Professional Documents
Culture Documents
ثلاثية كوكر قصيدة كيارستمي عن الحرية والنجاة والحب
ثلاثية كوكر قصيدة كيارستمي عن الحرية والنجاة والحب
/ida2at.com/the-koker-trilogy-overview-abbas-kiarostami
29أغسطس 2023
الحظت أننا لكي ننظر إلى الجمال الماثل أمامنا ،ال بد أن نحبسه في إطار كادر ولقطة.
—كيارستمي
تبدو سينما المخرج اإليراني الشهير «عباس كيارستامي» في ُك ليتها ،اضطرار شاعر إلى اللجوء للكاميرا لحبس الجمال ،لتوثيق
المسحة الشعرية التي تكسو اليومي والُمعتاد ،الكاميرا ُتشبه شبكة لصيد األحالم ،أداة اضطرارية إلجبارنا على النظر لجمال
كامن ينتظرنا على جانبي الطريق .ال بد من ُمحاصرته الستنطاقه ورؤيته.
فيما بين أعوام 1987و 1994قدم كيارستمي «ثالثية كوكر» الشهيرة ،التي ُتعد قصيدة شعرية تتوسل قالب السينما ،ثالثية كل
جمال فيها يحتوي بداخله جمااًل آخر .يفقد فيها الُمخرج ُس لطته ،وتماسك الحبكة التي يرويها ،ليقودنا عبر الكاميرا لقصة مكان،
استضاف حكاية بسيطة ،ثم هلك ،ثم ُبعث من جديد .وال شاهد على هذا سوى شريط السينما.
1/13
من ثالثية كوكر – إخراج عباس كيارستمي
األطفال شخصيات ُمستقلة وُح رةُ ،يمكنها أن تمنحك تمثياًل يفوق مارلون براندو ،ألنه يصعب أن توجههم لفعل
شيء ،فقط تسير خلفهم.
—كيارستمي
اقتبس «كيارستمي» اسم الفيلم من عنوان قصيدة شعرية لسهراب سبهري ،ولم ُيقدم العنوان شعريته وحسب بل سرت تلك
اللمسة الشعرية في سينما الفيلم كلها ،فقد جاء فيلمه مثل مقطوعة شعرية رقيقة .من دون قطعات كثيرة ،من دون مونتاج حاد،
رغم ُمدة الفيلم القصيرة إال إنه ال يوجد به مشهد واحد غير ُمتمهل ،ال يتخلله فترات انتظار وصمت وإلتقاط أنفاس.
تلك السمة األولى الملحوظة عن كيارستامي ،أنه ُمخرجُ /متفرج ،يتابع إيقاع اللقطة ويكره إفسادها بلفظة ( )Cutالتي تفسد
التدفق ،هذا ما يضفي لمسة الشعرية أو التداعي على مشاهده مثل جدول أو نهر يسري ببطء عبر شقوق وتالل ،قد تجده بطيًئا
أو ُمماًل ،لكنه يراه سيرورة وشالاًل تتفتت جماليته بتعطيله ووضع السدود أمام تياره .كمال المشهد لديه هو أال تشعر بحضور
2/13
السينمائي صانعه ،لذا ال يستخدم الموسيقى والمؤثرات بإفراط وال يحرك الكاميرا كثيًر ا ،المشاهد لديه في حالة حلم وتماه ،أي
عنف إخراجي سيوقظه من الحلم.
يدور الفيلم حول الصديقان «أحمد» و«ُمحمد» ،يتوعد الُمعلم «محمد» بالعقاب والطرد من المدرسة ألنه ال يكتب واجباته في
الدفتر كل مرة ،ينتهي اليوم الدراسي ويتعثر الصديقان في طريقهما وبينما يجمعا أشيائهما ينسى «محمد» دفتره مع صديقه
«أحمد» ،يرتاع «أحمد» عندما ُيدرك األمر لدى عودته لمنزله ويعلم أن صديقه لو جاء غًد ا من دون دفتره سيتم رفده لذا ُيقرر
الذهاب لمنحه دفتره في القرية الُمجاورة التي لم يزرها أبًد ا وال يعرف منزل صديقه فيها.
