You are on page 1of 15

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫اإلسراء واملعراج‬
‫ُس ْب َح اَن اَّل ي َأ ْس َر ى َعْب َل ْي اًل َن اَمْلْس اْل َح َر ا َل ى اَمْلْس اَأْل ْق َص ى اَّل ي َب اَر ْك َن ا َح ْو َل ُه ُن َي ُه ْن‬
‫ِل ِر ِم‬ ‫ِذ‬ ‫ِج ِد‬ ‫ِم ِإ‬ ‫ِج ِد‬ ‫ِم‬ ‫ِب ِد ِه‬ ‫ِذ‬
‫آَي ا َن ا َّنُه ُه َو الَّس يُع اْل َب يُر (‪َ )1‬و آَت ْي َن ا ُم وَس ى اْل َت اَب َو َج َع ْل َن اُه ُه ًد ى َب ي ْس َر ا يَل َأ اَّل َت َّت ُذ وا ْن‬
‫ِخ ِم‬ ‫ِل ِن ِإ ِئ‬ ‫ِك‬ ‫ِص‬ ‫ِم‬ ‫ِت ِإ‬
‫َب‬ ‫َل‬ ‫َن‬ ‫ْي‬ ‫َض‬ ‫َق‬ ‫ُك‬
‫ا ْب ا وًر ا (‪َ )3‬و‬ ‫َش‬ ‫ًد‬ ‫َع‬ ‫َن‬ ‫َك‬ ‫َّنُه‬ ‫ُن‬ ‫َن‬ ‫ْل‬ ‫َح‬ ‫ْن‬
‫ُد و ي َو ي (‪َّ )2‬ي َم َم َم َع‬ ‫َة‬ ‫ُذ‬ ‫اًل‬
‫ا ِإ ى ِن ي ِإ ْس َر اِئ يَل ِف ي‬ ‫ا وٍح ِإ‬ ‫ِّر‬ ‫ِن ِك‬
‫ًد‬ ‫ُك‬ ‫َل‬ ‫َع‬ ‫َن‬ ‫ْث‬ ‫َع‬ ‫َب‬ ‫ُه‬ ‫اَل‬ ‫ُأ‬ ‫ُد‬ ‫ْع‬ ‫َج‬ ‫َذ‬ ‫َف‬ ‫َك‬ ‫ُل‬ ‫ُع‬ ‫َّن‬ ‫ُل‬ ‫ْع‬ ‫َت‬ ‫َل‬ ‫ْي‬ ‫َت‬ ‫َأْل‬ ‫َّن‬ ‫ُد‬ ‫ُتْف‬ ‫َل‬ ‫ْل َت‬
‫ًّو ا ِب يًر ا (‪ِ )4‬إ ا اَء َو و َم ا ا ْي ْم ِع َب ا ا‬ ‫ي ا ْر َم َّر َو‬
‫ِن‬ ‫ِض‬ ‫ا ِك اِب ِس ِف‬
‫َل َن ا ُأ و ي َب ْأ َش يٍد َف َج اُس وا اَل َل ال َي ا َو َك اَن َو ْع ًد ا َم ْف ُع واًل (‪ُ )5‬ث َّم َر َد ْد َن ا َل ُك ُم اْلَك َّر َة َع َل ْي ْم‬
‫ِه‬ ‫ِّد ِر‬ ‫ِخ‬ ‫ِل ٍس ِد‬
‫ْن َأ ْح َس ْن ُت ْم َأ ْح َس ْن ُت ْم َأِلْنُف ُك ْم َو ْن َأ َس ْأ ُت ْم َف َهَل‬ ‫ًر‬ ‫َن‬ ‫َر‬ ‫َث‬ ‫ْك‬ ‫َأ‬ ‫َو َأ ْم َد ْد َن اُك ْم َأ ْم َو ا َو َب ي َو َع ا ْم‬
‫ُك‬ ‫َن‬ ‫ْل‬ ‫َج‬ ‫َن‬
‫ا‬ ‫ِإ‬ ‫ِس‬ ‫ِإ‬ ‫)‬ ‫‪6‬‬ ‫(‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ِف‬ ‫ِب ٍل ِن‬
‫َف َذ َج َء َو ْع ُد آْل َر َي ُس ُء ُو ُج َه ُك ْم َو َي ْد ُخ ُل َمْلْس َد َك َم َد َخ ُل ُه َأ َّو َل َم َّر َو ُي َت ُر َم َع ْوَل‬
‫ٍة ِل ِّب وا ا ا‬ ‫ا و‬ ‫وا ا ِج‬ ‫ِل‬ ‫ا ِخ ِة ِل و وا و‬ ‫ِإ ا ا‬
‫ْل َن َّن ْلَك‬ ‫َن‬ ‫ُك ْن ُت‬ ‫َأ‬
‫ُك ْن‬ ‫َتْت‬
‫ِب يًر ا (‪َ )7‬ع َس ى َر ُّب ْم َي ْر َح َم ْم َو ِإ ُع ْد ْم ُع ْد ا َو َج َع ا َج َه َم ِل اِف ِر يَن َح ِص يًر ا (‪)8‬‬
‫معاني املفردات‪:‬‬
‫َن‬
‫ُس ْب حا ‪ :‬اسم علم بمعنى التسبيح‪ .‬التنزيه عن كل صفات العجز والنقص‪ ،‬مما ال يليق بجالل هللا‬
‫وكماله‪.‬‬
‫َأ‬
‫ْس رى وسرى‪ :‬سار بالليل خاصة‪ ،‬وكان ذلك قبل الهجرة بسنة‪،‬‬

‫والعبد‪ :‬يشمل الروح والجسد معا‪ ،‬وقد وصفه هللا هنا بالعبودية ألنه أشرف املقامات‪،‬‬
‫ْل‬ ‫َمْل‬
‫ِم َن ا ْس ِج ِد ا َح راِم أي مسجد مكة بعينه ملا روي أنه عليه الصالة والسالم قال‪« :‬بينا أنا في‬
‫املسجد الحرام في الحجر عند البيت بين النائم واليقظان‪ ،‬إذ أتاني جبريل بالبراق»‪.‬‬

