Professional Documents
Culture Documents
مدخل
مدخل
لق د ظّلت بيئ ة األدب في بالد المغ رب الع ربي في ط ور الّنض وج ،وبحاج ة إلى أبح اث
ودراس ات معّم ق ة ،للكش ف عن المكنونات الموج ودة في ثناي ا الّت اريخ الع ربي الّض ارب
في القدم ،وماقّد مه بعض الباحثين المهتمين بهذه الدراسة ماهو إال جهد ضئيل اليذكر،
مقارنة بم ا قّد م ه المش ارقة ،حيث تناولوا أدبهم من زواي ا مختلف ة ،فق د ألّم وا ب أدبهم ،
وانكّب وا على الدراس ات واألبح اث ،ليق ّد موا ص ورة واض حة عن اإلرث الحض اري
والفكري واألدبي للعالم العربي ،الذي اليزال يفتقر إلى أبحاث قائمة بذاتها ،تك ون بحجم
تلك الحضارات التي تعاقبت عليه ،وأفرزت من رحمها أدبا وثقافة اليستهان بهما.
من هنا وجب على الجيل الّن اشئ من المغاربيين أن يقوموا بدور فعال للّنهوض ب األدب
المغ اربي ،ال ذي غ ّط في س بات عمي ق ،يجب أن يتحّم لوا وزر البحث في ه ذا المج ال
للكش ف عن أدبي ة ه ذا األدب ،وليزي د اإلفه ام وي زول اإلبه ام وي دخل ض من اس تراتيجية
البحث العلمي لبعث آثار األولين ،ونفض الغبار الذي خّيم عليها.
بدأ االهتمام باألدب المغاربي وبالتحديد أدب المغرب األوسط (الجزائر) في فترة مابعد
االس تعمار الفرنس ي ،ال ّذ ي ك ان يع اني من غي اب عن س احة الدراس ة ال تي ظّلت في
ص مت رهيب ،لم ا وج دت من ثلة قليلة يعرفونه ا معرف ة س طحية ،وه ذا ك ان من بقاي ا
االستيطان الفرنسي في الجزائر ،فقد محى جميع معالم الحضارة والثقافة والهوية التي
كانت تزخر بهم عروس المتوسط.
دخل األدب الجزائري في سباق البحث والدراسة ونشأت البذور األولى له ،وهي عبارة
عن مرحلة تمهيدي ة لفتح خزانة األدب الجزائري ة ،في ف ترة ب ني عب د ال واد بتلمس ان،
للتع ّر ف عن ه ذه الحاض رة ال تي تع ّد من أهّم حواض ر الّت اريخ اإلس المي ،بفض ل
االزده ار العلمي والّنم اء الحض اري وال زخم العم راني ،فق د ش هدت مرحلة إنتقالي ة من
البداوة إلى أحضان الحضارة.
مدخل
تلمسان مدينة مسورة على سفح جبل شاهق ،يستقبلها بين أحضانه بوّد وحّب ،فيحميها
من رم ال الجنوب ولفح ة الص حراء ،وتتنفس بأش جار مورق ة تحم ل أكس جين الحي اة،
وذلك البحر ال ّذ ي يرسل إليها نسيما عليال ،فتبدو كآلهة البحر المزّينة بتاج الموحدين،
وطرح ة الزي انيين ،فألبس ت أبناء ب ني عب د ال واد الجم ال األّخ اذ ال ّذ ي يأس ر األنف اس،
ويضرم في سويداء قلبهم نار الهيام ،وقيل عنها بأّنها:
مدينة أزلية ولها سور حصين متقن الوثاقة ،وهي مدينتان في واحدة يفصل »
بينهما سور ولها نهر يأتيها من جبلها المسمى بالص!خرتين [ ]...وه!ذا ال!وادي
يم !ّر في ش!!رقي المدين!!ة وعلي!!ه أرج!!اء كث!!يرة ،وم!!ا جاوره!!ا من الم!!زارع كله!!ا
مس!قي ،وغالته!ا ومزارعه!ا كث!يرة وفواكهه!ا جم!ة وخيراته!ا ش!املة ولحومه!ا
شحيمة سمينة ،وبالجملة إنها حس!نة ل!رخص أس!عارها ونف!اق أش!غالها وم!راج
1
تجارتها.« ....
