Professional Documents
Culture Documents
وغيرت التاريخ
ليس في عالقاتنا التي نحياها أفضل من معاشرة جميلة فبحسن المعاشرة تدوم
المحبة ،وتعاونك مع أخيك على التخلص من عيوبه إنما هو عين العقل ،ولب
الصداقة ،وما نفع المرء ألخيه إذا لم يرشده لزلـله ومعايبه ؛ ألجل تفاديها ال ألجل
إثباتها ،إنما أحدكم مرآة أخيه فإذا رأى عليه أذى فليمطه عنه ،والتجمل بالصبر
من شيم الرجال ،لكن متى الصبر ،الصبر عند الشدائد ،ال سيما الصدمة األولى ،
إنما الصبر عند الصدمة األولى ،ومهما كان حجم الشدائد فال تفوق الصابرين عندها
،
م إذا كانت النفوس كبارا إنما تصُغر الُخ طوب لدى القو
وقيل :
إني رأيت وفي األيام تجربة
للصبر تجربة محمودة األثر
وقل من جد في أمر يطالبه
فاستصحب الصبر إال فاز بالظفر
والصبر من فضليات الشيم ومحاسن األمور ،وليس من السهل التحلي به ،بذور
الصبر مرة ولكن ثماره حلوة ،فاحرص على بذرها كي تجني ما رمت من ثمار ،
لتكون ذا رأي سديد
وما كل ذلك إال بعقل المرء ورأيه وحزمه وخوضه التجارب ،وال دليل على
رجحان عقل المرء إال من خالل ما شهده الناس منه في المواقف والشدائد ،إنما
يستدل على عقل المرء وخلقه بعمله ،ولو أردنا تعريف ذلك لم نجد غير الفضيلة
اسمًا ،وأول عناوين الفضيلة التضحية بالنفس .
أخي تحر األمل واطرد التشاؤم ،واحرص على أن تكون نفسك جميلة ،وأن ترى
من زاوية كلها بشرى وظنون خِّيرة ،فلن تجد غير هذا ؛ فقد قيل :
كيف تغدو إذا غدوت عليال أيهذا الشاكي وما بك داء
تتوقى قبل الرحيل الرحيال إن شر النفوس في األرض نفس
أن ترى فوقها الندى إكليال وترى الشوك في الورود وتعمى
ال يرى في الكون شيئًا جميال والذي نفسه بغير جماٍل
كن جميال ترى الوجود جميال أيهذا الشاكي وما بك داء
يتحلى المرء بحس الظن ،ويتجمل بالتفاؤل ،غير أنه ال يركب مطية األمل دون أن
َيِج َّد في سعيه ،أو أن يثابَر في نيل مبتغاه ،فال تدرك األمور إال باإلصرار وكثرة
المحاولة والتصبر والجد والتخطيط الجيد ،والسهر على بلوغ الغايات ،فإذا نسيت
كل هذا فتذكر قول الشاعر :
ومن طلب العال سهر الليالي بقدر الجد تكتسب المعالي
أضاع العمر في طلب المحال ومن طلب العال من غير كٍد
وإذا تساوى كالمك وصمتك فقدم الصمت ،فبكثرة الصمت تكون الهيبة ،وحاذر
أن يأخذك الجزع في مصابك أيًا كان ؛ فكل ذلك من قضاٍء كتبه هللا عليك ،وبه
الخير الكثير ،ولربما رأيت مكروهًا وأعقبه خيٌر كثير .
َتجري اَألمور َعلى ُح كم الَقضاء َو في
طّي الَح واِد ث َم حبوٌب َو َم كروُه
َأحَذ رُه َفُرّبما َسَّر ني ما ِبّت
َو ُرَّبما ساَء ني ما بُّت َأرجوُه
والحكمة ضالة المؤمن ،ولكن متى تكون الحكمة ،تسعة أعشار الحكمة أن يكون
اإلنسان حكيمًا في الوقت المناسب ،ولكل شيء آفة وآفة العلم الغرور ،وبغالب
األمور سوس ،التشاؤم سوس الذكاء ،وإذا أردت أن تنتصر فانتصر على نفسك
أوًال بعدم ظلمك غيرك ؛ فقد قيل :تعلمت كيف أكون مظلومًا فانتصرت ،فإذا
انتصرت ال تتكبر ،بل اجعل التواضع مسلكك في أمورك كلها ،التواضع ال يزيد
العبد إال رفعة ،ال أعظم من قلب نزيه متواضع ،وال يأتي الكبر والترفع على
الناس إال من جهل ،فالجهل مصيبة ،فإياك أن يصفك الناس بالجهل و الصغر ،
والجهل مطية ،من ركبها ذل ومن صحبها ضل ،والجهل موت األحياء .
كن جوادًا تغنم بمحبة الناس ،وإياك والبخل فإنه منقصة للرجل ،
فالُج ود محَّبة والُبْخ ل َم ْبغضة ،واعمل بكل جوارحك ،وتحرى الدقة واإلتقان ،إن
هللا يحب إذا عمل أحدكم عمًال أن يتقنه ،فال يكفي عمل اليد بغير العقل ،وال يكفي
عمل العقل بغير القلب ؛ فالحرفي يعمل بيده ،والمهني يعمل بعقله ،والفنان يعمل
بقلبه وعقله ويده ،وما العمل إال طريقًا نتخذه وصوًال إلى السعادة ،فالحكمة
اكتشاف مفاتيح السعادة ،واعلم أنه الحياة هي السعادة ،ولكن أي حياة ،وما هي
الحياة التي بمعنى السعادة ،تذكر أنه إذا كان للحياة معنى فإن للسعادة وجود ،
عزيزي خير ركاب المرء حكمته ونيته ،فالحكمة ضالة المؤمن يأخذها ممن سمعها
وال يبالي من أي وعاء خرجت ،ومن الحكمة أن تحافظ على نفسك باحترامها كي
يحترمها اآلخرين ؛ حين تفقد احترامك لنفسك يكون من الصعب على اآلخرين أن
يحترموك ،وتحري الصدق أمر مطلوب في كل الشؤون ،فابتعد عن الكذب ،ولو
كنت تاجرًا فاعلم بأنه قد خاب وخسر المنفق سلعته بالحلف الكاذب ،والنجاح يأتي
خطوة بخطوة ،غير أن الخطوة األولى لتحقيق النجاح هي االستيقاظ من األحالم ،
وكن ثابت الخطى وتيقن أن ثمة خطوة واحدة بين النصر والخذالن ،واعلم أن
الكيس ال يخطو خطوة إال أن تكون على نهٍج ال يخالطه ريب ،خير الرجال من تقيد
بأحكام النبوة ،واستمع لناصحك بتأٍن وروية ،فالدين النصيحة ،والتريث مطلوب ؛
إذ خير للمرء أن يقال عنه جبانا من أن يكون متهورَا ،على أن المرء يجب أن
يكون شجاعًا ،فالشجاعة تاج تتزين به هامات الرجال وتتشرف به قلوبهم ،
الشجاعة عزيزة يضعها هللا فيمن شاء من عباده ،إن هللا يحب الشجاعة ولو على
قتل حية ،فالزمها دائمًا يقف الحق بجانب الشجعان ؛ ألن الشجاع ال يحتاج ألن
يفعل ما يثبت به شجاعته من ظلٍم أو نحوه ،والرجل الذي توفرت فيه الشجاعة بال
استقامة ال يعدو أن يكون قاطع طريق
وإذا امتطيت الشجاعة فعليك الحذر ؛ الشجاعة بال حذر حصان أعمى ،
وأمامك أمران :إما أن تكون ذا عقل ولربما أعياك بالتفكر ونحوه ،أو أخو جهالة
ووصب يصيبك بغياب العقل ،قيل :
َو َأخو الَج هاَلِة في الَشقاَو ِة َينَعُم ذو الَعقِل َيشقى في الَنعيِم ِبَعقِلِه
ومن مساوئ غياب العقل أو نقصه فساد الذوق ،والذوق السيئ يقود إلى المكاره ،
وإياك والجزع إذا تأخر الرزق ،فما دمت حيًا فسيرزقك هللا من حيث تدري أو ال
تدري .
