You are on page 1of 8

‫من نداءات القرآن الكريم للنبي‬

‫صلى اهلل عليه وسلم‬

‫د‪/‬مسعد الشايب‬

‫الموافقة ‪2023/12/15‬م‬ ‫الجمعة الموافقة ‪2‬من جماد اخر ‪ 1445‬ـه‬

‫===========================================‬

‫أوال‪ :‬العناصر‪:‬‬
‫‪ .1‬نظرة في نداءات النبي (صلى الله عليه وسلم) في القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ .2‬نموذج من نداءات النبي (صلى الله عليه وسلم) في القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ .3‬الخطبة الثانية‪( :‬نداء الجهاد لسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الموضوع‪:‬‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬الحمد لله الذي جعلنا من أمة خاتم األنبياء والمرسلين‪ ،‬الحمد لله الذي‬
‫هدانا لنعمة اإلسالم‪ ،‬وحفظ وتالوة آيات القرآن‪{ ،‬الْحَمْدُ لِلَهِ َالذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُ َنا لِنَهْتَدِيَ لَوَْلَ‬
‫أَنْ هَدَانَا اللَهُ} [األعراف‪ ،]43:‬وأشهد أن َل إله إَل الله وحده َل شريك له‪ ،‬له الملك وله الحمد‪،‬‬
‫يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير‪ ،‬وأشهد أن سيدنا ونبينا وشفيعنا محمداً عبده ورسوله‬
‫وصفيه من خلقه وحبيبه‪ ،‬صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه األخيار ومن سار على نهجهم إلى‬
‫يوم القرار‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫===========================================‬
‫(‪(( )1‬نظرةٌ في نداءات النبي (صلى الله عليه وسلم) في القرآن الكريم))‬
‫===========================================‬
‫أيها األحبة الكرام‪ :‬يقول الحق تبارك وتعالى مخاطبًا نبينا (صلى الله عليه وسلم) مبي ًنا له إحدي‬
‫ات ِه وَ ِليَتَذَكَرَ‬
‫{كتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ِليَدَبَرُوا آيَ ِ‬
‫الغايات التي من أجلها أُنزل القرآن الكريم‪ ،‬يقول‪ِ :‬‬
‫اب}[ص‪ ،]29:‬ويقول سبحانه وتعالى حاثًا لنا على تدبر القرآن‪ ،‬وتعقله‪{ :‬أَفَالَ يَتَدَبَرُونَ‬ ‫أُولُو األَْلْبَ ِ‬
‫ب أَقْفَالُهَا} [محمد‪ ،]24:‬ولو تأملنا القرآن الكريم‪ ،‬وتدبرنا في آياته؛ لوجدنا أن‬ ‫الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُو ٍ‬
‫النبي (صلى الله عليه وسلم) نودي فيه خمسة عشر مرة‪ :‬ثالث عشرة مرة بلفظ (يا أيها النبي)‪،‬‬
‫ومرتين بلفظ (يا أيها الرسول)‪.‬‬
‫=====‬
‫خمس مرات في سورة األحزاب‪ ،‬وثالث مرات في سورة األنفال‪ ،‬ومرتين في سورة المائدة بلفظ (يا‬
‫أيها الرسول)‪ ،‬ومرتين في سورة التحريم‪ ،‬ومرة واحدة في كل من سورة التوبة‪ ،‬وسورة الممتحنة‪،‬‬
‫وسورة الطالق‪.‬‬
‫=====‬
‫أما نداؤه بلفظ (يا أيها النبي)‪ :‬فخمسة نداءات من هذه النداءات الثالثة عشر في األمر بالجهاد في‬
‫ِ‬
‫ال} [األنفال‪،]65:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ق‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫ن‬
‫ِِ‬ ‫ْم‬ ‫ؤ‬ ‫ُ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫الن ِبيُ حَر ِ‬
‫ض‬ ‫سبيل الله‪ ،‬وبعض األمور المتعلقة به‪{ :‬يَا ُأَيهَا َ‬
‫صيرُ} [التوبة‪،73:‬‬ ‫اف ِقينَ وَاغْلُظْ عَلَيْ ِهمْ وَمَأْوَاهُمْ جَه َنمُ وَ ِبئْسَ الْمَ ِ‬ ‫اه ِد الْكُفَارَ وَالْمُنَ ِ‬
‫الن ِبيُ جَ ِ‬
‫{يَا ُأَيهَا َ‬
‫ن اتَبَعَكَ ِمنَ الْمُؤ ِْم ِنينَ} [األنفال‪{ ،]64:‬يَا ُأَيهَا َ‬
‫الن ِبيُ قُلْ‬ ‫الن ِبيُ حَسْبُكَ اللَهُ وَمَ ِ‬ ‫التحريم‪{ ،]9:‬يَا ُأَيهَا َ‬
‫ُخذَ ِمنْكُمْ وَيَغْ ِفرْ لَكُمْ وَاللَهُ‬ ‫وبكُمْ خَيْرًا يُؤ ِْتكُمْ خَيْرًا ِم َما أ ِ‬‫ِلمَنْ ِفي أَيْ ِديكُمْ ِمنَ األَْسْرَي إِنْ يَعْلَ ِم اللَهُ ِفي قُلُ ِ‬
‫حيمٌ} [األنفال‪.]70:‬‬ ‫غَفُورٌ رَ ِ‬
‫=====‬
‫ك شَ ِ‬
‫اهدًا‬ ‫الن ِب ُ‬
‫ي إ َِنا أَرْسَلْ َنا َ‬ ‫ونداءٌ بتكليفه (صلى الله عليه وسلم) بالرسالة‪ ،‬وبيان وظيفته‪{ :‬يَا ُأَيهَا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سرَاجًا مُ ِنيرًا*وَبَش ِر الْمُؤ ِْم ِنينَ ِبأَنَ لَهُمْ ِمنَ اللَ ِه فَضْالً‬
‫اعيًا إِلَى اللَ ِه ِب ِإذْ ِن ِه وَ ِ‬
‫وَمُبَشرًا وَنَ ِذيرًا*وَدَ ِ‬
‫كَبِيرًا*وََلَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَلْ عَلَى اللَهِ وَكَفَى بِاللَهِ وَكِيالً}‬
