Professional Documents
Culture Documents
Al Sharqa Al Thaqafia 51
Al Sharqa Al Thaqafia 51
خــورفكــــان نافذة الثقافة العربية ت�شـدر �شـهـري ًا عـن دائرة الثـقافة بال�شارقة
ال�شنة الخام�شة-العدد الواحد والخم�شون -يناير ٢٠٢١م
�سلط�ن الق��سمي
الــشـعــــر الـــجـمـيــــل.. رحــــــــــــــلــــــــــــــة مــــــع العدد ( | )281ينـاير 2021
بـــــــــيــــن الـــمـــوهـــبـــة "هــــمــــس األنـــــامـــــل"
وال ـــ ــف ــك ــرة واإللـــقـــاء لـلشاعر نـاصر الـنعيمـي
مجلة شهرية ثقافية تنموية تـصـدر من المنطقة الوسطى بإمارة الشارقة و مدرجهـا و شاللهـا
إنجازات متواصلة
2020
حصاد من اإلنجازات
المنطقة الوسطى
ومـراع أنجــزت
ٍ مسـاكن رهــف المـبــارك الشعـر والموسيقى
ومشروعات أخرى قادمة اإلبداع محفوف بالمجازفة أصـوات فـي أزمـنـة تتـوالى
الإمارات العربية في االحتفال بهذا اليوم والتاريخ وكتب العلوم التي �شهدها العرب ي�صادف اليوم العالمي للغة العربية
الذي ي�صادف 18دي�سمبر من كل عام. ما بين القرنين الثاني والرابع الهجريين الثامن ع�شر من دي�سمبر من كل عام ،حيث
وكانت �إم ��ارة ال�شارقة ،وم��ن خالل ف��ي ح��وا���ض��ر ب��غ��داد ودم�����ش��ق وال��ق��اه��رة �صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة
ر�ؤي���ة �صاحب ال�سمو ال�شيخ الدكتور والأن��دل�����س ،ب��ل �أ�سهمت ف��ي نقل العلوم رقم ( ،)3190ال��ذي �أعلنت فيه �أن اللغة
�سلطان بن محمد القا�سمي �سباقة �إلى وال��م��ع��ارف الرومانية واليونانية �إل��ى العربية �أ�صبحت لغة ر�سمية في العالم
تعزيز اللغة العربية ،وا�ستخدامها في كل �أوروب��ا ،فكانت �صلة الو�صل من ح�ضارة ولغة عمل في الأمم المتحدة ،بعد اقتراح
المجاالت العلمية والأدبية واالجتماعية، �إلى ح�ضارة تاريخي ًا وثقافي ًا و�أدبي ًا. قدمته دولتا المغرب وال�سعودية في الدورة
لأنها ق��ادرة على التفاعل والتكيف مع وتعد اللغة العربية �إحدى �أكثر اللغات ( ،)190في العام 1973م ،ومنذ ذلك اليوم
مختلف العلوم والح�ضارات. انت�شاراً في العالم ،حيث يتحدث بها ما والوطن العربي يحتفل باليوم العالمي
لقد ج��اءت م��ب��ادرات �صاحب ال�سمو يقرب من ن�صف مليار �شخ�ص ،يتوزعون للغة العربية.
حاكم ال�شارقة لدعم اللغة العربية تعزيزاً ب�شكل �أ�سا�سي في �أقطار الوطن العربي، لقد نظم العرب منذ �سنين طويلة �أعظم
لمكانتها الكبيرة التي حظيت بها عبر �إ�ضافة �إل��ى بع�ض المناطق الجغرافية الق�صائد ودونوا مخطوطات �أثرية تاريخية
ق��رون ،وتتويج ًا للجهود التي بذلت من ال��م��ج��اورة� ،إذ ل��م تت�أثر اللغة العربية وعلمية و�أدبية� ،أكدت �أن هذه اللغة �ضاربة
�أج��ل �إع�لاء �ش�أن العربية .يقول �سموه: باللغات المجاورة كثيراً ،برغم االختالط الجذور في عمق التاريخ ،وتكمن �أهمية
(�إن اللغة العربية �أرقى اللغات و�أ�سماها، بين ال��ع��رب وال�شعوب الأخ���رى ،خا�صة هذه اللغة في �أن اهلل تعالى اختار العرب
وزاده��ا طيبة وع��ذوب��ة �أن ال��ق��ر�آن يتلى خالل الفتوحات الإ�سالمية ،حيث بقيت دون غيرهم ،ف�أنزل عليهم القر�آن الكريم
بها) ،فكان �إط�لاق مجمع اللغة العربية قواعد اللغة العربية كما هي ،ال بل امتد بلغة عربية� ،إ�شارة �إلى تكريم هذه اللغة؛
في (�شارقة الثقافة) ،و�إ�صدار (المعجم وبنى لغوية �إلى الكثير ت�أثيرها كمفردات ُ فكانت داللة �إ�ضافية لأهميتها ،فالعربية
التاريخي) للغة العربية على ر�أ�س حزمة من اللغات الأخرى ،فقد كانت اللغة العربية ا�سم م�شتق من الإع ��راب عن ال�شيء� ،أي
من المبادرات والإنجازات الكثيرة التي عند ال�شعوب الم�سلمة من غير العرب �أداة الإف�صاح عنه ،وهكذا فهي تعني من حيث
�أطلقها �سموه في �إطار اهتمامه وحر�صه لتعلم علوم ال�شريعة الإ�سالمية ،ف�أ�صبحت اال�شتقاق لغة الف�صاحة.
على اللغة العربية. �أحد عوامل انت�شار هذه اللغة. �إن دور اللغة العربية منذ ن�شوئها
�إن االح��ت��ف��اء باليوم العالمي للغة وقد �أخذت دولة الإمارات على عاتقها وحتى اليوم ،لم يقت�صر على �إنتاج الأدب
العربية في ال�شارقة ،يتجاوز ال�شكل �إلى مهمة قيادة الجهود والمبادرات ،من �أجل
الم�ضمون ،ما ي�ؤكد ريادة �إمارة ال�شارقة المحافظة على اللغة والهوية العربية،
المخطوطات الأثرية
للحركة الثقافية في الدولة ،و�أن االهتمام والنهو�ض الحقيقي بها على مختلف
باللغة العربية تحول �إلى م�شاريع ثقافية الم�ستويات االقت�صادية واالجتماعية التاريخية والعلمية �أكدت
م�ستدامة ت�صب في م�شروع الدكتور �سلطان والمعرفية ،وتكري�س مكانتها في المجتمع �أن هذه اللغة �ضاربة
القا�سمي الثقافي ،الذي ينطلق من فكرة الإم��ارات��ي ،وتزامن ًا مع االحتفاء باليوم الجذور في عمق التاريخ
وحدة الثقافة العربية. العالمي للغة ال��ع��رب��ي��ة ،ت�����ش��ارك دول��ة
مدير التحرير
نـواف يونـ�س
هيئة التحرير
عبد الكريم يون�س
عـــــزت عـــــمــــــــر
حــ�ســـــان الـعــبـــد
عبدالعليم حري�ص
الت�صميم والإخـراج
محـمـد �سـمــير
�صناعة العطور
حياة مترفة ووله بال�شذا الف ّواح
م�����ن �أي�������ن ج�����اءت
ه��ات��ي��ك ال��رائ��ح��ة؟
�أم��ن زه��رة يا�سمين
�أم فل؟ �أم من ع�شبة
غ��ار ورائ��ح��ة ط��ل؟!
يقظان م�صطفى
�أه�������ي ال��ك��ي��م��ي��اء
ت��ن��اف�����س ال��ف��ي��زي��اء ف��ت��خ��ت��رق ال��زم��ن
بتركيبة ت�سمى عطراً؟! وكيف للرائحة
المتهادية ف��ي الأج����واء �أن تُحب�س
ف��ي زج��اج��ة ك���أن��ه��ا م���ارد الم�صباح؟!
اللذين �أعجبا بهذه ال��رواي��ة الإ�سبانية، مف�سراً �أي�ض ًا لبع�ض �أع��م��ال اب��ن ر�شد، �أن نلتفت مجدداً �إلى (ر�سالة حي بن
لكن �أكبر حافز ل��رواج (ر�سالة حي بن وابن �سينا ،والغزالي ،و�أر�سطو ،و�أن كهنة يقظان) البن طفيل الغرناطي الأندل�سي،
يقظان) كان بال ريب الترجمة الالتينية ديانته نبذوه لر�شديته وندائه �إلى تبني يعني �أن نعيد قطع الج�سور الممتدة بين
التي �أ�صدرها Pocockeفي Oxford ال ��ر�أي الأ�سا�سي لر�سالة اب��ن طفيل� ،أال الأل�سنة والح�ضارات والمعتقدات والتي
ع ��ام (١٦٧١م) م��ان��ح � ًا �إي��اه��ا ع��ن��وان وهو نهج المنهج الفردي ،بل والع�صامي، �أن�شئت ركائزها ب�صعوبة لتحقيق حلم
(الفيل�سوف الع�صامي) ،وهو العنوان الذي لك�سب المعرفة والت�صرف ب���إرادة حرة. تكوين �إن�سان مالك م�صيره .فما يعتبر
�سوف ت�شتهر به ر�سالة ابن طفيل� ،أو ًال في هناك توجد �أي�ض ًا ق�صة �شعبية �إ�سبانية ثاني كتاب من الأدب العربي الكال�سيكي
�أو�ساط عهد التنوير الإنجليزي ،وثاني ًا في م�أخوذة عن ر�سالة ابن طفيل تدوولت في ذيوع ًا في العالم بعد (�أل��ف ليلة وليلة)،
العالم برمته .بعد �صدور ترجمة هولندية �أجواء الموري�سكيين في منطقة �سرق�سطة، على ح�سب قول عبد الرحمن بدوي ،والن�ص
في عام (١٦٧٢م) وترجمتين �إنجليزيتين �شمال �شرقي �إ�سبانيا� ،ألهمت �أح��د �أهم الم�ؤ�س�س للرواية الفل�سفية في العالم،
�أخريين في عامي ( ١٦٧٤و١٦٨٦م)، م�ؤلفات الع�صر الذهبي للأدب الإ�سباني، مازالت تكمن في �صميمه �أ�سئلة خليقة
ظهرت الترجمة الهولندية الثانية في هي الرواية الفل�سفية المعنونة (ال َّن َّقاد) لــ بالتفكير فيها� .إن ات�ساق حبكة ق�صة
ع ��ام (١٧٠١م) ،وه ��ي ال��ت��ي ق ��ام بها (غراثيان) التي �صدرت في ثالثة �أجزاء متوحد في جزيرة مهجورة في عر�ض البحر
،Bouwmeesterرفيق ومعاون لواحد بين ( ١٦٥١و١٦٥٧م) ،يعر�ض فيها من�سوجة بمواد خرافية وواقعية ،تت�سل�سل
من �أكبر الفال�سفة المنورين ،Spinoza الم�ؤلف �أفكاره المت�شائمة حيال المجتمع فيها الت�سا�ؤالت البحثية والوجودية لبطل
ال��ذي دع��ا� ،ش�أنه �ش�أن اب��ن طفيل وابن الب�شري عبر ق�صة نجا بطل متعلم من ي�صعد في �س ّلم المعرفة بمجرد فطرته،
ر�شد� ،إل��ى (حرية التفل�سف) ،وط��رد لذلك الغرق في جزيرة معزولة ،حيث التقى عالوة على المالحظات التجريبية المكثفة
من الجماعة اليهودية لمدينة �أم�ستردام. بمتوحد �أم��ي ع ّلمه الكالم ،ثم �أطلع هذا لبع�ض الأحداث والآراء الفل�سفية الخطرة
ول��ن��ذك��ر هنا �أن اب��ن طفيل واب ��ن ر�شد الأخير ال�شخ�ص الجديد في الجزيرة على بكم ال ب�أ�س به من الن�سبية في
المعالجة ّ
�أخ�ضعا لإقامة جبرية في �آخر م�شوارهما مغامرة والدت��ه في كهف ون�شوئه تحت الأحكام ،ا�سترعى ب�شدة اهتمام مفكري
ب�سعي من الفقهاء المت�شبثين .في ال�سنة حماية حيوان �أر�ضه حتى ع��رف جمال عهود النه�ضة والتنوير والحداثة �شرق ًا
(١٧٠٨م) �صدرت ترجمة �إنجليزية جديدة الطبيعة و�ضرورة وجود خالق لها ،وهي وغرب ًا .يبدو �أن م�شاركة ق�صة ابن طفيل
منجزة مبا�شرة عن اللغة العربية ،وفي المغامرة عينها التي عا�شها بطل ابن في الفكر الغربي ب��د�أ على يد بيكو ديال
عامي ( ١٧٢٦و( ١٧٨٣ن�شرت ترجمتان طفيل .ومثلما يحدث في الأ�صل الأندل�سي، م��ي��ران��دوال (١٤٩٤-١٤٦٣م) ،ر�شدي
�ألمانيتان قربتا ن�ص ابن طفيل مبا�شرة �سافر الرجالن العا ِلمان والفا�ضالن �إلى التوجه و�أب��ي نزعة الأن�سنة الأوروب��ي��ة،
من المفكرين المنورين الأل��م��ان .وكما بالطات ملوك �إ�سبانيا وفرن�سا و�إيطاليا والذي ن�سبت �إليه ترجمة التينية مفقودة
ه��و معلوم ،جعلت (جماعة الأ���ص��دق��اء بحث ًا عن ال�سعادة لكنهما لم يح�صال عليها عن كتاب اب��ن طفيل �أنجزت باال�ستناد
الدينية) ،المعروفة با�سم ،The Quaker حتى نهاية حياتهما وفي جزيرة الخلود، �إل��ى ترجمة عبرية �ضاعت هي الأخ��رى
ر�سالة اب��ن طفيل مرجع ًا �أ�سا�سي ًا لهذا على من�أى من كدر المجتمع .ولهذه الرواية �شرحها مو�سى ال َّن ْربوني بالعبرية خالل
المذهب ال��ذي �أ�س�سه في منت�صف القرن �أث��ر بالغ في م�ستهل النزعة الوجودية �إقامته في بر�شلونة في عام (١٣٧٠م).
١٧الإنجليزي ،George Foxوهو الذي الألمانية ،ال �سيما لدى �شوبنهاور ونيت�شه وتجدر الإ���ش��ارة �إل��ى �أن هذا العالم كان
في الق�سم الأخير للكتاب ،تن�سج حبكة يقودها تعر�ض لل�سجن بتهمة الم�ؤامرة �ضد الكني�سةّ
الت�سا�ؤل والأحكام المفتوحة ،مثل امتناع الأنجليكانية ،والذي اليزال �أتباعه ن�شطين
الم�ؤلف عن الح�سم في �ش�أن روايتي والدة في الواليات المتحدة في الوقت الراهن� .أما
حي الموم�أ �إليهما �آنف ًا� ،أو في مع�ضلة قدم عام (١٩٩٠م) ف�شهد �صدور كل من الترجمة
ا�سترعت الق�صة العالم �أو حدوثه ،كما تذييله بعبارة (تقريب ًا) الفرن�سية ال�شهيرة لـ Léon Gauthier
تعداد �أ�سابيع و�سنين م��دة درج��ات البطل و�أول ترجمة �إ�سبانية على يد Francisco
اهتمام مفكري عهود ،Ponsالتي �ستليها الترجمة الإ�سبانية
المعرفية .وما �أبهى �سرده لوفاة الظبية-
النه�ضة والتنوير الأم لحي ،الحدث الباعث لتراتب الت�سا�ؤالت الثانية بقلم González Palenciaفي
في الغرب فتمت وال�شكوك ال��م��ؤدي��ة �إل��ى المعرفة ،خا�صة عام( ١٩٣٤م) .بعدئ ٍذ تعددت الترجمات (�إلى
ترجمتها �إلى �أكثر من و�صفه لت�شريح الظبية الحافل بمعطيات أردواللغة الرو�سية في عام ١٩٢٠م ،ثم ال ُ
لغة الطبيب المتمرن وبم�شاعر انفعال البطل والفار�سية ،وال��خ) و�إع���ادة الطبعات ،بما
لحظة اكت�شافه حقيقة الموت!! �شيمة �أخرى فيها الن�شرة العربية الأولى التي �صدرت في
لروعة اب��ن طفيل هي ال�صبغة الت�صويرية القاهرة في عام (١٨٨١م) تارك ًة ب�صمتها
القوية ل��رواي��ة و�صول (ح��ي) الر�ضيع �إلى ف��ي النه�ضة العربية ،منذ ذل��ك الحين لم
جزيرة غير محدد موقعها مخب�أ في تابوت تتوقف الن�شرات المحققة وال�شعبية ،وحتى
(دالل��ة على خطورة هالك و�شيك) ،و�شرحه للأطفال ،بلغتها الأم وبلغات �أخرى.
تعد رائدة الرواية (ال�سينمائي) لإخ�ضاع الطبيعة الحق ًا من قبل ولئن كانت ثمار ر�سالة ابن طفيل
الفل�سفية في التراث حي ،وهو �أمر �سوف يجد فيه البع�ض �سابقة المقتطفة في هذا الم�ضمار الثقافي �أو ذاك،
العربي وثاني �أثر لرواية (روبن�سون ك��روزو) لديفو (١٧١٩م) ف ��إن ن�ص (ح��ي بن يقظان) الأ�صلي يبقى
�أدبي خالد بعد «�ألف وح��ت��ى لق�ص�ص و�أف��ل�ام ط� ��رزان (١٩١٢ متلألئ ًا ب�أ�سلوبه ال�سل�س المفعم بمحبة
و١٩٤٠م) وروبن�سون ما بعد الحداثة للكاتب الم�ؤلف للتفكير والإ�صالح االجتماعي وال�سرد
ليلة وليلة» الفرنسي١٩٦٧( Michael Tournierم)، الجميل .في مقدمة الر�سالة ير�سم الم�ؤلف
رغ��م التباين الجلي القائم بين مغازيها معالمه الفل�سفية برف�ضه الت�صوف الم�ؤدي
وتفا�صيلها .وم��ا �أعجب كذلك ال�صفحات �إلى ت�أله الإن�سان ،من طرف ،و(�أه��ل النظر)
المكر�سة على ق�صة �أ�سال ونزوله في جزيرة المنغلقين في المنطق الفارغ ،من طرف ثانٍ ،
(حي) واندها�شه ،بعد تعليمه الكالم ،لإلمام ال�س َنوية حق ًال
ويتخذ (الحكمة الم�شرقية) َّ
المتوح�ش بكل المعارف والحقيقة بمح�ض مالئم ًا للتوحيد بين التفكير والم�شاهدة
للرواية �أثر كبير في اجتهاده وف�شلهما في محاولة �إر�شاد نا�س و�إدراك التوافق بين المنقول والمعقول .ثم
النزعة الوجودية جزيرة �أخ��رى �إل��ى طريق الخير!! وتعقيب ًا يفلح الم�ؤلف في توظيف المادة الخرافية
الألمانية وبخا�صة على ما ذهبت �إليه بع�ض الدرا�سات الحديثة والرمزية للر�سالة بان�سجام مع التجارب
لدى �شوبنهاور حول عدم �إعطاء ابن طفيل دوراً للمر�أة في والأح ��داث الواقعية .ا�ستعادة خرافتي حي
ونيت�شه اللذين ج��زي��رت��ه ،وح�صر دور الأن��ث��ى على خالف بن يقظان و�أ�سال ال�شائعتين في الم�شرق،
ال�شرع الإ�سالمي نف�سه ،على الأمومة (الأميرة وق�صتي والدة البطل ذات �أ�صداء قر�آنية (رمي
�أعجبا بها التي رمت �سراً بحي �إلى اليم لإنقاذه ،والظبية ر�ضيع �إلى اليم على غرار مو�سى �أو خلقه من
المربية له والتي �أ�سماها حي نف�سه بالأم)، الطين مثل �آدم) ،وجزيرة الوقواق الخرافية
دعونا نلمح �إلى �أنه ،بغ�ض النظر عن انتماء المذكورة في (الليالي) ،ور�ضاعة حيوان
الم�ؤلف �إلى مجتمع ت�سود فيها الأبوية ،مثله لحي المماثلة لأ�سطورة رومولو�س ورمو�س
مثل �أغلبية المجتمعات ،وعن رمزية ر�سالته، م�ؤ�س�سي روما ،ثم ترتيب المراحل المعرفية
انحازت الرواية �إلى مهد الطريق للقفزة التي ال �شك �أن ابن طفيل ّ للبطل في �سباعيات زمانية ،تتخلله تعابير
التوافق بين المنقول قام بها زميله الطبيب الفيل�سوف والفقيه ابن الت�سا�ؤل وال�شك والن�سبية للذات المتكلمة،
والمعقول وبين ر�شد ،الذي �أعلن جهراً في (تخلي�ص جمهورية والباحثة على ال���دوام .تعددية الأ���ص��وات
�أفالطون) قدرة المر�أة على التفل�سف وبالتالي المتداخلة في الر�سالة� ،صوت الم�ؤلف الراوي
الم�شاهدة والتفكير
�أهليتها لتولي مهام �إدارة المدينة الفا�ضلة، تارة و�صوت الأخ ال�سائل والمتلقي المفتر�ض
�إن �أتيحت لها الفر�صة للتعلم وال تهم�ش في للخطاب ت ��ارة �أخ���رى� ،أو الن�ص القر�آني
الأ�شغال والمهن التقليدية المحددة لها. كم�صدر للحقيقة الموحية الظاهرة خ�صو�ص ًا
�أنطونيو لوزانو
اختيار جماعات معينة لكي تهاجر من مكان
لآخ��ر .وتتمثل عوامل الطرد الب�سيطة في
الفقر واال�ضطهاد والعزلة االجتماعية وهي
ما كان يعانيها (خالد) بطل الروايةّ � ،أما
القوية ،فتتجلى في المجاعات عوامل الطرد ّ
والحروب والكوارث الطبيعية ،كما يمكن �أن
ير�صد م�آ�سي الهجرة نحو ال�شمال
تكون عوامل الطرد عوامل بنائية ،كالنمو ���راك���ة –)Harragaوه���ي كلمة دارج���ة ت��ع��د رواي����ة (ح ّ
ال�سكاني ال�سريع و�أثره في الغذاء والموارد تطلق في دول �شمالي �إفريقيا على المهاجرين ال�سريين-
الهوة المرتبطة بالرفاهيةالأخ��رى� ،أو في ّ للكاتب المغربي الأ���ص��ل والإ���س��ب��ان��ي الجن�سية �أنطونيو
بين ال�شمال والجنوب.
لقد ظهرت حاجة �أوروب���ا ال�صناعية لوزانو من الأعمال ال�صادرة �أخيراً ،والتي تناولت مو�ضوع
�إلى العمالة الرخي�صة بعد الحرب العالمية الهجرة ال�سرية بعمق كبير ،وه��ي عمل يقع ف��ي ()153
الثانية ،فوجدت في الدول النامية -ومنها د .نفي�سة الزكي
�صفحة م��ن الحجم المتو�سط ،ب�� ّي��ن فيها ال��ك��ات��ب وي�لات
دول �شمالي �إفريقيا على وجه الخ�صو�ص- وم���آ���س��ي �أن��ا���س ح��اول��وا ال��ع��ب��ور م��ن �شمالي �إف��ري��ق��ي��ا �إل��ى
الجهة الأخ��رى ،بحث ًا عن فردو�س ر�سموه في عقولهم ،لكن �أحالمهم �ستتك�سر بغيتها ،وفي الوقت ذاته ،كانت العمالة في
على �ضفاف البحر الأبي�ض المتو�سط؛ فقد انتهى بهم المطاف �إم��ا غرقى� ،أو هذه الدول في حاجة �إلى المال ال�ست�شراف
م�ستقبل �أح�سن ،من هنا بد�أت الهجرة بكل
م�ساجين في �أح�سن الأح��وال� ،أو مر�ضى من �شدة ما قا�سوه في تجربتهم هذه.
�أن��واع��ه��ا �إل ��ى �أوروب����ا ،للبحث ع��ن العمل
عدداً وقدرات مع مرور الزمن؛ في ع�صر �أ�صبح مغم�سة ب�صهارة ن�صه بري�شة ّ يكتب المبدع ّ
لل�صورة ح�ضور �أوفر و�أغزر ،وباتت �أكثر عر�ض ًا القلب ،وذوب الم�شاعر وال��ع��واط��ف ،ونفثات
لوقت �أكب ِر قدرٍ من النا�س، ِ و�إلحاح ًا ،وا�ستراق ًا الهموم ونفائ�س الأف��ك��ار؛ ناثراً مفرداته من
وف��ي مختلف حاالتهم و�أماكنهم و�أهوائهم ر�صيده المكتنز ،ف��ارداً حواراته من �شخو�ص
وم�ستوياتهم ..وغ���دت ترافقهم ف��ي ح ّلهم اختلقها ،ومبادرات ارت�آها ،وعالقات ارت�سمها
المحطات العار�ضة ّ وترحالهم ،وتنتظرهم في تكهن �أو تنب�أ بها� ،أو ّ �أو ابتناها ،وخال�صات ّ
والمزمنة ،وت�شاغلهم ،وتداعبهم ،وتعابثهم، توهم� ،أو تم ّنى..
ّ
وتع ّلمهم ،وت�ض ّللهم ،وتريحهم ،وت�ضغط على بعد ك� ّل ه��ذا العمل المتوا�شج والم�ضني،
�أع�صابهم ،وت�سهم في ت�شكيل وعيهم ومواقفهم ال��ذي ي�ستغرق زم��ن� ًا يطول �أو يق�صر ،وبعد
داخلي ًا
ّ مح�صنة
ّ و�آرائهم ،ولو كانوا في بروج وغ ٍ
رف و�شحَ ،
تتي�سر ،ودفق ّ محاوالت تتع ّثر �أو ّ
نحن في ع�صر �أ�صبح وخارجي ًا. الن�ص كائن ًا قادراً على الح�ضور
ّ ونحت ..ينه�ض ّ
لل�صورة ح�ضور �أوفر وعلى الرغم من توا�شج الإب��داع الف ّني في بعالمات الزم��ة وكافية للتخوي�ض بمفرده
و�أغزر مختلف المجاالت ،وتعالقه؛ ل ّأن �أ�صله واحد، بين المتل ّقين القريبين والبعيدين؛ مو�شي ًا بما
بينة بين �أ�شكاله و�أنواعه، ف� ّإن هناك اختالفات ّ لمورثاته بهذا القدر �أو ّ خطر لمبدعه� ،أمين ًا
الفن المرئي والم�سموع، �شك في � ّأن عنا�صر ّ وال ّ المعبرة
ّ الفن التدويني ّ ذاك ،متم ّث ًال عنا�صر
الفن المقروء ،و� ّأن
تختلف عن تلك التي يتط ّلبها ّ والم�ستحبة ،والقادرة على البقاء واالنبعاث ّ
متميزون،ّ ون اخت�صا�صي
ّ من �سيقوم ب�إنجازه واالنتثار زمن ًا؛ لو يطول!
قد تختلف ر�ؤاهم ووجهات نظرهم وقراءاتهم وب��ي��ن ال��ن���� ّ�ص؛ رغ��ب��ة وه��اج�����س � ًا وف��ك��رة
عما ارت�آه الكاتب� ،أو خل�ص �إليه؛ وت�أويالتهمّ ، القراء،
وم��ح��اوالت ،وبين و�صوله �إل��ى �أي��دي ّ
كما � ّأن الو�سائل الم�ستخدمة والأ�ساليب الم ّتبعة، أر�ضية ،غالب ًا ما تطول في زمنية و� ّ ّ م�سافة
قد تدفعهم �إلى التحوير والزيادة والنق�صان، إمكانياته
ّ ظ��روف الن�شر والتوزيع القائمة ،و�
وال��ت��غ��ي��ي��ر ف��ي ت�سل�سل الأح������داث ،و�إظ��ه��ار القراء،والخا�ص؛ ويتباين ّ ّ المتفاوتة بين العام
ال�شخ�صيات ،وال��ح��وارات بينها ،وق��د ت�ضاف ّ ويتنوعون ،ويتباعدون؛ كما يق ّل عدد الن�سخ ّ
ال �شك �أن هناك يتغير ح�ضور �أخرى أو � العمل، إلى � ات �شخ�صي المطبوعة والمو ّزعة من العمل الأدبي �إلى ب�ضع
ّ ّ
اختالفات في حتى الإلغاء؛ وفق ر�ؤية كاتب الن�ص الجديد على مئات �أو ع�شرات ،في وقتنا الحا�ضر؛ فكم يكون
عنا�صر الفن المرئي وربما�شكل �سيناريو ،ومخرجه ،والعاملين فيهّ ، بقراء! ناهيك عن �أن يتاح عدد الن�سخ المحظوظة ّ
جهة �إنتاجه ،وت�شيع ،بين الحين والآخر� ،أنباء عر�ض �صحافي� ،أو ر� ُأي ناق ٍد؛ وكم �سيكون ُ لها
والم�سموع عن خالفات بين الم�ؤلف الأدبي ،وكاتب ال�سيناريو �صاحب العمل الأدبي محظوظ ًا و�سعيداً� ،إذا ما
المقروء تن�صل الم�ؤ ّلف
حد ّ �أو المخرج الفني ،و�صلت �إلى ّ زاد عدد المتل ّقين �أ�ضعاف ًا؛ بتحويله �إلى جن�س
المخرج ،ويق ّل هذا االختالف� ،إذا َ من العمل الفن ،و�شكل �آخر من العر�ض ،يجوب �آخر من ّ
ما قام الم�ؤ ّلف نف�سه بكتابة (�سيناريو) عمله، بث �إلى النا�س ،ح ّتى ال�صاالت وال�شا�شات� ،أو ُي ّ
�أو قام به �أدي��ب �أو قريب من الأدب� ،أو رافق وهم في بيوتهم ،عبر �أجهزة التلفزة و�سواها
وقربوا وجهات العاملين في الفيلم ،وتحاورواّ ، المتنوعة ،التي تت�ضاعف ّ من ذوات ال�شا�شات
الم�شاهد المحدودة في العمل المرئي� ،أو كثير الن�صّ النظر؛ ليخرج العمل �أقرب ما يكون �إلى
من العاملين فيه؟! مميز .وقد تزداد الأ�صلي ور�ؤيته ،وب�شكل ف ّني ّ
الدرامية وفر�ص ّ أعمال ل ا أ�سواق كما � ّأن � الم�شكالت حين تكون الغاية من العمل الف ّني
ح�ضورها ،في الداخل والخارج� ،أكثر و�أو�سع إعالمية؛ هذا الذي لم يخطر في بال ّ ت�سويقية و�
ّ
بما ال يقارن مع الكتب والمطبوعات؛ ناهيك ربما� -آناء كتابته ،على النحو الذي ّ الكاتب-
الحدودية ،التي تحول دون بلوغ ّ عن العقبات الفن الب�صري. يف ّكر فيه �أ�صحاب ّ
الكتاب الروائي مديات �أبعد ،ومتل ّقين �أكثر؛ وعربية ّ أجنبية
روائية � ّ ّ لقد حظيت ن�صو�ص
لأ�سباب و�أ�سباب؛ فيما قد تكتفي الرقابات على درامي ًا �إلى ال�سينما ،والحق ًا ّ عديدة ،بتحويلها
الدرامية بحذف بع�ض الم�شاهد! ل ّأن ّ الأعمال �إلى التلفزيون ،ونال بع�ضها ن�صيب ًا وافراً من
الحاجة �إلى مثل هذه الأعمال تت�ضاعف ،في العر�ض وال�شهرة .لكن هذا الأم��ر ت�ضاءل في
ع�صر اال�ستهالك الذي نعي�ش.. حد كبير؛ ال�سنوات الأخيرة -ح�سب ما �أعلم� -إلى ّ
حظيت بع�ض وم��ن المفارقات �أي�ض ًا؛ �أن يبد�أ ت�صوير كما تناق�ص ح�ضور ال�سينما ذاتها ،وت�ضاعف
الروايات ال�شهيرة وربما عر�ضه ،قبل �أن ينتهي كاتب الم�سل�سلّ ، ح�ضور ال�شا�شات ال�صغيرة ،وظهرت عرو�ض
ال�سيناريو من حلقاته! �أال ت�ؤ ّثر �ضغوط ذلك على �سينمائية تحمل ا�سم الم�ؤ ّلف المخرج ،و�صلت ّ
بتحويلها �إلى دراما م�ستوى العمل و�إبداعه؟! �إ�ضافة �إلى االهتمام حتى التلفزة.
�سينمائية عربي ًا بالفن المرئي وازدياد ن ّقاده، ّ الإعالمي الكبير ومن المفارقة �أن يق ّل ح�ضور الروايات في
وعالمي ًا ربما!-بث العمل ،وقبلهّ - بعد االنتهاء من ّ والتلفزيونية ،مع ازدياد ّ ال�سينمائية
ّ (الدراما)
وال ب��أ���س ف��ي �أن ن��ق��ارن بين ظهور ا�سم بث ّ وا�ستمرار القنوات، د وتعد
ّ ال�صورة، ح�ضور
كاتب العمل� ،أو كاتب ال�سيناريو� ،أو �صاحب الكثير منها �آن��اء النهار والليل ،وازدي��اد عدد
العمل الأدب ��ي الم�أخوذ عنه� ،إن وج��د ،الذي الم�سل�سالت ،وتكرار عر�ضها م� ّ�رات ،و�صارت
يكاد ال ُيقر�أ ،على ال�شا�شة ،وبين ا�سم �أي من خا�صة بـ(الدراما) ،وموا�سم ّ هنا وهناك قنوات
الرئي�سيين فيه� ،أو مخرجه� ،أو العاملين ّ المم ّثلين محددة تحت�شد بالعرو�ض الأولى ،وظهر ك ّتاب ّ
أ�سا�سيين!
ّ ال دراميون كثر؛ قليل منهم �أدباء ،لك ّنهم يعرفون ّ
يتحول ّ التي باللغة ق ل
ّ يتع آخر، � أمر � وهناك (ال��ك��ار) وعالقاته ،و�أ���س��واق��ه ،التي �سيعر�ض
الب�صري؛
ّ ي ن
ّ الف العمل �إليها العمل الروائي في فيها ،والظروف والأوقات والجمهور المتو ّقع..
العام ّية ،التي قد يحتاج بع�ضها ففي الغالب هي ّ وقد �أدى هذا ،في ر�أي��ي� ،إلى الت�أثير �سلب ًا في
�إلى �شرح المفردات! � ّأما الأعمال الف ّن ّية ،التي الن�صو�ص والعرو�ض؛ ل ّأن الغاية لي�ست ف ّن ّية
وربما نادرة، تكتب باللغة الف�صيحة؛ فهي قليلة ّ خال�صة لوجه الإب��داع! كما هي لدى المبدعين
طغت اللغة المحكية والتراثية،
ّ التاريخية
ّ وتكاد تقت�صر على الأعمال الحقيقيين ،الذين يكتبون من وحي �إلهامهم ّ
في الأعمال التي وقد تبدو جا ّفة وب��اردة ومفتعلة �أحيان ًا؛ كما ور�ؤاهم و�أفكارهم وفرادتهم!
قد تقع �أخطاء فاح�شة في الأداء الحواري �أو وي�شهد ال��واق��ع الأدب���ي وال��ف� ّن��ي للأ�سف،
تحولت من الروائية ال�سردي ،ت�ؤ ّثر �سلب ًا في التل ّقي. يتعمدون الإث��ارة � ّأن من ك ّتاب ال��درام��ا ،من
ّ
�إلى الفنية الب�صرية حق الروائي �أن يحظى عمله باالهتمام � ّإن من ّ بحجة ّ إ�سفاف؛ ل ا حد
والت�شويق والإ�ضحاك �إلى ّ
على اللغة الف�صحى والتقدير ،لكن من ح ّقه �أي�ض ًا �أن يكون له ح�ضور � ّأن (الجمهور �أو ال�سوق عاوز كده)!
الئق في العر�ض والنقد والإعالم ،ومن ح ّقه � ّأل � ّإن الن��ف��راد ال��ق��ارئ بالكتاب ال��روائ��ي،
ي�شوه عمله من �أجل الت�سويق والجمهور. ّ وانغما�سه مع تفا�صيله ،ومعاي�شته لل�شخو�ص
جاد
ّ تعاون يكون أن � وال�ضروري، المهم
ّ ومن خ�صو�صية، ّ في �أحيازه ،وتحليقه في ف�ضاءاته،
وحري�ص على الفعل الثقافي ،بين الم� ّؤ�س�سات الجماعية؛ وهي الحال ّ تختلف عن الم�شاهدة
المعنية بالكتاب والنتاج الأدب ��ي ،والأخ��رى ّ الجمعية ّ الغالبة .على الرغم من متعة الطقو�س
المهتمة بالنتاج الف ّني. ّ واالحتفالية �أحيان ًا ،التي ت� ّؤمنها م�شاهدة العمل ّ
الفن المرئي ومع االحترام لكثير من ك ّتاب ّ الف ّني المرئي.
المح ّل ّيين والعرب؛ ومنهم �أدباء مبدعون ،ف� ّإن وهناك م�س�ألة ال يمكن �إغفالها في هذا
ن�صه و�أكثر تم ّث ًال المبدع الروائي �أكثر قرب ًا من ّ المادي، ّ المو�ضوع؛ فهل تمكن مقارنة المردود
وتمعن ًا ور�ؤي��ة، ّ لأفكاره ،و�أكثر ت� ّأم ًال وعمق ًا الذي ينتظره الروائي �أو يتو ّقعه ،بالمردود الذي
م�صداقية مع نف�سه ومع الإب��داع ،و�أكثر ّ و�أكثر قد يفر�ضه كاتب ال�سيناريو� ،أو تعر�ضه ال�سوق
فقراً وقناعة و�أمانة.. ال��درام� ّ�ي��ة� ،أو بما يتقا�ضاه الممثل �صاحب
عبدالأحد الكجوري
�شاعر الغربة والمنافي
عانت قارة �إفريقيا كثير ًا ب�سبب ق�ضايا العن�صرية
عبر قرون متتالية ،من ويالت اال�ستعمار والتمييز
العن�صري ،حتى و�صفت ب��ال��ق��ارة ال�����س��وداء� ،أو
ال�سمراء ،وظلت ال�شعوب م�ضطهدة من الذين ا�ستولوا
على الثروات والحكم ومقدرات الأمة الإفريقية ،ثم
حاتم عبد الهادي
جاءت الحربان العالميتان؛ الأولى والثانية ،لت�صبح
�إفريقيا تحت ال�سيادة الغربية التي �سعت �إلى طم�س الهوية واللغة،
ون�شر الثقافة الغربية عن طريق التعليم ،وفي �شتى مناحي الحياة.
التحطيب (الع�صا)
قدم �إلى هرمز قائد برتغالي جديد (ليتاكو تنهو) من كل الجن�سيات والديانات ،وقد تمكن �سكان
،Leitacoutinhoمبعوث ًا من حكومة مدريد ،بعد هرمز من �أن ي�صنعوا لأنف�سهم كيان ًا م�ستق ًال
�أن توحدت البرتغال و�إ�سبانيا في دولة واحدة، عن فار�س ،بعد �أن امتلكوا قوة بحرية �ضاربة،
وكتب ليتاكو تقريراً عن �أحوال هرمز قائ ًال (لقد تمكنوا بموجبها من فر�ض الأم��ن في الخليج،
و�صلت الق�سوة بالقادة البرتغاليين على الأهالي، �إل��ى درج��ة �أن البرتغاليين ت ��رددوا كثيراً في
�إلى حد �أن اعتبروا �أنف�سهم بمثابة �آلهة ،وتركوا مهاجمة الجزيرة ،ب�سبب ا�ستحكاماتها المنيعة
واجبهم الحقيقي واتجهوا �إلى مزاولة التجارة، و�سفنها الرا�سية بمحاذاة ال�ساحل ،وهي في كامل
زارها الرحالة وك��ان��وا يجبرون التجار على �شراء ب�ضائعهم ا�ستعدادها لمواجهة �أي عدو قادم.
الإيطالي ال�شهير بفوائد يحددونها ب�أنف�سهم ،لذا تقل�صت �إيرادات مع نهاية الع�صور الو�سطى ،ات�سع ن�شاط
(ماركو بولو) الجمارك). الجزيرة حتى �أ�صبحت حلقة الو�صل بين ال�شرق
وابن بطوطة في ع��ام (١٦٠٠م) ،ت�أ�س�ست �شركة الهند والغرب ،فقد و�صلت تجارتها �إلى �أوروبا عبر دجلة
ال�شرقية الإنجليزية ،بعد �أن عجز البرتغاليون عن والفرات ،و�صو ًال �إل��ى حلب على البحر الأبي�ض
�أ�شاد ب�أهميتها حماية ممتلكاتهم المترامية ،وقد فقدت (هرمز) المتو�سط ،الذي كان ي�سيطر على تجارته تجار من
االقت�صادية �أهميتها العالمية ،وبد�أت التجارة العالمية ت�سلك جنوا والبندقية ،وقد عرفها الأوروبيون باعتبارها
وازدهارها التجاري طريق ًا بري ًا يبد�أ من الهند فقندهار عبر �أفغان�ستان، نموذجا للغنى وال��ث��راء ،وق��د �أ�شاد بها ال�شاعر
ومنها �إلى فار�س ف�أوروبا ،وان�صرف التجار عن الإنجليزي (جون ملتون) في ديوانه (الفردو�س
هرمز ،بعد �أن قطع الإنجليز والهولنديون �شوط ًا المفقود) ،حينما �أورد بيت ًا من ال�شعر�( :إذا كان
كبيراً في تدعيم نفوذهما في الخليج ،بينما العالم مجرد خاتم ف�إن هرمز جوهرته الغالية).
تدهور دور البرتغاليين ،لذا راح ال�شاه عبا�س، مع نهاية القرن الخام�س ع�شر الميالدي،
الذي كان قد تولى الحكم (١٥٨٧م) ،يعمل على كان ال�ضعف قد بد�أ يدب في كيان هرمز ب�سبب
ا�ستعادة هرمز من خالل تحالفه مع الإنجليز. ال�صراع بين �سكانها ،مما دفع القبائل العربية
�أب��رم ال�شاه مع الإنجليز اتفاقية (ميناب على ال�سواحل ال�شرقية للجزيرة �إلى التخل�ص من
١٦٢٢م) ،وقد ت�ضمنت م�ساهمة الفر�س بن�صف تبعيتهم لهرمز .وكانت ال�صراعات في البحرين
العمليات الع�سكرية ،بعدها تق�سم الغنائم بين والأح�ساء تتفاقم بين بني جبر ،بينما كانت
تغ ّنى بها ال�شاعر الطرفين ،على �أن يت�سلم الإنجليز قلعة هرمز بكل الأو�ضاع في عمان تزداد ا�ضطراب ًا بين �سكان
الإنجليزي جون ما بداخلها من �أ�سلحة ومعدات ،وقد انطلقت ال�سفن ال�ساحل والداخل ،الذي كان تحت حكم النباهنة،
الإنجليزية والفار�سية قا�صدة هرمز ،وقد توا�صل وقد تفاقم ال�صراع على �أ�شده فيما بينهم.
ملتون واعتبرها البرتغاليون �سراً بالإنجليز لي�سلموا �أنف�سهم �إليهم، عند مقدم البرتغاليين (١٥٠٧م) ،كانت
الفردو�س المفقود وفي (� ٢٣أبريل ١٦٢٢م)� ،أنزل العلم البرتغالي (هرمز) تترنح ب�سبب االنق�سامات الداخلية ،ورغم
من على قلعة هرمز. ذلك فقد تردد البرتغاليون في اقتحامها ،لكنهم
لم يتحم�س ال�شاه عبا�س ،لعودة (هرمز) بعد �أن ق�ضوا على المماليك في المحيط الهندي،
كمدينة م��زده��رة تمار�س دوره��ا في التجارة �أعاودوا هجومهم مرة �أخرى عام (١٥١٥م) ،وكان
العالمية كما كان عليه الحال من قبل ،بعد �أن هجوم القوات البرتغالية بمثابة هجوم الجياع
جردت المدينة من كل جمالها ،واختار ال�شاه بد ًال على م�ستودعات التموين ،وق��د خاطب القائد
منها مدينة (جمبرون) بعد �أن �أطلق ا�سمه عليها البرتغالي البوكيرك قائ ًال لهم (�إما االنت�صار� ،أو
(بندر عبا�س) ،ولم يعد في هرمز �سوى �أطالل يقطع الم�سلمون رقابكم) ،بعدها �أحدثت المدفعية
فقدت �أهميتها مهدمة ،وقلعة قديمة� ،إنها ق�صة مدينة تال�شى البرتغالية خ�سائر مروعة ،ولم ي�ستطع حاكم
العالمية مع ت�أ�سي�س دورها ،و�أخرى (بندر عبا�س) بد�أ دورها في حركة الجزيرة (�سيف الدين) مواجهة ع��دوه ،لذا �أعلن
التجارة العالمية. اال�ست�سالم� .إال �أن البرتغاليين ان�شغلوا بم�شاكل
�شركة الهند ال�شرقية
�إن الدرو�س الم�ستفادة من هذه الق�صة ،هي الهند وتدهورت �أح��وال هرمز التجارية ب�سبب
وتغيير خطوط �أن التاريخ يم�ضي على هواه ،حيث تتوارى مدن ق�سوة البرتغاليين في تعاملهم مع الأهالي.
