You are on page 1of 21

‫ماركسيون وناصريون‬

‫نموذج لتخبط العمل الماركسً‬

‫عادل العمري‬
‫ماركسٌون وناصرٌون‬
‫نموذج لتخبط العمل الماركسً‬

‫عادل العمري‬

‫مارس ‪2023‬‬
‫ٌتناول الممال عاللة الصراع والوئام بٌن الماركسٌٌن المصرٌٌن والنظام الناصري فً‬
‫الخمسٌنات والستٌنات من المرن الماضً‬

‫تمهٌد‬
‫تفسٌر العداء للشٌوعٌة وحملة االعتماالت فً ‪1959‬‬
‫المولف من النظام داخل المعتمالت‬
‫لرار حل الحزب واالندماج فً النظام‬
‫التنظٌر للناصرٌة‬
‫لماذا صار جل الماركسٌٌن ناصرٌا؟‬

‫***************************‬
‫تمهٌد(‪:)1‬‬
‫فً السنوات األخٌرة شهدنا اضطرابا واضحا من لبل معظم الماركسٌٌن المصرٌٌن‬
‫إزاء انمالب ‪ 2013‬وعودة العسكر إلى الواجهة‪ .‬فمد أٌد جلهم‪ ،‬وخاصة كبارهم‪ ،‬انمالب‬
‫الجٌش‪ ،‬بل وتمنوه أصال ودعوا إلٌه‪ ،‬دون أن ننكر أن البعض لد عارضه وندد به وناضل‬
‫ضده أٌضا‪ .‬فمد صنف مفكر كبٌر مثل سمٌر أمٌن االنمالب بؤنه لد ٌحمك استمالل مصر‬
‫عن اإلمبرٌالٌة ولد ٌحمك تنمٌة حمٌمٌة‪ ..‬بل وصف السٌسً بؤنه كان نابها عندما انحاز‬
‫للشعب المصري وارتبط بإرادة المصرٌٌن(‪ .)2‬وراح خلٌل كلفت فً ممال ممل ومعمد ٌبرر‬
‫انمالب السٌسً وٌصف مظاهرات ‪ٌ 30‬ونٌو بالموجة الثورٌة‪ ،‬رغم أنه راح ٌنتمد حكم‬
‫السٌسً فٌما بعد(‪ .)3‬كما فسر انمالب العسكر بؤنه "تدخل" ٌهدف إلى إلامة "حكم لٌبرالً‬
‫عالم‪-‬ثالثً‪ٌ ،‬موم على تعددٌة ثمافٌة وسٌاسٌة وحزبٌة وفكرٌة ضمن حدود بعٌنها‪ .‬وال‬
‫سبٌل إلى تحمٌك مثل هذا النزوع إال باحتواء لوى ولٌادات لٌبرالٌة ولومٌة وٌسارٌة‬
‫وثورٌة"(‪ .)4‬وهو كالم ٌشجع على تؤٌٌد السٌسً‪ .‬وبوجه عام فسرت ألالم ماركسٌة‬
‫عدٌدة‪ ،‬بل نجزم بؤنها الغالبٌة العظمى من الماركسٌٌن‪ ،‬مظاهرات ‪ٌ 30‬ونٌو بالثورة التً‬
‫انضم إلٌها الجٌش‪ ،‬وكانوا لد شاركوا فً حملة "تمرد" الموجهة من المخابرات الحربٌة‪.‬‬
‫كما أصدر الحزب الشٌوعً المصري فً ‪ 8‬أغسطس ‪ 2013‬تمرٌرا ٌإٌد فٌه وٌمتدح‬
‫ثورة الدولة(‪ )5‬فً ‪ٌ 30‬ونٌو ‪ -‬والتً وصفها بالثورة ‪ -‬وٌحٌٌها وٌبنً اآلمال الكبرى‬
‫علٌها‪ .‬وهنان من كبار المثمفٌن من انضم علنا إلى معسكر الجٌش ضد الثورة‪ ،‬مثل‬
‫الصحفً الالمع والكاتب الكبٌر صالح عٌسى‪ .‬كما بررت ألالم عدٌدة مذبحتً رابعة‬
‫والنهضة‪ ...‬ولد بشر الكثٌرون ببناء السٌسً للدولة الدٌمولراطٌة الحدٌثة داعٌن الشعب‬
‫لالصطفاف خلف الدولة إلنماذ الوطن‪.‬‬

‫)‪ )1‬لدمنا كتابا كبٌرا ٌحلل النظام الناصري وسٌاساته تفصٌال بعنوان‪ :‬الناصرٌة فً الثورة المضادة‪ ،‬وهو متاح على‬
‫اإلنترنت‪ .‬وهذا الممال ٌعتمد على ذلن الكتاب‪ .‬وفً الغالب سٌحتاج لارئ هذا الممال للرجوع للكتاب المذكور‪.‬‬
‫)‪ )2‬المفكر العالمً سمٌر أمٌن لـ"األهرام"‪ :‬ثورة ٌونٌو تنهً رأسمالٌة المحاسٌب‪ ،‬حوار مع سمٌر أمٌن أجراه‬
‫إبراهٌم السخاوي‪،‬‬
‫‪https://gate.ahram.org.eg/daily/News/31224/76/300228/%D8%AD%D9%88%D8%A7%‬‬
‫‪D8%B1%D8%A7%D8%AA/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D9%83%D8%B1-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%89-‬‬
‫‪%D8%B3%D9%85%D9%8A%D8%B1-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D9%86-%D9%84%D9%80-‬‬
‫‪%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%87%D8%B1%D8%A7%D9%85 -‬‬
‫‪%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%8A%D9%88%D9%86%D9%8A%D9%88-‬‬
‫‪%D8%AA%D9%86%D9%87.aspx‬‬
‫)‪ )3‬االنمالب على الشرعٌة بٌن الشكل والمحتوى‪،‬‬
‫‪https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=372718‬‬
‫)‪)4‬‬
‫ٌدمر الحكم الجدٌد مستمبل مصر‪،‬‬
‫لكٌال ِّ‬
‫‪https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=372021‬‬
‫)‪ )5‬هذا عنوان جانبً لبحث طوٌل لنا بعنوان‪ :‬نمد الثورة المصرٌة (‪ٌ )2‬سرد وٌحلل التجهٌز والمٌام بحركة ‪30‬‬
‫ٌونٌو ‪ 2013‬بمٌادة السٌسً وما تالها من انمالب عسكري‪ .‬وهو متوفر على اإلنترنت‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫والٌوم تتباكى الغالبٌة العظمى من الٌسار على اللبن المسكوب وتعلن ندمها على تؤٌٌد‬
‫العسكر بعد أن تبٌن خطؤ تولعاتها وكل حساباتها‪ ،‬وبالتالً عجز واضطراب منهجها‪.‬‬

‫وإذا استعدنا فترة الحكم الناصري‪ ،‬سنجد أن التارٌخ لد كرر نفسه‪ ،‬بصورة مختلفة‬
‫بالطبع‪ ،‬مما ٌذكرنا بالعبارة الشهٌرة المنسوبة إلى ماركس‪ٌ" :‬مول هٌجل فً مكان ما إن‬
‫جمٌع األحداث والشخصٌات العظٌمة فً تارٌخ العالم تظهر‪ ،‬إذا جاز المول‪ ،‬مرتٌن‪ ،‬ولد‬
‫نسً أن ٌضٌف‪ :‬المرة األولى كمؤساة والمرة الثانٌة كمسخرة"‪ .‬إذ تؤرجح مولف‬
‫المنظمات الماركسٌة من انمالب ٌولٌو ‪ 1952‬بٌن العداء والتؤٌٌد‪ ،‬فمد اختلفت المنظمات‪،‬‬
‫وتغٌرت الموالف حسب سٌاسة النظام‪ .‬فاالعتماالت وفرض الدٌكتاتورٌة العسكرٌة‬
‫استدعت العداء‪ ،‬أما لانون اإلصالح الزراعً فكان مغرٌا للغالبٌة‪ .‬واألهم كان اختٌار‬
‫الضباط لسٌاسة عدم االنحٌاز‪ ،‬ثم عمد صفمة أسلحة مع تشٌكوسلوفاكٌا‪ ،‬ثم تؤمٌم لناة‬
‫السوٌس ورفض حلف بغداد ثم تحمٌك وحدة مصر وسورٌا والٌمن‪ .‬مع هذه االختٌارات‬
‫من جانب الناصرٌٌن صار مولف المنظمات الماركسٌة مإٌدا للسلطة مع التحفظ إزاء‬
‫دٌكتاتورٌتها إلى حٌن‪ .‬وبعد حل الحزب الشٌوعً وحدتو لنفسٌهما راحت الغالبٌة العظمى‬
‫من الماركسٌٌن تتغنى بعظمة وجالل‪ ،‬بل ودٌممراطٌة السلطة الناصرٌة‪ .‬وال شن أن للة‬
‫كانت تخالف ذلن على طول الخط‪ .‬وحتى اآلن ما زال جمهور ماركسً عرٌض فً مصر‬
‫ٌمدس تارٌخ االشتراكٌة المزعومة وٌحن لنمط الحٌاة فً ستٌنات المرن الماضً‪ .‬والكل‬
‫تمرٌبا ما زال ٌعشك سٌاسة تؤمٌم المطاع الخاص وتدخل الدولة فً كل صغٌرة وكبٌرة‪.‬‬

‫وتدل – حسب ما نرى – تؤرجحات الماركسٌٌن فً العصر الناصري تجاه النظام‬


‫وتنالضاتهم ومخالفة أفكارهم لمبادئهم المعلنة على لدر كبٌر من االضطراب‪.‬‬

‫***************************‬

‫تفسٌر العداء للشٌوعٌة وحملة االعتماالت فً ‪:1959‬‬


‫رغم التؤٌٌد العمٌك الذي لدمه الحزب الشٌوعً وبمٌة المنظمات الماركسيٌة للناصيرٌة‬
‫اعتبارا من ‪ ، 1956‬لامت السلطة بشن حملة اعتماالت واسعة النطاق ضد كوادر الحيزب‬
‫فً أول ٌناٌر ‪ 1959‬ثم فً مارس من نفس العام‪ .‬ولد صاحب ذلن شن الناصرٌٌن لحملة‬
‫دعائٌة وتحرٌضٌة شعواء عليى الشيٌوعٌٌن‪ ،‬متهميٌن إٌياهم بالعمالية لالسيتعمار ولالتحياد‬
‫السوفٌتً وبالصهٌونٌة‪ ،‬وظل زعٌمهم ٌكٌل لهم هذه التهم حتى منتصف الستٌنات‪ .‬ورغم‬
‫هييذا كلييه‪ ،‬كانييت الناصييرٌة لييد احتلييت مولعييا ممدسييا فييً وعييً جييل الماركسييٌٌن‪ ،‬فظلييت‬
‫تفسييٌرات الحمليية الناصييرٌة تبتعييد عيين جييوهر المضييٌة‪ ،‬وتختلييك عوامييل عرضييٌة تفسيير‬
‫المذبحية‪ ،‬ولييد تمثلييت طرٌميية السييلطة فييً تفسييٌر الحركييات الثورٌيية كنتييائم إلٌميياءات مين‬
‫الخييارج ودور العناصيير "المندسيية"‪ .‬وفييً الوالييع كييان النظييام الناصييري ٌعييانً ميين فوبٌييا‬
‫ال ماركسيييٌة طيييول الوليييت وهيييو ميييا ٌفسييير حمالتيييه المتكيييررة ضيييد منظمييياتهم وكيييوادرهم‬
‫وتعرٌضهم للتعذٌب الشدٌد بهدف كسر إرادتهم وتدمٌر نفوسهم‪ .‬إن السعً المحموم طول‬
‫الولت لخلك وإعادة خلك وتيدعٌم شيرعٌة النظيام كيان دافعيه للعميل عليى انتيزاع اعتيراف‬

‫‪6‬‬
‫المعارضة وكسر إرادتها بالموة‪ ،‬سيواء مين الٌميٌن أو الٌسيار‪ .‬خاصية أن النظيام ليد جياء‬
‫بانمالب عسكري واحتاج لخوض صراعات معمدة لمدة سنتٌن حتى تحمك له االستمرار‪.‬‬

