You are on page 1of 3

‫أحمد خالد توفيق‬

‫أضناني البحث دوما عن كتاباته‪ ..‬ففكرت في تجميعها ليسهل على عشاقه مثلي متابعة إبداعاته‬

‫‪Friday, July 9, 2021‬‬

‫إنهم يأتون لياًل ‪ - 4 -‬األخيرة‬


‫نظر (محمود شاكر) إلى الشقة المتسعة والتي تكّو مت فيها قطع أثاث قديمة لم يعن أحد بنقلها‪ ،‬وسأل البواب‪:‬‬
‫ـ هل أنت متأّكد من السعر؟ إنها رخيصة فعاًل ‪ ..‬ال يجب أن أقول هذا‪ ،‬لكن (الحاج) صاحب البيت ليس هنا على‬
‫كل حال‪.‬‬

‫قال البواب وهو يتحاشى عيني محمود‪:‬‬


‫ـ هذه مسألة أرزاق‪ ..‬وأنت رجل سمح كريم‪ ،‬لهذا تجد هذه الفرص‪.‬‬

‫ـ وماذا عن هذا األثاث؟ َم ن صاحبه؟ الشقة ليست مفروشة حسب العقد‪.‬‬

‫قال البواب وهو يعّد األوراق المالية‪:‬‬


‫ّل‬
‫ـ المالك القديم لم ينقل حاجياته كلها‪ ..‬هذه األشياء لك أن تأخذها أو تتركها أو تتخ ص منها‪.‬‬

‫رسوم فواز‬

‫ثم تذّكر شيًئ ا فعاد يسأل‪:‬‬


‫ـ قلت إنك لست متزوًج ا يا بك؟‬

‫ـ نعم‪ ..‬أنا مقطوع من شجرة لو راق لك هذا التعبير‪ ..‬لماذا تسأل؟‬

‫ـ صدفة غريبة‪ ..‬هذه الشقة تجذب العزاب لسبب ال أدريه‪ ..‬منذ أسبوع عاينها زوج وزوجة لديهما ثالثة أطفال‪..‬‬
‫لكن يبدو أنها لم تعجبه‪.‬‬

‫ـ األعزب ال يطلب سوى مساحات ضّي قة كما تعلم‪ ..‬سوف أحضر حاجياتي اليوم أو غًد ا‪.‬‬

‫********‬

‫لم أكّف لحظة عن اعتبار نفسي حًي ا أرزق مثلك ومثله‪ ..‬هذه شقتي‪ ..‬هذا بيتي‪ ..‬صحيح أن بعض المضايقات‬
‫تحدث؛ مثل ذلك الصخب الذي أحدثه رجال الشرطة ‪ -‬وهو مشهد لم أَر ه من قبل إال في السينما ‪ -‬والمرات التي‬
‫اقتحم فيها البواب المكان ليفتش‪ ..‬فيما عدا هذا كل شيء على ما يرام‪.‬‬

‫اآلن ال أشكو الوحدة‪.‬‬

‫إنهم يأتون لياًل ‪ ...‬كلنا نأتي لياًل لنجلس ونتكّلم‪ ..‬بعضهم يشرب الشاي وُي دّخ ن‪ ،‬لكني لم أسألهم قط من أين‬
‫يأتون بهذه األشياء‪ ..‬كيف يمكنك شراء السجائر وأنت بهذه الحالة؟ كيف يمكنك تشغيل جهاز كاسيت؟‬

‫المشكلة الوحيدة هي أنهم جميًع ا يبدون كما كانوا لحظة الرعب األعظم‪ ..‬يمكن أن يتوقف قلبك ذعًر ا لو رأيت‬
‫نظرة الهلع هذه‪ ..‬لكني أقول لنفسي إنني بالتأكيد أبدو مثلهم‪ ..‬من حسن الحظ أن المرايا ال تعكس صورنا‪..‬‬
‫أحياًن ا يمكنك أن ترانا وأحياًن ا ال‪ ،‬لكننا نظهر غالًب ا في الكاميرا‪ ،‬وأعتقد أن لهذا عالقة بطول الموجات التي‬
‫نعكسها‪.‬‬

‫رسوم فواز‬

‫إنهم يأتون لياًل ‪ ..‬ولكننا نتفّر ق قبل الفجر‪.‬‬

‫كل واحد منهم وحيد كذئب‪ ..‬قضى أياًم ا من الحيرة والقلق متسائاًل عمن يأتون لياًل ‪ ..‬ثم اكتشف الحقيقة في‬
‫قلب الظالم وهو وحده‪ ،‬ثم صار يأتي لياًل مثلهم‪ ..‬لقد صار منهم‪.‬‬

‫كم عددنا؟ ال أعرف‪ ..‬هناك وجوه لم أَر ها سوى مرة‪ ..‬وهناك وجوه تأتي كل ليلة‪ ..‬هناك وجوه لن تعود أبًد ا‪..‬‬
‫وهناك وجوه سوف تأتي‪.‬‬

‫القادم الجديد شاب وحيد اسمه (محمود شاكر)‪ ..‬أعتقد أنه شاب ظريف مهّذ ب‪ ..‬لكني لألسف ال أستطيع نيل‬
‫صداقته‪ ..‬اآلن‪.‬‬

‫لقد أحضر أثاثه وحاجياته وبدأت حياة جديدة تدّب في الشقة‪ ،‬يحاول أن يكون سعيًد ا لكنه لن يقدر على ذلك‪.‬‬

‫سوف يصحو ذات يوم في الثالثة صباًح ا‪ ..‬سوف يقف على باب غرفة الجلوس وينظر لنا ويرمش بعينيه اللتين‬
‫يغشاهما النعاس‪ ..‬سوف ينظر لنا فال يرانا‪ ،‬لكنه يرى الفوضى المادية التي سببناها‪ ..‬سيشم رائحة التبغ ويرى‬
‫كوًبا مقلوًبا‪.‬‬

‫إنه متوتر‪ ..‬إنه ال يفهم‪ ..‬يشّك في سالمة قواه العقلية‪.‬‬

‫سوف ُي كرر هذا عدة لياٍل ‪ ..‬سوف ُي فكر في حلول ثورية‪ ..‬ربما تقع عيناه علينا عن طريق الصدفة‪ ..‬ربما يلتقط‬
‫صورة فوتوغرافية للغرفة الخالية فيرانا على الفيلم‪.‬‬

‫لن يطول األمر‪ ..‬وسرعان ما يجد أنه صار واحًد ا مّنا ويعتاد أن يأتي لياًل ‪.‬‬

‫لم أعد خائًف ا‪ ..‬لقد صرت مخيًف ا!‬


0 comments Sort by Newest

Add a comment...

Facebook Comments Plugin

‹ Home ›
View web version

Powered by Blogger.

You might also like