You are on page 1of 13

‫ر‬ ‫ر ْ ُ ر‬

‫اب الج‬
‫َشح كِت ِ‬

‫اليوم الثاين‪:‬‬
‫أحاديث‪ :‬ابن عباس (‪ ،)582‬و(‪ ،)583‬و(‪ )584‬رضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫شرح بلوغ املرام‬ ‫‪2‬‬

‫الحديث الثاين والثامنون بعد الخمس مئة‬


‫يف َرس ِ‬ ‫الف ْض ُل ب ُن َعب ٍ ِ‬ ‫‪َ -582‬و َع ْن ُه رضي اهلل عنهام َق َال‪َ « :‬كانَ َ‬
‫ول‬ ‫اس َرد َ ُ‬ ‫ْ َّ‬
‫ت ا ْم َر َأ ٌة ِم ْن َخ ْث َع َم‪َ ،‬ف َج َع َل َ‬
‫الف ْض ُل َي ْن ُظ ُر‬ ‫ال َّل ِه صلى اهلل عليه وسلم‪َ ،‬ف َجا َء ِ‬

‫الف ْض ِل‬ ‫إِ َل ْيهَ ا َو َت ْن ُظ ُر إِ َل ْي ِه‪َ ،‬و َج َع َل النَّبِ ُّي صلى اهلل عليه وسلم َي ْصرِ ُ‬
‫ف َو ْج َه َ‬
‫إِ َلى ِّ‬
‫الش ِّق اآل َخرِ‪.‬‬
‫ت َأبِي‬ ‫يض َة ال َّل ِه َع َلى ِع َبادِ ِه فِي َ‬
‫الح ِّج َأ ْد َر َك ْ‬ ‫ول ال َّل ِه! إِ َّن َفرِ َ‬
‫س َ‬‫ت‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫َف َقا َل ْ‬
‫اح َل ِة‪َ ،‬أ َف َأ ُح ُّج َع ْن ُه؟‬
‫ت َع َلى الر ِ‬
‫َّ‬ ‫َش ْيخ ًا َكبِير ًا‪ََ ،‬ل َي ْث ُب ُ‬
‫الو َدا ِع ‪ُ »-‬م َّت َف ٌق َع َل ْي ِه‪َ ،‬وال َل ْف ُظ لِ ْل ُب َخ ِ‬
‫ار ِّي‪.‬‬ ‫َق َال‪َ :‬ن َع ْم ‪َ -‬و َذلِ َك فِي َح َّج ِة َ‬
‫الحج عن‬
‫ِّ‬ ‫ِّف رمحه اهلل هذا الحديث؛ لبيان‪ُ :‬حكم النيابة يف‬
‫ساق المصن ُ‬
‫العاجز‪.‬‬
‫والنيابة عن الحج ال تخلو‪:‬‬
‫أن تكون عن مي ٍ‬
‫ت؛ فهذا يجوز باال ِّتفاق‪.‬‬ ‫إما ْ‬
‫ِّ‬
‫حي‪ :‬فال يخلو‪ :‬إما أ ْن يكون يف فرض أو نافلة‪.‬‬
‫وإما أن تكون عن ٍّ‬
‫فإ ْن كان يف ٍ‬
‫نافلة؛ فال ُيحج عن الحي‪.‬‬
‫أن يكون عاجز ًا عن الحج‪ ،‬أو أن ال‬ ‫ٍ‬
‫فرض فال يخلو‪ :‬إما ْ‬ ‫وإذا كان يف‬
‫يكون عاجز ًا‪.‬‬