َيأتي َو َلم َتبَعث ِإَليِه َر سوال الِر زُق ال َتكَم د َع َليِه َفِإَّنُه
وليتأنى كٌل في قضاء أموره بحيث ال يجعل العجلة تغلب عليه فيفسد عمله ،
وليترفق في طلب أموره وشؤونه ومواقفه
َفَتَأَّن في َأمٍر تالِق َنجاحا الِر فُق ُيمٌن َو اَألناُة َس عاَد ٌة
وقيل :
وكثرة المزح مفتاح العداواِت الرفُق يمٌن وخير القول أصدقه
وثمة فلسفة إذا ما عقلها المرء لم تغب عنه السعادة ولم يعجزه نأيها ونفورها ،فعلى
المرء أن يطلب السعادة حيث البؤس ،وليحذر من البؤس في رحم البهجة ،فالسعادة
تولد في البؤس ...والبؤس يختبئ في السعادة ،وعلى المرء أيضًا أن ال يسلم
عقله ألفضل ظن ،ويترك ما يوقظ حدسه وتخمينه وفطنته ،عليه أن يشك ،الشك
داء ..لكنه قد يعلم حكمة ،وتصبر فإن الصبر والمثابرة يولدان العجائب ،واعلم
أن الصبر صبران ..صبر على ما تكره ،وصبر على ما تحب ،وقيل :
واصبر ففي الّص بر عند الّض يِق مَّتسُع ال َتجَز َعَّن ِإذا ناَبتَك ناِئَبٌة
َلم َيبُد ِم نُه َعلى ِع اّل ِتِه الَهَلُع إن الكريَم إذا نابتُه نائبٌة
واحذر أخي من صحبة الجاهل ،فهو ال يقودك ألمر هو خير لك ،صحبة الجاهل
شؤم ،واعمل على أن تصون نفسك وتقلب أمورها يمينًا وشماًال كي يكتنفها الحق
واألمن ،وإذا لم تفعل فال تلم غيرك فالنفس أنت مسؤول عنها وبيدك رقيها
وانحطاطها وأينما تضع نفسك تجدها :
ُص ِن الَنفَس َو ِاحِم لها َعلى ما يزِيُنها َتِع ش ساِلمًا َو الَقوُل فيَك َج ميُل
وإن تملكتك عادات أو ورثتها فاعمل جاهدًا على التخلص منها ،وما من أحٍد إال له
عادات ،حسنها يعتز به ويعلي شانه ،وسيئها يعيبه ويدني مكانه ،فأعمل عقلك في
عاداتك ؛ العادات قاهرة فمن اعتاد على شيء في السر فضحه في العالنية ،واطلب
الحكمة دائمًا ،وظن نفسك أنك مفتقدها ؛ العاقل يجاهد في طلب الحكمة ..والجاهل
يظن أنه وجدها ،وعين الحكمة أن يحفظ اإلنسان نفسه ويعزها ،عز الرجل
استغناؤه عن الناس ،وهذا يتطلب منك الجهد الكبير ،غير أن الثمرة أكبر ،على
قدر الحاجة يكون التعب ،وال تتخيل أن التعب للجسد ،فتعب العقل أكبر ،عظمة
اإلنسان في فكره ال في جسمه ،فمرن عقلك على التبحر في خياالت الكون وعوالم
الدنا وخفاياها ،وافتح له على العالم نافذة وافتح للعالم في عقلك نافذًة يتعشق نور
الكون مع شذرات عقلك ،عقلك كالمظلة ال يعمل إال إذا انفتح ،وحرر عقلك على
قرطاس فيكتب لك من الحرف مدينة ،ومن الكلمة عالم ،ومن الجملة كون ،ومن
الكتاب عقل ،عندها تكون قد ملكت زمام العقل ،عقول الناس مدونة في أطراف
أقالمهم .
وإذا ما نظر الرائي منا إلى نفسه فلن تغفل عينه عن عيب بها ،غير أنه ال يظهر
أحيانًا ألعين الناس ،عيبك مستور ..ما أسعد حظك ،وما لك أخي القارئ من بٍد في
محك الحياة ،حلوها ومرها ،وبيدك األمر ،فكيف تمهد لها تجدها .واعلم أنه ما
أتت الدنيا طيعة ألحد ،فالبد من التضحية والفداء والمثابرة وقوة اإلرادة .
ُك ْن ِم ْن ُأَباِة الَّضْيِم َو الُّش ْج َعاِن َغ َلِت الَح َياُة َفِإْن ُتِر ْدَها ُح َّر ًة
َتْح ِم يِه َيْو َم َك ِر يَهٍة َو ِط َعاِن َو اْقَح ْم َو َز احِْم َو اَّتِخ ْذ َلَك َح ِّيزًا
وال خيار ثالث لألنفس األبية فإما حياة كما تريدها هي أو الموت فخو أكرم .فأما
وأما الفناء أشرف للبشر حياة ......
والسعي إلى العلم من أجل الفضائل ،وال سيما التفقه في الدين ،فمن أراد هللا به خيرًا
يفقهه في الدين ،وفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ،وتخير أهل
النصح ،فإن النصيحة فن يهبه هللا لبعض عباده ،كما وهب لبعضهم العقل دون
فضيلة النصح ،ولربما اجتمعا النصح والعقل عند واحٍد فتجب طاعته ،إذ إن بعض
الناصحين ال ينصحك بمعروف ،وبعض العاقلين ال يوفق في نصحك .
َو ما ُك ُّل مؤٍت َنصَح ُه ِبلبيِب َفما ُك ُّل ذي ُلٍّب ِبمؤتيَك ُنصَح ُه
َفحٌّق َلُه ِم ن طاَع ٍة ِبَنصيِب َو َلِكن ِإذا ما اسَتجَم عا ِع نَد واِحٍد
وليستجمع كل منا قوته وشدته ،ولكن ربما رجعت عليه هذه القوة بالتحطم ،فليست
كل القوة شدة ؛ قوة الخيزران في مرونته ،وقيل ال تكن يابسًا فتكسر وال لينًا
فتعصر ،والكرم خير ما يتصف به المرء ،فالكريم يحس نفسه غنيًا دائمًا ،وال
مكان للكسل مثل ضعاف الناس ؛ فهو ينمو ويترعرع ،تغذيه أوهام وأماني ،الكسل
ملجأ العقول الضعيفة ،فاسع لطلب شأنك وتحرر كل دقيقة من الكسل ،واقحم باب
الراحة من المشقة ،ال تدرك الراحة إال بالمشقة ،وليكن الرفق واللين ممشاك ،
واحرص على أن ال ينطق لسانك إال حسن الكالم ؛ الكالم الحسن درع ،هوه يدل
على لباقتك وذوقك الرفيع ،وال يتأى هذا إال بشيء ال يكلفك شيئًا ،وهو اإلنصات
لكالم غيرك ،كن مستمعًا جيدًا لتكون متحدثًا لبقًا ،وثمة أمر يهد القلوب وهو القلق
والجزع على ملمات األمور ،فعلى اإلنسان أن ال يذهب جهده وتفكيره في موقف
طارئ أو غير طارئ ؛ ألنه ال يدوم هذا وال ذاك .
ماداَم َيصَح ُب فيِه روَح َك الَبَدُن ال َتلَق َدهَر َك ِإاّل َغ يَر ُم كَتِر ٍث
َو ال َيُر ُّد َع َليَك الفاِئَت الَح َز ُن َفما َيدوُم ُس روُر ما ُس ِر رَت ِبِه
وقيل :
َقد َتنَج لي الَغَم راِت َو هَي َشداِئد ال َتيَأَس َّن من ِانِفراِج َشديَدة
زاَلت َو َفرُج ها الَج ليُل الواِح د َك م ُك رَبة ِاقَس َم ت ِان َلن َتنَقضي
وكن عفًا في تعاملك أريحيًا في مخالطتك ،ال شيء يرفع قدر المرء كالعفة ،واحذر
من أن يجرك لساٌن بإسلوبه وبراعته ،وليكن عقلك حاضرًا ،ال شاكًا في غيرك بل
متحفز العقل نافذ البصيرة ،فطن التأمل ،قيل :
ُح لِو الِلساِن َو َقلُبُه َيَتَّلَهُب ال َخ يَر في ُو ِّد ِامِرٍئ ُم َتَم ِّلٍق
إن اإلنسان الفطن ال يغيب عنه شيء ،وإن غاب يستدرك أمر ،وإن فاته االستدراك
فتسعفه الحكمة في تناول األمور ومجابهة الملمات ،وإدراك السؤدد والعال .