التجارة العالمية وت�شيد �أخرى في �سياق منتظم ،في نف�س الحقبة َّ تفاقمت كراهية ال��ع��رب للبرتغاليين في
التاريخية التي �شهدت ازدهار مدن �أوروبية ،لم كل �شواطئ الخليج ،ب�سبب ق�سوتهم في جباية
يكن لها دور في التاريخ الو�سيط ،كلندن وباري�س ال�ضرائب ،كما اتجه البرتغاليون �إلى ال�سيطرة على
وغيرهما من عوا�صم المدن الأوروبية ،لكن تظل البحرين والأح�ساء والقطيف وغيرها من المناطق،
)هرمز) واحدة من الكيانات الكبيرة ،التي التزال التي كانت تابعة لهرمز ،ولم ي�ست�سلم الأهالي
في حاجة �إلى الكتابة عنها من جانب الم�ؤرخين. رغ��م ق�سوة البرتغاليين ،وف��ي ع��ام (١٥٩٨م)،
العرائ�ش
مدينة النوار�س والبحارة المردة
هي مدينة الياب�سة والبحر ،هي مدينة الزرقة البحرية والخ�ضرة
و�س)
الأر�ضية والبيا�ض المتلألئ ال�صوفي ،ما بين منعرجات وادي (ال ِّلك ُْ�س ِ
وه�ضبة ال�شرفة الأطل�سية .هي مدينة النوار�س وال�سمك والبحارة
وق��وارب ال�صيد العتيق والمنارة ،مدينة الرومان واليونان والفينيق،
مدينة ال�ساحل والأبراج والمنجنيق ،هي مدينة العرائ�ش المغربية� ،أو
�إليا�س الطريبق
كما �أطلق عليها م�ستوطنوها في الع�صور القديمة من قبل (لك�سو�س).
من �أقدم و�أهم الموانئ التي تزخر بثروة �سمكية على ُبعد ب�ضعة كيلومترات �شمالي المدينة،
هائلة وتاريخ مالحي عتيد ،كما ت�شتهر �أحوازها تح�صنت (لك�سو�س) ب�أ�سيجة �أ�سرارها ،واحتمت
ب�إنتاج فواكه التين والعنب والبطيخ والكروم، بالحديد والتراب لل�صد عن �إرثها الدفين ،الذي
و�صنوف �أخ��رى كثيرة من الفواكه المو�سمية يعود �إل��ى �آالف ال�سنين ،وهنا حيث تعاقبت
وغير المو�سمية لوفرة مائها وخ�صوبة �أرا�ضيها. �سائر الح�ضارات من الإمبراطورية الفينيقية �إلى
تعاقبت عليها وهي مدينة �شاطئية بامتياز �أي�ض ًا ،حيث الإمبراطورية الرومانية فالعهد الإ�سالمي .لم
�سائر الح�ضارات ت�شتهر ب�شاطئها الخالب ()playa pelegrosa يبق من (اللك�سو�س) اليوم �إال بقايا الزمن الداثر
الفينيقية وتعني بالإ�سبانية الخطيرة� ،سميت كذلك الجميل ،حيث ت�صور لنا الخريطة الطوبوغرافية
والرومانية لخطورة �أمواجها وعلوها الكبير الذي يفوق طوله على م�صب نهر (لك�سو�س) بع�ض الآث��ار التي
وواجهت الكثير مترين كاملين ،بحيث يجعل من متعة ال�سباحة التزال حية و�شاهدة على حدائق التفاح الذهبي
فيه متعة م�ضاعفة ،ف�ض ًال عن رماله الذهبية والحياة الزاخرة لما يعرف في المدونة التاريخية
من الحروب النا�صعة النظيفة. بالمغرب القديم ،الذي تك�شف الأركيولوجيا يوم ًا
والغزوات ت�شتهر مدينة العرائ�ش �أي�ض ًا بقوارب ال�صيد بعد يوم عن بع�ض مالمح �أوجهه ال�ضائعة.
وال�سفن البحرية ،التي تمخر عباب الأطل�سي، �أما اليوم فمدينة العرائ�ش هي مدينة �ساحلية
وهي عند خروجها من مرف�أ ال�صيد وقت غروب على �ضفاف المحيط الأطل�سي ،تبعد عن عرو�س
ال�شم�س ،ت�شكل منظراً هائ ًال لزوارها ومرتاديها، ال�شمال مدينة (طنجة) بخم�سة و�سبعين كم،
خ�����ص��و���ص� ًا ع��ن��د ن��ق��ط��ة ال�����ش��رف��ة الأط��ل�����س��ي��ة، وعن مدينة (�أ�صيلة) ب�أربعين كم .يعد مينا�ؤها
الن�سخة من رفعت عبداهلل القر�شي ،من �أهل لطالما عرفنا �شيئ ًا وغابت عنا �أ�شياء ..وذلك
حيدر �أب���اد .ت��ب��د�أ رحلة التحقيق بالرجوع في �أخبار الموروث المفقود �أو ال�ضائع ..حدث
�إل��ى مخطوطات المكتبة الآ�صفية ،ومكتبة وال حرج ..لقد قر�أت �أن للمعري كتاب ًا بعنوان
بوهار ومكتبة بي�شاور ومكتبة برامبور� ،إال (معجز �أحمد) ويق�صد به المتنبي ..لم يعثر
�أن المخطوط المعتمد هو المطبوعة الحجرية، عليه ،ومثله كثير ،لكن م�ؤلفنا الحا�ضر الغائب،
�ضمن المكتبة الآ�صفية بحيدر �آباد برقم ()٢١ �ألف كتابه على منوال مقامات بديع الزمان
فن المحا�ضرات ،و�أخيراً طبع الكتاب من قبل الهمذاني والحريري في بالد الغربة والمهجر..
المجمع الثقافي في �أبوظبي ،ومحققه هو من اليمن �إلى الهند كانت رحلته كعادة قومه
عبداهلل محمد الحب�شي عام ( )١٩٩٩بعنوان: الح�ضارم ..عرفنا �أحمد علي باكثير ،القادم
المحقق للمقامة المقامات النظرية لأب��ي بكر مح�سن باعبود من �إندوني�سيا �إلى م�صر ،فغدا ناراً على علم في
الح�ضرمي ،فما هي حقيقة هذه المقامات؟ ال�شعر والم�سرح وهو يمني الأ�صل.
عبداهلل محمد يمكن ط��رح ال��ت�����س��ا�ؤل ه��ن��ا :ب��م تختلف �أم ��ا م�ؤلفنا «ب��اع��ب��ود» ف��خ��رج ول��م يعد
الحب�شي قام بدوره مقامات «باعبود» عن مقامات �سواه من العرب وانقطعت �أخباره حتى عن م�ؤرخي الأدب في
في التعريف بهذه القدماء ،الذين �سجلوا ق�ص�صهم وحكاياتهم بالد العرب ،لي�س غريب ًا ما ح��دث ،فالغائب
على نمط النكتة وال�سخرية ،بهدف تفتيح حجته معه� ،إلى �أن يذوب �شيء ما..
المقامة المجهولة الأذه��ان والإبهار البالغي والت�سلية؟ ك�صنع ثم ب��د�أت الحقيقة تطفو ك��ق��ارورة فيها
عربي ًا الم�ؤ�س�س بديع الزمان الهمذاني ،والقا�سم بن ر�سالة ن�سخة في دم�شق �أو بغداد ..ال ندري كيف
علي الحريري ،والمقامات الزينية و�أ�شباه ح�صل الأب لوي�س �شيخو المتوفى ( )١٩٢٧على
المقامات ،م��ن �أخ��ب��ار المغفلين والحمقى ن�سخة اقتطف منها مقامتين �ضمهما كتابه
والدهاة ،وقد عرف �أ�سلوب المقامات بتكلفه (مجاني الأدب) هما المقامة الجونغورية
وت�صنعه ،لكنه كان في حبكته ال يخلو من والمقامة ال�صرنجية ..ولم تذكر هذه المقامات
المتعة في الحدث والحوار ،الذي يتم عادة بين عند غيره وال عند �شوقي �ضيف في كتابه
الراوي والبطل ..الراوي عي�سى بن ه�شام عند (المقامات) ولم يذكرها �إال الهنود كمخطوطات
بديع الزمان ،والحارث بن همام عند ال�سروجي، في مكتباتهم .ثم ج��اء دور المحقق عبداهلل
�أما البطل �أبو الفتح الإ�سكندري عند البديع، محمد الحب�شي ،لنتعرف (المقامات النظرية) �أو
و�أبو زيد ال�سروجي عند الحريري ..والمقامات الهندية ..فما هي الحكاية؟
عند «باعبود» خم�سون مقامة ..مثل غيره في �صنعاء ،ظهر المخطوط مكتوب ًا بخط
�أقول :هذا الأ�سلوب في الرواية والبطولة ،قلده ه��ن��دي ف��ي غ��اي��ة الغمو�ض ،حيث و�صلتنا
العي�ش الح�سن ،فانظر ما �أفعل وال تعار�ضني باعبود ،فالراوي عنده هو النا�صر بن فتاح،
وال ت�س�أل ف�إني �س�أ�صرف عنك وجوه العباد، والبطل هو �أبو الظفر الهندي ،و�أماكن الأحداث
وكان بالقرب بلدة يقال لها مر�شد �أباد. تجري في الهند ،التي قدم �إليها الم�ؤلف باعبود
ثم لما م��ات الكلب كفناه وو�ضعاه في الح�ضرمي ،بعد ما �سمع عن جمالها وجذبها
�صندوق وغ�شياه بالحرير ،وحماله �إلى ال�سوق، للمهاجرين العرب على مدى قرون ..فتت�شكل
ح�صل الأب لوي�س وما �إن و�صال �إال وقد حل الم�ساء ،وحثيا على جالية عربية تتمخ�ض عن مجال�س تجارية
�شيخو على ن�سخة ر�ؤ�سهما التراب وبكيا بكاء الخن�ساء ،ولما �أو �أدبية ،وكانت �أ�سرة �آل العيدرو�س ،من �أ�شهر
اقتطفت منها �سئال عن الميت وحقيقته ومذهبه وطريقته البيوتات التي كانت مجمع المغتربين من
فبالغا غاية الإغراق ،فكان �أهل البلد يجلونه، رجال الأدب والت�صوف.
مقامتين �ضمهما وب��ات��وا ط��ول ليلهم ي��ق��ر�ؤون على ال�صندوق وباعبود ،هو القائل في مقدمة المقامات:
لكتابه (مجاني القر�آن ،وتطول الحكاية ..حيث يقام مزار وقبة لما رماني البين ب�سهام االغتراب ،وفارق بيني
الأدب) فوق القبر ويبد�أ ه�ؤالء المحتاالن الأب واالبن وبين الوطن والأحباب ،خرجت ذات يوم بعد
يجنيان النذور والغنائم �إلى �أن ك�شف �أمرهما �صالة الع�صر �إلى منتزه مع بع�ض �أدباء الع�صر،
ف�سجنا ،وبعدها انهزما من ذلك البلد ..وهدمت وا�صطحبت معي المقامات الحريرية والنوابغ
القبة و�صار مكان المزار ب�ستان ًا ..وهذه حكاية والمقامات الزينية ،وكان معنا جماعة ،لي�س
تتكرر ،حيث يتكرر م�شهد الغفلة والجهل وعدم لهم تعلق بعلوم العربية وال اطالع على النكت
التحري ،مع �أن الحكمة تقول :اعقلها وتوكل.. الأدبية ،فعند ذلك �أ�شار علي بع�ض من ح�ضر،
فالحذر الحذر. ب�إن�شاء مقامات يفهمها القا�صي والداني،
ظهر المخطوط �أو ً فن المقامات الأدب��ي��ة ال يتقنه� ،إال من ف�أن�ش�أت وتجنبت الوح�شي والغريب ،وحق ًا كان
ال جرب و�شاهد وغامر ،مع امتالك زمام الموهبة للم�ؤلف ما �أراد ،فقد جاءت مقاماته مر�سلة
في �صنعاء وقد كتب في الحكاية و�إدارة المجال�س الأدبية� ..أجل العبارات �إال ما ال بد منه من �إحداث جر�س ..فلم
بخط هندي غاية في المقامات لي�ست فن ًا م�ستحدث ًا في الرواية يت�شدق ولم ي�ستوح�ش ،وال يحيجك و�أنت في
ال�شفوية بين المتحادثين ،لكنها ا�ستحدثت العر�ض وال�سرد �إلى التواء في المعاني �أو تعقيد
ال�صعوبة لتكون نواة الق�صة الق�صيرة �أو الرواية ،ذات في الأفكار ..و�أ�ستطيع القول� ،إنها حكاية فكرة
الحلقات المت�سل�سلة في بقع من �ضوء ،يوثق وحدث وحركة على م�سرح الملح والنوادر ،ف�إذا
وي�سلط على الحياة اليومية في الحي والمنزل كانت المقامات �أ�سلوب ًا عربي ًا في الحكاية ،فهي
وال�سوق والمجال�س� ،أو على مقاهي الر�صيف ت�سجيل وتوثيق لطباع النا�س في �أيام هندية..
الثقافية. كما هي �إ�ضافة في القيمة لأعمال �أدبية عربية
وفي المقامات م��ادة نف�سية اجتماعية، الروح في بالد المهاجر تغني الثقافة العربية،
هي و�صفة لتخفيف حالة الغربة عن الكاتب وال ب�أ�س �إذا ردت و�أعادت �إلينا ب�ضاعتنا ،لكن
ك��أم��ث��ال باعبود الح�ضرمي ..وه��و يتلقى مع �شيء من محاولة التهذيب والتثقيف.
يروي «باعبود» �صدمات تقت�ضي منه ردود �أفعال �سريعة �أو و�أخ��ي��راً ،فلنقر�أ و لنت�أمل نموذج ًا من
مخارج مواقف ذكية� ،أم��ا البراهين والأدل��ة م��ق��ام��ات «ب��اع��ب��ود» ال��م��ق��ام��ة ال�����س��اد���س��ة
في مقامته حكايات
في المقامات النظرية ،فهي �إ�شارات كا�شفة والأرب��ع��ون ،وتعرف بالمر�شد �آب��ادي��ة :روى
ونوادر مت�ضمنة وردت على ل�سان ال��راوي والبطل« :وتهي�أت النا�صر بن فتاح قال :لقد ر�أيت في الهند من
النكتة وال�سخرية لركوب مركب الغربة» ..واغترفنا من بحارها العجب ما يكتب لندرته بماء الذهب ،وذلك �أنه
القامو�سية ،وا�ستمطرنا �سحائبها العيدرو�سية، جمع ال�سفر بيني وبين رجلين ،ومعهما كلب في
�أتيت �إليه بنابغة اليمن وخاتمة �شعراء الزمن، جيده طوق من لجين ،واتفق �أن مر�ض الكلب
وفي النهاية يك�شف �أبو الظفر الهندي قناعة مر�ض الموت ،وحين خ�شيا عليه من الفوت،
بم�شيئة الراوي «�أبو الفتاح»� ..أال من عرفني �سمعتهما يتحدثان في �سرهما ويت�شاوران في
عرفني ،ومن لم يعرفني ف�أنا �أبو الظفر الهندي.. �أمرهما .ف�أحدهما يقول للآخر :يا �أبتي يعز
رد �إحدى ال�شخ�صيات «�إن من ال يعرف ويكون ّ علي رمي الكلب لل�سباع والذئاب وال�ضباع،
الأدب ال يفهم رموز كالم العرب». والآخر يقول ال تخف وال تحزن ف�سنعي�ش ب�سببه
¯ �أدبيات
¯ قا�ص وناقد
¯ م�سار /ق�صة ق�صيرة
¯ الحجر الأخطر/ق�صة ق�صيرة
¯ التلميذ /ق�صة مترجمة
وادي عبقر
ال�ص ِبر
بائع َّ
يا َ
نا�صيف اليازجي (بحر الب�سيط)
ْ�����ف دي��ن��ا ِر�����س�� َوى �أل َ
ال�����ص�� ْب��رِ َي ْ
����م َّ ف ِ
����د ْر َه ُ �����ص�� ْب��رِ ال تُ�شْ ِف ْق على ال�شَّ اري ي��ا ب��ائ�� َع ال َّ
وال َح�������� َوى ِم����ثْ����ل ُ
َ����ه ح�����ان�����وتُ َع����طَّ ����ا ِر �صاح ِ
به ِ ���ر َح
كال�ص ْبرِ َي�شْ في ُج ْ َّ ال ���ش ْ��ي َء
ك����ب����ا ِر ِد ال����م����اءِ ُي��ط��ف��ي ِح َّ
�������د َة ال��� َّن���ا ِر ُ��ه
��ر َع��ت ُ ������زان ُج ْ
َ ه���ذا ال���ذي ُت��خْ �� ِم ُ
��د ال ْأح
������دلَ � ْإع�����������س�����ا ٌر ب����إي�������س���ا ِر
ح����تّ����ى ُي������ َب َّ ْ���ب ب�����اقٍ ف���ي ���س�لا َم��ت ِ��ه ���ظ ال���قَ���ل َ ���ح��� ْف ُو َي ْ
�������ن م�������الٍ ب��� ِق��� ْن���ط���ا ِر
�����ه ت������قُ������ َّو ُم ِم ْ
ِم����� ْن ُ ����ر َدل ٍ
َ����ة ���ة كَ���� ْن����زٌ ..ك����لُّ خَ ْ �������س�ل�ام َ � ّإن ال َّ
ال�������دا ِر
َّ ����������د ّو ًا ِ
داخ��������لَ ����ون َع ُ �������د ي����ك ُ
وق ْ َ ��اج�� ِت ِ��ه
���د ح َ ���دع���ى ���ص��دي��ق�� ًا ِع��� ْن َ وال���م���الُ ُي ْ
���ا����س ِم����� ْق�����دار ًا ب��� ِم��� ْق���دا ِر
����رات����ب ال��� َّن ِ
ِ َم َ��ج��ري ف��ي ال��ب�لا ِد على ���د ْه���رِ ت ْ َح�����وا ِدثُ ال َّ
��ن ال��� ِّ��ش��ي ِ��ح وال��غ��ا ِر ��ف غُ ْ
�����ص َ ول��ي��� َ��س ت�� ْق ِ
�����ص ُ ��ب ال��نَّ��خْ ��لَ تَ�� ْق ِ
�����ص�� ُف ُ��ه ي���اح تُ�����ص��ي ُ
ال���ر َ
� َّإن ِّ
َ�����س ٍ
��ف و�أكْ����دا ِر َ�����س�� َل ُ��م ال��� َّ��ش ْ��م��� ُ��س ِم ْ
���ن ك ْ ه��لْ ت ْ ً
طالعة ِ
أف��ل�اك م�س ف��ي ال ���ب � َ
أن���ك ال�شَّ ُ َه ْ
�����د ْم ف��ي ُح��ك��م ِ��ه ال��ج��اري
َ����م َي ُ َي����� ْو ٌم ل��ن��ا ل ْ ل���ل���د ْه���رِ َي������� ْو ٌم َع��� َل��� ْي���ن���ا ال ي������دو ُم كما
َّ
ح����تَّ����ى تَ�����������را ُه ب���������������أوراقٍ و�أثْ�������م�������ا ِر ���ن ُع���ري���ان��� ًا ب�ل�ا ثَ��� َم���رٍ ال ي��� ْل��� َب���ثُ ال���غ ْ
ُ�������ص ُ
ٍ
ْ���ح���وظ ب����أ ْب�������ص���ا ِر و َم��� ْن��� َه���ج��� ًا غَ ���� ْي َ
����ر َم���ل ُ����ه َ���ح ُ
اهلل ب����اب���� ًا ل���ي���� َ���س تَ���� ْع����رِ ف ُ َ����س���ي���ف���ت ُ
����م����ة ال���ب���اريَ �����د َق���طَ ��� ْع���ن���ا َر ْح
ف����إنّ���ن���ا َق ْ َ����ر ٍج �����س ِم ْ
����ن ف َ ج�����اء ال�� َّن�� ْف ِ
َ �إذا َق��طَ �� ْع��ن��ا َر
ق�صائد مغنّاة
ْ
تنتقد خجلي ال
لحنها :كمال الطويل ،وغ ّنتها نجاة �سنة (2001م)
ال�صباحّ ،
�شعر � :سعاد ّ
خ��ب��ي��ر
ُ ���ة ج�����������داً ..و�أن���������ت ب�������س���ي���ط ٌ ���د ف���إنّ��ن��ي َ��ن��ت��ق��د خ��ج��ل��ي ال���� ّ���ش���دي َ
ْ ال ت
������ه ال��� ُع�������ص���ف���و ُر
�������س ُ�����ر د ْر َح���تّ���ى ي�����ذاك َ ُ��ر ً
���ص��ة ����ب ل���ي ف ْ ِ
ال��ك��ل��م��اتَ ..ه ْ ي���ا ���س�� ّي َ��د
َ����م �أزلْ �أخ����ط����و ..و�أنْ�������تَ ق��دي ُ��ر �أن����ا ل ْ ُخ���ذْ ن���ي ب���ك���لّ َب�����س��اط��ت��ي ..وطُ ��ف��ول��ت��ي
���ر
و�أن��������ا ي����ت����و ُه ع���ل���ى ف���م���ي ال���تّ���ع���ب���ي ُ ���ص���اح ِ
���ة ك�� ِّل��ه��ا أي������ن ت����أت���ي ب���ال���فَ���� َ
�����ن � َ ِم ْ
����ح����ب ِب����طَ ���� ْب���� ِع ِ
����ه َم��� ْك�������س���و ُر َّ ال����م
ُ � َّإن �أن�����ا ف���ي ال��� َه���وى ال َح�����ولَ ل���ي �أو ق���وةٌ
و�أن��������ا ع���ل���ى ذات�������ي �أدو ُر� ..أدو ُر ���ت ي����ا ه�������ادئَ ال ْأع���������ص����اب �إن َ
ّ��������ك ث���اب ٌ
���ري���ر
ُ وح
���ل َ ت��ح��ت��ك ُم���خْ ��� َم ٌ
َ أر����������ض
وال ُ ٌ
���روق���ة أر����������ض ت��ح��ت��ي دائ����م���� ًا َم ْ
���ح ال ُ
ٌ
����ظ����ة و�أن����������تَ َج�������س���و ُر ف������أن�����ا ُم����ح����ا ِف ف��������رقٌ ك����ب����ي ٌ
����ر َب��� ْي���نَ���ن���ا ي����ا ����س��� ّي���دي ْ
���ة ج�����د ًا و�أنْ��������تَ ���ش��ه��ي ُ��ر و�أن������ا َم���ج���ه���ول ٌ و�أن�����������ا ُم������ق������ ّي������دةٌ و�أن�������������تَ ت���ط���ي ُ
���ر
من الطرائف
قالَ :ق ْد َ�ص َّح ِع ْندي �ض � ْأهلِ ال ْأم�صا ِر والي ًا �إلى الم�أمونِ َ ،ف َك َّذ َب ُه ْم ،و َ �شكا َب ْع ُ
رج ٌل ِم ْن ُه ْم ،و َ
قال: فقام ُ فا�س َت َح َي ْوا � ْأن َي ُر ّدوا َع َل ِي ِهَ .
َع ْد ُل ُه في ُك ْم ،و� ْإح�سا ُن ُه �إ َل ْي ُك ْمْ .
فاج َع َل ُه في ِم ْ�ص ٍر َغ ْي ِر ِم ْ�صرِنا،
وامْ ، قد َع َد َل فينا َخ ْم�س َة � ْأع ٍ الم�ؤمنين ْ : أمير ُ يا � َ
أمون،
ف�ضحك الم� ُ َ الح َ�س َن؛
عاء َ الد َبح ُّجميع َر ِع َّي ِت َك ،و َت ْر َ َ ح ّتى َي َ�س َع َع ْد ُل ُه
الوالي َع ْن ُه ْم.َ و�ص َر َف
َ
37 العدد الواحد والخم�سون -يناير - ٢٠٢١
أدب على ِ�ش ْعر ِه،
فوظات، ِ الم ْح
غلب ا�شتغا ُل ُه في � ْأخبا ِر ال ِ
كثرين ِم َن َ َ العلما ِء ُ
الم من ُ
لكن َ
فكان َ َ
ينابي ُع ال ُّل َغ ِة
لعين على �أخبا ِر ال ّنا�س. والم ّط َ ُ ابن عبد ر ّبه
اخ المت� ّأخرون لفظ أ�ضاف ال ُّن َّ�س ُ ِ
ُك ُت ُبه( :الع ْق ُد) ،و� َ رطبي
مر ال ُق ّ ربه� ،أبو ُع َ بن ُم َح ّم ٍد بنِ َع ْب ِد ّ مد ُ
� ْأح ُ
�ساب العرب)، أ�صبح (ال ِعقد ال َفريد) ،و(�أ ْن ُ (الفريد) ،ف� َ ُ أخباري َع ّلم ٌةُ .و ِل َد في ُق ْرطب َة ،في ٌّ أديب �
دل�سي؛ � ٌ الأ ْن ّ
مح�صات). و(الم َّ
المتنبي)ُ ، ّ بار
و(� ْأخ ُ م�ضان �سن َة (246هـ ).ون�ش�أ فيها ،وكانت ُم ْز َدهر ًة َ َر
تك�شف ثقا َف َة ابنِ ُ جلي ًة
الفريد)� ،صور ًة ّ ُ عد (ال ِع ْق ُد ُي ُّ عد عا�صم َة وكانت ُت ُّ
ْ وم�ضيئ ًة َل ْي ًال، زاهي ًة َنهاراً ُ
الوا�س َع ِة� ،إ ْذ ُي ْم ِك ُن لقارئ ِه � ْأن َيرى ال ّت َ
اريخ ِ رب ِه
َع ْب ِد ّ ناء ،وطابت أحب ال ّل ْه َو وال ِغ َ رو�سها .ف� ّ وع َ دل�سَ ، الأ ْن ِ
طائف ،ومطالع َة وال َأد َب ،وال ّت ْمحي�ص في ال ّنوا ِد ِر وال ّل ِ من َ�ص ْفو ِة هو ْرَ ،ف َتق ِّر َب ْ َن ْف ُ�س ُه �إلى َمغانيها ،لكنه لم ي َت ُّ
ال�سير ِة ال ّنبوية ،و ِدرا�س َة � ْأخبا ِر والع ْم َق في ّ الدواوينِ ُ ، ّ أدبوالدينِ وال ِ �أُ َمرائها و�أُ َدبائها ،وث َّق َف َن ْف َ�س ُه بال ِف ْق ِه ّ
ال�صحاب ِة وال ّتابعين .كما َي ْل َم ُ�س َت َع ُّم َق ُه في ال ِف ْق ِه َّ اريخ وال َف ْل َ�س َف ِة ،لكن ال َي ْعني َ
ذلك � َّأن وال َّن ْح ِو وال ّت ِ
ِ
تبح َر ُه في ع ْلم �شف ُّ والحديث .كما َي ْك َت ُ ِ لوم ال ُقر�آنَ ، وع ِ ُ فقد
كانت ك ُّلها َ�سعاد ًة ،و َل ْم يت�أ ّل ْم �أو يت�أ ّثرْ ، ْ حيا َت ُه
لوب ُ ِ
وال�ص ْرف ،ب�أ ْ�س ٍ َّ تب ال َّن ْح ِو وك ِ العرو�ض والقوافيُ ، َ �سام؛ �إ ْذ َخ ِ�س َر و َل َد ْين ،وكانا � َ
أثير ْين داث جِ ٌ َم َّر ْت ِب ِه � ْأح ٌ
والراغب ال ْأ�صبهاني. ره ب�أ�سلوبي الجاحظ ّ ذك ُ ِ
َمتينٍ ُي ّ عدة ،كما �سنين ّ َ بالفالج الذي �أ ْق َع َد ُه ِ َل َد ْيه .ف�أُ َ
�صيب
كتاب ُه «ال ِع ْقد» ك َّل �شيء)، (حوى ُ ابن العمادَ : قال عن ُه ُ �أنه �شكا من َج ْو ِر ال ّزمان�ِ ،ش ْعراً.
الم ْم ِت َعة). تب ُ (من ال ُك ِ ابن َخ ِّلكانَ : وقال ع ْن ُه ُ (الم َم َّح�صات)، اه ُ �سم ُ
جيد ،من ُه ما َّ ديوان ِ�ش ْع ٍر ٌ
ُ ل ُه
ربه ،يقول الم َق ّر ُّي: من �آرا ِء العلماء في ابنِ َع ْب ِد ّ ْ نق�ض ما قا َل ُه في واعظ وال ّز ْهدَ ، الم ِ ق�صائد في َ ُ وهي
�ساد بال ِع ْل ِم ور�أَ ْ�س ،وا ْق َت َب َ�س به ما ا ْق َت َب ْ�س، (عا ِل ٌم َ �صباه من ال َغ َزل وال ّن�سيب ،ومن �شعره: ُ
الم ْ�شرِقِ ِذ ْك ُر ُه، ������ط ال����� ِع�����ذا ُر بِ���خ���ـ ِّ
���د ِه ي��ـ��ا ذا ال�����ذي خَ َّ
�سار �إلى َ و�شهِ َر بالأ ْند ُل ْ�س ،حتى َ ُ
وكانت له عناي ٌة بال ِع ْلم �شر َر ال ّذكاء ِف ْك ُر ُه. ه����اج����ا لَ����� ْو َع ً
�����ـ�����ة و َب��ل�ابِ��ل�ا خَ ����طّ ���� ْي����نِ
ْ وا�ستطار َ َ َ
ويقول ال َف ْت ُح بن خاقان: ُ و ِث َقة ،ورِواي ٌة ل ُه ُم ّت�س َقة).
ِ ����ص���ار ٌِم
���ك َ ���ح ِع��� ْن���دي � َّأن ل ْ
َ���ح���ظَ َ ����ص���ـ َّ
م��ـ��ا َ
���ك َح��� َم���ا ِئ�ل�اِ����ض��� ْي َ َح���� َتّ����ى لَ��� ِب ْ
�������س���تَ بِ���ع���ار َ
تهاه، أدب ،و� َّإن َل ُه ِ�ش ْعراً ان ْتهى ُم ْن ُ (�إ ّن ُه ُح َّج ٌة في ال ِ
هبي: و�سهاه) .وقال عنه ال ّذ ُّ ماك ال ْإح�سانِ ُ وتجاو َز ِ�س َ
(كان مو َّثق ًا نبي ًال بليغ ًا �شاعراً). َ
أيام ِم ْن رب ِه َم ْيت ًا في َم ْنز ِل ِهَ ،ب ْع َد � ٍ ابن َع ْبد ّ ُوجِ َد ُ
وكان ذلك يوم 18 َ دون � ْأن َي ْع َل َم ِب ِه � َأح ٌد، َوفا ِت ِهَ ،
جمادى الأولى ( 328هـ 940 -م) ،ول ُه ا ْثنتانِ
ود ِف َن في ُقرطب َة. مانون �سن ًةُ ، َ و َث
������ه
اق ُ َ�������ض ال�����ذي �أَ ْح َ
������د ُ
����م م����ا ي����ق����ولُ ُخ����زَ ا ُم����ه����ا
�������س ال���غ ُّ َّ���رجِ ُ
َ�����رنُ�����و ِل����تَ���� ْف���� َه َ
ت ْ
وال���ن ْ واح ُة ِّ
ال�ش ْعر َ
����ح���� َم���� َّر ًة ً
������ن������ة ُم ْ وال�������������� َو ْر ُد َي���ح���ك���ي َو ْج تقية ال�صورية
ال����ح����ي����اءِ ِل��ث��ا ُم��ه��ا َ��������ر ِط َ
������ن ف ْ ْ�����ح�����لَّ ِم ْ ان َ علي ،تقية بنت �أبي الفرج ال�سالمية الأرمنازية �أم ّ
الخلن:
وفي هجر ّ
ال�صوريةُ .ولدت في دم�شق �سنة (1111م 505 -هـ).
�����ل����ا ِئ����������ي وم��������ا ُخ����� ْن�����تُ����� ُه ْ
�����م َّ خ���������ان �أَ ِخ
َ
بـ(�ست ال ّنعم).
ّ ُعرفت
����ص��� ِف���ي ْ
���ق وج�����ه����� ًا َل���ل�������ش���ر ْ
ِّ ������������������رزُوا
َ و�أَ ْب
ال������ق������دي������م ال�������ذي �����������������د َر ال�������������و ُّد وكُ
تعليمها
َ إ�سكندرية ،وتل َّق ْت
َّ قلت في �صباها �إلى ال ا ْن َت ْ
ُ ِّ
�����دم����� ًا ����ص���اف���ي��� ًا ك���ال��� َّرح���ي ْ
���ق ك������ان ِق ْ
َ َق ْ
������د ال�سلفي .كانت �شاعر ًة وباحث ًة. هناك على ي ِد �أبي طاهر ّ
وم ْن كتبوا َع ْنها ب ِف ْطن ِتها واعترف معا�صروها َ َ
�����م
������رب������ي لَ����� ُه ْ ������د ُق ْ
وب������اع������دون������ي َب������ ْع َ َ
�������ي�������ق
ْ ق����ل����ب����ي م������ا ال �أُ ِط
َ َو َح������� َّم�������لُ�������وا وكان باحث ًا َ بن َحمدون، تزوجت فا�ض َل َ وم ْو ِه َب ِتهاّ .
َ
وال�ش ْوقِ :
الحنين َّ بارزاً.
وفي َ
َ���ح��� َو �أَ ْوطَ ����ا ِن����ي
���ت و����س���او� ُ���س ���ش��وق��ي ن ْ ه���اج َْ ما�س ِة
الح َوتنوع في ال َف ْخ ِر و َ جيداًّ ، وكان ِ�ش ْع ُرها ّ
���د ُ���س��لْ��وان��ي ِ
ا����ص���ط��� َب���اري ب��� ْع َ وب������ان َع���نِّ���ي
َ وكان
المظ ّفرَ . الملك ُ
دحت َ وقد َم ْ أدبْ . ديح والهِ جا ِء وال ِ والم َِ
���ر وب�����ت �أَ ْر َع���������ى ال ُّ
�������س��� َه���ا وال���ل���ي���لُ ُم��� ْع���تَ��� ِك ٌ ُّ بن فا�ضل باحث ًا متميزاً �أي�ض ًا. علي ُ اب ُنها �أبو الح�سنّ ،
��ب َ�أ ْج���فَ���ان���ي��ح ِ �����س��جِ ٌ��م ِم ْ
����ن ُ���س ْ ����ع ُم�� ْن َ
وال����د ْم ُ
َّ فالمها َ قالت �أبيات ًا ت ْف َخ ُر ِب َن ْف�سها،
ْ تقي ُة،
وكانت ّ
����ت ُم��� ْق���لَ��� ِت���ي ط��� ْي���ف��� ًا �أَل َّ
َ����������م ب��ه��ا وع����اتَ���� َب ْ أبياتَ ،م ْط ِل ُعها:
أحد ُهم ب� ٍ � ُ
���ل��انِ ِ
ب������خ ّ ������ل������انٍ
ّ �أَه���������كَ���������ذَ ا ِف������� ْع�������لُ ِخ �����س ُ��ه
����ر ُء نَ�� ْف َ
����د َح ال���� َم ْ ����ر ٌف � ْأن َي ْ
����م َ و م���ا � َ����ش َ
��ر َل��ظ ً��ى��م ُ ���ت َع�� ْن��ك ْ��م وف���ي الأح�����ش��اءِ َج ْ ������د ُح ن����أَ ْي ُ ل����ك����ن � ْأع�������م�������ا ًال تُ�����������ذَ ُّم و ت ْ
ُ������م َ َّ و
�����س��م��ي ِل��� َم���ا �أَ ْه���������� َوا ُه ُع�� ْن��وان��ي ���م جِ ْ و����س��� ْق ُ
ُ فرد ْت عليه ،بهذه ال ِ
أبيات: ّ
َّ�������رتُ �أ ّي������ام������ ًا ل���ن���ا َ����س���لَ���ف ْ
َ���ت �إذا تَ�������ذَ ك ْ ���ب ع��ل��ى الإ ْن���������س����انِ �إظْ �����ه�����ا َر ِع��� ْل��� ِم ِ
���ه تَ���ع���ي ُ
ع���������ان َد ْم����ع����ي ع���ل���ى تَ���غْ���ري���ق ِن ْ
�����س��ي��ان��ي َ �أَ َ����م����زَ ُح؟
���ك �أ ْم �أنْ������تَ ت ْ ����د ه����ذا ِم��� ْن َ �أَب����الْ����جِ ِّ
توفيت في م�صر �سنة (1185م 579 -هـ ،).عن َ�����د َم َق�� ْب��لَ��ن��ا َ�����دتْ�����ك ح���ي���ات���يَ ،ق ْ
������د تَ�����ق َّ ف َ
أربع و �سبعين �سنة. ِ���م َق������ ْو ٌم و ق���ال���وا ف���أفْ�����ص��ح��وا � ٍ ���د ِح���ه ْ �إل����ى َم ْ
���دي���ح ِ
���ه ِ ٌ
�����������رف ف����ي َم و ِل���ل ُ
ْ���م���تَ���ن��� ّب���ي � ْأح
����ح
�����ض ُ
وال����ح����قُّ �أ ْو َ
َ ب���ال���ح���قّ ،
َ �������س ِ
���ه ع��ل��ى نَ��� ْف ِ
���وق���ن���ي�أرون����������ي ف�����ت�����ا ًة ف�����ي زم�����ان�����ي تَ���ف ُ
���د ُح و تَ�� ْع��ل��و ع��ل��ى ِع��لْ��م��ي و تَ��ه��ج��و و ت ْ
َ���م َ
ومن �شعرها في ال ّت� ّأمل:
������ت �أَ َّي����ا ُم����ه����ا
������ر َق ْ �أع�����وا ُم�����نَ�����ا ق����د �أَ ْ
�������ش َ
ِ
���م���اك خ��ي��ا ُم��ه��ا ال�������س
ِّ ���ل��ا ع���ل���ى ظَ ���� ْه����رِ
وع َ
ق�����اح ِ
�����ه ِ ���م بِ�����نَ����� ْو ِر �أَ وال�����رو������ض ُم��� ْب���ت ِ
َ�������س ٌ ُ
َ������رح������ ًا َع����لَ���� ْي ِ
����ه غَ ��� َم���ا ُم���ه���ا لَ���� ّم����ا ب���ك���ى ف َ
نقد
«على �صواب»
انحياز للمو�ضوع على ح�ساب ال�شكل
د .عاطف عطااهلل البطر�س
خطاب الحكاية� :إن ه��ذه الأوج��ه هي المتوقع �أو المنتظر �أن يكون ت�صرفهم بحكم م��ا �إن تفرغ م��ن ق ��راءة ق�صة يو�سف
نف�سها وج��ه واح��د لمخلوق واح��د مع �أن موقعهم العلمي ومكانتهم مفارق ًا ل�سلوك محمد �شرقاوي (على �صواب) متوقف ًا عند
�أولئك الأربعة يختلفون في وجهات النظر.... الأربعة المتجلين بوجه واحد ،وذلك يغني نهايتها ،حتى تجد نف�سك مبا�شرة �أم��ام
�إذا ت�أملنا ه��ذا اال�ستنتاج فهو بعيد عن الق�صة ويمنحها قيمة م�ضافة. العتبة الن�صية الأولى(العنوان) في حركة
ال�صواب م��ن الناحية العلمية ،فالنا�س �أم��ا من حيث المتن البنائي فحكاية دائ��ري��ة تعود فيها �إل��ى حيث ب ��د�أت ،دون
�أفراد متمايزون لكلٍ منهم �شكله الج�سدي، الق�صة لي�ست الق�صة نف�سها ،ت�صبح الحكاية اعتبار لأهمية النهاية ومدى ت�أثيرها في
وتكوينه النف�سي والثقافي ،وهذا ال ينفي ق�صة با�ستخدام تقنيات ال�سرد ،وما تو�صلت فعل التلقي.
ا�ستثمار للعالقة
ٌ التقاءهم في العام ،وهنا �إليه الق�صة الق�صيرة من مهارة بالتالعب العنوان عتب ٌة ن�صي ٌة �أولى ولحظة تنوير
بين العام الم�شترك الإن�ساني والخا�ص ب��ال��زم��ن ،وت��ب��دل ب��الأم��ك��ن��ة وا���س��ت��خ��دام ولقاء فاعل بين المر�سل والمتلقي ،كما هو
التكوين ال�شخ�صي الذي �أغفله الكاتب لي�صل لل�ضمائر ال�سردية المختلفة� ،إ�ضاف ًة �إلى ٍ
لغة حامل للداللة ومفتاح للمقروء.
�إل��ى النتيجة (تبئير الق�ص) ب ��أن الوجوه �أدبية ت�ستثير الخيال وتحفز العاطفة خالقة ع��ن��وان ق�����ص��ة (ع��ل��ى � ��ص ��واب) ي�شي
الأربعة وجه واحد. بناء بين المر�سل و المتلقي. تفاع ًال ً بمو�ضوعها ويتطابق مع متنها تطابق ًا
وب��م��ا �أن ال��ق�����ص��ة ت��م��ي��ل م ��ن حيث كام ًال دون انزياح �أو �إف�ساح في المجال،
(�أر�أي��ت��م كيف الإن�����س��ان ي�سيل خراب ًا المو�ضوع �إلى �إثبات فكرة :الإن�سان واحد لأي ت�أويل ي�ضيفه القارئ �إليها يف�ضي
�إذا ما جمع ببني جن�سه) .نجيز لأنف�سنا في متعدد ،وفي تكوينه م�شتركات �إن�سانية �إلى داللة جديدة تفتح �أفق ًا للتلقي ،عنوان
التركيز على الم�ضمون في حالة تراخي على اختالف وجوده الجغرافي والمناخي، مكتف بذاته ،مو�ضوع ًا ٍ منغلق على متنه، ٌ
ال�شكل ووجود افتراق بينهما ،فهل ا�ستنتاج ف�أحد �شخ�صيات الق�صة من ب�لاد كثيرة ودالل ًة.
الم�ؤلف (ال�سارد) �صحيح؟ بمعنى �آخر ومن المطر ،و�آخر من بالد الثلج ،وثالث يجل�س �أَول���ى الكاتب ج � َّل اهتمامه لأهمية
نف�س المنطلق ،هل كان ال�سارد (الم�ؤلف) ف��ي م��ك��ان �شديد ال��ح��ر ،و�آخ���ر ف��ي ف�صل المو�ضوع ال��ذي يميل �إل��ى الفكر الفل�سفي
على �صواب؟! الربيع؛ يعني من مناطق مختلفة من حيث دون �أن ي�ستخدم ف��ي عر�ضه لم�ضمونه
خير عميم اجتماع النا�س قد يكون فيه ٌ البيئة الجغرافية ،و مع هذا فهم مختلفون تدعم البناء الفني لق�صته، أدوات �سردي ًة ّ � ٍ
للب�شرية جمعاء ،وقد يحمل �شروراً �أي�ض ًا، في �آرائهم و �أفكارهم ،وه��ذا يتنا�سب مع من و�صف وح��وار ومونولوج وا�سترجاع
وه ��ذا يتوقف على نوعية النا�س وعلى تكوين وطبائع الب�شر. وغ��ي��ره��ا ،...ف��الأف��ك��ار مهما كانت نبيلة
�أهدافهم. جهد الكاتب على تر�سيخ الفكرة القائلة: وقيمة ال ت�صنع ق�صة �،إال �أن الق�صة ال تقوم
والخال�صة �أن الم�سكوت عنه في الق�صة، مهما اختلف النا�س وتباينوا ف��ي كثير بدونها.
