You are on page 1of 4

‫اتخاذ القرار‬

‫المهمة الصعبة‬
‫ال شك أنه ال يتبين نجاح القائد أو فشله أو صالحية مدير ما أو عدم صالحيته إال عبر تخطيه ونجاحه في المرور بمقوديه أو‬
‫عامليه من مراحل األزمة إلى مراحل السواء ‪ ..‬والشك أن تعدي مرحلة األزمة يتوقف على نوعية القرار المتخذ في األزمة الذي‬
‫يصلح معه السير في األزمة ‪ ..‬لذلك كان اتخاذ القرار من أصعب المهمات التي تنتظر القائد أو المدير في أي عمل يقوم به ‪ ..‬بل‬
‫نستطيع بال أي مبالغة أن نقول أن القيادة هي ‪ ..‬صنع القرار ‪.‬‬
‫ما هو القرار ؟!‬
‫القرار في الحقيقة عبارة عن اختيار بين مجموعة بدائل مطروحة لحل مشكلة ما أو أزمة أو تسيير عمل معين ‪.‬‬
‫ولذلك فإننا في حياتنا العملية نكاد نتخذ يوميًا مجموعة من القرارات بعضها ننتبه وندرسه والبعض اآلخر يخرج عشوائيًا بغير‬
‫دراسة ‪.‬‬
‫القرار والعمل اإلسالمي ‪:‬‬
‫يحتاج العمل اإلسالمي دومًا إلى القائد البصير الذي يستطيع اتخاذ القرار الصائب في الوقت المناسب والذي يدرس مدى المصالح‬
‫والمفاسد المترتبة على قراره ‪.‬‬
‫والقرآن الكريم يبين لنا في غير ما موضع أن القائد ينبغي له أن يستأنس بذوي الخبرة ثم عليه أن يتخذ قراره متوكًال على اهلل‬
‫سبحانه وتعالى يقول سبحانه ‪" :‬فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في األمر فإذا عزمت فتوكل على اهلل إن اهلل يحب المتوكلين" ‪.‬‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم واتخاذ القرار ‪:‬‬
‫تتبين بعض مالمح اتخاذ النبي صلى اهلل عليه وسلم لقراره من خالل نصوص القرآن والحديث وبعض مواقف السيرة النبوية ومثال‬
‫ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬حرصه صلى اهلل عليه وسلم على الشورى واالستفادة بمشورة الناس وإ شعارهم أن القرار قرارهم ‪ ,‬قوله سبحانه "وشاورهم في‬
‫األمر فإذا عزمت ‪ " ..‬اآليات ‪.‬‬
‫‪ -2‬إتاحة الفرص إلبداء الرأي من كل من عنده رأي أو خبرة أو إفادة حتى بعد المشورة ويتبين ذلك في موقف الصحابي الذي سأل‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم "أمنزل أنزلكه اهلل أم هي الحرب والرأي والمكيدة ؟ فقال النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬بل هي الحرب والرأي‬
‫والمكيدة فأشار عليه الصحابي بموقف آخر ليكون مقرًا للجيش فاستمع النبي صلى اهلل عليه وسلم لكالمه ونزل عند رأيه ‪.‬‬
‫‪ -3‬محاولة تجديد القرار باالستفادة بالعلوم الجديدة واألفكار الطريفة ومثاله ما أقره رسول اهلل صلى عليه وسلم لسلمان الفارس‬
‫رضي اهلل عنه في حفر الخندق حول المدينة في غزوة األحزاب وكان أمرًا ال تفعله العرب في حروبها ولكنه كانت تفعله الروم وفارس‬
‫‪..‬‬
‫‪ -4‬الثبات على القرار وتحمل عواقبه وعدم التردد بعد اتخاذ القرار ‪ ..‬ويظهر ذلك في غزوة أحد بعد ما استشار النبي صلى اهلل‬
‫عليه وسلم الناس فأشار عليه بعضهم بالخروج وبعضهم بالبقاء في المدينة ‪ ..‬فاختار النبي صلى اهلل عليه وسلم الخروج فلما لبس النبي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم مالبس الحرب قال الشباب ‪ :‬كأننا أكرهنا رسول اهلل على الخروج فقال صلى اهلل عليه وسلم ‪ ":‬ما كان لنبي إذا‬
