Professional Documents
Culture Documents
ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﻮﺳﻴﻂ
أﺳﺗﺎذ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻷورﺑﻲ اﻟوﺳﯾط وﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﺑﯾن اﻟﺷرق واﻟﻐرب ﻋﺿو ھﯾﺋﺔ ﺗدرﯾس ﺑﻛﻠﯾﺔ
Abstract:
The Subject of the research Concerns one of the important periods of the history of
the province of Cyrenaica during the Roman. Occupation and the Spread of
Christianity in the region as a new heavenly religion at the beginning of the First
Century AD. At a time when many pagan religions were spread Locally and abroad to
destinations such as Phoenicians Egypt ,Greeks and Romans Occupation of the
ancient City of Romans, it did not tolerate the Christian religion , Which was
embraced by the people of Cyrenaica without the emperors worship which was
rejected by the Roman Empire . the people were persecuted and a authorities ,but
Christianity spread in the Middle of the Second Century AD. The study Called dividing
in to a Three pronged hierarchy:1- old worship in the old province of Cyrenaica.2- The
decline of Christianity and the position of Roman Emperors. 3- The spread of
Christianity in the Byzantine Ere and Christian sectarian Conflict.
ﺗﻘدﯾم :ﯾﺗﻌﻠﻖ ﻣوﺿوع اﻟﺑﺣث ﺑواﺣدة ﻣن اﻟﻔﺗرات اﻟﮭﺎﻣﺔ ﻣن ﺗﺎرﯾﺦ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ أﺛﻧﺎء ﻓﺗرة اﻻﺣﺗﻼل اﻟروﻣﺎﻧﻲ ،و
اﻧﺗﺷﺎر اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﻛدﯾﺎﻧﺔ ﺳﻣﺎوﯾﺔ ﺟدﯾدة ﻣﻊ ﺑداﯾﺔ اﻟﻘرن اﻷول اﻟﻣﯾﻼدي ،ﻓﻲ اﻟوﻗت اﻟذي ﻛﺎﻧت
ﺗﻧﺗﺷر ﻓﯾﮫ اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟدﯾﺎﻧﺎت اﻟوﺛﻧﯾﺔ اﻟﻣﺣﻠﯾﺔ وأﺧرى واﻓدة إﻟﻰ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﻣن ﺟﮭﺎت ﻣﺗﻌددة ،ﺧﺎﺻﺔ ﺗﻠك اﻟواﻓدة ﻣﻊ
اﻟﻔﯾﻧﯾﻘﯾﯾن ،واﻟواﻓدة ﻣن ﻣﺻر وﻣن اﻹﻏرﯾﻖ وﻣﻊ اﻻﺣﺗﻼل اﻟروﻣﺎﻧﻲ ،وﻛﺎﻧت اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ﻣﺗﺳﺎﻣﺣﺔ
إزاء اﻟدﯾﺎﻧﺎت اﻟﻘدﯾﻣﺔ اﻷﺧرى اﻟﺗﻲ ﻋرﻓﮭﺎ ﺳﻛﺎن اﻟﺷﻣﺎل اﻷﻓرﯾﻘﻲ ﻣﺎﻋدا اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ،ﺣﯾث ﺷﺟﻊ اﻟروﻣﺎن
ﻋﻠﻰ ﻋﺑﺎدة اﻹﻣﺑراطور ،ﺑرﻏم ﻋدم ﺗﻘﺑل أھﺎﻟﻲ ﺑرﻗﺔ واﻷﻓﺎرﻗﺔ ﻟﮭذه اﻟﻌﺑﺎدة ،ﻓوﺟدت اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ
واﻟﺷﻣﺎل اﻻﻓرﯾﻘﻲ اﺳﺗﻌدادا ً طﯾﺑﺎ ً ﻟﻘﺑوﻟﮭﺎ ،ﻓﻘد ﺗﮭﯾﺋت اﻟطﺑﻘﺔ اﻷرﺳﺗﻘراطﯾﺔ إﻟﻰ اﻟوﺣداﻧﯾﺔ ﺑﻔﺿل اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ اﻹﻏرﯾﻘﯾﺔ ،
وﺗﮭﯾﺄ اﻟﺷﻌب ﺑواﺳطﺔ اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﺑوﻧﯾﻘﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎن أﺻﺣﺎﺑﮭﺎ ﯾدﯾﻧون ﺑﺈﻟﮫ واﺣد دون أن ﯾؤﻣﻧوا ﺑﺈﻟﮫ واﺣد ،وﻟذﻟك
ﺳﺎﻋد اﻟﻔﻛر اﻟﺳﺎﺋد ﻋﻠﻰ ﺗﺳرب اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ واﻟﺷﻣﺎل اﻻﻓرﯾﻘﻲ ﻓﻲ ذﻟك اﻟوﻗت.
وﻤﻊ ﻤﻨﺘﺼﻒ اﻟﻘرن اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻟﻠﻣﯾﻼد ﺑدأت اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﺗﻔد ﻋﻠﻰ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ وﺗﺗرﻛز ﺑﺄھم اﻟﻣﻧﺎطﻖ
اﻟﺣﺿرﯾﺔ ،ﻛﻣدﯾﻧﺔ ﻗورﯾﻧﺎ وﻣدﯾﻧﺔ ﺑرﻗﺔ ﺛم اﻧﺗﻘﻠت إﻟﻰ ﺳرﺗﺎ وﻗرطﺎج ،ﻛدﯾﺎﻧﺔ ﺗوﺣﯾد ﻣﻌﺎدﯾﺔ ﻟﻌﺑﺎدة اﻹﻣﺑراطور
اﻟروﻣﺎﻧﻲ ،ﻣﻣﺎ ﺟﻌل اﻟﺳﻠطﺔ اﻟزﻣﻧﯾﺔ ﺗﻛن ﻟﮭﺎ اﻟﻌداء وﺗﺳﺗﺧدم ﻛل اﻟوﺳﺎﺋل ﻟﻣﺣﺎرﺑﺗﮭﺎ واﻟﻘﺿﺎء ﻋﻠﯾﮭﺎ ،وﻛﺎن ﱠأول
أﻗﺎﻟﯾم ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ د ً
ُﺧوﻻ ﻓﻲ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﱠﺔ ھو إﻗﻠﯾ ُم ﺑرﻗﺔ ،وﻛﺎن ﻟﻠﻣﺳﯾﺣﯾﱠﺔ ﻓﯾﮭﺎ ﺗﺎرﯾ ٌﺦ طوﯾل ﯾﻌﺗﺑر ُﺟز ٌء ﻣن ﺗﺎرﯾﺦ
ﺻورةٍ ﺳطﺣﯾﱠ ٍﺔ
اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﱠﺔ ﻓﻲ ﻣﺻر ،ﺣﯾث أﺻﺑﺣت ﻣﺻر ﻣن ﻣراﻛزھﺎ اﻟرﺋﯾﺳﯾﱠﺔ ،وﻗﺎﻣت ﻓﯾﮭﺎ اﻟﻛﻧﺎﺋس واﻣﺗدﱠت ﺑِ ُ
ﻋﻠﻰ طول اﻟﺷرﯾط اﻟﺳﺎﺣﻠﻲ ﻓﻲ اﻟﺷﻣﺎل اﻷﻓرﯾﻘﻲ ،وﻗد أﺗﻰ اﻟﻣﺑﺷرون ﺑﺎﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﺷﻣﺎل اﻷﻓرﯾﻘﻲ ﺧﻼل اﻟﻘرن
اﻟﺛﺎﻧﻲ اﻟﻣﯾﻼدي ،وﻻﻗت ھذه اﻟدﯾﺎﻧﺔ ﻗﺑوﻻ طﯾﺑﺎ ً ﺑﯾن اﻟﺳﻛﺎن .
واﺳﺗﺷﻌرت اﻹﻣﺑراطورﯾﱠﺔ ﺑﺎﻟﺧطر ﻟ ﱠﻣﺎ رﻓض اﻟﻧﺻﺎرى اﻻﻟﺗﺣﺎق ﺑﺎﻟﺟﯾش اﻟروﻣﺎﻧﻲ واﻟ ُﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ
اﻟ ُﺣروب ،وﻗد ﻋﻣل اﻷﺑﺎطرة اﻟروﻣﺎن ﻋﻠﻰ اﺻدار اﻟﻘواﻧﯾن اﻟﺗﻲ ﺗﺣرم ﻋدم اﻻﻟﺗﺣﺎق ﺑﺎﻟﻌﺳﻛرﯾﺔ ،واﺿطﮭدت
189
اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ
وﻋطﻠت ﻛﻧﺎﺋﺳﮭم وﺻﺎدرت ُﻣﻣﺗﻠﻛﺎﺗﮭم،واﻧﺗﮭﻰ اﻷﻣر ﺑِﺈﻋدام اﻟﻘ ِدّﯾس ﻗﺑرﯾﺎﻧوس وﻗطﻊ ﱠ اﻹﻣﺑراطورﯾﱠﺔ اﻟﻧﺻﺎرى،
رأﺳﮫ ،وﻋﻠﻰ ﻋﮭد اﻹﻣﺑراطور اﻟﺑﯾزﻧطﻲ دﻗﻠدﯾﺎﻧوس )305-284م( اﺷﺗدﱠ اﻟﺿﻐط ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن اﻟذﯾن ﺗﺷﺑﺛوا
أن اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ أﻋﻠﻧت ﺣرﻣﺎن ﻣن ﯾُﻠﻘﻲ اﻟﺳﻼح ﻣن رﺣﻣﺗﮭﺎ ﺑدﯾﻧﮭم اﻟﺟدﯾد ،وﻗﺎوﻣوا اﻹﻣﺑراطورﯾﱠﺔ ﺑِﻘوة وﻋﻧﺎد ،ﺣﺗﱠﻰ ﱠ
ﺻﻣود ﺑوﺟﮫ اﻻﺿطﮭﺎدات اﻟروﻣﺎﻧﯾﱠﺔ أن اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﺳﺎﺣل اﻷﻓرﯾﻘﻲ ﻧﺟﺣت ﻓﻲ ﺗﻧظﯾم ﻧﻔﺳﮭﺎ وﻓﻲ اﻟ ُ ،ورﻏم ﱠ
،ﺣﺗﻰ أن اﻷﺑﺎطرة اﻟﺑﯾزﻧطﯾون أﺛرو ﺗﻐﯾﯾر ﺳﯾﺎﺳﺗﮭم اﻟﻘﻣﻌﯾﺔ ﺿد اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن.
وﻋﻧدﻣﺎ أﺻﺑﺣت اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﱠﺔ دﯾﺎﻧﺔ رﺳﻣﯾﱠﺔ ﻣن ﺿﻣن اﻟدﯾﺎﻧﺎت واﻟﻣﻌﺗﻘدات ﺑﺎﻹﻣﺑراطورﯾﱠﺔ اﻟﺑﯾزﻧطﯾﺔ ﻓﻲ
اﻷول )337-305م( ،وﻗف ھذا اﻷﺧﯾر ﺿدﱠ اﻋﺗﻘﺎد اﻷﻓﺎرﻗﺔ ﻟﻠﻣذھب ﻋﮭد اﻹﻣﺑراطور اﻟﺑﯾزﻧطﻲ ﻗﺳطﻧطﯾن ﱠ
اﻷرﯾوﺳﻲ ،وﻛذﻟك اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدوﻧﺎﺗﯾﱠﺔ ،واﻋﺗﺑرھم ﺧﺎرﺟﯾن ﻋن اﻟﻘﺎﻧون ،وﺗرﺗﱠب ﻋﻠﻰ ﺗﺣﺎﻟف اﻟﺳﻠطﺔ واﻟﻛﻧﯾﺳﺔ ﺿدﱠ
اﺗﺑﺎع اﻟﻣذاھب اﻟﻣﺧﺎﻟﻔﺔ ﻟﻣذھب اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ ﻣﻘﺎوﻣﺔ ﻋﻧﯾﻔﺔ ،وأﺻﺑﺣت ھذه اﻟﻣذاھب رﻣزا ً ﻟﻠ ُﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟﺷﻌﺑﯾﱠﺔ ،وﻋﻧدﻣﺎ
وﻗﻊ اﻟﺳﺎﺣل اﻷﻓرﯾﻘﻲ ﺗﺣت ُﺣﻛم ﻗﺑﺎﺋل اﻟوﻧدال اﻟﺟرﻣﺎﻧﯾﱠﺔ ،اﺑﺗدأ ﻓﺻ ٌل ﺟدﯾد ﻣن ﻓُﺻول اﻟﺻراع اﻟدﯾﻧﻲ ،ﻓﻘد ﻓرض
اﻟوﻧدال ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎس ﻣذھﺑﮭم اﻷرﯾوﺳﻲ اﻟذي ﯾﻘول ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﻣﺳﯾﺢ اﻟﺑﺷرﯾﱠﺔ ،واﺿطﮭدوا اﻟﻧﺻﺎرى اﻟﻧﯾﻘﯾﯾن
وﺣوﻟوھﺎ إﻟﻰ اﻷرﯾوﺳﯾﯾن ،وﻟ ﱠﻣﺎ اﺳﺗﻌﺎد اﻟروم ﺷﻣﺎل اﻓرﯾﻘﯾﺔ ﻣن اﻟوﻧدال ﻓﻲ ﱠ ،وﺻﺎدروا أﻣﻼك اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ وأﻣواﻟﮭﺎ
ﻋﮭد اﻹﻣﺑراطور اﻟﺑﯾزﻧطﻲ ﺟﺳﺗﻧﯾﺎن )565 -527م(أﺧذت اﻟدوﻟﺔ ﺗﻌﻣل ﻋﻠﻰ ﺣﺳم اﻟﺧﻼﻓﺎت اﻟدﯾﻧﯾﱠﺔ ،ﻓﺎﺳﺗﻌﺎد
ﱠ
وﻟﻛن ذﻟك اﻟﺑﯾزﻧطﯾّون اﻟﻛﻧﺎﺋس اﻟ ُﻣﻐﺗﺻﺑﺔ ،وﺛﺄروا ﻣن اﻷرﯾوﺳﯾﯾن أﺷد اﻟﺛﺄر ،واﺿطﮭدوا اﻟدوﻧﺎﺗﯾﱠﺔ وﻛذﻟك اﻟﯾﮭود،
ﻟم ﯾﻣﻧﻊ اﻧﺗﺷﺎر ﻣذاھب ﺟدﯾدة ﻣﺛل اﻟﻧﺳطورﯾﱠﺔ وﻏﯾرھﺎ وﻟم ﺗﻧﺗ ِﮫ ﻣﺷﺎﻛل اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﱠﺔ ﻋﻧد ھذا اﻟﺣد.
وﺑرﻏم اﻟﺟﮭود اﻟﺗﻲ ﺑذﻟﮭﺎ اﻷﺑﺎطرة اﻟروﻣﺎن واﻟﺑﯾزﻧطﯾون ،وﺧﺎﺻﺔ اﻹﻣﺑراطور اﻟﺑﯾزﻧطﻲ ﺟﺳﺗﻧﯾﺎن ﻣن
أﺟل ﻓرض ﻣذھب اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ إﻻ إن ھذا اﻟﻣذھب ﻟم ﯾﺗرﺳﺦ ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ،وﻟم ﯾﻘﺑل اﻟﻣﺳﯾﺣﯾون ﺑﮫ وﺑﺎﻟظﻠم
اﻟواﻗﻊ ﻋﻠﯾﮭم ﻣن اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟﺑﯾزﻧطﯾﺔ ،ﻟذﻟك ﻓﺈن اﻟﻔﺎﺗﺣﯾن اﻟﻣﺳﻠﻣون ﻟم ﯾﺻطدﻣوا ﺑﺄﯾﺔ ﻣﻌﺎرﺿﺔ ﻋﻧدﻣﺎ ﻓﺗﺣوا
إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ﻋﺎم 642م 22/ه ،ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻻﺿطﮭﺎدات اﻟﺗﻲ ﻗﺎﻣت ﺑﮭﺎ اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟروﻣﺎﻧﻲ
واﻟﻌﺻر اﻟﺑﯾزﻧطﻲ ﺿد اﻟﻣذاھب اﻟﻣﻧﺎھﺿﺔ ﻟﻣذھب اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ .
وﻗد ﺗطﻠﺑت اﻟدراﺳﺔ ﺗﻘﺳﯾﻣﮭﺎ إﻟﻰ ﺗﻣﮭﯾد وﺛﻼﺛﺔ ﻣﺣﺎور وھﻲ ،اﻟﻌﺑﺎدات اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻓﻲ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ اﻟﻘدﯾم ،
ﺗﺳرب اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ وﻣوﻗف اﻷﺑﺎطرة اﻟروﻣﺎن ﻣﻧﮭﺎ ،اﻧﺗﺷﺎر اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺻر اﻟﺑﯾزﻧطﻲ واﻟﺻراع اﻟﻣذھﺑﻲ
اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ .
اﻟﻣﻌﺗﻘدات اﻟدﯾﻧﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻓﻲ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ، 1ﻣرت ﺑﻧﻔس ﻣراﺣل ﺗطور اﻟﻔﻛر اﻟدﯾﻧﻲ اﻟﺗﻲ ﻣر ﺑﮭﺎ اﻹﻧﺳﺎن
ﺑﺻﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ،اﻧطﻼﻗﺎ ﻣن اﻻﻋﺗﻘﺎد ﺑوﺟود اﻟﻘوى اﻟﺧﻔﯾﺔ اﻟﻣﺗﺣﻛﻣﺔ ﻓﻲ ﻣﺻﯾرھم ،ﻓرأى أھل ﺑرﻗﺔ ﺑﺄن ﺑﻌض
اﻟظواھر اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﺧﻠﯾط ﻣﺎ ﺑﯾن اﻟﺳﺣر واﻟدﯾن ،ﻛﻣﺎ أﻋﺗﻘدوا ﻓﻲ ﻛون اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﻣﻠﯾﺋﺔ ﺑﺎﻷرواح 2.وﻣن أﻗدم اﻟﻧﺻوص
اﻟﺗﻲ ﺗﺷﯾر إﻟﻰ اﻟﻌﺑﺎدات ﻓﻲ اﻟﺷﻣﺎل اﻷﻓرﯾﻘﻲ وﻓﻲ ﻟﯾﺑﯾﺎ وﻓﻲ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ﻣﺎ أورده اﻟﻣؤرخ )(Hérodote
ھﯾرودوت ﻓﻲ ﺷﮭﺎدﺗﮫ ﻋﻠﻰ أن اﻟﻠﯾﺑﯾﯾن ﻛﺎﻧوا ﯾﺳﻛﻧون ﺣول "ﺗرﺗﯾوﻧﯾس" وﻛﺎﻧوا ﯾﻌﺗﻘدون ﻓﻲ اﻟرﺑﺔ أﺛﯾﻧﺎ وذﻟك
3
ﺑﻘوﻟﮫ" -:ﻏﯾر أن اﻟﻘﺎطﻧﯾن ﻣﻧﮭم ﻋﻧد اﻟﺑﺣﯾرة اﻟﺗرﺗﯾوﻧﯾﺔ ﯾﻘرﺑون ﻷﺛﯾﻧﺎ ﺧﺎﺻﺔ ﺛم ﻣن ﺑﻌده اﻟﺗرﯾﺗون و"ﺑوﺳﯾدون".
– 1إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ Cyernaicaوﯾﻘﺻد ﺑﮫ اﻹﻗﻠﯾم اﻟذي ﯾﻘﻊ ﻓﻲ ﺷرق ﻟﯾﺑﯾﺎ وﺑرﻗﺔ Barrceﻣدﯾﻧﺔ اﻟﻣرج اﻟﺣﺎﻟﯾﺔ ،وﻛﻠﻣﺔ ﺑﺎرﻛﻲ ﻟﯾﺳت ﯾوﻧﺎﻧﯾﺔ ﺑل ﻛﻠﻣﺔ
ﻟﯾﺑﯾﺔ ،وھذا ﯾﻌﻧﻲ ﻣﺳﺎھﻣﺔ اﻟﻠﯾﺑﯾﯾن ﻓﻲ إﻧﺷﺎﺋﮭﺎ ﻋﺎم 560ق.م وأن ﻗﺑﯾﻠﺔ اﻷوﺳﺧﺳﺎي ھﻲ اﻟﺗﻲ أﻋﺎﻧت أﺧوة أرﻛﺳﯾﻼوس ﻋﻠﻰ ﺗﺄﺳﯾﺳﮭﺎ .ﻋﻠﻲ ﻓﮭﻣﻲ
ﺧﺷﯾم ،ﻗراءات ﻟﯾﺑﯾﺔ دار ﻣﻛﺗﺑﺔ اﻟﻔﻛر ،طراﺑﻠس ،ﺑﻼ ،ت ،ص40
- 2ﻣﺻطﻔﻰ أﻋﺷﻰ ،ﺟذور ﺑﻌض ﻣظﺎھر اﻟﺣﺿﺎرة اﻷﻣﺎزﯾﻐﯾﺔ ﺧﻼل ﻋﺻور ﻣﺎ ﻗﺑل اﻟﺗﺎرﯾﺦ ،ﻣرﻛز طﺎرق ﺑن زﯾﺎد ،اﻟرﺑﺎط ، 2002 ،ص32
- 3ھﯾرودوت ،ﻓﻲ ﻧﺻوص ﻟﯾﺑﯾﺔ ،ﺗرﺟﻣﺔ ﻋﻠﻲ ﻓﮭﻣﻲ ﺧﺷﯾم ،دار ﻣﺻراﺗﮫ ،ﻟﯾﺑﯾﺎ، 1967 ،ص62
190
اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ
واﻧطﻼﻗﺎ ﻣن اﻟﻧﺻوص اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﺧﺎﺻﺔ اﻟﻧص اﻟﺳﺎﻟف اﻟذﻛر ﻟﮭﯾرودوت ﻓﺈن ﻓﻛرة وﺟود أرﺑﺎب ﻣﺣﻠﯾﺔ
أوﻟﯾﺔ ﻛﺎﻧت ﻣوﺟودة ﻟدى ﺳﻛﺎن اﻹﻗﻠﯾم ،ﺑل ﻧﺟد" دﯾدور اﻟﺻﻘﻠﻲ " 4ﯾﺷﯾر إﻟﻰ أن اﻷرﺑﺎب وﻟدت ﻓﻲ ﺷﻣﺎل
اﻓرﯾﻘﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ ،وھذا اﻟرأي ﯾؤﻛده اﻟﺷﺎﻋر اﻹﻏرﯾﻘﻲ ھوﻣﯾروس 5 ،وھذا ﻣﺎ ﯾدل ﻋﻠﻰ أن اﻟﺳﻛﺎن ﻓﻲ ﺷﻣﺎل
اﻓرﯾﻘﯾﺎ ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻘدﯾم ،ﻛﺎﻧوا ﻗد ﻋرﻓوا اﻟﻌﺑﺎدات ﻣﻧذ أزﻣﻧﺔ ﺑﻌﯾدة ،وﺗﺄﺛروا ﻛﻐﯾرھم ﻣن اﻟﺷﻌوب اﻟﻘدﯾﻣﺔ
ﺑﺎﻟﻣظﺎھر اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺟﺎوز ﻗدرات ﺗﻔﻛﯾرھم ،ﻓﻌﺑدوا ﺑﻌﺿﮭﺎ ﺑﻐﯾﺔ اﻻﺳﺗﻔﺎدة ﻣن ﻣﻧﺎﻓﻌﮭﺎ أو ﺗﺟﻧب ﺷرھﺎ ،ﻛﻣﺎ
اﻋﺗﺑرت ﺗﻠك اﻟﻌﺑﺎدة ﻛﻣرﺣﻠﺔ أﺳﺎﺳﯾﺔ ﻣرت ﺑﮭﺎ ﻛل اﻟﺷﻌوب ،واﻋﺗﻘد اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ﺧﺎﺻﺔ أن ھذه اﻟﻘوى
6
ﻓﻲ اﻟﺟﺑﺎل ،واﻟﻛﮭوف واﻷﺣﺟﺎر واﻟﻣﺎء واﻟﻧﺟوم واﻟﻛواﻛب واﻷﺷﺟﺎر وﻏﯾرھﺎ.
