You are on page 1of 13

‫الدكتور بريش عبد القادر‬

‫السنة الثانية قسمة تحضيري‬ ‫مقياس الجغرافيا االقتصادية‬

‫محاضرات محور‪ :‬الطاقات المتجددة رهان االمن الطاقوي‬

‫يعتبر موضوع الطاقات المتجددة من أهم المواضيع المتداولة حاليا في مختلف‬


‫دول العالم سواء كانت متخلفة أو متقدمة‪ ،‬كما يحظى هذا الموضوع باالهتمام‬
‫البالغ من طرف خبراء االقتصاد والعلوم السياسية على حد سواء باعتباره يمس‬
‫أحد القطاعات اإلستراتيجية ألي دولة كانت‪ ،‬وهو قطاع الطاقة الذي يعد عصب‬
‫االقتصاد وفي نفس الوقت له عالقة باألمن الطاقوي الذي يعد بدوره جزءا ال‬
‫يتجزأ من األمن القومي للدولة‪.‬‬

‫في هذا السياق‪ ،‬تعتبر الجزائر من أهم الدول المعنية بموضوع الطاقات المتجددة‬
‫بحكم اإلمكانيات الضخمة التي تتمتع بها في هذا المجال والسيما الطاقة‬
‫الشمسية‪ ،‬وكذلك بحكم محورية قطاع الطاقة بشكل عام في البنية االقتصادية‬
‫والسياسية للدولة الجزائرية‪ .‬فكما هو معروف ينتمي االقتصاد الجزائري إلى‬
‫نمط االقتصادي الريعي المتمركز حول قطاع المحروقات‪ .‬ونتيجة لذلك‪،‬‬
‫فميزانية العامة للدولة في الجزائر مازالت تعتمد بشكل أساسي على مداخيل‬
‫النفط التي يوظفها النظام السياسي في إدارة شؤون الدولة وفي عالقته بالمجتمع‪.‬‬

‫وكما هو معلوم‪ ،‬فإن النفط هو ثروة زائلة من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى تخضع‬
‫أسعاره للتذبذب في األسواق العالمية مما ينجم عنه في الكثير من الحاالت‬
‫صدمات اقتصادية تترك انعكاسات سلبية على األوضاع االقتصادية واالجتماعية‬
‫والسياسية وحتى األمنية داخل البلد‪ .‬ولهذا‪ ،‬ففي ظل الظروف الراهنة التي تشير‬
‫إلى انخفاض أسعار النفط منذ سنة ‪ ،2014‬فإن الحكومة الجزائرية تحاول إيجاد‬
‫بدائل أخرى لقطاع المحروقات‪ .‬وبالنظر إلى اإلمكانات الطاقوية التي تتمتع بها‬
‫الجزائر‪ ،‬فإنه من المنتظر أن تركز الحكومة جهودها على تنمية الطاقات‬
‫المتجددة من أجل تحصيل العملة الصعبة الالزمة لتحريك التنمية االقتصادية‬
‫والمحافظة على األمن الطاقوي‪.‬‬

‫تحوال استراتيجيا في مجال الطاقة من المصادر التقليدية إلى‬


‫يشهد العالم حاليا ّ‬
‫الطاقات المتجددة‪ ،‬فالكثير من الدول المتقدمة والنامية قطعت أشواطا في‬
‫تحضير البدائل الممكنة لفترة ما بعد النفط على غرار الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬وألمانيا‪ ،‬والصين والبرازيل‪ .‬ولهذا‪ ،‬تبدو الجزائر اليوم مطالبة‬
‫باالستفادة من تجارب تلك الدول‪ ،‬السيما وأنها تمتلك إمكانيات ضخمة في مجال‬
‫الطاقات المتجددة أبرزها‪ :‬الطاقة الشمسية‪ ،‬طاقة الرياح‪ ،‬الطاقة المائية‪ ،‬طاقة‬
‫الكتلة الحيوية‪.‬‬