‫وكانت االعتماالت مفاجؤة لم ٌحسب الحزب حسابها‪ ،‬ألنه لم ٌفهم الدافع الحمٌمً لوحدة‬
‫مصر وسورٌا واكتفى باالنفعال برونك الشعار‪ ،‬كما أنه لم ٌفهم ماهٌة الناصرٌة نفسها‪.‬‬
‫ومن األمور التً كانت واضحة للغاٌة ولتها أن وحدة مصر وسورٌة كانت ممدمة لحملة‬
‫ناصرٌة صلٌبٌة ضد الشٌوعٌة والمومٌة العربٌة فً مصر والمشرق العربً التً شهدت‬
‫نموا كبٌرا فً عموم المنطمة وكانت تنذر بتغٌرات جذرٌة فً المشرق العربً‪ .‬ولم ٌتوان‬
‫كبار دعاة الوحدة عن إعالن ذلن‪ .‬ورغم لوة الصدمة‪ ،‬استمر الحزب الشٌوعً المصري‬
‫ٌتناسى دور السلطة عما ٌحدث ألعضائه‪ ،‬بل وأصدر بٌانا ٌشجب فٌه "محاولة الولٌعة‬
‫بٌن السلطة والحزب"‪ ،‬معتبرا اعتماالت أول ٌناٌر مجرد مخطط تموم به "الموى المعادٌة‬
‫للوحدة الوطنٌة"‪ .‬وراحت تبرئة السلطة الناصرٌة تسٌر على لدم وساق على صفحات‬
‫جرٌدة "المساء" التً كان ٌدٌرها ماركسٌون معٌنون من لبل السلطة‪ .‬فنشرت على سبٌل‬
‫المثال عبارة لعبد الناصر ذكرها ردا على سإال لمراسل التلٌفزٌون البرٌطانً تستهدف ‪-‬‬
‫فٌما ٌبدو ‪ -‬تبرئته ومناشدة ضمٌره‪" :‬حٌن أرٌد أن أبدي رأًٌ فً نشاط الحزب‬
‫الشٌوعً السوري فإنً أبدٌه هنا فً الماهرة وال أبدٌه فً إذاعة لندن‪ ،‬ألن الحزب‬
‫الشٌوعً السوري وغٌره من األحزاب الشٌوعٌة العربٌة هم عرب أوال ثم شٌوعٌون"(‪.)6‬‬
‫كما دعت صحف "الجمهورٌة" و"المساء" و"روز الٌوسف" على لسان أعضاء‬
‫والمتعاطفٌن مع الحزب إلى الوحدة الوطنٌة‪ ،‬مستنجدٌن بعبارة عبد الناصر سابمة الذكر‪.‬‬
‫وراحت صحف الحزب الشٌوعً ونشراته تناشد السلطة المصرٌة إعادة النظر فً‬
‫لراراتها المعادٌة للشٌوعٌٌن وتطالبها بـ "وحدة الصف الوطنً"‪..‬‬

‫وبهذه المناسيبة ذهيب فتحيً عبيدالفتاح – كمثيال ‪ -‬إليى أن حملية ‪ 1959‬كانيت عملٌية‬
‫منافٌيية للمنطييك والعمييل وال تسييتند إلييى أي مبييرر موضييوعً‪ ،‬بييل نتجييت عيين الولٌعيية بييٌن‬
‫المييوى التمدمٌيية‪ ،‬والتييً لييام بهييا المرتزليية وعناصيير مشييبوهة‪ ،‬ممييا جعييل الناصييرٌة –‬
‫مخدوعة بالطبع!‪ -‬تغليب تنالضيها الثيانوي عليى تنالضيها الرئٌسيً‪ ،‬وأن هيذه الهجمية ليم‬
‫تكيين مفٌييدة إال ليمبرٌالٌيية والرجعٌيية فييً المنطميية(‪ ،)7‬وهييو طبعييا ٌعتبيير الناصييرٌة ضييمن‬
‫الموى التمدمٌة‪ .‬ولد ردد نفس المعنى شهدي عطٌة الشافعً أميام المحكمية عيام ‪،1959‬‬
‫فؤخيذ ٌحييذر مين الييذٌن ٌعمليون علييى مييا أسيماه "تفتٌييت الميوى الوطنٌيية"‪ .‬وليد ظلييت هييذه‬
‫النغمة سائدة حتى بعد موجة االعتماالت الثانٌة فً ‪ 28‬مارس ‪ ،1959‬األوسيع نطاليا(‪.)8‬‬

‫(‪ )6‬فتحً عبدالفتاح‪ :‬شٌوعٌون وناصرٌون‪ ،‬الماهرة‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬ص ص ‪.24-23‬‬
‫(‪ )7‬نفس المصدر‪ ،‬ص ص ‪.20-11‬‬
‫جدٌر بالمالحظة أن هذا الرأي كان واسع االنتشار وسط أعضاء الحزب‪ ،‬انظر‪ :‬رفعت السعٌد‪ :‬تارٌخ الحركة‬
‫الشٌوعٌة المصرٌة ‪ ،1965-1957‬الفصل السابع‪.‬‬
‫(‪ )8‬بهذه المناسبة نتذكر إحدى طرافات غالً شكري‪ .‬ففً ممارنته بٌن عهد الناصرٌة السعٌد وعهد الساداتٌة ذكر أن‬
‫المثمفٌن فً عهد عبد الناصر لم ٌهاجروا بٌنما هاجر ‪ 500‬فً عهد السادات (اعترافات الزمن الخائب)‪ .‬هكذا متناسٌا‬
‫أن ‪ 700‬مثمف لد هج روا إلى المعتمالت إبان العهد السعٌد ولم ٌعادوا إلى المجتمع إال بعد االتفاق مع معظمهم على‬
‫االستسالم!‬

‫‪7‬‬
‫وكؤن الحكومة ليد خيدعت لميدة سينوات طوٌلية مين لٌامهيا بالتنكٌيل بالشيٌوعٌٌن والعميال‬
‫ابتداء من لمع إضراب كفر الدوار فً ‪ 1952‬وإعدام اثنٌن من العمال‪ ،‬حتى لتل فرج هللا‬
‫الحلو‪ ،‬سيكرتٌر الحيزب الشيٌوعً اللبنيانً ولتهيا‪ ،‬وتيذوٌب جسيده فيً مياء النيار‪ ،‬ميرورا‬
‫بحفالت التعذٌب ‪ -‬حتى الموت أحٌانا ‪ -‬للكوادر الشٌوعٌة‪.‬‬

‫وٌبدو أن مثمفً الٌسار لد رأوا فً معاداة الشٌوعٌة من جانب الناصرٌة االستثناء‪ ،‬أو‬
‫إذا ما استعرنا لغة هٌجل الذي ٌحبونه كثٌرا‪" :‬العنصر الوضعً الذي ٌتضمنه الميانون"‪،‬‬
‫أو "العنصر الالعملً المتضيمن بالضيرورة فيً العميل"(‪ .)9‬فالدولية الناصيرٌة تكيون بهيذا‬
‫الشكل هً العمل ولد تحمك بالفعل‪ ،‬وٌنبغً أن نؤخذ فً االعتبيار العناصير الالعملٌية التيً‬
‫تتضيمنها بشيكل ضييروري! والتيً تصيبح بالتييالً عناصير عملٌية‪ .‬وفييً الحمٌمية وجيد هييذا‬
‫الفهم وجودا ضمنٌا فً تحلٌالت مفكري الٌسار الماركسً‪ ،‬فالنظام تمدمً ككيل ولكنيه ليد‬
‫ارتكب ما ترتكبه فً العادة البرجوازٌات التً تمر بظيروف خاصية‪ .‬بيل وكثٌيرا ميا عزٌيت‬
‫جرائم النظام لهذا الجهاز أو ذان أو هذا الفرد أو ذان دون إدانة النظام نفسه‪.‬‬

‫***************************‬

‫المولف من النظام داخل المعتمالت‪:‬‬


‫لكيين مييع اسييتمرار االعتمييال لمييدة طوٌليية تييوارت داخييل المعييتمالت فكييرة التحييالف مييع‬
‫الناصرٌة من أدمغة مفكري الحزب‪ .‬فبٌنما تطورت لدى مجموعة خلٌل(‪( )10‬األللٌة)‪ ،‬فكرة‬
‫رأت أنه على الموى الشٌوعٌة أن تندمم فً حزب النظيام ال أن تميٌم معيه جبهية فحسيب‪،‬‬
‫أصبحت األغلبٌة ترى أن على الثيورٌٌن أن ٌشيكلوا جبهية وطنٌية دٌممراطٌية ضيد النظيام‬
‫ولييٌس معييه‪ ،‬إذ إن تنييالض الشييٌوعٌة مييع الناصييرٌة لييد تفييالم ميين جدٌييد بصييدد لضييٌة‬
‫الدٌممراطٌة‪ ،‬التً ال تشملهم على األلل‪.‬‬

‫إال أنييه بعييد لييرارات تييؤمٌم عييدد كبٌيير ميين الشييركات الرأسييمالٌة فييً ‪ 1961‬وصييدور‬
‫"المٌثاق" وإعالن النظام تبنٌه لالشتراكٌة العلمٌة‪ ،‬راحت الكتلة األكبر من الحزب تترنح‪،‬‬
‫وازدادت حٌرتها فً المعتمالت‪ .‬وٌوضح فتحً عبدالفتاح هذه الحالة لائال‪" :‬إن المعتملٌن‬
‫لد احتاروا فيً تفسيٌر التنيالض بيٌن شيعارات النظيام ووجيودهم فيً السيجن "(‪ .)11‬وكيان‬
‫سٌصبح من الطرٌف للغاٌة أن تصيل التوفٌمٌية إليى أوجهيا‪ ،‬فٌجيري اعتبيار هيذا التنيالض‬
‫)‪)9‬‬
‫‪The Philosophy of Right, Paragraph 3‬‬
‫(‪ )10‬طاهر عبدالحكٌم‪ :‬األلدام العارٌة‪ ،‬دار ابن خلدون‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص ‪ 101‬فً الهامش‪ .‬وخلٌل هو االسم‬
‫الحركً للشاعر كمال عبد الحلٌم‪.‬‬
‫(‪ )11‬بالمثل اح تار بٌلٌاٌف وبرٌماكوف‪ ،‬من أبرز الكتاب السوفٌت الذٌن حللوا الناصرٌة‪ ،‬فً تفسٌر التنالض‬
‫الناصري المشهور‪ ،‬فبمناسبة طرٌمة الناصرٌة فً الرد على ممتل صالح حسٌن ذكرا‪" :‬وهنا ٌتضح من جدٌد ذلن‬
‫التنالض الرئٌسً فً نظام الحكم المصري فً عهد الرئٌس عبد الناصر‪ ،‬فإن الشعارات الثورٌة المعلنة من أعلى لم‬
‫تدعم بشكل كاف بؤعمال تتصل بتنشٌط جماهٌر الشعب"‪ .‬مصر فً عهد عبد الناصر‪ ،‬أشرف على تعرٌبه‪ :‬عبد الرحمن‬
‫الخمٌسً‪ ،‬دار الطلٌعة للطباعة والنشر‪ ،‬بٌروت‪ ،‬ط ‪ ،1‬ص ‪.149‬‬
‫ولد لجؤ الكاتبان إلى تفسٌرات جزئٌة وذاتٌة لهذا التنالض‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫المزعوم دٌالكتٌكٌا‪ ،‬وبالتيالً مبيررا وصيحٌا وضيرورٌا للتطيور (لين ٌطيول انتظيارن أٌهيا‬
‫المارئ لترى هذا "اإلبداع" ٌتحمك)‪ ،‬ولد استمرت هيذه الحٌيرة‪ ،‬وانمسيم المعتمليون حيول‬
‫تفسٌر التنالض المزعوم إلى ثالثة اتجاهات أساسٌة‪:‬‬

‫فاعتمدت كتلة "حدتو" أن الناصرٌٌن هم عبارة عن مجموعة اشتراكٌة‪ ،‬كشفت عن‬


‫ذاتها بمرارات التؤمٌم وأنها لررت تحمٌك االشتراكٌة‪ .‬وعلى أساس هذا التفسٌر تولعت‬
‫المنظمة أن ٌفرج عن أعضائها المعتملٌن لٌشاركوا فً إنجاز الثورة االشتراكٌة‪ .‬وٌنسجم‬
‫هذا التفسٌر مع الروح التً تم بها تمبل اعتماالت ‪ ،1959‬فالسلطة لد ظلت تمدمٌة ولكن‬
‫"الخطؤ" ٌرجع إلى عوامل أخرى‪ .‬واعتمدت مجموعة أخرى أن الدولة لد لررت السٌر‬
‫فً طرٌك التطور الرأسمالً بواسطة رأسمالٌة الدولة‪ ،‬ذات الطابع التمدمً بالطبع! أما‬
‫المجموعة الثالثة فمد فسرت األمر على أساس أن السلطة لد لررت اتباع "التطور‬
‫الالرأسمالً"‪.‬‬

