‫ﺎﻣﻌﺔ اﳉﺰا ﺮ ‪3‬‬

‫ﳇﯿﺔ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ واﻟﻌﻼﻗﺎت ا وﻟﯿﺔ‬

‫ﻗﺴﻢ ا راﺳﺎت ا وﻟﯿﺔ‬

‫ﳏﺎﴐات ﰲ ﻣﻘ ﺎس ﲢﻠﯿﻞ اﻟﲋا ﺎت ا وﻟﯿﺔ‬

‫اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﲣﺼﺺ‪ :‬ﻼﻗﺎت دوﻟﯿﺔ‬

‫ﻣﻦ ا ﺪاد ا ﻛﺘﻮرة‪ :‬ﻓﺮﻗﺎﱐ ﻓ ﯿ ﺔ‬

‫اﻟﺴﻨﺔ اﳉﺎﻣﻌﯿﺔ ‪2021/2020‬‬

 ‫ﻣﻘدﻣﺔ‪:‬‬
‫ﺗﺗﻌــدد اﻟﻧظرﯾــﺎت واﻟﻣﻧــﺎﻫﺞ ﻟد ارﺳــﺔ اﻟﻌﻼﻗــﺎت ﺑــﯾن اﻟــدول‪ ،‬ﺑﻣــﺎ ﺗﺣوﯾــﻪ ﻣــن ﺗﻔﺎﺻــﯾل وﺟزﺋﯾــﺎت ﻣــﺎ ﺑــﯾن‬
‫ﺣــﺎﻟﺗﻲ اﻟﺳــﻠم واﻟﺣــرب‪ ،‬وﻣــﺎ ﺑﯾﻧﻬﻣــﺎ ﻣــن ﺗﺷــوﻫﺎت ﺗﻌﻛــر ﺻــﻔو اﻟﻌﻼﻗــﺔ ﺑــﯾن أطـراف اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻟــدوﻟﻲ‪ ،‬اﻟﻧﺎﺗﺟــﺔ‬
‫ﻋن ﺗﻌﺎرض اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ ﺑﯾن ﻫـذﻩ اﻷطـراف‪ .‬ﻓﻛـل دوﻟـﺔ‪ ،‬ﺗﺳـﻌﻰ ﻟﺗﺣﻘﯾـق ﻣﺻـﺎﻟﺣﻬﺎ اﻟﻘوﻣﯾـﺔ و أﻫـداﻓﻬﺎ اﻟوطﻧﯾـﺔ‪،‬‬
‫ﻛﺎﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻼﻣﺔ أ ارﺿـﯾﻬﺎ‪ ،‬وﺣﻔـظ أﻣﻧﻬـﺎ‪ ،‬واﻟوﺻـول اﻟـﻰ اﻷﺳـواق واﻟﺷـﻬرة‪...‬ﻣﻣﺎ ﯾﺳـﺗدﻋﻲ ذﻟـك إﻧﺷـﺎء‬
‫ﺗﺣﺎﻓــﺎت‪ ،‬واﺳ ــﻘﺎط دول وﺣﻛوﻣ ــﺎت ﻣﻌﺎدﯾ ــﺔ‪ ،‬أو أﺣ ــداث ﺗﻐﯾﯾـ ـرات ﻓ ــﻲ ﺑﻌ ــض اﻟﻘواﻋ ــد اﻟﻧﺎظﻣ ــﺔ ﻟﻠﻌﻼﻗ ــﺎت ﺑ ــﯾن‬
‫اﻟدول‪.‬‬
‫إن ﺗﻌ ــﺎرض اﻟﻣﺻ ــﺎﻟﺢ ﺑ ــﯾن اﻟ ــدول‪ ،‬ﻗ ــد ﯾﺛﯾ ــر اﻟﺗ ــوﺗرات ﺑﯾﻧﻬ ــﺎ‪ ،‬ﻏﯾ ــر أن اﻟﺗ ــوﺗر وﺣ ــدﻩ ﻻ ﯾ ــؤدي اﻟ ــﻰ‬
‫اﻟﺻـ ـراع‪ ،‬ﻓﺎﻟرﯾﺑ ــﺔ واﻟﺷ ــك وﻋ ــدم اﻟﺛﻘ ــﺔ ﺑ ــﯾن اﻷطـ ـراف‪ ،‬ﻟ ــﯾس ﻛﺎﻓﯾ ــﺎ ﻟﺗوﻟﯾ ــد ا ﻟﺻـ ـراع ﺑ ــﯾن اﻟ ــدول‪ٕ .‬واﻧﻣ ــﺎ اﻟﻣﻬ ــم‬
‫اﻟﻣواﻗـف اﻟﻣﺗﻌﺎرﺿـﺔ ﻷطـراف اﻟﻧـزاع‪ .‬ﻓــﺎﻟﺗوﺗرات ﻫـﻲ ﺟـزء ﻣــن اﻟﺻـراع‪ ،‬ﻣﺛﻠﻣــﺎ اﻷزﻣـﺔ ﻣرﺣﻠـﺔ ﻣﻧــﻪ‪ ،‬ﻟﻣـﺎ ﺗﻣﺛﻠــﻪ‬
‫ﻣــن ﺗﺻــﺎﻋد ﻓﺟــﺎﺋﻲ ﻷﺣــداث ﻏﯾــر ﻣﺗوﻗﻌــﺔ‪ ،‬ﺗﺟﻌــل ﺻــﺎﻧﻊ اﻟﻘـرار ﻟﻠدوﻟــﺔ اﻟﻣﺳــﺗﺟﯾﺑﺔ‪ ،‬أﻣــﺎم ﺣﺎﻟــﺔ ﻣــن اﻻﺧﺗﯾــﺎر‬
‫اﻟﺻﻌب ﺑﯾن اﻟﺑداﺋل‪ ،‬طرﻓﯾﻬﺎ اﻟﺣرب واﻟﺳﻠم‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺻـراﻋﺎت واﻟﻧ ازﻋــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ‪ ،‬واﻟﺗــوﺗرات و اﻷزﻣــﺎت ﺑــﯾن اﻟــدول‪ ،‬وﻣــﺎ ﻗــد ﺗــؤول اﻟﯾــﻪ ﻣــن اﺳــﺗﺧدام اﻟﻘــوة‬
‫ﻓــﻲ اﻟﻌﻼﻗــﺎت ﺑــﯾن اﻟــدول‪ ،‬ﻧظـ ار ﻟﻣــﺎ ﯾﻣﺛﻠــﻪ ﻣــن ﺗﻬدﯾــد ﻟﻼﻧﺳــﺎﻧﯾﺔ واﻟﻣـوارد اﻻﻗﺗﺻــﺎدﯾﺔ‪ .‬وﻋﻠﯾــﻪ ﺗﺑــرز اﻹﺷــﻛﺎﻟﯾﺔ‬
‫اﻟﺗﻲ ﺳﺗﺳﻌﻰ ﻫذﻩ اﻟدراﺳﺔ ﻟﻺﺟﺎﺑﺔ ﻋﻠﯾﻬﺎ‪:‬‬
‫‪ -‬ﻣﺎ ﻫﻲ اﻷﺳﺑﺎب واﻟﻣﺑررات ﻟﻬذﻩ اﻟﺻراﻋﺎت واﻟﻧزاﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ ؟‬
 ‫ﻣﻘدﻣﺔ‬

‫اﻟﻣﺣور اﻷول‪ :‬ﻣﻔﻬوم اﻟﻧزاع اﻟدوﻟﻲ وﻣﺳﺗوﯾﺎت ﺗﺣﻠﯾﻠﻪ‬

‫اﻟﻣﺣﺎﺿرة اﻷوﻟﻰ ‪ :‬ﻣﻔﻬوم اﻟﻧزاع اﻟدوﻟﻲ‬

‫اﻟﻣﺣﺎﺿرة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪ :‬ﻣراﺣل ﺗطور اﻟﻧزاع اﻟدوﻟﻲ‬

‫اﻟﻣﺣﺎﺿرة اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ‪ :‬ﻣﺳﺗوﯾﺎت ﺗﺣﻠﯾﻠﻪ‬

‫اﻟﻣﺣور اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ :‬اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﻣﻔﺳرة ﻟﻠﻧزاﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‬

‫اﻟﻣﺣﺎﺿرة اﻷوﻟﻰ‪ :‬اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ‬

‫اﻟﻣﺣﺎﺿرة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪ :‬اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟدوﻟﺔ‬

‫اﻟﻣﺣﺎﺿرة اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ‪ :‬اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ‬

‫اﻟﻣﺣور اﻟﺛﺎﻟث‪ :‬اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺟدﯾدة ﻟﻠﻧزاﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‬

‫اﻟﻣﺣﺎﺿرة اﻷوﻟﻰ‪ :‬اﻟﺗﺣول ﻓﻲ ﺷﻛل اﻟﻧزاﻋﺎت واﺗﺟﺎﻫﻬﺎ‬

‫اﻟﻣﺣﺎﺿرة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪ :‬اﻷﺷﻛﺎل اﻟﺟدﯾدة ﻟﻠﺗﻬدﯾد‬

‫ﻗﺎﺋﻣﺔ اﻟﻣراﺟﻊ‬
 ‫اﻟﻤﺤﻮر اﻷول‪:‬‬
‫ﻣﻔﻬﻮم اﻟﻨﺰاع اﻟﺪوﻟﻲ وﻣﺴﺘﻮﻳﺎت‬
‫ﺗﺤﻠﻴﻠﻪ‬
 ‫اﻟﻣﺣﺎﺿرة اﻷوﻟﻰ‪ :‬ﻣﻔﻬوم اﻟﻧزاع اﻟدوﻟﻲ‪:‬‬

‫ﯾﻌﺗﺑــر ﻣﻔﻬــوم اﻟﻧ ـزاع ﻣــن اﻟﻣﻔــﺎﻫﯾم اﻟﻣﻌﻘــدة واﻟﻣﺗداﺧﻠــﺔ ﻓــﻲ ﻣﻌﻧﺎﻫــﺎ ﻣــﻊ اﻟﻌدﯾــد ﻣــن اﻟﻣﻔــﺎﻫﯾم اﻷﺧــرى‬
‫اﻟﻣﺷـﺎﺑﻬﺔ ﻟــذﻟك ﺳـﻧﺣﺎول ﻓــﻲ ﻫـذا اﻟﻣﺑﺣــث اﻟﺗطـرق إﻟــﻰ اﻟدﻻﻟـﺔ اﻟﻠﻐوﯾــﺔ واﻻﺻـطﻼﺣﯾﺔ ﻟﻠﻔــظ اﻟﺻـراع‪ ،‬واﻟﻔــرق‬
‫ﺑﯾﻧــﻪ وﺑــﯾن اﻟﻧـ ـزاع ﻣــن ﺣﯾ ــث اﻟدﻻﻟــﺔ‪ ،‬ﻋﻠ ــﻰ اﻋﺗﺑــﺎر أن أﻏﻠــب اﻟد ارﺳ ــﺎت اﻟﻌرﺑﯾــﺔ ﺗﻌط ــﻲ اﻟﻣﺻــطﻠﺣﯾن ﻧﻔ ــس‬
‫اﻟدﻻﻟﺔ ﻓﻲ ﺣﯾن ان اﻟﻣﻌﻧﻰ ﯾﺧﺗﻠف وﻫذا ﻣﺎ ﺳﻧﺑﯾﻧﻪ ﻣن ﺧﻼل اﻟﺗطرق اﻟﻰ ﻣﻔﻬوم ﻛل ﻣﺻطﻠﺢ ﻋﻠﻰ ﺣدى‪.‬‬

‫أوﻻ‪ :‬ﺗﻌرﯾف اﻟﺻراع ‪Struggle‬‬

‫ﯾﺗﻔق اﻟﺑﺎﺣﺛون ﻋﻠﻰ أن اﻟﺻراع اﻟدوﻟﻲ ظﺎﻫرة ذات طﺑﯾﻌﺔ ﻣﺗﻌددة اﻷﺑﻌﺎد وﻣﻌﻘدة‪ ،‬ﻧظـ ار ﻷﻧﻬـﺎ ﺗﻧﻔـرد‬
‫ﻋــن ﻏﯾرﻫــﺎ ﻣـ ـن ظ ـواﻫر اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟدوﻟﯾ ــﺔ ﺑﺄﻧﻬــﺎ ظــﺎﻫرة دﯾﻧﺎﻣﯾﻛﯾ ــﺔ ﻣﺗﻧﺎﻫﯾــﺔ اﻟﺗﻌﻘﯾــد‪ ،‬وﯾرﺟ ــﻊ ذﻟــك إﻟــﻰ ﺗﻌ ــدد‬
‫أﺑﻌﺎدﻫ ـ ــﺎ وﺗ ـ ــداﺧل ﻣﺳ ـ ــﺑﺑﺎﺗﻬﺎ وﻣﺻ ـ ــﺎدرﻫﺎ وﺗﺷ ـ ــﺎﺑك ﺗﻔﺎﻋﻼﺗﻬ ـ ــﺎ وﺗﺄﺛﯾراﺗﻬ ـ ــﺎ اﻟﻣﺑﺎﺷـ ـ ـرة وﻏﯾ ـ ــر اﻟﻣﺑﺎﺷـ ـ ـرة وﺗﻔ ـ ــﺎوت‬
‫اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺣدث ﻋﻧدﻫﺎ وذﻟك ﻣن ﺣﯾث اﻟﻛﺛﺎﻓﺔ واﻟﻌﻧف‪.‬‬
‫وﻗ ــد أﺛ ــر ذﻟـ ـك ﻋﻠ ــﻰ ﻣﺳ ــﺄﻟﺔ إﯾﺟ ــﺎد ﺗﻌرﯾ ــف واﺣ ــد ﻟﻣﺻ ــطﻠﺢ اﻟﺻـ ـراع‪ ،‬إذ ﻧﺟ ــد أن أﻏﻠ ــب اﻟد ارﺳ ــﺎت‬
‫واﻟﺗﺣﻠﯾﻼت اﻟﺧﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺻراع اﻟـدوﻟﻲ ﻫـﻲ د ارﺳـﺎت ﺣﺎﻟـﺔ‪ ،‬وﻫـذا ﻣـﺎ ﻟـم ﯾﺳـﺎﻋد ﻋﻠـﻰ ﺑﻧـﺎء ﻓﻛـري ﺗﻧظﯾـري واﺣـد‬
‫ﯾﻣﻛن ﺗﻌﻣﯾم ﻧﺗﺎﺋﺟﻪ ﻟﺗﺣﻠﯾـل ﺣـﺎﻻت أﺧـرى‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗـﺎﻟﻲ أدى ذﻟـك إﻟـﻰ ﻟﺟـوء ﻛـل ﺑﺎﺣـث ﻟﺻـﯾﺎﻏﺔ ﺗﻌرﯾـف إﺟ ارﺋـﻲ‬
‫ﯾﻧﺎﺳب ﻣوﺿوع ﺑﺣﺛﻪ وﯾﺗﻔق ﻣﻊ ﻓرﺿﯾﺎﺗﻪ ﺣول اﻟﺻراع ﻣوﺿوع اﻟدراﺳﺔ‪.‬‬
‫ﻟذﻟك ﺗﻌد ﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﺗﻌرﯾف ﺑﻣﺻطﻠﺢ اﻟﺻراع ﻣﻌﻘدة ﺑﺳﺑب ﺗﻌدد اﻟﻣداﺧل اﻟﺗـﻲ ﯾﻌﺗﻣـدﻫﺎ ﻛـل ﺑﺎﺣـث ﻓـﻲ‬
‫ﺗﻌرﯾﻔــﻪ‪ ،‬إذ ﯾﺷــﯾر اﻟﺻـراع ﻣــﺛﻼ ﻓــﻲ ﺑﻌــدﻩ اﻟﻧﻔﺳــﻲ إﻟــﻰ ''ﻣوﻗــف ﯾﻛــون ﻟــدى اﻟﻔــرد ﻓﯾــﻪ داﻓــﻊ ﻟﻠﺗــورط أو اﻟــدﺧول‬
‫ﻓﻲ ﻧﺷﺎطﯾن أو أﻛﺛر ﻟﻬﺎ طﺑﯾﻌﺔ ﻣﺗﺿﺎدة ﺗﻣﺎﻣﺎ''‪ ،‬أﻣـﺎ ﻣـن ﺣﯾـث اﻟﺑﻌـد اﻻﺟﺗﻣـﺎﻋﻲ ﻟﻠﺻـراع ﻓﻬـو ﯾﺗﺣـدد ﺑﻛوﻧـﻪ‬
‫''ﻧﺿــﺎﻻ ﺣــول ﻗــﯾم أو أوﺿــﺎع أو ﻣطﺎﻟــب ﻣﻌﯾﻧــﺔ أو ﻗــوة أو ﺣــول ﻣ ـوارد ﻣﺣــددة أو ﻧــﺎدرة''‪ ،‬ﺑﯾﻧﻣــﺎ ﻧﺟــد ﻣﻔﻬــوم‬
‫اﻟﺻراع ﻓﻲ ﺑﻌدﻩ اﻷﻧﺛروﺑوﻟوﺟﻲ أﻧﻪ ﯾﺣدث ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻟﻠﺗﻧﺎﻓس ﺑﯾن طرﻓﯾن ﻋﻠﻰ اﻷﻗل‪ ،‬ﻗد ﯾﻛـون أﺣـدﻫﻣﺎ ﻓـردا أو‬
‫أﺳرة أو ﻧﺳﻼ ﺑﺷرﯾﺎ ﻣﻌﯾﻧﺎ أو ﻗﺑﯾﻠﺔ أودﯾﻧﺎ''‪.1‬‬
‫و ﯾﺳـﺗﺧدم ﻣﺻـطﻠﺢ اﻟﺻـراع ﻟﻺﺷـﺎرة إﻟـﻰ وﺿــﻊ ﺗﻛـون ﻓﯾـﻪ ﻣﺟﻣوﻋــﺔ ﻣـن اﻷﻓـراد ﻣﻧﺧرطـﺔ ﻓـﻲ ﺗﻌــﺎرض‬
‫واع ﻣﻊ ﻣﺟﻣوﻋﺔ أو ﻣﺟﻣوﻋﺎت أﺧرى ﻣﻌﯾﻧﺔ ﻷن ﻛﻼ ﻣن ﻫـذﻩ اﻟﻣﺟﻣوﻋـﺎت ﯾﺳـﻌﻰ ﻟﺗﺣﻘﯾـق أﻫـداف ﻣﺗﻧﺎﻗﺿـﺔ‬
‫ﻓﻌـﻼ أو ﺗﺑـدو أﻧﻬـﺎ ﻛـذﻟك‪ .2‬وﻓـﻲ ﻫـذا اﻹطـﺎر ﯾﻌرﻓـﻪ إﺳـﻣﺎﻋﯾل ﺻـﺑري ﻣﻘﻠـد ﺑﺄﻧـﻪ ''ﻧﺿـﺎل ﻣـرﺗﺑط ﺑـﺎﻟﻘﯾم ﯾـؤدي‬
‫ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟب إﻟﻰ إﻟﺣﺎق اﻟﺿرر اﻟﻣﺎدي أو اﻟﻣﻌﻧوي ﺑﺎﻵﺧرﯾن''‪.3‬‬

‫‪ (1‬ﻣﻨﯿﺮ ﺑﺪوي‪ '' ،‬ﺗﺤﻠﯿﻞ اﻟﺼﺮاع اﻟﺪوﻟﻲ '' ﻓﻲ‪ :‬اﺗﺠﺎھﺎت ﺣﺪﯾﺜﺔ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ )اﻟﻘﺎھﺮة‪ :‬اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻌﻠﻤﯿﺔ ﻟﻠﻌﻠﻮم اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ و اﻹدارة اﻟﻌﺎﻣﺔ‪(1999 ،‬‬
‫ص ص‪.346،345 .‬‬
‫‪ (2‬ﺟﯿﻤﺲ دورﺗﻲ‪ ،‬روﺑﺮت ﺑﺎﻟﺴﺘﻐﺮاف‪ ،‬اﻟﻨﻈﺮﯾﺎت اﻟﻤﺘﻀﺎرﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ‪ ،‬ﺗﺮﺟﻤﺔ‪ :‬وﻟﯿﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻲ )اﻟﻜﻮﯾ ﺖ‪ :‬ﻣﻜﺘﺒ ﺔ ﺷ ﺮﻛﺔ ﻛﺎظﻤ ﺔ ﻟﻠﻨﺸ ﺮ‬
‫واﻟﺘﺮﺟﻤﺔ و اﻟﺘﻮزﯾﻊ ط‪،(1985 ،1.‬ص‪.140.‬‬
‫‪ (3‬إﺳ ﻤﺎﻋﯿﻞ ﺻ ﺒﺮي ﻣﻘﻠ ﺪ‪ ،‬اﻟﻌﻼﻗ ﺎت اﻟﺴﯿﺎﺳ ﯿﺔ اﻟﺪوﻟﯿ ﺔ‪ :‬دراﺳ ﺔ ﻓ ﻲ اﻷﺻ ﻮل واﻟﻨﻈﺮﯾ ﺎت ) اﻟﻜﻮﯾ ﺖ‪ :‬ﻣﻨﺸ ﻮرات ذات اﻟﺴﻼﺳ ﻞ‪ ،‬ط‪،(1985 ،4.‬‬
‫ص‪.213.‬‬
‫ﺗﺷﯾر اﻟﺗﻌﺎرﯾف اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ إﻟﻰ أن اﻟﺻراع ﯾﺗﺿﻣن وﺟود ﺗﻌﺎرض ﻓـﻲ اﻟرﻏﺑـﺎت و اﻟﻣواﻗـف ﺑـﯾن طـرﻓﯾن أو‬
‫أﻛﺛــر‪ ،‬ﺣﯾــث ﯾﺳــﻌﻰ ﻛــل طــرف إﻟــﻰ ﺗﺣﻘﯾــق أﻫداﻓــﻪ ﻋﻠــﻰ ﺣﺳــﺎب اﻟطــرف أو اﻷط ـراف اﻷﺧــرى‪ .‬وﻫﻧــﺎك ﻣــن‬
‫ﯾﻌﺗﺑر اﻟﺻراع ﺻﻔﺔ ﺣﺗﻣﯾﺔ وﻣﻼزﻣـﺔ ﻟﻠﺗﻐﯾﯾـر اﻻﺟﺗﻣـﺎﻋﻲ وﻫـو ﺗﻌﺑﯾـر ﻋـن ﻋـدم اﻟﺗواﻓـق ﻓـﻲ اﻟﻣﺻـﺎﻟﺢ و اﻟﻘـﯾم‬
‫و اﻟﻣﻌﺗﻘدات‪ ،‬واﻟﺗﻲ ﺗﺗﺧذ أﺷﻛﺎﻻ ﺟدﯾدة ﺗﺗﺳﺑب ﻓﯾﻬﺎ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﻐﯾﯾر ﻓﻲ ﻣواﺟﻬﺔ اﻟﺿﻐوط اﻟﻣوروﺛﺔ‪.1‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﯾﻘوم اﻟﺻـراع ﺑـﯾن ﻣﺟﻣوﻋـﺔ ﻣـن اﻷطـ ارف واﻟـدول ﻋﻧـدﻣﺎ ﺗﺗﻌـﺎرض اﻟﻣواﻗـف ﺣـول ﺑﻌـض اﻟﻘﺿـﺎﯾﺎ‪،‬‬
‫ﻓﺎﻷطراف اﻟدوﻟﯾﺔ داﺋﻣﺎ ﺗﺳﻌﻰ إﻟﻰ ﺗﺣﻘﯾق ﺑﻌض اﻷﻫداف اﻟﻣﺣددة ﻛﺈﺿـﺎﻓﺔ ﺑﻌـض اﻷ ارﺿـﻲ ﻟﻬـﺎ‪ ،‬أو اﻟﺑﺣـث‬
‫ﻋن اﻷﻣن أو اﻟﻣﺟـﺎل اﻟﺣﯾـوي أو اﻟوﺻـول إﻟـﻰ اﻷﺳـواق واﻟﺷـﻬرة‪ ،‬أو ﻟﺗﺣﻘﯾـق اﻟﺗﺣﺎﻟﻔـﺎت‪ ،‬أو ﻹﺳـﻘﺎط ﺣﻛوﻣـﺔ‬
‫ﻣﻌﺎدﯾـﺔ أو إﺣـداث ﺗﻐﯾﯾـرات ﻓـﻲ ﺑﻌــض اﻟﻘواﻋـد اﻟﻣﻧظﻣــﺔ ﻟﻠﻌﻼﻗـﺎت اﻟدوﻟﯾـﺔ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻲ ﻓـﺎن اﻟﺳــﻌﻲ ﻧﺣـو ﺗﺣﻘﯾــق‬
‫أو ﺻــﯾﺎﻧﺔ ﻫــذﻩ اﻷﻫــداف ﺗﺟﻌــل اﻟﻣطﺎﻟــب و اﻷﻓﻌــﺎل ﻟﻛــل طــرف رﺑﻣــﺎ ﺗﺻــطدم ﺑﻣﺻــﺎﻟﺢ وأﻫــداف اﻷط ـراف‬
‫اﻷﺧ ــرى‪ ،‬ﻗ ــد ﺗ ــؤدي إﻟ ــﻰ ﺣﺎﻟ ــﺔ ﻣ ــن اﻟﺗﻌ ــﺎرض واﻟﺗﺻ ــﺎدم ﻓ ــﻲ اﻟﻣواﻗ ــف وﺑﺎﻟﺗ ــﺎﻟﻲ ﺗﻌ ــﺎرض اﻟرﻏﺑ ــﺎت واﻹرادات‬
‫واﻟﻣﺻﺎﻟﺢ ﻟﻺطراف اﻟدوﻟﯾﺔ‪ ،‬وأن اﻟﻠﺣظﺔ اﻟﺣرﺟﺔ ﻓﻲ اﻟﺻـراع ﻫـﻲ ﻋﻧـدﻣﺎ ﺗﻛـون ﻣﺻـﺎﻟﺢ أﺣـد اﻷطـرف ﻋﻠـﻰ‬
‫ﺣﺳﺎب ﻣواﻗف اﻷطراف اﻟدوﻟﯾﺔ اﻷﺧرى‪.2‬‬
‫ﻛﻣــﺎ ﯾﻌ ــرف اﻟﺻـ ـراع ﻋﻠ ــﻰ أﻧ ــﻪ '' ﺗﻌ ــﺎرض ﺑ ــﯾن ﻣﺟﻣ ــوﻋﺗﯾن أو أﻛﺛ ــر‪ ،‬ﺗﺳ ــﻌﻰ ﻛ ــل واﺣ ــدة ﻣﻧﻬ ــﺎ ﻟﺗﺣﻘﯾ ــق‬
‫أﻫـ ــداف ﻣﺗﻧﺎﻗﺿـ ــﺔ أو ﺗﺑـ ــدو أﻧﻬـ ــﺎ ﻣﺗﻧﺎﻗﺿـ ــﺔ‪ ،‬واﻟﺻ ـ ـراع ﯾﻌﺑـ ــر ﻋـ ــن ﺗﺻـ ــﺎرع إرادﺗـ ــﯾن و ﺗﺿـ ــﺎد ﻣﺻـ ــﺎﻟﺣﻬﻣﺎ و‬
‫ﺗﻌﺎرﺿــﻬﺎ‪ ،‬وﻏﺎﻟﺑــﺎ ﻣــﺎ ﯾﻛــون اﻟﺻ ـراع ﻣﻌــروف اﻷﺑﻌــﺎد و اﻷط ـراف و اﻻﺗﺟﺎﻫــﺎت‪ .3‬وﻓــﻲ ﻫــذا اﻹطــﺎر ﯾﻌــرف‬
‫ﻟوﯾس ﻛوﺳر ‪ L.Coser‬اﻟﺻراع ﺑﺄﻧـﻪ '' ﺗﻧﺎﻓس ﻋﻠﻰ اﻟﻘﯾم وﻋﻠﻰ اﻟﻘـوة و اﻟﻣـوارد ﯾﻛـون اﻟﻬـدف ﻓﯾـﻪ ﺑـﯾن‬
‫اﻟﻣﺗﻧﺎﻓﺳـﯾن ﻫـو ﺗﺣﯾﯾــد أو ﺗﺻـﻔﯾﺔ أو إﯾـذاء ﺧﺻــوﻣﻬم"‪ .4‬وﻫـذا ﯾﻌﻧـﻲ أن اﻟﺻـراع ﯾﺗﺿـﻣن درﺟـﺔ أﻋﻠـﻰ ﻣــن‬
‫اﻟﺗﻧــﺎﻓس إذا ﻛــﺎن ﻫﻧــﺎك وﻋــﻲ ﺑــﯾن اﻷﻓ ـراد ﻋﻠــﻰ اﻟﺷــﻲء اﻟــذي ﯾﺗﻧﺎﻓﺳــون ﻋﻠﯾــﻪ ﺣﯾــث ﯾرﻗــﻰ اﻟﺗﻧــﺎﻓس ﻟﯾﺻــﺑﺢ‬
‫ﺻراﻋﺎ ﻋﻧدﻣﺎ ﺗﺣﺎول اﻷطراف دﻋم ﻣراﻛزﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺳـﺎب ﻣ ارﻛـز اﻵﺧـرﯾن وﺗﻌﻣـل ﻋﻠـﻰ اﻟﺣﯾﻠوﻟـﺔ دون ﺗﺣﻘﯾـق‬
‫اﻵﺧرﯾن ﻟﻐﺎﯾﺎﺗﻬم و ﺗﺣﯾﯾدﻫم‪.‬‬
‫وﻣﻣﺎ ﺳﺑق ﯾﺗﺿﺢ ﺑﺄن اﻟﺻراع ﯾﺗﺿﻣن ﻋدة أﺑﻌﺎد‪:‬‬
‫‪ -1‬أﻧ ــﻪ ﯾﻔﺗـ ــرض ﺑداﯾ ــﺔ‪ ،‬ﺗﻧـ ــﺎﻗض اﻟﻣﺻـ ــﺎﻟﺢ أو اﻟﻘ ــﯾم ﺑـ ــﯾن ط ــرﻓﯾن أو أﻛﺛـ ــر‪ ،‬ﻣ ـ ـﻊ ﺗ ــوﻓر ﺷـ ــرط اﻹدراك ﻟـ ــدى‬
‫اﻷطراف و وﻋﯾﻬﺎ ﺑﻬذا اﻟﺗﻧﺎﻗض‪.‬‬
‫‪ -2‬أﻧﻪ ﯾﻔﺗرض ﺗوﻓر اﻟرﻏﺑﺔ ﻣن طرف ﻓﻲ ﺗﺑﻧﻲ ﻣوﻗف ﻻ ﯾﺗﻔق ﺑﺎﻟﺿرورة ﻣﻊ رﻏﺑﺎت اﻟطرف اﻵﺧر‪.‬‬
‫‪ -3‬أن اﻟﺻراع ﯾﺗﺧذ ﺛﻼث ﻣﺳﺗوﯾﺎت‪ ،‬اﻟﻣﺳﺗوى اﻷول ﯾﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﺻراﻋﺎت اﻟﻔردﯾﺔ‪ ،‬أﻣﺎ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﺛﺎﻧﻲ‬
‫ﻓﯾﺗﻌﻠــق ﺑﺎﻟﺻ ـراع ﺑــﯾن اﻟﺟﻣﺎﻋــﺎت‪ ،‬و ﯾﺧــﺗص اﻟﻣﺳــﺗوى اﻟﺛﺎﻟــث ﺑﺎﻟﺻ ـراع ﺑــﯾن اﻟ ـدول أو ﻣ ـﺎ ﯾﻌــرف ﺑﺎﻟﺻ ـراع‬
‫اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬

‫‪ (1‬ﺣﺴﯿﻦ ﻗﺎدري‪ ،‬اﻟﻨﺰاﻋﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ دراﺳﺔ وﺗﺤﻠﯿﻞ ) ﺑﺎﺗﻨﺔ‪ :‬ﻣﻨﺸﻮرات ﺧﯿﺮ ﺟﻠﯿﺲ‪ ،‬ط‪ (1،2007 .‬ص‪.19.‬‬
‫‪2‬‬
‫( ﻣﺤﻤﺪ ﻧﺼﺮ ﻣﮭﻨﺎ ‪ ،‬ﺧﻠﺪون ﻧﺎﺟﻲ ﻣﻌﺮوف ‪ ،‬ﺗﺴﻮﯾﺔ اﻟﻨﺰاﻋﺎت اﻟﺪوﻟﯿ ﺔ ﻣ ﻊ دراﺳ ﺔ ﻟ ﺒﻌﺾ ﻣﺸ ﻜﻼت اﻟﺸ ﺮق اﻷوﺳ ﻂ )اﻟﻘ ﺎھﺮة ‪ :‬ﻣﻜﺘﺒ ﺔ ﻏﺮﯾ ﺐ‪،‬‬
‫ب‪.‬س‪.‬ن(‪،‬ص‪.18 .‬‬
‫‪ (3‬ﻋﻠﯿﻮة اﻟﺴﯿﺪ‪ ،‬إدارة اﻷزﻣﺎت و اﻟﻜﻮارث‪ :‬ﻣﺨﺎطﺮ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ واﻹرھﺎب )اﻟﻘﺎھﺮة‪ :‬دار اﻷﻣﯿﻦ ﻟﻠﻨﺸﺮ و اﻟﺘﻮزﯾﻊ‪،‬ط‪ (2002، 2.‬ص‪.13.‬‬
‫‪ (4‬دورﺗﻲ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺘﺴﺘﻐﺮاف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.140.‬‬
‫وﯾﻌـد اﻟﺻـراع ﻋﻠـﻰ اﻟﻣﺳـﺗوى اﻟـدوﻟﻲ'' ﺗﻧــﺎزع وﺗﺻـﺎدم إرادات وﻣﺻـﺎﻟﺢ اﻟـدول اﻟوطﻧﯾـﺔ‪ ،‬وﻫـذا اﻟﺗﻧــﺎزع و‬
‫اﻟﺗﺻﺎدم ﯾﻛون ﻧﺎﺗﺟﺎ ﻋن اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ دواﻓﻊ اﻟدول وﻓﻲ ﺗﺻوراﺗﻬﺎ وﻓﻲ ﻣواردﻫـﺎ ٕواﻣﻛﺎﻧﯾﺎﺗﻬـﺎ ﻣﻣـﺎ ﯾـؤدي إﻟـﻰ‬
‫ﺗﺻـرﻓﺎت وﺳﯾﺎﺳـﺎت ﺗﺧﺗﻠـف أﻛﺛـر ﻣﻣـﺎ ﺗﺗﻔـق''‪ ،‬ﻛﻣـﺎ ﺗﺗﻌـدد اﻟﺻـراﻋﺎت ﺑـﯾن اﻟـدول وﺗﺗﻧـوع‪ ،‬ﻓﻘـد ﺗﻛـون ﺳﯾﺎﺳــﯾﺔ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫أو اﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ‪ ،‬أو ﻣذﻫﺑﯾﺔ‪ ،‬أو دﯾﻧﯾﺔ‪ ،‬أو ﺣﺿﺎرﯾﺔ‪...‬اﻟﺦ‪ ،‬وﺗﻌﺗﺑر اﻟﺣرب ذروة اﻟﺻراع اﻟدوﻟﻲ‬
‫إﻻ أن ﻫﻧــﺎك ﻣــن ﯾــرى ﺑــﺄن اﻟﺻ ـراع اﻟــدوﻟﻲ ﻻ ﺗﻣﻠﯾــﻪ ﻋواﻣــل اﻻﺧــﺗﻼف ﻓــﻲ اﻟﻣﺻــﺎﻟﺢ اﻟﻘوﻣﯾــﺔ ﻟﻠــدول‬
‫ﻓﺣﺳب‪ٕ ،‬واﻧﻣﺎ ﯾﺗﯾﺢ ﻓﻲ اﻟﺟﺎﻧب اﻟﺟـوﻫري ﻣﻧـﻪ ﻣﺣﺎوﻟـﺔ ﻛـل دوﻟـﺔ زﯾـﺎدة ﻗوﺗﻬـﺎ اﻟﻘوﻣﯾـﺔ ﻋﻠـﻰ ﺣﺳـﺎب ﻏﯾرﻫـﺎ ﻣـن‬
‫اﻟدول‪ ،‬وﯾﺗرﺗب ﻋﻠﻰ ذﻟك أﻧﻪ ﺳﯾدﻓﻊ ﺑﻬﺎ إﻟﻰ ﺗﻬدﯾد ﺣرﯾـﺔ اﻟـدول اﻷﺧـرى واﺳـﺗﻐﻼﻟﻬﺎ‪ ،‬وﻫـذا اﻟﺗﺣـدي ﻫـو اﻟـذي‬
‫ﯾــدﻓﻊ ﻫــذﻩ اﻟــدول اﻟﻣﺣــدودة اﻟﻘــوة إﻟــﻰ ﻣواﺟﻬــﺔ اﻟﻘــوة ﺑــﺎﻟﻘوة ﻣــن ﺧــﻼل ﺗﺟﻣﻌﻬــﺎ ﻓــﻲ اﺋــﺗﻼف أو ﻣﺣــور ﻣﺿــﺎد‪،‬‬
‫وﻫو ﻣﺎ ﯾوﻟد ﻗﺎﻧون اﻟﺗوازن أﯾن ﯾﺻﻌب ﻋﻠﻰ أي طرف اﺑﺗﻼع اﻟطرف اﻵﺧر‪.2‬‬
‫إذن‪ ،‬ﻏﺎﻟﺑـﺎ ﻣـﺎ ﻧﺟـد أن ﻣوﺿـوع اﻟﺻـراع اﻟﺳﯾﺎﺳـﻲ ﻫـو اﻟﻘـوة‪ ،‬أو اﻟﻌﻣـل ﻋﻠـﻰ زﯾـﺎدة اﻟﻘـوة‪ ،‬ﻓـﺎﻟﻘوة‪ -‬ﺳـواء‬
‫ﻛﺎﻧت ﻫدﻓﺎ أو وﺳـﯾﻠﺔ– ﻫـﻲ ﻣﺣـور اﻟﺻـراع ﺑـﯾن اﻟـدول‪ ،‬وﻓـﻲ ﻫـذا اﻹطـﺎر ﯾـرى ﺑـرود ون ‪ Proudhon‬أن ''‬
‫اﻟﺻ ـراع اﻟﺳﯾﺎﺳــﻲ ﻫــو ظــﺎﻫرة ﻣــن ظ ـواﻫر اﻟﻘــوة ‪ Un Phénomène de puissance‬و أن ﻋــﺎﻟم‬
‫اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﻣن رواﺑط وﻋﻼﻗﺎت اﻟﻘوة''‪.3‬‬
‫ﯾﻌد ﻣﺣور اﻟﺻراع اﻟـدوﻟﻲ ﻫـو اﻟﻘـوة ﺳـواء ﻛﺎﻧـت ﻫـدﻓﺎ أو وﺳـﯾﻠﺔ‪ .‬ﻓـﺈذا ﻛﺎﻧـت اﻟﻘـوة‬
‫ﻓﺣﺳب ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ‪ّ ،‬‬
‫وﺳﯾﻠﺔ ﻟﺗﺣﻘﯾق أﻫداف اﻟدول‪ ،‬ﻓﻔﻲ ﻫذا اﻹطﺎر ﻗد ﯾﺗﺧذ اﻟﺻراع اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ إﺣدى ﺻورﺗﯾن ﻫﻣﺎ‪:4‬‬
‫أوﻻ‪ :‬اﻟﺻراع اﻟﻌﻧﯾف ‪ :Violent Struggle‬و ﯾﻘﺻد ﺑﻪ اﻟﺣـرب أو اﻟﺻـراع اﻟﻣﺳـﻠﺢ اﻟـذي ﺗﻠﺟـﺄ ﻓﯾـﻪ اﻟـدول‬
‫إﻟﻰ اﻟﻌﻧف و اﻟﻘﺗﺎل دﻓﺎﻋﺎ ﻋن ﻣﺻﺎﻟﺣﻬﺎ اﻟﺣﯾوﯾﺔ‪.‬‬
‫ﺛﺎﻧﯾـﺎ‪ :‬اﻟﺻـراع ﻏﯾـر اﻟﻌﻧﯾـف ‪ : Non violent Struggle‬وﯾﺷـﻣل ﻛﺎﻓـﺔ أﺷـﻛﺎل اﻟﺻـراع اﻷﺧـرى ﺑﺧـﻼف‬
‫اﻟﺣرب‪ ،‬أو ﻣﺎ ﯾﻌرف ﻋﺎدة ﺑوﺳﺎﺋل اﻟﺗﻧﺎﻓس اﻟﺳﻠﻣﻲ ﻛﺎﻟدﺑﻠوﻣﺎﺳـﯾﺔ ﺑﺻـورﻫﺎ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔـﺔ‪ٕ ،‬واﺟـراءات اﻟﻘﺳـر اﻟدوﻟﯾـﺔ‬
‫اﻷﺧرى ﺑﺎﺳﺗﺛﻧﺎء اﻻﺳﺗﺧدام اﻟﻔﻌﻠﻲ ﻟﻠﻌﻧف أو اﻟﻘوة اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ‪.‬‬
‫إﻻ أن اﻟﺻـورة اﻟﻐﺎﻟﺑــﺔ ﻫــﻲ ﺻــورة اﻟﺻـراع ﻏﯾــر اﻟﻌﻧﯾــف‪ ،‬ﺣﯾــث ﺗﺑﻘـﻰ أﻏﻠــب اﻟﺻـراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ ﺑﻌﯾــدة‬
‫ﻋ ــن ﻧﻘط ــﺔ اﻟﺣ ــرب وﻋﻠﯾ ــﻪ ﻻ ﯾﻣﻛ ــن اﻟﺧﻠ ــط ﺑ ــﯾن اﻟﺻـ ـراع اﻟ ــدوﻟﻲ واﻟﺣ ــرب‪ ،‬ﺑﺣﯾ ــث ﺗﻌﺗﺑ ــر ﻫ ــذﻩ اﻷﺧﯾـ ـرة ذروة‬
‫اﻟﺻراع اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬أو أﻋﻠﻰ ﻣرﺣﻠﺔ ﻣن ﻣراﺣﻠﻪ‪.‬‬
‫ﻛﻣ ــﺎ ﯾﻣﻛ ــن أن ﺗﺧﺗﻠ ــف ﺻ ــور اﻟﺻـ ـراع ﺑ ــﺎﺧﺗﻼف أﻫ ــداف وﻏﺎﯾ ــﺎت اﻟ ــدول ﻓ ــﻲ ﺗﺻ ــرﻓﺎﺗﻬﺎ و اﻟﺗ ــﻲ ﺗﻧﻘﺳ ــم‬
‫‪5‬‬
‫ﺑدورﻫﺎ إﻟﻰ ﻧوﻋﯾن‪:‬‬
‫‪ Possession goals‬و اﻷﻫــداف اﻟﺛﺎﻧوﯾــﺔ ‪ .Milieu goals‬وﯾﻘــوم اﻟﻧـوع اﻷول ﻣــن‬ ‫أﻫــداف اﻟﺗﻣﻠــك‬
‫اﻷﻫداف ﻋﻠﻰ ﺗدﻋﯾم واﻟﻣﺣﺎﻓظـﺔ ﻋﻠـﻰ اﻟوﺳـﺎﺋل اﻟﺗـﻲ ﺗـرﺗﺑط ﺑﻬـﺎ ﺷﺧﺻـﯾﺔ وﻛ ارﻣـﺔ وﻣﺻـداﻗﯾﺔ اﻟدوﻟـﺔ‪ ،‬ﻛﻣراﻗﺑـﺔ‬
‫إﻗﻠــﯾم اﻟدوﻟــﺔ وﻣﻣﺎرﺳــﺔ ﻛﺎﻓــﺔ ﺟواﻧــب اﻟﺳــﯾﺎدة ﻋﻠﯾــﻪ‪ ،‬وﯾﻣﺗــﺎز ﻫــذا اﻟﻧــوع ﻣــن اﻷﻫــداف ﺑطﺑﯾﻌــﺔ اﻟﺗﻌــﺎرض ﻣــﻊ‬

‫‪ ( 1‬ﺣﺴﯿﻦ ﺑﻮﻗﺎرة‪ ،‬ﺗﺤﻠﯿﻞ اﻟﻨﺰاﻋﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ‪:‬ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﻧﻈﺮﯾﺔ)اﻟﺠﺰاﺋﺮ‪:‬ﻣﺨﺒﺮ اﻟﺒﺤﻮث و اﻟﺪراﺳﺎت ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ‪ ،(2008 ،‬ص‪.7.‬‬
‫‪ (2‬ﻣﮭﻨﺎ‪ ،‬ﻣﻌﺮوف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص‪.8 ،7.‬‬
‫‪ (3‬ﻣﻤﺪوح ﻣﺤﻤﻮد ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﻨﺼﻮر‪،‬ﺳﯿﺎﺳﺔ اﻟﺘﺤﺎﻟﻒ اﻟﺪوﻟﻲ ) اﻟﻘﺎھﺮة ‪ :‬ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻣﺪﺑﻮﻟﻲ‪، (1997،‬ص‪.38.‬‬
‫‪ (4‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ ‪،‬ص‪.39.‬‬
‫‪ (5‬ﺑﻮﻗﺎرة‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص‪.9 ، 8.‬‬
‫اﻷﻫداف اﻟﻣﺗﻣﺎﺛﻠﺔ ﻟﻠدول اﻷﺧرى وﻫذا ﻧظ ار ﻷن ﺗﺻـور دوﻟـﺔ ﻣﻌﯾﻧـﺔ ﻟﻣﺳـﺄﻟﺔ ﻣﻌﯾﻧـﺔ ﯾﺧﺗﻠـف ﻋـن ﺗﺻـور دوﻟـﺔ‬
‫أﺧـرى ﻟﻬـذﻩ اﻟﻣﺳـﺄﻟﺔ‪ .‬وﻣﺛـل ﻫـذﻩ اﻟوﺿـﻌﯾﺔ ﻋـﺎدة ﻣـﺎ ﯾرﻣـز إﻟﯾﻬـﺎ ﺑﺎﻟﻠﻌﺑـﺔ اﻟﺻـﻔرﯾﺔ‪ .Zero sum game‬أﻣـﺎ‬
‫اﻟﻧــوع اﻟﺛ ــﺎﻧﻲ ﻣ ــن اﻷﻫــداف ‪ ،Milieu goals‬ﻓﻬ ــو ﻻ ﯾﻬ ــدف إﻟــﻰ ﺗ ــدﻋﯾم ﻣﻠﻛﯾ ــﺔ اﻟدوﻟــﺔ ﻟﺷ ــﻲء ﻣﻌ ــﯾن ﻓ ــﻲ‬
‫ﺗﻌﺎرﺿﻬﺎ ﻣﻊ دول أﺧرى ﺑل ﯾﺗم ذﻟك ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﻣﻧﻔﻌـﺔ اﻟﻣﺗﺑﺎدﻟـﺔ ﻟﻠـدول اﻷطـراف ﻓـﻲ اﻟﻌﻼﻗـﺎت اﻟدوﻟﯾـﺔ‪ ،‬و‬
‫ﻛﺛﯾ ار ﻣﺎ ﯾرﻣز ﻟﻬذا اﻟﻧوع ﻣن اﻷﻫداف ﺑﺎﻟﻠﻌﺑﺔ ﻏﯾر اﻟﺻﻔرﯾﺔ أو ''‪''.Non zero sum game‬‬
‫واﺧﺗﯾـﺎر ﻧــوع ﻣــن ﻫــذﻩ اﻷﻫــداف ﯾـؤﺛر ﻋﻠــﻰ طﺑﯾﻌــﺔ اﻟﻌﻼﻗـﺔ ﺑــﯾن اﻟــدول‪ ،‬ﻓــﺈذا رﻛــزت اﻟدوﻟــﺔ ﻋﻠــﻰ ﺗﺣﻘﯾــق‬
‫أﻫ ــداف اﻟﺗﻣﻠ ــك ﻓﺈﻧﻬ ــﺎ ﺣﺗﻣ ــﺎ ﺳ ــﺗﻧﺟر إﻟ ــﻰ أزﻣ ــﺎت وﻣﺷ ــﺎﻛل ﻣ ــﻊ ﺟ ــل اﻟ ــدول اﻷﺧ ــرى‪ ،‬ﻟﻛﻧﻬ ــﺎ إذا رﻛ ــزت ﻋﻠ ــﻰ‬
‫اﻷﻫــداف اﻟﺛﺎﻧوﯾــﺔ ﻓﺈﻧﻬــﺎ ﺗﺳــﺗطﯾﻊ أن ﺗــؤﻣن وﺗﺿــﻣن اﻟﺗﻌــﺎون ﻣــﻊ اﻟــدول اﻷﺧــرى اﻟﺗــﻲ ﺑــدوﻧﻬﺎ ﻻ ﯾﻣﻛــن ﺗﺣﻘﯾــق‬
‫اﻷﻫ ــداف‪ .‬ﻟ ــذﻟك ﻧﺟ ــد أن اﻟﺻـ ـراﻋﺎت ﺑ ــﯾن اﻟ ــدول ﺗﻧﺷ ــﺄ ﻋ ــﺎدة ﻋﻧ ــدﻣﺎ ﺗرﻏ ــب دول أن ﺗﺣﻘ ــق أﻫ ــداﻓﻬﺎ اﻟﻘوﻣﯾ ــﺔ‬
‫‪1‬‬
‫‪ National goals‬ﻋﻠﻰ ﺣﺳﺎب ﺑﻌض اﻟدول‪.‬‬
‫وﻟــذﻟك ﯾﺷــﺎر إﻟــﻰ اﻟﺻـراع ﺑﺄﻧــﻪ '' ﺗﻧــﺎزع اﻹرادات اﻟﻘوﻣﯾــﺔ‪ ،‬وﻫــو اﻟﻧــﺎﺗﺞ ﻋــن اﻻﺧــﺗﻼف ﻓــﻲ دواﻓــﻊ اﻟــدول‬
‫وﻓﻲ ﺗﺻوراﺗﻬﺎ وأﻫداﻓﻬﺎ وﺗطﻠﻌﺎﺗﻬﺎ وﻓﻲ ﻣواردﻫﺎ ٕواﻣﻛﺎﻧﺎﺗﻬﺎ ﻣﻣﺎ ﯾؤدي إﻟﻰ ﺗﻌﺎرض اﻷﻫـداف واﻟﻣواﻗـف وﯾـؤدي‬
‫‪2‬‬
‫ﻓﻲ اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻷﺧﯾر إﻟﻰ اﺗﺧﺎذ ﻗ اررات واﻧﺗﻬﺎج ﺳﯾﺎﺳﺎت ﺧﺎرﺟﯾﺔ ﺗﺧﺗﻠف أﻛﺛر ﻣﻣﺎ ﺗﺗﻔق‪''.‬‬
‫ﯾﺗﺿــﺢ إذا ﻣــن ﺧ ـﻼل اﻟﺗﻌــﺎرﯾف اﻟﺳــﺎﺑﻘﺔ ﻟﻠﺻ ـراع‪ ،‬ﺑــﺄن درﺟﺎﺗ ـﻪ ﻣﺧﺗﻠﻔــﺔ وأﺷــﻛﺎﻟﻪ ﻣﺗﻧوﻋــﺔ ﻓﻬــو ﯾﺑ ــدأ‬
‫ﺑﺎﻟﺗﻧــﺎﻓس اﻟﺳــﻠﻣﻲ واﻟﺗﻌــﺎﯾش ﺑــﯾن اﻟــدول ﻓــﻲ أدﻧــﻰ درﺟﺎﺗــﻪ‪ ،‬ﻟﯾﺻــل إﻟــﻰ اﻟﺣــرب واﻟﺻــدام اﻟﻣﺳــﻠﺢ ﻋﻧــد اﺷــﺗداد‬
‫ﺣدة اﻟﺗﻧﺎﻗض واﻟﻔﺷـل ﻓـﻲ إدارة اﻟﺻـراع ﺑﺻـورة ﺳـﻠﻣﯾﺔ)‪ ،(‬ﻓﻧﺟـد ﻓـﻲ ﺣﺎﻟـﺔ اﻟﺗﻧـﺎﻓس أﻧﻬـﺎ ﻻ ﺗﺗﺿـﻣن ﻋﻧﺻـر‬
‫اﻟﻌداء وﻻ ﺣﺗﻰ اﻟوﻋﻲ ﻟدى أﺣد اﻷطراف ﺑﺄن اﻵﺧر ﻣوﺟود‪ ،‬أﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟـﺔ اﻟﺻراع ﻓـﺎﻷﻣر ﯾﺧﺗﻠـف‪ ،‬إذ ﯾﻌﺑـر‬
‫اﻟﺻ ـراع ﻋــن ﻣوﻗــف ﯾﻬــدف ﻓﯾــﻪ أﺣــد اﻷط ـراف إﻟــﻰ اﻹﺿ ـرار ﺑــﺎﻟطرف اﻵﺧــر ﻟﻛــﻲ ﯾﺻــل إﻟــﻰ أﻫداﻓــﻪ‪ ،‬وﻗــد‬
‫ﺗﺗﺻ ـﺎﻋد ﺣــدة ﻫــذا اﻟﻣوﻗــف ﻟﯾﺻــل إﻟــﻰ اﻟﺣــرب ﺑﺎﻋﺗﺑــﺎر ﻫــذﻩ اﻷﺧﯾ ـرة أﻧﻬــﺎ اﻟﺗﺻــﺎدم اﻟﻔﻌﻠــﻲ ﺑوﺳــﯾﻠﺔ اﻟﻌﻧــف‬
‫اﻟﻣﺳــﻠﺢ ﺣﺳــﻣﺎ ﻟﺗﻧﺎﻗﺿــﺎت ﺟذرﯾــﺔ ﻟــم ﯾﺟــد ﻣﻌﻬــﺎ اﺳــﺗﺧدام اﻷﺳــﺎﻟﯾب اﻷﻛﺛــر ﻟﯾﻧــﺎ واﻷﻗــل ﺗطرﻓــﺎ‪ .‬ﻟﻬــذا ﺗﻌﺗﺑــر‬
‫اﻟﺣرب ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ ذروة اﻟﺻراع أو آﺧر ﻣرﺣﻠﺔ ﻓﻲ ﺗطور اﻟﺻراع اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬
‫وﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻌﺎرﯾف اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ﻟﻣﻔﻬوم اﻟﺻراع ﯾﻣﻛن ﺻﯾﺎﻏﺔ اﻟﺗﻌرﯾـف اﻹﺟ ارﺋـﻲ اﻟﺗـﺎﻟﻲ واﻟـذي ﺳـﯾﻛون‬
‫ﻣﻧطﻠﻘـﺎ ﻟد ارﺳـﺗﻧﺎ‪ :‬ﯾﻌﺗﺑــر اﻟﺻـراع ﺑﺄﻧـﻪ ﺗﻧــﺎﻗض اﻹرادات اﻟوطﻧﯾــﺔ واﻟﻘوﻣﯾـﺔ‪ ،‬أو ﻫــو ﺗﻧــﺎﻗض اﻹرادات اﻟﻛﺑــرى‬
‫اﻟﻣﺗﻌﻠﻘـﺔ ﺑﺄﻫـداف اﻟــدول ٕواﻣﻛﺎﻧﯾﺎﺗﻬـﺎ واﺳـﺗراﺗﯾﺟﯾﺎﺗﻬﺎ اﻟﺑﻌﯾــدة‪ ،‬ﻣﻣـﺎ ﯾـؤدي إﻟــﻰ ﺗﻌـﺎرض اﻷﻫـداف واﻟﻣواﻗــف‬
‫وﯾؤدي ﻓﻲ اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻷﺧﯾر إﻟﻰ اﺗﺧﺎذ ﻗرارات واﻧﺗﻬﺎج ﺳﯾﺎﺳﺎت ﺧﺎرﺟﯾﺔ ﺗﺧﺗﻠف أﻛﺛر ﻣﻣﺎ ﺗﺗﻔق‪ .‬ﻛﻣـﺎ ﯾﺗﻣﯾـز‬
‫اﻟﺻ ـراع ﺑﻛوﻧــﻪ طوﯾــل اﻷﻣــد ﯾﻐطــﻲ ﻣﺧﺗﻠــف اﻟﻣﺟــﺎﻻت واﻟﻣﯾــﺎدﯾن‪ ،‬ﻟــذﻟك ﺗﺗﺟــﻪ اﻷط ـراف ﻏﺎﻟﺑــﺎ إﻟــﻰ إدارة‬
‫اﻟﺻراع ﺑدل ﺗﺳوﯾﺗﻪ ﺑﺳﺑب ﺗﻌدد اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﻣﺗﻌﺎرض ﺑﺷﺄﻧﻬﺎ‪ ،‬وﺗﻌﺗﺑر اﻟﺣرب ذروة اﻟﺻراع اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬

‫‪ (1‬ﻣﮭﻨﺎ‪ ،‬ﻣﻌﺮوف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.7.‬‬

‫‪ (2‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ ‪ ،‬ص‪.9.‬‬
‫‪ ‬ﻓﻲ ھﺬا اﻹطﺎر ﯾﺬھﺐ إﺑﺮاھﯿﻢ أﺑﻮ ﺧﺰام ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﮫ اﻟﺤﺮوب وﺗﻮازن اﻟﻘﻮى إﻟﻰ اﻋﺘﺒﺎر أن درﺟﺔ اﻟﺼﺮاع وﻧﻮﻋﮫ ﯾﺮﺗﺒﻂ ﺑﺠﻤﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻣﻞ‬
‫اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ‪،‬واﻟﺸﺨﺼﯿﺔ أﺣﯿﺎﻧﺎ ﻟﻌﻞ ﻓﻲ ﻣﻘﺪﻣﺘﮭﺎ درﺟﺔ اﻟﺘﻄﻮر اﻟﺤﻀﺎري واﻟﺜﻘﺎﻓﻲ وطﺒﯿﻌﺔ اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ اﻟﺴﺎﺋﺪة ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت اﻟﺼﺮاع وﻣﺪى‬
‫ﺷﻌﻮرھﺎ ﺑﺎﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﺔ وﺑﺪرﺟﺎت اﻟﺘﻨﺎﻗﺾ واﻟﺘﻮاﻓﻖ اﻹﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﻲ ﻓﻲ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ‪ ،‬ﻟﻠﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻹطﻼع ارﺟﻊ إﻟﻰ ‪:‬‬
‫إﺑﺮاھﯿﻢ أﺑﻮ ﺧﺰام‪ ،‬اﻟﺤﺮوب وﺗﻮازن اﻟﻘﻮى )ﻟﺒﻨﺎن‪:‬اﻷھﻠﯿﺔ ﻟﻠﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﯾﻊ‪ ،‬ط‪،(1999 ،1.‬ص‪.7.‬‬
 ‫ﺛﺎﻧﯾﺎ‪ :‬ﻣﻔﻬوم اﻟﻧزاع‬

‫ﯾﻌﺗﺑر ﻣﻔﻬوم اﻟﻧزاع ﻣـن أﺑـرز اﻟﻣﻔـﺎﻫﯾم اﻟﻣﺷـﺎﺑﻬﺔ ﻟﻠﺻـراع‪ ،‬ﺣﯾـث ﺗﺑـدو ﻟﻠوﻫﻠـﺔ اﻷوﻟـﻰ إﺷـﻛﺎﻟﯾﺔ ﺗرﺟﻣـﺔ‬
‫ﻣﻔﻬـ ــوم ‪ conflit‬أو‪ Conflict‬ﺑـ ــﺎﻟﻠﻐﺗﯾن اﻟﻔرﻧﺳـ ــﯾﺔ واﻻﻧﺟﻠﯾزﯾـ ــﺔ ‪،‬إﻟـ ــﻰ اﻟﻠﻐـ ــﺔ اﻟﻌرﺑﯾـ ــﺔ‪ ،‬إذ ﺗﻌـ ــد أول ﺗﺣـ ــد أﻣـ ــﺎم‬
‫اﻟﺑﺎﺣث ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺧص اﻟﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾن ﻣﺻطﻠﺣﻲ اﻟﺻراع واﻟﻧزاع‪.‬‬
‫ـز ﺑــﯾن اﻟﺻـراع واﻟﻧـزاع‪ ،‬ﻓـﻲ ﻣﻌﺟﻣــﻪ ''ﻟﺳـﺎن اﻟﻌــرب''‪ ،‬إذ ﯾــرى ﺑـﺄن اﻟﺗﻧــﺎزع‬
‫ﻟﻘـد ﻗــدم اﺑــن ﻣﻧظــور ﺗﻣﯾﯾـ ا‬
‫ﻫو اﻟﺗﺧﺎﺻم وﻧـزاع اﻟﻘـوم ﻫـو ﺧﺻـﺎﻣﻬم‪ ،‬أﻣـﺎ اﻟﺻـراع واﻟﻣﺻـﺎرﻋﺔ ﻓﯾـدﻻن ﻋﻠـﻰ اﻟﻣﺟﺎﺑﻬـﺔ اﻟﺣـﺎدة ﺣﯾـث ﻋﻠـﻰ‬
‫‪1‬‬
‫واﺣد أن ﯾﺻرع اﻵﺧر‪.‬‬
‫ﻛﻣــﺎ ﺗﺄﺧــذ اﻟﻌدﯾــد ﻣــن اﻟﻣوﺳــوﻋﺎت اﻷﺟﻧﺑﯾــﺔ ﺑﻬــذا اﻟﺗﻣﯾﯾــز إذ ﺗﻌﺗﺑــر أن اﻟﺻـراع ﯾﻧطــوي ﻋﻠــﻰ ''ﺟــدال‬
‫ﻋﻧﯾ ــف'' أو ''ﻛﻔ ــﺎح ﺿ ــد اﻟﻐﯾ ــر‪ "،‬ﻓ ــﻲ ﺣ ــﯾن ﯾﺷ ــﯾر اﻟﻧـ ـزاع إﻟ ــﻰ ''اﻻﺧ ــﺗﻼف'' أو ''اﻟﺗﻌ ــﺎرض'' أو''اﻟﺗﻧ ــﺎﻓس ﻓ ــﻲ‬
‫‪2‬‬
‫اﻷﻓﻛﺎر‪ ''،‬وﻫذا ﯾﻌﻧﻲ أن اﻟﻧزاع ﻫو ﻣرﺣﻠﺔ ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻟﻠﺻراع وﻗد ﻻ ﯾﺗﺣول إﻟﻰ ﺻراع‪.‬‬
‫وﻫﻧﺎك ﻣن ﯾﻌرف'' اﻟﺻراع ﺑﺄﻧﻪ اﻟﺗﻌﺎرض ﻓﻲ اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ‪ ،‬ﻓﻲ ﺣـﯾن أن اﻟﻧـزاع ﻫـو اﻟﺗﻌـﺎرض ﻓـﻲ اﻟﺣﻘـوق‬
‫اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾــﺔ‪ ''،‬ﻛﻣــﺎ أن أﺳــﺎﻟﯾب اﻟﺗﻌﺎﻣــل ﻣــﻊ ﻛــل ﻣوﻗــف ﺗﺧﺗﻠــف ﻓﻘــد ﯾﺟــري اﺣﺗ ـواء اﻟﺻ ـراع ﺑﻣﻌﻧــﻰ اﻹﺣﺎطــﺔ ﺑــﻪ‬
‫واﻟﺳ ــﯾطرة ﻋﻠﯾ ــﻪ وﺣﺻـ ـرﻩ وﻣﻧ ــﻊ اﻧﺗﺷ ــﺎرﻩ‪ ،‬أﻣ ــﺎ اﻟﻧـ ـ ازع ﻓﻘ ــد ﺗ ــﺗم ﺗﺳ ــوﯾﺗﻪ ﺑﻣﻌﻧ ــﻰ اﻟﺗوﺻ ــل إﻟ ــﻰ ﺣﻠ ــول ﻗﺎﻧوﻧﯾـ ــﺔ‬
‫‪3‬‬
‫وﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‪.‬‬
‫ﯾﺗﺿ ــﺢ ﻣــن ذﻟ ــك ﺑ ــﺄن اﻟﻧـ ـزاع أﻗ ــل ﺣ ــدة وﺷ ــﻣوﻻ ﻣ ــن اﻟﺻـ ـراع ﺣﯾ ــث ﻧﺟ ــد أن اﻟﻧـ ـزاع ﻫ ــو اﻟﺧ ــﻼف ﺑ ــﯾن‬
‫اﺗﺟﺎﻫــﺎت دوﻟﺗ ــﯾن أو أﻛﺛــر ﺣ ــول ﻣﺳــﺎﺋل أو ﻗﺿ ــﺎﯾﺎ ﻣﺣــددة وﯾﻣﻛ ــن أن ﯾﻧﺷــﺄ ﺑ ــﯾن اﻷﻓ ـراد واﻟﺟﻣﺎﻋ ــﺎت داﺧ ــل‬
‫اﻟدوﻟـ ــﺔ اﻟواﺣـ ــدة‪ ،‬أﻣـ ــﺎ اﻟﺻ ـ ـراع ﻓﻬـ ــو ﺗﻧـ ــﺎﻗض اﻹرادات اﻟوطﻧﯾـ ــﺔ واﻟﻘوﻣﯾـ ــﺔ‪ ،‬أو ﻫـ ــو ﺗﻧـ ــﺎﻗض اﻹرادات اﻟﻛﺑـ ــرى‬
‫‪4‬‬
‫اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺄﻫداف اﻟدول ٕواﻣﻛﺎﻧﯾﺎﺗﻬﺎ واﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺎﺗﻬﺎ اﻟﺑﻌﯾدة‪.‬‬
‫ﯾذﻫب ﻓﻲ ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﻌدﯾد ﻣـن اﻟﺑـﺎﺣﺛﯾن واﻟﻣﺧﺗﺻـﯾن اﻟﻌـرب ﻹﯾﺿـﺎح ﻫـذا اﻟﺗﻣﯾﯾـز واﻷﺧـذ ﺑـﻪ‪ ،‬ﺣﯾـث‬
‫ﯾرى ﻛﻣﺎل ﺣﻣﺎد أن ﻣﻔﻬوم اﻟﻧزاع ﻋﻣوﻣﺎ ﯾﺗﻧﺎول'' ﺧﻼف ﺣﺎد وﺗﺎرﯾﺧﻲ ﺣول ﻣﻧـﺎﻓﻊ ﻣﺣـددة ﻣﺛـل ﺣـدود‪ ،‬ﻣﯾـﺎﻩ‪،‬‬
‫أو ﺛــروات طﺑﯾﻌﯾ ـﺔ ﺑــﯾن دوﻟﺗــﯾن ﯾﻛــون ﻣوﺿــوﻋﻬﺎ أﺣــد اﻟﻣﺻــﺎﻟﺢ اﻟﺣﯾوﯾــﺔ‪ ،‬وﻏﺎﻟﺑــﺎ ﻣــﺎ ﯾﻛــون اﻟﻧـزاع ﺑــﯾن اﻟــدول‬
‫ﺣــول اﻟﺣــدود‪ ،‬وﯾﺗﺷــﻌب اﻟﻧ ـزاع أو ﯾــﺗﻘﻠص ﻧظ ـ ار ﻟﻠﺗــدﺧل اﻟﺧــﺎرﺟﻲ ﻓﯾــﻪ‪ .‬أﻣــﺎ ﻣﻔﻬــوم اﻟﺻ ـراع ﻓﯾﺗﻧــﺎول اﻟوﺟــود‬
‫اﻵﺧر ﺳواء ﻛﺎن ﺷـﻌﺑﺎ أو دوﻟـﺔ‪ ،‬وﯾﻣﻛـن أن ﯾﻛـون ﻣوﺿـوع اﻟﺻـراع ﺣـدودا أو ﺛـروات طﺑﯾﻌﯾـﺔ‪ ،‬وﻟﻛـن ﯾﺗﻧـﺎول‬
‫‪5‬‬
‫ﺑﻌدا إﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺎ أودﯾﻧﯾﺎ أوﻋﻘﺎﺋدﯾﺎ‪''.‬‬

‫‪ (1‬ﻋﺪﻧﺎن اﻟﺴﯿﺪ ﺣﺴﯿﻦ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ ‪،‬ص‪18.‬‬

‫‪ (2‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ‪ ،‬ص‪.18.‬‬
‫‪ (3‬اﻟﺴﯿﺪ ﻋﻠﯿﻮة‪ ،‬إدارة اﻟﺼﺮاﻋﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ)ﻣﺼﺮ‪:‬اﻟﮭﯿﺌﺔ اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻜﺘﺎب‪،(1988،‬ص‪.406.‬‬
‫‪ (4‬اﻟﺴﯿﺪ ﺣﺴﯿﻦ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.18.‬‬
‫‪ (5‬ﻛﻤﺎل ﺣﻤﺎد‪ ،‬اﻟﻨﺰاﻋﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ‪ :‬دراﺳﺔ ﻗﺎﻧﻮﻧﯿﺔ ﻓﻲ ﻋﻠﻢ اﻟﻨﺰاﻋﺎت)ﻟﺒﻨﺎن‪:‬اﻟﺪار اﻟﻮطﻨﯿﺔ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﯾﻊ‪،‬ط‪،(1،1998.‬ص‪.27.‬‬
‫ﻛﻣـﺎ ﯾــذﻫب ﻓرﯾـق آﺧــر إﻟـﻰ اﻋﺗﺑــﺎر أن اﻟﺻـراع ﻫــو "ﺣﺎﻟـﺔ ﻣــن اﻻﺧـﺗﻼف ﻓــﻲ اﻟﻣواﻗـف واﻻﺗﺟﺎﻫــﺎت‪ ،‬إذ‬
‫ﯾﻣﻛن اﻋﺗﺑﺎرﻩ أﻋﻣـق ﻣـن اﻟﻧـزاع‪ ،‬وﻟـذﻟك ﻋـﺎدة ﻣـﺎ ﯾﻛـون اﻟﺣـدﯾث ﻋـن إدارة اﻟﺻـراع وﻟـﯾس ﺣﻠـﻪ‪ ،‬ﺧﻼﻓـﺎ ﻟﻠﻧـزاع‬
‫‪1‬‬
‫اﻟذي ﯾﻣﻛن ﺣﻠﻪ ﺑﺎﺳﺗﺧدام ﻣﺧﺗﻠف وﺳﺎﺋل ﺣل اﻟﻧزاﻋﺎت‪''.‬‬
‫ﻧﺟد ﻣن ﺟﺎﻧب آﺧر‪ ،‬أﻧﻪﻋﻧدﻣﺎ ﯾُ ﺑﻘـﻲ اﻟﻧـزاع ﻋﻠـﻰ ﻣﺳـﺎﺋل ﻣﻌﯾﻧـﺔ ﻟﻔﺗـرة طوﯾﻠـﺔ دون أن ﯾﻛـون ﻫﻧـﺎك ﺣـﻼ‬
‫ﻟﻪ‪ ،‬ﻋﻧدﻫﺎ ﯾﻛون اﻟﻧزاع ﺻراﻋﺎ‪ ،‬أو ﻋﻧدﻣﺎ ﯾﻬدد أﺣـد اﻷطـراف ﺑـﺎﻟﻠﺟوء إﻟـﻰ اﺳـﺗﺧدام اﻟﻌﻧـف ﻓـﻲ ﺣﻠـﻪ‪ 2.‬وﻫـذا‬
‫ﻣﺎ ﯾﺟﻌل اﻟﻣﺻطﻠﺣﯾن ﻓﻲ ﺗداﺧل أﺣﯾﺎﻧﺎ‪.‬‬
‫ﯾﺑــدو ﻣــن ﺧــﻼل اﻟﺗﻌــﺎرﯾف اﻟﺳــﺎﺑﻘﺔ‪ ،‬أن ﻣﻔﻬــوم اﻟﺻ ـراع أﺷــﻣل ﻣــن ﻣﻔﻬــوم اﻟﻧ ـزاع‪ ،‬ﺣﯾــث ﯾﻧطﺑــق ﻣﻔﻬــوم‬
‫‪'' Edward‬اﻟﻧزاﻋـــــﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـــــﺔ‬ ‫اﻟﺻـ ـ ـراع ﻣ ـ ــن ﻫ ـ ــذا اﻟﻣﻧطﻠ ـ ــق ﻋﻠ ـ ــﻰ ﻣﺎأﺳ ـ ــﻣﺎﻩ ادوارد آزار‪Azar‬‬
‫اﻟﻣرﺟﺄة ‪ Protected conflicts‬اﻟﺗﻲ ﺗﻛون ﻣﺷﺣوﻧﺔ ﺑﺎﻟرﻣوز واﻟﺗﻲ ﺗﺳـﺎﻫم داﺋﻣـﺎ وﺑﺷـﻛل ﻣﺗواﺻـل ﺑﺗـذﻛﯾر‬
‫اﻟﻣﺗﻧــﺎزﻋﯾن ﺑﻣﺷــﺎﻋر ''اﻟــﻧﺣن'' و''اﻟﻬــم'' ﻛﻣــﺎ ﯾﺗﻣﯾــز ﺑﻛوﻧــﻪ طوﯾــل اﻷﻣــد ﯾﻐط ـﻲ ﻣﺧﺗﻠــف اﻟﻣﺟــﺎﻻت واﻟﻣﯾــﺎدﯾن‬
‫‪3‬‬
‫وﻣؤﺟل اﻟﺣل ﻟﻐﯾﺎب اﻟﻌواﻣل اﻟﺿرورﯾﺔ ﻟذﻟك‪.‬‬
‫وﯾـرى إﺳــﻣﺎﻋﯾل ﺻــﺑري ﻣﻘﻠــد أن اﻟﺻـراع ﯾﻧطــوي ﻋﻠــﻰ ﻧﺿــﺎل ﻣـرﺗﺑط ﺑــﺎﻟﻘﯾم واﻷﻫــداف ﻏﯾــر اﻟﻣﺗواﻓﻘــﺔ‪،‬‬
‫وﺑﻧظرﯾــﺎت اﻟﻘــوة وﺻــﻧﻊ اﻟﻘ ـرار ﻓــﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻟــدوﻟﻲ‪ ،‬وﯾﻘــرر ﻏﺎﻟﺑــﺎ إﻟــﻰ إﻟﺣــﺎق اﻟﺿــرر اﻟﻣــﺎدي أو اﻟﻣﻌﻧــوي‬
‫ﺑﺎﻵﺧرﯾن‪ 4.‬ﻓﻲ ﺣﯾن ﯾﺷﯾر اﻟﻧزاع إﻟﻰ درﺟﺔ أﻗل ﺣدة وأﻗل ﺷﻣوﻻ ﻓﻲ اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت‪.‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﯾـرى ﻧﺎﺻف ﯾوﺳف ﺣﺗﻰ‪ ،‬أن اﻟﻧـزاع ﯾﺣـدث ﻋـﺎدة ﻧﺗﯾﺟـﺔ ﺗﻌـﺎرض أو ﺗﺻـﺎدم ﺑـﯾن اﺗﺟﺎﻫـﺎت ﻣﺧﺗﻠﻔـﺔ‬
‫وﻋدم ﺗواﻓق ﻓﻲ اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ ﺑﯾن طرﻓﯾن أو أﻛﺛر ﻣﻣﺎ ﯾـدﻓﻊ ﺑـﺎﻷطراف اﻟﻣﻌﻧﯾـﺔ ﻣﺑﺎﺷـرة إﻟـﻰ ﻋـدم اﻟﻘﺑـول ﺑﺎﻟوﺿـﻊ‬
‫‪5‬‬
‫اﻟﻘﺎﺋم وﻣﺣﺎوﻟﺔ ﺗﻐﯾﯾرﻩ‪.‬‬
‫إذن ﻓﺎﻟﻣﻘﺻــود ﺑــﺎﻟﻧزاع اﻟــدوﻟﻲ ﻫــو'' اﻟوﺿــﻊ اﻟﻧﺎﺷــﺊ ﻋــن اﺻــطدام وﺟﻬــﺎت اﻟﻧظــر ﺑــﯾن دوﻟﺗــﯾن أو‬
‫أﻛﺛر أو ﺗﻌﺎرض ﻣﺻﺎﻟﺣﻬﻣﺎ ﺣول ﻣوﺿوع أو ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻣﺎ وﺑدت ﻫذﻩ اﻷﻣور ﻟﻠوﻫﻠﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ ﺑﯾﻧﻬﻣـﺎ‬
‫وﻟﻛـــن ﻓـــﻲ ﺣﺎﻟـــﺔ اﻟﺗﻘــــﺎرب ﺑـــﯾن اﻟطـــرﻓﯾن ﯾﻣﻛــــن ﻣﻌﺎﻟﺟـــﺔ ﻫـــذا اﻟﺧـــﻼف وﺣﻠــــﻪ ﺳـــﻠﻣﯾﺎ ﺑـــﺎﻟطرق اﻟودﯾــــﺔ‬
‫‪6‬‬
‫واﻟدﺑﻠوﻣﺎﺳﯾﺔ‪''.‬‬
‫ﯾﺷﯾر ﻫذا اﻟﺗﻌرﯾف إﻟﻰ أن اﻟﻧزاع ﯾﺗﺿﻣن ﺧﻼﻓـﺎ ﺑـﯾن دوﻟﺗـﯾن أو أﻛﺛـر ﺣـول ﻣﺳـﺄﻟﺔ ﻣﺣـددة ﻣـﻊ وﻋـﻲ‬
‫اﻟط ــرﻓﯾن ﺑﻬ ــذا اﻟﺗﻧ ــﺎﻗض أو اﻟﺧ ــﻼف‪ ،‬ﻟﻛـ ـن إﻣﻛﺎﻧﯾ ــﺔ اﻟﺗﻘ ــﺎرب ﻣﻣﻛﻧ ــﺔ إذا ﻣ ــﺎ أرادت اﻷطـ ـراف اﻻﺗﻔ ــﺎق ﺣ ــول‬
‫اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﻣﺗﻧﺎزع ﻋﻧﻬﺎ وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ إﻧﻬﺎء اﻟﻧزاع‪.‬‬
‫ﯾﺑــدو إذن‪ ،‬أن ﻣﻔﻬــوم اﻟﺻ ـراع أوﺳــﻊ ﻣــن ﻣﻔﻬــوم اﻟﻧ ـزاع‪ ،‬ﻣﺛــل اﻟﺻـراع اﻟﺣﺿــﺎري ﺑــﯾن اﻹﺳــﻼم واﻟﻐــرب‬
‫ﺑﺎﻹﺿــﺎﻓﺔ إﻟــﻰ اﻟﺻـراع اﻹﯾــدﯾوﻟوﺟﻲ ﺑــﯾن ﻣــﺎ ﻛــﺎن ﯾﻌــرف ﺑــﯾن اﻟﻣﻌﺳــﻛر اﻟﺷــرﻗﻲ واﻟﻣﻌﺳــﻛر اﻟﻐرﺑــﻲ‪ ،‬إذ ﻏﺎﻟﺑــﺎ‬
‫ﻣــﺎ ﯾﻣﺗــد اﻟﺻ ـراع ﻟﻌﻘــود أو ﻟﻘــرون طوﯾﻠــﺔ )ﻓــﻲ ﺣــﯾن أن اﻟﻧ ـزاع ﯾﺷــﺗﻣل ﻋﻠــﻰ ﻣﺳــﺎﺋل ﻣﺣــدودة وواﺿــﺣﺔ ﻣﻧــذ‬