وﯾﺷﯾر )ﺷﺎرل اﻧدري ( 7ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﺔ ﺗﺎرﯾﺦ ﺷﻣﺎل إﻓرﯾﻘﯾﺎ " أن اﻷﻓﺎرﻗﺔ ﻛﺎﻧوا ﯾﺗﻌﺑدون ﻓﻲ اﻟﻣﻐﺎرات أو
ﻓﻲ اﻷﻣﺎﻛن اﻟﻌﺎﻟﯾﺔ أو ﺑﺎﻟﻘرب ﻣن اﻟﻌﯾون واﻷﺷﺟﺎر اﻟﻣﻘدﺳﺔ ﺑدون أن ﯾﺣﺗﺎﺟوا إﻟﻰ ﺗﻣﺎﺛﯾل أو ﻣﻌﺎﺑد أو ﻛﮭﻧﺔ ،
ﻋﻼوة ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺎطﯾﮭم ﻟﻠﺳﺣر ،ﻓﺈﻧﮭم ﻋﻣدوا إﻟﻰ اﻟﺗﺿﺣﯾﺔ واﻟﻌراﻓﺔ اﻟﻣﻌﺗﻣدة ﻋﻠﻰ اﻟﻧوم ﻓوق اﻟﻘﺑور وإﻟﻰ ﺗﻧﺑؤات
اﻟﻧﺳﺎء" ﺣﯾث " ﯾﻧظر إﻟﻰ ﺑﻌﺿﮭﺎ ﺑﺄﻧﮭﺎ ﻣﺳﺎﻛن ﻟﺑﻌض اﻟﻣﻌﺑودات ﻣﺛل اﻟﻣﻌﺑود إﻓري ) 8(IFRUاﻟذي ﯾﻌﻧﻲ
"ﯾﺧﺗﺑﺊ" وﻛﺎن ﺳﻛﺎن ﺷﻣﺎل إﻓرﯾﻘﯾﺎ وﻣﻧﮭم أھل ﺑرﻗﺔ ﯾﻌﺗﻘدون ﺑﺄن اﻟﻣﻐﺎرة ھﻲ وﺳﯾﻠﺔ ﻟﻠدﺧول إﻟﻰ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺑﺎطﻧﻲ
9
ﻟﻠﺟﺑل وھﻲ ﻣوﺿﻊ ﺗﻘدﯾس وﻋﺑﺎدة ،وظﻠت أھﻣﯾﺔ ﺑﻌض اﻟﻣﻐﺎرات ﻓﻲ اﻟﻌﺑﺎدة ﻗﺎﺋﻣﺔ ﺣﺗﻰ اﻟﻔﺗرة اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ.
وﻗد ﺑرزت اﻟرﺑﺔ أﻓري أو أﻓرو ﻓﻲ زﻣن ﻣﻘﺎوﻣﺔ اﻟروﻣﺎن ،وھﻲ رﺑﺔ ﯾﺷﯾر اﺳﻣﮭﺎ إﻟﻰ اﻟﻛﮭف وﺗﻌﺗﺑر
ﺣﺎﻣﯾﺔ ﻟﻠﺑﻼد ،ﻛﺎﻧت ذات ﻧﻔوذ واﺳﻊ ﺣﺳب ﻣﺎ ذﻛر ﻣن أﻧﮫ ﻻ ﯾﺟرأ أﺣد ﻋﻠﻰ اﻹﻗدام ﻋﻠﻰ ﻋﻣل ﻣﺎ ﺣﺗﻰ ﯾﺳﺗﺷﯾر
اﻟرﺑﺔ أﻓري ،اﻟﺗﻲ راﻓﻘﺗﮭم ﻓﻲ ﺣروﺑﮭم ﺿد اﻟروﻣﺎن ،أﻣﺎ ﻋﻧدﻣﺎ اﺳﺗﻘر اﻟروﻣﺎن ﻓﻲ ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ ﺑدأ ﺗﺟﺳﯾد ھذه
اﻟرﺑﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻧﻘود اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ ،ﻛﻣﺎ اﺗﺧذھﺎ اﻟروﻣﺎن ﺣﺎﻣﯾﺔ ﻟﮭم ،وإﻟﻰ ﺟﺎﻧب أﻓري ﻋرﻓت ﻋﺑﺎدة
ﺟورزﯾل اﻟﻣﺟﺳد ﺑرأس اﻟﺛور ،وھو اﺑن وﺣﻲ آﻣون ،وﻗد ﺣﻣﻠﮫ اﻟﺳﻛﺎن ﻓﻲ ﺣروﺑﮭم ﺿد اﻟﺑﯾزﻧطﯾﯾن ،وأﺳﺗﻣر
اﻻﻋﺗﻘﺎد ﺑﻘدﺳﯾﺔ اﻟﻣﻐﺎرات ﺣﺗﻰ ﺧﻼل اﻟﺣﻘﺑﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ،وﯾظﮭر ذﻟك ﻓﻲ رﺳﺎﻟﺔ )اﻟﻘدﯾس أوﻏﺳطﯾن(Augustin1
2
Stإﻟﻰ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن اﻟذﯾن ﻛﺎﻧوا ﯾﻧزﻟون إﻟﻰ ﺑﺎطن اﻷرض ﻻﻋﺗﻘﺎدھم ﺑﺄﻧﮭم ﺑﮭذا اﻟﻔﻌل ﯾﻛوﻧون أﻛﺛر ﻗرﺑﺎ ﻣن اﻟرب.
وﺑذﻟك ﻋرف ﺳﻛﺎن ﺑرﻗﺔ ﻋﺑﺎدة اﻟﺣﺟر اﻟﻣﻘدس ،وﯾورد "ﺳﺗﯾﻔﺎن ﺟزال ﻋن" ﺑوﻣﺑﯾوس ﻣﯾﻼ " ﺑﺄن ﻓﻲ
ﺑرﻗﺔ ﺗوﺟد ﺻﺧرة ﻻ ﯾﺟب أن ﯾﻣﺳﮭﺎ أﺣد ،وإن ﺣدث وأن ﻣﺳﮭﺎ أﺣد ﺗﺛور رﯾﺢ ﺟﻧوﺑﯾﺔ وﺗﺣدث اﻟزواﺑﻊ وﺗﮭﯾﺞ
4
- Diodore de Sicile , Bibliothéque Historique ,trad. A . F . Miot , Paris , 1934.77.4-5
- 5ﻣﺻطﻔﻰ أﻋﺷﻲ ،اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑﻖ ،ص33 .
6
- Pline L'Ancien, Histoire Naturelle, Trad, Desanage, éd.,"belles lettres", Paris,1980,VI,P7
– 7ﺷﺎرل أﻧدري ﺟوﻟﯾﺎن :ﺗﺎرﯾﺦ إﻓرﯾﻘﯾﺎ اﻟﺷﻣﺎﻟﯾﺔ ،ﺗﻌرﯾب ﻣﺣﻣد ﻣزاﻟﻲ ،اﻟﺑﺷﯾر ﺑن ﺳﻼﻣﺔ ،اﻟدار اﻟﺗوﻧﺳﯾﺔ ﻟﻠﻧﺷر 1978 ،م ،ص78
(IFRU) - 8أو إﻓري :ﯾرى ﺑﻌض اﻟﻣؤرﺧون أن ھذا اﻟﻣﻌﺑود اﺳﺗوﺣﻰ ﻣﻧﮫ أﺳم إﻓرﯾﻘﯾﺎ ) (Africaاﻟذي اﺳﺗﺧدم أﺛﻧﺎء اﻻﺣﺗﻼل اﻟروﻣﺎﻧﻲ وھو
ﻣﺷﺗﻖ ﻣن ﺗﺳﻣﯾﺗﮫ اﻟﻣﺣﻠﯾﺔ ﻟﮭذا اﻹﻟﮫ "إﻓري" ﻗﺑل أن ﯾﺗم ﺗﻌﻣﯾم اﻻﺳم ﻋﻠﻰ ﻛﺎﻣل اﻟﻘﺎرة.
BENABOU (M.), LA Résistance Africaine à la romanisation, Paris, 1975.p27
9
- Ibid .pp270-271
- 1اﻟﻘدﯾس أوﻏﺳطﯾن ، St Augustinوﻟد ﺑﺗﻐﺎﺳت ﺣواﻟﻲ ﻋﺎم 354م ،ﻛﺎن اﻻﺑن اﻷﻛﺑر ﻷﻣﮫ ﻣوﻧﯾﻛﺎ اﻟﺗﻲ ﻣﻧﺣت ﻟﻘب ﻗدﯾﺳﺔ ،وأﺑﯾﮫ ﺑﺎﺗرﯾﺳﯾوس
اﻟذي ﻛﺎن وﺛﻧﯾﺎ ،ﺗﺄﺛر ﺑﻣواﻗف أﻣﮫ اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﻋﻧدﻣﺎ ﻛﺎن ﺻﻐﯾرا ،و ﺗﻠﻘﻰ ﺗﻌﻠﯾﻣﮫ اﻷول ﻓﻲ ﻣﺳﻘط رأﺳﮫ وﻓﻲ ﻣدﯾﻧﺔ " ﻣدور" ﻗﺑل أن ﯾﻧﺗﻘل إﻟﻰ ﻗرطﺎج ،
ﻛﺎن ﻣن أﺗﺑﺎع اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺎﻧوﯾﺔ ،ﺛم رﺣل إﻟﻰ ﺣﯾث ﺗﻠﻘﻰ ﺗﻌﻠﯾﻣﮫ ﺑﻣدور ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد وأﺗم ﻣﻌﻣودﯾﺗﮫ ﺑﻣﯾﻼﻧو ،ودرس اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ،اﻟﺧطﺎﺑﺔ وﻓن اﻹﻗﻧﺎع ﻋﻣل ﻓﻲ
اﻟﻘﺿﺎء ﺑﻣﯾﻼﻧو وأﺳﺗﺎذ ﻟﻠﺧطﺎﺑﺔ ،ﺣﺎوﻟت أﻣﮫ وأﺳﻘف ﻣﯾﻼﻧو إﻗﻧﺎﻋﮫ ﺑﺎﻟﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﯾﺔ ﻟﻛﻧﮫ ﺑﻌد أن ﺗﺧﻠﻰ ﻋن اﻟﻣذھب اﻟﻣﺎﻧوي ﺗﺑﻧﻰ ﻣذھب اﻷﻓﻼطوﻧﯾﺔ
اﻟﻣﺣدﺛﺔ وھﻲ دﯾﺎﻧﺔ وﺛﻧﯾﺔ .ﻗرأ ﻋن اﻟﻘدﯾس أﻧطوﻧﯾو واﻋﺗﻧﻖ اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ واﻟﺗﻔرغ ﻟﺧدﻣﺗﮭﺎ ﻣن أﺷﮭر ﻛﺗﺑﮫ "اﻻﻋﺗراﻓﺎت" و"ﻣدﯾﻧﺔ ﷲ " وﻓﻲ ﺳن
اﻟﺳﺎﺑﻌﺔ واﻟﺛﻼﺛون ﻋﯾن ﻛﺎھﻧﺎ وأﺻﺑﺢ ﻣﺑﺷرا ﻣﻌروﻓﺎ ﻓﻲ ﻣدﯾﺗﺔ "ھﯾﺑو رﯾﺟﯾوس" إﻟﻰ أن أﺻﺑﺢ ﻣﺳﺎﻋدا ﻷﺳﻘﻔﮭﺎ ﺛم أﺳﻘﻔﺎ ﻟﮭﺎ ،ﺣﺎرب اﻟﺑدع واﻟﮭرطﻘﺔ
وأﻋﻠن اﻟﺣرب ﻋﻠﻰ اﻟدوﻧﺎﺗﯾﺔ .ﺗوﻓﻲ ﻓﻲ ﺣواﻟﻲ ﺳﻧﺔ 430م .ﻟﻠﻣزﯾد ﯾﻧظر HENRI MARROU ,SAINT AUGUSTIN et l’augustinisme, .
éd., SEUL ,Paris,1973,p.11
2
- Augustin (ST.), Sernomes, XLV, 7, D'après, Benabou, op-cit, P.260
191
اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ
ﺑﺎﻟرﻣﺎل ،ذﻟك ﺑﺄن اﻟﺟن ﺑﺣﺳب اﻻﻋﺗﻘﺎد ھو اﻟذي ﯾﻘوم ﺑﺗﮭﯾﯾﺟﮭﺎ 3،وﯾﻔﺳر )" (R.Dussaudﻋﺑﺎدة اﻟﺣﺟﺎرة ﺑﺄﻧﮭﺎ
ﻛﺎﻧت ﻋﺎدﯾﺔ ﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻺﻧﺳﺎن اﻟﻘدﯾم ،ﻷﻧﮭﺎ ﺗدﺧل ﻓﻲ إطﺎر ﺗﺻور اﻟﻣﻌﺑود ﻓﻲ ﺷﻛل ﺣﺟﺎرة ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر أن اﻹﻧﺳﺎن ﻛﺎن
4
ﯾﻘﺑل ﻓﻛرة اﺣﺗواء اﻟﺣﺟر ﻋﻠﻰ ﺑﻌض ﻣﻛوﻧﺎت اﻟﺣﯾﺎة ﻣﺛﻠﮫ ﻣﺛل اﻟﺣﯾوان واﻟﻧﺑﺎت.
وﻋﺑد أھل إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻘدﯾم اﻟﺷﻣس واﻟﻘﻣر واﻟﻧﺟوم ،وﯾﺷﯾر "ھﯾرودوت" إﻟﻰ أن ﺳﻛﺎن ﻟﯾﺑﯾﺎ -
ﻋدا ﺳﻛﺎن ﺑﺣﯾرة ﺗرﯾﺗون -ﻣن اﻟﺑدو اﻟرﻋﺎة ﻛﺎﻧوا ﯾﻘدﻣون اﻟﻘراﺑﯾن ﻣن أﺟل اﻟﺣﺻول ﻋﻠﻰ ﺑواﻛﯾر اﻟﻣﺣﺎﺻﯾل،
وﯾﻘطﻌون ﺟزءا ﻣن أذن اﻷﺿﺣﯾﺔ وﯾرﻣوﻧﮭﺎ إﻟﻰ اﻷﻋﻠﻰ ،ﺑﻌدﻣﺎ ﯾﻠوون ﻋﻧﻖ اﻷﺿﺣﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﺧﻠف وﻛﺎﻧوا ﯾﺗﻘرﺑون
5
إﻟﻰ اﻟﺷﻣس واﻟﻘﻣر وﺣدھﻣﺎ.
ﻛﻣﺎ ﯾﺷﯾر "ھﯾرودوت" أﯾﺿﺎ ﺑﺄن اﻟﻘﻣر ﻛﺎن ﯾﻌﺑد ﺑﺎﻟﺧﺻوص ﻣﺎ ﺑﯾن "ﺑﺣﯾرة ﺗرﯾﺗون" وﻣﺻر" 6وأطﻠﻖ
ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺳﻛﺎن اﻹﻟﮫ اﯾﺑرو ) (Iourوھو اﻹﻟﮫ اﻟوﺣﯾد اﻟذي ذﻛرﺗﮫ اﻟﻧﺻوص اﻷﻣﺎزﯾﻐﯾﺔ ،وﻋﺑﺎدة اﻟﺷﻣس ظﮭرت
7
ﻣﻧذ أﻗدم اﻟﻌﺻور ،وﻛﺎن ﯾرﻣز إﻟﯾﮭﺎ ﺑﺎﻟﻘرص .
ﻟﻘد اﺳﺗﻣرت ﻋﺑﺎدة اﻟﺷﻣس واﻟﻘﻣر ﻟﻔﺗرة طوﯾﻠﺔ ،وﯾؤﻛد ذﻟك اﺑن ﺧﻠدون ﺑﻘوﻟﮫ "-:ﻛﺎن ﻣﻧﮭم– اﻟﺑرﺑر– ﻣن
ﺗﮭود وﻣن ﺗﻧﺻر ،وآﺧرون ﻣﺟوﺳﺎ ﯾﻌﺑدون اﻟﺷﻣس واﻟﻘﻣر واﻷﺻﻧﺎم 1 ،واﺳﺗﻣرت ﺑﻌض اﻟﻌﺎدات اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻋﻠﻰ
ﺷﻛﻠﮭﺎ إذ ﻛﺎن اﻵﺑﺎء إﻟﻰ ﻋﮭد ﻗرﯾب ﯾﻧﺻﺣون أﺑﻧﺎءھم اﻟﺻﻐﺎر ﺣﯾن ﺗﺑدﯾل أﺳﻧﺎﻧﮭم ﺑﺗﻘدﯾم اﻟﺳن اﻟﻠﺑﻧﯾﺔ ﺻﺑﺎﺣﺎ ﺟﮭﺔ
اﻟﺷﻣس طﺎﻟﺑﯾن ﻣﻧﮭﺎ أﺧذ ﺳن اﻟﺣﻣﺎر وﻣﻧﺣﮭم ﺳن اﻟﻐزال ،وﺑذﻟك ﯾﻛون ﺳﻛﺎن إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ﻗد ﻣﺎرﺳوا ﺗﻠك اﻟﻌﺑﺎدة
ﻣﻧذ أﻣد ﺑﻌﯾد.
ﻋرﻓت ﻟﯾﺑﯾﺎ اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟدﯾﺎﻧﺎت اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﻛﺎن أوﻟﮭﺎ ﺑﺎﻟطﺑﻊ اﻟﻔرﻋوﻧﯾﺔ ﻓﺎﻟﻣﺻرﯾون اﻟﻘدﻣﺎء ھم أﻗدم ﺟﯾران
ﻟﻠﯾﺑﯾﯾن وھم أﻗرب ﻋﻘﺎﺋدﯾﺎ إﻟﯾﮭم ،وﻣن ﺛم ﻛﺎن ﺗﺷﺎﺑك اﻟﻣﻌﺗﻘدات اﻟﻣﺻرﯾﺔ واﻟﻠﯾﺑﯾﺔ ،وﯾﻌد ﻛل ﻣن اﻹﻟﮭﯾن )إزﯾس
وأوزﯾرﯾس( أﺑرز اﻵﻟﮭﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ اﻟﺗﻲ اﻛﺗﺳﺣت ﻣﻌﺗﻘدات اﻟﻠﯾﺑﯾﯾن اﻟﺷرﻗﯾﯾن ،وھو ﻣﺎ ﺳﺟﻠﮫ ﻣن اﻟﻣﻌﺗﻘدات
اﻟدﯾﻧﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ اﻟﺗﻲ ﻋﺑدت ﻓﻲ اﻟﺷرق اﻟﻠﯾﺑﻲ وﻓﻲ ﻣﺻر ﻣﺛل اﻹﻟﮫ ﺣورس اﻟذي ﯾرﺗﺑط اﺳﻣﮫ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ
ﺑﻣﻌﻧﻰ اﻻرﺗﻔﺎع واﻟﺳﻣو وﯾرﺗﺑط اﻛﺛر ﺑطﺎﺋر اﻟﺻﻘر ،وﻗد ﻣﺛل ھذا اﻹﻟﮫ ﻓﻲ اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ ﺑﺗﻣﺛﺎل إﻧﺳﺎن ﺑرأس
ﺻﻘر ،أﻣﺎ ﻓﻲ ﻟﯾﺑﯾﺎ ﻓﻧﺟد اﻟﻣﻧطﻘﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﺑد ﻓﯾﮭﺎ ﺣورس ھﻲ ﻣﻧطﻘﺔ ﻗورﯾﻧﻲ اﻟواﻗﻌﺔ ﻓوق اﻟﺟﺑﺎل اﻟﻣرﺗﻔﻌﺔ اﻟﺗﻲ
ﺗﻛﺛر ﻓﯾﮭﺎ اﻟطﯾور اﻟﺟﺎرﺣﺔ ،ﻛﻣﺎ أن ﻋﺑﺎدة ﺣورس رﻏم اﻧﺗﺷﺎرھﺎ ﻓﻲ ﻛل ﻣﺻر ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺗرﻛزت ﻓﻲ اﻟدﻟﺗﺎ اﻟﻐرﺑﯾﺔ
ﺣﯾث ﻛﺎن ﯾطﻠﻖ ﻋﻠﻰ ھذ اﻹﻟﮫ )ﺣورس اﻟﻠﯾﺑﻲ ذو اﻟذراع اﻟﻣرﻓوع ( "وأن ﻛل اﻟﻧﺻوص اﻟﺗﻲ أﺷﺎرت إﻟﯾﮫ ﺧﻼل
2
ﻛل اﻟﻔﺗرات ﻛﺎﻧت ﺗﺻب ﻓﻲ اﺗﺟﺎه ﻛوﻧﮫ إﻟﮫ أﺻﯾﻼ ﻓﻲ ﺷرق ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ وأن ﻣوطﻧﮫ اﻷﺻﻠﻲ ﻗد ﯾﻛون ﻟﯾﺑﯾﺎ".
ﻋﺑد " أوزﯾر" و " ﺣورس " ﻣن ﻗﺑل اﻟﻠﯾﺑﯾﯾن ﻓﻲ اﻷﺟزاء اﻟﺷرﻗﯾﺔ ﻣن ﻟﯾﺑﯾﺎ ،وﻋﺑدت ﻛذﻟك "
ﻛﻣﺎ ُ
أﯾزﯾس" أم " ﺣورس " وزوﺟﺔ أوزﯾر ،وﺣول ﻋﺑﺎدة أﯾزﯾس ﻧﺟد ﺿﺎﻟﺗﻧﺎ ﻓﻲ اﻷﺳﺎطﯾر اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾﺔ وﻛﺗﺎﺑﺎت
3
- -Gsell (St), H.A.A.N, T,6, P ,134
4
- Dussaud (Réné), « introduction à l’histoire des religions Ernest Leroux, Paris,1914 , P.28
5
- Hérodote ,IV ,188
6
- Ibid ,I,IV,188
- 7اﻟﻌﻘون ﻣﺣﻣد اﻟﻌرﺑﻲ ،اﻻﻗﺗﺻﺎد واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻓﻲ اﻟﺷﻣﺎل اﻹﻓرﯾﻘﻲ اﻟﻘدﯾم ،دار اﻟﮭدى ،اﻟﺟزاﺋر ،، 2008 ،ص. 213 .
Camps (G.), au origines de la berbérie, movements et rites funéraires, protohistoriques Paris, 1961, pp.101-102
- 1اﺑن ﺧﻠدون :ﻛﺗﺎب اﻟﻌﺑر ودﯾوان اﻟﻣﺑﺗدأ واﻟﺧﺑر ﻓﻲ أﯾﺎم اﻟﻌرب واﻟﻌﺟم واﻟﺑرﺑر وﻣن ﻋﺎﺻرھم ﻣن ذوي اﻟﺳﻠطﺎن اﻷﻛﺑر ،ج ،6ﺑﯾروت،
، 1979ص18 .
– 2أﺣﻣد ﻋﺑداﻟﺣﻠﯾم دراز :ﻣﺻر وﻟﯾﺑﯾﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾن اﻟﻘرن اﻟﺳﺎﺑﻊ واﻟﻘرن اﻟراﺑﻊ ق.م ،اﻟﮭﯾﺋﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،اﻟﻘﺎھرة 2000،م ص205
192
اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ
ھﯾرودوت واﻷﺛﺎر اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺷف ﻋﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﻗورﯾﻧﻲ وﺻور ﺑداﺋﯾﺔ ﻋﺛر ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﻐرب ﻣن إﻗﻠﯾم ) ﺑرﻗﺔ (
3
واﻟﺗﻲ ﺗؤﻛد ﻋﺑﺎدة أﯾزﯾس ﻛﺎﻧت ﻣﻧﺗﺷرة ﻓﻲ ﻟﯾﺑﯾﺎ ﻣن ﻋﺻور ﻣﺎ ﻗﺑل اﻟﺗﺎرﯾﺦ .
وﻣن اﻟﺛﺎﺑت أن ﻋﺑﺎدة أﯾزﯾس اﻗﺗرﻧت ﺑﺎﻟﺑﻘرة اﻟﺗﻲ ﻗدﺳت ﻣن أﺟﻠﮭﺎ ،وﻗد رﺳﻣت ﻓﻲ اﻷﺛﺎر اﻟﻣﺻرﯾﺔ
ﻋﻠﻰ ھﯾﺋﺔ ﺑﻘرة ﺑﻘرﻧﯾن ﯾﺗوﺳطﮭﻣﺎ ﻗرص اﻟﺷﻣس ،ﻛﻣﺎ رﺳﻣت وﻣﺛﻠت اﯾزﯾس ﻓﻲ ﺻورة اﻣرأة واﻗﻔﺔ أو ﺟﺎﻟﺳﺔ
4
ﻋﻠﻰ ﻋرش ﺑرأس ﺑﻘرة ،وﻣﺛﻠت وھﻲ ﺗرﺿﻊ طﻔﻠﮭﺎ ﺣورس .
وﯾﺣدﺛﻧﺎ ھﯾرودوت ﻋن ﻋﺑﺎدة " أﯾزﯾس " ﻓﻲ ﻟﯾﺑﯾﺎ ﻓﯾﻘول أن اﻟﻠﯾﺑﯾﯾن اﻟذﯾن ﻛﺎن ﻏذاؤھم اﻟﻠﺣوم وﺷراﺑﮭم
اﻷﻟﺑﺎن ،ﻛﺎﻧوا ﻻ ﯾﻣﺳون ﻟﺣم اﻟﺑﻘرة ﻟذات اﻟﺳﺑب اﻟذي ﻣن أﺟﻠﮫ ﯾﻣﺗﻧﻊ ﻋن ﺗﻧﺎوﻟﮫ اﻟﻣﺻرﯾون ،وﻻ ﯾﺳﺗﺛﻧﻰ ﻧﺳﺎء
ﺑرﻗﺔ وﻻ ﻧﺳﺎء ﻗورﯾﻧﻲ ﻣن ذﻟك ﺑل ﯾﺻرح أﻧﮭن ﻛن ﯾﻔﻌﻠن ذﻟك ﺗﻘدﯾﺳﺎ ﻷﯾزﯾس اﻟﻣﺻرﯾﺔ ،وﯾﻌﺗﺑر اﻟﺧﻧزﯾر
اﻟﻣﻣﺛل ﻟﻺﻟﮫ "ﺳت" ﻋدو أﯾزﯾس وﻏرﯾﻣﮭﺎ ،ﻓﯾذﻛر ھﯾرودوت أن اﻟﻠﯾﺑﯾﯾن ﻛﺎﻧوا ﯾﻣﺗﻧﻌون ﻋن ﺗرﺑﯾﺔ ھذا اﻟﺣﯾوان ،
1
وﯾﺧص ﻧﺳﺎء ﺑرﻗﺔ أﻧﮭن ﻛن ﯾﻣﺗﻧﻌن ﻋن ﺗﻧﺎول ﻟﺣﻣﮫ .
وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠﺗﺄﺛﯾرات اﻹﻏرﯾﻘﯾﺔ اﻟﻠﯾﺑﯾﺔ ،إذ أﺛرت ﻛل ﻣن اﻟﺣﺿﺎرﺗﯾن ﻓﻲ اﻷﺧرى ،وﯾﺗﺟﻠﻰ اﻟﺗﺄﺛﯾر اﻟﻠﯾﺑﻲ
ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟﻘورﯾﻧﻲ ﻓﻲ اﻻﺳم "ﻗورﯾﻧﻲ" ﻧﻔﺳﮫ ،ﯾرﺟﻊ أﺻل اﻟﺗﺳﻣﯾﺔ ﺣﺳب اﻷﺳطورة إﻟﻰ ﺻﯾﺎدة أﺳود ﻟﯾﺑﯾﺔ
ﺷﺟﺎﻋﺔ ﻛﺎن اﺳﻣﮭﺎ ﺳﯾري أو ﻛﯾري ،ﺗﻔﯾد اﻷﺳطورة أن إﻟﮫ اﻹﻏرﯾﻖ أﻋﺟب ﺑﮭﺎ واﺗﺧذھﺎ رﻓﯾﻘﺔ ﻟﮫ ،ﻛﻣﺎ اﺗﺧذھﺎ
اﻟﻘورﯾﻧﯾون ﺣﺎﻣﯾﺔ ﻟﮭم إﻟﻰ ﺟﺎﻧب أﺑوﻟو إﻟﮫ اﻷﻏرﯾﻖ ،وﻗد ﺑﻧﻰ اﻟﻘورﯾﻧﯾون ﻣﻌﺑدا ﻟﻺﻟﮫ آﻣون ،ووﺣدوه ﻓﻲ ﻣﺎ ﺑﻌد
ﺑﻛﺑﯾر آﻟﮭﺗﮭم زﯾوس ،وﻋن طرﯾﻖ اﻟﻘورﯾﻧﯾن ﻋرﻓت ﻋﺑﺎدة آﻣون ﺷﮭرة واﺳﻌﺔ ﻓﻲ ﺑﻼد اﻹﻏرﯾﻖ وﯾذﻛر اﻟﻣؤرﺧون
أن اﻷﺳﻛﻧدر اﻟﻣﻘدوﻧﻲ ﻗطﻊ ﻣﺋﺎت اﻟﻛﯾﻠوﻣﺗرات ﻋﺑر اﻟﺻﺣراء ﻟﯾﺻل إﻟﻰ ﻣﻌﺑد آﻣون ﻓﻲ ﺳﯾوة ﺣﯾث ﺗم ﺗﺑﻧﯾﮫ ﻛﺄﺑن
ﻟزﯾوس إﻟﻰ ﺟﺎﻧب ﻋﺑﺎدة آﻣون ،وﻟﻠﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾن " أﻣون و زﯾوس " ﻓﻲ ﻟﯾﺑﯾﺎ اﺗﺟﮭت آراء اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن اﻟﻣﺣدﺛﯾن ﻣذاھب
ﺷﺗﻰ ﻓﻲ ﺗﻔﺳﯾر اﻟﻣﺻﺎدر اﻷدﺑﯾﺔ اﻟﯾوﻧﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻧﺎوﻟت ﻋﺑﺎدة ھذﯾن اﻹﻟﮭﯾن ﻓﻲ ﻟﯾﺑﯾﺎ ،و ذﻟك اﻧطﻼﻗﺎ ﻣن ﻗول
اﻟﺷﺎﻋر ﺑﻧدار ﻓﻲ ﻣﺳﺗﮭل اﻟﻧﺷﯾد اﻷول ﻋﻠﻰ ﻟﺳﺎن " ﻣﯾدﯾﺎ " ...ﺑﺎﻟﻘرب ﻣن اﻷراﺿﻲ اﻟﻣوﻗوﻓﺔ ﻋﻠﻰ " زﯾوس
آﻣون " 2،ﻓﻣن اﻟدارﺳﯾن ﻣن رأى أن زﯾوس أﻣون اﻟذي ﯾﻘﺻده ﺑﻧدار ھو " زﯾوس ﻗورﯾﻧﺎ " ،ﻓﻲ ﺣﯾن ﯾﻘرر
آﺧرون أن " زﯾوس أﻣون " اﻟﻣﻘﺻود ﻋﻧد ﺑﻧدار ھو" آﻣون ﺳﯾوة " وﺳﺑب ھذا اﻻﺧﺗﻼف ھو اﻟﺧﻠط ﻋﻧد ﺑﻌض
اﻟﺑﺎﺣﺛﯾن اﻟﻣﺣدﺛﯾن إﻟﻰ اﻟﺗرﺟﻣﺔ اﻟﺧﺎطﺋﺔ ﻟﻌﺑﺎرة ﺑﻧدار اﻟﺳﺎﻟﻔﺔ اﻟذﻛر ،وﻟﻌﺑﺎرات )ھﯾرودوت( اﻟذي ﻋﺎدة ﻣﺎ ﯾﺳﻣﻲ
3
إﻟﮫ اﻟﻠﯾﺑﯾﯾن " زﯾوس أﻣون " ،وﻋﻠﯾﮫ ﯾﻛون زﯾوس أﻣون " ھﻧﺎ اﻟﻣﻘﺻود ھو " أﻣون " ﻟﯾﺑﯾﺎ اﻟذي ﻣﻌﺑده ﻓﻲ ﺳﯾوة.
وﻋن اﻟرﺑﺔ أﺛﯾﻧﺎ ﯾذﻛر اﻟﻣؤرﺧون اﻟﻘدﻣﺎء أن أﺛﯾﻧﺎ اﻟرﺑﺔ اﻹﻏرﯾﻘﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻣﻧﺣت اﺳﻣﮭﺎ ﻟﻠﻣدﯾﻧﺔ اﻹﻏرﯾﻘﯾﺔ
ھﻲ ﻣن أﺻل ﻟﯾﺑﻲ ،وھﯾرودوت ﯾﻌﺗﺑر أﺑرزھم ﺣﯾث ﻗﺎم ﺑﺗﻐطﯾﺔ ﻋﺑﺎدة ھذه اﻟرﺑﺔ ﻓﻲ ﻟﯾﺑﯾﺎ ،وھو ﯾﻌﺗﻘد أﻧﮭﺎ ھﻲ
ﻧﻔﺳﮭﺎ اﻟرﺑﺔ ﻧﺎﯾث اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧت ﺗﻌﺑد ﺣول ﺑﺣﯾرة ﺗرﯾﺗوﻧﯾس ﺣﯾث وﻟدت ﻣن ﺑوﺳﯾدون واﻟﺑﺣﯾرة ﺗرﯾﺗوﻧﯾس ،ﺑﺣﺳب
اﻷﺳطورة اﻟﻠﯾﺑﯾﺔ ،وﯾﻌﺗﻘد ھﯾرودوت أن ﻟﺑﺎﺳﮭﺎ ﻣﺷﺎﺑﮭﺔ ﻟﻣﺎ ﺗرﺗدﯾﮫ اﻟﻧﺳﺎء اﻟﻠﯾﺑﯾﺎت ،ﻛﻣﺎ ﯾذﻛر ھﯾرودوت أﯾﺿﺎ ً إﻟﻰ
ﺟﺎﻧب ذﻟك أن اﻹﻟﮫ ﺑوﺳﯾدون ،أخ ﻛﺑﯾر إﻟﮫ اﻹﻏرﯾﻖ زﯾوس ،اﻹﻟﮫ اﻟﻠﯾﺑﻲ ﻓﻲ اﻷﺻل وأن اﻹﻏرﯾﻖ ﻗد ﻋرﻓوه
– 3ﺑﻠوﺗﺎرﺧوس :اﯾزﯾس واوزورﯾس ،ﺗرﺟﻣﺔ ﺣﺳن ﺻﺑﺣﻲ اﻟﺑﻛري ،اﻟﻘﺎھرة 1958،م ،ص .ﻛذﻟك ﻧﺟﯾب ﻣﯾﺧﺎﺋﯾل :ﻣﺻر واﻟﺷرق اﻷدﻧﻰ
اﻟﻘدﯾم ،ج ،4اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻣﺻرﯾﺔ ،اﻻﺳﻛﻧدرﯾﺔ 1966 ،م ،ص 28-127
– 4أﺣﻣد ﻋﺑداﻟﺣﻠﯾم دراز :ﻣﺻر وﻟﯾﺑﯾﺎ ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ ،ص 205
- 1أﺣﻣد ﻋﺑداﻟﺣﻠﯾم دراز :ﻣﺻر وﻟﯾﺑﯾﺎ ﻣرﺟﻊ ﺳﺎﺑﻖ ،ص 206
2
- Pindare , Pythiques, IV, 14 , 15 ; Herodote, I,46 ; III, 18 ; III 25
- 3ﺧﻠﻔﺔ ﻋﺑد اﻟرﺣﻣﺎن :اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟوﺛﻧﯾﺔ اﻟﻣﻐﺎرﺑﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ ) ﻣﻧذ اﻟﻧﺷﺄة إﻟﻰ ﺳﻘوط ﻗرطﺎﺟﺔ 146ق .م ( ،رﺳﺎﻟﺔ ﻣﺎﺟﺳﺗﯾر ﻏﯾر ﻣﻧﺷورة ،إﺷراف:
اﻷﺳﺗﺎذ اﻟدﻛﺗور ﻏﺎﻧم ﻣﺣﻣد اﻟﺻﻐﯾر ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﻧﺗوري ،ﻛﻠﯾﺔ اﻟﻌﻠوم اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ و اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ، ،اﻟﺟزاﺋر 2008،م ،ص228
193
اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ
ﻋﻧﮭم ،إذ ﻣﺎ ﻣن ﺷﻌب اﻧﺗﺷرت ﻋﺑﺎدة ﺑوﺳﯾدون ﺑﯾن أﻓراده ﻣﻧذ ﻋﺻور ﻋرﯾﻘﺔ ﻏﯾر اﻟﺷﻌب اﻟﻠﯾﺑﻲ ،اﻟذي ﻋﺑده ﻣﻧذ
4
اﻟﻘدم.
ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻣوم ،ﻓﺈن ﺑﻌض اﻵﻟﮭﺔ اﻹﻏرﯾﻘﯾﺔ ﻣرﺗﺑطﺔ ﺑﺷﻛل أو ﺑﺂﺧر ﺑﺎﻟﻠﯾﺑﯾون ﻓﻘد اﻋﺗﻘد اﻹﻏرﯾﻖ اﻟﻘدﻣﺎء أن
اﻟرﺑﺔ )ﻻﻣﯾﺎ (ﻣن أﺻل ﻟﯾﺑﻲ اﺗﺧذھﺎ )زﯾوس( زوﺟﺔ ﻟﮫ ،ﻛﻣﺎ اﻋﺗﻘدوا أﯾﺿﺎ ﺑﺎﻷﺻل اﻟﻠﯾﺑﻲ ﻟـ )ﻣﯾدوﺳﺎ( .اﻋﺗﻣﺎدا
ﻋﻠﻰ ﻛﺗﺎﺑﺎت ھﯾرودوت ﯾﺑدو أن اﻹﻏرﯾﻖ ﻋرﻓوا اﻟرب ﺗرﯾﺗون ﻓﻲ ﺑﺎدئ اﻷﻣر ﻓﻲ ﻟﯾﺑﯾﺎ .وﻗد ﻛﺎن اﻹﻏرﯾﻖ
ﯾﻌﺗﻘدون أن اﻟﮭﺳﺑرﯾدس ﺣداﺋﻖ ﻟﻠﻌﻣﻼق أطﻠس اﻟذي ﺣﻛم ﻋﻠﯾﮫ زﯾوس ﺑﺣﻣل اﻟﺳﻣﺎء ،وﺣﺳب رواﯾﺔ ھﯾرودوت أن
ﺑﻌض ﻗﺑﺎﺋل اﻟﺑرﺑر ﻛﺎﻧت ﺗﻌﺑد ﺟﺑل أطﻠس وأن ﺗﻠك اﻟﻘﺑﺎﺋل ﻛﺎﻧت ﺗﻌﺗﺑره أﻋﻣدة اﻟﺳﻣﺎء ،ﻛﻣﺎ ﺣﺎول اﻷﺑﺎطرة
اﻟروﻣﺎن ﻓرض ﻋﺑﺎدة اﻹﻣﺑراطور ،ﺣﯾث ﺣﺎوﻟوا اﺳﺗﺧداﻣﮭﺎ ﻛوﺳﯾﻠﺔ ﻟﻠﺳﯾطرة واﻟروﻣﻧﺔ ،وﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻟﻛﺳب
اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻟﻣﺗﺄﺛرة ﺑﺎﻟﺣﺿﺎرة اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ﻟﻣﺳﺎﻧدة ﺳﯾﺎﺳﺗﮭم ،إﻻ أن ﻣﺣﺎوﻟﺔ اﻟروﻣﺎن ﻓﻲ ذﻟك ﻗد ﻓﺷﻠت ،وﻟم ﺗﺣض
ﻋﺑﺎدة اﻹﻣﺑراطور اﻟﻣؤﻟﮫ ﺑﺈﻗﺑﺎل ﻛﺑﯾر ﻣن ﻗﺑل ﺳﻛﺎن اﻟﺷﻣﺎل اﻹﻓرﯾﻘﻲ ﻗﺎطﺑﺔ وﻟﯾﺑﯾﺎ ﺧﺎﺻﺔ وﻣﻧﮭﺎ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ،وﻗد
أدى ذﻟك ﻟﺗﻌرﺿﮭم ﻟﻼﺿطﮭﺎد واﻟﺗﻧﻛﯾل ،إذ أن أﻏﻠب ﻋﺑﺎد اﻷﺑﺎطرة ﻛﺎﻧوا إﻣﺎ روﻣﺎن أو ﻣﺗروﻣﻧﯾن وﻟﮭم ﻧﻔس
1
اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ .
وﺑﺎﻟﻧﺳﺑﺔ ﻟﻠدﯾﺎﻧﺔ اﻟﯾﮭودﯾﺔ ﻓﻘد وﺟد اﻟﯾﮭود ﻓﻲ ﻟﯾﺑﯾﺎ ﻣﻧذ أﻣد ﺑﻌﯾد ،وﻣن اﻟﻣﻣﻛن أﻧﮭم ﻋﺎﺷوا ﻓﻲ اﻟﺑداﯾﺔ
ﻛﻣﺟﻧدﯾن أو ﻛﺣﺎﻣﯾﺔ ﻋﺳﻛرﯾﺔ ،وﯾرﺟﺢ ﺑﺄن "ﺑطﻠﯾﻣوس اﻷول" ﻗد أﺳر ﻣﻧﮭم ﻋددا ﻛﺑﯾرا أﺛﻧﺎء ﻏزواﺗﮫ ﻋﻠﻰ ﻓﻠﺳطﯾن
ﺑدءا ﻣن ﺳﻧﺔ 312ق م ،ﺛم ﺟﻧدھم وأوﻓدھم إﻟﻰ ﻣﻧطﻘﺔ ﺑرﻗﺔ ﻛﻣﺟﻧدﯾن وﻛﻣرﺗزﻗﺔ ﻟﯾﺳﯾطر ﻋﻠﯾﮭﺎ 2واﺳﺗﻔﺎدوا ﺑﻌد
ذﻟك ﺑﺣﻣﺎﯾﺔ اﻟﻣﻠوك اﻟﺑطﺎﻟﻣﺔ ﺑﻌد اﻟﺳﯾطرة ﻋﻠﻰ "ﺑرﻗﺔ" ﺳﻧﺔ 323ق م وإﻟﺣﺎﻗﮭﺎ ﺑﻣﺻر ،3وﯾﺑدو أن ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن
اﻷﺣرار اﻟﯾﮭود ﻗد وﺟدت ﻓﻲ ﺑرﻗﺔ ﺑﯾﺋﺔ ﺟﯾدة ﻟﻼﺳﺗﻘرار ﻓﯾﮭﺎ و أﺧذت ﺗﮭﺎﺟر إﻟﯾﮭﺎ ﻣن ﻣﺻر ،4وﻛﺎن ﻟﮭم ﻣﻌﺑد
5
ﻗدﯾم ﻗﺑل أن ﯾﺣوﻟوا إﻟﻰ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ أﺛﻧﺎء اﻻﺣﺗﻼل اﻟﺑﯾزﻧطﻲ .
ﻋﺎش أھل ﺑرﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻘدﯾم ﺗﺟرﺑﺔ دﯾﻧﯾﺔ ﺛرﯾﺔ وﺗﺄﺛروا ﺑﺎﻟظواھر اﻟﻣﺣﯾطﺔ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ وﻋﺑدوا ﻣظﺎھرا
ﻣﺗﻌددة ﻣن اﻟطﺑﯾﻌﺔ إﻟﻰ اﻟﺣﯾواﻧﯾﺔ واﻟﻧﺑﺎﺗﯾﺔ واﻟﺟﻣﺎد ،ﻛذا ﻋﺑﺎدة اﻷﺳﻼف واﻟﻣﻠوك ،وﺗﺳرﺑت اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﻣﻌﺑودات
اﻟﺧﺎرﺟﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ،ﻣﻊ ﺗﺳرب ﻟﻠدﯾﺎﻧﺔ اﻟﯾﮭودﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺣﻣﻠﮭﺎ اﻟﯾﮭود ﻓﻲ ﺑﯾﻌﮭم ،ﻣﻣﺎ ﺳﯾﻣﮭد اﻟطرﯾﻖ ﻟﺗﻘﺑل اﻟدﯾﺎﻧﺔ
اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ وﻋﺑﺎدﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟﻣﻧطﻘﺔ.
اﻟﻣﺣور اﻟﺛﺎﻧﻲ :ﺗﺳرب اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ وﻣوﻗف اﻷﺑﺎطرة اﻟروﻣﺎن ﻣﻧﮭﺎ
ﻣﻊ ﻣﻧﺗﺻف اﻟﻘرن اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻟﻠﻣﯾﻼد ﺑدأت اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﺗﻔد ﻋﻠﻰ ﻣﻧطﻘﺔ اﻟﺷﻣﺎل اﻷﻓرﯾﻘﻲ اﻟﻘدﯾم ،وﺗﺗرﻛز
ﺑﺄھم اﻟﻣﻧﺎطﻖ اﻟﺣﺿرﯾﺔ ﺑﺎﻟﺧﺻوص ﻛﻣدن إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ وﻗرطﺎج وﻏﯾرھﺎ ،وﺗﻌد ﺳﻧﺔ 180ﻟﻠﻣﯾﻼد ﺑداﯾﺔ اﻟﺗﺣول ﻓﻲ
ﺗﺎرﯾﺦ اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻟﺑﻼد ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ اﻟﻘدﯾم وﻟﻠﯾﺑﯾﺎ ﺧﺎﺻﺔ ،وﯾؤﻛد ذﻟك "ﺗرﺗﻠﯾﺎﻧوس" 1ﺣﯾث ﺗﺣدث ﻋن
اﻟوﺟود اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ ﺑﻘوﻟﮫ" أن ﻧﺣن أﺑﻧﺎء اﻷﻣس ،ﻧﻣﻸ اﻟﯾوم اﻷرض إذ ﯾﻘول وھو ﯾﺧﺎطب اﻟروﻣﺎن " أن ﻣﺳﯾﺣﯾﻲ
2
ﻣدﯾﻧﺔ واﺣدة أﻛﺛر ﻣﻧﻛم ﻋددا ،إﻧﮫ ﺑﺈﻣﻛﺎﻧﻧﺎ ھزﯾﻣﺗﻛم "
وھذا ﯾﻌﻧﻲ أن اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﺑﺣﺳب " ﺗرﺗﻠﯾﺎﻧوس" ) (Tertullienﻛﺎﻧت ﻣﻧﺗﺷرة اﻧﺗﺷﺎرا واﺳﻌﺎ ﻓﻲ إﻗﻠﯾم
اﻟﺑروﻗﻧﺻﻠﯾﺔ ﻣورﯾطﺎﻧﯾﺎ وﻓﻲ ﻗرطﺎج ﺑﺷﻣﺎل إﻓرﯾﻘﯾﺎ ،ﺣﯾث ﻛﺎن "ﺗرﺗﻠﯾﺎﻧوس" ﯾﺳﺗﻘر ﻓﻲ ﻣﻘر اﻟﻘﯾﺎدة اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ
آﻧذاك ،وإن ﻟم ﺗﺻﻠﻧﺎ ﻣﻌﻠوﻣﺎت ﻣؤﻛدة ﻋن ﺑداﯾﺔ ظﮭور اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻗﺑل ﻋﺎم 180ﻟﻠﻣﯾﻼد ،اﻟذي ﺷﮭد أوﻟﻰ
اﻻﺿطﮭﺎدات اﻟﺗﻲ ﻣﺎرﺳﺗﮭﺎ اﻟﺳﻠطﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ﺿد اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن ﺑﺎﻟﻘرب ﻣن ﻣدﯾﻧﺔ ﻗرطﺎج ﺣﯾث ﺑﻠﻎ ﻋدد ﺷﮭداء
اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﺳﺑﻌﺔ رﺟﺎل وﺧﻣﺳﺔ ﻧﺳﺎء ،ﺗﻣت ﻣﺣﺎﻛﻣﺗﮭم ﺑﻣدﯾﻧﺔ ﻗرطﺎج وإﻋداﻣﮭم اﺗﺧذت اﻟﺳﻠطﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ھذه
اﻟﺣﺎدﺛﺔ ،آﻧذاك ﻛرﻣز ﻟردع ﻛل ﻣن ﯾﻔﻛر ﻓﻲ اﻋﺗﻧﺎق اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ،وﺗم ﺗﻘدﯾس ھؤﻻء اﻟﺷﮭداء ،وﺣﻔظت ﺟﺛﺛﮭم
3
ﺑﺈﺣدى اﻟﻛﻧﺎﺋس ﺑﻣدﯾﻧﺔ ﻗرطﺎج و ﺗﺳﻣت ﺑﺎﺳﻣﮭم .
أن ھذا اﻻﺿطﮭﺎد ﯾﻌد ﺑداﯾﺔ ﻣﻌرﻓﺔ اﻻﻧﺗﺷﺎر اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ ﺑﺷﻣﺎل إﻓرﯾﻘﯾﺎ ،إذ ﯾﺟﮭل ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ
اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﻗﺑل ھذه اﻷﺣداث ،إذ أن اﻟﻐﻣوض ﺣول اﻧﺗﺷﺎر ھذه اﻟدﯾﺎﻧﺔ ﺑﻘﻲ ﺳﺎﺋدا ﺧﻼل اﻟﻘرﻧﯾﯾن اﻷول واﻟﺛﺎﻧﻲ
ﻟﻠﻣﯾﻼد ،وﻣن اﻟﻧﺻوص اﻟﺗﻲ ﺗﺗﺣدث ﻋن ﺗوﻏل اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ ﺷﻣﺎل إﻓرﯾﻘﯾﺎ ،ﻧﺟد ﻧﺻﺎ ﻻﺑن ﺧﻠدون ،واﻟذي ﯾرﺟﺢ
أﺻل اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ إﻟﻰ ﻋﮭد اﻟﺣوارﯾﯾن ،إذ ﯾﻘول " أن اﻟذي أرﺳل ﻣن اﻟرﺳل إﻟﻰ روﻣﺎ ھو ﺑطرس وﻛﺎن
ﻣﻌﮫ اﻟﺣوارﯾﯾن" وﯾذﻛر"ﺑوﻟس ﻣن اﻷﺷﯾﺎع وﻟم ﯾﻛن ﺣوارﯾﺎ " وﯾﻘول أن "ﻓﯾﻠﺑس)ﻓﯾﻠﯾب( إﻟﻰ أرض إﻓرﯾﻘﯾﺎ "
4
وإﻟﻰ" أرض ﺑرﻗﺔ واﻟﺑرﺑر "ﺷﻣﻌون اﻟﻛﻧﻌﺎﻧﻲ" .
