Professional Documents
Culture Documents
web.archive.org/web/20100619231351/http://islamacademy.net/Index.aspx
مكتبة األكاديمية -مكتبة دروس األكاديمية -الدروس المفرغة -اللغة العربية -المستوى
الرابع -الدرس الثامن عشر -تابع باب المبتدأ والخبر "النواسخ"
1/13
اللغة العربية -المستوى الرابع اسم المادة:
الدرس الثامن عشر -تابع باب المبتدأ والخبر "النواسخ" اسم الدرس:
| |
2/13
اللغة العربية -المستوى الرابع
بسم اهلل الرحمن الرحيم والحمد هلل رب العالمين وصلى اهلل وسلم وبارك على
أشرف خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وحديثنا اليوم -إن شاء اهلل تعالى -سيكون في خواتيم الحديث عن األفعال
الناسخة ثم البدء بعد ذلك في الحروف الناسخة وكل ذلك ،أو كل الحديث
سيكون حول ما ينسخ حكم المبتدأ والخبر من حيث رفعهما ،وأذِّك ر بما أذكر
به دائما من إمكانية استقبال االستفسارات النحوية واللغوية التي تعم بها الفائدة
وال تخص قدر اإلمكان بما ال يؤثر على ما نحن بصدده من شرح هذا المتن،
الذي أسأل اهلل -سبحانه وتعالى -أن يكون شرحه نافعا مباركا.
نحن بعد حمد اهلل -سبحانه وتعالى -قد كنا توقفنا عند أن هناك حرفا في
العربية هو "ما" هذا الحرف أشبه فعًال من األفعال الناسخة وهو "ليس" في
كونه نافيا ،فنحن نعرف أن "ما" تنفي وكذلك "ليس" فلما أشبهتها وجد العلماء
أن العرب قد أجروها أيضا مجراها في العمل ،قالوا :إنها محمولة عليها
بسبب هذه المشابهة ،وذلك ما يسمونه بـ"ما" الحجازية فنحن عندما نقرأ قول
اهلل -سبحانه وتعالىَ? :-م ا َه َذ ا َبَش ًر ا? ،فإنا نجد أن "ما" قد دخلت على الجملة
االسمية "هذا وبشر" وقد جاء الخبر في الجملة االسمية منصوبا "بشرا" ولم
يأتي مرفوعا كشأنه في الجملة االسمية من مبتدأ وخبر ،فدل هذا على أن "ما"
قد عملت وأن اسم اإلشارة اسم لها ،و"بشرا" خبًر ا لها منصوب ،وكذلك في
قول اهلل -سبحانه وتعالىَّ? :-م ا ُه َّن ُأَّمَه اِتِه ْم ? ،فإن أصل الجملة "هن أمهاتهم"
لكن كلمة "أمهاتهم" -كما ترون -جاءت منصوبة وعالمة نصبها الكسرة؛
ألنها جمع مؤنث سالم ،فدل هذا على أن "ما" قد أعملت عمل األفعال الناسخة
ولكونها حرف قيل :إنها «ليست من األفعال الناسخة ولكنها محمولة عليها»
وحملها عليها من باب شبهها بـ "ليس" في النفي فعملت عملها ،فرفعت االسم
وهو الضمير المنفصل "هن" ونصبت الخبر وهو جمع المؤنث السالم
"أمهاتهم" فنصب وعالمة نصبه الكسرة.
هذا االستعمال؛ أعني استعمال "ما" استعمال األفعال الناسخة وإعمالها إعمال
نظيرتها في المعنى وهو "ليس" -ليس عند العرب جميعا ،ولكنه عند ...أو في
لغة طائفة كبيرة منهم وهم «الحجازيون» ،ولذلك تسمى "ما" هذه العاملة
يسمونها "ما الحجازية" ،وغرضهم من هذه التسمية أنها ال تعمل هذا العمل
إال عند قبائل الحجاز في وقت الفصاحة ،قد كانت قبائل نجد في وقت
الفصاحة ال ُتعملها فتأتي بها وقد ارتفع المبتدأ والخبر وكأنها حرف نفي ال
عمل له ،ولذلك سميت بـ"ما الحجازية" ،أي أن عملها عمل األفعال الناسخة
إنما يكون عند قريش وبقية قبائل العرب في الحجاز بخالف قبائل العرب
األخرى.