�أو ما لم يقل فيها مبا�شرة لكنه ي�ستنتج من من الق�ضايا وال�سلوكيات والأف��ك��ار ،فهم يتطابق ال��راوي المهيمن (العليم) مع
بين �سطورها :ال تظنوا �أنف�سكم دائم ًا على �أق��رب �إلى التطابق كالأربعة الذين يعتقد الم�ؤلف في بناء الن�ص و�إدارة الوقائع
�صواب واعترفوا ب�إمكانية احتمال الخط�أ كل منهم �أنه على �صواب ،وكذلك العلماء وتطور الأحداث وتقديم ال�شخ�صيات وتحديد
أكيد لمقولة معروفة بما تعتقدون ،وهو ت� ٌ الذين يفتر�ض �أن يكونوا على �سوية علمية النهاية.
�صواب يحتمل الخط�أ ،ور�أي��ك خط�أ ٌ (ر�أي��ي ومعرفية �أعلى ال يتمايزون عن �سواهم، وفي الق�صة (البنية الن�صية) اعتماد
يحتمل ال�صواب). في نف�س التجربة اعتقد كل منهم �أنه على ك ّلي على الحكاية ،فقد بدت الحبكة متينة
وهي دع��و ٌة �إل��ى االنفتاح على الآخ��ر، �صواب . من الناحية الفكرية وواقعية لغة وعر�ض ًا
والإ�صغاء له وال��ح��وار معه ،و���ص��و ًال �إلى الفكرة وا�ضحة دون �أقنعة فنية �أو وتما�سك ًا ،بما ف��ي ذل��ك المقطع الأخير
قوا�سم م�شتركة تغني الر�أي الواحد ،وتنقله جماليات بنائية تنقل الق�صة من الواقع (العالم ومن يقاربه معرف ًة وت�صرف ًا و�سلوك ًا
�إلى المتعدد والمختلف. (الحكاية) �إلى متعة المتخيل. كما حدث في الطائرة التي �أقلتهم) ،كان من
المتواريات
بين الإبداع والتلقي نوال يتيم
المتلقي وال��م��ت��ذوق ،وهنا تتجلى جمالية �إن تلقي جماليات الن�صو�ص الأدبية� ،شعراً
التوازي الم�صاحبة للن�ص بين رحلتين هما: كانت �أو نثراً ،مجال رحيب يحلق في ف�ضاء
(الإبداع والتلقي). خيال المتلقي وذوقه ،فيرحل به �إلى ما تن�سمه
وقد �أدرك �أبو الطيب المتنبي ،هاته الحقيقة الأديب ويتبع خطاه ،وير�صد م�شاعره و�أفكاره
منذ القرن الرابع الهجري ،مجيب ًا �سائ ًال عن وتعبيراته ،ويتمتع بخواطره فيلتقي �أف��ق
قد ينجح المتلقي
معنى بيت �شعري له بقوله( :ا�س�ألوا ابن جني الكاتب ب�أفق المتلقي فيكمل كل منهما الآخر.
بب�صيرته وذائقته فهو �أعلم ب�شعري مني) ،وهي مقولة موجزة فال�شاعر بحكم �ضوابط ال�شعر وقيوده،
في ا�ستكمال العنا�صر مذهلة مخت�صرة لنظرية التلقي ،منحت المتذوق ال يتاح له التوقف عند جزئيات وتفا�صيل،
مكانة مرموقة ،من خ�لال ا�ستجابة للن�ص وال ت�سمح له طبيعة ال�شعر القائمة على اللمح
الغائبة في ال�صورة
وا�ستكمال ثغراته عن طريق ذائقته وفهمه له، والإيجاز با�ستكمال بع�ض الجزئيات المكملة
فجعل المتنبي (وهو المبدع) ابن جني (وهو للم�شهد ،فيتلقى القارئ بب�صيرته وذائقته
المتلقي) �أو�سع علم ًا ب�شعره و�أكثر �إدراك� ًا له، العنا�صر الغائبة �أو ال��م��ت��واري��ة ،ف��ي ظالل
ما يجعل ال�شاعر يقتل �إبداعه وي�ضيق مجاله ال�صورة و�أفيائها ،ويحاول ا�ستكمال ر�سمها
لو ف�سره. والمتخيلة ،لتتجلى
ّ بعنا�صرها المح�سو�سة
وق���د �أورد ال��دك��ت��ور (م��ح��م��د حما�سة نظرية (المتلقي) التي �أر�سى دعائمها الباحثان
عبداللطيف) بكتابه (الإبداع الموازي -التحليل الألمانيان (هانز روبرت ياو�س) و(ولفغانغ
الن�صي لل�شعر) �شرح ًا م�ستفي�ض ًا عن التذوق، �إي��زر) ،ليطلق عليها (ا�ستجابة المتلقي) من
معتبراً �إج��اب��ة المتنبي نظرية تج�سدت من طرف الأمريكيين� ،أمثال (هير�ش) و(�ستانلي
عندما يلتقي �أفق خالل اعترافه بالإبداع الموازي للمتلقي الذي في�ش) و(هوالند).
الكاتب ب�أفق المتلقي ي�ستنطق ظواهر ال�صورة ال�شعرية ،ويرتحل فال�شعر ال ي���أذن بالبوح بكل تفا�صيل
ويطوف ويت�أمل عنا�صر الم�شهد ،وتتجلى له الخلجات والأحا�سي�س وال���ر�ؤى ،بل يكتفي
يكمل كل منهما �إي��ح��اءات محتجبة في ثنايا الن�ص ،معتبراً باللمحة والإي��م��اء والتلويح ،في�ضع ال�شاعر
الآخر ال�شعر لمحات موحية ،والتلقي بيان ًا وتف�صي ًال رحلته ال�شعورية ف��ي معالم موحية على
لتلك اللمحات ،ت�سايرها وتوازيها وتالم�سها المتلقي ا�ستكمال م�سارها ،من خالل عدته في
وتقر�أ �إيحاءاتها ،وبذلك تتكامل رحلة الإبداع الترحال ال�شعوري ،وزاده القائم على ما لديه
الأدب� ��ي ،عندما ت�ضم ف��ي م�سارها المبدع من مخزون معرفي وخيالي وثقافي.
والمتلقي حتى قيل :ال�شعر لمح تكفي �إ�شارته فكما �أن رحالت الإب��داع الأدب��ي تتفاوت
طولت خطبه. ولي�س بالهذر ّ بين الأدب����اء ،ك��ذل��ك تتنوع وت��ت��ف��اوت لدى
و�صورة �أخرى في تفكره الذي يجرحها دون فعندما يطلق ال�شاعر لب�صره وب�صيرته
م�شاهدتها ..نوغل بال�صورتين في �إيحاءات العنان ،ويالم�س نوا�صي المعاني ،ف�إن ب�صيرة
�شديدة البالغة بين الواقع والخيال ت�ستفز المتلقي �أي�ض ًا ،تحاول �أن تمنح ما احتجب من
المتلقي لمحاولة �إدراك المع�شوقة ،وقد تعجزنا ال�ضياء �إن��ارة ،يكتمل بها الم�شهد فينال كل
عن الإلمام بها ومعرفتها ،وهنا تتجلى �إ�شراقة منهما حظه من الرغبة في الهم�س والنجوى
ال�شعر ال يبوح بكل الإبداع والت�صوير والتعبير ،ولعله ي�صدق على والتعبير والنور ،فتطوف اللم�سات الجمالية في
تفا�صيل الخلجات ليلى ا�ستفهام: �أرجاء العالم ال�شعري الف�سيح ب�إ�ضمامات ندية
والر�ؤى ويكتفي ِ
ظبيات ال��ق��ا ِع ُق�� ْل َ��ن لنا ب���ا ِ
هلل ي��ا تف�سح المجال رحب ًا لما احتجب من بينها ،تعول
منكن �أ ْم ليلى م��ن الب�شرِ َّ ��ي�لاي
ل َ على اال�ستيحاء واال�ستدعاء واال�ستح�ضار،
باللمحة والإيماء ونجد مجنون ليلى ،ف��ي �أب��ي��ات �أخ��رى، وتت�أمل الظاهر من عنا�صر الم�شهد وت�ستنطق
والتلويح مفتتح ًا ن�صه ب ��أداة ا�ستفتاح للتنبيه ليوقظ بواطن ال�صورة الإبداعية.
المتلقي� ،إال �أن �أم��راً ذا �ش�أن �سوف يالم�س فنجد م��ن تلك الإ�ضمامات على �سبيل
�سمعه ،و�إذا به �أمام عا�شق ينفث لواعج ع�شق المثال ال الح�صر ل��واع��ج ال�شوق والحنين،
�أثخنت قلبه في قوله: و�إن كانت بع�ض اللواعج عند ال�شعراء م�ؤن�سة
نجد متى هجت من نجدِ �أال يا َ�صبا ٍ �شافية ،وها هو مجنون ليلى يئن قائ ًال:
وجد م�سراك وجد ًا على ِ
َ فقد زادني ���ر ف��� َي����ؤُ ُّده���ا
ي��م��ر ب��وه��م��ي خ���اط ٌ
ّ
و�إن قربت دار ًا بكيت و�إن ن���أت ويجرحها دون العيان لها فكري
يتكئ المتلقي ِ
البعد كلفت ،فال للقرب �أ�سلو وال فال�صورة هنا تحتاج �إل��ى رحلة خيالية
على ما لديه من فها ه��و يبث لواعجه للمتلقي ،فيوازن موغلة في الدقة و�إدراك الم�شاهد ،التي توحي
ال�صبا)
بين الريح التي تهب من الغرب (ريح َّ �أو تبوح بها المفردات والتراكيب ،فليلى ال�شاعر
مخزون معرفي وما تتلذذ به النف�س مما تجلبه تلك الريح، هنا ،عجيبة الأطوار والتكوين ،ف�إذا مر بها في
وخيالي وثقافي في وم��ا لل�صبا من دالالت و�إي��ح��اءات ،فيجعل رحاب وهمه خاطر طيفها� ،أح�س ب�أنه �أمر جلل
تذوق وفهم الن�ص القارئ ي�شعر بف�سحة ممتدة بين �ألم اللواعج ثقيل الوط�أة يكاد يودي بها ،وال ندري �أيهما
والتلذذ بها ،ما يدعوه للبحث عن موازنة �أكثر �إيغا ًال وعمق ًا في عالم الخيال واللغة؛
الإبداعي بينهما فيحمل في �أكنافه ،كما ال�شاعر ،ت�ضاداً �أمحبوبته �أم خ��اط��ره؟ وه��و ي��رى �أن م��رور
لذيذاً برغم وجيعته ،فيت�ضوع �أن�سام الربوع، طيفها في عالم وهمه وخياله عبء ينوء به
ويكتمل الم�شهد بمخيلته بال�شيء المجاوز كاهله ،فما كنه هاته المع�شوقة التي ي�شق على
لحده ،فينقلب �إل��ى �ضده ،فالعين المحزونة عا�شقها مجرد مرور طيفها؟
تدمع والعين ال�سعيدة تدمع فرح ًا ،فت�سعى وال ن�ستطيع حقيقة �أن ن��ج��ي��ب دون
ت�أمالت المتلقي في ن�ص ال�شاعر �إل��ى �إب��راز اال�ستعانة بخيالنا كمتذوقين ،و�صورنا
جماليات خفية فيطوف بها الناقد في مناهج التعبيرية الخا�صة لمحاولة تف�سير هذه اللوحة
اعتبر الناقد محمد التحليل والنقد والدرا�سة ،ويعمد لإظهارها على التعبيرية مترامية الأط����راف ،ف��ي الإي��ح��اء
م�ستويات لغوية داللية دقيقة ،فيما تكون عدة والمعنى ذي الرقة والدقة في التو�صيف ،و�إن
حما�سة عبداللطيف
القارئ المتذوق العادي في رحلته تلك ،هي كنا نرى �أننا النزال في حيرة من �أمرها؛ �أهي
�أن ال�شعر لمحات اال�ست�شعار واال�ستنباط واال�ستدعاء الجمالي من الظباء �أم الب�شر �أم الأطياف والأوهام؟ فيما
موحية والتلقي بيان الكامن في الن�ص. يحاول ال�شاعر في ال�شطر الثاني تقريب �صورة
وهكذا تتك�شف المتواريات بين الكاتب حبيبته من خيال القارئ بقوله (ويجرحها)..
وتف�صيل لها
والمتلقي في رحلة ،ي�شد �أزرها الت�أمل وعلوم فالجرح ال يكون �إال بج�سد له ج��رم ،وجرم
ال�صرف والنحو ،والداللة م�شفوعة بقطوف محبوبة ال�شاعر هنا غريب يجرح بالخواطر
م��ن نظرية المتلقي �أو ا�ستجابة ال��ق��ارئ، والأفكار ،وال ندري حق ًا كيف تكون حاله في
لت�ستكمل ال�صورة �شكلها وتظهر العنا�صر عالم المعاينة والم�شاهدة.
المتوارية ،بتحليق ن�ص المبدع في ف�ضاء �صورتان في �شطرين� ،صورة �أول��ى في
خياالت القارئ. خ��اط��ره ال��ذي يمر ف��ي وهمه في�شق عليها،
م�سار
ح � ّل��ت ال��ف��ج��ي��ع��ة ..بحثت ع��ن��ه ..عن مرت ب�ضعة �أ�شهر حين قال لها( :ا�شتقت
هاتفه القديم ..هاتفت من كانت تعرف �إلى �أبي ..ا�شتقت �إليه كثيراً .لقد كان �إن�سان ًا
م��ن �أ���س��رت��ه ..ا�ستطاعت ال��ع��ث��ور عليه. طيب ًا معنا ..وكان يحبني كثيراً)� .أ�سقط في
مبارك �أباعزي
وه��ا هما يقابالن بع�ضهما بعد خم�س يدها ..بعد كل هذه ال�سنوات لم ي�أت على
وع�شرين �سنة من ال��ف��راق ..ينظران �إلى ذك��ره ،حين ا�شتد ع��وده وتقو�س ظهرها
بع�ضهما بع�ض ًا ،ويعانقان بع�ضهما بد�أ في تذكره .لم تجبه ،ولم يفاتحها في �ضبطت المنبه على منوال غ�ضبها ،ونامت
بع�ض ًا ،دون �أن ي��دري��ا م��غ��زى العناق المو�ضوع من جديد .لقد �أدرك �أنها قد دفنته على �آخ��ر قراراتها جنون ًا ،وقبل �أن تنفتح
وجدواه بعد كل هذه ال�سنين .يكت�شفان ما منذ تلك الليلة حين رفع يده بنية �صفعها، عيون ال�شم�س على الحقول الدامعة ،فتحت
فعله الزمن بن�ضارة ب�شرتيهما ،ويدققان لكن �شيئ ًا ما جمدها في الأعلى ،بينما ظلت عينيها ،وهم�ست في �أذن وحيدها( :دواء..
في تجاعيد وجهيهما ،وتقول عيونهما هي ترمقه بعينين ممتلئتين بالتحدي. ا�صح� ..أ�سرع) .هب دواء واقف ًا ،م�سح �أطراف
الكثير ،مما لم يعد يقوى ل�سانهما على حين غادر ذات �صباح ،عانق �أمه العناق عينيه بكم قمي�صه ،وحمل �صرة ثيابه وم�شى
نطقه ..وينتظران ..ينتظران ،لعله في ما�ض �إل��ى حتفهٍ الأخير ،وك�أنه يعلم �أن��ه خلفها.
لحظة ما ..في لحظة مباركة ما ..يدمر الأخير .قبل جبهتها وم�شى غير واث��ق من � -س�أتعب� ..س�أموت من �أجله ،و�سترى.
التابوت الخ�شبي بركبتيه ،ويرفع التراب خطواته .وفي تلك الليلة �أخبروها �أن ابنها هذا ما قالته �صيحة تلك الليلة لزوجها.
�إلى �أعلى ..وي�أتي .ومازاال ينتظران. كان في نزهة جوية مع زمالئه ،و�سقطت.. وها هي الآن ت�سير واثقة من قرارها .ابن ذكي
في العا�شرة من عمره ي�ستحق العناء ،ب�سبب
م��اذا؟ قالت له� :أنت بخيل� ..أنت �شحيح ،وال
تفكر �إال في الآتي.
طالما �أق�سم هو �أال يم�س ع�شر �أجرته ب�سوء.
ثالثمئة درهم في ال�شهر تح�سب ًا لليوم الأ�سود،
حين تتكالب الأمرا�ض على �أ�سرته� ،أو حين
ُي�سرح من عمله ..فاهلل وحده يعلم �أيام الأمان
من �أيام الآالم .لكنها قالت� :أنت بخيل� ..أنت
�شحيح ..وال تفكر �إال في الآتي.
كتم غيظه في نف�سه ،وكبت �ألمه �إلى اليوم
الموعود ،يوم ي�سر �أ�سرته بخبر �سعيد ،يوم
يقول :ال تخافي يا حبيبتي ..لدي المال الكافي
للعالج.
غير �أن اليوم الموعود لم ي� ِأت ..ولن ي�أتي
�أبداً .لقد حملت حقيبتها ،وحمل دواء �صرته،
وم�ضيا �إلى المجهول.
ط��وال �سنوات لم تتوقف عن العمل ،ولم
ت�سمح لجهدها بالذبول .ذبل ج�سدها و�ضمر
كثيراً ،ونت�أت عظام وجهها ،لكن العزيمة في
داخلها لم تتوقف ولو للحظة ،حتى جاءها
الخبر ال�سعيد :لقد ح�صلت على الدبلوم..
�صناعة الطائرات مجال مربح جداً ..ح�صلت
على خم�سة ع��رو���ض حتى الآن ،عليك �أن
ترتاحي الآن.
الحجر الأخطر
وقفت على العتبة �أ�ضحك، ُ أ�سرعت �أكثر.
ُ ف� �سينبت له طوال حياته .بد�أ يخافني �أكثر مما ُ
ذنب ،ال تفعلي)
ٌ هذا ،ر ِ
ط
َ ٌ خ (هذا : ا
ً باكي ف�صاح هددني ،ينقفني وي
ُ ِّ يتحا�شاني ويخيفني، ُ ميري مخلوف
وقفزت لحريتي.
ُ قدمي أخرجت
ُ فعل ُتها� . لمرا�ضاتي و�سحبي ،قبل وي�سرِع ُ جدداً ُ ُم َّ
تهدم على
وك��ل ما في المنزل قد َّ قفزت ُُ تجاوز عتبة المنزل ،لكنني قررت تجاوزها،
ر�أ�سه! و�أعلنت له ا�ست�سالمي بكامل قوت)لم � ُأعد
لم ُيخبِرني الحقيقة ،لم ُيخبِرني �أنني أريد هديتي)أريد هديتي)(.لم � ُأعد � ُ أر�ض �صغيرة � ُ أم�س َك بي و�ساقني نحو � ٍ � َ
�أحمل المنزل على ج�سدي. �رخ ب��ي ف��رك�����ض� ُ�ت ،رك���� َ�ض ورائ��ي
َ � �ص
� � وقام بالو�سط الوقوف ي ن ِ
خاليةِّ َ ،
م طلب
�سيبنى منزلنا، بتثبيتي� ،أخبرني �أ َّنه هنا ُ
هنا �سيبني عالم ًا لأجلي ،لأن��ه يحبني،
علي فعله هو الوقوف هذه هديتي ،كل ما ّ
والثبات في المنت�صف ليبد�أ عمله.
تم ّر من خاللي جميع الحجارة كانت ُ
يمرر لي حجراً تلو الآخ��ر، وف��وق ر�أ���س��يّ ،
المنت�صفُ .ك َّلما �أ�ضعه في مكانه و�أعود �إلى ُ
�صرح بها بنينا عموداً ازدادت م�ساحتي ُ َّ
الم
للتحرك ،وب��د�أن��ا بطالء ال��ج��دران وترتيب ُّ
وك َّلما �أنجزنا عم ًال كانت تزداد الأث��اثُ ،
مهامي وت� ِق� ُّ�ل مهامه� ،ألي�س ه��ذا العالم
لأجلي؟
�إنه هديتي.
م� َّ�رت الأي��ام وب��د�أ بيننا ال�شجار ،بد�أ
بكتابة ا�سمه على جميع الأ�شياء ،يكتب
ويكبلني ّ ا�سمه ويمحو ا�سمي ،يمحو ظلي
بظله .ي�صرخ بي وي�ؤنبني على هم�سي،
ويعيدني ينقفني ب�إ�صبعه حين يغ�ضب ُ
لكن هذا �أدراجي قبل �أن �أتدحرج للخارجَّ ،
العالم لأجلي� ..إنه هديتي.
يكبر
�شجار تلو الآخ ��ر وب ��د�أ حجمي ُ ٌ
كحجمه� ،صار �صوت �صراخي �أعلى من
�صوت �صراخه ،لم ي�ستطع �أن ُي�س ِكتني ،بد�أ
تحو َلتالري�ش يظهر �أعلى ظهري و�أقدامي َّ
�شجرة ُمق َتلع ،ر�أي� ُ�ت ج��ذوراً قديمة ٍ لجذع
وع ِفنة ت�سير على الأر�ض ،لم ت ُكن �أقدام ًا! َ
أ�صبحت
ُ نظرت للمر�آة ف�أخافني �شكلي� ، ُ
�أ�شبهه �أكثر مما ي�شبه نف�سه� ،أ�صبحت هو
�أكثر منه ،وكان الري�ش حينها على ظهري،
التلميذ
أفهم،
تابعت ،دون �أن � َُ الكاريكاتير ال�شنيع). و�شعر هو نف�سه بالرغبة بالر�سم .كان يقول:
البهي الخالي من الأ�سرار. ّ ت� ّأملي لذلك الوجه (يعرف �ساالينو كيف ي�ضحك ولم يقع في
الر�سم ن�صفين ،ورمى َ المعلم فج�أة ،م� ّزق إلي�( :أنت التزال ثم قال ُم َو ّجه ًا كالمه � َّ الفخ)ّ .
مكثت جامداً من ُ بالمزق في نار المدخنة. جداً ،ال
ّ اً غالي الثمن �ستدفع بالجمال. ت�ؤمن ترجمة:رفعت عطفة
الذهول ،وعندها قام هو بحركة لن �أ�ستطيع لكن خطوط ًا كثيرة يه �أ ِّريوال * ت�أليف الكاتب:خوان ِ
خو�س ْ
خط واحدّ ، ر�سم َك ٌّ
ينق�ص َ
�أن �أن�ساها �أو �أغفرها له �أبداً ،انفجر �ضاحك ًا تفي�ض عنه .ائتوني بقطع ِة كرتون� .سوف
(هيا� ،أ�سرع� ،أنقذ �ضحكة كراهية وجنونّ . �أُ َع ّلمكم كيف ُيو ّزع الجمال). كانت ُك ّمة (�أندرِ�س �ساالينو) الم�صنوعة
�سيدتك من النار!) و�أخذني من يدي اليمنى ّ إجمالي الر�سم ال
َ ر�صا�ص
ٍ وخ� َّ�ط بقل ِم من الأطل�س الأ�سود المو�شى بزخارف �سميكة
ّ
أيت لآخر وحرك بها رماد ورق الكرتون ،فر� ُ ّ وربما وجه امر�أة ّ مالك، وجه ل�صورة جميلة: من الف�ضة والأبنو�س �أجمل كمة ر�أي ُتها في
مرة وج َه غيويا يبت�سم بين اللهب. ّ ح�سناء .ق��ال لنا( :ان��ظ��روا ،هو ذا الجمال حياتي .كان المع ّلم قد ا�شتراها من تاجر من
بكيت ب�صمت ،بينما ُ وبيدي المرفوعة يولد هنا .هاتان الفجوتان الداكنتان هما البندقية ،والحقيقة �أ ّنها كانت جديرة ب�أمير.
ب�صخب بمزح ِة المع ّلم ٍ (�ساالينو) يحتفل الفم.
در َكةُ ، العينان؛ هذه الخطوط غير ال ُُم َ مر بال�سوق ولكيال يهينني ،تو ّقف عندما ّ
الثقيلة. الوجه بكامله يخلو من خطوط محيط الوجه. العتيق ،واخ��ت��ار قلن�سوة اللباد الرمادية
لك ّنني مازلت �أ�ؤمن بالجمال .لن �أ�صير ثم وبغمزة قال( :لننتهي هذا هو الجمال)ّ . يد�شنهما عر�ض لنا هذه .بعدها وقد �أراد �أن ّ
ن�سيت ف��ي (�سان ُ ر�سام ًا عظيم ًا ،وعبث ًا منه) .وعمل عن ظهر قلب في وقت ق�صير االثنتين.
ِ�سبولكرو) �أدوات وال��دي .لن �أ�صبح ر�سام ًا م�سقط ًا خطوط ًا فوق �أخرى ،من�شئ ًا ف�ضاءات �سيطرت على انزعاجي ،ر� َأ�س
ُ وقد ،ر�سمت
ُ
�ستتزوج ابن تاجر .لك ّنني ما ّ عظيم ًا وغيويا من نور وظالل ،عمل �صور ًة وجهية ِلغيويا �دي .يظهر ّ � ي من خرج ما أف�ضل � ب �ساالينو،
�أزال �أ�ؤمن بالجمال. �أمام عيني المنده�شتين .العينان الداكنتان كمته الجميلة ،وهو يتن ّزه ً ّ ا معتمر �أندرِ�س
م�شو�ش ًا من الور�شة ،و�أهيم على �رج ّ �أخ� ُ ذاتهما ،الوجه البي�ضوي ذاته واالبت�سامة بحركة اختيال في �شوارع البندقية ،معتقداً،
وجهي في ال�شوارع ،تمطر ذهب ًا وزرق ًة فوق غير المدركة ذاتها. وهو في الثامنة ع�شرة من عمره� ،أ ّنه مع ّلم
البندقية� ...أراها في عيني غيويا الداكنتين، �صرت �أكثر ذه��و ًال قطع المع ّلم ُ حين الر�سم .وكان (�ساالينو) قد ر�سمني بالقلن�سوة
وفي مظهر (�ساالينو) المتعجرف ،المعتمر عمله ،وب��د�أ ي�ضحك بطريقة غريبة( .لقد تواً من الم�ضحكة وبمالمح الريفي الوا�صل ّ
قبعته الخرزية .و�أتو ّقف على �ضفاف النهر ق�ضينا على الجمال) ،قال( :لم يبق غير هذا �سان ِ�سبولكرو .احتفل المع ّلم بعملنا بفرح،
يدي العاجزتين. لأت�أمل ّ
ي�سطع ال�����ض��وء �شيئ ًا ف�شيئ ًا ،وب��رج
النواقي�س يقطع على خلفية ال�سماء جانبه
المتجهم .منظر البندقية البانورامي يعتم ّ
�شيئ ًا ف�شيئ ًا ،مثل ر�سم تتراكم فوقه خطوط
�أكثر من ال�لازم ...ناقو�س يترك بداية الليل
تهبط.
أتلم�س ج�سدي و�أم�ضي راك�ض ًا ، خائف ًا � ّ
خائف ًا من �أن �أذوب في الغروب� .أعتقد �أ ّنني
زت في ال�سحائب الأخيرة ابت�سام َة المع ّلم مي ُ ّ
جمدت قلبي ،و�أعود ّ التي والفاترة الباردة
خاف�ض ال��ر�أ���س في �شوارع، َ لأ�سير ببطء
مرة �أكثر جهامة ،واثق ًا ب�أ ّنني هي في ك ّل ّ
�س�أ�ضيع في ن�سيان الب�شر.
�إ�سماعيل �صبري..
معلم ال�شعراء و�أميرهم
حالي ًا ،وفي عام (1907م) طلب �إحالته تلك الأيام ،وفي عام (1874م) وكان في يعتبر من �أقطاب المدر�سة الإحيائية،
�إل��ى المعا�ش فكان له ما �أراد ،وق��رر �أن الع�شرين من عمره تخرج فيها فتم �إر�ساله بل �إنه الذي ع ّلم �شوقي وحافظ باعترافهما،
يخل�ص ل�شعره وفنه؛ ف�أخرج لنا �أزهاراً من فوراً في ٍ
بعثة �إلى فرن�سا ،وهناك وبعد �أربع �إنه ال�شاعر �إ�سماعيل �صبري.
الق�صائد والأغنيات �ألفت جميعها رو�ض ًة �سنوات نال �شهادة اللي�سان�س في الحقوق ٍ ٍ
م�صرية �صميمة ول��د �صبري لأ���س� ٍ
�رة
من ال�شعر ال�سهل الرقيق؛ فك�أنه كان يغني من كلية (�إك�س). عام (1854م) ،وكانت �أ�سرته من الطبقة
�شعره وهو يكتبه� ،أو ك�أنما �صاغه لي�سقينا وهذه ال�شهادة العليا هي التي فتحت المتو�سطة ،وهو قاهري المولد والمن�ش�أ
به من عذب القوافي ونمير الكلمات. له �أب��واب الخير كله؛ فر�أيناه يترقى في وال�سكن والطباع ،وه��ذا ما تطلعنا عليه
ولأن �إ�سماعيل �صبري ك��ان �شاعراً وظائف ال�سلك الق�ضائي ،ثم �أ�صبح من �سيرته وما �سوف نزيده تو�ضيح ًا فيما بعد.
ورجل قانون ومن �أع�ضاء النخبة الم�صرية؛ خ�لا���ص��ة علية ال��ق��وم ح��ي��ن ت��م تعيينه وف��ي ع��ام (1866م) التحق بمدر�سة
فقد عرف الزعيم الوطني م�صطفى كامل محافظ ًا للإ�سكندرية عام (1896م) ،وظل (الم ْب َت َديان) ،ومنها �إلى التجهيزية وهي
ُ
و�أ�صبحا �أ�صدقاء ،كما كان �صبري يرف�ض ي�شغل ذلك المن�صب ثالثة �أعوام ،ثم انتقل تعادل الثانوية الآن ،ثم �أ�صبح من طالب
زيارة المندوب البريطاني ،على ما جرت منه �إلى وكالة وزارة الحقانية ،وهي العدل مدر�سة الإدارة �أو كلية الحقوق بم�سمى
تاريخ ق�صيدة
النثر وم�صائرها
�أحمد يو�سف داوود
المقاهي �أو في �سواها ..وك��ان �أن �أطلق هو كيف ول��دت ق�صيدة النثر في فرن�سا ،ثم
نف�سه ا�سم (الحداثة) على الحال الجديدة بكل �شاعت في بقية �أوروبا والعالم؟
ما حوت من هجنة في اللغات ،ومن فقدانٍ لأي ِة تلك ق�ضية تتعلق بالتطور العام والجذري
حميمي ٍة في العالقات بينه وبين من يمر بهم �أو ّ الذي �شهدته تلك القارة التي �صارت الآن (قارة
من يلتقيهم في �إطار ذلك الن�سيج من التجمع عجوزاً) خالل النقلة الح�ضارية الكبرى ،حيث
الب�شري الغريب ..وهكذا كان �أن كتب الن�صو�ص تم االنتقال من ع�صر الم�شاغل ال�صغيرة� ،أو
الأولى لما �سوف ُي�سميه �سريع ًا (ق�صيدة النثر).. ما ُ�س ّمي ع�صر (المانيفكتورا)� ،إلى ع�صر جديد
وراح يحاول بعد وق��ت ق�صير �أن يعمل على �صار ا�سمه ع�صر (الم�صنع ال�ضخم) ،مع ما
تطوير ذلك النمط من الق�صيدة ،ولكن القدر رافقه من تطورات فكرية وعلمية وفل�سفية
عاجله بالموت ..غير �أن ق�صيدة النثر �أخذت وتقنية و�سيا�سية واجتماعية وع�سكرية ،ومن
بودلير ال�شاعر حظها م��ن اهتمام نف ٍر م��ن كبار م��ن كانوا تو�سع في اال�ستعمار وات�ساع في الحروب داخل
ال�شهير �شعر ي�شتغلون في نقد ال�شعر �أو �إنتاجه .وب�سرعة �أوروب��ا ذاتها دامت زمن ًا لي�س بالق�صير� ..إلى
بالغربة وهو يرى كبيرة جرى انت�شار ذلك النمط ال�شعري الجديد �آخر ما يمكن تعداده من �أحوال ونتائج و�أ�سباب.
تلك التحوالت من فرن�سا �إلى بقية �أوروبا. وكان �أمراً طبيعي ًا �أن يكبر زحف الريفيين
لكن ان��دالع الحرب العالمية الأول��ى عام نحو �أماكن وجود الم�صانع طلب ًا للرزق والعمل
والمتغيرات العا�صفة (� ،)1914سرعان ما و ّلد الدادائية بعد عامين من �أجل تح�سين �أحوال العي�ش ..و�إ�ضافة �إلى
في المجتمع في �سوي�سرا ،وكانت حركة عبثية تريد تحطيم ذل��ك ،ت� ّ�م جلب �أع ��داد كبيرة من ال�سكان من
الأوروبي وهو كل ما في الفنون القولية والب�صرية من قواعد مختلف م�ستعمرات كل دولة ليعملوا في تلك
وجماليات ،ولهذا لم تع�ش طوي ًال ،بل ورثتها الم�صانع ،فن�ش�أت المدن الكبرى وتو�سعت كثيراً
�أول من �أطلق لفظ
(ال�سوريالية) ،لي�س في ال�شعر وح��ده ،بل في وتطورت العوا�صم تطوراً مذه ًال في ات�ساعها
الحداثة قطاعات الفنون المختلفة ،حتى في قطاع وزخ��م الحركة فيها ،وفي تطورها ال�سكاني
ال�سينما والمو�سيقا .وكان ال�سوريالي الم�شهور والعمراني.
�أن��دري��ه برايتون من �أق��ط��اب ال��دادائ��ي��ة ،وهو وف��ي �أوا���س��ط القرن التا�سع ع�شر ،كانت
فرن�سي ،وما لبث �أن انتقل �إلى ت�أ�سي�س هذه باري�س �إحدى �أبرز تلك العوا�صم العجيبة ،وكان
المدر�سة الجديدة هو و�سيلفادور دالي الإ�سباني، ال�شاعر ال�شهير بودلير حي ًا ،لكنه كان فريد
وجعالها تعني (ما فوق الواقعية) ،وتعتمد على الإح�سا�س بغربته وهو يرى خليط الب�شر الذين
تداعيات العقل الباطن لل�شاعر بت�أثير من علم ���ص��اروا يعي�شون في باري�س ،وي�سمع خليط
النف�س الذي �أ�س�سه فرويد ،ولكن من دون عمق رطناتهم بالفرن�سية .وراحت ته ّز روحه م�شاعر
لل�صلة بذلك العلم كعلم ..وهذا ما �أثار حفيظة الغربة و�أحا�سي�س العزلة �أمام كل ما يرى وما
فرويد ودفعه �إلى مهاجمتها هي و�أتباعها؛ �إذ ي�سمع ،و�أمام من يلتقي بهم في الطرق �أو في
�أي �أنهم التزموا بما كانوا يرونه ويكابدونه كان التداعي الحر فيها ال ي�ستند �إلى مبادئ
من معاناة ذاتية في �سياق المعاناة الجمعية ناظمة لفهم الهدف ال��ذي يق�صده القائل �أو
داخل المجتمعات العربية عموم ًا ..والكل كانوا ال�شاعر �أو الفنان .وقد بقيت ال�سوريالية حية في
مثقفين ثقافة كافية لذلك. الغرب حتى الحرب العالمية الثانية� ،أو حتى
وبالعودة �إلى �أدوني�س؛ ف�إن ثراء ثقافته بعد بدئها بقليل .فما هي ال�سوريالية؟ وما هي
ظهرت ق�صيدة النثر وتنوع م�صادرها� ،إ�ضافة �إل��ى غنى تجربته خ�صائ�صها؟ يقول �أحدهم:
ال�شعرية الطويلة ،كل ذلك يجعل نتاجه ال�شعري (تنبني �أف��ك��ار ال�سوريالية على جوهر
مع القفزة التي نقلت �أكبر و�أكثر بعداً عن �إمكانية ح�صر هذا النتاج فل�سفتها ،القائمة على مقولتين :الأول��ى كما
�أوروبا �إلى ع�صر بجعله تابع ًا ل ّأية حركة في ال�شعر الأوروب��ي، �سماها بريتون «النقطة العليا» ،وهي االعتقاد
الم�صنع ال�ضخم مع عدم ا�ستبعاد الت�أثر هنا وهناك بالمدار�س ب��وج��ود نقطة ف��ي الفكر ينعدم فيها �إدراك
ال�شعرية الغربية ،وبال�سوريالية منها خ�صو�ص ًا التناق�ض بين المتناق�ضات كالحياة والموت،
في مرحلة تطوره ال�شعري الأولى. �أو الواقع والخيال ،والما�ضي والم�ستقبل ،وما
وال بد لنا هنا ختام ًا ،من �أن نعود �إلى يقبل التوا�صل وما ال يقبله ،وما يقبل المنطق
ق�صيدة النثر عندنا في ظل �شيوع الإنترنت، وما ال يقبل المنطق .واالهتمام بالبحث عن
حيث يبدو لمت�صفح �صفحات (في�سبوك) �أن المت�ضادات و�إي��ج��اد ال��رواب��ط الخفية بينها
�أغلبية العرب قد �صاروا �شعراء و�شاعرات �ضمن ونقاط االلتقاء ،هو هدف الأديب ال�سوريالي؛
هذا النمط بال تحفظ وبال �أ�سا�س. فر�ؤيته الن��ع��دام التناق�ضات تلغي الروابط
حق ًا �إن اللغة العربية ،بما لها من تاريخ الزمانية منها والمكانية الواقعية لينتقل بعدها
باري�س كانت �أبرز طويل ،قد �أ�صبح لها �إي��ق��اع داخلي جمالي مبا�شرة �إلى عالم الفكر وال�شعور.
تلك العوا�صم المتقن ،ما ال ومتميز ،في نطاق ا�ستعمالها ُ �أم��ا المقولة الثانية؛ فهي «الم�صادفة
الجديدة والعجيبة يحول دون اعتبار الن�ص الذي يحوز ذلك الإتقان المو�ضوعية» ،وت�سعى �إل��ى ك�شف ال��رواب��ط
ٍ
ب�شروط ولكن ذلك ال يتح ّقق �إال
ّ ن�ص ًا �شعري ًا.. الطبيعية بين الآلية الذاتية ال�شخ�صية والآلية
التي ت�أثرت فكري ًا بنائية معينة تمنحه �صيغة التكامل الإيحائي الكلية� ،أو بين ال�لاوع��ي ال��ف��ردي وال�لاوع��ي
وعلمي ًا و�أدبي ًا بما يرمي �إليه كاتبه خالل بنائه ،و�صو ًال �إلى الجمعي والالوعي الكوني ،وبالتالي ،ف�إن كل
�سال�سة الإيقاع البنائي المتكامل المت�سق في منتم �إلى ال�سوريالية ،ينتهج في �أدبه نهجها ٍ
المبنى والمعنى ب�صورة ت�صاعدية تقود �إلى النابع من فل�سفتها ،ويتكئ على �أفكارها التي
النهايات الإيحائية المطلوبة ،فال يكون الن�ص تكون منارة ال تتبنى �أفكاراً ،واالهتمام بالبحث
نوع ًا من البوح (الذاتاني) الذي يفتقر �إلى مقدرة عن المت�ضادات و�إيجاد الروابط الخفية بينها
�إثارة م�شاعر المتل ّقين من جهة ،وال يتكئ على ونقاط االلتقاء ،هي هدف الأديب ال�سوريالي).
�إ�سنادات عرجاء في الو�صل داخ��ل ال�صورة وقد جرى عندنا �أن نقلنا ق�صيدة النثر منذ
الواحدة بين ما لي�س لأطرافها �صلة ببع�ضها ت�أ�سي�س (مجلة �شعر) في خم�سينيات القرن
�أندريه برايتون بع�ض ًا في عمقها الترميزي من جهة �أخرى� .إن حد �أن ت�صل الما�ضي ،و�شهد تطورها ال�سريع َّ
ومن معه �أ�س�سوا لما البدء بتف�صيل �شعري في الن�ص الواحد ،يجب �أن �إلى ا�ستبدال الف�صحى بالعامية اللبنانية بدفع
ت�صاعدي ًا وب�إحكام �إلى داللة �أو مجموعةّ يقود من ال�شاعر اللبناني �سعيد عقل .كما �صار من
ي�سمى الدادائية �أي تمحل ،و�إال �شعرائها من هم �صحافيون �أ�ص ًال ،و�أبرزهم
من الدالالت العليا دون ق�سر ودون ُّ
ما فوق الواقع ف�إن الن�ص المكتوب يفقد ال�شعرية وي�صير َه ْرف ًا �أن�سي الحاج ..وغادر المجلة ال�شاعر �أدوني�س
بال طائ ْل! وهكذا ،ف �� ّإن ق�صيدة النثر يجري و�أ�صدر مجلته الخا�صة (مواقف) لأنه كان في
�إيقاعها عندنا في ورطة مادام �أ�شباه الأميين الأ�سا�س ممن ت�أثروا عميق ًا بال�سوريالية ،وقد
والن�صابون من مانحي (الأو���س��م��ة) قادرين و�صف نف�سه بالرائي ،ناق ًال م�صطلح الر�ؤيا
على منح �أو�سمتهم لأ�شباه الأميات والأميين عن المت�صوفة� ..أما محمد الماغوط؛ ف�إنه هو
ولأ�سباب ال عالقة لها (بالقول ال�شعري) في وزوجته �سنية �صالح و�شعراء �آخرون قد حافظوا
الحقيقة والأ�صل. على ما يكاد ي�شابه دواف��ع بودلير لكتابتها،
�شاكر الفحام:
اللغة العربية رهان الأمة وم�ستقبلها
فحين ت�ضيق الم�سافة بين الكائن
واللغة ،تت�سع المعاني ،ويتوحد �إيقاع روحه
ع�شق اللغة العربية ف�أخذته �إليها لي�ستغرق فيها ،وك�أنها
مع �إيقاع الكون ،بهذا المعنى �أدرك �سر تلك ع�شقه الأب��دي ال��ذي لم يفارقه حتى �آخ��ر �أي��ام��ه ،ما
العالقة بينه وبين اللغة ،فكانت وجوده، �أف�سح له مقام ًا بين الأ�سماء الخالدة ،فاللغة رهانه الذي
وذاك��رت��ه ،ور�ؤي��ت��ه وحا�ضره وم�ستقبله، ال يخيب ،ودليله الذي ال ي�ضل ،وب�صيرته التي تلهمه
ومر�آته التي يقر أ� فيها ذاته في ذات الأمة، الك�شف والر�ؤيا ،لذلك كان �إيمانه بقدرتها على مواكبة
ويرى فيها �صورة العالم في ذاته. د .بهيجة �إدلبي
و�إذا كانت اللغة مقوم ًا �أ�سا�سي ًا من
الع�صر �إيمان ًا را�سخ ًا في ذاته و�ضميره وعقله وقلبه،
ولم يخالجه الي�أ�س �أب��د ًا بم�ستقبلها الم�شرق ،برغم كل التحديات التي مقومات الأمة ،فال بد من نهو�ض الم�ؤ�س�سات
تواجهها ،وتواجه الأمة ،كل ذلك كان وراء دعوته لإعادة بعثها ،وا�ستعادة الثقافية جميعها بتبعاتها لتكون اللغة
مقامها في الوجود ،ودورها في جمع الأمة على ل�سان واحد وقلب واحد ،العربية ال�سليمة الف�صيحة هي اللغة ال�سائدة
في و�سائل الإعالم والثقافة ،لأن ال�ضعف وبالتالي على م�صير واحد ور�ؤية واحدة.
اللغوي كما يرى ،واقع نعانيه ،وقد ت�ضافرت
جملة �أ�سباب �أدت �إلى انح�سار اللغة ال�سليمة
الف�صيحة �أمام هجمات اللهجات المحكية
التي �أ�صبحت النا�شئة ت�سمعها في �أجهزة
الإع�ل�ام والم�سارح وال�سينما ،ب��ل وفي
قاعات التدري�س ،وتميل �إل��ى محاكاتها.
