You are on page 1of 2

‫عّد أول من وضع علم النحو في اللغة العربية‪ ،‬وأول من ضبط قواعد النحو‪ ،‬وأول من نقط‬

‫المصاحف‪ ،‬عرف بمنهجه الخاص في نقط الحروف وله قصة في ذلك مع الخليفة علي بن‬
‫أبي طالب ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬كما نقلت روايات‪.‬‬
‫وهو أبو األسود ظالم بن عمرو بن سفيان الدؤلي الكناني‪ُ ،‬و لد قبل الهجرة النبوّي ة بـ‪16‬‬
‫سنة‪ ،‬وكان يعيش مع قومه جنوب مكة المكرمة‪ ،‬ولم يدخل المدينة إاّل بعد وفاة النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ ،‬لكنه نهل فيها من العلم الشرعي‪ ،‬فأخذ الحديث عن عدد من الصحابة‪ ،‬منهم‬
‫الخليفة عمر بن الخطاب‪ ،‬وقال أبو عمرو الداني "قرأ القرآن على عثمان وعلي"‪.‬‬

‫هاجر إلى البصرة بعد الفتح‪ ،‬وتولى هناك عددا من المناصب في خالفة عمر بن الخطاب‬
‫وعثمان بن عفان‪ .‬ولما قامت الفتنة‪ ،‬كان أبو األسود في شيعة علي بن أبي طالب‪ ،‬وقاتل‬
‫معه في موقعة الجمل وصّفين‪ ،‬وواّل ه علي قضاء البصرة‪.‬‬

‫طغت كنيته "أبو األسود" على اسمه فاشتهر بها‪ ،‬علما أنه لم يكن ذا بشرة سوداء‪ ،‬وليس‬
‫له ولد اسمه أسود‪ .‬ورضي أبو األسود لنفسه هذه الكنية ألن اسمه ‪-‬أي "ظالم"‪ -‬ثقيل على‬
‫السمع‪ ،‬ويتنافى مع مكانته االجتماعية‪ ،‬ومع كونه قاضيا يّت صف بالعدل‪.‬‬

‫‪ ،‬وقد كان مشهورا بالفصاحة‪ ،‬وقال عن نفسه "إّن ي ألجد لّلحن غمًز ا كغمز اللحم"؛ فكان‬
‫أّو ل من ضبط قواعد النحو‪ ،‬فوضع باب الفاعل‪ ،‬والمفعول به‪ ،‬والمضاف‪ ،‬وحروف النصب‬
‫والرفع والجّر والجزم‪ ،‬وكانت إسهاماته في تأسيس النحو األساس الذي تكَّو ن منه الحقا‬
‫المذهب البصري‪ .‬ونقل الواقدي أن علًّي ا ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬أمره بوضع شيء في النحو لّم ا‬
‫سمع اللحن‪ ،‬فأراه أبو األسود ما وضع‪ ،‬فقال علي "ما أحسن هذا النحو الذي نحوَت "‪ ،‬فمن‬
‫ثّم سّم ي النحو نحوا‪.‬‬

‫وفي رواية أخرى سمع أبو األسود رجاًل يقرأ من الكتاب ﴿َو َأَذ اٌن ِمَن ِهَّللا َو َر ُس وِلِه ِإَلى الَّن اِس‬
‫َيْو َم اْلَح ِّج اَأْلْك َب ِر َأَّن َهَّللا َب ِر يٌء ِمَن اْلُم ْش ِر ِكيَن َو َر ُس وُلُه …﴾ بكسر كلمة "َر ُس وُلُه " بداًل من‬
‫ضّم ها‪ ،‬وذلك يغير معنى اآلية‪ ،‬ويفيد بأّن هللا يبرأ من رسوله‪.‬‬
‫فانطلق أبو األسود لوقته إلى األمير يومئذ زياد بن أبيه‪ ،‬وقّص عليه ما سمع‪ ،‬وسأله أن‬
‫يدفع له كاتًب ا ليضع كتاًب ا في اللغة فأتى به‪ ،‬فقال له "إذا رأيَت ني قد فتحُت فمي بالحرف فانقْط‬
‫نقطة أعاله‪ ،‬وإذا رأيتني قد ضممُت فمي فانقط نقطة بين يَد ي الحرف‪ ،‬وإن كسرُت فانقط‬
‫نقطة تحت الحرف‪ ،‬فإذا أتبعُت شيًئ ا من ذلك ُغ ّن ة فاجعل مكانها نقطتين"‪ ،‬فكان هذا نهج أبي‬
‫األسود في تشكيل الحروف‪ ،‬لذا يعّد أّو ل من نقط المصاحف‪ ،‬وأخذ عنه هذا النحو عنبسة‬
‫الفيل‪.‬‬

‫وقد أخذ العديد من التالميذ بنهج أبي األسود‪ ،‬واستهدوا بما وضع‪ ،‬ومن بينهم عبد الّر حمن‬
‫بن هرمز األعرج وُيعّد أول ناقل لِعلم الّن حو إلى المدينة‪ ،‬وعطاء بن أبي األسود الذي قام‬
‫بتبسيط الّن حو‪ ،‬وتعيين أبوابه ومقاييسه‪ ،‬ويحيى بن يعَم ر الذي عّي ن األبواب الّن حوّي ة‪،‬‬
‫وغيرهم كثير‪.‬‬

‫وألبي األسود شعر جّي د‪ ،‬منه في الحكمة‪:‬‬

‫َن دٌم َو ِغ ٌّب َب عَد ذاَك َو خيُم‬ ‫فاتُر ك ُم حاَو رَة السفيِه َفِإَّن ها‬

‫َفِكالُك ما في َج ريِه َم ذموُم‬ ‫َو ِإذا َج ريَت َم ع السفيِه َك ما َج رى‬

‫وكان أبو األسود الدؤلي من سادات التابعين وأعيانهم وفقهائهم وشعرائهم ومحِّدثيهم‪،‬‬
‫أصيب في آخر حياته بمرض الفالج فسّب ب له العرج‪ ،‬وتوّف ي في البصرة في والية عبيد هللا‬
‫بن زياد سنة ‪ 69‬هـ في طاعون الجارف‪ ،‬وعمره ‪ 85‬سنة‪.‬‬

You might also like