You are on page 1of 24

‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ ‪ :‬اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ‬

‫و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬

‫أوﻻ‪ :‬ﻣﻔﻬــوم اﻟﻔﻘــر‪.‬‬


‫‪ .1‬ﻟﻐ ــﺔ‪.‬‬
‫‪ .2‬اﺻطﻼﺣ ــﺎ‪.‬‬
‫اﻟﻔﻘر اﻟﻣطﻠق‪.‬‬ ‫‪.1-2‬‬
‫اﻟﻔﻘر اﻟﻧﺳﺑﻲ‪.‬‬ ‫‪.2-2‬‬
‫اﻟﺗﻌرﯾف اﻹﺟراﺋﻲ ﻟﻠﻔﻘر‪.‬‬ ‫‪.3-2‬‬
‫ﺛﺎﻧﯾــﺎ‪ :‬ﻣﻌﺎﯾﯾــر ﻗﯾﺎﺳــﻪ‪.‬‬
‫‪ .1‬ﻣﻌﯾﺎر اﻟدﺧل و اﻟﺛروة‪.‬‬
‫‪ .2‬ﻣﻌﯾﺎر اﻟرﻓﺎﻫﯾﺔ و اﻟﻼرﻓﺎﻫﯾﺔ‪.‬‬
‫‪ .3‬ﻣﻌﯾﺎر اﻹﺳﺗﻬﻼك و اﻟدﺧل‪.‬‬
‫‪ .4‬ﻣﻘﺎرن ﺑﯾن طرﯾﻘﺗﻲ اﻟدﺧل و اﻹﺳﺗﻬﻼك‬
‫ﺛﺎﻟﺛـﺎ‪ :‬أﻫـم اﻻﺗﺟﺎﻫـﺎت اﻟﻣﻔﺳـرة ﻟﻠﻔﻘـر‪.‬‬
‫‪ .1‬اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟرأﺳﻣﺎﻟﻲ‪.‬‬
‫‪ .2‬اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻻﺷﺗراﻛﻲ‪.‬‬
‫‪ .3‬اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻹﺳﻼﻣﻲ‪.‬‬
‫ﺧﻼﺻـﺔ و ﺗﻘﯾﯾم‪.‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫ﺗﻣﻬﯾد ‪:‬‬
‫ﻣــن ﺑــﯾن اﻟﻣﺷــﻛﻼت اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ ﺣظﯾــت ﺑﺈﻫﺗﻣــﺎم واﻓــر ﻣــن طــرف اﻟﻌﻠــوم اﻹﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ‬
‫ﺑﻣﺧﺗﻠــف ﺗﺧﺻﺻــﺎﺗﻬﺎ ﻧﺟــد ﻣﺷــﻛﻠﺔ اﻟﻔﻘــر‪ ،‬و اﻟﺗــﻲ ﺷــﻛﻠت و ﺗﺷــﻛل إﺣــدى أﻛﺑــر ﻣﻌﺿــﻼت اﻟﻌﺻــر‬
‫اﻟﺗﻲ ﺗؤرق ﻛﺎﻫل اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﺑﺣﻛم ﺣﺟﻣﻬﺎ اﻵﺧذ ﻓﻲ اﻟﺗزاﯾد و ﺑﺷـﻛل ﻻﻓـت ﻟﻼﻧﺗﺑـﺎﻩ‪ ،‬ﻛوﻧـﻪ ﯾﻌﻣـل ﻋﻠـﻰ‬
‫إﻋﺎﻗﺔ ﺗطور اﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت و ﺗﺣﺳﯾن ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﻣﻌﯾﺷـﺔ ﺑﻬـﺎ‪ .‬و ﺑﺣﻛـم أﻫﻣﯾـﺔ ظـﺎﻫرة اﻟﻔﻘـر ﺳﯾﺧﺻـص‬
‫ﻫــذا اﻟﻔﺻــل ﻟﺗﺷﺧﯾﺻــﻬﺎ اﻧطﻼﻗــﺎ ﻣــن ﺗﺣدﯾــد ﻣﻔﻬــوم اﻟﻔﻘــر ﻟﻐــﺔ ﻓﺎﺻــطﻼﺣﺎ‪ ،‬ﺛــم ﺗﺣدﯾــد أﻫــم ﻣﻌــﺎﯾﯾر‬
‫اﻟﻘﯾﺎس اﻟﻣﺳﺗﺧدﻣﺔ ﻟﺗﺣدﯾد اﻟﻔﻘراء ﻣن ﻏﯾر اﻟﻔﻘراء ﻟﻧﺻل ﺑﻌد ﻫـذا إﻟـﻰ اﻟﺣـدﯾث ﻋـن أﻫـم اﻻﺗﺟﺎﻫـﺎت‬
‫اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺎوﻟت اﻟظﺎﻫرة ﺑﺎﻟدراﺳﺔ و اﻟﺗﺷﺧﯾص‪ ،‬و ﻫﻲ اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟ أرﺳـﻣﺎﻟﻲ ﻓﺎﻻﺷـﺗراﻛﯾﺛم اﻻﺗﺟـﺎﻩ‬
‫اﻹﺳ ــﻼﻣﻲ و اﻟـ ــذي ﯾﺣ ــدد اﻟظـ ــﺎﻫرة ﻣ ــن ﻣﺧﺗﻠـ ــف ﺟواﻧﺑﻬـ ــﺎ و ﻣ ــدى ﺗﺄﺛﯾرﻫـ ــﺎ ﻋﻠ ــﻰ اﻟﻔﻛـ ــر و اﻟﺳـ ــﻠوك‬
‫اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ‪.‬‬

‫أوﻻ‪ :‬ﻣﻔﻬوم اﻟﻔﻘــر‪:‬‬


‫ﯾﻌﺗﺑ ـ ــر اﻟﻔﻘ ـ ــر ﻣ ـ ــن اﻟﻣﻔ ـ ــﺎﻫﯾم اﻟﻣﺟ ـ ــردة و اﻟﻧﺳ ـ ــﺑﯾﺔ اﻟﺗ ـ ــﻲ ﺗﺣ ـ ــﺎول وﺻ ـ ــف ظ ـ ــﺎﻫرة اﺟﺗﻣﺎﻋﯾ ـ ــﺔ‬
‫و اﻗﺗﺻــﺎدﯾﺔ ﺑﺎﻟﻐــﺔ اﻟﺗﻌﻘﯾــد و اﻟﺗﺷــﺎﺑك ﻣــن ﺟﻬــﺔ‪ ،‬و ﻣــن ﺟﻬــﺔ أﺧــرى ﺗﺧﺗﻠــف ﺑــﺎﺧﺗﻼف اﻟﻣﺟﺗﻣﻌــﺎت‬
‫و اﻟﻔﺗ ـرات اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾــﺔ و أدوات اﻟﻘﯾــﺎس و ﻛــذا ﺑــﺎﺧﺗﻼف اﻟﺧﻠﻔﯾــﺎت اﻟﻔﻛرﯾــﺔ و اﻷﺧﻼﻗﯾــﺔ ﻟدارﺳــﯾﻪ ﻣــن‬
‫ﺟﻬ ــﺔ أﺧ ــرى‪ 1‬و ﻟﻌ ــل ﻫ ــذا ﻣ ــﺎ ﯾﻔﺳ ــر ﻋ ــدم اﻟ ــﺗﻣﻛن ﻣ ــن اﻟﺗوﺻ ــل إﻟ ــﻰ ﺗﺣدﯾ ــد ﻋﻠﻣ ــﻲ و دﻗﯾ ــق ﻟ ــﻪ‪.‬‬
‫و ﺳﻧﺣﺎول ﺑداﯾﺔ ﺗﺣدﯾد ﻣﻌﻧﻰ ﻛﻠﻣﺔ "ﻓﻘر" ﻣن اﻟﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟﻠﻐوﯾﺔ ﺛم ﻣن اﻟﻧﺎﺣﯾﺔ اﻻﺻطﻼﺣﯾﺔ‪.‬‬
‫اﻟﺿـﻌف‪ ،‬و اﻟﻔﻘـر ﻟﻐـﺔ اﻟردﯾﺋــﺔ‪.‬‬
‫اﻟﺿـﻌف و ﱡ‬
‫اﻟﻐﻧــﻰ‪ ،‬ﻣﺛـل ﱠ‬
‫‪ -1‬اﻟﻔﻘــر ﻟﻐــﺔ‪:‬ﻓَﻘُ ـَر‪ :‬اﻟﻔَ ﻘـر و اﻟﻔُﻘـر ﺿـد ِ‬
‫اﻟﻔﻘﯾر اﻟذي ﻻ ﺷﻲء ﻟﻪ‪ ،‬و اﻟﻔﻘر اﻟﺣﺎﺟﺔ و ﻓﻌﻠﻪ اﻻﻓﺗﻘﺎر و اﻟﻧﻌت ﻓﻘﯾر‪.2‬‬
‫‪ -2‬اﻟﻔﻘـــر اﺻطـــﻼﺣﺎ‪ :‬ﻗﺑـل اﻟﺗطــرق ﻟﻠﻣﻌﻧــﻰ اﻻﺻــطﻼﺣﻲ ﻟﻠﻔﻘــر ﻻ ﺑـد ﻣــن اﻹﺷــﺎرة أوﻻ إﻟــﻰ أﻧــﻪ ﻻ‬
‫وﺟود ﻟﻠﻔﻘر إﻻ ﻓﻲ ظل اﻟﻐﻧﻰ‪ ،‬و ﻓﻘر اﻟﻔﻘراء ﻻ ﯾﻣﻛن ﻗﯾﺎﺳﻪ إﻻ ﺑﻐﻧﻰ اﻷﻏﻧﯾـﺎء‪ ،‬و ﻟﻌـل ﻫـذا ﺗﺣدﯾـدا‬
‫ﻣــﺎ ﯾﺟﻌــل اﻟﻔﻘــر ﻣﺛــل اﻟﻐﻧــﻰ ﻣﻔﻬوﻣــﺎ ﻧﺳــﺑﯾﺎ‪ ،‬ﻓــﺎﻟﻔﻘﯾر ﺑﺎﻟﻧﺳــﺑﺔ إﻟــﻰ ﻏﻧــﻲ ﺑﻌﯾﻧــﻪ ﯾﻣﻛــن أن ﯾﻛــون ﻏﻧﯾــﺎ‬
‫ﺑﺎﻟﻧﺳ ــﺑﺔ إﻟ ــﻰ ﻓﻘﯾ ــر ﺑﻌﯾﻧ ــﻪ‪ ،‬ﻓ ــﺎﻟﻔﻼح اﻟ ــذي ﯾﻣﻠ ــك ﺑﻘـ ـرة ﻫ ــو ﻓﻘﯾ ــر ﻣﻘﺎرﻧ ــﺔ ﺑ ــﺂﺧر ﯾﻣﻠ ــك ﺧﻣﺳ ــﺔ ﺑﻘـ ـرات‬

‫‪ 1‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق اﻟﻔﺎرس‪ .‬اﻟﻔﻘﺮ و ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﺪﺧﻞ ﰲ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﰊ‪ .‬ﻣﺮﻛﺰ دراﺳﺎت ﻟﻮﺣﺪة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪ .‬ﺑﲑوت ‪ 2001‬ص‪.19 ،‬‬
‫‪ 2‬اﺑﻦ ﻣﻨﻈﻮر ‪ .‬ﻟﺴﺎن اﻟﻌﺮب‪ .‬ط ‪ .3‬دار ﺻﺎدر‪ .‬ﺑﲑوت ‪ .1949‬ص‪.60 ،‬‬

‫‪21‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫أو ﺟ ار ار آﻟﯾﺎ‪ ،‬ﻟﻛن ﻫذا اﻟﻔﻼح اﻟﻔﻘﯾر ﻫو ﻧﻔﺳﻪ ﻏﻧﻲ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻔﻼح اﻟﻣﻌدم اﻟذي ﻻ ﯾﻣﻠك ﺷﯾﺋﺎ‪.1‬‬
‫و ﯾﻣﻛــن اﻟﻘــول ﺑــﺄن ﻧﺳــﺑﯾﺔ اﻟﻔﻘــر ﻫﺎﺗــﻪ ﻫــﻲ اﻟﺗــﻲ ﺗﻔﺳــر اﻟﺗﻧــوع اﻟﻛﺑﯾــر ﻓــﻲ اﻟﺗﺣدﯾــدات اﻟﻣﻘدﻣــﺔ‬
‫ﺣوﻟـﻪ‪ ،‬و ذﻟــك ﻓــﻲ ﺣﺻـرﻩ ﻓــﻲ ﻋــدة ﻣؤﺷـرات ﺗـﺎرة ﯾﻐﻠــب ﻋﻠﯾﻬــﺎ اﻟطــﺎﺑﻊ اﻟﻛﻣـﻲ و ﺗــﺎرات أﺧــرى ﯾﻐﻠــب‬
‫ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟطـﺎﻟﻊ اﻟﻛﯾﻔـﻲ‪ ،‬و رﻏـم ﻫـذا ﻓـﺈن ﻣﻔﻬـوم اﻟﻔﻘـر اﻟـذي ﺗﺷـﺗرك ﺣوﻟـﻪ ﻛـل ﻣﺣـﺎوﻻت اﻟﺗﻌرﯾـف ﺗﻠـك‬
‫‪3‬‬
‫إﻧﻣـﺎ ﯾـدل ﻋﻠــﻰ اﻟﻌﺟـز ﻓـﻲ ﺗﺣﻘﯾــق اﻟﺣﺎﺟـﺎت اﻟﻣﺎدﯾـﺔ و اﻟﻣﻌﻧوﯾــﺔ ﻟﻠﻔـرد‪ .2‬أو ﻣـﺎ ﯾطﻠــق ﻋﻠﯾـﻪ اﻟــﺑﻌض‬
‫»اﻟﺣرﻣﺎن اﻟﻧﺳﺑﻲ« ﻟﻔﺋﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ﻣن ﻓﺋﺎت اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ و أن اﻻﺧﺗﻼف ﺑﯾن ﻫذﻩ اﻟﺗﻌﺎرﯾف إﻧﻣـﺎ ﯾﻛﻣـن ﻓـﻲ‬
‫ﺣــدود و ﻣﻛوﻧــﺎت ذﻟــك اﻟﺣرﻣــﺎن و ﻫــذا ﻣــﺎ ﺳــﻧﻼﺣظﻪ ﻣــن ﺧــﻼل اﺳــﺗﻌراض ﺑﻌــض اﻟﺗﻌــﺎرﯾف ﺣــول‬
‫اﻟﻣوﺿ ــوع‪ ،‬ﺣﯾ ــث ﯾﻌرﻓ ــﻪ ﻣﺣﻣ ــد ﺣﺳ ــﯾن ﺑ ــﺎﻗر ﺑﺄﻧ ــﻪ‪» :‬ﺣﺎﻟ ــﺔ ﻣ ــن اﻟﺣرﻣ ــﺎن اﻟﻣ ــﺎدي اﻟﺗ ــﻲ ﺗﺗﺟﻠ ــﻰ أﻫ ــم‬
‫ﻣظﺎﻫرﻫﺎ ﻓﻲ اﻧﺧﻔﺎض اﺳﺗﻬﻼك اﻟﻐذاء ﻛﻣﺎً و ﻧوﻋﺎً و ﺗـدﻧﻲ اﻟﺣﺎﻟـﺔ اﻟﺻـﺣﯾﺔ و اﻟﻣﺳـﺗوى اﻟﺗﻌﻠﯾﻣـﻲ و‬
‫اﻟوﺿﻊ اﻟﺳﻛﻧﻲ و اﻟﺣرﻣﺎن ﻣن ﺗﻣﻠك اﻟﺳﻠﻊ اﻟﻣﻌﻣرة و اﻷﺻول اﻟﻣﺎدﯾﺔ اﻷﺧرى و ﻓﻘـدان اﻻﺣﺗﯾـﺎطﻲ‬
‫)اﻟﻣ ـ ــﺎﻟﻲ( أو اﻟﺿ ـ ــﻣﺎن ﻟﻣواﺟﻬ ـ ــﺔ اﻟﺣﯾ ـ ــﺎة اﻟﺻ ـ ــﻌﺑﺔ ﻛ ـ ــﺎﻟﻣرض و اﻹﻋﺎﻗ ـ ــﺔ و اﻟﺑطﺎﻟ ـ ــﺔ و اﻟﻛـ ـ ـوارث و‬
‫اﻷزﻣﺎت…« ‪ ،4‬و ﻋﻠﻲ ﻣﺣﻣد ﺟﻌﻔر ﯾذﻫب إﻟﻰ أن اﻟﻔﻘـر ﺑﻣﻌﻧـﺎﻩ اﻟﺷـﺎﻣل ﻫـو‪ »:‬ﺗﻠـك اﻟﺣﺎﻟـﺔ اﻟﻣﺎدﯾـﺔ‬
‫اﻟﺗــﻲ ﻻ ﯾﺳــﺗطﯾﻊ اﻹﻧﺳــﺎن ﻣــن ﺧﻼﻟﻬــﺎ ﺗﺣﻘﯾــق اﻟﺣــد اﻷدﻧــﻰ ﻟﻣﺗطﻠﺑــﺎت ﺣﯾﺎﺗــﻪ‪ ،‬إﻣــﺎ ﻟﻌــدم ﻛﻔﺎﯾــﺔ دﺧﻠــﻪ‬
‫ﺑﺻورة ﻛﺑﯾرة‪ .‬أو ﻟﻌدم وﺟود دﺧل ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق«‪ ،5‬و ﯾﻌرﻓﻪ ﻣﺣﻣود ﺣﺳن ﻋﻠﻰ أﻧﻪ‪» :‬اﻟﺣﺎﻟﺔ اﻟﺗـﻲ‬
‫ﻻ ﯾﻛﻔﻲ ﻓﯾﻬﺎ دﺧل اﻷﺳـرة ﻓـﻲ إﺷـﺑﺎع ﺣﺎﺟﺎﺗﻬـﺎ اﻷﺳﺎﺳـﯾﺔ ﻟﻠﻣﺣﺎﻓظـﺔ ﻋﻠـﻰ ﺑﻧﺎﺋﻬـﺎ اﻟﻣـﺎدي و اﻟﻧﻔﺳـﻲ و‬
‫اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬و ﻟﻪ ﻧﺗﺎﺋﺞ ﺧطﯾرة ﻋﻠﻰ اﻟﺻﺣﺔ و ﻧوع اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ اﻟﺳـﺎﺋدة ﻓـﻲ ﺣﯾـﺎة اﻷﺳـرة و ﻣـﺎ ﯾﺗـوﻓر ﻟﻬـﺎ‬
‫ﻣن ﻓرص اﻟﺗﻌﻠﯾم«‪.6‬‬
‫و ﻟﻌﻠــﻪ ﻣــن اﻷﻫﻣﯾــﺔ ﺑﻣﻛــﺎن ﻋﻧــد اﻟﺣــدﯾث ﻋــن اﻟﻔﻘــر اﻟﺗﻌــرض إﻟــﻰ ﻣوﻗــف اﻟﺑﻧــك اﻟــدوﻟﻲ ﻣﻧــﻪ‬
‫اﻟﻣوﻛﻠـ ـ ــﺔ إﻟﯾﻬـ ـ ــﺎ ﻣﻬﻣ ـ ــﺔ اﻟﺗﻧﻣﯾـ ـ ــﺔ و اﻹﺻـ ـ ــﻼﺣﺎت اﻻﻗﺗﺻـ ـ ــﺎدﯾﺔ‬
‫ﺑﺎﻋﺗﺑ ـ ــﺎرﻩ أﻫـ ـ ــم اﻟﻣؤﺳﺳـ ـ ــﺎت اﻟﻌﺎﻟﻣﯾ ـ ــﺔ َ‬
‫ﻓــﻲ اﻟﻌــﺎﻟم‪-‬أو ﻫﻛــذا ﯾﺑــدو‪ ،-‬ﺣﯾــث ﺗﻌــرف ﻫــذﻩ اﻟﻣؤﺳﺳــﺔ ‪-‬اﻟﺑﻧــك اﻟــدوﻟﻲ‪ -‬اﻟﻔﻘــر ﻋــن طرﯾــق ﺗﺣدﯾــد‬
‫ﻋﺗﺑ ــﺔ ﻣﻌﯾﻧ ــﺔ ﻟ ــذﻟك ﺣﯾ ــث‪ » :‬ﯾﻌ ــد ﻓﻘﯾ ـ اًـر ﻛ ــل ﻣ ــن ﯾﻘ ــل دﺧﻠ ــﻪ ﻋ ــن دوﻻر ﯾوﻣﯾ ــﺎ«‪ ،‬و ﯾﻌﻠ ــق ﻣﯾﺷــــﯾل‬

‫‪ 1‬ﻋﺒﺪ اﻟﻮﻫﺎب اﻟﻜﻴﺎﱄ‪ .‬ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ‪ .‬ج ‪ .4‬ط ‪ .3‬اﳌﺆﺳﺴﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﺪراﺳﺎت و اﻟﻨﺸﺮ‪ .‬ﺑﲑوت ‪ .1995‬ص‪.57 ،‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ 2‬ﻋﻠﻲ ﻏﺮﰊ –ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪91،‬‬
‫‪( 3‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق اﻟﻔﺎرس‪.‬اﻟﻔﻘﺮ و ﺗﻮزﻳﻊ اﻟﺪﺧﻞ ﰲ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﰊ‪.‬ﻣﺮﻛﺰ دراﺳﺎت اﻟﻮﺣﺪة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪.‬ﺑﲑوت‪.2001.‬ص‪.19 ،‬‬
‫‪ ( 4‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪-‬ص‪.20 ،‬‬
‫‪ 5‬ﻋﻠﻰ ﳏﻤﺪ ﺟﻌﻔﺮ‪-‬اﻷﺣﺪاث اﳌﻨﺤﺮﻓﻮن‪:‬ﻋﻮاﻣﻞ اﻻﳓﺮاف‪ ،‬اﳌﺴﺆوﻟﻴﺔ اﳉﺰاﺋﻴﺔ‪ ،‬اﻟﺘﺪاﺑﲑ‪.‬اﳌﺆﺳﺴﺔ اﳉﺎﻣﻌﻴﺔ ﻟﻠﺪراﺳﺎت و اﻟﻨﺸﺮ و اﻟﺘﻮزﻳﻊ‪.‬ﺑﲑوت‪.1984.‬ص‪.109 ،‬‬
‫‪ 6‬ﳏﻤﻮد ﺣﺴﻦ‪.‬اﻷﺳﺮة و ﻣﺸﻜﻼ ﺎ‪.‬دار اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﻄﺒﺎﻋﺔ و اﻟﻨﺸﺮ)د‪.‬ب(‪.1981‬ص‪ ،‬ص‪.57 ،56 .‬‬

‫‪22‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫ﺗﺷوﺳودوﻓﯾﺳــﻛﻲ ﻓــﻲ ﻛﺗﺎﺑــﻪ اﻟﻘــﯾم‪ » :‬ﻋوﻟﻣــﺔ اﻟﻔﻘــر«‪ 1‬ﻋــن ﻫــذا اﻟﺗﺣدﯾــد ﺑــﺎﻟﻘول‪ :‬أﻧــﻪ ﺗﺣدﯾــد أﺣﻣــق‬
‫و ﺗﻌﺳﻔﻲ‪ .‬ﺣﯾث ﯾـرى ﺑـﺄن اﻟﺑﻧـك اﻟـدوﻟﻲ و ﺑﻌـد أن ﯾﺣـدد ﻋﺗﺑـﺔ اﻟﻔﻘـر ﻋﻧـد دوﻻر واﺣـد ﯾوﻣﯾـﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳـﺑﺔ‬
‫ﻟﻠﻔــرد ﯾﻧطﻠــق ‪-‬ﺣﺗــﻰ دون أن ﯾﻘــﯾس‪ -‬ﻟﯾﻘــرر أن ﻣﺟﻣوﻋــﺎت اﻟﺳــﻛﺎن اﻟﺗــﻲ ﯾﺑﻠــﻎ دﺧﻠﻬــﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳــﺑﺔ ﻟﻠﻔــرد‬
‫أﻋﻠﻰ ﻣن دوﻻر ﯾوﻣﯾﺎ ﻟﯾﺳت ﻓﻘﯾرة*‪.‬‬
‫و ﯾﺑدو ﻣن ﺧﻼل ﻫذﻩ اﻟﻣﻧﻬﺟﯾﺔ اﻟﻣﺗﺑﻌﺔ أﻧﻬﺎ ﺳﺗﺧﻔض اﻟﻔﻘر اﻟﻣﺳﺟل ﻓﻲ ﯾﺳـر و ﺑـدون ﺣﺗـﻰ‬
‫اﻟﺣﺎﺟﺔ ﻷن ﺗﺟﻣﻊ ﺑﯾﺎﻧﺎت ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﺑﻠدان‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ أﻧﻪ ﻻ ﯾﺄﺧـذ اﻟظـروف اﻟﺧﺎﺻـﺔ ‪-‬اﻟﻔﻌﻠﯾـﺔ‪-‬‬
‫ﻟﻛل ﺑﻠد‪ ،‬أﯾن ﺗؤﻛد اﻟﺷواﻫد‪ 2‬أن ﻫﻧﺎك ﻣﺟﻣوﻋﺎت ﺳﻛﺎﻧﯾﺔ ﯾﺑﻠـﻎ دﺧـل اﻟﻔـرد ﻣﻧﻬـﺎ دوﻻرﯾـن أو ﺛـﻼث أو‬
‫ﺣﺗــﻰ ﺧﻣــس دوﻻرات ﯾوﻣﯾــﺎ ﺗﺑﻘــﻰ ﺗﻌــﺎﻧﻲ اﻟﻔﻘــر‪ ،‬ﻣــن ﺣﯾــث ﻋﺟزﻫــﺎ ﻋــن ﺗــوﻓﯾر اﻟطﻌــﺎم و اﻟﻣﻠــﺑس و‬
‫اﻟﺻﺣﺔ و اﻟﺗﻌﻠﯾم‪...‬اﻟﺦ‪.‬‬
‫و اﻟﻣﻼﺣـظ ﻣــن ﺧـﻼل اﻟﺗﻌرﯾﻔــﺎت اﻟﺳـﺎﺑﻘﺔ أن ﻫﻧــﺎك اﺧﺗﻼﻓـﺎت ﻛﺑﯾـرة ﺑـﯾن اﻟﺑــﺎﺣﺛﯾن ﻓـﻲ ﺗﺣدﯾــد‬
‫ﻣﻔﻬ ــوم اﻟﻔﻘ ــر‪ ،‬و ﻟﻌ ــل اﻟﻣﺷ ــﻛﻠﺔ ﺗﻌ ــود ﻛﻣ ــﺎ ﯾ ــرى اﻧ ــدرو وﯾﺑﺳ ــﺗر‪ 3Andrew webster‬إﻟ ــﻰ ﻛ ــون‬
‫اﻟﻣﻘﺎﯾﯾس اﻟﻣﺳﺗﺧدﻣﺔ ﻟﻠﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺳواء ﺑﯾن اﻷﻓراد أو اﻷﺳر ﺗﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻛﺎﻣﻠـﺔ ﻣـن اﻟﻔرﺿـﯾﺎت‬
‫ﺣــول ﻣﺳــﺗوى اﻟﻣﻌﯾﺷــﺔ اﻟﻣﻼﺋــم‪ ،‬اﻟــذي ﯾﺗﻣﺗــﻊ ﺑــﻪ اﻟــﺑﻌض دون اﻵﺧــر‪ ،‬و ﺗﻌﺗﺑــر ﻫــذﻩ ﺣﺳــﺑﻪ ﻣﺷــﻛﻠﺔ‬
‫ﺗﺣﻠﯾﻠﯾﺔ ﻛﺑرى ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟدارﺳﻲ ﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﻔﻘر‪.‬‬
‫ﻟﻛــن ﯾﻣﻛــن اﻟﻘــول أن ﻣﺧﺗﻠــف اﻟﺗﻌــﺎرﯾف دارت ﺣــول ﻣﺣــورﯾن‪ ،‬أﺣــدﻫﻣﺎ اﻗﺗﺻــر ﻋﻠــﻰ ﻣﺟــرد‬
‫إﺷــﺑﺎع اﻟﺣﺎﺟــﺎت اﻟﺿــرورﯾﺔ ﻟﻺﻧﺳــﺎن ﻟﻠﺑﻘــﺎء ﻓــﻲ ﺻــﺣﺔ ﺟﯾ ـدة أو ﻋﻠــﻰ ﻗﯾــد اﻟﺣﯾــﺎة‪ ،‬ﻓــﻲ ﺣــﯾن اﻣﺗــد‬
‫اﻟﻣﺣ ـ ــور اﻟﺛ ـ ــﺎﻧﻲ ﻟﯾﺷ ـ ــﻣل أﺷ ـ ــﯾﺎء أﺧ ـ ــرى اﻧطﻼﻗ ـ ــﺎ ﻣ ـ ــن أن اﻹﻧﺳ ـ ــﺎن ﻟ ـ ــﯾس ﻣﺟ ـ ــرد ﻛ ـ ــﺎﺋن ﺑﯾوﻟ ـ ــوﺟﻲ‪،‬‬
‫ﺑل ﻫو أﯾﺿﺎ ﻛﺎﺋن اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﯾؤﺛر و ﯾﺗﺄﺛر ﺑﻣن ﺣوﻟﻪ‪ ،‬و ﻟﻌﻠﻪ ﻣن اﻟﺿروري ﻫﻧﺎ اﻟﺗﻔرﯾق ﺑﯾن ﻧوﻋﯾن‬
‫ﻣن اﻟﻔﻘر‪ :‬اﻟﻣطﻠق و اﻟﻧﺳﺑﻲ‪.‬‬
‫‪ .1-2‬اﻟﻔﻘـــر اﻟﻣطﻠــــق‪ :‬ﯾﻌﺑــر ﻋﻧــﻪ ﺗﻘرﯾــر اﻟﺗﻧﻣﯾــﺔ اﻟدوﻟﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ أﻧــﻪ‪ » :‬ﯾﺻــف اﻟﺣﺎﻟــﺔ اﻟﺗــﻲ ﯾﺳــﺗطﯾﻊ‬
‫اﻟﻧــﺎس ﻓﯾﻬــﺎ اﻟﻌــﯾش ﻓﻘــط‪ ،‬ﺣﯾــث ﺗﻛــون وﺟﺑــﺔ اﻟطﻌــﺎم اﻟﻘﺎدﻣــﺔ ﻣﺳــﺄﻟﺔ ﺣﯾــﺎة أو ﻣــوت‪ ،‬ﺑﻣــﺎ أن اﻵﺛــﺎر‬
‫اﻟﺗراﻛﻣﯾﺔ ﻟﺳوء اﻟﺗﻐذﯾﺔ و اﻟﻣﺟﺎﻋﺔ ﺗﺿﻌف اﻟﺟﻣﯾـﻊ‪ ،‬ﺧﺎﺻـﺔ اﻷطﻔـﺎل ﻣﻣـﺎ ﯾزﯾـد ﻣـن ﻣﻌـدﻻت وﻓﯾـﺎﺗﻬم‬
‫ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﻐﯾرﻫم‪ ،‬و ﻫﻛذا ﯾﺗﺧذ اﻟﻔﻘر ﻓﻲ ﻫـذﻩ اﻟظـروف ﺣﺎﻟـﺔ ﻣطﻠﻘـﺔ‪ ،‬ﻟﻌـدم وﺟـود ﺷـﻲء ﻓوﻗـﻪ أو ﺗﺣﺗـﻪ‬

