Professional Documents
Culture Documents
تقديم:
يطلق مفهوم المجتمع على مجمــوع األفـراد ،القـاطنين في رقعـة جغرافيـة محــددة ،والـذين تجمـع بينهم
روابط معينة ،تثبتها قواعد وضوابط ومؤسسات اجتماعية ،ويكفلها القانون.
ال يستطيع الفرد ،داخل المجتمع أن يخالف القواعد العامـة للتعـايش المشـترك ،أو ينحـرف عنهـا ،ألنــه
إن فعل ذلك ،يعرض نفسه للعقاب ،أو السخط أو اللوم .وهكذا تمارس القواعد االجتماعية سلطة على
األفــراد تتجلى في القواعــد اإللزاميــة المفروضــة عليهم ،وتســمى هــذه الســلطة بــالقهر االجتمــاعي .و
يخضع المجتمع لمنطق الوعي الجماعي المستقل عن مجوع وعي األفراد على حدة.
يرتبط ظهور المجتمعــات البدائيــة بــالنمو الــديموغرافي للمجموعــات البشــرية بــدءا باألســرة مــرورا إلى
العشيرة والقبيلة ثم المجتمعات البسيطة وانتهاء بالمجتمعات المركبة.
بالنســبة ألولئــك الــذين يؤكــدون على أولويــة الجماعــة البشــرية على الفــرد مثــل أرســطو ،وابن خلــدون
وهيجل ،...يعتبر المجتمع البشري نتيجة طبيعيــة أملتهــا الضــرورة على اإلنســان بوصــفه كائنــا يحتــاج
إلى اآلخرين من بني جنسه لتحقيق حاجاته.
يرى ابن خلدون ،في تصوره المبــدئي للعمــران ،أن المجتمــع اإلنســاني ضــروري ،وهــو يقتبس القــول
المشهور الــذي يجــري على ألسـنة الحكمـاء (القــول األرسـطي) بترديــدهم أن اإلنسـان مـدني بـالطبع أي
البد له من االجتماع ،ويلتفت ابن خلدون إلى الحقيقـةـ األزليــة الــتي تتلخص في أن بقــاء اإلنســان على
قيد الحياة مرهون بأمرين أساسيين هما:
وعلى نهجــه في التوضــيح والتفصــيل والتحليــل ،يقــرر ابن خلــدون أن قــدرة الواحــد من البشــر قاصــرة
عن تحصــيل حاجتــه من الغــذاء الــذي يفــترض أنــه أقــل قــدر من الحنطــة ،وأن هــذا القــدر من الحنطــة
يحت ــاج إلى زرع وطحن وعجن وطبخ ،وأن الزراع ــة محتاجـــة إلى حصـــاد ودرس ،والطحن والعجن
والطبخ ومحتاج إلى مواعين وآالت ال تتم إال بصناعات متعددة من حداد ونجار وفــاخوري ،ويســتحيل
أن تفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد ،فالبد من اجتماع القــدرات الكثــيرة من أبنــاء الجنس الواحــد،
والبد من التعاون بينهم لتحصيل الكفاية من الطعام.
ويخلص ابن خلــدون إلى ضــرورة المجتمــع اإلنســاني لتحقيــق الحصــول إلى القــدر الكــافي من الطعام،
وصــناعة األدوات الــتي تســتعمل في الــدفاع من رمــاح وســيوف ،...فاإلنســان وحــده عــاجز عن مدافعــة
الوحوش فالبد له من التعاون مع أبناء جنسه ليكـون الـدفاع مؤتيـا ثمـاره .يقـول ابن خلـدون" :ومـا لم
يكن هـذا التعـاون فال يحصـل لـه – أي اإلنسـان – قـوت وال غـــذاء ،وال تتم حياتـه لمـا ركبـه اهلل تعـالى
عليـه من الحاجــة إلى الغــذاء في حياتـه ،وال يحصــل لـه أيضــا دفـاع عن نفسـه لفقــدان السـالح ،فيكـون
فريسة للحيوانات ،ويعالجه الهالك عن مدى حياته ويبطــل نـوع البشـر " ،هكــذا وبتفكـير ســهل أقـرب
إلى العفويــة ،وأســلوب ســلس يربــط ابن خلــدون بين التعــاون اإلنســاني في نطــاق التجمــع وبين فنــاء
النوع البشري إذا حاد عن هذا السبيل .ولكن ابن خلــدون يريــد أن يصــل إلى معــنى العمــران في نطــاق
من القول والفكر األكثر تحديداً فيقول مستطرداً " :وإ ذا كان التعاون حصل له – أي لإلنســان – القــوت
للغــذاء ،والســالح للمدافعــة ،وتمت حكمــة اهلل في بقائــه وحفــظ نوعــه ،فــإذن هــذا المجتمــع ضــروري
للنوع اإلنساني ،وإ ال لم يكمل وجودهم وما أراد اهلل من اعتمار العالم بهم واستخالفه إياهم ،وهذا هــو
معنى العمران الذي جعلناه موضوعا لهذا العلم " .