‫‪ (1‬ﻗﺎدري‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.9.‬‬

‫‪ (2‬ﻣﮭﻨﺎ‪ ،‬ﻣﻌﺮوف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.6.‬‬
‫‪ (3‬ﻧﺎﺻﻒ ﯾﻮﺳﻒ ﺣﺘﻰ‪ ،‬اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ )ﺑﯿﺮوت‪ :‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮﺑﻲ‪ ،(1985 ،‬ص‪.327 .‬‬
‫‪ (4‬إﺳﻤﺎﻋﯿﻞ ﺻﺒﺮي ﻣﻘﻠﺪ‪ ،‬اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ‪ :‬دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺻﻮل واﻟﻨﻈﺮﯾﺎت )اﻟﻜﻮﯾﺖ‪:‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻜﻮﯾﺖ‪ ،(1982 ،‬ص‪.213.‬‬
‫‪ ( 5‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﺘﻰ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.294 .‬‬
‫‪ (6‬ﺻﺎﻟﺢ ﯾﺤﻲ اﻟﺸﺎﻋﺮي‪ ،‬ﺗﺴﻮﯾﺔ اﻟﻨﺰاﻋﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﺳﻠﻤﯿﺎ)اﻟﻘﺎھﺮة‪:‬ﻣﻜﺘﺒﺔ ﻣﺪﺑﻮﻟﻲ‪،‬ط‪ ،(2005 .1.‬ص‪.21.‬‬
‫اﻟﺑداﯾــﺔ‪ ،‬ﻛﻣ ــﺎ ﯾﺑ ــدو ﻗــﺎﺑﻼ ﻟﻠﺗﺳ ــوﯾﺔ ﻷﻧ ــﻪ ﯾﺣﻔــظ ﻣﺻ ــﺎﻟﺢ ﻣﻌﯾﻧ ــﺔ ﻟﻸط ـراف‪ ،‬ﺑﯾﻧﻣ ــﺎ ﻗﺎﺑﻠﯾ ــﺔ اﻟﺗﺳــوﯾﺔ ﻓـ ـﻲ اﻟﺻـ ـراع‬
‫أﺻﻌب ﻣن اﻟﻧزاع‪ ،‬وﻟﻬذا ﻋﺎدة ﻣﺎ ﻧﺑﺣث ﻋن اﻟﺳﻼم ﻋﻧدﻣﺎ ﻧﻛون ﻓﻲ ﺻراع وﻋـن اﻟﺗﺳـوﯾﺔ ﻋﻧـدﻣﺎ ﻧﻛـون ﻓـﻲ‬
‫ﺣﺎﻟﺔ ﻧزاع(‪.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺻ ـراع ﻗــد ﯾﻣﺗ ــد ﺑﺟــذورﻩ إﻟ ــﻰ اﻟﻣﺎﺿــﻲ وﯾ ــؤﺛر ﻓــﻲ ﻋﻼﻗــﺎت اﻟﺣﺎﺿ ــر واﻟﻣﺳــﺗﻘﺑل‪ ،‬ﻛﻣ ــﺎ أﻧــﻪ ﻣﺷ ــﺣون‬
‫ﺑﺎﻟﻌواطف واﻟﻣﺷﺎﻋر واﻟرﻣوز‪ ،‬ﻛﻣﺎ أﻧﻪ ﻣﺗﺄﺻل ﻓﻲ إد ارﻛـﺎت اﻟﺷـﻌوب ﻋﻠـﻰ أن ''اﻵﺧـر'' اﻟـذي ﻧﺣـن ﻣﻌـﻪ ﻓـﻲ‬
‫ﺻراع ''ﻫو ﻋدو أﺑدي'' وﻛل ﻫذﻩ اﻟﺻﻔﺎت ﺗﺟﻌل ﻣﻔﻬوم اﻟﺻراع ﯾﺧﺗﻠف ﻋن ﻣﻔﻬوم اﻟﻧـزاع ﻣـن ﺣﯾـث اﻟﻌﻣـق‬
‫واﻟﺷدة‪.‬‬
‫وﻋﻣوﻣ ــﺎ ﯾﺣ ــدث اﻟﻧـ ـزاع أو اﻟﺻـ ـ ارع ﻋﻧ ــدﻣﺎ ﯾﺣ ــﺎول ﺷ ــﺧص أو ﻣﺟﻣوﻋ ــﺔ ﻣ ــن اﻷﺷ ــﺧﺎص –دوﻟﺗ ــﯾن أو‬
‫ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟدول‪ -‬اﺗﺧﺎذ ﺗداﺑﯾر ﻣﻌﯾﻧﺔ أو اﻟﻘﯾﺎم ﺑﺗﺻرف ﻣﻌـﯾن ﺑﺣﯾـث ﯾـؤدي ﻫـذا اﻟﺗﺻـرف‪-‬ﻧظـ ار ﻟﻠطﺑﯾﻌـﺔ‬
‫اﻟﺗﻧﺎﻓﺳـﯾﺔ ﻟﻣﺻـﺎﻟﺢ وأﻫـداف ﻫـذﻩ اﻷطـراف – إﻟـﻰ وﻗـوع ﺗﺻـﺎدم أو ﻋـدم ﺗواﻓـق ﻓـﻲ اﻟﻣﺻـﺎﻟﺢ واﻷﻫـداف وﺑـﯾن‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﺑدﯾل اﻟﺗﻌﺎوﻧﻲ أو اﻟﺗﺻﺎﻟﺣﻲ اﻟذي ﯾطﻠق ﻋﻠﯾﻪ ﻋﺎدة ''ﺗﺳوﯾﺔ اﻟﻧزاع‪''.‬‬
‫واﻟﻧزاع ﻗد ﯾﻘـود إﻟـﻰ ﺣـرب‪ ،‬ﻓﯾﻌـرف ﻋﻧـدﻫﺎ ﺑـﺎﻟﻧزاع اﻟﻣﺳـﻠﺢ‪ ،‬ﻛـذﻟك ﻓﺎﻟﺻـراع اﻟﻣﺗﻌـدد اﻟﻣظـﺎﻫر اﻟﺳﯾﺎﺳـﯾﺔ‬
‫واﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻹﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻘد ﯾﺟر ﻛذﻟك إﻟﻰ اﻟﺣـرب‪ 2.‬ﺑﻣﻌﻧـﻰ أن اﻟﺣـرب ﻫـﻲ ذروة اﻟﺗﻧـﺎﻗض‬
‫ﺑﯾن اﻟدول واﻟﺟﻣﺎﻋﺎت ﺳواء ﻛﺎﻧت ﻓﻲ ﻧزاع أو ﺻراع‪.‬‬
‫وﯾــرى ﻋــدﻧﺎن اﻟﺳــﯾد ﺣﺳــﯾن أن اﻟﻣﺛــﺎل اﻷﺑــرز ﻋﻠــﻰ اﻟﺗﻣﯾﯾــز ﺑــﯾن اﻟﻧ ـزاع واﻟﺻ ـراع ﻫــو اﻟﺻ ـراع اﻟﻌرﺑــﻲ‬
‫اﻹﺳراﺋﯾﻠﻲ‪ ،‬ﻛون اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﯾن اﻟطـرﻓﯾن ﻫـﻲ ﻟﯾﺳـت ﻣﺟـرد ﺗﻧـﺎزع ﻋﻠـﻰ اﻟﺣـدود‪ ،‬أوﻋﻠـﻰ اﻟـﻧﻔط واﻟﻣﯾـﺎﻩ واﻟﻣـوارد‬
‫‪3‬‬
‫اﻷﺧرى‪ ،‬أو ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺎﺣﺎت ﻣﺣدودة ﻣن اﻷرض‪ ،‬ﺑل إﻧﻬﺎ ﺗﺑرز اﻟﺗﻧﺎﻗض اﻟﺻﺎرخ ﺑﯾن اﻹرادات واﻷﻫداف‪.‬‬
‫ﻧﺧﻠــص ﻣــن ﺧــﻼل اﻟﺗﻌــﺎرﯾف اﻟﺳــﺎﺑﻘﺔ إذا إﻟــﻰ أن ﻣﻔﻬــوم اﻟﻧ ـزاع‪ ،‬وﻛــذا ﻣﻔﻬــوم اﻟﺻ ـراع ﻛﻼﻫﻣــﺎ ﯾﻌﺑ ـران‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻔﺎﻋﻼت اﻟﺳـﻠﺑﯾﺔ ﺑـﯾن اﻟـدول‪ ،‬وﻛﻼﻫﻣـﺎ ﯾﺳـﺗﻌﻣﻼن ﻛﻧﻘـﯾض ﻟﻔﻛـرة اﻟﺗﻌـﺎون واﻟﺗﺟـﺎﻧس واﻻﺗﻔـﺎق‪ ،‬رﻏـم أن‬
‫ﻛل ﻣﺻطﻠﺢ ﯾﺣﻣل دﻻﻟﺔ ﺿﻣﻧﯾﺔ ﺗﺧﺗﻠف ﻋن اﻷﺧـر‪ ،‬ﺣﯾـث ﯾﻌﺗﺑـر اﻟﻧـزاع ﻛﻣرﺣﻠـﺔ ﻣـن ﻣ ارﺣـل اﻟﺻـراع‪ ،‬ﻛﻣـﺎ‬
‫ﯾﺗﺳ ــم ﺑﺄﻧ ــﻪ أﻗ ــل ﺣ ــدة وﺷ ــﻣوﻻ‪ ،‬ﺣﯾ ــث ﯾﺗﺧ ــذ ﺑﻌ ــدا واﺣ ــدا أو أﺑﻌ ــﺎدا ﻣﺣ ــددة وواﺿ ــﺣﺔ )ﻋﺳ ــﻛرﯾﺔ‪ ،‬اﻗﺗﺻ ــﺎدﯾﺔ‪،‬‬
‫ﺳﯾﺎﺳ ــﯾﺔ‪ .(...‬وﻓ ــﻲ ﻣﻌظ ــم ﺣـ ــﺎﻻت اﻟﻧـ ـزاع ﺗﺑﻘ ــﻰ ﻟـ ــدى اﻷطـ ـراف اﻟﻣﺗﻧﺎزﻋ ــﺔ أن ﺗﺧﺗـ ــﺎر ﺑ ــﯾن ﻣواﺻ ــﻠﺔ اﻟﻧ ـ ـزاع‬
‫واﻻﺧــﺗﻼف ﻓــﻲ اﻟﻣﺻــﺎﻟﺢ وﺑــﯾن إﻧﻬﺎﺋــﻪ‪ ،‬ﻣــﻊ ﺗــوﻓر آﻟﯾــﺎت اﻟﺗﺳــوﯾﺔ‪ ،‬ﻓــﻲ ﺣــﯾن ﯾﺗﺳــم اﻟﺻ ـراع ﺑﺎﻟﺣــدة واﻟﺷــﻣول‪،‬‬
‫ﻛوﻧــﻪ ﯾﻧطــوي ﻋﻠــﻰ ﺗﻧــﺎﻗض ﻛﺑﯾــر ﻓــﻲ اﻟﻣﺻــﺎﻟﺢ واﻷﻫــداف ﺑﺎﻹﺿــﺎﻓﺔ إﻟــﻰ ﺗﻌــدد اﻟﻣﺳــﺎﺋل اﻟﻣﺗﻌــﺎرض ﻋﻠﯾﻬــﺎ‬
‫ﺣﯾ ــث ﺗﻣﺗ ــد ﻣ ــن اﻟﻣﺳ ــﺎﺋل اﻟﻌﺎدﯾ ــﺔ ﻛﺎﻟﺣ ــدود واﻟﻣﯾ ــﺎﻩ واﻟﺛ ــروات اﻟطﺑﯾﻌﯾ ــﺔ‪ ،‬إﻟ ــﻰ ﻣﺳ ــﺎﺋل أﺷ ــد ﺗﻌﻘﯾ ــدا ﻛﺎﻟﻣﺳ ــﺎﺋل‬
‫اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾـﺔ واﻟﻌﻘﺎﺋدﯾـﺔ واﻟدﯾﻧﯾـﺔ‪ ،‬وﺗﺻـﻌب ﺗﺳـوﯾﺔ اﻟﺻـراع ﻟــذﻟك ﺗﻠﺟـﺄ اﻷطـراف إﻟـﻰ إدارﺗـﻪ‪ ،‬إﻻ أﻧـﻪ ﻏﺎﻟﺑـﺎ ﻣــﺎ‬
‫ﯾﺑﻘﻰ اﻟﺻراع ﺑﻌﯾدا ﻋن اﻟﻠﺟوء إﻟﻰ اﻟوﺳﯾﻠﺔ اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ‪.‬‬

‫‪ ( 1‬ﺑﻮﻗﺎرة‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص‪.8،7 ،‬‬

‫‪ ( 2‬اﻟﺴﯿﺪ ﺣﺴﯿﻦ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.19.‬‬
‫‪ ( 3‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ ‪ ،‬ص ص‪.20،19.‬‬
 ‫اﻟﻣﺣﺎﺿرة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪ :‬ﻣراﺣل ﺗطور اﻟﻧزاع‬

‫ﯾﻣــر اﻟﻧ ـزاع ﻗﺑــل أن ﯾﺻــل اﻟــﻰ ﻣرﺣﻠــﺔ اﻟــذروة ﺑﻌــدة ﻣ ارﺣــل ﻣﺗدرﺟــﺔ وﻣﺗ ازﯾــدة ﻣــن ﺣﯾــث اﻟﺷــدة واﻟﺗــﻲ‬
‫ﺗﺑدأ ﻣن اﻟﺗوﺗر إﻟﻰ اﻷزﻣﺔ إﻟﻰ اﻟﻧزاع ﺛم اﻟﺣرب واﻟﺗﻲ ﻫﻲ ذروة اﻟﻧزاع‪.‬‬

‫‪-1‬اﻟﺗوﺗر ‪Tension‬‬
‫ﯾﻌرﻓﻪ ﻋﺑد اﻟﻌزﯾز ﺟراد‪ ،‬ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻩ أول ﻣرﺣﻠـﺔ ﻟﻠﻧـزاع ﺑﺄﻧـﻪ ''ﺣﺎﻟـﺔ ﺷـﺊ ﯾﻬـدد ﺑﺎﻟﻘطﯾﻌـﺔ‪ 1''.‬وﻫـو ﯾﺷـﯾر‬
‫ﺑــذﻟك إﻟ ــﻰ ﺣﺎﻟــﺔ ﻣ ــن اﻟﻘﻠــق وﻋ ــدم اﻟﺛﻘــﺔ اﻟﻣﺗﺑﺎدﻟ ــﺔ ﺑــﯾن دوﻟﺗ ــﯾن أو أﻛﺛــر وﻗ ــد ﯾﻛــون اﻟﺗ ــوﺗر ﺳــﺎﺑﻘﺎ وﺳ ــﺑﺑﺎ ﻓ ــﻲ‬
‫اﻟﻧزاﻋﺎت واﻷزﻣـﺎت اﻟدوﻟﯾـﺔ أو ﻧﺗﯾﺟـﺔ ﻟﻬـذﻩ اﻟﻧ ازﻋـﺎت‪ ،‬ﺣﯾـث ﻣـن اﻟﻣﻣﻛـن أن ﺗﺗﺻـﺎﻋد ﺣـدة ﻫـذا اﻟﺗـوﺗر ﻟﺗﺻـل‬
‫إﻟﻰ ﺣد ﺗﺗﺣول ﻣﻌﻪ اﻷزﻣﺔ إﻟﻰ ﻧزاع ﻗد ﯾﻛون ﻣﺳﻠﺣﺎ )ﺣرب(‪ ،‬إذا ﻟم ﯾﺗم اﺣﺗواﺋﻪ ﺑﺎﻟطرق اﻟﺳﻠﻣﯾﺔ‪.‬‬
‫وﯾﻌـرف ﻣﺎرﺳـﯾل ﻣﯾـرل ‪ Marcel Mirl‬اﻟﺗـوﺗرات ‪ Tensions‬ﺑﺄﻧﻬـﺎ'' ﻣواﻗـف ﺻـراﻋﯾﺔ ﻻ ﺗــؤدي‬
‫‪2‬‬
‫ﻣرﺣﻠﯾﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﻟﻠﺟوء إﻟﻰ اﻟﻘوة اﻟﻣﺳﻠﺣﺔ‪''.‬‬
‫وﯾﺧﺗﻠــف اﻟﺗــوﺗر ﻋــن اﻟﺻ ـراع‪ ،‬إذ ﯾﺷــﯾر اﻟﺗــوﺗر إﻟــﻰ ﺣﺎﻟــﺔ ﻋــداء وﺗﺧــوف وﺷــﻛوك وﺗﺻــور ﺑﺗﺑــﺎﯾن‬
‫اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ أو رﺑﻣﺎ اﻟرﻏﺑﺔ ﻓﻲ اﻟﺳﯾطرة أو ﺗﺣﻘﯾـق اﻻﻧﺗﻘـﺎم‪ .‬واﻟﺗـوﺗر ﺣﺎﻟـﺔ ﺳـﺎﺑﻘﺔ ﻋﻠـﻰ اﻟﺻـراع وﻛﺛﯾـ ار ﻣـﺎ راﻓﻘـت‬
‫اﻧﻔﺟ ــﺎر اﻟﺻـ ـراع‪ ،‬ﻛﻣ ــﺎ أن أﺳ ــﺑﺎب اﻟﺗ ــوﺗر ﻫ ــﻲ ﻓ ــﻲ اﻟﻐﺎﻟ ــب ﻣرﺗﺑط ــﺔ ﺑﺄﺳ ــﺑﺎب اﻟﺻـ ـراع‪ ،‬ﻛﻣ ــﺎ أن اﻟﺗ ــوﺗرات إذا‬
‫‪3‬‬
‫ﺗﺣوﻟت إﻟﻰ ﺷﻛل ﺧطﯾر ﻗد ﺗﻛون ﺑدورﻫﺎ ﻋﺎﻣﻼ ﻣﺳﺎﻋدا أو رﺋﯾﺳﺎ ﻟﺣدوث اﻟﺻراع‪.‬‬
‫وﻟﻛن اﻟﺗوﺗر ﻛﻣرﺣﻠﺔ ﺳﺎﺑﻘ ﺔ ﻟﻠﺻراع ﻻ ﯾؤدي وﺣدﻩ إﻟﻰ اﻟﺻـراع ٕواﻧﻣـﺎ ذﻟـك ﯾﻌـود إﻟـﻰ ﻣﯾـل اﻷطـراف‬
‫ﻻﺳـﺗﺧدام أو إظﻬــﺎر ﺳـﻠوك اﻟﺻـراع‪ ،‬ﺑﻣﻌﻧـﻰ أن اﻟﺷــك واﻟرﯾﺑــﺔ وﻋـدم اﻟﺛﻘــﺔ ﺑـﯾن اﻷطـراف ﻟﯾﺳـت ﻛﺎﻓﯾــﺔ ﻟﺗوﻟﯾــد‬
‫اﻟﺻراع ﺑﯾن اﻷطراف‪ٕ ،‬واﻧﻣﺎ اﻟﻣﻬم اﻟﻣوﻗف اﻟﻣﺗﻌﺎرض ﻷطراف اﻟﻧزاع‪ ،‬وﯾذﻫب ﻫوﻟﺳـﺗﻲ ‪ Holisti‬ﻓـﻲ ﻫـذا‬
‫اﻹطﺎر إﻟﻰ أن اﻟﻌداوة ‪ Antagonism‬واﻟرﯾﺑﺔ واﻟﺷـك ﻟـم ﺗﻛـن ﺷـروطﺎ ﻛﺎﻓﯾـﺔ ﻟﺣـدوث ﺻـراع أو أزﻣـﺔ‪ 4.‬أي‬
‫أن اﻟﺗوﺗر ﻗد ﻻ ﯾﺗﺣول إﻟﻰ ﺻراع إذا ﺗﻣﻛن اﻷطراف ﻣن اﻟﺣد ﻣن ﺷدة اﻟﺗﻌﺎرض ﻓﻲ اﻟﻣواﻗف‪.‬‬
‫ﻧﺧﻠ ــص إذن إﻟ ــﻰ أن اﻟﺗ ــوﺗر ﻫ ــو ﺣﺎﻟ ــﺔ ﺳ ــﺎﺑﻘﺔ ﻋﻠ ــﻰ اﻟﺻـ ـراع‪ ،‬ﺗﺗﻣﯾ ــز ﺑﺎﻟﻌ ــداء واﻟﺗﺧ ــوف واﻟﺷ ــﻛوك‬
‫اﻟﻣﺗﺑﺎدﻟﺔ ﺑﯾن طـرﻓﯾن أو أﻛﺛـر‪ ،‬وأن ﻫـذا اﻟﻣوﻗـف إذا ﺗﺣـول إﻟـﻰ ﺷـﻛل ﺧطﯾـر ﻗـد ﯾـؤدي إﻟـﻰ ﺣـدوث اﻟﺻـراع‪،‬‬
‫أﻣﺎ إذا ﺗﻣﻛﻧت اﻷطراف ﻣن اﻟﻘﺿﺎء ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺷك واﻟﻌداء‪ ،‬أﻣﻛﻧﻬم ذﻟـك ﻣـن ﺗﺟﻧـب اﻟﺧـوض ﻓـﻲ اﻟﺻـراع‬
‫اﻟذي ﻗد ﯾﺗﺣول ﺑدورﻩ إﻟﻰ ﻋﻧف ﻣﺎدي‪.‬‬

‫‪( 1‬ﻋﺒﺪا ﻟﻌﺰﯾﺰ ﺟﺮاد‪ ،‬اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ )اﻟﺠﺰاﺋﺮ‪ :‬اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﻮطﻨﯿﺔ ﻟﻠﻔﻨﻮن اﻟﻤﻄﺒﻌﯿﺔ‪ ،(1992،‬ص‪.95.‬‬
‫‪ (2‬ﻗﺎدري‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.30.‬‬
‫‪ (3‬ﻣﺎرﺳﯿﻞ ﻣﯿﺮل‪ ،‬ﺳﻮﺳﯿﻮﻟﻮﺟﯿﺎ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ‪،‬ﺗﺮﺟﻤﺔ‪:‬ﺣﺴﻦ ﻧﺎﻓﻌﺔ )اﻟﻘﺎھﺮة‪ :‬دار اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻌﺮﺑﻲ‪ ،(1986،‬ص‪.499.‬‬
‫‪ ( 4‬ﻣﮭﻨﺎ‪ ،‬ﻣﻌﺮوف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.9.‬‬
 ‫‪-2‬اﻷزﻣﺔ ‪Crisis‬‬
‫‪1‬‬
‫ﯾﻌرف ﺗﺷﺎرﻟز ﻫﯾرﻣﺎن ‪ Charles Herman‬اﻷزﻣﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ ''ﺗﻬدﯾد ﻛﺑﯾر وﻣﻔﺎﺟﺊ ﻓﻲ وﻗت ﻗﺻﯾر‪''.‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﺗﻌرف اﻷزﻣﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ ''ﺗﺣول ﻓﺟﺎﺋﻲ ﻋن اﻟﺳﻠوك اﻟﻣﻌﺗﺎد‪ ،‬ﺗﻌﻧﻲ ﺗـداﻋﻲ ﺳﻠﺳـﻠﺔ ﻣـن اﻟﺗﻔـﺎﻋﻼت ﯾﺗرﺗـب‬
‫ﻋﻠﯾﻬــﺎ ﻧﺷــوء ﻣوﻗــف ﻣﻔــﺎﺟﺊ ﯾﻧطــوي ﻋﻠــﻰ ﺗﻬدﯾــد ﻣﺑﺎﺷــر ﻟﻠﻘــﯾم واﻟﻣﺻــﺎﻟﺢ اﻟﺟوﻫرﯾــﺔ ﻟﻠدوﻟــﺔ‪ ،‬ﻣﻣــﺎ ﯾﺳــﺗﻠزم ﻣﻌــﻪ‬
‫ﺿرورة اﺗﺧﺎذ ﻗ اررات ﺳرﯾﻌﺔ ﻓﻲ وﻗت ﺿﯾق وﻓﻲ ظروف ﻋدم اﻟﺗﺄﻛـد وذﻟـك ﺣﺗـﻰ ﻻ ﺗﺗﻔﺟـر اﻷزﻣـﺔ ﻓـﻲ ﺷـﻛل‬
‫‪2‬‬
‫ﺻدام ﻋﺳﻛري أو ﻣواﺟﻬﺔ‪''.‬‬
‫ﻛﻣـﺎ ﯾﻌرﻓﻬـﺎ ﺟـون ﺳـﺑﺎﻧﯾﯾر ‪ John Spanier‬ﺑﺄﻧﻬـﺎ ''ﻣوﻗـف ﺗطﺎﻟـب ﻓﯾـﻪ دوﻟـﺔ ﻣـﺎ ﺑﺗﻐﯾﯾـر اﻟوﺿـﻊ‬
‫اﻟﻘـــﺎﺋم‪ ،‬وﻫـــو اﻟوﺿـــﻊ اﻟـــذي ﺗﻘﺎوﻣـــﻪ دول أﺧـــرى‪ ،‬ﻣﻣـــﺎ ﯾﺧﻠـــق درﺟـــﺔ ﻋﺎﻟﯾـــﺔ ﻣـــن اﻹدراك ﺑﺎﺣﺗﻣـــﺎل اﻧـــدﻻع‬
‫اﻟﺣـــرب‪ 3''.‬وﻋﻠﯾ ــﻪ ﺗوﺻ ــف اﻷزﻣ ــﺔ ﺑﺄﻧﻬ ــﺎ ﺣﻣ ــﻰ اﻟﻌﻼﻗ ــﺎت اﻟدوﻟﯾ ــﺔ‪ ،‬وﯾﻧظ ــر إﻟﯾﻬ ــﺎ ﺑﺄﻧﻬ ــﺎ ﺳ ــﺎﻋﺔ ﻣﺄﺳ ــﺎوﯾﺔ ﻓ ــﻲ‬
‫اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‪.‬‬
‫أﻣـﺎ ﻋﺑــد اﻟﻌزﯾــز ﺟـراد ﻓﯾــرى ﺑـﺄن اﻷزﻣــﺔ ﺗﺣــدث ''ﻋﻧــدﻣﺎ ﯾﺟﻌــل أﺣــد اﻷطـراف ﻓﺟــﺄة اﻟطــرف اﻵﺧــر ﻓــﻲ‬
‫‪4‬‬
‫وﺿﻊ ﻻ ﯾطﺎق وﯾﻘﺗﺿﻲ ﻣﻧﻪ اﺗﺧﺎذ ﻗرارات ﺳرﯾﻌﺔ واﻟﻘﯾﺎم ﺑردود ﻓﻌل ﻋﻧﯾﻔﺔ إذا ﻛﺎن ﻗﺎﺑل ﺑﻔﻘدان ﻗﯾﻣﺗﻪ‪''.‬‬
‫ﻣن اﻟﺗﻌﺎرﯾف اﻟﻣﻘدﻣﺔ ﻟﻸزﻣﺔ اﻟدوﻟﯾﺔ أﯾﺿﺎ أﻧﻬﺎ ''ﻣوﻗف ﻣـؤﺛر ﺟـدا ﻓـﻲ اﻟﻌﻼﻗـﺎت ﺑـﯾن طـرﻓﯾن ﻣﺗﺧﺎﺻـﻣﯾن‬
‫‪5‬‬
‫ﻻ ﯾﺻل إﻟﻰ ﻣرﺗﺑﺔ اﻟﺣرب‪ ،‬ﺑﺎﻟرﻏم ﻣن ﻗوة اﻟﻣﺷﺎﻋر اﻟﻌداﺋﯾﺔ واﻟﺣرب اﻟﻛﻼﻣﯾﺔ ﺑﯾن اﻷطراف‪''.‬‬
‫ﻧﺳﺗﻧﺗﺞ ﻣن ﺧﻼل اﻟﺗﻌﺎرﯾف اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺗﻌطـﻲ ﻧﻔـس اﻟﻣـدﻟول ﺗﻘرﯾﺑـﺎ ﻟﻸزﻣـﺔ ﻋﻠـﻰ أﻧﻬـﺎ ﻣﺟﻣوﻋـﺔ أﺣـداث‬
‫ﺧطﯾرة وﻣﻔﺎﺟﺋﺔ‪ ،‬ﺗﺗﺧذ وﻗﺗﺎ ﻗﺻﯾ ار وﺗﻧطـوي ﻋﻠـﻰ ﺗﻬدﯾـد ﻟﻠوﺿـﻊ اﻟﻘـﺎﺋم‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗـﺎﻟﻲ ﻓﻬـﻲ ﺗـؤﺛر ﻋﻠـﻰ وﺣـدة ﺻـﻧﻊ‬
‫اﻟﻘـرار ﻷﻧﻬـﺎ ﻻ ﺗﻣﻠــك ﻣﺗﺳـﻌﺎ ﻣـن اﻟوﻗــت ﻟﻠﺗﻌﺎﻣـل ﻣــﻊ اﻷزﻣـﺔ ﺑﺣﻛـم أﻧﻬــﺎ ﻣﻔﺎﺟﺋـﺔ‪ ،‬وﺑـذﻟك ﻓﺎﻷزﻣــﺔ ﺗﺣﻣـل ﺛــﻼث‬
‫ﺧﺻﺎﺋص رﺋﯾﺳﯾﺔ‪:‬‬
‫‪ -1‬ﻋﻧﺻر اﻟﻣﻔﺎﺟﺄة‪ :‬ﻛون اﻷزﻣﺔ ﻻ ﺗﻛون ﻣﺗوﻗﻌﺔ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﺻﺎﻧﻊ اﻟﻘرار‪.‬‬
‫‪ -2‬ﻋﻧﺻر اﻟﺗﻬدﯾد‪ :‬أي أن درﺟﺔ اﻟﺗﻬدﯾد اﻟﺗﻲ ﺗواﺟﻪ وﺣدة ﺻﻧﻊ اﻟﻘرار ﻛﺑﯾرة‪.‬‬
‫‪ -3‬ﻋﻧﺻــر اﻟــزﻣن‪ :‬ﻣــن ﺣﯾــث ﻣﺣدودﯾــﺔ وﻗــت اﻻﺳــﺗﺟﺎﺑﺔ ﻟﻸزﻣــﺔ‪ ،‬إذ أن ﺻــﺎﻧﻊ اﻟﻘ ـرار ﻻ ﯾﻣﻠــك ﻣﺗﺳــﻌﺎ ﻣــن‬
‫اﻟوﻗت ﻟﻠﺗﻌﺎﻣل ﻣﻊ اﻷزﻣﺔ ﺑﺣﻛم أﻧﻬﺎ ﻣﻔﺎﺟﺋﺔ‪.‬‬
‫ﻧﺧﻠــص إذن‪ ،‬إﻟــﻰ أن اﻷزﻣــﺔ ﻫــﻲ ﺗﻌﺑﯾــر ﻋــن وﺿــﻊ ﻧ ازﻋــﻲ ﻣؤﻗــت ﯾﺣﻣــل طــﺎﺑﻊ اﻟﺗﻬدﯾــد واﻟﻣﻔﺎﺟــﺄة‪،‬‬
‫ﺑﺎﻹﺿــﺎﻓﺔ إﻟــﻰ ﻛﺛ ـرة اﻷﺣــداث اﻟﺗــﻲ ﻗــد ﺗوﺻــل اﻷزﻣــﺔ إﻟــﻰ اﻟﺣــرب إذا ﻟــم ﺗــﺗم إدارﺗﻬــﺎ ﺑﺷــﻛل ﺟﯾــد‪ .‬ﻛﻣــﺎ ﺗﻌﺑــر‬
‫ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﻧﻘطﺔ ﺗﺣول ﻫﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﺳﺎر اﻟﺻراع ﺗﻌﺑر ﻋن رﻏﺑﺔ طـرف ﻣـن اﻷطـراف ﻓـﻲ إﻧﻬـﺎء ﺣﺎﻟـﺔ اﻟﺧـﻼف‬
‫ﻟﺻﺎﻟﺣﻪ‪ ،‬وذﻟك ﺑﺈﺗﺑﺎﻋﻪ ﺳﻠوﻛﺎ ﻣﻔﺎﺟﺋﺎ وﻏﯾر ﻣﺗوﻗﻊ‪ ،‬ﯾﻔﻬﻣﻪ اﻵﺧر ﻋﻠﻰ أﻧـﻪ ﺗﻬدﯾـد ﻣﺑﺎﺷـر ﻟوﺟـودﻩ‪ ،‬وﻗـد ﯾﻌﻣـق‬
‫ﻣن ﺣﺟم اﻟﺗﺿﺎرب اﻟﻣوﺟود ﻣﻣﺎ ﯾﺧﻠق درﺟﺔ ﻋﺎﻟﯾﺔ ﻣن اﻹدراك ﺑﺎﺣﺗﻣﺎل اﻧدﻻع اﻟﺣرب‪.‬‬

‫‪ ( 1‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﺘﻰ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.183.‬‬

‫‪ ( 2‬ﻋﻠﯿﻮة‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪،‬ص‪.406.‬‬
‫‪ ( 3‬ﻗﺎدري‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.21.‬‬
‫‪ (4‬ﺟﺮاد‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.95.‬‬
‫‪ (5‬ﻗﺎدري‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.21.‬‬
 ‫‪ -3‬اﻟﺣرب ‪War‬‬
‫ﯾﺗﻔــق أﻏﻠــب اﻟﻣﺧﺗﺻــون ﻓــﻲ د ارﺳــﺔ اﻟﺻ ـراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ أن اﻟﺣــرب ﻫــﻲ اﻟﺗﻌﺑﯾــر اﻟﻣــﺎدي ﻋــن‬
‫اﻟﺻـراع‪ ،‬ﻟﺗﻌﺗﺑــر ﺑـذﻟك آﺧــر ﻣرﺣﻠـﺔ ﯾﺑﻠﻐﻬــﺎ اﻟﺻـراع أو ﻫـﻲ ذروة اﻟﺻـراع ﺑﻌـد اﺳــﺗﻧﻔﺎذ ﻛـل اﻷﺳــﺎﻟﯾب اﻟﺳــﻠﻣﯾﺔ‬
‫ﻟﺣﻠﻪ‪.‬‬
‫ﯾﻌرف ﻣﺎرﺳﯾل ﻣﯾرل اﻟﺣرب ﺑﺄﻧﻬـﺎ ''وﺿﻊ أو ﻣوﻗف ﯾﺗﻣﯾز ﺑﺎﻟوﺿوح ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﻓـﻲ ﻣظﻬـرﻩ‪ ،‬ﺣﯾـث‬
‫‪1‬‬
‫ﻧﻛون ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﺣﺎﻟﺔ أﻣﺎم ﻧزاع ﻣﺳﻠﺢ ﺑﯾن دوﻟﺗﯾن‪''.‬‬
‫ﯾرﻛــز ﻫ ــذا اﻟﺗﻌرﯾــف ﻋﻠ ــﻰ وﺿــوح ﻧواﯾ ــﺎ اﻷط ـراف اﻟﻣﺗﺻ ــﺎرﻋﺔ ﺑﺎﺳــﺗﻌدادﻫﺎ ﻻﺳ ــﺗﺧدام اﻟﻘــوة اﻟﻌﺳ ــﻛرﯾﺔ ﻟﺣﺳ ــم‬
‫اﻟﺧﻼف‪.‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﯾﻌرﻓﻬﺎ ﻓون ﻛﻼوزﻓﯾﺗش ﺑﺄﻧﻬﺎ ''اﻣﺗداد ﻟﻠﺳﯾﺎﺳﺔ ﺑوﺳﺎﺋل أﺧرى‪ ،‬وﻋﻣل ﻋﻧف ﯾﻘﺻد ﻣﻧـﻪ إﺟﺑـﺎر‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﺧﺻم ﻋﻠﻰ اﻟﺧﺿوع‪''.‬‬
‫وﯾرﺑط ﻫذا اﻟﺗﻌرﯾف ﺑﯾن اﻟﺳﯾﺎﺳـﺔ واﻟﺣـرب ﻋﻠـﻰ اﻋﺗﺑـﺎر أن ﻫـذﻩ اﻷﺧﯾـرة وﺳـﯾﻠﺔ ﻟﺗﺣﻘﯾـق أﻫـداف اﻟﺳﯾﺎﺳـﺔ ﻋﻧـد‬
‫ﻓﺷل اﻟوﺳﺎﺋل اﻟﺳﻠﻣﯾﺔ‪ ،‬ﺗﺳﺗﻬدف إﻛراﻩ اﻟﺧﺻم ﻋﻠﻰ ﺗﻧﻔﯾذ إرادﺗﻧﺎ‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﺑرﺗراﻧد راﺳل ‪ Bertrand Rasel‬ﻓﺎﻋﺗﺑر اﻟﺣـرب ﺑﻣﺛﺎﺑـﺔ ''ﻧـزاع ﺑـﯾن ﻣﺟﻣـوﻋﺗﯾن ﺗﺣـﺎول ﻛـل‬
‫ﻣﻧﻬﺎ ﻗﺗل وﺗﺷوﯾﻪ أوﺗﻌطﯾل أﻛﺑر ﻋدد ﻣﻣﻛن ﻣن اﻟﻣﺟﻣوﻋﺔ اﻷﺧرى ﻟﻠوﺻول إﻟﻰ ﻫـدف ﺗﻌﻣـل ﻟـﻪ‪ 3''.‬ﯾرﺗﻛـز‬
‫ﻫــذا اﻟﺗﻌرﯾــف ﻟﻠﺣــرب ﻋﻠــﻰ اﻟﺳــﻠوك اﻟﻣﻧــﺗﻬﺞ ﻣــن طــرف اﻟﻣﺟﻣوﻋــﺎت اﻟﻣﺗﻧﺎزﻋ ـﺔ ﺣﯾــث ﺗﺳــﺗﺧدم أﺳــﻠوب اﻟﻘﺗــل‬
‫واﻟﺗﺷوﯾﻪ ﻟﻠوﺻول إﻟﻰ أﻫداﻓﻬﺎ‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﻛﺎرل دوﯾﺗش ‪ Karl Deutsch‬ﻓﯾرى ﻓﻲ اﻟﺣرب ''درﺟﺔ ﻋﺎﻟﯾﺔ ﻣن اﻟﻌﻧـف اﻟﻣـﻧظم ﺗﺣﺿـر ﻟـﻪ‬
‫وﺗﻘوم ﺑﻪ دوﻟﺔ ﻣﻌﺗﺑرة ذﻟك ﻋﻣﻼ ﺷرﻋﯾﺎ ﯾدﺧل ﻓﻲ ﻧطﺎق أﺑﺳط ﺣﻘوﻗﻬﺎ‪ ،‬وﯾﻛون ﻫذا اﻟﻌﻧف اﻟﻣـﻧظم ﻣوﺟﻬـﺎ‬
‫ﺿــــد دوﻟــــﺔ أﺧــــرى أو ﺿــــد إﺣــــدى اﻟوﺣــــدات اﻟﺳﯾﺎﺳــــﯾﺔ ﻏﯾــــر اﻟدوﻟــــﺔ ﻛﺎﻟﻣﻧظﻣــــﺎت واﻟﺣرﻛــــﺎت اﻟوطﻧﯾــــﺔ‬
‫‪4‬‬
‫واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ‪''.‬‬
‫وﯾرﻛــز ﻫــذا اﻟﺗﻌرﯾــف ﻋﻠــﻰ ﻣﺻــطﻠﺢ ''اﻟﻌﻧــف اﻟﻣــﻧظم'' اﻟــذي ﺗوظﻔــﻪ اﻷطـراف اﻟﻣﺗﺻــﺎرﻋﺔ‪ ،‬ﻛﻣــﺎ ﯾﺑــﯾن أن ﻫــذا‬
‫اﻟﻌﻧف ﻻ ﯾﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ اﻟدول ﻓﻘط ﺑل ﯾﺷﻣل أطراﻓﺎ ﻏﯾر اﻟدول‪.‬‬
‫ﻓـﻲ ﺣـﯾن ﯾــرى ﺟﻬــﺎد ﻋـودة ﺑــﺄن ''اﻟﺣـروب ﻫــﻲ أﻗﺳــﻰ أﺷـﻛﺎل اﻟﺻـراﻋﺎت ﻣــن ﺣﯾـث ﻋــدد اﻟﻘﺗﻠــﻰ ﻓﯾﻬــﺎ‬
‫وﻣن ﺣﯾث اﻷﺳﺑﺎب اﻟﻣؤدﯾﺔ إﻟﯾﻬﺎ ﺗﻌﻧـﻲ أن ﻫﻧـﺎك ﻣﺻـﺎﻟﺢ ﻣﺗﻧﺎﻗﺿـﺔ ﺗﻧﺎﻗﺿـﺎ ﻛـﺎﻣﻼ ﻛـﺎن ﻣـن ﻏﯾـر اﻟﻣﻣﻛـن‬
‫‪5‬‬
‫ﺣﻠﻬﺎ إﻻ ﻣن ﺧﻼل اﻟﻘوة اﻟﻣﺳﻠﺣﺔ اﻟﻔﻌﻠﯾﺔ وﻟﯾس ﻣﺟرد اﻟﺗﻬدﯾد ﺑﻬﺎ‪".‬‬
‫أﻣﺎ ﻫذا اﻟﺗﻌرﯾف ﻓﯾﺳﺗﻧد ﻋﻠﻰ اﻷﺳﺑﺎب اﻟﻣوﻟدة ﻟﻬذا اﻟﺻراع وﻛذﻟك ﻋدد اﻟﻘﺗﻠﻰ اﻟﻧﺎﺟم ﻋﻧﻪ‪.‬‬

‫‪ ( 1‬ﻣﯿﺮل‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.498.‬‬

‫‪ ( 2‬ﻋﺒﺪ اﻟﻮھﺎب اﻟﻜﯿﺎﻟﻲ وآﺧﺮون‪،‬ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ‪ ،‬ﻣﺎدة )اﻟﺼﺮاع(‪) ،‬ﺑﯿﺮوت‪ :‬اﻟﻤﺆﺳﺴﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻟﻠﺪراﺳﺎت واﻟﻨﺸﺮ‪ ،(1981،‬ص‪.170 .‬‬
‫‪ ( 3‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﺘﻰ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.294.‬‬
‫‪ ( 4‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ‪ ،‬ص‪.295.‬‬
‫‪ ( 5‬ﻣﮭﻨﺎ‪ ،‬ﻣﻌﺮوف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.10.‬‬
‫وﻫﻛذا ﯾﺑدو أن ﻣﻔﻬوم ''اﻟﺣرب'' ﯾﺧﺗﻠف ﻋن ﻣﻔﻬوم ''اﻟﺻراع''‪ ،‬ﻓﺎﻟﺣرب ﻫـﻲ ذﻟـك اﻟﺷـﻛل ﻣـن أﺷـﻛﺎل‬
‫اﻟﺻراع اﻟذي ﯾﺗم ﺑوﺳﯾﻠﺔ اﻟﻌﻧف اﻟﻣﺳﻠﺢ ﺣﺳﻣﺎ ﻟﺗﻧﺎﻗﺿﺎت ﺟذرﯾﺔ ﻟـم ﺗﺟـد اﻷﺳـﺎﻟﯾب اﻟﺳـﻠﻣﯾﺔ اﻷﺧـرى ﻟﻠﺻـراع‬
‫ﺳﺑﯾﻼ ﻟﺣﻠﻬﺎ‪.‬‬
‫وﻋﻠﯾـﻪ ﯾﻣﻛـن اﻟﻘـول ﺑـﺄن ''اﻟﺻـراع اﻟـدوﻟﻲ'' أﺷـﻣل وأﻋﻘــد ﺑﻛﺛﯾـر ﻓـﻲ ﻣﻔﻬوﻣـﻪ وﻧطﺎﻗـﻪ ﻣـن ﻣﻔﻬـوم وﻧطــﺎق‬
‫اﻟﺣــرب‪ ،‬ﻷن اﻟﺣــرب ﻣﺗــﻰ وﻗﻌــت ﻓﺈﻧﻬــﺎ ﻻ ﺗﺗــرك أﻣــﺎم أطراﻓﻬــﺎ إﻻ اﻟﺧﯾــﺎر ﺑــﯾن اﻻﺳــﺗﻣرار أو اﻻﺳﺗﺳــﻼم‪ ،‬ﺑــﯾن‬
‫اﻟﻧﺻـر أو اﻟﻬزﯾﻣـﺔ‪ .‬وذﻟـك ﺑﻌﻛـس ﻣـﺎ ﯾﺣـدث ﻓـﻲ ظـروف اﻟﺻـراع‪ ،‬ذﻟـك أﻧـﻪ ﺧـﻼل ﻛﺎﻓـﺔ اﻟﻣ ارﺣـل اﻟﺗـﻲ ﺗﺳــﺑق‬
‫وﻗــوع اﻟﺣــرب ﯾﻛــون ﻫﻧــﺎك ﺑﻌــض اﻟﻣﺟــﺎل ﻹدارة اﻟﺻ ـراع واﻟﺗﻛﯾــف ﻣــﻊ ﺿــﻐوطﻪ‪ ،‬ﻣــﻊ ﺗــوﻓر اﻟﻣﻘــدرة اﻟﻧﺳــﺑﯾﺔ‬
‫ﻋﻠﻰ اﻻﺧﺗﯾﺎر ﺑﯾن اﻟﺑداﺋل اﻟﻌدﯾدة واﻟﻣﺗﺎﺣﺔ ﻟﻛل طرف ﻣن اﻷطراف اﻟداﺧﻠﺔ ﻓﯾﻪ‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬ﻓﺎﻟﺻراع ﯾﺷﻣل اﻟﺗوﺗر واﻷزﻣﺔ واﻟﻧزاع واﻟﺣرب‪ ،‬ﻓﻬو أوﺳﻊ وأطول أﻣدا ﻣـن ﻫـذﻩ اﻟﺣـﺎﻻت اﻟﻔرﻋﯾـﺔ‬
‫اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺗﺑر ﻣراﺣل ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻋﻧﻪ‪ ،‬ﻓﻘد ﯾﺗﺷﻌب اﻟﺻراع وﯾﻣﺗد ﻷﻛﺛر ﻣن ﻧﺻف ﻗرن ﻋﻠـﻰ ﻏـرار اﻟﺻـراع اﻟﻌرﺑـﻲ‬
‫اﻹﺳراﺋﯾﻠﻲ‪.‬‬
 ‫اﻟﻣﺣﺎﺿرة اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ‪ :‬ﻣﺳﺗوﯾﺎت ﺗﺣﻠﯾل اﻟﻧزاع‬

‫ﺗطــرح ﻣﺳــﺄﻟﺔ ﻣﺳــﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾــل ﺑﺷــﻛل ﻣﺳــﺗﻣر ﻓــﻲ د ارﺳــﺔ اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ ﻻرﺗﺑﺎطﻬــﺎ اﻟوﺛﯾــق ﺑﻘﺿــﯾﺔ‬
‫ﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺄﻛﺛر اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت ﻗدرة ﻋﻠﻰ ﺗﻘـدﯾم أﺣﺳـن ﺗﻔﺳـﯾر ﻟﻠظـﺎﻫرة‪ ،‬ﻛﻣـﺎ أن ﺗﺑﻧـﻲ اﻟﺑﺎﺣـث ﻣﺳـﺗوى ﺗﺣﻠﯾﻠﯾـﺎ ﻣﻌﯾﻧـﺎ‬
‫ﯾطـ ــرح أﻣﺎﻣـ ــﻪ إﺷـ ــﻛﺎﻻ ﺣـ ــول ﻣـ ــدى أﻫﻣﯾﺗـ ــﻪ ﺑﺎﻟﻧﺳـ ــﺑﺔ ﻟﻠﻣﺳـ ــﺗوﯾﺎت اﻷﺧـ ــرى‪ٕ ،‬واﻟـ ــﻰ أي ﻣـ ــدى ﯾﻣﻛـ ــن أن ﯾﻣـ ــدﻧﺎ‬
‫ﺑﺎﻹﺟﺎﺑﺎت اﻟدﻗﯾﻘﺔ ﻟﻺﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣطروﺣﺔ؟‬

‫وﻷن ظــﺎﻫرة اﻟﻧ ـزاع اﻟــدوﻟﻲ ﻣــن ﺑ ــﯾن اﻟظ ـواﻫر اﻷﻛﺛــر اﻧﺗﺷــﺎ ار وﺗﻌﻘﯾ ــدا ﻣــن ﺣﯾــث أﺳــﺑﺎﺑﻬﺎ وﻣﺳ ــﺗوﯾﺎﺗﻬﺎ‪،‬‬
‫وﺟ ــب اﻻﺳ ــﺗﻌﺎﻧﺔ ﺑ ــﺎﻷطر اﻟﻧظرﯾ ــﺔ اﻟﻣﻧﺎﺳ ــﺑﺔ وﻓ ــق اﻟﻣﺳ ــﺗوى اﻟﺗﺣﻠﯾﻠ ــﻲ اﻟ ــذي اﻋﺗﻣدﺗ ــﻪ وذﻟ ــك ﻹﻋط ــﺎء ﺻ ــورة‬
‫واﺿﺣﺔ ﻟﻣﺧﺗﻠف اﻷﺳﺑﺎب اﻟﻣﺗﺣﻛﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﺻراع‪.‬‬
‫ﻟذﻟك ﺳﻧﺣﺎول ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣﺑﺣث اﻟﺗطرق إﻟﻰ أﻫﻣﯾﺔ ﻣﻧﻬﺞ ﻣﺳـﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾـل ﻓـﻲ ﺗﻔﺳـﯾر اﻟظـواﻫر اﻟدوﻟﯾـﺔ‬
‫ﻋﺎﻣﺔ واﻟﺻراع اﻟدوﻟﻲ ﻋﻠـﻰ وﺟـﻪ اﻟﺧﺻـوص‪ ،‬ﻛـون ﻫـذﻩ اﻟظـﺎﻫرة ﺗﺗﺳـم ﺑﺎﻟﺗﻌﻘﯾـد اﻷﻣـر اﻟـذي ﯾﺗطﻠـب د ارﺳـﺗﻬﺎ‬
‫ﻋﻠــﻰ ﻛ ــل اﻟﻣﺳــﺗوﯾﺎت‪ ،‬ﺛ ــم ﻧﺗط ــرق ﺑﻌ ــد ذﻟ ــك ﻷﻫ ــم اﻟﻧظرﯾ ــﺎت اﻟﺗ ــﻲ ﺳ ــﺎﻫﻣت ﻓ ــﻲ ﺗﻔﺳ ــﯾر أﺳ ــﺑﺎب اﻟﺻـ ـراﻋﺎت‬
‫واﻟﺣروب اﻟدوﻟﯾﺔ‪ ،‬وذﻟك ﺣﺳب اﻟﻣﺳﺗوى اﻟذي ﺗﻘﻊ ﺿﻣﻧﻪ اﻷﺳﺑﺎب‪.‬‬

‫أوﻻ‪ :‬أﻫﻣﯾﺔ ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾل ﻓﻲ ﺗﻔﺳﯾر اﻟﻧزاﻋﺎت‬

‫ﺗﻌـد ﻣﺳـﺄﻟﺔ ﺗﺣدﯾـد ﻣﺳــﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾـل ﻓـﻲ اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟدوﻟﯾـﺔ ﻣـن أﻫـم اﻟﻣﺳــﺎﺋل اﻟﺗـﻲ طرﺣﻬـﺎ اﻟدارﺳــون‬
‫ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺣﻘل‪ ،‬و ﯾرﺟﻊ ﻣﺻدر ﻫذﻩ اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ﺣﺳب ﺑـﺎري ﺑـوزان ‪ Barry Buzan‬إﻟـﻰ ﻛـون اﻷﺣـداث ﻓـﻲ‬
‫اﻟﻌﻠــوم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ ﺗﺗﺧــذ أﻛﺛــر ﻣــن ﺳــﺑب ﻓــﻲ وﻗوﻋﻬــﺎ ﻛﻣــﺎ أن ﻫــذﻩ اﻷﺳــﺑﺎب ﯾﻣﻛــن أن ﺗوﺟــد ﻓــﻲ أﻛﺛــر ﻣــن‬
‫ﻣﺳﺗوى واﺣد ﻣن اﻟﺗﻣوﻗﻊ‪ ،‬وﻛﻣﺛﺎل ﻋﻠﻰ ذﻟك ﯾﺿـﯾف ﺑـوزان أﻧـﻪ ﯾﻣﻛـن إرﺟـﺎع ﻧﺷـوب اﻟﺣـرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾـﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾـﺔ‬
‫إﻟــﻰ أﻛﺛــر ﻣــن ﺳــﺑب وﻫــﻲ‪ :‬ﺣﺎﻟــﺔ اﻟﻼأﻣ ـن اﻟﻔرﻧﺳــﯾﺔ‪ ،‬اﻻﻧﺗﻘﺎﻣﯾــﺔ اﻷﻟﻣﺎﻧﯾــﺔ و ﺿــﻌف آﻟﯾــﺔ ﻧظــﺎم ﺗ ـوازن اﻟﻘــوى‪،‬‬
‫وﻫذﻩ اﻟﺗﻌددﯾﺔ اﻟﺳﺑﺑﯾﺔ رﺑﻣﺎ ﺗﻧﻌﻛس ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻔﺳﯾرات اﻟﻣطروﺣﺔ واﻟﺗﻲ ﻗد ﺗذﻫب ﻓﻲ ﻧﻔس اﻻﺗﺟﺎﻩ‪.‬‬
‫ﯾـرى ﺑـوزان ﻣــن ﺧـﻼل اﻟﻣﺛـﺎل اﻟﺳــﺎﺑق اﻧـﻪ ﯾﻣﻛـن ﺗﺻــﻧﯾف اﻷﺳـﺑﺎب اﻟﻔرﻧﺳـﯾﺔ و اﻷﻟﻣﺎﻧﯾــﺔ ﻓـﻲ ﻣﺳــﺗوى‬
‫واﺣــد‪ ،‬ﻛوﻧﻬــﺎ ﺗﺗﻌﻠــق ﺑــدواﻓﻊ و ﺳــﻠوﻛﺎت اﻟــدول‪ ،‬ﻟﻛــن ﺿــﻌف ﻣﯾ ـزان اﻟﻘــوى ﯾﻌﺗﺑــر ﻣظﻬــر ﻣــن ﻣظــﺎﻫر اﻟﻧظــﺎم‬
‫اﻟــدوﻟﻲ ﻛﻛــل وﻫــو ﻣﺳــﺗوى آﺧ ــر ﻣﺧﺗﻠــف ﻓــﻲ ﺗﻔﺳــﯾرﻩ ﻟﺣﺎﻟــﺔ اﻟﺣ ــرب ﻋــن اﻟﺗﻔﺳــﯾرات اﻟﻣﺳــﺗﻧدة ﻋﻠــﻰ اﻟﺳ ــﻠوك‬
‫اﻟﻣﻧﻔرد ﻟﻠدول‪ .‬ﻛﻣﺎ أن اﻋﺗﺑﺎرﻧﺎ ﺑﺄن اﻟﺣرب ﻛﺎن ﺳﺑﺑﻬﺎ ﻫﺗﻠر ﯾﺟﻌﻠﻧﺎ ﻫﻧﺎ ﺑﺻـدد ﻣﺳـﺗوى ﺗﻔﺳـﯾري ﺛﺎﻟـث ﯾﺧﺗﻠـف‬
‫‪1‬‬
‫ﻋن '' اﻟدوﻟﺔ'' و ''اﻟﻧظﺎم'' و ﯾﺗﺟﻪ إﻟﻰ ''اﻟﻔرد‪''.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪)Barry Buzan,''The Level of Analysis Problem in International Relations Reconsidred,''in KEN Booth and Steve‬‬
‫‪Smith(ed.), International Relations Theory Today (Cambridge: University press, 2nd ed, 1997), pp.198, 199.‬‬
‫وﻓــﻲ ﻧﻔــس اﻻﺗﺟــﺎﻩ ﯾﻣﯾــز ﻛﯾﻧﯾــث واﻟﺗــز ‪ Kenneth N.Waltz‬ﺑــﯾن ﺛــﻼث ﻣﺳـﺗوﯾﺎت ﻣــن اﻟﺳــﺑﺑﯾﺔ‪،‬‬
‫واﻟﺗﻲ ﯾﺳﻣﯾﻬﺎ ''ﺻورا''‪ ،‬وﻫﻲ اﻷﺷﺧﺎص ‪ ،‬واﻟـدول ‪ ،‬و اﻟﻣﻧظوﻣـﺎت اﻟدوﻟﯾـﺔ‪ ،‬وذﻟـك اﺳـﺗﻧﺎدا إﻟـﻰ أن اﻷﻧظﻣـﺔ‬
‫ﻟﯾﺳـت ﻫـﻲ اﻟﺳـﺑﯾل اﻟوﺣﯾــد ﻟﺗﻔﺳـﯾر اﻷﺣـداث ﻓــﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳـﺔ اﻟدوﻟﯾـﺔ ‪ ،‬إﺿــﺎﻓﺔ إﻟـﻰ اﻧـﻪ ﻧــﺎد ار ﻣـﺎ ﺗﻛﻔـﻲ اﻟﺗﻔﺳــﯾرات‬
‫‪1‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﺷﺧﺻﻲ )اﻟﻔرد( ﻻن طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟدوﻟﯾﺔ ﺗﻌﻧﻲ اﻟدول أﻛﺛر ﻣﻧﻬﺎ اﻷﻓراد‪.‬‬
‫ﻣـن ﻫــذا اﻟﻣﻧطﻠــق‪ ،‬ﯾﻌــد اﻟﺗرﻛﯾـز ﻋﻠـﻰ ﻣﺳــﺗوى ﺗﻔﺳــﯾري واﺣـد دون اﻟﻣﺳــﺗوﯾﺎت اﻷﺧــرى ﺑﻣﺛﺎﺑــﺔ اﺧﺗـزال‬
‫ﻟﻠﻣﺳﺑﺑﺎت اﻟﺣﻘﯾﻘﯾﺔ ﻟﻠظﺎﻫرة‪ .‬ﻓﺎﻻﻋﺗﻣﺎد ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻔرد ﻣﺛﻼ ﻓﻲ ﺗﻔﺳﯾر ظـﺎﻫرة اﻟﺣـرب ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻫـﺎ ﺗرﺟـﻊ إﻟـﻰ‬
‫اﻟﺷــر اﻟــذي ﯾﻛﻣــن داﺧﻠﻧ ـﺎ‪ ،‬ﺗﺟﻌﻠﻧــﺎ ﻧﺻــطدم ﺑﺈﺷــﻛﺎل آﺧــر وﻫــو ﻟﻣــﺎذا ﯾﺧــوض ﺑﻌــض اﻟﻘــﺎدة اﻷﺷ ـرار اﻟﺣــروب‬
‫ﺑﯾﻧﻣــﺎ ﻻ ﯾﻘودﻫ ــﺎ آﺧ ــرون‪ ،‬وﻟﻣ ــﺎذا ﯾﺧ ــوض ﻗ ــﺎدة ﺷ ــرﻓﺎء اﻟﺣ ــرب ﺑﯾﻧﻣ ــﺎ ﻻ ﯾﻘودﻫ ــﺎ آﺧ ــرون؟ إذن ﻓﺎﻟﺷ ــرح ﻋﻠ ــﻰ‬
‫‪2‬‬
‫ﻣﺳﺗوى اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺑﺷرﯾﺔ ﻻ ﯾﻌطﯾﻧﺎ اﻹﺟﺎﺑﺔ اﻟﻛﺎﻓﯾﺔ‪.‬‬
‫واﻟﺳؤال ﻧﻔﺳﻪ ﯾطرح ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﺛـﺎﻧﻲ ﻣـن اﻟﺗﺣﻠﯾـل ‪-‬طﺑﯾﻌـﺔ اﻟدوﻟـﺔ أو اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ‪ -‬وﻫـو إذا ﻛﺎﻧـت‬
‫أﻧ ـواع ﻣﻌﯾﻧــﺔ ﻣــن اﻟﻣﺟﺗﻣﻌــﺎت ﺗﺗﺳــﺑب ﻓــﻲ اﻟﺣــروب‪ ،‬ﻟﻣــﺎذا ﻻ ﺗﺧــوض ﺑﻌــض اﻟﻣﺟﺗﻣﻌــﺎت أو اﻟــدول اﻟﺳــﯾﺋﺔ‬
‫اﻟﺣــروب؟ وﻟﻣــﺎذا ﺗﺧــوض دول ﺻــﺎﻟﺣﺔ ﺣرﺑــﺎ؟ )ﻓــﻲ ﻣﻘﺎﺑــل اﻟﺳــﯾﺊ‪-‬اﻟﺷــﯾوﻋﻲ‪-‬و اﻟﺻــﺎﻟﺢ‪-‬اﻟــدﯾﻣﻘراطﻲ(‪ٕ .‬واذا‬
‫ﻛﺎن اﻟﺗﺣﻠﯾل ﻋﻠﻰ ﻣﺳـﺗوى اﻟدوﻟـﺔ ﯾﻣﺛـل ﺗﻔﺳـﯾ ار ﻣـن اﻟـداﺧل إﻟـﻰ اﻟﺧـﺎرج‪ ،‬أي أﻧـﻪ ﯾﻣﺛـل ﺗﻔﺳـﯾ ار ﻟﻸﺣـداث داﺧـل‬
‫ﻫذﻩ اﻟدول‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﺗﺣﻠﯾل ﻋﻠـﻰ ﻣﺳـﺗوى اﻟﻣﻧظوﻣـﺔ ) اﻟﻧظـﺎم اﻟـدوﻟﻲ( ﯾﻣﺛـل ﺗﻔﺳـﯾ ار ﻣـن زاوﯾـﺔ ﺧﺎرﺟﯾـﺔ ﻣـن ﺣﯾـث‬
‫اﻟﻧظـر إﻟـﻰ اﻟطرﯾﻘـﺔ اﻟﺗـﻲ ﺗﻘﯾـد ﺑﻬـﺎ اﻟﻣﻧظوﻣـﺔ اﻟﻣﺗﻛﺎﻣﻠــﺔ ﻫـذﻩ اﻟـدول )أي ﺗـﺄﺛﯾر اﻟﻣﻧظوﻣـﺔ ﻋﻠـﻰ ﺳـﻠوك اﻟــدول(‪.‬‬
‫وﯾﻌد ﻣﺳﺗوى اﻟدوﻟﺔ وﻣﺳـﺗوى اﻟﻧظـﺎم إذا ﻓـﻲ ﺗـداﺧل ﻛﺑﯾـر ﻣـن ﺧـﻼل ﺗﻔﺳـﯾر اﻟظـواﻫر اﻟدوﻟﯾـﺔ‪ ،‬ﺣﯾـث ﻋـﺎدة ﻣـﺎ‬
‫‪3‬‬
‫ﯾﻧظر اﻟﻣﺣﻠﻠون اﻟﺳﯾﺎﺳﯾون إﻟﻰ ﺗﻛوﯾن اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﻟﻠﺗﻧﺑؤ ﺑﺳﻠوك اﻟدول وﻣدى ﻣﯾﻠﻬﺎ ﻟﻠدﺧول ﻓﻲ ﺣرب‪.‬‬
‫وﻗــد ﺑــرزت ﻣﺳــﺄﻟﺔ ﻣﺳــﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾــل ﻓــﻲ اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ ﺧــﻼل اﻟﺧﻣﺳــﯾﻧﯾﺎت ﻣــن اﻟﻘــرن اﻟﻣﺎﺿــﻲ‪،‬‬
‫ﻛﺟزء ﻣن اﻟﺗﺄﺛﯾر اﻟواﺳﻊ اﻟذي أﺣدﺛﺗﻪ اﻟﺳﻠوﻛﯾﺔ‪ ،‬واﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﺳﻌﻰ إﻟﻰ ﺗطﺑﯾق ﻣﻧـﺎﻫﺞ اﻟﻌﻠـوم اﻟطﺑﯾﻌﯾـﺔ ﻋﻠـﻰ‬
‫اﻟظـ ـواﻫر اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾ ــﺔ‪ 4.‬وﻛﺎﻧﻌﻛـ ــﺎس ﻟﺗﻌ ــدد اﻟﻣـ ــداﺧل ﻟد ارﺳ ــﺔ اﻟظـ ـواﻫر ﻓـ ــﻲ اﻟﻌﻼﻗ ــﺎت اﻟدوﻟﯾـ ــﺔ‪ ،‬ﻓﻘ ــد ﺗﻌـ ــددت‬
‫ﺗﻘﺳـﯾﻣﺎت ﻣﺳـﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾـل ﺑـﯾن اﻟﻌدﯾـد ﻣـن اﻟﺑـﺎﺣﺛﯾن و اﻟﻣﻧظـرﯾن ﻓـﻲ ﻫـذا اﻟﺣﻘـل و ﺑـﺎﻷﺧص ﺑـﯾن اﻟﻣﻔﻛـرﯾن‬
‫اﻷﻣرﯾﻛﯾﯾن اﻟﺛﻼﺛﺔ اﻟذﯾن ﯾرﺟﻊ إﻟﯾﻬم اﻟﻔﺿل ﻓﻲ ﺟﻠب ﻣﺳﺄﻟﺔ ﻣﺳـﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾـل ﻧﺣـو اﻻﺗﺟـﺎﻩ اﻟﺗﻔﻛﯾـري اﻟﺳـﺎﺋد‬
‫ﺣــول ﻧظرﯾــﺔ اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ وﻫــم‪ :‬ﻛﯾﻧﯾ ـث واﻟﺗــز ‪ Keneeth N.Waltz‬وﻣــورﺗن ﻛــﺎﺑﻠن ‪Morton‬‬
‫‪ ، J.David‬وﯾﻘﺳ ــم ﻛﯾﻧﯾـــث واﻟﺗـــز ﻣﺳ ــﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾ ــل إﻟ ــﻰ ﺛﻼﺛ ــﺔ‬ ‫‪ Kaplan‬ودﯾﻔﯾـــد ﺳـــﯾﻧﻐر ‪Singer‬‬
‫ﻣﺳــﺗوﯾﺎت أﺳﺎﺳــﯾﺔ وﻫــﻲ‪ :‬ﻣﺳــﺗوى اﻟﻔــرد )ﺻــﺎﻧﻊ اﻟﻘ ـرار(‪ ،‬ﻣﺳــﺗوى اﻟدوﻟــﺔ‪ ،‬وﻣﺳــﺗوى اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ وﻗــد ﻋﻛــس‬
‫ﻫــذا اﻟﺗﻘﺳــﯾم ﻓــﻲ ﺟــزء ﻛﺑﯾــر ﻣﻧــﻪ‪،‬ﻋﻧوان ﻋﻣﻠــﻪ اﻟﻛﻼﺳــﯾﻛﻲ''‪ '' Man,the state and war‬ﻣــن ﺧــﻼل‬
‫ﺗﺳﺎؤﻟﻪ ﻋن ﻟﻣﺎذا اﻟﺣرب؟‬

‫‪ ( 1‬ﺟﻮزﯾﻒ س‪.‬ﻧﺎي اﻻﺑﻦ‪ ،‬اﻟﻤﻨﺎزﻋﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ‪ :‬ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﻠﻨﻈﺮﯾﺔ واﻟﺘﺎرﯾﺦ‪ ،‬ﺗﺮﺟﻤﺔ‪ :‬أﺣﻤﺪ أﻣﯿﻦ اﻟﺠﻤﻞ وﻣﺠﺪي ﻛﺎﻣﻞ)اﻟﻘﺎھﺮة‪:‬اﻟﺠﻤﻌﯿﺔ اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ ﻟﻨﺸﺮ‬
‫اﻟﻤﻌﺮﻓﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ‪،‬ط‪،(1،1997.‬ص‪.51.‬‬
‫‪ ( 2‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ ‪،‬ص‪.52.‬‬
‫‪ ( 3‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ ‪ ،‬ص‪.54.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪)Buzan, op.cit., p.199.‬‬
‫ طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ و اﻟﺳﺎﺣﺔ اﻟدوﻟﯾـﺔ)اﻟﻧظﺎم اﻟـدوﻟﻲ( ﺣﯾـث ﯾظﻬـر ﻓﯾﻬـﺎ اﻟﺗﻔﺎﻋـل ﺑـﯾن‬،‫طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺑﺷر أﻧﻔﺳﻬم‬
1
.‫اﻟدول‬
‫وﯾﻣﻛــن اﻻﺳــﺗﻌﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﺟــدول اﻟﺗــﺎﻟﻲ ﻟﺗوﺿــﯾﺢ ﻣﺳــﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾــل اﻟﺗــﻲ ﯾﺗﻔــق ﻋﻠﯾﻬــﺎ أﻏﻠــب اﻟدارﺳــﯾن ﻓــﻲ ﺣﻘــل‬
:‫اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‬

:01 ‫اﻟﺟدول رﻗم‬

Levels of Analysis
‫ﻣﺴﺘﻮﯾﺎت اﻟﺘﺤﻠﯿﻞ‬
Systemic ‫ﻧﻈﻤﻲ‬ Domestic ‫داﺧﻠﻲ‬ Individual ‫اﻟﻔﺮد‬
Basic Explanation for State Basic Explanation for State Basic Explanation for State
Actions Actions Actions
 All states are similar/
sovereign  All states unique  Decisions made by
 System logic drives  Behaviour derives individual leaders
behaviour from state's features

:‫أﺳﺎس ﺷﺮح ﺳﻠﻮك اﻟﺪوﻟﺔ‬ :‫أﺳﺎس ﺷﺮح ﺳﻠﻮك اﻟﺪوﻟﺔ‬

:‫أﺳﺎس ﺷﺮح ﺳﻠﻮك اﻟﺪوﻟﺔ‬
‫ ذات ﺳﯿﺎدة‬/‫اﻟﺪول ﻣﺘﺸﺎﺑﮭﺔ‬ - ‫ﻛﻞ دوﻟﺔ ﻓﺮﯾﺪة اﻟﻨﻮع‬ -
‫ﻣﻨﻄﻖ اﻟﻨﻈﺎم ﯾﻔﺮض‬ - ‫ﺳﻠﻮك اﻟﺪوﻟﺔ ﯾﻨﺒﻊ ﻣﻦ‬ - ‫ اﻟﻘﺮارات اﻟﺼﺎدرة ﻋﻦ اﻟﻘﺎدة ﻛﺄﻓﺮاد‬-
‫اﻟﺴﻠﻮك‬ ‫ﺧﺼﺎﺋﺼﮭﺎ‬