‫[األحزاب‪45:‬ـ‪]48‬‬
‫=====‬
‫ونداءٌ في أمره (صلى الله عليه وسلم) بتخيير أزواجه‪ ،‬بين الله ورسوله‪ ،‬والدار األخر أو الحياة‬
‫ِ‬
‫اجكَ إِنْ كُنْتُنَ تُ ِردْنَ الْحَيَاةَ الدُنْيَا وَ ِزينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتعْكُنَ‬ ‫الن ِبيُ قُلْ ألَِزْوَ ِ‬ ‫الدنيا وزينتها‪{ :‬يَا ُأَيهَا َ‬
‫ِ‬
‫ات ِمنْكُنَ‬
‫ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫س‬ ‫ْ‬ ‫ح‬ ‫ُ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ع‬‫أ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫الل‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫إ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ْخ‬
‫ِ‬ ‫ْل‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫الد‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫ُ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫الل‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫إ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫*‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ي‬‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ج‬ ‫ا‬‫ً‬ ‫ح‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ح‬ ‫وَأُسَر‬
‫ظيمًا} [األحزاب‪.]29،28:‬‬ ‫أَجْرًا عَ ِ‬
‫=====‬
‫ونداءٌ في عتابه (صلى الله عليه وسلم) أن حرم على نفسه بعض ما أحل الله له ابتغاءً لمرضات‬
‫ِ‬
‫حيمٌ}‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ٌ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫غ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫الل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫اج‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ز‬ ‫أ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ا‬‫َ‬ ‫ض‬ ‫ْ‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫غ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ب‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫الل‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ح‬ ‫أ‬
‫َ‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫م‬ ‫الن ِبيُ ِلمَ تُحَر‬
‫بعض أزواجه‪{ :‬يَا ُأَيهَا َ‬
‫[التحريم‪.]1:‬‬
‫=====‬
‫وبقية هذه النداءات في أمور تشريعية‪ :‬فنداءٌ في األمر بالتقوي‪ ،‬وعدم إطاعة الكفرة والمنافقين‪،‬‬
‫النبِيُ اتَقِ اللَهَ وََلَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ‬
‫واتباع الوحي والقرآن الكريم‪ ،‬واألمر بالتوكل على الله‪{ :‬يَا ُأَيهَا َ‬
‫ِ‬
‫ن رَبكَ إِنَ اللَهَ كَانَ ِبمَا تَعْمَلُونَ‬
‫اف ِقينَ إِنَ اللَهَ كَانَ عَ ِليمًا حَ ِكيمًا*وَاتَ ِبعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ ِم ْ‬
‫وَالْمُنَ ِ‬
‫خَ ِبيرًا*وَتَوَكَلْ عَلَى اللَ ِه وَكَفَى ِباللَ ِه وَ ِكيالً} [األحزاب‪1:‬ـ‪.]3‬‬
‫=====‬
‫النبِيُ إ َِنا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ الالَتِي‬
‫ونداءٌ في بيان ما أحله الحق تبارك وتعالى له من أزواج‪{ :‬يَا ُأَيهَا َ‬
‫ِ‬
‫آتَيْتَ أُجُورَهُنَ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِ َما أَفَاءَ اللَهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَم ِكَ وَبَنَاتِ عَ َماتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ‬
‫الن ِبيُ أَنْ يَسْتَنْ ِكحَهَا خَ ِالصَةً‬ ‫خَاَلَ ِتكَ الالَ ِتي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤ ِْمنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا ِل َلن ِبي إِنْ أَرَادَ َ‬
‫اج ِهمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ِلكَيْالَ يَكُونَ عَلَيْكَ‬‫ون الْمُؤ ِْم ِنينَ قَدْ عَ ِلمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْ ِهمْ ِفي أَزْوَ ِ‬
‫لَكَ ِمنْ دُ ِ‬
‫حيمًا} [األحزاب‪.]50:‬‬ ‫حَرَجٌ وَكَانَ اللَهُ غَفُورًا رَ ِ‬
‫=====‬
‫ونداءٌ في مشروعية الحجاب‪ ،‬ووجوبه على جميع نساء المسلمين‪ ،‬وحكمة مشروعيته‪{ :‬يَا ُأَي َها‬
‫يب ِهنَ ذَ ِلكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَالَ‬
