Professional Documents
Culture Documents
(*)
د .مصطفى عبد الرؤف راشد أحمد
مقدمة
(*) مدرس القيم وفلسفة األخالق بقسم الفلسفة -كلية اآلداب -جامعة سوهاج.
((( «بول وارن تايلور» :فيلسوف أمرييك معارص ،ولد يف 19نوفمرب 1923م يف فيالدلفيا ببنسلفانيا ،وخترج
من جامعة «برينستون» ثم حصل عىل درجة املاجستري يف الفلسفة عام 1947م ،ويف عام 1950م حصل
عىل درجة الدكتوراه من اجلامعة نفسها يف أطروحة بعنوان« :التحقق من أحكام القيمة يف النظريات=
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 226
و«ب��ول تايلور» هو واحد من أش��هر فالس��فة األخالق املعارصين الذي��ن اهتموا بوضع
نظري��ة معيارية حت��دد العالقة ب�ين اإلنس��ان والكائنات احلي��ة األخرى ،اعت�ما ًدا عىل فكرة
املركزية البيولوجية؛ حيث فهم الطبيعة بوصفها جمتم ًعا مرتابطًا ومنسجماً ،وكل ما هو موجود
فيها يس��تحق االحرتام والتقدير واالعتبار يف النس��ق األخالقي؛ فكل الكائنات احلية -س��واء
أكانت إنسانية أو حيوانية أو نباتية -متتلك قيمة متأصلة يف ذاهتا ،دون النظر إىل نوعها.
وطامل��ا أن كل خملوق عىل س��طح األرض يس��عى إىل حتقي��ق مصاحل��ه واهتامماته اخلاصة
نظرا لسيطرة اإلنسان وسطوته عىل مقدرات الكائنات األخرى بشكل
بشتى الطرق املمكنة ،و ً
مب��ارش أو غري مب��ارش ،فقد وض��ع «تايلور» أربع قواع��د حاكمة وملزمة لترصفات اإلنس��ان
جت��اه الكائنات األخرى؛ وه��ي :قاعدة عدم االيذاء ،وقاعدة عدم التدخ��ل /اإلعاقة ،وقاعدة
الثقة ،وقاعدة التعويض أو ما يطلق عليها أحيانًا بقاعدة جرب الرضر؛ هذا يف الوضع الطبيعي؛
أ َّما يف حالة نشوء رصاع بني الكائنات البرشية وغري البرشية ،فقد حدد «تايلور» مخسة مبادئ
أساس��ية حلل الرصاعات التي تنش��أ يف حالة تعارض املصالح األساسية وغري األساسية عىل ًّ
حد
سواء ،وهذه املبادئ هي :مبدأ الدفاع عن النفس ،ومبدأ التناسب ،ومبدأ احلد األدىن من اخلطأ،
ٍ
وإنصاف من ٍ
بعدالة ومب��دأ العدالة التوزيعية ،ومبدأ العدالة التعويضي��ة .وتعمل هذه املبادئ
أجل حل النزاعات املتضاربة التي تنش��أ بني واجبات األخالق اإلنس��انية وواجبات األخالق
البيئية.
وم��ن هنا تأيت أمهي��ة البحث يف اإلجابة عن الس��ؤال :ه��ل ميكن تقدي��م نظرية أخالقية
معياري��ة تس��هم يف ح��ل الرصاع��ات ب�ين مجي��ع الكائن��ات احلية ،م��ع املحافظة ع�لى حقوق
متس��اوية بني اجلميع؟ ومن هذا التساؤل ميكن اش��تقاق بعض التساؤالت األخرى التي تشكل
= الطبيعية األخالقية» ،وبعدها عمل يف قسم الفلسفة بكلية «بروكلني» بجامعة «سيتي» يف نيويورك،
ثم حصل عىل درجة أستاذ يف الفلسفة ،وظل باجلامعة نفسها حتى تقاعد هبا عام 1990م .ومن أهم مؤلفاته
الفلسفية« :اخلطاب املعياري» عام 1961م ،و«احرتام الطبيعة؛ نظرية يف األخالق البيئية» عام 1986م،
و«احلكم األخالقي» عام 1963م ،و«املعرفة والقيمة» عام 1967م ،و«مبادئ األخالق؛ مقدمة» عام
1975م ،و«القيمة املتأصلة واحلقوق األخالقية» عام 1987م.
See: Shook, R. John (Ed and Others): The Dictionary of Modern American Philosophers,
Vol.4, Thoemmes Continuum, England, 2005, pp.2391-2392. And See Also: Callicott, Baird.
J and Frodeman (Editors): Encyclopedia of Environmental Ethics and Philosophy, Vol.2,
Macmillan Reference USA, Gale Cengage Learning, New York, 2009, p.303.
227 مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية
حم��ور البحث :هل للحيوانات والنباتات أية اعتبارات أخالقي��ة أو أية قيمة متأصلة يف ذاهتا؟
وم��ا طبيعة فك��رة املركزية البيولوجية؟ وما األس��س التي تقوم عليها؟ وم��ا املبادئ األخالقية
التي حتكم السلوك اإلنساين جتاه الكائنات غري البرشية؟ أ َّما يف حالة نشوء رصاع ،فام املبادئ
الت��ي اقرتحها «تايلور» حلل الرصاعات الناش��ئة بني الكائنات البرشي��ة وغريها من الكائنات
األخرى؟ وما طبيعة تلك املبادئ؟ وهل متتلك احليوانات حقوقًا أقل أمهية من احلقوق البرشية،
طاملا أن اإلنسان يتميز بخصائص االستقاللية والعقالنية والوعي؟
أ َّما عن املنهج املس��تخدم ،فس��يتم االعتامد عىل املنهج التحلييل النقدي ،لعرض أهم أفكار
«تايلور» وحتليلها مع مقارنتها بأفكار غريه من الفالسفة.
وحيتوي البحث عىل أربعة حماور رئيس��ة؛ وهي :املحور األول :هل للحيوانات اعتبارات
أخالقية؟ واملحور الثاين :فكرة املركزية البيولوجية ،واملحور الثالث :قواعد السلوك اإلنساين
جتاه الكائنات احلية األخرى ،واملحور الرابع :املبادئ األخالقية ذات األولوية ،التي استخدمها
«تايلور» حلل الرصاعات الناشئة بني الكائنات البرشية وغري البرشية يف حالة رصاع املصالح
وتضارهبا.
اهت��م عديد من الفالس��فة املعارصين أمثال« :ألربت ش��فايتزر» و«ت��وم ريغان» و«بيرت
سنجر» و«بول تايلور» بالبحث عن تعزيز مكانة الكائنات غري البرشية يف الطبيعة وإعطائها
قيم��ة وجدارة أخالقية يف حماولة ملس��اواهتا باحلقوق اإلنس��انية ،إال أن معظ��م هذه املحاوالت
كان��ت تفتقر إىل أية أس��س منهجية أو منطقية باس��تثناء حماولة «بول تايل��ور» التي وضعها يف
كتاب��ه« :احرتام الطبيعة؛ نظرية يف األخالق البيئية» عام (1986م) ،وبعض املقاالت األخرى
املنش��ورة قبل إصدار هذا الكتاب .وقبل احلديث عن أطروحة «تايلور» حول مبادئ احرتام
الطبيعة ورؤيته حول فكرة املركزية البيولوجية ،س��وف نعرض بعض املحاوالت التي سبقت
فكره؛ وهي حماوالت «ألربت شفايتزر» و«توم ريغان» و«بيرت سنجر» عىل وجه التحديد.
حاول الفيلس��وف األملاين «ألربت ش��فايتزر» إعط��اء اجلدارة واالعتب��ار األخالقي جلميع
الكائن��ات احلي��ة من خ�لال فكرته ع��ن «تقديس احلي��اة» وتعظيمه��ا ،التي ي��رى من خالهلا
أن احلي��اة نفس��ها هي العامل احلاس��م والوحيد يف حتدي��د االعتبار األخالقي جلمي��ع الكائنات
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 228
((( أشفيترس ،ألربت :فلسفة احلضارة ،ترمجة :عبد الرمحن بدوي ،مراجعة :زيك نجيب حممود ،املؤسسة
املرصية العامة للتأليف والرتمجة والنرش ،القاهرة1963 ،م ،ص .403
((( املصدر السابق ،ص .380
(3) Evans, Claude. J: With Respect for Nature; Living as Part of the Natural World, State
University of New York Press, New York, 2005, p.25.
(4) Ibid, p. 50.
((( سكوليموفسيك ،هرنيك :فلسفة البيئة ،تعريب :د .دميرتي أفريينوس ،قدم له املهندس :فايز فوق العادة،
دار األبجدية ،دمشق ،سوريا1992 ،م ،ص .111-100
(6) Santos, M. Rafael: Ethical Responsibilities to Animals and the Environment, University
Leuven, Belgium, 2011, p.4. And See Also: Rowlands, Mark: Contractarianism and Animal
Rights, Journal of Applied Philosophy, Vol.14, No.3, 1997, p.235.
229 مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية
فف��ي كتابه «حقوق احليوانات وأخطاء البرش» قدم لكل نظرية ونقدها؛ فمثلاً :يرى أن هناك
نظري��ة أخالقية تنكر من األس��اس أننا ندين بواجبات مبارشة جت��اه احليوانات ،مثل النموذج
ال��ذي قدمه «ج��ون رول��ز» 2002-1921( J. Rawlsم) عن مذهب التعاقدي��ة)*(؛ حيث يرى
«ريغان» أهن��ا وجهة نظر غري مرضية عىل اإلطالق ،وأن النظرية األخالقية املعقولة ينبغي أن
ت��درك أننا ندين بواجبات مبارشة جتاه احليوان��ات .وكذلك انتقد النظرية األخالقية التي تؤكد
ع�لى تفوق النوع البرشي؛ وهي وجهة نظر تعطي االعتب��ار واألمهية األخالقية للنوع البرشي
فق��ط ،وحتاف��ظ ع�لى مصاحل��ه واهتاممات��ه دون النظ��ر إىل أي يشء آخر ،وي��رى «ريغان»
أيضا ،وأن النظرية األخالقية املعقولة ينبغي أن تدرك أن املصالح
أهن��ا وجهة نظر غري ُم ْرضي��ة ً
أيضا مهمة من الناحية األخالقية) ،(1وغريها من النظريات األخرى.
غري البرشية ً
يؤك��د «ريغان» عىل فكرة احلقوق اإلنس��انية واحليوانية وأهنام ذوات��ا قيم متأصلة؛ ألهنام
موضوعات للحياة ،ويتضح هذا من نقطتني أساسيتني؛ مها:
-1التشابه ذو الصلة الذي يتقاسمه البرش ويتشاركونه عىل أهنم ميتلكون قيمة متأصلة،
يؤكد عىل أننا موضوعات للحياة ،وألن احليوانات غري اإلنس��انية التي هتمنا تش��بهنا
أيض��ا موضوعات للحياة ،وألن القضايا املامثل��ة ذات الصلة ينبغي أن
يف ذل��ك ،فهي ً
(*) «مذهب التعاقدية» :يقال يف النظرية السياسية حول رشعية السلطة السياسية ،مبعىن أن السلطة الرشعية
للحكومة جيب أن تستمد من موافقة املحكومني «الشعب» ،بحيث ينبع شكل هذه املوافقة ومضموهنا
من فكرة العقد أو االتفاق املتبادل ،ويقال يف النظرية األخالقية حول األصل أو املحتوى الرشعي
للمعايري األخالقية ،مبعىن أن القواعد األخالقية تستمد قوهتا املعيارية من فكرة العقد أو االتفاق املتبادل،
ومن ممثيل هذا املذهب« :توماس هوبز» ،و«جون لوك» ،و«جان جاك روسو» ،و«جون رولز» ،و«ديفيد
غوتييه»؛ أ َّما يف األخالق اإليكولوجية فهي وجهة نظر ترفض تربير إعطاء أي وضع أو اعتبار أخالقي
مبارش للحيوانات غري البرشية ،استنا ًدا إىل أن احليوانات غري البرشية ليسوا َف َعلة عقالنيني ،ومذهب
التعاقدية يعتمد يف األساس عىل ال َف َعلة العقالنيني ،واملبادئ األخالقية وفقًا للنهج التعاقدي -كام جاءت يف
كتابات «بيرت كاروثرز» -تعين نسقًا من القواعد لتنظيم تفاعل وتواصل ال َف َعلة العقالنيني داخل املجتمع.
See: Cudd, Ann and Eftekhari, Seena: Contractarianism, In: Stanford Encyclopedia of
Philosophy, ed by: Edward N. Zalta and Others, Stanford University, Stanford, 2018, p.1. In:
http: //www.Leibniz.stanford.edu/friends/preview/contractarianism, 1-11-2018.
And See Also: Rowlands, Mark: Contractarianism and Animal Rights, Journal of Applied
Philosophy, Vol.14, No.3, 1997, p.235.
(1) Regan, Tom: Animal Rights, Human Wrongs; An Introduction to Moral Philosophy, Rowman
& Littlefield Publishers, INC, New York, 2003, p.95.
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 230
أيضا قيمة
يحُ ك��م عليه��ا باملثل ،فيرتتب عىل ذل��ك أن احليوانات غري البرشي��ة متتلك ً
متأصلة.
أيضا ح ًق��ا متكاف ًئا Equal
-2ألن مجي��ع الكائنات احلية متتلك قيم��ة متأصلة؛ فإهنا متتلك ً
Rightيف أن تعامل باحرتام؛ ويرتتب عىل ذلك أن مجيع الكائنات احلية س��واء البرشية
أو غري البرشية متتلك قيمة متأصلة ،وتشرتك يف احلق املتكافئ يف املعاملة املحرتمة).(1
ووف ًق��ا لذلك ،فقد حدد «ريغان» جمموعة من احلقوق األخالقية املتعلقة بالكائنات احلية
مجي ًعا؛ وهي :حق عدم انتهاك حقوق الغري أو التعدي عليها ،No Trespassingوحق التكافؤ،
وح��ق عدم احلصول ع�لى فوائد من انتهاك حق��وق الغري - No Trumpمبع�ني أن الفوائد التي
يستمدها اآلخرون من انتهاك حقوق غريهم ال تربر انتهاكهم هلا عىل اإلطالق ،-وحق االحرتام
.Respectويتس��اءل «ريغ��ان» ع��ن من ميتلك هذه احلق��وق؛ فيجيب قائ�ًل�اً « :إن اإلجابة عىل
هذا الس��ؤال تعتمد بشكل كبري عىل ما أس��ميه «موضوع احلياة»؛ ألهنا تيضء متاثلنا األخالقي
ومس��اواتنا األخالقية ،فنحن بوصفنا موضوعات للحياة كلنا موجودون يف العامل نفسه ،وندرك
مجي ًعا ما يف العامل ،ونحن مجي ًعا مبنزلة اليشء نفسه؛ ألن ما حيدث لنا يف العامل هيمنا ،وما حيدث
يف الع��امل هيمنا؛ ألن ذلك حيدث فرقًا يف نوعية حياتنا ومدهتا ،ونحن بوصفنا موضوعات للحياة
فلي��س هناك أس��مى وأدىن ،وال أعىل وال أقل؛ فنح��ن مجي ًعا لنا اعتبارنا األخالق��ي ،ونحن مجي ًعا
متساوون أخالق ًّيا يف احلقوق»).(2
ولكن هل كل احليوانات ختضع ملوضوعات احلياة؟ يجُ يب «ريغان» عن هذا التساؤل قائلاً :
«بالطبع كل الثدييات والطيور ،بكل تأكيد ،وكل األسامك عىل األرجح ،ولكن ملاذا؟ ألن هذه
الكائنات تفي برشوط النوع بش��كل موضوعي؛ فهي مثلن��ا يف العامل ،مدركة للعامل ،ومدركة
ملا حيدث هلا ،وما حيدث هلا -جلسدها وحلريتها وحلياهتا -هيمها ،سواء أكان هناك شخص آخر
هيت��م هبا أم ال ،ويرتت��ب عىل ذلك أن هذه الكائنات تش��اركنا يف احلقوق التي ذكرناها س��اب ًقا،
مب��ا يف ذل��ك احلق يف أن يت��م التعامل معها باح�ترام»)(3؛ فاالحرتام مبدأ أس��ايس عند «ريغان»
م��ن أجل إس��ناد احلقوق والقيمة املتأصلة لإلنس��ان واحليوان؛ فنحن ال منلكها ليك نس��تخدمها
كام نرغب أكرث من حياة البرش؛ فكل منهام متشاهبان يف كوهنام خملوقات ذات وعي وشعور،
وأهن�ما موضوعات للحياة ،واس��تخدامهام كوس��يلة لتحقيق غايات اآلخرين يش��كل انتهاكًا
حلقوقهام سابقة الذكر).(1
وقد اس��تند «ريغان» عىل مسلمة أساسية يف احلفاظ عىل حقوق احليوان؛ وهي« :إن إيذاء
الكائن��ات البرشية ألجل منفعة أو متعة أي مجاعة هو انتهاك حلقها يف عدم إحلاق األذى هبا».
