You are on page 1of 54

‫‪225‬‬

‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة ÷بول تايلور× األخالقية‬


‫(بحث في منطق األخالق اإليكولوجية)‬

‫(*)‬
‫د‪ .‬مصطفى عبد الرؤف راشد أحمد‬

‫مقدمة‬

‫عديدا من الظروف واملالبسات التي تتعارض‬


‫ً‬ ‫واجه اإلنسان عىل مر العصور واحلضارات‬
‫فيه��ا املصالح البرشية مع املصالح غري البرشية؛ وهذا م��ا أدى ‪-‬بطبيعة احلال‪ -‬إىل وجود حالة‬
‫م��ن عدم التوازن الطبيعي ب�ين مجيع الكائنات احلية عىل س��طح األرض‪ ،‬ونتج عن ذلك ظهور‬
‫بعض املذاهب الفلسفية التي حاولت إعادة حتقيق التوازن بني املصالح واالهتاممات اإلنسانية‬
‫من ناحية‪ ،‬ومصالح الكائنات احلية األخرى من ناحية ثانية؛ مثل‪ :‬مذهب املركزية البيولوجية‬
‫‪ Bio-centrism‬ومذه��ب املركزي��ة اإليكولوجي��ة ‪ Eco-centrism‬واإليكولوجي��ة العميق��ة‬
‫‪ Deep Ecology‬والفكر البوذي ‪ ...Buddhist Thought‬إلخ‪.‬‬
‫وتضمنت بعض هذه املذاهب جمموعة من الشواهد واألدلة القوية عىل أن الكائنات احلية‬
‫غري البرشية تستحق االعتبار والنظر األخالقي‪ ،‬وظهرت هذه الشواهد يف أطروحات «ألربت‬
‫ش��فايتزر» ‪1965-1875( Albert Schweitzer‬م) بفكرت��ه عن «تقدي��س احلياة» ‪Reverence‬‬
‫‪ ،for Life‬و«ت��وم ريغ��ان» ‪2017-1938( Tom Regan‬م) بفكرت��ه عن «مفه��وم احلياة» ‪Life‬‬
‫‪ ،Concept‬و«بي�تر س��نجر» ‪1946( Peter Singer‬م‪ )-‬بفكرت��ه ع��ن «حق��وق احليوان��ات»‪،‬‬
‫و«بول تايلور»)‪2015-1923( Paul W. Taylor (1‬م) برؤيته عن احرتام الطبيعة التي أسس��ها‬
‫عىل فكرة املركزية البيولوجية‪.‬‬

‫(*) مدرس القيم وفلسفة األخالق بقسم الفلسفة ‪ -‬كلية اآلداب ‪ -‬جامعة سوهاج‪.‬‬
‫((( «بول وارن تايلور»‪ :‬فيلسوف أمرييك معارص‪ ،‬ولد يف ‪ 19‬نوفمرب ‪1923‬م يف فيالدلفيا ببنسلفانيا‪ ،‬وخترج‬
‫من جامعة «برينستون» ثم حصل عىل درجة املاجستري يف الفلسفة عام ‪1947‬م‪ ،‬ويف عام ‪1950‬م حصل‬
‫عىل درجة الدكتوراه من اجلامعة نفسها يف أطروحة بعنوان‪« :‬التحقق من أحكام القيمة يف النظريات=‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪226‬‬

‫و«ب��ول تايلور» هو واحد من أش��هر فالس��فة األخالق املعارصين الذي��ن اهتموا بوضع‬
‫نظري��ة معيارية حت��دد العالقة ب�ين اإلنس��ان والكائنات احلي��ة األخرى‪ ،‬اعت�ما ًدا عىل فكرة‬
‫املركزية البيولوجية؛ حيث فهم الطبيعة بوصفها جمتم ًعا مرتابطًا ومنسجماً ‪ ،‬وكل ما هو موجود‬
‫فيها يس��تحق االحرتام والتقدير واالعتبار يف النس��ق األخالقي؛ فكل الكائنات احلية ‪ -‬س��واء‬
‫أكانت إنسانية أو حيوانية أو نباتية ‪ -‬متتلك قيمة متأصلة يف ذاهتا‪ ،‬دون النظر إىل نوعها‪.‬‬
‫وطامل��ا أن كل خملوق عىل س��طح األرض يس��عى إىل حتقي��ق مصاحل��ه واهتامماته اخلاصة‬
‫نظرا لسيطرة اإلنسان وسطوته عىل مقدرات الكائنات األخرى بشكل‬
‫بشتى الطرق املمكنة‪ ،‬و ً‬
‫مب��ارش أو غري مب��ارش‪ ،‬فقد وض��ع «تايلور» أربع قواع��د حاكمة وملزمة لترصفات اإلنس��ان‬
‫جت��اه الكائنات األخرى؛ وه��ي‪ :‬قاعدة عدم االيذاء‪ ،‬وقاعدة عدم التدخ��ل ‪ /‬اإلعاقة‪ ،‬وقاعدة‬
‫الثقة‪ ،‬وقاعدة التعويض أو ما يطلق عليها أحيانًا بقاعدة جرب الرضر؛ هذا يف الوضع الطبيعي؛‬
‫أ َّما يف حالة نشوء رصاع بني الكائنات البرشية وغري البرشية‪ ،‬فقد حدد «تايلور» مخسة مبادئ‬
‫أساس��ية حلل الرصاعات التي تنش��أ يف حالة تعارض املصالح األساسية وغري األساسية عىل ًّ‬
‫حد‬
‫سواء‪ ،‬وهذه املبادئ هي‪ :‬مبدأ الدفاع عن النفس‪ ،‬ومبدأ التناسب‪ ،‬ومبدأ احلد األدىن من اخلطأ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وإنصاف من‬ ‫ٍ‬
‫بعدالة‬ ‫ومب��دأ العدالة التوزيعية‪ ،‬ومبدأ العدالة التعويضي��ة‪ .‬وتعمل هذه املبادئ‬
‫أجل حل النزاعات املتضاربة التي تنش��أ بني واجبات األخالق اإلنس��انية وواجبات األخالق‬
‫البيئية‪.‬‬
‫وم��ن هنا تأيت أمهي��ة البحث يف اإلجابة عن الس��ؤال‪ :‬ه��ل ميكن تقدي��م نظرية أخالقية‬
‫معياري��ة تس��هم يف ح��ل الرصاع��ات ب�ين مجي��ع الكائن��ات احلية‪ ،‬م��ع املحافظة ع�لى حقوق‬
‫متس��اوية بني اجلميع؟ ومن هذا التساؤل ميكن اش��تقاق بعض التساؤالت األخرى التي تشكل‬

‫= الطبيعية األخالقية»‪ ،‬وبعدها عمل يف قسم الفلسفة بكلية «بروكلني» بجامعة «سيتي» يف نيويورك‪،‬‬
‫ثم حصل عىل درجة أستاذ يف الفلسفة‪ ،‬وظل باجلامعة نفسها حتى تقاعد هبا عام ‪1990‬م‪ .‬ومن أهم مؤلفاته‬
‫الفلسفية‪« :‬اخلطاب املعياري» عام ‪1961‬م‪ ،‬و«احرتام الطبيعة؛ نظرية يف األخالق البيئية» عام ‪1986‬م‪،‬‬
‫و«احلكم األخالقي» عام ‪1963‬م‪ ،‬و«املعرفة والقيمة» عام ‪1967‬م‪ ،‬و«مبادئ األخالق؛ مقدمة» عام‬
‫‪1975‬م‪ ،‬و«القيمة املتأصلة واحلقوق األخالقية» عام ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪See: Shook, R. John (Ed and Others): The Dictionary of Modern American Philosophers,‬‬
‫‪Vol.4, Thoemmes Continuum, England, 2005, pp.2391-2392. And See Also: Callicott, Baird.‬‬
‫‪J and Frodeman (Editors): Encyclopedia of Environmental Ethics and Philosophy, Vol.2,‬‬
‫‪Macmillan Reference USA, Gale Cengage Learning, New York, 2009, p.303.‬‬
‫‪227‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫حم��ور البحث‪ :‬هل للحيوانات والنباتات أية اعتبارات أخالقي��ة أو أية قيمة متأصلة يف ذاهتا؟‬
‫وم��ا طبيعة فك��رة املركزية البيولوجية؟ وما األس��س التي تقوم عليها؟ وم��ا املبادئ األخالقية‬
‫التي حتكم السلوك اإلنساين جتاه الكائنات غري البرشية؟ أ َّما يف حالة نشوء رصاع‪ ،‬فام املبادئ‬
‫الت��ي اقرتحها «تايلور» حلل الرصاعات الناش��ئة بني الكائنات البرشي��ة وغريها من الكائنات‬
‫األخرى؟ وما طبيعة تلك املبادئ؟ وهل متتلك احليوانات حقوقًا أقل أمهية من احلقوق البرشية‪،‬‬
‫طاملا أن اإلنسان يتميز بخصائص االستقاللية والعقالنية والوعي؟‬
‫أ َّما عن املنهج املس��تخدم‪ ،‬فس��يتم االعتامد عىل املنهج التحلييل النقدي‪ ،‬لعرض أهم أفكار‬
‫«تايلور» وحتليلها مع مقارنتها بأفكار غريه من الفالسفة‪.‬‬
‫وحيتوي البحث عىل أربعة حماور رئيس��ة؛ وهي‪ :‬املحور األول‪ :‬هل للحيوانات اعتبارات‬
‫أخالقية؟ واملحور الثاين‪ :‬فكرة املركزية البيولوجية‪ ،‬واملحور الثالث‪ :‬قواعد السلوك اإلنساين‬
‫جتاه الكائنات احلية األخرى‪ ،‬واملحور الرابع‪ :‬املبادئ األخالقية ذات األولوية‪ ،‬التي استخدمها‬
‫«تايلور» حلل الرصاعات الناشئة بني الكائنات البرشية وغري البرشية يف حالة رصاع املصالح‬
‫وتضارهبا‪.‬‬

‫المحور األول‪ :‬هل للحيوانات اعتبارات أخالقية؟‬

‫اهت��م عديد من الفالس��فة املعارصين أمثال‪« :‬ألربت ش��فايتزر» و«ت��وم ريغان» و«بيرت‬
‫سنجر» و«بول تايلور» بالبحث عن تعزيز مكانة الكائنات غري البرشية يف الطبيعة وإعطائها‬
‫قيم��ة وجدارة أخالقية يف حماولة ملس��اواهتا باحلقوق اإلنس��انية‪ ،‬إال أن معظ��م هذه املحاوالت‬
‫كان��ت تفتقر إىل أية أس��س منهجية أو منطقية باس��تثناء حماولة «بول تايل��ور» التي وضعها يف‬
‫كتاب��ه‪« :‬احرتام الطبيعة؛ نظرية يف األخالق البيئية» عام (‪1986‬م)‪ ،‬وبعض املقاالت األخرى‬
‫املنش��ورة قبل إصدار هذا الكتاب‪ .‬وقبل احلديث عن أطروحة «تايلور» حول مبادئ احرتام‬
‫الطبيعة ورؤيته حول فكرة املركزية البيولوجية‪ ،‬س��وف نعرض بعض املحاوالت التي سبقت‬
‫فكره؛ وهي حماوالت «ألربت شفايتزر» و«توم ريغان» و«بيرت سنجر» عىل وجه التحديد‪.‬‬
‫حاول الفيلس��وف األملاين «ألربت ش��فايتزر» إعط��اء اجلدارة واالعتب��ار األخالقي جلميع‬
‫الكائن��ات احلي��ة من خ�لال فكرته ع��ن «تقديس احلي��اة» وتعظيمه��ا‪ ،‬التي ي��رى من خالهلا‬
‫أن احلي��اة نفس��ها هي العامل احلاس��م والوحيد يف حتدي��د االعتبار األخالقي جلمي��ع الكائنات‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪228‬‬

‫احلية عىل ًّ‬


‫حد س��واء؛ فاحلياة نفس��ها بكل أرسارها وعجائبها تس��تحق من��ا االحرتام واإلجالل‬
‫واهليبة والتقدير‪ .‬وهذا ما أكد عليه قائلاً يف كتاب «فلسفة احلضارة»‪« :‬توقري احلياة ال يسمح‬
‫أبدا أن يتخىل عن االهتامم بش��ئون الدنيا‪ ،‬بل حيمله محلاً ع�لى االهتامم بكل حياة تقوم‬
‫للف��رد ً‬
‫من حوله‪ ،‬وعىل أن يشعر بأنه مسئول عنها»)‪.(1‬‬
‫ربط «شفايتزر» مبدأ «تقديس احلياة» باألخالق‪ ،‬قائلاً ‪« :‬سيأيت الوقت الذي فيه يدهش‬
‫الناس من كون اإلنسانية قد احتاجت إىل كل هذه املدة الطويلة لتتعلم كيف تنظر إىل األذى‬
‫املوجه عن غري تفكري إىل احلياة عىل أنه أمر ال يتفق مع األخالق؛ فاألخالق مس��ئولة مس��ئولية‬
‫ال ح��دود هلا جتاه كل ما ه��و حي»)‪ .(2‬وهذا يعين‪ ،‬أن مبدأ «تقديس احلياة» عند «ش��فايتزر»‬
‫ه��و مبدأ أس��ايس لألخ�لاق‪ ،‬وأدرج مجيع أش��كال احلي��اة ضمن إطار ه��ذا املب��دأ‪ ،‬لدرجة أنه‬
‫عندم��ا رأى دودة عىل الطري��ق توقف عىل أحد جانبيها‪ ،‬ووضعها مرة أخرى يف نوع الرتبة التي‬
‫حتتاجها)‪ .(3‬وهذا يعين‪ ،‬أن فكرته عن «تقديس احلياة» تقتيض منا املشاركة يف احلياة واملحافظة‬
‫عليها)‪ (4‬بكل أنواعها وأشكاهلا‪ .‬وأن هذا املبدأ ينادي بالقيمة اجلوهرية والقدسية للحياة نفسها؛‬
‫فال يكون اإلنسان أخالق ًّيا إال عندما تكون احلياة ‪ -‬مبا هي كذلك ‪ -‬مقدمة يف نظره)‪.(5‬‬
‫ثم جاءت بعد ذلك حماولة الفيلسوف األمرييك «توم ريغان» بدفاعه عن حقوق احليوانات‬
‫م��ن خ�لال فكرته عن «موضوع��ات احلي��اة» ‪ ،Subjects of- a-life‬وهي قامئ��ة من اخلصائص‬
‫والسامت التي تظهر الكائنات احلية التي تستحق االعتبار واجلدارة األخالقية)‪.(6‬‬
‫وميكن اس��تنتاج موقف «ريغان» الع��ام من خالل موقفه النق��دي للنظريات األخالقية‪،‬‬

‫((( أشفيترس‪ ،‬ألربت‪ :‬فلسفة احلضارة‪ ،‬ترمجة‪ :‬عبد الرمحن بدوي‪ ،‬مراجعة‪ :‬زيك نجيب حممود‪ ،‬املؤسسة‬
‫املرصية العامة للتأليف والرتمجة والنرش‪ ،‬القاهرة‪1963 ،‬م‪ ،‬ص ‪.403‬‬
‫((( املصدر السابق‪ ،‬ص ‪.380‬‬
‫‪(3) Evans, Claude. J: With Respect for Nature; Living as Part of the Natural World, State‬‬
‫‪University of New York Press, New York, 2005, p.25.‬‬
‫‪(4) Ibid, p. 50.‬‬
‫((( سكوليموفسيك‪ ،‬هرنيك‪ :‬فلسفة البيئة‪ ،‬تعريب‪ :‬د‪ .‬دميرتي أفريينوس‪ ،‬قدم له املهندس‪ :‬فايز فوق العادة‪،‬‬
‫دار األبجدية‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪1992 ،‬م‪ ،‬ص ‪.111-100‬‬
‫‪(6) Santos, M. Rafael: Ethical Responsibilities to Animals and the Environment, University‬‬
‫‪Leuven, Belgium, 2011, p.4. And See Also: Rowlands, Mark: Contractarianism and Animal‬‬
‫‪Rights, Journal of Applied Philosophy, Vol.14, No.3, 1997, p.235.‬‬
‫‪229‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫فف��ي كتابه «حقوق احليوانات وأخطاء البرش» قدم لكل نظرية ونقدها؛ فمثلاً ‪ :‬يرى أن هناك‬
‫نظري��ة أخالقية تنكر من األس��اس أننا ندين بواجبات مبارشة جت��اه احليوانات‪ ،‬مثل النموذج‬
‫ال��ذي قدمه «ج��ون رول��ز» ‪2002-1921( J. Rawls‬م) عن مذهب التعاقدي��ة)*(؛ حيث يرى‬
‫«ريغان» أهن��ا وجهة نظر غري مرضية عىل اإلطالق‪ ،‬وأن النظرية األخالقية املعقولة ينبغي أن‬
‫ت��درك أننا ندين بواجبات مبارشة جتاه احليوان��ات‪ .‬وكذلك انتقد النظرية األخالقية التي تؤكد‬
‫ع�لى تفوق النوع البرشي؛ وهي وجهة نظر تعطي االعتب��ار واألمهية األخالقية للنوع البرشي‬
‫فق��ط‪ ،‬وحتاف��ظ ع�لى مصاحل��ه واهتاممات��ه دون النظ��ر إىل أي يشء آخر‪ ،‬وي��رى «ريغان»‬
‫أيضا‪ ،‬وأن النظرية األخالقية املعقولة ينبغي أن تدرك أن املصالح‬
‫أهن��ا وجهة نظر غري ُم ْرضي��ة ً‬
‫أيضا مهمة من الناحية األخالقية)‪ ،(1‬وغريها من النظريات األخرى‪.‬‬
‫غري البرشية ً‬
‫يؤك��د «ريغان» عىل فكرة احلقوق اإلنس��انية واحليوانية وأهنام ذوات��ا قيم متأصلة؛ ألهنام‬
‫موضوعات للحياة‪ ،‬ويتضح هذا من نقطتني أساسيتني؛ مها‪:‬‬
‫‪-1‬التشابه ذو الصلة الذي يتقاسمه البرش ويتشاركونه عىل أهنم ميتلكون قيمة متأصلة‪،‬‬
‫يؤكد عىل أننا موضوعات للحياة‪ ،‬وألن احليوانات غري اإلنس��انية التي هتمنا تش��بهنا‬
‫أيض��ا موضوعات للحياة‪ ،‬وألن القضايا املامثل��ة ذات الصلة ينبغي أن‬
‫يف ذل��ك‪ ،‬فهي ً‬

‫(*) «مذهب التعاقدية»‪ :‬يقال يف النظرية السياسية حول رشعية السلطة السياسية‪ ،‬مبعىن أن السلطة الرشعية‬
‫للحكومة جيب أن تستمد من موافقة املحكومني «الشعب»‪ ،‬بحيث ينبع شكل هذه املوافقة ومضموهنا‬
‫من فكرة العقد أو االتفاق املتبادل‪ ،‬ويقال يف النظرية األخالقية حول األصل أو املحتوى الرشعي‬
‫للمعايري األخالقية‪ ،‬مبعىن أن القواعد األخالقية تستمد قوهتا املعيارية من فكرة العقد أو االتفاق املتبادل‪،‬‬
‫ومن ممثيل هذا املذهب‪« :‬توماس هوبز»‪ ،‬و«جون لوك»‪ ،‬و«جان جاك روسو»‪ ،‬و«جون رولز»‪ ،‬و«ديفيد‬
‫غوتييه»؛ أ َّما يف األخالق اإليكولوجية فهي وجهة نظر ترفض تربير إعطاء أي وضع أو اعتبار أخالقي‬
‫مبارش للحيوانات غري البرشية‪ ،‬استنا ًدا إىل أن احليوانات غري البرشية ليسوا َف َعلة عقالنيني‪ ،‬ومذهب‬
‫التعاقدية يعتمد يف األساس عىل ال َف َعلة العقالنيني‪ ،‬واملبادئ األخالقية وفقًا للنهج التعاقدي ‪-‬كام جاءت يف‬
‫كتابات «بيرت كاروثرز»‪ -‬تعين نسقًا من القواعد لتنظيم تفاعل وتواصل ال َف َعلة العقالنيني داخل املجتمع‪.‬‬
‫‪See: Cudd, Ann and Eftekhari, Seena: Contractarianism, In: Stanford Encyclopedia of‬‬
‫‪Philosophy, ed by: Edward N. Zalta and Others, Stanford University, Stanford, 2018, p.1. In:‬‬
‫‪http: //www.Leibniz.stanford.edu/friends/preview/contractarianism, 1-11-2018.‬‬
‫‪And See Also: Rowlands, Mark: Contractarianism and Animal Rights, Journal of Applied‬‬
‫‪Philosophy, Vol.14, No.3, 1997, p.235.‬‬
‫‪(1) Regan, Tom: Animal Rights, Human Wrongs; An Introduction to Moral Philosophy, Rowman‬‬
‫‪& Littlefield Publishers, INC, New York, 2003, p.95.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪230‬‬

‫أيضا قيمة‬
‫يحُ ك��م عليه��ا باملثل‪ ،‬فيرتتب عىل ذل��ك أن احليوانات غري البرشي��ة متتلك ً‬
‫متأصلة‪.‬‬
‫أيضا ح ًق��ا متكاف ًئا ‪Equal‬‬
‫‪-2‬ألن مجي��ع الكائنات احلية متتلك قيم��ة متأصلة؛ فإهنا متتلك ً‬
‫‪ Right‬يف أن تعامل باحرتام؛ ويرتتب عىل ذلك أن مجيع الكائنات احلية س��واء البرشية‬
‫أو غري البرشية متتلك قيمة متأصلة‪ ،‬وتشرتك يف احلق املتكافئ يف املعاملة املحرتمة)‪.(1‬‬
‫ووف ًق��ا لذلك‪ ،‬فقد حدد «ريغان» جمموعة من احلقوق األخالقية املتعلقة بالكائنات احلية‬
‫مجي ًعا؛ وهي‪ :‬حق عدم انتهاك حقوق الغري أو التعدي عليها ‪ ،No Trespassing‬وحق التكافؤ‪،‬‬
‫وح��ق عدم احلصول ع�لى فوائد من انتهاك حق��وق الغري ‪ - No Trump‬مبع�ني أن الفوائد التي‬
‫يستمدها اآلخرون من انتهاك حقوق غريهم ال تربر انتهاكهم هلا عىل اإلطالق‪ ،-‬وحق االحرتام‬
‫‪ .Respect‬ويتس��اءل «ريغ��ان» ع��ن من ميتلك هذه احلق��وق؛ فيجيب قائ�ًل�اً ‪« :‬إن اإلجابة عىل‬
‫هذا الس��ؤال تعتمد بشكل كبري عىل ما أس��ميه «موضوع احلياة»؛ ألهنا تيضء متاثلنا األخالقي‬
‫ومس��اواتنا األخالقية‪ ،‬فنحن بوصفنا موضوعات للحياة كلنا موجودون يف العامل نفسه‪ ،‬وندرك‬
‫مجي ًعا ما يف العامل‪ ،‬ونحن مجي ًعا مبنزلة اليشء نفسه؛ ألن ما حيدث لنا يف العامل هيمنا‪ ،‬وما حيدث‬
‫يف الع��امل هيمنا؛ ألن ذلك حيدث فرقًا يف نوعية حياتنا ومدهتا‪ ،‬ونحن بوصفنا موضوعات للحياة‬
‫فلي��س هناك أس��مى وأدىن‪ ،‬وال أعىل وال أقل؛ فنح��ن مجي ًعا لنا اعتبارنا األخالق��ي‪ ،‬ونحن مجي ًعا‬
‫متساوون أخالق ًّيا يف احلقوق»)‪.(2‬‬
‫ولكن هل كل احليوانات ختضع ملوضوعات احلياة؟ يجُ يب «ريغان» عن هذا التساؤل قائلاً ‪:‬‬
‫«بالطبع كل الثدييات والطيور‪ ،‬بكل تأكيد‪ ،‬وكل األسامك عىل األرجح‪ ،‬ولكن ملاذا؟ ألن هذه‬
‫الكائنات تفي برشوط النوع بش��كل موضوعي؛ فهي مثلن��ا يف العامل‪ ،‬مدركة للعامل‪ ،‬ومدركة‬
‫ملا حيدث هلا‪ ،‬وما حيدث هلا ‪ -‬جلسدها وحلريتها وحلياهتا‪ -‬هيمها‪ ،‬سواء أكان هناك شخص آخر‬
‫هيت��م هبا أم ال‪ ،‬ويرتت��ب عىل ذلك أن هذه الكائنات تش��اركنا يف احلقوق التي ذكرناها س��اب ًقا‪،‬‬
‫مب��ا يف ذل��ك احلق يف أن يت��م التعامل معها باح�ترام»)‪(3‬؛ فاالحرتام مبدأ أس��ايس عند «ريغان»‬