‫ورغم الخالفات‪ ،‬أجمع الكل على الطابع التمدمً إلجراءات ‪ 1961‬وعلى أنه ٌستحك‬
‫تؤٌٌد الشٌوعٌٌن‪ .‬فملكٌة الدولة فً الماركسٌة أكثر تمدمٌة تارٌخٌا من الملكٌة الخاصة‪.‬‬
‫فالبرنامم الماركسً فً كل مكان نص على تحوٌل الملكٌات الخاصة أو ما تٌسر منها إلى‬
‫ملكٌة الدولة‪ .‬وفً كل مكان تمرٌبا أٌد الماركسٌون التؤمٌم والتخطٌط المركزي‪ .‬لال‬
‫ماركس وإنجلز بوضوح‪ٌ" :‬ستطٌع الشٌوعٌون أن ِّ‬
‫ٌلخصوا نظرٌتهم بعبارة وحٌدة‪ :‬إلغاء‬
‫الملكٌة الخاصة"(‪ .)12‬ومما ذكره لٌنٌن فً هذا المجال بعٌد الثورة الروسٌة‪" :‬إن‬
‫رأسمالٌة الدولة خطوة إلى األمام ممارنة بالحالة الحالٌة فً جمهورٌتنا السوفٌتٌة وإذا‬
‫تؤسست فً غضون ستة أشهر تمرٌبا فً جمهورٌتنا‪ ،‬فسوف ٌكون هذا نجاحا‬
‫كبٌرا"(‪ .)13‬وفً بالدنا ٌنظر الماركسٌون دائما إلى خصخصة لطاع الدولة االلتصادي‬
‫على أنه خطوة رجعٌة أو بمثابة ردة‪ ،‬بل حتى اعتبرت فً عهد السادات من لبل الكثٌرٌن‬
‫ثورة مضادة‪.‬‬

‫ولكن كان أمام حدتو وأصحاب نظرٌية الطرٌيك الالرأسيمالً مشيكلة نظرٌية كبٌيرة‪ :‬أي‬
‫طبمة تمثل تلين المجموعية االشيتراكٌة (أو الالرأسيمالٌة)؟ وكيان التفسيٌر المعتميد هيو أن‬
‫السيلطة تمثييل الشييعب العامييل ولييٌس الطبميية العامليية‪ .‬ولكيين ميين هييو الشييعب بالضييبط ؟ أال‬
‫ٌشيمل – كمييا ذهبييت الناصييرٌة – الرأسييمالٌة "غٌيير المسييتغلة"! لييم ٌحييدد مفكييرو الحييزب‬
‫وحدتو‪ .‬وٌتحدث فً هيذه المسيؤلة فيإاد مرسيً‪ ،‬أحيد الزعمياء الثالثية لألغلبٌية‪ ،‬أي كتلية‬
‫الحييزب (بخييالف كتليية حييدتو)‪ ،‬معتبييرا أن "دٌكتاتورٌيية البرولٌتارٌييا شييرط أولييً للثييورة‬
‫االشتراكٌة"‪ ،‬ولكنه أخذ ٌعدل ألواله فورا‪" :‬إنه بعد الحرب العالمٌة الثانٌية ظهيرت فكيرة‬
‫جدٌييدة‪ :‬الدٌممراطٌيية الشييعبٌة" (وحتييى هنييا ال ٌبييدو أي شييىء فرٌييد)‪ ،‬ولكيين فلنوصييل مييع‬
‫المفكر الكبٌر‪" :‬وظهر شىء ثالث وهو جدٌد تماما وتم تحمٌمه فً المستعمرات السابمة‪..‬‬
‫(‪)12‬‬
‫‪Manifesto of the Communist Party, Proletarians and Communists‬‬
‫)‪The Tax in Kind (The Significance Of The New Policy And Its Conditions), (13‬‬
‫‪Collected Works, 1st English Edition, Progress Publishers, Moscow, 1965,‬‬
‫‪Volume 32, pp. 329-365‬‬

‫‪9‬‬
‫تبدأ هيذه البليدان فيً التحيول مين الثيورة الوطنٌية إليى االشيتراكٌة بغٌير إلامية دٌكتاتورٌية‬
‫البرولٌتارٌا ولكن باتخاذ أشكال جدٌدة لسلطة الشعب العاميل"(‪( )14‬والبيد أن فيإاد مرسيً‬
‫ٌشعر هنا أنه ٌضٌف إلى الفكر البرولٌتاري!)‪ .‬وتتخلص إضافات فإاد مرسً فً اآلتً‪:‬‬

‫‪ -1‬لم تعد دٌكتاتورٌة البرولٌتارٌا شرطا للثورة االشتراكٌة‪ ،‬ولم ٌذكر لم؟‪.‬‬

‫‪ -2‬إنهييا مجييرد شييكل لسييلطة مييا أسييماه "بالشييعب العامييل"‪ ،‬والتييً توجييد منهييا أشييكال‬
‫عدٌدة‪ ،‬طالما أن المضمون ٌمكن أن ٌتخيذ عيدة أشيكال‪ ،‬منهيا الناصيرٌة بيالطبع‪ .‬وتناسيى‬
‫األسييتاذ مرسييً طبعييا أن ٌحييدد لنييا مفهوم يه عيين الشييعب العامييل‪ ،‬هييل ٌشييمل الرأسييمالٌة‬
‫الوطنٌة والجنود – و بالطبع الضباط ‪ -‬كما ذهب المٌثاق الناصري؟(‪.)15‬‬

‫ولكين كٌييف تميوم سييلطة الشييعب العاميل‪ ،‬الثورٌيية طبعييا! باعتميال وتعييذٌب الشييٌوعٌٌن‪،‬‬
‫اليذٌن رفعيوا شييعارات النظيام نفسييه‪ ،‬أو بياألحرى الييذٌن رفيع النظييام شيعاراتهم واسييتخدام‬
‫لغتهم؟ استمر التفسيٌر السيابك اليذي ٌفصيل بيٌن الدولية ومإسسياتها‪ ،‬وبليو أكميل صيورة‬
‫على ٌد الزعٌم الثانً لمجموعة األغلبٌة؛ أبو سٌف ٌوسف‪ ،‬فهو ٌيرى وجيود تنيالض ميع‬
‫النظيييام ولكنيييه ال ٌنفيييً "وحيييدة الميييوى الوطنٌييية"‪ ،‬مسيييتندا إليييى ليييانون وحيييدة وصيييراع‬
‫المتنالضات الدٌالكتٌكً‪ ،‬الذي عبر عنه فً رأي فٌلسوف األغلبٌة لول الشاعر‪:‬‬

‫على عزٌزة‬
‫ِّ‬ ‫بالدي وإن جارت‬
‫على كرام‬
‫ِّ‬ ‫وأهلً وإن ضنوا‬

‫وكان تعلٌك الفٌلسوف كالتالً‪" :‬هذا الشاعر ٌعبر بشكل من األشكال عين صيٌاغة‬
‫لمانون الوحدة والصراع"(‪.)16‬‬

‫والحمٌميية أن التنييالض مييرتبط دائمييا بالوحييدة‪ ،‬ولكيين الوحييدة أو الهوٌيية فييً الييدٌالكتٌن‬
‫لٌسيت كميا هيً فييً ذهين أبيً سييٌف ٌوسيف‪ ،‬بيل هيً وحييدة متنالضيات‪ .‬واألمير األهييم أن‬
‫الفٌلسوف لم ٌفسر لنا الولائع‪ ،‬فالتنالض لد تغلب على الوحدة‪ ،‬دون أن ٌنبس ببنت شفة‬

‫(‪ )14‬مجلة "الطلٌعة"‪ ،‬عدد ‪ ،10‬عام ‪.1965‬‬


‫(‪ )15‬ضمن اإلضافات األحدث للدكتور فإاد مرسً حول االشتراكٌة الناصرٌة‪" :‬إن طرٌك التحول االشتراكً هو‬
‫طرٌمنا الوحٌد‪ ،‬وإننا حممنا فٌه منجزات كبٌرة‪ ،‬وإن ما ثار من صعاب مرده لصور فً التطبٌك أو لٌود فرضت على‬
‫التحول االشتراكً"‪ .‬هذا االنفتاح االلتصادي‪ ،‬دار الوحدة للطباعة والنشر‪ ،‬الماهرة‪ ، 1980 ،‬ص ‪.7‬‬
‫وٌفهم من هذا أنه ٌإٌد االشتراكٌة الناصرٌة تماما مع تحفظه على بعض "األخطاء" العرضٌة‪ .‬ومع ذلن ذهب فً‬
‫انتماده لمطاع الدولة فً الفترة نفسها إلى آخر مدى‪ ،‬إلى درجة إلراره بؤنه لد "تم تشوٌه مفهوم التنمٌة ذاته"‪ ،‬ص‬
‫‪ .33‬ومع ذلن لم ٌتراجع أبدا عما ذكره من لبل عن اشتراكٌة ذلن "المطاع العام" الذي تشوه على ٌدٌه مفهوم التنمٌة!‬
‫واألمر من ذلن أنه اعترف وألر (ص ‪ )52‬باآلتً‪" :‬وفً النهاٌة لم ٌمدم المطاع العام نموذجا جدٌدا ألسلوب اإلنتاج‬
‫ِّ‬
‫ٌكون هو النمٌض والبدٌل ألسلوب اإلنتاج الرأسمالً‪ ،‬ومن ثم بمً أسلوب اإلنتاج الرأسمالً بغٌر إدانة عملٌة وبالتالً‬
‫فإنه لم ٌصف"‪.‬‬
‫ونحن لدٌنا هنا تساإل مشروع‪ :‬كٌف ٌمكن اللتصاد ال ٌزال رأسمالٌا أن ٌكون اشتراكٌا فً نفس الولت؟ أو هل‬
‫ٌمكن اللتصاد اشتراكً أن ٌظل رأسمالٌا بسبب بعض األخطاء؟ وهل ٌكون اشتراكٌا "فً ذاته" إذن؟‬
‫(‪ )16‬مجلة الطلٌعة‪ٌ ،‬ناٌر ‪.1975‬‬

‫‪10‬‬
‫حيول إمكانٌيية اعتبيار هييذه الوحييدة ال تميت بصييلة ميا إلييى الوطنٌيية‪ ،‬أفيال تتحييد البرجوازٌيية‬
‫والبرولٌتارٌيا أٌضيا فييً نميط إنتياج واحييد؟ إن الوحيدة فيً الييدٌالكتٌن ال تعنيً الصييدالة أو‬
‫المحبة كما ٌفهمها الفٌلسوف العزٌز!(‪.)17‬‬

‫***************************‬

‫لرار حل الحزب واالندماج فً النظام‪:‬‬


‫وبعد إصدار "المٌثاق" وإعالن االشتراكٌة رسمٌا برزت إلى األذهان فكرة التحالف مع‬
‫السيلطة‪ .‬فالنظيام صيار فييً نظير المنظميات الشييٌوعٌة تميدمٌا جيدا عييالوة عليى أنيه ضييمن‬
‫الموى الوطنٌة‪ .‬ولد لررت لٌادة حدتو حل التنظٌم فيً ‪ 1963‬وهيً داخيل المعتميل‪ ،‬عليى‬
‫أساس أن ٌنضم كوادرها إلى "االتحاد االشتراكً"‪ .‬ثم لامت بحل نفسها رسمٌا فً مارس‬
‫‪ ،1965‬ولام أحد كبار رجالها بإرسال برلٌة إلى عبد الناصر ٌزف إلٌه بشرى حل التنظٌم‬
‫كهدٌة لـه من الحزب بمناسبة إعادة انتخابه رئٌسا للجمهورٌة(‪ .)18‬كما راح الحزب ٌروج‬
‫لفكرة "وحدة الموى االشتراكٌة" ثم لام بحل نفسه فً أغسطس ‪ )19(1965‬وأصدر بٌانيا‬
‫ٌييدٌن فٌييه نفسييه‪ ،‬معترفييا بييؤن الشييٌوعٌٌن لييد "لصييروا عيين تحوٌييل أفكييارهم ومييوالفهم‬
‫السٌاسٌة إلى لوة مادٌة فعالة تجري التحوالت الثورٌة المتطلبة"‪ ،‬وهذا رجع إلى سيببٌن‬
‫من وجهة نظر الحزب‪:‬‬
‫"األول‪ :‬عيييدم االرتبييياط العمٌيييك والعضيييوي بالجمييياهٌر الواسيييعة‪ ،‬والعزلييية النسيييبٌة‪،‬‬
‫خصوصا عن أعرض ألسامها‪ ،‬وهم الفالحون‪.‬‬
‫والثانً‪ :‬االنمسامات المزمنة التً فتتت الحركة الشٌوعٌة المصرٌة‪.‬‬
‫وباإلضييافة إلييى هييذٌن السييببٌن الرئٌسييٌٌن‪ ،‬ثميية أسييباب أخييرى بعضييها ذاتييً واآلخيير‬
‫موضوعً‪ ،‬فً ممدمتها افتمار التنظٌمات الشٌوعٌة المصرٌة إلى المٌادات الشعبٌة النابعة‬
‫من صيفوف العميال والفالحيٌن‪ ،‬وغلبية نفيوذ مفياهٌم البرجوازٌية الصيغٌرة بيٌن صيفوفها‪.‬‬