ثم تس��اءل عن مدى إمكانية تطوير هذه املس��لمة لتش��مل احليوانات األخ��رى غري البرشية؛
فإذا كان من حق الكائنات البرشية عدم إحلاق األذى هبا ،فهو كذلك حق من حقوق احليوانات
غ�ير البرشي��ة ،فمن غري املعقول واملده��ش أن نتصور أن احليتان واألران��ب والقرود وغريها
ماليني من احليوانات التي تتأمل ومتوت عىل أيدي البرش ال تشعر باألذى؛ فالشعور باألذى ليس
�ورا عىل الكائنات البرشية ،فاحليوانات تتأذى باملعىن احلريف وليس املعىن املجازي عندما
مقص� ً
جترب عىل حتمل ما هو ضار بعافيتها حتى املوت .
)(2
ع�لى الرغم من ذلك ،ف��إن «ريغان» يقر بإمكانية تس��ويغ إيذاء احليوان��ات ،لكنه يؤكد
م��ن جان��ب آخ��ر عىل أن م��ن يؤذوهنا خيفقون -ع��ادة -يف توضي��ح أن األذى الواق��ع عىل هذه
مسوغ فعل َّيا .ومن هنا يؤكد عىل أننا ملزمون خلق ًّيا مبقارنة أي ممارسة تنتهك احلقوق
احليوانات َّ
ما مل يتضح لنا ملاذا حيدث ذلك؛ فاحليوانات ليس��ت جمرد أش��ياء ،بل هي موضوعات يف ذاهتا،
ومتتلك قيمة متأصلة ،ومن واجبنا العمل عىل بذل أقىص جهد لوضع هناية إليذاء احليوانات التي
تجُبرَ عىل املعاناة واألمل ،مثلام نفعل مع احلالة املامثلة ملنع اإليذاء عن الكائنات البرشية .وعىل
هذا األساس يضع «ريغان» نو ًعا من االلتزام اخللقي عىل اإلنسان إزاء احليوانات غري البرشية
للدفاع عن حقوقها ،واحلرص عىل عدم إيذائها مثلام يفعل اإلنس��ان مع بقية أفراد نوعه س��واء
بس��واء ،وهذا ألن اإلنس��ان هو بالرضورة األكرث وع ًيا ،ومن ثم فمن واجبه األخالقي الدفاع
عن بقية أفراد جنسه من األنواع احلية األخرى).(3
(1) Hospers, John: The Case for Animal Right, By Tom Regan, Reason Papers, No.10, (Spring,
1985), p.14.
((( النشار ،مصطفى :مدخل إىل فلسفة البيئة واملذاهب اإليكولوجية املعارصة ،الدار املرصية اللبنانية ،ط،2
القاهرة2015 ،م ،ص .71
((( املرجع السابق ،ص .72
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 232
أ َّم��ا ع��ن حماول��ة الفيلس��وف االس�ترايل «بي�تر س��نجر» ،فقد ج��اءت من خ�لال فكرته
عن «حترير احليوانات» ،وميكن إجياز أهم أفكاره من خالل النقاط اآلتية:
أيضا
-1إذا كان��ت هناك حقوق أخالقي��ة ميتلكها مجيع البرش ،فإن هذه احلق��وق متتلكها ً
احليوان��ات غري البرشية ،وبالرغ��م من أن هناك حقوقًا للب�شر ال ميكن امتالكها ،مثل
العقالنية ،واالس��تقاللية ،والوع��ي الذايت ،والقدرة عىل إبرام العق��ود ،فإن هناك بعض
الب�شر ال ميلكون هذه احلقوق عىل اإلطالق -كام يف ح��االت العجز ِ
اخللقي ،-وهذا ما
اقرتحه بعض الفالس��فة أن البرش املصابني بالعجز الدماغي غري مؤهلني بشكل واضح
لالعتبار األخالقي).(1
-2يرتت��ب عىل هذا ك�ما يقول «س��نجر»« :ال ميكنن��ا أن نقول إن مجيع الب�شر ميتلكون
حقو ًق��ا؛ ألهنم فقط أعضاء يف األنواع البرشية العاقلة»؛ ومن ثم ينتقد مذهب التمييز
بني األنواع Speciesismقائلاً « :إنه ش��كل من أش��كال املحاباة ملصاحلنا وتعزيز هلا،
لذلك فهو غري مربرة عىل اإلطالق مثل العنرصية .(2)»Racism
-3إذا كان لكل البرش حقوق ،فيجب أن تكون بسبب بعض اخلصائص األقل إىل ًّ
حد كبري،
مثل كل الكائنات احلية ،وبطبيعة احلال فإن أي خصائص بس��يطة -كالغذاء والتكاثر
واإلدراك -ميكن أن متتلكها احليوانات البرشية وغري البرشية عىل ًّ
حد سواء.
-4أن ع��زو هذه احلق��وق للحيوانات ليس��ت بالطب��ع الطريق��ة الوحيدة لتغي�ير وضعها
أيض��ا عن هذا التغيري من خالل التأكيد عىل حقيقة أن
األخالق��ي ،ولكن ميكن التعبري ً
للحيوانات مصالح واهتاممات مثل البرش).(3
-5إذا اعرتفن��ا هب��ذا ،فيجب علينا اإلقرار مببدأ املس��اواة /التكاف��ؤ Principle of Equal
يف النظ��ر إىل املصال��ح واالهتامم��ات ،وإذا كنا نق��ر أن هذا املبدأ مقبول بقدر واس��ع
أيضا العثور عىل أي أس��اس منطقي
يف التطبي��ق عىل الكائن��ات البرشية ،فمن الصعب ً
لع��دم متديده عىل مجيع الكائنات احلية األخرى ،طاملا اعرتفن��ا بأننا مجي ًعا ذوو مصالح
(1) Singer, Peter: Animal Liberation or Animal Rights?, The Monist, Vol.70, No.1, (January,
1987), Oxford University Press, 1987, p.3.
(2) Ibid, p.4.
(3) Ibid, p.4.
233 مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية
واهتامم��ات .وهذا يع�ني أن احليوانات غ�ير البرشية -أو عىل األق��ل مجيع احليوانات
غ�ير البرشي��ة التي متتلك خربة واعية مثل اإلحس��اس بالل��ذة واألمل -تدخل يف املجال
ال��ذي يثري اعتبارنا األخالقي ،عالوة عىل ذلك ،فإهنا تدخل هذا املجال مبكانة أخالقية
متساوية ومتكافئة بشكل أسايس ،وجيب أن مينح اعتبارها نفس املصالح واالهتاممات
املامثلة ألى كائن آخر).(1
-6املبدأ األس��اس للمس��اواة بني مجيع الكائن��ات احلية هو مبدأ االعتب��ارات املتكافئة يف
املصالح ،وهو كام يقول «س��نجر»« :املبدأ األخالقي األس��ايس الذي ميكن أن يسمح
لنا بالدفاع عن ش��كل من أشكال املساواة التي تشمل مجيع البرش ،مع كل االختالفات
أساس��ا كاف ًيا لتحقيق املس��اواة
املوج��ودة بينهم ،وع�لى الرغم من أن ه��ذا املبدأ يوفر ً
أساس��ا ال ميكن أن يقترص عىل مجيع البرش وحدهم ،وطاملا
أيضا ً
اإلنس��انية؛ فإنه يوفر ً
أساس��ا أخالق ًّيا س��ليماً للعالقات مع اآلخري��ن من نوعنا
قبلن��ا مبب��دأ املس��اواة بوصفه ً
أيضا بقبول��ه بوصفه مبدأ أخالق ًّيا س��ليماً للعالقات مع من هم
اخل��اص؛ فإنن��ا ملتزمون ً
خارج نوعنا»).(2
تأث��ر «س��نجر» بـ «جريمي بنت��ام» 1832-1748( J. Benthamم) يف اإلش��ارة إىل أن امليزة
األساس��ية التي متنح احليوان احلق يف املس��اواة مع اإلنسان هي قابلية املعاناة واإلحساس باألمل
أو العكس االستمتاع بالس��عادة والشعور بالفرح .وهنا يكمن األساس األخالقي الذي استند
عليه «س��نجر» للدف��اع عن حقوق احليوان؛ إن��ه مبدأ املنفعة العامة ال��ذي ينص عىل« :حتقيق
أعظم قدر من الس��عادة ألكرب عدد ممكن من الناس» .وملا كانت احليوانات قادرة عىل الشعور
بالسعادة والشقاء أو اللذة واألمل مثلها مثل البرش متا ًما ،فإن عىل البرش أن يضعوها يف حسباهنم؛
فف��ي مقابل لذاتنا من أكل حلم العجل ف��إن علينا أن نضع يف اعتبارنا معاناة العجول ،ويف مقابل
املنفع��ة التي جينيها الباحث العلمي من التجارب التي جيرهيا عىل احليوان ،ينبغي علينا أن نضع
يف حس��باننا معاناة هذه احليوانات يف املعام��ل؛ إذ ينبغي النظر إىل االآلم واملعاناة نظرة إنصاف
عىل نحو ما ننظر إىل معاناتنا متا ًما).(3
هناك أربعة افرتاضات أساسية هيمنت عىل الفكر الغريب األوريب احلديث ،وامتد تأثريها
إىل بقية أنحاء العامل ،وهي كاآليت:
-1تتميز الكائنات البرشية بشكل أسايس عن باقي املخلوقات األخرى عىل سطح األرض،
وهلم عليها سيادة كاملة.
ِ
مصريه��م اخلاص ،بحيث ميكنه��م اختي��ار أهدافهم وتعلم القي��ام مبا هو -2الب�شر س��اد ُة
رضوري إلنجازها.
(1) Taylor, Angus: Animals & Ethics; An overview of The Philosophical De Bate, 3nd, Broadview
Press, Canada, 2009, p.37.
235 مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية
((( رومية ،معني :من البيئة إىل الفلسفة ،معابر للنرش والتوزيع ،دمشق ،سوريا2011 ،م ،ص .65
أيضا :ديفال ،بال .سيشنز ،جورج :النظرة املهيمنة احلديثة إىل العامل ونقادها ،ضمن «مدخل انظر ً
إىل الفكر اإليكولوجي» ،حترير وترمجة :معني رومية ،منشورات وزارة الثقافة السورية ،مكتبة األسد،
دمشق ،سوريا2007 ،م ،ص .32
((( رومية ،معني :مرجع سابق ،ص .36
((( تايلور ،بول :أخالقيات احرتام الطبيعة ،ضمن« :الفلسفة البيئية؛ من حقوق احليوانات إىل اإليكولوجيا
اجلذرية» حترير :مايكل زميرمان ،ترمجة :معني شفيق رومية ،عامل املعرفة ،العدد ( ،)332جـ ،1املجلس
األعىل للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،أكتوبر 2006م ،ص .112
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 236
الربية بحد ذاهتا ،بوصفها أعضاء يف جمتمع األرض احليوي ،ونحن ملزمون خلق ًّيا بحامية خريها
اخلاص وتعزيزه ألجل ذاهتا فحسب)(1؛ فالنظام الطبيعي عند «تايلور» يعتمد عىل الكيفية التي
يتصور هبا اإلنس��ان العامل الطبيعي ودوره فيه؛ حيث يقول« :إن املوقف الذي ينبغي أن يتخذ
نح��و الكائنات احلية يعتمد عىل كيفية تصورنا هل��ا وعالقاتنا معها ،وما هي األمهية األخالقية
الت��ي يعلقها الع��امل الطبيعي علينا؛ أي الطريق��ة التي ننظر هبا إىل نظام الطبيع��ة برمته ودورنا
فيه»).(2
تعتمد املركزية البيولوجية عىل أربعة اعتقادات أساسية ،هي عىل النحو اآليت:
االعتق��اد األول« :إن البرش هم أعض��اء يف جمتمع حياة األرض ،باملعىن نفس��ه وبالرشوط
نفس��ها التي تكون الكائنات احلية األخرى أعضاء يف ذلك املجتمع»)(3؛ أي إن ظهور اإلنسان
العاق��ل Homo Sapiensمثل كل األنواع األخرى ،فقد ظه��ر نتيجة الندفاع احلركة الوراثية
اجليني��ة «بالصدف��ة» Randomواالنتق��اء الطبيع��ي ،وعىل ه��ذا النحو فإن الب�شر هم أعضاء
يف املجتمع البيولوجي لألرض وعىل قدم املساواة مع مجيع الكائنات احلية األخرى).(4
يتضح من ذلك ميل «تايلور» إيل فكرة العضوية من خالل مخس حقائق؛ وهي:
-1املتطلبات البيولوجية والطبيعية املشرتكة للبقاء عىل قيد احلياة والرفاهية.
-2أن اجلميع لدهيم خريهم اخلاص.
-3االشرتاك يف اإلحساس باحلرية.
مؤخرا إىل طور احلياة ،وإن الكائنات األخرى كانت تعيش قبلنا
ً -4أن الب�شر قد وصلوا
مباليني السنني عىل األرض.
-5أن مجي��ع األنواع حيتاج بعضها إىل بعض ،وه��ذا يؤدي إىل بناء مكون واحد) .(5ويبدو
واضحا تأثري «تشارلز دارون» 1882-1809( Charles Darwinم) الذي يرى أن مجيع
ً
الكائن��ات احلي��ة الباقية واملنقرض��ة ترجع إىل أص��ل واحد أو بضعة أص��ول تطورت
هي عنه أو عنها؛ فهي إذن يتصل كل منها باآلخر بآرصة القرابة).(1
االعتق��اد الث��اين« :يق��ف اجلن��س الب�شري جن ًبا إىل جن��ب مع مجي��ع األن��واع األخرى؛
فهي عنارص ال تتجزأ يف نظام مرتابط ومتامس��ك ،بحيث إن بقاء كل األش��ياء احلية فضلاً عن
فرصة إمكانية حتقيق خريها من عدمه ،ال يتحدد فحسب من خالل الرشوط الطبيعية لبيئتها،
أيضا ع�لى عالقاهتا مع األش��ياء احلية األخ��رى»)(2؛ أي إن املجتم��ع البيولوجي
ولك��ن يعتم��د ً
لألرض يش��كل شبكة معقدة من الكائنات احلية املرتابطة وظيف ًّيا ،ومن خالهلا يتم حتديد بقاء
كل كائن حي بش��كل ج��زيئ من خالل عالقاته م��ع الكائنات احلية األخ��رى) .(3وهذا يعين
أن االعت�ماد املتبادل بني مجيع األش��ياء احلية هو نظام موحد عضو ًّيا يش��كل ثقله واس��تقراره
ال�شروط الرضوري��ة لتحقي��ق خري جمتمعات��ه احليوية املكونة ل��ه) .(4ولكن يش�ير «تايلور»
معيارا خلق ًّيا،
ً هن��ا قائلاً « :إن النظرة الكلية إىل املنظومة البيئية األرضية ال تش��كل بح��د ذاهتا
وإمن��ا هي جانب واقعي من احلقيق��ة البيولوجية ،وجيب فهمها بواس��طة مصطلحات جتريبية
عادية باعتبارها جمموعة من االرتباطات السببية»).(5
االعتقاد الثالث« :إن مجيع الكائنات احلية هي مراكز غائية يف احلياة؛ مبعىن أن كل كائن
ح��ي فردى يس��عى نحو حتقيق خ�يره اخلاص بطريقته اخلاصة») .(6ويش�ير «تايل��ور» إىل أننا
ال نحت��اج إىل أنس��نة زائفة عندما نتص��ور احليوانات والنبات��ات الفردية هبذا األس��لوب؛ ألن
مراكزا غائية ال يس��تلزم قراءهتا بواس��طة خصائص برشية؛ فمثلاً ،ال نحتاج
ً فهمنا هلا بوصفها
إىل اعتباره��ا تتمتع بالوعي -رمبا يش��عر بعضها بالعامل من حول��ه وبعضها ليس كذلك -كام ال
نحتاج إىل إنكار رضوب الش��عور املتباينة ومستوياته التي تتمثل عندما يكون الوعي موجو ًدا
بشكل ما ،ولكن سواء بوجود الوعي أو دونه ،فإهنا مجي ًعا مراكز غائية للحياة متساوية ،مبعىن
((( ناصف ،حفين .عصام الدين :نظرية التطور ،مطبعة مرص ،القاهرة1952 ،م ،ص .11
(2) Taylor, W. Paul: The Ethics of Respect for Nature, Op.Cit, p.153.
(3) Callicott, Baird. J and Frodeman, Robert (Editors in Chief): Op.Cit, Vol.2, p.303.