‫‪ 1‬ﻣﻴﺸﻴﻞ ﺗﺸﻮﺳﻮدو ﻓﻴﺴﻜﻲ‪.‬ﻋﻮﳌﺔ اﻟﻔﻘﺮ‪ .‬ﺗﺮﲨﺔ‪ :‬ﳏﻤﺪ ﻣﺴﺘﺠﲑ ﻣﺼﻄﻔﻰ‪ .‬ط‪.2‬ﻣﻄﺎﺑﻊ أﻧﱰﻧﺎﺷﻮﻧﺎل ﺑﺮس‪ .‬اﻟﻮﻻﻳﺎت اﳌﺘﺤﺪة اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ‪ . 2000 .‬ص‪.297 ،‬‬
‫* و ﲡﺪر اﻹﺷﺎرة إﱃ أن اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﱵ ﻳﺘﻮﺻﻞ إﻟﻴﻬﺎ اﻟﺒﻨﻚ اﻟﺪوﱄ ﻳﺴﺘﺸﻬﺪ ﺎ اﳉﻤﻴﻊ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ‪.‬اﻧﻈﺮ ﻣﻴﺸﻴﻞ ﺗﺸﻮﺳﻮدو ﻓﻴﺴﻜﻲ‪-‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪-‬ص‪.298 ،‬‬
‫‪ 2‬اﳌﺮﺟﻊ ﻧﻔﺴﻪ‪-‬ص‪ ،‬ص‪.298 ،297 .‬‬
‫‪ 3‬اﻧﺪرو وﻳﺒﺴﱰ‪.‬ﻣﺪﺧﻞ ﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ‪.‬ﺗﺮﲨﺔ‪:‬ﲪﺪي ﲪﻴﺪ ﻳﻮﺳﻒ‪.‬ﺳﻠﺴﻠﺔ اﳌﺎﺋﺔ ﻛﺘﺎب‪.‬ﺑﻐﺪاد‪.1986.‬ص‪.24 ،‬‬

‫‪23‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫ﺳ ــوى اﻟﻣ ــوت‪ ،‬و ﻫ ــﻲ ﺣﺎﻟ ــﺔ اﻟﻌدﯾ ــد ﻣ ــن ﺳ ــﻛﺎن اﻟﻌ ــﺎﻟم اﻟﺛﺎﻟ ــث‪ ،‬أو ﻫ ــم ﻗرﯾﺑ ــون ﻣ ــن اﻟﺗﻌ ــرض ﻟﻬـ ـﺎ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻋﺗﻣﺎدﻫم اﻷﻛﺑر ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺎﻋدة و اﻹﻏﺎﺛﺔ أو ﻋﻠﻰ ﻣدﺧول ﺿﺋﯾل ﻣن اﻟزراﻋﺔ و اﻟﺑﯾـﻊ اﻟﻣﺗﺟـول و‬
‫ﻏﯾرﻩ‪ ،‬و ﺗﺳﻣﻰ ﻫذﻩ اﻟﺣﺎﻟﺔ أﯾﺿﺎ ﺑﺎﻟﻔﻘر اﻟﻣدﻗﻊ‪.1«...‬‬
‫و ﺗﺷﯾر إﺣﺻﺎﺋﯾﺎت اﻟﺑﻧك اﻟدوﻟﻲ ﺑﺄن ﻧﺣو ﺑﻠﯾون ﺷـﺧص ﻓـﻲ اﻟﻌـﺎﻟم ﯾﻘـل ﻣﺳـﺗوى دﺧﻠﻬـم ﻋـن‬
‫دوﻻر واﺣــد ﻓــﻲ اﻟﯾــوم‪ ،‬و أن ﻫﻧــﺎك أﯾﺿــﺎ ﺣ ـواﻟﻲ ‪ 1.7‬ﺑﻠﯾــون ﺷــﺧص ﯾﻌﯾﺷــون ﻓــﻲ أﻣــﺎﻛن ﻻ ﺗﺗ ـواﻓر‬
‫ﻓﯾﻬﺎ وﺳﺎﺋل ﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﻟﻠﺻرف اﻟﺻﺣﻲ‪ ،‬و ﺑﻠﯾون آﺧر ﻣن ﺳﻛﺎن ﻫذا اﻟﻌﺎﻟم ﻻ ﺗﺗوﻓر ﻟﻬم وﺳﺎﺋل اﻟﻣﺎء‬
‫اﻟﻧﻘﻲ اﻟﺷروب‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ وﺟود ﺣواﻟﻲ ‪ 1.3‬ﺑﻠﯾون ﻣن ﺳﻛﺎن اﻟﻌـﺎﻟم ﯾﺗﺣﻣﻠـون ﺗﺑﻌـﺎت اﺳﺗﻧﺷـﺎﻗﻬم‬
‫ﻟﻠﻬ ـواء اﻟﻣﻠ ــوث و اﻟ ــذي ﯾــؤدي إﻟ ــﻰ اﻧﺗﺷ ــﺎر اﻷﻣ ـراض و ﺣﺗ ــﻰ اﻟوﻓ ــﺎة‪ .2‬و ﻛﻠﻬــﺎ ﺣ ــﺎﻻت ﺗﺷ ــﯾر إﻟ ــﻰ‬
‫اﻟﻣﻌﺎﻧﺎة ﻣن ﺗﺑﻌﺎت اﻟﻔﻘر اﻟﻣطﻠق‪.‬‬
‫و ﯾرى اﻧدرو وﯾﺑﺳـﺗر‪ 3‬أن اﻟﻔﻘـر اﻟﻣطﻠـق إﻧﻣـﺎ ﯾﻌﺗﻣـد ﻋﻠـﻰ ﺗﺧﻣـﯾن ﻣﺳـﺗوى اﻟـدﺧل اﻟﺿـروري‬
‫ﻟﺷ ـراء اﻟطﻌــﺎم اﻟﻛــﺎﻓﻲ ﻹﺷــﺑﺎع اﻟﺣﺎﺟــﺎت اﻟﻐذاﺋﯾــﺔ ﻟﻛــل ﺷــﺧص ﻓــﻲ اﻟﻌﺎﺋﻠــﺔ‪ ،‬و أن ﻛﻠﻔــﺔ ﻫــذا اﻟطﻌــﺎم‬
‫ﺗﻌﺗﺑـر ﻫـﻲ اﻟﻛﻠﻔـﺔ اﻷﺳﺎﺳـﯾﺔ ﻟﻌـﯾش اﻟﻛﻔـﺎف‪ ،‬و ﻫــﻲ ﻋﻧـدﻣﺎ ﺗﺿـﺎف إﻟـﻰ ﺣﺻـﺔ اﻟﻣﻼﺑـس اﻷﺳﺎﺳــﯾﺔ و‬
‫اﻟوﻗود و اﻹﯾﺟﺎر ﺗﺗﻛون ﺻورة ﻟﻠدﺧل ﯾﻣﻛن اﻋﺗﺑﺎر ﻣن دوﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﻓﻘر‪.‬‬
‫و ﻗد ﻧﺷﺄت ﻫذﻩ اﻷﻓﻛﺎر ﺣـول اﻟﻔﻘـر اﻟﻣطﻠـق و ﺿـرورات اﻟﺣﯾـﺎة ‪ -‬ﺣﺳـب ﺑﯾﯾـر ﺳـﺗروﺑل‪Pierre 4‬‬
‫‪ -STROPEL‬ﻣ ـ ــﻊ ﻣ ـ ــﺎ ﻗ ـ ــﺎم ﺑ ـ ــﻪ اﻷطﺑ ـ ــﺎء و ﻋﻠﻣ ـ ــﺎء اﻟﺗﻐذﯾ ـ ــﺔ ﻓ ـ ــﻲ أواﺧ ـ ــر اﻟﻘ ـ ــرن اﻟﺗﺎﺳ ـ ــﻊ ﻋﺷ ـ ــر‬
‫و ﻣطﻠـ ـ ــﻊ اﻟﻘـ ـ ــرن اﻟﻌﺷ ـ ـ ـرﯾن ﻣـ ـ ــن د ارﺳـ ـ ــﺎت‪ ،‬ﻓﻬـ ـ ــﻲ ﺗﺧـ ـ ــﺗص ﺑﺎﻻﺣﺗﯾﺎﺟـ ـ ــﺎت اﻟﻔﯾﺳـ ـ ــﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻟﻸﻓ ـ ـ ـراد‪،‬‬
‫أي اﻷﺷــﯾﺎء ﻣﺛــل اﻟطﻌــﺎم و اﻟﻣــﺄوى و اﻟﻣﻠــﺑس و اﻟﺗدﻓﺋــﺔ و اﻟﺗــﻲ ﺗﻣﺛــل اﻟﺿــرورﯾﺎت اﻟﺟوﻫرﯾــﺔ ﻟﻠﺑﻘــﺎء‬
‫ﻋﻠﻰ ﻗﯾد اﻟﺣﯾﺎة و ﺑﺗرﺟﻣﺔ ﻫذﻩ اﻟﻌﻧﺎﺻر إﻟﻰ ﻗﯾﻣﺔ ﻧﻘدﯾﺔ ﺗﻛون ﺑداﯾﺔ اﻟﻔﻘر اﻟﻣطﻠق‪.‬‬
‫ﺗﻌﻘﯾـب‪ :‬و ﺑﺎﻟﻣﻘﺎﺑـل ﯾـرى‪ :‬ﻣﻧﯾــر اﻟﻌﺻـرة‪ 5‬أن اﻟﻔﻘــر ﯾﺗﺣﻘـق ﻛﻠﻣـﺎ ﻓﺷـل اﻹﻧﺳــﺎن ﻓـﻲ إﺷـﺑﺎع اﺣﺗﯾﺎﺟﺎﺗــﻪ‬
‫اﻟﺑﺷـرﯾﺔ‪ ،‬ﻓـﺎﻷﻣر ﻻ ﯾﻘﺗﺻــر ﻋﻠـﻰ ﻣﺟــرد ﺿـﻣﺎن اﻟوﺟــود اﻟﻣـﺎدي ﻓﻘــط ﻓﺎﻹﻧﺳـﺎن ﻟــﯾس ﻣﺟـرد ﻣﺟﻣوﻋــﺔ‬
‫ﻣــن اﻷﻋﺿــﺎء اﻟﺗــﻲ ﺗــؤدي وظــﺎﺋف ﺑﯾوﻟوﺟﯾــﺔ ﺑــل ﻫﻧــﺎك اﺣﺗﯾﺎﺟــﺎت أﺧــرى ﺑﻌﯾــدة ﻋــن ﻣﺟــرد اﻟوﺟــود‬

‫‪ 1‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪-‬ص‪،‬ص‪.25،24 .‬‬


‫‪ 2‬اﲰﺎﻋﻴﻞ ﺳﺮاج اﻟﺪﻳﻦ‪.‬ﳏﺴﻦ ﻳﻮﺳﻒ‪.‬اﻟﻔﻘﺮ و اﻷزﻣﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ‪.‬ﻣﺮﻛﺰ اﺑﻦ ﺧﻠﺪون ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻹﳕﺎﺋﻴﺔ‪.‬دار اﻷﻣﲔ ﻟﻠﻨﺸﺮ و اﻟﺘﻮزﻳﻊ‪.‬اﻹﺳﻜﻨﺪرﻳﺔ ‪.1989‬‬
‫ص‪،‬ص‪.166،165 .‬‬
‫‪ 3‬اﻧﺪرو وﻳﺒﺴﱰ‪.‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪.‬ص‪.26 ،‬‬
‫‪ 4‬ﺑﻴﲑ ﺳﱰوﺑﻞ‪.‬ﻣﻦ اﻟﻔﻘﺮ إﱃ اﳊﺮﻣﺎن‪:‬ﳎﺘﻤﻊ اﻷﺟﺮاء أم ﳎﺘﻤﻊ ﺣﻘﻮق اﻻﻧﺴﺎن‪ ،‬ا ﻠﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻟﻠﻌﻠﻮم اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪.‬اﻟﻌﺪد ‪.148‬ﻣﺮﻛﺰ ﻣﻄﺒﻮﻋﺎت اﻟﻴﻮﻧﺴﻜﻮ‪.‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪..‬‬
‫ﻳﻮﻧﻴﻮ ‪.1996‬ص‪.33 ،‬‬
‫‪ 5‬ﻣﻨﲑ اﻟﻌﺼﺮة‪-.‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪.143 ،‬‬

‫‪24‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫اﻟﻣـﺎدي ﻟﻠﻔـرد ﻣﺛـل‪ :‬اﻟﺣﺎﺟــﺔ إﻟـﻰ اﻟطﻌـﺎم اﻟﺟﯾــد و اﻟﻣﻼﺑـس اﻟﻛﺎﻓﯾـﺔ و اﻟﺣﺎﺟــﺔ إﻟـﻰ اﻟﺗرﻓﯾـﻪ و اﻟﺗــدﺧﯾن‬
‫و اﻟﻘ ـراءة و ﻗﺿــﺎء أوﻗ ــﺎت اﻟﻔ ـراغ‪ ،‬وﻻ ﯾﻣﻛــن ﺗﺣوﯾ ــل اﻷﻓ ـراد إﻟــﻰ ﻛﺎﺋﻧ ــﺎت ﻣﺳــﺗﻬﻠﻛﺔ ﻟﻠطﺎﻗــﺔ‪ ،‬ﻓﺣﺗ ــﻰ‬
‫اﻻﺣﺗﯾﺎﺟــﺎت اﻟﻔﯾﺳــﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﺗﺗﺣــدد اﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺎ ﻛﻣ ــﺎ ﯾــرى ﺑﯾﺗـــر ﺗﺎوﺳـــﻧد‪،Peter TOWNSEND 1‬‬
‫و ﻟﻌل ﻫذا ﯾدﻋوﻧﺎ إﻟﻰ اﻟﺣدﯾث ﻋن اﻟوﺟﻪ اﻵﺧر ﻟﻠﻔﻘر و ﻫو اﻟﻔﻘر اﻟﻧﺳﺑﻲ‪.‬‬

‫‪ .2-2‬اﻟﻔﻘــــر اﻟﻧﺳــــﺑﻲ‪ :‬و ﻣ ــن أﺑــرز دﻋــﺎة ﻧظرﯾ ــﺔ‪-‬و ﻣﻔﻬ ـوم‪ -‬اﻟﻔﻘــر اﻟﻧﺳ ــﺑﻲ ﻧﺟــد ﻋــﺎﻟم اﻻﺟﺗﻣ ــﺎع‬
‫اﻟﺑرﯾط ـ ــﺎﻧﻲ‪ :‬ﺑﯾﺗــــــر ﺗﺎوﺳــــــﻧد اﻟـ ـ ــذي أﻧﺟ ـ ــز د ارﺳ ـ ــﺔ ﺷ ـ ــﺎﻣﻠﺔ ﻋـ ـ ــن اﻟﻔﻘـ ـ ـراء و ﯾﻌ ـ ــرف اﻟﻔﻘـ ـ ـراء ﻧﺳـ ـ ــﺑﯾﺎ‬
‫)أو اﻟﻣﺣــروﻣﯾن ﻧﺳــﺑﯾﺎ( ﺑــﺄﻧﻬم‪ » :‬ﻣــن ﻻ ﯾﺳــﺗطﯾﻌون اﻟﺣﺻــول ﻋﻠــﻰ ﺿــرورات اﻟﺣﯾــﺎة أي ﻣﺳــﺗوﯾﺎت‬
‫اﻟﻐذاء‪ ،‬و وﺳـﺎﺋل اﻟ ارﺣـﺔ و اﻟﻣﺗﻌـﺔ و اﻟﺧـدﻣﺎت اﻟﺗـﻲ ﺗﺗُـﯾﺢ ﻟﻬـم أداء أدوارﻫـم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ و اﻟﻣﺷـﺎرﻛﺔ‬
‫ﻓــﻲ اﻟﻌﻼﻗــﺎت و إﺗﺑــﺎع اﻟﺳــﻠوﻛﯾﺎت اﻟﻌﺎدﯾــﺔ و اﻟﻣﺗوﻗﻌــﺔ ﻣــﻧﻬم ﺑﻣوﺟــب ﻋﺿــوﯾﺗﻬم ﻓــﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ‪ ،‬ﻓﻠــو‬
‫ﻛﺎﻧوا ﯾﻔﺗﻘرون إﻟﻰ اﻟﻣـوارد‪ ،‬أو ﯾﺣرﻣـون ﻣـن اﻟﺣﺻـول ﻋﻠـﻰ ﻣﺳـﺗﻠزﻣﺎت اﻟﺣﯾـﺎة اﻟﺿـرورﯾﺔ اﻟﺗـﻲ ﺗـوﻓر‬
‫ﻟﻬم ﺣق ﻋﺿوﯾﺔ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‪ ،‬ﺣﯾﻧﺋذ ﯾﻘﺎل إﻧﻬم ﻓﻘراء«‪ 2‬و ﯾﻌطﻲ أﻣﺛﻠﺔ‪ 3‬ﻋﻠﻰ ذﻟـك إذ ﯾـرى أن اﻟﻔﻘـر‪-‬أو‬
‫اﻟﺣرﻣﺎن‪ -‬ﯾﺣدث ﻣﺛﻼ ﻋﻧدﻣﺎ ﯾﺿطر طﻔﻼن ﻟﻠﻧوم ﻓـﻲ ﺳـرﯾر واﺣـد دون اﺧﺗﯾﺎرﻫﻣـﺎ ﻓـﻲ اﻟﺑﻠـدان اﻟﺗـﻲ‬
‫ﯾُ ﻌﺗﻘــد ﻓﯾﻬ ــﺎ ﺑﺿــرورة أن ﯾﻛ ــون ﻟﻠطﻔــل ﺳـ ـرﯾر ﺧ ــﺎص ﺑــﻪ ﻟﺗﺷ ــﺟﯾﻊ ﻧوﻣــﻪ‪ ،‬أو ﻋﻧ ــدﻣﺎ ﯾﺑــدأ اﻟﻧ ــﺎس ﻓ ــﻲ‬
‫اﺳﺗﺑﻌﺎد أي ﻣن اﻟﺟواﻧب اﻻﻋﺗﯾﺎدﯾﺔ ﻓـﻲ ﻣﺟـﺗﻣﻌﻬم ﻛﺄﻛـل اﻟﻠﺣـوم ﻣـرة ﻓـﻲ اﻷﺳـﺑوع أو إرﺳـﺎل ﺑطﺎﻗـﺎت‬
‫ﻋﯾد اﻟﻣﯾﻼد ﻟﻧﻘص اﻟدﺧل‪ .‬ﺣﯾﻧﻬﺎ ﻧﻘول اﻧﻬم ﺑدءوا ﯾﻌﺎﻧون اﻟﺣرﻣﺎن اﻟﻧﺳﺑﻲ أو اﻟﻔﻘر اﻟﻧﺳﺑﻲ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻧـﺎس‬
‫ﯾﺻــﺑﺣون ﻓﻘ ـراء ﻋﻧــدﻣﺎ ﺗﻌــوزﻫم اﻟﻣ ـوارد اﻟﺗــﻲ ﺗﻣﻛــﻧﻬم ﻣــن اﻟﺣﺻــول ﻋﻠــﻰ اﻟﻐــذاء‪ ،‬و اﻟﻣﺷــﺎرﻛﺔ ﻓــﻲ‬
‫اﻟرﺣ ــﺔ اﻟﻣﺗﻌ ــﺎرف ﻋﻠﯾﻬ ــﺎ ﻓ ــﻲ ﻣﺟﺗﻣﻌ ــﺎﺗﻬم‪،‬‬
‫اﻷﻧﺷ ــطﺔ و اﻟﺣﺻ ــول ﻋﻠ ــﻰ وﺳ ــﺎﺋل اﻟﻣﻌﯾﺷ ــﺔ‪ ،‬و أﺳ ــﺑﺎب ا‬
‫ﻓﺎﻟﻔﻘر اﻟﻧﺳﺑﻲ إذاً ﻣﻔﻬوم أﻛﺛر ﺷﻣوﻻ‪ ،‬ﯾﺷﺑﻪ اﻟﻣﻔﻬوم اﻟذي اﻋﺗﻣدﻩ أﻣﺎرﺗﯾﺎﺳـﯾن‪ ،‬اﻟـذي ﻧظـر إﻟـﻰ ﺣﯾـﺎة‬
‫اﻟﻔ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرد ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻫـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎ ﺗوﻟﯾﻔ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺔ ﻣ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن اﻟﻣﺗﻐﯾ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرات ﺗﺿ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم اﻷﻓﻌ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎل‬
‫و اﻟﻧﺷــﺎطﺎت‪ ،‬و ﺗﺗﻔــﺎوت ﻫــذﻩ اﻟﻣﺗﻐﯾ ـرات ﻣــن ﺟــودة اﻟﺗﻐذﯾــﺔ إﻟــﻰ أﻣــور ﻣﻌﻘــدة ﻣﺛــل‪ :‬اﺣﺗ ـرام اﻟــذات‬
‫و اﻟﻣﺳ ــﺎﻫﻣﺔ ﻓ ــﻲ اﻟﺣﯾ ــﺎة اﻟﻣدﻧﯾ ــﺔ‪ ،‬و ﺑﻔﻘ ــدان اﻟﺣ ــدود اﻟ ــدﻧﯾﺎ ﻣ ــن ﻫ ــذﻩ اﻟﻣﺗﻐﯾـ ـرات ﺗﺗﺳ ــم ﻓﺋ ــﺔ اﻟﻔﻘـ ـراء‬
‫ﺑﺎﻻﻏﺗراب ﻋن اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ و اﻻﺑﺗﻌﺎد ﻋن اﻟﻣﺳﺎﻫﻣﺔ ﻓﻲ ﻗ ارراﺗﻪ اﻟراﻫﻧﺔ و اﻟﻣﺳﺗﻘﺑﻠﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺣد ﺳواء‪.4‬‬

‫‪ 1‬اﻧﺪرو وﻳﺒﺴﱰ‪-‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪.34 ،‬‬


‫‪ 2‬ﺑﻴﲑ ﺳﱰوﺑﻞ‪-‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪ ،‬ص‪.36 ،35 .‬‬
‫‪ 3‬اﻧﺪرو وﻳﺒﺴﱰ‪-.‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪ ،‬ص‪.29 ،28 .‬‬
‫‪ 4‬ﺳﺎﱂ ﺗﻮﻓﻴﻖ اﻟﻨﺠﻔﻲ‪.‬اﳌﺘﻀﻤﻨﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ ﻟﻸﻣﻦ اﻟﻐﺬاﺋﻲ و اﻟﻔﻘﺮ ﰲ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﰊ‪:‬اﺷﻜﺎﻟﻴﺔ اﻟﻮﺿﻊ اﻟﺮاﻫﻦ‪ .‬و ﻣﺄزق اﳌﺴﺘﻘﺒﻞ‪.‬ﺑﻴﺖ اﳊﻜﻤﺔ‪.‬ﺑﻐﺪاد‪.1999.‬ص‪.13 ،‬‬

‫‪25‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫و ﯾــرى اﻧــدرو وﯾﺑﺳــﺗر‪ 1‬أن ﻗــوة ﻧظرﯾــﺔ ﺑﯾﺗــر ﺗﺎوﺳــﻧد إﻧﻣــﺎ ﺗﻛﻣــن ﻓــﻲ ﻛوﻧــﻪ ﯾﻧظــر إﻟــﻰ اﻟﻔﻘــر‬
‫ﻛﻣرﺣﻠﺔ ﻣن اﻟﺣرﻣـﺎن اﻟﺷـدﯾد ﯾﺑﺗﻌـد اﻟﻧـﺎس ﺑﺳـﺑﺑﻬﺎ ﻋـن ﻣﺟـرى اﻟﺣﯾـﺎة اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ دون أن ﯾﺣـس ﺑﻬـم‬
‫ـﺎﻟﺧرق واﻷﺳـَـﻣﺎل اﻟﺑﺎﻟﯾــﺔ ‪ -‬إﺿــﺎﻓﺔ ﻟــذﻟك ﻓﻬــو‬
‫أﺣــد‪ ،‬و دون أن ﯾﻛوﻧ ـوا ﻓﻘ ـراء ﺑﺎﻟﺻــورة اﻟﻣﻌﻬــودة ‪ -‬ﺑـ ُ‬
‫ﯾؤﻛد ﻛﺛﯾ ار ﻋﻠﻰ ﺿرورة اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻟﻌـﺎدات اﻟﯾوﻣﯾـﺔ و ﻣﻣﺎرﺳـﺎت وﻗـت اﻟﻔـراغ و اﻟﺛﻘﺎﻓـﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳـﯾﺔ‬
‫ﻓــﻲ اﻟﺣﯾــﺎة اﻟﯾوﻣﯾــﺔ و إﻻ ﻛــﺎﻧوا ﻓﻘ ـراء ﻧﺳــﺑﯾﺎ‪ ،‬و ﻫﻛــذا ﯾﺟــب ﻗﯾــﺎس اﻟﻔﻘــر ﻣﺎدﯾــﺎ و اﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺎ ﻋﻠــﻰ ﺣــد‬
‫ﺳواء‪.‬‬
‫ﺗﻌﻘﯾــب‪ :‬و ﺑﺎﻟﻣﻘﺎﺑــل ﯾــرى ﻧﻘــﺎد ﺗﺎوﺳـــﻧد ﺑﺄﻧــﻪ أﺧطــﺄ ﻓــﻲ اﻓﺗ ارﺿــﻪ ﺑــﺄن اﻟﺣﺎﺟــﺎت ﯾﺟــب أن ﺗﻧﺑــﻊ ﻣــن‬
‫اﻟﻌرف اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬و ﺑﺄﻧﻪ ﻗد ﻓﺷل ﻓﻲ اﻟﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾن اﻟﻣﯾـل اﻟﺷﺧﺻـﻲ و اﻟﺣﺎﺟـﺎت اﻷﺳﺎﺳـﯾﺔ ﺑـﺎﻟرﺟوع‬
‫إﻟﻰ طراز اﻟﺣﯾﺎة اﻟﻣﺗﻌﺎرف ﻋﻠﯾﻪ ﻛﻣﻘﯾﺎس‪ ،‬ﻛـﺄن ﯾﻘـرر ﺷـﺧص ﻣـﺎ ﻋـدم ﺗﻧـﺎول اﻟﻠﺣـوم أو ﻋـدم إرﺳـﺎل‬
‫ﺑطﺎﻗـ ـ ـ ــﺎت ﻋﯾـ ـ ـ ــد اﻟﻣـ ـ ـ ــﯾﻼد ﺣﺳـ ـ ـ ــب رﻏﺑـ ـ ـ ــﺗﻬم اﻟﺷﺧﺻـ ـ ـ ــﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻬـ ـ ـ ــو ﻫﻧـ ـ ـ ــﺎ ﻻ ﯾﻌـ ـ ـ ــﺎﻧﻲ ﻣـ ـ ـ ــن اﻟﺣرﻣـ ـ ـ ــﺎن‬
‫‪ -‬و ﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ اﻟﻔﻘر‪ -‬ﺣﺳب ﻫؤﻻء اﻟﻧﻘﺎد‪ ،‬و ﯾﺟﯾب ﺗﺎوﺳﻧد ﺑﺄن اﻻﺧﺗﯾﺎر ﻓﻲ ﺣد ذاﺗﻪ ﯾﻌد ﻣـوردا ﻏﯾـر‬
‫ﻣﺗﺳﺎوي اﻟﺗوزﯾﻊ‪ ،‬ﺣﯾث ﺗوﺟد ﻋواﺋل ﻻ ﺗﻣﻠك اﻟـدﺧل اﻟﻛـﺎﻓﻲ ﻟﺗﺟﻌـل ﻫـذا اﻻﺧﺗﯾـﺎر ﻛﺄﻛـل اﻟﻠﺣـوم ﻗـﺎﺑﻼ‬
‫ﻟﻠﺗطﺑﯾق‪.‬‬
‫و ﯾﻣﻛن اﻟﻘول ﺑﻌد ﻫذا أن ﺗﺣدﯾد اﻟﺣﺎﺟﺎت اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﻔرد أو ﻟﻠﻌﺎﺋﻠﺔ ﻻ ﯾﺟب ان ﯾﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣﺟــرد ﺗﻘــدﯾر اﻟﺣﺎﺟــﺎت اﻟﺑﯾوﻟوﺟﯾــﺔ ﻟﻠﺟﺳــم اﻟﺑﺷــري ﻣــن ﻏــذاء و دﻓــﺊ و ﻣــﺄوى‪ ،‬ﺑــل ﯾﺟــب أن ﯾﺗﺳــﻊ‬
‫ﻟﯾﺷ ــﻣل اﻷﺷ ــﯾﺎء اﻟﻣطﻠوﺑ ــﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾ ــﺎ أي أﻧ ــﻪ ﯾؤﻛ ــد اﻟﺑﻌ ــد اﻻﺟﺗﻣ ــﺎﻋﻲ ﻟﻠﻔﻘ ــر ﻛﻌﻧﺻ ــر ﺟ ــوﻫري ﻷن‬
‫ظــروف اﻟﻣﻌﯾﺷ ــﺔ‪-‬ﻛﻣ ــﺎ ﺳ ــﺑﻘت اﻹﺷــﺎرة‪-‬ﻻ ﺗﻘﺗﺻ ــر ﻋﻠ ــﻰ اﻟﻌواﻣ ــل اﻟﻣﺎدﯾــﺔ وﺣ ــدﻫﺎ ﺑ ــل ﺗﺷ ــﻣل أﯾﺿ ــﺎ‬
‫اﻟﻌﻼﻗـﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ و إﺗﺎﺣــﺔ ﻓـرص اﻟﻌﻣـل و اﻟرﻋﺎﯾــﺔ اﻟﺻـﺣﯾﺔ‪ ...‬اﻟـﺦ‪ ،2‬ﻟــذﻟك ﯾﺟـب ﺗﻌرﯾـف اﻟﻔﻘــر‬
‫ﻋﻠﻰ أﺳﺎس درﺟﺔ ﻋدم ﺗﻣﺗﻊ اﻟﻧﺎس ﺑﺎﻟﻣﺳﺗوى اﻷﺳﺎﺳﻲ اﻟﻣﺗﻌﺎرف ﻋﻠﯾﻪ ﻣن ﻏذاء و ظروف ﻣﻌﯾﺷـﯾﺔ‬
‫و أﻧﺷطﺔ اﻟﻔراغ ‪ ،‬و أﺳﺑﺎب اﻟراﺣﺔ اﻟﻣﻌروﻓﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺎ ﺑﻛوﻧﻬـﺎ ﻣﺗﻌـﺎرف ﻋﻠﯾﻬـﺎ ﺑـدﻻ ﻣـن ﺗﻌرﯾﻔـﻪ ﻋﻠـﻰ‬
‫أﺳﺎس اﻟﻧﻘص ﻓﻲ ﺑﻌض ﻣوارد اﻟﻌﯾش اﻟﻘوﻣﯾﺔ و ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻣﻊ ﻫذﻩ اﻟﻣﻌﺎﯾﯾر ﻓﺈن اﻟﻔﻘراء ﯾﻣﻛـن أن ﯾﻘـﺎل‬
‫ﺑﺄﻧﻬم ﻣﺣروﻣون ﺑدرﺟﺔ ﻗﻠﯾﻠﺔ أو ﻛﺑﯾرة‪.‬‬
‫و ﯾﻼﺣظ أن ﻫﻧﺎك رﺑطﺎً ﻣﺗﻛر ار ﻟﻛﻠﻣﺔ اﻟﻔﻘر ﺑﺎﻟﺣرﻣﺎن‪ ،‬و ﻫذا اﻷﺧﯾـر‪-‬اﻟﺣرﻣـﺎن‪ -‬ﻛﻣـﺎ ﯾﻌرﻓـﻪ‬
‫ﻓـﺎﺧر ﻋﺎﻗـل ﻓــﻲ ﻣوﺳـوﻋﺗﻪ اﻟﻧﻔﺳـﯾﺔ‪ » :‬ﻫـو ﻓﻘــدان ﺷـﻲء ﻧﺣﺗـﺎج إﻟﯾـﻪ‪ ،‬ﻛﺣرﻣــﺎن اﻟﺟـﺎﺋﻊ ﻣـن اﻟطﻌــﺎم و‬