‫اتكَ وَ ِنسَاءِ الْمُؤ ِْم ِنينَ يُدْ ِنينَ عَلَيْ ِهنَ ِمنْ جَال َِب ِ‬ ‫الن ِبيُ قُلْ ألَِزْوَ ِ‬
‫اجكَ وَبَنَ ِ‬ ‫َ‬
‫حيمًا} [األحزاب‪.]59:‬‬ ‫يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَهُ غَفُورًا رَ ِ‬
‫=====‬
‫ايعْنَكَ عَلَى أَنْ َلَ‬ ‫ك الْمُؤ ِْم َناتُ يُبَ ِ‬ ‫جاءَ َ‬ ‫الن ِب ُ‬
‫ي إِ َذا َ‬ ‫ونداءٌ في النهي بيعة المؤمنات وبنودها‪َ { :‬يا ُأَي َها َ‬
‫يهنَ‬
‫ن يَفْتَ ِرينَهُ بَيْنَ أَيْ ِد ِ‬‫يُشْ ِركْنَ ِباللَ ِه شَيْئًا وََلَ يَسْ ِرقْنَ وََلَ يَزْ ِنينَ وََلَ يَقْتُلْنَ أَوَْلَدَهُنَ وََلَ يَأْ ِتينَ ِببُهْتَا ٍ‬
‫حيمٌ} [الممتحنة‪.]12:‬‬ ‫ايعْهُنَ وَاسْتَغْ ِفرْ لَهُنَ اللَهَ إِنَ اللَهَ غَفُورٌ رَ ِ‬ ‫ف فَبَ ِ‬‫صينَكَ ِفي مَعْرُو ٍ‬ ‫وَأَرْجُ ِل ِهنَ وََلَ يَعْ ِ‬
‫=====‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النسَاءَ فَطَلقُوهُنَ لِعِدَتِهِنَ‬ ‫النبِيُ إِذَا طَلَقْتُمُ‬
‫ونداءٌ في بيان أمور تشريعية تتعلق بالطالق‪{ :‬يَا ُأَيهَا َ‬
‫احشَةٍ مُ ِبَينَةٍ‬
‫وت ِهنَ وََلَ يَخْرُجْنَ إَِلَ أَنْ يَأْ ِتينَ ِبفَ ِ‬
‫وَأَحْصُوا الْ ِعدَةَ وَاتَقُوا اللَهَ رَبَكُمْ َلَ تُخْ ِرجُوهُنَ ِمنْ بُيُ ِ‬
‫وَ ِتلْكَ حُدُودُ اللَ ِه وَمَنْ يَتَعَدَ حُدُودَ اللَ ِه فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ َلَ تَدْ ِري لَعَلَ اللَهَ يُحْ ِدثُ بَعْدَ ذَ ِلكَ أَمْرًا}‬
‫[الطالق‪.]1:‬‬
‫=====‬
‫أما نداؤه (صلى الله عليه وسلم) بلفظ (يا أيها الرسول)‪ :‬فأحدهما في تسليته (صلى الله عليه‬
‫وسلم)‪ ،‬ونهيه عن الحزن لعدم إيمان الكفرة والمنافقين‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬يَا ُأَيهَا الرَسُولُ َلَ يَحْزُنْكَ‬
‫اه ِهمْ وَلَمْ تُؤ ِْمنْ قُلُوبُهُمْ وَ ِمنَ َال ِذينَ هَادُوا سَ َماعُونَ‬ ‫ارعُونَ ِفي الْكُفْ ِر ِمنَ َال ِذينَ قَالُوا آ ِم َنا ِبأَفْوَ ِ‬ ‫َال ِذينَ يُسَ ِ‬
‫ُوتيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ‬ ‫اض ِع ِه يَقُولُونَ إِنْ أ ِ‬ ‫ب سَ َماعُونَ ِلقَوْ ٍم آخَ ِرينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرفُونَ الْكَ ِلمَ ِمنْ بَعْ ِد مَوَ ِ‬ ‫ِللْكَ ِذ ِ‬
‫وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُ ِر ِد اللَهُ ِفتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْ ِلكَ لَهُ ِمنَ اللَ ِه شَيْئًا أُولَ ِئكَ َال ِذينَ لَمْ يُ ِر ِد اللَهُ أَنْ‬
‫ِ‬
‫ظيمٌ} [المائدة‪.]41‬‬ ‫ْخرَ ِة عَذَابٌ عَ ِ‬ ‫خزْيٌ وَلَهُمْ ِفي اْل ِ‬ ‫يُطَهرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ ِفي الدُنْيَا ِ‬
‫=====‬
‫والنداء الثاني‪ :‬كان في أمره بتبليغ ما أنزل إليه من ربه من أمور الوحي‪ ،‬والرسالة‪ ،‬وبيان أنه‬
‫ِ‬
‫معصومٌ‪ ،‬ومحفوظٌ بأمر الله من القتل‪ ،‬وإزهاق النفس‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬يَا ُأَيهَا الرَسُولُ بَلغْ مَا أُنْزِلَ‬
‫ِ‬
‫اف ِرينَ}‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ي‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫َل‬ ‫َ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫الل‬ ‫َ‬ ‫ِن‬ ‫إ‬ ‫اس‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫الن‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫م‬‫ص‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫الل‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ا‬‫َ‬ ‫س‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫غ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫إ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫إِلَيْكَ ِمنْ رَب‬
‫[المائدة‪.]67:‬‬
‫=====‬
‫وبعض هذه النداءات تنبيهٌ باألعلى على األدنى‪ ،‬تنبيهٌ على األمة المحمدية برسولها‪ ،‬كالنداء الواقع‬
‫النبِيُ اتَقِ اللَهَ وََلَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَ اللَهَ كَانَ عَلِيمًا‬
‫في أول سورة األحزاب‪{ :‬يَا ُأَيهَا َ‬
‫ِ‬
‫حَ ِكيمًا*وَاتَ ِبعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ ِمنْ رَبكَ إِنَ اللَهَ كَانَ ِبمَا تَعْمَلُونَ خَ ِبيرًا*وَتَوَكَلْ عَلَى اللَ ِه وَكَفَى ِباللَ ِه‬