‫إن موضوع الطاقات المتجددة أصبح يلقى اهتماما متزايدا لدى الحكومات‬
‫وخبراء االقتصاد بالنظر إلى أهميتها في المحافظة على البيئة والمناخ من جهة‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى دورها في بناء االقتصاد األخضر وتحقيق التنمية المستدامة‬
‫التي تأخذ بعين االعتبار مصير األجيال القادمة‪ .‬لكن موضوع الطاقات المتجددة‬
‫ال يقتصر على أبعاده االقتصادية فقط‪ ،‬وإ نما يحمل في خلفياته ومضامينه أبعادا‬
‫سياسية داخلية تتعلق ببنية الدولة‪ ،‬وأبعاد أمنية ترتبط باألمن الطاقوي‪ ،‬إضافة‬
‫إلى أبعاد أخرى جيوسياسية تتعلق بمكانة الطاقة في بناء العالقات الخارجية‬
‫للدولة وفي نفس الوقت دور الطاقة في تحديد الوزن الجيواستراتيجي للدولة في‬
‫محيطها اإلقليمي والدولي‪.‬‬

‫تنطلق هذه الدراسة من إشكالية رئيسية مفادها البحث في مدى فعالية الطاقات‬
‫المتجددة كمدخل لتحقيق أمن الطاقة وتعزيز المكانة الدولية للجزائر كبلد مصدر‬
‫للطاقة‪ .‬وفي نفس الوقت البحث عن مدى رغبة السلطة الحاكمة في توظيف‬
‫الطاقات المتجددة كبديل للثروة النفطية في إعادة بناء الدولة الريعية والمحافظة‬
‫على بقائها‪.‬‬

‫بناء على ذلك‪ ،‬تكمن أهمية هذا الموضوع في كونه يعالج إحدى القضايا الراهنة‬
‫المطروحة للنقاش السياسي واإلعالمي واألكاديمي في مختلف التخصصات‬
‫العلمية‪ .‬وهو يمس العديد من المجاالت الجيوسياسية واالقتصادية واألمنية‬
‫والبيئية‪ ،‬فهذا الموضوع يسلط الضوء على توجهات الحكومة الجزائرية في‬
‫االنتقال من المصادر التقليدية للطاقة إلى المصادر المتجددة لها‪ .‬وكذلك يبين‬
‫أهمية الطاقات المتجددة كمصدر ريعي جديد في ظل انخفاض أسعار النفط من‬
‫جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى في ظل تناقص اإلنتاج الجزائري من النفط في السنوات‬
‫األخيرة‪.‬‬

‫الطاقات المتجددة مدخل لضمان األمن الطاقوي‪:‬‬


‫ظهر مفهوم أمن الطاقة خالل الحرب العالمية األولى‪ ،‬ويعد ونستون تشرشل‬
‫‪ Cherchell) (Winston‬أول من طرح تعريفا لهذا المفهوم‪ ،‬حيث أشار إلى‬
‫أن “أمن الطاقة يكمن في التنوع والتنوع فقط‪ ”.‬غير أن مفهوم األمن الطاقوي‬
‫شهد تطورا في مساره‪ ،‬ففي البداية ظهرت المقاربة التقليدية المبنية على توافر‬
‫اإلنتاج الكافي من مصادر الطاقة بأسعار في متناول الجميع وبشكل يمنع حدوث‬
‫أزمة الطاقة في بلد معين‪ .‬وقد أثبتت أزمات الطاقة التي حدثت في القرن‬
‫العشرين أنها كانت مرتبطة أساسا بنقص اإلمدادات‪ ،‬األمر الذي رسخ فكرة أن‬
‫توافر العرض هو الذي يحقق األمن الطاقوي‬