‫لبس ألمة الحرب أن يضعها حتى يحكم اهلل بينه وبين قومه" ‪.‬وهو ظاهر في قوله سبحانه‪" :‬فإذا عزمت فتوكل على اهلل ‪. "...‬‬
‫‪ -5‬دراسة الظروف البيئية واالجتماعية المتعلقة بالقرار ويظهر ذلك بوضوح في قوله صلى اهلل عليه وسلم لعائشة رضي اهلل عنها‬
‫فيما رواه البخاري "لوال أن قومك حديثو عهد بجاهلية لهدمت الكعبة وجلعت لها بابين" ‪.‬‬
‫فما منعه صلى اهلل عليه وسلم من اتخاذ ذلك القرار إال أن الناس حديثو عهد بجاهلية وأن اإليمان لم يتمكن من قلوبهم جميعًا فلذلك لم‬
‫يتخذ قراره بناًء على الحالة االجتماعية والظروف المحيطة ‪.‬‬
‫‪ -6‬مراعاة الحالة النفسية للناس والنتائج السلبية للقرار ومثال ذلك قراره صلى اهلل عليه وسلم بعدم قتل المنافقين فلما سئل في ذلك‬
‫قال صلى اهلل عليه وسلم ‪" :‬ال يتحدث الناس ان محمدًا يقتل أصحابه " ‪.‬‬
‫هل اتخاذ القرار خطوة أو عملية ؟‬
‫‪ -‬ال شك أن اتخاذ القرار عبارة عن مجموعة من الخطوات المتشابكة المتدرجة التي تصل إلى هدف معين وهو بذلك عملية تتخذ‬
‫للوصول لهدف ما ‪ ..‬والذين يتعاملون مع القرار كخطوة واحدة الشك يفقدون الصواب في قراراتهم المتخذة ألن اتخاذ القرار يحتاج إلى‬
‫خطوة أولى وهي الدراسة ثم خطوات متتابعة لالختيار بين البدائل ثم الوسائل للوصول للقرار السليم ‪.‬‬
‫وينبغي اتباع مجموعة خطوات قبل اتخاذ القرار ‪ ..‬فمنها ‪:‬‬
‫وضع مجموعة خيارات أمامنا قابلة للتطبيق كلها ‪.‬‬ ‫·‬
‫عدم االستعجال للوصول إلى النتائج ‪.‬‬ ‫·‬
‫يجب وضع أولويات لألهداف المرادة ‪.‬‬ ‫·‬
‫خطوات اتخاذ القرار ‪:‬‬
‫تمر عملية اتخاذ القرار بمجموعة خطوات خمس للوصول إلى القرار الصائب وهي ‪:‬‬
‫‪ -‬التقويم‬ ‫‪ -‬الدراسة ‪ -‬االستشارة ‪ -‬اإلعداد ‪ -‬التوضيح‬
‫ونحاول توضيح كل خطوة ووضع المحددات المطلوبة لها باختصار ‪-:‬‬
‫أوًال ‪ :‬الخطوة األولى ‪ :‬الدراسة ‪:‬‬
‫‪ -‬وتحتوي على ثالث مراحل هامة ‪-:‬‬
‫‪ -1‬تحديد المشكلة ‪ :‬بمعنى أن نتفهم حجم المشكلة ووصفها الدقيق ومدى تأثيرها ولماذا ظهرت وهل تم عالجها من قبل أم ال‬
‫وكذلك وكان حدوثها ومن هو المؤثر األول في حدوث المشكلة وكذلك الذين يستفيدون من حل المشكلة ‪.‬‬
‫‪ -2‬وضع البدائل ‪ :‬والمقصود بهذه الخطوة جمع مجموعة من البدائل لحل المشكلة بحيث تكون جميعها قابلة للتطبيق وينتبه في‬
‫هذه الخطوة من عدة أمور منها ‪:‬‬
‫يجب أن تعطي نفسك الوقت المناسب لوضع البدائل بغير استعجال ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ال تشعر بالهزيمة بسبب كثرة البدائل أو قلتها ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫اجعل اختيار البدائل ناتجًا عن دراسة متأنية ومعلومات أكيدة ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫حاول االبتكار في وضع الحلول والبدائل وال تكن أسير السابق ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -3‬االختيار ‪ :‬والمقصود بهذه الخطوة أن نحذف جميع البدائل غير المناسبة ونختار بديًال واحدًا قريبًا (أو بدلين إن تعذر) ‪.‬‬
‫ويكون االختيار على مجموعة أسس هي ‪-:‬‬