أما بالنسبة ألولئك الذين يعتبرون أن المجتمع (الكل) هو مجموع األفراد (مجمــوع األجــزاء)
مثــل روســو ،لــوك ،هــوبز ...فمنشــأ المجتمــع عنــدهم يرجــع إلى االتفــاق بين األفــراد ،أو مــا
يرى روسو إن اإلنسان قبل قيام المجتمع "المدني" كان يعيش في حرية كاملة واستقالل تام ،ويفترض
روسـو إن اإلنسـان كـان متوحشـاً في الغـالب ال يعـرف أهلـه ،ولعلـه لم يكن يعـرف أوالده ،وال لغـة لـه،
وال صناعة ،وال فضيلة ،وال رذيلة من حيث أنه لم يكن له مــع أفــراد نوعــه أي عالقــة يمكن أن تكــون
عالقــة خلقيــة كــان حاصــال بســهولة على وســائل إرضــاء حاجاتــه الطبيعيــة ولم يصــب إال بالقليــل من
األم ــراض قلم ــا ك ــان يحت ــاج إلى األدوي ــة ألن الص ــحة إنم ــا تعت ــل باإلس ــراف في المعيش ــة وب ــالميول
المصطنعة وما ينتج عنها من إجهــاد جســمي وعقلي .يــرى روســو أن الحريــة هي الــتي تمــيز اإلنســان
أكثر من الفهم .كيف خرج اإلنسان من هذه الحالة؟
اضــطرت الظــروف اإلنســان إلى التعــاون مـع غـيره من أبنــاء نوعــه ...تعاونـاً موقتـاً كــان الغــرض منــه
صــيد الحيــوان ...ثم اضــطرتهم الفيضــانات والــزالزل إلى االجتمــاع بصــفة مســتديمة فــاخترعت اللغــة
وتغير السلوك وبرز الحسد.
إن هذا االجتماع يمثل ،في رأي روسو ،حالة الطبيعة الخالية من القــوانين والــردع .ولكن تطــور حيــاة
اإلنسان واتســاع ضـروراتها أدى إلى نشــوء حالــة مدنيــة منظمــة بــالقوانين تثبت الملكيــة ويتوطــد فيهــا
التفــاوت بين النــاس .وهكــذا يتحــول اإلنســان الطيب بــالطبع إلى شــرير باالجتمــاع.لقــد أصــبح االجتمــاع
ضروريا ومن العبث العــودة إلى حالــة الطبيعــة .وأصــبح من الضــرورة إصــالح مفاســده بإقامــة حكومــة
الصالحة وتربية المواطنين الصالحين .وذلـك عن طريـق إيجــاد مؤسسـة تحمى بقــوة المجتمـع وتسـمح
بأن ال يخضع إال لنفسه ،وبأن تبقى له الحرية التي كان يتمتع بها من قبل.
لم تكن ملكية األرض مضمونة بما فيه الكفاية .وكان البد من إيجاد وسائل جديــدة لحمايتهــا .وقــد لجــأ
األغنياء إلى الحيلة لإليقاع بـالفقراء وقـد ابتكـروا ،كمـا يقـول روسـو ،أذكى خطـة عنـدما قـالوا للفقـراء
نتحد لكي نحمي الضعفاء من الظلم والجــور ،ونضــع قــوانين العــدل والســلم وبــدالً من أن نســتنفذ قوانــا
في االقتتال نوحد أنفسنا في سلطة عليا وفق الشرائع الحكيمة ...وهكذا قاد تأســيس الملكيــة األرضــية
البش ــر إلى العق ــد االجتم ــاعي .ك ــانت الق ــوانين في البداي ــة ،على ح ــد ق ــول روس ــو ،تفتق ــر إلى بعض
الضوابط والمعايير الملزمة لألفراد وكــان المجتمــع بأســره يضــمن احترامهــا والتقيــد بهــا .لكن ســرعان
ما أوحى ضعف شـكل الحكم هـذا فكـرة (توكيـل أفـراد معيـنين على الوديعـة الخطـيرة ،السـلطة العامـة).