‫ووصف مسجد مكة بالحرام‪ ،‬ألنه ال يحل انتهاكه بقتال فيه‪ ،‬وال بصيد صيده‪ ،‬وال بقطع شجره‪.‬‬
‫ّل‬
‫أو املراد به الحرم املكي كله أي مكة‪ ،‬وسماه املسجد الحرام ألن كله مسجد‪ ،‬ملا روي أنه ص ى هللا‬
‫عليه وسلم كان نائما في بيت أم هانئ‪ ،‬بعد صالة العشاء‪ ،‬فأسري به ورجع من ليلته‪،‬‬
‫َأْل ْق‬ ‫َمْل‬
‫ا ْس ِج ِد ا َص ى بيت املقدس‪ ،‬ووصف باألقصى‪ ،‬لبعده بالنظر ملن هو في الحجاز‬
‫َل‬ ‫ْك‬ ‫َّل‬
‫ا ِذ ي باَر نا َح ْو ُه ببركات الدين والدنيا ألنه مهبط الوحي‪ ،‬ومتعبد األنبياء من لدن موسى عليه‬
‫السالم‪ ،‬ومحفوف باألنهار واألشجار والثمار‪.‬‬
‫ُن‬
‫ِل ِر َي ُه ِم ْن آياِت نا عجائب قدرتنا‪ ،‬كذهابه في برهة من الليل‪ ،‬مسيرة شهر‪ ،‬ومشاهدته بيت املقدس‪،‬‬
‫وتمثل األنبياء عليهم السالم له‪ ،‬ووقوفه على مقاماتهم وأماكنهم‪.‬‬
‫اًل‬ ‫َأ اَّل َت َّت ُذ‬
‫ِخ وا من دوني َو ِك ي ربا أو كفيال يفوضون إليه أمرهم‪ ،‬دون غيره‪.‬‬
‫ًا َش ُك ًا‬ ‫َن‬
‫ِإ َّنُه كا َع ْب د ور كثير الشكر‪ ،‬يحمد هللا تعالى في جميع أحواله‪.‬‬
‫َق َض‬
‫َو ْي نا أعلمناهم وأخبرناهم بذلك من طريق الوحي‪.‬‬
‫ْل‬
‫ِف ي ا ِك تاِب التوراة‪.‬‬
‫ّش‬ ‫َأْل‬ ‫َل ُتْف‬
‫ِس ُد َّن ِف ي ا ْر ِض أرض ال ام باملعاصي‪،‬‬
‫ّن‬ ‫َل َت ُل ُل َك ًا‬
‫َو ْع َّن ُع ًّو ا ِب ير لتستكبر عن طاعة هللا تعالى‪ ،‬وتبغون بغيا عظيما‪ ،‬وتظلمون الناس‪.‬‬
‫ُأ‬ ‫َف‬
‫ِإ ذا جاَء َو ْع ُد والُه ما أولى مّر تي الفساد‪ ،‬ووعد عقاب أوالهما‪.‬‬
‫ُأ ْأ َش‬
‫وِل ي َب ٍس ِد يٍد أصحاب قوة في الحرب والبطش‪ ،‬وهم بختنّص ر وجنوده‪ ،‬وقيل غيره‪ 588( .‬ق م)‬
‫َف‬
‫جاُس وا خالل الديار‪ :‬وأصل الجوس‪ :‬طلب الشيء باستقصاء واهتمام لتنفيذ ما من أجله كان‬
‫الطلب‪ .‬أي وفتشوا عنكم بين املساكن والديار‪ ،‬لقتل من بقي منكم على قيد الحياة‪.‬‬
‫َل‬ ‫ْلَك َة‬
‫ا َّر الّد ولة والغلبة‪َ .‬ع ْي ِه ْم بعد مائة سنة‪.‬‬
‫ًا‬ ‫ًة‬ ‫َن ًا‬
‫أكثر ِف ير عشير وأوالد ‪.‬‬
‫ْن َأ ْن ُت‬
‫ِإ ْح َس ْم بالطاعة‪.‬‬
‫َأ ْن ُت َأِلْنُف ُك‬
‫ْح َس ْم ِس ْم ألن ثوابه لها‪.‬‬
‫َف َل‬ ‫ْن َأ ْأ ُت‬
‫َو ِإ َس ْم بالفساد‪ .‬ها إساءتكم‪ ،‬ووبالها عليها‪.‬‬
‫آْل‬ ‫َف‬
‫ِإ ذا جاَء َو ْع ُد ا ِخ َر ِة أي جاء وعد املرة اآلخرة‪.‬‬
‫ُك‬ ‫ُؤ‬
‫ِل َي ُس و ا ُو ُج وَه ْم أي بعثناهم ليسوؤا وجوهكم‪ ،‬بأن يحزنوكم بالقتل والّس بي حزنا يظهر في‬
‫وجوهكم‪.‬‬
‫ُخ ُل َمْل‬
‫َو ِل َي ْد وا ا ْس ِج َد بيت املقدس فيخربوه‪،‬‬
‫َك َخ ُل َأ‬
‫ما َد وُه َّو َل َم َّر ٍة كما خربوه أول مرة‪.‬‬
‫َل‬ ‫َت‬
‫َو ِل ُي ِّب ُر وا يهلكوا‪ .‬ما َع ْو ا ما غلبوا عليه أو استولوا عليه من بالدكم‪،‬‬
‫َتْت ًا‬
‫ِب ير هالكا‪ ،‬إذ التتبير معناه اإلهالك والتدمير والتخريب لكل ما تقع عليه‪.‬‬
‫ّل‬
‫وذلك ‪-‬كما قال الزحيلي في املنير‪ -‬بأن س ط هللا عليهم الفرس‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬فغزاهم ملك بابل من‬
‫ملوك الطوائف‪ ،‬اسمه‪ :‬جوذرز أو خردوس‪ ،‬وقتل منهم ألوفا‪ ،‬وسبى ذرّي تهم‪ ،‬وخّر ب بيت املقدس‪.‬‬
‫ْن ُت‬
‫َو ِإ ُع ْد ْم إلى الفساد‪ُ .‬ع ْد نا إلى العقوبة‪،‬‬
‫ًا‬
‫َح ِص ير محبسا وسجنا‪ ،‬ال يقدرون على الخروج منها أبدا‪ ،‬وقيل‪ :‬بساطا‪ ،‬كما يبسط الحصير‪.‬‬

‫وقال الطنطاوي‪« :‬حصيرا» أى‪ :‬سجنا حاصرا لكم ال تستطيعون الهروب منه‪ ،‬أو الفكاك عنه‪ ،‬أو‬
‫َّظ َن‬ ‫َن‬ ‫َك‬ ‫َغ‬ ‫َف‬ ‫َّن‬ ‫َل‬
‫فراشا تفترشونه‪ ،‬كما قال‪ -‬تعالى‪ُ :-‬ه ْم ِم ْن َج َه َم ِم هاٌد َو ِم ْن ْو ِق ِه ْم واٍش ‪َ .‬و ذِل َك ْج ِزي ال اِمِل ي ‪.‬‬

‫حكمة اإلسراء إلى بيت املقدس‪:‬‬


‫وحكمة اإلسراء لبيت املقدس‪ :‬أنه مجمع أرواح األنبياء‪ ،‬وموطن نزول الوحي على الرسل واألنبياء‪،‬‬
‫ّل‬
‫فشرفه هللا بزيارته‪ ،‬وصلى باألنبياء إماما‪ِ .‬ب َعْب ِد ِه محمد ص ى هللا عليه وسلم‪،‬‬