Examples of Theories Examples of Theories Examples of Theories

 Balance of power
 Long cycles
 Hegemonic stability
 Security Dilemma
:‫ﻣﺜﺎل اﻟﻨﻈﺮﯾﺎت‬
 Peace among  Cognitive theories &
democracies misperception
 Military-industrial  Crisis decision-
complex making
 Bureaucratic politics  Operational codes

‫ﻣﯿﺰان اﻟﻘﻮة‬ - :‫ﻣﺜﺎل اﻟﻨﻈﺮﯾﺎت‬ :‫ﻣﺜﺎل اﻟﻨﻈﺮﯾﺎت‬

‫اﻟﺪورات اﻟﻄﻮﯾﻠﺔ‬ -
‫اﺳﺘﻘﺮار اﻟﮭﯿﻤﻨﺔ‬ - ‫اﻟﺴﻠﻢ اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﻲ‬ - ‫ﻧﻈﺮﯾﺎت اﻹدراك و ﺳﻮء‬ -
‫اﻟﻤﺄزق اﻷﻣﻨﻲ‬ - ‫اﻟﻤﺮﻛﺐ اﻟﻌﺴﻜﺮي اﻟﺼﻨﺎﻋﻲ‬ - ‫اﻹدراك‬
‫اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﺒﯿﺮوﻗﺮاطﯿﺔ‬ - ‫اﺗﺨﺎذ اﻟﻘﺮار ﻓﻲ اﻷزﻣﺔ‬ -
‫اﻟﺮﻣﻮز اﻟﻘﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺘﻄﺒﯿﻖ‬ -

1
) Jean Bethke Elshtain,''International Politics and Political Theory,'' in Booth and Smith, op. cit., p.265.
 ‫‪Types of Data Considered‬‬ ‫‪Types of Data onsidered‬‬ ‫‪Types of Data Considered‬‬

‫‪‬‬ ‫‪Military strength‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪Form of government‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪Leadership style‬‬

‫‪‬‬ ‫‪Deterrence‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪Political institutions‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪Leader's beliefs,‬‬
‫‪capabilities‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪Economic structure‬‬ ‫‪goals value systems‬‬
‫‪‬‬ ‫‪GNP‬‬ ‫‪& level of‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪Generational‬‬
‫‪‬‬ ‫‪Number of major‬‬ ‫‪development‬‬ ‫‪experience‬‬
‫‪powers = Polarity‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪Ideology‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪Personal‬‬
‫‪‬‬ ‫‪History‬‬ ‫‪relationships‬‬
‫‪‬‬ ‫‪Culture‬‬
‫‪‬‬ ‫‪Public opinion‬‬
‫ﻧﻮع اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﯾﺘﻢ اﻟﺒﺤﺚ‬
‫ﻓﯿﮭﺎ‪:‬‬ ‫ﻧﻮع اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﯾﺘﻢ اﻟﺒﺤﺚ‬ ‫ﻧﻮع اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎت اﻟﺘﻲ ﯾﺘﻢ اﻟﺒﺤﺚ‬
‫ﻓﯿﮭﺎ‪:‬‬ ‫ﻓﯿﮭﺎ‪:‬‬
‫اﻟﻘﻮة اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ‬ ‫‪-‬‬
‫إﻣﻜﺎﻧﯿﺎت اﻟﺮدع‬ ‫‪-‬‬ ‫ﺷﻜﻞ اﻟﺤﻜﻮﻣﺔ‬ ‫‪-‬‬ ‫ﻧﻤﻮذج اﻟﻘﯿﺎدة‬ ‫‪-‬‬
‫اﻟﺪﺧﻞ اﻟﻘﻮﻣﻲ اﻹﺟﻤﺎﻟﻲ‬ ‫‪-‬‬ ‫اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ‬ ‫‪-‬‬ ‫ﻣﻌﺘﻘﺪات و أھﺪاف و ﻧﻈﺎم‬ ‫‪-‬‬
‫ﻋﺪد اﻟﻘﻮى اﻟﻜﺒﺮى‪ :‬ﻧﻈﺎم‬ ‫‪-‬‬ ‫اﻟﺒﻨﯿﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ و ﻣﺴﺘﻮى‬ ‫‪-‬‬ ‫اﻟﻘﯿﻢ ﻋﻨﺪ اﻟﻘﺎدة‬
‫اﻟﻘﻄﺒﯿﺔ‬ ‫اﻟﺘﻄﻮر‬ ‫ﺗﺠﺎرب اﻷﺟﯿﺎل‬ ‫‪-‬‬
‫اﻷﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺔ‬ ‫‪-‬‬ ‫اﻟﻌﻼ ﻗﺎت اﻟﺸﺨﺼﯿﺔ‬ ‫‪-‬‬
‫اﻟﺘﺎرﯾﺦ‬ ‫‪-‬‬
‫اﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‬ ‫‪-‬‬
‫اﻟﺮأي اﻟﻌﺎم‬ ‫‪-‬‬

‫اﻟﻣﺻدر‪ :‬ﻋﺑد اﻟﺳﻼم ﯾﺧﻠف‪" ،‬ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾل ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‪ "،‬ﻣﺣﺎﺿرة ﻓﻲ ﻣﻘﯾﺎس ﻧظرﯾﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻟطﻠﺑﺔ‬
‫اﻟﺳﻧﺔ اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﻋﻠوم ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ )ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﻧﺗوري ﻗﺳﻧطﯾﻧﺔ‪.(2004 :‬‬

‫ﻛﻣــﺎ ﺗﺧﺿــﻊ ﻣﺳــﺄﻟﺔ ﺗﺣدﯾــد ) ﺗﻔﺳــﯾر( أﺳــﺑﺎب اﻟﺻ ـراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ إﻟــﻰ اﻟﻌدﯾــد ﻣــن اﻟﻣــداﺧل اﺳــﺗﻧﺎدا إﻟــﻰ‬
‫ﺗوﺟــﻪ ﻛــل ﺑﺎﺣــث وﺗﺻــوراﺗﻪ ﺗﺟــﺎﻩ ﺣــﺎﻻت اﻟد ارﺳــﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻧــﺎك ﻣــن أرﺟــﻊ ﻫــذﻩ اﻟﺻ ـراﻋﺎت إﻟــﻰ اﻟﻌواﻣــل اﻟﻧﻔﺳــﯾﺔ‬
‫ﻟﺻﺎﻧﻊ اﻟﻘرار‪ ،‬واﻟﺑﻌض أرﺟﻌﻬﺎ إﻟـﻰ طﺑﯾﻌـﺔ اﻟﻧظـﺎم اﻟﺳﯾﺎﺳـﻲ ﻋﻠـﻰ اﻋﺗﺑـﺎر أن اﻟـﻧظم اﻟدﻛﺗﺎﺗورﯾـﺔ أﻛﺛـر اﺗﺟﺎﻫـﺎ‬
‫ﻟﻠﺻ ـراع ﻣــن اﻟــﻧظم اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ‪ ،‬واﻟــﺑﻌض أرﺟﻌﻬــﺎ إﻟــﻰ ﺗﻧــﺎﻗض اﻟﻣﺻــﺎﻟﺢ‪ ،‬وﻓرﯾــق آﺧــر اﻫــﺗم ﺑﻌﺎﻣــل اﻟﻘــوة‪،‬‬
‫ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر أن اﻟﺧﻠل ﻓﻲ ﺗوازن اﻟﻘوة ﯾﺷـﺟﻊ ﻣـن ﯾﻣﻠـك اﻟﻘـوة ﻋﻠـﻰ اﻟﺗوﺳـﻊ ﻋﻠـﻰ ﺣﺳـﺎب اﻟطـرف اﻷﺿـﻌف اﻷﻣـر‬
‫اﻟذي ﯾؤدي إﻟـﻰ اﻟﺻـراع‪ ،‬واﻫـﺗم ﻓرﯾـق آﺧـر ﺑﺎﻷﺳـﺑﺎب ذات اﻟطـﺎﺑﻊ اﻻﺳـﺗراﺗﯾﺟﻲ ﻛـﺎﻟﻣوﻗﻊ اﻟﺟﻐ ارﻓـﻲ و اﻟرؤﯾـﺔ‬
‫اﻟﺳﯾﺎﺳـﯾﺔ ﻟﻠــدور اﻻﺳـﺗراﺗﯾﺟﻲ ﻟﻠدوﻟــﺔ ﻟـدى ﺻــﺎﻧﻊ اﻟﻘـرار اﻟﺳﯾﺎﺳــﻲ‪ 1.‬وﯾﻣﻛـن اﻟﻘــول ﺑـﺄن ﻛــل ﻫـذﻩ اﻟﻌواﻣــل اﻟﺗــﻲ‬
‫ذﻛرﻫﺎ اﻟﻌﻠﻣﺎء ﺗﻣﺛل اﺟﺗﻬﺎد ﻛل ﻣﻧﻬم ﻓﻲ ﺗﺣدﯾـد أﺳـﺑﺎب اﻟﺻـراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾـﺔ وﻣـن ﺛﻣـﺔ ﻻ ﯾﻣﻛـن اﻻﺳـﺗﻧﺎد إﻟﯾﻬـﺎ‬
‫ﺑﺻورة ﻣطﻠﻘﺔ ﻟﺗﻔﺳﯾر أﺳﺑﺎب أي ﺻراع‪ ،‬و إﻧﻣﺎ ﯾﺧﺗﻠف اﻷﻣر ﻣن ﺣﺎﻟﺔ وﻣن ﻣرﺣﻠﺔ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ إﻟﻰ أﺧرى‪.‬‬
‫ﺗﺧﺗﻠ ــف د ارﺳ ــﺔ اﻟﺻـ ـراع اﻟ ــدوﻟﻲ إذا وﻓﻘ ــﺎ ﻻﺧ ــﺗﻼف ﻣﺟ ــﺎل وﻣﺳ ــﺎﺣﺔ اﻻﺳﺗﻘﺻ ــﺎء واﻟ ــداﻓﻊ وراء د ارﺳ ــﺔ‬
‫اﻟﺳــﻠوك اﻟﺻ ـراﻋﻲ واﺧﺗﯾــﺎر ﻣﺳــﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾــل‪ ،‬واﻻﺧــﺗﻼف اﻟرﺋﯾﺳــﻲ ﺑــﯾن أﺳــﺎﻟﯾب اﻻﻗﺗ ـراب اﻟﻣﻧﻬﺟــﻲ ﻫــو ﻣــﺎ‬
‫إذا ﻛــﺎن اﻟﺻ ـراع اﻟــدوﻟﻲ ﯾﻌﺗﺑــر ﻣﺗﻐﯾ ـ ار ﻣﺳــﺗﻘﻼ أو ﻣﺗﻐﯾ ـ ار ﺗﺎﺑﻌــﺎ‪ ،‬وﻫــذا أﻣــر ﻫــﺎم ﺑﺎﻟﻧﺳــﺑﺔ ﻷﻏ ـراض اﻟﺗﺣﻠﯾــل‪.‬‬
‫ﻓد ارﺳ ــﺔ اﻟﺻـ ـراع اﻟ ــدوﻟﻲ ﻛﻣﺗﻐﯾ ــر ﻣﺳ ــﺗﻘل ﺗﺗﺟ ــﻪ ﻧﺣ ــو ﺗوﺿ ــﯾﺢ آﺛ ــﺎرﻩ ﻋﻠ ــﻰ اﻟﻣﺗﻐﯾـ ـرات اﻷﺧ ــرى وﻋﻠ ــﻰ اﻟدوﻟ ــﺔ‬

‫‪ ( 1‬ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻌﯿﺪ أﺑﻮ ﻋﺎﻣﻮد‪ ،‬اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة )اﻹﺳﻜﻨﺪرﯾﺔ‪ :‬دار اﻟﻔﻜﺮ اﻟﺠﺎﻣﻌﻲ‪ ،‬ط‪ ،(2007 ،1 .‬ص‪.190.‬‬
‫اﻟﻣﻌﻧﯾــﺔ‪ ،‬وﺗوزﯾ ــﻊ اﻟﻘ ــوة ﻓ ــﻲ اﻟﻌــﺎﻟم وﺗوزﯾ ــﻊ اﻟﻣـ ـوارد ﻓ ــﻲ اﻹﻗﻠ ــﯾم‪ ،‬وﻣﺛــﺎل ذﻟ ــك ﻧظرﯾ ــﺔ ﻟﯾﻧـــﯾن ‪ Lénine‬ﺣ ــول‬
‫اﻻﺳﺗﻌﻣﺎر اﻟﺗﻲ ذﻫﺑت إﻟﻰ اﻋﺗﺑﺎر اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻣـن ﻓﻌـل اﻟﺑرﺟوازﯾـﺔ ﻟﻠﺗﻐﻠـب ﻋﻠـﻰ اﻟﺻـراع اﻟطﺑﻘـﻲ‬
‫ﺑــﺎﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠــﻰ اﻟﻬوﯾــﺔ واﻟﻘوﻣﯾــﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟﺻـراع اﻟــدوﻟﻲ ﻛﻣﺗﻐﯾــر ﻣﺳــﺗﻘل ﯾﻘــرر اﻟﻧﺗــﺎﺋﺞ اﻟﺗــﻲ ﺗﺻــﺑﺢ ﺑــدورﻫﺎ ﻣﻘــدﻣﺎت‬
‫ﻟﺻ ـراع دوﻟــﻲ ﺟدﯾــد‪ .‬وﯾﻧظــر ﻟﻠﺻ ـراع اﻟــدوﻟﻲ ﻛﻣﺗﻐﯾــر ﺗــﺎﺑﻊ ﺑﺎﻋﺗﺑــﺎرﻩ ﻧﺗﯾﺟــﺔ ﻟﻣﻘــدﻣﺎت وﺳ ـواﺑق ﻋدﯾــدة وﻣــن‬
‫اﻟﻧﺎﺣﯾﺔ اﻷﻣﺑرﯾﻘﯾﺔ ﻟم ﯾﺗم اﻟﺗوﺻل إﻟﻰ ظﺎﻫرة ﻣﺣددة ﺑذاﺗﻬﺎ دون ﻏﯾرﻫـﺎ ﯾﻣﻛـن ﻣﻼﺣظﺗﻬـﺎ واﻟﻘـول ﺑﺄﻧﻬـﺎ اﻟﺳـﺑب‬
‫اﻟوﺣﯾد ﻟﻠﺻراع اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬
‫وﺗﻘــوم اﻟد ارﺳــﺎت اﻻﻣﺑرﯾﻘﯾــﺔ ﺑﺗﺣدﯾــد ﻋواﻣــل اﻟﺻ ـراع واﺧﺗﯾــﺎر اﻟﻣﺗﻐﯾ ـرات اﻟرﺋﯾﺳــﯾﺔ اﻟﺗــﻲ ﺗــؤﺛر ﻓــﻲ ﻫــذﻩ‬
‫اﻟﻌواﻣـل‪ ،‬وﯾطﻠـق ﻋﻠـﻰ ﻫـذا اﻟﻧـوع ﻣـن أﺳـﺎﻟﯾب اﻟﺗﺣﻠﯾـل اﺳـم ﺗﺣﻠﯾـل اﻟﻌﺎﻣـل ‪ factor analysis‬وﺑـﺎﻟرﻏم ﻣـن‬
‫ﻓﺎﺋــدة ﻫــذا اﻷﺳــﻠوب اﻟﺗﺣﻠﯾﻠــﻲ ﻓــﻲ ﺗوﺿــﯾﺢ اﻟﺳــﻠوك اﻟﺻـراﻋﻲ اﻟــدوﻟﻲ إﻻ أن ﺗﻌــدد اﻟﻣﺗﻐﯾـرات ﻟﻬــذا اﻟﺳــﻠوك ﻻ‬
‫ﯾﻌﻧﻲ اﻟﺣﺻـر اﻟﻛﺎﻣـل ﻟﻬـذا اﻟﺳـﻠوك وأن ﺗﻌﻣـﯾم اﻟﻧﺗـﺎﺋﺞ ﻋﻧدﺋـذ ﻻ ﯾﺧﻠـو ﻣـن اﻟدﻗـﺔ‪ .‬ﯾﺿـﺎف إﻟـﻰ ذﻟـك أن ﺗـواﻓر‬
‫اﻟﻌدﯾـد ﻣـن وﺣـدات اﻟﺗﺣﻠﯾـل واﻟﻣﻔـﺎﻫﯾم اﻟﻣرﺗﺑطـﺔ ﺑﺎﻟﺻـراع اﻟـدوﻟﻲ ﺗﺟﻌـل اﻟـدارس ﻓـﻲ ﻣواﺟﻬـﺔ ﺛﻼﺛـﺔ ﻣﺳــﺗوﯾﺎت‬
‫ﻣن اﻟﺗﺣﻠﯾل ﻛﻣﺎ ﺳﺑق ذﻛرﻫﺎ‪.‬‬
‫وﻗد ﺗﺑﺎﯾﻧـت اﻟﻣواﻗـف ﺑـﯾن اﻟﺑـﺎﺣﺛﯾن ﺣـول ﺗﺑﻧـﻲ ﻣﺳـﺗوى ﺗﺣﻠﯾﻠـﻲ دون آﺧـر أو ﺗﺑﻧـﻲ ﻛـل اﻟﻣﺳـﺗوﯾﺎت ﻓـﻲ‬
‫ﺗﻔﺳــﯾر ظــﺎﻫرة اﻟﺻ ـراع اﻟــدوﻟﻲ‪ .‬ﺣﯾــث ﯾــرى ﺑﻌــض اﻟﺑــﺎﺣﺛﯾن أن اﺧﺗﯾــﺎر ﻣﺳــﺗوى واﺣــد ﻣــن ﻣﺳــﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾــل‬
‫اﻟﺛﻼﺛﺔ ﻫﻲ أﻓﺿل اﻟطرق اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻟدراﺳﺔ اﻟﺻراع اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬ﺑﯾﻧﻣﺎ ﯾرى ﻓرﯾق آﺧر ﻣـن اﻟدارﺳـﯾن ﺿـرورة اﻟﺟﻣـﻊ‬
‫ﺑﯾن اﻟﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﺛﻼﺛﺔ ﺣﺗﻰ ﯾﻣﻛن اﻟوﻗوف ﻋﻠﻰ ﻛﺎﻓﺔ ﺟواﻧب اﻟﺻراع‪.‬‬
‫وﯾ ــرى اﻟـ ــﺑﻌض أن ﺗﺑﻧـ ــﻲ ﻣـ ــﻧﻬﺞ ﻣﺳـ ــﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾـ ــل‪ ،‬ﯾط ــرح أطـ ــر ﺷـ ــﺎﻣﻠﺔ وﻣﻘﺑوﻟـ ــﺔ ﻟﺗﻔﺳـ ــﯾر اﻟﻧ ازﻋـ ــﺎت‬
‫اﻟﻣﻌﺎﺻـرة‪ ،‬وﻫــذا ﻣــن ﺷــﺄﻧﻪ أن ﯾﻌــري ﻋﻘــدة اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟﺧﻼﻓﯾــﺔ ﺑــﯾن اﻟﻣﺻــﺎدر اﻟدوﻟﯾــﺔ‪ ،‬واﻟﻣﺻــﺎدر اﻟﺗــﻲ ﺗﻌــود‬
‫ﻷﺻل اﻟدوﻟﺔ‪ ،‬واﻟﻣﺻﺎدر اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻟﻠﻧزاﻋﺎت‪ ،‬وﻛﻠﻬﺎ ﻣﻌروﻓﺔ ﻓـﻲ اﻟﻛﺗﺎﺑـﺎت اﻟﺣدﯾﺛـﺔ‪ ،‬ﻛﻣـﺎ أن أي ﻣﻧﻬـﺎ ﻏﯾـر‬
‫ﻗﺎﺑل ﻟﻼﻧﺗﻘﺎص ﻣـن ﻗﺑـل ﻛﺗـﺎب آﺧـرﯾن‪ ،‬وﺑﺎﻟﺧﺻـوص ﻓـﻲ ﻛﺗﺎﺑـﺎت ادوارد آزار‪ ،Eduard Azar‬ﻓﯾﻣـﺎ أﺳـﻣﺎﻩ‬
‫''ﺑﺎﻟﻧزاﻋــــﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾــــﺔ اﻟدوﻟﯾــــﺔ''‪ ''ISC‬ﺑﻣﻌﻧـ ــﻰ اﻟﻧ ازﻋ ــﺎت اﻟﺗـ ــﻲ ﻟـ ــم ﺗﻌ ــد دوﻟﯾـ ــﺔ ) أي ﺑـ ــﯾن اﻟـ ــدول( و ﻻ‬
‫اﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ )داﺧﻠﯾ ــﺔ(‪ ،‬وﻟﻛﻧﻬــﺎ ﺗﺗــﺄٍرﺟﺢ ﺑــﯾن اﻟﺻــﻔﺗﯾن‪ ،‬وﯾﻣﻛــن رؤﯾــﺔ ﻫــذا اﻹطــﺎر ﻋﻠــﻰ أﻧــﻪ ﻧﻘطــﺔ ﺗﻠﺗﻘــﻲ ﻓﯾﻬــﺎ‬
‫ﻣﺧﺗﻠــف اﻟﺗﻔﺳ ــﯾرات اﻟﻧظرﯾ ــﺔ‪ 1.‬وﻗ ــد أدى اﻻﺧ ــﺗﻼف ﺣ ــول أﻫﻣﯾ ــﺔ ﻣﺳ ــﺗوى ﺗﺣﻠﯾﻠ ــﻲ ﺑﺎﻟﻧﺳ ــﺑﺔ ﻟﻶﺧ ــر إﻟ ــﻰ ﺧﻠ ــق‬
‫ﺗﺳـﺎؤﻻت ﺟدﯾــدة ﺣــول أﻫﻣﯾــﺔ اﻋﺗﻣــﺎد ﻣـﻧﻬﺞ ﻣﺳــﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾـل ﻓــﻲ د ارﺳــﺔ وﺗﺣﻠﯾــل اﻟﻧ ازﻋــﺎت‪ ،‬ﻣﻣــﺎ دﻓــﻊ ﺑﻌــض‬
‫اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن إﻟﻰ ﺗﺑﻧﻲ أطر ﺗﺣﻠﯾﻠﯾﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ‪.‬‬
‫ﺑـﺎﻟرﺟوع إﻟــﻰ اﻟﻣـﻧﻬﺞ اﻟــذي اﺳــﺗﺧدﻣﻪ ﻟﯾﻔــﻲ ‪ Levy‬ﺑﺎﻟﻧﺳــﺑﺔ ﻟﻠﺣـروب ﺑــﯾن اﻟــدول ﻋﻠــﻰ ﺳــﺑﯾل اﻟﻣﺛــﺎل‪،‬‬
‫‪'' levels‬ﻓ ــﻲ ﻣراﺟﻌﺗ ــﻪ '' ﻟﻠﻧظرﯾ ــﺎت‬ ‫‪of‬‬ ‫ﻧﺟ ــد أﻧ ــﻪ اﺳ ــﺗﺧدم '' ﻣـــﻧﻬﺞ ﻣﺳـــﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾـــل ‪analysais‬‬
‫اﻟﻣﺗﺿﺎرﺑﺔ ﺣول اﻟﻧزاﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ''‪ ،‬أﻣـﺎ ﺳـوﻗﺎﻧﺎﻣﻲ)‪ (Suganami‬ﻓﻘـد اﺳـﺗﺧدم ﻧﻣوذج''ﻣﺳـﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺳـﺑﯾب‬
‫‪ levels of‬ﻓــﻲ ﺗﺣﻠﯾﻠ ــﻪ ﻷﺳ ــﺑﺎب اﻟﺣــرب‪ ،‬أﻣ ــﺎ راﻣﺳـــﺑوﺗﺎم ‪ ،Ramsbotham‬و‬ ‫‪causation‬‬

‫‪ ( 1‬ﻣﺤﻤﺪ أﺣﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻐﻔﺎر‪ ،‬ﻓﺾ اﻟﻨﺰاع ﻓﻲ اﻟﻔﻜﺮ واﻟﻤﻤﺎرﺳﺔ اﻟﻐﺮﺑﯿﺔ )اﻟﺠﺰاﺋﺮ‪ :‬دار ھﻮﻣﮫ ﻟﻠﻄﺒﺎﻋﺔ واﻟﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﯾﻊ‪،‬ج‪ ،(2003 ،1‬ص‪.188.‬‬
‫ودﻫــﺎوس‪ woodhouse‬ﻓﻘــد اﺳــﺗﺧدﻣﺎ ﻣ ـﻧﻬﺞ '' أﺑﻌــﺎد اﻟﻧ ـزاع ‪ '' Demensions of conflict‬و اﻟــذي‬
‫‪1‬‬
‫ﯾﻣﯾز ﺑﯾن اﻟﺻﻔﺎت اﻟﻬﯾﻛﻠﯾﺔ و اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ و اﻟﻣﺗﺻﻠﺔ ﺑﺎﻟﻌﻼﻗﺔ‪.‬‬
‫إن ﻫــذا اﻟﺗﺑــﺎﯾن ﺣــول أﻫﻣﯾــﺔ ﻣﺳــﺗوى ﺗﺣﻠﯾﻠــﻲ دون اﻵﺧــر‪ ،‬ﯾﺧﻠ ـق ﺗﺣــد آﺧــر أﻣــﺎم اﻟﺑﺎﺣــث ﺣــول أﻓﺿــل‬
‫اﻟﻣﺳـﺗوﯾﺎت اﻟﺗـﻲ ﯾﻣﻛــن ﺗﺑﻧﯾﻬـﺎ ﻟد ارﺳــﺔ اﻟظـﺎﻫرة‪ ،‬وﺧﺎﺻـﺔ ظـﺎﻫرة اﻟﺻـراع اﻟــدوﻟﻲ اﻟﺗـﻲ ﺗﺗﺳــم ﺑﺎﻟﺗﺷـﺎﺑك واﻟﺗﻌﻘﯾــد‬
‫أﯾــن ﯾﺻــﻌب ﻓﯾﻬــﺎ اﺧﺗﯾــﺎر ﻣﺳــﺗوى ﺗﺣﻠﯾﻠــﻲ دون اﻵﺧــر‪ .‬وﻟﺗﺟــﺎوز اﻹﺷــﻛﺎل ﺣــول أﻫﻣﯾــﺔ ﻣﺳــﺗوى ﺗﺣﻠﯾﻠــﻲ دون‬
‫آﺧـر ﻓـﻲ ﺗﻔﺳـﯾر ظـﺎﻫرة اﻟﺻـراع اﻟـدوﻟﻲ‪ ،‬ﺳـﻧﻘدم ﻓـﻲ اﻟﻌﻧﺻـر اﻟﻣـواﻟﻲ ﺑﻌـض اﻟﻣﺳـﺎﻫﻣﺎت اﻟﻧظرﯾـﺔ ﺳـواء اﻟﺗــﻲ‬
‫اﻋﺗﻣدت ﻓﻲ ﺗﻔﺳﯾرﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔرد أو اﻟدوﻟـﺔ أم ﻋﻠـﻰ اﻟﻧظـﺎم اﻟـدوﻟﻲ‪ ،‬أو ﺣﺗـﻰ اﻟﺗـﻲ ﺗﺟﻣـﻊ ﺑـﯾن ﻛـل اﻟﻣﺳـﺗوﯾﺎت‪.‬‬
‫وذﻟــك ﺑﻬــدف إﻋطــﺎء ﺻــورة واﺿــﺣﺔ ﻟظــﺎﻫرة اﻟﺻ ـراع اﻟــدوﻟﻲ ﻋﻠــﻰ ﺿــوء اﻷطــر اﻟﻧظرﯾــﺔ اﻟﺑــﺎرزة ﻓــﻲ ﻣﯾــدان‬
‫اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‪.‬‬

‫‪ ( 1‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ‪ ،‬ص‪.188.‬‬

 ‫اﻟﻣﺣور اﻟﺛﺎﻧﻲ‪:‬‬
‫اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﻣﻔﺳرة ﻟﻠﻧزاﻋﺎت‬
‫اﻟدوﻟﯾﺔ‬
 ‫اﻟﻣﺣﺎﺿرة اﻷوﻟﻰ‪ :‬اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﻔﺳﯾر اﻟﻧزاﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‬
‫أدى ﺗﻌــدد و ﺗﺷ ــﺎﺑك أﺳ ــﺑﺎب و أﺑﻌ ــﺎد اﻟﻧ ازﻋ ــﺎت إﻟ ــﻰ اﺧ ــﺗﻼف اﻟﻛﺗ ــﺎب واﻟﺑ ــﺎﺣﺛﯾن ﻓﯾﻣ ــﺎ ﯾﺧ ــص ﻣﺻ ــدرﻩ‪،‬‬
‫وﺑﺎﻟﺗ ــﺎﻟﻲ اﻟﻣﺳ ــﺗوى اﻟﺗﺣﻠﯾﻠ ــﻲ اﻷﻧﺳ ــب ﻟﺗﻔﺳ ــﯾر اﻟﺻـ ـراع ﺣﺎﻟ ــﺔ اﻟد ارﺳ ــﺔ‪ .‬ﻓﻔ ــﻲ ﺣ ــﯾن رأى اﻟ ــﺑﻌض أن اﻟﺻـ ـراع‬
‫ﯾﺻــدر ﻋــن ﻋواﻣــل ﺷﺧﺻــﯾﺔ ﺑﻐــض اﻟﻧظــر ﻋــن دور اﻟﺷــﺧص وﻣوﻗﻌــﻪ ﺳ ـواء ﻛــﺎن ﻓــﻲ اﻟﺳــﻠطﺔ أم ﻻ‪ ،‬ﻧﺟــد‬
‫ﻣﺟﻣوﻋـﺔ أﺧــرى ﻣــن اﻟﻣﻔﻛـرﯾن ﺗـرى أن ﻣﺻــدر اﻟﺻـراع ﯾﻛﻣــن ﻓـﻲ ﻋواﻣــل ﻣﺟﺗﻣﻌﯾــﺔ ﻣﺧﺗﻠﻔــﺔ‪ .‬ورأت ﻣﺟﻣوﻋــﺔ‬
‫ﺛﺎﻟﺛــﺔ أن ﻣﺻــدر اﻟﺻـراع ﯾﻛﻣــن ﻓــﻲ اﻟﺑﻧﯾــﺔ اﻟدوﻟﯾــﺔ أو اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ‪ 1.‬ﻟــذﻟك ﺳــﻧﺗطرق ﻓــﻲ ﻫــذا اﻟﻣﺑﺣــث إﻟــﻰ‬
‫أﻫ ــم اﻟﻧظرﯾ ــﺎت اﻟﻣﻔﺳـ ـرة ﻟظ ــﺎﻫرة اﻟﺻـ ـراع اﻟ ــدوﻟﻲ ﻣﺣ ــﺎوﻟﯾن ﺑ ــذﻟك ﺗﺻ ــﻧﯾﻔﻬﺎ ﺿ ــﻣن اﻟﻣﺳ ــﺗوى اﻟﺗﺣﻠﯾﻠ ــﻲ اﻟ ــذي‬
‫اﻋﺗﻣدﺗﻪ ﻓﻲ ﺗﻔﺳﯾرﻫﺎ ﻟﻠظﺎﻫرة‪.‬‬

‫أوﻻ‪ :‬ﻣﺳﺗوى اﻟﻔرد ﻛوﺣدة ﺗﺣﻠﯾل‪:‬‬

‫ﯾؤﺳــس ﻫــذا اﻟﻣﺳــﺗوى اﻟﺗﺣﻠﯾﻠــﻲ ﻟظــﺎﻫرة اﻟﻧ ـزاع اﻓﺗ ارﺿــﺎﺗﻪ ﻋﻠــﻰ ﻣرﺟﻌﯾــﺔ ﻣﻧﻬﺟﯾــﺔ ﺗﻔﺳــر اﻟﺻ ـراﻋﺎت‬
‫ﺑﺈرﺟﺎﻋﻬـﺎ إﻟــﻰ اﻟطﺑﯾﻌــﺔ اﻹﻧﺳــﺎﻧﯾﺔ‪ ،‬ﺣﯾــث أن اﻟــدواﻓﻊ اﻟذاﺗﯾــﺔ اﻟﻌدواﻧﯾــﺔ و اﻷﻧﺎﻧﯾــﺔ ﻟــدى اﻟﺑﺷــر‪ ،‬ﺑﻣــﺎ ﻓــﯾﻬم اﻟﻘــﺎدة‬
‫اﻟﺳﯾﺎﺳــﯾون‪ -‬ﻫــﻲ أﺣــد اﻟﻣﺣرﻛــﺎت اﻟرﺋﯾﺳــﯾﺔ ﻟﻠﺣــروب ﺑــﯾن اﻟــدول‪ .2‬وﯾﺟــد ﻫــذا اﻟﻣﺳــﺗوى ﻣــن اﻟﺗﺣﻠﯾــل ﻣﺻــدرﻩ‬
‫ﻟدى اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﯾن و ﻋﻠﻣﺎء اﻟﻧﻔس‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ أطروﺣﺎت اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟﺳﻠوﻛﯾﺔ‪.‬‬

‫‪ -1‬اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾون‪:‬‬
‫ﯾﺗﻔــق أﻏﻠــب اﻟﻔﻼﺳــﻔﺔ اﻟﻛﻼﺳــﯾﻛﯾون اﻟــذﯾن ﺣــﺎوﻟوا ﺗﻘــدﯾم ﺗﻔﺳــﯾرات ﻷﺳــﺑﺎب اﻟﺣــروب ﻋﻠــﻰ أن اﻟﻣﺻــدر‬
‫اﻷﺳﺎﺳـﻲ ﻟﻬــذﻩ اﻟظــﺎﻫرة ﯾرﺟـﻊ إﻟــﻰ اﻟطﺑﯾﻌــﺔ اﻹﻧﺳــﺎﻧﯾﺔ اﻟﺷـرﯾرة و إﻟــﻰ ﻏرﯾـزة اﻷﻧﺎﻧﯾـﺔ و ﺣــب اﻟﺳــﯾطرة‪ ،‬إﺿــﺎﻓﺔ‬
‫إﻟﻰ ﺳﯾطرة اﻟﻐراﺋز ﻋﻠﻰ ﻋﻘﻠﻪ‪ .‬ﻛﻣﺎ ﯾرﻛزون ﻓﻲ ﺗﻔﺳﯾرﻫم ﻋﻠﻰ اﻟدواﻓﻊ اﻟﻣﺣرﻛﺔ ﻟﻠﺻراع اﻟدوﻟﻲ ﻓـﻲ ﻧطـﺎق ﻣـﺎ‬
‫ﯾﺳــﻣوﻧﻪ ﺑﻧزﻋــﺔ اﻹﻧﺳــﺎن إﻟــﻰ اﻟﺗــدﻣﯾر وﻫــﻲ اﻟﻧزﻋــﺔ اﻟﺗ ــﻲ ﺗﺟــد أﺳﺎﺳــﻬﺎ ﻓــﻲ ﺣــب اﻟﺳــﯾطرة واﻻﻧﺗﻘــﺎم واﻟﺗوﺳ ــﻊ‬
‫واﻟﻣﺧ ــﺎطرة ‪،‬وﺗ ــوﻓر اﻟﺻـ ـراﻋﺎت واﻟﺣ ــروب ﻓ ــﻲ رأﯾﻬ ــم اﻟﻔرﺻ ــﺔ اﻟﻣﺛﻠ ــﻰ ﻹرﺿ ــﺎء ﻣﺛ ــل ﻫ ــذﻩ اﻟ ــدواﻓﻊ واﻟﻧزﻋ ــﺎت‬
‫اﻟﻛﺎﻣﻧﺔ ﻓﻲ أﻋﻣﺎق اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ﻧﻔﺳﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻓﻔــﻲ ﺗﺣﻠﯾﻠــﻪ ﻟﻠطﺑﯾﻌــﺔ اﻟﺑﺷـرﯾﺔ‪ ،‬رﻛــز أﻛزﯾﻧوﻓــون ‪ 354-426) Xinophon‬ق‪.‬م( ﻋﻠــﻰ اﻟــدور اﻷﺳﺎﺳــﻲ‬
‫اﻟــذي ﺗﻠﻌﺑــﻪ اﻟﻌواطــف ﻋﻠــﻰ ﺣﺳــﺎب اﻟﻌﻘــل ورأى أن اﻟﺣــرب ﺗﻬــدف إﻟــﻰ اﻧﺗ ـزاع اﻹﻋﺟــﺎب واﻟﺗﻘــدﯾر اﻟﺷﺧﺻــﻲ‬
‫ﻣــن ﻗﺑــل اﻟﻐﯾــر‪ ،‬وﯾــرى أن اﻟﺣﺻــول ﻋﻠ ـﻰ إﻋﺟــﺎب وﺗﻘــدﯾر اﻟﻐﯾــر ﻫــﻲ رﻏﺑــﺔ ﻣﺗﺄﺻــﻠﺔ ﻓــﻲ اﻹﻧﺳــﺎن‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻲ‬
‫‪3‬‬
‫ﺗﺻﺑﺢ اﻟﺣروب وﺳﯾﻠﺔ ﻟﺗﺣﻘﯾق ﺗﻠك اﻟرﻏﺑﺔ‪.‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﯾﻌﺗﺑر ﻛـل ﻣـن أﻓﻼطـون)‪ 427-347‬ق‪.‬م( وأرﺳـطو)‪ 384-322‬ق‪.‬م( أن اﻟﺣـرب اﻟﻌدواﻧﯾـﺔ ﺗﺣﺻـل‬
‫ﻧﺗﯾﺟـﺔ ﻟﺗﻐﻠـب اﻷﻫـواء ﻋﻠـﻰ اﻟﻌﻘــل‪ .‬إذ ﯾرﺟـﻊ اﻟﻌﻧــف إﻟـﻰ ﻣــﺎ ﯾﺳـﻣﯾﺎﻧﻪ اﻟﻧـواﻗص ﻓـﻲ اﻟﺷﺧﺻــﯾﺔ اﻟﺑﺷـرﯾﺔ‪ ،‬ﺣﯾــث‬

‫‪ ( 1‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﺘﻰ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.303.‬‬

‫‪ ( 2‬ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺴﯿﺪ ﺳﻠﯿﻢ‪ ،‬ﺗﺤﻠﯿﻞ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ ) اﻟﻘﺎھﺮة‪ :‬ﻣﻜﺘﺒﺔ اﻟﻨﮭﻀﺔ اﻟﻤﺼﺮﯾﺔ‪ ،‬ط‪ ،(1998 ،2.‬ص‪.385.‬‬
‫‪ ( 3‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﺘﻰ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ ‪،‬ص‪.303.‬‬
‫ﺗﺗﻐﻠــب اﻷﻫ ـواء ﻋﻠــﻰ اﻟﻌﻘــل‪ .‬واﻋﺗﺑــر رﯾﻧوﻟــدﯾﻧﯾﺑور أﻧــﻪ ﻻ ﯾﻣﻛــن اﺳﺗﺋﺻــﺎل اﻹﺛــم واﻟﺷــر ﻣــن اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ ﻧﺗﯾﺟــﺔ‬
‫‪1‬‬
‫وﺟودﻫﺎ ﻓﻲ اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺑﺷرﯾﺔ و ﺧﺎﺻﺔ ﻧﺗﯾﺟﺔ أﻧﺎﻧﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎن‪.‬‬
‫أﻣـﺎ ﺗوﻣﺎس ﻫوﺑز ‪ Thomas Hobbs‬ﻓﯾﻧطﻠـق ﻣـن ﻣﻘوﻟـﺔ ﻣﻔﺎدﻫـﺎ أن اﻹﻧﺳـﺎن ﯾﻣﯾـل دوﻣـﺎ إﻟـﻰ اﻟﺻـراع‬
‫‪2‬‬
‫ﻣــﻊ أﻗ ارﻧــﻪ ﻣــن اﻟﺑﺷــر ﻣــدﻓوﻋﺎ ﻓــﻲ ذﻟــك إﻣــﺎ ﺑﺎﻟﺑﺣــث ﻋــن اﻟﻣﻧﻔﻌــﺔ أو دﻓﺎﻋــﺎ ﻋــن أﻣﻧــﻪ أو طﻣﻌــﺎ ﻓــﻲ اﻟﻣﺟــد‪.‬‬
‫ﻛﻣــﺎ رﻛــز ﺳــﺎﻧت أوﻏﺳــطﯾن )‪ 413-354‬ق‪.‬م( ﻋﻠــﻰ ﺗرﻛﯾﺑــﺔ اﻟطﺑﯾﻌــﺔ اﻟﺑﺷـرﯾﺔ واﻟﺗــﻲ ﺗﺳــﯾطر ﻋﻠﯾﻬــﺎ –ﺣﺳــب‬
‫أرﯾـﻪ‪-‬اﻷﻫـواء و اﻟرﻏﺑــﺎت‪ ،‬وأن اﻹﺛـم ﻣﺗﺄﺻــل ﻓــﻲ اﻹﻧﺳــﺎن ﻣﻧـذ أﯾــﺎم آدم وﺣـواء‪ ،‬ﺣﯾـث ﺗــﻧﻌﻛس ﺗﻠـك اﻟﻣﺷــﺎﻋر‬
‫ﻋﻠــﻰ ﺳــﻠوك اﻹﻧﺳــﺎن وﺗظﻬــر ﻓــﻲ اﻟﻌﻧــف‪ ،‬ﺣــب اﻻﻧﺗﻘــﺎم‪ ،‬اﻟﻌــداء اﻟﻣﺳــﺗﺣﻛم واﻟﺗــوق اﻟﺷــدﯾد ﻟﻠﻘــوة‪ .‬وﻓــﻲ ﻧﻔــس‬
‫اﻻﺗﺟــﺎﻩ ﯾ ــذﻫب اﻟﻔﯾﻠﺳ ــوف اﻷﻟﻣ ــﺎﻧﻲ ﻓرﯾـــدرﯾك ﻧﯾﺗﺷـــﻪ ‪ F.Neitche‬ﺣﯾ ــث ﯾﻌﺗﺑــر أن اﻹﻧﺳ ــﺎن ﻫ ــو اﻟﻣﺻ ــدر‬
‫‪3‬‬
‫اﻟوﺣﯾد ﻟﻠﺻراﻋﺎت‪ ،‬وأن اﻟوﺟود اﻹﻧﺳﺎﻧﻲ ﻫو ﺻراع داﺋم وﻣﺗواﺻل وﻫو ﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻧوع ﻣن اﻟﺣرب‪.‬‬
‫ﺗﻌﺗﺑــر اﻵراء اﻟﺳــﺎﺑﻘﺔ اﻟﺗــﻲ ﺗﻧﺳــب إﻟــﻰ اﻟﻔﻼﺳــﻔﺔ اﻟﻘــداﻣﻰ‪ ،‬ﻣــن ﺑــﯾن اﻹﺳــﻬﺎﻣﺎت اﻟﻔﻛرﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ رﻛــزت‬
‫ﻋﻠ ــﻰ ﺗﻔﺳ ــﯾر ظ ــﺎﻫرة اﻟﺻـ ـراع ﺑﺈرﺟﺎﻋﻬ ــﺎ إﻟ ــﻰ اﻟطﺑﯾﻌ ــﺔ اﻟﺑﺷـ ـرﯾﺔ‪ ،‬ﺣﯾ ــث اﻟﺗﻣﺳ ــﻧﺎ ﺗﻘرﯾﺑ ــﺎ إﺟﻣﺎﻋ ــﺎ ﺑ ــﯾن ﻣﺧﺗﻠ ــف‬
‫اﻟﻔﻼﺳ ــﻔﺔ ﻋﻠ ــﻰ أن اﻟﺻـ ـراع ﻣﺗﺄﺻ ــل ﻓ ــﻲ اﻟطﺑﯾﻌ ــﺔ اﻟﺑﺷـ ـرﯾﺔ اﻟﺗ ــﻲ ﺗﺳ ــﯾطر ﻋﻠﯾﻬ ــﺎ اﻷﻫـ ـواء و اﻟرﻏﺑ ــﺎت وﺣ ــب‬
‫اﻟﺳــﯾطرة‪ ،‬ﺣﯾــث ﺗﺳــﯾطر ﺗﻠــك اﻟﻌواطــف ﻋﻠــﻰ اﻟﻌﻘــل‪ ،‬وﺗﺑــرز ﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻲ ﻣﺷــﺎﻋر ﻣــن ﻧــوع اﻟﻌﻧــف‪ ،‬وﺣــب اﻻﻧﺗﻘــﺎم‬
‫واﻟﻌداء واﻟﺗﻲ ﺗﺟد ﻣﺗﻧﻔﺳﺎ ﻟﻬـﺎ ﻣـن ﺧـﻼل اﻟﺻـراﻋﺎت و اﻟﺣـروب‪-‬ورﻏـم أن آراء ﻫـؤﻻء اﻟﻔﻼﺳـﻔﺔ ﺗﺑـدو ﺑﺳـﯾطﺔ‬
‫وﻏﯾـر ﻣؤﺳﺳـﺔ ﻋﻠــﻰ ﻣﻧـﺎﻫﺞ ﻋﻠﻣﯾــﺔ واﺿـﺣﺔ‪ ،‬إﻻ أﻧﻬــﺎ ﺗﻌﺑـر ﻋــن اﻟﺑـداﯾﺎت اﻟﻔﻛرﯾــﺔ اﻷوﻟـﻰ اﻟﺗــﻲ ﻋﻧﯾـت ﺑﺗﻔﺳــﯾر‬
‫ظ ــﺎﻫرة اﻟﺻـ ـراع ﻛﻣ ــﺎ ﯾرﺟ ــﻊ ﻟﻬ ــﺎ اﻟﻔﺿ ــل ﻓ ــﻲ إرﺳ ــﺎء دﻋ ــﺎﺋم اﻟﺗﯾ ــﺎرات اﻟﻌﻠﻣﯾ ــﺔ اﻟﻼﺣﻘ ــﺔ‪ ،‬اﻟﺗ ــﻲ ﺣﻠﻠ ــت اﻟظ ــﺎﻫرة‬
‫اﻟﺻراﻋﯾﺔ ﺑﺎﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠﻰ ﺗرﻛﯾﺑﺔ اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺑﺷرﯾﺔ‪.‬‬

‫‪ -2‬إﺳﻬﺎﻣﺎت اﻻﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ )اﻟﺳﯾﻛوﻟوﺟﯾﺔ(‪:‬‬

‫أﺧــذ ﻫــذا اﻟﻣــدﺧل اﻟﺗﻔﺳــﯾري ﻷﺳــﺑﺎب اﻟﺻ ـراع ﻣﻛﺎﻧــﺔ ﺑــﺎرزة ﻓــﻲ ﻣﺧﺗﻠــف اﻟد ارﺳــﺎت اﻟﺗــﻲ ﺗﺗﻧــﺎول ﺑﺎﻟﺗﺣﻠﯾــل‬
‫واﻟﻣﻌﺎﻟﺟﺔ ظﺎﻫرة اﻟﺻراع اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬ﺣﯾث ﯾرﻛز ﺑﻌض ﻋﻠﻣﺎء اﻟﻧﻔس ﺗﻔﺳﯾرﻫم ﻟﻠـدواﻓﻊ اﻟﻣﺣرﻛـﺔ ﻟﻌﻣﻠﯾـﺔ اﻟﻧـزاع و‬
‫اﻟﺗﺻــدع ﻋﻠــﻰ اﻟﻣﺳــﺗوى اﻟــدوﻟﻲ ﻓــﻲ ﻧطــﺎق ﻣــﺎ ﯾﺳــﻣوﻧﻪ ﺑﻧزﻋــﺔ اﻹﻧﺳــﺎن إﻟــﻰ اﻟﺗــدﻣﯾر‪ ،‬وﻫــﻲ اﻟﻧزﻋــﺔ اﻟﺗــﻲ ﺗﺟــد‬
‫أﺳﺎﺳــﻬﺎ ﻓــﻲ ﻏرﯾ ـزة ﺣــب اﻟﺳــﯾطرة و اﻟﺗﺳــﻠط‪ ،‬وﻓــﻲ اﻟــداﻓﻊ ﻧﺣــو اﻻﻧﺗﻘــﺎم و اﻟﺳــﯾطرة و اﻟﺗوﺳــﻊ و اﻟﻣﺧــﺎطرة‪،‬‬
‫وﺗــوﻓر اﻟﺻ ـراﻋﺎت واﻟﺣــروب ﻓــﻲ رأﯾﻬــم‪ ،‬اﻟﻔرﺻــﺔ اﻟﻣﺛﻠــﻰ ﻹرﺿــﺎء ﻣﺛــل ﻫــذﻩ اﻟــدواﻓﻊ و اﻟﻧزﻋــﺎت اﻟﻛﺎﻣﻧــﺔ ﻓــﻲ‬
‫أﻋﻣ ــﺎق اﻟطﺑﯾﻌ ــﺔ اﻹﻧﺳ ــﺎﻧﯾﺔ ﻧﻔﺳ ــﻬﺎ‪ 4.‬وﻫﻧ ــﺎك ﻣ ــن ﯾ ــرى أن ﻣﺻ ــﺎدر ﻧـ ـزاع دوﻟ ــﻲ ﻣ ــﺎ ﯾﻣﻛ ــن أن ﺗ ــرد إﻟ ــﻰ ﺗﻠ ــك‬
‫اﻻﻋﺗﺑ ــﺎرات اﻟﻔردﯾ ــﺔ –اﻟﻧﻔﺳ ــﯾﺔ‪ ،‬اﻟﻣﺗﻌﻠﻘ ــﺔ ﺑﺷﺧﺻ ــﯾﺔ ﺻ ــﺎﻧﻊ اﻟﻘـ ـرار اﻟرﺋﯾﺳ ــﻲ ﻓ ــﻲ أﺣ ــد أطـ ـراف اﻟﺻـ ـراع ﻋﻠ ــﻰ‬
‫‪5‬‬
‫اﻷﻗل)ﻣﺛل اﻟﻣﯾل اﻟﺟﺎرف إﻟﻰ اﻟزﻋﺎﻣﺔ‪-‬اﻟﻣﯾول اﻟﻌدواﻧﯾﺔ اﻟﻣﺗطرﻓﺔ‪...‬اﻟﺦ(‪.‬‬

‫‪ ( 1‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ‪ ،‬ص ص‪.307-305.‬‬

‫‪ ( 2‬ﻣﯿﺮل‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.53 ،‬‬
‫‪ ( 3‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﺘﻲ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.307.‬‬
‫‪ ( 4‬ﻣﮭﻨﺎ‪ ،‬ﻣﻌﺮوف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.11.‬‬
‫‪ ( 5‬ﺣﻤﺎد‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص‪.30-29.‬‬
 ‫‪1‬‬
‫وﺑﺷﻛل ﻋﺎم ﻫﻧﺎك ﺛﻼث اﺗﺟﺎﻫﺎت ﻫﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻋﻠم اﻟﻧﻔس ﺣول ﺗﻔﺳﯾر اﻟﻧزﻋﺔ اﻟﻌدواﻧﯾﺔ ﻋﻧد اﻹﻧﺳﺎن‪:‬‬
‫اﻻﺗﺟــــﺎﻩ اﻷول‪ :‬ﯾﻌﺗﺑـ ــر أن اﻟﻌدواﻧﯾـ ــﺔ ﻫـ ــﻲ أﺳﺎﺳـ ــﺎ ﻏرﯾزﯾـ ــﺔ و أﺑـ ــرز ﻣـ ــن ﻋﺑـ ــر ﻋـ ــن ﻫـ ــذا اﻻﺗﺟـ ــﺎﻩ ﺳــــﻐﻣوﻧد‬
‫ﻓروﯾــد)‪ (1939-1856‬اﻟــذي ﯾــرد داﻓــﻊ اﻟﺗــدﻣﯾر واﻟﻌﻧــف واﻟﻛ ـرﻩ ﻋﻧــد اﻹﻧﺳــﺎن إﻟــﻰ ﻏرﯾـزة اﻟﻣــوت‪ .‬وﻗــد اﻋﺗﺑــر‬
‫ﻓروﯾـــد أن ﻣ ــﺎ ﯾﻧطﺑ ــق ﻋﻠ ــﻰ اﻟﻣﺳ ــﺗوى اﻟﻔ ــردي ﯾﻧطﺑ ــق أﯾﺿ ــﺎ ﻋﻠ ــﻰ ﻣﺳ ــﺗوى اﻟﺟﻣﺎﻋ ــﺔ ﻓﯾﻣ ــﺎ ﯾﺧ ــص ﻣﺻ ــدر‬
‫اﻟﻌدواﻧﯾــﺔ‪ .‬وﯾﻠﺗﻘــﻲ ﻛــوﻧراد ﻟــورﻧز ‪ Conrad Lorenes‬ﻣــﻊ ﻓروﯾــد ﻓــﻲ أن ﺗﺣﻠﯾــل أﺳــﺑﺎب اﻟﻌدواﻧﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ‬
‫اﻟﻣﺳﺗوى اﻟﻔردي ﺗﻧطﺑق أﯾﺿﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ‪.‬‬
‫اﻻﺗﺟــﺎﻩ اﻟﺛــﺎﻧﻲ‪ :‬ﯾﺑــدو ﻫــذا اﻻﺗﺟــﺎﻩ ﻧﻘﯾﺿــﺎ ﻟﻼﺗﺟــﺎﻩ اﻟﺳــﺎﺑق‪ ،‬ﺣﯾــث ﯾﻌﺑــر ﻋــن ﻫــذا اﻻﺗﺟــﺎﻩ ﻛﺛﯾــر ﻣــن ﻋﻠﻣــﺎء‬
‫اﻻﺟﺗﻣﺎع اﻟﻧﻔﺳﺎﻧﯾﯾن اﻟذﯾن دﻟت دراﺳﺎﺗﻬم ﻋﻠﻰ أن اﻟﺳﻠوﻛﯾﺔ اﻟﻌدواﻧﯾﺔ ﯾﺗﻌﻠﻣﻬﺎ اﻹﻧﺳﺎن وﯾﺳـﺗﻌﻣﻠﻬﺎ ﺑﺎﻟﺗـﺎﻟﻲ ﻓـﻲ‬
‫ﺧدﻣــﺔ أﻫداﻓــﻪ‪ ،‬وأﺑــرز ﻣﺛــﺎل ﻋﻠــﻰ ذﻟــك أﻋﻣــﺎل اﻹرﻫــﺎب و اﻟﺗــدﻣﯾر و اﻻﻏﺗﯾــﺎل ﺑﻬــدف زﻋزﻋــﺔ اﺳــﺗﻘرار ﻧظــﺎم‬
‫ﻣﻌﯾن ﺑﻐﯾﺔ إﺳﻘﺎطﻪ‪.‬‬
‫اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺛﺎﻟث‪ :‬ﯾﻌﺗﺑر أن اﻟﻌدواﻧﯾﺔ أﺳﺎﺳﺎ ﻫﻲ رد ﻓﻌل ﻋﻠﻰ اﻹﺣﺑﺎط‪ ،‬و ﯾـرى ﻫـذا اﻻﺗﺟـﺎﻩ أن اﻹﺣﺑـﺎط ﺑـدورﻩ‬
‫ﻧــﺎﺗﺞ ﻋــن ﻣﺣرﻣــﺎت اﻹﻧﺳــﺎن ﻣــن ﺗﺣﻘﯾــق ﻫــدف ﻣــﺎ‪ ،‬و اﻟــذي ﺗﻛــون ردة ﻓﻌﻠــﻪ ﻧوﻋــﺎ ﻣــن اﻟﺳــﻠوﻛﯾﺔ اﻟﻌدواﻧﯾــﺔ‬
‫اﻟﻣوﺟﻬــﺔ ﻧﺣــو اﻟطــرف اﻟــذي ﻋطــل ﺗﺣﻘﯾــق ذﻟــك اﻟﻬــدف‪ .‬وﺑﻘــدر ﻣــﺎ ﯾﻛــون اﻟﺣرﻣــﺎن واﻹﺣﺑــﺎط ﻛﺑﯾ ـ ار وﻣﺳــﺗﻣ ار‬
‫ﺑﻘــدر ﻣــﺎ ﺗﻛــون إﻣﻛﺎﻧﯾــﺔ اﻟﻠﺟــوء إﻟــﻰ اﻟﻌﻧــف ﻛﺑﯾ ـرة‪ ،‬وﺣّدﺗــﻪ أﯾﺿــﺎ ﻛﺑﯾ ـرة‪ .‬إذا ﻓﺗﻔﺳــﯾر اﻟﺳــﻠوﻛﯾﺔ اﻟﻌدواﻧﯾــﺔ ﻟﻬــذا‬
‫اﻻﺗﺟﺎﻩ ﺗﺳﺗﻧد ﻋﻠﻰ ﺣﺟﺞ ﻣﻘﻧﻌﺔ و ﺻﻠﺑﺔ أﻛﺛر ﻣن اﻻﺗﺟﺎﻫﯾن اﻟﺳﺎﺑﻘﯾن )اﻟﻌدواﻧﯾـﺔ ﻛﻐرﯾـزة و اﻟﻌدواﻧﯾـﺔ ﻛﺷـﻲء‬
‫ﯾﺗم ﺗﻌﻠﻣﻪ(‪.‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﯾﻣﺛل ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻷﺧﯾر ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن وﻋﻠﻰ رأﺳﻬم ﺟـون دوﻟـر‪ J.Doller‬ﺣﯾـث وﺿـﻌوا‬
‫ﻓرﺿــﯾﺔ ﻋﻠــﻰ اﻟﻧﺣــو اﻟﺗــﺎﻟﻲ '' إن ﺣـــدوث ظـــﺎﻫرة اﻟﻌـــدوان ﯾـــدل داﺋﻣـــﺎ ﻋﻠـــﻰ وﺟـــود اﻹﺣﺑـــﺎط ﻛﻣـــﺎ أن وﺟـــود‬
‫اﻹﺣﺑﺎط ﯾؤدي إﻟﻰ اﻟﻌدوان''‪.2‬‬
‫وﺗﺧﻠص ﻧظرﯾﺔ اﻹﺣﺑﺎط إﻟﻰ أن اﻟداﻓﻊ إﻟﻰ اﻟﺻراع اﻟدوﻟﻲ ﯾﻧﺗﺞ ﻋن اﻟﺷﻌور ﺑﺎﻹﺣﺑـﺎط اﻟﻧﻔﺳـﻲ اﻟـذي‬
‫ﯾﺑﻠــﻎ ذروة ﺗــﺄﺛﯾرﻩ ﻓــﻲ ظــروف اﻷزﻣــﺎت‪ ،‬وﺑــﺎﻷﺧص ﻋﻧــدﻣﺎ ﺗﺻــﺎب اﻟﺧط ـط اﻟﻘوﻣﯾ ـﺔ ﻟﻠدوﻟــﺔ ﺑﺎﻹﺧﻔــﺎق‪ ،‬ﺑﺣﯾــث‬
‫ﯾؤﻛد أﻧﺻﺎر ﻫذﻩ اﻟﻧظرﯾﺔ أن اﻟدول اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺣﻘق ﻓﯾﻬـﺎ اﻟﺣﺎﺟـﺎت اﻷﺳﺎﺳـﯾﺔ ﻟﺷـﻌوﺑﻬﺎ ﺑﺻـورة ﻣﻌﻘوﻟـﺔ ﺗﻛـون أﻗـل‬
‫اﺳﺗﻌدادا ﻣن اﻟﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟﺳﯾﻛوﻟوﺟﯾﺔ ﻟﻠﺻ ارع واﻟﺣرب ﻣن ﺗﻠـك اﻟﺗـﻲ ﯾﺳـﯾطر ﻋﻠـﻰ ﺷـﻌوﺑﻬﺎ اﻟﺷـﻌور ﺑﻌـدم اﻟرﺿـﺎ‬
‫أو اﻟﺿﯾق‪.‬‬
‫وﺑﻧــﺎء ﻋﻠــﻰ ﻣــﺎ ﺳــﺑق ﯾﻣﻛــن اﻟﻘــول‪ ،‬أﻧــﻪ رﻏــم أﻫﻣﯾــﺔ اﻟﺗﺣﻠــﯾﻼت اﻟﻧﻔﺳــﯾﺔ ﻟﻠظــﺎﻫرة اﻟﻧزاﻋﯾــﺔ ﺑﺎﻋﺗﻣﺎدﻫــﺎ‬
‫ﻋﻠـﻰ اﻟطﺑﯾﻌــﺔ اﻟﻌدواﻧﯾـﺔ ﻟﻠﻔــرد )ﺳـواء ﻛﺎﻧـت ﻏرﯾزﯾــﺔ أو ﻣﻛﺗﺳـﺑﺔ أو ﻛــرد ﻓﻌــل ﻋﻠـﻰ اﻟﺣرﻣــﺎن(‪ ،‬إﻻ أن اﻟطﺑﯾﻌــﺔ‬
‫اﻟﻣﻌﻘـدة ﻟظــﺎﻫرة اﻟﺣـرب‪ ،‬ﯾﺟﻌــل ﻣـن اﻟﺻــﻌب ﺗﻔﺳـﯾرﻫﺎ أو وﺻــﻔﻬﺎ ﻋﻠـﻰ أﺳــﺎس اﻟﺳـﯾﻛوﻟوﺟﯾﺔ اﻟﻔردﯾــﺔ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻫــﺎ‬
‫ﻧﺎﺗﺟـﺔ ﻋـن ﺗـوﺗر ﻧﻔﺳــﻲ‪-‬ﻓـردي ﯾﺗـراﻛم ﺑﺷــﻛل ﻣﺗواﺻـل إﻟـﻰ أن ﯾﺻــل إﻟـﻰ ﻧﻘطـﺔ اﻟﺗﻔﺟــر‪ .‬إن ﻣـﺎ ﻋﺟـزت ﻫــذﻩ‬

‫‪ (1‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﺘﻰ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص‪.310-308.‬‬

‫‪ (2‬دورﺗﻲ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺴﺘﻐﺮاف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪،‬ص‪.207.‬‬
‫*‪ -‬ﯾﻌﺮف دوﻟﺮ ‪ ) Doller‬ﻓﻲ ﻓﺮﺿﯿﺘﮫ( ‪ ،‬اﻹﺣﺒﺎط'' ﺑﺄﻧﮫ اﺿﻄﺮاب ﻓﻲ اﻟﺴﻠﻮك ﻧﺘﯿﺠﺔ ﻋﺪم ﺗﺤﻘﯿﻖ اﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻣﻦ ھﺪف ﯾﺴﻌﻰ إﻟﯿﮫ اﻟﻔﺮد''‪ ،‬ﻟﻼطﻼع أﻛﺜﺮ‬
‫ارﺟﻊ إﻟﻰ‪:‬‬
‫دورﺗﻲ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺴﺘﻐﺮاف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪،‬ص‪.207.‬‬
‫اﻟﺗﻔﺳﯾرات ﻋﻧﻪ ﻫو أن ﺗدﻟﻧﺎ ﻛﯾف ﺗﺗرﺟم ﻫذﻩ اﻟﻌواﻣل اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ إﻟﻰ ﺻـراع ﻋﻧﯾـف ﯾﻧﺧـرط ﻓﯾـﻪ ﻛـل اﻟﻣـواطﻧﯾن‬
‫ﺑﻐض اﻟﻧظر ﻋن طﺑﯾﻌﺗﻬم اﻟﻔردﯾﺔ وﯾؤدون اﻟوظﯾﻔﺔ اﻟﻘﺗﺎﻟﯾﺔ ﻣن ﺧﻼل ﻋﻣﻠﯾﺔ ﻣﻌﻘدة ﺗﻣﺎﻣﺎ‪.1‬‬
‫‪ -3‬ﻧظرﯾﺎت اﺗﺧﺎذ اﻟﻘرار‬
‫ﺗوﺻ ــﻠﻧﺎ ﻣ ــن ﺧ ــﻼل اﻟﻣ ــداﺧل اﻟﺳ ــﺎﺑﻘﺔ إﻟ ــﻰ أﻧ ــﻪ ﻣ ــن اﻟﺻ ــﻌب إدراك أﺳ ــﺑﺎب اﻟﺻـ ـراﻋﺎت و اﻟﺣ ــروب‬
‫اﻟدوﻟﯾــﺔ ﻣــن ﺧــﻼل اﻟﻌواﻣــل اﻟﺑﯾوﻟوﺟﯾــﺔ أو اﻟﺳــﯾﻛوﻟوﺟﯾﺔ ﻓﻘــط‪ ،‬ﺣﯾــث ﻻﺑــد ﻣــن اﻟﺗطــرق إﻟــﻰ ﻣﺳــﺗوى اﻟﺗﺣﻠﯾــل‬
‫اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻟﻠﺗﻌرف ﻟﻣﺎذا ﺗﻌﺗﺑـر اﻟدوﻟـﺔ دوﻻ أﺧـرى ﺑﺄﻧﻬـﺎ ﺣﻠﯾﻔـﺔ ﻟﻬـﺎ ﻓـﻲ ﺣـﯾن ﺗﻌﺗﺑـر دوﻻ ﻏﯾرﻫـﺎ ﺑﺄﻧﻬـﺎ ﻋـدوة ﻟﻬـﺎ‪،‬‬
‫إن ذﻟك ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻟﺷﺑﻛﺔ ﻣن اﻻﺗﺻﺎﻻت اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻣن ﺧﻼل ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺻﻧﻊ اﻟﻘرار اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟﺧﺎرﺟﻲ‪.‬‬
‫ﻟ ــذﻟك أوﻟ ــﻰ اﻟﺑ ــﺎﺣﺛون اﻫﺗﻣﺎﻣ ــﺎ ﻣﺗ ازﯾ ــدا ﻟﻣوﺿ ــوع اﻟﻘـ ـرار ﺑﺎﻋﺗﺑ ــﺎرﻩ ﻋ ــﺎﻣﻼ أﺳﺎﺳ ــﯾﺎ ﻓ ــﻲ اﻟﻌﻣﻠﯾ ــﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳ ــﯾﺔ‬
‫واﻟﺳــﻠوك اﻟــدوﻟﻲ‪ ،‬ﺳ ـواء ﯾﺗﻌﻠــق ﺑﺎﻻﻗﺗﺻ ـﺎد أو اﻟﺳﯾﺎﺳــﺔ اﻟداﺧﻠﯾــﺔ أو اﻟﺧﺎرﺟﯾــﺔ ‪ ،‬ﻋﻠــﻰ أن ﻣــﺎ ﯾﻬﻣﻧــﺎ ﻫــو اﺗﺧــﺎذ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﻘرار ﻓﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ‪.‬‬
‫وﺗﻘــوم ﻧظرﯾــﺔ اﺗﺧــﺎذ اﻟﻘ ـرار ﻓــﻲ ﺟوﻫرﻫــﺎ ﻋﻠــﻰ '' اﻻﺧﺗﯾــﺎر ﺑــﯾن ﻋــدد ﻣــن اﻟﻣﻣﻛﻧــﺎت ﻻ ﻋﻠــﻰ أﺳــﺎس‬
‫ﺗﺟرﯾــدي وﻟﻛــن ﻋﻠــﻰ أﺳــﺎس ﻋﻣﻠــﻲ ﻣ ـرﺗﺑط ﺑــﺎﻟظروف اﻟﻘﺎﺋﻣــﺔ‪ 3''.‬أي أن اﻟﻘ ـرار ﯾﻘــوم ﻋﻠــﻰ اﻻﺧﺗﯾــﺎر ﺑــﯾن ﻋــدة‬
‫ﺧﯾﺎرات ﻣﻣﻛﻧﺔ‪ ،‬ﻣﻊ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ إﻣﻛﺎﻧﯾﺔ وﺟود وﺿﻊ ﻻ ﻣﺟﺎل ﻓﯾﻪ ﻟﻠﺧﯾﺎرات‪ .‬وﺗﻌﺗﺑـر ﻧظرﯾـﺔ اﺗﺧـﺎذ اﻟﻘـرار ﻣـن‬
‫ﺑـﯾن اﻟﻧظرﯾـﺎت اﻟﺟزﺋﯾـﺔ‪ ،‬ﻛوﻧﻬــﺎ ﺗرﻛـز ﻋﻠـﻰ ﺟﺎﻧـب ﺟزﺋــﻲ ﻣـن اﻟﻧظـﺎم اﻟﺳﯾﺎﺳـﻲ ﻛﻛــل وﻫـﻲ وﺣـدة اﺗﺧـﺎذ اﻟﻘـرار‪،‬‬
‫واﻟﺗﻲ ﺗﻣﺛل ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ ''ﺗﺷـﺧﯾص اﻟـدول'' أي د ارﺳـﺔ اﻟدوﻟـﺔ ﻣـن ﺧـﻼل أﺷـﺧﺎص ﻣﻌﯾﻧـﯾن واﻋﺗﺑـﺎرﻫم ﺑـذﻟك أﺣـد‬
‫أط ـراف اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻲ ﯾﻧﺻــب اﻟﺗرﻛﯾــز ﻋﻠــﻰ اﻷﺷــﺧﺎص اﻟــذﯾن ﯾرﺳــﻣون ﺳﯾﺎﺳــﺔ اﻟدوﻟــﺔ‪ .‬وﻫــذا ﻣــﺎ‬
‫ﯾؤﻛـدﻩ أﺣــد دﻋــﺎة ﻫــذﻩ اﻟﻧظرﯾــﺔ وﻫــو رﯾﺗﺷــﺎرد ﺳــﻧﺎ ﯾــدر‪" :‬إﻧﻧــﺎ ﻧﺣــدد اﻟدوﻟــﺔ ﺑﺄﺷــﺧﺎص ﺻــﺎﻧﻌﻲ ﻗراراﺗﻬـﺎ ﻣــن‬
‫اﻟرﺳـﻣﯾﯾن اﻟـذﯾن ﺗﻣﺛـل ﻗـراراﺗﻬم اﻟﻧﺎﺟﻣـﺔ ﻋـن ﻣـوﻗﻔﻬم اﻟﺳـﻠطوي ﻗـرارات اﻟدوﻟﺔ‪....‬وﻟـذا ﻓﺳـﻠوك اﻟدوﻟـﺔ ﻫــو‬
‫‪4‬‬
‫ﺳﻠوك اﻟذﯾن ﯾﻌﻣﻠون ﺑﺎﺳﻣﻬﺎ‪".‬‬
‫إن ﺳــﻌﻲ ﻫــذﻩ اﻟﻧظرﯾــﺔ إﻟــﻰ ﺗﺣﻠﯾــل ﺳــﻠوك اﻟــدول ﺑﺈرﺟﺎﻋﻬــﺎ إﻟــﻰ ﺻــﺎﻧﻌﻲ ﻗ ارراﺗﻬــﺎ ) أي اﻻﻧﺗﻘــﺎل ﻣــن‬
‫اﻟﻛــل إﻟــﻰ اﻟﺟــزء( ﺗﻬــدف ﻣــن ﺧﻼﻟــﻪ إﻟــﻰ ﺗﺣﻠﯾــل أﻛﺛــر دﻗــﺔ وﺗ ـراﺑط‪ ،‬ﺣﯾــث ﯾﻧطــوي اﻟﺗﺣﻠﯾــل ﻋﻠــﻰ اﻟﻔــرد ﻣﺗﺧــذ‬
‫اﻟﻘـرار ﺑﺎﻋﺗﺑـﺎرﻩ ﯾﻌـﯾش ﻓـﻲ ﺑﯾﺋــﺔ ﻧﻔﺳـﯾﺔ وأﺧـرى ﻣوﺿـوﻋﯾﺔ ﺗـؤﺛران ﻋﻠــﻰ طﺑﯾﻌـﺔ إد ارﻛـﻪ ﻟﻠﻣوﻗـف و ﺑﺎﻟﺗـﺎﻟﻲ ﻋﻠــﻰ‬
‫اﻟﻘ ـرار اﻟﻣﺗﺧــذ‪ .‬ﻛﻣــﺎ أن ﺗطﺑﯾــق ﻧظرﯾــﺔ اﺗﺧــﺎذ اﻟﻘ ـرار ﯾﻔﺗــرض أﺧــذ اﻟﺑﯾﺋــﺔ اﻟداﺧﻠﯾــﺔ و اﻟﺧﺎرﺟﯾــﺔ ﻓــﻲ اﻻﻋﺗﺑــﺎر‪،‬‬
‫ﺣﯾث ﯾﺗم اﺗﺧﺎذ اﻟﻘرار ﺗﺑﻌـﺎ ﻟﻬـﺎﺗﯾن اﻟﺑﯾﺋﺗـﯾن ﻛوﻧﻬﻣـﺎ ﺗـؤﺛران ﻋﻠـﻰ طﺑﯾﻌـﺔ إدراك ﺻـﺎﺣب اﻟﻘـرار ﻟﻠﻣوﻗـف‪ ،‬ﺣﯾـث‬
‫ﯾﻧﺟم اﻹدراك ﻋن اﻟﺗرﻛﯾﺑﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ﻟﻠﺷﺧص‪.‬‬
‫وﻗــد أﺛــﺎر ﻫــذا اﻷﻣــر ﺟــدﻻ ﻛﺑﯾ ـ ار ﺑــﯾن اﻟﻣﻧظ ـرﯾن‪ ،‬ﺣــول اﻟﻌﺎﻣــل اﻟــذي ﯾﻧﺑﻐــﻲ أﺧــذﻩ ﺑﻌــﯾن اﻻﻋﺗﺑــﺎر‪ :‬ﻫــل‬
‫اﻟواﻗﻊ ﻛﻣﺎ ﻫـو ﻗـﺎﺋم؟ أم ﻫـذا اﻟواﻗـﻊ ﻛﻣـﺎ ﻫـو ﻣـدرك ﻓـﻲ ذﻫـن ﺻـﺎﺣب اﻟﻘـرار‪ .‬ﻛﻣـﺎ ﯾﻠﻌـب اﻹدراك دو ار أﺳﺎﺳـﯾﺎ‬
‫ﻓﻲ ﻋﻘﻼﻧﯾﺔ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﺗﺧﺎذ اﻟﻘرار ﻓﻲ طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧﺗﺎﺋﺞ اﻟﻣﺣﺻل ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺑﻔﺿـل ﻫـذا اﻟﻘـرار‪ ،‬واﻟﺗـﻲ ﯾـﺗم ﺗﻘوﯾﻣﻬـﺎ ﻣـن‬

