You are on page 1of 47

‫مظاهرات ديسمرب ‪ 1960‬أسبابها – وقائعها –‬

‫ونتائجها‬

‫د‪ .‬حممد قنطاري‬

‫‪28‬‬
‫أسبابها‬

‫قبل التطرق إىل وصف مظاهرات ديسمرب‪ 1960‬جيب اإلشارة إىل أن‬
‫فرنسا كانت تعتقد أن الثوار اجلزائريني ما هم إال كمشة من‬
‫رجال خارجني عن القانون والقضاء عليهم أو اعتقاهلم سهل‬
‫املنال‪.. .‬وصرح " الكوست " بالربع ساعة األخرية للقضاء على الثوار‬
‫و الثورة ‪...‬وأرجعت احلكومة الفرنسية قيام الثورة اجلزائرية إىل‬
‫أسباب اجتماعية‪ ،‬مدعية أن اإلصالحات االجتماعية االقتصادية‬
‫كافية إلمخادها‪ ،‬والقضاء عليها‪ ،‬متناسية أن قيام الثورة الشعبية‬
‫عرب الرتاب الوطين كان نتيجة للوعي السياسي واليقظة اللذين‬
‫أججا يف الشعب اجلزائري كله شعلة الكفاح الوطين عرب العصور‬
‫التارخيية ‪...‬خاصة منذ أن وضع االستعمار الفرنسي أقدامه‬
‫باجلزائر ومقاومة األمري عبد القادر إىل االنتفاضات و الثورات‬
‫الشعبية واحلركة الوطنية‪...‬‬

‫ولقد استعملت احلكومة الفرنسية كل قواها املادية والبشرية و‬


‫كل اإلغراءات و الضغوطات على الشعب اجلزائري إلبعاده عن‬
‫الثورة ‪...‬فكان ذلك يزيده قوة والتحاما و تضامنا‪ ،‬واإلسراع‬
‫لالخنراط يف خاليا جبهة التحرير‪ ،‬وااللتحاق بأفواج جيش التحرير‬
‫الوطين‪ ،‬واشتداد املعارك يف اجلبال‪ ،‬والعمليات الفدائية يف املدن‬
‫والقرى‪ ،‬وتكبيد العدو خسائر فادحة يف األرواح والعتاد‪ .‬ونظرا‬

‫‪29‬‬
‫لقوة الثورة وضربات وانتصارات جيش التحرير الوطين‪ ،‬ختلت‬
‫فرنسا عن ملغرب وتونس واهلند الصينية ومستعمراتها بإفريقيا‬
‫للتفرغ إىل حرب وإبادة الشعب اجلزائري‪ ،‬فألقت جبميع قواها يف‬
‫ميدان املعركة و تطورات احلرب كما وكيفا ‪...‬وكان على‬
‫القيادة الثورية أن تواجه ذلك باملثل بتطوير أساليب الكفاح‬
‫وإمكانياته املادية والبشرية‪ ،‬مما زاد الثورة نصرا وانتصارا على‬
‫املستوى العسكري والسياسي‪ ،‬داخل اجلزائر وخارجها‪ ،‬وجندت‬
‫فرنسا كل إمكانياتها املادية والبشرية ‪،‬وارتكزت على العمل‬
‫العسكري يف التعذيب والتقتيل والسجن‪ ،‬واملناطق احملرمة‬
‫‪،‬واألرض احملروقة واحملتشدات وعزل اجلزائر عن عاملها اخلارجي‬
‫وجتنيد‬ ‫وامللغمة‪،‬‬ ‫املكهربة‬ ‫الشائكة‬ ‫األسالك‬ ‫بإقامة‬
‫االحتياطيني‪ ،‬واملرتزقة و اللفيف األجنيب ‪...‬واستعمال األسلحة‬
‫احملرمة دوليا يف حرب اجلزائر ضد الشعب اجلزائري‪ ،‬فلم ينل‬
‫كل هذا من عزمية وتضحية وإميان الشعب يف النصر واالنتصار‪،‬‬
‫أو الشهادة يف سبيل اهلل و الوطن‪.‬‬

‫فعجزت القوات الفرنسية بوسائلها اجلهنمية يف إخضاع أو تركيع‬


‫لشعب اجلزائري وقيادته الثورية فسقطت اجلمهورية الرابعة‬
‫‪...‬وجاءت اجلمهورية اخلامسة على رأسها اجلنرال ديغول بعد أزمة‬
‫ماي‬ ‫‪13‬‬ ‫اجليش الفرنسي‪ ،‬واحلكومة الفرنسية‪ ،‬وانقالب‬
‫‪...1958‬ومترد اجليش‪ ،‬ونشوب احلرب األهلية الفرنسية اليت كاد‬
‫‪30‬‬
‫أن يستشري سرطانها يف ضرب أعماق الشعب الفرنسي‪...‬بسبب‬
‫حرب اجلزائر وضحايا أبنائه ونفقاته اليومية على احلرب ‪...‬اليت‬
‫ماليري سنتيم يوميا‪ ،‬فتحطم االقتصاد الفرنسي‪ .‬ودخلت‬ ‫‪3‬‬ ‫بلغت‬
‫فرنسا يف املديونية للحلف األطلسي‪ ،‬وأصبحت سيادتها وهيمنتها‬
‫وقيمتها حمطمة بني الدول‪ ،‬ويف احملافل الدولية‪ ،‬ويف هيئة األمم‬
‫املتحدة ‪،‬وأمام هذه األخطار قام اجلنرال ديغول منذ سنة ‪ 1958‬بعدة‬
‫زيارات سرية ورمسية للجزائر لتفقد وحداته العسكرية و سري‬
‫احلرب يف اجلزائر خاصة الزيارة املعروفة (بوبوت) عرب الرتاب‬
‫اجلزائري لالتصال باجليش الفرنسي و قادته للتعرف على حقيقة‬
‫الوضع العسكري واحلرب يف اجلزائر‪.‬‬

‫وكان آخر اجتماع له مع القيادة العليا للقوات الفرنسية يف اجلزائر‬


‫حبضور ‪ 99‬جنراال وعقيدا حبصن "سواني" قرب مغنية على احلدود‬
‫املغربية اجلزائرية يف مارس سنة ‪ 1960‬حيث اطلع على حقيقة لوضع‬
‫العسكري وفعاليته احلربية منذ ما يزيد عن مخس سنوات من‬
‫احلرب وكانت نتائجها يف صاحل الشعب اجلزائري وثورته ‪...‬وتيقن‬
‫متاما أن احلل العسكري ال خيرجه من نفقه الطويل املظلم‪...‬‬

‫لذا ال بد من اللجوء إىل وسائل أخرى‪ ،‬بعد أن فشلت كل وسائله‬


‫السابقة يف مراوغة وحيل‪ :‬سلم الشجعان –اجلزائر اجلزائرية –‬
‫اجلزائر اجلديدة– السالم يف اجلزائر يف الطريق –االتصاالت‬

‫‪31‬‬
‫واملفاوضات‪...‬كل هذه الوسائل مل يصل بها إىل إقناع الشعب‬
‫اجلزائري وقيادته الثورية يف تسليم السالح أو اهلدنة‪...‬ففشل مشروع‬
‫قسنطينة وفشل مشروع القوة الثالثة‪ ،‬وفشلت العمليات العسكرية‬
‫الكربى وخمططات شال‪ ،‬وموريس وغريهما من لقادة واملسؤولني‬
‫السياسيني والعسكريني داخل اجلزائر ويف فرنسا ‪...‬ولذلك أصبح‬
‫يبحث يف خطة أخرى يف شعار تقرير املصري املشروط بثالث حاالت‬

‫‪ -‬اإلدماج الكامل مع فرنسا ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬تكوين نوع من الفيدرالية مع فرنسا ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬االنفصال التام عن فرنسا ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫وكانت مراوغاته هذه تصادف انعقاد دورة اجلمعية العامة لألمم‬


‫املتحدة ‪،‬ومناقشة قضاياها‪ :‬القضية اجلزائرية يف تقرير مصري‬
‫الشعب اجلزائري وحقه يف احلرية واالستقالل‪ ،‬وحماولة فرنسا يف‬
‫كسب الوقت‪ ،‬واستعمال بعض الدول الغربية واألفريقية ضد‬
‫اجلزائر‪ ،‬ويف احملافل الدولية‪ ،‬واألمم املتحدة‪ ،‬وقضايا أخرى‪،‬‬
‫للتأثري على باقي الدول لعزل الشعب اجلزائري وقيادته الثورية يف‬
‫احملافل الدولية واألمم املتحدة للقضاء على الثورة والثوار‪...‬‬

‫‪32‬‬
‫وكان كلما زادت سنوات احلرب يف اجلزائر بالطبع كان ذلك‬
‫يكلف فرنسا خسائر مادية و بشرية‪ .‬وأخريا تهديدها حبرب أهلية‬
‫يف فرنسا بني جيوشها وبني الفرنسيني باجلزائر ‪،‬وكان على‬
‫اجلنرال ديغول اإلسراع النقاد فرنسا قبل فوات األوان‪ .‬خاصة ملا‬
‫يتمتع به من جتارب وخربة يف احلروب‪ ،‬وألن اجلزائر جزائرية كما‬
‫قال‪ ،‬والبد للشعب اجلزائري أن يستقل مهما طال الزمن أم‬
‫قصر‪...‬لذلك قرر القيام بزيارة خاصة عرب مناطق القطر اجلزائري‬
‫ملدة أسبوع كامل لإلطالع على احلقائق امللموسة ورأي الشعب‬
‫اجلزائري يف تقرير مصريه‪ ،‬وكذلك اإلطالع على رد فعل‬
‫الفرنسيني أو املعمرين باجلزائر وموقف الشعب الفرنسي أيضا‪.‬‬

‫‪-‬وقائعها‪:‬‬

‫بدأت مظاهر مالمح مشروع ظهور " اجلمهورية اجلزائرية "واجلزائر‬


‫جزائرية وتقرير املصري يف تصرحيات الرئيس الفرنسي اجلنرال‬
‫ديغول يف بداية شهر نوفمرب ‪...1960‬وبدأ السيد اجلنرال (جون موران‬
‫‪ )Jean‬يف شرح هذه املخططات واملشاريع الديغولية يف عدة‬ ‫‪Morin‬‬

‫مناسبات لتحضري وتهيئة الرأي العام اجلزائري والفرنسي والدولي‪،‬‬


‫وحتضري زيارة اجلنرال ديغول إىل اجلزائر لالتصال بالقاعدة‬
‫الشعبية ملعرفة رأيها احلقيق يف تقرير املصري‪ .‬واجلزائر اجلديدة‪.‬‬
‫وباملواجهة بدأت " منظمة جبهة اجلزائر الفرنسية " تنظيم نفسها‬