تقع أحداث الفيلم في قرية «كوكر» وهي قرية صغيرة المساحة ومنسية في الشمال اإليراني على ساحل بحر «قزوين» ،لكن
ألن الفيلم من منظور صبي صغير ،كان منظور المكان عمالًقا بينما الصبي ُنقطة صغيرة تسير صعوًد ا وهبوًط ا في ُمنحنيات
تضاريسه.
3/13
من فيلم أين منزل صديقي؟ – إخراج كيارستمي
بينما يبدو المكان عمالًقا عكس حقيقته ،يبدو الكبار أو رموز ُس لطة المنح والعقاب في الفيلم ،جبااًل رواسخ في كادر المكان ،ال
يتحركون ،هم جزء من جمادات اللقطة مثل لوحة ،الجدود والرجال جالسين على النواصي والنسوة ُمنهمكات في أعمالهن
اليومية ،ستعتمد الكاميرا طوال الفيلم في انتقاالت وخفتها على الطفل «أحمد» الذي يتحرك بين الكبار ،يتلقى أوامرهم بطاعة
تامة ال تشي أبًد ا أنه سيكون بطل مغامرة تمرد قادمةُ ،تخبره أمه أن يجلس ليؤدي واجباته ثم خالل ذلك ُتمطره بتعليمات شتى
تقطع جلستهُ ،يلبيها أحمد جميًعا.
أحمد خفة ُمتنقلة والكبار ثقل مشدود لمهمة يومية رتيبة وإيقاع ال بد من المحافظة عليه ،هم جزء من المكان لو جمدت اللقطة في
أي وقت بالمشاهدة ستجدهم مطبوعين بحركتهم مع الجدران وُمنحنيات الطريق والجبل.
اًل
4/13
في كل كادرات «كيارستامي» يبدو الطفل دخياًل ُ ،مفسًد ا التزان ما ،لذا كلما خاطب أحد الكبار ،ال يسمعونه وإن سمعوه ُيقاطعوه
ويخبروه أن يذهب ألداء واجباته وال ُيفسد تركيزهم فيما يفعلونه.
لذا عندما يفشل في نيل إذن أمه بالذهاب ،يبدأ «أحمد» أخيًر ا في التحرك وفق إرادته الخاصة بالتسلل خارًج ا للقرية الُمجاورة
ليجد صديقه ،عندها يتدخل «كيارستامي» ألول مرة بعنصر الموسيقى ،موسيقى نقر ُمثيرةُ ،تخبرك أن إيقاع الحكاية الهاديء
المحكوم أفسده الطفل بالحركة وبدء الُمغامرة.
خالل الرحلة ينتقل «أحمد» ذهاًبا وإياًبا عبر مساحة صغيرة جًد ا لكنها تبدو بحركته الطفولية شاسعة ،لم ُيساعده من الكبار سوى
رجل عجوز بطيء الحركة ،يتوقف في ذروة المسعى ليلتقط أنفاسه ويغسل وجهه ويقطف وردة من أحد الينابيع ويمنحها ألحمد
ليضعها في دفتره ،يتأخر الوقت وُيخبر «أحمد» العجوز أنه ُيبطيء مسعاه وأن عليه العودة ،يعود أحمد للمنزل خائب األمل ،ال
يبدو على الكبار ُمالحظة مغامرته أو مسعاه وُمهمته.
في المشهد األخير نعود للفصل المدرسي حيث بدأت الحكاية نجد مالمح الرعب على وجه «محمد» الُممتقع من الُمعلم الذي
يقترب منه وهو ال يملك دفتره ،لكن أخيًر ا يدخل «أحمد» وقد أدى الواجب له ولصديقه ،يمنحه دفتره خلسة ،يصححه المعلم
باستحسان دون أن يالحظ األمر ،وتلتقط كاميرا «كيارستامي» وردة ينابيع محفوظة في الدفتر جوار الواجب المكتوب ،شاهد
صغير ووحيد على ُمغامرة الصديق التي انفلتت من عوالم الكبار الثقيلة .وتوج بها «أحمد» كذبته األولى النبيلة في هذا العالم
وفعل التمرد الصغير في عالم قرية هادئة كبارها راسخون كالرواسي.
