You are on page 1of 16

‫واحذيت تكافح ورواث تعاني‬

‫قشاءة يف فلسفت بيرت سنجش (‪ )Peter Singer‬األخالقيت‬

‫فكشي آل هري‬

‫***‬

‫ملخص‬

‫تسعى ىذه المقالة الى تقديم تعريف مميز بفيمسوف غربي معاصر يحظى بشيرة‬
‫واسعة في األوساط الغربية‪ ،‬نظ اًر لمجدل الشديد الذي تثيره آرائو ونقوده األخالقية التي تصيب‬
‫تقريباً كل شيء بما في ذلك الدين والسياسة‪ ،‬في حين ال يكاد يعرف بشأنو ىنا في المنطقة‬
‫العربية إال القميل جداً من المتخصصين األكاديميين‪ ،‬أو الميتمين بالفمسفة المعاصرة؛ إذ‬
‫ميكن اعتبار هذه املقالة مباثاةة أول حمتوى عرةي على ذبكة االنرتنت وعنى‬
‫ةفيلسوف األخالق املعاصر "ةيرت دنجر" (‪.)Peter Singer‬‬

‫أكثر ما أثار حيرتي‪ ،‬ىو كيف؟ ومن أي ناحية موضوعية يمكن أن أقدم ىذا‬
‫الفيمسوف وفمسفتو لمقارئ العربي‪ ،‬الى درجة استغرق فييا إختيار المحاور الرئيسية ليذه‬
‫المقالة البحثية وقتاً أكثر من الوقت الذي لزم لكتابتيا‪!!..‬‬

‫الكلمات املفتاحية‪ :‬بيتر سنجر‪ ،‬فمسفة األخالق‪ ،‬الواحدية‪ ،‬الذات واآلخر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫تشمجت موجزة‪:‬‬

‫بيتر سنجر (‪ -)Peter Singer‬فيمسوف األخالق األسترالي‪ ،‬بدأت شيرتو مع‬


‫صدور كتابو األشير في العام ‪ 5791‬بعنوان "تحرير الحيوان" (‪،)Animal Liberation‬‬
‫والذي تمت ترجمتو الى ما يزيد عن ثمان لغات‪ ،‬بل أن البعض اعتبر ىذا الكتاب انطالقة‬
‫حقيقية لحركة تحرير الحيوان العالمية‪.‬‬

‫بيد أن كتاب سنجر اآلخر األكثر أىمية ىو "األخالق العممية" ( ‪Practical‬‬


‫‪ ،)Ethics‬الذي يعرض فيو جانباً من أسس فمسفتو األخالقية‪ ،‬التي ترتكز عمى القول بأن‬
‫الطبيعة األخالقية لمفعل االنساني ال تعتمد عمى مجرد اعتناق بعض القواعد األخالقية‬
‫البسيطة عمى غرار قاعدة "ال تكذب"‪ ،‬بقدر ما تعتمد في األساس عمى عواقب الفعل نفسو‪،‬‬
‫فالكذب برغم اعتباره فعل خاطئ في العادة‪ ،‬إال أنو ال يعتبر كذلك حين ينتج عن الصدق‬
‫أذى كبير‪ ،‬وىذا يعني بأن بعض األفعال الالأخالقية تبرر أحياناً إن كانت نتائجيا محمودة‪،‬‬

‫وانطالقاً من ىذه المقولة فإن سنجر يقر بالقتل الرحيم‪ ،‬وضرورة أن يكون الطفل سوياً‬
‫معافى‪ ،‬ألن الطفل الذي ال يكون كذلك لن يعيش حياة سوية‪ ،‬باإلضافة الى آراء أخرى‬
‫انبثقت لديو من جوىر ىذه الرؤية‪.‬‬

‫عموماً‪ ،‬سأكتفي بيذا التعريف‪ ،‬وأبدأ مع "بيتر سنجر"‪ ،‬لنتأمل ما لديو؟!‬

‫املساواة وجذليت الزاث واآلخش‪:‬‬

‫من الصعب جداً إدراك مفيوم اليوية وتحديداً ىوية اآلخر عند "بيتر سنجر"‪ ،‬إذا ما‬
‫عرفنا أن فمسفتو وأفكاره تنطمق من رؤية إنسانية مجردة ذات طابع أخالقي أكثر منو فكري‬
‫أو معرفي؛ فاآلخر في فمسفة "سنجر" ىو انعكاس مرأوي لمذات من خالل انعكاسات أفعاليا‬
‫األخال قية عمى الغير‪ ،‬وكأن اآلخر في وجوده وىويتو وأفعالو متطابق مع الذات وكل ما‬
‫يصدر عنيا‪ ،‬لذلك فإن توجيات "سنجر" األخالقية قد ابتعدت عن التصنيف الى حد كبير‪،‬‬

‫‪2‬‬
‫واعتبرت أن انسانية االنسان ىي المحك الذي تقع عميو كل أفعال البشر وسموكياتيم‪ ،‬فإما‬
‫أن تعبر عنيا أو تنقضيا‪.‬‬

‫كما قد يكون اآلخر عند "سنجر" ىو المرأة وقد يكون الطفل وقد يكون الرجل‪ ،‬وقد‬
‫يكون أيضاً "الحيوان"‪ ،‬لذا تأتي معالجات سنجر األخالقية بعيدة عن دائرة التوصيف الغيري‪،‬‬
‫لتصف أوضاع وأحوال وقضايا يعتبرىا ىو في األساس "انسانية"‪ ،‬عمى أساس أن كل‬
‫األخطاء البشرية إنما تنتج بسبب قصور في التفكير أو نقص في الوعي‪ ،‬والذي يترتب عنو‬
‫إخالل بتحقيق مبدأ المساواة بين البشر في دائرة عالقاتيم المتبادلة‪ ،‬وعالقاتيم مع غيرىم‬
‫كالحيوانات مثالً‪.‬‬