وﻧﺟد أﺣد ﻣؤرﺧﻲ اﻟﻔﺗرة اﻟﺑﯾزﻧطﯾﺔ وھو ﻧﯾﻘﻔور ﻛﺎﻟﯾﻛﺳت NICEPHORE CALLIXTEﯾﻌﺗﻘد ﺑﺄن ﻣن
ﻗﺎم ﺑﻧﺷر اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ ﻣﺻرو ﻗورﯾﻧﺎ وطراﺑﻠس ھو اﻟﻘدﯾس "ﻣرﻗس" وأن ﻣن أرﺳل إﻟﻰ "اﻟﻘﯾروان " " اﺳﻣﮫ
"ﻓﯾﻠﯾب" 5ﻓﻲ ﺣﯾن ﻧﺟد وﺛﯾﻘﺔ ﻣرﺳﻠﺔ ﻣن اﻟﺑﺎﺑﺎ " ﺟرﯾﺟوري اﻟﻛﺑﯾر ) ( LEGRAND GREGOIREﯾﺟﯾب ﻓﯾﮭﺎ
" - 1ﺗرﺗﻠﯾﺎﻧوس ،ﻛرﯾﻧﺗوس ﺳﺑﺗﯾﻣوس ﻓﻠورس ) "( Quintus Sybtimus Florens Tertullianusوﻟد ﺣواﻟﻲ ﺳﻧﺔ 160م ،ﻣن أﺑوﯾن وﺛﺗﯾﯾن ،
ﻛﺎن واﻟده ﻋﺳﻛرﯾﺎ ،درس اﻟﻘﺎﻧون ﺑروﻣﺎ و ﻣﺎرس اﻟﻣﺣﺎﻣﺎة ﺑﮭﺎ ،ﻋرف اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻧﺣو ﺳﻧﺔ 193م ،ﻛﺎن ﯾﻘﯾن ﺑﻣدﯾﻧﺔ ﻗرطﺎج ﺣﯾﻖ ﺳﺧر ﻣﻌرﻓﺗﮫ
ﻟﺧدﻣﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ وﯾﻌد ﻣن اﻷواﺋل اﻟذﯾن ﻛﺗﺑوا ﻋن اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ اﻷﻓرﯾﻘﯾﺔ ،واﺟﮫ اﻻﺿطﮭﺎدات اﻟﺗﻲ ﻣﺎرﺳﺗﮭﺎ اﻟﺳﻠطﺔ واﻟوﺛﻧﯾون ﺑﻛﺗﺎﺑﺎﺗﮫ و دﻓﺎﻋﮫ اﻟﻣﺳﺗﻣﯾت
ﻋن اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ وأﺗﺑﺎﻋﮭﺎ ،ﺗوﻓﻲ ﺣواﻟﻲ ﺳﻧﺔ 225م ،وﺗرك ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣن اﻟﻣؤﻟﻔﺎت ﻣﻧﮭﺎ اﻟدﻓﺎع واﻟﻣﻧﺎﻓﺣﺔ ﻟﻠﻣزﯾد ﯾﻧظر ،ﻋﺎدل ﻓرج ﻋﺑد اﻟﻣﺳﯾﺢ،
ﻣوﺳوﻋﺔ آﺑﺎء اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ،ج)2 .ﻛﻧﯾﺳﺔ ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ( ،دار اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ،اﻟﻘﺎھرة ، 1999 ،ص ص155 ،
2
- Tertullien, Apologétiques , XXXVII , pp.6-4 .
3
- .Hamman (A.), La geste du sang, Paris, 1953, pp. 60 – 62
- 4ﻋﻣران ﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد :اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻘدﯾم – اﻟﻧﺷﺄة و اﻟﺗطور)430-180م( ،ص74
5
- Mesnage, (J P),Le Christianisme en Afrique (L'origine développement et extension ),Alger’Paris ,1914,PP,30-31
195
اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ
ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻣﺎس رﺳﻣﻲ ﻣوﺟﮫ إﻟﻰ اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ ﻣن ﻗﺑل أﺳﺎﻗﻔﺔ ﻧوﻣﯾدﯾﺎ ﯾطﺎﻟﺑوﻧﮫ ﻓﯾﮭﺎ ﺑﺎﻻﺣﺗﻔﺎظ ﺑﻌﺎداﺗﮭم اﻟﻘدﯾﻣﺔ وﻣﻧذ ﺑداﯾﺔ
1
اﻟﺗﺑﺷﯾراﻟذي ﻗﺎم ﺑﮫ اﻟﻘدﯾس"ﺑﯾﯾر ) (St PIERREأﻣﯾر اﻟﺣوارﯾﯾن .
وﻣن ﺧﻼل ھذه اﻵراء ﺣول ﺑداﯾﺔ دﺧول اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﺷﻣﺎل اﻷﻓرﯾﻘﻲ وإﻟﻰ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ﻧﺟد ﻏﻣوﺿﺎ
ﻛﺑﯾرا ﯾﻛﺗﻧف ﺑداﯾﺔ ﺗﺳرب واﻧﺗﺷﺎر اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ ،ﻟﻛن اﻷﻛﯾد أن ھذه اﻟدﯾﺎﻧﺔ ﻗد ﻟﻔﮭﺎ ﻣﻌﺗﻧﻘوھﺎ أﯾﺿﺎ
ﺑﻧوع ﻣن اﻟﺗﺳﺗر واﻟﺗﻛﺗم ﻓﻲ ظل ﻣﺎ ﺣﯾك ﺣوﻟﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺑداﯾﺔ ﻣن أﺣﻘﺎد وﻣﻛﺎﺋد أدت إﻟﻰ اﺿطﮭﺎدات ﻛﺑرى ﻟﯾس ﻓﻲ
ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ وﺣﺳب ،وﻟﻛن ﻓﻲ ﻣوطن ﻧﺷﺄﺗﮭﺎ اﻷول ﺑﻔﻠﺳطﯾن ،ﻣﻣﺎ أدى إﻟﻰ ﺗﺑﻧﻲ أﺳﻠوب اﻟﺗﺳﺗر .
إن ﺑﻼد أﻓرﯾﻘﯾﺎ ﻣﻔﺗوﺣﺔ ﺟﻐراﻓﯾﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺷرق ﻋﺑر ﻣﺻر ،وﻋﻠﻰ اﻟﺷﻣﺎل ﺑﺣﻛم اﻟﻌﻼﻗﺔ اﻻﺳﺗﻌﻣﺎرﯾﺔ اﻟﺗﻲ
ﻓرﺿﺗﮭﺎ روﻣﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ،ﻣﻊ ﺳﮭوﻟﺔ اﻻﺗﺻﺎل ﻋﺑر اﻟﺑﺣر ﺑﺎﺗﺟﺎه اﻟﺷرق أﯾﺿﺎ ،ﻛﻣﺎ أن اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﺑدأت ﺗﻌرف
ﺣرﻛﺔ ﺗﺟﺎرﯾﺔ ﺑﻌد اﻻﺣﺗﻼل اﻟروﻣﺎﻧﻲ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟظروف اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺷﮭدھﺎ اﻟﻘرن اﻷول اﻟﻣﯾﻼدي ﺑﻌد
ﺳﯾﺎﺳﺔ اﻻﺿطﮭﺎدات اﻟﺗﻲ ﻣﺳت اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن اﻷواﺋل ،ﻣن ﻗﺑل اﻟﯾﮭود واﻟﺣﻛﺎم اﻟروﻣﺎن ،وﻛذا ﻣﺎ ﻗﺎﻣت ﺑﮫ اﻟﺳﻠطﺎت
اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﮭد اﻹﻣﺑراطور "ﻧﯾرون" ﺧﻼل ﺳﻧﺔ 70ﻟﻠﻣﯾﻼد ﻣن اﺿطﮭﺎد ﻛﺑﯾر ﻓﻲ اﻟﻘدس واﻟذي أدى إﻟﻰ
3
ﺗﺷﺗﯾت ﺳﻛﺎﻧﮭﺎ ﻋﺑر ﻣﻧﺎطﻖ ﻣﺗﻔرﻗﺔ ،ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻗﺑﺎل اﻟﺑﻌض ﻋﻠﻰ اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة.
وﯾرى اﻟﻣؤرخ " " Monceauxﺑﺄن اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻗد ﺟﺎءت إﻟﻰ ﺷﻣﺎل اﻓرﯾﻘﯾﺎ وإﻟﻰ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ اﻟﻘدﯾم ﻣن
اﻟﺷرق ﻗﺑل اﻹرﺳﺎﻟﯾﺎت اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣن روﻣﺎ ،وأن أﺻل اﻟﻛﻧﺎﺋس ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﻣﺗﻌدد ،ﻛﻣﺎ وﻓدت اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ إﻟﻰ ﻗرطﺎج
ﻋﺑر اﻟﺷرق وﻋﺑر روﻣﺎ وﻣن ﺑﻼد اﻹﻏرﯾﻖ ،وﯾﺳﺗﺷﮭد ﺑﺄن اﻟﻘدﯾس "ﺗرﺗﻠﯾﺎﻧوس" ﻛﺎن ﻋﻠﻰ دراﯾﺔ ﻛﺑﯾرة ﺑﺎﻷدب
اﻹﻏرﯾﻘﻲ اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ ﺧﻼل اﻟﻘرن اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻟﻠﻣﯾﻼد ،وﺗﻣت ﺗرﺟﻣﺔ ﻛﺗﺎﺑﮫ )اﻟﻣراﻓﻌﺎت( إﻟﻰ اﻟﻠﻐﺔ اﻹﻏرﯾﻘﯾﺔ ،وھذا
ﯾوﺿﺢ ﺑﺄن اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻗد ﻗدﻣت إﻟﻰ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﻋﺑر ھذه اﻟﻣﻧﺎﻓذ 4،وﻟم ﯾﺗم اﻟﺗﺄرﯾﺦ ﻟﻠﻣﺳﯾﺣﯾﺔ إﻻ ﻣن ﺧﻼل ﻛﺗﺎﺑﺎت
و" اﻟﻘدﯾﺳﯾن اﻷواﺋل اﻟذﯾن ﺗﻣﯾزوا ﺑﺎﻟﺛﻘﺎﻓﺔ واﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ اﻟﺟدل واﻹﻗﻧﺎع أﻣﺛﺎل "ﺗرﺗﻠﯾﺎﻧوس"
ﻗﺑرﯾﺎﻧوس" ) ،5(Caecilius Cyprianusوأن أﻗدم ذﻛر ﻟﻠﻣﺳﯾﺣﯾﯾن رﺳﻣﯾﺎ ً ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﯾﻌود إﻟﻰ اﺿطﮭﺎدات
180ﻟﻠﻣﯾﻼد ﻛﻣﺎ اﺳﻠﻔﻧﺎ ،وھﻧﺎك ﻣن ﯾذھب إﻟﻰ أن اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﻗد اﻧﺗﺷرت ﺑﯾن ﺻﻔوف اﻟطﺑﻘﺎت
اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ اﻟﺳﻔﻠﻰ اﻟﺗﻲ ﻟم ﺗﺟد رﻏﺑﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻟوﺛﻧﯾﺔ ،1وھذا اﻟطرح ﯾﺧﺎﻟف اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ﻹﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ،اﻟذي
1
-Monceaux (P.) , H.L.A.C.,T ,1, 1904 , p.7
2
- HENRI MARROU ,SAINT AUGUSTIN ,op cit ,p. 11. suiv . Monceaux (P.), H.L.A.C.,T ,1,op cit, p.6.
- 3ﻋﻣران ﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد :اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻘدﯾم – اﻟﻧﺷﺄة و اﻟﺗطور)430-180م( ،ص76
4
- Monceaux (P.) , H.L.A.C.,T ,1, 1904 , p.7
" - 5ﻗﺑرﯾﺎﻧوس ﺳﯾﺎﺳﯾﻠﯾوس") ( Caecilius Cyprianusوﻟد ﺣواﻟﻲ ﺳﻧﺔ 210م ﺑﻘرطﺎج ﻣن ﻋﺎﺋﻠﺔ وﺛﻧﯾﺔ ﺛرﯾﺔ ،ﺗﺄﺛر ﺑﻔﻛر"ﺗرﺗﻠﯾﺎﻧوس" ،آﻣن
ﺑﺎﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻣﺎ ﺑﯾن ﺳﻧﺗﻲ 246 - 245م ،ووھب ﺟﻣﯾﻊ أﻧﺗﺧب أﺳﻘﻔﺎ ﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻗرطﺎج ﺳﻧﺔ249م،ﻧﻔﻲ ﺑﻌد اﺿطﮭﺎدات اﻹﻣﺑراطور "دﯾوﺳﯾوس" ُﺣﻛم
ﻋﻠﯾﮫ ﺑﻘطﻊ رأﺳﮫ ﻣﻣﺎ أﺟﺑره ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺧﻔﻲ ،ﻋﺎد إﻟﻰ ﻗرطﺎج ﻓﻲ 251م ﺑﻌد ﻣﻘﺗل "دﯾوﺳﯾوس" وﻋﻘد ﻣﺟﻣﻌﺎ ﻟدراﺳﺔ ﺗوﺑﺔ اﻟﻣرﺗدﯾن ،ﺛم ﻧﻔﻲ ﺳﻧﺔ 257
م ،وﻗﺗل وﺟزت رأﺳﮫ ﺣواﻟﻲ ﺳﻧﺔ 258م ،ﻟﯾﻛون أول أﺳﻘف ﺷﮭﯾد ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ،ﺗرك ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣؤﻟﻔﺎت ورﺳﺎﺋل ﻋن اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ،ﻟﻠﻣزﯾد ﯾﻧظر ،ﻋﺎدل
ﻓرج ﻋﺑد اﻟﻣﺳﯾﺢ ،اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑﻖ ،ج ،2 .ص216-179
1
-Audollent , Carthage romaine(146AJC-698 JC),éd., A, Fontiémoing ,Paris, 1901, P.443
196
اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ
ﯾﺗﺻف ﺑﺳﯾﺎدة ﻧﻣط اﻟﻘﺑﯾﻠﺔ ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﺟﺎﻻت ﺑﻣﺎ ﻓﻲ ذﻟك اﻟﺟﺎﻧب اﻟدﯾﻧﻲ ،إذ ﻟم ﯾﻼﺣظ ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ ﺑﺄن
2
ﻗﺑﺎﺋل ﻗد ﺗﻧﺻرت ﻛﺎﻣﻠﺔ ،إﻻ أن اﻟﺗﻧﺻﯾر ظﮭر داﺧل اﻟﻣدن ﺑﺷﻛل أﻛﺑر.
وﻻﺣظ " " Monceauxﺑﺄن اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ وﺑﺣﺳب اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺷﮭﺎدات ﻗد وﺻﻠت ﻣن اﻟﺷرق ،ﻗﺑل أن
ﺗﺻل اﻟﺑﻌﺛﺎت اﻟﺗﺑﺷﯾرﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ،وﯾﻌﺗﻣد ﻓﻲ ذﻟك ﻋﻠﻰ رواﯾﺔ "اﻟﻘدﯾس أوﻏﺳطﯾن" اﻟذي ﯾرى ﺑﺄن أﺻل اﻟﻛﻧﺎﺋس
اﻷﻓرﯾﻘﯾﺔ ﻣﺗﻌدد ،وأن ﻗرطﺎج أﺧذت اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻣن اﻟﺷرق ،ﻛﻣﺎ أﺧذت ﻣن روﻣﺎ ،وﻛﺎن ﻟﻺﻏرﯾﻖ دور ﻓﻲ ﻧﺷر
اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﺣﺗﻰ اﻟﻘرن اﻟﺛﺎﻟث اﻟﻣﯾﻼدي ،وﻣﺎ ﯾﺛﺑت ذﻟك ھﻲ اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ اﻹﻏرﯾﻘﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻛﺎن ﯾﺗﻣﺗﻊ ﺑﮭﺎ
3
"ﺗرﺗﻠﯾﺎﻧوس" .
وﻓﻲ ﺧﺿم ھذه اﻟﻣﻌطﯾﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑدأت اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﺗﻧﺗﺷر ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ،ﻋﺑر ﻣﻧﺎﻓذ ﻣﺗﻌددة ﻣن
اﻟﺷرق وﻋﺑر اﻟرﺳل اﻷواﺋل وﺑواﺳطﺔ اﻟﺗﺟﺎر ،وﻋﺑر ﻣدﯾﻧﺔ روﻣﺎ ﻓﻲ وﻗت ﻣﺑﻛر ،وﻟﻘﯾت ﺗرﺣﯾﺑﺎ ﻣن ﻗﺑل ﺑﻌض
ﺳﻛﺎن ﺑرﻗﺔ ،وﻣن ﺑﻌض اﻟﻣﻌﻣرﯾن ﻓﻲ أھم اﻟﺣواﺿر اﻟﻛﺑرى ﻛدﯾﺎﻧﺔ ﻻ ﺗﻌﺗرف ﺑﻌﺑﺎدة اﻹﻣﺑراطور وﻻ ﺑﺎﻟﻘدﺳﯾﺔ
اﻟﺗﻲ أﺣﺎطﮭﺎ ﺑﻧﻔﺳﮫ ،وﻟﻧﺎ أن ﻧﺗﺳﺎءل ﻋن اﻟﻣﻧﺎﻓذ اﻟﺗﻲ وﺻﻠت ﻣﻧﮭﺎ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ إﻟﻰ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ واﻟﺷﻣﺎل اﻷﻓرﯾﻘﻲ؟
وﻧﺣﺎول ﻣﻧﺎﻗﺷﺔ ھذه اﻟطروﺣﺎت اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟدﺧول اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ إﻟﻰ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ،وﻧﺄﺧذ أوﻻ ﺑطرح اﻟﺷرق ﻋن طرﯾﻖ
دﻋﺎة اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ اﻷواﺋل :
ﻟﻘد ﻋرف إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ اﻟﺗﻌدد اﻟوﺛﻧﻲ اﻟذي وﺻل إﻟﻰ ﺣد اﻟﻔوﺿﻰ ،اﻷﻣر اﻟذي ﺟﻌل ﻣﻧﮭﺎ ﻣﯾداﻧﺎ ﻣﻼﺋﻣﺎ
وﺗرﺑﺔ ﺻﺎﻟﺣﺔ ،ﻟﺗﺗﻘﺑل اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻛدﯾن ،ﺧﺎﺻﺔ ﺑﺑروز اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﻌﻠﻣﺎء واﻷدﺑﺎء اﻹﻏرﯾﻖ ،اﻟﺷﻲء اﻟذي ﺟﻌل
اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ ھذه اﻟﻣﻧطﻘﺔ وﺧﺎﺻﺔ "ﻗورﯾﻧﺎ" ﻛ ُﻣﻠﮭم ﻓﻛري وﻓﻠﺳﻔﻲ ،وﻟﯾس ﻣﺟرد طﻘوس و رﻣوز و ﻛﻧﺎﺋس،
4
وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ اﻟﻣﺳﺎھﻣﺔ ﻓﻲ ﺗطور اﻟﻔﻛر اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ.
وﻗد ﻛﺎﻧت ھذه اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﻣﻔﺗوﺣﺔ ﺟﻐراﻓﯾﺎ ﻣﻊ اﻟﻌﺎﻟم اﻟﻘدﯾم ،ﻣﻣﺎ ﯾﺳﻣﺢ ﺑﺣرﻛﺔ اﻟﺗﻧﻘل ﺑﯾﺳر ،إﻣﺎ ﻋﺑر اﻟﺑﺣر
أو اﻟﺑر ﻋن طرﯾﻖ ﻣﺻر ﻣن اﻟﺟﮭﺔ اﻟﺷرﻗﯾﺔ ،وﺑﺎﻟﻣﻘﺎﺑل ﻛﺎن اﻟدﯾن اﻟﺟدﯾد ﻗد أﺧذ ﻓﻲ اﻻﻧﺗﺷﺎر ،ﺑل و ﻛﺎن ﻣﺳﯾﺣﯾو
ﻓﻠﺳطﯾن وﺟﻧوب أورﺑﺎ ﻣﻧدﻓﻌون وﻣﺗﺣﻣﺳون ﻟﻧﺷر اﻟدﯾن اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ ،وﺣﺳب اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻣﻘدس ﻓﺈن اﻟﻠﯾﺑﯾﯾن ﻛﺎﻧوا ﻋﻠﻰ
اﺗﺻﺎل ﺑﮭذا اﻟدﯾن ﻣﻧذ ﻋﮭد اﻟﻣﺳﯾﺢ ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺳﻼم ،وﻧﺟد ذﻟك ﻓﻲ ﻧﺻوص ﻣﺗﻔرﻗﺔ اﻟﺗﻲ ﺗذﻛر ﺑﺄن" :ﺑﻌض اﻟﻠﯾﺑﯾﯾن
5
ﻛﺎﻧوا ﻓﻲ ﻋداد اﻵﻻف اﻟذﯾن آﻣﻧوا ﺑﺎﻟﻣﺳﯾﺢ ﻓﻲ ﺗﻠك اﻷﯾﺎم "
وﯾذھب اﻟﻣؤرخ اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ Monceauxإﻟﻰ اﻋﺗﺑﺎر أن ﺑﻌض اﻟﻣﺑﺷرﯾن اﻟذﯾن ﻗدﻣوا ﻣن آﺳﯾﺎ ﻗد ﺑﺎﺷروا
دﻋوﺗﮭم ﻣن داﺧل اﻟﺑﯾﻊ اﻟﯾﮭودﯾﺔ ﺑﺎﻟﻣدن اﻟﺳﺎﺣﻠﯾﺔ ﻓﻲ ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ ،ﺣﯾث ﺑدأت ھذه اﻟدﯾﺎﻧﺔ ﺗﻧﺗﺷر ﺑﻌﯾدة ﻋن روﻣﺎ،
وأن ھذه اﻟﺑﯾﻊ ﻗد ﺷﻛﻠت أوﻟﻰ اﻟﻛﻧﺎﺋس اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ وظﮭر ﺗﻌﺎﯾش ﺑﯾن اﻟدﯾﺎﻧﺗﯾن اﻟﯾﮭودﯾﺔ واﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ 1،وھذا ﯾﺑﯾن ﺑﺄن
اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﻗد اﺣﺗﺿﻧﮭﺎ اﻟﯾﮭود ووﻓروا ﻟدﻋﺎﺗﮭﺎ اﻟﻣﺟﺎل اﻟذي ﺗﻧﺷط ﻓﯾﮫ ﺑﯾن اﻷھﺎﻟﻲ ،ﻓﻲ اﻟوﻗت
اﻟذي ﻛﺎﻧت اﻟﻣﺳﺗوطﻧﺎت اﻟﯾﮭودﯾﺔ ﻣﻧﺗﺷرة ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ 2 ،ﻛﻣﺎ ﻛﺎن اﻻﺗﺻﺎل ﺑﻣﺻر وﺧﺎﺻﺔ اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ ھﯾﺄ ﻣﻧﻔذا
2
-ﻋﻣران ﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد :اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻘدﯾم – اﻟﻧﺷﺄة و اﻟﺗطور)430-180م( ،ص76
3
- Monceaux (P.) , H.L.A.C. , T. 1 , p.7
- 4ﻣﺣﻣد ﻣﺻطﻔﻰ ﺑﺎزاﻣﮫ "،اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ ﻟﯾﺑﯾﺎ " ،ﻣﺟﻠﺔ اﻟﻔﺻول اﻷرﺑﻌﺔ ،اﻟﻌدد ،4 ،ﺗﺻدر ﻋن اﺗﺣﺎد اﻷدﺑﺎء واﻟﻛﺗﺎب اﻟﻠﯾﺑﯾﯾن ،طراﺑﻠس، 1978 ،
ص 21 .
- 5ﻋﻣران ﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد :اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻘدﯾم – اﻟﻧﺷﺄة و اﻟﺗطور)430-180م( ،ص78
1
-Monceaux (P.) , H.L.A.C ., T,1 , pp,8-9
2
- Dominique Arnauld,Histoire du Christianisme en Afrique , les sept (7) premiers siècles éd.,Kantada Paris, 1996, p.58
197
اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ
ﺳﮭﻼ ﻟﮭذه اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﺟدﯾدة ،واﻟﺗﻲ اﻋﺗﻧﻘﺗﮭﺎ أﻋداد ﻛﺑﯾرة ﻣن اﻟطواﺋف اﻟﯾﮭودﯾﺔ اﻟﻘﺎطﻧﺔ ﺑﻣﺻر ،ﺧﺻوﺻﺎ طﺎﺋﻔﺔ
3
)" ( Esseniansاﻹﺳﯾﻧﯾﺎن" اﻟﯾﮭودﯾﺔ .
وﯾؤﯾده ﻓﻲ ھذا اﻟرأي اﻟﻣؤرخ ﺑﯾﺗرو Pietroﺑﺄن اﻟﯾﮭود أول ﻣن ﻧﻘل ﻓﻛرة اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻟﺑرﻗﺔ اﻟﺗﻲ
وﻓدوا ﻋﻠﯾﮭﺎ ﺧﻼل ﻋﮭد اﻹﺳﻛﻧدر اﻟﻣﻘدوﻧﻲ وﺧﻠﻔﺎﺋﮫ اﻟﺑطﺎﻟﻣﺔ ﻣﻊ اﻟﻔﯾﻧﯾﻘﯾﯾن ﺑﻌد اﻟﻘرن اﻟراﺑﻊ ﻗﺑل اﻟﻣﯾﻼد ،وﻛوﻧوا
4
ﺟﺎﻟﯾﺎت ﻛﺎﻧت ﻟﮭم أﻣﺎﻛن ﻟﻠﻌﺑﺎدة ،ﺣﯾث ﻛﺎﻧوا ﯾﻣﺎرﺳون طﻘوﺳﮭم دون ﺗدﺧل ﻣن أﺣد .
