Professional Documents
Culture Documents
اب الج
َشح كِت ِ
اليوم الثاين:
أحاديث :ابن عباس ( ،)582و( ،)583و( )584رضي اهلل عنهما.
شرح بلوغ املرام 2
الف ْض ِل إِ َل ْيهَ ا َو َت ْن ُظ ُر إِ َل ْي ِهَ ،و َج َع َل النَّبِ ُّي صلى اهلل عليه وسلم َي ْصرِ ُ
ف َو ْج َه َ
إِ َلى ِّ
الش ِّق اآل َخرِ.
ت َأبِي يض َة ال َّل ِه َع َلى ِع َبادِ ِه فِي َ
الح ِّج َأ ْد َر َك ْ ول ال َّل ِه! إِ َّن َفرِ َ
س َتَ :يا َر ُ َف َقا َل ْ
اح َل ِةَ ،أ َف َأ ُح ُّج َع ْن ُه؟
ت َع َلى الر ِ
َّ َش ْيخ ًا َكبِير ًاََ ،ل َي ْث ُب ُ
الو َدا ِع ُ »-م َّت َف ٌق َع َل ْي ِهَ ،وال َل ْف ُظ لِ ْل ُب َخ ِ
ار ِّي. َق َالَ :ن َع ْم َ -و َذلِ َك فِي َح َّج ِة َ
الحج عن
ِّ ِّف رمحه اهلل هذا الحديث؛ لبيانُ :حكم النيابة يف
ساق المصن ُ
العاجز.
والنيابة عن الحج ال تخلو:
أن تكون عن مي ٍ
ت؛ فهذا يجوز باال ِّتفاق. إما ْ
ِّ
حي :فال يخلو :إما أ ْن يكون يف فرض أو نافلة.
وإما أن تكون عن ٍّ
فإ ْن كان يف ٍ
نافلة؛ فال ُيحج عن الحي.
أن يكون عاجز ًا عن الحج ،أو أن ال ٍ
فرض فال يخلو :إما ْ وإذا كان يف
يكون عاجز ًا.
a-alqasim.com
3 مقرر اليوم الثاين
فإن كان عاجز ًا عن الحج وهو ومل يحج الفريضة؛ فتصح النيابة عنه.
ْ
إن كان غير عاجز -يعني :مرض مثالً مرض ًا يمكن برؤه منه -؛ فهذا
وأما ْ
ال يجوز ْ
أن ُيحج عنه.
الحي تكون يف الفرض إذا كان م ْي ُؤوس ًا من ُب ْرئه سواء من
إذ ًا النيابة عن ِّ
مرض ،أو لشيخوخته.
ِّف رمحه اهلل هذا الحديث؛ لبيان :أن الشيخ الكبير الذي مل
وساق المصن ُ
يحج الفرض وال يستطيع ذلك؛ تصح النيابة عنه ولو كان حيّ ًا ،أما إذا كان قد
حج فال.
عباسَ ( ،ق َالَ :كانَ ال َف ْض ُل
ٍ لذلك قالَ ( :و َع ْن ُه رضي اهلل عنهام) يعني :ابن
ول ال َّل ِه صلىيف َرس ِ ِ
عباس رضي اهلل عنهمَ ( ،رد َ ُ ٍ ْب ُن َع َّب ٍ
اس) هو أخو عبد اهلل بن
اهلل عليه وسلم) يعني :عىل داب ٍةَ ( ،ف َجا َء ِ
ت ا ْم َر َأ ٌة َم ْن َخ ْث َع َم) وخثعم :قبيل ٌة من
قحطان.
ِ
الف ْض ُل َي ْن ُظ ُر إِ َل ْيهَ ا َو َت ْن ُظ ُر إِ َل ْيه) وكان ّ
شاب ًاَ ( ،و َج َع َل النَّبِ ُّي صلى اهلل ( َف َج َع َل َ
a-alqasim.com
شرح بلوغ املرام 4
( )1كتاب الحج ،باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحومها ،أو للموت ،رقم
(.)1334
a-alqasim.com
5 مقرر اليوم الثاين
a-alqasim.com
شرح بلوغ املرام 6
صىل اهلل عليه وسلم؛ فيدل عىل مكانة الن ِّبي صىل اهلل عليه وسلم العظيمة يف
قلوب المسلمين ،حيث يرجعون إليه فيما ُيشكل عليهم ،وهكذا يجب عىل
الحكم أ ْن يسأل عنه.