‫‪33‬‬
‫وتقوية صفها داخل اجلزائر وخارجها من املدنيني والعسكريني يف‬
‫القوة العاملة واملتقاعدة خاصة من أوروبيي اجلزائر يف عقد‬
‫االجتماعات وإعداد وتوزيع املنشورات لتحريض الفرنسيني املعمرين‬
‫والعمالء القيام بإضراب عام على مجيع املستويات ويف مجيع‬
‫امليادين‪ ،‬خاصة التجار ‪،‬وتوقيف وجتميد مجيع احلركات من‬
‫السيارات و املارة‪ .‬وإخالء الشوارع و األزقة‪ ،‬و القيام مبسريات‬
‫ومظاهرات مفاجئة عند قدوم اجلنرال ديغول إىل اجلزائر ‪...‬وكل‬
‫من مل يطبق هذه التعليمات يتعرض إىل عقوبات ختريب وحرق‬
‫ممتلكاته ومصادرة واستيالء على أرزاقه إىل درجة القتل‬
‫واالغتيال‪...‬ونفس العمل قامت به " منظمة شباب األمة "واملتبعة‬
‫لقافلة متكونة من ثالث سيارات حمملة باألسلحة وذخريتها احلربية‬
‫والقنابل اليدوية واملتفجرات قادمة من وهران إىل اجلزائر العاصمة‬
‫للقيام بعمليات مسلحة ضد الرئيس الفرنسي اجلنرال ديغول‪ .‬ومت‬
‫إيقاف السيارات وشبكة الكمندوس يف اجليش الفرنسي والقوات‬
‫احمللية"تريطوريال ""‪"Terretorial‬الفارين بضواحي اجلزائر العاصمة‬
‫للقيام بالعمل املسلح ضد الرئيس الفرنسي ‪...‬ومن هنا بدأ يستقر يف‬
‫أذهان املعمرين والعمالء بوجود جيش فرنسي منظم حتت قيادة "‬
‫جبهة اجلزائر الفرنسية "‪.‬‬

‫لكن رغم كل املخاطر قرر الرئيس الفرنسي اجلنرال ديغول زيارة‬


‫خمتلف أقاليم ومدن اجلزائر ‪.‬ومن خالل أحباثنا‪ ،‬ودراستنا‪،‬‬
‫‪34‬‬
‫وإطالعنا على ملصادر والوثائق اجلزائرية والفرنسية‪ ،‬وبعض شهود‬
‫العيان داخل اجلزائر و فرنسا‪ ،‬وباختصار شديد كانت وقائع زيارة‬
‫الرئيس الفرنسي اجلنرال ديغول للجزائر حسب ملخص ملا جاء يف‬
‫التقرير الرمسي للصحفي اخلاص املرافق للجنرال ديغول والذي‬
‫أطلعنا عليه يف األرشيف العسكري بفانسان ‪ Vincennes Paris‬بباريس‬
‫وكان كالتالي‪:‬‬

‫قرر اجلنرال ديغول زيارة اجلزائر ملدة أسبوع وكانت الرحلة‬


‫ووسائلها ووقائعها حملة عامة كالتالي‪:‬‬

‫يف مستودع مبطار "أورلي ‪ "Orly‬مت حنضري وتهيئة طائرتني من نوع‬


‫"كرافال ‪ "Caravelle‬يف سرية تامة‪ ،‬ويف آخر حلظة مت اختيار‬
‫إحداهما لنقل الرئيس الفرنسي ديغول‪ ،‬والوفد املرافق له منهم‬
‫‪Louis‬‬ ‫‪ "Louis‬كاتب الدولة و" لويس تينوار‬ ‫‪Jox‬‬ ‫"لويس جوكس‬
‫‪ "Terrenoire‬وزير اإلعالم‪ ،‬وبعض اجلنراالت منهم " ايلي ‪ "Elay‬و"‬
‫أولي ‪ "Olie‬وجوفراي دوكورسال‪ ،‬الكاتب العام لاليليزي‪،‬‬
‫وكذلك مثانية من حراسة الرئيس اخلاصة به غريهم‪ .‬حسب‬
‫مالحظة شهود عيان من حميطي اجلنرال ديغول أنه للمرة األوىل‬
‫اليت حياط حبراسة خاصة شديدة ملرافقته للجزائر‪...‬‬

‫‪35‬‬
‫‪-‬ديسمرب ‪ :‬بعني متوشنت ‪:‬‬

‫وحسب املصادر والوثائق والصور واألشرطة التلفزيونية والشهود‬


‫‪...‬وتصحيحا للتاريخ‪ ،‬وما نشر وينشر وما قيل ويقال عن مظاهرات‬
‫يف حتديد هذا التاريخ لزيارة ديغول للجزائر وقيام‬ ‫‪1960‬‬ ‫‪11‬ديسمرب‬
‫املظاهرات اجلزائرية ضده وضد األوربيني املستعمرين‪ .‬أن بداية‬
‫نقطة حمطة ترحال اجلنرال ديغول للجزائر كانت يف مدينة عني‬
‫و اليت كان يبلغ عدد‬ ‫‪1960‬‬ ‫ديسمرب‬ ‫‪9‬‬ ‫متوشنت عمالة وهران يف‬
‫سكانها آنذاك ‪9000‬أوربي من كبار املعمرين و‪25000‬مواطن من‬
‫اجلزائريني الفقراء والفالحني‪ ،‬وحل اجلنرال ديغول يف يوم ممطر‪،‬‬
‫واستقبلته مجاهري شعبية من األوربيني الذين استقدموا معهم عمال‬
‫وفالحي املزارع‪ :‬نسبة كبرية منهم من األيد العاملة املغربية لتحية‬
‫ديغول ونداء " اجلزائر فرنسية‪ :‬لكن عكس ذلك عندما وصلوا‬
‫إىل عني متوشنت اندجموا مع إخوانهم اجلزائريني وشكلوا قوة‬
‫كبرية من اجلماهري الشعبية اليت استقبلت ديغول وهي ختفي له‬
‫للمعمرين املفاجأة ‪...‬استقبله املتطرفون يف بداية األمر بشعارات‬
‫والفتات كتب عليها " اجلزائر فرنسية‪ ،‬يسقط ديغول" وهو يسري‬
‫أي ديغول يف الشارع الوطين وسط اهلتافات واألطفال والنساء تطل‬
‫من النوافذ تهتف هي األخرى باجلزائر فرنسية "‪"L’Algérie Française‬‬
‫يسقط ديغول‪ ،‬يسقط العرب ‪...‬وبتحضري من القيادة الثورية جلبهة‬
‫التحرير الوطين ومن املناضلني ‪...‬فجأة ظهرت الفتات مقابلة‬
‫‪36‬‬
‫للجنرال ديغول كتب عليها خبط كبري كتب عليها " حتيا اجلزائر‬
‫حرة مستقلة –اجلزائر جزائرية –أطلقوا سراح بن بلة –واألعالم‬
‫اجلزائرية ترفرف يف األيدي والنساء تزغردن تتبعها عدة هتفات من‬
‫أفواه اجلزائريني واجلزائريات ‪":‬حتيا جبهة التحرير الوطين –حييا‬
‫جيش التحرير الوطين "حتيا اجلزائر جزائرية –الوحدة اجلزائرية‬
‫الشعبية والرتابية –الصحراء جزائرية –ال لتقسيم اجلزائر ‪...‬وغريها‬
‫من الشعارات وكان إىل جانب الرئيس الفرنسي اجلنرال "كريبان‬
‫‪ GL.Crepin‬واجلنرال "جزن موران ‪ Jean Morin‬وقد أجرى ديغول بدار‬
‫بلدية عني متوشنت حديثا مع أعضاء اجمللس البلدي‪ ،‬ثم فيما بعد‬
‫حديثا مع ‪ 140‬ضابطا قائال ‪ ":‬ستكون اجلزائر جديدة وللجيش دور‬
‫كبري وال جيب أن تسري إىل األسوأ كما وقع يف الفيتنام‪ ،‬فالعمل‬
‫هنا يف امليدان أمام اجلماهري‪ ،‬لإلطالع ومعرفة احلقيقة اليت‬
‫يعيشها ويعاني منها الشعب وجيشنا كان ضد الثوار (فالقة )‪ .‬لقد‬
‫لعبتم وتلعبون دورا حمرتما فيما خيص التضامن‪ .‬ثم قال‪":‬اجلزائر يف‬
‫طريق تغيري نفسها وشخصيتها من يوم آلخر‪ .‬شخصية اجلزائر تربز‬
‫للوجود يف اجلزائر جزائرية " وهناك شرط لتنمية اجلزائر لصاحل‬
‫أبنائها‪:‬‬

‫األول‪ :‬السالم‪ ،‬وهو ما نسعى إليه للجزائر األخوية‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫الثاني‪ :‬التعاون بني اجلانبني العربي والفرنسي وللجميع نفس‬
‫احلقوق والواجبات ‪.‬ثم خرج اجلنرال دبغول من دار البلدية واجته‬
‫مرة أخرى حنو اجلماهري‪ ،‬يصافحها ويناقشها يف السلم والسالم‬
‫باجلزائر‪ ،‬والتعايش السلمي بني اجلميع‪ ،‬مع احرتام الشخصية‬
‫وتقرير املصري على حد قوله ‪".‬وكان رد اجلزائريني املتظاهرين‬
‫الذين تغلبوا على الفرنسيني يف العدد " و استعمال العنف " حتيا‬
‫اجلزائر جزائرية – النصر أو االستشهاد‪ .‬يسقط االستعمار –منوت‬
‫لتحيا اجلزائر حرة مستقلة ‪...‬واألعالم اجلزائرية ترفرف يف وجه‬
‫الرئيس الفرنسي وجنراالته وضباطه املرافقني له‪ .‬واستخدم‬
‫املتظاهرون الفرنسيون الذين تعززهم القوات البوليسية واجلزائريون‬
‫بصدورهم العارية يف معارك ومواجهات دامية وفرقت املظاهرات‬
‫بالقوة وسقط يف امليدان عدة شهداء وجرحى‪...‬‬

‫‪-‬ديغول يف مدينة تلمسان ‪:‬‬

‫يف نفس اليوم لـ‪ 9‬ديسمرب ‪ 1960‬مساء وصل اجلنرال الفرنسي ديغول‬
‫إىل تلمسان قادما إليها من عني متوشنت مباشرة حيث وجدها‬
‫مكسوة بالثلوج منذ يومني‪ ،‬ورغم الربد القارس‪ ،‬تابع رحلته‬
‫واتصاله ببعض اجلزائريني الذين جاءت بهم القوات الفرنسية‬
‫ومصاحل األمن من القرى واملداشر واحملتشدات الفرنسية الستقبال‬
‫ديغول‪ .‬وبتصفية وتهديد (لصاص ‪ )SAS‬للعرب ومبعاقبة وقتل كل‬

‫‪38‬‬
‫من يسيئ للجنرال ديغول ولفرنسا و املعمرين ‪...‬فكان املقابل بأمر‬
‫وتنظيم وتوجيه القيادة الثورية جلبهة التحرير وجليش التحرير‪،‬‬
‫مفاجأة اجلنرال ديغول باألعالم اجلزائرية –و النشيد الوطين‬
‫اجلزائري‪ ،‬وحتيا اجلزائر حرة مستقلة –اجلزائر جزائرية –الوحدة‬
‫الوطنية الشعبية والرتابية –الصحراء جزائرية –حييا جيش التحرير‬
‫الوطين ‪...‬لنا شخصيتنا وحضارتنا العربية إطالق سراح بن بلة‬
‫ورفاقه‪.‬تقرير املصري حتت مراقبة األمم املتحدة‪ .‬وزغاريد النساء‬
‫متجد الشهداء وتهتف حبياة اجلزائر مستقلة‪ ،‬ورغم العدد الكبري‬
‫من قوات اجليش واألمن اليت كانت حتيط بالساحة والطرقات‬
‫والبلدية‪ ،‬سأل أحدا الصحافيني ضابطا فرنسيا رجال‬
‫الكومندوس عن وجود هذه القوة العسكرية يف تلمسان‪ ،‬قال له ‪":‬‬
‫تلمسان منطقة خطرية بالفالقة" ورغم األقلية األوروبية القاطنة‬
‫بتلمسان أثناء الثورة الن أغلبها هاجرت إىل وهران –خرجت‬
‫جمموعة من املتظاهرين الظاوربيني حتت محاية قوات األمن‬
‫‪Rue‬‬ ‫واجليش يف مظاهرات عرب الشوارع الرئيسية منها‪":‬شارع فرنسا‬
‫‪ "de France‬و الساحة الكربى يف اجتاه البلدية –تنادي " باجلزائر‬
‫الفرنسية –ويسقط ديغول –و الصحراء فرنسية –وتقسيم اجلزائر "‬
‫وكانت مشادات عنيفة بني اجلزائريني والفرنسيني تفوق فيها‬
‫العرب‪ ،‬رغم ما تلقوه من رمي بالقنابل املسيلة للدموع‪ ،‬والرصاص‪،‬‬
‫وال قنابل اليدوية لتفريق املتظاهرين ‪...‬وصل اجلنرال ديغول إىل مقر‬