‫‪(1) Ibid, p.96.‬‬


‫‪(2) Regan, Tom: Animal Rights and Environmental Ethics, In: «The Structural Links between‬‬
‫‪Ecology, Evolution and Ethics», by ed: Donato Bergandt, Springer, New York, 2013, pp.118-‬‬
‫‪121.‬‬
‫‪(3) Ibid, p.121.‬‬
‫‪231‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫م��ن أجل إس��ناد احلقوق والقيمة املتأصلة لإلنس��ان واحليوان؛ فنحن ال منلكها ليك نس��تخدمها‬
‫كام نرغب أكرث من حياة البرش؛ فكل منهام متشاهبان يف كوهنام خملوقات ذات وعي وشعور‪،‬‬
‫وأهن�ما موضوعات للحياة‪ ،‬واس��تخدامهام كوس��يلة لتحقيق غايات اآلخرين يش��كل انتهاكًا‬
‫حلقوقهام سابقة الذكر)‪.(1‬‬
‫وقد اس��تند «ريغان» عىل مسلمة أساسية يف احلفاظ عىل حقوق احليوان؛ وهي‪« :‬إن إيذاء‬
‫الكائن��ات البرشية ألجل منفعة أو متعة أي مجاعة هو انتهاك حلقها يف عدم إحلاق األذى هبا»‪.‬‬
‫ثم تس��اءل عن مدى إمكانية تطوير هذه املس��لمة لتش��مل احليوانات األخ��رى غري البرشية؛‬
‫فإذا كان من حق الكائنات البرشية عدم إحلاق األذى هبا‪ ،‬فهو كذلك حق من حقوق احليوانات‬
‫غ�ير البرشي��ة‪ ،‬فمن غري املعقول واملده��ش أن نتصور أن احليتان واألران��ب والقرود وغريها‬
‫ماليني من احليوانات التي تتأمل ومتوت عىل أيدي البرش ال تشعر باألذى؛ فالشعور باألذى ليس‬
‫�ورا عىل الكائنات البرشية‪ ،‬فاحليوانات تتأذى باملعىن احلريف وليس املعىن املجازي عندما‬
‫مقص� ً‬
‫جترب عىل حتمل ما هو ضار بعافيتها حتى املوت ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫ع�لى الرغم من ذلك‪ ،‬ف��إن «ريغان» يقر بإمكانية تس��ويغ إيذاء احليوان��ات‪ ،‬لكنه يؤكد‬
‫م��ن جان��ب آخ��ر عىل أن م��ن يؤذوهنا خيفقون ‪-‬ع��ادة‪ -‬يف توضي��ح أن األذى الواق��ع عىل هذه‬
‫مسوغ فعل َّيا‪ .‬ومن هنا يؤكد عىل أننا ملزمون خلق ًّيا مبقارنة أي ممارسة تنتهك احلقوق‬
‫احليوانات َّ‬
‫ما مل يتضح لنا ملاذا حيدث ذلك؛ فاحليوانات ليس��ت جمرد أش��ياء‪ ،‬بل هي موضوعات يف ذاهتا‪،‬‬
‫ومتتلك قيمة متأصلة‪ ،‬ومن واجبنا العمل عىل بذل أقىص جهد لوضع هناية إليذاء احليوانات التي‬
‫تجُبرَ عىل املعاناة واألمل‪ ،‬مثلام نفعل مع احلالة املامثلة ملنع اإليذاء عن الكائنات البرشية‪ .‬وعىل‬
‫هذا األساس يضع «ريغان» نو ًعا من االلتزام اخللقي عىل اإلنسان إزاء احليوانات غري البرشية‬
‫للدفاع عن حقوقها‪ ،‬واحلرص عىل عدم إيذائها مثلام يفعل اإلنس��ان مع بقية أفراد نوعه س��واء‬
‫بس��واء‪ ،‬وهذا ألن اإلنس��ان هو بالرضورة األكرث وع ًيا‪ ،‬ومن ثم فمن واجبه األخالقي الدفاع‬
‫عن بقية أفراد جنسه من األنواع احلية األخرى)‪.(3‬‬

‫‪(1) Hospers, John: The Case for Animal Right, By Tom Regan, Reason Papers, No.10, (Spring,‬‬
‫‪1985), p.14.‬‬
‫((( النشار‪ ،‬مصطفى‪ :‬مدخل إىل فلسفة البيئة واملذاهب اإليكولوجية املعارصة‪ ،‬الدار املرصية اللبنانية‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫القاهرة‪2015 ،‬م‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫((( املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪232‬‬

‫أ َّم��ا ع��ن حماول��ة الفيلس��وف االس�ترايل «بي�تر س��نجر»‪ ،‬فقد ج��اءت من خ�لال فكرته‬
‫عن «حترير احليوانات»‪ ،‬وميكن إجياز أهم أفكاره من خالل النقاط اآلتية‪:‬‬
‫أيضا‬
‫‪-1‬إذا كان��ت هناك حقوق أخالقي��ة ميتلكها مجيع البرش‪ ،‬فإن هذه احلق��وق متتلكها ً‬
‫احليوان��ات غري البرشية‪ ،‬وبالرغ��م من أن هناك حقوقًا للب�شر ال ميكن امتالكها‪ ،‬مثل‬
‫العقالنية‪ ،‬واالس��تقاللية‪ ،‬والوع��ي الذايت‪ ،‬والقدرة عىل إبرام العق��ود‪ ،‬فإن هناك بعض‬
‫الب�شر ال ميلكون هذه احلقوق عىل اإلطالق ‪-‬كام يف ح��االت العجز ِ‬
‫اخللقي‪ ،-‬وهذا ما‬
‫اقرتحه بعض الفالس��فة أن البرش املصابني بالعجز الدماغي غري مؤهلني بشكل واضح‬
‫لالعتبار األخالقي)‪.(1‬‬
‫‪-2‬يرتت��ب عىل هذا ك�ما يقول «س��نجر»‪« :‬ال ميكنن��ا أن نقول إن مجيع الب�شر ميتلكون‬
‫حقو ًق��ا؛ ألهنم فقط أعضاء يف األنواع البرشية العاقلة»؛ ومن ثم ينتقد مذهب التمييز‬
‫بني األنواع ‪ Speciesism‬قائلاً ‪« :‬إنه ش��كل من أش��كال املحاباة ملصاحلنا وتعزيز هلا‪،‬‬
‫لذلك فهو غري مربرة عىل اإلطالق مثل العنرصية ‪.(2)»Racism‬‬
‫‪-3‬إذا كان لكل البرش حقوق‪ ،‬فيجب أن تكون بسبب بعض اخلصائص األقل إىل ًّ‬
‫حد كبري‪،‬‬
‫مثل كل الكائنات احلية‪ ،‬وبطبيعة احلال فإن أي خصائص بس��يطة ‪ -‬كالغذاء والتكاثر‬
‫واإلدراك‪ -‬ميكن أن متتلكها احليوانات البرشية وغري البرشية عىل ًّ‬
‫حد سواء‪.‬‬
‫‪-4‬أن ع��زو هذه احلق��وق للحيوانات ليس��ت بالطب��ع الطريق��ة الوحيدة لتغي�ير وضعها‬
‫أيض��ا عن هذا التغيري من خالل التأكيد عىل حقيقة أن‬
‫األخالق��ي‪ ،‬ولكن ميكن التعبري ً‬
‫للحيوانات مصالح واهتاممات مثل البرش)‪.(3‬‬
‫‪-5‬إذا اعرتفن��ا هب��ذا‪ ،‬فيجب علينا اإلقرار مببدأ املس��اواة ‪ /‬التكاف��ؤ ‪Principle of Equal‬‬
‫يف النظ��ر إىل املصال��ح واالهتامم��ات‪ ،‬وإذا كنا نق��ر أن هذا املبدأ مقبول بقدر واس��ع‬
‫أيضا العثور عىل أي أس��اس منطقي‬
‫يف التطبي��ق عىل الكائن��ات البرشية‪ ،‬فمن الصعب ً‬
‫لع��دم متديده عىل مجيع الكائنات احلية األخرى‪ ،‬طاملا اعرتفن��ا بأننا مجي ًعا ذوو مصالح‬

‫‪(1) Singer, Peter: Animal Liberation or Animal Rights?, The Monist, Vol.70, No.1, (January,‬‬
‫‪1987), Oxford University Press, 1987, p.3.‬‬
‫‪(2) Ibid, p.4.‬‬
‫‪(3) Ibid, p.4.‬‬
‫‪233‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫واهتامم��ات‪ .‬وهذا يع�ني أن احليوانات غ�ير البرشية ‪ -‬أو عىل األق��ل مجيع احليوانات‬
‫غ�ير البرشي��ة التي متتلك خربة واعية مثل اإلحس��اس بالل��ذة واألمل‪ -‬تدخل يف املجال‬
‫ال��ذي يثري اعتبارنا األخالقي‪ ،‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬فإهنا تدخل هذا املجال مبكانة أخالقية‬
‫متساوية ومتكافئة بشكل أسايس‪ ،‬وجيب أن مينح اعتبارها نفس املصالح واالهتاممات‬
‫املامثلة ألى كائن آخر)‪.(1‬‬
‫‪-6‬املبدأ األس��اس للمس��اواة بني مجيع الكائن��ات احلية هو مبدأ االعتب��ارات املتكافئة يف‬
‫املصالح‪ ،‬وهو كام يقول «س��نجر»‪« :‬املبدأ األخالقي األس��ايس الذي ميكن أن يسمح‬
‫لنا بالدفاع عن ش��كل من أشكال املساواة التي تشمل مجيع البرش‪ ،‬مع كل االختالفات‬
‫أساس��ا كاف ًيا لتحقيق املس��اواة‬
‫املوج��ودة بينهم‪ ،‬وع�لى الرغم من أن ه��ذا املبدأ يوفر ً‬
‫أساس��ا ال ميكن أن يقترص عىل مجيع البرش وحدهم‪ ،‬وطاملا‬
‫أيضا ً‬
‫اإلنس��انية؛ فإنه يوفر ً‬
‫أساس��ا أخالق ًّيا س��ليماً للعالقات مع اآلخري��ن من نوعنا‬
‫قبلن��ا مبب��دأ املس��اواة بوصفه ً‬
‫أيضا بقبول��ه بوصفه مبدأ أخالق ًّيا س��ليماً للعالقات مع من هم‬
‫اخل��اص؛ فإنن��ا ملتزمون ً‬
‫خارج نوعنا»)‪.(2‬‬
‫تأث��ر «س��نجر» بـ «جريمي بنت��ام» ‪1832-1748( J. Bentham‬م) يف اإلش��ارة إىل أن امليزة‬
‫األساس��ية التي متنح احليوان احلق يف املس��اواة مع اإلنسان هي قابلية املعاناة واإلحساس باألمل‬
‫أو العكس االستمتاع بالس��عادة والشعور بالفرح‪ .‬وهنا يكمن األساس األخالقي الذي استند‬
‫عليه «س��نجر» للدف��اع عن حقوق احليوان؛ إن��ه مبدأ املنفعة العامة ال��ذي ينص عىل‪« :‬حتقيق‬
‫أعظم قدر من الس��عادة ألكرب عدد ممكن من الناس»‪ .‬وملا كانت احليوانات قادرة عىل الشعور‬
‫بالسعادة والشقاء أو اللذة واألمل مثلها مثل البرش متا ًما‪ ،‬فإن عىل البرش أن يضعوها يف حسباهنم؛‬
‫فف��ي مقابل لذاتنا من أكل حلم العجل ف��إن علينا أن نضع يف اعتبارنا معاناة العجول‪ ،‬ويف مقابل‬
‫املنفع��ة التي جينيها الباحث العلمي من التجارب التي جيرهيا عىل احليوان‪ ،‬ينبغي علينا أن نضع‬
‫يف حس��باننا معاناة هذه احليوانات يف املعام��ل؛ إذ ينبغي النظر إىل االآلم واملعاناة نظرة إنصاف‬
‫عىل نحو ما ننظر إىل معاناتنا متا ًما)‪.(3‬‬

‫‪(1) Ibid, p.5.‬‬


‫‪(2) Singer, Peter: Practical Ethics, 2nd, Cambridge University Press, Cambridge, 1993, p.55.‬‬
‫((( النشار‪ ،‬مصطفى‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.70-69‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪234‬‬

‫وقد رف��ض بعض فالس��فة اليون��ان أمث��ال‪« :‬فيثاغ��ورث» ‪ 580-500( Pythagoras‬ق‪.‬م)‬


‫و«إمبيدوكلي��س» ‪ 495-435( Empedocles‬ق‪.‬م) و«ثيوفراس��توس» ‪-371( Theophrastus‬‬
‫‪ 286‬ق‪.‬م)‪ ،‬ادعاء «أرسطو» بأنه ال يوجد يشء مشرتك بيننا وبني احليوانات‪ ،‬وأدان «فيثاغورث»‬
‫أكل اللح��وم‪ ،‬قائ�ًل�اً ‪ :‬إن قتل احليوان��ات ظلم؛ ألنه يس��لبها احلياة‪ ،‬وقال إن احليوانات تش��بهنا‬
‫‪ -‬لي��س فقط فيام يتعلق‪ -‬يف إدراكها وإحساس��ها‪ ،‬ولكن ألهنا تس��تطيع االنخراط يف التفكري‪.‬‬
‫أيضا الفيلس��وف اليوناين األفالطوين «بورف�يرى» ‪403-232( Porphyry‬م)‬
‫وهذا ما أش��ار إليه ً‬
‫بأننا ندين بالعدل للحيوانات‪ ،‬ليس فحسب ألهنا عقالنية‪ ،‬بل ألهنا كائنات واعية كوهنا تشعر‬
‫باألمل واخلوف)‪.(1‬‬
‫نس��تنتج مما س��بق‪ ،‬تعدد املحاوالت التي س��بقت اطروحة «تايلور» يف حماولة اعطاء حق‬
‫االعتبار األخالقي والقيمة املتأصلة جلميع الكائنات احلية‪ ،‬إال أن معظم هذه املحاوالت تفتقر‬
‫إىل أي أس��اس منطق��ي يجُ ي��ز للبرش قت��ل الكائنات احلية األخ��رى أو إحلاق األذى هب��ا اعتام ًدا‬
‫عىل أس��انيد وأس��باب أخالقية مقنعة‪ ،‬ودارت معظمها حول فكرة املامثلة والتش��ابه يف املعاناة‬
‫واألمل‪ ،‬ك�ما أن هذه املحاوالت مل تقدم لنا حلاً ملعاجلة مش��كلة رصاع املصالح واالهتاممات‬
‫ب�ين الكائن��ات البرشية وغري البرشية؛ فهذا ما س��يحاول «تايلور» تقدميه من خالل فلس��فته‬
‫حول «موقف احرتام الطبيعة»‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ :‬فكرة المركزية البيولوجية‬

‫هناك أربعة افرتاضات أساسية هيمنت عىل الفكر الغريب األوريب احلديث‪ ،‬وامتد تأثريها‬
‫إىل بقية أنحاء العامل‪ ،‬وهي كاآليت‪:‬‬
‫‪-1‬تتميز الكائنات البرشية بشكل أسايس عن باقي املخلوقات األخرى عىل سطح األرض‪،‬‬
‫وهلم عليها سيادة كاملة‪.‬‬
‫ِ‬
‫مصريه��م اخلاص‪ ،‬بحيث ميكنه��م اختي��ار أهدافهم وتعلم القي��ام مبا هو‬ ‫‪-2‬الب�شر س��اد ُة‬
‫رضوري إلنجازها‪.‬‬

‫‪(1) Taylor, Angus: Animals & Ethics; An overview of The Philosophical De Bate, 3nd, Broadview‬‬
‫‪Press, Canada, 2009, p.37.‬‬
‫‪235‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫فرصا غري حمدودة للبرش‪.‬‬


‫‪ -3‬العامل ‪ /‬الطبيعة ضخم وواسع؛ لذلك فهو يؤمن ً‬
‫‪-4‬أن تاري��خ البرشية هو تاريخ التقدم‪ ،‬فلكل مش��كلة مثة حل؛ لذل��ك ال ينبغي للتقدم‬
‫أن يتوقف)‪.(1‬‬
‫نالح��ظ أن هذه االفرتاضات تركز عىل فكرة املركزية البرشية التي تعيل من ش��أن البرش‬
‫عىل حساب الطبيعة‪ ،‬والتي حتولت فيام بعد إىل ثنائية تضع اإلنسان يف جهة‪ ،‬واألرض وخملوقاهتا‬
‫يف جه��ة أخ��رى‪ ،‬ويرى «ل�ين واي��ت» ‪ Lynn White‬أن ه��ذه االفرتاضات كانت مس��تمدة‬
‫من املس��يحية التي ورثت عن اليهودية فكرة سيادة اإلنس��ان عىل الطبيعة وخملوقاهتا‪ ،‬كام ورد‬
‫يف قصة التكوين التوراتية التي اعتمدهتا املسيحية‪ ،‬حيث قضت إرادة الله أن يستغل اإلنسان‬
‫الطبيعة ملنفعته؛ ألنه خملوق أسمى من املخلوقات األخرى)‪.(2‬‬
‫ووف ًق��ا ملا س��بق‪ ،‬فإن أفع��ال البرش املؤثرة يف البيئ��ة الطبيعية وقاطنيها غ�ير البرشيني تعد‬
‫صائب��ة أو خاطئ��ة تب ًعا ألح��د معيارين‪ :‬لعواقبه��ا املواتية أو غري املواتية لس��عادة اإلنس��ان‪،‬‬
‫أو التساقها أو عدم اتساقها مع منظومة املعايري التي حتمي احلقوق البرشية وتنجزها‪ .‬فمن وجهة‬
‫نظ��ر التمركز البرشي هذه‪ ،‬فجميع الواجبات ختص يف النهاية البرش وفقط البرش‪ .‬ورمبا يرتتب‬
‫علين��ا مس��ؤوليات يف عالقتنا مع املنظوم��ة البيئية واملجتمعات احليوية ع�لى كوكبنا‪ ،‬لكن هذه‬
‫املسئوليات تستند ‪ -‬يف كل األحوال‪ -‬إىل الواقعة ال َع َرضية التالية‪ :‬هل ميكن لتعاملنا مع املنظومة‬
‫البيئي��ة وجمتمعات احلياة أن يعزز حتقيق القيم البرشية أو احلقوق البرشية فليس علينا أي إلزام‬
‫يف تشجيع أو محاية خري األشياء احلية غري البرشية مبعزل عن هذه الواقعة العرضية)‪.(3‬‬
‫مل ت��رق هذه الفكرة ‪ -‬س��ابقة الذك��ر‪ -‬لــ«تايلور»‪ ،‬وح��اول صياغة فك��رة بديلة تتمثل‬
‫بدهية ختص النبات��ات واحليوانات‬
‫يف املركزي��ة البيولوجية‪ ،‬بحي��ث تلزمنا بالتزام��ات خلقية َ‬

‫((( رومية‪ ،‬معني‪ :‬من البيئة إىل الفلسفة‪ ،‬معابر للنرش والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪2011 ،‬م‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫أيضا‪ :‬ديفال‪ ،‬بال‪ .‬سيشنز‪ ،‬جورج‪ :‬النظرة املهيمنة احلديثة إىل العامل ونقادها‪ ،‬ضمن «مدخل‬ ‫انظر ً‬
‫إىل الفكر اإليكولوجي»‪ ،‬حترير وترمجة‪ :‬معني رومية‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة السورية‪ ،‬مكتبة األسد‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬سوريا‪2007 ،‬م‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫((( رومية‪ ،‬معني‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫((( تايلور‪ ،‬بول‪ :‬أخالقيات احرتام الطبيعة‪ ،‬ضمن‪« :‬الفلسفة البيئية؛ من حقوق احليوانات إىل اإليكولوجيا‬
‫اجلذرية» حترير‪ :‬مايكل زميرمان‪ ،‬ترمجة‪ :‬معني شفيق رومية‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬العدد (‪ ،)332‬جـ‪ ،1‬املجلس‬
‫األعىل للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬أكتوبر ‪2006‬م‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪236‬‬

‫الربية بحد ذاهتا‪ ،‬بوصفها أعضاء يف جمتمع األرض احليوي‪ ،‬ونحن ملزمون خلق ًّيا بحامية خريها‬
‫اخلاص وتعزيزه ألجل ذاهتا فحسب)‪(1‬؛ فالنظام الطبيعي عند «تايلور» يعتمد عىل الكيفية التي‬
‫يتصور هبا اإلنس��ان العامل الطبيعي ودوره فيه؛ حيث يقول‪« :‬إن املوقف الذي ينبغي أن يتخذ‬
‫نح��و الكائنات احلية يعتمد عىل كيفية تصورنا هل��ا وعالقاتنا معها‪ ،‬وما هي األمهية األخالقية‬
‫الت��ي يعلقها الع��امل الطبيعي علينا؛ أي الطريق��ة التي ننظر هبا إىل نظام الطبيع��ة برمته ودورنا‬
‫فيه»)‪.(2‬‬
‫تعتمد املركزية البيولوجية عىل أربعة اعتقادات أساسية‪ ،‬هي عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫االعتق��اد األول‪« :‬إن البرش هم أعض��اء يف جمتمع حياة األرض‪ ،‬باملعىن نفس��ه وبالرشوط‬
‫نفس��ها التي تكون الكائنات احلية األخرى أعضاء يف ذلك املجتمع»)‪(3‬؛ أي إن ظهور اإلنسان‬
‫العاق��ل ‪ Homo Sapiens‬مثل كل األنواع األخرى‪ ،‬فقد ظه��ر نتيجة الندفاع احلركة الوراثية‬
‫اجليني��ة «بالصدف��ة» ‪ Random‬واالنتق��اء الطبيع��ي‪ ،‬وعىل ه��ذا النحو فإن الب�شر هم أعضاء‬
‫يف املجتمع البيولوجي لألرض وعىل قدم املساواة مع مجيع الكائنات احلية األخرى)‪.(4‬‬
‫يتضح من ذلك ميل «تايلور» إيل فكرة العضوية من خالل مخس حقائق؛ وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬املتطلبات البيولوجية والطبيعية املشرتكة للبقاء عىل قيد احلياة والرفاهية‪.‬‬
‫‪ -2‬أن اجلميع لدهيم خريهم اخلاص‪.‬‬
‫‪ -3‬االشرتاك يف اإلحساس باحلرية‪.‬‬
‫مؤخرا إىل طور احلياة‪ ،‬وإن الكائنات األخرى كانت تعيش قبلنا‬
‫ً‬ ‫‪-4‬أن الب�شر قد وصلوا‬
‫مباليني السنني عىل األرض‪.‬‬
‫‪-5‬أن مجي��ع األنواع حيتاج بعضها إىل بعض‪ ،‬وه��ذا يؤدي إىل بناء مكون واحد)‪ .(5‬ويبدو‬

‫((( املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬


‫‪(2) Taylor, W. Paul: The Ethics of Respect for Nature, In: «Environmental Ethics», by ed; Eugenc‬‬
‫‪C. Hargrove, Vol.3, No.3, Environmental Philosophy, Inc. The University of Georgia, Athens,‬‬
‫‪1981, p.152.‬‬
‫‪(3) Ibid, p.152.‬‬
‫‪(4) Callicott, Baird. J and Frodeman, Robert (Editors in Chief): Op.Cit, Vol.2, p.303.‬‬
‫‪(5) Evans, Claude. J: Op.Cit, p.85.‬‬
‫‪237‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫واضحا تأثري «تشارلز دارون» ‪1882-1809( Charles Darwin‬م) الذي يرى أن مجيع‬
‫ً‬
‫الكائن��ات احلي��ة الباقية واملنقرض��ة ترجع إىل أص��ل واحد أو بضعة أص��ول تطورت‬
‫هي عنه أو عنها؛ فهي إذن يتصل كل منها باآلخر بآرصة القرابة)‪.(1‬‬
‫االعتق��اد الث��اين‪« :‬يق��ف اجلن��س الب�شري جن ًبا إىل جن��ب مع مجي��ع األن��واع األخرى؛‬
‫فهي عنارص ال تتجزأ يف نظام مرتابط ومتامس��ك‪ ،‬بحيث إن بقاء كل األش��ياء احلية فضلاً عن‬
‫فرصة إمكانية حتقيق خريها من عدمه‪ ،‬ال يتحدد فحسب من خالل الرشوط الطبيعية لبيئتها‪،‬‬
‫أيضا ع�لى عالقاهتا مع األش��ياء احلية األخ��رى»)‪(2‬؛ أي إن املجتم��ع البيولوجي‬
‫ولك��ن يعتم��د ً‬
‫لألرض يش��كل شبكة معقدة من الكائنات احلية املرتابطة وظيف ًّيا‪ ،‬ومن خالهلا يتم حتديد بقاء‬
‫كل كائن حي بش��كل ج��زيئ من خالل عالقاته م��ع الكائنات احلية األخ��رى)‪ .(3‬وهذا يعين‬
‫أن االعت�ماد املتبادل بني مجيع األش��ياء احلية هو نظام موحد عضو ًّيا يش��كل ثقله واس��تقراره‬
‫ال�شروط الرضوري��ة لتحقي��ق خري جمتمعات��ه احليوية املكونة ل��ه)‪ .(4‬ولكن يش�ير «تايلور»‬
‫معيارا خلق ًّيا‪،‬‬
‫ً‬ ‫هن��ا قائلاً ‪« :‬إن النظرة الكلية إىل املنظومة البيئية األرضية ال تش��كل بح��د ذاهتا‬
‫وإمن��ا هي جانب واقعي من احلقيق��ة البيولوجية‪ ،‬وجيب فهمها بواس��طة مصطلحات جتريبية‬
‫عادية باعتبارها جمموعة من االرتباطات السببية»)‪.(5‬‬
‫االعتقاد الثالث‪« :‬إن مجيع الكائنات احلية هي مراكز غائية يف احلياة؛ مبعىن أن كل كائن‬
‫ح��ي فردى يس��عى نحو حتقيق خ�يره اخلاص بطريقته اخلاصة»)‪ .(6‬ويش�ير «تايل��ور» إىل أننا‬
‫ال نحت��اج إىل أنس��نة زائفة عندما نتص��ور احليوانات والنبات��ات الفردية هبذا األس��لوب؛ ألن‬
‫مراكزا غائية ال يس��تلزم قراءهتا بواس��طة خصائص برشية؛ فمثلاً ‪ ،‬ال نحتاج‬
‫ً‬ ‫فهمنا هلا بوصفها‬
‫إىل اعتباره��ا تتمتع بالوعي ‪ -‬رمبا يش��عر بعضها بالعامل من حول��ه وبعضها ليس كذلك‪ -‬كام ال‬
‫نحتاج إىل إنكار رضوب الش��عور املتباينة ومستوياته التي تتمثل عندما يكون الوعي موجو ًدا‬
‫بشكل ما‪ ،‬ولكن سواء بوجود الوعي أو دونه‪ ،‬فإهنا مجي ًعا مراكز غائية للحياة متساوية‪ ،‬مبعىن‬