‫‪ ( 1‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ‪ ،‬ص‪.196.‬‬

‫‪ ( 2‬ﻣﺤﻤﻮدي ﻋﺒﺪ اﻟﻘﺎدر‪ ،‬اﻟﻨﺰاﻋﺎت اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ وﺗﻄﻮر اﻟﻨﻈﺎم اﻹﻗﻠﯿﻤﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ ) اﻟﺠﺰاﺋﺮ‪ :‬ﻣﻨﺸﻮرات ‪ ،ANEP‬ط‪،(2001 ،1.‬ص ‪.33.‬‬
‫‪ ( 3‬دورﺗﻲ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺴﺘﻐﺮاف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.308.‬‬
‫‪ ( 4‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ‪ ،‬ص‪.308 .‬‬
‫ﺧــﻼل اﻟﺗﻛﻠﻔــﺔ واﻟﻣــردود‪ 1.‬وﯾــرى ﻋﺑــد اﻟﻌزﯾــز ﺟ ـراد ﺑﻬــذا اﻟﺧﺻــوص‪ ،‬أن اﻟﻣﺣــﯾط اﻟﻧﻔﺳــﺎﻧﻲ ﻟﻠﻣﻘــرر ﯾﺗﺿــﻣن‬
‫ﻣرﺷﺣﺎت أو''ﻣﻧظﺎر اﻟﻣواﻗف'' و'' ﺻورة'' ﻟﻠﻣﺣﯾط اﻟداﺧﻠﻲ و اﻟﺧـﺎرﺟﻲ‪ ''.‬ﻣﻧظـﺎر اﻟﻣواﻗـف'' ﻣﻌﺑـر ﻋـن إدراك‬
‫ﻣﺷوﻩ ﻟﻠﻣﺣـﯾط اﻟﻌﻣﻠـﻲ )إﯾـدﯾوﻟوﺟﯾﺎ‪ ،‬أو ﻗواﻟـب ﺟﺎﻣـدة‪ ،‬اﻷﺣﻛـﺎم اﻟذاﺗﯾـﺔ اﻟﺗـﻲ ﯾﺻـدرﻫﺎ اﻟﻣﻘـرر…( أﻣـﺎ اﻟﺻـورة‪،‬‬
‫أو ﺗﺣدﯾد ''اﻟوﺿﻊ"‪ ،‬ﻓﻬﻲ اﻟﻔﻛرة اﻟﺗﻲ ﯾﻛوﻧﻬـﺎ اﻟﻣﻘـرر ﻟﻧﻔﺳـﻪ ﺣـول اﻟﻣﺣـﯾط اﻟﻌﻣﻠـﻲ‪ .‬وﻫـذﻩ اﻟﺻـورة اﻟﺗـﻲ ﺗﺗﻛـون‬
‫ﻟ ــدى اﻟﻣﻘ ــرر ﺣ ــول اﻟﻣﺣ ــﯾط اﻟﻌﻣﻠ ــﻲ ﺗ ــؤدي إﻟ ــﻰ ﻗـ ـ اررات إﺳ ــﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ أو ﺗﻛﺗﯾﻛﯾ ــﺔ ﻓ ــﻲ اﻟﻣﺟ ــﺎﻻت اﻻﻗﺗﺻ ــﺎدﯾﺔ‬
‫‪2‬‬
‫واﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ وﻏﯾرﻫﺎ‪.‬‬
‫ﻛﻣــﺎ ﯾــؤدي ﺗﻌــدد اﻟﺑــداﺋل أﻣــﺎم ﺻــﺎﻧﻊ اﻟﻘ ـرار إﻟــﻰ ﺧﻠــق ﻣﺷــﻛﻠﺔ أﺧــرى‪ ،‬ﺗﺗﻣﺛــل ﻓــﻲ اﻟﻣﯾــول اﻟﻣﺗﺿــﺎرﺑﺔ‬
‫ﻟدى ﺻﺎﻧﻊ اﻟﻘرار اﻟذي ﯾﺟد ﻧﻔﺳﻪ أﺳﯾر ﺗﻧﺎزﻋﺎت ﻋدﯾدة ﻓﻲ داﺧﻠـﻪ وﻫـو ﻣـﺎ ﯾـؤﺛر ﻋﻠـﻰ ﺷـﻛل أو ﺗﻧﻔﯾـذ اﻟﻘـرار‪،‬‬
‫وﻫــذا اﻟﺗﻧــﺎزع اﻟــداﺧﻠﻲ ﻓــﻲ اﺗﺧــﺎذ اﻟﻘ ـرار)‪ (Decisional conflict‬ﻗــد ﯾﻧﺑــﻊ ﻣــن اﻟﺑﻧــﺎء اﻟﺳــﯾﻛوﻟوﺟﻲ ﻟﺻــﺎﻧﻊ‬
‫اﻟﻘرار‪ ،‬أو ﻣن اﻟﺿﻐوطﺎت اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻋﻠﯾﻪ ﻣـن ﻗﺑـل ﻣﺧﺗﻠـف اﻟﻘـوى أو ﻛﻠﯾﻬﻣـﺎ وﻣﺛـل ﻫـذﻩ اﻟﺿـﻐوطﺎت ﻗـد ﺗوﻟـد‬
‫اﻟﺗــوﺗر أو اﻟﺗﺷــﻛك أو ﺣﺗــﻰ اﻟﻬــروب ﻣــن اﻟﻣﺷــﻛﻠﺔ ﻟــدى ﺻــﺎﻧﻊ اﻟﻘ ـرار‪ ،‬ﺑــل إن اﻟﺗﻧــﺎزع اﻟﺷﺧﺻــﻲ اﻟــداﺧﻠﻲ ﻗــد‬
‫‪3‬‬
‫ﯾﻘود ﻟﻠﺻراﻋﺎت ﺑﯾن اﻟﺟﻣﺎﻋﺎت أو ﺑﯾن اﻟدول‪.‬‬
‫ﺗﻌﺗﺑــر ﻋﻣﻠﯾــﺔ ﺻــﻧﻊ اﻟﻘـرار اﻟﺳﯾﺎﺳــﻲ اﻟﺧــﺎرﺟﻲ إذن‪ ،‬ﺑﻣﺛﺎﺑــﺔ اﻷﺳــﺎس اﻟــذي ﺗﺣــدد اﻟﺣﻛوﻣــﺎت ﻣــن ﺧﻼﻟــﻪ‬
‫أﻫداﻓﻬﺎ وﻣﺻﺎﻟﺣﻬﺎ وﺳﯾﺎﺳﺎﺗﻬﺎ واﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺎﺗﻬﺎ ﺛم ﺗوازن ﺑﯾن ﻧﺗﺎﺋﺞ اﻹﻗـدام ﻋﻠـﻰ ﺳـﻠوك ﻣﻌـﯾن أو اﻻﻣﺗﻧـﺎع ﻋﻧـﻪ‬
‫وﺑﯾن إﻣﻛﺎﻧﯾﺎت اﻟﻧﺟﺎح و اﻟﻔﺷل ﻓﻲ اﺳﺗﺧدام اﻟﻘوة‪ ،‬وﻋﻧـدﻣﺎ ﺗﺗﺧـذ اﻟﺣﻛوﻣﺎت)ﻣﻣﺛﻠـﺔ ﻓـﻲ اﻷﻓـراد( ﻗـ ار ار ﺑـﺎﻟﺣرب‬
‫ﻓــﺈن ذﻟــك ﯾﻛــون إﻣــﺎ ﻟﺳــﺑب أو ﻟﻌــدة أﺳــﺑﺎب واﻋﯾــﺔ‪ ،‬ﻣﺛــل اﻟﺣﻔــﺎظ ﻋﻠــﻰ ﻫﯾﺑﺗﻬــﺎ أو ﺗﺣﻘﯾــق ﻫﯾﻣﻧــﺔ ﻓــﻲ ﻣﻧطﻘــﺔ‬
‫أوﺳــﻊ أو ﺗ ــدﻋﯾم ﻣوﻗــف أﺣ ــد ﺣﻠﻔﺎﺋﻬــﺎ أو ﺗﺣﻘﯾ ــق ﺗ ـوازن ﻓ ــﻲ ﻣﻧطﻘــﺔ أو ﻟﻣ ــلء ﻓ ـراغ ﻗ ــوة أو ﺣﻣﺎﯾــﺔ اﻟﻣﺻ ــﺎﻟﺢ‬
‫اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺧﺎرج أو ﻟﻣﻧﻊ ﻋدوان ﻣﺣﺗﻣل أو اﻟﺳﯾطرة ﻋﻠـﻰ إﻗﻠـﯾم ﺣﯾـوي ﻟﻸﻣـن اﻟﻘـوﻣﻲ‪،‬أو ﻟﺗﻌزﯾـز ﻣرﻛـز‬
‫اﻟﺳــﻠطﺔ أو اﻟﻧﺧﺑــﺔ اﻟﺣﺎﻛﻣــﺔ أو ﻟﺗﺣﻘﯾــق درﺟ ــﺔ أﻛﺑــر ﻣــن اﻟﺗﻣﺎﺳــك اﻟداﺧﻠﻲ‪...‬ﻓﻬ ــذﻩ اﻷﺳــﺑﺎب ﺗﻔﯾــد ﻓــﻲ زﯾ ــﺎدة‬
‫ﻓﻬﻣﻧــﺎ ﻷﺳــﺑﺎب اﻟﺣــرب‪ ،‬ﻋﻠــﻰ أن ﯾــﺗم اﻋﺗﺑﺎرﻫــﺎ أﺳــﺑﺎﺑﺎ ﺗﻛﻣﯾﻠﯾــﺔ أو ﺟزﺋﯾــﺔ )ﻓــﻲ إطــﺎر اﻟﺑﯾﺋــﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳــﯾﺔ اﻟدوﻟﯾــﺔ‬
‫اﻷوﺳــﻊ( ﻣــن ﺧــﻼل اﻟــﺗﻔﻬم اﻷﻓﺿــل ﻟﺻــﻧﺎع اﻟﻘـرار وﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻲ إدراك ﻣــﺎ إذا ﻛــﺎﻧوا ﺳــﯾذﻫﺑون ﻟﻠﺣــرب أو ﯾﻌزﻓــون‬
‫‪4‬‬
‫ﻋﻧﻬﺎ‪.‬‬
‫إن ﺗطﺑﯾــق ﻧظرﯾــﺔ ﺻــﻧﻊ اﻟﻘـرار ﻋﻠــﻰ اﻟﺻـراع اﻟــدوﻟﻲ ﺗــدﻓﻌﻧﺎ ﻷن ﻧــوﻟﻲ اﻫﺗﻣﺎﻣــﺎ ﻛﺑﯾـ ار ﻟﻠــدواﻓﻊ اﻟذاﺗﯾــﺔ‬
‫ﻟﺻــﺎﻧﻊ اﻟﻘ ـرار ٕوادراﺟﻬــﺎ ﺿــﻣن اﻷﺳــﺑﺎب اﻟﺗــﻲ ﺗــؤدي إﻟــﻰ اﻟﺻ ـراع‪ ،‬وﻛــذﻟك إﻟــﻰ ﺿــرورة اﺳــﺗﯾﻌﺎب دور ﺗــﺄﺛﯾر‬
‫اﻟزﻋﯾم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ ﻓﻲ ﻋﻣﻠﯾـﺔ اﺗﺧـﺎذ اﻟﻘـرار اﻟﻣـؤدي إﻟـﻰ اﻟﻧـزاع‪ .‬وﻋﻠﯾـﻪ ﯾﻣﻛـن أن ﻧﺳـﺗﺧﻠص أﻧـﻪ ﻋﻠـﻰ اﻟـرﻏم ﻣـن‬
‫أﻫﻣﯾﺔ ﻧظرﯾـﺔ اﺗﺧـﺎذ اﻟﻘـرار ﻓـﻲ ﺗﻔﺳـﯾر اﻟﺳـﻠوك اﻟﺻـراﻋﻲ اﻟﺧـﺎرﺟﻲ ﺑـﺎﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠـﻰ اﻟﻔـرد )ﻣﺗﺧـذا اﻟﻘـرار ﻛوﺣـدة‬
‫ﺗﺣﻠﯾ ــل (‪ ،‬إﻻ أن اﻟﻣﺷ ــﻛل اﻟ ــذي ﯾواﺟ ــﻪ ﻫ ــذﻩ اﻟﻧظرﯾ ــﺔ‪ ،‬ﻫ ــو ﺻ ــﻌوﺑﺔ ﺗطﺑﯾﻘﻬ ــﺎ ﻧظـ ـ ار ﻟﻧ ــدرة اﻟﻣﻌﻠوﻣ ــﺎت وأﯾﺿ ــﺎ‬

‫‪ ( 1‬ﻣﺤﻤﻮدي ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.34 .‬‬

‫‪ ( 2‬ﺟﺮاد‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص‪.119 ،118.‬‬
‫‪ ( 3‬دورﺗﻲ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺴﺘﻐﺮاف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.323.‬‬
‫‪ ( 4‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ‪ ،‬ص‪.223.‬‬
‫ﺻــﻌوﺑﺔ اﻟوﺻــول إﻟﯾﻬــﺎ‪ ،‬أو اﻟﺗﺄﻛــد ﻣــن ﺻــﺣﺗﻬﺎ‪ ،‬وﺗواﺟــﻪ ﻫــذﻩ اﻟﻣﺷــﻛﻠﺔ ﺧﺎﺻــﺔ ﻓــﻲ اﻷﻧظﻣــﺔ اﻟﺷــﻣوﻟﯾﺔ‪ ،‬أﯾــن‬
‫ﺗﻛون ﻗﻧوات اﻻﺗﺻﺎل ﻣﻧﻌدﻣﺔ‪ ،‬و إن وﺟدت ﻓﺗﻛون ﻣﺣﺎطﺔ ﺑﺳرﯾﺔ ﺗﺎﻣﺔ‪.‬‬

‫اﻟﻣﺣﺎﺿرة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ‪ :‬اﻟﻧظرﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟدوﻟﺔ‬

‫إن اﻟﺣــدﯾث ﻋــن اﻟدوﻟــﺔ ﻛوﺣــدة ﺗﺣﻠﯾــل ﻟظ ـواﻫر اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ‪ ،‬ﯾــدﻓﻊ ﺑــﺎﻟﻛﺛﯾرﯾن إﻟــﻰ اﻟﺗوﺟــﻪ ﻧﺣــو‬
‫طروﺣــﺎت اﻟﻣدرﺳــﺔ اﻟواﻗﻌﯾــﺔ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻫــﺎ أﻫــم اﺗﺟــﺎﻩ ﻧظــري أﺳــس طروﺣﺎﺗــﻪ ﻋﻠــﻰ اﻟدوﻟــﺔ ﻛوﺣــدة ﺗﺣﻠﯾــل أﺳﺎﺳــﯾﺔ‬
‫ﻟﻔﻬم ﻣﺧﺗﻠف اﻟظواﻫر اﻟدوﻟﯾﺔ وﻫذا ﻣـﺎ أدى ﺑﺎﻟﻌدﯾـد ﻣـن اﻟﺑـﺎﺣﺛﯾن ﻓـﻲ ﺗﺣﻠـﯾﻼﺗﻬم إﻟـﻰ اﻻﻛﺗﻔـﺎء ﻓﻘـط ﺑﻣـﺎ ﻗدﻣﺗـﻪ‬
‫اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟواﻗﻌﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻏﯾر أن اﻟﻣﻘﺻود ﻣﻧﻬﺟﯾﺎ ﺑﺎﻟدوﻟﺔ ﻛﻣﺳﺗوى ﺗﺣﻠﯾل ﻫو اﻟﺑﺣث ﻋن ﻣﺻﺎدر اﻟﻧ ازﻋـﺎت اﻟﻛﺎﻣﻧـﺔ ﻓـﻲ طﺑﯾﻌـﺔ‬
‫اﻟ ـ ــدول )ﻋدواﻧﯾ ـ ــﺔ أو ﻣﺳ ـ ــﺎﻟﻣﺔ(‪ ،‬طﺑﯾﻌ ـ ــﺔ أﻧظﻣﺗﻬ ـ ــﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳ ـ ــﯾﺔ )دﯾﻣﻘراطﯾ ـ ــﺔ أو دﻛﺗﺎﺗورﯾ ـ ــﺔ (‪ ،‬وﺗ ـ ــﺄﺛﯾر ﻣوﻗﻌﻬ ـ ــﺎ‬
‫اﻟﺟﻐراﻓﻲ‪ ،‬ﻛذﻟك أﻧظﻣﺗﻬـﺎ وﻣؤﺳﺳـﺎﺗﻬﺎ‪ ،‬ﺗوﺟﻬـﺎت ﻧﺧﺑﻬـﺎ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗـﺎﻟﻲ ﻻ ﯾﻧظـر إﻟـﻰ اﻟدوﻟـﺔ ﻓﻘـط ﺑﺎﻟﻣﻧظـﺎر اﻟـواﻗﻌﻲ‬
‫ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﻓﺎﻋل ﻣوﺣد ﯾواﺟﻪ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺧﺎرﺟﻲ ﻛﻛﺗﻠﺔ واﺣدة ﺑﻌﯾـدا ﻋـن ﺳـﯾﺎﻗﺎﺗﻬﺎ اﻟﺗـﻲ ﺗﻧﺗﻣـﻲ إﻟﯾﻬـﺎ‪ ،‬أو اﻟﻔـﺎﻋﻠﯾن‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﻣﺷﻛﻠﯾن ﻟﻬﺎ‪.‬‬
‫إن دراﺳﺔ ظﺎﻫرة دوﻟﯾﺔ ﺑﻣﺳﺗوى ﺗﻌﻘد وﺗﺷﺎﺑك وأﯾﺿﺎ ﺷـﻣوﻟﯾﺔ ظـﺎﻫرة اﻟﺻـراع اﻟـدوﻟﻲ ﺗـدﻓﻊ ﺑﺎﻟﺑﺎﺣـث إﻟـﻰ‬
‫ﺗﻘﺻــﻲ ﻛــل اﻻﺗﺟﺎﻫــﺎت اﻟﻧظرﯾــﺔ اﻟﻣﻔﺳـرة ﻟﻬــذﻩ اﻟظــﺎﻫرة ﻹﻋطﺎﺋﻬــﺎ رؤﯾــﺔ ﺗوﺿــﯾﺣﯾﺔ ﺷــﺎﻣﻠﺔ‪ ،‬واﻧطﻼﻗــﺎ ﻣــن ذﻟــك‬
‫ﺳﻧﺗطرق إﻟﻰ أﻫم اﻟﺗﻔﺳﯾرات اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺗﻣد ﻋﻠﻰ اﻟدوﻟﺔ ﻛوﺣدة أﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﺗﺣﻠﯾل ظﺎﻫرة اﻟﺻراع اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪ -1‬اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ‪:‬‬
‫رﻏــم ﺛ ـراء ﻣﯾــدان اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ ﺑﺎﻟﻌدﯾــد ﻣــن اﻟﻧظرﯾــﺎت واﻟﻣﻘﺎرﺑــﺎت‪ ،‬إﻻ أن اﻟواﻗﻌﯾــﺔ ﺣــﺎزت ﻋﻠــﻰ‬
‫اﻟﻧﺻــﯾب اﻷوﻓــر ﻣــن اﻫﺗﻣــﺎم اﻟﺑــﺎﺣﺛﯾن واﻟدارﺳــﯾن ﻓــﻲ ﺣﻘــل اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ‪ ،‬وﻫــو ﻣــﺎ ﺟﻌﻠﻬــﺎ ﺗﻬــﯾﻣن ﻋﻠــﻰ‬
‫اﻟدراﺳﺎت اﻟﻧظرﯾﺔ ﻟﻬذا اﻟﺣﻘل ﻟﻔﺗـرات طوﯾﻠـﺔ‪ ،‬ﻛوﻧﻬـﺎ ﻗـدﻣت اﻟﻣﺳـﺗوﯾﺎت اﻟﺗﻔﺳـﯾرﯾﺔ اﻷﻣﺛـل ﻟﻣﺳـﺎﺋل اﻟﺻـراﻋﺎت‬
‫واﻟﺣـروب‪ .‬ورﺑﻣـﺎ ﻛــﺎن اﻟﺗﻌـﺎطﻲ اﻟــداﺋم ﻟﻠـواﻗﻌﯾﯾن ﻣــﻊ ﺣﺎﻟـﺔ اﻟﺣــرب‪ ،‬ﻫـو اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ اﻟﻣرﻛزﯾـﺔ اﻟﺗــﻲ ﺗﺄﺳـس ﻋﻠﯾﻬــﺎ‬
‫اﻟﺑﻧﺎء اﻟواﻗﻌﻲ ﻣن ﺟﻬﺔ‪ ،‬وﻋﻧﺻر إﺿﻔﺎء اﻟﻣوﺿوﻋﯾﺔ واﻟﻌﻘﻼﻧﯾﺔ ﻋﻠﯾﻬﺎ‪ ،‬ﻣن ﺟﻬﺔ أﺧرى‪.‬‬
‫وﯾﺳﺗوﺣﻲ اﻟواﻗﻌﯾون ﺗﺣﻠﯾﻼﺗﻬم ﻣـن ﻓﻠﺳـﻔﺔ ﻣﻛﯾـﺎﻓﯾﻠﻠﻲ‪ ،‬وﺧﺻوﺻـﺎً ﻣـن ﻫـوﺑز )‪ (Hobbes‬ﻓـﻲ ﻛﺗﺎﺑـﻪ‬
‫)‪ -(Leviathan‬اﻟدوﻟـﺔ ذات اﻟﻧظـﺎم اﻟـدﻛﺗﺎﺗوري‪ -‬اﻟﺻـﺎدر ﺑﺎﻻﻧﻛﻠﯾزﯾـﺔ ﻋـﺎم )‪ -(1651‬ﺣﯾـث وﺻـف اﻟﻌــﺎﻟم‬
‫ﻓـﻲ اﻟوﺿـﻊ اﻟطﺑﯾﻌــﻲ‪ ،‬أﻧـﻪ ﺧﻠﻌــﺔ ﻟﻠﻐ ارﺋـز اﻟﻧرﺟﺳــﯾﺔ‪ -‬اﻟﻣﻐـرورة‪ -‬ﻟﻺﻧﺳـﺎن‪ ،‬وﻫﻧــﺎ "ﺣﯾـث ﻻ ﺗوﺟــد ﻗـوة ﻣﺷــﺗرﻛﺔ‪،‬‬

‫‪ ( 1‬رﯾﺎض ﺑﻮزرب‪ ،‬اﻟﻨﺰاع ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺠﺰاﺋﺮﯾﺔ اﻟﻤﻐﺮﺑﯿﺔ ‪) 1988-1963‬ﻣﺬﻛﺮة ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﻨﯿﻞ ﺷﮭﺎدة اﻟﻤﺎﺟﺴﺘﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ واﻟﻌﻼﻗﺎت‬
‫اﻟﺪوﻟﯿﺔ‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ‪ ،(2008/2007،‬ص‪.25.‬‬
‫‪ ‬ﯾﻌﺘﺒﺮ ھﺎﻧﺲ ﻣﻮرﻏﻨﺜﻮ ‪ H.morgenthau‬ﺻﺎﺣﺐ اﻟﻔﻀﻞ ﻓﻲ إدﺧﺎل اﻟﻮاﻗﻌﯿﺔ ﻛﻤﻘﺘﺮب ﻟﺪراﺳﺔ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻋﻤﻠﮫ اﻟﺸﮭﯿﺮ ‪Politics‬‬
‫‪ (1948) Among Nations‬واﻟﺬي أﺣﺪث ﺑﮫ ﺛﻮرة ﻓﻲ اﻟﺪراﺳﺔ اﻷﻛﺎدﯾﻤﯿﺔ ﻟﻠﺴﯿﺎﺳﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ‪،‬وﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﺴﺒﻌﯿﻨﺎت ﻣﻦ اﻟﻘﺮن اﻟﻌﺸﺮﯾﻦ ‪،‬أﺣﺪث ﻛﯿﻨﯿﺚ‬
‫واﻟﺘﺰ ‪ Kenneth Waltz‬ﺷﺮﺧﺎ ﻛﺒﯿﺮا ﻋﻦ واﻗﻌﯿﺔ ﻣﻮرﻏﻨﺜﻮ اﻟﺘﻘﻠﯿﺪﯾ ﺔ وﻣﻨ ﺬ ذﻟ ﻚ اﻟﻮﻗ ﺖ أﺻ ﺒﺤﺖ اﻷﺧﯿ ﺮة ﺗﻌ ﺮف ﺑﺎﻟﻮاﻗﻌﯿ ﺔ اﻟﻜﻼﺳ ﯿﻜﯿﺔ‪،‬ﻛﻤﺎ ﻋﺮﻓ ﺖ‬
‫اﻟﻮاﻗﻌﯿﺔ ﺗﻨﻘﯿﺤﺎت ﻋﺪﯾﺪة ﺗﺴﺘﺠﯿﺐ ﻟﻠﻤﺘﻐﯿﺮات اﻟﺪوﻟﯿﺔ واﻟﻨﻮاﻗﺺ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺮي ﺳﺎﺑﻘﺘﮭﺎ وھﺬا ﻣﺎ اﻧﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ اﺧﺘﻼف ﻣﺴﻤﯿﺎﺗﮭﺎ ﺑﯿﻦ )واﻗﻌﯿﺔ ﻛﻼﺳﯿﻜﯿﺔ أو‬
‫ﺗﻘﻠﯿﺪﯾﺔ‪ ،‬ﺟﺪﯾﺪة‪/‬ﺑﻨﯿﻮﯾﺔ‪ ،‬ﻧﯿﻮﻛﻼﺳﯿﻜﯿﺔ‪-‬ھﺠﻮﻣﯿﺔ‪/‬دﻓﺎﻋﯿﺔ(‪.‬‬
‫ﻓﻼ وﺟود ﻟﻘﺎﻧون‪ ،‬وﺣﯾث ﻻ وﺟود ﻟﻘـﺎﻧون‪ ،‬ﻓﻠـﯾس ﻫﻧﺎﻟـك ﻣـن ظﻠـم"‪ .‬وﺑﺎﻟﻧﺳـﺑﺔ ﻟﻠـواﻗﻌﯾﯾن‪ ،‬ﻓـﺈن اﻟﻣﺟﺗﻣـﻊ اﻟـدوﻟﻲ‬
‫ﻣﺷﻛل ﻣن دول دون "ﻗوة ﻣﺷـﺗرﻛﺔ"‪ ،‬ﻓﻬـو ﻓوﺿـوي ﻣـن اﻟطﺑﯾﻌـﺔ‪ 1.‬وﻟﻘـد وﺻـف ﺗوﺳـﯾد ﯾـد )‪،(Thucidyde‬‬
‫ّ‬
‫ﻣــن ﻗﺑــل‪ ،‬ﻋﻣﻠﯾــﺔ اﻟﺗطــور ﻓــﻲ اﻟﻌــﺎﻟم اﻟﯾوﻧــﺎﻧﻲ‪ :‬ﺗﺑــدأ اﻟﻣدﯾﻧــﺔ ﺑﺗﺳــﻠﯾﺢ ﻧﻔﺳــﻬﺎ ﻣــن أﺟــل أن ﻻ ﺗﻘــﻊ ﺗﺣــت طﻐﯾــﺎن‬
‫ﻣدﯾﻧﺔ أﺧرى‪ .‬وﻣﺎ أن ﺗﺻﺑﺢ ﻣﺟﻬزة ﺑﻣﻌدات ﻋﺳﻛرﯾﺔ ﻗوﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺗﺻل إﻟﻰ اﻻﺳﺗدﻻل ﺑـﺄن اﻟﻬـدف أن ﺗﻛـون‬
‫ﻣﺣﻣﯾــﺔ أﻛﺛــر‪ ،‬وﻣــﺎ أن ﺗﻘــوم ﺑــذﻟك‪ ،‬ﺣﺗــﻰ ﺗﻧﺗﻘــل ﻟوﺿــﻊ اﻟــدول اﻟﻣﺟــﺎورة ﻟﻬــﺎ ﺗﺣــت وﺻــﺎﯾﺗﻬﺎ‪ ،‬وﺗﺻــﺑﺢ ﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻲ‬
‫اﻣﺑرﯾﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻷﻧﻬﺎ ﻟم ﺗﺑﺣث إﻻ ﻋن اﻟدﻓﺎع ﻋـن ﻣﺻـﺎﻟﺣﻬﺎ‪ٕ .‬وان اﻟﻣوازﻧـﺔ اﻟوﺣﯾـدة ﻟوﻗـف ﻫﯾﻣﻧـﺔ ﻗـوة ﻛﺑـرى ﺗﻛﻣـن‬
‫ﻓﻲ ﻧﺗﯾﺟﺔ ﺗﺣﺎﻟف اﻵﺧرﯾن‪ ،‬وﻣن ﻫﻧﺎ اﻟﺑﺣث اﻟداﺋم ﻋن ﺗوازن اﻟﻘوى‪.‬‬
‫وﺗﺗﺣدد اﻻﻓﺗراﺿﺎت اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﻣدرﺳﺔ اﻟواﻗﻌﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﯾﻠﻲ‪:‬‬
‫‪ -1‬اﻟدول ﻫﻲ اﻟﻔﺎﻋل اﻷﺳﺎﺳﻲ أو اﻷﻫم ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ؛‬
‫‪ -2‬اﻟدوﻟﺔ ﻛﻔﺎﻋل دوﻟﻲ وﺣدة واﺣدة ﻻ ﺗﺗﺟزأ؛‬
‫‪ -3‬اﻟدوﻟﺔ ﻓﺎﻋل ﻋﻘﻼﻧﻲ ﺑﺎﻷﺳﺎس؛‬
‫‪ -4‬اﻷﻣن اﻟﻘوﻣﻲ ﯾﺣﺗل ﻗﻣﺔ أوﻟوﯾﺎت اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟدوﻟﯾﺔ‪.‬‬
‫وﯾﻧظر أﻧﺻﺎر اﻟواﻗﻌﯾﺔ ﻋﺎدة إﻟﻰ اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ واﻷﻣﻧﯾﺔ واﻹﺳـﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ‪ ،‬ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻫـﺎ ﻗﺿـﺎﯾﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳـﺔ اﻟﻌﻠﯾـﺎ‪،‬‬
‫ﺑﯾﻧﻣﺎ ﯾرون اﻟﻘﺿﺎﯾﺎ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻫﺎ ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟدﻧﯾﺎ اﻟروﺗﯾﻧﯾﺔ واﻷﻗل أﻫﻣﯾﺔ‪.2‬‬
‫وﯾﺷــﻛل ﻛــل ﻣــن ''اﻟﻔــﺎﻋﻠﯾن'' و'' اﻷﻫــداف'' و'' اﻷدوات'' ﺛﻼﺛــﺔ ﻣﻔــﺎﻫﯾم أﺳﺎﺳــﯾﺔ ﻟﻠﺗﻧظﯾــر ﻓــﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳــﺔ‬
‫اﻟدوﻟﯾــﺔ‪ ،‬وﻟﻛ ــن ﻛ ــل ﻣﻔﻬــوم ﻣ ــن ﻫ ــذﻩ اﻟﻣﻔــﺎﻫﯾم ﺧﺎﺿ ــﻊ ﻟﻠﺗﻐﯾﯾ ــر داﺧــل اﻻﺗﺟ ــﺎﻩ اﻟﺗﻧظﯾ ــري اﻟواﺣــد)‪ (‬ﻣ ــن ﻓﺗـ ـرة‬
‫ﻷﺧــرى‪ ،‬ﻛﻣــﺎ ﺗﺧﺗﻠــف ﻫــذﻩ اﻟﻣﻔــﺎﻫﯾم ﻣــن اﺗﺟــﺎﻩ إﻟــﻰ اﺗﺟــﺎﻩ ﺗﻧظﯾ ـري آﺧــر‪ .‬ﻓﻔــﻲ إطــﺎر اﻟﻣدرﺳــﺔ اﻟواﻗﻌﯾــﺔ‪ ،‬ﯾﺄﺧــذ‬
‫ﺗﺣﻠﯾــل اﻟظ ـواﻫر اﻟدوﻟﯾــﺔ اﻟــﻧﻣط اﻟﺗــﺎﻟﻲ ﻣــن اﻻﺳــﺗﻧﺗﺎج‪'' ،‬ﻓﻠﺗﺣﻠﯾــل ﻣﺷــﻛﻠﺔ ﻧﺷــر اﻟﺻ ـوارﯾﺦ اﻟﺳــوﻓﯾﺗﯾﺔ ﻓــﻲ ﻛوﺑــﺎ‬
‫ﻣــﺛﻼ‪ ،‬ﻧﺗﺳــﺎءل‪ :‬ﻟﻣــﺎذا ﻗــرر اﻻﺗﺣــﺎد اﻟﺳــوﻓﯾﺗﻲ ﻧﺷــر اﻟﺻ ـوارﯾﺦ ﻓــﻲ ﻛوﺑــﺎ؟ ﺛــم ﻧﺧﺗــﺎر وﺣــدة اﻟﺗﺣﻠﯾــل ''اﻟدوﻟــﺔ''‪،‬‬
‫ﺑﻌــدﻫﺎ ﻧرﻛــز ﻋﻠــﻰ ﺑﻌــض اﻟﻣﻔ ـﺎﻫﯾم ''ﻋﻠــﻰ أرﺳــﻬﺎ اﻷﻫــداف''‪ ،‬ﻟﻧﺿــﻊ ﺑﻌــدﻫﺎ ﻓرﺿــﯾﺎت ﻣﺛــل ''إذا ﻗﺎﻣــت اﻟدوﻟــﺔ‬
‫‪3‬‬
‫ﺑﻬذا اﻟﻔﻌل ﻓذﻟك ﻷن ﻟﻬﺎ ﻫدف ﻣن ﻫذا اﻟﻧوع''‪.‬‬
‫وﺗﻌﺗﻣــد اﻟواﻗﻌﯾــﺔ ﻓــﻲ ﺗﺣﻠﯾﻠﻬــﺎ ﻟﻠﻌﻼﻗــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ ﻣﻘوﻟــﺔ أﺳﺎﺳــﯾﺔ‪ ،‬وﻫــﻲ ''أن ﻫــذا اﻟﻌــﺎﻟم ﻫــو ﻋــﺎﻟم‬
‫اﻟﺻراع واﻟﺣرب‪ ،‬واﻟﺻراع و اﻟﺣرب ﻫﻣﺎ أﺳﺎس اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ'' وأن ﻟﻛـل دوﻟـﺔ ﻣـن دول اﻟﻌـﺎﻟم ﻣﺟﻣوﻋـﺔ‬
‫ﻣن اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻘوﻣﯾﺔ‪ ،‬ﯾﻣﻛن إﺟﻣﺎﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺛﻼث ﻣﺻﺎﻟﺢ رﺋﯾﺳﯾﺔ‪:‬‬
‫‪ -‬ﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﺑﻘﺎء‪ :‬وﻫﻲ اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ اﻟدوﻟﯾﺔ‪ ،‬وﺗﻌﻧﻲ أن ﺗظل ﻣوﺟودة ﻣﺎدﯾﺎ وﻻ ﯾﺗم إﻟﻐﺎؤﻫﺎ‬

‫‪ ( 1‬ﻣﻮﺳﻰ اﻟﺰﻏﺒﻲ‪ ،‬دراﺳﺎت ﻓﻲ اﻟﻔﻜﺮ اﻹﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﻲ واﻟﺴﯿﺎﺳﻲ )دﻣﺸﻖ‪ :‬اﺗﺤﺎد اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮب‪ ،(2001،‬ص‪.22.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪) Paul R. Viotti and Mark V. Kauppi, International Relations Theory: Realism, Pluralism, Globalism (New‬‬
‫‪York: Macmillan 1987) pp. 6, 7.‬‬
‫)‪ (‬ﯾﺸﯿﺮ ﺗﻮﻣﺎس ﻛﻮن ‪ Thomas Khun‬ﺑﮭﺬا اﻟﺨﺼﻮص إﻟﻰ أن ﻧﻈﺮﯾﺎت اﻟﻤﻨﻈﻮراﻟﻮاﺣﺪﻻ ﯾﻤﻜﻦ أن ﺗﺘﻔﻖ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ اﻟﺠﺰﺋﯿﺎت‪،‬ﺑﻞ ھﻢ ﯾﺘﻘﺎﺳﻤﻮن‬
‫اﻟﺨﻄﻮط اﻟﻌﺮﯾﻀﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻤﯿﺰ اﻟﻈﺎھﺮة وﺗﺤﺪد ﻣﻼﻣﺤﮭﺎ اﻟﺮﺋﯿﺴﯿﺔ ‪،‬أﻣﺎ اﻻﺧﺘﻼف ﻓﯿﻤﺘﺪ إﻟﻰ اﻟﺘﻘﻨﯿﺎت وﻣﺘﻐﯿﺮات اﻟﺘﺤﻠﯿﻞ ‪.‬ﻟﻼطﻼع أﻛﺜﺮ ارﺟﻊ إﻟﻰ‪:‬‬
‫‪-Thomas Khun, The Structure of Scientific Revolution ,A fundamental in intellectual history (USA, 1968),‬‬
‫‪p.180.‬‬
‫‪ ( 3‬ﻋﺰ اﻟﺪﯾﻦ ﺣﻤﺎ ﯾﺪي‪ ،‬دور اﻟﺘﺪﺧﻞ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻓﻲ اﻟﻨﺰاﻋﺎت اﻟﻌﺮﻗﯿﺔ‪،‬ﻣﺬﻛﺮة ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﻨﯿﻞ ﺷﮭﺎدة اﻟﻤﺠﺴﺘﯿﺮﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ)ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ‪(2005،‬‬
‫‪،‬ص‪.60.‬‬
‫‪ -‬ﻣﺻــﻠﺣﺔ ﺗﻌظــﯾم اﻟﻘــوة اﻟﻌﺳــﻛرﯾﺔ‪ :‬ﺣﯾــث أن اﻷداة اﻟﻌﺳــﻛرﯾﺔ ﻫــﻲ أداة اﻟدوﻟــﺔ اﻷﺳﺎﺳــﯾﺔ ﻟﻠــدﻓﺎع ﻋــن ﻧﻔﺳــﻬﺎ‬
‫ﺿد اﻟطﺎﻣﻌﯾن‪.‬‬
‫‪ -‬ﻣﺻـﻠﺣﺔ ﺗﻌظــﯾم اﻟﻘــوة اﻟﺳﯾﺎﺳــﯾﺔ‪ :‬ﯾــﺗم اﻻﻫﺗﻣــﺎم ﺑﺎﻟﺑﻌـد اﻻﻗﺗﺻــﺎدي و اﻟﺗﺟــﺎري ﻓـﻲ اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ‪ ،‬ﻷن‬
‫‪1‬‬
‫ذﻟك ﻫو اﻷﺳﺎس اﻟﻣﺎدي اﻟذي ﺗﻘوم ﻋﻠﯾﻪ ﻣﺻﻠﺣﺔ ﺗﻌظﯾم اﻟﻘوة اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ‪.‬‬
‫وﺗﻌﺗﺑــر ﻫــذﻩ اﻟﻣدرﺳــﺔ ﺑــﺄن ﺗوزﯾــﻊ اﻟﻘــوة ﻣــن أﻫــم ﻋواﻣــل اﻟﺻ ـراع اﻟــدوﻟﻲ‪ ،‬واﻟﻘــوة ﻋﻧــدﻫﺎ ﻣوزﻋــﺔ ﺑــﯾن‬
‫ﺛـﻼث أﺷــﻛﺎل ﻫـﻲ‪ :‬اﻟﻘــوة اﻟﻌﺳــﻛرﯾﺔ و اﻟﻘـوة اﻻﻗﺗﺻــﺎدﯾﺔ و اﻟﻘــوة اﻟﺗﺟﺎرﯾـﺔ و اﻟﻘــوة اﻟﺳﯾﺎﺳــﯾﺔ اﻟﺗـﻲ ﺗﻌــد ﻣﺣﺻــﻠﺔ‬
‫اﻟﻘوﺗﯾن اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ‪ .‬و ﺗﺟد ﻫذﻩ اﻷﻓﻛـﺎر دﻋﺎﻣﺗﻬـﺎ ﻟـدى أﺑـرز رواد اﻟواﻗﻌﯾـﺔ وﻫـو ﻫـﺎﻧس ﻣورﻏـﺎﻧﺛو‬
‫‪ H.Morgenthau‬ﺑﻘوﻟﻪ ‪ '':‬إن اﻟﻣرﺟﻊ اﻟرﺋﯾﺳـﻲ ﻟﻠواﻗﻌﯾـﺔ ﻓـﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳـﺔ اﻟدوﻟﯾـﺔ ﻫـو اﻟﻣﺻـﻠﺣﺔ اﻟﻣﺣـددة‬
‫‪2‬‬
‫ﺑﻧﺎءا ﻋﻠﻰ اﻟﻘوة''‪.‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﯾرى اﻟواﻗﻌﯾون ﺑﺄن اﻟدول ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟب ﺗﺗﺿﺎرب ﻓﻲ ﻣﺻﺎﻟﺣﻬﺎ إﻟﻰ درﺟﺔ ﯾﻘود ﺑﻌﺿـﻬﺎ ﻟﻠﺣـرب‪،‬‬
‫ﻛﻣــﺎ ﺗﻠﻌــب اﻹﻣﻛﺎﻧﯾــﺎت اﻟﻣﺗــوﻓرة ﻟﻠدوﻟــﺔ‪ ،‬دو ار ﻫﺎﻣــﺎ ﻓــﻲ ﺗﺣدﯾــد ﻧﺗﯾﺟــﺔ اﻟﺻ ـراع اﻟــدوﻟﻲ وﻗــدرة اﻟدوﻟــﺔ ﻋﻠــﻰ‬
‫اﻟﺗــﺄﺛﯾر ﻓ ــﻲ ﺳ ــﻠوك اﻵﺧـ ـرﯾن‪ ،‬ﺷـ ـرﯾطﺔ إدراك أن ﻗ ــدرات اﻟدوﻟــﺔ ﻻ ﺗﻘﺗﺻ ــر ﻋﻠ ــﻰ اﻹط ــﻼق ﻋﻠ ــﻰ اﻟﺟﺎﻧ ــب‬
‫اﻟﻌﺳ ــﻛري إذ أن اﻟﻘــوة ﻫ ــﻲ ﻣرﻛ ــب ﻣ ــن أﺟـ ـزاء ﻋﺳ ــﻛرﯾﺔ وﻏﯾ ــر ﻋﺳ ــﻛرﯾﺔ ﻛ ــﺎﻟﺗطور اﻟﺗﻘﻧ ــﻲ أو اﻟﺳ ــﻛﺎن أو‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﻣﺻﺎدر اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ واﻟﻌواﻣل اﻟﺟﻐراﻓﯾﺔ وﺷﻛل اﻟﺣﻛوﻣﺔ واﻟﻘﯾﺎدة اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ و اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ‪.‬‬
‫وﺗﺳـﻌﻰ اﻟــدول ﻣـن ﺧــﻼل ﺳــﻠوﻛﻬﺎ اﻟﺧـﺎرﺟﻲ إﻟــﻰ ﺗﺣﻘﯾـق ﻋــدة أﻫــداف‪ ،‬ﻗﺳـﻣﻬﺎ ﻣورﻏــﺎﻧﺛو إﻟــﻰ ﺛﻼﺛــﺔ‬
‫أﻫداف أﺳﺎﺳﯾﺔ‪:‬‬
‫‪ -‬زﯾﺎدة اﻟﻘوة‪ :‬ﺑﺈﺗﺑﺎع ﺳﯾﺎﺳﺔ ﺗوﺳﻌﯾﺔ‪.‬‬
‫‪ -‬اﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟﻘوة‪ :‬ﻣن ﺧﻼل اﻧﺗﻬﺎج ﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ اﻟوﺿﻊ اﻟراﻫن‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬إظﻬﺎر اﻟﻘوة‪ :‬ﺑﺈﺗﺑﺎع ﺳﯾﺎﺳﺔ ﻋرض اﻟﻘوة‪.‬‬
‫وﻧظـ ـ ار ﻟﺗرﻛﯾزﻫ ــﺎ اﻷﺳﺎﺳ ــﻲ ﻋﻠـ ـﻰ ﻗﺿ ــﺎﯾﺎ اﻟﺣ ــرب واﻷﻣ ــن اﻟ ــوطﻧﻲ اﻋﺗﺑ ــر ﻣﻔﻬ ــوم اﻟﻣﺻـــﻠﺣﺔ ‪Interest‬‬
‫ﺑﻣﺛﺎﺑــﺔ أداة ﺗﺣﻠﯾــل أﺳﺎﺳــﯾﺔ ﻓــﻲ اﻟواﻗﻌﯾــﺔ اﻟﻛﻼﺳــﯾﻛﯾﺔ ﻟﺑﻧــﺎء ﺗﻔﺳــﯾر أو ﺗﻧﺑــؤ ﻓــﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳــﺔ اﻟدوﻟﯾــﺔ‪ 5.‬إﻟــﻰ ﺟﺎﻧــب‬
‫ﻣﻔﻬــوم ﺗـوازن اﻟﻘــوى اﻟــذي ﯾﻌﺗﺑــر أﺣــد أﻫــم إﺳــﻬﺎﻣﺎت ﻫــﺎﻧس ﻣورﻏــﺎﻧﺛو ﻓــﻲ ﻧظرﯾــﺔ ‪Balance of power‬‬
‫‪،‬ﺣﯾــث ﯾﻌﺗﺑـرﻩ ﻋﻠــﻰ أﻧــﻪ اﻟوﺳــﯾﻠﺔ اﻟﻧﺎﺟﻌــﺔ ﻟﺿــﻣﺎن اﻟﺳــﻼم‪ .‬ﻛﻣــﺎ ﯾﻧﺻــﺢ اﻟــدول اﻟﻣﺗﻧﺎﻓﺳــﺔ أن ﺗﻠــزم ﻧﻔﺳــﻬﺎ ﺑﻘﺑــول‬
‫ﻧظﺎم ﺗوازن اﻟﻘوى ﻛﺈطـﺎر ﻣﺷـﺗرك ﻟﻣﺳـﺎﻋﯾﻬﺎ‪ ،‬ﻷن ﻫـذا اﻻﺗﻔـﺎق ﯾﺿـﺑط اﻟرﻏﺑـﺔ ﻏﯾـر اﻟﻣﺣـدودة ﻟﻠﺣﺻـول ﻋﻠـﻰ‬
‫‪6‬‬
‫اﻟﻘوة وﯾﺣول دون ﺗﺣﻘﯾق رﻏﺑﺔ اﻟﺳﯾطرة‪.‬‬
‫ﺗﻌ ــد إذا ﻛ ــل ﻣ ــن اﻟﻘ ــوة و اﻟﻣﺻ ــﻠﺣﺔ اﻟوطﻧﯾ ــﺔ ﺑﺎﻹﺿ ــﺎﻓﺔ إﻟـ ـﻰ اﻟﻔوﺿ ــﻰ وﻣﯾـ ـزان اﻟﻘ ــوى ﺑﻣﺛﺎﺑ ــﺔ اﻟﻣﻔ ــﺎﻫﯾم‬
‫اﻟﻣرﻛزﯾــﺔ اﻟﺗ ــﻲ اﻋﺗﻣ ــدﺗﻧﻬﺎ اﻟواﻗﻌﯾ ــﺔ اﻟﻛﻼﺳ ــﯾﻛﯾﺔ ﻓ ــﻲ ﺗﻔﺳ ــﯾرﻫﺎ ﻟﻠﺳﯾﺎﺳ ــﺔ اﻟدوﻟﯾ ــﺔ‪ .‬إﻻ أن اﻟـ ـواﻗﻌﯾﯾن اﻟﻛﻼﺳ ــﯾﻛﯾﯾن‬

‫‪ (1‬ﺟﮭﺎد ﻋﻮدة‪ ،‬اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺪوﻟﻲ ﻧﻈﺮﯾﺎت و إﺷﻜﺎﻟﯿﺎت )اﻟﮭﺪى ﻟﻠﻨﺸﺮ واﻟﺘﻮزﯾﻊ ط‪ ،(2005، 1.‬ص ص ‪.24.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪) Jean Jaque Roche, Théories Des Relations Internationales (Paris:Montchrestien, 5eme ed, 2004), p.33.‬‬
‫‪ ( 3‬دورﺗﻲ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺴﺘﻐﺮاف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص‪.60،59.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪) Hans, Morgenthau, politics Among Nations (New-york: Alfredknopf, 4th ed., 1967), p.36.‬‬

‫‪ (5‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﺘﻰ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.27.‬‬

‫‪ (6‬دورﺗﻲ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺴﺘﻐﺮاف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪،‬ص‪.73.‬‬
‫‪1‬‬
‫ﯾﻌﺗﺑـرون أن ﻟﻌﺑـﺔ ﻣﯾـزان اﻟﻘـوى ﻫـﻲ اﻟوﺳـﯾﻠﺔ اﻷﻛﺛـر ﻋﻣﻠﯾـﺔ ﻹﻗﺎﻣـﺔ اﻟﺳـﻠم و اﻻﺳـﺗﻘرار ﻋﻠـﻰ اﻟﻣﺳـﺗوى اﻟــدوﻟﻲ‪.‬‬
‫وﯾﺄﺗﻲ ﺗﺑرﯾر ذﻟك ﻣن اﻋﺗﺑﺎر اﻟواﻗﻌﯾﺔ ﻟﻠﻣﺻﻠﺣﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻫﻲ اﻟﻘـوة‪ ،‬وأﻧﻬـﺎ ﻻ ﺗﻔﺗـرض اﻟﺗﻧﺎﺳـق أو اﻟﺳـﻼم اﻟﻌـﺎﻟﻣﻲ‪،‬‬
‫ﺑــل ﻋﻠــﻰ اﻟﻌﻛــس ﺗﻔﺗــرض ﺻ ـراﻋﺎ ﻣﺳــﺗﻣر أو ﺗﻬدﯾــدا ﻣﺳــﺗﻣ ار ﺑﺎﻟــدﺧول ﻓــﻲ اﻟﺣــرب‪ ،‬وﻟﻬــذا ﻓــﺈن اﻟﺳــﻼم اﻟــداﺋم‬
‫ﯾﺻﻌب ﺑﻠوﻏﻪ وﻻ ﯾﺣﺗﻣل اﻟوﺻول إﻟﯾﻪ‪ ،‬ﻓﻛل ﻣﺎ ﺗرﯾـد اﻟدوﻟـﺔ ﻓﻌﻠـﻪ ﻟﺗﺟﻧـب اﻟﺣـرب‪ ،‬ﻫـو ﺗﺣﻘﯾـق ﺗـوازن اﻟﻘـوة ﻣـﻊ‬
‫اﻟـ ــدول اﻷﺧـ ــرى ﻟﻛـ ــﻲ ﻻ ﯾﺳـ ــﺗطﯾﻊ أي طـ ــرف أن ﯾﺣﻘـ ــق اﻟﺳـ ــﯾطرة اﻟﻛﻠﯾـ ــﺔ وﻟﻬـ ــذا ﯾﻌﺗﺑـ ــر ﻣﻔﻬـ ــوم ﺗ ـ ـوازن اﻟﻘـ ــوى‬
‫‪ Balance of power‬اﻟﻣﯾﻛﺎﻧﯾزم اﻷﻛﺛر ﻋﻣﻠﯾﺔ ﻟﺗﺣﻘﯾـق اﻻﺳـﺗﻘرار وﺗﺳـوﯾﺔ اﻟﺧﻼﻓـﺎت اﻟدوﻟﯾـﺔ‪ .‬وﻫـم ﯾﺳـﺗﻘون‬
‫ﺗﺑرﯾــرﻫم ﻟــذﻟك ﻣــن ﻣﻘوﻟــﺔ ﻓوﺿــوﯾﺔ اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ‪ ،‬أي ﺑﺳــﺑب ﻏﯾــﺎب ﺳــﻠطﺔ ﻋﻠﯾــﺎ ﺗﺣﻛــم ﺳــﻠوﻛﺎت اﻟﻔواﻋــل ﻓــﻲ‬
‫ﺗﻔﺎﻋﻠﻬﺎ ﻣﻊ ﺑﻌﺿﻬﺎ اﻟﺑﻌض‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﺧﻼف اﻟﺳﯾﺎﺳﺎت اﻟداﺧﻠﯾﺔ أﯾن ﺗﻣﻠك اﻟدول اﻟﻘدرة ﻋﻠـﻰ ﻋرﻗﻠـﺔ ﺳـﻌﻲ اﻷﻓـراد‬
‫ﻟﻠﺑﺣث ﻋن اﻟﻘـوة ﺑطرﯾﻘـﺔ أﻗـل ﻋﻧﻔـﺎ‪ .‬ﻟـذﻟك ﯾﺑﻘـﻰ اﻟﺻـراع ﺳـﻣﺔ اﻟﻌﻼﻗـﺎت اﻟدوﻟﯾـﺔ وﻓـق ﻣﻘوﻟـﺔ ''اﻟﻔوﺿـﻰ وﻏﯾـﺎب‬
‫ﺳـﻠطﺔ ﻋﻠﯾــﺎ ﺗﺣﻛــم ﺳـﻠوﻛﯾﺎت اﻟــدول''‪ .‬ﻟﻬــذا ﯾﻌﺗﺑـر ﻣورﻏﻧﺗــو ﺗـوازن اﻟﻘــوى ﺑﺄﻧـﻪ ظــﺎﻫرة طﺑﯾﻌﯾــﺔ ﻓـﻲ ﺣﯾــﺎة اﻟــدول‪،‬‬
‫ﻓﺎﻟﺳﯾﺎﺳ ــﺔ اﻟدوﻟﯾ ــﺔ‪-‬ﺣﺳ ــﺑﻪ‪''-‬ﻟﯾﺳ ــت ﺳـــوى ﺻـــراع ﻣـــن أﺟـــل اﻟﻘـــوة‪ ،‬وﺗـ ـوازن اﻟﻘ ــوى ﻫ ــو ﻧﺗﯾﺟ ــﺔ ﺣﺗﻣﯾ ــﺔ ﻟﻬ ــذا‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﺻراع‪''.‬‬
‫ﻛﻣـﺎ ﯾـرى أن اﻟﺗﺳــﻠﯾم ﺑﻣﻔﻬوم''اﻟﻣﺻـﻠﺣﺔ ﻫــﻲ اﻟﻘـوة'' ﯾﻣﻛــن ﻣـن ﺗﻘﯾـﯾم أﻋﻣــﺎل اﻟﻘـﺎدة اﻟﺳﯾﺎﺳــﯾﯾن ﻓـﻲ ﻣ ارﺣــل‬
‫ﻣﺧﺗﻠﻔــﺔ ﻣــن اﻟﺗــﺎرﯾﺦ‪ .‬وﯾﺿــﯾف أﯾﺿــﺎ ﺑــﺄن اﻟﺳﯾﺎﺳــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ ﻫــﻲ ﻋﻣﻠﯾــﺔ ﯾــﺗم ﻓﯾﻬــﺎ ﺗﺳــوﯾﺔ اﻟﻣﺻــﺎﻟﺢ اﻟﻘوﻣﯾــﺔ‬
‫اﻟﻣﺧﺗﻠﻔـ ــﺔ‪ ،‬وﯾوﺿـ ــﺢ ﻓﻛرﺗـ ــﻪ ﺑـ ــﺎﻟﻘول ''إن ﻣﻔﻬـ ــوم اﻟﻣﺻـ ــﻠﺣﺔ اﻟﻘوﻣﯾـ ــﺔ ﻻ ﯾﻔﺗـ ــرض اﻟﺗﻧﺎﺳـ ــق اﻟطﺑﯾﻌـ ــﻲ أو اﻟﺳـ ــﻼم‬
‫اﻟﻌــﺎﻟﻣﻲ وﻻ ﺣﺗﻣﯾــﺔ اﻟﺣــرب ﻛﻧﺗﯾﺟــﺔ ﻟﺳ ــﻌﻲ ﻛــل اﻟ ــدول ﻟﺗﺣﻘﯾــق ﻣﺻــﺎﻟﺣﻬﺎ‪ ،‬ﺑ ــل اﻟﻌﻛــس إﻧﻬ ــﺎ ﺗﻔﺗــرض ﺻـ ـراﻋﺎ‬
‫وﺗﻬدﯾدا ﻣﺳﺗﻣ ار ﺑﺎﻟﺣرب ﯾﺳﺎﻫم اﻟﻌﻣـل اﻟدﺑﻠوﻣﺎﺳـﻲ ﻓـﻲ ﺗﻘﻠﯾـل اﺣﺗﻣﺎﻻﺗـﻪ ﻣـن ﺧـﻼل اﻟﺗﺳـوﯾﺔ اﻟﻣﺳـﺗﻣرة ﻟﻠﻣﺻـﺎﻟﺢ‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﻣﺗﻌﺎرﺿﺔ‪''.‬‬
‫وﺗﻌﺗﺑـر ﻫـذﻩ اﻟﻣدرﺳـﺔ إﻟـﻰ ﺟﺎﻧـب ذﻟـك‪ ،‬أن اﻟﻔوﺿــﻰ واﻟﺻـراع ﺷـﺊ ﺿـروري أي أﻧــﻪ داﺋﻣـﺎ ﺳـوف ﯾﻛــون‬
‫ﻫﻧــﺎك ﺻـ ـ ارع وﻻ ﯾﻛــون ﻫﻧ ــﺎك ﺗﻌ ــﺎون وأن ﻣﺳــﺎﺋل اﻟﺣ ــرب واﻟﺻـ ـراع ﺗــﺄﺗﻲ ﻓ ــﻲ اﻟﻣرﺗﺑ ــﺔ اﻷوﻟ ـﻰ ﻓ ــﻲ اﻟﻌﻼﻗ ــﺎت‬
‫اﻟدوﻟﯾﺔ‪ ،‬ﻓﻌﻧدﻣﺎ ﯾﻛﺳب طرف ﺷﯾﺋﺎ ﻓﺎن ذﻟـك داﺋﻣـﺎ ﻣـﺎ ﯾﻣﺛـل ﺧﺳـﺎرة اﻟطـرف اﻷﺧـر ﻟﻬـذا اﻟﺷـﺊ‪ 4.‬وﻫـذا ﻣـﺎ أﻛـدﻩ‬
‫ﻧﯾﻛــوﻻس ﺳـــﺑﯾﻛﻣﺎن ‪ Nicholas Spykman‬ﺑــدورﻩ ﺑﺎﺳــﺗﻧﺎدﻩ إﻟــﻰ ﻋﺑــﺎرة ﺷــﺎرﻟزﺗﯾﻠﻲ ‪Charles Tilly‬‬
‫اﻟﺷـﻬﯾرة ''اﻟﺣــرب ﺻــﻧﻌت اﻟدوﻟــﺔ واﻟدوﻟــﺔ ﺻــﻧﻌت اﻟﺣــرب'' ﻟﯾؤﻛــد أن ﻣﯾـزة اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ ﻫــو اﻟﻧـزاع وﻟــﯾس‬
‫اﻟﺗﻌﺎون‪ ،‬وﯾﺿﯾف ﺑﺄﻧـﻪ ﻛﻣـﺎ ﻫـو اﻟﺣـﺎل ﻓـﻲ اﻟﻌﻼﻗـﺎت اﻟﻘﺎﺋﻣـﺔ ﺑـﯾن اﻟﺟﻣﺎﻋـﺎت ﻓـﻲ دوﻟـﺔ ﻣﻌﯾﻧـﺔ ﺧـﻼل اﻷزﻣـﺎت‪،‬‬
‫أو ﻋﻧد اﻧﻬﯾﺎر اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻣرﻛزﯾﺔ ﻓﺈﻧﻬـﺎ ﺗﻣﺛـل ﺣﺎﻟـﺔ طﺑﯾﻌﯾـﺔ ﻟﻠﻌﻼﻗـﺎت ﺑـﯾن اﻟـدول ﻓـﻲ اﻟﻧظـﺎم اﻟـدوﻟﻲ‪ ،‬وأن اﻟـدول‬
‫‪5‬‬
‫ﻓﻲ ظل ﻫذا اﻟﻧظﺎم ﺗﺑﻘﻰ إﻣﺎ ﻷﻧﻬﺎ ﻗوﯾﺔ‪ ،‬أو ﻷن دوﻻ أﺧرى ﺗﺗوﻟﻰ ﺣﻣﺎﯾﺗﻬﺎ‪.‬‬

‫‪ ( 1‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﺘﻰ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.25.‬‬

‫‪ ( 2‬أﺑﻮ ﺧﺰام‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪،‬ص‪.73.‬‬
‫‪ ( 3‬دورﺗﻲ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺴﺘﻐﺮاف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪،‬ص‪.69.‬‬
‫‪ ( 4‬ﻋﻮدة‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ص ‪.27، 26.‬‬
‫‪ ( 5‬ﻓﺮﯾﺪ زﻛﺮﯾﺎ‪ ،‬ﻣﻦ اﻟﺜﺮوة إﻟﻰ اﻟﻘﻮة‪،‬اﻟﺠﺬور اﻟﻔﺮﯾﺪة ﻟﺪور أﻣﺮﯾﻜﺎ اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ‪ ،‬ﺗﺮﺟﻤﺔ‪ :‬رﺿﺎ ﺧﻠﯿﻔﺔ )اﻟﻘﺎھﺮة‪:‬ﻣﺮﻛﺰ اﻷھﺮام ﻟﻠﺘﺮﺟﻤﺔ‬
‫واﻟﻨﺸﺮ‪،(1999،‬ص‪.36.‬‬
‫ﻓﺎﻟﺻـراع إذا ﺣﺳــب اﻟـواﻗﻌﯾﯾن ﯾﻌﺗﺑــر ﺣﺎﻟــﺔ طﺑﯾﻌﯾــﺔ ﻧﺎﺗﺟــﺔ ﻋــن اﻟﺗﺿــﺎرب ﻓــﻲ اﻟﻣﺻــﺎﻟﺢ ﺑــﯾن اﻟــدول‪،‬‬
‫وﯾﺟﺳ ــد ﻣﻔﻬ ــوم اﻟﻘ ــوة اﻟﻣﺗﻐﯾ ــر اﻷﺳﺎﺳ ــﻲ ﻓ ــﻲ ﺗﻔﺳ ــﯾر ﺳ ــﻠوﻛﯾﺎت اﻟ ــدول‪ ،‬وأن اﻟﻣﺻ ــطﻠﺣﺎت واﻟﺗﻌ ــﺎﺑﯾر اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾ ــﺔ‬
‫ﻟﯾﺳت ﺳوى ﺳـﺗﺎ ار ﯾﺧﺗﻔـﻲ وراءﻩ ﻣﺣـرك اﻟﻌﻼﻗـﺎت اﻟدوﻟﯾـﺔ أﻻ وﻫـو اﻟﻘـوة‪ .‬أﻣـﺎ ﻓـﻲ ﺗﺣﻠـﯾﻠﻬم ﻟﻣﺻـﺎدر اﻟﺻـراﻋﺎت‬
‫اﻟدوﻟﯾــﺔ ﻓــﺎن اﻟ ـواﻗﻌﯾﯾن ﯾﻬﻣﻠــون اﻟﻣﺻــﺎدر اﻻﻗﺗﺻــﺎدﯾﺔ واﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ واﻟﻧﻔﺳــﯾﺔ ﻟﻠﻧ ازﻋــﺎت ‪،‬ﻓــﺎﻟﻧزاع ﺣﺳــب رأﯾﻬــم‬
‫ظﺎﻫرة طﺑﯾﻌﯾﺔ ﺗﻧﺗﺞ ﻋن ﺗﻧﺎﻓس اﻟدول ﻓﻲ ﺳﻌﯾﻬﺎ ﻻﻛﺗﺳـﺎب اﻟﻘـوة وﺗﺣﻘﯾـق ﻣﺻـﺎﻟﺣﻬﺎ اﻟوطﻧﯾـﺔ اﻟﺗـﻲ ﺗﻛـون ﻋـﺎدة‬
‫ﻣﺗﻧﺎﻗﺿﺔ ﻣﻊ اﻷطراف اﻷﺧرى‪ ،‬وﯾﻌﺗﻘـد رﯾﻣـون أرون ‪ '' Raymond Aron‬أن اﻟﺳﯾﺎﺳـﺔ اﻟدوﻟﯾـﺔ ﺗﺗﺿـﻣن‬
‫ﺻداﻣﺎ ﺛﺎﺑﺗﺎ ﻹرادات اﻟدول‪ ،‬ﺑﻣﺎ أن اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﯾﺗﻛون ﻣن دول ذات ﺳﯾﺎدة وﻏﯾﺎب ﻗواﻧﯾن ﺗـﻧظم اﻟﻌﻼﻗـﺔ‬
‫ﺑﯾﻧﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻬذﻩ اﻟدول ﺗﺗﻧﺎﻓس ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﻬﺎ ﻷن ﻛـل دوﻟـﺔ ﺗﺗـﺄﺛر ﺑﺄﻓﻌـﺎل دول أﺧـرى وﺗﺷـك ﻓـﻲ ﻧواﯾﺎﻫـﺎ‪ ،‬وﻫـذا ﻣـﺎ‬
‫‪1‬‬
‫ﯾﺟﻌل اﻟدول ﺗﺳﻌﻰ ﻟﻠﺣﺻول ﻋﻠﻰ أﻛﺑر ﻗدر ﻣن اﻟﻘوة‪''.‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﯾرﺗﻛز ﻣﻔﻛرو اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﻔﺳـﯾر اﻟﺳـﻠوﻛﯾﺎت اﻟﻧزاﻋﯾـﺔ ﻋﻠـﻰ ﻣﻔـﺎﻫﯾم اﺳـﺗراﺗﯾﺟﯾﻪ ﻛـﺎﻻﺧﺗﻼل‬
‫ﻓﻲ ﻣﯾزان اﻟﻘوى أو وﺟود ''ﻓراغ ﻗوة'' واﻟذي ﯾﺣدث ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻧﺳﺣﺎب ﻗـوة ﻛﺑـرى ﻣـن اﻟﻘﯾـﺎم ﺑـدور أﺳﺎﺳـﻲ ﺳﯾﺎﺳـﻲ‬
‫وأﻣﻧــﻲ ﻛﺎﻧــت ﺗﻘــوم ﺑــﻪ ﻓــﻲ ﻣﻧطﻘــﺔ ﻣﻌﯾﻧــﺔ أو دوﻟــﺔ ﻣﻌﯾﻧــﺔ‪ ،‬أو وﺟــود ﻣوﻗــﻊ ﺟﯾوﺳــﺗراﺗﯾﺟﻲ ﻫــﺎم )دوﻟــﺔ‪ ،‬ﻣﺿــﯾق‪،‬‬
‫ﺑﺣر( ﯾﺷﻛل ﻧﻘطﺔ ﺟذب وﺗﻧﺎﻓس ﻋﻧد اﻟﻘوى اﻟدوﻟﯾﺔ واﻹﻗﻠﯾﻣﯾﺔ ﻣﺛﻼ‪ .‬ورﻏـم ﺗرﻛﯾـز اﻟـواﻗﻌﯾﯾن اﻟﻛﻼﺳـﯾﻛﯾﯾن ﻋﻠـﻰ‬
‫ﺗﻔﺳــﯾر اﻟﺣــروب واﻟﻧ ازﻋــﺎت إﻻ أﻧﻬ ـم اﻫﺗﻣ ـوا أﯾﺿــﺎ ﺑﺷــروط ﺗﺣﻘﯾــق اﻟﺳــﻼم‪ ،‬ﺣﯾــث اﻋﺗﻘــد ﻣورﻏﻧﺛــو أن ﻫﻧــﺎك‬
‫ﺛﻼﺛﺔ أﺷﻛﺎل ﻟﺗﺣﻘﯾق اﻟﺳﻼم ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻌﯾد اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ‪ :‬أوﻻ إذا ﺗم ﻓرﺿﻪ ﻣن ﻗﺑـل اﻟـرأي اﻟﻌـﺎم اﻟـدوﻟﻲ أو ﻧـوع ﻣـن‬
‫اﻷﺧـﻼق‪ ،‬ﺛﺎﻧﯾـﺎ ﯾﻣﻛــن ﺗﺣﻘﯾـق اﻟﺳــﻼم ﻣـن ﺧـﻼل اﻟﻘــﺎﻧون اﻟـدوﻟﻲ‪ ،‬ﺛﺎﻟﺛــﺎ ﻫـذا اﻟﺳـﻼم ﯾﻣﻛــن أن ﯾﻛـون ﺣﻘﯾﻘــﺔ إذا‬
‫أﻗﻣﻧــﺎ ﺣﻛوﻣــﺔ ﻋﺎﻟﻣﯾــﺔ‪ ،‬أي ﻗــوة ﻣﻬﯾﻣﻧــﺔ ﺷــﺑﻪ ﻣطﻠﻘــﺔ ﯾﻣﻛﻧﻬــﺎ ﻓــرض آراﺋﻬــﺎ ﻋﻠــﻰ اﻟﺟﻣﯾــﻊ‪ ،‬أﺧﯾ ـ ار ﯾﻣﻛــن ﺗﺣﻘﯾــق‬
‫اﻟﺳــﻼم أو ﺗﺣدﯾــد اﻟﺣــرب ﻣــن ﺧــﻼل ﺗ ـوازن اﻟﻘ ــوة وﺣﺳــب ﻣورﻏﻧﺛــو اﻟﺣــل اﻷﺧﯾــر ﻫــو اﻟﻣﻣﻛــن‪ ،‬ﻷن اﻟﺣﻠ ــول‬
‫‪2‬‬
‫اﻷﺧرى ﺗﺑدو ﻟﻪ ﻏﯾر ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺗﺣﻘﯾق ﻣن اﻟﻧﺎﺣﯾﺔ اﻟﻌﻣﻠﯾﺔ‪ ،‬ﻋﻛس ﻣﻔﻬوم ﺗوازن اﻟﻘوة‪.‬‬
‫إﻻ أن طروﺣﺎت اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ‪ ،‬اﻧﺗﻘدت ﺑﺷﻛل ﻻذع ﺑﺳﺑب ﻣﻧﻬﺟﯾﺗﻬﺎ اﻟﺳـﻠوﻛﯾﺔ‪ ،‬اﻟﺗـﻲ ﺗﻣﺣـورت ﺣـول‬
‫ﺳـﻠوك اﻟدوﻟـﺔ –اﻟﻌﻧﺻـر اﻷﺳﺎﺳـﻲ ﻓــﻲ ﺗﻘـدﯾرﻫﺎ‪ -‬ﻓـﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳـﺔ اﻟدوﻟﯾـﺔ‪ ،‬و أﺧﻔﻘــت ﻓـﻲ اﺳـﺗﯾﻌﺎب اﻟواﻗـﻊ اﻟﺣﻘﯾﻘــﻲ‬
‫ﻋﻠﻰ أﻧﻪ "ﻧظﺎم" ﻟﻪ ﺑﻧﯾﺗﻪ أو ﻛﯾﺎﻧﻪ اﻟﻣﻣﯾـز‪ ،‬و ﺑﺎﻟﻐـت ﻓـﻲ ﺗﻔﺳـﯾرﻫﺎ ﻟﻠﻣﺻـﻠﺣﺔ‪ ،‬و ﻣﻔـ ــﻬوم اﻟﻘـوة‪ ،‬و أﻏﻔﻠـت ﺳـﻠوك‬
‫اﻟﻣؤﺳﺳﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‪ ،‬و أطر ﻋﻼﻗﺎﺗﻬﺎ اﻻﻋﺗﻣﺎدﯾﺔ ﻓﻲ ﺟواﻧﺑﻬﺎ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ‪.‬‬

‫‪-2‬اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾﺔ‪:‬‬
‫ﺗﺳﺗﻣد اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾﺔ إطﺎرﻫﺎ اﻟﻔﻛري ﻣن ﻛﺗﺎﺑـﺎت ﻛـﺎرل ﻣـﺎرﻛس ‪ Karl Marx‬وﻓرﯾـدرﯾك اﻧﺟﻠﯾـز‬
‫‪ Friedrich Engels‬وﻟﯾﻧﯾن ‪ ،Lénine‬وﻗـد ﻻﻗـت ﻫـذﻩ اﻟﻣدرﺳـﺔ اﻫﺗﻣﺎﻣـﺎ ﻛﺑﯾـ ار ﻣـن ﻗﺑـل دارﺳـﻲ اﻟﻌﻼﻗـﺎت‬
‫اﻟدوﻟﯾـﺔ ﻛوﻧﻬـﺎ ﺗﻣـدﻫم ﺑرؤﯾـﺔ واﺿـﺣﺔ ﻋـن أﺳـﺑﺎب اﻟﺻـراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾـﺔ‪ .‬ﯾـرى اﻟﻣﺎرﻛﺳـﯾون ﻓـﻲ اﻟﺑﯾﺋـﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ‬

