصححه‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)3556‬وابن ماجه (‪،)3865‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)1488‬والت‬
‫األلباينُّ‪.‬‬
‫‪451‬‬ ‫‪ -73‬دعاء االستخارة‬

‫هذا الدُّ عاء العظيم‪ .‬و َمن لم يكن حاف ًظا للدُّ عاء وليس بحضرته ٌ‬
‫كتاب واحتاج‬
‫إلى االستخارة؛ فإنَّه يص ِّلي ركعتين ويدعو بما َّ‬
‫تيسر له من معاين طلب الخيرة‪.‬‬
‫َخ ُير َك بِ ِع ْل ِم َ‬
‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬أطلب منك يا اهلل أن تختار‬ ‫وقوله‪« :‬ال َّلهم إِنِّي َأست ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ َّ‬
‫الخير من األمور واألرشدَ منها بعلمك المحيط ِّ‬
‫بكل شيء‪ ،‬بما كان‪ ،‬وبما‬ ‫َ‬ ‫لي‬
‫سيكون‪ ،‬وبما َلم يكن أن لو كان كيف يكون‪.‬‬
‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬أطلب منك أن تقدِّ رين عليه بقدرتك‬ ‫«و َأ ْس َت ْق ِد ُر َك بِ ُقدْ َرتِ َ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫كل شيء‪.‬‬ ‫على ِّ‬
‫ك ال َعظِيمِ»‪ ،‬أي‪ :‬أطلب منك يا اهلل أن تكر َمني‬
‫ك ِم ْن َف ْض ِل َ‬ ‫«و َأ ْس َأ ُل َ‬‫وقوله‪َ :‬‬
‫المتفض ُل وحدَ ك والمن ِْع ُم ال شريك‬
‫ِّ‬ ‫علي بعطائك؛ ألنَّك أنت‬ ‫َ‬
‫بفضلك وت ُم َّن َّ‬
‫لك‪.‬‬
‫َّك َت ْق ِد ُر َو َل َأ ْق ِد ُر َو َت ْع َل ُم َو َل َأ ْع َل ُم‪َ ،‬و َأن َ‬
‫ْت َع َّل ُم ال ُغ ُي ِ‬
‫وب»‪ ،‬فيه‬ ‫وقوله‪َ « :‬فإِن َ‬
‫بكل شيء‪ ،‬وأنَّه ال يعزب عن علمه‬ ‫كل شيء‪ ،‬وعلمه ِّ‬ ‫اإليمان بقدرة اهلل على ِّ‬ ‫ُ‬
‫االعرتاف بضعف العبد وعجزه وافتقاره‬
‫ُ‬ ‫السماء‪ ،‬وفيه‬
‫شي ٌء يف األرض وال يف َّ‬
‫إلى س ِّيده ومواله‪.‬‬
‫زواجا‬
‫ً‬ ‫ْت َت ْع َل ُم َأ َّن َه َذا ْالَ ْم َر»‪ ،‬و ُي َس ِّميه بعينه‪ ،‬إن كان‬
‫وقوله‪« :‬ال َّل ُه َّم إِ ْن ُكن َ‬
‫غير ذلك‪ .‬وقوله‪« :‬إِ ْن ُكن َْت َت ْع َل ُم» يرجع إلى عدم علم‬ ‫سفرا‪ ،‬أو َ‬ ‫أو بي ًعا‪ ،‬أو ً‬
‫بكل شيء‪ .‬وهذا ال يتناىف‬ ‫محيط ِّ‬
‫ٌ‬ ‫فعلمه‬
‫الر ُّب سبحانه ُ‬ ‫العبد بعاقبة أمره‪ ،‬وأ َّما َّ‬
‫«ل َي ُق ْل‬ ‫أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ :‬‬ ‫الصحيح عن أبي هريرة ‪َّ I‬‬ ‫مع ما ثبت يف َّ‬
‫ْت ْار ُز ْقنِي إِ ْن ِشئ َ‬
‫ْت َو ْل َي ْع ِز ْم‬ ‫ْت ْار َح ْمنِي إِ ْن ِشئ َ‬
‫َأ َحدُ ك ُُم ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي إِ ْن ِشئ َ‬
‫َم ْس َأ َل َت ُه إِ َّن ُه َي ْف َع ُل َما َي َشا ُء َل ُم ْكرِ ُه َل ُه»(‪.)1‬‬
‫البخاري (‪ ،)7477‬ومسلم (‪.)2679‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪452‬‬

‫الرحمة والمغفرة‪،‬‬ ‫سعدي ‪« :V‬فالمطالب الدِّ ين َّية كسؤال َّ‬ ‫ٍّ‬ ‫قال ابن‬
‫والرزق وتوابع ذلك‪،‬‬ ‫والمطالب الدُّ نيو َّية المعينة على الدِّ ين كسؤال العافية ِّ‬
‫ملحا جاز ًما‪ ،‬وهذا ال َّطلب عين العبود َّية‬
‫قد أمر العبد أن يسألها من ر ِّبه طل ًبا ًّ‬
‫يتم ذلك َّإل بال َّطلب الجازم ا َّلذي ليس فيه تعليق بالمشيئة؛ ألنَّه‬ ‫ومح ُّلها‪ ،‬وال ُّ‬
‫خير محض ال ضرر فيه‪ ،‬واهلل تعالى ال يتعاظمه شيء‪.‬‬ ‫مأمور به‪ ،‬وهو ٌ‬
‫وهبذا يظهر الفرق بين هذا وبين سؤال بعض المطالب المع َّينة ا َّلتي ال‬
‫أن حصولها خير للعبد؛ فالعبد يسأل‬ ‫يتح َّقق مصلحتها ومنفعتها‪ ،‬وال يجزم َّ‬
‫ر َّبه ويع ِّلقه على اختيار ر ِّبه له أصلح األمرين‪ ،‬كالدُّ عاء المأثور‪« :‬ال َّل ُه َّم َأ ْحيِنِي‬
‫الو َفا َة َخ ْي ًرا لِي»(‪ ،)1‬وكدعاء‬ ‫ت َ‬ ‫الح َيا ُة َخ ْي ًرا لِي‪َ ،‬وت ََو َّفنِي إِ َذا َع ِل ْم َ‬ ‫ِ‬
‫إِ َذا كَانَت َ‬
‫االستخارة‪ .‬فافهم هذا الفرق ال َّلطيف البديع بين طلب األمور النَّافعة المعلوم‬
‫وأن الدَّ اعي يجزم بطلبها وال يع ِّلقها‪ ،‬وبين طلب األمور‬ ‫نفعها‪ ،‬وعدم ضررها‪َّ ،‬‬
‫ا َّلتي ال يدري العبد عن عواقبها وال رجحان نفعها على ضررها؛ فالدَّ اعي‬
‫علما وقدر ًة ورحم ًة ولط ًفا»(‪.)2‬‬ ‫بكل شيء ً‬ ‫يع ِّلقها على اختيار ر ِّبه ا َّلذي أحاط ِّ‬
‫األهم‪،‬‬ ‫اشي وع ِ‬
‫اق َبة َأ ْمرِي»‪ ،‬قدَّ م الدِّ ين ألنَّه‬ ‫«خير لِي فِي ِدينِي ومع ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫وقوله‪ٌ ْ َ :‬‬
‫حاصل‪ ،‬وإذا اخت ََّل فال خير بعده‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫فالخير‬
‫ُ‬ ‫فإذا َسلِ َم الدِّ ين‬
‫الراوي‪ ،‬وهما يؤ ِّديان‬ ‫شك من َّ‬ ‫آج ِل ِه»‪ ،‬هذا ٌّ‬ ‫اج ِل َأ ْمرِي َو ِ‬‫«أ ْو َق َال َع ِ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫السابق‪.‬‬
‫للمعنى َّ‬
‫َّبي‪ :‬ال َّل َّ‬
‫هم إن كنت‬ ‫الراوي َّ‬
‫شك‪ ،‬هل قال الن ُّ‬
‫قال ابن الق ِّيم ‪َّ :V‬‬
‫«فإن َّ‬
‫أن هذا خير لي يف ديني ومعاشي وعاقبة أمري‪ ،‬أو قال وعاجل أمري‬ ‫تعلم َّ‬
‫األول‪ ،‬وهو قوله‪« :‬وعاقبة‬ ‫والصحيح ال َّلفظ َّ‬
‫َّ‬ ‫وآجله بدل وعاقبة أمري؟‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫َّسائي (‪،)1305‬‬
‫(((  رواه الن ُّ‬
‫السديد (ص‪.)164‬‬
‫(((  القول َّ‬
‫‪453‬‬ ‫‪ -73‬دعاء االستخارة‬

‫ألن عاجل األمر وآجله هو مضمون قوله‪« :‬ديني ومعاشي وعاقبة‬ ‫أمري»؛ َّ‬
‫تكرارا‪ ،‬بخالف ذكر‬ ‫ً‬ ‫أمري»‪ ،‬فيكون الجمع بين المعاش وعاجل األمر وآجله‬
‫فإن المعاش هو عاجل األمر‪ ،‬والعاقبة‬ ‫المعاش والعاقبة؛ فإنَّه ال تكرار فيه‪َّ ،‬‬
‫آجله»(‪.)1‬‬
‫اق َبة َأ ْمرِي»‪ ،‬بدأها بالدِّ ين ا َّلذي هو‬ ‫اشي وع ِ‬ ‫«خير لِي فِي ِدينِي ومع ِ‬
‫َ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫قوله‪ُ ْ َ :‬‬
‫أعظم األمور‪ ،‬كما بدأ به يف دعائه الجامع «ال َّل ُه َّم َأ ْصلِ ْح لِي ِدينِي ا َّل ِذي ُه َو‬
‫آخ َرتِي ا َّلتِي‬ ‫اشي‪ ،‬و َأصلِح لِي ِ‬
‫َ ْ ْ‬
‫ِعصم ُة َأم ِري‪ ،‬و َأصلِح لِي د ْنياي ا َّلتِي فِيها مع ِ‬
‫َ ََ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ ْ ْ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫اح ًة لِي مِ ْن‬ ‫ِ ِ‬
‫اج َع ِل ا ْل َح َيا َة ِز َيا َد ًة لي في ك ُِّل َخ ْي ٍر‪َ ،‬و ْ‬
‫اج َع ِل ا ْل َم ْو َت َر َ‬
‫ِ‬
‫ف َيها َم َعادي‪َ ،‬و ْ‬
‫ِ‬
‫صالح لما وراءه‪ ،‬وفساده فسا ٌد لما وراءه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫أن صالح الدِّ ين‬ ‫ك ُِّل َش ٍّر»(‪ ،)2‬وذلك َّ‬
‫وقوله‪« :‬فاقدُ ْره لِي َو َي ِّس ْر ُه لِي»‪ ،‬أي‪ :‬اجعله لي مقدَّ ًرا وم َي َّس ًرا‪.‬‬
‫ثبوت‬ ‫تتضمن‬ ‫علي وضاعفه‪ ،‬فال َبرك ُة‬ ‫َِ‬ ‫ُ ِ ْ ِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫وقوله‪« :‬ث َّم َبارك لي فيه»‪ ،‬أي‪ :‬أد ْمه َّ‬
‫النِّعمة ون ُُم َّوها‪.‬‬
‫ْت َت ْع َل ُم َأ َّن َه َذا األَ ْم َر َش ٌّر لِي‪ »...‬إلى آخر الدُّ عاء‪ ،‬فيه‬ ‫«وإِ ْن ُكن َ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫األمر عن باله‪ ،‬وأن يباعدَ بينه وبينه‪ ،‬وأن يكتب له‬
‫َ‬ ‫يصرف هذا‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫سؤال اهلل أن‬
‫الرضا بما قسم اهلل من وجود ذلك األمر إن وجد‪،‬‬ ‫الخير حيث كان‪ ،‬وأن يرز َقه ِّ‬ ‫َ‬
‫والخير فيما يختاره اهلل‪ ،‬والتَّوفيق بيده سبحانه‪ ،‬وهو الهادي‬
‫ُ‬ ‫أو عدمه إن ُعدم‪.‬‬
‫السبيل‪.‬‬
‫وحده إلى سواء َّ‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيم َّية ‪« :V‬ما ندم من استخار الخالق وشاور‬
‫المخلوقين وثبت يف أمره»(‪ ،)3‬أي‪ :‬ما ندم َمن طلب من خالقه أن يختار له‬
‫(((  انظر‪ :‬جالء األفهام (ص‪.)423‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2720‬‬
‫(((  انظر‪ :‬المستدرك على مجموع الفتاوى (‪.)113/3‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪454‬‬

‫عمل بقوله‬ ‫ثم شاور أهل العقل وأهل الدِّ راية ً‬ ‫وفوض أمره إلى اهلل‪َّ ،‬‬
‫الخير َّ‬
‫ثم ثبت يف أمره؛ فال يكون بعد‬ ‫تعالى‪﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯﭰ﴾ [آل عمران‪َّ ،]159 :‬‬
‫االستخارة واالستشارة مضطر ًبا وقلِ ًقا ومرت ِّد ًدا‪ ،‬بل يمضي فيما اطمئ َّن قلبه‬
‫إليه ويثبت يف أمره متوك ًِّل على اهلل كما قال اهلل ‪﴿ :D‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ﴾‬
‫[آل عمران‪.]159 :‬‬
‫‪455‬‬ ‫‪ -74‬أذكار الكرب والغ ِّم واهل ِّم واحلزن (‪)1‬‬

‫‪74‬‬

‫أذكار الكرب والغ ِّم واهل ِّم واحلزن (‪)1‬‬

‫وذهاب الهموم‬‫ُ‬ ‫وأنس النُّفوس‪،‬‬


‫ُ‬ ‫إن ذكر اهلل ‪ D‬هو ُطمأنين ُة القلوب‪،‬‬‫َّ‬
‫والغموم‪ ،‬كما قال اهلل ‪﴿ :C‬ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ‬
‫وغمه وحزنِه إنَّما‬
‫همه ِّ‬ ‫الرعد‪ ،]28 :‬ف ُطمأنينة القلب وزوال ِّ‬
‫ﰑ ﰒ ﰓ﴾ [ َّ‬
‫يكون بذكر اهلل وتعظيمه‪ ،‬وعمارة القلب باإليمان به سبحانه‪.‬‬
‫أذكار عديدة‪ ،‬أرشد صلوات اهلل وسالمه عليه َم ْن‬‫ٌ‬ ‫َّبي ﷺ‬
‫وقد جاء عن الن ِّ‬
‫غم؛ أن يفزع إليها‪ ،‬وأن ُيحافظ عليها‪ ،‬وأن‬
‫هم أو نزل به ٌّ‬
‫حل به ٌّ‬ ‫كرب أو َّ‬
‫أصابه ٌ‬
‫وغمه‪ ،‬وقد ورد يف هذا‬‫وهمه ُّ‬ ‫يأيت هبا ليزول عنه ما يجد‪ ،‬وليذهب عنه ألمه ُّ‬
‫ٍ‬
‫طائفة منها‪.‬‬ ‫الباب أحاديث عديدة نقف ‪-‬بإذن اهلل‪ -‬على‬
‫َّبي‬ ‫َّ‬
‫البخاري ومسلم يف «صحيحيهما» عن ابن ع َّباس ‪ :L‬أن الن َّ‬ ‫ُّ‬ ‫روى‬
‫يم‪َ ،‬ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ َر ُّب ال َع ْر ِ‬
‫ش‬ ‫«ل إِ َله إِ َّل اهلل العظِيم ِ‬
‫الحل ُ‬
‫ُ َ ُ َ‬ ‫ﷺ كان يقول يف الكرب‪َ َ :‬‬
‫ش ال َكرِيمِ»(‪.)1‬‬ ‫ض َو َر ُّب ال َع ْر ِ‬ ‫العظِيمِ‪َ ،‬ل إِ َله إِ َّل اهلل رب السمو ِ‬
‫ات َو َر ُّب األَ ْر ِ‬ ‫ُ َ ُّ َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْت ُع َم ْي ٍ‬
‫س‬ ‫وروى أبو داود يف «سننه» وابن ماجه عن َأسماء بِن ِ‬
‫‪J‬‬ ‫ْ َ َ‬
‫ات َت ُقولِين َُه َّن ِعنْدَ الك َْر ِ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ك ك َِلم ٍ‬
‫َ‬
‫«أ َل ُأع ِّلم ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‪ُ َ َ :‬‬ ‫َقا َل ْت‪َ :‬ق َال لِي َر ُس ُ‬
‫تقولين‪ :‬اهللُ‪ ،‬اهللُ َر ِّبي َل ُأ ْشرِ ُك بِ ِه َش ْيئًا»(‪.)2‬‬
‫ات‬
‫َّبي ﷺ قال‪َ « :‬د َع َو ُ‬ ‫َّ‬
‫وروى أبو داود يف «سننه» عن أبي بكرة ‪ I‬أن الن َّ‬
‫البخاري (‪ ،)6346‬ومسلم (‪.)2730‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)1525‬وابن ماجه (‪،)3882‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪456‬‬

‫َك َأ ْر ُجو‪َ ،‬ف َل تَكِ ْلنِي إِ َلى َن ْف ِسي َط ْر َف َة َع ْي ٍن َو َأ ْص ِل ْح لِي‬


‫وب‪ :‬ال َّل ُه َّم َر ْح َمت َ‬ ‫المك ُْر ِ‬ ‫َ‬
‫ْت»(‪.)1‬‬ ‫َش ْأنِي ُك َّل ُه‪َ ،‬ل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫َّبي ﷺ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِّرمذي يف «سننه» عن سعد بن أبي وقاص ‪ I‬أن الن َّ‬
‫ُّ‬ ‫وروى الت‬
‫ُّون إِ ْذ دعا وهو فِي ب ْط ِن الح ِ‬
‫َك‬ ‫«ل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫ْت ُس ْب َحان َ‬ ‫وت‪َ :‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قال‪َ « :‬د ْع َو ُة ِذي الن ِ َ َ َ ُ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫إِنِّي ُكن ُ ِ‬
‫ين»‪َ ،‬فإِ َّن ُه ما َد َعا بِ َها َر ُج ٌل ُم ْسل ٌم في َش ْيء َق ُّط إِ َّل ْاست ََج َ‬
‫اب‬ ‫ْت م ْن ال َّظالم َ‬
‫اهللُ َله»(‪.)2‬‬
‫ُ‬
‫الشأن وهي صحيح ٌة ثابت ٌة عن الن ِّ‬
‫َّبي ﷺ؛‬ ‫األحاديث األربع ُة عظيم ُة َّ‬ ‫هذه‬
‫فمن أتى‬‫والهم‪َ .‬‬
‫ِّ‬ ‫عالج للكرب ا َّلذي ُيصيب اإلنسان‪ ،‬ودوا ٌء ِّ‬
‫للغم والحزن‬ ‫ٌ‬ ‫فيها‬
‫ذرة؛‬
‫مقدار َّ‬
‫ُ‬ ‫والغم‬
‫ِّ‬ ‫الهم‬
‫يبق يف قلبه من ِّ‬ ‫هبا متأ ِّم ًل معانيها مح ِّق ًقا مقاصدها؛ لن َ‬
‫الصدور‪ ،‬ولكن يحتاج المسلم‬ ‫ٌ‬
‫مبارك وشفا ٌء لما يف ُّ‬ ‫وعالج‬
‫ٌ‬ ‫نافع‬
‫فإنَّها دوا ٌء ٌ‬
‫إذا قال هذه األذكار المباركة أن يتأ َّمل يف معناها‪ ،‬وأن يعرف مدلولها‪ ،‬وأن‬
‫فإن اإلتيان باألذكار المأثورة والدَّ عوات المشروعة بدون‬ ‫ُيح ِّقق مقصودها؛ َّ‬
‫ضعيف التَّأثير‪ ،‬قليل الفائدة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫علم بالمعنى وتف ُّق ٍه يف الدَّ اللة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫َّبي ﷺ أنَّها عالج للكرب؛‬ ‫َّ‬
‫ولو تأ َّملنا يف هذه األذكار األربعة التي أخرب الن ُّ‬
‫لوجدنا أنَّها َتشرتك يف شيء واحد؛ وهو تحقيق التَّوحيد ا َّلذي ُخلق العبد‬
‫ألجله و ُأوجد لتحقيقه‪ ،‬التَّوحيد ا َّلذي هو إخالص العبادة هلل وإخالص‬
‫فزع للمسلم يف كرباته ويف جميع همومه‬ ‫الم َ‬
‫الدِّ ين له ‪ ،E‬إذ هو َ‬
‫وغمومه‪ ،‬وال زوال للهموم والغموم َّإل إذا ح َّقق العبد التَّوحيد ِ‬
‫وفزع إلى اهلل‬
‫وأخلص دينه هلل‪.‬‬
‫َّبي ﷺ يقول يف‬ ‫َّ‬
‫‪ ‬أما الحديث األو ‪ :‬حديث ابن ع َّباس ‪ L‬أن الن َّ‬
‫َّ ل‬ ‫َّ‬

‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)5090‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3505‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫‪457‬‬ ‫‪ -74‬أذكار الكرب والغ ِّم واهل ِّم واحلزن (‪)1‬‬

‫ش ال َعظِيمِ‪َ ،‬ل‬‫يم‪َ ،‬ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ َر ُّب ال َع ْر ِ‬ ‫ِ‬


‫الحل ُ‬
‫يم َ‬
‫ِ‬
‫«ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ ال َعظ ُ‬
‫الكرب‪َ :‬‬
‫ش ال َكرِيمِ»؛ فعندما يقول‬ ‫ض َو َر ُّب ال َع ْر ِ‬ ‫إِ َله إِ َّل اهلل رب السمو ِ‬
‫ات َو َر ُّب األَ ْر ِ‬ ‫ُ َ ُّ َّ َ َ‬ ‫َ‬
‫الذكر المبارك‪ ،‬وهو يتأ َّمل معناه ويقف عند داللته؛ فإنَّه يجدِّ د‬ ‫المكروب هذا ِّ‬
‫ِ‬
‫تحقيقه‪ ،‬فيشغل قل َبه‬ ‫توحيد اهلل يف قلبه‪ ،‬وأنَّه إنَّما ُخلق للتَّوحيد و ُأوجد ألجل‬
‫وشغل قلبه‪ ،‬فهو لم ُيخ َلق َّإل ألجلها ولم‬ ‫همه ُ‬ ‫بـ«ال إله َّإل اهلل» لتكون هي أكربَ ِّ‬
‫وأساس إيجاد النَّاس‪﴿ :‬ﭳ ﭴ‬ ‫ُ‬ ‫يوجد َّإل لتحقيقها‪ ،‬فهي مقصو ُد الخليقة‬
‫[الذاريات‪.]56 :‬‬ ‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ َّ‬

‫نفي‬ ‫و«ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ»‪ ،‬معناها‪ :‬ال معبود ٍّ َّ‬


‫وإثبات؛ ٌ‬
‫ٌ‬ ‫نفي‬
‫بحق إل اهلل‪ ،‬فيها ٌ‬ ‫َ‬
‫وإثبات للعبود َّية بجميع معانيها هلل وحده‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫كل َم ْن سوى اهللِ‪،‬‬
‫للعبود َّية عن ِّ‬
‫فا َّلذي يقول‪« :‬ال إله َّإل اهلل» صاد ًقا ال يسأل َّإل اهلل‪ ،‬وال يستغيث َّإل باهلل‪ ،‬وال‬
‫يلتجأ َّإل إلى اهلل‪ ،‬وال يعتمد َّإل على اهلل‪ ،‬وال يتوكَّل َّإل على اهلل‪ ،‬وال يطلب‬
‫شفا َء ُه ُمومِه وغمومِه وأحزانِه َّإل مِ َن اهلل‪.‬‬
‫وإذا قال «ال إله َّإل اهلل العظيم الحليم»‪ :‬يذكر عظمة اهلل‪َّ ،‬‬
‫وأن اهلل هو الكبير‬
‫قوته‪ ،‬وكمال اقتداره‪ ،‬وإحاطته بخلقه‪ ،‬وأنَّه ال‬ ‫العلي العظيم‪ ،‬وكمال َّ‬ ‫ُّ‬ ‫المتعال‪،‬‬
‫السماء‪ ،‬ويذكر عظيم حلمه ‪.E‬‬ ‫يعجزه شي ٌء يف األرض وال يف َّ‬
‫ش العظِيمِ‪َ ،‬ل إِ َله إِ َّل اهلل رب السمو ِ‬
‫ات‬ ‫ُ َ ُّ َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫«ل إِ َل َه َّإل اهللُ َر ُّب ال َع ْر ِ َ‬
‫وإذا قال‪َ :‬‬
‫خلق اهلل للعرش‪ ،‬ذلك المخلوق‬ ‫ش ال َكرِيمِ»‪ ،‬يذكر َ‬ ‫ض َو َر ُّب ال َع ْر ِ‬ ‫َو َر ُّب األَ ْر ِ‬
‫الذكر بأنَّه عظيم‪،‬‬ ‫ا َّلذي هو أكرب المخلوقات وأوسعها‪ ،‬ولهذا ُوصف يف هذا ِّ‬
‫السعة‪ ،‬و«العرش» فهو أوسع المخلوقات‬ ‫ووصف بأنَّه كريم‪ ،‬وال َك َر ُم‪ :‬هو َّ‬
‫وأكربها‪ ،‬فيتذكَّر عظمة اهلل بتذكُّر عظمة مخلوقاته ا َّلتي أوجدها سبحانه‪.‬‬
‫للسموات ولألرض؛ فيذكر هذه المعاين الجليلة وهو ير ِّدد‬ ‫كذلك يذكر خلقه َّ‬
‫هذه الكلمات لينشغل قل ُبه بتعظيم خالقها وكمال مبدعها وتحقيق توحيده‪،‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪458‬‬
‫ٍ‬
‫ً‬
‫منشغل‬ ‫الغم أو الحزن مادام القلب‬
‫للهم أو ِّ‬
‫فأي بق َّية تبقى ِّ‬ ‫ل َين َْصبِغ قلبه بذلك‪ُّ ،‬‬
‫بذلك؟!‬
‫«أ َل ُأع ِّلم ِ‬
‫‪ ‬وفي الحديث الثاني حديث أسماء بنت عميس ‪ J‬قال‪ُ َ َ :‬‬
‫َّ‬
‫ك‬
‫تشويق لها إلى الفائدة‬ ‫ٌ‬ ‫ب»‪ ،‬وهذا منه ‪O‬‬ ‫ات َت ُقولِين َُه َّن ِعنْدَ الك َْر ِ‬‫ك َِلم ٍ‬
‫َ‬
‫فلما اشتاق قل ُبها ‪ J‬إلى ذلك؛ ع َّلمها‪ ،‬قال‪« :‬تقولين‪ :‬اهللُ‬ ‫وترغيب لها‪َّ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫اهللُ ر ِّبي‪َ ،‬ل ُأ ْشرِ ُك بِه َش ْيئًا»‪ ،‬وهذا فزع إلى التَّوحيد لينجلي الكرب‪.‬‬
‫لفظي له؛ لعظم األمر وكِ َب ِر‬‫ٌّ‬ ‫وقوله‪« :‬اهلل»‪ ،‬األولى‪ :‬مبتد ٌأ‪ ،‬وال َّثانية‪ :‬تأكيد‬
‫مرتين حتَّى‬ ‫تتكرر هذه الكلمة َّ‬
‫المقام‪ ،‬وهو توحيد اهلل وإخالص الدِّ ين له‪َّ ،‬‬
‫تمأل القلب وهو يتأ َّملها‪ .‬ومعنى «اهلل»‪ ،‬أي‪ :‬ذو األلوه َّية‪ ،‬وذو العبود َّية على‬
‫خلقه أجمعين‪ ،‬ا َّلذي ُتصرف له جميع أنواع ال َّطاعات‪.‬‬
‫وتوجهي واعتمادي وقصدي‬ ‫ُّ‬ ‫ومعنى قوله‪« :‬اهلل ر ِّبي»‪ ،‬أي‪ :‬عباديت‬
‫ِ‬
‫المنعم المد ِّبر‬ ‫الرازق‬ ‫وا ْلتِ َجائي ك ُّله لر ِّبي ا َّلذي خلقني‪،‬‬
‫و«الر ُّب» هو‪ :‬الخالق َّ‬
‫َّ‬
‫المتصرف المد ِّبر يف شؤون خلقه ك ِّلها‪ ،‬ا َّلذي بيده أز َّمة األمور‪ .‬وهذا هو معنى‬ ‫ِّ‬
‫قول اهلل‪﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾‬
‫[البقرة‪.]21 :‬‬
‫الشرك والخلوص منه‪.‬‬ ‫«ل ُأ ْشرِ ُك بِ ِه َش ْيئًا»‪ ،‬هذا فيه الرباءة من ِّ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫الشرك؛ بأن ِ‬
‫يعتمدَ العبدُ على ر ِّبه‬ ‫إخالص التَّوحيد والرباء ُة من ِّ‬ ‫الهم‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فعالج ِّ‬
‫ومهماته‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ملماته ويف جميع أموره‬ ‫كل َّ‬ ‫يف ِّ‬
‫الكرب؛ َّ‬
‫ألن قلبه‬ ‫ُ‬ ‫المسلم هذه الكلمة العظيمة ذهب عنه‬ ‫ُ‬ ‫فإذا قال‬
‫وأجل المقاصد وأعظم الغايات؛‬‫ِّ‬ ‫انشغل بأعظم األمور وأوجب الواجبات‬
‫ٌ‬
‫منشغل بالتَّوحيد وباإليمان‬ ‫ٌ‬
‫مكان؛ ألنَّه‬ ‫للغم فيه‬
‫ِّ‬ ‫وهو توحيد اهلل‪ ،‬فال يبقى‬
‫للر ِّب العظيم ‪.E‬‬ ‫وباإلخالص َّ‬
‫‪459‬‬ ‫‪ -74‬أذكار الكرب والغ ِّم واهل ِّم واحلزن (‪)1‬‬
‫َّ‬
‫‪ ‬وفي الحديث الثالث حديث أبي بكرة ‪ I‬قال ‪:O‬‬
‫ول‪ :‬ال َّل ُه َّم َر ْح َمت َ‬
‫َك‬ ‫وب ‪-‬يعني دعوات َمن أصابه كرب‪َ -‬أ ْن َي ُق َ‬ ‫المك ُْر ِ‬ ‫ات َ‬ ‫« َد َع َو ُ‬
‫ْت»‪،‬‬‫َأ ْر ُجو َف َل تَكِ ْلنِي إِ َلى َن ْف ِسي َط ْر َف َة َع ْي ٍن‪َ ،‬و َأ ْص ِل ْح لِي َش ْأنِي ُك َّل ُه‪َ ،‬ل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫وما أعظمها من دعوات!‬
‫َك َأ ْر ُجو»‪ ،‬أي‪ :‬رحمتك وحدك يا اهلل أرجو‪ ،‬ال أرجو‬ ‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َر ْح َمت َ‬
‫أحد سواك؛ وهذا فيه اإلخالص وفيه التَّوحيد‪ ،‬وأصل الجملة‪« :‬أرجو‬ ‫رحم َة ٍ‬
‫المعمول على العامل يفيد الحصر؛ فيبدأ دعوته لطرد‬ ‫ُ‬ ‫رحمتك»‪ ،‬وتقدُّ م‬
‫الكرب ا َّلذي أصابه هبذا التَّوحيد وال ُّلجوء إلى اهلل‪« :‬ال َّل ُه َّم َر ْح َمت ََك َأ ْر ُجو»‪،‬‬
‫أحد سواك‪.‬‬ ‫أي‪ :‬أرجو الرحمة منك وأطلبها منك‪ ،‬وال أطلبها من ٍ‬
‫َّ‬
‫وقوله‪َ « :‬ف َل تَكِ ْلنِي إِ َلى َن ْف ِسي َط ْر َف َة َع ْي ٍن»‪ ،‬هذا فيه افتقار العبد الكامل إلى‬
‫سكون من سكناته‪ ،‬فال غنى له عن ر ِّبه‬ ‫ٍ‬ ‫كل لحظة من لحظاته‪ ،‬ويف ِّ‬
‫كل‬ ‫اهلل يف ِّ‬
‫ومواله َط ْر َفة َع ْي ِن‪ .‬ومن ُوكل إلى نفسه أو إلى أحد غير اهلل ضاع‪ ،‬ولهذا من‬
‫ِ‬
‫قوة‬ ‫نعمة اهلل عليك أن ال يك َلك َّإل إليه؛ ألنَّه إذا َوكَلك إليه سبحانه و َك َلك إلى َّ‬
‫وعزة وقهر وسلطان‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ﴾ [ال َّطالق‪﴿ ،]3 :‬ﮄ ﮅ‬ ‫َّ‬
‫الزمر‪.]36 :‬‬ ‫ﮆ ﮇﮈ﴾ [ ُّ‬

‫«و َأ ْص ِل ْح لِي َش ْأنِي ُك َّل ُه»‪ ،‬هذا فيه افتقار العبد إلى اهلل يف إصالح‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫شأنه ك ِّله يف دينه ودنياه وآخرته‪ ،‬ال يص ُلح شيء من ذلك َّإل إذا أصلحه اهلل؛‬
‫كما يف الدُّ عاء المأثور‪« :‬ال َّل ُه َّم َأ ْصلِ ْح لِي ِدينِي ا َّل ِذي ُه َو ِع ْص َم ُة َأ ْم ِري‪َ ،‬و َأ ْصلِ ْح‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اج َع ِل‬ ‫اي ا َّلتي ف َيها َم َعاشي‪َ ،‬و َأ ْصلِ ْح لي آخ َرتي ا َّلتي ف َيها َم َعادي‪َ ،‬و ْ‬ ‫لي ُد ْن َي َ‬
‫اح ًة لِي مِ ْن ك ُِّل َش ٍّر»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫ِ ِ‬
‫الح َيا َة ِز َيا َد ًة لي في ك ُِّل َخ ْي ٍر‪َ ،‬‬
‫والم ْو َت َر َ‬ ‫َ‬
‫ْت»‪ٌ ،‬‬
‫فزع إلى التَّوحيد لزوال الكرب‪.‬‬ ‫«ل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫وقوله يف تمامه‪َ :‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2720‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪460‬‬

‫َّبي ﷺ قال‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬


‫والحديث الرابع‪ :‬حديث سعد بن أبي وقاص ‪ I‬أن الن َّ‬
‫َّ‬
‫ُّون إِ ْذ دعا وهو فِي ب ْط ِن الح ِ‬
‫ْت‬ ‫َك إِنِّي ُكن ُ‬ ‫ْت ُس ْب َحان َ‬‫وت َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬ ‫ُ‬ ‫« َد ْع َو ُة ِذي الن ِ َ َ َ ُ َ َ‬
‫اب اهللُ َله»؛‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪َ ،‬فإِ َّن ُه ما َد َعا بِ َها َر ُج ٌل ُم ْسل ٌم في َش ْيء َق ُّط إِ َّل ْاست ََج َ‬
‫م ْن ال َّظالم َ‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫واعتمادا عليه أن‬ ‫أمورا أربعةً؛ يأتي بها العبد ثقة باهلل‬ ‫تضمنت هذه الكلمة ً‬ ‫َّ‬
‫همه‪:‬‬‫يفرج َّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫األول‪ :‬التَّوحيد «ال إله َّإل أنت»‪.‬‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫أنزهك ‪-‬يا اهلل‪-‬‬ ‫الثاني‪ :‬تنزيه اهلل يف قوله‪« :‬سبحان ََك»‪ ،‬ومعنى سبحانك‪ِّ :‬‬
‫كل ما ال يليق بك‪.‬‬ ‫عن ِّ‬
‫كنت مِ َن ال َّظالمين»‪.‬‬
‫َّ‬
‫الثالث‪ :‬االعرتاف بال ُّظلم والتَّقصير «إنِّي ُ‬
‫الرابع‪ :‬العبود َّية هلل‪ ،‬باعرتافك بأنَّك عبدٌ هلل ال غنى لك عنه َط ْر َفة ع ْين‪.‬‬
‫َّ‬

‫عالج عظيم وشفا ٌء مبارك لل ُك َرب والغموم‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫فهذا‬
‫‪461‬‬ ‫‪ -75‬أذكار الكرب والغ ِّم واهل ِّم واحلزن (‪)2‬‬

‫‪75‬‬

‫أذكار الكرب والغ ِّم واهل ِّم واحلزن (‪)2‬‬

‫متنوعة‪ ،‬وقد َي ِر ُد على قلبه وار َد ٌ‬


‫ات‬ ‫قد ُيصاب العبدُ يف هذه الحياة بآال ٍم ِّ‬
‫ِ‬
‫والض َيق‪.‬‬ ‫نفسه‪ ،‬و َت ُ‬
‫جلب له الكدَ َر ِّ‬ ‫متَعدِّ د ٌة َتؤ ِّرق قل َبه و ُت ْؤل ُم َ‬
‫«حزن»‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بأمور ماضية فهو ُ‬ ‫القلب متع ِّل ًقا‬
‫َ‬ ‫* فإن كان هذا األ َل ُم ا َّلذي ُي ُ‬
‫صيب‬

‫* وإن كان متع ِّل ًقا بأمور مستق َب َلة فهو َ‬


‫«ه ٌّم»‪.‬‬
‫* وإن كان متع ِّل ًقا بواقع اإلنسان وحاضره فهو « َغ ٌّم»‪.‬‬
‫و«الهم»‪ ،‬و«ال َغ ُّم»‪ .‬إنَّما تزول عن القلب‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫«الحزن»‪،‬‬ ‫وهذه األمور ال َّثالثة‪:‬‬
‫الصادقة إلى اهلل‪ ،‬و َتمام االنكسار بين يديه‪،‬‬ ‫و َتن َْجلي عن الفؤاد بالعودة َّ‬
‫والت ََّذ ُّلل له سبحانه‪ ،‬والخضوع له‪ ،‬واالستسالم ألمره‪ ،‬واإليمان بقضائه‬
‫ِ‬
‫واإليمان بكتابه‪ ،‬والعناية‬ ‫ِ‬
‫ومعرفة أسمائه وصفاته‪،‬‬ ‫وقدره‪ ،‬ومعرفته سبحانه‪،‬‬
‫بقراءته وتد ُّبره والعمل بما فيه‪ ،‬فبذلك ال بغيره ُ‬
‫تزول هذه األمور وينشرح‬
‫در وتتح َّقق َّ‬
‫السعادة‪.‬‬ ‫الص ُ‬
‫َّ‬
‫جاء يف المسند لإلمام أحمد وصحيح ابن ح َّبان وغيرهما عن عبد اهلل‬
‫«ما َق َال َع ْبدٌ َق ُّط إِذا َأ َصا َب ُه َه ٌّم َأ ْو ُحز ٌْن‪:‬‬ ‫أن النَّبِ ّي ﷺ قال‪َ :‬‬ ‫ابن مسعود ‪َّ I‬‬
‫ك‪،‬‬ ‫اض فِ َّي ُحك ُْم َ‬ ‫َاص َيتِي بِ َي ِد ِك‪َ ،‬م ٍ‬ ‫ك‪ ،‬ن ِ‬ ‫«ال َّل ُه َّم إِنِّي َع ْبدُ َك َوا ْب ُن َع ْب ِد َك وا ْب ُن َأ َمتِ َ‬
‫ك‪َ ،‬أ ْو َأ ْن َز ْل َت ُه فِي‬ ‫ت بِ ِه َن ْف َس َ‬
‫ك‪َ ،‬س َّم ْي َ‬ ‫ك بِك ُِّل ْاس ٍم ُه َو َل َ‬ ‫َعدْ ٌل فِ َّي َق َضاؤُ َك‪َ ،‬أ ْس َأ ُل َ‬
‫ب ِعنْدَ َك‪َ ،‬أ ْن‬ ‫ك‪َ ،‬أ ْو ْاست َْأ َث ْر َت بِ ِه فِي ِع ْل ِم ال َغ ْي ِ‬ ‫ك‪َ ،‬أ ْو َع َّل ْم َت ُه َأ َحدً ا ِم ْن َخ ْل ِق َ‬
‫كِتَابِ َ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪462‬‬
‫ِ‬
‫اب َه ِّمي»؛ إِ َّل‬ ‫ُور َصدْ ِري‪َ ،‬و َج َل َء ُحزْني‪َ ،‬و َذ َه َ‬ ‫يع َق ْلبِي‪َ ،‬ون َ‬ ‫آن َربِ َ‬‫ت َْج َع َل ال ُق ْر َ‬
‫ول اهللِ‪َ ،‬ينْ َب ِغي َلنَا‬ ‫َان ُحزْنِ ِه َف َر ًحا»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ب اهللُ ‪َ D‬ه َّم ُه‪َ ،‬و َأ ْبدَ َل ُه َمك َ‬ ‫َأ ْذ َه َ‬
‫«أ َج ْل‪َ ،‬ي ْن َب ِغي لِ َم ْن َس ِم َع ُه َّن َأ ْن َي َت َع َّل َم ُه َّن»(‪.)1‬‬
‫ات؟ َق َال‪َ :‬‬ ‫ال ِء ال َكلِم ِ‬ ‫َأ ْن َن َت َع َّل َم َه ُؤ َ‬
‫َ‬
‫يحرص على‬
‫َ‬ ‫كلمات عظيم ٌة ينبغي على المسلم أن يتع َّلمها‪ ،‬وأن‬ ‫ٌ‬ ‫فهذه‬
‫أن هؤالء الكلمات‬ ‫الغم‪ ،‬وليعلم كذلك َّ‬ ‫الهم أو ِّ‬ ‫قولها عندما ُيصاب بالحزن أو ِّ‬
‫إنَّما تكون نافع ًة له إذا َفهم مدلو َلها‪ ،‬وح َّقق مقصو َدها‪ ،‬وعمل بما د َّلت عليه‪،‬‬
‫فهم لمعانيها‪ ،‬ودون‬ ‫اإلتيان باألدعية المأثورة واألذكار المشروعة دون ٍ‬ ‫ُ‬ ‫أ َّما‬
‫عديم الفائدة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قليل التَّأثير‬ ‫فإن هذا ُ‬
‫تحقيق لمقاصدها؛ َّ‬
‫يتضمن أربعة أصول عظيمة‪ ،‬ال سبيل‬ ‫َّ‬ ‫ُّ َ ُ َّ‬ ‫‪ ‬وإذا َّ‬
‫نجد أنه‬ ‫تأملنا هذا الدعاء‬
‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫السعادة وزوال ّ‬ ‫للعبد إلى نيل َّ‬
‫والغم والحزن إل باإلتيان بها وتحقيقها‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الهم‬
‫ِ‬
‫تحقيق العبادة هلل‪ ،‬و َتمام االنكسار بين يديه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫األول‪ :‬فهو‬
‫‪َّ ‬أما األصل َّ‬
‫ملوك له هو وآباؤه وأ َّمها ُته ابتدا ًء‬ ‫ٌ‬ ‫والخضوع له‪ ،‬واعرتافه بأنَّه مخلوق هلل َم‬
‫هم إنِّي َع ْبدُ َك َوا ْب ُن‬
‫وحواء‪ ،‬ولهذا قال‪« :‬ال َّل َّ‬
‫من أبويه القريبين وانتها ًء إلى آدم َّ‬
‫فالكل مماليك هلل‪ ،‬وهو خال ُقهم ور ُّبهم وس ِّيدُ هم ومدَ ِّبر‬ ‫ُّ‬ ‫ك»‪،‬‬ ‫َع ْب ِد َك َوا ْب ُن َأ َمتِ َ‬
‫شؤوهنم‪ ،‬ا َّلذي ال غنى لهم عنه طرفة عين‪ ،‬وليس لهم َمن يعوذون به ويلوذون‬
‫الذ ِّل والخضوع‬ ‫به سواه‪ ،‬ومن تحقيق ذلك التزام العبد عبود َّيته سبحانه من ُّ‬
‫واالنكسار‪ ،‬واإلنابة وامتثال األوامر واجتناب النَّواهي‪ ،‬ودوام االفتقار إليه‬
‫القلب‬
‫ُ‬ ‫وال َّلجأ إليه‪ ،‬واالستعانة به والتَّوكُّل عليه واالستعاذة به‪ ،‬وأن ال يتع َّلق‬
‫بغيره مح َّب ًة وخو ًفا ورجا ًء‪.‬‬
‫َّ‬
‫وأن ما شاء اهلل‬ ‫وأما األصل الثاني‪ :‬فهو أن يؤمن العبدُ بقضاء اهلل و َقدَ ره‪َّ ،‬‬ ‫‪َّ ‬‬

‫الصحيحة‬ ‫ِ‬
‫السلسلة َّ‬
‫وصححه األلبان ُّي يف ِّ‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)4318‬وابن ح َّبان (‪،)972‬‬
‫(‪.)199‬‬
'

I k'.-
r-1 IviQ.œw I;w'
.?. ,a I ?..a I). u:I.v)
..!'
q<;t.M olJ h'J i.a
. m * r . 7x 9 '
xzsxa ..-axoh AJ.
ucw. Az ''
'lJ u.'..fw.. eD'f'L=
t.. eD'f'
u; J
'I
.-C

H '' '' ' . ' ' '' '' . '


).t.., ''-.. L')..uo-=? h-ko u9w1'
:
ù. e- h-L#-
5z ùE. ab'
eq''.wx.s
' ..' ...x ..
. .J
j s ..s x,- a,.vrIzw. j. f. .. â .... *o .. o ;
- k.
w.-q.w )r.k,
o c..o. . ;f21J..l-
.w u u
. .,
.....;ss;J.u.
7 ..
q6: 01
. x
./:L ;;. . ..

o J5a < k...r.v 1 ùa,s t,s 4.a ,-V.c.w ,ù.u-'


= . aç t+a u.an=u zulI
q.w5iwt
i 5J
' LC uôJrNuy 4.:.4I
w .y kug?I
..*
r...w
. v ?a;;I
..xw ?kA;(p4 9.:..5j-
oI
w..''xa'kq;'
IA;1
I
zw
Ix l .= Iw'9i'
= LJ
'. a..U I'roIIa
'h9.p ..w
>zcw J=Jl. .p'I 'k.o't'oxw.w
s x1 . . . p
. . . J
'
bM ,>Jzla
IUJ Q
e'
. W u..
q TXxx <-2J>
.= M'
I jK
'*.
us<-Geçe'
. P.'''
n=2Cgw J 4.
:j.c.' <
I&I
y
'
1 s ..' al.
u- - ô..
v ùex. .j
o. t'.'u olw.uj s 1 u'..ufJ' 1I..y'
u'... '''
';( '
;
<... .. . z
. .)z ' oo.,-
I , w . ''w 'u6 m+.
1zt '
...z s ;: s
.- '..y.-..t.-
. .. .o.oy,
.,
s'.L
uc.-.
o z.z.> ab 1-u#Jwf ù.
u-
oo=.p .uo.z.-a ô.u-a-y='
- y . wf

x ov v .so x' a7â :x ow


Hz *â o< >x v .
J v.m <Y :.r41a
. '1'.4* 1.roNJ )).
'><
pwv' '<
',a ''I.u'
.z= . w1a
I-lwké.1z uq.v..,o''
ozw ugtw 1a19b4)!....aLt ..
w1p.wugt.m1a'1t
..wo? %1
îLw
..
l.
x$ 211z .
s. ''
tœh'.x<.x t,pIœ.oop = l.$ '.xkw a . a-vw.w ôlb).t4)1www a'LQi ...w
..

o w u hpt.w woulz k.œ pw.uaxpzw-wuwehu laux . .w J a 9ktwwup u h


o..t u'w..Sz
'1.:I I 1. 1I - .:I ' ' I '
...- u.-gv= w a, .- J vw'pu '- -.v.=.' :
..qa. .'
:f1. 1'
vV..a- u..
w- e? uJ
..e)kwwI:h'jJ'& Y Iwl
'.Ayù.ez .
I=*J11w IwAJtt
'lgq
*.w.mw11
b.sX '>..J='lkor.fap'l(
.' v
e-V....5I'
'u..- ;?' **
w 'to5IU1
<h
J' 'JI
'Q5 Y..ttj
'>@*7
J-
.. - . . -r

I;
'laNr@k.sv
fIg
'
.
I-I.wCw.t.
p. x5IJJJwI-wha'ro
'u'o.oNkG @o'v=C lS..J.k;JlI- 'la
s -. U ; -
,.
=.. '
.s ..$
5I.' .
:4 uw
: -L5I.àga '.t.
5le-
AV'd I' o31, uqrx' 5I' o .-Vw NJ's
.x ' sm'=Q'I
Z lxbh
'- <J .a, o u...wx fux wu2u stw ..xu a .fw,ax'I
'zJswx ou. e t. . .' .. .
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪464‬‬

‫كل‬‫جميع أقضيته سبحانه يف عبده من ِّ‬ ‫َ‬ ‫وقوله‪َ « :‬عدْ ٌل فِ َّي َق َضاؤُ َك»‪ ،‬يتناول‬
‫ٍ‬
‫وعقوبة‬ ‫ٍ‬
‫وحياة وموت‪،‬‬ ‫وسقم‪ ،‬وغنًى وفقر‪ ،‬و َل َّذة وأ َلم‪،‬‬ ‫الوجوه؛ من صحة ُ‬
‫دل فيه ﴿ﰗ ﰘ ﰙ‬ ‫فكل ما يقضي على العبد فهو َع ٌ‬ ‫وتجاوز‪ ،‬وغير ذلك‪ُّ ،‬‬
‫فصلت‪.]46 :‬‬ ‫ﰚ﴾ [ ِّ‬
‫ُ َّ‬
‫واألصل الثالث‪ :‬أن يؤم َن العبدُ بأسماء اهلل الحسنى وصفاته العظيمة‬ ‫‪‬‬
‫ويتوس َل إلى اهلل هبا‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭳ ﭴ‬ ‫َّ‬ ‫والسنَّة‪،‬‬
‫الواردة يف الكتاب ُّ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ [األعراف‪:‬‬
‫‪ ،]180‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ﴾‬
‫[اإلسراء‪.]110 :‬‬
‫عظيم المعرفة باهلل وأسمائه وصفاته زادت خشيتُه له‪،‬‬ ‫َ‬ ‫والعبدُ ك َّلما كان‬
‫و َع ُظمت مراقبتُه له‪ ،‬وازدا َد ُب ْعدً ا عن معصيته والوقوع فيما يسخطه‪ ،‬كما قال‬
‫أعظم‬
‫َ‬ ‫فإن‬‫ف»(‪ ،)1‬ولهذا َّ‬ ‫َان مِنْ ُه َأ ْخ َو َ‬
‫فك َ‬ ‫َان بِاهللِ َأ ْع َر َ‬ ‫لف‪َ « :‬م ْن ك َ‬ ‫الس ُ‬ ‫بعض َّ‬
‫عم َر قل َبه بمعرفته‬ ‫يعرف العبدُ ر َّبه‪ ،‬وأن َي ُ‬ ‫َ‬ ‫والغم؛ أن‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫والحزن‬ ‫الهم‬
‫طر ُد َّ‬ ‫ما َي ُ‬
‫ك بِك ُِّل ْاس ِم‬ ‫«أ ْس َأ ُل َ‬
‫يتوس َل إليه بأسمائه وصفاته‪ ،‬ولهذا قال‪َ :‬‬ ‫سبحانه‪ ،‬وأن َّ‬
‫ك‪َ ،‬أ ْو َع َّل ْم َت ُه َأ َحدً ا ِم ْن َخ ْل ِق َ‬
‫ك‪َ ،‬أ ْو‬ ‫ك‪َ ،‬أ ْو َأ ْن َز ْل َت ُه فِي كِتَابِ َ‬ ‫ت بِ ِه َن ْف َس َ‬
‫ك َس َّم ْي َ‬‫ُه َو َل َ‬
‫ب ِعنْدَ َك»‪.‬‬ ‫ْاست َْأ َث ْر َت بِ ِه فِي ِع ْل ِم ال َغ ْي ِ‬

‫سمى به نفسه‬ ‫قسم‪َّ :‬‬


‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬فجعل أسماء اهلل ثالثة أقسام‪ٌ :‬‬
‫وقسم‪ :‬أنزل به‬
‫ٌ‬ ‫لمن شاء من مالئكته‪ ،‬أو غيرهم ولم ينزل به كتابه‪،‬‬‫فأظهره َ‬
‫وقسم‪ :‬استأثر به يف علم غيبه فلم ُيطلِع عليه أحدً ا‬
‫ٌ‬ ‫فتعرف به إلى عباده‪،‬‬
‫كتابه َّ‬
‫تفردت بعلمه»(‪.)2‬‬
‫من خلقه؛ ولهذا قال‪( :‬استأثرت به)‪ ،‬أي‪َّ :‬‬
‫للمروزي (‪.)786‬‬ ‫الصالة‬
‫اكي‪ ،‬كما يف تعظيم قدر َّ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫ِّ‬ ‫(((  قاله أحمدُ ب ُن عاصم األنط ُّ‬
‫(((  بدائع الفوائد (‪.)293/1‬‬
‫‪465‬‬ ‫‪ -75‬أذكار الكرب والغ ِّم واهل ِّم واحلزن (‪)2‬‬

‫توس ٌل إلى اهلل بأسمائه ك ِّلها ما َعلِ َم العبدُ منها وما َلم يعلم‪ ،‬وهذا‬
‫فهذا ُّ‬
‫أحب الوسائل إلى اهلل سبحانه‪.‬‬
‫ُّ‬
‫الرابع‪ :‬هو العناي ُة بالقرآن الكريم‪ ،‬كالم اهلل ‪ D‬ا َّلذي ال يأتيه‬ ‫ُ‬
‫واألصل َّ‬
‫والشفاء والكفاية‬ ‫الباطل من بين يديه وال من خلفه‪ ،‬المشتمل على الهداية ِّ‬ ‫ُ‬
‫عظيم العناية بالقرآن تالو ًة وحف ًظا ومذاكرةً‪،‬‬ ‫َ‬ ‫والعافية‪ ،‬والعبدُ ك َّلما كان‬
‫ِ‬
‫الصدر‪ ،‬وزوال‬ ‫السعادة وال ُّطمأنينة‪ ،‬وراحة َّ‬ ‫وعمل وتطبي ًقا؛ نال من َّ‬ ‫ً‬ ‫وتد ُّب ًرا‬
‫آن‬ ‫الهم وال َغ ِّم والحزن بحسب ذلك‪ ،‬ولهذا قال يف هذا الدُّ عاء‪َ :‬‬
‫«أ ْن ت َْج َع َل ال ُق ْر َ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫اب َه ِّمي»‪ .‬فالقرآن شفا ٌء ودوا ٌء‬ ‫ُور َصدْ ِري َو َج َل َء ُحزْني َو َذ َه َ‬
‫يع َق ْلبِي َون َ‬ ‫َربِ َ‬
‫للذاكرين‪ ،‬و َمن يقرأ كتاب اهلل متد ِّب ًرا معانيه ينشرح‬ ‫وهداية وموعظ ٌة وذكرى َّ‬
‫صدره وتنزاح عنه همومه وغمومه‪.‬‬
‫فهذه أربع ُة أصول عظيمة مستفادة من هذا الدُّ عاء المبارك؛ ينبغي لنا أن‬
‫والفضل العظيم وهو‬ ‫َ‬ ‫الكريم‬
‫َ‬ ‫لننال هذا الموعو َد‬ ‫نتأ َّم َلها وأن نَس َعى يف تحقيقها؛ َ‬
‫َان ُحزْنِ ِه َف َر ًحا»‪ ،‬ويف رواية‪َ « :‬ف َر ًجا»‪.‬‬ ‫ب اهللُ َه َّم ُه َو َأ ْبدَ َل ُه َمك َ‬
‫قوله ﷺ‪« :‬إِ َّل َأ ْذ َه َ‬
‫ِ‬ ‫«ح ْس ُبنَا اهللُ َونِ ْع َم ا ْل َوكِ ُ‬
‫يل»‪َ ،‬قا َل َها إِ ْب َراه ُ‬
‫يم‬ ‫َو َع ْن ابن ع َّباس ‪َ L‬ق َال‪َ :‬‬
‫ن َقا ُلوا‪﴿ :‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬ ‫ِ‬ ‫‪ِ S‬حي َن ُأ ْل ِقي فِي الن ِ‬
‫َّار‪َ ،‬و َقا َل َها ُم َح َّمدٌ ﷺ حي َ‬ ‫َ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ﴾ [آل عمران‪.»]173 :‬‬
‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫رواه‬
‫ين ُأ ْل ِقي فِي النَّار»‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ‬ ‫ِ‬
‫إبراهيم ح َ‬
‫ُ‬ ‫« َقا َل َها‬
‫ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [األنبياء‪.]70-68 :‬‬
‫«و َقا َل َها محمدٌ ﷺ»‪ ،‬وذلك بعد منصرف قريش واألحزاب من ُأ ٍ‬
‫حد ب َل َغه‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ‬
‫البخاري (‪.)4563‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪466‬‬

‫َّبي ﷺ يف سبعين راك ًبا‬ ‫َّ‬


‫الكرة عليهم‪ ،‬فخرج الن ُّ‬ ‫أن أبا سفيان و َمن معه قد أجمعوا َّ‬
‫الرعب يف قلب أبي سفيان فرجع إلى‬ ‫حتَّى انتهى إلى حمراء األسد‪ ،‬فألقى اهلل ُّ‬
‫ركب فقال‪ :‬أين تريدون؟ قالوا‪ :‬نريد المدينة‪ ،‬قال‪ :‬فهل‬ ‫ومر به ٌ‬ ‫بمن معه‪َّ ،‬‬ ‫م َّكة َ‬
‫محمدً ا عنِّي رسالة؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪« :‬فإذا وافيتموه فأخربوه أنَّا قد‬ ‫أنتم مب ِّلغون َّ‬
‫الركب برسول اهلل وهو‬ ‫فمر َّ‬
‫السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بق َّيتهم»‪َّ ،‬‬ ‫أجمعنا َّ‬
‫بحمراء األسد‪ ،‬فأخربوه با َّلذي قال أبو سفيان‪ ،‬فقال‪« :‬حسبنا اهلل ونعم الوكيل»‪.‬‬
‫يل»‪ ،‬هذه كلمة عظيمة‪ ،‬وهي كلمة استعانة‬ ‫الوكِ ُ‬ ‫ِ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫«ح ْس ُبنَا اهللُ َون ْع َم َ‬
‫والحسب‪ :‬الكايف‪.‬‬‫ْ‬ ‫والتجاء واعتصام باهلل ‪.F‬‬
‫شر ما نالقيه ومن كيد َمن‬ ‫«ح ْس ُبنَا اهللُ»‪ ،‬أي‪ :‬اهلل كافينا من ِّ‬ ‫فمعنى قوله‪َ :‬‬
‫يعادينا‪.‬‬
‫فوض‬ ‫الوكِ ُ‬
‫يل»‪ ،‬أي‪ :‬ن ْعم َمن ُيتوكَّل عليه و ُيعتمد عليه و ُت َّ‬
‫وقوله‪ِ :‬‬
‫«ون ْع َم َ‬
‫َ‬
‫األمور إليه‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [إبراهيم‪ ،]12 :‬وقال‬
‫[الزمر‪ ،]38 :‬فنعم الوكيل‪ ،‬و َمن توكَّل على‬ ‫تعالى‪﴿ :‬ﯩ ﯪ ﯫ﴾ ُّ‬
‫اهلل ‪ D‬كفاه ووقاه وأعانه يف أمور دينه ودنياه‪ ،‬كما قال اهلل ‪﴿ :F‬ﮄ‬
‫الزمر‪ ،]36 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ﴾‬ ‫ﮅ ﮆ ﮇﮈ﴾ [ ُّ‬
‫[ال َّطالق‪ ،]3 :‬أي‪ :‬كافيه‪.‬‬
‫لكل عمل جزا ًء من جنسه‪ ،‬وجعل‬ ‫السلف‪ :‬جعل اهلل تعالى ِّ‬
‫قال بعض َّ‬
‫جزاء التَّوكُّل عليه نفس كفايته لعبده‪ ،‬فقال‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ﴾‪،‬‬
‫ولم يقل نؤته كذا وكذا من األجر كما قال يف األعمال‪ ،‬بل جعل نفسه سبحانه‬
‫حق توكُّله‬
‫كايف عبده المتوكِّل عليه وحسبه وواقيه‪ ،‬فلو توكَّل العبد على اهلل َّ‬
‫مخرجا من ذلك وكفاه‬ ‫ً‬ ‫السموات واألرض و َمن فيهن لجعل له‬ ‫وكادته َّ‬
‫عظيما فاهلل كافيه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ونصره‪ ،‬فا َّلذي يلتجئ إلى اهلل ‪ D‬مهما كان الخ ْطب‬
‫‪467‬‬ ‫‪ -76‬ما يقول إذا أصابته مصيبة‬

‫‪76‬‬

‫ما يقول إذا أصابته مصيبة‬

‫أن ُسنَّة اهلل ماضي ٌة يف عباده بأن َيبتل َيهم يف هذه الحياة الدُّ نيا بأنوا ٍع من‬‫ليعلم َّ‬
‫والرزايا‪ ،‬فيبتليهم بالفقر تار ًة وبالغنى تار ًة أخرى‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫الباليا وألوان من المحن َّ‬
‫وبالض َّراء حينًا آخر‪،‬‬‫َّ‬ ‫وبالس َّراء حينًا‬
‫َّ‬ ‫وبالصحة تار ًة وبالمرض تار ًة أخرى‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫وليس يف النَّاس َّإل َمن هو ُمب َت ًلى‪ ،‬إ َّما بفوات محبوب‪ ،‬أو حصول مكروه‪،‬‬
‫ِ‬
‫ضحكت ً‬
‫قليل‬ ‫أو زوال مرغوب‪ ،‬فسرور الدُّ نيا أحال ُم نوم أو كظ ٍّل زائل‪ ،‬إن َأ َ‬
‫ً‬
‫طويل‪،‬‬ ‫دهرا‪ ،‬وإن َمتَّعت ً‬
‫قليل َمنَعت‬ ‫أحزنت ً‬ ‫كثيرا‪ ،‬وإن َس َّرت يو ًما َ‬ ‫أبكت ً‬
‫دارا حرب ًة َّإل َمألهتا عربةً‪ ،‬كما قال ابن مسعود ‪ِّ :I‬‬
‫«لكل َفرحة‬ ‫وما َمألت ً‬
‫بيت َف َر ًحا َّإل ُملِ َئ َت َر ًحا»(‪.)1‬‬
‫لئ ٌ‬‫َترحة‪ ،‬وما ُم َ‬
‫كل أحواله‪ ،‬كما قال ﷺ‪َ « :‬ع َج ًبا‬ ‫صائر إلى خير يف ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫أن عبدَ اهلل المسلم‬ ‫َّإل َّ‬
‫اك ِلَ َح ٍد إِ َّل لِ ْل ُم ْؤ ِم ِن؛ إِ ْن َأ َصا َب ْت ُه َس َّرا ُء‬
‫الم ْؤ ِم ِن إِ َّن َأ ْم َر ُه ُك َّل ُه َخ ْي ٌر‪َ ،‬و َل ْي َس َذ َ‬
‫ألَ ْمرِ ُ‬
‫َان َخ ْي ًرا َل ُه»‪ .‬رواه مسلم(‪.)2‬‬ ‫َان َخ ْي ًرا َل ُه‪َ ،‬وإِ ْن َأ َصا َب ْت ُه َض َّرا ُء َص َب َر َفك َ‬ ‫َشك ََر َفك َ‬
‫كل قضاء يقضيه اهلل للمؤمن ا َّلذي يصرب على البالء ويشكر‬
‫أن َّ‬
‫فأخرب النَّبي ﷺ َّ‬
‫ُّ‬
‫الس َّراء فهو خير له‪ ،‬قال تعالى يف مواضع من كتابه‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫على َّ‬
‫ٍ‬
‫شكور على‬ ‫والضيق‪،‬‬
‫الض َّراء والعسر ِّ‬ ‫ﮩ ﮪ﴾ [سبأ‪ ،]19 :‬أي‪ :‬ص َّب ٍ‬
‫ار يف َّ‬
‫الس َّراء والنِّعمة‪.‬‬
‫َّ‬
‫السرور (ص‪.)3‬‬
‫(((  رواه ابن أبي الدُّ نيا يف االعتبار وأعقاب ُّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)9992‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪468‬‬

‫اهلل َت َعا َلى‪﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬


‫َق َال ُ‬
‫ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ [البقرة‪.]157-155 :‬‬
‫ادق من الكاذب‪،‬‬ ‫الص ُ‬
‫فأخرب سبحانه أنَّه يبتلي عبا َده بالمحن؛ ل َي َت َب َّي َن َّ‬
‫ن من المرتاب‪ ،‬و َذك ََر ‪C‬‬
‫ً‬
‫أنواعا ِم َّما يبتليهم به‪:‬‬ ‫الصابر‪ ،‬والموق ُ‬
‫والجازع من َّ‬
‫‪ -‬فهو يبتليهم بشيء من الخوف‪ ،‬أي‪ :‬من األعداء‪.‬‬
‫‪ -‬والجوع‪ ،‬أي‪ :‬بنقص ال َّطعام والغذاء‪.‬‬
‫جميع أنواع النَّقص المعرتي لألموال‪،‬‬
‫َ‬ ‫يشم ُل‬ ‫ٍ‬
‫ونقص من األموال‪ ،‬وهو َ‬ ‫‪-‬‬
‫السلب‪ ،‬أو غير ذلك‪.‬‬
‫الض َياع‪ ،‬أو َّ‬
‫السماو َّية‪ ،‬أو الغرق‪ ،‬أو َّ‬
‫سواء بالجوائح َّ‬
‫ِ‬
‫األنفس‪ ،‬بذهاب األحباب من األوالد واألقارب‬ ‫‪ -‬ويبتليهم كذلك بنقص‬
‫دخ ُل تحت هذا ما ُيصيب البدن من أنواع األمراض واألسقام‪.‬‬
‫واألصحاب‪ ،‬و َي ُ‬
‫‪ -‬ويبتليهم كذلك بنقص ال َّث َمرات‪ ،‬من الحبوب وثمار النَّخيل واألشجار‪.‬‬
‫وحظ اإلنسان‬‫ُّ‬ ‫الخبير أخ َب َر بوقوعها‪،‬‬
‫َ‬ ‫العليم‬
‫َ‬ ‫أمور ال بدَّ وأن تقع؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫وهي ٌ‬
‫ِ‬
‫الرضا‪ ،‬ومن َسخط فله‬ ‫رضي فله ِّ‬‫َ‬ ‫من المصيبة هو ما ُتحدث له من أثر‪َ ،‬‬
‫فمن‬
‫أحكم‬
‫ُ‬ ‫أن ا َّلذي ابتاله بمصيبته هو‬ ‫المصاب َّ‬
‫ُ‬ ‫يعلم‬
‫السخط‪ ،‬ولهذا ال بدَّ أن َ‬ ‫ُّ‬
‫الراحمين‪ ،‬وأنَّه سبحانه َلم ُيرسل بال َءه عليه ليهل َكه أو‬ ‫وأرحم َّ‬
‫ُ‬ ‫الحاكمين‬
‫ضر َعه وابتها َله‬
‫ليعذ َبه‪ ،‬وإنَّما ابتاله ليمتح َن صربَه ورضاه وإيمانَه‪ ،‬وليسمع َت ُّ‬
‫ِّ‬
‫مكسور القلب بين يديه‪ ،‬راف ًعا يدي‬
‫َ‬ ‫بجنَابه‪،‬‬ ‫طريحا ببابه‪ً ،‬‬
‫الئذا َ‬ ‫ً‬ ‫ودعا َءه‪ ،‬ول َي َرا ُه‬
‫َ‬
‫وجزيل‬ ‫عظيم موعود اهلل‬
‫َ‬ ‫وحزنَه إليه؛ َ‬
‫فينال بذلك‬ ‫الض َراعة إليه‪ ،‬يشكو َب َّثه ُ‬ ‫َّ‬
‫ووافر آالئه ونعمائه‪.‬‬
‫َ‬ ‫عطائه‬
‫‪469‬‬ ‫‪ -76‬ما يقول إذا أصابته مصيبة‬

‫وما من إنسان َّإل وهو مبتلى و ُعرضة للمصائب‪ ،‬والدُّ نيا ميدان ابتالء واهلل‬
‫والرخاء‪ ،‬والمرض والعافية‬ ‫والض َّراء‪ِّ ،‬‬
‫والشدَّ ة َّ‬ ‫بالسراء َّ‬ ‫سبحانه يبتلي العبد َّ‬
‫﴿ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ﴾ [األنبياء‪]35 :‬؛ فلهذا ينبغي للعبد‬
‫أن المصيبة ا َّلتي تصيبه لم ينزلها اهلل هبا ليهلكه‪ ،‬وإنَّما أنزلها ليبتليه‪،‬‬ ‫أن يعلم َّ‬
‫أن هذا ابتال ٌء من اهلل‪ ،‬ويحرص أن يكون يف مصيبته من الفائزين‬ ‫فيستشعر َّ‬
‫َّسخط والجزع وغير ذلك‪ ،‬وقد‬ ‫والسالمة من الت ُّ‬ ‫والرضا والدُّ عاء َّ‬ ‫بالصرب ِّ‬
‫َّ‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ‬
‫الرجل تصيبه المصيبة في ْعلم أنَّها‬ ‫ﭮ ﭯ﴾ [التَّغابن‪ ،]11 :‬قال علقمة‪« :‬هو َّ‬
‫من عند اهلل فيرضى و ُيس ِّلم»(‪.)1‬‬
‫ٍ‬
‫لجوء إلى اهلل‬ ‫هذه حال المؤمن يفزع إلى اإليمان‪ ،‬ويعمل بما يقتضيه من‬
‫وفز ٍع إليه‪ ،‬و اسرتجاعه عند المصيبة؛ حتَّى يفوز بال َّثواب‪ ،‬كما قيل‪ُّ :‬‬
‫حظ المرء‬
‫ورضا وعدم ُّ‬
‫تسخط‬ ‫من المصيبة ما ُتحدث له من أثر؛ فإن أحدثت له صربًا ً‬
‫تسخ ًطا وجز ًعا فهو الخاسر‪.‬‬
‫فهو الفائز‪ ،‬وإن أحدثت ُّ‬
‫وقوله سبحانه‪﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾‬
‫[البقرة‪ ،]156:‬هذه كلمة عظيمة ُتقال عند المصيبة وهي كلمة اسرتجاع‪ ،‬وال ُبدَّ‬
‫من فهمها؛ إذ كثير من النَّاس يقولها ويقول غيرها من األذكار وال يدري شي ًئا‬
‫عن مدلولها!! وهي َّ‬
‫تتكون من جملتين‪:‬‬
‫ويتصرف‬
‫َّ‬ ‫الجملة األولى‪﴿ :‬ﭳ ﭴ﴾‪ ،‬أي‪ :‬نحن هلل مماليك‪ ،‬يد ِّبر شئوننا‬
‫يف أمورنا‪ ،‬أز َّمتنا بيده‪ ،‬يقضي فينا بما يشاء‪ ،‬ويحكم فينا بما يريد‪ ،‬ال مع ِّقب‬
‫تصرفه‬
‫ملك هلل وتحت ُّ‬ ‫وكل ما يكون يف هذا الكون ٌ‬ ‫لحكمه وال را َّد لقضائه‪ُّ ،‬‬
‫وقضائه وقدره ‪.E‬‬

‫السنن الكربى (‪.)7133‬‬


‫البيهقي يف ُّ‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪470‬‬
‫َّ‬
‫الجملة الثانية‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ﴾‪ ،‬أي‪ :‬مرجعنا ومآلنا ومصيرنا ومآبنا‬
‫إلى اهلل ‪ F‬كما قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯔ ﯕ﴾ [البقرة‪ ،]285 :‬وقال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [العلق‪ ،]8 :‬قال تعالى‪﴿ :‬ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ﴾ [النَّجم‪:‬‬
‫‪ ،]42‬فالمرجع والمآل والمآب إلى اهلل ‪.C‬‬
‫فهي كلمة عظيمة إذا قالها المسلم يف المصيبة؛ يسلو ويذهب عنه ما قد‬
‫يجد‪ ،‬لكن ال ُبدَّ من الفهم‪ ،‬والتَّأ ُّمل يف الدَّ الالت والهدايات‪.‬‬
‫قوله‪﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]157‬هذه ثالثة مكاسب عظيمة‪:‬‬
‫والصالة من اهلل ‪ F‬على العبد‪ :‬هي‬ ‫األول‪﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫ال َّثناء عليه يف المأل األعلى؛ فهذا َّأول ٍ‬
‫أمر يظفر به َمن يسرتجع عند المصيبة‪:‬‬
‫فيمن عنده‪ ،‬واهلل تعالى يقول‪:‬‬
‫ثناء اهلل عليه يف المأل األعلى‪ ،‬يذكره ‪َ F‬‬
‫﴿ﯩ ﯪ﴾ [البقرة‪.]152 :‬‬
‫َّ‬
‫الثاني‪﴿ :‬ﭾﭿ﴾ [البقرة‪ ،]157:‬فيحظى ويظفر برحمة اهلل ‪ F‬له‬
‫تتنزل عليه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫أي شيء؛‬ ‫الثالث‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ﴾ [البقرة‪ ،]157:‬ولم يذكر إلى ِّ‬
‫كل خير يف الدُّ نيا واآلخرة؛ إلى ال ُّطمأنينة‪ ،‬وإلى َّ‬
‫الراحة‪،‬‬ ‫ليعم الهداية إلى ِّ‬ ‫َّ‬
‫خير وفض ٍل‬‫كل ٍ‬
‫ليعم الهداية إلى ِّ‬
‫الصراط المستقيم‪ ،‬وإلى الجنَّة‪ ،‬فأطلق َّ‬ ‫وإلى ِّ‬
‫ٍ‬
‫ونعمة يف الدُّ نيا واآلخرة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وراحة‪،‬‬
‫قال عمر بن الخ َّطاب ‪« :I‬نِعم ا ْل ِعدْ َل ِن ونِعم ا ْل ِع َلوةُ»(‪ِ ،)1‬‬
‫العدالن‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫الزيادة على ذلك وهي قوله‪﴿ :‬ﮀ‬
‫والرحمة‪ ،‬والعالوة‪ :‬وهي ِّ‬
‫الصلوات َّ‬
‫َّ‬
‫البخاري (‪.)83/2‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪471‬‬ ‫‪ -76‬ما يقول إذا أصابته مصيبة‬

‫ﮁ ﮂ﴾‪ .‬فهذه خيرات عظيمة‪ ،‬ينالها بتوفيق من اهلل َمن يسرتجع عند‬
‫المصاب‪.‬‬
‫علي العابد‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫روى أبو نعيم يف كتابه «حلية األولياء» عن الحسن بن ٍّ‬
‫«قال الفضيل بن عياض ‪ V‬لرجل‪ :‬كم أ َتت عليك؟ قال ستُّون سنةً‪ ،‬قال‪:‬‬
‫علي‬
‫الرجل‪ :‬يا أبا ٍّ‬ ‫تسير إلى ر ِّبك توشك أن تبلغ‪ ،‬فقال َّ‬ ‫فأنت منذ ستِّين سن ًة ُ‬
‫الرجل‪ :‬قلت‪:‬‬ ‫تعلم ما تقول؟ فقال َّ‬ ‫(إنَّا هلل وإنَّا إليه راجعون)‪ ،‬قال له الفضيل‪ُ :‬‬
‫فسره لنا‬ ‫الرجل‪ِّ :‬‬ ‫تفسيره؟ قال َّ‬ ‫ُ‬ ‫(إنَّا هلل وإنَّا إليه راجعون)‪ ،‬قال الفضيل‪ :‬تع َل ُم ما‬
‫فمن َعلِ َم‬‫راجع؛ َ‬‫ٌ‬ ‫علي‪ ،‬قال‪ :‬قو ُلك (إنَّا هلل) تقول‪ :‬أنا هلل عبدٌ وأنا إلى اهلل‬ ‫يا أبا ٍّ‬
‫موقوف؛ فليعلم‬‫ٌ‬ ‫موقوف‪ ،‬و َمن َعلم بأنَّه‬
‫ٌ‬ ‫أنَّه عبد اهلل وأنَّه إليه راجع؛ فليع َلم بأنَّه‬
‫الرجل‪ :‬فما‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫للسؤال جوا ًبا‪ ،‬فقال َّ‬ ‫مسؤول؛ فل ُيعدَّ ُّ‬ ‫بأنَّه مسئول‪ ،‬و َمن علم أنَّه‬
‫بقي ُيغ َفر لك ما مضى؛‬ ‫ُ‬
‫الحيلة؟ قال‪ :‬يسيرة‪ ،‬قال‪ :‬ما هي؟ قال‪ :‬تحس ُن فيما َ‬
‫ذت بما مضى وما بقي»(‪.)1‬‬ ‫أسأت فيما بقي ُأ ِخ َ‬
‫َ‬ ‫فإنَّك إن‬
‫السلف ‪ X‬بمعاين األذكار ومعرفة‬ ‫ويف هذا دالل ٌة على عظم اهتمام َّ‬
‫دالالهتا وتحقيق مقاصدها وغاياهتا‪ ،‬وتأكيدهم على هذا األمر العظيم؛‬
‫آثارها‪ ،‬وتتوافر له خيرا ُتها وبركاهتا‪.‬‬ ‫ثمارها‪ ،‬وتظهر فيه ُ‬ ‫لتتح َّقق للعبد ُ‬
‫ول‪:‬‬ ‫ول اهلل ﷺ َي ُق ُ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫و َع ْن ُأ ِّم َس َل َم َة ‪َ J‬ز ْوجِ النَّبِ ِّي ﷺ َقا َل ْت‪َ :‬س ِم ْع ُ‬
‫أج ْرنِي فِي‬ ‫ون‪ ،‬ال َّل ُه َّم ُ‬ ‫اج ُع َ‬ ‫له َوإِنَّا إِ َل ْي ِه َر ِ‬
‫ول‪« :‬إِنَّا لِ ِ‬ ‫«ما ِم ْن َع ْب ٍد ت ُِصي ُب ُه ُم ِصي َب ٌة َف َي ُق ُ‬‫َ‬
‫ف َل ُه َخ ْي ًرا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف لي َخ ْي ًرا من َْها»؛ إِ َّل َأ َج َر ُه اهَّللُ في ُمصي َبته‪َ ،‬و َأ ْخ َل َ‬ ‫ِ‬ ‫أخل ْ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُمصي َبتي َو ْ‬ ‫ِ‬

‫ف اهللُ‬ ‫ول اهلل ِ ﷺ َف َأ ْخ َل َ‬ ‫ت ك ََما َأ َم َرنِي َر ُس ُ‬ ‫ت‪َ « :‬ف َل َّما ت ُُو ِّف َي َأ ُبو َس َل َمةَ‪ُ ،‬ق ْل ُ‬ ‫ِمن َْها»‪َ ،‬قا َل ْ‬
‫ول اهلل ﷺ»‪ .‬رواه مسلم(‪.)2‬‬ ‫لِي َخ ْي ًرا ِمنْ ُه؛ َر ُس َ‬

‫(((  رواه أبو نعيم يف الحلية (‪.)113/8‬‬


‫(((  رواه مسلم (‪.)918‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪472‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫آجره ُي ْؤ ِج ُره إذا أثا َبه وأعطاه ْ‬
‫األج َر‬ ‫أج ْرني في ُمصي َبتي»‪َ ،‬‬ ‫هم ُ‬ ‫قوله‪« :‬ال َّل َّ‬
‫والجزاء‪ ،‬أي‪ :‬أكتب لي األجر وال َّثواب يف مصيبتي‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫خيرا منه‪.‬‬ ‫«وأخْ لفْ لي خَ ْي ًرا من َْها»‪ ،‬أي‪ :‬هذا ا َّلذي أصبت به ففقدته ِّ‬
‫عوضني ً‬
‫«إل َأ َج َر ُه اهللُ فِي ُم ِصي َبتِ ِه»‪ ،‬أي‪ :‬أثابه وأناله األجر‪.‬‬
‫َّ‬
‫وع َو ًضا بدل هذا ا َّلذي فقده‪.‬‬ ‫«و َأ ْخ َل َفه َخيرا ِمن َْها»‪ ،‬أي‪ :‬أعطاه خل ًفا ِ‬
‫ُ ًْ‬ ‫َ‬
‫ول اهلل ِ ﷺ»‪،‬‬
‫قالت أ ُّم سلمة ‪َ « :J‬ف َل َّما تُو ِّفي َأ ُبو َس َل َمةَ‪ُ ،‬ق ْل ُت ك ََما َأ َم َرنِي َر ُس ُ‬
‫«م ْن َخ ْي ٌر ِم ْن َأبِي َس َل َمةَ؟»‪.‬‬ ‫وقالت كما يف رواية للحديث عند مسلم‪َ :‬‬
‫ف اهلل لِي َخيرا ِمنْه؛ رس َ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ»‪ ،‬أي‪ :‬أكرمها اهلل ‪D‬‬ ‫ًْ ُ َ ُ‬ ‫قالت‪َ « :‬ف َأ ْخ َل َ ُ‬
‫تزوجها رسول اهلل ‪O‬؛ فأصبحت أ ًّما للمؤمنين‪ ،‬فأخلفها اهلل‬ ‫بأن َّ‬
‫أج ْرين فِي‬
‫هم ُ‬‫خيرا منه‪ .‬ففي هذا فضل االسرتجاع عند المصيبة‪ ،‬وقول‪« :‬ال َّل َّ‬ ‫ً‬
‫اإلخالف يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُم ِصي َبتي َو َأ ْخل ْ‬
‫ف لي َخ ْيرا من َْها»‪ ،‬و َأ َّن م ْن فعل ذلك رجي له ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫الدُّ نيا‪ ،‬واألَجر يف اآلخرة‪.‬‬
‫‪473‬‬ ‫‪ -77‬ما يقوله َمن عليه دين‬

‫‪77‬‬

‫ما يقوله َمن عليه دين‬

‫َع ْن َعلِ ٍّي ‪َ :I‬أ َّن ُم َكا َت ًبا َجا َء ُه‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِنِّي َقدْ َع َج ْز ُت َع ْن ُم َكا َت َبتِي‬
‫َان َع َل ْي َك مِ ْث ُل‬
‫ول اهلل ﷺ؛ َل ْو ك َ‬ ‫يه َّن َر ُس ُ‬ ‫ات َع َّل َمن ِ ِ‬
‫َف َأ ِعنِّي‪َ ،‬ق َال‪َ :‬أ َل ُأ َع ِّلم َك كَلِم ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ك َع ْن َح َر ِام َ‬ ‫اهلل َعن َْك؟ َق َال‪ُ :‬ق ْل‪« :‬ال َّل ُه َّم اك ِْفنِي بِ َح َللِ َ‬ ‫ِ‬
‫َج َب ِل ص ٍير َد ْينًا َأ َّدا ُه ُ‬
‫ِّرمذي(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫اك»‪ .‬رواه الت‬ ‫ك َع َّم ْن ِس َو َ‬ ‫َو َأ ْغنِنِي بِ َف ْض ِل َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫«أ َّن ُمكَا َت ًبا َجا َء ُه»‪ ،‬أي‪ :‬عبدً ا أراد لنفسه العتق بالمكاتبة‪ ،‬قال اهلل‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ﴾‬
‫مثل مبل ًغا‬
‫كل شهر ً‬‫[النُّور‪]33 :‬؛ والمكاتبة‪ :‬أن يتَّفق العبد مع س ِّيده أن ُيعطيه َّ‬
‫مع َّينًا من المال لمدَّ ة مع َّينة‪ ،‬فإذا و َّفى المبلغ عتق هبذه المكاتبة‪.‬‬
‫ْت َع ْن ُمكَا َت َبتِي َف َأ ِعنِّي»‪ ،‬أي‪ :‬عجزت‬
‫«أن مكات ًبا َجا َء ُه‪َ ،‬ف َق َال إِنِّي َع َجز ُ‬
‫قال‪َّ :‬‬
‫كاتبت س ِّيدي عليه‪ ،‬فأعنِّي‪ ،‬أي‪ :‬ساعدين على هذا األمر‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫عن المال ا َّلذي‬
‫ك ِم ْث ُل َج َب ِل‬ ‫يهن رس ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫«أ َل ُأع ِّلم َ ِ ٍ‬
‫َان َع َل ْي َ‬
‫ول اهلل ﷺ َل ْو ك َ‬ ‫ك كَل َمات َع َّل َمن ِ َّ َ ُ‬ ‫قال‪ُ َ َ :‬‬
‫ويسر لك‬ ‫ْك»‪ ،‬أي‪ :‬لو كان عليك دين كبير أ َّداه اهلل عنك َّ‬ ‫ِصيرٍ َد ْينًا َأ َّدا ُه اهللُ َعن َ‬
‫خير‬ ‫أن الدُّ عاء مفتاح ِّ‬
‫كل خير يف الدُّ نيا واآلخرة‪ .‬وهذا ٌ‬ ‫أمر سداده‪ .‬وهذا فيه َّ‬
‫نفرط فيه!! أحيانًا يأيت المحتاج وحاجته شديدة فتصرفه بأن تقول له‪« :‬ما‬ ‫كم ِّ‬
‫ْ‬
‫يسيرا‪ ،‬و ُيغفل يف هذا الموطن عن داللته إلى هذا‬
‫عندي شيء»‪ ،‬أو تعطيه شي ًئا ً‬
‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3563‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪474‬‬

‫علي ‪ .I‬وما ُيدريك قد تد ُّله على هذا الدُّ عاء‬


‫الدُّ عاء العظيم‪ ،‬كما صنع ٌّ‬
‫مما لو أعطيته‬
‫خيرا له َّ‬
‫فرجا له‪ ،‬بل هو الفرج‪ ،‬ور َّبما كان ً‬
‫وهو ال يعلمه فيكون ً‬
‫المال ا َّلذي جاء يسأله‪.‬‬
‫ك‪َ ،‬و َأ ْغنِنِي بِ َف ْض ِل َ‬
‫ك َع َّم ْن‬ ‫ك َع ْن َح َر ِام َ‬
‫قوله‪ُ « :‬ق ِل ال َّل ُه َّم اك ِْفنِي بِ َح َللِ َ‬
‫اك»؛ هذا فيه خضوع العبد وافتقاره إلى اهلل والتجاءه إليه وحده‪.‬‬ ‫ِس َو َ‬

‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬اجعل ما أحللته لي كاف ًيا لي؛ بحيث‬ ‫ك َع ْن َح َر ِام َ‬‫«اك ِْفنِي بِ َح َللِ َ‬
‫علي‪ ،‬فيطلب من اهلل ‪ D‬أن يرزقه‬ ‫ال أتعدَّ ى وال أتجاوز إلى ٍ‬
‫حرمته َّ‬ ‫أمر َّ‬
‫الرزق‪ ،‬وأن ُيجنِّبه‬ ‫والرضا والكفاية بما أح َّله اهلل ‪ F‬لعباده من ِّ‬ ‫القناعة ِّ‬
‫الحرام وسبله‪ .‬بعض النَّاس إذا ضاقت به األمور وكثرت عليه الدُّ يون قد يلجأ‬
‫َّبي ﷺ من المغرم قال‪« :‬إِ َّن‬
‫تعوذ الن ِّ‬
‫المحرمة‪ ،‬وقد تقدَّ م يف ُّ‬ ‫َّ‬ ‫إلى بعض األمور‬
‫ف»(‪ ،)1‬وهذا حرام‪ ،‬وقد ً‬
‫أيضا تمتدُّ‬ ‫ث َفك ََذ َب َو َو َعدَ َف َأ ْخ َل َ‬
‫الر ُج َل إِ َذا َغرِ َم َحدَّ َ‬
‫َّ‬
‫حقوق للنَّاس أو االعتداء على أموالهم‪ .‬فهذه الدَّ عوة يف هذا‬ ‫ٍ‬ ‫يده إلى أخذ‬
‫المقام بطلب أن يكفيه بحالله عن حرامه‪ ،‬من أطيب وأنفع ما يكون؛ لينال‬
‫حصل التَّيسير والفرج‪.‬‬ ‫والرضا‪ ،‬ول ُي ِّ‬ ‫القناعة ِّ‬
‫اك»‪ ،‬هذا فيه االفتقار إلى اهلل ‪D‬‬‫ك َع َّم ْن ِس َو َ‬
‫«و َأ ْغنِنِي بِ َف ْض ِل َ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫وسؤاله سبحانه أن ُيغنيه من واسع فضله بحيث ال يحتاج إلى أحد سواه‪ ،‬واهلل‬
‫يقول‪﴿ :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [فاطر‪.]15 :‬‬
‫أمره إلى اهلل‪ ،‬معتمدً ا عليه وحده‪،‬‬
‫مفو ًضا َ‬ ‫وهذا فيه َّ‬
‫أن العبدَ ينبغي أن يكون ِّ‬
‫ً‬
‫وكيل‪ .‬وال بدَّ مع‬ ‫مستعينًا به‪ ،‬متوك ًِّل يف جميع أموره عليه‪ ،‬وكفى به سبحانه‬
‫الصادق على‬ ‫والسعي الجا ِّد لسداد الدَّ ين‪ ،‬والعز ِم َّ‬
‫السبب‪َّ ،‬‬
‫الدُّ عاء من بذل َّ‬
‫البخاري (‪ ،)832‬ومسلم (‪.)589‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪475‬‬ ‫‪ -77‬ما يقوله َمن عليه دين‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الوفاء به‪ ،‬والمبادرة إلى ذلك يف أقرب وقت َيت ََه َّي ُأ َّ‬
‫السدا ُد‪ ،‬والحذر َّ‬
‫الشديد من‬
‫فح ِر ٌّي به َّأل ُيعان‪.‬‬ ‫المماطلة والتَّسويف؛ َّ‬
‫فإن َمن كان كذلك َ‬
‫ِ‬
‫أ َّما َمن َح َم َل يف قلبه َه َّم الدَّ ين وكانت له ن َّي ٌة صادق ٌة يف أدائه أعانه ُ‬
‫اهلل وأ َّدى‬
‫«م ْن‬ ‫البخاري عن أبي هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫ُّ‬ ‫عنه َدينَه‪ .‬روى‬
‫َّاس ُيرِيدُ َأ َدا َء َها َأ َّدى اهللُ َعنْ ُه‪َ ،‬و َم ْن َأ َخ َذ َها ُيرِيدُ إِت َْل َف َها َأ ْت َل َف ُه‬
‫َأ َخ َذ َأ ْم َو َال الن ِ‬
‫«ما‬ ‫اهللُ» ‪ ،‬وروى اإلمام أحمد عن عائشة ‪ J‬قالت‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫(‪)1‬‬

‫َّسائي‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫وروى‬ ‫‪،‬‬ ‫ن»‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫اهلل‬ ‫ن‬ ‫َان َله ِ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫َّ‬ ‫اء َد ْين ِ ِه إِ‬‫َت َله نِي ٌة فِي َأد ِ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫َا‬
‫ك‬ ‫ِمن عب ٍ‬
‫د‬
‫ُّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َْ‬
‫ان َد ْينًا َف َع ِل َم اهللُ ِمنْ ُه‬‫«ما ِم ْن َأ َح ٍد ُيدَ ُ‬‫عن ميمونة ‪ J‬عن النَّبِ ِّي ﷺ أنَّه قال‪َ :‬‬
‫َأ َّن ُه ُيرِيدُ َق َضا َء ُه إِ َّل َأ َّدا ُه اهللُ َعنْ ُه فِي الدُّ ْن َيا»(‪.)3‬‬
‫ِ‬
‫أموره وأتاه اهلل بال ُيسر‬ ‫لحت ن َّيتُه ت َي َّسرت ُ‬ ‫وص ُ‬ ‫فإن َصدَ َق العبدُ يف َعزمه َ‬
‫وال َف َرج من حيث ال َيحتَسب‪ ،‬و َمن َص َّح تو ُّك ُله على اهلل ت َك َّف َل اهلل بعونه‪،‬‬
‫أمره‪ ،‬و َق َضى َدينَه‪.‬‬ ‫وسدَّ َد َ‬
‫البخاري يف صحيحه من حديث أبي هريرة ‪ I‬عن رسول اهلل‬ ‫ُّ‬ ‫روى‬
‫بعض بني إسرائيل أن ُيسل َفه ألف‬ ‫رجل من بني إسرائيل َ‬
‫سأل َ‬ ‫ﷺ‪« :‬أنَّه َذك ََر ً‬
‫قال‪ :‬فائتني‬ ‫بالش َهدَ اء ُأ ْش ِهدُ هم‪َ ،‬‬
‫فقال‪ :‬كفى باهلل شهيدً ا‪َ ،‬‬ ‫فقال‪ :‬ائتني ُّ‬‫دينار‪َ ،‬‬
‫قال‪َ :‬صدَ ْق َت؛ فدفعها إليه َع َلى َأ َج ٍل ُم َس ًّمى‪،‬‬ ‫كفيل‪َ ،‬‬ ‫فقال‪ :‬كفى باهلل ً‬ ‫بالكفيل‪َ ،‬‬
‫يقدم عليه لألجل ا َّلذي‬ ‫فخرج يف البحر فقضى حاجتَه‪ ،‬ثم التمس مركبا يركبها ِ‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫ألف دينار وصحيف ًة منه‬ ‫َ‬
‫فأدخل فيها َ‬ ‫جدْ مرك ًبا‪ ،‬فأخذ خش َب ًة فنَ َق َرها‬‫أج َله‪ ،‬فلم َي ِ‬
‫َّ‬
‫البخاري (‪.)2387‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫وصححه األلباينُّ يف صحيح الجامع (‪ ،)5734‬ويف صحيح‬ ‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)24439‬‬
‫التَّرغيب (‪.)1801‬‬
‫وصححه األلباينُّ دون قوله‪« :‬يف الدُّ نيا»‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّسائي (‪،)4686‬‬
‫(((  رواه الن ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪476‬‬