من ال يعرف ُ
المسألة الخامسة :يدل عىل جواز سؤال المرأة الرجل بشرط أن ال
تخضع بالقول ،وأن ال يكون فيه فتن ٌة؛ قال سبحانه﴿ :فال ت ْخض ْعن بالق ْول
في ْطمع الذي في ق ْلبه مر ٌض﴾ [األحزاب.]3٢ :
الف ْض ُل َي ْن ُظ ُر إِ َل ْيهَ ا َو َت ْن ُظ ُر إِ َل ْي ِه) يعني:
المسألة السادسة :قولهَ ( :ف َج َع َل َ
الفضل نظر إىل تلك المرأة وتلك المرأة نظرت إليه ،وهذا يدل عىل أن الرجل
قد يميل إىل المرأة ،وأن المرأة أيض ًا قد تميل إىل الرجل يف النظر.
المسألة السابعة :قولهَ ( :و َج َع َل النَّبِ ُّي صلى اهلل عليه وسلم َي ْصرِ ُ
ف َو ْج َه
اآلخرِ) يدل عىل تحريم النظر إىل المرأة؛ حيث إن النبي صىل ال َف ْض ِل إِ َلى ِّ
الش ِّق َ
أن ينظر إىل تلك المرأة ،ولو كان مباح ًا ْ
أن اهلل عليه وسلم أنكر عىل الفضل ْ
ينظر الرجل إىل المرأة ألقره النبي صىل اهلل عليه وسلم.
المسألة الثامنة :يدل عىل أنه يجوز اإلنكار باليد إذا مل تكن فيه فتنة؛ حيث
إن النبي صىل اهلل عليه وسلم أخذ برأسه إىل الشق اآلخر.
a-alqasim.com
7 مقرر اليوم الثاين
الحج عن الذي ال ِّ المسألة الحادية عشرة :يدل عىل أنه تجوز النيابة يف
اح َل ِة).
ت َع َلى الر ِ
َّ يستطيع أ ْن يصل إىل مكة وال المشاعر؛ قالتََ ( :ل َي ْث ُب ُ
فلو كان الشخص شيخ ًا كبير ًا لكنه يثبت عىل الراحلة ،ويستطيع أ ْن يصل
إىل مكة؛ يجب عليه الحج ،فالذي منع من ذلك أنه ال يثبت عىل الراحلة ،ويف
ٍ
لفظ« :فإ ْن أنا حم ْلتُ ُه على بع ٍير ل ْم يثْبُ ْت عليْه ،وإ ْن شد ْدت ُه عليْه ل ْم آم ْن عليْه»(.)1
المسألة الثانية عشرة :قولهاَ ( :أ َف َأ ُح ُّج َع ْن ُه؟) يعني :نياب ًة عنه ،فيدل عىل
أنه يجوز للمرأة أ ْن تكون نائب ًة عن الرجل يف الحج ،يعني :يجوز أن المرأة
ٍ
امرأة، تحج عن الرجل ،ومن باب أوىل العكس؛ فيجوز للرجل ْ
أن يحج عن
السن ال تستطيع الثبات عىل الراحلة.
إما امرأة متوفاة ،أو امرأة كبيرة يف ِّ
ت :إِ َّن ُأ ِّمي َن َذ َر ْت َأنْ َت ُح َّجَ ،ف َل ْم َت ُح َّج َحتَّى َما َت ْ
ت، اهلل عليه وسلم َف َقا َل ْ
َأ َف َأ ُح ُّج َع ْنهَ ا؟
ت َق ِ
اض َي َت ُه؟ ك َدي ٌنَ ،أ ُك ْن ِ
ت َل ْو َكانَ َع َلى ُأم ِ َق َالَ :ن َعمُ ،ح ِّجي َع ْنهَ اَ ،أر َأي ِ
ْ ِّ َ ْ ْ
الو َف ِ
اء» َر َوا ُه ال ُب َخ ِ
ار ُّي. ا ْق ُضوا ال َّل َه؛ َفال َّل ُه َأ َح ُّق بِ َ
ِّف رمحه اهلل هذا الحديث؛ لبيان :أن من مات وعليه نذر -
ساق المصن ُ
حج وغيره -فإنه ُيقضى عنه بعد وفاته.