‫يقول بيتر سنجر‪" :‬المبدأ األساسي دائماً ىو المساواة بين جميع البشر‪ ،‬وىو مبدأ قائم‬
‫عمى األخذ والنظر الى المصالح‪ ،‬ولكن من الناحية األخالقية فإن ىذا المبدأ يجب أن يدفعنا‬
‫الى الدفاع عن جميع أشكال وصور المساواة بين البشر‪ ،‬ميما كانت االختالفات والفروق‬
‫بينيم‪ ،‬ولكن تطبيق ىذا المبدأ ال يجب أن يقتصر عمى البشر وحدىم‪ ،‬بل يجب أن يشمل‬
‫وأن يدخل في دائرتو كل األنواع األخرى من غير البشر‪ ،‬فعمينا أن نتقبل ونقبل بمبدأ‬
‫المساواة نفسو باعتباره األساس األخالقي السميم لمعالقات مع من ىم خارج نوعنا‪ -‬أي‬
‫الحيوانات غير البشرية"(‪.)1‬‬

‫إن الغاية في تطبيق مبدأ المساواة عمى أساس أخالقي‪ ،‬من وجية نظر "سنجر"‪ ،‬ليس‬
‫تحقيق المصالح المترتبة عن كون الجميع داخل النطاق البشري‪ ،‬سوف يحصمون عمى فرص‬
‫متساوية‪ ،‬فالفرص المتساوية ليست ضماناً كافياً لتحقق المساواة فعالً‪ ،‬بل إن الغاية يجب أن‬
‫تكون متجية صوب "رفع المعاناة" عن اآلخرين‪ ،‬أياً كانوا ىؤالء اآلخرين بالنسبة لنا‪ ،‬وسواء‬

‫‪(1). Peter Singer. Equality for Animals?, Excerpted from Practical Ethics,‬‬
‫‪Cambridge, 1979, chap. 3.‬‬

‫‪3‬‬
‫كانوا بش اًر من نوعنا أو حيوانات من أنواع أخرى‪ ،‬ذلك أن تحقيق المصالح ينجم عنو دائماً‬
‫التسبب في معاناة اآلخرين(‪.)1‬‬

‫ينظر "سنجر" الى كل الممارسات التي تنتيك المساواة؛ فيؤكد عمى أن العنصرية‬
‫القائمة عمى المون – كالعنصرية ضد السود‪ -‬أو النظرة الممايزة لآلخر عمى أساس النوع‬
‫والجنس – كالنظرة الى المرأة‪ -‬وغيرىا من األشكال التي عرفيا العالم‪ ،‬ىي باألساس نابعة‬
‫عن تقدير لممصالح‪ ،‬وبالتالي فإن المصالح ال يمكن أن تكون معيا اًر لممساواة‪ ،‬حتى في حال‬
‫المناداة بيا لجميع البشر عمى حد سواء‪ ،‬ألن ىذا غير ممكن أساساً‪ ،‬ولكن المساواة من‬
‫منطمق رفع المعاناة عن اآلخر‪ ،‬يمكن أن تكون قاعدة واسعة لمقبول بيا‪ ،‬ولمقبول داخل‬
‫دائرتيا بأن يسري األمر نفسو عمى الحيوانات(‪.)2‬‬

‫وفي ىذا اإلطار أيضاً‪ ،‬يرى "بيتر سنجر" أن الحياة لن تكون ذات قيمة إذا سمحنا‬
‫بأن يكون وجود شخص أو نوع آخر يعاني فقط ألن من حقو أن يعيش‪ ،‬ما الذي سيجنيو‬
‫البشر من معاناتو؟!‪ -‬وىو يعطي أمثمة عمى قاعدتو األخالقية ىذه‪ ،‬كالقتل الرحيم إذا كان‬
‫ىذا سيوقف من معاناة شخص‪ ،‬وفي اجازة تطبيق ىذه السموك عمى األطفال المعوقين وذوي‬
‫العاىات العقمية‪ ،‬فيؤالء لن يكونوا سعداء ألنيم أحياء‪ ،‬وال نحن سنكون سعداء ألنيم كذلك‬
‫عمى ما ىم عميو‪ .‬حيث يتساءل "سنجر" في كثير من األحيان‪ ،‬لماذا نقبل بأن نكون من‬
‫خالل معاييرنا الشخصانية سبباً في معاناة اآلخرين‪ ،‬مع أن ىذا في حقيقة األمر لن يسبب‬
‫لنا السعادة‪ ،‬لو اعتقدنا أن من حق الكل أن يعيش لمجرد أنو يعيش(‪.)3‬‬

‫كما يعتقد "سنجر" أن اآلخر ىو تجسيد حقيقي لمسؤولياتنا الذاتية – أياً كان ىذا‬
‫اآلخر الذي نعنيو أو نصفو‪ -‬فميس من الصحيح أخالقياً أن ننظر إليو عمى أساس ما نريده‬
‫نحن‪ ،‬بل عمى أساس ما يجب عمينا القيام بو من أجمو‪ ،‬وانو لمن السيء جداً أن نعطي قيمة‬

‫‪(1). Ibid.‬‬
‫‪(2). Ibid.‬‬
‫‪(3). Ibid,‬‬

‫‪4‬‬
‫أو أن نقيم اعتبا اًر لتمك األفكار التي تبرر لنا التقميل من شأن اآلخرين‪ ،‬عمى أساس‬
‫مصالحن ا وقيمنا الشخصية‪ ،‬دون األخذ باالعتبار بمصالحو ىو‪ ،‬أو باأللم الذي يمكن أن‬
‫تتسبب بو لو مواقفنا السمبية تجاىو(‪.)1‬‬