وﻛﺎن)ﺳﻣﻌﺎن اﻟﻘورﯾﻧﻲ(اﻟذي ﺣﻣل اﻟﺻﻠﯾب ﻋن اﻟﺳﯾد اﻟﻣﺳﯾﺢ ﯾﮭودﯾﺎ ،ﯾﻠﺗﻘﻲ ﺑﺎﻟﻧﺎس ھو وأﺑﻧﯾﮫ
"اﻻﻛﺳﻧدروس" و"روﻓس" وﯾﺑﺷرون اﻟﻧﺎس ﺑﺎﻟدﯾن اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ .و ﺳﻣﻌﺎن اﻟﻘورﯾﻧﻲ ﻣن اﻷوﺋل اﻟذﯾن ﻧﻘﻠوا اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ
إﻟﻰ ﺑرﻗﺔ إذ إن وﻟدﯾﮫ أﻟﻛﺳﻧدروس وروﻓس أﺻﺑﺣﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد ﻣﻌروﻓﯾن ﺑﯾن اﻷﺻﺣﺎب اﻟذﯾن ﻋﻠﻣﮭم وﻛﺗب ﻟﮭم
5
ﻣرﻗس اﻹﻧﺟﯾل .
وﯾذﻛر روﺑﯾن داﻧﯾﺎل ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﮫ )أﺻول اﻟﺗراث اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ ﻓﻲ ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ( " أن ﻋددا ً ﻣن اﻟﻠﯾﺑﯾﯾن ﻛﺎﻧوا
ﻣن ﺿﻣن اﻟﺣﺿور ﻟﻌﯾد اﻟﻔﺻﺢ ﻓﻲ اﻟﻘدس وھم ﯾﺳﺗﻣﻌون إﻟﻰ "ﺑطرس اﻟرﺳول ،وﻗد ﻛﺎن اﻟﺣﺿور ﻓﻲ ذﻟك اﻟﯾوم
ﺣواﻟﻲ ﺛﻼﺛﺔ آﻻف ﻣن ﺑﯾﻧﮭم ﻟﯾﺑﯾﯾن ﺗم ﺗﻌﻣﯾدھم ذﻟك اﻟﯾوم ﻗﺑل اﻟﻌودة إﻟﻰ ﻟﯾﺑﯾﺎ ﻛﻣﺑﺷرﯾن ﺑﺎﻟدﯾن اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ 6 ،وﻟم
ﯾﻌودوا إﻟﻰ ﻟﯾﺑﯾﺎ ﻣﺑﺎﺷرة ،ﺑل ﺣﻣﻠوا ﺑﺷﺎرة اﻹﻧﺟﯾل ﻣﻌﮭم إﻟﻰ ﻣدﯾﻧﺔ أﻧطﺎﻛﯾﺔ ،و ﻛﺎن ﻣﻧﮭم ﻓﺋﺔ ﻣن اﻟرﺳل
7
واﻟﻣﻌﻠﻣﯾن وﻣﺑﺷرﯾن ﺑﮭذا اﻟدﯾن ﺧﺎرج ﺑﻼدھم .
ﻟﻘد ﻛﺎﻧت ﻗرطﺎج ﻣرﻛزا ﺗﺟﺎرﯾﺎ ھﺎﻣﺎ وﻟﮭﺎ ﻋﻼﻗﺎت ﺗﺟﺎرﯾﺔ ﻣﻧذ اﻟﻘدم ﻣﻊ اﻟﺷرق ﻗﺑل ﻣدن ﻗورﯾﻧﺎ
واﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ وﺻور وﺻﯾدا ،وﻣﻊ ﺳﯾطرة اﻻﺣﺗﻼل اﻟروﻣﺎﻧﻲ ﺗﺣوﻟت أرض إﻓرﯾﻘﯾﺎ إﻟﻰ اﻟﺳﻠﺔ اﻟﻣﻐذﯾﺔ ﻟروﻣﺎ
1
ورادف ھﺎم ﻟﺗﺟﺎرﺗﮭﺎ ،وﻛﺎﻧت اﻟﻣﻌﺎﻣﻼت اﻟﺗﺟﺎرﯾﺔ ﻣﺎ ﺑﯾن اﻟﻘرطﺎﺟﯾون واﻟﻣﺟﻣوﻋﺎت اﻟﯾﮭودﯾﺔ واﻟروﻣﺎن،
وﺷﻛﻠت اﻟﻣﻧطﻘﺔ ،ﻣرﻛزا ﺗﺟﺎرﯾﺎ وﻣﻠﺗﻘﻰ ﻟﻠطرق اﻟﺑﺣرﯾﺔ ﻟﯾس ﻣﻊ روﻣﺎ وﺣﺳب ،وﻟﻛن أﯾﺿﺎ ﻣﻊ اﻟﯾوﻧﺎن وﻣﺻر
واﻟﺷرق ،ﻓﺗﻧظﯾم اﻟﻣﻼﺣﺔ اﻟﺑﺣرﯾﺔ ﻛﺎن ﻟﮭﺎ دور اﻗﺗﺻﺎدي وﺳﯾﺎﺳﻲ ،وﺷﻛﻠت ﻣدﯾﻧﺔ "ﻗورﯾﻧﺎ" ﻣرﻓﺄ ﺗﺟﺎرﯾﺎ ﻧﺷطﺎ
وﻣزدھرا ﻛﺎن ﯾﻠﺗﻘﻲ ﻓﯾﮫ اﻟﯾﮭود واﻟﻔﯾﻧﯾﻘﯾون ﻣﻊ اﻟﺳﻛﺎن اﻷﺻﻠﯾﯾن واﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟزوار اﻟذﯾن ﻗدﻣوا ﻣن ﻣﻧطﻘﺔ ﺣوض
اﻟﺑﺣر اﻟﻣﺗوﺳط ،وﺑﻼ ﺷك ﻓﺈن ذﻟك ﻛﺎن ﻟﮫ دوره ﻓﻲ ﻧﻘل اﻟﻌﻘﯾدة اﻟدﯾﻧﯾﺔ اﻟﺟدﯾدة إﻟﻰ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﻣﻊ اﻟﺗﺟﺎر ،ﻣﻣﺎ ﺷﻛل
2
ﻣﻧﻔذا ﻟﺗروﯾﺞ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻋﺑر ھذه اﻟﻣﻧﺎﻓذ اﻟﺑﺣرﯾﺔ ﺑﺎﺗﺟﺎه أﻓرﯾﻘﯾﺎ وﺑﻼد اﻟﻣﻐرب اﻟﻘدﯾم .
3
-Mesnage ( J.P.) , op-cit, p. 27
4
-Romanelli,Pietro,la cirenaicaromana(96a-642dc)centroitaliano di studiterranei,A,Arioldi,Editore, .
إدوارد ﺟﯾﯾﺑون ،اﺿﻣﺣﻼل اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ،ج ،1ﺗر ،.ﻣﺣﻣد ﻋﻠﻲ أﺑو درة ،ط ،2 .اﻟﮭﯾﺋﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب،
اﻟﻘﺎھرة ، 1997 ،ص 278
– 5ﻣﺻطﻔﻰ ﻣﺣﻣد ﺑﺎزاﻣﮫ :ﺗﺎرﯾﺦ ﻟﯾﺑﯾﺎ ،ص 23-22
- 6ﻋﻣران ﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد :اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻘدﯾم – اﻟﻧﺷﺄة و اﻟﺗطور)430-180م( ،ص79
– 7روﺑﯾن داﻧﯾﺎل :أﺻول اﻟﺗراث اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ ﻓﻲ ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ دراﺳﺔ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻋن اﻟﻘرﻧﯾن اﻷوﻟﯾن ،ﺗﺎﻣﻐﻧﺎﺳت ﻟﻠﻧﺷر )ﺑد .ت(ص. 61ﻛذﻟك ﻣﺻطﻔﻰ
ﻣﺣﻣد ﺑﺎزاﻣﮫ اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑﻖ ،ص24
- 1روﺑﯾن داﻧﯾﺎل ،أﺻول اﻟﺗراث اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ ﻓﻲ ﺷﻣﺎل إﻓرﯾﻘﯾﺎ ) دراﺳﺔ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻣن اﻟﻘرن اﻷول إﻟﻰ اﻟﻘرون اﻟوﺳطﻰ( ،ﺗرﺟﻣﺔ ﺳﻣﯾر ﻣﺎﻟك ،دار
ﻣﻧﮭل اﻟﺣﯾﺎة ،ﺑﯾروت ، 1999 ،ص47 .
- 2ﻋﻣران ﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد :اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻘدﯾم – اﻟﻧﺷﺄة و اﻟﺗطور)430-180م( ،ص80
198
اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻟﺗﺟﺎرة و اﻟطرق اﻟﺑﺣرﯾﺔ ﻓﻘد وﺻﻠت اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﻣن ﺧﻼل آﺛﺎر اﻟﻘدﯾﺳﯾن
اﻟرﺳل واﻟﻣﺑﺷرﯾن ،إذ ﯾذﻛر ﻟﻧﺎ ﻧﯾﻘﻔور ﻛﺎﻟﯾﻛﺳت ) (Nicéphore Calixteأن أﺣد اﻟﻘدﯾﺳﯾن اﻟذي ﺣﻣل اﻟﺗﺑﺷﯾر
إﻟﻰ ﻣﺻر وﻗورﯾﻧﺎ ،ھو اﻟﻘدﯾس )ﻣرﻗس 3(Marc ،ﺑﺈﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ،ﺣﯾث ﯾﻧﺳب إﻟﯾﮫ أﺣد اﻷودﯾﺔ اﻟﻣﻌروف ﺑوادي
ﻣرﻗس أو وادي اﻹﻧﺟﯾل ﺑﺎﻟﺟﺑل اﻷﺧﺿر ،وﻗد ﻟﺟﺄ إﻟﻲ اﻟﺟﺑل ﺧوﻓﺎ ً ﻣن ﺑطش اﻟروﻣﺎن ،وﻟم ﯾﻛن اﻟوﺣﯾد اﻟذي
زار ھذه اﻟﻣﻧﺎطﻖ إذ ﺗﺑﻌﮫ اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﻘﺳﺎوﺳﺔ واﻟﻣﺑﺷرﯾن اﻟذﯾن اﺗﺟﮭوا إﻟﻰ ﻣﻧﺎطﻖ أﺑﻌد ﻓﻲ اﻟﺷﻣﺎل اﻹﻓرﯾﻘﻲ ،وﻗد
ﻋﺑر"اﻟﻘدﯾس ﻣرﻗس" اﻟطرﯾﻖ اﻟﺳﺎﺣﻠﻲ ﻟﻺﺳﻛﻧدرﯾﺔ ،2وﯾرﺟﺢ ﺑﺄﻧﮫ ﺟﺎء إﻟﻰ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﻓﻲ ﺣواﻟﻲ ﺳﻧﺔ 40ﻟﻠﻣﯾﻼد
،ﺑﻌد ھﺟرﺗﮫ وأﺳرﺗﮫ إﻟﻰ ﻓﻠﺳطﯾن ﻓﺎرﯾن ﻣن ﻣطﺎردة اﻟﺳﻠطﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ﻟﮭم ،وﺑﻘﻲ ﺑﻌد ﻋودﺗﮫ ﻣن ﻓﻠﺳطﯾن ﺣواﻟﻲ
واﺣد وﻋﺷرﯾن ﺳﻧﺔ ﺣﯾث ﻏﺎدر ﺑرﻗﺔ إﻟﻰ ﻣﺻر ﻓﻲ ﺳﻧﺔ 61ﻟﻠﻣﯾﻼد ،واﺳﺗﻘر ﺑﺎﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ ﻟﯾﺑﻧﻲ ھﻧﺎك اﻟﻌدﯾد ﻣن
اﻷﺑرﺷﯾﺎت واﻟﻛﻧﺎﺋس ،وﺑﻘﻲ ھﻧﺎك ﻟﻣدة ﺳﻧﺗﯾن ﻣﺷرﻓﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻧﯾﺳﺔ اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ ﻗﺑل اﻟﻌودة ﺛﺎﻧﯾﺔ إﻟﻰ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ اﻟذي
4
أﻧﺷﺄ ﺑﮫ أول ﻛﻧﯾﺳﺔ ،وﻟﻛﻧﮫ ﺳرﻋﺎن ﻣﺎ ﻋﺎد إﻟﻰ اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ ﻟﯾﻠﻘﻰ ﺣﺗﻔﮫ ﺑﮭﺎ ﻓﻲ ﻋﺎم 63ﻣﯾﻼدي .
وﯾﻌد اﻟﻘدﯾس "ﻣرﻗس" ﺻﺎﺣب أﺣد اﻷﻧﺎﺟﯾل اﻷرﺑﻌﺔ اﻟﻣﻌﺗﻣدة ﻣن ﻗﺑل اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ) ،اﻟﻣﻌروف ﺑﺈﻧﺟﯾل ﻣرﻗس
(وﻗد ﻛﺗﺑﮫ ﺑﺎﻟﻠﻐﺔ اﻟﻼﺗﯾﻧﯾﺔ 5.وﻣﻣﺎ ﯾﺛﺑت أﺻﻠﮫ اﻟﻘورﯾﻧﻲ ،أﻧﮫ أﻗﺎم ﻓﻘط ﻓﻲ اﻟﻘدس ﻓﻲ ﻋﮭد ﺳﯾدﻧﺎ ﻋﯾﺳﻰ ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺳﻼم،
وﻟم ﯾﻛن ﻣن أھل اﻟﻣﻧطﻘﺔ ،ﻷﻧﮫ ﻟم ﯾﻛﺗب إﻧﺟﯾﻠﮫ ﺑﺎﻟﻌﺑرﯾﺔ ،ﻛﻣﺎ ﻓﻌل )ﻣﺗﻰ( وﻛﺎن ﻣرﻗس ﻗورﯾﻧﯾﺎ ً اﻷﺻل ﯾوﻧﺎﻧﯾﺎ ً
اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ .وﯾرﺟﺢ أﻧﮫ أﺳس أول ﻛﻧﯾﺳﺔ ﺑﻘورﯾﻧﻲ ﺑﺈﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ﻗﺑل ﺗﺄﺳﯾس ﻛﻧﯾﺳﺔ اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ ،ﻓﻲ ﺣﯾن ﻧﺟد ﻓﻲ أﻋﻣﺎل
اﻟرﺳل ﺑﺄن أول أﺳﻘف ﻟﺑرﻗﺔ ﻛﺎن "ﻟوﻗﯾوس" اﻟﻘورﯾﻧﻲ ،وﻋﻣوﻣﺎ ﻓﺈن ﺻﻠﺔ ﺑرﻗﺔ ﺑﺎﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻛﺎﻧت ﻣﻧذ ﺑداﯾﺔ اﻻﻧﺗﺷﺎر
،وﻗد ﺷﻛﻠت ھذه اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﺟدﯾدة ﺣﻣﺎﺳﺔ ﻟﻠﻣؤﻣﻧﯾن ﺑﮭﺎ ،وﺣﺳب اﻟرواﯾﺎت ﻓﺈن أﺗﺑﺎﻋﮭﺎ ﻗد ﺑﺎﻋوا ﻣﻣﺗﻠﻛﺎﺗﮭم ووزﻋوھﺎ
ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻘراء واﻟﻣﺳﺎﻛﯾن ﺛم ﺗرﻛوا ﻣﻧﺎزﻟﮭم ﻟﯾﻌﻣﻠوا ﺑﺎﻟﺗﺑﺷﯾر اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﻗﺑل أن ﯾُﻌـﯾﻧوا دﻋﺎة آﺧرﯾن
1
ﻟﻣواﺻﻠﺔ اﻟﻣﮭﻣﺔ .
ﻣﻧﻔذ روﻣﺎ :ﯾﻔﯾدﻧﺎ )ﯾوﺳﺑﯾوس اﻟﻘﯾﺻري( ﺑﺄن"ﺑطرس اﻟرﺳول" 2ھو اﻟذي ﺣﻣل اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ إﻟﻰ روﻣﺎ
ﺧﻼل ﺣﻛم اﻹﻣﺑراطور ﺗﯾﺑرﯾوس ﻛﻠودﯾوس) 10ق م 54 /م( ،واﻟذي ﻣﺎرس اﺿطﮭﺎدا رھﯾﺑﺎ ﺿد اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن ﻓﻲ
اﻟﺷرق ،وھﻧﺎك ﺧﻼف ﺣول اﻷﻣر ،إﻻ أن اﻷﻣر ﻗد ﯾﻌزى إﻟﻰ "ﺑوﻟس اﻟرﺳول" 3أﺛﻧﺎء ﺣﻛم اﻹﻣﺑراطور
) – 3ﻣرﻗس (Marcھو) ﯾوﺣﻧﺎ (و ﯾﻠﻘب )ﺑﻣرﻗس( و)اﻟﻣطرﻗﺔ( ،وﻟد ﺑﻘرﯾﺔ )اﺑرﯾﺎﺗوﻟس( ﺑرطﻠس اﻟﺣﺎﻟﯾﺔ ﺗﻘﻊ ﻣﺎ ﺑﯾن ﻗورﯾﻧﻲ ﺷﺣﺎت اﻟﺣﺎﻟﯾﺔ
وأﺑوﻟوﻧﯾﺎ ﺳوﺳﺔ اﻟﺣﺎﻟﯾﺔ ،واﺟﮫ اﻟﺣﻛم اﻟروﻣﺎﻧﻲ ،ھﺎﺟرت أﺳرﺗﮫ ﻣﺿطرة ﻣن ﺑرﻗﺔ إﻟﻰ ﻓﻠﺳطﯾن ﺧوﻓﺎ ً ﻣن ﺑطش اﻟروﻣﺎن ،ﻟم ﯾﻛن ﻣن اﻟﺣوارﯾﯾن
اﻻﺛﻧﺎ ﻋﺷر اﻟذﯾن ﺗﺗﻠﻣذوا ﻋﻠﻰ ﯾد ﻋﯾﺳﻰ ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺳﻼم ،ﻛﺎﻧت أﺳرﺗﮫ ﺗﻘﯾم ﺑﻣدﯾﻧﺔ أورﺷﻠﯾم زﻣن اﻟﻣﺳﯾﺢ ﻋﯾﺳﻰ ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺳﻼم ،وﻛﺎن ﻣن اﻷواﺋل اﻟذﯾن
أﺟﺎﺑوا دﻋوﺗﮫ ،ﻻزم "ﻣرﻗس" "ﺑرﻧﺎﺑﺎ" اﻟرﺳول ﻓﻲ رﺣﻠﺗﮫ إﻟﻰ أﻧطﺎﻛﯾﺔ ﻟﻠﺗﺑﺷﯾر ﺑﺎﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ھﻧﺎك ،ﺛم ﻗﺑرص ﺛم اﻧﺗﻘل إﻟﻰ ﻣﺻر وﺷﻣﺎل إﻓرﯾﻘﯾﺎ ﻓﻲ
اﻟﻧﺻف اﻷول ﻣن اﻟﻘرن اﻷول ﻟﻠﻣﯾﻼد ،وﻛﺗب اﻹﻧﺟﯾل ﺑﺎﻟﯾوﻧﺎﻧﯾﺔ ،اﻏﺗﺎﻟﮫ اﻟوﺛﻧﯾون .ﻟﻠﻣزﯾد ﻣن اﻟﻣﻌﻠوﻣﺎت ﯾﻧظر ،ﻣﺣﻣد أﺑو زھرة ،ﻣﺣﺎﺿرات ﻓﻲ
اﻟﻧﺻراﻧﯾﺔ ،ط ،3 .دار اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌرﺑﻲ ،اﻟﻘﺎھرة ، 1961 ،ص 46 .؛ رؤوف ﺷﻠﺑﻲ ،أﺿواء ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ )دراﺳﺎت ﻓﻲ أﺻول اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ( ،اﻟﻣﻛﺗﺑﺔ
اﻟﻌﺻرﯾﺔ ،ﺑﯾروت ، 1975 ،ص. 4 .داود ﺣﻼق :ﻣرﻗس اﻻﻧﺟﯾﻠﻲ،دار اﻟﻛﺗب اﻟوطﻧﯾﺔ ،ﺑﻧﻐﺎزي 1993 ،م ،ص69-29
2
- .Mesnage (P.J .) , op-cit , P.31
- 4ﻣﺣﻣد ﻣﺻطﻔﻰ ﺑﺎزاﻣﺔ ،اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑﻖ ،ص26 .
- 5ﻣﺣﻣد أﺑو :ﻣﺣﺎﺿرات ﻓﻲ اﻟﻧﺻراﻧﯾﺔ ،ط ،3 .دار اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌرﺑﻲ ،اﻟﻘﺎھرة ، 1961 ،ص ، 45 .ﻛذﻟك داود ﺣﻼق :ﻣرﻗس اﻻﻧﺟﯾﻠﻲ ،دار
اﻟﻛﺗب اﻟوطﻧﯾﺔ ،ﺑﻧﻐﺎزي 1993 ،م ،ص69-29
– 1داوود ﺣﻼق :اﻟﻣرﺟﻊ اﻟﺳﺎﺑﻖ ،ص 60-29
– 2ﺑطرس اﻟرﺳول :ﺑطرس اﻟرﺳول او اﻟﻘدﯾس ﺑطرس ھو ﺳﻣﻌﺎن ﺑن ﯾوﻧﺎ اﻟﻣﻠﻘب ﺑﺳﻣﻌﺎن ﺑطرس Πέτροςﺑﺎﻟﯾوﻧﺎﻧﯾﺔ ) ﺑﺎﻟﻌرﺑﯾﺔ اﻟﺻﻔﺎ
وﺑﺎﻟﺳرﯾﺎﻧﯾﺔ ﺷﻣﻌون ﻛﯾﻔﺎ( وﺑﺎﻹﻧﻛﻠﯾزﯾﺔ Simon Peterوﻣﻌﻧﻰ اﻟﻠﻘب ﺑطرس ھو اﻟﺻﺧرة وﻗد ﻧﺎل ﻟﻘﺑﮫ ھذا ﻣن اﻟﺳﯾد اﻟﻣﺳﯾﺢ ﺑﺣﺳب رواﯾﺔ اﻟﻛﺗﺎب
اﻟﻣﻘدس .ﻛﺎن ﺑطرس اﻟرﺳول واﺣد ﻣن ﻧﺧﺑﺔ اﻟرﺳل اﻹﺛﻧﻰ ﻋﺷر اﻟذﯾن اﺧﺗﺎرھم اﻟﻣﺳﯾﺢ ﻣن ﺑﯾن أﺗﺑﺎﻋﮫ وﺳﻣﯾوا ﺑﺎﻟﺗﻼﻣﯾذ .وﻟد وﻧﺷﺄ ﻓﻲ ﻗرﯾﺔ ﺑﯾت
ﺻﯾدا ﻓﻲ ﻓﻠﺳطﯾن و ﻋﻣل ھﻧﺎك ﺻﯾﺎدا ﻟﻠﺳﻣك ﻣﻊ اﺧﯾﮫ أﻧدراوس ﻗﺑل أن ﯾدﻋوه ﯾﺳوع ﻟﯾﻛون أﺣد اﺗﺑﺎﻋﮫ .وأﺻﺑﺢ ﺑﻌد ذﻟك ﻗﺎﺋدا ﻟﺑﻘﯾﺔ رﺳل اﻟﻣﺳﯾﺢ
،ﻛﻣﺎ أن اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ اﻻوﻟﻰ أﻗرت ﺑﺳﻠطﺗﮫ وأﺻﺑﺢ أوﻟﺑﺎﺑﺎوات ﻛﻧﯾﺳﺔ روﻣﺎ .ﯾﻌﺗﻘد ﺑﺄﻧﮫ ﻗﺗل ﺻﻠﺑﺎ ﺑﯾد اﻟﺳﻠطﺎت اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ .وﻛﻣﺎ ﺗﺑﯾن اﯾﺿﺎ ً ﻣن اﻵﺛﺎر
اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ اﻟﻣﻛﺗﺷﻔﺔ ﺣدﯾﺛﺎ ً ﻓﻲ روﻣﺎ .أن ﺑطرس ذھب إﻟﻰ روﻣﺎ ﺑﺎﻷﺗﻔﺎق ﻣﻊ ﺑوﻟس .وﺑﻌد أن أﺳس ﻛﻧﯾﺳﺗﮭﺎ أﺳﺗﺷﮭد ﻓﻲ ﻋﮭد ﻧﯾرون ﻋﺎم
67م.ﯾوﺳﺑﯾوس اﻟﻘﯾﺻري ،ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ ص .70ﯾﻧظر ،ﻓراس اﻟﺳواح ،اﻟوﺟﮫ اﻵﺧر ﻟﻠﻣﺳﯾﺢ ،ﻣﻧﺷورات ﻋﻼء اﻟدﯾن ،دﻣﺷﻖ ، 2004 ،ص133 .