‫(‪ )17‬رغم أن فٌلسوف األغلبٌة لد استطاع أن ٌجد تعلٌال ذا لهجة ماركسٌة للتنالض المزعوم‪ ،‬فان أحد مفكري‬
‫الٌسار لد اكتفى بالتعجب مما ا عتبره التنالض بٌن الثمافة السائدة والوالع فً مصر الناصرٌة‪ ،‬وراح ٌصب هجومه‬
‫على فساد المسرح والسٌنما‪ ،‬وعلى الكتب الرخٌصة التً مألت المخازن‪ ،‬وعلى تحكم التجار فً "المطاع العام"‬
‫للمسرح والسٌنما‪ .‬كما ألر بؤن الفلسفة التً سادت فً تلن الفترة كانت براجماتٌة جون دٌوي‪ ،‬أو الوضعٌة المنطمٌة‬
‫(لٌست االشتراكٌة العلمٌة إذن؟! )‪ .‬ومع ذلن لم ٌتخل صاحبنا هذا عن إخالصه العمٌك للناصرٌة‪ ،‬بل وحٌن نعت عبد‬
‫الناص ر بالبونابرتٌة فمد اختلف مع اآلخرٌن فً أنه استخدم هذا اللفظ فً سٌاق المدٌح ال الذم‪ .‬ولد رصد وجود تنالض‬
‫بٌن االتجاه نحو الشرق تجارٌا ونحو الغرب ثمافٌا ‪ ،‬ولم ٌحاول أن ٌفسر لنا كٌف ٌتنالض البناء الفولً لطبمة ما مع‬
‫بنائها التحتً بهذه الصورة! إن التنالض فً ا لحمٌمة ظل ٌكمن فً ذهنه الذي لم ٌستطع حتى أن ٌهاجم جماعة‬
‫"التفكٌر والهجرة" فً نفس دراسته إال من داخل اإلسالم‪ ،‬ولم ٌكتشف هنا التنالض البٌن بٌن ماركسٌته وإسالمه‪ .‬ولد‬
‫امتد معه االنفصام حٌن هاجم الماركسٌٌن الساداتٌٌن فً الولت الذي أصبح هو فٌه ذٌل لصٌرا لصدام حسٌن‪ .‬والكاتب‬
‫هو أمٌر اسكندر‪ ،‬والمرجع هو‪ :‬صراع الٌمٌن والٌسار فً الثمافة المصرٌة‪ ،‬دار ابن خلدون للطباعة والنشر‪.1978 ،‬‬
‫(‪)18‬‬
‫نشر رفعت السعٌد صورة البرلٌة فً‪ :‬تارٌخ الحركة الشٌوعٌة المصرٌة ‪ ،1965-1957‬ص ‪.329‬‬
‫)‪ )19‬طاهر عبد الحكٌم‪ ،‬المصدر السابك‪ ،‬ص ‪.9‬‬

‫‪11‬‬
‫ومن هذه األسباب أٌضا الجمود العمائيدي‪ ،‬اليذي سياد فتيرة طوٌلية فيً الحركية الشيٌوعٌة‬
‫المصرٌة‪ .‬ان هذا الجمود فً جوهره ٌتمثل بالدلة فً عدم إدران التغٌيرات الجذرٌية التيً‬
‫حيدثت علييى الصييعٌد الييدولً بانتصييار االشييتراكٌة فيً العييالم‪ ،‬وميين هنييا درجييت المنظمييات‬
‫الشٌوعٌة المصرٌة على التملٌيل مين دور المٌيادات الوطنٌية الثورٌية األخيرى‪ ،‬التيً بيدأت‬
‫توالً الظهور عليى المسيرح السٌاسيً ونخيص منهيا باليذكر لٌيادة الضيباط األحيرار التيً‬
‫نظمت ثورة ‪ٌ 23‬ولٌو ‪.)20("1952‬‬

‫هكذا لم ٌكتف الماركسٌون بحيل حيزبهم‪ ،‬بيل وراحيوا ٌعتيذرون عين جميودهم العمائيدي‬
‫وٌبدو من البٌان السابك أن الممصود أن ذلن الجمود لد منعهم من حل منظماتهم فً ولت‬
‫سابك! لكن ال نستطٌع إغفال أن للة صغٌرة ليد رفضيت حيل الحيزب واسيتمرت فيً العميل‬
‫المنظم بعد الخروج من المعتمالت‪.‬‬

‫وأخٌرا تحممت الجبهة المنشودة‪ ،‬الشعار المطروح منذ األربعٌنات مين لبيل التنظٌميات‬
‫الماركسييٌة كحييل سييحري لمضيياٌا الثييورة‪ ،‬ولكيين علييى الطرٌميية الناصييرٌة‪ .‬وحٌنئييذ انضييم‬
‫عشييرات الماركسييٌٌن إلييى االتحيياد االشييتراكً‪ ،‬وانضييم آخييرون للتنظييٌم الطلٌعييً لٌمومييوا‬
‫بالتروٌم للناصرٌة‪ .‬وكانت آخر لعبة الستكمال تصيفٌة الحيزب أن سيمحت السيلطات‪ ،‬لبيل‬
‫حله بملٌل‪ ،‬بدخول عدد من أعضائه إلى التنظٌم الطلٌعً واالتحاد االشتراكً‪ ،‬على أساس‬
‫التزامهم بالماركسٌة اللٌنٌنٌة‪ .‬وخدع فعال عدد من الكوادر بفضل ميا أتيٌح لهيم – عميدا ‪-‬‬
‫من حرٌة الحركة‪ ،‬كما تم اإلفراج عن عدد من عمال حلوان – استكماال للخدعة – بمجرد‬
‫اتصال تلٌفونً من أحد المادة الماركسيٌٌن فيً االتحياد االشيتراكً بيوزٌر الداخلٌية‪ .‬ولكين‬
‫بعد حيل الحيزب تيم طيرد عيد كبٌير مين هيإالء‪ ،‬واسيتمر فميط الموافميون عليى حيل الحيزب‬
‫ولبلوا التعاون مع الناصرٌة تعاونا كيامال‪ ،‬وبتعبٌير ط‪ .‬ث ‪ .‬شياكر‪" :‬اليذٌن لبليوا التعياون‬
‫بدون تحفظ مع النظام"(‪.)21‬‬

‫ولد تم اإلفراج عن جمٌع المعتملٌن فً ماٌو عام ‪ ،1964‬لتعيود السيلطة العتميال عيدد‬
‫من الرافضٌن لمرار حل الحزب أو ممن انتمدوا النظام‪ ،‬كما اعتمل عدد من لٌادات منظمة‬
‫الشباب االشتراكً ومدرسً "المعهد العالً للدراسات االشتراكٌة" الحكومً عام ‪1966‬‬
‫بحجة تروٌم الماركسٌة(‪ .)22‬ورغم ذلن لم تختيف فكيرة التحيالف أو االنيدماج فيً النظيام‪.‬‬
‫فبعد أن كان مفكرو الٌسيار ليد عيادوا ٌركيزون عليى مسيؤلة الدٌممراطٌية باعتبارهيا نمطية‬
‫خالفهييم الرئٌسييٌة مييع الناصييرٌة‪ ،‬تراجعييت الغالبٌيية عيين ذليين‪ ،‬وتالشييت كافيية التنالضييات‬
‫بدخول معظم المثمفٌن إلى االتحاد االشتراكً وحصول للٌل منهم على مناصب فً الدولية‬
‫ولطاعها االلتصادي‪ .‬وعلى العكس لم ٌعد أغلب العمال إلى أعمالهم وتركوا ٌبحثيون عين‬
‫عمل‪ ،‬بل وأوصٌت كافة المإسسات بعدم لبيولهم‪ .‬أميا المدرسيون وأسياتذة الجامعيات فميد‬

‫(‪ )20‬مجلة "الطلٌعة"‪ ،‬عدد ‪ 12‬عام ‪ ،1966‬االفتتاحٌة‪.‬‬


‫(‪ )21‬لضاٌا التحرر الوطنً والثورة االشتراكٌة فً مصر‪ ،‬دار الفارابً‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ص ‪ ،182‬ص ‪.183‬‬
‫(‪ )22‬فتحً عبد الفتاح‪ ،‬المصدر السابك‪ ،‬ص ‪.862‬‬

‫‪12‬‬
‫ألحموا بؤعمال إدارٌة كما سجل فتحً عبد الفتاح(‪ .)23‬هذا طبعا دون أن ٌتحرن المثمفيون‬
‫ودون أن ٌكتشف "المتعاونون مع النظام" وجود تنالض‪ ،‬دٌالكتٌكً بحك هذه المرة! لميد‬
‫تولييف لييانون الوحييدة والصييراع ‪ -‬كمييا أحييب بعضييهم تسييمٌته – عيين العمييل‪ ،‬بييل وانعييدم‬
‫التنييالض وبمٌييت الوحييدة فمييط! كييذلن أصييبح االتحيياد االشييتراكً ٌعييد هييو التنظييٌم الثييوري‪،‬‬
‫والمٌثاق الناصري هو النظرٌة الثورٌة(‪.)24‬‬

‫وبعد أن كانت لٌادات الٌسار تمف مع اللٌبرالٌة ضد الناصرٌة فً أعماب انمالب ٌولٌو‬
‫‪ ، 1952‬فٌما ٌختص على األلل بمسؤلة شكل الحكم‪ ،‬انملب الحيال إليى ضيده بعيد االنيدماج‬
‫فً تنظٌم السلطة‪ ،‬ولد بدأ هذا التحول منذ ‪.1957‬‬

‫وهان بعض األفكار الجدٌدة لمفكري الحزب المنحل‪:‬‬

‫ٌمييول مٌشييٌل كامييل أحييد كبييار المنظييرٌن الماركسييٌٌن فييً السييتٌنات والسييبعٌنات‪" :‬إن‬
‫واجهة الدٌممراطٌة المزٌفة لم تكن تمثل إال دٌممراطٌة الرجعٌة" (ٌمصد لٌبرالٌة نظام ما‬
‫لبل انمالب ٌولٌو ‪ .. )1952‬إن ممارسة الحرٌة بعد العملٌة الثورٌة الهائلة إلعادة توزٌع‬
‫الثروة الوطنٌة منذ ٌولٌيو ‪ 1961‬ال تشيكل خطيرا عليى أمين النضيال اليوطنً"(‪ .)25‬ولكين‬
‫مهال أٌها الميارئ‪ ،‬فلسيوف ٌوضيح حياال – فيً نفيس الموضيع ‪ -‬مفهوميه للحرٌية‪" :‬إنهيا‬
‫الحرٌية الموجهية تميوم عليى ضيرب اليدعائم المادٌية ليلطياع ورأس الميال وتمصير حرٌيية‬
‫العمل والتنظٌم عليى الميوى الشيعبٌة (شياملة طبعيا الضيباط الناصيرٌٌن والرأسيمالٌة غٌير‬
‫المسيييتغلة! – الكاتيييب) إنهيييا ذات ميييدلول اجتمييياعً وطيييابع ثيييوري‪ ،‬دٌممراطٌييية للطبميييات‬
‫الشعبٌة"‪ .‬وفً موضع آخر راح المفكر الكبٌر ٌضع أربيع سيمات للنظيام االشيتراكً‪ ،‬مين‬
‫ضمنها‪:‬‬