‫‪a-alqasim.com‬‬
‫‪3‬‬ ‫مقرر اليوم الثاين‬

‫فإن كان عاجز ًا عن الحج وهو ومل يحج الفريضة؛ فتصح النيابة عنه‪.‬‬
‫ْ‬
‫إن كان غير عاجز‪ -‬يعني‪ :‬مرض مثالً مرض ًا يمكن برؤه منه ‪-‬؛ فهذا‬
‫وأما ْ‬
‫ال يجوز ْ‬
‫أن ُيحج عنه‪.‬‬
‫الحي تكون يف الفرض إذا كان م ْي ُؤوس ًا من ُب ْرئه سواء من‬
‫إذ ًا النيابة عن ِّ‬
‫مرض‪ ،‬أو لشيخوخته‪.‬‬
‫ِّف رمحه اهلل هذا الحديث؛ لبيان‪ :‬أن الشيخ الكبير الذي مل‬
‫وساق المصن ُ‬
‫يحج الفرض وال يستطيع ذلك؛ تصح النيابة عنه ولو كان حيّ ًا‪ ،‬أما إذا كان قد‬
‫حج فال‪.‬‬
‫عباس‪َ ( ،‬ق َال‪َ :‬كانَ ال َف ْض ُل‬
‫ٍ‬ ‫لذلك قال‪َ ( :‬و َع ْن ُه رضي اهلل عنهام) يعني‪ :‬ابن‬
‫ول ال َّل ِه صلى‬‫يف َرس ِ‬ ‫ِ‬
‫عباس رضي اهلل عنهم‪َ ( ،‬رد َ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ْب ُن َع َّب ٍ‬
‫اس) هو أخو عبد اهلل بن‬
‫اهلل عليه وسلم) يعني‪ :‬عىل داب ٍة‪َ ( ،‬ف َجا َء ِ‬
‫ت ا ْم َر َأ ٌة َم ْن َخ ْث َع َم) وخثعم‪ :‬قبيل ٌة من‬
‫قحطان‪.‬‬
‫ِ‬
‫الف ْض ُل َي ْن ُظ ُر إِ َل ْيهَ ا َو َت ْن ُظ ُر إِ َل ْيه) وكان ّ‬
‫شاب ًا‪َ ( ،‬و َج َع َل النَّبِ ُّي صلى اهلل‬ ‫( َف َج َع َل َ‬

‫اآلخرِ) يعني‪ :‬إىل الناحية األخرى؛‬ ‫الف ْض ِل إِ َلى ِّ‬


‫الش ِّق َ‬ ‫عليه وسلم َي ْصرِ ُ‬
‫ف َو ْج َه َ‬

‫يمنعه من النظر إليها‪.‬‬

‫‪a-alqasim.com‬‬
‫شرح بلوغ املرام‬ ‫‪4‬‬

‫ول ال َّل ِه!) قال ابن حجر رمحه اهلل‪« :‬وتأم ُ‬


‫لت الروايات فإذا‬ ‫س َ‬ ‫( َف َقا َل ْ‬
‫ت‪َ :‬يا َر ُ‬
‫السائل ٌ‬
‫رجل ومعه تلك المرأة» يعني‪ :‬الذي يسأل هو رجل‪ ،‬والمرأة التي تنظر‬
‫للفضل وينظر إليها مل تكن هي السائلة وإنما كانت مع أبيها‪.‬‬
‫ت َأبِي) يعني‪ :‬وجب عليه‬ ‫يض َة ال َّل ِه َع َلى ِع َبادِ ِه فِي َ‬
‫الح ِّج َأ ْد َر َك ْ‬ ‫(إِ َّن َفرِ َ‬
‫ت‬ ‫فرض؛ لكنه ( َش ْيخ ًا َكبِير ًا) يعني‪ :‬يف ِّ‬
‫السن‪ََ ( ،‬ل َي ْث ُب ُ‬ ‫بالحج وأنه ٌ‬
‫ِّ‬ ‫الحج‪ ،‬أو علم‬
‫اح َل ِة) يعني‪ :‬لو ُوضع عىل الراحلة يسقط لشيخوخته وعجزه وكبره‪،‬‬ ‫َع َلى الر ِ‬
‫َّ‬
‫( َأ َف َأ ُح ُّج َع ْن ُه؟ َق َال‪َ :‬ن َع ْم)‪.‬‬
‫ِّف رمحه اهلل هذا اللفظ؛ لبيان‬ ‫(و َذلِ َك فِي َح َّج ِة َ‬
‫الو َداعِ) ساق المصن ُ‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫الحكم ليس بمنسوخٍ ‪ ،‬فيجوز النيابة عن الشيخ الكبير‪ ،‬وكذا المرأة‬
‫أن هذا ُ‬
‫الكبيرة اللذين ال يستطيعان الثبات عىل الراحلة‪ ،‬أو يشق عليهما الحج‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫مرض‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬ ‫من به ٌ‬
‫قريب من هذا‪ ،‬فلفظ‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫مسلم‬ ‫قال‪ُ ( :‬متَّ َف ٌق َع َل ْي ِه‪َ ،‬وال َل ْف ُظ لِ ْل ُب َخ ِ‬
‫ار ِّي) ولفظ‬
‫مسلم(‪« :)1‬كان الف ْض ُل ْب ُن عب ٍ‬
‫اس رديف ر ُسول الله صىل اهلل عليه وسلم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫فجاء ْت ُه ا ْمرأ ٌة م ْن خثْعم ت ْست ْفتيه‪ ،‬فجعل الف ْض ُل ينْ ُظ ُر إليْها وتنْ ُظ ُر إليْه‪ ،‬فجعل‬