5/13
من فيلم أين منزل صديقي؟ – إخراج كيارستمي
تلك هي شعرية «كيارستمي» ،أن الفيلم بأكمله يدور حول ُع نصر يمثل الحرية ،عنصر غير ُمدجن ُمنفلت من لوحة جامدة كل
عناصرها ثقيلة« ،أحمد» طفل ُمطيع لألوامر كافة ،وللكبار كلهم ،لذا لم يفكر من البداية في التحايل بأن يكتب الواجب لصديقه
ببساطة ألن ذلك غش ،وبدأ ُمغامرته كلها لكيال يلجأ لذلك ،لكن أحًد ا من الُك بار لم يهتم بمساعدته أو مالحظة أنه يطرح مطلًبا
أخالقًيا بريًئا لكنه ُيخالف الروتين اليومي.
بعيون األطفال يبدو وعيد الُمعلم وحشًيا ،بالنسبة لنا الواجب لن ُيسلم غًد ا وبالنسبة ألحمد العالم سينتهي غًد ا ،لذا من منظور
الطفل ال تقل الُمغامرة في خطورتها عن مسعى بطولي لبطل في خوض المجهول.
6/13
ُيخبرنا عجوز في الفيلم أنه ال يمكنك أن تمنح الطفل الفرصة ليرد ،ال بد أن يصدع باألوامر ،وال بد من اختالق األعذار دوًما
لُمعاقبته حتى لو لم ُيخطئ ،هذا يصنع طفاًل ُمنضبًط ا يفعل الُمستحيل ليأمن العقاب ،ألنه ألقل هفوة ولو ُمفتعلة سُيعاقب ،فلسفة
التربية تلك ميزت مأزق الطفل «أحمد» هو ابن عالم الكبار ذاك إذ يفعل الُمستحيل ليأمن عقاب الُمعلم لصديقه ،لكنه لكي يأمن
عقاب ُس لطة الُمعلم ال بد أن ينفلت من ُس لطة الكبار ،األطفال نقاط عالقة في ُس لطات ُمتعارضة ،فاألم واألب يخبروا الطفل بأن
يساعدهم بالمنزل واألرض والُمعلم يخبر الطفل أال يساعد أهله إال بأداء واجباته المدرسية .وخلف هؤالء األطفال الذين لم يفقدوا
براءتهم بعد يهرع كيارستامي بالكاميرا مسجاًل حكايتهم بين إمالءات الخارج وُنبل الداخل.
ال يورد كيارستمي كل تلك الصراعات برطانة أو بمباشرة فلسفية ،السلطة هنا ُمعلم وأب وكبار ،وبطله هنا هو طفل ،لماذا؟
ألن الطفل أداة أثيرة لدى كيارستمي لتوليد الدهشة والتساؤل في سردياته السينمائية ،لذا ال يثور الطفل أو يغضب ،فقط يتعلم
كيف يأمن غضب سلطة ما بااللتفاف حول سلطة أخرى ،ينقذ صديقه وتتبقى الوردة شاهًد ا على تلك المغامرة الساقطة من كادر
جامد في قرية منسية بدت بعيون طفل ككون شاسع.
—كيارستمي
يخطو «كيارستمي» هنا خطوة أكبر نحو الشعرية ،هذا فيلم أقل إحكاًما وتماسًك ا في حبكته وأكثر سيولة ،مزيج من التداعي الحر
والوثائقية التي تترك المشهد بأكمله لشهود العيان ،ربما ألنه لم يكن فيلًما ُمخطًط ا له!