‫ثمة رؤية وظيفية لمعالقات والمواقف المتبادلة بين الذات واآلخر يتبناىا "بيتر سنجر"‪،‬‬
‫قد ال تبدو واضحة من حيث مباشرتيا ووضوحيا في معرض سوق آرائو وأفكاره‪ ،‬ولكن‬
‫باإلمكان دوماً أن نستشفيا ضمناً في الطيات العميقة لكتبو ومقاالتو وحواراتو‪ ،‬ىذه الرؤية‬
‫الوظيفية التي يعطييا طابعاً أخالقياً تتمثل في مدى ما يمكن أن يقوم بو االنسان لمحد من‬
‫ألم اآلخر ومعاناتو‪ ،‬أو لممساىمة أكثر في تحقيق سعادتو‪ .‬ويعتقد أن كل الممارسات‬
‫التقميدية ذات الطابع النفعي قد تجردت من أخالقياتيا؛ ففي روما المسيحية كان (‪ )15‬ألف‬
‫متفرج يستمتعون بمشاىدة سمسمة المصارعة التي تنتيي بقتل أحد المصارعين‪ ،‬ما ىي المتعة‬
‫التي يمكن أن يجنييا كل ىؤالء من مشاىدتيم لعممية تعذيب عمنية تمارس ضد شخص‪،‬‬
‫يفترض أننا نتألم لمعاناتو وليس أننا نتمتع بيا‪ .‬ويضيف سنجر أن النظرية الداروينية لطالما‬
‫قدمت اعتقاد شيء بأن الرجل متفوق عقمياً عمى المرأة‪ ،‬وأن ىذا االعتقاد كان أساساً لمكثير‬
‫من الممارسات التي تسببت بالكثير من المعاناة لمنساء(‪.)2‬‬

‫والواقع أن "بيتر سنجر" يعزو العديد من الصور المناىضة لممساواة الى النظرة‬
‫"الداروينية" التي لربما اعتبرىا مفمسة أخالقياً(‪.)3‬‬

‫عمى نفس االتجاه؛ يدين "سنجر" تمك النظرة الب ارغماتية‪ -‬النفعية– التي تم عمى الدوام‬
‫استخداميا لتبرير الممارسات المناىضة لآلخر‪ ،‬عمى غرار استخدام الحيوانات في التجارب‬
‫العممية‪ ،‬أو تبرير أكل لحوم الحيوانات‪ ،‬وبالتالي فإذا كنا نحرص عمى تحقيق المنفعة‪،‬‬

‫‪(1).Peter Singer, Practical Ethics, 1st ed. Cambridge: Cambridge University‬‬


‫‪Press, 1979, pp 122–23.‬‬
‫‪(2).Peter Singer, Practical Ethics, 2d ed. Cambridge: Cambridge University‬‬
‫‪Press, 1993. p 142‬‬
‫‪(3). Peter Singer. Equality for Animals?, Ibid.‬‬

‫‪5‬‬
‫فمنحرص عمى تحقيق المنفعة لمجميع وليس لفئة عمى حساب فئة‪ ،‬واال فإن النفعية بيذا‬
‫الشكل ما ىي شكل من أشكال العنصرية التي تبرر اضطياد اآلخر والتسبب بمعاناتو‪،‬‬
‫فكيف ندين العنف الذي يمارس إزاء النساء أو السود وال ندينو عندما يمارس ضد الحيوانات‪،‬‬
‫وضد األطفال‪ ،‬أو ذلك العنف الذي تمارسو الدول الغنية ضد الدول الفقيرة‪ ،‬السيما ذلك‬
‫العنف الذي ال نجد غضاضة في استخدامو ألنو مبرر في عقولنا بتبريرات عممية أو دينية‬
‫أو ما شابو(‪.)1‬‬

‫من الواضح أن "بيتر سنجر" يضع فمسفتو األخالقية كأساس إلعادة بناء تصوراتنا عن‬
‫أنفسنا واآلخرين‪ ،‬ولعمو كما اعتبره الكثيرين جاء متبنياً فمسفة "جريمي بنثام " ( ‪Jeremy‬‬
‫األخالقية في المنفعة‪ ،‬والتي قواميا مبدأ‬
‫ّ‬ ‫‪ ،)2()5181-5971( )Bentham‬السيما نظرّيتو‬

‫‪(1).Peter Singer, “Ethics” in Encyclopædia Britannica, Chicago, 1985. pp. 627-‬‬


‫‪648.‬‬
‫(‪ .)1‬عالم قانون وفيمسوف إنكميزي‪ ،‬ومنظر قانوني ومصمح اجتماعي‪ ،‬وكان المنظر الرائد في فمسفة‬
‫القانون األنجمو‪-‬أمريكي‪ .‬ويشتير بدعواتو إلى النفعية وحقوق الحيوان‪ ،‬وفكرة سجن بانوبتيكون‪ .‬كما شممت‬
‫مواقفو الحجج المؤيدة لمفرد‪ ،‬والحرية االقتصادية‪ ،‬الفائدة‪ ،‬والفصل بين الكنيسة والدولة‪ ،‬حرية التعبير‪،‬‬
‫والمساواة في الحقوق لممرأة‪ ،‬الحق في الطالق‪ ،‬وعدم تجريم أفعال المثمية الجنسية‪ .‬كما طالب بإلغاء الرق‬
‫وعقوبة اإلعدام والغاء العقوبات البدنية‪ ،‬بما في ذلك لؤلطفال‪ -.‬راجع‪:‬‬
‫‪Sunstein, Cass R. "Introduction: What are Animal Rights?", in Sunstein, Cass R.‬‬
‫‪and Nussbaum, Martha (ed.). Animal rights. Oxford University Press, 2005, pp.‬‬
‫‪3–4. And Francione, Gary. Animals—Property or Persons", in Sunstein and‬‬
‫‪Nussbaum 2005, p. 139, footnote 78. And Gruen, Lori. "The Moral Status of‬‬
‫‪Animals", Stanford Encyclopedia of Philosophy, July 1, 2003.‬‬
‫‪Benthall, Jonathan. "Animal liberation and rights", Anthropology Today, volume‬‬
‫‪23, issue 2, April 2007, p. 1.‬‬
‫‪Bentham, Jeremy. "Offences Against One's Self", first published in Journal of‬‬
‫‪Homosexuality, v.3:4(1978), p.389-405; continued in v.4:1,1978. Also see‬‬
‫‪Boralevi, Lea Campos. Bentham and the Oppressed. Walter de Gruyter, 1984,‬‬
‫‪p. 37. And Bedau, Hugo Adam. "Bentham's Utilitarian Critique of the Death‬‬
‫‪Penalty," The Journal of Criminal Law and Criminology. Vol 74, 1983, p. 1033.‬‬