‫(‪ )1‬كتاب الحج‪ ،‬باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحومها‪ ،‬أو للموت‪ ،‬رقم‬
‫(‪.)1334‬‬
‫‪a-alqasim.com‬‬
‫‪5‬‬ ‫مقرر اليوم الثاين‬

‫ف و ْجه الف ْضل إلى ِّ‬


‫الش ِّق اآلخر‪ ،‬قال ْت‪:‬‬ ‫ر ُس ُ‬
‫ول الله صىل اهلل عليه وسلم ي ْصر ُ‬
‫يا ر ُسول الله‪ ،‬إن فريضة الله على عباده في الح ِّج‪ ،‬أ ْدرك ْت أبي ش ْيخ ًا كبير ًا ال‬
‫يع أ ْن يثْ ُبت على الراحلة‪ ،‬أفأ ُحج عنْ ُه؟ قال‪ :‬نع ْم‪ ،‬وذلك في حجة‬
‫ي ْستط ُ‬
‫الوداع»‪.‬‬
‫وهذا الحديث يدل على عدَّ ة مسائل‪:‬‬
‫ول ال َّل ِه صلى اهلل‬
‫يف َرس ِ‬ ‫المسألة األولى‪ :‬قوله‪َ ( :‬كانَ ال َف ْض ُل ب ُن َعب ٍ ِ‬
‫اس َرد َ ُ‬ ‫ْ َّ‬
‫عليه وسلم) يدل عىل تواضع الن ِّبي عليه الصالة والسالم حيث أردف معه ذلك‬
‫الشاب‪ ،‬وقد قال ابن عالن‪« :‬إن النبي صىل اهلل عليه وسلم أردف أربعين رجالً‬
‫معه يف حياته»‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬يدل هذا الحديث عىل جواز اإلرداف يف الدابة إذا ُأمنت‬
‫رجل يركب خلف رج ٍل؛ ما فيه بأس ‪ -‬يف الدابة ‪ -‬إذا ُأمنت‬
‫الفتنة‪ ،‬يعني‪ٌ :‬‬
‫الفتنة‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬يجوز ركوب اثنين عىل الدابة إذا مل يكن يف ذلك مشق ٌة عىل‬
‫الدابة‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬قوله‪َ ( :‬ف َجا َء ِ‬
‫ت ا ْم َر َأ ٌة َم ْن َخ ْث َع َم) يدل عىل حرص‬
‫الصحابيات رضي اهلل عنهن عىل السؤال عن أمر دينهن‪ ،‬فجاءت تسأل النبي‬

‫‪a-alqasim.com‬‬
‫شرح بلوغ املرام‬ ‫‪6‬‬

‫صىل اهلل عليه وسلم؛ فيدل عىل مكانة الن ِّبي صىل اهلل عليه وسلم العظيمة يف‬
‫قلوب المسلمين‪ ،‬حيث يرجعون إليه فيما ُيشكل عليهم‪ ،‬وهكذا يجب عىل‬
‫الحكم أ ْن يسأل عنه‪.‬‬
‫من ال يعرف ُ‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬يدل عىل جواز سؤال المرأة الرجل بشرط أن ال‬
‫تخضع بالقول‪ ،‬وأن ال يكون فيه فتن ٌة؛ قال سبحانه‪﴿ :‬فال ت ْخض ْعن بالق ْول‬
‫في ْطمع الذي في ق ْلبه مر ٌض﴾ [األحزاب‪.]3٢ :‬‬
‫الف ْض ُل َي ْن ُظ ُر إِ َل ْيهَ ا َو َت ْن ُظ ُر إِ َل ْي ِه) يعني‪:‬‬
‫المسألة السادسة‪ :‬قوله‪َ ( :‬ف َج َع َل َ‬