‫َت َل َت ُل ُل َك‬ ‫َأْل‬ ‫ْل َت َل ُتْف‬ ‫َق َض َن َل‬


‫َو ْي ا ِإ ى َب ِن ي ِإ ْس َر اِئ يَل ِف ي ا ِك اِب ِس ُد َّن ِف ي ا ْر ِض َم َّر ْي ِن َو ْع َّن ُع ًّو ا ِب يًر ا‬

‫في التفسير املنير‪:‬‬


‫َت‬ ‫ّش‬ ‫َأْل‬ ‫َل ُتْف‬
‫ِس ُد َّن ِف ي ا ْر ِض أرض ال ام باملعاصي‪ ،‬وهو جواب قسم محذوف‪َ .‬م َّر ْي ِن من اإلفساد‪ ،‬أوالهما‪-‬‬
‫مخالفة أحكام التوراة وقتل أشعيا‪ ،‬وثانيتهما‪ -‬قتل زكريا ويحيى وقصد قتل عيسى‪.‬‬
‫ّن‬ ‫َل َت ُل ُل َك ًا‬
‫َو ْع َّن ُع ًّو ا ِب ير لتستكبر عن طاعة هللا تعالى‪ ،‬وتبغون بغيا عظيما‪ ،‬وتظلمون الناس‪.‬‬
‫ًا َل ُأ َب ْأ‬ ‫َف ذا جاَء َو ْع ُد ُأ والُه ما أولى مّر تي الفساد‪ ،‬ووعد عقاب أوالهما‪َ .‬ب َع ْث نا َع َل ْي ُك ْم‬
‫ِل ٍس‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫باد‬ ‫ِع‬ ‫ِإ‬
‫َش‬
‫ِد يٍد أصحاب قوة في الحرب والبطش‪ ،‬وهم بختنّص ر وجنوده‪،‬‬

‫وقيل‪ :‬جالوت الخزري‪،‬‬

‫وقيل‪ :‬سنحاريب ملك بابل وجنوده‪.‬‬


‫َف‬
‫جاُس وا ِخ الَل الِّد ياِر ترّد دوا وسط دياركم لطلبكم وقتلكم وسببكم‪ ،‬فقتلوا الكبار‪ ،‬وسبوا‬
‫الصغار‪ ،‬وأحرقوا التوراة‪ ،‬وخّر بوا املسجد األقصى وبيت املقدس‪.‬‬
‫ًا ْف اًل‬ ‫َن‬
‫َو كا َو ْع د َم ُع و وكان وعد عقابكم نافذا‪ ،‬ال بّد منه‪.‬‬

‫ثم رددنا لكم الكّر ة عليهم‪ :‬واملراد بالكرة هنا‪ :‬الدولة والغلبة على سبيل املجاز‪.‬‬

‫أى‪ :‬ثم أعدنا لكم‪ -‬يا بنى إسرائيل‪ -‬الدولة والغلبة على أعدائكم الذين قهروكم وأذلوكم‪ ،‬بعد أن‬
‫أحسنتم العمل‪ ،‬ورجعتم إلى هللا‪ -‬تعالى‪ -‬واتبعتم ما جاءكم به رسلكم‪.‬‬

‫وُي روى أن ملك الفرس "قورش" ساعدهم وغلب على بختنصر‪ ،‬فأرجع بني إسرائيل إلى بالدهم في‬
‫سنة ‪538‬ق م‪ ،‬حوالي ‪ 50‬سنة بعد النكبة األولى ببختنصر‪.‬‬

‫والخالصة‪ :‬إن بختنّص ر هو الذي أغار على بني إسرائيل أوال فخّر ب بيت املقدس‪ ،‬وكان ذلك في زمن‬
‫إرميا عليه الّس الم‪ ،‬وهذا موافق لتأريخ اليهود‪،‬‬
‫أما في املرة الثانية فإن املغير هو بيردوس ملك بابل‪ ،‬كما ذكر البيضاوي‪ ،‬وهو أسبيانوس‪ ،‬قيصر‬
‫الروم كما ذكر اليهود في تاريخهم‪ ،‬وكان بين اإلغارتين نحو من خمس مائة سنة‪.‬‬

‫ويبدو أن الثاني هو تيطس ملك الروم املسيحي أغار عليهم ‪70‬م‪ ،‬وقتلهم تقتيال حوالي ‪ 1‬مليون‪،‬‬
‫وعدد األسرى حوالي ‪ 100‬ألف اسير‪ ،‬ثم شّر دوهم تشريدا‪ ،‬فلم يمكن لليهود أن يبقوا في تلك‬
‫البلدة وتفّر قوا في البالد املختلفة‪.‬‬

‫سبب نزول آية اإلسراء‪:‬‬


‫ّل‬
‫ذكر رسول هللا ص ى هللا عليه وسلم لقريش اإلسراء به وتكذيبهم له‪ ،‬فأنزل هللا ذلك تصديقا له‪.‬‬
‫ّل‬
‫فبعد أن عاد النبي ص ى هللا عليه وسلم من اإلسراء واملعراج‪ ،‬خرج إلى املسجد الحرام‪ ،‬وأخبر به‬
‫قريشا‪ ،‬فتعجبوا منه الستحالة ذلك في نظرهم‪ ،‬وارتد ناس ممن آمن به‪ ،‬وسعى رجال إلى أبي بكر‬
‫رضي هللا تعالى عنه‪ ،‬فقال‪ :‬إن كان قال‪ ،‬لقد صدق‪ ،‬فقالوا‪ :‬تصدقه على ذلك؟ قال‪ :‬إني ألصدقه‬
‫ّل‬
‫على أبعد من ذلك‪ ،‬فسمي «الصديق» ‪ .‬وطلب منه طائفة سافروا إلى بيت املقدس‪ ،‬فج ي له‪،‬‬
‫فطفق ينظر إليه‪ ،‬وينعته لهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬أما النعت فقد أصاب‪ ،‬فقالوا‪ :‬أخبرنا عن عيرنا‪ ،‬فأخبرهم‬
‫بعدد جمالها وأحوالها‪ ،‬وقال‪ :‬تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس‪ ،‬يقدمها جمل‪ ،‬فخرجوا ينشدون‬
‫العير إلى الثنية‪ ،‬فصادفوا العير‪ ،‬كما أخبر‪ ،‬ثم لم يؤمنوا‪ ،‬وقالوا‪ :‬ما هذا إال سحر مبين‪.‬‬

‫متى وقع اإلسراء‪:‬‬

‫واملسافة من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة بحسب وسائط النقل القديمة‪،‬‬

‫وذلك قبل الهجرة بسنة‪ ،‬كما قال مقاتل‪ ،‬وهو قول الزهري وعروة‪،‬‬ ‫‪.1‬‬

‫وبه جزم النووي‪ ،‬وبالغ ابن حزم فنقل اإلجماع فيه‪ .‬وقال‪ :‬كان في رجب سنة اثنتي عشرة من‬
‫النبوة‪.‬‬