‫وَ ِكيالً}[األحزاب‪1:‬ـ‪ ،]3‬وأخر النداء الواقع في تكليفه (صلى الله عليه وسلم) بالرسالة‪ ،‬وبيان‬
‫اف ِقينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَلْ عَلَى اللَ ِه وَكَفَى ِباللَ ِه وَ ِكيالً}‬ ‫اف ِرينَ وَالْمُنَ ِ‬
‫ط ِع الْكَ ِ‬
‫وظيفته‪{ ،‬وََلَ تُ ِ‬
‫[األحزاب‪.]48:‬‬
‫فالنبي (صلى الله عليه وسلم) يستحيل أن يكون غير متقٍ لله‪ ،‬ويستحي ُل أن يكون مطيعًا للكافرين‬
‫والمنافقين‪ ،‬ويستحيلُ أن يكون غير متب ٍع للوحي الرباني حتى يأمره الحق تبارك وتعالى بهذه‬
‫الثالثة‪ ،‬وإنما ذلك كما قال المفسرون‪ :‬من قبيل التنبيه باألعلى على األدنى‪ ،‬فخاطب الحق تبارك‬
‫وتعالى األمة المحمدية في شخص رسولها (صلى الله عليه وسلم)‪.‬‬
‫وبعضهم قال‪ :‬يقصد يهذه األوامر الثالثة المداومة عليها‪ ،‬أي‪ :‬داوم على تقواك لله‪ ،‬ودوام على‬
‫عدم طاعتك للكافرين والمنافقين في ما يطلبونه منك‪ ،‬وداوم على اتباعك لوحي ربك‪.‬‬
‫=====‬
‫وبعض هذه النداءات خاصٌ بالنبي (صلى الله عليه وسلم)‪ ،‬كالنداء الذي يأمره (صلى الله عليه‬
‫وسلم) بتخيير زوجاته‪ ،‬والنداء الذي يبين ما أحله الله له من النساء‪ ،‬وأول النداء في تكليفه (صلى‬
‫ِ‬
‫اعيًا‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ا*‬ ‫ً‬ ‫ر‬ ‫ي‬‫ذ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ً‬ ‫ر‬ ‫الن ِبيُ إ َِنا أَرْسَلْنَاكَ شَ ِ‬
‫اهدًا وَمُبَش‬ ‫الله عليه وسلم) بالرسالة‪ ،‬وبيان وظيفته‪{ ،‬يَا ُأَيهَا َ‬
‫ِ‬
‫سرَاجًا مُ ِنيرًا*وَبَش ِر الْمُؤ ِْم ِنينَ ِبأَنَ لَهُمْ ِمنَ اللَ ِه فَضْالً كَ ِبيرًا][األحزاب‪45:‬ـ‪،]47‬‬ ‫إِلَى اللَ ِه ِب ِإذْ ِن ِه وَ ِ‬
‫أما بقية هذه النداءات فتشترك األمة فيها مع النبي (صلى الله عليه وسلم) من الناحية العملية‬
‫التشريعية‪.‬‬
‫===========================================‬
‫(‪(( )2‬نموذج من نداءات النبي (صلى الله عليه وسلم) في القرآن الكريم))‬
‫===========================================‬
‫أحبتي في الله‪ :‬من هذه النداءات العظيمة التي نُودي بها النبي (صلى الله عليه وسلم)‪ ،‬نداءُ تخييره‬
‫اجكَ إِنْ كُنْتُنَ‬
‫الن ِبيُ قُلْ ألَِزْوَ ِ‬
‫(صلى الله عليه وسلم) لنسائه‪ ،‬فالحق تبارك وتعالى يقول‪{ :‬يَا ُأَيهَا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تُ ِردْنَ الْحَيَاةَ الدُنْيَا وَ ِزينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتعْكُنَ وَأُسَرحْكُنَ سَرَاحًا جَ ِميالً*وَإِنْ كُنْتُنَ تُ ِردْنَ اللَهَ وَرَسُولَهُ‬
‫ظيمًا} [األحزاب‪ ،]29،28:‬فهاتان اْليتان يعرفا‬ ‫ات ِمنْكُنَ أَجْرًا عَ ِ‬ ‫ْخرَةَ فَ ِإنَ اللَهَ أَعَدَ ِللْمُحْ ِ‬
‫سنَ ِ‬ ‫وَالدَارَ اْل ِ‬
‫عند علماء التفسير وعلوم القرآن بآيتي تخيير النبي (صلى الله عليه وسلم) ألزواجه‪.‬‬
‫=====‬
‫وقد نزل هاتان اْليتان في السنة التاسعة من الهجرة تحدي ًدا‪ ،‬وسبب نزولهما‪ :‬اجتماع أمهات‬
‫المؤمنين حول سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)‪ ،‬وسؤالهن إياه التوسعة في النفقة‪،‬‬
‫والعيش كزوجات الملوك واألمراء في بحبوحة من العيش‪ ،‬ورغد من الرزق‪ ،‬وكان تحته (صلى‬
‫الله عليه وسلم) يومئذ تسعُ نسوةٍ‪ :‬عائشة بنت أبي بكر‪ ،‬وحفصة بنت عمر‪ ،‬وأم حبيبة (رملة بنت‬
‫أبي سفيان)‪ ،‬وسودة بنت زمعة‪ ،‬وأم سلمة (هند بنت أمية المخزومية)‪ ،‬وصفية بنت حيي النضرية‬
‫اليهودية‪ ،‬وميمونة بنت الحارث الهاللية‪ ،‬وزينب بنت جحش األسدية‪ ،‬وجويرية بنت الحارث‬
‫المصطلقية‪ ،‬رضي الله عنهن وأرضاهن‪.‬‬
‫فعن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما)‪ ،‬قال‪ :‬دخل أبو بكر (رضي الله عنه) يستأذن على رسول‬
‫الله (صلى الله عليه وسلم)‪ ،‬فوجد الناس جلوسًا ببابه‪ ،‬لم يؤذن ألحد منهم‪ ،‬قال‪ :‬فأذن ألبي بكر‪،‬‬
‫فدخل‪ ،‬ثم أقبل عمر‪ ،‬فاستأذن فأذن له‪ ،‬فوجد النبي (صلى الله عليه وسلم) جالسًا حوله نساؤه‪،‬‬
‫واجمًا ساكتا (من شدة حزنه)‪ ،‬فقال‪ :‬ألقولن شيئا أضحك النبي (صلى الله عليه وسلم)‪ ،‬فقال‪ :‬يا‬
‫رسول الله‪ ،‬لو رأيت بنت خارجة (أي‪ :‬زوجه)‪ ،‬سألتني النفقة‪ ،‬فقمت إليها‪ ،‬فوجأت عنقها (طعنته‬