‫((( ناصف‪ ،‬حفين‪ .‬عصام الدين‪ :‬نظرية التطور‪ ،‬مطبعة مرص‪ ،‬القاهرة‪1952 ،‬م‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪(2) Taylor, W. Paul: The Ethics of Respect for Nature, Op.Cit, p.153.‬‬
‫‪(3) Callicott, Baird. J and Frodeman, Robert (Editors in Chief): Op.Cit, Vol.2, p.303.‬‬
‫((( تايلور‪ ،‬بول‪ :‬أخالقيات احرتام الطبيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫((( املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫‪(6) Taylor, W. Paul: The Ethics of Respect for Nature, Op.Cit, p.153.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪238‬‬

‫أن كال منه��ا ميثل منظومة متامس��كة من النش��اطات ذات الطابع اهل��ديف واملتوجه نحو حفظ‬
‫ذواهتا وحتقيق مصلحتها)‪.(1‬‬
‫االعتق��اد الراب��ع‪« :‬إن الب�شر ال يتفقون عىل الكائن��ات احلية األخرى»)‪(2‬؛ فالبرش ليس��وا‬
‫أسمى ‪ Not Superior‬من الكائنات احلية األخرى؛ فقيمتهم املتأصلة ال تزيد عن قيمة أي كائن‬
‫ح��ي آخر)‪ .(3‬وع�لى وجه التحديد ينكر «تايل��ور» أن تكون الفروق بني األنواع توفر أس��با ًبا‬
‫للتفك�ير يف ك��ون البرش أعىل م��ن أعضاء األنواع األخ��رى‪ ،‬بالرغم من أن «تايل��ور» يدرك أن‬
‫البرش ميتلكون صفات متميزة تفتقر إليها األنواع األخرى‪ ،‬مثل‪ :‬العقالنية‪ ،‬والوكالة األخالقية‪،‬‬
‫‪-‬أيضا‪ -‬صفات متميزة يفتقر إليها‬
‫إال أنه يشري إيل أن أعضاء األنواع األخرى غري البرشية متتلك ً‬
‫البرش‪ ،‬مثل‪ :‬الرسعة الصاروخية لرسب احلامم‪ ،‬ورسعة الفهود‪ ،‬وشجاعة األسود‪ ...‬إلخ)‪.(4‬‬
‫ويقص��د بفكرة املس��اواة احلرمان من التفوق البرشي؛ صحي��ح أن البرش ميتلكون قدرات‬
‫معينة ال تتمتع هبا الكائنات احلية األخرى‪ ،‬مثل‪ :‬التفكري العقالين واإلبداع اجلاميل واالستقاللية‬
‫الذاتية وحق تقرير املصري‪ ...‬وغريها؛ فهذه القدرات أساسية حلياة اإلنسان واملجتمع البرشي‪،‬‬
‫ولك��ن هذا فق��ط مهم داخل نطاق فك��رة التمركز حول الذات البرشية؛ فالبرش هم األس��مى‬
‫وف ًق��ا للمعايري البرشية فق��ط؛ ألن الكائنات احلية األخرى لدهيا قدرات تش�ير إىل تفوقها من‬
‫وجهة نظر نوعها؛ لذلك فإن فكرة التمركز حول الذات اإلنس��انية فكرة تعس��فية من الناحية‬
‫األخالقي��ة‪ ،‬أ َّم��ا وجهة نظر املركزية البيولوجية فهي تنظ��ر إىل كل الكائنات احلية عىل أن هلا‬
‫قيمة أخالقية متأصلة ومتساوية)‪.(5‬‬
‫واضحا أن «تايلور» متأثر يف هذا االعتقاد بـ»تش��ارلز دارون»؛ ألن األخري يرى أن‬
‫ً‬ ‫يبدو‬
‫جدا‪ ،‬ولكنه فرق يف الدرجة وليس النوع)‪،(6‬‬
‫الفرق يف العقل بني اإلنسان واحليوانات العليا كبري ً‬

‫((( تايلور‪ ،‬بول‪ :‬أخالقيات احرتام الطبيعة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪(2) Taylor, W. Paul: The Ethics of Respect for Nature, Op.Cit, p.153.‬‬
‫‪(3) Callicott, Baird. J and Frodeman, Robert (Editors in Chief): Op.Cit, Vol.2, p.303.‬‬
‫‪(4) Shook, R. John (Ed and Others): Op.Cit, Vol.4, p.2392.‬‬
‫‪(5) Kernohan, Andrew: Environmental Ethics; An Interactive Introduction, Broadview Press,‬‬
‫‪Canada, 2012, pp.169-170.‬‬
‫‪(6) Darwin, Charles: The Descent of Man and Selection in Relation to Sex, With an Introduction‬‬
‫‪By John Tyler Bonner and Robert M. May, Princeton University Press, Princeton, New Jersey,‬‬
‫‪1981, p.105.‬‬
‫‪239‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫ف�لا يوجد أس��اس للتمي��ز بني املل��كات العقلية للب�شر وغريها م��ن الثدييات عالي��ة التطور‪،‬‬
‫وال سيام الرئيسيات؛ فكل منها ميتلك نفس احلواس واحلدس واألحاسيس واملشاعر والعاطفة‪،‬‬
‫تعقيدا مثل الغرية والش��ك واملحاكاة واالمتنان والشهامة‬
‫ً‬ ‫وأحاس��يس مماثلة‪ ،‬حتى تلك األكرث‬
‫وممارس��ة اخل��دع‪ ،‬وكل هذه الكائنات عرضة للس��خرية‪ ،‬ولدهيا كذل��ك روح الفكاهة‪ ،‬وهي‬
‫تش��عر بالدهش��ة والفضول‪ ،‬ومتتلك نفس االهتاممات والتقليد واالنتباه واملداوالت واالختبار‬
‫والذاكرة واخليال وارتباط األفكار والعقل‪ ،‬كل هذا وإن كان ذلك بدرجات خمتلفة)‪.(1‬‬

‫المحور الثالث‪ :‬قواعد السلوك اإلنساني تجاه الكائنات الحية األخرى‬

‫يش�ير «تايلور» إىل أننا منخرطون يف ممارس��ة األخالق كلام قررنا القي��ام بفعل ما بوصفه‬
‫مسألة مبدأ‪ ،‬حتى لو كان ذلك يتعارض مع مصلحتنا الذاتية‪ ،‬فعندما نفعل شي ًئا ألننا نشعر أننا‬
‫ملزمون بالقيام به‪ ،‬وعندما نقبل سلوكنا أو سلوك اآلخرين أو نرفضه ألسباب أخالقية‪ ،‬وعندما‬
‫نتوق��ف للت��داول حول ما إذا كان فعل معني هو اليشء الصائب الذي ينبغي فعله يف موقف ما‪،‬‬
‫وعندما نواجه تضار ًبا يف الواجبات ونحاول حلها‪ ،‬وما إىل ذلك‪ ،‬فإن احلياة األخالقية لإلنسان‬
‫أيضا مجيع اخلربات التي‬
‫تتك��ون من هذه األفعال والقرارات واملش��اعر واملعتقدات‪ ،‬وتش��مل ً‬
‫لدينا نتيجة اللتزامنا مبُثل معينة وقرارنا بالعيش وفق قواعد سلوكية معينة)‪.(2‬‬
‫ووف ًق��ا لذل��ك‪ ،‬فقد ح��دد «تايلور» أربع قواعد أساس��ية لضبط الس��لوك اإلنس��اين جتاه‬
‫الكائنات احلية غري البرشية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬قاعدة عدم اإليذاء ‪.The Rule of Non-maleficence‬‬
‫‪ -2‬قاعدة عدم التدخل‪ /‬اإلعاقة ‪.The Rule of Non-interference‬‬
‫‪ -3‬قاعدة الثقة ‪.The Rule of Fidelity‬‬
‫‪ -4‬قاعدة التعويض ‪.The Rule of Restitutive‬‬

‫‪(1) Taylor, Angus: Op.Cit, p.53.‬‬


‫‪(2) Taylor, W. Paul (Ed): The Moral Judgment ; Reading Contemporary Met-Ethics, Prentice-‬‬
‫‪Hall, Inc, Englewood Cliffs, New Jersey, 1993, p.10.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪240‬‬

‫‪ -1‬قاعدة عدم اإليذاء‪:‬‬

‫ترجع هذا القاعدة إىل املبدأ األول من تعاليم «س��يدارتا غاوثاما»(‪ 483-563‬ق‪.‬م) املس��مى‬
‫دعى لتحديد طبيعة السلوك األخالقي ‪ śīla‬من‬ ‫«غوتاما بوذا» «‪ ،»Gautama Budbha‬حينام است ِ‬
‫ُْ‬
‫خالل تقديم جمموعة من التعاليم لتالميذه لتتبع الرهبانية‪ ،‬وهذا املبدأ يسمى «أهيمسا» ‪ahiṃsā‬‬
‫أو الالعنف ‪ ،Nonviolence‬وينص عىل‪« :‬عدم القتل أو اإلرضار باآلخرين»)‪ .(1‬ولكن ما مدى‬
‫نطاق اآلخرين؟ ميتد نطاق اآلخرين عند «بوذا» ليشمل مجيع الكائنات احلية ما عدا النباتات‪.‬‬
‫وي��رى أن مجي��ع احليوانات غري البرشي��ة لدهيا خربات واعي��ة وحتفزها جمموع��ة من احلاالت‬
‫أيضا عرضة للمعاناة؛ لذلك يرى «بوذا» أن للحيوانات أمهية أخالقية واضحة‪،‬‬ ‫النفس��ية‪ ،‬وهي ً‬
‫وقد ظهر هذا يف إدانته املهن التي تنطوي عىل ذبح للحيوانات؛ لذلك كانت من تعاليمه للرهبان‬
‫رضرا للحيوانات‪ ،‬كام‬ ‫ٍ‬
‫ع��دم ارتداء جلود احليوانات‪ ،‬وحظر الس��لوك الذي يس��بب عن عم��د ً‬
‫ش��جع تالميذه عىل مس��اعدة احليوانات بقدر اإلمكان‪ ،‬مبا يف ذلك إنقاذها وإطالق رساحها)‪.(2‬‬
‫رضرا‬‫ً‬ ‫فقاعدة عدم اإليذاء تنص عىل أننا ينبغي أن نعمل بطريقة ال تلحق الرش أو تس��بب‬
‫متعمدا)‪ .(3‬وبصفة عامة‪ ،‬فإن مبدأ‬
‫ً‬ ‫رضرا ميكن جتنب��ه أو‬
‫ً‬ ‫وحتديدا ينبغي أال نس��بب‬
‫ً‬ ‫لآلخرين‪،‬‬
‫ع��دم اإليذاء يقصد به‪ :‬ع��دم إحلاق الرضر باآلخري��ن)‪ (4‬أ ًّيا ما كان هذا الرضر س��واء أكان‬
‫بالفع��ل أم باالمتناع‪ .‬ويرجع مبدأ ع��دم اإليذاء أو االمتناع عن إحلاق األذى باآلخرين تارخي ًّيا‬
‫تؤذ»‬ ‫إىل قَس��م «أبق��راط»‪ ،‬وإىل العبارة الالتينية املأثورة‪« :‬أولاً وقب��ل كل يشء‪ ،‬ال ترض أو ال ِ‬
‫َ‬
‫‪. Primum non nocere‬‬
‫)‪(5‬‬

‫اتس��عت دائ��رة تطبي��ق هذه القاع��دة عند «تايلور» لتش��مل مجي��ع الكائن��ات احلية غري‬
‫البرشي��ة؛ حيث يش�ير قائلاً ‪« :‬هو واجب يقتيض عدم إحل��اق األذى أو الرضر بأي كائن حي‬

‫‪(1) Finnigan, Bronwyn: Buddhism and Animal Ethics, Philosophy Compass, Vol.12, No.7, (July.,‬‬
‫‪2017), Wiley, 2017, p.3.‬‬
‫‪(2) Ibid, p.3.‬‬
‫‪(3) http: www.rhchp.regi.edu/HCE/EthicsatAGlance/Nonmaleficence/Nonmaleficence.pdf.‬‬
‫‪In: 15-9-2018.‬‬
‫‪(4) Barcalow, Emmett: Moral Philosophy; Theories and Issues, Thomson Wadsworth, New York,‬‬
‫‪2007, p.18.‬‬
‫‪(5) B. James, Jr. Tubbs: A Handbook of Bioethics Terms, Georgetown University Press,‬‬
‫‪Washington, D.C, 2009, p.114.‬‬
‫‪241‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫يف البيئ��ة الطبيعية التي متتلك خريها اخلاص من تلقاء نفس��ها‪ ،‬ويتضمن هذا الواجب عدم قتل‬
‫أي كائ��ن حي ولي��س فقط تدمري أو هدم موائله��ا الطبيعية ‪ -‬أي جمتمعاهت��ا‪ ،-‬وكذلك يتضمن‬
‫االمتن��اع ع��ن أي فعل من ش��أنه أن يرض أو ي��ؤذي خري الكائن��ات احلية‪ ،‬أو جمتم��ع األنواع‪،‬‬
‫أو مواطن احلياة للكائنات األخرى»)‪.(1‬‬
‫وطب ًقا للتعريف السابق‪ ،‬فإن هذه القاعدة حتدد واج ًبا سلب ًّيا يتطلب منا أن ميتنع الفاعلون‬
‫األخالقي��ون ع��ن أنواع معينة من األفع��ال‪ ،‬وال يتطلب منا القيام بأي أفع��ال أخرى‪ ،‬مثل تلك‬
‫األفع��ال الت��ي متنع وقوع ال�ضرر أو األذى إىل الكائن��ات احلية أو حتى املس��اعدة من ختفيف‬
‫معاناهتا)‪ .(2‬إال أن هذه القاعدة ال تنطبق عىل سلوك احليوانات غري البرشية أو نشاط الكائنات‬
‫احلي��ة األخرى التي قد ترض بكائن حي آخر أو تس��بب موته؛ فمث�ًل�اً لنفرتض أن صخرة صلبة‬
‫أيضا‬
‫اهتزت وس��قطت عىل ف��أر وأدت إىل مقتله‪ ،‬فهن��ا مل حيدث أي خطأ أخالق��ي‪ ،‬ولنفرتض ً‬
‫أيضا مل حيدث أي خطأ‬ ‫صقرا هز الصخرة مما جعلها تس��قط عىل الفأر فقتلته‪ ،‬فهن��ا ً‬‫أن هن��اك ً‬
‫قصد أو بشكل متعمد‪ٍ،‬‬
‫أخالقي‪ ،‬عىل الرغم من أن س��لوك الصقر ميكن اعتباره ش��يئا يفعله عن ٍ‬
‫ً‬
‫إال أن��ه ليس فاعلاً أخالق ًّي��ا‪ ،‬وبالتايل ال يقع ضمن نطاق قاعدة عدم اإليذاء؛ فالصقر مل ينتهك‬
‫أي واجب؛ ألنه ليس عليه أية واجبات أخالقية)‪.(3‬‬
‫ي�ضرب «تايل��ور» مثالاً آخر عىل النقيض من املثال الس��ابق‪ :‬فإذا ت��م اصطياد الصقر من‬
‫الربية من قبل صياد‪ ،‬وعمل عىل تدريبه من أجل مطاردة احليوانات‪ ،‬وقتل الطيور الربية حتت‬
‫إرشافه‪ .‬هنا فقط حيدث تدخل الس��لوك البرشي الذي هيدف إىل الس��يطرة والتالعب بالكائن‬
‫كب‬
‫احل��ي للتمتع برياضة الصي��د التي تنطوي ع�لى رضر بالكائنات احلية األخ��رى؛ فهنا ار ُت َ‬
‫خط��أ‪ ،‬ولكن ليس من الصقر‪ ،‬ع�لى الرغم من أن الصقر هو القاتل الفع�لي يف هذه احلالة‪ ،‬وأن‬
‫الطي��ور التي تقتلها هي فريس��تها الطبيعية‪ .‬اخلطأ الذي حدث يف ه��ذه احلالة هو خطأ قام به‬
‫طائ��ر مفع��ول به؛ أي تم التالعب به من قبل الصياد؛ فالطائر مل يكرس قاعدة الواجب‪ ،‬ولكن‬
‫ترصفات الصياد الذي استوىل عليه ودربه من أجل تسليته اخلاصة)‪.(4‬‬

‫‪(1) Taylor, W. Paul: Respect for Nature; A Theory of Environment Ethics, In: «Environmental‬‬
‫‪Ethics», by ed; Michael Boylan, Second Edition, John Wiley & Sons, Inc, Wiley Blackwell,‬‬
‫‪2014, p.153.‬‬
‫‪(2) Ibid, p.153.‬‬
‫‪(3) Ibid, pp.153-154.‬‬
‫‪(4) Ibid, p.154.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪242‬‬

‫يتضح مما س��بق‪ ،‬أن «تايلور» ينفي عن الكائنات احلية غري البرشية أية فاعلية أخالقية‪،‬‬
‫أيضا كل من «س��نجر»‬ ‫إال أن��ه مل ينف عن س��لوكها الفاعلي��ة والقصدية‪ .‬وهذا ما أش��ار إليه ً‬
‫و«ماي��كل ت��ويل)*(» ‪1941( Michael Tooley‬م‪ ،)-‬من أهنا تب��دو عاقلة وذاتية الوعي وتصور‬
‫أيضا عامل‬
‫نفس��ها بوصفه��ا كائنات متميزة مع وعى باملايض واملس��تقبل)‪ .(1‬وهذا ما أش��ار إليه ً‬
‫النفس «دونالد جريفني» ‪2003-1915( Donald Griffin‬م) أن احليوانات متلك «نية واعية»)‪،(2‬‬
‫ووصفه��ا بعدة صفات وهي‪ :‬الوعي‪ ،‬والوعي الذايت‪ ،‬واإلدراك‪ ،‬واالس��تقالل الذايت‪ ،‬والغايات‬
‫والوسائل‪ ،‬واالحتامالت اللغوية)‪.(3‬‬
‫وه��ذا م��ا جعل «س��نجر» يش�ير إىل فكرة قدس��ية احلياة البرشي��ة وغري البرشي��ة قائلاً ‪:‬‬
‫«لق��د اقرتحت أن��ه إذا كانت للحي��اة البرشية قيمة خاص��ة ومطالب خاص��ة حلاميتها‪ ،‬فإهنم‬
‫ميتلك��ون ذل��ك بقدر ما هم كائن��ات برشية‪ ،‬ولك��ن إذا كانت بعض الكائن��ات غري البرشية‬
‫أيضا أن تكون حلياة تل��ك احليوانات نفس القيمة اخلاصة‬ ‫ه��ي أش��خاص ‪ ،Persons‬فإنه ينبغي ً‬
‫واملطالب��ة بحاميتها‪ ،‬ومن ثم ينبغي علينا أن نرفض املذهب الذي يضع حياة أفراد جنس��نا فوق‬
‫حياة أفراد األنواع األخرى»)‪.(4‬‬
‫تثري كلمة «الش��خص» جدالاً وخالفًا بني فالسفة األخالق‪ ،‬إال أهنم يجُ معون عىل جمموعة‬
‫من اخلصائص يف تعريفهم للشخصية‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫(*) «مايكل ت��ويل»‪ :‬فيلسوف أمرييك معارص‪ ،‬حصل عىل درجة الدكتوراه يف الفلسفة من جامعة‬
‫حاليا‬
‫ً‬ ‫«برينستون» عام ‪1968‬م‪ ،‬ودرس يف جامعة «ستانفورد» واجلامعة الوطنية األسرتالية‪ ،‬ويعمل‬
‫يف جامعة «كولورادو»‪ ،‬وله عديد من االهتاممات الفلسفية‪،‬؛ منها‪ :‬امليتافيزيقا (الوقت‪ ،‬السببية‪ ،‬قوانني‬
‫الطبيعة)‪ ،‬ونظرية املعرفة (تربير االستقراء‪ ،‬دحض مذهب الشك‪ ،‬اإلدراك)‪ ،‬وفلسفة الدين (احلجة من‬
‫الرش‪ ،‬املعجزات‪ ،‬احلجج املؤيدة واملعارضة لالعتقاد الديين)‪ ،‬واألخالق (اإلجهاض‪ ،‬األخالق اجلنسية)‪.‬‬
‫ومن أهم مؤلفاته الفلسفية‪« :‬اإلجهاض؛ ثالث وجهات نظر» عام ‪2009‬م‪ ،‬و«معرفة اإلله» عام ‪2008‬م‪،‬‬
‫و«الوقت‪ ،‬والتوتر‪ ،‬والسببية» عام ‪1997‬م‪ ،‬و«امليتافيزيقا» مخسة أجزاء عام ‪1999‬م‪ ،‬و«السببية» عام‬
‫‪1993‬م‪ ،‬و«السببية؛ مقاربة واقعية» عام ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪See: https: //web.archive.org/web/20131124100738/http: //spot.colorado.edu: 80/~tooley/‬‬
‫‪AcademicInformation.html , In: 3-11-2018.‬‬
‫‪(1) Singer, Peter: Practical Ethics, Op.Cit, p.132.‬‬
‫‪(2) Leahy, P.T. Michael: Against Liberation; Putting Animals in Perspective, Routledge, New‬‬
‫‪York, 1994, p.140.‬‬
‫‪(3) Ibid, pp.141-163.‬‬
‫‪(4) Singer, Peter: Practical Ethics, Op.Cit, p.117.‬‬
‫‪243‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫أ ‪ -‬احلساسية أو القدرة عىل الشعور باألمل‪.‬‬


‫ب‪ -‬الوعي باألشياء واألحداث اخلارجية‪.‬‬
‫ج‪ -‬املحاكمة العقلية‪ ،‬أي القدرة عىل حل املشكالت‪.‬‬
‫د‪ -‬النشاط ذايت الدافع‪.‬‬
‫هـ‪-‬القدرة عىل االتصال من خالل استخدام منظومة تركيبية مكتملة من الرموز الداللية‬
‫(اللغة مثلاً )‪.‬‬
‫و‪ -‬مفهوم للذات (أو النفس) املستمرة عرب الزمن‪.‬‬
‫ِ‬
‫مستقبالت بديلة واالختيار بينها‪.‬‬ ‫ز‪ -‬القدرة عىل صياغة‬
‫ح‪ -‬القدرة عل العمل وف ًقا ملبدأ ما‪.‬‬
‫ط‪ -‬االعرتاف بشخصية اآلخر)‪.(1‬‬
‫وقد اعرتض كل من «س��تيوارت هامبش��اير)‪2004-1941( Stuart N. Hampshire »(2‬م)‬
‫و«مايكل ليهي» ‪1953( Michael Leahy‬م‪ )-‬عىل عزو بعض هذه الصفات أو كلها للحيوانات؛‬
‫فاألول يرى أن هناك انعدا ًما باإلحس��اس لدى احليوانات؛ لذلك فهي ال متتلك وس��يلة للتفكري‬
‫أيضا أن ننسب إليها ميزة‬
‫يف سلوكها املستقبيل‪ ،‬وإعالنه لنفسها أو لآلخرين‪ ،‬ومن غري املعقول ً‬
‫تذكر األحداث يف املايض أو التنبؤ باألحداث املس��تقبلية‪ ،‬وكذلك ال متتلك أية مفاهيم نس��قية‬