‫وأورد الحافظ عبد الغني بن سرور املقدسي في سيرته حديثا ال يصح سنده أن اإلسراء كان‬ ‫‪.2‬‬
‫ليلة السابع والعشرين من رجب (البداية والنهاية البن كثير‪. )109 -108 /3 :‬‬
‫وذكر الحربي‪ :‬أنه أسري به ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع اآلخرة قبل الهجرة بسنة‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫وروى ابن سعد في طبقاته أن اإلسراء كان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫وقال السيد طنطاوي‪ :‬والذي تطمئن إليه النفس أن حادث اإلسراء واملعراج‪ ،‬كان بعد وفاة‬ ‫‪.5‬‬
‫أبى طالب والسيدة خديجة‪ -‬رضى هللا عنها‪.-‬‬

‫ووفاتهما كانت قبل الهجرة بسنتين أو ثالثة‪ .‬وفي هذه الفترة التي أعقبت وفاتهما اشتد أذى‬
‫ّل‬ ‫ّل‬
‫املشركين بالنبي ص ى هللا عليه وسلم فكان هذا الحادث لتسليته ص ى هللا عليه وسلم عما‬
‫أصابه منهم‪ ،‬ولتشريفه وتكريمه‪.‬‬

‫من أي مكان كان اإلسراء قد بدأ؟ (التفسير الوسيط)‬

‫وظاهر اآلية يفيد أن اإلسراء كان من املسجد الحرام‪ ،‬فقد أخرج الشيخان والترمذي والنسائي من‬
‫ّل‬
‫حديث أنس بن مالك‪ -‬رضى هللا عنه‪ -‬أن رسول هللا ص ى هللا عليه وسلم قال‪« :‬بينا أنا في الحجر‪-‬‬
‫وفي رواية‪ -‬في الحطيم‪ ،‬بين النائم واليقظان‪ ،‬إذ أتانى آت فشق ما بين هذه إلى هذه‪ ،‬فاستخرج‬
‫قلبي فغسله ثم أعيد‪ ،‬ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض يقال له البراق فحملت‬
‫عليه» ‪...‬‬

‫وقيل أسرى به من بيت أم هانئ بنت أبى طالب‪ ،‬فيكون املراد باملسجد الحرام‪ :‬الحرم إلحاطته‬
‫باملسجد والتباسه به‪ .‬فعن ابن عباس‪ -‬رضى هللا عنهما‪ :-‬الحرم كله مسجد‪.‬‬
‫ّل‬
‫ويمكن الجمع بين هذه الروايات‪ ،‬بأن الرسول ص ى هللا عليه وسلم بقي في بيت أم هانئ لفترة من‬
‫الليل‪ ،‬ثم ترك فراشه عندها وذهب إلى املسجد‪ ،‬فلما كان في الحجر أو في الحطيم بين النائم‬
‫واليقظان‪ ،‬أسرى به من املسجد الحرام إلى املسجد األقصى‪ ،‬ثم عرج به إلى السموات العال‪ .‬ثم‬
‫عاد إلى فراشه قبل أن يبرد‪ -‬كما جاء في بعض الروايات‪.‬‬
‫ّل‬
‫وبذلك يترجح لدينا أن وجود الرسول ص ى هللا عليه وسلم في تلك الليلة في بيت أم هانئ‪ ،‬ال ينفى‬
‫أن اإلسراء بدأ من املسجد الحرام‪ ،‬كما تقرر اآلية الكريمة‪.‬‬
‫ُن‬
‫وقوله‪ -‬سبحانه‪ِ :-‬ل ِر َي ُه ِم ْن آياِت نا‬

‫أى‪ :‬أسرينا بعبدنا محمد ليال من املسجد الحرام إلى املسجد األقصى الذي باركنا حوله‪ ،‬ثم عرجنا‬
‫به إلى السموات العال‪ ،‬لنطلعه على آياتنا‪ ،‬وعلى عجائب قدرتنا‪ ،‬والتي من بينها‪:‬‬

‫مشاهدته ألنبيائنا الكرام‪ ،‬ورؤيته ملا نريد أن يراه من عجائب وغرائب هذا الكون‪.‬‬
‫ّل‬
‫ولقد وردت أحاديث متعددة في بيان ما أراه هللا‪ -‬تعالى‪ -‬لنبيه ص ى هللا عليه وسلم في تلك الليلة‬
‫املباركة‪،‬‬
‫ّل‬
‫ومن ذلك ما رواه البخاري عن أنس بن مالك أن رسول هللا ص ى هللا عليه وسلم قال‪... :‬‬

‫ووجدت في السماء الدنيا آدم فقال لي جبريل‪ :‬هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه ورد على‬
‫آدم السالم فقال‪ :‬مرحبا وأهال بابني‪ ،‬فنعم االبن أنت ‪...‬‬
‫ّل‬
‫وفي رواية لإلمام أحمد عن أنس قال‪ :‬قال رسول هللا ص ى هللا عليه وسلم‪« :‬ملا عرج بي ربي‪ -‬عز‬
‫وجل‪ -‬مررت بقوم لهم أظفار من نحاس‪ ،‬يخمشون وجوههم وصدورهم‪ ،‬فقلت‪ :‬من هؤالء يا‬
‫جبريل؟ قال‪ :‬هؤالء الذين يأكلون لحوم الناس‪ ،‬ويقعون في أعراضهم‪..‬‬

‫(نحاس‪ ،copper :‬يخمشون‪ :‬يخدشون‪ ،‬يجرحون‪.)scratch ،‬‬

‫اإلضافيات من اإلنترنت‪:‬‬

‫هل اإلسراء واملعراج بالروح أم بالجسد؟‬

‫يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى األسبق باألزهر‪:‬‬

‫اختلف العلماء في اإلسراء واملعراج ‪ :‬هل كان بروح النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬وجسده أو كان‬
‫بروحه فقط؟‬
‫ًا‬
‫والصحيح أنه كان بالروح والجسد مع ‪ ،‬كما ذهب إليه جمهور العلماء من املحدثين والفقهاء‬
‫واملتكلمين وذلك ملا يأتي ‪:‬‬

‫‪ – 1‬أن هللا ‪-‬تعالى‪ -‬قال‪ { :‬أسرى بعبده } ولفظ العبد ال يطلق في اللغة على الروح فقط‪ ،‬بل على‬
‫اإلنسان كله‪ :‬روحه وجسده‪ ،‬كما جاء ذلك في مواضع كثيرة من القرآن الكريم مثل قوله تعالى‬
‫{ أرأيت الذي ينهى عبًد ا إذا صلى } [ العلق‪ ] 10 ، 9 :‬وقوله { وأنه ملا قام عبد هللا يدعوه }‬
‫[ الجن‪. ] 19 :‬‬
‫ًق‬
‫‪ – 2‬أن اإلسراء بالروح فقط ليس أمًر ا خار ا للعادة‪ ،‬بل هو أمر عادي يحصل للناس في فترة‬
‫النوم حيث تكون للروح جوالت بعيدة في الكرة األرضية تقضيها بوسائل غير عادية في مدة ال‬
‫تحسب بالزمن العادي لحركة الجسم‪ ،‬ولو كان كذلك فال داعي ألن يجعله هللا تكريًم ا للنبي –صلى‬
‫هللا عليه وسلم– ويصّد ر الخبر بقوله { سبحان } وما فيه من معنى العظمة والجالل الذي يقرن‬
‫دائًم ا بكل أمر عظيم ‪.‬‬