‫إن التحوالت التي شهدها مفهومي األمن والطاقة منذ نهاية الحرب الباردة‪،‬‬
‫انعكست على مفهوم األمن الطاقوي الذي لم يعد مرتبطا بوقف اإلمدادات فقط‪،‬‬
‫وإ نما أصبح يشمل مسألة التأميم (وطنية الطاقة) التي انتشرت في الدول النامية‪،‬‬
‫بحيث أن ‪ %80‬من مصادر الطاقة التقليدية هي موجودة تحت سيطرة‬
‫الحكومات‪ .‬وفي نفس الوقت بدأت الدراسات األكاديمية المتخصصة تهتم‬
‫بالعوامل المؤثرة في أمن الطاقة‪ ،‬وأبرزها‪ :‬عدم االستقرار السياسي‪ ،‬النزاعات‬
‫المسلحة‪ ،‬القرصنة‪ ،‬الجماعات المسلحة‪ ،‬وكذلك الكوارث الطبيعية‪.‬‬

‫إن األمن الطاقوي لدى الدول الغربية المتقدمة يرتبط بتنويع مصادر الطاقة‪،‬‬
‫وتنويع واردات الطاقة‪ ،‬وتقليل االعتماد على نفط الشرق األوسط‪ ،‬وضمان‬
‫األسعار الرخيصة‪ .‬في المقابل نجد أن الدول المصدرة للطاقة تركز على التأميم‬
‫وسيطرة الدولة على مصادرها الطاقوية‪.‬‬
‫وبالنسبة للجزائر‪ ،‬فإن مفهوم أمن الطاقة تم التعامل معه منذ االستقالل بكونه‬
‫جزءا ال يتجزأ من السيادة الوطنية واألمن القومي للدولة‪ .‬ولهذا قامت الحكومة‬
‫بتأسيس شركة سوناطراك منذ سنة ‪ 1964‬ثم تأميم المحروقات يوم ‪ 24‬فبراير‬
‫‪ .1971‬وقد كان قرار التأميم قرارا استراتيجيا اتخذه الرئيس الراحل “هواري‬
‫بومدين” بهدف استكمال السيادة الوطنية على كل الثروات والموارد التي تتمتع‬
‫بها الجزائر‪ ،‬وفي نفس الوقت جاء متناغما مع المسار التنموي الذي انطلقت فيه‬
‫الجزائر في تلك الفترة‪ .‬لكن بحكم التطور الذي يشهده قطاع الطاقة على‬
‫المستوى العالمي وظهور الطاقات المتجددة‪ ،‬نالحظ أن صانع القرار في‬
‫الجزائر يريد مواكبة هذا التوجه العالمي بهدف التنويع في مصادرها الطاقوية‬
‫والحفاظ على ثروتها النفطية‪.‬‬

‫واقع األمن الطاقوي في الجزائر‪:‬‬

‫تعتمد الجزائر في أمنها الطاقوي على المصادر التقليدية للطاقة بصفة أساسية‬
‫(البترول‪ ،‬والغاز الطبيعي)‪ ،‬فاالحتياطات النفطية قدرت بنحو ‪ 12.2‬مليار‬
‫برميل‪ ،‬وهي تشكل ‪ %0.9‬فقط من االحتياطي العالمي وبالنسبة للغاز الطبيعي‪،‬‬
‫فإن االحتياطات الجزائرية قدرت بحوالي ‪45‬الف مليار متر مكعب‪ ،‬حيث تحتل‬
‫المرتبة العاشرة عالميا‪ ،‬وهي تمتلك كذلك احتياطات ضخمة من الغاز الصخري‬
‫تتجاوز ‪ 19‬ألف مليار متر مكعب‪ ،‬مما جعلها تحتل المرتبة الثالثة عالميا‪.‬‬