ِلما َيُشُّق َعلى الساداِت َفّعاُل ال ُيدِر ُك الَم جَد ِإاّل َسِّيٌد َفِط ٌن
غير هذا عليه التجمل بالصبر ،وتسهيل الصعب ،وبسط األمور .
فما انقادت اآلمال إال لصابر ألستسهلن الصعب أو أدرك المنى
وليكن أملك أو ما تطمح إليه عاليًا ،فإن التعب واحد ،والمشقة نفسها التي تجابهها
في األمر الصغير هي التي تجابهك في األمر العظيم ،فليكن طموحك كبيرًا .
َفال َتقَنع ِبما دوَن الُنجوِم ِإذا غاَم رَت في َش َرٍف َم روٍم
َك َطعِم الَم وِت في َأمٍر َعظيِم َفَطعُم الَم وِت في َأمٍر َص غيٍر
واإلنسان يبلغ بإرادته الهدف الذي وضعه لنفسه مهما صعب ،فلإلنسان قوة جبارة
ومن هللا التوفيق والسداد ،لو تعلقت همة أحدكم في الثريا لنالها ،ولكن يتفاوت
الناس في بلوغ مآربهم وبغيتهم ،ذلك لما للمشقة من وقٍع على النفس البشرية ،
وعلى بعض الناس فقط الذين نحرص على أن ال نكون منهم ،أولئك الناس هم
ضعاف النفوس وصغارها .
الجوُد ُيفِقُر َو اِإل قداُم َقّتاُل َلوال الَم َش َّقُة ساَد الناُس ُك ُّلُهُم
هذه هي الحياة ،فليس للحياة قيمة إال إذا وجدنا فيها شيئًًا نناضل من أجله .
ومجمل القول أن كل ذلك يتركز في كلمة واحدة ،يضعها كل إنسان نصب عينيه ،
وهي الهمة .
َو ال الَبالَغُة في اِإل كثاِر َو الُخ َطِب ما الجوُد َعن َك ثَر ِة اَألمواِل َو الَنَش ِب
َو ال اِإل ماَر ُة ِإرٌث َعن َأٍب َفَأِب َو ال الَشجاَع ُة َعن ِج سٍم َو ال َج َلٍد
َو ُك ُّل ذِلَك َطبٌع َغ يُر ُم كَتَسِب لِكَّنها ِهَمٌم َأَّدت ِإلى ِر َفٍع
ِإاّل َص ناِيُع جاَء تُه ِم ن اَألَد ِب َو ُرَّب َم حموِد ِفعٍل ما َلُه َح َسٌب
َفَج َّلَلتُه ِبِع ٍّز َبعَد َم خَم َلٍة
َو َر َّتَبتُه ِم َن اِإل فضاِل في الُر َتِب
وليتذكر أحدنا دائمًا " :ليس الشديد بالصرعة "...وعلى المرء أن يتمهل في أمر
جلل ،وهو الحكم على أي شيء ،ألن أندم على العفو خير من أن أندم على
العقوبة .
وال تتوانى في تنفيذ شأنك لبلوغ سؤلك ،أو ألسداء معرف أو لدحض مكروه ؛ فلربما
سبق عليه أحد فتلوم نفسك على تأخيره ،لكل شيء رأس ،ورأس المعروف
تعجيله ،ولكل شيء عدو وعدو الفن الجهل ،والنية مطية المؤمن ،واألعمال
بالنيات ،والنية أبلغ من العمل ،فلربما تبلغ المقصود بنيتك ال بعملك ،لذا ما أرى
عجزًا في البشر كالعجز عن النية ،وكٌل ميسر لما خلق له .
وال َتُج ود يٌد إّال بما َتِج ُد ما كلف هللا َنْفسًا فوَق َطاقتها
وال تجعل الكبر يأخذك عن المشورة جانبًا فال خاب من استشار ،ماهلك امرؤ عن
مشورة ،ومن شاور كثر صوابه ،فإذا شاورت عقلك وأهل المشورة فال تتردد في
تفعيل قرارك وتنفيذه ؛ فالمتردد في البدء يتأخر في الوصول ،وال تعيقك الصعاب
واعلم انك البد مالقيها ،ومتى بلغت المصائب حدها زالت ،وليس هذا بالتخويف
والتشاؤم بل هو واقع غلب على مجرياتنا ،غير أن المتفائل يجعل الصعاب فرصًا
تغتنم .والمتصبر حليفه النجاح ؛ فمن أسباب النجاح ....الصبر .
جِّم ْل نفسك بالخلق الحسن كما تجمل مظهرك باللباس الحسن ،واحرص على أن
تربي ابنك ونفسك التربية المثلى ،وهل أفضل من األدب الحسن ؛ ما نحل والد ولدًا
من نحل أفضل من أدب حسن ،ولربما كانت البسمة مفتاح لما صعب عليك فتحه ،
وعالمة على أدبك الحسن ،وعلى الرغم من هذا نجد أن معظم ابتساماتنا تبدأ
بابتسامة شخص آخر ،فلما ال نكون نحن من يبادر بهذه النعمة ،وقد يقول قائل :
التبسم يزيل المهابة فأجبه :
وكذا التبسم للقلوب ضياها والجد يكسو الوجه منك مهابة
وانفذ بنفسك من شرور هواها فاجعلن بينهما لنفسك مسلكًا
ولربما حال دون التبسم حائل كسوء تفاهم أو نحوه أو وشاية ونحوها ،حينئٍذ البد
للتسامح من موطئ قدم ،واعلم أن التسامح من السهولة ما يصعب على النفوس أن
تبادر به ،إال النفوس الكبار ،فالنفوس الكبيرة وحدها تعرف كيف تسامح ، ..
ومن صالح الشأن أن يبدأ اإلنسان بنفسه قبل غيره ،من تقويم ونقٍد وتصويب
ومالحظة ،فإذا كان هذا فإنه عين الصواب .قيل :
َهال ِلَنفِس َك كاَن ذا الَتعليُم يا َأُّيها الَر ُجُل الُمَع ِّلُم َغيَر ُه
َفِإذا ِانَتَهت َعنُه فأنَت َح كيُم فابدأ ِبَنفِس َك فانَهها َعن َغِّيها
ِبالَقوِل منك َو ينَفُع التعليُم َفُهناَك ُيقَبُل ما َتقوُل َو َيهَتدي
عاٌر َع َليَك ِإذا فعلَت َعظيُم ال َتنَه َعن ُخ ُلٍق َو تأتَي ِم ثَلُه
واخلع أخي الكريم على نفسك ثوب التجريب وعدم القول إنه ليس بمقدورك فعل هذا
أو القيام بذاك .
على ما حوت أيدي الرجال فجِّر ِب وإن حدثتك النفس إنك قادر
غير أنه ال يتم شيء بغير تخطيط ،لذا نرى الفشل عند بعض الناس ،فهم ال
يقصدون الفشل أو يتلذذون به ؛ ال يعقل هذا ،يفشلون في التخطيط السليم ،الناس ال
يخططون من أجل الفشل ولكنهم يفشلون في التخطيط ،ومن أصول التخطيط
والتنفيذ أن ال تجعل التشاؤم يتسرب إلى عقلك مطلقًا ،إذ ال فائدة تروها من وجوده ،
فالمتشائم ال ينظر إال بعين الفشل والسوء ،وبعين النقيصة وال يرى من الليل إال
ظالمه ،فال يرى النجوم والقمر والسمر والهدوء ،فإياك والمتشائم ،واهرب منه ما
كان الهروب ممكنًا ،واألفضل من الهروب أن تزيل تشاؤمه ما استطعت ،كي ينظر
إلى الدنيا بعين الفأل ،قيل :
ِإذا ِاسَتَو ت ِع نَد ُه اَألنواُر َو الُظَلُم َو ما ِانِتفاُع َأخي الُدنيا ِبناِظ ِر ِه
،واجعل أيها القارئ من قطرة الماء مثاًال للتصميم ،فإن نقطة الماء المستمرة
تحفر عمق الصخرة ،فالمثابرة والصبر أمران ال غنى لك عنهما لتحقيق مأربك
وتكوين كيانك ،وبناء صرحك :
ولكن تؤخذ الدنيا غالبا وما نيل المطالب بالتمني
وال تعيقك الشدائد والمصاعب عن تحقيق أمانيك ،كي ال تبقى على هامش الحياة
فتكون زائدًا على الدنيا .