ولكن المتأمل أيضا ..طبعا القرآن الكريم "التنزيل" قد جاء في أصله وفي
معظمه على لغة قريش ،ولذلك لزم هذا اإلعراب إلعمالها إعمال األفعال
الناسخة ،لكنا عندما نتأمل قول اهلل -سبحانه وتعالىَ? :-وَم ا ُمَح َّم ٌد ِإَّال
َر ُس وٌل ?َ? ،وَم ا َأْم ُر َنا ِإَّال َو اِح َد ٌة? ،نجد أن الخبر هنا لم ينصب وإنما جاء
مرفوعا ،مع أن "ما" نافية وقد دخلت على الجملة االسمية المكونة من مبتدأ
وخبر ،فلما حصل ذلك نظر العلماء إلى الفرق بين هذه الجملة والجملة السابقة
في نحو «ما هذا بشرا» ،فوجدوا أن هذه الجملة قد دخلت عليها "إال" أي أن
النفي ُنِقَض ُ ،نِقَض النفي بـ "إال"؛ ومعنى نقضه أنه لم يعد نفيا؛ أي أنه عندما
تقولَ? :وَم ا ُمَح َّم ٌد ِإَّال َر ُس وٌل ?؛ أي إثبات الرسالةَ? ،وَم ا َأْم ُر َنا ِإَّال َو اِح َد ٌة?؛
إثبات هذا األمر الواحد ،حينئذ نقول :إنه إذا انتقض نفي "ما" "بإال" فإن "ما"
الحجازية هذه ال تعمل.
3/13
أعود فأقول :إن إعمال "ما" هذه إعمال "ليس" لمشابهتها إياها في النفي إنما
يكون في لغة طائفة من طوائف العرب الفصحاء ،وليس جميع العرب ،ومع
ذلك حتى هذه الطائفة إذا دخلت "إال" على خبرها ترجع مهملة؛ أي غير
عاملة ،ويعرب ما بعدها مبتدأ وخبر ،وشاهد ذلك ما ذكرته من اآليتين
الكريمتين من قوله -سبحانه وتعالىَ? :-وَم ا ُمَح َّم ٌد ِإَّال َر ُس وٌل ? ،فنقول "ما"
حرف نفي" ،محمد" مبتدأ" ،إال" أداة حصر" ،ورسول" خبر مرفوع وعالمة
رفعه الضمة الظاهرة على آخره ،وكذلكَ? :وَم ا َأْم ُر َنا ِإَّال َو اِح َد ٌة? ،فإنا نقول
في "ما" مجرد حرف نفي وكذلك "إال" حرف حصر ال غير ،ثم نقول "أمرنا"
مبتدأ هو مضاف "ونا" مضاف إليه "وواحدة" خبر مرفوع وعالمة رفعه
الضمة.
نأخذ إجابات مقتطفة ،تقول :إجابة السؤال األول :قد تستعمل بعض األفعال
الناسخة بمعنى "صار" أي للتحول من حال إلى حال ومنها "كان وظل
وأمسى وأصبح وأضحى"" ،كان" مثال ذلك :قول اهلل تعالىَ? :وُبَّس ِت اْل َباُل
ِج
َبًّس ا * َفَك اَنْت َه َباًء ُّم نَبًّثا? ،أي "صارت" هباء" ،وظل" ?َظ َّل َوْج ُه ُه ُمْس َو ًّدا?،
أي تحول من حال إلى حال" ،وأمسى" «أمست خالء» أي أصبحت الديار
خالء من أهلها بعد أن كانت عامرة" ،وأصبح"َ? :فَأْص َبْح ُتْم ِبِنْع َمِتِه ِإْخ َو اًن ?
أي تحولتم من حال الفرقة إلى األخوة واالجتماع" ،أضحى"« :أضحى يمزق
أثوابي ويضربني» ،هذه إجابة السؤال األول من األخت.
وهنا إجابة السؤال الثاني من األخت كذلك تقول :ما معنى استعمال األفعال
الناقصة تامة وما مثاله؟ الجواب :تستعمل األفعال الناقصة تامة إذا اكتفت
بمرفوعها ولم تحتج إلى منصوب وهو الخبر ،فحينئذ تكون تامة فترفع فاعال
بعدها وتكون الجملة فعلية وال يكون الفعل التام ناسخا؛ المثال على ذلك? :
َو ِإن َك اَن ُذ و ُع ْس َر ٍة َفَنِظ َر ٌة ِإَلى َمْيَس َر ٍة?" ،فكان" هنا تامة ألنها بمعنى وجد.
وقول اهلل تعالىَ? :فُس ْبَح اَن اِهلل ِح يَن ُتْم ُس وَن َوِح يَن ُتْص ِبُح وَن ? ،فتمسون
وتصبحون هنا فعالن مضارعان تامان وليسا ناسخين ،وواو الجماعة فاعل،
وأصبح معناها هنا؛ أي وجد في الصباح ،وأمسى أي وجد في المساء .وكذلك
قول اهلل تعالىَ? :خ اِلِد يَن ِفيَه ا َم ا َداَمِت الَّس َم اَو اُت َو اَألْر ُض ?" ،دام" هنا تامة
ألنها بمعنى بقي ،والسموات فاعل مرفوع وعالمة رفعه الضمة الظاهرة على
آخره ،شكرا لكل األخوة.