‫يساهم قطاع المحروقات في تلبية كامل االحتياجات الوطنية من الطاقة‪ ،‬حيث‬


‫بلغ االستهالك الوطني لسنة ‪ 2013‬ما يعادل ‪ 52‬مليون طن مكافئ نفط[‪ .]5‬وقد‬
‫ارتفع االستهالك الوطني للطاقة من ‪ 30.1‬مليون طن مكافئ نفط في سنة‬
‫‪ 2000‬إلى ‪ 50.9‬مليون طن مكافئ نفط في سنة ‪ .]6[2012‬كما عرف‬
‫االستهالك الوطني للمنتجات النفطية نموا قويا‪ ،‬حيث ارتفع من ‪ 8.1‬مليون طن‬
‫في سنة ‪ 2000‬إلى ‪ 13.4‬مليون طن في سنة ‪ 2008‬أي بمعدل يقدر بـ ‪%7‬‬
‫سنويا[‪ .]7‬وخالل نفس الفترة شهدت الجزائر ارتفاعا في االستهالك الوطني‬
‫للطاقة الكهربائية بنسبة ‪ %5.8‬سنويا‪ ،‬وفي نفس الوقت ارتفع إنتاج الكهرباء‬
‫بنسبة ‪ %6‬سنويا من سنة ‪ 2000‬إلى سنة ‪ .]8[2008‬من جهة أخرى‪ ،‬سجل‬
‫االستهالك الوطني للغاز الطبيعي خالل الفترة السابقة الذكر معدل نمو سنوي‬
‫يقدر بـنسبة ‪ %3.1‬أي بمتوسط سنوي قدره ‪ 22‬مليار متر مكعب‪ ،‬حيث‬
‫سجلت سنة ‪ 2008‬ارتفاعا يقدر بـنسبة ‪ %4.4‬بالمقارنة مع سنة ‪ ،2007‬أي‬
‫هناك استهالكا إجماليا يقدر بنحو ‪ 25‬مليار متر مكعب[‪.]9‬‬

‫تشير المعطيات الرقمية السابقة الذكر إلى التزايد المستمر في استهالك الطاقة‬
‫في الجزائر‪ ،‬األمر الذي يفرض وجود سياسة طاقوية لها القدرة والفعالية في‬
‫تأمين توفير الطاقة‪ .‬ولهذا فقد اتبعت الجزائر منذ االستقالل سياسة تدرجية في‬
‫ضمان أمنها الطاقوي‪ ،‬حيث قامت الدولة بتأميم المحروقات قي سنة ‪1971‬‬
‫الذي كان بمثابة استكمال وضع السيادة الوطنية على الموارد الطبيعية للبالد‬
‫وجعلها ملكا للمجموعة الوطنية‪ .‬ومنذ بداية األلفية الثالثة اتجهت الدولة إلى‬
‫توسيع االكتشافات النفطية بهدف رفع اإلنتاج واالحتياطات‪ ،‬وهذا بالشراكة مع‬
‫الشركات األجنبية أو باالعتماد على شركة سوناطراك‪ .‬من جهة أخرى بدأت‬
‫الدولة مؤخرا في ولوج ميدان اكتشاف الغاز الصخري في عدة مناطق‬
‫بالجنوب‪ ،‬وهذا بهدف تطوير القدرات الطاقوية للبالد‪.‬‬

‫إن تزايد استهالك الطاقة بفعل عوامل بشرية واقتصادية دفع الدولة إلى استيراد‬
‫بعض المنتجات النفطية كالبنزين والوقود بقيمة تقارب ‪ 4‬مليار دوالر سنويا‬
‫خالل السنوات األخيرة‪ ،‬حيث يشكل هذا األمر تحديا كبيرا بالنسبة للحكومة‬
‫الجزائرية‪ .‬يضاف إلى ذلك المخاطر التي يتضمنها استغالل الغاز الصخري‬
‫على البيئة والمياه الجوفية وصحة اإلنسان‪ ،‬مما أدى إلى تنامي األصوات‬
‫المعارضة للغاز الصخري خاصة لدى سكان الجنوب‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن هذه‬
‫العوامل والمعطيات ستدفع بصانع القرار إلى االستثمار في الطاقات البديلة‬
‫والنظيفة كخيار استراتيجي لتعزيز األمن الطاقوي للبالد في ظل الحسابات‬
‫الجيوسياسية التي تشهدها البيئة الدولية‪.‬‬