‫‪39‬‬
‫بلدية تلمسان‪ ،‬حيث اجتمع مع كبار املشايخ واألعيان وأثناء‬
‫مراسيم االستقبال قال رئيس البلدية للرئيس الفرنسي والوفد‬
‫املرافق له وكان رئيس البلدية ضابطا متقاعدا يف اجليش الفرنسي‬
‫برتبة رائد وامسه " موحاس ‪ "Mouhas‬وبعد كلمات الرتحيب‬
‫واجملاملة ‪ :‬سيدي الرئيس ‪ :‬لقد قدمتم مع األمطار وسيأتي معكم‬
‫السالم " قال اجلنرال ديغول ‪" :‬فمستقبل اجلزائر بني أيديكم‬
‫"يقصد بها تقرير املصري‪...‬للجزائر اجلزائرية‪ ،‬ثم انزوى اجلنرال‬
‫ضابط فرنسي للناحية العسكرية الثانية‬ ‫‪200‬‬ ‫ديغول لالجتماع مع‬
‫عشر‪ ،‬حيث استمع إىل عرض الوضع احلربي والعسكري باجلهة‬
‫ومل يفتح اجلنرال ديغول جماال للحوار واملناقشة قائال ‪ ":‬زيارتي هذه‬
‫ألشياء أخرى وليست خاصة بامليدان العسكري كالزيارات‬
‫السابقة لـ(بوبون)‪"،‬حيث مت اجتماع عام جلميع قيادة األركان‬
‫باملركز العسكري " سواني " نواحي‬ ‫‪1960‬‬ ‫الفرنسية يف مارس‬
‫مغنية على احلدود اجلزائرية املغربية تدارس فيه الوضع العسكري‬
‫واحلربي يف اجلزائر‪ ،‬وكان قرار اجلنرال ديغول تغيري سياسته‬
‫لالتصال بالقاعدة الشعبية ملعرفة رأيها يف " تقرير املصري " وقال‬
‫القائد األعلى العسكري للضباط بتلمسان "إن الرئيس اجلنرال‬
‫ديغول مل يأت اليوم لطلب رأي العسكري بل ملعرفة قراراته‪"...‬‬

‫‪40‬‬
‫وغادر الرئيس الفرنسي تلمسان يف اجتاه شرشال‪...‬‬

‫‪-‬اجلنرال ديغول بشرشال ‪:‬‬

‫كانت زيارته لليوم الثاني لشرشال ولألكادميية العسكرية‬


‫واالتصال أيضا بالقاعدة الشعبية ملعرفة رأيها وتصوراتها لتقرير‬
‫املصري‪ ،‬ومعايشتها مع اجلالية اجلزائرية األوربية مستقبال‪.‬‬

‫فاستقبله كال الطرفني اجلزائري والفرنسي‪ ،‬كل طرف يافع عن‬


‫وجوده وحقه مستقبال وكانت مواجهات دامية بني اجلماهري‬
‫الشعبية اجلزائرية والفرنسية من املعمرين والعمالء‪...‬حيث كانت‬
‫اجلماهري الشعبية اجلزائرية تنادي حبياة الثورة اجلزائرية‪ .‬وحبياة‬
‫اجلزائر املستقلة –واجلزائر اجلزائرية–وتقرير املصري ‪..‬واألعالم‬
‫اجلزائرية يف األيدي‪ .‬و اجلماهري املناضلة تنشد األناشيد الوطنية‬
‫الثورية ‪...‬بينما كان األوربيون ينادون" اجلزائر فرنسية "‪"،‬يسقط‬
‫ديغول "ال للسلم يف اجلزائر"‪"،‬اجلزائر لتقسيم"‪"L’Algérie au Partage"،‬‬
‫واشتدت املواجهة بني الطرفني الفرنسي واجلزائري يف معارك دامية‬
‫فرقت بالقوة عن طريق الضرب بالقنابل و العصي‪.‬‬

‫ويف هذا الصدد يقول اجلنرال (‪ " )Jean Morin‬أن الرئيس الفرنسي‬
‫كان يطلب من سائقه التوقف عند كل مجهرة شعبية جزائرية من‬
‫الفقراء و الفالحني يسأهلم عن رأيهم يف تقرير املصري‪ ،‬واجلزائر‬

‫‪41‬‬
‫اجلديدة ‪،‬لإلطالع على رأي القاعدة الشعبية التقي تدفع مثن‬
‫احلرب " فكانت صراحة البسطاء هو " استقالل اجلزائر"ويول‬
‫اجلنرال (موران ‪ )Morin‬أيضا "كنت أخاف على اجلنرال ديغول من‬
‫هذه التصرفات اخلارقة للربوتوكول من اغتيال على يد (الفالقة )‬
‫لكن الشعب ميتثل ألوامر " الفالقة " وال ميكن أيدا التعدي على‬
‫الرئيس ديغول بل كان حتت احلراسة السرية للفالقة خوفا من‬
‫األوربيني املتمردين وذلك ما اكتشفناه من حتركات وحركات‬
‫رجال األمن السري جلبهة التحرير الوطين الذين كانوا يساعدوننا‬
‫يف مهامنا بصفة غري مباشرة وهذا عرب كل تنقالتنا يف اجلزائر من‬
‫عني متوشنت إىل هنا وجهات أخرى"‪.‬‬

‫‪-‬مظاهرات الشلف‪:‬‬

‫انتقل الرئيس الفرنسي من شرشال إىل مدينة الشلف (األصنام‬


‫سابقا) وانتقلت معه املظاهرات‪ .‬وقبل ساعة من انطالق اجلنرال‬
‫ديغول من شرشال فإذا به يفاجأ يف الطريق بضابط فرنسي سام‬
‫للمخابرات العسكرية يشري إىل "جون موران ‪ "Jean Morin‬بالتوقف‬
‫ملكاملة هاتفية استعجاليه من اجلزائر العاصمة من "فيلسكار "‪.‬‬
‫املدير العام بالنيابة لديوان احلاكم باجلزائر خيربه حسب معلومات‬
‫املخابرات العسكرية واالستعالمات العامة مبؤامرة اغتيال حتضر‬
‫للجنرال ديغول مبدبنة الشلف حيث انتقلت فرق الكومندوس‬

‫‪42‬‬
‫والقناصة من األوروبيني يف انتظار الرئيس ديغول عند مدخل مدينة‬
‫الشلف ‪...‬ثم أخربه يف عرض حال عن اخلسائر املادية والبشرية يف‬
‫املظاهرات ‪...‬كما أخرب اجلنرال " موران ‪ ،"Morin‬لويس جوكس‬
‫‪ "L.Joxe‬بعملية االغتيال احملضرة ‪ ،‬فاخرب هذا األخري اجلنرال ديغول‬
‫بالعملية ‪...‬لكن الرئيس الفرنسي عزم على متابعة الزيارة مع تغيري‬
‫طريق الدخول إىل مدينة الشلف فوجد مظاهرات صاخبة من‬
‫املعمرين لسهل متيجة وسكان املدينة‪ ،‬ينادون باجلزائر الفرنسية‬
‫"يسقط ديغول‪ ،‬ال لتقرير املصري‪ ،‬موران استقل" بينما قابله‬
‫اجلزائريون وانضم إليهم عمال مزارع املعمرين يهتفون باجلزائر‬
‫جزائرية‪ ،‬احلرية واالستقالل‪ ،‬إطالق سراح بن بلة ورفاقه‪ ،‬حييا‬
‫فرحات عباس‪ ،‬واألعالم اجلزائرية ترفرف فوق البنايات ويف‬
‫األيدي‪ ،‬فوقع اصطدام مع املعمرين املتظاهرين أمام أعني اجلنرال‬
‫ديغول تفوق فيها اجلزائريون على املعمرين باستعمال العصي‬
‫واألسلحة التقليدية رغم أسلحة األوروبيني احلربية املستعملة يف‬
‫امليدان‪ ،‬وهلذه املشاهد املرعبة الدامية أمر اجلنرال ديغول بتفريق‬
‫املظاهرات خاصة األوروبيني املندسني يف وسطها قائال ‪:‬‬
‫‪« Qu’est ce que ça veut dire, Colonel ?je trouve vos militaires un peu trop‬‬
‫‪compréhensifs balayez-moi cette manifestation, et montrez un peu de fermeté,‬‬
‫‪que diable !... ».‬‬

‫‪43‬‬
‫تيزي وزو ‪ -‬أقبو ‪ -‬جباية ‪:‬‬

‫انتقل اجلنرال ديغول من مدينة شلف يف رحلته إىل مدينة تيزي وزو‪..‬‬
‫ونفس املظاهرات واملسريات االحتجاجية السابقة اليت استقبل بها‬
‫الرئيس الفرنسي يف املدن السابقة من جهات الوطن وجدها وعاشها‬
‫يف مدينة تيزي وزو‪ ،‬وأقبو‪ ،‬وجباية حيث استقبله مجع غفري من‬
‫الشعب وقلة من األوروبيني نظرا لقلة عددهم‪ ،‬ورغم احتجاجات‬
‫األوروبيني املدعمني بالعساكر وقوات األمن الفرنسية يطالبون ‪-‬‬
‫باجلزائر فرنسية‪ .‬ال لتقرير املصري‪ ،‬ال لتسليم اجلزائر للفالقة‬
‫يسقط ديغول ‪ -‬إال أنهم ذابوا بني املظاهرات واملسريات الشعبية‬
‫اليت قدمت من كل حدب وصوب لتسمع صوتها إىل هيئة األمم‬
‫املتحدة والعامل على أن الشعب اجلزائري ال يقهر‪ ..‬وانطلقت‬
‫الزغاريد واهلتافات حبياة بن بلة ورفاقه‪ ،‬وحتيا جبهة التحرير وحييا‬
‫جيش لتحرير الوطين‪ ،‬العمالء إىل املشنقة – اجلزائر جزائرية – ال‬
‫لتقسيم‪ ،‬الصحراء جزائرية وغريها من الشعارات الوطنية الثورية‪،‬‬
‫ورغم أن حال من مسريات اجلماهري اجلزائرية واألوروبية الفرنسية‬
‫يف اجتاه خمتلف‪ ،‬إال أن التقى اجلميع أمام البلدية والساحة‬
‫الكربى فاصطدم اجلمع يف مشادات مع األوروبيني ورجال األمن‬
‫خلف عدة أضرار مادية وبشرية‪ ،‬فتدخلت قوات األمن لتفريق‬
‫املتظاهرين‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫ومن خالل زيارته ملختلف جهات الوطن ويف اتصاله بالقاعدة الشعبية‬
‫فهم اجلنرال ديغول كل شيء وقرر تقليص مدة زيارته األسبوعية‬
‫وعودته إىل باريس وتيقن أن الشعب اجلزائري عازم على انتزاع‬
‫استقالله بالقوة حتت قيادة جبهة وجيش التحرير الوطين وال جمال‬
‫للمساومات فتقرير املصري واجب يف أسرع وقت النقاذ فرنسا من‬
‫أزمتها ومن حربها األهلية ومن زيادة عمق أزمة سياسية اقتصادية‬
‫عسكرية تذهب حبياة فرنسا والفرنسيني‪.‬‬