ومن هنا ف�إن �أبرز مهمات المجامع اللغوية:
المحافظة على �سالمة اللغة ،وجعلها
وافية بمطالب الآداب والعلوم والفنون،
ت�ستجيب لحاجات الحياة المتطورة ،ثم
العناية بو�ضع الم�صطلحات العلمية والفنية
والأدبية والح�ضارية ،واالهتمام ب�إحياء
تراث العرب في العلوم والفنون والآداب.
فهو يرى �أن تطور مناهج التربية العربية
م�شروط بربطها بخطط التنمية ،وبالتالي
ا�ستطاع �أن ين�شئ جي ًال ي�ؤمن باللغة العربية
ويعي�شها بقلبه ووجدانه وم�شاعره قبل �أن
يحفظها جم ًال وكلمات.
الأ�ستاذ ،والمح ِّقق ،والوزير ،والإداري،
وال�سفير د�.شاكر الفحام ،الذي تلقى العلم
والمعرفة على يد طه ح�سين ،و�شوقي �ضيف،
وعبدالوهاب ع��زام ،و�أح��م��د �أم��ي��ن ..وازن
بين العمل ال�سيا�سي والدبلوما�سي ،وبين
�شغفه العلمي والمعرفي في رفد المكتبة
العربية بم�ؤلفات وتحقيقات كان لها دور
ّ
ال�شعر ..ذلك المهر
الجامح المجهول يو�سف عبد العزيز
يدل على معنى). (ال�شعر كالم موزون ومق ّفىّ ، منذ �أن خط ال�شاعر ال ّأول ق�صيدته الأولى
وهكذا نالحظ � ّأن تلك التعريفات كانت ال�شعرفي التاريخ ،حتى ه��ذه اللحظة ،ظ� ّل ّ
ال�شعر ،وعن و�صف ماهية ّ ّ تعريفات بعيدة عن محددمجهو ًال وغريب ًا ونائي ًا ،ولي�س له تعريف ّ
ودويه و�صمته ،و�أنفا�سه العا�صفة. ّ جموحه ووا�ضح .وعدم وجود مثل هذا التعريف جعل
ال�شعرية وعية التي حدثت في ّ ال ّنقلة ال ّن ّ ال�شعر دون �سقف ،وهذا ما � ّأدى �إلى ابتكارات ّ
المت�صوفة
ّ ال�شعراء ل ب
ّ ِ
ق من العربية ،كانت ال�شعراء عبر ّ قبل من قة ال
ّ وخ جديدة جمالية
ال�شعر ببعده الديني والكوني الذين ربطوا ّ الع�صور .وعلى عك�س ذلك لو كان هناك مفهوم
الوا�سع ،كما ربطوا الحب بمفهومه الإلهي .ا ّتك�أ �شعري ًا كا�سح ًا،
ّ محدد لل�شعر لوجدنا ُه��زا ًال
ال�شعر ال�صوفي على ال ّتراث ال�شعري العربي ّ خزفيات في متحف. ّ مجرد
ولتحول ال�شعر �إلى ّ ّ
ال�شعراء العذريين ،ث� ّ�م ط� ّ�وروا خا�ص ًة ت��راث ّ ّ عندما قامت الح�ضارة العربية الأموية
ن�صو�صهم ال�شعرية با ّتجاه كتابة ِعرفانية، العبا�سية ،ق��ام العرب ّ وبعدها الح�ضارة
في الع�صرين الأموي حرر من ربقة الج�سد ،تمهيداً للو�صول هدفها ال ّت ّ مهمة لعدد كبير من كتب الفل�سفة بترجمات ّ
�إلى لحظة الإ�شراق بالفناء في �أنوار الح�ضرة والعلوم والتاريخ التي �أنجزتها الح�ضارة
والعبا�سي قام العرب المت�صوفة تراث ًا الإلهية .لقد ت��رك ال�شعراء اليونانية والفار�سية .لقد ترجم العرب ك ّل �شيء،
ّ
بترجمات مهمة في ومتميزاً من ال�شعر ،ومن �أه��م ه�ؤالء ّ عظيم ًا ال�شعر .كان العرب يعتبرون ولكنهم لم يترجموا ّ
ال�شعراء :محيي الدين بن عربي ،ابن الفار�ض، ال�شعر بال منازع ،ولذلك فقد نظروا �أنف�سهم � ّأمة ّ
العلوم والفل�سفة الحالج ،الغزالي ،رابعة العدوية ،جالل الدين بال مباالة �إلى �شعر الأمم الأخرى .فيما بعد قام
والتاريخ المهمة
ّ وال�سهروردي .من الإ�ضافات الروميّ ، الفيل�سوف العربي الأندل�سي (ابن ر�شد) بترجمة
الر�ؤية �صوف تطوير ّ التي �أنجزها �شعراء ال ّت ّ ولكن تلك الترجمة ال�شعر)ّ . (فن ّكتاب (�أر�سطو)ّ :
ال�شعرية .لنقر�أ ّ الكتابة ال�شعرية التي هي �أ�سا�س ال�شعراء ب�سبب ّ أذهان � على ثقيلة كانت ترجمة
هذه الأبيات لل�شاعر محيي الدين بن عربي تم
عالقتها بالتحليل الفل�سفي ،ولذلك فقد ّ
ال��ر�ؤي ال�شمولية والكونية التي التي ،ت� ّؤكد ّ �إهمالها من قبل ال�شعراء وال ّن ّقاد العرب على
ات�صفت بها لغته ال�شعرية: حد �سواء.
ٍّ
لقد كنت قبل اليو ِم �أُن ِك ُر �صاحبي فيما بعد اجتهد عدد من ال ّن ّقاد القدامى
�إذا لم يكن ديني �إل��ى دي ِن ِه دانِ لل�شعر،والفال�سفة العرب في و�ضع تعريفات ّ
ٍ
�صورة وق��د �صار قلبي قاب ًال ك��لّ منهم الفارابي ال��ذي ت�أ ّثر ب�أر�سطو ،فاعتبر
���ر لرهبانِفمرعى ل��غ��زالنٍ ،ودي ٌ ال�شعر �ضرب ًا من �ضروب المحاكاة .ومنهم ّ
توج َهت
��ب �أنّ���ي ّ ���ن بدين ال��ح ّ �أدي ُ ال�شعر ب�أنه (كالم ُم َخ َّيل ّ و�صف الذي �سينا ابن
فالحب ديني و�إيماني ُّ رك��ائ�� ُب��هُ ، م ��ؤ ّل��ف م��ن �أق���وال م��وزون��ة مت�ساوية وعند
�صوف الباب لدخول البعد فيما بعد فتح ال ّت ّ العرب مق ّفاة) .من التعريفات التي ح ّنطت
ال�شعر ،فكان ال�شاعر �أبو العالء الفل�سفي في ّ ال�شعر تعريف ُق��دام��ة ب��ن جعفر ال��ذي ق��ال:
تورط ال�شاعر في �أ�شياء لم يكن في باله �أي�ض ًا ّ ال�شعرالمعري �صاحب ال ّتجربة الأهم في ربط ّ ِ
تتكون لديه �أبيات فائ�ضة في كتابتها ،بحيث ّ بالفل�سفة و�أ�سئلة الوجود ،يقول �أبو العالء:
�ص ف�إ ّننا
ّ ّ ن ال بتلخي�ص قمنا الق�صيدة .ف�إذا ما نمر ِ���س��راع�� ًا بين ُعدمينِ م��ا لنا ُّ
ن�ستغني بب�ساطة عن عدد كبير من الأبيات. ��رون على جِ �سرِ ��ات ك���أنّ��ا ع��اب َ ثَ��ب ٌ
الطابع ما�سة لك�سر ّ من هنا باتت الحاجة ّ ويقول في ٍ
بيت �آخر:
اجتهد النقاد الغنائي في الق�صيدة العربية ،وتطعيم الق�صيدة �أ ّم�����ا ال��ي��ق��ي ُ��ن ف�ل�ا ي��ق��ي َ��ن و�إنّ���م���ا
القدامى والمفكرون بو�سائل و�إ�ضافات جديدة .و�أهم هذه الو�سائل ِ
�أق�صى اجتهادي �أن �أظُ َّن و�أحد�سا
اال�ستفادة م��ن المرجعيات الب�صرية مثل: متداولة في ال�شعر َ مثل هذه اللغة لم تكن
العرب في و�ضع
وال�سرد.
الفن الت�شكيليّ ، ال�سينما ،الم�سرحّ ، العربي بك ّل هذه الأبعاد الفل�سفية العميقة.
تعريفات لل�شعر تعتبر ال�سينما � ّأم ًا حديث ًة للفنون ،وذلك لما لكن ينبغي الإ���ش��ارة �إل ��ى مالحظة في
تحتوية من عدد كبير من هذه الفنون ،حيث منتهى الأهمية في عالقة ال�شعر بالفل�سفة،
يمكن لنا �أن نرى التمثيل وحركة الج�سد� ،إ�ضافة هذه الإ�شارة تتع ّلق بان�صهار الفكرة الفل�سفية
�إلى الت�صوير ،والإ�ضاءة وعن�صر ال�صوت بما �ص ال�شعري ،بحيث يبقى وذوبانها في ماء ال ّن ّ
فيه من �صوت و�صمت ومو�سيقا ،ولذلك يمكن لل�شعر �إمتاعه وفتنته الطاغية عند قراءته من
لل�شعراء الإفادة من ال�سينما في كتابة ق�صيدة قبل المتل ّقيّ � .أم��ا �أن تظل الأفكار الفل�سفية
مهمةم�شهدية ،كذلك الدراما الم�سرحية بدورها ّ بهيئتها الجامدة في ال ّن�ص ،فهذا مما يف�سد
�أي�ض ًا لل�شعراء في هذه الكتابة الجديدة ،ويبدوا وتتحول الق�صيدة عند ّ ال�شعر ،ويطيح بالجمال، ّ
جلي ًا باالنتقال من �صورة �شعرية �إلى �أثرها ّ مجرد مقالة فل�سفية موزونة. ّ إلى � ذلك
�أخرى في الق�صيدة ،بحيث ت�صنع هذه التوليفة �شعرية
ّ تجارب هناك الحديث الع�صر في
تمتاز ال�شعرية �شعري ًا متكام ًالّ � .أما الفن في النهاية م�شهداً عربية ا�ستطاعت �أن توائم ما بين الفل�سفة
ّ
العربية بالغنائية الت�شكيلي فهو في الواقع يتبادل المواقع مع ال�شعراء الذين برعوا في وال�شعر ،ومن ه�ؤالء ّ
ال�شعر ،فالق�صيدة ما هي �إال ر�سم بالكلمات على الوهاب ّ وعبد اب ال�سي
هذا المجال :بدر �شاكر ّ
برغم �أنها تت�سبب حد تعبير ال�شاعر نزار قبانيّ � ،أما اللوحة فهي البياتي و�أدون��ي�����س .ه���ؤالء ال�شعراء حاولوا
ّ
بالعديد من المزالق ال�سرد �أي�ض ًا
ّ مر�سومة. �شعرية �صور عن عبارة الخروج على تعاليم (القبيلة ال�شعرية) ،با ّتجاه
ي�ضبط ال ّن�ص ال�شعري ،بحيث تبد�أ الق�صيدة من وربما يعود ق�صيدة تنهل من ماء الفل�سفةّ .
نقطة محددة ،وتنتهي في نقطة محددة ،وهذا ال�سبب في ذلك �إل��ى ثقافتهم الوا�سعة ،التي
�ص ال�شعري متما�سك ًا من دون ما يجعل ال ّن ّ در�سوا من خاللها التراث الفل�سفي وال�شعري
�ص. وجود ح�شو و�أبيات فائ�ضة عن ال ّن ّ العربي� ،إ�ضافة �إل��ى ال�شعر والفكر الفل�سفي
من ال�شعراء الكبار في العالم ،الذين كانوا الغربيين .وبهذا يمكن القول � ّإن ق�صيدة ه�ؤالء َّ
� ّأول من ا�ستفاد من هذه المرجعيات الب�صرية ال�شعراء خرجت على ال�سائد ال�شعري العربي
ال�شاعر الفرن�سي (جاك بريفير) ،حيث ا�ستطاع نحو لغة طقو�سية م ّتكئة ب�شكل �أ�سا�سي على
�أن يكتب ق�صيدة الم�شهد بما فيها من جماليات الفل�سفة.
ومرجعيات ب�صرية ،وقد ا�شتغل هذا ال�شاعر لي�س اللجوء �إلى الفل�سفة هو الح ّل الوحيد
ا�ستعادة ال�شعرية في حقل ال�سينما فكتب ال�سيناريو لعدد كبير الذي يمكن من خالله تطوير ال�شعرية العربية،
العربية من من الأف�ل�ام .في ال�شعر العربي تبرز تجربة فهناك ط��رائ��ق كثيرة يمكن �أن ي�ستخدمها
المرجعيات الب�صرية ال�شاعر العراقي ح�سب ال�شيخ جعفر ،كواحدة ال�شعراء م��ن �أج��ل كتابة ن�صو�ص معافاة
من التجارب ال�شعرية المهمة التي ا�ستفادت ومبتكرة.
مثل ال�سينما من الفنون الب�صرية ،ومنها ال�سينما على وجه تمتاز ال�شعرية العربية بالغنائية كعن�صر
والم�سرح والفن التحديد .وعلى ك ّل حال يبقى الم�شروع ال�شعري مهم في هذه ال�شعرية .الغنائية تلك التي يعزف ّ
بال�شعراء �أنف�سهم، مرتبط ًا في الدرجة الأولى ّ ال�شاعر من خاللها على وتر الذات ليبث م�شاعره
الت�شكيلي
حيث الباب م�شرع على �آخ��ره لكتابة �شعرية مهمة،و�أ�شواقه .الغنائية هنا لها قيمة �شعرية ّ
جديدة ومختلفة .ذلك � ّأن ال�شعر ح�صان نافر تت�سبب لل�شاعر بعدد كبير من المزالق، غير �أنها ّ
ال ي�ست�أن�س بما هو عادي وم�ألوف ،ولذلك فهو منها ت�شابه التجارب ال�شعرية ،حتى لدى
دائم الطيران والتحليق في الف�ضاءات الجديدة ن�صين المكر�سين� ،إذ �إ ّننا كثيراً ما نقر�أ ّ ّ ال�شعراء
والأمداء المخاتلة. مت�شابهين ل�شاعرين مختلفين ،فالغنائية
عبدالرحمن بوعلي
البحث في ت�شكيل الرواية العربية
د .يحيى عمارة
ويناق�ش فيها كل الأفكار النظرية ،والمعرفية، و�أمريكا ،ال�شيء الذي كان م�صدراً للت�سا�ؤل� :أال
والمنهجية تقريب ًا ،التي تت�أ�س�س عليها الطرائق يجوز �أن تكون النظرة التي ننظر بها �إلى الرواية
النقدية ال�سو�سيولوجية ،التي يق�سمها �إلى العربية الآن هي نف�س النظرة التي كان ينظر
نوعين ،قائ ًال (ن�ستطيع �أن نميز بين طريقتين بها الأوروبيون �إلى ما كان ي�سمى عندهم بفن
�أ�سا�سيتين في النقد ال�سو�سيولوجي هما :طريقة الرومان�س؟)� .سياق الحديث يعود �إلى �سنوات..
ال�سو�سيولوجيا التجريبية التي تدر�س العنا�صر فالتجربة النقدية المرتبطة بالعالم الروائي
الخارجية عن الن�ص الأدبي ،مثل درا�سة القراء لل�شاعر الناقد ،تحيل �إلى مجموعة من �إ�شكاليات
والك ّتاب والنا�شرين ،وطريقة ال�سو�سيولوجيا النقد الروائي العربي المعا�صر ،من بينها الإ�شارة
الجدلية التي �أطلق عليها لو�سيان غولدمان: �إلى ظاهرة ال�شعراء النقاد الذين در�سوا جن�س ًا
يعتبر من ال�شعراء
البنيوية التكوينية فيما بعد) .ومن المن�شغلين �أدبي ًا �آخر ال ينتمي �إلى تجربتهم ال�شعرية ،التي
النقاد الذين بت�صورات الناقد البنيوي الفرن�سي روالن برزت ب�شكل ملحوظ في الإبداع العربي الحديث
ا�ستطاعوا �أن يقدموا ب��ارت ،حيث ترجم له مجموعة من ن�صو�صه والمعا�صر ،وف��ي تقديرنا �أن ه��ذه الإ�شكالية
ر�ؤية نقدية عميقة ف��ي كتاب (ف��ي الكتابة والأدب وال��رواي��ة)، م��ات��زال تطرح نف�سها حتى ال��ي��وم ،وت�ستحق
في الرواية العربية وبالم َن ِّظرِين الم�ؤ�س�سين للمنهج ال�سيميولوجي/
ُ الت�أمل والدرا�سة ،و�إلى الأدوار الطالئعية التي
ال�سميوطيقي ،فقد كان من ال�سباقين في التعرف قام بها الناقد الجامعي في التعريف بالن�ص
�إلى �أهم م�ؤ�س�سي ال�سيميوطيقا ،وعلى ر�أ�سهم الروائي العربي من ع�صر النه�ضة �إلى التجريب،
الم َن ِّظر الأمريكي �شارل �سندر�س بير�س ،في ُ مع الإتيان بالمناهج الغربية ،لكن لي�س ب�شكل
ترجمته لكتاب جيرار دولودال (ال�سيميائيات متهافت على كل نظرياتها ،و�أفكار طروحاتها،
�أو نظرية العالمات) ،وهو الكتاب الذي يدافع كما وقع عند ثلة من النقاد والدار�سين ،و�إلى �أن
في مقدمته عن ال�سيميولوجيا بو�صفها منهج ًا المعرفة النقدية التي انطلق منها في درا�ساته
ناجع ًا في المقاربات التحليلية النقدية. ومقاالته وترجماته ،والمعتمدة على المنهج
وبذلك ،ي�ستنتج القارئ لدرا�سات الرجل االجتماعي والجدلي والبنيوي التكويني ،ونظرية
النقدية ،ح�ضور م َل َكة الوعي النقدي عنده ،وذلك ال�شكالنيين الغربيين ،خا�صة الرو�س ،والخطاب
بتركه لكل ما ال يالئم المتن الروائي العربي، الروائي عند ميخائيل باختين ،تطرح �إ�شكالية
وغر َبلة المعرفة النقدية الغربية بالتغلب على ْ ال��وق��وف عند انت�شار المفاهيم الجديدة في
�إغراءات المثاقفة الم�ستلبة وما �شابهها؛ لي�صبح الدرا�سات النقدية العربية بالمغرب ،معلنة بذلك
بذلك� ،أنموذج ًا متفوق ًا في تقويم الن�صو�ص عن بداية مرحلة انتقالية حاولت (�إقامة �صرح
ر�أى �أن الرواية ال�سردية العربية التي تراعي الن�سق التاريخي، نظرية روائية حديثة ،مقابل النظرية الواقعية
العربية في حاجة والمعرفي ،والجمالي؛ ببحثها وتقديرها، التي و�صفها بع�ضهم بالكال�سيكية) على حد
ما�سة �إلى وقفات (واحترام الخ�صو�صية الأدبية التي ير�ضى الفكر تعبير الباحثة العربية فاطمة الزهراء �أزرويل في
تاريخية وجمالية النقدي عن �إغفالها ،وال يرتاح �إال بالخو�ض القيم (مفاهيم نقد الرواية بالمغرب).
كتابها ِّ
تبين طبيعتها ومقوماتها). فيها ومحاولة ُّ وه��ن��ا ال ب��د �أن ن�شير �إل���ى �أن ناقدنا
ومعرفية متطورة ليبقى في الأخير ا�شتغال ال�شاعر الناقد من ال��ق��راء المتمكنين من المناهج النقدية
على الن�ص الروائي� -إبداع ًا ونقداً -خا�صي َة الغربية ،التي �أ�س�ست مفهوم ال�سرد الحديث،
تمي ٍز جعلت م�شروعه الأدبي والنقدي من�سجم ًا ُّ حيث ق��ام ب��االط�لاع على المنهج البنيوي
ومتما�سك ًا مع ر�ؤيته القائمة �أ�سا�س ًا على عن�صر التكويني ،عبر اهتمامه بكل رواده من �أمثال:
الحر�ص المعرفي والخيط المق�صدي ،الرابط بين لو�سيان غولدمان ،وج��اك دوب ��وا ،ومي�شيل
ر�سالة الإبداع ومنطق الخطاب النقدي ،اللذين زيرافا ،وج��اك لينهارد ،وروبير �إ�سكاربيت.
يلتقيان في نقطة ط��رح �أ�سئلة �أدبية عربية ويظهر ذلك في م�ؤلفاته النقدية والمترجمة
جديدة ،تبحث عن تقديم �أجوبة مقنعة تكون مثل( :في نقد المناهج المعا�صرة :البنيوية
عام ًال مهم ًا من عوامل انتقال الثقافة العربية التكوينية) ،و(مدخل �إلى �سو�سيولوجية الأدب
من عملية االجترار المعرفي والمنهجي �إلى والرواية) ،ثم (نظريات القراءة من البنيوية �إلى
عملية الإبداع النقدي. جمالية التلقي) ،وهي الم�ؤلفات التي يدر�س
ماركيز
يفرق بين العي�ش والحياة
المقابر ..العجيزة تهتز و�أن��ا �أراه��ا حيث �أبدو النهار) عند المغيب (كعين معتمة في عمق
متحجراً من الخوف. العرافين) ،يعك�س الفعل التخييلي في جفنات ّ
�صاح ب��ه ال��رج��ل ال��ذي ينتعل ال��ح��ذاء ذا تذويت الوجود من ناحية ،وال�صباغة النف�سية له
الرقبة ويرتدي البالطو الوا�سع الأكمام وقال من خالل وعي الذات به من ناحية �أخرى ،فبدت
له( :ب�س) وخبط الأر�ض بقدمه الي�سرى ..توقف ال�شم�س كعين معتمة ،والوجود �أو كبد ال�سماء
يغلب على ق�ص�صه القط الأ�سود ومال بر�أ�سه ناحية الرجل الذي مثل جفنات العرافين ،م��ا ي�شي بالغمو�ض
الطابع الغنائي ينتعل الحذاء ذا الرقبة ويرتدي البالطو الوا�سع والرهبة .كذلك في تم ُّثل زفرة الدخان (كخيط
الأكمام ،وحدقه ،وماء بوح�شية ،ولما خاف مهاجر) انعكا�س لح�س اغترابي ،و�شعور بعدم
المتبدي في غناء
الرجل وا�ستند للجدار ،اهتزت عجيزته و�سار اال�ستقرار في المكان.
الذات م�شاعرها على �أر�ض الممر). في ق�ص �سعيد الكفراوي ،تح�ضر ثيمة العزلة
وهواج�سها و�أحالمها وللقط ح�ضور ممتد��� ،س��واء ف��ي الوعي فيقدم �شخو�ص ًاِّ واالغ��ت��راب لأبطال ق�ص�صه،
الأ�سطوري القديم �أو في الوعي ال�شعبي؛ وفي �إ�شكاليين يعانون حالة من الالتوافق مع الآخر
الثقافة الفرعونية له مكانة خا�صة .كذلك وم��ع العالم ،ما ُيف�ضي بهم �إل��ى ان�سحاب �أو
فللقط ح�ضور في الثقافة العربية ،فالعرب �إحجام عن االندماج في هذا العالم ولو لبع�ض
اعتقدوا في قدراته الطبية وفاعليته ال�سحرية، الوقت .وثمة �أزمة ما في عالقات الذوات بالزمن،
كذلك اعتقدت بع�ض الر�ؤى الأ�سطورية العربية، كما يتبدى في ترويع دقات ال�ساعة الخ�شبية
وف��ي ه��ذه الق�صة ترمز حركة القط للبط�ش لبطل هذه الق�صة ،ونظرته �إلى العقرب المنفرج،
والإرهاب ،ما يجعل �شعوراً حاداً بالرعب يطبق في ت�شعير للأ�شياء ،حيث تلعب الأ�شياء ونثريات
الذات عنده محور
على الذات الب�شرية ،ما يجمد العقل ويعجزه عن الم�شهد دوراً فاع ًال في بنية الق�ص ،فتبدو ك�أ َّنها
الحدث وتطوراته الت�صرف الحر ب�أريحته المعتادة ،غير � ّأن حالة محفزات درامية لجالء �أحوال ال�شخو�ص ،و�سبر
وتحوالت العالم القيد التي �شملت الذات تعمل على فتح �آفاق �أغوارهم النف�سية وا�ستبطان دواخلهم ال�شعورية.
و�صيرورته في الحلم ،وتن�شيط الذاكرة ا�سترجاع ًا للذكريات، للريف وت��خ��وم المدينة ح�ضور خا�ص
البنية الزمكانية فالح�صار ال�����ش��ع��وري والإغ��ل�اق المكاني، ل��دى �سعيد ال��ك��ف��راوي ،ال ��ذي يعمل ق�ص�صه
يفتحان مدى الن�شاط العقلي ،ويو�سعان من على ت�شكيل عوالم الريف والبقاع النائية عن
حركة الخيال مواجهة لذلك الح�صار. المدينة ،ت�شكي ًال خا�ص ًا يمزج فيها بين ح�ضور
الإن�ساني وح�ضور الحيواني ،مزج ًا ي�ستند �إلى
خلفيات �أ�سطورية ،تجتر ما في كوامن الوعي
ال�شعبي التراثي ل�شخو�ص عالم �سعيد الكفراوي
الق�ص�صية.
فعالقة الإن�����س��ان بالحيوان والطير عبر
�سرد �سعيد الكفراوي ،لي�ست عالقة اال�ستخدام
الآلي لق�ضاء حاجات الإن�سان المعي�شية و�أداء
الأغرا�ض الحياتية ،فثمة عالقة تفاعل نف�ساني
بين الإن�سان والحيوان والطير ،فح�ضور تلك
الكائنات الحيوانية� ،إنما هو تج�سيد مادي
محمد الب�ساطي مجيد طوبيا �إبراهيم �أ�صالن
لحموالت �أ�سطورية ،ومعتقدات �شعبية متوارثة
في بنية الوعي ال�شعبي الجماعي لأفراد ق�ص�ص
الكفراوي.
ففي ق�صة (الجمعة اليتيمة)؛ يكون ح�ضور
(ال��ق��ط) محم ًال ب��ط��اق��ات �أ���س��ط��وري��ة ومظل ًال
بخلفيات من تمثل الوعي ال�شعبي للقط( :هو قط
الممرات الأ�سود ذو العينين ال�صفراوين� ،ساكن
الأقبية وال�سطوح ..يهبط و درجات ال�سلم العلوي
�شاحذاً �أظافره ،تجول عيناه ال�صفراوان بالممر
ال�صخري ،تلتهم الأب���واب المحنية ،فوهات
يو�سف �إدري�س نجيب محفوظ
الهروب
�إلى الزمن الجميل
ال�سريع الذي نعي�شه فر�ض على الجميع �أن قد ال تحظى الأجيال الحالية من ال�شباب
ين�سحب من تبعات وموروثات الآباء الذي العربي بذاكرة م�شبعة بحكايات التراث
ي�صفونه بالزمن الجميل ،الذي تحول �إلى و�أ�ساطير الآباء والأجداد ،التي كانت تخفي
ذكرى م�صورة ت�أخذ �ألوانها ومالمحها من ما تخفيه في طياتها ال�سرية و�أن�ساقها
�أني�سة عبود حكايات التراث� ،أو عن طريق ا�ستعادة هذا الم�ضمرة ك��ث��ي��راً م��ن ال��ق��ي��م الأخ�لاق��ي��ة
الزمن بوا�سطة الدراما العربية التي ت�ضيف الم�ستترة والمبادئ الأ�سا�سية ،التي تعمل
لم يكن الفقر عيب ًا ،ول��م يكن ال�شباب �إليه الكثير من محر�ضات الخيال والجمال، �شد �أوا�صرفي ت�أويالتها ورم��وزه��ا على ّ
ي�ستخدم النفاق والكذب ل�ستر عوزهم �أمام فتمجده �أحيان ًا وتن ّفر منه في �أحايين كثيرة.
ّ المحبة والأخ ��وة والت�سامح في المجتمع
الفتيات المحبوبات ،فالجهل والبخل والرياء وهنا ال بد من العودة �إلى قلب المو�ضوع العربي ،الذي كان مجتمع ًا تغلب على بنيته
هو العيب ال��ذي يمكن للمر�أة �أن يدفعها الذي بد�أناه حول ا�ستمرارية الما�ضي وقيمه المجتمعية الريفية عادات وتقاليد البداوة
لرف�ض ال�شاب ،حيث كان �سكان القرية �أو من خالل ال�سرديات اليومية التي تتوزع والب�ساطة والإي��ث��ار ،ف�ض ًال عن تطلعه �إلى
الحارة ،يعرفون تاريخ بع�ضهم ويعرفون في التفا�صيل ال�صغيرة للعائلة �أو الحارة �أو المدينية التي بد�أت تتغلغل عن طريق الطبقة
�أن�سابهم و�أل��ق��اب��ه��م ،وم ��اذا يف�ضلون من القرية .ومن هذه ال�سرديات التي ال يمكن �أن المثقفة والمتعلمة� ،إ�ضافة �إلى المثاقفة مع
الطعام ،وكيف ي�أكلون وهل لديهم طاولة تزول من ذاكرة الحارة وقيمها هي تبادل ال�شعوب المتمدنة بعيداً عن هيمنة التقاليد
للطعام �أم (يبركون على الأر�ض حول طبق الجيران لطبق الطعام اليومي الذي تطبخه ال�سائدة.
الطعام). الأم ،وتحر�ص على �أن توزع منه لعدد من وم��ن الطبيعي �أن تتوق المجتمعات
وك��ان الأط��ف��ال يتبارون ويت�سابقون الجيران مهما كان هذا الطبق ب�سيط ًا وفقيراً، الريفية العربية �إل��ى التغيير والتحديث
في حمل �أطباق الطعام �إلى الجيران ،حيث فتكون الم�شاركة مادية وعاطفية و�إن�سانية عن طريق خلع عباءة الريف �أو ال��ب��داوة،
ال�سر الذي
كان الباب ال��ذي ينفتح بمثابة ّ ما ي�ؤ�س�س لعالقة الجوار والأخوة والمحبة، واالنخراط في العالم الجديد الذي ت�سوده
ينك�شف �أمام �أطفال تده�شهم نوعية الأطباق وبالتالي ي�صبح الجار على مقربة روحية �سلوكيات جديدة وقيم مختلفة بحكم الواقع
وزخ��ارف��ه��ا ،فبع�ضهم ير�سلون الطعام من جاره الذي يعرف عنه وعن مدونة حياته المعي�شي وال�سكني ،وتحول المنزل المنب�سط
ب�أطباق من �ألمنيوم ،و�آخ���رون ير�سلونه كل التفا�صيل ،ب��دءاً من طعام الغداء حتى على جهات مت�صلة مع الآخر ،ومع ال�سماء
ب�أطباق من نحا�س �أو من ال�صيني ،وهذا طعام الع�شاء والأعياد والمنا�سبات ،وهذا لم والأر� ��ض� ،إل��ى �شقة في ب��رج �أو طابق في
كان م�ؤ�شر �آخر على و�ضع العائلة المادي يكن مجرد تقليد يمر مرور الكرام على �أبناء بناية معروف بابها ورقم م�صعدها ،ولي�س
وم�ستواها المعي�شي. الحي ..لقد كان �صحن الطعام ،الذي ير�سل معروف ًا من ي�سكنها �أو ي�صعد �أدراجها .لقد
غير �أن اختالف الزمان واختالف الأيام، �إلى الجيران هو المر�سال الحقيقي لو�ضع بات التوا�صل �شبه معدوم وتفا�صيل ال�سكان
وتغير ال��ح��ارة وتحولها �إل��ى علب كبريت العائلة وهو الذي يعطي الفكرة الأ�صدق عن غائبة ،والهويات المكانية والزمانية وحتى
معزولة ومف�صولة ب�أرقام وم�صاعد ،جعل و�ضعها ..ما يجعل �أه��ل الحي المي�سورين الإثنية لي�ست ب��ذات معنى ،ما قطع روابط
كل تلك الحياة الأليفة العاطفية والإن�سانية يعمدون �سراً �إلى �إر�سال اللحوم �أو الحلوى الما�ضي مع الحا�ضر ال��ذي �سيطرت عليه
تتال�شى ،ليظهر من خلفها ج��دران عالية �إل��ى ه��ذه العائالت الفقيرة ..وخا�صة في ال��م��ادة والمنفعة والم�صالح ال�شخ�صية،
للغربة واالغتراب ،بحيث ي�شعر المرء ب�أنه المنا�سبات وفي الأعياد التي تتحول الحارة واالبتعاد عن الذاكرة التي ت�ؤرقه وتعيده
يعي�ش في �صحراء نائية معزولة ،ولي�س فيها �إل��ى عائلة واح��دة ت�أكل الطعام ذاته �إلى قيم الآب��اء والأج��داد التي تربى عليها
�أمامه �إال البحث عن مقهى �أو (كافتيريا) وترتدي اللبا�س الجديد تقريب ًا ذات��ه ،مع باعتبارها ال تتما�شى والحياة الع�صرية
ي�ؤن�س فيها وحدته وغربته ويبطئ قلي ًال من �إزال��ة الفوارق الطبقية والمادية بين الأ�سر المنبثقة من عالم رقمي تكنولوجي ،وثورة
عجلة ال�سرعة للحياة الع�صرية التي ال يجزم المتجاورة. معلوماتية طاحنة لكل الما�ضي ..لأن الزمن
�أي �إن�سان �إلى �أين ت�سير ،وكيف و�إلى متى بتوفر النية ال�صادقة للعطاء والم�شاركة
ي�ستمر هذا التدهور العاطفي واالجتماعي والإح�سا�س بالآخر ،والحر�ص على م�شاعره
واحترام تفا�صيل حياته التي ال تتقرر عن
مجتمعنا العربي تغلب
واالغ��ت��راب والتح�سر على زم��ن الب�ساطة
والمحبة والتعا�ضد الإن�ساني ،ال��ذي بد�أت طريق المادة التي يملكها ،بل كانت تتقرر عن عليه جمالية العادات
�آثاره الفتاكة تظهر في �أب�شع �صورها في هذا طريق ما يمكن تقديمه للآخر ،مع االحترام والتقاليد والأعراف
الزمن ،زمن (الكورونا) المخيف. لكفاءاته وو�ضعه المادي والمعنوي. الجميلة
من م�سرحياته
المنتديات الأدبية
ال�صالون الأدب��ي و�سيلة مهمة للقراءة تقوم فكرة ال�صالون�،أو المنتدى الأدبي،
والحوار بين الأدب��اء ،وانعقاد ال�صالونات على اجتماع مجموعة من الأدب ��اء ب�شكل
الأدبية تحت عنوان الإبداع ،يعني الكثير ،ال دوري ،قد يكون �أ�سبوعي ًا �أو �شهري ًا ،ح�سب ما
�سيما �أن الأدباء لديهم ر�سالة للمجتمع ،ولذلك ت�سمح لهم ظروفهم ،وتوظف هذه الجل�سات
ي�شكل الأدب��اء القا�سم الم�شترك بح�ضورهم، لمناق�شة ق�ضايا الأدب والحياة وتبادل الآراء
�سواء في ال�صالون الأدب��ي ب�شكله القديم، حول الق�ضايا المطروحة.
�سلوى عبا�س وال�صالون الأدبي المعا�صر� ،أما الإبداع فقد ويختلف الباحثون حول �أق��دم �صالون
كان ال�سمة الأ�سا�سية لل�صالون القديم ،بينما �أدب��ي في التاريخ ،تبع ًا لتحديد المفهوم
كان الثقافة والأدب ،لكن يبدو �أن لكل ع�صر في ال�صالون المعا�صر لم يبق الإب��داع هو وخ�صائ�صه ،الذي يحدده كل باحث ،فكان
معطياته الثقافية والفكرية التي تختلف الأ�سا�س في �إن�شاء ال�صالون ،بل �أخذ حالة (�سوق عكاظ)� ،إح��دى العالمات التاريخية
م��ن ع�صر لآخ���ر .وف��ي يومنا ه ��ذا ،تحول من (البري�ستيج) االجتماعي. ال��ب��ارزة في ه��ذا المجال ،وهناك من يرى
�شكل ال�صالون الأدبي وطبيعته� ،إذ ت�شكلت وت��ب��اي��ن��ت الآراء ح���ول ال��م��ن��ت��دي��ات �أن �صالون (عمرة) تلك المر�أة التي عرفت
�صالونات �أدبية افترا�ضية تعتمد على الف�ضاء وال�صالونات الأدب��ي��ة ،و�أهميتها كظاهرة بفكرها النير ور�أيها ال�سديد ،هذا ال�صالون
الرقمي والبرامج االجتماعية ،و(ال�سو�شيال اي��ج��اب��ي��ة و�����ض����رورة ح��ق��ي��ق��ي��ة ف���ي كل الذي يعود �إلى القرن الأول للهجرة ،بينما ر�أى
ميديا) ،مثل (الوات�ساب ،والفي�سبوك) وغرف زم��ان وم��ك��ان ،كانت ال��ظ��روف ال�سيا�سية بع�ضهم� ،أن �صالون (�سكينة بنت الح�سين)،
الدرد�شة المتنوعة ،يتم عبرها تداول الآراء واالج��ت��م��اع��ي��ة �سبب ًا رئي�سي ًا لظهورها، كان الأهم والأ�شهر في ع�صرها ،فكان لها
والأفكار غيابي ًا ،خ�صو�ص ًا في زمن الكورونا فكانت المتنف�س الحيوي الذي يثمر على مر دور ب��ارز في خلق حالة �إب��داع��ي��ة� ،ضمت
حد كثيراً من الفعاليات والن�شاطات، الذي ّ التاريخ �أدب ًا راقي ًا .وهناك ر�أي �آخر يرى �أن ع��دداً من رموز ال�شعر في تلك الفترة .وفي
فال�صالونات الأدب��ي��ة ظاهرة �صحية في ال�صالونات الأدبية ،ج��اءت كبديل معادل الع�صر الأندل�سي يتفق الباحثون على اعتبار
المناخ الم�ضطرب الذي �أفرزته الحروب بكل ل�ل�أ���س��واق الأدب��ي��ة العربية ،مثل (ع��ك��اظ، الم�س َتكفي)
�صالون ال�شاعرة (والدة بنت ُ
�ألوانها ،ويبقى الأدب الحاجة العليا التي والمربد) وغيرهما ،فهناك �صالونات ثقافية. والتي توفيت عام (1078م) �أهم �صالونات
ترتقي بالإن�سانية. وامتد دور الكاتبات في �إقامة �صالونات الأندل�س في ذلك الوقت ،وفي الع�صر الحديث
ت��ل��ك الملتقيات ال��خ��ارج��ة ع��ن �إط ��ار تحمل �أ�سماءهن ،وتوا�صل ه��ذا ال��دور �إلى ظهر �صالون (مي زيادة) التي عرفت ب�أدبها
الو�صاية الثقافية الر�سمية� ،أو �أي جهة �أيامنا هذه ،وال بد هنا من �إظهار دور المر�أة وثقافتها وحديثها وقوة حجتها� ،إذ كانت
�أخرى حاولت بجهود القائمين عليها �إي�صال ال��ري��ادي ،لما لها من ق��درة على االحتواء تناق�ش وتهتم بتحرير ال��م��ر�أة و�إعطائها
ر�سالة ثقافية ومجتمعيةُ ،تعنى بمفاهيم والقيام ب�أعباء كبيرة ،ويحدثنا تاريخ �أدبنا حقوقها ،وكان �صالونها ي�ضم �أبرز الأدباء
جديدة للإلقاء ،والتلقي بعيداً عن المنابر العربي عن ه��ذه ال�صالونات والمنتديات والمفكرين لعل �أهمهم :عبا�س محمود العقاد،
الكال�سيكية ،وا�ستقطاب طاقات �شابة جديدة ب�أ�صالة ور�سوخ ،عبر ح�ضور وم�شاركة كبار وطه ح�سين ،وعدد من كبار الأدباء .وهناك
في الو�سط الثقافي اليوم .وقد تفاءلنا بهذه الأدباء ورجال الفكر والتنوير كل في ع�صره، �أي�ض ًا عدد من ال�صالونات التي �أن�ش�أها �أدباء
الملتقيات انطالق ًا من فكرة �أن يكون هناك وا�ستمر الحال حتى التاريخ المعا�صر� ،إذ نجد رج��ال في م�صر ك�صالون (عبا�س محمود
ينظرون للثقافة بر�ؤية �صدى �آخر ل�شباب ّ مث ًال �صالونات ب�أ�سماء �سيدات �سوريات، العقاد و�أحمد �شوقي) ،و�صو ًال �إلى �صالون
مختلفة عن ال�سائد� ،إ�ضافة �إلى �أن ال�صوت كان لهن ح�ضورهن الأدب��ي والفكري عبر (الأه����رام الثقافي) ب � ��إدارة الأدي���ب جابر
الواحد ال يمكن �أن ينتج �إبداع ًا ،وال بد من ال�صالونات التي �أن�ش�أنها كـ (مريانا مرا�ش، ع�صفور وغيرها من ال�صالونات ،التي لعبت
تعدد الأ�صوات ،من هنا كان الت�شجيع� ،أن وماري عجمي ،ونازك العابد ،وحنان نجمة، دوراً مهم ًا في خدمة الأدب والفن في لبنان
يكون ثمة ملتقيات �أدبية ثقافية فاعلة في وغيرهن) من �سيدات ال�صالونات التي �شكلت و�سوريا والعراق وغيرها.
الحراك الثقافي امتد لي�شمل م�شاركات عربية ح�ضوراً �أدب��ي� ًا م��ازال ماث ًال في الوجدان،
عبر و�سائل التوا�صل،و لكن هذه الملتقيات ويمثل بو�صلة لنا ف��ي �سبر �أغ���وار الأدب
توقفت ولم ت�ستطع اال�ستمرار لأ�سباب عدة والثقافة على مر التاريخ. يختلف الباحثون حول
ربما �أهمها :عدم توافر التمويل المادي ،كون هذه ال�صالونات ب�شكلها التقليدي توقفت �أقدم �صالون �أدبي في
�أغلبها يعتمد على تمويل �شخ�صي من �أع�ضاء في �أواخر ت�سعينيات القرن الما�ضي ،لتن�ش�أ التاريخ �إال �أن �سوق
الملتقى ،وكذلك ع��دم و�ضع برنامج عمل ب ��د ًال منها �صالونات وملتقيات ثقافية
ينظم عمل هذه الملتقيات من قبل القائمين تختلف بطابعها العام عن ال�صالونات التي
(عكاظ) ي�أتي كعالمة
عليها. عرفناها عبر الزمن ولو �أن طابعها الأ�سا�سي بارزة في هذا ال�ش�أن
وال��ت��ج��دي��د واالل ��ت ��زام ب��ال��م��وروث ،وال��م��ع��ارك وحينما تقترن �صفة (الأكاديمية) بالنقد
المتعلقة بالمذاهب الأدب��ي��ة ،وت��أري��خ الأدب، الأدبي ،ف�إنها �ست�ضفي عليه �سمات مخ�صو�صة
وم�ستقبل الثقافة ،ومعركة الفن للفن �أو الفن مثل :العلمية ،والمنهجية ،والجدية ،والمتابعة
للمجتمع. المنظمة ،والتوثيق ،والت�أ�صيل ،والتخ�صي�ص في
وب��ن��اء على ذل ��ك ،ف ��إن��ه ال يمكن �إغ��ف��ال �إطار الم�ؤ�س�سة الجامعية .فـ(النقد الأكاديمي)
�أهمية النقد ال�صحافي في رفد النقد الأكاديمي يعتمد في الأ�سا�س على ا�ستثمار الح�صيلة النقدية
المتخ�ص�ص .فهذا النقد ال يقت�صر �إنتاجه على في ا�ستك�شاف ال�سمات الخا�صة للتطور الأدبي
ت�صدر النقد الم�شهد المثقفين الهواة من ال�صحافيين الموهوبين في مراحله المختلفة ،واالهتمام بق�ضية الن�ش�أة
الثقافي العربي فقط ،بل بمقدور الأكاديميين �أن يتعاملوا معه والتطور فيما يتعلق بالحركة الأدبية ،واالعتمادّ
من موقعهم في الم�ؤ�س�سات الأكاديمية ،فت�صبح العلمية ،ولغة التخ�ص�ص ّ الم�صطلحات على
في خم�سينيات ال�صفة للإنتاج ولي�س للكاتب .وبالتالي ينتفي والتوثيق والت�أ�صيل والتنظير ،ودرا�سة الظواهر
و�ستينيات القرن التق�سيم المفتعل بين الناقد ال�صحافي والناقد أدبية في الأجنا�س الأدبية المختلفة. ال ّ
الفائت الأكاديمي. وف��ي المقابل ارت��ب��ط (ال��ن��ق��د ال�صحافي)
يطلق بع�ض النقاد والدار�سين �أحكام ًا ت�صف بالتداول ال�سريع نتيجة الرتباطه بال�صحافة،
الراهن النقدي الأدبي في الوطن العربي ب�صفات التي تت�سم ب�سرعة االنت�شار .ل��ذا ف�إنه يت�سم
مثل�( :أزم��ة النقد الأدب��ي ،و�إ�شكالية الم�صطلح واالنطباعية ،وتغليب الجانب الذوقي
ّ بالب�ساطة
النقدي ،والبحث عن منهج نقدي جديد ،ونحو والتخ ّفف من �أعباء الم�صطلحات العلمية .ولي�س
بديل نقدي ،وق ��راءة جديدة للنقد ،والخطاب ذلك نقي�ض ًا للجدية بكل ت�أكيد.