‫‪ – 3‬أن هللا ‪-‬تعالى‪ -‬قال { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إال فتنة للناس } [ اإلسراء‪ ] 60 :‬أي‬
‫ًا‬ ‫ًن‬
‫امتحا ا واختباًر ا لهم كيف يصدقونها‪ ،‬وذلك ال يكون إال إذا تمت الرحلة بالجسد والروح مع ‪،‬‬
‫فليس في إسراء الروح فقط فتنة وال غرابة‪ ،‬ولذلك حين سمع املشركون خبرها كذبوا أن تتم في‬
‫ليلة مع أنهم يقطعون هذه املسافة على ظهور اإلبل في أيام عدة‪.‬‬

‫‪ – 4‬أن اإلسراء بالروح والجسد مًع ا هو فعل هللا – سبحانه – وليس فعل سيدنا محمد – صلى‬
‫هللا عليه وسلم – والعقل ال يحيل ذلك على قدرة هللا‪ ،‬فهو على كل شيء قدير‪ ،‬وليس هناك ما‬
‫يمنع قبول الخبر املوثوق به في حصوله بالروح والجسد مًع ا‪.‬‬

‫هل اإلسراء رؤيا منامية؟‬

‫هذا ومن قال‪ :‬إن هذه الرحلة كانت بالروح فقط – استند إلى قوله تعالى { وما جعلنا الرؤيا التي‬
‫ْل‬
‫أريناك إال فتنة للناس } [ اإلسراء‪ ] 60 :‬حيث قال ‪ :‬إن الرؤيا مصدر “رأى” الُح مية ال البصرية‪،‬‬
‫فإن مصدر ” رأي ” البصرية هو رؤية‪.‬‬
‫ُق‬ ‫ُق‬
‫لكن أجيب على ذلك بأن الرؤيا والرؤية مصدران لرأى البصرية مثل‪ْ :‬ر بى و ْر بة‪،‬‬

‫وقال ابن عباس في تفسير اآلية ‪ :‬إنها رؤية عين‪ ،‬كما رواه البخاري ‪.‬‬
‫ُف‬
‫كما استدل القائل بأن اإلسراء كان بالروح فقط بقول عائشة رضي هللا عنها‪ :‬ما قد جسده‬
‫الشريف ‪ ،‬لكن رد هذا بما يأتي ‪:‬‬
‫ًت‬
‫‪ – 1‬أن هذا الحديث ليس ثاب ا عنها؛ ألن سنده فيه انقطاع وراٍو مجهول‪،‬‬

‫وقال ابن دحية‪ :‬إنه موضوع‪.‬‬


‫ُت‬
‫‪ – 2‬أنها لم حّد ث به عن مشاهدة‪ ،‬بل عن سماع؛ ألنها لم تكن قد تزوجته إذ ذاك‪،‬‬

‫‪ – 3‬أنها كانت تقول‪ :‬إن النبي – صلى هللا عليه وسلم – لم ير ربه رؤية عين؛ وذلك العتقادها أن‬
‫اإلسراء واملعراج كان بالروح والجسد مًع ا‪ ،‬ولو كان ذلك مناًم ا أي بالروح فقط لم تنكره‪،‬‬

‫واملهم أن اإلسراء قد تم‪ ،‬وقد أخبر هللا عنه في القرآن الكريم‪ ،‬وهذا هو القدر الواجب اعتقاده‪،‬‬
‫أما أن يكون على كيفية كذا أو كذا فذلك ما ال يتحتم اعتقاده‪ ،‬ولكل أن يختار ما يشاء‪ ،‬مع‬
‫اعتقاد أن هللا على كل شيء قدير‪ ،‬وأن رؤيا األنبياء حق باتفاق العلماء‪ ،‬وال داعي للخالف في هذه‬
‫النقطة‪،‬‬

‫وهللا أعلم‬

‫اقرأ املزيد في إسالم أون الين ‪:‬‬


‫‪https://fiqh.islamonline.net‬‬

‫اإلسراء واملعراج بإيجاز‪( :‬الرحيق املختوم للمباركفوري)‪.‬‬

‫قال ابن القيم‪ :‬أسري برسول هللا صلى هللا عليه وسلم بجسده على الصحيح‪ ،‬من املسجد الحرام‬
‫إلى بيت املقدس‪ ،‬راكبا على البراق‪ ،‬صحبة جبريل عليهما الصالة والسالم‪ ،‬فنزل هناك‪ ،‬وصلى‬
‫باألنبياء‪ ،‬إماما وربط البراق بحلقة‪ ،‬باب املسجد‪.‬‬

‫ثم عرج به تلك الليلة من بيت املقدس إلى السماء الدنيا‪ ،‬فاستفتح له جبريل‪ ،‬ففتح له‪ ،‬فرأى‬
‫هنالك آدم أبا البشر فسلم عليه‪ ،‬فرحب به‪ ،‬ورد عليه السالم‪ ،‬وأقر بنبوته‪ ،‬وأراه هللا أرواح‬
‫الشهداء عن يمينه‪ ،‬وأرواح األشقياء عن يساره‪.‬‬

‫ثم عرج به إلى السماء الثانية‪ ،‬فاستفتح له‪ ،‬فرأى فيها يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم‪ ،‬فلقيهما‬
‫وسلم عليهما‪ ،‬فردا عليه‪ ،‬ورحبا به‪ ،‬وأقرا بنبوته‪.‬‬

‫ثم عرج به إلى السماء الثالثة‪ ،‬فرأى فيها يوسف‪ ،‬فسلم عليه‪ ،‬فرد عليه ورحب به‪ ،‬وأقر بنبوته‪.‬‬

‫ثم عرج به إلى السماء الرابعة‪ ،‬فرأى فيها إدريس‪ ،‬فسلم عليه‪ ،‬ورحب به وأقر بنبوته‪.‬‬

‫ثم عرج به إلى السماء الخامسة‪ ،‬فرأى فيها هارون بن عمران‪ ،‬فسلم عليه‪ ،‬ورحب به‪ ،‬وأقر بنبوته‪.‬‬

‫ثم عرج به إلى السماء السادسة فلقي فيها موسى بن عمران‪ ،‬فسلم عليه ورحب به‪ ،‬وأقر بنبوته‪.‬‬