‫اجلنرال ديغول ببجاية‪:‬‬

‫حسب املصادر والوثائق وشهود العيان أن مدينة جباية كانت أخر‬


‫مدينة لزيارة اجلنرال ديغول لريحل منها يف طريقه إىل البليدة ليطري‬
‫منها إىل باريس وإلغاء زيارته إىل املدن الكربى‪ ،‬لكن من اجلزائر‬
‫العاصمة‪ ،‬وهران ‪ -‬عنابة‪...‬‬

‫يف مدينة جباية منظمة " جبهة اجلزائر الفرنسية "املتكونة من‬
‫األوروبيني املتطرفني تتلقى اجلنرال ديغول مبظاهرات وتشويش‬
‫) لبث‬ ‫‪Marseillaise‬‬ ‫مبكرب الصوت على خطابه وبنشيد المارسياز (‬
‫احلماس يف نفوس اجلنود الفرنسيني والدعوة إىل التمرد والعصيان‬
‫‪ ...‬ويطالبون باستقالة ديغول – واجلزائر فرنسية ‪ -‬ال لتقرير املصري‬
‫– " صالن (‪ ")Salan‬للحكم‪ .‬بينما رد عليهم اجلزائريون بقوة‬

‫‪45‬‬
‫ومحاس وبأصوات عالية يف مظاهرات – ومسريات شعبية منظمة‬
‫وموجهة من القيادة الثورية‪ " :‬حتيا اجلزائر جزائرية – إطالق سراح‬
‫بن بلة ورفاقه – حتيا جبهة التحرير وحييا جيش التحرير الوطين –‬
‫واألعالم اجلزائرية ترفرف فوق املباني ويف األيدي واّألناشيد‬
‫الوطنية الثورية بالعربية والقبائلية ‪ -‬إىل أن وصل اجلنرال ديغول‬
‫بني املتظاهرين لبلدية جباية حيت استقبل من طرف املستشار العام‬
‫مهدي‪ ،‬فقال له‪" :‬سيدي الرئيس‪ ،‬إن كل‬ ‫‪conseil général‬‬ ‫للمجلس‬
‫املسلمني وراءك جلعل حد هلذه احلرب ونتمنى استئناف املفاوضات‬
‫اليقاف احلرب"‪ ...‬فرد عليه الرئيس الفرنسي قائال‪ ":‬أنا شخصيا‬
‫أريد أن تنتهي هذه احلرب قبل أن أفقد(أموت)‪".‬‬

‫إعطاءه حملة عن آخر‬ ‫‪Morin‬‬ ‫ثم طلب مين اجلنرال ديغول من‬
‫التطورات يف اجلزائر فأجابه قائال‪ ":‬سيدي الرئيس إن اجلزائر‬
‫حترتق‪ ،‬املظاهرات يف كل املدن والقرى اجلزائرية‪ ،‬املسلمون‬
‫يطالبون باالستقالل ‪ -‬واجلزائر جزائرية ‪ -‬لقد تالحم الشعب‬
‫اجلزائري وصمم على استقالله حتت قيادة جبهة التحرير الوطين‪،‬‬
‫وباملقابل فاألقلية األوربية املدعمة ببعض املتمردين من الضباط و‬
‫اجلنود تطالب باجلزائر الفرنسية لكن بينت املظاهرات أنها مل‬
‫تستطع الثبات والوقوف أو الصمود أمام العرب‪ .‬واحلكم‬
‫حكمكم سيدي الرئيس‪...‬‬

‫‪46‬‬
‫أمر اجلنرال ديغول بتقليص زيارته والعودة إىل فرنسا واقتنع أن‬
‫املخططات واملوازين للقادة‬ ‫زيارته قلبت كل األطروحات‬
‫السياسيني والعسكريني يف اجلزائر من خالل معرفة احلقيقة‬
‫الشعبية اليت يقاسي منها و يعيشها الشعب اجلزائري فال بد من حل‬
‫القضية اجلزائرية ووضع حد للحرب باجلزائر‪ ،‬و بذلك صمم على‬
‫موعد تقرير املصري ل‪ 08‬يناير سنة ‪ 1961‬و هو متيقن من اكتساب‬
‫أغلبية الشعب اجلزائري (نعم) إلقامة مؤسسات مؤقتة جزائرية يف‬
‫أقرب اآلجال سواء عن استئناف مفاوضات (مالن ‪ )Mulin‬أو اقرار‬
‫هدنة حرب‪.‬‬

‫مظاهرات وهران‪:‬‬

‫عاشت مدينة وهران وأهلها يوم ‪ 09‬ديسمرب ‪ 1960‬يف قلق واضطراب‬


‫كإخوانهم يف مظاهرات عني متوشنت و هناك من مدينة وهران من‬
‫شارك يف املظاهرات عني متوشنت‪ .‬وعاشت وهران ليلها املرعب‬
‫لكال الطرفني الفرنسي و اجلزائري كل فئة تنظيم و حتضر ليوم‬
‫الغد‪..‬‬

‫على الساعة التاسعة والنصف‬ ‫‪1960‬‬ ‫ديسمرب‬ ‫‪10‬‬ ‫و يف صباح يوم‬


‫استأنف الفرنسيون املتطرفون مظاهراتهم حتت قيادة وإشراف‬
‫جمموعة من املنظمات اإلرهابية ضد اجلزائر جزائرية‪ .‬خاصة منها‬

‫‪47‬‬
‫"جبهة اجلزائر فرنسية و رجال األمن و املليشيا من اجلنود‬
‫االحتياطيني و املدنيني‪ ،‬مسلحني مبختلف األسلحة احلربية والقنابل‬
‫واملتفجرات‪ ..‬توجهت املظاهرات يف مسرية غضب وانتقام لعدم زيارة‬
‫ديغول إىل وهران و التحدث معهم واجتهت املظاهرة حنو مبنى إدارة‬
‫‪"place‬‬ ‫‪d’armes‬‬ ‫الغاز والكهرباء ثم إدارة املالية ‪ -‬و جبهة البحر"‬
‫(ساحة أول نوفمرب) والشوارع الرئيسية والساحات العمومية‬
‫اليت يف‬ ‫‪Oran Républicain‬‬ ‫الكربى ‪ -‬وإىل إدارة صحيفة وهران‬
‫نظرهم يعتربونها موالية لديغول‪ ..‬فحطموا نوافذ مقرها وأتلفوا‬
‫وثائقها ‪ -‬وحاولوا أيضا اقتحام صفوف اجلندرمة للهجوم على‬
‫مركزهم و خالل مسريتهم كانوا يهتفون باجلزائر فرنسية –‬
‫يسقط ديغول ‪ -‬احلكم لصاالن ‪ -‬يسقط العرب ‪-‬‬

‫و النساء واألطفال يف النوافذ وفوق السطوح حيملون األعالم‬


‫الفرنسية و ينشدون (املرسياز) دون تدخل مصاحل األمن لتفريق‬
‫املتظاهرين اليت كانت تؤيدهم وحتميهم ومتدهم يد العون‬
‫واملساعدة يف السالح و ذخريته احلربية و املعلومات‪..‬‬

‫و على الساعة الواحدة مساء تطورت األحداث حبوادثها الدامية‬


‫عندما انطلقت مظاهرات ومسرية اجلزائريني يف تنظيم حمكم‬
‫حتت قيادة جبهة وجيش التحرير الوطين يف التوجيه والقيادة‪..‬‬
‫حيث كانت يف بدايتها سلمية‪ .‬محل املتظاهرين العصي واحلجارة‬

‫‪48‬‬
‫واخلناجر و بعض األسلحة التقليدية‪ ،‬انطلقت من األحياء العربية‬
‫منها على سبيل املثال ال احلصر يف احلمري –بيت الك ‪-‬‬
‫تريكو ‪ -‬لكمني ‪ -‬بالنتور ‪-‬سيدي اهلواري وغريها من األحياء‬
‫بوهران يف اجتاه املدينة اجلديدة القلب الرئيسي للحركة‪ ،‬ويف‬
‫اجتاه األحياء األوروبية عرب الشوارع الكربى والساحات العمومية‬
‫حتديا لألوربيني‪ .‬لكن سرعان ما مت اجتياز احلواجز من األسالك‬
‫الشائكة‪ ،‬واألعمدة احلديدية‪ ،‬و أكياس الرمل‪ ،‬و غريها‪ ،‬اليت‬
‫تفصل بني األوربيني و العرب‪ ،‬حتت احلراسة الشديدة من رجال‬
‫األمن والقوات العسكرية‪ ،‬فاصطدم الطرفان وتالحم اجلمع يف‬
‫مشادات و قتال عنيف‪ .‬حيمل اجلزائريون تاركني قتلى وجرحى يف‬
‫امليدان و نفس الشيء للجزائريني من الشهداء و اجلرحى‪ ..‬أما قوات‬
‫األمن اليت الزمت الصمت أثناء تظاهرات األوربيني فقد حتركت‬
‫بقوة جبميع أصنافها املدنية إذ رأت أن اجلزائريني ينزلون و حيتلون‬
‫امليدان‪ .‬فاستقدمت الدبابات و املصفحات و الكالب البوليسية‬
‫لتشتيت املتظاهرين الذين زادهم املنظر قوة و التحاما ومتاسكا‪ .‬إذ‬
‫كل واحد كان يطلب الشهادة أو النصر‪ ،‬و احلماس يزيد هم‬
‫شجاعة بزغاريد النساء يف املظاهرات و الطرقات و املنازل‪ ..‬و هي‬
‫تنادي اجلهاد يف سبيل اهلل و الوطن ‪ -‬اهلل أكرب ‪ -‬اجملد و اخللود‬
‫للشهداء‪ .‬اجلزائر جزائرية ‪ -‬جزائر غربية إسالمية بوحدتها‬
‫الشعبية و الرتابية ‪ -‬الصحراء جزائرية—إطالق سراح بن بلة و‬

‫‪49‬‬
‫رفقائه ‪ -‬و غريهما من الشعارات‪ ...‬و نظروا لتصميم الشعب‬
‫اجلزائري الو هراني على انتزاع استقالله بالقوة و الشهادة‪ ،‬راحت‬
‫القوات الفرنسية تطلق الرصاص والقنابل على املتظاهرين‬
‫اجلزائريني الذين صمموا أمام الصحافيني بامليدان على توصيل‬
‫وأمساع صوت اجلزائر جزائرية ‪ -‬حتت قيادة جبهة وجيش التحرير‬
‫الوطين و ممثله الشرعي‪ ،‬احلكومة املؤقتة اجلزائرية الناطق‬
‫الرمسي بامسه إىل هيئة األمم املتحدة واحملافل الدولية والرأي العام‬
‫العاملي ‪...‬واستمرت املظاهرات و االشتباكات إىل الساعة الثامنة‬
‫مساء‪ .‬خلفت عدة ضحايا يف صفوف الطرفني ‪.‬وخسائر مادية معتربة‬
‫لألوروبيني متثلت يف حرق السيارات وحتطيم وختريب وحرق‬
‫احملالت التجارية األوربية ‪...‬وعاشت وهران ليلتها حتت طلقات‬
‫الرصاص واالنفجارات و قصف املدافع‪...‬إىل يوم الغد الذي استؤنفت‬
‫فيه املظاهرات مرة أخرى اشد من يومها األول وهو يوم ‪ 11‬ديسمرب‬
‫اليت امتدت يف هذا التاريخ إىل اجلزائر العاصمة ‪...‬‬