((( تايلور ،بول :أخالقيات احرتام الطبيعة ،مرجع سابق ،ص .114
((( املرجع السابق ،ص .120
(6) Taylor, W. Paul: The Ethics of Respect for Nature, Op.Cit, p.153.
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 238
أن كال منه��ا ميثل منظومة متامس��كة من النش��اطات ذات الطابع اهل��ديف واملتوجه نحو حفظ
ذواهتا وحتقيق مصلحتها).(1
االعتق��اد الراب��ع« :إن الب�شر ال يتفقون عىل الكائن��ات احلية األخرى»)(2؛ فالبرش ليس��وا
أسمى Not Superiorمن الكائنات احلية األخرى؛ فقيمتهم املتأصلة ال تزيد عن قيمة أي كائن
ح��ي آخر) .(3وع�لى وجه التحديد ينكر «تايل��ور» أن تكون الفروق بني األنواع توفر أس��با ًبا
للتفك�ير يف ك��ون البرش أعىل م��ن أعضاء األنواع األخ��رى ،بالرغم من أن «تايل��ور» يدرك أن
البرش ميتلكون صفات متميزة تفتقر إليها األنواع األخرى ،مثل :العقالنية ،والوكالة األخالقية،
-أيضا -صفات متميزة يفتقر إليها
إال أنه يشري إيل أن أعضاء األنواع األخرى غري البرشية متتلك ً
البرش ،مثل :الرسعة الصاروخية لرسب احلامم ،ورسعة الفهود ،وشجاعة األسود ...إلخ).(4
ويقص��د بفكرة املس��اواة احلرمان من التفوق البرشي؛ صحي��ح أن البرش ميتلكون قدرات
معينة ال تتمتع هبا الكائنات احلية األخرى ،مثل :التفكري العقالين واإلبداع اجلاميل واالستقاللية
الذاتية وحق تقرير املصري ...وغريها؛ فهذه القدرات أساسية حلياة اإلنسان واملجتمع البرشي،
ولك��ن هذا فق��ط مهم داخل نطاق فك��رة التمركز حول الذات البرشية؛ فالبرش هم األس��مى
وف ًق��ا للمعايري البرشية فق��ط؛ ألن الكائنات احلية األخرى لدهيا قدرات تش�ير إىل تفوقها من
وجهة نظر نوعها؛ لذلك فإن فكرة التمركز حول الذات اإلنس��انية فكرة تعس��فية من الناحية
األخالقي��ة ،أ َّم��ا وجهة نظر املركزية البيولوجية فهي تنظ��ر إىل كل الكائنات احلية عىل أن هلا
قيمة أخالقية متأصلة ومتساوية).(5
واضحا أن «تايلور» متأثر يف هذا االعتقاد بـ»تش��ارلز دارون»؛ ألن األخري يرى أن
ً يبدو
جدا ،ولكنه فرق يف الدرجة وليس النوع)،(6
الفرق يف العقل بني اإلنسان واحليوانات العليا كبري ً
((( تايلور ،بول :أخالقيات احرتام الطبيعة ،مرجع سابق ،ص .121
(2) Taylor, W. Paul: The Ethics of Respect for Nature, Op.Cit, p.153.
(3) Callicott, Baird. J and Frodeman, Robert (Editors in Chief): Op.Cit, Vol.2, p.303.
(4) Shook, R. John (Ed and Others): Op.Cit, Vol.4, p.2392.
(5) Kernohan, Andrew: Environmental Ethics; An Interactive Introduction, Broadview Press,
Canada, 2012, pp.169-170.
(6) Darwin, Charles: The Descent of Man and Selection in Relation to Sex, With an Introduction
By John Tyler Bonner and Robert M. May, Princeton University Press, Princeton, New Jersey,
1981, p.105.
239 مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية
ف�لا يوجد أس��اس للتمي��ز بني املل��كات العقلية للب�شر وغريها م��ن الثدييات عالي��ة التطور،
وال سيام الرئيسيات؛ فكل منها ميتلك نفس احلواس واحلدس واألحاسيس واملشاعر والعاطفة،
تعقيدا مثل الغرية والش��ك واملحاكاة واالمتنان والشهامة
ً وأحاس��يس مماثلة ،حتى تلك األكرث
وممارس��ة اخل��دع ،وكل هذه الكائنات عرضة للس��خرية ،ولدهيا كذل��ك روح الفكاهة ،وهي
تش��عر بالدهش��ة والفضول ،ومتتلك نفس االهتاممات والتقليد واالنتباه واملداوالت واالختبار
والذاكرة واخليال وارتباط األفكار والعقل ،كل هذا وإن كان ذلك بدرجات خمتلفة).(1
يش�ير «تايلور» إىل أننا منخرطون يف ممارس��ة األخالق كلام قررنا القي��ام بفعل ما بوصفه
مسألة مبدأ ،حتى لو كان ذلك يتعارض مع مصلحتنا الذاتية ،فعندما نفعل شي ًئا ألننا نشعر أننا
ملزمون بالقيام به ،وعندما نقبل سلوكنا أو سلوك اآلخرين أو نرفضه ألسباب أخالقية ،وعندما
نتوق��ف للت��داول حول ما إذا كان فعل معني هو اليشء الصائب الذي ينبغي فعله يف موقف ما،
وعندما نواجه تضار ًبا يف الواجبات ونحاول حلها ،وما إىل ذلك ،فإن احلياة األخالقية لإلنسان
أيضا مجيع اخلربات التي
تتك��ون من هذه األفعال والقرارات واملش��اعر واملعتقدات ،وتش��مل ً
لدينا نتيجة اللتزامنا مبُثل معينة وقرارنا بالعيش وفق قواعد سلوكية معينة).(2
ووف ًق��ا لذل��ك ،فقد ح��دد «تايلور» أربع قواعد أساس��ية لضبط الس��لوك اإلنس��اين جتاه
الكائنات احلية غري البرشية ،وهي:
-1قاعدة عدم اإليذاء .The Rule of Non-maleficence
-2قاعدة عدم التدخل /اإلعاقة .The Rule of Non-interference
-3قاعدة الثقة .The Rule of Fidelity
-4قاعدة التعويض .The Rule of Restitutive
ترجع هذا القاعدة إىل املبدأ األول من تعاليم «س��يدارتا غاوثاما»( 483-563ق.م) املس��مى
دعى لتحديد طبيعة السلوك األخالقي śīlaمن «غوتاما بوذا» « ،»Gautama Budbhaحينام است ِ
ُْ
خالل تقديم جمموعة من التعاليم لتالميذه لتتبع الرهبانية ،وهذا املبدأ يسمى «أهيمسا» ahiṃsā
أو الالعنف ،Nonviolenceوينص عىل« :عدم القتل أو اإلرضار باآلخرين») .(1ولكن ما مدى
نطاق اآلخرين؟ ميتد نطاق اآلخرين عند «بوذا» ليشمل مجيع الكائنات احلية ما عدا النباتات.
وي��رى أن مجي��ع احليوانات غري البرشي��ة لدهيا خربات واعي��ة وحتفزها جمموع��ة من احلاالت
أيضا عرضة للمعاناة؛ لذلك يرى «بوذا» أن للحيوانات أمهية أخالقية واضحة، النفس��ية ،وهي ً
وقد ظهر هذا يف إدانته املهن التي تنطوي عىل ذبح للحيوانات؛ لذلك كانت من تعاليمه للرهبان
رضرا للحيوانات ،كام ٍ
ع��دم ارتداء جلود احليوانات ،وحظر الس��لوك الذي يس��بب عن عم��د ً
ش��جع تالميذه عىل مس��اعدة احليوانات بقدر اإلمكان ،مبا يف ذلك إنقاذها وإطالق رساحها).(2
رضراً فقاعدة عدم اإليذاء تنص عىل أننا ينبغي أن نعمل بطريقة ال تلحق الرش أو تس��بب
متعمدا) .(3وبصفة عامة ،فإن مبدأ
ً رضرا ميكن جتنب��ه أو
ً وحتديدا ينبغي أال نس��بب
ً لآلخرين،
ع��دم اإليذاء يقصد به :ع��دم إحلاق الرضر باآلخري��ن) (4أ ًّيا ما كان هذا الرضر س��واء أكان
بالفع��ل أم باالمتناع .ويرجع مبدأ ع��دم اإليذاء أو االمتناع عن إحلاق األذى باآلخرين تارخي ًّيا
تؤذ» إىل قَس��م «أبق��راط» ،وإىل العبارة الالتينية املأثورة« :أولاً وقب��ل كل يشء ،ال ترض أو ال ِ
َ
. Primum non nocere
)(5
اتس��عت دائ��رة تطبي��ق هذه القاع��دة عند «تايلور» لتش��مل مجي��ع الكائن��ات احلية غري
البرشي��ة؛ حيث يش�ير قائلاً « :هو واجب يقتيض عدم إحل��اق األذى أو الرضر بأي كائن حي
(1) Finnigan, Bronwyn: Buddhism and Animal Ethics, Philosophy Compass, Vol.12, No.7, (July.,
2017), Wiley, 2017, p.3.
(2) Ibid, p.3.
(3) http: www.rhchp.regi.edu/HCE/EthicsatAGlance/Nonmaleficence/Nonmaleficence.pdf.
In: 15-9-2018.
(4) Barcalow, Emmett: Moral Philosophy; Theories and Issues, Thomson Wadsworth, New York,
2007, p.18.
(5) B. James, Jr. Tubbs: A Handbook of Bioethics Terms, Georgetown University Press,
Washington, D.C, 2009, p.114.
241 مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية
يف البيئ��ة الطبيعية التي متتلك خريها اخلاص من تلقاء نفس��ها ،ويتضمن هذا الواجب عدم قتل
أي كائ��ن حي ولي��س فقط تدمري أو هدم موائله��ا الطبيعية -أي جمتمعاهت��ا ،-وكذلك يتضمن
االمتن��اع ع��ن أي فعل من ش��أنه أن يرض أو ي��ؤذي خري الكائن��ات احلية ،أو جمتم��ع األنواع،
أو مواطن احلياة للكائنات األخرى»).(1
وطب ًقا للتعريف السابق ،فإن هذه القاعدة حتدد واج ًبا سلب ًّيا يتطلب منا أن ميتنع الفاعلون
األخالقي��ون ع��ن أنواع معينة من األفع��ال ،وال يتطلب منا القيام بأي أفع��ال أخرى ،مثل تلك
األفع��ال الت��ي متنع وقوع ال�ضرر أو األذى إىل الكائن��ات احلية أو حتى املس��اعدة من ختفيف
معاناهتا) .(2إال أن هذه القاعدة ال تنطبق عىل سلوك احليوانات غري البرشية أو نشاط الكائنات
احلي��ة األخرى التي قد ترض بكائن حي آخر أو تس��بب موته؛ فمث�ًل�اً لنفرتض أن صخرة صلبة
أيضا
اهتزت وس��قطت عىل ف��أر وأدت إىل مقتله ،فهن��ا مل حيدث أي خطأ أخالق��ي ،ولنفرتض ً
أيضا مل حيدث أي خطأ صقرا هز الصخرة مما جعلها تس��قط عىل الفأر فقتلته ،فهن��ا ًأن هن��اك ً
قصد أو بشكل متعمدٍ،
أخالقي ،عىل الرغم من أن س��لوك الصقر ميكن اعتباره ش��يئا يفعله عن ٍ
ً
إال أن��ه ليس فاعلاً أخالق ًّي��ا ،وبالتايل ال يقع ضمن نطاق قاعدة عدم اإليذاء؛ فالصقر مل ينتهك
أي واجب؛ ألنه ليس عليه أية واجبات أخالقية).(3
ي�ضرب «تايل��ور» مثالاً آخر عىل النقيض من املثال الس��ابق :فإذا ت��م اصطياد الصقر من
الربية من قبل صياد ،وعمل عىل تدريبه من أجل مطاردة احليوانات ،وقتل الطيور الربية حتت
إرشافه .هنا فقط حيدث تدخل الس��لوك البرشي الذي هيدف إىل الس��يطرة والتالعب بالكائن
كب
احل��ي للتمتع برياضة الصي��د التي تنطوي ع�لى رضر بالكائنات احلية األخ��رى؛ فهنا ار ُت َ
خط��أ ،ولكن ليس من الصقر ،ع�لى الرغم من أن الصقر هو القاتل الفع�لي يف هذه احلالة ،وأن
الطي��ور التي تقتلها هي فريس��تها الطبيعية .اخلطأ الذي حدث يف ه��ذه احلالة هو خطأ قام به
طائ��ر مفع��ول به؛ أي تم التالعب به من قبل الصياد؛ فالطائر مل يكرس قاعدة الواجب ،ولكن
ترصفات الصياد الذي استوىل عليه ودربه من أجل تسليته اخلاصة).(4
(1) Taylor, W. Paul: Respect for Nature; A Theory of Environment Ethics, In: «Environmental
Ethics», by ed; Michael Boylan, Second Edition, John Wiley & Sons, Inc, Wiley Blackwell,
2014, p.153.
(2) Ibid, p.153.
(3) Ibid, pp.153-154.
(4) Ibid, p.154.
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 242
يتضح مما س��بق ،أن «تايلور» ينفي عن الكائنات احلية غري البرشية أية فاعلية أخالقية،
أيضا كل من «س��نجر» إال أن��ه مل ينف عن س��لوكها الفاعلي��ة والقصدية .وهذا ما أش��ار إليه ً
و«ماي��كل ت��ويل)*(» 1941( Michael Tooleyم ،)-من أهنا تب��دو عاقلة وذاتية الوعي وتصور
أيضا عامل
نفس��ها بوصفه��ا كائنات متميزة مع وعى باملايض واملس��تقبل) .(1وهذا ما أش��ار إليه ً
النفس «دونالد جريفني» 2003-1915( Donald Griffinم) أن احليوانات متلك «نية واعية»)،(2
ووصفه��ا بعدة صفات وهي :الوعي ،والوعي الذايت ،واإلدراك ،واالس��تقالل الذايت ،والغايات
والوسائل ،واالحتامالت اللغوية).(3
وه��ذا م��ا جعل «س��نجر» يش�ير إىل فكرة قدس��ية احلياة البرشي��ة وغري البرشي��ة قائلاً :
«لق��د اقرتحت أن��ه إذا كانت للحي��اة البرشية قيمة خاص��ة ومطالب خاص��ة حلاميتها ،فإهنم
ميتلك��ون ذل��ك بقدر ما هم كائن��ات برشية ،ولك��ن إذا كانت بعض الكائن��ات غري البرشية
أيضا أن تكون حلياة تل��ك احليوانات نفس القيمة اخلاصة ه��ي أش��خاص ،Personsفإنه ينبغي ً
واملطالب��ة بحاميتها ،ومن ثم ينبغي علينا أن نرفض املذهب الذي يضع حياة أفراد جنس��نا فوق
حياة أفراد األنواع األخرى»).(4
تثري كلمة «الش��خص» جدالاً وخالفًا بني فالسفة األخالق ،إال أهنم يجُ معون عىل جمموعة
من اخلصائص يف تعريفهم للشخصية ،وهي:
(*) «مايكل ت��ويل» :فيلسوف أمرييك معارص ،حصل عىل درجة الدكتوراه يف الفلسفة من جامعة
حاليا
ً «برينستون» عام 1968م ،ودرس يف جامعة «ستانفورد» واجلامعة الوطنية األسرتالية ،ويعمل
يف جامعة «كولورادو» ،وله عديد من االهتاممات الفلسفية،؛ منها :امليتافيزيقا (الوقت ،السببية ،قوانني
الطبيعة) ،ونظرية املعرفة (تربير االستقراء ،دحض مذهب الشك ،اإلدراك) ،وفلسفة الدين (احلجة من
الرش ،املعجزات ،احلجج املؤيدة واملعارضة لالعتقاد الديين) ،واألخالق (اإلجهاض ،األخالق اجلنسية).
ومن أهم مؤلفاته الفلسفية« :اإلجهاض؛ ثالث وجهات نظر» عام 2009م ،و«معرفة اإلله» عام 2008م،
و«الوقت ،والتوتر ،والسببية» عام 1997م ،و«امليتافيزيقا» مخسة أجزاء عام 1999م ،و«السببية» عام
1993م ،و«السببية؛ مقاربة واقعية» عام 1987م.
See: https: //web.archive.org/web/20131124100738/http: //spot.colorado.edu: 80/~tooley/
AcademicInformation.html , In: 3-11-2018.
(1) Singer, Peter: Practical Ethics, Op.Cit, p.132.
(2) Leahy, P.T. Michael: Against Liberation; Putting Animals in Perspective, Routledge, New
York, 1994, p.140.
(3) Ibid, pp.141-163.
(4) Singer, Peter: Practical Ethics, Op.Cit, p.117.