هك ــذا ظه ــر ال ــوالة المنتخب ــون ،بم ــا أن الش ــعب وحَّد إرادت ــه جمع ــاء في مش ــيئة واح ــدة ،فيم ــا يتص ــل
بالعالقــات االجتماعيــة ،فــإن كــل مــا وضــع موضــوعاً لهــذه المشــيئة صــار قانونـاً أساســياً ملزمـاً لجميــع
أعضــاء الدولــة بــدون اســتثناء .وهكــذا نجــد أن العقــد االجتمــاعي ال يتمخض ،من منظــور روســو عن
تكوين المجتمع كتنظيم سياســي فحســب ،وإ نمــا يحــدد أيضـاً العالقــات المتبادلــة بين الشــعب وبين الــذين
انتخبهم لكي يحكموه.
لقد كان العقــد االجتمــاعي أداة إراديــة تنـازل بموجبهــا األفـراد عن حــريتهم الطبيعيـة لصــالح فـرد آخـر،
وأذابواـ إرادتهم الفردية في إرادة عامة مشتركة واتفقوا على قبول أحكامـ هذه (اإلرادة العامة) كأحكــام
نهائيــة قاطعــة ،وكــانت هــذه اإلرادة العامــة هي الســلطة صــاحبة الســيادة .إن مــا يخســره اإلنســان من
جراء العقد هو حريته الطبيعية الالمحدودة ،وما يربحه بالمقابل هو الحرية المدنية وهو تملكه لكل ما
ملكته يده.
على هذا األساس يكون المجتمـع "المـدني" ثمـرة للتعاقـد االجتمـاعي ،مثلمـا أن المجتمـع الطـبيعي ثمـرة
للضرورات البيولوجية.
الـفـرد والـمـجـتـمـعـ
ساهمت أراء روسو ،و لوك ،وهوبز ،ومونتيسكيو ،حول العقد االجتماعي ،بلورة مفهوم الفــرد .ظهــر
مفهومـ الفرد ،كقيمـة اجتماعيـة ،أبـان عصـر النهضـة بعـد انهيـار اإلقطـاع ،ونشـوء الطبقـة البرجوازيـة
ابتداءا القرن 15م .وتبلــور مفهـومـ النزعـة الفرديـة من خالل األطروحـات الفلسـفية ،الـتي بـدأت تبتعـد
عن األفكار التقليدية التي يمثلها المجتمع التقليدي ،الممثل لنظام فكري وسياسي واجتمــاعي إقطــاعي.
وما عزز هــذا الــنزوع نحــو الحريــة الفرديــة في أوروبــا هــو نشــوء الليبراليــة والــديموقراطيات الحديثــة
بعد الثورتين الفرنسية واإلنجليزية.
و في ه ــذا الس ــياق ،يعت ــبر طوكفي ــل ،وح ــتى م ــاركس ،أن النزع ــة الفردي ــة أو الفرداني ــة فك ــرة حديث ــة
المنشــأ ،و مرتبطــة بالديموقراطيــة عنــد طوكفيــل ،وبــالمجتمع البورجــوازي عنــد مــاركس .وقــد أتــاحت
الفردانية للمواطنين االنعزال عن المجتمع (ما يسميه طوكفيل "كتلة األشباه") ،وبالتــالي تأســيس العــالم
األصغر الخاص بالفرد بعيدا عن إكراهات األسرة أو العشير أو الطائفة أو القبيلــة كمــا كــان الحــال قبــل
ظهور اللبيرالية .إن ما يميز النزعة الفردية ،حسب طوكفيل هو:
ينظ ــر دوركهــايم لعالق ــة الف ــرد ب ــالمجتمع من زاوي ــتين مختلفــتين .فهــو يــرى يمــيز بين ش ــكلين من
المجتمعات:
· مجتمعات تخضع للتضامن الميكانيكي
· مجتمعات تخضع للتضامن العضوي
تتسم المجتمعات الخاضعة التضامن الميكانيكى بما يلى:
· حجم وكثافة سكانية ضعيفة
· تنظيم اجتماعي غير متمايز (تشابه بين األفراد)
· قانون قمعي
· وعي جماعي يدمج الفرد جيدا في المجتمع
بينما مجتمعات التضامن العضوي تتصف باالتي :
· حجم وكثافة سكانية عالية
· وظائف اجتماعية مختلفة جدا
· قانون تعاوني
· أفراد متحررين
يخض ــع األف ــراد في المجتمع ــات م ــا قب ــل الص ــناعية لمب ــدأ االرتب ــاط ال ــداخلي ،حيث يس ــود التض ــامن
الميكانيكي الذي يربط الفرد بالجماعة ويشترط تحقبق إنسانسيته داخلها على اعتبار أن المجتمع أو
الجماعة هما الغاية والمنتهى الطبيعي لإلنسان .في المقابل ،يخضع ألفراد داخل المجتمعات الحديثــة
لمبــدأ التمــيز الــوظيفي ،حيث يتحــدد كــل فــر د وفــق انتمائــه ،ليس العــرقي أو الــديني أو الــدموي أو
القبلي ،...وإ نمــا ،السوســيو-مهــني أو السوســيو-اقتصــادي ،وذلــك انســجاما مــع مقتضــيات الحيــاة
االجتماعية وأنماط تقسيم العمل.