‫"أن تكون السلطة فً أٌيدي الميوى العاملية" (التشيدٌد مين عنيدنا)‪ .‬ولينالحظ أن تعبٌير‬
‫"الموى العاملة" بدٌل عن الطبمة العاملة‪ ،‬ومن المفهوم أن كل الموى االجتماعٌية عاملية‬
‫ما عدا األطفال والعاطلٌن والعجزة‪ ..‬ألٌس كذلن؟ فالبٌرولراطٌون والضيباط ٌعيدون أٌضيا‬
‫ضمن الموى العاملة!‬

‫وباستخدام ألفاظ درجت الكتابات الماركسٌة على استعمالها‪ ،‬راح لطفً الخولً ٌبرر‬
‫دٌكتاتورٌة الفرد‪" :‬أمام هذا كله ٌصبح ضرورة موضوعٌة للعمل الثوري أن ٌتولى‬
‫المناضل جمال عبد الناصر بجانب لٌادته لتنظٌم لوى الشعب العاملة رئاسة الدولة"(‪.)26‬‬

‫(‪ )23‬نفس المصدر‪ ،‬ص ‪.267‬‬


‫(‪ )24‬انظر ‪ -‬على سبٌل المثال – "الطلٌعة"‪ ،‬عدد ‪ ،1965/2‬ممال إسماعٌل صبري عبدهللا‪ ،‬الزعٌم الثالث لألغلبٌة‪،‬‬
‫وممال سلٌمان الطحاوي‪.‬‬
‫(‪)25‬‬
‫مفهوم وطرٌك االشتراكٌة فً المٌثاق‪ ،‬مجلة "الطلٌعة"‪ ،‬عدد ‪ 1‬عام ‪ ،1965‬ص ‪.20‬‬
‫(‪ )26‬مجلة "الطلٌعة"‪ ،‬عدد ‪ 2‬عام ‪ ،1965‬االفتتاحٌة‪ .‬ولم ٌكن لطفً الخولً ٌمثل أٌا من المنظمات المنحلة‪ ،‬ولكنه‬
‫كان على وجه العموم ٌمثل تٌارا واسعا من الشٌوعٌٌن المراجعٌن إبان الستٌنات‪ .‬ونحن نشٌر فً هذه الدراسة إلى‬
‫األفكار التً نرى أنها لد وجدت لبوال واسعا وسط المشهد العام الماركسً‪ ،‬بغض النظر عن األمثلة الفردٌة التً‬
‫لدمناها‪ .‬ومن المعروف أن هنان للة رفضت االستسالم للناصرٌة‪ ،‬ولكنها حصرت خالفها أساسا فً مسؤلة شكل الحكم‪،‬‬
‫‪13‬‬
‫لمد أصبحت "الضرورة الموضوعٌة" تبرر دٌكتاتورٌة الفرد ولٌس فمط إنهاء الخالف‬
‫حول المسؤلة الدٌممراطٌة!‬

‫باستثناء السنوات األولى‪ ،‬كان جل أعضاء المنظمات الشٌوعٌة متحمسٌن أشد‬


‫التحمس للسٌاسة الناصرٌة‪ ،‬خاصة السٌاستٌن الخارجٌة وااللتصادٌة‪ .‬وكان الحماس‬
‫عظٌما خالل الستٌنات‪ ،‬وحتى داخل المعتمالت‪ .‬وٌستثنى من ذلن مولف أللٌة ٌسارٌة‬
‫كانت ألل تحمسا وبعضها معاد‪ ،‬ولد رفضت أن تمبل الشعارات االشتراكٌة للنظام‪،‬‬
‫وشخصته ككل كنظام برجوازي رغم التؤمٌمات الكبرى‪ .‬أما الخالف الذي ظل دائما ٌوضع‬
‫فً االعتبار من جانب الجمٌع تمرٌبا‪ ،‬فكان ٌتعلك بمسؤلة نظام الحكم‪ ،‬أي الدٌممراطٌة‪.‬‬
‫ولكن منذ اإلفراج عن الشٌوعٌٌن المعتملٌن تغٌرت الغالبٌة‪ ،‬وخاصة عناصر المثمفٌن‪،‬‬
‫وراحت تتفادى بمدر اإلمكان أي خالف مع الناصرٌة‪ ،‬حتى بخصوص مسؤلة الدٌممراطٌة‪،‬‬
‫وتشكلت "جبهة" فً شكل ناصري أصٌل‪ .‬فاندمم الٌمٌن الماركسً فً مإسسات‬
‫السلطة‪ ،‬فلم ٌكتف بحل الحزب فً عام ‪ 1965‬وإنما راح ٌمارس الدمججة على وعً‬
‫الجماهٌر بشعارات لم ٌرفعها من لبل صراحة‪ .‬وكان هو الذي استطاع بؤفضل شكل أن‬
‫ٌصور الحكم الناصري فً صورة الحكم الثوري الدٌممراطً‪.‬‬

‫***************************‬

‫التنظٌر للناصرٌة‪:‬‬
‫فً التنظٌم الطلٌعً ضمت السلطة عددا محدودا من الشٌوعٌٌن المعتدلٌن انضم‬
‫بعضهم لبل حل الحزب الشٌوعً المصري؛ ‪ 20‬حسب تمدٌر فتحً عبد الفتاح و‪36‬‬
‫حسب تمدٌر صالح عٌسى‪ .‬ولد لعب هإالء دورا كبٌرا فً إعداد النشرات واألبحاث التً‬
‫تظهر الحكم الناصري فً صورة اشتراكٌة ودٌممراطٌة شعبٌة‪ ،‬وإلماء المحاضرات على‬
‫الشباب‪ ،‬وتلمٌنه مبادئ األفكار الناصرٌة كما جاءت فً المٌثاق ونشرات أخرى‪.‬‬

‫ولييد اعتييرف الشييٌوعٌون الناصييرٌون باالتحيياد االشييتراكً كتنظييٌم ثييوري وبالمٌثيياق‬


‫كنظرٌية ثورٌيية؛ كبييدٌل معتيرف بييه ضييمنا عليى األلييل‪ ،‬للماركسييٌة التيً تييم االحتفيياظ منهييا‬
‫ببعض الصٌاغات وتمالٌد الكتابة ووضعت فً خدمة الناصيرٌة‪ .‬وكيذلن رحبيوا بصيٌغة اليـ‬
‫‪ ٪ 50‬للعمييال والفالحييٌن‪ ،‬باعتبارهييا مسيياوٌة لمٌييادة الطبمتييٌن للتحييالف المزعييوم "لمييوى‬
‫الشعب العاملة"‪ ،‬وراح هيإالء ٌسياوون شيعار اليـ‪ ٪50‬الناصيري بشيعار "تحيالف العميال‬
‫والفالحٌن" اللٌنٌنً‪.‬‬

‫و إذا رجعنا إلى المنابر الرسمٌة لٌمٌن الحركة الشٌوعٌة إبان الفترة التالٌة لعام‬
‫‪ : 1965‬مجلتً "الطلٌعة" و"الكاتب"‪ ،‬مجلة "روز الٌوسف" إلى حد ما‪ ،‬صحٌفة‬
‫"األخبار" فً فترة ما‪ ،‬نجد التروٌم لألفكار الناصرٌة وفك صٌو ماركسٌة‪ .‬وال ٌخلو عدد‬

‫وا نصب نمدها ألفراد التٌار المرتد فً تخاذلهم أمام السلطة وتعاونهم الكامل معها وموافمتهم على حل الحزب‪ .‬انظر‬
‫على سبٌل المثال‪ :‬طاهر عبدالحكٌم‪ :‬األلدم العارٌة‪ ،‬دار ابن خلدون‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫واحد من عشرات التوكٌدات على سالمة "النظرٌة الثورٌة" و"التنظٌم الثوري"‬
‫الناصرٌٌن‪ ..‬نمتبس منها بعض النماذج لكً ٌمف المارئ على روح اللحظة‪ ،‬إن صح‬
‫التعبٌر‪:‬‬

‫"تعترف اشتراكٌتنا فً المٌثاق بصراع الطبمات‪ ،‬وتضع له تحلٌال علمٌا من أرلى ما‬
‫عرف من تحلٌالت‪ ،‬وهً تتطلب حل الصراع الطبمً حال سلمٌا"(‪.)27‬‬

‫وٌستكمل نفس الكاتب‪ ،‬فٌتكلم فً فمرة طوٌلة عن دٌكتاتورٌة البرولٌتارٌا باعتبارها‬


‫شرطا أولٌا للثورة االشتراكٌة‪ ..‬ولكنه ٌتدارن فٌمول أنه بعد الحرب الثانٌة "ظهر شًء‬
‫جدٌد تماما فً البلدان النامٌة"‪" ...‬تبدأ هذه البلدان فً التحول من الثورة الوطنٌة إلى‬
‫االشتراكٌة بغٌر إلامة دٌكتاتورٌة البرولٌتارٌا‪ ،‬ولكن باتخاذ أشكال جدٌدة لسلطة الشعب‬
‫العامل"(‪ٌ . )28‬فهم من هذا أن الماركسً فإاد مرسً ٌعتمد أن دٌكتاتورٌة البرولٌتارٌا‬
‫لٌست سوى أحد أشكال سلطة الشعب العامل‪ .‬أما فً الكالسٌكٌات الماركسٌة فمد اعتبرت‬
‫سلطة السوفٌتٌات‪ ،‬أو المجالس الشعبٌة شكال لدٌكتاتورٌة البرولٌتارٌا‪ ،‬أي عكس ما‬
‫ٌمصده‪ .‬وٌضٌف فإاد مرسً‪" :‬إن مبدأ الـ‪ %50‬هو أخطر مبدأ دٌممراطً ألرته التجربة‬
‫الناصرٌة"(‪.)29‬‬