243 مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية
((( بارتريدج ،إرنست :مقدمة إىل األخالق البيئية ،ضمن« :مدخل إىل الفكر اإليكولوجي» ،حترير وترمجة:
معني رومية ،منشورات وزارة الثقافة السورية ،مكتبة األسد ،دمشق ،سوريا2007 ،م ،ص .82-81
((( «هامبشاير نيوتن ستيوارت» :فيلسوف إنجليزي معارص ،ولد يف لينكولنشاير يف إنجلرتا ،وتلقى تعليمه
يف مدرسة ديبتون وكلية باليول أكسفورد ،واشتهر بكتاباته يف عديد من املجاالت الفلسفية ،منها:
فلسفة العقل ،وفلسفة اللغة ،وفلسفة األخالق ،وفلسفة اجلامل ،وفلسفة السياسة ،ويعد كتاب «الفكر
والفعل» عام 1959م من أهم مؤلفاته عىل اإلطالق ،وله عديد من املؤلفات الفلسفية املهمة األخرى ،منها:
«سبينوزا» عام 1951م ،و«املنطق والتقدير» عام 1952م ،و«الفلسفة األخالقية وحرية اإلرادة» عام
1959م ،و«حرية العقل وغريها من املقاالت» عام 1971م ،و« احلرية الفردية» عام 1975م ،و«نظريتان
أخالقيتان» عام 1977م ،و«األخالق العامة واخلاصة» عام 1978م ،و«املبادئ األخالقية والرصاع» عام
1983م ،و«العدالة رصاع» عام 2000م.
See: Shook, R. John (ed and others): Op.Cit, Vol.2, pp.1014-1017.
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 244
أو أية مفاهيم عىل اإلطالق .والثاين يشري يف كتابه «ضد التحرر» إىل أن احليوانات التي تفتقر
إىل اللغة ال متتلك النوايا أو الترصف لس��بب ما) .(1وس��بقهام يف ذلك «أرس��طو»؛ حيث يرى أن
خالدا ،بل ه��و مبدأ متحرك؛
كل كائ��ن ح��ي لدي��ه روح ،Soulولكنه ال يعين أنه ميل��ك وع ًيا ً
أي القدرة عىل إظهار وظائفه الطبيعية ،فروح النبات هتتم بالتغذية والنمو ،أ َّما روح احليوانات
فهي ختتلف عن النباتات باإلدراك ،وخيتلف البرش عن احليوانات والنباتات بالقدرة عىل تصور
معين احلياة واإلدراك (احليس) والقدرة عىل التفكري ،فطب ًقا لـ»أرسطو» فإن لكل نوع من أنواع
الكائنات احلية وظائف مناسبة لطريقته اخلاصة باالزدهار).(2
ونف��ي ه��ذه الصفات عن احليوان��ات يقتيض بال�ضرورة نفي صفة األخالقي��ة عنها ،وهذا
ما أوضحه «ج��ون ديوي» 1952-1859( J. Deweyم) قائ�ًل�اً « :األخالقية صفة تتعلق مبارشة
بالطبيع��ة اإلنس��انية ،كام أن علم األخالق ليس ش��ي ًئا ل��ه ميدان منفصل ،ولكن��ه معرفة مادية
بيولوجية تارخيية وضعت يف حمتوى إنساين حيث تيضء مناشط اإلنسان وترشدها»).(3
أيضا املفكر العريب «ط��ه عبد الرمحن» يف كتابه «س��ؤال األخالق»
وه��ذا ما أكد علي��ه ً
أثناء حديثه عن الصفة األساس��ية التي يتميز هبا اإلنسان عن احليوان ،وانتهى إىل أن األخالقية
هي األصل الذي تتفرع منه كل صفات اإلنسان من حيث هو كذلك ،والعقالنية التي تستحق
أن ُتنسب إليه ينبغي أن تكون تابعة هلذا األصل األخالقي).(4
أيضا «لوي��س ج .لومب��اردي» Louis G. Lombardiعىل ك��ون احليوانات
وق��د اعرتض ً
والنباتات هلا قدرات مس��اوية للكائنات البرشي��ة؛ حيث يرى أن القيمة املتأصلة تتوقف عىل
مدى قدرات الكائنات احلية ،وجاءت حجته -كام عرضها تايلور -عىل هذا النحو:
أ-احليوانات والنباتات هي أنواع خمتلفة من الكائنات احلية.
(1) Leahy, P.T. Michael: Op.Cit, p.113. And See Also: Humphreys, Rebekah: Animal Thought
on Factory Farm: Michael Leahy, Language and Awareness of Death, Between The Species,
No.viii, California Polytechnic State University, San Luis Obispo, CA, August, 2008,
(2) Taylor, Angus: Op.Cit, p.36.
((( ديوي ،جون :الطبيعة البرشية والسلوك اإلنساين ،ترمجة وتقديم :حممد لبيب النجيحي ،تصدير :حممد
مدين ،سلسلة مرياث الرتمجة العدد ( ،)2681املركز القومي للرتمجة ،القاهرة2015 ،م ،ص .310-309
((( عبد الرمحن ،طه :سؤال األخالق؛ مسامهة يف النقد األخالقي للحداثة الغربية ،املركز الثقايف العريب،
الدار البيضاء ،املغرب2000 ،م ،ص .14
245 مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية
تفرتض هذه القاعدة -كام يشري «تايلور» -وجود نوعني من االلتزامات؛ األول يتطلب منا
االمتن��اع والكف عن فرض قيود عىل حرية الكائنات الفردية األخرى ،بينام يتطلب الثاين منا
فرض سياس��ة عامة ملنع األيدي وكفها عن النظ��م اإليكولوجية واملجتمعات احليوية بأكملها.
ويقصد باحلرية يف مضمون هذه القاعدة انعدام القيود ،وتعين القيود أية رشوط تكبح أو تعيق
النشاط الطبيعي والنمو الصحي للحيوانات أو النباتات؛ فالكائن حر -هبذا املعىن -طاملا تنعدم
القي��ود التي قد تضع��ف قدرته عىل التكيف بنجاح مع بيئته الطبيعي��ة؛ وهي عىل أربعة أنواع:
أ -القي��ود اخلارجي��ة اإلجيابية (مثل :املصائد والفخ��اخ) .ب -القيود الداخلي��ة اإلجيابية (مثل:
األم��راض ،والس��م املبتلع ،واملواد الكيميائية الس��امة املمتصة) .ج -القيود اخلارجية الس��لبية
(مثل :ندرة املاء والغذاء) .د -القيود الس��لبية الداخلية (نقاط الضعف والعجز بسبب األعضاء
املصابة أو األنسجة)).(2
وميك��ن للبرش تقييد حرية حرك��ة احليوانات والنباتات ،إ َّما ع��ن طريق فرض بعض من
ه��ذه القي��ود مبارشة عليها أو عن طريق إح��داث تغيري يف بيئاهتا الطبيعي��ة التي تعمل بوصفها
قي��و ًدا عليها ،ويف كلتا احلالتني ،إذا فعلنا هذه األش��ياء عن عل��م ،فنحن متهمون بانتهاك قاعدة
عدم التدخل /اإلعاقة).(3
أ َّم��ا الن��وع الثاين م��ن االلتزامات الت��ي تفرضها علينا ه��ذه القاعدة كام يش�ير «تايلور»
ه��و ترك املخلوقات الربي��ة تعيش حياهتا يف حرية تام��ة؛ فهذه القاعدة تتطل��ب منا االمتناع
(1) Taylor, W. Paul: Are Humans Superior to Animals and Plans?, In: «Environmental Ethics», by
ed; Eugenc C. Hargrove, Vol.6, No.2, (Summer., 1984), Environmental Philosophy, Inc. The
University of Georgia, Athens, 1984, p,154.
(2) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, p.154.
(3) Ibid, p.154.
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 246
ع��ن أرسه��ا أو نزعها من موائله��ا الطبيعية ،دون النظر إىل مدى قدرتنا ع�لى معاملتنا هلا ،وإذا
فعلن��ا ذلك نك��ون قد انتهكنا هذه القاعدة حتى لو كان اهلدف م��ن ذلك إنقاذها أو إخراجها
م��ن خط��ر طبيعي أو حتى من خالل مس��اعدهتا عىل اس��تعادة صحتها بعد أن مت��رض يف بيئتها
الطبيعية؛ فمثلاً ،عندما نأخذ األش��جار أو الزهور الربية م��ن النظام البيئي الطبيعي ،ونزرعها
يف أرض ذات مناظر طبيعية ،فإننا بذلك نكرس قاعدة عدم التدخل /اإلعاقة س��واء أكنا نعتين
جيدا أم ال؛ ألننا منكنها من العيش حي��اة أطول وأكرث صحة مما كانت تتمتع به يف الربية،
هب��ا ً
لقد ارتكبنا خطأ عدم السامح هلا أن تعيش حياهتا الطبيعية بحرية تامة .ويف مجيع األحوال ال
ينبغ��ي التدخل يف جمال العامل الطبيعي وإهناء وجود كائن حي بوصفه خملوقًا بر ًيا ،بالرغم من
أن معاملتنا له قد تحُ سن من قوته ،وتعزز من منوه ،وتزيد من فرص بقائه يف حياة صحية طويلة
األم��د؛ وهذا يقتيض منا أال نحاول التالعب أو التأث�ير أو التغيري ،أو إدارة النظم اإليكولوجية
الطبيعية ،أو التدخل إلحداث تغيري بطريقة أو بأخرى يف أدائها الطبيعي).(1
بالتأكيد ،س��تخرس بعض الكائنات يف رصاعها مع املنافس�ين الطبيعيني ،وبعضها س��يعاين
من الرضر ألسباب طبيعية ،ولكن بقدر ما يتعلق األمر بدورنا بوصفنا فاعلني أخالقيني ،جيب
علينا أن نلتزم التزا ًما صار ًما بقاعدة عدم التدخل /اإلعاقة ،وأن ُيظهر س��لوكنا احرتا ًما عمي ًقا
لس�لامة نظام البيئة ،حتى عندما يتعرض نظام بيئي بأكمله خلطر ش��ديد بسبب كارثة طبيعية
مثل :الزالزل ،واحلرائق النامجة ع��ن الصواعق ،وثوران الربكان ،والفيضان ،واجلفاف...إلخ؛
فنح��ن ملزمون بعدم التدخل /اإلعاقة يف حماول��ة إصالح الرضر والتلف الذي وقع ،واالمتناع
عن التدخل يف ترتيب األش��ياء بعد أي كارثة طبيعية؛ ألن هذا ُيعد وس��يلة من وس��ائل التعبري
عن موقف احرتامنا للطبيعة؛ حيث إننا بذلك نعطي التقدير التام لعملية التغيري التطوري التي
كانت قصة احلياة عىل األرض منذ بدايتها).(2
يوضح «تايلور» أن السياس��ة العامة لقاعدة عدم التدخل /اإلعاقة هي مس��ألة مبدأ حياد
ب�ين األنواع ،فقد نرغب يف مس��اعدة بعض األنواع؛ ألننا نحبها أو ألهن��ا مفيدة لنا ،لكن هذه
القاع��دة تتطل��ب منا أن نضع أفعالنا الش��خصية ومصاحلن��ا البرشية جان ًبا يف إش��ارة إىل كيفية
كفاية الع��امل الطبيعي للحفاظ عىل نظامه تعاملن��ا معها؛ فاحرتامنا للطبيعة يع�ني أننا نعرتف بِ ِ
اخلاص يف مجيع جماالت احلياة ،مبعىن أن يكون موقف االحرتام جتاه النظم البيئية الطبيعية نحو
الكائن��ات احلية غري البرشية ،ونح��و عملية التطور بأكملها هو االعتق��اد بأن ال يشء خاطئ
يف الطبيع��ة ،حت��ى تدم�ير جمتمع حيوي كامل أو انق��راض نوع ما ليس دلي�ًل�اً عىل وجود يشء
خاطئ ،وإذا نش��أت أس��باب ملثل هذه األحداث داخل نظام الطبيعة نفس��ه ،فلن حيدث يشء
خاط��ئ عىل اإلط�لاق .وحقيقة أن الكائنات احلي��ة تعاين ومتوت ال تدعون��ا إىل اختاذ أي أفعال
تصحيحي��ة /تعويضي��ة م��ن جانب البرش فق��ط عندما ال يك��ون لإلنس��ان أي عالقة بقضية
معاناهتا أو موهتا؛ ألهنام مظهران تكميليان يف ترتيب نظام الطبيعة).(1
يب��دو هنا تأث��ر «تايلور» بنظري��ة البقاء لـ«تش��ارلز دارون» ،التي يرى فيها أنه بس��بب
التنازع ،فإن التاميزات ،مهام تكن بس��يطة ومهام يكن س��بب انبثاقه��ا ،وإذا كانت مفيدة إىل
درجة ألفراد أحد األنواع ،يف عالقاهتا املعقدة بصورة ال هنائية مع الكائنات العضوية األخرى
ومع ظروفها الطبيعية يف احلياة ،فس��وف متيل إىل االحتفاظ مبثل هؤالء األفراد ،وس��وف تصبح
أيضا ،سوف يكون لدهيا هبذا الشكل
بشكل عام متوارثة عن طريق الذراري .وهذه الذراري ً
فرص��ة أفض��ل للبقاء عىل قيد احلي��اة؛ وذلك ألنه من ب�ين العديد من األف��راد التابعني ألي نوع
الذي��ن يول��دون بصورة دورية ،فال يس��تطيع إال عدد قليل منهم البقاء عىل قي��د احلياة .وأنا قد
مفيدا ،مصطلح
أطلقت عىل هذا املبدأ الذي عن طريقه يتم االحتفاظ بأي متايز بسيط إذا كان ً
«االنتق��اء الطبيع��ي» ،وذلك من أجل متييز عالقته بقدرة اإلنس��ان عىل االنتق��اء ،ولكن التعبري
كثريا ما يستخدم بواسطة السيد «هريبرت سبنرس»؛ وهو البقاء لألصلح).(2
الذي ً
أض��ف إىل ما س��بق ،أن قاعدة ع��دم التدخل عند «تايل��ور» تفرض علين��ا التزا ًما أخالق ًّيا
آخ��ر وهو مبدأ ع��دم التحيز لألنواع ،حيث يعم��ل عىل توازن ميول الن��اس ومقاصدهم جتاه
بعض األنواع عىل حس��اب بعضها اآلخر ،وتظهر هذه امليول عند النظر إىل ردود أفعال الكثري
م��ن الناس عىل عالقة الفريس��ة باملفرتس بني احليوانات الربية؛ فمثلاً ،عند مش��اهدة الكالب
الربي��ة وهي هتاجم حيوان «الن��و ثيتل» ،ثم تبدأ يف التهام جزيئ له وه��و عىل قيد احلياة؛ فعىل
الفور نش��عر بالتعاطف مع الفريسة وكراهية املفرتس ،وهنا يظهر ميل لصناعة حكم أخالقي
بالتفكري يف الكالب بوصفها رشس��ة وقاس��ية ،والنظ��ر إىل حيوان «النو ثيت��ل» بوصفه ضحية
بريئة) ،(1وهذا ما يرفضه «تايلور».