‫إمكانية التطبيق الواقعي ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مدى السلبيات المحتملة واإليجابيات المتوقعة من تطبيقه ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مدى اتساع عدد المستفيدين ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مدى التكلفة والتضحية ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬الخطوة الثانية ‪ :‬االستشارة ‪:‬‬
‫‪ -‬الشورى ومكانها في القرار اإلسالمي ‪:‬‬
‫ال شك أن اإلسالم أمر بهذه الشورى إذا يقول سبحانه‪" :‬وأمرهم شورى بينهم" ومعنى الشورى في القرار اإلسالمي هو تبادل‬
‫األفكار تجاه قرار معين ‪ ,‬وما يترتب على ذلك من طرح لآلراء ونقد آلراء اآلخرين بغية الوصول ألفضل القرارات ‪..‬‬
‫بل إن اإلسالم جعل لكل قائد مجموعة من الخبراء والحكماء والعلماء والقادة ليستشيرهم عند الرغبة في اتخاذ القرار وسماهم‬
‫الشرع اإلسالمي "أهل الحل والعقد" ‪.‬‬
‫‪ -‬هل الشورى ملزمة للقائد ؟!‬
‫اختلف العلماء المسلمون في هل الشورى ملزمة للقائد أو فقط موجهة له ومعلمة له واألقرب أن نقول ‪ :‬إن الرأي الناتج عن‬
‫الشورى هو رأى ملزم للقائد قليل الخبرة حديث القيادة ‪ ,‬وأنها موجهة ومعلمة للقائد الخبير الحكيم المشهود له بالحنكة والقدرة على‬
‫اتخاذ القرار ‪ ,‬وكل هذا إن لم يتضح للقائد بجالء ووضوح خطأ رأي الشورى وتكون لديه أسبابه الواضحة لذلك وإ ال فعندها فال يلزم‬
‫القائد برأي الشورى حتى لو كان قليل الخبرة ‪ ...‬بل عليه أن يوضح مخالفته ويبين األسس التي استند عليها في مخالفة المستشارين‬
‫وعندئذ له أن ينفذ قراره ‪.‬‬
‫سلبيات قد تحدث في خطوة االستشارة ينبغي الخروج منها مثل ‪-:‬‬
‫أن تكون االستشارة لمجرد المظهر وتفتقر للجديد وذلك كما يحصل في أعمال كثيرة عندما يقرر القائد قرارًا معينًا ثم يحاول إمراره من خالل‬
‫مستشاريه أو يعقد مؤتمرًا للشورى وال يأخذ بتوصياته ‪.‬‬
‫السماح لآلخرين باالستشارة ال يعني خروج القائد من مسئولية القرار ‪.‬‬
‫قد يفهم العاملون استشارتك لهم أنها ضعف منك على اتخاذ القرار ‪.‬‬
‫من تستشير ؟!!!‬
‫ينبغي عليك أن تختار بحيث يتصف باآلتي ‪:‬‬
‫العلم (سواء كان علمًا عامًا أو علما بموضوع المشكلة وبمجالها) ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الخبرة (وهي الخبرة في حل مثل هذه المشكالت) ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫السلطة في تدعيم القرار أو المشاركة في إعانته أو تطبيقه ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وعلى أي حال فإن تعيين فريق استشاري لكل قائد من عوامل نجاحه في اتخاذ قراره ‪.‬‬
‫ثالثًا ‪ :‬الخطوة الثالثة ‪ :‬اإلعداد ‪:‬‬
‫والمقصود بهذه الخطوة إدخال القرار حيز التنفيذ بعد دراسة المشكلة واختيار البدائل واستشارة المستشارين ‪.‬‬
‫وفي هذه الخطوة علينا االنتباه للمحددات اآلتية ‪:‬‬
‫‪ -1‬اترك جميع البدائل والحلول األخرى وضع كل اهتمامك في االختيار الذي اتخذته ‪.‬‬
‫‪ -2‬اترك التردد تمامًا في اتخاذ قرارك ألن التردد قرين الفشل ‪.‬‬
‫‪ -3‬دافع عن قرارك كما تدافع عن ولدك ‪.‬‬
‫‪ -4‬توقع األخطار التي يمكن أن تحدث من قرارك المتخذ ‪.‬‬
‫‪ -5‬ضع خطة واضحة ومحددة إلنجاز القرار ‪.‬‬
‫‪ -6‬ضع مواعيد معينة لتطبيقه ‪.‬‬