‫الفضل نظر إىل تلك المرأة وتلك المرأة نظرت إليه‪ ،‬وهذا يدل عىل أن الرجل‬
‫قد يميل إىل المرأة‪ ،‬وأن المرأة أيض ًا قد تميل إىل الرجل يف النظر‪.‬‬
‫المسألة السابعة‪ :‬قوله‪َ ( :‬و َج َع َل النَّبِ ُّي صلى اهلل عليه وسلم َي ْصرِ ُ‬
‫ف َو ْج َه‬
‫اآلخرِ) يدل عىل تحريم النظر إىل المرأة؛ حيث إن النبي صىل‬ ‫ال َف ْض ِل إِ َلى ِّ‬
‫الش ِّق َ‬
‫أن ينظر إىل تلك المرأة‪ ،‬ولو كان مباح ًا ْ‬
‫أن‬ ‫اهلل عليه وسلم أنكر عىل الفضل ْ‬
‫ينظر الرجل إىل المرأة ألقره النبي صىل اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫المسألة الثامنة‪ :‬يدل عىل أنه يجوز اإلنكار باليد إذا مل تكن فيه فتنة؛ حيث‬
‫إن النبي صىل اهلل عليه وسلم أخذ برأسه إىل الشق اآلخر‪.‬‬

‫‪a-alqasim.com‬‬
‫‪7‬‬ ‫مقرر اليوم الثاين‬

‫يض َة ال َّل ِه َع َلى ِع َبادِ ِه‬


‫ول ال َّل ِه! إِ َّن َفرِ َ‬
‫س َ‬ ‫المسألة التاسعة‪ :‬قوله‪َ ( :‬ف َقا َل ْ‬
‫ت‪َ :‬يا َر ُ‬
‫فِي َ‬
‫الح ِّج) يدل عىل أن الحج رك ٌن من أركان اإلسالم‪ ،‬فرض‪.‬‬
‫اح َل ِة)‬
‫ت َع َلى الر ِ‬
‫َّ‬ ‫ت َأبِي َش ْيخ ًا َكبِير ًا‪ََ ،‬ل َي ْث ُب ُ‬
‫المسألة العاشرة‪ :‬قولها‪َ ( :‬أ ْد َر َك ْ‬
‫اح َل ِة) يدل عىل‬ ‫ت َع َلى الر ِ‬
‫َّ‬ ‫حي‪ََ ( ،‬ل َي ْث ُب ُ‬
‫يدل عىل أنه يجوز النيابة عن الحج وهو ٌّ‬
‫(ش ْيخ ًا َكبِير ًا) وصف أو حال ألمره‪.‬‬
‫أنه حي‪ ،‬كذلك‪َ :‬‬

‫الحج عن الذي ال‬ ‫ِّ‬ ‫المسألة الحادية عشرة‪ :‬يدل عىل أنه تجوز النيابة يف‬
‫اح َل ِة)‪.‬‬
‫ت َع َلى الر ِ‬
‫َّ‬ ‫يستطيع أ ْن يصل إىل مكة وال المشاعر؛ قالت‪ََ ( :‬ل َي ْث ُب ُ‬
‫فلو كان الشخص شيخ ًا كبير ًا لكنه يثبت عىل الراحلة‪ ،‬ويستطيع أ ْن يصل‬
‫إىل مكة؛ يجب عليه الحج‪ ،‬فالذي منع من ذلك أنه ال يثبت عىل الراحلة‪ ،‬ويف‬
‫ٍ‬
‫لفظ‪« :‬فإ ْن أنا حم ْلتُ ُه على بع ٍير ل ْم يثْبُ ْت عليْه‪ ،‬وإ ْن شد ْدت ُه عليْه ل ْم آم ْن عليْه»(‪.)1‬‬
‫المسألة الثانية عشرة‪ :‬قولها‪َ ( :‬أ َف َأ ُح ُّج َع ْن ُه؟) يعني‪ :‬نياب ًة عنه‪ ،‬فيدل عىل‬
‫أنه يجوز للمرأة أ ْن تكون نائب ًة عن الرجل يف الحج‪ ،‬يعني‪ :‬يجوز أن المرأة‬
‫ٍ‬
‫امرأة‪،‬‬ ‫تحج عن الرجل‪ ،‬ومن باب أوىل العكس؛ فيجوز للرجل ْ‬
‫أن يحج عن‬
‫السن ال تستطيع الثبات عىل الراحلة‪.‬‬
‫إما امرأة متوفاة‪ ،‬أو امرأة كبيرة يف ِّ‬