‫وضربته)‪ ،‬فضحك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)‪ ،‬وقال‪( :‬هُنَ حَوْ ِلي كَمَا تَرَي‪ ،‬يَسْأَلْنَ ِني َ‬
‫النفَقَةَ)‪.‬‬
‫فقام أبو بكر (رضي الله عنه) إلى عائشة يجأ عنقها‪ ،‬وقام عمر (رضي الله عنه) إلى حفصة يجأ‬
‫عنقها‪ ،‬كالهما يقول‪ :‬تسألن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما ليس عنده‪ ،‬فقلن‪ :‬والله َل نسأل‬
‫رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شيئا أبدًا ليس عنده‪ ،‬ثم اعتزلهن (النبي) شهرًا ـ أو تسعًا‬
‫النبِيُ قُلْ ألَِزْوَاجِكَ} حتى بلغ {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَ أَجْرًا‬
‫وعشرين ـ ثم نزلت عليه هذه اْلية‪{ :‬يَا ُأَيهَا َ‬
‫عَظِيمًا} (رواه مسلم)‪.‬‬
‫=====‬
‫أمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بتخيير نسائه بين أن يفارقهن (يطلقهن)‪ ،‬فيذهبن إلى غيره ممن‬
‫يحصل لهن عنده الحياةُ الدنيا وزينُتها‪ ،‬التي سألن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إياها‪ ،‬وبين‬
‫الصبر على ما عنده من ضيق الحال‪ ،‬ولهن على ذلك الثواب الجزيل‪ ،‬واألجر العظيم‪ ،‬فاخترن‪،‬‬
‫(رضي الله عنهن وأرضاهن)‪ ،‬الله ورسوله والدار اْلخرة‪ ،‬فجمع الحق تبارك وتعالى لهن بعد‬
‫ذلك بين خير الدنيا‪ ،‬وسعادة اْلخرة‪.‬‬
‫=====‬
‫وقد بدأ النبي (صلى الله عليه وسلم) تخييره لنسائه بالسيدة عائشة (رضي الله عنها)‪ ،‬ولعل ذلك‬
‫لصغر سنها‪ ،‬خشية أن تتسرع‪ ،‬وَل تحسن اَلختيار‪ ،‬أو لشدة حبه (صلى الله عليه وسلم) لها‪،‬‬
‫فعن السيدة عائشة (رضي الله عنها) قالت‪ :‬لما أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بتخيير‬
‫ِ‬
‫ك)‪ .‬وقد علم‬ ‫ك أَنْ َلَ تَعْجَ ِلي حَتَى تَسْتَأْ ِم ِري أَبَوَيْ ِ‬
‫ك أَمْرًا‪ ،‬فَالَ عَلَيْ ِ‬‫اكرٌ لَ ِ‬
‫أزواجه‪ ،‬بدأ بي‪ ،‬فقال‪( :‬إِني ذَ ِ‬
‫أن أبواي لم يكونا ليأمراني بفراقه‪ ،‬ثم قال‪( :‬إِنَ اللهَ (عَزَ وَجَلَ) قَالَ‪{ :‬يَا ُأَيهَا َ‬
‫النبِيُ قُلْ ألَِزْوَاجِكَ إِنْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كُنْتُنَ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتعْكُنَ وَأُسَرحْكُنَ سَرَاحًا جَمِيالً وَإِنْ كُنْتُنَ تُرِدْنَ اللهَ‬
‫ظيمًا})‪ .‬فقلت‪ :‬في أي هذا أستأمر‬ ‫ات ِمنْكُنَ أَجْرًا عَ ِ‬ ‫سنَ ِ‬‫ْخرَةَ فَ ِإنَ اللهَ أَعَدَ ِللْمُحْ ِ‬
‫وَرَسُولَهُ وَالدَارَ اْل ِ‬
‫أبوي‪.‬؟‪ .‬فإني أريد الله ورسوله والدار اْلخرة‪ ،‬قالت‪ :‬ثم فعل أزواج رسول الله (صلى الله عليه‬
‫وسلم) مثل ما فعلت‪( .‬متفق عليه)‪.‬‬
‫=====‬
‫فلما اختار أزواج النبي (صلى الله عليه وسلم) الله‪ ،‬ورسوله‪ ،‬والدار األخرة؛ أعطاهن المولى‬
‫تبارك وتعالى ثالثًا من األجر والمنزلة‪:‬‬
‫{النبِيُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ‬
‫‪1‬ـ جعلهن سبحانه أمهات للمؤمنين‪ ،‬فقال تعالى‪َ :‬‬
‫أ َُمهَاتُهُمْ} [األحزاب‪.]6:‬‬
‫‪2‬ـ جعل سبحانه وتعالى أجر الواحدة منهن كأجر اثنتين‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬وَمَنْ يَقْنُتْ ِمنْكُنَ ِللَ ِه وَرَسُ ِ‬
‫ول ِه‬
‫وَتَعْمَلْ صَ ِالحًا نُؤ ِْتهَا أَجْرَهَا مَرَتَيْ ِ‬
‫ن وَأَعْتَدْنَا لَهَا ِرزْقًا كَ ِريمًا} [األحزاب‪.]31:‬‬
‫‪3‬ـ حرم سبحانه وتعالى على النبي (صلى الله عليه وسلم) الزواج بغيرهن‪ ،‬أو تبديلهن‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫ِ‬
‫حلُ لَكَ النسَاءُ ِمنْ بَعْدُ وََلَ أَنْ تَبَدَلَ ِب ِهنَ ِمنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَ إَِلَ مَا مَلَكَتْ يَ ِمينُكَ‬
‫{َلَ يَ ِ‬
‫ِ‬
‫وَكَانَ اللَهُ عَلَى كُل شَيْءٍ رَ ِقيبًا} [األحزاب‪ ،]52:‬ثم نسخ ذلك بقوله تعالى‪{ :‬يَا ُأَيهَا َ‬
‫الن ِبيُ إ َِنا‬
‫أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ الالَ ِتي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ وَمَا مَلَكَتْ يَ ِمينُكَ ِم َما أَفَاءَ اللَهُ عَلَيْكَ} [األحزاب‪،]50:‬‬
‫إلى أخر هذا النداء‪.‬‬
‫عباد اهلل أقول قولي هذا‪ ،‬وأستغفر اهلل العليّ العظيم لي ولكم‪ ،‬فادعوا اهلل وأنتم‬
‫موقنون باإلجابة‪ ،‬فالتائب من الذنب‪...........‬‬
‫===========================================‬