‫‪1‬‬
‫‪Raymond Aron, paix et guerre entre les nations (calmande édition, 1968), p.359.‬‬
‫‪ ( 2‬أﻛﺰاﻓﯿﯿﮫ ﻏﯿﻮم‪ ،‬اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ‪ ،‬ﺗﺮﺟﻤﺔ‪ :‬ﻗﺎﺳﻢ اﻟﻤﻘﺪاد )ﺑﯿﺮوت‪ :‬دار اﻟﻜﺘﺎب اﻟﻌﺮﺑﻲ‪،(2001 ،‬ص‪.04.‬‬
‫واﻻﻗﺗﺻ ــﺎدﯾﺔ اﻟﻣﺣ ــرك اﻷﺳﺎﺳ ــﻲ ﻟﺳ ــﻠوك اﻟدوﻟ ــﺔ‪ ،‬وﺗﻛ ــون اﻟﺳﯾﺎﺳ ــﺔ اﻟﺧﺎرﺟﯾ ــﺔ ﺑﻬ ــذا اﻟﺷ ــﻛل اﻧﻌﻛﺎﺳ ــﺎ ﻟﻣﺻ ــﺎﻟﺢ‬
‫وﺻراﻋﺎت اﻟطﺑﻘﺎت داﺧل اﻟدوﻟﺔ‪ ،‬أي أن اﻟﻧزاﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ ﻻ ﺗﺟد ﻣﺻدرﻫﺎ إﻻ ﻓـﻲ اﻟﺻـراﻋﺎت اﻟطﺑﻘﯾـﺔ داﺧـل‬
‫‪1‬‬
‫اﻟدوﻟﺔ اﻟﻣﻌﻧﯾﺔ‪ ،‬وﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوى اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﯾﻌﺗﻘد اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾون أن اﻷﺳﺑﺎب اﻟﺗﻲ ﺗدﻓﻊ إﻟﻰ اﻟﺻـراع اﻟـدوﻟﻲ ﺗﻘـوم ﻋﻠـﻰ اﻓﺗـراض أن اﻟﺣـرب ظـﺎﻫرة‬
‫ﺗﺎرﯾﺧﯾــﺔ طﺑﯾﻌﯾــﺔ وأﻧﻬــﺎ ﺗﺣــدث ﻋﻧــد ﻛــل ﻣرﺣﻠــﺔ ﻣــن ﻣ ارﺣــل اﻟﺗطــور اﻹﻧﺳــﺎﻧﻲ‪ .‬ﻛﻣــﺎ ﯾﻌﺗﻣــد اﻟﺗﺣﻠﯾ ـل اﻟﻣﺎرﻛﺳــﻲ‬
‫ﻟظﺎﻫرة اﻟﺻراع اﻟدوﻟﻲ أﺳﺎﺳﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺻـﻧﯾف اﻟطﺑﻘـﻲ ﻷطـراف اﻟﻧـزاع‪ ،‬وﻫـﻲ ﺗـرى أﻧـﻪ ﻣـن ﺧـﻼل ﻫـذا اﻟﺗﺣدﯾـد‬
‫ﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﻘوى اﻟطﺑﻘﯾﺔ ﻷطراف اﻟﻧزاع ﯾﻣﻛن اﻟوﻗوف ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺿﻣون اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﻟﺗﻠـك اﻟﺻـراﻋﺎت وﻋﻠـﻰ اﻟـدواﻓﻊ‬
‫اﻟﻣﺣرﻛــﺔ ﻟﻬــﺎ واﻟﻣﺻــﺎﻟﺢ اﻟﺗــﻲ ﺗﻛﻣــن وراﺋﻬــﺎ‪ 2.‬وﯾــرى ﻛـــﺎرل ﻣـــﺎرﻛس أن اﻟﺗــﺎرﯾﺦ ﻛﻠــﻪ ﻫــو ﺗــﺎرﯾﺦ اﻟﺻ ـراع ﺑــﯾن‬
‫اﻟطﺑﻘــﺎت ﺣﺎﻛﻣ ـﻪ وﻣﺣﻛوﻣــﻪ‪،‬وﻣن ﻫــذا اﻟﺻ ـ ارع ﯾﺧــرج اﻟﻧظــﺎم اﻟﺟدﯾــد‪ ،‬وﻧﻣــوذج ﻣـــﺎرﻛس ﻓــﻲ د ارﺳــﺔ اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ‬
‫وﺗﺣوﻻﺗ ــﻪ ﺗﺗﺿ ــﻣن ﻓﻛـ ـرة )اﻟطﺑﻘ ــﺔ اﻟﺣﺎﻛﻣ ــﺔ( وﻧﻘﯾﺿ ــﻬﺎ )اﻟطﺑﻘ ــﺔ اﻟﻣﻌﺎرﺿ ــﺔ( واﻟﻔﻛـ ـرة اﻟﻣرﻛﺑ ــﺔ )ﻧظ ــﺎم اﻗﺗﺻ ــﺎدي‬
‫‪3‬‬
‫واﺟﺗﻣﺎﻋﻲ وﺳﯾﺎﺳﻲ ﺟدﯾد(‪.‬‬
‫وﯾﺳــﺎﻫم اﻻﺗﺟــﺎﻩ اﻟﻣﺎرﻛﺳــﻲ ﻓــﻲ ﺗﻔﺳــﯾر ظــﺎﻫرة اﻟﺻ ـراع اﻟــدوﻟﻲ ﻣــن ﺧــﻼل اﻟﺗرﻛﯾــز ﻋﻠــﻰ ﻓﻛ ـرة اﻟﺻ ـراع‬
‫اﻟطﺑﻘﻲ اﻟذي ﺳﺑب ﺑروز اﻟﺧﻼف ﺑـﯾن اﻟ أرﺳـﻣﺎﻟﯾﺔ و اﻟﺷـﯾوﻋﯾﺔ‪ ،‬واﻟـذي ﺳـﺑب ﺑـدورﻩ ظﻬـور اﻟﻌدﯾـد ﻣـن اﻷزﻣـﺎت‬
‫اﻟدوﻟﯾ ـ ــﺔ اﻟﻣﺑﻧﯾ ـ ــﺔ ﻋﻠ ـ ــﻰ اﻟﺗﻧ ـ ــﺎﻗض ﻓ ـ ــﻲ اﻟﻣﺻ ـ ــﺎﻟﺢ و اﻟﻣﻌﺗﻘ ـ ــدات أو ﻣ ـ ــﺎ ﯾﻌ ـ ــرف اﻟﺻـ ـ ـراع اﻷﯾ ـ ــدﯾوﻟوﺟﻲ ﻟﯾؤﻛ ـ ــد‬
‫اﻟﻣﺎرﻛﺳ ــﯾون أن ﺳ ــﺑب اﻟﺣ ــروب ﻫ ــو اﻟ أرﺳ ــﻣﺎﻟﯾﺔ‪ 4.‬واﻟ ــذي ﻏـ ــذى ﻓﯾﻣ ــﺎ ﺑﻌ ــد اﻟﺻـ ـراع اﻻﯾ ــدﯾﻠوﺟﻲ ﺑ ــﯾن اﻟﻛﺗﻠـ ــﺔ‬
‫اﻟرأﺳﻣﺎﻟﯾﺔ ﺑزﻋﺎﻣﺔ اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ واﻟﻣﻌﺳﻛر اﻟﺷﯾوﻋﻲ اﻻﺷﺗراﻛﻲ ﺑزﻋﺎﻣﺔ اﻻﺗﺣﺎد اﻟﺳوﻓﯾﺗﻲ‪.‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﺗﻌﺗﺑر اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾﺔ اﻟدول ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ ﻣﻣﺛل ﻟطﺑﻘﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ ﺳـﺎﺋدة ‪،‬اﻟﺣـروب واﻟﻣﻧﺎزﻋـﺎت واﻟﻣﻧﺎﻓﺳـﺎت ﺑـﯾن‬
‫اﻟـ ــدول ﻣـ ــﺎﻫﻲ ﻓـ ــﻲ اﻟواﻗـ ــﻊ إﻻ ﺣـ ــروب وﻧ ازﻋـ ــﺎت وﻣﻧﺎﻓﺳـ ــﺎت ﺑـ ــﯾن اﻟطﺑﻘـ ــﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـ ــﺔ اﻟﺣﺎﻛﻣـ ــﺔ ﻓ ـ ـﻲ ﻋﻬـ ــد‬
‫اﻟ أرﺳ ــﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬وأن اﻟطﺑﻘ ــﺔ اﻟﺑرﺟوازﯾ ــﺔ اﻟ أرﺳ ــﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗ ــﻲ ﺗﺳ ــﯾطر ﻋﻠ ــﻰ اﻟدوﻟ ــﺔ اﻟ أرﺳ ــﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬ﺗﺳ ــﺗﺧدم ﺟﻬ ــﺎز اﻟدوﻟ ــﺔ‬
‫ﻻﺳ ــﺗﻐﻼل اﻟطﺑﻘ ــﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾ ــﺔ اﻷﺧ ــرى ﻋﻠ ــﻰ اﻟﺻ ــﻌﯾد اﻟ ــداﺧﻠﻲ‪ ،‬وﻣ ــن أﺟ ــل ﻣزاﺣﻣ ــﺔ اﻟطﺑﻘ ــﺎت اﻟﺑرﺟوازﯾ ــﺔ‬
‫اﻷﺧــرى وﻣﻧﺎﻓﺳــﺗﻬﺎ ﻋﻠــﻰ اﻟﺳــوق اﻟﻌﺎﻟﻣﯾــﺔ‪ ،‬وﺧﻠــف ﻫــذﻩ اﻟﻣﻧﺎﻓﺳــﺎت ﺑــﯾن اﻟــدول ﺗﻛﻣــن ﺻ ـراﻋﺎت ﻋﻠــﻰ ﻣﺻــﺎﻟﺢ‬
‫‪5‬‬
‫اﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ طﺑﻘﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺎﻟظواﻫر اﻟدوﻟﯾﺔ إذن ﻧﺟدﻫﺎ ﻓﻲ ﺻﻠب اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﻣﺎرﻛﺳﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻋﻠﯾـﻪ ﻓـﺎن ظـﺎﻫرة اﻟﺻـراع ﺗﺟـد ﻣﺻـدرﻫﺎ ﻓـﻲ ﺣﺗﻣﯾــﺔ اﻟﺗـﺎرﯾﺦ‪ ،‬وﻓـﻲ اﻟﺗﻧـﺎﻓس ﺑـﯾن اﻟـدول اﻟ أرﺳـﻣﺎﻟﯾﺔ ﻋﻠــﻰ‬
‫اﻣــﺗﻼك اﻷﻗــﺎﻟﯾم واﻟﻣﻧــﺎطق ﺑﻬــدف اﻟﺳــﯾطرة ﻋﻠــﻰ اﻷﺳ ـواق‪ ،‬ﻟــذﻟك ﯾــرى اﻟــﺑﻌض أن اﻻﺳــﺗﻌﻣﺎر ﻣ ـرﺗﺑط ﺗﺎرﯾﺧﯾــﺎ‬
‫ﺑﺎﻟطﺑﻘـﺎت اﻟ أرﺳـﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻬﺗﻣـﺔ ﺑزﯾـﺎدة أرﺑﺎﺣﻬـﺎ‪ .‬واﻟـﻰ ﺟﺎﻧـب ﻣﻔﻬـوم اﻟﺻـراع اﻟطﺑﻘـﻲ ‪،The class struggle‬‬
‫ﺗﻌﺗﻣـ ــد اﻟﻣﺎرﻛﺳـ ــﯾﺔ ﻋﻠـ ــﻰ ﻣﻔﻬـ ــوم اﻻﻣﺑرﯾﺎﻟﯾـ ــﺔ ‪ Imperialism‬ﻟﺗﻔﺳـ ــﯾر اﻟﺳـ ــﻠوﻛﯾﺎت اﻟﻧزاﻋﯾـ ــﺔ ﻟﻠـ ــدول ‪،‬وﺗﻌـ ــرف‬

‫‪ ( 1‬ﻣﺤﻤﻮدي‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪،‬ص‪.49.‬‬

‫‪ ( 2‬ﺑﻮﻗﺎرة‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.27.‬‬
‫‪ ( 3‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ‪ ،‬ص‪.27.‬‬
‫‪ ( 4‬دورﺗﻲ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺴﺘﻐﺮاف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.171.‬‬
‫‪ ( 5‬ﺟﺮاد‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.57.‬‬
‫اﻻﻣﺑرﯾﺎﻟﯾــﺔ ﺑﺷــﻛل ﻋــﺎم ﻛﺎﻟﺗوﺳــﻊ ﺑﻬــدف اﻟﻬﯾﻣﻧــﺔ واﻟﺳــﯾطرة ﻋﻠــﻰ ﻣﺟﺗﻣﻌــﺎت ودول ﻣﻣــﺎ ﯾﺧﻠــق اﻟﻧ ـزاع ﻣــﻊ دول‬
‫‪1‬‬
‫أﺧرى أو ﻣﻊ اﻟدول واﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﺟري ﻣﺣﺎوﻟﺔ اﻟﻬﯾﻣﻧﺔ ﻋﻠﯾﻬﺎ‪.‬‬
‫وﯾﻔﺳ ــر ﻫوﺑﺳـــون ‪ Hobson‬ظ ــﺎﻫرة اﻻﻣﺑرﯾﺎﻟﯾـ ـﺔ أﻧﻪ‪'':‬ﻋﻧ ــدﻣﺎ ﯾﺗﻌ ــدى اﻹﻧﺗـ ـﺎج ﻓ ــﻲ اﻟ ــدول اﻟ أرﺳ ــﻣﺎﻟﯾﺔ‬
‫اﻟﻘــدرة اﻻﺳــﺗﯾﻌﺎﺑﯾﺔ ﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻟدوﻟــﺔ ﯾﺻــﺑﺢ ﻫﻧــﺎك ﻓــﺎﺋض إﻧﺗــﺎﺟﻲ ﺑﺣﯾــث ﺗﺿــطر اﻟدوﻟــﺔ ﻟﺗﺻ ـرﯾﻔﻪ ﺧﺎرﺟــﺎ ﻋﺑــر‬
‫إﯾﺟــﺎد أﺳ ـواق ﻟــﻪ ﻓﺗﻌﺗﻣــد ﻟــذﻟك ﺳﯾﺎﺳــﺔ اﻣﺑرﯾﺎﻟﯾــﺔ‪ .‬ﻛﻣــﺎ ﻗــدﻣت روزا ﻟﻛﺳــﻣﺑورغ ‪ Rosa Loxomborg‬ﻣــن‬
‫ﺟﻬﺗﻬ ــﺎ ﻧظرﯾ ــﺔ ﻣﺎرﻛﺳ ــﯾﺔ ﻟﻼﻣﺑرﯾﺎﻟﯾ ــﺔ ﺗﻘ ــوم ﻋﻠ ــﻰ ﻣﻔﻬ ــوم ﻓ ــﺎﺋض اﻟﻘﯾﻣ ــﺔ‪ ،‬ﺣﯾ ــث ﻋرﻓ ــت ﻟوﻛﺳ ــﻣﺑورغ اﻻﻣﺑرﯾﺎﻟﯾ ــﺔ‬
‫ﻛــﺎﻟﺗﻌرﯾف اﻟﺳﯾﺎﺳــﻲ ﻟﺗ ـراﻛم رأس اﻟﻣــﺎل ﻓــﻲ اﻟﺗﻧــﺎﻓس ﻟﻠﻬﯾﻣﻧــﺔ ﻋﻠــﻰ ﻣــﺎ ﺗﺑﻘــﻰ ﻣــن اﻟﻣﺟﺗﻣﻌــﺎت ﻏﯾــر اﻟ أرﺳــﻣﺎﻟﯾﺔ‬
‫ﻛﻣﺟ ــﺎل اﻗﺗﺻ ــﺎدي ﻟﻠدوﻟ ــﺔ اﻟ أرﺳــﻣﺎﻟﯾﺔ ‪،‬ﻟﺗ ــؤدي ﺑ ــذﻟك إﻟ ــﻰ اﻟﻧـ ـزاع واﻟﻌﻧ ــف ﺑ ــﯾن اﻟ ــدول اﻟ أرﺳ ــﻣﺎﻟﯾﺔ واﻟ ــدول ﻏﯾ ــر‬
‫‪2‬‬
‫اﻟرأﺳﻣﺎﻟﯾﺔ ﻣن ﺟﻬﺔ أﺧرى‪.‬‬
‫ورﻏـم أن طروﺣـﺎت اﻟﻣدرﺳــﺔ اﻟﻣﺎرﻛﺳـﯾﺔ ﻻﻗـت اﻟﻌدﯾــد ﻣـن اﻻﻧﺗﻘــﺎدات ﻣـن ﻗﺑـل دارﺳــﻲ اﻟﻌﻼﻗـﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ‬
‫ﻛوﻧﻬــﺎ ﺗﺣﺻــر أﺳــﺑﺎب اﻟﺻـراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ ﻓــﻲ اﻟﺗﻧــﺎﻗض ﺑــﯾن اﻟطﺑﻘــﺎت ﻓــﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻌــﺎت اﻟ أرﺳــﻣﺎﻟﯾﺔ‪ ،‬إﻻ أن ﻫــذا‬
‫ﻻ ﯾﻧﻔﻲ ﻣﺳﺎﻫﻣﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﻔﺳﯾر اﻟﺻراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ ﻣن ﺧﻼل اﻟﺑﻌدﯾن اﻻﻗﺗﺻﺎدي واﻹﯾدﯾوﻟوﺟﻲ‪.‬‬

‫‪-3‬اﻟﻣدﺧل اﻟﺟﯾوﺑوﻟﺗﯾﻛﻲ‪:‬‬
‫ﻋرﻓــت اﻟد ارﺳــﺎت اﻟﺟﯾوﺑوﻟﯾﺗﻛﯾــﺔ ﺗطــو ار ﻛﺑﯾ ـ ار ﻓــﻲ ﻓﺗ ـرة ﻣــﺎ ﺑــﯾن اﻟﺣ ـرﺑﯾن اﻟﻌــﺎﻟﻣﯾﺗﯾن وﺑﺷــﻛل أﺧــص ﻓــﻲ‬
‫أﻟﻣﺎﻧﯾﺎ ﻋﻠﻰ ﯾد ﻓرﯾدرﯾك راﺗزل ‪ Friedrich Ratzel‬وﻛـﺎرل ﻫوﺷـﻬوﻓر ‪ ،Karl Haushofer‬وﻓـﻲ اﻟـدول‬
‫اﻻﻧﺟﻠوﺳﺎﻛﺳـوﻧﯾﺔ )ﻫـﺎﻟﻔورد ﻣﺎﻛﯾﻧـدر‪ ،H. Mackinder‬وأﻟﻔرﯾـد ﻣﺎﻫـﺎن ‪ Alfred T.Mahan‬وﻧﯾﻛـوﻻس‬
‫ﺳـــﺑﯾﻛﻣﺎن ‪ 3.(Nicolas Spykman‬واﻧﺻــﺑت ﺗﺣﻠ ــﯾﻼﺗﻬم ﻋﻠ ــﻰ ﻋﻼﻗــﺔ ﻗ ــوة اﻟدوﻟــﺔ ﺑﺎﻟﺟﻐراﻓﯾ ــﺎ‪ ،‬أي ﺣ ــدود‬
‫اﻟدوﻟﺔ ﺑوﺿﻌﻬﺎ أو ﻣﺎ ﺳﺗﻛون ﻋﻠﯾﻪ اﻟدوﻟﺔ ﻣن ﺧﻼل ﺗﻔﺎﻋﻠﻬﺎ ﻓﻲ إطﺎر اﻟﺟﻐراﻓﯾﺎ ﻣﻊ اﻟدول اﻷﺧرى‪.‬‬
‫ﻛﻣـﺎ ﯾﻌﺗﺑـر ﻫـذا اﻻﺗﺟـﺎﻩ أن اﻟﺣـدود ﻣﻧـﺎطق ﻣﺎﺋﻌـﺔ ﻻ ﺛﺑــﺎت ﻓﯾﻬـﺎ‪ ،‬وأﻧﻬـﺎ ﻗﺎﺑﻠـﺔ ﻟﻠزﺣزﺣـﺔ ﻓـﻲ ﺻـﺎﻟﺢ اﻟــدول‬
‫اﻷﻛﺛــر ﻗــوة‪ ،‬وأن اﻟﺣــدود ﻛﺛﯾ ـ ار ﻣــﺎ ﺗــؤدي إﻟــﻰ ﻗﯾــﺎم اﻟﺣــروب اﻟدوﻟﯾــﺔ‪ ،‬ﻷن اﻟﻣﺳــﺎﺣﺔ اﻟﺑرﯾــﺔ ﻟدوﻟــﺔ ﻣﻌﯾﻧــﺔ ﺗﺣــدد‬
‫ﻗوﺗﻬﺎ وﻟـذا ﺗﺳـﻌﻰ اﻟـدول وﺑﺷـﻛل داﺋـم ﻟﺗوﺳـﯾﻊ ﺣـدود إﻗﻠﯾﻣﻬـﺎ‪ ،‬وأن اﻟرﻏﺑـﺔ ﻓـﻲ اﻟﺗوﺳـﻊ ﺗﺑـدو ﺑﺷـﻛل أوﺿـﺢ ﻟـدى‬
‫اﻟدول اﻟﻘوﻣﯾﺔ أﯾن ﺗﺧﺿﻊ اﻟﺣدود ﻟﻠﺗﻐﯾﯾر ﺑﺷﻛل داﺋم ﺣﯾث ﺗﺻﺑﺢ ﺑذﻟك ﻣﻧـﺎطق ﻟﻠﺻـراع ﺑـﯾن اﻟـدول‪ 4.‬وﯾﻌﺗﺑـر‬
‫راﺗـــــزل‪ ،‬وﻛ ـ ــذﻟك ﻫوﺷـــــوﻓر أن اﻟ ـ ــدول ﻛﻣﻧظﻣ ـ ــﺎت أو ﻫﯾﺋ ـ ــﺎت ﺟﻐراﻓﯾ ـ ــﺔ‪ ،‬ﺣﯾ ـ ــث اﻟﺣ ـ ــدود ﻣ ـ ــدﻋوة ﻷن ﺗﺗﻐﯾـ ـ ـر‪،‬‬
‫وﯾﺟرداﻧﻬﺎ ﻣن ﻣﻔﻬوم "اﻟﻣﺟﺎل اﻟﺣﯾوي"‪ .5‬ﺣﯾث ﺷﺑﻪ راﺗزل ﻓﻲ ﻫذا اﻹطﺎر اﻟـدول ﺑﺎﻟﻛﺎﺋﻧـﺎت اﻟﺣﯾـﺔ اﻟﺗـﻲ ﺗـرﺗﻬن‬
‫ﻣﻘدرﺗﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻣو ﺑﻣدى اﻟﺣﯾز اﻟﻣﻛﺎﻧﻲ اﻟذي ﺗﺗﺣـرك وﺗﺗﻔﺎﻋـل ﻓﯾـﻪ‪ ،‬ﻟـذﻟك اﺳـﺗﻧدت ﻧظرﯾﺗـﻪ ﻋﻠـﻰ ﻓﻛـرة اﻟﺣـدود‬
‫اﻟﻣﺎﺋﻌﺔ اﻟﺗﻲ ﻻ ﺛﺑﺎت ﻓﯾﻬﺎ وأﻧﻬﺎ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠزﺣزﺣﺔ ﻓﻲ ﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟدوﻟﺔ اﻷﻛﺛر ﻗوة‪.6‬‬

‫‪ ( 1‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﺘﻰ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.316 ،‬‬

‫‪ ( 2‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ ‪ ،‬ص‪.317.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪) J-J Roche, op.cit., p.36.‬‬
‫‪ ( 4‬دورﺗﻲ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺴﺘﻐﺮاف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪،‬ص‪.49.‬‬
‫‪ ( 5‬اﻟﺰﻏﺒﻲ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.49.‬‬
‫‪ ( 6‬ﺣﻤﺎد‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪،‬ص ص‪.30،31.‬‬
‫إن اﻟﻣﺻــدر اﻟﺟﻐ ارﻓـ ــﻲ ﻟﻠﺻ ـراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾ ــﺔ ٕوان ﻛــﺎن ﺗ ــدﻫور ﻣ ــن ﺣﯾــث أﻫﻣﯾﺗ ــﻪ اﻟﻧﺳــﺑﯾﺔ ﻧﺗﯾﺟ ــﺔ ﺗ ــدﻫور‬
‫اﻟﻣﺗﻐﯾـر اﻟﺟﻐ ارﻓــﻲ ﻓــﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳــﺔ اﻟدوﻟﯾــﺔ واﺳــﺗﻘرار اﻟﺣــدود اﻟﺳﯾﺎﺳــﯾﺔ اﻟدوﻟﯾــﺔ ﻟﺣــد ﻛﺑﯾــر‪ ،‬إﻻ أﻧــﻪ ﻻ ﯾـزال ﯾﺗﺳــﺑب‬
‫ﻓﻲ اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﺻراﻋﺎت اﻟﻣﻌﺎﺻرة ﺳواء ﻛﻣﺻدر ﻟﻠﺻراع أو ﻛﺣﺟﺔ ﺗﺳﺎق ﻟﺗﺑرﯾـر اﻟﺳـﻠوك اﻟﺻـراﻋﻲ‪ .‬ﺣﯾـث‬
‫ﯾﻣﻛ ــن ﻟﻠﺟﻐراﻓﯾ ــﺎ أن ﺗﻌﻣ ــل ﻛوﺳ ــﯾط ﻟﻠﻧـ ـزاع ﺑ ــﯾن دوﻟﺗ ــﯾن ﻣﺗﻼﺻ ــﻘﺗﯾن ﺟﻐراﻓﯾ ــﺎ‪ ،‬ﻛﻣ ــﺎ ﯾﻣﻛ ــن أن ﯾـ ـرﺗﺑط اﻟﻣﺗﻐﯾ ــر‬
‫اﻟﺟﻐ ارﻓـ ــﻲ ﺑﻌﺎﻣـ ــل اﻟﺳـ ــﻛﺎن ﻓـ ــﻲ ﺗﻔﺳـ ــﯾر ﻣﺻـ ــﺎدر ﺑﻌـ ــض اﻟﺻ ـ ـراﻋﺎت‪ .‬ﻓﺿـ ــﻐط اﻟﺳـ ــﻛﺎن ﻋﻠـ ــﻰ ﻣﺳـ ــﺎﺣﺔ اﻟدوﻟـ ــﺔ‬
‫واﻣﺗدادات اﻷﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗوﺟد ﺧﺎرج اﻟﺣدود اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ اﻟﻣﻌﺑرة ﻋن ﻫذﻩ اﻷزﻣـﺔ‪ ،‬واﻟﺗـﻲ ﺗﻌـﯾش ﺗﺣـت ﺳـﯾطرة‬
‫دوﻟﺔ أﺧـرى أو ﻋﻠـﻰ ﺟـزء ﻣـن إﻗﻠﯾﻣﻬـﺎ ﻣﺗـﺎﺧم ﻹﻗﻠـﯾم اﻟدوﻟـﺔ اﻷم‪ ،‬ﯾﻣﻛـن أن ﺗﻛـون ﻧﻘطـﺔ ﺑداﯾـﺔ ﻟﻣواﻗـف ﺗﻌـﺎرض‬
‫ﺑــﯾن دوﻟﺗــﯾن ﺗﺳــﻌﻰ ﻓﯾــﻪ اﻷوﻟــﻰ ﻟﺿــم إﻗﻠــﯾم اﻟدوﻟــﺔ اﻟﻣﻼﺻــﻘﺔ ﻟﻬــﺎ‪ ،‬أو ﺟــزء ﻣﻧــﻪ أو ﻟﺿــم اﻹﻗﻠــﯾم اﻟــذي ﺗﻌــﯾش‬
‫‪1‬‬
‫ﻋﻠﯾﻪ اﻻﻣﺗدادات اﻟﻘوﻣﯾﺔ ﻟﺷﻌﺑﻬﺎ‪.‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﯾرى اﻟﺑﻌض أن أﻫﻣﯾﺔ ﺑﻌض اﻟﻣﻧﺎطق اﻟﺟﻐراﻓﯾﺔ ﺗزﯾد ﻣن اﺣﺗﻣـﺎﻻت دﺧـول اﻟـدول ﻓـﻲ ﻧ ازﻋـﺎت ﻣـن‬
‫أﺟل اﻟﺳﯾطرة ﻋﻠﯾﻬﺎ وذﻟك ﻟﻸﺳﺑﺎب اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ‪:‬‬
‫‪ -‬أن أﻫﻣﯾﺔ ﻫذﻩ اﻷﻗﺎﻟﯾم ﻗـد ﺗﻛـون ذات أﻫﻣﯾـﺔ إﺳـﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ ﻟطـرف واﺣـد أو أﻛﺛـر‪ ،‬ﺣﯾـث أن اﻟـذي ﯾﺳـﯾطر‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﻣوﺿوع اﻟﻧزاع ﺗﻛون ﻟﻪ ﻣزﯾﺔ ﻋﺳﻛرﯾﺔ واﺿﺣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟدوﻟﺔ ﻏﯾر اﻟﻣﺳﯾطرة‪.‬‬
‫‪ -‬ﻗـد ﺗﻛـون اﻷراﺿـﻲ ذات ﻗﯾﻣـﺔ اﻗﺗﺻـﺎدﯾﺔ ﻟوﺣـدات أو أﻛﺛـر ﻣـن اﻷطـراف ﻻﺣﺗواﺋﻬـﺎ ﻋﻠـﻰ ﺛـروات طﺑﯾﻌﯾـﺔ‬
‫وﻣﻌدﻧﯾﺔ‪.‬‬
‫‪ -‬ﺗﻛون ذات أﻫﻣﯾﺔ ﻟدوﻟﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ أو ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟدول ﻷﺳﺑﺎب ﻋﻘﺎﺋدﯾﺔ أو دﯾﻧﯾﺔ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬ﻗد ﺗدﺧل اﻟدول ﻓﻲ ﻧزاﻋﺎت إﻗﻠﯾﻣﯾﺔ ﻷﺳﺑﺎب ﻗﺎﻧوﻧﯾﺔ أو ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻛﻣـ ــﺎ ﺗوﺻـ ــﻠت ﻋـ ــدة د ارﺳـ ــﺎت ﺗطﺑﯾﻘﯾـ ــﺔ إﻟـ ــﻰ وﺟـ ــود ﻋﻼﻗـ ــﺔ ﻗوﯾـ ــﺔ ﺑـ ــﯾن اﻟﺻ ـ ـراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾـ ــﺔ وﻋواﻣـ ــل‬
‫اﻟﺟﻐراﻓﯾــﺎ‪ .‬ﺧﺎﺻــﺔ اﻟﺗﺟــﺎور واﻟﺗﻘــﺎرب واﻟﺗﻧــﺎزع ﻋﻠــﻰ أﻗــﺎﻟﯾم أرﺿــﯾﺔ وﻣﺎﺋﯾــﺔ‪ ،‬وﺑﺎﻟﻣﻘﺎرﻧــﺔ ﺑــﯾن ﻫــذﻩ اﻟﻌواﻣــل‪ ،‬ﯾــرى‬
‫ﻓﺎﺳﻛﯾز ‪'' J.Vasques‬أن ﻋﺎﻣل اﻟﺗﻧﺎزع ﻋﻠﻰ اﻷﻗﺎﻟﯾم أﻗدر ﻋﻠـﻰ ﺗﻔﺳـﯾر اﻟﺻـراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾـﺔ ﻣـن اﻟﺗﻘـﺎرب‬
‫اﻟﺟﻐراﻓــﻲ )وﻛــذﻟك ﻣﺳــﺗوى اﻟﺗﻔﺎﻋــل ﺑــﯾن اﻟــدول اﻟﻣﺗﺻــﺎرﻋﺔ(‪ ،‬وﺑﻣﻘﺎرﻧــﺔ ﻋﺎﻣــل اﻟﺗﻧــﺎزع ﻋﻠــﻰ اﻷﻗــﺎﻟﯾم ﻣــﻊ‬
‫ﻋﺎﻣل اﺧﺗﻼف اﻟدوﻟﺗﯾن ﻓﻲ ﺷﻛل ﻧظﺎم اﻟﺣﻛم أوﺳﯾﺎﺳﺗﻪ وﺟد أن ﻋﺎﻣل اﻟﺗﻧـﺎزع ﻋﻠـﻰ اﻷﻗـﺎﻟﯾم ﯾزﯾـد اﺣﺗﻣـﺎل‬
‫''‪3‬‬
‫وﻗوع ﺣرب ﺑﯾن اﻟدوﻟﺗﯾن ﺑﺷﻛل وﺑدرﺟﺔ أﻛﺑر‪.‬‬

‫إن أﻫﻣﯾــﺔ ﻫــذا اﻟﻣــدﺧل ﻓــﻲ د ارﺳــﺔ اﻟﺻـراع اﻟــدوﻟﻲ ﺗﻛﻣــن ﻓــﻲ إﺑـراز دور اﻟﻌﺎﻣــل اﻟﺟﻐ ارﻓــﻲ وﺗـﺄﺛﯾرﻩ ﻋﻠــﻰ‬
‫ﺳــﻠوﻛﺎت اﻟــدول وﺑــﺎﻷﺧص ﻓــﻲ إﺛــﺎرة اﻟﺻ ـراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ‪ ،‬ﺧﺎﺻــﺔ إذا ارﺗــﺑط اﻷﻣــر ﺑﺄﻫﻣﯾــﺔ ﻣﻧطﻘــﺔ ﺟﻐراﻓﯾــﺔ‬
‫ﻟطــرﻓﯾن أو أﻛﺛــر‪ ،‬أو إذا ﻛﺎﻧــت ﻫــذﻩ اﻟﻣﻧطﻘــﺔ ﺗﺣظــﻰ ﺑﺄﻫﻣﯾــﺔ اﻗﺗﺻــﺎدﯾﺔ أو إﺳــﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ‪ .‬ﺑﺎﻹﺿــﺎﻓﺔ إﻟــﻰ دور‬
‫اﻟﻌﺎﻣـل اﻻﺛﻧــﻲ اﻟــذي ﯾﺑــرز ﻛذرﯾﻌـﺔ ﻟﺗــدﺧل اﻟﻘــوى اﻟدوﻟﯾــﺔ ﻓــﻲ اﻟﻣﻧـﺎطق اﻟﺗــﻲ ﺗ ارﻫــﺎ ذات أﻫﻣﯾــﺔ ﺟﯾوﺳــﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ‪.‬‬

‫‪ ( 1‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ‪ ،‬ص‪.31.‬‬

‫‪ (2‬ﺟﯿﻔﺮي ﻛﯿﻤﺐ‪ ،‬ﺟﺮﯾﻤﻲ ﺑﺮﯾﺴﻤﺎن‪ ،‬ﻧﻘﻄﺔ اﻟﻼﻋﻮدة‪ :‬اﻟﺼﺮاع اﻟﺤﻀﺎري ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺴﻼم ﻓﻲ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ‪ ،‬ﺗﺮﺟﻤﺔ‪ :‬رﺿﺎ ﺧﻠﯿﻔﺔ وﺗﻮﻓﯿﻖ ﻋﻠﻰ‬
‫ﻣﻨﺼﻮر )اﻟﻘﺎھﺮة‪ :‬ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻷھﺮام ‪،(1999،‬ص ص‪.43،44 .‬‬
‫‪ (3‬أﺣﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺳﺎﻟﻢ ‪''،‬ﻋﻦ اﻟﺤﺮب واﻟﺴﻼم ‪..‬ﻣﺮاﺟﻌﺔ ﻷدﺑﯿﺎت اﻟﺼﺮاع اﻟﺪوﻟﻲ‪ ''،‬اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ‪،‬م‪،42.‬ع‪)170.‬أﻛﺘﻮﺑﺮ‪،(2007‬ص ص ‪. 11،10.‬‬
‫وﻟﻬــذا ﻓــﺈن اﻟﻣﺻــدر اﻟﺟﻐ ارﻓــﻲ ﯾﺑــرز ﻛﻌﺎﻣــل ﻣﺳــﺎﻋد ﻓــﻲ زﯾــﺎدة اﺣﺗﻣــﺎﻻت اﻟــدﺧول ﻓــﻲ ﺻ ـراﻋﺎت ﺑــﯾن دول‬
‫ﺗﻧطوي ﻋﻠﻰ ﻣﺻﺎدر ﺻراﻋﯾﺔ أﺧرى ﻣﺛل اﻻﺧﺗﻼﻓﺎت اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ واﺧﺗﻼف طﺑﯾﻌﺔ اﻷﻧظﻣﺔ‪.‬‬

‫‪ -4‬طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧظﺎم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ اﻟداﺧﻠﻲ‪:‬‬

‫ﯾﺗﻔق اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن ﻋﻠﻰ أن طﺑﯾﻌـﺔ اﻷﻧظﻣـﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳـﯾﺔ ﺗـؤﺛر ﺑﺷـﻛل ﻛﺑﯾـر ﻋﻠـﻰ ﺳـﻠوﻛﺎت اﻟـدول‬
‫ﺗﺟــﺎﻩ ﺑﯾﺋﺗﻬ ــﺎ اﻟﺧﺎرﺟﯾــﺔ‪ ،‬ﺣﯾ ــث ﯾﻧظــر إﻟ ــﻰ أﻧظﻣ ــﺔ اﻟﺣﻛــم اﻟﺷ ــﻣوﻟﯾﺔ‪ ،‬ﺑﺣﻛــم ﻋﻘﯾ ــدﺗﻬﺎ وأﻫــداﻓﻬﺎ واﻷﺳ ــﺎﻟﯾب اﻟﺗ ــﻲ‬
‫ﺗﻧﺗﻬﺟﻬــﺎ ﻋﻠــﻰ أﻧﻬــﺎ اﻟﻣﺻــدر اﻟرﺋﯾﺳــﻲ اﻟــذي ﯾﻛﻣــن وراء ﺗ ازﯾــد ﺣــدة اﻟﺻ ـراع ﻓــﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ اﻟــدوﻟﻲ‪ 1.‬وﻗــد رأى‬
‫اﻟــﺑﻌض أن اﻟــﻧظم اﻟﺗﺳــﻠطﯾﺔ أﻛﺛــر اﺳــﺗﻌدادا وﻗــدرة ﻋﻠــﻰ اﻟﺷــروع ﻓــﻲ اﻟﺣــروب‪ ،‬وذﻟــك ﻟﻌــدة أﺳــﺑﺎب أﻫﻣﻬــﺎ أﻧــﻪ‬
‫ﯾﻣﻛــن ﻟﺗﻠــك اﻟــﻧظم ﺣﺷــد ﻗــوة ﻋﺳــﻛرﯾﺔ ﻛﺑﯾ ـرة‪ ،‬ﻛﻣــﺎ أﻧﻬــﺎ أﻣﯾ ـل إﻟــﻰ إﺗﺑــﺎع ﺳــﻠوﻛﯾﺎت ﻣﺗطرﻓــﺔ واﻟــﻰ اﻟﺗــورط ﻓــﻲ‬
‫اﻟﺣــروب ﻷﺳــﺑﺎب اﻗﺗﺻــﺎدﯾﺔ‪ ،‬ﻫــذا ﺑﺎﻹﺿــﺎﻓﺔ إﻟــﻰ أﻧﻬــﺎ ﺗﺗﻣﺗــﻊ ﺑﺎﻟﻣﻘــدرة ﻋﻠــﻰ اﻧﺗﻬــﺎز اﻟﻣ واﻗــف ٕواﻋــﻼن اﻟﺣــروب‬
‫دون ﻣواﻓﻘـﺔ اﻟﺷـﻌب‪ 2.‬ﻓـﻲ ﺣـﯾن أن اﻷﻧظﻣـﺔ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔٌ أﻗـل ﻣـﯾﻼ ﻟﻠﺣـروب ﻣﻘﺎرﻧـﺔ ﺑﺎﻷﻧظﻣـﺔ اﻟﺗﺳـﻠطﯾﺔ‪ ،‬ﻛــون‬
‫اﻟدﯾﻣﻘراطﯾﺎت ﻻ ﺗدﺧل ﻓﻲ ﺣروب ﻣﻊ ﺑﻌﺿﻬﺎ اﻟﺑﻌض‪.‬‬
‫ورﺑﻣــﺎ ﯾﻌــود ﻣﯾــل اﻟــدول اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﻧﺣــو اﻻﺗﺟﺎﻫــﺎت اﻟﺳــﻠﻣﯾﺔ إﻟــﻰ أن اﻟﻘــﯾم اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﺗﻧﻣــﻲ اﻻﻋﺗﻘــﺎد‬
‫ﺑﺄﻫﻣﯾـﺔ اﻟﺣﻠــول اﻟوﺳــط‪ ،‬واﻟﺗـﻲ ﺗطﺑــق ﺑﻌــد ذﻟــك ﻓـﻲ اﻟﻣﺟــﺎل اﻟــدوﻟﻲ‪ 3.‬ﻛﻣــﺎ أن اﻷﻧظﻣـﺔ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﺗﻣﻠــك ﻗــدرة‬
‫ﻛﺑﯾرة ﻋﻠﻰ ﺗﺳوﯾﺔ ﺧﻼﻓﺎﺗﻬـﺎ ﺑـﺎﻟطرق اﻟﺳـﻠﻣﯾﺔ‪ ،‬وأن اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ ﻣـن أﺣﺳـن اﻵﻟﯾـﺎت ﻟﺗرﻗﯾـﺔ اﻷﻣـن اﻟـدوﻟﻲ‪ ،‬وﻫـذا‬
‫ﻣــﺎ ﯾﻌــرف ''ﺑﺎﻟﺳــﻼم اﻟــدﯾﻣﻘراطﻲ'')‪ .(‬ﺣﯾــث أن اﻷﻧظﻣــﺔ ذات اﻟﺣﻛــم اﻟــدﯾﻣﻘراطﻲ ﻻ ﺗــدﺧل ﻓــﻲ ﺣــروب ﺿــد‬
‫ﺑﻌﺿﻬﺎ اﻟﺑﻌض ﻓﻲ ﺣﯾن ﺑﺈﻣﻛﺎﻧﻬﺎ أن ﺗﺧوض ﺣروﺑﺎ ﻣﻊ أﻧظﻣﺔ ﺳﯾﺎﺳﯾﺔ أﺧـرى ﻣﻐـﺎﯾرة‪ 4.‬وذﻟـك ﻧﺗﯾﺟـﺔ ﻟﻠطﺑﯾﻌـﺔ‬
‫ﻏﯾــر اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﻟﻸط ـراف اﻷﺧــرى ﺑﻣــﺎ ﯾــؤدي ﻟﺗوﻟﯾــد اﻟﺻ ـراﻋﺎت ﺑــﯾن ﻫــذﻩ اﻷط ـراف واﻷﻧظﻣــﺔ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ‪.‬‬
‫وﻓﻛرة اﻟﺳﻼم اﻟدﯾﻣﻘراطﻲ ﻛﺄﺣـد إﺳـﻬﺎﻣﺎت اﻟﻣدرﺳـﺔ اﻟﻠﯾﺑراﻟﯾـﺔ ﺟـﺎءت ﻟﺗﻔﺳـﯾر ظـﺎﻫرة اﻟﺻـراﻋﺎت واﻟﺣـروب اﻟﺗـﻲ‬
‫ﺗﻧﺷب ﺑﯾن اﻟدول ﺑﺈرﺟﺎﻋﻬﺎ إﻟﻰ طﺑﯾﻌﺔ اﻷﻧظﻣﺔ اﻟﺗﺳﻠطﯾﺔ ‪.‬‬
‫وﻛﺑــدﯾل ﻋــن ﺗــورط اﻷﻧظﻣــﺔ اﻟدﯾﻣﻘراطﯾــﺔ ﻓــﻲ اﻟﺣــروب ﺗﻘﺗــرح اﻟﻣدرﺳــﺔ اﻟﻠﯾﺑراﻟﯾــﺔ ﻓﻛ ـرة ''اﻟﺣــرب ﺑﺎﻟوﻛﺎﻟــﺔ‬
‫‪ ''Proxy war‬اﻟﺗـﻲ ﺗﻘﺿــﻲ ﺑﺄﻧـﻪ إذا ﺗﺣـﺗم ﻋﻠـﻰ اﻟدوﻟـﺔ اﻟﻠﯾﺑراﻟﯾــﺔ )ذات اﻟﺣﻛـم اﻟـدﯾﻣﻘراطﻲ( ﺧـوض اﻟﺣــرب‪،‬‬
‫ﻓــﺈن ﻋﻠﯾﻬــﺎ أن ﺗﺣــﺎول اﺳــﺗﺧدام دوﻟــﺔ أﺧــرى ﻏﯾــر ﻟﯾﺑراﻟﯾــﺔ ﻟﺗﻘــوم ﺑﺷــن اﻟﺣــرب‪ ،‬وﻓﻘــﺎ ﻟﻸﻫــداف اﻟﻠﯾﺑراﻟﯾــﺔ‪ 5.‬وﻫــذا‬

‫‪ ( 1‬ﻣﮭﻨﺎ‪ ،‬ﻣﻌﺮوف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.13.‬‬

‫‪ ( 2‬ﻟﻮﯾﺪ ﺟﻮﻧﺲ‪ ،‬ﺗﻔﺴﯿﺮ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ‪ ،‬ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ ﻣﻔﻨﻲ وﻣﺤﻤﺪ اﻟﺴﯿﺪ ﺳﻠﯿﻢ )اﻟﺮﯾﺎض‪:‬ﻣﻄﺎﺑﻊ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻤﻠﻚ ﺳﻌﻮد‪،‬ط‪(1989 ،1.‬‬
‫‪،‬ص‪.130.‬‬
‫‪ ( 3‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ‪ ،‬ص‪.131.‬‬
‫‪ ‬ﺗﺮﺟﻊ اﻷﺑﺤﺎث ﺣﻮل ﻧﻈﺮﯾﺔ اﻟﺴﻼم اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﻲ ‪ La pax démocratica‬إﻟﻰ ﻛﻞ ﻣﻦ ‪ Melvin Small‬و‪ David Singer‬ﻓ ﻲ ﻣﻘ ﺎل ﻧﺸ ﺮ ﻋ ﺎم‬
‫‪ 1976‬ﺑﺎﻹﺿ ﺎﻓﺔ إﻟ ﻰ ‪ Michael Doyle‬ﻓﯿﻤ ﺎ ﺑﻌ ﺪ ﻋ ﺎم ‪ .1983‬وﻗ ﺪ ﺗ ﺄﺛﺮ ھ ﺆﻻء ﺑﻜﺘ ﺎب اﯾﻤﺎﻧﻮﯾ ﻞ ﻛ ﺎﻧﻂ ‪ E. Kant‬اﻟﻤﻌﻨ ﻮن ب''اﻟﺴ ﻼم اﻟ ﺪاﺋﻢ‬
‫‪.'' Perpetual Peace‬وﻗﺪ أﺷﺎر ‪ Doyle‬أن ﻋﻤﻠﯿﺔ اﻟﺘﻤﺜﯿﻞ اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﻲ واﻻﻟﺘﺰام ﺑﺎﺣﺘﺮام ﺣﻘﻮق اﻹﻧﺴﺎن ‪،‬ﯾﺆدي إﻟﻰ اﺗﺴﺎع داﺋﺮة اﻟﺘﻮﺟﮭﺎت اﻟﺴﻠﻤﯿﺔ‬
‫ﻓﻲ ﺳﻠﻮك اﻟﺪول ‪،‬وﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﻏﯿﺎب ھﺬه اﻟﺘﻮﺟﮭﺎت ﻓﻲ اﻟﺪول ﻏﯿﺮ اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاطﯿﺔ ﯾﺆدي إﻟﻰ اﻟﺤﺮوب‪.‬ﻟﻼطﻼع أﻛﺜﺮ ارﺟﻊ إﻟﻰ‪:‬‬
‫‪-J J Roche, op.cit ., p.95, 96.‬‬
‫‪-John Balyis ,Globalization in world politics (oxford addition, 2nd ed., 2002), p.165.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪) J-J Roche,op.cit., p.96.‬‬
‫‪ (5‬ﻋﻮدة‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.69.‬‬
‫ﯾدل ﻋﻠﻰ أن اﻟﻣدرﺳﺔ اﻟﻠﯾﺑراﻟﯾﺔ ﺗﺣث اﻟدول اﻟدﯾﻣﻘراطﯾـﺔ ﻋﻠـﻰ ﻋـدم اﻟﺗـورط ﻓـﻲ اﻟﺣـروب ﺑـﺄي وﺳـﯾﻠﺔ واﺳـﺗﺧدام‬
‫ﻛﺎﻓﺔ اﻟوﺳﺎﺋل اﻟﻣﻣﻛﻧﺔ ﺑﻣﺎ ﻓﻲ ذﻟك ﻣﻔﻬوم اﻟﺣرب ﺑﺎﻟوﻛﺎﻟﺔ‪.‬‬
‫وﺑﺎﻻﺳــﺗﻧﺎد إﻟــﻰ ﻣﺳــﺗوى اﻟﻧظــﺎم اﻟﺳﯾﺎﺳــﻲ اﻟــداﺧﻠﻲ ﻓــﻲ ﺗﻔﺳــﯾر ظــﺎﻫرة اﻟﺻ ـراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ‪ ،‬ﯾوﺟــد ﻓــرض‬
‫ﻗﺎﺋـل ''أن ﻫﻧـﺎك ﻋﻼﻗـﺔ ارﺗﺑـﺎط ﻋﻛﺳـﯾﺔ ﺑـﯾن اﺳـﺗﻘرار اﻟﻧظـﺎم وﺗـورط اﻟدوﻟـﺔ ﻓـﻲ ﺳـﻠوك ﺻـراﻋﻲ''‪.‬ﺑﻣﻌﻧـﻰ أﻧـﻪ‬
‫ﻛﻠﻣــﺎ ﻗــل اﻻﺳــﺗﻘرار ازد ﺗــورط اﻟدوﻟــﺔ ﻓــﻲ اﻟﺻ ـراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾـﺔ‪ ،‬ﻋﻠــﻰ اﻋﺗﺑــﺎر أن ﺗــورط اﻟدوﻟــﺔ ﻓــﻲ ﺻ ـراع دوﻟــﻲ‬
‫ﯾﻣﻛ ــن أن ﯾﺣﻘ ــق ﻟﻬ ــﺎ اﻟﺗﻣﺎﺳ ــك اﻟ ــداﺧﻠﻲ اﻟﻣطﻠ ــوب‪ ،‬ﻛﻣ ــﺎ أﻧ ــﻪ ﻓ ــﻲ داﺧ ــل اﻟﻧظ ــﺎم اﻟﺳﯾﺎﺳ ــﻲ ﻻ ﯾﺳ ــﺗﻬﺎن ﺑ ــﺎﻟﻘوى‬
‫اﻟﺿﺎﻏطﺔ ﻣن ﻣﺟﻣوﻋﺎت اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ اﻟﻣﺳﺗﻔﯾدة ﻣن ظروف اﻟﺻراع واﻟﺗﻲ ﺗﻣﻠك ﻣ ارﻛـز ﺛﻘـل ﻓـﻲ اﺗﺧـﺎذ‬
‫‪1‬‬
‫اﻟﻘ اررات داﺧل اﻟﻧظﺎم اﻟﺳﯾﺎﺳﻲ وﺗـﺄﺗﻲ ﻣﺟﻣوﻋـﺔ رﺟـﺎل اﻟﺳﯾﺎﺳـﺔ واﻟﻌﺳـﻛرﯾﯾن ﻋﻠـﻰ رأس ﻫـذﻩ اﻟﻘـوة اﻟﺿـﺎﻏطﺔ‪.‬‬
‫إن ﺗﻔﺳــﯾر اﻟﺻ ـراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ ﺑــﺎﻟرﺟوع إﻟــﻰ طﺑﯾﻌــﺔ اﻷﻧظﻣــﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳــﯾﺔ اﻟﺣﺎﻛﻣــﺔ ﯾﺳــﺎﻫم ﺑﺷــﻛل ﻛﺑﯾــر ﻓــﻲ ﻓﻬــم‬
‫ﺳــﻠوﻛﺎت اﻟــدول اﻟﻣﺗﺑﺎﯾﻧــﺔ‪ ،‬ﻛﺎﻧﻌﻛــﺎس ﻟﺗﺑــﺎﯾن أﻧظﻣﺗﻬــﺎ اﻟﺣﺎﻛﻣــﺔ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻲ ﻓﻬــذا اﻻﺗﺟــﺎﻩ ﯾﻣــدﻧﺎ ﺑﻣﺗﻐﯾــر ﺗﻔﺳــﯾري‬
‫آﺧر ﻟﻠﺻراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧطوي ﻋﻠﻰ أﻛﺛر ﻣن ﻣﺻدر واﺣد ﻟﺣدوﺛﻬﺎ‪.‬‬
‫ﺣﺎوﻟﻧ ــﺎ إذا ﻣ ــن ﺧ ــﻼل اﻟﻣﺳ ــﺗوﯾﯾن اﻟﺳ ــﺎﺑﻘﯾن )اﻟﻔ ــرد واﻟدوﻟ ــﺔ( اﻟﺗط ــرق ﻷﻫ ــم اﻟﺗﺻ ــورات اﻟﻧظرﯾ ــﺔ ﺑﺷ ــﺄن‬
‫ﺗﻔﺳﯾر ظﺎﻫرة اﻟﺻـراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾـﺔ‪ ،‬ﻋﻠـﻰ أن ذﻟـك ﻻ ﯾﻌﻧـﻲ أن د ارﺳـﺗﻧﺎ ﻗـد ﺷـﻣﻠت ﻛـل اﻟﺗﺻـورات اﻟﻧظرﯾـﺔ ﺑﺷـﺄن‬
‫ﻫ ــذﻩ اﻟظ ــﺎﻫرة وﺿ ــﻣن ﻫ ــذﯾن اﻟﻣﺳ ــﺗوﯾﯾن‪ ،‬ﺑ ــل ﺣﺎوﻟﻧ ــﺎ ﻓﻘ ــط ﺗﻘ ــدﯾم ﻋ ــرض ﻣﺑﺳ ــط ﻟ ــﺑﻌض اﻟﺗﺻ ــورات اﻟﻧظرﯾ ــﺔ‬
‫ﺑﺎﻟﺷــﻛل اﻟــذي ﯾﺳــﺎﻋدﻧﺎ ﻋﻠــﻰ ﻓﻬــم ﻫــذﻩ اﻟظــﺎﻫرة وﺑﺷــﻛل ﯾﻧﺳــﺟم ﻣــﻊ ﻣوﺿــوع اﻟد ارﺳــﺔ‪ ،‬ﻛــون ﻫــذا اﻷﺧﯾــر ﯾﻌﻧــﻰ‬
‫ﺑﺎﻟدراﺳﺔ اﻟﺗﺣﻠﯾﻠﯾﺔ أﻛﺛر ﻣﻧﻬﺎ ﻧظرﯾﺔ‪ .‬وﺳﻧﺗطرق ﻓـﻲ اﻟﻌﻧﺻـر اﻟﻣـواﻟﻲ إﻟـﻰ ﻣﺳـﺗوى آﺧـر ﻣـن اﻟﺗﺣﻠﯾـل ﻗـﺎﺋم ﻋﻠـﻰ‬
‫ﻣﺳ ـﺗوى اﻟﻧظــﺎم‪ ،‬وﺳ ــﻧﺣﺎول ﻣــن ﺧﻼﻟــﻪ )ﻛﻣ ــﺎﻫو اﻟﺣــﺎل ﻓ ــﻲ اﻟﻣﺳــﺗوﯾﯾن اﻟﺳــﺎﺑﻘﯾن( أن ﻧﻘ ــدم ﺑﻌــض اﻟﺗﺻ ــورات‬
‫اﻟﻧظرﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ ﺗﻌﺗﻣــد ﻋﻠــﻰ ﻣﺳــﺗوى اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ ﻓــﻲ ﺗﻔﺳــﯾرﻫﺎ ﻟﻌﻼﻗــﺔ اﻟﺳــﻠوﻛﯾﺎت اﻟﻧزاﻋﯾــﺔ ﻟﻠــدول ﺑﺑﻧﯾــﺔ اﻟﻧظــﺎم‬
‫اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺑروز اﻟﺻراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‪.‬‬

‫ﺛﺎﻟﺛﺎ‪ :‬ﻣﺳﺗوى اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﻛﻣﺻدر ﻟﻠﺻراع ‪Systemic level‬‬

‫ﯾﻧطﻠق أﺻﺣﺎب اﻟطروﺣﺎت اﻟﺗﻲ ﺗرﺗﻛز ﻋﻠـﻰ ﻣﺳـﺗوى اﻟﻧظـﺎم اﻟـدوﻟﻲ ﻓـﻲ اﻟﺗﺣﻠﯾـل ﻣـن ﺣﺎﻟـﺔ اﻟﻔوﺿـﻰ‬
‫ﻛﻣﻌطﻰ ﻣﺳﺑق ﻓﻲ اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬وﯾﺗرﺗب ﻋن ذﻟك إﻏﻔـﺎل اﻻﺧﺗﻼﻓـﺎت ﻋﻠـﻰ ﻣﺳـﺗوى اﻟوﺣـدات وﻏـض اﻟﻧظـر‬
‫ﻋــن ﺧﺻﺎﺋﺻــﻬﺎ اﻟداﺧﻠﯾــﺔ وﯾﺗﺑﻧــﻰ ﻫــذا اﻟطــرح ﺑﺷــﻛل ﺧــﺎص أﻧﺻــﺎر اﻻﺗﺟﺎﻫــﺎت‪ :‬اﻟواﻗﻌﯾــﺔ اﻟﺟدﯾــدة‪ ،‬واﻟواﻗﻌﯾــﺔ‬
‫اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة وﻧظرﯾﺔ اﻟﻧظم‪.‬‬

‫‪- 1‬اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة‪Neo-realism :‬‬

‫وﺗﻌرف أﯾﺿﺎ ﺑﺎﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ أو اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻟﻌﺻرﯾﺔ‪ ،‬وﺗﻌﺗﺑـر ذاﺗﻬـﺎ اﻣﺗـدادا ﻟﻠواﻗﻌﯾـﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾـﺔ‪ ،‬وﻣـن أﻫـم‬
‫ﻛﺗﺎﺑﻬﺎ ﻛﯾﻧﯾث واﻟﺗز وﺳﺗﯾﻔن ﻛرﯾزﻧر وروﺑرت ﺟﯾﻠﯾﺑﯾن وروﺑـرت ﺗـﺎﻛر وﺟـورج ﻣودﻟﺳـﻛﻲ‪ 2.‬واﻟواﻗﻌﯾـﺔ اﻟﺟدﯾـدة‬

‫‪ ( 1‬ﺣﻤﺎد‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪،‬ص‪.33.‬‬

‫‪ (2‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﺘﻰ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.62 .‬‬
‫ﻫــﻲ رؤﯾــﺔ ﻧﺳــﻘﯾﻪ ‪ Systemic‬ﻟﻠﺳﯾﺎﺳــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ‪ ،‬وﻫــﻲ ﻋﻛــس اﻟواﻗﻌﯾــﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾــﺔ ﻓﺈﻧﻬــﺎ ﺗ ـرﺑط ﺣﺎﻟــﺔ اﻟﺻ ـراع‬
‫ﺑﺎﻟطﺑﯾﻌــﺔ اﻟﻔوﺿــوﯾﺔ ﻟﻠﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ اﻟــذي ﯾﻌﯾــق ﺗﺷــﻛل ﻋﻼﻗــﺎت ﺗﻌﺎوﻧﯾــﺔ‪ .‬وﯾﻌﺗﺑــر ﻛﯾﻧﯾــث واﻟﺗــز ‪Kenneth‬‬
‫‪ N.Waltz‬أﻫــم ﻣﻔﻛــري ﻫــذا اﻻﺗﺟــﺎﻩ‪ ،‬اﻟــذي ﺣــﺎول ﻣــن ﺧــﻼل ﻋﻣﻠــﻪ اﻟﺷــﻬﯾر ''ﻧظرﯾــﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ''‬
‫‪ (1979) Theory of international politics‬ﺗﺟـﺎوز اﻟﻧﻘـد اﻟـذي وﺟـﻪ إﻟـﻰ ﻣورﻏﻧﺛـو‪ ،‬ﻣﻘﺗرﺣـﺎ ﻧظرﯾـﺔ‬
‫''اﻟﻣﻧظوﻣـﺔ اﻟدوﻟﯾـﺔ''واﻹﺑﻘﺎء ﻋﻠـﻰ ﻫـذا اﻟﻣﺳـﺗوى ﻣـن اﻟﺗﺣﻠﯾـل ﺑﺎﻋﺗﺑـﺎرﻩ اﻟوﺳـﯾﻠﺔ اﻟوﺣﯾـدة ﻟﻔﻬـم ﺳـﻠوﻛﯾﺎت اﻟﻔـﺎﻋﻠﯾن‬
‫اﻟـذﯾن ﯾﺷـﻛﻠون ﻋﻧﺎﺻــر ﻫـذﻩ اﻟﻣﻧظوﻣــﺔ اﻟﺗـﻲ ﺗﻔـرض ﻗﯾــودا ﻣﺣـددة ﻋﻠــﻰ اﻟﺳـﻠوك‪ ،‬أﻣـﺎ اﻟﻌواﻣــل اﻷﺧـرى ﻛﺎﻟــدﯾن‬
‫‪1‬‬
‫واﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟداﺧﻠﯾﺔ واﻻﻗﺗﺻﺎد إﻟﻰ ﺣد ﻣﺎ ﺗﻌﺗﺑر ﺛﺎﻧوﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻗد ﺑرز اﻋﺗﻣﺎد اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧظوﻣﺔ اﻟدوﻟﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﺣﻠﯾل ﻣن ﺧﻼل ﻋﻣـل واﻟﺗز اﻟﻛﻼﺳـﯾﻛﻲ‪:‬‬
‫)‪ ،( Man,State and War‬اﻟــذي ﻗﺳــم ﻣــن ﺧﻼﻟــﻪ ﻣﺧﺗﻠــف اﻟﺳﯾﺎﺳــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ وﺑﺷــﻛل ﺧــﺎص ﺗﺣدﯾــد‬
‫أﺳــﺑﺎب اﻟﺣــرب وﺷــروط اﻟﺳــﻼم‪ ،‬اﻧطﻼﻗــﺎ ﻣــن اﻟﻣﺳــﺗوى اﻟــذي ﺗﻛﻣــن ﺿــﻣﻧﻪ اﻷﺳــﺑﺎب‪ :‬اﻟﻔــرد‪ ،‬اﻟدوﻟــﺔ واﻟﻧظــﺎم‬
‫اﻟدوﻟﻲ‪ .‬ﺛم وﺿﻊ ﺗﺻﻧﯾﻔﺎ آﺧـر )‪ (1979‬وﺿـﻊ ﺑﻣﻘﺗﺿـﺎﻩ ﻧظرﯾـﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳـﺔ اﻟدوﻟﯾـﺔ اﻟﺗـﻲ ﺗﺣﺻـر اﻷﺳـﺑﺎب ﻓـﻲ‬
‫اﻟﻣﺳ ــﺗوﯾﯾن اﻟﻔ ــردي واﻟ ــوطﻧﻲ ﺿ ــﻣن ﻣ ــﺎ ﯾﺳ ــﻣﯾﻪ ﺑﺎﻟﻧظرﯾ ــﺎت اﻟﺗﻘﻠﯾﺻـــﯾﺔ أو اﻻﺧﺗزاﻟﯾـــﺔ ‪ Reductionist‬ﻓ ــﻲ‬
‫ﻣﻘﺎﺑل اﻟﻧﺳﻘﯾﺔ ‪ Systemic‬اﻟﺗـﻲ ﺗﺳـﺗﻧد إﻟـﻰ اﻟﻣﺳـﺗوى اﻟـدوﻟﻲ‪ 2.‬ورﻏـم أن واﻟﺗـز ﯾﻘـر ﺑـﺄن اﻟواﻗﻌﯾـﺔ اﻟﺟدﯾـدة ﻫـﻲ‬
‫اﻣﺗ ــداد ﻟﻠواﻗﻌﯾ ــﺔ اﻟﻛﻼﺳ ــﯾﻛﯾﺔ‪ ،3‬إﻻ أن ذﻟ ــك ﻻ ﯾﻧﻔ ــﻲ وﺟ ــود اﺧ ــﺗﻼف ﺑﯾﻧﻬﻣ ــﺎ ﻣ ــن ﺣﯾ ــث ﻣﻧط ــق ﺗﻔﺳ ــﯾر ﺑﻌ ــض‬
‫اﻟﺳﻠوﻛﯾﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‪.‬‬
‫وﯾﻧطﻠـق واﻟﺗــز ﻓـﻲ ﺑﻧــﺎء ﻧظرﯾﺗــﻪ ﻣـن اﻓﺗـراض أن اﻟـواﻗﻌﯾﯾن اﻟﺗﻘﻠﯾــدﯾﯾن ﺣـددوا ﻣــوطن اﻟﺣـرب ﻓــﻲ ﻣﺳــﺗوى‬
‫واﺣــد ﻣــن اﺛﻧــﯾن‪ ،‬أو ﻛﻼﻫﻣــﺎ وﻫﻣــﺎ اﻟﻔــرد‪ ،‬واﻟﻣﺟﺗﻣ ــﻊ أو اﻟدوﻟــﺔ‪ ،‬وﯾــرى أن اﻟﺻ ـواب ﻫــو وﺟــوب اﻟﻔﺻــل ﺑ ــﯾن‬
‫‪4‬‬
‫ﻣﺳﺗوى اﻟﻧظﺎم ووﺣداﺗﻪ‪.‬‬
‫ورﻏــم اﻧطــﻼق اﻟواﻗﻌﯾــﺔ اﻟﺟدﯾــدة ﻣــن اﻟﻣﺳــﻠﻣﺎت واﻟﻣﻔــﺎﻫﯾم اﻷﺳﺎﺳــﯾﺔ ذاﺗﻬــﺎ ﻓــﻲ اﻟواﻗﻌﯾــﺔ اﻟﻛﻼﺳــﯾﻛﯾﺔ‪،‬‬
‫ﺧﺎﺻﺔ ﻣـن ﺣﯾـث اﻋﺗﺑﺎرﻫـﺎ أن اﻟدوﻟـﺔ ﻫـﻲ اﻟوﺣـدة اﻷﺳﺎﺳـﯾﺔ ﻟﻠﺗﺣﻠﯾـل وأن د ارﺳـﺔ اﻟﻌﻼﻗـﺎت اﻟدوﻟﯾـﺔ ﻫـﻲ د ارﺳـﺔ‬
‫اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﯾن ﻫذﻩ اﻟوﺣدات‪ ،‬إﻻ أن اﻟواﻗﻌﯾﯾن اﻟﺟـدد ﻻ ﯾﻧﻛـرون وﺟـود ﻓواﻋـل أﺧـرى ﻏﯾـر اﻟدوﻟـﺔ ﻛﺎﻟﻣﻧظﻣـﺎت‬
‫اﻟدوﻟﯾــﺔ واﻟﺷــرﻛﺎت اﻟﻣﺗﻌــددة اﻟﺟﻧﺳــﯾﺎت واﻟﺟﻣﺎﻋــﺎت اﻹرﻫﺎﺑﯾــﺔ واﻟﻣﻧظﻣــﺎت اﻟﻌﺑــر وطﻧﯾــﺔ‪ ،‬إﻻ أن ﻫــذﻩ اﻟﻔواﻋــل‬
‫ﺗﺑﻘﻰ ﻓﻲ ﺗﺻورﻫم ذات أﻫﻣﯾﺔ ﻗﻠﯾﻠﺔ ﻣﺎداﻣت اﻟدول ﻫﻲ اﻟﻔواﻋل اﻟﻣﻬﻣﺔ‪.‬‬
‫وﻓــﻲ ﺗﺣﻠﯾﻠﻬــﺎ ﻟﻠظ ـواﻫر اﻟدوﻟﯾــﺔ‪ ،‬ﺗرﻛــز اﻟواﻗﻌﯾــﺔ اﻟﺟدﯾــدة ﻋﻠــﻰ أﺛــر ﺑﻧﯾــﺔ اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ وطﺑﯾﻌﺗــﻪ ﻋﻠــﻰ‬
‫اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑـﯾن اﻟـدول‪ ،‬وﻫـم ﯾـرون أﯾﺿـﺎ أن اﻟـدول ﺗﺗﻔﺎﻋـل ﻓـﻲ ظـل ﻧظـﺎم دوﻟـﻲ ﯾﺗﺳـم ﺑﺎﻟﻔوﺿـﻰ ﯾﻠـزم ﻛـل ﻣﻧﻬـﺎ‬
‫ﺑﺎﻻﻋﺗﻣــﺎد ﻋﻠــﻰ ذاﺗﻬــﺎ ﻓــﻲ ﺗﺣﻘﯾــق أﻫــداﻓﻬﺎ‪ ،‬إذ ﻻ ﺗوﺟــد ﺳــﻠطﺔ ﻋﻠﯾــﺎ ﻓــﻲ اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ ﯾﻣﻛﻧﻬــﺎ ﻣﺳــﺎﻋدة اﻟــدول‬
‫ﻋﻧــد اﻟﺣﺎﺟــﺔ‪ ،‬ﻟــذﻟك ﺗﺳــﻌﻰ اﻟــدول ﻟﺗﺗـوازن ﻗواﻫــﺎ ﻓﺗﺣﻘــق ﺣﺎﻟــﺔ اﻟﺗﻌــﺎدل أو اﻟﺗﺳــﺎوي ﺑﯾﻧﻬــﺎ‪ ،‬ﻣﻣــﺎ ﯾﻘﻠــل ﻣــن ﺧطــر‬