‫‪6‬‬
‫السعادة القصوى‪ ،‬أو القدر األكبر من السعادة‪ ،‬باعتباره مطمب فردي وجماعي في آن؛ فالك ّل‬
‫ثنائية الم ّذة واأللم من جية‬
‫يبحث عن أكبر قدر من السعادة‪ .‬وانطالقا من تحميمو لمعالقة بين ّ‬
‫الجماعية‪ ،‬انتيى "بنثام" إلى‬
‫ّ‬ ‫الفردية والمنفعة‬
‫ّ‬ ‫والعقل والمنطق من جية أخرى‪ ،‬وبين المنفعة‬
‫اإلنسانية القصوى عمى‬
‫ّ‬ ‫الفردية‪ ،‬واثبات قيام السعادة‬
‫ّ‬ ‫الجماعية لممنافع‬
‫ّ‬ ‫تأكيد شمول المنفعة‬
‫العامة لمقانون وقواعده المعتبرة لمبدأ المنفعة‪ .‬فمثل ىذا القانون كفيل بتحقيق‬
‫ّ‬ ‫المراعاة‬
‫المشرع "ال يحتاج إالّ إلى معرفة األحوال‬
‫االنسجام والتناغم بين صالح الفرد والصالح العام‪ .‬و ّ‬
‫خاصة‪ .‬وعندئذ يستطيع أن يسيطر عمى‬
‫ّ‬ ‫الخاصة بالزمان والمكان التي أنتجت تقاليد وعادات‬
‫ّ‬
‫السموك عن طريق تخصيص آالم وعقوبات إلحداث أفضل النتائج المرغوب فييا"(‪.)1‬‬

‫وىكذا؛ فإن لآلخر عند "بيتر سنجر" ىوية تتخذ طابعاً انسانياً مجرداً ومترفعاً أخالقياً‬
‫عن األفكار السائدة عن اليوية ومركزية الذات الغربية‪ ،‬كما أن تعاممو مع القضايا‬
‫والمشكالت التي تتعمق باآلخر‪ ،‬ىو تعامل يراعي أبسط وأدق مستويات الخصوصية لكل‬
‫حالة وقضية تنال اىتمامو‪ ،‬بحيث أن تمعنو في إظيار ىذه الخصوصية بنوع من التفكيك‪،‬‬
‫سوف ينتيي الحقاً بإعادة تركيب لمقضية وخصوصياتيا من وجية نظر أخالقية صرفة‪،‬‬
‫تتسم بالشمول والنزوع االنساني المفتوح عمى كل الذوات والذوات األخرى باتجاه اإلقرار‬
‫بيويتنا االنسانية الواحدة‪.‬‬

‫معياسيت املبذأ األخالقي‪:‬‬

‫ترتكز فمسفة بيتر سنجر" األخالقية عمى مبدأ مسائمة النماذج القائمة ومحاسبتيا عما‬
‫ىو حاصل في واقع الحال‪ ،‬وبالتالي فإن األخالق كأساس انساني‪ ،‬حاضر في كل طروحاتو‬

‫النقدية‪ ،‬فيو ال يتعامل مع قضاياه من وجية نظر ذاتية محددة حضارياً أو فكرياً أو عنصرياً‬
‫أو جغرافياً أو ما شابو‪ ،‬كما ىو الحال في أغمب األطروحات الغربية التي تتعامل مع اآلخر‬

‫تطور الفكر السياسي‪ ،‬الجزء الرابع‪ ،‬ترجمة‪ :‬عمي إبراىيم السيد‪ ،‬الييئة المصرية العامة‬
‫(‪ .)5‬سباين‪ ،‬ج‪ّ :.‬‬
‫لمكتاب‪ ،‬القاىرة‪ .1555 ،‬ص ‪.591‬‬

‫‪7‬‬
‫خارج نطاق الغرب‪ ،‬بل يقدم طروحاتو من منطمق انساني صرف‪ ،‬فيو معني بكل القضايا‬
‫التي يظير معيا إخالل األفراد والمؤسسات والدول والحكومات بالقيم األخالقية التي يجب أن‬
‫يتساوى فعميا وأثرىا عمى جميع الكائنات‪ -‬البشر والحيوانات األخرى‪ -‬لذلك‪ ،‬فمن الصعب‬
‫اجتياز المسافة الفاصمة بين الذات االنسانية التي ينطمق منيا ىذا الفيمسوف واآلخر أياً كان‬
‫نوعو أو جنسو‪ ،‬طالما وأن بإمكاننا دوماً إدراك ألمو ومعاناتو‪ ،‬ومن ثم فإن الواحدية والتعددية‬
‫في فمسفتو األخالقية‪ ،‬تتماىى مع منطمقاتو ومواقفو‪.‬‬