النقدي الم�أزوم ،والتحديث النقدي المطلوب).. على ال�صعيد العالمي ،كانت ال�صحافة
وغير ذل��ك م��ن العناوين التي تعك�س �صورة حا�ضنة للنقد بكافة اتجاهاته منذ البداية،
الخطاب النقدي والتحديات التي تواجه الناقد وكانت الو�سيلة التي ي�صبح بوا�سطتها المذهب
نخبة من النقاد الأكاديمي ،ما يجعل المهتمين بالم�شهد الثقافي النقدي را�سخ ًا في �أو�ساط المثقفين والمخت�صين،
والأدبي يبحثون في حقيقة الإ�شكال وم�سبباته، وتحديداً المجالت المتخ�ص�صة .وق��د حر�ص
والمفكرين ت�سيدوا
لو�ضع �أيديهم على نقاط ال�ضعف وموا�ضع الأدباء وم�شاهير النقاد في العالم على �أن يطلوا
الموقف الأدبي الخلل ،للخروج من تلك الأزمة. ب�آرائهم ومذاهبهم عبر منابر �صحافية خا�صة
وقتذاك يذكر الناقد د.ج��اب��ر ع�صفور ف��ي كتابه بهم ،مثل :دانيال ديفو ،وهازلت ،وبلزاك ،و�سانت
(تحديات الناقد المعا�صر) �أربعة من التحديات بيف ،وهيجو ،وتين ،وبرونتير ،و�سارتر ،وت�.س.
التي تواجه الناقد العربي ب�شكل خا�ص ،وهي: �إليوت ..وغيرهم.
الن�صي ،والتحدي المنهجي ،والتحدي ّ التحدي �أما على الم�ستوى العربي؛ فقد كان للمجالت
االجتماعي وال�سيا�سي ،وال��ت��ح��دي الثقافي. الأدبية �ش�أن ال يقل �أهمية عن المجالت العالمية،
و�س�أ�سلط ال�ضوء في هذه المقالة على التحديين مثل :مجلة الم�ستقبل ،والمجلة الجديدة ،ومجلة
الأول والثاني. الر�سالة ،ومجلة الكتاب الم�صري التي كان
الن�صي (�إ�شكالية الم�صطلحات) ّ التحدي �أو ًال: ي�شرف على تحريرها عميد الأدب العربي طه
يتعلق هذا التحدي بالن�ص الأدبي الذي هو ح�سين .فمن خالل تلك المجالت وغيرها ،ظهر
تيار النقد العربي الحديث ودرا���س��ات الأدب
المقارن ،ككتابات :لوي�س عو�ض ،ور�شاد ر�شدي،
وعبدالرحمن ب��دوي ،كما كتب فيها العديد من
النقاد والأدباء.
والمت�صفح لكتاب (المعارك الأدبية) لأنور
الجندي يدرك حجم الدور الذي قامت به ال�صحافة
في خدمة النقد الأدبي وق�ضايا الثقافة العربية
ومعطياتها ،والدالة على ن�شاط الحركة النقدية
�آنذاك ،على �أيدي كبار النقاد العرب� ،أمثال :طه
ح�سين ،والعقاد ،وزكي مبارك ،و�شكيب �أر�سالن،
و�أحمد �أمين ،و�أمين الخولي ،والرافعي ،وغيرهم..
محا�ضرة جامعية ومن تلك الق�ضايا :ق�ضية ال�شكل والم�ضمون،
عبدالقادر القط �إح�سان عبا�س ت� .أ�س .اليوت جابر ع�صفور محمد مندور
ف��ي ت�أ�سي�س النظريات المنهجية و�أ�صولها الإبداعي .وال يعني ذلك �أن ُي�صرف النظر عن
المعرفية ومعاييرها و�أدواتها ،وهي �ضرورية المنجزات المنهجية للنقد الغربي ،بل يجب
في ت�أ�سي�س المعرفة الأولى لدى المتخ�ص�ص� ،إال �أن تتم م�ساءلتها ،واال�ستفادة مما يتوافق مع
�أن المو�ضوع ،قد يقف عنده في بع�ض الأحيان الثقافة العربية وهويتها.
في كلياتنا وجامعاتنا دون الممار�سة التطبيقية ثالث ًا( :النقد الأكاديمي والمبدع /القارئ)
الحكم على الأعمال لتلك النظريات ،فيغلب الجانب النظري على تحد في غاية الأهمية يواجه النقد هناك ٍّ
الأدبية بمقدار ما الجانب التطبيقي الذي يم ّكن الطالب من مواجهة الأكاديمي ،وربما �أع��اق ر�سالته المعرفية من
في �صياغتها من فن الن�ص واختباره في مراحل ت�أ�سي�سه النقدي. الهوة
ّ الو�صول بال�شكل المطلوب ،وه��و تلك
�صحيح �أن تر�سيخ المفاهيم والم�صطلحات التي تف�صل بينه وبين الكاتب �أو القارئ غير
وم�ضمون العلمية والنظريات الأدبية ،مهم جداً في ت�أ�سي�س المتخ�ص�ص ،فتجعله بعيداً عن الك ّتاب و�أ�صحاب
المعارف النقدية بالن�سبة �إلى الناقد والباحث الإب��داع ،حبي�س ًا على رفوف المكتبات و�أغلفة
الجامعي ،لكنها تبقى قا�صرة� ،إن لم تقترن الر�سائل الجامعية .وتخلق حاجزاً بينه وبين
بالتطبيق العملي على الن�صو�ص ومواجهتها ال��ق��ارئ العربي ف��ي تلقيه للنقد الأك��ادي��م��ي.
وم�ساءلتها� ،سواء القديمة منها �أم الحديثة قد تكمن هذه الإ�شكالية في الطبيعة اللغوية
والمعا�صرة. للخطاب النقدي المعا�صر ،ال��ذي ُي�ؤخذ عليه
خام�س ًا( :النقد الأكاديمي والإنتاج الإبداعي �أحيان ًا ب�أنه مثقل بالم�صطلحات والمفاهيم،
المتزايد) ما يجعل المتلقين من غير المخت�صين يتهمونه
يت�سم النقد ال تخفى على الجميع ظ��اه��رة الإن��ت��اج بالغمو�ض ،والمنهجية ال�صارمة.
ال�صحافي ب�سرعة الأدبي المت�سارع هذه الأيام ،في ظل الت�سهيالت وكردة فعل لذلك ،وجدنا بع�ض القراء ،ال�شباب
المقدمة للك ّتاب في الن�شر ،وطباعة الكتب ،ودعم منهم خا�صة ،ي�ستحدث نوع ًا جديداً من الخطاب
االنت�شار واالتكاء الإنتاجات الجديدة .وهذا الأم��ر له �إيجابياته النقدي� ،أطلق عليه ا�سم (النقد االفترا�ضي) ،وهو
على الجانب الذوقي و�سلبياته في الآن نف�سه .وال�شك �أن متابعة كل (تيار نقدي يمار�س نقداً من نوع مختلف ،عبر
واالنطباعي ما ي�صدر وينتج في ال�ساحة الأدبية� ،أمر ي�شكل من�صات افترا�ضية �أنجبتها الثورة الهائلة في
تحدي ًا للنقد الأكاديمي ،ال��ذي تتطلب طبيعته يعرفه محمد مجال االت�صاالت والتقنية) ،كما ّ
العلمية والجدية والمتابعة المنظمة ،والتوثيق، المرزوقي ،في كتابه (هكذا تك ّلم القارئ).
والتي ت�ستوجب �أن يكون الناقد الأكاديمي راب��ع�� ًا( :ال��ن��ق��د الأك��ادي��م��ي بين النظرية
مت�أني ًا في خطاه ،متفح�ص ًا بدقة لما يتناوله والتطبيق)
ويحلله ،ويدر�سه بروية ووقت �أطول مما يتطلبه �إن النقد ،كما هو معروف ،ذو م�ستويين:
النقد ال�صحافي. نظري وتطبيقي ،وقد كان للنقد النظري� ،أثره
نجيب محفوظ
و�إ�شكالية النقد ال�سينمائي
د� .أمل الجمل
وبرغم و�صفه لفيلم «بداية ونهاية» رواياته لل�سينما ،و�إعالنه م��راراً وتكراراً ُ(ي�ؤ�سفني �أن �أق��ول �إنه لي�س للنقد �أي
ب�أنه «فيلم ممتاز ،قال كل ما �أردته» ،لكنه بعدم تحمله م�س�ؤولية العمل ال�سينمائي وزن في عالم ال�سينما ،و�أنا �أتذكر الأفالم
ينفي �أن تكون نهاية الفيلم ُمطابقة لنهاية ورف�ض تقييمه �أو �إدانته ،م�ؤكدا �أنه م�س�ؤول التي روج لها النقد ،حتى بلغ الترويج
ال��رواي��ة ،لأن ح�سنين بالرواية لم ينتحر فقط عن الن�ص الأدبي ،بل و�إ�شادته ب�أغلب عنان ال�سماء ،وكانت هذه الأفالم تغو�ص
ليلحق ب�أخته نفي�سة ،و�إنما كان انتحاره هذه الأعمال الفيلمية. ف��ي ال�سقوط� ،أو هجوم النقاد الوح�شي
نف�سي ًا ،و�أخالقي ًا. �إال �أننا ُندرك -بو�ضوح -عدم ر�ضاه على �أفالم �أحبها الجمهور ،ويندر �أن يتفق
ثم ُيبرر نهاية «ال�سمان والخريف» ب�أنها عنها ،واخ��ت�لاف��ه م��ع �صناعها� ،أو على النقاد مع الجمهور ..هناك انف�صال تام بين
�أعجبت النا�س ،فحين ي�س�أله ال�صحافي: الأقل تحفظه على التغيرات التي �أجروها االثنين ،حتى �إن الجمهور يرتاب في الفيلم
«رجوع الأم وابنها �إلى عي�سى الدباغ ،رغم للن�ص الأدبي؛ فمث ًال ُيعبر عن �صدمته بعد الذي ُيثني عليه النقاد �أو ي�شنون هجومهم
�أن النهاية بالكتاب هي انتماء الدباغ �إلى م�شاهدة فيلم «زقاق المدق» ،لأنه كان قد عليه ..والنقاد لدينا ثالثة �أن ��واع ..فريق
عالم ال�ضياع بعد �أن نبذه المجتمع� .إن هذه قر�أ ال�سيناريو و�أعجبه ،م�ؤكداً �أن« :الفيلم لي�س على م�ستوى النقد ..وفريق ال يترفق
النهاية ال�سعيدة �أفقدت الق�صة الأ�سا�سية �أخذ من الرواية �شخ�صية حميدة فقط ،وكان بالجمهور في تعبيراته ..وفريق ثالث ي�سب
ذل��ك الم�ضمون ال��ذي �أردت ��ه �أن��ت ككاتب من الأف�ضل �أن يقول ُ�صناعه �إنه مقتب�س �أف�لام الجمهور المف�ضلة ..وكل هذا جعل
روائ��ي» ،فيرد نجيب محفوظ« :الجمهور ع��ن» ،فكلمة «ع��ن» كانت �ست�صد الهجوم النقد في طريق والجمهور في طريق ..وحتى
ا�ستريح لنهاية الفيلم ،لأن��ه جمهور لم على الفيلم. يكون لدينا نقد �سليم ،فنحن في انتظاره
يقر�أ الكتاب ،والنا�س لو كانت خرجت من �أما الجزء الأول من الثالثية ،الذي حقق كما انتظر بطل بيكيت «جودو»).
ال�سينما ،دون �أن ترجع الأم وابنتها� ،إلى نجاح ًا جماهيري ًا كبيراً ،فيقول عنه نجيب الكلمات ال�سابقة من�سوبة ل�ل�أدي��ب
عي�سى الدباغ كانت زعلت وح�ست ب�إح�سا�س محفوظ («بين الق�صرين» �أُ�سميه فيلم ًا الم�صري نجيب محفوظ ،فهل حق ًا اقت�صر
مو�ش كوي�س». ناجح ًا .فيه من الكتاب مواقف و�أفكار الأمر� ،آنذاك ،على تلك الأنواع الثالثة التي
الالفت �أن نجيب محفوظ كان يتحدث ال ُتنكر ،لكن لي�س فيه تعادل بين نجاحه �أ���ش��ار �إليها �أدي��ب نوبل؟ وه��ل حق ًا كان
بذكاء وحر�ص بالغ ،ربما لئال ُيورط نف�سه الجماهيري ونجاحه الفني ،لأن الفيلم لم وجود «النقد ال�سينمائي ال�سليم» حينها مثل
ف��ي م�شاكل وم��ع��ارك بينه وبين ُ�صناع يعك�س كل ما �أردت �أن �أق��ول ،بينما فيلم ال�سراب؟! �أو �أ�شبه «بانتظار جودو»؟! و ُترى
هذه الأف�لام ،فكان ُيغلق باب النقا�ش مع «الطريق» فيه مالمح من الرواية ،ولي�س كل ماذا كان يق�صد بم�صطلح «النقد ال�سليم»؟!
البع�ض ب�أ�سلوب مهذب دم��ث .ورغ��م ذلك ما في الرواية ..وال �أوافق على الإ�ضافات. يبدو ل��ي الحكم ال�سابق مثيراً للده�شة،
يمكن معرفة ر�أيه في الأعمال ال�سينمائية لكن «الل�ص والكالب» فيلم جيد ج��داً ..ما لق�سوته� ،إذ لم ي�ستثني نجيب محفوظ �أحداً،
المقتب�سة عن روايته من خالل حكم �آخر �أهمل التعبير عنه في الكتاب يعتبر في ولتناق�ضه مع �آراء �سابقة والحقة تخ�ص
يقول�« :شاهدت الجريمة والعقاب ،والأخوة نظري �ضرورة �أوافق عليها). ال�سينما والنقد ،وبع�ضها يتعلق بتحويل
كذلك بحوار ثالث مع عبدالفتاح الفي�شاوي ك��رام��ازوف ،وم��دام بوفاري ،والأف�لام كانت
عام (١٩٦٦م) يعترف قائ ًال( :كنت �أتوق للهرب جيدة في ذات��ه��ا ..لكنها ال ُتقا�س بحال من
من الكتابة لل�سينما �إلى الكتابة الروائية ..لأنها الأح ��وال بالأ�صل نف�سه ..ر�أي��ي �أن الفيلم ال
الأحكام النقدية في ذلك الوقت -يق�صد �أثناء ممار�سة الكتابة يرتفع �إلى م�ستوى الكتاب �إال �إذا كان الكتاب
لنجيب محفوظ لم لل�سينما منذ ( ١٩٤٦وحتى ١٩٥٩م) -لم تكن عادي ًا .ولي�س من كتب القمم ،ذلك �أن الأعمال
ت�ستثن �أحداً حول
ِ تمنح الكاتب حريته ،وال ت�ؤكد كرامته ،ولما الأدبية القيمة يغلب عليها العمق وال�شمول،
عانيته من المنتج الذي يفر�ض الأفكار الفجة، وفيها فكر وفل�سفة ،ونقد جدي للحياة ،و�إذا
تحويل رواياته والم�شاهد المبتذلة ..ولما عانيته من البطلة، حمل فيلم بكافة هذه القيم ،ثقل على الجمهور،
لل�سينما التي كانت ُت�صر على �أن يكون دورها ح�سب لدرجة تطيح به ،ولم تنجح تجربة واحدة في
هواها). ال�سينما بهذا ال�شكل حتى الآن.»..
ثم ،يلتم�س العذر �أحيان ًا للنقاد ،فيبرر لماذا �أده�شني �أي�ض ًا الحكم الذي �أ�صدره
هجومهم على الأفالم المقتب�سة من رواياته، محفوظ على النقاد؟ لأن مقا ًال مهم ًا وبليغ ًا
�إذ يقول في حواره مع مفيد فوزي( :الم�شكلة له بعنوان «هل ق�ضت ال�سينما على الم�سرح»..
كانت له تحفظات �إن النا�س ت��روح تتفرج على فيلم مكتوب يقول فيه �إن (ال�سينما ُخلقت في �أح�ضان
�أو�ضحت عدم عليه ق�صة نجيب محفوظ ،م��ع �إن��ه ممكن الت�سلية بينما خلق الم�سرح ف��ي �أح�ضان
يتقال «عن ق�صة نجيب محفوظ» وهذا مباح المعابد ..وخ�ضوع ال�سينما دائم ًا للجمهور
ر�ضاه مع مخرجيها و�شرعي ،ده يح�صل في �أوروبا ..الفيلم يمكن يجعلها ت�ضحي بالفن ف��ي �سبيل النجاح.
ومنتجيها و�ص ّناعها ا�سمه «الزوبعة ال�سوداء» ،وم�أخوذ عن رواية تاريخي ًا الم�سرح �أع ��رق م��ن ال�سينما ،لكن
ا�سمها «البحر الهائج» ..فالناقد معذور.. �إغ��راق ال�سينما بالأفالم �صرف الجمهور عن
طبعا المخرج بيقول� :أنا حاديك كتاب فالن.. الم�سرح الذي هو بطبعه جمهور محدود مقارنة
تروح ت�شوف الفيلم ما تلقهو�ش كتاب فالن، بجمهور ال�سينما� .أي�ض ًا راعت ال�سينما المبادئ
والمخرج هنا غلطان ،لأنه المفرو�ض� ،أنه قر�أ الأ�سا�سية في نجاح الم�سرح فلج�أت �إلى �ألوان
ر�أى الفرق بين كتاب فالن ،وبعدين اجتهد اجتهاداً خا�ص ًا من الميلودراما ،ولج�ؤوا للم�سرحيات الغنائية
ال�سينما والم�سرح في التعبير عنه� ،أن��ا هنا كناقد� ،أحا�سبه والراق�صة ،و�أ�صبح الرق�ص �سمة �أ�سا�سية
في �أن الأولى وجدت على اجتهاده� .أيوه المخرج هنا م�ؤلف جديد في نجاح ال�سينما ،وحر�ص المنتجون على
خ َّالق .يعني باخت�صار كلمة «عن» ت�صد عن اال�ستعانة ب�أ�شهر الراق�صات ل�ضمان �إنتاجهم
في �أح�ضان الت�سلية، المخرج بالوي كثيرة). ال�سينمائي).
بينما الم�سرح في �إذاً ،نجيب محفوظ الأدي����ب الم�صري �إ�ضافة �إل��ى ر�أي �آخ��ر يقدم فيه محفوظ
�أح�ضان المعابد الحائز نوبل -ال��ذي و�صفه �صالح جاهين مالحظاته النقدية على الحوار ال�سينمائي
ب�أنه�« :ضمير م�صر ..ووجدانها» �َ -ش َّخ�ص قائ ًال�( :أعلن بال مواربة �أن الحوار بهذه الأفالم
بو�ضوح بع�ض جوانب �أزم��ة ال�سينما بم�صر، الم�صرية لي�س �سينمائي ًا .هناك حقيقة تقول �إن
بانتقاده للفن ال�سينمائي ع��ام (١٩٥٩م)، الحوار �شيء ..والكالم �شيء �آخر ..الحوار ال بد
وحتى منت�صف ال�ستينيات ،لكنه يعود فينتقد �أن يكون ُمركزاً ..يقوم بوظيفة درامية محددة،
بذكاء حر�ص على �أن بق�سوة �أحكام و�آراء النقاد ب�ش�أن الأف�لام في الكلمة في الحوار ُتو�ضع في الفيلم ،حيث تعجز
ال�سبعينيات ،فهل حدثت طفرة �سينمائية في جميع الو�سائل ال�سينمائية عن التعبير� ..أما
يحافظ على الم�سافة ذلك العقد ،جعلت �أديبنا ُيبدل ر�أي��ه وينحاز ح��وار �أفالمنا �أو معظمه ،فهو (رغ��ي رغ��ي)..
بينه وبين �صناع لل�سينما والجمهور �ضد النقاد؟! هل النقد ده �ساعات تلقى فيه حوار عل�شان يهربوا من
�أفالمه فكان نقده ال�سينمائي خالل ذلك العقد كان يمر ب�أزمة المناظر �أو اال�ستعانة بالكاميرا ..عجز طبع ًا.
حقيقية؟ �أم �أن��ه التحيز الإيديولوجي وعدم �أم��ا نقطة �ضعف ال�سينما الم�صرية فتتمثل
مهذب ًا التفريق بين الفن وال�سيا�سة؟! ت�سا�ؤالت تحتاج في افتقادها للم�ؤلف ال�سينمائي ،الذي يكتب
�إلى درا�سات عديدة لتقديم �إجابات �شافية. الق�صة ال�سينمائية الخال�صة لل�سينما).
«�إيلينا فيرانتي»
مازالت تختبئ وراء ا�سمها الم�ستعار
�سببي ًا ،متالزمين، ّ مقترنين اقتران ًا ع ّلي ًا ناحية �أخرى؟ ما هي عالقته بــ(�أيب�ستيمي) لي�س ث� ّ�م��ة ك ��الإب ��داع ،ك��ال��ف� ّ�ن ،مثار
ال غنى ل�ل� ّأول عن الثاني وال للثاني عن بالمتقبلّ الحداثة و�أ�سئلتها؟ ما هي عالقته للجدل وال ّتباين في المقاربات لمفهومه
والكونية، ّ الخ�صو�صية
ّ ال ّأول ،نق�صد تغيرّ دة متجد
ّ ال�شعر� ،أ�سئلة
(الجديد)؟ �أ�سئلة ّ تكونه وم�سارب دالالته وبنيته وهيئات ّ
الخ�صو�صية تح ّتمها ال�ضرور ُة ّ ق�ضايا �إهابها وتراوح بين القدامة والحداثة ،وهي الفن،
ثمة كال�شعر ،في ّ ومقا�صده ،ولي�س ّ
أ�صل الأ�شياء و�إكراهات الواقع وال ّتاريخ و� ُ الوجود ف ّن ًا و�إبداع ًا
ُ يتع�سر بها
م�شكلة �أخرى ّ بتغير
وتغير الفهم ّ ّ الر�ؤى مجال الختالف ّ
مقوالتُ حددها الح�ضاريُ ،ت ّ ّ والمح�ضن ومجتمع ًا وتفكيراً ،بما ُتثيره من ردود �آلة الفهم وال ّت�شريح؛ � ّأي �آلة ال ّنقد ،بدءاً من
والوجودي.
ّ الثقافي ثقلها ل
االنتماءّ ،
بك ردد لمقوالتها� ،إلى مت� ّأمل ومواقف ،من ُم ِّ ال�شعر قديم ًا بالكيمياء ،كناية عن ت�شبيه ّ
الكونية فتح ّتمها منزل ُة ّ � ّأم���ا ق�ضايا إحداثياتها ،ناقد لم�آزقها ،مف ّكك لبنيتها ّ في � وتنوع ّ ماهيته وخفاء م�صادره ّ (زئبقية)
ّ
الإن�سان و�آفاق المبدع والواقع المفرو�ض، مفرق بين حداثة و�أخرى ،م�ؤمن و�إبداالتهاّ ، ُممكناته واخ��ت�لاف ينابيعه وملهماته،
�ادي ��ة وك��ون ف��ي ح��ي��اة اج��ت��م��اع� ّ�ي��ة وم � ّ ب�أ ّننا �إزاء (حداثات) ،و�صو ًال �إلى َم ْن و َقع ال�سعي المحموم �إلى م��روراً بك ّل مراحل ّ
قيمي محكوم بمنجزات الحداثة ّ إبداعي
ّ � في الوهم ،وهم الحداثة ،انتهاء بمن ي�ؤمن (ع ْل َم َن ِته) ،لم يت� ّأت ذلك ولن يت�أ ّتى ،فقد َ
تنم َط العا َل ُم بفعل العولمة ومقوالتهاّ ، أدق� ،أ ّنها هي ب� ّأن الحداثة في مفهومها ال ّ ارتدت كثير من المحاوالت على �أعقابها، ّ
الجغرافيات ،حتى ّ الحدود وغامت ُ وزالت ت�ضايف للأ�شكال ٌ حداثة االختالف ،هي دوارة ،هي ّ ّ ةٌ كوني ةٌ ا�ستعار هنّ �
أ ب ت أقر
ف� ّ
�أ���ص��ب��ح ق��ري��ة �صغيرة واح���دة ،اختلطت وتحاورها ،عالم ًة على ُ وتجاورها ُ والر�ؤى
ّ ال�سبيل �إل��ى الإع�لان عن الوجود بما هو ّ
ال�سلوكات ،وتماثلت القيم وت�شابهت ّ فيها ّ الحياة والحركة ،بعيداً عن �أيديولوجيا موجود ،عن عالم ال � ّذات حميم ًا مده�ش ًا،
مزية وطرائق الكتابة ،ف��إذا الر ّ العوالم ّ الحداثة بوجهها (الما�سخ)� ،أو بوجهها لل ّتعبير عن حالة �أو موقف �أو �أطروحة �أو
�سحرها َ بالعولمة ِم ْ�س َط َر ًة لل ّتنميط تمار�س الآخر (ال ّنا�سخ) .هكذا ينت�صب ال�س�ؤال �سبي ًال فكر ،رموزه ت�ساعد على التج ّلي من ناحية،
الخ�صو�صيات
ُ ون��ف��و َذه��ا ،حتى ت��ه� ّ�ددت الن�ص ،وفهم ماهيته وطرائق ّ �إلى (تع ّقل) وعلى االحتجاب والتك ُّت ِم من ناحية ثانية،
خييلية لل ّأمم. ّ ت
الثقافية والإبداعية وال ّ التكوينية و(مباهجه) ّ ولبناته ت�شكيله ويغلق ،م�شدوداً �إل��ى وجهين: ب��اب ُيفتح ُ
العربي
ّ بين هذين القطبين يعي�ش ال�شعر العملية .وهوّ المادية
ّ خييلية ومعيقاته ّ ال ّت أحدهما على (النافع) ،و(الجميل)ُ ،يغ َّل ُب � ُ
م�أزق ًا بل م�آزق .كيف له �أن يحافظ على �سوغ لنا ت�صنيف هذه الأ�سئلة وتنميطها ما ّ الآخ��ر ،في ت��راوح عجيب ،كثيراً ما يرتبط
(هويته) وهي ن�سغ وجوده؟ كيف يح�ضن ّ ع ّلها تكون (مفاتيح) لل ّناقد من ناحية، الح�ضاري.
ّ وبال�سياق ّ رفية التاريخية بالظ ّ ّ
م�شاغل مجتمعه والعقل الذي �إليه ينتمي، وللمبدع من ناحية �أخ��رى ،خم�سة �أ�سئلة أه����م �أ���س��ئ��ل��ة ال�شعر ال��ي��وم؟ ّ � �ي � ه �ا � م
في ك ّل الميادين ،من جهة؟ وكيف يرتقي نقترحها ،خم�سة مفاتيح: والمعرفية
ّ �ة� �ي
ّ � �دان� �وج � ال م��ا ه��ي وظائفه
�إل ��ى مرتبة ال��ك��ون� ّ�ي��ة بكل �إح��داث� ّ�ي��ات��ه��ا إ�شكالية
ّ الكونية ..تنت�صب هذه ال ّ �س�ؤال يكولوجية؟ ما هي ّ وال�س
ّ و�سيولوجية
ّ وال�س
ّ
إيجابياتها؟ بك ّل وعودها ّ وتط ّلعاتها و� ئي�سية عموم ًا ،م�شدودة �إلى طرفي جذب، الر ّ ّ حجر من ّ ت
ّ وبال ناحية، من بالمرونة عالقته
ال�شعر ،ف ّن ًا و�إنتاج ًا �شك � ّأن ّ �س�ؤال ال َّن ْ�شرِ ..ال ّ و(ادعاتها) من جهة ثانية؟ �أين تظهر معالم ّ
وجد متعالي ًا ُع ْف ًال دون و�صناعة ،ال يمكن �أن ُي َ (الكونية) ،في الأ�شكال �أم في ال ّتقنيات �أم ّ
بالمتقبل ،دون ّ م�شروط في وجوده ٌ تقبل .هو ّ الح�ضارية� ،أم فيها ّ والهموم الق�ضايا في
�أ�سئلة ال�شعر تظل م�شروعية الوجود، ّ يكت�سب به موقفه، اعتبار ال�سبيل �إلى (�أق��وم الم�سالك)، ّ كيف ؟ ا ً جميع
المنطقي
ّ كثير من ال�شعراء ارتباطهم و�إن رف�ض ٌ كيف يمكن ال ّتوفيق دون الوقوع في ال ّتلفيق،
ملحة تطرح �إ�شكالية فاوت بين الح�ضارات
عملية ال ّن�شر وال ّترويج، بهّ � ،أي هو في حاجة �إلى ّ في ع�صر مازال فيه ال ّت ُ
الجدل والتباين لأنه كك ّل منتوج .فما هو َدور ُدور ال ّن�شر وال ّتوزيع؟ والثقافات ،برغم وع��ود العولمة وتهليلها
فن و�إبداع ما هي منجزاتها وتجديداتها لتي�سير �إقبال للندية والعدالة المزعومتين؟ هل يتم ّكن ّ
ال�شعر، المتلقي /قارئ الكتاب على �شراء ُك ُت ِب ّ ّ العربية ،في ك ّل ّ اللغة ة ثم
ّ ومن العربي عر ال�ش
ّ
باعتبارها �سلع ًة ت َتداول � ّأو ًال ،وباعتبارها مزي ،من تحقيق ّ ّ الر إنتاجهما � و تمظهراتهما
إن�سانية ال يخبو بري ُقها وال ّ فني ًا وتعبيرة � حق ًال ّ ثنائيات ّ ل ّ � ظ ه��ذه ال� ّ�ره��ان��ات الكبرى ،ف��ي
أهمي ُتها للفرد والمجموعة ،بل للكائن تت�ضاءل ّ
� أهمها :االختالف وال ّتماثل� ،أو العالقة بين � ّ
الن�صّ ب�صفة �أع� ّ�م .لماذا العزوف ،على ن�شر الكوني؟
ّ الخا�ص والم�شترك ّ
تتمحور هذه الأ�سئلة عري؟ لماذا يلج�أ ال�شعراء �إلى ال ّن�شر في ال�ش ّ ّ ال�شعر ،يوم ًا، النوعي ..لم يكن ّ ّ قاء نّ ال ؤال س� �
م�صداقيتهاّ و�سائل ال ّتوا�صل الحديثة؟ ما مدى لغوي ًا ملغزاً �سليل الثقافة ،التي ن�ص ًا ّ باعتباره ّ
حول ما هي وظائفه للن�ص وفي قراءة المعرفية ،جن�س ًا وحقولها لبناتها تفرزه بك ّل
المتقبل ّ ّ أهليتها) في تقييم و(� ّ ّ
الوجدانية المعرفية قنية؟الفنية وال ّت ّ المخت�ص ومقاربته ّ ّ المتلقي
ّ مما قد ُيخالطه من (نقي ًا)� ،أو جن�س ًا خال�ص ًاّ ، ّ
وعالقته بالحداثة ما هي الإكراهات وفيم تتم ّثل الحلول؟ فن. (�أجنا�س) �أو فنون �أخ��رى .كذلك َق� َ�د ُر ك ّل ّ
���س ��ؤال ال ّترجمة ..منذ القديم ،وف��ي ك ّل فن ال يتخالط �أو يترا�شح بالفنون الأخرى. فال ّ
والمتق ّبل الجديد
ُ ال�شعر جمل ًة �سم الر ي�ستدعي لها، �د � ح ال ال�شعر ) (�أخ�ل�اطُ
الثقافات ،طرحت م�شكل ُة ترجمة ّ ّ َ ّ
الن�ص بع�ضها ب�إتقان لغة ّ من الإ�شكاالت ،يتع ّلق ُ والق�ص والعمار َة والمو�سيقا وغيرها �إلى َّ
بع�ضها الآخر �إلى المترجم �إليها ،ويعود ُ َ وال ّلغة ويكو ُن ّ وتترا�شح
ُ فتنت�سج
ُ ين�سجها مح�ضنه،
ال ّتباين بين العالمين (�أنثروبولوجي ًا) ،بك ّل يغيم
ُ ) ا
ً ع (جم
ْ ً ا �د
� واح ن�ص ًا من�سجم ًا المختلف ّ ُ
الطبيعة والمعتقدات معاني االختالف ،في ّ ك�شف �أ�سرار ُ وي�ستع�صي ناته مكو
�سداه و َ ُ ّ
ِين ب ت ُ
من �أهمها �س�ؤال وط��رائ��ق العي�ش و�آف���اق ال ّتفكير وال ّتخييل عجيب ٍ �إن�شائه ،يعلن عن نف�سه ،على نح ٍو
الكونية والنقاء وال ّتعبير ،يعود �إلى اال�ستعارات التي يحيا بها أهليته وكفاءته ويوهم ب�أ ّنه هو فقط .فما هي � ّ
أهم من ك ّل ذلك جميع ًا ،هو الإن�سان .ولع ّل ال ّ ثمة ما رد االختالف �إلى االئتالف؟ وهل ّ في ّ
النوعي والتحوالت الن�ص الملغز هذا بطبيعة الإ�شكال المرتبط يجمع بين الفنون؟
ّ
والن�شر والترجمة الم�ستع�صي ،ال ُت ْه َت ُك �أ�سراره وال ُت َف ُّك �شيفرا ُته التطورات ّ �س�ؤال ال��ت��ح� ّ�والت ..لقد �أث��ارت
مما يجعل �إ ّال بمح�ض ال��ت �� ُّأول واالج��ت��ه��ادّ ، العربي
ّ والم�ضمونية ،التي عا�شها ال�شعر ّ الفنية
ّ
فردي ًا ال يعدو ّ ال ّترجمة (محاول ًة) بل جهداً نقدية متباينة ،ال ّ مواقف الع�صور �ر
على ّ
� م
�أن يكون �إ ّال واح��داً من بين ترجمات �أخرى أيب�ستيمي ،الذي ّ ل ا ر بالتطو
ّ مرتبطة ها �شك �أ ّن ّ
الن�ص، ّ فيتحول
ّ ممكنةّ � ،أي ت�أويالت �أخ��رى. ت�شهدها منظوم ُة المعرفة ،عند العرب وعند
حرفية �إلى قراءة ّ الذي ال مكان فيه لترجمة غيرهم ،م�شدودة �إلى البيئة التي يتخ ّلق فيها
تكمن �إ�شكالية هذه ومقاربة .وك ّل قراءة �أو مقاربة قد تكون َم ْدعا ًة ال�شعري ،لك ّنها مدقوق ٌة في ال ّذاكرة ّ الن�ص
ّ
الأ�سئلة في �أنها (الن�سبية) ،وهو مبد�أ قد ي� ّؤدي ّ �إلى القول بمبد�أ الجمعية ونمو َذجِ ها ال ْأو َف��ى ،مرتبطة بالجدل ّ
ي�سه. ي�سه �أو َت ْق ِد ِ الن�ص المترجمَ ،ت ْب ِخ ِ �إلى تغيير ّ بين م��ق��والت ال��ح��داث��ة وم��ق��والت ال��ق��دام��ة،
متجددة تغ ِّير �إهابها
ال�شعر؟ وكيف أهم العقبات في ترجمة ّ فما هي � ّ ففيم تتم ّثل هذه والعالقة بين (الأنا والآخر)َ .
وتراوح بين القدامة ال�صيغ و�أقربها �إلى مناخ ال�سبيل �إلى �أف�ضل ّ ّ ال��ت��ح� ّ�والت؟ وم��ا ه��ي م�ستوياتها؟ وم��ا هي
والحداثة أ�صلي؟ وهل ما يترجمه العرب من ّ ل ا الن�ص
ّ �أه� ّ�م مراحل �سيرورتها؟ وكيف نحكم لها �أو
عملية ال ّترجمة تبقى ّ �اف؟ �أم � ّأن �شعرهم ك� ٍ فتتغير ّ غير �إهابه ك ّل هنيهة، عليها في عالم ُي ّ
مولع �أبداً ٌ (المغلوب
ُ الخلدونية:
ّ أ�سير َة المقول ِة � َ وق َيم ُه وتتغير من َث َّم رهانا ُت ُه ِ ّ و�سائل تعبيره ُ
باالقتداء بالغالب)؟ الجمالية؟
ّ
تقع في �أربعة وع�شرين مجلداً ،و�أما الثالث فهو والدكتور طه محمود طه ال��ذي عرفته عن
جيم�س جوي�س ال��ذي �أخ��رج مجموعة ق�ص�ص قرب في �أواخ��ر ال�سبعينيات من القرن الفائت
ت�سمى (�أه ��ل دب��ل��ن) �أو (الدبلنيون) – ح�سب من مواليد ع����ام(1929م) ،وق��د رح��ل عنا في
�أهم عمل في حياته الترجمة – ثم هذه الرواية ( )Ulyssesالتي عام (2002م) ،كان �أ�ستاذاً للأدب الإنجليزي
اختار �أن يترجمها طه محمود طه �إلى العربية: في جامعة عين �شم�س بالقاهرة ،وح�صل منها
كتابه (الرواية (عولي�س).. على درجة الماج�ستير ،ثم �أتيحت له فر�صة ال�سفر
الإنجليزية من و�أهمية جيم�س جوي�س الأدبية يعرفها جيداً في بعثة �إلى �أيرلندا ،فق�صد (دبلن) لجمع مادة
بيولف �إلى �ألدو�س َم ْن يدر�سون النقد الأدبي والأدب الحديث ،فهو ر�سالته عن الأديب �ألدو�س هك�سلي ،وعاد منها
هك�سلي) الذي و�ضع حجر الأ�سا�س لما يطلق عليه (الرواية لم�صر عام (1961م) للعمل في جامعته ،لكنه
الحديثة) ،وهي الرواية التي ا�ستغنت تمام ًا عن ترك الخدمة في عام (1966م) للتفرغ للترجمة،
ت�صوير العالم الخارجي لل�شخ�صيات وا�ستبدلته وبعد ذلك �سافر للعمل في جامعة الكويت و�أم�ضى
بما ُيعرف بالعالم الداخلي لها .ويرى البع�ض �أن فيها ثمانية ع�شر عام ًا� ،أتاحت له فر�صة �إنجاز
هذا حدث ب�سبب م�ؤثرات كثيرة من بينها ظهور �أهم عمل في حياته ،وهو ترجمة رواية (عولي�س)
نظريات فرويد في علم النف�س ،ونظرية الفيزياء لجوي�س ،وله م�ؤلفات ومترجمات �أخ��رى نذكر
تعد ترجمة الحديثة على ي��د (ماك�س ب�لان��ك) .وبالن�سبة منها كتابه المهم عن (الرواية الإنجليزية من
(مو�سوعة جيم�س للرواية ،فقد خلت من المو�ضوع المت�سل�سل من بيولف �إلى �ألدو�س هك�سلي) .و�أهم منجز له بعد
جوي�س) مدخ ً
ال بداية �إل��ى و�سط �إل��ى نهاية ،و�أ�صبح هناك ما ترجمة (عولي�س) الكتاب الذي �أ�صدره بعنوان
ي�سمى بالك�شف عما يدور في ال وعي ال�شخ�صية. (مو�سوعة جيم�س جوي�س) التي و�ضع فيها عالم
لفهم ن�صو�ص الم�ؤلف و�أذكر �أنه بمنا�سبة مرور مئة عام على مولد جيم�س جوي�س الحافل بالم�صطلحات ال�صعبة
ال�سردية الغام�ضة جيم�س جوي�س� ،أ�صدر طه محمود طه الترجمة والمفردات المركبة ،والت�ضمينات الم�أخوذة عن
على القارئ العربي العربية لـ(عولي�س) ،يقول في مقدمتها( :هذه عديد من اللغات والثقافات ،وتعد هذه المو�سوعة
لي�ست ق�صة �أو رواية �أو ملحمة �أو م�سرحية �أو مدخل �أي ق��ارئ عربي لفهم عالم هذا الكاتب
ق�صيدة �أو �أغنية ..هذا عالم ب�أكمله ..تبد�أ من الأيرلندي الفذ ،بل والمعين على فهم الغوام�ض
الأزم��ن��ة ال�ساحقة التي ُتعجز بع�ض القراء عن اال�ستمرار في مطالعة
وال ت��ن��ت��ه��ي �إل ��ى ن�صو�صه ال�سردية ال�ضخمة.
� ��ش ��يء� ،أو رب��م��ا وال�س�ؤال الذي يتبادر �إلى ذهن البع�ض هو:
ت����ق����ودن����ا �إل�����ى لماذا اهتم الدكتور طه محمود طه بجيم�س
ال���ق���رن ال ��ح ��ادي جوي�س؟ وكيف حدث ذلك اللقاء الأول بينه وبين
وال���ع�������ش���ري���ن). �أدب��ه؟ وهنا �أحيلهم مبا�شرة �إلى قول الدكتور
ه� ��ذه ه ��ي ع��وال��م طه محمود نف�سه �إنه لكي يترجم جيم�س جوي�س
الرواية كما يراها طلب منه المجل�س الثقافي البريطاني �أن يتقدم
مترجمها. ب�سيرته الذاتية العلمية �شريطة ال�سماح له بترجمة
ي�����ذك�����ر �أن عمل لهذا الكاتب الأيرلندي العظيم ،فناق�شوه
جيم�س جوي�س �ألدو�س هك�سلي (ع���ول���ي�������س) ه��و ثم �سمحوا له بترجمة �آثار جيم�س جوي�س �إلى
ب����ط����ل م��ل��ح��م��ة اللغة العربية ،وبعد �سنوات �سبع قدم لهم م�سودة
(ه���وم���ي���رو����س)، ترجمته لـ(عولي�س) ف�أثنوا عليها وعلقوا ب�أنها
ويقال �إن جيم�س ُ تعتبر من �أعظم الترجمات التي نقلت هذه الرواية
جوي�س بنى روايته �إلى لغة غير لغة كاتبها.
ع��ل��ى ن��م��ط البناء ويبقى ال�س�ؤال :ولكن لماذا ُترجم جوي�س؟
(ال��ه��وم��ري) ال��ذي وما قيمته الأدبية؟
بنى به هوميرو�س �أ�ستطيع �أن �أق��ول �إن كل من يدر�س الأدب
ملحمتيه( :الإلياذة يعرف �أن الع�صر الحديث ُي� ّؤرخ له بثالثة �أ�سماء
والأودي�سة) ،وهذه وث�لاث��ة �أع��م��ال :مار�سيل برو�ست ف��ي فرن�سا
ال�����رواي�����ة ف��ي��ه��ا وكتابه (البحث عن الزمن المفقود) ،ودوروثي
طه محمود طه مار�سيل برو�ست ���ص��ع��وب��ة ك��ث��ي��رة، (الحج) التي
ّ ريت�شارد�سون البريطانية وروايتها
ال�صداقة..