‫‪ 1‬اﻧﺪرو وﻳﺒﺴﱰ –ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪.29 ،‬‬


‫‪ 2‬ﺑﻴﲑ ﺗﺴﱰوﺑﻞ‪-.‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪.36 ،‬‬

‫‪26‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫ﺣرﻣــﺎن اﻟﻌطــش ﻣــن اﻟﻣــﺎء«‪ 1‬و ﯾﻣﻛــن ﻓﻬــم ﻫــذﻩ اﻟﻌﻼﻗــﺔ ﺑــﯾن اﻟﻣﻔﻬــوﻣﯾن ﻣــن ﺧــﻼل اﻟد ارﺳــﺔ اﻟﺗﺗﺑﻌﯾــﺔ‬
‫اﻟﺗﻲ ﻗﺎم ﺑﻬﺎ‪ :‬ﺑﯾﯾر ﺳـﺗروﺑل‪ 2‬ﻟﻣﻔﻬـوم اﻟﻔﻘـر و ﻛﯾـف أﺻـﺑﺢ ﻣرادﻓـﺎ ﻟﻠﺣرﻣـﺎن اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪،‬ﺣﯾـث ﯾـذﻫب‬
‫ﻓــﻲ إﺣــدى ﻣﻘﺎﻻﺗــﻪ إﻟــﻰ أن اﻟﻣﻔﻬــوم اﻟﺳــﺎﺋد ﻋــن اﻟﻔﻘــر ظــل ﻣﺑﻧﯾــﺎ ﻋﻠــﻰ أﺳــﺎس ﺗوزﯾــﻊ اﻟــدﺧل اﻟﻣ ـرﺗﺑط‬
‫ﺑﻣﺷـﺎرﻛﺔ اﻷﻓـراد ﻓـﻲ ﻧﺷـﺎط اﻗﺗﺻــﺎدي ﻣﻌـﯾن‪ ،‬و ﻣـن ﺛـم أﻗـر ﻣﺟﻠــس اﻟـوزراء ﻟﻠﻣﺟﻣوﻋـﺔ اﻷورﺑﯾـﺔ ﻋــﺎم‬
‫‪ 1975‬اﻟﺗﻌرﯾــف اﻟﺗــﺎﻟﻲ‪ » :‬ﯾوﺻــف ﺑــﺎﻟﻔﻘر اﻷﻓ ـراد أو اﻷﺳــر ذات اﻟﻣ ـوارد اﻟﺗــﻲ ﺗـ ـﻘل ﺑدرﺟــﺔ ﺗﺑﻌــدﻫم‬
‫ﻋن اﻟﺣد اﻷدﻧﻰ اﻟﻣﻘﺑول ﻟﻠﺣﯾﺎة ﻓﻲ اﻟدول اﻷﻋﺿﺎء اﻟﺗﻲ ﯾﻌﯾﺷون ﻓﯾﻬـﺎ«‪ ،‬و ﺑﻌـد ﻋﺷـرﯾن ﺳـﻧﺔ ﺗﻐﯾـر‬
‫اﻟﻔﻛر اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﺗﻐﯾ ار ﺟذرﯾﺎ‪ ،‬ﻓﻔـﻲ ﺳـﻧﺔ ‪ 1994‬ﺣـدد اﻟﻣﺟﻠـس اﻷورﺑـﻲ اﻟﻣﺣـروﻣﯾن ﻋﻠـﻰ أﻧﻬـم‪ » :‬ﻓﺋـﺔ‬
‫ﻛﺎﻣﻠﺔ ﻣن اﻟﺑﺷر ﺗﺧرج ﻋن ﻣﺟﺎل اﻟﺗﻣﺗﻊ ﺑﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن ﺟزﺋﯾﺎ أو ﻛﻠﯾﺎ«‪.3‬‬
‫و ﻣن ﺧﻼل ﻫذا اﻟﺗﺣدﯾد اﻷﺧﯾر ﯾﺗﺿﺢ ﻟﻧﺎ ﺑﺄن اﻟﺑﻌد اﻻﻗﺗﺻﺎدي‪ -‬اﻟﻣﺎدي‪ -‬ﻟم ﯾﻌد ﻟﻪ وﺟـود‬
‫ﻣﺑﺎﺷــر‪ ،‬ﺑــل ﻋﻠــﻰ اﻟﻌﻛــس أﺻــﺑﺢ اﻟﺣرﻣــﺎن‪ -‬اﻟﻔﻘــر‪ -‬ﻧﻘﯾﺿــﺎ ﻟﺣــق اﻟﻣواطﻧــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻐــرب‪ ،‬و ﻗــد أﺷــﺎر‬
‫ﺳــﺗروﺑل ﻓــﻲ ﺑداﯾــﺔ ﻣﻘﺎﻟــﻪ اﻟﻣﻌﻧــون ﺑـ ـ‪ » :‬ﻣــن اﻟﻔﻘــر إﻟــﻰ اﻟﺣرﻣــﺎن‪ :‬ﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻟﻔﻘ ـراء أم ﻣﺟﺗﻣــﻊ ﺣﻘــوق‬
‫اﻹﻧﺳـﺎن« إﻟـﻰ أﻧـﻪ و ﺑﻌــد اﻟﺣـرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾـﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾـﺔ و ﻣــﻊ اﻧﺑﻌـﺎث ﻣﺷـﻛﻠﺔ اﻟﻔﻘـر اﻟﻘدﯾﻣــﺔ ﻣـن ﺟدﯾـد ﻓــﻲ‬
‫أورﺑــﺎ‪-‬ﻣــﻊ ﻓﺷــل دوﻟــﺔ اﻟرﻓﺎﻫﯾــﺔ‪ -‬أﺻــﺑﺢ ﯾﺷــﺎر إﻟــﻰ ﻫــذﻩ اﻟﻣﺷــﻛﻠﺔ‪-‬اﻟﻔﻘــر‪-‬ﺑوﺻــف ﺟدﯾــد ﻣﺟﻣــﻊ ﻋﻠﯾــﻪ‬
‫ﻫــو‪» :‬اﻟﺣرﻣــﺎن اﻻﺟﺗﻣــﺎﻋﻲ«‪ ،‬و ﻫــو ﯾــرى ﻓــﻲ ﻣﻌــرض ﺣدﯾﺛــﻪ ﻋــن اﻟﻣﻘﺎرﻧــﺔ ﺑــﯾن اﻟﻣﻔﻬــوﻣﯾن اﻟﻠــذﯾن‬
‫ﺗﻔﺻ ــل ﺑﯾﻧﻬﻣ ــﺎ ﻣ ــدة ﺗﺻ ــل إﻟ ــﻰ ﻋﺷـ ـرﯾن ﻋﺎﻣ ــﺎ‪ ،‬أن اﻟﺗﻐﯾ ــر اﻟﺣﺎﺻ ــل ﻻ ﯾﻧﺣﺻ ــر ﻓ ــﻲ ﻣﺟ ــرد ﻣواﻛﺑ ــﺔ‬
‫اﻟظروف اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ و اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ‪ ،‬ﺑل ﻗد ﺗرﺗب ﺑـﺎﻷﺣرى ﻋـن اﻟﺗﻐﯾـر اﻟﻌﻣﯾـق ﻓـﻲ اﻷﻓﻛـﺎر اﻟﺧﺎﺻـﺔ‬
‫ﺑﺎﻟﺗﻛﺎﻣل اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬و رﺑﻣﺎ ﺗﺄﺛر أﯾﺿﺎ ﺑﺗدﺧل اﻟﺣﻛوﻣﺔ ﻟﺗﺣﻘﯾق اﻟﺗﺿﺎﻣن اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫و ﻫذﻩ اﻟﻔﻛرة اﻷﺧﯾرة ﻗـد اﻧﻌﻛـس ﺻـداﻫﺎ ﻓـﻲ ﻛﺗﺎﺑـﺎت اﻟﻛﺛﯾـر ﻣـن اﻟﺑـﺎﺣﺛﯾن ﻣﺛـل‪ :‬ﺟـﯾن ﻻﺑﻧـز‬
‫‪ Jean LABBENS‬اﻟــذي ﯾــرى ﺑــﺎن اﻟﻔﻘﯾــر ﻟــﯾس اﻟﻣﺣــروم ﻣــن ﻋﺎﺋــد ﻛــﺎﻓﻲ ﻟﺳــد ﺣﺎﺟﺎﺗــﻪ اﻟﺟﺳــﻣﯾﺔ‬
‫و اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ ﻓﺣﺳــب‪ ،‬إﻧﻣــﺎ ﻫــو أﯾﺿــﺎ ﻣــن ﯾﻧﻘﺻــﻪ ﻣرﻛــز اﺟﺗﻣــﺎﻋﻲ ﻓﯾﺻــﺑﺢ ﻫﺎﻣﺷــﯾﺎ ﺑــدون ﻣﻛﺎﻧــﺔ‬
‫ﻣﺣـ ـ ـ ـ ــددة ﺧـ ـ ـ ـ ــﺎرج ﺣـ ـ ـ ـ ــدود اﻟﻔﺋـ ـ ـ ـ ــﺎت اﻟﻣﺧﺗﻠﻔ ـ ـ ـ ـ ــﺔ و اﻟﻣﺗﻛﺎﻣﻠـ ـ ـ ـ ــﺔ‪ ،‬و اﻟﺗـ ـ ـ ـ ــﻲ ﻋـ ـ ـ ـ ــن طرﯾـ ـ ـ ـ ــق ﺗﻧوﻋﻬـ ـ ـ ـ ــﺎ‬
‫و اﻟﺗﻐﯾرات اﻟﺗﻲ ﺗﺳﻣﺢ ﺑﻬﺎ ﯾﺷﻛل اﻟﺑﻧﺎء اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﻧﻔﺳﻪ‪.‬‬

‫‪ 1‬ﻓﺎﺧﺮ ﻋﺎﻗﻞ‪.‬ﻣﻌﺠﻢ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﻔﺲ‪ .‬دار اﻟﻌﻠﻢ ﻟﻠﻤﻼﻳﲔ‪ .‬ﺑﲑوت )د‪.‬ت( ص‪.33 ،‬‬
‫‪ 2‬ﺑﻴﲑ ﺳﱰوﺑﻞ‪-.‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪.33 ،‬‬
‫‪ 3‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪.‬ص‪.33 ،‬‬
‫‪Jean Labbens. Sociologie de la pauvreté .Edition Gallimare.France.1978.p104. 4‬‬

‫‪27‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫و ﺑوث ‪ BOTH‬اﻟـذي ﻟـم ﯾﻘﺻـر اﻫﺗﻣﺎﻣـﻪ ﻋﻠـﻰ ﺗﺣدﯾـد ﻣﻌـﺎﻟم اﻟﻔﻘـر ﻓـﻲ ﻣﺟـرد اﻟوﺟـود اﻟﻣـﺎدي ﺑـل‬
‫ﺗﺟﺎوزﻩ إﻟﻰ اﻻﻫﺗﻣﺎم ﺑﺎﻟﺣﺎﺟﺎت اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻟﻠﻔرد ﺣﯾث ﯾﻘـول‪ » :‬إﻧﻧـﻲ أﻋﻧـﻲ ﺑﻛﻠﻣـﺔ ﻓﻘﯾـر وﺻـف أوﻟﺋـك‬
‫اﻟــذﯾن ﻗــد ﺗﻛﻔــﯾﻬم إﻣﻛﺎﻧﯾــﺎﺗﻬم ﻟﻣﺟــرد اﻟﻌــﯾش‪ ،‬ﻟﻛﻧﻬــﺎ ﻻ ﺗﻛﻔــﯾﻬم ﻟﺣﯾــﺎة ﻛرﯾﻣــﺔ ﺧﺎﻟﯾــﺔ ﻣــن اﻻﻋﺗﻣــﺎد ﻋﻠــﻰ‬
‫اﻵﺧرﯾن«‪ 1‬و ﻣن ﻫﻧﺎ ﺗظﻬر ﻟﻧﺎ اﻟﺧطورة اﻟﺗﻲ ﻗد ﯾﺷﻛﻠﻬﺎ اﻟﻔﻘر إذا ﻣﺎ اﺳﺗﻣر ﻟـدى ﻓـرد أو ﻓﺋـﺔ ﻣﻌﯾﻧـﺔ‬
‫أﯾن ﻗد ﯾﻧﺎل ﻣن ﻛراﻣﺔ ﻣن ﯾﻌﺎﻧﯾﻪ‪.‬‬
‫ﻓــﺎﻟﻔﻘر إذن‪ :‬ﺷ ــﻌور اﻟﻔــرد ﺑﺎﻟﺣرﻣ ــﺎن ﻣ ــن اﺣﺗﯾﺎﺟﺎﺗــﻪ اﻟﺿ ــرورﯾﺔ رﻏــم اﻣﺗﻼﻛ ــﻪ ﻟﻣ ــﺎ ﯾﺳــد رﻣﻘ ــﻪ ﻓ ــﻲ‬
‫اﻟﺣﯾــﺎة‪ ،‬و ﻫــذا ﯾﻌﻧــﻲ أن اﻟﺣرﻣــﺎن ﻫﻧــﺎ ﻻ ﯾﻘﺻــد ﺑــﻪ اﻟﻔﻘــر اﻟﻣطﻠــق و إﻧﻣــﺎ ﯾﻘﺻــد ﺑــﻪ اﻟﻔﻘــر اﻟﻧﺳــﺑﻲ‬
‫أي اﻟﺣﺎﻟــﺔ اﻟﺗــﻲ ﯾﺷــﻌر ﻓﯾﻬــﺎ اﻷﻓ ـراد اﻟــذﯾن ﯾﻘــﺎرﻧون أوﺿــﺎﻋﻬم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ و اﻻﻗﺗﺻــﺎدﯾﺔ ﺑﻣــن ﻫــم‬
‫أﻓﺿل ﺣﺎﻻ ﻣﻧﻬم‪ .‬و ﺗﺧﺗﻠف درﺟﺔ اﻟﺷﻌور ﺑﺎﻟﺣرﻣﺎن ﺑﺎﺧﺗﻼف اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ اﻟﺗـﻲ اﺧﺗﯾـرت ﻟﻠﻣﻘﺎرﻧـﺔ‪ ،‬ﻓﻠـم‬
‫ﯾﻌـ ــد ﯾﻘﺗﺻـ ــر ﻓـ ــﻲ ﺗﻌرﯾـ ــف اﻟﻔﻘـ ــر ﻋﻠـ ــﻰ اﻟﺗﻌرﯾـ ــف اﻟﻛﻼﺳـ ــﯾﻛﻲ ﻣـ ــن ﺧـ ــﻼل اﻟﺟـ ــوع و ﺳـ ــوء اﻟﺗﻐذﯾـ ــﺔ‬
‫و اﻟﻣ ــرض‪ ،‬ﺣﯾ ــث أﺻ ــﺑﺢ ﯾﻌﺗﻣ ــد ﻓ ــﻲ ﺗﻌرﯾ ــف اﻟﻔﻘ ــر ﻋﻠ ــﻰ ﺗﻌرﯾ ــف أﻛﺛ ــر ﺷ ــﻣوﻻ‪ ،‬ﻫ ــو‪ » :‬اﻧﺧﻔ ــﺎض‬
‫أو ﻗﺻو ار ﺑﺎﻟدﺧل و وﺳﺎﺋل اﻹﻧﺗﺎج اﻟﻛﺎﻓﯾﺔ ﻟﺗﺄﻣﯾن اﻟﺣد اﻷدﻧﻰ ﻣن اﻟﺣﯾﺎة اﻟﻛرﯾﻣﺔ و ﺿـﻌف ﻓـرص‬
‫اﻟﺣﺻـ ــول ﻋﻠـ ــﻰ اﻟﺗﻌﻠـ ــﯾم و اﻟﻣﻌﺎﻧـ ــﺎة ﻣـ ــن اﻟﺗﺷـ ــرد و اﻟﺳـ ــﻛن ﻏﯾـ ــر اﻟﻼﺋـ ــق و اﻟﺗﻣﯾﯾـ ــز اﻻﺟﺗﻣـ ــﺎﻋﻲ‬
‫و اﻟﺑﯾﺋــﺔ ﻏﯾــر اﻟﺳــﻠﯾﻣﺔ و اﻧﻌــدام اﻟﻣﺷــﺎرﻛﺔ ﻓــﻲ أﺧــذ اﻟﻘ ـرار ﻓــﻲ ﺟواﻧــب اﻟﺣﯾــﺎة اﻟﻣدﻧﯾــﺔ و اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ‬
‫و اﻟﺛﻘﺎﻓﯾـﺔ‪-‬إﺿـﺎﻓﺔ إﻟــﻰ اﻟﺗﻌرﯾـف اﻟﻛﻼﺳــﯾﻛﻲ طﺑﻌـﺎ‪ ،2«-‬ﻛﻣــﺎ ﯾﻌرﻓـﻪ ﻋﺑــد اﻟـرازق اﻟﻔــﺎرس ﻓـﻲ ﻛﺗﺎﺑــﻪ‪:‬‬
‫اﻟﻔﻘــر ﻓــﻲ اﻟــوطن اﻟﻌرﺑــﻲ ﻋﻠــﻰ أﻧــﻪ‪ ":‬ﻋــدم اﻟﻘــدرة ﻋﻠــﻰ ﺗﺣﻘﯾــق ﻣﺳــﺗوى ﻣﻌــﯾن ﻣــن اﻟﻣﻌﯾﺷــﺔ اﻟﻣﺎدﯾــﺔ‪،‬‬
‫ﯾﻣﺛــل اﻟﺣــد اﻷدﻧــﻰ اﻟﻣﻌﻘــول و اﻟﻣﻘﺑــول ﻓــﻲ ﻣﺟﺗﻣــﻊ ﻣــﺎ ﻣــن اﻟﻣﺟﺗﻣﻌــﺎت«‪ .3‬و ﻣــﺎ ﯾﻼﺣــظ ﻓــﻲ ﻫــذا‬
‫اﻟﺗﻌرﯾــف ﻫــو اﻟﺗرﻛﯾــز ﻋﻠــﻰ اﻟﺟﺎﻧــب اﻟﻣــﺎدي ﻟﻣﺳــﺗوى اﻟﻣﻌﯾﺷــﺔ و ﻫــو اﻟﺟﺎﻧــب اﻟﻘﺎﺑــل ﻟﻠﻘﯾــﺎس و اﻟــذي‬
‫ﯾرﺗﺑط ﺑﺎﻟظروف اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ و اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻟﻛل ﻣﺟﺗﻣﻊ ﻋﻠﻰ ﺣدﻩ‪ ،‬و ﺧﻼل ﻓﺗرة ﻣﺣددة ﻣن اﻟزﻣن‪.‬‬
‫و ﻣـن ﺟﻬــﺔ أﺧــرى ﺗرﻛــز ﺑﻌــض اﻟﺗﻌرﯾﻔــﺎت ﻋﻠــﻰ اﻟﺑﻌــد اﻟﻧﻔﺳــﻲ ﻟﻠﻔﻘــر و ﻣــﺎ ﯾوﻟــدﻩ ﻣــن ﺣرﻣــﺎن‬
‫ﻟ ــدى ﻣـ ــن ﯾﻌﺎﻧوﻧـ ــﻪ‪ ،‬ﻓﻘ ــد ﯾﺷـ ــﻛل‪-‬اﻟﻔﻘـ ــر‪-‬ﺧطـ ـ ار ﺣﻘﯾﻘﯾـ ــﺎ ﻋﻠـ ــﻰ اﻷﺧ ــﻼق و اﺣﺗ ـ ـرام اﻟـ ــذات‪ ،‬إذ ﯾﻌﺗﺑـ ــر‬
‫اﻟﻔﻘر‪":‬ﺣﺎﻟﺔ ﻣن ﻣﺳﺗوى اﻟﻣﻌﯾﺷﺔ اﻟﻣﻧﺧﻔض و اﻟذي إذا طﺎل أﻣدﻩ اﺛر ﻋﻠﻰ ﺻﺣﺔ اﻟﻔرد و أﺧﻼﻗﻪ و‬
‫اﺣﺗ ارﻣـ ــﻪ ﻟذاﺗـ ــﻪ‪ ،‬ﻛﻣـ ــﺎ أﻧـ ــﻪ ﯾﺟـ ــرد اﻹﻧﺳـ ــﺎن ﻣـ ــن إﻧﺳـ ــﺎﻧﯾﺗﻪ‪ .‬ﻓـ ــﺎﻟﻔﻘﯾر اﻟﻣﺣـ ــروم و اﻟـ ــذي ﻻ ﯾﺗـ ــوﻓر ﻟـ ــﻪ‬

‫‪ 1‬ﻣﻨﲑ اﻟﻌﺼﺮة‪-‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪-‬ص‪.143 ،‬‬


‫‪ 2‬ﺻﺎﱀ ﺑﺮﻛﺎت‪ .‬ﺗﻐﲑ ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻔﻘﺮ و اﻧﻌﻜﺎﺳﻪ ﻋﻠﻰ اﳋﲑ اﻟﻌﺮﰊ و ﻣﺆﺳﺴﺎﺗﻪ ﰲ ﻋﺼﺮ اﻟﻌﻮﳌﺔ‪.2003/03/08 www.suhuf.net .‬‬
‫‪ 3‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق اﻟﻔﺎرس‪-‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪.21 ،‬‬

‫‪28‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫ﻣﺎ ﯾﺣﻔظ ﻋﻠﯾﻪ آدﻣﯾﺗﻪ و ﻛراﻣﺗﻪ‪ ،‬ﯾﻛون ﻣﻌرﺿﺎ و ﻻ ﺷك ﻟﻼﻧﻬﯾـﺎر و اﻟـذي ﻗـد ﯾﻘـودﻩ إﻟـﻰ اﻟﻛﻔـر ﺑـﺄي‬
‫‪1‬‬
‫ﺷﻲء ﺑﻣﺎ ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻛﻔر ﺑﻧﻔﺳﻪ و ﻗﯾﻣﻪ و ﻣﺟﺗﻣﻌﻪ و وطﻧﻪ"‪.‬‬
‫و ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ ﯾُ ﻌرف اﻟﻔﻘر ﻋﻠﻰ أﻧـﻪ‪ :‬اﻟﺣرﻣـﺎن اﻟﻧـﺎﺟم ﻋـن ﻋـدم ﻛﻔﺎﯾـﺔ اﻟـدﺧل ﻓـﻲ ﺗـﺄﻣﯾن اﻟﺣـد‬
‫اﻷدﻧ ــﻰ اﻟﻣﻘﺑ ــول ﻟﻠﺣﯾ ــﺎة اﻟﻛرﯾﻣ ــﺔ ﻛﺎﻧﺧﻔ ــﺎض اﻟﻣﺳ ــﺗوى اﻟﻐ ــذاﺋﻲ و اﻟﺻ ــﺣﻲ و اﻟﺗﻌﻠﯾﻣ ــﻲ و اﻟﺳ ــﻛﻧﻲ‬
‫و اﻟﻌــﯾش ﻓــﻲ ﺟــو أُﺳــري ﻣﺿــطرب‪ ،‬ﻣﻣــﺎ ﻗــد ﯾــدﻓﻊ ﻣــن ﯾﻌﺎﻧﯾــﻪ‪-‬اﻟﺣرﻣــﺎن‪-‬إﻟــﻰ اﻟﻠﺟــوء ﻟطــرق ﻏﯾــر‬
‫ﻣﺷروﻋﺔ ﻛﺎﻻﻧﺣراف ﻹﺷﺑﺎع ﻣﺎ ﺣرم ﻣﻧﻪ‪.‬‬
‫و اﻟﻣﻼﺣ ــظ ﻋﻠ ــﻰ ﻫ ــذا اﻟﺗﻌرﯾ ــف ﺗرﻛﯾـ ـزﻩ ﻋﻠ ــﻰ ظ ــروف اﻟﻣﻌﯾﺷ ــﺔ اﻻﻗﺗﺻ ــﺎدﯾﺔ و اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾ ــﺔ‬
‫و اﻟﺗ ــﻲ ﻓ ــﻲ ﻣﻌظﻣﻬ ــﺎ ﺟواﻧ ــب ﻣﺎدﯾ ــﺔ ﯾﻣﻛ ــن إﺧﺿ ــﺎﻋﻬﺎ ﻟﻠﻣﻼﺣظ ــﺔ و اﻟﻘﯾ ــﺎس ﻛﺎﻟ ــدﺧل و اﻟﺣ ــﺎﺟﻼت‬
‫اﻷﺳﺎﺳ ــﯾﺔ ﻣـ ــن ﻏـ ــذاء و ﺻ ــﺣﺔ و ﺗﻌﻠـ ــﯾم و ﺳـ ــﻛن إﺿ ــﺎﻓﺔ إﻟـ ــﻰ ﻣؤﺷـ ــر اﻟﺟ ــو اﻷﺳـ ــري‪ .‬و ﻻ ﯾﻌﻧـ ــﻲ‬
‫اﻹﻗﺗﺻﺎر ﻋﻠﻰ ﺗﻠك اﻟﺟواﻧب إﻟﻰ أﻧﻬﺎ اﻟوﺣﯾدة اﻟﺗﻲ ﯾﺣﺗﺎج إﻟﯾﻬﺎ اﻹﻧﺳﺎن و إﻧﻣﺎ ﻫﻲ اﻟﺟواﻧـب اﻷﻛﺛـر‬
‫ﺿـ ـ ــرورة و اﻟﺗـ ـ ــﻲ ﻟـ ـ ــوﺣظ ﺻـ ـ ــﻌوﺑﺔ اﻟوﺻـ ـ ــول إﻟﯾﻬـ ـ ــﺎ ﻓـ ـ ــﻲ ﻣﯾـ ـ ــدان اﻟد ارﺳـ ـ ــﺔ‪ .‬ﻟـ ـ ــذﻟك ﺗـ ـ ــم اﻻﻋﺗﻣـ ـ ــﺎد‬
‫ﻋﻠﻰ ظـروف اﻟﻣﻌﯾﺷـﺔ ﻛﻣؤﺷـر ﻟﻠﻔﻘـر أﻛﺛـر ﻣـن اﻟﺗﻘـدﯾر اﻟﻛﻣـﻲ‪-‬اﻟـدﺧل‪ -‬و ذﻟـك ﻟﻠـﺗﻣﻛن ﻣـن اﻟﺗﻌـرف‬
‫ﻋﻠﻰ ﻋﻣق اﻟظﺎﻫرة و أﺑﻌﺎدﻫﺎ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ و ﺑﺎﻟﺗـﺎﻟﻲ اﻟـﺗﻣﻛن ﻣـن ﺻـوغ اﻟﺳﯾﺎﺳـﺎت و اﻟﺑـراﻣﺞ ﻟﻣﻛﺎﻓﺣﺗـﻪ‪.‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﺳﯾﺗﺿﺢ أﻛﺛر ﻣن ﺧﻼل اﻟﺗﻌرض ﻟﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎس اﻟﻔﻘر‪.‬‬