من ٍّ
عباس رضي اهلل عنهماَ ( ،أ َّن ٍ قالَ ( :و َع ْن ُه رضي اهلل عنهام) أي :عن ابن
ا ْم َر َأ ًة ِم ْن ُجهَ ْي َن َة) جهينة :قبيلة تقع عىل ساحل البحر األمحر ،مقرها ُأم ُلج.
ت :إِ َّن ُأ ِّمي َن َذ َر ْت َأنْ َت ُح َّج)
( َجا َء ْت إِ َلى النَّبِ ِّي صلى اهلل عليه وسلم َف َقا َل ْ
نذر أن أحج ،يعني :أن النذر هو :إيجاب المرء
يعني :نذرت ،قالت :لله عيل ٌ
عىل نفسه شيئ ًا مل يجب يف أصل الشرع.
والنذر يف ابتدائه مكرو ٌه؛ كما يف صحيح البخاري(« :)1نهى النبي صىل اهلل
عليه وسلم ع ْن الن ْذر ،وقال :إن ُه ال ي ُرد ش ْيئ ًا ،ولكن ُه ُي ْست ْخر ُج به م ْن البخيل»،
( )1كتاب األيمان والنذور ،باب الوفاء بالنذر وقولهُ ﴿ :يو ُفون بالن ْذر﴾ ،رقم (،)6693
a-alqasim.com
9 مقرر اليوم الثاين
لكن من نذر يجب عليه الوفاء به ،وقوله سبحانهُ ﴿ :يو ُفون بالن ْذر ويخا ُفون
ي ْوم ًا كان شر ُه ُم ْستطير ًا﴾ [اإلنسان ]7 :هذا ثنا ٌء عىل الوفاء بالنذر ،ال عىل أصل
النذر.
تَ ،أ َف َأ ُح ُّج َع ْنهَ ا؟ َق َالَ :ن َع ْمُ ،ح ِّجي َع ْنهَ ا) يعني:
قالَ ( :ف َل ْم َت ُح َّج َح َّتى َما َت ْ
ك َد ْي ٌن) يعني :من حقوق اآلدميين، ت َل ْو َكانَ َع َلى ُأم ِ حجي عنهاَ ( ،أر َأي ِ
ِّ َ ْ ُ ِّ
اض َي َت ُه؟) يعني :لو كان عليها مثالً مبلغ ًا ،ألست تقضينه؟ ت َق ِ
( َأ ُك ْن ِ
قال( :ا ْق ُضوا ال َّل َه) يعني :اقضوا حقوق الله؛ ( َفال َّل ُه) يعني :حقوق الله
اء) يعني :أحق بإيفائها ،والعمل بما وعدتم بهَ ( ،ر َوا ُهالو َف ِعليكمَ ( ،أ َح ُّق بِ َ
ال ُب َخ ِ
ار ُّي).
وهذا الحديث يدل على عدَّ ة مسائل:
المسألة األولى :قولهَ ( :أ َّن ا ْم َر َأ ًة ِم ْن ُجهَ ْي َن َة َجا َء ْت إِ َلى النَّبِ ِّي صلى اهلل عليه
وسلم) يدل عىل حرص الصحابيات رضي اهلل عنهن عىل السؤال عن أمور
الدِّ ين ،وإذا كانت المرأة حريصة عىل الدِّ ين ،فكذلك الرجل يجب أ ْن يكون
ٌ
شامل للذكر واألنثى. حريص ًا عىل الدِّ ين ،فالدِّ ين
ويف صحيح البخاري( )1أيض ًا يف رواية« :أن ر ُجالً أتى إلى الن ِّبي صىل اهلل
عليه وسلم فقال :إن ُأ ْختي نذر ْت أ ْن ت ُحج ،أفأ ُحج عنْها؟».
ت :إِ َّن ُأ ِّمي َن َذ َر ْت َأنْ َت ُح َّجَ ،ف َل ْم َت ُح َّج َحتَّى
المسألة الثانية :قولهَ ( :ف َقا َل ْ
تَ ،أ َف َأ ُح ُّج َع ْنهَ ا؟) يدل عىل أن اإلنسان ال يعلم النفع من أين يأتيه ،هل من َما َت ْ
ابنه ،أو من بنته؟ فهنا التي سألت هي المرأة تريد أ ْن ُتبرئ ذمة أمها ،ويغلب
عىل البنات اإلحسان إىل اآلباء واألمهات بعد وفاهتما.