ويس��تطرد قائ�ًل�اً « :إذا قبلن��ا نظرية املركزي��ة البيولوجية ،وأصبح لدين��ا احرتام حقيقي
للطبيعة؛ فالبد أن نلتزم مببدأ احلياد بشكل صارم بني املفرتس والفريسة ،بني الطفييل واملضيف
(العائل واملعيل)») .(2ولكن ماذا عن بعض الكائنات التي تكون أكرث قيمة بالنسبة لنا من قيمة
الكائن��ات األخرى؟ يرفض «تايلور» هذه النظرة قائ�ًل�اً « :إن هذا األمر ال يتفق مع االفرتاض
األس��اس ملوقف احرتام الطبيعة ،الذي ينص ع�لى أن كل الكائنات احلية يف العامل الطبيعي هلا
نفس القيمة املتأصلة دون استثناء»).(3
عىل الرغم من أمهية هذه القاعدة التي تؤكد عىل أمهية عدم التدخل يف احلياة الطبيعية
للكائن��ات غ�ير البرشية ،إال أن «توماس هوبز» يش�ير إىل أن احليوان��ات موجودات غري
عقالني��ة ،وال ميك��ن أن تدخ��ل يف تعاقدات ،وطامل��ا مل ندخل يف أي اتفاق م��ع احليوانات
بشكل متبادل لكبح سلوكنا جتاه بعضنا ،فنحن ما زلنا يف حالة حرب أصيلة معها .وحسب
تعبري «هوبز» فإن البهيمة A beastغري مقيدة بأي مبدأ للعدالة لالمتناع عن قتل اإلنسان،
وكذلك ال يوجد سبب مينع اإلنسان من قتل البهيمة ،فمن حقنا أن نفعل ما نشاء باحليوانات
م��ن أجل احلصول ع�لى اخلدمة الت��ي نريدها ،وهذا األمر ليس ناش � ًئا عن مرس��وم إهلي،
بل ناش � ًئا ببس��اطة من اإلرادة الطبيعية األساس��ية للقيام بكل ما نعتقد أنه سيجعل حياتنا
أكرث أم ًنا).(4
-3قاعدة الثقة:
تف�ترض هذه القاعدة من��ذ البداية عدم كرس الثق��ة التي يضعها فينا حي��وان بري ،وعدم
ِخداع��ه م��ن قب��ل الفاعل�ين األخالقيني وتضليل��ه ،وع�لى الرغم م��ن أن الفاعل�ين األخالقيني
ال يس��تطيعون إبرام اتفاقيات م��ع احليوانات الربية ،إال أننا نس��تطيع الترصف بوصفنا فاعلني
أخالقي�ين بطريقة جتعله��ا تعلن ثقتها فين��ا .وااللتزام األخالقي األس��اس ال��ذي تفرضه هذه
القاعدة هو أن نظل خملصني هلذه الثقة التي وضعها فينا احليوان).(1
وم��ن األمثل��ة عىل كرس هذه القاع��دة بعض التج��اوزات التي حتدث يف صي��د احليوانات
أو حبس��ها ،ويف الواق��ع فإن كرس ه��ذه الثقة هو عملية خداع؛ لذلك ما مل يكن هناك س��بب
أخالق��ي مهم لالنخراط يف هذه األنش��طة ،فيجب إدانتها من قب��ل أخالقيات احرتام الطبيعة،
�زا عىل مبدأ نزي��ه؛ ألن الفعل
وجي��ب أن يك��ون الس��بب األخالقي مهماًّ يف ح��د ذاته ومرتك� ً
م��ا ي��زال خاط ًئا يف ح��د ذاته طاملا يش��كل انتهاكًا لقاع��دة أخالقية صاحل��ة ،وال ميكن تربيره
إال م��ن خالل واجب أكرث أمهية من واجب الثقة من خالل مبدأ أولوية الصالحية األخالقية
.(2)Morally Valid Priority Principle
نس��تنتج من هذا ،أن ه��ذه القاعدة هي واجب ظاهر الص��دق - Prima Facie Dutyكام
أش��ار السري «وليم ديفيد روس» 1971-1877( W. D. Rossم) -مبعىن أنه التزام ُيلزم الشخص،
ولكنه ال مينع وجود إمكانية جتاوزه أو ختطيه بواسطة إلزام آخر أسمى منه ،فهو ليس كام قد
أيضا إىل إلزام أو واجب حقيقي،
ُتوحى الكلامت ،أعىن إلزا ًما أو واج ًبا ظاهر ًّيا ،وإمنا يش�ير ً
ع�لى الرغ��م من كونه ليس مطل ًق��ا ،ومن ثم ُيق��ال :إن االلتزام اخلاص بالوف��اء بالعهد «واجب
مربرا أخالق ًّيا للوفاء ب��ه؛ فإن هذا املربر يمُ كن
ظاه��ر الصدق»؛ ألنه إذا كان االلت��زام بالعهد ً
يف احلاالت االس��تثنائية جتاوزه بإل��زام أكرث منه رضورة كام حيدث عندم��ا يتعلق األمر بإنقاذ
حياة إنسان).(3
ي�ضرب «تايلور» أمثلة عىل كرس قاع��دة الثقة ،فعندما يذهب صي��اد للبحث عن الدببة
أو الغزالن -مثلاً ،-فإنه سيس�ير يف الغابة هبدوء ش��ديد وبطريقة خفية قدر اإلمكان ،وصياد
تقليدا زائ ًفا ،ويف كلتا
ً نداء كاذ ًبا أو جيدا ويضع رَّ
الشاك اخلداعة ،ويس��تخدم ً البط س��يختبئ ً
احلالت�ين ،ف��إن الغرض هو احلصول عىل نط��اق قريب للرماية من الثديي��ات أو الطيور ،حيث
يظل الصياد هاد ًئا ثم يرفع بندقيته؛ ليصطاد هدفًا دقي ًقا ،وهذا املوقف يتضمن :أ .حترك احليوان
ال�بري كام ل��و مل يكن يوجد خطر عىل اإلط�لاق .ب .فعل الصياد يف ه��ذه احلالة هو تضليل
متعم��د للحي��وان .ج .يقوم الصياد هب��ذه األفعال من أجل قت��ل احليوان) .(1ثم يب�ين «تايلور»
أن من��ط س��لوك الصياد -يف كلتا احلالت�ين -يدل عىل أنه َيعتبرِ احليوانات إ َّم��ا أهنا ال متتلك قيمة
متأصل��ة أو أن لدهي��ا درج��ة أدىن من القيم��ة املتأصلة ،ويف كلت��ا احلالتني؛ ف��إن موقف الصياد
ال يتوافق مع موقف احرتام الطبيعة ،أضف إىل ذلك أن كرس قاعدة الثقة ينطوي عىل انتهاكات
جسيمة لقاعديت عدم اإليذاء وعدم التدخل /اإلعاقة).(2
أ َّم��ا ل��و كان الصي��د للحص��ول عىل الغ��ذاء أو الكس��اء بوصف��ه رضورة لبقاء اإلنس��ان؛
فإن أفعال الصيد يف هذه احلالة كام يش�ير «تايلور» مس��موح هبا أخالق ًّيا ،واملبادئ األخالقية
الت��ي ت�برر ذلك تنبع م��ن األخ�لاق البرشية املبنية ع�لى مبدأ اح�ترام األش��خاص ،باإلضافة
إىل مبدأ األولوية الذي جيعل من واجب تعزيز بقاء اإلنسان أسمى من واجبات :عدم اإليذاء،
وعدم التدخل ،والثقة املستحقة للكائنات غري البرشية).(3
-أيضا -ك�سر قاعدة الثقة من أجل تعزيز فائدة احليوانات ،فمثلاً
ك�ما أن «تايلور» جييز ً
عندم��ا يتج��ول الدب الرمادي بالقرب من منطقة س��كنية ،فمن أج��ل احليلولة دون وقوع أذى
أيضا ،ميكن إطالق النار عليه من خالل السهام املهدئة غري
ليس لإلنس��ان فحس��ب ،بل للدب ً
املؤذي��ة ،وأثناء فق��ده للوعي يتم نقله إىل منطقة برية بعيدة وترك��ه .ومن األمثلة األخرى عىل
ذل��ك ،حمارصة حيوان مصاب أو مريض ،بحيث ميكن نقله إىل مستش��فى احليوانات ومعاجلته
ث��م إعادت��ه إىل الربية عندما يتعاىف متا ًما ،وكذلك عندما يتم القبض عىل عدد -قليل -من الطيور
امله��ددة باالنق��راض من أجل حفظ بقاء نوعها عن طريق رفع نس��بة التكاث��ر ،ثم يتم إطالق
رساح صغارها يف مناطق املوائل الطبيعية يف حماولة ملنع األنواع من االنقراض).(4
إن ارتكاب الظلم يؤدي إىل قيام واجب التعويض الذي عادة ما يقع عىل الشخص املعتدي؛
بحيث يتحمل الش��خص اآلثم التزا ًما أخالق ًّيا بقصد الرتاجع ع��ن آثار أفعاله املاضية ،متضم ًنا
الس��عي نح��و إصالح الرضر الذي تس��بب في��ه للضحية ،األمر ال��ذي يتطلب منه إ َّما الس��عي
أيضا توجيه التزام
إىل عكس هذا الفعل أو دفع تعويض مقابل الرضر الذي وقع ،كام يتضمن ً
أخالقي باالعتذار عن األفعال الضارة).(1
وي��رى «تايل��ور» أن ه��ذه القاعدة تفرتض واجب اس��تعادة ت��وازن العدالة ب�ين الفاعل
األخالقي واملوضوع األخالقي ،عندما خيطئ الش��خص يف املوضوع ،وأن هذا الواجب ينش��أ
عندما ينتهك الفاعل األخالقي قاعدة أخالقية صاحلة ،وأن يكون ذلك قد أزعج توازن العدالة
بني نفسه واملوضوع األخالقي) .(2وقد أشار «أرسطو» إىل أن العدالة التعويضية هي التي حتدد
العالقات بني األفراد وتقوم بإعطاء كل ذي حق حقه مع مراعاة املس��اواة املادية يف التبادالت.
وموضوعه��ا احلق��وق والواجب��ات ،ويك��ون انتهاكه��ا بالقتل أو س��وء املعامل��ة ،أو الكذب،
أو الرسق��ة ،أو اإلهان��ة ،أو االف�تراء ،وكل انتهاك هلا يل��زم املنتهك بالتعوي��ض) .(3فاالعرتاف
بقاع��دة العدال��ة التعويضي��ة يلزم امل��رء أن يعوض املوض��وع األخالقي عن طريق أي ش��كل
من أش��كال التعويض أو اإلصالح ،وهذه هي الطريقة التي يعيد هبا املرء توازن العدالة الذي
سائدا بني نفسه واملوضوع قبل أن يتم جتاوز انتهاك هذا الواجب.
كان ً
يوض��ح «تايلور» أن القاعدة األخالقية الصحيحة التي تش��كل عالقات أخالقية حقيقية
بني الفاعلني األخالقيني واملوضوعات األخالقية ،هي أن يقوم كل فاعل بالواجبات املس��تحقة
ل��كل موضوع ،ومن ثم يتلقى كل موضوع املعاملة املناس��بة له .ولكن طاملا هناك انتهاك هلذه
�د؛ فإن ميزان العدالة مييل ضد الفاعل ويؤي��د املوضوع؛ أي عىل الفاعلالقاعدة بش��كل متعم� ٍ
نظرا ألن الفعل
يف هذه احلالة عبء خاص يتحمله ،وحيق للضحية احلصول عىل منفعة خاصة؛ ً
اخلاطئ قد أعطى فائدة غري مستحقة للفاعل ،وأوقع ظلماً عىل املوضوع ،ومن أجل إعادة توازن
العدالة املائل إىل التوازن الصحيح ،جيب عىل الفاعل تقديم إصالح أو دفع ش��كل من أش��كال
(1) Butt, Daniel: Nation, Overlapping Generation, and Historic Injustice, American Philosophical
Quarterly, Vol.43, No.4, (Oct., 2006), University of Illinois Press, 2006, p.358.
(2) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, p.159.
((( بدوى ،عبد الرمحن :األخالق النظرية ،وكالة املطبوعات ،الكويت1975 ،م ،ص .168
أيضا :أرسطوطاليس :علم األخالق إىل نيقوماخوس ،نقله إىل العربية :أمحد لطفي السيد ،ج ،2مطبعة
انظر ً
دار الكتب املرصية ،القاهرة1942 ،م ،ص .72
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 252
التعوي��ض للموض��وع)(1؛ «ألن الذي يرتك��ب الظلم يأخذ لنفس��ه أكرث مما ينبغ��ي أن يأخذ،
والذي وقع عليه الظلم يأخذ أقل مما حيق له» كام يقول أرسطو).(2
وعىل هذاُ ،تفهم قواعد الس��لوك الثالثة التي متت مناقش��تها س��اب ًقا عىل أهنا حتدد العالقة
األخالقي��ة للعدال��ة ب�ين البرش م��ن ناحي��ة ،واألحياء الربي��ة يف النظ��م الطبيعية ع�لى األرض
من ناحية أخرى ،وتتضح هذه العالقة األخالقية يف النقاط اآلتية:
أ -أال يرض البرش باملخلوقات الربية أو يدمروا موائلها أو حيطموا بيئتها الطبيعية.
ب-أال يتدخ��ل الب�شر يف حرية احليوان��ات والنبات��ات أو يف العمليات الش��املة للرتابط
البيئي.
ج-أال خي��ون البرش ثقة احليوانات الربية لالس��تفادة منها ،مع منح كل كائن حي اعرتافًا
مستح ًّقا به بوصفه كيانًا ميتلك قيمة متأصلة ،وااللتزام مببدأي عدم التحيز ،واملساواة
ب�ين األنواع؛ بحيث يت��م التعامل مع كل موضوع أخالقي بوصف��ه غاية يف حد ذاته،
وليس جمرد وسيلة).(3
واضح��ا تأثر «تايل��ور» بقاعدة الغائية عن��د «إميانويل كان��ط» -1724( E. Kant
ً يب��دو
1804م) ،وهي القاعدة الثانية من قواعد األمر املطلق ،وصيغتها« :افعل بحيث تعامل اإلنسانية
يف ش��خصك ويف ش��خص كل إنس��ان س��واك بوصفها دامئً��ا -ويف نفس الوقت -غاي��ة يف ذاهتا،
�دا كام لو كان��ت جمرد وس��يلة») .(4إال أن «كانط» قد طبق ه��ذه القاعدة وال تعامله��ا أب� ً
ع�لى الكائنات العاقلة فقط ،حيث يق��ول« :الذات التي حتمل مجيع الغايات هي ذات كل
كائ��ن عاق��ل») .(5وعىل الرغم من ذل��ك فقد أقر كل من «توم��اس هوبر» و«جون لوك»
و«كانط» وآخرون بتوافر اإلدراك واملشاعر لدى احليوانات ،فيام أنكروا وجود خاصية
م��ا (مثل العقل أو القدرة عىل اس��تيعاب املفاهي��م العامة) قيل إهنا رضوري��ة لتبوء مكانة
أخالقية مهمة).(1
وميكن اس��تنتاج قاعدة توضح تأثر «تايلور» بـقاعدة الغائية الكانطية ،عىل النحو اآليت:
افع��ل بحيث تعامل أي كائن حي س��واء أكان إنس��انًا أم حيوانًا أم نبا ًتا بوصف��ه غاية يف ذاته،
وليس جمرد وسيلة؛ فجميع الكائنات احلية متتلك قيمة متأصلة يف ذاهتا.
وقد حدد «تايلور» ثالثة مبادئ متوس��طة املدى ينبغي التميي��ز بينها وف ًقا لنوع املوضوع
األخالقي الذي يتم انتهاك خصوصيته ،وهي:
-1أن انته��اك القواعد الس��ابقة يوقع ظلماً عىل الكائنات الفردي��ة ،أو عىل نوع ما ،أو عىل
جمتم��ع بأكمله ،وه��ذا االنتهاك يع��د فعلاً خاط ًئا؛ ألن��ه يتضمن إحلاق أذى بالس��كان
أو املجتمع عن طريق إحلاق الرضر بالكائنات احلية ،ويرتتب عىل هذا خفض مستوى
رفاهية السكان أو املجتمع ككل.
-2إذا تعرض��ت الكائنات احلية لألذى فقط ،ومل يتم قتلها؛ ف��إن مبدأ العدالة التعويضية
يتطل��ب أن يقوم الفاعل بج�بر الرضر عن طريق إعادة تلك الكائنات إىل حالة متكنها
من حتقيق مصلحها كام كانت تفعل قبل أن يتم التعدي عليها ،وإذا مل يكن هذا ممكنا
بش��كل كامل ،فيجب عىل الفاعل أن يزيد من فائ��دة الكائنات احلية بطريقة أخرى،
عن طريق جعل بيئتها الطبيعية أكرث مالءمة لرفاهية مستمرة.
-5إذا تع��رض الكائن احلي للقتل؛ فإن مبدأ العدالة التعويضية ينص يف هذه احلالة عىل أن
الفاع��ل ُيدان بيشء من التعوي��ض ملجتمع األنواع أو جمتمع احلي��اة الذي كان الكائن
عضوا في��ه ،وس��يتألف التعويض يف هذه احلال��ة من تعزيز ومحاي��ة خري جمتمع
ً احل��ي
األنواع أو جمتمع احلياة املعين).(2
ُتس��تنبط ه��ذه املبادئ من قاعدة العدال��ة التعويضية؛ أي إن الفاعل الذي يتس��بب يف رش
لكائن حي ُمدان بواجب جرب رضره وحتقيق خريه ،وهذا يؤدي إىل قاعدة أخرى ،تتمثل يف أنه:
جدا ،ترمجة :حممد سعيد طنطاوي ،مراجعة :ضياء ((( دجيراتسيا ،ديفيد :حقوق احليوان؛ مقدمة صغرية ًّ
وراد ،مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة ،القاهرة2012 ،م ،ص .16
َّ
(2) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, pp.160-161.