‫ثم أتى هبا‬ ‫وأصلحه‪َّ -‬‬


‫َ‬ ‫موضع النَّقر‬
‫َ‬ ‫سوى‬
‫ثم َز َّج َج موض َعها ‪-‬أي‪َّ :‬‬ ‫إلى صاحبه‪َّ ،‬‬
‫ألف دينار‪َ ،‬ف َسأ َلنِي‬ ‫فت َف َلنًا َ‬ ‫إلى البحر‪ ،‬فقال‪« :‬ال َّل ُه َّم إِن ََّك َت ْع َل ُم أنِّي ُكن ُْت َت َس َّل ُ‬
‫كفيل‪ ،‬فر ِضي بك‪ ،‬وس َأ َلنِي شهيدً ا‪ ،‬فقلت‪َ :‬ك َفى باهللِ‬ ‫ً‬ ‫كفيل‪ ،‬فقلت‪ :‬ك َفى باهللِ‬ ‫ً‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أبعث إليه ا َّل ِذي له فلم أقدر‪،‬‬ ‫دت أن أجد مرك ًبا ُ‬ ‫شهيدً ا‪َ ،‬فر ِض َي بك‪ ،‬وإنِّي َج َه ُ‬
‫ِ‬
‫ثم انصرف وهو يف‬ ‫أستود ُع َكها»‪ ،‬فر َمى هبا يف البحر حتَّى َو َل َجت فيه‪َّ ،‬‬ ‫وإنِّي ْ‬
‫لعل‬ ‫ينظر َّ‬
‫جل ا َّلذي كان أس َل َفه ُ‬ ‫الر ُ‬
‫يلتمس مرك ًبا يخرج إلى بلده‪ ،‬فخرج َّ‬ ‫ُ‬ ‫ذلك‬
‫فلما‬ ‫مرك ًبا قد جاء بماله‪ ،‬فإذا بالخشبة ا َّلتي فيها المال‪ ،‬فأخذها ألهله حط ًبا‪َّ ،‬‬
‫قد َم ا َّلذي كان‬ ‫المال والصحيفةَ‪ ،‬ثم ِ‬ ‫َ‬ ‫نش َرها ‪-‬أي‪ :‬قطعها بالمنشار‪ -‬وجد‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫آلتيك‬ ‫ٍ‬
‫مركب‬ ‫زلت جاهدً ا يف َط َلب‬ ‫أس َل َفه فأتى باأللف دينار‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل ما ُ‬
‫إلي بشيء؟‬ ‫بعثت َّ‬
‫كنت َ‬ ‫أتيت فيه‪ ،‬قال‪ :‬هل َ‬ ‫وجدت مرك ًبا قبل ا َّلذي ُ‬ ‫ُ‬ ‫بمالك فما‬
‫عنك‬ ‫فإن اهلل قد أ َّدى َ‬ ‫جئت فيه‪ ،‬قال‪َّ :‬‬ ‫قال‪ُ :‬أخربُك أنِّي َلم أجد مرك ًبا قبل ا َّلذي ُ‬
‫فانصرف باأللف الدِّ ينار راشدً ا»(‪.)1‬‬ ‫ْ‬ ‫ا َّلذي بعثتَه يف الخشبة‪،‬‬
‫الرجل من بني إسرائيل‬ ‫رسول اهلل ﷺ عن هذا َّ‬‫ُ‬ ‫قص ٌة عجيبة َ‬
‫ذكرها‬ ‫فهذه َّ‬
‫َّعظ هبا ونع َتبِ َر‪،‬‬
‫حريصا أشدَّ الحرص على سداد الدَّ ين وقضائه؛ لنَت َ‬‫ً‬ ‫صادق النِّ ِّية‪،‬‬
‫كمال قدرة اهلل وتما َم عونه وحس َن كفايته لعبده إذا أحسن االلتجا َء‬ ‫َ‬ ‫ولنعلم‬
‫َ‬
‫كمال التَّوفيق حيث َلم تقع هذه الخشب ُة‬ ‫وصدَ َق يف االعتماد عليه‪ .‬وتأ َّمل َ‬ ‫إليه َ‬
‫العليم القدير‪.‬‬
‫ُ‬ ‫المشتمل ُة على المال َّإل يف يد صاحبها‪ ،‬فتبارك اهلل‬
‫َ‬
‫يتهاون يف‬ ‫وال ينبغي للمسلم أن يستهي َن بأمر الدَّ ين‪ ،‬أو ُيق ِّل َل من شأنه‪ ،‬أو‬
‫أن‬ ‫ُّ‬
‫وتدل على َّ‬ ‫أحاديث عديدة تفيد خطورة ذلك‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫السنَّة‬
‫سداده‪ ،‬فقد ورد يف ُّ‬
‫محبوس بدَ ْينِه حتَّى ُي ْق َضى عنه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫نفس المؤمن مع َّلق ٌة بالدَّ ين‪َّ ،‬‬
‫وأن الم ِّي َت‬ ‫َ‬
‫روى اإلمام أحمد عن َسعد بن األطول ‪ I‬قال‪« :‬مات أخي وترك‬

‫البخاري (‪.)2291‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪477‬‬ ‫‪ -77‬ما يقوله َمن عليه دين‬

‫أنفق عليه‪ ،‬فقال لي‬ ‫فأردت أن َ‬ ‫ُ‬ ‫صغارا‪،‬‬


‫ً‬ ‫ثالث مائة دينار‪ ،‬وترك فيه ولدً ا‬ ‫َ‬
‫ِِ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َّن َأ َخ َ‬
‫فذهبت‬
‫ُ‬ ‫ض َعنْ ُه»‪ ،‬قال‪:‬‬‫ب َفا ْق ِ‬‫وس بِدَ ْينه َفا ْذ َه ْ‬
‫اك َم ْح ُب ٌ‬
‫يبق َّإل امرأة‬ ‫قضيت عنه‪ ،‬ولم َ‬ ‫ُ‬ ‫رسول اهللِ‪ ،‬قد‬ ‫َ‬ ‫جئت فقلت‪ :‬يا‬ ‫ثم ُ‬ ‫فقضيت عنه‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫أيضا‬‫َتدَّ ِعي دينارين‪ ،‬وليست لها ب ِّينة‪ ،‬قال‪َ « :‬أعطِ َها؛ فإنَّها صدقة»(‪ .)1‬وروى ً‬
‫الم ْؤ ِم ِن ُم َع َّل َق ٌة َما‬
‫من حديث أبي هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬ن ْف ُس ُ‬
‫َان َع َل ْي ِه َد ْي ٌن»(‪.)2‬‬
‫ك َ‬
‫بادر إلى سداده قبل‬
‫الواجب على المسلم إذا كان عليه َدي ٌن أن ُي َ‬
‫َ‬ ‫ولهذا َّ‬
‫فإن‬
‫نفسه بدَ ْينِه ويكون مرهتنًا به‪ ،‬وإذا َلم يكن عليه َدي ٌن‬
‫الموت‪ ،‬فتُحبس ُ‬
‫ُ‬ ‫أن ي ْب َغتَه‬
‫وليتحاش االستدان َة ما َلم يكن لها حاج ٌة داعي ٌة أو‬
‫َ‬ ‫فليحمد اهلل على العافية‪،‬‬
‫َ‬
‫لحةٌ؛ ليسلم مِن َه ِّم الدَّ ْين‪ ،‬ول ُي ِرح نفسه من عواقبه‪ ،‬وليكن يف َأ َمنَة‬
‫ضرورة ُم َّ‬
‫أن رسول اهلل ﷺ قال‪:‬‬ ‫من مغ َّبته‪ .‬ففي المسند من حديث ُعقبة بن عامر ‪َّ I‬‬
‫ول اهللِ؟ َق َال‪« :‬الدَّ ْي ُن»(‪،)3‬‬ ‫ُخي ُفوا َأ ْن ُف َسك ُْم َب ْعدَ َأ ْمن ِ َها»‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬و َما َذ َ‬
‫اك َيا َر ُس َ‬ ‫«ل ت ِ‬
‫َ‬
‫أنفسكم من توابعه وعواقِبه‪.‬‬ ‫أي‪ :‬ال تسارعوا إلى الدَّ ْين فتُخيفوا َ‬
‫يحث َمن أوى إلى فراشه‬ ‫ُّ‬ ‫ومن الدَّ عوات العظيمة ا َّلتي كان النَّبِ ُّي ﷺ‬
‫على المحافظة عليها والعناية هبا‪ ،‬ولها تع ُّل ٌق بقضاء الدَّ ين‪ :‬ما رواه مسلم يف‬
‫ول اهلل ِ ﷺ َي ْأ ُم ُرنَا إِ َذا‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫صحيحه من حديث أبي هريرة ‪ I‬قال‪« :‬ك َ‬
‫ش‬‫ض َو َر َّب ال َع ْر ِ‬ ‫ات َو َر َّب األَ ْر ِ‬ ‫ول‪« :‬ال َّلهم رب السمو ِ‬ ‫َأ َخ ْذنَا َم ْض ِ‬
‫ج َعنَا َأ ْن َن ُق َ‬
‫ُ َّ َ َّ َّ َ َ‬
‫يل‬‫ْج ِ‬ ‫ب َوالن ََّوى‪َ ،‬و ُمن ِْز َل الت َّْو ِر ِاة َو ِ‬
‫اإلن ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ال َعظيمِ‪َ ،‬ر َّبنَا َو َر َّب ك ُِّل َش ْيء‪َ ،‬فال َق َ‬
‫الح ِّ‬
‫ِ‬
‫ْت األَ َّو ُل‬ ‫َاص َيتِ َها‪ ،‬ال َّل ُه َّم َأن َ‬
‫آخ ٌذ بِن ِ‬
‫ْت ِ‬ ‫ك ِم ْن َش ِّر ك ُِّل َدا َّب ٍة َأن َ‬ ‫َوال ُف ْر َق ِ‬
‫ان‪َ ،‬أ ُعو ُذ بِ َ‬
‫وصححه األلباينُّ يف صحيح الجامع (‪.)1550‬‬ ‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)17227‬‬
‫وصححه األلباينُّ يف صحيح التَّرغيب والتَّرهيب (‪.)1811‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)9679‬‬
‫(((  رواه أحمد (‪ ،)17320‬وصححه األلباينُّ يف صحيح التَّرغيب والتَّرهيب (‪.)1797‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪478‬‬

‫ك‬ ‫ْت ال َّظ ِ‬


‫اه ُر َف َل ْي َس َف ْو َق َ‬ ‫ْت ِ‬
‫اآلخ ُر َف َل ْي َس َب ْعدَ َك َش ْي ٌء‪َ ،‬و َأن َ‬ ‫ك َش ْي ٌء‪َ ،‬و َأن َ‬ ‫َف َل ْي َس َق ْب َل َ‬
‫ض َعنَّا الدَّ ْي َن‪َ ،‬و َأ ْغنِنَا ِم َن ال َف ْقرِ»(‪.)1‬‬
‫َك َش ْي ٌء‪ ،‬ا ْق ِ‬ ‫ْت ال َباطِ ُن َف َل ْي َس ُدون َ‬
‫َش ْي ٌء‪َ ،‬و َأن َ‬
‫ض َعنِّي الدَّ ْي َن‪َ ،‬و َأ ْغنِنِي مِ َن ال َف ْق ِر»(‪.)2‬‬ ‫ورواه أبو داود بلفظ‪« :‬ا ْق ِ‬

‫ض َعنَّا الدَّ ْي َن»‪ ،‬أي‪َ :‬أ ِّد عنَّا حقوق اهلل وحقوق العباد من جميع‬
‫قوله‪« :‬ا ْق ِ‬
‫قوة له‬
‫والقوة‪ ،‬وأنَّه ال حول وال َّ‬
‫َّ‬ ‫الحول‬
‫األنواع‪ ،‬وهذا فيه تربِّي اإلنسان من َ‬
‫َّإل باهلل العظيم‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫خلو ذات‬‫«و َأ ْغننَا م َن ال َف ْقرِ»‪ ،‬الغنى‪ :‬هو عدم الحاجة‪ ،‬والفقر‪ُّ :‬‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫بعض كفايته‪ ،‬أو َلم يجد شي ًئا ً‬
‫أصل‪.‬‬ ‫اليد‪ ،‬والفقير‪ :‬هو َمن وجد َ‬
‫َ‬
‫اإلنسان ويمنعه‬ ‫يؤرق‬‫عظيم‪ ،‬قد ِّ‬
‫ٌ‬ ‫والفقر كالهما َه ٌّم‬
‫َ‬ ‫ومن المعلوم َّ‬
‫أن الدَّ ي َن‬
‫من النَّوم‪ ،‬فإذا َلجأ العبدُ إلى اهلل وطلب منه سبحانه مدده وعونه ِّ‬
‫متوس ًل إليه‬
‫عندئذ تسكن وتطمئ ُّن‪ ،‬وقل َبه يرتاح‬‫ٍ‬ ‫نفسه‬ ‫َّوسالت العظيمة‪َّ ،‬‬
‫فإن َ‬ ‫بتلك الت ُّ‬
‫السموات واألرض‪،‬‬ ‫أمره إلى َمن بيده أز َّمة األمور ومقاليد َّ‬ ‫ويهدأ؛ ألنَّه َوك ََل َ‬
‫القلب‬
‫ُ‬ ‫أمره إذا أراد شي ًئا أن يقول له كن فيكون‪ ،‬وكيف ال يطمئ ُّن‬ ‫و َلجأ إلى َمن ُ‬
‫وقد تع َّلق بِ َمن هذا شأنه!!‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2713‬‬


‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)5051‬‬
‫‪479‬‬ ‫‪ -78‬األذكار الَّيت تطرد ال َّشيطان (‪)1‬‬

‫‪78‬‬

‫األذكار اليت تطرد الشيطان (‪)1‬‬

‫نفخا أو وسوسةً‪ ،‬أن‬ ‫همزا أو نف ًثا أو ً‬ ‫الشيطان ً‬ ‫ينبغي على المسلم إذا عرض له َّ‬
‫للشياطين‪ ،‬ولهذا قال اهلل‬ ‫ألن ذكر اهلل ‪ D‬طارد َّ‬ ‫يقبل على ذكر اهلل ‪F‬؛ َّ‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫لمن ال‬ ‫فالشيطان قري ٌن َ‬ ‫الزخرف‪َّ .]37-36 :‬‬ ‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ [ ُّ‬
‫الشيطان ال يقربه وال‬ ‫فإن َّ‬ ‫ومصاحب له‪ ،‬وأ َّما َمن يذكر اهلل ‪َّ F‬‬ ‫ٌ‬ ‫يذكر اهلل‬
‫يأيت حوله‪.‬‬
‫ث األَ ْش َع ِر ِّي ‪َ I‬أ َّن النَّبِ َّي ﷺ َق َال‪« :‬إِ َّن اهَّللَ َأ َم َر َي ْح َيى ْب َن‬ ‫ار ِ‬‫الح ِ‬‫عن َ‬
‫ات َأ ْن َي ْع َم َل بِ َها َو َي ْأ ُم َر بني إسرائيل َأ ْن َي ْع َم ُلوا بِ َها‪َ ،‬وإِ َّن ُه‬ ‫س ك َِلم ٍ‬
‫َز َكرِ َّيا بِخَ ْم ِ َ‬
‫ات لِ َت ْع َم َل بِ َها‬ ‫س ك َِلم ٍ‬
‫يسى‪ :S‬إِ َّن اهَّللَ َأ َم َر َك بِخَ ْم ِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كَا َد َأ ْن ُي ْبط َئ بِ َها‪َ ،‬ف َق َال ع َ‬
‫يل َأ ْن َي ْع َم ُلوا بِ َها‪َ ،‬فإِ َّما َأ ْن ت َْأ ُم َر ُه ْم َوإِ َّما َأنَا ُآم ُر ُه ْم‪َ ،‬ف َق َال َي ْح َيى‬ ‫َوت َْأ ُم َر َبنِي إِ ْس َرائِ َ‬
‫ت‬ ‫ف بِي َأو ُأع َّذب‪َ ،‬فجمع النَّاس فِي بي ِ‬ ‫‪َ :S‬أ ْخ َشى إِ ْن َس َب ْقتَنِي بِ َها َأ ْن ُيخْ َس َ‬
‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َ َ َ‬
‫س‬ ‫ف‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِ َّن اهَّللَ َأ َم َرنِي بِخَ ْم ِ‬ ‫الشر ِ‬
‫جدُ َو َق َعدُ وا َع َلى ُّ َ‬ ‫س‪َ ،‬ف ْام َتأل َ ا ْل َم ْس ِ‬‫ا ْل َم ْق ِد ِ‬
‫ات َأ ْن َأ ْع َم َل بِ ِه َّن‪َ ،‬و ُآم َرك ُْم َأ ْن َت ْع َم ُلوا بِ ِه َّن‪:‬‬ ‫ك َِلم ٍ‬
‫َ‬
‫َأ َّو ُل ُه َّن‪َ :‬أ ْن َت ْع ُبدُ وا اهَّللَ َو َل ت ُْشرِكُوا بِ ِه َش ْيئًا‪َ ،‬وإِ َّن َم َث َل َم ْن َأ ْش َر َك بِاهَّلل ِ ك ََم َث ِل‬
‫ب أو َو ِر ٍق‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ه ِذ ِه َد ِاري َو َه َذا‬ ‫ص َمالِ ِه بِ َذ َه ٍ‬ ‫َر ُج ٍل ْاشت ََرى َع ْبدً ا ِم ْن َخالِ ِ‬
‫َان َي ْع َم ُل َو ُي َؤ ِّدي إِ َلى َغ ْيرِ َس ِّي ِد ِه‪َ ،‬ف َأ ُّيك ُْم َي ْر َضى َأ ْن‬ ‫َع َم ِلي َفا ْع َم ْل َو َأ ِّد إِ َل َّي‪َ ،‬فك َ‬
‫ك؟!‬ ‫ُون َع ْبدُ ُه ك ََذلِ َ‬
‫َيك َ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪480‬‬

‫ب َو ْج َه ُه لِ َو ْج ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الص َلة؛ َفإِ َذا َص َّل ْيت ُْم َفالَ َت ْلتَفتُوا َفإِ َّن اهَّللَ َينْص ُ‬ ‫َوإِ َّن اهَّللَ َأ َم َرك ُْم بِ َّ‬
‫ت‪.‬‬ ‫َع ْب ِد ِه فِي َص َلتِ ِه َما َل ْم َي ْلت َِف ْ‬
‫ك ك ََم َث ِل َر ُج ٍل فِي ِع َصا َب ٍة َم َع ُه ُص َّر ٌة فِ َيها‬ ‫الص َيامِ؛ َفإِ َّن َم َث َل َذلِ َ‬ ‫َو ُآم ُرك ُْم بِ ِّ‬
‫ب ِعنْدَ اهلل ِ ِم ْن‬ ‫ِ‬
‫الصائ ِم َأ ْط َي ُ‬ ‫يح َّ‬ ‫يح َها‪َ ،‬وإِ َّن ِر َ‬ ‫ج ُب ُه ِر ُ‬ ‫ب َأ ْو ُي ْع ِ‬ ‫ك‪َ ،‬ف ُك ُّل ُه ْم َي ْع َج ُ‬ ‫ِم ْس ٌ‬
‫ك‪.‬‬‫ِريحِ ا ْل ِمس ِ‬
‫ْ‬
‫ك ك ََم َث ِل َر ُج ٍل َأ َس َر ُه ال َعدُ ُّو َف َأ ْو َث ُقوا َيدَ ُه إِ َلى‬ ‫الصدَ َق ِة؛ َفإِ َّن َم َث َل َذلِ َ‬ ‫َو ُآم ُرك ُْم بِ َّ‬
‫يل َوالكَثِيرِ‪َ ،‬ف َفدَ ى َن ْف َس ُه‬ ‫ُعن ُِق ِه َو َقدَّ ُمو ُه لِ َي ْضرِ ُبوا ُع ُن َق ُه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أنَا َأ ْف ِد ِيه ِم ْنك ُْم بِال َق ِل ِ‬
‫ِمن ُْه ْم‪.‬‬
‫ك ك ََم َث ِل َر ُج ٍل َخ َر َج ال َعدُ ُّو فِي َأ َثرِ ِه‬ ‫َو ُآم ُرك ُْم َأ ْن ت َْذك ُُروا اهَّللَ َفإِ َّن َم َث َل َذلِ َ‬
‫ك ال َع ْبدُ َل‬ ‫ين َف َأ ْح َر َز َن ْف َس ُه ِمن ُْه ْم‪ ،‬ك ََذلِ َ‬‫ِس َرا ًعا َحتَّى إِ َذا َأتَى َع َلى ِح ْص ٍن َح ِص ٍ‬
‫ِّرمذي(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫ان إِ َّل بِ ِذ ْكرِ اهلل ِ»‪ .‬رواه الت‬ ‫الش ْي َط ِ‬ ‫ُي ْحرِ ُز َن ْف َس ُه ِم َن َّ‬
‫فهذا مثل ا َّلذي يذكر اهلل؛ كمثل ا َّلذي دخل يف حصن حصين‪ ،‬وحرز مكين‬
‫يتعرض له بشيء من األذى‪.‬‬ ‫عدوه أن يصل إليه‪ ،‬أو أن َّ‬ ‫فال سبيل إلى ِّ‬
‫عدو بني آدم‪ ،‬واهلل سبحانه أخربنا بذلك وأ َمرنا أن نتَّخذه‬ ‫َّ‬
‫والشيطان ُّ‬
‫والسالمة من كيده‬ ‫الشيطان‪َّ ،‬‬ ‫عدوا‪ ،‬وأرشدنا سبحانه إلى ما يكون به ا ِّتقاء َّ‬ ‫ًّ‬
‫الرجيم‪.‬‬‫الشيطان َّ‬ ‫وشره‪ ،‬وأعظم ما يكون يف هذا الباب؛ االستعاذة باهلل من َّ‬ ‫ِّ‬
‫اهلل َت َعا َلى‪﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬ ‫َق َال ُ‬
‫ﮦ﴾ [المؤمنون‪َ ،]98-97 :‬و َق َال َت َعا َلى‪﴿ :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫فصلت‪ ،]36 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬ ‫ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [ ِّ‬
‫ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ﴾ [النَّاس‪.]6-1:‬‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)2863‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫‪481‬‬ ‫‪ -78‬األذكار الَّيت تطرد ال َّشيطان (‪)1‬‬

‫‪ ‬واالستعاذة‪ :‬اعتصا ٌم باهلل والتجا ٌء إلى اهلل‪﴿ ،‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬


‫ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [آل عمران‪ .]101 :‬ومعنى «أعوذ باهلل»‪ ،‬أو «أستعيذ باهلل»‪ ،‬أي‪:‬‬
‫الشيطان‪ ،‬وأن ينجيني من‬ ‫أطلب من اهلل أن ُيعيذين‪ ،‬وألجأ إليه أن َيعصمني من َّ‬
‫كيده‪ ،‬ومكره‪ ،‬ونفثه‪ .‬و َمن استعاذ باهلل أعاذه‪ ،‬و َمن اعتصم به هداه إلى صراطه‬
‫للشيطان و ُتعدُّ حصنًا حصينًا للعبد يقيه بإذن اهلل‬
‫المستقيم‪ .‬واالستعاذة طارد ٌة َّ‬
‫الرجيم‪.‬‬
‫الشيطان َّ‬‫من َّ‬
‫َّعوذ به منه يطرده‪،‬‬
‫وذكر اهلل والت ُّ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫والشيطان ُيلقي الوساوس على العبد‪،‬‬
‫كما وصفه اهلل ‪ F‬يف آخر سورة من القرآن بأنَّه «وسواس خنَّاس»‪،‬‬
‫«الشيطان جاثم على قلب ابن آدم‪،‬‬ ‫قال ابن ع َّباس ‪ L‬يف معنى هذه اآلية‪َّ :‬‬
‫فإذا سها وغفل وسوس‪ ،‬فإذا ذكر اهلل َخنَس»(‪ ،)1‬وكذا قال مجاهد وقتادة؛‬
‫الشيطان ويبتعد عن اإلنسان وال‬ ‫فباالستعاذة باهلل وذكره ‪ F‬يخنس َّ‬
‫يقرتب منه‪.‬‬
‫وقوله َت َعا َلى‪﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫الشياطين‪ ،‬ومن‬ ‫أمر من اهلل تعالى لنب ِّيه ﷺ باالستعاذة من َّ‬
‫ﮥ ﮦ﴾ هذا ٌ‬
‫شرورهم؛ ألنَّهم ال تنفع معهم الحيل‪ ،‬وال ينقادون بالمعروف‪ ،‬فالنَّجاة منهم‬
‫الشياطين‪ :‬بنفخهم‪ ،‬ونفثهم‪ ،‬و ُف ِّسرت‪:‬‬ ‫باالستعاذة باهلل‪ .‬و ُف ِّسرت همزات َّ‬
‫وفسرت‪ :‬بنزغاهتم ووساوسهم‪.‬‬ ‫بخنقهم‪ ،‬وهو الموتة ا َّلتي تشبه الجنون‪ِّ ،‬‬
‫الشياطين‪ :‬دفعهم الوساوس واإلغواء‬ ‫قال ابن الق َّيم ‪« :V‬فهمزات َّ‬
‫إن همزات َّ‬
‫الشياطين إذا‬ ‫إلى القلب»‪ .‬قال‪« :‬وقد يقال ‪-‬وهو األظهر‪َّ :-‬‬
‫أفردت دخل فيها جميع إصابتهم البن آدم‪ ،‬وإذا ُقرنت بالنَّفخ والنَّفث كانت‬
‫خاصا‪ ،‬كنظائر ذلك»(‪.)2‬‬
‫نو ًعا ًّ‬
‫الزهد (‪.)337‬‬
‫(((  رواه ابن أبي شيبة يف مصنَّفه (‪ ،)34774‬وأبو داود يف ُّ‬
‫(((  انظر‪ :‬إغاثة ال َّلهفان (‪.)95/1‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪482‬‬

‫ومعنى قوله‪﴿ :‬ﮥ ﮦ﴾‪ ،‬أي‪ :‬أن يحضروا إلى المكان ا َّلذي أنا فيه؛‬
‫وتعوذ من إتياهنم للمكان ا َّلذي هو فيه‪.‬‬
‫تعوذ منهم‪ُّ ،‬‬
‫فهو ُّ‬
‫الشنقيطي ‪« :V‬وال َّ‬
‫ظاهر يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬ ‫العلمة ِّ‬
‫قال َّ‬
‫ُّ‬
‫الشيطان يف ٍ‬
‫أمر من‬ ‫ﮦ﴾ [المؤمنون‪َّ ]98:‬‬
‫أن المعنى‪ :‬أعوذ بك أن يحضرين َّ‬
‫األمور كائنًا ما كان‪ ،‬سوا ٌء كان ذلك وقت تالوة القرآن‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [النَّحل‪ ،]98 :‬أو عند حضور الموت‪،‬‬
‫أو غير ذلك من جميع ُّ‬
‫الشؤون يف جميع األوقات»(‪.)1‬‬
‫الشيطان‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بأذكار يشرع للمسلم أن يقولها إذا عرض له َّ‬ ‫السنُّة‬
‫وقد جاءت َّ‬
‫شره‪.‬‬
‫والسالمة من ِّ‬ ‫لها أثرها العظيم يف طرد َّ‬
‫الشيطان َّ‬
‫لص َل ِة َأ ْد َب َر‬ ‫ُود ِ‬
‫ي ل َّ‬
‫ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا ن َ‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫ين‪َ ،‬فإِ َذا َق َضى النِّدَ ا َء َأ ْق َب َل‪َ ،‬حتَّى إِ َذا‬‫اط َحتَّى َل َي ْس َم َع الت َّْأ ِذ َ‬‫ان َو َل ُه ُض َر ٌ‬‫الش ْي َط ُ‬
‫َّ‬
‫يب َأ ْق َب َل»‪ .‬رواه‬ ‫ِ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)2‬‬ ‫ُّ‬ ‫الص َلة َأ ْد َب َر‪َ ،‬حتَّى إِ َذا َق َضى ال َّت ْث ِو َ‬
‫ُث ِّو َب بِ َّ‬
‫اط َحتَّى َل َي ْس َم َع الت َّْأ ِذ َ‬
‫ين»‪،‬‬ ‫ان و َل ُه ُض َر ٌ‬ ‫للص َل ِة َأ ْد َب َر َّ‬
‫الش ْي َط ُ‬ ‫ي َّ‬
‫ِ‬
‫قوله‪« :‬إِ َذا نُود َ‬
‫ويصك مسامعه‪ ،‬وال يستطيع‬ ‫ُّ‬ ‫ألن صوت األذان ُيزعجه‬ ‫أدبر‪ ،‬أي‪ :‬و َّلى هار ًبا؛ َّ‬
‫أن يبقى يف المكان ا َّلذي فيه اآلذان‪ ،‬وهذا فيه فضيلة التَّوحيد والتَّعظيم هلل‪،‬‬
‫وتكبير‪ ،‬وتعظيم هلل ‪ ،F‬وهذا أعظم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫توحيد‪،‬‬ ‫فألفاظ األذان‪ :‬ألفاظ‬
‫الكرسي ‪-‬ا َّلتي هي‬
‫ِّ‬ ‫«أن َم ْن َق َرأ آية‬
‫للشيطان‪ ،‬ولهذا جاء يف الحديث‪َّ :‬‬
‫طارد َّ‬
‫آية التَّوحيد‪ -‬لم يزل عليه من اهلل حافظ وال يقربه شيطان حتَّى ُيصبح»‪ ،‬قال‬
‫للشيطان طرد عن القلب غير «ال إله َّإل اهلل»‪َّ ،‬‬
‫ثم تال‪﴿ :‬ﯢ‬ ‫أبو الجوزاء‪« :‬ما َّ‬
‫(((  انظر‪ :‬أضواء البيان (‪.)353/5‬‬
‫البخاري (‪ ،)608‬ومسلم (‪.)389‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
I k'bU
%

oy,zjaz-
.
wsj.
t3k
I.. ...<. Tj. I, J
.,j
...
otw .2u.w. e,ôaxwz kk
llpe I

u c.
>.lki).A v = zw f.u uhl5h1 uz-l wou o - Jlwjw x h
. ,z . .g, .. , . ï ,z - .:z
q.wil.t>,@& = r=.
2l45luse
'-f
*'.
2Iu#I
.I.k.
x.k.MC <;.
Ir=u(1w.:oU-1- Ho <$
s ..J
.
-
' o ! ;! - .
u;o%rIIau wko
'w
.
saIo
'%rIa*
1kxo'uo.
-
.a
3s.
e .jl'
1KdJwtw..h'z.>.
c:o
< ..y o
''
u!zw
.-
tw:jo
''
1.

..u;.#'.%31I9çj*'NI ,.t'p '= .aw ôu u . 'IYjI .c


'.'uak+-5jô.o
' q21.V J
s . z urx.;: wy
Ioo.
w ev.a'.s- Iu(I.#. ;<o!.xJ'1ws..'ix. ,!ob h J' ''-lap '' - . wI wokx.ws Ia'.
5z @.(bI
y .au ,ù,.. w w.
. t Ci . .5 s . .' . .
oK +JI.>z.ik*- '.z!wo.Li@4.2-,I
u,.lz,
.., ax
..l,'
ek .çAJ
.
I..o..,=)I2.1-1o kJIlhïIwe'
. eu.z&..
' D z- w.*
.

- vbr ô5 - J f j . â-
qtl
).wyj.-.-î.J0.jo..cmJ1z
..
. .v g-o -.
1..sw>.bzz1))kkrwal I;%-..Xt
.gIq( J v 5w .
uy 1zL;)
la.x .,
us .. .uzmTNa u t5N.l,J lNIw.,.a ow.uc oa.àug& . .:,ujak&.J.k
..
çI
,w
- .,
.
f g J J jg '
u.s- n'%* . 7 tî u.s-l oz-.ll u.s-M e J H zQJ
.

: ' 'u'.I o J s s. .,
.. ..c= .us Y @ ' w1 o
uk 'yk.ug uI.s .
'u..g .kv.a uo 'yimule=I .1jI .+.a
'u.w,*
.

-
bo51 : .
,
...u7.1 ôlhax' twI, 'x
t-f
'.:4J'+' . #
..p - ''ke--'Iwe'J' u vXJ'u.I , o
+./'4-1-,.
22x'-'Jl..
t.
,.d wtp
.
-) . ,z s f. # t , o f.
v.:-w.aIl â.Irbz uwUwx 'w.z u.mCfa kx ..r>: .uIN I
. ., qpw.o...w py. w.s.p lw.pa <)IC'
u a. hw.soe h,x. ax.u;z.
-ul
'
.
u. . & J:voyll,Nuw I
â .. .. '
..9 . . .... '.'
.a .. ; .. '' ..
r% p ..sxe
- ,Aglt'> ..r'.'
. . ;w
.. 'wJow1h
1..#.1 - l:a';'
e-uV 1
.,.mk.#.'Iw':w-' -'w.,
.

#. J w 9.r.
wz. ù,- ..t 1zzL'
....x ztu ,1zLu;ùU' u..>.t../ .91U'
o .. .. '' '' . o.. o
'' ô ''.7
. < '' .
.
/ 1.0 '.-
nj!wn.rA- .
# :Jteu#.%..-q
j.
jzog

'a'
;j
Hbl'
..
>o'
4
'.y
. ',
'oH
;kt
..xJ
.!
uo .
-u
z.s.:.r.
,.
r> tl
.u:..wx w N t.xota t..
Lt
ç .x: w..
;pu:..
wx w 1z1 'Q .lt..9k1x.J 1
çwr
J
Jz' ''' z (;
a.' .. '' â!.
' ;;'.
Jl's*'
t. J
>t!z'1)'J.'bZd.4 ' d''*' ' â THd
%
. &: x az-e o a
.. .. af: . <! <)!J
''a-
,u '-pwa.w
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪484‬‬

‫اص»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬


‫ُح َص ٌ‬
‫أن والده أرسله إلى بني‬ ‫القصة‪ :‬وهي َّ‬ ‫يذكر سهيل ابن أبي صالح هذه َّ‬
‫«و َم َع ُه ُغ َل ٌم َل ُه ْم»‪ ،‬أي‪ :‬خادم‪ ،‬فنادى مناد من حائط باسمه‪ ،‬أي‪ :‬باسم‬ ‫حارثة َ‬
‫ط»‪ ،‬أي‪ :‬نظر بح ًثا عن هذا ا َّلذي‬ ‫ف ا َّل ِذي م ِعي ع َلى الحائِ ِ‬
‫ذلك الغالم‪َ « ،‬ف َأ ْش َر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ألن هذا شيء ُيخيف‪ْ ،‬‬
‫أن‬ ‫ناداه « َف َل ْم َي َر َش ْيئًا»‪ ،‬ولحقه بسبب ذلك خوف؛ َّ‬
‫ك ِلَبِي‪َ ،‬ف َق َال َل ْو َش َع ْر ُت َأن َ‬
‫َّك‬ ‫شخصا‪ ،‬قال‪َ « :‬ف َذك َْر ُت َذلِ َ‬
‫ً‬ ‫يسمع صو ًتا وال يرى‬
‫الشدَّ ة أو الخوف‪.‬‬ ‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬تلقى هذه ِّ‬ ‫َت ْل َقى َه َذا َل ْم ُأ ْر ِس ْل َ‬
‫ألن النِّداء كما تقدَّ م يطرد‬ ‫الص َل ِة»؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫ت َص ْوتًا َفنَاد بِ َّ‬ ‫«و َلكِ ْن إِ َذا َس ِم ْع َ‬
‫َ‬
‫الشيطان‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ث َع ِن النَّبِ ِّي ﷺ أ َّن ُه َق َال‪ :‬إِ َّن‬ ‫ت َأ َبا ُه َر ْي َر َة ‪ُ I‬ي َحدِّ ُ‬ ‫قال‪َ « :‬فإِنِّي َس ِم ْع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّصرف المناسب‬ ‫الص َلة َأ ْد َب َر»‪ ،‬هذا الدَّ ليل‪ ،‬فذكر له الت ُّ‬ ‫ان إِ َذا نُودي بِ َّ‬ ‫الش ْي َط َ‬‫َّ‬
‫أن اإلنسان إذا كان يف طريق‪ ،‬أو‬ ‫وأتبعه بالدَّ ليل‪ ،‬وقد أخذ من هذا أهل العلم َّ‬
‫وخوفته‪ ،‬أو سمع أصوا ًتا أو نحو ذلك فإنَّه‬ ‫الشياطين َّ‬ ‫يف مكان وعرضت له َّ‬
‫بالصالة؛ فإنَّها تبتعد عنه وال تبقى يف المكان ا َّلذي هو فيه‪.‬‬ ‫ينادي َّ‬
‫«استعمل زيد بن أسلم على معدن بني‬ ‫َ‬ ‫َق َال اإلمام َمال ِ ٌك بن أنس ‪:V‬‬
‫يصاب فيه الناس من قب ِل الج ِّن‪ ،‬فلما وليهم تركوا‬ ‫ُ‬ ‫ُسليم‪ ،‬كان معدنًا ال ُ‬
‫يزال‬
‫ذلك إليه؛ فأمرهم باألذان أن يؤذنوا ويرفعوا أصواهتم‪ ،‬ففعلوا؛ فارتفع عنهم‬
‫ذلك حتى اليوم‪ .‬قال مالك‪ :‬أعجبني ذلك من مشورة زيد بن أسلم»(‪.)2‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)389‬‬


‫(((  رواه الاللكائي يف كرامات األولياء (‪.)127‬‬
j kèbU
1 I:iQ''= .'klI2.,= w=.I)k
szt'.J3;

O - -
- - *6 - Q-

(V) J%#2;:.,
= 'uafJGEN!
O

.
w
o.u ,k<2lu u . wwl.p ..
15 q;x .0.. k <)1.
- .
1Jb CJh
l
.

.u..
.
. u.-
. o Iq
'xsm.).s:oI
wvNrI,; w'
u.:Io

kiuOJuC
.. ,.
'o-luq
(14 ..JJt'
w<t;Lf)rI
. w4NlIz
*
<,..uy'I.
I.A.1 .
'k>-Iuq(&.u-L<r'.H
.
Ah
J
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪486‬‬

‫ت َيدَ َك»‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫«و َر َأ ْين َ‬


‫َاك َب َس ْط َ‬ ‫َّعوذ وال َّلعن‪َ ،‬‬ ‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬الت ُّ‬ ‫ك َت ُقو ُل ُه َق ْب َل َذلِ َ‬
‫َل ْم ن َْس َم ْع َ‬
‫مددهتا؛ وهذا القول والعمل لم يعهدوه من صالته ‪.O‬‬
‫َار لِ َي ْج َع َل ُه فِي َو ْج ِهي‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬
‫اب ِم ْن ن ٍ‬ ‫يس‪َ ،‬جا َء بِ ِش َه ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت‬ ‫« َق َال‪ :‬إِ َّن َعدُ َّو اهلل إِ ْبل َ‬
‫ث مر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ت َأ ْل َعن َ‬ ‫ث مر ٍ‬ ‫َأ ُعو ُذ بِاهلل ِ ِمن َ‬
‫ات‪َ ،‬ف َل ْم‬ ‫ُك بِ َل ْعنَة اهلل الت ََّّامة َث َل َ َ َّ‬ ‫ات‪ُ ،‬ث َّم ُق ْل ُ‬ ‫ْك َث َل َ َ َّ‬
‫َي ْست َْأ ِخ ْر‪ُ ،‬ث َّم َأ َر ْد ُت َأ ْخ َذ ُه»‪ ،‬أي‪ :‬أردت أن ُأمسك به؛ ليوثقه ويق ِّيده‪.‬‬
‫ِ‬
‫نبي اهلل‬ ‫ان»‪ ،‬أي‪ِّ :‬‬ ‫«واهلل َل ْو َل َد ْع َو ُة َأ ِخينَا ُس َل ْي َم َ‬ ‫قال ‪َ :O‬‬ ‫لكنَّه َ‬
‫‪ ،S‬ودعوته ذكرها اهلل يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫«لَ ْص َب َح ُمو َث ًقا ‪-‬أي‪ :‬مق َّيدً ا مربو ًطا‪-‬‬ ‫ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾ [ص‪َ ،]35 :‬‬
‫ان َأ ْه ِل ا ْل َم ِدين َِة»‪.‬‬
‫ب بِ ِه ِو ْلدَ ُ‬
‫َي ْل َع ُ‬
‫قال ابن تيم َّية ‪« :V‬ففي هذا الحديث االستعاذة منه‪ ،‬ولعنته بلعنة اهلل‬
‫َّبي ﷺ‬ ‫الصحيحين عن أبي هريرة عن الن ِّ‬ ‫ولم يستأخر بذلك فمدَّ يده إليه‪ .‬ويف َّ‬
‫اهلل مِنْه‬ ‫ِ‬
‫الصالة َع َل َّي َف َأ ْم َكنَني ُ‬
‫ِ‬ ‫يطان َ ِ‬
‫عرض لي فشدَّ َع َل َّي؛ ل َي َ‬
‫قطع َّ‬ ‫الش َ‬ ‫قال‪َّ :‬‬
‫«إن َّ‬
‫فذعته‪ ،‬ولقد َه َم ْمت أن أوثقه إلى سارية حتَّى تصبحوا فتنظروا إليه‪ ،‬فذكرت‬ ‫ُ‬
‫قول أخي سليمان‪﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ﴾ [ص‪،]35 :‬‬ ‫َ‬
‫ويفسره‪ .‬وقوله‪( :‬ذعته)‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫األول‬
‫فر َّده اهلل خاس ًئا»؛ فهذا الحديث يوافق َّ‬
‫دفع لعدوانه بالفعل وهو الخنق‪،‬‬ ‫أن مدَّ اليد كان لخنقه‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫خنقته‪ ،‬فب َّين َّ‬
‫السارية فهو من‬ ‫الزيادة وهو ربطه إلى َّ‬ ‫وبه اندفع عدوانه فر َّده اهلل خاس ًئا؛ وأ َّما ِّ‬
‫يتصرف يف الج ِّن‬ ‫الملكي ا َّلذي تركه لسليمان‪َّ ،‬‬
‫فإن نب َّينا ﷺ كان‬
‫َّ‬ ‫َّصرف ُ ِّ‬ ‫باب الت ُّ‬
‫يتصرف‬ ‫َّ‬ ‫تصرف عبد رسول يأمرهم بعبادة اهلل وطاعته‪ ،‬ال‬ ‫كتصرفه يف اإلنس؛ ُّ‬ ‫ُّ‬
‫نبي‬ ‫ً‬
‫الملكي؛ فإنَّه كان عبدً ا رسول‪ ،‬وسليمان ٌّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّصرف‬
‫ألمر يرجع إليه وهو الت ُّ‬
‫المقربين أفضل‬ ‫َّ‬ ‫السابقين‬
‫أن َّ‬‫الملِك‪ ،‬كما َّ‬ ‫َّبي َ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫أفضل‬ ‫سول‬ ‫الر‬
‫َّ‬ ‫والعبد‬ ‫‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫ك‬ ‫مل ِ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫البخاري عن‬
‫ِّ‬ ‫َّسائي على شرط‬
‫من عموم األبرار أصحاب اليمين‪ ،‬وقد روى الن ُّ‬
‫‪487‬‬ ‫‪ -79‬األذكار الَّيت تطرد ال َّشيطان (‪)2‬‬

‫الشيطان فأخذه فصرعه فخنقه‪،‬‬ ‫َّبي ﷺ كان ُيص ِّلي فأتاه َّ‬ ‫َّ‬
‫عائشة ‪ J‬أن الن َّ‬
‫«حتَّى َو َجدْ ُت َب ْر َد ل ِ َسانِ ِه َع َلى َي ِدي‪َ ،‬و َل ْو َل َد ْع َوة ُس َل ْي َمان‬
‫قال رسول اهلل ﷺ ‪َ :‬‬
‫َّاس»‪ ،‬ورواه أحمد وأبو داود من حديث أبي سعيد‬ ‫َلَ ْص َب َح ُمو َث ًقا َحتَّى َي َرا ُه الن ُ‬
‫أصبعي‬
‫َّ‬ ‫وفيه‪« :‬فأهويت بيدي فما زلت أخنقه حتَّى وجدت برد لعابه بين‬
‫هاتين‪ :‬اإلهبام‪ ،‬وا َّلتي تليها»‪ .‬اهـ كالمه ‪.)1(V‬‬
‫ان َأ َحدَ ك ُْم‬ ‫«ي ْأتِي َّ‬
‫الش ْي َط ُ‬ ‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫و َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ك؟‪َ ،‬فإِ َذا َب َل َغ ُه‬ ‫ول‪َ :‬م ْن َخ َل َق ك ََذا؟ َم ْن َخ َل َق ك ََذا؟ َحتَّى َي ُق َ‬
‫ول‪َ :‬م ْن َخ َل َق َر َّب َ‬ ‫َف َي ُق ُ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)2‬‬ ‫ُّ‬ ‫َف ْل َي ْست َِع ْذ بِاهلل ِ َو ْل َينْت َِه»‪ .‬رواه‬
‫هذا الحديث عن وسوسة َّ‬
‫الشيطان لإلنسان وتشكيكه له يف عقيدته يف اهلل‬
‫وإيمانه به ‪.E‬‬
‫ان َأ َحدَ ك ُْم َف َي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬م ْن َخ َل َق ك ََذا؟ َم ْن َخ َل َق ك ََذا؟ َحتَّى‬ ‫«ي ْأتِي َّ‬
‫الش ْي َط ُ‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫السؤال باطل من أساسه‪ ،‬ال يقوله َّإل َمن لم‬ ‫ك؟» وهذا ُّ‬ ‫َي ُق َ‬
‫ول‪َ :‬م ْن َخ َل َق َر َّب َ‬
‫يعرف ر َّبه ‪ ،E‬فاهلل ‪ D‬خالق الخلق أجمعين وموجدهم من العدم‪،‬‬
‫الشيطان يدخل من خالل هذا المدخل على‬ ‫األول ا َّلذي ليس قبله شيء‪ ،‬لك ْن َّ‬ ‫َّ‬
‫رقيق الدِّ ين‪ ،‬ضعيف االعتقاد حتَّى يخلخل بمثل هذا إيمانه و ُيدخل عليه‬
‫الشبهات‪ ،‬فأرشد ‪ O‬إلى أمرين‪:‬‬ ‫ُّ‬
‫«و ْل َينْت َِه»‪.‬‬
‫األول‪ :‬عدم االسرتسال معه؛ قال َ‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫والثاني‪ :‬االستعاذة‪.‬‬
‫فباالنتهاء وباالستعاذة ينقطع هذا الوسواس بإذن اهلل‪.‬‬

‫(((  انظر‪ :‬مجموع الفتاوى (‪.)51/19‬‬


‫البخاري (‪ ،)3276‬ومسلم (‪.)134‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪488‬‬

‫الشيطان‬ ‫فأمره باالستعاذة منه ليقطع عنه الوساوس الفاسدة ا َّلتي ُيلقيها َّ‬
‫يختار أن يحرتق‬ ‫َ‬ ‫بغير اختياره ويؤذيه هبا‪ ،‬حتَّى قد يتمنَّى الموت‪ ،‬أو حتَّى‬
‫ول اهلل ِ‬ ‫«يا َر ُس َ‬ ‫الصحابة‪ ،‬فقالوا‪َ :‬‬ ‫وال يجدها؛ وهي الوسوسة ا َّلتي سأله عنها َّ‬
‫جدُ فِي َن ْف ِس ِه ما َلَ ْن يح َترِ َق حتَّى ي ِصير حمة َأو يخر ِمن السم ِ‬
‫اء‬ ‫إِ َّن َأ َحدَ نَا َل َي ِ‬
‫ْ َ َّ َ َّ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ان»(‪ .)1‬ويف‬ ‫يم ِ‬ ‫يح ْ ِ‬
‫ال َ‬ ‫ك َصرِ ُ‬ ‫ض َخ ْي ًرا َل ُه َم ْن َأ ْن َي َت َك َّل َم بِ ِه»‪ ،‬فقال‪َ « :‬ذلِ َ‬ ‫إِ َلى ْالَ ْر ِ‬
‫«الح ْمدُ هلل ِ ا َّل ِذي َر َّد َك ْيدَ ُه إِ َلى‬ ‫ِ‬
‫«ما َي َت َعا َظ ُم َأ َحدُ نَا َأ ْن َي َت َك َّل َم بِه»‪ ،‬فقال‪َ :‬‬ ‫رواية‪َ :‬‬
‫أن كراهته هذه الوسوسة ونفيها هو محض اإليمان‬ ‫الو ْس َو َس ِة»(‪ .)2‬وأراد بذلك َّ‬ ‫َ‬
‫وصريحه‪.‬‬
‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫بن أبي ال َع ِ‬ ‫عثمان ِ‬
‫َّبي ﷺ َف َق َال‪َ :‬‬
‫«يا‬ ‫اص ال َّث َقف ِّي ‪ I‬أ َّن ُه أتَى الن َّ‬ ‫َ‬ ‫َو َع ْن‬
‫ان َقدْ َح َال َب ْينِي َو َب ْي َن َص َلتِي َو ِق َرا َءتِي َي ْلبِ ُس َها َع َل َّي!» َف َق َال‬ ‫ول اهلل! إِ َّن َّ‬
‫الش ْي َط َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫َب؛ َفإِ َذا َأ ْح َس ْس َت ُه َف َت َع َّو ْذ بِاهلل ِ ِمنْ ُه َوات ِْف ْل‬
‫ان ُي َق ُال َل ُه خنْز ٌ‬ ‫اك َش ْي َط ٌ‬ ‫ول اهلل ِ ﷺ‪َ « :‬ذ َ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫ك َف َأ ْذ َه َب ُه اهللُ َعنِّي»‪ .‬رواه مسلم(‪.)3‬‬ ‫ت َذلِ َ‬ ‫ار َك َث َل ًثا»‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف َف َع ْل ُ‬ ‫َع َلى َي َس ِ‬

‫ان َح َال َب ْينِي َو َب ْي َن َص َلتِي»‪ ،‬أي‪ :‬شغلني عنها وعن‬ ‫الش ْي َط َ‬‫قوله‪« :‬إِ َّن َّ‬
‫ال ُّطمأنينة فيها والخشوع‪.‬‬
‫وحسن تد ُّبره‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫«و َب ْي َن ق َرا َءتي»‪ ،‬أي‪ :‬للقرآن الكريم ُ‬ ‫َ‬
‫«ي ْلبِ ُس َها َع َل َّي»‪ ،‬أي‪ :‬فال يجعله يتد َّبر‪ ،‬ويلبس عليه القراءة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫مختص يف هذا‬ ‫ٌّ‬ ‫َب»‪ ،‬أي‪ :‬هذا شيطان‬ ‫ان ُي َق ُال َل ُه خنْز ٌ‬ ‫اك َش ْي َط ٌ‬ ‫« َف َق َال ﷺ َذ َ‬
‫األمر ا َّلذي هو الحيلولة بين اإلنسان وبين صالته وبينه وبين قراءته؛ حتَّى‬
‫ال يطمئ َّن يف صالته وال يخشع وال يتد َّبر يف قراءته للقرآن الكريم؛ يلبس‬

‫(((  رواه أحمد (‪.)9156‬‬


‫(((  رواه مسلم (‪ ،)132‬وأبو داود (‪ ،)5112‬وال َّلفظ له‪.‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2203‬‬
‫‪489‬‬ ‫‪ -79‬األذكار الَّيت تطرد ال َّشيطان (‪)2‬‬

‫الصالة‪ ،‬وله يف ذلك ح َي ٌل‪ ،‬ووسائل‪ ،‬وأساليب‬ ‫ويشوش عليه يف َّ‬ ‫ِّ‬ ‫عليه القراءة‬
‫متنوعة؛ للحيلولة بين المرء وبين صالته وقراءته‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫وجهه ‪ O‬إلى ماذا يفعل؟ قال‪َ « :‬فإِ َذا َأ ْح َس ْس َت ُه َف َت َع َّوذ بِاهلل ِ ِمنْ ُه‬ ‫ثم َّ‬ ‫َّ‬
‫شوش عليه وحال بينه وبين صالته‪ ،‬وحال‬ ‫ار َك َث َل ًثا»‪ ،‬أي‪ :‬إذا َّ‬ ‫َواتْفل َع ْن َي َس ِ‬
‫بينه وبين قراءته وألبسها عليه فأصبح ليس مطمئنًّا وال خاش ًعا وال متد ِّب ًرا‬
‫الشيطان وينفث عن يساره ثال ًثا‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫فليتعوذ باهلل من َّ‬
‫َّ‬ ‫والتبست عليه القراءة؛‬
‫ك َف َأ ْذ َه َب ُه اهللُ َعنِّي»‪.‬‬‫ت َذلِ َ‬ ‫« َف َف َع ْل ُ‬
‫‪-‬أ ْو َق َال‪ُ :‬جن ُْح‬ ‫َو َع ْن َجابِ ٍر ‪َ I‬ع ِن النَّبِي ﷺ قال‪« :‬إِ َذا ْاست َْجن ََح ال َّل ْي ُل َ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َّل ْي ِل‪َ -‬ف ُك ُّفوا ِص ْب َيا َنك ُْم؛ َفإِ َّن َّ‬
‫ب َسا َع ٌة م َن‬ ‫ين َتنْتَش ُر حينَئذ‪َ ،‬فإ َذا َذ َه َ‬ ‫الش َياط َ‬
‫ِ ِ‬ ‫وه ْم‪َ ،‬و َأ ْغ ِل ْق َبا َب َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ك‪َ ،‬وا ْذ ُكرِ ْاس َم‬ ‫اح َ‬ ‫ك‪َ ،‬وا ْذ ُكرِ ْاس َم اهلل‪َ ،‬و َأ ْطف ْئ م ْص َب َ‬ ‫ا ْلع َشاء َفخَ ُّل ُ‬
‫اهلل‪َ ،‬و َأ ْو ِك ِس َقا َء َك‪َ ،‬وا ْذ ُكرِ ْاس َم اهلل‪َ ،‬و َخ ِّم ْر إِنَا َء َك‪َ ،‬وا ْذ ُكرِ ْاس َم اهلل‪َ ،‬و َل ْو َت ْع ُر ُض‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫َع َل ْي ِه َش ْيئًا»‪ .‬رواه‬
‫قوله‪« :‬إِ َذا ْاست َْجن ََح ال َّل ْي ُل َ‬
‫‪-‬أ ْو َق َال‪ُ :‬جنْح ال َّل ْي ِل‪ ،»-‬أي‪ :‬أقبل ظالمه‪.‬‬
‫قوله‪َ « :‬ف ُك ُّفوا ِص ْب َيا َنك ُْم»‪ ،‬أي‪ :‬امنعوهم من الخروج‪.‬‬
‫الساعة‪.‬‬ ‫ِ ِ ٍِ‬ ‫قوله‪َ « :‬فإِ َّن َّ ِ‬
‫ين َتنْتَش ُر حينَئذ»‪ ،‬أي‪ :‬يف تلك َّ‬ ‫الش َياط َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وه ْم»‪ ،‬فهذا وقت ُيحتاط فيه‬ ‫ب َسا َع ٌة م َن ا ْلع َشاء َفخَ ُّل ُ‬ ‫قوله‪َ « :‬فإِ َذا َذ َه َ‬
‫لألوالد‪ ،‬و ُيك ُّفون عن الخروج يف ذلك الوقت حف ًظا لهم؛ لكثرة انتشار‬
‫الشياطين فيه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫«و َأ ْغ ِل ْق َبا َب َ‬
‫ك‪َ ،‬وا ْذ ُكرِ ْاس َم اهلل‪،‬‬ ‫اح َ‬‫ك‪َ ،‬وا ْذ ُكرِ ْاس َم اهلل‪َ ،‬و َأ ْطف ْئ م ْص َب َ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫رض َع َل ْي ِه‬
‫َو َأ ْو ِك ِس َقا َء َك‪َ ،‬وا ْذ ُكرِ ْاس َم اهلل‪َ ،‬و َخ ِّم ْر إِنَا َء َك‪َ ،‬وا ْذ ُكرِ ْاس َم اهلل‪َ ،‬و َل ْو َت ْع ُ‬

‫البخاري (‪ ،)3280‬ومسلم (‪.)2012‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪490‬‬

‫َش ْيئًا»‪ ،‬فأمر بتكرار التَّسمية عند إغالق الباب وعند إطفاء المصباح وعند‬
‫ِ‬
‫أوعية الماء؛ كزجاجة الماء‬ ‫السقاء فال ُترتك مفتوحة‪ ،‬ومثله ً‬
‫أيضا‪ :‬أغطية‬ ‫إيكاء ِّ‬
‫مفتوحا‪ ،‬وكذلك عند تخمير اإلناء‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الزير‪ ،‬أو غير ذلك‪ ،‬يغ َّطى وال ُيرتك‬
‫أو ِّ‬
‫المتكرر‬
‫ِّ‬ ‫ثمة غطاء يعرض عليه شي ًئا ولو عو ًدا‪ .‬وهذا ال َّطلب‬ ‫وإذا لم يكن َّ‬
‫ٍ‬
‫وواق من َّ‬
‫الشيطان‪.‬‬ ‫أن ذكر اهلل ‪ D‬على هذه األشياء حص ٌن لها‬ ‫للذكر فيه َّ‬
‫ِّ‬
‫كذلك إذا دخل المرء بيته‪ ،‬وقال «بسم اهلل»‪ ،‬وتناول طعامه وقال «بسم‬
‫الشيطان‪« :‬فاتكم العشاء‬ ‫الشيطان‪ ،‬كما جاء يف الحديث يقول َّ‬ ‫اهلل» يوقى من َّ‬
‫الشيطان لرفقائه‪« :‬أدركتم العشاء‬‫وفاتكم المبيت»‪ ،‬وإذا ُتركت التَّسمية قال َّ‬
‫وأدركتم المبيت»‪ .‬فإذا غفل اإلنسان عن ِّ‬
‫الذكر عند دخوله‪ ،‬وعند طعامه‪ ،‬كأنَّه‬
‫للشياطين تدخل وتأكل وتبات‪ ،‬واهلل ‪ D‬يقول‪﴿ :‬ﮮ‬ ‫ه َّيأ بيته وطعامه َّ‬
‫ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ‬
‫ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ﴾‬
‫[اإلسراء‪]65-64 :‬؛ قيل يف معناها‪ :‬أي ا َّلذين يذكرون اهلل‪َّ ،‬‬
‫فالذاكر هلل يف حصن‬
‫الرجيم‪.‬‬ ‫وحرز متين يقيه بإذن اهلل ‪ E‬من َّ‬
‫الشيطان َّ‬ ‫ٍ‬ ‫حصين‬
‫‪491‬‬ ‫‪ -80‬ما يرقى به املريض (‪)1‬‬

‫‪80‬‬

‫ما يرقى به املريض (‪)1‬‬

‫السنَّة النَّبو َّية بأنواع من األذكار واألدعية العظيمة النَّافعة ا َّلتي‬


‫لقد جاءت ُّ‬
‫لها أثرها البالغ بإذن اهلل ‪ D‬يف زوال المرض‪ ،‬قد جعلها اهلل ‪ E‬سب ًبا‬
‫وجدير بالمسلم أن يكون على علم‬‫ٌ‬ ‫ِّ‬
‫للشفاء؛ ف ُيشرع أن ُيرقى هبا المريض‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بأمور‬ ‫مما ُيرقى به المريض؛ حتَّى ال ينشغل‬ ‫َّبي ‪َّ O‬‬ ‫بالمأثور عن الن ِّ‬
‫السنَّة الوفاء والكفاية والربكة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ال أصل لها وأعمال ال أساس لها‪ ،‬ويف ُّ‬
‫فالرقية نوعان‪ :‬مشروعة وممنوعة‪.‬‬ ‫‪ُّ ‬‬

‫والرقية املشروعة‪ :‬هي ما كانت بذكر اهلل‪ ،‬وتالوة القرآن‪ ،‬واألوراد‬ ‫‪ُّ ‬‬
‫َّبي ‪.O‬‬ ‫َّ‬
‫المشروعة الثابتة عن الن ِّ‬
‫الشعوذات‪ ،‬أو ذكر‬‫‪ ‬واملمنوعة‪ :‬ما لم تكن كذلك‪ ،‬بل بال َّطالسم‪ ،‬أو َّ‬
‫مما عليه الدَّ جاجلة والمشعوذون‪.‬‬ ‫أسماء َّ‬
‫الشياطين‪ ،‬أو التَّمتمة‪ ،‬وما إلى ذلك َّ‬
‫الرقية‪،‬‬
‫َّبي ‪ O‬عن ُّ‬ ‫ويف الحديث َّ‬
‫الصحابة ‪ M‬سألوا الن َّ‬ ‫أن َّ‬
‫الر َقى َما َل ْم َيك ُْن فِ ِيه ِش ْر ٌك»‪ .‬رواه‬
‫فقال‪« :‬ا ْعرِ ُضوا َع َل َّي ُر َقاك ُْم‪َ ،‬ل َب ْأ َس بِ ُّ‬
‫مسلم(‪.)1‬‬
‫وهذه وقف ٌة مع رقية عظيمة تضافر نقلها عن رسول اهلل ﷺ رواها عنه‬
‫الصحابة ‪ M‬أجمعين‪ ،‬ووصفها غير واحد منهم بأنَّها رقية‬
‫غير واحد من َّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2200‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪492‬‬

‫مريضا أو ُأيت له بمريض‬


‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وكان صلوات اهلل وسالمه عليه إذا عاد ً‬
‫الرقية العظيمة‪ ،‬وكان ‪ O‬يرقي هبا نفسه‪ ،‬ورقته هبا أ ُّم‬ ‫رقاه بتلك ُّ‬
‫المؤمنين عائشة ‪ J‬وأرضاها يف ال َّلحظات األخيرة من حياته صلوات اهلل‬
‫نفع‬ ‫عظيم شأنُها‪ٌ ،‬‬
‫جليل قدرها‪ ،‬عظيم ٌة مكانتها‪ ،‬لها ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وسالمه عليه؛ فهي رقية‬
‫عظيم وفائد ٌة جليلة‪ ،‬وفيها شفا ٌء وعافي ٌة للمرضى والمصابين‪.‬‬
‫وفهما لمعانيها ومدلوالهتا؛‬‫ً‬ ‫الرقية حف ًظا أللفاظها‪،‬‬
‫و َمن ُو ِّفق للعناية هبذه ُّ‬
‫صاد ًقا يف دعائه محسنًا يف التجائه‪ ،‬واث ًقا بر ِّبه‪ ،‬متوك ًِّل عليه شفاه اهلل ‪F‬‬
‫مرضا نفس ًّيا‪ .‬فلنتأ َّمل‬
‫مرضا بدن ًّيا‪ ،‬أو كان ً‬
‫وعافاه أ ًّيا كان مرضه‪ ،‬سوا ٌء كان ً‬
‫الرقية العظيمة‪،‬‬ ‫ما ورد من أحاديث صحاح عن رسول اهلل ﷺ يف شأن هذه ُّ‬
‫ولنتأ َّمل آثارها العظيمة ونفعها العميم‪:‬‬
‫َان النَّبِ ُّي ﷺ ُي َع ِّو ُذ‬‫البخاري يف صحيحه عن عائشة ‪ J‬قالت‪« :‬ك َ‬ ‫ُّ‬ ‫روى‬
‫الشافِي َل‬ ‫ْت َّ‬ ‫ف َأن َ‬‫َّاس‪ ،‬و ْاش ِ‬
‫ب ال َب ْأ َس َر َّب الن ِ َ‬ ‫َب ْع َض ُه ْم‪َ ،‬ي ْم َس ُح ُه بِ َي ِمين ِ ِه‪َ :‬أ ْذ ِه ِ‬
‫ِش َفاء إِ َّل ِش َفاؤُ َك‪ِ ،‬ش َفاء َل يغ ِ‬
‫َاد ُر َس َق ًما»(‪.)1‬‬ ‫ً ُ‬ ‫َ‬
‫«أن رس َ ِ‬
‫ول‪ ،‬وذكرت‬ ‫يضا َي ُق ُ‬‫َان إِ َذا َعا َد َمرِ ً‬‫ول اهلل ﷺ ك َ‬ ‫ويف رواية عنها‪ُ َ َّ َ :‬‬
‫الدُّ عاء»‪ .‬رواه مسلم(‪.)2‬‬
‫الر ْق َي ِة‪ْ :‬ام َسحِ‬ ‫ِِ‬ ‫ول اهَّلل ِ ﷺ ك َ ِ‬ ‫ويف رواية أخرى عنها‪َ :‬‬
‫َان َي ْرقي بِ َهذه ُّ‬ ‫«أ َّن َر ُس َ‬
‫ف َل ُه إِ َّل َأن َ‬ ‫الش َفاء‪َ ،‬ل ك ِ‬ ‫البأس رب الن ِ ِ‬
‫ْت»‪ .‬متَّفق عليه(‪.)3‬‬ ‫َاش َ‬ ‫َّاس‪ ،‬بِ َيد َك ِّ ُ‬ ‫َ َ َ َّ‬
‫ويف رواية لمسلم‪ ،‬قالت‪« :‬كَان رس ُ ِ‬
‫ان َم َس َح ُه‬‫ول اهلل ﷺ إِ َذا ْاش َتكَى ِمنَّا إِن َْس ٌ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ول اهلل ِ ﷺ َو َث ُق َل َأ َخ ْذ ُت‬ ‫بِ َي ِمين ِ ِه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ :‬وذكرت الدُّ عاء‪ ،‬قالت‪َ :‬ف َل َّما َمرِ َض َر ُس ُ‬

‫البخاري (‪.)5750‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2191‬‬
‫البخاري (‪ ،)5744‬ومسلم (‪.)2191‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪493‬‬ ‫‪ -80‬ما يرقى به املريض (‪)1‬‬

‫«الله َّم ا ْغ ِف ْر لِي‬ ‫ِ ِ‬ ‫بِ َي ِد ِه ِلَ ْصن ََع بِ ِه ن َْح َو َما ك َ‬


‫َان َي ْصن َُع‪َ ،‬فا ْن َتز ََع َيدَ ُه م ْن َيدي‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ُ :‬‬
‫ت َأ ْن ُظ ُر َفإِ َذا ُه َو َقدْ َق َضى»(‪ ،)1‬أي‪:‬‬
‫ت‪َ :‬ف َذ َه ْب ُ‬ ‫الرفِ ِ‬
‫يق ْالَ ْع َلى»‪َ ،‬قا َل ْ‬ ‫ِ‬
‫اج َع ْلني َم َع َّ‬ ‫َو ْ‬
‫ُتو ِّف َي صلوات اهلل وسالمه عليه‪.‬‬
‫ات‬ ‫َان النَّبِي ﷺ ي َتعو ُذ بِه ُؤ َل ِء ا ْلك َِلم ِ‬ ‫ورواه ابن ماجه ولفظه‪ :‬قالت‪« :‬ك َ‬
‫َ‬ ‫َ َ َّ َ‬ ‫ُّ‬
‫الشافِي َل ِش َفا َء إِ َّل ِش َفاؤُ َك ِش َفا ًء َل‬ ‫ْت َّ‬ ‫ف َأن َ‬ ‫«أ ْذ ِهب ا ْلباس‪ ،‬رب النَّاس‪ ،‬و ْاش ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َّ‬
‫ت‬ ‫ات فِ ِيه َأ َخ ْذ ُت بِ َي ِد ِه َف َج َع ْل ُ‬‫َاد ُر َس َق ًما»‪َ ،‬ف َل َّما َث ُق َل النَّبِ ُّي ﷺ فِي َم َر ِض ِه ا َّل ِذي َم َ‬‫يغ ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يق‬ ‫الرف ِ‬ ‫َأ ْم َس ُح ُه َو َأ ُقو ُل َها َفنَز ََع َيدَ ُه م ْن َيدي‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم ا ْغف ْر لي َو َأ ْلح ْقني بِ َّ‬
‫ت ِم ْن ك ََل ِم ِه ﷺ»(‪.)2‬‬ ‫آخ َر َما َس ِم ْع ُ‬ ‫َان ه َذا ِ‬
‫ت‪َ :‬فك َ َ‬ ‫ْالَ ْع َلى»‪َ ،‬قا َل ْ‬
‫ول اهلل ِ ﷺ‬ ‫ْت ُأ َع ِّو ُذ َر ُس َ‬‫ورواه إسحاق بن راهوية يف مسنده أنَّها قالت‪ُ « :‬كن ُ‬
‫ف ِش َفا ًء‬ ‫الشافِي‪ْ ،‬اش ِ‬ ‫ْت َّ‬ ‫ف َأن َ‬‫َّاس‪ْ ،‬اش ِ‬ ‫أس َر َّب الن ِ‬ ‫ب ال َب َ‬ ‫«أ ْذ ِه ِ‬‫ول‪َ :‬‬ ‫فِي َم َر ِض ِه َأ ُق ُ‬
‫ات فِ ِيه‪،‬‬ ‫ْت ُأ َع ِّو ُذ ُه فِي َم َر ِض ِه ا َّل ِذي َم َ‬‫ت‪َ :‬ف ُكن ُ‬ ‫الش َفا ُء بِ َي ِد َك»‪َ ،‬قا َل ْ‬ ‫َل يغ ِ‬
‫َاد ُر َس َق ًما‪ِّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫َف َق َال‪« :‬عنِّي فإنَّما كانت تنفعني لو كانت المدَّ ة»(‪ ،)3‬أي‪ :‬لو كان لي بق َّية يف هذه‬
‫الحياة‪.‬‬
‫ت َأنَا‬ ‫البخاري يف صحيحه عن عبد العزيز بن صهيب قال‪َ « :‬د َخ ْل ُ‬ ‫ُّ‬ ‫وروى‬
‫ت‪َ :‬يا َأ َبا َح ْم َز َة ْاش َت َك ْي ُ‬ ‫َس ب ِن مالِ ٍ‬
‫ت ‪-‬أي‪:‬‬ ‫ك ‪َ I‬ف َق َال َثابِ ٌ‬ ‫ت َع َلى َأن ِ ْ َ‬ ‫َو َثابِ ٌ‬
‫ول اهَّلل ِ ﷺ؟ َق َال‪َ :‬ب َلى‪َ ،‬ق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم‬ ‫يك بِر ْقي ِة رس ِ‬ ‫ِ‬
‫مرضت‪َ -‬ف َق َال َأن ٌَس‪َ :‬أ َل َأ ْرق َ ُ َ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ْت‪ِ ،‬ش َفا ًء َل‬ ‫الشافِي‪َ ،‬ل َشافِ َي إِ َّل َأن َ‬ ‫ْت َّ‬ ‫اس‪ْ ،‬اش ِ‬
‫ف َأن َ‬ ‫ب ال َب ِ‬ ‫ِ‬ ‫َر َّب الن ِ‬
‫َّاس‪ُ ،‬م ْذه َ‬
‫يغ ِ‬
‫َاد ُر َس َق ًما»(‪.)4‬‬ ‫ُ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2191‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه ابن ماجه (‪،)1619‬‬
‫(((  رواه إسحاق ابن راهويه يف مسنده (‪.)1332‬‬
‫البخاري (‪.)5742‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪494‬‬

‫َان‬
‫علي بن أبي طالب ‪ ،I‬قال‪ :‬ك َ‬ ‫وروى اإلمام أحمد يف مسنده عن ِّ‬
‫ف َأن َ‬
‫ْت‬ ‫َّاس‪ْ ،‬اش ِ‬
‫اس َر َّب الن ِ‬ ‫ب ا ْل َب َ‬
‫يضا‪َ ،‬ق َال‪ِ َ :‬‬
‫«أ ْذه ْ‬ ‫ول اهَّلل ِ ﷺ إِ َذا َع َّو َذ َمرِ ً‬ ‫َر ُس ُ‬
‫الشافِي َل ِش َفاء إِ َّل ِش َفاؤُ َك‪ِ ،‬ش َفاء َل يغ ِ‬
‫َاد ُر َس َق ًما»(‪.)1‬‬ ‫َّ‬
‫ً ُ‬ ‫َ‬
‫ول اهلل ِ ﷺ‬ ‫أن َر ُس َ‬
‫عمار بن ياسر ‪َّ :I‬‬ ‫البزار يف مسنده عن َّ‬ ‫وروى َّ‬
‫الشافِي َل ِش َفا َء إِ َّل‬ ‫ف َأن َ‬
‫ْت َّ‬ ‫َّاس‪ ،‬و ْاش ِ‬
‫أس َر َّب الن ِ َ‬ ‫ب ال َب َ‬‫«أ ْذ ِه ِ‬‫َد َخ َل َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬
‫ِش َفاؤُ َك‪ِ ،‬ش َفاء َل يغ ِ‬
‫َاد ُر َس َق ًما»(‪.)2‬‬ ‫ً ُ‬
‫َّبي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫وروى الطرباينُّ يف كتابه الدُّ عاء عن عبد اهلل بن مسعود ‪ I‬أن الن َّ‬
‫الشافِي‬ ‫ْت َّ‬ ‫ف َأن َ‬ ‫َّاس‪ ،‬و ْاش ِ‬
‫أس َر َّب الن ِ َ‬ ‫ب ال َب َ‬ ‫«أ ْذ ِه ِ‬
‫يضا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫َان إِ َذا َعا َد َم ِر ً‬
‫ﷺك َ‬
‫َاد ُر َس َق ًما»(‪.)3‬‬‫َل ِش َفاء إِ َّل ِش َفاؤُ َك‪ِ ،‬ش َفاء َل يغ ِ‬
‫ً ُ‬ ‫َ‬
‫ت َع َلى َي ِدي‬ ‫ب‪« :‬ان َْص َّب ْ‬ ‫وروى اإلمام أحمد يف مسنده‪َ ،‬ق َال ُم َح َّمدُ ْب ُن َحاطِ ٍ‬
‫ول اهَّلل ِ‬
‫ت بِي ُأمي إِ َلى رس ِ‬ ‫حار‪َ -‬ف َذ َه َب ْ‬ ‫ِم ْن ِقدْ ٍر ‪-‬أي‪:‬‬
‫َ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫انصب على يده طعام ٌّ‬ ‫َّ‬
‫َّاس»‪َ ،‬و َأ ْح ِس ُب ُه َق َال‪:‬‬
‫أس َر َّب الن ِ‬ ‫ب ا ْل َب َ‬ ‫«أ ْذ ِه ِ‬
‫َان‪َ ،‬ف َق َال ك ََل ًما فِ ِيه‪َ :‬‬‫ﷺ َو ُه َو فِي َمك ٍ‬
‫َان َي ْت ُف ُل َع َلى َي ِد ِه»(‪.)4‬‬ ‫الشافِي»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬وك َ‬ ‫ْت َّ‬‫ف َأن َ‬ ‫«اش ِ‬
‫ْ‬
‫محمد بن حاطب عن أ ِّمه ‪-‬أ ِّم جميل‬ ‫ورواه اإلمام أحمد يف مسنده‪ ،‬عن َّ‬
‫ْت ِم ْن‬ ‫ض ا ْل َح َب َش ِة َحتَّى إِ َذا ُكن ُ‬ ‫ك ِم ْن َأ ْر ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫بنت المج ِّلل ‪ -J‬قالت‪َ :‬‬
‫«أ ْق َب ْل ُ‬
‫ت َأ ْط ُل ُب ُه‬ ‫ِ‬ ‫ا ْل َم ِدين َِة َع َلى َل ْي َل ٍة َأ ْو َل ْي َل َت ْي ِن َط َبخْ ُ‬
‫ب َفخَ َر ْج ُ‬ ‫ك َطبِيخً ا‪َ ،‬ف َفن َي ا ْل َح َط ُ‬ ‫ت َل َ‬
‫ت‪ :‬بِ َأبِي َو ُأ ِّمي‬ ‫ك النَّبِ َّي ﷺ‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ك‪َ ،‬ف َأ َت ْي ُ‬ ‫ت ا ْل ِقدْ ر َفا ْن َك َف َأ ْت ع َلى ِذر ِ‬
‫اع َ‬ ‫َف َتن ََاو ْل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك َو َد َعا‬ ‫يك َو َم َس َح َع َلى َر ْأ ِس َ‬ ‫ب‪َ ،‬ف َت َف َل فِي فِ َ‬ ‫ول اهَّلل ِ َه َذا ُم َح َّمدُ ْب ُن َحاطِ ٍ‬ ‫َيا َر ُس َ‬

‫(((  رواه أحمد (‪.)565‬‬


‫البزار يف مسنده (‪.)1414‬‬ ‫(((  رواه َّ‬
‫(((  رواه ال َّطرباينُّ يف الدُّ عاء (‪.)1106‬‬
‫(((  رواه أحمد (‪.)15452‬‬
‫‪495‬‬ ‫‪ -80‬ما يرقى به املريض (‪)1‬‬

‫ف َأن َ‬ ‫َّاس‪ ،‬و ْاش ِ‬ ‫«أ ْذ ِه ِ‬


‫ول‪َ :‬‬
‫ْت‬ ‫اس َر َّب الن ِ َ‬ ‫ب ا ْل َب َ‬ ‫ك‪َ ،‬و َي ُق ُ‬
‫ك َو َج َع َل َي ْت ُف ُل َع َلى َيدَ ْي َ‬ ‫َل َ‬
‫ك ِم ْن‬ ‫ت بِ َ‬
‫ت‪َ :‬ف َما ُق ْم ُ‬ ‫الشافِي َل ِش َفاء إِ َّل ِش َفاؤُ َك‪ِ ،‬ش َفاء َل يغ ِ‬
‫َاد ُر َس َقمًا»‪َ ،‬ف َقا َل ْ‬ ‫ً ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِعن ِْد ِه َحتَّى َب َر َأ ْت َيدُ َك»(‪.)1‬‬
‫الرقية به لمحروق‪ ،‬فإنَّه‬ ‫الشوكاينُّ ‪« :V‬وهذا الحديث وإن كانت ُّ‬ ‫قال َّ‬
‫كل َمن ُأصيب بشيء‬ ‫يدل على أنَّه ال ُيرقى هبا َّإل المحروق‪ ،‬بل ُيرقى هبا ُّ‬ ‫ال ُّ‬
‫كائنًا ما كان»(‪.)2‬‬
‫ب ا ْب ِن َأ ِخي‬ ‫السائِ ِ‬‫الر ْح َم ِن ْب ِن َّ‬
‫ِ‬
‫وروى اإلمام أحمد يف مسنده‪َ ،‬ع ْن َع ْبد َّ‬
‫يك بِ ُر ْق َي ِة‬‫ت َل ُه‪َ :‬يا ا ْب َن َأ ِخي َأ َل َأ ْر ِق َ‬ ‫َم ْي ُمو َن َة ا ْل ِه َلل ِ َّي ِة َأ َّن ُه َحدَّ َث ُه َأ َّن َم ْي ُمو َن َة َقا َل ْ‬
‫يك ِمن ك ُِّل د ٍ‬
‫اء‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫يك َواهَّللُ َي ْشف َ ْ‬ ‫ت‪« :‬بِ ْس ِم اهَّلل ِ َأ ْر ِق َ‬ ‫ت‪َ :‬ب َلى َقا َل ْ‬ ‫ول اهَّلل ِ ﷺ؟ ُق ْل ُ‬ ‫رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫ْت»(‪.)3‬‬ ‫الشافِي َل َشافِ َي إِ َّل َأن َ‬ ‫ْت َّ‬ ‫ف َأن َ‬ ‫َّاس و ْاش ِ‬
‫اس َر َّب الن ِ َ‬ ‫ب ا ْل َب َ‬ ‫يك َأ ْذ ِه ِ‬‫فِ َ‬
‫الض ِّب ُّي يف كتابه الدُّ عاء عن سحيم بن نوفل‪ ،‬قال‪َ « :‬ب ْينَا ن َْح ُن ِعنْدَ‬ ‫وروى َّ‬
‫ت‪َ :‬ما ُي ْق ِعدُ ك؟ ُق ْم‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫عبد اهلل ْب ِن مسعود ‪ I‬إذ جا َء ْت جاري ٌة إِ َلى س ِّي َ‬
‫دها‪ ،‬وقا َل ْ‬
‫فرسك ‪-‬أي‪ :‬أصاب فرسك بعين‪ -‬فتركه يدور‬ ‫فإن ُف َلنًا َقد َل َق َع َ‬ ‫فابت ِغ راق ًيا؛ َّ‬
‫فقال عبدُ اهلل‪َ :‬ل َت ْب ِغ راق ًيا‪ ،‬ولكن ائته فاتفل يف منخره األيمن أرب ًعا‪،‬‬ ‫كأنَّه ف َلك‪َ ،‬‬
‫ْت‬ ‫ف َأن َ‬ ‫واش ِ‬
‫َّاس ْ‬ ‫أس َر َّب الن ِ‬ ‫ب ال َب َ‬‫ويف األيسر ثال ًثا‪ ،‬وقل‪( :‬بِ ْس ِم اهلل ِ َل َب ْأس َأ ْذ ِه ِ‬
‫ْت)‪ ،‬قال‪ :‬فما قمنا من عند عبد اهلل حتَّى جاء‪،‬‬ ‫الض َّر َّإل َأن َ‬ ‫ف ُّ‬ ‫الشافِي َل َيك ِْش ُ‬ ‫َّ‬
‫قلت لي؛ فلم أبرح حتَّى أكل وشرب وراث وبال»(‪ .)4‬قال‬ ‫قلت ا َّلذي َ‬ ‫فقال‪ُ :‬‬
‫للرأي فيه»(‪.)5‬‬
‫الرفع؛ إذ مثله ال مجال َّ‬
‫الحافظ ابن حجر‪« :‬وحكمه َّ‬
‫السيرة‪.‬‬
‫وصححه األلباينُّ يف صحيح ِّ‬ ‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)15453‬‬
‫الذاكرين (ص‪.)323‬‬ ‫(((  انظر‪ :‬تحفة َّ‬
‫وصححه األلباينُّ يف التَّعليقات الحسان (‪.)6063‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)26821‬‬
‫الض ِّب ُّي يف الدُّ عاء (‪.)117‬‬
‫(((  رواه َّ‬
‫(((  انظر‪ :‬إتحاف المهرة (‪.)212/10‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪496‬‬
‫ٍ‬
‫والتجاءات‬ ‫الت عظيمات‬ ‫فهذه الرقية العظيمة مشتملة على توس ٍ‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫الشايف ال شفاء َّإل‬
‫والسماوات‪ ،‬وأنَّه َّ‬ ‫رب األرض َّ‬ ‫مباركات إلى اهلل سبحانه ِّ‬
‫وفهما لمعناها‬
‫ً‬ ‫الرقية حف ًظا أللفاظها‬ ‫فمن و َّفقه اهلل ‪ D‬للعناية هبذه ُّ‬‫شفاؤه؛ َ‬
‫ومدلولها وصد ًقا يف االلتجاء إلى اهلل ‪ D‬بالدُّ عاء هبا متوك ًِّل عليه واث ًقا به‬
‫والشايف هو اهلل وحده ال شفاء‬ ‫شفاه اهلل وشفى مريضه أ ًّيا كان مرضه بإذن اهلل‪َّ ،‬‬
‫َّإل شفاؤه‪.‬‬
‫يفكرون يف‬
‫ُّ‬ ‫وعندما يشتدُّ المرض بكثير من النَّاس يف مثل هذا المقام‬
‫أن دعاء المريض لنفسه ورقيته‬ ‫وعمن يقرأ عليهم!! مع َّ‬ ‫عمن يرقيهم َّ‬ ‫البحث َّ‬
‫مضطر‪ ،‬روى‬ ‫ٍّ‬ ‫ألن دعاءه لنفسه دعاء‬ ‫عظيم وفائدهتا جليلة؛ َّ‬ ‫ٌ‬ ‫لنفسه نفعها‬
‫مريضا‪،‬‬
‫ً‬ ‫أن بكر بن عبد اهلل المزينَّ ‪ V‬عاد‬ ‫ال َّطربانِي يف كتابه «الدُّ عاء»‪َّ :‬‬
‫ُّ‬
‫المضطر‬
‫َّ‬ ‫«أدع لنفسك؛ فإنَّه ُيجيب‬
‫ادع اهلل لي‪ ،‬فقال له‪ُ :‬‬ ‫فقال له المريض‪ُ :‬‬
‫أن المريض عندما يدعو اهلل ‪ D‬يف‬ ‫إذا دعاه»(‪ .)1‬وهذا معنى ينبغي التَّن ُّبه له؛ َّ‬
‫مضطر‪ ،‬واهلل سبحانه يقول‪﴿ :‬ﯘ ﯙ‬ ‫ٍّ‬ ‫فإن دعاءه دعاء‬ ‫ضرائه وشدَّ ته وبالئه َّ‬
‫َّ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ﴾ [النَّمل‪.]62 :‬‬
‫فلنُع َن عناية دقيقة هبذه الدَّ عوات المأثورة؛ تع ُّل ًما لها‪ ،‬وحف ًظا أللفاظها‪،‬‬
‫ونشرا لها بين النَّاس وبين المرضى‬ ‫ً‬ ‫وفهما لمعانيها ودالالهتا‪ ،‬وإشاع ًة لها‬
‫ً‬
‫كل مبتلى ومصاب‪.‬‬ ‫والمصابين‪ ،‬راجين بذلك أن ينفعنا اهلل ﷺ هبا وأن ينفع هبا َّ‬

‫(((  رواه ال َّطربانِ ُّي يف الدُّ عاء (‪.)1137‬‬


‫‪497‬‬ ‫‪ -81‬ما يرقى به املريض (‪)2‬‬

‫‪81‬‬

‫ما يرقى به املريض (‪)2‬‬

‫ول اهَّللِ ﷺ َو َج ًعا َي ِ‬


‫جدُ ُه‬ ‫اص ال َّث َق ِفي َأ َّن ُه َش َكا إِ َلى رس ِ‬
‫ان ْب ِن َأبِي ا ْل َع ِ‬ ‫َع ْن ُع ْث َم َ‬
‫َ ُ‬ ‫ِّ‬
‫«ض ْع َيدَ َك َع َلى ا َّل ِذي ت ََأ َّل َم ِم ْن‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ‪َ :‬‬ ‫فِى َج َس ِد ِه ُمن ُْذ َأ ْس َل َم‪َ ،‬ف َق َال َل ُه َر ُس ُ‬
‫ات‪َ :‬أ ُعو ُذ بِاهَّلل ِ َو ُقدْ َرتِ ِه ِم ْن َش ِّر َما‬
‫جس ِد َك‪ ،‬و ُق ْل‪ :‬بِاس ِم اهَّلل ِ َث َل ًثا‪ ،‬و ُق ْل سبع مر ٍ‬
‫َ ْ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َأ ِجدُ َو ُأ َحا ِذ ُر»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫ورواه ابن ماجه‪ ،‬ولفظه‪َ :‬ق ِد ْم ُت َع َلى النَّبِ ِّي ﷺ‪َ ،‬وبِي َو َج ٌع‪َ ،‬قدْ كَا َد‬
‫«اج َع ْل َيدَ َك ا ْل ُي ْمنَى َع َل ْي ِه‪َ ،‬و ُق ْل‪ :‬بِ ْس ِم اهلل ِ َأ ُعو ُذ بِ ِعز َِّة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُي ْبط ُلني‪َ ،‬ف َق َال لي النَّبِ ُّي ﷺ‪ْ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل َو ُقدْ َرته م ْن َش ِّر َما َأ ِجدُ َو ُأ َحا ِذ ُر‪َ ،‬س ْب َع َم َّرات»‪َ ،‬ف ُق ْل ُت َذل َك‪َ ،‬ف َش َفاني ُ‬
‫اهَّلل(‪.)2‬‬
‫َان بِي‪َ ،‬ف َل ْم َأ َز ْل آ ُم ُر‬
‫اهَّلل َما ك َ‬ ‫ب ُ‬ ‫ِّرمذي‪ ،‬وزاد‪َ :‬ق َال‪َ :‬ف َف َع ْل ُت‪َ ،‬ف َأ ْذ َه َ‬
‫ُّ‬ ‫ورواه الت‬
‫بِ ِه َأ ْهلِي َو َغ ْي َر ُه ْم(‪.)3‬‬
‫محمد بن سالم قال‪ :‬قال لي ثابت ال ُبنَانِ ُّي‪ :‬يا ُم َح َّمدُ ‪ ،‬إِ َذا ْاش َت َك ْي َت‬ ‫وعن َّ‬
‫َف َض ْع َيدَ َك َح ْي ُث َت ْشتَكِي‪ُ ،‬ث َّم ُق ْل‪« :‬بِ ْس ِم اهللِ‪َ ،‬أ ُعو ُذ بِ ِعز َِّة اهلل ِ َو ُقدْ َرتِ ِه ِم ْن َش ِّر َما‬
‫ك ِوتْرا»؛ َفإِ َّن َأنَس بن مال ِ ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‪،‬‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫َأ ِجدُ م ْن َو َجعي َه َذا‪ُ ،‬ث َّم ْار َف ْع َيدَ َك ُث َّم َأعدْ َذل َ ً‬
‫ِّرمذي(‪.)4‬‬‫ُّ‬ ‫ول اهللِ ﷺ َحدَّ َث ُه بِ َذل ِ َك‪ .‬رواه الت‬ ‫َحدَّ َثنِي َأ َّن َر ُس َ‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2202‬‬


‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه ابن ماجه (‪،)3522‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪،)2080‬‬‫(((  رواه الت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪،)3588‬‬‫(((  رواه الت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪498‬‬

‫ول اهللِ ﷺ‪« :‬إِ َذا َو َجدَ َأ َحدُ ك ُْم َأ َل ًما‬ ‫ك َق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬‫ب ب ِن مال ِ ٍ‬
‫وعن َك ْع ِ ْ َ‬
‫ات‪َ :‬أ ُعو ُذ بِ ِعز َِّة اهلل ِ َو ُقدْ َرتِ ِه َع َلى‬ ‫جدُ َأ َلمه‪ُ ،‬ثم لِي ُق ْل سبع مر ٍ‬
‫َ ُ َّ َ َ ْ َ َ َّ‬ ‫ث َي ِ‬ ‫َف ْل َي َض ْع َيدَ ُه َح ْي ُ‬
‫ك ُِّل َش ْي ٍء ِم ْن َش ِّر َما َأ ِجدُ »‪ .‬رواه أحمد(‪.)1‬‬
‫وألم‪ ،‬ومِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وج ٍع ٍ‬ ‫شر ما أجدُ من َ‬ ‫قوله‪« :‬م ْن َش ِّر َما َأ ِجدُ َو ُأ َحا ِذ ُر»‪ ،‬أي‪ :‬من ِّ‬
‫أخاف و َأ ْحذر‪.‬‬‫ُ‬ ‫أحاذر مِن ذلك‪ ،‬أي‪ :‬ما‬ ‫ُ‬ ‫شر ما‬‫ِّ‬
‫َّعوذ مِن الوجع ا َّلذي َيخاف‬ ‫َّعوذ من الوجع ا َّلذي هو فيه‪ ،‬والت ُّ‬
‫ِ‬
‫وهذا فيه الت ُّ‬
‫تفاقم المرض ا َّلذي هو‬ ‫ُ‬ ‫حصو َله‪ ،‬أو يتو َّق ُع حصو َله يف المستقبل‪ ،‬ومِن ذلك‬
‫بمرض؛ فإنَّه قد ينتا ُبه‬ ‫ٍ‬ ‫كثيرا عند ما ُيصاب‬ ‫فيه وتزا ُيدُ ه‪ ،‬وهذا يحصل لإلنسان ً‬
‫تعو ٌذ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تخو ًفا مِن تزا ُيد‬ ‫ِ‬
‫المرض وتفاقمه‪ ،‬ويف هذا الدُّ عاء العظيم ُّ‬ ‫شي ٌء من القلق ُّ‬
‫باهلل من ذلك‪.‬‬
‫مرات مع اليقين وال ِّثقة باهلل‪ ،‬قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬ففي‬ ‫ويحسن تكراره َّ‬
‫شر األلم‬ ‫بعزته وقدرته من ِّ‬ ‫هذا العالج من ذكر اهلل والتَّفويض إليه واالستعاذة َّ‬
‫ما يذهب به‪ ،‬وتكراره؛ ليكون أنجع وأبلغ‪ ،‬كتكرار الدَّ واء إلخراج الما َّدة ‪،‬‬
‫خاص َّية ال توجد يف غيرها»(‪.)2‬‬ ‫السبع ِّ‬ ‫ويف َّ‬
‫يل ‪َ S‬أتَى ال َّنبِ َّي ﷺ‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا ُم َح َّمدُ‬ ‫يد ‪َ :I‬أ َّن ِج ْبرِ َ‬ ‫و َعن َأبِي س ِع ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫يك‪ِ ،‬م ْن َش ِّر ك ُِّل‬ ‫شي ٍء ُي ْؤ ِذ َ‬ ‫ت؟ َف َق َال‪َ :‬نعم‪َ ،‬ق َال‪« :‬بِس ِم اهلل ِ َأر ِق َ ِ‬
‫يك‪ ،‬م ْن ك ُِّل َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫ْاش َت َك ْي َ‬
‫يك»‪ .‬رواه مسلم(‪.)3‬‬ ‫يك‪ ،‬بِ ْس ِم اهلل ِ َأ ْر ِق َ‬ ‫اس ٍد اهللُ َي ْش ِف َ‬‫س َأو عي ِن ح ِ‬
‫َن ْف ٍ ْ َ ْ َ‬
‫محمدً ا ﷺ؛ جاءه وسأله‪ ،‬قال‪:‬‬
‫َّ‬ ‫هذا فيه رقية جربيل ا َّلتي رقى هبا نب ِّينا‬

‫الصحيحة (‪ ،)1415‬ويف‬
‫السلسلة َّ‬
‫وصححه األلباينُّ يف ِّ‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)27179‬‬
‫صحيح الجامع (‪.)820‬‬
‫(((  زاد المعاد (‪.)172/4‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2186‬‬
‫‪499‬‬ ‫‪ -81‬ما يرقى به املريض (‪)2‬‬

‫يك‪،‬‬ ‫الرقية‪« :‬بِ ْس ِم اهلل ِ َأ ْر ِق َ‬


‫يك‪ِ ،‬م ْن ك ُِّل َش ْي ٍء ُي ْؤ ِذ َ‬ ‫اشتكيت؟ قال نعم‪ ،‬فرقاه هبذه ُّ‬
‫الشرور واآلفات‬ ‫يك»‪ ،‬وهي رقية من ُّ‬ ‫اس ٍد اهللُ َي ْش ِف َ‬
‫س َأو عي ِن ح ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن َش ِّر ك ُِّل َن ْف ٍ ْ َ ْ َ‬
‫الشفاء بيده ال‬ ‫وأن ِّ‬ ‫ك ِّلها‪ ،‬وفيها االلتجاء الى اهلل واالعتصام به ‪َّ ،E‬‬
‫شايف َّإل هو‪.‬‬
‫اس ‪َ :L‬أ َّن النَّبِ َّي ﷺ َد َخ َل َع َلى َأ ْع َرابِ ٍّي َي ُعو ُد ُه‪َ - ،‬ق َال‪:‬‬ ‫َو َع ْن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫«ل َب ْأ َس َط ُه ٌ‬
‫ور إِ ْن َشا َء اهَّللُ»‪-‬‬ ‫يض َي ُعو ُد ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫َان ال َّنبِ ُّي ﷺ إِ َذا َد َخ َل َع َلى َمرِ ٍ‬ ‫َوك َ‬
‫ور!! ك ََّل َب ْل ِه َي ُح َّمى‬ ‫ت‪َ :‬ط ُه ٌ‬ ‫ور إِ ْن َشا َء اهَّللُ»‪َ ،‬ق َال‪ُ « :‬ق ْل َ‬ ‫«ل َب ْأ َس َط ُه ٌ‬ ‫َف َق َال َل ُه‪َ :‬‬
‫ور»‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ﷺ‪َ « :‬فنَ َع ْم إِذ ًا»‪.‬‬ ‫ور‪َ -‬ع َلى َش ْيخٍ َكبِيرٍ ت ُِز ُير ُه ا ْل ُق ُب َ‬ ‫ور َ‬
‫‪-‬أ ْو َت ُث ُ‬ ‫َت ُف ُ‬
‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫رواه‬
‫هون‬
‫يف هذا الحديث ما ُيقال للمريض؛ والمريض يحتاج إلى َمن ُيطمئنه و ُي ِّ‬
‫عليه ويذكِّره بال َّثواب و ُيذكِّره بما يف المرض من تكفير وتطهير‪ ،‬وهذه أمور‬
‫نافعة للمريض‪ ،‬عندما ُيقال له‪« :‬ال بأس»‪ ،‬ويقال له‪« :‬طهور»؛ فهذه كلمات‬
‫وقع يف نفس المريض وأثر عظيم‪ ،‬أن ُيذكَّر بال َّثواب‪ ،‬و ُيتفاءل له ِّ‬
‫بالشفاء‬ ‫لها ٌ‬
‫والعافية ونحو ذلك من الكلمات المؤنسة المفرحة لقلبه‪.‬‬
‫مريضا أن يقول له‪« :‬طهور إن شاء‬ ‫ً‬ ‫َّبي ﷺ إذا عاد‬‫وقد كان من هدي الن ِّ‬
‫طهور لك‬ ‫ٌ‬ ‫و«طهور» خ َب ُر مبتدأ محذوف‪ ،‬تقديره‪ :‬هو ‪-‬أي‪ :‬المرض‪-‬‬ ‫ٌ‬ ‫اهلل»‪،‬‬
‫مطه ٌر لك منها؛ ويف هذا استحباب أن ُيذكَّر المريض بما يف المرض‬ ‫من ذنوبك ِّ‬
‫للذنوب‪.‬‬ ‫من تطهير ُّ‬
‫ِ‬
‫ور!! ك ََّل َب ْل ه َي ُح َّمى َت ُف ُ‬
‫ور‬ ‫ت‪َ :‬ط ُه ٌ‬ ‫األعرابي لم يقبل هذا‪ ،‬فقال‪ُ « :‬ق ْل َ‬
‫َّ‬ ‫لك َّن‬
‫حرها ووهجها وغلياهنا « َع َلى َش ْيخٍ َكبِيرٍ ت ُِز ُير ُه ا ْل ُق ُب َ‬
‫ور»‪،‬‬ ‫ور»‪ ،‬أي‪ :‬يظهر ُّ‬ ‫َأ ْو َت ُث ُ‬
‫أي‪ :‬تكون سب ًبا يف موته فتبعثه إلى القبور‪.‬‬
‫البخاري (‪.)3616‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪500‬‬