‫منظر للناصرٌة‪ ،‬نملة أخرى ذات شكل أكثر‬ ‫ِّ‬ ‫وٌنتمل بنا محمود أمٌن العالم‪ ،‬أعمك‬
‫هٌجلٌة(‪ ،)30‬فٌتحدث عن الحرٌة منتمدا المفهوم اللٌبرالً للحرٌة‪ ،‬ممدما لمفهوم هٌجلً‬
‫للغاٌة‪ :‬الحرٌة هً إدران الضرورة‪ .‬ولكنه راح ٌصدمنا‪ ،‬فهو ال ٌمصد بـالضرورة ما‬
‫لصده هٌجل‪ ،‬بل حالة الطوارئ الدائمة طوال العصر الناصري‪" :‬كثٌر من المواطنٌن‬
‫الزالوا ٌفتمدون المعنى الحمٌمً للحرٌة وٌتعلمون بؤسلوب لٌبرالً ال ٌتفك مع مالبساتنا‬
‫الثورٌة الجدٌدة"‪" ،‬ولعل المٌثاق أن ٌكون أنضم ما كتب حتى اآلن عن المفهوم العلمً‬
‫الصحٌح للحرٌة"‪ ،‬ثم ٌسند نفسه إلى هٌجل‪ٌ" :‬عرف هٌجل الحرٌة بمعرفة‬
‫الضرورة"(‪ ،)31‬وٌواصل‪" :‬أي الوضعٌن أكثر حرٌة‪ ،‬مصر لبل ثورة ‪ٌ 23‬ولٌو ‪1952‬‬
‫(‪ )27‬فإاد مرسً‪ ،‬مجلة "الطلٌعة"‪ ،‬عدد أكتوبر ‪.1966‬‬
‫(‪ )28‬نفسه‪.‬‬
‫(‪ )29‬مجلة "الطلٌعة"‪ٌ ،‬ولٌو ‪.1965‬‬
‫(‪ )30‬معارن فكرٌة‪ ،‬الماهرة‪ ،1965 ،‬ص ص ‪.187-154‬‬
‫(‪)31‬‬
‫لٌس المعنى الذي ٌمصده هٌجل بهذه العبارة هو المعنى الذي أراد أن ٌمدمه لنا محمود العالم‪ ،‬فهٌجل ٌرى أن‬
‫" الحرٌة تعنً أن الشًء اآلخر الذي تتعامل معه هو ذات ثانٌة‪ ،‬حتى إنن ال تترن أبدا األساس الخاص الذي تمف علٌه‪،‬‬
‫وإنما تشرع لنفسن وتضع لانونن الخاص" (موسوعة العلوم الفلسفٌة‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬ترجمة إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬دار‬
‫التنوٌر‪ ،‬بٌروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬ص ‪ .) 102‬فالحرٌة باختصار تعنً التعٌٌن الذاتً‪ ،‬أي أن تحدد نفسن بنفسن‪.‬‬
‫فإذا كانت الموانٌن تعبر عن إرادتً‪ ،‬فؤنا إذن حر‪ .‬أما إذا كانت تعبر عن إرادة الحاكم فؤنا إذن لست حرا ألن "الحرٌة‬
‫تستلزم أال نشعر أننا فً حاجة إلى شًء آخر غٌر ذواتنا" (ص ‪ .) 103‬وٌرى هٌجل أن الحمٌمً هو الكلً‪ ،‬لذلن ٌكون‬
‫الفرد إنسانا حمٌمٌا بمدر ما ٌكون فً هوٌة مع مفهومه كإنسان‪ ،‬أن تكون إرادته هً إرادة الكل ‪ -‬اإلنسان كذات مفكرة‪،‬‬
‫أي أن تكون هً إرادة العمل‪ .‬أما حرٌة اإلنسان الطبٌعً فهً عكس الحرٌة‪ ،‬ألن هذا اإلنسان ‪ -‬حسب تعبٌر هٌجل ‪-‬‬
‫"لٌس سٌد نفسه"‪" ،‬فمكونات إرادته وآرائه لٌست خاصة به" (ص ‪.)103‬‬
‫فالماعدة التً ٌضعها هٌجل للحرٌة الحمٌمٌة لاعدة أعمك كلٌة من فهم األستاذ محمود العالم‪ ،‬فالحرٌة ٌنبغً أن تفهم‬
‫على نحو عمالنً‪ ،‬فعلى اإلنسان الفرد كذات مفكرة أن ٌحدد نفسه بنفسه بهذه الصفة‪ ،‬وبالتالً أن ٌحددها وفما لما هو‬
‫‪15‬‬
‫أم مصر بعدها؟ فً مصر لبل ‪ 1952‬كانت هنان أحزاب ومعارن دستورٌة وبرلمان‬
‫وانتخابات ووزارات تموم وأخرى تمعد‪ ،‬وجرائد ومجالت مملوكة لألحزاب أو لألفراد‬
‫ومعارضة برلمانٌة‪"( " ...‬نسً!" أن ٌضٌف أنه كانت هنان نمابات للعمال والطالب‬
‫وحك العمال فً اإلضراب‪ ،‬ونمابات مهنٌة مستملة ودستور ٌكفل الحرٌات الشخصٌة‬
‫لألفراد وصحافة ٌسارٌة معلنة وشرعٌة‪ ...‬إلخ) وفً مصر الثورة لٌست هنان أحزاب وال‬
‫صراع حزبً‪ ،‬لٌس ثمة معارضة برلمانٌة بالمعنى التملٌدي وال ملكٌة فردٌة للصحف‬
‫والمجالت‪ ...‬إلخ‪ .‬ثم راح ٌتساءل‪" :‬فؤي الوضعٌن أكثر حرٌة؟"‪ .‬ثم ٌجٌب على التساإل‬
‫فً فمرة طوٌلة لائال‪" :‬إن جوهر الحرٌة لبل عام ‪ 1952‬كان للرجعٌٌن والرأسمالٌٌن‬
‫واإللطاع‪ ..‬أما بعد عام ‪ 1952‬فمد تحممت أسس أرلى للحرٌة بفضل انتمال السلطة إلى‬
‫األٌدي الوطنٌة‪ ،‬ثم حدث انتمال من سلطة مجلس الثورة إلى سلطة الشعب العامل وإلى‬
‫نسبة العمال والفالحٌن الممررة"‪ .‬ثم ٌصف الدعوة إلى تعدد األحزاب بؤنها "دعوة فً‬
‫الحمٌمة إلى الثورة المضادة"‪" :‬إن طرٌك الحرٌة فً بالدنا لٌس طرٌك البرلمانٌة‬
‫اللٌبرالٌة‪ ،‬لٌس طرٌك تعدد األحزاب‪ ،‬وإنما هو طرٌك التحالف الثوري لموى الشعب‬
‫العامل والتنظٌم الثوري المائد"‪" ،‬إنه طرٌك البرلمان الشعبً والمجالس الشعبٌة‪ ،‬طرٌك‬
‫أغلبٌة العمال والفالحٌن‪ ...‬إلخ"‪ .‬وٌمول فً نهاٌة الفصل‪" :‬وهذا هو المعنى الذي نحتفل‬
‫به فً أعٌاد ثورة ٌولٌو المجٌدة"‪ .‬ولٌس من العسٌر على األستاذ محمود العالم أن‬
‫ٌستوعب مدى زٌف تلن الـ‪ %50‬المذكورة‪ ،‬فٌكفٌه أن ٌرجع إلى تعرٌف العامل والفالح‪.‬‬
‫كذلن لٌس من الصعوبة بمكان أن ٌرى بكل وضوح كٌف انتملت السلطة من "مجلس‬
‫لٌادة الثورة" إلى الحكم الفردي ولٌس إلى الشعب العامل‪ ،‬وأسهل من ذلن أن "ٌكتشف"‬
‫غٌاب البرلمان الشعبً والمجالس الشعبٌة… إلخ‪.‬‬

‫كما راح لطفً الخولً "ٌتعمك" كعادته فً التحلٌل بمناسبة إنشاء التنظٌم الطلٌعً‬
‫وٌن ِّظر لالندماج فً النظام‪:‬‬

‫"هذه الثنائٌة الموضوعٌة لظروف المجتمع المصري العربً الراهن هً ‪ -‬فً رأًٌ ‪-‬‬
‫األساس المادي الذي ٌعكس بالضرورة ثنائٌة التنظٌم السٌاسً فً مصر‪ ،‬إذ ٌجب أن‬
‫ٌكون جماهٌرٌا وطلٌعٌا فً ولت واحد"‪" ،‬وهذه الثنائٌة فً التنظٌم تفٌد فً ظروفنا‬
‫الحالٌة فً تالفً أخطاء وعٌوب نظام وحدانٌة الحزب"‪ .‬ثم ٌلجؤ إلى استخدام لغة هٌجل‪:‬‬
‫"فالجهاز السٌاسً إذن هو ‪ -‬موضوعٌا ‪ -‬جزء من تنظٌم كلً‪ ،‬وبمعنى أكثر دلة هو‬
‫الجزء المادر والمإهل ‪ ...‬والعاللات التً ٌجب أن تموم بٌن االتحاد االشتراكً والجهاز‬

‫معمول‪ ،‬والمعمول كلً ألن العمل اإلنسانً هو العمل اإلنسانً عموما‪ ،‬ولٌس عموال عدٌدة‪ ،‬فالحمٌمة ‪ -‬لدى هٌجل ‪-‬‬
‫واحدة والمنطك واحد‪ ،‬والحمٌمة تتفك دائما مع العمل‪ ،‬فهً المعمول نفسه‪ .‬أما العمل الفردي الذي ٌعارض المعمول‪،‬‬
‫فهو لٌس فً هوٌة مع مفهوم العمل‪ ،‬أي لٌس عمال حمٌمٌا‪.‬‬
‫وهٌجل ٌمد كالمه على استمامته‪ ،‬فهو ٌستنبط المجتمع المدنً والدولة بطرٌمة تبدو منطمٌة‪ .‬ولكنه ٌفعل ذلن فً‬
‫الحمٌمة بطرٌمة بالغة التعسف‪ ،‬ورغم ذلن فهو ٌمول إن "الدولة الفاسدة أو السٌئة هً دولة غٌر حمٌمٌة" (الموسوعة‪،‬‬
‫ص ‪ ) 106‬وٌمصد الدولة التً ال تتـفك مع مفهوم الدو لة كما حدده هو‪ .‬والخوض فً هذه المسؤلة ٌحتاج إلى كثٌر من‬
‫بمعان منالضة‬
‫ٍ‬ ‫اإلطالة‪ ،‬ولكننا أردنا فمط أن نوضح كٌف ل ِّدمت "الفلسفة الناصرٌة" باستخدام مفاهٌم لها برٌمها ولكن‬
‫لها‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫السٌاسً هً من النوع األخٌر‪ :‬عاللات توحد عضوي"(‪ .)32‬ثم ٌواصل الحدٌث عن‬
‫مفهوم جدٌد‪ ،‬هو العضوٌة المزدوجة لكادر الجهاز السٌاسً‪ .‬وما ٌستكمل هذا التحلٌل‬
‫الدٌالكتٌكً(!) ما لاله لطفً الخولً فٌما بعد‪" :‬وكل محاولة إلعادة التنظٌم الشٌوعً أو‬
‫تكوٌن تنظٌم جدٌد خروج على االلتزام ٌجب أن ٌدان ألنه أصبح تآمرا ضد لضٌة بناء‬
‫االشتراكٌة فً مجتمعنا بالطرٌك الذي اختاره المٌثاق وتحالف لوى الشعب العاملة بمٌادته‬
‫الثورٌة"(‪.)33‬‬

‫ولم ٌحتم أحد على ذلن من األغلبٌة‪ ،‬التً باتت ٌسارا رسمٌا‪ ،‬والتً اسيتمر مفكروهيا‬
‫ٌكتبون لصائد الغزل فً الناصرٌة على صفحات مجلتً "الطلٌعة" و"الكاتب"‪.‬‬

‫ومن الطرٌف أن نشٌر إلى تشخٌص فتحً عبد الفتاح للناصرٌة‪ ،‬والذي أصدر كتابا‬
‫ٌصف فٌه ما تعرض له المعتملون من تعذٌب وإهانة وٌنتمد فٌه لسوة ولمعٌة النظام‪ ،‬إذ‬
‫لال فً كتابه‪" :‬إن ثورة ٌولٌو هً فً النهاٌة ثورة وطنٌة تمدمٌة عملت بمدر طالة‬
‫وإمكانٌات لٌادتها على أن تخطو فً طرٌك التطور الوطنً الدٌممراطً وبالذات فً‬
‫الستٌنات‪( )34("..‬التشدٌد من عندنا)‪ .‬كؤن األستاذ فتحً لم ٌالحظ أبدا أن النظام لد صادر‬
‫حرٌة كل الطبمات وكل األفراد لصالح حرٌة الدولة فحسب‪ ..‬فؤٌن التطور الدٌممراطً؟‬
‫ومثله ذهب طاهر عبد الحكٌم الذي وصف انمالب ٌولٌو بؤنه حلمة من حلمات الثورة‬
‫الوطنٌة الدٌممراطٌة فً كتاب خصص لوصف تعذٌب الشٌوعٌٌن فً سجون الناصرٌٌن‪،‬‬
‫راصدا فً نفس الولت دٌكتاتورٌة النظام(‪ .)35‬وفً الوالع ٌمصد كل منهما أن انمالب‬
‫ٌولٌو كان أحد حلمات الثورة البرجوازٌة‪ ،‬والتً تسمى فً العرف الماركسً بالثورة‬
‫الدٌمولراطٌة‪.‬‬

‫لمد تم باسم االشتراكٌة‪ ،‬وبمساعدة هامة من مفكري الٌسار فً مصر‪ ،‬الذٌن تحول‬
‫كثٌر منهم إلى ناصرٌٌن‪ ،‬تمدٌم نظام ٌولٌو كثورة اشتراكٌة ودٌممراطٌة‪ ،‬بل واعتبار‬
‫االنتمال لالشتراكٌة ممكنا حٌن تختار السلطة هذا الحل‪ .‬أي أن االشتراكٌة ٌمكن أن تتحمك‬
‫بواسطة فرد ملهم‪ ،‬تطورت أفكاره وهو على لمة جهاز دولة رجعً‪ .‬بل وأنه من الممكن‬
‫أن ٌمتنع جهاز الدولة الرجعً بضرورة ما سمً بالحل االشتراكً لمشاكل المجتمع‪،‬‬
‫واالنتمال من الرأسمالٌة أو غٌرها إلى االشتراكٌة طوعا واختٌارا‪ .‬بل لمد أصبح للصراع‬
‫الطبمً أسماء جدٌدة مثل‪ :‬نظرٌة الوحدة والصراع‪ ،‬وبهذا المفهوم الجدٌد أصبح من‬
‫الممكن أن ٌحل الصراع الطبمً سلمٌا! وأصبح إذن التطور التارٌخً ٌجري‪ ،‬ال من خالل‬
‫الصراع الطبمً‪ ،‬بل من خالل حله سلمٌا‪ ،‬أي من خارجه‪ ،‬بتدخل عامل فوق طبمً‪ ،‬آلة‬
‫توفٌمٌة‪ ،‬كما صورت السلطة الناصرٌة نفسها‪ .‬وفً ألصى الحاالت ٌتم حل الصراع‬
‫الطبمً بالنضال الفكري‪ ،‬داخل "تحالف لوى الشعب العاملة"‪ .‬ولمد تراجع كثٌر من‬