الكنز الذي ال يفنى
ما ،ولم تكن تن�ضوي في �إطار ال�صداقة �أو والحب ال ينبغي �أن كال�شعر ُ
ّ ال�صداقة، ّ
ال�صور ،بل يجب َ تعبر عنها في �صورة من ّ ع�صية على ك ّل ّ فهي تعريف، عن لها نبحث
عمر �شبانة البحث عن ت�سمية لهذا الإطار غير ال�صداقة. تعريف� ،شاهقة ال ُتطال ،ولي�س ك ّل �شخ�ص
وثمة من يرى في ال�صداقة ما هو �أعمق ّ قادراً على �إقامة �صداقة ،والحفاظ عليها
وطفولتها وبراءتها و�صخبها ،وتع ّلمني �دم
ّ � ال في �اك � أخ � إن � إذ � ة، أخ���و
ّ ل ا من أبعد و� و�إغنائها بالمواقف الإن�سانية العظيمة
العودة �إلى طفولتي وبراءتي. �شخ�ص مفرو�ض عليك ،ومفرو�ض التعامل والنبيلة ال��ت��ي ي��ق��وم بها �صديق حيال
و�أخيراً ها هو �صديقي ال�شاعر زهير �أبو معه مهما كانت �صورته �أو �أخالقه ،وقد مادي،
ّ �صديقه .قد تكون مواقف ذات طابع
�شايب ،من (�أعتق) �أ�صدقائي ،يقول لي في يكون �صديق ًا �أو ال يكون ،لك ّنك �أن��ت من �أو ذات �أبعاد روحانية ووجدانية ومعنوية،
وبحب كبير:
ّ �إحدى ق�صائده، يختار ال�صديق ب�إرادتك ،وبح�سب معايير لكن من �ش�أنها تعزيز هذه العالقة الفريدة ّ
�آه يا �صاحبي و�شروط دقيقة ،محاو ًال �أن يكون ال�شخ�ص في حياة الب�شر .لذا ف�إنه ل�شيء عظيم �أن
الثقيل
ْ �آه يا �سقف روحي الذي ُيخ ِل�ص لك وال يخونك �أو يخذلك. تحظى ب�صديق له هذه الموا�صفات.
حجراً حجراً ُ�ش ّدني �إ ّننا بالحديث عن ال�صديق� ،إنما نتحدث ول ّأن ال�صداقة منحوتة م��ن ال�صدق
وجداراً جداراً لكيال � ْ
أهيل المقد�س ّ المقد�س في حياتنا ،لي�س ّ عن �أ���س��ا���س� ًا ،ف���إن ال�صدق ه��و �أه � ّ�م �أعمدتها
ومع � ّأن ال�صاحب ال يعني ال�صديق� ،إال والب�شري وما ّ الديني بالطبع ،بل الإن�ساني �صدقك). و�أ�سا�ساتها ،لذا ُيقال (�صديقك من َ
�أنني في هذا المقطع ال�شعري� ،شعرت ب�أنه الب�شري ،لأنه يتع ّلق بالت�ضحية ّ ي�سمو فوق �دق مطلوب طبع ًا ف��ي العالقات وال�����ص� ُ
�أعمق من ال�صديق ،وللمرة الأول��ى �أ�شعر تخطي ّ �أي�ض ًا ،فهو الإن�سان القادر على إن�سانية ك ّلها ،لكن ال �صداقة بال �صدق. ّ ال
بهذا ال�شعور؛ فال�صاحب كما نعلم هو من ذاته في مثل هذه الت�ضحية من �أجلك ،وفي وربما ك��ان �صحيح ًا �أي�ض ًا القول �إن��ه ال ّ
�صاحبك في طريق ،لكنه هنا �أعمق مما المقابل ما ت�ستطيع مقابلته به من ت�ضحية �ب متبادل ،وال �صداقة بال �
ُ ّح بال �صداقة
ثمة من يتكئ على الآخر تعودنا عليه ،حيث ّ ّ ينبغي �أن يكون بال ح��دود ،وب�لا انتظار طر َفيها ،و�أق�صد العطاء والبذل عطاء من َ
كل منهما ّ أن � الحقيقة وفي يهيل، لكيال للمقابل. المتباد َلين على �صعد الحياة ك ّلها ،ومن
يميل على الآخر ،وكالهما يخ�شى �أن يهيل وال�صديق ق��د يكون نقي�ضك �أي�ض ًا، �سم العالقة بين الأط��راف اال�سم دون ذلك ِّ
وي�سقط ،فكرة عميقة ووجودية في مدى نقي�ض ًا لك في الكثير من الأمور ،وال�صداقة الذي تريد ،لكنها لي�ست هي ال�صداقة ،كما
االلت�صاق والتقارب وااللتحام. هنا ه��ي اح��ت��رام التناق�ض��� ،س��واء كان ال�ضيق) هي من � ّأن مقولة (ال�صديق عند ّ
ال�����ص��داق��ة ه��ي الكنز ال ��ذي ال يفنى، إيديولوجي ًا.
ّ فكري ًا� /
�سيا�سي ًا �أو ّ
ّ �أق ��وى المقوالت و�أ�صدقها ف��ي حياتنا،
وعندما �أكون في �ضيق� ،ألج�أ �إلى �صديق/ �صديقتي الأج��م��ل هي حفيدتي ،منذ والحب
ّ �أقول ذلك بعد تجارب في ال�صداقة
�صديقة �أكثر من �أي �شخ�ص �آخ��ر� ،إال �إذا �شهورها الأول ��ى ب��د�أت �صداقتنا ،ن�سمع ممتدة منذ ّ وال ّزمالة والمعارف خالل حياة
أ�شد حاجة كانت الزوجة �صديقة ،ولع ّلني � ُّ وال�شعر� ،أتابعها تر�سم ِّ الغناء والمو�سيقا اثنين و�س ّتين عام ًا من المتناق�ضاتّ � ،أو ُلها
المتوح�ش،
ّ �إلى �أبنائي وحفيدتي وحفيدي وتح�ضر الم�سل�سالت ،نناق�ش مع ًا ك َّل ما وال�شر.
ّ الخير
�أكثر من �أي �شخ�ص �آخ��ر .وفي اخت�صار، يخطر في بالها وبالي من �أفكار ،تختلق وكما ُيقال �أي�ض ًا ،ف�إن العالقات التي
الحب والع�شق ّ عرفت �ألوان ًا و�صوراً منُ لقد الحكايات والق�ص�ص م��ن ثقافتها عبر �صدعها ،هي بال�صدام� ،أو ب�شرخ ُي ِّّ تنتهي
انتهت ك ّلها �إلى هباء ،وبع�ضها �إلى عداوات، تي�سر من الإنترنت والتلفزة ،و�أق��ر�أ لها ما ّ عالقات لم تكن تنطوي على �صداقة في يوم
كونتها خالل �أما ال�صداقات القليلة التي ّ ق�ص�ص ورواي� ��ات ،طفلة الت ��زال ل��م تبلغ
العمر ،فهي ما يحميني من ال�سقوط هذا ُ ال�سابعة ،لكنها تخطو حثيث ًا نحوها ،وتبدو ال�صداقة ..كال�شعر والحب
في الهاوية ،في النهاية العبثية للعالم �أكبر من �س ّنها ،تجعلني �أكبر ،وتجعلني ال ينبغي �أن نبحث لها عن
والأ�شياء. �ب .لها عالمها مما �أح� ّ �أخ�شى منها الكثير ّ تعريف
¯ �أخيراً ..هل �أن�صفتك الحركة النقدية؟ ¯ ما �أثر الندوات الأدبية في رحلتك مع الكتابة؟
-كتب عن ق�ص�صي كبار الأدباء والنقاد -بداية رحلتي مع الكتابة ،تعرفت �إلى
مقاالت ودرا�سات نقدية كتابة �أعتز بها طوال مجموعة م��ن الأ���ص��دق��اء م��ن ال�سيدة زينب،
حياتي ،في مقدمتهم د.يو�سف �إدري�س ،ورجاء جمعنا حب ال��ق��راءة والكتابة ،مثل :الكاتب
كتب يو�سف �إدري�س النقا�ش ،ود�.سيد حامد الن�ساج ،وال��روائ��ي م�صطفى عبدالوهاب رحمه اهلل ،و�شقيقه الناقد
�شهادة ميالدي ال�شاعر النيجيري (�سوينكا) الحائز جائزة نوبل محمود عبدالوهاب ،كنا نتبادل قراءة الكتب،
ل�ل�آداب في عام ( ،)1986ود�.سامية حبيب، ونتردد مع ًا على معظم الندوات الأدبية ،مثل:
الأدبية و�أن�صفني
ود.رم�ضان ب�سطاوي�سي ،وغيرهم الكثير ..وتم ح�سين القباني ،و�صبحي الجيار ،ون��ادي
الناقدان رجاء �إعداد ثالثة �أفالم ت�سجيلية للتلفزيون الم�صري الق�صة ،ودار الأدباء .ون�شر عبدالفتاح الجمل
النقا�ش وحامد عن رحلتي مع الكتابة ،الأول :على ر�صيف �أم ق�ص�صي بجريدة الم�ساء ،و�شاركت بت�أ�سي�س
الن�ساخ ها�شم� ،سيناريو وحوار محمد م�سعد ،و�إخراج ندوة جماعة الفجر الأدبية مع ال�شاعر الدكتور
عزالدين �سعيد ،و�إنتاج قناة النيل الثقافية. ي�سري العزب ،وكانت المحطة الأخيرة ت�أ�سي�س
والثاني :بالتوه ال�شارع الم�صري� ،سيناريو ندوة خا�صة بي تعقد ع�صر الأحد من كل �أ�سبوع
وح��وار و�إخ ��راج محمود عبدال�سالم ،و�إنتاج هنا �أمام هذه المكتبة عام ( ،)2004وكان من
الف�ضائية الم�صرية الثانية .والثالث :عا�شق �أحالمنا �إ�صدار مجلة غير دوري��ة تحمل ا�سم
ال�سيدة زينب� ،سيناريو وحوار عابد عبدالعزيز، (�إ�صدارات ندوة قنديل �أم ها�شم) ،وكان الهدف
و�إخ��راج ح�سن ال�شنتوري ،و�إنتاج الف�ضائية من �إقامة الندوة والمجلة تقديم جيل جديد من
الم�صرية الثانية. ُك ّتاب الق�صة والرواية ،بعد اختفاء ندوة نجيب
ال�سرد..
فن عابر للأجنا�س الأدبية �ضياء الجنابي
بالكيان البنيوي لكل جن�س� ،أي �إلى خ�صائ�ص في مقال �سابق؛ قمت بت�سليط ح��زم من
ا�ستداللية� ،أو �أن��ه��ا تنحدر م��ن ممار�سات ال�ضوء على �إ�شكالية التجديد في الأجنا�س
ملحوظة في تاريخ الأدب ،تتيح لها �أن ت�صبح الأدبية ،وذكرت فيه �أن الكثير من المبدعين
ظواهر تاريخية) .وبرغم ه��ذه التعريفات، العرب يحاولون �شرعنة تجاوز ق�ضية الأجنا�س
ف�إنه باعتقادي ال يمكن �إيجاد تعريف جامع الأدب��ي��ة و�إي��ج��اد غطاء نظري لها ،يتلخ�ص
�أر�سطو �أول من و�ضع و�ضابط للجن�س الأدب��ي ،وذلك لأن الأجنا�س بالدعوة �إل��ى التحرر من القوالب الجاهزة
تعريف ًا للأجنا�س الأدبية ت�شترك في بع�ض المعايير وال�سمات والتجديد في الم�سارب الإبداعية ،وهذه الدعوة
تارة ،وتختلف مع بع�ضها الآخر تارة �أخرى، ال غبار عليها ،فيما �إذا حافظنا على الجينات
الأدبية في كتابه بيد �أن هذا االختالف حتى و�إن لم يكن اختالف ًا النقية لكل جن�س من �أجنا�س الكتابة الأدبية
(فن ال�شعر) �شام ًال ،لكنه هو الذي �أف�ضى ب��دوره بحقيقة وعدم �إتالفها تحت الفتة التجديد.
الحال �إلى ظهور م�صطلح الأجنا�س الأدبية، ومن المفيد بمكان� ،أن نعرج على مفهوم
في جميع لغات و�آداب الأمم ،بما في ذلك لغتنا الأجنا�س الأدبية ،حيث ي�ضع �أر�سطو طالي�س
العربية و�أدبنا العربي. ف��ي كتابه (ف��ن ال�شعر) تعريف ًا للأجنا�س
هناك بع�ض الت�صنيفات للأجنا�س الأدبية، الأدبية ب�أنها�( :صيغة فنية عامة لها مميزاتها
ولكن �إذا عرجنا على �أ�شهرها� ،سواء في اللغة و�سماتها وقوانينها الخا�صة والعامة الم�شتركة
العربية �أو غيرها من اللغات� ،سيقف �أمامنا بينها ،وه��ي تحتوي على م�ضمون و�شكل
من الوا�ضح �أن ما ي�صطلح عليه بـ(الت�صنيف الثنائي) الذي عام وخارجي معين ،ينتظم خاللها الإنتاج
يخت�صر الأدب برمته بحقلين �إبداعيين ،هما: الفكري للق�ضايا الخا�صة بالفرد بوجه خا�ص،
الأجنا�س الأدبية ال�شعر والنثر ،وهو ت�صنيف قديم ولكن ُبثت وبالمجتمع بوجه عام) .ولم يقت�صر الأمر على
جميعها ت�شترك فيه روح ج��دي��دة ،ال �سيما بعدما ا�شتهرت الفيل�سوف الإغريقي ال�شهير ،بل �إن المفكرين
في بع�ض المعايير الكتابة الروائية في الأدب المعا�صر .وهناك المعا�صرين قد �أدلوا بدلوهم في هذا الم�ضمار،
ت�صنيف �آخ��ر يجن�س الأدب �إل��ى �أدب غنائي فعلى �سبيل ال��م��ث��ال؛ ي��ق��دم لنا الفيل�سوف
وال�سمات وتختلف
و�أدب ملحمي و�أدب درامي ،والأخير هو الأدب الفرن�سي من �أ�صل بلغاري تزفيتان تودوروف،
مع بع�ضها الآخر المت�صل بكتابة الأعمال الدرامية ،مثل كتابة المتوفى عام (2016م) ،في كتابه المو�سوم
الم�سرحيات والأعمال الدرامية ،كالتمثيليات بـ(نظرية الأج��ن��ا���س الأدب��ي��ة ،درا���س��ات في
والم�سل�سالت التي تكتب لل�شا�شة الف�ضية، التنا�ص والكتابة والنقد) تعريف ًا �آخر للجن�س
�إ�ضافة �إلى �سيناريوهات الأفالم .كما �أن هناك الأدبي ب�أنه( :مجموعة من الخ�صائ�ص تت�صل
الوجداني المحمل بالدالالت الفكرية والر�ؤيوية ت�صنيف ًا �آخر ُيرجع جميع الأعمال الإبداعية
النافذة. �إل��ى المقابلة بين التراجيديا والكوميديا.
ال�سرد كفن قائم كما �أن من �أبرز ما يميز ال�سرد كفن وفعل وباخت�صار �شديد؛ يمكن تحديد الأجنا�س
�إبداعي عابر للأجنا�س الأدب��ي��ة ،هو القدرة الأدب��ي��ة ف��ي اللغة العربية وف��ق الت�صنيف
يمكن تعريفه ب�أنه اال�ستثنائية على �صهر الحقب والع�صور الثنائي ب�أنها :ال�شعر بكل �أ�شكاله الكال�سيكية
يقوم على تحويل والأزم���ان المتعددة والمتراكبة في بوتقة وال��ح��داث��وي��ة ،ب��م��ا ف��ي ذل ��ك ق�صيدة النثر
مجموعة مت�سل�سلة �أفعال و�أح��داث مترابطة ومتوا�شجة زمني ًا، باعتبارها �شعراً ،وال�صنف الثاني هو النثر
وكذلك قدرته على �إع��ادة �صياغة الأح��داث الذي ي�شتمل على الأعمال الق�ص�صية وال�سردية،
من الأحداث و�إع��ادة �صيرورتها ب�أ�سلوب جميل يتما�شى بدءاً من الق�صة الق�صيرة جداً ،مروراً بالق�صة
والوقائع �إلى ن�ص مع الذائقة العامة من خالل التقاط الأحداث الق�صيرة والأق�صو�صة والق�صة الطويلة� ،صعوداً
مدون يخدم فكرته الالفتة من التجربة الإن�سانية الوجودية، �إل��ى الرواية� ،إ�ضافة �إل��ى الكتابة الم�سرحية
و�إي�صال الحقائق �إلى نقطة ،ما مع المحافظة أدبية
وفن كتابة ال�سيرة .كما توجد �أجنا�س � ّ
على تراتبية الوقائع ،وكل ذلك يتم عبر عالقة م��ح��دودة االنت�شار وغير �شائعة ،من بينها
تبادلية �إذا جاز التعبير ،بين الكاتب والمتلقي، ال�شفهي ،وهو كل ما يتم تقديمه �شفهي ًا،
ّ الأدب
ولذلك نجد �أن فكرة ال�سرد قد تطورت وتبلورت وكذلك يمكن اعتبار الأ�ساطير والخرافات التي
مفاهيمه وم��دار���س��ه ب�شكل تكاملي ،منذ تناقلتها الأجيال جن�س ًا �أدبي ًا بحد ما� ،إ�ضافة
ال�سرد فن وفعل
�أر�سطو طالي�س ( 322ق.م) ،مروراً بغو�ستاف �إل��ى الحكايات والق�ص�ص ال�شعبية والكتابة
�إبداعي عابر فلوبير (1880م) ،و�صو ًال �إلى هنري جيم�س ال�صحافية والكتابة التاريخية.
للأجنا�س الأدبية (1916م) وم��ن ج��اء بعده ،وهكذا تكاملت �أما ال�سرد كفن قائم بذاته؛ فيمكن تعريفه
بقدرته اال�ستثنائية �أنماط الق�ص وال�سرد الأدبي وتر�سخت و�سائله ب�أنه فن يقوم على تحويل مجموعة مت�سل�سلة
التنفيذية. من الأحداث والوقائع المترابطة فيما بينها،
على �صهر الحقب �إن قدرات ال�سرد العابرة لحدود الأجنا�س وال��ق��ادرة على التطور والت�صعيد �إل��ى ن�ص
والع�صور في بوتقة الأدبية والفنية ،ال تقف عند ح��دود الكتابة نثري مدون ،يخدم فكرة �أو ثيمة معينة ،وبذلك
�أفعال مترابطة زمني ًا الأدب ��ي ��ة ال��م��ح�����ض��ة� ،أو م��ا ي�صطلح عليه ف�إن ال�سرد كجن�س �أدبي نجده يتفرد من بين
بالن�صو�ص الكتابية ،فهناك ن�صو�ص ب�صرية، الفنون الإبداعية والكتابية الأخرى ،ب�أنه نافر
�إذا جاز التعبير ،تتج�سد بالفن الت�شكيلي بكل عن القاعدة العامة ،وعابر لحدود الأجنا�س
�أنواعه ،وال�سينوغرافيا والفن الفوتوغرافي، الأدبية بطبيعته ،لأن التجني�س ال يعتبر معياراً
�إ�ضافة �إل��ى الفن الم�سرحي وال�سينمائي �أو لل�سردية ،وذلك لأن المعيار الأ�سا�سي لها هو
المرئي عموم ًا ،كما �أن هناك ن�صو�ص ًا �سماعية ح�سن التعامل مع اللغة والقدرة على ابتكار
تتج�سد بالفن المو�سيقي والغنائي بكل �أبعاده التراكيب غير المطروقة ،والمعاني الم�ؤثرة في
الن�صو�ص الب�صرية
و�أن��واع��ه� ،إ�ضافة �إل��ى ال��م ��ؤث��رات ال�صوتية النف�س الإن�سانية والفاعلة في الواقع على حد
ت�سهم في جعل الأخرى ،وجميع هذه الفنون متوائمة متوا�شجة �سواء من خالل الدالالت العميقة والمكا�شفات
ال�سرد منجزاً فيما بينها ،لذلك ف�إن من العوامل الأ�سا�سية االجتماعية الوا�ضحة ،والتي تتجلى من خالل
�سواء بالت�شكيل �أو في االرتقاء بم�ستوى ال�سرد ،هي حالة التوا�شج القدرات التعبيرية الخا�صة بكل �سارد ،وهذا
والتالقح بين هذه الفنون جميعها من خالل ما ا�ستدعى ال�سرد ال�ستبطان كل �أنواع الكالم
الت�صوير �أو الم�سرح الذائقة الفنية الراقية والوعي المعرفي العميق وا�ستيعاب جميع الموا�ضيع؛ من كتابة ال�سيرة
�أو ال�سينما لهذه الفنون مجتمعة ،وهذا الأمر ال مندوحة الذاتية �أو الت�سجيل الوقائعي لل�شخ�صيات
منه لكل المبدعين ،فالمو�سيقي ينبغي �أن يكون والأحداث ،و�إعادة كتابة التاريخ ومكا�شفاته
على �صلة حميمة بالأدب وفنونه ،والت�شكيلي بر�ؤية عميقة واعية� ،إ�ضافة �إلى اال�ستخدام
ينبغي �أن يكون على �صلة بجميع �أنواع الفنون والم�صعد للغة لحد االق��ت��راب من
ّ الممو�سق
الأخرى الب�صرية وال�سماعية والكتابية ..وهكذا. لغة ال�شعر ،ويت�أتى ذلك كله من خالل الإن�شاء
داخل ق�سم العقل ،يحدث �أن يبد�أ �سرد الرواية م�ستفز كعتبة �أولية� ،أ�ضف �أن��ه ُيقحمك منذ
من مكب قمامة ،ويحدث �أن يكون ال�سارد جثة البداية في م�سارح الت�أويل .و�إن �أنت اخترت
هامدة توقف قلبها عن الخفقان ،ويحدث �أن الذهاب بعيداً مع الكاتبة ،التي بنت عنوان
نائب فاعلٍ في فعل الحكي، َ يتموقع العقل روايتها وفق فر�ضية علمية ،كما �أ�شرنا في
فيق�صي القلب للحظات بعد �أن �سيطر على العنوان ،ف�إنك �ستجد نف�سك �أمام مفارقة عجيبة،
�أبجديات الإبداع الأدبي لفترات .هنا �ستتجه فكيف لرواية تمتد على م�ساحة ( )1000كلمة،
عد�سة الق�ص �إلى حياة البطلة (ليلى تيكيال) �أن ُت�سرد في لحظات معدودة اختزلتها الكاتبة
عن بدايات ولعها الأول��ى طفلة ابنة لهارون في 10دقائق و 38ثانية؟ ولعل هذه المفارقة
من زوجة ثانية ،التي ترف�ض تقريب ًا االعتناء العجيبة هي التي تجعل العنوان ،وعلى خالف
بها لتربيها امر�أة ثانية ،وفي ذلك الجو تهرب بنائه العلمي ،ي�شد ذائقة القارئ ،ال �سيما حين
�إلى �إ�سطنبول لتجد نف�سها هناك �أمام معاناة يكت�شف تباع ًا �أنه ي�سيطر على هند�سة الرواية،
�أخرى ،حيث يقع بيعها وتتعرف �إلى �أ�صدقاء حيث �ستجدها موزعة وف��ق الدقائق في عد
ُجدد هم (�سنان) (ناالن نو�ستالجيا)( ،زينب تنازلي ،تت�سارع في الأح��داث وتختزل فيه
( ،)122جميلة)( ،هيميرا) ،وه���ؤالء هم من حياة امر�أة ب�أكملها.
�إليف �شافاق �سيبحثون عن جثمان ليلى في مقبرة المن�سيين �اء على ذل��ك ،ف ��إن العنوان في هذه وب��ن� ً
ودفنها ب�شكل يليق بها .هذا الق�سم احتوى كل الرواية فتنة تهم بالقارئ ،وتقفل عليه �أبوابها،
الدقائق التي كانت تتعلق بليلى ،والطريف هنا وهو اليزال يالم�س ورقاتها الأولى ،وهو كذلك
ن�شط
�أن عقلها الذي ي�شتغل في دقائقه الأخيرة ٌ يك�شف عن الوجه الإبداعي للكاتبة ،فهي التي
ي�ستح�ضر كل التفا�صيل� .أما الق�سم الثاني من تمتلك ح�س ًا عميق ًا في ن�سج عوالم روايتها ،وقد
تبني روايتها على الرواية؛ فهو بعنوان الج�سد ،الذي اعتنت به �ألفنا منها ذلك في (قواعد الع�شق الأربعون)،
فر�ضية علمية ت�شير �شافاق بما بذله �أ�صدقاء ليلى في �سبيل دفنها، وه��ذا في نظري مهم ج��داً في م�سائل النقد
�إلى �أن المخ ي�ستمر وهنا طرحت الكاتبة فكرة ال�صداقة الحقيقية، الأدبي ،فكلما كانت العناية بالعنوان �شديدة،
في حين يبقى ق�سم ال��روح امتحان ًا للقارئ كانت ن�سبة نجاحها كبيرة .ففي مقالة لها،
في العمل لب�ضع الذي ال بد له �أن يتم الورقات الأخيرة ،حتى ُن�شرت في �صحيفة (تليغراف) البريطانية،
دقائق بعد الوفاة يعثر على مبتغى الق�ص الذي ال نريد �إعدامه في كتبت �إليف �شافاق ( )11جملة من الن�صائح
هذا ال�سياق. في طرائق الكتابة ،ولعل من بين ما �شدني
عرت (�شافاق) في هذه الرواية ّ لقد في هذه الن�صائح قولها (الطريقة الوحيدة
الوجه الآخر لتركيا ،حيث ر�سمت لنا لتعلم الكتابة هي �أن تكتب) ،و�أظن
اجتماع �أ�صدقاء جمعتهم الم�أ�ساة �أن �شافاق لديها موهبة
الواحدة ،م�أ�ساة المجتمع القا�سي. عالية في اقتنا�ص
وقد ك�شفت لنا حياة الأقليات الم�سائل وبناء ن�سق
الم�ضطهدة ،و�سلطت ال�ضوء روائ����ي ،ع��ل��ى فكرة
ع��ل��ى ال��ن��ا���س ال��ف��اري��ن من طريفة.
في هذه الدقائق �أوطانهم ،مثل �صديقتها �أم��ا �إن عرجنا �إلى
الـ( )١٠تبد�أ بطلة الإفريقية ،طمع ًا في حياة معمار الرواية ،فنقول �إنه
الرواية ا�سترجاع �آمنة في �إ�سطنبول ،التي ال �شك في �أن �أولى الم�سائل
كل لحظات حياتها لم تكن �إال جهنم على التي ُيوليها القارئ عناية
الأر������ض بالن�سبة بعد ال��ع��ن��وان ،ه��ي هند�ستها
ال�سابقة �إليها .في الرواية وكيفية توزيع الم�سائل فيها عبر
�ستجد ن�صيب ًا من ف�صول تحكي الوقائع والأحداث.
الأح��داث ال�سيا�سية بعيدة �أم��ا عن روايتنا ه��ذه؛ فنحن �أمام
الزمن ،تعود �إلى فترة ال�ستينيات ،ف�ض ًال معمار طريف هند�سته الكاتبة وفق
عن ق�ضايا تتعلق بالمر�أة ،ي�ضيق بها المقام �أق�سام ثالثة تقريب ًا (العقل ،الج�سد،
ل�سردها كلها ،وتبقى في الأخير الكتابة وحدها الروح) وهو توزيع في الم�سائل يخفي وراءه
التي ت�ستطيع ت�سليط ال�ضوء على هذه الأ�شياء. عق ًال ذا بعد فل�سفي في قراءة الم�سائل.
حول ظاهرة
غياب النقد
والمهتمين بدرا�سة الأدب ،وهي القاعدة تزخر الفعاليات في مختلف الأحداث
الأكبر .فالقراء يهتمون دائم ًا بمتابعة الآراء الثقافية بحلقات ن��ق��ا���ش ح ��ول الأدب
النقدية ،حتى يقرروا مدى �أحقية العمل والإب���داع ب��أل��وان��ه ،كما تدعو دور الن�شر
د .وائل �إبراهيم الد�سوقي بالقراءة واالقتناء ،كذلك معرفة الجوانب يومي ًا �إلى حفالت توقيع لأنواع �شتى من
التي غابت عنهم �أثناء القراءة ،ي�ستوي في الكتابات الأدب��ي��ة وغيرها .وكنت دائ��م
الأمريكية ،ثم انتقل �إلى �أوروبا ومنها �إلى ذلك النا�شر نف�سه ،الذي يجب �أن يفيد من المتابعة بالح�ضور والم�شاركة ،حتى
الوطن العربي بعد عودة معظم المبتعثين المالحظات لتنمية فنه واختياراته. �أغ�ضبني �أحد الكتاب �شاركت في نقا�ش �أحد
�إلى بالدهم ،وقد اتجه النقد على �أيديهم �إلى �أت���ذك���ر م�لاح��ظ��ة م��ه��م��ة ل��ل��دك��ت��ور م�ؤلفاته الأدبية منذ �سنوات ،حيث فقال
طريق مختلف يرتبط بتقاليد اللغة العربية محمد ب��ن مري�سي ف��ي مجلة (�أب��ع��اد) غا�ضب ًا و�سط الح�ضور (لماذا لبيت الدعوة
و�آداب��ه��ا ،فظهرت االختالفات وتعمقت، ال�سعودية منذ ع��دة �سنوات ،و�صف بها للمناق�شة و�أن��ت غير را���ض عن كتابي؟).
و�أ�صبح النقد في البالد العربية ال يملك الناقد ب�أنه يعد من جمهور القراء ،لكنه تكرر ذلك حينما حطم �أح��د الأ�ستاذة كل
ر�ؤية واحدة �أو يتبع مدر�سة محددة ،فكان ي�سجل انطباعاته حول العمل الأدبي ،حتى التقاليد الجامعية ،و�سمح للح�ضور في
تياراً نقدي ًا جمع ر�ؤى مختلفة ومتعددة. و�إن ت�ضمنت �شيئ ًا من الحدة ،خا�صة عند �إحدى المناق�شات العلمية لطالب ماج�ستير،
وبمرور الزمن ومع بداية ت�سعينيات القرن الناقد الب�صير ،الذي يمتلك دقة المالحظة ب�أن يوجهوا مالحظاتهم له ،فقمت ب�إبداء
الفائت ،لم يعد النقد العلمي للأعمال الأدبية في �إدراك طبيعة العالقات القائمة بين ق�صر فيها،ر�أي��ي في بع�ض النقاط التي ّ
مهنة يلتفت �إليها الكاتب والنا�شر ،بقدر ما بنيات العمل الإب��داع��ي ،وتنبه �إل��ى بع�ض فقام الطالب بعد ذلك بتوبيخي قائ ًال (لكن
اعتبراها الزم��ة لإتمام عملية الت�سويق، العنا�صر المفقودة في الن�ص .وعندما يبرز لماذا ح�ضرت و�أنا ال �أعجبك؟).
ف�أ�صبح النقد الفعلي مح�صوراً داخ��ل الناقد المو�ضوعي بع�ض الم�آخذ على العمل الحقيقة �أن مهنة الناقد ،تحولت تحو ًال
المنظومة الأكاديمية بنظرياته الجامدة، الأدب��ي ،ف�إنه ال ينطلق من موقف عدائي نوعي ًا خ�لال العقود الأخ��ي��رة ،من مهنة
التي ال تجد انعكا�س ًا في الممار�سة العملية للعمل �أو منتجه ،و�إن��م��ا من وع��ي فكري مهمتها الأول��ى تقييم وتحليل المحتوى
على �أر���ض ال��واق��ع� ،سواء على �صفحات وذوق حر؛ والحرية هنا ال تعني �أن يقول و�إي�ضاح ما به من ق�صور ،و�إبراز جمالياته،
ال�صحف والمجالت� ،أو �أثناء الفعاليات �أي �شيء ،فالناقد يدرك تمام ًا �أن مهمته �إلى مهنة تجامل ك ًال من الم�ؤلف والنا�شر،
الثقافية المختلفة. البناء ولي�س الهدم ،وهكذا فب�إمكانه �أن وت�شاركهما في ت�سويق الكتاب و�صاحبه.
نحن ال ننادي ب�ضرورة ممار�سة الق�سوة يخلق �أدب ًا مثيراً ،مثلما كان ب�إمكانه الغ�ض و�أ�صبح الناقد ذا ح�ضور �شكلي في معظم
في النقد ،كما فعل عبا�س محمود العقاد من جماليات الأدب .فالأدب والنقد وجهان الفعاليات ،و�أ�صبحت منظومة الم�ؤلف
في (قمبيز في الميزان)� ،أو م�صطفى �صادق لعملة واحدة. والنا�شر والناقد محكومة ب�شبكة عالقات
الرافعي في (على ال�سفود) وغيرهما .لكننا وقد تطورت مهنة الناقد تطوراً ملحوظ ًا ذات منافع متبادلة ،على الرغم من �أن
نرغب في �إيجاد حالة من النقد المتوازن، خ�لال القرن الع�شرين ،وظهر تيار نقدي النقد ظاهرة �أدبية اجتماعية ،توجه عملها
تعطي الكاتب حقه والأدب والقارئ الحق جديد في بداياته عرف با�سم (النقد الجديد)، في الأ�سا�س �إل��ى قاعدة كبيرة من القراء
نف�سه ،وف��ي الوقت ذات��ه يجب �أن نو�ضح على يد الأمريكي جيم�س �سبينجارن ،والذي
�أن هناك بع�ض النقاد في وطننا العربي، ا�ستخدم فيه و�سائل جديدة تحدد بدقة ما تحولت مهمة الناقد من
يتمتعون بالفعل بقدر من المهنية ،التي يق�صده الناقد ،اختلفت تمام ًا عن و�سائل
تمكنهم من تحقيق الهدف من النقد ،لكنهم م��دار���س النقد ف��ي ال��ق��رن التا�سع ع�شر، تحليل و�إبراز جماليات
غير مطلوبين وال يتم ت�سليط ال�ضوء عليهم، كاالنطباعية والواقعية ،وغيرهما .وكانت العمل الإبداعي �إلى
لأنهم ال يحققون الهدف التجاري للنا�شر� ،أو الأغلبية العظمى من النقاد الذين انت�سبوا عالقات عامة ومجاملة
�أهداف الم�ؤلف الذاتية. �إل��ى ذل��ك التيار ف��ي بداياته م��ن القارة
للم�ؤلف والنا�شر
الجماعي عن
ّ الريفية ،وما ي�صاحب تعبيرهم يحدث .ال �أحد يجيء) في �سنة تخرجه (،)1973
الفرح من �أ���ص��وات ،و�شعر ،وح��رك��ات مفعمة و�أهداه �إلى �أبيه ،معلمه الأول في ال�شعر .وبعدها
الرجولي ،وم�شاعر الحب الخالية من
ّ بالفرح توالت �إ�صداراته ال�شعرية؛ ومنها( :وطن لطيور
االبتذال. الماء)( ،فاكهة الما�ضي)( ،نداء البدايات)( ،هكذا
قلت للريح)( ،حياة في الق�صيدة) .كما �أ�صدر
¯ في ق�صيدتك (نبيذ الكالم) قدمت المر�أة عدداً من الم�ؤلفات ،والدرا�سات النقدية؛ منها:
اللغة ال�شعرية لي�ست واحتفيت بها؟ (ال�شعر ،والت ّلقي)( ،في حداثة الن�ص ال�شعري)،
خادمة للمعنى -المر�أة في �شعري تتمدد على �سرير من (ال��دالل��ة المرئية)( ،م��ن ن�ص الأ�سطورة� ،إلى
اللغوي ،واالحتفاء الذي يكاد يرتقي �إلى الترف �أ�سطورة الن�ص) .فاز بعدة جوائز مرموقة ،من
ح�صراً وال و�سيلة ّ
التقدي�س �أحيان ًا� ،أعني تقدي�س الأنثى ،الجديرة �أبرزها( :جائزة الملك في�صل)( ،جائزة ال�شيخ
مجردة لإي�صاله بالمحبة المهلكة ،والبطولة البي�ضاء ،والغواية زاي��د للكتاب)( ،ج��ائ��زة ال�شارقة ل�ل�إب��داع)،
الرفيعة .وهذه الأنثى تبد�أ ،ربما من ح�ضور الأم، (جائزة�سلطان العوي�س)( ،ج��ائ��زة البابطين
مروراً بكل �صور المر�أة ،الملهمة ،وال�شريكة في للإبداع ال�شعري) .وقد كان لي معه هذا الحوار،
الوعي ،والمحبة ،والعذاب .كانت �أمي ،ك�أي � ٍّأم خالل �إحدى زياراته للقاهرة:
مجبولة على العطاء ،والت�ضحيات التي كانت
¯ نريد �أو ًال التعرف �إلى المنابع التي �شكلت تتجاوز وعيها الب�سيط �آن��ذاك ،لكنها تن�سجم
وجدانك ،والظروف التي جمعتك بعالقة مع مع تلقائيتها في الحب ،وال�صفح الأم��وم� ّ�ي،
والت�ضحية. ال�شعر؟
أتلمـ�س في
ً ّ� ، ا تمام البداية في أنا � و كنت -
ق�صائدي تفتح على نف�سي مي ًال غام�ض ًا �إلى �سماع الكالم الالفت ¯ في ق�صيدتك (طائر يتعثر بال�ضوء) تقول( :ذي
ا�ستثمار الف�ضاءات أح��ب �سماعه ،لغتي� ..شريكتي في ابتكار الوهم� ،أرهقها بما لالنتباه .كنت �أحفظ ال�شعر ،و� ّ
الب�صرية وتموج أحملها من وح�شتي) ،ما الذي تمثله لك اللغة وكان ما يحفظه �أبي من ال�شعر� ،أو النوادر� ،أو � ّ
كالم الأج��داد؛ هو خميرة التذوق الأول .كان ك�شاعر؟
الدوافع الجمالية �شيء يحدث.. ذل��ك الأب ،ه��و �أ�سطورتي ال�صغيرة الأول ��ى،
-كانت مجموعتي الأولى (ال َ
والداللية أحد يجيء) قد بدت للكثيرين وك�أنها تمارين الم�شوبة بالكثير من البعد عن الم�ألوف .كان ال � َ
من النادر تمام ًا ،في تلك القرى الريفية البعيدة ،لغوية ،ال ت�ضع المعنى في ال�صدارة من عنايتها
وفي مجتمع �إقطاعي �شديد الق�سوة؛ �أن تجد دائم ًا ،بل تجنح �أحيان ًا �إلى ال�صورة ،والتعبير
فالح ًا ب�سيط ًا يعرف القراءة ،والكتابة ،و�أ�شياء الملتب�س ،والجملة المفتونة بذاتها ،بعيداً عن
�أخرى تقع على مقربة منها؛ وله منزلة كبيرة ،تكري�س المعنى� ،أو مو�ضوع الق�صيدة .باخت�صار:
حتى لدى �شيوخ القبائل ،ومالكي الإقطاعيات
الكبيرة .كان �أبي هو ذلك الفالح .كان ينحدر
باحترام خا�ص في جنوبي ٍ من �ساللة تحظى
العراق .وقد �ضمن له ذلك كله ،مكانة خا�صة.
تعلمت على يديه القراءة ،والكتابة ،واحتراف
الكالم الجميل �أحيان ًا .وكانت �أمي هي ال�شريك
المهم لوالدي ،في دفعي �إلى هذا االتجاه المثير
الجواهري بلند الحيدري ت�شارلز ديكنز للف�ضول .كانت تحفظ ال�شعر العامي ،وتن�شده
ب�صوت م�ؤثر في المنا�سبات ال�شجية .وكنت ٍ
�أحر�ص على �سماعها ب�شغف ،يدفعني �إلى البكاء
�أحيان ًا .ومن �أعظم م�آثرها؛ �أنها كانت �سبب ًا في
�إقناع والدي للهجرة من قريتنا في محافظة
وا�سط �إلى بغداد .وعالوة على ذلك ،لم يكن مزاج
ذلك الطفل ،الذي كنته؛ يت�شكل في معزل عما
كنت �أ�سمعه في تفا�صيل الحياة اليومية ،من
�صالح نيازي �سركون بول�ص جين �أو�ستن
�أغاني الأمهات ،و�أهازيج الفالحين ،و�أغانيهم
«مثلث الغواية»
روايـة «بوليـفـونيـة»
لإياد جميل محفوظ عزّ ت عمر
طيب ًا يتم ّتع بقدر ل�صديقها نبيل( :فقد بدا �شاب ًا ّ �إي��اد جميل محفوظ ،لمن ال يعرفه ،هو
الطرية التي تغري �أحيان ًا ّ وافر من الم�شاعر الع��ب فريق ن��ادي االت��ح��اد الحلبي وفريق
يتميز بنوع من الحياء ّ حر�ش بها ،كما بال ّت ّ منتخب �سوريا لكرة ال�س ّلة �أيام ع ّز كرة ال�س ّلة
والخجل الفريدين ،حتى � ّإن وجنتيه كانتا ال�سورية ،وهو قادم من الهند�سة المدنية وعالم
ت�ضجان بطيف من الألوان القانية المتدرجة ّ قدم الأعمال �إلى الأدب والإب��داع ال�سردي� ،إذ ّ
�سواء �صدرت عن ٌ �إزاء �أدن��ى مداعبة بريئة، عدة مجموعات ق�ص�صية ،وع��دداً من الكتب
غالب� ،أو بدرت مني) .ونعني في هذا ال�صدد �أن البحثية في مجال الإنا�سة الثقافية لمدينة
الرواية في النهاية لي�ست حكايتها و�أحداثها حلب ومجتمعها ،وفيما يبدو من �سيرته �أنه عقد
الروائي من تقنيات ّ فقط ،و�إنما ما يجترحه حلف َا مع النجاح في ريا�ضته وعمله الهند�سي
ينتمي ال�سرد ومهارات �سردية تبتعد عن الم�ألوف ،ف�ض ًال الروائي ال ّأول
ّ وفي �إبداعه الق�ص�صي وفي عمله
عن �إدارة الأح ��داث بمهارة وحرفية تتم ّكن ال�صادر حديث ًا بعنوان (مثلث الغواية) عن دار
في رواية (مثلث �زج��ه في خ�ضمها .ولعل هذا من ال��ق��ارئ وت� ّ الحوار (2019م).
الغواية) �إلى النمط ما لم�سناه في اال�ستهالل المباغت الذي جاء تمتاز كتابة �إي��اد جميل محفوظ ببراعة
(البوليفوني) (�صحيح �أن حبيبي
ٌ على ل�سان ال�ساردة لمي�س: البناء ال�سردي القائم على مجموعة كبيرة
ا�ستطاع في غفلة من دهائي وتدبيري ،توجيه من المقاطع ال�سردية ،تراوح �أطوالها ما بين
القائم على التراكم مقدراتد ّفة قاربي ال�صغير وم�صايرِه نحو ّ �صفحتين �إلى خم�س �صفحات ،وبلغ عددها
الإخباري وتعدد �ض ّفة مجهولة ،ق��د تبدو لأ�صحاب القلوب �سيت�ضح للقارئ ُبعيد قراءتها
ّ نحو ( )40مقطع ًا
الأ�صوات والخال�ص و�صحيح �أ ّنه عمد
ٌ وم�ستقرة.
ّ الوادعة �أ ّنها �آمنة �أنها تجمع خ�صي�صتين �أ�سا�سيتين :مهارات
بمفرده �إلى كتابة �آخر �سطور حكايتنا ،ف� ّإن الق�صة الق�صيرة ،وتقنية تنقيط الحدث و�سط ّ
من هيمنة الم�ؤلف ذلك لم يح ْل دون �أن �أب��ادر �إل��ى وداع��ه على مجموعة من الم�شهديات الب�صرية يتحرى من
نحو يليق بعالقتنا ،التي �أنهت م�ؤخراً العام خاللها بالغة لغوية فائ�ضة بالمجاز والإيحاء،
ال�ساد�س من عمرها). يعززهما الت�شبيه واال���س��ت��ع��ارة ،ف�ض ًال عن
ولع ّل العبارة المفتاحية في هذا المجتز�أ الو�صف المتق�صي الذي �سيغدو �أ�شبه بكاميرا
تتكاثف حول العالقة مع الحبيب وانقطاعها، متن ّقلة في الذات ال�ساردة قبل المكان ،وهذه
وه��ذا يقت�ضي بال�ضرورة ا�سترجاع حكاية تعبر عن ثقافة ب�صرية وعن ح�سا�سية مزية ّ
و�ضح الم�ؤ ّلف في تقديمه للرواية الأم�س كما ّ مهم ًا
خا�صة تجاه التفا�صيل باعتبارها جزءاً ّ
ب�أن الأ�صدقاء الثالثة :لمي�س ،نبيل ،وغالب، من روائية الرواية ،ومن ذلك على �سبيل المثال
ثم اتفقوا على كتابتها ك ّل حبّ ، عا�شوا تجربة ّ قدمته ال�ساردة لمي�س هذا الو�صف الأنيق الذي ّ
�شخ�صيات الرواية ور�أيها فيهم ،وتك�شف في من وجهة نظره وزاوي��ة ر�ؤيته لهذه العالقة،
الوقت نف�سه عن جانب من حياة جيل ال�شباب التي �أ�سفرت �أخيراً عن كتابة رواية اعترافات
تميز الكاتب ببراعة الجديد في مدينة حلب وانفتاح العالقات م�شتركة ا�سمها (مثلث الرغبة) ب�أ�ضالعه �أو
االجتماعية والثقافية في �سبعينيات ومطالع زواي ��اه الثالث وبتعبيره( :وق��د ارت�أينا �أن
البناء ال�سردي القائم ثمانينيات القرن الع�شرين ،بما يعني زمان نتبادل الأدوار في رواي��ة تفا�صيل حكايتنا
على مقاطع طويلة �شباب الكاتب نف�سه ،باعتباره مرجعية و�شاهداً و�أحداثها).