‫(‪ )1‬رواه أمحد يف المسند‪ ،‬رقم (‪.)3377‬‬


‫‪a-alqasim.com‬‬
‫شرح بلوغ املرام‬ ‫‪8‬‬

‫الحديث الثالث والثامنون بعد الخمس مئة‬


‫«أ َّن ا ْم َر َأ ًة ِم ْن ُجهَ ْي َن َة َجا َء ْت إِ َلى النَّبِ ِّي صلى‬
‫‪َ -583‬و َع ْن ُه رضي اهلل عنه‪َ :‬‬

‫ت‪ :‬إِ َّن ُأ ِّمي َن َذ َر ْت َأنْ َت ُح َّج‪َ ،‬ف َل ْم َت ُح َّج َحتَّى َما َت ْ‬
‫ت‪،‬‬ ‫اهلل عليه وسلم َف َقا َل ْ‬
‫َأ َف َأ ُح ُّج َع ْنهَ ا؟‬
‫ت َق ِ‬
‫اض َي َت ُه؟‬ ‫ك َدي ٌن‪َ ،‬أ ُك ْن ِ‬
‫ت َل ْو َكانَ َع َلى ُأم ِ‬ ‫َق َال‪َ :‬ن َعم‪ُ ،‬ح ِّجي َع ْنهَ ا‪َ ،‬أر َأي ِ‬
‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬
‫الو َف ِ‬
‫اء» َر َوا ُه ال ُب َخ ِ‬
‫ار ُّي‪.‬‬ ‫ا ْق ُضوا ال َّل َه؛ َفال َّل ُه َأ َح ُّق بِ َ‬
‫ِّف رمحه اهلل هذا الحديث؛ لبيان‪ :‬أن من مات وعليه نذر ‪-‬‬
‫ساق المصن ُ‬
‫حج وغيره ‪ -‬فإنه ُيقضى عنه بعد وفاته‪.‬‬
‫من ٍّ‬
‫عباس رضي اهلل عنهما‪َ ( ،‬أ َّن‬ ‫ٍ‬ ‫قال‪َ ( :‬و َع ْن ُه رضي اهلل عنهام) أي‪ :‬عن ابن‬
‫ا ْم َر َأ ًة ِم ْن ُجهَ ْي َن َة) جهينة‪ :‬قبيلة تقع عىل ساحل البحر األمحر‪ ،‬مقرها ُأم ُلج‪.‬‬
‫ت‪ :‬إِ َّن ُأ ِّمي َن َذ َر ْت َأنْ َت ُح َّج)‬
‫( َجا َء ْت إِ َلى النَّبِ ِّي صلى اهلل عليه وسلم َف َقا َل ْ‬
‫نذر أن أحج‪ ،‬يعني‪ :‬أن النذر هو‪ :‬إيجاب المرء‬
‫يعني‪ :‬نذرت‪ ،‬قالت‪ :‬لله عيل ٌ‬
‫عىل نفسه شيئ ًا مل يجب يف أصل الشرع‪.‬‬
‫والنذر يف ابتدائه مكرو ٌه؛ كما يف صحيح البخاري(‪« :)1‬نهى النبي صىل اهلل‬
‫عليه وسلم ع ْن الن ْذر‪ ،‬وقال‪ :‬إن ُه ال ي ُرد ش ْيئ ًا‪ ،‬ولكن ُه ُي ْست ْخر ُج به م ْن البخيل»‪،‬‬

‫(‪ )1‬كتاب األيمان والنذور‪ ،‬باب الوفاء بالنذر وقوله‪ُ ﴿ :‬يو ُفون بالن ْذر﴾‪ ،‬رقم (‪،)6693‬‬
‫‪a-alqasim.com‬‬
‫‪9‬‬ ‫مقرر اليوم الثاين‬