‫‪-‬مظاهرات اجلزائر العاصمة ‪:‬‬

‫توسعت املظاهرات واملسريات الثورية للمتظاهرين اجلزائريني يف‬


‫مواجهة املتظاهرين األوربيني وقوات األمن الفرنسية وغريها من‬
‫املنظمات العنصرية كـ(جبهة اجلزائر فرنسية ) والـ‪...OAS‬اليت‬
‫يف‬ ‫‪1960‬‬ ‫كانت بداية انطالقها يف القطر اجلزائري يوم ‪09‬ديسمرب‬

‫‪50‬‬
‫مدينيت عني متوشنت و تلمسان ‪...‬وتوسعت يوم ‪ 10‬ديسمرب إىل مدينة‬
‫ديسمرب إىل مدنية الشلف‬ ‫‪10‬‬ ‫وهران ونواحيها ‪...‬وامتد هليبها يوم‬
‫(األصنام ‪،‬وجهاته)‪...‬وزادت اشتعاال وقوة باجلزائر العاصمة‬
‫ونواحيها يوم ‪11‬ديسمرب ‪،‬وكذلك شرشال وتيزي وزو وجباية‪ ،‬وهذا‬
‫على سبيل الذكر ال احلصر ‪...‬نظرا ملا مسعوه وشاهدوه من أخبار‬
‫وبطوالت وانتصارات‪ ،‬وحتدي إخوانهم بغرب الوطن لألوروبيني‬
‫والقوات الفرنسية بصدورهم العارية وسقوط العشرات من الشهداء‬
‫و املئات من اجلرحى ‪..‬مما زاد سكان اجلزائر العاصمة شجاعة‬
‫وتضحية وتضامنا وتالمحا يف وحدة الصف الوطين ملواجهة القوات‬
‫الفرنسية واملتطرفني األوربيني مبختلف أشكاهلا ووسائلها‬
‫اجلهنمية اليت أجربت القوات الفرنسية على توجيه عملياتها‬
‫العسكرية حنو املدن والقرى لتخفيف الضغط على رجال جيش‬
‫التحرير الوطين باجلبال والوهاد والصحاري‪ ،‬وتفتيت قوات العدو‪،‬‬
‫وحتطيم األسطورة الفرنسية للجزائر فرنسية (وإيصال وحدة الشعب‬
‫اجلزائري وراء قيادته الثورية جلبهة وجيش التحرير الوطين إىل‬
‫كل مكان ‪..‬وقد برهنت قيادة الثورة بتنظيمها احملكم خلاليا‬
‫جبهة التحرير الوطين وأفواج الفدائيني عرب كل حي وداخل كل‬
‫منزل وكوخ يف توحيد وتنظيم الصف وإىل اإلسرتاتيجية الدقيقة‬
‫على قدرة القيادة اجلماعية للجماهري الشعبية يف التوجيه و التوعية‬
‫وإعطاء املثل األعلى لألجانب‪ ،‬والصحافة الدولية والدبلوماسية‬

‫‪51‬‬
‫األجنبية على قدرة التحكم يف مسرية املظاهرات اليت انطلقت‬
‫ونزلت اجلماهري الشعبية اجلزائرية من رجال ونساء وأطفال من‬
‫أحياء بلكور – القبة – والسعادة – وغريها على الساعة التاسعة‬
‫دقيقة مقتحمة األحياء األوربية لتحتل الساحات العمومية‬ ‫و‪45‬‬

‫والشوارع الكربى واملؤسسات الرمسية‪ .‬ويف نفس الوقت كما‬


‫كان عليه احلال أيضا بأحياء القصبة وباب الواد وغريهما‪ ،‬لتالقي‬
‫اجلماهري الشعبية يف مظاهرات إسرتاتيجية لتكون قوة وضغطا‬
‫شامال على اجلزائر العاصمة ومعركة فاصلة مع األوربيني وقوات‬
‫األمن‪ .‬وهاتفة باستقالل اجلزائر ‪،‬وحبياة احلكومة اجلزائرية‬
‫‪،‬اجلزائر جزائرية ‪،‬وإطالق سراح بن بلة ورفاقه‪ ،‬الوحدة اجلزائرية‬
‫الرتابية‪ ،‬الصحراء اجلزائرية‪ ،‬حييا جيش التحرير وجبهة التحرير‬
‫الوطين‪ ،‬وغريها من الشعارات ‪،‬وينشدون األناشيد الوطنية‬
‫الثورية‪...‬رافعني األعالم اجلزائرية وزغاريد النساء تشجع املناضلني‬
‫وتدخل الرعب و الفزع يف نفوس األوربيني و القوات الفرنسية‬
‫‪...‬ورغم حواجز األسالك الشائكة واألعمدة احلديدية وأكياس‬
‫الرمل يف الطرقات واألزقة والشوارع‪ ،‬والساحات العمومية‬
‫والدبابات واملدرعات يف الطرقات والطائرات العمودية املختلفة اليت‬
‫حتوم يف أجواء العاصمة فوق رؤوس املتظاهرين ملنع تقدم‬
‫اجلزائريني‪ ،‬إال أن كل هذا زادهم عزما وقوة وإرادة وتصميما على‬
‫اقتحامها واجتيازها بالصدور العارية واإلميان القوي والتضحية‬

‫‪52‬‬
‫والشهادة يف سبيل اهلل والوطن لتحيا اجلزائر حرة مستقلة‪ .‬فعجزت‬
‫قوات األمن يف مواجهتها وبسرعة وصلت جندات كبرية لتعزيز‬
‫قوات األمن‪ ،‬من رجال اللفيف األجنيب‪ ،‬والكمندوس‪ ،‬واملظالت‬
‫املليشيات املدنية من املعمرين الذين راحوا يطلقون النار على‬
‫املتظاهرين بكل وحشية وجنون‪.‬‬

‫وعلى الساعة العاشرة والنصف صباحا تضخمت مجوع املتظاهرين‬


‫وتعززت صفوفهم بالقدمني من أحياء ونواحي العاصمة حتت قيادة‬
‫جبهة وجيش التحرير الوطين‪ ،‬اليت كانت تسري وتسيطر بأوامرها‬
‫للمتظاهرين من اجلماهري الشعبية يف دقة التنظيم والتنسيق‬
‫والطاعة على عدم مس أرزاق املواطنني أو التعدي عليهم حيث‬
‫اخرتقت اجلماهري الشعبية احلواجز البوليسية و العسكرية اليت‬
‫أقيمت خاصة يف نهج "ليون "‪ ..‬وعلى إثرها أطلقت القوات الفرنسية‬
‫العسكرية ورجال األمن الرصاص مبختلف األسلحة والعيارات‬
‫والقنابل واملتفجرات على املتظاهرين‪ .‬وبعد الساعة الواحدة عززت‬
‫شاحنة عسكرية حمملة‬ ‫بـ‪40‬‬ ‫القوات الفرنسية ملواجهة املتظاهرين‬
‫جبنود الكمندوس والتدخل السريع‪...‬تواصلت خالهلا االشتباكات‬
‫بني املتظاهرين اجلزائريني والفرنسيني واألوربيني املدنيني‬
‫والعسكريني نتج عنها عدة قتلى وجرحى يف صفوف الطرفني‪.‬‬
‫وكان يتم إخالء اجلرحى اجلزائريني من امليدان بسرعة حنو منازل‬

‫‪53‬‬
‫اجلزائريني لتقديم اإلسعافات وأال يقعوا يف قبضة مصاحل األمن و‬
‫املعمرين الفرنسيني خوفا من تعذيبهم وقتلهم‪.‬‬

‫هكذا عاشت باقي املدن والقرى اجلزائرية يف منطقة قسنطينة‪،‬‬


‫وعنابة ويف الصحراء اجلزائرية‪ ،‬واهلضاب العليا‪ ،‬وخبروج اجلماهري‬
‫الشعبية إىل الطرقات والشوارع والساحات العمومية‪ ،‬ومزارع‬
‫املعمرين‪ ،‬يهتفون حبياة ووحدة اجلزائر املستقلة –اجلزائر‬
‫اجلزائرية ‪ ،‬حتيا قيادة جبهة التحرير الوطين –إطالق سراح بن بلة‬
‫ورفاقه ومجيع املعتقلني يف السجون واحملتشدات‪ ،‬واألعالم‬
‫اجلزائرية ترفرف وزغاريد النساء تشجيع املتظاهرين‪ ،‬ونداء اجلهاد‬
‫يف سبيل اهلل و الوطن ‪ ..‬ومواجهة األوربيني املتطرفني يف‬
‫اصطدامات واشتباكات دامية نتج عنها عدة قتلى وجرحى وخسائر‬
‫مادية‪ ،‬وهذا خالل أسبوع كامل من املظاهرات و املسريات الشعبية‬
‫عرب الرتاب الوطين منذ ‪ 09‬ديسمرب إىل ‪ 16‬منه حيث أعلنت القيادة‬
‫العليا للثورة عن وقف املظاهرات ‪...‬‬

‫وقد أعلنت جبهة التحرير وجيش التحرير الوطين باسم ناطقها‬


‫الرمسي احلكومة املؤقتة للجمهورية اجلزائرية عن إيقاف‬
‫املظاهرات واملسريات الشعبية عرب الرتاب الوطين يف بيان جاء فيه‬
‫"إن املظاهرات قد أعطت الربهان الساطع على تعلق اجلماهري مببدأ‬

‫‪54‬‬
‫الثورة ‪ ،‬كما برهنت بصورة ال غبار عليها على تنفيذ أوامر جبهة‬
‫التحرير لذا ال بد من العودة للهدوء واليقظة واحلذر من جديد"‬

‫‪ - 1‬النتائج على املستوى الداخلي‬

‫نتج عن املظاهرات خسائر فادحة يف األرواح تفاوتت تقديراتها‬


‫وإحصائياتها املتضاربة بني الطرفني اجلزائري والفرنسي‪ :‬فاألرقام‬
‫شهيد عرب الرتاب الوطين خالل‬ ‫‪800‬‬ ‫اجلزائري تقدر بأكثر من‬
‫املظاهرات األسبوعية‪ .‬وأكثر من ‪1000‬جريح‪ ،‬واعتقال أكثر من‬
‫‪1400‬جزائري من النساء و الصبيان و الشيوخ‪.‬‬

‫أما اجلانب الفرنسي فيحصرها يف ‪ 123‬قتيل يف صفوف اجلزائريني‬


‫شخص‪ ،‬أما عن‬ ‫‪600‬‬ ‫وأكثر من ‪400‬جريح‪ .‬واعتقال أكثر من‬
‫اجلانب األجنيب ملختلف وكاالت األنباء و الصحف العاملية من‬
‫مراسليها باجلزائر‪ ،‬ومن الصحفيني املرافقني للجنرال ديغول يف‬
‫زيارته للجزائر تتضارب أيضا إحصائياتهم يف عدد القتلى واجلرحى‬
‫و املفقودين واملعتقلني وعلى العموم جتمع الصحافة العاملية على أن‬
‫شوارع مدن وقرى اجلزائر حتولت إىل محامات من الدماء من كال‬
‫اجلانبني اجلزائري والفرنسي ملدة أسبوع‪ .‬وأن الضحايا من القتلى‬
‫واجلرحى كانت ختلى بسرعة من امليدان‪ ،‬بالعلم الوطين‪،‬‬
‫واألناشيد الوطنية‪ ،‬وزغاريد النساء‪ ،‬وتالوة القرآن فكان ذلك‬

‫‪55‬‬
‫يزيد محاسا وشجاعة يف نفوس اجلزائريني‪ ،‬ويزيد رعبا وخوفا يف‬
‫نفوس األوربيني و العساكر و تقهقرهم أمام املتظاهرين‪...‬وبذبك‬
‫أدى إىل ‪:‬‬