‫((( بارتريدج‪ ،‬إرنست‪ :‬مقدمة إىل األخالق البيئية‪ ،‬ضمن‪« :‬مدخل إىل الفكر اإليكولوجي»‪ ،‬حترير وترمجة‪:‬‬
‫معني رومية‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة السورية‪ ،‬مكتبة األسد‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪2007 ،‬م‪ ،‬ص ‪.82-81‬‬
‫((( «هامبشاير نيوتن ستيوارت»‪ :‬فيلسوف إنجليزي معارص‪ ،‬ولد يف لينكولنشاير يف إنجلرتا‪ ،‬وتلقى تعليمه‬
‫يف مدرسة ديبتون وكلية باليول أكسفورد‪ ،‬واشتهر بكتاباته يف عديد من املجاالت الفلسفية‪ ،‬منها‪:‬‬
‫فلسفة العقل‪ ،‬وفلسفة اللغة‪ ،‬وفلسفة األخالق‪ ،‬وفلسفة اجلامل‪ ،‬وفلسفة السياسة‪ ،‬ويعد كتاب «الفكر‬
‫والفعل» عام ‪1959‬م من أهم مؤلفاته عىل اإلطالق‪ ،‬وله عديد من املؤلفات الفلسفية املهمة األخرى‪ ،‬منها‪:‬‬
‫«سبينوزا» عام ‪1951‬م‪ ،‬و«املنطق والتقدير» عام ‪1952‬م‪ ،‬و«الفلسفة األخالقية وحرية اإلرادة» عام‬
‫‪1959‬م‪ ،‬و«حرية العقل وغريها من املقاالت» عام ‪1971‬م‪ ،‬و« احلرية الفردية» عام ‪1975‬م‪ ،‬و«نظريتان‬
‫أخالقيتان» عام ‪1977‬م‪ ،‬و«األخالق العامة واخلاصة» عام ‪1978‬م‪ ،‬و«املبادئ األخالقية والرصاع» عام‬
‫‪1983‬م‪ ،‬و«العدالة رصاع» عام ‪2000‬م‪.‬‬
‫‪See: Shook, R. John (ed and others): Op.Cit, Vol.2, pp.1014-1017.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪244‬‬

‫أو أية مفاهيم عىل اإلطالق‪ .‬والثاين يشري يف كتابه «ضد التحرر» إىل أن احليوانات التي تفتقر‬
‫إىل اللغة ال متتلك النوايا أو الترصف لس��بب ما)‪ .(1‬وس��بقهام يف ذلك «أرس��طو»؛ حيث يرى أن‬
‫خالدا‪ ،‬بل ه��و مبدأ متحرك؛‬
‫كل كائ��ن ح��ي لدي��ه روح ‪ ،Soul‬ولكنه ال يعين أنه ميل��ك وع ًيا ً‬
‫أي القدرة عىل إظهار وظائفه الطبيعية‪ ،‬فروح النبات هتتم بالتغذية والنمو‪ ،‬أ َّما روح احليوانات‬
‫فهي ختتلف عن النباتات باإلدراك‪ ،‬وخيتلف البرش عن احليوانات والنباتات بالقدرة عىل تصور‬
‫معين احلياة واإلدراك (احليس) والقدرة عىل التفكري‪ ،‬فطب ًقا لـ»أرسطو» فإن لكل نوع من أنواع‬
‫الكائنات احلية وظائف مناسبة لطريقته اخلاصة باالزدهار)‪.(2‬‬
‫ونف��ي ه��ذه الصفات عن احليوان��ات يقتيض بال�ضرورة نفي صفة األخالقي��ة عنها‪ ،‬وهذا‬
‫ما أوضحه «ج��ون ديوي» ‪1952-1859( J. Dewey‬م) قائ�ًل�اً ‪« :‬األخالقية صفة تتعلق مبارشة‬
‫بالطبيع��ة اإلنس��انية‪ ،‬كام أن علم األخالق ليس ش��ي ًئا ل��ه ميدان منفصل‪ ،‬ولكن��ه معرفة مادية‬
‫بيولوجية تارخيية وضعت يف حمتوى إنساين حيث تيضء مناشط اإلنسان وترشدها»)‪.(3‬‬
‫أيضا املفكر العريب «ط��ه عبد الرمحن» يف كتابه «س��ؤال األخالق»‬
‫وه��ذا ما أكد علي��ه ً‬
‫أثناء حديثه عن الصفة األساس��ية التي يتميز هبا اإلنسان عن احليوان‪ ،‬وانتهى إىل أن األخالقية‬
‫هي األصل الذي تتفرع منه كل صفات اإلنسان من حيث هو كذلك‪ ،‬والعقالنية التي تستحق‬
‫أن ُتنسب إليه ينبغي أن تكون تابعة هلذا األصل األخالقي)‪.(4‬‬
‫أيضا «لوي��س ج‪ .‬لومب��اردي» ‪ Louis G. Lombardi‬عىل ك��ون احليوانات‬
‫وق��د اعرتض ً‬
‫والنباتات هلا قدرات مس��اوية للكائنات البرشي��ة؛ حيث يرى أن القيمة املتأصلة تتوقف عىل‬
‫مدى قدرات الكائنات احلية‪ ،‬وجاءت حجته ‪ -‬كام عرضها تايلور‪ -‬عىل هذا النحو‪:‬‬
‫أ‪-‬احليوانات والنباتات هي أنواع خمتلفة من الكائنات احلية‪.‬‬

‫‪(1) Leahy, P.T. Michael: Op.Cit, p.113. And See Also: Humphreys, Rebekah: Animal Thought‬‬
‫‪on Factory Farm: Michael Leahy, Language and Awareness of Death, Between The Species,‬‬
‫‪No.viii, California Polytechnic State University, San Luis Obispo, CA, August, 2008,‬‬
‫‪(2) Taylor, Angus: Op.Cit, p.36.‬‬
‫((( ديوي‪ ،‬جون‪ :‬الطبيعة البرشية والسلوك اإلنساين‪ ،‬ترمجة وتقديم‪ :‬حممد لبيب النجيحي‪ ،‬تصدير‪ :‬حممد‬
‫مدين‪ ،‬سلسلة مرياث الرتمجة العدد (‪ ،)2681‬املركز القومي للرتمجة‪ ،‬القاهرة‪2015 ،‬م‪ ،‬ص ‪.310-309‬‬
‫((( عبد الرمحن‪ ،‬طه‪ :‬سؤال األخالق؛ مسامهة يف النقد األخالقي للحداثة الغربية‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪2000 ،‬م‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪245‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫ب‪-‬يتم متييز هذه األنواع مبدى قدرهتا‪.‬‬


‫ج‪-‬كلام زاد نطاق قدرات الكيان ارتفعت درجة قيمته املتأصلة‪.‬‬
‫ال أوسع من القدرات أكرب من احليوانات والنباتات‪ ،‬وينتج عن هذا أن‬ ‫د‪-‬ميتلك البرش جما ً‬
‫البرش متفوقون يف القيمة املتأصلة عىل احليوانات والنباتات)‪.(1‬‬

‫‪ -2‬قاعدة عدم التدخل ‪ /‬اإلعاقة‪:‬‬

‫تفرتض هذه القاعدة ‪ -‬كام يشري «تايلور»‪ -‬وجود نوعني من االلتزامات؛ األول يتطلب منا‬
‫االمتن��اع والكف عن فرض قيود عىل حرية الكائنات الفردية األخرى‪ ،‬بينام يتطلب الثاين منا‬
‫فرض سياس��ة عامة ملنع األيدي وكفها عن النظ��م اإليكولوجية واملجتمعات احليوية بأكملها‪.‬‬
‫ويقصد باحلرية يف مضمون هذه القاعدة انعدام القيود‪ ،‬وتعين القيود أية رشوط تكبح أو تعيق‬
‫النشاط الطبيعي والنمو الصحي للحيوانات أو النباتات؛ فالكائن حر ‪ -‬هبذا املعىن‪ -‬طاملا تنعدم‬
‫القي��ود التي قد تضع��ف قدرته عىل التكيف بنجاح مع بيئته الطبيعي��ة؛ وهي عىل أربعة أنواع‪:‬‬
‫أ‪ -‬القي��ود اخلارجي��ة اإلجيابية (مثل‪ :‬املصائد والفخ��اخ)‪ .‬ب‪ -‬القيود الداخلي��ة اإلجيابية (مثل‪:‬‬
‫األم��راض‪ ،‬والس��م املبتلع‪ ،‬واملواد الكيميائية الس��امة املمتصة)‪ .‬ج‪ -‬القيود اخلارجية الس��لبية‬
‫(مثل‪ :‬ندرة املاء والغذاء)‪ .‬د‪ -‬القيود الس��لبية الداخلية (نقاط الضعف والعجز بسبب األعضاء‬
‫املصابة أو األنسجة))‪.(2‬‬
‫وميك��ن للبرش تقييد حرية حرك��ة احليوانات والنباتات‪ ،‬إ َّما ع��ن طريق فرض بعض من‬
‫ه��ذه القي��ود مبارشة عليها أو عن طريق إح��داث تغيري يف بيئاهتا الطبيعي��ة التي تعمل بوصفها‬
‫قي��و ًدا عليها‪ ،‬ويف كلتا احلالتني‪ ،‬إذا فعلنا هذه األش��ياء عن عل��م‪ ،‬فنحن متهمون بانتهاك قاعدة‬
‫عدم التدخل ‪ /‬اإلعاقة)‪.(3‬‬
‫أ َّم��ا الن��وع الثاين م��ن االلتزامات الت��ي تفرضها علينا ه��ذه القاعدة كام يش�ير «تايلور»‬
‫ه��و ترك املخلوقات الربي��ة تعيش حياهتا يف حرية تام��ة؛ فهذه القاعدة تتطل��ب منا االمتناع‬

‫‪(1) Taylor, W. Paul: Are Humans Superior to Animals and Plans?, In: «Environmental Ethics», by‬‬
‫‪ed; Eugenc C. Hargrove, Vol.6, No.2, (Summer., 1984), Environmental Philosophy, Inc. The‬‬
‫‪University of Georgia, Athens, 1984, p,154.‬‬
‫‪(2) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, p.154.‬‬
‫‪(3) Ibid, p.154.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪246‬‬

‫ع��ن أرسه��ا أو نزعها من موائله��ا الطبيعية‪ ،‬دون النظر إىل مدى قدرتنا ع�لى معاملتنا هلا‪ ،‬وإذا‬
‫فعلن��ا ذلك نك��ون قد انتهكنا هذه القاعدة حتى لو كان اهلدف م��ن ذلك إنقاذها أو إخراجها‬
‫م��ن خط��ر طبيعي أو حتى من خالل مس��اعدهتا عىل اس��تعادة صحتها بعد أن مت��رض يف بيئتها‬
‫الطبيعية؛ فمثلاً ‪ ،‬عندما نأخذ األش��جار أو الزهور الربية م��ن النظام البيئي الطبيعي‪ ،‬ونزرعها‬
‫يف أرض ذات مناظر طبيعية‪ ،‬فإننا بذلك نكرس قاعدة عدم التدخل ‪ /‬اإلعاقة س��واء أكنا نعتين‬
‫جيدا أم ال؛ ألننا منكنها من العيش حي��اة أطول وأكرث صحة مما كانت تتمتع به يف الربية‪،‬‬
‫هب��ا ً‬
‫لقد ارتكبنا خطأ عدم السامح هلا أن تعيش حياهتا الطبيعية بحرية تامة‪ .‬ويف مجيع األحوال ال‬
‫ينبغ��ي التدخل يف جمال العامل الطبيعي وإهناء وجود كائن حي بوصفه خملوقًا بر ًيا‪ ،‬بالرغم من‬
‫أن معاملتنا له قد تحُ سن من قوته‪ ،‬وتعزز من منوه‪ ،‬وتزيد من فرص بقائه يف حياة صحية طويلة‬
‫األم��د؛ وهذا يقتيض منا أال نحاول التالعب أو التأث�ير أو التغيري‪ ،‬أو إدارة النظم اإليكولوجية‬
‫الطبيعية‪ ،‬أو التدخل إلحداث تغيري بطريقة أو بأخرى يف أدائها الطبيعي)‪.(1‬‬
‫بالتأكيد‪ ،‬س��تخرس بعض الكائنات يف رصاعها مع املنافس�ين الطبيعيني‪ ،‬وبعضها س��يعاين‬
‫من الرضر ألسباب طبيعية‪ ،‬ولكن بقدر ما يتعلق األمر بدورنا بوصفنا فاعلني أخالقيني‪ ،‬جيب‬
‫علينا أن نلتزم التزا ًما صار ًما بقاعدة عدم التدخل ‪ /‬اإلعاقة‪ ،‬وأن ُيظهر س��لوكنا احرتا ًما عمي ًقا‬
‫لس�لامة نظام البيئة‪ ،‬حتى عندما يتعرض نظام بيئي بأكمله خلطر ش��ديد بسبب كارثة طبيعية‬
‫مثل‪ :‬الزالزل‪ ،‬واحلرائق النامجة ع��ن الصواعق‪ ،‬وثوران الربكان‪ ،‬والفيضان‪ ،‬واجلفاف‪...‬إلخ؛‬
‫فنح��ن ملزمون بعدم التدخل ‪ /‬اإلعاقة يف حماول��ة إصالح الرضر والتلف الذي وقع‪ ،‬واالمتناع‬
‫عن التدخل يف ترتيب األش��ياء بعد أي كارثة طبيعية؛ ألن هذا ُيعد وس��يلة من وس��ائل التعبري‬
‫عن موقف احرتامنا للطبيعة؛ حيث إننا بذلك نعطي التقدير التام لعملية التغيري التطوري التي‬
‫كانت قصة احلياة عىل األرض منذ بدايتها)‪.(2‬‬
‫يوضح «تايلور» أن السياس��ة العامة لقاعدة عدم التدخل ‪ /‬اإلعاقة هي مس��ألة مبدأ حياد‬
‫ب�ين األنواع‪ ،‬فقد نرغب يف مس��اعدة بعض األنواع؛ ألننا نحبها أو ألهن��ا مفيدة لنا‪ ،‬لكن هذه‬
‫القاع��دة تتطل��ب منا أن نضع أفعالنا الش��خصية ومصاحلن��ا البرشية جان ًبا يف إش��ارة إىل كيفية‬
‫كفاية الع��امل الطبيعي للحفاظ عىل نظامه‬ ‫تعاملن��ا معها؛ فاحرتامنا للطبيعة يع�ني أننا نعرتف بِ ِ‬

‫‪(1) Ibid, p.155.‬‬


‫‪(2) Ibid, pp.155-156.‬‬
‫‪247‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫اخلاص يف مجيع جماالت احلياة‪ ،‬مبعىن أن يكون موقف االحرتام جتاه النظم البيئية الطبيعية نحو‬
‫الكائن��ات احلية غري البرشية‪ ،‬ونح��و عملية التطور بأكملها هو االعتق��اد بأن ال يشء خاطئ‬
‫يف الطبيع��ة‪ ،‬حت��ى تدم�ير جمتمع حيوي كامل أو انق��راض نوع ما ليس دلي�ًل�اً عىل وجود يشء‬
‫خاطئ‪ ،‬وإذا نش��أت أس��باب ملثل هذه األحداث داخل نظام الطبيعة نفس��ه‪ ،‬فلن حيدث يشء‬
‫خاط��ئ عىل اإلط�لاق‪ .‬وحقيقة أن الكائنات احلي��ة تعاين ومتوت ال تدعون��ا إىل اختاذ أي أفعال‬
‫تصحيحي��ة ‪ /‬تعويضي��ة م��ن جانب البرش فق��ط عندما ال يك��ون لإلنس��ان أي عالقة بقضية‬
‫معاناهتا أو موهتا؛ ألهنام مظهران تكميليان يف ترتيب نظام الطبيعة)‪.(1‬‬
‫يب��دو هنا تأث��ر «تايلور» بنظري��ة البقاء لـ«تش��ارلز دارون»‪ ،‬التي يرى فيها أنه بس��بب‬
‫التنازع‪ ،‬فإن التاميزات‪ ،‬مهام تكن بس��يطة ومهام يكن س��بب انبثاقه��ا‪ ،‬وإذا كانت مفيدة إىل‬
‫درجة ألفراد أحد األنواع‪ ،‬يف عالقاهتا املعقدة بصورة ال هنائية مع الكائنات العضوية األخرى‬
‫ومع ظروفها الطبيعية يف احلياة‪ ،‬فس��وف متيل إىل االحتفاظ مبثل هؤالء األفراد‪ ،‬وس��وف تصبح‬
‫أيضا‪ ،‬سوف يكون لدهيا هبذا الشكل‬
‫بشكل عام متوارثة عن طريق الذراري‪ .‬وهذه الذراري ً‬
‫فرص��ة أفض��ل للبقاء عىل قيد احلي��اة؛ وذلك ألنه من ب�ين العديد من األف��راد التابعني ألي نوع‬
‫الذي��ن يول��دون بصورة دورية‪ ،‬فال يس��تطيع إال عدد قليل منهم البقاء عىل قي��د احلياة‪ .‬وأنا قد‬
‫مفيدا‪ ،‬مصطلح‬
‫أطلقت عىل هذا املبدأ الذي عن طريقه يتم االحتفاظ بأي متايز بسيط إذا كان ً‬
‫«االنتق��اء الطبيع��ي»‪ ،‬وذلك من أجل متييز عالقته بقدرة اإلنس��ان عىل االنتق��اء‪ ،‬ولكن التعبري‬
‫كثريا ما يستخدم بواسطة السيد «هريبرت سبنرس»؛ وهو البقاء لألصلح)‪.(2‬‬
‫الذي ً‬
‫أض��ف إىل ما س��بق‪ ،‬أن قاعدة ع��دم التدخل عند «تايل��ور» تفرض علين��ا التزا ًما أخالق ًّيا‬
‫آخ��ر وهو مبدأ ع��دم التحيز لألنواع‪ ،‬حيث يعم��ل عىل توازن ميول الن��اس ومقاصدهم جتاه‬
‫بعض األنواع عىل حس��اب بعضها اآلخر‪ ،‬وتظهر هذه امليول عند النظر إىل ردود أفعال الكثري‬
‫م��ن الناس عىل عالقة الفريس��ة باملفرتس بني احليوانات الربية؛ فمثلاً ‪ ،‬عند مش��اهدة الكالب‬
‫الربي��ة وهي هتاجم حيوان «الن��و ثيتل»‪ ،‬ثم تبدأ يف التهام جزيئ له وه��و عىل قيد احلياة؛ فعىل‬

‫‪(1) Ibid, p.156.‬‬


‫((( دارون‪ ،‬تشارلز‪ :‬أصل األنواع؛ نشأة األنواع احلية عن طريق االنتقاء الطبيعي‪ ،‬ترمجة‪ :‬جمدي حممود‬
‫املليجي‪ ،‬تقديم‪ :‬سمري حنا صادق‪ ،‬العدد (‪ ،)628‬املرشوع القومي للرتمجة باملجلس األعىل للثقافة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪2004‬م‪ ،‬ص ‪.137‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪248‬‬

‫الفور نش��عر بالتعاطف مع الفريسة وكراهية املفرتس‪ ،‬وهنا يظهر ميل لصناعة حكم أخالقي‬
‫بالتفكري يف الكالب بوصفها رشس��ة وقاس��ية‪ ،‬والنظ��ر إىل حيوان «النو ثيت��ل» بوصفه ضحية‬
‫بريئة)‪ ،(1‬وهذا ما يرفضه «تايلور»‪.‬‬
‫ويس��تطرد قائ�ًل�اً ‪« :‬إذا قبلن��ا نظرية املركزي��ة البيولوجية‪ ،‬وأصبح لدين��ا احرتام حقيقي‬
‫للطبيعة؛ فالبد أن نلتزم مببدأ احلياد بشكل صارم بني املفرتس والفريسة‪ ،‬بني الطفييل واملضيف‬
‫(العائل واملعيل)»)‪ .(2‬ولكن ماذا عن بعض الكائنات التي تكون أكرث قيمة بالنسبة لنا من قيمة‬
‫الكائن��ات األخرى؟ يرفض «تايلور» هذه النظرة قائ�ًل�اً ‪« :‬إن هذا األمر ال يتفق مع االفرتاض‬
‫األس��اس ملوقف احرتام الطبيعة‪ ،‬الذي ينص ع�لى أن كل الكائنات احلية يف العامل الطبيعي هلا‬
‫نفس القيمة املتأصلة دون استثناء»)‪.(3‬‬
‫عىل الرغم من أمهية هذه القاعدة التي تؤكد عىل أمهية عدم التدخل يف احلياة الطبيعية‬
‫للكائن��ات غ�ير البرشية‪ ،‬إال أن «توماس هوبز» يش�ير إىل أن احليوان��ات موجودات غري‬
‫عقالني��ة‪ ،‬وال ميك��ن أن تدخ��ل يف تعاقدات‪ ،‬وطامل��ا مل ندخل يف أي اتفاق م��ع احليوانات‬
‫بشكل متبادل لكبح سلوكنا جتاه بعضنا‪ ،‬فنحن ما زلنا يف حالة حرب أصيلة معها‪ .‬وحسب‬
‫تعبري «هوبز» فإن البهيمة ‪ A beast‬غري مقيدة بأي مبدأ للعدالة لالمتناع عن قتل اإلنسان‪،‬‬
‫وكذلك ال يوجد سبب مينع اإلنسان من قتل البهيمة‪ ،‬فمن حقنا أن نفعل ما نشاء باحليوانات‬
‫م��ن أجل احلصول ع�لى اخلدمة الت��ي نريدها‪ ،‬وهذا األمر ليس ناش � ًئا عن مرس��وم إهلي‪،‬‬
‫بل ناش � ًئا ببس��اطة من اإلرادة الطبيعية األساس��ية للقيام بكل ما نعتقد أنه سيجعل حياتنا‬
‫أكرث أم ًنا)‪.(4‬‬

‫‪ -3‬قاعدة الثقة‪:‬‬

‫تف�ترض هذه القاعدة من��ذ البداية عدم كرس الثق��ة التي يضعها فينا حي��وان بري‪ ،‬وعدم‬
‫ِخداع��ه م��ن قب��ل الفاعل�ين األخالقيني وتضليل��ه‪ ،‬وع�لى الرغم م��ن أن الفاعل�ين األخالقيني‬
‫ال يس��تطيعون إبرام اتفاقيات م��ع احليوانات الربية‪ ،‬إال أننا نس��تطيع الترصف بوصفنا فاعلني‬

‫‪(1) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, p.156.‬‬


‫‪(2) Ibid, p.157.‬‬
‫‪(3) Ibid, p.157.‬‬
‫‪(4) Taylor, Angus: Op.Cit, p.43.‬‬
‫‪249‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫أخالقي�ين بطريقة جتعله��ا تعلن ثقتها فين��ا‪ .‬وااللتزام األخالقي األس��اس ال��ذي تفرضه هذه‬
‫القاعدة هو أن نظل خملصني هلذه الثقة التي وضعها فينا احليوان)‪.(1‬‬
‫وم��ن األمثل��ة عىل كرس هذه القاع��دة بعض التج��اوزات التي حتدث يف صي��د احليوانات‬
‫أو حبس��ها‪ ،‬ويف الواق��ع فإن كرس ه��ذه الثقة هو عملية خداع؛ لذلك ما مل يكن هناك س��بب‬
‫أخالق��ي مهم لالنخراط يف هذه األنش��طة‪ ،‬فيجب إدانتها من قب��ل أخالقيات احرتام الطبيعة‪،‬‬
‫�زا عىل مبدأ نزي��ه؛ ألن الفعل‬
‫وجي��ب أن يك��ون الس��بب األخالقي مهماًّ يف ح��د ذاته ومرتك� ً‬
‫م��ا ي��زال خاط ًئا يف ح��د ذاته طاملا يش��كل انتهاكًا لقاع��دة أخالقية صاحل��ة‪ ،‬وال ميكن تربيره‬
‫إال م��ن خالل واجب أكرث أمهية من واجب الثقة من خالل مبدأ أولوية الصالحية األخالقية‬
‫‪.(2)Morally Valid Priority Principle‬‬
‫نس��تنتج من هذا‪ ،‬أن ه��ذه القاعدة هي واجب ظاهر الص��دق ‪- Prima Facie Duty‬كام‬
‫أش��ار السري «وليم ديفيد روس» ‪1971-1877( W. D. Ross‬م)‪ -‬مبعىن أنه التزام ُيلزم الشخص‪،‬‬
‫ولكنه ال مينع وجود إمكانية جتاوزه أو ختطيه بواسطة إلزام آخر أسمى منه‪ ،‬فهو ليس كام قد‬
‫أيضا إىل إلزام أو واجب حقيقي‪،‬‬
‫ُتوحى الكلامت‪ ،‬أعىن إلزا ًما أو واج ًبا ظاهر ًّيا‪ ،‬وإمنا يش�ير ً‬
‫ع�لى الرغ��م من كونه ليس مطل ًق��ا‪ ،‬ومن ثم ُيق��ال‪ :‬إن االلتزام اخلاص بالوف��اء بالعهد «واجب‬
‫مربرا أخالق ًّيا للوفاء ب��ه؛ فإن هذا املربر يمُ كن‬
‫ظاه��ر الصدق»؛ ألنه إذا كان االلت��زام بالعهد ً‬
‫يف احلاالت االس��تثنائية جتاوزه بإل��زام أكرث منه رضورة كام حيدث عندم��ا يتعلق األمر بإنقاذ‬
‫حياة إنسان)‪.(3‬‬
‫ي�ضرب «تايلور» أمثلة عىل كرس قاع��دة الثقة‪ ،‬فعندما يذهب صي��اد للبحث عن الدببة‬
‫أو الغزالن ‪ -‬مثلاً ‪ ،-‬فإنه سيس�ير يف الغابة هبدوء ش��ديد وبطريقة خفية قدر اإلمكان‪ ،‬وصياد‬
‫تقليدا زائ ًفا‪ ،‬ويف كلتا‬
‫ً‬ ‫نداء كاذ ًبا أو‬ ‫جيدا ويضع رَّ‬
‫الشاك اخلداعة‪ ،‬ويس��تخدم ً‬ ‫البط س��يختبئ ً‬
‫احلالت�ين‪ ،‬ف��إن الغرض هو احلصول عىل نط��اق قريب للرماية من الثديي��ات أو الطيور‪ ،‬حيث‬
‫يظل الصياد هاد ًئا ثم يرفع بندقيته؛ ليصطاد هدفًا دقي ًقا‪ ،‬وهذا املوقف يتضمن‪ :‬أ‪ .‬حترك احليوان‬