‫لكن من نذر يجب عليه الوفاء به‪ ،‬وقوله سبحانه‪ُ ﴿ :‬يو ُفون بالن ْذر ويخا ُفون‬
‫ي ْوم ًا كان شر ُه ُم ْستطير ًا﴾ [اإلنسان‪ ]7 :‬هذا ثنا ٌء عىل الوفاء بالنذر‪ ،‬ال عىل أصل‬
‫النذر‪.‬‬
‫ت‪َ ،‬أ َف َأ ُح ُّج َع ْنهَ ا؟ َق َال‪َ :‬ن َع ْم‪ُ ،‬ح ِّجي َع ْنهَ ا) يعني‪:‬‬
‫قال‪َ ( :‬ف َل ْم َت ُح َّج َح َّتى َما َت ْ‬
‫ك َد ْي ٌن) يعني‪ :‬من حقوق اآلدميين‪،‬‬ ‫ت َل ْو َكانَ َع َلى ُأم ِ‬ ‫حجي عنها‪َ ( ،‬أر َأي ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ ِّ‬
‫اض َي َت ُه؟) يعني‪ :‬لو كان عليها مثالً مبلغ ًا‪ ،‬ألست تقضينه؟‬ ‫ت َق ِ‬
‫( َأ ُك ْن ِ‬

‫قال‪( :‬ا ْق ُضوا ال َّل َه) يعني‪ :‬اقضوا حقوق الله؛ ( َفال َّل ُه) يعني‪ :‬حقوق الله‬
‫اء) يعني‪ :‬أحق بإيفائها‪ ،‬والعمل بما وعدتم به‪َ ( ،‬ر َوا ُه‬‫الو َف ِ‬‫عليكم‪َ ( ،‬أ َح ُّق بِ َ‬
‫ال ُب َخ ِ‬
‫ار ُّي)‪.‬‬
‫وهذا الحديث يدل على عدَّ ة مسائل‪:‬‬
‫المسألة األولى‪ :‬قوله‪َ ( :‬أ َّن ا ْم َر َأ ًة ِم ْن ُجهَ ْي َن َة َجا َء ْت إِ َلى النَّبِ ِّي صلى اهلل عليه‬
‫وسلم) يدل عىل حرص الصحابيات رضي اهلل عنهن عىل السؤال عن أمور‬
‫الدِّ ين‪ ،‬وإذا كانت المرأة حريصة عىل الدِّ ين‪ ،‬فكذلك الرجل يجب أ ْن يكون‬
‫ٌ‬
‫شامل للذكر واألنثى‪.‬‬ ‫حريص ًا عىل الدِّ ين‪ ،‬فالدِّ ين‬

‫من حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما‪.‬‬


‫‪a-alqasim.com‬‬
‫شرح بلوغ املرام‬ ‫‪10‬‬

‫ويف صحيح البخاري(‪ )1‬أيض ًا يف رواية‪« :‬أن ر ُجالً أتى إلى الن ِّبي صىل اهلل‬
‫عليه وسلم فقال‪ :‬إن ُأ ْختي نذر ْت أ ْن ت ُحج‪ ،‬أفأ ُحج عنْها؟»‪.‬‬
‫ت‪ :‬إِ َّن ُأ ِّمي َن َذ َر ْت َأنْ َت ُح َّج‪َ ،‬ف َل ْم َت ُح َّج َحتَّى‬
‫المسألة الثانية‪ :‬قوله‪َ ( :‬ف َقا َل ْ‬
‫ت‪َ ،‬أ َف َأ ُح ُّج َع ْنهَ ا؟) يدل عىل أن اإلنسان ال يعلم النفع من أين يأتيه‪ ،‬هل من‬ ‫َما َت ْ‬
‫ابنه‪ ،‬أو من بنته؟ فهنا التي سألت هي المرأة تريد أ ْن ُتبرئ ذمة أمها‪ ،‬ويغلب‬
‫عىل البنات اإلحسان إىل اآلباء واألمهات بعد وفاهتما‪.‬‬
‫ولهذا من ُرزق بأنثى ال يحزن؛ بل يفرح‪ ،‬فهذه هبة من الله عز وجل‪ ،‬وقد‬
‫ال ينفع الشخص بعد وفاته إال البنت‪ ،‬وكذا قد ال يقف بجانب األم أو األب‬
‫حال المرض يف حياهتما إال البنت‪ ،‬فهذه امرأة أتت ل ُتو ِّفي حق أمها‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬قولها‪َ ( :‬أ َف َأ ُح ُّج َع ْنهَ ا؟) يدل عىل أن المرأة يجوز أ ْن تنوب‬
‫ٍ‬
‫امرأة‪ ،‬وكذا يجوز امرأ ٌة‬ ‫امرأة أخرى يف مناسك الحج‪ ،‬أي‪ :‬امرأ ٌة تحج عن‬ ‫ٍ‬ ‫عن‬
‫تحج عن رجلٍ‪.‬‬
‫ت َل ْو َكانَ َع َلى ُأم ِ‬
‫ك‬ ‫المسألة الرابعة‪ :‬قوله‪َ ( :‬ق َال‪َ :‬ن َعم‪ُ ،‬ح ِّجي َع ْنهَ ا‪َ ،‬أر َأي ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬
‫اض َي َت ُه؟) يدل عىل وجوب قضاء حقوق اآلدميين‪.‬‬ ‫ت َق ِ‬‫َدي ٌن‪َ ،‬أ ُك ْن ِ‬
‫ْ‬