‫فلما جاوزه بكى موسى‪ ،‬فقيل له‪ :‬ما يبكيك؟ فقال‪ :‬أبكي ألن غالما بعث من بعدي يدخل الجنة‬
‫من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي‪.‬‬

‫ثم عرج به إلى السماء السابعة‪ ،‬فلقي فيها إبراهيم عليه الّس الم‪ ،‬فسلم عليه‪ ،‬ورحب به‪ ،‬وأقر‬
‫بنبوته‪.‬‬

‫ثم رفع إلى سدرة املنتهى‪ ،‬ثم رفع له البيت املعمور‪.‬‬


‫ثم عرج به إلى الجبار جل جالله‪ ،‬فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى‪ ،‬فأوحى إلى عبده ما أوحى‪،‬‬
‫وفرض عليه خمسين صالة‪ ،‬فرجع حتى مّر على موسى‪ ،‬فقال له‪ :‬بم أمرك؟ قال بخمسين صالة‪:‬‬
‫قال‪ :‬إن أمتك ال تطيق ذلك‪ ،‬ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ألمتك‪ ،‬فالتفت إلى جبريل‪ ،‬كأنه‬
‫يستشيره في ذلك‪ ،‬فأشار‪ :‬أن نعم‪ ،‬إن شئت‪ ،‬فعال به جبريل حتى أتى به الجبار تبارك وتعالى‪ ،‬وهو‬
‫في مكانه‪ -‬هذا لفظ البخاري في بعض الطرق‪ -‬فوضع عنه عشرا‪ ،‬ثم أنزل حتى مر بموسى‪ ،‬فأخبره‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف‪ ،‬فلم يزل يتردد بين موسى وبين هللا عز وجل‪ ،‬حتى جعلها‬
‫خمسا‪ ،‬فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف‪ ،‬فقال‪ :‬قد استحييت من ربي‪ ،‬ولكني أرضى‬
‫وأسلم‪،‬‬

‫فلما بعد نادى مناد‪ :‬قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي‪ -‬انتهى «‪. »1‬‬

‫ثم ذكر ابن القيم خالفا في رؤيته صلى هللا عليه وسلم ربه تبارك وتعالى‪ ،‬ثم ذكر كالما البن تيمية‪.‬‬

‫بهذا الصدد‪ ،‬وحاصل البحث أن الرؤية بالعين لم تثبت أصال وهو قول لم يقله أحد من‬
‫الصحابة‪ .‬وما نقل عن ابن عباس من رؤيته مطلقا ورؤيته بالفؤاد فاألول ال ينافي الثاني‪.‬‬
‫َف َت َّل‬ ‫ُث‬
‫ثم قال‪ :‬وأما قوله تعالى في سورة النجم‪َّ :‬م َد نا َد ى [النجم‪ ]8 :‬فهو غير الدنو الذي في قصة‬
‫اإلسراء‪ ،‬فإن الذي في سورة النجم هو دنو جبريل‪ ،‬وتدليه‪ ،‬كما قالت عائشة وابن مسعود‪،‬‬
‫والسياق يدل عليه‪ ،‬وأما الدنو والتدلي في حديث اإلسراء فذلك صريح في أنه دنو الرب تبارك‬
‫وتعالى وتدليه‪ ،‬وال تعرض في سورة النجم لذلك‪ ،‬بل فيه أنه رآه نزلة أخرى عند سدرة املنتهى‪.‬‬
‫وهذا هو جبريل‪ ،‬رآه محمد صلى هللا عليه وسلم على صورته مرتين‪:‬‬

‫مرة في األرض‪ ،‬ومرة عند سدرة املنتهى‪ .‬وهللا أعلم «‪ »2‬انتهى‪.‬‬

‫وقد وقع حادث شق صدره صلى هللا عليه وسلم هذه املرة أيضا‪ ،‬وقد رأى ضمن هذه الرحلة أمورا‬
‫عديدة‪:‬‬

‫عرض عليه اللبن والخمر‪ ،‬فاختار اللبن‪ ،‬فقيل‪ :‬هديت الفطرة أو أصبت الفطرة‪ ،‬أما إنك لو‬
‫أخذت الخمر غوت أمتك‪.‬‬

‫ورأى مالك خازن النار‪ ،‬وهو ال يضحك‪ ،‬وليس على وجهه بشر وبشاشة‪،‬‬

‫وكذلك رأى الجنة والنار‪.‬‬


‫ورأى أكلة أموال اليتامى ظلما لهم مشافر كمشافر اإلبل‪ ،‬يقذفون في أفواههم قطعا من نار ‪،‬‬
‫فتخرج من أدبارهم‪( .‬مشافر‪ :‬شفة البعير الغليظة‪.)Lip of camel ،‬‬
‫ورأى أكلة الربا لهم بطون كبيرة‪ ،‬ال يقدرون ألجلها أن يتحولوا عن مكانهم‪ ،‬ويمر بهم آل فرعون‬
‫حين يعرضون على النار فيطأونهم‪.‬‬
‫ورأى الزناة بين أيديهم لحم سمين طيب إلى جنبه لحم غث منتن‪ ،‬يأكلون من الغث املنتن‪ ،‬ويتركون‬
‫الطيب السمين‪.‬‬

‫ورأى النساء الالتي يدخلن على الرجال من ليس من أوالدهم‪ ،‬رآهن معلقات بثديهن‪.‬‬

‫ورأى عيرا من أهل مكة في اإلياب والذهاب‪ ،‬وقد دلهم على بعير نّد لهم‪ ،‬وشرب ماءهم من إناء‬
‫مغطى وهم نائمون‪ ،‬ثم ترك اإلناء مغطى‪ ،‬وقد صار ذلك دليال على صدق دعواه في صباح ليلة‬
‫اإلسراء‪.‬‬

‫قال ابن القيم‪ :‬فلما أصبح رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في قومه أخبرهم بما أراه هللا عز وجل‬
‫من آياته الكبرى‪ ،‬فاشتد تكذيبهم له وأذاهم واستضرارهم عليه‪ ،‬وسألوه أن يصف لهم بيت‬
‫املقدس‪ ،‬فجاله هللا له‪ ،‬حتى عاينه‪ ،‬فطفق يخبرهم عن آياته‪ ،‬وال يستطيعون أن يردوا عليه شيئا‪،‬‬
‫وأخبرهم عن عيرهم في مسراه ورجوعه‪ ،‬وأخبرهم عن وقت قدومها‪ ،‬وأخبرهم عن البعير الذي‬
‫يقدمها وكان األمر كما قال‪ ،‬فلم يزدهم ذلك إال نفورا‪ ،‬وأبى الظاملون إال كفورا ‪.‬‬