‫الرجل‬
‫ألن َّ‬ ‫« َف َق َال ال َّنبِ ُّي ﷺ‪َ :‬ف َن َع ْم إِذ ًا»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬
‫أن هذا هو ا َّلذي يكون أو يقع؛ َّ‬
‫ارات؛ وذلك لضعف‬ ‫أن األمراض ك َّف ٌ‬‫ما قبِل من النَّبي ﷺ ما ذكَّره به من َّ‬
‫ِّ‬
‫تطهرك‪،‬‬
‫الحمى ِّ‬
‫َّ‬ ‫صربه‪ ،‬والمعنى‪ :‬أرشدتك بقولي‪ :‬ال بأس عليك‪ ،‬أي‪َّ :‬‬
‫إن‬
‫وتن ِّقي ذنوبك‪ ،‬فاصرب واشكر اهلل عليها‪ ،‬فأبيت َّإل اليأس والكفران! فكان‬
‫كما زعمت‪ ،‬وما اكتفيت بذلك‪ ،‬بل رددت نعمة اهلل عليه‪ ،‬قالها غض ًبا عليه‪.‬‬
‫يت َف ِه َي ك ََما َت ُق ُ‬
‫ول‪َ ،‬و َما َق َضى اهَّللُ َف ُه َو‬ ‫«أما إِ َذا َأبِ َ‬‫وقد رواه ال َّطربانِي وزاد‪َ :‬‬
‫ُّ‬
‫كَائِ ٌن»‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف َما َأ ْم َسى م َن ا ْلغَد إ َّل َم ِّيتًا» ‪ ،‬ففي الحديث أنَّه ينبغي للمريض‬
‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن يتل َّقى موعظة العائد بالقبول‪ ،‬و ُيحسن جواب َمن ُيذكِّره بذلك‪ ،‬وعليه أن‬
‫فإن البالء موكول بالمنطق‪.‬‬ ‫يجر عليه بال ًء؛ َّ‬ ‫قول ُّ‬ ‫يتجنَّب أن يقول ً‬
‫الشيخ البائس‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬ومن البالء الحاصل بالقول‪ :‬قول َّ‬
‫ور إِ ْن َشا َء ُ‬
‫اهَّلل»‪،‬‬ ‫«ل َب ْأ َس َع َل ْي َك َط ُه ٌ‬ ‫حمى‪ ،‬فقال‪َ :‬‬ ‫َّبي فرأى عليه َّ‬ ‫الذي عاده الن ُّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ور‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬ ‫ور َع َلى َش ْيخٍ َكبِ ٍير ُت ِز ُير ُه ا ْل ُق ُب َ‬
‫فقال َب ْل ه َي ُح َّمى َت ُف ُ‬
‫« َفنَ َع ْم إِذ ًا»‪ ،‬وقد رأينا من هذا عربًا»(‪.)2‬‬
‫َان ُي َع ِّو ُذ َب ْع َض َأ ْه ِل ِه‪َ ،‬ي ْم َس ُح بِ َي ِد ِه‬
‫َو َع ْن َعائِ َش َة ‪َ :J‬أ َّن النَّبِ َّي ﷺ ك َ‬
‫الشافِي‪َ ،‬ل ِش َفا َء‬ ‫ْت َّ‬ ‫اس‪ْ ،‬اش ِف ِه َو َأن َ‬ ‫َّاس َأ ْذ ِه ِ‬
‫ب ا ْل َب َ‬ ‫ول‪« :‬ال َّل ُه َّم َر َّب الن ِ‬
‫ا ْل ُي ْمنَى‪َ ،‬و َي ُق ُ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)3‬‬ ‫إِ َّل ِش َفاؤُ َك‪ِ ،‬ش َفاء َل يغ ِ‬
‫َاد ُر َس َق ًما»‪ .‬رواه‬
‫ُّ‬ ‫ً ُ‬
‫َس ب ِن مال ِ ٍ‬ ‫ت َأنَا َو َثابِ ٌ‬
‫ك‬ ‫ت َع َلى َأن ِ ْ َ‬ ‫وعن عبدالعزيز بن صهيب‪ ،‬قال‪َ :‬د َخ ْل ُ‬
‫يك بِ ُر ْق َي ِة‬‫ت؟ َف َق َال َأن ٌَس‪َ :‬أ َل َأ ْرقِ َ‬ ‫‪َ I‬ف َق َال َثابِ ٌ‬
‫ت‪َ :‬يا َأ َبا َح ْم َز َة ْاش َت َك ْي ُ‬
‫ف َأن َ‬ ‫اش ِ‬ ‫ب ا ْل َب ِ‬ ‫ول اهللِ ﷺ؟ َق َال‪ :‬ب َلى‪َ ،‬ق َال‪« :‬ال َّلهم رب الن ِ ِ‬ ‫رس ِ‬
‫ْت‬ ‫اس ْ‬ ‫َّاس ُم ْذه َ‬ ‫ُ َّ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫(((  رواه ال َّطرباينُّ يف المعجم الكبير (‪.)7213‬‬
‫(((  انظر‪ :‬تحفة المودود (‪.)123‬‬
‫للبخاري‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫البخاري (‪ ،)5743‬ومسلم (‪ ،)2191‬وال َّلفظ‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪501‬‬ ‫‪ -81‬ما يرقى به املريض (‪)2‬‬

‫البخاري(‪.)1‬‬ ‫ْت ِش َفاء َل يغ ِ‬


‫َاد ُر َس َق ًما»‪ .‬رواه‬ ‫الشافِي َل َشافِ َي إِ َّل َأن َ‬
‫َّ‬
‫ُّ‬ ‫ً ُ‬
‫َّبي ﷺ المريض جدير بالمسلم‬ ‫َّ‬
‫الرقية العظيمة التي كان يرقي هبا الن ُّ‬
‫هذه ُّ‬
‫الرقية هبا؛ يرقي نفسه‪،‬‬ ‫أن يعتني هبا؛ بضبط ألفاظها حف ًظا وبفهم معانيها‪َّ ،‬‬
‫ثم ُّ‬
‫قريب أو نحو ذلك‪.‬‬‫ٍ‬ ‫ويرقي مريضه من أه ٍل أو ٍ‬
‫ولد أو‬
‫بالربوب َّية‬ ‫َّوسل إلى اهلل ‪ُّ E‬‬ ‫َّاس»‪ ،‬هذا فيه الت ُّ‬ ‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َر َّب الن ِ‬
‫رب النَّاس‪ ،‬وخالقهم‪ ،‬وموجدهم‪.‬‬ ‫وأنَّه ُّ‬
‫والشدَّ ة والمرض‪ .‬وهو هنا‬ ‫اس» البأس‪ :‬هو التَّعب ِّ‬ ‫ب ا ْل َب َ‬ ‫«أ ْذ ِه ِ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫بغير َهمزة مراعاة لالزدواج والمؤاخاة‪ .‬وحديث أنس جاء بلفظ‪« :‬ال َّل َّ‬
‫هم‬
‫َّوسل إلى اهلل بكونه ‪ E‬وحده‬ ‫رب النَّاس مذهب البأس»‪ ،‬وهذا فيه الت ُّ‬ ‫َّ‬
‫الشايف ال شفاء َّإل شفاؤه‪.‬‬ ‫المذهب للبأس َّ‬
‫الشايف ا َّلذي‬ ‫توسل الى اهلل سبحانه بأنَّه َّ‬ ‫ْت َّ ِ‬ ‫«اش ِف ِه َو َأن َ‬
‫قوله‪ْ :‬‬
‫الشافي»‪ ،‬هذا ُّ‬
‫الشعراء‪ .]80 :‬فال‬ ‫الشفاء‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [ ُّ‬ ‫بيده ِّ‬
‫شفاء َّإل بإذن اهلل؛ لهذا ُينصح المريض يف العالجات ا َّلتي يستعملها َّأل يع ِّلق‬
‫فالشفاء‬ ‫بالشفاء‪ ،‬وال يع ِّلق قلبه بال َّطبيب ِّ‬ ‫أذن اهلل ِّ‬ ‫قلبه هبا‪ ،‬فهي ال تنفعه َّإل إذا ِ‬
‫وأن هذه أسباب‬ ‫الشايف هو اهلل‪َّ ،‬‬ ‫أن َّ‬ ‫بيد اهلل‪ ،‬بل عليه التَّوكُّل على اهلل واعتقاد َّ‬
‫نتَّخذها‪ ،‬كما قال ‪« :O‬تَدَ َاو ْوا ِع َبا َد اهللِ؛ َفإِ َّن اهللَ ‪َ D‬ل ْم ُينَز ِّْل َدا ًء إِ َّل‬
‫َأ ْنز ََل َم َع ُه ِش َفا ًء»(‪ ،)2‬فنتداوى ونأخذ باألسباب‪ ،‬ونستفيد من العالجات‪ ،‬لكن‬
‫فالشفاء بيد اهلل وبإذنه سبحانه‪.‬‬ ‫ال نع ِّلق قلوبنا هبا‪ِّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫وقوله‪ِ َ :‬‬
‫الشايف‬ ‫أن َّ‬ ‫السابق؛ َّ‬ ‫«ل ش َفا َء إِ َّل ش َفاؤُ َك»‪ ،‬هذا فيه تأكيد للمعنى َّ‬
‫هو اهلل‪.‬‬
‫البخاري (‪.)5742‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)2038‬وابن ماجه (‪،)3436‬‬
‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)3855‬والت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪502‬‬

‫َاد ُر َس َق ًما»‪ ،‬أي‪ :‬ال يرتك أو يع ِّقب ع َّلة‪ .‬والفائدة من‬ ‫«ش َفاء َل يغ ِ‬ ‫وقوله‪ِ :‬‬
‫ً ُ‬
‫أن بعض األمراض يشفى منها اإلنسان‬ ‫اد ُر َس َق ًما»؛ َّ‬ ‫«ش َفاء َل ي َغ ِ‬‫الزيادة‪ِ :‬‬ ‫هذه ِّ‬
‫ً ُ‬
‫لكن يكون لها عواقب وآثار جانب َّية للمرض‪ ،‬فسأل اهلل العافية من المرض‬
‫والسالمة من األمراض ا َّلتي تتو َّلد عنه وتنشأ منه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫الشفا َء من المرض قد َيحصل‪ ،‬ولكن قد َيخ ُل ُفه‬ ‫أن ِّ‬‫والفائدة من هذا‪َّ :‬‬ ‫‪‬‬
‫شفاؤه من المرض شفا ًء‬‫ُ‬ ‫اهلل أن يكون‬
‫وينشأ بسببه‪ ،‬فسأل َ‬ ‫ُ‬ ‫آخر َيت ََو َّلد منه‪،‬‬
‫مرض ُ‬ ‫ٌ‬
‫أي ع َّلة‪ ،‬وهذا من َتمام الدَّ عوات‬
‫أثر وال يخ ِّلف يف المريض َّ‬ ‫تا ًّما ال يبقى معه ٌ‬
‫النَّبو َّية وكمالها ووفائها‪.‬‬
‫الصدر يضع يده على‬‫وتوضع اليد على مكان األلم‪ ،‬إذا كان األلم يف َّ‬
‫الرأس يضع يده على رأسه‪ ،‬أو البطن يضع اليد على‬ ‫صدره‪ ،‬وإن كان على َّ‬
‫بطنه‪ .‬ويمسح بيده‪ ،‬والمسح على المريض‪ ،‬أو موطن الوجع واأللم كما َّ‬
‫أن‬
‫أيضا َط ْم َأنَة له؛ ألنَّك إذا وضعت يدك عليه‬ ‫ً‬
‫وتعويذا ونحو ذلك‪ ،‬ففيه ً‬ ‫فيه قراء ًة‬
‫وأنسا‪.‬‬
‫وسرورا ً‬
‫ً‬ ‫وتحسست مرضه‪ ،‬فتُدخل عليه راحة‬ ‫َّ‬ ‫يطمئ ُّن؛ ألنَّك تف َّقدته‬
‫‪ ‬ومن الفوائد من هذا املسح‪ :‬أن تعرف حجم مرضه‪ ،‬فقد يكون جسمه‬
‫تضر به‪ ،‬فإذا لمسته قد ُتدرك مدى الوجع ومدى‬ ‫محرتًا حرار ًة شديد ًة قد ُّ‬
‫الشفاء‪ .‬وهذا‬ ‫األلم ا َّلذي هو ُمصاب به فتجتهد له بالدُّ عاء‪ ،‬وببذل أسباب ِّ‬
‫ين فِي‬ ‫ِِ‬
‫«م َث ُل ا ْل ُم ْؤمن َ‬
‫الرابطة اإليمان َّية ا َّلتي تجمع وتؤ ِّلف‪ ،‬قال ﷺ‪َ :‬‬ ‫ك ُّله منطلقه َّ‬
‫اح ِم ِه ْم َو َت َعا ُط ِف ِه ْم َم َث ُل ا ْل َج َس ِد إِ َذا ْاش َتكَى ِمنْ ُه ُع ْض ٌو تَدَ ا َعى َل ُه َسائِ ُر‬ ‫ِ‬
‫ت ََوا ِّده ْم َوت ََر ُ‬
‫الس َهرِ َوا ْل ُح َّمى»‪ .‬رواه‬ ‫ِ‬
‫البخاري ومسلم(‪ .)1‬ويف صحيح مسلم عن‬ ‫ُّ‬ ‫ا ْل َج َسد بِ َّ‬
‫اح ٍد؛‬‫ون كَرج ٍل و ِ‬ ‫ِ‬
‫النِّعمان بن بشير ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬ا ْل ُم ْسل ُم َ َ ُ َ‬
‫إِ ِن ْاش َتكَى َع ْينُ ُه ْاش َتكَى ُك ُّل ُه‪َ ،‬وإِ ِن ْاش َتكَى َر ْأ ُس ُه ْاش َتكَى ُك ُّل ُه»(‪.)2‬‬

‫البخاري (‪ ،)6011‬ومسلم (‪.)2586‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2586‬‬
(t
-
.
-g
-
?-
.k
-
r
-l
-
J, 1r)v
w'
x.
l
.
8''w;b
* a
.v
<b.:
$
Y

- D -
- - M Q-
> - .

'v
(r)..* .gf+ qpx,
v?b -; - .- - .'
- ''
- - .. .
-
O ..-
j

'
*

-
a1JN aJ -o-
'LY.1.
'Je
'''.
z.o= '<, ' w'u.z..
p .qI.#'. .
'J) tiv
..
-wurlwl'ylrl=:5.51IsfJJ
'. .
;; .. .. ... o .. .. o :; '
Ja
. *.. .'* ..''.. ''
.. .. .. .
w. u -- 1' a1Jt.w1)).J! z . Jb CJb< --
.llu -u. .s.ag .,U 1z t.p 1z, 1
. .... o
o
. : gL .<
-
'u ..r . ..' .' o. 'J .' ... *.. o w . ..-.
.
s o.. .
(u x a > # lp s.
t w b Qw, 1-e9ats ab t.((.6ko>.a '1 , 1 ...X !
- - - Y
' , . . .' ....
';!
I).Lzp aJl
x l ez.
ao.
-o.X,
.oIuS lw..*'.Jù<J'
u-J
'.
-
.P'. w'g.X !iotm
u . ...a....Q z a .w u J c ..- . - zw
t
. .s x*; . .s j x ' ' . ö
l
o h)iJ <'
w uw' a, o-i r='lq.3 sz
kz*-1I - I) u . I1 -1lI.0 ;
u *v u(<w;J'
y;
> ..w II= ' I9k<.p Iwkwv a'I
uy wC < loî'
o k. 3hpGV ku.I
w )J wv'wI
wîJ'.
I*.
'1jz uauuL

uôa, gluo.w lt:.qp
'ap .lp I ' I'
' ôap x..=',o'l= zu:.w'-1l'.x .uqa '
u')lz qx ou;= ax p
'I
k- = ' ''
.u.o
. :
'e1rvd q;w e.#3J
l '
' . ' '
a.w w .o,.. ..,a ..
. l.uyw
.t.alI@. a.a. .uwo
.
llA> .
sx .
.+.5lkyo ! .
.kal '
y,
. J. . p
u ..
m ôtw-.z o - J . .. . s;
zp
..zw.
wt.w.
nw uw..m.z'GJ
s'
. )
'
o. l ..ô..
Ghza. 'e,, uqp 1wt
:.
w .I.z-o, uoa ..9j'
.'
/
pe':.., 4p1-.
j!a.w
. I oJ o...
'.o .:ja
t 'mc
! ea, .a.
- ..,.

!
.. ..; ' o ;! . '; '
.zwa Jha''
tswoap u
'ozIo.wl)u.s'
t.p AZIx..w'= :'.a'o'hJ ,
.% ''IIaa
s, '
. II'''rI s
'..'
J
*
C)qt'..k4.,-*'
s-w.. j..,...w......m .9v(t.A'
I
-.I
J '('
r'h.4). h.9lz..
..
,
.I.J)(5.'
;I
GU.
a. hïI4.>0g.-..0 v(3SR)2.J. JJ.hïI t t
:
. ' J y U IU. 'si
.qe)t k..l
.IêI
J)(Y I
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪504‬‬

‫ك»‪،‬‬ ‫ش ال َعظِي ِم َأ ْن َي ْش ِف َي َ‬‫يم َر َّب ال َع ْر ِ‬ ‫ِ‬


‫«أ ْس َأ ُل اهللَ ال َعظ َ‬
‫ثم يقول سبع مرار‪َ :‬‬ ‫َّ‬
‫مرات‪ ،‬وهي‬ ‫كر ُر سبع َّ‬ ‫فهذه كلمات عظيمة ُيشرع أن ُتقال عند عيادة المريض ُت َّ‬
‫متوس ًل إلى اهلل ‪ D‬بعظمته هو سبحانه‪ ،‬وربوب َّيته‬ ‫الشفاء له‪ِّ ،‬‬ ‫دعوات بطلب ِّ‬ ‫ٌ‬
‫للعرش العظيم ا َّلذي هو أعظم المخلوقات وأكربها‪.‬‬
‫ض»‪ ،‬ويف الحديث ال َّثاين قال‪َ « :‬فإِ ْن‬ ‫ك ا ْل َم َر ِ‬‫قوله‪« :‬إِ َّل َعا َفا ُه اهَّللُ ِم ْن َذلِ َ‬
‫َان فِي َأ َج ِل ِه ت َْأ ِخ ٌير ُعوفِي ِم ْن َو َج ِع ِه»‪ ،‬وهذا فيه أنَّه دعا ٌء مستجاب والعافي ُة‬ ‫ك َ‬
‫أن الدُّ عاء سبب ُينال به المطلوب‪ ،‬وقد‬ ‫للمريض على إثره متح ِّققه‪ .‬ول ُيعلم َّ‬
‫إخالل ببعض‬ ‫ٍ‬ ‫يتخ َّلف ذلك ألسباب تعود للدَّ اعي؛ إ َّما لضعف يف الدُّ عاء‪ ،‬أو‬
‫الشروط‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫لمن كان يف أجله تأخير‪ ،‬أ َّما َمن حضره أجله فال مناص له عن الموت‪،‬‬
‫هذا َ‬
‫﴿ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ﴾ [األعراف‪.]34 :‬‬
‫خاص َّية‪ ،‬ولهذا تقدَّ م‬ ‫ٍ‬ ‫ات»‪ ،‬فيه َّ‬ ‫وقوله‪َ « :‬ف َق َال ِعنْدَ ه سبع مر ٍ‬
‫رقم سبعة له ِّ‬ ‫أن َ‬ ‫ُ َ ْ َ َ َّ‬
‫اذ ُر»‪،‬‬ ‫يف الحديث قول سبع مرار‪َ « :‬أ ُعو ُذ بِ ِع َّز ِة اهللِ و ُقدْ رتِ ِه مِن َشر ما َأ ِجدُ و ُأح ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ ِّ َ‬ ‫َ َ‬
‫وهي وتر‪ ،‬و اهلل وتر يحب الوتر‪ ،‬فيأيت هبا سب ًعا ال يزيد عليها‪.‬‬
‫سرا؟‬ ‫ِ‬
‫وقوله‪« :‬أن يشفيك»‪ ،‬هل يقولها بصوت ُيسمع المريض أو يقولها ًّ‬
‫أسمع المريض بصوت خافت فهذا فيه مؤانسة‬ ‫َ‬ ‫األمر يف ذلك واسع‪ ،‬لكن إن‬
‫للمريض‪.‬‬
‫يض‪« :‬بِ ْس ِم اهللِ‪ ،‬ت ُْر َب ُة‬ ‫ول ل ِ ْل َم ِر ِ‬ ‫َو َع ْن َعائِ َش َة ‪َ :J‬أ َّن النَّبِي ﷺ ك َ‬
‫َان َي ُق ُ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫البخاري ومسلم ‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يمنَا‪ ،‬بإ ْذن َر ِّبنَا»‪ .‬رواه‬ ‫َأ ْرضنَا‪ ،‬بِرِي َقة َب ْعضنَا‪ُ ،‬ي ْش َفى َسق ُ‬
‫(‪)1‬‬

‫الرقية هبذه الكلمات وهبذه‬


‫َّبي ﷺ ‪ ،‬فيها ُّ‬
‫هذه رقية ثابتة ومأثورة عن الن ِّ‬
‫البخاري (‪ ،)5745‬ومسلم (‪.)2194‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪505‬‬ ‫‪ -82‬ما يرقى به املريض (‪)3‬‬

‫يختص هذا برتبة‬


‫ُّ‬ ‫ال َّطريقة‪ :‬أن َي ُب َّل أصبعه بريقه‪َّ ،‬‬
‫ثم يضعه على التُّراب‪ ،‬وال‬
‫ثم يضع أصبعه على‬
‫المهم أن تكون التُّربة نظيفةً‪َّ .‬‬
‫ُّ‬ ‫أي مكان‪،‬‬‫المدينة‪ ،‬بل يف ِّ‬
‫لمن به قروح‪ ،‬أو دمامل ونحو ذلك؛‬ ‫المريض‪ ،‬واألقرب واهلل أعلم َّ‬
‫أن هذا َ‬
‫لمنفعته يف تجفيف الجراح واندمالها‪ ،‬وابراء القروح والورم؛ فيضع أصبعه‬
‫ثم يقول‪« :‬بِ ْس ِم اهللِ‪ُ ،‬ت ْر َب ُة َأ ْر ِضنَا‪،‬‬
‫ا َّلذي علق فيه بعض التُّراب على المريض‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫يمنَا‪ ،‬بِإِ ْذ ِن َر ِّبنَا»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫بِ ِري َقة َب ْعضنَا‪ُ ،‬ي ْش َفى َسق ُ‬
‫قوله‪« :‬ت ُْر َب ُة َأ ْر ِضنَا»‪ ،‬تربة‪ :‬خرب لمبتدأ محذوف تقديره‪ :‬هذه تربة أرضنا‪.‬‬
‫قوله‪« :‬بِرِي َق ِة َب ْع ِضنَا»‪ ،‬أي‪ :‬ممزوجة بريقة بعضنا‪ ،‬فاجتمع أمران‪ :‬تربة‬
‫طاهرة‪ ،‬وريق طاهر‪.‬‬
‫يسم فاعله‪ ،‬أي‪ :‬يشفيه اهلل‬ ‫قوله‪« :‬ي ْش َفى س ِ‬
‫مبني لما لم َّ‬
‫ٌّ‬ ‫شفى‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫َا»‪،‬‬ ‫ن‬ ‫يم‬
‫ُ‬ ‫ق‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫‪.E‬‬
‫الشفاء بإذنه‪ ،‬ال شفاء َّإل شفاؤه سبحانه‪.‬‬ ‫قوله‪« :‬بِإِ ْذ ِن َر ِّبنَا»‪ ،‬أي‪ِّ :‬‬
‫اب رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫و َعن َأبِي س ِع ٍ‬
‫ول اهلل ﷺ‬ ‫الخدْ ِر ِّي ‪َ :I‬أ َّن َر ْه ًطا م ْن َأ ْص َح ِ َ ُ‬ ‫يد ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ا ْن َط َل ُقوا فِي س ْفر ٍة سا َفروها‪ ،‬حتَّى َن َز ُلوا بِحي ِمن َأحي ِ‬
‫اء ا ْل َع َر ِ‬
‫وه ْم‪،‬‬ ‫است ََضا ُف ُ‬ ‫ب َف ْ‬ ‫َ ٍّ ْ ْ َ‬ ‫َ َ َ ُ َ َ‬
‫ك ا ْل َح ِّي‪َ ،‬ف َس َع ْوا َل ُه بِك ُِّل َش ْي ٍء َل َينْ َف ُع ُه َش ْي ٌء‪،‬‬ ‫وه ْم‪َ ،‬ف ُل ِد َغ َس ِّيدُ َذلِ َ‬
‫َف َأ َب ْوا َأ ْن ُي َض ِّي ُف ُ‬
‫ُون ِعنْدَ‬
‫ين َقدْ َن َز ُلوا بِك ُْم‪َ ،‬ل َع َّل ُه َأ ْن َيك َ‬ ‫ِ‬
‫الر ْه َط ا َّلذ َ‬
‫ِ‬
‫َف َق َال َب ْع ُض ُه ْم‪َ :‬ل ْو َأ َت ْيت ُْم َه ُؤ َلء َّ‬
‫الر ْه ُط إِ َّن َس ِّيدَ نَا ُل ِد َغ‪َ ،‬ف َس َع ْينَا َل ُه بِك ُِّل‬
‫َب ْعض ِه ْم َش ْي ٌء‪َ .‬ف َأت َْو ُه ْم َف َقا ُلوا‪َ :‬يا َأ ُّي َها َّ‬
‫ِ‬
‫َش ْي ٍء‪َ ،‬ل َينْ َف ُع ُه َش ْي ٌء‪َ ،‬ف َه ْل ِعنْدَ َأ َح ٍد ِمنْك ُْم َش ْي ٌء؟ َف َق َال َب ْع ُض ُه ْم‪َ :‬ن َع ْم‪َ ،‬واهلل ِ إِنّي‬
‫َل َر ٍاق‪َ ،‬و َلكِ ْن َواهلل ِ َل َق ِد ْاست ََض ْفنَاك ُْم َف َل ْم ت َُض ِّي ُفونَا‪َ ،‬ف َما َأنَا بِ َر ٍاق َلك ُْم َحتَّى ت َْج َع ُلوا‬
‫وه ْم َع َلى َقطِي ٍع ِم َن ا ْل َغنَمِ‪َ ،‬فا ْن َط َل َق َف َج َع َل َي ْت ُف ُل َو َي ْق َر ُأ‪﴿ :‬ﭖ‬ ‫َلنَا ُج ْع ًل‪َ ،‬ف َصا َل ُح ُ‬
‫ال‪َ ،‬فا ْن َط َل َق َي ْم ِشي َما‬ ‫ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [الفاتحة‪َ ،]2:‬حتَّى َلك ََأنَّما ن ُِش َط ِم ْن ِع َق ٍ‬
‫َ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪506‬‬

‫وه ْم َع َل ْي ِه‪َ ،‬ف َق َال َب ْع ُض ُهم‪ :‬ا ْق ِس ُموا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫بِه َق َل َبةٌ‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ ْو َف ْو ُه ْم ُج ْع َل ُه ُم ا َّلذي َصا َل ُح ُ‬
‫ول اهلل ﷺ َفن َْذك َُر َل ُه ا َّل ِذي ك َ‬
‫َان‪َ ،‬ف َن ْن ُظ َر‬ ‫َف َق َال ا َّل ِذي َر َقى‪َ :‬ل َت ْف َع ُلوا َحتَّى ن َْأتِ َي َر ُس َ‬
‫«و َما ُيدْ ِر َ‬
‫يك َأن ََّها ُر ْق َيةٌ‪،‬‬ ‫ول اهلل ﷺ َف َذك َُروا َل ُه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬ ‫ما ي ْأمرنَا‪َ .‬ف َق ِدموا َع َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُُ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫اضرِ ُبوا لِي َم َعك ُْم بِ َس ْهمٍ»‪ .‬رواه‬ ‫َأ َص ْبت ُُم‪ ،‬ا ْق ِس ُموا َو ْ‬
‫أعظم سور القرآن وأنَّها رقية‪ ،‬فقد قال له‬ ‫ِ‬ ‫يف هذا الحديث‪ :‬فضل الفاتحة‬
‫«و َما ُيدْ ِر َ‬
‫يك َأن ََّها ُر ْق َيةٌ‪،‬‬ ‫النَّبِ ُّي ﷺ لما ذكر أنَّه كان يقرأ الفاتحة وينفث‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫َأ َص ْبت ُُم»‪ .‬فالفاتحة رقية عظيمة ولها تأثير عظيم يف شفاء المريض‪.‬‬
‫حتَّى قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬ولو أحسن العبد التَّداوي بالفاتحة لرأى لها‬
‫ومكثت بم َّكة مدَّ ة يعرتيني أدواء وال أجد طبي ًبا وال‬
‫ُ‬ ‫تأثيرا عجي ًبا يف ِّ‬
‫الشفاء‪،‬‬ ‫ً‬
‫تأثيرا عجي ًبا‪ ،‬فكنت أصف ذلك‬‫دوا ًء‪ ،‬فكنت أعالج نفسي بالفاتحة‪ ،‬فأرى لها ً‬
‫ألما‪ ،‬وكان كثير منهم يربأ سري ًعا‪.‬‬
‫لمن يشتكي ً‬ ‫َ‬
‫ولكن هاهنا أمر ينبغي التَّف ُّطن له‪ ،‬وهو َّ‬
‫أن األذكار واآليات واألدعية‬
‫ا َّلتي ُيستشفى هبا و ُيرقى هبا هي يف نفسها نافعة شافية‪ ،‬ولكن تستدعي قبول‬
‫همة الفاعل وتأثيره‪ ،‬فمتى تخ َّلف ِّ‬
‫الشفاء كان لضعف تأثير‬ ‫وقوة ِّ‬ ‫ِّ‬
‫المحل‪َّ ،‬‬
‫قوي فيه يمنع أن ينجع فيه الدَّ واء‪،‬‬ ‫الفاعل‪ ،‬أو لعدم قبول المنفعل‪ ،‬أو لمان ٍع ٍّ‬
‫فإن عدم تأثيرها قد يكون لعدم‬ ‫الحس َّية؛ َّ‬
‫ِّ‬ ‫كما يكون ذلك يف األدوية واألدواء‬
‫قوي يمنع من اقتضائه أثره‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫قبول ال َّطبيعة لذلك الدَّ واء‪ ،‬وقد يكون لمان ٍع ٍّ‬
‫بقبول تا ٍّم كان انتفاع البدن به بحسب ذلك القبول‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ال َّطبيعة إذا أخذت الدَّ واء‬
‫للراقي نفس ف َّعالة‬ ‫ٍ‬
‫الرقى والتَّعاويذ بقبول تا ٍّم‪ ،‬وكان َّ‬ ‫فكذلك القلب إذا أخذ ُّ‬
‫وهمة مؤثرة يف إزالة الدَّ اء»‪ .‬اهـ كالمه ‪.)2( V‬‬‫َّ‬
‫البخاري (‪ ،)5749‬ومسلم (‪.)2201‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  انظر‪ :‬الجواب الكايف (ص‪.)9‬‬
‫‪507‬‬ ‫‪ -81‬ما يرقى به املريض (‪)2‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫قوله‪« :‬ا ْن َط َل َق َن َف ٌر ِم ْن َأ ْص َح ِ‬
‫اب النَّبِ ِّي ‪ O‬في َس ْف َرة َسا َف ُر َ‬
‫وها َحتَّى‬
‫َن َز ُلوا ع َلى حي ِمن َأحي ِ‬
‫اء ا ْل َع َر ِ‬
‫وه ْم»‪ ،‬أي‪ :‬طلبوا منهم أن يضيفوهم‬ ‫است ََضا ُف ُ‬
‫ب َف ْ‬ ‫َ َ ٍّ ْ ْ َ‬
‫بشيء من ال َّطعام أو الغذاء أو ال َّلبن أو نحو ذلك‪.‬‬

‫قوله‪َ « :‬ف َأ َب ْوا َأ ْن ُي َض ِّي ُف ُ‬


‫وهم»‪ ،‬أي‪ :‬امتنعوا من ذلك‪ ،‬فمضوا يف طريقهم مع‬
‫حاجتهم للغذاء‪.‬‬
‫الح ِّي»‪ ،‬أي‪ :‬رئيسهم لدغته عقرب‪.‬‬ ‫ك َ‬ ‫قوله‪َ « :‬ف ُل ِد َغ َس ِّيدُ َذلِ َ‬
‫قوله‪َ « :‬فسعوا َله بِك ُِّل َشي ٍء َل ينْ َفعه»‪ ،‬جاءوا له بأدوية وعالجات فلم ُت ِ‬
‫جد‬ ‫َ ُُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫شي ًئا‪.‬‬
‫ُون ِعنْدَ‬
‫ين َن َز ُلوا؛ َل َع َّل ُه َأ ْن َيك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قوله‪َ « :‬ف َق َال َب ْع ُض ُه ْم‪َ :‬ل ْو َأ َت ْيت ُْم َه ُؤ َلء َّ‬
‫الر ْهط ا َّلذ َ‬
‫ِ‬
‫طب نعالجه به‪ ،‬مع أنَّهم قبل قليل امتنعوا من ضيافتهم!‬ ‫َب ْعض ِه ْم َش ْي ٌء»‪ ،‬أي‪ٌّ :‬‬
‫لكن اآلن احتاجوا وذهبوا إليهم لع َّلهم يجدون عندهم شي ًئا يعالجون به‬
‫س ِّيدهم‪.‬‬

‫قوله‪َ « :‬ف َأت َْو ُهم‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪َ :‬يا َأ ُّي َها َّ‬
‫الر ْه ُط»‪َّ ،‬‬
‫والرهط‪ :‬هو ما بين الواحد إلى‬
‫العشرة‪.‬‬
‫قوله‪« :‬إِ َّن َس ِّيدَ نَا ُل ِد َغ َو َس َع ْينَا َل ُه بِك ُِّل َش ْي ٍء َل َي ْن َف ُع ُه؛ َف َه ْل ِعنْدَ َأ َح ٍد ِم ْنك ُْم ِم ْن‬
‫َش ْي ٍء؟ َف َق َال َب ْع ُض ُه ْم‪َ :‬واهلل ِ إِنِّي َل َر ٍاق‪َ ،‬و َلكِ ْن َواهلل ِ َل َق ِد ْاست ََض ْفنَاك ُْم َف َل ْم ت َُض ِّي ُفونَا‪،‬‬
‫َف َما َأنَا بِ َر ٍاق َلك ُْم َحتَّى ت َْج َع ُلوا َلنَا ُج ْع ًل»‪ ،‬الجعل‪ :‬ما ُيعطى على العمل‪.‬‬
‫وه ْم َع َلى َقطِي ٍع ِم َن ال َغنَمِ»‪ ،‬أي‪ :‬إن رقى س ِّيدهم ُ‬
‫وشفي‬ ‫قوله‪َ « :‬ف َصا َل ُح ُ‬
‫يعطوهنم قطي ًعا من الغنم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّرمذي‬
‫ُّ‬ ‫ين»‪ ،‬ورواه الت‬ ‫قوله‪َ « :‬فا ْن َط َل َق َي ْت ُف ُل َع َل ْيه َو َي ْق َر ُأ‪َ :‬‬
‫الح ْمدُ هلل َر ِّب ال َعا َلم َ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪508‬‬
‫وابن ماجه بلفظ‪َ « :‬ف َقر ْأ ُت َع َلي ِه الحمدُ سبع مر ٍ‬
‫ات َف َب ِرئ»(‪.)1‬‬ ‫ْ َ ْ َ ْ َ َ َّ‬ ‫َ‬
‫يحس‬
‫ُّ‬ ‫ال»‪ ،‬أي‪ :‬قام نشي ًطا ال يجد شي ًئا وال‬ ‫قوله‪َ « :‬فكَأنَّما ن ُِش َط ِم ْن ِع َق ٍ‬
‫َ‬
‫بألم‪.‬‬
‫قوله‪َ « :‬فا ْن َط َل َق َي ْم ِشي َو َما بِ ِه َق َل َبة»‪ ،‬أي‪ :‬ما به وجع‪.‬‬
‫وه ْم َع َل ْي ِه»‪ ،‬أي‪ :‬أعطوهم قطي ًعا من‬ ‫ِ‬
‫قال‪َ « :‬ف َأ ْو َف ُ‬
‫وه ْم ُج ْع َل ُهم ا َّلذي َصا َل ُح ُ‬
‫الغنم‪.‬‬
‫ول اهلل‬ ‫« َف َق َال َب ْع ُض ُهم‪ :‬ا ْق ِس ُموا‪َ ،‬ف َق َال ا َّل ِذي َر َقى‪َ :‬ل َت ْف َع ُلوا َحتَّى ن َْأتِ َي َر ُس َ‬
‫ول اهلل ﷺ َف َذك َُروا َل ُه‪،‬‬ ‫َان‪َ ،‬فنَنْ ُظر ما ي ْأمرنَا‪َ .‬ف َق ِدموا َع َلى رس ِ‬ ‫ﷺ َفن َْذك َُر َل ُه ا َّل ِذي ك َ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ُُ‬
‫أن الفاتحة رقي ٌة عظيمة وشفا ٌء من األدواء‬ ‫يك َأن ََّها ُر ْق َيةٌ»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬ ‫«و َما ُيدْ ِر َ‬‫َف َق َال‪َ :‬‬
‫َّبي ‪ O‬أنَّها‬ ‫واألسقام‪ ،‬ولكن كيف عرفت هذا! وهذا فيه إقرار من الن ِّ‬
‫رقي ٌة وثبوت نفعها بإذن اهلل تعالى‪.‬‬
‫اضرِ ُبوا لِي َم َعك ُْم بِ َس ْهمٍ»‪ ،‬أي‪ :‬اجعلوا لي منه‬ ‫«أ َص ْبت ُُم‪ ،‬ا ْق ِس ُموا َو ْ‬
‫قال‪َ :‬‬ ‫ثم َ‬ ‫َّ‬
‫نصي ًبا‪ ،‬وكأنَّه أراد المبالغة يف تأنيسهم‪.‬‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)2063‬وابن ماجه (‪،)2156‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫‪509‬‬ ‫‪ -83‬ما يقول َمن حضره املوت‬

‫‪83‬‬

‫ما يقول َمن حضره املوت‬

‫سول اهلل ﷺ‪َ « :‬ل ِّقنُوا َم ْوتاك ُْم‪:‬‬


‫قال َر ُ‬‫قال‪َ :‬‬ ‫الخدْ ِر ِّي ‪َ I‬‬ ‫يد ُ‬ ‫َعن َأبِي س ِع ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ»‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫الموت مِن ُكم‪.‬‬


‫«م ْوتاك ُْم»‪ ،‬أي‪َ :‬م ْن َح َض َره ْ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫آخ ُر ك ََل ِم ِه‪:‬‬
‫َان ِ‬ ‫قال رس ُ ِ‬ ‫عاذ ْب ِن َج َب ٍل ‪َ I‬‬ ‫و َعن م ِ‬
‫«م ْن ك َ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫قال‪ُ َ َ :‬‬ ‫َ ْ ُ‬
‫«ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ» َد َخ َل ا ْل َج َّنةَ»‪ .‬رواه أبو داود(‪.)2‬‬
‫َ‬
‫أن َمن دنت من َّيته وشارفت روحه أن تخرج‪ ،‬أن‬ ‫أفاد هذان الحديثان َّ‬
‫يحرص على أن يكون آخر كالمه من الدُّ نيا‪« :‬ال إله َّإل اهلل»‪ ،‬كما حديث معاذ‬
‫ابن جبل ‪ .I‬و َمن حوله ينبغي عليهم أن يحرصوا على تلقينه هذه الكلمة؛‬
‫الخدري ‪ .I‬وأن‬ ‫ِّ‬ ‫لتكون آخر كالمه من الدُّ نيا‪ ،‬كما يف حديث أبي سعيد‬
‫خيرا‪ ،‬ففي صحيح مسلم عن أ ِّم سلمة ‪ J‬قالت‪ :‬قال‬ ‫ال َيقولوا عنده َّإل ً‬
‫الم َلئِ َك َة‬
‫خيرا؛ َفإِ َّن َ‬
‫ت َف ُقو ُلوا ً‬ ‫يض َأ ِو َ‬
‫الم ِّي َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا َح َض ْرتُم َ‬
‫المرِ َ‬
‫ُون َع َلى َما َت ُقو ُل َ‬
‫ون»(‪.)3‬‬ ‫ُي َؤ ِّمن َ‬
‫وقد جاء يف صحيح مسلم من حديث عثمان ‪َّ I‬‬
‫أن رسول اهلل ﷺ‬
‫ات َو ُه َو َي ْع َل ُم َأ َّن ُه َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ َد َخ َل ا ْل َج َّنةَ»(‪.)4‬‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫«م ْن َم َ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)916‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)3116‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)919‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)26‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪510‬‬

‫ول اهللِ ﷺ َعا َد َر ُج ًل مِ َن‬ ‫وثبت يف المسند من حديث أنس ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫«ل‪،‬‬ ‫«يا َخ ُال‪ُ ،‬ق ْل‪َ :‬ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ»‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أ َخ ٌال َأ ْم َع ٌّم؟ َف َق َال‪َ :‬‬ ‫ْالَن َْص ِ‬
‫ار‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬
‫ول‪َ :‬ل إِ َل َه إِ َّل ُ‬
‫اهلل؟ َف َق َال النَّبِ ُّي ﷺ‪َ « :‬ن َع ْم»(‪.)1‬‬ ‫َب ْل َخ ٌال»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َخ ْي ٌر لِي َأ ْن َأ ُق َ‬
‫أجل الكلمات وأعظمها‪ ،‬وأعظم ما تكون‬ ‫وهي كلمة عظيمة بل هي ُّ‬
‫الغنيمة للعبد أن تكون هذه الكلمة خاتمة عمله يف هذه الحياة الدُّ نيا‪ ،‬و َمن‬
‫كانت هذه الكلمة خاتمة عمله دخل الجنَّة‪.‬‬
‫ازي‪:‬‬ ‫الر ِّ‬ ‫قص ُة اإلمام المحدِّ ث أبي زرعة َّ‬ ‫ومن لطيف ما ُروي يف هذا الباب َّ‬
‫قص ٌة ثابت ٌة رواها غير واحد من أهل العلم عن أبي‬ ‫عندما حضرته الوفاةُ‪ ،‬وهي َّ‬
‫محمد بن إدريس‬ ‫البادي‪ ،‬قال‪« :‬حضرت مع أبي حاتم َّ‬ ‫ِّ‬ ‫محمد بن مسلم‬ ‫عبد اهلل َّ‬
‫ازي وهو يف الن َّْزع‪ ،‬فقلت ألبي حاتم‪:‬‬ ‫الر ِّ‬ ‫عند أبي زرعة ُعبيد اهلل بن عبد الكريم َّ‬
‫الشهادةَ‪ ،‬فقال أبو حاتم‪ :‬إنِّي ألستحيي من أبي زرعة أن ُأ َل ِّقنَه‬ ‫تعال حتَّى ُن َل ِّقنَه َّ‬
‫محمد‬ ‫الحديث‪ ،‬فلع َّله إذا سم َعه يقول‪ ،‬قال َّ‬ ‫َ‬ ‫نتذاكر‬
‫َ‬ ‫الشهادةَ‪ ،‬ولكن تعال حتَّى‬ ‫َّ‬
‫فقلت‪ :‬حدَّ ثنا أبو عاصم النَّبيل‪ ،‬قال‪ :‬حدَّ ثنا عبد الحميد بن‬ ‫ُ‬ ‫فبدأت‬
‫ُ‬ ‫ابن مسلم‪:‬‬
‫الحديث‪ ،‬حتَّى كأنِّي ما سمعتُه وال قرأ ُته‪ ،‬فبدأ أبو حاتم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫علي‬
‫فارت َّج َّ‬
‫جعفر‪َ ْ ،‬‬
‫بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدَّ ثنا أبو عاصم النَّبيل‪ ،‬عن عبد الحميد‬ ‫محمد ب ُن َّ‬ ‫وقال‪ :‬حدَّ ثنا َّ‬
‫ابن جعفر‪ ،‬فار َت َّج عليه حتَّى كأنَّه ما قرأه وال سمعه‪ ،‬فبدأ أبو ُزرعة ‪-‬أي‪ :‬وهو‬
‫بشار‪ ،‬قال‪ :‬حدَّ ثنا أبو عاصم النَّبيل‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫محمد بن َّ‬ ‫َّ‬ ‫يف الن َّْزع‪ -‬وقال‪ :‬حدَّ ثنا‬
‫حدَّ ثنا عبد الحميد بن جعفر‪ ،‬عن صالح ابن أبي َعريب‪ ،‬عن كثير بن ُم َّرة‪ ،‬عن‬
‫آخ َر ك ََل ِم ِه ِم َن الدُّ ْن َيا َل إِ َل َه‬
‫َان ِ‬
‫«م ْن ك َ‬
‫معاذ بن جبل‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫الجنَّةَ»»‪ .‬رواه ابن‬ ‫قول‪َ « :‬د َخ َل َ‬ ‫روحه مع الهاء‪ ،‬من قبل أن َي َ‬ ‫وخرجت ُ‬ ‫ْ‬ ‫إِالَّ اهللُ»‪،‬‬
‫الدُّ نيا يف «فضل التَّهليل وثوابه الجزيل»(‪.)2‬‬

‫وصححه األلبانِ ُّي يف أحكام الجنائز (ص‪.)11:‬‬


‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)12563‬‬
‫(((  رواه ابن أبي الدُّ نيا يف فضل التَّهليل (‪.)49‬‬
‫‪511‬‬ ‫‪ -83‬ما يقول َمن حضره املوت‬

‫ول‪« :‬ال َّل ُه َّم‬ ‫ت‪َ :‬س ِم ْع ُ‬


‫ت النَّبِ َّي ﷺ َو ْه َو ُم ْستَنِدٌ إِ َل َّي َي ُق ُ‬ ‫َو َع ْن َعائِ َش َة ‪َ J‬قا َل ْ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫يق األَ ْع َلى»‪ .‬رواه‬ ‫الرفِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ا ْغف ْر لي‪َ ،‬و ْار َح ْمني‪َ ،‬و َأ ْلح ْقني بِ َّ‬
‫أيضا من الدَّ عوات العظيمة ا َّلتي يحسن بالمحتضر أن يدعو اهلل‬ ‫هذا ً‬
‫والرحمة‪ .‬ففي هذا الحديث حديث‬ ‫‪ E‬هبا؛ وهو أن يسأل اهلل المغفرة َّ‬
‫َّبي ﷺ قبل أن يموت‪ ،‬يقول‪« :‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي‪َ ،‬و ْار َح ْمنِي‪،‬‬
‫عائشة أنَّها سمعت الن َّ‬
‫الرفِ ِ‬
‫يق األَ ْع َلى»‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َأ ْلح ْقني بِ َّ‬
‫ختم‬‫وكان من هديه ‪ O‬أن يختم أعماله باالستغفار؛ فجاء عنه ُ‬
‫وختم‬‫ُ‬ ‫الحج باالستغفار‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫وختم‬
‫ُ‬ ‫الصالة باالستغفار‪ ،‬إذا س َّلم استغفر ثال ًثا‪،‬‬ ‫َّ‬
‫المجالس باالستغفار‪ ،‬فكذلك حياته ك ُّلها العامرة بال َّطاعة‪ ،‬والدَّ عوة إلى اهلل‬
‫السؤال على‬ ‫سبحانه ختمها باالستغفار؛ ولهذا يحسن بالمسلم أن يكون هذه ُّ‬
‫والرحمة‪.‬‬ ‫هم اغفر لي وارحمني»‪ ،‬يسأل اهلل المغفرة َّ‬ ‫لسانه‪« :‬ال َّل َّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫‪ ‬وم َّما َي ُ‬
‫حسن أن ُيذكر به املحتضر‪:‬‬ ‫ِ‬
‫بربه؛ فعن جابر بن عبد اهلل ‪ L‬قال‪ :‬سمعت النَّبِ َّي‬
‫ُ َّ‬
‫الظ ّن ّ‬
‫‪ ‬إحسان ِ ِ‬
‫«ل َي ُموت ََّن َأ َحدُ ك ُْم إِ َّل َو ُه َو ُي ْح ِس ُن بِاهلل ِ ال َّظ َّن»‪.‬‬
‫ﷺ قبل وفاته بثالث‪ ،‬يقول‪َ :‬‬
‫«ح ْس ِن ال َّظ ِّن باهللِ»‪ ،‬عن إبراهيم‬ ‫رواه مسلم(‪ .)2‬وروى اب ُن أبي الدُّ نيا يف كتابه ُ‬
‫اس َن َع َمله عند موتِه؛‬ ‫َحبون أن ي َل ِّقنوا العبدَ مح ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫َّخعي أنَّه قال‪« :‬كَانُوا َي ْست ُّ‬ ‫الن ِّ‬
‫حس َن َظنَّه بر ِّبه ‪.)3(»D‬‬ ‫لكي ُي ِّ‬
‫قد ِره؛ َ‬ ‫َ‬ ‫‪ ‬وأن َي َ‬
‫وثواب‬ ‫َ‬ ‫الصابرين‬ ‫أجر َّ‬ ‫لينال َ‬ ‫ر�ضى بقضاء هللا ويصبر على‬
‫الم ْؤ ِم ِن‪ ،‬إِ َّن‬
‫المحتسبين‪ ،‬ففي صحيح مسلم عن النَّبِ ِّي ﷺ أنَّه قال‪َ « :‬ع َج ًبا ألَ ْمرِ ُ‬
‫البخاري (‪ ،)5674‬ومسلم (‪.)2444‬‬ ‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2877‬‬
‫(((  رواه ابن أبي الدُّ نيا يف حسن ال َّظ ِّن باهلل (‪.)30‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪512‬‬

‫اك ألَ َح ٍد إِ َّل لِ ْل ُم ْؤ ِم ِن؛ إِ ْن َأ َصا َب ْت ُه َس َّرا ُء َشك ََر َفك َ‬


‫َان َخ ْير ًا‬ ‫َأ ْم َر ُه ُك َّل ُه َخ ْي ٌر‪َ ،‬و َل ْي َس َذ َ‬
‫َان َخ ْي ًرا َل ُه»(‪.)1‬‬ ‫َل ُه‪َ ،‬وإِ ْن َأ َصا َب ْت ُه َض َّرا ُء َص َب َر َفك َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫حذر من َت َم ّني املوت‪َّ ،‬‬ ‫‪ ‬وأن َي َ‬
‫املرض وزاد عليه األل ُم‪،‬‬ ‫اشتد به‬ ‫حتى وإن‬ ‫ِ‬
‫«ل َيت ََمنَّ َي َّن َأ َحدُ كُم‬
‫أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ :‬‬ ‫الصحيحين من حديث أنس َّ‬ ‫ِ‬
‫ل َما يف َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم ْو َت لِ ُض ٍّر َأ َصا َبه‪َ ،‬فإِ ْن ك َ‬
‫َان َل ُبدَّ َفاع ًل‪َ ،‬ف ْل َي ُق ْل‪ :‬ال َّل ُه َّم َأ ْحيِني َما كَانَت َ‬
‫الح َيا ُة‬ ‫َ‬
‫الو َفا ُة َخ ْي ًرا لِي»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫َخ ْي ًرا لي‪َ ،‬وت ََو َّفني َما كَانَت َ‬
‫ِ‬

‫رسول اهلل ﷺ َ‬
‫دخل عليهم‬ ‫َ‬ ‫ويف المسند لإلمام أحمد عن أ ِّم الفضل ‪َّ :J‬‬
‫أن‬
‫الموت‪ ،‬فقال له رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫َ‬ ‫عم رسول اهلل ﷺ يشتكي‪ ،‬فت ََمنَّى ع َّباس‬
‫اس ُّ‬
‫وع َّب ٌ‬
‫ك‬ ‫َّك إِ ْن ُكن َْت ُم ْح ِسنًا َف َأ ْن ت َُؤخَّ ر َت ْز َد ْد إِ ْح َسانًا إِ َلى إِ ْح َسانِ َ‬
‫الم ْو َت؛ َفإِن َ‬
‫عم! َل َتت ََم َّن َ‬
‫«يا ُّ‬
‫ك؛ َف َل َتت ََم َّن‬‫ك َخ ْي ٌر َل َ‬ ‫ْت ُم ِسيئًا َف َأ ْن ت َُؤ َّخ َر ت َْس َت ْعتِب ِم ْن إِ َسا َءتِ َ‬ ‫ك‪َ ،‬وإِ ْن ُكن َ‬ ‫َخ ْي ٌر َل َ‬
‫الم ْو َت»(‪.)3‬‬
‫َ‬
‫‪ ‬وينبغي عليه أن َيجمع لنفسه بين َّ‬
‫الرجاء والخوف‪ ،‬رجاء رحمة اهلل‪،‬‬
‫ِّرمذي واب ُن ماجه عن أنس‬ ‫ُّ‬ ‫والخوف من عقابه على ذنوبه‪ ،‬فقد روى الت‬
‫ِ‬
‫بالموت‪ ،‬فقال‪« :‬كيف تَجدُ ك؟»‬ ‫شاب وهو‬ ‫أن النَّبِ َّي ﷺ َد َخ َل على ٍّ‬ ‫‪َّ :I‬‬
‫رسول اهللِ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫اف ُذنُوبِي»‪َ ،‬‬
‫فقال‬ ‫اهلل َوإِنِّي َأ َخ ُ‬ ‫قال‪« :‬واهللِ يا رس َ ِ‬
‫ول اهلل إِنِّي َأ ْر ُجو َ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫الم ْوطِ ِن إِ َّل َأ ْع َطا ُه اهللُ َما َي ْر ُجو َو َأ َّمنَ ُه‬ ‫ان فِي َق ْل ِ ٍ ِ ِ‬
‫ب َعبد في م ْث ِل َه َذا َ‬ ‫«ل ي ْجت َِم َع ِ‬
‫َ َ‬
‫اف»(‪.)4‬‬‫ِم َّما َيخَ ُ‬
‫عزى‬
‫السنَّة أن ُي َّ‬
‫عظيم وألمه شديد‪ ،‬فمن ُّ‬
‫ٌ‬ ‫ثم َّ‬
‫إن مصاب َمن مات له م ِّيت‬ ‫َّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2999‬‬
‫البخاري (‪ ،)5671‬ومسلم (‪.)2680‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫البخاري (‪ ،)6351‬ومسلم (‪.)2680‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)983‬وابن ماجه (‪،)4261‬‬‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫‪513‬‬ ‫‪ -83‬ما يقول َمن حضره املوت‬

‫والصرب‬
‫الرضا بالقضاء‪َّ ،‬‬ ‫وأن ُيس َّلى تسلي ًة ُتذهب عنه حزنه‪ً ،‬‬
‫وأيضا تعينه على ِّ‬
‫مستحضرا‬
‫ً‬ ‫عز َي أخاه فينبغي أن يكون‬
‫على المصيبة‪ .‬وإذا كان المسلم يريد أن ُي ِّ‬
‫مما ُيقال يف هذا الموطن‪ ،‬وإذا كان ال يحضره‬ ‫َّبي ﷺ َّ‬
‫مما ثبت عن الن ِّ‬
‫شي ًئا َّ‬
‫تيسر من الكالم الحسن والقول ال َّط ِّيب ا َّلذي‬
‫شيء من ذلك؛ يدعو أو يقول ما َّ‬
‫ُيح ِّقق المقصود وال يخالف َّ‬
‫الشرع‪.‬‬
‫مأجور على تعزيته ألخيه‪ ،‬ووقوفه معه يف مصابه‪ ،‬ولهذا جاء يف‬ ‫ٌ‬ ‫والمسلم‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أن النَّبي ﷺ قال‪ِ :‬‬
‫«ما م ْن ُم ْؤم ٍن ُي َعزِّي َأ َخا ُه بِ ُمصي َبة إِ َّل ك ََسا ُه اهَّللُ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫سنن ابن ماجه َّ‬
‫ِم ْن ُح َل ِل ا ْلك ََر َام ِة َي ْو َم ا ْل ِق َي َام ِة»(‪.)1‬‬
‫َّ‬ ‫ُّ َّ‬
‫البخاري ومسلم عن أسامة بن‬ ‫ُّ‬ ‫السنة في التعزية‪ :‬ما رواه‬ ‫ومما ورد في‬ ‫‪َّ ‬‬
‫زيد ‪ L‬قال‪َ :‬أ ْر َس َل ْت ا ْبنَ ُة النَّبِ ِّي ﷺ إِ َل ْي ِه‪« :‬إِ َّن ا ْبنًا لِي ُقبِ َض َفائْتِنَا»‪َ ،‬ف َأ ْر َس َل‬
‫له َما َأ َخ َذ‪َ ،‬و َل ُه َما َأ ْع َطى‪َ ،‬وك ٌُّل ِعنْدَ ُه بِ َأ َج ٍل ُم َس َّم ًى؛‬‫ول‪« :‬إِ َّن لِ ِ‬ ‫الس َل َم‪َ ،‬و َي ُق ُ‬ ‫ُي ْقرِئُ َّ‬
‫ِ‬
‫عزى به‪ ،‬بل هو من أحسن ما‬ ‫ب»(‪ ،)2‬فهذا الحديث أحد ما ُي َّ‬ ‫َف ْلت َْصبِ ْر َو ْلت َْحتَس ْ‬
‫عزى به أهل الميت‪.‬‬ ‫ينبغي أن ُي َّ‬
‫أن األمر طوع تدبيره وتسخيره‬ ‫له َما َأ َخ َذ‪َ ،‬و َل ُه َما َأ ْع َطى»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬ ‫قوله‪« :‬إِ َّن لِ ِ‬
‫ويذل‪ ،‬يقبض ويبسط‪ ،‬األمر أمره‬ ‫عز ُّ‬ ‫يحي و ُيميت‪ُ ،‬ي ُّ‬ ‫‪ُ ،E‬يعطي ويمنع‪ِ ،‬‬
‫سبحانه‪.‬‬
‫«وك ٌُّل ِعنْدَ ُه بِ َأ َج ٍل ُم َس َّم ًى»‪ ،‬فهذا ا َّلذي مات مات بأجله‪ ،‬و﴿ﮰ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫الرعد‪﴿ ،]38 :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ﴾‬
‫ﮱ ﯓ﴾ [ َّ‬
‫[األعراف‪.]34 :‬‬

‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه ابن ماجه (‪،)1601‬‬
‫البخاري (‪ ،)1284‬ومسلم (‪.)923‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪514‬‬
‫ِ‬
‫والصرب عند‬ ‫َّ‬ ‫ب»‪ ،‬أي‪ :‬فلتصرب على مصاهبا‪،‬‬ ‫قوله‪َ « :‬ف ْلت َْصبِ ْر َو ْلت َْحتَس ْ‬
‫أجرا وثوا ًبا‬
‫الصدمة األولى‪ ،‬ولتحتسب صربها‪ ،‬ورضاها بقضاء اهلل‪ ،‬ومصاهبا ً‬ ‫َّ‬
‫عند اهلل سبحانه‪.‬‬
‫وعن أ ِّم سلمة ‪ J‬قالت‪ :‬دخل رسول اهلل ﷺ على أبي سلمة ‪I‬‬
‫اح‬ ‫وح إِ َذا ُقبِ َض َتبِ َع ُه ال َب َص ُر»‪َ ،‬ف َص َ‬ ‫الر َ‬‫«إن ُّ‬ ‫ثم قال‪َّ :‬‬ ‫شق بصره فأغمضه‪َّ ،‬‬ ‫وقد َّ‬
‫الم َلئِ َك َة ُي َؤ ِّم َ‬
‫نون‬ ‫ِ‬
‫«ل تَدْ ُعوا َع َلى َأن ُفسكُم إِ َّل بِخَ يرٍ؛ َفإِ َّن َ‬ ‫َاس ِم ْن َأ ْه ِل ِه‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬
‫ن ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين‪،‬‬ ‫ون»‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم ا ْغف ْر لَبِي َس َل َمةَ‪َ ،‬و ْار َف ْع َد َر َجتَه في َ‬
‫الم ْهد ِّي َ‬ ‫َع َلى َما َت ُقو ُل َ‬
‫ين‪ ،‬وا ْف َس ْح َل ُه يف َق ْبرِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‪َ ،‬وا ْغف ْر َلنَا َو َل ُه َيا َر َّب ال َعا َلم َ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬
‫اخ ُل ْفه في َعقبِه في الغَابِرِ َ‬ ‫َو ْ‬
‫َون َِّو ْر َل ُه فِ ِيه»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫شق بصره»‪ ،‬أي‪َ :‬ش َخص‪ ،‬وهو ا َّلذي حضره الموت‪ ،‬وصار‬ ‫قولها‪« :‬وقد َّ‬
‫ينظر إلى َّ‬
‫الشيء ال يرتدُّ إليه طرفه‪.‬‬
‫قولها‪« :‬فأغمضه»‪ ،‬فيه دليل على استحباب إغماض الم ِّيت‪ ،‬وقيل يف‬
‫الحكمة فيه‪َّ :‬أل َيق ُبح بمنظره لو ترك إغماضه‪.‬‬

‫وح إ َذا ُقبِ َض َتبِ َعه ال َب َص ُر»‪ ،‬معناه‪ :‬إذا خرج ُّ‬
‫الروح من‬ ‫الر َ‬‫«إن ُّ‬
‫قوله ﷺ‪َّ :‬‬
‫ناظرا أين يذهب‪.‬‬ ‫الجسد يتبعه البصر ً‬
‫قال‪ :‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر ِلَبي َس َلمة‪ »...‬إلى آخره‪ ،‬فيه استحباب‬
‫قولها‪ُ « :‬ث َّم َ‬
‫وذر َّيته بأمور اآلخرة والدُّ نيا‪.‬‬
‫الدُّ عاء للم ِّيت عند موته‪ ،‬وألهله ِّ‬
‫«واخ ُلفه يف عقبه يف الغابرين»‪ ،‬أي‪ :‬الباقين‪ ،‬كقوله تعالى‪﴿ :‬ﭯ‬
‫قوله ﷺ‪ْ :‬‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾ [العنكبوت‪.]32 :‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)920‬‬


‫‪515‬‬ ‫‪ -84‬ال ِّذكر يف صالة اجلنازة‬

‫‪84‬‬

‫ال ِّذكر يف صالة اجلنازة‬

‫ول اهلل ﷺ َع َلى َجن ََاز ٍة‬ ‫«ص َّلى َر ُس ُ‬ ‫َع ْن َع ْوف ْب ِن مالك ‪َ I‬ق َال‪َ :‬‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ف َعنْ ُه‪،‬‬ ‫ول‪« :‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر َل ُه َو ْار َح ْم ُه‪َ ،‬و َعافِ ِه َوا ْع ُ‬ ‫َف َح ِف ْظ ُت مِ ْن ُد َعائِ ِه‪َ ،‬و ُه َو َي ُق ُ‬
‫اء َوال َّث ْلجِ َوا ْل َب َر ِد‪َ ،‬و َن ِّق ِه ِم َن ا ْلخَ َط َايا‬
‫و َأ ْكرِم ُن ُز َله‪ ،‬ووسع مدْ َخ َله‪ ،‬وا ْغ ِس ْله بِا ْلم ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ْ ُ َ َ ِّ ْ ُ‬
‫َس‪َ ،‬و َأ ْب ِد ْل ُه َد ًارا َخ ْي ًرا ِم ْن َد ِار ِه‪َ ،‬و َأ ْه ًل َخ ْي ًرا‬ ‫ت ال َّث ْو َب األَ ْب َي َض ِم َن الدَّ ن ِ‬ ‫ك ََما َن َّق ْي َ‬
‫اب ا ْل َق ْبرِ َأ ْو ِم ْن‬
‫ِم ْن َأ ْه ِل ِه‪َ ،‬وز َْو ًجا َخ ْي ًرا ِم ْن ز َْو ِج ِه‪َ ،‬و َأ ْد ِخ ْل ُه ا ْل َج َّنةَ‪َ ،‬و َأ ِع ْذ ُه ِم ْن َع َذ ِ‬
‫ُون أنَا َذل ِ َك ا ْل َم ِّي َت»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫َّار»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬حتَّى َت َمنَّ ْي ُت َأ ْن َأك َ‬ ‫اب الن ِ‬ ‫َع َذ ِ‬
‫قوة التَّراحم وجمال التَّعاطف بين‬ ‫هذا دعاء عظيم‪ ،‬وهو من الدَّ الئل على َّ‬
‫ألن التَّكبيرة األولى ُيقرأ‬‫والسنَّة أن ُيؤتى به بعد التَّكبيرة ال َّثالثة؛ َّ‬ ‫أهل اإليمان‪ُّ ،‬‬
‫َّبي ‪ ،O‬وال َّثالثة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫بعدها فاتح ُة الكتاب‪ ،‬والثانية ُيصلى فيها على الن ِّ‬
‫ُيؤتى فيها بالدُّ عاء للم ِّيت‪.‬‬
‫ِ‬
‫َّرحم عليه‪،‬‬ ‫جمع هذا الدُّ عا ُء معان َي عظيم ًة من الدُّ عاء للم ِّيت‪ ،‬والت ُّ‬ ‫وقد َ‬
‫وسع ُمدخله‪ ،‬وأن يغسله‬ ‫وسؤال اهلل ‪ D‬أن يغفر له وأن يكرم نزله‪ ،‬وأن ُي ِّ‬
‫نجيه من النَّار‪.‬‬‫بالماء وال َّثلج والربد‪ ،‬وأن يدخله الجنَّة و ُي ِ‬

‫والرحمة‪:‬‬ ‫الذنوب‪َّ .‬‬ ‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر َل ُه َو ْار َح ْم ُه»‪ ،‬المغفرة‪ :‬التَّجاوز عن ُّ‬
‫بالسرت‬
‫الذنوب َّ‬ ‫فيها حصول النِّعمة‪ ،‬والفضل والخير؛ فجمع بين زوال ُّ‬
‫أعم؛‬
‫والرحمة ُّ‬ ‫والتَّجاوز‪ ،‬وحصول الخير بالتَّوفيق له والتَّيسير واإلعانة‪َّ .‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)963‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪516‬‬

‫والرحمة تزيد عن ذلك بنيل الخيرات‬ ‫الذنب والتَّجاوز عنه‪َّ ،‬‬ ‫فالمغفرة سرت َّ‬
‫ورفعة الدَّ رجات‪ ،‬وكثرة ال َّثواب‪.‬‬
‫ف َعنْ ُه»؛ عافه‪ ،‬أي‪ :‬من العذاب‪ ،‬واعف عنه‪ ،‬أي‪ :‬ما‬ ‫«و َعافِ ِه َوا ْع ُ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫وقع فيه من ذنب وتقصير‪.‬‬
‫للضيف من‬‫الضيف‪ ،‬وهو ما ُيعدُّ و ُيقدَّ م َّ‬ ‫«و َأ ْكرِ ْم ُن ُز َل ُه»‪ ،‬الن ُُّزل‪ :‬قِرى َّ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫طعام وشراب‪ ،‬والمراد‪ِ :‬‬
‫أحسن نصيبه من الجنَّة‪.‬‬
‫ووسع منازله يف الجنَّة‪ ،‬وهو‬ ‫«و َو ِّس ْع ُمدْ َخ َل ُه»‪ ،‬أي‪ :‬افسح له يف قربه ِّ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫مفرد مضاف يفيد القرب وما يكون بعد القرب يف القيامة والجنَّة؛ فيتناول هذا ك َّله‬
‫أن يكون مدخله مدخل خير وإنعام يف قربه‪ ،‬و يوم لقاء ر ِّبه‪.‬‬
‫اء َوال َّث ْلجِ َوا ْل َب َر ِد»‪ ،‬هذه ال َّثالثة‪ :‬الماء وال َّثلج والربد‬ ‫قوله‪« :‬وا ْغ ِس ْله بِا ْلم ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫الذنوب‪ ،‬و ُتطفئ لهيبها‪.‬‬ ‫ُتقابل حرارة ُّ‬
‫طهره‬ ‫َس»‪ ،‬أي‪ِّ :‬‬ ‫ت ال َّث ْو َب ْالَ ْب َي َض ِم َن الدَّ ن ِ‬
‫«و َن ِّق ِه ِم َن ا ْلخَ َط َايا ك ََما َن َّق ْي َ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫طهر ال َّثوب األبيض من الدَّ نس والوسخ ا َّلذي يعلق به‪.‬‬ ‫الذنوب كما ُي َّ‬ ‫من ُّ‬
‫ألن األبيض يظهر عليه األثر مباشرة‪ ،‬خالف‬ ‫بالذكر؛ َّ‬ ‫ص ال َّثوب األبيض ِّ‬ ‫ُ‬
‫وخ َّ‬
‫األلوان األخرى‪.‬‬
‫«و َأ ْب ِد ْل ُه َد ًارا َخ ْي ًرا ِم ْن َد ِار ِه»‪ ،‬أي‪ :‬أدخله الجنَّة ً‬
‫بدل عن الدَّ ار الدُّ نيا‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫ا َّلتي ارتحل عنها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫«و َأ ْه ًل َخ ْي ًرا م ْن َأ ْهله‪َ ،‬وز َْو ًجا َخ ْي ًرا م ْن ز َْو ِجه»‪ ،‬أي‪ :‬وأبدله ً‬
‫خيرا‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫ّ‬
‫والصفات‪:‬‬ ‫منهم؛ وهذا يتناول اإلبدال في األشخاص ِ‬
‫‪ -‬أ َّما يف األشخاص‪ :‬بأن يكون له أهلون وأزواج غير ا َّلذين كانوا له يف‬
‫الدُّ نيا‪.‬‬
)k-
?-1 :lI)..u ?. J x
)pu' 'I.s:
C = zaw-v K= .r.. A1...0.1I ..p .Fue I. *
''x'J oxxp
. lo .
V'oL =' 1
wcw-1II
u'
''I.F-
.Q/w c

w . ta . k.
..
.kp aoNru
..>fuaNrIw1vzo--
' tp1l.
'u.
%1ap. ol-''G-5IuktuxJ
''. !Ww-'o!.9).'o-5-@'
w xu.o l .+Je ù,wtxw h4Jw .um buaazkphbu-gw-t 'e)qxw zwr
aoh...21

o u a)b. ., !...2za.p'1a
'1..
:,.aw ue' ):..s.sw.uo
..u w':v.avz.oae
r;!.5I.spj.k.5Io'l't,ywZ. 51
..
r pI '1hhao
upap ' q'asz
t' '
u'= ..x,L
up e..t
. u Iuft .<'J1JN
..' .
du
''

' ..tx. c-w+-Iu.o Ivz.pa.


.-J 1Iu-'kt
-
', a1
m.I:
.k
.:
.w+plw-
izplo X poIu.s-'+.
%k

Z K
* . .
Io.'<.
w 2c5
Ia kqaj
'
wl.ç s.p
.
.
* * .
.vc5Iqo'
az ù(IoU.;wg
H;. '':H o,''1u'
u; N-.*u;<.
;:)
''J.
'.
''c
1 '5J',
ul
. w .<J
.-..u
-a .k-w.
.. t
ow K...d kw.ax po.
. w
v- w v=w, Jx 'w u.- >u. J ... ..

w 1.kUIbIa.wu 5IJ
' =V t
'>axza=
*AJN t.wz ue*w-
1'v
Iw a'
'

uw Iap o 9oux) .w'a.a. uuIw,,z..z-'o .e; o.wx u o.jo ;


tùUz'1w..1u,
'r
. . ....
. I L <
*h
J.'qp'za'
. Eh.
N3. .+x. .1 .sut.ub..-.
--.. kxz'. .w-1' wc xw.
v .xo' . t.
i a
x x v â J x -
.JteJ b;o
ït.
-
.'
- - .)1J..ew;J- v' Ze.-z' <z-j'.-
z>â..s'* o.p-z-
. -
w.
. .u .Jb -z'
. s= ; !w,
'
ù J .
. z> JùLL !.JL.;J
. u ùL
..
9l
., .9bl'-v a: '. .z.
cA! !)
.' .' .'
.' a.'' ...k' ;; .' J
'is.' 'J û :;;
ùat,w ! <.paLa= - > z ùN VI 40.L;tu <'= .1kze ' !
'
. * t.
4 'ptlJ.
1.Jl.
1(qlôl.JJ ';
. t:az 1'i.%:N.Je:.-
'>'1t
..*z'a g'% G !
>
'
'y*'uww hw'- ô>.
..p, u.lp w v.:w. w w
tww
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪518‬‬

‫والشاهد منهم‬ ‫والصغار والكبار‪ُّ ،‬‬


‫والذكور واإلناث‪َّ ،‬‬ ‫األحياء منهم واألموات‪ِّ ،‬‬
‫الضرورة إلى مغفرة اهلل وعفوه‬
‫الجميع مشرتكون يف الحاجة بل َّ‬
‫َ‬ ‫والغائب؛ َّ‬
‫ألن‬
‫بكل واحد من المسلمين والمسلمات‬ ‫ورحمته‪ ،‬و َمن دعا هبذه الدَّ عوة فله ِّ‬
‫والمتأخرين حسنة‪ ،‬لِما ثبت يف مسند َّ‬
‫الشام ِّيين لل َّطرباينِّ‬ ‫ِّ‬ ‫المتقدِّ مين منهم‬
‫«م ِن‬
‫الصامت ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫بإسناد حسن عن عبادة بن َّ‬
‫َب اهللُ َل ُه بِك ُِّل ُم ْؤ ِم ٍن َو ُم ْؤ ِمن ٍَة َح َسنَةً»(‪ .)1‬وقال اهلل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ْاس َت ْغ َف َر ل ْل ُم ْؤمن َ‬
‫ين َوا ْل ُم ْؤمنَات َكت َ‬
‫[محمد‪ ،]19 :‬فاالستغفار‬ ‫َّ‬ ‫تعالى لنب ِّيه‪﴿ :‬ﰐ ﰑ ﰒ ﰓﰔ﴾‬
‫مطلوب للنَّفس ولعموم المسلمين‪.‬‬
‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َم ْن َأ ْح َي ْي َت ُه ِمنَّا َف َأ ْحيِ ِه َع َلى ْ ِ‬
‫ال ْس َل ِم َو َم ْن ت ََو َّف ْي َت ُه َفت ََو َّف ُه َع َلى‬
‫أن اإلسالم‬ ‫ان»‪ ،‬فذكر اإلسالم يف الحياة واإليمان عند الممات‪ ،‬وذلك َّ‬ ‫يم ِ‬ ‫ِْ‬
‫ال َ‬
‫االعتقادات‬
‫ُ‬ ‫الشرائع العمل َّية ال َّظاهرة‪ ،‬و ُيراد باإليمان‬ ‫إذا ُقرن باإليمان ُيراد به َّ‬
‫الباطنة؛ ولهذا ناسب يف الحياة أن ُيذكر اإلسالم؛ َّ‬
‫ألن اإلنسان ما دام ح ًّيا‬
‫ٌ‬
‫مجال وفسحة للعمل والتَّع ُّبد‪ ،‬وأ َّما عند الممات فال مجال لذلك‪ ،‬بل‬ ‫فلديه‬
‫السليم بتوفيق من اهلل‬
‫الصحيح واإليمان َّ‬ ‫ال مجال َّإل للموت على االعتقاد َّ‬
‫يم ِ‬
‫ان»‪.‬‬ ‫«و َم ْن ت ََو َّف ْي َت ُه َفت ََو َّف ُه َع َلى ْ ِ‬
‫ال َ‬ ‫‪ ،D‬ولهذا قال‪َ :‬‬
‫يوضح هذا حديث جربيل المشهور عن عمر بن الخ َّطاب ‪ ،I‬قال‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫ات َي ْو ٍم‪ ،‬إِ ْذ َط َل َع َع َل ْينَا َر ُج ٌل َش ِديدُ َب َي ِ‬
‫اض‬ ‫ول اهللِ ﷺ َذ َ‬ ‫« َب ْينَما ن َْح ُن ِعنْدَ رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫الس َف ِر‪َ ،‬و َل َي ْع ِر ُف ُه مِنَّا َأ َحدٌ ‪َ ،‬حتَّى‬ ‫ِ‬
‫الش َع ِر‪َ ،‬ل ُي َرى َع َل ْيه َأ َث ُر َّ‬
‫اب‪َ ،‬ش ِديدُ سو ِ‬
‫اد َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ال ِّث َي ِ‬
‫خ َذ ْي ِه‪َ ،‬و َق َال‪:‬‬
‫ج َلس إِ َلى النَّبِي ﷺ‪َ ،‬ف َأسنَدَ ر ْكب َتي ِه إِ َلى ر ْكب َتي ِه‪ ،‬وو َضع َك َّفي ِه َع َلى َف ِ‬
‫ُ َ ْ َ َ َ ْ‬ ‫ْ ُ َ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َ‬
‫«ال ْس َل ُم َأ ْن َت ْش َهدَ َأ ْن َل‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪ِ ْ :‬‬ ‫ال ْس َل ِم‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬‫َيا م َحمدُ َأ ْخبِرنِي َع ِن ْ ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ َّ‬
‫وحســنه األلبانِـ ُّـي يف صحيــح الجامــع‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه ال َّطربانِـ ُّـي يف مســند َّ‬
‫الشــام ِّيين (‪،)2155‬‬
‫(‪.)6026‬‬
‫‪519‬‬ ‫‪ -84‬ال ِّذكر يف صالة اجلنازة‬
‫إِ َله إِ َّل اهلل و َأ َّن محمدً ا رس ُ ِ‬
‫الزكَاةَ‪َ ،‬و َت ُصو َم‬ ‫الص َلةَ‪َ ،‬و ُت ْؤتِ َي َّ‬‫يم َّ‬
‫ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ ،‬و ُتق َ‬ ‫ُ َ ُ َ َّ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ج ْبنَا َل ُه‬ ‫يل»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬صدَ ْق َت‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َع ِ‬ ‫اس َت َط ْع َت إِ َل ْي ِه َسبِ ً‬ ‫ِ‬
‫ان‪َ ،‬و َت ُح َّج ا ْل َب ْي َت إِن ْ‬
‫َر َم َض َ‬
‫ان‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬أ ْن ُت ْؤمِ َن بِاهللِ‪َ ،‬و َم َلئِ َكتِ ِه‪،‬‬ ‫اليم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْس َأ ُل ُه‪َ ،‬و ُي َصدِّ ُق ُه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ ْخبِ ْرني َع ِن ْ َ‬
‫َو ُك ُتبِ ِه‪َ ،‬و ُر ُسلِ ِه‪َ ،‬وا ْل َي ْو ِم ْال ِخ ِر‪َ ،‬و ُت ْؤمِ َن بِا ْل َقدَ ِر َخ ْي ِر ِه َو َش ِّر ِه»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬صدَ ْق َت‪َ ،‬ق َال‪:‬‬
‫اهلل ك ََأن ََّك َت َرا ُه‪َ ،‬فإِ ْن َل ْم َت ُك ْن َت َرا ُه َفإِ َّن ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َأ ْخبِ ْرني َع ِن ْال ْح َسان‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬أ ْن َت ْع ُبدَ َ‬
‫السائِلِ»‬ ‫ِ‬
‫ول َعن َْها بِ َأ ْع َل َم م َن َّ‬ ‫السا َع ِة‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ما ا ْل َم ْس ُئ ُ‬ ‫ِ‬
‫اك»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ ْخبِ ْرني َع ِن َّ‬ ‫َي َر َ‬
‫َق َال‪َ :‬ف َأ ْخبِ ْرنِي َع ْن َأ َم َارتِ َها‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬أ ْن َتلِدَ ْالَ َم ُة َر َّبت ََها‪َ ،‬و َأ ْن َت َرى ا ْل ُح َفا َة ا ْل ُع َرا َة‬
‫ان»‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ث َّم ا ْن َط َل َق َف َلبِ ْث ُت َملِ ًّيا‪ُ ،‬ث َّم َق َال‬ ‫ون فِي ا ْلبنْي ِ‬ ‫او ُل َ‬ ‫ا ْلعا َل َة ِر َعاء َّ ِ‬
‫ُ َ‬ ‫الشاء َي َت َط َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‌ج ْب ِر ُيل‬ ‫لِي‪َ « :‬يا ُعمر َأ َتدْ ِري م ِن السائِ ُل؟» ُق ْل ُت‪ :‬اهلل َورسو ُل ُه َأ ْع َلم‪َ ،‬ق َال‪َ ‌« :‬فإِ َّن ُه ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫‌ َأ َتاك ُْم‌ ُي َع ِّل ُم ُك ْم ِدينَ ُك ْم»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫ومسمى «اإليمان»؛‬
‫َّ‬ ‫مسمى «اإلسالم»‬
‫َّبي ﷺ يف هذا الحديث بين َّ‬ ‫ففرق الن ُّ‬
‫َّ‬
‫ففسر اإلسالم باألعمال ال َّظاهرة‪ ،‬واإليمان باألصول واالعتقادات الباطنة‪.‬‬
‫َّ‬
‫نحصله من تجهيزه‬ ‫ِّ‬ ‫وقوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َل ت َْحرِ ْمنَا َأ ْج َر ُه»‪ ،‬أي‪ :‬األجر ا َّلذي‬
‫نحصله من صربنا على‬ ‫ِّ‬ ‫والصالة عليه وتشييعه ودفنه‪ ،‬وكذلك األجر ا َّلذي‬ ‫َّ‬
‫مصيبتنا فيه‪ ،‬وأ َّما أجر عمله فهو له‪ ،‬وليس لنا منه شيء‪.‬‬
‫والزلل بعد‬ ‫الضالل وجنِّبنا الفتنة َّ‬ ‫«و َل ت ُِض َّلنا َب ْعدَ هُ»‪ ،‬أي‪ :‬أعذنا من َّ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫«و َل َت ْفتِنَّا َب ْعدَ ُه»‪.‬‬
‫الروايات‪َ :‬‬ ‫فقدنا له‪ ،‬ويف بعض ِّ‬
‫الصالة على الجنازة‪ :‬ما رواه ال َّطربانِ ُّي يف‬ ‫الدعوات َّالتي ُتقال في َّ‬ ‫‪ ‬ومن َّ‬
‫المعجم الكبير والحاكم عن يزيد بن ُركانة بن الم َّطلب ‪ I‬قال‪َ :‬‬
‫كان‬
‫ك‬‫ناز ٍة ل ُي َص ِّل َي عليها‪ ،‬قال‪« :‬ال َّل ُه َّم َع ْبدُ َك َوا ْب ُن َأ َمتِ َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ إذا َقا َم إلى َج َ‬ ‫ُ‬
‫َان ُم ْح ِسنًا َف ِز ْد فِي َح َسنَاتِ ِه‪،‬‬ ‫ْت َغن ِ ٌّي َع ْن َع َذابِ ِه‪ ،‬إِ ْن ك َ‬ ‫ك‪َ ،‬و َأن َ‬‫َاج إِ َلى َر ْح َمتِ َ‬
‫احت َ‬ ‫ْ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)8‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪520‬‬

‫َان ُم ِسيئًا َفت ََج َاو ْز َعنْ ُه»(‪ ،)1‬وهو حديث ثابت‪.‬‬
‫َوإِ ْن ك َ‬
‫المقربي أنَّه سأل أبا هريرة ‪:I‬‬ ‫ِّ‬ ‫وروى مالك يف المو َّطأ عن سعيد‬
‫«أنَا َل َع ْم ُر اهلل ِ ُأ ْخبِ ُر َك‪َ :‬أ َّتبِ ُع َها ِمن‬ ‫كيف ُت َص ِّلي على الجنازة؟ فقال أبو هريرة‪َ :‬‬
‫ول‪ :‬ال َّل ُه َّم‬‫ت َع َلى َنبِ ِّي ِه‪ُ ،‬ث َّم َأ ُق ُ‬ ‫وح ِمدْ ُت اهللَ َو َص َّل ْي ُ‬ ‫ت َك َّب ْر ُت َ‬ ‫َأ ْه ِل َها‪ ،‬فإذا ُو ِض َع ْ‬
‫ْت‪َ ،‬و َأ َّن ُم َح َّمدً ا‬ ‫َان َي ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬‫ك‪ ،‬ك َ‬ ‫إِ َّن ُه َع ْبدُ َك َوا ْب ُن َع ْب ِد َك َوا ْب ُن َأ َمتِ َ‬
‫َان ُم ْح ِسنًا َف ِز ْد فِي إِ ْح َسانِ ِه‪َ ،‬وإِ ْن‬ ‫ْت َأ ْع َل ُم بِه‪ ،‬ال َّل ُه َّم إِ ْن ك َ‬ ‫ك‪َ ،‬و َأن َ‬ ‫َع ْبدُ َك َو َر ُسو ُل َ‬
‫َان ُم ِسيئًا َفت ََج َاو ْز َع ْن َس ِّيئَاتِ ِه‪ ،‬ال َّل ُه َّم َل ت َْحرِ ْمنَا َأ ْج َر ُه‪َ ،‬و َل َت ْفتِنَّا َب ْعدَ ُه»(‪.)2‬‬‫ك َ‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‬


‫َّ‬ ‫(((  رواه ال َّطرباينُّ يف الكبير (‪ ،)647‬والحاكم يف مستدركه (‪،)1328‬‬
‫يف أحكام الجنائز (ص‪.)125:‬‬
‫وصححه األلباينُّ يف التَّعليقات الحسان (‪.)3062‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه مالك يف المو َّطأ (‪،)1016‬‬
‫‪521‬‬ ‫‪ -85‬ما ُيدعى به للميِّت إذا فرغ من دفنه‬

‫‪85‬‬

‫ما ُيدعى به للميِّت إذا فرغ من دفنه‬

‫ت‬‫َان النَّبِي ﷺ إِ َذا َفر َغ ِمن د ْف ِن ا ْلمي ِ‬ ‫ان ‪َ I‬ق َال‪ :‬ك َ‬ ‫ان ْب ِن َع َّف َ‬
‫َع ْن ُع ْث َم َ‬
‫َ ِّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫«اس َتغ ِْف ُروا ِلَ ِخيك ُْم َو َس ُلوا َل ُه ال َّت ْثبِ َ‬
‫يت؛ َفإِ َّن ُه ْال َن ُي ْس َأ ُل»‪ .‬رواه‬ ‫ِ‬
‫ف َع َل ْيه‪َ ،‬ف َق َال‪ْ :‬‬
‫َو َق َ‬
‫أبو داود(‪.)1‬‬
‫السنَّة بعد الفراغ من الدَّ فن أن ُيدعى للم ِّيت‬‫أن من ُّ‬ ‫هذا الحديث فيه بيان َّ‬
‫السؤال؛ ألنَّه إذا ُدفن أتاه ملكان وأجلساه وسأاله‪َ :‬من‬ ‫بالمغفرة وال َّثبات عند ُّ‬
‫الرحمة به واإلحسان إليه أن ُيدعى له بال َّثبات‬ ‫ر ُّبك؟ ما دينك؟ َمن نب ُّيك؟ فمن َّ‬
‫‪-‬أي‪ :‬عند سؤال الملكين‪ -‬و ُيدعى له بالمغفرة‪.‬‬
‫شيء من القرآن يف هذا الموضع‪ ،‬وال أن ُيل َّقن الم ِّي ُت‬ ‫ٍ‬ ‫وال ُيشرع قراء ُة‬
‫بعض النَّاس؛ إذ لم يثبت بذلك حديث‪ ،‬وإنَّما المشروع يف‬ ‫حجته كما يفعله ُ‬ ‫َّ‬
‫االستغفار له وسؤال اهلل تثبيتَه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫هذا المقام كما تقدَّ م‬
‫ََ‬
‫‪ ‬ما ُيقال عند ُد ُخو ِل املق ِاب ِر‪:‬‬
‫‪ ‬املقابر‪ :‬هي األماكن ا َّلتي ُيقرب فيها الموتى و ُيدفن فيها األموات‪ .‬وقد‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫بمشروعية زيارة املقابر لغرضين‪:‬‬ ‫جاءت الشريعة‬
‫األول‪ :‬لتذكُّر اآلخرة‪ ،‬ليتذكَّر َمن يزور القبور َّ‬
‫أن حاله ومآله سيؤول إلى ما‬ ‫َّ‬
‫الصالح والبعد عن معصية‬‫آل إليه هؤالء‪ ،‬وإذا تذكَّر ذلك؛ استعدَّ له بالعمل َّ‬
‫اهلل ‪.F‬‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)3221‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪522‬‬
‫َّ‬
‫والرحمة‬
‫السالم على الموتى والدُّ عاء لهم بالمغفرة َّ‬
‫والغرض الثاني‪َّ :‬‬
‫والعافية‪.‬‬
‫فألجل ذلك ُتزار القبور‪ ،‬وقد كانت زيارة القبور يف َّأول اإلسالم ممنوعة‪،‬‬
‫ترتسخ ُعراه يف‬
‫أن النَّاس كانوا حدثاء عهد باإلسالم لم َّ‬ ‫والسبب يف ذلك‪َّ :‬‬
‫َّ‬
‫قلوهبم‪ ،‬وتثبت قواعده‪ ،‬ويتم َّكن يف النَّاس‪ ،‬وتنتشر معالمه‪ ،‬فمنع َّ‬
‫الرسول ﷺ‬
‫من زيارة القبور؛ صيان ًة للنَّاس وحف ًظا ألدياهنم وعقائدهم من الخلل‪َّ ،‬‬
‫فلما‬
‫ترسخت عرى الدِّ ين وثبتت قواعده ِ‬
‫أذن لهم وب َّين سبب األذن والغرض منه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫عن ُبريدة بن الحصيب ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إِنِّي ُكن ُ‬
‫ْت ن ََه ْي ُتك ُْم‬
‫َّسائي(‪ )1‬وغيرهم‪ ،‬وزاد‬ ‫ن‬ ‫وال‬ ‫وأحمد‬ ‫مسلم‬ ‫رواه‬ ‫ا»‪.‬‬ ‫وه‬
‫َ‬ ‫ُور‬
‫ُ‬ ‫ز‬ ‫ف‬ ‫َع ْن ِز َي َار ِة ا ْل ُق ُب ِ‬
‫ور َ‬
‫ُّ‬
‫أحمد‪َ « :‬فإِنَّها ت َُذكِّركُم ْال ِ‬
‫َّسائي‪َ « :‬ف َم ْن َأ َرا َد أ ْن َيز َ‬
‫ُور َف ْل َيز ُْر‪َ ،‬و َل‬ ‫َ‬
‫ُّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫وزاد‬ ‫َ»‪،‬‬ ‫ة‬‫ر‬‫َ‬ ‫خ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫َت ُقو ُلوا ُه ْج ًرا»‪.‬‬
‫أن األمر كان‬ ‫يدل على َّ‬ ‫ور»‪ ،‬هذا ُّ‬ ‫ْت ن ََه ْي ُتك ُْم َع ْن ِز َي َار ِة ال ُق ُب ِ‬ ‫قوله‪« :‬إِنِّي ُكن ُ‬
‫وأن اإلذن بذلك لتذكُّر اآلخرة‪ ،‬ألنَّك إذا زرت‬ ‫األول ممنو ًعا منه ًّيا عنه َّ‬ ‫يف َّ‬
‫القبور وتأ َّملت يف أحوال أهلها؛ تعترب وتتَّعظ وتوقن أنَّك عن قريب ستكون‬
‫يف واحدة من هذه الحفر‪ ،‬فهؤالء ا َّلذين يف القبور كانوا مثلك يمشون وعندهم‬
‫شاب يف ريعان‬
‫ٌّ‬ ‫بيوت وأموال وأعمال وتجارات‪ ،‬وبعضهم دخل القرب وهو‬
‫شبابه‪ ،‬فهي موعظة موقظة‪ ،‬فكم يف تذكُّر المآل من ٍ‬
‫أثر يف ز ِّم النَّفس وأطرها‬
‫َّ‬
‫الملذات‬ ‫الحق‪ ،‬وكم يف الغفلة عنه من ٍ‬
‫أثر يف انفالهتا‪ ،‬وانسياقها وراء‬ ‫ِّ‬ ‫على‬
‫ٌ‬
‫وإيقاظ للقلب‪ ،‬وتذكير له‪ ،‬ولذا‬ ‫الفانية‪ .‬والقبور فيها موعظة عظيمة لإلنسان‬
‫ُأذن يف زيارة القبور لتُذكِّر المرء باآلخرة‪.‬‬