‫(‪ )1‬كتاب األيمان والنذور‪ ،‬باب من مات وعليه نذر‪ ،‬رقم (‪ ،)6699‬من حديث ابن‬
‫عبا ٍ‬
‫س رضي اهلل عنهما‪.‬‬
‫‪a-alqasim.com‬‬
‫‪11‬‬ ‫مقرر اليوم الثاين‬

‫المسألة الخامسة‪ :‬يدل أيض ًا عىل وجوب قضاء حقوق الله عز وجل‪.‬‬
‫المسألة السادسة‪ :‬يدل أيض ًا عىل أص ٍل يف الدِّ ين يف التشريع وهو القياس‪،‬‬
‫فالنبي صىل اهلل عليه وسلم قاس حق الله عز وجل عىل حقوق المخلوقين‪.‬‬
‫المسألة السابعة‪ :‬قوله‪( :‬ا ْق ُضوا ال َّل َه‪َ ،‬فال َّل ُه َأ َح ُّق بِا ْل َو َف ِ‬
‫اء) يعني‪ :‬فالله أوىل‬
‫من قضاء اآلدميين‪ ،‬وهذا يدل عىل أن بين العبد وبين الله عهدٌ ‪ ،‬إ ْن عاهده يجب‬
‫الوفاء به ‪ -‬مما مل يلزم به بأصل الشرع ‪ ،-‬مثل‪ :‬النذر‪ ،‬أو الكفارة وغير ذلك‪.‬‬
‫حق الله أيض ًا‪ْ ،‬‬
‫وإن كان‬ ‫المسألة الثامنة‪ :‬يدل عىل أن المرء ال يتساهل يف ِّ‬
‫مبني عىل المسامحة‪ ،‬لكن ال يتساهل فيما يجب عىل الن ْفس به‪ ،‬فيجب‬
‫حق الله ٌّ‬
‫عليه قضاء حق الله عز وجل كما يجب عليه قضاء حق المخلوقين‪.‬‬