‫وعمى الرغم من أن ىناك العديد من اآلراء التي تبناىا فيمسوفنا التي لن يتفق الكثيرين‬
‫معو فييا بأي حال من األحوال‪ ،‬إال إنو يمكن تفيم الدوافع والمنطمقات والغايات التي حرص‬
‫عمييا وتمكن من اظيارىا بجالء‪.‬‬

‫إن النظرة اإلنسانية التي تعطي طابعاً أخالقياً يؤسس لواحدية انسانية تدافع عن كل‬
‫قضايا االنسان ‪ -‬أو الحيوان باعتبار االنسان مسؤول عنو‪ -‬كتجسيد لمبدأ واحد يتمثل في‬
‫التقميل من حجم األلم والحد من المعاناة‪ ،‬وزيادة حجم السعادة والشعور بالرخاء لدى‬
‫اآلخرين‪ .‬ىذه النظرة لم تحول دون اعطاء اآلخرين أوصاف متباينة‪ ،‬فاآلخر ىو أي كائن‬
‫يمكن أن تحقيق مبدأ المنفعة والمساواة عميو‪ ،‬ولكن حينما يتعمق األمر بنماذج األلم الذي‬
‫يعاني منو اآلخرون فإننا نجد أن ىذا الفيمسوف يمعن في معالجة قضايا كل فئة أو نموذج‬
‫بناء عمى منطمق واحد(‪.)1‬‬
‫عمى حده‪ ،‬وان كان ذلك كمو يجري ً‬

‫لطالما انتقد "بيتر سنجر" مواقف الدول الغنية إزاء ما تتعرض لو بعض الدول الفقيرة‪،‬‬
‫من كوارث طبيعية ومجاعات وفقر وحروب‪ ،‬ويتساءل لماذا عندما تتعامل الدول الغنية مع‬
‫حوادث مؤلمة من ىذا النوع في الدول الفقيرة‪ ،‬وعندما تقرر مد يد المساعدة إلييا‪ ..‬لماذا ال‬
‫تقدم ليا العون الكافي؟ لماذا تظل المساعدات المقدمة غير كافية مع أن الدول الغنية قادرة‬

‫‪(1). J. Dinwiddy, Bentham, Oxford, New York, Oxford University Press, 1989. p‬‬
‫‪111.‬‬

‫‪8‬‬
‫عمى ذلك؟(‪ -)1‬ويتمادى في التساؤل أكثر‪ ،‬فيقول‪" :‬ما ىي اآلثار األخالقية لمثل ىذا‬
‫الوضع؟‪ -‬ال يمكن القول بأن طريقة الدول الغنية في التعامل بيذا الشكل مع الكوارث‬
‫الطبيعية والحوادث المؤلمة التي تيدد الشعوب الفقيرة‪ ،‬بأنو تعامل يمكن تبريره"(‪.)2‬‬

‫اعتقد أن "سنجر" تعمد اعتبار الدول الغنية طرفاً في معادلة أمام الدول الفقيرة‪ ،‬عمى‬
‫أساس أنو ىو نفسو يدافع من منطمق انساني عن قضايا تمك الشعوب التي يسحقيا الفقر‬
‫والكوارث الطبيعية والحروب‪ ،‬وكأن مجرد شعوره بمعاناتيا يجعمنا نتصوره في الجية نفسيا‬
‫معيا‪ ،‬ونفس األمر الذي اخذنا بالقياس موقفو النقدي في اطار عالقتو بالدول الغنية‪ ..‬وىذا‬
‫يعني أن اآلخر عند "سنجر" ىو ما نحن مسؤولون عنو‪ ،‬إنو ذلك الذي يجب أن نسعى الى‬
‫مساعدتو والتقميل من معاناتو‪ ..‬ولكي تتضح ىذه الرؤية التركيبية فالبد من تفكيك منظومة‬
‫األخالق التي ينتقدىا في كل طروحاتو‪.‬‬

‫يقول "سنجر"‪" :‬ال يمكن القبول بالقول السائد الذي يبرر بو البعض موقف الدول‬
‫الغنية من الدول الفقيرة التي تعاني من الكوارث والمجاعات‪ ،‬بأن الشخص الذي يعاني والذي‬
‫يجب أن نساعده ونقمل من معاناتو يجب أن يكون قريباً منا ولدينا اتصال مباشر معو‪،‬‬
‫بالقرب لنا‪ ،‬وأن ىذه العوامل ىي التي من شأنيا أن تجعمنا نقرر ما إذا كنا سنساعده أم ال‪،‬‬
‫أو حجم المساعدة التي سنقدميا لو‪ ،‬ألن ىذا يفترض أساساً أنو ال حظ مطمقاً لمشخص‬
‫البعيد جداً عنا بمساعدتنا لو"(‪.)3‬‬

‫ما ىو معيار األمر ىنا؟!‪ -‬يقول فيمسوفنا‪" :‬إنيا مسألة مبدأ أخالقي‪ ،‬إما أن نعمل بو‬
‫ونطبقو عمى الجميع‪ ،‬واال فإننا نعمل بالعكس منو تماماً‪ ،‬فإذا قبمنا بتطبيق مبدأ الحياد بحيث‬
‫تكون نظرتنا لآلخرين انسانية وليست موقوفة عمى مواقف سابقة‪ ،‬واذا كنا نؤمن بالمساواة‬
‫ألنفسنا‪ ،‬فالبد أن نؤمن بيا لغيرنا تماماً‪ ،‬وأي عوامل أخرى واقعة تحت سيطرتنا ال يمكن أن‬

‫‪(1). Peter Singer, The Expanding Circl:. Ethics and Sociobiology, New York:‬‬
‫‪Farrar, Straus and Giroux, 1981. pp 159-160.‬‬
‫‪(2).Peter Singer, Practical Ethics, op. cit, p. 261.‬‬
‫‪(3).Peter Singer, The Expanding Circl:. Ethics and Sociobiology, op. cit, p 179.‬‬