فلم تكن تلمس ان تس تمد من األوط ان األخ رى زرع ا وال ض رعا وال خض را وال فاكه ة،
لذلك كانت موطنا طيبا لقاطنيها ومقاما حسنا لزوارها .حيث لمع اسمها وأصبحت ذات
شأن في التاريخ ومثاال يحتذى بها.
1أبي عبد هللا محمد بن عبد هللا بن أدريس الحمودي الحسني :نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق ،مكتبة الثقافة الدينية،
القاهرة ،دط2000 ،م – 1422هـ ،مج ،1ص .248
مدخل
قام الجغرافيون والمؤرخون المسلمون بتحديد موقع الحاضرة اإلسالمية تلمسان بأّنها:
» تقع تلمسان في الشمال الغربي من المغرب األوسط بمكان مائل نحو الغ!!رب
[ ]...على خ!!ط ط!!ول °14,48ودائ!!رة ع!!رض °33,42على ارتف!!اع 830م
عن س!!طح البح!!ر ،تحي!!ط به!!ا الجب!!ال والهض!!اب الص!!خرية من الجه!!ة الجنوبي!!ة،
ويح !!دها من الش !!مال الغ !!ربي مرتف !!ع ت !!رارة ،وجب !!ال فالوس !!ن ،ومن الش !!مال
2
الشرقي مرتفعات السبعة والشيوخ وتسالة «.
وتع ّد تلمس ان المنب ع الّر ق راق ال ذي يس تمّد وق وده من م اء البح ر ،فه و يغ ّذ ي األودي ة
والينابيع ،لتشكل فسيفساء تزّين لؤلؤة الغرب الجزائري.
أّم ا الجغرافيون المحدثون فقد »:حددوا موقعها عند خط طول درجة واحدة و °30
3
غرب غرينتش ،وخط عرض °34و °53شمال خط االستواء «.
نالح ظ من خالل التع ريفين للموق ع الجغ رافي الق ديم والح ديث أّن هناك ف رق ،فالق ديم
إحداثياته تعتمد على أجهزة علمية ذات إمكانيات محدودة تتوافق وذلك العصر ،أّم ا في
عصرنا الحالي فنالحظ أّن التكنولوجيا قطعت أشواطا لبلوغ قمة ه رم التط ور من خالل
توافر األقمار الصناعية التي تحدد بدقة متناهية المواقع الجغرافية.
2حسين التواتي :الوظائف السلطانية في الدولة الزيانية ،النشر الجامعي الجديد ،تلمسان ،الجزائر ،دط2017 ،م،
ص .46،47
3خالد بلعربي :تلمسان من الفتح اإلسالمي إلى قيام الدولة الزيانية ،دار األلمعية ،قسنطينة ،الجزائر ،ط،1
2011م ،ص .24
مدخل
وه ذا م ا جع ل من موق ع تلمس ان قبلة وش علة تدفع ب دوالب العجلة االقتص ادية لتغذي ة
الحض ارة ،فهي مدينة تحتوي على بس اتين منتج ة للفواك ه والخض ار بمختلف أنواعه ا،
وهي مدينة تجارية وصناعية منذ نشأتها إلى يومنا ساعدها في ذلك موقعها الجغرافي
ال ّذ ي يق ع بين تق اطع الّط ريقين التج اريين ،الّل ذان يربط ان الش مال ب الجنوب والش رق
بالغرب.
أم ا أص ل بنو زي ان المع روفين بب ني عب د ال واد وهم» ...ينح درون عن القبيلة الزناتي ة
الكب يرة ،ه ذه القبيلة الّتي ك انت مواطنه ا ض من أرض ال زاب ،وس فوح األوراس ...
4
«.
وبق دوم الحروب انحرفت هذه القبيلة ،ونفذت بريشها وحملت أوزارها وش ّد ت الرحال
نحو الغرب ،ليستقر بها المقام بتلمسان ،وكان أيضا هناك عامل البحث عن الكأل ال ّذ ي
هو اآلخر سببا لنزوحهم إلى الغرب ،منذ الفتح اإلسالمي ،لّم ا قدم عقبة بن نافع فاتحا
شمال إفريقيا.