‫‪a-alqasim.com‬‬
‫شرح بلوغ املرام‬ ‫‪12‬‬

‫الحديث الرابع والثامنون بعد الخمس مئة‬


‫ول ال َّل ِه صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬ ‫س ُ‬ ‫‪َ -584‬و َع ْن ُه رضي اهلل عنه َق َال‪َ :‬ق َال َر ُ‬
‫ث؛ َف َع َل ْي ِه َأنْ َي ُح َّج َح َّج ًة ُأ ْخ َرى‪.‬‬ ‫« َأيام َصبِي َحج ُثم ب َل َغ ِ‬
‫الح ْن َ‬ ‫ٍّ َّ َّ َ‬ ‫ُّ َ‬
‫َو َأ ُّي َام َع ْب ٍد َح َّج ُث َّم ُأ ْعتِ َق؛ َف َع َل ْي ِه َح َّج ٌة ُأ ْخ َرى» َر َوا ُه ا ْب ُن َأبِي َش ْي َب َة‪َ ،‬وال َب ْيهَ ِق ُّي‪،‬‬
‫وظ‪َ :‬أن َُّه َم ْو ُق ٌ‬
‫وف‪.‬‬ ‫ف فِي َر ْف ِع ِه‪َ ،‬وال َم ْح ُف ُ‬ ‫اخ ُتلِ َ‬ ‫َو ِر َجا ُل ُه ثِ َق ٌ‬
‫ات إِ ََّل َأن َُّه ْ‬
‫ِّف رمحه اهلل هذا الحديث؛ لبيان‪ :‬أن الصبي الذي مل يبلغ‬
‫ساق المصن ُ‬
‫إن حجا‪ ،‬ثم بعد ذلك بلغ الصبي أو عتق العبد يجب عليهما أ ْن يعيدا‬
‫والعبد ْ‬
‫حجتيهما مر ًة أخرى‪.‬‬
‫وقد ساق ابن المنذر رمحه اهلل اإلمجاع عىل ذلك‪ ،‬أي‪ :‬أن الصبي إذا حج‬
‫أن يعيد الحجة‪ ،‬وكذلك العبد إذا حج ثم ُأعتق‬
‫صغير‪ ،‬ثم بلغ يجب عليه ْ‬
‫ٌ‬ ‫وهو‬
‫يجب علبه ْ‬
‫أن يحج مر ًة أخرى‪.‬‬
‫ول ال َّل ِه‬
‫س ُ‬
‫قال‪َ ( :‬و َع ْن ُه) يعني‪ :‬عن ابن عباس رضي اهلل عنهما‪َ ( ،‬ق َال‪َ :‬ق َال َر ُ‬
‫صبي ‪ -‬ذكر أو أنثى ‪َ ( ،-‬ح َّج ُث َّم‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم‪َ :‬أ ُّي َام َصبِ ٍّي) يعني‪ :‬أي ٍّ‬
‫أن ُيكتب عليه أي ذنب‪،‬‬ ‫ث) اإلثم والذنب‪ ،‬يعني‪ :‬حج قبل ْ‬ ‫ث) ( ِ‬
‫الح ْن َ‬ ‫ب َل َغ ِ‬
‫الح ْن َ‬ ‫َ‬
‫أن يجري عليه قلم التكليف‪َ ( ،‬ف َع َل ْي ِه َأنْ َي ُح َّج َح َّج ًة ُأ ْخ َرى)‪.‬‬ ‫أي‪ :‬قبل ْ‬

‫‪a-alqasim.com‬‬
‫‪13‬‬ ‫مقرر اليوم الثاين‬

‫قال‪َ ( :‬و َأ ُّي َام َع ْب ٍد َح َّج ُث َّم ُأ ْعتِ َق؛ َف َع َل ْي ِه َح َّج ٌة ُأ ْخ َرى)؛ ألن من شروط الحج‪:‬‬
‫حج‪ ،‬فلو حج العبد‪ ،‬هذه تكون نافل ًة يف‬
‫الحرية‪ ،‬فالعبد أصالً ال يجب عليه ٌّ‬
‫ح ِّقه‪ ،‬فإذا ُأعتق يجب عليه الحج حين ذاك‪.‬‬
‫قال‪َ ( :‬ر َوا ُه ا ْب ُن َأبِي َش ْي َب َة‪َ ،‬وال َب ْيهَ ِق ُّي) ورواه أيض ًا الحاكم‪ ،‬وابن خزيمة‪،‬‬
‫وظ َأن َُّه َم ْو ُق ٌ‬
‫الم ْح ُف ُ‬ ‫ِِ‬ ‫اخ ُتلِ َ ِ‬‫ات إِ ََّل َأن َُّه ْ‬‫( َو ِر َجا ُل ُه ثِ َق ٌ‬
‫وف) وصحح ابن‬ ‫ف في َر ْفعه‪َ ،‬و َ‬
‫ٍ‬
‫عباس رضي اهلل عنهما ‪ -‬من قوله ‪.-‬‬ ‫خزيمة أنه موقوف عىل ابن‬
‫ٍ‬
‫طريق آخر قال‪« :‬ات ُقوا الحديث‬ ‫ويؤيد صحة رفعه ما رواه الترمذي(‪ )1‬من‬
‫عنِّي إال ما عل ْمت ُْم» يعني‪ :‬كأن ابن عباس رضي اهلل عنهما يرفعه إىل الن ِّبي صىل‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،‬وابن حجر هنا رجح وقفه ‪ -‬وكذا ابن خزيمة ‪ -‬عىل ابن عباس‬
‫رضي اهلل عنهما‪ ،‬والمسألة إمجاع‪.‬‬
‫***‬

‫(‪ )1‬أبواب تفسير القرآن‪ ،‬باب ما جاء يف الذي يفسر القرآن برأيه‪ ،‬رقم (‪.)٢951‬‬
‫‪a-alqasim.com‬‬

You might also like