‫‪9‬‬
‫تكون مبر اًر لمتخمي عن ىذا المبدأ‪ ،‬لقد صار باإلمكان أن نتحدث عن قرية كونية اليوم؛‬
‫فميس ىناك ولن يكون ىناك أي مبرر مقبول لمتمييز عمى أسس من األسباب الجغرافية؛ فإذا‬
‫كان اليند أو البنغال تعاني من مجاعات وىناك أطفال ونساء يموتون؛ فالبد أن يتم‬
‫مساعدتيم بالقضاء عمى المجاعة تماماً وليس بإعطائيم الحد األدنى مما يبقييم أحياء ولكن‬
‫في معاناة شديدة وبؤس مؤلم‪ -‬ىذا إذا أردنا الحقيقة"(‪.)1‬‬

‫يجب أالا يكون ىذا الطرح االنساني‪ -‬القائم عمى مبدأ أن اإلحسان وعمل الخير‬
‫لمصمحة اآلخرين‪ -‬مقيداً بمبررات أو أسباب لعدم القيام بو‪ ،‬يكشف بجالء عن رؤية خيرية‬
‫نابعة من نقد أخالقي قاسي لمنموذج السائد‪ ،‬فكل الشعارات التي ترفع عن المساواة والعالم‬
‫الذي اصبح قرية واحدة صغيرة‪ ،‬تأتي عمى العكس منيا تماماً األفعال والمواقف‪ ،‬واال لماذا ال‬
‫يزال ىناك بشر يموتون جوعاً في ىذا العالم؟!(‪.)2‬‬

‫تقف أطروحات "سنجر" األخالقية اليوم‪ ،‬عمى رأس أكثر االتجاىات النقدية تطرفاً ضد‬
‫القيم الييودية والمسيحية التقميدية‪ ،‬انطالقاً من قناعة ىذا الفيمسوف بأن عممو‪" :‬يستند عمى‬
‫افتراض أن الوضوح واالتساق في التفكير األخالقي لدينا ىو المرجح دائماً ‪-‬عمى المدى‬
‫الطويل‪ -‬ليقودنا إلى أفضل وجيات النظر حول القضايا األخالقية"(‪.)3‬‬

‫المعروف عن "بيتر سنجر" أنو ولد في استراليا بعد عام واحد من انتياء الحرب‬
‫العالمية الثانية‪ ،‬من أسرة ييودية فرت من فيينا ىرباً من االضطياد النازي‪ ،‬حيث لقي‬
‫الكثيرين من أقاربو مصرعيم ىناك‪ ،‬كانت والدتو طبيبة ووالده من محبي الحيوانات‪ ،‬ويبدو‬
‫أن عوامل البيئة التي نشأ فييا قد انعكست بقوة عمى أفكاره ومساره الفكري طوال حياتو‪.‬‬

‫‪(1). Peter Singer. Famine, Affluence, and Morality. Philosophy and Public‬‬
‫‪Afiairs, Vol. 1, No. 3. Spring, 1972, 229—243.‬‬
‫‪(2). Ibid. p 246.‬‬
‫‪(3). Peter Singer, Ethics, (Oxford Readers (OUP), 1994. p.5,‬‬

‫‪10‬‬
‫و"بيتر سنجر" فيمسوف ممحد‪ ،‬يرفض وبشدة األخالق الييودية المسيحية‪ ،‬ويعتبرىا‬
‫قديمة ولم تعد ذات صمة بواقعنا المعاصر‪ ،‬فيقول‪" :‬نحن لسنا بحاجة إلى افتراض وجود‬
‫اآللية التي تنقل إلينا وصاياىا‪ ،‬فنحن في األساس قادرين عمى أن نفيم األخالق كظاىرة‬
‫طبيعية"(‪.)1‬‬

‫ويتسأل "سنجر"‪" :‬ما الذي يمكنني التفكير بو باعتباره (حياة طيبة) بكل ما يعنيو ىذا‬
‫المصطمح؟‪ -‬ىذا ىو السؤال الجوىري"(‪" -.)2‬ذلك أن المبادئ األخالقية ليست قوانين مكتوبة‬
‫حتى في السماء‪ ،‬وليست حقائق مطمقة عن الكون‪ ،‬وال يتم معرفتيا عن طريق الحدس‪ ،‬بل‬
‫أنيا مبادئ نابعة من طبيعتنا ككائنات اجتماعية‪ ،‬لذا فنحن أحرار في اختيار ما أردنا أن‬
‫يكون‪ ،‬ومنطقياً فإن ىذا يقتضي أن ال نفترض بأننا نحصل عمى ما نقرره ألنفسنا من خارج‬
‫أنفسنا"(‪.)3‬‬

‫وىكذا؛ فإن اآلخر لديو قد يكون ذلك الشيء الذي يرفضو‪ ،‬والحقيقة أن التعمق‬
‫األخالقي الذي مارسو سنجر غالباً‪ ،‬جعمو يرفض كل األنساق الدينية والثقافية واألخالقية‬
‫القائمة في المجتمعات الغربية‪ ،‬والرفض ليس موقف ذاتي‪ ،‬بل موقف نابع من منطمقات‬
‫أخالقية أكثر منيا شخصية أو ذاتية؛ فيو مثل "بنثام" يرفض االعتراف باإللو الييودي‬
‫والمسيحي‪ -‬وكل اآللية في الحقيقة‪ -‬لسبب واحد وىو لماذا إن كانت موجودة سمحت بوجود‬
‫كل ىذه المعاناة‪ ،‬وليذا يرفض فكرة التمييز اطالقاً‪ ،‬حتى تمييز البشر عن الحيوانات ىذه‬
‫فكرة مرفوضة تماماً‪ ،‬وينتقد األطروحات الييودية التي تقول بتمييز البشر عمى الحيوانات‬
‫وبتمييز الييود عمى سائر الشعوب‪.‬‬