‫َّسائي (‪.)2033‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪ ،)977‬وأحمد (‪ ،)1236‬والن ُّ‬
‫‪523‬‬ ‫‪ -85‬ما ُيدعى به للميِّت إذا فرغ من دفنه‬
‫َّ‬ ‫بي ‪ O‬قد َّبين ُّ‬ ‫َّ َّ َّ‬
‫ستحب للمسلم أن‬ ‫ُّ‬ ‫الدعاء الذي ُي‬ ‫الن َّ‬ ‫‪ ‬ثم إن‬
‫يقوله إذا زار القبور‪:‬‬
‫يل َأتَانِي‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِ َّن‬ ‫ول اهلل ﷺ َق َال‪« :‬إِ َّن ِج ْبرِ َ‬ ‫أن َر ُس َ‬ ‫َع ْن َعائِ َش َة ‪َّ J‬‬
‫ول َل ُه ْم َيا‬‫ف َأ ُق ُ‬ ‫ك َي ْأ ُم ُر َك َأ ْن ت َْأتِ َي َأ ْه َل ا ْل َب ِقي ِع َفت َْس َتغ ِْف َر ُله ْم»‪َ ،‬قا َل ْت‪ُ :‬ق ْل ُت‪َ :‬ك ْي َ‬‫َر َّب َ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ول اهللِ؟ َق َال‪ُ « :‬قولِي‪« :‬الس َلم ع َلى َأه ِل الدِّ ي ِ ِ‬
‫ين‪،‬‬ ‫ين َوا ْل ُم ْسلم َ‬ ‫ار م َن ا ْل ُم ْؤمن َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ُ َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ون»‪.‬‬ ‫ين‪َ ،‬وإِنَّا إِ ْن َشا َء اهَّللُ بِك ُْم َل َل ِح ُق َ‬ ‫ِ‬
‫ين منَّا َوا ْل ُم ْست َْأخرِ َ‬
‫ويرحم اهَّلل ا ْلمس َت ْق ِد ِم ِ‬
‫َ‬ ‫َ َْ َ ُ ُ ُ ْ‬
‫رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫ول اهلل ِ ﷺ ُي َع ِّل ُم ُه ْم إِ َذا َخ َر ُجوا إِ َلى ا ْل َم َقابِرِ‪،‬‬‫َان َر ُس ُ‬
‫َو َع ْن ُب َر ْيدَ َة ‪َ I‬ق َال‪ :‬ك َ‬
‫ين‪َ ،‬وإِنَّا‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ول‪« :‬الس َلم ع َليكُم َأه َل الدِّ ي ِ ِ‬ ‫َان َقائِ ُل ُه ْم َي ُق ُ‬
‫ين َوا ْل ُم ْسلم َ‬ ‫ار م َن ا ْل ُم ْؤمن َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُ َ ْ ْ ْ‬ ‫َفك َ‬
‫ون‪َ ،‬أ ْس َأ ُل اهَّللَ َلنَا َو َلك ُُم ا ْل َعافِ َيةَ»‪ .‬رواه مسلم(‪.)2‬‬
‫إِ ْن َشا َء اهَّللُ َل َل ِح ُق َ‬
‫قوله‪« :‬كَان رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ ُي َع ِّل ُم ُه ْم إِ َذا َخ َر ُجوا إِ َلى َ‬
‫الم َقابِرِ»‪ ،‬أي‪ :‬إلى‬ ‫َ َ ُ‬
‫زيارهتا‪.‬‬
‫الس َل ُم َع َل ْيك ُْم َأ ْه َل الدِّ َي ِ‬
‫ار»‪ ،‬أي‪ :‬يا أهل الدِّ يار‪.‬‬ ‫«أ ْن َي ُقو ُلوا‪َّ :‬‬‫قوله‪َ :‬‬

‫أن بين المؤمن والمسلم‬ ‫ين»‪ ،‬وهذا فيه َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫الم ْسلم َ‬ ‫ين َو ُ‬‫الم ْؤمن َ‬
‫قوله‪« :‬م َن ُ‬
‫أتم اإليمان الواجب‪ ،‬والمسلم‪ :‬هو ا َّلذي جاء‬ ‫فرق؛ فالمؤمن‪ :‬هو ا َّلذي َّ‬
‫صحح إسالمه‪ .‬فدرجة المؤمن‬ ‫القلبي ما ُي ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫بالعمل ال َّظاهر ومعه من اإليمان‬
‫كل مسلم مؤمنًا‪ ،‬قال‬ ‫مؤمن مسلم‪ ،‬وليس ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫فكل‬ ‫أعلى من درجة المسلم‪ُّ ،‬‬
‫اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛﮜ﴾ [الحجرات‪ ،]14 :‬أي‪ :‬إذا دخل اإليمان وتم َّكن يف القلب وقوي يف‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)974‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)975‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪524‬‬

‫أن هؤالء الموتى ليسوا يف الدِّ ين على‬ ‫القلب عندئذ يكون مؤمنًا‪ .‬فهذا فيه َّ‬
‫درجة واحدة‪ ،‬بل متفاوتون‪ ،‬منهم َمن هو يف درجة اإليمان ومنهم َمن هو يف‬ ‫ٍ‬
‫درجة اإلسالم‪ ،‬فيس ِّلم على الجميع‪ .‬وهذا فيها إيقاظ للعبد أن يجتهد يف حياته‬
‫ألن يرتقي بإيمانه تقوي ًة له قبل أن يدرج يف واحدة من هذه الحفر‪.‬‬
‫«وإِنَّا إِ ْن َشا َء اهللُ بِك ُْم َل ِح ُق َ‬
‫ون»‪ ،‬ذكر المشيئة هنا للتَّحقيق ال للتَّعليق‪،‬‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫مثل‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [الفتح‪.]27 :‬‬
‫قوله‪« :‬ن َْس َأ ُل اهللَ َلنَا َو َلك ُُم ا ْل َعافِ َيةَ»‪ ،‬هذه دعوة للم ِّيت َّ‬
‫وللزائر بالعافية‪.‬‬
‫السالمة‪.‬‬ ‫والعافية‪ :‬هي َّ‬
‫امليت‪ :‬العافية من العذاب والعقاب ا َّلذي يكون يف القرب‬ ‫حق ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ -‬وهي في ِ ِ‬
‫وبعده‪.‬‬
‫الر ِّب‬ ‫الحي‪ :‬العافية من ُّ‬ ‫‪ -‬وفي ّ‬
‫الذنوب والمعاصي وموجبات سخط َّ‬
‫حق ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪.F‬‬
‫للحي بأنَّه سيؤول إلى ما آل اليه هذا الم ِّيت؛‬
‫ٍّ‬ ‫وتذكير‬
‫ٌ‬ ‫فهذا فيه دعا ٌء للم ِّيت‬
‫َّبي ﷺ مشروع َّية‬
‫فيسأل اهلل ‪ E‬له وللموتى العافية‪ .‬ولم يثبت عن الن ِّ‬
‫قراءة الفاتحة عند زيارة القبور‪.‬‬
‫قال ابن الق ِّيم ‪ V‬يف كتابه زاد المعاد يف كالمه عن هدي النَّبِ ِّي ﷺ يف‬
‫َّرحم عليهم‬ ‫زيارة القبور‪« :‬كان إذا زار قبور أصحابه يزورها للدُّ عاء لهم والت ُّ‬
‫الزيارة ا َّلتي سنَّها ألُ َّمته‪ ،‬وشرعها لهم‪ ،‬وأمرهم أن‬
‫واالستغفار لهم‪ ،‬وهذه هي ِّ‬
‫والم ْسلمين‪ ،‬وإنَّا إِ ْن‬
‫المؤمنين ُ‬ ‫أهل الدِّ ِ‬
‫يار من ُ‬ ‫«السال ُم عليكم َ‬
‫يقولوا إذا زاروها‪َّ :‬‬
‫ِ‬
‫اهلل لنا ولكم العافية»‪ ،‬وكان هد ُيه أن يقول ويفعل‬ ‫اهلل ب ُكم َلح ُقون‪ ،‬ن َْس ُأل َ‬
‫َشاء ُ‬
‫َّرحم‬‫الصالة على الم ِّيت من الدُّ عاء والت ُّ‬ ‫عند زيارهتا من جنس ما يقوله عند َّ‬
‫‪525‬‬ ‫‪ -85‬ما ُيدعى به للميِّت إذا فرغ من دفنه‬

‫واالستغفار‪ ،‬فأ َبى المشركون َّإل دعا َء الم ِّيت واإلشراك به‪ ،‬واإلقسا َم على‬
‫َّوج َه إليه‪ ،‬بعكس هديه ﷺ َّ‬
‫فإن هديه‬ ‫اهلل به وسؤاله الحوائج واالستعانة به والت ُّ‬
‫ٌ‬
‫شرك وإساء ٌة إلى نفوسهم وإلى‬ ‫وهدي هؤالء‬
‫ُ‬ ‫توحيدٌ وإحسان إلى الم ِّيت‪،‬‬
‫الم ِّيت‪ ،‬وهم ثالثة أقسام‪ :‬إ َّما أن يدعوا الم ِّيت‪ ،‬أو يدعوا به‪ ،‬أو عنده‪ ،‬ويرون‬
‫هدي رسول اهلل‬
‫أوجب وأولى من الدُّ عاء يف المساجد‪ ،‬و َمن تأ َّمل َ‬‫َ‬ ‫الدُّ عا َء عنده‬
‫الفرق بين األمرين‪ ،‬وباهلل التَّوفيق»‪ .‬اهـ كالمه ‪.)1(V‬‬‫ُ‬ ‫ﷺ وأصحابه‪ ،‬تب َّين له‬
‫الناس في زيارة القبور ال تخرج عن أربع‬ ‫َ َّ‬ ‫تقدم َّيتضح َّ‬ ‫‪ ‬وبما َّ‬
‫أن أحوال‬
‫حاالت‪:‬‬
‫والرحمة‪،‬‬
‫األولى‪ :‬أن يزور القبور ليدعو للموتى‪ ،‬فيسأل اهلل لهم المغفرة َّ‬
‫فيحدث له ذلك عرب ًة وذكرى؛ وهذه هي‬ ‫ِ‬ ‫وليعترب بحال الموتى وما آلوا إليه‪،‬‬
‫الزيارة َّ‬
‫الشرع َّية‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫الثانية‪ :‬أن يزورها ليدعو لنفسه ول ِ َمن‬
‫َّ‬
‫أحب عندها معتقدً ا َّ‬
‫أن الدُّ عاء يف‬ ‫َّ‬
‫أفضل وأحرى بالقبول واإلجابة‪ ،‬وهذا عمل‬ ‫ُ‬ ‫الصالحين‬
‫المقابر أو عند قبور َّ‬
‫ال أصل له يف َّ‬
‫الشرع‪.‬‬
‫َّ‬
‫متوس ًل بجاه الموتى أو ح ِّقهم‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫الثالثة‪ :‬أن يزورها ليدعو اهلل‬
‫محرمة ووسيلة إلى‬ ‫بحق فالن»‪ ،‬فهذا بدعة َّ‬ ‫«أسألك يا ر ِّبي بجاه فالن أو ِّ‬
‫الشرك‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫المدَ َد‬
‫الرابعة‪ :‬أن يزورها ليدعو المقبورين ويستغيث هبم ويطلب منهم َ‬
‫َّ‬
‫ناقل عن م ِّلة اإلسالم‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫شرك أكرب ٌ‬ ‫وغير ذلك‪ ،‬فهذا‬
‫والشفا َء َ‬ ‫َ‬
‫والعون ِّ‬
‫الزيارة َّ‬
‫الشرع َّية‬ ‫الشيخ ابن باز ‪« :V‬ومن هذه األحاديث ُيعلم َّ‬
‫أن ِّ‬ ‫قال َّ‬

‫(((  انظر‪ :‬زاد المعاد (‪.)507/1‬‬


‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪526‬‬

‫َّرحم‬
‫للقبور ُيقصد منها تذكُّر اآلخرة واإلحسان إلى الموتى والدُّ عاء لهم والت ُّ‬
‫عليهم‪ ،‬فأ َّما زيارهتم لقصد الدُّ عاء عند قبورهم أو العكوف عندها أو سؤالهم‬
‫قضاء الحاجات أو شفاء المرضى أو سؤال اهلل هبم أو بجاههم ونحو ذلك؛‬
‫السلف‬ ‫فهذه زيارة بدع َّية منكرة لم يشرعها اهلل وال رسوله ﷺ وال فعلها َّ‬
‫الرسول ﷺ ‪ ،‬حيث قال‪:‬‬ ‫الصالح ‪ ،M‬بل هي من الهجر ا َّلذي هنى عنه َّ‬ ‫َّ‬
‫ُوروا ال ُق ُبور َو َل َت ُقو ُلوا ُه ْج ًرا»(‪ ،)1‬وهذه األمور المذكورة تجتمع يف كوهنا‬
‫«ز ُ‬
‫بدعة ولكنَّها مختلفة المراتب فبعضها بدعة وليس بشرك‪ ،‬كدعاء اهلل سبحانه‬
‫الشرك األكرب‪،‬‬ ‫بحق الم ِّيت وجاهه ونحو ذلك‪ ،‬وبعضها من ِّ‬ ‫عند القبور وسؤاله ِّ‬
‫كدعاء الموتى واالستعانة هبم ونحو ذلك‪ ،‬فتن َّبه واحذر واسأل ر َّبك التَّوفيق‬
‫رب سواه»‪ .‬اهـ‬ ‫للحق فهو سبحانه المو ِّفق والهادي ال إله غيره وال َّ‬‫ِّ‬ ‫والهداية‬
‫كالمه ‪.)2(V‬‬
‫َّبي ﷺ عليها وإلكثاره من‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫الحاصل أن زيارة قبور األموات سنَّة؛ لحث الن ِّ‬
‫زيارهتا‪ ،‬وذلك للعظة والعربة‪ ،‬وتذكُّر الموت والدُّ عاء لألموات المسلمين‬
‫والم ْسلمين‪،‬‬
‫الم ْؤمنين ُ‬ ‫أهل الدِّ ِ‬
‫يار من ُ‬ ‫السالم عليكم َ‬ ‫والرحمة‪ ،‬مثل‪َّ :‬‬‫بالمغفرة َّ‬
‫وإنَّا إن شاء اهلل بكم الحقون‪ ،‬نسأل اهلل لنا ولكم العافية‪ ،‬ونحو ذلك من‬
‫َّبي ﷺ يف زيارة القبور‪.‬‬ ‫َّ‬
‫األدعية الثابتة عن الن ِّ‬

‫َّسائي (‪.)2033‬‬
‫(((  رواه بنحوه الن ُّ‬
‫(((  انظر‪ :‬مجموع فتاوى ابن باز (‪.)116/16‬‬
‫‪527‬‬ ‫‪ -86‬ما ُيقال يف االستسقاء (‪)1‬‬

‫‪86‬‬

‫ما ُيقال يف االستسقاء (‪)1‬‬

‫لقد شرع اهلل ‪ D‬لعباده إذا أجدبت فيهم الدِّ يار وحصل القحط وق َّلت‬
‫الصالة والدُّ عاء واالستغفار‪ ،‬و َمن دعا اهلل وصدق يف‬ ‫األمطار؛ أن يفزعوا إلى َّ‬
‫سؤاله أجاب ‪ E‬سؤله‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ﴾ [غافر‪،]60 :‬‬
‫وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﴾ [البقرة‪ ،]186 :‬ويف سير األنبياء‬
‫السالم أنَّهم ح ُّثوا أممهم على االستغفار وذكروا لهم من فوائده‪ :‬نزول‬ ‫عليهم َّ‬
‫األمطار وحصول الخيرات‪ ،‬كما قال نوح ‪ S‬لقومه‪﴿ :‬ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ [نوح‪ ،]11-10 :‬وقال هود ‪:S‬‬
‫﴿ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾ [هود‪،]52 :‬‬
‫وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﴾‬
‫[األعراف‪ ،]96 :‬فاالستغفار والتَّوبة والدُّ عاء سبب لنزول المطر‪ ،‬ولهذا ُشرع‬
‫للصالة والدُّ عاء واالستغفار عند قحط الدِّ يار وجدهبا وق َّلة‬
‫للعباد أن يجتمعوا َّ‬
‫األمطار‪.‬‬
‫السنَّة دعوات عظيمات ُيشرع أن تُقال عند قحط الدِّ يار وطلب‬ ‫وقد ثبت يف ُّ‬
‫الغيث‪.‬‬
‫اب ك َ‬
‫َان ُو َجا َه‬ ‫ك ‪َ :I‬أ َّن َر ُج ًل َد َخ َل َي ْو َم ا ْل ُج ُم َع ِة مِ ْن َب ٍ‬ ‫َس ب ِن مال ِ ٍ‬
‫عن َأن ِ ْ َ‬
‫ول اهلل ﷺ َقائِ ًما َف َق َال‪َ :‬يا‬ ‫اس َت ْق َب َل َر ُس َ‬ ‫ب‪َ ،‬ف ْ‬
‫ِ‬
‫ول اهلل ﷺ َقائ ٌم َي ْخ ُط ُ‬ ‫ا ْل ِمنْ َب ِر‪َ ،‬و َر ُس ُ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪528‬‬

‫اهلل ُي ِغي ُثنَا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َر َف َع‬ ‫الس ُب ُل‪َ ،‬فا ْد ُع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل! َه َل َكت ا ْل َم َواشي‪َ ،‬وا ْن َق َط َعت ُّ‬ ‫َر ُس َ‬
‫ول اهلل ﷺ َيدَ ْي ِه‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم ْاس ِقنَا‪ ،‬ال َّل ُه َّم ْاس ِقنَا‪ ،‬ال َّل ُه َّم ْاس ِقنَا»‪َ .‬ق َال َأن ٌَس‪:‬‬ ‫َر ُس ُ‬
‫اب َو َل َق َز َع ًة َو َل َش ْي ًئا‪َ ،‬و َما َب ْينَنَا َو َب ْي َن َس ْل ٍع‬ ‫اء مِ ْن َس َح ٍ‬‫و َل واهللِ ما نَرى فِي السم ِ‬
‫َّ َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫س‪َ ،‬ف َلما َتوس َط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫م ْن َب ْيت َو َل َد ٍار‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َط َل َع ْت م ْن َو َرائه َس َحا َبةٌ‪ ،‬م ْث ُل‪ :‬الت ُّْر ِ َّ َ َّ‬
‫الش ْم َس ِستًّا‪ُ ،‬ث َّم َد َخ َل َر ُج ٌل مِ ْن‬ ‫الس َما َء ا ْنت ََش َر ْت ُث َّم َأ ْم َط َر ْت‪َ ،‬ق َال‪َ :‬واهللِ َما َر َأ ْينَا َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫اس َت ْق َب َل ُه َقائ ًما‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب في ا ْل ُج ُم َعة ا ْل ُم ْقبِ َلة‪َ ،‬و َر ُس ُ‬‫ِ‬ ‫َذل ِ َك ا ْل َب ِ‬
‫ب‪َ ،‬ف ْ‬ ‫ول اهلل ﷺ َقائ ٌم َي ْخ ُط ُ‬
‫اهلل ُي ْم ِس ْك َها‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫الس ُب ُل َفا ْد ُع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل! َه َل َكت األَ ْم َو ُال‪َ ،‬وا ْن َق َط َعت ُّ‬ ‫َف َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ول اهلل ﷺ َيدَ ْي ِه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم َح َوا َل ْينَا َو َل َع َل ْينَا‪ ،‬ال َّل ُه َّم َع َلى ْالكَا ِم‬ ‫َف َر َف َع َر ُس ُ‬
‫الش َجرِ»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فا ْن َق َط َع ْت َو َخ َر ْجنَا‬ ‫اب و ْالَو ِدي ِة ومنَابِ ِ‬ ‫َوا ْل ِ ِ‬
‫ت َّ‬ ‫ج َبال َو ْال َجا ِم َوال ِّظ َر ِ َ ْ َ َ َ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫س‪ .‬رواه‬ ‫ن َْم ِشي فِي َّ‬
‫الش ْم ِ‬

‫تأخر األمطار‪.‬‬ ‫اشي»‪ ،‬أي‪ :‬بسبب ُّ‬ ‫َت ا ْلمو ِ‬ ‫ول اهللِ! ه َلك ِ‬ ‫قوله‪َ « :‬ف َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫السفر‪،‬‬ ‫أن اإلبل ضعفت لق َّلة القوت عن َّ‬ ‫الس ُب ُل»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬ ‫«وا ْن َق َط َعت ُّ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫أو لكوهنا ال تجد يف طريقها من الكأل ما يقيم أودها‪ ،‬وقيل‪ :‬المراد نفاد ما عند‬
‫النَّاس من ال َّطعام أو ق َّلته فال يجدون ما يحملونه ويجلبونه إلى األسواق‪.‬‬
‫قوله‪َ « :‬فا ْد ُع اهللَ َأ ْن ُي ِغي َثنَا»‪ ،‬أي‪ :‬أن ينزل علينا الغيث ُيكشف به ما بنا من‬
‫جهد وشدَّ ة وكرب وضائقة‪.‬‬
‫ول اهلل ِ ﷺ َيدَ ْي ِه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ :‬ال َّل ُه َّم َأ ِغ ْثنَا ال َّل ُه َّم َأ ِغ ْثنَا»‪ ،‬أي‪ :‬أنَّه‬
‫قوله‪َ « :‬ف َر َف َع َر ُس ُ‬
‫َّضرع إلى اهلل ‪ F‬واإللحاح إليه بأن ينزل الغيث‪.‬‬ ‫شرع ‪ O‬يف الت ُّ‬
‫اء ِم ْن َس َح ٍ‬
‫اب َو َل َق َز َع ًة‬ ‫قال أنس ‪« :I‬و َل واهلل ِ ما نَرى فِي السم ِ‬
‫َّ َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫صحو ما فيها‬ ‫ٌ‬ ‫السماء‬ ‫أن َّ‬ ‫الرجل َّ‬ ‫أن الحال وقت مجيء ذلك َّ‬ ‫َو َل َش ْيئًا»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬

‫البخاري (‪ ،)1013‬ومسلم (‪.)897‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪529‬‬ ‫‪ -86‬ما ُيقال يف االستسقاء (‪)1‬‬

‫السحاب‪.‬‬
‫الصغيرة من َّ‬
‫سحاب‪ ،‬وال فيها قزعة‪ ،‬أي‪ :‬وليس فيها حتَّى القطع َّ‬
‫قوله‪« :‬وما بينَنَا وبين س ْل ٍع ِمن بي ٍ‬
‫ت َو َل َد ٍار»‪ ،‬س ْلع‪ :‬جبل معروف يف الجهة‬ ‫ْ َْ‬ ‫َ َ َْ َ َْ َ َ‬
‫الغرب َّية ِّ‬
‫الشمال َّية من المدينة‪ ،‬أي‪ :‬ليس بيننا وبينه بنيان؛ فنراه رؤيا واضحة‬
‫دون أن يكون هناك ما يحجبنا عن رؤياه‪.‬‬
‫س»‪ ،‬أي‪ :‬جاءت من وراء الجبل‬ ‫ت ِم ْن َو َرائِ ِه َس َحا َب ٌة ِم ْث ُل الت ُّْر ِ‬
‫قال‪َ « :‬ف َط َل َع ْ‬
‫االستدَ ارة‬ ‫ِ‬ ‫سحابة على إثر هذا الدُّ عاء العظيم‪ ،‬وقوله‪« :‬مِ ْث ُل الت ُّْر ِ‬
‫س»‪ ،‬أي‪ :‬في ْ‬
‫َوال َكثا َفة‪.‬‬
‫ِ‬
‫السماء‪« ،‬ا ْنت ََش َر ْت ُث َّم‬ ‫قال‪َ « :‬ف َل َّما ت ََو َّس َطت َّ‬
‫الس َما َء»‪ ،‬أي‪ :‬صارت يف وسط َّ‬
‫ثم انتشرت‪.‬‬
‫السحابة طلعت صغيرة َّ‬ ‫َأ ْم َط َر ْت»‪ ،‬المراد‪َّ :‬‬
‫أن َّ‬
‫قال‪َ « :‬ف َل َواهلل ِ َما َر َأ ْينَا َّ‬
‫الش ْم َس َس ْبتًا»‪ ،‬أي‪ :‬أسبو ًعا ً‬
‫كامل‪.‬‬
‫ول اهلل ِ ﷺ‬
‫اب فِي ا ْل ُج ُم َع ِة ا ْل ُم ْقبِ َل ِة‪َ ،‬و َر ُس ُ‬ ‫قوله‪ُ « :‬ث َّم َد َخ َل َر ُج ٌل ِم ْن َذلِ َ‬
‫ك ا ْل َب ِ‬
‫ول اهللِ! ه َلك ِ‬
‫َت األَمو ُال‪ ،‬وا ْن َق َطع ِ‬ ‫اس َت ْق َب َل ُه َقائِ ًما‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َقائ ٌم َيخْ ُط ُ‬
‫ب‪َ ،‬ف ْ‬
‫الس ُب ُل؛ َفا ْد ُع اهللَ ُي ْم ِسك َْها»‪ ،‬يف الجمعة األولى جاء يستسقي‪ ،‬ويف هذه جاء‬ ‫ُّ‬
‫يستصحي لكثرة الماء وتزايد المطر حتَّى هلكت بسبب ذلك األموال‬
‫السحابة عنهم‪.‬‬
‫السبل‪ ،‬يطلب إمساك هذه َّ‬
‫وانقطعت ُّ‬
‫قوله‪َ « :‬ف َر َف َع النَّبِ ُّي ﷺ َيدَ ْي ِه‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ :‬ال َّل ُه َّم َح َوا َل ْينَا َو َل َع َل ْينَا»‪ ،‬أي‪ :‬اجعل‬
‫هذا المطر حوالينا وليس علينا‪.‬‬
‫اب و ْالَو ِدي ِة ومنَابِ ِ‬ ‫قوله‪« :‬ال َّل ُهم َع َلى ْالكَا ِم َوا ْل ِ ِ‬
‫ت‬ ‫ج َبال َو ْال َجا ِم َوال ِّظ َر ِ َ ْ َ َ َ‬ ‫َّ‬
‫الش َجرِ»‪ ،‬اآلكام‪ :‬التِّالل‪ ،‬واآلجام‪ :‬األشجار والحوائط‪ ،‬وال ِّظ َراب‪ :‬الج َبال‬ ‫َّ‬
‫الصغار‪.‬‬
‫ِّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪530‬‬

‫س»‪ ،‬أي‪ :‬تو َّقف المطر وخرجنا‬ ‫ت َو َخ َر ْجنَا ن َْم ِشي فِي َّ‬
‫الش ْم ِ‬ ‫قوله‪َ « :‬فا ْن َق َط َع ْ‬
‫والسماء صحو‪.‬‬
‫نمشي َّ‬
‫وهذا االستصحاء ال ُيقال عند نزول المطر ابتدا ًء‪ ،‬وإنَّما ُيقال إذا تتابع‬
‫المضار‪ ،‬ف ُيدعى حينئذ أن يصرفه اهلل عن‬
‫ِّ‬ ‫نزوله وكثر‪ ،‬وخاف النَّاس من هذه‬
‫المضرة فيه‪ ،‬وأن يجعله يف الجبال‬
‫َّ‬ ‫هذا المكان ا َّلذي كثر عليه الماء وخشيت‬
‫المضرة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وبطون األودية ومنابت َّ‬
‫الشجر حيث االنتفاع به مع عدم‬
‫ويف هذا الحديث‪ :‬عظم بركة الدُّ عاء‪َّ ،‬‬
‫وأن الدُّ عاء مستجاب إذا صدق‬
‫وألح عليه سبحانه‪ ،‬فال يأيت بالحسنات َّإل اهلل‪ ،‬وال يصرف‬
‫َّ‬ ‫العبد مع اهلل‬
‫الس ِّيئات َّإل هو‪.‬‬
‫َّ‬
‫وط ا ْل َم َط ِر‪،‬‬ ‫ول اهللِ ﷺ ُق ُح َ‬ ‫َّاس إِ َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َو َع ْن َعائ َش َة ‪َ J‬قا َل ْت‪َ :‬ش َكى الن ُ‬
‫ِ‬
‫يه‪َ ،‬قا َل ْت َعائِ َش ُة‬ ‫ون فِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َأ َم َربِمنْ َب ٍر َف ُوض َع َل ُه في ا ْل ُم َص َّلى‪َ ،‬و َوعَدَ الن َ‬
‫َّاس َي ْو ًما َي ْخ ُر ُج َ‬ ‫ِ‬
‫س‪َ ،‬ف َق َعدَ َع َلى ا ْل ِمنْ َب ِر‬ ‫الش ْم ِ‬‫ب َّ‬ ‫ول اهللِ ﷺ ِحي َن َبدَ ا َح ِ‬
‫اج ُ‬ ‫‪َ :J‬ف َخ َر َج َر ُس ُ‬
‫ارك ُْم َو ْاستِئْخَ َار‬ ‫اهلل ‪ُ ،D‬ث َّم َق َال‪« :‬إِ َّنك ُْم َشك َْوت ُْم َجدْ َب ِد َي ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َك َّب َر ﷺ َو َحمدَ َ‬
‫ان ز ََمانِ ِه َعنْك ُْم‪َ ،‬و َقدْ َأ َم َرك ُُم اهللُ ‪َ D‬أ ْن تَدْ ُعو ُه‪َ ،‬و َو َعدَ ك ُْم َأ ْن‬ ‫ا ْل َم َطرِ َع ْن إِ َّب ِ‬
‫َجيب َلكُم»‪ُ ،‬ثم َق َال‪« :‬ا ْلحمدُ هلل ِ رب ا ْلعا َل ِمين‪ ،‬الرحم ِن الر ِحيمِ‪ ،‬م ِل ِ‬
‫ك َي ْو ِم‬ ‫َ‬ ‫َ َّ ْ َ َّ‬ ‫َ ِّ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َي ْست ِ َ ْ َّ‬
‫ْت ا ْلغَن ِ ُّي َون َْح ُن‬ ‫ْت اهللُ َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬‫ين‪ ،‬لَ إِ َل َه إِلَّ اهللُ َي ْف َع ُل َما ُيرِيدُ ‪ ،‬ال َّل ُه َّم َأن َ‬ ‫الدِّ ِ‬
‫ين»‪ُ ،‬ث َّم َر َف َع‬ ‫ت َلنَا ُق َّو ًة َو َب َل ًغا إِ َلى ِح ٍ‬ ‫اج َع ْل َما َأ ْن َز ْل َ‬‫ث‪َ ،‬و ْ‬ ‫ا ْل ُف َق َرا ُء‪َ ،‬أن ِْز ْل َع َل ْينَا ا ْل َغ ْي َ‬
‫ب‬ ‫اض إِ ْب َط ْي ِه‪ُ ،‬ث َّم َح َّو َل َع َلى الن ِ‬
‫َّاس َظ ْه َر ُه َو َق َل َ‬ ‫الر ْف ِع َحتَّى َبدَ ا َب َي ُ‬ ‫ِ‬
‫َيدَ ْيه َف َل ْم َيز َْل في َّ‬
‫ِ‬

‫َّاس َو َنز ََل‪َ ،‬ف َص َّلى َر ْك َع َت ْي ِن‪،‬‬ ‫‪-‬أ ْو َح َّو َل‪ِ -‬ر َدا َء ُه َو ُه َو َرافِ ٌع َيدَ ْي ِه‪ُ ،‬ث َّم َأ ْق َب َل َع َلى الن ِ‬ ‫َ‬
‫ت ُثم َأم َطر ْت بِإِ ْذ ِن اهلل‪َ ،‬ف َلم ي ْأ ِ‬
‫جدَ ُه َحتَّى‬ ‫ت َم ْس ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫َف َأن َْش َأ اهَّللُ َس َحا َب ًة َف َر َعدَ ْت َو َب َر َق ْ َّ ْ َ‬
‫اج ُذ ُه‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫ك َحتَّى َبدَ ْت ن ََو ِ‬ ‫ول‪َ ،‬ف َلما ر َأى سرعتَهم إِ َلى ا ْلكِن َض ِ‬ ‫الس ُي ُ‬ ‫ِ‬
‫ح َ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ َ ُ ْ َ ُ ْ‬ ‫َسا َلت ُّ‬
‫‪531‬‬ ‫‪ -86‬ما ُيقال يف االستسقاء (‪)1‬‬

‫«أ ْش َهدُ َأ َّن اهَّللَ َع َلى ك ُِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير‪َ ،‬و َأنِّي َع ْبدُ اهلل ِ َو َر ُسو ُل ُه»‪ .‬رواه أبو داود(‪.)1‬‬
‫َ‬

‫الم َطرِ»‪ ،‬أي‪ :‬وما يصيب‬ ‫وط َ‬ ‫ول اهلل ِ ﷺ ُق ُح َ‬ ‫َّاس إِ َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫«شكَى الن ُ‬ ‫قولها‪َ :‬‬
‫تأخر المطر عن وقت نزوله‪.‬‬ ‫األرض من جدب‪ ،‬والماشية من هالك؛ بسبب ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون‬ ‫الم َص َّلى‪َ ،‬و َو َعدَ الن َ‬
‫َّاس َي ْو ًما َيخْ ُر ُج َ‬ ‫قوله‪َ « :‬ف َأ َم َر بِمنْ َبرٍ َف ُوض َع َل ُه في ُ‬
‫تأخر األمطار‪،‬‬ ‫فِ ِيه»‪ُ ،‬يستفاد من هذا‪ :‬أنَّه عندما ُتصاب األرض بالقحط بسبب ُّ‬
‫لولي األمر فيواعد النَّاس وقتًا‬ ‫َ‬
‫والزروع؛ أن ُينقل هذا األمر ِّ‬ ‫وتتضرر الماشية ُّ‬ ‫ُّ‬
‫للصالة والدُّ عاء‪.‬‬ ‫و ُيع ِّين لهم يو ًما يجتمعون فيه َّ‬
‫س»‪ ،‬أي‪ :‬حينما بان‬ ‫الش ْم ِ‬
‫ب َّ‬ ‫ين َبدَ ا َح ِ‬ ‫ِ‬ ‫قولها‪َ « :‬فخَ رج رس ُ ِ‬
‫اج ُ‬ ‫ول اهلل ﷺ ح َ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫طرف َّ‬
‫الشمس‪.‬‬
‫قولها‪َ « :‬ف َق َعدَ َع َلى ا ْل ِمنْ َبرِ َف َك َّب َر ﷺ َو َح ِمدَ اهللَ ‪ُ ،D‬ث َّم َق َال‪« :‬إِ َّنك ُْم‬
‫اركُم واستِئْخَ ار ا ْلم َطرِ عن إِب ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ان ز ََمانه َعنْك ُْم‪َ ،‬و َقدْ َأ َم َرك ُُم اهللُ‬ ‫َ ْ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َشك َْوت ُْم َجدْ َب د َي ِ ْ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ﷺ َأ ْن تَدْ ُعو ُه‪َ ،‬و َو َعدَ ك ُْم َأ ْن َي ْست ِ‬
‫ين‪،‬‬ ‫يب َلك ُْم»‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪« :‬ا ْل َح ْمدُ هلل َر ِّب ا ْل َعا َلم َ‬ ‫َج َ‬
‫ْت اهللُ َل‬ ‫ين‪َ ،‬ل إِ َل َه إِ َّل اهللُ َي ْف َع ُل َما ُيرِيدُ ‪ ،‬ال َّل ُه َّم َأن َ‬ ‫ك َي ْو ِم الدِّ ِ‬ ‫الرحم ِن الر ِحيمِ‪ ،‬م ِل ِ‬
‫َ‬ ‫َّ ْ َ َّ‬
‫ت َلنَا ُق َّو ًة‬ ‫اج َع ْل َما َأ ْن َز ْل َ‬ ‫ِ‬
‫ْت ا ْلغَن ُّي َون َْح ُن ا ْل ُف َق َرا ُء‪َ ،‬أن ِْز ْل َع َل ْينَا ا ْل َغ ْي َ‬‫إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫ث‪َ ،‬و ْ‬
‫ين»‪ ،‬أي‪ :‬أنَّه ‪ O‬شرع يف الدُّ عاء لكنَّه قدَّ م بين يدي‬ ‫َو َب َل ًغا إِ َلى ِح ٍ‬
‫دعائه‪ :‬ال َّثناء على اهلل ‪ D‬وتمجيده سبحانه‪ ،‬وذكَّر النَّاس ووعظهم وب َّين‬
‫ثم سأل اهلل ‪ D‬أن ُينزل الغيث‪.‬‬ ‫كمال غنى اهلل ‪ F‬وشدَّ ة االفتقار إليه‪َّ ،‬‬
‫اض إِ ْب َط ْي ِه»‪ ،‬وهذا إشارة‬ ‫الر ْف ِع َحتَّى َبدَ ا َب َي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قوله‪ُ « :‬ث َّم َر َف َع َيدَ ْيه َف َل ْم َيز َْل في َّ‬
‫السماء‬ ‫األكف إلى َّ‬ ‫ِّ‬ ‫الرفع‪ ،‬ففي الدُّ عاء المعتاد تكون بطون‬ ‫إلى المبالغة يف َّ‬
‫بياض‬ ‫أو ُيقنِّع هبما الوجه‪ ،‬لكن يف االستسقاء يبالغ يف رفع اليدين حتَّى يبدو ُ‬
‫اإلبطين‪.‬‬
‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)1173‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪532‬‬

‫ب َأ ْو َح َّو َل ِر َدا َء ُه َو ُه َو َرافِ ٌع َيدَ ْي ِه»‪،‬‬ ‫قوله‪ُ « :‬ث َّم َح َّو َل َع َلى الن ِ‬
‫َّاس َظ ْه َر ُه َو َق َل َ‬
‫مستمر يف رفع اليدين‬ ‫ٌّ‬ ‫أي‪ :‬جعل الباطن يف ال َّظاهر‪ ،‬وال َّظاهر يف الباطن‪ ،‬وهو‬
‫بتحول الحال وتبدُّ ل‬ ‫ُّ‬ ‫الرداء‪ :‬التَّفاؤل‬ ‫يدعو اهلل‪ ،‬وقيل الحكمة من تحويل ِّ‬
‫األمر‪.‬‬
‫َّاس َو َنز ََل َف َص َّلى َر ْك َع َت ْي ِن»‪ ،‬أي‪ :‬بعد الخطبة‪ ،‬وجاء‬ ‫قوله‪ُ « :‬ث َّم َأ ْق َب َل َع َلى الن ِ‬
‫الركعتين على الخطبة‪ ،‬فاألمر يف ذلك‬ ‫يدل على تقديم َّ‬ ‫يف بعض األحاديث ما ُّ‬
‫واسع‪.‬‬
‫ت‪ُ ،‬ثم َأم َطر ْت بِإِ ْذ ِن اهلل‪َ ،‬ف َلم ي ْأ ِ‬
‫ت‬ ‫ْ َ‬ ‫قال‪َ « :‬ف َأن َْش َأ اهَّللُ َس َحا َب ًة َف َر َعدَ ْت َو َب َر َق ْ َّ ْ َ‬
‫الس ُي ُ‬ ‫ِ‬ ‫َم ْس ِ‬
‫وعمت الخيرات‪.‬‬ ‫ول»‪ ،‬أي‪ :‬نزلت األمطار َّ‬ ‫جدَ ُه َحتَّى َسا َلت ُّ‬
‫ك َحتَّى َبدَ ْت ن ََو ِ‬
‫اج ُذ ُه‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫ح َ‬‫قوله‪َ « :‬ف َلما ر َأى ﷺ سرعتَهم إِ َلى ا ْلكِن َض ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُ ْ َ ُ ْ‬ ‫َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َأ ْش َهدُ َأ َّن اهَّللَ َع َلى ك ُِّل َش ْيء َقد ٌير‪َ ،‬و َأنِّي َع ْبدُ اهلل َو َر ُسو ُل ُه»؛ ا ْلك ُّن‪َ :‬ما َي ُر ُّد َ‬
‫الح َّر‬
‫كل يدخل يف بيت‪،‬‬ ‫والمساكِن‪ .‬فأصبحوا يسرعون الخطى‪ٌّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫وال َب ْرد مِن األبن ِ َية‬
‫فلما رأى ذلك ‪O‬‬ ‫أو تحت خيمة؛ حتَّى ال يصيبهم المطر الغزير‪َّ ،‬‬
‫ضحك؛ ألنَّهم قبل قليل يشكون القحط وعدم جود الماء‪ ،‬واآلن يهربون من‬
‫غزارته وكثرته!‬
‫‪533‬‬ ‫‪ -87‬ما ُيقال يف االستسقاء (‪)2‬‬

‫‪86‬‬

‫ما يقال يف االستسقاء (‪)2‬‬

‫ت النَّبِ َّي ﷺ َب َواكِي‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم‬ ‫َعن جابِ ِر ب ِن َعب ِد اهلل ‪َ L‬ق َال‪َ « :‬أ َت ِ‬
‫ْ َ ْ ْ‬
‫آج ٍل»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َأ ْط َب َق ْت‬‫اج ًل َغ ْي َر ِ‬ ‫ْاس ِقنَا َغ ْي ًثا ُم ِغي ًثا‪َ ،‬مرِيئًا َمرِي ًعا‪ ،‬نَافِ ًعا َغ ْي َر َض ٍّار‪َ ،‬ع ِ‬
‫الس َما ُء» رواه أبو داود(‪.)1‬‬ ‫َع َل ْي ِه ُم َّ‬
‫والشدَّ ة بسبب‬ ‫جمع باكِية‪ ،‬أي‪ :‬فعرضوا إليه الحاجة ِّ‬ ‫ِ‬
‫قوله‪َ « :‬ب َواكي»‪ْ :‬‬
‫تأخر األمطار‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫ت النَّبِ َّي ﷺ ُي َواكِي»‪َ ،‬و َم ْعنَا ُه‪ :‬الت ََّحا ُم ُل َع َلى َيدَ ْي ِه‬ ‫«ر َأ ْي ُ‬
‫ويف ب ْعض الن َُّسخ‪َ :‬‬
‫إِ َذا ر َفعهما ومدَّ هما فِي الدُّ َع ِ‬
‫اء‪.‬‬ ‫َ َُ َ َ َ ُ َ‬
‫قوله‪َ « :‬ف َق َال النَّبِ ُّي ﷺ‪ :‬ال َّل ُه َّم ْاس ِقنَا َغ ْي ًثا ُم ِغي ًثا»‪ ،‬الغيث‪ :‬المطر؛ ألنَّه به‬
‫واب‪ .‬وقوله‬ ‫يغيث اهلل ‪ F‬األرض ويغيث النَّاس ويغيث الماشية والدَّ َّ‬
‫معينًا يحصل لنا به العون والفائدة‪.‬‬ ‫«م ِغي ًثا» هذه صفة للمطر‪ ،‬وقيل معناه‪ِ :‬‬
‫ُ‬
‫صالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وقوله‪« :‬مريئًا»‪ ،‬أي‪ :‬هني ًئا‬
‫«مرِي ًعا»‪ ،‬أي‪ :‬مخص ًبا ناج ًعا‪.‬‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫ضار‬
‫واب‪ ،‬غير ٍّ‬ ‫وقوله‪« :‬نَاف ًعا َغ ْي َر َض ٍّار»‪ ،‬أي‪ :‬ناف ًعا للنَّاس واألرض والدَّ ِّ‬
‫لهم بتهديم البيوت واإلضرار باألرواح؛ َّ‬
‫فإن المطر تار ًة يكون ناف ًعا للعباد‬
‫ضارا لهم ولزروعهم ومواشيهم‪.‬‬ ‫وزروعهم ومواشيهم‪ ،‬وتار ًة يكون ًّ‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)1169‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪534‬‬

‫السحاب يف ذلك الوقت‬ ‫الس َما ُء»‪ ،‬قيل‪ :‬أي‪ :‬ظهر َّ‬ ‫قوله‪َ « :‬ف َأ ْط َب َق ْ‬
‫ت َع َل ْي ِه ُم َّ‬
‫السماء من تراكم‬ ‫السحاب كطبق فوق رءوسهم بحيث ال يرون َّ‬ ‫وغ َّطاهم َّ‬
‫السحاب وعمومه الجوانب‪ ،‬وقيل‪ :‬أطبقت‪ ،‬أي‪ :‬بالمطر الدَّ ائم‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وعلى المسلم إذا دعا اهلل يف االستسقاء أو غيره أن ُي ْح ِسن ظنَّه باهلل وأن‬
‫وأن ال يقنط من رحمته سبحانه؛‬ ‫يلح عليه يف الدُّ عاء‪ْ ،‬‬ ‫يعظم رجاؤه فيه‪ ،‬وأن َّ‬ ‫َ‬
‫كل شيء‪.‬‬ ‫فخزائنه مألى‪ ،‬وجوده عظيم‪ ،‬ورحمته وسعت َّ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ إِ َذا‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫يه َع ْن َجدِّ ِه‪َ ،‬ق َال ك َ‬ ‫ب َعن َأبِ ِ‬
‫و َع ْن َع ْم ِرو ْب ِن ُش َع ْي ٍ ْ‬
‫َك َو َأ ْح ِي َب َلدَ َك‬‫ك َوان ُْش ْر َر ْح َمت َ‬ ‫است َْس َقى َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم ْاس ِق ِع َبا َد َك َو َب َهائِ َم َ‬ ‫ْ‬
‫ت»‪ .‬رواه أبو داود(‪.)1‬‬ ‫ا ْل َم ِّي َ‬
‫«خ َر َج النَّبِ ُّي ﷺ إِ َلى َه َذا‬ ‫وعن عبد اهلل بن زيد المازنِ ِّي ‪ I‬قال‪َ :‬‬
‫ب ِر َدا َء ُه»‪ .‬متَّفق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم َص َّلى َي ْست َْسقي‪َ ،‬فدَ َعا َو ْاست َْس َقى‪ُ ،‬ث َّم ْاس َت ْق َب َل الق ْب َلةَ‪َ ،‬ف َق َل َ‬ ‫ُ‬
‫عليه(‪.)2‬‬
‫َان إِ َذا َق َح ُطوا ْاست َْس َقى‬ ‫اب ‪ E‬ك َ‬ ‫َس ‪َ :I‬أ َّن ُع َم َر ْب َن ا ْلخَ َّط ِ‬ ‫َو َع ْن َأن ٍ‬
‫ك بِنَبِ ِّينَا َفت َْس ِقينَا‪َ ،‬وإِنَّا‬ ‫ب‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنَّا ُكنَّا َنت ََو َّس ُل إِ َل ْي َ‬‫اس ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُم َّط ِل ِ‬ ‫بِا ْل َع َّب ِ‬
‫البخاري(‪.)3‬‬ ‫ُّ‬ ‫اس ِقنَا»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف ُي ْس َق ْو َن‪ .‬رواه‬ ‫َنت ََو َّس ُل إِ َل ْي َ‬
‫ك بِ َع ِّم َنبِ ِّينَا َف ْ‬
‫ك بِنَبِينَا ﷺ»‪ ،‬أي‪ :‬بِدُ َعائِ ِه‪ ،‬أما التوسل بِ َذو ِ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫َّ َ ُّ‬ ‫قوله‪« :‬إِنَّا ُكنَّا َنت ََو َّس ُل إِ َل ْي َ ِّ‬
‫اه ِه ْم َف َغ ْي ُر َجائِ ٍز َش ْر ًعا‪.‬‬ ‫ا ْلم ْخ ُلوقِين وج ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫الشعبي ‪V‬‬
‫ِّ‬ ‫ومن أنفع ما يكون يف االستسقاء‪ :‬كثرة االستغفار‪ ،‬فعن‬
‫قال‪« :‬خرج عمر بن الخ َّطاب ‪ I‬يستسقي فلم يزد على االستغفار حتَّى‬

‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)1176‬‬
‫البخاري (‪ ،)1011‬ومسلم (‪.)894‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫البخاري (‪.)1010‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪535‬‬ ‫‪ -87‬ما ُيقال يف االستسقاء (‪)2‬‬
‫اديح السم ِ‬
‫ت الم َطر بِمج ِ‬
‫اء‬ ‫َّ َ‬ ‫رجع‪ ،‬فقيل له‪ :‬ما رأيناك استسقيت! قال‪َ « :‬ل َقدْ َط َل ْب ُ َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثم َق َر َأ‪﴿ :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ‬ ‫ا َّلذي ُي ْس َتنْز َُل بِه َ‬
‫الم َط ُر»‪َّ ،‬‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ﴾‪﴿ ،‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ﴾ [هود‪ .»]52 :‬رواه سعيد بن منصور(‪.)1‬‬
‫رجل شكى إليه الجدب‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ً‬ ‫البصري ‪َّ : V‬‬
‫«أن‬ ‫ِّ‬ ‫وعن الحسن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل»‪ ،‬وشكى إليه آخر‬ ‫«اس َت ْغف ِر َ‬ ‫اهلل»‪ ،‬وشكى إليه آخر الفقر‪ ،‬فقال‪ْ :‬‬ ‫«اس َت ْغف ِر َ‬ ‫ْ‬
‫جفاف بستانه‪ ،‬فقال‪« :‬اس َت ْغ ِف ِر اهلل»‪ ،‬وشكى إليه آخر عدم الولد‪ ،‬فقال‪« :‬اس َت ْغف ِرِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ثم تال عليهم قوله تعالى‪﴿ :‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ‬ ‫اهلل»‪َّ ،‬‬ ‫َ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾» ‪ .‬ويف‬
‫(‪)2‬‬

‫لمن استغفر‪ ،‬وتوالي‬ ‫حث على االستغفار‪ ،‬وإشار ٌة إلى وقوع المغفرة َ‬ ‫اآلية ٌّ‬
‫الخيرات عليه‪.‬‬
‫واشتدت وزادت العواصف‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫الر ُ‬
‫ّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫يح‬ ‫‪ ‬ما يقال ِإذا هاج ِت ِ‬
‫ِ‬ ‫َع ْن َعائِ َش َة ‪َ J‬أن ََّها َقا َل ْت‪ :‬ك َ‬
‫يح‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫الر ُ‬‫َان النَّبِ ُّي ﷺ إِ َذا َع َص َفت ِّ‬
‫ك ِم ْن‬ ‫ت بِ ِه‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َ‬ ‫ك َخ ْي َر َها‪َ ،‬و َخ ْي َر َما فِ َيها‪َ ،‬و َخ ْي َر َما ُأ ْر ِس َل ْ‬‫«ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫ت بِ ِه»‪ .‬رواه مسلم(‪.)3‬‬ ‫َش ِّر َها‪َ ،‬و َش ِّر َما فِ َيها‪َ ،‬و َش ِّر َما ُأ ْر ِس َل ْ‬
‫ِ‬
‫يح»‪ ،‬أي‪ :‬اشتدَّ هبوب ِّ‬
‫الريح‪.‬‬ ‫قوله‪« :‬إِ َذا َع َص َفت ِّ‬
‫الر ُ‬
‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫ك َخ ْي َر َها»‪ ،‬أي‪ :‬أسألك أن تكون رحمةً؛ فهي تار ًة‬
‫تكون رحمةً‪ ،‬وتار ًة تكون عذا ًبا‪.‬‬
‫«و َخ ْي َر َما فِ َيها»‪ ،‬أي‪ :‬ما أودع اهلل سبحانه فيها من خيرات وفوائد‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫(((  ذكره سعيد بن منصور يف تفسيره (‪.)1095‬‬
‫القرطبي يف تفسيره (‪.)302/18‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  ذكره‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)899‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪536‬‬

‫الجو‪ ،‬ونقل‬ ‫ِّ‬ ‫السحاب واألشجار‪ ،‬وتنقية‬ ‫ومنافع عظيمة‪ ،‬ومن ذلك تلقيح َّ‬
‫األسقام‪ ،‬وغيرها من المنافع العظيمة‪.‬‬
‫قوله‪« :‬و َخير ما ُأر ِس َل ْ ِ‬
‫بالرحمة‪ ،‬وتار ًة ُترسل‬ ‫ت بِه»‪ ،‬فهي تار ًة ُترسل َّ‬ ‫َ َْ َ ْ‬
‫بالعذاب‪.‬‬
‫ت بِ ِه»‪ ،‬فما يؤ ِّمن‬ ‫ك ِم ْن َش ِّر َها َو َش ِّر َما فِ َيها َو َش ِّر َما ُأ ْر ِس َل ْ‬ ‫«و َأ ُعو ُذ بِ َ‬‫وقوله‪َ :‬‬
‫الصحيحين عن عائشة ‪ J‬قالت‪:‬‬ ‫محملة بالعذاب! ففي َّ‬ ‫المرء فقد تكون َّ‬
‫ول اهَّللِ‪،‬‬ ‫«يا َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫ف َذل َك في َو ْج ِهه‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪َ :‬‬
‫َان ﷺ إِ َذا ر َأى َغيما َأو ِريحا ُع ِر َ ِ ِ‬
‫ًْ ْ ً‬ ‫َ‬ ‫ك َ‬
‫اك إِ َذا َر َأ ْي َت ُه‬ ‫ُون فِ ِيه ا ْل َم َط ُر‪َ ،‬و َأ َر َ‬‫َّاس إِ َذا َر َأ ُوا ا ْل َغ ْي َم َفرِ ُحوا َر َجا َء َأ ْن َيك َ‬ ‫َأ َرى الن َ‬
‫ون‬‫اه َيةَ؟!» َقا َل ْت‪َ :‬ف َق َال‪َ « :‬يا َعائِ َش ُة َما ُي َؤ ِّمنُنِي َأ ْن َي ُك َ‬ ‫ك ا ْلكَر ِ‬ ‫ت فِي َو ْج ِه َ‬ ‫َع َر ْف ُ‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫اب‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪﴿ :‬ﮍ ﮎ‬ ‫الريحِ ‪َ ،‬و َقدْ َر َأى َق ْو ٌم ا ْل َع َذ َ‬ ‫فيه َع َذاب! َقدْ ُع ِّذ َب َق ْو ٌم بِ ِّ‬
‫ﮏﮐ﴾»(‪.)1‬‬
‫يح ِم ْن‬ ‫«الر ُ‬‫ول‪ِّ :‬‬ ‫ول اهلل ﷺ َي ُق ُ‬ ‫َو َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫وها‪َ ،‬و َس ُلوا اهللَ‬ ‫وها َف َل ت َُس ُّب َ‬ ‫الر ْح َم ِة َوت َْأتِي بِا ْل َع َذ ِ‬
‫اب؛ َفإِ َذا َر َأ ْيت ُُم َ‬
‫ِ‬
‫َر ْوحِ اهلل‪ ،‬ت َْأتي بِ َّ‬
‫َخ ْي َر َها‪َ ،‬و ْاست َِع ُيذوا بِ ِه ِم ْن َش ِّر َها»‪ .‬رواه أحمد وأبو داود(‪.)2‬‬
‫ألن من النَّاس ‪-‬بسبب الجهل وق َّلة العلم‪ -‬إذا‬ ‫الريح؛ َّ‬
‫سب ِّ‬‫فيه النَّهي عن ِّ‬
‫والريح مد َّبر ٌة مخلوق ٌة‬ ‫الضرر س ُّبوها‪ِّ ،‬‬ ‫الريح ونالهم شيء من األذى أو َّ‬ ‫اشتدَّ ت ِّ‬
‫سب لمد ِّبرها‪ ،‬فهي‬ ‫هلل ‪ F‬مأمورة أ َمرها اهلل ‪ ،D‬فس ُّبها وهي ال تملك ٌّ‬
‫ب الدَّ ْه َر َو َأنَا الدَّ ْه ُر‬ ‫ِ‬
‫«ي ْؤ ِذيني ا ْب ُن آ َد َم َي ُس ُّ‬
‫ال تملك بل مأمورة‪ ،‬ومثله حديث‪ُ :‬‬
‫تسخط منها‪ ،‬وبعضهم‬ ‫َّ‬ ‫الريح‬ ‫(‪)3‬‬
‫ُأ َق ِّل ُ‬
‫ب ال َّل ْي َل َوالن ََّه َار» ‪ ،‬فبعضهم إذا اشتدَّ ت ِّ‬
‫البخاري (‪ ،)4829‬ومسلم (‪.)899‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)7631‬وأبو داود (‪،)5097‬‬
‫َّ‬
‫البخاري (‪ ،)4826‬ومسلم (‪.)2246‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪537‬‬ ‫‪ -87‬ما ُيقال يف االستسقاء (‪)2‬‬

‫ر َّبما شتمها‪ ،‬وبعضهم ر َّبما أبدى كال ًما س ِّي ًئا تجاهها؛ وهذا ك ُّله من الجهل‬
‫وعدم الدِّ راية بما ينبغي أن يكون عليه المسلم من أدب وقول كريم عندما‬
‫الريح‪.‬‬
‫تشتدُّ ِّ‬
‫الروح هنا المضاف إلى اهلل ‪ F‬هو من‬ ‫ِ‬ ‫قوله‪« :‬الر ِ‬
‫يح م ْن َر ْوحِ اهلل»‪َّ ،‬‬ ‫ِّ ُ‬
‫فالريح من روح اهلل‪ ،‬أي‪ :‬من األرواح ا َّلتي‬ ‫باب إضافة المخلوق إلى الخالق‪ِّ ،‬‬
‫خلقها اهلل ‪ ،F‬فاإلضافة هنا إضافة خ ْلق وم ْلك وإيجاد‪.‬‬
‫بالرحمة‬ ‫أن اهلل ‪ D‬يرسلها َّ‬ ‫الر ْح َم ِة َوت َْأتِي بِال َع َذ ِ‬
‫اب»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫وقوله‪« :‬ت َْأتي بِ َّ‬
‫تار ًة ويرسلها بالعذاب تارةً‪ ،‬ومن ذلك ما ذكره اهلل بقوله‪﴿ :‬ﮈ ﮉ‬
‫للزروع واألشجار‪ ،‬حتَّى إنَّها من‬ ‫ﮊ﴾ [الحجر‪ ،]22 :‬أي‪ :‬فيها النَّفع العظيم ُّ‬
‫الشجر إلى بعض‪ ،‬وغير ذلك من المنافع العظيمة‪.‬‬ ‫نفعها أنَّها تنقل لقاح بعض َّ‬
‫بالريـح‬
‫السـابقة َمـن كان هالكهـم ِّ‬
‫وتـار ًة تـأيت بالعـذاب‪ ،‬فمـن األمـم َّ‬
‫ُّ‬
‫وتجتـث األشـجار وهتلـك‬ ‫الشـديدة ا َّلتـي هتلـك النَّـاس وتد ِّمـر البيـوت‬
‫َّ‬
‫المواشـي‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ‬
‫ﯢ﴾ [القمـر‪.]21-18 :‬‬
‫والسفهاء‬
‫الج َّهال ُّ‬
‫وها»‪ ،‬أي‪ :‬بخالف ما يفعله ُ‬ ‫قال‪َ « :‬فإِ َذا َر َأ ْيت ُُم َ‬
‫وها َف َل ت َُس ُّب َ‬
‫الريح س ُّبوها وشتموها‪.‬‬ ‫والض َّلل من النَّاس؛ إذا اشتدَّ ت ِّ‬ ‫ُّ‬
‫«و ْاس َأ ُلوا اهللَ ِم ْن َخ ْيرِ َها‪َ ،‬و ْاست َِع ُيذوا بِاهلل ِ ِم ْن َش ِّر َها»‪ ،‬أي‪ :‬قولوا‪:‬‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫شرها‪.‬‬
‫هم إنَّا نسألك من خيرها ونعوذ بك من ِّ‬ ‫ال َّل َّ‬
‫عقيما»‪،‬‬
‫ً‬ ‫القحا ال‬
‫ً‬ ‫الريح‪« :‬ال َّل ُه َّم‬
‫وكان من هديه ﷺ أن يقول إذا اشتدَّ ت ِّ‬
‫َان‬
‫البخاري يف األدب المفرد عن سلمة بن األكوع ‪ I‬قال‪ :‬ك َ‬ ‫ُّ‬ ‫لِما رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪538‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يح َي ُق ُ‬
‫ول‪« :‬ال َّل ُه َّم َلق ًحا َل َعق ً‬
‫يما»(‪.)1‬‬ ‫النَّبِ ُّي ﷺ إِ َذا ْاشتَدَّ ت ِّ‬
‫الر ُ‬
‫«القحا»‪ ،‬أي‪ :‬مل ِّقحة َّ‬
‫للسحاب‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪﴿ :‬ﮈ ﮉ‬ ‫ً‬ ‫ومعنى‬
‫الرياح رياح‬ ‫َّ‬
‫وسخرنا ِّ‬ ‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾ [الحجر‪ ،]22 :‬أي‪:‬‬
‫الرحمة تل ِّقح َّ‬
‫السحاب فينشأ عن ذلك الماء بإذن اهلل‪ ،‬فيسقيه اهلل ‪ D‬العباد‬ ‫َّ‬
‫والزروع‪ ،‬ويبقى يف األرض مدَّ خرا لحاجتهم وضروراهتم‪ ،‬فل َّلهِ‬
‫والمواشي ُّ‬
‫ً‬
‫الحمد والنِّعمة ال شريك له‪.‬‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫البخاري يف األدب المفرد (‪،)718‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
U
I )'q

kS/S ..--

-,
(r)#ka
''...-....
à'!>
4 Jk,
u'.k4 . J -

o a k'
.,-
. .œ k z.wx 9 k.u.h .-
'vwowr-o '.s awu.
o r1
.,
0 p1
.1,...1.,$h
Jrx wx.wx a tv mtx put.wlw .. p x o o uw 9
Lf J j ,. j . T I' . 1. j .. .j
u. ..'uJ1w,
'.o '.mI.'- w'
w, ,+ a
Iw
'aap u.
'w .'- wo:, kuh*.F'.Iao'u u .e.o l txw .*
'u
j . '
J ''

l.
î: y.'
= .I
1 ya
u>..u =L
. '
' . 4.)1.J

xl . r ' '..

r II r , I. .I ! it 5y
z.aI %.
... . u..
w $;k.
u.IL)ouau'p...o z-.I
. L ..r.u
'$.uJ1=1$wuLvyr$T.=' '.Iw=;'lr3
. g..w 4: w ....p za > dkkp wu .,.
p wou uk.
o$;p ,

p= 2Ij .. X . '' ' '


. bww = w l'.xzw-uxpl, qawrulJtéwiz o-wi> = .
w z puacraslz
'

.: 1, I
,' '
J1u.
.
p c,
.
z'z upaap .q;w'w. o..o11 f Z
.w L, .uJ1œ*''*.:z <:l=11w'I'-i.*'$1
' ' ''
. , .
wxuax Nw1..l. '
I , ..
.JJIJ uo I
u13I
w'
.
w I Ia,.p o =Q JL @u- Q 1o
'
. .
.'.kwal'9)Gzï'u.p2o I r-)t.

wo, uu.x ww 0-.


's .œh. .pi. .0 up x . 9be5t
tzx. 'w u'ua.h.-vt..>. w5
wl>-
u5 z kôlw..p ..Fup wwmwea t+x .œ oy.Ik.....w Ip.r <.
L .œlu.r1.iw. >wu
% w. >2
o.œxajk.
zw ax plD <.t
='.
> w11
a ku I<o= k.s
* 'j 51 'j 11 ** .* 11
. .
.
J
' : : .t ''
vM j.
>W wu uy w .pw
C
twkx â
. :.. o 'h : o o w '; '' 't;; w ;; ;; '' : ''
J U1a.xH.wwi'
. e' 4L'H 11;tç
U> ,ù
L; <ww-1o='
*H o/;1x
- epl
't;uj
Jw;= . Zr*
=e
---<?u*eJl.
-. H
>-<La'
<e .

'%,w-.
-.'..r) .Jz' . .....r) & .4'-..,..= ...w4. .,..=.a'< -.
, .
Jv ? c - ' v aJ o? -f o
. tzka. .
p% ..s''z1-
--
.-*1w...
J- '-- % u.
- .Jù - )
-
'u;o '1
:.-
J '

,.21 :w'.4- <J1


-. . v x 1a'#'1w.e
-.....
'e V
* wk'L1w
. ..o
..?
e%hl'
.wb''u'v'h a V Ik
.=...- 's
..''I
=
. tkhu'
.
uhvJuw Xw
. r
.
stw
-='h,o
-hb
uvzjhw'e,)w
I'
-C3.
h k tw-
. y
e
....
vw>.
-< .1w.-U'1.e-al
J:-.e
J.e
J
a,qp , uw .w . awuopNkwplqoNkw. .so )w-N la oa :.u.w owhb..ua
* Iq' . V ' I '1
..-vwzf,u.
o
.
h>...-.-a.a.
'wz u.-
'v..

AJ 13
x-.> . ' . kpxphcw tms u9
w

u w wru e5t..N u. .œIlu..


o (T-o<+d.AJIzc.wx I<wI
wxu I; urtswJ5hq?
wz
oap'u.wz u...wç.
-
Iw.+-5l=u
Ip. .
'1
.m.5h9u.Ipwv
*''hw ' '
' cx'5.
I 9uq
*.
I'
w .'Iu-ghl'$'hz
UQ
J
. * .'', . . , g ..
I..
.
kwJI . I...I
. . x-
ik5 I I SI 'I . I 1I
w1,yz
.' ku
oIww
. ' 51w1axp
' 1I ' =V*z w y
w.wzo -1hk. .p
...w.' o 't. pîho
..
'' a-3Ihz
tw.
.& 'tb;--Jl
‫‪541‬‬ ‫‪ -88‬ما ُيقال يف االستسقاء (‪)3‬‬

‫است َْو َع َب ْت َذل ِ َك ا ْل َما َء ُك َّل ُه‪َ ،‬ف َت َت َّب َع‬ ‫ِ‬ ‫َما َء ُه فِي َح َّر ٍة‪َ ،‬فإِ َذا َش ْر َج ٌة مِ ْن تِ ْل َك ِّ‬
‫الش َراجِ َقد ْ‬
‫ا ْلماء َفإِ َذا رج ٌل َقائِم فِي ح ِدي َقتِ ِه يحو ُل ا ْلماء بِ ِمسحاتِ ِه‪َ ،‬ف َق َال َله‪ :‬يا عبدَ اهَّللِ‬
‫ُ َ َْ‬ ‫َ َ ْ َ‬ ‫ُ َ ِّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫الس َحا َب ِة‪َ ،‬ف َق َال َل ُه َيا َع ْبدَ اهَّللِ ل ِ َم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اس ُم َك؟ َق َال ُف َل ٌن‪ .‬لال ْس ِم ا َّلذى َسم َع في َّ‬ ‫َما ْ‬
‫اؤ ُه‪،‬‬ ‫اب ا َّل ِذي َه َذا َم ُ‬ ‫الس َح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اسمي؟ َف َق َال إِنِّي َسم ْع ُت َص ْو ًتا في َّ‬
‫َتس َأ ُلنِي َع ِن ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫اس ِق َح ِدي َق َة ُف َل ٍن‪ ،‬ل ْس ِم َك؛ َف َما َت ْصن َُع فِ َيها؟ َق َال‪َ :‬أ َّما إِ ْذ ُق ْل َت َه َذا َفإِنِّي‬ ‫َي ُق ُ‬
‫ول‪ْ :‬‬
‫َأ ْن ُظ ُر إِ َلى َما َي ْخ ُر ُج مِن َْها؛ َف َأ َت َصدَّ ُق بِ ُث ُلثِ ِه‪َ ،‬وآك ُُل َأنَا َو ِع َيالِي ُث ُل ًثا‪َ ،‬و َأ ُر ُّد فِ َيها ُث ُل َث ُه»‪.‬‬
‫رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫َّوسل إليه بالتَّوبة النَّصوح‬
‫‪ ‬ومن أعظم الوسائل إلى هللا جل في عاله‪ :‬الت ُّ‬
‫َّ‬
‫واإلنابة إلى اهلل ومالزمة االستغفار‪ ،‬قال هود ‪ S‬لقومه‪﴿ :‬ﯱ ﯲ‬
‫ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ‬
‫ﰁ﴾ [هود‪ ،]52 :‬وقال نوح ‪﴿ :S‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾‬
‫[نوح‪.]12-10 :‬‬
‫‪ ‬ومن أعظم الوسائل إلى هللا ‪ُ :C‬حسن ال َّظ ِّن به‪ ،‬وتمام ال ِّثقة به‪،‬‬
‫وحسن التَّوكُّل عليه‪ ،‬وتمام االلتجاء إليه؛ فإنَّه ‪ F‬يغيث َمن استغاث به‪،‬‬
‫ُ‬
‫ويكفي َمن التجأ إليه‪ ،‬و َمن التجأ إليه كفاه وأعانه ووقاه وسدَّ ده يف أمور دينه‬
‫الزمر‪.]36 :‬‬ ‫ودنياه‪﴿ ،‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ﴾ [ ُّ‬
‫ال ِع ْن َد َس َماع َّ‬
‫الر ْع ِد‪:‬‬ ‫‪َ ‬ما ُي َق ُ‬
‫ِ‬
‫الرعْدَ َت َر َك ا ْل َح ِد َ‬
‫يث‪َ ،‬و َق َال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫َان إِ َذا َسم َع َّ‬
‫الز َب ْي ِر ‪َ I‬أ َّن ُه ك َ‬ ‫َع ْن َع ْب ِد اهلل ْب ِن ُّ‬
‫الم َلئِ َك ُة ِم ْن ِخي َفتِ ِه»‪ .‬رواه مالك يف‬ ‫ِِ‬
‫الر ْعدُ بِ َح ْمده َو َ‬
‫«سبح َ ِ‬
‫ان ا َّلذي ُي َس ِّب ُح َّ‬ ‫ُ ْ َ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2984‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪542‬‬

‫والبخاري يف األدب المفرد(‪.)1‬‬


‫ُّ‬ ‫المو َّطأ‪،‬‬

‫الشديد ا َّلذي يصاحب َّ‬


‫السحاب‪ ،‬ويف القرآن سور ٌة‬ ‫الصوت َّ‬ ‫الرعد‪ :‬هو َّ‬
‫‪َّ ‬‬
‫والرعد آي ٌة من آيات اهلل ‪ E‬الدَّ الة على‬
‫الرعد»‪َّ ،‬‬‫هبذا االسم «سورة َّ‬
‫عظمة الخالق وكمال المد ِّبر سبحانه‪.‬‬
‫الرعد‬ ‫ألن يف هذا موافق ًة لعمل َّ‬ ‫الرعد التَّسبيح؛ َّ‬ ‫ستحب عند سماع َّ‬ ‫ُّ‬ ‫و ُي‬
‫الرعد‬ ‫فالرعد كما أخرب اهلل عنه يس ِّبح بحمد اهلل‪ ،‬فإذا سمع المرء صوت َّ‬ ‫نفسه‪َّ ،‬‬
‫َان إِ َذا َس ِم َع‬ ‫الزبير‪َ :‬‬
‫«أ َّن ُه ك َ‬ ‫س َّبح‪ ،‬ولهذا جاء يف هذا األثر المتقدِّ م عن عبداهلل بن ُّ‬
‫يث»‪ ،‬أي‪ :‬إن كان يتحدَّ ث‪ ،‬و َق َال‪« :‬سبح َ ِ‬ ‫الر ْعدَ ت ََر َك ا ْل َح ِد َ‬
‫ان ا َّلذي ُي َس ِّب ُح َّ‬
‫الر ْعدُ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وروي عن عبد اهلل بن ع َّباس ‪ L‬أنَّه كان إذا‬ ‫الم َلئ َك ُة م ْن خي َفته»‪ُ .‬‬‫بِ َح ْمده َو َ‬
‫ت َل ُه»(‪.)2‬‬ ‫ان ا َّل ِذي َس َّب ْح َ‬ ‫الرعد‪ ،‬قال‪ُ :‬‬
‫«س ْب َح َ‬ ‫سمع صوت َّ‬
‫أثر من آثار‬ ‫الرعدُ ٌ‬ ‫للر ِّب سبحانه ا َّلذي َّ‬
‫ويف التَّسبيح يف هذا المقام تعظيم َّ‬
‫الرعد ا َّلذي يس ِّبح بحمد اهلل‪ ،‬ولكن ال‬ ‫قوته وقدرته‪ ،‬وفيه تجاوب مع َّ‬ ‫كمال َّ‬
‫نفقه تسبيحه‪﴿ ،‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫الرعد يس ِّبح بحمد‬ ‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ﴾ [اإلسراء‪ ،]44 :‬فنؤمن بذلك َّ‬
‫وأن َّ‬
‫اهلل‪ ،‬فإذا سمعنا صوته قلنا كما جاء يف هذا األثر‪« :‬سبح َ ِ‬
‫ان ا َّلذي ُي َس ِّب ُح َّ‬
‫الر ْعدُ‬ ‫ُ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ان ا َّلذي‬ ‫«س ْب َح َ‬ ‫الم َلئ َك ُة م ْن خي َفته»‪ ،‬أو كما قال ابن ع َّباس ‪ُ :L‬‬ ‫بِ َح ْمده‪َ ،‬و َ‬
‫ت َل ُه»‪.‬‬ ‫َس َّب ْح َ‬
‫َ‬ ‫َ َُ ُ َْ ُُ‬
‫ول الغ ْي ِث‪:‬‬
‫‪ ‬ما يقال ِعند نز ِ‬
‫ونزول الغيث نعمة من نعم اهلل سبحانه ومنَّة من مننه ‪ C‬على عباده‪،‬‬
‫وصححه‬
‫َّ‬ ‫والبخاري يف األدب المفرد (‪،)723‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه مالك يف المو َّطأ (‪،)2094‬‬
‫األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫البخاري يف األدب المفرد (‪،)722‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪543‬‬ ‫‪ -88‬ما ُيقال يف االستسقاء (‪)3‬‬

‫وإذا أنزل اهلل الغيث على األرض وهي هامدة‪﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬


‫ﯳﯴﯵﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [الحج‪.]7-5 :‬‬
‫مر معنا األدعي ُة ا َّلتي ُيشرع للمسلم أن يقولها عند قحوط المطر‬ ‫وقد َّ‬
‫الزروع وهالك‬ ‫ٍ‬
‫جفاف يف ُّ‬ ‫واستئخاره عن إ َّبان نزوله‪ ،‬وما يرت َّتب على ذلك من‬
‫يف الماشية‪ ،‬وغير ذلك من األضرار‪ .‬وهي دعوات مباركات واستغاثات‬
‫برب العالمين وخالق الخلق أجمعين‪ ،‬ا َّلذي بيده أز َّمة األمور ومقاليد‬ ‫نافعات ِّ‬
‫السموات واألرض‪ ،‬ا َّلذي أمره لشيء إذا أراده أن يقول له كن فيكون‪ .‬والدُّ عاء‬ ‫َّ‬
‫قوة االفتقار وتحقيق العبود َّية‪ ،‬ويوجب للعبد خضوعه وخشوعه‬ ‫ينبئ عن َّ‬
‫المضار‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫دعوة رفع اهلل هبا المكاره وأنواع‬ ‫لرب الرب َّية‪ ،‬فكم من‬
‫ِّ‬ ‫وشدَّ ة انكساره ِّ‬
‫المسار‪.‬‬ ‫وأنواع‬ ‫المتنوعة‬ ‫ِ‬
‫والربكات‬ ‫ونال هبا العبدُ الخيرات العديدة‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫تأخر المطر‬ ‫كل شؤونه؛ إذا َّ‬ ‫كل أحيانه‪ ،‬ويدعو اهلل يف ِّ‬
‫والعبد يدعو اهلل يف ِّ‬
‫الرعدَ ذكر اهلل‪ ،‬ففقره إلى اهلل ذاتِ ٌّي‪ ،‬ال‬ ‫دعا‪ ،‬وإذا نزل المطر دعا‪ ،‬وإذا سمع َّ‬
‫غنى له عن ر ِّبه وس ِّيده ومواله طرفة عين‪ ،‬واهلل ‪ D‬غن ِ ٌّي حميد‪.‬‬
‫وقد كان من هديه ‪ O‬إذا نزل الغيث أن يقول‪« :‬ال َّل ُه َّم َص ِّي ًبا‬
‫َان إِ َذا َر َأى ا ْل َم َط َر َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم‬ ‫نَافِ ًعا»‪ ،‬ف َع ْن َعائِ َش َة ‪َ J‬أ َّن َر ُس َ‬
‫ول اهلل ﷺ ك َ‬
‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫َص ِّي ًبا نَافِ ًعا»‪ .‬رواه‬
‫والص ِّيب‪ :‬المطر‪.‬‬
‫قوله‪« :‬ص ِّي ًبا» منصوب بفعل مقدَّ ر‪ ،‬أي‪ :‬اجعله‪َّ .‬‬
‫الض ِّار؛ ويف هذا‬
‫الص ِّيب َّ‬
‫للص ِّيب‪ ،‬احرتز به عن َّ‬‫وصف َّ‬ ‫ٌ‬ ‫وقوله‪« :‬ناف ًعا»‬
‫أن المطر قد يكون نزو ُله رحم ًة ونعمةً‪ ،‬وهو النَّافع‪ ،‬وقد يكون‬ ‫داللة على َّ‬
‫والمسلم يسأل اهلل عند نزول المطر أن يكون‬
‫ُ‬ ‫نزوله عقوب ًة ونقمةً‪ ،‬وهو َّ‬
‫الض ُّار‪.‬‬
‫البخاري (‪.)1032‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪544‬‬

‫ستحب بعد نزول المطر لالزدياد من‬


‫ُّ‬ ‫ضار‪ ،‬وهذا الدُّ عاء المذكور ُي‬ ‫ناف ًعا غير ٍّ‬
‫الخير والربكة‪ ،‬مق َّيدً ا بدفع ما ُيخشى و ُي ْح َذ ُر من َّ‬
‫الضرر‪.‬‬
‫ومن الواجب على العبد يف هذا المقام الكريم أن يعرف نعمة اهلل عليه‪،‬‬
‫َ‬
‫الفضل إليه‪ ،‬فهو سبحانه مولي النِّعم و ُمسديها‪ ،‬بيده العطا ُء والمنع‪،‬‬ ‫ينسب‬
‫َ‬ ‫وأن‬
‫رب سواه‪ ،‬وال إله غيره‪.‬‬‫والرفع‪ ،‬ال َّ‬
‫والخفض َّ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫الصحيحين عن زيد بن خالد ‪ I‬قال‪َ :‬ص َّلى لنا‬
‫ثبت يف َّ‬
‫بالحدَ ْيبِ َية على إثر َسماء كانت مِ َن ال َّليل ‪-‬أي‪ :‬على إثر مطر‪-‬‬ ‫الصبح ُ‬ ‫صال َة ُّ‬
‫ون َما َذا َق َال َر ُّبك ُْم؟» قالوا‪ُ :‬‬
‫اهلل‬ ‫«ه ْل تَدْ ُر َ‬ ‫انصرف َأ ْق َب َل على النَّاس‪ ،‬فقال‪َ :‬‬ ‫َ‬ ‫فلما‬
‫َّ‬
‫«مطِ ْرنَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫«أ ْص َب َح م ْن ع َبادي ُم ْؤم ٌن بِي َوكَاف ٌر‪َ ،‬ف َأ َّما َم ْن َق َال‪ُ :‬‬ ‫أعلم‪ ،‬قال‪َ :‬‬ ‫ورسو ُله ُ‬
‫«مطِ ْرنَا‬
‫َب‪َ ،‬و َأ َّما َم ْن َق َال‪ُ :‬‬ ‫بِ َف ْض ِل اهلل ِ َو َر ْح َمتِ ِه»؛ َف َذلِ َ‬
‫ك ُم ْؤ ِم ٌن بِي كَافِ ٌر بِا ْلك َْوك ِ‬
‫ك كَافِ ٌر بِي ُم ْؤ ِم ُن بِالك َْوك ِ‬
‫َب»(‪.)1‬‬ ‫بِن َْو ِء ك ََذا َوك ََذا»؛ َف َذلِ َ‬
‫نسب النِّعمة‬ ‫فا َّلذي يقول عند نزول المطر‪« :‬مطرنا بفضل اهلل ورحمته»‪َ ،‬‬
‫أن نزوله بفضل اهلل ومنِّه‪ .‬وأ َّما ا َّلذي يقول‬ ‫المتفضل ‪ E‬واعتقد َّ‬ ‫ِّ‬ ‫الى‬
‫ِ‬
‫المنزل‬ ‫عند نزول المطر‪« :‬مطرنا بنوء كذا وكذا»‪ ،‬فهذا إ َّما أن يعتقد َّ‬
‫أن‬
‫وأن المنزل هو‬ ‫سبب َّ‬‫ٌ‬ ‫للمطر هو النَّجم أو النَّوء‪ ،‬وهذا كفر‪ ،‬أو أنَّه يعتقد أنَّه‬
‫الشرك‬‫اهلل‪ ،‬فيضيف النِّعمة إلى ما يراه سب ًبا؛ وهذا من كفر النِّعمة‪ ،‬وهو من ِّ‬
‫الخفي‪ .‬واألنواء ليست من األسباب لنزول األمطار‪ ،‬وإنَّما سبب نزول المطر‬ ‫ِّ‬
‫حاجة العباد وافتقارهم‪ ،‬وسؤالهم ولجوءهم إلى اهلل ‪ D‬ا َّلذي بيده األمر‪،‬‬
‫عمن يشاء‪ ،‬ال عالقة للنَّوء بذلك‪ ،‬كما قال‬ ‫فهو ينزله على َمن يشاء‪ ،‬ويصرفه َّ‬
‫اهلل تعالى‪﴿ :‬ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔﰕ﴾ [النُّور‪.]43 :‬‬

‫البخاري (‪ ،)846‬ومسلم (‪.)71‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪545‬‬ ‫‪ -89‬ما ُيقال عند كسوف ال َّشمس أو القمرش‬

‫‪89‬‬

‫ما ُيقال عند كسوف ال َّشمس أو القمر‬

‫َان ِم ْن‬
‫الش ْم َس َوا ْل َق َم َر آيت ِ‬
‫َ‬ ‫قال‪« :‬إِ َّن َّ‬ ‫ول اهلل ﷺ َ‬ ‫أن َر ُس َ‬‫َع ْن َعائِ َش َة ‪َّ J‬‬
‫ت َأ َح ٍد َو َل لِ َح َياتِ ِه؛ َفإِ َذا َر َأ ْيت ُْم َذلِ َ‬‫ان لِمو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ك َفا ْد ُعوا اهَّللَ‪،‬‬ ‫َآيات اهلل‪َ ،‬ل َينْخَ س َف ِ َ ْ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫َو َك ِّب ُروا‪َ ،‬و َص ُّلوا‪َ ،‬وت ََصدَّ ُقوا»‪ .‬رواه‬
‫الش ْم ُس فِي َز َم ِن النَّبِ ِّي ﷺ َف َقا َم َف ِز ًعا‬ ‫ت َّ‬ ‫و َعن َأبِي موسى ‪َ I‬ق َال‪َ :‬خس َف ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ْ‬
‫جدَ َف َقا َم ُي َص ِّلي بِ َأ ْط َو ِل قِ َيا ٍم َو ُركُو ٍع‬ ‫ون السا َعةُ‪َ ،‬حتَّى َأ َتى ا ْلمس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َي ْخ َشى َأ ْن َت ُك َ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫اآليات ا َّلتي ُي ْرس ُل اهَّللُ‬ ‫َو ُس ُجود َما َر َأ ْي ُت ُه َي ْف َع ُل ُه في َص َلة َق ُّط‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪« :‬إِ َّن َهذه َ‬
‫ف بِ َها ِع َبا َد ُه؛ َفإِ َذا َر َأ ْيت ُْم‬
‫ت َأ َح ٍد َو َل لِ َح َياتِ ِه‪َ ،‬و َلكِ َّن اهَّللَ ُي ْر ِس ُل َها ُيخَ ِّو ُ‬
‫ُون لِمو ِ‬
‫َل َتك ُ َ ْ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)2‬‬ ‫ُّ‬ ‫ار ِه»‪ .‬رواه‬ ‫ِمن َْها َش ْيئًا َفا ْف َز ُعوا إِ َلى ِذ ْكرِ ِه َو ُد َعائِ ِه َو ْاستِ ْغ َف ِ‬

‫تفضل اهلل هبا على عباده‪،‬‬ ‫والقمر هما من جملة النِّعم ا َّلتي َّ‬
‫ُ‬ ‫مس‬ ‫َّ‬
‫الش ُ‬
‫ومن هبا عليهم‪ ،‬وجعلهما سبحانه دائِبين‪ ،‬أي‪ :‬م ِ‬
‫ستم َّر ْين ال يفرتان‪ ،‬يسعيان‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ َّ‬
‫والزروع‬‫لمصالح اإلنسان من حساب األزمنة‪ ،‬ومصلحة األبدان والحيوان ُّ‬
‫وال ِّثمار‪ ،‬وجعلهما سبحانه يجريان بحسبان متقن‪ ،‬وتقدير مقدَّ ر‪ ،‬ال يتخ َّلفان‬
‫ً‬
‫شمال‪ ،‬وال يتغ َّيران تقدُّ ًما وال‬ ‫علوا وال ً‬
‫نزول‪ ،‬وال ينحرفان عنه يمينًا وال‬ ‫عنه ًّ‬
‫[الرحمن‪ ،]5 :‬وقال تعالى‪:‬‬ ‫تأخ ًرا‪ ،‬كما قال سبحانه‪﴿ :‬ﮂ ﮃ ﮄ﴾ َّ‬ ‫ُّ‬
‫﴿ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬

‫البخاري (‪ ،)1044‬ومسلم (‪.)901‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫البخاري (‪ ،)1059‬ومسلم (‪.)912‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪546‬‬

‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ﴾ [يس‪ ،]40-38 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ﴾ [إبراهيم‪.]33 :‬‬
‫والقمر آيتان من آيات اهلل ومخلوقان من مخلوقاته؛ ينجليان‬ ‫َ‬ ‫مس‬‫الش َ‬ ‫ثم َّ‬
‫إن َّ‬ ‫َّ‬
‫يخوف عباده من عاقبة معاصيهم‬ ‫بأمره وينكسفان بأمره‪ ،‬فإذا أراد اهلل تعالى أن ِّ‬
‫وتذكيرا لهم‬ ‫إنذارا للعباد‬ ‫وذنوبِهم؛ كسفهما باختفاء ضوئهما ك ِّله أو ِ‬
‫بعضه؛‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لع َّلهم يرجعون ويتوبون و ُينيبون‪ ،‬فيقومون بما أمرهم به ر ُّبهم‪ ،‬ويرتكون ما‬
‫حرمه عليهم‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [اإلسراء‪.]59 :‬‬ ‫َّ‬
‫قادر على تحويل‬‫ويف هذا داللة على كمال قدرة اهلل سبحانه؛ إلنَّه سبحانه ٌ‬
‫األشياء وتبديل األمور وتصريف الخالئق كيف يشاء‪ ،‬ومن ذلك تغيير حال‬
‫كل شيء‬ ‫السواد وال ُّظلمة‪ ،‬واهلل على ِّ‬
‫الشمس والقمر من النُّور والوضاءة‪ ،‬إلى َّ‬ ‫َّ‬
‫الصالة‪ ،‬والدُّ عاء‪ِّ ،‬‬
‫والذكر‪،‬‬ ‫الفزع إلى َّ‬
‫ُ‬ ‫قدير؛ ولذا ُشرع عند حصول الكسوف‪:‬‬
‫والصدقة‪.‬‬
‫واالستغفار‪َّ ،‬‬
‫السنة العاشرة‬ ‫مرة واحدة‪ ،‬وذلك يف َّ‬ ‫الشمس يف عهد النَّبِ ِّي ﷺ َّ‬ ‫وقد خسفت َّ‬
‫َّاس يف الجاهل َّية يظنُّون‬ ‫من الهجرة‪ ،‬حيث مات ابنُه إبراهيم ‪ ،I‬وقد كان الن ُ‬
‫لموت عظيم أو حياته‪ ،‬فب َّين ﷺ فسا َد‬ ‫ِ‬ ‫الشمس أو القمر إنَّما يكون‬ ‫كسوف َّ‬
‫َ‬ ‫أن‬‫َّ‬
‫هذا ال َّظ ِّن وخطأه‪ ،‬وقال كما يف حديث عائشة المتقدِّ م‪« :‬إِ َّن َّ‬
‫الش ْم َس َوال َق َم َر‬
‫ت َأ َح ٍد َو َل لِ َح َياتِ ِه»‪.‬‬
‫ان لِمو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫آيت ِ ِ‬
‫َان م ْن َآيات اهلل‪َ ،‬ل َينْخَ س َف ِ َ ْ‬ ‫َ‬
‫الصالة جامعة‪،‬‬‫وقد فزع ﷺ عند كسوفها إلى المسجد‪ ،‬وأمر مناد ًيا ينادي َّ‬
‫رجال ونسا ًء‪ ،‬فقام فيهم النَّبِ ُّي ﷺ وص ُّفوا خلفه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فاجتمع النَّاس يف المسجد‬
‫ً‬
‫طويل جدًّ ا‪،‬‬ ‫ثم ركع ركو ًعا‬ ‫فك َّبر وقرأ الفاتحة وسور ًة طويل ًة يجهر بقراءته‪َّ ،‬‬
‫ثم قرأ الفاتحة وسور ًة‬ ‫الح ْمدُ »‪َّ ،‬‬
‫ك َ‬ ‫«س ِم َع اهللُ لِ َم ْن َح ِمدَ ُه َر َّبنَا َو َل َ‬
‫ثم رفع وقال‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫‪547‬‬ ‫‪ -89‬ما ُيقال عند كسوف ال َّشمس أو القمرش‬

‫ثم رفع‬ ‫األول‪َّ ،‬‬ ‫طويل دون َّ‬ ‫ً‬ ‫ثم ركع ركو ًعا‬ ‫طويل ًة لكنَّها أقصر من األولى‪َّ ،‬‬
‫طويل نحو ركوعه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الح ْمدُ »‪ ،‬وقام قيا ًما‬ ‫ك َ‬ ‫«س ِم َع اهللُ لِ َم ْن َح ِمدَ ُه َر َّبنَا َو َل َ‬ ‫وقال‪َ :‬‬
‫طويل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جلوسا‬
‫ً‬ ‫ثم رفع وجلس‬ ‫نحوا من ركوعه‪َّ ،‬‬ ‫طويل جدًّ ا ً‬ ‫ً‬ ‫ثم سجد سجو ًدا‬ ‫َّ‬
‫الركعة ال َّثانية فصنع مثل ما صنع يف األولى‪،‬‬ ‫ثم قام إلى َّ‬ ‫طويل‪َّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ثم سجد سجو ًدا‬ ‫َّ‬
‫تشهد وس َّلم‪ ،‬وقد تج َّلت‬ ‫ثم َّ‬ ‫والسجود والقيام‪َّ ،‬‬ ‫والركوع ُّ‬ ‫لكنَّها دوهنا يف القراءة ُّ‬
‫مس والقمر آيتان‬ ‫أن َّ‬
‫الش َ‬ ‫ثم خطب ﷺ خطب ًة عظيم ًة بليغ ًة ب َّين فيها َّ‬ ‫الشمس‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫من آيات اهلل ال ينكسفان لموت أحد وال لحياته‪ ،‬وح َّثهم عند حصول ذلك‬
‫فرج اهلل وتنجلي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الصالة وذكر اهلل ودعائه واستغفاره حتَّى ُي ِّ‬ ‫إلى الفزع إلى َّ‬
‫«يا ُأ َّم َة ُم َح َّم ٍد‪َ ،‬واهلل ِ َما ِم ْن َأ َح ٍد َأ ْغ َي ُر ِم َن اهلل ِ َأ ْن‬ ‫وم َّما قال يف خطبته تلك‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫ح ْكت ُْم َق ِل ًيل‬ ‫ون ما َأع َلم َل َض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َيزْن َي َع ْبدُ ُه َأ ْو َتزْن َي َأ َم ُت ُه‪َ ،‬يا ُأ َّم َة ُم َح َّمد‪َ ،‬واهلل َل ْو َت ْع َل ُم َ َ ْ ُ‬
‫َول َب َك ْيت ُْم كَثِ ًيرا»(‪.)1‬‬
‫«ما ِم ْن َش ْي ٍء َل ْم َأك ُْن ُأ ِري ُت ُه إِ َّل َر َأ ْي ُت ُه فِي َم َق ِامي َحتَّى‬ ‫وم َّما قال يف خطبته‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫وركُم ِم ْث َل فِ ْتن َِة ا ْلم ِسيحِ الدَّ َّج ِ‬ ‫وحي إِ َلي َأ َّنكُم ُت ْف َتن َ ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫ال‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُون في ُق ُب ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ا ْل َج َّن َة َوالن ََّار‪َ ،‬فأ َ َّ‬
‫ول‪ُ :‬ه َو ُم َح َّمدٌ َر ُس ُ‬ ‫وق ُن‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ك بِه َذا الرج ِل؟ َف َأما ا ْلم ْؤ ِمن َأ ِو ا ْلم ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‬ ‫ُ‬ ‫َّ ُ ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ُي َق ُال َما ع ْل ُم َ َ‬
‫َات َوا ْل ُهدَ ى َف َأ َج ْبنَا َوا َّت َب ْعنَا ُه َو ُم َح َّمدٌ َث َل ًثا‪َ ،‬ف ُي َق ُال‪ :‬ن َْم َصالِ ًحا َقدْ‬ ‫اهلل ِ جاءنَا بِا ْلبين ِ‬
‫َ ِّ‬ ‫َ َ‬
‫ت‬ ‫ول‪َ :‬ل َأ ْد ِري َس ِم ْع ُ‬ ‫َاب‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْت َل ُموقنًا بِه‪َ ،‬و َأ َّما ا ْل ُمنَاف ُق َأ ِو ا ْل ُم ْرت ُ‬ ‫َع ِل ْمنَا إِ ْن ُكن َ‬
‫ون َش ْيئًا َف ُق ْل ُت ُه»(‪.)2‬‬ ‫َّاس َي ُقو ُل َ‬ ‫الن َ‬
‫َاو ْل َت َش ْي ًئا فِي َم َقامِ َك‬ ‫َاك َتن َ‬‫ول اهللِ َر َأ ْين َ‬ ‫الصحابة ‪َ « :M‬يا َر ُس َ‬ ‫وقال له َّ‬
‫ت ا ْل َجنَّ َة‬ ‫َاك َت َك ْع َك ْع َت»‪ ،‬أي‪َ :‬رج ْع َت إلى الوراء‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬إِنِّي َر َأ ْي ُ‬ ‫َه َذا ُث َّم َر َأ ْين َ‬
‫ت الن ََّار َف َل ْم‬ ‫ت الدُّ ْن َيا‪َ ،‬و َر َأ ْي ُ‬ ‫ت ِمنْها عنْ ُقودا و َلو َأ َخ ْذ ُته ألَ َك ْلتُم ِمنْه ما ب ِقي ِ‬
‫ْ ُ َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َف َتن ََاو ْل ُ َ ُ ً َ ْ‬

‫البخاري (‪ ،)1044‬ومسلم (‪.)901‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  المصدر نفسه‪.‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪548‬‬