‫تحول األمن الطاقوي في الجزائر من النفط إلى الطاقات المتجددة‪:‬‬


‫نحو ّ‬

‫تشير الكثير من الدراسات إلى أن إنتاج النفط سيتناقص في السنوات القادمة‬


‫نتيجة نضوب حقوله في العديد من مناطق العالم‪ ،‬وهو ما جعل الدول تبحث عن‬
‫مصادر بديلة له لضمان ديمومة أمنها االقتصادي المدمن على النفط‪ ،‬وفي نفس‬
‫الوقت ضمان أمنها الطاقوي بعد زوال البترول‪ .‬في هذا السياق‪ ،‬تعتبر الجزائر‬
‫من بين الدول المعنية بتنمية الطاقات المتجددة[‪ .]10‬فهذه األخيرة تساعد على‬
‫تعويض جزء مهم من طاقة المحروقات التقليدية بطاقة نظيفة وغير قابلة‬
‫للنضوب‪ ،‬أي تعويض فجوة نضوب البترول‪ ،‬والمساهمة في الحفاظ على‬
‫االحتياطيات البترولية‪ ،‬ألن االحتياطات النفطية الجزائرية محدودة وفق‬
‫المؤشرات الحالية المتعلقة باإلنتاج واالستهالك الذي يقتضيه النمو االقتصادي‬
‫والنمو السكاني‬

‫ولهذا فالتحديات المستقبلية التي يفرضها األمن الطاقوي‪ ،‬تفرض على الدولة‬
‫الجزائرية تبني إستراتيجية طاقوية تضمن تغطية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة‬
‫باالعتماد على مصادر أخرى غير قابلة للزوال‪ ،‬وفي هذا السياق توفر الطاقات‬
‫المتجددة العديد من الخيارات المتنوعة يأتي في مقدمتها الطاقة الشمسية باعتبار‬
‫أن الجزائر تستقبل ما يزيد عن ‪ 3‬آالف ساعة شمس‪ ،‬والتي يمكن تحويلها‬
‫باستعمال التكنولوجيا إلى طاقة حرارية أو طاقة كهربائية‪ .‬ففي سنة ‪1998‬‬
‫بدأت أول قرية تسير بالطاقة الشمسية في الجنوب الجزائري بطاقة إنتاج‬
‫كهربائية تقدر بـنحو ‪ 30.7‬ألف كيلوواط‪ ،‬ثم ارتفعت إلى ‪ 725.5‬ألف كيلوواط‬
‫في سنة ‪ ،2002‬حيث يتم توفير الكهرباء لحوالي ألف مسكن في ‪ 20‬قرية من‬
‫الجنوب[‪.]12‬‬

‫وفي ‪ 3‬نوفمبر ‪ 2007‬تم اإلعالن عن بناء المحطة الكهروشمسية لحاسي رمل‬


‫التي تعد محطة هجينة تستعمل الطاقة الشمسية والغاز الطبيعي إلنتاج ‪180‬‬
‫ميغاواط في المنطقة الغازية حاسي رمل حيث تعد األولى من نوعها على‬
‫المستوى العالمي‪ ،‬باإلضافة إلى إنشاء أربعة محطات أخرى طاقة كل واحة‬
‫منها ‪ 400‬ميغاواط‬
‫تندرج هذه المحطات في مجال الطاقة الهجينة التي ستساهم في حماية‬
‫االحتياطات الجزائرية من الغاز الطبيعي التي استنزفت منها حوالي ‪%48‬‬
‫جراء استعمال الغاز في إنتاج الكهرباء‪ .‬وبالتالي أصبح االعتماد على الطاقة‬
‫الشمسية يشكل خيارا استراتيجيا في ظل ارتفاع تكلفة إنتاج الكهرباء من الغاز‬
‫الطبيعي مع ارتفاع استهالك الطاقة الكهربائية في الجزائر إلى حوالي ‪ 30‬ألف‬
‫ميغاواط سنويا‪ ،‬مع العلم أنه يمكن االعتماد على ‪ 9‬آالف ميغاواط سنويا كطاقة‬
‫ناتجة من الخاليا الشمسية‬