َيِع ْش أَبَد الَّدهِر َبْيَن الُح َفْر ومن ال يحُّب ُص عوَد الجباِل
وربما يرى بعض الذين تخونهم إرادتهم وفيصل حزمهم أن القعود عن الحاجات إنما
هو عقل وروية .
َو ِتلَك َخ ديَعُة الَطبِع الَلئيِم َيرى الُج َبناُء َأَّن الَعجَز َعقٌل
وكل ما يعترض الرجل يحتاج إلى شجاعة :
َو ال ِم ثَل الَشجاَع ِة في الَح كيِم َو ُك ُّل َشجاَع ٍة في الَم رِء ُتغني
وأساس الشجاعة أن يكون المرء ذا تقوى ؛ فقد قيل :
واتق هللا فتقوى هللا ما جاورت قلب امرئ إال وصل
ليس من يقطع طرقًا بطال إنما من يتقي هللا البطل
وثمة أمر في األهمية غاية ،وهو الطموح ،فالطموح هو الذي يقودك إلى رتٍب
عليا ،لذا يجب أن يكون القلب بحجم الطموح كما ينبغي للطموح أن يكون صلبًا ،
وقيل :
َتِعَبت في ُم راِد ها اَألجساُم َو ِإذا كاَنِت الُنفوُس ِكبارًا
وقيل :
َر وُض اَألماني َلم َيَز ل َم هزوال َم ن كاَن َم رعى َعزِمِه َو ُهموِمِه
وليتخلق اإلنسان بأحسن الخلق وأقومه ،وال خلق كالكرم والجود ،قيل :
والجود بالنفس أقصى غاية الجود يجود بالنفس إذ ضن البخيل بها
واعمل على أن يكون لك موطئ قدم في صنائع المعروف والخير ،وال تتردد في
أمر يقودك إلى المكرمات واإلحسان
ال َيْذ هُب الُعْر ُف بين هللا والناس َم ن َيْفعل الخيَر ال َيْع َدم َج واِز َيه
وقيل أيضًا :
على الَح ِقيَقِة إخواٌن وأْخ داُن َم ْن كاَن للَخ يِر َم ّناعًا فليَس َلُه
وهذا كله ال يأتي إال من خالل النفوس السليمة ،والنفوس السليمة ال تكون إال بالترفع
عن النقائص ،
كاَنت ِج ناَيُتها َعلى اَألجساِد َو ِإذا الُنفوُس َتَطَّو َح ت في َلَّذ ٍة
وحفظ اللسان نصف المعروف ،بل المعروف كلهوإذا لم تستطع أن تفيد غيرك بفعٍل
ما فاعمل على إفادته بتركك ما يضره :
ِم ن َأكَثِر الناِس ِإحساٌن َو ِإجماُل
ِإّنا َلفي َز َمٍن َترُك الَقبيِح ِبِه
فعليك بأن تجعل لكل كلمة ميزانًا تمر عليه ،فمقتل الرجل بين فكيه ،
ومن كثر كالمه قل احترامه ،والصمت من شيم األكارم ،فال يقل أحدنا إال ما هو
خير وصحيح ،من عادتي أن أسكت عما أجهله ،ومن أروع ما قيل :ال أدري،
ونصف العلم قول ال أدري ،ولتجعل أخي من عاداتك أن ال تشكو ألحٍد ،فال
مفرج غير هللا ،وثمة أشياء يحبب كتمانها من كنوز البر كتمان المرض والمصائب
والصدقة ،والهموم ال تدوم
َفَم وصوٌل ِبها َفَرٌج َقريُب
َو ُك ُّل الحاِد ثاِت ِإذا َتناَهت
وال تسلم أمرك لحسن النوايا دائمًا ،إذ إن النفوس ليست واحدة ،ولربما يؤخذ
االنسان وهو في غفلة أو حسن نية ،فيجر إلى أموٍر لم تكن لتحدث لو أنه كان منتبهًا
وحذرًا ،فالحذر مطلوب ،
فُظَّن َش ّر ًا وكْن منها على َو َج ِل وحسُن َظِّنَك باأليام َم ْعَج َز ٌة
وقيل :النية الحسنة عذر التصرف األحمق
،وال تؤخذ األمور بغير ولتكن لين الجانب فإن من النت كلمته وجبت محبته
الرفق فاليد اللينة تقود الفيل بشعرة ،الناس رجالن :رجل ينام في الضوء ..
ورجل يستيقظ في الظالم ،وال يحسن بك الترفع إال على ما يحط من قدرك ،أما أن
يكون ترفعك على غيرك ألجل مكانة أو مادة أو منصب أو ال شيء فهذا ربما ما
يدخلك في قول القائل:
َو كاَن ُيبرى ِبُظفِر ِه الَقَلُم َيسَتخِش ُن الَخ َّز حيَن َيلُم ُسُه
فتبعد إذ ذاك عن أجِّل الصفات وأرفعها ،وهي التواضع ،ومن هو المتواضع ،العالم
متواضع ،القوي متواضع ،الكريم متواضع ،الشجاع كذلك ،الغني أيضًا ،كل
هؤالء وما كان في مسلكهم وسمتهم فهو متواضع ،أما المترفع الذي ينظر بتكبر
وترفع وتعالي فهو كل صغير قدر يشعر بالنقيصة والدونية ،قليل العلم ،فارغ ،قيل
:
مألى السنابل ينحنين تواضع والفارغات رؤوسهن شوامخ
فاعمل على أن تكون ممن يحني رأسه تواضعًا ؛ كي يرفعه هللا عز وجل ،وأجمل ما
يكون عليه المرء أن يكون ذا نفٍس طيبة ،يتعايش مع كل ذي طبع ،والطبع إنما هو
المسلك الذي نجد أنفسنا سائرين به ،ولو نظرنا الخلق لوجدنا أنهم يبذلون قصارى
جهدهم ليرفعوا من شأنهم ،غير أن طباعهم التي جبلوا عليها تقودهم إلى غير
مقصدهم ،فلنحرص على زرع الطبع القويم والصالح ألنفسنا ،فتسير عليه بكل
انسياب .