‫ول اهللِ؟ َق َال‪:‬‬ ‫ت َأ ْك َث َر َأ ْه ِل َها الن َِّسا َء»‪َ ،‬قا ُلوا‪ :‬ل ِ َم َيا َر ُس َ‬
‫َأ َر كَا ْل َي ْو ِم َم ْن َظ ًرا َق ُّط‪َ ،‬و َر َأ ْي ُ‬
‫ان؛ َل ْو‬ ‫«ب ُك ْفرِ ِه َّن»‪ ،‬قِ َيل‪َ :‬ي ْك ُف ْر َن بِاهَّللِ؟ َق َال‪« :‬ي ْك ُف ْر َن ا ْل َع ِش َير َوي ْك ُف ْر َن ِ‬
‫اإل ْح َس َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْك َخ ْي ًرا‬‫ت ِمن َ‬ ‫ت‪َ :‬ما َر َأ ْي ُ‬ ‫ْك َش ْيئًا‪َ ،‬قا َل ْ‬ ‫ْت إِ َلى إِ ْحدَ ُاه َّن الدَّ ْه َر ُث َّم َر َأ ْت ِمن َ‬ ‫َأ ْح َسن َ‬
‫َق ُّط»‪ .‬متَّفق عليه(‪.)1‬‬
‫وعرض الجنَّة والنَّار‬
‫َ‬ ‫الصالة‪،‬‬ ‫فزع النَّبِ ِّي ﷺ للكسوف‪ ،‬وصال َته هذه َّ‬‫إن َ‬ ‫َّ‬
‫لكل ما نحن َل ُقوه من أمر الدُّ نيا واآلخرة‪،‬‬ ‫الصالة‪ ،‬ورؤيتَه ِّ‬
‫عليه أثناء هذه َّ‬
‫ورؤيتَه األ َّم َة ُتفتن يف قبورها‪ ،‬وخطبتَه هذه الخطبة البليغة المؤ ِّثرة‪َ ،‬‬
‫وأمره أ َّمته‬
‫الصالة ِّ‬
‫والذكر والدُّ عاء واالستغفار والتَّكبير‬ ‫عند الكسوف أن يفزعوا إلى َّ‬
‫الصالة‬ ‫وأهم َّية الفزع فيه إلى َّ‬
‫ِّ‬ ‫والصدقة؛ ليدُ ُّل على ِع َظم شأن الكسوف‪،‬‬ ‫َّ‬
‫والدُّ عاء واالستغفار‪.‬‬
‫الزمان هتاونوا بأمره! وما ذاك َّإل‬ ‫كثيرا من النَّاس يف هذا َّ‬ ‫أن ً‬ ‫والحال َّ‬ ‫ُ‬
‫بالسنَّة‪ ،‬واالعتماد على َمن يحيل أمر الكسوف إلى‬ ‫لضعف اإليمان‪ ،‬والجهل ُّ‬
‫الشرع َّية‪ ،‬والحكمة البالغة ا َّلتي من‬ ‫األسباب الطبيع َّية‪ ،‬مع الغفلة عن أسبابه َّ‬
‫حدث اهلل الكسوف‪.‬‬ ‫أجلها ي ِ‬
‫ُ‬
‫قوله‪َ « :‬فإِ َذا َر َأ ْيت ُْم َذلِ َ‬
‫ك َفا ْد ُعوا اهَّللَ َو َك ِّب ُروا‪َ ،‬و َص ُّلوا‪َ ،‬وت ََصدَّ ُقوا»‪ ،‬هذه أربعة‬
‫أشياء أرشد اليها عند الكسوف‪ :‬أن نُكثر من الدُّ عاء‪ ،‬وأن نُكثر من التَّكبير (اهلل‬
‫كل ركعة ركوعين‪،‬‬ ‫الصالة المعروفة بركعتين يف ِّ‬ ‫أكرب اهلل اكرب)‪ ،‬وأن نص ِّلي َّ‬
‫والذكر؛ فهذه ستَّة أعمال‬ ‫وأن نتصدَّ ق‪ .‬ويف الحديث ال َّثاين زيادة االستغفار ِّ‬
‫والذكر عمو ًما‪،‬‬‫والصدقة‪ِّ ،‬‬ ‫والصالة‪َّ ،‬‬ ‫ُتشرع عند الكسوف‪ :‬الدُّ عاء‪ ،‬والتَّكبير‪َّ ،‬‬
‫واالستغفار‪.‬‬
‫«واهلل ِ َما ِم ْن َأ َح ٍد َأ ْغ َي ُر ِم َن اهلل ِ َأ ْن َيزْنِ َي َع ْبدُ ُه َأ ْو َتزْنِ َي َأ َم ُت ُه‪َ ،‬يا ُأ َّم َة‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫البخاري (‪ ،)5197‬ومسلم (‪.)907‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪549‬‬ ‫‪ -89‬ما ُيقال عند كسوف ال َّشمس أو القمرش‬

‫ح ْكت ُْم َق ِل ًيل َول َب َك ْيت ُْم كَثِ ًيرا»‪ُ ،‬يستفاد منه‪:‬‬
‫ون ما َأع َلم َل َض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُم َح َّمد َواهلل َل ْو َت ْع َل ُم َ َ ْ ُ‬
‫محضا بتحذير النَّاس من‬ ‫ً‬ ‫أن المشروع يف خطبة الكسوف أن تكون تخوي ًفا‬ ‫َّ‬
‫َّبي ﷺ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫الذنوب ومغ َّبتها وسوء عاقبتها‪ ،‬وموجبات سخط اهلل ومن النَّار‪ .‬والن ُّ‬
‫الشرك‪،‬‬ ‫الذنوب‪ ،‬وهي أربع‪ِّ :‬‬ ‫الذنوب وال س َّيما أ َّمهات ُّ‬ ‫وحذر من ُّ‬
‫ن َّبه على ذلك َّ‬
‫َّبي‬
‫والسرقة‪ .‬وهذه األربع جمعها الن ُّ‬ ‫والزنا‪َّ ،‬‬ ‫والقتل ‪-‬قتل النَّفس المعصومة‪ِّ -‬‬
‫«أ َل إِن ََّما ُه َّن َأ ْر َب ٌع‪َ :‬ل ت ُْشرِكُوا بِاهلل ِ َش ْيئًا‪َ ،‬و َل َت ْق ُت ُلوا‬
‫يف خطبة الوداع بقوله‪َ :‬‬
‫ال َّن ْف َس ا َّلتِي َح َّر َم اهللُ إِ َّل بِا ْل َح ِّق‪َ ،‬و َل ت َْسرِ ُقوا‪َ ،‬و َل َت ْزنُوا»(‪.)1‬‬
‫حذر من‬ ‫أن النَّبي ﷺ َّ‬ ‫الروايات الواردة يف الكسوف يجد َّ‬ ‫و َمن يتأ َّمل يف ِّ‬
‫َّ‬
‫تحذيرا شديدً ا؛ حتَّى إنَّه ‪ S‬قال‬ ‫ً‬ ‫الذنوب الكبار ا َّلتي توبق صاحبها‬ ‫هذه ُّ‬
‫ت َج َهن ََّم َي ْحطِ ُم َب ْع ُض َها َب ْع ًضا»‪َ « ،‬ف َل ْم َأ َر َمنْ َظ ًرا‬
‫للنَّاس يف خطبته تلك‪َ « :‬ل َقدْ َر َأ ْي ُ‬
‫وبخاصة تلك‬ ‫َّ‬ ‫تحذيرا من موجبات دخولها‬ ‫ً‬ ‫كَا ْل َي ْو ِم َق ُّط َأ ْف َظ َع»(‪ ،)2‬قال ذلك‬
‫األربع‪.‬‬
‫َّبي‬
‫الصحابة من الن ِّ‬ ‫أمر عجيب رآه َّ‬ ‫وقد حصل يف صالته للكسوف ٌ‬
‫أي صالة من صلواته؛ رأوه وهو يص ِّلي تقدَّ م‬ ‫‪ O‬ما رأوه ف َعله يف ِّ‬
‫ثم بعدها بقليل رأوه رجع للوراء كأنَّه‬ ‫لألمام ومدَّ يده كأنَّه يريد أن يأخذ شي ًئا‪َّ ،‬‬
‫خائف من شيء! فسألوه‪ ،‬فقال‪« :‬رأيت الجنَّة والنَّار»‪ ،‬رآهما حقيق ًة ببصره‪،‬‬
‫والصحابة من ورائه ما رأوا شي ًئا!‬
‫َّ‬
‫لما رأى الجنَّة مدَّ يده‬ ‫وهذه آية من آيات اهلل الدَّ الة على كمال قدرته‪َّ ،‬‬
‫ليقطف عنقو ًدا من عناقيدها‪ ،‬وقال‪« :‬لو قطفته ألكلتم منه ما بقيت الدُّ نيا»‪،‬‬
‫يدل على الفرق العظيم والبون َّ‬
‫الشاسع بين ثمر الدُّ نيا وثمر الجنَّة‪.‬‬ ‫وهذا ُّ‬

‫السلسلة الصحيحة (‪.)1759‬‬


‫وصححه األلباينُّ يف ِّ‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)18989‬‬
‫البخاري (‪ ،)1212‬ومسلم (‪.)901‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪550‬‬

‫أن النَّاس‬ ‫أيضا َّ‬ ‫بعضا‪ ،‬وأخرب ً‬ ‫َّبي ﷺ كما وصف النَّار يحطم بعضها ً‬ ‫ورأى الن ُّ‬
‫الذنوب الكبار‪ ،‬لكن‬ ‫حذر ‪ S‬من هذه ُّ‬ ‫ثم َّ‬‫يفتنون يف القبور كفتنة الدَّ َّجال‪َّ ،‬‬
‫بطريقة تم َّيزت عن تحذيره منها يف سائر خطبه؛‬ ‫ٍ‬ ‫الذنوب جاء‬ ‫تحذيره من هذه ُّ‬
‫يعذبون وذكَر‬ ‫ألشخاص يف النَّار َّ‬ ‫ٍ‬ ‫الذنوب بذكره لرؤيته‬ ‫حذر من هذه ُّ‬ ‫حيث َّ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫خاصة‪:‬‬ ‫أسباب تعذيبهم‪ ،‬وهذه الطريقة إنما كانت في هذه الخطبة‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫َّبي ‪:O‬‬ ‫ُّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫قال‬ ‫فقد‬ ‫خطورته؛‬ ‫وبيان‬ ‫رك‬ ‫بالش‬
‫ِ‬ ‫ق‬ ‫يتعل‬ ‫ما‬ ‫ا‬ ‫‪َّ -‬‬
‫أم‬
‫ي‪َ :‬أ ْم َعا َئ ُه‪ -‬فِي النَّار‪َ ،‬و ُه َو أ َّو ُل‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َاعي َي ُج ُّر ُق ْص َب ُه َ‬
‫‪-‬أ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َع ْم َرو ْب َن َعامرٍ ا ْلخُ ز َّ‬ ‫«ر َأ ْي ُ‬
‫َ‬
‫وأول َمن بدَّ ل دين إبراهيم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ب»(‪َّ ،)1‬‬ ‫الس َوائ َ‬ ‫ب َّ‬ ‫َم ْن َس َّي َ‬
‫ت َع َل َّي الن َُّار َف َر َأ ْي ُ‬
‫َّ‬
‫«و ُعرِ َض ْ‬
‫َّ‬
‫ت‬ ‫‪ -‬وما يتعلق بالتحذير من القتل؛ قال ‪َ :S‬‬
‫يل ُت َع َّذ ُب فِي ِه َّر ٍة َل َها َر َب َطت َْها َف َل ْم ُت ْط ِع ْم َها َو َل ْم تَدَ ْع َها‬ ‫فِ َيها ْام َر َأ ًة ِم ْن َبنِي إِ ْس َرائِ َ‬
‫بمن يعتدي على األرواح المعصومة‬ ‫ض» ؛ فكيف َ‬
‫ِ (‪)2‬‬
‫اش األَ ْر‬ ‫ت َْأك ُُل ِم ْن َخ َش ِ‬
‫قتل بأشنع أنواع القتل‪.‬‬ ‫والنُّفوس المسلمة ً‬
‫«واهلل ِ َما ِم ْن َأ َح ٍد َأ ْغ َي ُر ِم َن اهلل ِ َأ ْن َيزْنِ َي َع ْبدُ ُه‬
‫َّبي ﷺ قال‪َ :‬‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫الزنى؛ َّ‬
‫فإن‬ ‫ِ‬
‫وأما ّ‬ ‫‪َّ -‬‬
‫َأ ْو َتزْنِ َي َأ َم ُت ُه»‪.‬‬
‫السرقة؛ فقد جاء يف بعض روايات الحديث يف خطبة‬ ‫وأما تحذيره من َّ‬ ‫‪َّ -‬‬
‫ب ا ْل ِم ْح َج ِن َي ُج ُّر ُق ْص َب ُه‬ ‫ِ‬
‫َّار‪َ -‬صاح َ‬ ‫ي‪ :‬الن ِ‬ ‫ت فِ َيها َ‬
‫‪-‬أ ْ‬ ‫«ر َأ ْي ُ‬‫صالة الكسوف أنَّه قال‪َ :‬‬
‫اج بِ ِم ْح َجن ِ ِه‪َ ،‬فإِ ْن ُفطِ َن َل ُه َق َال‪ :‬إِن ََّما َت َع َّل َق بِ ِم ْح َجنِي‪،‬‬ ‫َان َي ْسرِ ُق ا ْل َح َّ‬
‫َّار؛ ك َ‬ ‫فِي الن ِ‬
‫ب بِ ِه»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫َوإِ ْن ُغف َل َع ْن ُه َذ َه َ‬

‫البخاري (‪ ،)3521‬ومسلم (‪.)2856‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)904‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)904‬‬
‫‪551‬‬ ‫‪ -90‬ما ُيقال عند رؤية اهلالل‬

‫‪90‬‬

‫ما ُيقال عند رؤية اهلالل‬

‫لقد جعل اهلل سير القمر منازل‪ ،‬وهي ثماني ٌة وعشرون منزلةً‪ ،‬ينزل َّ‬
‫كل ليلة‬
‫ثم يزداد ليل ًة تلو األخرى إلى أن‬ ‫ً‬
‫ضئيل‪َّ ،‬‬ ‫ً‬
‫هالل‬ ‫منزلةً؛ فيبدو يف َّأول َّ‬
‫الشهر‬
‫ً‬
‫ضئيل ك ُعرجون النَّخلة‪،‬‬ ‫ثم يعود إلى النُّقصان حتَّى يعود‬‫بدرا‪َّ ،‬‬
‫يكتمل فيصير ً‬
‫ناقصا‪.‬‬ ‫ثم يسترت ليلتين إذا كان َّ‬
‫الشهر تا ًّما‪ ،‬وليلة إذا كان ً‬ ‫َّ‬
‫وقد عدَّ اهلل يف القرآن الكريم هذا ضمن آياته العظام‪ ،‬وبراهينه الجسام‬
‫الدَّ الة على عظمته سبحانه‪ ،‬وكمال قدرته وتدبيره‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [يونس‪ ،]5 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃ﴾ [يس‪.]40-38 :‬‬
‫وقوله ‪﴿ :C‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾‪ ،‬أي‪َ :‬ين ِْز ُلها‪،‬‬
‫كل ليلة ينْزل منها واحدة‪ ،‬إلى أن يصغر جدًّ ا فيكون كالعرجون القديم‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫َّ‬
‫ثم ُي ُّ‬ ‫كعذقة النَّخل إذا ِ‬‫ِ‬
‫الشهر‬‫هل يف َّأول َّ‬ ‫وجف وص ُغر حجمه وانحنى‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫قدم‬
‫نوره ويتَّسق ضياؤه‪ .‬فما أعظمها من آية! وما‬ ‫تم ُ‬‫ويبدأ يزيد شي ًئا فشي ًئا حتَّى َي َّ‬
‫أوضحها من داللة! على عظمة الخالق وكمال قدرته سبحانه‪.‬‬
‫أن التَّأ َّم َل يف هذه اآلية وغيرها مِ َّما دعا اهلل عباده يف كتابه إلى‬
‫وال ريب َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪552‬‬
‫ِ‬
‫التَّف ُّكر فيها وتأ ُّملها يهدي العبدَ إلى العلم َّ‬
‫بالر ِّب سبحانه؛ بوحدان َّيته وصفات‬
‫كماله ونعوت جالله من عموم قدرته وسعة علمه وكمال حكمته وتعدُّ د ِّبره‬
‫والحب‬
‫ِّ‬ ‫بالذ ِّل والخضو ِع‬
‫ثم ُيخلص الدِّ ي َن له و ُيفر ُده وحده ُّ‬
‫وإحسانه‪ ،‬ومن َّ‬
‫تفرد اهلل‬
‫دالئل ظاهرة وبراهي ُن واضحة على ُّ‬ ‫ُ‬ ‫والرجاء‪ ،‬فهي‬
‫واإلنابة والخوف َّ‬
‫بالربوب َّية واأللوه َّية والعظمة والكربياء‪.‬‬
‫الشمس‬‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬و َمن تد َّبر أمر هذين الن ِّيرين العظيمين ‪َ -‬أ ْي‪َّ :‬‬
‫والقمر‪ -‬وجدهما من أعظم اآليات يف خ ْلقهما وجرمهما ونورهما وحركتهما‪،‬‬
‫اختالف بالبطء‬
‫ٌ‬ ‫على هنج واحد ال ينيان وال يفرتان دائبين‪ ،‬وال يقع يف حركتهما‬
‫والرجوع واالستقامة‪ ،‬واالنخفاض واالرتفاع‪ ،‬وال يجري أحدهما‬ ‫والسرعة‪ُّ ،‬‬
‫ُّ‬
‫يف ف َلك صاحبه‪ ،‬وال يدخل عليه يف سلطانه‪ ،‬وال تدرك َّ‬
‫الشمس القمر‪ ،‬وال يجيء‬
‫وهنج مع َّين ال يشركه فيه اآلخر‪،‬‬
‫لكل حركة مقدَّ رة ٌ‬ ‫ال َّليل قبل انقضاء النَّهار‪ ،‬بل ٍّ‬
‫يدل َمن له أدنى عقل‬ ‫مما ُّ‬
‫تأثيرا ومنفع ًة ال يشركه فيها اآلخر؛ وذلك َّ‬ ‫أن له ً‬ ‫كما َّ‬
‫هبرت حكمته العقول وأحاط‬ ‫َ‬ ‫وتدبير مد ِّب ٍر‬
‫ِ‬ ‫وأمر ٍ‬
‫آمر‬ ‫مسخ ٍر‪ِ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫على أنَّه بتسخير‬
‫دقيق وجليل‪ ،‬وفوق ما علمه النَّاس من ِ‬
‫الحكم ا َّلتي يف خلقهما ما‬ ‫بكل ٍ‬‫علمه ِّ‬
‫ال تصل إليه عقولهم‪ ،‬وال تنتهي إلى مبادئها أوهامهم؛ فغايتنا االعرتاف بجالل‬
‫خالقهما وكمال حكمته ولطف تدبيره‪ ،‬وأن نقول ما قاله أولوا األلباب قبلنا‪:‬‬
‫﴿ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [آل عمران‪ ،]191:‬ولو َّ‬
‫أن العبد‬
‫متسخ ٍن‪َّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫ِّ‬ ‫ُوصف له جرم أسود مستدير عظيم الخلق يبدو فيه النُّور كخيط‬
‫ثم يأخذ‬ ‫يتزايد َّ‬
‫كل ليلة حتَّى يتكامل نوره فيصير أضوء شيء وأحسنه وأجمله‪َّ ،‬‬
‫األول‪ ،‬فيحصل بسبب ذلك معرفة األشهر‬
‫يف النُّقصان حتَّى يعود إلى حاله َّ‬
‫حجهم وصالهتم‪ ،‬ومواقيت‬ ‫والسنين وحساب آجال العالم؛ من مواقيت ِّ‬ ‫ِّ‬
‫إجاراهتم و ُمدايناهتم ومعاملتهم ا َّلتي ال تقوم مصالحهم َّإل هبا‪ ،‬فمصالح‬
‫‪553‬‬ ‫‪ -90‬ما ُيقال عند رؤية اهلالل‬

‫الدُّ نيا والدِّ ين متع ِّلقة باأله َّلة‪ .‬وقد ذكر سبحانه ذلك يف ثالثة آيات من كتابه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬قوله‪ ﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ﴾ [البقرة‪،]189 :‬‬
‫وال َّثانية‪ :‬قوله‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [يونس‪:‬‬
‫‪ ،]5‬وال َّثالثة‪ :‬قوله‪﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ﴾ [اإلسراء‪ ،]12 :‬فلوال ما ُيحدثه اهلل سبحانه يف آيات ال َّليل من زيادة‬
‫الرضاع‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والصوم‪ ،‬والعدد‪ ،‬ومدَّ ة َّ‬
‫َّ‬ ‫الحج‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ضوئها ونقصانه؛ لم ُيعلم ميقات‬
‫ومدَّ ة الحمل‪ ،‬ومدَّ ة اإلجارة‪ ،‬ومدَّ ة آجال الحامالت»(‪.)1‬‬
‫وقال ‪« :V‬وانظر إلى القمر وعجائب آياته؛ كيف ُيبديه اهلل كالخيط‬
‫كل ليلة حتَّى ينتهي إلى إبداره‬ ‫نوره ويتكامل شي ًئا فشي ًئا َّ‬ ‫الدَّ قيق‪ ،‬ثم يتزايد ُ‬
‫ثم يأخذ يف النُّقصان حتَّى يعود إلى حالته األولى؛ ليظهر من‬ ‫وكماله وتمامه‪َّ ،‬‬
‫مواقيت العباد يف معاشهم وعباداهتم ومناسكهم‪ ،‬فتم َّيزت به األشهر‬ ‫ُ‬ ‫ذلك‬
‫والسنون‪ ،‬وقام به حساب العالم‪ ،‬مع ما يف ذلك من الح َكم واآليات ِ‬
‫والعرب‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ال اهلل»‪ .‬اهـ كالمه ‪.)2(V‬‬ ‫ا َّلتِي ال ُيحصيها إ َّ‬
‫ثم دعا‬ ‫تعظيما لخالقه ومبدعه سبحانه‪َّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫الهالل ك َّبر‬ ‫ولِهذا كان ﷺ إذا رأى‬
‫ٍ‬
‫وسالمة وإسالم‪،‬‬ ‫شهر ُيمن وإيمان‬ ‫هل هال ُله َ‬ ‫الشهر ا َّلذي َّ‬ ‫اهلل أن يجعل هذا َّ‬
‫يحسن بالمسلم أن يدعو هبا ك َّلما رأى الهالل‪.‬‬ ‫وهي دعو ٌة مبارك ٌة ُ‬
‫اله َل َل‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ول اهلل ِ ﷺ إِ َذا َر َأى ِ‬ ‫َان َر ُس ُ‬‫عن عبد اهلل بن عمر ‪ L‬قال‪ :‬ك َ‬
‫يق لِ َما‬ ‫اإل ْس َلمِ‪ ،‬والت َّْوفِ ِ‬
‫الس َل َم ِة َو ِ‬
‫ان‪َ ،‬و َّ‬ ‫يم ِ‬ ‫«اهلل َأ ْك َب ُر‪ ،‬ال َّل ُه َّم َأ ِه َّل ُه َع َل ْينَا بِ ْالَ ْم ِن َو ْ ِ‬
‫ال َ‬ ‫ُ‬
‫(((  انظر‪ :‬التِّبيان يف أقسام القرآن (ص‪.)164‬‬
‫السعادة (‪.)198/1‬‬
‫(((  انظر‪ :‬مفتاح دار َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪554‬‬

‫ارمي(‪.)1‬‬ ‫ب َوت َْر َضى‪َ ،‬ر ِّبي َو َر ُّب َ‬ ‫ِ‬


‫ك اهللُ»‪ .‬رواه الدَّ ُّ‬ ‫تُح ُّ‬
‫َان إِ َذا َر َأى ا ْل ِه َل َل َق َال‪:‬‬ ‫و َع ْن َط ْل َح َة ْب ِن ُع َب ْي ِد اهلل ‪َ :I‬أ َّن النَّبي ﷺ ك َ‬
‫َّ‬
‫ك اهَّلل»‪ .‬رواه‬ ‫الس َل َم ِة َواإل ْس َلمِ‪َ ،‬ر ِّبي َو َر ُّب َ‬
‫ِ‬ ‫يم ِ‬
‫ان‪َ ،‬و َّ‬ ‫«ال َّل ُه َّم َأ ِه َّل ُه َع َل ْينَا بِا ْل ُي ْم ِن َو ِ‬
‫اإل َ‬
‫ِّرمذي(‪.)2‬‬‫ُّ‬ ‫الت‬

‫وتكبيره ‪ O‬عند رؤية الهالل؛ ألنَّه آي ٌة عظيمة على عظمة َّ‬


‫الر ِّب‬
‫كل شيء‪ ،‬وأنَّه ال شيء أكرب‬ ‫تعظيم هلل واعتقاد أنَّه أكربُ من ِّ‬
‫ٌ‬ ‫وكربيائه‪ ،‬والتَّكبير‬
‫عدي ‪َ « :I‬ف َه ْل َش ْي ٌء ُه َو َأ ْك َب ُر ِم َن اهلل ِ»‪ .‬رواه‬ ‫ٍّ‬ ‫منه‪ ،‬كما قال ﷺ يف حديث‬
‫أحمد(‪.)3‬‬
‫القلب ليس فيه‬ ‫ُ‬ ‫كل كبير وعظيم ليبقى‬ ‫مشروع عند رؤية ِّ‬
‫ٌ‬ ‫َّكبير‬ ‫بل َّ‬
‫إن الت َ‬
‫اشتغال َّإل بتكبير الخالق وتعظيم المبدع له سبحانه‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن‬ ‫ٌ‬
‫مشروع يف المواضع الكبار‪ :‬لكثرة الجمع‪ ،‬أو لعظمة‬ ‫ٌ‬ ‫َّكبير‬
‫تيم َّية ‪« :V‬الت ُ‬
‫أن اهلل أكربُ‪،‬‬ ‫لقوة الحال‪ ،‬أو نحو ذلك من األمور الكبيرة؛ ل ُيب ِّين َّ‬‫الفعل‪ ،‬أو َّ‬
‫وتستولي كربياؤه يف القلوب على كربياء تلك األمور الكبار‪ ،‬فيكون الدِّ ين ك ُّله‬
‫هلل‪ ،‬ويكون العبا ُد له مك ِّبرين‪ ،‬فيحصل لهم مقصودان‪ :‬مقصود العبادة بتكبير‬
‫قلوهبم هلل‪ ،‬ومقصود االستعانة بانقياد سائر المطالب لكربيائه»(‪.)4‬‬
‫غرة القمر لليلتين أو لثالث‪ ،‬ويف غير‬ ‫قوله‪« :‬إِ َذا َر َأى ِ‬
‫اله َل َل»‪ ،‬الهالل‪ :‬هو َّ‬
‫ذلك ُيقال له‪ :‬قمر‪.‬‬
‫«أ ِه َّل ُه َع َل ْينَا»‪ ،‬أي‪ :‬أطلِعه علينا ِ‬
‫وأرنا إ َّياه‪.‬‬ ‫وقوله‪َ :‬‬

‫ارمي (‪.)1729‬‬ ‫(((  رواه الدَّ ُّ‬


‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3451‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫(((  رواه أحمد (‪.)19381‬‬
‫(((  انظر‪ :‬مجموع الفتاوى (‪.)229/24‬‬
‫‪555‬‬ ‫‪ -90‬ما ُيقال عند رؤية اهلالل‬

‫والسكون‬
‫ُّ‬ ‫والراحة‬ ‫يم ِ‬
‫ان»‪ ،‬األم ُن‪ :‬هو ال ُّطمأنينة َّ‬ ‫وقوله‪« :‬بِ ْالَ ْم ِن َو ْ ِ‬
‫ال َ‬
‫والشرور‪ ،‬ويف حديث طلحة «بال ُيمن»‪ ،‬وال ُيمن‪ :‬هو‬ ‫والسالمة من اآلفات ُّ‬ ‫َّ‬
‫السعادة‪ ،‬واإليمان‪ :‬هو اإلقرار والتَّصديق‪ ،‬والخضوع هلل‪.‬‬ ‫َّ‬
‫السالمة‪ :‬هي الوقاية والنَّجاة من اآلفات‬ ‫الس َل َمة َو ْ ِ‬
‫ال ْس َلم»‪َّ ،‬‬ ‫«و َّ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫والمصائب‪ ،‬واإلسالم‪ :‬هو االستسالم هلل واالنقياد لشرعه‪.‬‬
‫أن النَّاس والقمر وجميع المخلوقات‬ ‫ك اهللُ»‪ ،‬فيه إثبات َّ‬
‫«ر ِّبي َو َر ُّب َ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫لحكمه‪ ،‬ويف هذا ر ٌّد على َمن ع َبدها من‬‫مسخرة بأمره خاضع ٌة ُ‬ ‫َّ‬ ‫ك َّلها مربوب ٌة هلل‬
‫دون اهلل‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫فصلت‪.]37 :‬‬ ‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ﴾ [ ِّ‬

‫أن هذا دعاء من َّأوله إلى آخره تعظيم هلل وتمجيده وثناء عليه‬ ‫الحاصل َّ‬
‫هل هالله‪ -‬األمن واإليمان‬ ‫سبحانه‪ ،‬ودعا ٌء أن يكتب للنَّاس يف شهرهم ‪-‬ا َّلذي َّ‬
‫حب ويرضى‪ ،‬وهي دعو ٌة ُتقال يف َّأول ِّ‬
‫كل‬ ‫والسالمة واإلسالم والتَّوفيق لما ُي ُّ‬‫َّ‬
‫خاص ًة بشهر دون شهر‪.‬‬ ‫شهر ليست َّ‬
‫َ‬ ‫ثم َّ‬
‫‪َّ ‬‬
‫إن الحديث فيه فوائد كثيرة أشير إلى �شيء منها‪:‬‬
‫أن فيه بيانًا للفرق بين اإليمان واإلسالم‪ ،‬وأنَّهما‬ ‫‪ ‬فمن فوائد الحديث‪َّ :‬‬
‫خاص؛‬ ‫ٌّ‬ ‫لكل واحد منهما معنى‬ ‫الذكر‪ ،‬بل ِّ‬
‫ليسا شي ًئا واحدً ا عندما يجتمعان يف ِّ‬
‫فاإليمان ُيراد به االعتقادات الباطنة‪ ،‬واإلسالم ُيراد به األعمال ال َّظاهرة‪ ،‬أ َّما‬
‫ً‬
‫متناول لمعنى اآلخر‪.‬‬ ‫بالذكر فإنَّه يكون‬ ‫عند إفراد ِّ‬
‫كل واحد منهما ِّ‬
‫والسالم َة مرتبط ٌة‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫مرتبط باإليمان‪،‬‬ ‫‪ ‬ومن فوائد الحديث‪َّ :‬‬
‫أن األم َن‬
‫السالمة‪ ،‬و َمن رام األمن‬
‫باإلسالم‪ ،‬فاإليمان طريق األمان‪ ،‬واإلسالم طريق َّ‬
‫ضل‪ ،‬واهلل تعالى يقول‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬ ‫والسالمة بغيرهما َّ‬
‫َّ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ﴾ [األنعام‪.]82 :‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪556‬‬

‫الشهور‬‫أهم ما ُتش َغل به ُّ‬


‫أن َّ‬‫أن فيه لفت ًة كريم ًة إلى َّ‬
‫‪ ‬ومن فوائد الحديث‪َّ :‬‬
‫ُ‬
‫اإليمان باهلل وبما أمر عباده باإليمان به‪ ،‬واالستسال ُم‬ ‫مضى فيه األوقات هو‬‫و ُت َ‬
‫الشهور على العبد مع‬ ‫كل أحكامه‪ ،‬وجميع أوامره‪ .‬ومرور ُّ‬ ‫له سبحانه يف ِّ‬
‫للشهور‪ ،‬وحرمان من الخير‪،‬‬ ‫ضياع ُّ‬‫ٌ‬ ‫االنشغال عن هذا المقصد الجليل‬
‫فالشهور َلم ُتخلق ولم توجد َّإل لتكون مستود ًعا لإليمان واألعمال‪ ،‬وهذا‬ ‫ُّ‬
‫إنَّما ينجلي أمره للنَّاس عندما يقفون يوم القيامة بين يدي اهلل ليروا نتاج‬
‫أعمالهم وحصاد حياهتم وثمرة أوقاهتم‪.‬‬
‫هور فروعها‪ ،‬واأل َّيا ُم أغصاهنا‪،‬‬ ‫«السنَ ُة شجرة‪ُّ ،‬‬
‫والش ُ‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪َّ :V‬‬
‫ٍ‬
‫طاعة فثمرة‬ ‫فمن كانت أنفاسه يف‬‫والساعات أوراقها‪ ،‬واألنفاس ثمرها‪َ ،‬‬ ‫َّ‬
‫الج َذاذ يوم‬ ‫ٍ‬
‫شجرته ط ِّيبة‪ ،‬و َمن كانت يف معصية فثمرته حنظل‪ ،‬وإنَّما يكون َ‬
‫حلو ال ِّثمار من ُم ِّرها»‪ .‬اهـ كالمه ‪.)1(V‬‬
‫الجذاذ يتب َّين ُ‬
‫المعاد‪ ،‬فعند َ‬
‫والسالمة واإلسالم‪ ،‬والتَّوفيق‬
‫َع َم َر اهلل أوقاتنا أجمعين باألمن واإليمان‪َّ ،‬‬
‫لما يح ُّبه ويرضاه‪.‬‬

‫(((  انظر‪ :‬الفوائد (ص‪.)164‬‬


‫‪557‬‬ ‫‪ -91‬ال ِّذكر املتعلِّق بال ِّصيام‪ ،‬ودعاء ليلة القدر‬

‫‪91‬‬
‫ال ِّذكر املتعلِّق بال ِّصيام‪ ،‬ودعاء ليلة القدر‬

‫ب ال َّظ َم ُأ‪،‬‬
‫ول اهلل ﷺ إِ َذا َأ ْف َط َر‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ذ َه َ‬ ‫َع ِن ا ْب ِن ُع َم َر ‪َ L‬ق َال‪ :‬ك َ‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫ت ْالَ ْج ُر إِ ْن َشا َء اهللُ»‪ .‬رواه أبو داود(‪.)1‬‬ ‫واب َت َّل ِ‬
‫ت ا ْل ُع ُر ُ‬
‫وق‪َ ،‬و َث َب َ‬ ‫َ ْ‬
‫الصائم عند وقت اإلفطار يكون قد اشتدَّ به‬ ‫ب ال َّظ َم ُأ»‪َّ ،‬‬
‫ألن َّ‬ ‫قوله‪َ « :‬ذ َه َ‬
‫العطش والحاجة للماء‪ ،‬فإذا شرب ذهب ظمؤه‪ ،‬أي‪ :‬عطشه‪.‬‬
‫وق»‪ ،‬أي‪ :‬بالماء ا َّلذي شربه فأذهب ال َّظمأ َّ‬
‫وبل‬ ‫قوله‪« :‬واب َت َّل ِ‬
‫ت ا ْل ُع ُر ُ‬ ‫َ ْ‬
‫العروق‪.‬‬
‫تم واألجر قد‬
‫الصالح قد َّ‬ ‫أن العمل َّ‬‫ت األَ ْج ُر إِ ْن َشا َء اهللُ»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬
‫«و َث َب َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫الجمل قبله ك َّلها إخبار‪.‬‬ ‫حصل‪ .‬وهذا ليس دعا ًء وإنَّما هو إخبار؛ َّ‬
‫ألن ُ‬
‫وقوله‪« :‬إِ ْن َشا َء اهللُ»‪ ،‬أي‪ :‬ثبوت األجر بأن تق َّبله سبحانه‪ ،‬فال يكون‬
‫المتفضل عليه باألجر وال َّثواب كما أنَّه‬
‫ِّ‬ ‫جاز ًما لنفسه بالقبول‪ ،‬واهلل سبحانه هو‬
‫المتفضل عليه بالعمل ا َّلذي كان سب ًبا يف نيل األجر وال َّثواب‪ ،‬فل َّله الفضل‬ ‫ِّ‬ ‫هو‬
‫وآخرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫والم ُّن َّأو ًل‬
‫َ ََ َْ‬
‫الد َع ُاء ل ْيلة الق ْدر‬
‫‪ُّ ‬‬

‫ول اهللِ! َأ َر َأ ْي َت إِ ْن َعلِ ْم ُت َأ َّي َل ْي َل ٍة‬ ‫َع ْن َعائِ َش َة ‪َ J‬قا َل ْت‪ُ « :‬ق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ب ا ْل َع ْف َو َفا ْع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ول فِ َيها؟ َق َال‪ُ « :‬قولِي‪ :‬ال َّل ُه َّم إِن َ‬
‫َل ْي َل ُة ا ْل َقدْ ِر‪َ ،‬ما َأ ُق ُ‬
‫ف‬ ‫َّك َع ُف ٌّو تُح ُّ‬
‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)2357‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪558‬‬

‫ِّرمذي وابن ماجه(‪.)1‬‬


‫ُّ‬ ‫َعنِّي»‪ .‬رواه الت‬
‫‪E‬‬ ‫فضلها اهلل‬‫ليلة القدر هي خير ال َّليالي‪ ،‬وأشرفها‪ ،‬وأعظمها‪َّ ،‬‬
‫وخير مضاعف؛ فهي ليلة‬ ‫ٍ‬ ‫على سائر ال َّليالي بما جعل فيها من ٍ‬
‫بركة عظيمة‬
‫السنوات يزيد على ال َّثمانين سنةً‪.‬‬
‫واحدة لكنَّها خير من ألف شهر‪ ،‬وبحساب َّ‬
‫يدل على عظم شأن هذه ال َّليلة ومكانتها العظيمة‪ ،‬قال اهلل‬ ‫أن هذا ُّ‬
‫والشك َّ‬
‫َّ‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾‬
‫[الدُّ خان‪ ،]4-3 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [القدر‪.]5-1:‬‬
‫تنزل المالئكة‪ ،‬لكثرة‬‫يف هذه ال َّليلة المباركة كما أخرب اهلل سبحانه يكثر ُّ‬
‫تنزل‬ ‫الربكة ا َّلتي جعلها اهلل ‪ E‬يف هذه ال َّليلة؛ َّ‬
‫ألن نزول المالئكة مع ُّ‬
‫الربكة‪ .‬ووصف اهلل ‪ D‬هذه ال َّليلة بأنَّها سال ٌم حتَّى مطلع الفجر‪ ،‬أي‪ :‬أنَّها‬
‫شر إلى طلوع الفجر‪.‬‬ ‫خير ك ُّلها وسال ٌم ك ُّلها ليس فيها ٌّ‬
‫ٌ‬
‫كل ٍ‬
‫أمر حكيم‪ ،‬أي‪ :‬يقدَّ ر ما‬ ‫ويف هذه ال َّليلة كما أخرب اهلل ‪ُ E‬ي ْف َرق ُّ‬
‫نوي»‪،‬‬
‫الس َّ‬ ‫َّقدير َّ‬
‫سمى‪« :‬الت َ‬
‫السنة إلى ليلة القدر األخرى‪ ،‬وهذا ُي َّ‬ ‫يكون يف تلك َّ‬
‫داخل يف «التَّقدير العا ِّم» ا َّلذي هو ما كتبه اهلل يف ال َّلوح المحفوظ قبل‬
‫ٌ‬ ‫وهو‬
‫السموات واألرض بخمسين ألف سنةً‪.‬‬ ‫خلق َّ‬
‫خير من ألف شهر ليس يف تلك ُّ‬
‫الشهور‬ ‫قال مجاهد ‪« :V‬ليل ُة القدر ٌ‬
‫وغير واحد(‪.)2‬‬
‫افعي ُ‬ ‫ليلة القدر»‪ ،‬وكذا قال قتادة َّ‬
‫والش ُّ‬
‫حريصا على طلبها‬
‫ً‬ ‫ليل ٌة هذا شأهنا ينبغي على عبد اهلل المؤمن أن يكون‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)3513‬وابن ماجه (‪،)3850‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫(((  ذكره ابن كثير يف تفسيره (‪.)427/8‬‬
‫‪559‬‬ ‫‪ -91‬ال ِّذكر املتعلِّق بال ِّصيام‪ ،‬ودعاء ليلة القدر‬

‫تمر كسائر ال َّليالي! بل يكون لها شأن‬


‫وأل َّ‬‫وتحريها واالجتهاد فيها بالدُّ عاء‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬
‫تحريها‪.‬‬
‫وقوة إقبال يف النَّفس على ِّ‬
‫عظيم‪َّ ،‬‬
‫بتحري هذه ال َّليلة يف العشر األواخر من رمضان‪،‬‬ ‫ونب ُّينا ‪ O‬أمرنا ِّ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ‪« :‬ت ََح َّر ْوا َل ْي َل َة ا ْل َقدْ ِر فِي ا ْل َع ْشرِ‬
‫ف َع ْن َعائِ َش َة ‪َ J‬قا َل ْت‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ان»‪ .‬متَّفق عليه(‪.)1‬‬ ‫اخرِ ِم ْن َر َم َض َ‬
‫ْالَو ِ‬
‫َ‬
‫يتحرى هذه ال َّليلة يف ِّ‬
‫كل ليلة من العشر‪ ،‬حتَّى‬ ‫ولهذا ُينصح المسلم أن َّ‬
‫ويتحرى فيها ليلة القدر‪ ،‬وتكون يف األوتار أوكد‬
‫َّ‬ ‫يفوت ليل ًة َّإل‬
‫ليلة ثالثين‪ ،‬ال ِّ‬
‫تحرى يف العشر ك ِّلها‪ ،‬ويحرص المرء فيها على االستكثار من األعمال‬ ‫لكن ُت َّ‬
‫الصالحة وأنواع ال ُقرب وكثرة الدُّ عاء وال ُّلجوء إلى اهلل سبحانه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ومن أنفع الدُّ عاء يف ليلة القدر‪ :‬هذا الدُّ عاء ا َّلذي جاء يف حديث عائشة‬
‫ي َل ْي َل ٍة َل ْي َل ُة ال َقدْ ِر َما َأ ُق ُ‬
‫ول؟»‬ ‫ت َأ َّ‬ ‫َّبي ﷺ قالت‪« :‬إِ ْن َع ِل ْم ُ‬ ‫‪J‬؛ أنَّها سألت الن َّ‬
‫متقرر‬
‫يدل على أنَّه ِّ‬ ‫ول»؛ هذا ُّ‬ ‫وقولها ‪« :J‬إِ ْن َعلِ ْم ُت َأ َّي َل ْي َل ٍة َل ْي َل ُة ال َقدْ ِر َما َأ ُق ُ‬
‫تحرى يف تلك ال َّليلة و ُيرجى فيها القبول‪ ،‬لكن كانت تسأل‬ ‫عندهم َّ‬
‫أن الدُّ عاء ُي َّ‬
‫متقر ٌر‬
‫تحري الدُّ عاء من حيث هو‪ ،‬فهو ِّ‬ ‫تتحرى من الدُّ عاء؟ أ َّما ِّ‬
‫‪ J‬ماذا َّ‬
‫عندهم يف هذه ال َّليلة‪ .‬ولهذا ينبغي على المسلم أن يحرص على االستكثار من‬
‫َّ‬
‫َّبي ‪.O‬‬ ‫خاص ًة هبذا الدُّ عاء الذي ع َّينه الن ُّ‬
‫الدُّ عاء‪ ،‬ويعتني َّ‬
‫ول فِ َيها؟» فيه تنبيه للمسلم يف ِّ‬
‫كل باب أن‬ ‫«ما َأ ُق ُ‬
‫وقول عائشة ‪َ :J‬‬
‫ألن قولها «ما أقول؟» أرادت به الهدي‬ ‫السنَّة حتَّى يعرف ما يقول؛ َّ‬‫يتحرى ُّ‬
‫َّ‬
‫والسنَّة‪ ،‬وكانت تستطيع أن ُتنشئ أدعية كثيرة حسنة‪ ،‬لكنَّها لم تفعل وسألت‬ ‫ُّ‬
‫ماذا تقول؟ ومن النَّاس يدعو بما يشاء‪ ،‬حتَّى إنَّك ترى يف دعائه مخالفات‪،‬‬
‫بعض المتك ِّلفين وتكون‬
‫ومن النَّاس َمن يذهب الى كتب تك َّلف إنشاءها ُ‬
‫البخاري (‪ ،)2020‬ومسلم (‪.)1169‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
wea
. l'
.,
aGzï'412mI r-)7.
jA. * I. I - - .
A-
$5u.u -'JJ =, clzx)I 'a,( I ..l*uo
a .k' J
*o '.
ta
f' ' ''<.
ux *-
...=u
'
uowt
.'oow5twz u'lucglv=v
I.w =-
.M'5Io''ao .p=
1'''p', u'wpœ''. 'L '
. . Aw;t :.u'e
p v.. '''
. C ''5z
tw-
.
cuo y a ,.
+uo wzx-z
.I
=.w $11w u q
fs g.
'p w c.pb ' !v..x -wwJ'
.p J '
;Z 1'
. .J.#*))'.JV'e-
..
r.tI '1 l ' -

'
<. .H f ù=œ 'hQ> = 4Jb OJ'
wu 4a
'h =;'
t'
Z'

b<
*..w.I
aw1j<
*
kw
I')ugjq
*.twtx
w
/.wwI
u qjj.jx oI
w.
)jI.tAyLwwljulï
gj;
'I,
.
o : . . f ; Jc J =
W o'
S W' J;'
uU Iat
''wpl.
I+.a').& ', .a...c . .-1.y%I a'e.
.+. ',
,'
k.s'uîI<
2YUjIQ'
+,Y
;.t
'..Ju-sJJ.L;7 I
UJZ:;)J-.;'
t,tJIqz-'p;)ô-taxskiIr-pq u)i ''hh'h t;
'
.JI<
-
uta
' l 3 -
- lJ -'*
lh1
*L
.iu -pa- J- - k.s-c>'
.
') éJ mza'
I 1.14 Jxz
.:I
c
fo.z) j2'
' +.5J uI
v,I
o' I 5It 5I I I . 'j' ' ' rj ''
. , k..
.
.wai+- %.F<.ç w,H .a> wz.4.*J -.*&n 42jw1Iw.
=w ,

w wI!w1ju .q pxI
ua 5 w......
..U I.
f
.w:IJ'o'..'
vozw z o x'w.
.:I f juy
Tjw iN' 'o'.J.
o I.
x'u11
,. 'Y .f ' .' s '9
'
'
1.$;
. .. h
J. ';'- 1.q-
.a e u o
. '
.
u 9p
'')j4't.w'It''
'u.
w
.
-' .'I'
wu u'2hw1.->
o k. ''
.J u'k. 'a
:...
t-h'ate
l. '-.s..e..'
,s

u;
fu lo-Lz w'
w. w k-eo w <.œlw.wzJ .)
.).w' vra v.
:..
N: a
I. uwo.1
. k.
:wv+auq
faw
.a.GJ!
' x . v x' j 4 .v ; â z â zv - Ar
t;rn-%1: L'
. . ..
21or;6u
'
..txl!'
zu'J1! <b-4k1J.ewo'r..pL'
..- t.
.pZ.h
l'
..y-'w1
I'a'
.z .

it1
x-.y1
w/ .q rwê
'I.#' .G=-1huy
a
'o*--l
'x.w*-5jJ J=+
'-5I.-:7%z'Iu'
âk>a)Ix'.
w5IU;JJ,
‫‪561‬‬ ‫‪ -91‬ال ِّذكر املتعلِّق بال ِّصيام‪ ،‬ودعاء ليلة القدر‬
‫رجل‪ ،‬فقال‪« :‬يا رس َ ِ‬ ‫‪ I‬قال‪ :‬أتى النَبِي ﷺ ٌ‬
‫فض ُل؟»‬ ‫أي الدُّ عاء َأ َ‬
‫ول اهلل‪ُّ ،‬‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فقال‪« :‬يا َنب َّي‬ ‫ثم أتاه الغد‪َ ،‬‬ ‫«س ِل اهللَ ال َع ْف َو وال َعاف َي َة في الدُّ ْن َيا َواآلخ َرة»‪َّ ،‬‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫اآلخ َر ِة‪َ ،‬فإِ َذا‬
‫اهلل‪ ،‬أي الدُّ عاء َأ ْف َضل؟» قال‪« :‬س ِل اهلل الع ْفو وا ْلعافِي َة فِي الدُّ ْنيا و ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫ت»(‪.)1‬‬ ‫اآلخ َر ِة َف َقدْ َأ ْف َل ْح َ‬
‫يت العافِي َة فِي الدُّ ْنيا و ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُأ ْعط َ َ َ‬
‫ِ‬

‫البخاري يف األدب المفرد وابن ماجه عن أوسط بن إسماعيل قال‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫وروى‬
‫ديق ‪ I‬بعد وفاة رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬قام النَّبِ ُّي ﷺ‬ ‫الص َ‬ ‫سمعت أبا بكر ِّ‬ ‫ُ‬
‫الصدْ ِق‪َ ،‬فإِ َّن ُه َم َع البِ ِّر‬
‫ثم قال‪َ « :‬ع َل ْي ُك ْم بِ ِّ‬ ‫ثم بكى أبو بكر‪َّ ،‬‬ ‫عا َم َّأول مقامي هذا»‪َّ ،‬‬
‫َّار‪َ ،‬و َس ُلوا َ‬
‫اهلل‬ ‫ور َو ُه َما فِي الن ِ‬ ‫الجن َِّة‪َ ،‬وإ َّياك ُْم َوال َك ِذ َب‪َ ،‬فإِ َّن ُه َم َع ال ُف ُج ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ُه َما في َ‬
‫ين َخير مِن المعا َف ِ‬ ‫ِ‬
‫اة‪َ ،‬و َل َت َقا َط ُعوا‪َ ،‬و َل َتدَ ا َب ُروا‪،‬‬ ‫الم َعا َفاةَ‪َ ،‬فإ َّن ُه َل ْم ُي ْؤ َت َب ْعدَ ال َيق ِ ْ ٌ َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫اسدُ وا‪َ ،‬و َل َت َبا َغ ُضوا‪َ ،‬وكُونُوا ِع َبا َد اهللِ إِ ْخ َوانًا»(‪.)2‬‬ ‫َو َل َت َح َ‬
‫فإن من الخير للمسلم أن يكثر من هذه الدَّ عوة المباركة يف ِّ‬
‫كل وقت‬ ‫ولهذا َّ‬
‫كل ٍ‬
‫أمر حكيم‪ ،‬وليعلم المسلم‬ ‫وحين‪ ،‬وال س َّيما يف ليلة القدر ا َّلتي فيها ُيفرق ُّ‬
‫حب العفو‪﴿ :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬ ‫عفو كريم ُي ُّ‬
‫أن اهلل ‪ٌّ D‬‬ ‫َّ‬
‫الشورى‪ ،]25 :‬ولم يزل سبحانه وال يزال بالعفو‬ ‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [ ُّ‬
‫محتاج إلى‬ ‫مضطر إلى عفوه‬ ‫وكل ٍ‬
‫أحد‬ ‫وبالصفح والغفران موصو ًفا‪ُّ ،‬‬ ‫معرو ًفا‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫ألحد عن رحمته‬ ‫ٍ‬
‫ألحد عن عفوه ومغفرته‪ ،‬كما أنَّه ال غنى‬ ‫مغفرته‪ ،‬ال غنى‬
‫وكرمه‪.‬‬
‫وهذان ال َّلفظان «العفو» و«العافية» هما من األلفاظ ا َّلتي يقول عنها أهل‬
‫العلم‪« :‬إذا اجتمعت افرتقت وإذا افرتقت اجتمعت»؛ فإذا ُذكر العفو وحده‬
‫شمل معنى العافية‪ ،‬وإذا ُذكرت العافية وحدها شملت معنى العفو‪ ،‬وإذا ُذكرا‬

‫والبخاري يف األدب المفرد (‪.)637‬‬


‫ُّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3512‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫والبخاري يف األدب المفرد (‪،)724‬‬ ‫(((  رواه ابن ماجه (‪،)3849‬‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪562‬‬

‫فمثل‪:‬‬‫م ًعا أصبح العفو فيما يتع َّلق بالماضي‪ ،‬والعافية فيما يتع َّلق بالمستقبل‪ً ،‬‬
‫ي َل ْي َل ٍة ِه َي َما َذا‬ ‫ت إِ َذا َع ِل ْم ُ‬
‫ت َل ْي َل َة ال َقدْ ِر َأ َّ‬ ‫«أ َر َأ ْي َ‬
‫قول عائشة ‪ J‬للنَّبي ﷺ‪َ :‬‬
‫ِّ‬
‫ب ال َع ْف َو َفا ْع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ول؟» َق َال‪ُ « :‬قولِي‪ :‬ال َّل ُه َّم إِن َ‬
‫َأ ُق ُ‬
‫ف َعنِّي» ؛ «فاعف‬‫(‪)1‬‬
‫َّك َع ُف ٌّو تُح ُّ‬
‫ألن العفو إذا ُذكر وحده شمل معنى‬ ‫ٌ‬
‫سؤال للعفو لكنَّه يشمل العافية‪َّ ،‬‬ ‫عنِّي»‬
‫وأيضا العفو فيما سيأيت بتجنيب المرء‬
‫العافية؛ فهو يشمل العفو لما مضى‪ً ،‬‬
‫ضم لها ثالث‪ :‬وهو المعافاة؛ فيكون العفو لما مضى‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫الشرور واآلثام‪ .‬ور َّبما َّ‬
‫والعافية لما سيأيت‪ ،‬والمعافاة لإلنسان يف حاله ووقته الحاضر‪.‬‬
‫َّسائي من حديث أبي هريرة يرفعه‪:‬‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬ويف سنن الن ِّ‬
‫يقين َخ ْير ًا ِم ْن ُم َعا َف ٍاة»(‪،)2‬‬
‫ٍ‬ ‫الم َعا َفاةَ‪َ ،‬ف َما ُأوتِ َي َأ َحدٌ َب ْعدَ‬ ‫ِ‬
‫«س ُلوا اهللَ ال َع ْف َو َوال َعاف َي َة َو ُ‬
‫َ‬
‫الشرور الماضية بالعفو‪ ،‬والحاضرة بالعافية‪،‬‬ ‫تتضمن إزالة ُّ‬ ‫َّ‬ ‫وهذه ال َّثالثة‬
‫واالستمرار على العافية»‪ .‬اهـ‬
‫َ‬ ‫تتضمن المداوم َة‬
‫َّ‬ ‫َوالمستقبلة بالمعافاة؛ فإنَّها‬
‫كالمه ‪.)3(V‬‬

‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)3513‬وابن ماجه (‪،)3850‬‬‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫َّسائي يف الكربى (‪.)10651‬‬ ‫(((  رواه الن ُّ‬
‫َّبوي (ص‪.)160‬‬ ‫(((  انظر‪ :‬زاد المعاد (‪ ،)197/4‬وال ِّط ُّ‬
‫ب الن ُّ‬
‫‪563‬‬ ‫‪ -92‬أذكار ركوب ال َّداب َّة وال َّسفر (‪)1‬‬

‫‪92‬‬

‫أذكار ركوب ال َّداب َّة وال َّسفر (‪)1‬‬

‫الدَّ ابة‪ ،‬أي‪ :‬المركوب ا َّلذي يركبه المرء لينتقل من مكان إلى مكان‪ ،‬وهو‬
‫من النِّعم العظيمة‪ ،‬قال اهلل تعالى يف سورة النَّحل‪ ،‬سورة عدِّ النِّعم‪﴿ :‬ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [النَّحل‪ ،]8 :‬وتدخل‬
‫والس َّيارات والقطارات وغيرها يف قوله‪:‬‬ ‫وسائل النَّقل الحديثة كال َّطائرات َّ‬
‫﴿ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾‪ ،‬فإذا ركب المرء مركو ًبا من هذه المركوبات ُشرع له‬
‫وأيضا فيما يتع َّلق‬ ‫َّبي ﷺ يف ركوب الدَّ ا َّبة‪ً .‬‬ ‫َ‬ ‫ِّ َّ‬
‫أن يقول الذكر الذي يؤثر عن الن ِّ‬
‫بالسفر هناك أدعية مأثورة تتع َّلق به؛ بماذا ُي َو ِّدع المسافر أهله؟ وبما يو ِّدعونه؟‬ ‫َّ‬
‫وصى؟‬ ‫وبماذا ُي َ‬
‫ك اهللَ‬ ‫«أ ْست َْو ِد ُع َ‬ ‫ول اهللِ ﷺ ‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬ ‫قال‪َ :‬و َّد َعنِي َر ُس ُ‬‫َع ْن َأبي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬‬
‫يع َو َدائِ ُع ُه»‪ .‬رواه ابن ماجه(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫ا َّلذي َل تَض ُ‬
‫ِ‬

‫«م ْن َأ َرا َد َأ ْن ُي َسافِ َر َف ْل َي ُق ْل لِ َم ْن‬


‫و َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪َ :‬‬
‫يع َو َدائِ َع ُه»‪ .‬رواه ال َّطربانِ ُّي يف الدُّ عاء(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف‪َ :‬أ ْست َْود ُعك ُُم اهَّللَ ا َّلذي َل ُيض ُ‬
‫ُيخَ ِّل ُ‬
‫أتيت أبا‬‫السن ِِّّي عن موسى بن وردان‪ ،‬قال‪ُ :‬‬ ‫ويف عمل اليوم وال َّليلة البن ُّ‬
‫ك َيا ا ْب َن َأ ِخي‬ ‫«أ َل ُأ َع ِّل ُم َ‬
‫هريرة ُأو ِّدعه لسفر أردته‪ ،‬فقال أبو هريرة ‪َ :I‬‬

‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه ابن ماجه (‪،)2825‬‬
‫(((  رواه ال َّطرباينُّ يف الدُّ عاء (‪ ،)823‬وقال االلباينُّ يف تخريج الكلم ال َّط ِّيب (ص‪:)168‬‬
‫«حسن اإلسناد»‪.‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪564‬‬
‫ِ‬ ‫َشيئًا ع َّلمن ِ ِيه رس ُ ِ‬
‫ت‪َ :‬ب َلى‪َ ،‬ق َال‪ُ « :‬ق ْل‪:‬‬‫الو َداعِ؟» َق َال‪ُ :‬ق ْل ُ‬ ‫ول اهلل ﷺ َأ ُقو ُل ُه عنْدَ َ‬ ‫ْ َ َ َ ُ‬
‫يع َو َدائِ ُع ُه»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْست َْود ُعك ُُم اهللَ ا َّلذي َل تَض ُ‬
‫ِ‬
‫ول‪ :‬إِ َّن اهللَ‬
‫َان َي ُق ُ‬
‫يم ك َ‬
‫الحك َ‬ ‫ان َ‬ ‫ويف المسند عن النَّبِ ِّي ﷺ أنَّه قال‪« :‬إِ َّن ُل ْق َم َ‬
‫ُود َع َش ْيئًا َح ِف َظ ُه»(‪.)2‬‬ ‫‪ D‬إِ َذا است ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫بالسفر‪.‬‬ ‫هم َّ‬ ‫«م ْن َأ َرا َد َأ ْن ُي َساف َر»‪ ،‬أي‪َ :‬من َّ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫ف»‪ ،‬أي‪ :‬لي ُقل ألهله وولده ا َّلذين يرتكهم ولرفقائه‪.‬‬ ‫قوله‪َ « :‬ف ْل َي ُق ْل لِ َم ْن ُيخَ ِّل ُ‬
‫يع َو َدائِ ُع ُه»‪ ،‬أي‪ :‬أترككم يف وداعه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«أ ْست َْود ُعك ُُم اهللَ ا َّلذي َل تَض ُ‬
‫ِ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫فإن اهلل ‪ D‬ما استودع شي ًئا َّإل‬ ‫‪ F‬وبحفظه ورعايته وتوفيقه وتسديده‪َّ ،‬‬
‫حفظه‪ ،‬فهو يكلؤه بعنايته وحفظه‪ .‬وهو بمعنى قول لقمان‪َّ :‬‬
‫«إن اهلل ‪ D‬إذا‬
‫عاجز فإذا تربَّأ من االسباب واعرتف بضعفه‬‫ٌ‬ ‫ُود َع شي ًئا َح ِف َظ ُه»؛ َّ‬
‫ألن العبد‬ ‫است ِ‬
‫ْ‬
‫وقوته واستودع اهلل شي ًئا؛ حفظه‪ ،‬فاهلل خير حاف ًظا‪.‬‬
‫وبرئ من حوله َّ‬
‫ول ل ِ َّلر ُج ِل إِ َذا َأ َرا َد َس َف ًرا‪ :‬ا ْد ُن مِنِّي ُأ َو ِّد ْع َك‬ ‫َو َع ْن ا ْب ِن ُع َم َر ‪ L‬ك َ‬
‫َان َي ُق ُ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫«أ ْست َْو ِد ُع اهللَ ِدين َ‬
‫َك َو َأ َما َنت َ‬ ‫ول‪َ :‬‬ ‫ول اهلل ﷺ ُي َو ِّد ُعنَا‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫ك ََما ك َ‬
‫َك َو َخ َوات َ‬
‫ِّرمذي(‪.)3‬‬
‫ُّ‬ ‫ك»‪ .‬رواه الت‬ ‫َع َم ِل َ‬

‫َان النَّبِ ُّي ﷺ إِ َذا َو َّد َع َر ُج ًل‪َ ،‬أ َخ َذ بِ َي ِد ِه‪،‬‬


‫ِّرمذي‪ ،‬ولفظه‪« :‬ك َ‬ ‫ُّ‬ ‫البزار والت‬
‫ورواه َّ‬
‫ِ‬ ‫الر ُج ُل ُه َو ا َّل ِذي َيدَ ُع َيدَ النَّبِ ِّي ﷺ‪َ ،‬و َي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬أ ْست َْود ُع اهَّللَ‬ ‫َفالَ َيدَ ُع َيدَ ُه َحتَّى َيك َ‬
‫ُون َّ‬
‫السنن الكربى (‪ ،)10269‬ويف عمل اليوم وال َّليلة (‪ ،)508‬وابن‬ ‫َّسائي يف ُّ‬
‫(((  رواه الن ُّ‬
‫الصحيحة (‪:)664‬‬
‫السلسلة َّ‬ ‫السن ِِّّي يف عمل اليوم وال َّليلة (‪ ،)505‬وقال األلباينُّ يف ِّ‬
‫ُّ‬
‫«إسناده حسن»‪.‬‬
‫(((  رواه أحمد (‪.)5605‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3443‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫‪565‬‬ ‫‪ -92‬أذكار ركوب ال َّداب َّة وال َّسفر (‪)1‬‬

‫يم َع َم ِل َ‬
‫ك»(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِدين َ‬
‫َك‪َ ،‬و َأ َما َنت َ‬
‫َك‪َ ،‬و َخ َوات َ‬
‫ول اهلل ِ ﷺ ُي َو ِّد ُعنَا»‪ ،‬فيه فائدة عظيمة للمسلم‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫قوله ‪« :I‬ك ََما ك َ‬
‫السنَّة وتطبيقها‪ .‬وال يعجز الواحد منهم عندما‬
‫الصحابة على ُّ‬
‫وهي‪ :‬حرص َّ‬
‫يو ِّدع أحد ًا أن يأيت بكلمات جميلة ُتع ِّبر عن مشاعره نحوه‪ ،‬لك َّن َّ‬
‫الصحابة‬
‫السنَّة ألنَّها بركة ك ُّلها‪.‬‬
‫‪ M‬مع قدرهتم على ذلك كانوا حريصين على ُّ‬
‫أن الوداع عن قرب أولى من الوداع عن بعد؛‬ ‫قوله‪« :‬ا ْد ُن ِمنِّي»‪ ،‬فيه َّ‬
‫فبالقرب تحصل المصافحة والمعانقة ونحو ذلك‪.‬‬
‫توديع عظيم‬ ‫ك»‪ ،‬هذا‬ ‫يم َع َم ِل َ‬ ‫ِ‬ ‫َك َو َأ َما َنت َ‬‫«أ ْست َْو ِد ُع اهللَ ِدين َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫ٌ‬ ‫َك َو َخ َوات َ‬
‫لمن هو مقيم يو ِّدع به المسافر؛ أن يجعله اهلل يف حفظه وكالءته يف دينه وأمانته‬ ‫َ‬
‫وخواتيم عمله‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫‪ ‬وهذا فيه َّ‬
‫أن األسفار مظنة املخاطر على املرء في هذه الثالث‪:‬‬
‫والمضـر ِة ا َّلتـي قـد تحصـل لإلنسـان يف سـفره‬ ‫َّ‬
‫‪َّ -‬أمـا ّ‬
‫الديـن‪ :‬فبالفتنـة فيـه‬
‫ِ‬
‫فتضـر بدينه؛ فهو‬
‫ُّ‬ ‫الشـهوات ا َّلتـي تفسـده‬ ‫للشـبهات ا َّلتـي تحرفـه أو َّ‬ ‫ِ‬
‫َّعـرض ُّ‬ ‫والت‬
‫َّ‬
‫مضلات الفتـن مـا‬ ‫ٍ‬
‫بحاجـة لهـذه الدَّ عـوة أن يحفـظ عليـه دينـه ويث ِّبتـه و ُيجنِّبـه‬
‫ظهـر منهـا ومـا بطـن‪.‬‬
‫وأما األمانة‪ :‬وأمرها عظيم و شأهنا كبير؛ سواء بمعناها العا ِّم يف قوله‬
‫‪َّ -‬‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫الخاص يف قول‬
‫ِّ‬ ‫ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [األحزاب‪ ،]72 :‬أو بمعناها‬
‫َك‪َ ،‬وال تَخُ ْن َم ْن َخان َ‬
‫َك»(‪.)2‬‬ ‫النَّبي ﷺ‪َ :‬‬
‫«أ ِّد ْالَ َما َن َة إِ َلى َم ْن ا ْئت ََمن َ‬ ‫ِّ‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫والبزار يف مسنده (‪،)5952‬‬
‫ِّرمذي (‪َّ ،)3442‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫والرتمذي (‪،)1264‬‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)3534‬‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪566‬‬

‫َّقرب الى اهلل‬ ‫أيضا مقام عظيم يف العبادة والت َّ‬ ‫وأما خواتيم العمل‪ :‬وهذا ً‬ ‫‪َّ -‬‬
‫أن المسافر‬ ‫خير ويف عم ٍل صالح‪ .‬ويف هذا لفتة َّ‬ ‫بأن يختم له يف هذه الحياة على ٍ‬
‫سفرا ال عودة فيه‪ ،‬فكم من مسافر انتهت حياته يف‬ ‫عرضة يف سفره أن يكون ً‬
‫سفره‪ ،‬فالدُّ عاء له هبذا عظيم يف هذا المقام؛ أن ُيختم له بعمل صالح وطاعة‬
‫بحسنها‪.‬‬ ‫مجبور ُ‬
‫ٌ‬ ‫ألن المدار عليها يف أمر اآلخرة‪ ،‬والتَّقصير فيما قبلها‬ ‫هلل؛ َّ‬
‫َان النَّبِ ُّي ﷺ إِ َذا َو َّد َع َر ُج ًل‪َ ،‬أ َخ َذ بِ َي ِد ِه‪َ ،‬ف َل َيدَ ُع َيدَ ُه َحتَّى َيك َ‬
‫ُون‬ ‫قوله‪« :‬ك َ‬
‫الر ُج ُل ُه َو ا َّل ِذي َيدَ ُع َيدَ النَّبِ ِّي ﷺ»‪ ،‬هذا من لطفه وإحسانه صلوات اهلل‬ ‫َّ‬
‫الرجل؛ وذلك من غاية التَّواضع وهناية إظهار‬ ‫وسالمه عليه‪ ،‬فال يرتك يد َّ‬
‫َّبي ﷺ باختياره‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الرجل هو الذي يدع يد الن ِّ‬ ‫والرحمة حتَّى يكون َّ‬ ‫المح َّبة َّ‬
‫ول اهلل إِنِّي ُأ ِريدُ َأ ْن ُأ َسافِ َر‬ ‫َو َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ :I‬أ َّن َر ُج ًل َق َال‪َ :‬‬
‫«يا َر ُس َ‬
‫ك بِ َت ْقوى اهَّللِ‪ ،‬وال َّت ْكبِيرِ ع َلى ك ُِّل َشر ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫ف»‪َ ،‬ف َل َّما َأ ْن َو َّلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َف َأ ْوصني»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫«ع َل ْي َ‬
‫ِ‬
‫ِّرمذي‬
‫ُّ‬ ‫الس َف َر»‪ .‬رواه الت‬ ‫الر ُج ُل‪َ ،‬ق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم ا ْط ِو َل ُه األَ ْر َض‪َ ،‬و َه ِّو ْن َع َل ْيه َّ‬ ‫َّ‬
‫وابن ماجه(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫لألولين واآلخرين‬ ‫ك بِ َت ْق َوى اهَّلل»‪ ،‬هذه وص َّية اهلل ‪َّ E‬‬ ‫قوله‪َ « :‬ع َل ْي َ‬
‫من خلقه‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫َّبي ﷺ أل َّمته‪ ،‬وهي خير ما يوصى به‪ ،‬فكان‬ ‫ﮪﮫ﴾ [النِّساء‪ ،]131 :‬وهي وص َّية الن ِّ‬
‫ك بِ َت ْق َوى اهلل ِ»‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫ﷺ إذا و َّدع أحدً ا أوصاه بتقوى اهلل ‪ D‬بقوله‪َ « :‬ع َل ْي َ‬
‫واعتن هبا‪ ،‬واحذر من خوادشها وخوارمها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الزمها يف سفرك‪ ،‬وحافظ عليها‬
‫وتقوى اهلل ‪ :D‬أن يجعل المرء بينه وبين ما يخشاه من سخط اهلل وعقابه‬
‫فإن من أحسن ما ُع ِّرفت‬ ‫وقاية تقيه؛ وذلك بفعل المأمور وترك المحظور‪ .‬لذا َّ‬
‫به التَّقوى قول طلق بن حبيب ‪- V‬من علماء التَّابعين‪ -‬قال‪َ « :‬ت ْق َوى اهللِ‪:‬‬

‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪ ،)3445‬وابن ماجه (‪،)2771‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫‪567‬‬ ‫‪ -92‬أذكار ركوب ال َّداب َّة وال َّسفر (‪)1‬‬
‫اب اهللِ‪َ ،‬وت َْر ُك َم ْع ِص َي ِة اهلل ِ َع َلى ن ِ‬
‫ُور‬ ‫ُور ِم َن اهلل ِ َر َجا َء َث َو ِ‬
‫ال َع َم ُل بِ َطا َع ِة اهلل ِ َع َلى ن ٍ‬
‫وترك للنَّواهي على‬ ‫ٌ‬ ‫فعل لألوامر‬ ‫اب اهلل ِ»(‪ ،)1‬فتقوى اهلل هي ٌ‬ ‫ِم َن اهلل ِ ِخي َف َة َع َذ ِ‬
‫الرجاء‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫نور‪ ،‬أي‪ :‬برهان وب ِّينة وبصيرة يف دين اهلل‪ ،‬وأن يكون العبد جام ًعا بين َّ‬
‫والخوف‪ ،‬يرجو رحمة اهلل سبحانه ويخاف عقابه‪.‬‬
‫الشدائد‪ ،‬ورزقه من حيث ال‬ ‫و َمن ا َّتقى اهلل‪ :‬حفظه من أعدائه‪َّ ،‬‬
‫ونجاه من َّ‬
‫يحتسب‪ ،‬وأصلح عمله‪ ،‬وغفر ز َل َله‪ ،‬وتك َّفل له بكفلين من رحمته‪ ،‬وجعل له‬
‫ونجاه من النَّار‪ ،‬إلى غير ذلك‬ ‫وأعزه‪َّ ،‬‬ ‫نورا يمشي به بين يديه‪ ،‬وقبله‪ ،‬وأكرمه‪َّ ،‬‬ ‫ً‬
‫من ال ِّثمار واآلثار‪.‬‬
‫ٍ‬
‫هضبة أو‬ ‫ف»‪ ،‬أي‪ :‬ك َّلما عال على جب ٍل أو‬ ‫قوله‪« :‬وال َّت ْكبِيرِ ع َلى ك ُِّل َشر ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مرتفع ك َّبر‪ ،‬وإذا نزل يف منخفض أو أماكن نازلة س َّبح‪ ،‬كما جاء يف الحديث‬
‫ِ ِ‬
‫اآلخر‪« :‬إِ َذا َع َلوا ال َّثن ََايا َك َّب ُروا َوإِ َذا َه َب ُطوا َس َّب ُحوا‪َ ،‬ف ُوض َعت َّ‬
‫الصالَ ُة َع َلى‬
‫هبوط ونزول يف األودية واألمكنة المنخفضة‬ ‫ٍ‬ ‫ك»(‪ ،)2‬أي‪ :‬إذا كانوا يف‬ ‫َذلِ َ‬
‫صعود على األماكن المرتفعة العالية يك ِّبرون‪ ،‬وقوله‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫يس ِّبحون‪ ،‬وإذا كانوا يف‬
‫والسجود‪،‬‬ ‫الركوع ُّ‬ ‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬وضع فيها التَّسبيح حال ُّ‬ ‫الصالَ ُة َع َلى َذلِ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫« َف ُوض َعت َّ‬
‫الرفع‪.‬‬ ‫والتَّكبير وقت َّ‬
‫أن المرء يع ِّظم اهلل يف هذه‬
‫وقيل يف الحكمة يف التَّكبير يف األمكنة العالية‪َّ :‬‬
‫العلو‪ -‬وا َّلتي قد يصيب النَّفس فيها شيء من العجب أو‬ ‫ِّ‬ ‫المواطن ‪-‬مواطن‬
‫الغرور أو أشياء من هذا القبيل‪ ،‬فيكسرها بالتَّكبير ويذ ُّلها هلل ‪ .E‬ففي‬
‫ٌ‬
‫وإعالن أنَّه ال أكرب منه‬ ‫شغل للقلب وال ِّلسان بتعظيم َّ‬
‫الر ِّب‪،‬‬ ‫الصعود ٌ‬
‫التَّكبير يف ُّ‬
‫سبحانه‪ ،‬وهذا يطرد عن نفس المرء الكِ ْبر وال ُع ْجب ونحو ذلك‪ .‬ويف التَّسبيح‬

‫والرقائق (‪.)473/1‬‬
‫الزهد َّ‬
‫(((  رواه أبو نعيم يف الحلية (‪ ،)64/3‬و ابن المبارك يف ُّ‬
‫وصححه األلباينُّ دون قوله‪« :‬فوضعت»‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)2599‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪568‬‬

‫كل ما ال يليق بجالله وكماله سبحانه‪.‬‬ ‫يف الهبوط‪ :‬تنزي ٌه هلل عن ِّ‬
‫ب ا ْلك ََل ِم إِ َلى‬ ‫الحبيبة إلى اهلل‪ ،‬قال ﷺ‪َ :‬‬ ‫ِ‬
‫«أ َح ُّ‬ ‫والتَّكبير من الكلمات األربع‬
‫ان اهَّللِ‪َ ،‬وا ْل َح ْمدُ لِ َّل ِه‪َ ،‬و َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ‪َ ،‬واهَّللُ َأ ْك َب ُر»(‪ .)1‬و«اهلل أكبر»‬ ‫ِ‬
‫اهَّلل َأ ْر َب ٌع‪ُ :‬س ْب َح َ‬
‫وإيمان أنَّه ال شيء أكرب من اهلل‪ ،‬وأنَّه سبحانه الكبير المتعال‬ ‫ٌ‬ ‫معناها‪ :‬اعتقا ٌد‬
‫ا َّلذي ال أكرب منه‪.‬‬
‫ِ‬
‫قال‪َ « :‬ف َل َّما َأ ْن َو َّلى َّ‬
‫الر ُج ُل َق َال‪ :‬ال َّل ُه َّم ا ْط ِو َل ُه األَ ْر َض‪َ ،‬و َه ِّو ْن َع َل ْيه َّ‬
‫الس َف َر»‪،‬‬
‫ستحب‬
‫ُّ‬ ‫أي‪ :‬دعا له بظهر الغيب؛ فإنَّه أقرب إلى اإلجابة‪ ،‬وهذه دعوة عظيمة ُي‬
‫السفر‪.‬‬ ‫يهون اهلل عليه سفره‪ ،‬وأن يطوي عنه ُبعد َّ‬ ‫أن ُيدعى هبا للمسافر‪ ،‬أن ِّ‬
‫قوله‪« :‬ا ْط ِو َل ُه ْالَ ْر َض» من ال َّط ِّي‪ ،‬أي‪ِّ :‬قرهبا له ِّ‬
‫وسهلها له‪ ،‬والمعنى‪ :‬ارفع‬
‫حسا أو معنًى‪.‬‬
‫السفر بتقريب المسافة البعيدة له ًّ‬ ‫عنه مش َّقة َّ‬
‫ِ‬
‫تعميم بعد‬
‫ٌ‬ ‫الس َف َر»‪ ،‬أي‪ :‬أموره ومتاعبه ومصاعبه‪ ،‬وهو‬ ‫«و َه ِّو ْن َع َل ْيه َّ‬‫قوله‪َ :‬‬
‫تخصيص‪.‬‬
‫أن المسافر ُيدعى له بحضرته ويف غيبته‪ ،‬وهذا‬ ‫و ُيستفاد منه مع ا َّلذي قبله‪َّ :‬‬
‫والسفر قطعة من العذاب كما جاء عن نب ِّينا‬‫ك ُّله من هدي نب ِّينا ‪َّ .O‬‬
‫السفر فال يجد مش َّقة وال عنتًا وال‬
‫يهون اهلل عليه َّ‬
‫‪ ،S‬ف ُيدعى للمسافر أن ِّ‬
‫السفر‪.‬‬ ‫وكل ذلك ٌ‬
‫داخل يف هتوين َّ‬ ‫أ ًذى وال نص ًبا‪ ،‬وأن يجد راح ًة وطمأنينةً‪ُّ ،‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2137‬‬


‫‪569‬‬ ‫‪ -93‬أذكار ركوب ال َّداب َّة وال َّسفر (‪)2‬‬

‫‪93‬‬

‫أذكار ركوب ال َّداب َّة وال َّسفر (‪)2‬‬

‫ول اهللِ إِنِّي‬‫َس ‪َ I‬ق َال‪َ :‬جا َء َر ُج ٌل إِ َلى النَّبِي ﷺ َف َق َال‪َ « :‬يا َر ُس َ‬
‫ِّ‬
‫َع ْن َأن ٍ‬
‫ُأ ِريدُ س َفرا َف َزودنِي»‪َ ،‬ق َال‪« :‬زَود َك اهلل ال َّت ْقوى»‪َ ،‬ق َال‪ِ ِ :‬‬
‫«ز ْدني»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫«و َغ َف َر‬ ‫ُ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ِّ ْ‬ ‫َ ً‬
‫ْت»‪.‬‬ ‫ك ا ْلخَ ْي َر َح ْي ُث َما ُكن َ‬ ‫ْت َو ُأ ِّمي»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫«و َي َّس َر َل َ‬ ‫«ز ْدنِي بِ َأبِي َأن َ‬
‫ك»‪َ ،‬ق َال‪ِ :‬‬ ‫َذ ْن َب َ‬
‫ِّرمذي(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫رواه الت‬
‫للرسول‬
‫الرجل قال َّ‬ ‫هذه دعوات عظيمة ُيدعى هبا للمسافر‪ ،‬فهذا َّ‬
‫ِ‬
‫السفر‪.‬‬ ‫«أ ِريدُ َس َف ًرا َفز َِّو ْدني»‪ ،‬أي‪ :‬أعطني زا ًدا َّ‬
‫أتزود به يف هذا َّ‬ ‫‪ُ :O‬‬
‫ٍ‬
‫ومركوب‬ ‫ٍ‬
‫وشراب‬ ‫مال وطعا ٍم‬ ‫أن المرء يف السفر يحتاج إلى زاد حسي من ٍ‬ ‫وكما َّ‬
‫ِّ ٍّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫معنوي من إيمان وتقوى وطاعة هلل ‪،D‬‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬فإنَّه يحتاج فيه ٍ‬
‫لزاد‬
‫ٍّ‬
‫األول‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬ ‫والزاد ال َّثاين أعظم من َّ‬
‫َّ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾‬
‫[األعراف‪.]26 :‬‬
‫أن تقوى اهلل ‪ C‬هي خير زاد يبلغ‬ ‫قوله‪« :‬ز ََّو َد َك اهللُ ال َّت ْق َوى»‪ ،‬هذا فيه َّ‬
‫إلى رضوان اهلل‪ ،‬كما قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ﴾ [البقرة‪:‬‬
‫‪ ،]197‬فالتَّقوى خير زاد يحمله المرء معه يف أسفاره‪ ،‬وخير أمر يكون مع المرء‬
‫يف إقامته وح ِّله وترحاله وجميع أحواله‪ ،‬وهي وص َّية اهلل َّ‬
‫لألولين واألخرين‬
‫من خلقه‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬

‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3444‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪570‬‬

‫ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾‬
‫[النِّساء‪ ]131 :‬فهي خير وصية‪ ،‬وهي خير ٍ‬
‫زاد يرعاه المرء‪ ،‬ويحافظ عليه‪ .‬وهذا‬ ‫َّ‬
‫ِّرمذي‬
‫ِّ‬ ‫السفر‪ ،‬ففي الت‬
‫كما أنَّه دعاء ففيه لفت وتنبي ٌه لمراعاة تقوى اهلل ‪ D‬يف َّ‬
‫ْت»(‪.)1‬‬ ‫َّبي ﷺ قال‪« :‬ات َِّق اهَّلل ِ َح ْي ُث َما ُكن َ‬ ‫َّ‬
‫وغيره أن الن َّ‬
‫الزاد أو من الدُّ عاء‪.‬‬ ‫قوله‪َ « :‬ق َال‪ِ :‬ز ْدنِي»‪ ،‬أي‪ :‬من َّ‬
‫« َق َال‪َ :‬و َغ َف َر َذ ْن َب َ‬
‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬سرت ذنبك‪ ،‬وك َّفر خطيئتك‪ ،‬وتاب عليك‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫«ذنبك» مفرد مضاف يفيد العموم‪ ،‬أي‪ :‬جميع ذنوبك‪.‬‬
‫ً‬
‫فضل‬ ‫« َق َال‪ِ :‬ز ْدنِي بِ َأبِي َأن َ‬
‫ْت َو ُأ ِّمي»‪ ،‬أي‪ :‬أفديك هبما وأجعلهما فداءك‬
‫عن غيرهما‪.‬‬
‫ويسر لك طرق‬ ‫ك ا ْلخَ ْي َر َح ْي ُث َما ُكن َ‬
‫ْت»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬
‫سهل لك الخير َّ‬ ‫َق َال‪َ :‬‬
‫«و َي َّس َر َل َ‬
‫تحصيله وس ُبل نيله؛ وهذا من أعظم ما ُيدعى به للمسافر؛ تيسير الخير له حيث‬
‫الرفقة‬ ‫السفر ومشا ِّقه‪ ،‬ويتناول ً‬
‫أيضا تيسير ِّ‬ ‫ما كان يف ال َّطريق ويف صعوبات َّ‬
‫والسالمة من األذى‬‫َّ‬ ‫وتيسر المطعم والمشرب‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫الصالحة ولزوم ال َّطاعة‪،‬‬
‫َّ‬
‫وغير ذلك‪ .‬فجمع له ‪ O‬بين هذه االمور ال َّثالثة العظيمة‪ :‬التَّقوى‪،‬‬
‫والمغفرة‪ ،‬والتَّيسير‪ .‬ثالث دعوات عظيمة ُيشرع أن ُيدعى هبا للمسافر‪.‬‬
‫َو َع ْن َعلِ ِّي ْب ِن َربِي َع َة َق َال‪َ :‬ش ِهدْ ُت َعلِ ًّيا ‪َ I‬و ُأتِ َي بِدَ ا َّب ٍة ل ِ َي ْر َك َب َها‪َ ،‬ف َل َّما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫است ََوى َع َلى َظ ْه ِر َها‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫َاب‪َ ،‬ق َال‪« :‬بِ ْس ِم اهَّلل»‪َ ،‬ف َل َّما ْ‬ ‫الرك ِ‬ ‫َو َض َع ِر ْج َل ُه في ِّ‬
‫ين‪َ ،‬وإِنَّا إِ َلى‬ ‫ِ‬ ‫له»‪ُ ،‬ثم َق َال‪« :‬سبح َ ِ‬ ‫«ا ْلحمدُ لِ ِ‬
‫ان ا َّلذي َسخَّ َر َلنَا َه َذا َو َما ُكنَّا َل ُه ُم ْقرِن َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ‬
‫ات‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪« :‬اهَّللُ َأ ْك َب ُر» َث َل َ‬ ‫ث مر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َر ِّبنَا َل ُمنْ َق ِل ُب َ‬
‫ث‬ ‫ون»‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪« :‬ا ْل َح ْمدُ لله» َث َل َ َ َّ‬
‫ُوب‬
‫الذن َ‬ ‫ت َن ْف ِسي َفا ْغ ِف ْر لِي؛ َفإِ َّن ُه َل َيغ ِْف ُر ُّ‬ ‫َك إِنِّي َظ َل ْم ُ‬‫«س ْب َحان َ‬ ‫ٍ‬
‫َم َّرات‪ُ ،‬ث َّم َق َال‪ُ :‬‬
‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)1987‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫‪571‬‬ ‫‪ -93‬أذكار ركوب ال َّداب َّة وال َّسفر (‪)2‬‬

‫ح ْك َت؟ َق َال‪:‬‬ ‫ح َك‪َ .‬ف ِق َيل‪ :‬يا َأمِير ا ْلم ْؤمِنِين! مِن َأي َشي ٍء َض ِ‬ ‫ْت»‪ُ ،‬ثم َض ِ‬ ‫إِ َّل َأن َ‬
‫َ ْ ِّ ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َّ‬
‫ول اهَّللِ! مِ ْن َأ ِّي َش ْي ٍء‬ ‫ح َك‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ر َأي ُت النَّبِي ﷺ َفع َل كَما َفع ْل ُت ُثم َض ِ‬
‫َّ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ‬
‫ب ِم ْن َع ْب ِد ِه إِ َذا َق َال‪« :‬ا ْغ ِف ْر لِي ُذنُوبِي»‪َ ،‬ي ْع َل ُم َأ َّن ُه‬ ‫ح ْك َت؟ َق َال‪« :‬إِ َّن َر َّب َ‬
‫ك َي ْع َج ُ‬
‫َض ِ‬
‫ِّرمذي(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫ُوب َغ ْيرِي»‪ .‬رواه أبو داود والت‬ ‫الذن َ‬ ‫َل َيغ ِْف ُر ُّ‬
‫«ش ِهدْ ُت َع ِل ًّيا ‪َ I‬و ُأتِي بِدَ ا َّب ٍة لِ َي ْر َك َب َها»‪ ،‬أي‪ِ :‬جيء له بدا َّبة ليركب‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫عليها‪.‬‬
‫ِ‬
‫الركاب‪ :‬الغرز ا َّلذي ُتوضع عليه‬ ‫َاب»‪ِّ ،‬‬ ‫الرك ِ‬ ‫قوله‪َ « :‬ف َل َّما َو َض َع ِر ْج َل ُه في ِّ‬
‫ثم يطأ عليه اإلنسان وينهض ويركب على ظهر الدَّ ا َّبة‪.‬‬ ‫الرجل َّ‬ ‫ِّ‬
‫أن اإلنسان عندما يضع قدمه يف‬ ‫قوله‪َ « :‬ق َال‪ :‬بِ ْس ِم اهلل ِ»‪ ،‬فهذا ُيؤخذ منه‪َّ :‬‬
‫سمي اهلل‪ ،‬يقول‪« :‬بسم اهلل»‪.‬‬ ‫ً‬
‫داخل ُي ِّ‬ ‫السيارة‬
‫َّ‬
‫اس َت َق َّر على ظهر الدَّ ا َّبة‪ ،‬وبالنِّسبة‬ ‫قوله‪َ « :‬ف َل َّما ْاست ََوى َع َلى َظ ْهرِ َها»‪ ،‬أي‪ْ :‬‬
‫للسيارة أو ال َّطائرة إذا جلس على مقعدها‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ويسر‬ ‫الح ْمدُ هلل»‪ ،‬يحمد اهلل ‪ D‬ا َّلذي م َّن عليه هبذه النِّعمة َّ‬ ‫قوله‪َ « :‬ق َال‪َ :‬‬
‫له هذا المركوب ا َّلذي يتن َّقل عليه من مكان إلى مكان ويقضي به مصالحه‪.‬‬
‫ين َوإِنَّا إِ َلى َر ِّبنَا‬‫ِ‬ ‫قوله‪ُ « :‬ثم َق َال‪ :‬سبح َ ِ‬
‫ان ا َّلذي َسخَّ َر َلنَا َه َذا َو َما ُكنَّا َل ُه ُم ْقرِن َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َّ‬
‫عمل بقوله تعالى‪﴿ :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬ ‫ون»‪ ،‬قال ذلك ً‬ ‫َل ُمنْ َق ِل ُب َ‬
‫ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ‬
‫الزخرف‪.]14-13 :‬‬ ‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [ ُّ‬

‫ان ا َّل ِذي َسخَّ َر َلنَا َه َذا»‪ ،‬تنزي ٌه هلل ‪ F‬ا َّلذي َّ‬
‫سخر لنا هذا‬ ‫«س ْب َح َ‬
‫قوله‪ُ :‬‬
‫ويسره وأنعم علينا به‪ ،‬ولوال إنعام اهلل ‪ F‬وفض ُله لما تح َّقق لنا ذلك‪.‬‬ ‫َّ‬

‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3446‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)2602‬والت‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪572‬‬
‫ِ‬
‫سخر من الفلك‬‫ين»‪ ،‬أي‪ :‬لوال تسخيره لنا ما َّ‬‫«و َما ُكنَّا َل ُه ُم ْقرِن َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫واألنعام ما كنَّا مطيقين لذلك‪ ،‬وال قادرين عليه‪ ،‬ولكن من لطفه وكرمه تعالى‬
‫ويسر أسباهبا‪.‬‬ ‫سخرها وذ َّللها َّ‬‫َّ‬
‫ون»‪ ،‬أي‪ :‬راجعون إلى اهلل‪ ،‬فمآلنا إلى الموت‬ ‫«وإنَّا إِ َلى َر ِّبنَا َل ُمنْ َق ِل ُب َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫والرجوع إلى اهلل ‪ ،F‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [العلق‪ ،]8 :‬فالمرجع‬ ‫ُّ‬
‫إلى اهلل وإليه المنقلب‪ ،‬وإليه والمآب والمصير‪.‬‬
‫تذكير للعبد بالموت‬ ‫والرجوع إلى اهلل يف هذا الموطن فيه‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫وذكر االنقالب ُّ‬
‫راكب عليها أن تميل به فيسقط‬
‫ٌ‬ ‫وأن َمن يركب النَّاقة ال يأمن وهو‬ ‫وما بعده‪َّ ،‬‬
‫على األرض ويهلك‪.‬‬
‫شمست أو‬ ‫القرطبي ‪« :V‬فكم من راكب دا َّبة عثرت به‪ ،‬أو َ‬ ‫ُّ‬ ‫قال‬
‫تقحمت أو طاح من ظهرها فهلك‪ ،‬وكم من راكبين يف سفينة انكسرت هبم‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫بأسباب من أسباب‬ ‫صال‬ ‫ٍ‬
‫مخطور‪ ،‬وا ِّت ً‬ ‫الركوب مباشرة ٍ‬
‫أمر‬ ‫فلما كان ُّ‬
‫فغرقوا؛ َّ‬
‫فمنقلب إلى‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫هالك ال محالة‬ ‫التَّلف؛ ُأمر َّأل ينسى عند ا ِّتصاله به يومه‪ ،‬وأنَّه‬
‫غير منفلت من قضائه‪ ،‬وال يدع ذكر ذلك بقلبه ولسانه حتَّى يكون‬ ‫اهلل ‪ُ D‬‬
‫مستعدًّ ا للقاء اهلل بإصالحه من نفسه‪ .‬والحذر من أن يكون وركوبه ذلك من‬
‫أسباب موته يف علم اهلل وهو غافل عنه‪.‬‬
‫حكى سليمان بن يسار َّ‬
‫أن قو ًما يف سفر فكانوا إذا ركبوا قالوا‪﴿ :‬ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾‪ ،‬وكان فيهم رجل على ناقة له رازم‬
‫‪-‬وهي ا َّلتي ال َّ‬
‫تتحرك ً‬
‫هزال‪ -‬فقال‪ :‬أ َّما أنا فإنِّي لهذه لمقرن‪ ،‬قال‪ :‬فقمصت به‬
‫وروي َّ‬
‫أن أعراب ًيا ركب قعو ًدا له وقال إنِّي لمقرن له‪ ،‬فركضت به‬ ‫فد َّقت عن َقه‪ُ .‬‬
‫القعود حتَّى صرعته فاند َّقت عنقه»‪ .‬اهـ كالمه ‪.)1( V‬‬

‫القرطبي (‪.)67/16‬‬
‫ِّ‬ ‫(((  انظر‪ :‬تفسير‬
‫‪573‬‬ ‫‪ -93‬أذكار ركوب ال َّداب َّة وال َّسفر (‪)2‬‬

‫الس َّيارات حصدت‬


‫للس َّيارات! فاألمر أشدُّ ؛ فحوادث َّ‬
‫فماذا نقول بالنِّسبة َّ‬
‫الس َّيارة وانطلقت به من أخطارها‬
‫من النَّاس باآلالف‪ ،‬فما يأمن َمن ركب َّ‬
‫ُحب له أن يتذكَّر الموت فتذكُّره‬
‫الس َّيارة است َّ‬
‫وفواجعها‪ ،‬ولهذا إذا ركب المرء َّ‬
‫الصالح وال َّطاعة واالستعداد‬
‫يذكِّر باآلخرة‪ ،‬وتذكُّر اآلخرة يعين على العمل َّ‬
‫ليوم المعاد‪ .‬وبعض َّ‬
‫الشباب ‪-‬أصلحهم اهلل وهداهم‪ -‬يعتمد على مهارته يف‬
‫متهو ًرا فيلقى‬
‫مغرورا ِّ‬
‫ً‬ ‫ثم ينطلق هبا‬
‫مطيق لضبطها‪َّ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫الس َّيارة ويرى أنَّه‬
‫قيادة َّ‬
‫سم اهلل‪ ،‬واحمده إذا استويت‬
‫الركوب ِّ‬
‫حتفه؛ ف ُيذكَّر هؤالء ُيقال‪ :‬إذا أردت ُّ‬
‫ثم قل‪﴿ :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫على المقعد‪َّ ،‬‬
‫َّهور‪.‬‬
‫ﮂ ﮃ﴾‪ ،‬واحذر الغرور والت ُّ‬
‫مرات‬ ‫ٍ‬
‫ث َم َّرات»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬
‫كرر الحمد ثالث َّ‬ ‫الح ْمدُ هلل ِ َث َل َ‬
‫قوله‪ُ « :‬ث َّم َق َال‪َ :‬‬
‫شكرا هلل على التَّسخير واإلنعام‪.‬‬ ‫ً‬
‫ث مر ٍ‬
‫ألن من هديه ‪ O‬ك َّلما‬ ‫ات»؛ َّ‬ ‫قوله‪ُ « :‬ث َّم َق َال‪ :‬اهللُ َأ ْك َب ُر َث َل َ َ َّ‬
‫عال شر ًفا ك َّبر‪ ،‬فإذا عال ظهرها ُيك ِّبر‪ ،‬وللتَّكبير يف هذا الموطن ٌ‬
‫أثر عظيم‪ ،‬فهو‬
‫طارد للغرور والعجب‪.‬‬
‫ُوب إِ َّل‬ ‫ت َن ْف ِسي َفا ْغ ِف ْر لِي؛ َفإِ َّن ُه َل َيغ ِْف ُر ُّ‬
‫الذن َ‬ ‫َك إِنِّي َظ َل ْم ُ‬
‫«س ْب َحان َ‬
‫قوله‪ُ :‬‬
‫وإقرار بال ُّظلم والتَّقصير‬
‫ٌ‬ ‫كل ما ال يليق بجالله وكماله‪،‬‬ ‫َأن َ‬
‫ْت»‪ ،‬هذا تنزي ٌه هلل عن ِّ‬
‫إقرار بأنَّه ال يغفر ُّ‬
‫الذنوب َّإل‬ ‫ٌ‬ ‫ثم‬
‫ثم بعد ذلك سؤال اهلل المغفرة‪َّ ،‬‬
‫والتَّفريط‪َّ ،‬‬
‫اهلل‪ ،‬كما قال تعالى ﴿ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [آل عمران‪.]135 :‬‬
‫ح ْك َت؟‬ ‫ح َك علي ‪َ I‬ف ِق َيل‪ :‬يا َأمِير ا ْلم ْؤمِنِين! مِن َأي َشي ٍء َض ِ‬ ‫ُثم َض ِ‬
‫َ ْ ِّ ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫َّ‬
‫ول اهَّللِ! مِ ْن َأ ِّي‬
‫ح َك‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َق َال‪ :‬ر َأي ُت النَّبِي ﷺ َفع َل كَما َفع ْل ُت ُثم َض ِ‬
‫َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ‬
‫ب ِم ْن َع ْب ِد ِه إِ َذا َق َال‪« :‬ا ْغ ِف ْر لِي ُذنُوبِي»‪،‬‬ ‫ح ْك َت؟ َق َال‪« :‬إِ َّن َر َّب َ‬‫َشي ٍء َض ِ‬
‫ك َي ْع َج ُ‬ ‫ْ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪574‬‬