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 254
«كلام زاد ال�ضرر ،زادت قيمة املنفعة املطلوبة للوفاء هبا بوصفها التزا ًما أخالق ًّيا») .(1وتنش��أ
أساس��ا للعدالة التعويضية،
ه��ذه االلتزامات نتيج��ة الرتكاب ظلم أو إثم أو اعت��داء بوصفها ً
ونكتسبها عندما تكون نتيجة ألفعال معينة نقوم هبا طواعية كام يقول «دانيال بوت»).(2
)(3
المحور الرابع :المبادئ األخالقية ذات األولوية
حدد «تايلور» مخس��ة مب��ادئ ذات أولوية حلل الرصاعات الناش��ئة ع��ن رصاع املصالح
بني الكائنات البرشية وغري البرشية ،وهي:
-1مبدأ الدفاع عن النفس .The Principle of Self-defense
-2مبدأ التناسب .The Principle of Proportionality
-3مبدأ احلد األدىن من اخلطأ .The Principle of Minimum Wrong
-4مبدأ العدالة التوزيعية .The Principle of Distributive Justice
-5مبدأ العدالة التعويضية .The Principle of Restitutive Justice
وفيام ييل عرض تفصييل هلذه املبادئ عىل النحو اآليت:
�ل الدف��اع عن النف��س ح ًقا من احلق��وق األخالقية األصيل��ة ،وهو جييز للم��رء الدفاع
ميث� ُ
عن نفس��ه بقتل الش��خص املعتدي ،رشيطة أن يكون ذلك رضور ًيا إلنق��اذ حياته اخلاصة).(4
الشخص املعتدي بري ًئا؟ وهذا ما تم
ُ كبريا بني الفالسفة ،فامذا لو كان
ً وقد أثار هذا األمر جدلاً
إثارته يف أعامل كل من «جورج فليترش» 1939( George Fletcherم ،)-وفيلس��وفة األخالق
((( «جوديث جارفيس تومسون» :فيلسوفة أمريكية معارصة ،ولدت يف مدينة نيويورك ،حصلت عىل
البكالوريوس من كلية بارنارد عام 1950م ،كام حصلت عىل درجة املاجستري من جامعة كامربدج عام
1956م ،ودرجة الدكتوراه يف الفلسفة من جامعة «كولومبيا» عام 1959م ،وقد تنوعت اهتامماهتا الفلسفية،
لكنها ركزت عىل فلسفة األخالق وامليتافيزيقا .ومن أهم أعامهلا الفلسفية« :احلقوق ،والتعويضات،
واملخاطر» عام 1986م ،و«الدفاع عن النفس» عام 1991م ،و«االنتحار مبساعدة الطبيب؛ حجتان
أخالقيتان» عام 1999م ،و«الواقعية اخللقية واملوضوعية اخللقية» عام 1996م ،و«احلق واخلري» عام
1997م ،و«اخلريية والنصيحة» عام 2001م ،و«مملكة احلقوق» عام 1990م.
See: Shook, R. John (Ed and Others): Op.Cit, Vol.4, pp.2409-2412.
(2) See: Thomson, T. Judith: Self-Defense, Philosophy & Public Affairs, Vol.20, No.4, (Autumn.,
1991), Wiley, 1991, pp.283-310.
(3) Miller, B. Richard: Killing, Self Defense, and Bad Luck, The Journal of Religious Ethics,
Vol.37, No.1, (Mar., 2009), Blackwell Publishing Ltd, 2009, p.132.
(4) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, pp.264-265.
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 256
ثال ًثا :عدم الس�ماح باألفعال الت��ي تنطوي عىل تدمري الكائنات احلية ،عندما تس��عى هذه
أشخاصا).(1
ً األفعال إىل تعزيز املصالح والقيم لدى الفاعلني األخالقيني بوصفهم
وقد أش��ار «أرسطو» إىل النقطة األوىل قائلاً « :إن الرضر األصغر مبوازاته بالرضر األكرب
ميكن أن يعترب نف ًعا ،والرضر األصغر مفضل عىل الرضر األكرب وما هو حمل للتفضيل ،إمنا هو
دائم النفع ،وكلام كان اليشء مفضلاً ،كان النفع أكرب»).(2
كذلك يش�ير «تايلور» إىل أن مبدأ الدفاع عن النفس يف أخالق اإليكولوجية وثيق الصلة
مبب��دأ الدف��اع عن النفس يف جمال األخالق اإلنس��انية« :فإذا كان لدينا ح��ق أخالقي يف احلياة،
ف��إن ذل��ك يعين أنن��ا منتلك ح ًق��ا أخالق ًّيا حلامية أنفس��نا -بوس��ائل قوية إذا لزم األم��ر -عندما
تتعرض حياتنا للتهديد من جانب اآلخرين ،ولكن هذا ال يعين أنه مسموح لنا باستخدام القوة
ضد اآلخرين ملجرد تعزيز أهدافنا وقيمنا اخلاصة»).(3
جتدر اإلش��ارة هنا إىل تفرقة «جوديث تومسون» بني ثالثة ٍ
معان للشخص املعتدي ،حيث
هن��اك املعت��دي اخلس��يس «ال��دينء» ،Villainous Aggressorواملعت��دي البغي��ض Innocent
،Aggressorوالتهديد الربيء «الساذج» Innocent Threat؛ فاألول هو الشخص الذي يتعمد
إحلاق الرضر باآلخرين وقتلهم بشكل مبارش ،والثاين هو الشخص الذي ال يتعمد إحلاق األذى
باآلخري��ن ،أما التهدي��د الربيء فهو الذي ي��أيت من خالل خطأ غري مقصود من ش��خص خمتل
عقل ًي��ا) .(4وهذه التفرقة تتوقف ع�لى درجة الفعل ونوعيته ،ويف مجيع احلاالت تس��توجب حق
الدفاع عن النفس ولكن مبقادير خمتلفة.
يع�ترض «تايلور» عىل موقف «جوديث» قائلاً « :حتى لو كان الش��خص املعتدي إنس��ا ًنا
�اذجا -كام هو احلال عندما يكون الرجل خمتلاً عقل ًيا ،فمن حقنا
بري ًئا -خال ًيا من الس��وء أو س� ً
أن نحمي أنفس��نا ضده إىل حد قتله ،إذ مل يكن هناك س��بيل آخر لتجنب قتل أنفس��نا أو قتله،
ساذجا ال تبطل املبدأ بشكل أخالقي»).(5
ً وحقيقة أن املعتدي يكون بري ًئا أو
يستند مبدأ الدفاع عن النفس عند «تايلور» إىل ثالث نقاط أساسية ،هي:
أولاً :ال ي�برر ه��ذا املبدأ إيذاء املخلوقات التي ال ترض بنا ،إال إذا كان ذلك رضورة عملية
ناشئة عن حالة ال ميكننا فيها فصل الكائنات غري الضارة عن الكائنات الضارة التي ندافع عنها
ضد أنفسنا.
ثان ًي��ا :ال جيي��ز هذا املبدأ للفاعل�ين األخالقيني تعزيز مصالح أي كائن حي عىل حس��اب
وحتديدا ال يعطي للبرش ميزة أو أفضلية
ً كائن آخر عىل أس��اس مس��ألة االنتامء إىل نوع معني،
إال عىل أس��اس إنس��انيتهم .كام ي��رى «تايل��ور» أن املس��اواة يف القيمة املتأصلة ب�ين املعتدي
واملدافع عن نفس��ه يف جمال األخالق اإلنس��انية ميكن أن تصبح مبدأً كل ًيا ،وصيغتها عىل النحو
اآليت( :إذا كان من املناس��ب لـ «أ» القيام ب��ـ «ب» إىل «س» ،فهو حق لـ «س» القيام بـ «ب»
إىل «أ») ،أي أنه يتضمن قيمة متس��اوية بني الفاعل واملوضوع ،ألي ش��خص يف دور املوضوع
وأي ش��خص يف دور الفاعل ،دون تغيري يف قابلية أفعال الدفاع عن النفس ،إال أن هذه الفكرة
غ�ير قابلة للتطبي��ق يف جمال األخ�لاق اإليكولوجية؛ ألن احليوان��ات والنباتات ليس��ت ف ِ
َاعلة
أخالق ًّيا ،عىل الرغم من كوهنا ميكن أن تكون يف موقف املوضوعات األخالقية ،فام تفعله ليس
صحيحا أو خاط ًئا ،ألن أنشطتها ليست من ضمن نطاق املعايري أو القواعد األخالقية).(1
ً
ثال ًث��ا :ع��دم إمكانية جتن��ب األفعال املتخذة مبوج��ب هذا املبدأ ،فمث�ًل�اً يف جمال األخالق
اإلنسانية جيوز لنا استخدام القوة ضد اآلخرين للدفاع عن أنفسنا ،فقط عندما ال ميكن جتنب
هج��وم املعتدي ،أو اهلروب من املوقف؛ فإذا كان هناك ش��خص م��ا هيددنا وميكننا أن نخرج
بأم��ان من هذا املوقف ،فعلين��ا أن نفعل ذلك .أ ًّما عالقتنا بالكائنات غري البرشية ،فينبغي علينا
أن نب��ذل كل جه��د معقول؛ لتجن��ب املواقف التي حيتم��ل أن نترضر فيها م��ن الكائنات غري
البرشي��ة) .(2يق��ول «تايلور»« :إن قتل الكائنات غري البرشي��ة ،أو إحلاق الرضر هبا ،هو ً
دامئا
يشء يسء أخالق ًّيا ،وال ميكن تربيره ،إال إذا مل نكن منتلك بديلاً آخر ،ويف الوقت نفس��ه جيب
أن يكون لدينا س��بب أخالقي صالح وذو ثقل للتغلب عىل الس��بب ظاهر الصدق لعدم القيام
بذلك»).(3
لكن ،هل فعل قتل احليوان أو النبات أو إحلاق الرضر به مربر بالطريقة بنفسها التي تربر
قتل اإلنس��ان أو إحلاق الرضر به؟ يجُ يب «تايلور» قائلاً « :إن ما يربر فعل قتل حيوان أو نبات
أو إحل��اق الرضر به قد يكون س��ب ًبا لنوع خمتلف متا ًما عن ذلك الذي يربر قتل حياة إنس��ان أو
إحل��اق الرضر به» .وهذا يثري مش��كلة أخرى ،تكمن يف كيفية حل الن��زاع بني البرش واحلياة
أمرا خاط ًئا متا ًما ،مثل قتل اإلنسان.
الربية ،فمثلاً :فعل قطع الزهور الربية هو يف حد ذاته يعد ً
كبريا؟ يف هذا الس��ياق يجُ ي��ب «تايلور» قائ�ًل�اً « :إن هذا يتوقف عىل
لك��ن ه��ل يعد هذا خطأ ً
ظ��روف بعض احلاالت ،فقد يكون فع��ل قطع الزهور الربية أكرب خطأ مم��ا هو عليه يف حالة
أخرى ،مثل قتل اإلنس��ان ،فمثلاً قد يس��تحق املرء اللوم عندما يدوس زهرة برية نادرة ومهددة
باالنق��راض دون س��بب وجيه ،أكرث من قتله ش��خص آخر للدفاع عن نفس��ه ،وكالمها فعالن
متعمدا ليشء
ً تدمريا
ً حد س��واء من الناحية األخالقية ،لكن الفعل األول يتضمن خاطئان عىل ًّ
�تنكارا واس��تهجا ًنا من الفعل الثاين ،رشيطة أن ُيفهم
ً يف احلياة الربية؛ لذلك يعد فعلاً أكرث اس�
الفعل الثاين بأنه فعل من أفعال الدفاع عن النفس).(1
-2مبدأ التناسب:
(1) Taylor, W. Paul: In Defense of Biocentrism, In: «Environmental Ethics», by ed; Eugenc C.
Hargrove,Vol.5, No.3, Environmental Philosophy, Inc. The University of Georgia, Athens,
1983, pp.242-243.
(2) Hurka, Thomas: Proportionality in The Morality of War, Philosophy & Public Affairs, Vol.33,
No.1, (Winter., 2005), Wiley, 2005, pp.34-39.
(3) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, p.270.
259 مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية
ويش�ير قائلاً « :س��أحتدث عن مصالح الكائنات احلية دون النظر عام إذا كانت تش��عر باملتعة
أو األمل ،لدهي��ا رغب��ة واعي��ة أو ال ،لدهي��ا غاي��ة أو ال ،لدهيا أهداف أو ال ،تع��ي ما حيدث هلا
أو ال»).(1
ومييز «تايلور» بني نوعني من املصالح ،مها :املصالح األساس��ية واملصالح غري األساسية:
�خاصا،
جزءا أساس � ًّيا من وجودنا بوصفنا أش� ً
يقصد باملصالح األساس��ية هي األش��ياء التي متثل ً
حي��ث يقول« :في�ما يتعلق بالب�شر ،فإن املصالح األساس��ية هي م��ا يعنيه الن��اس العقالنيون
�زءا أساس � ًيا م��ن وجوده��م كأش��خاص،
واملس��تنريون م��ن الناحي��ة الواقعي��ة باعتباره��ا ج� ً
وه��ي ما حيتاجونه ليك يصبحوا قادرين عىل حتقيق األه��داف والغايات التي جتعل احلياة ذات
مغزى وجديرة باالهتامم ،رشيطة أن تكون لدهيم رشعية أخالقية للوفاء هبذا احلق»).(2
وق��د حدد «تايل��ور» احلقوق األساس��ية لألفراد عىل النح��و اآليت :حق األم��ن Security
،Rightوح��ق احلري��ة ،Liberty Rightsوح��ق اس��تقالل ال��ذات ،Autonomy Rightوحق
اإلعاشة «الكفاف» ،Subsistence Rightوبإجياز:
أ -حق األمن :هو حق كل فرد يف احلامية من القتل أو االغتصاب أو االعتداء أو التعذيب
أو أي نوع من أنواع اإلساءة اجلسدية املبارشة.
ب-ح��ق احلري��ة :هو حق كل ش��خص يف أال يعوق��ه اآلخرون يف الس��عي وراء مصاحله
الرشعية «املسموح هبا أخالق ًيا» ،وهي تتضمن احلق يف امتالك واستخدام املمتلكات
اخلاصة.
ج-حق اس��تقالل ال��ذات :هو احل��ق يف التطور واحلق يف ممارس��ة قدرات الف��رد لتحديد
ذات��ه ،حيث تعين عبارة «تقرير املص�ير» Self-determinationترتيب أهداف املرء
وتشكيل مستقبله وف ًقا لنظام القيمة الذي خيتاره لنفسه أو ما يسمى «خطة احلياة».
د-حق اإلعاش��ة «الكفاف» :هو احلق يف البقاء البيولوجي واحلق يف مس��توى من الصحة
البدنية بش��كل كاف -عىل األقل -لتمكني املرء من السعي بفاعلية نحو حتقيق مصاحله
الرشعية -ويس��مى احلق يف احلياة) .(1وهذا يعين ،أن املصالح األساس��ية «الرضورية»
ه��ي نفس��ها للجمي��ع؛ لذلك ف��إن حقوق اإلنس��ان تص��ل بنا إىل حتقي��ق القي��م الكلية
أشخاصا.
ً أو اخلريات األولية ،وهي حقوق منتلكها مجي ًعا بوصفنا
أ َّم��ا املصالح غري األساس��ية ،فهي الغاي��ات املحددة اجلزئية اخلاصة التي نعتربها تس��تحق
البحث ،والوس��ائل التي نتبعها لتحقيقها هي التي تش��كل أنظمة القي��م الفردية ،وهذا يعين أن
املصال��ح غ�ير األساس��ية للبرش ختتلف من ش��خص إىل آخ��ر ،يف حني أن مصاحلهم األساس��ية
مشرتكة للجميع).(2
�ق مب��دأ التناس��ب عىل نوعني خمتلف�ين من الرصاع��ات؛ النوع األول :احل��االت التي
ينطب� ُ
تتعارض فيها املصالح األساسية للحيوانات والنباتات مع املصالح غري األساسية للبرش ،والنوع
الث��اين :احلاالت التي تتعارض املصالح غري األساس��ية للبرش مع املصالح األساس��ية للحيوانات
والنبات��ات ،وم��ن أجل التفرق��ة بني هذه األنواع جي��ب علينا أن ننظر يف الط��رق املختلفة التي
تربط املصالح غري األساسية للبرش مبواقف احرتام الطبيعة.
أولاً :هناك مصالح إنسانية غري أساسية تتناىف جوهر ًّيا مع موقف احرتام الطبيعة ،والسعي
وراء هذه املصالح ينبغي أن يتخىل عنه أي شخص حيرتم الطبيعة؛ ألن األفعال واملقاصد املتضمنة
يف إرضائه��ا تعرب مب��ارشة عن موقف اس��تغاليل exploitativeجتاه الطبيع��ة ،ومثل هذا املوقف
أيضا ينكر القيمة املتأصلة للحيوانات
ال يتعارض مع موقف احرتام الطبيعة فحس��ب؛ ولكن��ه ً
والنباتات يف النظم اإليكولوجية الطبيعية ،ومن األمثلة عىل ذلك:
أ -ذب��ح األفيال الصغرية من أج��ل احلصول عىل أنياهبا؛ الس��تخدامها يف النق��ش؛ للتجارة
السياحية.
ب-قتل وحيد قرن الستخدام قرونه كمقابض خنجر.
ج-انتقاء الزهور الربية النادرة.
د -القبض عىل الطيور االستوائية واستخدامها للبيع يف أقفاص.