- 3ﺑوﻟس اﻟرﺳول :ﺑوﻟس ،ﺑوﻟس اﻟرﺳول أﺷﮭر ﺷﺧﺻﯾﺔ ﻓﻲ أﺳﻔﺎر اﻟﻌﮭد اﻟﺟدﯾد ﺑﻌد اﻟﻣﺳﯾﺢ ،إذ أن ﻣﻌظم ﻣﺎدة ﺳﻔر أﻋﻣﺎل اﻟرﺳل ﺗﺗﺣدث ﻋن
ﻧﺷﺎطﮫ اﻟﺗﺑﺷري وﻛﺎﻧت رﺳﺎﺋﻠﮫ اﻷرﺑﻌﺔ ﻋﺷر ﻣﺗداوﻟﺔ ﺑﯾن اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن ،ﻗﺑل ﺗدوﯾن اﻷﻧﺎﺟﯾل اﻷرﺑﻌﺔ .وﻟد ﺳﻧﺔ ﻋﺷرة ﻟﻠﻣﯾﻼد ﺑﻣدﯾﻧﺔ طرﺳوس ﺑﺂﺳﯾﺎ
اﻟﺻﻐرى ﻣن أﺳرة ﯾﮭودﯾﺔ ﺗﺣﻣل اﻟﻣواطﻧﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ،ﻣﺎرس اﻟﺗﺑﺷﯾر ﻣﺎ ﺑﯾن دﻣﺷﻖ وأﻧطﺎﻛﯾﺔ واﻟﯾوﻧﺎن وآﺳﯾﺎ اﻟﺻﻐرى وروﻣﺎ ،أﺷﺗﮭر ﺣواﻟﻲ ﺳﻧﺔ
199
اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ
ﻧﯾرون) 68 - 54م(وأﻗﺎم "ﺑوﻟس" ﻟﻣدة ﺳﻧﺗﯾن ﻛﺎﻣﻠﺗﯾن ﻓﻲ روﻣﺎ ﻛﺄﺳﯾر ﻣطﻠﻖ اﻟﺳراح ،ﻟﯾﻣﺗﺛل ﺑﻌدھﺎ ﻟﻠﻣﺣﺎﻛﻣﺔ ،
وﺑذﻟك ﻓﺈن اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻗد ﺗﺳرﺑت إﻟﻰ روﻣﺎ ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟوﻗت اﻟذي ﺗﺳرﺑت ﻓﯾﮫ إﻟﻰ ﺑرﻗﺔ وﺷﻣﺎل إﻓرﯾﻘﯾﺎ ،إﻻ أن
4
اﻟﺟﻣﺎﻋﺎت اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ روﻣﺎ ﻗد ﺗﻌرﺿت ﻷﻗﺳﻰ أﻧواع اﻻﺿطﮭﺎد واﻟﺗﻧﻛﯾل.
وﺑﺣﺳب اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﻣؤرﺧﯾن ﻓﻲ ﻋﮭد اﻹﻣﺑراطور ﻧﯾرون ،اﻟذي أﺣرق ﻣدﯾﻧﺔ روﻣﺎ ،وﻗﺿﻰ ﻋﻠﻰ
اﻵﻻف ﻣن اﻟﺑﺷر ،واﺗﮭم ﺑذﻟك اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن ﺑﺄﻧﮭم ھم ﻣن دﺑر ھذا اﻟﺣرﯾﻖ ﻟﻛﻲ ﯾزﯾد ﻣن ﻛراھﯾﺔ اﻟﻧﺎس ﻟﮭم ،اﻷﻣر
اﻟذي ﻋرض اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن ﻟﻠﻌﻧف واﻟﻘﺗل ،وﻗﺗﻠوا ﻣﻧﮭم اﻟﻛﺛﯾر ﺑﺄﺑﺷﻊ أﻧواع اﻟﻌذاب ،وﻟم ﯾﺑﻖ ھذا اﻻﺿطﮭﺎد ﻓﻲ
روﻣﺎ ﻓﺣﺳب ﺑل اﻣﺗد إﻟﻰ ﻣﻧﺎطﻖ أﺧرى ،وﻣﺎت ﻓﻲ ھذا اﻻﺿطﮭﺎد اﻟرﺳوﻻن ) ﺑوﻟس و وﺑطرس( اﻟﻠذﯾن ﻛﺎﻧﺎ ﻓﻲ
روﻣﺎ ﻟﺗﻘوﯾﺔ إﯾﻣﺎن اﻟﻧﺎس ،وﻟﻛن اﻹﻣﺑراطور اﺻدر ﻣرﺳوﻣﺎ ﯾﻌﺗﺑر اﻋﺗﻧﺎق اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﺟﻧﺎﯾﺔ ﺗﺳﺗوﺟب اﻟﻣوت ،ﻟﺗﺑدأ
5
ﺑﻌدھﺎ ﻓﺗرة طوﯾﻠﺔ ﻣن اﻻﺿطﮭﺎد اﺗﺟﺎه اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن .
وﻛﺎن ﻋﮭد اﻹﻣﺑراطور اﻟﺑﯾزﻧطﻲ دﻗﻠدﯾﺎﻧوس 305-284) Diocletianusم ( ﻣن اﺻﻌب اﻟﻔﺗرات اﻟﺗﻲ
ﻣر ﺑﮭﺎ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾون ،ﺣﯾث ﺗﻌرﺿوا ﻻﺿطﮭﺎد ﻋظﯾم ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ ،ﻗﺗل وﺗﺷرﯾد وﺗﻌذﯾب ،
وإﺻدار ﻗواﻧﯾن ﺿدھم ،ﻣﻧﮭﺎ اﻟﻣرﺳوم اﻟذي أﺻدره ﻓﻲ ﺳﻧﺔ) 303م( اﻟﻣرﺳوم اﻷول اﻟذي أﻣر ﻓﯾﮫ ﺑﺗﮭدﯾم
اﻟﻛﻧﺎﺋس اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ وإﺣراق اﻟﻛﺗب اﻟدﯾﻧﯾﺔ ،وﻣﻧﻊ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن ﻣن اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﺎت واﻋﺗﺑﺎرھم ﺧﺎرﺟﯾن ﻋن اﻟﻘﺎﻧون ،ﻻ
ﯾﺣﻖ ﻟﮭم اﻻﺳﺗﻔﺎدة ﻣن اﻟدﻓﺎع أﻣﺎم اﻟﻣﺣﺎﻛم ،وطرد ﻛل ﻣن ﯾﺗﻘﻠد ﻣﻧﺻﺑﺎ رﻓﯾﻌﺎ إذا ﻛﺎن ﻣﺳﯾﺣﯾﺎ ،وﺣرﻣﺎن ﺧدام
اﻟﺑﯾوت ﻣن اﻟﺣرﯾﺔ إذا أﺻروا ﻋﻠﻰ اﻹﻋﺗراف ﺑﺎﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ،ﻓﻘد ﺳﻌﻰ اﻹﻣﺑراطور "دﻗﻠدﯾﺎﻧوس" إﻟﻰ ﺳﯾﺎﺳﺔ اﻟﻘﻣﻊ
ﻛﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻟﺗوﺣﯾد اﻟدﯾﺎﻧﺔ ﻓﻲ ﻛﺎﻣل أرﺟﺎء اﻟدوﻟﺔ ،اﻟﺗﻲ ﺑدأت اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﺗﺳﺗﺷري ﻓﯾﮭﺎ واﺑﺗﻌﺎد اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن ﻋن ﻋﺑﺎدة
اﻹﻣﺑراطور ،وﻗد ﺳﺟﻠت اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻻﺿطﮭﺎدات ﺧﻼل ھذه اﻟﻔﺗرة ﻓﻲ ﻟﯾﺑﯾﺎ ،ﻧﺗﯾﺟﺔ ﻻﻣﺗﻧﺎع اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن ﺑﮭﺎ ﻋن
1
ﺗﻘدﯾم اﻟﻘراﺑﯾن ﻟﻶﻟﮭﺔ اﻹﻣﺑراطور .
وﺑﺣﺳب اﻟﻣؤرخ " " Mesnageﻓﺈن اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻗد اﻧﺗﺷرت ﻓﻲ ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ ﻣﻊ اﻟرﺳل ،وﻟﻛﻧﮭﺎ
ارﺗﺑطت ﻓﯾﻣﺎ ﺑﻌد ﺑﺣرﻛﺔ اﻟﺗوﺳﻊ اﻻﺳﺗﯾطﺎﻧﻲ اﻟروﻣﺎﻧﻲ ،وﻛﺎن ذﻟك ﺑﻼ ﺷك ﺑﻌدﻣﺎ ﺗﺑﻧﺗﮭﺎ اﻟﺳﻠطﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ﻛدﯾﺎﻧﺔ
رﺳﻣﯾﺔ ﻣﻌﺗرف ﺑﮭﺎ ﻣن ﺑﯾن اﻷدﯾﺎن ﺑﺎﻹﻣﺑراطورﯾﺔ ﻓﻲ ﻋﮭد اﻹﻣﺑراطور اﻟﺑﯾزﻧطﻲ ﻗﺳطﻧطﯾن اﻷول )337-306م
( واﺻداره ﺳﻧﺔ 312م ﻟﻣرﺳوم ﻣﯾﻼن اﻟﺷﮭﯾر ،وﻟذﻟك ﻧﺟد أن اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ اﻧﺗﺷرت أﻛﺛر ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ﺑﻌد ھذه
اﻟﻔﺗرة ،وﯾﻘﺎم ﻟﮭﺎ ﻓﻲ ﻛل ﻣدﯾﻧﺔ ﻛﻧﯾﺳﺔ أو أﻛﺛر 2،وھﻧﺎك إﺷﺎرة ﻣن اﻟﺑﺎﺣث ﻓراﻧﺳوا دﯾﻛرﯾﮫ) ( François,Dإﻟﻰ
وﺟود أدﻟﺔ ﻋن ﻗدم اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ اﻷﻓرﯾﻘﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗرﺟﻊ إﻟﻰ ﺳﻧوات ﺑﻌﯾدة ،وﺟدت ﺑﮭﺎ ﻧﻘوش ﻋﻠﻰ ﻗﺑور ﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﺗرﺟﻊ
3
إﻟﻰ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻘرن اﻷول ﻟﻠﻣﯾﻼد .
67ﻟﻠﻣﯾﻼد ﻓﻲ ﺣﻣﻠﺔ اﻻﺿطﮭﺎد ﺿد اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن ،ھو اﻟﻣﺳﺋول ﻋن ﺗﺄﺳﯾس ﻛﻧﯾﺳﺔ اﻷﻣم وھو اﻟﯾﮭودي اﻟوﺣﯾد ﻣن اﻟرﺳل اﻟذي ﻟم ﯾﻠﺗﻖ ﺑﺎﻟﻣﺳﯾﺢ ﻋﻠﯾﮫ
اﻟﺳﻼم ،و ﺗﻌد رﺳﺎﺋﻠﮫ اﻷرﺑﻌﺔ ﻋﺷر أﺳﺎس اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ،ﻟﻠﻣزﯾد ﯾﻧظر ،ﻓراس اﻟﺳواح ،اﻟوﺟﮫ اﻵﺧر ﻟﻠﻣﺳﯾﺢ ،ﻣﻧﺷورات ﻋﻼء اﻟدﯾن ،دﻣﺷﻖ، 2004 ،
ص133 .
– 4ﯾوﺳﺑﯾوس اﻟﻘﯾﺻري :ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ ،ﺗرﺟﻣﺔ اﻟﻘﻣص ﻣرﻗس داوود ،ﻣﻛﺗﺑﺔ اﻟﻣﺣﺑﺔ ،1989ص 79 – 78
- 5أﻧدرﯾﮫ إﯾﻣﺎر وﺣﺎﻧﯾن أوﺑواﯾﮫ ،ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺣﺿﺎرات اﻟﻌﺎم ،ج ) 2روﻣﺎ وإﻣﺑراطورﯾﺗﮭﺎ ( ،ﺗرﺟﻣﺔ ،.ﻓرﯾد م .داﻏر وﻓؤاد ج
.أﺑورﯾﺣﺎن ،ط ،2ﻣﻧﺷورات ﻋوﯾدات ،ﺑﯾروت ، 1986 ،ص4 .
1
أﻧظر :ﯾوﺳﺎﺑﯾوس اﻟﻘﯾﺻري ،اﻟﻣﺻدر اﻟﺳﺎﺑﻖ،ص -.Serge Lancel, op-cit., p.25 354
2
- Mesnage ( J.P.),op-cit. , P. 43
3
-François Décret, op.cit, P.20
200
اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ
وﻻ ﺷك ﻓﺈن اﻟﻣد اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ وﺻل إﻟﻰ ﺑﻼد ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ وإﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ﻋن طرﯾﻖ اﻟروﻣﺎن اﻟذﯾن ﻛﺎﻧوا
ﯾﺳﯾطرون ﻋﻠﯾﮫ ،وأن اﻷﻣر ﻟم ﯾﺳﺗﺗب إﻻ ﺑﻌد ﺳﻠﺳﻠﺔ ﻣن اﻻﺿطﮭﺎدات ﻗﺑل أن ﺗﺻﯾر اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ دﯾﺎﻧﺔ اﻟدوﻟﺔ
4
اﻟرﺳﻣﯾﺔ ﻋﺎم )392م(ﻓﻲ ﻋﮭد اﻹﻣﺑراطور اﻟﺑﯾزﻧطﻲ ﺛﯾودﺳﯾوس اﻷول 395-379) Theodosiusم(.
وﯾﻘول )ﺟودﺗﺷﺎﯾﻠد( ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﮫ ﻗورﯾﻧﺎ وأﺑوﻟوﻧﯾﺎ أن أول اﺳﻘف ﻗورﯾﻧﻲ ﺳﺟﻠﮫ اﻟﺗﺎرﯾﺦ ﻓﻲ اﻟوﻻﯾﺔ ﻛﺎن
ﯾدﻋﻰ آﻣوﻧﺎس ﻣن ﻣواطﻧﻲ ﺑرﻧﯾﻖ )ﺑﻧﻐﺎزي( وذﻟك ﻓﻲ ﻋﺎم 260م ،وﻋﻧد ﻋﻘد اﻟﻣﺟﻣﻊ اﻟدﯾﻧﻲ ﻓﻲ ﻧﯾﻘﯾﺔ )(Nicea
ﺗوﺧﯾرا ﻣن اﺳﺎﻗﻔﺔ ﯾوﺟد ﻛﺎن 325م ﻋﺎم
)Tauchiraﺗوﻛرا(وﺑﺗوﻟﯾﻣﺎﯾس)طﻠﻣﯾﺛﺔ(وﺑرﻗﺔ)(BARKEوآﻣوﻧﯾﺎس)ﺳﯾوة(وﺑورﯾوم)) (Bereumﺑﺎﻟﻘرب ﻣن
ﻣرﺳﻰ اﻟﺑرﯾﻘﺔ ﺑﻣﻧطﻘﺔ ﺳرت(وﺑﻌد ﻣرور ﻗرن ﻣن اﻟزﻣن اﺻﺑﺢ ﯾوﺟد اﺳﺎﻗﻔﺔ ﻓﻲ ﻏﺎﻟب اﻟﻣدن ﻓﻲ ﺳﯾرﻧﺎﯾﻛﺎ )إﻗﻠﯾم
5
ﺑرﻗﺔ(.
وﻋﻠﻰ اﻟﻌﻣوم ﻓﺈن اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻗد ﺗﺳرﺑت إﻟﻰ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ﻋﺑر اﻟﺷرق ﻣن ﺧﻼل اﻟرﺳل واﻟﺗﺟﺎرة ،وﻛذﻟك إﻟﻰ
ﻣدﯾﻧﺔ ﻗورﯾﻧﺎ ﻋﺑر روﻣﺎ ﻋن طرﯾﻖ اﻟﺗﺟﺎرة واﻟﺣرﻛﺔ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ وﻋﺑر اﻟﻣﺑﺷرﯾن ،ﻟﺗﺄﺧذ ﻣﺳﺎرھﺎ إﻟﻰ اﻟﻌدﯾد ﻣن
اﻟﻣﻧﺎطﻖ اﻷﺧرى ﻓﻲ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ .أﻧظر اﻟﺧرﯾطﺔ اﻟﺗﻲ ﺗوﺿﺢ اﻟﻣﻧﺎﻓذ اﻟﺗﻲ دﺧﻠت ﻣن ﺧﻼﻟﮭﺎ اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ إﻟﻰ
ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ وإﻟﻰ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ .
اﻟﺧرﯾطﺔ ،رﻗم : 1ﺗوﺿﺢ ﻣﻧﺎﻓذ اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ إﻟﻰ ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ وإﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ
- 4ﺑدﯾﻌﺔ اﻟﺧرازي ،اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ اﻟﻧﺻراﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻷﻗﺻﻰ ،ﻣطﺑﻌﺔ اﻟﻣﻌﺎرف اﻟﺟدﯾدة ،اﻟرﺑﺎط ، 2007 ،ص13 .
– 5ر .ج .ﺟودﺗﺷﺎﯾﻠد :ﻗورﯾﻧﺎ وأﺑوﻟوﻧﯾﺎ دﻟﯾل ﺗﺎرﯾﺧﻲ ووﺻف ﻋﺎم ﻵﺛﺎر اﻟﻣدﯾﻧﺗﯾن ،ﺗرﺟﻣﺔ اﻹدارة اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻸﺛﺎر،ﻧﺷر إدارة اﻟﺑﺣوث اﻷﺛرﯾﺔ ،
1970م ،ص49
201
اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ
وﻋﻠﻰ اﻟرﻏم ﻣن اﻧﺗﺷﺎر اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﻧطﺎق واﺳﻊ ﻓﻲ ﺑرﻗﺔ واﻟﺷﻣﺎل اﻷﻓرﯾﻘﻲ وﺗﺣول أﻏﻠب ﺳﻛﺎﻧﮫ ﻋن
اﻟوﺛﻧﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﺑﺗﺄﺛﯾر اﻟﺳﻠطﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ،واﻋﺗﻣﺎدھﺎ اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟرﺳﻣﯾﺔ اﻟوﺣﯾدة ﻟﻠدوﻟﺔ ،ﻏﯾر أﻧﮫ ﻻ
ﯾﻣﻛﻧﻧﺎ اﻟﺗﺳﻠﯾم ﺑﺄن اﻟﻠﯾﺑﯾﯾن ﺗﺣوﻟوا ﻣن ﻋﺑﺎداﺗﮭم اﻟﻘدﯾﻣﺔ ﺑﺷﻛل ﻛﺎﻣل دون ﺗﺣﻔظ ،ﻓﺈن اﻧﺗﺷﺎرھﺎ ﺑﯾن ﻗﺑﺎﺋل اﻟﺑرﺑر
ﻛﺎن ﻣﺣدودا ً ،ﺣﺗﻰ داﺧل اﻟﻣﻧﺎطﻖ اﻟﺗﻲ ﺧﺿﻌت ﻟﻺﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ،ﺣﯾث اﺳﺗﻣرت اﻟوﺛﻧﯾﺔ ﻗﺎﺋﻣﺔ ﺑطﻘوﺳﮭﺎ
ﺗﻣﺎرس ﻋﻠﻰ اﻷﻗل ﻓﻲ ﻣﻧﺎطﻖ اﻟﺟﻧوب اﻟﻠﯾﺑﻲ ،وظﻠوا ﻛذﻟك ﺣﺗﻰ ﻋﮭد اﻹﻣﺑراطور اﻟﺑﯾزﻧطﻲ ﺟﺳﺗﻧﯾﺎن )-518
565م( اﻟذي ﺣﻣﻠﮭم ﻋﻠﻰ اﻋﺗﻧﺎﻗﮭﺎ ﺗﻧﻔﯾذا ﻟﺳﯾﺎﺳﺗﮫ ﻓﻲ ﻧﺷر اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ 1،وﯾؤﻛد ﻋﻠﻰ ذﻟك ﺣدﯾث )ﺑروﻛﺑﯾوس( 2ﻋن
واﺣﺗﻲ ﺟﺎﻟو و أوﺟﻠﺔ وھﻣﺎ ﻣدن ﻣن إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ﺣﯾث ﯾﻘول " اﻧﮭﻣﺎ اﺣﺗﻔظﺗﺎ ﺑﻌﺑﺎدات اﻷﻗدﻣﯾن إذ ﻛﺎﻧوا ﺟﻣﯾﻌﺎ ﻓﻲ
ظﻼل اﻟﺷرك وﻛﺎﻧت ﻟﮭم ﻣﻌﺎﺑد ﻣن اﻷزﻣﻧﺔ اﻟﻐﺎﺑرة ﻣﻛرﺳﺔ ﻟﻺﻟﮫ أﻣون ...ﺣﺗﻰ ﻋﮭد ﺟﺳﺗﻧﯾﺎن اﻟذي ﻟم ﯾﺗرك
3
وﺳﯾﻠﺔ إﻻ واﺗﺑﻌﮭﺎ ﻟﺗﻧﺻﯾرھم ﻓﺣول اﻟﺳﻛﺎن ﺟﻣﯾﻌﺎ إﻟﻰ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ وﺑﻧﻰ ﻟﮭم ﻛﻧﯾﺳﺔ ﻷم اﻟرب ﻟﺗﻛون ﺣﺎرﺳﺔ ﻟﮭم" .
ﺻﺎرت اﻟوﺣدة اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻣﮭددة ﺑﻌد ﻓﺗرة اﻻﺿطﮭﺎدات اﻟﻌﻧﯾﻔﺔ ﻣﻊ ﺑداﯾﺔ اﻟﻘرن اﻟراﺑﻊ ﻟﻠﻣﯾﻼد ،واﻟﺗﻲ أدت
إﻟﻰ ارﺗداد ﻋدد ﻛﺑﯾر ﻣن اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن ﻓﺎﻟﺑﻌض ﻣﻧﮭم ﺳﻠم ﻧﺳﺧﺎ ﻣن اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻣﻘدس إﻟﻰ اﻟﺳﻠطﺔ اﻟزﻣﻧﯾﺔ ﻓﺎﻋﺗ ُ ِﺑر ﺧﺎﺋﻧﺎ
وﻣﺗﺧﺎذﻻ ،ﻓﻲ ﺣﯾن ﻧﺟد اﻟﺑﻌض اﻵﺧر ﻗد ارﺗد ﺗﻣﺎﻣﺎ ﻋن دﯾﻧﮫ ،وﺑﺎﻟﻣﻘﺎﺑل ﺻﻣد آﺧرون وﺗﻌرﺿوا ﻟﻺﻋدام أو
اﻟﺳﺟن ،واﺗﺧذوا ﻣوﻗﻔﺎ ﻣن اﻟﺟﻣﺎﻋﺔ اﻷوﻟﻰ راﻓﺿﯾن اﻟﺗﻌﺎﻣل ﻣﻌﮭم ،وﻗد ﺗﺄﺛر اﻟﻣﺳﯾﺣﯾون ﻓﻲ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ﻣﺛل ﺑﺎﻗﻲ
اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن ﺑﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ ﺑﻣﺎ ﯾﺣدث ﻣن ﻧزاﻋﺎت داﺧﻠﯾﺔ ﺑﯾن اﺗﺑﺎع اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ،وﻛذﻟك اﻟﺧﻼف ﺑﯾن اﻟﻛﻧﺎﺋس
اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻣﺎل اﻷﻓرﯾﻘﻲ ﺣول ﻗﺿﯾﺔ اﻟﻣرﺗدﯾن ﻋن اﻟدﯾن اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ أﺛﻧﺎء اﻻﺿطﮭﺎدات اﻟﺗﻲ ﻣﺎرﺳﺗﮭﺎ اﻟﺳﻠطﺔ
اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ﻋﻠﯾﮭم ،وﻛﺎن ﻟﺗﺑﻧﻲ اﻟﺳﻠطﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ﻟﻠدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﺿرﺑﺎ ﻣن اﻟﮭﯾﻣﻧﺔ اﻟروﺣﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﻛﺎن ﺑﻼد
ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ ﻓرﻓﺿوا ھذا اﻟﺗﺑﻧﻲ وﻗﺎوﻣوه ،ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻻﺿطﮭﺎدات اﻟﺗﻲ ﺗﻠﻘﺎھﺎ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾون ﻋﻠﻰ ﻣدار ﺛﻼﺛﺔ ﻗرون ،
واﻟﺗﻲ ﻛﺎن ﻟﮭﺎ اﻷﺛر اﻟﺑﺎﻟﻎ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻌداء ﻣﺎ ﺑﯾن اﻟﺳﻠطﺔ واﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن ،وﺳﺎھﻣت ﻓﻲ ﺧﻠﻖ ﺣﺎﻟﺔ ﻣن ﻋدم اﻻﺗﻔﺎق
،ﻣﺎ ﺑﯾن اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن أﻧﻔﺳﮭم وﺗطورت ﻓﻲ ﺑﻌض اﻷﺣﯾﺎن إﻟﻰ ﺣدوث ﺧﻼﻓﺎت ﺣﺎدة ،ﻣﺛﻠﻣﺎ ﺣدث ﻓﻲ ﺳﻧﺔ 256م
1
ﺑﯾن ﻗﺑرﯾﺎﻧوس واﻟﺑﺎﺑﺎ إﯾﺗﯾﺎن اﻷول 257-254م" ﺣول ﺗﻌﻣﯾد اﻟﻣرﺗدﯾن واﻟﺧﻼف ﺑﯾﻧﮭم ﻓﻲ ﻛﻧﯾﺳﺔ ﻗرطﺎج .