‫‪(1). Ibid. p 5.‬‬


‫‪(2). Peter Singer, How are we to live?, Opus (OUP), 1993 p.9‬‬
‫‪(3). Ibid. p 5.‬‬

‫‪11‬‬
‫ما من شك بأن اآلخر في نظر سنجر ىو ذلك الكائن الذي يعاني من جية‪ ،‬وىو‬
‫أيضاً ذلك الذي يتسبب باأللم والمعاناة لآلخرين من جية أخرى‪ ،‬وبالطبع فيو شخصياً ينحاز‬
‫لمطرف الذي يعاني دون أي اعتبار ألي انتماء قد يشعر بو لمطرف المتسبب بتمك المعاناة‪.‬‬

‫األساس األخالقي الذي يكمن وراء انحياز "سنجر" الدائم لمفئات التي تعاني من األلم‬
‫ومن شرور االنسانية‪ ،‬دفعو دائماً الى تقرير أن قيمة األفعال األخالقية ليس في صورتيا‬
‫البسيطة‪ ،‬بل في عواقبيا واآلثار المترتبة عنيا‪ ،‬فما يمكن اعتباره صائب أخالقياً من وجية‬
‫النظر التقميدية قد يؤدي الى التسبب بالمعاناة واأللم والشرور لآلخرين‪ ،‬وما يمكن اعتباره‬
‫خاطئ من نفس وجية النظر تمك‪ ،‬قد يؤدي الى التسبب بسعادة اآلخرين‪ ،‬واذن فالمعيار ىنا‬
‫ليس القواعد التقميدية لمفعل األخالقي‪ ،‬بل في القيمة التي تتحقق من ىذا الفعل‪ -‬وىي ما‬
‫يعرف عند سنجر بالنفعية‪.‬‬

‫إن ما يدعو إليو "سنجر" ىو النظر دوماً الى عواقب أفعالنا‪ ،‬ودراسة اآلثار المترتبة‬
‫عمى خياراتنا بالنسبة لمطريقة التي ينظر أو يشعر بيا اآلخرين نتيجة أفعالنا‪ ،‬فأفعالنا نفسيا‬
‫ليس ليا قيمة أخالقية جوىرية‪ ،‬بل ما ينتج عنيا ىو ما يحظى بالقيمة وما يجب أن ننظر‬
‫إليو دائماً كقيمة‪ ،‬لذا فيو يقول‪" :‬وال بد لي حين أفكر أخالقيا‪ ،‬أن أتخيل نفسي في حالة‬
‫جميع المتضررين من عممي (مع التفضيالت التي لدييم)؛ والبد لي من النظر الى مصالح‬
‫أعدائي وكذلك أصدقائي‪ ،‬والغرباء‪ ،‬وكذلك األسرة‪ ،‬فإن كنت بعد األخذ باالعتبار مصالح‬
‫وتفضيالت كل ىؤالء الناس‪ ،‬ما زلت أعتقد أن العمل ىو أفضل من أي عمل بديل آخر‪،‬‬
‫حينيا فقط يمكنني القول بأنو صار بوسعي أن أفعل ذلك‪ ،‬في الوقت نفسو الذي يجب أن ال‬
‫نتجاىل اآلثار البعيدة المدى لتعزيز الروابط األسرية‪ ،‬وانشاء وتعزيز العالقات المتبادلة‪،‬‬
‫والسماح الظالمين باالستفادة من أفعاليم الخاطئة(‪.)1‬‬

‫تتطابق األسس التي وضعيا "سنجر" تماماً مع األسس التي وضعيا "بنثام" من قبل‬
‫لكل من األخالق والقانون‪ ،‬والتي قامت عمى مبدأ النفعية‪ ،‬وىو المبدأ الذي يقيم عالقاتنا‬

‫‪(1). Peter Singer, How are we to live? Ibid, p. 206‬‬

‫‪12‬‬
‫وأفعالنا بمقدار ما تحققو من المنفعة والسعادة لآلخرين‪ ،‬عمى مستوى الفرد والمجتمع‬
‫واالنسانية جمعاء‪ ،‬إذ يتبنى "سنجر" ما ذىب إليو "بنثام" من أن كل النظم تسعى لتحقيق‬
‫المسرة وابعاد األلم؛ وىذه النفعية يجب أالا تقتصر عمى الفرد؛ فقد تكون‪ -‬جزئيا أو أساسا‪-‬‬
‫لؤلسرة أو المجتمع أو الدولة أو الجنس البشري‪.‬‬

‫وكما أكد "بنثام" أكد "سنجر" أيضاً عمى أن صواب أي عمل من األعمال‪ ،‬إنما يحكم‬
‫عميو بمقدار ما يسيم في زيادة السعادة اإلنسانية أو في التقميل من شقاء اإلنسان‪ ،‬بصرف‬
‫النظر عن السداد األخالقي لقاعدة ما‪ ،‬أو مطابقتيا لموحي أو لمسمطة أو لمتقميد أو لمحس‬
‫األخالقي أو لمضمير‪ .‬ومن ثم فإن المذة ىي الشيء الوحيد الذي ىو خير في ذاتو‪ ،‬واأللم‬
‫ىو الشيء الوحيد الذي ىو شر في ذاتو‪ ،‬والسعادة تشمل المذة والتخمص من األلم‪ ،‬وان‬
‫رجحان كفة المذة قد يعود ىو نفسو فيصبح مصد اًر لممزيد من المذة(‪.)1‬‬