ولهذا من ُرزق بأنثى ال يحزن؛ بل يفرح ،فهذه هبة من الله عز وجل ،وقد
ال ينفع الشخص بعد وفاته إال البنت ،وكذا قد ال يقف بجانب األم أو األب
حال المرض يف حياهتما إال البنت ،فهذه امرأة أتت ل ُتو ِّفي حق أمها.
المسألة الثالثة :قولهاَ ( :أ َف َأ ُح ُّج َع ْنهَ ا؟) يدل عىل أن المرأة يجوز أ ْن تنوب
ٍ
امرأة ،وكذا يجوز امرأ ٌة امرأة أخرى يف مناسك الحج ،أي :امرأ ٌة تحج عن ٍ عن
تحج عن رجلٍ.
ت َل ْو َكانَ َع َلى ُأم ِ
ك المسألة الرابعة :قولهَ ( :ق َالَ :ن َعمُ ،ح ِّجي َع ْنهَ اَ ،أر َأي ِ
ِّ َ ْ ْ
اض َي َت ُه؟) يدل عىل وجوب قضاء حقوق اآلدميين. ت َق َِدي ٌنَ ،أ ُك ْن ِ
ْ
( )1كتاب األيمان والنذور ،باب من مات وعليه نذر ،رقم ( ،)6699من حديث ابن
عبا ٍ
س رضي اهلل عنهما.
a-alqasim.com
11 مقرر اليوم الثاين
المسألة الخامسة :يدل أيض ًا عىل وجوب قضاء حقوق الله عز وجل.
المسألة السادسة :يدل أيض ًا عىل أص ٍل يف الدِّ ين يف التشريع وهو القياس،
فالنبي صىل اهلل عليه وسلم قاس حق الله عز وجل عىل حقوق المخلوقين.
المسألة السابعة :قوله( :ا ْق ُضوا ال َّل َهَ ،فال َّل ُه َأ َح ُّق بِا ْل َو َف ِ
اء) يعني :فالله أوىل
من قضاء اآلدميين ،وهذا يدل عىل أن بين العبد وبين الله عهدٌ ،إ ْن عاهده يجب
الوفاء به -مما مل يلزم به بأصل الشرع ،-مثل :النذر ،أو الكفارة وغير ذلك.
حق الله أيض ًاْ ،
وإن كان المسألة الثامنة :يدل عىل أن المرء ال يتساهل يف ِّ
مبني عىل المسامحة ،لكن ال يتساهل فيما يجب عىل الن ْفس به ،فيجب
حق الله ٌّ
عليه قضاء حق الله عز وجل كما يجب عليه قضاء حق المخلوقين.
a-alqasim.com
شرح بلوغ املرام 12
a-alqasim.com
13 مقرر اليوم الثاين
قالَ ( :و َأ ُّي َام َع ْب ٍد َح َّج ُث َّم ُأ ْعتِ َق؛ َف َع َل ْي ِه َح َّج ٌة ُأ ْخ َرى)؛ ألن من شروط الحج:
حج ،فلو حج العبد ،هذه تكون نافل ًة يف
الحرية ،فالعبد أصالً ال يجب عليه ٌّ
ح ِّقه ،فإذا ُأعتق يجب عليه الحج حين ذاك.
قالَ ( :ر َوا ُه ا ْب ُن َأبِي َش ْي َب َةَ ،وال َب ْيهَ ِق ُّي) ورواه أيض ًا الحاكم ،وابن خزيمة،
وظ َأن َُّه َم ْو ُق ٌ
الم ْح ُف ُ ِِ اخ ُتلِ َ ِات إِ ََّل َأن َُّه ْ( َو ِر َجا ُل ُه ثِ َق ٌ
وف) وصحح ابن ف في َر ْفعهَ ،و َ
ٍ
عباس رضي اهلل عنهما -من قوله .- خزيمة أنه موقوف عىل ابن
ٍ
طريق آخر قال« :ات ُقوا الحديث ويؤيد صحة رفعه ما رواه الترمذي( )1من
عنِّي إال ما عل ْمت ُْم» يعني :كأن ابن عباس رضي اهلل عنهما يرفعه إىل الن ِّبي صىل
اهلل عليه وسلم ،وابن حجر هنا رجح وقفه -وكذا ابن خزيمة -عىل ابن عباس
رضي اهلل عنهما ،والمسألة إمجاع.
***
( )1أبواب تفسير القرآن ،باب ما جاء يف الذي يفسر القرآن برأيه ،رقم (.)٢951
a-alqasim.com