‫الخطبة الثانية‬

‫)) نداء الجهاد لسيدنا رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم((‬

‫===========================================‬
‫ّ‬ ‫ل‬
‫رب العالمين‪ ،‬والعافبة للمتقين‪ ،‬وال عدوان اال على الظالمين‪ ،‬واشهد ان ال الة اال اهلل الملك‬ ‫ا جمد هلل‬
‫ّ‬ ‫لل‬ ‫م‬
‫الحق المتين‪ ،‬واشهد ان سبدنا جمدا عبده ورسولة الصادق الوعد االمين‪ ،‬ا هم صل علبة ‪ ،‬وعلى الة‬

‫وصحبة اجمعين‪ ،‬ويعد‪:‬‬

‫=====‬
‫أيها أخوة األحباب‪ :‬ما زلنا نعيش مع نداءات النبي (صلى الله عليه وسلم) في القرآن الكريم‪ ،‬ومن‬
‫أعظمها‪ ،‬وأجلها‪ ،‬ما كان من أمره (صلى الله عليه وسلم) ومن معه من المؤمنين بالجهاد في‬
‫ِ‬
‫ال}‬‫ض الْمُؤ ِْم ِنينَ عَلَى الْ ِقتَ ِ‬ ‫الن ِبيُ حَر ِ‬ ‫سبيل الله‪ ،‬فالحق تيارك وتعالى يقول‪{ :‬يَا ُأَيهَا َ‬
‫النبِيُ جَاهِدِ الْكُفَارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَه َنمُ‬
‫[األنفال‪،]65:‬ويقول سبحانه‪{ :‬يَا ُأَيهَا َ‬
‫النبِيُ حَسْبُكَ اللَهُ وَمَنِ اتَبَعَكَ مِنَ‬‫وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[التوبة‪ ،73:‬التحريم‪ ،]9:‬ويقول تعالى‪{ :‬يَا ُأَيهَا َ‬
‫ن} [األنفال‪ ،]64:‬والجهاد والحرب لم يكونا يومًا غايةً‪ ،‬وَل هدفًا في شريعتنا اإلسالمية‬‫الْمُؤ ِْم ِني َ‬
‫الغراء‪ ،‬ولم يشرعا إَل لحكم عالية سامية‪ ،‬وهذا بيانها‪:‬‬
‫=====‬
‫‪1‬ـ شرع الجهاد والقتال في اإلسالم ردا للظلم والعدوان‪ ،‬وَل عيب وَل انتقاص لإلسالم في ذلك‪،‬‬
‫فهذا أمرٌ تعارفت عليه البشرية جمعاء‪ ،‬بل والحيوانات العجماوات أيضًا‪ ،‬حينما زودها الله باألعضاء‬
‫اتلُونَكُمْ وََلَ تَعْتَدُوا إِنَ‬
‫يل اللَ ِه َال ِذينَ يُقَ ِ‬
‫اتلُوا ِفي سَ ِب ِ‬
‫القتالية الدفاعية‪ ،‬والحق تبارك وتعالى يقول‪{ :‬وَقَ ِ‬
‫ن اعْتَدَي عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا‬ ‫حبُ الْمُعْتَ ِدينَ} [البقرة‪ ،]190:‬ويقول الحق سبحانه وتعالى‪{ :‬فَمَ ِ‬ ‫اللَهَ َلَ يُ ِ‬
‫عَلَيْ ِه ِب ِمثْ ِل مَا اعْتَدَي عَلَيْكُمْ وَاتَقُوا اللَهَ وَاعْلَمُوا أَنَ اللَهَ مَعَ الْمُتَ ِقينَ} [البقرة‪ ،]194:‬فاَلعتداء فيه‬
‫ثالثة أقوال‪ :‬أحدها‪ :‬قتال من لم يقاتل‪ .‬والثاني‪ :‬قتل النساء والولدان‪ .‬والثالث‪ :‬أنه القتال على غير‬
‫ِ‬
‫الدين‪.‬‬
‫=====‬
‫‪2‬ـ شرع الجهاد والقتال في اإلسالم حماي ًة للمقدسات والحرمات من الديار واألوطان واألعراض‬
‫ِ‬
‫امعُ وَ ِبيَعٌ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ص‬ ‫ْ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫م‬ ‫ض لَهُد‬ ‫من أن تنتهك‪ ،‬وتدنس‪ ،‬قال تعالى‪{ :‬وَلَوَْلَ دَفْعُ اللَ ِه َ‬
‫الناسَ بَعْضَهُمْ ِببَعْ ٍ‬
‫اجدُ يُذْكَرُ ِفيهَا اسْمُ اللَ ِه كَ ِثيرًا وَلَيَنْصُرَنَ اللَهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَ اللَهَ لَقَ ِويٌ عَ ِزيزٌ}‬ ‫وَصَلَوَاتٌ وَمَسَ ِ‬