َو َلِكَّن َطبَع الَنفِس ِللَنفِس قاِئُد َو ُك ٌّل َيرى ُطرَق الَشجاَع ِة َو الَندى
وطيب النفس وطهارة القلب والعفاف مراد كل ذي لب ،
والنفس أطيب ما تراها شاكرة والقلب أطهر ما يكون على التقى
وما هذا ببعيد عن أحد ،فقط اسع ألن تكون كما أردت ،خِّيرًا عفيفًا ،من يستعفف
يعفه هللا ومن يستغن يغنه هللا ومن يتصبر يصبره هللا
واحرص على أن تظلم أحدًا ؛ فهو ظلمات ،نم مظلومًا وال تنم ظالمًا ،
وأوف بالوعد ،وإذا كنت تعلم أنك ال تستطيع للوفاء بالوعد سبيًال فال تقطع الوعد
وتكبل به نفسك ،فأنت حر ما لم تعد ،فوعد الحر دين عليه ،الوعود هي الَّشرك
الذي يقع فيه الحمقى ،واحرص على تدوين كل شيء ،خاصة الوعود ،فلربما
نسيت وعدًا ،وآلخر يظنك تتجاهله ،كما أن الكتاب هي الفن الذي يتقنه القليل ،من
يكتب يقرأ مرتين ،وكل إنسان يسعى للنجاح في أموره ،ولكي تعرف النجاح انجح ،
النجاح أفصح الخطباء ،وهو ليس من السهل الوصول إليه ،وليس من المحال
تحقيقه ،فالنجاح سلم ال تستطيع تسلقه ويداك في جيبك ،واعرف من الناجح في
حياته ،إنه من يغلق فمه قبل أن يغلق الناس آذانهم ،ويفتح أذنيه قبل أن يفتح
الناس أفواههم ،ومن أسباب النجاح أداؤك للواجب بكل أمانة ،من قام بواجبه ال
يضيع
إذا خفت أن تهلك ولم تسعفك الشجاعة على مواجهة األمر
،وما بدنيانا راحة ،غير أنه إذا أردت فاحرص على الموت توهب لك السالمة
أن ال تتعب ..اتعب ،ويشقى الجسد في خدمة النفوس األبية .قيل :
تعبت في مرادها األجساُم إذا كانت النفوس كبارًا
فدبر األمور ،خطط لها ،أحسم أمرك ،ودع التردد جانبًا ،وإال فلن تكون ذا رأي
سديد :
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمٍة
فإن فساد الرأي أن تترددا
وليحذوك األمل فيما عزمت على إنجازه وإن كان صعب المنال ؛ فباألمل تدرك
الحاجات وأفقر الناس من عاش بال أمل ،واحذر من ال يعرف األمل إلى بواطنهم
دروبًا ،فهم يقودونك إلى ما ال يحسدونك عليه ،يقال :اتبع البوم يقودك إلى
الخرائب ،ولربما كان األقرب منك يقودك إلى حيث ال تحب ،وال أقرب من النفس
لصاحبها ،أحمق الناس من أتبع نفسه هواها وتمنى على هللا األماني ،كما أن
األمل ذاته ربما يكون مضرة ،وسترة لبعض األنفس فقيل :األمل غذاء المنفيين ،
واسع لحفظ نفسك ،بحفظك خالقك ،احفظ هللا يحفظك ،وال حفظ كأن يكون إيمانك
كامًال ،وال يكون ذلك إال بالخلق الحسن ؛ فأكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا ،
وللمؤمن ضالة ينشدها حيث كانت ،فالحكمة ضالة المؤمن ،واحرص على أن
يغلب حياؤك إقبالك وإدبارك ؛ الحياء ال يأتي إال بخير ،والكلمة الطيبة صدقة ،وقيل
:األفواه الجائعة أحق بالصدقات من بيت هللا الحرام ،وانظر إلى غيرك وخذ من
تجاربهم عظات ،السعيد من وعظ بغيره ،واحذر أن يأخذك للغرور بدنياك فسحتها
؛ فالريح والنعمة ال يدومان ،واحرص على نفسك وال تكون إال غيثًا أو ليثًا ،
فالسيد من يكون لألولياء كالغيث الغادي ،وعلى األعداء كالليث العادي ،واجعل
الصواب نصب عينيك ،وإن أخطأت فعد يغفر الناس لك ،الصيت الحسن يغطي كل
األخطاء ويكفي المخطئ حسن نيته الصواب ،
فالعمل سعي األركان إلى هللا ،والنية سعي القلوب إلى هللا ،والقلب ملك واألركان
جنود وال يحارب الملك إال بالجنود ،وال الجنود إال بالملك .الدنيا كلها ظلمات إال
موضع العلم ،والعلم كله هباء إال موضع العمل ،والعمل كله هباء إال موضع
اإلخالص ،هذا هو العمل.
اعلم أن الكلمة الطيبة تفتح األبواب الحديدية ،وإذا ما أردت أن تعالج أمرًا ما فال
فالرفق ال يكون في شيء إال زانه ،وتحرى العمل الجالب تعالجه بتشدد وتعصب
للخيرات والدافع للمضرات ،واعلم أن الحياة الدنيا إلى فناء ؛ فاعمل لما بعدها
فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت و العاجز من أتبع نفسه هواها
وتمنى على هللا األماني وال يخلو قلبك من أمرين أحدهما دنياك فعش عزيز النفس
فاهلل تعالى يبغض كل فارغ من أعمال الدنيا بها ،وآخرتك لتي إليها معادك
واآلخرة ،وقد أعطاك هللا العافية والصحة ؛ فال تبخل على نفسك بهما ،واشغل
نفسك بما يغنيك عوده ؛ إن هللا تعالى يبغض العبد الصحيح الفارغ
وثمة حالوة ال يذوقها إال من كان الحب مسلكه ،وهي حب الناس ؛ أن تحب كل
الناس شيء جميل فحاول تجربته ،واحذر من أن تأخذك الفاقة إلى حيث المذلة ،
فال عيب في الفقر ،وإذا فقدت المال فال تفقد عزتك ،وإن كان جيبك فارغًا فحاول
أن يكون رأسك شامخًا ،أما أفعالك فال يالم غيرك عليها ،فلسان العاقل يقول :أنا
مسؤول عن عقلي ..إذن أنا مسؤول عن أفعالي وال تجعل التسويف يفوق عملك ؛
أنذرتكم سوف ؛ فإنها جند من جنود إبليس .وتوخ أن تكون في منأى عن دخولك
فيما ال يخصك وال منه لك مصلحة وال نافع ،واجعل هذه كلمة " بخالف ما فيك "
نصب عينيك ؛ فقد سأل رجٌل األحنف قائًال :بم سدت قومك ،وما أنت بأشرفهم بيتًا،
وال أصبحهم وجهًا ،وال أحسنهم خلقًا؟ فقال األحنف :بخالف ما فيك ،قال :وما ذاك؟
قال :تركي من أمرك ما ال يعنيني ،كما عناك من أمري ما ال يعنيك .
احرص على استغالل وقتك وجدك ،وال تجعل للكسل إليك منفذًا ،وعلى قدر جدك
يكون إنجازك .
ومن طلب العال سهر الليالي بقدر الجد تكتسب المعالي
ووقوفك بوجه الشدائد إنما هو ساعة صبر ،بصبر ساعة قالها عنترة عندما قال له
أحدهم :كيف تقتل الرجال وال يقتلونك ،قال له ضع إصبعك في فمي ،ووضع
إصبعه في فمه ،وقال :لُـْك اصبعي وألوُك إصبعك ،ففعال وصرخ الرجل ؛ فقال
له عنترة :بصبر ساعة ،لو لم تصرخ أنت لصرخت أنا .