‫‪ ( 1‬أﻛﺰاﻓﯿﯿﮫ ﻏﯿﻮم ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪،‬ص‪.06 .‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ Kenneth N.Waltz, Theory of international politics (Addison-Wesley: Publishing Company Reading, 1979),‬‬
‫‪p.18.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ Andraw Linnklater,''Neorealism in theory and practice'', in Ken Booth and Steve Smith (eds.,International‬‬
‫‪relations theory today, op. cit.,p.242.‬‬
‫‪(4‬ﻋﻮدة‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.44.‬‬
‫اﻧــدﻻع اﻟﺣــرب‪ 1.‬ﻓﺎﻟدوﻟــﺔ إذا ﻫــﻲ اﻟﻔﺎﻋــل اﻟﻔــردي اﻟﻌﻘﻼﻧــﻲ اﻟﺗــﻲ ﺗﺣــدد ﺑﻣﺻــﺎﻟﺣﻬﺎ وأﻧﺷــطﺗﻬﺎ ﺷــﻛل وﺳــﻣﺎت‬
‫اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ‪ 2.‬ﻟــذﻟك ﯾرﻛــز اﻟواﻗﻌﯾــون اﻟﺟــدد ﻋﻠــﻰ اﻟﻧﺗــﺎﺋﺞ واﻵﺛــﺎر اﻟﺗــﻲ ﺗﺣــدﺛﻬﺎ ﺑﻧﯾــﺔ اﻷﻧﺳــﺎق اﻟدوﻟﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ‬
‫اﻟدول )اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن( اﻟﻣﺷﻛﻠﯾن ﻟﻬﺎ‪ .‬ﻓﺎﻟﺗﻧﺎﻓس ﻓـﻲ ﺗﻠـك اﻷﻧﺳـﺎق ﯾﻧﺗﻬـﻲ ﺑﺈ ازﻟـﺔ اﻟـدول اﻟﺗـﻲ ﺗﻔﺗﻘـر ﻟﻠﺟدﯾـﺔ‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿـﺎﻓﺔ‬
‫إﻟــﻰ ذﻟــك ﻓــﺎن اﻷﻧﺳــﺎق ﺗؤﻫــل اﻟــدول اﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺎ ﺑﺈﺟﺑﺎرﻫــﺎ ﻋﻠــﻰ أن ﺗﺗﺻــرف ﺑطــرق ﻣﻌﯾﻧــﺔ‪ 3.‬وﯾﺑــدو ﻣــن وﺟﻬــﺔ‬
‫اﻟﻧظــر ﻫــذﻩ أن واﻟﺗــز ﯾﺗﺑﻧــﻰ وﺟﻬــﺔ ﻧظــر اﻟﻣﻧظ ـرﯾن اﻟﺑﻧﯾــوﯾﯾن اﻟﻘــﺎﺋﻠﯾن ﺑﺗﺄﺛﯾر''اﻟﺑﻧﯾــﺔ'' ‪ Structure‬ﻋﻠــﻰ ﺳــﻠوك‬
‫''اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن'' ‪ Actors‬اﻟﻣﻛوﻧﯾن ﻟﻬﺎ‪ ،‬ﺑﻧﻔس اﻟﻘدر اﻟذي ﯾﺗﺑﻧﻰ ﻓﯾـﻪ أﯾﺿـﺎ وﺟﻬـﺔ ﻧظـر اﻟﻣﻧظـرﯾن اﻟﻔـردﯾﯾن اﻟﻘـﺎﺋﻠﯾن‬
‫ﺑﺗﺄﺛﯾر ''اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن''ﻋﻠﻰ ''اﻟﺑﻧﯾﺔ'' اﻟﺗﻲ ﺗﺣوﯾﻬم‪.‬‬
‫وﺳــﻌﯾﺎ ﻣﻧــﻪ ﻟﺗﺟــﺎوز اﻟﻠــﺑس ﻣــن ﺣﯾــث اﻋﺗﺑــﺎر اﻟدوﻟــﺔ اﻟﻔﺎﻋــل اﻷﺳﺎﺳــﻲ ﻣــن ﺟﺎﻧــب‪ ،‬واﻻرﺗﻛــﺎز ﻋﻠــﻰ ﺑﻧﯾــﺔ‬
‫اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ ﻟﺗﻔﺳــﯾر ﺳــﻠوﻛﯾﺎت اﻟــدول ﻣــن ﺟﺎﻧــب آﺧــر‪ ،‬ﻧﺟ ـد أن واﻟﺗـــز ﺣ ـرﯾص ﻋﻠــﻰ اﻟﺗﻣﯾﯾــز اﻟــدﻗﯾق ﺑــﯾن‬
‫اﻟﺗﻧظﯾر اﻟﻣﻧظوﻣﻲ )اﻟذي ﯾﻧطﻠق ﻣن ﻣﺳﺗوى اﻟﻧظﺎم(‪ ،‬واﻟﺗﻧظﯾـر اﻟـذي ﯾﻧطﻠـق ﻣـن ﻣﺳـﺗوى اﻟوﺣـدة‪ ،‬أي اﻟﺗﻣﯾﯾـز‬
‫ﺑــﯾن ﻣﺳــﺗوﯾﯾن ﻣﺧﺗﻠﻔــﯾن ﻣــن اﻟﺗﺣﻠﯾــل‪ :‬ﻣﺳــﺗوى اﻟﻧﺳــق وﻣﺳــﺗوى اﻟوﺣــدة‪ .‬ﻓﻔــﻲ ﺣــﯾن ﯾرﺗﻛــز ﻣﺳــﺗوى اﻟوﺣــدة ﻋﻠــﻰ‬
‫دراﺳﺔ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﻔﺎﻋـل ﺑـﯾن اﻟـدول )ﻣـن ﺧـﻼل ﺗﻔﺳـﯾر أﻓﻌـﺎل أو ﺳﯾﺎﺳـﺎت دول –وﺣـدات‪-‬ﺑﻌﯾﻧﻬـﺎ(‪ ،‬ﺗﻬـﺗم اﻟد ارﺳـﺔ‬
‫ﻋﻠــﻰ ﻣﺳــﺗوى اﻟﻧﺳــق ﺑﺗﻔﺳــﯾر اﻟﻘﯾــود واﻟﻣﯾــول اﻟﻛﻠﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ ﺗﺣــدث ﻋﻠــﻰ ﻣﺳــﺗوى اﻟﻧﺳــق‪ 4.‬وﻫــذا ﻣــﺎ ﯾﺑــرز اﻫﺗﻣــﺎم‬
‫واﻟﺗز ﺑدراﺳﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟدوﻟﯾﺔ‪ ،‬وﻟﯾس اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻛﻣــﺎ ﯾﻌﺗﻘــد واﻟﺗـــز أن اﻟﻧظ ــﺎم اﻟــدوﻟﻲ ﯾﺧﺿ ــﻊ ﻟﻘ ـواﻧﯾن ﺧﺎﺻ ــﺔ ﺑــﻪ ﺗﺧﺗﻠــف ﻧوﻋﯾ ــﺎ ﻋــن ﺗﻠ ــك اﻟﺗــﻲ ﺗ ــﺗﺣﻛم‬
‫ﺑﺎﻟﻣﺟﺗﻣﻌﺎت اﻟﻘوﻣﯾﺔ‪ ،‬ﻟـذﻟك ﻓﻬـو ﯾﻧﺗﻘـد اﻻﺗﺟﺎﻫـﺎت اﻻﺧﺗزاﻟﯾـﺔ اﻟﺗـﻲ ﯾـرى أﻧﻬـﺎ ﺗﺳـﺗﻧﺗﺞ ﻗـواﻧﯾن اﻟﻧظـﺎم اﻟـدوﻟﻲ ﻣـن‬
‫اﻟﺗﻧﺎﻗﺿﺎت اﻟداﺧﻠﯾﺔ ﻟﻠﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟدوﻟﻲ وﺣـدﻩ‪ .‬وﻋﻠـﻰ ﺧـﻼف اﻻﺗﺟﺎﻫـﺎت اﻟﺗـﻲ ﺗـرﺑط ﺑـﯾن طﺑﯾﻌـﺔ اﻟﻧظـﺎم اﻟﺳﯾﺎﺳـﻲ‬
‫اﻟداﺧﻠﻲ واﻟﺳﻠوﻛﯾﺎت اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ ﻧﺟد أن واﻟﺗـز ﯾﻧطﻠـق ﻣـن ﻓرﺿـﯾﺔ ''أن اﻟـدول ﻫـﻲ ﻓـﻲ اﻟﻧظـﺎم اﻟـدوﻟﻲ وﺣـدات‬
‫‪5‬‬
‫ﻣﺗﻣﺎﺛﻠﺔ ﻻ ﺗﺧﺗﻠف ﺑﺎﺧﺗﻼف أﻧظﻣﺗﻬﺎ )داﺧﻠﯾﺎ( ﺑل ﺑﺎﺧﺗﻼف ﻣواﻗﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻧظﺎم )اﻟدوﻟﻲ(‪.‬‬
‫وﻣــن وﺟﻬــﺔ ﻧظــر واﻟﺗـــز ﻓــﺈن ﻣــﺎ ﻋﺟــزت اﻟﻧظرﯾــﺎت اﻻﺧﺗزاﻟﯾ ــﺔ ﻋــن ﺗﻔﺳــﯾرﻩ ﻫــو ﻟﻣــﺎذا ﺗﺗﺻــرف اﻟ ــدول‬
‫ﺑطرﯾﻘـﺔ ﻣﻣﺎﺛﻠـﺔ رﻏـم اﺧـﺗﻼف أﻧظﻣﺗﻬــﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳـﯾﺔ وﺗﻧـﺎﻗض إﯾـدﯾوﻟوﺟﯾﺎﺗﻬﺎ ؟ ﻟﻘـد ﺣﻠــت ﻫـذﻩ اﻟﻣﺷـﻛﻠﺔ ﻣـﻊ اﻟواﻗﻌﯾــﺔ‬
‫‪ Systemic‬ﺗﺣﺗ ــل ﻣوﻗﻌ ــﺎ وﺳ ــطﺎ ﺑ ــﯾن اﻟ ــدول‬ ‫اﻟﺟدﯾ ــدة اﻟﺗ ــﻲ ﺗﻔﺗ ــرض أن اﻟﻌواﺋ ــق اﻟﻧﺳ ــﻘﯾﺔ ‪Constraints‬‬
‫وﺳـﻠوﻛﯾﺎت ﺳﯾﺎﺳــﺗﻬﺎ اﻟﺧﺎرﺟﯾــﺔ‪ ،‬و ﺗﻬــدف اﻟواﻗﻌﯾــﺔ اﻟﺟدﯾــدة ﻟﺗوﺿــﯾﺢ ﻛﯾــف أن ﻫــذﻩ اﻟﻘــوى اﻟﻧﺳــﻘﯾﺔ ﻣﺳــﺋوﻟﺔ ﻋــن‬
‫اﻟﺗﺷــﺎﺑﻪ اﻟﻣﻼﺣــظ ﻓــﻲ ﺳــﻠوك اﻟﺳﯾﺎﺳــﺔ اﻟﺧﺎرﺟﯾــﺔ‪ 6.‬وﯾﻌطــﻲ واﻟﺗــز ﻣﺛــﺎﻻ واﺿــﺣﺎ ﻋﻠــﻰ ذﻟــك ﻣــن ﺧــﻼل ظــﺎﻫرة‬
‫ﻋﻼﻗﺎت اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة واﻻﺗﺣﺎد اﻟﺳوﻓﯾﺗﻲ ﻓﻲ ظل ﻧظﺎم ﺗوازن اﻟﻘوى أﺛﻧـﺎء اﻟﺣـرب اﻟﺑـﺎردة‪ ،‬ﻓﻌﻠـﻰ اﻟـرﻏم ﻣـن‬
‫اﺧﺗﻼف اﻟﺑﻧﯾـﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳـﯾﺔ ﻟﻠـدوﻟﺗﯾن وﻋـدم ﺗطـﺎﺑق اﻷﯾـدﯾوﻟوﺟﯾﺗﯾن‪ ،‬ﻓﻘـد ﺳـﻠﻛت اﻟﻘوﺗـﺎن وﻓﻘـﺎ ﻷﻧﻣـﺎط ﻣﺗﺷـﺎﺑﻬﺔ ﻓـﻲ‬
‫اﻟﺑﺣــث ﻋــن ﻧﻔــوذ و ﺗــﺄﺛﯾر وﺑﺳــط ﻫﯾﻣﻧــﺔ وﺗﺣﻘﯾــق ﻣﻛﺎﺳــب‪ ،‬ﻓﻣــﺎ ﻫــو اﻟﺳــر ﻓــﻲ ذﻟــك؟ ﯾﺟــد واﻟﺗــز اﻹﺟﺎﺑــﺔ ﻣــن‬

‫‪ ( 1‬أﺣﻤﺪ ﻋﻠﻲ ﺳﺎﻟﻢ ‪''،‬ﻋﻦ اﻟﺤﺮب واﻟﺴﻼم ‪..‬ﻣﺮاﺟﻌﺔ ﻷدﺑﯿﺎت اﻟﺼﺮاع اﻟﺪوﻟﻲ''‪ ،‬اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ‪ ،‬م‪،42.‬ع‪)170.‬أﻛﺘﻮﺑﺮ‪ ،(2007‬ص ص‪.19 -8.‬‬
‫‪ (2‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﺘﻰ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.64.‬‬
‫‪ ( 3‬اﻟﻜﺴﻨﺪر وﻧﺖ ‪،‬اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻟﻠﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ‪،‬ﺗﺮﺟﻤﺔ‪:‬ﻋﺒﺪ ﷲ ﺟﺒﺮ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﻌﺘﯿﺒﻲ )اﻟﺮﯾﺎض‪:‬اﻟﻨﺸﺮ اﻟﻌﻠﻤﻲ واﻟﻤﻄﺎﺑﻊ ‪، 2005،‬ص‪.24.‬‬
‫‪ ( 4‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ‪ ،‬ص ص ‪.26 ،25.‬‬
‫‪ ( 5‬ﻓﺆاد ﻧﮭﺮا‪'' ،‬ﻣﻔﮭﻮم اﻷزﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻟﺠﺪﯾﺪ''‪ ،‬ﻣﻌﻠﻮﻣﺎت دوﻟﯿﺔ‪ ،‬ع‪)57.‬ﺻﯿﻒ ‪،(1998‬ص‪.7.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ Linklater, op. cit., p.238.‬‬
‫ﺧــﻼل د ارﺳــﺗﻪ ﻟﻠﺑﻧﯾــﺔ اﻟﻧظﺎﻣﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ اﻟﻣﺳــﺗوى اﻟــدوﻟﻲ‪ ،‬ﺣﯾــث ﯾــرى وﺟــود ﺗﻐﯾـرات ﻋﻠــﻰ أﻓﻌــﺎل اﻟﻘــوى أﺷــد ﺗــﺄﺛﯾ ار‬
‫ﻣــن ﺗﻠــك اﻟﻧﺎﺑﻌــﺔ ﻣــن اﻟﺳﯾﺎﺳــﺔ اﻟداﺧﻠﯾــﺔ‪ 1.‬إذا ﻓﻌﻠــﻰ ﻋﻛــس ﻣــﺎ ﺗﺑﻧــﺎﻩ ﻣــورﺗن ﻛــﺎﺑﻠن ‪ M.Kaplan‬ورﯾﺗﺷــﺎرد‬
‫روزﻛراﻧز وﻣﺎﻛﻠﯾﻼﻧـد ﺑﺎﻋﺗﻣـﺎدﻫم ﻋﻠـﻰ اﻟﻧﺳـﻘﯾﺔ‪ ،‬ﻓـﺎن اﻟواﻗﻌﯾـﺔ اﻟﺟدﯾـدة ﺗﻌﺗﺑـر أن اﻟﻧظـﺎم ﯾﺗﻛـون ﻣـن ﺑﻧﯾـﺔ ﺗﺳـﻣﺢ‬
‫‪2‬‬
‫ﺑﺎﻟﻧظر إﻟﻰ اﻟوﺣدات ﻛﺄﻧﻬﺎ ﻣﻛوﻧﺔ ﺑﺷﻛل ﻣﺧﺗﻠف ﻋن وﺣدة واﺣدة‪.‬‬
‫وﻓــﻲ ﺗﻔﺳــﯾرﻩ ﻟﺳــﻠوﻛﯾﺎت اﻟــدول ﻓــﻲ ظــل اﻟﻣﻧظوﻣــﺔ اﻟدوﻟﯾــﺔ ﯾﻘــدم واﻟﺗــز ﻣﺳــﻠﻣﺗﯾن ﻓــﻲ ﻫــذا اﻟﺧﺻــوص‪:‬‬
‫ﺗﺗﻣﺛــل اﻷوﻟــﻰ ﻓــﻲ اﻟﻘــول أن اﻟدوﻟــﺔ ﻣﻬﺗﻣــﺔ ﺑﺎﻟدرﺟــﺔ اﻷوﻟــﻰ ﺑﺗﺣﻘﯾــق اﻷﻣــن‪ ،‬ﻣــﺎ دام ﺗﺣﻘﯾــق اﻷﻫــداف اﻷﺧــرى‬
‫ﯾﻌﺗﻣــد ﻋﻠــﻰ ﺗــﺄﻣﯾن ﺑﻘــﺎء اﻟدوﻟــﺔ ﻓﻘــط‪ .‬وﺗﻧــﺎﻗض ﻫــذﻩ اﻟﻣﺳــﻠﻣﺔ وﺟﻬــﺔ ﻧظــر اﻟﻌدﯾــد ﻣ ـن اﻟ ـواﻗﻌﯾﯾن اﻟﻛﻼﺳــﯾﻛﯾﯾن‬
‫اﻟﻘﺎﺋﻠﯾن ''أن اﻟدول ﺗﺳﻌﻰ ﻟزﯾﺎدة ﻗوﺗﻬﺎ ﻛﻐﺎﯾﺔ ﻓﻲ ﺣد ذاﺗﻬـﺎ‪ ''،‬وﻫـذا ﻣـﺎ ﯾﻧطﺑـق ﻣـﻊ ﻣﻧطـق اﻟﻔوﺿـﻰ اﻟﺳـﺎﺋدة ﻓـﻲ‬
‫اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ ''ﺣﯾ ــث ﻣــن اﻟﺻــﻌب ﻋﻠ ــﻰ اﻟــدول أن ﺗﺳــﺗﻣﺗﻊ ﺑﺄﯾ ــﺔ ﺿــﻣﺎﻧﺔ ﻷﻣﻧﻬــﺎ إﻻ إذا ﻗﺎﻣ ــت ﻫــﻲ ﺑﺗ ــوﻓﯾرﻩ‬
‫ﻟﻧﻔﺳﻬﺎ‪''،‬اﻷﻣر اﻟذي ﯾﺟﻌل ﻣن اﻟﻣﻧظوﻣﺔ اﻟدوﻟﯾﺔ ﻧوﻋﺎ ﻣن ﻧﺳق اﻻﻋﺗﻣﺎد ﻋﻠﻰ اﻟذات‪.‬‬
‫أﻣــﺎ ﻓﯾﻣــﺎ ﯾﺧــص ﻋﻼﻗــﺔ ﺷــﻛل اﻟﻧظــﺎم ﺑظــﺎﻫرة اﻟﺻ ـراع‪ ،‬ﻓــﺈن واﻟﺗــز ﯾﺑﻧــﻲ ﺗﺻــورﻩ ﺑﻬــذا اﻟﺧﺻــوص ﻋﻠــﻰ‬
‫‪3‬‬
‫ﻓرﺿﯾﺔ ﺗﻌﺗﺑر ''أن اﻻﺳـﺗﻘرار ﯾﻘـوم ﻓـﻲ اﻟﻧظـﺎم ﺛﻧـﺎﺋﻲ اﻟﻘطﺑـﯾن أﻛﺛـر ﻣﻣـﺎ ﯾﻘـوم ﻓـﻲ ﻧظـﺎم ﻣﺗﻌـدد اﻷﻗطـﺎب‪''.‬‬
‫وﺑﺎﻟﺗـﺎﻟﻲ ﺣﺳـب واﻟﺗــز ﻓـﺎن ﻧظــﺎم اﻟﺛﻧﺎﺋﯾـﺔ اﻟﻘطﺑﯾـﺔ ﻫــو اﻷﻛﺛـر ﺗﺣﻘﯾﻘــﺎ ﻟﻼﺳـﺗﻘرار واﻷﻗـل ﻣــﯾﻼ ﻟﻠﺻـراﻋﺎت وﯾــدﻋم‬
‫ﺣﺟﺗﻪ ﻫذﻩ ﻣن ﺧﻼل اﻋﺗﺑﺎر‪:‬‬
‫‪ -‬ﻗ ــدرة اﻟ ــدوﻟﺗﯾن اﻟﻣﻬﯾﻣﻧﺗ ــﯾن ﻋﻠ ــﻰ اﺳ ــﺗﺧدام اﻟﻌﻧ ــف أو اﻟﺳ ــﯾطرة ﻋﻠﯾ ــﻪ ﺗﻣﻛﻧﻬ ــﺎ ﻣ ــن ﺗﺧﻔﯾ ــف آﺛ ــﺎر اﺳ ــﺗﺧدام‬
‫اﻵﺧرﯾن ﻟﻠﻌﻧف‪.‬‬
‫‪ -‬ﻗوى اﻟﻘطﺑﯾﺔ اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ ﺗﺳﻌﻰ ﻣن ﺧﻼل ﻫدف اﻟﺣﻔﺎظ ﻋﻠﻰ وﺟودﻫﺎ إﻟـﻰ اﻟﺣﻔـﺎظ ﻋﻠـﻰ ﺗـوازن اﻟﻘـوى اﻟﻣوﺟـود‬
‫اﻋﺗﻣﺎدا ﻋﻠﻰ ﻣدى واﺳﻊ ﻣن اﻟﻘدرات اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ واﻟﺗﻛﻧوﻟوﺟﯾﺔ‪.‬‬
‫‪ -‬إن زﯾــﺎدة اﻟﻘــوﺗﯾن اﻟﻌظﻣﯾــﯾن ﻟﻘوﺗﻬﻣــﺎ ﯾﻘﻠــل ﻣــن اﺣﺗﻣــﺎﻻت اﺳــﺗﺧداﻣﻬﺎ‪ ،‬ﺣﯾــث ﺗﺻــﺑﺢ اﻷﺳــﻠﺣﺔ –ﻓــﻲ اﻟﻧظــﺎم‬
‫ﺛﻧﺎﺋﻲ اﻟﻘطب‪ -‬ﻣﻬﻣﺔ إذا ﻛﺎن اﻟﻐرض ﻣﻧﻬﺎ ﻟداﻓﻊ ردﻋﻲ وﻟـﯾس ﻻﺳـﺗﻌﻣﺎﻟﻬﺎ ﻣﻣـﺎ ﯾﻌﻧـﻲ أن ﻓﻛـرة اﻟﺗـوازن ﺗﺣﻘـق‬
‫‪4‬‬
‫اﻻﺳﺗﻘرار‪.‬‬
‫إذا ﯾﻣﻛــن اﻋﺗﺑــﺎر أن ﻣﻧطــق اﻟﺣــروب واﻟﺻ ـراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ ﺣﺳــب اﻟﻣدرﺳــﺔ اﻟواﻗﻌﯾــﺔ اﻟﺟدﯾــدة ﯾﻔﺳــر ﻣــن‬
‫ﺧﻼل‪:‬‬
‫‪ -1‬ﻣﺑدأ اﻟﻔوﺿﻰ ‪Anarchy‬‬
‫ﺣﯾــث أن طﺑﯾﻌــﺔ اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ ﺗﺗﺳــم ﺑﺎﻟﻔوﺿــوﯾﺔ ‪ Anarchic‬وﻫــﻲ ﻋﻛــس اﻟﺗﺳﻠﺳــﻠﯾﺔ ‪Hierarchy‬‬
‫اﻟﺗﻲ ﺗطﺑﻊ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟب اﻷﻧظﻣﺔ اﻟداﺧﻠﯾـﺔ‪ ،‬واﻟﻔوﺿـﻰ ﻓـﻲ اﻋﺗﺑـﺎر اﻟـواﻗﻌﯾﯾن اﻟﺟـدد ﻫـﻲ اﻧﺗﻔـﺎء ﺳـﻠطﺔ ﻋﻠﯾـﺎ ﻓـوق‬

‫‪ ( 1‬ﻋﻮدة‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.44.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ J-J Roche, op. cit., p.44.‬‬
‫‪ ( 3‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﺘﻰ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.48.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ Pierre de Senarclens ,Mondialisation, Souveraineté et théories des relations internationales‬‬
‫‪Paris:Dalloz1998 , ,p.158.‬‬
‫ﺳﻠطﺔ اﻟدول ﺗﻧظم ﺳﻠوﻛﺎت ﻫذﻩ اﻷﺧﯾرة‪ ،‬وﻫذا ﻣﺎ ﯾﺟﻌل ﻣن اﻟﺣروب اﻟﺳـﻣﺔ اﻟﻐﺎﻟﺑـﺔ ﻓـﻲ اﻟﺑﯾﺋـﺔ اﻟدوﻟﯾـﺔ ﺑﺳـﺑب‬
‫ﺳﻌﻲ اﻟدول ﻓﻲ ﺗﺄﻣﯾن ﻧﻔﺳﻬﺎ ﺑﺷﻛل ﻣﻧﻔرد‪.‬‬
‫‪ -2‬ﻣﺑدأ اﻟﻣﺳﺎﻋدة اﻟذاﺗﯾﺔ‪Self-help:‬‬
‫ﻛﺎﻧﻌﻛﺎس ﻟﻠطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻔوﺿوﯾﺔ ﻟﻠﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﺗﻠﺟﺄ اﻟوﺣدات )اﻟدول( إﻟﻰ اﻧﺗﻬـﺎج ﺳـﻠوك اﻻﻋﺗﻣـﺎد ﻋﻠـﻰ‬
‫اﻟــذات أو اﻟﻣﺳــﺎﻋدة اﻟذاﺗﯾــﺔ ‪ ،Self help‬ﺣﯾــث ﯾﻔــرض ﻫــذا اﻟوﺿــﻊ )اﻟﻔوﺿــﻰ( ﻋﻠــﻰ ﻛــل دوﻟــﺔ )ﺑﺎﻋﺗﺑﺎرﻫــﺎ‬
‫وﺣــدة ﻣﻧﻔﺻــﻠﺔ وﻣﺳــﺗﻘﻠﺔ ﺑــذاﺗﻬﺎ ‪ ( Independent unitary actor‬أن ﺗــدﯾر ﺷــؤوﻧﻬﺎ ﺑﻧﻔﺳــﻬﺎ طﺎﻟﻣــﺎ أﻧــﻪ ﻻ‬
‫ﺗوﺟد ﺳﻠطﺔ ﻋﻠﯾﺎ ﺗﺗوﻟﻰ ﻫذﻩ اﻟوظﯾﻔـﺔ‪ .‬وﻫـذا ﻣـﺎ ﻋﺑـر ﻋﻧـﻪ واﻟﺗـز‪'' :‬ﯾﺟـب ﻋﻠـﻰ اﻟوﺣـدات ﻓـﻲ ﺳـﻌﯾﻬﺎ ﻟﺗﺣﻘﯾـق‬
‫أﻫـداﻓﻬﺎ واﻟﺣﻔـﺎظ ﻋﻠــﻰ أﻣﻧﻬـﺎ ﻓـﻲ ﺣﺎﻟــﺔ اﻟﻔوﺿـﻰ‪ ،‬أن ﺗﻌﺗﻣــد ﻋﻠـﻰ اﻟوﺳـﺎﺋل واﻹﺟـراءات اﻟﺗـﻲ ﺑﺎﺳــﺗطﺎﻋﺗﻬﺎ‬
‫‪1‬‬
‫ﺗﺷﻛﯾﻠﻬﺎ ﺑذاﺗﻬﺎ‪ ،‬ﻓﻣﺑدأ''اﻟﻣﺳﺎﻋدة اﻟذاﺗﯾﺔ''‪ ،‬ﻫو ﺑﺷﻛل ﺣﺗﻣﻲ ﻣﺑدأ اﻟﺗﺻرف ﻓﻲ اﻟﻧظﺎم اﻟﻔوﺿوي‪''.‬‬
‫‪ -3‬ﺗوازن اﻟﻘوة ‪Balance of power‬‬
‫ﺗﻌﺗﺑـر اﻟواﻗﻌﯾـﺔ اﻟﺟدﯾــدة أن ﻣﻐـزى اﻟﺣﯾــﺎة اﻟدوﻟﯾـﺔ ﻻ ﺗﻌﻧــﻲ دوﻣـﺎ اﻟﺑﺣــث ﻋـن اﻟﺗـوازن ﺑﺎﺳـﺗﻌﻣﺎل اﻟﻘــوة‪،‬‬
‫وﻟﻛـــن اﻟﻣﺳـــﻌﻰ اﻷﺳﺎﺳـــﻲ ﻫـــو اﻟﺑﺣـــث ﻋـــن اﻷﻣـــن اﻟ ــذي ﻫ ــو اﻟوﺳ ــﯾﻠﺔ اﻟوﺣﯾ ــدة ﻹﺿ ــﻔﺎء اﻟط ــﺎﺑﻊ اﻟﺷ ــرﻋﻲ‬
‫ﻻﺳــﺗﻌﻣﺎل ﻫــذﻩ اﻟﻘــوة ﻓــﻲ ﻧظــﺎم ﯾﺗﺳــم ﺑﺎﻟﻔوﺿ ـﻰ واﻻﻋﺗﻣــﺎد ﻋﻠــﻰ اﻟــذات ‪ .self help‬وﺗــرى ﺑــذﻟك أن ﺗرﻛﯾﺑــﺔ‬
‫اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ ) ﻧظﺎم أﺣﺎدي اﻟﻘطب‪ ،‬أو ﺛﻧﺎﺋﻲ أو ﻣﺗﻌـدد اﻷﻗطـﺎب( ﺗﺧﺿـﻊ إﻟـﻰ اﻟﺗوزﯾﻌـﺎت اﻟﻣﺧﺗﻠﻔـﺔ ﻟﻠﻘـوة و‬
‫اﻟﻘـ ــدرات ﺑـ ــﯾن اﻟـ ــدول‪ .‬وﻋﻠـ ــﻰ ﺧـ ــﻼف اﻟ ـ ـواﻗﻌﯾﯾن اﻟﻛﻼﺳـ ــﯾﻛﯾﯾن اﻟـ ــذﯾن ﯾﻌﺗﺑـ ــرون أن ﻧظـ ــﺎم اﻟﺗﻌددﯾـ ــﺔ اﻟﻘطﺑﯾـ ــﺔ‬
‫‪ multipolarity‬ﻫو اﻷﻛﺛر اﺳـﺗﻘ اررا‪ ،‬ﯾـرى اﻟواﻗﻌﯾـون اﻟﺟـدد أن اﻻﺳـﺗﻘرار ﯾﻛـون ﻓـﻲ ﻧظـﺎم ﺛﻧـﺎﺋﻲ اﻷﻗطـﺎب‬
‫‪.bipolarity‬‬
‫إذا ﯾﻌﺗﺑ ــر ﻣﺗﻐﯾ ــر اﻟﻔوﺿ ــﻰ ﺣﺳ ــب اﻟواﻗﻌﯾ ــﺔ اﻟﺟدﯾ ــدة ﺑﻣﺛﺎﺑ ــﺔ اﻟﻣرﺗﻛ ــز اﻷﺳﺎﺳ ــﻲ ﻓ ــﻲ ﺗﻔﺳ ــﯾر ﺳ ــﻠوك‬
‫اﻟﻔواﻋل‪ ،‬ﺣﯾث ﺗﻌﻧﻲ اﻟﻔوﺿﻰ ﺣﺳﺑﻬم''ﻏﯾﺎب ﺳﻠطﺔ ﻣﺷـﺗرﻛﺔ ﻟﺗﻌزﯾـز أﯾـﺔ ﻗـواﻧﯾن أو ﻗواﻋـد ﻟﺗﻘﯾﯾـد ﺳـﻠوك اﻟـدول‬
‫أو أﯾـﺔ ﻓواﻋــل أﺧــرى‪ ،‬اﻟﺷــﺊ اﻟــذي ﯾﺟﻌـل ﻣــن اﻟﻔوﺿــﻰ ﺗﺷــﺟﻊ ﺳــﻠوك اﻟـدول ﻋﻠـﻰ اﻟﺗﺻــرف اﻟﻣﻧﻔــرد واﻟﺗــروﯾﺞ‬
‫ﻟﺳـﻠوك اﻟﻣﺳـﺎﻋدة اﻟذاﺗﯾـﺔ ‪ ،self help‬وﻓـﻲ ظـل ﻫـذﻩ اﻟﻔوﺿـﻰ ﯾﻌـد اﻟﺗﻌـﺎون ﻣﺳـﺄﻟﺔ ﺻـﻌﺑﺔ اﻟﺗﺣﻘﯾـق‪ ،‬إﺿـﺎﻓﺔ‬
‫إﻟـﻰ ذﻟــك ﯾﻧــزع اﻟواﻗﻌﯾــون اﻟﺟـدد ﻧﺣــو ﺗﺑﻧـﻲ ﻧظـرة أﻛﺛـر ﺗﺷــﺎؤﻣﯾﺔ ورؤﯾــﺔ ﻟﻌــﺎﻟم ﺗﺳـودﻩ ﺣﺎﻟــﺔ اﻟﺗﻧــﺎﻓس واﻟﺻـراع‪،‬‬
‫ﻟذﻟك ﯾﻌﺗﺑرون ﺑﺄن اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ ﻋﺑﺎرة ﻋن ﺻراع ﻣن أﺟل اﻟﺑﻘﺎء‪.‬‬

‫‪ -2‬اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻟﻛﻼﺳﯾﻛﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة ‪Neo-classical Realism‬‬

‫ﺗﻌﺗﺑر أﺣد اﻟﺗﻧﻘﯾﺣﺎت اﻟﺟدﯾدة ﻟﻠﻣدرﺳـﺔ اﻟواﻗﻌﯾـﺔ اﻟﻛﻼﺳـﯾﻛﯾﺔ‪ ،‬اﻟﺗـﻲ ﺗرﻛـز ﻓـﻲ ﺗﺣﻠﯾﻠﻬـﺎ ﻋﻠـﻰ ﺗـﺄﺛﯾر ﺑﻧﯾـﺔ‬
‫اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﻋﻠﻰ ﺳﻠوﻛﺎت اﻟدول‪ ،‬اﻧطﻼﻗﺎ ﻣـن اﻟطﺑﯾﻌـﺔ اﻟﻔوﺿـوﯾﺔ ﻟﻠﻧظـﺎم اﻟـدوﻟﻲ‪ ،‬وﻣـن ﺛـم اﺧـﺗﻼف أﻧﻣـﺎط‬
‫اﻻﺳـﺗﺟﺎﺑﺔ ﻟﻬـذﻩ اﻟﻔوﺿـﻰ ﻓـﻲ ﺳـﻠوﻛﺎت اﻟـدول‪ .‬وﻗـد ﻛﺗـب ﺟﯾـدن روز ‪ Gideon Rose‬ﻋـن ﻫـذﻩ اﻟﻧظرﯾـﺔ ‪-‬‬
‫ﻓـﻲ ﻣﻘـﺎل ﻧﺷـر ﻓـﻲ ﻣﺟﻠـﺔ اﻟ ـ ‪ WORLD POLITICS‬ﺗﺣـت ﻋﻧـوان " ‪Neoclassical Realism and‬‬
‫‪-"Theories of Foreign Policy‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Waltz ,Theory of international politics, op. cit., p.111.‬‬
‫"‪...‬ﺗـدﻣﺞ ﺑﺷـﻛل ﺻـرﯾﺢ ﻛـﻼ ﻣـن اﻟﻣﺗﻐﯾـرات اﻟداﺧﻠﯾـﺔ واﻟﺧﺎرﺟﯾـﺔ‪ ،‬ﺗﺣـور وﺗﻌﺻـرن رؤى ﻣﻌﯾﻧـﺔ ﻣﺳـﺗﻧﺑطﺔ ﻣـن‬
‫اﻟﻔﻛــر اﻟ ـواﻗﻌﻲ اﻟﻛﻼﺳــﯾﻛﻲ‪ ،‬ﯾﺣــﺎج دﻋﺎﺗﻬــﺎ أن أﻫــداف وطﻣوﺣــﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳــﺔ اﻟﺧﺎرﺟﯾــﺔ ﻟدوﻟــﺔ ﻣﺳــﺎﻗﺔ أوﻻ وﻓــﻲ‬
‫أﻏﻠـب اﻟﺣــﺎﻻت ﺑﻣﻛﺎﻧﺗﻬــﺎ ﻓـﻲ اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ‪ ،‬وﺑﺷــﻛل أﻛﺛـر ﺗﺣدﯾــدا اﻟﻘــدرات اﻟﻧﺳــﺑﯾﺔ ﻟﻘوﺗﻬـﺎ اﻟﻣﺎدﯾــﺔ‪ ،‬وﻫــذا ﻫــو‬
‫اﻟﺳﺑب ﻟﻣﺎذا ﻫم واﻗﻌﯾون‪ .‬وﻫـم ﯾﺣـﺎﺟون‪ ،‬ﻋﻠـﻰ أﯾـﺔ ﺣـﺎل‪ ،‬أن ﻫـذﻩ اﻟﻘـدرات ﺗـؤﺛر ﺑطرﯾﻘـﺔ ﻏﯾـر ﻣﺑﺎﺷـرة وﻣﻌﻘـدة‬
‫ﻓــﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳــﺔ اﻟﺧﺎرﺟﯾــﺔ‪ ،‬ﻷن اﻟﺿــﻐوطﺎت اﻟﻧظﻣﯾــﺔ ﯾﺟــب ﺗرﺟﻣﺗﻬــﺎ ﻋﺑــر اﻟﻣﺗﻐﯾ ـرات اﻟﻣﺗداﺧﻠــﺔ ﻋﻠــﻰ ﻣﺳــﺗوى‬
‫‪1‬‬
‫اﻟوﺣدة‪ ،‬وﻫذا ﻫو اﻟﺳﺑب ﻟﻣﺎذا ﻫم ﻛﻼﺳﯾﻛﯾون ﺟدد‪".‬‬
‫وﻗــد أﻋطــت ﻫــذﻩ اﻟﻧظرﯾــﺔ اﻟﻣــﯾﻼد ﻟﻧظ ـرﯾﺗﯾن ﻓــﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳــﺔ اﻟﺧﺎرﺟﯾــﺔ‪ ،‬اﻟواﻗﻌﯾــﺔ اﻟدﻓﺎﻋﯾــﺔ واﻟواﻗﻌﯾــﺔ اﻟﻬﺟوﻣﯾــﺔ‪،‬‬
‫اﻟﻠﺗــﺎن ﺗﺧﺗﻠﻔــﺎن اﺧﺗﻼﻓــﺎ ﻋﻣﯾﻘــﺎ ﺑﺷــﺄن اﻟﻘﯾــود اﻟﻧﺳــﻘﯾﺔ ﻋﻠــﻰ ﺳــﻠوﻛﺎت اﻟــدول‪ ،‬ﺣﯾــث أﺻــﺑﺢ اﻟﺟــدل اﻟــداﺋر ﺑــﯾن‬
‫ﻫذﯾن اﻟﺗوﺟﻬﯾن ﻫو ﺣول ﻣﺗﻐﯾر اﻟﻔوﺿﻰ وﺗﺄﺛﯾرﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺗوﺟﻬﺎت اﻟﻧزاﻋﯾﺔ ﻟﻠدول‪.‬‬
‫أ‪ -‬اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻟدﻓﺎﻋﯾﺔ ‪Defensive realism‬‬
‫ﺗﺟ ــد ﻫ ــذﻩ اﻟﻧظرﯾ ــﺔ ﺟ ــذورﻫﺎ ﻓ ــﻲ ﻋﻣ ــل ﺟـــون ﻫﯾـــرز ‪ John Herz‬ﺣ ــول ﻓﻛـ ـرة "اﻟﻣ ــﺄزق اﻷﻣﻧ ــﻲ‬
‫‪ "Security Dilemma‬ﻓـﻲ ﺧﻣﺳـﯾﻧﯾﺎت اﻟﻘـرن اﻟﻌﺷـرﯾن‪ ،‬واﻟﺗـﻲ طورﻫـﺎ ﻓﯾﻣـﺎ ﺑﻌـد أرﻧوﻟـد وﻟﻔـرز ‪Arnold‬‬
‫‪ 2.Wolfers‬وﻣن أﺑرز روادﻫﺎ‪ ،‬ﺳﺗﯾﻔن واﻟت وﺳﺗﯾﻔن ﻓﺎن إﯾﻔﯾرا وﺟﺎك ﺳﻧﺎﯾدر‪.‬‬
‫ﺗﻔﺗــرض اﻟواﻗﻌﯾــﺔ اﻟدﻓﺎﻋﯾــﺔ أن اﻟﻔوﺿــﻰ اﻟدوﻟﯾــﺔ ﻋ ـﺎدة ﻣــﺎ ﺗﻛــون ﻣﻌﺗدﻟــﺔ واﻷﻣــن ﯾﻛــون واﻓ ـ ار وﻟــﯾس ﺷــﺊ‬
‫ﻧــﺎدر‪ ،‬واﻟدوﻟــﺔ اﻟﻣﻌﺗدﻟــﺔ ﯾﻣﻛــن أن ﺗــدرك ذﻟــك ﻣــﻊ ﻣــرور اﻟوﻗــت وﻣــن ﺧــﻼل اﻟﺗﺟرﺑــﺔ‪ .‬وﺣﺳــب دﻋــﺎة اﻟواﻗﻌﯾــﺔ‬
‫اﻟدﻓﺎﻋﯾــﺔ ﻓــﺈن اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ ﯾــوﻓر ﺣ ـواﻓز ﻟﻠﺗوﺳــﻊ ﻓﻘــط ﺗﺣــت ﺷــروط أو ﺣــﺎﻻت ﻣﻌﯾﻧــﺔ‪ ،‬ﻛﺗﻠــك اﻟﻧﺎﺟﻣــﺔ ﻋــن‬
‫إﻗدام دوﻟﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ﻋﻠﻰ ادﺧﺎر اﻟوﺳﺎﺋل اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻟرﻓﻊ ﻣﺳﺗوى أﻣﻧﻬﺎ واﻟذي ﺑدورﻩ ﯾؤدي إﻟـﻰ اﻹﻧﻘـﺎص ﻣـن أﻣـن‬
‫اﻟ ــدول اﻷﺧ ــرى‪ ،‬وﻫ ــذا ﻣ ــﺎ ﯾوﻟّ ـ ـد اﻟﻣ ــﺄزق اﻷﻣﻧ ــﻲ اﻟ ــذي ﯾ ــدﻓﻊ إﻟ ــﻰ ﺗﻧ ــﺎﻣﻲ اﻟﺷ ــﻛوك اﻟﻣﺗﺑﺎدﻟ ــﺔ ﺗﻘ ــود أﺣﯾﺎﻧ ــﺎ إﻟ ــﻰ‬
‫اﻟﺣـرب‪ 3.‬وﺑﺎﻟﺗـﺎﻟﻲ‪ ،‬ﺣﺳــب دﻋـﺎة اﻟواﻗﻌﯾـﺔ اﻟدﻓﺎﻋﯾــﺔ‪ ،‬ﻓـﺈن اﻟﺣـﺎﻓز ﻟﻠﺗوﺳــﻊ ﻻ ﯾﻧﺑـﻊ ﻣـن اﻟﻘــوة اﻟ ازﺋـدة‪ٕ ،‬واﻧﻣـﺎ ﻣــن‬
‫اﻧﻌـدام اﻷﻣــن‪ .‬وﯾﻔﺳــر ﺟــون ﻫﯾــرز اﻟﻣﻧطـق وراء ﻫــذا اﻟـرأي ﺑﻘوﻟــﻪ‪" :‬ﻓــﻲ ﻣﺛــل ﻫــذا اﻟوﺿــﻊ )اﻟﻔوﺿــوي( ﻓــﺈن‬
‫اﻟﺷﻌور ﺑﻌدم اﻷﻣن اﻟﻧـﺎﺑﻊ ﻣـن اﻟﺷـك اﻟﻣﺗﺑـﺎدل واﻟﺧـوف اﻟﻣﺗﺑـﺎدل‪ ،‬ﯾﺟﺑـر اﻟـدول ﻋﻠـﻰ اﻟﺗﻧـﺎﻓس ﻋﻠـﻰ ﻣزﯾـد‬
‫ﻣــن اﻟﻘــوة ﻟﺗــوﻓﯾر ﻣزﯾــد ﻣــن اﻷﻣــن‪ ...‬وﻧﺣــن ﻧﻌﺗﻘــد أن ﻫــذﻩ اﻟﻣﻌﺿــﻠﺔ‪ ،‬وﻟﯾﺳــت ﺗﻠــك اﻟﻌواﻣــل )اﻹﺿــﺎﻓﯾﺔ‬
‫أﺣﯾﺎﻧﺎ( ﻣﺛل اﻟﻌدواﻧﯾﺔ‪ ،‬أو اﻟرﻏﺑﺔ ﻓﻲ اﻻﺳﺗﯾﻼء ﻋﻠـﻰ ﺛـروات اﻵﺧـرﯾن‪ ،‬أو ﻧزﻋـﺔ اﻟﺷـر اﻟﻌﺎﻣـﺔ اﻟﻛﺎﻣﻧـﺔ ﻓـﻲ‬
‫اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺑﺷرﯾﺔ‪ ،‬ﺗﻣﺛل اﻟﺳﺑب اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﻣﺎ ﯾﺷﺎر إﻟﯾﻪ ﻋﺎدة "ﺑﺎﻟﺣﺎﻓز اﻟﻣﻠﺢ ﻟﻠﺳﻠطﺔ‪ 4".‬‬
‫وﺣﺳ ــب ﻫ ــذﻩ اﻟﻧظرﯾ ــﺔ‪ ،‬ﻓ ــﺈن اﻟوﺿ ــﻊ اﻹﻧﺳ ــﺎﻧﻲ ﻏﯾ ــر آﻣ ــن إﻟ ــﻰ ﺣ ــد اﻟﺷـ ـﻌور ﺑ ــﺎﻟﺧطر‪ ،‬وﻛﻠﻣ ــﺎ ﻛﺎﻧ ــت‬
‫اﻟظروف أﻛﺛر ﻓوﺿﻰ وﺑﻼ ﺗﺳﻠﺳـل ﻟﻠﺳـﻠطﺔ‪ ،‬ﺗﻌـﺎظم اﻟـداﻓﻊ ﻟطﻠـب اﻷﻣـن‪ .‬واﻟﻔرﺿـﯾﺔ اﻟﻘﺎﺋﻣـﺔ ﻓـﻲ ﻫـذﻩ اﻟﺣﺎﻟـﺔ‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪) Gideon Rose, "Neoclassical Realism and Theories of Foreign Policy," world politics, vol. 51, n°1 (October‬‬
‫‪1998), p. 146.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪) J-J Roche, op. cit., p. 62.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ Rose, op. cit., p. 149.‬‬
‫‪ ( 4‬زﻛﺮﯾﺎ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.30 .‬‬
‫) ‪ ( ‬ﯾﻌﺘﺒﺮ ﻓﺮﯾﺪ زﻛﺮﯾﺎ أن روﺑﺮت ﺟﯿﺮﻓﺲ ‪ Robert Jervis‬ﻗﺪ ﯾﻨﺪرج ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻔﺌﺔ ﻣﻦ دﻋﺎة اﻟﻮاﻗﻌﯿﺔ‪ ،‬وﻟﻮ أن ﻣﻘﺎﻟﮫ اﻟﻜﻼﺳﯿﻜﻲ ﻋﻦ ﻣﺸﻜﻠﺔ اﻷﻣﻦ‬
‫ﯾﻌﺘﺒﺮ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﺑﯿ ﺎن ﻧﻈ ﺮي ﺣ ﻮل اﻟﺴﯿﺎﺳ ﺔ اﻟﺪوﻟﯿ ﺔ‪ ،‬ﻻ اﻟﺴﯿﺎﺳ ﺔ اﻟﺨﺎرﺟﯿ ﺔ‪ ،‬إﻻ أن ﺣﺠﺘ ﮫ اﻷﺳﺎﺳ ﯿﺔ أن اﻧﻌ ﺪام اﻷﻣ ﻦ ﻋﻠ ﻰ ﻧﻄ ﺎق اﻟﻨﻈ ﺎم ﯾﺼ ﻌّﺪ ﻣﺴ ﺘﻮى‬
‫اﻟﺼﺮاع اﻟﺪوﻟﻲ‪ .‬ﻟﻼطﻼع أﻛﺜﺮ ارﺟﻊ إﻟﻰ‪ :‬ﻓﺮﯾﺪ زﻛﺮﯾﺎ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.31.‬‬
‫ﻫﻲ أن اﻷﻣم ﺗوﺳﻊ ﻣن ﻣﺻﺎﻟﺣﻬﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳـﯾﺔ ﻋﻧـدﻣﺎ ﺗﺻـﺑﺢ ﻏﯾـر آﻣﻧـﺔ ﺑﺻـورة ﻣﺗ ازﯾـدة‪ ،‬أي ﺑـداﻓﻊ ﻣـن اﻟﺧـوف‬
‫وﻋـدم اﻟﺛﻘــﺔ‪ .‬وﯾﺗﻧــﺎﻗض ﻣﻧطــق ﻫــذﻩ اﻟﻧظرﯾـﺔ ﺑﺷــدة ﻣــﻊ اﻟواﻗﻌﯾــﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾــﺔ‪ ،‬اﻟﺗـﻲ ﺗﺳــﻠم ﺑــﺄن اﻟــدول ﺗﺗوﺳــﻊ ﻧﺗﯾﺟــﺔ‬
‫ﻟﻠﺛﻘﺔ‪ ،‬أو ﻋﻠﻰ اﻷﻗل إدراﻛﺎ ﻣﻧﻬﺎ ﻟزﯾﺎدة اﻟﻣوارد‪.‬‬

‫ب‪ -‬اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻟﻬﺟوﻣﯾﺔ ‪Offensive realism‬‬

‫ﺗﺗﻔق اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻟﻬﺟوﻣﯾﺔ ﻣﻊ اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻟدﻓﺎﻋﯾﺔ‪ ،‬ﻣن ﻣﻧطﻠق اﻟطﺑﯾﻌـﺔ اﻟﻔوﺿـوﯾﺔ ﻟﻠﻧظـﺎم اﻟـدوﻟﻲ‪ ،‬إﻻ أن‬
‫اﻻﺧــﺗﻼف ﺑــﯾن ﻫــذﯾن اﻟﺗــوﺟﻬﯾن ﯾــدور ﺣــول دواﻓــﻊ اﻟﺳــﻠوك اﻟﻧ ازﻋــﻲ ﻋﻧــد اﻟــدول‪ ،‬ﻫــل اﻟﺑﺣــث ﻋــن اﻷﻣــن أم‬
‫زﯾﺎدة اﻟﻘوة )اﻟﺗوﺳﻊ(‪.‬‬
‫ﯾﻘر دﻋﺎة اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻟﻬﺟوﻣﯾﺔ ﺑﺄن اﻟﻔوﺿﻰ ﺗوﻓر اﻟﺣـواﻓز اﻟﻘوﯾـﺔ ﻟﻠﺗوﺳـﻊ‪ ،‬ﻛـل اﻟـدول ﺗﺻـﺎرع ﻣـن أﺟـل‬
‫اﻟرﻓﻊ ﻣن ﻣﺳﺗوى ﻗوﺗﻬـﺎ ﻣﻘﺎرﻧـﺔ ﺑﺎﻟـدول اﻷﺧـرى‪ ،‬ﻷن اﻟـدول اﻷﻛﺛـر ﻗـوة ﻫـﻲ ﻓﻘـط اﻟﻘـﺎدرة ﻋﻠـﻰ ﺿـﻣﺎن ﺑﻘﺎﺋﻬـﺎ‪،‬‬
‫ﻓﻬــﻲ ﺗﺗﺑــﻊ ﺳﯾﺎﺳــﺎت ﺗوﺳــﻌﯾﺔ ﻣﺗــﻰ وأﯾــن رﺟﺣــت ﻓواﺋــد ﻓﻌــل ذﻟــك ﻋﻠــﻰ ﺗﻛﺎﻟﯾﻔــﻪ‪ ،‬اﻟــدول ﺗﺣــت ﺣﺎﻟــﺔ اﻟﻔوﺿــﻰ‬
‫ﺗواﺟــﻪ ﺗﻬدﯾــدا داﺋﻣــﺎ‪ ،‬ﻗــد ﺗﺳــﺗﺧدم اﻟــدول اﻷﺧــرى اﻟﻘــوة ﻟﻺﺿ ـرار ﺑﻬــﺎ أو ﻹﺧﺿــﺎﻋﻬﺎ‪ ،‬وﻫــذا ﯾــرﻏم اﻟــدول ﻋﻠــﻰ‬
‫‪1‬‬
‫ﺗﻌزﯾز ﻗوﺗﻬﺎ اﻟﻧﺳﺑﯾﺔ ﻣن ﺧﻼل ﺑﻧﺎء ﺗرﺳﺎﻧﺔ ﻋﺳﻛرﯾﺔ‪ ،‬ﺗوﺳﻌﺎت ﻣﻧﺎﺳﺑﺗﯾﻪ‪ ،‬وﺳﯾﺎﺳﺎت اﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ‪.‬‬
‫إن ﻋﺑــﺎرة ﻣﺿــﺎﻋﻔﺔ اﻟﻘــوة ﻟــدى اﻟ ـواﻗﻌﯾﯾن اﻟﻬﺟــوﻣﯾﯾن‪ ،‬ﺗﺿــﻌﻬم ﻓــﻲ ﻣوﻗــﻊ ﻗرﯾــب ﻣــن ﻣورﻏﻧﺛــو اﻟــذي‬
‫ﯾﺷــدد ﻋﻠــﻰ اﻟﺻـراع اﻟﻼﻣﺗﻧــﺎﻫﻲ ﻟﻠﻘــوة‪ ،‬إﻻ أن ﻣﺻــدر ﻫــذا اﻟﺳــﻠوك ﻟــدى اﻟ ـواﻗﻌﯾﯾن اﻟﻬﺟــوﻣﯾﯾن ﻟــﯾس اﻟطﺑﯾﻌــﺔ‬
‫اﻟﺑﺷ ـرﯾﺔ ﻛﻣــﺎ ﯾــدﻋﻲ ﻣورﻏﻧﺛــو‪ ،‬ﺑــل ﺑﻔﻌــل اﻟﺑﻧﯾــﺔ اﻟﻔوﺿــوﯾﺔ ﻟﻠﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ‪ ،‬وﻫــذا ﯾﺿــﻊ ﻣﯾرﺷــﺎﯾﻣر ﻗرﯾﺑــﺎ ﻣــن‬
‫واﻟﺗز‪ ،‬ﻟﻛﻧﻪ ﯾﺧﺗﻠـف ﻣـﻊ ﻫـذا اﻷﺧﯾـر ﻓـﻲ اﻟﺗﺄﻛﯾـد ﻋﻠـﻰ أن اﻟﺑﺣـث ﻋـن اﻟﻘـوة واﻷﻣـن ﻻ ﯾﻣﻛـن إﺷـﺑﺎﻋﻬﺎ ‪ ،‬ﺑﯾﻧﻣـﺎ‬
‫ﯾﻘـول واﻟﺗــز أن ﻟﻬـﺎ ﺣــدود‪ ،‬أي أن اﻟـواﻗﻌﯾﯾن اﻟﻬﺟــوﻣﯾﯾن ﯾﺧﺗﻠﻔـون ﻣــﻊ واﻟﺗـز ﺣــول ﻣﺳـﺄﻟﺔ "ﻛــم ﻫـو ﻣﻘــدار اﻟﻘــوة‬
‫اﻟﺗﻲ ﺗرﯾدﻫﺎ اﻟدول‪.‬‬
‫وﯾؤﻛــد ﺟــون ﻣﯾرﺷـــﺎﯾﻣر‪ J Mearssheimer‬أﺑــرز رواد اﻟواﻗﻌﯾــﺔ اﻟﻬﺟوﻣﯾــﺔ‪ ،‬أن اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ‬
‫ﻋﺑﺎرة ﻋن ﺻراع ﻻ ﺣدود ﻟﻪ ﺣول اﻟﻘوة‪ ،‬ﻣـﺎ ﯾﻘـودﻩ ﻟـﯾس ﺷـﻬﯾﺔ اﻟﺣﯾـوان اﻟﺑﺷـري ﻟﻠﻘـوة ﻛﻣـﺎ ﯾﺟـﺎدل اﻟﺗﻘﻠﯾـدﯾون‪،‬‬
‫ٕواﻧﻣﺎ ﺑﺣﺛﺎ ﻋن اﻷﻣن‪ ،‬ﻓرﺿﺗﻪ اﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﻔوﺿـوﯾﺔ ﻟﻠﻧظـﺎم اﻟـدوﻟﻲ‪ ،‬ﻫـذﻩ اﻷﺧﯾـرة ﺗـوﻓر ﺣـواﻓز ﻗوﯾـﺔ ﻟﻠـدول ﻟﻠﺑﺣـث‬
‫ﻋ ــن ﻓ ــرص اﻟﺣﺻـ ـول ﻋﻠ ــﻰ اﻟﻘ ــوة ﻋﻠ ــﻰ ﺣﺳ ــﺎب اﻟﻣﻧﺎﻓﺳ ــﯾن‪ ،‬ﻓﺎﻟﻬ ــدف اﻷﺳ ــﻣﻰ ﻟﻠدوﻟ ــﺔ ﺣﺳ ــب وﺟﻬ ــﺔ ﻧظ ــر‬
‫ﻣﯾرﺷــﺎﯾﻣر ﻫــو أن ﺗﻛــون ﻓــﻲ وﺿــﻊ اﻟﻣﻬــﯾﻣن وﻟــﯾس ﻣﺟــرد ﺣﻔــظ اﻟﺑﻘــﺎء ﻛﻣــﺎ ﯾﺣــﺎج واﻟﺗــز‪ ،‬وﻓــﻲ اﻟوﻗــت ذاﺗــﻪ‬
‫‪2‬‬
‫إﻋﺎﻗﺔ ﻧظم اﻟﻬﯾﻣﻧﺔ اﻟﻣﺣﺗﻣﻠﺔ ﻣﺛل اﻟﺻﯾن وأوروﺑﺎ اﻟﻐرﺑﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻓوﻓﻘــﺎ ﻟﻠواﻗﻌﯾــﺔ اﻟﻬﺟوﻣﯾــﺔ إذن‪ ،‬ﺗﺑﺣــث اﻟــدول ﻣــن ﺧــﻼل ﺳﯾﺎﺳــﺗﻬﺎ اﻟﺧﺎرﺟﯾــﺔ دوﻣــﺎ ﻋﻠــﻰ اﻟﻧﻔــوذ‪ ،‬وﻫــذا‬
‫ﻛﻧﺗﯾﺟــﺔ ﻟﻠﺛﻘــﺔ وﻟــﯾس ﻟﻠﺧــوف‪ ،‬أو ﻋﻠــﻰ اﻷﻗــل إد ارﻛــﺎ ﻣﻧﻬــﺎ ﻟزﯾــﺎدة اﻟﻣ ـوارد‪ .‬وﺑــذﻟك ﻓﻬــﻲ ﺗﺗوﺳــﻊ ﻷﻧﻬــﺎ ﺗﺳــﺗطﯾﻊ‬
‫ﻓﻌل ذﻟك وﻟﯾس ﻷﻧﻬﺎ ﻣﺟﺑرة ﻋﻠﯾﻪ‪ .‬وﻫذا ﻣﺎ ﯾﺟﻌﻠﻬﺎ داﺋﻣﺎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺻراع‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Glenn H. Snyder ,Mearssheimer's World,-Offensive Realism and the Struggle for Security ,A Review‬‬
‫‪Essay'',International Security, vol. 27, n°1 (Summer 2002), p.152.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ Stephen M.Walt ,International Relation: One World, Many Theories,'' Foreign Policy ,Special Edition,‬‬
‫‪No.110 ( Spring 1998), p.37.‬‬
 ‫‪ -3‬ﻧظرﯾﺔ اﻟﻧظم‪:‬‬
‫ﺗﻌﺗﺑـ ــر ﻧظرﯾـ ــﺔ اﻟـ ــﻧظم ﻣـ ــن أﻫـ ــم اﻟﺗطـ ــورات اﻟﺗـ ــﻲ ﻧﺷـ ــﺄت ﻓـ ــﻲ إطـ ــﺎر اﻟﻣدرﺳـ ــﺔ اﻟﺳـ ــﻠوﻛﯾﺔ ﻓـ ــﻲ ﻣﻧﺗﺻـ ــف‬
‫اﻟﺧﻣﺳﯾﻧﯾﺎت ‪ ،‬ﻓﻧظرﯾﺔ اﻟﻧظم ﺗﺳﻣﺢ ﺑﺗﺧطﻲ اﻟﻔﺎﺻل ﺑﯾن اﻟﺷؤون اﻟداﺧﻠﯾـﺔ ﻟﻠدوﻟـﺔ و اﻟﺳﯾﺎﺳـﺔ اﻟدوﻟﯾـﺔ‪ .‬و ﯾﻌﻣـل‬
‫ﻣﻧﻬﺞ ﺗﺣﻠﯾل اﻟـﻧظم ﻋﻠـﻰ ﻛﺎﻓـﺔ اﻟﻣﺳـﺗوﯾﺎت اﻟدوﻟﯾـﺔ واﻹﻗﻠﯾﻣﯾـﺔ و اﻟوطﻧﯾـﺔ‪ ،‬وﯾـرﺑط ﺑـﯾن اﻟﻣﺳـﺗوﯾﺎت أﯾﺿـﺎ‪ 1.‬وﻣـن‬
‫أﻫــم رواد ﻫــذﻩ اﻟﻧظرﯾــﺔ ﻧﺟــد ﻣــورﺗن ﻛــﺎﺑﻼن ‪ M.Kaplan‬و دﯾﻔــد ﺳــﻧﻐر ‪ D.singer‬و ﺟــورج ﻣودﻟﺳــﻛﻲ‬
‫‪ G.modelski‬و ﺗﺷﺎرﻟز ﻣﺎﻛﻠﯾﻼﻧد ‪.Charles Makliland‬‬
‫ﯾﻧطﻠــق دﯾﻔﯾـد ﺳــﻧﻐر ﻣــن اﻋﺗﺑــﺎر أن اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ ﻫــو اﻟــذي ﯾﺷــﻛل ﻣﻔﺗــﺎح ﺗﻔﺳــﯾر ﻟﻣــﺎذا وﻛﯾــف ﺗﺣــﺎول‬
‫اﻷﻣــم اﻟﺗــﺄﺛﯾر ﻋﻠــﻰ ﺳ ــﻠوﻛﺎت ﺑﻌﺿــﻬﺎ اﻟــﺑﻌض‪ 2.‬ﻓ ــﻲ ﺣــﯾن أﻋطــﻰ ﻣـــورﺗن ﻛـــﺎﺑﻼن اﻟﻧظ ــﺎم ﻣﻌﻧــﻰ ﯾﺗﻣﺛــل ﻓ ــﻲ‬
‫ﻣﺟﻣوﻋـﺔ ﻣــن اﻟﻣﺗﻐﯾـرات اﻟﻣﺗراﺑطــﺔ ﻓﯾﻣــﺎ ﺑﯾﻧﻬــﺎ إﻟــﻰ درﺟــﺔ ﻛﺑﯾـرة و ﻣﺗﻐــﺎﯾرة ﻓــﻲ ﻧﻔــس اﻟوﻗــت ﻣــﻊ ﺑﯾﺋﺎﺗﻬــﺎ ﻛﻣــﺎ أن‬
‫‪3‬‬
‫ﺑﯾﻧﻬﺎ ﻋﻼﻗﺎت داﺧﻠﯾﺔ ﺗﻣﯾزﻫﺎ ﻋن ﻣﺟﻣوع اﻟﻣﺗﻐﯾرات اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ‪.‬‬
‫أﻣــﺎ ﺗﺷــﺎرﻟز ﻣﺎﻛﻠﯾﻼﻧــد ﻓﻘــد اﻋﺗﺑــر ﻧظرﯾــﺔ اﻟــﻧظم ﻛوﺳــﯾﻠﺔ ﻟﺗطــوﯾر و ﻓﻬــم اﻟﻌﻼﻗــﺎت ﺑــﯾن اﻟــدول اﻟﻘوﻣﯾــﺔ‬
‫ﻓﯾﻘــول'' إن اﻟﺧطــوة اﻷوﻟــﻰ أو ﻣﻔﺗــﺎح ﻫــذا اﻟﻣــﻧﻬﺞ ﻫــﻲ إﺳــﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ إدراك وﻣﻌرﻓــﺔ ظ ـواﻫر ﻣﺧﺗﻠﻔــﺔ ﻣــن ﺧــﻼل‬
‫اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟﻘﺎﺋﻣــﺔ ﺑــﯾن ﻋﻧﺎﺻــر اﻟظــﺎﻫرة ﺛــم إطــﻼق ﺻــﻔﺔ اﻟﻧظــﺎم ﻋﻠﯾﻬــﺎ اﻧطﻼﻗــﺎ ﻣــن ﺗﺣدﯾــد أي ﻋﻧﺻــر ﻣــن‬
‫اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ ﻫو اﻷﻛﺛر ﺻﻠﺔ ﺑﻬﺎ‪ ،‬ﺛم ﺑﻌد ذﻟك ﻣﻌرﻓﺔ اﻹﺟراءات اﻟواﺟب اﺳﺗﺧداﻣﻬﺎ ﻟﺗﺟﻧـب اﻟﻛﺛﯾـر ﻣـن اﻟﺗﻌﻘﯾـدات‬
‫ﺑﻬــدف اﻟﺗﻌــرف ﻋﻠــﻰ اﻟﻌﻼﻗــﺎت ﺑــﯾن اﻟﻣــدﺧﻼت واﻟﻣﺧرﺟــﺎت وﻟﻠﺗﺣــرك اﻟﻣــﻧظم ﺑــﯾن ﻣﺳــﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾــل اﻟﻣﺧﺗﻠﻔــﺔ‬
‫ﺑﺎﻟﺗﻌرف ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻠﺔ ﺑﯾن اﻟﻧظم اﻟرﺋﯾﺳـﯾﺔ واﻟـﻧظم اﻟﻔرﻋﯾـﺔ وﻟﻠﺗﻧﺑـﻪ ﻟﺣـدود اﻟظـﺎﻫرة وﻣـدى اﻟﻌﻣـل ﻟﻛـل ﻣـن اﻟـﻧظم‬
‫اﻟﻔرﻋﯾــﺔ واﻟرﺋﯾﺳــﯾﺔ وﻟﻸﺧــذ ﻓــﻲ اﻟﺣﺳــﺑﺎن دور اﻟﻣﺗﻐﯾــر اﻟﺛﺎﺑــت‪-‬اﻟﻣﻘﯾــﺎس ﻟﻠد ارﺳــﺔ وﺣــدوث اﺿــطراﺑﺎت ﻓــﻲ ﺑﯾﺋــﺔ‬
‫‪4‬‬
‫اﻟﻧظم‪...‬ﻛل ﻫذﻩ اﻟﻌﻧﺎﺻر رﺋﯾﺳﯾﺔ أﺧرى ﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﻧظم اﻟﻌﺎﻣﺔ‪.‬‬
‫وﯾﻌﺗﺑر ﻛﺎﺑﻠن ''أن ﺳﻠوﻛﯾﺎت اﻟدول ﺗﺟﺎﻩ ﺑﻌﺿﻬﺎ اﻟﺑﻌض ﺗﺣددﻫﺎ ﺑﺷﻛل أﺳﺎﺳﻲ طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧظﺎم اﻟـدوﻟﻲ‬
‫اﻟﻘﺎﺋم وﺳﻣﺎﺗﻪ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ‪،‬ﻣن ﻋدد اﻟوﺣـدات اﻟرﺋﯾﺳـﯾﺔ إﻟـﻰ ﺗوزﯾـﻊ اﻟﻘـوة ﺑﯾﻧﻬـﺎ‪ .‬ﻓﺑﻧﯾـﺔ اﻟﻧظـﺎم ﺣﺳـب ﻛـﺎﺑﻠن‬
‫ﺗﺣـدد ﺑﺷـﻛل ﻛﺑﯾـر ﺳـﻠوﻛﯾﺔ أطراﻓـﻪ‪ 5''.‬ﻛﻣـﺎ ﯾـرى ﻣﺎﻛﻠﯾﻼﻧـد أن اﻟﺳـﻠوك اﻟـدوﻟﻲ ﻟﻠدوﻟـﺔ اﻟواﺣـدة ﻫـو ﻋﺑـﺎرة ﻋـن‬
‫أﺧذ وﻋطﺎء ﺑﯾن ﻫذﻩ اﻟدوﻟﺔ وﺑﯾﺋﺗﻬﺎ اﻟدوﻟﯾﺔ‪ ،‬وﻛل ﻫذا اﻷﺧذ و اﻟﻌطﺎء ﻣﺟﺗﻣﻌﺎ وﺑﻣﺷـﺎرﻛﺔ ﻛـل اﻷطـراف داﺧـل‬
‫اﻟوﺣدة اﻟواﺣدة ﻫو ﻣﺎ ﻧطﻠق ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪.6‬‬
‫إذا ﺣﺳب ﻣﻧﻬﺞ اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﻧظﻣﻲ ﻓـﺈن ﺑﻧﯾﺔ اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﻫﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﺣدد ﺳـﻠوك اﻟـدول اﻷطـراف وذﻟـك‬
‫ﻋﻛس اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟواﻗﻌﻲ)اﻟﺗﻘﻠﯾدي( اﻟذي ﯾﺟﻌل ﻣن ﻣﻔﺎﻫﯾم اﻟﻘوة و اﻟﻣﺻﻠﺣﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺣـرك ﺳـﻠوك اﻟـدول ﻫـﻲ اﻟﺗـﻲ‬
‫ﺗﺣدد ﺑﻧﯾﺔ وطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬

‫‪ ( 1‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﺘﻰ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.46 .‬‬

‫‪ (2‬وﻟﯿﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻲ‪ ،‬ﺗﺤﻮل اﻟﻤﺴﻠﻤﺎت ﻓﻲ ﻧﻈﺮﯾﺎت اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ )اﻟﺠﺰاﺋﺮ‪ :‬ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﺸﺮوق ﻟﻺﻋﻼم و اﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ط‪ ،(1994 ،1 .‬ص‪.45.‬‬
‫‪ ( 3‬دورﺗﻲ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺴﺘﻐﺮاف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.48.‬‬
‫‪ ( 4‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﺘﻰ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.48.‬‬
‫‪( 5‬دورﺗﻲ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺴﺘﻐﺮاف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪،‬ص‪.119.‬‬
‫‪ (6‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﺘﻰ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪48.‬‬
‫وﻟﻛـن رﻏـم اﺗﻔـﺎق ﻣﻌظـم أﻧﺻـﺎر ﻫـذا اﻻﺗﺟـﺎﻩ ﻋﻠـﻰ ﺗـﺄﺛﯾر ﺑﻧﯾـﺔ اﻟﻧظـﺎم اﻟـدوﻟﻲ ﻋﻠـﻰ ﺳـﻠوﻛﯾﺎت اﻟـدول‪ ،‬أي‬
‫ﻋﻠــﻰ اﻟﻌﻼﻗــﺔ ﺑــﯾن ﺗوزﯾــﻊ اﻟﻘــوة ووﻗــوع اﻟﺣــروب واﻟﺻ ـراﻋﺎت ﻓــﻲ اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ‪ ،‬إﻻ أﻧﻬــم ﻟــم ﯾﺗﻔﻘ ـوا ﺣــول ﺑﻧﯾــﺔ‬
‫اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ اﻟﺗﻲ ﺗﺷﻛل ﻣﺻد ار ﻟﻠﺻراع أﻛﺛر ﻣن ﻏﯾرﻫﺎ‪ ،‬ﻓظﻬرت ﺑـذﻟك ﺛﻼﺛـﺔ اﺗﺟﺎﻫـﺎت أﺳﺎﺳـﯾﺔ ﺗﺳـﻌﻰ إﻟـﻰ‬
‫ﺗﻔﺳﯾر اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯾن اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ ووﻗوع اﻟﺻراﻋﺎت‪:‬‬
‫اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻷول‪ :‬ﻋﻼﻗﺔ ﻧظﺎم ﺗﻌدد اﻷﻗطﺎب ﺑﺎﻟﺻراع‬
‫ﯾﺳــﺗﻧد ﻫــذا اﻻﺗﺟــﺎﻩ ﻋﻠــﻰ اﻟﻔرﺿــﯾﺔ اﻟﻘﺎﺋﻠــﺔ أن'' ﺗ ـواﺗر ‪ Frequency‬اﻟﺣــروب ﯾﺧــف ﻋﻧــدﻣﺎ ﯾﺗﺣــول‬
‫اﻟﻧظــﺎم ﻣــن اﻟﺛﻧﺎﺋﯾــﺔ اﻟﻘطﺑﯾــﺔ إﻟــﻰ ﺗﻌ ـدد اﻷﻗط ــﺎب‪ ،‬أي أن زﯾــﺎدة ﻋــدد اﻷط ـراف اﻟرﺋﯾﺳــﯾﺔ ﯾﺳــﺎﻫم ﻓــﻲ اﺳ ــﺗﻘرار‬
‫اﻟﻧظﺎم‪ ''.‬وﯾدﻋم ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ ﻛـل ﻣـن دﯾﻔﯾـد ﺳـﻧﻐر و ﻛـﺎرل دوﯾـﺗش‪ 1.‬ﺣﯾـث ﯾﻌﺗﺑـر ﻧظـﺎم اﻟﻘطﺑﯾـﺔ اﻟﺗﻌددﯾـﺔ أﻧـﻪ‬
‫ﻣﯾزة ﻟﻠﻧظﺎم اﻟﻣﺳﺗﻘر اﻟـذي ﻫـو ﻧظـﺎم ﯾرﻛـز ﻓﯾـﻪ ﻋﻠـﻰ اﻟدﺑﻠوﻣﺎﺳـﯾﺔ واﻟوﺳـﺎﺋل اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾـﺔ ﻟﻠﺗﻔـﺎوض‪ ،‬وﺗﻛـون أﻫـداف‬
‫‪2‬‬
‫اﻟوﺣدات ﻓﯾﻪ أﻫداﻓﺎ ﻣﺣدودة‪.‬‬
‫و ﯾﺿﯾف ﻛل ﻣـن دوﯾﺗش وﺳﻧﻐر أﻧـﻪ ﻛﻠﻣـﺎ اﺑﺗﻌـد اﻟﻧظـﺎم ﻋـن اﻟﺛﻧﺎﺋﯾـﺔ اﻟﻘطﺑﯾـﺔ ﻓـﻲ اﺗﺟـﺎﻩ اﻟﺗﻌددﯾـﺔ ﻓـﺎن‬
‫ﻣــن اﻟﻣﺗوﻗــﻊ أن ﯾﺗﻼﺷــﻰ ﺗﻛـرار اﻟﻠﺟــوء إﻟــﻰ اﻟﺣــرب‪ ،‬وﯾــرى ﻛﻼﻫﻣــﺎ أن اﻟﺗﺣﺎﻟﻔــﺎت ﺗﻘﻠــل ﻣــن ﺣرﯾــﺔ أطراﻓﻬــﺎ ﻓــﻲ‬
‫اﻟﺗﻔﺎﻋل ﻣﻊ اﻟدول ﻏﯾر اﻷﻋﺿﺎء ﻓـﻲ اﻟﺗﺣـﺎﻟف‪ ،‬وﻣـﻊ أن اﻟﺗﺣـﺎﻟف ﯾﻘﻠـل ﻣـن ﺣـدة وﻣـدى اﻟﺻـراع ﺑـﯾن أط ارﻓـﻪ‪،‬‬
‫إﻻ أﻧﻪ ﯾزﯾد ذﻟك ﻣﻊ اﻟدول ﺧﺎرج اﻟﺣﻠف‪.‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﯾؤﻛدان ﻋﻠﻰ أن ﺑﻧﯾﺎن اﻟﻘطﺑﯾﺔ اﻟﻣﺗﻌددة ﯾﺗﺳم ﺑدرﺟﺔ ﻣن اﻟﻣروﻧﺔ ﺗﺗﯾﺢ درﺟﺔ أﻛﺑر ﻣـن ﻫـذا اﻟﺗﻔﺎﻋـل‬
‫ﺑــﯾن اﻟــدول‪ ،‬ﻣﻣــﺎ ﯾﻣــﻧﺢ ﻟﻬــﺎ آﻟﯾــﺎت ﻟﺗﻣرﯾــر طﻣوﺣﺎﺗﻬــﺎ واﻟﺗﻌﺑﯾــر ﻋــن أﻫــداﻓﻬﺎ وﻣﺻــﺎﻟﺣﻬﺎ ﺑــﺎﻟطرق اﻟﺳــﻠﻣﯾﺔ ودون‬
‫اﻟﻠﺟ ــوء إﻟ ــﻰ اﻟﺣ ــرب‪ ،‬ﻛﻣـ ــﺎ أﻧ ــﻪ ﻧظ ــﺎم ﻻ ﯾﺗﻣﯾـ ــز ﺑﺧﺎﺻ ــﯾﺔ اﻟﺳ ــﺑﺎق ﻧﺣ ــو اﻟﺗﺳـ ــﻠﺢ‪ ،‬ﻷن أي زﯾ ــﺎدة ﻓ ــﻲ اﻹﻧﻔـ ــﺎق‬
‫‪3‬‬
‫اﻟﻌﺳﻛري أو إﺗﺑﺎع ﺳﯾﺎﺳﺎت دﻓﺎﻋﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ ﻟن ﺗﻔﻬم ﻣن طرف اﻟدول اﻷﺧرى أﻧﻬﺎ ﺗﺷﻛل ﺗﻬدﯾدا ﻟﻬﺎ‪.‬‬

‫اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺛﺎﻧﻲ‪ :‬ﻋﻼﻗﺔ ﻧظﺎم اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟﻘطﺑﯾﺔ ﺑﺎﻟﺻراع‬

‫ﯾــرى دﻋ ـﺎة ﻫــذا اﻻﺗﺟــﺎﻩ أن اﻟﺛﻧﺎﺋﯾــﺔ اﻟﻘطﺑﯾــﺔ ﻫــﻲ أﻛﺛــر ﻣــدﻋﺎة ﻟﻼﺳــﺗﻘرار‪ ،‬واﻷﻗــل ﻣــن ﺣﯾــث اﻟﺣــروب‪،‬‬
‫وﯾﻣﺛـل ﻫــذا اﻻﺗﺟـﺎﻩ ﻛﯾﻧﯾـث واﻟﺗــز‪ ،‬اﻟـذي ﯾﻌﺗﻘــد أن اﻟﻧﺳــق ﺛﻧـﺎﺋﻲ اﻟﻘطﺑﯾــﺔ ﯾﺳـودﻩ اﻟﺣــذر اﻟﻣﺗﺑـﺎدل ﺑــﯾن اﻟﻘطﺑــﯾن‪،‬‬
‫ﻛﻣﺎ أن اﻟﺗﻘﺎرب ﻓﻲ ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﻘوة ﺑـﯾن اﻟﻘطﺑـﯾن ﯾﺣـول دون ﺳـﻌﻲ أي ﻣﻧﻬﻣـﺎ ﻓـﻲ ﻣﺣﺎوﻟـﺔ ﻓـرض ﻫﯾﻣﻧﺗـﻪ ﻋﻠـﻰ‬
‫اﻟﻘطب اﻵﺧر‪.‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﯾرى ﻣﺎﯾﻛل ﻫﺎس ‪ M.Haas‬ﺑدورﻩ أن ﻧﺷوب اﻟﺻراﻋﺎت و اﻟﺣروب ﯾﻛـون أﻗـل اﺣﺗﻣـﺎﻻ ﻓـﻲ ظـل‬
‫ﺛﻧﺎﺋﯾـﺔ اﻷﻗطـﺎب‪ ،‬وذﻟـك رﻏــم ﻣﯾﻠﻬـﺎ إﻟـﻰ أن ﺗﻛـون أطــول ﻧﺳـﺑﯾﺎ ﻣـن ﺣﯾـث اﻟﻣــدى اﻟزﻣﻧـﻲ اﻟـذي ﺗﺳـﺗﻐرﻗﻪ‪ .‬ﻛــذﻟك‬
‫ﯾــرى روزﻛــرﯾﻧس ‪ R.Rosecrance‬أن اﺣﺗﻣــﺎﻻت اﻟﺣــروب و اﻟﺻ ـراع ﺗﻛــون أﻛﺑــر ﻓــﻲ ظــل اﻟﻧﺳــق ﻣﺗﻌــدد‬