‫ﺛﺎﻧﯾﺎ‪ :‬ﻣﻌﺎﯾﯾــر ﻗﯾـﺎس اﻟﻔﻘـر‪:‬‬


‫ﻛﻣــﺎ رأﯾﻧــﺎ ﻣــن ﺧــﻼل اﺳــﺗﻌراض وﺟﻬــﺎت اﻟﻧظــر اﻟﻣﺧﺗﻠﻔــﺔ ﻟﺗﺣدﯾــد ﻣﻔﻬــوم اﻟﻔﻘــر ﻓــﺈن اﻟﺷــﻲء ﻧﻔﺳــﻪ‬
‫ﯾﻼﺣــظ ﻋﻧــد اﻟﺣــدﯾث ﻋــن اﻟﻣﻌــﺎﯾﯾر اﻟﻣﻌﺗﻣــدة ﻟﻘﯾﺎﺳــﻪ‪ ،‬ﻧظ ـ ار ﻟﻼرﺗﺑــﺎط اﻟوﺛﯾــق ﺑــﯾن اﻻﺛﻧــﯾن‪ ،‬ﻓﻣﻘــﺎﯾﯾس‬
‫اﻟﻔﻘــر إذن ﻟﯾﺳ ــت ﻣوﺣ ــدة ﺑ ــل ﺗﺧﺗﻠــف ﺑ ــﺎﺧﺗﻼف ﻣﺳ ــﺗﻌﻣﻠﯾﻬﺎ اﻧطﻼﻗ ــﺎ ﻣــن اﺧ ــﺗﻼف اﻟﻔرﺿ ــﯾﺎت اﻟﺗ ــﻲ‬
‫ﯾﻌﺗﻣــدوﻧﻬﺎ ﻓــﻲ ﺗﺣدﯾــداﺗﻬم ﻟﺗﻠــك اﻟﻣﻘــﺎﯾﯾس‪ .‬ﻓﺎﻟﻛــل ﯾﺗﻔــق ﻋﻠــﻰ أن اﻟﻔﻘــر ﻫــو ﻧــوع ﻣــن اﻟﺣرﻣــﺎن ﻟﻛــن‬
‫اﻻﺧﺗﻼف ﯾﻛﻣن ﻓﻲ درﺟﺔ ذﻟك اﻟﺣرﻣﺎن و ﻛﯾﻔﯾﺔ ﺗﺣدﯾدﻩ‪.‬‬
‫و ﯾﻣﻛن اﻟﻘول أن ﻣﻌﯾﺎر ﺗﺣدﯾد اﻟﻔﻘر ﯾﺧﺗﻠف ﻣن ﺑﻠد ﻵﺧر‪ ،‬اﻋﺗﻣـﺎدا ﻋﻠـﻰ ﺗﺣدﯾـد اﻟﻣﺳـﺗوى اﻷدﻧـﻰ‬
‫ﻟﻠﻣﻌﯾﺷــﺔ اﻟــذي ﯾﻌﺗﺑــر اﻟﻔﺷــل ﻓــﻲ اﻟوﺻــول إﻟﯾــﻪ ﻓﻘـ ار‪ 2‬و ﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻲ ﻻ ﯾﻣﻛــن اﻟﺣــدﯾث ﻋــن ﻣﻌﯾــﺎر ﻣﺣــدد‬
‫ﯾﻘﯾس اﻟﻔﻘر‪ ،‬ﻟﻛن ﯾﻣﻛن ذﻛر ﺑﻌض اﻟﻣﺣﺎوﻻت اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺎوﻟت اﻟﻣوﺿوع‪.‬‬
‫‪ -1‬ﻣﻌﯾﺎر اﻟدﺧل و اﻟﺛروة‪:‬‬

‫‪ 1‬أﲪﺪ ﺣﻮﻳﱵ و آﺧﺮون‪.‬ﻋﻼﻗﺔ اﻟﺒﻄﺎﻟﺔ ﺑﺎﳉﺮﳝﺔ و اﻻﳓﺮاف ﰲ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﰊ‪.‬أﻛﺎدﳝﻴﺔ ﻧﺎﻳﻒ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﻌﻠﻮم اﻷﻣﻨﻴﺔ‪.‬ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺪراﺳﺎت و اﻟﺒﺤﻮث‪.1998.‬ص‪.176 ،‬‬
‫‪ 2‬ﻣﻮﻟﻮد ﻗﺎﺳﻢ ﻧﺎﻳﺖ ﺑﻠﻘﺎﺳﻢ‪ .‬ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻌﺪاﻟﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ‪.‬ﳎﻠﺔ اﻷﺻﺎﻟﺔ اﻟﺸﻬﺮﻳﺔ‪ .‬اﻟﻌﺪد ‪ .32‬اﻟﺴﻨﺔ اﳋﺎﻣﺴﺔ‪ .‬أﻓﺮﻳﻞ ‪.1976‬ص‪.4 ،‬‬

‫‪29‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫و ﻓـﻲ ﻫـذا اﻟﺻـدد ﯾﻣﻛـن ذﻛــر اﻟﻣﺣﺎوﻟـﺔ اﻟﺗـﻲ ﻗـﺎم ﺑﻬــﺎ ﻣﻌـن ﺧﻠﯾـل ﻋﻣــر‪ 1‬و اﻟـذي ﺣـدد ﻣﻌﯾـﺎران ﻫﻣــﺎ‬
‫اﻟــدﺧل و اﻟﺛــروة‪ .‬و اﻟــدﺧل ﯾﺷــﯾر إﻟــﻰ ﻛﻣﯾــﺔ اﻟﻣــﺎل اﻟﺗــﻲ ﯾﺣﺻــل ﻋﻠﯾﻬــﺎ اﻟﻔــرد ﻣــن ﻋﻣﻠــﻪ ﺳــﻧوﯾﺎ‪ ،‬أي‬
‫أﺟرﺗﻪ اﻟﯾوﻣﯾﺔ ﻣﺿروﺑﺔ ﻓﻲ ﻋدد أﯾﺎم اﻟﺳﻧﺔ‪ .‬أﻣﺎ ﻋن اﻟﺛروة ﻓﺗﺷﯾر إﻟـﻰ ﻣﺟﻣوﻋـﺔ ﻣـﺎ ﯾﻣﻠﻛـﻪ اﻟﻔـرد ﻣـن‬
‫ﻋﻘــﺎر و ﻣﻣﺗﻠﻛــﺎت ﺷﺧﺻــﯾﺔ و أﺳــﻬم و ﺳــﻧﺎدات و ﻧﻘــد‪ .‬ﻟﻛــن دﻗــﺔ اﻟﻣﻌﻠوﻣــﺎت ﻋــن دﺧــل اﻟﻔــرد ﺗﻛــون‬
‫أوﺿﺢ ﻣن دﻗﺔ اﻟﻣﻌﻠوﻣـﺎت ﻋـن ﻣﺟﻣوﻋـﺔ ﺛـروة اﻟﻔـرد ﺑﺳـﺑب ﻣﻌرﻓـﺔ اﻟدوﻟـﺔ ﻟﻣـداﺧﯾل اﻷﻓـراد أﻛﺛـر ﻣـن‬
‫ﺛــرواﺗﻬم‪ .‬ﻓــﯾﻣﻛن ﺗرﺗﯾــب اﻷﺷــﺧﺎص ﺣﺳــب ﻣــداﺧﯾﻠﻬم‪ ،‬ﻛﻣــﺎ أن ﺗوزﯾــﻊ اﻟﺛــروات ﺑــﯾن اﻟﺳــﻛﺎن ﯾﺳ ــﻣﺢ‬
‫‪2‬‬
‫ﺑوﺿﻊ ﺗرﺗﯾب رﺋﯾﺳﻲ ﺑﯾن اﻷﺛرﯾﺎء و اﻟﻔﻘراء‪.‬‬
‫و ﯾرى ﻣﻌن ﺧﻠﯾل ﻋﻣر‪ 3‬أن ﻫـذﯾن اﻟﻣﻌﯾـﺎرﯾن‪-‬اﻟـدﺧل و اﻟﺛـروة‪-‬إﻧﻣـﺎ ﯾﺳـﺗﺧدﻣﺎن ﻟﻘﯾـﺎس ﻧـوﻋﯾن ﻣـن‬
‫اﻟﻔﻘــر و ﻫﻣــﺎ‪ :‬اﻟﻣﻌﯾــﺎر اﻟﻣطﻠــق و اﻟﻣﻌﯾــﺎر اﻟﻧﺳــﺑﻲ‪ ،‬و ﯾﻘــﯾس اﻷول ﻧﻘــص ﺿــرورﯾﺎت اﻟﺣﯾــﺎة ﻛﻘﺎﻋــدة‬
‫أﺳﺎﺳــﯾﺔ ﻟﻘﯾــﺎس ﺧــط اﻟﻔﻘــر أو ﺣــدودﻩ اﻟــدﻧﯾﺎ‪ .‬أﻣــﺎ اﻟﺛــﺎﻧﻲ ﻓﻬــو ﻣﻌﯾــﺎر ﯾﺑﻧــﻰ ﻋﻠــﻰ اﻟــدﺧل اﻟﻣــﻧﺧﻔض و‬
‫اﻟﺛروة اﻟﻘﻠﯾﻠﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻔرد ﻟدﯾﻪ دﺧل ﻣﺎﻟﻲ ﻣﻧﺧﻔض و ﺛروة ﻗﻠﯾﻠﺔ أﻛﺛر ﻣن ﻣﻌدل اﻟﻔرد اﻟﻌﺎم ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ‪،‬‬
‫أي دﺧل ﯾﺳﺗطﯾﻊ أن ﯾﻌﯾش ﺑﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻛﻔﺎف‪.‬‬
‫‪ -2‬ﻣﻌﯾﺎر اﻟرﻓﺎﻫﯾﺔ و اﻟﻼ رﻓﺎﻫﯾﺔ‪:‬‬
‫ﺣﯾث ﻫﻧﺎك ﻣن ﯾﻘﺳم ﻣﻧﺎﻫﺞ ﻗﯾﺎس اﻟﻔﻘر إﻟﻰ اﺗﺟﺎﻫﯾن ﻫﻣﺎ‪:4‬‬
‫أ‪ -‬اﻻﺗﺟــﺎﻩ اﻷول‪ :‬ﯾﺳــﻣﻰ اﺗﺟــﺎﻩ اﻟرﻓﺎﻫﯾــﺔ و ﯾﻌﺗﻣــد أﺻــﺣﺎﺑﻪ ﻋﻠــﻰ اﺳــﺗﺧدام ﻣﻌــﺎﯾﯾر ﻣﺎﻟﯾــﺔ ﻓــﻲ ﻗﯾــﺎس‬
‫اﻟرﻓﺎﻫﯾﺔ ﻣﺛل‪ :‬دﺧل اﻟﻔرد و إﻧﻔﺎﻗﻪ اﻻﺳﺗﻬﻼﻛﻲ‪ ،‬و ﻫو اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺳﺎﺋد ﻓﻲ أدﺑﯾﺎت اﻟﻔﻘر‪.‬‬
‫ب‪ -‬اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺛـﺎﻧﻲ‪ :‬ﯾ ـدﻋﻰ اﺗﺟـﺎﻩ اﻟﻼرﻓﺎﻫﯾـﺔ و ﯾﻌﻧـﻰ ﺑد ارﺳـﺔ اﻟﻣؤﺷـرات اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ ﻟﻠرﻓﺎﻫﯾـﺔ ﻣﺛـل‪:‬‬
‫اﻟﺗﻐذﯾ ــﺔ‪ ،‬اﻟﺻ ــﺣﺔ و اﻟﺗﻌﻠ ــﯾم و ﯾرﻛ ــز ﻋﻠ ــﻰ ﺑﻌ ــض اﻟﻘﺿ ــﺎﯾﺎ ﻣﻧﻬ ــﺎ‪ :‬ﺳ ــوء اﻟﺗﻐذﯾ ــﺔ أو ﻏﯾـ ـﺎب اﻟرﻋﺎﯾ ــﺔ‬
‫اﻟﺻﺣﯾﺔ أو اﻷﻣﯾﺔ‪ ،‬اﻧطﻼﻗﺎ ﻣن أﻧﻬﺎ ﺗﻣﺛل ﻧﺗﺎﺋﺟﺎ ﻣﺑﺎﺷرة ﻟﻠﻔﻘر و ﻗد ﺗزاﯾد ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ ﻓﻲ دول اﻟﻌﺎﻟم‬
‫اﻟﻧﺎﻣﻲ ﻓﻲ ﻣﻧﺗﺻف اﻟﺳﺑﻌﯾﻧﺎت ﺣﯾث ﻟوﺣظ أن ﻫﻧﺎك ارﺗﻔﺎﻋﺎ ﻓﻲ اﻟـدﺧل اﻟﻔـردي ﻓـﻲ ﺑﻌـض اﻟـدول و‬
‫ﺑﺎﻟﻣﻘﺎﺑـ ــل ﻟـ ــم ﯾﺣـ ــدث ﻫﻧﺎﻟ ـ ــك أي ﺗﻘـ ــدم ﻓـ ــﻲ ﺑﻌـ ــض ﻣﺟ ـ ــﺎﻻت اﻟرﻓﺎﻫﯾـ ــﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـ ــﺔ ﻣﺛ ـ ـل اﻟﺗﻐذﯾ ـ ــﺔ‪،‬‬
‫اﻟﺻﺣﺔ‪...‬إﻟﺦ‪.‬‬

‫‪ -3‬ﻣﻌﯾﺎر اﻹﺳﺗﻬﻼك و اﻟدﺧل‪:‬‬

‫‪ 1‬ﻣﻌﻦ ﺧﻠﻴﻞ ﻋﻤﺮ‪ .‬ﻋﻠﻢ اﳌﺸﻜﻼت اﻹﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ .‬دار اﻟﻨﺸﺮق اﻷدﱏ‪ .‬اﻷردن‪ .1998 .‬ص‪.194 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Jean Michel Morin .Précis de sociologie .édition Nathan.Paris.1996.p94.‬‬
‫ﻣﻌﻦ ﺧﻠﻴﻞ ﻋﻤﺮ ‪-‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪ ،‬ص‪.195 ،194 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫ﺳﻠﻤﺎن ﺧﺎن‪ .‬اﻟﻔﻘﺮ‪ :‬ﻣﻊ اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻜﻞ أﺻﺒﺢ ﻓﻘﲑاً‪2000/02/02 www.islamonline.net .!!!...‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪30‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫و ﻫﻧــﺎ ﯾﻣﻛــن إدراج اﻟﻣﺣﺎوﻟــﺔ اﻟﺗــﻲ ﻗــدﻣﻬﺎ ﻋﺑـــد اﻟـــرزاق اﻟﻔـــﺎرس‪ 1‬اﻟــذي ﯾــرى أن ﻫﻧــﺎك اﻟﻌدﯾــد ﻣ ــن‬
‫اﻟﻣؤﺷ ـرات ﻣﺛــل‪ :‬ﻧﺻــﯾب اﻟﻔــرد ﻣــن اﺳــﺗﻬﻼك اﻟﻐ ــذاء أو ﻧﺻــﯾب اﻟﻔــرد ﻣــن اﻟــدﺧل اﻟﻘــوﻣﻲ و اﻟﺗ ــﻲ‬
‫ﺗﺳﺗﻌﻣل ﻟﺗﺣدﯾد و ﻗﯾﺎس اﻟﻔﻘر اﻟﻣطﻠق‪ ،‬و ﻫﻲ ﺣﺳﺑﻪ ﻣﻘﺎﯾﯾس ﻛﻠﯾﺔ ﺗﺑدو ﻣﺣﺎﯾـدة و ﻣوﺿـوﻋﯾﺔ ﯾﻧﺑﻐـﻲ‬
‫أﻻ ﺗﺧﻔ ــﻲ ﺣﻘﯾﻘ ــﺔ أن اﻟﻔﻘ ــر ﻫ ــو ﺑﺷ ــﻛل أﺳﺎﺳ ــﻲ ﻣﻔﻬ ــوم ﻣﻌﯾ ــﺎري ‪ ، Normative‬ﻛﻣ ــﺎ ﯾ ــرى أن أي‬
‫ﺗﻌرﯾف إﺣﺻﺎﺋﻲ ﻟﻠﻔﻘر إﻧﻣﺎ ﯾﻌﻛس ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻘﯾم اﻟﺗـﻲ ﺗﺿـﻊ اﻟﺣـد اﻷدﻧـﻰ ﻟﻣﺳـﺗوى اﻟﻣﻌﯾﺷـﺔ ﻓـﻲ‬
‫إطﺎر اﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪-‬ﺛﻘﺎﻓﻲ ﻣﺣدد و ﻓﻲ ﻓﺗرة زﻣﻧﯾﺔ ﻣﺣددة‪ .‬و ﻫﻧﺎك وﻓﻘﺎ ﻟذﻟك ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻧﺎﻫﺞ ﻟﻘﯾﺎس اﻟﻘﻔر‪،‬‬
‫ﻣﻧﻬﺞ ﯾﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ ﺗﺣدﯾد ﺣﺟم اﻻﺳﺗﻬﻼك ﻣـن ﺳـﻠﻊ ﻣﺣـددة و ﻣـﻧﻬﺞ ﯾﻌﺗﻣـد ﻋﻠـﻰ اﻟـدﺧل اﻟﻛﻠـﻲ ﻟوﺣـدة‬
‫اﻟﻘﯾﺎس ﺳواء ﻛﺎﻧـت اﻟﻔـرد أم اﻷﺳـرة‪ ،‬أﻣـﺎ اﻟﻣـﻧﻬﺞ اﻟﺛﺎﻟـث ﻓﯾﻌﺗﻣـد ﻋﻠـﻰ ﻣﺳـﺗوى اﻟرﻓـﺎﻩ اﻟﻛﻠـﻲ‪ ،‬أو ﺣﺟـم‬
‫اﻹﻧﻔﺎق اﻟﻛﻠﻲ ﻟﯾس ﻋﻠﻰ اﻻﺳﺗﻬﻼك ﻓﻘط و إﻧﻣﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺣﺎﺟﺎت اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ اﻷﺧرى‪.‬‬
‫و ﺳﯾﺗم اﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﻬﺟﯾن اﻷوﻟﯾن ﻓﻘط ﻷﻫﻣﯾﺗﻬﻣﺎ‪:‬‬
‫أ‪ -‬ﻣــﻧﻬﺞ اﻻﺳــﺗﻬﻼك‪ :‬و ﯾﻌﺗﻣــد ﻋﻠــﻰ اﺣﺗﺳــﺎب ﺗﻛــﺎﻟﯾف اﺳــﺗﻬﻼك ﺑﻌــض اﻟﺳــﻠﻊ اﻟﻣﺣــددة‪ ،‬و ﯾﺣﺗــوي‬
‫أرﺑﻌــﺔ ﻣﻛوﻧــﺎت ﻋﻠــﻰ اﻷﻗــل ﺗــدور ﺟﻣﯾﻌﻬــﺎ ﺣــول ﺣﻔــظ اﻟﺑﻘــﺎء اﻹﻧﺳــﺎﻧﻲ اﻟﻣﺣﺗﻣــل و ﻫﻧــﺎك ﻣــن ﯾطﻠــق‬
‫ﻋﻠـﻰ ﻫـذا اﻟﻣﻘﯾـﺎس اﺳـم اﻟﺣﺎﺟـﺎت اﻷﺳﺎﺳـﯾﺔ ﻏﯾـر اﻟﻣﺷـﺑﻌﺔ‪ 2‬و ﻫـو ﻣﻘﯾـﺎس ﺗﻘﻠﯾـدي ﯾﻘـوم ﻋﻠـﻰ ﻣﻘﺎرﻧــﺔ‬
‫ﻣوﻗف ﻛل أﺳرة ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﺣﺎﺟﺎت ﻣﻌﯾﻧﺔ‪ ،‬ﺑﺎﺳﺗﺧدام ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣـن اﻷوﺿـﺎع اﻟﻣﻌﯾﺎرﯾـﺔ ﻟﻛـل ﺣﺎﺟـﺔ ﻣـن‬
‫اﻟﺣﺎﺟﺎت‪ ،‬ﺑﺣﯾث ﯾﻌد ﻣﺎ ﻫو دون اﻟﻣﺳـﺗوى اﻷدﻧـﻰ ﻣﻧﻬـﺎ ﻏﯾـر ﻣﺷـﺑﻊ‪ ،‬و ﺗﻌـد اﻷﺳـر اﻟﺗـﻲ ﺗﻛـون ﻓﯾﻬـﺎ‬
‫واﺣ ـ ــدة أو أﻛﺛ ـ ــر ﻣ ـ ــن اﻟﺣﺎﺟ ـ ــﺎت اﻷﺳﺎﺳ ـ ــﯾﺔ ﻏﯾ ـ ــر ﻣﺷ ـ ــﺑﻌﺔ‪ ،‬ﻣ ـ ــن اﻷﺳ ـ ــر اﻟﻔﻘﯾـ ـ ـرة و أﻓرادﻫ ـ ــﺎ ﻓﻘـ ـ ـراء‬
‫و اﻟﻌواﻣــل اﻟﺣﺎﺳــﻣﺔ ﻓــﻲ ﻫــذﻩ اﻟطرﯾﻘــﺔ ﻣــن اﻟﻘﯾــﺎس ﻫــﻲ اﻟﻣﺗﻌﻠﻘــﺔ ﺑﺎﺧﺗﯾــﺎر اﻟﺣﺎﺟــﺎت و ﺗﺣدﯾــد اﻟﺣــد‬
‫اﻷدﻧﻰ ﻟﻛل ﻣﻧﻬﺎ‪ ،‬و ﻣﻌﯾﺎر اﻟﻔﻘر اﻟﻣﺣدد‪ ،‬ﻣﺛل ﻣﻌرﻓﺔ ﻣﺎ إذا ﻛﺎﻧت ﻫﻧﺎك ﺣﺎﺟـﺔ واﺣـدة ﺗﺑـرر وﺻـﻔﻬﺎ‬
‫ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻓﻘﯾرة‪.‬‬

‫ب‪ -‬ﻣﻧﻬـﺞ اﻟدﺧـل‪ :‬و ﯾﻌﺗﺑـر ﻋﻧـد اﻟـﺑﻌض اﻻﺧﺗﯾـﺎر اﻟطﺑﯾﻌـﻲ ﻟﻘﯾـﺎس اﻟﻔﻘـر‪ ،‬ﻓﺎﻟـدﺧل ﻫـو اﻟـذي ﯾﺣـدد‬
‫ﻗﯾود اﻟﻣﯾزاﻧﯾﺔ اﻟﺗـﻲ ﺗﻔـرض ﻋﻠـﻰ اﻟﻔـرد أو اﻟﻌﺎﺋﻠـﺔ ﻣـﺎ ﯾﺳـﺗﻬﻠﻛﻪ و ﻣـﺎ ﻻ ﯾﺳـﺗﻬﻠﻛﻪ و اﻟﻣﺷـﻛﻠﺔ ﺑﻌـد ذﻟـك‬
‫ﺗﻛﻣن ﻓﻲ وﺿﻊ ﻣﺳﺗوى اﻟدﺧل اﻟذي ﯾﺣدد اﻟﻔﻘراء ﻣن ﻏﯾرﻫم‪ ،‬و ﻫذا اﻟﻣﺳﺗوى ﯾرﻣز إﻟﯾـﻪ ﺑﺄﻧـﻪ " ﺧـط‬
‫اﻟﻔﻘر"‪ ،‬و ﻫو ﺧـط وﻫﻣـﻲ ﯾﺳـﺗﻌﻣل ﻟﻠﺗﻣﯾﯾـز ﺑـﯾن اﻟﻔﻘـراء و ﻏﯾـر اﻟﻔﻘـراء‪ .‬ﻫـذا اﻟﻣـﻧﻬﺞ ﯾﺳـﺗدﻋﻲ ﺗﺣدﯾـد‬

‫‪ 1‬ﻋﺑد اﻟﺮزاق اﻟﻘﺎرس‪ -‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪ ،‬ص‪.22 ،21 .‬‬


‫‪ 2‬ﺟﻮﻟﻴﻮﺑﻮﻟﻴﺘﻴﻔﻴﻨﻴﻚ‪ .‬اﻟﻔﻘﺮ ﰲ أﻣﺮﻳﻜﺎ اﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ‪ :‬ﲢﻠﻴﻞ ﻧﻘﺪي ﻟﺜﻼث دراﺳﺎت‪ .‬ا ﻠﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻟﻠﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ‪ .‬اﻟﻌﺪد ‪ .148‬ﳎﻠﺔ رﺑﻊ ﺳﻨﻮﻳﺔ ﺗﺼﺪر ﻋﻦ اﻟﻴﻮﻧﻴﺴﻜﻮ‪ .‬ﻣﺮﻛﺰ‬
‫ﻣﻄﺒﻮﻋﺎت اﻟﻴﻮﻧﻴﺴﻜﻮ‪ .‬اﻟﻘﺎﻫﺮة‪ .‬ﻳﻮﻧﻴﻮ ‪ .1996‬ص‪.123 ،‬‬

‫‪31‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫ﻣﻔﻬ ــوم اﻟ ــدﺧل اﻟ ــذي ﺳ ــﯾﺗم اﺳ ــﺗﺧداﻣﻪ‪ ،‬ﻓﻔ ــﻲ ﺣ ــﯾن ﯾﺳ ــﺗﺧدم اﻟ ــﺑﻌض اﻟ ــدﺧل اﻟﻧﻘ ــدي اﻟﺳ ــﻧوي ﻟﻠﻌﺎﺋﻠ ــﺔ‬
‫ﯾﺳـ ـ ــﺗﺧدم اﻟـ ـ ــﺑﻌض اﻵﺧـ ـ ــر اﻟ ـ ـ ــدﺧل اﻟﺟـ ـ ــﺎري و ﻟـ ـ ــﯾس اﻟـ ـ ــدﺧل ط ـ ـ ـوال اﻟﻌﻣـ ـ ــر‪ ،‬و اﻟـ ـ ــدﺧل اﻟﻔﻌﻠـ ـ ــﻲ‬
‫و ﻟــﯾس اﻟﻣﺣﺗﻣ ــل‪ ،1‬ﻓﻬــﻲ طرﯾﻘ ــﺔ ﺗﻧﺑﻧ ــﻲ أﺳﺎﺳــﺎ ﻋﻠ ــﻰ ﻣﻌ ــدل ﻧﺻــﯾب اﻟﻔ ــرد ﻓ ــﻲ اﻷﺳ ـرة ﻣ ــن اﻟ ــدﺧل‪،‬‬
‫و ﺗﻌ ــد اﻷﺳ ــر ذات اﻟ ــدﺧول اﻷﻗ ــل ﻣ ــن ﻫ ــذا ﺧط ــﺄ ﻣ ــن اﻷﺳ ــر اﻟﻔﻘﯾـ ـرة‪ ،‬و ﯾﻌ ــد ﻛ ــل أﻓرادﻫ ــﺎ ﻓﻘـ ـراء‬
‫و ﯾطﻠق ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟطرﯾﻘﺔ ﺣﺳب اﻟﺑﻌض‪ ‬اﺳم‪ " :‬ﻗﯾﺎس ﺧط اﻟﻔﻘر"‪.‬‬