‫إبراز الوحدة الوطنية الشعبية والرتابية يف وحدة‬ ‫‪-‬‬


‫الصف الوطين وراء قيادة جبهة وجيش التحرير الوطين وحكومته‬
‫الناطق الرمسي بامسه‪.‬‬

‫التحرر من عقدة اخلوف واجملابهة مع القوات‬ ‫‪-‬‬


‫الفرنسية املتفرقة عدة وعددا‪ ،‬والتحاق ضعاف النفس‬
‫واملرتدين بصفوف الثورة ‪...‬و التخلي عن اإلدارة الفرنسية‬
‫ومصاحلها املدنية والعسكرية وأتضح للجميع من هو يف‬
‫صفوف الثورة ومن هو يف صفوف العدو‪ ...‬وأثناء االستقالل‬
‫الوطين فبعض العمالء اتبع فرنسا إىل ما وراء البحار و‬
‫الباقي منهم اندس يف وسط اإلدارة إىل أن حلت األزمة‬
‫اجلزائرية فظهروا للوجود‪...‬‬

‫أدت املظاهرات إىل انتقال املعارك الطاحنة واملواجهة‬ ‫‪-‬‬


‫مع القوات العدو يف املدن والقرى لتخفيف الضغط على‬
‫اجملاهدين يف اجلبال والصحاري‪ ،‬وتفتيت القوات الفرنسية‬
‫الشيء الذي أدى إىل حتطيم األسطورة الفرنسية وترسانتها‬

‫‪56‬‬
‫العسكرية املعززة جبنود وسالح احللف األطلسي ومن‬
‫املرتزقة و اللفيف األجنيب‪.‬‬

‫تشديد وحدات جيش التحرير الوطين يف اجلبال‬ ‫‪-‬‬


‫والصحاري‪ ،‬داخل املناطق وعلى احلدود‪ ،‬معاركها‬
‫وهجماتها على القوات الفرنسية ومصاحلها اإلسرتاتيجية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬وتكثيف العمليات الفدائية يف القرى واملدن‬
‫ضد املعمرين والعمالء‪ .‬وقرر جملس الوزراء الفرنسي اختاذ‬
‫اإلجراءات التالية ‪:‬‬

‫أ ‪ -‬منع أو حظر التجول يف املدن اجلزائرية اليت عاشت وتعيش‬


‫اضطرابات ومشادات وذلك من الساعة ‪ 10‬ليال ومنع التجمعات اليت‬
‫تزيد عن ‪ 10‬أشخاص‪.‬‬

‫شخصا من كبار املوظفني الفرنسيني من عملهم‬ ‫‪40‬‬ ‫ب ‪ -‬طرد‬


‫الذين دعموا وشاركوا ووجهوا االضطرابات تلبية لنداء (جبهة‬
‫اجلزائر الفرنسية )‪.‬‬

‫متجرا ملدة أسبوعني نظرا ملشاركة أصحابها يف‬ ‫‪63‬‬ ‫ج ‪ -‬مت غلق‬
‫اإلضراب وحتريض الشعب ومن خمالفة القوانني باجلزائر العاصمة‪.‬‬

‫د ‪ -‬إلغاء كل ملقبالت الرياضية إىل إشعار آخر ‪...‬‬

‫‪57‬‬
‫هـ ‪ -‬حل (جبهة التحرير الفرنسية ) وكذلك (جبهة التحرير‬
‫الوطين للجزائر الفرنسية )اليت تكونت يف شهر جويلية ‪ 1960‬اليت‬
‫تضم بعض الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة لليمني‬
‫املتطرف مع (لواص ‪ )L’OAS‬ضد أي حل سلمي حلرب اجلزائر مثل‬
‫‪ )(Lacoste‬العقيد توماز اجلنرال‬ ‫لوبان ( ‪- )J.M.lepen‬الكوست‬
‫صالن‪.‬‬

‫‪ - 2‬النتائج على املستوى اخلارجي‬

‫يف العامل اخلارجي انعقدت االجتماعات الشعبية واملنظمات‬


‫اجلماهريية من الطلبة والعمال والنساء و الفالحني‪ ،‬والتجار‪،‬‬
‫واملوظفني‪ ،‬واحلرفيني‪ ،‬واجلمعيات واهليئات الثقافية والعلمية‬
‫والدينية‪ ،‬واألحزاب السياسية وغريها من اهليئات القومية الوطنية‪،‬‬
‫يف مسريات ومظاهرات وجتمعات وندوات عرب مدن وقرة العامل‬
‫العربي يف تضامن وتأييد للشعب اجلزائري يف كفاحه العادل‪.‬‬
‫وحقه يف احلرية واالستقالل إلعادة سيادته الكاملة على‬
‫أرضه‪...‬كما مت استنكارهم جلرائم احلرب الفرنسية يف اجلزائر‬
‫من تعذيب وتقتيل وسجن ونفي‪.‬‬

‫وعلى سياسة اإلبادة اجلماعية للشعب اجلزائري‪ ،‬واألرض احملروقة‬


‫اليت تتبعها فرنسا منذ سنوات طوال وعلى كل ما يرمز لألصالة‬

‫‪58‬‬
‫والشخصية العربية اإلسالمية يف اجلزائر‪ .‬وطالب اجلميع وخاصة‬
‫الشباب من ممثليات الثورة اجلزائرية السماح هلم بالتطوع يف‬
‫صفوفها للقتال إىل جانب إخوانهم اجلزائريني اجملاهدين‪...‬‬

‫ونفس املظاهرات واملسريات والتجمعات عاشتها عواصم ومدن‬


‫الدول الصديقة واحملبة للسالم يف تعاطفها مع الشعب اجلزائري يف‬
‫كفاحه الشرعي‪ ،‬واستنكرت األعمال اإلجرامية واإلبادة‬
‫اجلماعية ضد الشعب اجلزائري اليت استعملتها القوات الفرنسية‬
‫بوسائلها اجلهنمية يف اجلزائر ‪...‬وحتى يف فرنسا بالذات قام‬
‫جمموعة من رجال الثقافة والفكر والعلم والفن بإرسال " عريضة‬
‫‪ "121‬لرئيس الدولة الفرنسية يطالبون فيها باإلسراع يف قرب اآلجال‬
‫حلل القضية اجلزائرية ‪...‬وحق الشعب اجلزائري يف احلرية‬
‫واالستقالل‪...‬واستنكار التعذيب و إيقافه فورا بأشكاله اجلهنمية‬
‫املادية و البشرية ضد الشعب اجلزائر ‪...‬وخرجت اجلماهري الشعبية‬
‫الفرنسية احلبة للسالم يف مسريات ومظاهرات عرب خمتلف املدن‬
‫وألقى تطالب رئيس الدولة إنهاء حرب اجلزائر‪...‬ورفضت األمهات‬
‫الفرنسيات إرسال أبنائهن إىل جبهات القتال باجلزائر‪...‬كما مترد‬
‫ورفض شبان اخلدمة العسكرية يف احملطات واملوانئ والثكنات‬
‫الفرنسية التوجه إىل اجلزائر‪ ،‬الن اجلزائر جزائرية بها شعبها‬
‫حيارب ضد استعماره بإميان وعقيدة وتضحية وإخالص‪ ،‬ونادوا‬

‫‪59‬‬
‫بشعارات منها " ال حلرب اجلزائر –اجلزائر جزائرية –ال للموت و ال‬
‫حلراسة و محاية مزارع املعمرين ‪."..‬‬

‫‪ - 3‬مظاهرات ديسمرب و األمم املتحدة‬

‫على املستوى الدولي يف احملافل الدولية وهيئة األمم املتحدة تناولت‬


‫الوفود اخلطب ومن بني القضايا العاملية املطروحة ‪ :‬املسألة‬
‫اجلزائرية‪ ،‬أي حق الشعب اجلزائري يف تقرير مصريه ويف احلرية‬
‫واالستقالل‪ ،‬فطالبت الدول الشقيقة والصديقة واحملبة للسالم‪،‬‬
‫فرنسا التعجيل حبل القضية اجلزائرية بالطرق السلمية‪ ،‬وتوفيق‬
‫حربها ضد الشعب اجلزائري يف كفاحه العادل والشرعي ضد‬
‫االستعمار‪ ،‬حيث قال ممثل املغرب يف الواليات املتحدة السيد حممد‬
‫بوستة‪...":‬ليس من املعقول أو املنطق انه يف وقت أصبحت فيه قضية‬
‫السالم هي احملرك الرئيسي جلميع الشعوب جند حربا طاحنة‬
‫جتري يف اجلزائر أمام أعني العامل بأسره "وأكد السيد أمحد‬
‫بوستة " إن حرب اجلزائر كانت هي العامل احلاسم يف التعجيل‬
‫بتصفية االستعمار بإفريقيا‪ ،‬ويف حصول عدد كبري من الدول‬
‫اإلفريقية على االستقالل‪ ،‬وان حرب اجلزائر ال تهدد سكان‬
‫اجلزائر فقط‪ ،‬بل أن خطرها ميتد إىل كامل أرجاء املغرب العربي‬
‫‪"...‬‬

‫‪60‬‬
‫وبعد عطلة األحد استأنفت هيئة األمم املتحدة يوم االثنني مناقشتها‬
‫للقضية اجلزائرية بتاريخ ‪ 11‬ديسمرب ‪ 1960‬لتجد الوفود نفسها أمام‬
‫وضع شديد تتصاعد خطورته‪ ،‬فاألخبار تتواىل على الوفود من‬
‫سفارتهم ومن الصحف و اإلذاعات و التلفزة العاملية حول اجملازر‬
‫الكربى اليت تقوم بها القوات الفرنسية و مليشياتها املدنية من‬
‫االستعماريني الفرنسيني بايعاز وتشجيع ومحاية ومد السالح من‬
‫اجليوش الفرنسية ضد اجلماهري اجلزائرية اليت خرجت يف‬
‫مظاهرات ومسريات سلمية تطالب باستقالهلا‪ ،‬وتعلقها بقيادتها‬
‫الشرعية الثورية جلبهة التحرير الوطين ‪...‬وقد أثارت هذه احلوادث‬
‫الدامية اليت ذهب ضحيتها عدة مئات من القتلى واجلرحى سخطا‬
‫عاما واستنكارا شديدا لدى خمتلف الوفود باألمم املتحدة ‪...‬وعربت‬
‫الكتلة اإلفريقية اآلسيوية عن تأثرها العميق أمام شهداء اجلزائر‬
‫واستنكارها الشديد لوحشية هذه اجملازر وللتعذيب ووسائله‬
‫احملرمة دوليا ‪..‬كما كشف لدى العمالء وضعفاء األنفس من دول‬
‫تبعية الفرانكفونية من إفريقيا السوداء على جرائم االستعمار‬
‫الفرنسي ووجدوا انفسهم يف مأزق وعزلة من دول الكتلة اإلفريقية‬
‫اآلسيوية املؤيدة لكفاح اجلزائر للحصول على استقالهلا مبختلف‬
‫الطرق والوسائل‪..‬‬