(1) Taylor, W. Paul: Inherent Value and Moral Rights, The Monist, Vol.70, No.1, (January.,
1987), Oxford University Press, 1987, p.26.
(2) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, p.273.
261 مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية
هـ-حمارصة الزواحف وقتلها؛ الستخدام جلودها وصدفها يف صنع األحذية باهظة الثمن،
وحقائب األيدي وغريها من منتجات األزياء.
و-قت��ل الثدييات الربية النادرة وصيده��ا ،مثل :النمور والياغورا والفه��ود لتجارة الفراء
الفاخرة.
ز -كل أنواع الصيد التي تتم من أجل اهلواية أو التسلية).(1
كل ه��ذه األمثلة تعرب عن موقف اس��تغاليل جتاه الطبيعة؛ ألهنا تعام��ل املخلوقات الربية
ع�لى أهن��ا جمرد أدوات لألغ��راض البرشي��ة؛ وبالتايل حترمها م��ن قيمتها املتأصل��ة ،ويتم تقييم
أشياء ميكن التالعب هبا،
ً مصدرا للمتعة البرشية أو بوصفها
ً احليوانات والنباتات فقط بوصفها
واس��تخدامها لتحقيق املتعة أو اللذة البرشية)(2؛ وهذا ما يتناىف مع اس��تحقاق القيمة املتأصلة
ل��كل كيان ميتلك قيمته املتأصلة -من وجه��ة نظر تايلور ،-وأن من ميتلك قيمته املتأصلة ميتلك
خريه ،ويس��تحق النظر واالهت�مام األخالقي من ِقبل الفاعلني األخالقي�ين ،وأن حتقيق خريها
هو يشء ينبغي الرتويج له ومحايته بوصفه غاية يف حد ذاته).(3
يع��ارض «رينه ديكارت» 1650-1596( Rene Descartesم) هذا املوقف ،حيث يرى أن
الكائن��ات غري البرشية جيب أن تفهم يف مصطلحات ميكانيكية بحتة ،وال يعين هذا فحس��ب
أن احليوان��ات هي يف بعض األحيان مثل اآلالت ،بل إهن��ا آالت ،فهي ال ختتلف من حيث املبدأ
عن الس��اعات ،فاحليوانات كائن��ات مادية بحتة وخالية من الوع��ي ،بالرغم من ذلك مل ينكر
إحساسا أو ما نطلق عليه حساسية Sensitivity؛ ألن احليوانات
ً «ديكارت» أن احليوانات متتلك
متلك معدات حسية تتيح هلا االستجابة بشكل مناسب لبيئتها الطبيعية).(4
ثان ًيا :هناك نوع آخر من املصالح غري األساسية للبرش ال تستخدم فيها احليوانات والنباتات
الربية بوصفها وسيلة لتحقيق أهداف أو غايات معينة ،ولكن نتائج تلك األفعال تلحق الرضر
بالكائنات الربية ،ومن األمثلة عىل ذلك:
أ -بناء متحف فين أو مكتبة يف أماكن املوائل الطبيعية.
ب-إنش��اء مطار أو سكة حديدية أو ميناء أو طريق رسيع ينطوي عىل اضطراب خطري
يف النظام البيئي الطبيعي.
ولك��ن هل ميك��ن بالفعل التخيل عن مثل هذه األنش��طة؟ يرى «تايل��ور» قائلاً « :إن ذلك
يتوقف عىل القيمة التي يضعوهنا عىل املصالح املختلفة التي جيب تعزيزها ،وهذا يعتمد بدوره
رضرا
ً عىل نظم القيم الكلية لألش��خاص ،وعىل البدائل املتاحة ،خاص��ة إذا تم إجياد بدائل أقل
بالبيئة ،وعىل إمكانية استيفاء بعض هذه املصالح أو كلها بطريقة أخرى»).(2
يتض��ح مم��ا س��بق :أولاً :هناك مصال��ح تعرب مب��ارشة عن موقف اس��تغاليل جت��اه الطبيعة،
وأن األفعال املتخذة لتلبية هذه املصالح تتنايف جوهر ًّيا مع موقف احرتام الطبيعة .وثان ًيا :هناك
كثري من الظروف العملية مصالح ال متثل يف حد ذاهتا موق ًفا اس��تغالل ًّيا جت��اه الطبيعة ،ولكن يف ٍ
الوسائل املتخذة إلرضاء تلك املصالح تحُ دث ً
أثارا كارثية يف العامل الطبيعي ،وعىل أولئك الذين
حيرتم��ون الطبيع��ة جتنبها كلام أمكن ذلك .وعىل هذا ،فإن الفكرة األساس��ية ملبدأ التناس��ب -
كام يشري «تايلور» -تنص عىل« :يف حالة الرصاع بني القيم اإلنسانية وخري احليوانات والنباتات
الربي��ة غري الضارة ،ينبغي إعطاء وزن أكرب للمصالح األساس��ية عىل املصالح غري األساس��ية،
دون النظر إىل النوع ،س��واء أكان برش ًيا أم غري برشي ،وال جييز هذا املبدأ الس�ماح للمصالح
غري األساس��ية بتجاوز املصالح األساس��ية حتى لو كانت املصالح غري األساس��ية هي مصالح
البرش ،واملصالح األساسية هي مصالح احليوانات والنباتات»).(3
ينص مبدأ احلد األدىن من اخلطأ عىل أنه« :عندما يكون األشخاص العقالنيون واملستنريون
واملس��تقلون ذات ًيا ،الذين قد اعتمدوا موقف احرتام الطبيعة؛ غري مس��تعدين للتخيل عن نوعي
القي��م املذكورة أعاله -القيم اجلوهرية والقيمة املتأصلة) ،-*(1عىل الرغم من إدراكهم أن نتائج
متابع��ة تلك القيم س��تنطوي عىل رضر للحيوانات والنباتات الربي��ة؛ فال جيوز هلم متابعة تلك
القي��م إال إذا كان ذل��ك ينط��وي عىل عدد أقل من األخط��اء أو االنتهاكات م��ن خالل البحث
عن طرق بديلة»).(2
يتضمن هذا املبدأ جمموعة من الرشوط ،ليك يتم تطبيقه ،وهي:
-1عندما تكون حالة الرصاع بني املصالح األساسية للحيوانات والنباتات يف حالة منافسة
-ال ميكن جتنبها -مع املصالح غري األساسية للبرش.
-2املصالح البرشية غري األساسية ال تتفق جوهر ًيا مع موقف احرتام الطبيعة.
-3األفعال الالزمة للوفاء باملصالح غري األساسية للبرش ترض باملصالح األساسية للحيوانات
والنباتات.
�دا وتكون ذات معىن؛ أي عدم -4عندما تكون املصالح البرشية غري األساس��ية مهمة ج� ً
رغبة األشخاص العقالنيون الذين حيرتمون الطبيعة يف التخيل عن السعي نحو حتقيقها،
حتى عندما يأخذون يف االعتبار النتائج غري املرغوب فيها عىل احلياة الربية).(3
جدا ،لس��ببني :أوهلام؛ ألن كلف��ة اإلرضار باحلياة الربية يكمن تعد النقطة األخرية مهمة ً
يف ال��دور ال��ذي تعلبه ه��ذه املصالح يف النظرة الكلي��ة للحياة املتحرضة .وثانيه�ما؛ ألن القيمة
اخلاصة املمنوحة هلذه املصالح تنبع من املكانة املركزية التي حتتلها يف التصور العقالين للناس
م��ن خريهم احلقيق��ي اخلاص .الس��بب األول يتعلق باجلان��ب الثقايف واالجتامع��ي وعىل وجه
التحديد أمهية مس��امهته يف تطور احلضارة اإلنس��انية ،أ َّما الس��بب الثاين فيتعل��ق برؤية الفرد
لنوع احلياة التي تستحق أن حيياها ،وف ًقا لظروفه وقدراته).(4
(*) يفرق «تايلور» بني نوعني من القيم ،القيمة املتأصلة ويقصد هبا قيمة الوجود أو احلياة ،وهي قيمة متتلكها
وتشرتك فيها مجيع الكائنات احلية دون استثناء ،والقيمة اجلوهرية ويقصد هبا جمموعة اخلصائص والسامت
التي تساعد اإلنسان من أجل حتقيق رفاهيته وسعادته ،ميكن تسميتها قيم مساعدة.
(2) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, pp.282-283.
(3) Ibid, p.280.
(4) Ibid, p.281.
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 264
يضع هذا املبدأ قيدين أخالقيني عىل السعي نحو نوعني من القيم اإلنسانية ،مها:
القي��د األول :أن مؤسس��ات وممارس��ات املجتمع املحيل ه��ي التي ت��ؤدي إىل أقل األخطاء
الت��ي حت��دث يف العامل الطبيعي ،من خالل البحث عن طرق بديلة ميكن أن يس��تمدها املجتمع
لتحقيق الغايات االجتامعية نفس��ها ،برشط أن تتضمن أقل عدد من حاالت اإلس��اءة إىل النظم
اإليكولوجي��ة الطبيعي��ة) .(1فالقواع��د التوجيهي��ة داخل أي جمتم��ع تتمثل يف ف��رض متطلبات
وحتديدا أنواع األفعال التي يتعني القيام هبا من خمتلف فئات
ً وحمظ��ورات عىل أعضاء املجتمع،
األش��خاص يف أدوارهم املختلفة يف النظام االجتامع��ي ،أي أهنا حتدد وتصف إجراءات صناعة
القرارات التي يتبعوهنا وجمموعة اخليارات املتاحة ملختلف فئات األشخاص يف خمتلف املواقف
والظروف).(2
أ َّم��ا القيد الثاين :فيش�ترط أن تكون األفع��ال التي يتخذها األفراد يف الس��عي نحو حتقيق
الغاي��ات الت��ي تقع يف صل��ب تصوراهتم العقالني��ة ملصلحته��م احلقيقية من ق َِبي��ل عدم وجود
ط��رق بديل��ة تؤدي إىل إنتاج أقل عدد من األخطاء جتاه الكائن��ات احلية الربية) .(3ويعين هذا،
أن املب��دأ جيي��ز م��ن الناحية األخالقي��ة تعزيز بعض املصالح غري األساس��ية للبرش فحس��ب،
م��ن خالل تقليل األخطاء التي حتدث للكائنات غري البرشي��ة يف النظم اإليكولوجية الطبيعية
إىل أدىن ًّ
حد ممكن).(4
أيضا فك��رة االختيار من البدائ��ل املتاحة ملواصل��ة مراعاة املصالح
ويف�ترض ه��ذا املبدأ ً
البرشي��ة يف حالة الرصاع مع الكائنات احلية األخرى ،حيث يق��ول «تايلور»« :لنفرتض إذن
أن أحد الطرق البديلة للبرش ملواصلة مصاحلهم يف إحدى احلاالت من النوع الذي نحن بصدده
يف السؤال يرض بعدد معني من الكائنات احلية ،يف حني أن هناك طريقة أخرى ملتابعة املصالح
نفس��ها تنطوي ع�لى القيام برضر أقل لعدد أقل م��ن الكائنات احلية ،ف��إذا اخرتنا البديل األول
فس��وف نكون عىل علم بارتكاب وتنفيذ املزيد من األفع��ال اخلاطئة أكرث مما لو اخرتنا البديل
الثاين؛ ويرتتب عىل ذلك فش��ل الش��خص يف أداء واجبه جتاه الكائنات احلية األخرى؛ ألن كل
كيان Entityيتعرض لألذى يف هذه احلالة يعامل عىل نحو غري عادل ويكون الش��خص خمط ًئا؛
ألن واجب عدم اإليذاء مستحق جتاه كل كائن حي ،ويف هذه احلالة تقيض اجلدارة األخالقية
أن إحلاق الرضر بعدد أقل من الكائنات احلية أفضل من إحلاق الرضر بعدد أكرب»).(1
نس��تنتج مما س��بق ،أن إحلاق الرضر بنوع من س��كان الكائنات احلية أق��ل حدة من إيذاء
املجتم��ع احليوي ككل ،ووف ًقا للنظ��رة الكلية« ،فإن املعيار األس��اس للفعل الصحيح هو ميل
الفع��ل إىل املحافظ��ة ع�لى الس�لامة اإليكولوجي��ة يف البيئة الطبيعي��ة التي حيدث فيه��ا الفعل،
ومن هذا املنظور يبدأ املرء مع املس��لمة القائلة إن احلياة البرشية ليس��ت سوى أحد مكونات
النظام اإليكولوجي الكيل لألرض ،وأن الس�لامة اإليكولوجية َق َّيمة يف حد ذاهتا») .(2ويرتتب
عىل ذلك ،أن الدور األخالقي املناس��ب للبرش عىل األرض هو العمل بطريقة س��ليمة بيولوجيا
في�ما يتعلق بالغالف احليوي للكوك��ب ،وأن ُينظر إليهم عىل أهنم حيتل��ون مكانة بيئية معينة؛
وبالتايل ينبغي أن ُيضبط س��لوكهم من أجل احلفاظ عىل عالقة صحية مع النظام البيئي العاملي
الذي هو جزء منه).(3
وهذا ما أش��ار إليه «ألدو ليوبول��د» 1948-1887( Aldo Leopoldم)؛ حيث يقرتح نو ًعا
م��ن املقاربة الكالنية ) Holistic Approach (4لألخالق البيئية زاعماً أن أخالق األرض Land
Ethicsالتي يدعو إليها تغيرّ دور اإلنس��ان العاقل من مس��تعمر ملجتمع األرض إىل عضو عادي
بسيط كمواطن فيه ،وتستلزم منه احرتا ًما لألعضاء اآلخرين ،وملجتمع األرض ككل .والقاعدة
األخالقية الذهبية عند «ليوبولد» تقول «يكون اليشء صائ ًبا عندما مييل إىل احلفاظ عىل تكامل
املجتمع احليوي واستقراره ومجاله ،ويكون باطلاً عندما مييل إىل االجتاه اآلخر).(5
فاملسألة تكمن يف كيفية تصورنا للعالقة األخالقية نحو مجيع الكائنات احلية التي تشرتك
معن��ا يف الكوك��ب ،وهذا ما أوضح��ه «تايلور» قائ�ًل�اً « :إذا تصورنا أنفس��نا أعضاء يف كوكب
األرض ،وليس كمستفيدين أو مستهلكني أو مستغلني أو مرشفني ،عندئذ سنعترب مجيع أعضائها
يس��تحقون اهتاممنا واعتبارنا ،ولن ُينظر إىل أي يشء عىل أنه جمرد وس��يلة ملتعة ش��خص آخر،
�خصا أو موجو ًدا
وس��نعترب أن الكي��ان الذي لديه خ�ير خاص ب��ه -وإن مل يكن بالرضورة ش� ً
واع ًيا -ليس جمرد يشء ،وسنفهم حينها أن مكاننا يف العامل الطبيعي يشبه مكاهنا بشكل أساس،
فكلنا زمالء مشاركون يف النظام البيئي لكوكب واحد هو منزلنا»).(1
ينطوي مبدأ احلد األدىن من اخلطأ عىل نوعني من االلتزامات ،مها:
-1اختيار البديل الذي ينطوي عىل أقل قدر من األفعال املسببة للرضر.
-2االع�تراف بأن تعاملنا م��ع النظم اإليكولوجية الطبيعية هو خط��أ ظاهر الصدق ،وأن
يع�بر هذا االعرتاف من الناحية العملية عن قبولنا للرشط األخالقي املتمثل يف الرد عىل
املظامل التي ارتكبناها ،كوس��يلة الس��تعادة توازن العدالة بينن��ا وبينها ،وهذا يتضمن
بطبيع��ة احلال الوفاء مبعيار احلياد بني األنواع ،ومن ثم تكون أفعالنا مربرة من الناحية
األخالقية).(2
العدال��ة ه��ي إحدى الفضائل األرب��ع التي قال هبا الفالس��فة منذ الق��دم ،وهي :احلكمة،
والشجاعة ،والعفة ،والعدالة .والعدل هو اإلنصاف ،وهو إعطاء املرء ما له ،وأخذ ما عليه)،(3
وهو االعتدال واالستقامة وامليل إىل احلق) ،(4واالعتدال هو توسيط بني حالني يف كم أو كيف
أو تناسب).(5
ولكن ،كيف يتم التوزيع العادل؟ هناك إجابتان عن هذا الس��ؤال :أوهلام؛ حسب أولوية
اجل��دارة ،Merit Priorityأي أن (أ) أج��در باالس��تحقاق م��ن (ب) بس��بب مؤهالت��ه العقلية
واملادية -االش��تامل عىل صفات معينة .-وثانيهام حس��ب أولوية احلاجة Need Priorityدون
(1) Taylor, W. Paul: Frankena on Environmental Ethics, The Monist, Vol.64, No.3, (July., 1981),
Oxford University Press, 1981, p.324.
(2) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, pp.286-287.