‫[الحج‪ ،]40:‬وعن سعيد بن زيد (رضي الله عنه) قال‪ :‬سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)‬
‫ين ِه فَهُوَ شَ ِهيدٌ‪ ،‬وَمَنْ قُ ِتلَ دُونَ دَ ِم ِه فَهُوَ‬ ‫يقول‪( :‬مَنْ قُ ِتلَ دُونَ مَ ِال ِه فَهُوَ شَ ِهيدٌ‪ ،‬وَمَنْ قُ ِتلَ دُونَ ِد ِ‬
‫شَهِيدٌ‪ ،‬وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) (رواه الترمذي)‪ ،‬ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم)‪:‬‬
‫النارُ‪ :‬عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَهِ‪ ،‬وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَهِ) (رواه‬ ‫(عَيْنَانِ َلَ تَمَسُهُمَا َ‬
‫الترمذي)‪.‬‬
‫=====‬
‫‪3‬ـ شرع الجهاد‪ ،‬والقتال في اإلسالم محافظ ًة على السلم العالمي‪ ،‬يرشدنا إلى ذلك النظم القرآني‬
‫فالدعوة إلى المسالمة والموادعة في قوله تعالى‪{ :‬وَإِنْ جَنَحُوا ِللسَلْ ِم فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَلْ عَلَى اللَ ِه‬
‫إ َِنهُ هُوَ السَ ِميعُ الْعَ ِليمُ} [األنفال‪ ،]61:‬ما جاءت إَل بعد األمر بإعداد العدة‪ ،‬وأخذ القوة‪ ،‬في قوله‬
‫اط الْخَيْ ِل تُرْ ِهبُونَ ِب ِه عَدُوَ اللَ ِه وَعَدُوَكُمْ وَآخَ ِرينَ‬ ‫َعدُوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ ِمنْ قُوَ ٍة وَ ِمنْ ِربَ ِ‬ ‫تعالى‪{ :‬وَأ ِ‬
‫يل اللَ ِه يُوَفَ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ َلَ تُظْلَمُونَ}‬
‫ون ِهمْ َلَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْ ِفقُوا ِمنْ شَيْءٍ ِفي سَ ِب ِ‬
‫ِمنْ دُ ِ‬
‫ت األَْرْضُ‬ ‫ض لَفَسَدَ ِ‬ ‫الناسَ بَعْضَهُمْ ِببَعْ ٍ‬ ‫[األنفال‪ ،]60:‬ويقول الحق تبارك وتعالى‪{ :‬وَلَوَْلَ دَفْعُ اللَ ِه َ‬
‫وَلَ ِكنَ اللَهَ ذُو فَضْ ٍل عَلَى الْعَالَ ِمينَ} [البقرة‪.]251:‬‬
‫=====‬
‫‪4‬ـ شرع الجهاد‪ ،‬والقتال في اإلسالم محافظةً على هيبة اإلسالم‪ ،‬وإقامة لفرائضه وحدوده‪ ،‬فقد قام‬
‫باألمر بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وزيره وصديقه وخليفته أبو بكر الصديق (رضي‬
‫الله عنه)‪ ،‬وقد مال الدين ميلة كاد أن ينجفل (يزول وينخلع)‪ ،‬فثبته الله تعالى به فوطد القواعد‪،‬‬
‫وثبت الدعائم‪ ،‬ورد شارد الدين وهو راغم (ذليل)‪ ،‬ورد أهل الردة إلى اإلسالم‪ ،‬وأخذ الزكاة ممن‬
‫منعها من الطغام‪ ،‬وبين الحق لمَنْ جهله‪ ،‬وأدي عن الرسول ما حمله‪.‬‬
‫انظروا إلى سيدنا أبي بكر (رضي الله عنه)‪ ،‬وتمسكه‪ ،‬وعزمه‪ ،‬وإصراره على قتال مانعي الزكاة‬
‫مع أن فضالء الصحابة كسيدنا عمر (رضي الله عنه) لم يوافقوه أوَل على ما قرر‪ ،‬وأرادوا صرفه‬
‫عنه إلى اتخاذ موقف المالينة معهم‪ ،‬ولكنه (رضي الله عنه) لم يعبأ بخالفهم‪ ،‬وصمم على رأيه‬
‫قائالً‪( :‬وَاللَهِ ألَُقَاتِلَنَ مَنْ فَرَقَ بَيْنَ الصَالَةِ وَالزَكَاةِ‪ ،‬فَإِنَ الزَكَاةَ حَقُ المَالِ‪ ،‬وَاللَهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا‬