‫‪ ( 1‬دورﺗﻲ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺴﺘﻐﺮاف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.123.‬‬

‫‪ ( 2‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ‪ ،‬ص‪.133.‬‬
‫‪ ( 3‬اﻟﺴﯿﺪ ﺳﻠﯿﻢ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.229.‬‬
‫اﻷﻗطــﺎب ﻋﻧﻬــﺎ ﻓــﻲ ظــل اﻟﻧﺳــق ﺛﻧــﺎﺋﻲ اﻟﻘطﺑﯾــﺔ‪ 1.‬ﺣﯾــث أن ﺗﻌــدد اﻷﻗطــﺎب ﯾﻌﻧــﻲ وﺟــود ﺑــداﺋل ﻛﺛﯾ ـرة أو ﺻــور‬
‫ﻋدﯾدة ﻷوﺿـﺎع اﻻﺗـزان ﻣﻣـﺎ ﻗـد ﯾﻔﺳـﺢ اﻟﻣﺟـﺎل أﻣـﺎم ﺗ ازﯾـد اﺣﺗﻣـﺎﻻت ﻧﺷـوب اﻟﺣـروب ﻟﻠﺗﺣـول ﻣـن وﺿـﻊ اﺗـزان‬
‫ﻣﻌﯾن إﻟﻰ آﺧر أﻣﺎ ﻓﻲ ظـل ﺛﻧﺎﺋﯾـﺔ اﻷﻗطـﺎب ﻓﻠـﯾس ﺛﻣـﺔ أوﺿـﺎع ﺑدﯾﻠـﺔ ﻗـد ﺗـدﻓﻊ ﺑـﺄي ﻣـن اﻟﻘطﺑـﯾن إﻟـﻰ اﻟﺗﻌـدﯾل‬
‫‪2‬‬
‫ﻓﻲ اﻟوﺿﻊ اﻟراﻫن‪.‬‬
‫وﯾــرى واﻟﺗــز أن ﻫﻧــﺎك ﻋﻼﻗــﺔ طردﯾــﺔ ﺑــﯾن زﯾــﺎدة اﻟﻘــوى اﻟﻛﺑــرى ﻟﻘوﺗﻬــﺎ وﺑــﯾن ﺗﺣﻘﯾــق اﻻﺳــﺗﻘرار وذﻟــك أن‬
‫زﯾﺎدة اﻟﻘـوى اﻟﻌظﻣـﻰ ﻟﻘوﺗﻬـﺎ ﻓـﻲ اﻟﻘطﺑـﯾن ﯾﻘﻠـل ﻣـن اﺣﺗﻣـﺎﻻت اﺳـﺗﺧداﻣﻬﺎ‪ ،‬ﺣﯾـث ﯾﺻـﺑﺢ اﻣـﺗﻼك اﻷﺳـﻠﺣﺔ ﻣﻬـم‬
‫ﺑﺗوﻓرﻫﺎ ﻛداﻓﻊ ردﻋﻲ وﻟﯾس ﺑﺎﺳﺗﻌﻣﺎﻟﻬﺎ‪ ،‬ﻣﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ أن ﻓﻛرة اﻟﺗـوازن ﺗﺣﻘـق اﻻﺳـﺗﻘرار‪ .‬وﻋﻠـﻰ ﻫـذا اﻷﺳـﺎس ﯾـرى‬
‫‪3‬‬
‫واﻟﺗز ﺿرورة زﯾﺎدة اﻟدول اﻟﻌظﻣﻰ ﻓﻲ اﻟﻘطﺑﯾن ﻟﻘوﺗﻬﺎ ﻷن ذﻟك ﯾﻘﻠل ﻣن اﺣﺗﻣﺎﻻت اﺳﺗﺧداﻣﻬﺎ‪.‬‬
‫إﻻ أن ﻛــﻼ ﻣــن اﻻﺗﺟــﺎﻫﯾن اﻷول و اﻟﺛــﺎﻧﻲ ﻗــد ﻻﻗــﺎ اﻧﺗﻘــﺎدات ﻣــن طــرف ﺑﻌــض اﻟﺑــﺎﺣﺛﯾن اﻟــذﯾن أدرﻛــوا‬
‫ﻗﺻــور ﻛــل اﺗﺟــﺎﻩ ﻓــﻲ ﺗﻘــدﯾم ﺗﺑرﯾ ارﺗــﻪ‪ ،‬وﻣــن ﺑــﯾن ﻫــؤﻻء اﻟﻣﻌﺎرﺿــﯾن ﻧﺟــد رﯾﺗﺷــﺎرد روزﻛ ـراﻧس‪R.Roscrans‬‬
‫اﻟـذي ﯾﻘﺗــرح ﻧﻣوذﺟــﺎ آﺧـر‪-‬ﻛﺑــدﯾل ﻟﻠﻧﻣــوذﺟﯾن اﻟﺳــﺎﺑﻘﯾن‪ -‬ﯾﺟﻣـﻊ ﺑﯾﻧﻬﻣــﺎ وأطﻠــق ﻋﻠﯾـﻪ ''اﻟﻘطﺑﯾــﺔ اﻟﺛﻧﺎﺋﯾــﺔ اﻟﺗﻌددﯾــﺔ‬
‫‪.Bi-multipolarity‬‬
‫‪ ‬اﻟﻘطﺑﯾﺔ اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟﺗﻌددﯾﺔ‪) Bi.Multipolarity‬ﻛﺎﺗﺟﺎﻩ وﺳط(‬
‫وﯾﻌﺗﺑــر ﻫــذا اﻻﺗﺟــﺎﻩ ﻛﻣﺣﺎوﻟــﺔ ﻟﻠﺟﻣــﻊ ﺑــﯾن اﯾﺟﺎﺑﯾــﺎت اﻻﺗﺟــﺎﻫﯾن اﻟﺳــﺎﺑﻘﯾن )اﻟﻘطﺑﯾــﺔ اﻟﺛﻧﺎﺋﯾــﺔ و اﻟﺗﻌددﯾــﺔ(‬
‫ﻣن ﺟﻬﺔ و اﻟﺗﺧﻠص ﻣن ﻧﻘﺎط ﺿﻌﻔﻬﻣﺎ ﻣـن ﺟﻬـﺔ ﺛﺎﻧﯾـﺔ‪ .‬ﺣﯾـث ﯾﻧﺗﻘـد روزﻛـرﯾﻧس ‪ R.Rosecrance‬اﻟﻧﻣـوذج‬
‫اﻟﺛﻧﺎﺋﻲ وﯾﻘول'' إﻧﻪ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻧظﺎم اﻟذي ﺗﻛون اﻟﻘوﺗﺎن اﻟﻌظﻣﯾﺎن ﻣﻌﻧﯾﺗـﯾن ﺗﻣﺎﻣـﺎ ﺑﻧﺗـﺎﺋﺞ أﯾـﺔ ﻣﺳـﺄﻟﺔ دوﻟﯾـﺔ ﻛﺑـرى‬
‫ﯾﻣﻛن اﻟﻘول أﻧﻧﺎ أﻣﺎم ﺻـراع ﺻـﻔري ‪ .Zero Sum games‬وﯾـرى أن دواﻓـﻊ اﻟﺗوﺳـﻊ واﺣﺗﻣـﺎﻻت اﻟﺻـراع ﺑـﯾن‬
‫ﻗﺎدة اﻟﻛﺗﻠﺔ أو اﻟﺗﺣﺎﻟف ﻫﻲ أﻛﺑر ﻓﻲ اﻟﻘطﺑﯾﺔ اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ أﻛﺛر ﻣﻧﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺗﻌددﯾﺔ‪.‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﯾرى ﻓﻲ ﻧظﺎم ﺗﻌدد اﻷﻗطﺎب أﻧﻪ ﺑـﺎﻟرﻏم ﻣـن أن ﺣـدة اﻟﺻـراع ﻗـد ﺗﻛـون أﻗـل ﻓـﻲ ﻫـذا اﻟﻧظـﺎم إﻻ أن‬
‫ﺗﻛـرار ﺣــﺎﻻت اﻟﺻ ـراع ﻗــد ﺗﻛــون أﻛﺛــر ﻧﺗﯾﺟــﺔ اﻻﺧــﺗﻼف اﻟﻛﺑﯾــر ﻓــﻲ اﻟﻣﺻــﺎﻟﺢ‪ ،‬و ﯾﺿــﯾف'' إذا ﻛﺎﻧــت اﻟﻘطﺑﯾــﺔ‬
‫ﺗﺣــد ﻣــن آﺛــﺎر وﻧﺗــﺎﺋﺞ اﻟﺻ ـراع‪ ،‬إﻻ أﻧﻬــﺎ ﻻ ﺗــؤﺛر إﻻ ﺑﻧﺳــﺑﺔ ﺑﺳــﯾطﺔ ﻋﻠــﻰ ﻋــدد ﺣــﺎﻻت اﻟﺻ ـراع‪ٕ ،‬واذا ﻛﺎﻧــت‬
‫اﻟﻘطﺑﯾــﺔ اﻟﺛﻧﺎﺋﯾــﺔ ﺗﺗﺿــﻣن ﺻ ـراﻋﺎ ﺧطﯾ ـ ار ﺑــﯾن اﻟﻘطﺑــﯾن ﻓﺈﻧﻬــﺎ ﺗﻘﺗﺿــﻲ أو ﺗﺧﻔــف اﻟﺻ ـراﻋﺎت اﻷﺧــرى ﻓــﻲ أي‬
‫ﻣﻛــﺎن ﻣــن اﻟﻌ ــﺎﻟم'' أﻣــﺎ اﻟﻧﻣــوذج اﻟ ــذي ﯾﻘﺗرﺣــﻪ روزﻛ ـرﯾﻧس‪ -‬اﻟﻘطﺑﯾ ــﺔ اﻟﺛﻧﺎﺋﯾــﺔ اﻟﺗﻌددﯾــﺔ‪''-‬ﻓﺗﻌﻣ ــل ﻓﯾــﻪ اﻟ ــدوﻟﺗﺎن‬
‫اﻟﻌظﻣﯾﺎن‪-‬اﻟﻘطﺑﺎن‪-‬ﻛﻣﻧظﻣﯾن ﺿﺎﺑطﯾن ﻟﻠﺻراع ﻓﻲ اﻟﻣﻧـﺎطق اﻟﺧﺎرﺟـﺔ ﻋـن ﺣـدود ﻛـل ﻗطـب ﻣﻧﻬﻣـﺎ ﻓـﻲ ﺣـﯾن‬
‫ﻛﺎن اﻟﺻراع ﻻ ﯾﻧﺗﻬﻲ ﻓﻲ أﯾﺔ ﺣﺎﻟﺔ ﻣن اﻟﺣﺎﻟﺗﯾن إﻻ أﻧﻪ ﻻ ﯾﻣﻛـن ﺿـﺑطﻪ ﻓـﻲ ﻫـذا اﻟﻧﻣـوذج''‪ 4.‬وﻫـذا ﯾﻌﻧـﻲ أن‬
‫اﻟﺣ ــرب ﻓ ــﻲ اﻟﻘطﺑﯾ ــﺔ اﻟﺛﻧﺎﺋﯾ ــﺔ اﻟﺗﻌددﯾ ــﺔ أﻗ ــل اﺣﺗﻣ ــﺎﻻ ﻣﻣ ــﺎ ﻫ ــﻲ ﻓ ــﻲ اﻟﻘطﺑﯾ ــﺔ اﻟﺛﻧﺎﺋﯾ ــﺔ أو اﻟﺗﻌددﯾ ــﺔ‪ .‬إذن ﺣﺳ ــب‬
‫روزﻛــرﯾﻧس ﻓــﺈن زﯾــﺎدة اﻟﻘطﺑﯾــﺔ اﻟﺗﻌددﯾــﺔ ﺳــﺗدﻋم اﻟوﻓــﺎق ﺑــﯾن اﻟﻘــوى اﻟﻌظﻣــﻰ و ﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻲ زﯾـﺎدة اﻟﺗﻌــﺎون ﻓــﻲ ﺣــل‬
‫اﻟﻣﺷﻛﻼت اﻟﺗﻲ ﺗﻘﻊ ﻓﻲ ﻧطﺎق اﻟﻘطﺑﯾﺔ اﻟﺗﻌددﯾﺔ‪.‬‬

‫‪ ( 1‬ﻣﺼﻄﻔﻰ ﻣﻨﺼﻮر‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.70.‬‬

‫‪ ( 2‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ‪ ،‬ص‪.71.‬‬
‫‪ ( 3‬دورﺗﻲ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺴﺘﻐﺮاف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.133.‬‬
‫‪ ( 4‬دورﺗﻲ‪،‬ﺑﺎﻟﺴﺘﻐﺮاف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪،‬ص ص ‪.135،136.‬‬
 ‫اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺛﺎﻟث‪:‬ﻋﻼﻗﺔ ﻧظﺎم اﻟﻘطب اﻟواﺣد ﺑﺎﻟﺻراع‬
‫ﺗﻌــرف اﻟﻘطﺑﯾــﺔ اﻷﺣﺎدﯾــﺔ ﺑﺄﻧﻬــﺎ ﺑﻧﯾــﺎن دوﻟــﻲ ﯾﺗﻣﯾــز ﺑوﺟــود ﻗــوة أو ﻣﺟﻣوﻋــﺔ ﻣــن اﻟﻘــوى اﻟﻣؤﺗﻠﻔــﺔ ﺳﯾﺎﺳــﯾﺎ‬
‫ﺗﻣﺗﻠـك ﻧﺳـﺑﺔ ﻣــؤﺛرة ﻣـن اﻟﻣـوارد اﻟﻌﺎﻟﻣﯾـﺔ‪ ،‬ﺗﻣﻛﻧﻬـﺎ ﻣـن ﻓــرض إرادﺗﻬـﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳــﯾﺔ ﻋﻠـﻰ اﻟﻘــوى اﻷﺧـرى‪ ،‬دون ﺗﺣــد‬
‫‪1‬‬
‫رﺋﯾﺳﻲ ﻣن ﺗﻠك اﻟﻘوى‪.‬‬
‫وﻓــﻲ ﻋﻼﻗــﺔ ﺷــﻛل ﻫــذا اﻟﻧظــﺎم ﺑﺎﻟﺻـراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ‪ ،‬ﯾﻌﺑــر ﻋﻧــﻪ ﻣﺎﯾﻛــل ﻫــﺎس ‪ M.Haas‬اﻟــذي ﯾــرى أن‬
‫ﻧظــﺎم اﻟﻘطــب اﻟواﺣــد أﻛﺛــر ﻣــﯾﻼ إﻟــﻰ ﺗﺣﻘﯾــق اﻻﺳــﺗﻘرار اﻟــدوﻟﻲ‪ ،‬ﻓوﺟــود ﻗطــب واﺣــد‪-‬ﺣﺳــﺑﻪ‪-‬ﯾﺿــﻣن اﺳــﺗﻘرار‬
‫اﻟﻧظـﺎم ﺑﺣﻛـم اﻟﻘــوة اﻟﻣﻬﯾﻣﻧـﺔ ﻟﻬـذا اﻟﻘطــب‪ ،‬وﻗـد وﺟــد ‪ Haas‬ﻓـﻲ ﺗﺣﻠﯾﻠـﻪ ﻟواﺣــد وﻋﺷـرﯾن ﻧظﺎﻣـﺎ دوﻟﯾــﺎ ﻓرﻋﯾـﺎ ﺑــدأ‬
‫‪2‬‬
‫ﻣن ﻋﺎم ‪ 1649‬أن ﻧظﺎم اﻟﻘطﺑﯾﺔ اﻟواﺣدة ﻛﺣﺎﻟﺔ اﻹﻣﺑراطورﯾﺎت ﻫو أﻛﺛر أﺷﻛﺎل اﻷﻧظﻣﺔ اﻟدوﻟﯾﺔ اﺳﺗﻘ اررا‪.‬‬
‫ﻛﻣﺎ دﻋﺎ ﻛل ﻣن روﺳو و دوﻧﺗﻲ ﻣن ﻗﺑل إﻟﻰ اﻟـﺗﺧﻠص ﻣـن اﻟﺣـروب ﻋﺑـر إﻗﺎﻣـﺔ ﺣﻛوﻣـﺔ دوﻟﯾـﺔ ﻓدراﻟﯾـﺔ‬
‫ﺗﻛون ﻓوق اﻟﺟﻣﯾﻊ وﺗرﺑط اﻟدول ﺑﻌﺿﻬﺎ ﺑﺑﻌض ﻛﻣﺎ ﯾرﺗﺑط اﻷﻓـراد ﻓـﻲ دوﻟـﺔ واﺣـدة‪ 3.‬وﺣﺳـب ﻫـذا اﻻﺗﺟـﺎﻩ ﻓـﺈن‬
‫اﻟﺻ ـراﻋﺎت واﻟﺣــروب ﻻ ﺗﻧﺗﻬــﻲ طﺎﻟﻣــﺎ ﺑﻘــﻲ اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ ﻗﺎﺋﻣــﺎ ﻋﻠــﻰ ﺗﻌــدد اﻟــدول‪ ،‬واﻟﺳــﻼم ﻟــن ﯾﺗﺣﻘــق إﻻ‬
‫ﺑﺈﻟﻐﺎء ﻫذا اﻟﺗﻌـدد واﻋﺗﻧـﺎق ﻗوﻣﯾـﺔ ﻋﺎﻟﻣﯾـﺔ ﺟدﯾـدة ﺗﻛـون أرﻗـﻰ وأﺣﺳـن ﻣـن اﻟﻘوﻣﯾـﺎت اﻟﺿـﯾﻘﺔ اﻟراﻫﻧـﺔ‪ ،‬ﻛﻣـﺎ ﯾـرى‬
‫‪4‬‬
‫ﻫذا اﻻﺗﺟﺎﻩ أﻧﻪ ﻻ ﯾﻣﻛن ﺗﺣﻘﯾق اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟﻣﺷروﻋﺔ ﻟﻛﺎﻓﺔ اﻟﺷﻌوب إﻻ ﻓﻲ ظل ﺣﻛوﻣﺔ ﻋﺎﻟﻣﯾﺔ‪.‬‬
‫إذا وﻋﻠــﻰ اﺧــﺗﻼف اﻟﺑــﺎﺣﺛﯾن ﺣــول ﺑﻧﯾــﺔ اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ اﻟﺗــﻲ ﺗﺷــﻛل ﻣﺻــد ار ﻟﻠﺻ ـراع أﻛﺛــر ﻣــن ﻏﯾرﻫــﺎ‪ ،‬إﻻ‬
‫أﻧﻬــم ﯾﺗﻔﻘــون ﺣــول ﻣــدى ﺗــﺄﺛﯾر ﺑﻧﯾــﺔ ﻫــذا اﻟﻧظــﺎم وﻛــذا اﻟﻘــوى داﺧﻠــﻪ وأﻧﻣــﺎط اﻟﺗﻔﺎﻋــل ﺑــﯾن أط ارﻓــﻪ ﻋﻠــﻰ ﺗﺣﻘﯾــق‬
‫اﻻﺳـ ـ ــﺗﻘرار أو اﻟﺟﻧـ ـ ــوح إﻟـ ـ ــﻰ اﻟﺻ ـ ـ ـراﻋﺎت و اﻟﺣـ ـ ــروب‪ .‬وﺗﻔﺎدﯾـ ـ ــﺎ ﻟـ ـ ــذﻟك اﻟﺧـ ـ ــﻼف ﻟﺧـ ـ ــص ﺟــــــون ﻓﺎﺳـــــــﻛﯾز‬
‫‪ JohnVasquez‬ﺧﺻﺎﺋص اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ اﻟﻣﺳﺎﻋدة ﻋﻠﻰ اﻧﺗﺷﺎر اﻟﺻراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ ﻓﻲ‪:‬‬
‫‪ -‬اﻟـــدول اﻷﻗـــوى ﻓـــﻲ اﻟﻧظـــﺎم اﻟـــدوﻟﻲ ﻫـــﻲ اﻷﻣﯾـــل ﻟﺧـــوض اﻟﺣـــروب‪ ،‬وﺣـــﯾن ﯾﺗﻐﯾـــر ﻣﯾـــزان اﻟﻘـــدرات‬
‫اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ ﺳرﯾﻌﺎ ﺑﯾن اﻟدول اﻟﻛﺑـرى اﻟﻣﺗﻌﺎدﯾـﺔ‪ ،‬ﺣﺗـﻰ ﺗﻘﺗـرب ﻣـن درﺟـﺔ اﻟﺗﻌـﺎدل ﯾـزداد اﺣﺗﻣـﺎل اﻧﺟرارﻫـﺎ إﻟـﻰ‬
‫اﻟﺣرب‪.‬‬
‫‪ -‬ﺣـﯾن ﺗﺗﻔـق اﻟـدول اﻟﻛﺑـرى ﻋﻠـﻰ ﻗواﻋـد اﻟﻠﻌﺑــﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳـﯾﺔ و اﻷﻋـراف اﻟدوﻟﯾـﺔ ﺑﻣـﺎ ﯾﺣـد ﻣـن ﻗــدراﺗﻬﺎ‬
‫‪5‬‬
‫ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺻرف ﻣﻧﻔردة‪ ،‬ﯾﻘل ﺑﺷدة ﻧزوﻋﻬﺎ ﻟﺧوض ﺣروب ﺿد ﺑﻌﺿﻬﺎ ﺑﻌﺿﺎ‪.‬‬

‫و اﻟواﻗ ــﻊ أن أﺳ ــﺑﺎب اﻟﺻـ ـراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾ ــﺔ اﻟﻣﺗﻌﻠﻘ ــﺔ ﺑﺎﻟﻧظ ــﺎم اﻟ ــدوﻟﻲ اﻟﺗ ــﻲ اﺗﻔ ــق ﻋﻠﯾﻬ ــﺎ ﻋﻠﻣ ــﺎء اﻟﻌﻼﻗ ــﺎت‬
‫اﻟدوﻟﯾﺔ ﻗﻠﯾﻠﺔ ﻧﺳﺑﯾﺎ‪ ،‬ﻷن ﻛﺛﯾ ار ﻣﻧﻬم ﺗﺣول ﻣن دراﺳﺔ أﺳـﺑﺎب اﻟﺻـراع اﻟـدوﻟﻲ ﻋﻠـﻰ ﻣﺳـﺗوى اﻟﻧظـﺎم اﻟـدوﻟﻲ إﻟـﻰ‬
‫دراﺳﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﺗوﯾﯾن اﻟﻔردي و اﻟوطﻧﻲ‪ ،‬وﺣﺗﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى ﻣوﺿوﻋﺎت اﻟﺻراع ﺑﯾن اﻟـدول‪ ،‬وﻗـد ﺑـرز ﻫـذا‬
‫اﻟﺗﺣــول ﺑﺷــﻛل واﺿــﺢ ﺑﻌــد ﻧﻬﺎﯾــﺔ اﻟﺣــرب اﻟﺑــﺎردة اﻟﺗــﻲ أﻓــرزت أﻧواﻋــﺎ ﺟدﯾــدة ﻣــن اﻟﺻ ـراﻋﺎت‪ ،‬أﺻــﺑﺢ ﻟﻠﻌﺎﻣــل‬
‫اﻟﺛﻘ ــﺎﻓﻲ واﻟ ــدﯾﻧﻲ دو ار ﻛﺑﯾ ـ ار ﻓ ــﻲ ﺗﺷ ــﻛﻠﻬﺎ‪ ،‬اﻷﻣ ــر اﻟ ــذي زاد ﻣ ــن ﺻ ــﻌوﺑﺔ ﺗﺑﻧ ــﻲ ﻣﺳ ــﺗوى ﺗﺣﻠﯾﻠ ــﻲ دون آﺧ ــر ﻓ ــﻲ‬

‫‪ (1‬ﻋﻮدة‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.170.‬‬

‫‪ (2‬اﻟﺴﯿﺪ ﺳﻠﯿﻢ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص ‪.269‬‬
‫‪ (3‬ﯾﻮﺳﻒ ﺣﺘﻰ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.322.‬‬
‫‪ ( 4‬ﺑﻮﻗﺎرة‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.30.‬‬
‫‪ ( 5‬ﻋﻠﻲ ﺳﺎﻟﻢ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.14.‬‬
‫ﺗﻔﺳــﯾرﻫﺎ‪ ،‬وﻓﺳ ــﺢ ﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻲ اﻟﻣﺟ ــﺎل ﻟﻧظرﯾ ــﺎت أﺧ ـرى ﺗﻘ ــوم ﻋﻠ ــﻰ ﺗﻔﺳــﯾرات ﺗﺄﻣﻠﯾ ــﺔ ﺗﻌط ــﻲ اﻷﻫﻣﯾــﺔ ﻟﻠﻌواﻣ ــل ﻏﯾ ــر‬
‫اﻟﻣﺎدﯾﺔ )اﻟﻬوﯾـﺎت واﻷﻓﻛـﺎر( ﻓـﻲ ﺗﺷـﻛﯾل اﻟﺳـﻠوﻛﯾﺎت اﻟﻧزاﻋﯾـﺔ ﻋﻠـﻰ اﻋﺗﺑـﺎر أﻧﻬـﺎ ﻻ ﺗﻧﺑـﻊ ﻣـن اﻟطﺑﯾﻌـﺔ اﻟﻔوﺿـوﯾﺔ‬
‫ﻟﻠﻧظﺎم‪ ،‬ﺑﻘدر ﻣﺎ ﻫﻲ اﻧﻌﻛﺎس ﻟﻠﺗرﻛﯾﺑﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻟﺧطﺎﺑﺎت واﻷﻓﻛﺎر اﻟﺳﺎﺋدة ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ‪.‬‬

‫اﻟﻣطﻠب اﻟﺛﺎﻟث‪ :‬ﺗﻔﺳﯾرات اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﺑﻧﺎﺋﯾﺔ ‪Constructivism‬‬

‫ﺑدأ اﻻﺗﺟﺎﻩ اﻟﺳﺎﺋد ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ ﺑﻌد اﻟﺣرب اﻟﺑـﺎردة ﻓـﻲ ﻣواﺟﻬـﺔ ﺻـﻌوﺑﺎت ﻛﺛﯾـرة ﻓـﻲ ﺷـرح ﻛﯾﻔﯾـﺔ‬
‫ﻧﻬﺎﯾﺔ ﺗﻠك اﻟﺣرب وﻓﻬﻣﻬﺎ‪ ،‬وﺑﺷﻛل ﻋﺎم اﻟﺗﻐﯾر اﻟﺷﺎﻣل ﻓﻲ اﻟﻧﺳق اﻟدوﻟﻲ وﻓﻬﻣـﻪ‪ ،‬ﻓﻘـد ﺑـدا واﺿـﺣﺎ ﻟﻛﺛﯾـرﯾن أن‬
‫ﺗﻠك اﻟﺻﻌوﺑﺎت إﻧﻣﺎ ﺗﻧﺑﻊ أﺻﻼ ﻣن ﺳﯾطرة اﻻﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟﻌﻘﻼﻧﯾـﺔ ﻋﻠـﻰ ﻧظرﯾـﺔ اﻟﻌﻼﻗـﺎت اﻟدوﻟﯾـﺔ ﻣﻣـﺎ دﻓـﻊ إﻟـﻰ‬
‫اﻻﻋﺗﻘــﺎد ﺑــﺄن ﻣﻧﻬﺟــﺎ ﻣﻐــﺎﯾ ار ﯾﺄﺧــذ ﻓــﻲ اﻻﻋﺗﺑــﺎر اﻟﻘﺿــﺎﯾﺎ اﻟﻣﺛﺎﻟﯾــﺔ‪ ،‬واﻷﻓﻛــﺎر اﻟﻣﺷــﺗرﻛﺔ ﻗــد ﯾﻘــدم ﺷــرﺣﺎ وﻓﻬﻣــﺎ‬
‫‪1‬‬
‫أﻓﺿل ﻟﻠﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟدوﻟﯾﺔ‪.‬‬
‫ﺑــدأ ذﻟ ـك ﻣــﻊ ظﻬــور اﻟﺑﻧﺎﺋﯾـــﺔ ‪ Constractivism‬ﻓــﻲ اﻟﻌﻼﻗ ــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ ﻓــﻲ ﻧﻬﺎﯾــﺔ اﻟﺛﻣﺎﻧﯾﻧــﺎت اﻟﺗ ــﻲ‬
‫ﺑــدأت ﺑﺎﻧﺗﻘﺎدﻫــﺎ ﻟﻼﺗﺟﺎﻫــﺎت اﻟﺗــﻲ ﻛﺎﻧــت ﺳــﺎﺋدة ﻓــﻲ اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ‪ ،‬وﻛــﺎن ﻧﯾﻛــوﻻس أوﻧﯾــف ‪Nicholas‬‬
‫‪ () Onuf‬أول ﻣن اﺳﺗﻌﻣل اﻟﻣﺻطﻠﺢ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ "ﻋـﺎﻟم ﻣـن ﺻـﻧﻌﻧﺎ'' ‪ ،World of our making‬ﺣﯾـث‬
‫رﻛز ﻋﻠﻰ اﻧﺗﻘﺎد أﻋﻣﺎل اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ‪ 2.‬اﻟﺗﻲ ﺗرى ﻓﻲ ﺑﻧﯾﺔ اﻟﻧﺳـق اﻟـدوﻟﻲ ﻋﻠـﻰ أﻧﻬـﺎ ﺗوزﯾـﻊ اﻟﻘـدرات اﻟﻣﺎدﯾـﺔ‬
‫ﺑــﯾن اﻟــدول‪ ،‬وأن اﻟﺑﻧﯾــﺎت واﻟﻣﺻــﺎﻟﺢ واﻟﻬوﯾــﺎت ﻋواﻣــل ﺛﺎﺑﺗــﺔ وذﻟــك ﻛﺎﻧﻌﻛــﺎس ﻟﺛﺑــﺎت واﻧﺗظــﺎم اﻟﺣﯾــﺎة اﻟﺳﯾﺎﺳــﯾﺔ‬
‫واﻟدوﻟﯾــﺔ‪ ،‬ﻛﻣــﺎ ﺗﺄﺧــذ اﻟدوﻟــﺔ ﻛﻣﻌطــﻰ ﻣوﺿــوﻋﻲ ﻣﺳــﺑق‪ .‬وﻓــﻲ ﻣﻘﺎﺑــل ذﻟــك اﻧطﻠــق اﻟﺑﻧــﺎﺋﯾون ﻣــن اﻋﺗﺑــﺎر ﺑﻧﯾــﺔ‬
‫اﻟﻧﺳــق اﻟدوﻟﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ أﻧﻬــﺎ ''ﺗوزﯾــﻊ اﻷﻓﻛــﺎر'' ﺑــﯾن اﻟﻔــﺎﻋﻠﯾن‪ ،‬وأن ﻓواﻋــل ﺑﯾﺋــﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ ﻣــﺎ ﯾﺷــﻛﻠون وﯾﻌﯾــدون‬
‫ﺗﺷــﻛﯾل اﻟﻌــﺎﻟم اﻻﺟﺗﻣــﺎﻋﻲ اﻟــذي ﯾﺗﻔــﺎﻋﻠون ﻓﯾــﻪ‪ ،‬ﻟــذﻟك ﻓﻬــﻲ ﺗﻌﺗﻘــد أن اﻟﺑﻧﯾــﺎت واﻟﻣﻌﺗﻘــدات واﻟﻣﺻــﺎﻟﺢ ﻟﯾﺳــت‬
‫‪3‬‬
‫ﺑﻌواﻣل ﺛﺎﺑﺗﺔ‪ ،‬ﺑل ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﺗﻐﯾﯾر ﺑﺎﺳﺗﻣرار وﺑﺄن ﻟﻠﻔواﻋل دو ار ﻣﺣﺗﻣﻼ أﻛﺑر ﻓﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ‪.‬‬
‫وﯾرى ‪ Wendt‬أن اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﺑﻧﺎﺋﯾﺔ ﻫﻲ ﻧظرﯾﺔ ﻫﯾﻛﻠﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬وﺗﺗﻣﺗﻊ ﺑﺎﻟﺳﻣﺎت اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ‪:‬‬
‫‪ -‬اﻟدول ﻫﻲ اﻟوﺣدات اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﺗﺣﻠﯾل‪.‬‬
‫‪ -‬اﻟﺑﻧﻰ اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﻧظﺎم اﻟﻘﺎﺋم ﻋﻠﻰ اﻟدول‪ ،‬ﻣﺑﻧﯾﺔ ﺑﺷﻛل "ﺗذاﺗﺎﻧﻲ" ‪.Intersubjective‬‬
‫‪ -‬ﻫوﯾﺎت و ﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟدول‪ ،‬ﺗﺗﺷﻛل ﻓﻲ ﻣﻌظم أﺟزاﺋﻬـﺎ ﺑﻔﻌـل اﻟﺑﻧـﻰ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ‪ ،‬أﻛﺛـر ﻣـﺎﻫﻲ ﻣوﺟـودة ﺑﺷـﻛل‬
‫‪4‬‬
‫ﻣﻧﻌزل ﺿﻣن اﻟﻧظﺎم‪.‬‬

‫‪ ( 1‬وﻧﺖ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ ‪،‬ص‪.05.‬‬

‫‪ ‬إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻋﻤﻞ أوﻧﯿﻒ ‪،‬ﺻﺪر ﻣﻘﺎل ﺳﻨﺔ ‪ 1992‬ﻷﻟﻜﺴﻨﺪر واﻧﺪت ‪ Alexander Wendt‬واﻟﻤﻌﻨﻮن ب'' ‪Anarchy is what states make‬‬
‫''‪ of it: The social construction of power politics‬واﻟﺬي أﺣﺪث ﺑﺪوره أﺛﺮا ﻛﺒﯿﺮا ﻓﻲ إﺛﺮاء وﺗﻄﻮﯾﺮ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ اﻟﺒﻨﺎﺋﻲ ‪،‬ﺣﯿﺚ أﺻﺒﺢ‬
‫‪ Wendt‬ﯾﻠﻘﺐ ﺑﺄﺑﻲ اﻟﺒﻨﺎﺋﯿﺔ ‪.‬ﻛﻤﺎ ظﮭﺮت اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻟﺘﻨﻘﯿﺤﺎت ﻓﻲ إطﺎر اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ اﻟﺒﻨﺎﺋﻲ وھﻮ ﻣﺎ اﻧﻌﻜﺲ ﻋﻠﻰ ﺑﺮوز اﻟﻌﺪﯾﺪ ﻣﻦ اﻻﺗﺠﺎھﺎت ﺣﯿﺚ ﻛﺎن‬
‫اﻟﻌﺎﻣﻞ اﻻﺑﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﻲ ھﻮ اﻟﻤﺆﺷﺮ اﻟﺮﺋﯿﺴﻲ ﻟﻠﺘﻤﯿﯿﺰ ﺑﯿﻦ ھﺬه اﻻﺗﺠﺎھﺎت ﺣﯿﺚ ﻧﺠﺪ اﻟﺒﻨﺎﺋﯿﯿﻦ اﻟﻮﺿﻌﯿﯿﻦ أو اﻟﺤﺪاﺛﯿﯿﻦ ‪Constructivist Modernist‬‬
‫وﯾﻤﺜﻠﮭﻢ أﻟﻜﺴﻨﺪر واﻧﺪت‪،‬واﻟﺒﻨﺎﺋﯿﻦ اﻟﻨﯿﻮﻛﻼﺳﯿﻜﯿﯿﻦ أﻣﺜﺎل ‪ N. Onuf, A .Adler ,F .Kratochwill‬إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ‪. Peter Katzenstein‬وﻣﻌﻈﻢ‬
‫ھﺆﻻء ﯾﻤﯿﻠﻮن إﻟﻰ ﺗﺒﻨﻲ اﺑﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﯿﺔ وﺿﻌﯿﺔ ‪.‬أﻣﺎ اﻟﺒﻨﺎﺋﯿﻮن اﻟﺤﺪاﺛﯿﻮن أوﺑﻌﺪ اﻟﺤﺪاﺛﯿﻮن أﻣﺜﺎل ‪David ,Rechard Ashely ,J.Der Darin‬‬
‫‪ Compbel‬إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ‪ R B.J Walker‬ﻓﮭﻢ ﯾﺘﺒﻨﻮن اﺑﯿﺴﺘﯿﻤﻮﻟﻮﺟﯿﺎ ﺑﻌﺪ وﺿﻌﯿﺔ‪.‬‬
‫‪ ( 2‬ﻋﺰ اﻟﺪﯾﻦ ﺣﻤﺎﯾﺪي‪،‬دور اﻟﺘﺪﺧﻞ اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻓﻲ اﻟﻨﺰاﻋﺎت اﻟﻌﺮﻗﯿﺔ‪،‬ﻣﺬﻛﺮة ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﻨﯿﻞ ﺷﮭﺎدة اﻟﻤﺎﺟﺴﺘﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ)ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻗﺴﻨﻄﯿﻨﺔ‪:‬ﻛﻠﯿﺔ‬
‫اﻟﺤﻘﻮق واﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ ‪،(2005،‬ص‪.34.‬‬
‫‪ ( 3‬وﻧﺖ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪،‬ص‪.07.‬‬
‫‪ ( 4‬ﻋﻤﺎر ﺣﺠﺎر‪ ،.‬اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻷﻣﻨﯿﺔ اﻷوروﺑﯿﺔ ﺗﺠﺎه ﺟﻨﻮﺑﮭﺎ اﻟﻤﺘﻮﺳﻂ‪ ،‬ﻣﺬﻛﺮة ﻟﻨﯿﻞ ﺷﮭﺎدة اﻟﻤﺎﺟﺴ ﺘﯿﺮ ﻓ ﻲ اﻟﻌﻼﻗ ﺎت اﻟﺪوﻟﯿ ﺔ) ﺟﺎﻣﻌ ﺔ ﺑﺎﺗﻨ ﺔ‪،(2002 ،‬‬
‫ص‪.40 .‬‬
‫وﺑذﻟك ﺗؤﻛد اﻟﺑﻧﺎﺋﯾﺔ )ﻣن اﻟﻧﺎﺣﯾـﺔ اﻷﻧطوﻟوﺟﯾـﺔ( أن اﻟﻌﻼﻗـﺎت اﻟدوﻟﯾـﺔ ﻋﺑـﺎرة ﻋـن ﻣﺟﺗﻣـﻊ دوﻟـﻲ ‪Global‬‬
‫‪،Society‬ﻋﻠــﻰ ﻏ ـرار ﻣــﺎ أﻛــدﻩ ﻫــدﻟﻲ ﺑــول ‪ H. Bull‬اﻟــذي ﯾــرى أن اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ ﻋﺑــﺎرة ﻋــن ﻣﺟﺗﻣــﻊ‬
‫ﻓوﺿوي‪ ،‬ﻏﯾر أن اﻟﺑﻧﺎﺋﯾﺔ ﺗرى ﻋﻛس ﻫدﻟﻲ ﺑول أن اﻟﻔواﻋل ﻟﯾﺳت ﻓﻘـط اﻟـدول ﺑـل ﻛـذﻟك اﻟﻣﻧظﻣـﺎت اﻟدوﻟﯾـﺔ‪،‬‬
‫ﺑﺎﻹﺿــﺎﻓﺔ إﻟــﻰ اﻟﻔواﻋــل اﻟﻌﺑــر وطﻧﯾــﺔ واﻟﺣرﻛــﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔ ـﺔ ﻣــن ﺑﯾﻧﻬــﺎ اﻟﺣرﻛــﺎت اﻟﻌرﻗﯾــﺔ واﻟوطﻧﯾــﺔ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﺗﻌﺗﺑر ﺑﺄن اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟدوﻟﻲ ﻟﯾس ﺣﺎﺻل ﺟﻣﻊ ﻫذﻩ اﻟﻔواﻋل‪ ،‬ﺑل ﻫو ﻛﺎﺋن آﺧر ﯾؤﺛر وﯾﺗﺄﺛر ﺑﺄﺟزاﺋﻪ‪.‬‬
‫وﻗــد ﺳــﺎﻫﻣت ﻧﻬﺎﯾــﺔ اﻟﺣــرب اﻟﺑــﺎردة ﻓــﻲ إﺿــﻔﺎء اﻟﺷــرﻋﯾﺔ ﻋﻠــﻰ اﻟﻧظرﯾــﺎت اﻟﺑﻧﺎﺋﯾــﺔ ﻷن اﻟواﻗﻌﯾــﺔ واﻟﻠﯾﺑراﻟﯾــﺔ‬
‫أﺧﻔﻘﺗــﺎ ﻓــﻲ اﺳــﺗﺑﺎق ﻫــذا اﻟﺣــدث ﻛﻣــﺎ أﻧﻬﻣــﺎ وﺟــدﺗﺎ ﺻــﻌوﺑﺔ ﻛﺑﯾـرة ﻓــﻲ ﺗﻔﺳــﯾرﻩ‪ ،‬ﺑﯾﻧﻣــﺎ اﺳــﺗطﺎﻋت اﻟﺑﻧﺎﺋﯾــﺔ ﺗﻔﺳــﯾرﻩ‬
‫ﻣــن ﺧــﻼل اﻋﺗﻣﺎدﻫــﺎ ﻋﻠ ــﻰ ﻣﺗﻐﯾــري اﻟﻬوﯾــﺔ واﻟﻣﺻ ــﻠﺣﺔ‪ ،‬ﺧﺻوﺻــﺎ ﻣــﺎ ﯾﺗﻌﻠــق ﺑ ــﺎﻟﺛورة اﻟﺗــﻲ أﺣــدﺛﻬﺎ ﻣﯾﺧﺎﺋﯾ ــل‬
‫ﻏورﺑﺎﺗﺷــﯾف ﻓــﻲ اﻟﺳﯾﺎﺳــﺔ اﻟﺧﺎرﺟﯾــﺔ اﻟﺳــوﻓﯾﺗﯾﺔ ﺑﺎﻋﺗﻧﺎﻗــﻪ أﻓﻛــﺎ ار ﺟدﯾــدة "ﻛــﺎﻷﻣن اﻟﻣﺷــﺗرك"‪ .‬زﯾــﺎدة ﻋﻠــﻰ ذﻟــك‪،‬‬
‫وﺑــﺎﻟﻧظر إﻟــﻰ اﻟﺗﺣــدي اﻟــذي ﺗﺗﻌــرض ﻟــﻪ اﻟﺿ ـواﺑط اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾــﺔ ﺑﻣﺟــرد ﺗﺣﻠــل اﻟﺣــدود‪ ،‬وﺑــروز اﻟﻘﺿــﺎﯾﺎ اﻟﻣرﺗﺑطــﺔ‬
‫ﺑﺎﻟﻬوﯾــﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻧــﻪ ﻟــﯾس ﻣــن اﻟﻣﻔــﺎﺟﺊ أن ﻧﺟــد اﻟﺑــﺎﺣﺛﯾن ﻗــد اﻟﺗﺟﺋ ـوا إﻟــﻰ ﻣﻘﺎرﺑــﺎت ﺗــدﻓﻊ ﺑﻣﺛــل ﻫــذﻩ اﻟﻘﺿــﺎﯾﺎ إﻟــﻰ‬
‫اﻟواﺟﻬﺔ وﺗﺟﻌل ﻣﻧﻬﺎ ﻣﺣور اﻻﻫﺗﻣﺎم‪.‬‬
‫وﻣــن وﺟﻬــﺔ ﻧظــر ﺑﻧﺎﺋﯾــﺔ‪ ،‬ﻓــﺈن اﻟﻘﺿــﯾﺔ اﻟﻣﺣورﯾــﺔ ﻓــﻲ ﻋــﺎﻟم ﻣــﺎ ﺑﻌــد اﻟﺣــرب اﻟﺑــﺎردة ﻫــﻲ'' ﻛﯾﻔﯾـــﺔ إدراك‬
‫اﻟﻣﺟﻣوﻋـــﺎت اﻟﻣﺧﺗﻠﻔـــﺔ ﻟﻬوﯾﺎﺗﻬـــﺎ وﻣﺻـــﺎﻟﺣﻬﺎ‪ ''.‬ورﻏ ــم أن اﻟﺗﺣﻠﯾ ــل اﻟﺑﻧ ــﺎﺋﻲ ﻻ ﯾﺳ ــﺗﺑﻌد ﻣﺗﻐﯾ ــر اﻟﻘ ــوة‪ ،‬إﻻ أن‬
‫اﻟﺑﻧﺎﺋﯾﺔ ﺗرﺗﻛز ﺑﺎﻷﺳﺎس ﻋﻠﻰ ﻛﯾﻔﯾـﺔ ﻧﺷـوء اﻷﻓﻛـﺎر واﻟﻬوﯾـﺎت‪ ،‬واﻟﻛﯾﻔﯾـﺔ اﻟﺗـﻲ ﺗﺗﻔﺎﻋـل ﺑﻬـﺎ ﻣـﻊ ﺑﻌﺿـﻬﺎ اﻟـﺑﻌض‪،‬‬
‫ﻟﺗﺷﻛل اﻟطرﯾﻘﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧظر ﺑﻬﺎ اﻟدول ﻟﻣﺧﺗﻠف اﻟﻣواﻗف‪ ،‬وﺗﺳﺗﺟﯾب ﻟﻬﺎ ﺗﺑﻌﺎ ﻟذﻟك‪.‬‬
‫وﺗﻧطﻠــق اﻟﺑﻧﺎﺋﯾــﺔ ﻣــن ﺗﺻــورات ﺗﻧﺗﻘــد اﻻﺗﺟﺎﻫــﺎت اﻟﻧظرﯾــﺔ اﻟﻌﻘﻼﻧﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ ﺛﺑــت ﻓﺷــﻠﻬﺎ ﻗــﻲ أﻋﻘــﺎب ﻧﻬﺎﯾــﺔ‬
‫اﻟﺣ ــرب اﻟﺑ ــﺎردة ﻣ ــن ﺧ ــﻼل ﻋ ــدم ﻗ ــدرﺗﻬﺎ ﻋﻠ ــﻰ ﺗﻔﺳ ــﯾر ﻧﻬﺎﯾ ــﺔ ﻫ ــذﻩ اﻟﺣ ــرب وﺑﺷ ــﻛل ﺳ ــﻠﻣﻲ وﯾﺗﺿ ــﺢ ذﻟ ــك ﻓ ــﻲ‬
‫اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﺗﺎﻟﯾﺔ‪:‬‬
‫‪ -1‬ﺗﺳﺗﻧد اﻻﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟﻧظرﯾـﺔ اﻟﻌﻘﻼﻧﯾـﺔ ﻓـﻲ ﺗﺣدﯾـدﻫﺎ ﻟﻠواﻗـﻊ ﺣﺳـب ﺗوزﯾـﻊ اﻟﻘـوى اﻟﻣﺎدﯾـﺔ‪ ،‬وﻋﻠـﻰ ﺧـﻼف‬
‫ذﻟك ﺗﻧطﻠق اﻟﺑﻧﺎﺋﯾﺔ ﻣن ﻋﻧﺎﺻر ﻏﯾر ﻣﺎدﯾـﺔ وﺑﺎﻟﺗﺣدﯾـد ﻋﻠـﻰ ﻋﻧﺻـر اﻟﻬوﯾـﺔ ‪ Identity‬اﻟﺗـﻲ ﺗﻌﺗﺑرﻫـﺎ ﻣﺳـﺄﻟﺔ‬
‫ﺟوﻫرﯾــﺔ ﻓــﻲ ﻋــﺎﻟم ﻣــﺎ ﺑﻌــد اﻟﺣــرب اﻟﺑــﺎردة‪ ،‬وﺗؤﻛــد ﻋﻠــﻰ ﻛﯾﻔﯾــﺔ ﺗﻌﺎﻣــل اﻟﻬوﯾــﺎت ﻣــﻊ اﻟطرﯾﻘــﺔ اﻟﺗــﻲ ﺗﺳــﺗوﻋﺑﻬﺎ‬
‫اﻟوﺣ ــدات اﻟﺳﯾﺎﺳ ــﯾﺔ )اﻟ ــدول( وﺗﺳ ــﺗﺟﯾب ﻟﻣﺗطﻠﺑﺎﺗﻬ ــﺎ وﻣؤﺳﺳ ــﺎﺗﻬﺎ‪ ،‬وﻣ ــﻊ ذﻟ ــك ﻓﺎﻟﺑﻧﺎﺋﯾ ــﺔ ﻻ ﺗﻧﻔ ــﻲ دور اﻟﻌواﻣ ــل‬
‫اﻟﻣﺎدﯾـﺔ‪ ،‬ﺑــل ﻫــﻲ ﺗﺣــﺎول أن ﺗـرﺑط ﺑـﯾن اﻷﺑﻌــﺎد اﻟﻣﺎدﯾــﺔ‪ ،‬اﻟذاﺗﯾــﺔ واﻟﺗذاﺗﺎﻧﯾــﺔ ﻓـﻲ اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ‪ .‬وﻗــد أوﺿــﺢ‬
‫وﻧدت ''أن اﻟﻣﺻﺎدر اﻟﻣﺎدﯾﺔ ﺗﻛﺗﺳب ﻓﻘط ﻣﻌﻧﻰ ﺑﺎﻟﻧﺳـﺑﺔ ﻷﻓﻌـﺎل اﻟﺑﺷـر ﻣـن ﺧـﻼل ﺑﻧﯾـﺔ اﻟﻣﻌرﻓـﺔ اﻟﻣﺷـﺗرﻛﺔ‬
‫‪2‬‬
‫اﻟﻣرﺳﺧﺔ ﻓﻲ أذﻫﺎﻧﻬم‪''.‬‬
‫‪ -2‬أن اﻻﺗﺟﺎﻫــﺎت اﻟﻌﻘﻼﻧﯾــﺔ ﺗﻌﺗﺑــر أن اﻟواﻗــﻊ اﻻﺟﺗﻣــﺎﻋﻲ ﺷــﺊ ﻣﻌطــﻰ وﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻲ ﻓــﺎن ﻣﺻــﺎﻟﺢ اﻟــدول ﺷــﺊ‬
‫ﻣﻌطــﻰ ﻛــذﻟك‪ ،‬ﻓــﻲ ﺣــﯾن أن اﻟﺑﻧــﺎﺋﯾﯾن ﯾﻌﺗﺑــرون أن اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ ﻫــو ﻣــن اﺧﺗـراع اﻹﻧﺳــﺎن‪ ،‬ﻓﻬــو ﻧﺗــﺎج ﻟﻠﻔﻛــر‬

‫‪ ( 1‬ﺣﻤﺎﯾﺪي‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ ‪،‬ص‪.34.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ Jeffrey T.Checkel,''The Constructivist Turn in International Relations Theory'', Review Article, World‬‬
‫‪Politics, Vol.51.No.02, 1998.pp.1-20.‬‬
‫اﻹﻧﺳــﺎﻧﻲ اﻟﺻــرف‪ ،‬ﻣﺟﻣوﻋــﺔ ﻣــن اﻷﻓﻛــﺎر‪ ،‬ﺑﻧــﺎء ﻓﻛــري‪ ،‬ﻧظــﺎم ﻟﻠﻘــﯾم واﻟﻣﻌــﺎﯾﯾر اﻟﺗ ـﻲ ﻧظﻣــت ﻣــن طــرف ﺑﻧــﻲ‬
‫اﻟﺑﺷـر ﻓــﻲ ﺳــﯾﺎق زﻣـﺎﻧﻲ ﻣﺗﺻــل ٕواذا ﺗﻐﯾــرت اﻷﻓﻛـﺎر اﻟﺗــﻲ ﺗﺳــود اﻟﻌﻼﻗـﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ اﻟﻘﺎﺋﻣــﺔ‪ ،‬ﻓـﺎن اﻟﻧظــﺎم ﻧﻔﺳــﻪ‬
‫‪1‬‬
‫ﺳﯾﺗﻐﯾر ﻣﻌﻬﺎ ﻛذﻟك ﻷن اﻟﻧظﺎم ﯾﺗﺿﻣن ﺗﻠك اﻷﻓﻛﺎر‪.‬‬
‫‪ -3‬ﺗرﻛز اﻟﺑﻧﺎﺋﯾﺔ ﻛﺈطﺎر ﻣﻔﻬوﻣﺎﺗﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻔـﺎﻫﯾم اﻟﺑﻧﯾـﺔ‪ ،‬اﻟﻔﺎﻋـل‪ ،‬اﻟﻬوﯾـﺔ‪ ،‬اﻟﻣﺻـﺎﻟﺢ واﻟﻣﻌـﺎﯾﯾر‪ ،‬وﻫـو إطـﺎر‬
‫ﻣﻔﻬوﻣــﺎﺗﻲ اﺟﺗﻣــﺎﻋﻲ ﻗــﺎﺋم ﻋﻠــﻰ اﻷﻓﻛــﺎر‪ .‬وﻓــﻲ رأي وﻧــدت أن اﻟﻣﻔﻬــوم اﻟ ـواﻗﻌﻲ ﻟﻠﻔوﺿــﻰ ﻻ ﯾﻔﺳــر ﻟﻧ ـﺎ ﻛﯾــف‬
‫ﺗﺣــدث اﻟﺻ ـراﻋﺎت ﺑــﯾن اﻟــدول ﺗﻔﺳــﯾ ار ﻛﺎﻓﯾــﺎ‪ ،‬وﻓــﻲ اﻋﺗﻘــﺎدﻩ أن اﻟﻣﺳــﺄﻟﺔ اﻟﺣﻘﯾﻘﯾــﺔ ﺗﻛﻣــن ﻓــﻲ ﻛﯾﻔﯾــﺔ اﺳــﺗﯾﻌﺎب‬
‫اﻟﻔوﺿﻰ وﻓﻬﻣﻬـﺎ‪ 2.‬وﻫـﻲ ﺑـذﻟك ﺗﺗﺧﻠـﻰ ﻋـن اﻟﻣﻔـردات واﻟﺗﻌـﺎﺑﯾر ﻣﺛـل‪ :‬اﻟدوﻟـﺔ‪ ،‬ﺗـوازن اﻟﻘـوى‪ ،‬اﻟﻔوﺿـﻰ وﻏﯾرﻫـﺎ‪.‬‬
‫ﻛﻣـﺎ ﺗﺗــوﻟﻰ ﺗﺣﻠﯾــل ﺗــﺄﺛﯾر ﺗﻠــك اﻟﻛﻠﻣــﺎت‪ ،‬وﺗﺣﻠﯾــل اﻟﻣﺑــﺎدئ واﻟﻘواﻋــد‪ ،‬واﻟﺗطﺑﯾﻘــﺎت اﻟﻌﻣﻠﯾــﺔ ﻟﻬــﺎ‪ ،‬واﻟــدور اﻹﻧﺳــﺎﻧﻲ‬
‫‪3‬‬
‫ﻓﻲ ﺻﻧﻊ اﻟﺗرﻛﯾﺑﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪.‬‬
‫‪ -4‬ﺗﻧظــر اﻟﺑﻧﺎﺋﯾــﺔ إﻟــﻰ ﺑﻧﯾــﺔ اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ ﻧظ ـرة اﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ ﺑﺎﻋﺗﺑــﺎر أن اﻟوﺣــدات اﻷﺳﺎﺳــﯾﺔ اﻟﻣﺷــﻛﻠﺔ ﻟــﻪ‬
‫ﺗﺑﻧﻰ ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﺗﻔـﺎﻋﻼت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ اﻟﻣﺳـﺗﻣرة اﻟﺗـﻲ ﺗـؤدي إﻟـﻰ ﺳـﻠوﻛﯾﺎت ﻏﯾـر ﻣﺳـﺗﻘﻠﺔ ﻓـﻲ اﻟﻐﺎﻟـب‪ ،‬ﻓﻬـﻲ‬
‫ﺗﻌﺑﯾ ــر ﻋ ــن ﻣﺣﺻ ــﻠﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾ ــﺔ داﺧﻠﯾ ــﺔ‪ ،‬وﻟ ــذﻟك ﯾﻧظ ــر اﻟﺑﻧ ــﺎﺋﯾون ﺑﻣﻧظ ــﺎر ﺳوﺳ ــﯾوﻟوﺟﻲ ﻟﻠدوﻟ ــﺔ ﻋﻠ ــﻰ ﻋﻛ ــس‬
‫اﻟ ـواﻗﻌﯾﯾن‪ٕ .‬وان اﺷــﺗرﻛوا ﻓــﻲ أن اﻟدوﻟــﺔ ﻓﺎﻋــل أﺳﺎﺳــﻲ ﻛﻣــﺎ ﺗظﻬــر ﻫــذﻩ اﻟﻧظ ـرة ﻣــن ﺟﻬــﺔ أﺧــرى ﻋﻠــﻰ ﻣﺳــﺗوى‬
‫اﻟﺑﯾﺋﺔ اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ ﻣن ﺧﻼل ﻋﻼﻗﺎﺗﻬﺎ اﻟدوﻟﯾﺔ‪ ،‬ﺣﯾث أن اﻷﻧﻣﺎط اﻟﺳﻠوﻛﯾﺔ اﻟدوﻟﯾـﺔ ﻣـﺎ ﻫـﻲ ﻓـﻲ اﻟﻧﻬﺎﯾـﺔ إﻻ‬
‫ﺗوزﯾﻌﺎت اﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﺗﺿﻣن اﻟﺣد اﻷدﻧﻰ اﻟﻣﺷـﺗرك ﺑـﯾن اﻟﺗﻔـﺎﻋﻼت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ داﺧـل دوﻻﺗﯾـﺔ‪ ،‬أي أن اﻟﺳﯾﺎﺳـﺔ‬
‫اﻟدوﻟﯾــﺔ ﺗﻔﻬــم ﺑﺷــﻛل ﺗﺎذاﺗــﺎﻧﻲ ‪ ، Inter-subjectivity‬وﯾﺻــﺑﺢ ﻫــذا اﻻﻗﺗ ـراب ﺻــﺣﯾﺣﺎ ﻓــﻲ د ارﺳــﺔ ﺟﻣﯾــﻊ‬
‫اﻟظواﻫر اﻟدوﻟﯾﺔ ﻛﺎﻟﻔوﺿﻰ‪ ،‬اﻷﻣن‪ ،‬اﻟﺻراع‪...‬اﻟﺦ‪.‬‬
‫‪ -5‬ﺗﺣـ ــﺎول اﻟﺑﻧﺎﺋﯾـ ــﺔ ﺗﺟـ ــﺎوز اﻟﻌﻼﻗـ ــﺔ اﻻﻧﻔﺻـ ــﺎﻟﯾﺔ اﻟﺗـ ــﻲ أﻗﺎﻣﻬـ ــﺎ اﻟﻌﻘﻼﻧﯾـ ــون ﺑـ ــﯾن اﻟﻔﺎﻋـ ــل ‪ Actor‬واﻟﺑﻧﯾـ ــﺔ‬
‫‪ Structure‬ﻋﺑــر إطــﻼق ﻓﻛـرة اﻟﺗﻛــوﯾن اﻟﻣﺗﺑــﺎدل ‪ Mutual constitution‬اﻟﺗــﻲ ﯾﻧظــر ﻣــن ﺧﻼﻟﻬــﺎ ﻟﺳــﻠوك‬
‫اﻟﻔ ــﺎﻋﻠﯾن اﺳ ــﺗﻧﺎدا إﻟ ــﻰ ﺗرﺗﯾﺑ ــﺎت اﻟﻧظ ــﺎم اﻟ ــدوﻟﻲ‪ ،‬ﺣﯾ ــث ﺗﺷ ــﻛل اﻟﺻ ــﻔﺔ اﻟﺑﻧﯾوﯾ ــﺔ ﻟﻬ ــذا اﻟﻧظ ــﺎم ﺗﺑﻌ ــﺎ ﻟﻣﻣﺎرﺳ ــﺎت‬
‫اﻟﻔــﺎﻋﻠﯾن ﻓﯾــﻪ‪ ،‬وﯾﺧــﺎﻟف ﻫــذا اﻟطــرح ﺗﻣﺎﻣــﺎ ﻟﻼﻫﺗﻣــﺎم اﻟﻣرﻛــزي ﻟﻠواﻗﻌﯾــﺔ اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾــﺔ ﺑﺎﻟﻔﺎﻋــل ﻟﻔﻬــم ظــﺎﻫرة اﻟﺻ ـراع‬
‫‪4‬‬
‫اﻟدوﻟﻲ‪ ،‬وﻹﻓراط اﻟواﻗﻌﯾﺔ اﻟﺑﻧﯾوﯾﺔ ﻓﻲ اﻻﻋﺗﻣﺎد ﻋﻠﻰ ﺑﻧﯾﺔ اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﻟﺗﻔﺳﯾر اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟدوﻟﯾﺔ‪.‬‬
‫‪ -6‬ﻋﻠ ــﻰ ﻋﻛ ــس اﻟﺗﺻ ــورات اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾ ــﺔ اﻟﺗ ــﻲ ﺗﻬ ــﺗم ﺑوﺻ ــف ﺳ ــﻠوﻛﯾﺎت وﻣﻣﺎرﺳ ــﺎت اﻟﻔ ــﺎﻋﻠﯾن‪ ،‬ﻓ ــﺈن اﻟﺑﻧﺎﺋﯾ ــﺔ‬
‫ﺗﻌﺗﺑــر أن ﻓﻬـــم اﻟﻔﺎﻋـــل ﻟﻠظـــﺎﻫرة ﯾﺣـــدد ﺳـــﻠوﻛﯾﺔ ﺗﺟﺎﻫﻬـــﺎ‪ .‬وﯾــوﻟﻲ اﻟﺑﻧــﺎﺋﯾون أﻫﻣﯾــﺔ ﻛﺑــرى ﻟﻣﻣﺎرﺳــﺎت اﻟــدول‬
‫اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺟﻌﻠﻧﺎ ﻧﻔﻬم إدراﻛﻬﺎ ﻟﺣﺎﻻت ﻣﻌﯾﻧﺔ ﺗﻔﯾدﻧﺎ ﻓﻲ اﻟﺗﻔﺳﯾر ﻓﻲ ﺣﺎل ﺗﻛرارﻫﺎ‪.‬‬
‫‪ -7‬ﯾــرى اﻟﺑﻧــﺎﺋﯾون أن ﻓﺷــل اﻟﻧظرﯾــﺎت اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾــﺔ ﯾرﺟــﻊ ﻓــﻲ ﺟــزءﻩ اﻟﻛﺑﯾــر إﻟــﻰ إﻫﻣﺎﻟﻬــﺎ ﻟﻣﺗﻐﯾــر اﻟﻬوﯾــﺔ‬
‫‪ 5Identity‬وﺗرى أن ﻫذا اﻹﻫﻣﺎل اﻧﻌﻛس ﻋﻠﻰ ﻋدم ﻗدرة اﻟواﻗﻌﯾﯾن ﻓﻲ ﻓﻬم اﻷﺷـﻛﺎل اﻟﺟدﯾـدة ﻣـن اﻟﻧ ازﻋـﺎت‪،‬‬

‫‪( 1‬ﻋﺒﺪ اﻟﻨﺎﺻﺮ اﻟﺪﯾﻦ ﺟﻨﺪﻟﻲ‪،‬اﻧﻌﻜﺎﺳﺎت ﺗﺤﻮﻻت اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻤﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺮب اﻟﺒﺎردة ﻋﻠﻰ اﻻﺗﺠﺎھﺎت اﻟﻨﻈﺮﯾﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﯿﺔ‪ ،‬أطﺮوﺣﺔ‬
‫ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﻨﯿﻞ ﺷﮭﺎدة دﻛﺘﻮراه دوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ) ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮ‪، (2005/2004،‬ص‪.447.‬‬
‫‪ ( 2‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ‪ ،‬ص‪.448.‬‬
‫‪ ( 3‬ﻋﻮدة‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.162.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ J T.Checkel, op. cit., pp.1-20.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪) Ibid.‬‬
‫ﺧﺎﺻﺔ اﻟداﺧﻠﯾﺔ ﻣﻧﻬﺎ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر أن أﻏﻠﺑﻬﺎ ﻧزاﻋﺎت ﯾﺿﺑطﻬﺎ وﯾﻐذﯾﻬﺎ ﻋﻧﺻر اﻟﻬوﯾـﺔ‪ ،‬وﻫـذا اﻷﺧﯾـر إﻟـﻰ ﺟﺎﻧـب‬
‫اﻷﻓﻛــﺎر واﻹدراك واﻟﻣﻌــﺎﯾﯾر ﯾﺣــدد طرﯾﻘــﺔ ﺗﺷــﻛل ﻣﺻــﺎﻟﺢ اﻟﻔواﻋــل ﻣــن ﺟﻬــﺔ‪ ،‬واﻻﺗﺟــﺎﻩ اﻟــذي ﯾﺗﺧــذون ﺿــﻣﻧﻪ‬
‫ﺳﻠوﻛﯾﺎﺗﻬم اﻟدوﻟﯾﺔ إﻣﺎ ﺗﻧﺎﻓﺳﺎ أو ﺗﻌﺎوﻧﺎ ﻣن ﺟﻬﺔ أﺧرى‪ ،‬وﯾﻘول وﻧدت ﺑﻬذا اﻟﺧﺻوص‪:‬‬
‫''إن اﻟﻬوﯾـﺎت واﻟﻣﺻــﺎﻟﺢ اﻟﺗـﻲ ﯾﻌﺗﺑرﻫــﺎ اﻟﻌﻘﻼﻧﯾــون ﻣـن اﻟﻣﻌطﯾــﺎت اﻟﻘﺎﺋﻣـﺔ اﻟﺗــﻲ ﯾــرون أﻧﻬـﺎ ﺗﻧــﺗﺞ ﻓــﻲ‬
‫اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟدوﻟﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻧﺷﺎﻫدﻫﺎ‪ ،‬ﻟﯾﺳت ﻣن اﻟﻣﻌطﯾﺎت ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ‪ ،‬ﻟﻛﻧﻬﺎ أﺷﯾﺎء ﻗﻣﻧﺎ ﻧﺣـن ﺑﺈﯾﺟﺎدﻫـﺎ‪ ،‬وﺑﻌـد‬
‫أن ﻧﻛـون ﻗـد أوﺟـدﻧﺎﻫﺎ ﻓـﺈن ﺑﺎﺳــﺗطﺎﻋﺗﻧﺎ إﯾﺟﺎدﻫـﺎ ﺑﺷـﻛل ﻣﺧﺗﻠـف‪ ،‬وﺳـﯾﻛون ذﻟــك ﻣـن اﻟﺻـﻌب ﻷﻧﻧـﺎ ﻋﻣﻠﻧــﺎ‬
‫‪1‬‬
‫ﺟﻣﯾﻌﺎ ﻋﻠﻰ إﺿﻔﺎء ﺻﻔﺔ ذاﺗﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟطرﯾﻘﺔ اﻟﺗﻲ ﯾوﺟد ﺑﻬﺎ اﻟﻌﺎﻟم‪ ،‬وﻟﻛن ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ أن ﻧﺟﻌﻠﻪ ﻏﯾر ذﻟك‪''.‬‬
‫وﯾرﻛز وﻧدت ﻋﻠﻰ ﻋﻣﻠﯾﺔ اﻟﺗﻔﺎﻋـل اﻟﺗـﻲ ﺗﺷـﻛل ﺑﻧﯾـﺔ اﻟﻧظـﺎم‪ ،‬ﻓﻬـو ﯾﻘول‪'':‬إﻧﻧـﺎ ﻧﺑـﺎﻟﻎ ﻓـﻲ اﻻﻓﺗـراض إذا ﻛﻧـﺎ‬
‫ﻧﻔﻛــر ﺑــﺄن اﻟــدول ﻟــدﯾﻬﺎ ﻫوﯾــﺎت وﻣﺻ ــﺎﻟﺢ ﻗﺎﺋﻣــﺔ ﻗﺑــل اﻟﺗﻔﺎﻋــل‪ ،‬ﻓــﻼ ﯾوﺟ ــد ﻣــﺎ ﯾﺳــﻣﻰ ﺑﻣﻌﺿــﻠﺔ أﻣﻧﯾــﺔ ﺗﻠﻘﺎﺋﯾ ــﺔ‬
‫ﻟﻠــدول‪ ،‬إن ﻣﺛــل ﻫــذا اﻹدﻋــﺎء أو ذﻟــك اﻟــذي ﯾﻘــول ''إن اﻟــدول ﻣﺛــل اﻷﻓ ـراد ﻓــﻲ وﺿــﻊ ﯾﻔﺗــرض ﻣﺳــﺑﻘﺎ أﻧﻬــﺎ ﻗــد‬
‫ﺣﺻﻠت ﻋﻠﻰ ﻣﺻﺎﻟﺢ أﻧﺎﻧﯾﺔ وﻫوﯾﺎت ﻗﺑل ﻋﻣﻠﯾﺔ ﺗﻔﺎﻋﻠﻬﺎ‪...‬وﺑدﻻ ﻣن ذﻟك ﻓـﺈن اﻟﻣﺳـﺎﻋدة اﻟذاﺗﯾـﺔ ﻻ ﺗظﻬـر إﻻ‬
‫‪2‬‬
‫ﻣن ﺟراء اﻟﺗﻔﺎﻋل ﺑﯾن اﻟدول‪''.‬‬
‫‪Bridge‬‬ ‫إذا ﯾﺑـدو أن اﻟﺑﻧﺎﺋﯾـﺔ ﺑﻬـذا اﻟﺑﻧــﺎء اﻟﻧظـري اﻟﻣﺗﻘـدم ﺣﺎوﻟـت أن ﺗﻛــون ﺑﻣﺛﺎﺑـﺔ ﺣﻠﻘـﺔ وﺻـل أو‬
‫‪ Gaps‬ﺗﻣـﻸ اﻟﻔـراغ اﻟﻧـﺎﺟم ﻋــن اﻻﻧﺗﻘـﺎل ﻣــن ﻣرﺣﻠـﺔ اﻟﻔﻠﺳــﻔﺎت اﻟوﺿــﻌﯾﺔ ﻣﻣﺛﻠـﺔ ﻓــﻲ اﻟﻧظرﯾـﺎت اﻟﻌﻘﻼﻧﯾــﺔ إﻟــﻰ‬
‫ﻣرﺣﻠـ ـ ــﺔ ﻣــــــﺎ ﺑﻌــــــد‪-‬اﻟوﺿــــــﻌﯾﺔ ﻣﻣﺛﻠـ ـ ــﺔ ﻓـ ـ ــﻲ اﻟﻣﻘﺎرﺑـ ـ ــﺎت اﻟﺗﻬدﯾﻣﯾـ ـ ــﺔ ‪ Deconstructuvism‬أو اﻟﺗﺄﻣﻠﯾـ ـ ــﺔ‬
‫‪.()Reflectivism‬‬
‫ﯾﺗﺿــﺢ إذا ﻣ ــن ﺧ ــﻼل ﻣــﺎ ﺳ ــﺑق أن اﻟﺑﻧ ــﺎﺋﯾﯾن ﻣ ــن ﺧــﻼل ﺗﻔﺳ ــﯾرﻫم ﻟﻠﺳ ــﻠوك اﻟﺧــﺎرﺟﻲ ﻟﻠ ــدول ﻗ ــد اﻋﺗﻣ ــدوا‬
‫ﻣﺳﺗوى ﺗﺣﻠﯾل ﺗرﻛﯾﺑﻲ ﯾﺟﻣﻊ ﺑﯾن اﻟﻔرد واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻣﺣﻠـﻲ ﺑﺎﻹﺿـﺎﻓﺔ إﻟـﻰ اﻟﻧظـﺎم اﻟـدوﻟﻲ‪ .‬ﺣﯾـث ﯾﻌﺗﺑـرون ''أن‬
‫اﻟـــوﻛﻼء ‪ Agents‬اﻟـــذﯾن ﻫـــم اﻟﻌﻧﺻـــر اﻟﺑﺷـــري‪ ،‬ﻣﻣﺛﻠـــو اﻟﻣﺻـــﺎﻟﺢ‪ ،‬واﻻﺣﺗﯾﺎﺟـــﺎت واﻟرﻏﺑـــﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـــﺔ‬
‫واﻟﻣؤﺳﺳﯾﺔ‪ ،‬وﻫم ﻣن ﯾﻘوﻣون ﺑﻌﻣﻠﯾﺔ اﻻﺧﺗﯾﺎر اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﻲ‪ ،‬وﺧﻠـق اﻟﺗرﺗﯾﺑـﺎت واﻟﺗرﻛﯾﺑـﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ اﻟﺗـﻲ‬
‫‪3‬‬
‫ﻫﻲ ﺑدورﻫﺎ ﺻﻧﯾﻌﺔ ﻣن ﺻﻧﺎﺋﻊ اﻟوﻛﻼء‪''.‬‬
‫وﯾﻌﺗﺑــرون أن ﻣﻔﻬــوم اﻟوﻛﺎﻟــﺔ ﻣﻔﻬــوم اﺟﺗﻣــﺎﻋﻲ‪ ،‬ﯾﻌﺑ ـر ﻋــن ﺣﺎﻟــﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ‪ ،‬وﻟﻬــذا ﻓﺎﻟدوﻟــﺔ ﻣــن ﺧــﻼل‬
‫اﻟﺣﻛوﻣﺔ‪ ،‬ﻫﻲ ﺗﻌﺑﯾر ﻋـن ﻣﺟﻣوﻋـﺔ أﻓـراد ﻓـﻲ ﺑﻧـﺎء اﺟﺗﻣـﺎﻋﻲ ﻣﺣـدد‪ .‬وﻫـذا اﻟﺑﻧـﺎء ﻫـو ﺑﻧـﺎء ﻟوﻛـﺎﻻت اﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ‬
‫‪4‬‬
‫ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوﯾﺎت اﻟﺗﺣﻠﯾل اﻟﺛﻼﺛﺔ‪:‬اﻟﻔرد‪ ،‬واﻟدوﻟﺔ‪ ،‬واﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ‪.‬‬
‫وﺑــذﻟك ﻓﻬــذا اﻟﻣوﻗ ــف اﻟوﺳــط ﻓﯾﻣ ــﺎ ﯾﺧــص ﻣﺳ ــﺗوى اﻟﺗﺣﻠﯾــل اﻟﻣﻌﺗﻣ ــد ﯾﺗﻧﺎﺳــب أﻛﺛــر ﻣ ــﻊ ﻏﺎﯾــﺔ اﻟﻧظرﯾـــﺔ‬
‫اﻟﺗرﻛﯾﺑﯾــﺔ‪ ،‬ﺣﯾــث أن اﻟﻣﺳــﺗوى اﻟﻣﺣﻠــﻲ واﻟﻘــﯾم اﻟﺳــﺎﺋدة داﺧــل اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ ﺗﺄﺧــذ ﻧﺳــﺑﺔ ﻛﺑﯾــرة ﻓــﻲ ﺗﺣﻠﯾــل اﻟﺳــﻠوك‬
‫اﻟﺧــﺎرﺟﻲ إذا ﻣــﺎ ﻗورﻧــت ﺑﻣــدى ﺗــﺄﺛﯾر ﺑﻧﯾــﺔ اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ ﻋﻠــﻰ ﻏـرار ﻣــﺎ ﯾﺳــﻠم ﺑــﻪ اﻟواﻗﻌﯾــون اﻟﺟــدد‪ .‬وﯾــﻧﻌﻛس‬