‫(‪ )32‬مجلة "الطلٌعة"‪ ،‬عدد أبرٌل ‪.1965‬‬


‫)‪ (33‬افتتاحٌة مجلة "الطلٌعة"‪ ،‬عدد ‪ ،12‬عام ‪.1966‬‬
‫)‪ )34‬المصدر السابك‪ ،‬ص ‪.268‬‬
‫)‪ (35‬المصدر السابك‪ ،‬ص ‪.12‬‬

‫‪17‬‬
‫مفكري الٌسار حتى عن النضال البرلمانً وشعار الحكومة البرلمانٌة بل واعتبروا‬
‫الدٌممراطٌة اللٌبرالٌة شٌئا برجوازٌا رجعٌا وأحٌانا وصفت بؤنها دعوة للثورة المضادة‪.‬‬

‫لمد ولفت الماركسٌة المصرٌة فً الفترة الناصرٌة مدهوشة أمام سلطة بدت لها مثل‬
‫أبً الهول‪ٌ ،‬كتنفها الغموض من كل ناحٌة‪ .‬وهذا ما ٌفسر لنا لماذا أصبحت الخالفات‬
‫حول الخط السٌاسً بٌن المنظمات الماركسٌة التً راحت تتكون منذ أواخر الستٌنات‬
‫تنطلك من االختالف على تحدٌد طبٌعة تلن السلطة‪ :‬هل هً سلطة شعبٌة‪ ،‬أم برجوازٌة‬
‫كبٌرة أم صغٌرة أم برجوازٌة بٌرولراطٌة أم بونابرتٌة أم سلطة التكنولراط أم سلطة‬
‫عناصر وطنٌة مستنٌرة وتمدمٌة أم مجموعة اشتراكٌة‪ ...‬إلخ‪ .‬ولد بلو التشوش ألصاه‬
‫عند ط‪ .‬ث‪ .‬شاكر‪ .‬فمد اعتبر أنه فً النظام الناصري كان "الثمل السٌاسً فً المجال‬
‫الفكري للبوجوازٌة الصغٌرة‪ ...‬بٌنما كانت سٌاسته العملٌة تخدم فً األساس مصالح‬
‫الفئات الوسطى من البرجوازٌة"‪ ،‬بٌنما عاد فً مكان آخر "ٌعمك" هذه الفكرة‪ ،‬معتبرا‬
‫أن الناصرٌة "لد تبنت فكر البرجوازٌة الصغٌرة لالستعانة بها فً الصراع ضد‬
‫أعدائها"(‪ .)36‬فً الحمٌمة ذهب ط‪ .‬ث شاكر مذاهب شتى فً كتابه الصغٌر‪ ،‬ولم ٌكن‬
‫محددا أبدا فً وصفه لطبٌعة السلطة الناصرٌة‪ ،‬فٌمول مثال‪" :‬لمد كان النظام الناصري‬
‫ٌمثل البرجوازٌة المتوسطة أساسا وٌعتمد على البرجوازٌة الصغٌرة كماعدة اجتماعٌة‬
‫محكمة" (ص ‪ ،)37‬بٌنما ذكر فً نفس الكتاب أن الناصرٌة كانت تحالفا بٌن البرجوازٌة‬
‫الصغٌرة والمتوسطة والكبٌرة (ص ‪ !)38‬ونحن نوجه انتمادا لجوهر التصور النظري‬
‫نفسه‪ ،‬إذ كٌف ٌمكن أن ٌسود فكر طبمة ما بٌنما تسود طبمة أخرى التصادٌا؟ ومن‬
‫الممكن أن نتصور هذا فً حالتٌن‪ ،‬أولهما أن ٌسبك نفوذ الطبمة األٌدٌولوجً نفوذها‬
‫االلتصادي زمنٌا كما حدث مع البرجوازٌة األوروبٌة مثال‪ ،‬وثانٌهما أن تسود أفكار طبمة‬
‫ممهورة تزٌح أفكار الطبمة المسٌطرة بشكل عابر للغاٌة‪ ،‬فال نتصور إال أن ٌإدي هذا‬
‫الوضع الفرٌد إلى اضطرابات سٌاسٌة خطٌرة ال تستمر طوٌال‪ .‬ولد صاحبت معارن ‪-45‬‬
‫‪ 1952‬فً مصر سٌادة تدرٌجٌة ألفكار الفئات الوسطى‪ ،‬مثل فكرة "المستبد العادل"‬
‫مثال‪ ،‬إال أن الوضع المتفجر ككل لد أنهً بانمالب ٌولٌو‪ ،‬الذي لم ٌطرح ٌوتوبٌا وال‬
‫سٌاسة تخدم هذه الفئات الوسطى‪ ،‬بل طرح أفكارا ذات نكهة برجوازٌة صغٌرة‪ ،‬ولكنه‬
‫لدمها فً صورة ثوروٌة لكن بمحتوى ٌعبر كلٌا عن الطبمة المسٌطرة‪.‬‬

‫ومع أن كافة التنظٌمات الماركسٌة كانت لبل ٌولٌو ‪ 1961‬ال تزال تفكر فً إطار‬
‫الثورة الدٌممراطٌة(‪ ،)37‬فمد دفعت إجراءات ‪ 1961‬أهمها إلى التخلً عن هذه الفكرة‪.‬‬

‫(‪ )36‬المصدر السابك‪ ،‬ص ص ‪.25-23‬‬


‫(‪ )37‬رفعت السعٌد‪ ،‬منظمات الٌسار المصري ‪.1957-1950‬‬
‫ومن الطرٌف أن خطاب شهدي عطٌة الشافعً إلى جمال عبد الناصر كان ٌصر على أن الثورة االشتراكٌة لٌست‬
‫لضٌة الٌوم بالنسبة لحزبه‪ ،‬بل لخص برنامجه فً‪:‬‬
‫‪ - 1‬التفاف الشعب حول الحكم المائم‪.‬‬
‫‪ - 2‬تحالف الطبمات الوطنٌة من أجل تنفٌذ برنامم الحكومة‪.‬‬
‫‪ - 3‬تحوٌل االتحاد المومً إلى حزب فعال للشعب كله‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫فمنذ اآلن فصاعدا‪ ،‬صار شعار الثورة االشتراكٌة معتمدا لدى الغالبٌة‪ ،‬مع أنه كان من‬
‫المنطمً أكثر أن ٌرفض الحزب الشٌوعً المصري الشعارات االشتراكٌة للنظام وكذلن‬
‫إجراءات االشتراكٌة المزعومة‪ ،‬السابمة ألوانها حسب خط الحزب األصلً‪ .‬بل لمد التهب‬
‫الٌسار حماسا بعد أن تجاوزت الناصرٌة برنامجه‪ ،‬بل وأٌِّدت الغالبٌة خط الناصرٌة الجدٌد‬
‫معتبرة أن الثورة االشتراكٌة لد بدأت‪ ،‬أو على األلل أن السلطة تسٌر فً طرٌك تنمٌة‬
‫"الرأسمالً"‪ٌ ،‬إدي طبعا إلى االشتراكٌة! لٌس هذا فحسب‪ ،‬بل واعتبروا هذه التحول‬
‫خطوة عجزوا هم عن المٌام بها‪ .‬واعتبر معظم أفراد الٌسار إعالن االشتراكٌة بداٌة‬
‫الثورة االجتماعٌة‪ ،‬بٌنما اعتبر انمالب ‪ 1952‬بداٌة الثورة السٌاسٌة‪ .‬فال ٌكتفً غالً‬
‫شكري (مثال) بوصف الناصرٌة بالثورة‪ ،‬بل ٌمول‪" :‬نظلم الناصرٌة لو للنا إنها كانت‬
‫ثورة واحدة‪ ،‬فالحمٌمة أنها كانت ثالث ثورات"‪ .‬ثم راح ٌمسمها كاآلتً‪" :‬الفترة الوالعة‬
‫بٌن عامً ‪ 1956 ،1952‬هً الثورة الوطنٌة"‪" ..‬أما الفترة الوالعة بٌن عامً ‪1958‬‬
‫و‪ 1961‬فهً ثورة الوحدة المومٌة"‪" ..‬وأما الفترة الوالعة بٌن عامً ‪ 61‬و‪ 70‬رغم‬
‫الهزٌمة العسكرٌة بٌنهما وتدهور خطة التنمٌة االلتصادٌة وتعاظم الطبمة الجدٌدة‪ ،‬فإنها‬
‫تكون الثورة االجتماعٌة حٌث انتملت السلطة فً شخص لائدها من تمثٌل الطبمة الوسطى‬
‫موضوعٌا إلى تمثٌل لاعدة اجتماعٌة أوسع من البرجوازٌة المتوسطة والصغٌرة‬
‫والفالحٌن والعمال"‪ .‬وإحمالا للحك نمول إن غالً شكري لد وصف هذه الموجات الثورٌة‬
‫المزعومة بؤنها ثورات نالصة(‪ .)38‬ونسجل هنا ملحوظة أن اإلشارة لكون هذه "الثورات"‬
‫نالصة إنما ٌعبر فً رأٌنا عن عدم ارتٌاح األستاذ‪ /‬شكري لتحلٌله‪ ،‬ذلن أن كل الثورات‬
‫كانت نالصة بمعنى من المعانً‪ ،‬حتى الثورة الفرنسٌة‪ .‬ونسجل ملحوظة أخرى‪ :‬إن انتمال‬
‫السلطة طبمٌا فً شخص لائدها لهو أمر ٌحتاج إلى تفسٌر لم ٌمدمه أبدا األستاذ‪ /‬شكري‪،‬‬
‫وهً فكرة طرحها الناصرٌون ومعظم مفكري الماركسٌة المصرٌة كثٌرا‪ ،‬تتلخص فً أن‬
‫تطور فكر الزعٌم أدى إلى تطور النظام‪ ،‬دون تمدٌم تفسٌر آللٌة حدوث مثل هذا التؤثٌر‬
‫السحري‪.‬‬

‫الحمٌميية أن الماركسييٌٌن راحييوا ٌبحثييون دائمييا عيين الطبميية الحاكميية فلييم ٌتفمييوا علييى‬
‫تحدٌدها‪ ،‬ببساطة ألنها لم تكن موجودة‪ .‬فالسلطة كانيت فيً ٌيد بٌرولراطٌية الدولية‪ ،‬وهيو‬
‫أمر لٌس فرٌدا فً التارٌخ وسبك أن تكلم عنه ماركس نفسه بالتفصٌل‪ ،‬وهو ما ٌعرف بـ‬
‫البونابرتٌة‪ .‬لم ٌكن ألي طبمة أي وجود سٌاسً فً مصر الناصرٌة‪ ،‬ولم ٌكن صوت ٌعلو‬
‫على صوت نخبة العسكر ومين انضيم إلٌهيا مين عناصير أخيرى‪ ،‬والتيً كانيت تضيرب مين‬
‫تشاء من أي طبمة كانت لتحمٌك استمرار سلطتها‪.‬‬

‫‪ - 4‬إزالة الشماق بٌن مصر والعراق‪.‬‬


‫‪ - 5‬تؤكٌد العاللات الودٌة مع المعسكر االشتراكً‪.‬‬
‫ولد كتب الخطاب فً سبتمبر ‪ 1959‬ونشرته مجلة "الطلٌعة" فً ٌناٌر ‪ ،1975‬ونشر رفعت السعٌد أجزاء منه فً‪:‬‬
‫تارٌخ الحركة الشٌوعٌة المصرٌة‪ ،‬الوحدة ‪ -‬االنمسام ‪ -‬الحل (‪ ،)1965-1957‬ص ص ‪.204-203‬‬
‫(‪ )38‬الثورة المضادة فً مصر‪ ،‬كتاب األهالً رلم ‪ ،15‬الماهرة‪ ،1987 ،‬ص ص ‪.376-375‬‬