‫ووفق ىذه الرؤية؛ فإنو يمكن دفع الناس تجاه بعضيم البعض وتجاه الحيوانات وسائر‬
‫األنواع التي يمكن أن تشعر باأللم‪ ،‬أو نحن نشعر بألميا ومعاناتيا‪ ،‬إلى التصرف عمى نحو‬
‫يؤدي إلى السعادة العامة من خالل القانون الذي يقتص من الظالم والمخطئ‪ ،‬ومن خالل‬
‫الرأي العام الذي لو الحق في أن من يستحق الثواب والعقاب‪ ،‬فالقانون والرأي العام ىما‬
‫المذان يحوالن بين الناس وبين أن يأتوا من األعمال ما يضاد الصالح العام‪ .‬أما األساس‬
‫الثاني فيو المنفعة الذاتية المستنيرة التي تدل الناس عمى أن الصالح العام ينطوي في أغمب‬
‫األحوال عمى منفعتيم الخاصة(‪.)2‬‬

‫‪(1). See more: Bedau, Hugo Adam: "Bentham's Utilitarian Critique of the Death‬‬
‫‪Penalty," The Journal of Criminal Law and Criminology. Vol 74, 1983, p. 1030‬‬
‫(‪ .) 1‬من المؤكد ىنا أن (المنفعة) ىي باألساس فكرة فمسفية ال تمتزم باألصول الدينية‪ ،‬إذ تقيس صواب‬
‫العمل بمقدار ما يحققو من منفعة وسعادة بصرف النظر عن توافقو مع األخالق أو مطابقتو لمدين‪ ،‬وترى أن‬
‫ك ال ما يمزم بو الدين‪ ،‬يمكن لمقانون بقصاصو والرأي العام بالجزاءات التي يقررىا أن يأتي بو‪ .‬وال شك أن‬
‫في ىذا تجاو اًز ييدم أسس العقيدة ويحول المجتمعات إلى غابة تتصارع فييا المنافع بال ضابط أو رابط‪ ،‬أو‬
‫عمى األقل فإن ىذه الفكرة قد تكون بحاجة الى التصويب والتوجيو من وجية النظر الشرعية‪ ،‬تقدي اًر لؤلسس‬
‫األخالقية والنوايا الخيرة التي ترتكز عمييا‪( .‬الباحث)‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫لقد تبنى الفيمسوف األخالقي المعاصر "بيتر سنجر" رؤية مخالفة لما ىو سائد‪ ،‬حيث‬
‫انطمق برؤيتو تمك من أساس انساني‪ -‬أخالقي‪ ،‬غير معترف باألسس المحددة لمتمايزات بين‬
‫البشر وبعضيم البعض كاألديان والجغرافيا واألفكار والعرقيات وغير ذلك‪ ،‬وانما أقام أفكاره‬
‫عمى واحدية انسانية تنقسم الى ذوات تعاني وذوات أخرى تتسبب باأللم والمعاناة لآلخرين؛‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإن آ ارئو وطروحاتو ليست بريئة تماماً من داءة التطرف‪ ،‬وىذا ما يمكن التماسو‬
‫في مواقفو وتوجياتو المناىضة لؤلديان واألخالق والقيم واألفكار الماورائية‪ ،‬مؤسساً بذلك ما‬
‫بات يعرف اليوم في الدوائر الغربية ب ـ "اإللحاد المحايد"‪.‬‬

‫انتيى‪...‬‬

‫‪14‬‬
‫املصادس واملشاجع‬

،‫ عمي إبراىيم السيد‬:‫ ترجمة‬،‫ الجزء الرابع‬،‫تطور الفكر السياسي‬


ّ :.‫ ج‬،‫ سباين‬.5
.1555 ،‫ القاىرة‬،‫الييئة المصرية العامة لمكتاب‬
2. Bedau, Hugo Adam. "Bentham's Utilitarian Critique of the
Death Penalty," The Journal of Criminal Law and
Criminology. Vol 74, 1983.
3. Bedau, Hugo Adam: "Bentham's Utilitarian Critique of the
Death Penalty," The Journal of Criminal Law and
Criminology. Vol 74, 1983.
4. Benthall, Jonathan. "Animal liberation and rights",
Anthropology Today, volume 23, issue 2, April 2007..
5. Bentham, Jeremy. "Offences Against One's Self", first
published in Journal of Homosexuality, v.3: 4, 1978: 389-
405.
6. Boralevi, Lea Campos. Bentham and the Oppressed. Walter
de Gruyter, 1984 .
7. Francione, Gary. Animals—Property or Persons", in Sunstein
and Nussbaum 2005.
8. Gruen, Lori. "The Moral Status of Animals", Stanford
Encyclopedia of Philosophy, July 1, 2003.
9. J. Dinwiddy, Bentham, Oxford, New York, Oxford University
Press, 1989.

15
10. Peter Singer, “Ethics” in Encyclopædia Britannica, Chicago,
1985 .
11. Peter Singer, Ethics, Oxford Readers (OUP), 1994.
12. Peter Singer, How are we to live?, Opus (OUP), 1993.
13. Peter Singer, Practical Ethics, 1st ed. Cambridge:
Cambridge University Press, 1979.
14. Peter Singer, Practical Ethics, 2d ed. Cambridge:
Cambridge University Press, 1993 .
15. Peter Singer, The Expanding Circl:. Ethics and Sociobiology,
New York: Farrar, Straus and Giroux, 1981 .
16. Peter Singer. Equality for Animals?, Excerpted from
Practical Ethics, Cambridge, 1979 .
17. Peter Singer. Famine, Affluence, and Morality. Philosophy
and Public Afiairs, Vol. 1, No. 3. Spring, 1972: 229—243.
18. Sunstein, Cass R. "Introduction: What are Animal Rights?",
in Sunstein, Cass R. and Nussbaum, Martha (ed.). Animal
rights. Oxford University Press, 2005.

16

You might also like