واعلم أنه ال كيان بال نظام ،لكي تشيد صرحك ،وتقيم أمرك فال مناص من ترتيب
أمرك ،وتنظيم شؤونك ،وهكذا األمر ،بني الكون على النظام ،وتعلم في هذه الدنيا
من أي شيء ،فاجعل من الحجر معلمًا لك يعلمك كيف يكون عزمك ،ومن السماء
كيف يكون قلبك ،ومن الماء كيف يكون تدبيرك ،تعلم ولو من خصمك ،وليكن
فحماس العقل ال يشيب ،وتزود من عقلك متحمسًا في شأن الخير والصالح ،
دقيقتك هذه للدقيقة اآلتية و خذ من يومك لغدك وإياك والخجل من السؤال فمن يسأل
فهو غبي لخمس دقائق ال أكثر ،ومن ال يسأل غبي طول عمره ،فاختر ما تكون ،
وخير لك أن تسأل مرتين من أن تخطئ مرة واجعل مخافة هللا الحكمة التي تنشدها
والتي تطلبها دائمًا ف رأس الحكمة مخافة هللا ،وستالقي في مسيرتك من يشدك إلى
الخلف فال تأبه وإن قيل لك :
ولو أن بان خلفه هادم كفى
فكيف بباٍن خلفه ألف هادم
فقل :أنا الباني ولكني بعزم ألف هادم ،واحذر من أمرين فهما شر ما في الرجل ،
وهما منقصة لكل من حمل الرجولة على كاهله ،وهما البخل والجبن فشر أخالق
الرجال البخل والجبن .واعمل بقول القائل َ :ص َبرُت َنفسي ِع نَد َأهواِلها
َو ُقلُت ِم ن َهبَو ِتها ال َبراح
َأو َبَطٌل ذاَق الَر دى َفِاسَتراح َفِاشَتفى ِإّم ا َفتًى ناَل الُعلى
وال تنس نصيبك من دنياك ،وال تهمل معادك وآخرتك عش لدنياك كأنك تعيش دومًا
واعمل آلخرتك كأنك تموت غدًا ،أما العزم فاحرص على أن تكون ممن عزائمهم
قوية ،هممهم عالية ؛ لتكون غاياتك على مستوى هممك وعزمك ،؛ إذ لو كان
عزمك صغيرًا فلن تتجاوز غاياتك ذلك العزم قدرًا ،وكذا مكارمك وأعطياتك إنما
تقاس على قدر كرمك وعلو نفسك ،فقد قيل :
َعلى َقدِر َأهِل الَعزِم َتأتي الَعزاِئُم
َو َتأتي َعلى َقدِر الِكراِم الَم كاِرُم
أما صغار النفوس فإن صغار األمور كبيرة في عيونه وكذا كبار النفوس إنما تصغر
في عينهم عظام األمور ،فعليك أن تكبر أن تكون صغيرًا فقد قيل :
َو َتعُظُم في َعيِن الَص غيِر ِص غاُر ها
َو َتصُغُر في َعيِن الَعظيِم الَعظاِئُم
وما عمر اإلنسان قياسًا بما عاشه من سنين وإن كانت كثيرة ،غير أننا عندما نعيش
ألنفسنا تصبح أعمارنا قصيرة ،وعندما نعيش ألنفسنا ولآلخرين تمتد أعمارنا
إلى ما بعد موتنا .فعلى اإلنسان أن ال يعيش لنفسه فحسب بل لآلخرين ما استحق
أن يولد من عاش لنفسه
والنجاح ال يأتي بدون جهد ،وال يجنى من غير زرع ،وإذا ما زرعته فإنك جانيه ،
ال شك من زرع النجاح جناه ،والنجاح ال يأتي إال من النفوس القوية ،التي تتحلى
باإلرادة وقوة العزم ،ولربما رأى أحد أن القوة هي أن تطيح بخصمك ،ذاك جانب
من القوة ،ليس الشديد بالصرعة ..إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ،أي
بمعنى أن القوة في النفس والتحكم بها ،وإذا ما تحكمت بنفسك وكنت سيدها فإن ذلك
يؤهلك لتكون سيدًا على العالم ،ذلك بحفظك نفسك ،وتحكمك بتصرفك ،لتكون
سيد العالم كن سيد نفسك ،وُس ِئَل أحُد هم :بم سدت قومك ؟ قال :لم أخاصم أحدًا إال
تركت للصلح موضعًا ،ومما يعرف به السيد تركه الشتم واللعن وتفاتف األمور
ونقائص النفوس ومعاداة الخلق من غير حق :فقد قال أحد كبار النفوس :ما شاتمت
رجًال مذ كنت رجًال ألني لم أشاتم إال أحد رجلين إما كريم ،فأنا أحق أن أجله ،وإما
لئيم فأنا أولى أن أرفع نفسي عنه .وحسب المرء أن يكف أذاه عن غيره فمن رزقه
هللا ماًال فبذل معروفه وكف أذاه فذلك السيد ،ومما يعرف به السيد رجحان العقل
واكتماله ،وقد قيل :
َلِكَّن َس ِّيَد َقوِمِه الُم َتغابي َليَس الَغ ِبُّي ِبَس ِّيٍد في َقوِمِه
وتبصر طريقك أخي القارئ إلى شيء غاية في األهمية في حياتنا ،هو ما يسعى
لتحقيقه األخيار ،هو اإلحسان ،وله أوجه متعددة ،وأيًا كان وجه اإلحسان فإنه
مرغوب ومحبب عند أهل الفالح والتوفيق ،وقديمًا قيل :أحسن كما تحب أن يحسن
إليك ،وإلحسان ثمرة كل عمل رفيع ،إذن ليكن لك أجر عن عملك وهو اإلحسان
،ال أجر لمن ال حسنة له ،وليغتنم أحدنا فرصه السانحة لبسط يد اإلحسان ،فلربما
ال يكون بمقدورك فعله لعائٍق ما ،
َفالغاَفلوَن َعن اإلحسان ُعميان أحسن إذا كاَن إمكان َو َم قِدَر ة
َفال َيدوُم َعلى اإلنسان إمكان َو ُك ن إلى ُفرصة اإلمكان ُم نَتِهزًا
وال إحسان كإحسانك إلى نفسك ؛ إذ بإحسانك لنفسك تحسن للناس أجمعين ،ولك
األمر في ذلك ،ناهيك عن أنه من ال يحسن إلى نفسه ال يحسن إلى غيره ،وأكثر ما
يبتغيه اإلنسان من أخيه هو اإلحسان ،فبه ُيسلم لك اإلنساُن محاسن ظنه وتنقاد لك
مباهجه ؛ فقد قيل :
فطاَلما استَبعَد اإلنساَن إحساُن أحِس ْن إلى الّناِس َتسَتعِبْد ُقلوَبُهُم
ومن ألوان اإلحسان وصنوفه العفو والمغفرة عن زالٍت تعرضت لها ،
ُعروِض َز َّلِتِه َص ْفٌح وُغ فراُن وإْن أساَء ُم سيٌء فْلَيكْن لَك في
وال تتوقع أن يضيع صنيٌع ما عملته وإن قل ذلك الصنيع واإلحسان ،
فمهما يصغر اإلحسان فإنه ال يضيع .
ثمة أمور أخي القارئ تتحكم في مسارنا وتوجهه ،إما إلى نجاٍح وتفوٍق ،أو إلى
مقابِل هذا وهو الفشُل واالنحساُر ،ومن أهم هذه األمور " اإلرادة " فاإلدارة سر
النجاح ،ولربما تساءل أحد :هل يكفي الرأي السديد بغيرها ؟ ـ أي بغير اإلرادة ـ
فأجبه بأنه ال رأي لمن ال إرادة له ،وإذا ما حددت وجهتك في أمٍر ما فإن إرادتك
وإصرارك هما أوُل زادَك ،فقد قيل :اإلرادة نصف الطريق ،وإن صادف وتعثرت
نتيجة أمٍر ما أو عائق طبيعي أو مفتعل من غيرك فإن هذا مما يزيدك إصرارًا
ورغبًة في الصمود والوقوف ؛ فليس العيب أن تقع ؛ إنما أن تبقى مكانك ،فامضي
في طريقك ،اسع وال ترجع بخفي حنين ،واجعل لإلعتداد بنفسك في نفسك
موضعًَا ،واعتمد في شؤونك على نفسك ،ال على غيرك ؛ فقد قيل قديمًا :من
يمتطي جمل جاره ال يصل إلى داره ،وقيل أيضًا :من اتكل على زاد غيره طال
جوعه ،فالزم نفسك وساعد غيرك
وإن احتجت َيرجو َنداَك فإَّن الُح َّر ِم ْعواُن
وُك ْن على الَّدهر ِم عوانًا لذي أَم ٍل
من غيرك شيئًا فاطلبه ،وال يكن ديدنك طلب الناس ،حتى ال تستطيع عمل شيٍء إال
بمساعدة غيرك ودعمه ،واعمل على أن تكون أنت الذي يتحدث عنه بيت الشعر
التالي :
من ال يعِّو ُل في الُّدنيا على َر ُج ِل الُّدنيا وواِح ُدها وإّنما رجُل
فأنت ال تستطيع أن تعتمد على الناس في أمورك وخاصة فيما عظم منها
َو حيٌد ِم َن الُخ اّل ِن في ُك ِّل َبلَد ٍة
ِإذا َع ُظَم الَم طلوُب َقَّل الُم ساِع ُد
فإذا كان ذاك فاجعل االعتماد على نفسك طريقك لنجاحك وتفوقك ،ولن يتسنى لك
ذلك بغير عزٍم قوٍي للشدائد ،ولربما خالط عزمك شيٌء من الشك في وصولك أو
تحقيقك المنى أو شككت في نفع هذا أو غير ذلك فإذا شككت فاجزم ،وإذا
استوضحت فاعزم ،وثمة كلمة ال توجد في قاموس أهل العزم وهي " :الفشل "
فعندهم أنه ال وجود لكلمة فشل ،وإذا لم تجد كلمة الفشل فإنك لن تر للمستحيل
عندهم وجودًا ،فلسان حالهم يقول :ال للمستحيل ،وال مستحيل عند أهل العزيمة ،
وال تكن كمن يفتخر بعزمه وقوته ،وجعل لنفسه مقياسًا ال يقاس به العزم ،وال تحدد
به القوة كما في قول أحدهم وإن كان ذا طابع "كوميدي" :
ويكسر بيضتين على التوالي ولي عزم يشق الماء شقًا
ولكن في الهزيمة كالغزال وفي الهيجاء ما جربت نفسي
ولتضع نصب عينيك قول الشاعر :
َتهوُن َع َلينا في الَم عالي ُنفوُس نا
َو َم ن َخ َطَب الَح سناَء َلم ُيغِلها الَم هُر
وقول القائل :
وباإلصرار للرتب العوالي تسلح باإلرادة للمعالي
عصٍي للشدائد ال يبالي وكن للسبق ذا قلٍب قوٍي
وذا اإلصرار شرط للمعالي إرادتنا وعزٌم واقتداٌر
فال التمني يبلغنا األماني وال الضعف يؤهلنا لمجابهة الشدائد ،فإياك واإلتكال على
المنى فإنها بضائع الموتى ،وتخلق بقول القائل :
فإنه ال نحقق األعمال بالتمنيات ....إنما باإلرادة نصنع المعجزات
ولربما تعرض أحدنا للفشل في أمٍر ما ،ولكن ال يعني هذا أن يقف مكتوف
األيدي لذلك ،فأسوأ من الفاشل من ال يحاول النجاح ،ولتعلم أن التعثر يعلم المشي
،وليس سقوط المرء فشًال إنما الفشل أن يبقى حيث سقط ،ولكي تجد نفسك بعيدًا
عن الفشل ،على قمة النجاح انظر إلى األمام دائمًا فإنك ال ترى الفشل .