الـمـجـتـمـع و الــســلـطـةـ
لكــل مجتمــع أســس ،وقواعــد ،ونظم ،وضــوابط يقــوم عليهــا ..تســهر على حفظهــا وضــمانها وصــيانة
اس ــتمراريتها مؤسس ــات .وه ــذه المؤسس ــات نوع ــان :مؤسســـات إيديولوجي ــة ( المدرســـة ،وســـائل
اإلعالم ،التقاليد ،األعراف )...ومؤسسات قمعية (الدولة،الجيش ،البوليس .)... ،والمؤسسات ،كمــا
يــدل عليهــا اســمها ،هي كيانــات أسســها النــاس لتــدبير الخالفــات داخــل المجتمــع ولفــرض الســلطة
المجتمعية.
يرى فرويد أن معظم الناس ينصاعون لسلطة المجتمع تحت ضغط اإلكراه الخارجي وحده ،وبالتــالي
كلمــا كــان هــذا اإلكــراه محسوســا إال و فــرض نفســه .فاألنــا األعلى هــو معطى خــارجي يفــرض نفســه
على الغرائز .إن التحليل النفسي هو تعبير عن الوعي بالقمع االجتماعي للجنس.
يذهب فرويد إلى أن الدوافع اللطيفة الب ّناءة و المليئة بالحب لدى اإلنسان ليست أوليــة ،بــل نشــأت
بصورة ثانوية من ضرورة كبت دوافعه الخبيثة األصلية و يرى أن الحضارة ما هي إال نتيجة هذا
النــوع من الكبت إذ يعتقــد أن اإلنســان تتحكم فيــه باألصــل دوافــع شــريرة و كلمــا نمــا المجتمــع و
تطور ،إال ومضى في إكراه اإلنسان على أن يقمع و يكبت هذه الدوافع .يقول فرويد " إن كــل فــرد
هو ...عدو للحضارة التي هي باألساس لصالح البشرية قاطبة بوجه عـام ،و إنـه ممـا يبعث على
االســتغراب أن بــني اإلنســان الــذين ال يحســنون الحيــاة في عزلــة وعلى إنفــراد يشــعرون مــع ذلــك
بوطأة اضطهاد ثقيلة بحكم التضحيات التي تنتظرهــا منهم الحضــارة حــتى تجعــل حيــاتهم المشــتركة
ممكن ــة" .فالحض ــارة عن ــد فروي ــد ق ــامت بش ــكل أساس ــي على مفهـــوم الكبت الجنســـي .و ال يكفي
للمحافظة عليها االهتمام بالعمل التضامني لكــون األهــواء الغريزيــة أقــوى من االهتمامــات العقليــة،
لذلك على الحضارة أن تٌج ّند كل ما في متناولهـا لكي تحـد من العدوانيـة البشـرية عن طريـق ردود
أفعال ذات طابع أخالقي إلزامي.