((( مدكور ،إبراهيم (املحرر) :املعجم الوجيز ،جممع اللغة العربية ،وزارة الرتبية والتعليم (طبعة خاصة)،
القاهرة1994 ،م ،ص .409
((( وهبه ،مراد :املعجم الفلسفي ،دار قباء احلديثة للطباعة والنرش والتوزيع ،القاهرة2007 ،م ،ص .411
((( مدكور ،إبراهيم (املحرر) :مرجع سابق ،ص .409
267 مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية
النظ��ر إىل أي مؤه�لات عقلي��ة أو مادية؛ فه��ذان معي��اران توزيعيان متمي��زان حيكامن مجيع
االقتصادي��ات البرشية ،أحدمها يتمثل يف قاعدة من��ح املوارد إىل األفراد الذين حيتاجوهنا دون
النظ��ر ع�ما إذا كانوا قد فعلوا أي يشء لكس��بها أو ال ،واآلخر هو معي��ار توزيع املوارد طب ًقا
للجدارة واالستحقاق).(1
ي��رى «تايل��ور» أن هذا املب��دأ ينطبق ع�لى املطالبات املتنافس��ة بني الكائن��ات البرشية
وغري البرشية يف ظل رشطني:
ال�شرط األول :أن الكائن��ات غ�ير البرشي��ة ال ت�ضر بنا ،وبالت��ايل فإن مب��دأ الدفاع عن
النف��س يف هذه احلالة ال ينطبق عليها .الرشط الثاين :أن املصالح التي تثري املطالبات املتنافس��ة
هي عىل نفس املستوى من األمهية النسبية ،وكلها مصالح أساسية ،وبالتايل ال يتم تطبيق مبدأي
التناس��ب واحل��د األدىن من اخلطأ ،وم��ن ثم فإن هذا املبدأ يغطي احل��االت التي ال تندرج حتت
املبادئ الثالثة األوىل).(2
ُيعد اس��تنزاف امل��وارد الطبيعية مش��كلة بيئية تنجم عن اإلرساف يف هنب واس��تغالل هذه
امل��وارد ،وكذل��ك هدرها يكون نتيجة عدم االس��تخدام الرش��يد ،ولذلك فامل��وارد املتجددة منها
(كاملاء والغابات والرتبة الزراعية واحليوانات )...مهددة إما بالتلوث أو بعدم قدرهتا عىل موازنة
اس��تدرارها من قبل البرش ،نتيجة اس��تنزافها اجلائر ،أ َّما املوارد غري املتجددة (كاملعادن والوقود
األحف��وري )...،فه��ي مهددة بالنضوب؛ ألهن��ا موجودة بكميات حمدودة يف حني أن االس��تهالك
البرشي ال يتوقف ،كام أنه يتم بطريقة هتمل مس��ألة إعادة استخدام هذه املوارد أو تدويرها).(3
ويوف��ر مبدأ العدالة التوزيعية معاي�ير للتوزيع العادل لتحقيق املصالح واملنافع بني مجيع
أط��راف الن��زاع ،عندما تكون املصالح أساس��ية ،ومن ثم تكون ذات أمهية متس��اوية ألولئك
املعنيني ،واألمهية املتساوية تعطيهم نفس الثقل األخالقي أثناء قرار حل الرصاع ،إذا أريد هلا
أن تكون منصفة للجميع).(4
(1) Wilson, Catherine: The Role of a Merit Principle in Distributive Justice, The Journal of
Ethics, Vol.7, No.3, 2003, pp.277-278.
(2) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, pp.291-292.
((( رومية ،معني :مرجع سابق ،ص .16
(4) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, p.292.
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 268
ترتبط العدالة التعويضية باألخالق الغائية ،حيث يتم تصورها عىل أهنا تنطوي عىل أمناط
س��لوكية معينة تكون ملزم��ة بطبيعتها ،والتي حتم��ل يف باطنها صحتها األخالقي��ة دون النظر
نقصا ،وهلذا الس��بب تستحق املكافأة
إىل أية عواقب ،فهي أفعال معينة متلك جدارة مبارشة أو ً
أو اجلزاء .ويتضمن مفهوم العدالة التعويضية اإلشارة إىل املايض ،واإلشارة إىل بعض األحداث
التي تتطلب يف حد ذاهتا تسوية الحقة)(1؛ فالعدالة التعويضية -كام يشري تايلور -هي استعادة
توازن العدالة عند ارتكاب ظلم ش��خص أو فئة من األش��خاص ،ويف ه��ذه احلالة جيب تقديم
شكل من أشكال التعويضات أو اإلصالحات).(2
ينطبق مبدأ العدالة التعويضية -يف السياق احلايل -عىل كل من مبدأي العدالة التوزيعية،
واحلد األدىن من اخلطأ؛ ألن يف كال املبدأين قد ُيلحق الرضر باحليوانات والنباتات غري الضارة؛
لذلك فإن هناك ش �كلاً من أش��كال التعوي��ض أو اإلصالح مطلو ًبا ،خاص��ة إذا كانت أفعالنا
متسقة متا ًما مع موقف احرتام الطبيعة).(3
ولكن ،ما أنواع التعويضات املناس��بة؟ يقول «تايلور»« :هناك قاعدتان ترشدان اإلنسان
يف هذه احلالة :أوهلام؛ قاعدة «كلام زاد الرضر ،زادت التعويضات املطلوبة» ،وثانيهام قاعدة
«تركيز االهتامم عىل س�لامة وصحة النظم اإليكولوجي��ة بأكملها وجمتمعاهتا اإلحيائية ،وليس
عىل خري أفراد معينني»).(4
ميك��ن فهم القاعدة الثانية من جانبني خمتلفني ،فهي ممارس��ة تن��درج يف إطار مبدأ العدالة
التوزيعي��ة م��ن ناحية ،وهي وس��يلة للوف��اء مبتطلبات العدال��ة التعويضية م��ن ناحية أخرى؛
فجانبه��ا األول ه��و أن احلف��اظ عىل الربية هو جمرد تقاس��م خ�يرات الطبيعة م��ع املخلوقات
األخ��رى ،من خ�لال ختصيص أجزاء معينة م��ن مصدر اخلري بحيث حيص��ل اجلميع عىل بعض
(1) Garvin, Lucius: Retributive and Distributive Justice, The Journal of Philosophy, Vol.42,
No.10, (May., 10- 1945), p.271.
(2) Taylor, W. Paul: Reverse Discrimination and Compensatory Justice, Analysis, Vol.33, No.6,
(Jun., 1973), Oxford University Press, 1973, p.180.
(3) Taylor, W. Paul: Respect for Nature, Op.Cit, p.304.
(4) Ibid, p.305.
مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون) 270
املناف��ع ،ويف هذه احلالة من الرضوري تصور أرضية مش�تركة متثل حالة انس��جام أس��ايس بني
الطبيعة واحلضارة اإلنس��انية ،ويف جانبها الثاين تس��تمد عدالة احلف��اظ عىل الربية من مالمئتها
بوصفها وسيلة للتعويض عن املظامل التي يرتكبها البرش يف احلياة الربية ،بأن نضع جان ًبا مناطق
املواط��ن الطبيعية وأن نحمي الظروف البيئية يف تلك املناطق؛ حتى تتمكن املجتمعات الربية
يرا كاملاً عن احرتامنا للطبيعة،
م��ن احليوانات والنباتات من حتقيق خريها ،وهذا ما يعرب تعب� ً
رضرا بالكائنات احلية من أجل االستفادة ألنفسنا).(1ً حتى عندما نلحق
يتضح مما س��بق ،أن دراس��ة «تايلور» للمبادئ ذات األولوية اخلمسة تتميز بعدة مميزات،
هي عىل النحو اآليت:
أ -أهن��ا تعط��ي ر ًدا منطق ًي��ا عقل ًيا عىل التهم��ة القائل��ة أن مذهب املس��اواة احليوية جيب
أن ينهار عندما يتعلق األمر بالرصاعات بني البرش واألنواع األخرى من املخلوقات.
بُ -تظه��ر ه��ذه املبادئ أن هناك أس��اليب خمتلفة حلل الرصاعات بط��رق توفر اإلنصاف
للجميع ،عن طريق االعرتاف الواجب بالقيمة املتأصلة لكل كائن حي.
أساسا منهج ًيا ملفهوم العدالة بني األنواع يف احلاالت التي ال ميكن فيها حتقيق
ج-أهنا توفر ً
مصال��ح الكائن��ات احلية الت��ي تنتمي إىل أنواع خمتلف��ة ،وهبذا يتم اس��تبدال الرصاع
من أجل البقاء بقيود النظام األخالقي التي حتددها مبادئ العقالنية للعدالة).(2
نتائج البحث
احلية -دون استثناء -متلك قيمة متأصلة يف ذاهتا؛ ألهنا تسعى نحو حتقيق خريها اخلاص بطريقتها
اخلاصة ،وأهنا موجهة نحو أهداف غائية يف احلياة ،وهذا ما ُيفيض إىل أن مجيع الكائنات احلية
تستحق االعتبار والنظر األخالقي من قبل الفاعلني األخالقيني ،وهذا أمر حمال.
نظرا هليمنة اإلنسان عىل البيئة وسيطرته عىل مقدراهتا واحتكارها لصالح منفعته
سادساً :
ً
اخلاص��ة ،فقد وضع «تايلور» أربع قواعد حاكمة للس��لوك اإلنس��اين يف مواقفه جتاه الطبيعة،
وه��ي :قاعدة عدم اإليذاء ،وقاعدة عدم التدخل /اإلعاق��ة ،وقاعدة الثقة ،وقاعدة التعويض،
وقد وضع لكل قاعدة من هذه القواعد جمموعة من االلتزامات واالس��تثناءات ،وهذا يعين أهنا
قواعد نسبية ترتبط بظروف املوقف أو احلالة.
ساب ًعا :يفرض الرصاع احلتمي عىل املصالح بني الكائنات البرشية والكائنات غري البرشية
وجود جمموعة من املبادئ تعمل عىل حل هذا الرصاع ،وقد حدد «تايلور» يف مخسة مبادئ تعمل
مببدأ أولوية الصالحية األخالقية ،وهي :مبدأ الدفاع عن النفس ،ومبدأ التناس��ب ،ومبدأ احلد
األدىن من اخلطأ ،ومبدأ العدالة التوزيعية ،وطاملا أن هذه املبادئ ختضع ملبدأ أولوية الصالحية
األخالقية ،فهي إذن مبادئ نسبية ،مثلها مثل الواجبات ظاهرة الصدق عند «ديفيد روس».
ثام ًن��ا :ت��رى الدراس��ة أن موقف اح�ترام الطبيعة هو موق��ف أخالقي جي��ب أن يلتزم به
كل ش��خص منا عن طريق فرض قواع��د ومبادئ عامة حتكم هذه العالقة ،ويف الوقت نفس��ه
هو عبارة عن موقف تعاطف وجداين وإحساس باملسئولية جتاه العامل الطبيعي ،وهذا التعاطف
ينبغي أن يكون ناب ًعا من الذات اإلنس��انية ،وجيب أن نع��ي أن احلفاظ عىل البيئة ومحايتها أمر
واجب عىل كل األجيال احلارضة واملستقبلية؛ ألن هذا األمر يشكل حمور احلضارة اإلنسانية.
273 مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية
ًا
مصادر باللغة اإلنجليزية:أول
1- Taylor, W. Paul: Respect for Nature; A Theory of Environment Ethics, In:
«Environmental Ethics», ed by; Michael Boylan, Second Edition,
John Wiley & Sons, Inc, Wiley Blackwell, 2014.
2- ……………(ed): The Moral Judgment; Reading Contemporary Met-Ethics,
Prentice-Hall, Inc, Englewood Cliffs, New Jersey, 1993.
3- ...................: Inherent Value and Moral Rights, The Monist, Vol.70, No.1,
(January., 1987), Oxford University Press, 1987.
4- ...................: Are Humans Superior to Animals and Plans?, In: «Environmental
Ethics», by ed; Eugenc C. Hargrove, Vol.6, No.2, (Summer., 1984),
Environmental Philosophy, Inc. The University of Georgia, Athens,
1984.
5- ...................: In Defense of Biocentrism, In: «Environmental Ethics», by ed;
Eugenc C. Hargrove,Vol.5, No.3, Environmental Philosophy, Inc.
The University of Georgia, Athens,1983.
6- ...................: The Ethics of Respect for Nature, In: «Environmental Ethics»,
by ed; Eugenc C. Hargrove, Vol.3, No.3, Environmental Philosophy,
Inc. The University of Georgia, Athens, 1981.
7- ...................: Frankena on Environmental Ethics, The Monist, Vol.64, No.3,
(July., 1981), Oxford University Press, 1981.
8- ...................: Reverse Discrimination and Compensatory Justice, Analysis,
Vol.33, No.6, (Jun., 1973), Oxford University Press, 1973.
9- ...................: Justice and Utility, Canadian Journal of Philosophy, Vol.1, No.3,
(Mar., 1972).
)مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون 274
«الفلس��فة البيئية؛ م��ن حقوق احليوانات: ضمن، أخالقيات احرتام الطبيعة: بول، تايل��ور-1
، معني ش��فيق رومية: ترمجة، مايكل زميرمان:إىل اإليكولوجيا اجلذرية» حترير
، املجل��س األعىل للثقاف��ة والفنون واآلداب،1 جـ،)332( الع��دد،ع��امل املعرفة
.م2006 أكتوبر،الكويت
9- Evans, Claude. J: With Respect for Nature; Living as Part of the Natural World,
State University of New York Press, New York, 2005.
10- Finnigan, Bronwyn: Buddhism and Animal Ethics, Philosophy Compass,
Vol.12, No.7, (July., 2017), Wiley, 2017.
11- Garvin, Lucius: Retributive and Distributive Justice, The Journal of Philosophy,
Vol.42, No.10, (May., 10- 1945).
12- Hospers, John: The Case for Animal Right, By Tom Regan, Reason Papers,
No.10, (Spring, 1985).
13- Humphreys, Rebekah: Animal Thought on Factory Farm: Michael Leahy,
Language and Awareness of Death, Between The Species, No.8, California
Polytechnic State University, San Luis Obispo, CA, August, 2008.
14- Hurka, Thomas: Proportionality in The Morality of War, Philosophy & Public
Affairs, Vol.33, No.1, (Winter., 2005), Wiley, 2005.
15- Kernohan, Andrew: Environmental Ethics; An Interactive Introduction,
Broadview Press, Canada, 2012.
16- Leahy, P.T. Michael: Against Liberation; Putting Animals in Perspective,
Routledge, New York, 1994.
17- Miller, B. Richard: Killing, Self-Defense, and Bad Luck, The Journal of
Religious Ethics, Vol.37, No.1, (Mar., 2009), Blackwell Publishing
Ltd, 2009.
18- Regan, Tom: Animal Rights and Environmental Ethics, For in: ‘The Structural
Links between Ecology, Evolution and Ethics, by ed: Donato Bergandt,
Springer, New York, 2013.
19- ……………: Animal Rights, Human Wrongs; An Introduction to Moral
Philosophy, Rowman & Littlefield Publishers, INC, New York,
2003.
20- ……………….: Contractarianism and Animal Rights, Journal of Applied
Philosophy, Vol.14, No.3, 1997.
21- Rowlands, Mark: Contractarianism and Animal Rights, Journal of Applied
Philosophy, Vol.14, No.3, 1997.
)مجلة الجمعية الفلسفية المصرية (السنة الثامنة والعشرون ــ العدد الثامن والعشرون 276
،2 ج، أمحد لطفي الس��يد: نقله إىل العربية، علم األخ�لاق إىل نيقوماخوس: أرس��طوطاليس-1
.م1942 ، القاهرة،مطبعة دار الكتب املرصية
الدار املرصية، مدخل إىل فلسفة البيئة واملذاهب اإليكولوجية املعارصة: مصطفي، النشار-2
.م2015 ، القاهرة،2 ط،اللبنانية
دار الثقافة للنرش، حممد مدين. د: ترمجة ودراسة، مقدمة يف فلسفة األخالق: ألفريد، إيونج-3
.م1997 ، القاهرة،والتوزيع
،» «مدخل إىل الفكر اإليكولوجي: ضمن، مقدمة إىل األخالق البيئية: إرنس��ت، بارتريدج-4
، مكتبة األسد، منش��ورات وزارة الثقافة السورية، معني رومية:حترير وترمجة
.م2007 ، سوريا،دمشق
277 مبادئ احترام الطبيعة في فلسفة «بول تايلور» األخالقية
-16ناصف ،حفين .عصام الدين :نظرية التطور ،مطبعة مرص ،القاهرة1952 ،م.
-17وهب��ه ،مراد :املعجم الفلس��في ،دار قب��اء احلديثة للطباع��ة والنرش والتوزي��ع ،القاهرة،
2007م.