‫ويحب ذلك من‬ ‫ُّ‬ ‫ُوب َغ ْيرِي»‪ ،‬فاهلل ‪ D‬يعجب من ذلك‬ ‫َي ْع َل ُم َأ َّن ُه َل َيغ ِْف ُر ُّ‬
‫الذن َ‬
‫عبده‪ ،‬وهذا فيه رحمة اهلل ‪ D‬وفضله وعموم مغفرته وسعة إحسانه‪ ،‬وأنَّه‬
‫حب المنيبين ال َّطالبين الغفران؛ لهذا‬
‫ويحب التَّائبين و ُي ُّ‬
‫ُّ‬ ‫يحب المستغفرين‬ ‫ُّ‬
‫جدير بالعبد أن ُيكثر من ذكره لظلم نفسه ويطلب من ر ِّبه الغفران‪ ،‬وهذا يأيت‬ ‫ٌ‬
‫كثيرا يف دعوات األنبياء‪ ،‬ففي دعاء آدم ‪﴿ :S‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬ ‫ً‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [األعراف‪ ،]23 :‬ويف دعاء موسى ‪﴿ :S‬ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ [القصص‪ ،]16 :‬ويف دعاء‬
‫يونس ‪﴿ :S‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [األنبياء‪.]87 :‬‬
‫ٍ‬
‫واستشعار للنِّعمة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بتطامن وتواض ٍع وتذ ُّل ٍل‬ ‫وعلى العبد أن يركب دا َّبته‬
‫وحمد وثناء على اهلل وإنابة واستغفار‪.‬‬
‫‪575‬‬ ‫‪ -94‬أذكار ركوب ال َّداب َّة وال َّسفر (‪)3‬‬

‫‪93‬‬

‫أذكار ركوب ال َّداب َّة وال َّسفر (‪)3‬‬

‫ار ًجا‬ ‫است ََوى َع َلى َب ِع ِير ِه َخ ِ‬ ‫َان إِ َذا ْ‬ ‫ول اهلل ﷺ ك َ‬ ‫ابن ُع َم َر ‪َ :L‬أ َّن َر ُس َ‬ ‫َع ْن ِ‬
‫ين‪َ ،‬وإِنَّا‬ ‫ِ‬ ‫إِ َلى س َف ٍر َكبر َث َل ًثا‪ُ ،‬ثم َق َال‪« :‬سبح َ ِ‬
‫ان ا َّلذي َسخَّ َر َلنَا َه َذا َو َما ُكنَّا َل ُه ُم ْقرِن َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ك في َس َفرِنَا َه َذا ا ْلبِ َّر َوال َّت ْق َوى‪َ ،‬وم َن ا ْل َع َم ِل‬ ‫ِ‬ ‫ون‪ ،‬ال َّل ُه َّم إِنَّا ن َْس َأ ُل َ‬ ‫ِ‬
‫إِ َلى َر ِّبنَا َل ُمنْ َقل ُب َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫َما ت َْر َضى‪ ،‬ال َّل ُه َّم َه ِّو ْن َع َل ْينَا َس َف َرنَا َه َذا‪َ ،‬وا ْط ِو َعنَّا ُب ْعدَ ُه‪ ،‬ال َّل ُه َّم َأن َ‬
‫الصاح ُ‬ ‫ْت َّ‬
‫الس َفرِ‪َ ،‬وكَآ َب ِة‬ ‫ِ‬
‫ك م ْن َو ْع َثاء َّ‬
‫فِي الس َفرِ‪ ،‬وا ْلخَ ِلي َف ُة فِي األَه ِل‪ ،‬ال َّلهم إِنِّي َأعو ُذ بِ َ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫يه َّن‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ال َواألَ ْه ِل»‪َ ،‬وإِ َذا َر َج َع َقا َل ُه َّن َو َزا َد ف ِ‬ ‫ب في الم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْل َمنْ َظرِ‪َ ،‬و ُسوء ا ْل ُمنْ َق َل ِ‬
‫َ‬
‫ون»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫ون لِ َر ِّبنَا َح ِامدُ َ‬ ‫ون َعابِدُ َ‬ ‫ون تَائِ ُب َ‬ ‫«آيِ ُب َ‬
‫السفر‪ ،‬وهو دعا ٌء عظيم فيه معاين جليلة‪ ،‬وهدايات عظيمة ينبغي‬ ‫هذا دعاء َّ‬
‫كل سفر‪ ،‬وأن يستحضر معانيه العظيمة‪ ،‬ويجاهد‬ ‫على المسافر أن يدعو به يف ِّ‬
‫السبب لنيل ما دعا به‪.‬‬ ‫نفسه ببذل َّ‬
‫ار ًجا إِ َلى َس َفرِ ِه َك َّب َر َث َل ًثا»‪،‬‬ ‫َان النَّبِي ﷺ إِ َذا ْاست ََوى َع َلى َب ِعيرِ ِه َخ ِ‬
‫ُّ‬ ‫قال‪« :‬ك َ‬
‫أن هذا الدُّ عاء ُيشرع للمسلم أن يقوله إذا استوى على ظهر مركوبه‬ ‫يفيد هذا‪َّ :‬‬
‫بعيرا أو س َّيار ًة أو طائر ًة أو سفينةً‪.‬‬ ‫مسافرا‪ ،‬سوا ٌء كان ً‬ ‫ً‬
‫ين َوإِنَّا إِ َلى َر ِّبنَا‬ ‫ِ‬ ‫قوله‪ُ « :‬ثم َق َال‪ :‬سبح َ ِ‬
‫ان ا َّلذي َسخَّ َر َلنَا َه َذا َو َما ُكنَّا َل ُه ُم ْقرِن َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َّ‬
‫وسهل ركوبه‪،‬‬ ‫سخر لنا هذا المركوب وذ َّلـله لنا َّ‬ ‫ون»‪ ،‬أي‪ :‬سبحان ا َّلذي َّ‬ ‫َل ُم ْن َق ِل ُب َ‬
‫ولوال تسخيره لنا سبحانه ما كنَّا له مقرنين‪ ،‬أي‪ :‬مطيقين قادرين‪« ،‬وإنَّا إلى‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)1342‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪576‬‬

‫ر ِّبنا لمنقلبون»‪ ،‬أي‪ :‬صائرون وراجعون إليه بعد مماتنا؛ فيجازي َّ‬
‫كل نفس بما‬
‫شر‪.‬‬‫قدَّ مت من خير أو ٍّ‬
‫ٌ‬
‫سؤال أن يكتب‬ ‫ك فِي َس َفرِنَا َه َذا البِ َّر َوال َّت ْق َوى»‪ ،‬هذا‬
‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنَّا ن َْس َأ ُل َ‬
‫و«البر» و«التَّقوى» كلمتان جامعتان للخير‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫له اهلل يف سفره هذا البِ َّر والتَّقوى‪،‬‬
‫الذكر؛ فالربُّ‪ :‬فعل ال َّطاعات‪ ،‬والتَّقوى‪ :‬ترك المعاصي‪.‬‬ ‫وهما إذا اجتمعتا يف ِّ‬
‫كل واحد منهما شمل معنى اآلخر؛ فإذا ُذكر البِ ُّر وحده شمل فعل‬ ‫وإذا انفرد ُّ‬
‫الخيرات وترك المعاصي‪ ،‬وإذا ُذكرت التَّقوى وحدها شملت فعل الخيرات‬
‫وترك المعاصي‪ ،‬وإذا ُذكرا م ًعا كان البِ ُّر لفعل الخيرات‪ ،‬والتَّقوى لرتك‬
‫المعاصي؛ فالمراد‪ :‬أن تكتب لنا يف سفرنا فعل الحسنات وال َّطاعات والت ُّ‬
‫َّقرب‬
‫إليك بأنواع القربات‪ ،‬وتجنِّبنا كذلك فعل المعاصي ُّ‬
‫والذنوب واآلثام‪.‬‬
‫قوله‪ِ :‬‬
‫«وم َن ال َع َم ِل َما ت َْر َضى»‪ ،‬أي‪ :‬وأن تو ِّفقنا يف هذا َّ‬
‫السفر إلى العمل‬ ‫َ‬
‫ا َّلذي ُيرضيك‪ ،‬ا َّلذي ُت ُّ‬
‫حب منَّا أن نفعله وترضى عنَّا إذا فعلناه‪.‬‬
‫عسر‬ ‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َه ِّو ْن َع َل ْينَا َس َف َرنَا َه َذا»‪ ،‬أي‪ :‬اجعله ً‬
‫سهل ه ِّينًا ليس فيه ٌ‬
‫وال مش َّقة‪.‬‬
‫طي البعد‪ :‬هو تقريب المسافة وقطع ال َّطريق‬ ‫قوله‪ِ ْ َ :‬‬
‫«واطو َعنَّا ُب ْعدَ ُه»‪ُّ ،‬‬
‫البعيد ب ُي ْسر وبدون مش َّقة‪.‬‬
‫اح ِ‬ ‫ِ‬ ‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َأن َ‬
‫الس َفرِ»‪ ،‬أي‪ :‬للمسافر‪ ،‬والمراد ُّ‬
‫بالصحبة‬ ‫ب في َّ‬
‫الص ُ‬ ‫ْت َّ‬
‫الخاصة ا َّلتي تقتضي المعونة والتَّيسير‪ ،‬فهذه ُّ‬
‫الصحبة تقتضي‬ ‫َّ‬ ‫هنا‪ ،‬أي‪ :‬المع َّية‬
‫الرعاية والعناية والحفظ والتَّسديد والتَّأييد‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫«وا ْلخَ ِلي َف ُة فِي ْالَ ْه ِل»‪ ،‬أي‪ :‬تخلف المسافر يف أهله بحفظك لهم‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫ورعايتك لهم وتوفيقهم ومعافاهتم‪.‬‬
‫‪577‬‬ ‫‪ -94‬أذكار ركوب ال َّداب َّة وال َّسفر (‪)3‬‬

‫الس َفرِ»‪ ،‬أي‪ :‬ما قد يجده المسافر يف‬ ‫ِ‬ ‫قوله‪« :‬ال َّلهم إِنِّي َأعو ُذ بِ َ ِ‬
‫ك م ْن َو ْع َثاء َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َّ‬
‫سفره من الجهد والمش َّقة والمكابدة‪.‬‬
‫قوله‪« :‬وكآبة المنظر»‪ ،‬أي‪ :‬المنظر الكئيب ا َّلذي قد يواجه المرء يف سفره‪،‬‬
‫منظر ُيعقب الكآبة عند النَّظر إليه‪.‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫والمراد‪ :‬االستعاذة من ِّ‬
‫تعو ٌذ باهلل ‪ D‬من المنقلب‬ ‫ال َواألَ ْه ِل»‪ُّ ،‬‬ ‫ب فِي الم ِ‬ ‫وء ا ْل ُمنْ َق َل ِ‬ ‫قوله‪« :‬وس ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫الس ِّيئ‪ ،‬سوا ٌء كان يف ماله أو يف أهله؛ بأن يكتب له يف ماله وأهله الحفظ والخير‬ ‫َّ‬
‫والض ِّر‪.‬‬‫الش ِّر ُّ‬ ‫والوقاية من َّ‬
‫«وإِ َذا َر َج َع ِم ْن َس َفرِ ِه َقا َل ُه َّن»‪ ،‬أي‪ :‬قال هؤالء الكلمات‪ ،‬أي‪ :‬إذا‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫استوى على ظهر الدَّ ا َّبة‪.‬‬
‫ون»‪ ،‬وسيأيت الكالم‬ ‫ون لِ َر ِّبنَا َح ِامدُ َ‬
‫ون َعابِدُ َ‬ ‫ون تَائِ ُب َ‬
‫يه َّن‪ :‬آيِ ُب َ‬ ‫«وزَا َد فِ ِ‬‫قوله‪َ :‬‬
‫سول اهللِ ﷺ َ‬
‫كان‬ ‫على معناه‪ ،‬ومثله حديث عبد اهلل بن عمر ‪َ « :L‬أ َّن َر َ‬
‫األر ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫قفل من ٍ‬
‫ض َث َلث‬ ‫حج‪ ،‬أو ُع ْمرة ُيك ِّب ُر َع َلى ك ُِّل َش َرف م َن ْ‬ ‫غزو‪َ ،‬أ ْو ٍّ‬ ‫إ َذا َ‬
‫ك و َل ُه َ‬
‫الح ْمدُ َو ُه َو‬ ‫الم ْل ُ‬
‫ريك َل ُه‪َ ،‬ل ُه ُ‬
‫ول‪َ :‬ل إ َله َّإل اهللُ َو ْحدَ ه َل َش َ‬ ‫َت ْكبِ َيرات ُث َّم ي ُق ُ‬
‫ون َص َ‬
‫دق اهللُ َو ْعدَ ه َون ََص َر‬ ‫ون لر ِّبنا َح ِامدُ َ‬
‫ون َعابِدُ َ‬ ‫ون تَائِ ُب َ‬ ‫َع َلى ك ُِّل َش ْي ٍء َق ِد ٌير آيِ ُب َ‬
‫َاب َو ْحدَ ُه» متَّفق عليه(‪ .)1‬وفيه من الفقه‪ :‬استعمال حمد اهلل‬ ‫األحز َ‬
‫َع ْبدَ ه َو َه َز َم ْ‬
‫الحج والجهاد‬ ‫ِّ‬ ‫تعالى واإلقرار بنعمته والخضوع له وال َّثناء عليه عند القدوم من‬
‫والرجوع‬ ‫العدو‪ُّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫على ما وهب من تمام المناسك‪ ،‬وما رزق من النُّصرة على‬
‫إلى الوطن سالمين‪.‬‬
‫َو َع ْن َجابِ ِر ْب ِن َع ْب ِد اهلل ‪َ L‬ق َال‪ُ « :‬كنَّا إِ َذا َص ِعدْ نَا َك َّب ْرنَا‪َ ،‬وإِ َذا َن َز ْلنَا‬
‫البخاري(‪ .)2‬وروى أبو داود عن ابن عمر ‪ L‬قال‪« :‬ك َ‬
‫َان‬ ‫ُّ‬ ‫َس َّب ْحنَا»‪ .‬رواه‬
‫البخاري (‪ ،)1797‬ومسلم (‪.)1344‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫البخاري (‪.)2993‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪578‬‬
‫ِ ِ‬
‫وش ُه إِ َذا َع َل ْوا ال َّثن ََايا َك َّب ُروا َوإِ َذا َه َب ُطوا َس َّب ُحوا َف ُوض َعت َّ‬
‫الص َل ُة‬ ‫ال َّنبِ ُّي ﷺ َو ُج ُي ُ‬
‫ك»(‪.)1‬‬ ‫َع َلى َذلِ َ‬

‫ال َّثنايا‪ :‬ما ارتفع من األرض وعال‪ ،‬كما تقدَّ م معنا يف الحديث َّ‬
‫السابق عند‬
‫قوله‪« :‬وال َّت ْكبِير َع َلى ك ُِّل َشر ٍ‬
‫ف»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫«وإِ َذا َه َب ُطوا َس َّب ُحوا»‪ ،‬أي‪ :‬األودية واألماكن المنخفضة‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫ننزه اهلل ونقدِّ سه عن ِّ‬
‫كل ما ال يليق به‪.‬‬ ‫سبح َ ِ‬
‫ان اهلل‪ ،‬أي‪ِّ :‬‬ ‫ُ ْ َ‬
‫السفر؛ إذا عال المسافر وارتفع ك َّبر اهلل‪ ،‬وإذا هبط أو نزل‬ ‫فهذا من آداب َّ‬
‫س َّبح اهلل‪ ،‬حتَّى اآلن بالنِّسبة لل َّطائرة؛ إذ كانت يف صعود وارتفاع يك ِّبر‪ ،‬وعند‬
‫الس َّيارة إذا صعد فيها إلى مكان مرتفع ُيك ِّبر‪ ،‬وإذا‬ ‫النُّزول ُيس ِّبح‪ ،‬وكذلك يف َّ‬
‫شغل للقلب وال ِّلسان بتعظيم‬ ‫الصعود ٌ‬ ‫هبط ُيس ِّبح اهلل ‪ .F‬ويف التَّكبير يف ُّ‬
‫الر ِّب وإعالن كربيائه وعظمته‪ ،‬وفيه طر ٌد للكرب والعجب والغرور‪ ،‬ويف‬ ‫َّ‬
‫كل ما ُينايف و ُيضا ُّد‬ ‫التَّسبيح يف الهبوط َتنْزي ٌه هلل عن النَّقائص والعيوب وعن ِّ‬
‫كماله وجالله‪.‬‬
‫َّبي ﷺ‪:-‬‬ ‫َ َ ََ َْ ْ َ ْ ِ ِ َ َ‬ ‫َ ٍ‬
‫َو َع ْن أنَس ‪ I‬قال‪« :‬فل َّما أش َرفنَا َعلى ال َمدينَة قال ‪-‬أي‪ :‬الن ُّ‬
‫ك َحتَّى َد َخ َل ا ْل َم ِدينَةَ»‪.‬‬ ‫ول َذلِ َ‬ ‫ون لِ َر ِّبنَا َح ِامدُ َ‬
‫ون»‪َ ،‬ف َل ْم َيز َْل َي ُق ُ‬ ‫ون َعابِدُ َ‬ ‫ون تَائِ ُب َ‬
‫«آيِ ُب َ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)2‬‬ ‫ُّ‬ ‫رواه‬
‫الدعاء ُيشرع أن يقوله املسلم عند القفول‪ ،‬وله موضعان‪:‬‬ ‫‪ ‬هذا ُّ‬

‫األول‪ :‬عندما يكون القفول‪ ،‬أي‪ :‬عندما يخرج من القرية أو‬ ‫‪ ‬املوضع َّ‬
‫المدينة ا َّلتي كان فيها راج ًعا إلى بلده‪ ،‬فعندما يخرج منها عائدً ا إلى بلده يقول‬
‫هذا الدُّ عاء‪ ،‬وقد تقدَّ م دليله‪.‬‬

‫وصححه األلباينُّ دون قوله «فوضعت ‪.»...‬‬


‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)2599‬‬
‫البخاري (‪ ،)3085‬ومسلم (‪.)1345‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪579‬‬ ‫‪ -94‬أذكار ركوب ال َّداب َّة وال َّسفر (‪)3‬‬
‫َّ‬
‫‪ ‬واملوضع الثاني‪ :‬عندما يقرتب من بلده ويدنو منه‪ ،‬كما يف هذا الحديث‬
‫الم ِدين َِة»‪ ،‬أي‪ :‬أقبل عليها ورآها قال هذا الدُّ عاء‪.‬‬ ‫َان إِ َذا َأ ْش َر َ‬
‫ف َع َلى َ‬ ‫قال‪« :‬ك َ‬
‫يكرره حتَّى‬
‫مر ًة واحدة‪ ،‬بل ِّ‬ ‫كرر‪ ،‬فال ُتقال عندما يرى بلده َّ‬ ‫والسنَّة أن ُي ِّ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يدخل بلدته؛ ولهذا قال يف تمامه‪« :‬ف َل ْم َيز َْل ُ‬
‫يقول َذل َ‬
‫ك‪ ‬حتَّى‪َ  ‬قد ْمنَا المدينةَ»‪.‬‬
‫الرجوع إلى اهلل ‪ ،F‬آب‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫قوله‪« :‬آيِ ُب َ‬
‫ون» من األوبة؛ واألوبة‪ :‬هي ُّ‬
‫رجع إلى اهلل باإلقبال عليه‪ ،‬والقيام بطاعته‪ ،‬وامتثال أمره‪ ،‬والبعد عن نواهيه‪.‬‬
‫ون»‪ ،‬أي‪ :‬من ذنوبنا‪ ،‬وتقصيرنا‪ ،‬وإخاللنا‪ ،‬وخطأنا‪.‬‬ ‫«تَائِ ُب َ‬
‫دون»‪ ،‬أي‪ :‬هلل ‪ F‬مخلصين له الدِّ ين‪ ،‬قائمين بعبادته ممتثلين‬ ‫« َعابِ َ‬
‫أمره‪.‬‬
‫ون»‪ ،‬أي‪ :‬على نعمه ا َّلتي ال ُتعدُّ وال ُتحصى ومننه ا َّلتي ال‬‫َا‪ ‬ح ِامدُ َ‬ ‫ِ‬
‫«ل َر ِّبن َ‬
‫ُتستقصى‪ ،‬ومنها سالمة اإلنسان يف سفره‪ ،‬وعافيته‪ ،‬ووصوله إلى بلده‪ ،‬وإقباله‬
‫والسفر قطعة من العذاب‪ ،‬فإذا أهنى اإلنسان هنمته وحاجته من‬ ‫على دياره‪َّ .‬‬
‫غانما يحمد اهلل ‪F‬؛ فهذا الموطن من مواطن‬ ‫سالما ً‬ ‫سفره وعاد إلى بلده ً‬
‫ون»‪ ،‬أي‪ :‬حامدون هلل ‪ F‬على نعمه ومننه‬ ‫«ح ِامدُ َ‬
‫الحمد‪ ،‬ولهذا قال‪َ :‬‬
‫الرجوع والقفول والعودة إلى‬ ‫ا َّلتي ال ُتعدُّ وال ُتحصى‪ ،‬ومن جملتها سالمة ُّ‬
‫سالما‪.‬‬
‫ً‬ ‫غانما‬
‫الدِّ يار ً‬
‫ستحب للمسلم أن يقولها عندما يقفل من‬
‫ُّ‬ ‫فهذه كلمات عظيمة مباركة ُي‬
‫يكررها‪.‬‬ ‫القرية عائدً ا إلى بلده‪ ،‬وعندما ُيقبِل على البلد َّ‬
‫ثم ال يزال ِّ‬
‫ثم يف قول هذه الكلمات وتكرارها‪ ،‬فيها توطيدٌ للنَّفس على لزوم هذه‬ ‫َّ‬
‫تائب‬
‫آيب ٌ‬ ‫األشياء‪ ،‬وأن يدخل بلدته بعد قضاء هنمته وحاجته من سفره وهو ٌ‬
‫عابدٌ حامدٌ هلل‪ ،‬هذه أعماله وهذا ا َّلذي أقبل على بلدته يحمله‪ ،‬وجعله ًّ‬
‫هما له‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪580‬‬

‫قول مجر ًدا بلسانه‪ ،‬ويف نيته أعمال أخرى تتناىف مع ما‬‫ومقصو ًدا‪ ،‬ال أن يقوله ً‬
‫ُذكر؛ فهذا التَّكرار فيه فائدة توطيد النَّفس على أن تح ِّقق األوبة والتَّوبة‪ ،‬وأن‬
‫تح ِّقق كمال العبادة وحسن اإلقبال على اهلل ‪ ،F‬وأن يكون العبد حامدً ا‬
‫شاكرا هلل ‪ D‬على نعمائه وجزيل عطائه‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪581‬‬ ‫‪ -95‬ما يقوله املسافر إذا رأى قرية أو بلدة يريد دخوهلا‬

‫‪95‬‬

‫ما يقوله املسافر إذا رأى قرية أو‬


‫بلدة يريد دخوهلا‬

‫قال ِحي َن‬ ‫ب ‪َ I‬أ َّن النَّبي ﷺ َل ْم َي َر َق ْر َي ًة ُي ِريدُ ُد ُخو َلها إِ َّل َ‬
‫َّ‬
‫َع ْن ُص َه ْي ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس ْب ِع َوما‬ ‫ين َّ‬ ‫الس ْب ِع َوما َأ ْظ َل ْل َن‪َ ،‬و َر َّب األَ َرض َ‬ ‫الس َم َوات َّ‬ ‫َيراها‪« :‬ال َّل ُه َّم َر َّب َّ‬
‫ك َخ ْي َر‬ ‫الرياحِ َو َما َذ َر ْي َن‪َ ،‬فإنَّا ن َْس َأ ُل َ‬
‫ين َو َما َأ ْض َل ْل َن‪َ ،‬و َر َّب ِّ‬ ‫الش َياطِ ِ‬ ‫َأ ْق َل ْل َن‪َ ،‬و َر َّب َّ‬
‫ك ِم ْن َش ِّرها َو َش ِّر َأ ْه ِلها َو َش ِّر ما فِ َيها»‪ .‬رواه‬ ‫َه ِذ ِه ال َق ْر َي ِة َو َخ ْي َر َأ ْه ِل َها‪َ ،‬و َن ُعو ُذ بِ َ‬
‫َّسائي يف الكربى(‪.)1‬‬ ‫الن ُّ‬
‫بلـدة يريـد أن يدخلهـا؛ سـوا ٌء كانـت بلـدة كبيـر ًة أو‬ ‫ٍ‬ ‫َمـن أقبـل علـى‬
‫صغيـرةً؛ قريـ ًة أو مدينـة؛ ُيشـرع له أن يقـول هذا الدُّ عاء ا َّلـذي كان يواظب عليه‬
‫والرؤيـة‬ ‫مشـروع عنـد رؤيـة البلـدة ا َّلتـي يريـد دخولهـا‪ُّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫رسـول اهلل ﷺ‪ ،‬وهـو‬
‫للبلـدة تكـون عنـد اإلقبـال عليهـا ومقاربـة الدُّ خول‪ ،‬فليـس موطن هـذا الدُّ عاء‬
‫أيضـا قبـل أن يـرى البلـدة‪ ،‬بـل عندمـا يراهـا و ُيقبِـل عليهـا‬ ‫بعـد الدُّ خـول وال ً‬
‫َّبـي صلـوات اهلل وسلامه عليـه‪.‬‬ ‫ويوشـك أن يدخلهـا‪ ،‬كمـا هـو فعـل الن ِّ‬
‫ِ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫ين َي َر َاها»‪ ،‬القريةُ‪:‬‬ ‫«أ َّن النَّبِ َّي ﷺ َل ْم َي َر َق ْر َي ًة ُيرِيدُ ُد ُخو َل َها إِ َّل َق َال ح َ‬
‫والضياع‪ ،‬وقد‬ ‫َّاس من المساكن واألبنية ِّ‬ ‫اسم للموضع ا َّلذي يجتمع فيه الن ُ‬ ‫ٌ‬
‫ُتطلق على المدن كما يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ﴾ [يس‪،]13 :‬‬

‫الصحيحــة‬
‫السلســلة َّ‬
‫وصححــه األلبــاينُّ يف ِّ‬
‫َّ‬ ‫َّســائي يف الكــرى (‪،)8775‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الن‬
‫(‪.)2759‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪582‬‬

‫فقد قيل‪ :‬إنَّها أنطاك َّية‪ ،‬ويقال لم َّكةَ‪ :‬أ ُّم القرى؛ وعليه َّ‬
‫فإن هذا الدُّ عا ُء ُيقال عند‬
‫دخول القرية أو المدينة‪.‬‬
‫ين يِ َر َاها»‪ ،‬هذا ُّ‬ ‫ِ‬
‫يدل على‬ ‫وقوله‪َ « :‬ل ْم َي َر َق ْر َي ًة ُيرِيدُ ُد ُخو َل َها إِ َّل َق َال ح َ‬
‫مر ٍة يرى قري ًة‬ ‫مواظبة النَّبي ‪ O‬ومحافظته على هذه الدُّ عاء يف ِّ‬
‫كل َّ‬ ‫ِّ‬
‫شر‪،‬‬ ‫خيرا ويخاف من ٍّ‬ ‫أن َمن دخل قري ًة فإنَّه يؤ ِّمل ً‬ ‫شك َّ‬ ‫يريد دخولها‪ ،‬وما من ٍّ‬
‫خيرا‪ ،‬وأن‬ ‫حسن به أن يلتجئ إلى اهلل ‪ D‬أن يكتب له يف هذا الدُّ خول ً‬ ‫ولهذا ُ‬
‫الش ُّر ا َّلذي‬
‫الخير ا َّلذي يف البلدة أو يف أهلها‪ ،‬وكذلك َّ‬ ‫ُ‬ ‫الش َّر؛ سواء‬ ‫يصرف عنه َّ‬
‫ً‬
‫مستعيذا به‬ ‫يف البلدة أو يف أهلها‪ُّ ،‬‬
‫كل ذلك يلتجئ إلى اهلل ‪ً D‬‬
‫سائل الخير‪،‬‬
‫‪ F‬من َّ‬
‫الش ِّر‪.‬‬
‫ِ‬
‫وقوله‪« :‬إِ َّل َق َال ح َ‬
‫ين َي َر َاها»‪ ،‬هذا فيه داللة كما سبق إلى َّ‬
‫أن هذا الدُّ عاء‬
‫أيضا قبل رؤية البلدة‪ ،‬بل‬
‫ُيؤتى به عند رؤية البلدة‪ ،‬ليس بعد الدُّ خول وال ً‬
‫عندما يرى البلدة ً‬
‫مقبل عليها يريد دخولها‪.‬‬
‫سؤال للخير؛ خير البلدة وأهلها‪ ،‬واستعاذ ٌة باهلل من‬ ‫ٌ‬ ‫وهذا الدُّ عاء يف جملته‬
‫للسماوات‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫بتوسالت عظيمة إلى اهلل؛ بربوب َّيته َّ‬ ‫شر البلدة وأهلها‪ُ ،‬بدئ ُّ‬ ‫الش ِّر؛ ِّ‬
‫وأيضا ما يرت َّتب على‬ ‫للشياطين‪ً ،‬‬ ‫للرياح‪ ،‬وربوب َّيته َّ‬
‫وربوب َّيته لألرض‪ ،‬وربوب َّيته ِّ‬
‫وجود هذه المخلوقات من آثار‪.‬‬
‫ِ‬
‫السماوات‬ ‫الس ْب ِع َو َما َأ ْظ َل ْل َن»‪ ،‬أي‪ :‬يا موجد َّ‬ ‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َر َّب َّ‬
‫الس َم َوات َّ‬
‫السبع وخالقها ومبدعها‪ ،‬وقوله‪« :‬و َما أ ْظ َل ْل َن»‪ ،‬من اإلظالل‪ ،‬أي‪ :‬ما كانت له‬ ‫َّ‬
‫كل ما علت عليه وارتفعت‪ ،‬فيدخل تحت قوله‪« :‬و َما أ ْظ َل ْل َن»‪:‬‬ ‫مثل ال ُّظ َّلة‪ ،‬وهو ُّ‬
‫السماء عليه ظ َّلة وله غطاء‪.‬‬ ‫الشمس‪ ،‬والقمر‪ ،‬والنُّجوم‪ ،‬واألرض‪ُّ .‬‬
‫كل هذا َّ‬ ‫َّ‬
‫وما أ ْق َل ْل َن»‪ ،‬أقللن‪ :‬من اإلقالل وهو الحمل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الس ْب ِع َ‬
‫ين َّ‬
‫األرض َ‬
‫«ور َّب ْ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫‪583‬‬ ‫‪ -95‬ما يقوله املسافر إذا رأى قرية أو بلدة يريد دخوهلا‬

‫أي‪ :‬ما حملن على ظهوره َّن‪ ،‬ويدخل تحت قوله‪« :‬وما أقللن»‪ :‬الجبال‪،‬‬
‫فتوسل‬‫مما أق َّلته األرض‪َّ ،‬‬ ‫واب‪ُّ .‬‬
‫كل ذلك َّ‬ ‫واألشجار‪ ،‬واألهنار‪ ،‬والنَّاس‪ ،‬والدَّ ُّ‬
‫للسماوات وما تحتها‪ ،‬وربوب َّية اهلل لألرض وما عليها‪.‬‬ ‫بربوب َّية اهلل َّ‬
‫أض َل ْل َن»‪ ،‬من اإلضالل وهو اإلغواء َّ‬
‫والصدُّ‬ ‫وما ْ‬‫ين َ‬‫الش َياطِ ِ‬
‫«ور َّب َّ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫ضل النَّاس عن صراطه المستقيم‪،‬‬ ‫والشيطان يصدُّ عن دين اهلل و ُي ُّ‬ ‫عن سبيل اهلل‪َّ ،‬‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [النِّساء‪ ،]120-118 :‬هذا فعله ومطلبه ومقصوده‪:‬‬
‫تعوذ باهلل من َّ‬
‫الشياطين وما أضللن‪،‬‬ ‫إضالل النَّاس وصدُّ هم عن دين اهلل؛ ف َي ُّ‬
‫الشيطان وحزبه‪ ،‬وجنوده‪ ،‬وأتباعه‪ ،‬والمتأ ِّثرين به المستجيبين‬ ‫أي‪ :‬من َّ‬
‫إلضالله وإغوائه‪.‬‬
‫الرياح معروفة‪ ،‬و َما َذ َر ْي َن‪ ،‬أي‪ :‬ما ذرته‬ ‫وما َذ َر ْي َن»‪ِّ ،‬‬
‫الر َياحِ َ‬
‫«ور َّب ِّ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫الرمال واألوراق والهشيم‪،‬‬ ‫الرياح فإنَّها تذرو ِّ‬
‫الرياح‪ ،‬أي‪ :‬ط َّيرته‪ ،‬عندما تشتدُّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫فيتوسل بربوب َّية اهلل ‪D‬‬ ‫َّ‬ ‫قال تعالى‪﴿ :‬ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ﴾ [الكهف‪]45 :‬؛‬
‫أيضا‬
‫الرياح ً‬
‫مسخرة مد َّبرة‪ ،‬حركتها بتسخير اهلل‪ ،‬وما ذرته ِّ‬ ‫َّ‬ ‫الرياح‬ ‫للرياح‪َّ ،‬‬
‫ألن ِّ‬ ‫ِّ‬
‫كل ذلك بتسخيره ‪.F‬‬ ‫ُّ‬
‫كل شيء؛ عليه أن يستحضر‬ ‫رب ِّ‬ ‫َّوسالت باهلل ِّ‬‫يتوسل هبذه الت ُّ‬
‫والعبد حينما َّ‬
‫وأن َّ‬
‫كل ما‬ ‫رب العالمين‪َّ ،‬‬ ‫وأن األمر بيده‪ ،‬وأنَّه ُّ‬ ‫كل شيء‪َّ ،‬‬ ‫كمال قدرة اهلل على ِّ‬
‫متحرك حركته بتسخيره سبحانه‬ ‫ِّ‬ ‫وأن َّ‬
‫كل‬ ‫السماء وفوق األرض ملكه‪َّ ،‬‬ ‫تحت َّ‬
‫وتدبيره‪ ،‬وما تقدَّ م ك ُّله وسائل بين يدي الدُّ عاء‪.‬‬
‫ك َخ ْي َر َه ِذ ِه ال َق ْر َي ِة»‪ ،‬وهذا‬ ‫«أس َأ ُل َ‬‫ثم شرع يف الدُّ عاء وذكر المطلوب‪ ،‬قال‪ْ :‬‬ ‫َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪584‬‬

‫منحه من خيرها‪،‬‬ ‫يجعل هذه القري َة مبارك ًة عليه‪ ،‬وأن َي َ‬ ‫َ‬ ‫فيه سؤال اهلل ‪ D‬أن‬
‫بالسالمة والعافية‪.‬‬ ‫السكنى فيها َّ‬ ‫وأن ُي َي ِّس َر له ُّ‬
‫«وخير ِ‬
‫الصالح والتُّقى‬ ‫أهل َها»‪ ،‬أي‪ :‬خير النَّاس ا َّلذين فيها من أهل َّ‬ ‫قوله‪ْ َ ْ َ :‬‬
‫والعلم وال َّطاعة هلل؛ فيسأله من خير أهل القرية بحيث ُيعامل بالحسنى و ُيالقى‬
‫يتضمن طلب‬ ‫َّ‬ ‫بال ِّطيب‪ ،‬وال يحصل له إيذاء أو عدوان أو نحو ذلك‪ ،‬وهو‬
‫الصالحة‪.‬‬ ‫للرفقة َّ‬ ‫التَّوفيق ِّ‬
‫تعو ٌذ باهلل من‬ ‫ِ‬ ‫أه ِل َها‪َ ،‬‬ ‫ك ِم ْن َش ِّر َها‪َ ،‬‬ ‫قوله‪« :‬وأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫وش ِّر َما ف ْي َها»‪ ،‬هذا ُّ‬ ‫وش ِّر ْ‬
‫فيتعوذ باهلل‬ ‫َّ‬ ‫الش ِّر بأنواعه؛ سواء المتع ِّلق بالقرية نفسها‪ ،‬أو بأهلها‪ ،‬أو بما فيها‪،‬‬ ‫َّ‬
‫محفوظ بحفظ اهلل‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫من ذلك ك ِّله‪ ،‬وحينئذ يدخل القرية ا َّلتي يريد دخولها وهو‬
‫الش ِّر‪.‬‬‫خيرا وأن ُيوقى من َّ‬ ‫يحصل ً‬ ‫طامع يف فضله‪ ،‬وراغب فيما عنده أن ِّ‬ ‫ٌ‬
‫ْ ً‬ ‫ُ َ َ‬
‫‪َ ‬ما َي ُقول ُه ِإذا ن َز َل َمن ِزل‬
‫ول‪:‬‬ ‫ول اهلل ﷺ َي ُق ُ‬ ‫الس َل ِم َّي ِة ‪َ J‬قا َل ْت‪َ :‬س ِم ْع ُت َر ُس َ‬ ‫يم ُّ‬ ‫ْت َحكِ ٍ‬ ‫َعن َخو َل َة بِن ِ‬
‫ْ ْ‬
‫ات ِم ْن َش ِّر َما َخ َل َق»؛ َل ْم َي ُض َّر ُه‬ ‫ات اهلل ِ التَّام ِ‬
‫«أعو ُذ بِك َِلم ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫« َم ْن ن ََز َل َمن ِْز ًل ُث َّم َق َال‪ُ َ :‬‬
‫ح َل مِ ْن َمن ِْزل ِ ِه َذل ِ َك»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫َشيء حتَّى ير َت ِ‬
‫ْ ٌ َ َْ‬
‫مكان ينزله اإلنسان لمدَّ ٍة طويلة يقيم فيه‪ ،‬أو لمدَّ ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫المراد بالمنزل‪ُّ :‬‬
‫كل‬
‫قصيرة‪ ،‬فيشمل قوله‪« :‬إِ َذا ن ََز َل َمن ِْز ًل»‪ :‬من بنى بيتًا ونزل فيه‪ ،‬أو استأجر ش َّق ًة‬
‫أقل من ذلك‪ ،‬أو استأجر غرفةً؛ ليبات فيها ليل ًة‬ ‫شهرا أو َّ‬ ‫ليسكن فيها سن ًة أو ً‬
‫كل‬ ‫ثم إذا أصبح رحل‪ ،‬فهو يتناول َّ‬ ‫ثم ينتقل منها‪ ،‬أو نزل يف بر َّية ليرتاح ليل ًة َّ‬ ‫َّ‬
‫منزل ينزله العبد‪.‬‬
‫وهذه الدَّ عوة تحصي ٌن للعبد يف ِّ‬
‫كل منزل ينزله حتَّى يرحل منه‪ ،‬فإذا نزل‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2708‬‬


‫‪585‬‬ ‫‪ -95‬ما يقوله املسافر إذا رأى قرية أو بلدة يريد دخوهلا‬
‫َّعوذ ليكون محفو ًظا بإذن اهلل ‪ F‬يف ِّ‬
‫كل منزل‬ ‫يف آخر؛ جدَّ د اإلتيان هبذا الت ُّ‬
‫خالف ما كان‬
‫َ‬ ‫وتعو ٌذ بكلماته‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ينزله‪ .‬وهي التجا ٌء إلى اهلل ‪ D‬واعتصا ٌم به‬
‫مما ال يزيدهم‬
‫َّعوذ بالج ِّن واألحجار وغير ذلك َّ‬ ‫عليه أهل الجاهل َّية من الت ُّ‬
‫إل ره ًقا وضع ًفا وذ َّلةً‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬ ‫َّ‬
‫ﮐ ﮑ﴾ [الج ُّن‪ ،]6 :‬فنعى ‪ F‬عليهم هذه االستعاذة‪ ،‬وب َّين عواقبها‬
‫الوخيمة‪ ،‬ومغ َّبتَها األليمة يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬وشرع سبحانه لعباده المؤمنين‬
‫السورة نفسها‪﴿ :‬ﭷ‬ ‫االستعاذة به وحده وااللتجا َء إليه دون سواه‪ ،‬قال يف ُّ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ [الج ُّن‪]18 :‬؛ إذ هو ا َّلذي بيده مقاليد األمور‬
‫فضل عن أن‬ ‫ضرا‪ً ،‬‬ ‫ونواصي العباد‪ ،‬وأ َّما ما سواه فإنَّه ال يملك لنفسه نف ًعا وال ًّ‬
‫يملك شي ًئا من ذلك لغيره‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫وكلمات اهلل‬
‫ُ‬ ‫وأعتصم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫«أ ُعو ُذ بِكَل َمات اهلل الت ََّّامات»‪ ،‬أي‪ :‬أ ْل ُ‬
‫تجئ‬
‫المراد هبا‪ :‬الكلمات الكون َّية القدر َّية‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾ [يس‪ ،]82 :‬ولذا جاء يف بعض األحاديث وصفها‬
‫بـ«ا َّلتي ال يجاوزها ٌّبر وال فاجر»‪ ،‬وهذا إنَّما هو يف كلماته الكون َّية القدر َّية‪.‬‬
‫يلحق كال َم البشر‪.‬‬ ‫ب كما ُ‬ ‫ومعنى «التا َّمات»‪ ،‬أي‪ :‬ا َّلتي ال يلح ُقها ٌ‬
‫نقص‪ ،‬وال ع ْي ٌ‬
‫ويف الحديث دالل ٌة على مشروع َّية االستعاذة بصفات اهلل‪َّ ،‬‬
‫وأن االستعاذة‬
‫عباد ٌة ال يجوز صر ُفها لغير اهلل‪َّ ،‬‬
‫وأن كال َم اهلل ‪-‬ومنه القرآن‪ -‬ليس بمخلوق‪ ،‬إذ‬
‫ٌ‬
‫شرك‬ ‫ألن االستعاذة بالمخلوق ال تجوز بل هي‬ ‫لو كان مخلو ًقا َلم ُيستعذ به؛ َّ‬
‫باهلل‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫شر ما خلق»‪ ،‬أي‪ :‬من ِّ‬
‫مخلوق قام به َّ‬
‫الش ُّر؛ من‬ ‫أي‬
‫شر يف ِّ‬ ‫كل ٍّ‬ ‫وقو ُله‪« :‬من ِّ‬
‫ٍ‬
‫حيوان أو ِ‬
‫أي‬ ‫غيره‪ ،‬إنس ًّيا كان أو جن ًّيا‪ ،‬أو ها َّم ًة أو دا َّبةً‪ ،‬أو ً‬
‫ريحا أو صاعقةً‪ ،‬أو َّ‬
‫نو ٍع من أنواع َّ‬
‫الش ِّر‪.‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪586‬‬

‫شيء كان؛ ألنَّه‬‫ٍ‬ ‫أي‬ ‫َح َل ِم ْن َمن ِْزلِ ِه َذلِ َ‬


‫وقو ُله‪َ « :‬لم ي ُضره َشيء حتَّى يرت ِ‬
‫ك»‪َّ ،‬‬ ‫ْ َ َّ ُ ْ ٌ َ َ ْ‬
‫وصح ُة‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫المحل‪،‬‬ ‫محفوظ بحفظ اهلل‪ ،‬لكن ُيشرتط يف هذا الدُّ عاء وغيره قابل َّي ُة‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫منزل ينز ُله‬ ‫والحرص على المواظبة عليه يف ِّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬ ‫النِّ َّية‪ ،‬وحس ُن ال ِّثقة باهلل‪،‬‬
‫ُ‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫صادق‪ ،‬علِمنا صد َقه ً‬
‫دليل‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وقول‬ ‫صحيح‬
‫ٌ‬ ‫القرطبي ‪« :V‬هذا خربٌ‬‫ُّ‬ ‫قال‬
‫يضرين شي ٌء إلى أن‬
‫عملت عليه؛ فلم َّ‬
‫ُ‬ ‫سمعت هذا الخرب‬
‫ُ‬ ‫وتجربةً‪ ،‬فإنِّي منذ‬
‫نسيت أن‬
‫ُ‬ ‫ليل‪ ،‬فتف َّك ُ‬
‫رت يف نفسي فإذا بي قد‬ ‫عقرب بالمهد َّية ً‬
‫ٌ‬ ‫تركتُه فلدغتْني‬
‫أتعوذ بتلك الكلمات»(‪.)1‬‬ ‫َّ‬

‫القرطبي (‪.)36/7‬‬
‫ِّ‬ ‫(((  انظر‪ :‬المفهم ألبي الع َّباس‬
I )?5U
?

- - J :3 - k-
L é
. +1A 1:yauz1;Gj1 u-
O '

. .o
. .
- '' k II I ' ' r* .oj t
j. , (g'i* ;; 1 ' âx tC; .1-
o ..o
/..uw
.. h k.n'h--!g-w ...s.h
-.wou.sw h>.w.:ao y c.5 < .k. J.ovwza
. . u w,
w
.aa
,a.be$<:.-= $ s.
=îh=L.'n-.3$I=. .
VJ
'> $I'H Cr= .s'9ù*.l
.JI
ws
oz4 ô. .=
J . op xsx ksL
.w. . . .
. 1, .,
.
5Ol, w.y1.u.fS j *
.uv.2a. @) I.'y.'tmx o.
' ;' u u...jo
.s.ol...x u.4-g.*=.1j<.5Jt'
..
t-
aa'..
ç
JI 'J
J.> -
o'w , '
t:.A
.
J ' .. oa .. o: â
jaa
. J. o ,. wj. ;jj. ; .. ;j. .. .. ... r..jâ.'. .
uzpzxuo oe:
.
.(. :.t,yaX ab ..y ,q<)lr.w.:.'
.. o o ..
kot)J
ô.. . ..
o j . . '; ..J
. tu.xg v.)lgw JIJ Lwgh 1I..ha
l.wa.
..
Tz rNx.1j

I
.a I
m vj
: v.lIs.'
u.,.
xw'' ...'
.-.A
'x.
.I
.-. -2I21u
'uh
>L.wg
'1
. e.wu1
'' .1z.w'J
;1.I
.S
.J yra
>I.1..11J1
'I
.=-j I
= J=
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪588‬‬

‫المبِ َ‬
‫يت َوال َع َشا َء»(‪)1‬؛ ويف‬ ‫التَّسمية عند دخول بيته‪ ،‬وعند طعامه‪َ « :-‬أ ْد َر ْكت ُُم َ‬
‫ِ‬
‫المشاركة‬ ‫للشيطان‪ ،‬مانع ٌة له من دخول المنْزل‪ ،‬ومن‬ ‫هذا َّ‬
‫أن التَّسمي َة طارد ٌة َّ‬
‫يف ال َّطعام َّ‬
‫والشراب‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬قوله‪« :‬وك ُْل ب َي ِمين ِ َ‬
‫َّ‬
‫أن األكل ال يكون َّإل باليد اليمنى‪،‬‬‫ك»‪ ،‬وهذا فيه َّ‬
‫يحل للمرء أن يأكل بيده اليسرى‪ ،‬وقد استجدَّ ت بعض األَكَالت عند‬ ‫فال ُّ‬
‫يد‪ ،‬وعلبة العصير يف اليد ال َّثانية‪ ،‬فيأكل‬ ‫النَّاس‪ ،‬وهي قطعة الخبز تكون يف ٍ‬
‫بيمينه ويشرب بشماله‪ ،‬وهذا ال يجوز‪ ،‬بل عليه أن يأكل ويشرب بيمينه‪ ،‬يضع‬
‫َّبي ‪ O‬هنى‬ ‫َّ‬
‫هذه ويتناول هذه‪ ،‬وال يشرب وال يأكل بشماله؛ ألن الن َّ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ‬ ‫عن ذلك‪ ،‬بل روى س َلم ُة ْب ُن األَك َْو ِع ‪َ I‬أ َّن ر ُج ًل َأك ََل ِعنْدَ رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫بِ ِش َمال ِ ِه‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ك ُْل بِ َي ِمين ِ َ‬
‫اس َت َط ْع َت»‪َ ،‬ما َمنَ َع ُه‬
‫«ل ْ‬ ‫«ل َأ ْستَط ُ‬
‫يع»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬ ‫ك»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫يدل على خطورة‬ ‫إِ َّل ا ْلكِ ْب ُر‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف َما َر َف َع َها إِ َلى فِ ِيه»‪ .‬رواه مسلم(‪)2‬؛ وهذا ُّ‬
‫األمر‪ ،‬فال يجوز للمرء أن يأكل بشماله وال يشرب بشماله‪َّ ،‬إل إذا كانت يده‬
‫اليمنى عاجزة لمرض أو نحوه‪.‬‬
‫وحط من قدر اليد‬ ‫َّ‬ ‫وإذا أكل بشماله أعلى من شأن اليد ا َّلتي لألمور الدَّ نيئة‪،‬‬
‫ن ُع َم َر ‪L‬‬ ‫بالشيطان؛ فعن َع ْب ِد اهَّللِ ْب ِ‬ ‫الشريفة‪ ،‬وصار متش ِّب ًها َّ‬ ‫ا َّلتي لألمور َّ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا َأك ََل َأ َحدُ ك ُْم َف ْل َي ْأك ُْل بِ َي ِمين ِ ِه‪َ ،‬وإِ َذا َشرِ َب َف ْل َي ْش َر ْب‬ ‫َأ َّن َر ُس َ‬
‫ان َي ْأك ُُل بِ ِش َمالِ ِه َو َي ْش َر ُب بِ ِش َمالِ ِه»‪ .‬رواه مسلم(‪.)3‬‬ ‫بِ َي ِمين ِ ِه؛ َفإِ َّن َّ‬
‫الش ْي َط َ‬
‫«وك ُْل ِم َّما َي ِل َ‬
‫َّ‬
‫السنَّة ومن آداب ال َّطعام‬ ‫يك»‪ ،‬وهذا فيه َّ‬
‫أن من ُّ‬ ‫الثالث‪ :‬قوله‪َ :‬‬
‫َّ‬
‫«ألن‬ ‫َّووي ‪:V‬‬‫أن يأكل المرء من الجانب ا َّلذي يليه من القصعة‪ .‬قال الن ُّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2018‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2021‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2020‬‬
‫‪589‬‬ ‫‪ -96‬أذكار ال َّطعام وال َّشراب‬
‫أكله من موضع يد صاحبه سوء عشرة‪ ،‬وترك مروءة‪ ،‬فقد َّ‬
‫يتقذره صاحبه ال‬
‫س َّيما يف األمراق وشبهها‪ ،‬وهذا يف ال َّثريد واألمراق وشبهها‪ ،‬فإن كان ً‬
‫تمرا أو‬
‫أجناسا فقد نقلوا إباحة اختالف األيدي يف ال َّطبق ونحوه‪ ،‬وا َّلذي ينبغي تعميم‬
‫ً‬
‫مخصص»(‪.)1‬‬
‫ِّ‬ ‫النَّهي ً‬
‫حمل للنَّهي على عمومه حتَّى يثبت دليل‬
‫نسي التَّسمي َة يف َّأول طعامه‪ُ ،‬شرع له أن يقول يف أثنائه إذا‬ ‫ثم َّ‬
‫المسلم إن َ‬‫َ‬ ‫إن‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وغيرهما عن عائشة‬ ‫ذكر‪« :‬بِ ْس ِم اهلل َّأو َل ُه َوآخ َر ُه»‪ ،‬فقد روى أبو داود وابن ماجه ُ‬
‫أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َذا َأك ََل َأ َحدُ ك ُْم َف ْل َي ْذ ُكرِ ْاس َم اهلل ِ َت َعا َلى‪َ ،‬فإِ ْن‬ ‫‪َّ :J‬‬
‫آخ َر ُه»(‪)2‬؛ وقد أفاد هذا‬ ‫ن َِسي َأ ْن ي ْذكُر اسم اهلل ِ فِي َأولِ ِه‪َ ،‬ف ْلي ُق ْل‪ :‬بِس ِم اهلل ِ َأو َله و ِ‬
‫َّ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ ْ َ‬
‫المسلم يف هذا الموضع‬ ‫ُ‬ ‫فإن نسيها‬ ‫محل التَّسمية عند َّأول ال َّطعام‪ْ ،‬‬ ‫أن َّ‬ ‫الحديث َّ‬
‫ُ‬
‫الصيغة المذكورة يف الحديث‪.‬‬
‫أجزأه أن يأيت بالتَّسمية يف أثنائه هبذه ِّ‬
‫الشيطان يستقيء ما يف بطنه إذا‬ ‫ضعف َّ‬
‫أن َّ‬ ‫ٌ‬ ‫وقد جاء يف حديث‪ ،‬يف إسناده‬
‫َّسائي عن أم َّية بن‬ ‫المسلم هبذه التَّسمية‪ ،‬وذلك فيما رواه أبو داود والن ُّ‬ ‫ُ‬ ‫أتى‬
‫سم‪،‬حتَّى َلم‬ ‫ورجل يأكل‪ ،‬ف َلم ُي ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫جالسا‬
‫ً‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫شي ‪ I‬قال‪ :‬كان‬ ‫مخ ٍّ‬
‫ْ‬
‫وآخره‪ ،‬فضحك‬ ‫َ‬ ‫فلما رفعها إلى فيه‪ ،‬قال‪ :‬بسم اهلل َّأو َله‬ ‫يبق من طعامه َّإل ُلقم ًة َّ‬ ‫َ‬
‫ان َي ْأك ُُل َم َع ُه‪َ ،‬ف َل َّما َذك ََر ْاس َم اهلل ِ ْاس َت َقا َء َما‬
‫الش ْي َط ُ‬
‫«ما ز ََال َّ‬ ‫النَّبِ ُّي ﷺ‪َّ ،‬‬
‫ثم َق َال‪َ :‬‬
‫وغيره‪ .‬وأ َّما‬‫ُ‬ ‫ضعيف‪ ،‬ض َّعفه الحافظ ابن حجر‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫الحديث‬ ‫فِي َب ْطن ِ ِه»(‪ ،)3‬لك َّن‬
‫وآخره»؛ ثابت ٌة كما‬
‫َ‬ ‫نسي بقول‪« :‬بسم اهلل َّأو َله‬ ‫التَّسمية يف أثناء ال َّطعام يف ِّ‬
‫حق َمن َ‬
‫يف الحديث ا َّلذي قبله‪.‬‬
‫َو َع ْن ُح َذ ْي َف َة ‪َ I‬ق َال‪ُ « :‬كنَّا إِ َذا َح َض ْرنَا َم َع النَّبِ ِّي ﷺ َط َعا ًما َل ْم ن ََض ْع‬

‫َّووي على مسلم (‪.)193/13‬‬


‫(((  انظر‪ :‬شرح الن ِّ‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)2767‬وابن ماجه (‪،)3264‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫َّسائي يف الكربى (‪ ،)6725‬وض َّعفه األلبان ُّي‪.‬‬
‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)3768‬والن ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪590‬‬

‫ول اهللِ ﷺ َف َي َض َع َيدَ ُه‪َ ،‬وإِنَّا َح َض ْرنَا َم َع ُه َم َّر ًة َط َعا ًما‪َ ،‬ف َجا َء ْت‬ ‫يد َينَا َحتَّى َي ْبدَ َأ َر ُس ُ‬ ‫َأ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ بِ َي ِد َها‪،‬‬ ‫ار َي ٌة ك ََأن ََّها ُتدْ َف ُع‪َ ،‬ف َذ َه َب ْت لِت ََض َع َيدَ َها فِي ال َّط َعا ِم‪َ ،‬ف َأ َخ َذ َر ُس ُ‬
‫َج ِ‬
‫الش ْي َط َ‬
‫ان‬ ‫ول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َّن َّ‬ ‫ُث َّم َجا َء َأ ْع َرابِي ك ََأن ََّما ُيدْ َف ُع َف َأ َخ َذ بِ َي ِد ِه‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫ٌّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َح ُّل ال َّط َعا َم أ ْن َل ُي ْذك ََر ْاس ُم اهلل َع َل ْيه‪َ ،‬وإ َّن ُه َجا َء ب َهذه ا ْل َجار َية ل َي ْستَح َّل ب َها‬ ‫يست ِ‬
‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ابي ل َي ْستَح َّل بِه َف َأ َخ ْذ ُت بِ َيده‪َ ،‬وا َّلذي َن ْفسي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َفأ َخ ْذ ُت بِ َيد َها‪َ ،‬ف َجا َء بِ َه َذا ْالَ ْع َر ِّ‬
‫بِ َي ِد ِه إِ َّن َيدَ ُه فِي َي ِدي َم َع َي ِد َها»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫قوله‪« :‬ك ََأن ََّها تُدْ َف ُع» ويف رواية‪« :‬ك ََأن ََّها ُت ْط َر ْد»‪ ،‬أي‪ :‬ل ِ ِشدَّ ِة ُس ْر َعتِها‪.‬‬
‫أن عدم التَّسمية على ال َّطعام من أحد المشاركين‬ ‫وهذا الحديث يفيد َّ‬
‫للشيطان أن ُيشارك يف هذا ال َّطعام‪ ،‬كما قال ‪ O‬يف هذا‬ ‫فيه يتيح َّ‬
‫ُّ‬
‫فيستحل‬ ‫َح ُّل ال َّط َعا َم َأ ْن َل ُي ْذك ََر ْاس ُم اهلل َع َل ْي ِه»؛‬
‫ان يست ِ‬ ‫الحديث‪« :‬إِ َّن َّ‬
‫الش ْي َط َ َ ْ‬
‫الصغار أو حتَّى من الكبار أن يمدَّ يده إلى ال َّطعام‬ ‫ال َّطعام بدفع شخص من ِّ‬
‫دخل له على‬ ‫ليعجل به أن يأكل من ال َّطعام بال تسمية حتَّى يجد َم ً‬ ‫دون تسمية؛ ِّ‬
‫السفرة أن يبدؤوا بالتَّسمية‪.‬‬ ‫ال َّطعام‪ ،‬ولهذا يتأكَّد على جميع َمن على ُّ‬
‫ً‬
‫للشيطان يف ال َّطعام ُّ‬
‫أي‬ ‫‪ ‬ويفيد أيضا‪ :‬أنَّه إذا حصلت التَّسمية ال يصبح َّ‬
‫أي مشاركة‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬ ‫نصيب‪ ،‬وال يصبح له ُّ‬ ‫ٍ‬
‫ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ﴾‬
‫[اإلسراء‪ ،]65-64 :‬أي‪ :‬ا َّلذين يذكرون اهلل ليس لك عليهم طريق‪.‬‬
‫َّ‬
‫الشيطان عن المشاركة يف ال َّطعام‪ ،‬وإذا لم‬
‫‪ ‬فمن فوائد التسمية‪ :‬منع َّ‬
‫تحصل التَّسمية ليس ا َّلذي يشارك منهم واحدٌ فقط! بل عدد‪ ،‬ينادي بعضهم‬
‫بعضا‪ ،‬بقولهم‪َ « :‬أ ْد َر ْكت ُُم ال َع َشا َء»‪ ،‬و َمن هذا ا َّلذي يرضى بأعداد من َّ‬
‫الشياطين‬ ‫ً‬
‫تشاركه يف طعامه؟! و َمن ترك التَّسمية فقد رضي ذلك شاء أم أبى‪.‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)2017‬‬


‫‪591‬‬ ‫‪ -96‬أذكار ال َّطعام وال َّشراب‬

‫اب النَّبِ ِّي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو َع ْن َو ْح ِشي ْب ِن َح ْر ٍ‬


‫ب َع ْن َأبِيه َع ْن َجدِّ ه ‪َ :I‬أ َّن َأ ْص َح َ‬ ‫ِّ‬
‫ون؟» َقا ُلوا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ول اهلل‪ ،‬إنَّا نَأك ُُل َو َل ن َْش َب ُع! َق َال‪َ « :‬فل َعلك ُْم َت ْف َتر ُق َ‬
‫ﷺ َقا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫امكُم وا ْذكُروا اسم اهلل ِ ع َلي ِه يبار ْك َلكُم فِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َنعم‪َ .‬ق َال‪َ « :‬ف ِ‬
‫يه»‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َُ َ‬ ‫اجتَم ُعوا َع َلى َط َع ْ َ ُ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫رواه أبو داود وابن ماجه(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫‪ ‬وهذا فيه ذكر أمرين عظيمين من أسباب البركة في الطعام‪:‬‬
‫األول‪ :‬االجتماع‪ ،‬اجتماع األيدي على ال َّطعام‪ ،‬ال أن يكون ُّ‬
‫كل واحد منهم‬ ‫َّ‬
‫طرف يأكل وحده‪.‬‬‫ٍ‬ ‫معه طعام يف‬
‫َّ‬
‫والثاني‪ :‬أن يذكروا اسم اهلل عليه‪.‬‬
‫َان ُي َق ُال‪ :‬إِ َذا َج َم َع ال َّط َعا ُم َأ ْر َب ًعا ك َُم َل ك ُُّل َش ْي ٍء‬
‫ب َق َال‪« :‬ك َ‬ ‫َع ْن َش ْه ِر ْب ِن َح ْو َش ٍ‬
‫اس ُم اهللِ َت َعا َلى‪َ ،‬و َك ُث َر ْت َع َل ْي ِه األَ ْي ِدي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َان َأ َّو ُل ُه َح َل ًل‪َ ،‬و ُذك َر ْ‬ ‫مِ ْن َش ْأنِ ِه‪ ،‬إِ َذا ك َ‬
‫اهَّلل َت َعا َلى َع َل ْي ِه ِحي َن ُي ْفر ُغ مِنْ ُه‪َ ،‬ف َقدْ ك َُم َل ك ُُّل َش ْي ٍء مِ ْن َش ْأنِ ِه»‪ .‬رواه ابن‬ ‫َو ُحمدَ ُ‬
‫ِ‬
‫الزهد(‪.)2‬‬ ‫المبارك يف ُّ‬
‫ول اهللِ ﷺ‪« :‬إِ َّن اهَّللَ َل َي ْر َضى َع ِن‬ ‫ك ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َس ب ِن مال ِ ٍ‬
‫َو َع ْن َأن ِ ْ َ‬
‫الش ْر َب َة َف َي ْح َمدَ ُه َع َل ْي َها»‪ .‬رواه‬ ‫ا ْل َع ْب ِد َأ ْن َي ْأك َُل ْالَ ْك َل َة َف َي ْح َمدَ ُه َع َل ْي َها‪َ ،‬أ ْو َي ْش َر َب َّ‬
‫مسلم(‪.)3‬‬
‫وهذا فيه فضل الحمد بعد ال َّطعام وبعد َّ‬
‫الشراب؛ فيشرع للمسلم إذا فرغ‬
‫أمر يرضي اهلل‪،‬‬ ‫من طعامه أو شرابه أن يحمد اهلل‪ ،‬وقد أخرب النَّبي ﷺ َّ‬
‫أن هذا ٌ‬ ‫ُّ‬
‫فيرضى ‪ D‬عن عبده إذا فعل ذلك‪.‬‬
‫فإذا قال الحمد هلل عقب ال َّطعام‪ ،‬أو عقب َّ‬
‫الشراب يكفي هذا وينال بذلك‬
‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)3764‬وابن ماجه (‪،)3286‬‬
‫والرقائق (‪.)609‬‬
‫الزهد َّ‬
‫(((  رواه ابن المبارك يف ُّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2734‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪592‬‬

‫تيسر للعبد‬ ‫صيغ عظيمة مباركة ثبتت عن نب ِّينا ﷺ‪ ،‬إن َّ‬ ‫أيضا ٌ‬ ‫الرضا‪ ،‬لكن هناك ً‬ ‫ِّ‬
‫يتيسر فال‬ ‫مر ًة وهذا مرة فهو أكمل‪ ،‬وإن لم َّ‬ ‫بعضها؛ فيأيت هبذا َّ‬ ‫أن يحفظها أو َ‬
‫يدع أن يقول‪« :‬الحمد هلل» عقب ال َّطعام‪ ،‬واهلل يرضى عن عبده بذلك أن يأكل‬
‫الشربة فيحمده عليها‪.‬‬ ‫األكلة فيحمده عليها‪ ،‬ويشرب َّ‬
‫ول اهلل ﷺ َق َال‪َ « :‬م ْن َأك ََل َط َعا ًما ُث َّم َق َال‪:‬‬ ‫َس ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬ ‫اذ ْب ِن َأن ٍ‬‫َعن مع ِ‬
‫ْ َُ‬
‫له ا َّل ِذي َأ ْط َع َمنِي َه َذا ال َّط َعا َم َو َر َز َقن ِ ِيه ِم ْن َغ ْيرِ َح ْو ٍل ِمنِّي َو َل ُق َّو ٍة»؛‬
‫«ا ْلحمدُ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫ِّرمذي(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫ُغ ِف َر َل ُه َما َت َقدَّ َم مِ ْن َذ ْنبِ ِه»‪ .‬رواه أبو داود والت‬
‫الر ِّب به‪ ،‬بل يلتفت إلى نفسه؛‬ ‫من النَّاس َمن ال يستذكر وقت ال َّطعام منَّ َة َّ‬
‫ِ‬
‫المنعم‬ ‫كيف صنعه؟ وكيف أحضره؟ وكيف أتقنه؟ ولو ترك هذا وأقبل على‬
‫حول من العبد وال‬ ‫ٍ‬ ‫حمدً ا وثنا ًء عليه ‪ D‬ا َّلذي رزق العبد هذا ال َّطعام من غير‬
‫والفوز برحمة اهلل ورضاه سبحانه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الغفران‪،‬‬ ‫قوة لكان ذلك من موجبات نيله‬ ‫َّ‬
‫َان إِ َذا َر َف َع َمائِدَ َت ُه‪َ ،‬ق َال‪« :‬ا ْل َح ْمدُ‬
‫َو َع ْن َأبِي ُأ َما َم َة ‪َ :I‬أ َّن النَّبِي ﷺ ك َ‬
‫َّ‬
‫له كَثِ ًيرا َط ِّي ًبا ُم َب َاركًا فِ ِيه‪َ ،‬غ ْي َر َمك ِْف ٍّي َو َل ُم َو َّد ٍع َو َل ُم ْس َت ْغنًى َعنْ ُه َر َّبنَا»‪ .‬رواه‬
‫لِ ِ‬
‫البخاري(‪.)2‬‬
‫ُّ‬
‫«كثيرا ط ِّي ًبا مباركًا فيه» هذا حمدٌ مض َّعف‪ ،‬وهذه أوصاف هذا‬
‫ً‬ ‫قوله‪:‬‬
‫الحمد؛ فهو يحمد اهلل حمدً ا موصو ًفا بالكثرة والربكة وال ِّطيب‪.‬‬
‫قوله‪َ « :‬غ ْي َر َمك ِْف ٍّي َو َل ُم َو َّد ٍع َو َل ُم ْس َت ْغنًى َعنْ ُه»‪ ،‬أي‪ :‬الحمد‪ ،‬فكأنَّه قال‪:‬‬
‫كفي وال ُمو َّدع‪ ،‬وال ُمستغنًى عن هذا الحمد‪.‬‬ ‫كثيرا غير َم ٍّ‬ ‫حمدً ا ً‬

‫وحسنه األلباينُّ‪.‬‬
‫ِّرمذي (‪ ،)3458‬وابن ماجه (‪َّ ،)3285‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)4023‬والت‬
‫البخاري (‪.)5458‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪593‬‬ ‫‪ -97‬ما ُيدعى به ألهل ال َّطعام‬

‫‪97‬‬

‫ما ُيدعى به ألهل ال َّطعام‬

‫«م ْن َصن ََع إِ َل ْيك ُْم َم ْع ُرو ًفا َفكَافِئُو ُه‪،‬‬


‫َّبي ‪َ :O‬‬
‫وهذا من باب قول الن ِّ‬
‫َجدُ وا َما ُتكَافِئُو َن ُه َفا ْد ُعوا َل ُه»(‪ ،)1‬فالدُّ عاء ألهل اإلحسان وأهل‬
‫َفإِ ْن َل ْم ت ِ‬
‫للزائر‬ ‫أمر مطلوب‪ ،‬ومن اإلحسان تقديم ال َّطعام َّ‬
‫للضيف أو َّ‬ ‫المعروف عمو ًما ٌ‬
‫للصديق‪ ،‬ومن مالقاة هذا الجميل أن ُيدعى له‪ ،‬وقد جاء عن‬
‫أو للقريب أو َّ‬
‫َّبي ‪ O‬يف هذا الباب دعوات عظيمة‪.‬‬ ‫الن ِّ‬
‫ت َأ ْس َما ُعنَا‬ ‫ان لِي َو َقدْ َذ َه َب ْ‬ ‫اح َب ِ‬ ‫ت َأنَا وص ِ‬
‫َ َ‬ ‫اد ‪َ I‬ق َال‪َ :‬‬
‫«أ ْق َب ْل ُ‬ ‫َع ِن ا ْل ِم ْقدَ ِ‬
‫ول اهَّلل ِ ﷺ َف َل ْي َس‬ ‫اب رس ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َأ ْب َص ُارنَا م َن ا ْل َج ْهد َف َج َع ْلنَا َن ْعرِ ُض َأ ْن ُف َسنَا َع َلى َأ ْص َح ِ َ ُ‬
‫ِ‬
‫َأ َحدٌ ِمن ُْه ْم َي ْق َب ُلنَا‪َ ،‬ف َأ َت ْينَا النَّبِ َّي ﷺ َفا ْن َط َل َق بِنَا إِ َلى َأ ْه ِل ِه َفإِ َذا َث َل َث ُة َأ ْعن ٍُز‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي‬
‫ان ِمنَّا ن َِصي َب ُه‬ ‫ب َف َي ْش َر ُب ك ُُّل إِن َْس ٍ‬ ‫ِ‬
‫«احتَل ُبوا َه َذا ال َّل َب َن َب ْينَنَا»‪َ ،‬ق َال َف ُكنَّا ن َْحتَل ُ‬
‫ِ‬
‫ﷺ‪ْ :‬‬
‫وق ُظ نَائِ ًما‬ ‫جيء ِمن ال َّلي ِل َفيس ِّلم تَس ِليما َل ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َون َْر َف ُع للنَّبِ ِّي ﷺ نَصي َب ُه‪َ ،‬ق َال َف َي ِ ُ َ ْ ُ َ ُ ْ ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جدَ َف ُي َص ِّلي ُث َّم َي ْأتِي َش َرا َب ُه َف َي ْش َر ُب‪َ ،‬ف َأتَانِي‬ ‫ان‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ث َّم َي ْأتِي ا ْل َم ْس ِ‬ ‫َو ُي ْس ِم ُع ا ْل َي ْق َظ َ‬
‫ْح ُفو َن ُه‬ ‫َصيبِي‪َ ،‬ف َقال‪« :‬محمدٌ ي ْأتِي ْالَنْصار َفيت ِ‬ ‫تن ِ‬ ‫ات َل ْي َل ٍة َو َقدْ َشرِ ْب ُ‬ ‫ان َذ َ‬ ‫الش ْي َط ُ‬ ‫َّ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ُ َ َّ َ‬
‫اج ٌة إِ َلى َه ِذ ِه ا ْل ُج ْر َع ِة»‪َ ،‬ف َأ َت ْيت َُها َف َشرِ ْبت َُها َف َل َّما َأ ْن‬ ‫ِ‬
‫يب عنْدَ ُهم‪َ ْ،‬ما بِه َح َ‬
‫ِ‬
‫َو ُيص ُ‬
‫ِ‬
‫ان‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬ ‫الش ْي َط ُ‬‫يل‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ندَّ َمنِي َّ‬ ‫ت َأ َّن ُه َل ْي َس إِ َل ْي َها َسبِ ٌ‬ ‫ت فِي َب ْطنِي َو َع ِل ْم ُ‬ ‫َو َغ َل ْ‬
‫ك‬ ‫جدُ ُه َف َيدْ ُعو َع َل ْي َ‬ ‫جي ُء َف َل َي ِ‬ ‫اب ُم َح َّم ٍد! َف َي ِ‬ ‫ت َش َر َ‬ ‫ت َأ َشرِ ْب َ‬ ‫ك! َما َصنَ ْع َ‬ ‫«و ْي َح َ‬ ‫َ‬
‫ُك؟!» َو َع َل َّي َش ْم َل ٌة إِ َذا َو َض ْعت َُها َع َلى َقدَ َم َّي َخ َر َج‬ ‫اك و ِ‬ ‫َفت َْه ِل ُ‬
‫آخ َرت َ‬ ‫ب ُد ْن َي َ َ‬ ‫ك َفت َْذ َه ُ‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّسائي (‪،)2567‬‬
‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)1672‬والن ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪594‬‬

‫جيئُنِي الن َّْو ُم‪َ ،‬و َأ َّما‬ ‫اي‪َ ،‬و َج َع َل َل َي ِ‬ ‫ِ‬


‫َر ْأسي َوإِ َذا َو َض ْعت َُها َع َلى َر ْأسي َخ َر َج َقدَ َم َ‬
‫ِ‬

‫ت‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َجا َء النَّبِ ُّي ﷺ َف َس َّل َم ك ََما ك َ‬


‫َان‬ ‫اي َفن ََاما َو َل ْم َي ْصنَ َعا َما َصنَ ْع ُ‬ ‫ِ‬
‫َصاح َب َ‬
‫جدْ فِ ِيه َش ْيئًا‪،‬‬ ‫ف َعنْ ُه َف َل ْم َي ِ‬ ‫جدَ َف َص َّلى‪ُ ،‬ث َّم َأتَى َش َرا َب ُه َفك ََش َ‬ ‫ُي َس ِّل ُم‪ُ ،‬ث َّم َأتَى ا ْل َم ْس ِ‬
‫ك‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم َأ ْط ِع ْم َم ْن‬ ‫ت ْال َن َيدْ ُعو َع َل َّي َف َأ ْه ِل ُ‬ ‫اء‪َ ،‬ف ُق ْل ُ‬ ‫َفر َفع ر ْأسه إِ َلى السم ِ‬
‫َّ َ‬ ‫َ َ َ َ ُ‬
‫الش ْم َل ِة َف َشدَ ْدت َُها َع َل َّي َو َأ َخ ْذ ُت‬ ‫َأ ْط َع َمنِي َو َأ ْس ِق َم ْن َأ ْس َقانِي»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َع َمدْ ُت إِ َلى َّ‬
‫ول اهَّلل ِ ﷺ‪َ ،‬فإِ َذا ِه َي َحافِ َل ٌة‬ ‫ت إِ َلى األَ ْعن ُِز َأي َها َأسم ُن َف َأ ْذ َب ُح َها لِرس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ُّ ْ َ‬ ‫الش ْف َر َة َفا ْن َط َل ْق ُ‬ ‫َّ‬
‫ون َأ ْن‬ ‫َاء ِل ِل ُم َح َّم ٍد ﷺ َما كَانُوا َي ْط َم ُع َ‬ ‫وإِ َذا هن ح َّف ٌل ُك ُّلهن‪َ ،‬فعمدْ ُت إِ َلى إِن ٍ‬
‫ُ َّ َ َ‬ ‫َ ُ َّ ُ‬
‫ول اهَّلل ِ ﷺ‪،‬‬ ‫ْت إِ َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫جئ ُ‬ ‫ت فِ ِيه َحتَّى َع َل ْت ُه َر ْغ َو ٌة َف ِ‬ ‫َي ْحت َِل ُبوا فِ ِيه‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َح َل ْب ُ‬
‫ول اهَّللِ‪ْ ،‬اش َر ْب‪َ ،‬ف َشرِ َب ُث َّم‬ ‫ت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫«أ َشرِ ْبت ُْم َش َرا َبك ُُم ال َّل ْي َلةَ»؟ َق َال‪ُ :‬ق ْل ُ‬ ‫َف َق َال‪َ :‬‬
‫ت َأ َّن النَّبِ َّي‬ ‫َاو َلنِي‪َ ،‬ف َل َّما َع َر ْف ُ‬ ‫ت ‪ :‬ي ا رس َ ِ‬ ‫ن ِ‬
‫ول اهَّلل‪ْ ،‬اش َر ْب‪َ ،‬ف َشرِ َب ُث َّم ن َ‬ ‫َاو َلني‪َ ،‬ف ُق ْل ُ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ض‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َق َال‬ ‫يت إِ َلى ْالَ ْر ِ‬ ‫ْت َحتَّى ُأ ْل ِق ُ‬ ‫حك ُ‬ ‫ت دعو َته َض ِ‬
‫ي َو َأ َص ْب ُ َ ْ َ ُ‬ ‫ﷺ َقدْ َر ِو َ‬
‫َان ِم ْن َأ ْمرِى ك ََذا‬ ‫ت‪ :‬يا رس َ ِ‬ ‫النَّبِي ﷺ‪« :‬إِحدَ ى سوآتِ َ ِ‬
‫ول اهَّلل‪ ،‬ك َ‬ ‫ك َيا م ْقدَ ا ُد»‪َ ،‬ف ُق ْل ُ َ َ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«ما َهذه إِ َّل َر ْح َم ٌة م َن اهَّلل‪َ ،‬أ َف َل ُكن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْت آ َذ ْنتَني‬ ‫ت ك ََذا‪َ .‬ف َق َال النَّبِ ُّي ﷺ‪َ :‬‬ ‫َوك ََذا َو َف َع ْل ُ‬
‫ك بِا ْل َح ِّق َما ُأ َبالِي إِ َذا‬ ‫ت َوا َّل ِذي َب َع َث َ‬ ‫ان ِمن َْها»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف ُق ْل ُ‬ ‫اح َب ْينَا َف ُي ِصي َب ِ‬ ‫ُوق َظ ص ِ‬
‫َ‬
‫َفن ِ‬
‫َّاس»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫ك َم ْن َأ َصا َب َها ِم َن الن ِ‬ ‫َأ َص ْبت ََها َو َأ َص ْبت َُها َم َع َ‬
‫قدم المقداد هو وصاحبان له‬ ‫هذه قصة عجيبة جدير بأن يتأملها المسلم‪ِ ،‬‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫إلى المدينة وهما يف غاية الجوع وشدَّ ة الحاجة إلى ال َّطعام‪ ،‬وعرضوا أنفسهم‬
‫َّبي ﷺ أن يطعمهم أحدٌ ‪ ،‬فلم يقبلهم أحد؛ ألنَّه ال يوجد شيء‬ ‫على أصحاب الن ِّ‬
‫َّبي ﷺ َفا ْن َط َل َق هبم إِ َلى َأ ْهلِ ِه‪ ،‬وعنده َث َل َث ُة َأ ْعن ٍُز‪َ ،‬ف َق َال َل ُهم ﷺ‪:‬‬
‫عندهم‪ ،‬فأتوا الن َّ‬
‫«احت َِل ُبوا َه َذا ال َّل َب َن َب ْينَنَا»‪َ ،‬ف ُكانوا كذلك يفعلون ويرفعون نصيب النَّبِ ِّي ﷺ‬ ‫ْ‬
‫ت ن َِصيبِي‪،‬‬ ‫ات َل ْي َل ٍة َو َقدْ َشرِ ْب ُ‬ ‫متى جاء شربه‪ ،‬يقول المقداد‪َ « :‬ف َأتَانِي َّ‬
‫الش ْي َط ُ‬
‫ان َذ َ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2055‬‬
‫‪595‬‬ ‫‪ -97‬ما ُيدعى به ألهل ال َّطعام‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب عنْدَ ُه ْم ‪-‬أي‪ :‬طعا ًما‪َ -‬ما بِه َح َ‬
‫اج ٌة‬ ‫َف َق َال‪ُ :‬م َح َّمدٌ َي ْأتي ْالَن َْص َار َف ُيتْح ُفو َن ُه َو ُيص ُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َّبي ‪ O‬أتاه‬ ‫فلما شرب نصيب الن ِّ‬ ‫إِ َلى َهذه ا ْل ُج ْر َعة‪َ ،‬ف َأ َت ْيت َُها َف َشرِ ْبت َُها»‪َّ ،‬‬
‫َّبي ﷺ فال يجد شرابه فيدعو عليه‪َ ،‬ف َجا َء‬ ‫وخوفه بأن يأيت الن ُّ‬ ‫الشيطان وندَّ مه َّ‬ ‫َّ‬
‫يه َشي ًئا َفر َفع ر ْأسه إِ َلى السم ِ‬ ‫ف َعن شرابه َف َلم ي ِ ِ ِ‬
‫اء‪،‬‬ ‫َّ َ‬ ‫جدْ ف ْ َ َ َ َ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ثم ك ََش َ ْ‬ ‫َّبي ﷺ َف َس َّل َم َّ‬
‫الن ُّ‬
‫وظ َّن المقداد أنَّه س َيدْ ُعو َعليه َف ْيهلِ ُك‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم َأ ْط ِع ْم َم ْن َأ ْط َع َمنِي َو َأ ْس ِق‬
‫الشاهد من الحديث‪ ،‬الدُّ عاء ألهل ال َّطعام هبذه الدَّ عوة‬ ‫َم ْن َأ ْس َقانِي»‪ ،‬وهذا هو َّ‬
‫العظيمة‪.‬‬
‫فلما سمع المقداد هذه الدَّ عوة أراد أن يفوز هبا‪ ،‬وعزم على أن يذبح واحدة‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫فلما أتاها وجدها َحاف َل ًة بالحليب‪،‬‬ ‫َّبي ﷺ‪َّ ،‬‬ ‫من هذه األعنز ليقدِّ مها طعا ًما للن ِّ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ وقدَّ مه‬ ‫جاء به إِ َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬
‫يه َحتَّى َع َل ْت ُه ر ْغ َوةٌ‪َ ،‬ف ِ‬
‫َ‬
‫فأخذ إِنَاء كبيرا وح َلب فِ ِ‬
‫ً ً َ‬
‫ف المقداد َأ َّن النَّبِ َّي ﷺ َقدْ َر ِو َي‬ ‫َاو َله المقداد‪َ ،‬ف َل َّما َع َر َ‬ ‫له ليشرب َف َش ِر َب‪ُ ،‬ث َّم ن َ‬
‫«ما َه ِذ ِه إِ َّل َر ْح َم ٌة‬
‫َّبي ﷺ خربه‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ﷺ‪َ :‬‬ ‫قص على الن ِّ‬ ‫َو َأ َصا ْبته َد ْع َو ُت ُه َّ‬
‫َّبي‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫لطف‬ ‫فيه‬ ‫وهذا‬ ‫ا»‪،‬‬ ‫ْه‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫ان ِ‬
‫م‬ ‫اح َب ْينَا َف ُي ِصي َب ِ‬
‫ُوق َظ ص ِ‬
‫َ‬
‫ْت آ َذ ْنتَنِي َفن ِ‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ِم َن اهَّللِ‪َ ،‬أ َ‬
‫ف‬
‫ِّ‬
‫القصة‬ ‫وحسن معاملته وجميل صربه‪ ،‬ويف هذه ِّ‬ ‫‪ O‬وجميل أخالقه ُ‬
‫لمن تأ َّملها‪.‬‬ ‫معاين تربو َّية إيمان َّية عظيمة تظهر َ‬
‫َّبي ﷺ‪ ،‬وموطنها‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الشاهد من الحديث هذه الدَّ عوة العظيمة التي دعا هبا الن ُّ‬
‫ٍ‬
‫ييسر اهلل‬ ‫لمن ِّ‬ ‫إ َّما قبل أن ُيؤتى بال َّطعام وقت حاجة إليه‪ ،‬أو شدَّ ة فيدعو هبا َ‬
‫ال َّطعام على يديه‪ .‬ومن أهل العلم َمن يرى أنَّه ُيدعى هبا بعد أن ُيقدَّ م ال َّطعام‪.‬‬
‫ول اهلل ﷺ َع َلى َأبِي‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َق َّر ْبنَا‬ ‫َو َع ْن َع ْب ِد اهلل ْب ِن ُب ْس ٍر ‪َ I‬ق َال‪َ :‬نز ََل َر ُس ُ‬
‫َان َي ْأ ُك ُل ُه َو ُي ْل ِقي الن ََّوى َب ْي َن إِ ْص َب َع ْي ِه‬‫إِ َل ْي ِه َط َع ًاما َو َو ْط َب ًة َف َأك ََل ِمن َْها‪ُ ،‬ث َّم ُأتِ َي بِت َْمرٍ َفك َ‬
‫َاو َل ُه ا َّل ِذي َع ْن َي ِمين ِ ِه‪،‬‬ ‫اب َف َشرِ َب ُه‪ُ ،‬ث َّم ن َ‬‫الس َّبا َب َة َوا ْل ُو ْس َطى‪ُ ،‬ث َّم ُأتِ َي بِ َش َر ٍ‬ ‫َو َي ْج َم ُع َّ‬
‫ار ْك َل ُه ْم فِي َما‬ ‫‪-‬و َأ َخ َذ بِ ِل َجا ِم َدا َّبتِ ِه‪ -‬ا ْد ُع اهَّللَ َلنَا‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم َب ِ‬‫َق َال‪َ :‬ف َق َال َأبِي َ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪596‬‬

‫َر َز ْقت َُه ْم‪َ ،‬وا ْغ ِف ْر َل ُه ْم‪َ ،‬و ْار َح ْم ُه ْم»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬
‫مما ُيدعى به ألهل ال َّطعام؛ أن ُيدعى لهم بالربكة‬ ‫أن َّ‬ ‫الشاهد من الحديث‪َّ :‬‬ ‫َّ‬
‫والرحمة‪.‬‬ ‫وغذاء ومال‪ ،‬و ُيدعى لهم بمغفرة ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫فيما رزقهم اهلل من طعا ٍم‬
‫الذنوب َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الو ْط َبة‪ :‬هي ا ْل َح ْي ُس ُي ْج َم ُع‬ ‫قوله‪َ « :‬ف َق َّر ْبنَا إِ َل ْيه َط َع ًاما َو َو ْط َب ًة َف َأك ََل من َْها»‪َ ،‬‬
‫والس ْمن‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫من الت َّْمر واألقط َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قوله‪ُ « :‬ث َّم ُأتِ َي بِت َْمرٍ َفك َ‬
‫َان َي ْأ ُك ُل ُه َو ُي ْلقي الن ََّوى َب ْي َن إِ ْص َب َع ْيه َو َي ْج َم ُع َّ‬
‫الس َّبا َب َة‬
‫َوا ْل ُو ْس َطى»‪ ،‬أي‪ :‬يجعله على ظهر اإلصبعين ثم يرمي به‪ ،‬ففي رواية اإلمام‬
‫َان َي ْأك ُُل الت َّْم َر َو َي َض ُع الن ََّوى َع َلى َظ ْهرِ إِ ْص َب َع ْي ِه‪ُ ،‬ث َّم َي ْر ِمي بِ ِه»(‪.)2‬‬ ‫أحمد قال‪َ « :‬فك َ‬
‫َاو َل ُه ا َّل ِذي َع ْن َي ِمين ِ ِه»‪ ،‬هذا من اآلداب‬ ‫اب َف َشرِ َب ُه‪ُ ،‬ث َّم ن َ‬ ‫قوله‪ُ « :‬ث َّم ُأتِ َي بِ َش َر ٍ‬
‫المأثورة عنه ‪ O‬يف تناول ال َّطعام‪.‬‬
‫ار ْك َل ُه ْم فِي َما َر َز ْقت َُه ْم‪َ ،‬وا ْغ ِف ْر َل ُه ْم‪َ ،‬و ْار َح ْم ُه ْم»‪ ،‬قد جمع‬ ‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َب ِ‬
‫يف هذا الدُّ عاء خيرات الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬وهو يتناول َمن قدَّ م ال َّطعام و َمن‬
‫الضيف وإكرامه يتعاون فيها أهل البيت‪،‬‬ ‫أن ضيافة َّ‬ ‫صنعه و َمن َّقربه‪ ،‬ومعلوم َّ‬
‫وخاصة المرأة ا َّلتي ُج ُّل الجهد عليها‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫فيشملهم ك َّلهم هذا الدُّ عاء‪،‬‬
‫َس ‪َ :I‬أ َّن النَّبِ َّي ﷺ َجا َء إِ َلى َس ْع ِد ْب ِن ُع َبا َد َة ‪َ I‬ف َجا َء‬ ‫و َع ْن َأن ٍ‬
‫ون‪َ ،‬و َأك ََل َط َع َامك ُُم‬ ‫الصائِ ُم َ‬ ‫ِ‬
‫«أ ْف َط َر عنْدَ ك ُُم َّ‬ ‫ت َف َأك ََل‪ُ ،‬ث َّم َق َال النَّبِي ﷺ‪َ :‬‬
‫ُّ‬
‫بِخُ ب ٍز وزَي ٍ‬
‫ْ َ ْ‬
‫ت َع َل ْيك ُُم ا ْل َم َلئِ َكةُ»‪ .‬رواه أبو داود وابن ماجه(‪.)3‬‬ ‫األَ ْب َر ُار‪َ ،‬و َص َّل ْ‬
‫خبزا وزيتًا‪ ،‬أي‪ :‬يغمس‬ ‫َّبي ‪ O‬هذا ال َّطعام‪ً :‬‬
‫قدَّ م سعد ‪ I‬للن ِّ‬
‫الصائِ ُم َ‬
‫ون‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ثم قال‪َ :‬‬
‫«أ ْف َط َر عنْدَ ك ُُم َّ‬ ‫َّبي ‪َّ ،O‬‬
‫بالزيت‪ ،‬فأكل الن ُّ‬
‫الخبز َّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2042‬‬
‫وصححه األلباينُّ يف التَّعليقات الحسان (‪.)5273‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)17675‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)3854‬وابن ماجه (‪،)1747‬‬
‫‪597‬‬ ‫‪ -97‬ما ُيدعى به ألهل ال َّطعام‬
‫ِ‬ ‫َو َأك ََل َط َع َامك ُُم األَ ْب َر ُار‪َ ،‬و َص َّل ْ‬
‫لمن قدَّ م‬
‫مما ُيدعى به َ‬‫ت َع َل ْيك ُُم ا ْل َم َلئ َكةُ»‪ ،‬فهذا َّ‬
‫طعا ًما‪ُ ،‬يدعى لهم هبذا الدُّ عاء أن يكون بيته ومجلسه وال َّطعام ا َّلذي يقدِّ مه من‬
‫والصالحين‪ ،‬وأن يم َّن اهلل عليه‬ ‫الصيام واألبرار َّ‬ ‫نصيب أهل الفضل‪ ،‬من أهل ِّ‬
‫بصالة المالئكة عليه‪ ،‬فهذه دعوات عظيمة ُيدعى هبا ألهل ال َّطعام أو َ‬
‫لمن قدَّ م‬
‫الصائم‪.‬‬ ‫مختصا بتفطير َّ‬ ‫ًّ‬ ‫طعا ًما‪ ،‬وليس‬
‫َّبي ﷺ إذا أكل عند قو ٍم لم يخرج حتَّى يدعو لهم‪،‬‬ ‫وقد كان من هدي الن ِّ‬
‫يما َر َز ْقت َُه ْم‪َ ،‬وا ْغ ِف ْر َل ُه ْم‬‫ِ‬ ‫فدعا يف منزل عبد اهلل بن بسر بقوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َب ِ‬
‫ار ْك َل ُه ْم ف َ‬
‫ون‪،‬‬‫الصائِ ُم َ‬ ‫ِ‬
‫َو ْار َح ْم ُه ْم»‪ ،‬كما تقدَّ م‪ ،‬ودعا يف منزل سعد بقوله‪َ « :‬أ ْف َط َر عنْدَ ك ُُم َّ‬
‫الم َلئِ َكةُ»‪.‬‬‫َو َأك ََل َط َعا َم ُك ُم ْالَ ْب َر ُار‪َ ،‬و َص َّل ْت َع َل ْي ُك ُم َ‬
‫وعمو ًما فلل َّطعام آداب عديدة وردت هبا األحاديث ِّ‬
‫الصحاح عن رسول اهلل ﷺ‬
‫مستحب‪ ،‬ويجدر بالمسلم أن يعتني هبا عناية‬
‫ٌّ‬ ‫منها ما هو واجب‪ ،‬ومنها ما هو‬
‫متنوعة هبا‬
‫عظيمة‪ ،‬ففيها الربكة والعافية وخير الدُّ نيا واآلخرة‪ .‬وهي آداب ِّ‬
‫أهنأ للعبد‪ ،‬وأنقى وأطيب وأكمل وأسلم‪ ،‬وهي من محاسن هذه‬ ‫يكون ال َّطعام َ‬
‫تقر ًبا‬ ‫َّ‬
‫الشريعة وكمالها ووفائها بجميع مصالح العباد‪ ،‬يقوم المسلم بامتثالها ُّ‬
‫ُ‬
‫فيبارك له يف طعامه ويثيبه على‬ ‫إلى اهلل سبحانه ا َّلذي يرضى عن عبده بذلك‪،‬‬
‫رعايته لهذه اآلداب جزيل ال َّثواب‪ .‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [البقرة‪ ،]172 :‬وقال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ﴾ [سبأ‪ ،]15 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ﴾ [األعراف‪ ،]31 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [طه‪.]81 :‬‬
‫ٌ‬
‫جميل بالمسلم أن يراعي يف ال َّطعام آدابه وأذكاره؛ ليكون ذلك‬ ‫وكم هو‬
‫أبر َك له يف طعامه وأهنأ وأمر َأ‪.‬‬
‫َ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪598‬‬