‫إن التحديات التي أصبح يفرضها األمن الطاقوي في عالمنا المعاصر‪ ،‬دفع‬
‫الدولة الجزائرية إلى وضع البرنامج الوطني للطاقات المتجددة (‪)2030-2011‬‬
‫الذي يتضمن بناء قدرة ذات أصول متجددة تبلغ ‪ 22‬ألف ميغاواط منها ‪ 12‬ألف‬
‫موجهة لتغطية الطلب الوطني و‪ 10‬آالف موجهة للتصدير‪ .‬كما يتضمن‬
‫البرنامج انجاز ‪ 60‬محطة شمسية كهروضوئية وشمسية حرارية وحقول لطاقة‬
‫الرياح ومحطات مختلطة إلى غاية سنة ‪ ،2020‬فبحلول عام ‪ 2030‬سيسمح هذا‬
‫البرنامج بإنتاج ‪ %40‬من الكهرباء انطالقا من الطاقة الشمسية‪ ،‬وهذا بدوره‬
‫سيكون مفتاحا لتنمية اقتصادية مستدامة[‪.]15‬‬

‫يظهر مما سبق ذكره‪ ،‬أن اإلستراتيجية الجزائرية المستقبلية لبناء األمن الطاقوي‬
‫تستند إلى التسريع في تطوير الطاقة الشمسية‪ ،‬حيث يجري إطالق مشاريع‬
‫شمسية كهروضوئية بقدرة كاملة تبلغ حوالي ‪ 800‬ميغاواط‪/‬ذروة إلى غاية سنة‬
‫‪ ،2020‬وكذلك انجاز مشاريع أخرى ذات قدرة ‪ 200‬ميغاواط‪/‬ذروة خالل‬
‫الفترة ما بين ‪ .2030-2021‬وفي مجال الطاقة الشمسية الحرارية ستشهد‬
‫تشغيل أربعة محطات بقدرة تخزين تبلغ ‪ 1200‬ميغاواط‪ ،‬كما يتضمن البرنامج‬
‫المخصص للفترة ‪ 2030-2021‬إنشاء قدرة تبلغ ‪ 500‬ميغاواط في السنة إلى‬
‫غاية ‪ 2023‬ثم ‪ 600‬ميغاواط في السنة إلى غاية ‪ .2030‬وفي مجال طاقة‬
‫الرياح تم تأسيس أول محطة هوائية بقدرة ‪ 10‬ميغاواط بأدرار (‪-2011‬‬
‫‪ ،)2013‬لتليها محطتين هوائيتين بقدرة ‪ 20‬ميغاواط (‪ ،)2015-2014‬وهناك‬
‫مخطط النجاز محطات أخرى بقدرة ‪ 1700‬ميغاواط خالل الفترة ‪-2016‬‬
‫‪ .]16[2030‬وفي يوم ‪ 16‬يناير ‪ 2017‬كشف المدير العام لمركز تنمية‬
‫الطاقات المتجددة عن التحضير إلنجاز أكبر محطة من الطاقة الشمسية‬
‫“الفتوفلتاييك” المركزة بسعة ‪ 30‬كيلو واط في وحدة البحث بوالية غرداية‪ ،‬وبها‬
‫يتم التركيز لإلشعاع الشمسي مع نظام متحرك متابع لحركة الشمس‬

‫بناء على ما سبق ذكره‪ ،‬يظهر أن اهتمام الدولة الجزائرية بالطاقات المتجددة‬
‫كمصدر للطاقة النظيفة واآلمنة نابع عن رؤية مستقبلية تمس األمن الطاقوي‬
‫للبلد وفق ثنائية تلبية احتياجات الحاضر وتوسيع خيارات المستقبل‪ ،‬وتوفير‬
‫الطاقة للسكان السيما في المناطق النائية والريفية‪ ،‬والمحافظة على الموارد‬
‫الطبيعية واالحتياطات النفطية‪ ،‬وخلق فرص لتصدير الكهرباء[‪ .]18‬ويعني هذا‬
‫أن الطاقات المتجددة ستمكن الجزائر كبلد منتج ومصدر من زيادة إيراداتها‬
‫المالية من أسواق الطاقة في المستقبل البعيد‪ ،‬حيث تعد هذه المداخيل شرطا‬
‫أساسيا لضمان أمنها االقتصادي وتمويل عملية التنمية وتطوير المشاريع‬
‫الطاقوية‪ .‬وفي نفس الوقت‪ ،‬ستمكنها من إطالة عمر االحتياطي النفطي والغازي‬
‫بالنسبة لألجيال القادمة[‪.]19‬‬