وارﺗﺑطت اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ ﺑرﻗﺔ وﻣﻧذ اﻟﺑداﯾﺔ ﺑﻛﻧﯾﺳﺔ اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ ،وﻋﺎﺷت ﻣﻌﮭﺎ ﺧﺿم اﻟﺻراع اﻟﻌﻘﺎﺋدي
،اﻟذي دار ﻓﻲ اﻟﺷرق اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ ،ﻛﺎن أول ھذا اﻟﺻراع ﻋﻧدﻣﺎ ﺧرج أﺣد ﻗﺳﺎوﺳﺔ ﻛﻧﯾﺳﺔ اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ ﯾدﻋﻰ
أرﯾوس )، 2(Ariusﺻﺎﺣب اﻟﻣذھب اﻷرﯾوﺳﻲ اﻟﻣﻌروف اﻟذي اﻧﺗﺷر ﻓﻲ اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ وﻣﺻر واﻟﺷرق ،وﻟم ﯾﻠﺑث
1
-Procope, Livre VI des batiments, paragraphe.II.
- 2ﺑروﻛوﺑﯾوس اﻟﻘﯾﺻري ):(Procopius de Saesareasﻣؤرخ ﺑﯾزﻧطﻲ وﻟد ﻓﻲ ﻗﯾﺻرﯾﺔ ﺑﻔﻠﺳطﯾن ﺣواﻟﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻟﻘرن اﻟﺧﺎﻣس ﻟﻠﻣﯾﻼد اﺷﺗﻐل
ﺑﺎﻟﻣﺣﺎﻣﺎة ﻓﻲ اﻟﻘﺳطﻧطﯾﻧﯾﺔ ،راﻓﻖ ﻗﺎﺋد اﻹﻣﺑراطور اﻟﺑﯾزﻧطﻲ ﺟﺳﺗﻧﯾﺎن "ﺑﯾﻠزارﯾوس" ﻋﺎم 527م إﻟﻰ ﺑﻼد ﻓﺎرس وأﻓرﯾﻘﯾﺎ واﯾطﺎﻟﯾﺎ ،ﻛﺎن ﺣﯾﺎ ﻋﺎم599
م ،ﺗرك ﻣﺟﻣوﻋﺔ ﻣؤﻟﻔﺎت ﻣﻧﮭﺎ ﺣرب اﻟو ﻧدال وﻋﻣﺎﺋر ﺟﺳﺗﯾﻧﯾﺎن .ﻟﻠﻣزﯾد ﯾﻧظر ،ﻋﻠﻲ ﻓﮭﻣﻲ ﺧﺷﯾم ،ﻧﺻوص ﻟﯾﺑﯾﺔ ،ﻧﺷرﺗواﻟﯾت ) ،ﺑد ،ت(.ص13 .
– 3ﻣﺻطﻔﻰ ﻣﺣﻣد ﺑﺎزاﻣﮫ :ﺗﺎرﯾﺦ ﻟﯾﺑﯾﺎ ،ج ،8ص57
- 1ﻋﺑداﻟﻠطﯾف ﻣﺣﻣود اﻟﺑرﻏوﺛﻰ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻠﯾﺑﻰ اﻟﻘدﯾم ﻣن اﻗدم اﻟﻌﺻور ﺣﺗﻰ اﻟﻔﺗﺢ اﻻﺳﻼﻣﻰ دار ﺻﺎدر ،ﺑﯾروت 1971م.ص.691.
- 2أرﯾوس Ariusﯾرى ﺑﻌض اﻟﻣؤرﺧﯾن أﻧﮫ أﻣﺎزﯾﻐﻲ اﻷﺻل ﻣوﻟود ﻓﻲ ﻣدﯾﻧﺔ ﻗورﯾﻧﺎ ) ﺷﺣﺎت( ﺷرق ﻟﯾﺑﯾﺎ ،و ﻋﺎش ﺑﯾن ﻓﺗرة )( 336 - 250
ﻋﺎﺻر اﻹﻣﺑر اطور ﻗﺳطﻧطﯾن اﻟﻛﺑﯾر)337-306م(وھو ﻣن ﻛﺑﺎر ﻛﮭﻧﺔ اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ ،وﻣؤﺳس اﻟﻣذھب اﻷرﯾوﺳﻲ Arianismeوھﻲ اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﺗﻲ
اﻋﺗﻧﻘﮭﺎ اﻟوﻧدال ﻋﻧد اﺣﺗﻼﻟﮭم ﻟﺷﻣﺎل إﻓرﯾﻘﯾﺎ ،وﯾرى أرﯾوس أن ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻧﺗﺷرا وﻗﺗﮭﺎ ﻓﻲ اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ﻣن ﻋﻘﯾدة اﻟﺗﺛﻠﯾث ﻓﻲ اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ
202
اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ
أن اﻣﺗد ﻹﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ﺣواﻟﻲ ﻧﻔس اﻟﻔﺗرة اﻟﺗﻲ اﻧﺗﺷر ﻓﯾﮭﺎ اﻟﻣذھب اﻟدوﻧﺎﺗﻲ 3، Donatismeوﯾﻌد ھذا اﻟﻣذھب أول
ﺗﺣد ﻟﻠﻣﺳﯾﺣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺑﻧﺗﮭﺎ اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ اﻟﺷرﻗﯾﺔ واﻟﻐرﺑﯾﺔ وادت ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﺟﻣﻊ ﻧﯾﻘﯾﺔ اﻟﻛﻧﺳﻲ 325م وھﻲ ﺗﺗﻣﺣور ﺑﺄن
اﻟﻣﺳﯾﺢ إﻧﺳﺎن وإﻟﮫ ﻓﻲ آن واﺣد ،واﻋﺗﻣد ھذا اﻟﻣﺟﻣﻊ اﻷﻗﺎﻧﯾم اﻟﺛﻼﺛﺔ اﻟﻣﻌروﻓﺔ ﻋﻧد اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن إﻟﻰ ﯾوﻣﻧﺎ ھذا وھﻲ
) اﻷﺑن واﻷب واﻟروح اﻟﻘدس ( ،ﻛﻣﺎ ﯾﻌﺗﺑر اﻷﻓﻛﺎر اﻟﺗﻲ طرﺣﮭﺎ اﻟﻘس أرﯾوس أﻋظم ﺟدل ﻻھوﺗﻲ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ
اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ،وذﻟك ﻹﻧﻛﺎره أﻟوھﯾﺔ اﻟﻣﺳﯾﺢ ،وﻣﺧﺎﻟﻔﺔ ﻗﺎﻋدة اﻟﺛﺎﻟوث اﻟﻣﻘدس .وﻟﻘد ﻋرف ھذا اﻟﻣذھب اﻧﺗﺷﺎرا واﺳﻌﺎ ً
وﻟﻣدة طوﯾﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﺷﻣﺎل اﻷﻓرﯾﻘﻲ .
وﻋﺎﺷت ﻟﯾﺑﯾﺎ ﺑﺷﻛل ﻋﺎم وإﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ﺑﺷﻛل ﺧﺎص اﻟﺻراع اﻟدﯾﻧﻲ ﺑﯾن اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن وﺑﯾن اﻟﻛﻧﺎﺋس اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ
ﺣول إﺷﻛﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻌﺗﻘد اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ ،اﻟذي ﺗﻧوﻋت ﻓﯾﮫ وﺟﮭﺎت اﻟﻧظر ،واﺧﺗﻠﻔت ﻓﯾﮫ اﻟﻣذاھب ،ﻓدﺧﻠت اﻷرﯾوﺳﯾﺔ
واﻟدوﻧﺎﺗﯾﺔ )اﻟﻧﺳطورﯾﺔ(1و)اﻟﯾﻌﻘوﺑﯾﺔ( 2وﻏﯾرھﺎ ﻣن ﻣذاھب اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ اﻟﺗﻲ اﻧﺗﺷرت ﻓﻲ ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ ،
وھذا ﻣﺎ ذﻛره اﻟﻣؤرخ اﻟﺑرﯾطﺎﻧﻲ ﻓراﻧد W.H.C.Frendﻗﺎل " إن اﺳﺗﻘرار اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﯾﺔ ﻓﻲ ﺷﻣﺎل إﻓرﯾﻘﯾﺎ ﯾﻌﺗﻣد
ﻋﻠﻰ اﺳﺗﻘرار ﻣؤﺳﺳﺎت اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ " وأﺿﺎف اﻟﻣؤرخ " إن اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﯾﺔ وﺑﺻﻔﺗﮭﺎ ﺣﻠﯾﻔﺔ
3
روﻣﺎ ﺗﻌﺎرض ﻛل ﻣن ھو ﺧﺎرج أﺳوار اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟروﻣﺎﻧﻲ اﻹﻏرﯾﻘﻲ "
ﻛﻣﺎ ﻛﺎن اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ اﻟﻌﻘﺎﺋد ﺑﯾن روﻣﺎ اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﯾﺔ و)اﻟوﻧدال( 4واﻷرﯾوﺳﯾون ﺳﺑﺑﺎ ﻓﻲ اﺿطﮭﺎد
اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾك ﻓﻲ اﻟﺷﻣﺎل اﻷﻓرﯾﻘﻲ ،إذ ﻗﺎﻣوا ﺑﻧﻔﻲ ﻛﮭﻧﺗﮭم وﺗدﻣﯾر ﻛﻧﺎﺋﺳﮭم ،ﻛﻣﺎ ﺣرﻣوا ﻋﻠﯾﮭم اﻋﺗﻧﺎق اﻷرﯾوﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ
داﻧت ﺑﮭﺎ اﻟﻘﺑﺎﺋل اﻟوﻧداﻟﯾﺔ ،وﺑﻌد ﺣﻛم اﻟوﻧدال ﻟﺑﻼد اﻟﻣﻐرب ﻷﻛﺛر ﻣن ﻗرن اﺳﺗطﺎع اﻟﺑﯾزﻧطﯾﯾن اﺣﺗﻼل ﺑﻼد
اﻟﻣﻐرب ﺳﻧﺔ 533م ﺗﺣت ﻗﯾﺎدة اﻹﻣﺑراطور اﻟﺑﯾزﻧطﻲ ﺟﺳﺗﻧﯾﺎن واﺳﺗﻣر اﻻﺣﺗﻼل اﻟﺑﯾزﻧطﻲ ،ﻣﺎ ﯾﻌﻧﻲ اﺳﺗﻣرار
اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ اﻟﺷرﻗﯾﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ اﻷورﺛودوﻛﺳﯾﺔ إﻟﻰ ﻏﺎﯾﺔ اﻟﻔﺗوﺣﺎت اﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻟﺑﻼد اﻟﻣﻐرب ﺳﻧﺔ 647م 22/ه ﻣﻐﯾرا
5
ﺑذﻟك اﻟﺧرﯾطﺔ اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﻟﻠﻛﻧﯾﺳﺔ اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﯾﺔ ﻟﻺﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ .
اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﯾﺔ اﻷرﺛودوﻛﺳﯾﺔ؛ ﻣﺧﺎﻟف ﻟﻠﺗوﺣﯾد ،وﺑذﻟك أﻧﻛر اﻟوھﯾﺔ اﻟﻣﺳﯾﺢ - .ﻧﮭﺎد ﺧﯾﺎطﺔ ،اﻟﻔرق واﻟﻣذاھب اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻣن اﻟﺑداﯾﺎت ﺣﺗﻰ ظﮭور
اﻹﺳﻼم ،دار اﻷواﺋل ،دﻣﺷﻖ، 2002 ،ص82
– 3اﻟﻣذھب اﻟوﻧﺎﺗﻲ Donatismeأو)اﻟﺣرﻛﺔ اﻟدوﻧﺎﺗﯾﺔ( ﺑداﯾﺗﮭﺎ ﻋﺑﺎرة ﻋن اﻧﺷﻘﺎق ﻋن اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﯾﺔ وﻗﺎﻣت ﺿد اﻻﺣﺗﻼل اﻟروﻣﺎﻧﻲ ،ﯾﻌﺗﺑر
اﻟﻣؤﺳس ﻟﮭﺎ أﺳﻘف ﻧوﻣﯾدي ﯾدﻋﻰ دوﻧﺎ ) ( Donaوﺑﺎﻟﻼﺗﯾﻧﯾﺔ Donatus Magnusوھو ﻣؤﺳس اﻟﻣذھب اﻟدوﻧﺎﺗﻲ وﻟد ﺑﻣدﯾﻧﺔ ﻧﻔرﯾن ﺟﻧوب وﻻﯾﺔ
ﺗﺑﺳﺔ )ﻧوﻣﯾدﯾﺎ آﻧذاك ( ﻋرف ﻣذھﺑﮫ ﺑﻣﺧﺎﻟﻔﺗﮫ ﻟﻠﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ ﻻھوﺗﯾﺔ اﻟﻣﺳﯾﺢ وإﻧﻛﺎره ﻟﻘﺎﻋدة اﻟﺛﺎﻟوث اﻟﻣﻘدس ،ظﮭر اﻟﻣذھب اﻟدوﻧﺎﺗﻲ ﺳﻧﺔ 305م ،أي
ﻋﺻر اﻹﻣﺑراطور اﻟﺑﯾزﻧطﻲ ﻗﺳطﻧطﯾن اﻷول ،وﻟﻘﻲ أﻧﺻﺎروﻣﻧﺎﺻرة ،وأﺻﺑﺢ ﻋﻘﯾدة ﻟﻠﺳﻛﺎن اﻷﺻﻠﯾﯾن ،ﻓﺗﺣول ھذا اﻻﻧﺷﻘﺎق إﻟﻰ ﺻراع أدى إﻟﻰ
ﻧﺷوب ﺣرب إﺑﺎدة ﺷﻧﺗﮭﺎ اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ﺿد اﻟﺳﻛﺎن اﻷﺻﻠﯾﯾن .ﻟﻣزﯾد ﻣن اﻟﻣﻌﻠوﻣﺎت أﻧظر :ﺷﺎرل اﻧدري ﺟوﻟﯾﺎن ،ﺗﺎرﯾﺦ إﻓرﯾﻘﯾﺎ
اﻟﺷﻣﺎﻟﯾﺔ ،ج ،2ص ص . 295 .ﻣﺑﺎرك اﻟﻣﯾﻠﻲ :ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺟزاﺋر ﻓﻲ اﻟﻘدﯾم و اﻟﺣدﯾث،ج ، 2اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟوطﻧﯾّﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ﺑﺎﻟﺟزاﺋر ،دار اﻟﻐرب
اﻹﺳﻼﻣﻲ ﺑﻠﺑﻧﺎن )1986م( ص.34
) - 1اﻟﻧﺳطورﯾﺔ( ﺳﻣﯾت ھذه اﻟﻌﻘﯾدة ﻧﺳﺑﺔ إﻟﻰ ﺑطرﯾرك اﻟﻘﺳطﻧطﯾﻧﯾﺔ ﻧﺳطور اﻟذي ﻓﺿل اﺳﺗﻌﻣﺎل ﻋﺑﺎرة )واﻟدة اﻟﻣﺳﯾﺢ( ﺑدل)واﻟدة ﷲ( ﻓﻲ وﺻف
ﻣرﯾم اﻟﻌذراء أم اﻟﻣﺳﯾﺢ ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺳﻼم ،وﻧﺷﺑت ﻋﻠﻰ أﺛرھذا اﻟرأي ﺧﻼف ﻋﻘﺎﺋدي ﺑﯾﻧﮫ وﺑﯾن ﻛﯾرﻟس ﺑطرﯾرك اﻹﺳﻛﻧدرﯾﺔ أدى ﻓﻲ ﻧﮭﺎﯾﺔ اﻷﻣر إﻟﻰ
ﺣرﻣﺎﻧﮫ وﻣﻧﻊ ﺗﻌﺎﻟﯾم ﻣدرﺳﺔ اﻟرھﺎ اﻟﻣﻘرﺑﺔ ﻣﻧﮫ
- 2ﯾﻌﻘوب اﻟﺑرادﻋﻲ ﻗدﯾس ﺳرﯾﺎﻧﻲ ،اﺳﻣﮫ اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﯾﻌﻘوب ﺑﺎر )اﺑن( ﺛﯾوﻓﯾﻠوس .ﺳﻣﻲ اﻟﺑرادﻋﻲ ﺑﺳﺑب ﻟﺑﺎس اﻟﺷﺣﺎذﯾن اﻟﻣﮭﺗرئ اﻟذي ﻛﺎن ﯾﻠﺑﺳﮫ
)ﺑراذع( ﻣن أﺟل إﺧﻔﺎء ﻣﻛﺎﻧﺗﮫ ﻣن أﻋﯾن اﻟﺳﻠطﺎت ﻓﻲ ﻓﺗرة اﺿطﮭﺎد اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن اﻟذﯾن رﻓﺿوا ﻣﺟﻣﻊ ﺧﻠﻘﯾدوﻧﯾﺔﺳﻧﺔ451م ،وأﺻﺟﺎب اﻟﻣذھب
اﻟﯾﻌﻘوﺑﻲ أو اﻟﯾﻌﻘوﺑﯾﺔ ،ھم أﺗﺑﺎع ﯾﻌﻘوب اﻟﺑرادﻋﻲ ،وھم اﻟذﯾن ﯾﻘوﻟون ﺑﺄن اﻟﻣﺳﯾﺢ ذو طﺑﯾﻌﺔ واﺣدة ،ﻗد اﻣﺗزج ﻓﯾﮫ ﻋﻧﺻر اﻹﻟﮫ ﺑﻌﻧﺻر اﻹﻧﺳﺎن،
وﺗﻛون ﻣن اﻻﺗﺣﺎد طﺑﯾﻌﺔ واﺣدة ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺑﯾن اﻟﻼھوت واﻟﻧﺎﺳوت ،وﺑﺳﺑب ذﻟك اﻧﻌﻘد اﻟﻣﺟﻣﻊ اﻟﻛﻧﺳﻲ ﻓﻲ ﺧﻠﯾدوﻧﯾﺔ ،وﻗرر أن اﻟﻣﺳﯾﺢ ذو طﺑﯾﻌﺗﯾن ﻻ
طﺑﯾﻌﺔ واﺣدة ،وﺑﺳﺑب ذﻟك اﻟﻘرار اﻧﻔﺻﻠت اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ ﻋن اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ،أﻣﺎ
3
- W. H. C., Martyrdom and Persecution in the Early Church. Oxford: Basil Blackwell, 1965,p625
) - 4اﻟوﻧدال ( ،أو ﻛﻣﺎ ﯾﻌرﻓون ) اﻟﻔﻧدال ،( Vandalوھم ﻣن اﻟﻘﺑﺎﺋل اﻟﺟرﻣﺎﻧﯾّﺔ ،ﻛﺎﻧوا ﯾﻘطﻧون اﻟﺣدود اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ اﻟﺷﻣﺎﻟﯾﺔ اﻟﻣﻣﺗدة ﺑﯾن ﻧﮭري اﻟراﯾن
اﻟروﻣﺎﻧﯾّﺔ ،ﺛم
واﻟداﻧوب ﺧﻼل اﻟﻘرن اﻟراﺑﻊ ﻗﺑل اﻟﻣﯾﻼد وﻗد ﻗﺎﻣوا ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟﺧﺎﻣس ﻟﻠﻣﯾﻼد ،ﺑﺎﻗﺗطﺎع ﺑﻌض اﻷﺟزاء ﻣن أراﺿﻲ اﻹﻣﺑراطورﯾّﺔ ّ
ﻧزﻟوا إﻗﻠﯾم ﺑﺎﻧوﻧﯾﺎ اﻟذي ﯾﻘﻊ ﻓﻲ ) ﻏﺎﻟﯾﺎ (أي ﻓرﻧﺳﺎ اﻟﺣﺎﻟﯾﮫ ،وﻓﻲ أواﺧر اﻟﻘرن اﻟﺧﺎﻣس وﺑﻌد اﻧﮭزاﻣﮭم أﻣﺎم اﻟﻔرﻧﺟﺔ ) 409م( ﻓﻲ ﻏﺎﻟﯾﺎ ﺗﺳﻠﻠوا إﻟﻰ
إﺳﺑﺎﻧﯾﺎ، ،ﺛم زﺣﻔوا إﻟﻰ ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ وﻗﺎﻣوا ﺑﺗﺄﺳﯾس دوﻟﺔ ﻟﮭم ،وﻛﺎﻧت ﻣدﯾﻧﺔ ﻗرطﺎج ھﻲ ﻣرﻛز دوﻟﺗﮭم .اﻟﻌود ﻣﺣﻣد اﻟﺻﺎﻟﺢ :اﻟﺗﺣوﻻت اﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ
ﻓﻲ ﺷﻣﺎل إﻓرﯾﻘﯾﺎ ﻓﻲ اﻟﻔﺗرة اﻟوﻧداﻟﯾﺔ) (534-429رﺳﺎﻟﺔ ﻣﺎﺟﺳﺗﯾر ،اﺷراف ﻣﺣﻣد ﻏﺎﻧم اﻟﺻﻐﯾر ،ﻛﻠﯾﺔ اﻵداب،ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﻧﺗوري ،اﻟﺟزاﺋر2010،م ص
ص 41-40
- 5رؤوف ﺷﻠﺑﻲ ،أﺿواء ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ) دراﺳﺎت ﻓﻲ أﺻول اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ( ،اﻟﻣﻛﺗﺑﺔ اﻟﻌﺻرﯾﺔ ،ﺑﯾروت ، 1975 ،ص25 .
203
اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ
اﻟﺧﺎﺗﻣﺔ
اﻋﺗﻧﻖ ﺳﻛﺎن إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ﻓﻲ اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻘدﯾم ﻣظﺎھر دﯾﻧﯾﺔ ارﺗﺑطت ﺑﺣﯾﺎﺗﮭم اﻟﻌﺎﻣﺔ وﺑﯾﺋﺗﮭم اﻟﺗﻲ ﻛﺎﻧوا ﯾﻌﯾﺷون ﻓﯾﮭﺎ
ﻣﺗﺄﺛرﯾن ﺑﻣظﺎھر اﻟطﺑﯾﻌﺔ ،وﺗﻧوﻋت ﻣﻌﺗﻘداﺗﮭم ﻓﺎﻋﺗﻘدوا ﺑﺎﻷرواح اﻟﺗﻲ ﺗﺳﯾرھﺎ ،وﻋﺑدوا اﻟﺟﺑﺎل واﻟﺣﺟﺎرة
واﻟﻛﮭوف واﻟﻣﻐﺎرات واﻟرﯾﺎح واﻟﺷﻣس واﻟﻘﻣر ﻛﻣﺎ اﻋﺗﻘدوا ﺑﺎﻷرواح اﻟﺧﻔﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺳﻛﻧﮭﺎ ،وﻟﻠﺗﻘرب ﻟﮭﺎ اﺳﺗﺧدﻣوا
طﻘوﺳﺎ ﺑﻐﯾﺔ اﺳﺗرﺿﺎﺋﮭﺎ وﻧﯾل ﺑرﻛﺗﮭﺎ واﻻﺳﺗﻔﺎدة ﻣن ﺧدﻣﺎﺗﮭﺎ ﺑﺣﺳب اﻋﺗﻘﺎدھم وذﻟك ﺑﺎﻟﻘﯾﺎم ﺑﺄﻋﻣﺎل ﻣﺗﻌددة .
اﻧﻔﺗﺢ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ اﻟﻘدﯾم ﻋﻠﻰ ﻋﻘﺎﺋد أﺟﻧﺑﯾﺔ ،وﺗﺳرﺑت إﻟﯾﮫ اﻟﻌدﯾد ﻣن اﻟﻣﻌﺑودات ﺑﺣﻛم ﻋﻼﻗﺎت اﻟﺟوار ،ﻛﻣﺎ ﺣدث
ﻣﻊ اﻟﻣﺻرﯾﯾن اﻟﻔراﻋﻧﺔ واﻟﻔﯾﻧﯾﻘﯾﯾن واﻟﻣﻌﺗﻘدات اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ واﻹﻏرﯾﻘﯾﺔ ،وظﻠت ﺗﺗﻌﺎﯾش ﻣﻊ اﻟﻣﻌﺗﻘدات اﻟﻣﺣﻠﯾﺔ ﻣﻣﺎ
أﺛرى اﻟﺟﺎﻧب اﻟدﯾﻧﻲ اﻟوﺛﻧﻲ اﻟﻠﯾﺑﻲ اﻟﻘدﯾم.