‫‪98‬‬

‫ما ورد يف ال َّسالم‬

‫الرفيعة‪ ،‬وهو تح َّية أهل اإليمان‬ ‫السالم من خصال الدِّ ين العظيمة وآدابه َّ‬ ‫َّ‬
‫وداعية اإلخاء والمح َّبة بين المسلمين‪ ،‬وهو تح َّية مباركة ط ِّيبة كما وصفها اهلل‬
‫‪ E‬بذلك‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨﯩ﴾ [النُّور‪ ،]61 :‬وهو تح ِّية أهل الجنَّة يحييهم هبا المالئكة‪،‬‬
‫الزمر‪ ،]73 :‬وهو تح َّية‬ ‫كما قال تعالى‪﴿ :‬ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ﴾ [ ُّ‬
‫أهل الجنَّة بينهم‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿﮀ﴾ [يونس‪ ،]10 :‬وهو تح َّية‬
‫اهلل لهم‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [يس‪ ،]58 :‬وهو من فضائل‬
‫واألخوة وال ُّطمأنينة واأللفة‬ ‫َّ‬ ‫للسالم‬ ‫نشر َّ‬
‫الدِّ ين العظيمة وخصاله الجليلة‪ ،‬وهو ٌ‬
‫والمح َّبة بين المؤمنين‪.‬‬
‫اإل ْس َل ِم‬ ‫َع ْن َع ْب ِد اهلل ْب ِن َعم ٍرو ‪َ :I‬أ َّن ر ُج ًل س َأ َل النَّبِي ﷺ‪َ :‬أ ُّي ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫ف»‪ .‬رواه‬ ‫ت َو َم ْن َل ْم َت ْعرِ ْ‬ ‫َخ ْي ٌر؟ َق َال‪ُ « :‬ت ْطع ُم ال َّط َعا َم‪َ ،‬و َت ْق َر ُأ َّ‬
‫الس َل َم َع َلى َم ْن َع َر ْف َ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬
‫ال ْس َل ِم َخ ْي ٌر؟» فيه دالل ٌة على تفاضل شعب اإليمان َّ‬
‫وأن‬ ‫ي ِْ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫«أ ُّ‬
‫أي خصاله‬ ‫ال ْس َل ِم َخ ْي ٌر؟» أي‪ُّ :‬‬ ‫بعضها أفضل من بعض‪ ،‬ولهذا قال له‪َ « :‬أ ُّي ْ ِ‬
‫ون‬ ‫ان بِ ْض ٌع َو َس ْب ُع َ‬ ‫يم ُ‬‫«ال َ‬ ‫الشعب‪ ،‬قال النَّبي ﷺ‪ِ ْ :‬‬ ‫خير وأفضل‪ ،‬ويف حديث ُّ‬ ‫ٌ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫َاها إِ َما َط ُة ْالَ َذى َع ِن‬ ‫ُّون ُش ْع َبةً؛ َف َأ ْف َض ُل َها َق ْو ُل َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ‪َ ،‬و َأ ْدن َ‬
‫َأ ْو بِ ْض ٌع َوست َ‬

‫البخاري (‪ ،)12‬ومسلم (‪.)39‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪599‬‬ ‫‪ -98‬ما ورد يف ال َّسالم‬

‫شعب متفاوته‬
‫ٌ‬ ‫يم ِ‬
‫ان»‪ ،‬فذكر ‪ O‬أنَّها‬ ‫يق‪َ ،‬وا ْل َح َيا ُء ُش ْع َب ٌة ِم َن ْ ِ‬
‫ال َ‬ ‫ال َّطرِ ِ‬
‫بعضها أفضل من بعض‪.‬‬
‫سخي النَّفس‪ ،‬تطعم الفقراء والمحتاجين‬ ‫تكون‬ ‫أي‪:‬‬ ‫»‪،‬‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ا‬‫ع‬‫َ‬ ‫قوله‪ُ « :‬ت ْط ِع ُم ال َّ‬
‫ط‬
‫َّ‬
‫طال ًبا بذلك ثواب اهلل سبحانه وأجره‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾‬
‫عمار بن ياسر‬ ‫[اإلنسان‪ .]9 :‬وإذا كان هذا ال َّطعام عن حاجة فهو أعظم؛ عن َّ‬
‫اف ِم ْن َن ْف ِس َ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ان‪ِ :‬‬
‫اإلن َْص ُ‬ ‫يم َ‬ ‫ث َم ْن َج َم َع ُه َّن َف َقدْ َج َم َع ِ‬
‫اإل َ‬ ‫‪ I‬قال‪َ « :‬ث َل ٌ‬
‫البخاري تعلي ًقا(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫َار»‪ .‬رواه‬ ‫اق ِم َن ْ ِ‬
‫ال ْقت ِ‬ ‫الس َل ِم لِ ْل َعا َلمِ‪َ ،‬و ْ ِ‬
‫ال ْن َف ُ‬ ‫َو َب ْذ ُل َّ‬
‫ف»‪ ،‬أي‪ :‬تس ِّلم على ِّ‬
‫كل‬ ‫ت َو َم ْن َل ْم َت ْعرِ ْ‬ ‫«و َت ْق َر ُأ َّ‬
‫الس َل َم َع َلى َم ْن َع َر ْف َ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫مقصورا على َمن تعرف‪ ،‬بل تس ِّلم على َمن تلقاه من‬ ‫ً‬ ‫مسلم‪ ،‬فال يكون سالمك‬
‫المسلمين سواء َمن عرفت و َمن لم تعرف‪.‬‬
‫السالم‬ ‫الساعة أن يكون َّ‬ ‫أن من أشراط َّ‬ ‫وقد ثبت عن النَّبي ‪َّ O‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫قال‬‫قال‪َ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫على المعرفة فقط‪ ،‬عن عبد اهلل بن مسعود ‪َ I‬‬
‫الر ُج ِل َل ُي َس ِّل ُم َع َل ْي ِه إِ َّل لِ ْل َم ْعرِ َف ِة»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫السا َعة َأ ْن ُي َس ِّل َم َّ‬
‫الر ُج ُل َع َلى َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«إِ َّن م ْن َأ ْش َراط َّ‬
‫رواه أحمد(‪.)2‬‬
‫السالم وإلقاؤه على َمن عرف المرء‪ ،‬و َمن لم يعرف مدعا ُة‬ ‫وإفشاء َّ‬
‫والصدق‪ ،‬ومن أمارات نصحه إلخوانه‪ ،‬وحرصه على هذه‬ ‫ِّ‬ ‫اإلخالص‬
‫وحسن الخلق والتَّعامل الكريم‪ ،‬وفيه‬ ‫َّ‬
‫الشعيرة من شعائر الدِّ ين‪ ،‬وفيه التَّواضع ُ‬
‫َّأسي بالنَّبي ‪ O‬واالهتداء هبديه الكريم‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫الت ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [األحزاب‪.]21 :‬‬

‫البخاري (‪.)15/1‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫الصحيحة (‪.)648‬‬
‫السلسلة َّ‬
‫وصححه األلباينُّ يف ِّ‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)3848‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪600‬‬

‫ون ا ْل َجنَّ َة َحتَّى‬‫«ل تَدْ ُخ ُل َ‬ ‫ول اهللِ ﷺ‪َ :‬‬ ‫َو َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ت ُْؤ ِمنُوا‪َ ،‬و َل ت ُْؤ ِمنُوا َحتَّى ت ََحا ُّبوا‪َ ،‬أ َو َل َأ ُد ُّلك ُْم َع َلى َش ْي ٍء إِ َذا َف َع ْلت ُُمو ُه ت ََحا َب ْبت ُْم؟‬
‫الس َل َم َب ْينَك ُْم»‪ .‬رواه مسلم(‪.)1‬‬ ‫َأ ْف ُشوا َّ‬
‫الجنَّة دار أهل اإليمان أعدَّ ها اهلل ‪ E‬لعباده المؤمنين‪ ،‬ويف هذا‬
‫َّحاب من‬‫َّحاب‪ ،‬والت ُّ‬ ‫السالم وإفشائه‪ ،‬وأنَّه من أعظم أسباب الت ِّ‬ ‫الحديث فضل َّ‬
‫أعظم أسباب تمكين اإليمان وتقويته‪ ،‬واإليمان هو سبب دخول الجنَّة‪.‬‬
‫َّحاب بين المؤمنين؛‬ ‫ِ‬
‫أهم َّية نشر الت ِّ‬ ‫«و َل ت ُْؤمنُوا َحتَّى ت ََحا ُّبوا»‪ ،‬فيه ِّ‬ ‫وقوله‪َ :‬‬
‫ألنَّهم إن تحا ُّبوا تعاونوا على الربِّ والتَّقوى‪ ،‬بينما إذا تعادوا أشغلوا أنفسهم‬
‫والشحناء ا َّلتي‬ ‫عن طاعة اهلل وعبادته بالخصومات والعداوات والبغضاء َّ‬
‫تع ِّطلهم عن إقامة الدِّ ين يف أنفسهم وعن العمل على نشره بين النَّاس‪.‬‬
‫ٍ‬
‫«أ َو َل َأ ُد ُّلك ُْم َع َلى َش ْيء إِ َذا َف َع ْلت ُُمو ُه ت ََحا َب ْبت ُْم؟ َأ ْف ُشوا َّ‬
‫الس َل َم َب ْي َنك ُْم»‪،‬‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫لمن‬ ‫وأن النُّفوس ترتاح وتطمئ ُّن َ‬ ‫َّحاب والتَّوا ِّد‪َّ ،‬‬ ‫مفتاح للت ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫السالم‬ ‫فيه َّ‬
‫أن َّ‬
‫عظيما لأللفة بين المسلمين‬ ‫ً‬ ‫بالسالم ويسابق إلى إلقائه؛ لكونه سب ًبا‬ ‫يبادرها َّ‬
‫كل من المتالقيين يدعو لآلخر باألسباب الجالبة‬ ‫ألن ًّ‬‫ونشر المح َّبة بينهم؛ َّ‬
‫الش ِّر‪ ،‬فيحدث بينهم سالم ٌة وأم ٌن وراحة‪ ،‬ولهذا جاء‬ ‫للخير والمبعدة عن َّ‬
‫الس َل َم ت َْس َل ُموا» رواه‬ ‫«أ ْف ُشوا َّ‬ ‫أن النَّبي ‪ O‬قال‪َ :‬‬ ‫يف الحديث اآلخر َّ‬
‫َّ‬
‫أحمد(‪ ،)2‬ومعنى تسلموا‪ ،‬أي‪ :‬من موجبات الفرقة والقطيعة؛ فكيف إذا‬
‫السالم ُحسن التَّرحيب‪ ،‬وجمال األخالق‪ ،‬وبشاشة الوجه وحسن‬ ‫انضم إلى َّ‬ ‫َّ‬
‫شرعي ينبغي‬ ‫ٌّ‬ ‫مطلب‬
‫ٌ‬ ‫التَّعامل! فهذه ك ُّلها روافد تزيد من األلفة والمح َّبة‪ ،‬وهذا‬
‫وتتقوى األخوة اإليمان َّية‬ ‫َّ‬ ‫أن يحرص عليه أهل االسالم حتَّى تزيد األلفة بينهم‬
‫والرابطة الدِّ ين َّية‪.‬‬
‫َّ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)54‬‬
‫الصحيحة (‪.)1493‬‬
‫السلسلة َّ‬
‫وصححه األلباينُّ يف ِّ‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)18530‬‬
‫‪601‬‬ ‫‪ -98‬ما ورد يف ال َّسالم‬

‫ورتِ ِه؛‬
‫«خ َل َق اهَّللُ آ َد َم َع َلى ُص َ‬ ‫َو َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪َ :‬‬
‫ك النَّ َفرِ ِم َن ا ْل َم َلئِك َِة‬‫ب َف َس ِّل ْم َع َلى ُأو َلئِ َ‬ ‫ُطو ُل ُه ِست َ‬
‫ُّون ِذ َرا ًعا‪َ ،‬ف َل َّما َخ َل َق ُه َق َال‪ :‬ا ْذ َه ْ‬
‫ك‪َ ،‬ف َق َال‪َّ :‬‬
‫«الس َل ُم‬ ‫َح َّي ُة ُذ ِّر َّيتِ َ‬
‫ُك وت ِ‬ ‫ِ‬
‫َك‪َ ،‬فإِن ََّها تَح َّيت َ َ‬ ‫است َِم ْع َما ُي َح ُّيون َ‬ ‫وس‪َ ،‬ف ْ‬‫ُج ُل ٌ‬
‫«و َر ْح َم ُة اهَّلل ِ»‪َ ،‬فك ُُّل َم ْن‬ ‫ِ‬
‫ك َو َر ْح َم ُة اهَّلل»‪َ ،‬فزَا ُدو ُه َ‬ ‫َع َل ْيك ُْم»‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪َّ :‬‬
‫«الس َل ُم َع َل ْي َ‬
‫ور ِة آ َد َم‪َ ،‬ف َل ْم َيز َِل ا ْلخَ ْل ُق َينْ ُق ُص َب ْعدُ َحتَّى ْال َن»‪ .‬رواه‬ ‫َيدْ ُخ ُل ا ْل َجنَّةَ‪َ ،‬ع َلى ُص َ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬
‫ُّ‬
‫ٌ‬
‫محافظ‬ ‫وذر َّيته‪ ،‬فالمحافظ عليه منهم‬
‫السالم تح َّية آدم ِّ‬ ‫يف هذا الحديث َّ‬
‫أن َّ‬
‫على تح َّية والده آدم ‪.S‬‬

‫ان ْب ِن ُح َص ْي ٍن ‪َ I‬ق َال‪َ :‬جا َء َر ُج ٌل إِ َلى النَّبِ ِّي ﷺ َف َق َال‪َّ :‬‬


‫«الس َل ُم‬ ‫َو َع ْن ِع ْم َر َ‬
‫آخ ُر‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬‫َع َل ْيك ُْم»‪َ ،‬ف َر َّد ‪ُ S‬ث َّم َج َل َس‪َ ،‬ف َق َال النَّبِي ﷺ‪َ « :‬ع ْش ٌر»‪ُ ،‬ث َّم َجا َء َ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آخ ُر‪،‬‬‫ون»‪ُ ،‬ث َّم َجا َء َ‬ ‫«الس َل ُم َع َل ْيك ُْم َو َر ْح َم ُة اهَّلل» َف َر َّد َع َل ْي ِه َف َج َل َس‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ع ْش ُر َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ون»‪.‬‬ ‫«الس َل ُم َع َل ْيك ُْم َو َر ْح َم ُة اهلل َو َب َركَا ُت ُه» َف َر َّد َع َل ْي ِه َف َج َل َس‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬ث َل ُث َ‬
‫َف َق َال‪َّ :‬‬
‫ِّرمذي(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫رواه أبو داود والت‬
‫«السالم عليكم»‪ ،‬فإذا زاد بما ورد زاد‬
‫السالم أن يقول‪َّ :‬‬ ‫أن َّ‬
‫أقل َّ‬ ‫فيه َّ‬
‫«السالم عليكم» فيها عشر حسنات‪ ،‬فإذا زاد «ورحمة اهلل» ففيها‬ ‫ال َّثواب؛ َّ‬
‫ألن َّ‬
‫عشرون حسنةً‪ ،‬فإذا زاد «وبركاته» ففيها ثالثون حسنةً‪ ،‬وهذا أكمل ما يكون‬
‫وإن اقتصر على‬ ‫«الس َل ُم َع َل ْيك ُْم َو َر ْح َم ُة اهلل ِ َو َب َركَا ُت ُه»‪ْ ،‬‬
‫السالم أن يقول‪َّ :‬‬
‫يف َّ‬
‫والزيادة خير وأفضل وأعظم ثوا ًبا‬ ‫«السالم عليكم» ففيه كفاي ٌة وخير وبركة‪ِّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫عند اهلل ‪.E‬‬

‫البخاري (‪ ،)3326‬ومسلم (‪.)2841‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪،)2689‬‬
‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)5195‬والت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪602‬‬

‫َّاس بِاهلل ِ َم ْن‬


‫ول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َّن َأ ْو َلى الن ِ‬
‫َو َع ْن َأبِي ُأ َما َم َة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫الس َلمِ»‪ .‬رواه أبو داود(‪.)1‬‬ ‫َبدَ َأ ُه ْم بِ َّ‬
‫بالسالم وعظيم ثوابه عند اهلل سبحانه‪ ،‬وأنَّه أولى‬
‫وهذا فيه فضل َمن يبدأ َّ‬
‫النَّاس باهلل؛ ألنَّه األسبق إلى فعل ما يح ُّبه اهلل ويرضاه بين عباده‪ ،‬فمن الخير‬
‫والرتبة العل َّية‪.‬‬ ‫دائما س َّبا ًقا َّ‬
‫بالسالم ليفوز هبذه الفضيلة العظيمة ُّ‬ ‫للمرء أن يكون ً‬
‫والراكب‬ ‫والقليل على الكثير‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫غير على الكبير‪،‬‬ ‫السنَّة أن ُيس ِّلم َّ‬
‫الص ُ‬ ‫ومن ُّ‬
‫الصحيحين عن أبي هريرة ‪I‬‬ ‫على الماشي‪ ،‬والماشي على القاعد‪ ،‬ففي َّ‬
‫اع ِد‪،‬‬‫اشي ع َلى ال َق ِ‬ ‫اشي‪ ،‬والم ِ‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬يس ِّلم الراكِب ع َلى الم ِ‬ ‫ُ‬ ‫قال‬‫قال‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُ َّ ُ َ‬
‫الص ِغ ُير َع َلى ال َكبِيرِ‪،‬‬ ‫«ي َس ِّل ُم َّ‬
‫للبخاري‪ُ :‬‬
‫ِّ‬ ‫يل َع َلى الكَثِيرِ»(‪ ،)2‬ويف رواية‬ ‫َوال َق ِل ُ‬
‫ِ‬ ‫اع ِد‪َ ،‬وال َق ِل ُ‬‫والمار ع َلى ال َق ِ‬
‫طلب منه‬ ‫يل َع َلى الكَثيرِ»(‪ .)3‬وإذا َلم ُيس ِّلم َمن ُي ُ‬ ‫َ َ ُّ َ‬
‫السالم فل ُيس ِّلم اآلخر وال يرتكوا ُّ‬
‫السنَّة‪.‬‬ ‫ابتدا ُء َّ‬
‫«ي ْج ِزئُ َع ِن ا ْل َج َما َع ِة إِ َذا‬
‫ب ‪َ I‬ع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪ُ :‬‬ ‫َو َع ْن َعلِي ْب ِن َأبِي َطال ِ ٍ‬
‫ِّ‬
‫وس َأ ْن َي ُر َّد َأ َحدُ ُه ْم»‪ .‬رواه أبو داود(‪.)4‬‬ ‫َم ُّروا َأ ْن ُي َس ِّل َم َأ َحدُ ُه ْم‪َ ،‬و ُي ْج ِزئُ َع ِن ا ْل ُج ُل ِ‬
‫والر ُّد كذلك إذا قام‬ ‫السالم إذا قام به واحد كفى عن الباقين‪َّ ،‬‬ ‫أن َّ‬‫وهذا فيه َّ‬
‫به واحدٌ كفى عن الباقين‪ ،‬وإن س َّلم الجميع ور َّد الجميع فهذا أكمل وأفضل‪.‬‬
‫«م ْن َبدَ َأ بِا ْلك ََل ِم َق ْب َل‬ ‫ُ ِ‬ ‫وعن ابن عمر ‪ L‬قال‪َ :‬‬
‫رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫قال‬
‫السن ِِّّي يف عمل اليوم وال َّليلة(‪.)5‬‬ ‫الس َل ِم َف َل ت ِ‬
‫ُجي ُبو ُه»‪ .‬رواه ابن ُّ‬ ‫َّ‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)5197‬‬
‫البخاري (‪ ،)6232‬ومسلم (‪.)2160‬‬ ‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫البخاري (‪.)6231‬‬ ‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)5210‬‬
‫ِ‬
‫وحسنه األلبان ُّي يف صحيح الجامع‬ ‫السن ِِّّي يف عمل اليوم وال َّليلة (‪،)214‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه ابن ُّ‬
‫(‪.)6122‬‬
‫‪603‬‬ ‫‪ -98‬ما ورد يف ال َّسالم‬

‫بالسالم ال يجاب‪.‬‬ ‫وأن َمن لم يبدأ َّ‬ ‫السالم مقد ٌم وبه يبدأ‪َّ ،‬‬ ‫أن َّ‬ ‫فيه َّ‬
‫ك ‪َ :I‬أ َّن ُه َم َّر َع َلى ِص ْب َي ٍ‬
‫ان َف َس َّل َم َع َل ْي ِه ْم‪َ ،‬و َق َال‪« :‬ك َ‬
‫َان‬ ‫َس ب ِن مال ِ ٍ‬
‫َو َع ْن َأن ِ ْ َ‬
‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫النَّبِ ُّي ﷺ َي ْف َع ُل ُه»‪ .‬رواه‬
‫الصغير‬
‫مر الكبير على َّ‬ ‫السنَّة أن يس َّلم على ِّ‬
‫الصبيان؛ إذا َّ‬ ‫أن من ُّ‬‫وهذا فيه َّ‬
‫للسرور على قلبه‬ ‫ٌ‬
‫وإدخال ُّ‬ ‫إيناس له‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫يس ِّلم عليه‪ ،‬والتَّسليم على َّ‬
‫الصغير فيه‬
‫أيضا تدريبه‬
‫الصغير إلى أهل الفضل‪ ،‬وفيه ً‬ ‫تحبيب لهذا َّ‬
‫ٌ‬ ‫أيضا‬
‫واهتما ٌم به‪ ،‬وفيه ً‬
‫الصغر‪ ،‬وفيه فوائد عظيمة‪.‬‬ ‫السالم‪ ،‬وتعويده عليه من ِّ‬ ‫على َّ‬
‫مسلم يف‬
‫ٌ‬ ‫الصالح‪ .‬روى‬ ‫السلف َّ‬ ‫وهو سنَّة مأثورة عن نب ِّينا ﷺ وعن َّ‬
‫فمر بصبيان فس َّلم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«كنت أمشي مع ثابت ال ُبنان ِّي َّ‬
‫ُ‬ ‫صحيحه عن يسار‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فم َّر بصبيان فس َّلم عليهم‪،‬‬‫ثابت أنَّه كان َيمشي مع أنس ‪َ I‬‬‫عليهم‪ ،‬وحدَّ ث ٌ‬
‫فم َّر بصبيان فس َّلم عليهم»(‪.)2‬‬ ‫أنس أنَّه كان َيمشي مع رسول اهلل ﷺ َ‬
‫وحدَّ ث ٌ‬
‫ول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َذا ا ْنت ََهى َأ َحدُ ك ُْم إِ َلى‬ ‫َو َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫س َف ْليس ِّلم‪َ ،‬فإِ ْن بدَ ا َله َأ ْن يج ِلس َف ْليج ِلس‪ُ ،‬ثم إِ َذا َقام َف ْليس ِّلم؛ َف َليس ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫َ َُ ْ َْ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ َ ْ َ َ ْ ْ‬ ‫َم ْجل ٍ ُ َ ْ‬
‫ِّرمذي(‪.)3‬‬
‫ُّ‬ ‫اآلخ َر ِة»‪ .‬رواه أبو داود والت‬
‫األُو َلى بِ َأح َّق ِمن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كل شيء؛ ففي المجالس ليس‬ ‫وهذا فيه كمال عدل شريعة اإلسالم يف ِّ‬
‫بالسالم من آخره‪ ،‬فكما س َّلمت َّأول المجلس فمفارقة‬
‫أحق َّ‬‫َّأول المجلس َّ‬
‫بالسالم‪.‬‬ ‫المجلس كذلك حقيق ٌة ً‬
‫أيضا َّ‬

‫البخاري (‪.)6247‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2168‬‬
‫ِ‬
‫وحسنه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪،)2706‬‬
‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)5208‬والت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪604‬‬

‫‪99‬‬

‫ما ُيقال عند العطاس‬

‫ِ‬
‫اس َو َيك َْر ُه‬ ‫ب ا ْل ُع َط َ‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪« :‬إِ َّن اهَّللَ ُيح ُّ‬
‫ال َّت َثاؤُ َب؛ َفإِ َذا َع َط َس َف َح ِمدَ اهَّللَ‪َ ،‬ف َح ٌّق َع َلى ك ُِّل ُم ْس ِل ٍم َس ِم َع ُه َأ ْن ُي َش ِّم َت ُه‪َ ،‬و َأ َّما‬
‫ك ِمنْ ُه‬ ‫ح َ‬ ‫ان‪َ ،‬ف ْليرده ما اس َت َطاع‪َ ،‬فإِ َذا َق َال‪« :‬ها» َض ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫الش ْي َط ِ َ ُ َّ ُ َ ْ‬ ‫ال َّت َثاؤُ ُب َفإِن ََّما ُه َو ِم َن َّ‬
‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫ان»‪ .‬رواه‬ ‫الش ْي َط ُ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫يحب سبحانه العطاس لما‬ ‫ُّ‬ ‫ب ال ُع َط َ‬
‫اس َو َيك َْر ُه ال َّت َثاؤُ َب»‪،‬‬ ‫قوله‪« :‬إِ َّن اهللَ ُيح ُّ‬
‫فإن العاطس‪،‬‬ ‫فيه من النَّفع العظيم‪ ،‬والفائدة الكبيرة ا َّلتي تحصل للعاطس‪َّ ،‬‬
‫كما يقول ابن الق ِّيم ‪« :V‬قد حصل له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج‬
‫األبخرة المحتقنة يف دماغه ا َّلتي لو بقيت فيه؛ أحدثت له أدوا ًء عسيرة‪ ،‬ولهذا‬
‫ُشرع له حمد اهلل على النِّعمة مع بقاء أعضائه على التئامها وهيئتها بعد هذه‬
‫الزلزلة ا َّلتي حصلت لبدنه»(‪.)2‬‬ ‫َّ‬
‫وخروج األذى‬
‫ُ‬ ‫فالعطاس نعمة من نعم اهلل على العبد؛ َّ‬
‫ألن فيه راح ًة له‪،‬‬
‫يحب العطاس لما فيه‬ ‫وأضر بدماغه‪ ،‬واهلل ‪ُّ D‬‬ ‫َّ‬ ‫ألضر به‬
‫َّ‬ ‫ا َّلذي لو بقي يف بدنه‬
‫من النَّفع والخير للعبد‪ ،‬وهذا من فضل اهلل الغني الحميد الكريم ‪،E‬‬
‫ِّ‬
‫فنحمد اهلل ‪ E‬على نعمه‪ ،‬ونحمده ‪ E‬على ح ِّبه ما فيه النَّفع لنا‬
‫والخير‪.‬‬

‫البخاري (‪.)6223‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  انظر‪ :‬زاد المعاد (‪.)400/2‬‬
‫‪605‬‬ ‫‪ -99‬ما ُيقال عند العطاس‬

‫بينما التَّثاؤب فاهلل ‪ C‬ال يح ُّبه بل يكرهه‪ ،‬يكره التَّثاؤب؛ َّ‬


‫ألن التَّثاؤب‪،‬‬
‫َّ‬
‫وألن التَّثاؤب يف الغالب ال يكون‬ ‫الشيطان‪،‬‬ ‫كما أخرب نب ُّينا ‪ O‬من َّ‬
‫مطلوب‬
‫ٌ‬ ‫َّإل مع ثقل البدن وامتالئه‪ ،‬واسرتخائه وميله إلى الكسل‪ .‬والمسلم‬
‫همة ونشاط بعيدً ا عن الفتور‬
‫يتعوذ باهلل من الكسل‪ ،‬وأن يكون ذا َّ‬
‫منه أن َّ‬
‫والخمول‪.‬‬
‫قوله‪َ « :‬فإِ َذا َع َط َس َف َح ِمدَ اهَّللَ‪َ ،‬ف َح ٌّق َع َلى ك ُِّل ُم ْس ِل ٍم َس ِم َع ُه َأ ْن ُي َش ِّم َت ُه»‪ ،‬هذا‬
‫من اآلداب العظيمة ا َّلتي يجدر بالمسلم أن يعتني هبا وأن يواظب عليها؛ َّ‬
‫أن‬
‫يشمته‪ ،‬أي‪ :‬يقول يرحمك اهلل‪.‬‬
‫العاطس يحمد اهلل‪ ،‬و َمن يسمعه ِّ‬
‫الحسن والتَّالحم والتَّرابط ا َّلذي بين المسلمين‪ ،‬وال يمكن‬
‫ولنتأ َّمل هذا ُ‬
‫أي دين أو مذهب؛ عندما يعطس المسلم حصلت‬
‫أن ترى مثله وال قري ًبا منه يف ِّ‬
‫له نعمة‪ ،‬تقدَّ م بياهنا فيحمد اهلل سبحانه على هذه النِّعمة‪ ،‬يقول «الحمد هلل»؛‬
‫يشمتوه هبذا َّ‬
‫الشرط «إذا عطس‬ ‫لمن كان عنده من إخوانه ورفقائه أن ِّ‬
‫فيشرع َ‬
‫الرابطة العظيمة‬
‫يشمت‪ .‬وهذا يب ِّين َّ‬
‫وحمد اهلل»‪ ،‬أ َّما إذا عطس ولم يحمد اهلل ال َّ‬
‫فتشمته بأن‬
‫ِّ‬ ‫بين المسلمين‪ ،‬أخوك المسلم حصلت له نعمة فحمد اهلل عليها‬
‫بالرحمة؛ َّ‬
‫ألن استشعاره للنِّعمة‪ ،‬وحمده هلل عليها؛ موجب لنيل‬ ‫تدعو اهلل له َّ‬
‫ثم ال ينتهي األمر عند هذا الحدِّ ‪،‬‬
‫الرحمة ف ُيدعى له هبا‪ ،‬يقال‪« :‬يرحمك اهلل»‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫بالرحمة وهو‬
‫أيضا أن يقابل الدُّ عاء بالدُّ عاء‪ ،‬فهم دعوا له َّ‬
‫مطلوب منه هو ً‬
‫ٌ‬ ‫بل‬
‫أيضا يدعو لهم بالهداية وصالح األمر‪ ،‬فهذه رابطة عظيمة أوجدها اإلسالم‬
‫ً‬
‫بين أهله‪.‬‬
‫حق من حقوق المسلم على‬ ‫وليس هذا فقط‪ ،‬بل ُجعل تشميت العاطس ٌّ‬
‫«ح ُّق ا ْل ُم ْس ِل ِم َع َلى ا ْل ُم ْس ِل ِم‬
‫الصحيح عن نب ِّينا ﷺ أنَّه قال‪َ :‬‬
‫إخوانه‪ ،‬كما جاء يف َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪606‬‬

‫«وإِ َذا َع َط َس َف َح ِمدَ اهَّللَ َف َش ِّم ْت ُه»(‪ ،)1‬والتَّشميت‪ :‬هو الدُّ عاء‬ ‫ت»‪ ،‬وذكر منها‪َ :‬‬ ‫ِس ٌّ‬
‫الشوامت وهي القوائم؛ فيكون دعا ًء له‬ ‫له كما تقدَّ م‪ ،‬قيل‪ُ :‬س ِّمي تشميتًا من َّ‬
‫الشماتة‬ ‫الشماتة‪ ،‬أي‪ :‬جنَّبك اهلل َّ‬ ‫بالقيام وال َّثبات وصالح العمل‪ ،‬وقيل‪ :‬إنَّه من َّ‬
‫ك اهَّللُ»‪،‬‬ ‫«ي ْر َح ُم َ‬
‫السنَّة أن تقول‪َ :‬‬ ‫شمت به‪ ،‬والمراد‪ :‬الدُّ عاء له بما جاء يف ُّ‬ ‫وما ُت َّ‬
‫حق للمسلم على أخيه‪ ،‬كما قال ﷺ‪َ « :‬ف َح ٌّق َع َلى ك ُِّل ُم ْس ِل ٍم َس ِم َع ُه َأ ْن‬ ‫وهو ٌّ‬
‫ُي َش ِّم َت ُه»‪.‬‬
‫اع‪َ ،‬فإِ َذا َق َال‪:‬‬ ‫ان‪َ ،‬ف ْل َي ُر َّد ُه َما ْاس َت َط َ‬ ‫«و َأ َّما ال َّت َثاؤُ ُب َفإِن ََّما ُه َو ِم َن َّ‬
‫الش ْي َط ِ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫الشيطان وهو يف الغالب ال يكون َّإل‬ ‫َّثاؤ ُب من َّ‬ ‫ان»‪ ،‬الت ُ‬ ‫ك ِمنْ ُه َّ‬
‫الش ْي َط ُ‬ ‫«ها» َض ِ‬
‫ح َ‬ ‫َ‬
‫مأمور بكظمه‬ ‫ٌ‬ ‫والمسلم‬
‫ُ‬ ‫مع ثِقل البدن وامتالئه واسرتخائه وميله إلى الكسل‪،‬‬
‫ِ‬
‫حصول‬ ‫ما استطاع‪ ،‬فقو ُله‪« :‬فليكظِم ما استطاع» هذا يكون بمحاولة منع‬
‫إغالق فمه عند حصوله‪ ،‬فإن َلم‬
‫َ‬ ‫التَّثاؤب‪ ،‬فإن َلم يتم َّكن من ذلك‪ ،‬يحاول‬
‫يتم َّكن من ذلك‪ ،‬وضع يده أو طرف لباسه على فمه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫‪ ‬واألحوال التي يكون عليها املسلم مع التثاؤب هي مراحل‪:‬‬
‫دائما على نشاط‪ ،‬وال يفتح على نفسه األبواب ا َّلتي‬ ‫األولى‪ :‬أن يكون ً‬
‫تجلب له الخمول فتجلب له التَّثاؤب‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ ‬واملرحلة التي تليها‪ :‬كظم التَّثاؤب بمحاولة منع حصول التَّثاؤب‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ ‬فإن لم يتمكن من ذلك‪ :‬يحاول إغالق فمه عند حصوله‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ ‬فإن لم يتمكن‪ :‬يضع يده أو طرف لباسه على فمه‪ ،‬فال يكون الفم‬
‫مفتوحا هكذا بدون أن يضع عليه شيء يغ ِّطيه‪.‬‬
‫ً‬
‫شيء من ِ‬
‫لباسه‬ ‫ٍ‬ ‫يليق بالمسلم أن يتثاءب مفتوح الفم دون وضع ِ‬
‫يده أو‬ ‫وال ُ‬
‫َ‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2162‬‬
‫‪607‬‬ ‫‪ -99‬ما ُيقال عند العطاس‬
‫ٌ‬
‫وسبيل‬ ‫فإن هذا إضاف ٌة إلى ما فيه من قبحٍ يف الهيئة والمنظر فإنَّه ذريع ٌة‬ ‫على فيه؛ َّ‬
‫الخدري قال‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫الشيطان‪ .‬فقد روى مسلم يف صحيحه عن أبي سعيد‬ ‫لدخول َّ‬
‫ان‬ ‫رسول اهللِ ﷺ‪« :‬إِ َذا َت َثا َء َب َأ َحدُ ك ُْم َف ْل ُي ْم ِس َ‬
‫ك بِ َي ِد ِه َع َلى فِ ِيه؛ َفإِ َّن َّ‬
‫الش ْي َط َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قال‬
‫َيدْ ُخ ُل»(‪ ،)1‬أو حتى دخول غبار أو ذباب أو نحو ذلك‪.‬‬
‫دليل‪ ،‬لكن إن تذكَّر‬‫التثاؤب َلم يثبت فيه ٌ‬
‫ُ‬ ‫َّعوذ باهلل من َّ‬
‫الشيطان عند‬ ‫والت ُّ‬
‫وتعوذ باهلل منه فال حرج يف ذلك ما‬
‫الشيطان َّ‬ ‫أن ذلك من َّ‬ ‫َّثاؤب َّ‬
‫المسلم عند الت ُ‬
‫َلم يت ْ‬
‫َّخذه سنَّةً‪.‬‬
‫طان»‪ ،‬هذه تأيت عندما يشتدُّ التَّثاؤب‪،‬‬ ‫ك ِمنْ ُه َّ‬
‫الش ْي ُ‬ ‫قوله‪َ « :‬فإِ َذا َق َال‪ :‬ها‪َ ،‬ض ِ‬
‫ح َ‬ ‫َ‬
‫سرورا على‬
‫ً‬ ‫أمر ُيدخل‬
‫«ها»‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫الصوت َ‬ ‫ويفتح المرء فمه فيخرج هذا َّ‬
‫الشيطان و ُي َس ُّر هبا ولهذا يضحك‪ ،‬وضحكه‬ ‫وفرحا‪ ،‬فهي هيئة يح ُّبها َّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫الشيطان‬
‫ناشئ عن سروره هبذا األمر وفرحه به‪ ،‬والمسلم عندما يستشعر هذا األمر‬
‫َّبي ‪ O‬أن أطلعنا على هذه الحقيقة؛ حتَّى‬ ‫يحذر‪ ،‬وهذا من نصح الن ِّ‬
‫أمرا ُيضحك َّ‬
‫الشيطان و ُيفرحه‪.‬‬ ‫نستعين باهلل ‪ F‬ونحفظ أنفسنا بأن نجنِّبها ً‬
‫َو َع ْن أبي هريرة ‪َ I‬ع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا َع َط َس َأ َحدُ ك ُْم َف ْل َي ُق ِل‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ك‬‫«ي ْر َح ُم َ‬ ‫ك اهللُ»‪َ ،‬فإِ َذا َق َال َل ُه َ‬ ‫«ا ْل َح ْمدُ لله»‪َ ،‬و ْل َي ُق ْل َل ُه َأ ُخو ُه َأ ْو َصاح ُب ُه‪َ :‬‬
‫«ي ْر َح ُم َ‬
‫البخاري(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫اهللُ»‪َ ،‬ف ْل َي ُق ْل‪َ :‬ي ْه ِديك ُُم اهللُ َو ُي ْص ِل ُح َبا َلك ُْم»‪ .‬رواه‬
‫أن هذا التَّراحم وتبادل الدُّ عاء‬ ‫«و ْل َي ُق ْل َل ُه َأ ُخو ُه»‪ ،‬قوله‪َ :‬‬
‫(أ ُخو ُه) يفيد َّ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫األخوة والتَّآخي بين المسلمين‬ ‫َّ‬ ‫األخوة اإليمان َّية؛ فك َّلما قويت هذه‬ ‫َّ‬ ‫منبعه‬
‫األخوة تجد هذا يعطس ويحمد و َمن حوله‬ ‫َّ‬ ‫جاءت هذه اآلثار‪ ،‬وإذا ضعفت‬
‫ما يشعرون به وال يبالون ألمره‪.‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2995‬‬
‫البخاري (‪.)6224‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪608‬‬

‫بالرحمة‪.‬‬ ‫قوله‪« :‬و ْلي ُق ْل َله َأ ُخوه َأو‪ ‬ص ِ‬


‫اح ُب ُه‪َ :‬ي ْر َح ُم َ‬
‫ك اهَّللُ»‪ ،‬هذا دعا ٌء له َّ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫«ي ْه ِديك ُُم اهَّللُ َو ُي ْص ِل ُح‬
‫شمت‪َ :‬‬ ‫الم َّ‬‫ك اهَّللُ‪َ ،‬ف ْل َي ُق ْل‪ ،»...‬أي‪ُ :‬‬‫« َفإِ َذا َق َال َل ُه‪َ :‬ي ْر َح ُم َ‬
‫َّبي ﷺ‪ ،‬دعا له بدعوتين‪:‬‬ ‫َ‬
‫َبالك ُْم»‪ ،‬هذا من كمال الدَّ عوات المأثورة عن الن ِّ‬
‫لكل ما يح ُّبه من سديد األقوال‬ ‫(ي ْه ِديك ُُم اهَّللُ)‪ ،‬أي‪ِّ :‬‬ ‫دعوة بالهداية‪َ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪-1‬‬
‫لكل خير ورفعة يف الدُّ نيا واآلخرة‪.‬‬ ‫وصالح األعمال؛ فهي دعوة للهداية ِّ‬
‫كل خير‪.‬‬‫وحذف المتع ِّلق ليشمل َّ‬
‫الشأن‪ ،‬ولم يع ِّين شأنًا من‬ ‫(و ُي ْص ِل ُح َبا َلك ُْم) البال‪ ،‬أي‪َّ :‬‬ ‫ودعوة بصالح َ‬ ‫ٍ‬ ‫‪-2‬‬
‫ٍ‬
‫دنيوي‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫ديني‪ ،‬أو‬ ‫َّ‬
‫يعم‪ ،‬ليشمل كل شأن ٍّ‬ ‫الشئون بل أطلق‪ ،‬والمفرد إذا ُأضيف ُّ‬ ‫ُّ‬
‫أخروي‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫أو‬
‫بأن ما زاد‬ ‫السنَّة َّ‬‫يستمر إذا زاد على ثالث؟ جاءت ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ثم تشميت العاطس هل‬ ‫َّ‬
‫بالشفاء والعافية‪ ،‬ففي‬ ‫والزكام مرض ُيدعى لصاحبه ِّ‬ ‫على ال َّثالث فهو زكام‪ُّ ،‬‬
‫صحيح مسلم عن سلمة ابن األكوع َأ َّن ُه َس ِم َع النَّبِ َّي ﷺ َو َع َط َس َر ُج ٌل ِعنْدَ ُه‪،‬‬
‫«الر ُج ُل‬ ‫ك اهَّلل»‪ُ ،‬ثم ع َطس ُأ ْخرى‪َ ،‬ف َق َال َله رس ُ ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ‪َّ :‬‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫«ي ْر َح ُم َ ُ َّ َ َ‬ ‫َف َق َال َل ُه َ‬
‫ول اهلل‬ ‫ِّرمذي‪ ،‬وفيه‪ُ « :‬ث َّم َع َط َس ال َّثانِ َي َة وال َّثالِ َث ِة‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬
‫ُّ‬ ‫َم ْزكُو ٌم»(‪ ،)1‬ورواه الت‬
‫ﷺ‪َ :‬ه َذا َر ُج ٌل َم ْزكُو ٌم»(‪ .)2‬ويف سنن أبي داود من حديث أبي هريرة مرفو ًعا‬
‫ت َأ َخ َ‬
‫اك َث َل ًثا َف َما زَا َد َف ُه َو ُزكَا ٌم»(‪.)3‬‬ ‫وموقو ًفا‪َ :‬‬
‫«ش ِّم ْ‬
‫(الرجل‬
‫الزاد‪« :‬وقوله يف الحديث َّ‬ ‫ولهذا يقول اإلمام ابن الق ِّيم يف كتابه َّ‬
‫الزكمة ع َّلة‪ ،‬وفيه اعتذار‬ ‫مزكوم)‪ ،‬هذا فيه التَّنبيه على الدُّ عاء له بالعافية؛ َّ‬
‫ألن َّ‬
‫مِن ترك تشميته بعد ال َّثالث‪ ،‬وفيه تنبيه على هذه الع َّلة ليتداركها وال يهملها‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2993‬‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪،)2743‬‬
‫(((  رواه الت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫وحسنه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)5034‬‬
‫َّ‬
‫‪609‬‬ ‫‪ -99‬ما ُيقال عند العطاس‬

‫فيصعب أمرها‪ ،‬فكالمه ﷺ ك ُّله حكمة ورحمة وعلم وهدى»(‪.)1‬‬


‫ول اهَّلل ِ ﷺ إِ َذا َع َط َس َو َض َع َيدَ ُه َأ ْو‬
‫َان َر ُس ُ‬
‫وعن أبي هريرة ‪ I‬قال‪« :‬ك َ‬
‫َث ْو َب ُه َع َلى فِ ِيه‪َ ،‬و َخ َف َض َأ ْو َغ َّض بِ َها َص ْو َت ُه»(‪)2‬؛ فهاتان‬
‫سنتان َّ‬ ‫َّ‬
‫دل عليهما هذا‬
‫الحديث‪:‬‬
‫األولى‪ :‬تغطية الفم واألنف م ًعا بوضع اليد أو ال َّثوب؛ حتَّى ال يتطاير رشاش‬
‫الوضع من تطاير شيء من ذلك‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫مِن إثر العطاس‪ ،‬فيمنع‬
‫ُّ َّ َّ‬
‫الصوت وخفضه؛ ألنَّه إن ترك العطاس على‬ ‫غض َّ‬ ‫والسنة الثانية‪ُّ :‬‬ ‫‪‬‬
‫صوت مزعج‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫حاله سيخرج معه صوت عال‪ ،‬وإذا حاول خفضه ال يكون معه‬
‫ت ا ْبن َِة ُأ ِّم ا ْل َف ْضلِ‪،‬‬ ‫و َعن َأبِي برد َة َق َال‪ :‬د َخ ْل ُت َع َلى َأبِي موسى فِي بي ِ‬
‫َْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ‬ ‫ْ‬
‫َف َع َط ْس ُت َو َل ْم ُي َش ِّمتْنِي‪َ ،‬و َع َط َس ْت َف َش َّمت ََها‪َ ،‬ف َر َج ْع ُت إِ َلى ُأ ِّمي َف َأ ْخ َب ْر ُت َها‪َ ،‬ف َل َّما‬
‫َجا َء َها‪َ ،‬قا َل ْت‪َ :‬ع َط َس ا ْبنِي ِعنْدَ َك َف َل ْم ُت َش ِّم ْت ُه‪َ ،‬و َع َط َس ْت َف َش َّمت ََّها! َف َق َال‪ :‬إِ َّن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهَّلل َت َعا َلى َف َل ْم ُأ َش ِّم ْت ُه‪َ ،‬وإِن ََّها َع َط َس ْت َف َح َمدَ ت َ‬
‫اهَّلل‬ ‫ا ْبنَك َع َط َس َف َل ْم َي ْح َمد َ‬
‫ِ‬
‫ول‪« :‬إِ َذا َع َط َس َأ َحدُ ك ُْم َف َحمدَ اهَّللَ‬ ‫ول اهللِ ﷺ َي ُق ُ‬ ‫َت َعا َلى َف َش َّمت َُّها‪َ ،‬و َس ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫ْت»‪.‬‬ ‫ْت‪َ ،‬أ ْح َسن َ‬ ‫«أ ْح َسن َ‬ ‫َف َش ِّمتُو ُه‪َ ،‬وإِ ْن َل ْم َي ْح َم ِد اهَّللَ ‪َ D‬ف َل ت َُش ِّمتُو ُه»‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪َ :‬‬
‫رواه أحمد(‪.)3‬‬
‫فا َّلذي يحصل منه عطاس ويحمد ُي َّشمت‪ ،‬وا َّلذي يحصل منه عطاس وال‬
‫جاهل ُيع َّلم ُّ‬
‫السنَّة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫شمت‪ ،‬لكن إذا كان‬
‫يحمد‪ ،‬ال ُي َّ‬

‫(((  انظر‪ :‬زاد المعاد (‪.)403/2‬‬


‫ِ‬
‫وحسنه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)5029‬‬
‫َّ‬
‫الصحيحة (‪.)3094‬‬
‫السلسلة َّ‬
‫وصححه األلباينُّ يف ِّ‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)19696‬‬
(
F
I
-
I'
I,
II
:
I
.
I.
I
j
),

. . . J 3.. k.-
(
.

xpkVli
xnklzl4
Q C'
.
(h)l>..9y'b.J# ù!.9
*

.u2hw (
..w) '..
o k-'.totcwlJ -
0.b....
tp u'
.
uu-iu.y
>ôJt+=L

'
J
.
m .5I..A pI.>.Az..a. k.
o. ..
tx tjq
..j .
w ..w uz*u;a
.'
Ix' '' '
uc.îI.ke us,
r.o o-.u .pa k wos
u.
.. ; k.-
. t * ., .. . . . 5 . ''
tjl.z-) ><Jw-.'.',Q..:..
>.I.u. ult
.'
ç.? ktj.-.
av--w.çp .:p1j;) ' x-.chup1I J
v- 'y--.
i..z'.' ''.'
.coJ '
-c
. <.k
- Y <%5G z Q lCJl=v
'.w- U '2.
V .y
J, o.'tx '
.>.o'.
b
‫‪611‬‬ ‫‪ -100‬ذكر النِّكاح والتَّهنئة به وال ُّدخول بال َّزوجة (‪)1‬‬

‫ﭯ﴾ [آل عمران‪﴿ ،]102 :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬


‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [األحزاب‪:‬‬
‫َّسائي(‪.)1‬‬
‫‪ .»]71-70‬رواه أبو داود والن ُّ‬
‫هذه خطبة عظيمة ومشتملة على معاين جليلة من حسن ال َّثناء على اهلل‪،‬‬
‫َّعوذ به سبحانه من شرور النَّفس وس ِّيئات‬
‫واالستعانة به‪ ،‬وطلب المغفرة‪ ،‬والت ُّ‬
‫األعمال‪ ،‬وعلى اإليمان بالقضاء والقدر‪ ،‬وقد جاءت جامع ًة ألبواب الخير‪،‬‬
‫بل يقول شيخ اإلسالم ابن تيم َّية ‪ V‬عنها‪« :‬هي ِع ْقدُ نظام اإلسالم‬
‫واإليمان»(‪ ،)2‬أي‪ :‬أنَّها جامعة ألصول اإليمان وحقائق اإلسالم‪ ،‬وجامع ٌة‬
‫واستهالل عظيم‪ ،‬جمع‬ ‫ٌ‬ ‫السعادة‪ ،‬فهي ُخطبة مباركة‬ ‫ألبواب الخير وأصول َّ‬
‫ٍ‬
‫وتأصيالت نافعةً‪ ،‬ولها أثرها المبارك على‬ ‫أصول عظيمة وقواعد متين ًة‬ ‫ً‬
‫المسلم‪ ،‬الس َّيما إذا كان يقولها متأ ِّم ًل معناها‪ ،‬مح ِّق ًقا داللتها من طلب العون‬
‫واالستعانة والهداية والتَّوفيق وطلب الغفران‪ ،‬إلى غير ذلك من المعاين‬
‫الجامعة العظيمة ا َّلتي اشتملت عليها هذه الخطبة‪.‬‬
‫«الح ْمدُ هلل ِ ن َْح َمدُ ُه»‪ ،‬والحمدُ ‪ :‬هو ال َّثناء على‬
‫وقد ُبدأت بحمد اهلل ‪َ :D‬‬
‫ٌ‬
‫شامل‬ ‫«الح ْمدُ هلل ِ» لالستغراق‪ ،‬فهو‬
‫اهلل مع ح ِّبه سبحانه‪ ،‬و«ال» يف قوله‪َ :‬‬
‫للمحامد بجميع أنواعها‪ ،‬واهلل ‪ُ D‬يحمد على أسمائه وصفاته‪ ،‬و ُيحمد‬
‫‪ C‬على نعمه وآالئه ومِننه وعطاياه‪.‬‬
‫«ون َْست َِعينُ ُه»‪ ،‬أي‪ :‬نطلب منه العون‪ ،‬كقوله سبحانه‪﴿ :‬ﭤ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫ﭥ﴾ [الفاتحة‪ ،]5 :‬وطلب العون هنا هو لتحقيق مصالح العبد الدِّ ين َّية‬
‫كل مصالحه الدِّ ين َّية والدُّ نيو َّية إلى عون اهلل ‪،D‬‬ ‫فتقر يف ِّ‬
‫والدُّ نيو َّية؛ فالعبد ُم ٌ‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّسائي (‪،)1404‬‬
‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)2118‬والن ُّ‬
‫(((  انظر‪ :‬مجموع الفتاوى (‪.)223/14‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪612‬‬
‫ٍ‬
‫شيء منه َّإل بعون اهلل ‪.E‬‬ ‫فكل ذلك ال سبيل إلى تحقيق‬ ‫ُّ‬
‫«ون َْس َتغ ِْف ُر ُه»‪ ،‬أي‪ :‬نطلب منه سبحانه أن يغفر َّ‬
‫زلتنا وخطايانا‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫والصفح عنها‪ ،‬والتَّجاوز عن‬
‫الذنوب َّ‬‫وتقصيرنا‪ ،‬والمغفرة‪ :‬هي العفو وسرت ُّ‬
‫العبد يف تقصيره‪.‬‬
‫َات َأ ْع َمالِنَا»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬
‫الش ُّر ا َّل ِذي‬ ‫َ ْ َ ِّ‬ ‫«و َن ُعو ُذ بِاهلل ِ ِم ْن ُش ُر ِ‬
‫ور َأ ْن ُف ِسنَا و ِمن سيئ ِ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫بالسوء‪ ،‬والعبد محتاج إلى االستعاذة‬
‫شر وأ َّمار ٌة ُّ‬
‫تدفعه نفسه إليه‪ ،‬والنَّفس فيها ٌّ‬
‫شرها‪.‬‬
‫باهلل ‪ F‬من ِّ‬
‫جمع بين منبع العمل‬
‫ٌ‬ ‫ويف الجمع بين شرور النَّفس وس ِّيئات األعمال‬
‫شر النَّفس‪،‬‬ ‫ومصدره‪ ،‬وبين األثر والنَّتيجة‪َّ ،‬‬
‫فالش ُّر له منبع وله نتيجة؛ فمنبعه ُّ‬
‫الش َّر‪ ،‬والنَّتيجة هي‬ ‫الش ِّر و ُت ِّ‬
‫حرك فيه َّ‬ ‫شر فتدفع العبد إلى فعل َّ‬‫فالنَّفس لها ٌّ‬
‫س ِّيئات األعمال‪.‬‬
‫الصدِّ يق أن‬ ‫َّبي ‪ O‬أبا بكر ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫مثله ما جاء يف الدُّ عاء الذي علمه الن ُّ‬
‫ول‪ :‬ال َّلهم َفاطِر السمو ِ‬
‫ات‬ ‫الصباح ويف المساء وعند النَّوم‪ ،‬قال‪َ « :‬ت ُق ُ‬
‫َ َّ َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫يقوله يف َّ‬
‫أن َل إ َل َه َّإل‬ ‫وم ِل ْي َك ُه‪ْ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ب َّ ِ‬ ‫ض‪َ ،‬عالِ َم ال َغ ْي ِ‬ ‫والَ ْر ِ‬
‫أش َهدُ ْ‬ ‫والش َها َدة‪َ ،‬ر َّب ك ُِّل َشيء َ‬ ‫ْ‬
‫ف َع َلى‬ ‫ان َو ِش ْركِ ِه‪َ ،‬و َأ ْن َأ ْق َترِ َ‬ ‫ك ِم ْن َش ِّر َن ْف ِسي‪َ ،‬و ِم ْن َش ِّر َّ‬
‫الش ْي َط ِ‬ ‫ْت‪َ ،‬أ ُعو ُذ بِ َ‬
‫أن َ‬
‫َن ْف ِسي ُسو ًءا‪َ ،‬أ ْو َأ ُج َّر ُه إِ َلى ُم ْس ِلمٍ»(‪ ،)1‬فجمع بين المنبع وبين األثر والنَّتيجة‪.‬‬
‫ادي َل ُه»‪ ،‬هذا فيه اإليمان‬ ‫قوله‪« :‬من يه ِد ِه اهلل َف َل م ِض َّل َله‪ ،‬ومن ي ْض ِل ْل َف َل ه ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ََ ْ ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ْ َْ‬
‫وأن الهداية‬ ‫وأن األمور ك َّلها بقدر اهلل‪َّ ،‬‬ ‫بالقضاء والقدر ا َّلذي هو نظام التَّوحيد‪َّ ،‬‬
‫بيده ‪ ،E‬كما قال اهلل ‪﴿ :D‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ﴾ [فاطر‪ ]8 :‬واآليات يف هذا المعنى كثيرة‪.‬‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3529‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)5067‬والت‬
‫‪613‬‬ ‫‪ -100‬ذكر النِّكاح والتَّهنئة به وال ُّدخول بال َّزوجة (‪)1‬‬

‫وحسن االعتماد عليه يف‬ ‫الصلة باهلل‪ُ ،‬‬ ‫قوة ِّ‬ ‫وإيمان العبد بالقدر ُيح ِّقق له َّ‬
‫الضالل‪ ،‬وقد كان أكثر دعاء النَّبي ‪O‬‬ ‫طلب الهداية والوقاية من َّ‬
‫ِّ‬
‫ب َق َال‪ُ :‬ق ْل ُت ألُ ِّم‬ ‫«يا مق َّلب القلوب ث ِّبت قلبي على دينك»‪ ،‬عن َش ْه ِر ْب ِن َح ْو َش ٍ‬
‫َان ِعنْدَ ِك؟‬ ‫ول اهللِ ﷺ إِ َذا ك َ‬ ‫اء رس ِ‬ ‫ِ‬
‫َان َأ ْك َث ُر ُد َع َ ُ‬ ‫َس َل َم َة ‪َ :J‬يا ُأ َّم ا ْل ُم ْؤمِنِي َن َما ك َ‬
‫ك»‪َ ،‬قا َل ْت‪:‬‬ ‫ت َق ْلبِي َع َلى ِدين ِ َ‬ ‫وب َث ِّب ْ‬‫ب ال ُق ُل ِ‬ ‫ِِ‬
‫َان َأ ْك َث ُر ُد َعائه‪َ :‬يا ُم َق ِّل َ‬ ‫َقا َل ْت‪« :‬ك َ‬
‫وب َث ِّب ْت َق ْلبِي َع َلى ِدين ِ َك؟‬ ‫ِ‬ ‫َف ُق ْلت‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ب ا ْل ُق ُل ِ‬ ‫ول اهلل َما ألَ ْك َث ِر ُد َعائ َك َيا ُم َق ِّل َ‬ ‫ُ َ َ ُ‬
‫«يا ُأ َّم َس َل َم َة إِ َّن ُه َل ْي َس آ َد ِم ٌّي إِ َّل َو َق ْل ُب ُه َب ْي َن ُأ ْص ُب َع ْي ِن ِم ْن َأ َصابِ ِع اهللِ‪َ ،‬ف َم ْن َشا َء‬
‫َق َال‪َ :‬‬
‫ِّرمذي(‪.)1‬‬‫ُّ‬ ‫َأ َقا َم‪َ ،‬و َم ْن َشا َء َأزَا َغ»‪ .‬رواه الت‬
‫الشهادة هلل‬ ‫«و َأ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهللُ َو ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬
‫يك َل ُه»‪ ،‬هذه َّ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫بحق َّإل اهلل‪.‬‬
‫‪ F‬بالوحدان َّية‪ ،‬ومعنى «ال إله َّإل اهلل»‪ ،‬أي‪ :‬ال معبود ٍّ‬
‫«و َأ ْش َهدُ َأ َّن ُم َح َّمدً ا َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه ﷺ» هذا فيه َّ‬
‫الشهادة له ﷺ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫بالرسالة‪ ،‬واهلل ‪ C‬يقول‪﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ﴾‬
‫ِّ‬
‫بالرسالة تعني‪ :‬طاعته فيما أمر‪ ،‬وتصديقه‬ ‫[النِّساء‪ ،]64 :‬وعليه َّ‬
‫فالشهادة له ﷺ ِّ‬
‫عما هنى عنه وزجر‪.‬‬
‫فيما أخرب‪ ،‬واالنتهاء َّ‬
‫ثم إنَّه يف االستعانة واالستغفار واالستعاذة ذكرها بالنُّون ‪-‬نون الجمع‪-‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال‪« :‬ن َْست َِعينُ ُه َون َْس َت ْغ ِف ُر ُه َو َن ُعو ُذ بِاهلل مِ ْن ُش ُر ِ‬
‫الشهادة‬ ‫ولما ذكر َّ‬ ‫ور َأ ْن ُفسنَا»‪َّ ،‬‬
‫يك َل ُه‪َ ،‬و َأ ْش َهدُ َأ َّن‬ ‫«و َأ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل ُ‬
‫اهلل َو ْحدَ ُه َل َش ِر َ‬ ‫ذكرها باإلفراد‪ ،‬قال‪َ :‬‬
‫أن االستعانة واالستغفار واالستعاذة تقبل‬ ‫ُم َح َّمدً ا َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه»‪ ،‬ووجه ذلك‪َّ :‬‬
‫النِّيابة؛ تستغفر لك وإلخوانك‪ ،‬وتطلب العون لك وإلخوانك‪ ،‬وتطلب العوذ‬
‫لك وإلخوانك‪« ،‬ال َّل ُه َّم َأ ِع ْذنِي َو ُذ ِّر َّيتي»‪« ،‬ال َّل ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي َول ِ َوالِدَ َّي»‪« ،‬ال َّل ُه َّم‬
‫ويتحملها الواحد عن نفسه وعن‬ ‫َّ‬ ‫الم ْسلِ ِمي َن»‪ ،‬فهي تقبل النِّيابة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأعنِّي َوإِ ْخ َواني ُ‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3522‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪614‬‬

‫الشهادة فال تكون َّإل من المرء ُيخرب هبا عن نفسه ويشهد هبا لنفسه‪،‬‬
‫إخوانه‪ .‬أ َّما َّ‬
‫بالرسالة‬
‫َّبي ‪ِّ O‬‬ ‫وال تقبل النِّيابة‪ ،‬ولهذا َّ‬
‫فالشهادة هلل بالوحدان َّية وللن ِّ‬
‫جاءت باإلفراد‪ ،‬وأ َّما االستعانة واالستغفار واالستعاذة جاءت بالجمع‪.‬‬
‫ُّ‬
‫الحث على‬ ‫وقد ذكر النَّبِ ُّي ﷺ يف هذه الخطبة ثالث آيات عظيمات فيه‬
‫تقوى اهلل ‪ ،D‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ﴾ [النِّساء‪﴿ ،]1 :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ﴾ [آل عمران‪﴿ ،]102 :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [األحزاب‪:‬‬
‫‪.]71-70‬‬
‫إن هذه الخطبة المباركة‪ ،‬كما هو واضح منها؛ فيها تقوية اإليمان وال ِّثقة‬ ‫ثم َّ‬ ‫َّ‬
‫وحسن التَّوكُّل عليه‪ ،‬وتفويض األمر إليه‪ ،‬وطلب العون منه والهداية‪.‬‬ ‫باهلل‪ُ ،‬‬
‫تأثيرا بال ًغا‪ ،‬حتَّى إنَّها كانت‬ ‫الخطبة ويفهم معانيها؛ تؤ ِّثر فيه ً‬ ‫و َمن يتأ َّمل هذه ُ‬
‫الخطبة‬ ‫لما سمع هذه ُ‬ ‫سب ًبا يف إسالم أحد أهل الجاهل َّية‪ ،‬بل وإسالم قومه معه! َّ‬
‫تأثيرا بال ًغا‪ ،‬وكانت سبب إسالمه على الفور‪.‬‬ ‫طلب إعادهتا فأ َّثرت فيه ً‬
‫َان مِ ْن َأ ْز ِد َشنُو َء َة َوك َ‬
‫َان‬ ‫‪-‬وك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس ‪َ L‬أ َّن ض َما ًدا َقد َم َم َّك َة َ‬ ‫َع ِن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫ُون‪،‬‬ ‫ون‪ :‬إِ َّن ُم َح َّمدً ا َم ْجن ٌ‬ ‫الريحِ ‪َ -‬ف َس ِم َع ُس َف َها َء مِ ْن َأ ْه ِل َم َّك َة َي ُقو ُل َ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫َي ْرقي م ْن َهذه ِّ‬
‫يه َع َلى َيدَ َّي‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َل ِق َي ُه‪َ ،‬ف َق َال‪َ « :‬يا‬ ‫َف َق َال‪َ :‬لو َأنِّي ر َأي ُت َه َذا الرج َل َلع َّل اهَّلل ي ْش ِف ِ‬
‫ََ‬ ‫َّ ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬
‫اهَّلل َي ْش ِفي َع َلى َي ِدي َم ْن َشا َء َف َه ْل َل َك؟»‬ ‫الريحِ َوإِ َّن َ‬
‫ِ ِ ِِ‬
‫ُم َح َّمدُ ‪ ،‬إِنِّي َأ ْرقي م ْن َهذه ِّ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ‪« :‬إِ َّن ا ْل َح ْمدَ لِ َّل ِه ن َْح َمدُ ُه َون َْست َِعينُ ُه َم ْن َي ْه ِد ِه اهَّللُ َفالَ ُم ِض َّل َل ُه‬ ‫َف َق َال َر ُس ُ‬
‫يك َل ُه َو َأ َّن ُم َح َّمدً ا‬ ‫ي َل ُه َو َأ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل اهَّللُ َو ْحدَ ُه َل َشرِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َم ْن ُي ْضل ْل َف َل َهاد َ‬
‫ك َه ُؤ َل ِء»‪َ ،‬ف َأ َعا َد ُه َّن َع َل ْي ِه‬ ‫«أ ِعدْ َع َل َّي ك َِل َماتِ َ‬‫َع ْبدُ ُه َو َر ُسو ُل ُه َأ َّما َب ْعدُ »‪َ ،‬ق َال َف َق َال‪َ :‬‬
‫‪615‬‬ ‫‪ -100‬ذكر النِّكاح والتَّهنئة به وال ُّدخول بال َّزوجة (‪)1‬‬

‫الس َح َر ِة‬ ‫ِ‬ ‫ات‪َ ،‬ق َال َف َق َال‪َ « :‬ل َقدْ َس ِم ْع ُ‬ ‫ث مر ٍ‬ ‫رس ُ ِ‬
‫ت َق ْو َل ا ْلك ََهنَة َو َق ْو َل َّ‬ ‫ول اهَّلل ﷺ َث َل َ َ َّ‬ ‫َ ُ‬
‫وس ا ْل َب ْحرِ»‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ت ِم ْث َل ك َِل َماتِ َ‬ ‫اء؛ َف َما َس ِم ْع ُ‬ ‫الشعر ِ‬
‫ك َه ُؤ َلء َو َل َقدْ َب َلغ َْن نَا ُع َ‬ ‫َو َق ْو َل ُّ َ َ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ‪:‬‬ ‫ال ْس َل ِم‪َ ،‬ف َبا َي َع ُه‪َ ،‬ف َق َال َر ُس ُ‬ ‫ات َيدَ َك ُأ َبايِ ْع َك َع َلى ْ ِ‬ ‫َق َال‪َ :‬ف َق َال‪َ :‬ه ِ‬
‫ول اهَّللِ ﷺ َس ِر َّي ًة َف َم ُّروا‬ ‫«و َع َلى َق ْو ِمي»‪َ ،‬ق َال َف َب َع َث َر ُس ُ‬ ‫ك؟» َق َال‪َ :‬‬ ‫«و َع َلى َق ْو ِم َ‬
‫َ‬
‫ش َه ْل َأ َص ْبت ُْم‪ :‬مِ ْن َه ُؤ َل ِء َش ْي ًئا؟ َف َق َال َر ُج ٌل‬ ‫الس ِر َّي ِة ل ِ ْل َج ْي ِ‬
‫ب َّ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫بِ َق ْومه‪َ ،‬ف َق َال َصاح ُ‬
‫اد»(‪.)1‬‬ ‫مِن ا ْل َقو ِم َأصب ُت مِنْهم مِ ْطهرةً‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬ردوها َفإِ َّن ه ُؤ َل ِء َقوم ِضم ٍ‬
‫ُْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُّ َ‬ ‫ُ ْ ََ‬ ‫َ ْ َ ْ‬
‫الرجل حيث كانت سب ًبا‬ ‫فتأ َّمل أثر هذه الكلمات المباركات على هذا َّ‬
‫الخطب وتكون‬ ‫وكثيرا ما ُتسمع هذه الكلمات يف ُ‬‫ً‬ ‫يف إسالمه وإسالم قومه‪،‬‬
‫والسبب عدم التَّأ ُّمل يف المعاين والدَّ الالت‬
‫َّ‬ ‫ضعيفة األثر على القلوب!‬
‫والهدايات ا َّلتي اشتملت عليها هذه الخطبة العظيمة‪.‬‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)868‬‬


‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪616‬‬

‫‪101‬‬

‫ذكر النِّكاح والتَّهنئة به‬


‫وال ُّدخول بال َّزوجة (‪)2‬‬

‫ف َأ َث َر‬‫ك ‪َ I‬أ َّن النَّبِي ﷺ ر َأى َع َلى َعب ِد الرحم ِن ب ِن َعو ٍ‬ ‫َس ب ِن مال ِ ٍ‬
‫ْ َّ ْ َ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َع ْن َأن ِ ْ َ‬
‫ت ْام َر َأ ًة َع َلى َوز ِْن ن ََو ٍاة‬
‫ول اهلل! إِنِّي َتز ََّو ْج ُ‬
‫«يا َر ُس َ‬ ‫«ما َه َذا؟» َق َال‪َ :‬‬
‫ٍ‬
‫ُص ْف َرة‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫ك‪َ ،‬أ ْولِ ْم َو َل ْو بِ َش ٍاة»‪ .‬رواه‬‫ب»‪َ ،‬ق َال‪َ « :‬ف َب َار َك اهَّللُ َل َ‬ ‫ِم ْن َذ َه ٍ‬

‫ان إِ َذا َت َز َّو َج‪،‬‬ ‫َان إِ َذا ر َّف َأ ِ‬


‫اإلن َْس َ‬ ‫َو َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬أ َّن النَّبي ﷺ ك َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ك‪َ ،‬و َج َم َع َب ْينَك َُما في َخ ْيرٍ»‪ .‬رواه أبو داود‬ ‫ك‪َ ،‬و َب َار َك َع َل ْي َ‬
‫َق َال‪َ « :‬ب َار َك اهَّللُ َل َ‬
‫ِّرمذي(‪.)2‬‬
‫ُّ‬ ‫والت‬
‫«بالرفاء والبنين»‪ ،‬فنهى‬ ‫تزوج بأن يقولوا له‪ِّ :‬‬ ‫كان أهل الجاهل َّية ير ِّفئون َمن َّ‬
‫ول‪َ :‬ق ِد َم َع ِق ُيل‬ ‫النَّبي ﷺ عن ذلك‪َ ،‬ع ْن ُيون َُس ْب ِن ُع َب ْي ٍد َق َال‪َ :‬س ِم ْع ُت ا ْل َح َس َن َي ُق ُ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ا ْل َب ْص َر َة َفت ََز َّو َج ا ْم َر َأ ًة م ْن َبني ُج َش ٍم‪َ ،‬ف َقا ُلوا َل ُه‪ :‬بِ ِّ‬
‫الر َفاء َوا ْل َبني َن‪،‬‬ ‫ا ْب ُن َأبِي َطال ٍ‬
‫ول‪َ « :‬ب َار َك‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ ن ََهى َع ْن َذل ِ َك َو َأ َم َرنَا َأ ْن َن ُق َ‬ ‫َف َق َال‪َ :‬ل َت ُقو ُلوا ك ََذل ِ َك َفإِ َّن َر ُس َ‬
‫السنن الكربى‬ ‫والبيهقي يف ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّسائي‬
‫ك»‪ .‬رواه ابن ماجه والن ُّ‬ ‫ك َو َب َار َك َع َل ْي َ‬
‫اهَّللُ َل َ‬
‫وال َّلفظ له(‪.)3‬‬
‫البخاري (‪ ،)5155‬ومسلم (‪.)1427‬‬ ‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)1091‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)2130‬والت‬
‫ـائي (‪ ،)3371‬والبيهقـ ُّـي يف الكــرى (‪،)13842‬‬
‫(((  رواه ابــن ماجــه (‪ ،)1906‬والنَّسـ ُّ‬
‫وصححــه األلبــاينُّ‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪617‬‬ ‫‪ -101‬ذكر النِّكاح والتَّهنئة به وال ُّدخول بال َّزوجة (‪)2‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين»‪َّ ،‬أو ًل ليس دعا ًء كما هو َّ‬
‫الشأن يف الدُّ عاء‬ ‫وهذا القول‪« :‬بِ ِّ‬
‫الر َفاء َوا ْل َبن َ‬
‫ٍ‬
‫شنيعة متغلغلة يف أهل‬ ‫ٌ‬
‫ترسيخ لعقيدة‬ ‫ثم فيها‬ ‫َّ‬
‫َّبي ﷺ‪َّ ،‬‬ ‫بالربكة الذي أرشد إليه الن ُّ‬
‫الجاهل َّية وهي كراهية البنات‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫بغضا شديدً ا ويسو ُّد وجه‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ﴾ [النَّحل‪ ،]58 :‬فهم يبغضون البنات ً‬
‫هم عظيم ماذا يصنع هبا؛ أيمس ُكها على‬ ‫الواحد منهم إذا ُر َ‬
‫زق ببنت‪ ،‬ويبقى يف ٍّ‬
‫يدسها يف التُّراب؟وكان شائ ًعا عندهم وأد البنات‪ ،‬أي‪:‬‬
‫هون وضيق ونكد أم ُّ‬
‫قتله َّن وه َّن أحياء‪.‬‬
‫‪ ‬وكانوا يقتلون البنات لسببن‪:‬‬
‫األول‪ :‬خوف الفقر‪ ،‬وهذا أحيانًا يشمل حتَّى ُّ‬
‫الذكور‪ ،‬واهلل تعالى يقول‪:‬‬ ‫َّ‬
‫﴿ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾‬
‫[اإلسراء‪.]31 :‬‬
‫َّ‬
‫والثاني‪ :‬خوف العار‪ ،‬يخشى أن تكرب البنت وترتكب الفاحشة فيقتلها‬
‫وهي صغيرة‪ ،‬وكانوا يف قتلهم للبنات يرتكبون أشياء ال يمكن تخ ُّيلها‪ ،‬يف‬
‫جاهل َّي ٍة جهالء‪ ،‬أنقذ اهلل منها أ َّمة اإلسالم هبذا الدِّ ين العظيم المبارك‪.‬‬
‫ان إِ َذا َتز ََّو َج»‪ ،‬أي‪ :‬بعد العقد‪ ،‬ومعنى ر َّفأ‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫َان إِ َذا َر َّف َأ ِ‬
‫اإلن َْس َ‬ ‫قوله‪« :‬ك َ‬
‫«ر َّفأ ُه َت ْرفِ َئ ًة و َت ْرفِي ًئا‪ :‬قال له‬
‫الزواج ودعا له‪ ،‬قال يف القاموس‪َ :‬‬ ‫هنَّأه بمناسبة َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثم‬
‫الش ْملِ»‪ .‬وكانت هذه ترفئة الجاهل َّية‪َّ ،‬‬ ‫الر َفاء وال َبني َن‪ ،‬أي‪ :‬بااللت َئا ِم َ‬
‫وج ْم ِع َّ‬ ‫بِ ِّ‬
‫َّبي ﷺ عن ذلك وأرشد إلى الدُّ عاء المتقدِّ م‪.‬‬ ‫هنى الن ُّ‬
‫الزوجة‪ ،‬وجعلها ناصية‬
‫الزواج وهذه َّ‬ ‫قوله‪َ « :‬ب َار َك اهللُ َل َ‬
‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬يف هذا َّ‬
‫قائما على الخير والفالح‬
‫زواجا مباركًا ً‬
‫ً‬ ‫الزواج‬
‫خير عليك‪ ،‬وجعل هذا َّ‬
‫والصالح‪.‬‬
‫والسعادة َّ‬
‫َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪618‬‬

‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬جعل فيما أعطاك برك ًة عليك‪ ،‬ويدخل يف‬ ‫«و َب َار َك َع َل ْي َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫الصالحة وغيرها من المعاين‪.‬‬ ‫والذ ِّر َّية َّ‬ ‫ذلك سعة العيش ُّ‬
‫«و َج َم َع َب ْينَك َُما فِي َخ ْيرٍ»‪ ،‬أي‪ :‬بينك وبين زوجك يف خير‪ ،‬وهذا‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫تزوج‪.‬‬ ‫لمن َّ‬ ‫كل فالح وصالح يف الدُّ نيا واآلخرة‪ .‬وهذا خير ما ُيدعى به َ‬ ‫يتناول َّ‬
‫يه َع ْن َجدِّ ِه ‪َ I‬ع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا‬ ‫ب َعن َأبِ ِ‬
‫َو َع ْن َع ْم ِرو ْب ِن ُش َع ْي ٍ ْ‬
‫َتزَوج َأحدُ كُم امر َأ ًة َأ ِو ْاشتَرى َخ ِ‬
‫اد ًما‪َ ،‬ف ْل َي ُق ِل‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬
‫ك َخ ْي َر َها َو َخ ْي َر‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ ُ ْ َ‬
‫ك ِم ْن َش ِّر َها َو ِم ْن َش ِّر َما َج َب ْلت ََها َع َل ْي ِه»‪َ ،‬وإِ َذا ْاشت ََرى‬ ‫َما َج َب ْلت ََها َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫ك»‪ .‬رواه أبو داود وابن ماجه(‪.)1‬‬ ‫َب ِع ًيرا َف ْل َي ْأ ُخ ْذ بِ ِذ ْر َو ِة َسن َِام ِه َو ْل َي ُق ْل ِم ْث َل َذلِ َ‬
‫الزوج َّأول ما يدخل على زوجته يف َّأول ليلة فيبدأ هبذا‬ ‫هذه الكلمة يقولها َّ‬
‫الدُّ عاء‪ ،‬يسأل اهلل ‪ D‬خيرها وخير ما جبلها عليه‪ ،‬أي‪ :‬ما خلقها وطبعها‬
‫ثم يدعو‬ ‫الزوج َّية‪َّ ،‬‬ ‫عليه‪ ،‬ويكون هذا الدُّ عاء بعد صالة ركعتين يبدأ هبما حياته َّ‬
‫َّبي الكريم‪.‬‬ ‫هبذا الدُّ عاء المأثور عن الن ِّ‬
‫ِ ٍ‬
‫أس ْيد‪ ،‬قال‪َ :‬ت َز َّو ْجت َو َأنَا َم ْم ُل ٌ‬
‫وك‪َ ،‬فدَ َع ْو ُت َن َف ًرا‬ ‫َع ْن َأبِي َسعيد َم ْو َلى َأبِي َ‬
‫ود‪َ ،‬و َأ ُبو َذ ٍّر َو ُح َذ ْي َف ُة ُي َع ِّل ُمونَنِي‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬
‫اب النَّبي ﷺ منهم ابن مسع ٍ‬
‫َ ْ ُ‬ ‫ِّ‬
‫مِ ْن َأ ْص َح ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ك ف َصل َر ْك َع َت ْين‪ ،‬ث َّم َسل اهَّللَ م ْن َخ ْير َما َد َخل َعل ْيك‪ ،‬ث َّم‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫«إ َذا َد َخ َل َع َل ْيك َأ ْهل َ‬
‫ُ‬
‫ك»‪ .‬رواه ابن أبي شيبة يف مصنَّفه(‪.)2‬‬ ‫ُك َو َش ْأ ُن َأ ْه ِل َ‬ ‫َت َع َّو ْذ بِ ِه ِم ْن َش ِّر ِه‪ُ ،‬ث َّم َش ْأن َ‬
‫واإلنسان قد ُيج َبل على أخالق كريمة‪ ،‬وقد يكون فيه بعض األخالق‬
‫غير الحميدة‪ ،‬فهو يسأل اهلل ‪ D‬من خيرها ‪-‬أي‪ :‬هذه المرأة ا َّلتي َّ‬
‫تزوجها‪-‬‬ ‫ِ‬
‫شرها‬
‫ويتعوذ به ‪ F‬من ِّ‬ ‫َّ‬ ‫وخير ما جبلها اهلل عليه‪ ،‬أي‪َ :‬خ َل َقها وطبعها عليه‪،‬‬
‫وشر ما جبلها عليه‪.‬‬
‫ِّ‬
‫وحسنه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)2160‬وابن ماجه (‪،)2252‬‬
‫الزفاف (‪.)94‬‬
‫وصححه األلباينُّ يف آداب َّ‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه ابن أبي شيبة يف مصنَّفه (‪،)29733‬‬
‫‪619‬‬ ‫‪ -101‬ذكر النِّكاح والتَّهنئة به وال ُّدخول بال َّزوجة (‪)2‬‬

‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم إِنِّي َأ ْس َأ ُل َ‬


‫ك َخ ْي َر َها»‪ ،‬أي‪ :‬هذه المرأة‪ ،‬ويشمل الخير‪ :‬حفظ‬
‫الزوج‪ ،‬وحسن المعاشرة إلى غير‬
‫حق َّ‬ ‫الفراش‪ ،‬واألمانة يف المال‪ ،‬ورعاية ِّ‬
‫ِ‬
‫«و َخ ْي َر َما َج َب ْلت ََها َع َل ْيه»‪ ،‬أي‪ :‬من ال ِّطباع الحسنة واألخالق ُ‬
‫المرضية‪.‬‬ ‫ذلك‪َ ،‬‬
‫ك ِم ْن َش ِّر َها َو ِم ْن َش ِّر َما َج َب ْلت ََها َع َل ْي ِه»‪ ،‬فيه االعتصام‬
‫«و َأ ُعو ُذ بِ َ‬
‫وقوله‪َ :‬‬
‫ٍ‬
‫شرور يف طبعها‪ ،‬ويف‬ ‫مما يف هذه المرأة من‬ ‫وحسن االلتجاء إليه بأن يقيه َّ‬ ‫باهلل ُ‬
‫الزوجين ال‬ ‫أن صالح أمر َّ‬ ‫سج َّيتها‪ ،‬ويف معاشرهتا‪ ،‬إلى غير ذلك‪ .‬وهذا يفيد َّ‬
‫يتح َّقق َّإل بحسن التجائهما إلى اهلل سبحانه‪ ،‬وسؤالهما إ َّياه سبحانه التَّوفيق‬
‫ٍ‬
‫بصدق‬ ‫والسداد‪ .‬فإذا دعا من َّأول ليلة هبذه الدَّ عوة المباركة‬ ‫والمعونة‬
‫َّ‬
‫الركعتين أجاب اهلل دعاءه وأكرمه بزوجة ال يكون له‬ ‫وإخالص والس َّيما بعد َّ‬
‫كل خير يف الدُّ نيا‬‫الش ُّر‪ ،‬والدُّ عاء مفتاح ِّ‬
‫منها بإذن اهلل َّإل الخير‪ ،‬وال يأتيه منها َّ‬
‫واآلخرة‪.‬‬
‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬يضع‬‫«وإِ َذا ْاشت ََرى َب ِع ًيرا َف ْل َي ْأ ُخ ْذ بِ ِذ ْر َو ِة َسن َِام ِه َو ْل َي ُق ْل ِم ْث َل َذلِ َ‬
‫قوله‪َ :‬‬
‫هم إنِّي أسألك من خيره وخير ما‬ ‫ثم يقول‪« :‬ال َّل َّ‬ ‫يده على ذروة سنام البعير‪َّ ،‬‬
‫وشر ما جبلته عليه»‪.‬‬
‫شره ِّ‬
‫جبلته عليه وأعوذ بك من ِّ‬
‫وكذلك إذا اشرتى س َّيار ًة يدعو هبذا الدُّ عاء؛ لما ُيرجى من خيرها و ُيخشى‬
‫شرها»‪.‬‬
‫هم إنِّي أسألك خيرها وأعوذ بك من ِّ‬ ‫شرها‪ ،‬فيقول‪« :‬ال َّل َّ‬
‫من ِّ‬
‫اس ‪َ L‬ق َال‪َ :‬ق َال النَّبِ ُّي ﷺ‪َ « :‬ل ْو َأ َّن َأ َحدَ ُه ْم إِ َذا َأ َرا َد َأ ْن َي ْأتِ َي‬ ‫َو َع ْن ا ْب ِن َع َّب ٍ‬
‫ان َما َر َز ْق َتنَا»‪َ ،‬فإِ َّن ُه‬ ‫الش ْي َط َ‬
‫ِّب َّ‬ ‫ان‪َ ،‬و َجن ِ‬
‫الش ْي َط َ‬‫َأ ْه َل ُه‪َ ،‬ق َال‪« :‬بِ ْس ِم اهَّللِ‪ ،‬ال َّل ُه َّم َجنِّ ْبنَا َّ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫ان َأ َبدً ا»‪ .‬رواه‬ ‫ك َل ْم َي ُض َّر ُه َش ْي َط ٌ‬ ‫إِ ْن ُي َقدَّ ْر َب ْين َُه َما َو َلدٌ فِي َذلِ َ‬
‫لمن يكرمه اهلل ‪ E‬باإلتيان هبذا‬
‫أثر عظيم وفائدة جليلة َ‬
‫هذا له ٌ‬
‫البخاري (‪ ،)6388‬ومسلم (‪.)1434‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪620‬‬

‫مرة يأيت أهله؛ ألنَّه ال يدري متى ُيقدَّ ر بينهما الولد‪ ،‬فيحتاج األمر‬ ‫كل َّ‬ ‫الدُّ عاء يف ِّ‬
‫الشيطان وحضوره مكانه‪،‬‬ ‫يسلم َّأو ًل من َّ‬ ‫مرة‪ ،‬حتَّى ْ‬ ‫كل َّ‬ ‫أن يواظب عليه يف ِّ‬
‫المستمر الدَّ ائم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وليحصن الولد هذا التَّحصين التَّا َّم‬ ‫ِّ‬
‫ان َأ َبد ًا»‪ ،‬هذه فائدة‬‫ك َل ْم َي ُض َّر ُه َش ْي َط ٌ‬ ‫قوله‪َ « :‬فإِ َّن ُه إِ ْن ُي َقدَّ ْر َب ْين َُه َما َو َلدٌ فِي َذلِ َ‬
‫حق الولد على والده أن يدعو هبذا الدُّ عاء قبل أن ُيخ َلق‬ ‫فمن ِّ‬ ‫عظيمة‪ ،‬ولهذا ِ‬
‫الشيطان ‪-‬كما يف‬ ‫ألن َّ‬ ‫الشيطان أبدً ًا؛ َّ‬ ‫يضره َّ‬ ‫الولد حتَّى يكون تحصينًا له فال َّ‬
‫سورة اإلسراء‪ -‬له مشاركة يف أموال النَّاس وأوالدهم‪ ،‬قال اهلل تعالى‪:‬‬
‫﴿ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾ [اإلسراء‪ ،]64 :‬فإذا التجأ المسلم إلى اهلل هذا‬
‫شره‪.‬‬ ‫ووقي من ِّ‬ ‫االلتجاء سلِم الولد بإذن اهلل من هذه المشاركة ُ‬
‫حصن بالدُّ عاء ا َّلذي‬ ‫فهذا تحصين له قبل أن يوجد‪ ،‬أ َّما بعد أن يوجد؛ فإنَّه ُي َّ‬
‫َان النَّبِ ُّي ﷺ ُي َع ِّو ُذ ا ْل َح َس َن َوا ْل ُح َس ْي َن‪،‬‬
‫جاء يف حديث ابن ع َّباس ‪ L‬قال‪« :‬ك َ‬
‫ات اهلل ِ الت ََّّام ِة‬
‫«أعو ُذ بِك َِلم ِ‬
‫َ‬ ‫اق‪ُ َ ،‬‬
‫اع َيل َوإِ ْس َح َ‬‫َان يعو ُذ بِها إِسم ِ‬
‫ول‪ :‬إِ َّن َأ َباك َُما ك َ ُ َ ِّ َ ْ َ‬ ‫َو َي ُق ُ‬
‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫ان َو َه َّام ٍة َو ِم ْن ك ُِّل َع ْي ٍن ال ََّم ٍة»‪ .‬رواه‬
‫ِم ْن ك ُِّل َش ْي َط ٍ‬

‫حق الوالدين أن يداوما على تعويذ مولودهما وصغيرهما‬ ‫والمشروع يف ِّ‬


‫ويعود على‬ ‫عوذ نفسه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫مستمرا إلى أن ُيحس َن االبن أن ُي ِّ‬ ‫ًّ‬ ‫ويكون هذا التَّعويذ‬
‫السنَّة‪ ،‬وهو من سنن‬ ‫عوذ نفسه‪ ،‬فهذا من ُّ‬ ‫عو ُذ حتَّى يكون هو ا َّلذي ُي ِّ‬ ‫األذكار‪ ،‬ف ُي َّ‬
‫َّبي ‪« :O‬إِ َّن َأ َباك َُما ‪-‬يعني إبراهيم الخليل‬ ‫األنبياء‪ ،‬ولهذا قال الن ُّ‬
‫اق»‪.‬‬ ‫يل َوإِ ْس َح َ‬
‫اع َ‬ ‫َان يعو ُذ بِها إِسم ِ‬
‫‪ -S‬ك َ ُ َ ِّ َ ْ َ‬
‫ات اهَّلل ِ الت ََّّام ِة»‪ ،‬قيل‪ :‬القرآن‪ ،‬وقيل‪ :‬الكلمات الكون َّية القدر َّية‬ ‫قوله‪« :‬بِك َِلم ِ‬
‫َ‬
‫‪-‬وهو األقرب‪ -‬وهي ا َّلتي ال يجاوزها َب ٌّر وال فاجر‪.‬‬
‫و«هامة»‪ :‬يشمل َّ‬
‫كل‬ ‫ان»‪ ،‬أي‪ :‬من أذاه ووساوسه‪.‬‬ ‫«م ْن ك ُِّل َش ْي َط ٍ‬‫قوله‪ِ :‬‬
‫َّ‬
‫البخاري (‪.)3371‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
--1
4xh 1x Içu..9utbJ>>.x.,a.
u'
u,.:.J-= I> z.h.h
k.rA *4.9 .'A .'.
p, r s...a- u'
Lz , J , w-J .> ch

œho.tx'.
. w))'ae lJ 5G. a> hoI Io''
uç '1I ap'. o'
t-
w'
.
w .po,
. pupaplu.y>k..-./l.@= ôZJ .f( a.w'
.
w q.
41 , i uç)-.
1.w4
z f zr
z =Twlw
rI *
d= TIu I .wI rI .wwx jz
'uu.ah
r 'ro o
'wzm' <+
' ..'
'up -
cvaoz c.'t>y
v ... . M . .p.u w. k.. . . .k
f !
. !
.
' <o .wp 'wp ': z.kz.I
a pw apI rc
aùd.:.ouozoX aaau1
.4.1 U-ZAV wwb
wsklz
w. ).
. .w1
I 'rJôu.
.=1b P .jA'J. jo wu'J on rI. rj pwTI 'IC .W N )J'I
. w x..J w %J+x .%>.
.
. * 1w W w W œ' s
.w a .w o. .it.qJ .Jt>.J it.
qJ . -pe 0:1u..
v..)a.
. o # .'.
....nxu w .,
t1ù1
6 ..lzvu
' v v .. .
.. .
. (: w k+x 44.4l, ..I
<.py > '-I
wCA
;I 'izutx'.w '
....4<) . L*
a))'
.a''
e*?.w1fa*l ' '
p
p ; '' .! . :
.
.z z.4 k.sJ) e-vwx u.
(. .( pw ..o tz. e'''''- J . ovz.p ô > . +î.?
a.x o4.
- 10stp, <o lostp I
a lt.x a l.1
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪622‬‬

‫‪102‬‬

‫ما يقوله َمن لبس ثو ًبا جديدً ا‬

‫ويسره له‪،‬‬ ‫حق َمن لبس ثو ًبا جديدً ا أن يحمد اهلل ا َّلذي كساه إ َّياه َّ‬ ‫السنَّة يف ِّ‬
‫ُّ‬
‫شره‪.‬‬‫وأن يدعوه سبحانه أن يرزقه خير هذا الكساء ويعيذه من ِّ‬
‫َان رس ُ ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ول اهلل ﷺ إِ َذا ْ‬
‫است ََجدَّ َث ْو ًبا‬ ‫َع ْن َأبِي َسعيد ا ْل ُخدْ ِر ِّي ‪َ ،I‬ق َال‪ :‬ك َ َ ُ‬
‫ْت ك ََس ْوتَن ِ ِيه‪،‬‬
‫ك ا ْل َح ْمدُ َأن َ‬
‫ول‪« :‬ال َّل ُه َّم َل َ‬ ‫يصا َأ ْو ِع َما َمةً‪ُ ،‬ث َّم َي ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫اسمه إِ َّما َقم ً‬
‫سماه بِ ِ ِ‬
‫َ َّ ُ ْ‬
‫ك ِم ْن َش ِّر ِه َو َش ِّر َما ُصن ِ َع َل ُه»‪ .‬رواه‬ ‫ك ِم ْن َخ ْيرِ ِه َو َخ ْيرِ َما ُصن ِ َع َل ُه‪َ ،‬و َأ ُعو ُذ بِ َ‬ ‫َأ ْس َأ ُل َ‬
‫ِّرمذي(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫أبو داود والت‬
‫سماه باسمه‪ ،‬أي‪ :‬يقول‪:‬‬ ‫قوله‪« :‬إِ َذا ْاست ََجدَّ َث ْو ًبا»‪ ،‬أي‪ :‬لبِ َس َثو ًبا َجديدً ا َّ‬
‫هم إنِّي أسألك خير هذا ال َّثوب‪ ،‬أو خير هذه العمامة‪ ،‬أو خير هذا القميص‬ ‫ال َّل َّ‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫ْت ك ََس ْوتَن ِ ِيه»‪ ،‬يستشعر منَّة اهلل عليه حامدً ا له‬
‫ك ا ْل َح ْمدُ َأن َ‬
‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم َل َ‬
‫سبحانه أن كساه هذا ال َّثوب‪ ،‬وهو من نعم اهلل ‪ ،E‬قال ‪﴿ :D‬ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ﴾ [النَّحل‪ ،]81 :‬ويف الحديث القدسي‪ُ « :‬ك ُّلك ُْم َع ٍ‬
‫ار إِ َّل َم ْن‬ ‫ِّ‬
‫اس َتك ُْسونِي َأك ُْسك ُْم»(‪.)2‬‬ ‫ك ََس ْو ُت ُه َف ْ‬
‫ك ِم ْن َخ ْيرِ ِه َو َخ ْيرِ َما ُصن ِ َع َل ُه»‪ ،‬من أعظم خيره أنَّه يسرت عورة‬
‫«أ ْس َأ ُل َ‬
‫قوله‪َ :‬‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)1767‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪ ،)4020‬والت‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2577‬‬
‫‪623‬‬ ‫‪ -102‬ما يقوله َمن لبس ثو ًبا جديدً ا‬

‫ويحسن مظهره‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭴ‬


‫ِّ‬ ‫ويجمل هيئته‬
‫ِّ‬ ‫اإلنسان ويواري سوءته‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ﴾ [األعراف‪.]26 :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قوله‪« :‬و َأعو ُذ بِ َ ِ‬
‫شره أن ُيلبس على‬ ‫ك م ْن َش ِّره َو َش ِّر َما ُصن َع َل ُه»‪ ،‬من ِّ‬ ‫َ ُ‬
‫جل‬‫فإن َمن ال ُيز ِّين باطنه بتقوى اهلل َّ‬ ‫األشر والكِرب والتَّعالي‪ ،‬ولهذا َّ‬ ‫وجه َ‬
‫ظاهرة‪ ،‬ولهذا قال ‪﴿ :C‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ﴾‬ ‫الزينة ال َّ‬‫وعال ال تنفعه ِّ‬
‫[األعراف‪.]26 :‬‬
‫َ‬
‫اح ِب ِه ث ْو ًبا َج ِد ًيدا‪.‬‬ ‫َ َ ُ ُ ُ َ َ ََ َ‬
‫‪ ‬ما يقوله ِإذا َرأى على ص ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫ت‪َ :‬أ َت ْي ُ‬ ‫يد ‪َ J‬قا َل ْ‬ ‫ْت َخال ِ ِد ب ِن س ِع ٍ‬ ‫َعن ُأم َخال ِ ٍد بِن ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ ِّ‬
‫ول اهلل ﷺ‪« :‬سنَه سنَه»‪َ ،‬ق َال عبدُ اهلل‪ِ:‬‬ ‫ِ‬
‫َْ‬ ‫َ ْ َ ْ‬ ‫يص َأ ْص َف ُر‪َ ،‬ق َال َر ُس ُ‬ ‫َم َع َأبِي َو َع َل َّي َقم ٌ‬
‫خا َت ِم النُّ ُب َّو ِة َف َز َب َرنِي َأبِي‪َ ،‬ق َال‬
‫ب بِ َ‬ ‫ت َأ ْل َع ُ‬ ‫ت‪َ :‬ف َذ َه ْب ُ‬‫َو ْه َي بِا ْل َح َب ِش َّي ِة‪َ :‬ح َسنَةٌ‪َ .‬قا َل ْ‬
‫«أ ْب ِلي َو َأ ْخ ِل ِفي‪ُ ،‬ث َّم َأ ْب ِلي‬ ‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫ول اهلل ﷺ‪َ « :‬د ْع َها»‪ُ ،‬ث َّم َق َال َر ُس ُ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫َو َأ ْخ ِل ِفي‪ُ ،‬ث َّم َأ ْب ِلي َو َأ ْخ ِل ِفي»‪ .‬رواه‬
‫َّبي ‪ O‬وطيب معاشرته؛ راطنها بالحبش َّية ألنَّها‬ ‫هذا من لطف الن ِّ‬
‫َّبي ﷺ وقال‬ ‫كانت مع والديها يف الحبشة وتع َّلمت ً‬
‫قليل من لساهنم فآنسها الن ُّ‬
‫الصغير ثو ًبا‬ ‫السنَّة إذا لبس َّ‬
‫«سنَه َسنَه»‪ ،‬أي‪ :‬حسنة حسنة‪ ،‬فمن ُّ‬ ‫لها بالحبش َّية َ‬
‫وحسنه وطيبه‪ ،‬يقال‪ :‬ثوبك جميل‪،‬‬ ‫جديدً ا أن ُيال َطف وأن ُيشاد بجمال ثوبه ُ‬
‫لباسك حسن‪ ،‬ونحو ذلك؛ مالطف ًة له ومؤانسة‪.‬‬
‫رواية عند الحاكم‪ ،‬قال‪« :‬فراطنها بالحبش َّية»(‪ ،)2‬أي‪ :‬أتى هبذه‬ ‫ٍ‬ ‫وجاء يف‬
‫مؤنسا لها؛ ألنَّها عندها بعض الكلمات تعرفها من ال ُّلغة الحبش َّية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫الكلمة‬
‫شخصا‬‫ً‬ ‫أن ال َّلهجات الدَّ ارجة عند النَّاس أو ال ُّلغات‪ ،‬إذا لقيت‬
‫أيضا فيه َّ‬
‫وهذا ً‬
‫البخاري (‪.)3071‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه الحاكم يف مستدركه (‪.)5090‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪624‬‬