‫‪ -4‬ﻣﻘﺎرﻧـﺔ ﺑﯾن طرﯾﻘﺗﻲ اﻟدﺧل و اﻹﺳﺗﻬﻼك‪:‬‬


‫و ﯾﺣدد ﻋﺑد اﻟرزاق اﻟﻔﺎرس‪ 2‬ﺛﻼﺛﺔ ﻣﺑررات رﺋﯾﺳﯾﺔ ﯾﻘدﻣﻬﺎ اﻟذﯾن ﯾﻔﺿﻠون طرﯾﻘـﺔ اﻻﺳـﺗﻬﻼك‬
‫ﻋﻠﻰ طرﯾﻘﺔ اﻟدﺧل و ﻫﻲ‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن اﻻﺳﺗﻬﻼك ﯾﻘﯾس ﺑﺷﻛل ﻣﺑﺎﺷر ﺗدﻓق اﻟﻣدﺧﻼت اﻟﺗﻲ ﺗوﻟد اﻟﻣﻧـﺎﻓﻊ‪ ،‬أﻣـﺎ اﻟـدﺧل ﻓﯾﻘـﯾس اﻟﻘـدرة‬
‫ﻋﻠﻰ ﺷراء ﻫذﻩ اﻟﻣدﺧﻼت‪ ،‬و ﻣن اﻟطﺑﯾﻌﻲ أن ﯾﺗرﻛز اﻻﻫﺗﻣﺎم ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗم اﺳﺗﻬﻼﻛﻪ ﻓﻌﻠﯾﺎ‪.‬‬
‫ب‪ -‬ﯾــﺗم ﻗﯾــﺎس اﻟــدﺧل ﺧــﻼل ﻓﺗ ـرات زﻣﻧﯾــﺔ ﻗــد ﺗﻛــون أﺳــﺑوﻋﺎ و ﻗــد ﺗﻣﺗــد إﻟــﻰ ﺷــﻬر أو ﺣﺗــﻰ ﺳــﻧﺔ‬
‫و ﺧـ ــﻼل اﻟﻔﺗ ـ ـرة اﻟﻣﺣـ ــددة ﻗـ ــد ﯾﻛـ ــون دﺧـ ــل ﺑﻌـ ــض اﻷﻓ ـ ـراد ﻣﻧﺧﻔﺿـ ــﺎ ﻷﺳـ ــﺑﺎب ﻋﺷ ـ ـواﺋﯾﺔ ﻛـ ــﺎﻟﻣرض‬
‫أو اﻟﺟﻔ ــﺎف أو اﻧﺧﻔ ــﺎض ﻣؤﻗ ــت ﻓ ــﻲ أﺳ ــﻌﺎر ﺑﻌ ــض اﻟﺳ ــﻠﻊ اﻟزراﻋﯾ ــﺔ أو اﻟﻣـ ـوارد اﻟطﺑﯾﻌﯾ ــﺔ ‪...‬إﻟ ــﺦ‪،‬‬
‫أو ﻷﺳﺑﺎب ﺗﺗﻌﻠق ﺑﺂﺛﺎر دورة اﻟﺣﯾﺎة‪ ،‬ﻛﺄن ﯾﻛون اﻟﻔرد ﺻﻐﯾر أو ﻛﺑﯾر اﻟﺳن‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن أﻏﻠب اﻷﺳﻌﺎر ﻗد ﺗﺧﺗﻠف ﺑدرﺟﺔ أﺳﺎﺳﯾﺔ ﺑﯾن اﻷﻗﺎﻟﯾم أو أن ﺑﻌض اﻟﺳﻠﻊ ﻗد ﻻ ﺗﺗـواﻓر ﻋﻧـد‬
‫اﻷﺳــﻌﺎر اﻟﺳــﺎﺋدة‪ ،‬ﻣﻣــﺎ ﺳــﯾﻘود إﻟــﻰ ﺗﺑــﺎﯾن واﺿــﺢ ﻓــﻲ ﺗوزﯾــﻊ اﻟــدﺧل و ﺗوزﯾــﻊ اﻻﺳــﺗﻬﻼك و ﯾوﺿــﺢ‬
‫"ﺟون ﻓرﯾدﻣﺎن"‪ 3‬أن ﻣﻌﯾﺎر اﻟـدﺧل ﻫـو اﻟﻣﻌﯾـﺎر اﻟﻣوﺿـوﻋﻲ اﻷﻛﺛـر اﺳـﺗﻌﻣﺎﻻ ﻓـﻲ ﺑﻌـض اﻟد ارﺳـﺎت‪،‬‬
‫إﻻ أﻧﻪ ﻣﻌﯾﺎر ﯾﺧﻔﻲ ﺣﻘﯾﻘﺔ أن اﺧﺗﯾـﺎر ﺧـط اﻟﻔﻘـر ﻟﻠﺗﻣﯾﯾـز ﺑـﯾن ﻣـن ﯾﻌﻠـن أﻧﻬـم ﻓﻘـراء و ﻣـن ﻫـم ﻏﯾـر‬
‫ﻓﻘراء‪ ،‬ﻋﻣل ﺳﯾﺎﺳﻲ أﺻﻼ‪ ،‬أﯾن ﯾﻛون ﻟرﻓﻊ ﺧط اﻟﻔﻘر أو ﺧﻔﺿﻪ ﺑﺈﺿﺎﻓﺔ أو ﺧﺻم ﺑﺿـﻌﺔ دوﻻرات‬
‫أﺛـرﻩ ﻋﻠــﻰ ﻋــدد ﻣــن ﺗﺷــﻣﻠﻬم ﻛــل ﻓﺋــﺔ‪ ،‬و ﻋﻠــﻰ أﺣﻘﯾ ـﺗﻬم ﻷﻧـواع ﻣﻌﯾﻧــﺔ ﻣــن ﻣﺳــﺎﻋدات اﻟدوﻟــﺔ‪ ،‬و ﻫــو‬
‫اﻷﻣــر اﻟــذي أﺛﺑﺗــﻪ ﻣﯾﺷـــﯾل ﺗﺷوﺳودوﻓﯾﺳــﻛﻲ‪ 4‬ﻋﻧــد ﺣدﯾﺛــﻪ ﻋــن ﻣﻧﻬﺟﯾــﺔ اﻟﺑﻧــك اﻟــدوﻟﻲ ﻓــﻲ ﺗﺣدﯾــد‬

‫ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق اﻟﻔﺎرس‪ -‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪.12 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫اﻧﻈﺮ ﺟﻮﻟﻴﻮﺑﻮاﺗﻴﻔﻴﻨﻴﻨﻚ‪- .‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪ ،‬ص‪.124 ،123 .‬‬ ‫‪‬‬

‫ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق اﻟﻔﺎرس ‪-‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪.25 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ﺟﻮن ﻓﺮﻳﺪﻣﺎن‪.‬إﻋﺎدة اﻟﺘﻔﻜﲑ ﰲ اﻟﻔﻘﺮ‪ :‬ﲣﻮﻳﻞ اﻟﺴﻠﻄﺔ و ﺣﻘﻮق اﳌﻮاﻃﻨﲔ‪ .‬ا ﻠﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻟﻠﻠﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ‪ .‬اﻟﻌﺪد ‪ .148‬ﳎﻠﺔ رﺑﻊ ﺳﻨﻮﻳﺔ ﺗﺼﺪر ﻋﻦ اﻟﻴﻮﻧﻴﺴﻜﻮ‪ .‬ﻣﺮﻛﺰ‬ ‫‪3‬‬

‫ﻣﻄﺒﻮﻋﺎت اﻟﻴﻮﻧﻴﺴﻜﻮ‪ .‬اﻟﻘﺎﻫﺮة ‪ .‬ﻳﻮﻧﻴﻮ ‪ .1996‬ص‪.14 ،‬‬


‫‪ 4‬ﻣﻴﺸﻴﻞ ﺗﺸﻮﺳﻮﻓﻴﺴﻜﻲ ‪-‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪ ،‬ص‪.199 ،198 .‬‬

‫‪32‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫ﻟﻠ ــدوﻻر اﻟواﺣ ــد ﻛﻣﻌﯾ ــﺎر ﻟﻠﻔﻘ ــر‪ ،‬ﻣﺑﯾﻧ ــﺎ –ﺗﺷوﺳودوﻓﯾﺳ ــﻛﻲ‪-‬أن ﻫﻧ ــﺎك ﻣﺟﻣوﻋ ــﺎت ﺳ ــﻛﺎن ﯾﺑﻠ ــﻎ دﺧﻠﻬ ــﺎ‬
‫ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻔرد ‪ 2‬أو ‪ 3‬دوﻻرات أو ﺣﺗﻰ ‪ 5‬دوﻻرات ﯾوﻣﯾﺎ‪ ،‬و ﻟﻛﻧﻬﺎ ﺗظل ﻓﻘﯾرة أي ﻋـﺎﺟزة ﻋـن اﻟوﻓـﺎء‬
‫ﺑﺎﻟﻣﺻروﻓﺎت اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟطﻌﺎم‪ ،‬اﻟﻣﻠﺑس‪ ،‬اﻟﻣﺳﻛن‪ ،‬اﻟﺻﺣﺔ و اﻟﺗﻌﻠﯾم و أن ﻫذا اﻟﺗﺣدﯾـد‪-‬واﺣـد‬
‫دوﻻر‪ -‬ﺑﻌﯾ ـ ـ ـ ــد ﻛ ـ ـ ـ ــل اﻟﺑﻌ ـ ـ ـ ــد ﻋ ـ ـ ـ ــن ﺑﺣـ ـ ـ ـ ــث أوﺿ ـ ـ ـ ــﺎع اﻟﺣﯾ ـ ـ ـ ــﺎة اﻟﺣﻘﯾﻘﯾ ـ ـ ـ ــﺔ‪ ،‬ﻓﻠ ـ ـ ـ ــﯾس ﺛﻣ ـ ـ ـ ــﺔ ﺣﺎﺟ ـ ـ ـ ــﺔ‬
‫إﻟــﻰ ﺗﺣﻠﯾــل ﻣﺻــروﻓﺎت اﻷﺳـرة ﻋﻠــﻰ اﻟطﻌــﺎم و اﻟﻣﻠﺟــﺄ و اﻟﺧــدﻣﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ‪ ،‬و ﻟــﯾس ﺛﻣــﺔ ﺣﺎﺟــﺔ‬
‫إﻟﻰ ﻣﻼﺣظﺔ اﻟظروف اﻟﻣﻠﻣوﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻘرى اﻟﻔﻘﯾرة أو أﻛواخ اﻟﻣدن‪ ،‬ﻓﻔﻲ إطﺎر اﻟﺑﻧـك اﻟـدوﻟﻲ أﺻـﺑﺢ‬
‫ﺗﻘدﯾر ﻣؤﺷرات اﻟﻔﻘر ﻣﺟرد ﺗﻣرﯾن ﻋددي ﻻ ﻏﯾر‪.‬‬
‫و ﯾﺣ ـ ــدد ﻋﺑــــــد اﻟــــــرزاق اﻟﻔــــــﺎرس‪ 1‬ﺑﻌـ ـ ــض اﻟﻘﺿ ـ ــﺎﯾﺎ اﻟﻣﻧطﻘﯾـ ـ ــﺔ اﻟﺗ ـ ــﻲ ﺗﻌﺗﻣـ ـ ــدﻫﺎ اﻟﻣﻔﺎﺿـ ـ ــﻠﺔ‬
‫ﺑﯾن اﻟﻣﻧﻬﺟﯾن‪ -‬اﻟدﺧل و اﻻﺳﺗﻬﻼك ‪ -‬ﻣﻌﺗﺑراً إﯾﺎﻫﺎ – اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ‪ -‬اﻋﺗﺑـﺎرات ﻋﻣﻠﯾـﺔ ﻓـﻲ ذات اﻟوﻗـت‪،‬‬
‫ﺗﻌﺗﻣــد أﺳﺎﺳــﺎ ﻋﻠــﻰ ﻣــدى ﺗ ـواﻓر و دﻗــﺔ اﻟﻣﻌﻠوﻣــﺎت ﻣﺑﯾﻧــﺎ أن اﻟــذﯾن ﯾــداﻓﻌون ﻋــن طرﯾــق اﻻﺳــﺗﻬﻼك‬
‫ﯾﻌﺗﺑـ ـ ـ ــرون أن اﻟﻣـ ـ ـ ــوت ﺑﺳـ ـ ـ ــﺑب اﻟﺣرﻣـ ـ ــﺎن اﻟﻣـ ـ ـ ــﺎدي ﻫـ ـ ـ ــو أﺣـ ـ ـ ــد أﺷـ ـ ـ ــد أﻧ ـ ـ ـ ـواع اﻟﻔﻘـ ـ ـ ــر وﺿـ ـ ـ ــوﺣﺎً ‪،‬‬
‫و أن ﻗﻠ ــﺔ اﻟﺗﻐذﯾ ــﺔ ﻫ ــﻲ أﯾﺿ ــﺎ إﺣ ــدى ﺻ ــور اﻟﻔﻘ ــر و أن طرﯾﻘ ــﺔ اﻻﺳ ــﺗﻬﻼك ﺗﻣﻛﻧﻧ ــﺎ ﻣ ــن اﻟﺗﻌ ــرف‬
‫ﻋﻠ ــﻰ أوﻟﺋ ــك اﻟ ــذﯾن ﻻ ﯾ ــﺄﻛﻠون ﺑدرﺟ ــﺔ ﻛﺎﻓﯾ ــﺔ‪ ،‬ﻛﻣ ــﺎ أﻧﻬ ــﺎ ﺗﺟﻌﻠﻧ ــﺎ ﻗ ــﺎدرﯾن ﻋﻠ ــﻰ ﺣﺻ ــر أﻋ ــداد اﻟ ــذﯾن‬
‫ﯾﻌﯾﺷون ﻓﻲ ﻣﺳﺎﻛن ﻏﯾر ﻣﻧﺎﺳﺑﺔ أو اﻟذﯾن ﻟم ﯾﺣﺻﻠوا ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻌﻠﯾم أو اﻟذﯾن ﻻ ﯾﺳﺗطﯾﻌون اﻟوﺻول‬
‫إﻟﻰ اﻟﺧدﻣﺎت اﻟﺻﺣﯾﺔ‪...‬اﻟﺦ‪.‬‬
‫ﻓﻲ ﺣﯾن أن طرﯾﻘـﺔ اﻟـدﺧل ﻫـﻲ اﻗـل دﻗـﺔ رﻏـم أن ارﺗﻔـﺎع ﻣﺳـﺗوى اﻟـدﺧل ﻓـوق ﺣـد ﻣﻌـﯾن ﯾﻛـﺎد‬
‫ﯾﻛــون ﺷــرطﺎ ﺟوﻫرﯾــﺎ ﻟﺷــﻌور اﻹﻧﺳــﺎن ﺑﻛراﻣﺗــﻪ‪ ،‬اﻧطﻼﻗــﺎ ﻣــن أﻧــﻪ ﺿــروري ﻟﻠﺣﺻــول ﻋﻠــﻰ اﻟﻣﺳــﺗوى‬
‫اﻟ ــﻼزم ﻣ ــن اﻟﻐ ــذاء و اﻟﻛﺳ ــﺎء و اﻟﻣﺳ ــﻛن و اﻟﺗﻌﻠ ــﯾم و ﻛ ــل اﻟﺳ ــﻠﻊ و اﻟﺧ ــدﻣﺎت اﻟﺿ ــرورﯾﺔ ﻟﻠﺣﯾ ــﺎة‪،‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن أن ﻣﺎ ﻣن ﺷﻲء ﯾﺿﻣن أن اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﺳﺗﻧﻔق دﺧﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻫذﻩ اﻟﺟواﻧب ﻓﻌﻼ‪.‬‬
‫ﻛﻣﺎ أن ﻣﻧﻬﺞ اﻟدﺧل ﻗد ﻻ ﯾﻌطﻲ ﺻـورة ﺣﻘﯾﻘﯾـﺔ ﻋـن ﻣﺳـﺗوى اﻟﻣﻌﯾﺷـﺔ ﻟﻸﺳـرة اﻟﺗـﻲ ﻗـد ﺗﻛـون‬
‫ﻣﺣـدودة اﻟــدﺧل ﻟﻛﻧﻬــﺎ ﻓـﻲ اﻟوﻗــت ذاﺗــﻪ ﻗـﺎدرة ﻋﻠــﻰ ﺗﺣﻘﯾــق ﻣﺳـﺗوى إﻧﻔــﺎق ﯾﻔــوق ﺧـط اﻟﻔﻘــر ﻣــن ﺧــﻼل‬
‫اﻟﺳﺣب ﻣن اﻟﻣدﺧرات أو ﻣن ﺧﻼل اﻻﻗﺗراض‪.2‬‬
‫ﻫـ ــذا إﺿـ ــﺎﻓﺔ إﻟـ ــﻰ أن ﻫﻧـ ــﺎك ﻋﻼﻗـ ــﺔ ﻗوﯾـ ــﺔ و ﻣﺗﺑﺎدﻟـ ــﺔ ﻓـ ــﻲ اﻟوﻗـ ــت ذاﺗ ـ ـﻪ ﺑـ ــﯾن ﻣﺷـ ــﻛﻠﺔ اﻟﻔﻘـ ــر‬
‫و ﻋــدم اﻟﻣﺳــﺎواة ﻓــﻲ اﻟظــروف و ﺑــذﻟك ﻓــﺈن ﻣﻌﺎدﻟــﺔ اﻟﻔﻘــر ﺑﺎﻟــدﺧل اﻟﻣــﻧﺧﻔض ﻟــن ﺗــﻧﺟﺢ ﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻲ ﻓــﻲ‬

‫‪ 1‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق اﻟﻔﺎرس ‪-‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪.23 ،‬‬


‫‪ 2‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪.‬ص‪.22 ،‬‬

‫‪33‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫ﺗﻣﯾﯾز اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﻔﻘر و ﻋدم اﻟﻣﺳﺎواة و ﺗﺟﻌل اﻟﺗوﺟﻪ اﻟﻔﻛري و اﻟﻌﻠﻣﻲ ﺑﻌﯾد ﻋـن ﻣ ارﻋـﺎة ظـروف‬
‫اﻟﺣرﻣ ـ ـ ــﺎن اﻟﺗ ـ ـ ــﻲ ﯾﻌﺎﻧﯾﻬ ـ ـ ــﺎ اﻟﻔﻘـ ـ ـ ـراء‪ ،‬و ﻫ ـ ـ ــذا ﻣ ـ ـ ــﺎ ﯾﺳ ـ ـ ــﺗدرﻛﻪ ﻣﻌﯾ ـ ـ ــﺎر اﻻﺳ ـ ـ ــﺗﻬﻼك و اﻟ ـ ـ ــذي ﯾﻧظ ـ ـ ــر‬
‫إﻟﻰ اﻟﻔﻘر ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ظـﺎﻫرة ﻣﺗﻌـددة اﻷﺑﻌـﺎد‪ ،‬ﻣﺣـﺎوﻻ إدﺧـﺎل ﻛـل ظـروف اﻟﻣﻌﯾﺷـﺔ ﻓـﻲ اﻟﺣﺳـﺑﺎن ﻟﯾﻧظـر‬
‫إﻟ ـ ـ ـ ــﻰ اﻟﻔﻘ ـ ـ ـ ــر ﻛﻛ ـ ـ ـ ــل ﻧ ـ ـ ـ ــﺎﺗﺞ ﻋ ـ ـ ـ ــن ﺗـ ـ ـ ـ ـراﻛم ﻣﺧﺗﻠ ـ ـ ـ ــف أﻟـ ـ ـ ـ ـوان اﻟﺣرﻣ ـ ـ ـ ــﺎن اﻟﺗ ـ ـ ـ ــﻲ ﯾﻌﺎﻧﯾﻬ ـ ـ ـ ــﺎ اﻷﻓـ ـ ـ ـ ـراد‬
‫و اﻷﺳر ﻓﻲ ﻣﺟـﺎﻻت اﻟﺣﯾـﺎة اﻟﯾوﻣﯾـﺔ و اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ‪ .‬و ﻣـن ﻫـذا ﻻ ﯾﻣﻛـن اﻋﺗﺑـﺎر اﻟﻔﻘـر ﺳـﻣﺔ ﻓردﯾـﺔ‪،‬‬
‫ﺑــل ﻫ ــو ﺳ ــﻣﺔ ﻟﻠوﺿــﻊ اﻟ ــذي ﯾﻌ ــﯾش ﻓﯾ ــﻪ اﻹﻧﺳــﺎن و ﺑﻌﺑ ــﺎرة أﺧ ــرى ﻓﻬ ــو ﻋﻼﻣــﺔ ﻣﻣﯾـ ـزة ﻋﻠ ــﻰ ﺗ ــدﻫور‬
‫اﻟظروف اﻟﻣﻌﯾﺷﯾﺔ و ﺗدﻧﻲ اﻟوﺿﻊ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ و ﻫﺎﻣﺷﯾﺗﻪ‪.‬‬
‫و رﻏــم ﻛــل ﻫــذا ﻓﻬﻧــﺎك ﻣــن ﯾــرى‪ 1‬ﺑــﺄن ﻛــﻼ اﻟﻣﻌﯾــﺎرﯾن – اﻟــدﺧل و اﻻﺳــﺗﻬﻼك ‪ -‬ﻻ ﯾﺗﻣﺗﻌــﺎن‬
‫ﺑﺎﻟﻧظرة اﻟﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﻔﻘر ﻟدرﺟﺔ اﺧﺗﻼف ﻣﺻﺎدر اﻟرﺧﺎء اﻟﻣﺄﺧوذة ﻓﻲ اﻟﺣﺳﺑﺎن ﻓـﻲ ﻛـل ﻣـن اﻟﻣﻘﯾﺎﺳـﯾن‬
‫إﻟ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻰ درﺟ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺔ أﻧﻬﻣ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎ ﯾﺑ ـ ـ ـ ـ ـ ــدوان ﻣﺗﻛ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎﻣﻠﯾن‪ ،‬و ﻻ ﯾﻣﻛ ـ ـ ـ ـ ـ ــن اﺳ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺗﺑدال أﺣ ـ ـ ـ ـ ـ ــدﻫﻣﺎ ﺑ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎﻵﺧر‬
‫أو اﻻﺳﺗﻐﻧﺎء ﻋن أي ﻣﻧﻬﻣﺎ‪.‬‬

‫ﺛﺎﻟﺛﺎ‪ :‬اﻻﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟﻣﻔﺳرة ﻟظﺎﻫرة اﻟﻔﻘر‪:‬‬


‫َﻋَـرف اﻹﻧﺳــﺎن ظــﺎﻫرة اﻟﻔﻘــر ﻣﻧــذ اﻟﻘــدم‪ ،‬و اﺧﺗﻠﻔــت ﻣواﻗﻔ ـﻪ ﻣﻧﻬــﺎ ﺑــﺎﺧﺗﻼف ﺧﻠﻔﯾﺎﺗــﻪ اﻟﻔﻛرﯾــﺔ‬
‫و اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ و اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ ﻣﺎ أﺳـﻔر ﻋـن وﺟـود اﺗﺟﺎﻫـﺎت ﻧظرﯾـﺔ ﻛﺛﯾـرة ﻋﻣﻠـت ﻋﻠـﻰ ﺗﻔﺳـﯾر اﻟظـﺎﻫرة و‬
‫ﺳــﻧﺣﺎول اﻟﺗرﻛﯾــز ﻋﻠــﻰ أﻫــم ﺛﻼﺛــﺔ اﺗﺟﺎﻫــﺎت و ﻫــﻲ‪ :‬اﻟ أرﺳــﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬اﻻﺷــﺗراﻛﯾﺔ و اﻻﺗﺟــﺎﻩ اﻹﺳــﻼﻣﻲ‪ ،‬و‬
‫ﻫـذا ﻻ ﯾﻣﻧـﻊ ﻗﺑـل اﻟﺗطـرق ﻟﻬـﺎ اﺳـﺗﻌراض و ﻟــو ﺑﺈﯾﺟـﺎز ﺑﻌـض اﻻﺗﺟﺎﻫـﺎت اﻷﺧـرى و اﻟﺗـﻲ ﻛﺎﻧـت ﻟﻬــﺎ‬
‫أﻫﻣﯾﺗﻬﺎ‪ ،‬ﺣﯾـث ﺳـﯾطرت ﻋﻠـﻰ ﻓﻛـر اﻟـﺑﻌض ﻟﻔﺗـرات زﻣﻧﯾـﺔ ﻣﻌﯾﻧـﺔ ‪ -‬و ﻟﻌـل ﺑﻌﺿـﻬﺎ ﻻزال ﺳـﺎﺋدا ﻟﺣـد‬
‫اﻵن‪ ،-‬و ﻧﺟ ـ ــد ﻓ ـ ــﻲ اﻟﺑداﯾ ـ ــﺔ ﻣوﻗ ـ ــف اﻟﻣﻘدﺳ ـ ــﯾن ﻟﻠﻔﻘ ـ ــر‪ ،‬و ﻫ ـ ــم ﻋﺑ ـ ــﺎرة ﻋ ـ ــن ﻣﺗزﻫ ـ ــدﯾن و ﻣﺗ ـ ــرﻫﺑﻧﯾن‬
‫و دﻋﺎة اﻟﺗﻘﺷف و اﻟﺗﺻوف‪ ،‬ﻓﻬم ﻓﻘراء ﺑﺎﺧﺗﯾﺎرﻫم‪ ،2‬راﻓﺿﯾن اﻟزﺧرف و اﻟﻣظﻬر ﻣﻔﺿﻠﯾن ﻋﺑﺎدة اﷲ‬
‫ﻣﻌﺗﺑرﯾن اﻟﻔﻘر ﻧﻌﻣﺔ ﺗﺳﺗوﺟب اﻟﺷﻛر‪.‬‬
‫ـﻼء‪ ،‬و ﻟﻛﻧــﻪ ﻓــﻲ‬
‫و ﻣــن اﻻﺗﺟﺎﻫــﺎت اﻷﺧــرى ﻧﺟــد اﻟﺟﺑ ـرﯾﯾن اﻟــذﯾن ﯾــرون ﻓــﻲ اﻟﻔﻘــر ﺷ ـ ار و ﺑـ ً‬
‫اﻟوﻗت ذاﺗﻪ ﯾﻌﺗﺑر ﻗﺿﺎء و ﻗد ار ﻣن اﻟﺳﻣﺎء‪ ،‬ﻓﻼ ﻓﺎﺋدة ﻣن ﻣﺣﺎوﻟﺔ اﻟﺧﻼص ﻣﻧﻪ و اﻟﺣل اﻟوﺣﯾـد ﻫـو‬
‫اﻟرﺿﺎ و اﻟﻘﺑول ﺑﺎﻟﻘـدر و اﻟﺻـﺑر ﻋﻠﯾـﻪ‪ ،‬و ﻫـذﻩ اﻟﻔﺋـﺔ ﻻ ﺗﻌﯾـر اﻫﺗﻣﺎﻣـﺎ ﻟﻸﻏﻧﯾـﺎء إﻧﻣـﺎ ﺗوﺻـﻲ اﻟﻔﻘـراء‬
‫ﺑﺎﻟرﺿﺎ و ﻗﺑول أوﺿﺎﻋﻬم ﻛﻣﺎ ﻫﻲ ﻻ ﻣﺣﺎوﻟﺔ اﻟﺗﻐﯾﯾر ﻓﯾﻬﺎ‪.‬‬
‫ﱢ‬

‫‪ 1‬ﺟﻮﻟﻴﻮ ﺑﻮﻟﺘﻴﻔﻴﻨﻴﻚ‪-‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪.125 ،‬‬


‫‪ ( 2‬ﺳﻠﻤﺎن ﺧﺎن ‪-‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪-‬‬

‫‪34‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫و ﻧﺟــد اﺗﺟﺎﻫــﺎ آﺧــر ﯾﺗﻣﺛــل ﻓــﻲ اﺗﺟــﺎﻩ دﻋــﺎة اﻹﺣﺳــﺎن اﻟﻔــردي اﻟــذي ﯾﺷــﺗرك ﻣــﻊ اﺗﺟــﺎﻩ اﻟﺟﺑ ـرﯾﯾن‬
‫ﻓﻲ ﻧظرﺗﻬم إﻟﻰ اﻟﻔﻘر‪ ،‬ﻓﺄﺻﺣﺎﺑﻪ ﻛذﻟك ﯾرون ﻓﯾﻪ ﺷ ار و ﺑﻼء و ﻣﺷﻛﻠﺔ ﺗﺳﺗدﻋﻲ ﺣﻼ و ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘـراء‬
‫اﻟرﺿﺎ اﻟﻘﻧﺎﻋﺔ‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﯾن ﻋﻠﻰ اﻷﻏﻧﯾﺎء اﻟﻌطـﺎء و اﻹﺣﺳـﺎن ﻟﻠﻔﻘـراء اﻧطﻼﻗـﺎ ﻣﻣـﺎ ﺗﻣﻠـﯾﻬم ﻋﻠﯾـﻪ ﻗﻠـوﺑﻬم‬
‫‪1‬‬
‫و ﺿـ ـ ـ ـ ــﻣﺎﺋرﻫم اﻟﺗـ ـ ـ ـ ــﻲ ﺗرﺟـ ـ ـ ـ ــو اﻟﺛ ـ ـ ـ ـ ـواب و ﺗﺧﺷـ ـ ـ ـ ــﻰ اﻟﻌﻘـ ـ ـ ـ ــﺎب‪ ،‬و ﯾـ ـ ـ ـ ــرى ﯾوﺳــــــــــف اﻟﻘرﺿــــــــــﺎوي‬
‫أن ﻫذﻩ اﻟﻧظرة ﻧﺎدت ﺑﻬﺎ اﻟدﯾﺎﻧﺎت اﻟﺗﻲ ﺳﺑﻘت اﻟدﯾن اﻹﺳﻼﻣﻲ‪.‬‬