‫‪19‬‬
‫فلم ٌتصور جل الماركسٌٌن فً مصر أبدا أن البٌرولراطٌة ٌمكين أن تكيون هيً نفسيها‬
‫الطبمة أو الفئة الحاكمة رغم أنها كانت آلالف السنٌن فيً مصير باليذات ال الفئية الحاكمية‬
‫فمط بل الطبمة المسٌطرة التصادٌا واجتماعٌا أٌضا‪ .‬وحيٌن ألير اليبعض بسيلطتها نسيبوها‬
‫للبرجوازٌة‪ :‬البرجوازٌة البٌرولراطٌة‪ ،‬رغم أنها لم تكن تمارس االستثمار الرأسمالً وال‬
‫تتبع التصاد السوق‪ ،‬بل اعتمدت على النهب بوسائل بٌرولراطٌة للفالحيٌن وبمٌية الشيعب‬
‫واعتمييدت نظييام االلتصيياد المركييزي‪ .‬فهييل توجييد رأسييمالٌة بييدون سييوق حييرة؟! وبيينفس‬
‫المنطك ال ٌتصور أبدا ماركسٌو مصر فيً عميومهم أن الطبمية المسيٌطرة اآلن وكميا تيدل‬
‫ولائع الحٌاة الٌومٌة هً البٌرولراطٌة العسكرٌة التس تتحكم على كافة مفاصل االلتصياد‬
‫والمجتمييع المييدنً عمومييا‪ ،‬بٌنمييا ٌييتم البحييث عيين رأسييمالٌة مييا وراءهييا‪ ،‬سييواء كانييت‬
‫كومبرادورٌة أم طفٌلٌة‪ ...‬بٌنما ٌتم عليى ميدار السياعة التضيٌٌك عليى الرأسيمال الخياص‬
‫وتهدٌيييده ونهيييب بعيييض ممتلكاتيييه وإغيييالق بعيييض مشيييروعاته بواسيييطة البٌرولراطٌيييية‬
‫العسكرٌة‪.‬‬

‫***************************‬

‫لماذا صار جل الماركسٌٌن ناصرٌا؟‬


‫‪ -1‬لم ٌكن السجن والتعذٌب دافعا ٌذكر العتناق جل الماركسٌٌن المصرٌٌن للناصرٌة‪،‬‬
‫إذ بدأ التؤٌٌد الجارف للنظام لبل ذلن‪ ،‬وحتى بعد بدء االعتماالت مباشرة كان التفسٌر‬
‫المعتمد هو وجود دسائس لتفرٌك الموى الوطنٌة كما رأٌنا فً أول الممال‪ .‬كما البد أن‬
‫نعترف أنهم لد واجهوا التعذٌب بشجاعة‪.‬‬

‫‪ -2‬هل ٌمكن تفسٌر تبنً الماركسٌٌن للناصرٌة بمجرد عجز منهجهم أو نسمهم ذي‬
‫الموالب الثابتة؟ ال ٌكفً هذا التفسٌر‪ ،‬إذ تنازل مفكروهم عن هذه الموالب والمنهم حٌن‬
‫تحمسوا لبلورة األفكار الناصرٌة فً أٌدٌولوجٌا تبدو متماسكة‪ .‬فبالرغم من وجود تٌارات‬
‫سٌاسٌة أخرى بخالف التٌارات الٌسارٌة إبان العهد الناصري‪ ،‬إال أن الٌسار بالذات‪،‬‬
‫(استثناء للة من األفراد‪ ،‬لد انتهى به األمر إلى االندماج فً النظام الناصري‪ ،‬بل لعب‬
‫الماركسٌون المإدلجون جٌدا دورا هاما فً الدعاٌة لهذا النظام‪ .‬لذلن نحلل هنا تصور هذا‬
‫التٌار‪ ،‬لٌس باعتباره تٌارا معارضا‪ ،‬بل باعتباره أهم أبواق النظام على الصعٌد‬
‫األٌدٌولوجً اعتبارا من ‪ .1965/1964‬بل إن ما لدمه المنظرون الماركسٌون كان فً‬
‫حمٌمة األمر تعمٌما لـ"الفلسفة" الناصرٌة‪ ،‬بل ٌمكن المول ببساطة إنهم ساهموا مساهمة‬
‫جوهرٌة فً إنتاج أٌدٌولوجٌا ناصرٌة ذات مظهر متماسن وعمٌك مع االحتفاظ بمكونها‬
‫الدٌماجوجً الموي‪ .‬وفً الحمٌمة ال ٌمكن أبدا سوى اعتبار الغالبٌة العظمى من‬
‫الماركسٌٌن المصرٌٌن ولتها ناصرٌٌن إلى حد أو آخر‪ ،‬وخصوصا كبار مفكرٌهم‪.‬‬

‫‪ -3‬لمد أصابت حركة التؤمٌمات الماركسٌٌن المصرٌٌن بالسكر والتٌه؛ فالدولة؛ بمرتهم‬
‫الممدسة‪ ،‬لد استولت على جزء كبٌر من أموال أعدى أعيدائهم رسيمٌا‪ :‬البرجوازٌية‪ .‬وليد‬
‫سييياهم انتصيييار السيييتالٌنٌة فيييً العشيييرٌنات عليييى األناركٌييية والتروتسيييكٌة وغٌرهميييا مييين‬
‫التوجهات االشتراكٌة الدٌمولراطٌة فً تدعٌم وترسٌخ عبادة الدولة فً الماركسٌة‪ .‬ومن‬
‫‪20‬‬
‫هنا أصبح إرهاب الدولة – التمدمٌة للغاٌة! – مبررا وصار التعاون معهيا والخضيوع لهيا‬
‫عمال تمدمٌا‪ .‬ومن لحظتها تم إعادة النظير فيً األفكيار الماركسيٌة وتمٌٌفهيا ميع الناصيرٌة‬
‫لتناسب مماسها‪ .‬و إن اإلٌميان المطليك بيؤن النظيام اليدولتً أكثير ثورٌية مين نظيام الملكٌية‬
‫الخاصيية‪ ،‬واالعتميياد الجييازم باشييتراكٌة النظييام االسييتبدادي السييوفٌتً‪ ،‬وتحمٌييك السييلطة‬
‫الناصييرٌة لميييا فيياق أحيييالم المنظمييات الماركسيييٌة‪ ..‬هييذه كلهيييا دوافييع تبنيييً الماركسيييٌٌن‬
‫للناصرٌة ‪ .‬وحتى المجموعات األكثر ٌسارٌة رأت أن البرجوازٌة البٌرولراطٌة ‪ -‬كما نعتت‬
‫الناصرٌة ‪ -‬لد حممت صعودا تارٌخٌا تياله هبيوط تيارٌخً‪ ،‬أي أنهيا ميرت بمرحلية تمدمٌية‬
‫ولامت بدور تارٌخً ‪ .‬ولم تر تلن المجموعات الطابع الطفٌلً والمخرب للناصرٌة‪ ،‬وكيان‬
‫هذا هو تصور حزب العمال الشيٌوعً المصيري فيً السيبعٌنات‪ .‬لميد اسيتمر الماركسيٌون‬
‫ٌ مدسون الدولة وٌروجون لمدرتها على تحمٌك االشتراكٌة رغيم فشيل المشيروع أي دولية‬
‫فييً تحمٌييك شييعارات االشييتراكٌة‪ ،‬بييل اسييتطاعت فمييط أن تخلييك السييتار الحدٌييدي ولمييع‬
‫المجتمع المدنً‪.‬‬

‫‪ -4‬وٌضاف دافع آخر هو مٌل الماركسٌٌن المصرٌٌن إلى تغلٌب المسؤلة الوطنٌة على‬
‫أي مسؤلة أخرى‪ .‬فالمولف من الغرب هو الذي كان محددا لها تجاه النظام المائم‪ ،‬بالضبط‬
‫مثلما ذهبت السٌاسة السيوفٌتٌة‪ .‬فاالسيتمالل ممابيل التبعٌية كيان دائميا تمرٌبيا هيو المعٌيار‬
‫األهييم للحكييم علييى السييلطة ميين لبييل ماركسييًٌ مصيير ولتهييا‪ .‬وحتييى الٌييوم تتمتييع لضييٌة‬
‫االسييتمالل ممابييل التبعٌيية بييؤكبر اهتمييام ميين لبييل الٌسييار‪ .‬بييل حتييى ٌمصييد بالتبعٌيية التبعٌيية‬
‫المباشرة ولٌس التبعٌة الهٌكلٌة‪ .‬وهذا ما ٌفسر لماذا انمليب العيداء للناصيرٌة إليى التؤٌٌيد‬
‫الجارف بالذات بعد الموالف الوطنٌة للنظام وصدامه مع االستعمار المدٌم فً ‪.1956‬‬

‫‪ -5‬فً النهاٌة نرى أن جل الماركسٌٌن المصرٌٌن فً ذلن الولت لم ٌتمسكوا فً كل‬


‫الحاالت ال بمذهبهم الرسمً وال بتراث الشٌوعٌة فً العالم وال بشعاراتهم التً طالما‬
‫رفعوها‪ .‬بل نجدهم لد تؤرجحوا بٌن الجمود العمائدي‪ :‬مثل تمدٌس الدولة والتصاد السوق‬
‫المركزي‪ ،‬والتحرٌفٌة‪ :‬مثل التفسٌر المثالً لتحوالت المجتمع كإلامة االشتراكٌة بواسطة‬
‫فرد عبمري‪ .‬إنهم كانوا ناصرٌٌن "بالموة" منذ البداٌة‪ .‬وهذا ما ٌفسر لنا الحنٌن الدائم‬
‫لدى الجٌل المدٌم منهم حالٌا إلى خطاب الناصرٌة فً الستٌنات‪ ،‬وتمولعه داخل كهف‬
‫فكري من الخرافات‪ ،‬منها أن مصر كانت تنتهم سٌاسة التصادٌة تكرس االعتماد على‬
‫الذات‪ ،‬أو التنمٌة المستملة‪ ،‬وكانت تنتم كل شًء بفضل تصنٌع حمٌمً مزعوم‪ ،‬وتصنع‬
‫الطائرات والسٌارات والصوارٌخ‪ ...‬إلخ‪ .‬كما أصبح االنمالب العسكري ثورة بل وثالث‬
‫ثورات لدى أحدهم! بل ما زال الكثٌرون ٌحنون إلى ثالجات شركة إٌدٌال المدٌمة‬
‫وبوتاجاز المصانع الحربٌة والسٌارة نصر وتلٌفزٌون نصر‪ ..‬وكؤن مصر اآلن ال تنتم‬
‫هذه األشٌاء بماركات أفضل وبكمٌات أكبر‪ ،‬وكلها كانت وما زالت صناعات تجمٌع‬
‫تستورد التكنولوجٌا‪.‬‬
‫فمد تمٌزت الشٌوعٌة المصرٌة بطابع محافظ منذ نشؤتها‪ ،‬وبانخفاض سمف‬
‫الطموحات‪ .‬فمد أطلمت على نفسها اسم الشٌوعٌة دون أن تكون كذلن بالفعل‪ .‬فال هً‬
‫حركة برولٌتارٌة‪ ،‬وال هً تهدف الى للب النظام االجتماعً المائم فً اتجاه االشتراكٌة‪،‬‬
‫ولم تهدف حتى إلى إلامة جهاز دولة برولٌتاري ٌمود التحوالت الالحمة؛ الفكرة الجوهرٌة‬
‫‪21‬‬
‫فً اللٌنٌنٌة‪ .‬فجل دعاٌتها اتسم بالطابع الوطنً ‪ -‬الدٌممراطً‪ ،‬وبرامجها لم تكن تروج‬
‫لالشتراكٌة‪ ،‬وال كانت حتى تطمح لتحمٌك تنمٌة مستملة حما‪ .‬كل ما تمسكت به هو‬
‫االستمالل المباشر ودٌممراطٌة صندوق االلتراع‪ .‬وبالطبع وجدت جماعات محدودة العدد‬
‫أكثر رادٌكالٌة‪ ،‬لكننا نتحدث عن التٌار العام‪.‬‬

‫وربما كانت المجموعات التروتسكٌة الصغٌرة – والتً ظهرت متؤخرة ‪ -‬استثناء‪ ،‬أكثر‬
‫عداء للنظام االستبدادي ولم تصب – إلى حد كبٌر ‪ -‬بمرض الناصرٌة العضال‪.‬‬

‫*********************‬

‫‪22‬‬

You might also like