وهم ع ّد ة بط ون س نخص بال ذكر بنو م رين وهم األب رز ،ويليهم بنو عب د ال واد،
وبعدهم بنو توجين.
4بوزياني الدراجي :أدباء وشعراء من تلمسان ،دار األمل للدراسات ،تلمسان ،الجزائر ،دط2011 ،م ،ص .149
5حسين التواتي :الوظائف السلطانية في الدولة الزيانية ،ص .29
بنو توجين من أعظم أحياء بني بادين وأكثرهم عددا ،كانوا من ألّد أعداء بني عبد الواد ومن أشّد خصومهم ،وهو
األمر الذي جعل الدولة العبد الوادية تجتاح أراضيها من حين آلخر.
مدخل
رقم :01
رقم :02
:تلمسان
مسن أو تلمسين وفسروه على أنه من مقطعين في لغة البربر
وهما تلم ومعناه تجمع ،وسن معناه اثنان ،أي تجمع اإلثنان وهما الصحراء والتل استنادا إلى موقعها بين التل والصحراء ()3
وه ا ه و المق ري ي ذكر مناقبه ا ،ويص فها بهيئ ة فتاة على ق در من الحس ن والجم ال،
أصبحت الرياض عذارها ،وأمسى الوادي معصمها ،ووصف تلك الجسور التي تتدلى،
بأنها أساور تتزّي ن بها عروس الغرب الجزائري ،حيث يقول " :من الكامل "
6علي بوزيزة :ابن خميس التلمساني ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في األدب العربي ،جامعة أبي بكر بلقايد،
تلمسان2003 – 2002 ،م ،ص.01
7محمد الصالح الصديق :يومان في تلمسان ،دار هومة للطباعة والنشر ،الجزائر ،دط2011 ،م ،ص.29
8مليكة ضاوي :المولديات في دولة بني عبد الواد الزيانية ،دار على بن زيد للطباعة والنشر ،بسكرة ،الجزائر ،ط
2014 ،1م ،ص.44
مدخل
ثم ي دعونا ل نرى الربي ع المزه ر ،وال ورود وكأنه ا آلليء من الّز م رد والّز برج د
على أعناق الحسنوات ،مشيدا بدولة أبي حمو الزياني ،صاحب المنزل الّر فيع والعالي،
ويعرج بنا ويأخذنا إلى واديها الّش رقي ،وقد اكتسى حّل ة زينتها زهور الربيع ،وتنساب
مياهه التي تتألأل كاليراع الّالمع ،ويقول في سحرها " :من الكامل "
َتَر َم اَيُس ُّر اْلُم ْج َتِن ي َو اْلُم ْج َتِلي ُق َفاْج َتِل َز َن الَّر ِبيِع ال ْقِبِل
ُم َم ْم
...
ُد َر ٌر َ ع َلى ُلَّباِت َ ر َّباِت اْلَح لِـــي َو اْنُظْر ِإَلى َز ْه ِر الِّر َياِض َك َأَّنُه
...
ُذ و اْلَم ْن َص ِب الَّس اِم ي الَّر ِفيِع اْلُم ْع َتِلي ُس ْلَطاُنَه ا اْلَم ْو َلى َأُبو َح ُم و الَّر َض ى
ُك ِّل اْلِب َالِد ِبُحْس ِن َم ْنَظِر َها اْلَج ِلي َتاَهــْت تِـِلْمَس اُن ِبَد ْو َلـِت ـِه َع َلـى
9
َفَح َال ِبَه ا ِش ْع ِر ي َو َطاَب َتَغ ُّز ِلي َر اَقْت َم َح اِس ُنَه ا َو َر َّق َنِس يُم َه ا
وثمة شاعر آخر كان ينير بالط بني زيان ،والذي يتمثل في أبي عبد اهلل محمد بن أبي
جمعة التالليسي ،وهو اآلخر انكّب على وصف تلمسان ،ويمدح مواله أبا حمو يقول:
" من الطويل "
فتلمسان هي الدّر المكنون من بنو زيان ،التي كانت تعلو على ضفاف المتوسط ،وهي
شراع الحواضر اإلسالمية.