‫الطاقات المتجددة كمورد إستراتيجي لتعزيز المكانة الدولية للجزائر في مجال‬


‫الطاقة (مشروع ديزرتيك نموذج)‪:‬‬

‫ورد في تقرير برنامج البيئة التابع لألمم المتحدة صادر في شهر جوان ‪،2007‬‬
‫بأن االستثمارات قي مصادر الطاقة المتجددة بلغت ‪ 100‬مليار دوالر في سنة‬
‫‪ 2006‬بفعل المخاوف من تنامي ظاهرة االحتباس الحراري‪ .‬وقد أنجزت ‪%75‬‬
‫من هذه االستثمارات في الواليات المتحدة األمريكية وأوربا‪ ،‬في حين توزعت‬
‫‪ %25‬على باقي دول العالم[‪ .]20‬وتشير وكالة الطاقة الدولية أن مصادر‬
‫الطاقات المتجددة (طاقة الرياح والطاقة الشمسية) ستشكل ثلث إجمالي إنتاج‬
‫الكهرباء بحلول سنة ‪ 2035‬على المستوى العالمي‪ ،‬وهذا يعني أن العالم يتجه‬
‫تدريجيا لالعتماد على الطاقة المتجددة كمصدر رئيسي إلنتاج الكهرباء‪ .‬ومما‬
‫يعزز هذا التوجه انخفاض تكاليف التكنولوجيا والدعم المستمر للطاقات‬
‫المتجددة‪ ،‬إذ تلقت دعما ماليا مقداره ‪ 88‬مليار دوالر على مستوى العالم في‬
‫سنة ‪ ،2011‬وسيرتفع ذلك إلى ‪ 240‬مليار دوالر في عام ‪.]21[2035‬‬

‫في هذا السياق‪ ،‬يبرز مشروع الطاقة الشمسية األوربي في الصحراء الكبرى (‬
‫‪ )Desertec‬الذي يمتد انجازه إلى غاية ‪ ،2050‬حيث يبدو هذا المشروع‬
‫األكثر طموحا وقدرة على إحداث تغيير استراتيجي في عالقات الطاقة الدولية‬
‫واإلقليمية (عربيا‪ ،‬متوسطيا‪ ،‬أوربيا)‪ .‬ويتمثل هذا المشروع الذي خطط له في‬
‫سنة ‪ 2003‬في إقامة شبكة مترابطة يجري تزويدها بالكهرباء من محطات‬
‫شمسية ورياح تمتد من المغرب إلى السعودية‪ ،‬مرورا بالجزائر وتونس وليبيا‪.‬‬
‫وتصدر الجزء األكبر منها عبر كابالت‬
‫ّ‬ ‫وتولّد هذه المحطات الطاقة وتنتجها‪،‬‬
‫بحرية نحو أوربا‪ .‬يهدف مشروع ديزرتيك إلى توفير ما بين ‪ %15‬إلى ‪%20‬‬
‫من احتياجات السوق األوربية من الكهرباء‪ ،‬وبكميات تقدر بنحو ‪ 550‬جيجاواط‬
‫خالل ‪ 40‬سنة بتكلفة ‪ 570‬مليار دوالر‪ ،‬وبمشاركة بنوك وشركات طاقة أوربية‬
‫كبرى[‪.]22‬‬