‫‪ ( 1‬ﺟﻮن ﺑﯿﻠﯿﺲ وﺳﺘﯿﻒ ﺳﻤﯿﺚ ‪،‬ﻋﻮﻟﻤﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ )ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺨﻠﯿﺞ ﻟﻸﺑﺤﺎث ‪،‬ط‪، (2004 ،1.‬ص‪.397.‬‬
‫‪ ( 2‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ‪ ،‬ص‪.396.‬‬
‫‪ ‬ﺗﺸﻤﻞ اﻟﻤﻘﺎرﺑﺎت اﻟﺘﺄ ﻣﻠﯿﺔ ﻛﻞ ﻣﻦ‪ :‬اﻟﻨﻈﺮﯾﺎت اﻟﻨﻘﺪﯾﺔ وﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺣﺪاﺛﯿﺔ أو ﻣﺎ ﯾﻄﻠﻖ ﻋﻠﯿﮭﺎ اﻟﺒﻌﺾ اﻟﻤﻘﺎرﺑﺎت اﻟﺮادﯾﻜﺎﻟﯿﺔ ﻛﻮﻧﮭﺎ اﻋﺘﻤﺪت ﻋﻠﻰ ﻗﻄﯿﻌﺔ ﻣﻊ‬
‫ﻣﺴ ﺘﻮﯾﺎت اﻟﺒﺤ ﻮث اﻟﻮﺿ ﻌﯿﺔ‪ ،‬وﺗﺒ ﺮز ھ ﺬه اﻟﺴ ﻤﺔ أﻛﺜ ﺮ ﺑﺎﻟﻨﺴ ﺒﺔ ﻟﻠﺒﻨ ﺎﺋﯿﯿﻦ اﻟﺤ ﺪاﺛﯿﯿﻦ ‪ "Constructuvist Modernists‬ﺧﺎﺻ ﺔ ﻣ ﻊ ﻛﺘﺎﺑ ﺎت‬
‫‪ Alexandr Wendt‬و ﺑﺎﻟﺨﺼﻮص ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى ﻣﻨﮭﺞ اﻟﺒﺤﺚ ﻟﺪﯾﮫ اﻟﻤﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﻄﯿﺎت اﻟﺘﺠﺮﯾﺒﯿﺔ ‪.Emperical Data‬‬
‫‪ ( 3‬ﻋﻮدة‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.163.‬‬
‫‪ ( 4‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ‪ ،‬ص‪.164 .‬‬
‫ﻫــذا اﻟﺗﺣﻠﯾــل ﻋﻠــﻰ اﻟﺳــﻠوﻛﯾﺎت اﻟﻧزاﻋﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ ﺗﻧﺗﻬﺟﻬــﺎ اﻟــدول ﻓــﻲ ﺑﯾﺋﺗﻬــﺎ اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ‪،‬ﻓﺎﻟﺻ ـراع ﺣﺳــب اﻟﺑﻧــﺎﺋﯾﯾن‬
‫ﻟـﯾس ﻛﺎﻧﻌﻛــﺎس ﻟﺣﺗﻣﯾــﺔ اﻟﻔوﺿــﻰ اﻟﺳــﺎﺋدة ﻓــﻲ اﻟﻧﺳــق‪ ،‬ﺑـل ﻫــﻲ ﻛﺎﻧﻌﻛــﺎس ﻟﻸﻓﻛــﺎر واﻟﻘــﯾم اﻟﺳــﺎﺋدة ﻓــﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣــﻊ‬
‫)اﻟﺗﻧﺷﺋﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪ ،‬اﻟﺧطﺎب اﻟﺳﺎﺋد‪ ،(...‬وﻟذﻟك ﯾﻘﺗرح اﻟﺑﻧـﺎﺋﯾون ﺑﻧـﺎء ﻣﻌرﻓـﻲ ﺟدﯾـدة ﯾﺧﺗﻠـف ﻋـن اﻟﻣﺳـﻠﻣﺎت‬
‫اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ ﻓﻲ اﻻﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟﺗﻘﻠﯾدﯾﺔ‪ ،‬ﻟﺗﻔﺳﯾر ظﺎﻫرة اﻟﺻراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‪:‬‬
‫‪ -‬دور ﻣﺗﻐﯾر اﻟﻬوﯾﺔ ﻓﻲ ﺗﻔﺳﯾر اﻟﺳﻠوﻛﯾﺎت اﻟﻧزاﻋﯾﺔ ﻟﻠﻔواﻋل‪:‬‬
‫رﻏــم أن اﻟﺑﻧﺎﺋﯾــﺔ ﺗﺗﻘﺎﺳــم ﺑﻌــض اﻻﻓﺗ ارﺿــﺎت ﻣــﻊ اﻟواﻗﻌﯾــﺔ ﻻﺳــﯾﻣﺎ ﻓﯾﻣــﺎ ﯾﺗﻌﻠــق ﺑﻔوﺿــوﯾﺔ اﻟﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ‬
‫واﻹﻗـ ـرار ﺑﺎﻹﻣﻛﺎﻧﯾ ــﺎت واﻟﻘ ــدرات اﻹﺳ ــﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ اﻟﻌﺳ ــﻛرﯾﺔ ﻟﻠ ــدول واﻧﻌ ــدام اﻟﺛﻘ ــﺔ ﻓ ــﻲ ﻧواﯾ ــﺎ اﻟوﺣ ــدات اﻟﺳﯾﺎﺳ ــﯾﺔ‬
‫اﻷﺧــرى وﻋﻘﻼﻧﯾــﺔ اﻟﻔــﺎﻋﻠﯾن‪ ،‬إﻻ أﻧﻬــﺎ ﺗــرﻓض ﻣــﺎ ﯾﺳــﻣﯾﻪ اﻟواﻗﻌﯾــون ﺑﺗﺻــور ﻛـرة اﻟﺑﯾﻠﯾــﺎرد ‪Billiard Ball‬‬
‫‪ ،image‬ﻛــون ﻫــذا اﻟﺗﺻــور ﻓﺷــل ﻓــﻲ إﺑ ـراز أﻓﻛــﺎر وﻣﻌﺗﻘــدات اﻟﻔــﺎﻋﻠﯾن اﻟــذﯾن أﻗﺣﻣ ـوا أﻧﻔﺳــﻬم ﻓــﻲ اﻟﻧ ازﻋــﺎت‬
‫واﻟﺻراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‪ .‬وﻓﻲ اﻟﻣﻘﺎﺑل ﯾرﻏـب اﻟﺑﻧـﺎﺋﯾون ﻓـﻲ اﺧﺗﺑـﺎر ﻣـﺎ ﯾوﺟـد ﺑـداﺧل ﻛرﯾـﺎت اﻟﺑﯾﻠﯾـﺎرد ﻟﻠوﺻـول إﻟـﻰ‬
‫‪1‬‬
‫إدراك ﺗﺻور ﻣﻌﻣق ﺑﺷﺄن ﺗﻠك اﻟﺻراﻋﺎت‪.‬‬
‫وﻷﻧﻪ ﻣن اﻟﻣﻬم ﻓﻬـم اﻟﺗﻔـﺎﻋﻼت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ اﻟداﺧﻠﯾـﺔ ﻟﻠـدول ﻻﺳـﺗﯾﻌﺎب اﻟﻣﺧرﺟـﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳـﯾﺔ ﻟﻬـﺎ‪ ،‬وﺣﺗـﻰ‬
‫ﻻ ﯾــﺗم ﺣﺻــرﻫﺎ ﻓــﻲ ﻣﺧرﺟــﺎت اﻟﺑﻧﯾــﺔ اﻟﻔوﺿــوﯾﺔ ﻟﻠﻧظــﺎم اﻟــدوﻟﻲ‪ .‬وﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻲ ﺑــدل اﻻﻋﺗﻣــﺎد ﻋﻠــﻰ ﺣﺗﻣﯾــﺔ اﻟﺑﻧﯾــﺔ‬
‫اﻟﻣﺎدﯾـﺔ اﻟﺟﺎﻣـدة وﻣـدى ﺗﺄﺛﯾرﻫـﺎ ﻋﻠـﻰ اﻟﺳـﻠوك اﻟﻧ ازﻋـﻲ ﻟﻠﻔواﻋـل‪ ،‬ﻧﺟـد اﻟﺑﻧـﺎﺋﯾﯾن ﯾـدﺧﻠون ﻣﺗﻐﯾـرات اﻟﺑﻧﯾـﺔ اﻟﻘﯾﻣﯾـﺔ‬
‫ودورﻫﺎ ﻓﻲ ﺗﺷﻛﯾل ﻫوﯾﺔ اﻟﻔواﻋل‪ .‬وﺗﻌﺗﻘد اﻟﺑﻧﺎﺋﯾـﺔ ﻓـﻲ ﻫـذا اﻹطـﺎر أن اﻟﻬوﯾـﺎت واﻟﻣﺻـﺎﻟﺢ واﻟﺳـﻠوك ﻷي دوﻟـﺔ‬
‫ﺗﺑﻧـﻰ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺎ وذﻟــك ﻣـن ﺧـﻼل اﻟﺗــﺄوﯾﻼت واﻹد ارﻛـﺎت اﻟﻣﺷــﺗرﻛﺔ ﻟﻠﻌـﺎﻟم‪ 2.‬وذﻟـك ﻧﺗﯾﺟــﺔ اﻻﺗﺻـﺎل اﻻﺟﺗﻣــﺎﻋﻲ‬
‫اﻟذي ﯾﻣﺳﺢ ﺑﺗﻘﺎﺳم ﺑﻌض اﻟﻣﻌﺗﻘـدات واﻟﻘـﯾم‪ ،‬واﻟـذي ﯾﺑﻠـورﻩ اﻟواﻗـﻊ ذو اﻟطﺑﯾﻌـﺔ اﻟﺗذاﺗﺎﻧﯾـﺔ‪ ،‬ﺣﯾـث ﻻ وﺟـود ﻟﺷـﺊ‬
‫ﻣﻌطﻰ أو ﺣﺗﻣﻲ‪ ،‬ﺑل اﻹدراك أو اﻟﻔﻬـم اﻟﺟﻣـﺎﻋﻲ واﻟﻣﻌـﺎﯾﯾر ﺗﻣـﻧﺢ اﻷﺷـﯾﺎء اﻟﻣﺎدﯾـﺔ ﻣﻌﻧـﻰ ﯾﺳـﺎﻋد ﻋﻠـﻰ ﺗﻛـوﯾن‬
‫اﻟواﻗـﻊ‪ .‬وﻓـﻲ ﻫـذا اﻹطـﺎر ﯾﺳـوق ﻟﻧـﺎ ‪ Wendt‬ﻣﺛـﺎﻻ ﺣــول اﻟﻣﺳـدس ﻗـﺎﺋﻼ‪'' :‬اﻟﻣﺳـدس ﺑـﯾن أﯾـدي ﺻـدﯾق ﻟــﯾس‬
‫ﻟــﻪ ﻧﻔــس اﻟﻣــدﻟول ﻣﻘﺎرﻧــﺔ ﺑﺗواﺟــدﻩ ﺑــﯾن أﯾــدي ﻋــدو‪ ،‬ﻷن اﻟﻌــداء ﻋﻼﻗــﺔ اﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ وﻟــﯾس ﻣﺎدﯾــﺔ‪''.‬وﻧﻔس اﻟﺷــﺊ‬
‫‪3‬‬
‫ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻸﺳﻠﺣﺔ اﻟﻧووﯾﺔ‪.‬‬
‫ٕواذا طﺑﻘﻧــﺎ ﻫــذا اﻟﻣﺛــﺎل ﻋﻠــﻰ اﻟﻌﻼﻗــﺎت اﻷﻣرﯾﻛﯾــﺔ ﻣــﻊ روﺳــﯾﺎ ﺑﻌــد اﻟﺣــرب اﻟﺑــﺎردة ﻓﻬــﻲ ﻻ ﺗﺣﻣــل ﻧﻔــس‬
‫اﻟﻣدﻟول ﻟﻌﻼﻗﺔ اﻟوﻻﯾﺎت اﻟﻣﺗﺣدة اﻷﻣرﯾﻛﯾﺔ ﻣـﻊ دوﻟـﺔ أوروﺑﯾـﺔ ﻣـﺛﻼ وذﻟـك اﺳـﺗﻧﺎدا إﻟـﻰ إد ارﻛـﺎت ﻛـل ﻓﺎﻋـل ﻣـن‬
‫طﺑﯾﻌــﺔ اﻟﻘــﯾم واﻟﻣﻌﺗﻘــدات اﻟﺗــﻲ ﯾﺣﻣﻠﻬــﺎ ﻛــل طــرف ﻋــن اﻵﺧــر‪ ،‬ﻫــذا ﻓﺿــﻼ ﻋــن دور اﻟﻬوﯾــﺔ ﻓــﻲ ﺗﻌﻣﯾــق ﻫــذا‬
‫اﻻﺧﺗﻼف‪ ،‬ﻓﺈذا ﺗﻐﯾرت ﻫذﻩ اﻟﻣﻌﺗﻘدات واﻟﺗﻣﺎﯾز ﻣﻊ اﻟﻐﯾر ﺗﻐﯾرت طﺑﯾﻌﺔ اﻻﻧطﺑﺎع ﻣن اﻟﺳﻠب ﻟﻺﯾﺟﺎب‪.‬‬
‫وﻫــذا ﯾؤﻛــد ﺑــدورﻩ أن اﻟﺻ ـراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾــﺔ‪-‬ﺣﺳــب اﻟﺑﻧــﺎﺋﯾﯾن‪ -‬ﻻ ﯾﻐــذﯾﻬﺎ اﻟﺳــﻌﻲ ﻻﻛﺗﺳــﺎب اﻟﻘــوة ﻣــن أﺟ ـل‬
‫اﻟﻣﺻ ــﻠﺣﺔ)ﻛﻣﺎ ﯾﻌﺗﻘ ــد اﻟواﻗﻌﯾ ــون اﻟﺗﻘﻠﯾ ــدﯾون( وﻻ اﻟطﺑﯾﻌ ــﺔ اﻟﻔوﺿ ــوﯾﺔ اﻟﻣطﻠﻘ ــﺔ ﻟﻠﻧظ ــﺎم اﻟ ــدوﻟﻲ ) ﻋﻠ ــﻰ ﻏـ ـرار‬
‫اﻟـ ـواﻗﻌﯾﯾن اﻟﺟ ــدد(‪ ،‬ﺑ ــل ﯾﺳ ــﺗﻧدون ﻓ ــﻲ ﺗﻔﺳ ــﯾر أﺷ ــﻛﺎل اﻟﻧ ازﻋ ــﺎت اﻟﻣﺧﺗﻠﻔ ــﺔ ﺑ ــﺎﻟﺗرﻛﯾز ﻋﻠ ــﻰ ﺗﻔ ــﺎﻋﻼت اﻟوﺣ ــدات‬
‫اﻷﺳﺎﺳــﯾﺔ‪ ،‬ﻣــن ﺧــﻼل إرﺟــﺎع أﺳــﺑﺎب اﻟﻧ ـزاع إﻟ ـﻰ اﻟﺗوﺟــﻪ اﻟﺗﻧــﺎزﻋﻲ ﻟﻠﻬوﯾــﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺔ ﻟﻸﻓ ـراد أو اﻟﻘــﺎدة وﻫــﻲ‬

‫‪ ( 1‬ﺟﻨﺪﻟﻲ‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.446.‬‬

‫‪ ( 2‬ﺣﺠﺎر‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.43.‬‬
‫‪ ( 3‬ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺮﺟﻊ‪ ،‬ص‪.43 .‬‬
‫اﻟﻌواﻣ ــل اﻟﺗ ــﻲ ﺗ ــرى اﻟﺑﻧﺎﺋﯾ ــﺔ أﻧﻬ ــﺎ ﻟﯾﺳ ــت ﻣﻌط ــﻰ ﻣﺳ ــﺑق ﺑ ــل ﺗﺣﻛﻣﯾ ــﺔ ﯾ ــدﯾرﻫﺎ اﻟﻘ ــﺎدة واﻷﻧظﻣ ــﺔ أو اﻟظـ ــروف‬
‫اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ‪.‬‬
‫وﻗد ﺷﻛﻠت اﻟﻧزاﻋﺎت ذات اﻟطﺎﺑﻊ اﻻﺛﻧـﻲ ذرﯾﻌـﺔ ﻟﻠﺗـدﺧل اﻟﺧـﺎرﺟﻲ ﺑـداﻓﻊ اﻟﻘ ارﺑـﺔ واﻻﻧﺗﻣـﺎء اﻻﺛﻧـﻲ اﻟواﺳـﻊ‬
‫ﺣﯾــث ﯾﺻــﺑﺢ اﻟﺑــدﯾل اﻷﻗــل ﺗﻛﻠﻔــﺔ واﻷﻛﺛــر ﻓﻌﺎﻟﯾـﺔ ﻣــن ﺣﯾــث اﻟﺗﻧﺳــﯾق اﻟــداﺧﻠﻲ‪ ،‬ﻫــذا إذا أﺿــﻔﻧﺎ ﻣــدى إﺳــﻬﺎﻣﻬﺎ‬
‫ﻓــﻲ ﺗوﺳــﯾﻊ داﺋ ـرة اﻷط ـ ارف اﻟﻣﺗﺻــﺎرﻋﺔ‪ ،‬وﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻲ ﻓــﺈن ﻣــﺎ ﯾﺑــدو ﻟﻠوﻫﻠــﺔ اﻷوﻟــﻰ ﺑﺄﻧــﻪ ﺻـراع داﺧﻠــﻲ ﻗــد ﯾﺗﺣــول‬
‫إﻟــﻰ ﺻ ـراع دوﻟــﻲ ﻋﻠﻧــﻲ أو ﺧﻔــﻲ وﺑﺎﻟﺗــﺎﻟﻲ ﻻ ﯾﻌــود ﺻ ـراﻋﺎ داﺧﻠﯾــﺎ)‪ .(‬وﻟﻌــل أﺑــرز ﻣﺛــﺎل ﻋﻠــﻰ ذﻟــك ﻧﺟــد أن‬
‫روﺳــﯾﺎ ﺑﻌــد اﻟﺣــرب اﻟﺑــﺎردة أﺻــﺑﺣت ﺗوظــف ﻣﺗﻐﯾــر اﻟﻬوﯾــﺔ ﻹﻋــﺎدة ﻧﻔوذﻫــﺎ وﺳــﯾطرﺗﻬﺎ اﻟﻣطﻠﻘــﺔ ﻋﻠــﻰ اﻟﻣﻧــﺎطق‬
‫اﻟﺗـﻲ ﻛﺎﻧــت ﺗﺎﺑﻌــﺔ ﻟﻺﺗﺣــﺎد اﻟﺳـوﻓﯾﺗﻲ اﻟﺳــﺎﺑق‪ ،‬وﻫــذا ﻣــﺎ وﻟـد اﻟﻌــداء ﺑﯾﻧﻬــﺎ وﺑــﯾن اﻟﻌدﯾـد ﻣــن اﻟﺟﻣﻬورﯾــﺎت‪ ،‬ﻋﻠــﻰ‬
‫ﻏ ـرار ﺟورﺟﯾــﺎ‪ ،‬ﻧﺗﯾﺟــﺔ ﺗﺣ ـرﯾض روﺳــﯾﺎ ﻷﻗﻠﯾﺎﺗﻬــﺎ اﻟﻌرﻗﯾــﺔ ﻓــﻲ أﺑﺧﺎرﯾــﺎ وأوﺳــﯾﺗﯾﺎ اﻟﺟﻧوﺑﯾــﺔ ﻋﻠــﻰ اﻻﻧﻔﺻــﺎل ﻋــن‬
‫ﺟورﺟﯾﺎ ﺑذرﯾﻌﺔ اﻻﻧﺗﻣﺎء اﻟﻌرﻗﻲ‪ ،‬وﻫو ﺑدورﻩ ﻣﺎ وﻟد ﻣﺷﺎﻋر اﻟﻐﺿب اﻷﻣرﯾﻛـﻲ اﻟﻣـواﻟﻲ ﻟﺟورﺟﯾـﺎ ﺗﺟـﺎﻩ روﺳـﯾﺎ‪.‬‬
‫وﻧﻔــس اﻟﺷــﺊ اﻟــذي ﺣــدث ﻋﻧــدﻣﺎ ﺗﺑﻧــت اﻟﻧﺧﺑــﺔ اﻟﺻ ـرﺑﯾﺔ ﺧطﺎﺑــﺎت ﺗﺿــﻊ ﻗﺿــﺎﯾﺎ اﻟﻬوﯾــﺔ اﻻﺛﻧﯾــﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﯾــﺔ ﻓــﻲ‬
‫أوﻟوﯾﺎت ﻧزاﻋﻬﺎ ﻣﻊ أﻟﺑﺎن ﻛوﺳوﻓو‪ ،‬اﻷﻣر اﻟذي ﺳﺎﻫم ﻓﻲ إﺣ ﯾﺎء اﻟﺿﻐﺎﺋن اﻟﻘدﯾﻣﺔ ٕواﺛـﺎرة اﻟﻧـزاع ﺑﺎﻻﺳـﺗﻧﺎد إﻟـﻰ‬
‫أﺣﻘــﺎد ﺗﺎرﯾﺧﯾــﺔ ﺿــد اﻟﻣﺳــﻠﻣﯾن ﺑﺣﻛــم اﻻﺧــﺗﻼف اﻻﺛﻧــﻲ ﺑﯾــﻧﻬم‪ ،‬وﻫــو ﻣــﺎ وﻟــد ﻛﺎرﺛــﺔ إﻧﺳــﺎﻧﯾﺔ اﺳــﺗدﻋت ﺗــدﺧل‬
‫أطراف ﺧﺎرﺟﯾﺔ ﻹﺧﻣﺎدﻫﺎ‪.‬‬
‫ورﺑﻣــﺎ ﯾﺗﻔــق اﻟﺗﺣﻠﯾــل اﻟﺑﻧــﺎﺋﻲ ﻟﻠﻧ ازﻋــﺎت )اﻟﻣرﺗﻛ ـزة ﻋﻠــﻰ اﻟﻬوﯾــﺔ( ﻣــﻊ ﻓﻛ ـرة ﻫﻧﺗﻧﻐﺗــون‪ ،‬إذ ﯾﻘــول‪'' :‬ﯾﻛﺷــف‬
‫اﻟﻧــﺎس ﻫوﯾــﺎت ﺟدﯾــدة ﻋــﺎدة ﻣــﺎ ﺗﻛــون ﻗدﯾﻣــﺔ‪ ،‬ﻫــم ﯾﺳــﯾرون ﺗﺣــت أﻋــﻼم ﺟدﯾــدة‪ ،‬ﻋــﺎدة ﻣــﺎ ﺗﻛــون ﻗدﯾﻣــﺔ‪،‬‬
‫ﻟﺗؤدي ﺑدورﻫﺎ إﻟﻰ ﺣروب ﻣﻊ أﻋداء ﺟدد‪ ،‬ﻫـم ﻓـﻲ ﺣﻘﯾﻘـﺔ اﻷﻣـر أﻋـداء ﻗـداﻣﻰ‪ 1".‬وﻫـذا ﯾﻌﻧـﻲ أن اﻟﻧ ازﻋـﺎت‬
‫ﺑــﯾن اﻟــدول ﺗﻐــذﯾﻬﺎ اﻟﺗراﻛﻣــﺎت اﻟﺣﺿــﺎرﯾﺔ اﻟﺛﻘﺎﻓﯾــﺔ‪ .‬ﻓﺎﻟﻬوﯾــﺔ اﻟﺗــﻲ ﺗﻌﺗﺑــر ﺑﻧــﺎء اﺟﺗﻣﺎﻋﯾــﺎ ﯾﺗﺷــﻛل ﺑﺎﺳــﺗﻣرار ﻋﺑــر‬
‫اﻟﺧطﺎﺑــﺎت اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾ ــﺔ اﻟﻧﺎﻓــذة‪ ،‬ﯾﻘــوم اﻟﻣﻧظﻣــون ﺑــﺎﻟﺗﺣﻛم ﺑﻬــﺎ ﺑﺎﺳــﺗدﻋﺎء اﻷﺳــﺎطﯾر ٕواﻋــﺎدة ﺻــﯾﺎﻏﺔ اﻟﻣﻔــﺎﻫﯾم‪،‬‬
‫ٕواﻋ ــﺎدة ﺗﻔﺳ ــﯾر ﺣﻘ ــﺎﺋق ﺳ ــﺎﺑﻘﺔ‪ ،‬ﺑ ــل وﺣﺗ ــﻰ ﺗﻠﻔﯾ ــق ﻗﺻ ــص ﺧﯾﺎﻟﯾ ــﺔ ﯾ ــدﻋﻣون ﺑﻬ ــﺎ وﺟﻬ ــﺎت ﻧظ ــرﻫم‪ .‬وﯾﺳ ــﺗﻌﻣل‬
‫اﻟﻣﺗطرﻓــون ﻫ ــذﻩ اﻟﻌﻣﻠﯾ ــﺔ ﻟﺗﺻــﻌﯾد اﻟﺻـ ـراع ﺑﺣﯾ ــث ﯾﻣﻛــن ﺗﺑرﯾ ــر ﻧﻔ ــوذﻫم وﺳــﻠطﺗﻬم اﻟﻣطﻠﻘ ــﺔ‪ ،‬وﻋﻧ ــدﻣﺎ ﺗﺻ ــﺑﺢ‬
‫‪2‬‬
‫ﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣﺟرد ﺗﻧﺎﻓس ﺑﯾن اﻟﻣﺗﺷددﯾن‪ ،‬ﻓﺈن اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻣﻊ اﻟﻣﺟﻣوﻋﺎت اﻷﺧرى ﺗدﺧل ﺣﻠﻘﺔ اﻟﻌﻧف‪.‬‬
‫وﻋﻣوﻣ ــﺎ ﻧﺳ ــﺗﺧﻠص أن اﻟﺻـ ـراع وﻓ ــق اﻟﺗﺣﻠﯾ ــل اﻟﺑﻧ ــﺎﺋﻲ ﻟ ــﯾس ﻣﻌط ــﻰ ﻣﺳ ــﺑق أو ﻧﺗﯾﺟ ــﺔ ﻟﻔوﺿ ــﻰ اﻟﻧظ ــﺎم‬
‫اﻟـدوﻟﻲ‪ٕ ،‬واﻧﻣــﺎ ﻫـو ﻧﺗــﺎج ﻟﻠﺗوﺟـﻪ اﻟﺗﻧــﺎزﻋﻲ ﻟﻠﻬوﯾــﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾـﺔ ﻟﻸﻓـراد أو اﻟﻘـﺎدة )أي ﻧﺗــﺎج ﻟﻌواﻣـل ﻏﯾــر ﻣﺎدﯾــﺔ(‬
‫وﻫﻲ اﻟﻌواﻣل اﻟﺗﻲ ﺗرى اﻟﺑﻧﺎﺋﯾﺔ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻟﯾﺳـت ﻣﻌطـﻰ ﻣﺳـﺑق ﺑـل ﺗﺣﻛﻣﯾـﺔ ﯾـدﯾرﻫﺎ اﻟﻘـﺎدة واﻷﻧظﻣـﺔ ﺑﺎﻹﺿـﺎﻓﺔ إﻟـﻰ‬
‫طﺑﯾﻌ ــﺔ اﻟﺗﻧﺷ ــﺋﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾ ــﺔ‪ ،‬واﻟﺗ ــﻲ ﺗ ــﻧﻌﻛس ﻓ ــﻲ اﻟﺧطﺎﺑ ــﺎت اﻟﺳ ــﺎﺋدة ﻓ ــﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣ ــﻊ واﻟﻣﯾ ــول اﻟﻧﺧﺑوﯾ ــﺔ اﻟﺗ ــﻲ‬

‫‪ (‬ﯾﻮرد ﻛﺎرل دوﯾﺘﺶ ‪ Karl Deutsche‬ﻓﻲ ھﺬا اﻹطﺎر ﻣﺎ ﯾﺴﻤﯿﮫ اﻟﺤﺮب ﺑﺎﻟﻨﯿﺎﺑﺔ ‪ ،War by proxy‬ﻓﯿﻘﻮل‪'' :‬إذا ﻛﺎن طﺮﻓﻲ اﻟﺼﺮاع ﯾﻌﺘﻤﺪان‬
‫ﻓﻲ ﻗﺪراﺗﮭﻤﺎ اﻷﺳﺎﺳﯿﺔ ﺳﻮاء اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ أو اﻟﻤﻌﻨﻮﯾﺔ أو اﻟﻤﺎﻟﯿﺔ أو أي ﻣﺼﺎدر أﺧﺮى ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺎدر ﺧﺎرﺟﯿﺔ ﻓﺈﻧﻨﺎ واﻟﺤﺎﻟﺔ ھﺬه ﻧﻜﻮن أﻣﺎم ﺣﺮب ﺑﺎﻟﻨﯿﺎﺑﺔ اﻟﺘﻲ‬
‫ھﻲ ‪:‬ﺻﺮاع دوﻟﻲ ﺑﯿﻦ ﻗﻮﺗﯿﻦ ﺧ ﺎرﺟﯿﺘﯿﻦ ﯾ ﺪار ﻋﻠ ﻰ أرض دوﻟ ﺔ ﺛﺎﻟﺜ ﺔ وﯾﺨﺘﻔ ﻲ وراء ﻣﺴ ﺎﺋﻞ داﺧﻠﯿ ﺔ ﻟﺘﻠ ﻚ اﻟﺪوﻟ ﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜ ﺔ وﯾﺴ ﺘﺨﺪم رﺟﺎﻟﮭ ﺎ وﻣﻮاردھ ﺎ‬
‫وأراﺿﯿﮭﺎ ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ أھﺪاف إﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ‪ ''.‬ﻟﻠﻤﺰﯾﺪ ﻣﻦ اﻻطﻼع ارﺟﻊ إﻟﻰ‪:‬‬
‫‪ -‬دورﺗﻲ‪ ،‬ﺑﺎﻟﺳﺗﻐراف‪ ،‬ﻣﺮﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ‪ ،‬ص‪.243.‬‬
‫‪ ( 1‬ﺻﺎﻣﻮﯾﻞ ھﻨﺘﻨﻐﺘﻮن‪ ،‬ﺻﺪام اﻟﺤﻀﺎرات وإﻋﺎدة ﺻﻨﻊ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ‪،‬ﺗﺮﺟﻤﺔ‪ :‬طﻠﻌﺖ اﻟﺸﺎﯾﺐ‪) ،‬اﻟﻘﺎھﺮة‪ :‬ﺳﻄﻮر‪،‬ط‪،(1997 ،2.‬ص‪.36.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ Chaim Kauffmann," Possible and Impossible Solutions to Ethnic Civil Wars,'' International Security, vol.‬‬
‫‪20, (1996) ,p.152.‬‬
‫ﺑﺈﻣﻛﺎﻧﻬﺎ ﺗﺷﻛﯾل اﻟﻬوﯾﺎت ﻋﻠﻰ أﺳس ﺗﻧﺎزﻋﯾﻪ ﻣن ﺧﻼل ﺗﻌﺑﺋـﺔ اﻟﺟﻣـﺎﻫﯾر ٕواﺣﯾـﺎء اﻟﺿـﻐﺎﺋن اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾـﺔ ﻣـن أﺟـل‬
‫ﺗﻣرﯾر أﻫداﻓﻬﺎ اﻟﻣﺻﻠﺣﯾﺔ‪.‬‬
 ‫اﻟﻣﺣور اﻟﺛﺎﻟث‪:‬‬
‫اﻟطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺟدﯾدة ﻟﻠﻧزاﻋﺎت‬
‫اﻟدوﻟﯾﺔ‬
 ‫اﻟﻣﺣﺎﺿرة اﻷوﻟﻰ‪ :‬اﻟﺗﺣول ﻓﻲ ﺷﻛل اﻟﻧزاﻋﺎت واﺗﺟﺎﻫﻬﺎ‬

‫إن ﻧﻬﺎﯾﺔ ﺻراع اﻟﺣرب اﻟﺑﺎردة ﻟم ﺗﻠﻎ ﻣﺻﺎدر اﻟﻧزاﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ وﻣﺣرﻛﺎﺗﻬﺎ ﺑﻘدر ﻣﺎ أدت إﻟﻰ ﺗﺣول‬
‫ﻓﻲ ﺷﻛﻠﻬﺎ ٕواﺗﺟﺎﻫﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺎﻟطﺎﺑﻊ اﻟﺟدﯾد ﻟﻠﻧزاع أﺧذ ﺗرﻛﯾﺑﺗﻪ ﻣن داﺧل اﻟوﺣدة اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ اﻟواﺣدة ﺳواء ﻛﺎﻧت‬
‫ﺳﯾﺎﺳﯾﺎ ‪.‬وﯾﻣﻛن ﺗﻠﻣس أوﺟﻪ ﻫذا اﻟﺗﺣول ﻋﺑر ﻣﺳﺗوﯾﯾن‪:‬‬
‫ً‬ ‫ﺗﺣﺎﻟﻔﺎ‬
‫ً‬ ‫إﻗﻠﯾﻣﯾﺎ أو‬
‫ً‬ ‫ﻧظﺎﻣﺎ‬
‫ً‬ ‫دوﻟﺔً أو‬
‫اﻷول ‪:‬ﺑروز أﻧﻣﺎط ﺟدﯾدة ﻣن اﻟﻧزاﻋﺎت ﻟﯾﺳت ﺑﺎﻟﺿرورة ﺑﯾن اﻟدول ﻛﻣﺎ ﻛﺎن ﺣﺎﺻﻼ ﻟﻌﻘود طوﯾﻠﺔ ‪.‬وﻣن‬
‫أﻫﻣﻬﺎ اﻟﻧزاﻋﺎت داﺧل اﻟدول وﻫﻲ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟب ﻧزاﻋﺎت ﻣن أﺟل اﻟدول ﻛﺄن ﺗﺗﺻﺎرع ﺟﻣﺎﻋﺔ داﺧﻠﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ‬
‫ﻣﻊ اﻟﺳﻠطﺔ اﻟﻣرﻛزﯾﺔ اﻟﻘﺎﺋﻣﺔ أو ﻣﻊ ﺟﻣﺎﻋﺎت داﺧﻠﯾﺔ أﺧرى ﻣن أﺟل اﻟﺳﻌﻲ إﻟﻰ إﻗﺎﻣﺔ دوﻟﺔ ﻣﺳﺗﻘﻠﺔ‪.‬‬
‫واﻟﺣﻘﯾﻘﺔ أن دواﻓﻊ ﻫذا اﻟﺳﻠوك اﻟﻧزاﻋﻲ ﻟﻠﺟﻣﺎﻋﺎت واﻟﺗﻧظﯾﻣﺎت اﻟداﺧﻠﯾﺔ ﻋدﯾدة‪ ،‬وﻫﻲ ﺗﺗراوح ﺑﯾن اﻷﺳﺑﺎب‬
‫اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻷﺳﺑﺎب اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ اﻟﻘﯾﻣﯾﺔ‪ ،‬ﻛﻣﺎ ﻧﺟد أﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﻌظم اﻷﺣﯾﺎن ﺗﺗم ﻛﻧﺗﯾﺟﺔ ﺣﺗﻣﯾﺔ ﻟﻔﺷل وﺗﻔﻛك اﻟﻘﯾﻣﺔ‬
‫اﻟﻣرﻛزﯾﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ ‪.‬ﻟذﻟك ﯾﺑﯾن ﺑرﯾﺟﯾﻧﺳﻛﻲ ﺑﺄﻧﻪ ﻛﻠﻣﺎ ﺗراﺟﻌت اﻟدوﻟﺔ ‪-‬اﻷﻣﺔ ﻋن ﺳﯾﺎدﺗﻬﺎ‪ ،‬إزدادت اﻷﻫﻣﯾﺔ‬
‫اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ ﻟﻘوﻣﯾﺔ اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ‪ ،‬وﺗﺻﺑﺢ ﻣﺣﺎوﻟﺔ اﻟوﺻول إﻟﻰ ﺗوازن ﺑﯾن ﻣﺎ ﯾﺗرﺗب ﻋﻠﻰ اﻟﺗطورات اﻟدوﻟﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة‬
‫واﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ ﺗﺟﻣﻊ ﻗوﻣﻲ ﺣﻣﯾم وﺧﺎص ﻣﺻدراً ﻟﻺﺣﺗﻛﺎﻛﺎت واﻟﻧزاﻋﺎت ‪.‬‬
‫وﻓﻲ ظل ﻫذا اﻟﺗﺣول ﻓﻲ طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧزاع ﻣن اﻟﻧزاع ﺑﯾن اﻟدول إﻟﻰ اﻟﻧزاع داﺧل اﻟدول واﻟﻧزاع ﻣن أﺟل‬
‫اﻟدول‪ ،‬ﺗﺷﯾر اﻹﺣﺻﺎءات إﻟﻰ أﻧﻪ ﻣن ﺑﯾن ‪61‬ﺻراﻋﺎ ﺷﻬدﻫﺎ ﻋﻘد اﻟﺗﺳﻌﯾﻧﯾﺎت ﻣن اﻟﻘرن اﻟﻌﺷرﯾن‪ ،‬ﻛﺎن‬
‫‪58‬ﻣﻧﻬﺎ ﺻراﻋﺎ داﺧﻠﯾﺎ أي ﻧﺳﺑﺔ ‪ ، 95%‬و ‪ 90%‬ﺗﻘرﯾﺑﺎ ﻣن ﺿﺣﺎﯾﺎ ﺗﻠك اﻟﺻراﻋﺎت ﻣدﻧﯾﯾن وﻟﯾﺳوا‬
‫ﻋﺳﻛرﯾﯾن وﻣﻌظﻣﻬم ﻣن اﻟﻧﺳﺎء واﻷطﻔﺎل (اﺳﺗﻧﺎدا إﻟﻰ ﻣﻌطﯾﺎت اﻟﺗﻘرﯾر اﻟدوﻟﻲ ﻟﻠﺗﺳﻠﺢ ﻟﻌﺎم‪2002).‬‬
‫ﻓﺎﻟﺻراﻋﺎت إذن أﺻﺑﺣت ﺑﯾن اﻟﺟﻣﺎﻋﺎت وﻟﯾﺳت ﺑﯾن اﻟدول‪ ،‬واﻟﺿﺣﺎﯾﺎ ﻓﯾﻬﺎ ﻣن اﻟﻣدﻧﯾﯾن وﻣﺻﺎدر‬
‫اﻟﺗﻬدﯾد اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠدول ﻟم ﺗﻌد ﻣﺻﺎدر ﺧﺎرﺟﯾﺔ ﻓﺣﺳب‪ ،‬ﺑل أﺻﺑﺣت ﻣن داﺧل ﺣدود اﻟدوﻟﺔ اﻟﻘوﻣﯾﺔ ذاﺗﻬﺎ‬
‫وﻣﺛﺎل اﻟﻧزاﻋﺎت اﻟﻣﺳﻠﺣﺔ ﻓﻲ اﻓرﯾﻘﯾﺎ ﻣن اﻟﺻوﻣﺎل وروﻧدا إﻟﻰ ﻟﯾﺑﯾرﯾﺎ دﻟﯾل واﺿﺢ ﻋﻠﻰ ذﻟك‪ ،‬وﯾﺗﺳم ﻫذا‬
‫اﻟﻧﻣط ﻣن اﻟﺻراﻋﺎت اﻟداﺧﻠﯾﺔ ﺑﺷدة اﻟﺗﻌﻘﯾد واﻟﺗﺷﺎﺑك ٕوارﺗﺑﺎطﻬﺎ ﺑﺧﻠﻔﯾﺎت ﻋﻣﯾﻘﺔ‪ ،‬ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻹﺳﺗﺧدام‬
‫‪.‬‬ ‫اﻟﻣﺗزاﯾد ﻟﻠﻌﻧف واﻹﻧﺗﻬﺎك اﻟﺷدﯾد ﻟﺣﻘوق اﻹﻧﺳﺎن‬
‫اﻟﺛﺎﻧﻲ ‪:‬إن اﻧﻬﯾﺎر ﻧظﺎم اﻟﺣرب اﻟﺑﺎردة أدى إﻟﻰ اﺧﺗﻼل اﻟﺗوازن اﻟدوﻟﻲ اﻟﻣﺑﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ اﻟﻘطﺑﯾﺔ ‪.‬وﻟذﻟك‬
‫أﺻﺑﺣت اﻟﻧزاﻋﺎت اﻹﻗﻠﯾﻣﯾﺔ أو اﻟوطﻧﯾﺔ ﻣﻧﻔﺻﻠﺔ ﻓﻲ أﺣﯾﺎن ﻛﺛﯾرة ﻋن طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ وﺗﺣﻛﻣﻬﺎ ﻧزﻋﺎت‬
‫ذاﺗﯾﺔ أﻛﺛر ﻣﻣﺎ ﻫﻲ إﻣﺗداد ﻟﺗوازﻧﺎت دوﻟﯾﺔ ﻛﻣﺎ ﻛﺎن ﺣﺎﺻﻼ ﺧﻼل ﻓﺗرة اﻟﺣرب اﻟﺑﺎردة‪.‬‬
‫أﻣﺎ ﻣن ﺟﻬﺔ ﺛﺎﻧﯾﺔ ﻓﺈﻧﻪ ﺑﻣﻘدار ﻣﺎ ﺳﺎﻫم ﻧظﺎم اﻟﻘطﺑﯾﺔ اﻟﺛﻧﺎﺋﯾﺔ وﻣﺎ راﻓﻘﻪ ﻣن إﺳﺗﻘطﺎب دوﻟﻲ ﻓﻲ اﻟﺣﻘﺑﺔ‬
‫اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ﻓﻲ ﺗﺟﻣﯾد اﻟﻧزاﻋﺎت أو ﺑﺎﻷﺣرى ﻟﺟﻣﻬﺎ واﻟﺣد ﻣﻧﻬﺎ ﺑﺳﺑب ﻣﺎ ﺗﻣﯾز ﺑﻪ ﻣن ﺗوازن ﻓﻲ اﻟرﻋب‪ ،‬ﻓﻘد‬
‫أدى ﺳﻘوط ﺟدار ﺑرﻟﯾن وﻣﺎ ﺗﺑﻌﻪ ﻣن إﻧﻬﯾﺎر اﻻﺗﺣﺎد اﻟﺳوﻓﯾﺎﺗﻲ ٕواﻧﺗﻬﺎء اﻟﺻراع ﺑﯾن اﻟﻛﺗﻠﺗﯾن اﻟﺷرﻗﯾﺔ‬
‫واﻟﻐرﺑﯾﺔ إﻟﻰ ﻓﺗﺢ اﻟﺗﺎرﯾﺦ أﻣﺎم ﺣﻘﺑﺔ ﻣن اﻟﻧزاﻋﺎت اﻟﻛﺑرى اﻟﻧﺎﺟﻣﺔ ﻋن ﻧزوع اﻟدول اﻟﻌظﻣﻰ إﻟﻰ إﻋﺎدة ﺗرﺗﯾب‬
‫اﻷوﺿﺎع ﺣﺳب ﻣﺻﺎﻟﺣﻬﺎ اﻟﺧﺎﺻﺔ‪.‬‬
‫وﺑﻧﺎءا ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻘدم‪ ،‬ﯾﺗﺿﺢ ﺟﻠﯾﺎ أن اﻷﺳﺑﺎب اﻟﻣﻐذﯾﺔ ﻟﻠﺣﺎﻟﺔ اﻟﻧزاﻋﯾﺔ إﺧﺗﻠﻔت ﻛﺛﯾ ار ﻋﻣﺎ ﺷﻬدﺗﻪ اﻟﺣﻘب‬
‫اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ ‪.‬ﻓﺗﺎرﯾﺧﯾﺎ ﻛﺎن اﻟﻧزاع ﻓﻲ ﻣﺳﺗوﯾﺎﺗﻪ اﻟﻌﻣﯾﻘﺔ واﺟﻬﺔ ﻟﻠﺗﻧﺎﻓس ﺑﯾن اﻟوﺣدات اﻟﻛﺑرى ﻓﻲ اﻟﺑﻧﺎء‬
‫اﻟدوﻟﻲ ﺳواء ﻣﺎ إرﺗﺑط ﺑﺎﻟﺗﻧﺎﻓس ﺑﯾن اﻟدول اﻟﻛﺑرى ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻘدرات اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ ﻟﻠدول اﻟﺿﻌﯾﻔﺔ‪ ،‬أو ﻣﺎﺗﻌﻠق‬
‫ﺑﺣرﻛﺎت اﻟﺗﺣرر ﻣن اﻹﺳﺗﻌﻣﺎر أو اﻟﺻراع اﻹﻗﻠﯾﻣﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻧطﻘﺔ ﻧﻔوذ ﻣﻌﯾﻧﺔ أو اﻟﺗﻧﺎزع ﺣول إﻣﺗداد‬
‫ﺟﻐراﻓﻲ ﺣدودي‪.‬‬
‫ﺟﻠﻲ ﺑﻧﺎ أن ﻧﺷﯾر إﻟﻰ ﻧﻘطﺔ ﻣﻬﻣﺔ‬
‫وﺑﻐﯾﺔ ﻣﻼﻣﺳﺔ ﺟﺎﻧب ﻣﻬم أدى إﻟﻰ اﻟﺗﺣول ﻓﻲ ﻣﻔﻬوم اﻟﻧزاﻋﺎت‪ٌ ،‬‬
‫ﻣﻔﺎدﻫﺎ أن اﻟﻧزاﻋﺎت ﺧﻼل اﻟﺣرب اﻟﺑﺎردة ﺣﺗﻰ ٕوان ﺣدﺛت داﺧل داﺋرة ﻛل ﻣن اﻟﻣﻌﺳﻛرﯾن‪ ،‬إﻻ أﻧﻬﺎ ﻟم ﺗﻛن‬
‫ﻟﺗﻬدد اﻟﺗوازن اﻟدوﻟﻲ اﻟﻘﺎﺋم‪ ،‬ﻋﻠﻰ ﻋﻛس ﻣﺎ ﻫو ﺣﺎﺻل اﻟﯾوم ﺣﯾث ﯾﻧظر إﻟﻰ اﻟﻧزاع ﻛﺂﻟﯾﺔ ﻹﻋﺎدة ﺗﺷﻛﯾل‬
‫ﺗوازﻧﺎت إﻗﻠﯾﻣﯾﺔ ودوﻟﯾﺔ ﻣﻌﯾﻧﺔ‪ ،‬أي ﺗﺣول اﻟﻧزاع إﻟﻰ أداة إﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ ﺗﺳﺗﺧدﻣﻬﺎ اﻟدول ﻟﺗﻣرﯾر ﺳﯾﺎﺳﺎﺗﻬﺎ‬
‫وﺗﺻوراﺗﻬﺎ اﻹﺳﺗراﺗﯾﺟﯾﺔ ‪.‬وﻫو ﻣﺎ ﯾﺣدث ﺗوﺗ ًار ﻓﻲ ﻓﻬم اﻟوﺿﻊ اﻟﻧزاﻋﻲ ﺑﯾن اﻷطراف‪ ،‬ﻓﺎﻟدوﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺗﺑر‬
‫أﺳﺎﺳﺎ ﻟﺿﻣﺎن أﻣﻧﻬﺎ‪ ،‬ﺗﻔﺳرﻩ اﻟدوﻟﺔ اﻷﺧرى ﺑﺄﻧﻪ ﺗﻬدﯾد ﻟﻧﻔس اﻟﻘﯾﻣﺔ وﻫﻲ اﻷﻣن وﻫﻧﺎ‬
‫ً‬ ‫اﻟﻠﺟوء إﻟﻰ اﻟﻧزاع‬
‫ﺗﺣدث" اﻟﻣﻌﺿﻠﺔ اﻟﻧزاﻋﯾﺔ "ﺑذات اﻟطرﯾﻘﺔ اﻟﺗﻲ ﻓﺳر ﺑﻬﺎ اﻟﻣؤرخ اﻹﻏرﯾﻘﻲ ﺛﯾودﯾدﯾس اﻟﺣروب اﻟﺑﯾﻠوﺑوﻧﯾزﯾﺔ‬
‫ﻓﻲ اﻟﯾوﻧﺎن اﻟﻘدﯾﻣﺔ‪ ،‬ﺣﯾث ﯾﻘول ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻧﺷﺄت ﺑﺳﺑب ﺻﻌود اﻟﻘوة ﻓﻲ أﺛﯾﻧﺎ واﻟﻣﺧﺎوف ﻣن ﻫذا اﻟﺻﻌود ﻓﻲ‬
‫إﺳﺑرطﺔ‪.‬‬

‫اﻟﻣﺣﺎﺿرة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ‪:‬اﻷﺷﻛﺎل اﻟﺟدﯾدة ﻟﻠﺗﻬدﯾد‬

‫إن ﻫذا اﻟﺗﺣول ﻓﻲ طﺑﯾﻌﺔ اﻟﻧزاع وﻣﻔﻬوﻣﻪ ﻫو ﻣﺗﻐﯾر ﺗﺎﺑﻊ ﻟﺟﻣﻠﺔ ﻣن اﻟﻣﺗﻐﯾرات اﻟﻣﺳﺗﻘﻠﺔ‪ ،‬ﻣﻧﻬﺎ‬
‫ﺧﺎﺻﺔ اﻷﺷﻛﺎل اﻟﺟدﯾدة ﻟﻠﺗﻬدﯾد‪ ،‬ﺣﯾث ﯾرى اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﻛﺗﺎب وﻋﻠﻰ رأﺳﻬم ﺑول ﻛﯾﻧﯾدي ﺑﺄﻧﻪ ﺑﻌد ﻧﻬﺎﯾﺔ‬
‫اﻟﺣرب اﻟﺑﺎردة إﺳﺗﺑدﻟت اﻟﻧزاﻋﺎت اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ وﻣﻌﻬﺎ اﻟﺳﺑﺎق ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺳﻠﺢ ﺑﺎﻟﺗﻬدﯾدات اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ واﻟﺗﻧﺎﻓس‬
‫اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ وﻣﺧﺗﻠف أﺷﻛﺎل اﻟﺣرب اﻟﺗﺟﺎرﯾﺔ ‪.‬وﺗﺑﻌﺎ ﻟذﻟك ﺗﻠﺟﺄ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻣﺳﺗﺧدﻣﺔ اﻟﯾوم ﻟوﺻف ﻣﺎ ﯾﺟري ﻋﻠﻰ‬
‫ﺻﻌﯾد ﺣرﻛﺔ اﻟﺗﺟﺎرة و اﻹﺳﺗﺛﻣﺎرات اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ أﻛﺛر ﻓﺄﻛﺛر إﻟﻰ اﻟﻣﻔردات اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ‪.‬‬
‫وﺑﺎﻟﻔﻌل ﯾدور اﻟﺣدﯾث ﺣول ﻋﺑﺎرات" اﻟﺻﻧﺎﻋﺎت اﻟﻣﺣﺎﺻرة "و "اﻷﺳواق اﻟﻣﺧطوﻓﺔ " و" اﻟﺳﯾﺎﺳﺎت اﻟﺗﺟﺎرﯾﺔ‬
‫اﻟﻌدواﻧﯾﺔ‪" .‬‬
‫ﻛﻣﺎ ﯾﻘول أﯾﺿﺎ ﻓﻲ ﻫذا اﻟﺻدد روﺑرت ﻛوﺑر ‪ Robert cooper‬ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ " دوﻟﺔ ﻣﺎﺑﻌد اﻟﺣداﺛﺔ‬
‫واﻟﻧظﺎم اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ "ﺗﺄﻛﯾدا ﻟﻘﯾﻣﺔ اﻟﻣﺗﻐﯾر اﻻﻗﺗﺻﺎدي ﻓﻲ اﻟﻧزاﻋﺎت اﻟﺟدﯾدة " إن ﻋددا ﻛﺑﯾ ار ﻣن اﻟدول اﻟﻘوﯾﺔ ﻟم‬
‫ﺗﻌد ﺗرﯾد اﻟﻘﺗﺎل أو اﻟﻐزو‪ ،‬ﻷﻧﻬﺎ أﺻﺑﺣت ﺗﻌﻣل ﻋﻠﻰ ﺗﺣﻘﯾق أﻫداﻓﻬﺎ ﺑوﺳﺎﺋل إﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ وﺛﻘﺎﻓﯾﺔ أﺧرى ‪.‬‬
‫ﻛﻣﺎ أﻧﻧﺎ ﻧﺷﻬد ﺑرو ًاز ﻟـ اﻟﻧزاﻋﺎت اﻟﻼﻣﺗﻣﺎﺛﻠﺔ ﻛﺷﻛل ﺟدﯾد ﻣن أﺷﻛﺎل اﻟﻧزاﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‪ ،‬وﻫﻲ ﻓﻲ اﻟﻐﺎﻟب‬
‫ﺗﺳﺗﻣد ﻻ ﺗﻣﺎﺛﻠﻬﺎ ﻣن ﻋﻧﺻرﯾن أﺳﺎﺳﯾﯾن ‪:‬‬
‫اﻷطراف ‪:‬ﻛﺗﻠك اﻟﺗﻲ ﯾﻛون أﺣد أطراﻓﻬﺎ ﻻﻋﺑون ﻏﯾر اﻟدول‪ ،‬ﻣﺛل ‪:‬اﻟﺗﻧظﯾﻣﺎت اﻹرﻫﺎﺑﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻣﻠك ﻗوة‬
‫إﻟﺣﺎق اﻟﺿرر ﺑﺎﻟدول‪.‬‬
‫اﻷﻫداف واﻟوﺳﺎﺋل ‪:‬ﺣﯾث ﯾﻛون ﻫدف أﺣد اﻷطراف ﻫو اﻟﺗوﺳﻊ أو ﺗﺣﻘﯾق ﻣرﻛز ﻧﻔوذ إﻗﻠﯾﻣﻲ‪ ،‬ﺑﯾﻧﻣﺎ ﻫدف‬
‫اﻟطرف اﻵﺧر ﻫو إﺑراز اﻟذات واﻟﺗﻌﺑﯾرﻋن أﻫداﻓﻪ وﻣﺑﺎدﺋﻪ اﻹﯾدﯾوﻟوﺟﯾﺔ واﻹﻧﺗﺻﺎر ﻷﻓﻛﺎرﻩ وﻣﻌﺗﻘداﺗﻪ‪ ،‬ﻣﺛل‬
‫ﻏﺎﻟﺑﺎ‬
‫اﻟﺣﺎﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻛون ﻓﯾﻬﺎ اﻟدوﻟﺔ ﻓﻲ ﻣواﺟﻬﺔ ﺗﻧظﯾﻣﺎت ﻣﺳﻠﺣﺔ ﻣؤدﻟﺟﺔ ‪.‬ﻛﻣﺎ أن ﻫذا اﻟﺷﻛل ﻣن اﻟﻧزاﻋﺎت ً‬
‫واﻟﻣﻌدات‬ ‫ﻣﺎ ﯾُ دار ﺑوﺳﺎﺋل ﻣﺗﺑﺎﯾﻧﺔ‪ ،‬ﺣﯾث ﯾﻌﺗﻣد طرف ﻣﺎ ﻋﻠﻰ وﺳﺎﺋل رﺳﻣﯾﺔ ﻛﻘوات اﻟﺟﯾش‬
‫اﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ‪...‬اﻟﺦ‪ ،‬ﻓﻲ ﺣﯾن ﯾﻠﺟﺄ اﻟطرف اﻵﺧر إﻟﻰ وﺳﺎﺋل ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﻣواﺟﻬﺔ ﺧﺻﻣﻪ ﺗرﺗﺑط أﺳﺎﺳﺎ ﺑطﺎﺑﻌﻪ‬
‫اﻟﺳري وﻏﯾر اﻟﻣﺷروع‪.‬‬
‫*أﻣﺎ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﻧزاﻋﺎت اﻟﻣﺳﺗﻘﺑﻠﯾﺔ‪ ،‬ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺳﺗﻛون ﻧﺗﺎﺟﺎ ﻟﺟﻣﯾﻊ اﻻﺗﺟﺎﻫﺎت اﻟﺳﺎﺋدة اﻟﺗﻲ ﺗﻌﺑر ﻋن اﻟﺗﺣوﻻت‬
‫اﻟﻌﻣﯾﻘﺔ ﻓﻲ طﺑﯾﻌﺔ اﻟﺑﯾﺋﺔ اﻟدوﻟﯾﺔ‪ ،‬واﻻﻣﺗزاج ﺑﯾن ﻫذﻩ اﻻﺗﺟﺎﻫﺎت ﺳﯾﻔرز أﻧواﻋﺎ ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ﻣن اﻟﺻراﻋﺎت ﻟﯾﺳت‬
‫ﻣن ﺣﯾث أﺳﺑﺎﺑﻬﺎ ﻓﺣﺳب‪ ،‬ﺑل أﯾﺿﺎ ﻣن ﺣﯾث أﺳﺎﻟﯾب ﻣواﺟﻬﺗﻬﺎ‪ ،‬وﻣن ﺣﯾث ﺗﻌﺎون اﻟدول اﻟﻣﺗﺣﺎﻟﻔﺔ أو‬
‫ﺗﻧﺎﻓﺳﻬﺎ وﻣن ﺛم ﯾﺻﺑﺢ اﻟﻣﺟﺎل ﻣﻔﺗوﺣﺎ ﻻﺣﺗﻣﺎﻻت ﻛﺛﯾرة ‪.‬ﻓﻌﻠﻰ ﺿوء اﻟﺗطور اﻟﻬﺎﺋل ﻟﺗﻘﻧﯾﺎت اﻟﻣﻌﻠوﻣﺎت‬
‫ﺑدءا ﺑﺎﻟﺣروب‬
‫واﻟذي ﺳﯾﻣﺗد ﺣﺗﻰ ﺳﻧوات ﻗﺎدﻣﺔ‪ ،‬ﯾﻣﻛن ﻟﻬذﻩ اﻟﺗﻘﻧﯾﺎت وﺣدﻫﺎ أن ﺗؤﺛر ﻓﻲ ﺳﻠﺳﻠﺔ اﻟﺻراﻋﺎت ً‬
‫اﻟﻛﺑرى ٕواﻧﺗﻬﺎءا ﺑﺎﻟﻌﻣﻠﯾﺎت اﻹرﻫﺎﺑﯾﺔ‪.‬‬
 ‫ﻗﺎﺋﻣﺔ اﻟﻣراﺟﻊ اﻟﺗﻲ ﯾﻧﺻﺢ اﻟطﻠﺑﺔ ﺑﺎﻟرﺟوع اﻟﯾﻬﺎ‬

‫‪-1‬اﻟﻛﺗب‪:‬‬
‫‪ -‬اﻟﻛﺳﻧدر وﻧت ‪،‬اﻟﻧظرﯾﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻟﻠﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟدوﻟﯾﺔ ‪،‬ﺗرﺟﻣﺔ‪:‬ﻋﺑد اﷲ ﺟﺑر ﺻﺎﻟﺢ اﻟﻌﺗﯾﺑﻲ‬
‫)اﻟرﯾﺎض‪:‬اﻟﻧﺷر اﻟﻌﻠﻣﻲ واﻟﻣطﺎﺑﻊ ‪2005،‬‬
‫‪ -‬اﻟﺳﯾد ﻋﻠﯾوة‪ ،‬إدارة اﻟﺻراﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ)ﻣﺻر‪:‬اﻟﻬﯾﺋﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب‪.(1988،‬‬
‫‪ -‬إﺳﻣﺎﻋﯾل ﺻﺑري ﻣﻘﻠد‪ ،‬اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ اﻟدوﻟﯾﺔ‪ :‬دراﺳﺔ ﻓﻲ اﻷﺻول واﻟﻧظرﯾﺎت )اﻟﻛوﯾت‪:‬ﺟﺎﻣﻌﺔ‬
‫اﻟﻛوﯾت‪( 1982 ،‬‬
‫‪ -‬أﻛزاﻓﯾﯾﻪ ﻏﯾوم‪ ،‬اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ‪ :‬ﻗﺎﺳم اﻟﻣﻘداد )ﺑﯾروت‪ :‬دار اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌرﺑﻲ‪(2001 ،‬‬
‫‪ -‬ﺟﯾﻔري ﻛﯾﻣب‪ ،‬ﺟرﯾﻣﻲ ﺑرﯾﺳﻣﺎن‪ ،‬ﻧﻘطﺔ اﻟﻼﻋودة‪ :‬اﻟﺻراع اﻟﺣﺿﺎري ﻣن أﺟل اﻟﺳﻼم ﻓﻲ اﻟﺷرق‬
‫اﻷوﺳط‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ‪ :‬رﺿﺎ ﺧﻠﯾﻔﺔ وﺗوﻓﯾق ﻋﻠﻰ ﻣﻧﺻور )اﻟﻘﺎﻫرة‪ :‬ﻣؤﺳﺳﺔ اﻷﻫرام ‪(1999،‬‬
‫‪ -‬ﺟوزﯾف س‪.‬ﻧﺎي اﻻﺑن‪ ،‬اﻟﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‪ :‬ﻣﻘدﻣﺔ ﻟﻠﻧظرﯾﺔ واﻟﺗﺎرﯾﺦ‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ‪ :‬أﺣﻣد أﻣﯾن اﻟﺟﻣل‬
‫وﻣﺟدي ﻛﺎﻣل)اﻟﻘﺎﻫرة‪:‬اﻟﺟﻣﻌﯾﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ ﻟﻧﺷر اﻟﻣﻌرﻓﺔ واﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ‪،‬ط‪(1997 ،1.‬‬
‫‪ -‬ﺟون ﺑﯾﻠﯾس وﺳﺗﯾف ﺳﻣﯾث ‪،‬ﻋوﻟﻣﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾﺔ )ﺗرﺟﻣﺔ ﻣرﻛز اﻟﺧﻠﯾﺞ ﻟﻸﺑﺣﺎث ‪،‬ط‪(2004 ،1.‬‬
‫‪ -‬ﺣﺳﯾن ﺑوﻗﺎرة‪ ،‬ﺗﺣﻠﯾل اﻟﻧزاﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‪:‬ﻣﻘﺎرﺑﺔ ﻧظرﯾﺔ)اﻟﺟزاﺋر‪:‬ﻣﺧﺑر اﻟﺑﺣوث و اﻟدراﺳﺎت ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت‬
‫اﻟدوﻟﯾﺔ‪ (2008 ،‬ﺻﺎﻣوﯾل ﻫﻧﺗﻧﻐﺗون‪ ،‬ﺻدام اﻟﺣﺿﺎرات ٕواﻋﺎدة ﺻﻧﻊ اﻟﻧظﺎم اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ ‪،‬ﺗرﺟﻣﺔ‪ :‬طﻠﻌت‬
‫اﻟﺷﺎﯾب‪) ،‬اﻟﻘﺎﻫرة‪ :‬ﺳطور‪،‬ط‪(1997 ،2.‬‬
‫‪ -‬ﺻﺎﻣوﯾل ﻫﻧﺗﻧﻐﺗون‪ ،‬ﺻدام اﻟﺣﺿﺎرات ٕواﻋﺎدة ﺻﻧﻊ اﻟﻧظﺎم اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ ‪،‬ﺗرﺟﻣﺔ‪ :‬طﻠﻌت اﻟﺷﺎﯾب‪) ،‬اﻟﻘﺎﻫرة‪:‬‬
‫ﺳطور‪،‬ط‪(1997 ،2.‬‬
‫‪ -‬ﺻﺎﻟﺢ ﯾﺣﻲ اﻟﺷﺎﻋري‪ ،‬ﺗﺳوﯾﺔ اﻟﻧزاﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ ﺳﻠﻣﯾﺎ)اﻟﻘﺎﻫرة‪:‬ﻣﻛﺗﺑﺔ ﻣدﺑوﻟﻲ‪،‬ط‪(2005 .1.‬‬
‫‪ -‬ﻋودة‪ ،‬اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﻧظرﯾﺎت و إﺷﻛﺎﻟﯾﺎت )اﻟﻬدى ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ ط‪(2005، 1.‬‬
‫‪ -‬ﻋﺑد اﻟوﻫﺎب اﻟﻛﯾﺎﻟﻲ وآﺧرون‪،‬ﻣوﺳوﻋﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ‪ ،‬ﻣﺎدة )اﻟﺻراع(‪) ،‬ﺑﯾروت‪ :‬اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت‬
‫واﻟﻧﺷر‪(1981،‬‬
‫‪ -‬ﻓرﯾد زﻛرﯾﺎ‪ ،‬ﻣن اﻟﺛروة إﻟﻰ اﻟﻘوة‪،‬اﻟﺟذور اﻟﻔرﯾدة ﻟدور أﻣرﯾﻛﺎ اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ‪ :‬رﺿﺎ ﺧﻠﯾﻔﺔ‬
‫)اﻟﻘﺎﻫرة‪:‬ﻣرﻛز اﻷﻫرام ﻟﻠﺗرﺟﻣﺔ واﻟﻧﺷر‪(1999،‬‬
‫‪ -‬ﻛﻣﺎل ﺣﻣﺎد‪ ،‬اﻟﻧزاﻋﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‪ :‬دراﺳﺔ ﻗﺎﻧوﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﻠم اﻟﻧزاﻋﺎت)ﻟﺑﻧﺎن‪:‬اﻟدار اﻟوطﻧﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت واﻟﻧﺷر‬
‫واﻟﺗوزﯾﻊ‪،‬ط‪(1998 ،1.‬‬
‫‪ -‬ﻟوﯾد ﺟوﻧس‪ ،‬ﺗﻔﺳﯾر اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ‪ ،‬ﺗرﺟﻣﺔ ﻣﺣﻣد ﺑن أﺣﻣد ﻣﻔﻧﻲ وﻣﺣﻣد اﻟﺳﯾد ﺳﻠﯾم‬
‫)اﻟرﯾﺎض‪:‬ﻣطﺎﺑﻊ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻣﻠك ﺳﻌود‪،‬ط‪(1989 ،1.‬‬
‫‪ -‬ﻣﻣدوح ﻣﺣﻣود ﻣﺻطﻔﻰ ﻣﻧﺻور‪،‬ﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﺗﺣﺎﻟف اﻟدوﻟﻲ ) اﻟﻘﺎﻫرة ‪ :‬ﻣﻛﺗﺑﺔ‬
 ‫‪ -‬ﻣدﺑوﻟﻲ‪ (1997،‬إﺑراﻫﯾم أﺑو ﺧزام‪ ،‬اﻟﺣروب وﺗوازن اﻟﻘوى )ﻟﺑﻧﺎن‪:‬اﻷﻫﻠﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر واﻟﺗوزﯾﻊ‪ ،‬ط‪،1.‬‬
‫‪(1999‬‬
‫‪ -‬ﻣﺣﻣد أﺣﻣد ﻋﺑد اﻟﻐﻔﺎر‪ ،‬ﻓض اﻟﻧزاع ﻓﻲ اﻟﻔﻛر واﻟﻣﻣﺎرﺳﺔ اﻟﻐرﺑﯾﺔ )اﻟﺟزاﺋر‪ :‬دار ﻫوﻣﻪ ﻟﻠطﺑﺎﻋﺔ واﻟﻧﺷر‬
‫واﻟﺗوزﯾﻊ‪،‬ج‪(2003 ،1‬‬
‫‪ -‬ﻣﺣﻣودي ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر‪ ،‬اﻟﻧزاﻋﺎت اﻟﻌرﺑﯾﺔ وﺗطور اﻟﻧظﺎم اﻹﻗﻠﯾﻣﻲ اﻟﻌرﺑﻲ ) اﻟﺟزاﺋر‪ :‬ﻣﻧﺷورات ‪،ANEP‬‬
‫ط‪(2001 ،1.‬‬
‫‪ -‬ﻣﺣﻣد ﺳﻌﯾد أﺑو ﻋﺎﻣود‪ ،‬اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ اﻟﻣﻌﺎﺻرة )اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ‪ :‬دار اﻟﻔﻛر اﻟﺟﺎﻣﻌﻲ‪ ،‬ط‪(2007 ،1 .‬‬
‫‪ -‬ﻧﺎﺻف ﯾوﺳف ﺣﺗﻰ‪ ،‬اﻟﻧظرﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ )ﺑﯾروت‪ :‬دار اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌرﺑﻲ‪1985 ،‬‬
‫‪ -‬وﻟﯾد ﻋﺑد اﻟﺣﻲ‪ ،‬ﺗﺣول اﻟﻣﺳﻠﻣﺎت ﻓﻲ ﻧظرﯾﺎت اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ )اﻟﺟزاﺋر‪ :‬ﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﺷروق ﻟﻺﻋﻼم و‬
‫اﻟﻧﺷر‪ ،‬ط‪(1994 ،1 .‬‬

‫‪-2‬اﻟﻣﺟﻼت‪:‬‬
‫‪ -‬أﺣﻣد ﻋﻠﻲ ﺳﺎﻟم ‪''،‬ﻋن اﻟﺣرب واﻟﺳﻼم ‪..‬ﻣراﺟﻌﺔ ﻷدﺑﯾﺎت اﻟﺻراع اﻟدوﻟﻲ‪ ''،‬اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟدوﻟﯾﺔ‬
‫‪،‬م‪،42.‬ع‪)170.‬أﻛﺗوﺑر‪(2007‬‬
‫‪ -‬ﻓؤاد ﻧﻬرا‪'' ،‬ﻣﻔﻬوم اﻷزﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻧظﺎم اﻟﻌﺎﻟﻣﻲ اﻟﺟدﯾد''‪ ،‬ﻣﻌﻠوﻣﺎت دوﻟﯾﺔ‪ ،‬ع‪)57.‬ﺻﯾف ‪(1998‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ -3‬اﻟرﺳﺎﺋل و اﻷطروﺣﺎت اﻟﺟﺎﻣﻌﯾﺔ ‪:‬‬
‫‪ -‬رﯾﺎض ﺑوزرب‪ ،‬اﻟﻧزاع ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺟزاﺋرﯾﺔ اﻟﻣﻐرﺑﯾﺔ ‪) 1988-1963‬ﻣذﻛرة ﻣﻘدﻣﺔ ﻟﻧﯾل ﺷﻬﺎدة‬
‫اﻟﻣﺎﺟﺳﺗﯾر ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻗﺳﻧطﯾﻧﺔ‪(2008/2007،‬‬
‫‪ -‬ﻋﺑد اﻟﻧﺎﺻر اﻟدﯾن ﺟﻧدﻟﻲ‪،‬اﻧﻌﻛﺎﺳﺎت ﺗﺣوﻻت اﻟﻧظﺎم اﻟدوﻟﻲ ﻟﻣﺎ ﺑﻌد اﻟﺣرب اﻟﺑﺎردة ﻋﻠﻰ اﻻﺗﺟﺎﻫﺎت‬
‫اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﻛﺑرى ﻓﻲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ‪ ،‬أطروﺣﺔ ﻣﻘدﻣﺔ ﻟﻧﯾل ﺷﻬﺎدة دﻛﺗوراﻩ دوﻟﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ)‬
‫ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺟزاﺋر‪(2005/2004،‬‬
‫‪ -‬ﻋز اﻟدﯾن ﺣﻣﺎﯾدي‪،‬دور اﻟﺗدﺧل اﻟﺧﺎرﺟﻲ ﻓﻲ اﻟﻧزاﻋﺎت اﻟﻌرﻗﯾﺔ‪،‬ﻣذﻛرة ﻣﻘدﻣﺔ ﻟﻧﯾل ﺷﻬﺎدة اﻟﻣﺎﺟﺳﺗﯾر ﻓﻲ‬
‫اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ)ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻗﺳﻧطﯾﻧﺔ‪:‬ﻛﻠﯾﺔ اﻟﺣﻘوق واﻟﻌﻠوم اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ‪(2005،‬‬
‫‪ -‬ﻋﻣﺎر ﺣﺟﺎر‪ ،‬اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ اﻷﻣﻧﯾﺔ اﻷوروﺑﯾﺔ ﺗﺟﺎﻩ ﺟﻧوﺑﻬﺎ اﻟﻣﺗوﺳط‪ ،‬ﻣذﻛرة ﻟﻧﯾل ﺷﻬﺎدة اﻟﻣﺎﺟﺳﺗﯾر ﻓﻲ‬
‫اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ) ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﺎﺗﻧﺔ‪(2002 ،‬‬
 :‫ﻣراﺟﻊ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ‬
Livres:

- Chaim Kauffmann," Possible and Impossible Solutions to Ethnic

Civil Wars,'' International Security, vol. 20, (1996)
- Hans, Morgenthau, politics Among Nations (New-york:
Alfredknopf, 4th ed., 1967)
- -Jean Jaque Roche, Théories Des Relations Internationales
(Paris:Montchrestien, 5eme ed, 2004).
- Kenneth N.Waltz, Theory of international politics (Addison-
Wesley: Publishing Company Reading, 1979), p.18.
- Pierre de Senarclens ,Mondialisation, Souveraineté et théories des
relations internationales Paris:Dalloz1998 ,
- Paul R. Viotti and Mark V. Kauppi, International Relations
Theory: Realism, Pluralism, Globalism (New York: Macmillan
1987)
- Raymond Aron, paix et guerre entre les nations (calmande
édition, 1968)

- Thomas Khun, The Structure of Scientific Revolution ,A

fundamental in intellectual history (USA, 1968)

Revues:
-Gideon Rose, "Neoclassical Realism and Theories of Foreign
Policy," world politics, vol. 51, n°1 (October 1998)
- Glenn H. Snyder ,Mearssheimer's World,-Offensive Realism and
the Struggle for Security ,A Review Essay'',International Security,
vol. 27, n°1 (Summer 2002).
- Jeffrey T.Checkel,''The Constructivist Turn in International
Relations Theory'', Review Article, World Politics, Vol.51.No.02,
1998
- Stephen M.Walt ,International Relation: One World, Many
Theories,'' Foreign Policy ,Special Edition, No.110 ( Spring 1998)