ﻛﻣﺎ ﺗﺳرﺑت أﯾﺿﺎ ً داﺧل ﺑﻌض اﻟﺣواﺿر ،اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﯾﮭودﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻌد دﯾﺎﻧﺔ ﺗوﺣﯾدﯾﺔ ،ﻣﻣﺎ ﯾظﮭر أن ﻣﻌﺗﻧﻘﯾﮭﺎ ﻛﺎﻧوا
ﻣن اﻟﯾﮭود اﻟذﯾن ھﺎﺟروا إﻟﻰ أﻓرﯾﻘﯾﺎ وﻟﺟﺄوا إﻟﻰ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ،إﻣﺎ ھرﺑﺎ ﻣن اﻟﺳﻠطﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ،أو ﺑﺣﺛﺎ ﻋن ﻓرص
أﻛﺑر ﻟﻠﻌﻣل واﻟﺗﺟﺎرة وﻗد ﺗﻣﻛن اﺗﺑﺎع اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﯾﮭودﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﺑداﯾﺔ ﻣن اﺣﺗﺿﺎن اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ داﺧل ﺑﯾﻌﮭﺎ،
ﺧﺻوﺻﺎ وأﻧﮭﺎ ﻛﺎﻧت ﻣﺛﻠﮭﺎ ﺗﻌﺎدي اﻟﺳﻠطﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ اﻟوﺛﻧﯾﺔ وﺗﻘف ﺿد ﻋﺑﺎدة اﻹﻣﺑراطور.
ﺗﻣﯾزت اﻟﻘرون اﻷوﻟﻰ ﻟﻼﺣﺗﻼل اﻟروﻣﺎﻧﻲ ﺑﻣﺣﺎوﻻت ﻟروﻣﻧﺔ اﻟﺣﯾﺎة ﻓﻲ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ ،وظﮭر ذﻟك ﻓﻲ ﻧﻘل ﻣظﺎھر
اﻟﺣﯾﺎة اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ،واﻟﻣﺗﻣﺛﻠﺔ ﻓﻲ ﻣﺣﺎوﻟﺔ ﻧﺷر اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻼﺗﯾﻧﯾﺔ ﺑﯾن أھل ﺑرﻗﺔ اﻟﻘدﻣﺎء ﻟﺣﺎﺟﺔ اﻟروﻣﺎن إﻟﻰ
اﻟﺗواﺻل ﻣﻊ اﻟﺳﻛﺎن ﻟﺗﺻرﯾف ﺣﺎﺟﺎﺗﮭم اﻟﯾوﻣﯾﺔ ،وﻧﺷر ﺛﻘﺎﻓﺗﮭم ودﯾﺎﻧﺗﮭم اﻟﺗﻲ ﺗﻘوم ﻋﻠﻰ أﺳﺎس ﻋﺑﺎدة اﻹﻣﺑراطور
ﻓﻲ ﺑداﯾﺔ اﻷﻣر ،وإظﮭﺎر اﻟطﺎﻋﺔ واﻟوﻻء ﻟﮫ.
وﻓﻲ ﺧﺿم ھذه اﻟﻣﻌطﯾﺎت اﻟﻌﺎﻣﺔ ﺑدأت اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﺗﻧﺗﺷر ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ ،ﻋﺑر ﻣﻧﺎﻓذ ﻣﺗﻌددة ﻣن اﻟﺷرق ﻋن
طرﯾﻖ ،وﻋﺑر اﻟرﺳل اﻷواﺋل وﺑواﺳطﺔ اﻟﺗﺟﺎر ،وﻋﺑر روﻣﺎ ،وﻟﻘﯾت ﺗرﺣﯾﺑﺎ ﻣن ﻗﺑل ﺑﻌض اﻟﺳﻛﺎن ﻓﻲ إﻗﻠﯾم ﺑرﻗﺔ
اﻟﻘدﯾم وﻣن ﺑﻌض اﻟﻣﻌﻣرﯾن ﻓﻲ أھم اﻟﺣواﺿر اﻟﻛﺑرى ﻛدﯾﺎﻧﺔ ﻻ ﺗﻌﺗرف ﺑﻌﺑﺎدة اﻹﻣﺑراطور وﻻ ﺑﺎﻟﻘدﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ
أﺣﺎطﮭﺎ ﺑﻧﻔﺳﮫ ،ﻣﻣﺎ دﻓﻊ ﺑﺎﻷﺑﺎطرة اﻷواﺋل إﻟﻰ اﺿطﮭﺎد أھل ﺑرﻗﺔ ،وﻗد ﺗﻛون ھذه اﻟﺳﯾﺎﺳﺔ ﺗﻣﺛل إﺣدى اﻟدواﻓﻊ
اﻟﺗﻲ دﻓﻌت ﺑﺎﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ إﻟﻰ اﻻﻧﺗﺷﺎر .
وﺟد اﻟﻣﺗﻧﺻرﯾن ﻓﻲ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻣﻼذا ﻟﮭم ﻣن اﻷوﺿﺎع اﻟﻘﺎﺳﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻌﯾﺷوﻧﮭﺎ ،ووﻓرت اﻟﺗﺿﺎﻣن ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭم ﻟﻣﺎ
ﺗﺣﻣﻠﮫ ﻣن ﻣﺑﺎدئ اﻟﻌداﻟﺔ واﻟﺗﺳﺎﻣﺢ ،واﺳﺗﻐل اﻟﻣﺳﯾﺣﯾون ﺗﻠك اﻻﺿطﮭﺎدات ﻓﻲ ﺗﻘوﯾﺔ رواﺑط اﻟﺗﺿﺎﻣن ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾﻧﮭم،
204
اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ
وﻟﻠدﻋﺎﯾﺔ ﻟدﯾﻧﮭم واﻟظﮭور ﻛﻔﺋﺔ ﻣﺿطﮭدة ﺗﻌﺎﻧﻲ ﻣن ﺑطش اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ،ﻣﻣﺎ أﻛﺳﺑﮭم ﺗﺿﺎﻣﻧﺎ ﻣﺗزاﯾدا
ﻣن اﻟﻔﺋﺎت اﻟﻧﺎﻗﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺳﻠطﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ واﻟوﺟود اﻟروﻣﺎﻧﻲ ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ.
إن ﻣﺳﯾﺣﻲ ﻟﺷﻣﺎل اﻷﻓرﯾﻘﻲ ﻛﺎﻧوا ﻣن أﻛﺛر اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن ﺗﻌرﺿﺎ ﻟﻼﺿطﮭﺎد ،وﻗدﻣوا اﻟﻌﺷرات ﻣن اﻟﺿﺣﺎﯾﺎ ، ،ﻣﻣﺎ
دﻓﻊ ﺑﺎﻟﺑﻌض إﻟﻰ اﻻرﺗداد ﻋن دﯾﻧﮫ ﺧوﻓﺎ ﻣن ﺷدة اﻟﺑطش.
وﻓﻲ اﻟﻧﺻف اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣن اﻟﻘرن اﻟﺛﺎﻟث ظﮭرت ﻓﺗرة وﺋﺎم ﺑﯾن اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن واﻟﺳﻠطﺔ اﻟﺗﻲ ﻏﺿت اﻟطرف ﻋﻧﮭم و
ﺳﻣﺣت ﻟﮭم ﺑﺈﻧﺷﺎء اﻟﻛﻧﺎﺋس واﻻﻧﺧراط ﻓﻲ اﻟﺟﯾش ،واﻟوظﺎﺋف اﻟﻌﺎﻣﺔ وﺗم إﻋﻔﺎء اﻟطﺑﻘﺔ اﻟﻐﻧﯾﺔ ﻣن واﺟب ﻋﺑﺎدة
اﻹﻣﺑراطور.
ﺑدأ اﻻﻧﺷﻘﺎق واﻟﺻراع ﺑﯾن ﻛﻧﺳﯾﺔ ﻗرطﺎج وﻛﻧﯾﺳﺔ روﻣﺎ ﻣﻧذ اﻟﻧﺻف اﻷول ﻣن اﻟﻘرن اﻟﺛﺎﻟث ،وﺗﺟﻠﻰ ھذا
اﻟﺻراع ﻓﻲ ﻣﻧﺎﻗﺷﺔ اﻟﻣوﻗف ﻣن ﻗﺿﺎﯾﺎ اﻟﻣرﺗدﯾن واﻟﺧوﻧﺔ أﺛﻧﺎء ﻓﺗرة اﻻﺿطﮭﺎد.
أﺻدر اﻹﻣﺑراطور اﻟﺑﯾزﻧطﻲ ﻗﺳطﻧطﯾن اﻷول ﺑراءة ﻣﯾﻼﻧو ﺳﻧﺔ 313م واﻟﺗﻲ ﺗدﻋو إﻟﻰ اﺣﺗرام اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ،وﻓﻲ
وﻗت ﻻﺣﻖ أﻋطت اﻟﺳﻠطﺔ اﻟزﻣﻧﯾﺔ ﻟﻸﺳﺎﻗﻔﺔ ﺣﻖ إدارة اﻟﺗﻘﺎﺿﻲ وإﺻدار اﻷﺣﻛﺎم ﻓﻲ اﻟﻧزاﻋﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﻌرض ﻋﻠﯾﮭم
،ﺑﮭدف ﻣراﻗﺑﺔ اﻟﻧﺷﺎطﺎت اﻟدﯾﻧﯾﺔ وﺗوﺟﯾﮭﮭﺎ ﻟﺧدﻣﺔ اﻟﺳﻠطﺔ .
ﻟﻘد اﻧﺗﺳﺑت اﻟﺣرﻛﺔ اﻟﻣﻧﺷﻘﺔ إﻟﻰ اﻷﺳﻘف اﻟﻧوﻣﯾدي "دوﻧﺎﺗوس" واﻟذي ﻟﻌب دورا ﻛﺑﯾرا ﻓﻲ اﻟدﻋﺎﯾﺔ ﺿد أﺳﻘف
ﻗرطﺎج وﻟم ﯾﻛن اﻟﺧﻼف ﻋﻘﺎﺋدﯾﺎ ،وإﻧﻣﺎ ﺣول ﺷرﻋﯾﺔ اﻟﺣﻛم اﻷﺳﻘﻔﻲ ﻓﻲ ﻗرطﺎج ،واﻋﺗﺑر اﻟدوﻧﺎﺗﯾون أﻧﻔﺳﮭم أﺣﻖ
ﺑﺈدارة اﻷﺳﻘﻔﯾﺔ ،وﺑﺄﻧﮭم اﻟﻣﻌﺑر اﻟﻔﻌﻠﻲ ﻋن اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﯾن ﻓﻲ اﻟﻣﻧطﻘﺔ.
ﻛﺎن اﻟﺻراع اﻟدوﻧﺎﺗﻲ اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﻲ ﻗﺎﺋم ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻟﻌداء ﻟﻠﺳﻠطﺔ ،وﻟﻣن ﻛﺎن ﯾﺗﻌﺎﻣل ﻣﻌﮭﺎ ﺧﻼل اﻟﻣﺣن اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ،
ﻣﻣﺎ ﺟﻌل ﻣﻧﮭﺎ ﺣرﻛﺔ ﺗﺳﺗﻘطب اﻷھﺎﻟﻲ اﻟذﯾن آزروھﺎ ووﻗﻔوا إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺑﮭﺎ ﻓﻲ اﻷوﻗﺎت اﻟﺗﻲ ﺗﻌرﺿت ﻓﯾﮭﺎ إﻟﻰ
اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻘﺎﺳﯾﺔ ﻣن ﻗﺑل اﻟﺳﻠطﺔ .
دﺧﻠت اﻟﻣذاھب اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ اﻷرﯾوﺳﯾﺔ واﻟدوﻧﺎﺗﯾﺔ و)اﻟﻧﺳطورﯾﺔ( و)اﻟﯾﻌﻘوﺑﯾﺔ(وﻏﯾرھﺎ ﻣن ﻣذاھب اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ اﻷوﻟﻰ
إﻟﻰ ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ ،وھذا ﻣﺎ ذﻛره اﻟﻣؤرخ اﻟﺑرﯾطﺎﻧﻲ ﻓراﻧد " W.H.C.Frendإن اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﯾﺔ وﺑﺻﻔﺗﮭﺎ
ﺣﻠﯾﻔﺔ روﻣﺎ ﺗﻌﺎرض ﻛل ﻣن ھو ﺧﺎرج أﺳوار اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ اﻟروﻣﺎﻧﻲ اﻹﻏرﯾﻘﻲ
ﻛﺎن اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ اﻟﻌﻘﺎﺋد ﺑﯾن روﻣﺎ اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾﻛﯾﺔ و)اﻟوﻧدال( 4واﻷرﯾوﺳﯾون ﺳﺑﺑﺎ ﻓﻲ اﺿطﮭﺎد اﻟﻛﺎﺛوﻟﯾك ﻓﻲ اﻟﺷﻣﺎل
اﻷﻓرﯾﻘﻲ ،إذ ﻗﺎﻣوا ﺑﻧﻔﻲ ﻛﮭﻧﺗﮭم وﺗدﻣﯾر ﻛﻧﺎﺋﺳﮭم .
205
اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ
اﺑن ﺧﻠدون :ﻛﺗﺎب اﻟﻌﺑر ودﯾوان اﻟﻣﺑﺗدأ واﻟﺧﺑر ﻓﻲ أﯾﺎم اﻟﻌرب واﻟﻌﺟم واﻟﺑرﺑر وﻣن ﻋﺎﺻرھم ﻣن -
ذوي اﻟﺳﻠطﺎن اﻷﻛﺑر ،ج ،6ﺑﯾروت1979 ،
أﺣﻣد ﻋﺑداﻟﺣﻠﯾم دراز :ﻣﺻر وﻟﯾﺑﯾﺎ ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾن اﻟﻘرن اﻟﺳﺎﺑﻊ واﻟﻘرن اﻟراﺑﻊ ق.م ،اﻟﮭﯾﺋﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب -
،اﻟﻘﺎھرة 2000،م
إدوارد ﺟﯾﯾﺑون ،اﺿﻣﺣﻼل اﻹﻣﺑراطورﯾﺔ اﻟروﻣﺎﻧﯾﺔ ،ج ،1ﺗر ،.ﻣﺣﻣد ﻋﻠﻲ أﺑو درة ،ط ،2 .اﻟﮭﯾﺋﺔ -
اﻟﻣﺻرﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻛﺗﺎب ،اﻟﻘﺎھرة1997 ،
اﻟﻌﻘون ﻣﺣﻣد اﻟﻌرﺑﻲ ،اﻻﻗﺗﺻﺎد واﻟﻣﺟﺗﻣﻊ ﻓﻲ اﻟﺷﻣﺎل اﻹﻓرﯾﻘﻲ اﻟﻘدﯾم ،دار اﻟﮭدى ،اﻟﺟزاﺋر2008 ، -
اﻟﺑرﻏوﺛﻲ ﻋﺑد اﻟﻠطﯾف ﻣﺣﻣود ،اﻟﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻠﯾﺑﻲ اﻟﻘدﯾم ) ﻣن أﻗدم اﻟﻌﺻور ﺣﺗﻰ اﻟﻔﺗﺢ اﻹﺳﻼﻣﻲ ( ،دار -
ﺻﺎدر ،ﺑﯾروت 1971 ،
ﺑروﻛوﺑﯾوس اﻟﻘﯾﺻري ،ﻛﺗﺎب اﻟﻌﻣﺎﺋر ،اﻟﻛﺗﺎﺑﺎن اﻟراﺑﻊ واﻟﺧﺎﻣس،ﻓﻲ ﻧﺻوص ﻟﯾﺑﯾﺔ ،ﺗرﺟﻣﺔ ،ﻋﻠﻲ ﻓﮭﻣﻲ -
ﺧﺷﯾم ،ﻧﺷر ﻣؤﺳﺳﺔ ﺗواﻟﯾت اﻟﺛﻘﺎﻓﯾﺔ) ،ﺑد ،ت(
ﺑدﯾﻌﺔ اﻟﺧرازي ،اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ اﻟﻧﺻراﻧﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻷﻗﺻﻰ ،ﻣطﺑﻌﺔ اﻟﻣﻌﺎرف اﻟﺟدﯾدة ،اﻟرﺑﺎط2007 ، -
ﺑﻠوﺗﺎرﺧوس :اﯾزﯾس واوزورﯾس ،ﺗرﺟﻣﺔ ﺣﺳن ﺻﺑﺣﻲ اﻟﺑﻛري ،اﻟﻘﺎھرة 1958،م ،ص .ﻛذﻟك -
ﻧﺟﯾب ﻣﯾﺧﺎﺋﯾل :ﻣﺻر واﻟﺷرق اﻷدﻧﻰ اﻟﻘدﯾم ،ج ،4اﻟﺣﺿﺎرة اﻟﻣﺻرﯾﺔ ،اﻻﺳﻛﻧدرﯾﺔ 1966 ،م
ﺧﻠﻔﺔ ﻋﺑد اﻟرﺣﻣﺎن :اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟوﺛﻧﯾﺔ اﻟﻣﻐﺎرﺑﯾﺔ اﻟﻘدﯾﻣﺔ ) ﻣﻧذ اﻟﻧﺷﺄة إﻟﻰ ﺳﻘوط ﻗرطﺎﺟﺔ 146ق .م (، -
رﺳﺎﻟﺔ ﻣﺎﺟﺳﺗﯾر ﻏﯾر ﻣﻧﺷورة ،إﺷراف :اﻷﺳﺗﺎذ اﻟدﻛﺗور ﻏﺎﻧم ﻣﺣﻣد اﻟﺻﻐﯾر ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻣﻧﺗوري ،ﻛﻠﯾﺔ
اﻟﻌﻠوم اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ و اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ، ،اﻟﺟزاﺋر 2008،م
ر .ج .ﺟودﺗﺷﺎﯾﻠد :ﻗورﯾﻧﺎ وأﺑوﻟوﻧﯾﺎ دﻟﯾل ﺗﺎرﯾﺧﻲ ووﺻف ﻋﺎم ﻵﺛﺎر اﻟﻣدﯾﻧﺗﯾن ،ﺗرﺟﻣﺔ اﻹدارة اﻟﻌﺎﻣﺔ -
ﻟﻸﺛﺎر،ﻧﺷر إدارة اﻟﺑﺣوث اﻷﺛرﯾﺔ 1970 ،م
روﺑﯾن داﻧﯾﺎل :أﺻول اﻟﺗراث اﻟﻣﺳﯾﺣﻲ ﻓﻲ ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ دراﺳﺔ ﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ ﻋن اﻟﻘرﻧﯾن اﻷوﻟﯾن ،ﺗﺎﻣﻐﻧﺎﺳت -
ﻟﻠﻧﺷر )ﺑد .ت(
داود ﺣﻼق :ﻣرﻗس اﻻﻧﺟﯾﻠﻲ،دار اﻟﻛﺗب اﻟوطﻧﯾﺔ ،ﺑﻧﻐﺎزي 1993 ،م -
ﺷﺎرل أﻧدري ﺟوﻟﯾﺎن :ﺗﺎرﯾﺦ إﻓرﯾﻘﯾﺎ اﻟﺷﻣﺎﻟﯾﺔ،ﺗﻌرﯾب ﻣﺣﻣد ﻣزاﻟﻲ،اﻟﺑﺷﯾر ﺑن ﺳﻼﻣﺔ ،اﻟدار اﻟﺗوﻧﺳﯾﺔ -
ﻟﻠﻧﺷر 1978 ،م
ﻋﺎدل ﻓرج ﻋﺑد اﻟﻣﺳﯾﺢ ،ﻣوﺳوﻋﺔ آﺑﺎء اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ،ج )2ﻛﻧﯾﺳﺔ ﺷﻣﺎل أﻓرﯾﻘﯾﺎ( ،دار اﻟﺛﻘﺎﻓﺔ ،اﻟﻘﺎھرة1999 ، -
ﻋﻣران ﻋﺑد اﻟﺣﻣﯾد :اﻟدﯾﺎﻧﺔ اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ اﻟﻣﻐرب اﻟﻘدﯾم – اﻟﻧﺷﺄة و اﻟﺗطور)430-180م( إﺷراف -
اﻟدﻛﺗور ﻏﺎﻧم ﻣﺣﻣد اﻟﺻﻐﯾر ،رﺳﺎﻟﺔ دﻛﺗوراه ،ﻛﻠﯾﺔ اﻟﻌﻠوم اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ واﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ 2010،م
ﻋﻠﻲ ﻓﮭﻣﻲ ﺧﺷﯾم ،ﻗراءات ﻟﯾﺑﯾﺔ دار ﻣﻛﺗﺑﺔ اﻟﻔﻛر ،طراﺑﻠس ،ﺑﻼ ،ت -
ﻣﺻطﻔﻰ أﻋﺷﻰ ،ﺟذور ﺑﻌض ﻣظﺎھر اﻟﺣﺿﺎرة اﻷﻣﺎزﯾﻐﯾﺔ ﺧﻼل ﻋﺻور ﻣﺎ ﻗﺑل اﻟﺗﺎرﯾﺦ ،ﻣرﻛز طﺎرق -
ﺑن زﯾﺎد ،اﻟرﺑﺎط2002 ،
ﻣﺑﺎرك ﺑن ﻣﺣﻣد اﻟﻣﯾﻠﻲ ،ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﺟزاﺋر اﻟﻘدﯾم واﻟﺣدﯾث ،اﻟﺟزاﺋر1976 ، -
ﻣﺣﻣد أﺑو زھرة ،ﻣﺣﺎﺿرات ﻓﻲ اﻟﻧﺻراﻧﯾﺔ ،ط ، 3دار اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌرﺑﻲ ،اﻟﻘﺎھرة1961 ، -
206
اﻟﻣﺟﻠﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ﻟﻠدراﺳﺎت اﻟﺗﺎرﯾﺧﯾﺔ واﻟﺣﺿﺎرﯾﺔ
ﺗﺻدر ﻋن اﺗﺣﺎد،4 ، اﻟﻌدد، ﻣﺟﻠﺔ اﻟﻔﺻول اﻷرﺑﻌﺔ،" " اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻓﻲ ﻟﯾﺑﯾﺎ، ﻣﺣﻣد ﻣﺻطﻔﻰ ﺑﺎزاﻣﮫ -
1978 ، طراﺑﻠس،اﻷدﺑﺎء واﻟﻛﺗﺎب اﻟﻠﯾﺑﯾﯾن
1966 ، ﺑﻧﻐﺎزي،اﻟﻣطﺑﻌﺔ اﻷھﻠﯾﺔ، دراﺳﺎت ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ ﻟﯾﺑﯾﺎ اﻟﻘدﯾم،ﻣﺻطﻔﻰ ﻛﻣﺎل ﻋﺑد اﻟﻌﻠﯾم -
اﻟﮭﯾﺋﺔ اﻟﻣﺻرﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ، دﺑﻠوﻣﺎﺳﯾﺔ اﻟﺑطﺎﻟﻣﺔ ﻓﻲ اﻟﻘرﻧﯾن اﻟﺛﺎﻧﻲ واﻷول ق م،ﻣﻧﯾرة ﻣﺣﻣد اﻟﮭﻣﺷري -
1999 .، اﻟﻘﺎھرة،ﻟﻠﻛﺗﺎب
، اﻟﻔرق واﻟﻣذاھب اﻟﻣﺳﯾﺣﯾﺔ ﻣن اﻟﺑداﯾﺎت ﺣﺗﻰ ظﮭور اﻹﺳﻼم،ﻧﮭﺎد ﺧﯾﺎطﺔ -
2002 ، دﻣﺷﻖ، دار اﻷواﺋل. -
1967 ، ﻟﯾﺑﯾﺎ، دار ﻣﺻراﺗﮫ، ﺗرﺟﻣﺔ ﻋﻠﻲ ﻓﮭﻣﻲ ﺧﺷﯾم، ﻓﻲ ﻧﺻوص ﻟﯾﺑﯾﺔ،ھﯾرودوت -
، ﺗﺎرﯾﺦ اﻟﻛﻧﯾﺳﺔ، ﯾوﺳﺑﯾوس اﻟﻘﯾﺻري -
. 2004 ، دﻣﺷﻖ، ﻣﻧﺷورات ﻋﻼء اﻟدﯾن، اﻟوﺟﮫ اﻵﺧر ﻟﻠﻣﺳﯾﺢ،ﻓراس اﻟﺳواح -
: اﻟﻣﺻﺎدر اﻷﺟﻧﺑﯾﺔ
les -Augustin (ST) ,Les plus beaux sermons de St. Augustin, trad, Humeau (G)T,1
études Augustiniennes, Paris, 1986
-Diodore, de Sicile,BibliothéqueHistorique,trad.A.F.Miot,Paris,1934
-Romanelli,Pietro,la,cirenaicaromana(96a- 642d.c)centroitaliano di
studiterraneiterranei,A,Arioldi,Editore,1943XXI.
-Hérodote, Histoire , traduit par PH. E. Legrand, 5e édition, Les belles lettres, Paris,
1972,IV
-Tertulien, Apologetique texte établi et traduit par J.P. Waltzing Coll les belle lettres, Paris,
1929
208