«كوكر» القرية المنسية التي استضافت فيلم كيارستامي البسيط تحولت لحطام على يد زلزال إيران الشهير عام 1990الذي
حصد أكثر من 50ألف ضحية ،لم يدر كيارستامي أن المكان الذي اختاره كخلفية لُمغامرة شعرية لطفل منذ سنوات قليلة
سيزول وستصير سينما ذلك الفيلم هي الشاهد األخير على «كوكر» قبل الزلزال ،وستصير لقطاته األثيرة هي كل ما يعرفه
العالم عن «كوكر» قبل أن تصير ُح طام.
الزلزال حدث واقعي فج تدخل ومنح الخلود الحزين لخيال سينمائي قديم هو فيلم «أين منزل صديقي» ،يدرك كيارستامي أن
فيلمه الجديد سيكون الُمعادلة ذاتها لكن مقلوبة ،سيتدخل كيارستمي بخيال سينمائي جديد ليمنح الخلود لواقع كوكر وُس كانها بعد
الُح طام لكنه خلود أقل حزًنا وأكثر جمااًل .
كان جمال كوكر الذي صوره كيارستمي كخلفية لحكايته ،جمااًل غير مقصود ،أثر جانبي لحكاية رواها ،اآلن سيستعيد كوكر لكن
بجعل البطولة للمكان ،وبجعل الكاميرا خاصته شاهًد ا صامًتا ال ُيفسد التداعي والشعرية بالتدخل بحبكة وبداية ونهاية وقصة.
يبدأ الفيلم بشخصية كيارستمي ذاتها يؤديها الُممثل «فرهاد خيردماند» ،المخرج الذي صور فيلم في كوكر قبل سنوات جاء
ليتتبع الطفل بطل فيلمه السابق ليعلم هل قتله الزلزال أم ال؟
7/13
من فيلم وتستمر الحياة – إخراج كيارستمي
يختار «كيارستمي» وسيًط ا سيحضر بكثرة في أفالمه وهو الراكب في سيارة ،المار على طريق ،معظم الفيلم سنتابعه من سيارة
المخرج وهو يقود عبر القرى ليصل إلى كوكرُ ،نتابع بالكاميرا الحطام وعمال اإلغاثة والسكان وهم يجرفون األنقاض ،الُمخرج
والسيارة عين خارجية راصدة ومتحركة تسمح لنا بالتقاط المأساة بحس وثائقي والتقاط قيمة ُمهمة بحس شعري وهي استمرارية
اإلنسان في العيش وسط الموت والمأساة.
8/13
كعادة كيارستمي ،ال توجد ذرة ُمبالغة أو ميلودراما ،الفيلم قصيدة شعرية ُمرهفة ولو غلفت مأساة مثل زلزال ،ترتسم على مالمح
األبطال لمسة قبول قدرية ُمستسلمة ،مسحة ُح زن شيعية من دون عويل أو بكاء ،مثلما يمر البطل بسيارته ببطء وسط الشقوق
والتصدعات ،تمر الحياة ببطء وسط ركام وُح طام المأساة.
ُيقابل الُمخرج رجاًل تزوج في صبيحة الزلزالُ ،يخبره ببساطة أن الكبار سيخبرونه أن ينتظر أسبوًع ا فأربعين يوًما فسنة ،تزوج
في حظيرة بالستيك يدوية ،ووليمة العرس كانت ثمار طماطم ناضجة من سيارة إغاثة ،وأثاثه كان ما نجا من حطام بيت والده،
صحًنا ،ملعقتينُ ،يخبره العريس ببساطة:
ُيقابل رجل يضبط الهوائي وسط الُح طام اللتقاط ُمباراة كأس العالم ويسأله:
البطل هو دهشة كيارستامي إزاء قدرة البشر على النجاة واالستمرار ،لم ُيرد كيارستامي أن يوثق الدمار بعين حزينة وال بعين
هوليوودية ُمحتفلة بملحمية ،الملحمة غير إنسانية في سينما كيارستامي إنما القبول القدري الُمفعم بالمحاولة البسيطة من جديد مثل
مياه تنحت بصبر ممرها في جبل ،تلك هي اإلنسانية التي ُتدهشه ،لذا احتضنت قيمة الحياة لديه قرية كوكر المنسية في الجبل
وسكانها وليس «طهران» العاصمة الكبرى المزدحمة.