أخي القارئ هنالك شخص آخر ال يرى الفشل واحذر أن تكون أنت هو ،ألنه
ليس كل من ال يرى الفشل هو ناجح ،فالشخص الوحيد الذي ال يعرف طعم الفشل
هو الذي يعيش بال هدف ،فاحذر أن ال يكون لك الهدف الذي تعيش من أجله .
وتوجه إلى الحياة بقلب ذي شغف لالنطالق بالحياة ،فإن لم تفعل فإن الحياة ال
تنتظر من ال يبحر فيها بقلبه وعمله وإخالصه
فمْن ناَم لم َتْنَتِظ ْر ُه الَح َياْه أال انهْض وِس ْر في سبيِل الَح َياِة
ولك في هذا عوائق كثيرة ،أولها وأهمها " :نفسك " .
وإذا سأل سائل :لم النفس أهم العوائق ؟ ،أجبه بأن الذي ينتصر على غيره قوي
..لكن الذي ينتصر على نفسه أقوى ،والنفس برغم قوتها فإنها تنقاد لصاحبها إذا
داوم على تقويمها و تهذيبها ،ولن تعوزك الحيلة وتعجزك القدرة على قيادة نفسك .
َفِإذا ُتَر ُّد ِإلى َقليٍل َتقَنُع َو الَنفُس راِغ ِبٌة ِإذا َر َّغ بَتها
وإذا ما انقدت أنت للنفس فإنك ستكون لها العبد الذي ال يخرج عن أمر سيده .
قيل :
َو َلو َأّني َقِنعُت َلُك نُت ُح ّر ا َأَطعُت َم طاِم عي َفِاسَتعَبَدتني
والمطامع مصدرها النفس واتباعها لما يشقيها ،فلكي تنطلق في حياتك تحكم
بنفسك وقدها إلى ما يزكيك ويزكيها ،وانشد أهدافا لنفسك ،وال تجعلها صغيرة
فتصغر نفسك بصغرها ،والتعب في نيل األهداف واحد ،سواًء ا كان الهدف
والمطمح صغيرًا أم كبيرًا ،فلن تدركه بغير جد وكد وتعب ؛ فلما ال يكون الطموح
كبيرًا ،يستحق تعبك وتضحياتك .
ِإذا غاَم رَت في َش َرٍف َم روٍم
َفال َتقَنع ِبما دوَن الُنجوِم
َفَطعُم الَم وِت في َأمٍر َص غيٍر
َك َطعِم الَم وِت في َأمٍر َعظيِم
ويصاحب سعيك إلى هدفك وسؤلك الصبر والمثابرة في طلبه ؛ فقد قيل :
األثر للصبر عاقبة محمودة إني رأيت وفي األيام تجربة
واستصحب الصبر إال فاز بالظفر وقل من جد في أمر يحاوله
وهل يظن أحٌد أن األماني تدرك بغير التعب والمشقة ؟ ال ..بل ال تدرك إال بالنصب
والتعب والسهر .فقيل :
َو َلِكن ُتؤَخ ُذ الُدنيا ِغ البا َو ما َنيُل الَم طاِلِب ِبالَتَم ّني
وهل بلغ أحد مناه بغير ما قيل ؟
ُتناُل ِإاّل َعلى ِج سٍر ِم َن الَتَعِب َبُص رَت ِبالراَح ِة الُك برى َفَلم َتَر ها
وليست الراحة الكبرى أن يكون المرء في راحة بال عمل ،إنما يقصد بها ما يبلغه
الرجل من الراحة بفضل بلوغه مبتغاه وهدفه ،أما من عكف عن العمل فال راحة له
؛ من تعود الكسل ومال إلى الراحة ..فقد الراحة ،ولن يصل إلى كينونة المجد إال
من شحذ همته وطار إلى المجد والفخار بجناح العمل ،وزاده قوُة عزيمِتِه ؛جاعًال
من الصعاب التي تقف في طريقه سلمًا يصل به إلى ما يطلبه ؛ فقد قيل :
لن يدرك المجد من خارت عزائمه
عند الصعاب أال فلتشحِذ الهمُم
والمثابرة أساس به تدرك مبتغاك ،والتواني مما يبعدك عنه فاحذره
َو ال عاق مَنها الَنجح ِم ثل َث ِ
وان َو ال َأدرك الحاجاِت ِم ثُل مثاِبر
وثمة أمر مهم ؛ فقد يبلغ المرء بعض شأنه فيأخذه الغرور والتوهم بأنه قد بلغ أمره
كله ،فيتسرب إليه ما يؤدي إلى ترك العمل والمثابرة والجد ،وهو شعوره بانتهاء
السبق وفوزه .فقل له :
إن المفازة أن بالزهو يختتم ما الفوز بالسبق أن تزهو بأوله
واألمر األهم عند كل شأن تود إتمامه أخي القارئ هو " الخطوة األولى " فلكل
شيء خطوته األولى ...فأقدم .
وال شك أن الخطوة األولى تحتاج إلى الشجاعة كي يخطوها المقدم على أمٍر ،فمن
مرادفات الشجاع " المقدام " أي الذي يقدم على أي شيء ،ال يخاف المواجهة ،
ولكن ما الشجاعة التي يجب أن يتحلى بها المرء ؟ ،وكيف يكون المرء شجاعًًا ؟
إن لكٍل منا رأيه الخاص في الشجاعة ،وتعريفه الذي يقيد به حدود الشجاعة
ومعالمها ،ولكن يتحكم بنا أمٌر وهو طباعنا التي نشأنا عليها ،فما وافق منها
الشجاعة أقمناه ،وما جانبها تركناه ،قال الشاعر :
َو ُك ٌّل َيرى ُطرَق الَشجاَع ِة َو الَندى
َو َلِكَّن َطبَع الَنفِس ِللَنفِس قاِئُد
وأقصى ما يخاف منه المرء زواله عن هذه الدنيا ،بيد أنه هل من خالٍد بها ؟ ،
محصٌن بوجه الموت والفناء ،وهل إذا جبن المرء سيقف الجبُن حائًال دون
الموت ؟ ،قال الشاعر :
َو ِإذا َلم َيُك ن ِم َن الَم وِت ُبٌّد
َفِم َن الَعجِز َأن َتكوَن َج بانا
ويرى بعضهم أن قعودهم دون صنائع الشجعان إنما هو العقل والتأني والتروي .