وغنية بالم�شهديات وم�شارك ًا في �صياغة العمل ،وقد تج ّلى ح�ضوره وبذلك ف ��إن فكرة كتابة رواي��ة م�شتركة
جلي ًا في لغة وبالغة ال�شخ�صيات الثالث ،وفي ّ تتعدد فيها الأ�صوات كانت حا�ضرة في بال
الب�صرية الم�ستوى البالغي المتقارب في �سرد الأحداث الروائي �أثناء ال�شروع في ت�أليفها.
واتباع �سيا�سة تنقيط الإخبار عن مجريات رواية تعدد الأ�صوات تنه�ض على التراكم
وتطوره تبع ًا لما اعتمده من ّ الحدث الم�سرود الإخ��ب��اري ال��ذي يقدمه الأ���ص��دق��اء الثالثة،
لمط �شريط ال�سرد ّ والبالغي، اللغوي نهج الزخم مع ح�ضور طفيف ل�سارد الحكاية الأ�سا�سي
�إل��ى غايته ،فقد يقر�أ المتل ّقي مقطع ًا كام ًال و�ضمير الم�ؤ ّلف ،و�سيعمل ه��ؤالء على كتابة
ح�صيلته من الأحداث نقطة �أو نقطتان في نهر الرواية منطلقين من حدث تنامى منذ �أيام
اللغة وال�صور البالغية المتالحقة ،وهذا نموذج حب �أيام ال�شباب. الطفولة البريئة لينعطف �إلى ّ
ا�ستخدم الكاتب من �سردية غالب تعك�س تقنية التنقيط وتعدد الأ�صوات تقنية ذات خ�صو�صية تتطلب
المعتمدة( :د�أب م��زاج��ي على ال� ّ�ط��واف مهارات �إ�ضافية للخال�ص من هيمنة الم�ؤلف
تقنيات ومهارات ح��ول طيف لمي�س في �إج��ازات��ي المتكررة، على ال�سرد وم��ن ا�شتراطاته الم�سبقة ،بما
�سردية غير معتادة بالح ْيرة
َ على � ّأن ه��ذا ال�شغف ك��ان مترع ًا يقترب من الفرجة الم�سرحية ،حيث يتبادل
و�أدار �أحداث الرواية وال ّترنح واالرتيابات ،مما جعله ينتهي في عدد من ال�شخ�صيات تقديم حكاياتهم كل من
�أغلب الأحيان �إلى االن�سالخ من توقه �إليها، خالل وجهة نظره �أو قراءته للواقع والحدث
بمهارة وحرفية
إرادي ،ليح ّلق
وان�شغاله بها ،على نحو نزق ال � ّ وزمانه ومكانه.
تمكنت من زج القارئ م�سرات،بعيداً في ف�ضا ٍء ال ه��د�أة فيها وال ّ ه ��ذا ال��ن��م��ط م��ن ال�����س��رد (ال��ب��ول��ي��ف��ون��ي)
في �أحداثها ويتوارى خلف غيمة �أرهقها القلق والذهول، �شائع في الرواية العالمية والعربية ،وكان
يحط ثانية في ال�سنة التالية ثم ال يلبث �أن ّ ّ المنظر الرو�سي ميخائيل باختين � ّأول من ّ
على �أط��راف �إ�شراقتها المتجددة ،لي�صطدم �أوج��د م�صطلحه لدى تناوله �أعمال الروائي
ب�سلوكها العبثي المقيم ،فيرفرف من جديد ال��رو���س��ي ف��ي��دور دو�ستويف�سكي ف��ي كتابه
في �سما ٍء مظلمة ،ويختفي وراء نيزك هارب، �سيما في (الأخوة (�شعرية دو�ستويف�سكي) ،ال ّ
كما لو � ّأن مزاجي بات طيراً من طيو ِر ال�سنونو، ك��رام��ازوف) ،و(الأب��ل��ه) ،و�سرعان ما انتبه
أدمنت الغياب عن موطنها والعودة �إليه التي � ْ الروائيون �إل��ى هذا النمط الجديد من ال�سرد،
تحدثت الرواية في كل َح��ولٍ ،على نحو متواتر ال لب�س فيه، (ال�سيدة مقدمتهم فيرجينيا وول��ف في وفي ّ
ّ
عن (حلب) وال ف�صال). دون��اواي) وباولو كويلو في (�ساحرة بورتو
بو�صفها مدينة ت ��م ��ت ��از ال�����رواي�����ة �إل������ى ج���ان���ب ذل ��ك بد من الإ�شارة بيللو) ،ومن الأدب العربي ال ّ
بتناولها مدينة حلب العا�صمة ال�صناعية القبة)
ّ �راح � أف � �إلى �أعمال نجيب محفوظ في (
(كوزموبوليتية) والكوزموبوليتية ك�أحد المراكز التجارية و(ميرامار) ،و�إل��ى يو�سف القعيد (الحرب في
بانفتاحها على المهمة على طريق الحرير ،وقد �ساعدتها هذه ّ بر م�صر) ،و(الزيني بركات) لجمال الغيطاني ّ
العالم وتعاي�ش المكانة على تجاوز الم�شكالت الناجمة عن وغيرهم.
انفتاحها على العالم و�إمكانية العي�ش لعدد انطلق الأ�صدقاء في �سردياتهم من نهاية
مختلف الجن�سيات إن�ساني من الجن�سيات والثقافات في م�شترك � �أحداث الرواية ،فت�شابهوا في ذلك مع الراوي
ّ
في م�شترك �إن�ساني واحد ،فال يلتم�س الباحث في حلب العن�صرية العليم العارف بمجريات الأح��داث ومواقف
واحد والتطور
ّ البغي�ضة التي ت�سمم عالقات التثاقف �سيما لمي�س ال�شخ�صيات م��ن يع�ضها ،وال ّ
الم�ستمر. باعتبارها ال�شخ�صية المحورية التي جمعت
في ظهور كتابة تغازل الدال ،وت�شاك�سه وت�شغله دون الت�ضحية بالحكاية .فهذه الأخيرة كانت
وت�ستثمر كل قوته ،كتابة ذات رهانات جديدة هاج�سه وان�شغاله في جل متونه الق�ص�صية.
واقت�صاديات نوعية ،مغايرة وظيفتها) على وهذه ال�سمات في الكتابة الق�ص�صية لدى بوزفور،
يلج بعمق �إلى مناطق حد قول الناقد ح�سن الم�ؤذن .ومن ثم؛ فالق�صة ا�ستجابة منطقية للإبداالت العميقة ،التي �أحدثت
ال�سرد المجهولة الق�صيرة عند ب��وزف��ور تخل�صت م��ن الخارج حلحلة في الت�صورات المهيمنة في كتابة الق�صة
بلغة ق�ص�صية تثير الن�صي بالعناية بالداخل الن�صي ،والذوبان في الق�صيرة ،وتغيير المواقف من وظيفة الإب��داع
اال�ستغراب والده�شة م�ساربه ال�سردية ومتخيله الق�ص�صي ،ومنفتحة ب�صفة عامة.
على كل الأ�شكال التعبيرية الأخرى ،كالأ�سطورة والالفت لالنتباه في تجربة بوزفور� ،أنه
والحكاية الخرافية ،وال�شعر وال�سرد ال�شعبي ،وهذا خل�ص �إلى و�ضع نظرية مرتبطة بالق�صة� ،أطلق
ما يتج�سد في الكثير من ق�ص�صه. عليها نظرية التلويث الق�ص�صي ،معتبراً �أن الق�صة
وال يفوتنا �أن ن�شير �إل��ى �أن القا�ص �أحمد الق�صيرة �ضد ال ��دالالت المدركة والمفهومة،
بوزفور ،من الأ�صوات الق�ص�صية التي ي�ستحيل عمودها الأ�سا�س ال�شك في القيم المناق�ضة
تجاوزها �أثناء الحديث عن منعطفات الق�صة والمناه�ضة ،ت�صيب القارئ بالجراثيم الحقيقية،
يحقق بعوالمه الق�صيرة بالمغرب ،نظراً لب�صمته الإبداعية و�ضد �أن تكون اللغة و�سيلة لال�ستالب ،وال تتغيى
الق�ص�صية م�سافة في هذا الجن�س ال�سردي ،وثاني ًا لعمق تجربته الو�ضوح والب�ساطة ،ومق�صديتها ال تنح�صر في
جمالية تثير الت�أمل الق�ص�صية المو�سومة بالثراء والغنى� ،سواء على الفهم والإفهام .وال تركن �إلى اليقينية والإيمان
م�ستوى الر�ؤى والت�صورات التي ت�شكل لديه خلفي ًة القطعي ،وال تحمل ر�سالة ظ��اه��رة ،ه��ذه هي
وتحفز المتلقي معرفي ًة للكتابة .الأمر الذي يدعونا �إلى م�صاحبة ثوابت الكتابة الق�ص�صية لدى �أحمد بوزفور،
هذه التجربة ومناو�شتها نقداً وت�سا�ؤالت ،والتي وعبرها يبين (�أهمية هذه الأ�شكال وفاعليتها
ب�إمكانها �إ�ضاءة عوالم الق�صة
الق�صيرة واكت�شافها .لهذا؛ فهي
تحتاج �إل��ى �أكثر من وقفات
ي�شكل من خالل قرائية للك�شف عن �إبداعيتها،
كتاباته تياراً وع���ن ع��م��ق��ه��ا ف ��ي معالجة
تجريبي ًا بعيداً عن الثيمات والمواقف داخل ن�سيج
الخطاب الق�ص�صي ،وما تزخر
الإبهام وااللتبا�س به بما يمكن و�صفه بالكتابة
على الكتابة ،وتلك ق�ضية في
حاجة �إلى المدار�سة الهادئة
والر�صينة. د .ح�سن الم�ؤذن �إدغار �أالن بو
و�إذاع��ي� ًا ،و�إن�سان ًا من محمد �أبو الأن��وار ،كنا ن�ست�ضيف كبار �شعراء
الطراز الرفيع ،يحتذى م�صر في ذل��ك الوقت مثل طاهر �أبوفا�شا،
ب��ه ك��م��ث��ال ون��م��وذج ومحمد التهامي ،و�أحمد مخيمر ،وعبدالعليم
وق��دوة ،وظل يربطني عي�سى ،وفاروق �شو�شة ،ومحمد �إبراهيم �أبو�سنة،
ب���ه م��ج��ال��ي ال�����ش��ع��ر و�أمل دنقل ،وملك عبدالعزيز ،وال �شك في �أن هذا
والعمل الإذاع��ي ،حين االحتكاك الثقافي المبكر كان من �أهم عوامل
ع��م��ل��ت ب����الإذاع����ات ازدهار التجربة ال�شعرية ،لي�س عندي فح�سب ،بل
عدا للبرامج الم�صرية ُم ّ (الدرعميين) �أي�ض ًا.
ّ عند �أبناء جيلي من ال�شعراء
الأدبية والثقافية في
الفترة من (1975م) ¯ تكتب ال�شكلين العمودي والحديث ،وبالنظر
�إلى (1987م) ،وظلت �إلى ال�صراع بين الجديد والقديم ،كيف ح�سمت
عالقتنا وطيدة حتى موقفك من ق�ضية ال�شكل؟
وفاته عام (2016م)، -لم تعد هناك م�شكلة في �شكل الق�صيدة
وف��اروق �شو�شة �شاعر خليلي ًا ك ��ان �أو ح��داث��ي � ًا ،وال�����ص��راع بين
كبير ،لم ي��� ِأت الوقت الأجنا�س الأدب��ي��ة مفتعل ،بالن�سبة لي ف�إن
بعد الكت�شاف دوره علي �أحد ال�شكلين، التجربة هي التي تفر�ض ّ
ال����رائ����د ف����ي ح��رك��ة �شريطة م��راع��اة التجديد وال��ت��ج��وي��د مع ًا،
ال�����ش��ع��ر ال��م��ع��ا���ص��ر االبتكار والأ�صالة مطلوبان في ِكال ال�شكلين.
ع ��ل ��ى ال��م�����س��ت��وي��ي��ن
ال ��ق ��وم ��ي وال� ��دول� ��ي. ¯ ربطتكم عالقة وثيقة بال�شاعر الراحل فاروق
�شو�شة ،كيف كانت عالقتك ،وكيف كان ت�أثيره
من م�ؤلفاته ¯ عائلة الأن��ور ُتعرف الثقافي فيك؟
ب�أنها عائلة ال�شعراء� ،إ�ضافة �إلى هناك �شقيقك -لفاروق �شو�شة ف�ضل في ذيوع ق�صائدي
ال�شاعر �سماح عبداهلل الأنور ،و�شقيقك الراحل الأول��ى ،و�أنا طالب في الثانوية ،فقد �سبقني
ال�شاعر م�شهور عبداهلل الأن��ور ،وهناك �أي�ض ًا ا�سمي �إلى القاهرة قبل �أن �أفد �إليها طلب ًا للعلم
بيئتي ودرا�ستي في �أوفى عبداهلل الأنور ،ماهي الجذور التي �أدت في كلية دار العلوم جامعة القاهرة ،من خالل
كلية العلوم لهما �إلى ذلك؟ برنامج (كلمات على الطريق) الذي كان يبثه
� -أنتمي �إلى عائلة رموزها من الفقهاء الراحل من الإذاعة الم�صرية ،مع ما كان ين�شره
الأثر الأكبر في
والعلماء ،فجدي لأب��ي �شيخ قرية الع�سيرات لي في ذلك الوقت �أي�ض ًا ال�شاعر مح�سن الخياط
ثقافتي وتجربتي �أوالد حمزة ناحية �سوهاج ب�صعيد م�صر ،عالم في �صحيفة (الجمهورية).
ال�شعرية وفقيه كان مق�صد طالب العلم وطالبي الفتيا، وف ��ي ع ��ام (1973م) �أث ��ن ��اء ال��درا���س��ة
وكانت الع�سيرات تحفل بمجال�س العلم والفكر الجامعية ،عرفت فاروق �شو�شة عن قرب �شاعراً
التوا�صل االجتماعي،
ف��ق��د ه� ّ�م�����ش��ت التقنية
دور ال��ك��ت��اب ال��ورق��ي
-ول���و بن�سبة م ��ا -
على فنون ال ينا�سبها
�أنتمي �إلى عائلة غير الأوراق والأق�ل�ام
رموزها من الفقهاء كالإمالء والخط العربي
والعلماء وال�شعراء واللغة (النحو) ،بوجه محمد �أبو �سنة �أحمد مخيمر
ع��ام ال�سرعة المذهلة
ف��ي جمع المعلومات،
�أ���ص��ب��ح ل��ه��ا ال�����ص��دارة
مقابل تراجع ملمو�س
ل��ل��ث��ق��اف��ة الأ���ص��ي��ل��ة.
والقباب في م�سجد ال�صالح ب�صنعاء ،وهو �أكبر �ضياء مكين ،واحد من المبدعين رواد الفن
و�أحدث م�سجد في اليمن� ،إذ ي�ضم �أعلى قبة في الت�شكيلي المعا�صر ،فهو ع�ضو نقابة الفنانين
العالم ويعتبر تحفة معمارية تتجان�س في فن الت�شكيليين ،وع�ضو جماعة الك ّتاب والفنانين
العمارة الإ�سالمية والعربية. ب�أتيلييه القاهرة ،تخرج في كلية الفنون الجميلة
ول��ه العديد من المعار�ض الفنية الفردية بالقاهرة ،ق�سم الديكور والعمارة الداخلية،
م�صمم ديكور عالمي والجماعية التي �أقامها بلندن والقاهرة ،خالل (1976م) ..وهو لي�س فنان ًا ت�شكيلي ًا فح�سب ،بل
�أبدع �أعما ً الفترة من عام (1977م) وحتى اليوم ،والتي مهند�س معماري وم�صمم ديكور عالمي ،ا�شترك
ال معمارية
تزيد على ( )35معر�ض ًا ،وهو �صاحب ر�صيد كبير في العديد من الم�شروعات المتميزة بمختلف
متميزة في مختلف من اللوحات والمقتنيات الفنية بم�صر والخارج، دول العالم ،وقام بالت�صميم والإ�شراف و�إدارة
دول العالم ويعد �أول فنان عربي يعر�ض �أعماله الت�شكيلية الم�شروعات للعديد م��ن الأع��م��ال المعمارية
في محالت هارودز ال�شهيرة بالمملكة المتحدة. المتميزة والم�شروعات ال�سياحية والتراثية
وقد ا�شتهر مكين برحالته الفنية �إلى �أوروبا، والمعمارية والقرى والحدائق الترفيهية.
حيث �أقام في لندن ثالثة معار�ض فردية عام فهو من �صمم الم�سجد الزجاجي ال�شهير في
(1989م) ،الأول بالمركز الثقافي الم�صري، كواال ترينجانو بماليزيا (كري�ستال م�سجد) ،وهو
والثاني بال�سفارة الم�صرية بمنا�سبة احتفاالت الم�سجد الوحيد والأول من نوعه في العالم .كما
�أكتوبر ،والثالث بجاليري هارودز ،وا�شترك في قام بتلوين الزخارف الداخلية للجدران والأعمدة
�أُخرى من هواة المدينة ،وهي التي انت�سبت ذات ال�شهيرة بمناخ الهدوء والرخاء والعطاءات ككل ال�صبايا الجزائريات و(العربيات)
يوم �إلى الجامعة الم�ستقلة المتخ�ص�صة هناك، الإبداعية لتغدو (�أي المدينة) كوكبها الفني ب�شكل عام ن�ش�أت فريدة قا�سمي ،على جملة
لال�ستزادة من تقنيات العمل ،ال��ذي ال حدود الم�ستقبلي ،ال��ذي تندمج فيه بن�شاطات ال م��ن ال��ث��واب��ت االج��ت��م��اع��ي��ة ف��ي ت��ل��ك البيئة
له ،حتى لو اختلفت في الت�سميات وتعددت م��ح��دودة ،وك� ��أن �ضالتها كانت هناك في المحافظة ،مثل تعلم و�إتقان الحرف المنزلية،
في الأ�شكال ،وبالأخ�ص تلك المتعلقة بالر�سم االنتظار ،من �أجل الت�أقلم الجميل ومبا�شرة والتناف�س فيها ،لي�س فقط لمقاومة الظروف
وبزينة المر�أة في �أي مكان و�أية منا�سبة. االحتكاك والتعلم (�أكثر)؛ لأن مخزون ًا ثري ًا وم�ساعدة الأه��ل ،بل لتجهيز ذواتهن كحرائر
وه��ذه التجربة المهمة في الر�سم والتي كان يرافقها عند مغادرة الجزائر ،لم تحظ به رف تتجاوز الحياكة للم�ستقبل القادم كذلكِ ..ح ٌ
بد�أتها قبل ثالثين �سنة ب�أ�شكال تو�ضيحية ربما في الوطن الم�ضطرب والمنهك ،من جراء والتطريز و�صنع �أدوات الطبخ الطينية ،كالقدور
(لموتيفات) مرافقة لبع�ض القطع الزخرفية،ٍ تطاحن �أهله فيما ُ�سمي وقتها بـ(الع�شرية و(طواجين) (ال ِك�سرة) و�أدوات الق�ش المعروفة
التي �سبق و�أبدعتها قبل �أن تبلورها في ال�سوداء) ،ما ي�شجع على تطويره والتو�سع فيه. وغيرها من ال�ضروريات �أو حتى الكماليات،
المعار�ض المختلفة ،ث��م ت��ط��ورت ف��ي �شتى نعم ف��ي فرن�سا ،بلد ال��ب��ه��اء والإب����داع �إل��ى مهن �ستغدو مع الوقت ثابتة لبع�ضهن،
المعار�ض� ،إلى �أن تعمقت فيها فيما بعد ،في والحرية ،حيث تقترب هذه الفنانة المنطلقة في وبالأخ�ص في المناطق النائية عن الأ�سواق،
التب�سيطات التجريدية الكثيرة ،التي ُعرفت �شتى المدار�س الفنية ،بداي ًة من الفن الت�شكيلي وهكذا تخرج �إلى الدنيا �صبية تحمل في كل
بها مثل الرموز والوجوه والمناظر الطبيعية وفنون الخياطة ،وم��ن بعدهما الحلي (وما �إ�صبع مهنة تتباهى بها كما يقال.
الخالبة وخالفها ،م�ستخدمة الأل��وان المائية �أدراك ما الحلي) ثم �إك�س�سوارات زينة المنازل، م��ن ه��ذا المحيط ال��ث��ري ت��غ��دو �ضيفتنا
والإكريليك وقلم الر�صا�ص� ،إل��ى �أن و�صلت مثل الحفر على الزجاج ب�شقيه اليدوي والآلي، (معلمة اللغة العربية) القادمة من �سوق �أهرا�س
بتلك الطاقات الإبداعية الجمالية ،و�إلى حالة واللوحات الزيتية وما يلحقها ،وكذلك �صناعة ب�أق�صى ال�شرق الجزائري ،المدينة الحاملة
�أكثر خ�صب ًا وتمكن ًا تخاطب فيها الوجدان �شتى الكماليات الدارجة وقتها ،وكلها هوايات لموروثات التاريخ وجمال الطبيعة وعنفوان
والعاطفة.. ت�شكل فيما بينها ح��واري��ة جميلة وفاعلة، النا�س ،لتندمج في مجتمع مدينة (عنابة) غير
ولوحات فريدة قا�سمي بفتنتها و�إن كانت عندما تعر�ض في الم�ساحات والف�ضاءات البعيدة ،والأكثر انفتاح ًا قلي ًال فتجد ال�ساحة
�صغيرة الم�ساحة �إال �أننا نجد ب ��أن الفنانة المنت�شرة في المدينة ،وبالأخ�ص �إذا كانت �أك��ث��ر رح��اب��ة ،رب��م��ا م��ا يتيح لها االن��دم��اج
تحملها الن�ص الجمالي متكام ًال ،والجميل �أننا ح�صلة لعمل جماعي ،ي�ضم نخبة مهمة ٍ �ضمن ُم وتطلع في محيطها الجديد بما ٍ بفائ�ض ٍ
�شغف،
عندما ن�س�ألها عن �إمكانية تكبير تلك الأعمال، من �سيدات (في�شي) والقادمات �إليها من �شتى في ذلك هواية التمثيل في المدر�سة حيث تعمل،
تجيب ب�أنها تف�ضلها دائم ًا بالحجم ال�صغير، البالد والجن�سيات القريبة �أو البعيدة (برتغالية، وما ي�صحبها من ن�شاطات متاحة كالريا�ضة
حتى تكون في متناول الجميع من �أجل ن�شر هولندية ،يابانية ،جزائرية ،وفرن�سية بطبيعة وطموح
ٍ لعط�ش
ٍ إرواء
وال��رح�لات والحفالت � ً
الفن ،وك�سب �أكبر عدد من ُع�شاقه. الحال) ،يجتمعن دائم ًا لت�شكيل وحدة ثقافية وتطلع �إلى غد �أجمل ،عله يعو�ض قدر الإمكان
نعم لقد وجدت الفنانة فريدة قا�سمي ،في متكاملة ف��ي طموحاتها ،وق��د انغم�ست كل حرمان ًا ،تر�سخ �إبان مرحلة اال�ستعمار البائ�سة
الألوان المائية والزيتية بكل ما تتميز به كل منها في العمل الجميل� ،ضمن ور�شات منظمة في وطنها ككل.
منها ،من خ�صائ�ص ب�صرية وجمالية ،و�سيلة ترعاها المدينة ،المتطلعة دائم ًا �إلى الإ�شعاع وت��ظ��ل المعلمة الن�شيطة م��دم��ن��ة على
موفقة لإنجاز لوحاتها ،فكانت بطبيعة الحال والتفوق والفوز بالألقاب العمرانية والخدمية التفا�ؤل والفرح ،كلما اقتربت والت�صقت بهواية
الأل��وان ال�صريحة النقية لديها هي الغالبة، وال�سياحية. جديدة ،من الممكن �أن ت�ضيف �إلى طموحاتها
لأنها كما تقول� :إنها ت�سمح دائم ًا بانبعاث نعم هنا تتميز (فريدة قا�سمي) من بينهن مزيداً من ال�سعادة والعطاء� ،إل��ى �أن تغادر
ال�ضوء ،خالف تلك المخلوطة �أو المركبة. بفائ�ض الحما�س والتفاني في تطوعها� ،إ�ضافة عام (1992م) بعد ال��زواج والتقاعد الجزئي
�إن فنون الر�سم بالن�سبة لفريدة قا�سمي، ٍ
لمجموعة �إثر �إلى ذلك لتقديم الدرو�س التقنية من التدري�س باتجاه مدينة (في�شي) الفرن�سية
الت�شكيلية ب�شكل عام ولكن كيفية ت�شكيل رمزية ه��ي ح��اج��ة ي��وم��ي��ة تعتمد عليها دائ ��م�� ًا ،كي
وعمق ال��دالالت ،التي تحملها وتقدمها للم�شاهد، ت�ستطيع ر�ؤية الألوان ،وهي تزهو بكل ف�صاحتها
وم��دى مهارة الفنان على القول والإف�ضاء من وبوحها ،وعليه كذلك اعتمدنا نحن (من اقتربنا)
خاللها باللغة الب�صرية ،وب�شكل يجعل من تعدد من لوحاتها حتى ن�شاهد تلك الإبداعات� ،ضمن
انطلقت كمعلمة للغة قراءات اللوحة �أمراً جوهري ًا فاع ًال. مناخ متحرر كما يقت�ضي الح�س ،برغم فو�ضى
العربية وتحولت ولدت الفنانة فريدة قا�سمي في مدينة �سوق التنوع في تلك اللوحات� ،سواء الزيتية �أو المائية
�أهرا�س ،وحتى و�إن كانت قد انطلقت مت�أخرة بعد �أو غيرهما ،من ت�شكيالتها الم�شغولة بمختلف
�إلى فنانة ت�شكيلية ا�ستقرارها في مدينة (في�شي) الفرن�سية بت�أثير التقنيات ،والتي ال ت�شعرك �أبداً ،عندما تطيل الت�أمل
�شاملة جملة من المحر�ضات والدوافع� ،أهمها الموهبة فيها ب�أي ملل� ،إذ �إنها تت�سع لق�ضاء ال�ساعات مع
الأ�صيلة التي امتلكتها و�أخ���ذت طريقها �إل��ى محتوياتها (الطبيعية مث ًال) من طيور �أو �أ�شجار
الإدم��ان� ،إال �أنها ،وعلى الرغم من هذه التجربة �أو �أنهار �أو جبال �أو ثلج �أو �أمطار ،من �أ�سا�سيات
تلق ما ت�ستحق من درا�سة واهتمام، الغنية ،لم َ الطبيعة الفاتنة ،والتي ت�أخذك بدورها �أحيان ًا
من قبل النقاد الجزائريين �أو غيرهم من العرب، �إلى التجريد المركب الذي يبعد العين �أحيان ًا عن
و�إنما ظل االحتفاء بها منح�صراً في محيط مدينة التب�سيط العفوي الطفولي.
وجدت في مدينة (في�شي) وحدها الأمر الذي يدعونا �إلى االنتباه �إلى لقد وجدت فريدة قا�سمي ،في مدينة في�شي
(في�شي) الفرن�سية ما ذلك واالقتراب من هذا الغزل ،وهذه الت�شكيلة من مدر�سة كبيرة ل�شتى الفنون ،فف�ضلت اال�ستقرار
الأجنا�س الفنية التي تقدمها منذ �أكثر من ثالثين بها منذ زمن طويل والت��زال برفقة زوجها الذي
تحتاج �إليه من �أجواء �سنة على حواف الثراء والتنوع.. منحها الأم��ان والم�ساندة ،ولم يكن دفتر الر�سم
تتالءم مع �شخ�صيتها نالحظ �أن فريدة قا�سمي هي من المبدعات يفارقها حتى في ترددها الم�ستمر على بلدها
كفنانة الالئي يعملن كثيراً وال يتحدثن �إال قلي ًال ،كما الجزائر في المنا�سبات المختلفة ،لذلك فهي �إما
فهمنا من تلميحاتها المتوا�ضعة ،عندما تجيب �أن تر�سم �أو ت�صنع الكماليات ،حتى تراكم لديها
عن ت�سا�ؤالتنا ،حول هذا البذخ والعطاء دون �أن ع�شرات الدفاتر المزدحمة والأعمال التي نفذتها،
ي�صاحب ذلك �إ�شهار �أو تعريف �إعالمي على الأقل، �سواء في المقاهي �أو الحدائق �أو ور�ش الن�شاط التي
ومازالت تعتبر ذلك مجرد هواية لتم�ضية الوقت ترتادها حيثما تكون ،ونعتقد �أنها في ُجملة ما
و�إراحة النف�س فقط. تبدع ،ال تميل �إلى نوع معين من الفل�سفة� ،سواء
من الفنانات اللواتي عندما �سافرت ه��ذه المبدعة الكبيرة �إل��ى في الر�سم �أو غيره من الفنون ،بل هي تميل �أكثر
يعملن كثيراً وبجهد مدينة (في�شي) الفرن�سية كانت محملة بالأحالم �إلى الأعمال ال�سريعة والمتكاملة ..فهي مث ًال تتمنى
والطموحات والم�شاريع والمزيد من الذكاء الذي �أن يكلفها �أحدهم ذات يوم ب�أن تنجز له في بيته
ويف�ضلن البعد عن كان �ساعدها الأيمن في االختيار واتخاذ قرار جملة الديكورات واللوحات والزخارف ال�صغيرة
الأ�ضواء الولوج �إلى هذا الميدان.. والكبيرة ،وتن�سيقها مع الجدران والزوايا والمداخل
وكانت تحمل �إ�ضافة �إل��ى ذلك القرار ..روح وبقية الم�ساحات ،هكذا هو الفن بالن�سبة لهذه
طفلة ت�سمو �أح�ل�ام اليقظة عندها حتى تبلغ الفنانة بعيداً �إلى حد ما عن الت�أثيرات والتعبيرات
درجة ال�شغف ،وبالأخ�ص عندما تجد على حواف التي تذهب في التفكير نحو المدار�س المعقدة
ه��ذه المدينة اال�ستثنائية وحدائقها ودروبها وفل�سفاتها ،ولكن قريب ًا دائم ًا من التقنيات والتنوع
وطبيعة النا�س الحالمين (مثلها) ما ُيلبي رغبات وفي المواد كعوالم ال حدود لها.
على رغم كل ما حققته كل م�شاعرها وحوا�سها ال��واح��دة تلو الأخ��رى، تر�سم ف��ري��دة قا�سمي� ،أو تنفذ الديكورات
فالموقع المتفرد لـ (في�شي) كان يوحي لها دائم ًا بمرافقة �صوت الفنانة الملهمة فيروز ،دائم ًا حتى
من نجاحات لفتت انتباه باال�ستعارات ال�شكلية واللونية والروحية ،كذلك ترى كما تقول الأل��وان والأ�شكال بو�ضوح �أكثر،
الفنانين والنقاد في المح�صلة الخا�صة
ِّ للو�صول بعالمها �إل��ى تلك وك�أنها تقول عن الفنان ،الذي ال ير�سم �أو يعمل
بالتعبير البليغ ،الذي تتمناه لأعمالها والو�صول بم�صاحبة المو�سيقا و�إلهامها هو عديم الإح�سا�س..
الغرب التزال تعتبر
بها �إلى الأ�ساطير. وككل فناني عالم ال��ي��وم ،ل��م تعد ت��رى �أن
نف�سها هاوية هذه هي فريدة قا�سمي ،الفنانة التي ت�صر اال�صطفافالإ�شكالية النقدية اليوم ظلت تتمثل في ْ
على التوا�ضع ،كلما اقتربنا بها من ال�سيرة الذاتية اللوني� ،أو في �صنع هارمونات لونية محددة �أو
الثرية التي تخجل من �سبر �أغوارها بال�ضبط ،كما غير محددة� ،أو في ا�ستخدام الخامات المختلفة
حقول (البوقرعون) في مدينتها �سوق �أهرا�س، ال�سمات التي يتم اللجوء �إليها والمتنوعة ،وهي ِّ
عندما تزهر قانية �شامخة ،ولكن في خفر مهيب. �أو �إلى تو�صيفها عادة في القراءات الجادة للفنون
جوليو روزاتي..
ع�شق ال�شرق و�ص ّوره
وبالو�صول �إلى تكامل العر�ض الم�سرحي ،بد�أ ط��وال ق��رون ك��ان الم�سرح ه��و الحكواتي
الم�سرح يطور نف�سه من خالل �أداتيه الرئي�سيتين الوحيد للنا�س في �سهراتهم ،لكن في �أول القرن
وهما :الممثل والكلمة .فبد�أت تظهر �أ�ساليب الع�شرين اخترعت الب�شرية فن ًا جديداً �شكل خطراً
جديدة في التمثيل لتزيد من براعة الممثلين، كبيراً على الم�سرح وهو ال�سينما ،وهي فن يقدم
وال ُكتاب �أ�صحاب الكلمة في الم�سرح �أخ��ذوا كل ما يقدمه الم�سرح لكن ب�شكل �أمتع و�أكثر
حمل يجدون �سب ًال جديدة في الكتابة لكي ُت َ �إبهاراً؛ ففيها الحكاية وتمثيلها والفكر والجمال،
أكثر �شحذاً للفكر والمخيلة
كلمتهم على �أجنحة � َ وهي فن جمعي يح�شد مئات النا�س في المكان
والجمال .وك��ان ذل��ك �أي�ض ًا وجه ًا من وجوه الواحد كما يفعل الم�سرح ،ف�سرقت منه الجمهور
الوقوف �أمام طغيان ال�سينما� .أما الإخراج الذي ال��ذي ظل ط��وال ق��رون ال يجد فن ًا جامع ًا غير
ينظم الممثل والكلمة ف�صار ُيبرز التجديد الذي ِّ الم�سرح .وهنا �أخذ الم�سرح يعيد النظر في و�سائله
أبطال فن التمثيل .ومنكتاب الكلمة و� ُ
ُ فيه �سار و�أدواته ،وكان في ذلك خير كثير و�شر كثير.
هنا ظهر ما ي�سمى بــ(الر�ؤية الإخراجية) .ولعل و�أول مظاهر الخير والدة المخرج الذي �أعاد
في بدايات القرن �أو�ضح مثال على ذلك �أن ن�ص ًا ما يتناوله عدد النظر في ترتيب عنا�صر العر�ض الم�سرحي،
من المخرجين ،فتجد عند كل واحد منهم �أ�شكا ًال لتقديم �شكل �أبهى ي�ستطيع ال�صمود في وجه
الع�شرين ابتكرت في الأداء وتقديم ال��ر�ؤي��ة تفتنك حتى ك�أنك الوح�ش المفتر�س الجديد� .أما �أول مظاهر ال�شر
الب�شرية فن ًا جديداً ت�شاهد الن�ص لأول مرة ،و�إذا بالم�سرح يرتقي فهو �أن الم�سرح حاول �أن ي�ستعير بع�ض �أدوات
�شكل خطراً على ليعمق جانبه الفكري والجمالي .ولأن ِّ بنف�سه ال�سينما لكي يتغلب عليها .و�ساعده اكت�شاف
الم�سرح �أال وهو الم�سرح ا�ستفاد من التقنيات التي يقدمها التقدم الكهرباء على تغيير جذري في �أ�سلوب العر�ض
الفن الم�سيطر على حفالت ال�سمرالعلمي ،فقد ظل َّ الم�سرحي ،ومع �أن الكهرباء جعلته �أكثر جما ًال،
فن ال�سينما
برغم �صاالت ال�سينما التي تملأ كل �أحياء المدن. �إال �أن الخطر جاء من تخلي الم�سرح في كثير
فلل�سينما متع ُتها ،وللم�سرح متع ُته وهما نوعان من الأحيان عن االعتماد على ركنيه الأ�سا�سيين
من المتعة يتجاوران وال يتناف�سان. وهما (الممثل والكلمة) .وكاد الإ�سراف في هذا
لكن ف��ي منت�صف ال��ق��رن الع�شرين جاء التخلي يق�ضي على خ�صو�صية الم�سرح في �أنه
مناف�س �شديد الخطورة للم�سرح وال�سينما مع ًا �صلة حية بين فريق �إن�ساني وفريق �إن�ساني
وه��و التلفزيون؛ وه��ذا الوح�ش الكا�سر �سرق �آخ��ر ب�شكل مبا�شر .وه��ذا ال�شيء ال ت�ستطيعه
النا�س الذين كانت ال�سينما قد �سرقتهم من ال�سينما .فباءت كل م��ح��اوالت �سرقة �أدوات
قبل ،خا�صة �أنه متوفر في البيت .فكان طبيعي ًا ال�سينما ال�سترجاع الجمهور بالف�شل ،ولهذا عاد
�أن يرتعد الم�سرح خوف ًا من هذا العدو الجديد، الم�سرح �إلى طبيعته الأول��ى في االعتماد على
وكان خوفه �أكبر بكثير من خوفه من ال�سينما. الممثل والكلمة لكن ب�شكل جديد ،جاء نتيجة
وال ُين َكر �أن ال�سينما والتلفزيون قدما بع�ض والدة المخرج .وهو ما ُ�س ِّم َي (تكامل العر�ض
الن�صو�ص الم�سرحية .و�أ�ضاف التلفزيون �إلى الم�سرحي).
�إلى ابتكار نوع جديد من الأفالم هو (الأك�شن)، الم�سرح �إعالم ًا لم يكن متي�سراً له من قبل ،فهو
ف�إن الم�سرح ركب ال�سينوغرافيا الب�صرية التي منبر للدعاية الإعالنية ،وهو ي�ست�ضيف العاملين
هم الم�سرحيين في العالم ،وهذا االتجاه �صارت َّ في الو�سط الم�سرحي ويتيح �أحيان ًا للم�سرحيين
�أ�سهم بروز فن الذي �أ�صبح هو�س الم�سرحيين يقوم في الدرجة بع�ض النجومية التي يح�سدون التلفزيونيين
الأولى على مادة ن�صية ولي�س على ن�ص م�سرحي على نيلهم الكثير منها ،وقام التلفزيون بت�صوير
ال�سينما في الت�أثير قوي ،لأن هذا الن�ص يجبر المخرج على تقديم وعر�ض كثير من الم�سرحيات من مختلف �أنحاء
في الم�سرحيين الحوار ب�شكل عميق يقوم على �أداء الممثل ،ولن العالم ،ف�صار المرء بوا�سطته ي�شاهد م�سرحيات
و�سعيهم �إلى �إعادة يتحقق للممثل �أن ي�ؤدي حوار الن�ص الم�سرحي لم يكن يحلم يوم ًا �أن يراها �إال �إذا قطع الم�سافات
النظر في م�سرحهم العميق �إال �إذا كانت الو�سائل الب�صرية في ال�شا�سعة لر�ؤيتها ،لكن هذه الخدمات الرفيعة
العر�ض الم�سرحي في خدمة دوره ،مما ُيخرجها ال��ت��ي قدمها التلفزيون ك��ان يقابلها �سرقة
و�أدواته
من دائ��رة ال�شكالنية والإبهار الب�صري ،وهذه الجمهور من الم�سرح ،وهكذا ب��د�أ الم�سرحيون
المادة الن�صية ُتك َتب ب�شكل (�سيناريو) مهمتها �أن يبحثون ب�شكل محموم عن و�سائل تعيد �إليهم
تتيح للمخرج �أن يقدم الإبهار الب�صري قبل �أن بع�ض ما ُ�سرِق منهم ...فهل انت�صر الم�سرح في َ
يقدم �أدب ًا م�سرحي ًا كما كان الحال من قبل ،وقبل معركته؟
�أن يقدم ممث ًال يجيد �أداء الدور الم�سرحي ،و�إذا لقد نجح الم�سرح ف��ي ال��وق��وف ف��ي وجه
بالعن�صرين الأ�سا�سيين اللذين قام عليهما فن ال�سينما عندما عاد �إلى �صقل �أداتيه الرئي�سيتين،
الم�سرح وهما (الكلمة والممثل) يختفيان تحت فتو�صل �إل ��ى العر�ض الم�سرحي المتكامل،
�أطباق حوار غير درامي ،وتحت �أطباق المكياج لكنه خ�سر معركته مع التلفزيون عندما بد�أ
في منت�صف القرن والإ�ضاءة وتحت ركام ال�سينوغرافيا .وبذلك غاب الم�سرحيون البحث عن الو�سائل التي تعيد �إليهم
الع�شرين ظهر �أو �ضعف الن�ص الم�سرحي ،وبدا الم�سرح وك�أنه جمهورهم الم�سروق منهم والمكانة التي ان ُتزِعت
المناف�س الأكبر يدير ظهره لكل ما تعلمه من �إت��ق��ان العر�ض تو�صلوا �إلى
منهم .ولكي يحققوا االنت�صار عليهَّ ،
للم�سرح وهو الم�سرحي المتكامل ،و�إتقان الكتابة الم�سرحية �أخطر �أ�سلوب وهو �أن ي�سرقوا من التلفزيون بع�ض
ليقدم عر�ض ًا متقن ال�شكل ف��ارغ الم�ضمون. �أدوات ��ه و�أ�شكاله ،لعل الم�سرح يفتن جمهوره
التلفزيون لقد �أعلن الم�سرحيون موت الكاتب الم�سرحي، كما يفتن التلفزيون متفرجيه؛ فقد ا�ستخدموا
و�أعلن لهم الم�سرح نف�سه عن موت الممثل لأنهم الإمكانيات الآلية مثل ا�ستخدام �شا�شات ال�سينما
عن�صري الم�سرح
َ ا�ستبدلوه بالبهلوان ،فقتلوا للعر�ض الخلفي �أثناء التمثيل على الخ�شبة مث ًال،
اللذين ي�شكالن جوهره. ما يعني �إيجاد �إمكانيات تكتيكية متقدمة ت�سمح
بعد �أك��ث��ر م��ن ع�شرين ع��ام� ًا – وه��و عمر بقدر �أكبر من الحركة والحيوية .وفي حالة وجود
الم�سرح التجريبي الدولي في القاهرة -من خ�شبة م�سرح �أو �صالة متحركة �آلي ًا ،يمكن تغيير
ه��ذه المحاولة اليائ�سة ،ب��د�أ الم�سرحيون في المنظر والمنظور ب�شكل م�ستمر ،ول��ج��ؤوا �إلى
العالم يكت�شفون �أن اللهاث وراء تقليد التلفزيون تقنيات الإ�ضاءة وما يتفرع عنها من تقنيات
�أو�صل م�سرحهم �إلى الباب الم�سدود ،واكت�شف الأقنعة وغير ذل��ك مما ي�ستخدمه التلفزيون
لج�أ الم�سرح �إلى النقاد والجمهور �أن الم�سرح ي��ح��ارب نف�سه ب�سهولة .لكن الم�سرحيين بهذا ال�شكل اقترفوا �أكبر
التقنيات الجديدة ويخ�سر �أ�سلحته في معركته في مواجهة ذلك خط�أ يمكن �أن يحاربوا به �أنف�سهم وم�سرحهم،
الوح�ش ال�صغير الحجم الكبير الت�أثير القابع لأنهم �أخ��ذوا يناف�سون التلفزيون بو�سائله ال
واعتمد الفنون
في زوايا البيوت كالتعويذة ال�سحرية .ومع �أن بو�سائلهم .وب��د�أت هذه المناف�سة ت�أخذ �شكلها
الب�صرية وتقوية هذا االكت�شاف �أ�صبح وا�ضح ًا كما �صار ابتعاد ال�سافر في العقد الأخير من القرن الع�شرين حتى
الممثل الجمهور عن الم�سرح �أم ��راً ال يمكن تجاهله، اليوم .وهكذا دخل الم�سرح في نفق ال�شكالنية؛
ف�إن الم�سرحيين في العالم مازالوا يلهثون وراء هذه ال�شكالنية هي التي �أدخلت الم�سرح �إلى
تفرع عنها من هجر الن�صو�ص ال�شكالنية وما َّ ترد
تقليد التلفزيون ،لعل لعبة التلفزيون الفاتنة ُّ
القوية التي ال يمكن ت�أديتها �إال �ضمن �شروط �إليه الجمهور الذي قبع في البيوت �أمام الجهاز
العر�ض الم�سرحي المتكامل .وه��ذا هو الحال ال�صغير .و�إذا كانت ال�سينما قد زادت من جرعة
الذي و�صل �إليه الم�سرح في العالم وفي الوطن الإث��ارة با�ستخدام الكمبيوتر لتتغلب على فتنة
العربي. التلفزيون ،وتحولت �إلى �أفالم تلفزيونية و�صلت
الأكاديمي الم�سرحي
ح�سن المنيعي
�أنور محمد
من الرموز الثقافية التنويرية
حياته ي� ِّؤ�صل فيه لهذا الفعل ال�سامي؛ الفعل د .ح�سن المنيعي ،الناقد والمف ِّكر والباحث
الم�سرحي في �سياقه االجتماعي. والأ�ستاذ الجامعي الذي رحل منذ �أيام ،والذي
ح�سن المنيعي في بحثه؛ في م�شروعه ا ّت�سم فكره النقدي بالغيرة على ال�شخ�صية
لم يكن ُي�ص ِّنع نقداً وم�سرح ًا مغربي ًا .ففي اتجاه ًا فل�سفي ًا
المغربية والعربيةّ � ،أ�س�س ّ
حفرياته ع��ن ب��داي��ات الم�سرح المغربي، في النقد الم�سرحي العربي ،خا�ض من �أجله
كان يبحث عن الهوية الفردية والجماعية �صراع ًا (دارويني ًا) للبقاء ك�أُ ّمة �صاحبة (عقل)
�أ�س�س اتجاه ًا جديداً لل�شخ�صية المغربية بما فيها م��ن رم��وز يدعي نقدي وهوية ثقافية .وه��و بذلك ال ّ
في النقد الم�سرحي ثقافية ،ووم�ضات تنويرية .كان يقر�أ الدوافع امتالك حقائق النقد� ،أو علم النقد .هو بحث
العاطفية لم� ِّؤ�س�سي الفعل/الحراك الم�سرحي، في الوجدان الوطني والقومي بعقلية المث ّقف
العربي ومكنوناتهم الروحية ومعاناتهم التراجيدية، (الع�ضوي) ولي�س بعقلية ال�سلطة .بالت�أكيد
كان يقر�أ الفكر االجتماعي ال��ذي بنوا على ممن ي�شتغلون وربما كثيرون ّ
�سيختلف بع�ضّ ،
�أ�سا�سه م�سرحهم بب�ساطته ،و�أحيان ًا �سذاجته، في الم�سرح مع �آرائه ،وقد ي�ضعونه في مو�ضع
فالحياة حرك ٌة عملي ٌة تاريخية فكرية� ،إنما ال�شبهة ب�صفته �صاحب ر�أي ُمعار�ض.