‫‪(1) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, p.157.‬‬


‫‪(2) Ibid, p.157.‬‬
‫((( إيونج‪ ،‬ألفريد‪ :‬مقدمة يف فلسفة األخالق‪ ،‬ترمجة ودراسة‪ :‬د‪ .‬حممد مدين‪ ،‬دار الثقافة للنرش والتوزيع‪،‬‬
‫القاهرة‪1997 ،‬م‪ ،‬ص ‪.133‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪250‬‬

‫ال�بري كام ل��و مل يكن يوجد خطر عىل اإلط�لاق‪ .‬ب‪ .‬فعل الصياد يف ه��ذه احلالة هو تضليل‬
‫متعم��د للحي��وان‪ .‬ج‪ .‬يقوم الصياد هب��ذه األفعال من أجل قت��ل احليوان)‪ .(1‬ثم يب�ين «تايلور»‬
‫أن من��ط س��لوك الصياد ‪ -‬يف كلتا احلالت�ين‪ -‬يدل عىل أنه َيعتبرِ احليوانات إ َّم��ا أهنا ال متتلك قيمة‬
‫متأصل��ة أو أن لدهي��ا درج��ة أدىن من القيم��ة املتأصلة‪ ،‬ويف كلت��ا احلالتني؛ ف��إن موقف الصياد‬
‫ال يتوافق مع موقف احرتام الطبيعة‪ ،‬أضف إىل ذلك أن كرس قاعدة الثقة ينطوي عىل انتهاكات‬
‫جسيمة لقاعديت عدم اإليذاء وعدم التدخل ‪ /‬اإلعاقة)‪.(2‬‬
‫أ َّم��ا ل��و كان الصي��د للحص��ول عىل الغ��ذاء أو الكس��اء بوصف��ه رضورة لبقاء اإلنس��ان؛‬
‫فإن أفعال الصيد يف هذه احلالة كام يش�ير «تايلور» مس��موح هبا أخالق ًّيا‪ ،‬واملبادئ األخالقية‬
‫الت��ي ت�برر ذلك تنبع م��ن األخ�لاق البرشية املبنية ع�لى مبدأ اح�ترام األش��خاص‪ ،‬باإلضافة‬
‫إىل مبدأ األولوية الذي جيعل من واجب تعزيز بقاء اإلنسان أسمى من واجبات‪ :‬عدم اإليذاء‪،‬‬
‫وعدم التدخل‪ ،‬والثقة املستحقة للكائنات غري البرشية)‪.(3‬‬
‫‪-‬أيضا‪ -‬ك�سر قاعدة الثقة من أجل تعزيز فائدة احليوانات‪ ،‬فمثلاً‬
‫ك�ما أن «تايلور» جييز ً‬
‫عندم��ا يتج��ول الدب الرمادي بالقرب من منطقة س��كنية‪ ،‬فمن أج��ل احليلولة دون وقوع أذى‬
‫أيضا‪ ،‬ميكن إطالق النار عليه من خالل السهام املهدئة غري‬
‫ليس لإلنس��ان فحس��ب‪ ،‬بل للدب ً‬
‫املؤذي��ة‪ ،‬وأثناء فق��ده للوعي يتم نقله إىل منطقة برية بعيدة وترك��ه‪ .‬ومن األمثلة األخرى عىل‬
‫ذل��ك‪ ،‬حمارصة حيوان مصاب أو مريض‪ ،‬بحيث ميكن نقله إىل مستش��فى احليوانات ومعاجلته‬
‫ث��م إعادت��ه إىل الربية عندما يتعاىف متا ًما‪ ،‬وكذلك عندما يتم القبض عىل عدد ‪-‬قليل‪ -‬من الطيور‬
‫امله��ددة باالنق��راض من أجل حفظ بقاء نوعها عن طريق رفع نس��بة التكاث��ر‪ ،‬ثم يتم إطالق‬
‫رساح صغارها يف مناطق املوائل الطبيعية يف حماولة ملنع األنواع من االنقراض)‪.(4‬‬

‫‪ -4‬قاعدة العدالة التعويضية‪:‬‬

‫إن ارتكاب الظلم يؤدي إىل قيام واجب التعويض الذي عادة ما يقع عىل الشخص املعتدي؛‬
‫بحيث يتحمل الش��خص اآلثم التزا ًما أخالق ًّيا بقصد الرتاجع ع��ن آثار أفعاله املاضية‪ ،‬متضم ًنا‬

‫‪(1) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, p.157.‬‬


‫‪(2) Ibid, p.158.‬‬
‫‪(3) Ibid, p.158.‬‬
‫‪(4) Ibid, p.158.‬‬
‫‪251‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫الس��عي نح��و إصالح الرضر الذي تس��بب في��ه للضحية‪ ،‬األمر ال��ذي يتطلب منه إ َّما الس��عي‬
‫أيضا توجيه التزام‬
‫إىل عكس هذا الفعل أو دفع تعويض مقابل الرضر الذي وقع‪ ،‬كام يتضمن ً‬
‫أخالقي باالعتذار عن األفعال الضارة)‪.(1‬‬

‫وي��رى «تايل��ور» أن ه��ذه القاعدة تفرتض واجب اس��تعادة ت��وازن العدالة ب�ين الفاعل‬
‫األخالقي واملوضوع األخالقي‪ ،‬عندما خيطئ الش��خص يف املوضوع‪ ،‬وأن هذا الواجب ينش��أ‬
‫عندما ينتهك الفاعل األخالقي قاعدة أخالقية صاحلة‪ ،‬وأن يكون ذلك قد أزعج توازن العدالة‬
‫بني نفسه واملوضوع األخالقي)‪ .(2‬وقد أشار «أرسطو» إىل أن العدالة التعويضية هي التي حتدد‬
‫العالقات بني األفراد وتقوم بإعطاء كل ذي حق حقه مع مراعاة املس��اواة املادية يف التبادالت‪.‬‬
‫وموضوعه��ا احلق��وق والواجب��ات‪ ،‬ويك��ون انتهاكه��ا بالقتل أو س��وء املعامل��ة‪ ،‬أو الكذب‪،‬‬
‫أو الرسق��ة‪ ،‬أو اإلهان��ة‪ ،‬أو االف�تراء‪ ،‬وكل انتهاك هلا يل��زم املنتهك بالتعوي��ض)‪ .(3‬فاالعرتاف‬
‫بقاع��دة العدال��ة التعويضي��ة يلزم امل��رء أن يعوض املوض��وع األخالقي عن طريق أي ش��كل‬
‫من أش��كال التعويض أو اإلصالح‪ ،‬وهذه هي الطريقة التي يعيد هبا املرء توازن العدالة الذي‬
‫سائدا بني نفسه واملوضوع قبل أن يتم جتاوز انتهاك هذا الواجب‪.‬‬
‫كان ً‬
‫يوض��ح «تايلور» أن القاعدة األخالقية الصحيحة التي تش��كل عالقات أخالقية حقيقية‬
‫بني الفاعلني األخالقيني واملوضوعات األخالقية‪ ،‬هي أن يقوم كل فاعل بالواجبات املس��تحقة‬
‫ل��كل موضوع‪ ،‬ومن ثم يتلقى كل موضوع املعاملة املناس��بة له‪ .‬ولكن طاملا هناك انتهاك هلذه‬
‫�د؛ فإن ميزان العدالة مييل ضد الفاعل ويؤي��د املوضوع؛ أي عىل الفاعل‬‫القاعدة بش��كل متعم� ٍ‬
‫نظرا ألن الفعل‬
‫يف هذه احلالة عبء خاص يتحمله‪ ،‬وحيق للضحية احلصول عىل منفعة خاصة؛ ً‬
‫اخلاطئ قد أعطى فائدة غري مستحقة للفاعل‪ ،‬وأوقع ظلماً عىل املوضوع‪ ،‬ومن أجل إعادة توازن‬
‫العدالة املائل إىل التوازن الصحيح‪ ،‬جيب عىل الفاعل تقديم إصالح أو دفع ش��كل من أش��كال‬

‫‪(1) Butt, Daniel: Nation, Overlapping Generation, and Historic Injustice, American Philosophical‬‬
‫‪Quarterly, Vol.43, No.4, (Oct., 2006), University of Illinois Press, 2006, p.358.‬‬
‫‪(2) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, p.159.‬‬
‫((( بدوى‪ ،‬عبد الرمحن‪ :‬األخالق النظرية‪ ،‬وكالة املطبوعات‪ ،‬الكويت‪1975 ،‬م‪ ،‬ص ‪.168‬‬
‫أيضا‪ :‬أرسطوطاليس‪ :‬علم األخالق إىل نيقوماخوس‪ ،‬نقله إىل العربية‪ :‬أمحد لطفي السيد‪ ،‬ج‪ ،2‬مطبعة‬
‫انظر ً‬
‫دار الكتب املرصية‪ ،‬القاهرة‪1942 ،‬م‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪252‬‬

‫التعوي��ض للموض��وع)‪(1‬؛ «ألن الذي يرتك��ب الظلم يأخذ لنفس��ه أكرث مما ينبغ��ي أن يأخذ‪،‬‬
‫والذي وقع عليه الظلم يأخذ أقل مما حيق له» كام يقول أرسطو)‪.(2‬‬
‫وعىل هذا‪ُ ،‬تفهم قواعد الس��لوك الثالثة التي متت مناقش��تها س��اب ًقا عىل أهنا حتدد العالقة‬
‫األخالقي��ة للعدال��ة ب�ين البرش م��ن ناحي��ة‪ ،‬واألحياء الربي��ة يف النظ��م الطبيعية ع�لى األرض‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬وتتضح هذه العالقة األخالقية يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أال يرض البرش باملخلوقات الربية أو يدمروا موائلها أو حيطموا بيئتها الطبيعية‪.‬‬
‫ب‪-‬أال يتدخ��ل الب�شر يف حرية احليوان��ات والنبات��ات أو يف العمليات الش��املة للرتابط‬
‫البيئي‪.‬‬
‫ج‪-‬أال خي��ون البرش ثقة احليوانات الربية لالس��تفادة منها‪ ،‬مع منح كل كائن حي اعرتافًا‬
‫مستح ًّقا به بوصفه كيانًا ميتلك قيمة متأصلة‪ ،‬وااللتزام مببدأي عدم التحيز‪ ،‬واملساواة‬
‫ب�ين األنواع؛ بحيث يت��م التعامل مع كل موضوع أخالقي بوصف��ه غاية يف حد ذاته‪،‬‬
‫وليس جمرد وسيلة)‪.(3‬‬
‫واضح��ا تأثر «تايل��ور» بقاعدة الغائية عن��د «إميانويل كان��ط» ‪-1724( E. Kant‬‬
‫ً‬ ‫يب��دو‬
‫‪1804‬م)‪ ،‬وهي القاعدة الثانية من قواعد األمر املطلق‪ ،‬وصيغتها‪« :‬افعل بحيث تعامل اإلنسانية‬
‫يف ش��خصك ويف ش��خص كل إنس��ان س��واك بوصفها دامئً��ا ‪ -‬ويف نفس الوقت‪ -‬غاي��ة يف ذاهتا‪،‬‬
‫�دا كام لو كان��ت جمرد وس��يلة»)‪ .(4‬إال أن «كانط» قد طبق ه��ذه القاعدة‬ ‫وال تعامله��ا أب� ً‬
‫ع�لى الكائنات العاقلة فقط‪ ،‬حيث يق��ول‪« :‬الذات التي حتمل مجيع الغايات هي ذات كل‬
‫كائ��ن عاق��ل»)‪ .(5‬وعىل الرغم من ذل��ك فقد أقر كل من «توم��اس هوبر» و«جون لوك»‬
‫و«كانط» وآخرون بتوافر اإلدراك واملشاعر لدى احليوانات‪ ،‬فيام أنكروا وجود خاصية‬

‫‪(1) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, pp.159-160.‬‬


‫((( أرسطوطاليس‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫‪(3) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, p.160.‬‬
‫((( كانت‪ ،‬إمانويل‪ :‬تأسيس ميتافيزيقا األخالق‪ ،‬ترمجه وقدم له وعلق عليه‪ :‬د‪ .‬عبدالغفار مكاوي‪ ،‬راجع‬
‫الرتمجة‪ :‬د‪ .‬عبد الرمحن بدوي‪ ،‬منشورات اجلمل‪ ،‬ط‪ ،1‬كولونيا‪-‬املانيا‪2002 ،‬م‪ ،‬ص ‪.109-108‬‬
‫‪And See Also: Sullivan J. Roger: An Introduction to Kant's Ethics, Cambridge University‬‬
‫‪Press, New York, 1994, p.29.‬‬
‫((( كانت‪ ،‬إمانويل‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪253‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫م��ا (مثل العقل أو القدرة عىل اس��تيعاب املفاهي��م العامة) قيل إهنا رضوري��ة لتبوء مكانة‬
‫أخالقية مهمة)‪.(1‬‬
‫وميكن اس��تنتاج قاعدة توضح تأثر «تايلور» بـقاعدة الغائية الكانطية‪ ،‬عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫افع��ل بحيث تعامل أي كائن حي س��واء أكان إنس��انًا أم حيوانًا أم نبا ًتا بوصف��ه غاية يف ذاته‪،‬‬
‫وليس جمرد وسيلة؛ فجميع الكائنات احلية متتلك قيمة متأصلة يف ذاهتا‪.‬‬
‫وقد حدد «تايلور» ثالثة مبادئ متوس��طة املدى ينبغي التميي��ز بينها وف ًقا لنوع املوضوع‬
‫األخالقي الذي يتم انتهاك خصوصيته‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪-1‬أن انته��اك القواعد الس��ابقة يوقع ظلماً عىل الكائنات الفردي��ة‪ ،‬أو عىل نوع ما‪ ،‬أو عىل‬
‫جمتم��ع بأكمله‪ ،‬وه��ذا االنتهاك يع��د فعلاً خاط ًئا؛ ألن��ه يتضمن إحلاق أذى بالس��كان‬
‫أو املجتمع عن طريق إحلاق الرضر بالكائنات احلية‪ ،‬ويرتتب عىل هذا خفض مستوى‬
‫رفاهية السكان أو املجتمع ككل‪.‬‬
‫‪-2‬إذا تعرض��ت الكائنات احلية لألذى فقط‪ ،‬ومل يتم قتلها؛ ف��إن مبدأ العدالة التعويضية‬
‫يتطل��ب أن يقوم الفاعل بج�بر الرضر عن طريق إعادة تلك الكائنات إىل حالة متكنها‬
‫من حتقيق مصلحها كام كانت تفعل قبل أن يتم التعدي عليها‪ ،‬وإذا مل يكن هذا ممكنا‬
‫بش��كل كامل‪ ،‬فيجب عىل الفاعل أن يزيد من فائ��دة الكائنات احلية بطريقة أخرى‪،‬‬
‫عن طريق جعل بيئتها الطبيعية أكرث مالءمة لرفاهية مستمرة‪.‬‬
‫‪-5‬إذا تع��رض الكائن احلي للقتل؛ فإن مبدأ العدالة التعويضية ينص يف هذه احلالة عىل أن‬
‫الفاع��ل ُيدان بيشء من التعوي��ض ملجتمع األنواع أو جمتمع احلي��اة الذي كان الكائن‬
‫عضوا في��ه‪ ،‬وس��يتألف التعويض يف هذه احلال��ة من تعزيز ومحاي��ة خري جمتمع‬
‫ً‬ ‫احل��ي‬
‫األنواع أو جمتمع احلياة املعين)‪.(2‬‬
‫ُتس��تنبط ه��ذه املبادئ من قاعدة العدال��ة التعويضية؛ أي إن الفاعل الذي يتس��بب يف رش‬
‫لكائن حي ُمدان بواجب جرب رضره وحتقيق خريه‪ ،‬وهذا يؤدي إىل قاعدة أخرى‪ ،‬تتمثل يف أنه‪:‬‬

‫جدا‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد سعيد طنطاوي‪ ،‬مراجعة‪ :‬ضياء‬ ‫((( دجيراتسيا‪ ،‬ديفيد‪ :‬حقوق احليوان؛ مقدمة صغرية ًّ‬
‫وراد‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪ ،‬القاهرة‪2012 ،‬م‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫َّ‬
‫‪(2) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, pp.160-161.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪254‬‬

‫«كلام زاد ال�ضرر‪ ،‬زادت قيمة املنفعة املطلوبة للوفاء هبا بوصفها التزا ًما أخالق ًّيا»)‪ .(1‬وتنش��أ‬
‫أساس��ا للعدالة التعويضية‪،‬‬
‫ه��ذه االلتزامات نتيج��ة الرتكاب ظلم أو إثم أو اعت��داء بوصفها ً‬
‫ونكتسبها عندما تكون نتيجة ألفعال معينة نقوم هبا طواعية كام يقول «دانيال بوت»)‪.(2‬‬

‫)‪(3‬‬
‫المحور الرابع‪ :‬المبادئ األخالقية ذات األولوية‬

‫حدد «تايلور» مخس��ة مب��ادئ ذات أولوية حلل الرصاعات الناش��ئة ع��ن رصاع املصالح‬
‫بني الكائنات البرشية وغري البرشية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬مبدأ الدفاع عن النفس ‪.The Principle of Self-defense‬‬
‫‪ -2‬مبدأ التناسب ‪.The Principle of Proportionality‬‬
‫‪ -3‬مبدأ احلد األدىن من اخلطأ ‪.The Principle of Minimum Wrong‬‬
‫‪ -4‬مبدأ العدالة التوزيعية ‪.The Principle of Distributive Justice‬‬
‫‪ -5‬مبدأ العدالة التعويضية ‪.The Principle of Restitutive Justice‬‬
‫وفيام ييل عرض تفصييل هلذه املبادئ عىل النحو اآليت‪:‬‬

‫‪ -1‬مبدأ الدفاع عن النفس‪:‬‬

‫�ل الدف��اع عن النف��س ح ًقا من احلق��وق األخالقية األصيل��ة‪ ،‬وهو جييز للم��رء الدفاع‬
‫ميث� ُ‬
‫عن نفس��ه بقتل الش��خص املعتدي‪ ،‬رشيطة أن يكون ذلك رضور ًيا إلنق��اذ حياته اخلاصة)‪.(4‬‬
‫الشخص املعتدي بري ًئا؟ وهذا ما تم‬
‫ُ‬ ‫كبريا بني الفالسفة‪ ،‬فامذا لو كان‬
‫ً‬ ‫وقد أثار هذا األمر جدلاً‬
‫إثارته يف أعامل كل من «جورج فليترش» ‪1939( George Fletcher‬م‪ ،)-‬وفيلس��وفة األخالق‬

‫‪(1) Ibid, p.162.‬‬


‫‪(2) Butt, Daniel: On Benefiting from Injustice, Canadian Journal of Philosophy, Vol.37, No.1,‬‬
‫‪(Mar., 2007), p.129.‬‬
‫((( تعين كلمة األولوية أن كل مبدأ من هذه املبادئ اخلمسة ُملزم لنا‪ ،‬ويف الوقت نفسه ميكن جتاوزه مببدأ آخر‬
‫أسمى منه‪ ،‬مثل الواجبات ظاهرة الصدق عند السري «وليم ديفيد روس»‪.‬‬
‫‪(4) Benbaji, Yitzhak: Culpable Bystanders, Innocent Threats and the Ethics of Self-Defense,‬‬
‫‪Canadian Journal of Philosophy, Vol.35, No.4, (Dec., 2005), p.586.‬‬
‫‪255‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫األمريكية «جوديث تومس��ون)‪1929( Judith Thomson »(1‬م‪ )-‬خاصة يف مقالتها الش��هرية‬


‫«الدف��اع ع��ن النفس» التي نرشت ع��ام ‪1991‬م)‪ .(2‬فكام يقول «ريتش��ارد ميلر» ‪Richard B.‬‬
‫‪« :Miller‬إذا كان للمرء احلق يف الدفاع عن نفسه من العنف‪ ،‬فينبغي أن نسأل عام إذا كان هذا‬
‫متعمدا؟»)‪.(3‬‬
‫ً‬ ‫العنف أو التهديد عن طريق اخلطأ أو عرض ًيا أو‬
‫إال أن معظ��م املناقش��ات ع�لى هذا املبدأ كانت هتدف إىل مس��اواة الب�شر جن ًبا إىل جنب‬
‫يف حقه��م يف احلي��اة‪ ،‬ومل يتطرق��وا إىل مس��ألة محاية النفس اإلنس��انية من احليوان��ات الضارة‪،‬‬
‫وه��ذا م��ا تط��رق إلي��ه «تايل��ور» يف مع��رض حديث��ه عن مب��دأ الدف��اع ع��ن النف��س‪ ،‬قائلاً ‪:‬‬
‫«جيوز للفاعلني األخالقيني محاية أنفس��هم من الكائنات الضارة عن طريق تدمريها أو إبادهتا‪،‬‬
‫ولكن هذا ال حيدث إال يف حالة عدم اس��تطاعة الفاعلني األخالقيني اس��تخدام وس��يلة معقولة‬
‫جتنبهم التعرض هلذه الكائنات‪ ،‬وال ميكن منعها من إحلاق أرضار جسيمة هبم»)‪.(4‬‬
‫ثم يضيف «تايلور» ثالث قواعد لتطبيق هذا املبدأ‪ ،‬عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫أولاً ‪ :‬عدم الس�ماح باستخدام أي وسيلة من وس��ائل احلامية الذاتية‪ ،‬إال تلك الوسائل التي‬
‫ستؤدي إىل أقل قدر من الرضر للكائنات احلية‪.‬‬
‫ثان ًي��ا‪ :‬ينبغي أال يكون هناك بديل آخر مت��اح يعرف بأنه فعال بنفس القدر‪ ،‬مبعىن اختيار‬
‫البديل الذي يؤدي إىل أقل قدر من الرضر بالكائنات املهامجة‪.‬‬