خالل الفيلم سنقابل ممثلين ظهروا في الفيلم األول ،سنقابل الرجل العجوز الذي سيسخر من تعليمات كيارستامي القديمة له في
الفيلم أن يبدو ُمحدوًد ا وأكثر عجًز ا ،سخرية يكاد يغيب معها شهودك للفيلم كأنه فيلم ذو حبكة تحاول إقناعك بتصديقها ،أنت تسير
في القرية في فيلم طريق ،تقابل حكاية تلو أخرى حتى تنسى ما كنت تبحث عنه من األساس.
كمال الحضور السينمائي لكيارستامي هو غياب شهوده لنفسه كفاعل عمدي في الحكاية ودخيل .حتى لو كان هو بطل الفيلم
بشخصية المخرج فهو مرآة لتجلي الحكايات عليها ال أكثر.
9/13
من فيلم وتستمر الحياة – إخراج كيارستمي
في النهاية نعلم أن البطل الطفل حًيا ،وتستمر السيارة في رحلتها له وال نعلم أكثر من ذلك ،خالل رحلة البطل يستمع للحكايات
حتى تفقد الحكاية التي يبحث عنها خصوصيتها ،البطل «أحمد» تحول لحكاية من الحكايات ،وفرد من مئات األفراد في كوكر.
لن يكون في حكايته أهمية أكبر أو جديد أكثر من كل ما مر به البطل في رحلته.
كما منحه فيلمه األول بحكم الصدفة خلود مدينة قبل إبادتها ،يمنح كيارستامي عن عمد الخلود السينمائي لمحاوالت اإلنسان
البطيئة ،في االنبعاث من رماد الُح طام.
ُتعلمنا خبرة الحياة ،أن الشخص الواقع في الُح ب يكون في أكثر حاالت العيش صدًقا ،ألن األفق أمامه وال شيء
في قصته مؤكد.
—كيارستمي
ُيقدم لنا «كيارستمي» فيلمه األخير في ُثالثية كوكر ،يشبه األمر لعبة «الماتريوشكا» الروسية ،حيث تجد عروًس ا بداخلها
عروس أصغر بداخلها عروس أصغرُ ،يخبرنا أن نسيج الحياة هو تنويع عن تلك الماتريوشكا ،وبينما أنت تنهمك في تأمل
عروس واحدة ال تدري أنها حبلى بعرائس كثيرة بداخلها ،ومثلما انهمك كيارستامي في ُمعالجة حكاية واحدة ُيخبرك أن حكايات
أجمل يمكن أن تحويها حكايته.
في مزاوجته الشعرية بين الواقع والخيال ،يبدأ الفيلم بالممثل «محمد على كيشفراز» الذي يلعب دور كيارستامي نفسه ،الفيلم هو
كواليس تصوير الفيلم السابق «وتستمر الحياة»ُ ،يخبرنا عبره كيارستامي عن قصة حب بين فتى وفتاة ،ظهروا ككومبارس في
الفيلم السابق في مشهد عابر ُمدته دقيقتان.
10/13
هذا الفيلم الجديد بأكمله هو خلفية وحكاية الشاب والفتاة التي جعلت هذا المشهد ُيعاد تصويره مراًر ا ليظفر في النهاية الُمخرج
بدقيقتين ونظفر نحن بحكاية جانبية لم ندر عنها شيًئا ونحن نشاهد فيلمه السابق .يفتح كيارستامي فيلمه السابق مثل الماتريوشكا
لنرى العروس أو الحكاية الجميلة عن الحب القابعة فيه.