تعي�ش معنا،
ُ لتتحول �إلى �أفعال� ،إلى �صورٍ ح�سن المنيعي مار�س التفكير النقدي
أفعال ل�شخ�صياتفتقلقنا وتثيرنا وت�ؤ ِّثر فيناٌ � . بحرية المث ّقف ال��ذي يخ�شى على �شخ�صية ّ
برغم موتها في مرحلتها التاريخية� ،إ ّنما ال ّأمة من �أن ت�ضيع في الحداثة وما قبل وما
ما تزال تحيا ،تعي�ش ،ت�ؤ ِّثر فينا وتبعث تلك بعد الحداثة .وكما ا�شتغل على التراث فهو لم
الن�شوة ونحن ن�شوفها على خ�شبة الم�سرح يبرئه ،فمن ي�شتغلون التراث نظري ًا وعملي ًا ِّ
فته ّزنا ،ونتعاطف م��ع م�صائرها نف�سي ًا مبرئين من تزوير ودف��ن قيم الحق لي�سوا ّ
مار�س التفكير
وروحي ًا .هذه ال�شخ�صيات هي التي كان يبحث والجمال والأخ�لاق .طبع ًا هو في درا�ساته
النقدي بحرية عنها ح�سن المنيعي في حفرياته النقدية؛ لم يقطع ،ولم يبتر العالقة مع التراث ،بل
المثقف الحري�ص يرد ،ي�صفع لقد كان مثل (بروميثيو�س) وهو ُّ كان ي�أخذ ما يراه حقيقة وهو ي�ش ِّغل مب�ضعه
على �أمته (زيو�س) بم�ساندته للإن�سان كي يح�صل على العلمي في البحث والنقد المادي العقالني.
النار فيحيا /يعي�ش ،ولو دفع حياته ثمن ًا وكما الم�سرح حقل وميدان �صراع الأفكار عبر
لمبادئه. تج�سيدها فع ًال؛ حركة على الخ�شبة /الركح،
الم�سرح العربي ال يحتاج �إلى نظريات ف �� ّإن الت�أريخ والتاريخ مليئان بالتوترات
منطقية /ريا�ضية؛ و� ْإن احتاج ،فهو يحتاج القوة الماديةالدرامية التي تت�ش ّكل منها تلك ّ
�إل��ى مفكرين عملياتيين� ،أبحاثهم تبد�أ من للحياة؛ حياة ذاك الم�سرح ال��ذي �أم�ضى
م�شهد من الفيلم
كما نرى في رحلة (ب��اي) الكثير من معاني لم ي�صدقاها ،ف�ألف لهما ق�صة �أخرى من خياله.
الإن�سانية وال�صداقة بينه وبين النمر ،منها في رواي��ات البحر ع��ادة ما يكون البطل
ا�صطياده لل�سمك و�إطعامه للنمر الجائع ،وحزن عن�صراً كافي ًا للت�شويق ،خا�صة عندما ت�ضعه
ج�سد الفيلم ال�صدام (باي) ال�شديد عند رحيل النمر (ريت�شارد باركر) في جزيرة غير م�أهولة ،كما في فيلمي (Cast
دون �أن يودعه. )awayو( ..)All is lostو�أول مالحظة يمكن
بين ما هو حقيقي وما ح�صد الفيلم �أربع جوائز �أو�سكار ،وهي: ت�سجيلها عن الرواية/الفيلم ،هو ال�صدام بين
هو خيالي جائزة �أف�ضل مخرج ،وجائزة �أف�ضل مو�سيقا ما هو حقيقي وما هو خيالي� ،أحدهما على قدر
ت�صويرية ،وجائزة �أف�ضل ت�صوير ،وجائزة من المعقولية والآخر على قدر �أكبر من الخيال
ور�شح كذلك لثالث �أف�ضل ت�أثيرات ب�صريةُ . الجامح .وهو مزيج يبقي قدراً من المعقولية
جوائز غولدن غلوب ،وقد �صور الفيلم بتقنية على الأحداث الخيالية في الفيلم ،لي�س بمعناها
الـ( .)3dوبلغت �إيراداته �أكثر من ن�صف مليار الحرفي الواقعي ،ولكن بمعناها الأدبي ،الذي
دوالر. يرى �أن الرواية لي�ست و�صف ًا لعالم واقعي ،بل
هي و�صف لعالم موازٍ .
في الفيلم دعوة للإيمان والت�سامح
والإخاء بين الأديان ،نراها من خالل
مناجاة (باي) ربه .كان (باي) ي�شعر
مقد�سة،
ب�أنه يتحرك داخل رحم كونية ّ
ي�صاحب ذلك �إح�سا�سه الدائم بال�سمو
واالبتهاج والفرح .كما ورد في الفيلم
الكثير من العبارات التي ت�ؤكد فكرة
الت�سامح ،ومنها قول (ب��اي) في �أحد
م�شاهد الفيلم�( :إن الإيمان منزل به
الكثير من ال��غ��رف)؛ فجميع الأدي��ان
ت��ح��ث ع��ل��ى ال��ح��ب وال��ت��ع��اي�����ش بين
النا�س ،وتوحيد قلوبهم على محبة اهلل.
م�شهد من رومانيا
تنح�صر وظيفتها فى طابع اال�ستخدام ،و�إن ال�شخ�صيات الرومانية في الفيلم كما في
�أنتجت جماليتها الخا�صة من دون اال�ستعانة الحياة يتبادلون الأحاديث ب�سرعة مع الغرباء
بم�ؤثرات �صوتية ومو�سيقية كثيرة ،وب��أداء عن زوجاتهم و�أبنائهم وهمومهم العائلية.
طبيعي تلقائي ،لم تخرج الكاميرا على معالم وجاء �أداء الممثل فى دور ال�سيد الزار�سكو،
يدين الفيلم
مدينة بخار�ست الجميلة ...ي�شابه الفيلم والممثلة فى دور الممر�ضة تلقائي ًا �سل�س ًا
التعقيدات الإدارية �أ�ساليب ومو�ضوعات ال�سينما الرومانية بمالب�سهما اليومية ومن دون �أي مكياج �أو
وي�سلط ال�ضوء على التي تدين المرحلة ال�سابقة برفق وبحرفية �إك�س�سوارات .كذلك منح المخرج الفيلم بع�ض
تردي الو�ضع ال�صحي فنية عالية ..كذلك يدين الفيلم اليبروقراطية لحظات الكوميديا ،على ال��رغ��م م��ن قتامة
الإداري�����ة والإج�����راءات الكتابية المعقدة، المواقف من خ�لال �إ���ص��رار ال�سيد الزار�سكو
والأحوال ال�صحية المتردية ،وتقاع�س الأطباء على نفي المر�ض ،وال�سخرية من الطبيب الذى
ونق�ص المعدات وك�سل الممر�ضات. ن�صحه بالتوقف عن الإدمان ،مردداً :انا �أدمن
من حر مالي وال �أدخ��ل يدي في جيب �أحد..
وعندما قال له الجار يجب �أن تتخل�ص من
القطط؟
رد عليه :ولماذا ال تتخل�ص �أنت من ميكي..
�أتق�صد زوجتي..؟ نعم زوجتك.
في فنيات الإخ ��راج ال�سينمائي ،اعتمد
المخرج على التقطيع ال��ن��اع��م ،واالنتقال
ال�سل�س بحركة كاميرا هادئة مف�ض ًال اللقطات
المتو�سطة في �أغلب م�شاهد الفيلم ،والكاميرا ال
تتبع حركة الممثلين فقط بل تتيح لهم الحركة
داخل �إطارها بحرية؛ يدخلون ويخرجون وهم
ي��رددون ال��ح��وارات والكلمات العابرة و�سط
�إ�ضاءة ب�سيطة من م�صادر �ضوء غير معقدة
من �أحداث الفيلم
«المعقول والالمعقول
في تراثنا الفكري»
لـ زكي نجيب محمود
ومازلنا �إلى يومنا هذا نرقد �إلى حكمتهم ب�����داي�����ة ،ي���رى
هذه ،فترد على �أل�سنتنا روائع ما قالوه في ال ��ك ��ات ��ب � ��ض ��رورة
ذلك �شعراً ونثراً ،وك�أننا كلما نطقنا برائعة م��ع��اي�����ش��ة ثقافتنا
من تلك الروائع قد اتجهنا لدعم نظرتهم ال��ع�����ص��ري��ة بحيث
للحياة في وجداننا ،بيد �أن هذا ال ينفي ت��ج��ت��م��ع ث��ق��اف��ت��ن��ا
نزوعنا �إلى التحديث الثقافي. الموروثة مع ثقافة نجالء م�أمون
كما ي�ؤكد الكاتب �أن التراث العربي ه���ذا ال��ع�����ص��ر ال ��ذي
زكي نجيب محمود �أو�سع من المحيط ،و�أن طريق العقل في نحياه� ،شريطة �أال ي�أتي هذا االجتماع بين
ثقافة عري�ضة طويلة كالثقافة العربية ال الثقافتين تجاوراً بين متنافرين ،بل ي�أتي
كما ي�ضيف الكاتب� ،أن��ه �إذا التم�سنا يكون قائم ًا وح��ده ،بحيث ال يجد ال�سائر ت�ضافراً ين�سج بين خيوط ال��م��وروث مع
طريق العقل في الثقافة العربية ،فمعنى ذلك طريق ًا �سواه ،بل ال بد �أن يخالطه كل ما خيوط الع�صر ن�سج اللحمة وال�سدى ،كما
�أننا نبحث عن خيوط اللحمة في ن�سيج ،دون يخالط الطبيعة الب�شرية من جوانب �أخرى يذهب �إلى �أن النظرة العقلية برغم اختالطها
خيوط ال�سدى ،عالمين ب�أن اللحمة وال�سدى غير جانب العقل ،فالإن�سان كائن ًا ما بكثير ج��داً من عنا�صر الالعقل ،كان لها
معا م�شتركان في ن�سيج واح��د ،م�ؤكداً �أن كان ال يتحرك في حياته مهتدي ًا ببو�صلة �شيء من الظهور منذ �آبائنا من العرب
لديه عقيدة �أ�سا�سية م�ؤداها انه �إذا ما �أراد واحدة ،بل �إن طبيعته لتنطوي على منازع الأق��دم��ي��ن ،بمعنى �أنهم كلما �صادفتهم
الخلف -وه��و الجيل العربي في ع�صره متعار�ضة �أحيان ًا �أ�شد التعار�ض ،فقد يحدد م�شكلة جماعية التم�سوا لحلها طريقة
القائم � -أن يجيء امتداداً لل�سلف فلن يكون له العقل هدف ًا بعينه وبذلك ير�سم �أمامه المنطق العقلي للو�صول �إلى النتائج ،وكادت
ذلك �إال عن طريق الجانب العاقل من حياة الطرق الم�ؤدية �إلى ذلك الهدف ،ثم تجذبه النزعة الالعقلية العاطفية عندهم تقت�صر
ال�سلف ،لأن الجانب الالعاقل من حياة هذا العاطفة نحو هدف �آخر وطريق �آخ��ر ،فلو على الم�سارات الخا�صة للأفراد ،فلقد كانت
ال�سلف ،ربما تعلق ب�أ�شياء لم تعد ذات �ش�أن و�صفنا فرداً �أو مجتمع ًا من النا�س� ،أو ع�صر لهم في طرائق العي�ش االجتماعي (حكمة)،
في حياتنا ،وبالتالي ف�إنها لم تعد ت�ستحق من الع�صور ،ب�صفة العقالنية ،ف�إنما يفعل والحكمة �إن��م��ا ه��ي نظرة عقلية مكثفة،
�أن ن�سكب عليها هوى العاطفة دفاع ًا عنها ذلك على �سبيل التغليب والترجيح ،ال �سبيل
وحفاظ ًا عليها. الح�صر والقطع والتحديد.
�أخ��ي��راً ..ي�شير الكاتب �إل��ى �أن جوهر ويرى الكاتب �أن خط�أ �سقراط في �أنه
المعرفة يتبدى للإن�سانية في الآية القر�آنية قا�س النا�س على نف�سه ،لأن الفرد مركب
الكريمة (اهلل نور ال�سموات والأر���ض مثل من العقل والعاطفة ،ف�إذا اتفقا على الهدف
نوره كم�شكاة )..فالنور هنا هو قوة الإدراك والطريق ،وكثيراً ما يتفقان كان خيراً ،و�إال
وفي الغفلة ظ�لام ،و�أن �أ�سماء اهلل تعالى فهما قد يختلفان بحيث يكون لكل منهما
تحتوي على عدد كبير من المعاني التي تدل هدفه بطريقته ،وعندئ ٍذ يحدث ال�صراع
على �إدراكه لكل دقائق خلقه. الم�ألوف في حياتنا بين �إمالء العقل وميل
العاطفة ،وعندئ ٍذ �أي�ضا تكون ق�سمتنا للنا�س
الكتاب«:المعقول والالمعقول �إلى من تغلب عليهم �صفة العقالنية ،ومن
في تراثنا الفكري» تغلب عليهم دفعة العواطف ،ومن تمتزج
الكاتب :زكي نجيب محمود لديه ال�صفتان ،ويتكون المجتمع الإن�ساني
النا�شر :هنداوي وند�سور ــ 2017م
به�ؤالء الأفراد في معظم حاالته.
وليد عثمان ير�صد تاريخ م�صر المعا�صر يفكك ثقافة الم�ستعمر التي حاول فر�ضها على
ال�شعوب التي قام با�ستعمارها ،يدينها �أحيان ًا،
في روايته (جمر) ويتقبلها �أحيان ًا �أخ ��رى ،من خ�لال مواقف
ال�شخ�صيات المختلفة� :سمير و�آير�س ونجيب
وقا�سم وغيرهم.
���ص��درت حديث ًا جاء عنوان الرواية (�ستيمر بوينت) كا�شف ًا،
ل��ل��ك��ات��ب الم�صري حيث يو�ضح �أ�سباب الت�سمية ،فهو ا�سم كان
وليد عثمان ،رواية يطلق على ال��ح��ي الأورب����ي ف��ي ع��دن خالل
(ج����م����ر) ع����ن دار
حقبة اال�ستعمار ،ويعني (نقطة التقاء القوافل
�صف�صافة للن�شر
�أو ملتقى ال�سفن) .وق��د مثل العنوان ببنيته
وال��ت��وزي��ع .ال��رواي��ة
اللغوية الإنجليزية ك�شف ًا للخطاب الكولونيالي
ج�����اءت ف���ي 252
�صفحة ،من القطع
زمزم ال�سيد ال��ذي ح��اول فر�ض هيمنة �سلطات االحتالل
المتو�سط .وق��د ت�ضمنت ال��رواي��ة الأول ��ى الإنجليزي ،ولم تكن الهيمنة هيمنة �سيا�سية
لعثمان ،عدة ثنائيات متناق�ضة ،مثل :الريف فقط ،بل كانت هيمنة ثقافية ب�أن تحل المفردة
والمدينة ،الحب والخذالن ،الحب والخيبة.. الأجنبية محل المفردة العربية التي هي ابنة
فهي مقطع من �سيرة جيل جزء منه �ضاع، الثقافة الأم لليمن.
وليد عثمان
و�آخر تبددت �أحالمه ،حتى العاطفية منها، ثمة خطان دراميان في الن�ص ،الخط الأول
على كل فرد �أن ي�ؤ�س�س منظومته القيمية نتيجة تحالفات غير م�شروعة وغياب الأمل هو ال�سردية التي تجمع كل من �سمير والتاجر
الخا�صة ،و�سط �صراعات يومية تفتقد الحد و�ضياع البو�صلة. الفرن�سي ،وتدور �أحداثه قبيل رحيل الم�ستعمر
الأدنى من المبادئ. ا�ستغرقت كتابة ال��رواي��ة ما يقرب من في ( 28نوفمبر عام 1967م) .والخط الدرامي
ويقودنا بطل الرواية الرئي�س في رحلة (� )4سنوات ،ر�صد فيها الم�ؤلف من كوالي�س الثاني هو الفال�ش باك الذي يجمع ال�شخ�صيات
من قريته �إلى قنوات التلفزيون بالعا�صمة، الإعالم ،وتاريخ م�صر المعا�صر؛ عن ال�سنوات الأورب���ي���ة وال��ي��ه��ودي��ة ال��ت��ي �سكنت ع��دن
وير�سم لنا بري�شة ح��ادة كالم�شرط ،كيف ال�ساخنة التي م��رت بها م�صر والمنطقة وت�صارعت على �أر�ضها ،حيث يعود الكاتب عبر
ت�أكل ماكينة الف�ساد �أرواح و�أج�ساد جيله. العربية� ،إال �أن (جمر) لي�ست رواية �سيا�سية، الفال�ش باك �إلى فترة الأربعينيات من القرن
وتم�ضي �أح��داث الرواية بين رهانات كلها بل هي رواية عن الأمل والألم؛ وعن تطلعات الما�ضي كما �أ�سفلنا بغر�ض ت�صوير المقاومة
خائبة ،وم�صائر �شتى �صادمة ،والأح��داث جيل نحو م�ستقبل �أف�ضل ،وخيبات نف�س اليمنية �ضد الم�ستعمر ،والدور الذي قامت به
تلتقي ف��ي �أك��ث��ر م��ن منعطف ن��ه��اي��ات ال الجيل ،بعد ا�صطدامه بواقع تحكمه الأكاذيب. في مقاومة الإنجليز .كما تتعدد الأ�صوات في
تت�شابه �إال في ب�ؤ�سها. يت�صدر الرواية ثالثة �شبان تفتح وعيهم الرواية بتعدد وجهات النظر وزواي��ا الر�ؤية،
الخيبات في (جمر) ،و�إن بدت فردية، في بداية الت�سعينيات من القرن الما�ضي ،تلك فثمة �أ�صوات �سردية تتناوب ال�سرد� ،سواء �صوت
محيط �أكبر تحترق ٍ تلخ�ص مرحلة ما من الفترة الحرجة من تاريخ المنطقة العربية العجوز الفرن�سي الذي يرى �أن عدن باعته بعد
فيه �أحالم وت�ضيق الجغرافيا ،على ات�ساعها، �إب��ان غزو العراق وانهيار منظومة كاملة كل ما قدم لها� ،أو �صوت �سمير الواقع في هوى
ب�أهلها ،في�سكنون غربة �أبدية. من الأفكار والقيم ،التي تربت عليها �أجيال المحتل� ،أو نجيب الذي ينت�صر للمقاومة.
وقد �أجاد وليد عثمان ،في لغة �شائقة، بديل ،فكان�سابقة ،دون �أن يقدم لهم الواقع ً �أفاد الكاتب فيها من البنية الدائرية ،حيث
و�صف الريف الم�صري بكل تفا�صيله ،خا�صة تبد�أ الرواية وتنتهي بلحظة زمنية واحدة هي
منطقة الدلتا في �شمالي م�صر ،ذلك الريف ال�ساعات التي �سبقت اال�ستقالل ،فقد ب��د�أت
الذي ن�ش�أ فيه عثمان ،وخرج منه �إلى المدينة الرواية ب�سردية تجمع �سمير والتاجر الفرن�سي
(القاهرة) .ونالحظ من خالل ت�سل�سل �أحداث
والعالقة بينهما ،وتنتهي بذات اللحظة ،وما
الرواية� ،أن لغة الن�ص وا�ضحة غير معقدة،
بينهما رجوع بالزمن؛ مما ي�شير �إلى الخبرة
وهذا يدل على �أن الم�ؤلف يمتاز بامتالكه
الجمالية التي و�ضحت في الت�شكيل الجمالي
بنية لغوية متعددة الطبقات ،تمنح القارئ
دالالت ثنائية ،لت�شكل عوالم �شفيفة من لل�سرد وبناء ال�شخ�صيات ،كذلك كانت اللغة في
المعاني والدالالت التي ب�سطها ال�سارد هنا الن�ص م�شهدية ا�ستفادت من فنيات الت�شكيل
وهناك ،لتبدو جلية ت��ارة ،ومتوارية تارة ال�سردي ،والحوار جاء مكثف ًا كا�شف ًا لدواخل
�أخ��رى .وي�شار �إل��ى �أن وليد عثمان ،كاتب ال�شخ�صيات ،ت�صور الرواية لحظة المواجهة مع
و�صحافي م�صري ،يعمل حالي ًا رئي�س ًا لق�سم الذات ،والمرحلة التي ُت�ش ِّكل عالمة فارقة في
المنوعات في جريدة الخليج الإماراتية، تاريخ اليمن بين اال�ستعمار واال�ستقالل ،وبين
وحا�صل على بكالوريو�س �إع�لام جامعة التحرر من �سطوة الم�ستعمر والبحث عن الذات
ال��ق��اه��رة (1993م) ،وع��م��ل ف��ي ال�صحف في بحر من ال�صراعات والتناق�ضات ،وواجب
الم�صرية والعربية نحو ( )30عام ًا. البدء ببناء ال�شخ�صية العدنية الم�ستقلة.
قبو ًال بين مختلف فئات المثقفين ورجال التخوف من الت�أثير الثقافي الطاغي من يعتبر مو�ضوع الهوية الثقافية ،من
العلم حول العالم ،حيث يعرف الثقافة على الخارج ،هو الذي �أدى �إلى ظهور تعبيرات �أكثر المو�ضوعات �إثارة للقلق والجدل ،في
�أنها :هي ذل��ك الكل المركب ال��ذي ي�شمل مثل (الغزو الثقافي) ال��ذي � ّأدى بالتالي معظم مجتمعات العالم في الوقت الراهن،
المعرفة والفن والأدب والأخالق والتعاون �إل��ى ظهور نزعات االنطواء الثقافي على نظراً لما تتعر�ض له الثقافات الفرعية
والعرف وكل المقدرات والعادات الأخرى، الذات كو�سيلة نف�سية للمحافظة على الهوية المحلية المختلفة م��ن ع��وام��ل الت�أثير
التي يكت�سبها الإن�سان من حيث هو ع�ضو الثقافية ،وهذا ما حدا ببع�ض المثقفين �إلى والتغيير والتبديل ،ب��ل وم�سح المالمح
في مجتمع. �ضرورة تناول المو�ضوع برمته ،بقدر من الأ�سا�سية المميزة نتيجة ازدياد االت�صال
وقد ن�شط علم النف�س خالل الفترة ما العلمية الم�ستندة �إلى حقائق مناهج البحث والتبادل الناجمين عن الثورة الإلكترونية
بين الحربين العالميين الأول��ى والثانية في العلوم الإن�سانية واالجتماعية. والتكنولوجية الحديثة ،وما ترتب عليها
وب���د�أت ،معظم �إن ل��م يكن ك��ل جامعات وتدل القراءات التاريخية� ،أنه لم يختلف من تدفق المعلومات ،واختفاء الفوا�صل
�أوروب ��ا و�أمريكا وبع�ض ال��دول العربية، علماء الأنثروبولوجيا حول م�صطلح من وال��ح��دود بين ال�شعوب والمجتمعات،
تهتم بالدرا�سة النف�سية و�أثرها في ال�سلوك الم�صطلحات قدر اختالفهم حول مفهوم وبالتالي الثقافات ،وهيمنة الثقافات ،التي
الثقافي� ،إلى �أن �أ�صدرت الجمعية الأمريكية الثقافة ،فعلى الرغم من �شيوع الم�صطلح في تملك من و�سائل االنت�شار التي ت�ساعدها
لعلم النف�س (1965م) ن�شرة تو�ضح فيها الكتابات ال�سو�سيولوجية والأنثروبولوجية على ال�سيطرة على الثقافات ،التي ال ي�ؤهلها
�أنها ب�صدد دعوة علماء النف�س �إلى تخ�ص�ص وال�سيكولوجية ،وتداوله بكثرة في الحياة و�ضعها ال�سيا�سي واالقت�صادي والعلمي
جديد هو علم النف�س الثقافي ،ومن ثم جاءت اليومية ف�إن كثيراً من الغمو�ض والإبهام المتالك الأ�ساليب والو�سائل التكنولوجية
م�ساهمات جمعية علم النف�س الم�صرية اليزال يحيط به� ،إلى �أن جاء كل من (كروبر ال��م��ع��ق��دة ،ال��ت��ي تكفل ل��ه��ا ال��ق��درة على
(1967م) في هذا االتجاه لتعلن عن علم وكلكهوهن) الأمريكيين في درا�سة نقدية الت�صدي لهذه الم�ؤثرات الخارجية ،ف�ض ًال
جديد ي�سمى علم النف�س الثقافي ،و�أعطيت (1952م) ،ليعلنا �أن هناك ما ال يقل عن عن مناو�أتها و�إبطال فاعليتها واالحتفاظ
المنح الدرا�سية من الجامعات الوطنية مئة وخم�سين تعريف ًا مختلف ًا للثقافة ،ولي�س بالتالي بهذه المالمح والمقومات الأ�صلية،
للتخ�ص�ص في هذا الميدان الجديد ،الذي من �شك في �أن هذا الرقم قد ت�ضاعف عدة التي تميزها عن غيرها من الثقافات.
هو ثمرة التعاون بين ق�سمي علم النف�س مرات منذ ذلك الحين نظراً الت�ساع مجاالت ولي�س ثمة م��ا يمنع بطبيعة الحال
والأنثروبولوجيا الثقافية االجتماعية في ا�ستخدام المفهوم وتنوعها وكثرة الكتابات م��ن ات�صال الثقافات بع�ضها ببع�ض،
معظم الجامعات الم�صرية. والدرا�سات والبحوث� ،إال �أننا وجدنا �أن ومن اال�ستعارات المتبادلة بين الثقافات
وف��ي البداية الب��د م��ن التركيز ،على هناك تعريف ًا قدمه عالم الأنثروبولوجيا المختلفة ،ولكن الخوف كل الخوف من
�أن هناك ع��دة ف��روق بين م�صطلحي علم البريطاني (1913م) ال�شهير (�سيراد وارد عر�ض �أ�ساليب ونزعات الهيمنة التي ترمي
النف�س الثقافي ،وعلم النف�س عبر الثقافة، تايلور) في كتابه (الثقافة البدائية) يمكن عمداً �إل��ى م�سخ وت�شويه معالم الثقافات
ويجدر بنا قبل الولوج في بيان �أوجه ال�شبه اعتباره التعريف الأكثر انت�شاراً والأكثر الأخ��رى �أو الق�ضاء عليها �إن �أمكن ،وهذا
بين جانبين� ،أو حتى بين نوعين من الثقافة واالختالف بين الم�صطلحين �أن نقوم بتعريف
هما :الثقافة المادية والثقافة الالمادية، كل منهما على حدة ،فيعرف علم النف�س الثقافي
فالمادية هي كل ما ي�صنعه المرء في حياته على �أنه :مجال علم النف�س ،الذي يفتر�ض فكرة
يعود الف�ضل �إلى العامة وم��ا ينتجه من �أ�شياء (�سلع) ثقافة �أن الثقافة والعقل ال ينف�صالن ،و�أن��ه ربما
مح�سو�سة ملمو�سة ،وما يح�صل عليه عن طريق تكون النظريات النف�سية المت�أ�صلة في الثقافة
(�إدوارد تايلور) في ا�ستخدام الفنون التكنولوجية� ،أما الالمادية واحدة محددة في قابليتها للتطبيق وذلك عند
تعريف الثقافة بما فهي عبارة عن المظاهر ال�سلوكية ،من عادات تطبيقها على ثقافة مختلفة� .أما علم النف�س
ت�شمله من معرفة وتقاليد ،وم��ا يكمن وراءه ��ا من مثل وقيم بين الثقافات �أو عبر الثقافات ،فهو العلم الذي
و�أفكار ومعتقدات وطقو�س و�شعائر و�أ�ساطير. ي�ستخدم الثقافة ب�شكل عام كو�سيلة الختبار
وفن و�أدب وعرف ولي�س ثمة ما يدعو �إلى الحديث �أكثر من ذلك عالمية العمليات النف�سية (كالإدراك وال�شعور
وعادات عن مفهوم الثقافة ،فالذي يهمنا من هذا كله، والمعرفة والعاطفة وت��ك��وي��ن االت��ج��اه��ات
هو �أن لكل ثقافة من الثقافات (خ�صو�صية) وال�سلوك).
معينة تمثل في المعوقات والخوا�ص الذاتية، �إذاً �أهم �أوجه االختالف بين م�صطلح علم
التي تميزها عن غيرها من الثقافات وهذه النف�س الثقافي وعلم النف�س عبر الثقافات،
المقومات هي التي تجعلنا نتكلم عن الثقافة �أن الأول ي�سعى �إل��ى تحديد كيفية ت�شكيل
العربية (ك�شيء) متميز عن الثقافة الفرن�سية الممار�سات الثقافية المحلية للعمليات
مث ًال �أو الثقافة الهندية� ،أو ما �إلى ذلك ،ولكن النف�سية ،ف��ي حين ي��ه��دف علم نف�س عبر
بين الحربين الأولى ه��ذه الخ�صو�صية الثقافية ،ال تمنع من �أن الثقافات �إل��ى �أن ي�ؤ�س�س لعلم نف�س يعبر
والثانية ن�شط علم يكون لكل ثقافة جانب �إن�ساني عام لأن وظيفة الثقافات الفرعية المحلية ليكون وعي ًا و�ضميراً
الثقافة � -أي ثقافة -هي في �آخر الأمر وظيفة عالمي ًا ،تجاه الحدث الثقافي ،وهذا ما يمكن
النف�س في درا�سة ان�سانية عامة ،وهذا ما يت�ضمنه بطبيعة الحال �أن ن�سميه بالم�صطلحات الجديدة (عولمة
النف�سية و�أثرها في علم النف�س عبر الثقافات ،هذه الخ�صو�صة هي الثقافة) ،والتي تهدف �أي�ض ًا �إلى تجريد التجربة
ال�سلوك الثقافي المعيار الحقيقي لما ن�سميه بالأ�صالة ،وهي الثقافية المحلية بكل خ�صو�صيتها لتعبر �إلى
�أحد متطلبات الإب��داع ،كما �أنها هي العامل العالمية� ،أي االنتقال من المحلي المح�ض �إلى
الأ�سا�سي في تحديد الهوية الثقافية. �آفاق العالمية غير محددة المعالم والهوية.
ومثال على ذل��ك �أن اللغة من مقومات و�إذا ماعدنا �إلى تعريف الثقافة لـ (تايلور)
الثقافة العربية ،لي�س من حيث �إن لها بناءها نجد �أن��ه مع ب�ساطة تعريفه للثقافة �إال �أننا
وقواعدها ومفرداتها الخا�صة فقط ،بل من ن�ستخل�ص منه عدداً من الأمور المهمة :الأمر
حيث هي عامل تما�سك ووح��دة وتوحيد بين الأول هو �أن الثقافة (كل مركب) يت�ألف من
مختلف الأفكار وال�شعوب ،التي تنطق بهذه عدد من المكونات التي قد تختلف في طبيعتها
�أعلن عام (١٩٦٥م) اللغة وتتخذها �أداة للتفكير والتعبير وو�سيلة ولكنها تندمج كلها مع ًا في وح��دة ع�ضوية
للتوا�صل ونقل الأفكار ،فاللغة العربية تعتبر متما�سكة ومتكاملة .والأم��ر الثاني :هو �أن
عن علم جديد على هذا الأ�سا�س �أداة للفهم والتفهم والتقارب الثقافة �أو�سع و�أ�شمل من مجرد الإنتاج �أو
ي�سمى علم النف�س بين �شعوب الوطن العربي ،على ات�ساعه وعلى الإب ��داع ال��ذي يتمثل في (العلوم والمعارف
الثقافي الذي يختلف تنوع ه��ذه ال�شعوب واختالفها ف��ي الأ�صل وال��ف��ن��ون والآداب) ال��ت��ي ت ��ؤل��ف ح�سب هذا
ال�ساللي �أو العرقي ،وفي اللون وفي التنظيم التعريف مجرد جزء من الثقافة .بينما الأمر
عن علم النف�س عبر االجتماعي واالقت�صادي وال�سيا�سي. الثالث :هو تمايز الثقافة وا�ستقاللها عن
الثقافة وهو ما ي�ؤكد �أن علم النف�س الثقافي يعد الأف���راد ال��ذي��ن يحملونها ويمار�سونها في
علم ًا واع ��داً ول��ه ا�ستراتيجيته ،التي يمكن حياتهم اليومية ،فعنا�صر الثقافة ومكوناتها
�أن تنهل منها الثقافة العربية ،لتر�سم �أفق كلها �أمور يكت�سبها االن�سان بالتعليم والتعلم،
الم�ستقبل يكون قادراً على مواجهة التحديات، ومن خالل عمليات التن�شئة االجتماعية من
و�إع�لاء قيم المجتمع ورفع م�ستويات �إدراكه المجتمع الذي يعي�ش فيه.
العام. والأمر الرابع :هو �إمكان التميز في الثقافة
توظيف ال�سرد
في ال�شعر الإماراتي المعا�صر
يكتف بتوظيف عنا�صر البنية ال�شعرية في ِ وفيه مبحثان ،الأول بعنوان( :تجليات ال�سرد (ت��وظ��ي��ف ال�سرد
خطابه؛ بل فتح الباب م�شرع ًا ال�ستثمار عنا�صر م��ن خ�لال الت�صوير وال ��ح ��وار) ،حيث ظهر في ال�شعر الإم��ارات��ي
ال�سرد في ذلك الخطاب؛ لخلق دالالت �أعمق، الت�صوير جلي ًا في ال�شعر الإم��ارات��ي متمث ًال �اب
ال��م��ع��ا���ص��ر) ،ك��ت� ٌ
وقد بينت �أوج��ه هذا التفاعل في �شعر مانع في ت�صوير ال�شخ�صيات والمكان ،وح��اول ����ص���ادر ع���ن دائ����رة
ٌ
�سعيد العتيبة ،و�سلطان العوي�س ،وغيرهما... ال�شاعر الإماراتي ت�صوير ال�شخ�صية من خالل الثقافة بال�شارقة،
وتو�صلت الباحثة �إلى �أن ال�شعر العمودي الت�صوير التج�سيدي ،والتجريدي ،كما فعل �ضمن �سل�سلة ر�سائل
القائم على ال�سرد ك��ان ل��ه بالغ الأث ��ر في ال�شاعر كريم معتوق ،كما ُوظفت ال�صورة ج��ام��ع��ي��ة ،للباحثة �أبرار الأغا
ا�ستكمال الم�ستوى الداللي وال�سردي ،كما المكانية في ال�شعر الإماراتي لتكون جمالية، د� .سعاد را�شد �أحمد؛ �إذ
وظف ال�شاعر الإماراتي ال��وزن والقافية في �أو ت�أويلية� ،أو تخييلية ،وا�س ُتخدم كذلك الحوار ت�سعى من خالله �إلى معالجة �إ�شكالية التفاعل
�شعر التفعيلة� ،إلى جانب التدوير والت�ضمين الخارجي والداخلي كما ظهر في �شعر �إبراهيم والتالقي بين ال�سرد وال�شعر في الخطاب
والوقفة ال�ستكمال بنية الخطاب ال�سردية محمد �إب��راه��ي��م� .أم��ا المبحث الثاني فكان ال�شعري الإم��ارات��ي المعا�صر ،خالل الفترة
والداللية ،كذلك �سجلت ق�صيدة النثر ح�ضوراً بعنوان�( :أنواع ال�سرد من حيث ح�ضور الراوي)، الزمنية الممتدة من ( 1980وحتى2015م)،
في مجال الكتابة ال�سردية ،وقد بدا ال�سرد في وقد تمظهر ح�ضور الرواي في الخطاب ال�شعري تلك الفترة التي �شهدت تحو ًال وت��ط��وراً في
ق�صيدة النثر طوي ًال مقارنة بق�صيدة التفعيلة الإماراتي ب�أ�شكال عدة ،منها :الراوي العليم، الحركة ال�شعرية الإماراتية ،وذلك بدرا�سة عينة
التي يرد فيها ال�سرد متو�سط الطول ،وقد تباين والم�شارك ،فوظف كريم معتوق �ضميري من ال�شعر العمودي ،والتفعيلة ،وق�صيدة النثر.
ال�شعراء في توظيف ال�شعر العمودي لل�سرد �إما المتكلم والغائب في خطابه. اقترن توظيف ال�سرد في الخطاب ال�شعري
لتخليد موقف ما ،و�إما لمحاكاة الواقع� ،أما �أم��ا الف�صل الثاني ،فجاء بعنوان�( :أث��ر بالأ�ساليب الفنية التجديدية؛ وما �صاحبه
�شعر التفعيلة فقد وظف ال�سرد لت�سجيل ر�ؤى اللغة ال�شعرية في ال�سرد) ،وفيه مبحثان، من ان�صهار الحدود بين الأجنا�س الأدبية؛
ال�شاعر وعالقته بالعالم من حوله ،بينما الأول�( :أ�شكال البناء التراكيبي للعبارات لت�صبح ال�صورة ال�سردية �شك ًال من �أ�شكال
لم يكن وا�ضح ًا في ق�صيدة النثر؛ العتماد ال�شعرية) ،والثاني( :التنا�ص) ،وت�ؤكد الباحثة الخطاب ال�شعري .وقد ت�أثر ال�شاعر الإماراتي
�شعرائها على الغمو�ض. �أن ال�شاعر الإماراتي جعل من تركيب العبارة بتيار الحداثة ،وا�ستطاع خو�ض غماره .وترى
وجاء الف�صل الرابع والأخير بعنوان�( :أثر ال�شعرية وتنوعها بين ا�سمية وفعلية وظرفية الباحثة �أن ال�شاعر الإماراتي المعا�صر ا�ستطاع
ال�صورة ال�شعرية في ال�سرد) ،وقد �ألقت الباحثة حق ًال لتوليف �شعره ،م�شير ًة �إلى �أن الأ�سلوب �أن يخلق لخطابه بالغة �شعرية جديدة عبر
ال�ضوء في هذا الف�صل على التفاعل بين ال�سرد الطلبي يعد من ال�صيغ البالغية التي �أغنت ا�ستثمار �أ�ساليب فنية جديدة كال�سرد ،ف�أخرجت
وال�صورة ال�شعرية ،من خالل مبحثين ،هما: �شعرية الن�ص ،كما لم يغفل ال�شاعر الإماراتي ال�شعر من �سيطرة الطابع الغنائي.
(�أثر ال�صورة الجزئية في ال�سرد) ،و(�أثر ال�صورة عن توظيف �آلية التنا�ص في عبارته ال�شعرية؛ جاء الف�صل الأول ،بعنوان( :تجليات ال�سرد
الكلية في ال�سرد)� ،إذ تعد ال�صورة من �أهم لإث��راء نتاجه وتحقيق التفاعل الخالق بين و�أن��واع��ه في الخطاب ال�شعري الإم��ارات��ي)،
الأدوات ال�شعرية التي ي�ستخدمها ال�شاعر في الما�ضي والحا�ضر ،حيث كان القر�آن الكريم،
ت�شكيل خطابه ،و�إما تكون جزئية تعتمد على والحديث النبوي ال�شريف ،وال�شعر من �أهم
الت�شبيه �أو اال�ستعارة �أو الكناية ،و�إما �صورة م�صادر التنا�ص التي اعتمد عليها ال�شاعر
كلية ير�سم ال�شاعر من خاللها �صورة مركبة. الإماراتي.
وت��رى الباحثة �أن ال�شاعر الإم��ارات��ي بينما جاء الف�صل الثالث بعنوان�( :أثر
المعا�صر لج�أ �إلى التعبير عن تجاربه وحاالته الإيقاع في ال�سرد) ،وفيه ثالثة مباحث ،هي:
الفكرية بالغة التعقيد ب�أ�سلوب غير م�ألوف؛ (�أثر �إيقاع ال�شعر العمودي في ال�سرد) ،و(�أثر
مما حدا به �إلى توظيف ال�صورة الرمزية� ،سواء �إيقاع �شعر التفعيلة في ال�سرد) ،و(�أث��ر �إيقاع
التراثية �أو اال�ستعارة الطبيعية ،وذلك بخلق ق�صيدة التفعيلة في ال�سرد) ،و�أجرت الباحثة
�صورة رمزية عميقة تحيل للواقع بالتلميح، مقاربة عبر الن�صو�ص ال�شعرية من خالل
وتفتح الخطاب على الكثير من الت�أويالت، ا�ستقراء عنا�صر الإيقاع الخارجي والداخلي،
في حين لم ي�ستفد ال�شاعر الإم��ارات��ي كثيراً و�أث��ر ال�سرد في ت�شكيل �إيقاع الخطاب ،و�أثر
من ظاهرة ترا�سل الحوا�س في تعميق الأثر الإيقاع في حركة الخطاب و�إنتاج الداللة،
الجمالي والفني ل�صوره ال�شعرية. وت�شير الباحثة �إلى �أن ال�شاعر الإماراتي لم
shj_althaqafiya
Alshariqa althaqafiya
www.alshariqa-althaqafiya.ae