‫((( «جوديث جارفيس تومسون»‪ :‬فيلسوفة أمريكية معارصة‪ ،‬ولدت يف مدينة نيويورك‪ ،‬حصلت عىل‬
‫البكالوريوس من كلية بارنارد عام ‪1950‬م‪ ،‬كام حصلت عىل درجة املاجستري من جامعة كامربدج عام‬
‫‪1956‬م‪ ،‬ودرجة الدكتوراه يف الفلسفة من جامعة «كولومبيا» عام ‪1959‬م‪ ،‬وقد تنوعت اهتامماهتا الفلسفية‪،‬‬
‫لكنها ركزت عىل فلسفة األخالق وامليتافيزيقا‪ .‬ومن أهم أعامهلا الفلسفية‪« :‬احلقوق‪ ،‬والتعويضات‪،‬‬
‫واملخاطر» عام ‪1986‬م‪ ،‬و«الدفاع عن النفس» عام ‪1991‬م‪ ،‬و«االنتحار مبساعدة الطبيب؛ حجتان‬
‫أخالقيتان» عام ‪1999‬م‪ ،‬و«الواقعية اخللقية واملوضوعية اخللقية» عام ‪1996‬م‪ ،‬و«احلق واخلري» عام‬
‫‪1997‬م‪ ،‬و«اخلريية والنصيحة» عام ‪2001‬م‪ ،‬و«مملكة احلقوق» عام ‪1990‬م‪.‬‬
‫‪See: Shook, R. John (Ed and Others): Op.Cit, Vol.4, pp.2409-2412.‬‬
‫‪(2) See: Thomson, T. Judith: Self-Defense, Philosophy & Public Affairs, Vol.20, No.4, (Autumn.,‬‬
‫‪1991), Wiley, 1991, pp.283-310.‬‬
‫‪(3) Miller, B. Richard: Killing, Self Defense, and Bad Luck, The Journal of Religious Ethics,‬‬
‫‪Vol.37, No.1, (Mar., 2009), Blackwell Publishing Ltd, 2009, p.132.‬‬
‫‪(4) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, pp.264-265.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪256‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬عدم الس�ماح باألفعال الت��ي تنطوي عىل تدمري الكائنات احلية‪ ،‬عندما تس��عى هذه‬
‫أشخاصا)‪.(1‬‬
‫ً‬ ‫األفعال إىل تعزيز املصالح والقيم لدى الفاعلني األخالقيني بوصفهم‬
‫وقد أش��ار «أرسطو» إىل النقطة األوىل قائلاً ‪« :‬إن الرضر األصغر مبوازاته بالرضر األكرب‬
‫ميكن أن يعترب نف ًعا‪ ،‬والرضر األصغر مفضل عىل الرضر األكرب وما هو حمل للتفضيل‪ ،‬إمنا هو‬
‫دائم النفع‪ ،‬وكلام كان اليشء مفضلاً ‪ ،‬كان النفع أكرب»)‪.(2‬‬
‫كذلك يش�ير «تايلور» إىل أن مبدأ الدفاع عن النفس يف أخالق اإليكولوجية وثيق الصلة‬
‫مبب��دأ الدف��اع عن النفس يف جمال األخالق اإلنس��انية‪« :‬فإذا كان لدينا ح��ق أخالقي يف احلياة‪،‬‬
‫ف��إن ذل��ك يعين أنن��ا منتلك ح ًق��ا أخالق ًّيا حلامية أنفس��نا ‪ -‬بوس��ائل قوية إذا لزم األم��ر‪ -‬عندما‬
‫تتعرض حياتنا للتهديد من جانب اآلخرين‪ ،‬ولكن هذا ال يعين أنه مسموح لنا باستخدام القوة‬
‫ضد اآلخرين ملجرد تعزيز أهدافنا وقيمنا اخلاصة»)‪.(3‬‬
‫جتدر اإلش��ارة هنا إىل تفرقة «جوديث تومسون» بني ثالثة ٍ‬
‫معان للشخص املعتدي‪ ،‬حيث‬
‫هن��اك املعت��دي اخلس��يس «ال��دينء» ‪ ،Villainous Aggressor‬واملعت��دي البغي��ض ‪Innocent‬‬
‫‪ ،Aggressor‬والتهديد الربيء «الساذج» ‪Innocent Threat‬؛ فاألول هو الشخص الذي يتعمد‬
‫إحلاق الرضر باآلخرين وقتلهم بشكل مبارش‪ ،‬والثاين هو الشخص الذي ال يتعمد إحلاق األذى‬
‫باآلخري��ن‪ ،‬أما التهدي��د الربيء فهو الذي ي��أيت من خالل خطأ غري مقصود من ش��خص خمتل‬
‫عقل ًي��ا)‪ .(4‬وهذه التفرقة تتوقف ع�لى درجة الفعل ونوعيته‪ ،‬ويف مجيع احلاالت تس��توجب حق‬
‫الدفاع عن النفس ولكن مبقادير خمتلفة‪.‬‬
‫يع�ترض «تايلور» عىل موقف «جوديث» قائلاً ‪« :‬حتى لو كان الش��خص املعتدي إنس��ا ًنا‬
‫�اذجا‪ -‬كام هو احلال عندما يكون الرجل خمتلاً عقل ًيا‪ ،‬فمن حقنا‬
‫بري ًئا ‪ -‬خال ًيا من الس��وء أو س� ً‬
‫أن نحمي أنفس��نا ضده إىل حد قتله‪ ،‬إذ مل يكن هناك س��بيل آخر لتجنب قتل أنفس��نا أو قتله‪،‬‬
‫ساذجا ال تبطل املبدأ بشكل أخالقي»)‪.(5‬‬
‫ً‬ ‫وحقيقة أن املعتدي يكون بري ًئا أو‬

‫‪(1) Ibid, p.265.‬‬


‫((( أرسطوطاليس‪ :‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫‪(3) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, p.265.‬‬
‫‪(4) Thomson, T. Judith: Self-Defense, Op.Cit, pp.283-289.‬‬
‫‪(5) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, pp.265-266.‬‬
‫‪257‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫يستند مبدأ الدفاع عن النفس عند «تايلور» إىل ثالث نقاط أساسية‪ ،‬هي‪:‬‬
‫أولاً ‪ :‬ال ي�برر ه��ذا املبدأ إيذاء املخلوقات التي ال ترض بنا‪ ،‬إال إذا كان ذلك رضورة عملية‬
‫ناشئة عن حالة ال ميكننا فيها فصل الكائنات غري الضارة عن الكائنات الضارة التي ندافع عنها‬
‫ضد أنفسنا‪.‬‬
‫ثان ًي��ا‪ :‬ال جيي��ز هذا املبدأ للفاعل�ين األخالقيني تعزيز مصالح أي كائن حي عىل حس��اب‬
‫وحتديدا ال يعطي للبرش ميزة أو أفضلية‬
‫ً‬ ‫كائن آخر عىل أس��اس مس��ألة االنتامء إىل نوع معني‪،‬‬
‫إال عىل أس��اس إنس��انيتهم‪ .‬كام ي��رى «تايل��ور» أن املس��اواة يف القيمة املتأصلة ب�ين املعتدي‬
‫واملدافع عن نفس��ه يف جمال األخالق اإلنس��انية ميكن أن تصبح مبدأً كل ًيا‪ ،‬وصيغتها عىل النحو‬
‫اآليت‪( :‬إذا كان من املناس��ب لـ «أ» القيام ب��ـ «ب» إىل «س»‪ ،‬فهو حق لـ «س» القيام بـ «ب»‬
‫إىل «أ»)‪ ،‬أي أنه يتضمن قيمة متس��اوية بني الفاعل واملوضوع‪ ،‬ألي ش��خص يف دور املوضوع‬
‫وأي ش��خص يف دور الفاعل‪ ،‬دون تغيري يف قابلية أفعال الدفاع عن النفس‪ ،‬إال أن هذه الفكرة‬
‫غ�ير قابلة للتطبي��ق يف جمال األخ�لاق اإليكولوجية؛ ألن احليوان��ات والنباتات ليس��ت ف ِ‬
‫َاعلة‬
‫أخالق ًّيا‪ ،‬عىل الرغم من كوهنا ميكن أن تكون يف موقف املوضوعات األخالقية‪ ،‬فام تفعله ليس‬
‫صحيحا أو خاط ًئا‪ ،‬ألن أنشطتها ليست من ضمن نطاق املعايري أو القواعد األخالقية)‪.(1‬‬
‫ً‬
‫ثال ًث��ا‪ :‬ع��دم إمكانية جتن��ب األفعال املتخذة مبوج��ب هذا املبدأ‪ ،‬فمث�ًل�اً يف جمال األخالق‬
‫اإلنسانية جيوز لنا استخدام القوة ضد اآلخرين للدفاع عن أنفسنا‪ ،‬فقط عندما ال ميكن جتنب‬
‫هج��وم املعتدي‪ ،‬أو اهلروب من املوقف؛ فإذا كان هناك ش��خص م��ا هيددنا وميكننا أن نخرج‬
‫بأم��ان من هذا املوقف‪ ،‬فعلين��ا أن نفعل ذلك‪ .‬أ ًّما عالقتنا بالكائنات غري البرشية‪ ،‬فينبغي علينا‬
‫أن نب��ذل كل جه��د معقول؛ لتجن��ب املواقف التي حيتم��ل أن نترضر فيها م��ن الكائنات غري‬
‫البرشي��ة)‪ .(2‬يق��ول «تايلور»‪« :‬إن قتل الكائنات غري البرشي��ة‪ ،‬أو إحلاق الرضر هبا‪ ،‬هو ً‬
‫دامئا‬
‫يشء يسء أخالق ًّيا‪ ،‬وال ميكن تربيره‪ ،‬إال إذا مل نكن منتلك بديلاً آخر‪ ،‬ويف الوقت نفس��ه جيب‬
‫أن يكون لدينا س��بب أخالقي صالح وذو ثقل للتغلب عىل الس��بب ظاهر الصدق لعدم القيام‬
‫بذلك»)‪.(3‬‬

‫‪(1) Ibid, pp.267-268.‬‬


‫‪(2) Ibid, p.268.‬‬
‫‪(3) Ibid, p.269.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪258‬‬

‫لكن‪ ،‬هل فعل قتل احليوان أو النبات أو إحلاق الرضر به مربر بالطريقة بنفسها التي تربر‬
‫قتل اإلنس��ان أو إحلاق الرضر به؟ يجُ يب «تايلور» قائلاً ‪« :‬إن ما يربر فعل قتل حيوان أو نبات‬
‫أو إحل��اق الرضر به قد يكون س��ب ًبا لنوع خمتلف متا ًما عن ذلك الذي يربر قتل حياة إنس��ان أو‬
‫إحل��اق الرضر به»‪ .‬وهذا يثري مش��كلة أخرى‪ ،‬تكمن يف كيفية حل الن��زاع بني البرش واحلياة‬
‫أمرا خاط ًئا متا ًما‪ ،‬مثل قتل اإلنسان‪.‬‬
‫الربية‪ ،‬فمثلاً ‪ :‬فعل قطع الزهور الربية هو يف حد ذاته يعد ً‬
‫كبريا؟ يف هذا الس��ياق يجُ ي��ب «تايلور» قائ�ًل�اً ‪« :‬إن هذا يتوقف عىل‬
‫لك��ن ه��ل يعد هذا خطأ ً‬
‫ظ��روف بعض احلاالت‪ ،‬فقد يكون فع��ل قطع الزهور الربية أكرب خطأ مم��ا هو عليه يف حالة‬
‫أخرى‪ ،‬مثل قتل اإلنس��ان‪ ،‬فمثلاً قد يس��تحق املرء اللوم عندما يدوس زهرة برية نادرة ومهددة‬
‫باالنق��راض دون س��بب وجيه‪ ،‬أكرث من قتله ش��خص آخر للدفاع عن نفس��ه‪ ،‬وكالمها فعالن‬
‫متعمدا ليشء‬
‫ً‬ ‫تدمريا‬
‫ً‬ ‫حد س��واء من الناحية األخالقية‪ ،‬لكن الفعل األول يتضمن‬ ‫خاطئان عىل ًّ‬
‫�تنكارا واس��تهجا ًنا من الفعل الثاين‪ ،‬رشيطة أن ُيفهم‬
‫ً‬ ‫يف احلياة الربية؛ لذلك يعد فعلاً أكرث اس�‬
‫الفعل الثاين بأنه فعل من أفعال الدفاع عن النفس)‪.(1‬‬

‫‪ -2‬مبدأ التناسب‪:‬‬

‫عديد من الفالس��فة مبدأ التناس��ب بش��كل واضح يف «أخالقيات احلرب العادلة»‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫ناقش‬
‫أمث��ال‪« :‬ماي��كل وال��زر» ‪1935( Michael Walzer‬م‪ )-‬و«جيم��س جونس��ون» ‪James T.‬‬
‫‪1938( Johnson‬م‪ ،)-‬ويقصد به أن الفعل له ما يربره فقط‪ ،‬إذا كان الرضر الذي يس��ببه ليس‬
‫مفرطًا‪ ،‬وأضاف «جونس��ون» فكرة أن مبدأ التناس��ب يتطلب فكرة اخلري الكيل يف مقابل الرش‬
‫الكيل الذي تسببه احلرب)‪.(2‬‬
‫أ َّم��ا مبدأ التناس��ب يف األخالق اإليكولوجية فيطبق يف حالة ن��زاع املصالح ‪ Interests‬بني‬
‫الكائنات البرشية والكائنات غري البرشية‪ ،‬ويستخدم «تايلور» مصطلح املصالح لإلشارة إىل‬
‫األش��ياء أو األح��داث التي تعمل عىل احلفاظ عىل الكائنات احلي��ة ومحايتها وتعزيز خريها)‪.(3‬‬

‫‪(1) Taylor, W. Paul: In Defense of Biocentrism, In: «Environmental Ethics», by ed; Eugenc C.‬‬
‫‪Hargrove,Vol.5, No.3, Environmental Philosophy, Inc. The University of Georgia, Athens,‬‬
‫‪1983, pp.242-243.‬‬
‫‪(2) Hurka, Thomas: Proportionality in The Morality of War, Philosophy & Public Affairs, Vol.33,‬‬
‫‪No.1, (Winter., 2005), Wiley, 2005, pp.34-39.‬‬
‫‪(3) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, p.270.‬‬
‫‪259‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫ويش�ير قائلاً ‪« :‬س��أحتدث عن مصالح الكائنات احلية دون النظر عام إذا كانت تش��عر باملتعة‬
‫أو األمل‪ ،‬لدهي��ا رغب��ة واعي��ة أو ال‪ ،‬لدهي��ا غاي��ة أو ال‪ ،‬لدهيا أهداف أو ال‪ ،‬تع��ي ما حيدث هلا‬
‫أو ال»)‪.(1‬‬
‫ومييز «تايلور» بني نوعني من املصالح‪ ،‬مها‪ :‬املصالح األساس��ية واملصالح غري األساسية‪:‬‬
‫�خاصا‪،‬‬
‫جزءا أساس � ًّيا من وجودنا بوصفنا أش� ً‬
‫يقصد باملصالح األساس��ية هي األش��ياء التي متثل ً‬
‫حي��ث يقول‪« :‬في�ما يتعلق بالب�شر‪ ،‬فإن املصالح األساس��ية هي م��ا يعنيه الن��اس العقالنيون‬
‫�زءا أساس � ًيا م��ن وجوده��م كأش��خاص‪،‬‬
‫واملس��تنريون م��ن الناحي��ة الواقعي��ة باعتباره��ا ج� ً‬
‫وه��ي ما حيتاجونه ليك يصبحوا قادرين عىل حتقيق األه��داف والغايات التي جتعل احلياة ذات‬
‫مغزى وجديرة باالهتامم‪ ،‬رشيطة أن تكون لدهيم رشعية أخالقية للوفاء هبذا احلق»)‪.(2‬‬
‫وق��د حدد «تايل��ور» احلقوق األساس��ية لألفراد عىل النح��و اآليت‪ :‬حق األم��ن ‪Security‬‬
‫‪ ،Right‬وح��ق احلري��ة ‪ ،Liberty Rights‬وح��ق اس��تقالل ال��ذات ‪ ،Autonomy Right‬وحق‬
‫اإلعاشة «الكفاف» ‪ ،Subsistence Right‬وبإجياز‪:‬‬
‫أ ‪-‬حق األمن‪ :‬هو حق كل فرد يف احلامية من القتل أو االغتصاب أو االعتداء أو التعذيب‬
‫أو أي نوع من أنواع اإلساءة اجلسدية املبارشة‪.‬‬
‫ب‪-‬ح��ق احلري��ة‪ :‬هو حق كل ش��خص يف أال يعوق��ه اآلخرون يف الس��عي وراء مصاحله‬
‫الرشعية «املسموح هبا أخالق ًيا»‪ ،‬وهي تتضمن احلق يف امتالك واستخدام املمتلكات‬
‫اخلاصة‪.‬‬
‫ج‪-‬حق اس��تقالل ال��ذات‪ :‬هو احل��ق يف التطور واحلق يف ممارس��ة قدرات الف��رد لتحديد‬
‫ذات��ه‪ ،‬حيث تعين عبارة «تقرير املص�ير» ‪ Self-determination‬ترتيب أهداف املرء‬
‫وتشكيل مستقبله وف ًقا لنظام القيمة الذي خيتاره لنفسه أو ما يسمى «خطة احلياة»‪.‬‬
‫د‪-‬حق اإلعاش��ة «الكفاف»‪ :‬هو احلق يف البقاء البيولوجي واحلق يف مس��توى من الصحة‬
‫البدنية بش��كل كاف ‪-‬عىل األقل‪ -‬لتمكني املرء من السعي بفاعلية نحو حتقيق مصاحله‬

‫‪(1) Ibid, p.271.‬‬


‫‪(2) Ibid, p.272.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪260‬‬

‫الرشعية ‪ -‬ويس��مى احلق يف احلياة)‪ .(1‬وهذا يعين‪ ،‬أن املصالح األساس��ية «الرضورية»‬
‫ه��ي نفس��ها للجمي��ع؛ لذلك ف��إن حقوق اإلنس��ان تص��ل بنا إىل حتقي��ق القي��م الكلية‬
‫أشخاصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫أو اخلريات األولية‪ ،‬وهي حقوق منتلكها مجي ًعا بوصفنا‬
‫أ َّم��ا املصالح غري األساس��ية‪ ،‬فهي الغاي��ات املحددة اجلزئية اخلاصة التي نعتربها تس��تحق‬
‫البحث‪ ،‬والوس��ائل التي نتبعها لتحقيقها هي التي تش��كل أنظمة القي��م الفردية‪ ،‬وهذا يعين أن‬
‫املصال��ح غ�ير األساس��ية للبرش ختتلف من ش��خص إىل آخ��ر‪ ،‬يف حني أن مصاحلهم األساس��ية‬
‫مشرتكة للجميع)‪.(2‬‬
‫�ق مب��دأ التناس��ب عىل نوعني خمتلف�ين من الرصاع��ات؛ النوع األول‪ :‬احل��االت التي‬
‫ينطب� ُ‬
‫تتعارض فيها املصالح األساسية للحيوانات والنباتات مع املصالح غري األساسية للبرش‪ ،‬والنوع‬
‫الث��اين‪ :‬احلاالت التي تتعارض املصالح غري األساس��ية للبرش مع املصالح األساس��ية للحيوانات‬
‫والنبات��ات‪ ،‬وم��ن أجل التفرق��ة بني هذه األنواع جي��ب علينا أن ننظر يف الط��رق املختلفة التي‬
‫تربط املصالح غري األساسية للبرش مبواقف احرتام الطبيعة‪.‬‬
‫أولاً ‪ :‬هناك مصالح إنسانية غري أساسية تتناىف جوهر ًّيا مع موقف احرتام الطبيعة‪ ،‬والسعي‬
‫وراء هذه املصالح ينبغي أن يتخىل عنه أي شخص حيرتم الطبيعة؛ ألن األفعال واملقاصد املتضمنة‬
‫يف إرضائه��ا تعرب مب��ارشة عن موقف اس��تغاليل ‪ exploitative‬جتاه الطبيع��ة‪ ،‬ومثل هذا املوقف‬
‫أيضا ينكر القيمة املتأصلة للحيوانات‬
‫ال يتعارض مع موقف احرتام الطبيعة فحس��ب؛ ولكن��ه ً‬
‫والنباتات يف النظم اإليكولوجية الطبيعية‪ ،‬ومن األمثلة عىل ذلك‪:‬‬
‫أ ‪-‬ذب��ح األفيال الصغرية من أج��ل احلصول عىل أنياهبا؛ الس��تخدامها يف النق��ش؛ للتجارة‬
‫السياحية‪.‬‬
‫ب‪-‬قتل وحيد قرن الستخدام قرونه كمقابض خنجر‪.‬‬
‫ج‪-‬انتقاء الزهور الربية النادرة‪.‬‬
‫د‪ -‬القبض عىل الطيور االستوائية واستخدامها للبيع يف أقفاص‪.‬‬

‫‪(1) Taylor, W. Paul: Inherent Value and Moral Rights, The Monist, Vol.70, No.1, (January.,‬‬
‫‪1987), Oxford University Press, 1987, p.26.‬‬
‫‪(2) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, p.273.‬‬
‫‪261‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫هـ‪-‬حمارصة الزواحف وقتلها؛ الستخدام جلودها وصدفها يف صنع األحذية باهظة الثمن‪،‬‬
‫وحقائب األيدي وغريها من منتجات األزياء‪.‬‬
‫و‪-‬قت��ل الثدييات الربية النادرة وصيده��ا‪ ،‬مثل‪ :‬النمور والياغورا والفه��ود لتجارة الفراء‬
‫الفاخرة‪.‬‬
‫ز‪ -‬كل أنواع الصيد التي تتم من أجل اهلواية أو التسلية)‪.(1‬‬
‫كل ه��ذه األمثلة تعرب عن موقف اس��تغاليل جتاه الطبيعة؛ ألهنا تعام��ل املخلوقات الربية‬
‫ع�لى أهن��ا جمرد أدوات لألغ��راض البرشي��ة؛ وبالتايل حترمها م��ن قيمتها املتأصل��ة‪ ،‬ويتم تقييم‬
‫أشياء ميكن التالعب هبا‪،‬‬
‫ً‬ ‫مصدرا للمتعة البرشية أو بوصفها‬
‫ً‬ ‫احليوانات والنباتات فقط بوصفها‬
‫واس��تخدامها لتحقيق املتعة أو اللذة البرشية)‪(2‬؛ وهذا ما يتناىف مع اس��تحقاق القيمة املتأصلة‬
‫ل��كل كيان ميتلك قيمته املتأصلة ‪-‬من وجه��ة نظر تايلور‪ ،-‬وأن من ميتلك قيمته املتأصلة ميتلك‬
‫خريه‪ ،‬ويس��تحق النظر واالهت�مام األخالقي من ِقبل الفاعلني األخالقي�ين‪ ،‬وأن حتقيق خريها‬
‫هو يشء ينبغي الرتويج له ومحايته بوصفه غاية يف حد ذاته)‪.(3‬‬
‫يع��ارض «رينه ديكارت» ‪1650-1596( Rene Descartes‬م) هذا املوقف‪ ،‬حيث يرى أن‬
‫الكائن��ات غري البرشية جيب أن تفهم يف مصطلحات ميكانيكية بحتة‪ ،‬وال يعين هذا فحس��ب‬
‫أن احليوان��ات هي يف بعض األحيان مثل اآلالت‪ ،‬بل إهن��ا آالت‪ ،‬فهي ال ختتلف من حيث املبدأ‬
‫عن الس��اعات‪ ،‬فاحليوانات كائن��ات مادية بحتة وخالية من الوع��ي‪ ،‬بالرغم من ذلك مل ينكر‬
‫إحساسا أو ما نطلق عليه حساسية ‪Sensitivity‬؛ ألن احليوانات‬
‫ً‬ ‫«ديكارت» أن احليوانات متتلك‬
‫متلك معدات حسية تتيح هلا االستجابة بشكل مناسب لبيئتها الطبيعية)‪.(4‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬هناك نوع آخر من املصالح غري األساسية للبرش ال تستخدم فيها احليوانات والنباتات‬
‫الربية بوصفها وسيلة لتحقيق أهداف أو غايات معينة‪ ،‬ولكن نتائج تلك األفعال تلحق الرضر‬
‫بالكائنات الربية‪ ،‬ومن األمثلة عىل ذلك‪:‬‬
‫أ ‪ -‬بناء متحف فين أو مكتبة يف أماكن املوائل الطبيعية‪.‬‬

‫‪(1) Ibid, pp.273-274.‬‬


‫‪(2) Ibid, pp.274-276.‬‬
‫‪(3) Taylor, W. Paul: Are Humans Superior to Animals and Plans?, Op.Cit, p,151.‬‬
‫‪(4) Taylor, Angus: Op.Cit, p.38.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪262‬‬

‫ب‪-‬إنش��اء مطار أو سكة حديدية أو ميناء أو طريق رسيع ينطوي عىل اضطراب خطري‬
‫يف النظام البيئي الطبيعي‪.‬‬

‫سد هنر حر متدفق؛ لصالح مرشوع الطاقة الكهرومائية‪.‬‬


‫ج‪َ -‬‬
‫د‪ -‬استخدام املناظر الطبيعية والغابات الطبيعية يف إنشاء حديقة عامة)‪.(1‬‬

‫ولك��ن هل ميك��ن بالفعل التخيل عن مثل هذه األنش��طة؟ يرى «تايل��ور» قائلاً ‪« :‬إن ذلك‬
‫يتوقف عىل القيمة التي يضعوهنا عىل املصالح املختلفة التي جيب تعزيزها‪ ،‬وهذا يعتمد بدوره‬
‫رضرا‬
‫ً‬ ‫عىل نظم القيم الكلية لألش��خاص‪ ،‬وعىل البدائل املتاحة‪ ،‬خاص��ة إذا تم إجياد بدائل أقل‬
‫بالبيئة‪ ،‬وعىل إمكانية استيفاء بعض هذه املصالح أو كلها بطريقة أخرى»)‪.(2‬‬

‫يتض��ح مم��ا س��بق‪ :‬أولاً ‪ :‬هناك مصال��ح تعرب مب��ارشة عن موقف اس��تغاليل جت��اه الطبيعة‪،‬‬
‫وأن األفعال املتخذة لتلبية هذه املصالح تتنايف جوهر ًّيا مع موقف احرتام الطبيعة‪ .‬وثان ًيا‪ :‬هناك‬
‫كثري من الظروف العملية‬ ‫مصالح ال متثل يف حد ذاهتا موق ًفا اس��تغالل ًّيا جت��اه الطبيعة‪ ،‬ولكن يف ٍ‬
‫الوسائل املتخذة إلرضاء تلك املصالح تحُ دث ً‬
‫أثارا كارثية يف العامل الطبيعي‪ ،‬وعىل أولئك الذين‬
‫حيرتم��ون الطبيع��ة جتنبها كلام أمكن ذلك‪ .‬وعىل هذا‪ ،‬فإن الفكرة األساس��ية ملبدأ التناس��ب ‪-‬‬
‫كام يشري «تايلور»‪ -‬تنص عىل‪« :‬يف حالة الرصاع بني القيم اإلنسانية وخري احليوانات والنباتات‬
‫الربي��ة غري الضارة‪ ،‬ينبغي إعطاء وزن أكرب للمصالح األساس��ية عىل املصالح غري األساس��ية‪،‬‬
‫دون النظر إىل النوع‪ ،‬س��واء أكان برش ًيا أم غري برشي‪ ،‬وال جييز هذا املبدأ الس�ماح للمصالح‬
‫غري األساس��ية بتجاوز املصالح األساس��ية حتى لو كانت املصالح غري األساس��ية هي مصالح‬
‫البرش‪ ،‬واملصالح األساسية هي مصالح احليوانات والنباتات»)‪.(3‬‬