‫‪ -7‬حدد المسئولين الذين سيتولون تنفيذ ذلك القرار ‪.‬‬
‫‪ -8‬حاول التنسيق بين أقسام عملك لمواءمة تلقى القرار وتنفيذه ‪.‬‬
‫‪ -9‬رتب مجموعات العمل ‪.‬‬
‫‪ -10‬وضح لهم األهداف المرحلية والبعيدة وسمات كل منها ‪.‬‬
‫رابعًا ‪ :‬الخطوة الرابعة ‪ :‬التوضيح‬
‫والمقصود بهذه الخطوة توضيح القرار لجميع الناس أو العاملين في المؤسسة إذا كانت المؤسسة هي حيز العمل ‪ ,‬ذلك ألن هناك‬
‫كثيرا من القرارات تفشل تمامًا بسبب عدم تفهيم مرادها أو لمن سيقع عليهم القرار ‪ ,‬وقد يظهر التذمر والضيق لدى كثير منهم لعدم‬
‫استيضاح القرار ومراده وهو ما ال يحمد عقباه ‪ ,‬لذلك ننبه على مجموعة من االلتزامات ينبغي مراعاتها في هذه الخطوة وهي ‪- :‬‬
‫‪ -1‬ال يستطيع شرح قرارك مثلك فأنت أول المسئولين عنه ‪.‬‬
‫‪ -2‬ينبغي عليك اختيار مجموعة من المساعدين لمشاركتك توضيح القرار ‪.‬‬
‫‪ -3‬أعط فرصة للسؤال والجواب من الجميع ‪.‬‬
‫‪ -4‬حاول البحث عن المجموعة الراعية لقرارك وحاول اكتسابها لصفك ‪.‬‬
‫‪ -5‬روج لقرارك عن طريق إظهار إيجابياته ‪.‬‬
‫‪ -6‬وضح للناس لماذا اخترت هذا القرار ولم تختر غيره ‪.‬‬
‫‪ -7‬حدد الفوائد المرجوة بعبارات قوية وواضحة ‪.‬‬
‫خامسًا ‪ :‬الخطوة الخامسة ‪ :‬التقويم ‪:‬‬
‫والمقصود من هذه الخطوة مراقبة األداء ومتابعته والوقوف على السلبيات وعالجها أو التوجيه إلى عالجها ‪.‬‬
‫وعملية التقويم عملية ضرورية إلنجاح القرار المتخذ ذلك أن المطلوب من القائد بعد اتخاذ قراره ليس فقط التفتيش على األفراد في‬
‫تطبيقه بل المعايشة واالنصهار مع المجموع في تطبيق ذلك القرار ‪.‬‬
‫وصدق من قال ‪" :‬إذا لم تكن تعرف إلى أين تسير ‪ ,‬فإنك ربما تنتهي إلى مكان آخر " ‪ .‬وعليك دومًا أن تسأل نفسك سؤالين‬
‫أساسيين ‪:‬‬
‫ماذا أحاول أن أحقق ؟‬ ‫‪-‬‬
‫كيف سأعرف بأنني حققت ذلك ؟‬ ‫‪-‬‬
‫وألجل ذلك حاول تنفيذ ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬ضع مجموعة مؤشرات أساسية وواضحة لتحقيق هدفك ‪.‬‬
‫‪ -2‬وصف هذه المؤشرات وبينها بوضوح ‪.‬‬
‫‪ -3‬حدد الطريقة في التدرج األدائي المطلوبة للوصول لقمة األداء ‪.‬‬
‫‪ -4‬حدد مدى األخطاء المقبولة إذا حدثت كما تحدد الغير مقبول منها ‪.‬‬
‫‪ -5‬حفز فريق العمل لتحقيق التفوق واإلنجاز ‪.‬‬
‫‪ -6‬اعتمد طريقة التقارير الدورية من المسئولين عن العمل وحاول تطبيق نتائجها عن طريق التفقد الواقعي ‪.‬‬
‫‪ -7‬ضع خطة لتطوير اآلداء الموجود تتالفى فيها األخطاء التي قد ظهرت وتنهي بها القصور الموجود ‪.‬‬
‫خاتمة ‪:‬‬
‫إن القيادة هي القرار – كما سبق أن أوضحنا – وبالحق فإن األمة اإلسالمية تمر بحالة تحتاج فيها أشد ما تحتاج إلى نوعية من‬
‫القرارات الجريئة الناجحة من خالل قادة ربانيين مخلصين يطبقون أوامر اهلل سبحانه وال يعصونه وينصرونه ويتوكلون عليه امتثاًال‬
‫لقوله عز وجل ‪" ..‬فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في األمر فإذا عزمت فتوكل على اهلل إن اهلل يحب المتوكلين إن ينصركم اهلل فال‬
‫غالب لكم وإ ن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى اهلل فليتوكل المؤمنون" ‪ ..‬آل عمران ‪.‬‬

You might also like