بطل الحكاية هو «حسين» عامل البناء اُألمي الذي يتمنى الزواج من «طاهرة» الُمتعلمةُ ،يرفض حسين ألنه أمي وال يملك بيًتا،
ثم يأتي زلزال 1990ليحصد عائلة طاهرة ويجعلها بال بيت أيًض ا بينما تعولها جدتها العجوز التي تستمر بإصرار في رفض
زواج طاهرة من حسين ،طوال الفيلم ُيحاول «حسين» التودد لطاهرة ليعلم هل تقبل ُح به أم ال؟ لو قبلت ُيمكنه أن يواجه الجدة
والعالم ألجلها ،لكن ليظفر باإلجابة ال توجد أي فرصة أمامه سوى مشهد مدته دقيقتان لُمخرج غريب قادم من طهران ،عليه في
كواليس تلك اللقطة التي يظهر فيها كزوج غضوب يسأل زوجته عن الجوارب ،أن يعلم مشاعر طاهرة نحوه .يقول حسين:
لست هذا الشخص الذي يسأل عن جواربه طوال الوقت ،هذا ما يريده المخرج ،لو تزوجت سأملك البراعة الكافية
ألضعها جانًبا مع مالبسي وأغراضي ،أريد أن أتزوج ألكون سعيًد ا ،ال لتطبخي لي ،وال لتعتني بمالبسي ،أريدك أن
تكملي دراستك ،وأنا اعمل وآكل من السوق ،الشيء الوحيد الذي أريده أن تكوني سعيدة ،هل قلبك معي؟ أخبريني.
يتابع الُمخرج الممثل لشخصية كيارستامي قصة الُح ب تلك ،ويحاور حسين طوال الوقت ،تظهر شخصية المخرجة المساعدة
الصارمة التي ُتحافظ على جدول المشاهد وتكرارها وتنصحه بأن يطرد إما حسين أو طاهرة ليكتمل المشهد الذي يستمروا
بإعادته ،لكن الُمخرج يرفض وُيصر عليهما ،صبر كيارستامي أو شخصيته هنا صبر غير عابئ بسينماه أو الفيلم ذاته.
11/13
من فيلم بين أشجار الزيتون – إخراج كيارستمي
يبدو كيارستامي في الثالثية بأكملها غير عابئ بالسينما خاصته ،فيسمح لممثليه بالظهور النتقاد أفالمه السابقة وأدوارهم فيها،
وفي هذا الفيلم تظهر الفتيات الالئي يختار بينهن بطلة مشهده وهن يسخرن من فيلمه السابق الذي لم ينجح كثيًر ا ،وبينما تبدو
المخرجة المساعدة أكثر حرًص ا على إيقاع الفيلم يغرق كيارستامي بشخصية ُممثله في تفاصيل قصة الحب الجانبية ويستديم
مشهده ليصارح حسين طاهرة.
هذا ما ُيريده كيارستامي من السينما ،أن ُيخبرك أن الحياة فيض من تفاصيل شعرية أكثر أهمية وجمااًل بكثير من سجن الحبكة
التي يصطنعها المخرج بالممثلين والكاميرا ،لذا يمنح حكايته األخيرة في الثالثية لكومبارس في فيلمه وأبطال في الحياة ،ينتهي
الفيلم بحسين وهو يطارد طاهرة والكاميرا تبتعد ،ال ندري هل قبلت طاهرة ُح به وقلبه أم ال؟ فقد نراه يعود بحركات حماسية
سريعة وكل ما نأمله أن تكون طاهرة قد منحته قلبها.
ُيخبرنا كيارستمي:
من الُمالحظ بحزن أننا ال نستطيع النظر لجوهر ما تحمله الحياة أمامنا ،إال لو حبسناه في كادر لقطة.
ُيخبرنا كيارستامي بثالثية عن قرية منسية طواها زلزال مأساوي ،جوار سينماه يكتب كيارستامي الشعر ،وفي سينماه ُيحاول
التقاط هذا الشعر من ثنايا العالم اليومي وأحداثه ،مقدًما وعده عبر أشعاره وأفالمه أن الجمال حاضًر ا بصيغته الشعرية في صور
مثل الُح رية والُح ب والنجاة ،عليك فقط أن ُترهف حواسك لتراه:
ُظ
12/13
في الُظ لمة الكاملة
مازال الشعر هنا
مازال ينتظرك أنت
ألجل أن تراه
13/13