‫‪ -3‬مبدأ الحد األدنى من الخطأ‪:‬‬

‫ينص مبدأ احلد األدىن من اخلطأ عىل أنه‪« :‬عندما يكون األشخاص العقالنيون واملستنريون‬
‫واملس��تقلون ذات ًيا‪ ،‬الذين قد اعتمدوا موقف احرتام الطبيعة؛ غري مس��تعدين للتخيل عن نوعي‬

‫‪(1) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, pp.276-277.‬‬


‫‪(2) Ibid, p.277.‬‬
‫‪(3) Ibid, pp.277-279.‬‬
‫‪263‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫القي��م املذكورة أعاله ‪-‬القيم اجلوهرية والقيمة املتأصلة)‪ ،-*(1‬عىل الرغم من إدراكهم أن نتائج‬
‫متابع��ة تلك القيم س��تنطوي عىل رضر للحيوانات والنباتات الربي��ة؛ فال جيوز هلم متابعة تلك‬
‫القي��م إال إذا كان ذل��ك ينط��وي عىل عدد أقل من األخط��اء أو االنتهاكات م��ن خالل البحث‬
‫عن طرق بديلة»)‪.(2‬‬
‫يتضمن هذا املبدأ جمموعة من الرشوط‪ ،‬ليك يتم تطبيقه‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪-1‬عندما تكون حالة الرصاع بني املصالح األساسية للحيوانات والنباتات يف حالة منافسة‬
‫‪-‬ال ميكن جتنبها‪ -‬مع املصالح غري األساسية للبرش‪.‬‬
‫‪-2‬املصالح البرشية غري األساسية ال تتفق جوهر ًيا مع موقف احرتام الطبيعة‪.‬‬
‫‪-3‬األفعال الالزمة للوفاء باملصالح غري األساسية للبرش ترض باملصالح األساسية للحيوانات‬
‫والنباتات‪.‬‬
‫�دا وتكون ذات معىن؛ أي عدم‬ ‫‪-4‬عندما تكون املصالح البرشية غري األساس��ية مهمة ج� ً‬
‫رغبة األشخاص العقالنيون الذين حيرتمون الطبيعة يف التخيل عن السعي نحو حتقيقها‪،‬‬
‫حتى عندما يأخذون يف االعتبار النتائج غري املرغوب فيها عىل احلياة الربية)‪.(3‬‬
‫جدا‪ ،‬لس��ببني‪ :‬أوهلام؛ ألن كلف��ة اإلرضار باحلياة الربية يكمن‬ ‫تعد النقطة األخرية مهمة ً‬
‫يف ال��دور ال��ذي تعلبه ه��ذه املصالح يف النظرة الكلي��ة للحياة املتحرضة‪ .‬وثانيه�ما؛ ألن القيمة‬
‫اخلاصة املمنوحة هلذه املصالح تنبع من املكانة املركزية التي حتتلها يف التصور العقالين للناس‬
‫م��ن خريهم احلقيق��ي اخلاص‪ .‬الس��بب األول يتعلق باجلان��ب الثقايف واالجتامع��ي وعىل وجه‬
‫التحديد أمهية مس��امهته يف تطور احلضارة اإلنس��انية‪ ،‬أ َّما الس��بب الثاين فيتعل��ق برؤية الفرد‬
‫لنوع احلياة التي تستحق أن حيياها‪ ،‬وف ًقا لظروفه وقدراته)‪.(4‬‬

‫(*) يفرق «تايلور» بني نوعني من القيم‪ ،‬القيمة املتأصلة ويقصد هبا قيمة الوجود أو احلياة‪ ،‬وهي قيمة متتلكها‬
‫وتشرتك فيها مجيع الكائنات احلية دون استثناء‪ ،‬والقيمة اجلوهرية ويقصد هبا جمموعة اخلصائص والسامت‬
‫التي تساعد اإلنسان من أجل حتقيق رفاهيته وسعادته‪ ،‬ميكن تسميتها قيم مساعدة‪.‬‬
‫‪(2) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, pp.282-283.‬‬
‫‪(3) Ibid, p.280.‬‬
‫‪(4) Ibid, p.281.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪264‬‬

‫يضع هذا املبدأ قيدين أخالقيني عىل السعي نحو نوعني من القيم اإلنسانية‪ ،‬مها‪:‬‬
‫القي��د األول‪ :‬أن مؤسس��ات وممارس��ات املجتمع املحيل ه��ي التي ت��ؤدي إىل أقل األخطاء‬
‫الت��ي حت��دث يف العامل الطبيعي‪ ،‬من خالل البحث عن طرق بديلة ميكن أن يس��تمدها املجتمع‬
‫لتحقيق الغايات االجتامعية نفس��ها‪ ،‬برشط أن تتضمن أقل عدد من حاالت اإلس��اءة إىل النظم‬
‫اإليكولوجي��ة الطبيعي��ة)‪ .(1‬فالقواع��د التوجيهي��ة داخل أي جمتم��ع تتمثل يف ف��رض متطلبات‬
‫وحتديدا أنواع األفعال التي يتعني القيام هبا من خمتلف فئات‬
‫ً‬ ‫وحمظ��ورات عىل أعضاء املجتمع‪،‬‬
‫األش��خاص يف أدوارهم املختلفة يف النظام االجتامع��ي‪ ،‬أي أهنا حتدد وتصف إجراءات صناعة‬
‫القرارات التي يتبعوهنا وجمموعة اخليارات املتاحة ملختلف فئات األشخاص يف خمتلف املواقف‬
‫والظروف)‪.(2‬‬
‫أ َّم��ا القيد الثاين‪ :‬فيش�ترط أن تكون األفع��ال التي يتخذها األفراد يف الس��عي نحو حتقيق‬
‫الغاي��ات الت��ي تقع يف صل��ب تصوراهتم العقالني��ة ملصلحته��م احلقيقية من ق َِبي��ل عدم وجود‬
‫ط��رق بديل��ة تؤدي إىل إنتاج أقل عدد من األخطاء جتاه الكائن��ات احلية الربية)‪ .(3‬ويعين هذا‪،‬‬
‫أن املب��دأ جيي��ز م��ن الناحية األخالقي��ة تعزيز بعض املصالح غري األساس��ية للبرش فحس��ب‪،‬‬
‫م��ن خالل تقليل األخطاء التي حتدث للكائنات غري البرشي��ة يف النظم اإليكولوجية الطبيعية‬
‫إىل أدىن ًّ‬
‫حد ممكن)‪.(4‬‬
‫أيضا فك��رة االختيار من البدائ��ل املتاحة ملواصل��ة مراعاة املصالح‬
‫ويف�ترض ه��ذا املبدأ ً‬
‫البرشي��ة يف حالة الرصاع مع الكائنات احلية األخرى‪ ،‬حيث يق��ول «تايلور»‪« :‬لنفرتض إذن‬
‫أن أحد الطرق البديلة للبرش ملواصلة مصاحلهم يف إحدى احلاالت من النوع الذي نحن بصدده‬
‫يف السؤال يرض بعدد معني من الكائنات احلية‪ ،‬يف حني أن هناك طريقة أخرى ملتابعة املصالح‬
‫نفس��ها تنطوي ع�لى القيام برضر أقل لعدد أقل م��ن الكائنات احلية‪ ،‬ف��إذا اخرتنا البديل األول‬
‫فس��وف نكون عىل علم بارتكاب وتنفيذ املزيد من األفع��ال اخلاطئة أكرث مما لو اخرتنا البديل‬
‫الثاين؛ ويرتتب عىل ذلك فش��ل الش��خص يف أداء واجبه جتاه الكائنات احلية األخرى؛ ألن كل‬

‫‪(1) Ibid, p.283.‬‬


‫‪(2) Taylor, W. Paul: Justice and Utility, Canadian Journal of Philosophy, Vol.1, No.3, (Mar.,‬‬
‫‪1972), p.328.‬‬
‫‪(3) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, p.283.‬‬
‫‪(4) Ibid, p.283.‬‬
‫‪265‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫كيان ‪ Entity‬يتعرض لألذى يف هذه احلالة يعامل عىل نحو غري عادل ويكون الش��خص خمط ًئا؛‬
‫ألن واجب عدم اإليذاء مستحق جتاه كل كائن حي‪ ،‬ويف هذه احلالة تقيض اجلدارة األخالقية‬
‫أن إحلاق الرضر بعدد أقل من الكائنات احلية أفضل من إحلاق الرضر بعدد أكرب»)‪.(1‬‬
‫نس��تنتج مما س��بق‪ ،‬أن إحلاق الرضر بنوع من س��كان الكائنات احلية أق��ل حدة من إيذاء‬
‫املجتم��ع احليوي ككل‪ ،‬ووف ًقا للنظ��رة الكلية‪« ،‬فإن املعيار األس��اس للفعل الصحيح هو ميل‬
‫الفع��ل إىل املحافظ��ة ع�لى الس�لامة اإليكولوجي��ة يف البيئة الطبيعي��ة التي حيدث فيه��ا الفعل‪،‬‬
‫ومن هذا املنظور يبدأ املرء مع املس��لمة القائلة إن احلياة البرشية ليس��ت سوى أحد مكونات‬
‫النظام اإليكولوجي الكيل لألرض‪ ،‬وأن الس�لامة اإليكولوجية َق َّيمة يف حد ذاهتا»)‪ .(2‬ويرتتب‬
‫عىل ذلك‪ ،‬أن الدور األخالقي املناس��ب للبرش عىل األرض هو العمل بطريقة س��ليمة بيولوجيا‬
‫في�ما يتعلق بالغالف احليوي للكوك��ب‪ ،‬وأن ُينظر إليهم عىل أهنم حيتل��ون مكانة بيئية معينة؛‬
‫وبالتايل ينبغي أن ُيضبط س��لوكهم من أجل احلفاظ عىل عالقة صحية مع النظام البيئي العاملي‬
‫الذي هو جزء منه)‪.(3‬‬
‫وهذا ما أش��ار إليه «ألدو ليوبول��د» ‪1948-1887( Aldo Leopold‬م)؛ حيث يقرتح نو ًعا‬
‫م��ن املقاربة الكالنية )‪ Holistic Approach (4‬لألخالق البيئية زاعماً أن أخالق األرض ‪Land‬‬
‫‪ Ethics‬التي يدعو إليها تغيرّ دور اإلنس��ان العاقل من مس��تعمر ملجتمع األرض إىل عضو عادي‬
‫بسيط كمواطن فيه‪ ،‬وتستلزم منه احرتا ًما لألعضاء اآلخرين‪ ،‬وملجتمع األرض ككل‪ .‬والقاعدة‬
‫األخالقية الذهبية عند «ليوبولد» تقول «يكون اليشء صائ ًبا عندما مييل إىل احلفاظ عىل تكامل‬
‫املجتمع احليوي واستقراره ومجاله‪ ،‬ويكون باطلاً عندما مييل إىل االجتاه اآلخر)‪.(5‬‬
‫فاملسألة تكمن يف كيفية تصورنا للعالقة األخالقية نحو مجيع الكائنات احلية التي تشرتك‬
‫معن��ا يف الكوك��ب‪ ،‬وهذا ما أوضح��ه «تايلور» قائ�ًل�اً ‪« :‬إذا تصورنا أنفس��نا أعضاء يف كوكب‬
‫األرض‪ ،‬وليس كمستفيدين أو مستهلكني أو مستغلني أو مرشفني‪ ،‬عندئذ سنعترب مجيع أعضائها‬

‫‪(1) Ibid, p.284.‬‬


‫‪(2) Ibid, pp. 285-286.‬‬
‫‪(3) Ibid, p.286.‬‬
‫((( ورد مصطلح «املقاربة الكالنية» «‪ »Holistic Approach‬يف كتاب معني رومية «من البيئة إىل الفلسفة»‪،‬‬
‫إال أن الدراسة ترى ترمجتها بالنهج الشمويل أو الكيل‪.‬‬
‫((( رومية‪ ،‬معني‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪266‬‬

‫يس��تحقون اهتاممنا واعتبارنا‪ ،‬ولن ُينظر إىل أي يشء عىل أنه جمرد وس��يلة ملتعة ش��خص آخر‪،‬‬
‫�خصا أو موجو ًدا‬
‫وس��نعترب أن الكي��ان الذي لديه خ�ير خاص ب��ه ‪ -‬وإن مل يكن بالرضورة ش� ً‬
‫واع ًيا‪ -‬ليس جمرد يشء‪ ،‬وسنفهم حينها أن مكاننا يف العامل الطبيعي يشبه مكاهنا بشكل أساس‪،‬‬
‫فكلنا زمالء مشاركون يف النظام البيئي لكوكب واحد هو منزلنا»)‪.(1‬‬
‫ينطوي مبدأ احلد األدىن من اخلطأ عىل نوعني من االلتزامات‪ ،‬مها‪:‬‬
‫‪ -1‬اختيار البديل الذي ينطوي عىل أقل قدر من األفعال املسببة للرضر‪.‬‬
‫‪-2‬االع�تراف بأن تعاملنا م��ع النظم اإليكولوجية الطبيعية هو خط��أ ظاهر الصدق‪ ،‬وأن‬
‫يع�بر هذا االعرتاف من الناحية العملية عن قبولنا للرشط األخالقي املتمثل يف الرد عىل‬
‫املظامل التي ارتكبناها‪ ،‬كوس��يلة الس��تعادة توازن العدالة بينن��ا وبينها‪ ،‬وهذا يتضمن‬
‫بطبيع��ة احلال الوفاء مبعيار احلياد بني األنواع‪ ،‬ومن ثم تكون أفعالنا مربرة من الناحية‬
‫األخالقية)‪.(2‬‬

‫‪ -4‬مبدأ العدالة التوزيعية‪:‬‬

‫العدال��ة ه��ي إحدى الفضائل األرب��ع التي قال هبا الفالس��فة منذ الق��دم‪ ،‬وهي‪ :‬احلكمة‪،‬‬
‫والشجاعة‪ ،‬والعفة‪ ،‬والعدالة‪ .‬والعدل هو اإلنصاف‪ ،‬وهو إعطاء املرء ما له‪ ،‬وأخذ ما عليه)‪،(3‬‬
‫وهو االعتدال واالستقامة وامليل إىل احلق)‪ ،(4‬واالعتدال هو توسيط بني حالني يف كم أو كيف‬
‫أو تناسب)‪.(5‬‬
‫ولكن‪ ،‬كيف يتم التوزيع العادل؟ هناك إجابتان عن هذا الس��ؤال‪ :‬أوهلام؛ حسب أولوية‬
‫اجل��دارة ‪ ،Merit Priority‬أي أن (أ) أج��در باالس��تحقاق م��ن (ب) بس��بب مؤهالت��ه العقلية‬
‫واملادية ‪ -‬االش��تامل عىل صفات معينة‪ .-‬وثانيهام حس��ب أولوية احلاجة ‪ Need Priority‬دون‬

‫‪(1) Taylor, W. Paul: Frankena on Environmental Ethics, The Monist, Vol.64, No.3, (July., 1981),‬‬
‫‪Oxford University Press, 1981, p.324.‬‬
‫‪(2) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, pp.286-287.‬‬
‫((( مدكور‪ ،‬إبراهيم (املحرر)‪ :‬املعجم الوجيز‪ ،‬جممع اللغة العربية‪ ،‬وزارة الرتبية والتعليم (طبعة خاصة)‪،‬‬
‫القاهرة‪1994 ،‬م‪ ،‬ص ‪.409‬‬
‫((( وهبه‪ ،‬مراد‪ :‬املعجم الفلسفي‪ ،‬دار قباء احلديثة للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪2007 ،‬م‪ ،‬ص ‪.411‬‬
‫((( مدكور‪ ،‬إبراهيم (املحرر)‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.409‬‬
‫‪267‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫النظ��ر إىل أي مؤه�لات عقلي��ة أو مادية؛ فه��ذان معي��اران توزيعيان متمي��زان حيكامن مجيع‬
‫االقتصادي��ات البرشية‪ ،‬أحدمها يتمثل يف قاعدة من��ح املوارد إىل األفراد الذين حيتاجوهنا دون‬
‫النظ��ر ع�ما إذا كانوا قد فعلوا أي يشء لكس��بها أو ال‪ ،‬واآلخر هو معي��ار توزيع املوارد طب ًقا‬
‫للجدارة واالستحقاق)‪.(1‬‬
‫ي��رى «تايل��ور» أن هذا املب��دأ ينطبق ع�لى املطالبات املتنافس��ة بني الكائن��ات البرشية‬
‫وغري البرشية يف ظل رشطني‪:‬‬
‫ال�شرط األول‪ :‬أن الكائن��ات غ�ير البرشي��ة ال ت�ضر بنا‪ ،‬وبالت��ايل فإن مب��دأ الدفاع عن‬
‫النف��س يف هذه احلالة ال ينطبق عليها‪ .‬الرشط الثاين‪ :‬أن املصالح التي تثري املطالبات املتنافس��ة‬
‫هي عىل نفس املستوى من األمهية النسبية‪ ،‬وكلها مصالح أساسية‪ ،‬وبالتايل ال يتم تطبيق مبدأي‬
‫التناس��ب واحل��د األدىن من اخلطأ‪ ،‬وم��ن ثم فإن هذا املبدأ يغطي احل��االت التي ال تندرج حتت‬
‫املبادئ الثالثة األوىل)‪.(2‬‬
‫ُيعد اس��تنزاف امل��وارد الطبيعية مش��كلة بيئية تنجم عن اإلرساف يف هنب واس��تغالل هذه‬
‫امل��وارد‪ ،‬وكذل��ك هدرها يكون نتيجة عدم االس��تخدام الرش��يد‪ ،‬ولذلك فامل��وارد املتجددة منها‬
‫(كاملاء والغابات والرتبة الزراعية واحليوانات‪ )...‬مهددة إما بالتلوث أو بعدم قدرهتا عىل موازنة‬
‫اس��تدرارها من قبل البرش‪ ،‬نتيجة اس��تنزافها اجلائر‪ ،‬أ َّما املوارد غري املتجددة (كاملعادن والوقود‬
‫األحف��وري‪ )...،‬فه��ي مهددة بالنضوب؛ ألهن��ا موجودة بكميات حمدودة يف حني أن االس��تهالك‬
‫البرشي ال يتوقف‪ ،‬كام أنه يتم بطريقة هتمل مس��ألة إعادة استخدام هذه املوارد أو تدويرها)‪.(3‬‬
‫ويوف��ر مبدأ العدالة التوزيعية معاي�ير للتوزيع العادل لتحقيق املصالح واملنافع بني مجيع‬
‫أط��راف الن��زاع‪ ،‬عندما تكون املصالح أساس��ية‪ ،‬ومن ثم تكون ذات أمهية متس��اوية ألولئك‬
‫املعنيني‪ ،‬واألمهية املتساوية تعطيهم نفس الثقل األخالقي أثناء قرار حل الرصاع‪ ،‬إذا أريد هلا‬
‫أن تكون منصفة للجميع)‪.(4‬‬

‫‪(1) Wilson, Catherine: The Role of a Merit Principle in Distributive Justice, The Journal of‬‬
‫‪Ethics, Vol.7, No.3, 2003, pp.277-278.‬‬
‫‪(2) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, pp.291-292.‬‬
‫((( رومية‪ ،‬معني‪ :‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪(4) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, p.292.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪268‬‬

‫يفرتض مبدأ العدالة التوزيعية للوهلة األوىل اآليت‪:‬‬


‫أولاً ‪ :‬عندم��ا تكون مصالح األطراف املتنازع عليها كلها مصالح أساس��ية‪ ،‬وهناك مصدر‬
‫طبيع��ي للخري ميكن اس��تخدامه لصال��ح أي طرف من األط��راف؛ فإنه جي��ب ختصيص حصة‬
‫متساوية لكل طرف‪.‬‬
‫ثان ًي��ا‪ :‬أثناء التطبيق العميل ملبدأ العدالة التوزيعية‪ ،‬فإن األس��اليب األكرث عدالة للتوزيع‬
‫ال ميكن أن تضمن املس��اواة التامة يف املعاملة لكل كائن حي؛ وبالتايل فإننا نخضع للمتطلبات‬
‫األخالقية الستكامل مجيع القرارات القامئة عىل العدل التوزيعي مع واجب آخر يفرضه مبدأ‬
‫األولوية اخلامس‪ ،‬وهو مبدأ العدالة التعويضية‪ .‬وهذا يعين باختصار‪ ،‬أننا إن مل نطبق العدالة‬
‫التام��ة أو اإلنص��اف الت��ام؛ فإننا مدين��ون ببعض تدابري ج�بر الرضر للمخلوق��ات الربية كام‬
‫يس��تحقوهنا‪ ،‬أي أن اعرتافنا باألخطاء التي نقوم هبا جت��اه الكيانات ذات القيمة املتأصلة يدعو‬
‫إىل التزام إضايف بأن نفعل ما بوس��عنا للتعويض عن هذه األخطاء‪ ،‬فهذه هي الطريقة الوحيدة‬
‫فقط للمحافظة عىل فكرة اإلنصاف يف كل نظام املبادئ ذات األولوية)‪.(1‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬عند وضع األساليب املختلفة التي ميكن من خالهلا تطبيق مبدأ العدالة التوزيعية‪،‬‬
‫جيب علينا أن نأخذ يف االعتبار حقيقة أن احليوانات الربية والنباتات ليس��ت يف ًّ‬
‫حد ذاهتا‬
‫ضارة لنا‪ ،‬نتيجة لذلك فنحن لس��نا حتت أي رضورة لقتلها للدفاع عن النفس‪ ،‬و إذا كانت‬
‫ال هتامجن��ا فيمكن أن نتجن��ب احلاالت التي نضطر فيه��ا إىل االختيار ب�ين بقائها وبقائنا؛‬
‫ويرتتب عىل هذا أن مبدأ العدالة التوزيعية يطلب منا أن نستحدث طرقًا لتحويل حاالت‬
‫املواجه��ة إىل حاالت من الرتايض املتبادل كلام كان ذلك ممكنا‪ ،‬وهبذه الطريقة ميكننا أن‬
‫نتش��ارك املوارد املفيدة لألرض عىل قدم املساواة مع األعضاء اآلخرين يف جمتمع احلياة)‪.(2‬‬
‫وميكن حتقيق ذلك ‪-‬كام يقول «تايلور»‪« :-‬من خالل حتويل احلاالت التنافسية إىل أمناط‬
‫من التوافق والتكيف والتس��امح املتبادل‪ ،‬ومنها‪ :‬توزيع حصة املساكن الطبيعية الدامئة‪،‬‬
‫والتخصي��ص الدائم للمواط��ن الطبيعية‪ ،‬واحلفظ املش�ترك‪ ،‬والتكامل البيئ��ي‪ ،‬والتدوير‬
‫أو التناوب»)‪.(3‬‬

‫‪(1) Ibid, p.293.‬‬


‫‪(2) Ibid, p.293.‬‬
‫‪(3) Ibid, p.297.‬‬
‫‪269‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫‪ -5‬مبدأ العدالة التعويضية‪:‬‬