‫‪ -1‬اﻻﺗﺟــﺎﻩ اﻟرأﺳﻣــﺎﻟﻲ‪:‬‬
‫ﺗﺄﺛرت ﻧظرة اﻟرأﺳﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺣﯾﺎة ﺗﺄﺛ ار ﻛﺑﯾ ار ﺑﺣرﻛﺔ اﻟﺗﻧوﯾر اﻟﺗﻲ اﻣﺗدت ﻋﺑر ﺣواﻟﻲ ﻗـرﻧﯾن‬
‫ﻣـن اﻟـزﻣن‪ -‬ﻣــن أواﺋـل اﻟﻘـران اﻟﺳـﺎﺑﻊ ﻋﺷــر ﺣﺗـﻰ أواﺋــل اﻟﻘـرن اﻟﺗﺎﺳــﻊ ﻋﺷـر‪-‬ﻓﺎﺗﺧــذت ﺷـﻛﻼ ﻣﺗطرﻓــﺎ‬
‫راﻓﺿـﺔ اﻟﻛﺛﯾــر ﻣــن اﻟﻣﻌﺗﻘـدات اﻟﻣﺳــﯾﺣﯾﺔ و ﻣﻧﺎﻗﺿــﺔ ﻟﻬــﺎ إﻟـﻰ درﺟــﺔ اﻋﺗﺑــﺎر ﻛـل ﻣــﺎ ﺗﻣﺛﻠــﻪ اﻟﻛﻧﯾﺳــﺔ ﻻ‬
‫ﯾﻣﻛـن اﻟــدﻓﺎع ﻋﻧـﻪ )ﻧظـ ار ﻻﺳــﺗﺑداد ﻫـذﻩ اﻷﺧﯾـرة و ﻓﺳــﺎدﻫﺎ( و ﻫﻛـذا ﺗﺿــﺎءﻟت ﻗــوة ﺗـﺄﺛﯾر اﻟــدﯾن اﻟــذي‬
‫ﯾــوﻓر اﻟ ـرادع اﻷﺧﻼﻗــﻲ و ﯾ ـؤاﺧﻲ ﺑــﯾن اﻟﺑﺷــر‪ ،‬و أﺻــﺑﺣت اﻟﻐﺎﯾــﺔ اﻟﺑﺷ ـرﯾﺔ ﻣﻔﻬوﻣــﺎ ﻻ ﻓﺎﺋــدة ﻣﻧــﻪ ﻣــن‬
‫اﻟﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ و ﺑـﻼ ﻏﺎﯾـﺔ ﻧﻬﺎﺋﯾـﺔ ﻟﻠﺣﯾـﺎة‪ .‬ﻓـﻼ ﻣﺟـﺎل ﻟﻠﻘـﯾم اﻟﺳـﺎﻣﯾﺔ اﻟﺗـﻲ ﯾﻌـﯾش ﻣـن أﺟﻠﻬـﺎ اﻹﻧﺳـﺎن‪،‬‬
‫ﻓﯾﺑـ ـ ـ ــﺎح ﻛـ ـ ـ ــل ﺷـ ـ ـ ــﻲء‪ ،‬و ﯾﻛـ ـ ـ ــون اﻷﺳ ـ ـ ـ ــﺎس اﻟوﺣﯾـ ـ ـ ــد ﻟﻠﻘـ ـ ـ ــﯾم ﻫـ ـ ـ ــو اﻟﺣرﯾـ ـ ـ ــﺔ اﻟﺑﺷ ـ ـ ـ ـرﯾﺔ ﻛﻣـ ـ ـ ــﺎ ﯾﻘـ ـ ـ ــول‪:‬‬
‫ﺑرﺗرﻧــــد راﺳـــــل و ﻫـ ــﻲ ﻧظ ـ ـرة ﻋززﺗﻬـ ــﺎ اﻟداروﯾﻧﯾـ ــﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـ ــﺔ و ﺗﻌﻣﻘـ ــت ﻣﻔﺎﻫﯾﻣﻬـ ــﺎ وﻓـ ــق ﻣﺑـ ــدﺋﻬﺎ‪:‬‬
‫» ﺻراع اﻟﺑﻘﺎء و اﻟﺑﻘﺎء ﻟﻸﺻﻠﺢ «‪ 2‬و اﻷﺻﻠﺢ ﻫو اﻷﻗوى ﺣﺳﺑﻬﺎ‪.‬‬
‫و ﺗــزﻋم اﻟ أرﺳ ــﻣﺎﻟﯾﺔ أن ﻫﻧــﺎك ﺗﻧﺎﺳ ــﻘﺎ و اﻧﺳ ــﺟﺎﻣﺎ ﺑــﯾن اﻟﻣﺻ ــﺎﻟﺢ اﻟذاﺗﯾــﺔ و اﻟﻣﺻ ــﺎﻟﺢ اﻟﻌﺎﻣ ــﺔ‪،‬‬
‫أي أﻧﻪ و ﺑﯾﻧﻣﺎ ﻛل واﺣد ﻣـن أﻓـراد اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ ﯾﺣـﺎول ﺗﺣﻘﯾـق ﻣﺻـﻠﺣﺗﻪ ﻓﺈﻧـﻪ ﺗﻠﻘﺎﺋﯾـﺎ ﺳـﺗﺗﺣﻘق اﻟﻣﺻـﻠﺣﺔ‬
‫اﻟﻌﺎﻣــﺔ‪ ،‬و ﻫــذﻩ اﻷﺧﯾ ـرة ﺗﻌﻧــﻲ ﺗﺣﻘﯾــق اﻟﻌــدل و اﻟﻣﺳــﺎواة و اﻟﻘﺿــﺎء ﻋﻠــﻰ ﻣﺧﺗﻠــف اﻟﻣﺷــﺎﻛل و أﻫﻣﻬــﺎ‬
‫اﻟﻔﻘر‪ ،‬و ﻟﻛن واﻗﻊ ﻫذا اﻟﻧظﺎم أﺛﺑت ﻓﺷﻠﻪ اﻟذرﯾﻊ ﻓﻲ ﺗﺣﻘﯾق ﻣﺛل ﻫذﻩ اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ‪.‬‬
‫و ﻗـ ــد أوﻟـ ــت اﻟ أرﺳـ ــﻣﺎﻟﯾﺔ اﻫﺗﻣﺎﻣـ ــﺎ ﻛﺑﯾ ـ ـ ار ﻟﻣﺳـ ــﺄﻟﺔ اﻟﻔﻘـ ــر و ﺣﺎوﻟـ ــت اﺳﺗﺋﺻـ ــﺎﻟﻪ ﻣـ ــن اﻟﻣﺟﺗﻣـ ــﻊ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫و ﺗﺣﻘﯾق ﻣﺳﺗوى ﻣﻧﺎﺳب ﻟﻛﺎﻓﺔ اﻟطﺑﻘﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻣﺗﺧذة اﻟﺣرﯾـﺔ اﻻﻗﺗﺻـﺎدﯾﺔ وﺳـﯾﻠﺔ ﻟﺗﺣﻘﯾـق ذﻟـك‬
‫و ﻣﺣﻣﻠﺔ ﻓﻲ اﻟوﻗت ذاﺗﻪ اﻟﻔﻘراء ﻣﺳؤوﻟﯾﺔ ﻓﻘرﻫم‪ ،‬ﻓﻼ اﻟدوﻟﺔ و ﻻ اﻷﻏﻧﯾﺎء ﻣﺳؤوﻟون ﻋن ذﻟـك و ﻛـل‬
‫ﻓرد ﺣر ﻓﻲ ﺗﺻرﻓﻪ و ﻓﻲ ﻣﺎﻟﻪ‪ ،‬و ﻟﻌل ﻫذا ﻣـﺎ ﺟﻌـل ﻣـن اﻟﻧظـﺎم اﻟ أرﺳـﻣﺎﻟﻲ ﻓـﻲ أول ظﻬـورﻩ ﯾﺿـطر‬

‫‪ 1‬ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻘﺮﺿﺎوي‪ .‬ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻟﻔﻘﺮ و ﻛﻴﻒ ﻋﺎﳉﻬﺎ اﻹﺳﻼم‪.‬ط‪ .10‬ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﺮﺳﺎﻟﺔ‪ .‬ﺑﲑوت ‪ .1994‬ص‪،‬ص‪.8،7 .‬‬
‫‪ 2‬ﻋﻤﺮ ﺷﱪا‪ .‬اﻹﺳﻼم و اﻟﺘﺤﺪي اﻻﻗﺘﺼﺎدي‪.‬ﺗﺮﲨﺔ‪ :‬ﳏﻤﺪ زﻫﲑ اﻟﺴﻨﻬﻮري‪ .‬اﳌﻌﻬﺪ اﻟﻌﺎﳌﻲ ﻟﻠﻔﻜﺮ اﻹﺳﻼﻣﻲ‪ .‬و‪.‬م‪.‬أ ‪.1996‬ص‪،‬ص‪.60،59 .‬‬
‫‪ 3‬ﳏﻤﺪ اﻟﻐﺮوي‪ .‬اﻟﻔﻘﺮاء ﰲ ﻇﻞ اﻟﺮأﲰﺎﻟﻴﺔ و اﳌﺎرﻛﺴﻴﺔ و اﻹﺳﻼم‪.‬ط‪.2‬دار اﻟﺘﻌﺎرف ﻟﻠﻤﻄﺒﻮﻋﺎت‪.‬ﺑﲑوت ‪.1981‬ص‪.18 ،‬‬

‫‪35‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫اﻟﺻــﻐﺎر و اﻟﻧﺳــﺎء ﻟﻠﻌﻣــل ﻓــﻲ اﻟﻣﺻــﺎﻧﻊ و ﺑــﺄﺟور ﻣﻧﺧﻔﺿــﺔ‪ 1‬و ﻧظ ـ ار ﻟﻔﺷــل اﻟ أرﺳــﻣﺎﻟﯾﺔ ﻓــﻲ ﺗﺣﻘﯾــق‬
‫اﻷﻫداف اﻟﺗﻲ ﺟﺎءت ﻣن أﺟﻠﻬﺎ و ﺑﻔﻌل ﻣﺳﺎوﺋﻬﺎ اﻟﻛﺛﯾرة‪ ،‬و اﺳﺗﺟﺎﺑﺔ ﻟﻠﺗﺣدي اﻟﻣﺗﻣﺛل ﻓـﻲ اﻻﺷـﺗراﻛﯾﺔ‬
‫و اﻟﺻﻌوﺑﺎت اﻟﻧﺎﺟﻣﺔ ﻋن اﻟرﻛود اﻻﻗﺗﺻﺎدي و اﻟﺣرب‪ ،‬اﺳﺗﺣدﺛت اﻟدول اﻟرأﺳﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣﺎ ﯾﺳﻣﻰ ﺑدوﻟﺔ‬
‫اﻟرﻓﺎﻫﯾــﺔ‪ ،‬و اﻟﺗــﻲ ازداد زﺧﻣﻬــﺎ ﺑﻌــد اﻟرﻛــود اﻟﻛﺑﯾــر اﻟــذي ﺻــﺎﺣب اﻟﺣــرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾــﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾــﺔ‪ .‬و ﻛــﺎن‬
‫ﻫ ــدﻓﻬﺎ اﻷول ﺗﺧﻔﯾ ــف أﻫ ــم اﻟﺗﺟ ــﺎوزات اﻟ أرﺳ ــﻣﺎﻟﯾﺔ و ﺑﺎﻟﺗ ــﺎﻟﻲ اﻟﺗﻘﻠﯾ ــل ﻣ ــن ﺟﺎذﺑﯾ ــﺔ اﻻﺷ ــﺗراﻛﯾﺔ‪ ،‬و رأى‬
‫اﻟﺑﻌض أﻧﻬﺎ ﺗﻣﺛل‪ » :‬ﺣرﻛﺔ ادارة اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻣن اﻷﻋﻠﻰ‪ ،‬ﻫدﻓﻬﺎ ﺿﻣﺎن اﻟﻧظﺎم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ ﺑدون ﻧﻘـل‬
‫اﻟﺳﻠطﺔ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻣن اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﺣﺎﻛﻣﺔ إﻟﻰ اﻷﻛﺛرﯾﺔ اﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻣﺔ«‪.‬‬

‫ﻓﻬ ـ ــﻲ إذن ﻓﻠﺳ ـ ــﻔﺔ ﺗﺑﺗﻌ ـ ــد ﻋ ـ ــن اﻟداروﯾﻧﯾ ـ ــﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾ ـ ــﺔ اﻟﺧﺎﺻ ـ ــﺔ ﺑ أرﺳ ـ ــﻣﺎﻟﯾﺔ ﻋ ـ ــدم اﻟﺗ ـ ــدﺧل‪،‬‬
‫و ﺗــرى ﺑــﺄن رﻓﺎﻫﯾــﺔ اﻟﻔــرد أﻫــم ﻣــن أن ﺗﺗــرك ﻟﻣﺟــرد ﻋﻣﻠﯾــﺎت ﻗــوى اﻟﺳــوق‪ ،‬و ﺗــرى ﺑــﺄن اﻟﻔﻘــر و ﻋــدم‬
‫ﻗـدرة اﻷﻓـراد ﻋﻠــﻰ ﻋــدم ﺗﻠﺑﯾــﺔ ﺣﺎﺟــﺎﺗﻬم ﻻ ﺗﻌــزى ﺑﺎﻟﺿـرورة إﻟــﻰ ﻋﺟــزﻫم اﻟﺷﺧﺻــﻲ ﺑــل ﻫــﻲ أﻣــور ﻗــد‬
‫ﺗﺣدث ﻟﻸﻓـراد دوﻧﻣـﺎ ذﻧـب ارﺗﻛﺑـوﻩ‪ 2‬ﻓﺎﻋﺗرﻓـت ﻟﻠﻌـﺎﺟزﯾن و اﻟﺿـﻌﻔﺎء و اﻟﻔﻘـراء ﺑﺷـﻲء ﻣـن اﻟﺣـق ظـل‬
‫ﯾﺗﻧﺎﻣﻰ ﺷﯾﺋﺎ ﻓﺷـﯾﺋﺎ ﺑﺗـدﺧل اﻟدوﻟـﺔ و ﺗﻧظـﯾم اﻟﻘـﺎﻧون ﺣﺗـﻰ اﻧﺗﻬـﻰ إﻟـﻰ ﻣـﺎ ﯾﺳـﻣﻰ اﻟﺗـﺄﻣﯾن اﻻﺟﺗﻣـﺎﻋﻲ و‬
‫اﻟﺿـ ــﻣﺎن اﻻﺟﺗﻣـ ــﺎﻋﻲ أﯾﺿـ ــﺎ*‪ 3‬ﻣﻌﺗﺑ ـ ـرة ﺗـ ــﺄﻣﯾن اﻟﺣﻣﺎﯾـ ــﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـ ــﺔ ﺿـ ــرورﯾﺔ ﻟﻛـ ــل ﻓـ ــرد‪ ،‬و ﺗـ ــوﻓﯾر‬
‫اﻟﺧــدﻣﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ أﻣــور أﺳﺎﺳــﯾﺔ ﺗﻣﻛــن اﻷﻓ ـراد ﻣــن اﻟﻘﯾــﺎم ﺑﻣﻬــﺎﻣﻬم )اﻟﺻــﺣﺔ‪ ،‬اﻟﺳــﻛن‪ ،‬اﻟﺗﻌﻠــﯾم و‬
‫اﻟﻧﻘل اﻟﻌﺎم…(‪ ،‬ﻟﻛﻧﻬﺎ ﻗد ﻻ ﺗﻛون ﻓﻲ ﻣﺗﻧـﺎول أﺻـﺣﺎب اﻟﻣـوارد اﻟﻣﺣـدودة‪ .‬ﻛﻣـﺎ ﺗﻌﺗـرف ﻫـذﻩ اﻟﻔﻠﺳـﻔﺔ‬
‫ﺑﺄن اﻟﺗﺷﻐﯾل اﻟﺗﺎم و اﻟﺗوزﯾﻊ اﻟﻌﺎدل ﻟﻠـدﺧل و اﻟﺛـروة ﻣـن ﺑـﯾن أﻫـداﻓﻬﺎ اﻷﺳﺎﺳـﯾﺔ‪ ،4‬ﻓدوﻟـﺔ اﻟرﻓﺎﻫﯾـﺔ إذاً‬
‫ﺗﺿ ــﺣﻲ ﺑﻘﻠﯾ ــل ﻣ ــن اﻟﺣرﯾ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﺳ ــﺑﯾل ﺗﺣﻘﯾ ــق اﻟﻣزﯾ ــد ﻣ ــن اﻟﻌداﻟ ــﺔ‪ ،‬و ﻣ ــﻊ ذﻟ ــك و ﻣ ــﻊ ﻗﯾ ــﺎم ﺧﺑـ ـراء‬
‫اﻹﺣﺻﺎء ﺑﻣراﺟﻌﺔ أرﻗﺎﻣﻬم ﺑﺎﻟﻔﻌل ﻓﺈن ﻋﻬد دوﻟﺔ اﻟرﻓﺎﻫﯾﺔ ﻗد وﻟﻰ أو ﻛﺎد‪ ،‬ﻓﻠـم ﺗﻌـد اﻟـدول اﻟ أرﺳـﻣﺎﻟﯾﺔ‬
‫‪-‬اﻟﺗﻲ اﻋﺗﻣدت ذﻟك اﻟﻧﻬﺞ ﻣﻊ اﻹﺷـﺎرة إﻟـﻰ ﺗرﻛﯾـزﻩ اﻟﻛﺑﯾـر ﻋﻠـﻰ اﻟﺿـراﺋب‪ -‬ﺑﻘـﺎدرة ﻋﻠـﻰ ﺗﺣﻣـل و ﻟـو‬
‫ﺣﺗﻰ اﻟﻘدر اﻟﯾﺳﯾر ﻣن اﻟﻌداﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﺣﻘﻘﺗﻬﺎ ﻓﺎزداد اﻟﺗﻣرد ﻋﻠﻰ اﻟﺿراﺋب‪ ،‬و أﺻﺑﺢ أﺻﺣﺎب اﻷﻣـوال‬
‫ﯾﻔﺿﻠون إﻧﻔﺎﻗﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻧﻔﺳﻬم ﻋﻠﻰ أن ﯾﺣوﻟوﻫﺎ إﻟﻰ أﺣـد أﺟﻬـزة اﻟدوﻟـﺔ اﻟﺑﯾروﻗراطﯾـﺔ اﻟﻣﺗﺿـﺧﻣﺔ‪ ،‬ﻣﻣـﺎ‬

‫‪ 1‬ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻘﺮﺿﺎوي ‪-‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪،‬ص‪.10 ،9 .‬‬


‫‪ 2‬ﻋﻤﺮ ﺷﱪا ‪-‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪.154 ،‬‬
‫* ﰲ اﻟﺘﺄﻣﲔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻳﺪﻓﻊ اﳌﻮاﻃﻦ ﻣﺒﻠﻐﺎ ﻣﻦ دﺧﻠﻪ ﰲ ﻣﻘﺎﺑﻞ ﺗﺄﻣﻴﻨﻪ ﻋﻨﺪ ﻋﺠﺰﻩ اﻟﺪاﺋﻢ أو اﳌﺆﻗﺖ‪ .‬و ﻳﻜﻮن ﻣﺎ ﻳﻌﻄﻰ ﻟﻜﻞ ﻓﺮد ﺑﻘﺪر ﻣﺎ دﻓﻌﻪ ﻗﻠﺔ أو ﻛﺜﺮة‪ ،‬أﻣﺎ ﰲ اﻟﻀﻤﺎن‬
‫اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻓﺎﻟﺪوﻟﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻫﻲ اﻟﱵ ﺗﻘﻮم ﺑﺈﻋﻄﺎء اﻟﻌﺠﺰة و اﳌﻌﻮزﻳﻦ اﻋﺎﻧﺎت دوﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﻣﻴﺰاﻧﻴﺎ ﺎ اﻟﻌﺎﻣﺔ دون أن ﻳﻜﻮﻧﻮا ﻗﺪ اﺷﱰﻛﻮا ﰲ دﻓﻊ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻣﺎﳍﻢ‪..‬‬
‫‪ 3‬ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻘﺮﺿﺎوي ‪-‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪.10 ،‬‬
‫‪ 4‬ﻋﻤﺮ ﺷﱪا ‪-‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪.154 ،‬‬

‫‪36‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫ﺟﻌــل اﻟــﺑﻌض ﯾــرى أن اﻟﻔﻘــر ﺳــﯾزداد‪ ،‬و ﻟﻛــن ﻋﻠــﻰ ﻣــن أﺻــﺑﺣوا ﻓﻘ ـراء أﻻ ﯾﻠوﻣ ـوا إﻻ أﻧﻔﺳــﻬم ﻛــوﻧﻬم‬
‫ﯾﻔﺿـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻠون اﻟﺣﯾـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎة اﻟﺳـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻬﻠﺔ ﻋﻠـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻰ اﻟﻌﻣـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل اﻟ ﺟـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎد‪ ،‬و ﯾﻔﺷـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﻠون ﺑﺎﻟﺗ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــﺎﻟﻲ‬
‫ﻓـﻲ اﻟﺗﺧطـﯾط ﻟﻣواﺟﻬـﺔ اﻷﯾـﺎم اﻟﺻـﻌﺑﺔ‪ ،1‬و ﻫﻛـذا ﻓﺎﻟ أرﺳـﻣﺎﻟﯾﺔ ﺣﺗـﻰ ﺑﺷـﻛﻠﻬﺎ اﻟﻣﻌـدل اﻟﻣﺗﻣﺛـل ﻓـﻲ دوﻟـﺔ‬
‫اﻟرﻓﺎﻫﯾﺔ ﻗد ﻓﺷﻠت ﻓﻲ اﻟﻘﺿﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘر و ﺗﺣﻘﯾق اﻟﻌداﻟﺔ و اﻟﻣﺳﺎواة ﺑﯾن اﻟﻔﺋﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪.‬‬

‫‪ -2‬اﻻﺗﺟـﺎﻩ اﻻﺷﺗراﻛﻲ )اﻟﻣﺎرﻛـﺳﻲ(‪:‬‬


‫ﺗﺟ ـ ــدر اﻹﺷ ـ ــﺎرة ﻓ ـ ــﻲ اﻟﺑداﯾ ـ ــﺔ إﻟ ـ ــﻰ أن اﻟﻣﺎرﻛﺳ ـ ــﯾﺔ* ﺟ ـ ــﺎءت ﻛ ـ ــرد ﻓﻌ ـ ــل ﻟﺳ ـ ــﻠﺑﯾﺎت اﻟ أرﺳ ـ ــﻣﺎﻟﯾﺔ‬
‫و اﻟﺗﻲ ﺗﻣﺛﻠـت ﻓـﻲ اﻟﻔﻘـر و اﻟﺑـؤس و اﻟﻣﻌﺎﻧـﺎة ﺟـراء اﻻﻗﺗﺻـﺎد اﻟﺣـر اﻟـذي ﯾـؤدي إﻟـﻰ اﺳـﺗداﻣﺔ اﻟظﻠـم‬
‫و ﺣ ـ ــﺎﻻت ﻋ ـ ــدم اﻟﻣﺳ ـ ــﺎواة‪ ،‬و ﻗ ـ ــد رأت ﻓ ـ ــﻲ اﻟﻣﻠﻛﯾ ـ ــﺔ اﻟﺧﺎﺻ ـ ــﺔ و ﻧظ ـ ــﺎم اﻷﺟ ـ ــور ﻣﺻ ـ ــد ار ﻟﻠﺷ ـ ــرور‬
‫و أن اﻟﻌداﻟــﺔ ﺗﺗﺣﻘــق ﺑﺟﻌــل اﻟﻣﻠﻛﯾــﺔ اﻟﺧﺎﺻــﺔ اﺷــﺗراﻛﯾﺔ ﺑدرﺟــﺔ ﻣﺗﻔﺎوﺗــﺔ‪ ،‬ﻛﻣــﺎ أدرﻛــت أن اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ‬
‫ﻻ ﻓﻌﺎﻟﯾﺔ ﻟﻬﺎ ﻣﻊ وﺟود ﺣـﺎﻻت ﻋـدم اﻟﻣﺳـﺎواة و اﻟﻣﺻـﺎﻟﺢ اﻟﺧﺎﺻـﺔ‪ ،‬و ﺗﺻـورت ﻣﺳـﺗﻘﺑﻼ اﻟﻘﯾـﺎدة ﻓﯾـﻪ‬
‫ﻟﻠﺟﻣـﺎﻫﯾر‪-‬اﻟﺑروﻟﯾﺗﺎرﯾــﺎ‪) **-‬ﺳـواء ﺑــﺎﻟﻘوة أو ﺑﺎﻟﺳــﺑل اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ( ﻹﻗﺎﻣــﺔ ﻣﺟﺗﻣــﻊ دﯾﻣﻘ ارطــﻲ ﻣﺗﺳــﺎو و‬
‫ﺧ ــﺎل ﻣ ــن اﻟﺻـ ـراع اﻟطﺑﻘ ــﻲ‪ ،‬ﻗ ــﺎﺋم ﻋﻠ ــﻰ اﻟﺗﺧط ــﯾط اﻟﺷ ــﺎﻣل و ﺳ ــﯾطرة اﻟطﺑﻘ ــﺔ اﻟﻌﺎﻣﻠ ــﺔ ﻋﻠ ــﻰ وﺳ ــﺎﺋل‬
‫اﻹﻧﺗــﺎج‪ ،2‬ﻓﺎﻻﺷــﺗراﻛﯾﺔ إذن ﺟــﺎءت ﺑﺷــﻛل أﺳﺎﺳــﻲ ﻟﻠﺗﺻــدي ﻟظــﺎﻫرة اﻟﻔﻘــر و ﻣﻌﺎﻟﺟــﺔ ﻣﺷــﻛﻠﺔ اﻟﻔ ـوارق‬
‫اﻟﻛﺑﯾـ ـرة ﻓ ــﻲ اﻟ ــدﺧل و اﻟﺛ ــروة ﺑ ــﯾن اﻷﻓـ ـراد ﻛﻣ ــﺎ ﺑ ــﯾن اﻷﻣ ــم‪ ،‬و ﻗ ــد ﻛ ــﺎن ﻟﻬ ــذﻩ اﻟﻧظرﯾ ــﺔ ﺻ ــدى واﺳ ــﻌﺎ‬
‫ﺣﯾث ﺑﻧﯾت ﻋﻠﻰ أﺳﺎﺳﻬﺎ اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﺑﻠدان ﻛﻣﺎ ﻛﺎن ﻟﻬﺎ اﺛر ﻣﻬم ﻓﻲ ﺗوﺟﯾـﻪ دﻓـﺔ اﻟﺻـراع ﺑـﯾن اﻷﻣـم‬
‫ﻟﻌﻘود طوﯾﻠﺔ‪ ،3‬و ﻗد ﺗﻣﺛﻠت اﻟﻣﺑﺎدئ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻗﺎﻣت ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻻﺷﺗراﻛﯾﺔ اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻠﻲ‪:4‬‬
‫‪ ‬ﺗﺄﻣﯾم وﺳـﺎﺋل اﻹﻧﺗـﺎج‪ :‬ﺣﯾـث ﻣﻧﺣـت اﻷﻓـراد اﻟﺣـق ﻓـﻲ ﺗﻣﻠـك ﻣﻣﺗﻠﻛـﺎت ﺷﺧﺻـﯾﺔ ﻣـن ﺑﯾـت‬
‫و ﻣﻼﺑس و طﻌﺎم…‪ ،‬و أﻣﻣت وﺳﺎﺋل اﻹﻧﺗﺎج اﻟﺗﻲ ﺗﺻﻧﻊ اﻟﺳـﻠﻊ و اﻟﺑﺿـﺎﺋﻊ‪ ،‬و ﺳـﻣﺣت‬
‫ﻟﻸﻓراد ﺑﺗﻣﻠك اﻷﻋﻣﺎل و اﻟﺣرف اﻟﺻﻐﯾرة‪.‬‬

‫‪ 1‬ﺟﻮن ﻓﺮﻳﺪﻣﺎن ‪-‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪.15 ،‬‬


‫* اﳌﺎرﻛﺴﻴﺔ‪ :‬ﻫﻲ ﻣﺮﻛﺐ ﻣﺰﺟﻲ ﻟﻠﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻴﺎرات اﻟﻌﻘﺎﺋﺪﻳﺔ )اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺔ( اﻟﻌﺎﺋﺪة إﱃ أواﺋﻞ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ و ﻣﻨﺘﺼﻔﻪ و ﻫﺬﻩ اﻟﺘﻴﺎرات ﻫﻲ‪ :‬ﻓﻜﺮ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻟﻌﻠﻤﺎﱐ‪ ،‬ﺟﺪﻟﻴﺔ‬
‫ﻫﻴﻘﻞ‪ ،‬ﻣﺎدﻳﺔ ﻓﻴﻮرﺑﺎخ‪ ،‬ﻧﻈﺮﻳﺎت ﻣﻴﺸﻴﻠﻴﻪ اﳋﺎﺻﺔ ﲝﺮب اﻟﻄﺒﻘﺎت و ﻧﻈﺮﻳﺎت ﲰﻴﺚ و رﻳﻜﺎردو اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ و اﻟﺸﻌﺎرات اﻟﻨﻀﺎﻟﻴﺔ ﻟﻠﺜﻮرة اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ و ﻗﺪ ﺷﺐ ﻣﺎرﻛﺲ وﺳﻂ ﻫﺬﻩ‬
‫اﻟﺘﻴﺎرات و ﻛﺎن ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺎ و ﻣﻨﺎﻫﻀﺎ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﰲ اﻷﺳﺎس‪.‬‬
‫** و ﻫﻢ اﻟﻌﻤﺎل اﻟﺼﻨﺎﻋﻴﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﻳﻔﺘﻘﺮون ﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻹﻧﺘﺎج و ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺈ ﻢ ﻳﺼﺒﺤﻮن ﺧﺎﺿﻌﲔ ﻟﻌﺒﻮدﻳﺔ أﺻﺤﺎب اﻟﻌﻤﻞ‪.‬‬
‫‪ 2‬ﻋﻤﺮ ﺷﱪا‪-.‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪.106 ،‬‬
‫‪ ( 3‬ﻋﺒﺪ اﻟﺮزاق اﻟﻔﺎرس‪-.‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪.19 ،‬‬
‫‪ 4‬ﳏﻤﺪ اﻟﻐﺮوي‪- .‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪ ،‬ص‪.68 ،61 .‬‬