‫‪61‬‬
‫‪ - 4‬األمم املتحدة و القضية اجلزائرية‬

‫قامت اجلمعية العامة لألمم املتحدة بعد انتهاء املناقشات يوم‬


‫األربعاء حول القضية اجلزائرية باملصادقة على الئحة الكتلة‬
‫اآلسيوية اإلفريقية اليت تنص على إشراف األمم املتحدة ومراقبتها‬
‫لتقرير املصري يف اجلزائر‪ ،‬وقد كان التصويت على الالئحة‬
‫كفقرات مت التصويت على جمموعها إذ أحرزت الالئحة العامة‬
‫للقضية اجلزائرية على ‪ 80‬صوت وامتناع ‪ 8‬دول دون معارضة حيث‬
‫تنص الفقرة األوىل من الالئحة العامة على أن األمم املتحدة‬
‫"‪...‬تعرتف حبق الشعب اجلزائري يف تقرير مصريه حبرية وحقه يف‬
‫دول‬ ‫‪10‬‬ ‫دولة وامتنعت‬ ‫‪83‬‬ ‫االستقالل ‪..‬فصوت لصاحل الفقرة‬
‫معارضة‪.‬‬

‫" أما الفقرة الثانية فتنص بالضرورة امللحة إلعطاء الضمانات‬


‫الالزمة وفعالية للتأكيد من أن حق تقرير املصري سيطبق حبرية‬
‫وجناح وعدالة واحرتام الرتاب اجلزائري وسالمته‪ ..‬وصوتت لفائدتها‬
‫‪ 73‬دولة مع امتناع ‪ 20‬دولة ودون معارضة‪.‬‬

‫وعن الفقرة الثالثة اليت "تعرتف فيها األمم املتحدة مبسؤوليتها يف‬
‫دولة‬ ‫‪70‬‬ ‫املشاركة ليطبق هذا بنجاح وعدالة "‪ .‬حيث صوت عليه‬
‫دولة عن التصويت‬ ‫‪14‬‬ ‫لصاحل الالئحة ومعارضة ‪10‬دول‪ ،‬وامتناع‬

‫‪62‬‬
‫وفيما يتعلق بالفقرة الرابعة واألخرية اليت تنص على أن اللجنة " تقرر‬
‫أن جيري االستفتاء يف اجلزائر بتنظيم ومراقبة وإشراف األمم‬
‫املتحدة والذي يقرر بواسطته الشعب اجلزائري مصري وطنه حبرية‬
‫دولة وعارضت ‪33‬دولة وامتنعت ‪28‬دولة عن‬ ‫‪38‬‬ ‫"‪ ،‬فصوتت عليه‬
‫التصويت‪ ،‬وأخريا أجري التصويت جملموع الالئحة اليت أحرزت على‬
‫دولة‬ ‫‪20‬‬ ‫أغلبية الثلثني إذ صوت لصاحل الالئحة ‪47‬دولة وعارضها‬
‫وامتنع عن التصويت ‪ 28‬دولة من خمتلف دول األمم املتحدة‪.‬‬

‫وهذا نص الالئحة اليت متت املصادقة عليها ‪:‬‬

‫"‪...‬إن اجلمعية العامة بعد مناقشتها للقضية اجلزائرية وتذكريا‬


‫بقرارها ‪ ،1012‬املؤرخ يف ‪15‬فرباير ‪ 1957‬الذي تعرب فيه عن أملها يف‬
‫إجياد حل سلمي ودميقراطي عادل وبوسائل مناسبة ومتماشية مع‬
‫مبادئ األمم املتحدة‪.‬‬

‫والذي‬ ‫‪1957‬‬ ‫ديسمرب‬ ‫‪10‬‬ ‫املؤرخ يف‬ ‫‪1184‬‬ ‫ومستعيدة أيضا قرارها‬
‫عربت عن رغبتها يف بدء املفاوضات باإلضافة إىل استعمال وسائل‬
‫أخرى مالئمة للوصول إىل حل يتفق مع أهداف ومبادئ ميثاق األمم‬
‫املتحدة ‪.‬‬

‫‪1184‬‬ ‫نالحظ بكل أسف أن تلك املفاوضات اليت رمى إليها القرار‬
‫مليثاق األمم املتحدة فإنها‬ ‫‪2‬‬ ‫الفقرة‬ ‫‪1‬‬ ‫مل حتصل‪ ،‬وتذكريا باملادة‬

‫‪63‬‬
‫تعلن حريتها العميقة الستمرار أعمال العنف يف اجلزائر خاصة ملا‬
‫يعيشه الشعب اجلزائري من ارض حمروقة وإبادة مجاعية‪ ،‬نظرا إىل‬
‫أن الوضع احلالي يف اجلزائر يشكل تهديدا للسالم واألمن‬
‫الذي‬ ‫‪1960‬‬ ‫املؤرخ يف ‪18‬أكتوبر‬ ‫‪1945‬‬ ‫العامليني‪ .‬وتذكريا بقرارها‬
‫تطالب فيه بإحلاح بضرورة اختاذ إجراءات سريعة وبناءة يف كل ما‬
‫يهم السالم يف العامل آخذة بعني االعتبار كون الطرفني املعنيني قد‬
‫رضيا حبق تقرير املصري احلر‪ ،‬كقاعدة حلل املشكلة اجلزائرية‪.‬‬
‫واعرتافا منها بالرغبة اجلاحمة يف احلرية من مجيع الشعوب‬
‫املستعمرة ودور هذه الشعوب احلاسم يف سريها حنو االستقالل‪،‬‬
‫واقتناعا منها بان لكل الشعوب حق سيدتها وحرمة ترابها الوطين‬
‫ووحدته‪ ،‬ال ينكر يف احلرية الكاملة وممارستها‪ .‬وكان هذا ردا‬
‫على فرنسا وعلى املتطرفني باجلزائر الفرنسية‪ ،‬وفصل الصحراء‬
‫اجلزائرية عن األم اجلزائر‪ .‬وعلى تقسيم اجلزائر الذي نادت به‬
‫املظاهرات األوروبية يف ديسمرب ‪ .1960‬وكان مقابل ذلك املطالبة‬
‫بالوحدة الوطنية الشعبية والرتابية يف املظاهرات اجلزائرية وهو‬
‫الشيء الذي وافقت وطلبت هيئة األمم املتحدة من فرنسا باحرتام‬
‫تطبيقه مع حق الشعب اجلزائري يف تقرير مصريه يف احلرية و‬
‫االستقالل‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫‪- 5‬هزمية فرنسا‬

‫تكبدت القوات الفرنسية جبيوشها الثالثة واملساعدين هلا اهلزائم‬


‫العسكرية املتتالية على يد اجملاهدين واملناضلني وأفراد الشعب‬
‫بصفة عامة ‪...‬رغم ما ألقته احلكومة الفرنسية من ثقل سياسي‬
‫وعسكري يف ميدان املعركة‪...‬ورغم تفوقها عدة وعددا‪...‬ورغم‬
‫النجدات والتعزيزات املستمرة واملتتالية لقواتها باجلزائر اليت بلغت‬
‫ما يزيد عن مليون جندي فرنسي باإلضافة إىل احلركة (‪ 213‬ألف‬
‫حركي)حاملة األسلحة ضد الثورة ‪ ،‬زيادة على باقي تشكيالت‬
‫العمالء واملع مرين و املرتزقة ‪...‬كما كانت النفقات اليومية على‬
‫القوات الفرنسية باجلزائر ما يزيد عن ‪ 3‬ماليري سنتيم‪ .‬وحسب‬
‫الوثائق واملصادر الفرنسية واألجنبية اليت اطلعنا يف مراكز البحث‬
‫بفرنسا وغريها‪ ،‬اليت تطرقت يف خمتلف دراستها وحتاليلها‬
‫للتكاليف أو النفقات الفرنسية على حرب اجلزائر نذكر منها‬
‫على سبيل املثال‪:‬‬

‫يف دراستها‬ ‫‪1959/11/03‬‬ ‫جريدة "ليرباسيون ‪"LIBERATION‬بتاريخ‬


‫وحتليلها للفرتة ما بني‪ .1959-1954،‬واجمللة الربيطانية " دابنكر‬
‫لسنوات ‪1957-1954‬واللجنة االقتصادية الفرنسية‬ ‫‪THEBANKER‬‬

‫سنة ‪ .1958‬وتقرير لكتابة الدولة الفرنسية للميزانية لسيد‬


‫"قيون‪ "Guyon‬لسنة ‪ ،1958‬واليت تعرضت إىل األزمة االقتصادية‬

‫‪65‬‬
‫الفرنسية وكان أهم أسبابها اخنفاض اإلنتاج والواردات من اجلزائر‬
‫– و الواردات أيضا من العملة الصعبة‪ .‬واخنفاض الفرنك الفرنسي‪.‬‬
‫واملأساة االجتماعية يف فرنسا ‪.‬كل هذه األسباب سببها حرب‬
‫‪LIBERATION‬‬ ‫اجلزائر‪ .‬وقد تعرضت هلا بتحليل جريدة " ليرباسيون‬
‫ألف‬ ‫‪800‬‬ ‫بعنوان (‪...‬عوضا أن تبين فرنسا بهذه النفقات إلسكان‬
‫عائلة‪ ،‬فإننا حنطم وخنرب بها يف سياسة األرض احملروقة يف حرب‬
‫اجلزائر باجلزائر‪ ،...‬وإحصائيات املصادر السالفة الذكر وغريها‬
‫نفقات و تكاليف احلرب يف اجلزائر كالتالي ‪:‬‬

‫‪200-1954‬مليار ‪.‬‬

‫‪280-1955‬مليار ‪.‬‬

‫‪620-1956‬مليار ‪.‬‬

‫‪700-1957‬مليار‪.‬‬

‫‪900-1958‬مليار‪.‬‬

‫‪1000-‬مليار‪.‬‬ ‫‪1959‬‬

‫‪1080-1960‬مليار‪.‬‬

‫‪1200-‬مليار‪.‬‬ ‫‪1961‬‬

‫‪66‬‬
‫‪1180-1962‬مليار ‪200+‬مليار جلالء قواتها من اجلزائر‪.‬‬

‫اإلطارات العسكرية العاملة يف القوات املسلحة الفرنسية ومقارنتها‬


‫بإطارات الثورة اجلزائر‪.‬‬

‫االطارات العسكرية الفرنسية املكلفة حبرب اجلزائر‪.‬‬

‫‪60‬جنرال‪.‬‬

‫‪700‬عقيد ومقدم‪.‬‬

‫‪1300‬رائد‪.‬‬

‫‪4000‬ضابط‪.‬‬

‫‪19000‬ضابط صف‪.‬‬

‫االطارات العسكرية للثورة اجلزائرية‪.‬‬

‫العقداء حسب الواليات التارخيية ‪.‬‬

‫منذ تفجري الثورة إىل االستقالل ومنهم الشهداء‪:‬‬

‫‪8‬‬ ‫الوالية األوىل =‬

‫‪67‬‬
‫=‪6‬‬ ‫الوالية الثانية‬

‫الثالثة =‪6‬‬ ‫الوالية‬

‫=‪7‬‬ ‫الوالية الرابعة‬

‫اخلامسة =‪5‬‬ ‫الوالية‬

‫‪4‬‬ ‫الوالية السادسة =‬

‫ومل يكن هناك رتبة جنرال يف جيش التحرير الوطين أثناء الثورة‬
‫املسلحة‪.‬‬

‫عدد اجملاهدين يف القوات املقاتلة يف الزي العسكري ما يزيد عن‬


‫ألف باإلضافة إىل الذين كانوا يف السجون واملعتقالت‬ ‫‪30‬‬

‫واملكلفني مبهام خاصة و القوات املساعدة يف زيها املدني ‪..‬وطبقا‬


‫لتصرحيات احلكومة اجلزائرية املؤقتة سنة ‪ :1958‬أن عدد الشهداء‬
‫احلكومة جلزائرية بسم‬ ‫‪1962‬‬ ‫ألف‪ .‬وصرحت يف سنة‬ ‫‪600‬‬ ‫بلغ‬
‫ناطقها الرمسي أمحد بن بلة أن عدد الشهداء بلغ املليون و نصف‬
‫املليون ‪...‬‬