‫يقال‪ :‬سمي أبو بكر رضي هللا عنه صديقا لتصديقه هذه الوقعة حين كذبها الناس » ‪.‬‬
‫ُن‬
‫وأوجز وأعظم ما ورد في تعليل هذه الرحلة هو قوله تعالى‪ِ :‬ل ِر َي ُه ِم ْن آياِت نا [اإلسراء‪ ]1 :‬وهذه سنة‬
‫ُمْل َن‬ ‫ُك َن‬ ‫َأْل‬ ‫َل ُك َت‬ ‫ُن‬ ‫َك‬
‫هللا في األنبياء‪ ،‬قال‪َ :‬و ذِل َك ِري ِإ ْب راِه يَم َم و الَّس ماواِت َو ا ْر ِض ‪َ ،‬و ِل َي و ِم َن ا وِقِن ي [األنعام‪:‬‬
‫َو َي ُك َن‬ ‫َن ْل ُك‬ ‫ُن‬
‫‪ ]75‬وقال ملوسى‪ِ :‬ل ِر َي َك ِم ْن آياِت ا ا ْب رى [طه‪ ]23 :‬وقد بين مقصود هذه اإلرادة بقوله‪ِ :‬ل و‬
‫ُمْل َن‬
‫ِم َن ا وِقِن ي فبعد استناد علوم األنبياء إلى رؤية اآليات يحصل لهم من عين اليقين ما ال يقادر‬
‫قدره‪ ،‬وليس الخبر كاملعاينة‪ ،‬فيتحملون في سبيل هللا ما ال يتحمل غيرهم‪ ،‬وتصير جميع قوات‬
‫الدنيا عندهم كجناح بعوضة ال يعبأون بها إذا ما تدول عليهم باملحن والعذاب‪.‬‬

‫(املصادر‪ )1( :‬زاد املعاد ‪.48 ،47 /2‬‬

‫(‪ )2‬زاد املعاد ‪ ،48 ،47 /2‬وانظر صحيح البخاري ‪،548 ،481 ،471 ،470 ،456 ،455 ،50 /1‬‬
‫‪ ،684 /2 ،550 ،549‬وصحيح مسلم برقم ‪)168 - 162‬‬
‫مشاهد رحلة اإلسراء واملعراج الصحيحة‬
‫‪https://www.elbalad.news/5181434‬‬

‫من مشاهد رحلة اإلسراء واملعراج الصحيحة ‪ ،‬البراق وهي الدابة التي ركبها الرسول صلى هللا عليه‬
‫ًق‬
‫وسلم ذلك اليوم‪ ،‬ووصفه أنه يتميز بطوله ولونه األبيض وسمي برا ا لشدة بريقه وسرعته‪ ،‬وهو‬
‫أكبر من الحمار وأصغر من البغل‪ ،‬يضع حافره عند منتهى بصره حتى ولو كان جبل لقفز فوقه‪،‬‬
‫يرتفع قدمه عند الهبوط‪ ،‬له جناحان‪ ،‬ليس بذكر وال بأنثى‪ ،‬وهو دابة كان يركبها األنبياء قبل‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬قال سعيد بن املسيب‪ :‬أن الخليل إبراهيم عليه السالم كان يركب‬
‫البراق يزور عليه البيت الحرام قادًم ا من الشام‪ ،‬وورد في وصف البراق حديث أنس بن مالك أنه‬
‫َط َف َق‬ ‫ٌة‬ ‫ُأ ُت‬ ‫َّل‬ ‫َّل َّل‬
‫قال‪( :‬أَّن َر سوَل ِهللا َص ى ال ُه عليه وس َم قاَل ‪ِ :‬ت ي بالُب راِق ‪ ،‬وهو داَّب أْبَيُض ِو يٌل ْو الِح ماِر ‪،‬‬
‫َت ُت َت َملْق‬ ‫َف ُت‬ ‫ْنَت َط‬ ‫َن ْغ َض‬
‫وُد و الَب ِل ‪َ ،‬ي ُع حاِف َر ُه ِع ْنَد ُم َهى ْر ِفِه ‪ ،‬قاَل ‪َ :‬ر ِك ْب ُه حَّت ى أ ْي َب ْي ا ِد ِس )‪.‬‬

‫قصة اإلسراء واملعراج ‪ ..‬تفاصيل حدثت في تلك الليلة ال يعرفها كثيرون‬

‫مشاهد رحلة اإلسراء واملعراج‬


‫في مشاهد رحلة اإلسراء واملعراج اعتاد الرسول صلى هللا عليه وسلم رؤية جبريل في هيئة إنسان‬
‫حيث كان يأتي للرسول في هيئة الصحابي الجليل دحية الكلبي رضي هللا عنه‪ ،‬ولكن في رحلة‬
‫اإلسراء واملعراج رآه على هيئته الحقيقية التي خلقه هللا عليها‪ ،‬وهو مخلوق عظيم له ستمائة‬
‫جناح‪ ،‬كل جناح منها حجمه مد البصر‪ ،‬فقد روى اإلمام أحمد َع ِن عبد هللا بن مسعود‪ ،‬أنه قال‪:‬‬
‫قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪َ( :‬ر َأ ْي ُت ْب يَل ِع ْنَد ِس ْد َر ِة اُمْلْنَت َهى‪َ ،‬ع َل ْي ِه "ِس ُّت اَئ ِة َج َن ا " ُي ْن َت َث ُر‬
‫ٍح‬ ‫ِم‬ ‫ِج ِر‬
‫ْل ُق ُت‬
‫ِم ْن ِر يِش ِه الَّت َه اِو يُل أي الُّد ُّر َو ا َي ا و )‪.‬‬

‫من املالئكة الذين رآهم الرسول في رحلة اإلسراء واملعراج أيضا كان مالك خازن النار‪ ،‬فقد جاء في‬
‫َملَل‬
‫السنة النبوية عن الرسول صلى هللا عليه وسلم أنه (رأى في رحلة اإلسراء واملعراج ا ك خازن‬
‫النار؛ وهو مالك عليه السالم‪ ،‬حتى إن مالك هو الذي بدأ النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬بالسالم)‪.‬‬

‫رأى الرسول في رحلة اإلسراء واملعراج كل سماء نبي من األنبياء رضوان هللا عليهم‪ ،‬التقى بهم والقى‬
‫عليهم التحية‪ ،‬والتقاهم الرسول ‪.‬‬

‫وفي رحلة اإلسراء واملعراج في السماء األولى‪ :‬ادم عليه السالم‪ ،‬تبادل معه التحية ودعا له آدم‬
‫بالخير‪ ،‬ورآه الرسول جالًس ا وعن يمينه وشماله أرواح‪ ،‬حتى إذا التفت يمينه ضحك وإذا التفت‬
‫يساره بكى‪ ،‬فسأل الرسول جبريل فقال له‪ :‬من هم عن يمينه هم أهل الجنة من ذريته ومن هم‬
‫عن شماله هم أهل النار‪.‬‬
‫اًل‬
‫السماء الثانية‪ :‬عيسى عليه السالم‪ ،‬استقبل الرسول وحياه قائ "مرحًب ا باألخ الصالح والنبي‬
‫الصالح"‪.‬‬