‫‪37‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫‪ ‬اﻟﺗوزﯾــــﻊ ﻋﻠــــﻰ أﺳــــﺎس اﻟﻌﻣــــل‪ :‬اﻧطﻼﻗ ــﺎ ﻣ ــن اﻟﻣﺑ ــدأ اﻟﻘﺎﺋ ــل‪ » :‬ﻣ ــن ﻛ ــل ﺣﺳ ــب طﺎﻗﺗ ــﻪ‬
‫و ﻟﻛل ﺣﺳب ﺣﺎﺟﺗﻪ «‪.‬‬
‫‪ ‬اﻟﻘﯾﺎدة ﺗﻛون ﺑﺄﯾدي اﻟدﯾﻛﺗﺎﺗورﯾﺔ اﻟﻌﻣﺎﻟﯾﺔ‪ :‬و ﻫم ﺛورﯾون ﺣزﺑﯾون ﻟﻬم ﺧﺻﺎﺋص ﻓﻛرﯾﺔ و‬
‫ﺣزﺑﯾ ــﺔ ﺧﺎﺻ ــﺔ‪ ،‬و ﯾﺟ ــب أن ﺗﺗﺳ ــﻠم ﻫ ــذﻩ اﻟﻔﺋ ــﺔ اﻟﺳ ــﻠطﺔ ﺑﺷ ــﻛل ﻣط ــﺎﺑق ﻟطﺑﯾﻌ ــﺔ اﻟﻣرﺣﻠ ــﺔ‬
‫اﻻﺷــﺗراﻛﯾﺔ‪ ،‬ﻟﺗﻘﺿــﻲ ﺣﺳــﺑﻬم ﻋﻠــﻰ ﺑﻘﺎﯾــﺎ اﻟ أرﺳــﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣــن ﺟﻬــﺔ و ﻟوﺿــﻊ ﺗﺧطــﯾط اﻗﺗﺻــﺎدي‬
‫ﻣوﺟ ــﻪ ﻟﻛـ ــل اﻟﺷـ ــﻌب ﻣـ ــن ﺟﻬـ ــﺔ أﺧـ ــرى‪ ،‬و ﻫ ــو أﻣـ ــر ﯾﺗطﻠـ ــب ﺣﺳـ ــب اﻟﻣﺎرﻛﺳـ ــﯾﯾن ﺳـ ــﻠطﺔ‬
‫دﯾﻛﺗﺎﺗورﯾﺔ ﻣطﻠﻘﺔ ﺣﺗﻰ ﺗﺗﻣﻛن ﻣن ﻓرض اﻟﻣﻧﻬﺎج اﻻﻗﺗﺻﺎدي اﻟﻣﻘرر ﻋﻠﻰ اﻟﺷﻌب‪.‬‬

‫ﻟﻘد ﻛﺎﻧت اﻻﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾﺔ ﺑﻌد ﻣرﺣﻠﺔ اﻟﺛورة ‪ -‬أي ﺑﻌد ﻣﻠﻛﯾﺔ اﻟدوﻟﺔ ﻟوﺳـﺎﺋل اﻹﻧﺗـﺎج و‬
‫اﻟﺗﺧطـﯾط اﻟﻣرﻛـزي‪ -‬ﺗﺄﻣـل ﻓــﻲ ﺗﺣﻘﯾـق ذﻟـك اﻟﻘـدر ﻣــن اﻟﻛﻔـﺎءة و اﻟﻌداﻟـﺔ ﺣﺳـب ﻣﺑــدأ ﻣـن ﻛـل ﺣﺳــب‬
‫طﺎﻗﺗﻪ و ﻟﻛل ﺣﺳب ﺣﺎﺟﺗﻪ ﻛﻣﺎ ﺳﺑﻘت اﻹﺷﺎرة إﻟﯾﻪ‪ ،‬ﻓﺑﺈزاﻟﺔ اﻹﻣﺗﯾﺎزات اﻟﺗﻲ ﺗوﻓرﻫﺎ اﻟﻣﻠﻛﯾﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ‬
‫ﻓـﺈن آﻟﯾـﺔ اﻟدوﻟــﺔ ﺗـﺗﻣﻛن ﻣـن إ ازﻟــﺔ ﺣـﺎﻻت اﻟﺗﺷـوﻩ و اﻟظﻠــم اﻟﺗـﻲ ﺗﻔرزﻫـﺎ ﺣرﻛــﺔ اﻟﺳـوق اﻟﻌﻣﯾـﺎء‪ ،‬و ﻫــو‬
‫أﻣل ﻻ ﯾﻣﻛن ﺗﺟﺳﯾدﻩ ﻋﻠﻰ أرض اﻟواﻗﻊ ﻧظ ار ﻟﺧطـورة اﻟﻌﯾـوب اﻟﺗـﻲ اﻧطـوى ﻋﻠﯾﻬـﺎ‪ ،1‬ﻓﺄﻓﻛـﺎر ﻣـﺎرﻛس‬
‫إﻧﻣﺎ ﺗﻌﻛس ﻋدم اﻟﺛﻘﺔ ﺑﺎﻟﺑﺷر ﻓﻬم ﻻ ﯾﻣﻛن إﺻـﻼﺣﻬم‪ ،‬و ﻻﺑـد ﻣـن ﺗﺟرﯾـدﻫم ﻣـن ﻣﻣﺗﻠﻛـﺎﺗﻬم اﻟﺧﺎﺻـﺔ‬
‫ﻷﻧﻬﺎ ﻫﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﻘودﻫم إﻟﻰ اﻟﺳﻠطﺔ و اﻻﺳﺗﻐﻼل‪ ،‬ﻟﻛن اﻟﻣﺳؤوﻟﯾن ﻓﻲ دوﻟـﺔ ﺷـﻣوﻟﯾﺔ ﯾﻣﺎرﺳـون ﺳـﻠطﺔ‬
‫أﻛﺑر ﺑﻛﺛﯾر ﻣـن ﺳـﻠطﺔ أﺻـﺣﺎب اﻷﻣـﻼك‪ ،‬ﻓﻬـل ﻫـؤﻻء ﺳـﯾﻛوﻧون ﻣﻼﺋﻛـﺔ و ﯾﻣﻛـن اﻟوﺛـوق ﺑﻬـم‪..‬؟! ﻓ ـ‬
‫ﻣـﺎرﻛس ﻟـم ﯾــدرك أن ﻣﺟﺗﻣـﻊ اﻟﻼدوﻟـﺔ ﯾــؤدي إﻟـﻰ اﺣﺗﻣـﺎل اﻟﻣزﯾــد ﻣـن اﻻﺳـﺗﻐﻼل و اﻟظﻠــم ﻣـن ﺧــﻼل‬
‫اﻟﺗواطؤ ﺑﯾن أﺻﺣﺎب اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟراﺳﺧﺔ ﺿد أﻓراد اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻵﺧرﯾن‪.2‬‬

‫و ﻣ ــن اﻟﻧﻘ ــﺎط اﻷﺧ ــرى‪ 3‬اﻟﺗ ــﻲ ﺗﺳ ــﺗدﻋﻲ اﻟوﻗ ــوف ﻋﻧ ــدﻫﺎ ﺣ ــﺎل اﻟﺣ ــدﯾث ﻋ ــن ﻧﻘ ــد اﻟﻣﺎرﻛﺳ ــﯾﺔ‬
‫ﻫــﻲ أن ﻫــذﻩ اﻷﺧﯾ ـرة ﻗــد ﻓرﺿــت ﻋﻠــﻰ اﻟﺷــﻌب ﻣﺑﺎدﺋﻬــﺎ و ﺗﻌﺎﻟﯾﻣﻬــﺎ‪ ،‬ﻟﻛــن ﻓط ـرة اﻹﻧﺳــﺎن و طﺑﯾﻌــﺔ‬
‫ﻣﺟﺗﻣﻌــﻪ و ﻧزﻋــﺎت اﻟﻔــرد اﻷﺻــﻠﯾﺔ ﻗــد ﻟﻔظﺗﻬــﺎ ﺷــﯾﺋﺎ ﻓﺷــﯾﺋﺎ و ﺑــدأت ﺑﺈرﻏــﺎم اﻟﻘﯾــﺎدة ﻋﻠــﻰ اﻟﺗﻧــﺎزل ﻋﻠــﻰ‬
‫اﻻﺷﺗراﻛﯾﺔ‪ .‬و ﻟﻌل ﻫذا ﻣﺎ أﺛﺑﺗﻪ اﻟواﻗﻊ اﻟﯾـوم ﺣﯾـث ﯾﻼﺣـظ ﺗﻼﺷـﻲ آﺛـﺎر اﻟﻧظـﺎم اﻻﺷـﺗراﻛﻲ اﻟﻣﺎرﻛﺳـﻲ‬
‫ﻣن ﻛل دول اﻟﻌﺎﻟم ﺗﻘرﯾﺑﺎ ﻟﯾﺣل ﻣﺣﻠﻬﺎ اﻟﻧظﺎم اﻟ أرﺳـﻣﺎﻟﻲ اﻟﺣـر اﻟـذي ﯾﻌﻛـس ﻓﻠﺳـﻔﺔ اﻟﻬﯾﻣﻧـﺔ اﻷﻣرﯾﻛﯾـﺔ‬
‫ﺧﺻوﺻـﺎ و اﻟﻐرﺑﯾــﺔ ﻋﻣوﻣــﺎ‪ ،‬ﻋﻠــﻰ ﻛــل ﺷــﻌوب اﻟﻌــﺎﻟم و دوﻟــﻪ‪ ،‬اﻟﺗــﻲ أﺧــذ ﯾﺳــﯾطر ﻋﻠﯾﻬــﺎ ﻫــذا اﻟﻧظــﺎم‬

‫‪ 1‬ﻋﻤﺮ ﺷﱪا‪- .‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪.113 ،‬‬


‫‪ 2‬ﻋﻤﺮ ﺷﱪا ‪-‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪ ،‬ص‪.113 ،112 .‬‬
‫‪ 3‬ﳏﻤﺪ اﻟﻐﺮوي ‪-‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪،‬ص‪.72 ،71 .‬‬

‫‪38‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫ﻟﺗﺗﺣول إﻟﻰ ﻣﺟرد أﻧظﻣﺔ ﺟﯾﺑﯾﺔ ﻓﻲ ﺧدﻣﺔ اﻟﻣرﻛز‪.‬‬

‫‪ -3‬اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻹﺳﻼﻣﻲ‪:‬‬
‫ـ ـ ـﯾـذﻫب اﻟـ ـ ــﺑﻌض إﻟـ ـ ــﻰ أن اﻹﺳـ ـ ــﻼم ﯾﺣﺑـ ـ ــذ اﻟﻔﻘـ ـ ــر و ﯾـ ـ ــدﻋو إﻟﯾـ ـ ــﻪ‪ ،‬و ﯾُ ّﺛَﺑـ ـ ـت ﻋﻠـ ـ ــﻰ اﻟﺑـ ـ ــؤس‬ ‫‪-‬‬
‫و اﻟﺣﺎﺟــﺔ و اﻟﺗﻘﺷــف و ﯾﻛـرﻩ اﻟﻐﻧــﻰ و اﻟﺛــروة و ﺟﻣــﻊ اﻷﻣ ـوال‪ ،‬ﻟﻛــن اﻟﺣﻘﯾﻘــﺔ ﻋﻠــﻰ اﻟﻌﻛــس ﻣــن ﻫــذا‬
‫ﺗﻣﺎﻣﺎ‪ .‬ﻓﺎﻹﺳﻼم ﯾﻣﻘت اﻟﻔﻘر و ﯾدﻋو اﻹﻧﺳﺎن إﻟﻰ ﻣﺣﺎرﺑﺔ اﻟﺣﺎﻻت اﻟﺗـﻲ ﺗدﻓﻌـﻪ إﻟـﻰ اﻟـذل و اﻟﻣﺳـﻛﻧﺔ‬
‫ﻓﻲ ﺳﺑﯾل اﻟﺣﺎﺟﺔ أو ﺟراﺋﻬﺎ‪ 1‬و ﻫذا ﻣـﺎ ﺗﺟﺳـدﻩ اﻵﯾـﺔ اﻟﻛرﯾﻣـﺔ اﻟﺗـﻲ ﯾﻘـول ﻓﯾﻬـﺎ اﷲ ﺗﻌـﺎﻟﻰ ﺑﻌـد ﺑﺴـﻢ اﷲ‬
‫ض‬
‫اﻷَر ِ‬
‫ﺘَﻀِـﻌﻔَﲔ ِﰲ ْ ْ‬
‫ُﻨﺘُﻢ ﻗَﺎﻟُﻮا ُﻛﻨﱠﺎُ ْﻣﺴ َْ‬
‫ﻇَﺎﻟِﻤﻲ أَﻧﻔُِﺴْﻬِﻢ ﻗَﺎﻟُﻮا ﻓِ َﻴﻢﻛ ْ‬
‫ﱠﺎﻫﻢاﻟَْﻤَﻼﺋِﻜَﺔُ ِ‬
‫اﻟﱠﺬَﻳﻦ َﺗـَﻮﻓ ُْ‬
‫اﻟﺮﲪﺎن اﻟﺮﺣﻴﻢ‪ » :‬إِ ﱠن ِ‬
‫َتَ ﻣِﺼــﲑ ً ا «*‪ ،‬و ﯾﻧﻛــر اﻹﺳــﻼم‬
‫ـﺎﺟﺮوا ﻓِ َﻴﻬــﺎ ﻓَ ْﺄُوﻟَﺌِ ـ َـﻚَ ﻣـﺄَْوُْاﻫﻢ ََﺟﻬـُﻨﱠﻢَ َوﺳــﺎء ْ‬
‫اﻟﻠﱠ ـِوـﻪِاﺳـَـﻌﺔً َﻓـَﺘـُﻬـ ُِ‬
‫ﻗَ ــﺎﻟُﻮا أَﱂَْ ﺗَ ُﻜـْـﻦ ْأَر ُض َ‬
‫ﻋﻠــﻰ اﻟﻣﻘدﺳــﯾن ﻟﻠﻔﻘــر ﻣــن ﻣﺗﺻــوﻓﺔ و ﻣﺗــرﻫﺑﻧﯾن‪ -‬ﻧظ ـرﺗﻬم ﺗﻠــك ﻟﻠﻔﻘــر ﻋﻠــﻰ وﺟــﻪ اﻟﺧﺻــوص و إﻟــﻰ‬
‫اﻟﺣﯾـﺎة اﻟطﯾﺑـﺔ ﺑﺻـﻔﺔ ﻋﺎﻣـﺔ‪ ،‬ﻛﻣـﺎ ﯾﻧﻛـر ﻋﻠـﻰ اﻟﻣﺗﺻـوﻓﯾن ﻗﺑـوﻟﻬم ﺑﺎﻷﻓﻛـﺎر اﻟواﻓـدة ﻋﻠـﻰ اﻟﻣﺳـﻠﻣﯾن ﻣـن‬
‫اﻟﻣﺎﻧوﯾﺔ اﻟﻔﺎرﺳﯾﺔ و اﻟﺻوﻓﯾﺔ اﻟﻬﻧدﯾﺔ و اﻟرﻫﺑﺎﻧﯾﺔ اﻟﻧﺻراﻧﯾﺔ‪ ،‬و ﻣﺎ ﯾﺷﺎﺑﻬﻬﺎ ﻣن اﻻﺗﺟﺎﻫـﺎت اﻟﻣﺗطرﻓـﺔ‪،‬‬
‫و ﻟم ﺗرد ﻓﻲ ﻣدح اﻟﻔﻘر آﯾﺔ واﺣدة ﻣن اﻟﻘرآن اﻟﻛرﯾم‪ ،‬و ﻻ ﺣدﯾث واﺣد ﻣن أﺣﺎدﯾث اﻟﻧﺑـﻲ ﺻـﻠﻰ اﷲ‬
‫ﻋﻠﯾﻪ و ﺳﻠم‪ ،‬و اﻷﺣﺎدﯾث اﻟواردة ﻓﻲ ﻣدح اﻟزﻫد ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ ﻻ ﺗﻌﻧﻲ ﻣـدح اﻟﻔﻘـر‪ ،‬ﻓﺎﻟزﻫـد ﯾﻘﺗﺿـﻲ ﻣﻠـك‬
‫ﺷﻲء ﯾزﻫد ﻓﯾﻪ*‪ ،‬ﻓﺎﻟزاﻫد ﺣﻘﺎ ﻣن ﻣﻠك اﻟدﻧﯾﺎ ﻓﺟﻌﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﯾـدﻩ‪ ،‬و ﻟـم ﯾﺟﻌﻠﻬـﺎ ﻓـﻲ ﻗﻠﺑـﻪ‪ ،2‬ﻓﺎﻹﺳـﻼم ﻣـن‬
‫ﻫـذا اﻟﻣﻧطﻠـق ﯾﺣــث ﻋﻠـﻰ اﻟﺣﯾــﺎة اﻟـدﻧﯾﺎ و ﻣﻣﺎرﺳـﺔ اﻷﻋﻣــﺎل اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ و اﻻﻗﺗﺑــﺎس ﻣـن ﺣﺿــﺎرﺗﻬﺎ و‬
‫ﱢزْق‬
‫ـﺎتِﻣْـﻦ اﻟـﺮِ‬
‫َج ﻟِﻌِ ﺒ َ ِـﺎدﻩِ َ واﻟﻄﱠﻴﱢﺒ َ ِ‬ ‫اﻟﱠﱵ أ َْﺧَﺮ‬
‫اﻟﻠﱠﻪ ِ‬ ‫ﻣدﻧﯾﺗﻬﺎ و اﻻﺳﺗزادة ﻣن زﯾﻧﺗﻬﺎ‪ .3‬ﻗﺎل ْ‬
‫ﻗُﻞَ ْﻣ»ﻦ َ َﺣﺮﱠم زِﻳﻨَﺔَ ِ‬
‫ﺗﻌﺎﱃ‪:‬‬
‫ـﻮن«**‪ ،‬و ﻗــﺎل‬ ‫ﻟِﻘـٍْـﻮم ﻳـ َْﻌُﻠَﻤـ َ‬
‫ـﺎت َ‬
‫َﺼــﻞ ُ ْاﻵﻳ َ ـ ِ‬‫َﻟِﻚ ﻧـُﻔ ﱢ‬
‫ـﺔً َﻳـﺎَ ـْﺧَـﻮم اﻟِْﻘﻴ َ َﺎﻣـِـﺔ َﻛــﺬ َ‬
‫ﺎﻟِﺼـﱡﺪﻧـْﻴ‬
‫اﳊَ ﻴ َ ـ َـﺎةِ اَﻟ ـ‬
‫ﻳﻦ َـﻲآﻣﻨُ ـﻮا ِﰲ ْ‬
‫ﻟِﻗُ ـﻠﱠْـِـﻞـﺬَِﻫـَ‬
‫اﻟﻐِﲎ« و ﻗﺎل أﯾﺿﺎ‪ » :‬اﻟﻴﺪ اﻟﻌﻠﻴـﺎ ﺧـﲑ ﻣـﻦ اﻟﻴـﺪ‬
‫ﻮن ﻋﻠﻰ ﺗﻘﻮى اﷲ َ‬
‫اﻟﺮﺳﻮل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ و ﺳﻠﻢ‪ » :‬ﻧَِﻌﻢ َاﻟﻌ ُ‬
‫اﻟﺴـﻔﻠﻰ«‪ ،‬ﻛﻣــﺎ أرﺷـد اﻟﻧﺑــﻲ أﯾﺿــﺎ إﻟـﻰ اﻟــدﻋوات اﻟﺗــﻲ ﯾﻧﺑﻐـﻲ ﻋﻠــﻰ اﻹﻧﺳــﺎن أن ﯾطﻠﺑﻬـﺎ ﻣــن رﺑــﻪ ﺣﯾــث‬
‫ﻗﺎل‪ » :‬و اﺳﺄﻟﻮا اﷲ اﻟﻐﲎ ﰲ اﻟﺪﻧﻴﺎ و اﻟﻌﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬و ﰲ اﻵﺧﺮة اﳌﻐﻔـﺮة «‪ ،‬ﻛﻣـﺎ ﺗﻌـوذ اﻟرﺳـول اﻟﻛـرﯾم ﻣـن اﻟﻛﻔـر‬

‫‪ 1‬اﳌﺮﺟﻊ اﻟﺴﺎﺑﻖ‪ .‬ص‪.78 ،‬‬


‫* ﺳﻮرة اﻟﻨﺴﺎء‪ .‬اﻵﻳﺔ ‪.97‬‬
‫* ﻋﻦ اﻹﻣﺎم ﻋﻠﻲ ﺑﻦ أﰊ ﻃﺎﻟﺐ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻨﻪ‪ ":‬ﻟﻴﺲ اﻟﺰﻫﺪ أن ﻻ ﲤﻠﻚ ﺷﻴﺌﺎ ﺑﻞ اﻟﺰﻫﺪ أﻻ ﳝﻠﻜﻚ ﺷﻲء‪".‬‬
‫‪ 2‬ﻳﻮﺳﻒ اﻟﻘﺮﺿﺎوي ‪-‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪-‬ص‪.12 ،‬‬
‫‪ 3‬ﳏﻤﺪ اﻟﻐﺮوي ‪ -‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪.82 ،‬‬
‫** ﺳﻮرة اﻷﻋﺮاف‪ .‬اﻵﻳﺔ ‪.32‬‬

‫‪39‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫و اﻟﻔﻘر ﻗﺎﺋﻼ‪ » :‬اﻟﻠﻬﻢ إﱐ أﻋﻮذ ﺑﻚ ﻣﻦ اﻟﻜﻔـﺮ‪ ،‬و أﻋـﻮذ ﺑـﻚ ﻣـﻦ اﻟﻔﻘـﺮ«‪ 1‬و اﻻﺳـﺗﻌﺎذة ﻫـﻲ ﺧﯾـر ﻣؤﺷـر‬
‫ﻋﻠﻰ ﻗﺑﺢ اﻟﻔﻘر و إﺳﺎءﺗﻪ ﻟﺣﯾﺎة اﻹﻧﺳﺎن‪.‬‬
‫و ﻓﻲ ﺗراﺛﻧﺎ اﻹﺳﻼﻣﻲ ﻧﺟد اﻟﻣﻘوﻟﺔ اﻟﺷﻬﯾرة ﻟﻌﻠﻲ ﺑن أﺑﻰ طﺎﻟب‪-‬ﻛرم اﷲ وﺟﻬﻪ‪:-‬‬
‫» ﻟـﻮ ﻛـﺎن اﻟﻔﻘــﺮ رﺟـﻼ ﻟﻘﺘﻠﺘـﻪ«‪ 2‬و ﻗــول أﺑــو ذر اﻟﺻـﺣﺎﺑﻲ اﻟﺟﻠﯾــل‪-‬رﺿـﻲ اﷲ ﻋﻧــﻪ‪ » :-‬ﻛـﺎد اﻟﻔﻘــﺮ أن‬
‫ﻳﻜـﻮن ﻛﻔـﺮا« و أُﺛِ ـر ﻋﻧــﻪ أﯾﺿــﺎ ﻗوﻟــﻪ‪ » :‬ﻋﺠﺒــﺖ ﳌــﻦ ﻻ ﳚــﺪ ﻗــﻮت ﻳﻮﻣــﻪ ﻛﻴــﻒ ﻻ ﳜــﺮج ﻋﻠــﻰ اﻟﻨــﺎس ﺷــﺎﻫﺮا‬
‫ﺳﻴﻔﻪ‪ .3 «.‬و ﺗﺷﯾر ﻫـذﻩ اﻟﻧﺻـوص إﻟـﻰ ﻣـدى ﺟﺳـﺎﻣﺔ اﻵﺛـﺎر و اﻟﻧﺗـﺎﺋﺞ اﻟﺗـﻲ ﯾﺳـﺑﺑﻬﺎ اﻟﻔﻘـر أﯾﻧﻣـﺎ ﺣـل‬
‫ﻟﺗﺟﻌﻠﻪ ﻣرادﻓﺎ ﻟﻠﻛﻔر‪ -‬و ﻫو ﻛﺑﯾـرة اﻟﻛﺑـﺎﺋر‪ -‬ﻓـﻲ ﺑﻌـض اﻷﺣﯾـﺎن ﻛﻣـﺎ ﺗوﺿـﺢ ﻟﻧـﺎ ﻣوﻗـف اﻹﺳـﻼم ﻣـن‬
‫ﻫــذﻩ اﻟظــﺎﻫرة إذ ﯾــرى ﻓﯾﻬــﺎ ﻣﺷــﻛﻠﺔ ﺗﺳــﺗدﻋﻲ ﺣــﻼ ﻛوﻧﻬــﺎ ﺧطــر ﻋﻠــﻰ ﻣﺧﺗﻠــف ﺟواﻧــب اﻟﺣﯾــﺎة و اﻟ ـ ﱢدﯾن‬
‫و ﻫذا ﻣﺎ ﺗﺣدث ﻋﻧﻪ ﯾوﺳف اﻟﻘرﺿﺎوي‪ 4‬ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ‪" :‬ﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﻔﻘر و ﻛﯾف ﻋﺎﻟﺟﻬﺎ اﻹﺳﻼم"‪:‬‬
‫اﻟﻔﻘــر ﺧطــر ﻋﻠــﻰ اﻟﻌﻘﯾــدة‪ :‬اﻧطﻼﻗــﺎ ﻣــن أﻧــﻪ ﯾﺻــﺑﺢ أﺣﯾﺎﻧــﺎ َﻣـدﻋﺎةً ﻟﻠﺷــك ﻓــﻲ اﻟﺗﻧظــﯾم اﻹﻟﻬــﻲ‬ ‫‪‬‬

‫ﻟﻠﻛون‪ ،‬و ﻟﻼرﺗﯾﺎب ﻓﻲ ﻋداﻟﺔ اﻟﺗوزﯾﻊ اﻹﻟﻬﻲ ﻟﻠرزق‪ ،‬و ﺑﺧﺎﺻﺔ ﻣﻊ وﺟود اﻟﻔﻘر اﻟﻣدﻗﻊ ﺟﻧﺑﺎ إﻟـﻰ‬
‫ﺟﻧـ ــب و اﻟﺛ ـ ـراء اﻟﻔـ ــﺎﺣش‪ ،‬و ﺧﺻوﺻـ ــﺎ إذا ﻛـ ــﺎن اﻟﻔﻘﯾـ ــر ﯾﻌﻣـ ــل ﺑﻛـ ــد ﻓـ ــﻲ ﺣـ ــﯾن اﻟﺛـ ــري ﻻ ﯾﺑـ ــذل‬
‫أي ﻧوع ﻣـن اﻟﺟﻬـد‪ ،‬ﻓـﻼ ﺷـك أن اﻟﻔﻘـر ﻫﻧـﺎ ﯾﺻـﺑﺢ ﺧطـ ار ﻋﻠـﻰ اﻟﻌﻘﯾـدة اﻟدﯾﻧﯾـﺔ‪ .‬و ﻫـذا اﻹﻧﺣـراف‬
‫اﻟﻌﻘﯾــدي اﻟﻧﺎﺷــﺊ أﺳﺎﺳــﺎ ﻋــن اﻟﻔﻘــر و ﺗﺣدﯾــدا ﻋــن ﺳــوء اﻟﺗوزﯾــﻊ‪ ،‬ﻫــو اﻟــذي ﺟﻌــل ﺑﻌــض اﻟﺳــﻠف‬
‫ﯾﻘــول‪ » :‬إذا ذﻫ ــب اﻟﻔﻘ ــر إﻟــﻰ ﺑﻠ ــد ﻗ ــﺎل ﻟــﻪ اﻟﻛﻔ ــر ﺧ ــذﻧﻲ ﻣﻌــك!! « و ﻗ ــﺎل ذو اﻟﻧـــون اﻟﻣﺻـــري‬
‫اﻟﺻوﻓﻲ‪ » :‬أﻛﻔر اﻟﻧﺎس ذو ﻓﺎﻗﺔ ﻻ ﺻـﺑر ﻟـﻪ و ﻗـل ﻓـﻲ اﻟﻧـﺎس اﻟﺻـﺎﺑر« ﻓـﻼ ﻋﺟـب أن ﯾﺳـﺗﻌﯾذ‬
‫اﻟﻧﺑﻲ –ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ و ﺳﻠم‪-‬ﻣن اﻟﻔﻘر ﻗﺎﺋﻼ‪ » :‬اﻟﻠﻬم إﻧﻲ أﻋوذ ﺑك ﻣن اﻟﻔﻘـر و اﻟﻘﻠـﺔ و اﻟذﻟـﺔ‪،‬‬
‫و أﻋوذ ﺑك ﻣن أن أََ◌ظﻠِ م أو أُظﻠَ م «‪.‬‬
‫اﻟﻔﻘـــــر ﺧطــــــر ﻋﻠــــــﻰ اﻟﻔﻛــــــر اﻹﻧﺳـــــﺎﻧﻲ‪ :‬ﻓ ـ ــﺎﻟﻔﻘﯾر اﻟ ـ ــذي ﻻ ﺗﺗ ـ ــوﻓر ﻟ ـ ــﻪ ﺿ ـ ــرورات اﻟﺣﯾ ـ ــﺎة‬ ‫‪‬‬