قيل :
َيرى الُج َبناُء َأَّن الَعجَز َعقٌل
َو ِتلَك َخ ديَعُة الَطبِع الَلئيِم
ولتعلم أخي أن الشجاعة عزيزة يضعها هللا فيمن شاء من عباده ،إن هللا يحب
الشجاعة ولو على قتل حية
والشجاعة تورث عزة النفس وكرامتها ؛ إذ ال كرامة لمن ال يتحلى بالشجاعة في
مواطن الشجاعة واإلقدام ،وأنى يعيش المرء بال عزة نفس ،قال الشاعر :
َبيَن َطعِن الَقنا َو َخ فِق الُبنوِد ِع ش َعزيزًا َأو ُم ت َو َأنَت َك ريٌم
َو ِإذا ُم َّت ُم َّت َغ يَر َفقيِد ال َك ما َقد َح ّيَت َغ يَر َح ميٍد
َل َو َلو كاَن في ِج ناِن الُخ لوِد َفِاطُلِب الِع َّز في َلظى َو َذ ِر الُذ ل
َو ِبَنفسي َفَخ رُت ال ِبُج دودي ال ِبَقومي َش ُر فُت َبل َش ُر فوا بي
وقال آخر :
وال تحسبَّن المجَد ُيوَر ُث بالنسْب فال َتَّتِكْل إال على ما فعلَتُه
وإن َعَّد آباًء كرامًا ذوي حسْب فليس يسوُد المرُء إال بنفسه
وقال غيره :
َبل َفِاسِقني ِبالِع ِّز َك أَس الَح نَظِل ال َتسِقني ماَء الَح ياِة ِبِذ َّلٍة
َو َج َهَّنٌم ِبالِع ِّز َأطَيُب َم نِزِل ماُء الَح ياِة ِبِذ َّلٍة َك َج َهَّنٍم
وإليك ما يغفل عنه كثير من الناس ،وإن كانوا يدركونه ،وهو أنه من يهن نفسه لن
تجد له من مكرم ،ولن يشعر هو بذل الهوان ؛ إذ إنه ميت اإلحساس بذلك ،قال
الشاعر :
ما ِلُج ـــــرٍح ِبَم ِّيٍت إيالُم َم ن َيُهن َيسُهِل الَهواُن َع َليِه
وما الوصول لعزة النفس وارتفاعها عن ما يشينها بسهل البلوغ ؛ الرأس المرفوع
بشمم يتطلب نفسًا عالية اإلباء ،وكن كما قال الشاعر مفتخرًا بنفسه وقومه ،وما
االفتخار بمجرد العبارات فقط ؛ إنما بالعمل والخلق القويم وبإيثار النفس وبرفعها
عن الدنيء من الفعل ،قال الشاعر :
َأَع ُّز َبني َلنا الَص دُر دوَن العاَلميَن َأِو الَقبُر َو َنحُن ُأناٌس ال َتَو ُّس َط ِع نَدنا
َو َأكَر ُم َم ن َفوَق الُتراِب َو ال َفخُر الُدنيا َو َأعلى َذ وي الُعال
وثمة أمور إذا لم تخالط نفس المرء فهو محمود ؛ فقد قال الشاعر :
ِإذا الَم رُء َلم ُيدَنس ِم َن الُلؤِم ِع رُضُه
َج مـــــــيُل َيرَتـــــديِه َفُك ُّل ِر داٍء
َو ِإن ُهَو َلم َيحِم ل َعلى الَنفِس َض يَم ها
َفَليَس ِإلــــــــى ُح سِن الَثناِء َس بيُل
ومما يفخر به اإلنسان ،ومما يثني المرء على أخيه به هو الكرم والعطاء والبذل .
َم ْن جاَد بالماِل ماَل الَّناُس قاِطَبٌة
إَليِه والماُل لإلنسان َفّتاُن ُ
فالناس عادًة يميلون إلى من هو كثير العطاء ،ليس بالضرورة طمعًا في ما عنده ؛
بل حبًا له ،فهو متخلق بصفة يحبها هللا ورسوله وهي الكرم ،وقد قال الشاعر :
َو ُك ُّل َم كاٍن ُينِبُت الِع َّز َطِّيُب َو ُك ُّل ِامِرٍئ يولي الَج ميَل ُم َح َّبٌب
وما يقف حيلولة بين البذل والعطاء هو النفس ،فإن النفس مجبولة على مجانبة فعل
الخير إال من هدى هللا ،فهي األمارة بالسوء ،ومن كرمت عليه نفسه هان عليه
ماله .
وهناك ثمرتان و أمران ،ثمرة القناعة الراحة ،وثمرة التواضع المحبة ،وقيل
في ذلك :
َو الَيأُس ِم ّم ا فاَت َفهَو الَم طَلُب َفِاقَنع َففي َبعِض الَقناَع ِة راَح ٌة
َفَلَقد ُك ِس ي َثوَب الَم َذ َلِة َأشَعُب َو ِإذا َطِم عَت ُك سيَت َثوَب َم َذ َّلٍة
ومن يبحث عن السعادة فإن القناعة منتهى السعادة ؛ ذلك أن الغنى غنى النفس ،
قيل :ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس ،وعلى اإلنسان أن
يحمل على عاتقه أخاه اإلنسان ،تميط عن طريقه العوائق من صفات غير محمودة
وما إلى ذلك ،ومعاملة الصديق من األمور التي هي من األهمية بمكان ،ولذا قيل :
عاتب صديقك باإلحسان إليه واردد شره باإلنعام عليه ،وثمة من يكرر " :اتق شر
من أحسنت إليه " ولم يدر أن لها تكملة تتم معناها وتظهره بالصورة المثلى ،
والعبارة كاملة هي " :اتق شر من أحسنت إليه بدوام اإلحسان إليه " وهناك من
ال يسمع لصديقه نصحًا وال عظة ،فليحذر كٌل منا أن يدخل ضمن من قال فيهم
الشاعر :
َو َلكن ال َح ياَة ِلَم ن ُتنادي َلَقد َأسَم عت َلو ناَديت َح يًا
َو َلكن َأنَت َتنفخ في َر ماد َو َلو نار نفخت ِبها َأضاَء ت
ومعاملة الناس ال تقل أهمية عن غيرهم ،من أصدقاء وأهل وغير ذلك ،ولها
قواعد كثير ،ومن حدودها :
ال تتطاول على من فوقك فيستخف بك من دونك ،كما أنه ال تفرح بسقوط غيرك
فال تدري ما تضمر لك األيام ،ولتجعل نهجك خير األمور ،فقد قيل :خير األمور
الوسط .وقيل :تكمن الفضيلة في الوسط ،ولتكن مرآة أخيك فقد دخل بعضهم على
إبراهيم بن صالح فقال له :عظني .فقال له الولي :بلغني رحمك هللا أن أعمال
األحياء تعرض على أقاربهم الموتى ،فانظر ماذا تعرض على رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم من عملك .فبكى إبراهيم حتى سالت دموعه.
وال يخرج بعض المحيطين بك عما يلي أوًال يتجاهلونك ,ثم يسخرون منك ,ثم
يقاتلونك ,ثم تفوز أنت ،والناس صنفان ،متفائٌل ومتشائٌم ،
فالمتشائم يرى الصعوبة في كّل فرصة ,أما المتفائل فيرى الفرصة في كّل صعوبة.
وبعض الناس لهم المتعة شيء آخر ؛ فهم يرون أن هناك نوع من المتعة وهو أن
تفعل المستحيل ،وبين البشر من هو موهوب ومن هو عبقري ،فمن هذا ومن ذاك
؟ الموهوب يفعل ما يستطيع فعله ،العبقري يفعل ما يجب فعله.
وقد قال أحد الناجحين :يوميًا أستيقظ وأبحث في قائمة فوربس ألغنياء أمريكا .إذا
لم اجد اسمي ،أذهب للعمل ،ولكي تكون لك المكانة بين الجموع فإن األمر األساسي
هو أن تحسن عملك وتتقنه ،فحاول المستحيل لكي تحّس ن عملك ،وهناك ممن
تصاحبهم أناس يجعلون نصب أعينهم الحد من طموحاتك ؛ فابق بعيًدا عن الناس
الذين يحاولون أن يستهينوا بطموحاتك .ولم يفعلون ذلك ؟ ألنهم صغار النفوس ،
فالصغيرون يفعلون ذلك دائما ,لكّن العظام فعًال يجعلونك تشعر أنك أيضّا يمكن أن
تصبح عظيما ،فاختر من تخالط