يقول فرويد " إذا كانت الحضارة تفـرض مثـل هـذه التضـحيات الباهظـة ال على الغريـزة الجنسـية و
حسب بل و على العدوانيةـ أيضاً ،فإننا نفهم في هذه الحال فهماً أحسن لماذا يعســر على اإلنســان
غاية العسر أن يجد في ظلها سعادته " فكــل حضــارة ٌملزمـة بـأن تشــيد نفســها على اإلكـراه و على
نكران الغرائز .إن الحرمان هو نــوع من القســر الــذي تمارســه الثقافــة لمنــع الغرائــز اإلنســانية من
الظهــور و لبقــاء اإلنســان فــوق الواقــع الحيــواني البــدائي الــذي كــان يعيش فيــه ،فــاألخالق يعيشــها
الف ــرد عن ــد فروي ــد أوالً على ص ــورة تض ــحية أو ع ــذاب .ل ــذلك نج ــد ب ــأن معظم الن ــاس ينص ــاعون
للنــواهي الثقافيــة المتعلقــة بكبت و قمــع المتطلبــات الغريزي ــة العدواني ــة و الجنســية تحت اإلك ــراه
الخارجي والعقاب ،لكن كيف يكون العقاب؟
حسب فرويد العقاب مزدوج :خارجي ممثل بالسلطة االجتماعية و داخلي ممثــل بالتربيــة الصــارمة
االجتماعية التي يمثلها األنا األعلى .فاإلنسان منقسـم بين قـواه النفسـية الـتي تعــبر عن نفســها في
داخــل الفــرد و من خالل عالقاتــه مــع المحيــط .و من هــذا الجــانب نالحــظ اغــتراب األنــا وضــياعه
حيث يتعين عليــه أن يخــدم ســادة ثالثــة متنــازعين وأن يعيش تبع ـاً لــذلك تحت تهديــد خطــر ثالثي
يتمثل جـانب منـه من العــالم الخـارجي ،وجــانب آخـر من ليبيـدو الهـو و غرائــزه ،وجـانب ثـالث من
صــرامة األنــا األعلى ،و مــا ينشــأ عن ذلــك من حصــر و قلــق عمــاده االنســحاب أمــام الخطر .لــذلك
يرى فرويد أن حياتنا كما هي مفروضة علينا ثقيلة الوطء و تغل أعناقنا بكثرة كثــيرة من المشــاق
و الخيبات.
-التحــوا من األنانيــة إلى الغيريــة أي من االنغالق النرجســي إلى قبــول الغــير وخلــق عالقــات
معه.
-طاعة أكبر عدد من األفراد للمجتمع وخضوعهم له
-القمع المتواصل لغرائز األفراد ،وما يصاحبه من ردود أفعال متوترة.
-تشــوهات في شخصــيات األفــراد واســتعدادهـ الــدائم إلطالق العنــان لمكبوتــاتهم في أيــة لحظــة
تغيب فيها الرقابة والسلطة المجتمعية.
إذا كان فرويد يرى أن المجتمع و الحضــارة يقمعــان الغرائــز ،فــإن رالــف لنتــون يعتقــد ،في المقابــل أن
المجتمع يعمل على االســتجابة لحاجيــات األفــراد ،ويعمــل كــذلك على ترســيخ النمــاذج الثقافيــة من خالل
ويقصد بالتنشئة االجتماعية مجموع عمليات التعلم التي عن طريقهــا يكتســب ويســتدمج الفــرد العــادات
والتقاليــد والقيم واالتجاهــات الســائدة فى بيئتــه .وتتم من خالل األســاليب والطــرق الــتي يتلقاهــا األفــراد
منــذ طفــولتهم المبكــرة في األســرة والمدرســة ومــع الجماعــات .تلــك األســاليب الــتي تتفــق مــع الثقافــة
السائدة في المجتمع.
بعت ــبر رال ــف لنت ــون أن عملي ــة التنش ــئة ب ــالمعنى الس ــابق تتم ع ــبر "طعمـ اإلش ــباع" .فالمش ــرفون على
التنشئة االجتماعية يقــدمون للفــرد إشــباعا مباشــرا لغرائــزه وحاجاتــه ،وفي الــوقت نفســه ،يمــررون لــه
العادات والسوكات والمعتقدات ...فالفرد يشبع جوعه عندما يقبل على األكل لكنه يتعلم أسليب وطــرق
األكل ممن هم أكبر منه.
إن المجتمــع ليس اضــطهادا وتعســفا ،بــل هــو مؤسســة ظهــرت لتحــل المشــاكل الــتي عصــفت باإلنســان
عندما كان يعيش وحشــيته في حالــة الطبيعــة .لقــد فقــد اإلنســان حريتــه المطلقــة عنــدما دخــل المجتمــع،
لكنــه ربح األمن واالســتقرار والحضــارة والتقــدمـ والــرقي .ولكن مــا كــان للمجتمعــات البشــرية أن تصــل
إلى ما وصلت إليه لو لم يكن المجتمع ساحة للصراع والتفاعل التاريخي بين مختلف مكوناته.