‫و ﺣﺎﺟﺎﺗــﻪ ﻫــو و أﻫﻠــﻪ و أوﻻدﻩ‪ ،‬ﻻ ﺷــك ﻟ ـن ﯾــﺗﻣﻛن ﻣــن اﻟﺗﻔﻛﯾــر ﺗﻔﻛﯾ ـ ار ﺳــﻠﯾﻣﺎ و دﻗﯾﻘــﺎ ﻻ ﺳــﯾﻣﺎ‬
‫إذا ﻛـ ــﺎن ﺑﺟ ـ ـوارﻩ اﻟﻐﻧـ ــﻲ ﻏﻧـ ــﻰ ﻓﺎﺣﺷـ ــﺎ‪ .‬و ﻟﻌـ ــل ﻫـ ــذا ﻣـ ــﺎ دﻓـ ــﻊ اﻹﻣـ ــﺎم أﺑـ ــو ﺣﻧﯾﻔـ ــﺔ إﻟـ ــﻰ اﻟﻘـ ــول‪:‬‬
‫» ﻻ ﺗﺳﺗﺷــر ﻣــن ﻟــﯾس ﻓــﻲ ﺑﯾﺗــﻪ دﻗﯾــق« أي أﻧــﻪ ﻣﺷــﺗت اﻟﻔﻛــر ﻣﺷــﻐول اﻟﺑــﺎل‪ ،‬ﻣﻧﻔﻌــل‪ ،‬ﻣﻣــﺎ ﯾــؤﺛر‬

‫‪ 1‬ﳏﻤﺪ اﻟﻐﺮوي‪ -‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ -‬ص‪،‬ص‪.81 ،80 .‬‬


‫ﻋﺑد اﻟرزاق اﻟﻔﺎرس‪-‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق‪-‬ص‪.9 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ﻣﺣﻣد اﻟﻐروي‪-‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق‪-‬ص‪.80 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ﯾوﺳف اﻟﻘرﺿﺎوي‪-‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق‪ -‬ص‪ ،‬ص‪.15 ،14 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪40‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫ﺳــﻠﺑﺎ ﻋﻠــﻰ ﺳــداد ﺣﻛﻣــﻪ و ﺳــﻼﻣﺔ إد ارﻛــﻪ و ﻓــﻲ اﻟﺣــدﯾث اﻟﺻــﺣﯾﺢ‪ » :‬ﻻ ﯾﻘﺿــﻲ اﻟﻘﺎﺿــﻲ و ﻫــو‬
‫ﻏﺿـﺑﺎن « و ﻗـﺎس اﻟﻔﻘﻬـﺎء ﻋﻠــﻰ اﻟﻐﺿـب‪ ،‬ﺷـدة اﻟﻌطـش و ﺷــدة اﻟﺟـوع و ﻏﯾرﻫـﺎ ﻣـن اﻻﻧﻔﻌــﺎﻻت‬
‫اﻟﻣؤﺛرة‪.1‬‬
‫‪-‬‬ ‫اﻟﻔﻘر ﺧطر ﻋﻠﻰ اﻟﺳﻠوك اﻷﺧﻼﻗﻲ‪ :‬ﻓﺎﻟﻔﻘﯾر اﻟﻣﺣروم ﻛﺛﯾ ار ﻣﺎ ﯾدﻓﻌـﻪ ﺑؤﺳـﻪ و ﺣرﻣﺎﻧـﻪ‬ ‫‪‬‬

‫و ﺧﺎﺻ ـ ـ ــﺔ إذا ﻛـ ـ ـ ــﺎن إﻟ ـ ـ ــﻰ ﺟ ـ ـ ـ ـوارﻩ اﻷﺛرﯾـ ـ ـ ــﺎء اﻟﻣﺗرﻓ ـ ـ ــون‪ -‬إﻟـ ـ ـ ــﻰ ﺳ ـ ـ ــﻠوك ﻻ ﺗرﺿـ ـ ـ ــﺎﻩ اﻟﻔﺿـ ـ ـ ــﯾﻠﺔ‬
‫و اﻟﺧﻠ ــق اﻟﻛـ ـرﯾم‪ ،‬و ﻟﻬ ــذا ﻛﺛﯾـ ـ ار ﻣ ــﺎ ﻧﺳ ــﻣﻊ اﻟﻣﺛ ــل اﻟﻘﺎﺋ ــل‪ » :‬ﺻ ــوت اﻟﻣﻌ ــدة أﻗ ــوى ﻣ ــن ﺻ ــوت‬
‫اﻟﺿــﻣﯾر«‪ ،‬و أﻛﺛــر ﻣــن ﻫــذا ﻗ ـد ﯾــؤدي اﻟﻔﻘــر إﻟــﻰ اﻟﺗﺷــﻛﯾك ﻓــﻲ اﻟﻘــﯾم اﻷﺧﻼﻗﯾــﺔ ﻧﻔﺳــﻬﺎ و ﻋداﻟــﺔ‬
‫ﻣﻘﺎﯾﯾﺳﻬﺎ‪ .‬ﻛﻣﺎ ﯾؤدي إﻟﻰ اﻟﺗﺷﻛﯾك ﻓﻲ اﻟﻘﯾم اﻟدﯾﻧﯾﺔ‪ .‬و ﻓﻲ ﺣدﯾث ﻧﺑوي ﺷرﯾف ﺑﯾن اﻟﻧﺑﻲ‪-‬ﺻﻠﻰ‬
‫اﷲ ﻋﻠﯾﻪ و ﺳﻠم‪ -‬ﺷدة وطﺄة اﻟﻔﻘر ﻋﻠﻰ ﺻﺎﺣﺑﻪ و أﺛـرﻩ ﻋﻠـﻰ ﺳـﻠوﻛﻪ ﺣﯾـث ﻗـﺎل‪ » :‬ﺧـذوا اﻟﻌطـﺎء‬
‫ﻣﺎدام ﻋطﺎء‪ ،‬ﻓﺈذا ﺻﺎر رﺷوة ﻋﻠﻰ اﻟ ﱢدﯾن ﻓﻼ ﺗﺄﺧذوﻩ‪ ،‬و ﻟﺳـﺗم ﺗﺎرﻛﯾـﻪ‪ ،‬ﺗﻣـﻧﻌﻛم اﻟﺣﺎﺟـﺔ و اﻟﻔﻘـر«‬
‫و ﻓﻲ ﻣوﺿﻊ آﺧر و ﻟﺗوﺿﯾﺢ أﺛر اﻟ ﱠدﯾن ﻋﻠـﻰ ُاﻟﻣﺳ ِـﺗدﯾن‪ » :‬إن اﻟرﺟـل إذا َﻏـ ِرم ‪-‬اﺳـﺗدان‪-‬ﺣـ ﱠدث‬
‫ﻓﻛذب و وﻋد ﻓﺄﺧﻠف«‪.‬‬
‫َ‬
‫و ﻓــﻲ إﺷــﺎرة إﻟ ــﻰ ﻋﻼﻗــﺔ اﻟﻔﻘ ــر و اﻟﻐﻧــﻰ ﺑﺎﻟﻔﺿــﺎﺋل و اﻟرذاﺋ ــل ُذِﻛ ـر‪ » :‬ﺣ ــدث اﻟرﺟــل اﻟ ــذي‬
‫ﺗﺻــدق ﻓــﻲ اﻟﻠﯾــل ﻋﻠــﻰ رﺟــل ﻓﺻــﺎدﻓت ﺻــدﻗﺗﻪ ﺳــﺎرﻗﺎ‪ ،‬ﻓﺗﺣــدث اﻟﻧــﺎس ﻋــن ذﻟــك ﺛــم ﺗﺻــدق ﻣ ـرة‬
‫أﺧرى ﻋﻠﻰ اﻣرأة ﻓﺻﺎدﻓت ﺻدﻗﺗﻪ زاﻧﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺄﺻﺑﺢ اﻟﻧﺎس ﯾﺗﺣدﺛون ﺑذﻟك‪ :‬ﺗﺻدق اﻟﻠﯾﻠﺔ ﻋﻠﻰ زاﻧﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻓﺟ ـ ــﺎءﻩ ﻓ ـ ــﻲ اﻟﻣﻧ ـ ــﺎم ﻣ ـ ــن ﻗ ـ ــﺎل ﻟ ـ ــﻪ‪ :‬أﻣ ـ ــﺎ ﺻ ـ ــدﻗﺗك ﻋﻠ ـ ــﻰ ﺳ ـ ــﺎرق ﻓﻠﻌﻠ ـ ــﻪ ﯾﺳ ـ ــﺗﻌف ﻋ ـ ــن ﺳ ـ ــرﻗﺗﻪ‪،‬‬
‫أﻣﺎ ﺻدﻗﺗك ﻋﻠﻰ زاﻧﯾﺔ ﻓﻠﻌﻠﻬﺎ ﺗﺳﺗﻌف ﻋن زﻧﺎﻫﺎ «‪ ،2‬ﻓظﻬر ﺑذﻟك أﺛر اﻟﻐﻧﻰ ﻓﻲ اﺳـﺗﻌﻔﺎف اﻟرﺟـل‬
‫ﻋن اﻟﺳرﻗﺔ و اﺳﺗﻌﻔﺎف اﻟﻣرأة ﻋن اﻟﻔﺎﺣﺷـﺔ‪ .‬و ﻟـذﻟك أﻣـر اﻹﺳـﻼم ﺑﺎﻹﻧﻔـﺎق ﻋﻠـﻰ اﻟﻔﻘـراء و ﺗﻔﻘـد‬
‫أﺣواﻟﻬم و ﻣﺳﺎﻋدﺗﻬم ﻋﻠﻰ ﻧﻔﻘﺎت ﺣﯾﺎﺗﻬم و ﺗﺧﻔﯾف ﻋبء اﻟﻣﻌﯾﺷﺔ ﻋن ﻛﺎﻫل اﻟﻣﺳﺗﺿﻌﻔﯾن‪ 3‬ﻣﺛل‬
‫ْﻔﻘـﻮا ِﻣْـﻦ َﺷْ ٍـﻲء ﻓَِـﺈﱠن اﻟﻠﱠـﻪ َ ﺑِِـﻪَﻋﻠِ ـﻴﻢٌ◌ «* و ﻗوﻟـﻪ‬ ‫ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ‪ :‬ﻟ»َْﻦﺗـَﻨَﺎﻟُﻮا اﻟِْﱪﱠ َﺣﱠﱴِ ُﻔﺗﻘﻮْاـُﻨِ ﳑﱠـﺎ ُﲢِ َ‬
‫ﺒﱡـﻮنََوﻣـﺎ ﺗ ِـُﻨُ‬
‫ض‪ ،**«...‬و ﻏﯾرﻫـﺎ ﻣـن‬
‫اﻷَر ِ‬
‫اتَ و ْ ْ‬
‫اﻟﺴﱠﻤَﺎو ِ‬
‫اث َ‬ ‫اﻟﻠﱠﻪَ وﻟ ِ ِﻠﱠﻪِﻣﲑ َ ُ‬ ‫ﺗﻌﺎﻟﻰ أﯾﺿﺎ‪ََ » :‬وﻣﺎ ﻟَ ْﻜُﻢ أﱠَﻻ ﺗ ِـُﻨُْﻔﻘﻮا ِﰲ َﺳ ِ‬
‫ﺒِﻴﻞ ِ‬
‫اﻵﯾﺎت إﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻷﺣﺎدﯾث اﻟﻧﺑوﯾﺔ اﻟﺷرﯾﻔﺔ اﻟﺗﻲ ﺗدﻋم ذﻟـك‪ ،‬ﻹدراﻛﻬـﺎ اﻟـدور اﻟﻔﻌـﺎل اﻟـذي ﯾﻣﻛـن‬

‫ﯾوﺳف اﻟﻘرﺿﺎوي‪ -‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق‪ -‬ص‪.16 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑق‪.‬ص‪ ،‬ص‪.16 ،15 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫ﻣﺣﻣد اﻟﻐروي‪-‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق‪ -‬ص‪ ،‬ص‪.95 ،94 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫ﺳورة آل ﻋﻣران‪.‬اﻵﯾﺔ رﻗم ‪.92‬‬ ‫*‬

‫ﺳورة اﻟﺣدﯾد‪.‬اﻵﯾﺔ رﻗم ‪.10‬‬ ‫**‬

‫‪41‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫أن ﺗﻠﻌﺑﻪ اﻟﻣﺳﺎﻋدة ﻓﻲ ﻋدم اﻧﺣراف اﻟﻔﻘراء و ﺧروﺟﻬم ﻋن أﻧﻣﺎط اﻟﺳﻠوك اﻟﺧﻠﻘﻲ اﻟﺳوي‪.‬‬

‫و ﻋﻣوﻣﺎ ﻓﺈن اﻹﺳﻼم ﯾﻌﺗﻘد أن اﻟﻔﻘر ﻣﺷﻛﻠﺔ ﺗﻧﺑﻌث ﻣن ﻣﺻدرﯾن ﻫﻣﺎ‪:1‬‬


‫ﺳوء اﻟﺗوزﯾﻊ و اﻟظﻠم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ اﻟذي ﯾﻣﺎرﺳﻪ اﻟﻘﺎﺋﻣون ﻋﻠﻰ اﻟﺣﻛم‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ﻋـدم اﺳـﺗﻐﻼل اﻟطﺑﯾﻌـﺔ و اﺳـﺗﺛﻣﺎرﻫﺎ ﺑﺷـﻛل ﺻــﺣﯾﺢ‪ ،‬ﻓـﺈذا ﺗﻣﻛـن اﻹﻧﺳـﺎن ﻣـن ﺗﺳـﺧﯾر اﻟطﺑﯾﻌــﺔ‬ ‫‪‬‬

‫و اﺳﺗﻧزاف ﺛرواﺗﻬﺎ ) ﻓﻲ ﺣدود ﻋدم اﻹﺿرار ﺑﺣق اﻷﺟﯾـﺎل اﻟﻘﺎدﻣـﺔ( ﺛـم ﺳـﻠك ﻣـﻧﻬﺞ اﻟﻌداﻟـﺔ ﻓـﻲ‬
‫ﺗوزﯾﻌﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎس ﻟﻣﺎ ﻛﺎن ﻫﻧﺎك وﺟود ﻟﻠﻔﻘر و اﻟﺣرﻣﺎن ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻷرض‪.‬‬

‫ﻓﺎﻹﺳﻼم ﻻ ﯾرى ﻣﺷﻛﻠﺔ اﻟﻔﻘر ﻓﻲ ﻗﻠﺔ اﻟﻣوارد اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ و ﻋدم ﻛﻔﺎﯾﺗﻬﺎ ﻹﺷﺑﺎع ﺣﺎﺟـﺎت ﺟﻣﯾـﻊ‬
‫اﻟﻧﺎس و ﺗﻠﺑﯾـﺔ ﻣﺗطﻠﺑـﺎﺗﻬم و ﺣﺎﺟـﺎﺗﻬم ﻛﻣـﺎ ﺗـذﻫب إﻟﯾـﻪ اﻟ أرﺳـﻣﺎﻟﯾﺔ ﻟﺗﺑرﯾـر ﻣﺳـﺎوﺋﻬﺎ اﻟﻣﺗﻣﺛﻠـﺔ أﺳﺎﺳـﺎ ﻓـﻲ‬
‫ﺧدﻣـ ـ ـ ـ ــﺔ ﻣﺻـ ـ ـ ـ ــﺎﻟﺢ اﻷﻗﻠﯾ ـ ـ ـ ـ ــﺔ و اﻟﻌﺑـ ـ ـ ـ ــث ﺑﻣﺻـ ـ ـ ـ ــﯾر اﻷﻏﻠﺑﯾـ ـ ـ ـ ــﺔ‪ ،‬ﻛﻣـ ـ ـ ـ ــﺎ ﻻ ﯾﺟـ ـ ـ ـ ــدﻫﺎ‪ ،‬أي اﻟﻣﺷـ ـ ـ ـ ــﻛﻠﺔ‪،‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﺗﻧﺎﻗض و اﻟﺻراع اﻟﻣزﻋوم ﺑﯾن ﺷﻛل اﻹﻧﺗﺎج و ﻋﻼﻗﺎت اﻟﺗوزﯾﻊ ﻟدى اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾﯾن ﻟﻠوﺻـول إﻟـﻰ‬
‫أﻫداﻓﻬم اﻟﺳﯾﺎﺳـﯾﺔ ﻋﺑـر اﻟﺗـﺄﻣﯾم‪ ،‬و إﻧﻣـﺎ ﯾُ رﺟـﻊ اﻟﻣﺷـﻛﻠﺔ إﻟـﻰ اﻟظﻠـم اﻻﺟﺗﻣـﺎﻋﻲ اﻟـذي ﯾﻣﺎرﺳـﻪ اﻹﻧﺳـﺎن‬
‫ﻣن ﺧﻼل ﺳوء ﺗوزﯾﻊ اﻟدﺧول و اﻟﺛروات ﺑﯾن اﻟﻧـﺎس رﻏـم ﯾُ ﺳـرﻫﺎ و ﺗوﻓرﻫـﺎ ﻓـﻲ اﻟطﺑﯾﻌـﺔ‪ ،‬ﺣﯾـث ﺳـﺧر‬
‫َل‬
‫اﻷَر َضَ وأَﻧـﺰَ‬‫اتَ و ْ ْ‬ ‫اﻟﺴَـﻤَﺎو ِ‬
‫ﻠَـﻖ ﱠ‬ ‫اﷲ ﻟﻺﻧﺳﺎن إﻣﻛﺎﻧﯾﺎت ﻛﺑﯾـرة ﺣﯾـث ﯾﻘـول ﺳـﺑﺣﺎﻧﻪ و ﺗﻌـﺎﻟﻰ‪ » :‬اﻟﻠﱠـﻪ ُ اﻟﱠـﺬِي َﺧ َ‬
‫َﺤـِـﺮ ﺑِ ـ ْﺄَﻣﺮِﻩِ َ َوﺳـ َﺨﱠﺮ ﻟَ ُﻜـْـﻢ‬
‫ﺘَﺠـ َـﺮِي ِﰲ اﻟْﺒ ْ‬
‫ات رِزْﻗً ــﺎ ﻟَ ُﻜـْـﻢَ َوﺳـ َﺨﱠﺮ ﻟَ ُﻜـْـﻢ اﻟُْﻔْﻠـ َـﻚ ﻟِ ْ‬
‫َج ﺑِ ـِـﻪِْﻣـﻦ اﻟﺜَ َﱠﻤــﺮ ِ‬
‫اﻟﺴـَـﻤِﺎءَ ﻣــﺎء ً ﻓَ ـﺄ َْﺧَﺮ‬
‫ِﻣـْـﻦ ﱠ‬
‫ْﺘُﻤﻮﻩ ُ‬ ‫آﺗَﺎﻛُﻢِ ْﻣﻦ ُﻛ ﱢـﻞَ ﻣـﺎ َﺳـﺄَﻟ ُ‬
‫اﻟﻠﱠﻴْﻞَ واﻟﻨـَﱠﻬَﺎر)‪ َ(‬و ْ‬
‫َ َوﺳَﺨﱠﺮ ﻟَ ْﻜُﻢ اﻟﺸْﱠﻤَﺲَ واﻟَْﻘََﻤﺮَداﺋَِ ْﺒـﲔِ َ َوﺳَﺨﱠﺮ ﻟَ ْﻜُﻢ َ‬ ‫ْاﻷَ ََﺎر)‪(‬‬
‫اﻹ َﻧﺴ َﺎن ﻟَﻈَﻠُﻮمٌ َﻛﻔٌﱠﺎر)‪.*«(‬‬
‫ُْﺼَﻮﻫﺎ إِ ﱠن ِْ‬
‫اﻟﻠﱠﻪ َﻻ ﲢ ُ‬
‫ﻧِﻌﻤﺔَ ِ‬
‫إِن ﺗـَﻌ ُ ﱡﺪوا َْ‬
‫َو ْ‬
‫و ﻫﻧﺎك اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻵﯾﺎت اﻷﺧرى اﻟﺗﻲ ﺗﺑـﯾن ﻧﻌـم اﷲ ﻋﻠـﻰ اﻹﻧﺳـﺎن ﺣﯾـث زودﻩ ﺑﻌﻘـل ﯾﻣﻛﻧـﻪ‬
‫ـﻧﻬﺞ ﻟﻣﻛﺎﻓﺣـﺔ اﻟﻔﻘـر ﯾﻧطـوي ﻋﻠـﻰ أﺳـس ﻣﺗﯾﻧـﺔ و ﻗواﻋـد‬
‫ﻧظﺎم و ﻣ ٍ‬
‫ﻣن اﺳﺗﻐﻼل ﻫذﻩ اﻟﻣوارد‪ ،‬و وﺿﻊ ٍ‬
‫ﺛﺎﺑﺗـﺔ ﺗﺑﻧــﻰ أﺳﺎﺳــﺎ ﻋﻠــﻰ ﻗـﯾم و ﺗﻌــﺎﻟﯾم اﻟــدﯾن اﻹﺳــﻼﻣﻲ اﻟﺣﻧﯾــف و اﻟﺗـﻲ ﻟﻬــﺎ أن ﺗﺧﻠــق ﻣﺟﺗﻣﻌــﺎ ﺗﺳــودﻩ‬
‫اﻟﻌداﻟﺔ و اﻟﻣﺳﺎواة‪.‬‬

‫ﻣﺣﻣد اﻟﻐروي‪ -‬ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑق‪ -‬ص‪ ،‬ص‪.96 ،95 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫*‬
‫ﺳورة إﺑراﻫﯾم‪ .‬اﻵﯾﺎت رﻗم‪.34 ،33 ،32 :‬‬

‫‪42‬‬
‫اﻟﻔﻘر ﻣﻔﻬوﻣﻪ‪ ،‬ﻣﻌﺎﯾﯾر ﻗﯾﺎﺳﻪ و ﺗﻔﺎﺳﯾرﻩ‬ ‫اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ‬

‫ﺧﻼﺻﺔ اﻟﻔﺻل‪:‬‬
‫ﯾﻣﻛن اﻟﻘول ﺑﻌدﻣﺎ ﺟﺎء ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻔﺻل ﺑﺄن اﻟﻔﻘـر ﻣﻔﻬـوم ﻧﺳـﺑﻲ ﯾﺧﺗﻠـف ﻣـن ﺛﻘﺎﻓـﺔ إﻟـﻰ أﺧـرى‬
‫و ﻣن زﻣﺎن إﻟﻰ آﺧر و ﻣن ﻣﻛﺎن إﻟﻰ آﺧر‪ .‬و ﻫذا ﻣﺎ ﯾﻔﺳر ﻋدم وﺟود ﺗﻌرﯾف ﻣوﺣد و ﻣﺗﻔق ﻋﻠﯾﻪ‬
‫و ﻻ ﺣﺗﻰ ﻣﻌﯾﺎر ﻣوﺣد ﻟﻘﯾﺎﺳﻪ‪ .‬و رﻏم ﻫذا ﻓﻬﻧﺎك ﺑﻌض اﻟﺳﻣﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ و اﻟﻧﺎﺗﺟﺔ أﺳﺎﺳﺎ ﻋن اﻟﻔﻘـر‬
‫ﻣﻧﻬ ـ ـ ـ ــﺎ‪ :‬اﻧﺧﻔ ـ ـ ـ ــﺎض اﻟ ـ ـ ـ ــدﺧل‪ ،‬ﺿ ـ ـ ـ ــﻌف اﻟﺗﻐذﯾ ـ ـ ـ ــﺔ‪ ،‬اﻧﺧﻔ ـ ـ ـ ــﺎض اﻟﻣﺳ ـ ـ ـ ــﺗوى اﻟﺻ ـ ـ ـ ــﺣﻲ و اﻟﺗﻌﻠﯾﻣ ـ ـ ـ ــﻲ‪،‬‬
‫وﻋدم ﻣﻼءﻣﺔ اﻟظروف اﻟﺳﻛﻧﯾﺔ‪ ،‬وﻋدم ﺗوﻓﯾر اﻟرﻋﺎﯾﺔ و اﻟﺗوﺟﯾﻪ اﻟﻼزﻣﯾن‪...‬اﻟﺦ‪ ،‬وذﻟـك ﻋﻧـدﻣﺎ ﺗﻌﺟـز‬
‫اﻟﻣ ـ ـ ـ ـوارد اﻻﻗﺗﺻـ ـ ـ ــﺎدﯾﺔ ﻟﻸﺳ ـ ـ ـ ـرة ﻋـ ـ ـ ــن أداء وظﺎﺋﻔﻬـ ـ ـ ــﺎ و ﺗﻠﺑﯾـ ـ ـ ــﺔ اﻻﺣﺗﯾﺎﺟـ ـ ـ ــﺎت اﻟﻣﺗ ازﯾـ ـ ـ ــدة ﻷﻓرادﻫـ ـ ـ ــﺎ‪.‬‬
‫و ﻗـد ﻛـﺎن ﻣوﺿـوع اﻟﻔﻘـر – و ﻧظـ ار ﻻرﺗﺑﺎطــﻪ ﺑﻛـل اﻟﻣﺟﺗﻣﻌــﺎت و ﻓـﻲ ﻛـل اﻟﻌﺻــور‪ -‬ﻣﺣـور اﻫﺗﻣــﺎم‬
‫اﻟﻣﻔﻛـرﯾن و اﻟﺑــﺎﺣﺛﯾن ﺑــﺎﺧﺗﻼف ﻣﺷــﺎرﺑﻬم و ﺧﻠﻔﯾــﺎﺗﻬم اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾــﺔ‪ ،‬ﻣﺷــﻛﻠﯾن اﺗﺟﺎﻫــﺎت ﻋدﯾــدة ﻋﻣﻠــت‬
‫ﻋﻠــﻰ ﺗﻧــﺎول اﻟظــﺎﻫرة و ﺗﻔﺳــﯾرﻫﺎ‪ ،‬و ﯾﺑﻘــﻰ اﻟﺗﺷ ـرﯾﻊ اﻹﺳــﻼﻣﻲ أﻛﺛــر وﺳــطﯾﺔ و اﻋﺗــداﻻ و أﻛﺛــر ﺑ ارﻋــﺔ‬
‫ﻓــﻲ ﺗﺷﺧﯾﺻــﻪ ﻟﻬ ــﺎ و ﻣوﻗﻔــﻪ ﻣﻧﻬ ــﺎ‪ ،‬ﺣﯾــث وﺿ ــﺢ ﺧطورﺗﻬــﺎ ﻋﻠ ــﻰ اﻟﻌﻘﯾــدة اﻹﺳ ــﻼﻣﯾﺔ و ﻋﻠــﻰ اﻟﻔﻛ ــر‬
‫اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ﻋﻣوﻣﺎ‪ ،‬و ﻋﻠﻰ اﻟﺳﻠوك اﻷﺧﻼﻗﻲ اﻟﺳوي‪ ،‬ﺣﯾـث ﯾﻌﻣـل اﻟﻔﻘـر ﻋﻠـﻰ اﻟﺗﺷـﻛﯾك ﻓـﻲ ﻛـل ﺷـﻲء‬
‫ﺣﺗـ ــﻰ ﻓـ ــﻲ اﻟﻘـ ــﯾم اﻷﺧﻼﻗﯾـ ــﺔ ﻧﻔﺳـ ــﻬﺎ‪ ،‬و ﻓـ ــﻲ ﻣﻘﺎﯾﯾﺳـ ــﻬﺎ اﻟﻌﺎدﻟـ ــﺔ‪ .‬وﻫـ ــو ﺑﻬـ ــذا ﯾﻌطـ ــﻲ اﻟﺗﺑرﯾـ ــر ﻟﻠﺧـ ــروج‬
‫ﻋﻣﺎ ﻫو أﺧﻼﻗﻲ‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﯾﺷﻛل ﺧط ار ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘﯾر ﻓﻲ ﺣـد ذاﺗـﻪ و ﻋﻠـﻰ ﻏﯾـرﻩ أي ﻋﻠـﻰ اﻟـذي ﻗـد ﯾﻌﺗـدي‬
‫ﻋﻠﯾﻪ ذﻟك اﻟﻔﻘﯾر ﻣن أﺟل ﺗﺣﻘﯾـق ﻣـﺎ ﻋﺟـز ﻋـن ﺗﺣﻘﯾﻘـﻪ ﺑـﺎﻟطرق اﻟﻣﺷـروﻋﺔ‪ ،‬وﻫـذا ﻣـﺎ ﻧﺑـﻪ إﻟﯾـﻪ اﻟـدﯾن‬
‫اﻹﺳ ـ ــﻼﻣﻲ اﻟﺣﻧﯾ ـ ــف اﻟ ـ ــذي ﺑـ ـ ـﯾﱠن أﻫﻣﯾ ـ ــﺔ اﻟﻣﺳ ـ ــﺎﻋدة ﻓ ـ ــﻲ ﻣﻧ ـ ــﻊ اﻟﻔﻘـ ـ ـراء ﻣ ـ ــن اﻻﻧﺣـ ـ ـراف و اﻟﺧ ـ ــروج‬
‫ﻋن اﻷﻧﻣﺎط اﻟﺳﻠوﻛﯾﺔ اﻟﺳوﯾﺔ‪.‬‬

‫‪43‬‬

You might also like