‫السماء الثالثة‪ :‬يوسف عليه السالم‪ ،‬السماء الرابعة‪ :‬إدريس عليه السالم‪ ،‬السماء الخامسة‪ :‬رأى‬
‫الرسول رجل عجوز أبيض الرأس واللحية‪ ،‬فسأل الرسول من هذا يا جبريل قال‪" :‬هذا املحبب في‬
‫قومه هارون" فسلم عليه الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬السماء السادسة‪ :‬موسى عليه السالم‪،‬‬
‫التقى به النبي ورآه يبكي فسأله ما يبكيك؟ فقال‪" :‬أبكي ألن غالًم ا ُب عث بعدي‪ ،‬يدخل الجنة من‬
‫أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي"‪.‬‬

‫السماء السابعة‪ :‬التقى الرسول بالخليل إبراهيم عليه السالم‪ ،‬رآه الرسول مسنًد ا ظهره إلى البيت‬
‫املعمور‪ ،‬استقبل الخليل الرسول ودعا له فقال‪ ":‬يا محمد‪ ،‬أقرئ أمتك مني السالم‪ ،‬وأخبرهم أن‬
‫الجنة طيبة التربة‪ ،‬عذبة املاء‪ ،‬وأنها قيعان‪ ،‬وأن غراسها‪ :‬سبحان هللا‪ ،‬والحمد هلل‪ ،‬وال إله إال هللا‪،‬‬
‫وهللا أكبر"‪ ،‬رواه الترمذي‪.‬‬
‫رحلة اإلسراء واملعراج‬

‫رحلة اإلسراء واملعراج فيها رأى الرسول أيضا في السماء السابعة سدرة املنتهى وهي شجرة جليلة‬
‫القدر كبيرة الحجم‪ ،‬لها ثمار تشبه الجرار الكبيرة وأوراق تشبه أذن الفيل وتجري من تحتها األنهار‪،‬‬
‫ورأى الرسول أيضا في السماء السابعة البيت املعمور وهو "كعبة السماء" يدخله كل يوم سبعون‬
‫ألف ملك يصلون فيه وال يعودون إليه أبًد ا‪ ،‬قد ثبت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري أن‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم أثناء صعوده إلى السماء برفقة جبريل ‪-‬عليه السالم‪ -‬رأى البيت‬
‫ُت َمل‬ ‫َف‬ ‫َب ْي ُت َملْع ُم ُر َف َس َأ ْل ُت‬ ‫َف‬
‫ِج ْب ِر يَل ‪ ،‬قاَل ‪ :‬هذا الَب ْي ا ْع ُم وُر )‪.‬‬ ‫املعمور‪ ،‬حيث قال‪ُ ( :‬ر ِف َع لي ال ا و ‪،‬‬

‫رأى الرسول أيضا العرض وهو من أعظم املخلوقات وحوله مالئكة كثر ال يعلم عددهم إال هللا‬
‫وقوائمه مثل قوائم السرير يحمله أربعة من أعظم املالئكة ويوم القيامة يكونون ثمانية‪ ،‬والعرش‬
‫هو سقف الجنة‪ ،‬قال األمام علي كرم هللا وجهه‪( :‬إن هللا خلق العرش إظهار لقدرته ولم يتخذه‬
‫مكان لذاته)‪.‬‬

‫مشاهد ليلة اإلسراء واملعراج‬

‫مشاهد ليلة اإلسراء واملعراج دخول الجنة هي بمثابة تكريم عظيم للرسول لم يقدم ألحد قبله‪،‬‬
‫وهي فوق السماوات السبع وفيها ما ال عين رأت وال أذن سمعت وال خطر على قلب بشر‪ ،‬حيث قال‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم‪( :‬ثم أدخلت الجنة فإذا فيها حبايل اللؤلؤ وإذا ترابها املسك)‪،‬‬
‫فالجنة هي مكان فسيح ال يعلم حدوده إال هللا والجنة التي دخلها الرسول هي جنة املأوى حيث جاء‬
‫َّن ُة َمْلْأ‬ ‫ُمْلْنَت‬
‫في سور النجم قوله تعالى" (ِع ْنَد ِس ْد َر ِة ا َهى ِع ْنَد َه ا َج ا َو ى)‬

‫رأى الرسول في الجنة ليلة اإلسراء واملعراج نهر الكوثر وهو النهر الذي أختصه هللا به تكريًم ا له‬
‫ّن‬ ‫ّن ّن‬
‫فعن أنس بن مالك ـ رضي هللا عنه ـ أ ال بي "صلى هللا عليه وسلم" قال‪( :‬بينما أنا أسير في الج ة‬
‫إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدّر املجّو ف‪ ،‬قلت ما هذا يا جبريل‪ ،‬قال هذا الكوثر الذي أعطاك رّب ك‪،‬‬
‫فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر) رواه البخاري‪.‬‬

‫من أحوال أهل الجنة التي رآها الرسول ليلة اإلسراء واملعراج هم املجاهدون وقد رآهم في صورة‬
‫قوم يزرعون ويحصدون في يومين‪ ،‬فلما رآهم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم على ذلك سأل‬
‫جبريل‪ :‬ما هذا يا جبريل فقال‪( :‬هؤالء هم املجاهدون في سبيل هللا‪ ،‬تضاعف لهم الحسنة‬
‫بسبعمائة ضعف)‪.‬‬

‫مشاهد النار في اإلسراء واملعراج‬


‫مشاهد النار في اإلسراء واملعراج‪ ،‬رأى الرسول بعض أحوال أهل النار وهم يعذبون‪ ،‬فعندما كان‬
‫يرى مشهد أناس يعذبون كان يسأل جبريل من هؤالء‪ ،‬فمنهم الذين على صورة ثور يخرج من فتحة‬
‫ضيقة ثم يرد أن يرجع فال يستطيع‪ ،‬ومنهم الذين يرعون األغنام وعلى عورتهم رقاع وهم الذين ال‬
‫يؤدون الزكاة‪ ،‬ومنهم الذين على صورة قوم تتفتت رؤوسهم ثم تعود وهؤالء الذين تثاقلت رؤوسهم‬
‫عن الصالة‪ ،‬ومنهم الذين على صورة أناس يقطعون وجوههم وصدورهم بأظافر من النحاس وهم‬
‫من كانوا يمشون بين الناس بالنميمة‪ ،‬ومنهم الذين رآهم على صورة قوم يشربون الصديد وهم‬
‫شاربوا الخمر‪ ،‬ومنهم الذين يتنافسون فيما بينهم على أكل اللحم النتن ويتركون الطيب وهم‬
‫الزناة‪ ،‬ومنهم الذين على صورة قوم تقرض ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نار وهم الذين‬
‫يخطبون بين الناس بالفتنة والكذب والغش‪.‬‬

You might also like