‫‪68‬‬
‫‪ -6‬سقوط اجلمهورية الفرنسية الرابعة‬

‫حبرب اجلزائر وضربات جيش التحرير الوطين يف اجلبال‬


‫والصحاري‪ ،‬القوات املساعدة له من الفدائيني يف املدن والقرى‬
‫باالستقالل‪.‬‬ ‫تطالب‬ ‫اليت‬ ‫الشعبية‬ ‫واملسريات‬ ‫واملظاهرات‬
‫واالنتصارات السياسية يف احملافل الدولية‪ ،‬وإنشاء خاليا جبهة‬
‫وأفواج جيش التحرير الوطين عرب الرتاب اجلزائري‪ ،‬وتعلق الشعب‬
‫اجلزائري بثورته اجمليدة حتت قيادة جيش التحرير الوطين‪ ،‬كل‬
‫هذه العوامل أدت إىل األزمات السياسية والعسكرية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية الفرنسية واليت كادت أن تؤدي إىل حروب أهلية يف‬
‫فرنسا واجلزائر بني الفرنسيني واملعمرين والقوات املسلحة‪ ،‬كل‬
‫‪1958-‬عدة حكومات يف‬ ‫‪1954‬‬ ‫هذه وتلك تعاقبت على الفرتة ما بني‬
‫حماولتها لعالج األزمة والقضاء على الثورة مثل الربع الساعة األخري‬
‫الكوست‪.‬‬

‫وهذه احلكومات هي التالية ‪:‬‬

‫مندس فرانس ‪ 54/06/18‬إىل ‪.55/02/23‬‬ ‫‪-‬‬

‫أدكار فور ‪ 55/02/23‬إىل ‪.56/02/01‬‬ ‫‪-‬‬

‫غي مولي ‪ 56/02/01‬إىل ‪.57/06/13‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪69‬‬
‫موريس يورجس مونري ‪ 57/06/13‬إىل ‪.57/11/06‬‬ ‫‪-‬‬

‫فليكس كيار ‪ 57/11/06‬إىل ‪.58/05/14‬‬ ‫‪-‬‬

‫بيار بفليمالن ‪ 58/05/14‬إىل ‪.58/06/01‬‬ ‫‪-‬‬

‫شارل ديغول ‪58/06/01‬إىل ‪.59/01/08‬‬ ‫‪-‬‬

‫أي بعد سقوط‬ ‫‪59/01/09‬‬ ‫ميشال دوبريي ابتداء من‬ ‫‪-‬‬


‫اجلمهورية الفرنسية الرابعة إىل قيام اجلمهورية الفرنسية‬
‫اخلامسة حتت رئاسة اجلنرال ديغول الذي جاء إلنقاذ فرنسا‬
‫من حرب اجلزائر‪ ،‬كما أنقذها يف احلرب العاملية الثانية‪.‬‬
‫لكن إرادة وعزمية الشعب اجلزائري وقراره النهائي مهما‬
‫كلفته من تضحيات جسام سبع سنوات ونصف من نار‬
‫ودمار ومليون ونصف مليون من الشهداء األبرار ‪ ،‬كان له‬
‫النصر واالنتصار وكان بالتعاون والتنسيق ووحدة العمل‬
‫املشرتك بني اجملاهدين يف اجلبال والفدائيني واملناضلني يف‬
‫املدن‪.‬‬

‫"‪...‬وأمام األخطار اليت تهدد فرنسا يف متزيق وحدتها الوطنية‬


‫والشعبية‪ ،‬ونشوب حرب أهلية‪ ،‬وجه الرئيس الفرنسي اجلنرال‬
‫ديغول خطابه ونداءه للشعب الفرنسي من مدنيني وعسكريني‬

‫‪70‬‬
‫ومجيع القوات احلية يف البالد‪...‬يشرح فيه دورة اخلالف احلاد‬
‫الذي ظهر أخريا على الساحة العسكرية من املتمردين‬
‫واملنشقني يف الوقت الذي ختوض فيه فرنسا حربها مع‬
‫اجلزائريني الذين حيققون االنتصارات املتتالية يف مجيع‬
‫املستويات السياسية والعسكرية داخل اجلزائر وخارجها ويف‬
‫احملافل الدولية ‪...‬إذ ظهر اجلنرال ديغول يف زيه العسكري وهو‬
‫يظهر من حني آلخر ساخرا وساخطا ومهددا وآمرا لتثبيت‬
‫شخصيته وسلطته وهيبته يف التلفزة الفرنسية بفرنسا واجلزائر‬
‫والعامل قائال ‪... ":‬إن جمموعة من اجلنراالت املتقاعدين مع‬
‫جمموعة من الضباط األنصار الطموحني املتعصبني احملكوم‬
‫عليهم‪ ،‬وحنملهم مسبقا مسؤولية احتمال وقوع كارثة وطنية‬
‫‪...‬هاهي الدولة الفرنسية تنهار‪ ،‬قوتنا تزعزعت –وهيبتنا الدولية‬
‫اخنفضت مكانتها‪ ،‬وحتطم دورنا يف أفريقيا ‪...‬من طرف من ؟‬
‫آه يا لألسف ‪،‬آه يا لألسف ‪ ،‬من طرف رجال كان من واجبهم‬
‫الشرف واخلدمة والطاعة ‪...‬باسم فرنسا إنين أستخدم كل‬
‫اإلمكانيات أقول كل الوسائل املمكنة لسد الطريق على‬
‫هؤالء الرجال يف انتظار متابعتهم‪...‬وإنين أمنع كل فرنسي‪،‬‬
‫كل جندي تنفيذ أي أمر من املتمردين‪ ،‬وال تسامح وال تقبل أي‬
‫من‬ ‫‪16‬‬ ‫ظروف‪ ،"...‬ثم أعلن الرئيس الفرنسي اللجوء إىل املادة‬
‫الدستور اليت ختول له كل الصالحيات واختتم قائال‪:‬‬

‫‪71‬‬
‫"‪...‬أيها الفرنسيات والفرنسيون ها أنتم ترون اخلطر الذي يهدد‬
‫وتذهب إليه فرنسا خالفا ملا كانت عليه يف جمدها أيتها‬
‫الفرنسيات أيها الفرنسيون ساعدوني ‪"...‬‬

‫فمن خالل الدراسات والتحاليل جند أن فرنسا كانت مقبلة‬


‫على حرب أهلية ومتزقات داخل القوات الفرنسية ‪ ،‬وبني‬
‫اجلماهري الشعبية بني املؤيدين واملعارضني الستقالل اجلزائر‬
‫‪...‬لكن اجرب اجلنرال ديغول على استمرار حرب اجلزائر و‬
‫القضاء على املتمردين و اخلضوع إىل مطالب املعمرين ملتابعة‬
‫احلرب بوسائلها اجلهنمية وبأسلحة احللف األطلسي النقاذ‬
‫شرف فرنسا من اهلزمية وحمافظته على مصاحل دول احللف‬
‫األطلسي باجلزائر االقتصادية والعسكرية‪ ،‬فأسرعت‬
‫احلكومة الفرنسية إىل تعزيز مواقعها العسكرية‪ ،‬واألسالك‬
‫الشائكة املكهربة ومناطق األلغام على طول خط احلدود‬
‫اجلزائرية املغربية والتونسية‪ ،‬وتعزيز قواتها داخل الوطن‪.‬‬
‫وضرب احلصار الربي والبحري واجلوي على اجلزائر لعزهلا عن‬
‫العامل اخلارجي يف االتصال و التموين و التسليح و العالج‪...‬‬

‫وقامت القوات الفرنسية أيضا بإنشاء احملتشدات ومراكز‬


‫التجمعات واملعتقالت والسجون مجع فيها الشعب اجلزائري ما‬
‫يزيد عن ثالثة ماليني نسمة خاصة يف األرياف‪ .‬وجعلت املناطق‬

‫‪72‬‬
‫اإلسرتاتيجية مناطق حمرمة ملنع أي اتصال بني الشعب‬
‫واجملاهدين ملدهم باملؤن والرجال‪...‬وقد طبقت القيادة الفرنسية‬
‫سياسة "تنشيف حوض املاء ليختنق السمك "‪.‬‬

‫وكان الشعب اجلزائري كلما ضيق عليه اخلناق وشرد وعذب‬


‫وقتل من طرف القوات الفرنسية وعمالئها كلما زاده ذلك محاسا‬
‫وعزمية والتحاما جببهة وجيش التحرير الوطين وتبين الثورة‬
‫واحتضانها والدفاع عنها مهما كانت النتائج‪ .‬وكانت أمنية الشعب‬
‫اجلزائري املخلص‪ :‬الشهادة أو النصر ومواجهة القوات الفرنسية‬
‫بصدوره العارية‪ ،‬وصمم على افتكاك استقالله التام بالقوة‬
‫والتضحية مهما كان الثمن‪.‬‬

‫‪- 7‬املناورات الفرنسية‬

‫بعد أن فشلت السلطات والقوات الفرنسية يف عملياتها لألرض‬


‫التطويق‬ ‫يف‬ ‫الوطين‬ ‫التحرير‬ ‫جيش‬ ‫ومتابعة‬ ‫احملروقة‬
‫والتمشيط‪"،‬راتيساج" واملناطق احملرمة‪ .‬وجتارب األسلحة الكيماوية‬
‫وااللكرتونية على الشعب اجلزائري واجملاهدين ‪...‬ملا فشلت كل‬
‫الوسائل اجلهنمية أمام إرادة الشعب اجلزائري ومتسكه بثورته‬
‫وجيشه‪...‬بدأت احلكومة الفرنسية تراوغ الشعب اجلزائري وقيادة‬
‫جبهة التحرير الوطين باحليل واملخادعات السياسية بالربامج‬

‫‪73‬‬
‫واملخططات لتحضري الرأي العام الدولي للقضية اجلزائرية ‪..‬وعزل‬
‫فرنسا وتضيق اخلناق عليها دوليا ‪...‬كل هذا كان ال بد على‬
‫اجلنرال ديغول أن يطلع على الوضع احلقيقي بعني املكان يف زيارته‬
‫عرب أقاليم اجلزائر أي االتصال املباشر مع اجلماهري الشعبية‬
‫اجلزائرية يف املدن و األرياف ألن كل مراوغاته وإسرتاتيجية باءت‬
‫بالفشل أمام يقظة ووعي الشعب اجلزائري ومتسكه باستقالل‬
‫اجلزائر وتشبثه جببهة وجيش التحرير الوطين الناطق الرمسي‬
‫بامسه وفشلت زيارة ديغول وبرناجمها‪ ،‬وتكسرت وتبددت أحالم‬
‫املعمرين واألقدام السوداء باجلزائر الفرنسية وهزمت كل املنظمات‬
‫واجلمعيات اهليئات املدنية والعسكرية الفرنسية يف اجلزائر ويف‬
‫فرمسا لضرب الوحدة الوطنية اجلزائرية الرتابية والشعبية‪ .‬وهذا‬
‫بفضل متسك الشعب اجلزائري بثورته وقيادتها مهما كانت الن‬
‫اهلدف واحد واملصري واحد وهو االستقالل‪ .‬وأعطى الشعب‬
‫اجلزائري أروع األمثلة وامللحمات يف التضحية ويف وحدة الصف‬
‫الوطين للحركات التحريرية العاملية وللشعوب يف العامل ملا قدمه‬
‫منن تضحيات وملواصلة بناء وتشييد اجلزائر احلرة املستقلة‪.‬‬

‫‪74‬‬

You might also like