‫كَانُوا يُؤَدُونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَهِ (صلى الله عليه وسلم) لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا)‪ .‬قال عمر (رضي الله‬
‫عنه)‪( :‬فَوَ اللَ ِه مَا هُوَ إَِلَ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَهُ صَدْرَ أ َِبي بَكْرٍ (رضي الله عنه) (أي‪ :‬لقتالهم)‪ ،‬فَعَرَفْتُ‬
‫أ ََنهُ الحَقُ (بما ظهر من الدليل الذي أقامه أبو بكر)(متفق عليه)‪.‬‬
‫=====‬
‫‪5‬ـ شرع الجهاد‪ ،‬والقتال في اإلسالم حماية للمستضعفين من فتنتهم في دينهم‪ ،‬وردً لبغي البغاة‬
‫والمعتدين على إخوانهم من المسلمين‪ ،‬فعن نافع‪ ،‬أن ابن عمر (رضي الله عنهما)‪ ،‬أتاه رجالن‬
‫في فتنة ابن الزبير فقاَل‪ :‬إن الناس صنعوا‪ ،‬وفي رواية‪ :‬ضيعوا (أي‪ :‬صنعوا ما نري من اَلختالف‬
‫فأضاعوا الدين والدنيا)‪ ،‬وأنت ابن عمر‪ ،‬وصاحب النبي (صلى الله عليه وسلم)‪ ،‬فما يمنعك أن‬
‫اتلُوهُمْ حَتَى َلَ تَكُونَ‬ ‫ألم يقل الله‪{ :‬وَقَ ِ‬ ‫َخي)‪ .‬فقاَل‪:‬‬ ‫تخرج؟‪ .‬فقال‪( :‬يَمْنَعُ ِني أَنَ اللَهَ حَرَمَ دَمَ أ ِ‬
‫ِ‬
‫اتلُوا حَتَى‬
‫فقال‪( :‬قَاتَلْنَا حَتَى لَمْ تَكُنْ ِفتْنَةٌ‪ ،‬وَكَانَ الدينُ ِللَ ِه‪ ،‬وَأَنْتُمْ تُ ِريدُونَ أَنْ تُقَ ِ‬ ‫ِفتْنَةٌ}[األنفال‪،]39:‬‬
‫ِ‬
‫تَكُونَ ِفتْنَةٌ‪ ،‬وَيَكُونَ الدينُ ِلغَيْ ِر اللَ ِه) (رواه البخاري)‪.‬‬
‫ضا‪ :‬أن رجال أتى ابن عمر فقال‪ :‬يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن‬ ‫وفي رواية عند البخاري أي ً‬
‫تحج عاما‪ ،‬وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله (عز وجل)‪ ،‬وقد علمت ما رغب الله فيه؟‪.‬‬
‫فقال له‪( :‬يَا ابْنَ أَخِي بُنِيَ ِاإلِسْالَمُ عَلَى خَمْسٍ‪ ،‬إِيمَانٍ بِاللَهِ وَرَسُولِهِ‪ ،‬وَالصَالَةِ الخَمْسِ‪ ،‬وَصِيَامِ‬
‫ت)‪ .‬فقال يا أبا عبد الرحمن‪ :‬أَل تسمع ما ذكر الله في كتابه‪{ :‬وَإِنْ‬ ‫اة‪ ،‬وَحَج البَيْ ِ‬ ‫رَمَضَانَ‪ ،‬وَأَدَاءِ الزَكَ ِ‬
‫اتلُوا َال ِتي تَبْ ِغي‬
‫ان ِمنَ المُؤ ِْم ِنينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْ ِلحُوا بَيْنَهُمَا‪ ،‬فَ ِإنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى األُخْرَي فَقَ ِ‬ ‫ائفَتَ ِ‬
‫طَ ِ‬
‫اتلُوهُمْ حَتَى َلَ تَكُونَ ِفتْنَةٌ} [البقرة‪[،]193:‬األنفال‪.]39:‬‬ ‫حَتَى تَ ِفيءَ إِلَى أَمْ ِر اللَ ِه} [الحجرات‪{ ،]9:‬وَقَ ِ‬
‫ول اللَ ِه (صَلَى اللهُ عَلَيْ ِه وَسَلَمَ) وَكَانَ اإلِسْالَمُ قَ ِليالً‪ ،‬فَكَانَ الرَجُلُ يُفْتَنُ‬ ‫فقال‪( :‬فَعَلْنَا عَلَى عَهْ ِد رَسُ ِ ِ‬
‫ين ِه‪ :‬إ َِما قَتَلُوهُ‪ ،‬وَإ َِما يُعَذبُونَهُ‪ ،‬حَتَى كَثُرَ اإلِسْالَمُ فَلَمْ تَكُنْ ِفتْنَةٌ)‪.‬‬
‫ِفي ِد ِ‬
‫===========================================‬

‫كتبها الشيخ الدكتور‪ /‬مسعد أحمد سعد الشايب‬

‫‪#‬خطب_ابن_الشايب‬

‫الخطب المنبرية‬
‫‪01014558889‬‬

You might also like