‫إن مشروع ديزرتيك يجعل من الجزائر تحظى بمكانة حيوية لدى األوربيين‬
‫باعتبارها تتوفر على حجم أكبر من الطاقة الشمسية‪ ،‬فقد قامت الوكالة الفضائية‬
‫األلمانية بدراسة كشفت فيها بأن الصحراء الجزائرية هي أكبر خزان للطاقة‬
‫الشمسية في العالم‪ ،‬حيث تدوم اإلشعاعات الشمسية فيها ‪ 3000‬ساعة سنويا‪،‬‬
‫وهو أعلى مستوى إلشراق الشمس على المستوى العالمي‪ .‬وقد دفع هذا األمر‬
‫الحكومة األلمانية إلى إقامة مشاريع استثمارية مشتركة مع الجزائر‪ ،‬حيث تم‬
‫االتفاق بين البلدين في ديسمبر ‪ 2007‬إلنتاج ‪ %5‬من الكهرباء اعتمادا على‬
‫الطاقة الشمسية‪ ،‬ونقلها إلى ألمانيا عبر ناقل كهربائي بحري مرورا بإسبانيا‪.‬‬
‫يضاف إلى ذلك‪ ،‬المشروع المتعلق بصنع األلواح الشمسية في منطقة الرويبة‬
‫الذي دخل حيز اإلنتاج سنة ‪ 2012‬بقدرة سنوية تتراوح ما بين ‪ 50‬إلى ‪120‬‬
‫ميغاواط‪ ،‬حيث يكون موجها للتصدير مع مخطط آخر إلنتاج ‪ %20‬بحلول العام‬
‫‪ .2020‬وتجدر اإلشارة كذلك‪ ،‬إلى أن الجزائر تمتلك أكبر حجم من الطاقة‬
‫الشمسية في حوض البحر األبيض المتوسط تقدر بأربع مرات مجمل االستهالك‬
‫العالمي للطاقة‪ ،‬وفي الوقت ذاته يشكل ‪ 60‬مرة من حاجة الدول األوربية للطاقة‬
‫الكهربائية‬

‫بناء على ذلك‪ ،‬فإن الطاقات المتجددة تعتبر حاليا أهم المصادر الطاقوية‬
‫المستقبلية التي يمكن أن تدعم المكانة الجيوإ ستراتيجية للدولة الجزائرية في‬
‫محيطها اإلقليمي والدولي‪ ،‬والسيما في ما يتعلق بالطاقة الشمسية التي أصبحت‬
‫تجلب اهتمام الشركات العالمية‪ .‬ولهذا تبقى الجزائر من أبرز الدول المرشحة‬
‫لدى الخبراء لتلعب دورا رئيسيا وفعاال في معادلة الطاقة على المستوى العالمي[‬
‫‪.]26‬‬

‫إن صانع القرار في الجزائر مطالب باستغالل الحاجة األوربية المتزايدة للطاقة‬
‫على المدى المتوسط والبعيد‪ ،‬ورغبة بعض الدول الكبرى في التخلي عن الطاقة‬
‫النووية على غرار ألمانيا‪ ،‬وكذلك يجب عليه استغالل تنامي التيارات السياسية‬
‫(أحزاب الخضر) ومنظمات المجتمع المدني المدافعة عن قضايا البيئة في‬
‫مختلف البلدان األوربية‪ ،‬حيث أصبحت هذه الفواعل تقوم بضغوطات كبيرة‬
‫على الحكومات األوربية من أجل التحول الكلي نحو الطاقات المتجددة‪ .‬كما‬
‫ينبغي على السلطة الجزائرية االستغالل األمثل للعالقات المتوترة بين روسيا‬
‫ودول االتحاد األوربي حول أزمة أوكرانيا‪ ،‬وسعي األوربيين للتخلص من‬
‫التبعية للغاز الروسي‪ ،‬فهذا التوتر السائد بين الطرفين حاليا يعتبر فرصة ثمينة‬
‫بالنسبة للجزائر كي تعزز مكانتها الطاقوية لدى االتحاد األوربي الذي لن يجد‬
‫بديال آخر أحسن من منطقة شمال إفريقيا القريبة إليه جغرافيا‪.‬‬

You might also like