‫ترتبط العدالة التعويضية باألخالق الغائية‪ ،‬حيث يتم تصورها عىل أهنا تنطوي عىل أمناط‬
‫س��لوكية معينة تكون ملزم��ة بطبيعتها‪ ،‬والتي حتم��ل يف باطنها صحتها األخالقي��ة دون النظر‬
‫نقصا‪ ،‬وهلذا الس��بب تستحق املكافأة‬
‫إىل أية عواقب‪ ،‬فهي أفعال معينة متلك جدارة مبارشة أو ً‬
‫أو اجلزاء‪ .‬ويتضمن مفهوم العدالة التعويضية اإلشارة إىل املايض‪ ،‬واإلشارة إىل بعض األحداث‬
‫التي تتطلب يف حد ذاهتا تسوية الحقة)‪(1‬؛ فالعدالة التعويضية ‪-‬كام يشري تايلور‪ -‬هي استعادة‬
‫توازن العدالة عند ارتكاب ظلم ش��خص أو فئة من األش��خاص‪ ،‬ويف ه��ذه احلالة جيب تقديم‬
‫شكل من أشكال التعويضات أو اإلصالحات)‪.(2‬‬
‫ينطبق مبدأ العدالة التعويضية ‪ -‬يف السياق احلايل‪ -‬عىل كل من مبدأي العدالة التوزيعية‪،‬‬
‫واحلد األدىن من اخلطأ؛ ألن يف كال املبدأين قد ُيلحق الرضر باحليوانات والنباتات غري الضارة؛‬
‫لذلك فإن هناك ش �كلاً من أش��كال التعوي��ض أو اإلصالح مطلو ًبا‪ ،‬خاص��ة إذا كانت أفعالنا‬
‫متسقة متا ًما مع موقف احرتام الطبيعة)‪.(3‬‬
‫ولكن‪ ،‬ما أنواع التعويضات املناس��بة؟ يقول «تايلور»‪« :‬هناك قاعدتان ترشدان اإلنسان‬
‫يف هذه احلالة‪ :‬أوهلام؛ قاعدة «كلام زاد الرضر‪ ،‬زادت التعويضات املطلوبة»‪ ،‬وثانيهام قاعدة‬
‫«تركيز االهتامم عىل س�لامة وصحة النظم اإليكولوجي��ة بأكملها وجمتمعاهتا اإلحيائية‪ ،‬وليس‬
‫عىل خري أفراد معينني»)‪.(4‬‬
‫ميك��ن فهم القاعدة الثانية من جانبني خمتلفني‪ ،‬فهي ممارس��ة تن��درج يف إطار مبدأ العدالة‬
‫التوزيعي��ة م��ن ناحية‪ ،‬وهي وس��يلة للوف��اء مبتطلبات العدال��ة التعويضية م��ن ناحية أخرى؛‬
‫فجانبه��ا األول ه��و أن احلف��اظ عىل الربية هو جمرد تقاس��م خ�يرات الطبيعة م��ع املخلوقات‬
‫األخ��رى‪ ،‬من خ�لال ختصيص أجزاء معينة م��ن مصدر اخلري بحيث حيص��ل اجلميع عىل بعض‬

‫‪(1) Garvin, Lucius: Retributive and Distributive Justice, The Journal of Philosophy, Vol.42,‬‬
‫‪No.10, (May., 10- 1945), p.271.‬‬
‫‪(2) Taylor, W. Paul: Reverse Discrimination and Compensatory Justice, Analysis, Vol.33, No.6,‬‬
‫‪(Jun., 1973), Oxford University Press, 1973, p.180.‬‬
‫‪(3) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, p.304.‬‬
‫‪(4) Ibid, p.305.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪270‬‬

‫املناف��ع‪ ،‬ويف هذه احلالة من الرضوري تصور أرضية مش�تركة متثل حالة انس��جام أس��ايس بني‬
‫الطبيعة واحلضارة اإلنس��انية‪ ،‬ويف جانبها الثاين تس��تمد عدالة احلف��اظ عىل الربية من مالمئتها‬
‫بوصفها وسيلة للتعويض عن املظامل التي يرتكبها البرش يف احلياة الربية‪ ،‬بأن نضع جان ًبا مناطق‬
‫املواط��ن الطبيعية وأن نحمي الظروف البيئية يف تلك املناطق؛ حتى تتمكن املجتمعات الربية‬
‫يرا كاملاً عن احرتامنا للطبيعة‪،‬‬
‫م��ن احليوانات والنباتات من حتقيق خريها‪ ،‬وهذا ما يعرب تعب� ً‬
‫رضرا بالكائنات احلية من أجل االستفادة ألنفسنا)‪.(1‬‬‫ً‬ ‫حتى عندما نلحق‬
‫يتضح مما س��بق‪ ،‬أن دراس��ة «تايلور» للمبادئ ذات األولوية اخلمسة تتميز بعدة مميزات‪،‬‬
‫هي عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫أ ‪-‬أهن��ا تعط��ي ر ًدا منطق ًي��ا عقل ًيا عىل التهم��ة القائل��ة أن مذهب املس��اواة احليوية جيب‬
‫أن ينهار عندما يتعلق األمر بالرصاعات بني البرش واألنواع األخرى من املخلوقات‪.‬‬
‫ب‪ُ -‬تظه��ر ه��ذه املبادئ أن هناك أس��اليب خمتلفة حلل الرصاعات بط��رق توفر اإلنصاف‬
‫للجميع‪ ،‬عن طريق االعرتاف الواجب بالقيمة املتأصلة لكل كائن حي‪.‬‬
‫أساسا منهج ًيا ملفهوم العدالة بني األنواع يف احلاالت التي ال ميكن فيها حتقيق‬
‫ج‪-‬أهنا توفر ً‬
‫مصال��ح الكائن��ات احلية الت��ي تنتمي إىل أنواع خمتلف��ة‪ ،‬وهبذا يتم اس��تبدال الرصاع‬
‫من أجل البقاء بقيود النظام األخالقي التي حتددها مبادئ العقالنية للعدالة)‪.(2‬‬

‫‪(1) Ibid, pp.305-306.‬‬


‫‪(2) Ibid, pp.306-307.‬‬
‫‪271‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫نتائج البحث‬

‫تأسيسا عىل ما سبق‪ ،‬توصلت الدراسة إىل عدة نتائج من أمهها‪:‬‬


‫ً‬
‫جديدا من الثقاف��ة البيئية التي جيب‬
‫ً‬ ‫أول‪ :‬تتطل��ب األزم��ة البيئية يف عاملنا املعارص نو ًع��ا‬
‫رضرا ألحد‬
‫أن تب�نى ع�لى عالقة تبادلية نفعية بني البرش والعامل الطبيع��ي‪ ،‬مبا ال حيقق خللاً أو ً‬
‫الطرفني عىل حساب الطرف اآلخر‪ ،‬وهذه الثقافة تتطلب عقالنية واعية من اإلنسان وإدراكًا‬
‫معرف ًيا ملا يدور حوله من مش��كالت بيئية خطرية قد هتدد بقاءنا‪ ،‬وبقاء الكائنات األخرى عىل‬
‫سطح األرض‪.‬‬
‫ثان ًي��ا‪ :‬نح��ن بحاجة إىل عل��م نفس إيكولوجي هي��دف إىل معاجلة االغرتاب بني اإلنس��ان‬
‫والبيئة الطبيعة عن طريق تنبيه اإلحس��اس الفطري لدى اإلنس��ان بأمهية الوعي اإليكولوجي‬
‫ال��ذي هيدف إىل إيقاظ إحساس��نا باملس��ئولية األخالقية جتاه الكائنات احلي��ة األخرى تكافئ‬
‫مسئوليتنا األخالقية جتاه البرش‪ ،‬كام أننا بحاجة إىل علم الهوت إيكولوجي هيدف إىل ختليصنا‬
‫من النظرة الدينية العالقة يف أذهاننا عن س��يطرة اإلنس��ان وس��يادته ع�لى املخلوقات األخرى‪،‬‬
‫خلق من أجل اإلنسان‪.‬‬
‫وأن كل ما يف الكون ُ‬
‫ثال ًث��ا‪ :‬فك��رة املركزي��ة البيولوجي��ة عن��د «تايلور» ه��ي رؤية فلس��فية متعالي��ة تتطلب‬
‫كبريا من التأمل والنظ��ر العقيل من أجل االقتناع هب��ا‪ ،‬وال يكفي أن نكون‬
‫�درا ً‬
‫من اإلنس��ان ق� ً‬
‫مثقفني أو مستقلني ذات ًيا لتقبل تلك النظرة‪ ،‬بل جيب أن نؤمن بأن رشط وجودنا يف العامل يتمثل‬
‫يف رضورة التوافق واالنسجام بيننا وبني الكائنات األخرى املوجودة يف العامل الطبيعي‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬أعطى «تايلور» أمهية كبرية لالعتبار األخالقي للكائنات غري البرشية‪ ،‬عىل الرغم‬
‫جدا؛ ألهنا‬
‫م��ن أنه نفى عنها أية فاعلية أو قصدية أخالقية‪ ،‬وهذه يف حقيقة األمر نتيجة مهمة ً‬
‫تف��ك اخلالف بني الفالس��فة الذين يرصون ع�لى أن الكائنات غري البرشية كائنات َح ّساس��ة‬
‫وهلا فاعلية وقصدية ووعي‪ ،‬والفالسفة الذين يرفضون ذلك ويرصون عىل أهنا تفعل كل يشء‬
‫من خالل عادات فسيولوجية معينة مرتبطة بالوراثة والغريزة‪.‬‬
‫عد املركزي��ة البيولوجية هي الفكرة الرئيس��ة التي بىن عليها «تايلور» أس��اس‬
‫خامس��ا‪ُ :‬ت ُّ‬
‫ً‬
‫فلسفته األخالقية البيئية‪ ،‬وهي نظرية حاملة ‪-‬كام ترى الدراسة‪-‬؛ ألهنا ترى أن كل الكائنات‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪272‬‬

‫احلية ‪ -‬دون استثناء‪ -‬متلك قيمة متأصلة يف ذاهتا؛ ألهنا تسعى نحو حتقيق خريها اخلاص بطريقتها‬
‫اخلاصة‪ ،‬وأهنا موجهة نحو أهداف غائية يف احلياة‪ ،‬وهذا ما ُيفيض إىل أن مجيع الكائنات احلية‬
‫تستحق االعتبار والنظر األخالقي من قبل الفاعلني األخالقيني‪ ،‬وهذا أمر حمال‪.‬‬
‫نظرا هليمنة اإلنسان عىل البيئة وسيطرته عىل مقدراهتا واحتكارها لصالح منفعته‬
‫سادسا‪ً :‬‬
‫ً‬
‫اخلاص��ة‪ ،‬فقد وضع «تايلور» أربع قواعد حاكمة للس��لوك اإلنس��اين يف مواقفه جتاه الطبيعة‪،‬‬
‫وه��ي‪ :‬قاعدة عدم اإليذاء‪ ،‬وقاعدة عدم التدخل ‪ /‬اإلعاق��ة‪ ،‬وقاعدة الثقة‪ ،‬وقاعدة التعويض‪،‬‬
‫وقد وضع لكل قاعدة من هذه القواعد جمموعة من االلتزامات واالس��تثناءات‪ ،‬وهذا يعين أهنا‬
‫قواعد نسبية ترتبط بظروف املوقف أو احلالة‪.‬‬
‫ساب ًعا‪ :‬يفرض الرصاع احلتمي عىل املصالح بني الكائنات البرشية والكائنات غري البرشية‬
‫وجود جمموعة من املبادئ تعمل عىل حل هذا الرصاع‪ ،‬وقد حدد «تايلور» يف مخسة مبادئ تعمل‬
‫مببدأ أولوية الصالحية األخالقية‪ ،‬وهي‪ :‬مبدأ الدفاع عن النفس‪ ،‬ومبدأ التناس��ب‪ ،‬ومبدأ احلد‬
‫األدىن من اخلطأ‪ ،‬ومبدأ العدالة التوزيعية‪ ،‬وطاملا أن هذه املبادئ ختضع ملبدأ أولوية الصالحية‬
‫األخالقية‪ ،‬فهي إذن مبادئ نسبية‪ ،‬مثلها مثل الواجبات ظاهرة الصدق عند «ديفيد روس»‪.‬‬
‫ثام ًن��ا‪ :‬ت��رى الدراس��ة أن موقف اح�ترام الطبيعة هو موق��ف أخالقي جي��ب أن يلتزم به‬
‫كل ش��خص منا عن طريق فرض قواع��د ومبادئ عامة حتكم هذه العالقة‪ ،‬ويف الوقت نفس��ه‬
‫هو عبارة عن موقف تعاطف وجداين وإحساس باملسئولية جتاه العامل الطبيعي‪ ،‬وهذا التعاطف‬
‫ينبغي أن يكون ناب ًعا من الذات اإلنس��انية‪ ،‬وجيب أن نع��ي أن احلفاظ عىل البيئة ومحايتها أمر‬
‫واجب عىل كل األجيال احلارضة واملستقبلية؛ ألن هذا األمر يشكل حمور احلضارة اإلنسانية‪.‬‬
273 ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬

ً‫ا‬
‫ مصادر باللغة اإلنجليزية‬:‫أول‬
1- Taylor, W. Paul: Respect for Nature; A Theory of Environment Ethics, In:
«Environmental Ethics», ed by; Michael Boylan, Second Edition,
John Wiley & Sons, Inc, Wiley Blackwell, 2014.
2- ……………(ed): The Moral Judgment; Reading Contemporary Met-Ethics,
Prentice-Hall, Inc, Englewood Cliffs, New Jersey, 1993.
3- ...................: Inherent Value and Moral Rights, The Monist, Vol.70, No.1,
(January., 1987), Oxford University Press, 1987.
4- ...................: Are Humans Superior to Animals and Plans?, In: «Environmental
Ethics», by ed; Eugenc C. Hargrove, Vol.6, No.2, (Summer., 1984),
Environmental Philosophy, Inc. The University of Georgia, Athens,
1984.
5- ...................: In Defense of Biocentrism, In: «Environmental Ethics», by ed;
Eugenc C. Hargrove,Vol.5, No.3, Environmental Philosophy, Inc.
The University of Georgia, Athens,1983.
6- ...................: The Ethics of Respect for Nature, In: «Environmental Ethics»,
by ed; Eugenc C. Hargrove, Vol.3, No.3, Environmental Philosophy,
Inc. The University of Georgia, Athens, 1981.
7- ...................: Frankena on Environmental Ethics, The Monist, Vol.64, No.3,
(July., 1981), Oxford University Press, 1981.
8- ...................: Reverse Discrimination and Compensatory Justice, Analysis,
Vol.33, No.6, (Jun., 1973), Oxford University Press, 1973.
9- ...................: Justice and Utility, Canadian Journal of Philosophy, Vol.1, No.3,
(Mar., 1972).
)‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون‬ 274

‫ مصادر مترجمة إلى اللغة العربية‬:‫ثانيا‬

‫ «الفلس��فة البيئية؛ م��ن حقوق احليوانات‬:‫ ضمن‬،‫ أخالقيات احرتام الطبيعة‬:‫ بول‬،‫ تايل��ور‬-1
،‫ معني ش��فيق رومية‬:‫ ترمجة‬،‫ مايكل زميرمان‬:‫إىل اإليكولوجيا اجلذرية» حترير‬
،‫ املجل��س األعىل للثقاف��ة والفنون واآلداب‬،1‫ جـ‬،)332( ‫ الع��دد‬،‫ع��امل املعرفة‬
.‫م‬2006 ‫ أكتوبر‬،‫الكويت‬

‫ مراجع باللغة اإلنجليزية‬:‫ثالثا‬


1- B. James, Jr. Tubbs: A Handbook of Bioethics Terms, Georgetown University
Press, Washington, D.C, 2009.
2- Barcalow, Emmett: Moral Philosophy; Theories and Issues, Thomson
Wadsworth, New York, 2007.
3- Benbaji, Yitzhak: Culpable Bystanders, Innocent Threats and the Ethics of
Self-Defense, Canadian Journal of Philosophy, Vol.35, No.4, (Dec.,
2005).
4- Butt, Daniel: Nation, Overlapping Generation, and Historic Injustice, American
Philosophical Quarterly, Vol.43, No.4, (Oct., 2006), University of
Illinois Press, 2006.
5- ……………: On Benefiting from Injustice, Canadian Journal of Philosophy,
Vol.37, No.1, (Mar., 2007).
6- Callicott, Baird. J and Frodeman (editors): Encyclopedia of Environmental
Ethics and Philosophy, Vol. 1 and 2, Macmillan Reference USA, Gale
Cengage Learning, New York, 2009.
7- Cudd, Ann and Eftekhari, Seena: Contractarianism, In: Stanford Encyclopedia of
Philosophy, ed by: Edward N. Zalta and Others, Stanford University,
Stanford, 2018.
8- Darwin, Charles: The Descent of Man and Selection in Relation to Sex, With
an Introduction By John Tyler Bonner and Robert M. May, Princeton
University Press, Princeton, New Jersey, 1981.
275 ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

9- Evans, Claude. J: With Respect for Nature; Living as Part of the Natural World,
State University of New York Press, New York, 2005.
10- Finnigan, Bronwyn: Buddhism and Animal Ethics, Philosophy Compass,
Vol.12, No.7, (July., 2017), Wiley, 2017.
11- Garvin, Lucius: Retributive and Distributive Justice, The Journal of Philosophy,
Vol.42, No.10, (May., 10- 1945).
12- Hospers, John: The Case for Animal Right, By Tom Regan, Reason Papers,
No.10, (Spring, 1985).
13- Humphreys, Rebekah: Animal Thought on Factory Farm: Michael Leahy,
Language and Awareness of Death, Between The Species, No.8, California
Polytechnic State University, San Luis Obispo, CA, August, 2008.
14- Hurka, Thomas: Proportionality in The Morality of War, Philosophy & Public
Affairs, Vol.33, No.1, (Winter., 2005), Wiley, 2005.
15- Kernohan, Andrew: Environmental Ethics; An Interactive Introduction,
Broadview Press, Canada, 2012.
16- Leahy, P.T. Michael: Against Liberation; Putting Animals in Perspective,
Routledge, New York, 1994.
17- Miller, B. Richard: Killing, Self-Defense, and Bad Luck, The Journal of
Religious Ethics, Vol.37, No.1, (Mar., 2009), Blackwell Publishing
Ltd, 2009.
18- Regan, Tom: Animal Rights and Environmental Ethics, For in: ‘The Structural
Links between Ecology, Evolution and Ethics, by ed: Donato Bergandt,
Springer, New York, 2013.
19- ……………: Animal Rights, Human Wrongs; An Introduction to Moral
Philosophy, Rowman & Littlefield Publishers, INC, New York,
2003.
20- ……………….: Contractarianism and Animal Rights, Journal of Applied
Philosophy, Vol.14, No.3, 1997.
21- Rowlands, Mark: Contractarianism and Animal Rights, Journal of Applied
Philosophy, Vol.14, No.3, 1997.
)‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون‬ 276

22- Santos, M. Rafael: Ethical Responsibilities to Animals and the Environment,


University Leuven, Belgium, 2011.
23- Shook, R. John (ed and Others): The Dictionary of Modern American
Philosophers, Vol.2 and 4, Thoemmes Continuum, England, 2005.
24- Singer, Peter: Animal Liberation or Animal Rights?, The Monist, Vol.70, No.1,
(January, 1987), Oxford University Press, 1987.
25- …………: Practical Ethics, 2nd, Cambridge University Press, Cambridge,
1993.
26- Sullivan J. Roger: An Introduction to Kant’s Ethics, Cambridge University
Press, New York, 1994.
27- Taylor, Angus: Animals & Ethics; An overview of The Philosophical De Bate,
3nd , Broadview Press, Canada, 2009.
28- Thomson, T. Judith: Self-Defense, Philosophy & Public Affairs, Vol.20, No.4,
(Autumn., 1991), Wiley, 1991.
29- Wilson, Catherine: The Role of a Merit Principle in Distributive Justice, The
Journal of Ethics, Vol.7, No.3, 2003.

‫ مراجع باللغة العربية‬:‫رابعا‬

،2‫ ج‬،‫ أمحد لطفي الس��يد‬:‫ نقله إىل العربية‬،‫ علم األخ�لاق إىل نيقوماخوس‬:‫ أرس��طوطاليس‬-1
.‫م‬1942 ،‫ القاهرة‬،‫مطبعة دار الكتب املرصية‬
‫ الدار املرصية‬،‫ مدخل إىل فلسفة البيئة واملذاهب اإليكولوجية املعارصة‬:‫ مصطفي‬،‫ النشار‬-2
.‫م‬2015 ،‫ القاهرة‬،2‫ ط‬،‫اللبنانية‬
‫ دار الثقافة للنرش‬،‫ حممد مدين‬.‫ د‬:‫ ترمجة ودراسة‬،‫ مقدمة يف فلسفة األخالق‬:‫ ألفريد‬،‫ إيونج‬-3
.‫م‬1997 ،‫ القاهرة‬،‫والتوزيع‬
،»‫ «مدخل إىل الفكر اإليكولوجي‬:‫ ضمن‬،‫ مقدمة إىل األخالق البيئية‬:‫ إرنس��ت‬،‫ بارتريدج‬-4
،‫ مكتبة األسد‬،‫ منش��ورات وزارة الثقافة السورية‬،‫ معني رومية‬:‫حترير وترمجة‬
.‫م‬2007 ،‫ سوريا‬،‫دمشق‬
‫‪277‬‬ ‫مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية‬

‫‪ -5‬بدوى‪ ،‬عبد الرمحن‪ :‬األخالق النظرية‪ ،‬وكالة املطبوعات‪ ،‬الكويت‪1975 ،‬م‪.‬‬


‫‪ -6‬دارون‪ ،‬تش��ارلز‪ :‬أص��ل األنواع؛ نش��أة األنواع احلية عن طريق االنتق��اء الطبيعي‪ ،‬ترمجة‪:‬‬
‫جمدي حممود املليجي‪ ،‬تقديم‪ :‬س��مري حنا صادق‪ ،‬العدد (‪ ،)628‬املرشوع القومي‬
‫للرتمجة باملجلس األعىل للثقافة‪ ،‬القاهرة‪2004 ،‬م‪.‬‬
‫�دا‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد س��عيد طنطاوي‪،‬‬
‫‪ -7‬دجيراتس��يا‪ ،‬ديفي��د‪ :‬حقوق احلي��وان؛ مقدمة صغرية ج� ًّ‬
‫وراد‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪ ،‬القاهرة‪2012 ،‬م‪.‬‬
‫مراجعة‪ :‬ضياء َّ‬
‫‪ -8‬ديف��ال‪ ،‬بال‪ .‬سيش��نز‪ ،‬جورج‪ :‬النظ��رة املهيمنة احلديثة إىل الع��امل ونقادها‪ ،‬ضمن «مدخل‬
‫إىل الفكر اإليكولوجي»‪ ،‬حترير وترمجة‪ :‬معني رومية‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة‬
‫السورية‪ ،‬مكتبة األسد‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬ديوي‪ ،‬جون‪ :‬الطبيعة البرشية والس��لوك اإلنس��اين‪ ،‬ترمجة وتقديم‪ :‬حممد لبيب النجيحي‪،‬‬
‫تصدي��ر‪ :‬حممد مدين‪ ،‬سلس��لة م�يراث الرتمجة الع��دد (‪ ،)2681‬املرك��ز القومي‬
‫للرتمجة‪ ،‬القاهرة‪2015 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -10‬رومية‪ ،‬معني‪ :‬من البيئة إىل الفلسفة‪ ،‬معابر للنرش والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪2011 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -11‬سكوليموفس�كي‪ ،‬هرنيك‪ :‬فلس��فة البيئة‪ ،‬تعريب‪ :‬د‪ .‬دميرتي أفريينوس‪ ،‬قدم له املهندس‪:‬‬
‫فايز فوق العادة‪ ،‬دار األبجدية‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -12‬شفيترس‪ ،‬ألربت‪ :‬فلسفة احلضارة‪ ،‬ترمجة‪ :‬عبد الرمحن بدوي‪ ،‬مراجعة‪ :‬زيك نجيب حممود‪،‬‬
‫املؤسسة املرصية العامة للتأليف والرتمجة والنرش‪ ،‬القاهرة‪1963 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -13‬عب��د الرمحن‪ ،‬طه‪ :‬س��ؤال األخالق؛ مس��امهة يف النقد األخالقي للحداث��ة الغربية‪ ،‬املركز‬
‫الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -14‬كانت‪ ،‬إمانويل‪ :‬تأس��يس ميتافيزيقا األخالق‪ ،‬ترمج��ه وقدم له وعلق عليه‪ :‬د‪ .‬عبدالغفار‬
‫مكاوي‪ ،‬راجع الرتمجة‪ :‬د‪ .‬عبد الرمحن بدوي‪ ،‬منشورات اجلمل‪ ،‬ط‪ ،1‬كولونيا‪-‬‬
‫املانيا‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -15‬مدك��ور‪ ،‬إبراهيم (املحرر)‪ :‬املعجم الوجيز‪ ،‬جممع اللغ��ة العربية‪ ،‬وزارة الرتبية والتعليم‬
‫(طبعة خاصة)‪ ،‬القاهرة‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون)‬ ‫‪278‬‬

‫‪ -16‬ناصف‪ ،‬حفين‪ .‬عصام الدين‪ :‬نظرية التطور‪ ،‬مطبعة مرص‪ ،‬القاهرة‪1952 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -17‬وهب��ه‪ ،‬مراد‪ :‬املعجم الفلس��في‪ ،‬دار قب��اء احلديثة للطباع��ة والنرش والتوزي��ع‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪2007‬م‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬مواقع من شبكة االنترنت‪:‬‬


‫‪1- https: //www.pdcnet.org/enviroethics/content/enviroethics_1982_, In: 22-7-‬‬
‫‪2018.‬‬
‫‪2- http:www.rhchp.regi.edu/HCE/EthicsatAGlance/Nonmaleficence/Nonmal‬‬
‫‪eficence.pdf. In: 15-9-2018.‬‬
‫‪3- https://web.archive.org/web/20131124100738/http://spot.colorado.edu: 80‬‬
‫‪/~tooley/AcademicInformation.html, In: 3-11-2018.‬‬

You might also like