‫فحدَّ ثته بكلمة أو كلمتين من لغته أو لهجته على سبيل المؤانسة له ترى لها‬
‫أثرا عليه‪.‬‬
‫ً‬
‫َّبي ﷺ هو ا َّلذي كساها ذلك ال َّثوب وألبسها‬ ‫َّ‬
‫الروايات أن الن َّ‬ ‫وجاء يف بعض ِّ‬
‫يص ٌة َس ْو َدا ُء َص ِغ َيرةٌ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اب ف َيها َخم َ‬
‫إياه‪ ،‬فعن ُأم َخال ِ ٍد ‪ُ J‬أتِي النَّبِي ﷺ بِثِي ٍ ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ِّ‬ ‫َّ‬
‫«م ْن ت ََر ْو َن َأ ْن َنك ُْس َو َه ِذ ِه؟» َف َس َك َت ا ْل َق ْو ُم‪َ ،‬ق َال‪« :‬ا ْئتُونِي بِ ُأ ِّم َخالِ ٍد» َف ُأتِ َي‬ ‫َف َق َال‪َ :‬‬
‫َان فِ َيها‬‫«أ ْب ِلي َو َأ ْخ ِل ِقي»‪َ ،‬وك َ‬ ‫يص َة بِ َي ِد ِه َف َأ ْل َب َس َها‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬‬ ‫ِ‬
‫بِ َها ُت ْح َم ُل‪َ ،‬ف َأ َخ َذ ا ْل َخم َ‬
‫«يا ُأ َّم َخالِ ٍد َه َذا َسنَا ْه»‪َ .‬و َسنَا ْه بِا ْل َح َب ِش َّي ِة َح َس ٌن‪.‬‬ ‫َع َل ٌم َأ ْخ َض ُر َأ ْو َأ ْص َف ُر‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬
‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫رواه‬
‫ب بِخَ ا َت ِم ال ُّن ُب َّو ِة َف َز َب َرنِي َأبِي»‪ ،‬أي‪ :‬زجرين وهناين‪.‬‬ ‫ت َأ ْل َع ُ‬ ‫قالت‪َ « :‬ف َذ َه ْب ُ‬
‫ول اهلل ﷺ ‪-‬وهذا موضع‬ ‫ول اهلل ﷺ‪َ « :‬د ْع َها»‪ُ ،‬ث َّم َق َال َر ُس ُ‬ ‫ف َق َال َر ُس ُ‬
‫«أ ْب ِلي َو َأ ْخ ِل ِفي‪ُ ،‬ث َّم َأ ْب ِلي َو َأ ْخ ِل ِفي‪ُ ،‬ث َّم َأ ْب ِلي َو َأ ْخ ِل ِفي»؛ أ ْم ٌر باإلبالء‪،‬‬
‫الشاهد‪َ :-‬‬ ‫َّ‬
‫ثم اكتسي خ َلفه بعد بِالئه‪ ،‬والمراد أي‪:‬‬ ‫ِ‬
‫أي‪ :‬البسي إلى أن يصير خل ًقا بال ًيا‪َّ ،‬‬
‫أيضا ُتبلينه وتكتسين غيره‪،‬‬ ‫ثم ً‬ ‫ثم تكتسين غيره‪َّ ،‬‬ ‫عمرا يبلى فيه ال َّثوب َّ‬ ‫تعيشين ً‬
‫ثم ثو ًبا آخر ُتبلينه وتكتسين غيره‪ ،‬وهذا التَّكرار فيه دعا ٌء لها بطول العمر على‬ ‫َّ‬
‫عمرا ‪ J‬وأرضاها‪.‬‬ ‫خير وطاعة هلل سبحانه‪ .‬ولهذا عاشت ً‬ ‫ٍ‬

‫اب النَّبِ ِّي ﷺ إِ َذا َلبِ َس َأ َحدُ ُه ْم َث ْو ًبا َج ِديدً ا‪،‬‬ ‫َان َأ ْص َح ُ‬ ‫و َع ْن َأبِي ن َْض َر َة َق َال‪ :‬ك َ‬
‫ف اهَّللُ َت َعا َلى»‪ .‬رواه أبو داود(‪.)2‬‬ ‫قِ َيل َل ُه‪ُ « :‬ت ْب ِلي َو ُيخْ ِل ُ‬
‫ِ‬
‫قوله‪ُ « :‬ت ْبلي» هذا فيه دعاء له بأن يبقيه اهلل ويبلي ال َّثوب ويخلفه اهلل ً‬
‫خيرا‬
‫منه‪ ،‬وهذا دعا ٌء له بطول العمر وبالبقاء حتَّى يبلى ال َّثوب من طول ُلبس صاحبه‬
‫خيرا منه‪.‬‬ ‫له‪ ،‬وبعد بالئه يخلفه اهلل ‪ D‬عنه ً‬
‫البخاري (‪.)5823‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)4020‬‬
‫‪625‬‬ ‫‪ -102‬ما يقوله َمن لبس ثو ًبا جديدً ا‬

‫وإن من نعم اهلل العظيمة على عباده نعمة ال ِّلباس بأنواعه المختلفة‬
‫هذا َّ‬
‫وأصنافه العديدة‪ ،‬يقول اهلل تعالى مذك ًِّرا هبذه النِّعمة‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬
‫ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ‬
‫ﮔ﴾ [النَّحل‪ .]83-80 :‬فب َّين ‪ C‬يف هذه اآليات العظيمة نعمته على‬
‫ونحوها من ثياب القطن والكتَّان‬
‫ُ‬ ‫عباده؛ بأن جعل لهم سرابيل ‪-‬وهي ال ُقمصان‬
‫ويتجملون هبا‪ ،‬ويسرتون هبا عوراهتم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الحر والربد‪،‬‬
‫والصوف‪ -‬يتَّقون هبا َّ‬
‫ُّ‬
‫أن ال ِّلباس نعم ٌة عظيم ٌة ومنَّ ٌة كبير ٌة يجب على عبد اهلل المؤمن أن‬
‫فال ريب َّ‬
‫يقرب إليه‪ ،‬وأن يحذر‬‫يقوم بشكرها‪ ،‬وأن يستعملها يف طاعة اهلل ورضوانه وما ِّ‬
‫أشدَّ الحذر من مخالفة أمر اهلل يف ال ِّلباس يف صفته ونوعه وشروطه وضوابطه‬
‫وآدابه ا َّلتي جاءت هبا َّ‬
‫الشريعة‪.‬‬
‫الشيطان ومكره و ُطرقه الخف َّية لصدِّ‬
‫المسلم يف هذا الباب من كيد َّ‬
‫ُ‬ ‫وليحذر‬
‫الحق يف هذا الباب وإيقاعه يف أنوا ٍع من المخالفات‪ ،‬فقد ب َّين اهلل‬ ‫اإلنسان عن ِّ‬
‫الشيطان لإلنسان يف هذا األمر وغيره قديمة‪ ،‬وذكر سبحانه‬ ‫أن عداوة َّ‬ ‫تعالى َّ‬
‫الشيطان على األبوين ووسوسته لهما ل ُيبدي لهما ما ُووري‬ ‫يف القرآن احتيال َّ‬
‫عنهما من سوآهتما‪ ،‬ودخل عليهما يف هذا األمر من ُطرق خف َّية‪ ،‬وظهر لهما‬
‫الهما بغرور‪ ،‬أي‪ :‬أنزلهما‬ ‫بصورة الناصح األمين‪ ،‬وحلف لهما على ذلك‪ ،‬ود َّ‬
‫عن رتبتهما العل َّية ا َّلتي هي البعدُ عن المعصية إلى الوقوع فيها‪.‬‬
‫يقول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪626‬‬

‫ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ‬
‫ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ‬
‫ﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [األعراف‪.]23-19 :‬‬
‫فتداركهما اهلل برحمته وم َّن عليهما بعفوه فغفر لهما ذلك‪ ،‬كما قال‬
‫سبحانه‪﴿ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [طه‪-121 :‬‬
‫حريص أشدَّ‬
‫ٌ‬ ‫غير مقل ٍع عن عصيانه‪،‬‬
‫مستمر يف طغيانه‪ُ ،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫‪ ،]121‬هذا وإبليس‬
‫الذ ِّر َّية‪ ،‬كما أغوى األبوين؛ ولهذا ا َّتجه الخطاب يف‬‫الحرص على إغواء ُّ‬
‫ِّ‬
‫المضل الفتَّان من أن يفتنهم‬ ‫السياق الكريم إلى ُّ‬
‫الذ ِّر َّية للحذر من هذا‬ ‫هذا ِّ‬
‫بالوسوسة كما فعل مع األبوين‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾‬
‫ويسر لهم من ال ِّلباس الباطن‬ ‫[األعراف‪ ،]26 :‬فذكَّرهم سبحانه‪ ‬بما م َّن عليهم َّ‬
‫يستمر مع العبد وال يبلى وال‬
‫ُّ‬ ‫وال َّظاهر‪ ،‬فال ِّلباس الباطن‪ :‬هو تقوى اهلل‪ ،‬وهو‬
‫والروح‪ ،‬وال ِّلباس ال َّظاهر‪ :‬هو‬
‫جمال للقلب ُّ‬‫ٌ‬ ‫يبيد ما حافظ عليه العبد‪ ،‬وهو‬
‫ً‬
‫جمال للنَّاس‪.‬‬ ‫ا َّلذي يسرت به المسلم عور َته ويواري به سوأته ويكون‬
‫موج ًها الخطاب ُّ‬
‫للذ ِّر َّية‪﴿ :‬ﮊ‬ ‫ثم قال سبحانه بعد تذكيره هبذه النِّعمة ِّ‬
‫َّ‬
‫ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ‬
‫ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫فحذر سبحانه ُّ‬
‫الذ ِّر َّي َة من أن يفعل هبم َّ‬
‫الشيطان كما‬ ‫ﮩ﴾ [األعراف‪َّ ،]27 :‬‬
‫العدو‬
‫َّ‬ ‫أن هذا‬‫فعل بأبيهم بأن ُيز ِّين لهم المعصية وير ِّغبهم فيها‪ ،‬وأخرب سبحانه َّ‬
‫‪627‬‬ ‫‪ -102‬ما يقوله َمن لبس ثو ًبا جديدً ا‬

‫اك َو َل َت َرا ُه َل َش ِديدُ‬


‫يراهم من حيث ال يرونه‪ ،‬قال مالك بن دينار‪« :‬إِ َّن عَدُ ًّوا َي َر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخ ُصو َمة َوالمؤنَة؛ إِ َّل َم ْن َع َص َم ُ‬
‫اهلل»(‪.)1‬‬ ‫ُ‬
‫العدو قد تم َّكن ببالغ كيده وتوالي وسوسته أن ُيخرج‬ ‫ُّ‬ ‫وإذا كان هذا‬
‫األبوين من الجنَّة؛ فألن يتم َّكن من إيصال شيء من هذه الوساوس إلى ُّ‬
‫الذ ِّر َّية‬
‫من باب أولى‪.‬‬
‫وهبذه ال َّلفتة القو َّية َّ‬
‫حذر تعالى بني آدم منه باالحرتاز الدَّ ائم من كيده‬
‫ووسوسته‪ ،‬وختم سبحانه اآلية بقوله‪﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾‪،‬‬
‫أ َّما المؤمنون فليس له سلطان عليهم‪﴿ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ﴾ [النَّحل‪ ،]100 :‬ولهذا فبِقدر ضعف اإليمان يف اإلنسان يكون‬
‫الشيطان إليه‪.‬‬ ‫نفو ُذ َّ‬
‫السياق‪ ،‬له تع ُّل ٌق بال ِّلباس‪،‬‬
‫ثم إنَّه ‪ F‬خاطب بني آدم خطا ًبا آخر يف هذا ِّ‬ ‫َّ‬
‫فقال سبحانه‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ستحب‬
‫ُّ‬ ‫السنَّة ُي‬
‫ﭠ ﭡ﴾ [األعراف‪ .]31 :‬ولهذه اآلية وما ورد يف معناها من ُّ‬
‫يب؛ ألنَّه من‬ ‫الصالة‪ ،‬وال س َّيما يوم الجمعة ويوم العيد‪ ،‬وال ِّط ُ‬ ‫َّجم ُل عند َّ‬
‫الت ُّ‬
‫والس ُ‬
‫واك؛ ألنَّه من تمام ذلك‪.‬‬ ‫الزينة‪ِّ ،‬‬‫ِّ‬

‫البغوي يف تفسيره (‪.)223/3‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  ذكره‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪628‬‬

‫‪103‬‬

‫كفَّارة املجلس‬

‫األصل يف المجالس أن ُتحفظ و ُتصان من ال َّلغط والكالم َّ‬


‫الس ِّيء والقول‬
‫واله ْجر من القول‪ ،‬وأن َيحرص المرء على عمارهتا بالكالم المفيد‬ ‫الباطل ُ‬
‫كل مجلس أن‬ ‫كل ما ال يليق‪ ،‬وعليه يف ِّ‬
‫والقول ال َّط ِّيب‪ ،‬وعلى سالمتها من ِّ‬
‫وأن اهلل سبحانه سوف‬ ‫أن مجالسه وكلماته مس َّطر ٌة يف صحائف أعماله‪َّ ،‬‬ ‫يتذكَّر َّ‬
‫فشر‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮇ ﮈ‬ ‫شر ًا ٌّ‬
‫يحاسبه على ما يقول؛ إن خير ًا فخير‪ ،‬وإن َّ‬
‫الزلزلة‪،]8-7 :‬‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [ َّ‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [ق‪ ،]18 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ‬
‫السديد يؤ ِّثر يف‬‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ [األحزاب‪ .]71-70 :‬والقول َّ‬
‫الس ِّيء‪.‬‬ ‫صالحا يف العمل وغفرانًا ُّ‬
‫للذنوب‪ ،‬بخالف القول َّ‬ ‫ً‬ ‫حياة المرء‬
‫الرحمن؛ لقاموا‬ ‫مجلسا ذكروا فيه اإليمان وطاعة َّ‬
‫ً‬ ‫ولو َّ‬
‫أن قو ًما جلسوا‬
‫السوء‬ ‫برغبة يف ال َّطاعة وحرص على الخير‪ ،‬ولو جلسوا‬‫ٍ‬
‫مجلسا كثر فيه ُّ‬
‫ً‬ ‫منه‬
‫حديث مجلسهم؛ َّ‬
‫ألن َّ‬
‫الش َّر ال‬ ‫َ‬ ‫والمأثم؛ لنهضوا منه بعزيمة على ا َّلذي كان‬
‫خيرا وال ُيجنى من َّ‬
‫الشوك العنب‪.‬‬ ‫يو ِّلد ً‬
‫يتحرز فيها من ال َّلغط‪ ،‬لك َّن العبد مهما‬
‫والمسلم مطلوب منه يف مجالسه أن َّ‬
‫فوت‬ ‫اجتهد يف ذلك‪ ،‬فال بدَّ أن يبدُ َر منه التَّقصير‪ ،‬ولو لم يكن يف ذلك َّإل أنَّه َّ‬
‫المستحب‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫لما اشتغل بالمباح عن‬‫على نفسه يف مجلسه هذا شي ًئا من الخير َّ‬
‫‪629‬‬ ‫‪ -103‬كفَّارة املجلس‬

‫فشرع للمسلم كلمات‬ ‫كثير من المجالس ال تخلو من ال َّلغط! ُ‬ ‫فكيف إذا كان ٌ‬
‫تكون ك َّفار ًة له لما كان يف مجلسه ذلك‪.‬‬
‫س َف َك ُث َر‬ ‫«م ْن َج َل َس فِي َم ْج ِل ٍ‬ ‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َك ال َّل ُه َّم َوبِ َح ْم ِد َك‪،‬‬‫«س ْب َحان َ‬ ‫ك‪ُ :-‬‬ ‫فِ ِيه َل َغ ُط ُه‪َ ،‬ف َق َال ‪َ -‬ق ْب َل َأ ْن َي ُقو َم ِم ْن َم ْج ِل ِس ِه َذلِ َ‬
‫َان فِي َم ْج ِل ِس ِه‬ ‫ك»؛ إِ َّل ُغ ِف َر َل ُه َما ك َ‬ ‫ِ‬
‫ْت‪َ ،‬أ ْس َتغْف ُر َك َو َأت ُ‬
‫ُوب إِ َل ْي َ‬ ‫َأ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫ِّرمذي(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫ك»‪ .‬رواه الت‬ ‫َذلِ َ‬
‫َّ‬ ‫‪ ‬وينبغي أن ُيعلم هنا َّ‬
‫أن ما يقع في مجالس الناس من خطأ وذنب بسبب‬
‫ّ‬
‫اللسان على قسمين‪:‬‬ ‫آفات ِ‬
‫والشتم‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫والسخرية‪ ،‬وال َّلعن‪،‬‬ ‫الغيبة‪ ،‬والنَّميمة‪،‬‬ ‫األول‪ :‬الكبائر‪ ،‬مثل‪ِ :‬‬ ‫َّ‬
‫ُّ‬
‫أن اإلنسان‬ ‫يدل على َّ‬ ‫إن هذا الحديث ُّ‬ ‫والوقيعة يف األعراض‪ .‬فال يقول القائل‪َّ :‬‬
‫يجلس يف مجلسه ويغتاب َمن أراد‪ ،‬وين ُُّم ويهزأ ويسخر‪ ،‬ويقول الحرام واآلثام‪،‬‬
‫ثم يقول‪« :‬أختم مجلسي هبذا التَّسبيح و ُيغفر ما كان»؛ فالكبائر ال بدَّ فيها من‬ ‫َّ‬
‫نم‬ ‫آثارها متعدِّ ية‪ ،‬فال بدَّ من محو ذلك األثر‪ ،‬فإذا كان ً‬ ‫ٍ‬
‫مثل َّ‬ ‫توبة‪ ،‬وإذا كانت ُ‬
‫الصدور على أحد المسلمين‪ ،‬فال‬ ‫فأوقع عداو ًة بين اثنين‪ ،‬أو اغتاب فشحن ُّ‬
‫الذكر يف خاتمة المجلس ويكون ك َّفارة لما‬ ‫يكفي يف ذلك أن يقول‪« :‬آيت هبذا ِّ‬
‫الذنوب‪ ،‬والبد‬ ‫كان فيه»‪ ،‬فالكبائر البدَّ فيها من توبة إلى اهلل تعالى من تلك ُّ‬
‫من إصالح ما أفسد‪.‬‬
‫الثاني‪ِ :‬صغار ُّ‬
‫َّ‬
‫مما ال يتعدَّ ى بأثره على الغير‪ ،‬فهذا ُيك ِّفره‬ ‫الذنوب وال َّلمم‪َّ ،‬‬
‫الذكر عند القيام من المجلس‪.‬‬ ‫هذا ِّ‬
‫أن العبد يجب عليه أن يصون مجالسه من المعاصي واآلثام‪،‬‬ ‫والحاصل َّ‬
‫َّبي ﷺ‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫وأن يحرص على ختمها هبذا الذكر المبارك العظيم المأثور عن الن ِّ‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3433‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪630‬‬

‫قوله‪َ « :‬ف َق َال َق ْب َل َأ ْن َي ُقو َم ِم ْن َم ْج ِل ِس ِه َذلِ َ‬


‫ك»‪ُّ ،‬‬
‫يدل على الحرص على أن‬
‫يقولها يف المجلس نفسه قبل أن يقوم منه‪ ،‬بحيث تكون خاتمة المجلس‪.‬‬
‫الذكر بختم المجلس ا َّلذي كثر فيه ال َّلغط‪ ،‬بل يتناول َّ‬
‫كل‬ ‫يختص هذا ِّ‬
‫ُّ‬ ‫وال‬
‫أن‬‫صح من حديث جبير بن مطعم ‪َّ I‬‬ ‫الذكر؛ لما َّ‬ ‫مجلس‪ ،‬حتَّى مجالس ِّ‬
‫َك ال َّل ُه َّم َوبِ َح ْم ِد َك‪،‬‬ ‫ان اهلل ِ َوبِ َح ْم ِد ِه‪ُ ،‬س ْب َحان َ‬ ‫«م ْن َق َال‪ُ :‬س ْب َح َ‬ ‫رسول اهلل ﷺ قال‪َ :‬‬
‫َت كَال َّطا َب ِع‬ ‫س ِذ ْكرٍ؛ كَان ْ‬ ‫ك‪َ ،‬ف َقا َل َها فِي َم ْج ِل ِ‬ ‫ُوب إِ َل ْي َ‬ ‫ِ‬
‫ْت‪َ ،‬أ ْس َتغْف ُر َك َو َأت ُ‬ ‫َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫َّسائي(‪.)1‬‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫رواه‬ ‫»‪.‬‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ار‬
‫َ‬ ‫َت َك َّ‬
‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫َا‬‫ك‬ ‫س َلغ ٍ‬
‫ْو‬ ‫ُي ْط َب ُع َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َم ْن َقا َل َها فِي َم ْج ِل ِ‬
‫ُّ‬
‫َان إِ َذا َج َل َس َم ْجلِ ًسا َأ ْو‬ ‫ول اهللِ ﷺ ك َ‬ ‫إن َر ُس َ‬ ‫وعن عائشة ‪ J‬قالت‪َّ :‬‬
‫َان‬ ‫ات‪َ ،‬ف َق َال‪« :‬إِ ْن َت َك َّل َم بِخَ ْيرٍ ك َ‬ ‫ات‪َ ،‬فس َأ َل ْته َعائِ َش ُة َع ِن ا ْل َكلِم ِ‬ ‫ص َّلى َت َك َّلم بِ َكلِم ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َك‬ ‫«س ْب َحان َ‬ ‫َان َك َّف َار ًة له؛ ُ‬‫كك َ‬ ‫َطابِ ًعا َع َل ْي ِه َّن إِ َلى َي ْو ِم ا ْل ِق َي َام ِة‪َ ،‬وإِ ْن َت َك َّل َم بِ َغ ْيرِ َذلِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّسائي(‪.)2‬‬
‫ك»‪ .‬رواه الن ُّ‬ ‫ُوب إِ َل ْي َ‬ ‫ال َّل ُه َّم َوبِ َح ْمد َك‪َ ،‬أ ْس َتغْف ُر َك َو َأت ُ‬
‫جمع ثالث‬ ‫ْت»‪َ ،‬‬ ‫َك ال َّل ُه َّم َوبِ َح ْم ِد َك‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬ ‫«س ْب َحان َ‬ ‫قوله‪ُ :‬‬
‫أحب الكالم إلى اهلل‪« :‬التَّسبيح»‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫كلمات من الكلمات األربع ا َّلتي هي‬
‫و«التَّحميد»‪ ،‬و«التَّهليل»‪ .‬ثم أتبع ذلك باالستغفار‪ِ َ :‬‬
‫ك»‪،‬‬ ‫«أ ْس َتغْف ُر َك َو َأت ُ‬
‫ُوب إِ َل ْي َ‬ ‫َّ‬
‫علي‪.‬‬
‫أي‪ :‬أطلب منك يا اهلل أن تغفر لي وتتوب َّ‬
‫الصغائر‪ ،‬أ َّما الكبائر‬ ‫َان فِي َم ْج ِل ِس ِه َذلِ َ‬
‫ك»‪ ،‬أي‪ :‬من َّ‬ ‫قوله‪« :‬إِ َّل ُغ ِف َر َل ُه َما ك َ‬
‫فقد د َّلت عموم النُّصوص أنَّه ال بدَّ فيها من توبة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾ [النِّساء‪:‬‬
‫وات ا ْلخَ ْم ُس‪َ ،‬وا ْل ُجم َع ُة إِ َلى ا ْل ُجم َع ِة‪َ ،‬ك َّف َار ٌة لِ َما‬
‫«الص َل ُ‬
‫َّ‬ ‫‪ ،]31‬وقال ﷺ‪:‬‬

‫وصححه األلبانِ ُّي يف صحيح الجامع (‪.)6430‬‬


‫َّ‬ ‫َّسائي يف الكربى (‪،)10185‬‬
‫(((  رواه الن ُّ‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّسائي (‪،)1344‬‬
‫(((  رواه الن ُّ‬
‫‪631‬‬ ‫‪ -103‬كفَّارة املجلس‬
‫الصلوات الخمس أعظم من ِ‬
‫قول‪:‬‬ ‫أن َّ‬ ‫َب ْين َُه َّن‪َ ،‬ما َل ْم ُتغ َْش ا ْل َك َبائِ ُر»(‪ ،)1‬ومعلوم َّ‬
‫ِ‬ ‫َك ال َّل ُه َّم َوبِ َح ْم ِد َك‪َ ،‬أ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل َأن َ‬
‫ك»‪،‬‬ ‫ْت‪َ ،‬أ ْس َتغْف ُر َك َو َأت ُ‬
‫ُوب إِ َل ْي َ‬ ‫«س ْب َحان َ‬
‫ُ‬
‫الصالة‪ :‬التَّسبيح‪ ،‬والتَّكبير‪ ،‬والتَّهليل‪،‬‬ ‫بل جميع هذه الكلمات موجودة يف َّ‬
‫«ما َل ْم ُتغ َْش ا ْل َك َبائِ ُر»‪.‬‬ ‫واالستغفار‪ .‬ومع هذا قال ﷺ‪َ :‬‬
‫‪-‬غيبة ونميمة وسخرية‬ ‫وإذا كان المجلس فيه كالم يف أعراض المسلمين ِ‬
‫ونحو ذلك‪ -‬فهذه حقوق للعباد؛ ال يكفي فيها هذا ِّ‬
‫الذكر أن يقوله المرء ويظ َّن‬
‫أن هذه الحقوق سقطت! فهي ال تسقط َّإل بالعفو والمسامحة منهم‪.‬‬ ‫بذلك َّ‬
‫ستحب‬
‫ُّ‬ ‫هذا وقد استنبط بعض أهل العلم الدَّ ليل على هذه الك َّفارة ا َّلتي ُت‬
‫طور‪﴿ :‬ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ‬ ‫يف هناية المجلس من قول اهلل سبحانه يف آخر سورة ال ُّ‬
‫«وروي عن جماعة من أهل العلم‬ ‫ﰉ﴾ [ال ُّطور‪ .]48 :‬قال ابن عبد الربِّ ‪ُ :V‬‬
‫بتأويل القرآن يف قول اهلل ‪﴿ :D‬ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ﴾‪ ،‬منهم مجاهد وأبو‬
‫حانك‬ ‫َ‬ ‫كل مجلس تقول‪ُ :‬س ْب‬ ‫األحوص ويحيى بن جعدة‪ ،‬قالوا‪ :‬حين تقوم من ِّ‬
‫ِ‬
‫وب إليك‪ ،‬قالوا‪ :‬و َمن قا َلها ُغفر له ما كان منه يف‬ ‫رك و َأ ُت ُ‬ ‫أستغف َ‬ ‫وبح ْم َ‬
‫دك‬ ‫ال َّل ُه َّم َ‬
‫ازددت إحسانًا‪ ،‬وإن كان غير ذلك‬ ‫َ‬ ‫أحسنت‬
‫َ‬ ‫كنت‬
‫المجلس‪ ،‬وقال عطاء‪ :‬إن َ‬
‫كان ك َّفار ًة لك»(‪.)2‬‬
‫ون ِم ْن‬
‫وم َ‬ ‫ِ‬
‫«ما م ْن َق ْو ٍم َي ُق ُ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫َو َع ْن أبي هريرة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َان َل ُه ْم َح ْس َرةً»‪.‬‬ ‫ار‪َ ،‬وك َ‬ ‫ون اهَّللَ فِ ِيه إِ َّل َق ُاموا َع ْن ِم ْث ِل ِجي َف ِة ِح َم ٍ‬ ‫َم ْج ِل ٍ‬
‫س َل َي ْذك ُُر َ‬
‫رواه أبو داود(‪.)3‬‬
‫نصيب من ذكر اهلل‪ ،‬ولهذا جاء يف هذا‬
‫ٌ‬ ‫األصل يف المجالس أن يكون فيها‬

‫(((  رواه مسلم (‪.)233‬‬


‫(((  انظر‪ :‬هبجة المجالس (ص‪.)5‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)4855‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪632‬‬

‫أن َمن قاموا من مجلس لم يذكروا اسم اهلل فيه َّإل كان ندام ًة عليهم‬ ‫الحديث َّ‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫أن ا َّلذين يقومون عن‬ ‫ار»‪ ،‬من المعلوم َّ‬ ‫قوله‪« :‬إِ َّل َق ُاموا َع ْن ِم ْث ِل ِجي َف ِة ِح َم ٍ‬
‫الروائح الكريهة‬ ‫حصلون يف مجلسهم ذلك َّإل َّ‬ ‫مجلس فيه جيفة حمار ال ُي ِّ‬ ‫ٍ‬
‫والمنظر القبيح‪ ،‬وال يقومون َّإل بندامة من جلوسهم يف ذلك المجلس‪ ،‬آذهتم‬
‫الرائحة وآذاهم ذلك المنظر‪.‬‬ ‫تلك َّ‬
‫س َحتَّى‬ ‫ول اهللِ ﷺ َي ُقو ُم مِ ْن َم ْجلِ ٍ‬ ‫َان َر ُس ُ‬ ‫َو َع ْن ا ْب ِن ُع َم َر ‪َ L‬ق َال‪َ :‬ق َّل َما ك َ‬
‫ك َما َي ُح ُ‬
‫ول َب ْي َننَا‬ ‫ات ألَ ْص َحابِ ِه‪« :‬ال َّل ُه َّم ا ْق ِس ْم َلنَا ِم ْن َخ ْش َيتِ َ‬ ‫يدْ ُعو بِه ُؤ َل ِء الدَّ َعو ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ين َما ت َُه ِّو ُن بِ ِه َع َل ْينَا‬
‫َك‪َ ،‬و ِم َن ا ْل َي ِق ِ‬ ‫ك َما ُت َب ِّل ُغنَا بِ ِه َج َّنت َ‬
‫يك‪َ ،‬و ِم ْن َطا َعتِ َ‬ ‫اص َ‬ ‫وبين مع ِ‬
‫َ َْ َ َ َ‬
‫اج َع ْل ُه ا ْل َو ِار َ‬ ‫ِ‬ ‫اعنَا َو َأ ْب َص ِ‬ ‫ات الدُّ ْنيا‪ ،‬وم ِّتعنَا بِ َأسم ِ‬ ‫م ِصيب ِ‬
‫ث‬ ‫ارنَا َو ُق َّوتنَا َما َأ ْح َي ْي َتنَا‪َ ،‬و ْ‬ ‫َ ََ ْ ْ َ‬ ‫ُ َ‬
‫اج َع ْل َث ْأ َرنَا َع َلى َم ْن َظ َل َمنَا‪َ ،‬وان ُْص ْرنَا َع َلى َم ْن َعا َدانَا‪َ ،‬و َل ت َْج َع ْل ُم ِصي َب َتنَا‬ ‫ِ‬
‫منَّا‪َ ،‬و ْ‬
‫فِي ِدينِنَا‪َ ،‬و َل ت َْج َع ِل الدُّ ْن َيا َأ ْك َب َر َه ِّمنَا‪َ ،‬و َل َم ْب َلغَ ِع ْل ِمنَا‪َ ،‬و َل ت َُس ِّل ْط َع َل ْينَا َم ْن َل‬
‫ِّرمذي(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫َي ْر َح ُمنَا»‪ .‬رواه الت‬
‫َّبي ﷺ يختم‬ ‫دعوات عظيمات جمعت خيري الدُّ نيا واآلخرة كان الن ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫هذه‬
‫هبا مجالسه‪.‬‬
‫ك»‪ ،‬أي‪ُ :‬م َّن علينا بخشية منك تكون‬ ‫قوله‪« :‬ال َّل ُه َّم ا ْق ِس ْم َلنَا ِم ْن َخ ْش َيتِ َ‬
‫وحائل بيننا وبين فعل المعاصي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حاجزا‬
‫ً‬
‫الجنَّة ال يبلغها العبد َّإل‬
‫أن َ‬‫ك»‪ ،‬فيه َّ‬ ‫ك َما ُت َب ِّل ُغنَا بِ ِه َجنَّتِ َ‬
‫«و ِم ْن َطا َعتِ َ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫بطاعة اهلل‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫«و ِم َن ال َي ِق ِ‬
‫ين َما ت َُه ِّو ُن بِه َع َل ْينَا َم َصائ َ‬
‫ب الدُّ ْن َيا»‪ ،‬أي‪ :‬اجعل يف قلوبنا‬ ‫قوله‪َ :‬‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3502‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
4'-
r1 .o x ,;)x
. . .h.r
*
. J1ru I3i
.J t<.
*.= .+-1hau' u:=''
t> ''.:xy
C'hha>
' .t.
.0 I.:?
J.t>..J'Il'i.J tu-:L '
uQ
.
.hu.=u c wap ww haw hg wx l
' xo o r -. 1x...J.â- 1I t v. of1- 1x.-1- oê
1 Iïo:*- ; :7 ' . 1 -
-= - . I ttlï-v. 11
v X = h-''''Y 'kx Q'<e -'+?W..XJ WJVVXJ'JCW 'W'-'Q '* &
,
117'O 13
o 'J 5 ' .
J
ùx.+.= 1
. u,. ô usiw , .< ox.uz qmxsw e
o'l. p .
J f p J
' .
'.''Al/1'u.& ....5Iw.'AJta Ia.
ow l'o Y.iC+'''SNJ q.w w ..F1
:.0 pzW'I&' 'C
''=
.Y'I
'
,...up., . i . o . : .k f o '
i I
z,a $.
. IQu.xz.u-5ral''
- ov.2.5I
$tu
.-wfhw
'ov kaIu.
vl'
I,Gï$.
idv...c...w-$

'

z=.:IJùxxw=*1jp.I.
..Lo%j'jôao
' o=
*
..
*o'j.
.0-ju(
. ((.:
,
.wxu!'#
'!d
x
ut'
vx
'*w
..1.-9)..ov1vza
.
-
. .
'
1. .
'' 1. '
.. ..... ...1
.
.w kwmphuo a ,JI xi ozxplz
* O
I1 .L . O v ö - vv e* Co v H vv ö v - e *ï *
cuJLl.k> fLA.!v
-lb; ot.
p k.'
zee t;.,..ma'1.J '< ' '*/-
$ t;J<t, - 1.e
Jh
l' '=-
.AJ '
'
.ph-tpxjrj= <
I.o .
I..r= =.j, uI I,.w'...
ouw.o -wo

auap e-tphJ <.x. wz . .a . -a


w .+Jh.25 ttt. % *) .ovza
& 1 11
'

s . .! .. ok.; o!
;
bIca' e.'
s w.-çI'uJ.:.
5l . . -5r'ur'
.*fbqf(..
v 4
T.<
.V'-'1L'.kl! -*J%J
<)'0'='
'. -
o. 'lo
.
Q1@ol5r?'Nr9qp
,o ',- 1 ..I :I *.'1 I, .
, ''
)o
..wxw. b.9)vhv..-o =j ,.l5rI'
t.. J
r
..-
. ''
aooI .wfq$Iz
.
.<+> ..s .
$a ,;u
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪634‬‬

‫‪103‬‬

‫ما ُيقال عند الغضب‬

‫أمر ٍ‬
‫مؤذ يتو َّقع‬ ‫‪ ‬الغضب‪ :‬هو غليان دم القلب وازدياد خفقانه طل ًبا لدفع ٍ‬
‫ممن حصل منه األذى‪ ،‬ويفضي يف الغالب‬‫اإلنسان حصوله‪ ،‬أو طلب االنتقام َّ‬
‫وخاصة عند اشتداده‪ ،‬فال يملك‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫أفعال شنيعة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫أقوال س ِّيئة وإلى‬ ‫باإلنسان إلى‬
‫ب والفحش والبذاء‪،‬‬ ‫كثير من النَّاس زمام نفسه حينئذ؛ فينطلق ال ِّلسان َّ‬
‫بالس ِّ‬
‫والضرب والعدوان‪ .‬وهو من الخصال َّ‬
‫الذميمة‬ ‫َّ‬ ‫وتنطلق الجوارح بالبطش‬
‫ا َّلتي جاء اإلسالم بالنَّهي عنها‪.‬‬
‫ب»‪،‬‬ ‫«ل َتغ َْض ْ‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬أ َّن َر ُج ًل َق َال لِلنَّبِ ِّي ﷺ َأ ْو ِصنِي‪َ ،‬ق َال‪َ :‬‬
‫البخاري(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫ب»‪ .‬رواه‬ ‫«ل َتغ َْض ْ‬‫َف َر َّد َد مِ َر ًارا َق َال َ‬
‫اب النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪َ :‬ق َال‬‫الر ْح َم ِن َع ْن َر ُج ٍل مِ ْن َأ ْص َح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫و َع ْن ُح َم ْيد ْب ِن َع ْبد َّ‬
‫الر ُج ُل‪َ « :‬ف َفك َّْر ُت‬
‫ب»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال َّ‬‫«ل َتغ َْض ْ‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬أ ْو ِصنِي؟ َق َال‪َ :‬‬ ‫َر ُج ٌل‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ِ‬
‫الش َّر ُك َّل ُه»‪ .‬رواه أحمد(‪.)2‬‬ ‫ب َي ْج َم ُع َّ‬‫ين َق َال النَّبِ ُّي ﷺ َما َق َال‪َ ،‬فإِ َذا ا ْلغ ََض ُ‬ ‫ح َ‬
‫ٍ‬
‫وأعمال شنيعة‪،‬‬ ‫وتأمل ما يجنيه الغضب على المرء من تصر ٍ‬
‫فات هوجاء‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫وأقوال بذيئة يندم المرء على فعلها غاية النَّدم عند ذهاب غضبه عنه‪ ،‬ألنَّه حال‬
‫ثم بعد انتهاء غضبه يندم‪،‬‬ ‫تصر ًفا يشبه فيه ُّ‬
‫تصرف من به جنون‪َّ ،‬‬ ‫يتصرف ُّ‬
‫َّ‬ ‫غضبه‬

‫البخاري (‪.)6116‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫وصححه االلباينُّ يف صحيح التَّرغيب والتَّرهيب (‪.)2746‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)23171‬‬
‫‪635‬‬ ‫‪ -104‬ما ُيقال عند الغضب‬
‫ُون‪ ،‬و ِ‬
‫آخ ُر ُه نَدَ ٌم»(‪.)1‬‬ ‫«أو ُل ُه ُجن ٌ َ‬ ‫ولهذا قيل ‪-‬يف وصف الغضب‪َّ :-‬‬
‫ِ‬
‫ب َي ْج َم ُع‬ ‫ين َق َال النَّبِ ُّي ﷺ َما َق َال‪َ ،‬فإِ َذا ا ْلغ ََض ُ‬‫حابي‪َ « :‬ف َفك َّْر ُت ح َ‬
‫الص ِّ‬ ‫وقول َّ‬
‫الشر‪ ،‬قال جعفر بن محمد‪« :‬الغ ََض ِ‬ ‫الش َّر ُك َّل ُه»؛ يفيد َّ‬
‫ب م ْفت ُ‬
‫َاح‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫أن الغضب جماع َّ ِّ‬ ‫َّ‬
‫ك ُِّل َش ٍّر»‪ .‬وقيل ‪-‬البن المبارك‪ :-‬اجمع لنا حسن الخلق يف كلمة‪ ،‬قال‪« :‬ت َْر ُك‬
‫ب» من جماع الوصايا وأنفعها‬ ‫«ل َتغ َْض ْ‬ ‫ب»(‪ .)2‬ولهذا ُتعدُّ هذه الوص َّية‪َ :‬‬ ‫الغ ََض ِ‬
‫يف باب األخالق‪.‬‬
‫الوصية بأمرين عظيمين َّ‬
‫البد منهما‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫يتضمن‬ ‫‪ ‬قال أهل العلم‪ :‬وهذا‬
‫يدرب المسلم نفسه على األخالق الفاضلة واآلداب الحسنة‬
‫األول‪ :‬أن ِّ‬
‫َّ‬
‫الصرب‪ ،‬والحلم‪ ،‬واألناة‪ ،‬والبعد عن العجلة إلى غير ذلك من األخالق‪،‬‬
‫من َّ‬
‫بحيث إذا ورد عليه وارد الغضب تل َّقاه بجميل ُخلقه وعظيم أدبه ُ‬
‫وحسن‬
‫حلمه وطيب صربه‪.‬‬
‫َّ‬
‫واألمر الثاني‪ :‬أنَّه عند وقوع الغضب؛ عليه أن يملك نفسه‪ ،‬فال يندفع وقت‬
‫غضبه إلى ٍ‬
‫قول ال ُيحمد أو فع ٍل ال يليق‪ ،‬بل عليه أن يملك نفسه يف أقواله‬
‫وأفعاله عند غضبه‪ ،‬فال يقول كلم ًة وال يفعل شي ًئا حتَّى تنطفأ جمرة الغضب‪.‬‬

‫«ل َت ْغ َض ْ‬
‫ب»‬ ‫لمن استوصاه‪َ :‬‬
‫قال الحافظ ابن رجب ‪« :V‬فقوله ﷺ َ‬
‫يحتمل أمرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن يكون مراده األمر باألسباب ا َّلتي توجب حسن الخلق من‬
‫وكف األذى‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫والسخاء‪ ،‬والحلم‪ ،‬والحياء والتواضع‪ ،‬واالحتمال‬ ‫َّ‬ ‫الكرم‬
‫والصفح والعفو‪ ،‬وكظم الغيظ‪ ،‬وال َّطالقة والبِشر‪ ،‬ونحو ذلك من األخالق‬
‫َّ‬
‫(((  انظر‪ :‬المنهج المسلوك يف سياسة الملوك (ص‪.)404‬‬
‫(((  ذكره ابن رجب يف جامع العلوم والحكم (‪.)363/1‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪636‬‬

‫فإن النَّفس إذا تخ َّلقت هبذه األخالق وصارت لها عادة‪ ،‬أوجب لها‬
‫الجميلة؛ َّ‬
‫ذلك دفع الغضب عند حصول أسبابه‪.‬‬
‫َّ‬
‫والثاني‪ :‬أن يكون المراد‪ :‬ال َتعمل بمقتضى الغضب إذا حصل لك‪ ،‬بل‬
‫جاهد نفسك على ترك تنفيذه والعمل بما يأمر به‪َّ ،‬‬
‫فإن الغضب إذا ملك ابن‬
‫آدم كان كاآلمِر والنَّاهي له‪ ،‬ولهذا المعنى قال اهلل ‪﴿ :D‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭ﴾ [األعراف‪ ،]154 :‬فإذا لم يمتثل اإلنسان ما يأمره به غضبه وجاهد‬
‫ً‬
‫عاجل‪،‬‬ ‫شر الغضب‪ ،‬ور َّبما سكن غضبه وذهب‬
‫نفسه على ذلك‪ ،‬اندفع عنه ُّ‬
‫فكأنَّه حينئذ لم يغضب‪ ،‬وإلى هذا المعنى وقعت اإلشارة يف القرآن بقوله‬
‫الشورى‪ ،]37 :‬وبقوله ‪﴿ :D‬ﭣ‬
‫‪﴿ :D‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [ ُّ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [آل عمران‪.)1(»]134 :‬‬
‫الشيطان له‬ ‫الرجيم؛ َّ‬
‫ألن َّ‬ ‫يتعوذ باهلل من َّ‬
‫الشيطان َّ‬ ‫وعليه يف هذا المقام أن َّ‬
‫ٌ‬
‫ودخول على اإلنسان وقت غضبه يدفعه إلى األفعال َّ‬
‫الشنيعة‬ ‫نز ٌغ عجيب‬
‫واألقوال الفظيعة؛ َّ‬
‫ألن الغضب من نزغ َّ‬
‫الشيطان‪ ،‬واهلل يقول‪﴿ :‬ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫فمن حصل له الغضب ينبغي له أن يبادر‬‫فصلت‪]36 :‬؛ َ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ﴾ [ ِّ‬
‫الشيطان يتم َّكن من اإلنسان‬ ‫الشيطان؛ َّ‬
‫ألن َّ‬ ‫إلى االستعاذة باهلل ‪ E‬من َّ‬
‫ب واألذى وال ُّظلم والبغي‪ ،‬فإذا‬ ‫حال الغضب تم ُّكنًا عجي ًبا فيدفعه إلى َّ‬
‫الس ِّ‬
‫ووقي وكُفي بإذن اهلل ‪.E‬‬
‫استعاذ المسلم باهلل ُحفظ ُ‬
‫َب َر ُج َل ِن ِعنْدَ النَّبِ ِّي ﷺ َون َْح ُن‬ ‫ان ْب ِن ُص َرد ‪َ I‬ق َال‪ْ :‬‬
‫است َّ‬
‫ٍ‬ ‫َع ْن ُس َل ْي َم َ‬
‫اح َم َّر َو ْج ُه ُه‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ﷺ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َصاح َب ُه ُم ْغ َض ًبا َقد ْ‬ ‫وس‪َ ،‬و َأ َحدُ ُه َما َي ُس ُّ‬ ‫عنْدَ ُه ُج ُل ٌ‬
‫ان‬ ‫جدُ ‪َ ،‬ل ْو َق َال‪َ :‬أ ُعو ُذ بِاهلل ِ ِم َن َّ‬
‫الش ْي َط ِ‬ ‫ب َعنْ ُه َما َي ِ‬ ‫ِ‬
‫«إِنِّي َلَ ْع َل ُم كَل َم ًة َل ْو َقا َل َها َل َذ َه َ‬

‫(((  انظر‪ :‬جامع العلوم والحكم (‪.)363/1‬‬


‫‪637‬‬ ‫‪ -104‬ما ُيقال عند الغضب‬
‫الر ِجيمِ»‪َ ،‬ف َقا ُلوا ل ِ َّلر ُجلِ‪َ :‬أ َل َت ْس َم ُع َما َي ُق ُ‬
‫ول النَّبِ ُّي ﷺ؟ َق َال‪« :‬إِنِّي َل ْس ُت‬ ‫َّ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬ ‫ُون»‪ .‬رواه‬ ‫بِمجن ٍ‬
‫ُّ‬ ‫َ ْ‬
‫فالمسلم ينبغي عليه عند الغضب أن يبادر لالستعاذة باهلل من َّ‬
‫الشيطان‬
‫أيضا أن ال يتك َّلم بغير االستعاذة؛ يستعيذ ويكتفي هبا حتَّى‬
‫الرجيم‪ ،‬وعليه ً‬
‫َّ‬
‫يهدأ ويسكن غضبه‪.‬‬
‫الشي َط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يه‌ َأ َّن‌ا ْل َغ َض ِ‬ ‫قال النَّووي ‪‌« :V‬فِ ِ‬
‫ان‬ ‫ب‌في َغ ْي ِر اهَّلل َت َعا َلى م ْن ن َْز ِغ َّ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫الشي َط ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ب َأ ْن َي ْست َِع َ‬ ‫و َأ َّنه ينْب ِغي لِص ِ‬
‫ان‬ ‫ول‪َ :‬أ ُعو ُذ بِ َاهَّلل م َن َّ ْ‬ ‫يذ‪َ ،‬ف َي ُق َ‬ ‫ب ا ْل َغ َض ِ‬ ‫اح ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ‬
‫الر ُج ِل ا َّل ِذي ْاشتَدَّ َغ َض ُب ُه‪:‬‬ ‫ب‪َ .‬و َأ َّما َق ْو ُل َه َذا َّ‬
‫ب ل ِ َز َو ِ‬
‫ال ا ْل َغ َض ِ‬ ‫الر ِج ِ‬
‫يم‪َ ،‬و َأ َّن ُه َس َب ٌ‬ ‫َّ‬
‫ين اهَّللِ َت َعا َلى َو َل ْم َيت ََه َّذ ْب‬ ‫ُون؟ َف ُه َو ك ََل ُم َم ْن َل ْم ُي َف َّق ْه فِي ِد ِ‬ ‫َه ْل َترى بِي مِن جن ٍ‬
‫ْ ُ‬ ‫َ‬
‫الش ِريع ِة ا ْلم َكرم ِة‪ ،‬و َتو َّهم َأ َّن ِالستِعا َذ َة م ْختَص ٌة بِا ْلمجن ِ‬
‫ُون‪َ ،‬و َل ْم َي ْع َل ْم‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َ ُ َّ‬ ‫بِ َأن َْو ِار َّ َ ُ َّ َ َ َ َ‬
‫ال َحال ِ ِه‬ ‫ان َع ِن ا ْعتِدَ ِ‬ ‫ان؛ َول ِ َه َذا َي ْخر ُج بِ ِه ْ ِ‬
‫الن َْس ُ‬ ‫ُ‬
‫الشي َط ِ‬ ‫ِ‬
‫ب م ْن ن ََز َغات َّ ْ‬
‫َأ َّن ا ْل َغ َض ِ‬
‫َ‬
‫ح ْقدَ َوا ْل ُب ْغ َض َو َغ ْي َر َذل ِ َك مِ َن ا ْل َق َبائِحِ‬ ‫وي َت َك َّلم بِا ْلباطِ ِل وي ْفع ُل ا ْلم ْذموم وين ِْوي ا ْل ِ‬
‫َ ُ َ ََ‬ ‫ََ َ‬ ‫ََ ُ َ‬
‫ب‪َ ،‬ول ِ َه َذا َق َال النَّبِ ُّي ﷺ ‪-‬ل َّل ِذي َق َال َل ُه َأ ْو ِصنِي‪َ :-‬ل‬ ‫ا ْل ُمت ََر ِّت َب ِة َع َلى ا ْل َغ َض ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َم َع‬ ‫ب‪َ .‬ف َل ْم َي ِز ْد ُه في ا ْل َوص َّية َع َلى َل َت ْغ َض ْ‬ ‫ب‪َ ،‬ف َر َّد َد م َر ًارا‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ل َت ْغ َض ْ‬ ‫َت ْغ َض ْ‬
‫ب َو َما َين َْش ُأ مِنْ ُه»(‪.)2‬‬ ‫اه ٌر فِي ِع َظ ِم َم ْف َسدَ ِة ا ْل َغ َض ِ‬ ‫َت ْكر ِار ِه ال َّط َلب‪ ،‬و َه َذا دل ِ ٌيل َظ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫َّبي ﷺ الغضبان‬ ‫ً‬
‫والكالم وقت الغضب ال يكون منضبطا‪ ،‬ولهذا أرشد الن ُّ‬
‫قائما أن يجلس‪ ،‬وإن كان‬
‫وأيضا أرشده إن كان ً‬
‫السكوت وقت الغضب‪ً ،‬‬
‫إلى ُّ‬
‫جالسا أن يضطجع؛ ألنَّه إذا تباعد بالجلوس أو االضطجاع فإنَّه بإذن اهلل‬
‫ً‬
‫يسلم‪.‬‬
‫‪ْ E‬‬
‫البخاري (‪ ،)6115‬ومسلم (‪.)2610‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫َّووي على مسلم (‪.)163/16‬‬
‫(((  انظر‪ :‬شرح الن ِّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪638‬‬
‫َّ‬ ‫َّ َّ‬
‫بي ﷺ إلى هذين األمرين العظيمين‪ ،‬وعلى املسلم أن يتحلى‬ ‫الن ُّ‬ ‫‪ ‬وقد وجه‬
‫بهما حال غضبه‪:‬‬
‫َّبي‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫األول‪ :‬ففي المسند لإلمام أحمد عن ابن ع َّباس ‪َّ L‬‬
‫أن‬ ‫‪َّ -‬أما َّ‬
‫َّ‬
‫ب َأ َحدُ ك ُْم َف ْل َي ْسك ْ‬ ‫ِ‬
‫ُت»(‪ ،)1‬أي‪ :‬يمنع نفسه من الكالم حال‬ ‫ﷺ قال‪« :‬إِ َذا َغض َ‬
‫الغضب؛ ألنَّه إن تك َّلم وهو غضبان سيتك َّلم بما ال َيحمد عاقبته‪ ،‬ألنَّه وقت‬
‫لعن وشتم وبذاء‪ ،‬فعليه أن يمسك عن الكالم‬ ‫الغضب قد يقول كال ًما س ِّي ًئا من ٍ‬
‫فال يتك َّلم وال بكلمة واحدة حال غضبه؛ ألنَّه يف تلك الحال ال يدرك ما يقول‬
‫وال يعي ما يتك َّلم به‪ ،‬فإذا امتنع عن الكالم حتَّى هتدأ جمرة الغضب وتطفأ‬
‫شدَّ ته فحينئذ سيكون الكالم سديدً ا وتكون العاقبة حميدة‪.‬‬
‫َّ َّ‬
‫َّبي ﷺ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ذر ‪َّ I‬‬
‫أن‬ ‫ٍّ‬ ‫أبي‬ ‫عن‬ ‫داود‬ ‫وأبي‬ ‫المسند‬ ‫ففي‬ ‫اني‪:‬‬ ‫الث‬ ‫وأما‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َوإِ َّل‬ ‫ب َعنْ ُه ا ْلغ ََض ُ‬ ‫ب َأ َحدُ ك ُْم َو ُه َو َقائ ٌم َف ْل َي ْجل ْس‪َ ،‬فإِ ْن َذ َه َ‬ ‫قال‪« :‬إِ َذا َغض َ‬
‫ج ْع»(‪ ،)2‬فعندما يكون اإلنسان يف شدَّ ة غضبه وهو قائم‪ ،‬و َمن أغضبه‬ ‫َف ْل َي ْض َط ِ‬
‫أمامه قري ًبا منه‪ ،‬ر َّبما ال يملك نفسه من اإلضرار به‪ ،‬فإذا تباعد عنه بالجلوس‬
‫أكثر سكونًا وأهد ُأ للنَّفس‪.‬‬ ‫سكن غضبه‪ ،‬وإن احتاج إلى أن يضطجع ف َعل؛ فإنَّه ُ‬
‫يتصرف بما يملي‬ ‫َّ‬ ‫أن الغضبان حال الغضب ال ينبغي له أن‬ ‫والحاصل َّ‬
‫القوة أن‬ ‫فعل حتَّى تنطفأ جمرة الغضب‪ ،‬وهذه حقيقة َّ‬ ‫قول وال ً‬ ‫عليه غضبه ال ً‬
‫يملك المرء نفسه عند غضبه‪.‬‬
‫الص َر َع ِة إِن ََّما‬ ‫ول اهَّللِ ﷺ َق َال‪َ « :‬ليس َّ ِ‬
‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬أ َّن َر ُس َ‬
‫الشديدُ بِ ُّ‬ ‫ْ َ‬
‫ب»‪ .‬متَّفق عليه(‪.)3‬‬ ‫ك َن ْف َس ُه ِعنْدَ ا ْلغ ََض ِ‬
‫الش ِديدُ ا َّل ِذي َي ْم ِل ُ‬
‫َّ‬

‫الصحيحة (‪.)1375‬‬ ‫السلسلة َّ‬


‫وصححه األلباينُّ يف ِّ‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)2136‬‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)21348‬وأبو داود (‪،)4782‬‬
‫البخاري (‪ ،)6114‬ومسلم (‪.)2609‬‬
‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫‪639‬‬ ‫‪ -104‬ما ُيقال عند الغضب‬

‫الصرعة هو‬ ‫أن ُّ‬ ‫الص َر َع ِة»‪ ،‬المعروف عند النَّاس َّ‬ ‫قوله ﷺ‪َ « :‬ليس َّ ِ‬
‫الشديدُ بِ ُّ‬ ‫ْ َ‬
‫والقوة‬
‫َّ‬ ‫الشدَّ ة‬‫أن ِّ‬‫القوي ا َّلذي يصرع النَّاس‪ ،‬فأراد النَّبي ﷺ أن ُين ِّبههم‪َّ :‬‬ ‫ُّ‬ ‫الشديد‬ ‫َّ‬
‫ُّ‬
‫ح ًّقا ليست هي هذه‪ ،‬وإنَّما هي أن يملك اإلنسان نفسه عند الغضب‪.‬‬
‫«ما ِم ْن ُج ْر َع ٍة َأ ْع َظ ُم َأ ْج ًرا‬ ‫وع ِن اب ِن عمر ‪َ L‬ق َال‪َ :‬ق َال رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ ُ ََ‬
‫ظ َك َظ َم َها َع ْبدٌ ا ْبتِغَا َء َو ْج ِه اهَّللِ»‪ .‬رواه ابن ماجه(‪.)1‬‬ ‫ِعنْدَ اهلل ِ ِمن جرع ِة َغي ٍ‬
‫ْ ُْ َ ْ‬
‫يتجرعها‬ ‫ٍ‬
‫جرعة‬ ‫وأن أفضل‬ ‫حث النَّبي ﷺ على كظم الغيظ‪َّ ،‬‬ ‫وهذا فيه ُّ‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫العبد‪ ،‬وأعظمها ثوا ًبا‪ ،‬وأرفعها درجةً‪ ،‬أن يحبس المرء نفسه من التَّش ِّفي‬
‫جل يف عاله‪.‬‬ ‫واالنتقام؛ قاصدً ا سالمة دينه ونيل ثواب ر ِّبه َّ‬
‫ك ‪َ I‬ع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪« :‬الت ََّأنِّي ِم َن اهللِ‪َ ،‬وا ْل َع َج َل ُة ِم َن‬ ‫َس ب ِن مالِ ٍ‬
‫و َع ْن َأن ِ ْ َ‬
‫ان»‪ .‬رواه أبو يعلى يف مسنده(‪.)2‬‬ ‫الش ْي َط ِ‬‫َّ‬
‫مما يرضاه ويثيب عليه ‪.C‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قوله‪« :‬التَّأنِّي م َن اهلل»‪ ،‬أي‪َّ :‬‬
‫ان»‪ ،‬أي‪ :‬هو الحامل عليها بوسوسته؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫«وال َع َج َل ُة ِم َن َّ‬
‫الش ْي َط ِ‬ ‫قوله‪َ :‬‬
‫العجلة تمنع من التَّث ُّبت والنَّظر يف العواقب‪.‬‬
‫النظر‬
‫خاصة العقل ُ‬ ‫أن َّ‬ ‫نظر يف العواقب والمآالت؛ وذلك َّ‬ ‫وأهل األناة أهل ٍ‬
‫يف العواقب‪ ،‬وأ َّما أهل العجلة فإنَّهم يندفعون اندفا ًعا بال تع ُّق ٍل وال تأ َّم ٍل يف‬
‫رة من فخار ُوضعت‬ ‫فإن م َثل النَّفس يف عجلتها وطيشها ك ُك ٍ‬
‫العواقب؛ ولهذا َّ‬
‫على منحدر أملس فال تزال متدحرج ًة وال ُيدرى يف مآل أمرها وهناية حالها‬
‫بأي شيء ترتطم! فكم هي تلك المآالت المؤسفة والنِّهايات المحزنة ا َّلتي‬
‫ِّ‬
‫يؤول إليها أمر أهل العجلة وال َّطيش َّ‬
‫ممن ال يتأ َّملون يف العواقب وال ينظرون‬
‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫(((  رواه ابن ماجه (‪،)4189‬‬
‫الصحيحة (‪.)1795‬‬ ‫ِ‬
‫السلسلة َّ‬
‫وصححه األلبان ُّي يف ِّ‬ ‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو يعلى يف مسنده (‪،)4256‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪640‬‬

‫يف المآالت‪ ،‬ويف تعويد النَّفس على األناة سالم ٌة من عواقب الغضب عند‬
‫وجوده‪.‬‬
‫والغضب يجعل اإلنسان يذهل حتَّى عن األخالق الفاضلة وعن‬
‫المعامالت الكريمة‪ ،‬ولهذا يصدر من اإلنسان يف غضبه ما يندم عليه أشدَّ‬
‫جميل‪ ،‬بل غضبه‬ ‫ً‬ ‫تصر ًفا ط ِّي ًبا‬
‫يتصرف ُّ‬ ‫َّ‬ ‫النَّدم بعد ذلك؛ ألنَّه مع الغضب ال‬
‫َّصرف‪ .‬ومن الدَّ عوات النَّبو َّية المباركة قول النَّبِ ِّي ﷺ‬ ‫يغ ِّطي عليه فال ُيحسن الت ُّ‬
‫الر َضا»‪ ،‬وهذا عزيز أن ال يقول‬ ‫ب َو ِّ‬ ‫الح ِّق فِي الغ ََض ِ‬ ‫يف دعائه‪« :‬و َأس َأ ُل َ ِ‬
‫ك كَل َم َة َ‬ ‫َ ْ‬
‫رضي‪.‬‬ ‫غضب أو‬
‫َ‬ ‫اإلنسان َّإل َّ‬
‫الحق‪ ،‬سواء‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫السالمة من الغضب وعواقبه الوخيمة‪ :‬أن يحرص‬ ‫ومما يعين على تح ُّقق َّ‬ ‫َّ‬
‫الرفق َخصل ٌة عظيمة يح ُّبها اهلل‬ ‫فإن ِّ‬ ‫الرفق يف األمور ك ِّلها؛ َّ‬ ‫المسلم دو ًما على ِّ‬
‫‪ C‬من عباده‪.‬‬
‫«يا َعائِ َشةُ‪ ،‬إِ َّن‬ ‫عن عائِ َش َة ‪ J‬زوجِ النَّبِي ﷺ َأ َّن رس َ ِ‬
‫ول اهَّلل ﷺ َق َال‪َ :‬‬ ‫َ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ْف َو َما َل ُي ْعطِي‬ ‫حب الر ْف َق ويعطِي ع َلى الر ْف ِق ما َل يعطِي ع َلى ا ْلعن ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ َ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهَّللَ َرف ٌيق ُي ُّ ِّ َ ُ ْ‬
‫َع َلى َما ِس َوا ُه»‪ .‬متَّفق عليه(‪.)1‬‬
‫الر ْف َق ُي ْح َر ِم ا ْلخَ ْي َر»‪ .‬رواه‬ ‫«م ْن ُي ْح َر ِم ِّ‬ ‫و َع ْن َج ِر ٍير َع ِن النَّبِ ِّي ﷺ َق َال‪َ :‬‬
‫مسلم(‪.)2‬‬
‫شي ٍء‬ ‫ُون في ْ‬
‫و َعن َعائِ َش َة َزوجِ النَّبِي ﷺ َع ِن النَّبِي ﷺ َق َال‪« :‬إِ َّن الر ْف َق َل يك ُ ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫إِ َّل زَا َن ُه‪َ ،‬و َل ُينْز َُع ِم ْن َش ْي ٍء إِ َّل َشا َن ُه»‪ .‬رواه مسلم(‪.)3‬‬

‫البخاري (‪ ،)6927‬ومسلم (‪.)2593‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2592‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)2594‬‬
‫‪641‬‬ ‫‪ -105‬دعوات يف أبواب متنوِّعة‬

‫‪105‬‬

‫دعوات يف أبواب متنوِّعة‬

‫‪َ ‬ما ُي َق ُ ْ َ ْ َ َ ْ ْ َ‬
‫ال ِعند ُرؤي ِة أه ِل الب ِ‬
‫الء‪.‬‬
‫«م ْن َر َأى ُم ْب َت ًلى‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬
‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫له ا َّل ِذي َعا َفانِي ِم َّما ا ْبت ََل َك بِ ِه َو َف َّض َلنِي َع َلى كَثِيرٍ ِم َّم ْن َخ َل َق َت ْف ِض ًيل؛‬
‫ا ْلحمدُ لِ ِ‬
‫َ ْ‬
‫ِّرمذي(‪.)1‬‬
‫ُّ‬ ‫ك ا ْل َب َل ُء»‪ .‬رواه الت‬‫َل ْم ُي ِص ْب ُه َذلِ َ‬

‫السنن العظيمة المأثورة عن نب ِّينا ‪ O‬عند رؤية أهل البالء‬


‫هذا من ُّ‬
‫والسالمة‪،‬‬
‫بأي نوع من البالء؛ أن يستحضر المسلم نعمة اهلل عليه بالعافية َّ‬ ‫ِّ‬
‫ممن خلق؛ فإنَّه إن أتى‬ ‫وفضله على ٍ‬
‫كثير َّ‬ ‫ويحمدَ ر َّبه أن عافاه من هذا البالء َّ‬
‫هبذه الدَّ عوة العظيمة سلِم بإذن اهلل تعالى من أن يصيبه ذلك البالء‪ .‬والبالء قد‬
‫يكون يف الدِّ ين وأمره أشدُّ ‪ ،‬وقد يكون يف البدن بأن ُيبتلى ببدنه بعاهة أو إعاقة‬
‫أو نحو ذلك‪.‬‬
‫ومما ُي َّنبه عليه في هذا املقام‪َّ :‬‬
‫أن الواجب على المسلم أن يحذر من‬ ‫‪َّ ‬‬
‫الشماتة بأهل البالء؛ فال يأمن أن يبتليه اهلل بما ابتالهم به‪ ،‬ولهذا يؤ َث ُر عن‬
‫َّ‬
‫الشي َء أكرهه فما يمنعني من أن أتك َّلم‬
‫َّخعي‪ :‬أنَّه قال‪« :‬إنِّي ألرى َّ‬
‫إبراهيم الن ِّ‬
‫فيه َّإل مخافة أن ُأبتلى بمثله»(‪.)2‬‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬


‫َّ‬ ‫ِّرمذي (‪،)3432‬‬ ‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫(((  رواه ابن أبي الدُّ نيا يف ذ ِّم الغيبة (‪.)151‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪642‬‬
‫َ َ َ ّ ُ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫ال ل ُه‪ِ :‬إ ِني أ ِح ُّب َك‬ ‫‪َ ‬ما َيقول ُه أل ِخ ِيه ِإذا ق‬
‫َان ِعنْدَ النَّبِ ِّي ﷺ َف َم َّر بِ ِه َر ُج ٌل‪َ ،‬ف َق َال‪:‬‬
‫ك ‪َ I‬أ َّن َر ُج ًل ك َ‬ ‫َس ب ِن مال ِ ٍ‬
‫َع ْن َأن ِ ْ َ‬
‫ب َه َذا»‪َ .‬ف َق َال َل ُه النَّبِي ﷺ‪َ :‬‬ ‫ِ‬
‫«أ ْع َل ْم َت ُه؟» َق َال‪َ :‬ل‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫ول اهلل! إِنِّي َلُح ُّ‬ ‫«يا َر ُس َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ا َّلذي َأ ْح َب ْبتَني‬ ‫«أ َح َّب َ‬ ‫ِ‬
‫ك في اهلل»‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«أ ْعل ْم ُه»‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َلح َق ُه َف َق َال‪« :‬إِنِّي ُأح ُّب َ‬
‫َ‬
‫َل ُه»‪ .‬رواه أبو داود(‪.)1‬‬
‫والرابطة اإليمان َّية‪،‬‬
‫األخوة الدِّ ين َّية َّ‬
‫َّ‬ ‫قوي‬ ‫السنن العظيمة ا َّلتي ُت ِّ‬
‫هذا من ُّ‬
‫َّحاب والتَّآخي‬‫ألن دين اإلسالم دين الت ِّ‬ ‫وتزيد األلفة والمح َّبة بين المؤمنين؛ َّ‬
‫أحب المسلم‬ ‫والتَّآلف‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ﴾ [الحجرات‪ ،]10 :‬فإذا َّ‬
‫‪-‬والحب يف اهلل من أوثق عرى اإليمان‪ -‬فل ُيعلِمه بذلك‪ ،‬ويف‬ ‫ُّ‬ ‫أخاه يف اهلل‬
‫للصلة بين المؤمنين‪.‬‬ ‫إعالمه بذلك تمتي ٌن لإلخوة وتقوي ٌة ِّ‬
‫أحب المسلم أحدً ا يف اهلل ‪ D‬أن يعلِمه‬ ‫السنَّة إذا َّ‬ ‫أن من ُّ‬ ‫ويف هذا الحديث َّ‬
‫مطلب‬
‫ٌ‬ ‫والرابطة اإليمان َّية‪ ،‬وهذا‬ ‫الصلة الدِّ ين َّية َّ‬ ‫ألن إعالمه سبب لتقوية ِّ‬ ‫بذلك؛ َّ‬
‫شرعي‪ .‬و َمن قال له أخوه «إنِّي أح ُّبك يف اهلل» ُشرع له أن يدعو له بخير‪ ،‬ومن‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫أطيب الدُّ عاء المناسب لهذا المقام أن يقول‪« :‬أ َح َّب َك ا َّلذي أ ْح َب ْبتَني َل ُه»‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ َُ ُُ َْ ََ َ‬
‫صن َع ِإل ْي ِه َم ْع ُروفا‬ ‫‪ ‬ما يقوله ِلن‬
‫«م ْن ُصن ِ َع إِ َل ْي ِه َم ْع ُر ٌ‬
‫وف‬ ‫ول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫َع ْن ُأ َسا َم َة ْب ِن َز ْي ٍد ‪َ L‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫َاك اهَّلل َخيرا» َف َقدْ َأب َلغَ فِي ال َّثن ِ‬ ‫ِ ِِِ‬
‫ِّرمذي(‪.)2‬‬ ‫ُّ‬ ‫َاء»‪ .‬رواه الت‬ ‫ْ‬ ‫«جز َ ُ ْ ً‬ ‫َف َق َال ل َفاعله‪َ :‬‬
‫األصل يف َمن ُصنع إليه معروف أن يعمل على مكافئة َمن صنع إليه‬
‫«م ْن َصن ََع إِ َل ْيك ُْم َم ْع ُرو ًفا‬
‫َّبي ﷺ قال‪َ :‬‬ ‫َّ‬
‫المعروف بمثل ما صنع أو أحسن؛ ألن الن َّ‬

‫وصححه األلبانِ ُّي‪.‬‬‫َّ‬ ‫(((  رواه أبو داود (‪،)5125‬‬


‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫ِّرمذي (‪،)2035‬‬
‫(((  رواه الت‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫‪643‬‬ ‫‪ -105‬دعوات يف أبواب متنوِّعة‬

‫َفكَافِئُو ُه»‪ ،‬فإن لم يتم َّكن من ذلك فعليه أن يجتهد له بالدُّ عاء‪ ،‬ولهذا قال‪َ « :‬فإِ ْن‬
‫َجدُ وا َما ُتكَافِئُو َن ُه َفا ْد ُعوا َل ُه»‪ .‬وأفضل ما ُيدعى له به هذا الدُّ عاء ا َّلذي‬ ‫َل ْم ت ِ‬
‫اعي به قد أبلغ يف ال َّثناء‪ ،‬وهو أن يقول‪« :‬جزاك اهلل‬ ‫َّ‬
‫َّبي ﷺ بأن الدَّ َ‬ ‫وصف الن ُّ‬
‫خيرا»؛ وهي كلمة عظيمة جامعة يف ال َّثناء على أهل المعروف واإلحسان‪ ،‬لما‬ ‫ً‬
‫وعجز عن الجزاء وتفويض الجزاء إلى اهلل ليجزيهم‬ ‫ٍ‬ ‫فيها من اعرتاف بالتَّقصير‬
‫الش ْك ِر‬ ‫الم َكا َف َأ ِة َف ْل َي ُط ْل ل ِ َسان َُك بِ ُّ‬
‫اك بِ ُ‬ ‫الجزاء األوىف‪ ،‬ولهذا قيل‪« :‬إِ َذا َق ُص َر ْت َيدَ َ‬
‫اء»(‪ ،)1‬وأبلغ الدُّ عاء هو هذه الدَّ عوة العظيمة المباركة‪ ،‬وقد جاء عن‬ ‫والدُّ َع ِ‬
‫َ‬
‫اك‬‫يه‪َ :‬ج َز َ‬ ‫ِ‬
‫عمر بن الخ َّطاب ‪ I‬أنَّه قال‪َ « :‬لو يع َلم َأحدُ كُم ما َله فِي َقول ِ ِه لَ ِخ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ ُ‬ ‫ْ َْ‬
‫ض»‪ .‬رواه ابن أبي شيبة يف مصنَّفه(‪.)2‬‬ ‫اهلل َخ ْي ًرا؛ َلَ ْك َث َر مِن َْها َب ْع ُض ُك ْم ل ِ َب ْع ٍ‬ ‫ُ‬
‫َ َ ُ ُ ُ ُ ْ َ َ ُ َ َّ‬
‫ور ِة الث َم ِر‬ ‫‪ ‬ما يقوله ِفي رؤي ِة باك‬
‫َّاس إِ َذا َر َأ ْوا َأ َّو َل ال َّث َمرِ َجا ُءوا بِ ِه إِ َلى‬ ‫َان الن ُ‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬ق َال‪« :‬ك َ‬
‫ار ْك َلنَا‬ ‫ار ْك َلنَا فِي َث َمرِنَا‪َ ،‬و َب ِ‬ ‫ول اهلل ﷺ َق َال‪« :‬ال َّل ُه َّم َب ِ‬ ‫النَّبِ ِّي ﷺ‪َ ،‬فإِ َذا َأ َخ َذ ُه َر ُس ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اعنَا‪َ ،‬و َب ِ‬ ‫ار ْك َلنَا فِي ص ِ‬ ‫فِي َم ِدينَتِنَا‪َ ،‬و َب ِ‬
‫يم َع ْبدُ َك‬ ‫ار ْك َلنَا في ُمدِّ نَا‪ ،‬ال َّل ُه َّم إِ َّن إِ ْب َراه َ‬ ‫َ‬
‫وك لِ ْل َم ِدين َِة‬‫اك لِ َم َّكةَ‪َ ،‬وإِنِّي َأ ْد ُع َ‬ ‫ك‪َ ،‬وإِ َّن ُه َد َع َ‬ ‫ك‪َ ،‬وإِنِّي َع ْبدُ َك َو َنبِ ُّي َ‬ ‫ك َو َنبِ ُّي َ‬‫َو َخ ِلي ُل َ‬
‫ك‬ ‫يد َل ُه َف ُي ْعطِ ِيه َذلِ َ‬ ‫اك لِم َّك َة و ِم ْث ِل ِه معه»‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ثم يدْ عو َأصغَر ولِ ٍ‬
‫َّ َ ُ ْ َ َ‬ ‫َ َُ‬ ‫بِم ْث ِل َما َد َع َ َ َ‬
‫ِ‬
‫ال َّث َم َر»‪ .‬رواه مسلم(‪.)3‬‬

‫َّأول ال َّثمر‪ :‬هو باكورته يف َّأول نضجه؛ ُّ‬


‫فالسنَّة يف ذلك أن ُيدعى بالربكة كما‬
‫َّبي ‪ ،O‬فكان من هديه الدُّ عاء بالربكة عند رؤية باكورة‬ ‫هو هدي الن ِّ‬
‫َّبي ﷺ فيدعو‬ ‫الصحابة ‪ M‬يبادرون َّ َّ‬
‫ال َّثمر‪ ،‬وكان َّ‬
‫بأول الثمر يأتون به إلى الن ِّ‬
‫(((  انظر‪ :‬العقد الفريد البن عبد ر ِّبه (‪.)234/1‬‬
‫(((  رواه ابن أبي شيبة يف مصنَّفه (‪.)26519‬‬
‫(((  رواه مسلم (‪.)1373‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪644‬‬
‫ِ‬ ‫بالربكة‪« :‬ال َّل ُه َّم َب ِ‬
‫ار ْك َلنَا في َث َمرِنَا»‪َّ ،‬‬
‫ثم يعطيه أصغر َمن يحضره من الولدان؛‬
‫تتشوف نفوسهم إلى مثل‬ ‫وهذا من لطفه ‪ O‬وكريم ُخلقه‪ِّ ،‬‬
‫والصغار َّ‬
‫أيضا ُحسن التَّو ُّدد لهم وكسب قلوهبم وتنشئتهم‬
‫هذا أكثر من غيرهم‪ ،‬وفيه ً‬
‫حب أهل الخير والفضل‪.‬‬ ‫على ِّ‬
‫النه َ ُّ َ‬ ‫ال ع ْن َد َس َماع ص َياح ّ َ َ َ َّ‬ ‫َ َُ‬
‫اح‬
‫يق والنب ِ‬ ‫الديك ِة و ِ ِ‬‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫‪ ‬ما يق ُ ِ‬
‫اس َأ ُلوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اح الدِّ َيكَة َف ْ‬ ‫َع ْن َأبِي ُه َر ْي َر َة ‪َ I‬أ َّن النَّبِ َّي ﷺ َق َال‪« :‬إِ َذا َسم ْعت ُْم ص َي َ‬
‫ار َف َت َع َّو ُذوا بِاهلل ِ ِم َن‬ ‫اهَّلل ِمن َف ْض ِل ِه؛ َفإِنَّها ر َأ ْت م َلكًا‪ ،‬وإِ َذا س ِمعتُم ن َِه َيق ا ْل ِ‬
‫ح َم ِ‬ ‫َ َ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬
‫البخاري ومسلم(‪.)1‬‬ ‫ُّ‬ ‫الش ْي َط ِ‬
‫ان؛ َفإِ َّن ُه َر َأى َش ْي َطانًا»‪ .‬رواه‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫َو َع ْن َجابِ ِر ْب ِن َع ْب ِد اهلل ‪َ L‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُس ُ‬
‫ول اهلل ﷺ‪« :‬إِ َذا َسم ْعت ُْم ُن َب َ‬
‫اح‬
‫ب َون َِه َيق ا ْل ُح ُمرِ بِال َّل ْي ِل َف َت َع َّو ُذوا بِاهَّللِ؛ َفإِن َُّه َّن َي َر ْي َن َما َل ت ََر ْو َن»‪ .‬رواه أبو‬
‫ا ْلكِ َل ِ‬
‫داود وأحمد(‪.)2‬‬

‫َّبي ﷺ‬ ‫َّ‬
‫السنَّة إذا سمع المسلم صوت الدِّ يكة أن يسأل اهلل من فضله‪ ،‬وعلل الن ُّ‬
‫ُّ‬
‫والرحمة‪ ،‬فيسأل اهلل‬ ‫ذلك بقوله‪َ « :‬فإِن ََّها َر َأ ْت َم َلكًا»‪ ،‬والمالئكة َّ‬
‫تتنزل بالخير َّ‬
‫‪ E‬من فضله‪.‬‬

‫فيتعوذ باهلل من‬


‫َّ‬ ‫الحمر أو نباح الكالب‬
‫وأ َّما عند سماع صوت هنيق ُ‬
‫يتعوذ‬
‫الشياطين أن َّ‬ ‫الشيطان؛ ألنَّها رأت شيطانًا‪ ،‬والمشروع عند حضور َّ‬
‫َّ‬
‫المسلم منهم‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [المؤمنون‪.]98-97 :‬‬

‫البخاري (‪ ،)3303‬ومسلم (‪.)2729‬‬


‫ُّ‬ ‫(((  رواه‬
‫ِ‬
‫وصححه األلبان ُّي‪.‬‬ ‫(((  رواه أحمد (‪ ،)14283‬وأبو داود (‪،)5103‬‬
‫َّ‬
‫‪645‬‬ ‫‪ -105‬دعوات يف أبواب متنوِّعة‬
‫ْ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ َُ ُ‬
‫ال�ش ْي ِء ُي ْع ِج ُب ُه َو َيخاف َعل ْي ِه ِم َن ال َع ْي ِن‬
‫ول ُه في َّ‬
‫‪ ‬ما يق ِ‬
‫وأنفع ما يكون يف هذا المقام الدُّ عاء بالربكة‪ ،‬والربكة‪ :‬هي بقاء الموجود‬
‫ونماؤه وزيادته وسالمته من اآلفات‪.‬‬
‫قال‪« :‬إِ َذا َر َأى َأ َحدُ ك ُْم ِم ْن َأ ِخ ِيه‪،‬‬
‫َع ْن عبداهلل بن عامر ‪َ I‬ع ِن النَّبِي ﷺ َ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫َأ ْو ِم ْن َن ْف ِس ِه‪َ ،‬أ ْو ِم ْن َمالِ ِه َما ُي ْع ِ‬
‫ج ُب ُه‪َ ،‬ف ْل ُي َب ِّر ْك ُه؛ َفإ َّن ا ْل َع ْي َن َح ٌّق»‪ .‬رواه أحمد ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫قوله‪« :‬إِ َذا َر َأى َأ َحدُ ك ُْم ِم ْن َأ ِخ ِيه‪َ ،‬أ ْو ِم ْن َن ْف ِس ِه‪َ ،‬أ ْو ِم ْن َمالِ ِه َما ُي ْع ِ‬
‫ج ُب ُه»‪ ،‬أي‪:‬‬
‫يف هيئته‪ ،‬أو يف ملبسه‪ ،‬أو يف مركبه‪ ،‬أو يف مسكنه‪.‬‬

‫قوله‪َ « :‬ف ْل ُي َب ِّر ْك ُه»‪ ،‬أي‪ :‬ليقل‪« :‬ال َّل َّ‬


‫هم بارك لي أو لفالن» ويذكر َّ‬
‫الشيء‬
‫ا َّلذي أعجبه‪.‬‬
‫قوله‪َ « :‬فإِ َّن ال َع ْي َن َح ٌّق» أي‪ :‬اإلصابة بالعين ٌّ‬
‫حق؛ فإذا رأى اإلنسان ما يعجبه‬
‫الشيء ا َّلذي عنده أو عند غيره بالربكة‪ ،‬بأن‬
‫فليربِّكه‪ ،‬ليدع لنفسه أو ليدع لهذا َّ‬
‫يبارك اهلل ‪ F‬فيه‪ ،‬وإذا بورك له فيه لم تؤ ِّثر فيه العين بإذن اهلل‪ .‬وهذا يفيد‬
‫أن ا ُّلدعاء بالربكة بإذن اهلل يقاوم العين ويدفعها‪ ،‬فيقاوم قدَ ر اهلل بقدَ ر اهلل‪.‬‬
‫َّ‬

‫ول اهلل ﷺ َي َت َع َّو ُذ ِم َن ا ْل َج ِّ‬


‫ان َو َع ْي ِن‬ ‫َان َر ُس ُ‬
‫يد ‪َ I‬ق َال‪« :‬ك َ‬ ‫و َعن َأبِي س ِع ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫َان؛ َف َل َّما َن َز َلتَا َأ َخ َذ بِ ِه َما َوت ََر َك َما ِس َو ُاه َما»‪ .‬رواه‬
‫ت ا ْل ُم َع ِّو َذت ِ‬‫ان حتَّى َن َز َل ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلن َْس ِ َ‬
‫َّسائي وابن ماجه(‪.)2‬‬
‫ِّرمذي والن ُّ‬
‫ُّ‬ ‫الت‬
‫ورتين‪ ،‬وعظم منفعتهما‬ ‫يف هذا الحديث دالل ٌة على عظم شأن هاتين ُّ‬
‫الس َ‬
‫الضرورة إليهما‪ ،‬وأنَّه ال يستغني عنهما أحد‪َّ ،‬‬
‫وأن لهما‬ ‫وشدَّ ة الحاجة بل َّ‬
‫الصحيحة (‪.)2572‬‬‫السلسلة َّ‬
‫وصجحه األلباينُّ يف ِّ‬‫َّ‬ ‫(((  رواه أحمد (‪،)15700‬‬
‫َّسائي (‪ ،)5494‬وابن ماجه (‪،)3511‬‬ ‫َّ‬
‫ِّرمذي (‪ ،)2058‬واللفظ له‪ ،‬والن ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫(((  رواه الت‬
‫وصححه األلباينُّ‪.‬‬
‫َّ‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪646‬‬

‫تضمنت‬ ‫َّ‬ ‫والسحر وال َعين وسائر ُّ‬


‫الشرور‪ ،‬وقد‬ ‫ِّ‬
‫الجان ِّ‬ ‫خاصا يف دفع‬ ‫ًّ‬ ‫تأثيرا‬
‫ً‬
‫لفظ وأجمعه وأد ِّله‬ ‫الشرور ك ِّلها بأوجز ٍ‬ ‫السورتان االستعاذة من هذه ُّ‬
‫َ‬ ‫هاتان ُّ‬
‫الشرور شي ٌء َّإل دخل تحت‬ ‫وأعمه استعاذةً‪ ،‬بحيث َلم يبق من ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫على المراد‬
‫الش ِّر المستعاذ منه فيهما‪.‬‬ ‫َّ‬
‫بصح ٍة أو ٍ‬
‫مال‬ ‫َّ‬ ‫وعلى المسلم أن يقول عند خوفه على نفسه من العجب‬
‫اهلل َت َعا َلى‪﴿ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫ٍ‬
‫قوة َّإل باهلل»‪َ ،‬ق َال ُ‬‫أو ولد‪« :‬ما شاء اهلل ال َّ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ﴾ [الكهف‪ ،]39 :‬فقد جاءت هذه الكلمة يف سياق‬
‫مناصحة لصاحب الجنَّتين ا َّلذي أصيب بالعجب والغرور بما عنده من مال‬ ‫ٍ‬
‫الذكر‪ .‬ف ُيؤخذ من‬ ‫وخدم وغير ذلك‪ ،‬فأرشده َمن يحاوره إلى أن يقول هذا ِّ‬
‫أن هذه الكلمة ُتقال لطرد العجب‪ ،‬وهي من أنفع ما يكون يف‬ ‫السياق‪َّ :‬‬ ‫هذا ِّ‬
‫والعجب مهلكة خطيرة للمرء‪ ،‬ويكفي دالل ًة على إهالك العجب‬ ‫ُ‬ ‫هذا الباب‪،‬‬
‫لربكة ما عنده من ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الرجل؛ فقد كان العجب ممحق ًة‬
‫خير‬ ‫قص ُة هذا َّ‬ ‫لصاحبه َّ‬
‫وصحة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ونعمة‬ ‫ٍ‬
‫وعافية‬
‫َّ‬
‫وأن األمور ك َّلها بيد‬‫وقوهتا‪َّ ،‬‬
‫وهذه الكلمة فيها ال َّتربُّؤ من حول النَّفس َّ‬
‫المتفضل سبحانه‪ ،‬أ َّما إذا نظر المرء إلى النِّعمة مجردةً‪ ،‬وجدارتِه‬‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫المنعم‬ ‫اهلل‬
‫ومهارته ونحو ذلك؛ أصيب بالعجب المهلِك‪ ،‬حتَّى ر َّبما قال‪« :‬أوتيته عن‬
‫كابرا عن كابر»‪ ،‬أو «أنا جدير به»‪ ،‬فهذا ك ُّله يتو َّلد من‬
‫علم عندي»‪ ،‬أو «ورثته ً‬
‫والسالمة‪.‬‬
‫الغرور والعجب‪ ،‬نسأل اهلل العافية َّ‬
‫وأسأل اهلل أن يوفقنا وجميع المسلمين لسديد القول وصالح العمل‪ ،‬وأن‬
‫يهدينا إلى صراطه المستقيم‪..‬‬
‫وصلى اهلل وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫‪647‬‬ ‫الفهرس‬

‫الفهرس‬

‫المقدمة ‪5.............................................................‬‬
‫فضل الذكر ‪7..........................................................‬‬
‫فوائد الذكر (‪12.................................................... )1‬‬
‫فوائد الذكر (‪18.................................................... )2‬‬
‫تأمالت يف بعض اآليات الحاثة على ذكر اهلل (‪24....................)1‬‬
‫تأمالت يف بعض اآليات الحاثة على ذكر اهلل (‪31....................)2‬‬
‫تأمالت يف بعض اآليات الحاثة على ذكر اهلل (‪38....................)3‬‬
‫تنوع األد ّلة الدّ الة على فضل ِ‬
‫الذكر ‪44..................................‬‬ ‫ّ‬
‫حديث مثل الذي يذكر ربه والذي ال يذكر ربه مثل الحي والميت‪51....‬‬
‫حديث ال يقعد قوم يذكرون اهلل ‪ D‬إال حفتهم المالئكة ‪57...........‬‬
‫حديث إن هلل مالئكة يطوفون يف الطرق يلتمسون أهل الذكر ‪63.........‬‬
‫فضاللذكرومجالسه‪70.................................................‬‬
‫فضل الدعاء (‪76....................................................)1‬‬
‫فضل الدعاء (‪82....................................................)2‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪648‬‬

‫فضل الدعاء (‪88....................................................)3‬‬


‫فضل الدعاء (‪94....................................................)4‬‬
‫فضل الدعاء (‪100..................................................)5‬‬
‫فضل االستغفار‪106...................................................‬‬
‫شروط الدعاء وآدابه (‪113......................................... )1‬‬
‫شروط الدعاء وآدابه (‪119......................................... )2‬‬
‫شروط الدعاء وآدابه (‪125......................................... )3‬‬
‫شروط الدعاء وآدابه (‪131......................................... )4‬‬
‫شروط الدعاء وآدابه (‪138......................................... )5‬‬
‫شروط الدعاء وآدابه (‪144......................................... )6‬‬
‫فضل القرآن الكريم (‪150.......................................... )1‬‬
‫فضل القرآن الكريم (‪156.......................................... )2‬‬
‫فضل التحميد والتكبير والتهليل والتسبيح (‪162.................... )1‬‬
‫فضل التحميد والتكبير والتهليل والتسبيح (‪168.................... )2‬‬
‫فضل التحميد والتكبير والتهليل والتسبيح (‪174.................... )3‬‬
‫فضل التهليل ‪180.....................................................‬‬
‫فضل التسبيح والتحميد‪186...........................................‬‬
‫قوة إال باهلل ‪192.....................................‬‬
‫فضل ال حول وال ّ‬
‫فضل الصالة على النبي ﷺ ‪199......................................‬‬
‫‪649‬‬ ‫الفهرس‬

‫أذكار طريف النهار (‪205.............................................)1‬‬


‫أذكار طريف النهار (‪211.............................................)2‬‬
‫أذكار طريف النهار (‪217.............................................)3‬‬
‫أذكار طريف النهار (‪223.............................................)4‬‬
‫أذكار طريف النهار (‪229.............................................)5‬‬
‫أذكار طريف النهار (‪235.............................................)6‬‬
‫أذكار طريف النهار (‪241.............................................)7‬‬
‫أذكار طريف النهار (‪247.............................................)8‬‬
‫أذكار طريف النهار (‪253.............................................)9‬‬
‫أذكار طريف النهار (‪259...........................................)10‬‬
‫أذكار النوم (‪265................................................... )1‬‬
‫أذكار النوم (‪271................................................... )2‬‬
‫أذكار النوم (‪277................................................... )3‬‬
‫أذكار النوم (‪283................................................... )4‬‬
‫أذكار النوم (‪289................................................... )5‬‬
‫أذكار النوم (‪295................................................... )6‬‬
‫أذكار االنتباه من النوم (‪301........................................ )1‬‬
‫أذكار االنتباه من النوم (‪306........................................ )2‬‬
‫ما يقال عند الفزع يف النوم‪312.........................................‬‬
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪650‬‬

‫حب أو يكره‪318.........................‬‬
‫ما يقوله من رأى يف منامه ما ُي ّ‬
‫أذكار الخروج من المنزل (‪325.....................................)1‬‬
‫أذكار الخروج من المنزل (‪331.....................................)2‬‬
‫أذكار دخول المنزل‪337...............................................‬‬
‫أذكار دخول الخالء والخروج منه واألذكار المتعلقة بالوضوء‪343.....‬‬
‫أذكار التوجه للمسجد ودخوله والخروج منه‪349......................‬‬
‫أذكار األذان (‪355..................................................)1‬‬
‫أذكار األذان (‪361..................................................)2‬‬
‫أدعية االستفتاح (‪367..............................................)1‬‬
‫أدعية االستفتاح (‪373..............................................)2‬‬
‫أدعية االستفتاح (‪379..............................................)3‬‬
‫أدعية االستفتاح (‪385..............................................)4‬‬
‫أدعية الركوع والقيام منه والسجود والجلسة بين السجدتين (‪392...)1‬‬
‫أدعية الركوع والقيام منه والسجود والجلسة بين السجدتين (‪398...)2‬‬
‫أدعية الركوع والقيام منه والسجود والجلسة بين السجدتين (‪404...)3‬‬
‫ذكر التشهد والصالة على النبي ﷺ ‪410...............................‬‬
‫األدعية يف الصالة وبعد التشهد (‪416............................... )1‬‬
‫األدعية يف الصالة وبعد التشهد (‪422............................... )2‬‬
‫األذكار بعد السالم (‪428........................................... )1‬‬
4:U
h o .+.:

t''c (t)r-,t-z.Iax '


o'o
'%'h
.

(h)t)1ps...11:,.LzJx.y:y
.' 'jJ'
tj;jLf
hz'j

(y)aI'
p..1Io.1
z yjjJ'
ut
;jhj
‫أحاديث األذكار واألدعية‬ ‫‪652‬‬

‫ما يقال عند رؤية الهالل ‪551..........................................‬‬


‫الذكر المتعلق بالصيام‪ ،‬ودعاء ليلة القدر ‪557..........................‬‬
‫أذكار ركوب الدابة والسفر (‪563................................... )1‬‬
‫أذكار ركوب الدابة والسفر (‪569................................... )2‬‬
‫أذكار ركوب الدابة والسفر (‪575................................... )3‬‬
‫ما يقوله المسافر إذا رأى قرية أو بلدة يريد دخولها‪581.................‬‬
‫أذكار الطعام والشراب‪587............................................‬‬
‫ما يدعى به ألهل الطعام ‪593..........................................‬‬
‫ما ورد يف السالم‪598..................................................‬‬
‫ما يقال عند العطاس ‪604..............................................‬‬
‫ذكر النكاح والتهنئة به والدخول بالزوجة (‪610..................... )1‬‬
‫ذكر النكاح والتهنئة به والدخول بالزوجة (‪616..................... )2‬‬
‫ما يقوله من لبس ثوبا جديدا ‪622......................................‬‬
‫كفارة المجلس ‪628...................................................‬‬
‫ما يقال عند الغضب ‪634..............................................‬‬
‫ٍ‬
‫دعوات يف أبواب متنوعة ‪641..........................................‬‬
‫الفهرس ‪647..........................................................‬‬

You might also like