أتم الحديث عن األفعال الناسخة؛ يعني كان وأخواتها فأقول :كما ذكرنا عن
"ما" الحجازية أنها أشبهت أحد األفعال الناسخة وهو "ليس" في النفي فعملت
عمله عند طائفة من العرب وهم الحجازيون ،نقول كذلك ...طبعا أنا أذكر هذه
األمور وأترك أمورا أخرى أكثر؛ أقل استعماال ،وذلك في ما يتعلق بأمور
أحيانا ال ترد عند العرب إال بندرة وقلة ،فأنا أضرب عنها إذا كانت كثيرة
التفاصيل قليلة االستعمال والحاجة.
تقول :سؤالي خارج الموضوع :أريد أن أعرف كيف يتم إعراب اسم الشخص
نفسه ،كمثال :يأتي أعرف مثال "أحمد مطوع" ،أو "محمد السبيهين" فكيف يتم
إعراب اسم الشخص؟
هو طبعا عندما نذكر هذه األسماء فهي اآلن ليست أجزاء في جملة ،وإذا كان
مجرد ذكر فالن الفالني فهذا ليس جملة وإنما هو اسم ،واالسم ال يكون
معربا ،حتى يكون ركنا في جملة؛ ألنه ال يدخل أصال الشيء في باب
اإلعراب حتى يكون ركنا من تركيب ،فالنحو هو علم التركيب ،وإذا لم تركب
الكلمات بعضها مع بعض فتكون إسنادا فال إعراب لها ،لكن إذا قلنا :هذا
4/13
محمد ،فنقول :محمد خبر ،وإذا قلنا :قال محمد ،فمحمد فاعل ،وإذا قلنا مثال:
رأيت الشيخ أحمد ،فإنا نقول :إن الشيخ مفعول به وأحمد بدل منه؛ ألنه هو
هو ،هو الشيخ هو أحمد فصارت أحمد بدال منه ،ويعرب بإعرابه وهكذا ،فإذن
السؤال مطلق وعام فأنا أقول بصفة عامة :إذا وجد في تركيب فإنه يعرب
بحسب موقعه من الجملة ،فإن أرادت األخت به أنه لو قلنا مثال :أبو عبد اهلل
صالح بن فالن ،فإنا نقول :إن "صالح" هو بدل من "أبي عبد اهلل" ويعرب
بإعرابه ،فإن كان المبدل منه مرفوعا رفع ،وإن كان منصوبا نصب ،وإن كان
مجرورا جر.
حينئذ يكون خبرا ،االسم فالن هو المقصود به؛ يعني اسمه فالن فهذا هو
المقصود به فيكون خبرا له.
ذلك في قول اهلل -سبحانه وتعالىَ? -فَناَد ْو ا َو َالَت ِح يَن َم َناٍص ? ،طبعا نحن
عندما ننظر في قراءة الجمهور «والت حين» ،نجد أن الكلمة منصوبة،
نصبها هنا هو الذي جعل العلماء يقفون عند المسألة ويقولون :إن "الت" إذن
عملت عمل األفعال فنصبت ،مع أنها حرف ،لكن هي أيضا حرف يفيد النفي
وجاءته التاء وهذه التاء هي" ...ال النافية" أصال ودخلت عليها التاء لتأنيث
اللفظ فقط ،وإال فهي حرف نفي ،أشبه أحد األفعال الناسخة وهو "ليس" كما
أشبهتهما ،فعمل عمله ولذلك نصب كما رأينا ،فإن قال قائل أين اسمها
وخبرها؟
نقول :إن العلماء اشترطوا في عمل "ليس" شرطا دقيقا وهو «أن يكون اسمها
وخبرها كلمة بعينها» وهما كلمة "حين" فيكون االسم "حين" ويكون الخبر
"حين" ،وأيضا ال يذكر االثنان معنا فيحذف أحدهما؛ بمعنى ال يقال" :حين"
و"حين" اسم وخبر ،ولكن أحد الركنين يحذف ويبقى اآلخر ،فلذلك في قوله
تعالىَ? :فَناَد ْو ا َو َالَت ِح يَن َم َناٍص ? ،أصله «والت الحين حين مناص» أي
ليس الوقت وقت مهرب ،لما نادوا لم يكن الوقت وقت هروب ولجوء وهو
المناص ،ولذلك حذف الحين الذي هو اسم الت وبقي خبرها ،إذن تحقق
الشرطان :األول أن اسمها وخبرها كالهما لفظ الحين ،والثاني حذف أحد
الركنين وهنا قد حذف االسم وهذا هو األكثر ،فاألكثر أن يحذف اسمها ويبقى
خبرها الذي هو كلمة "حين" هنا وخبر -نحن نعرف -النواسخ هذه التي سبق
ذكرها يكون منصوبا ،ولذلك جاء منصوبا.
ُقِر َأ "والت حيُن " ،وحينئذ يكون هذا هو االسم والمحذوف هو الخبر ،والتقدير
«والت حيُن مناص حيًنا لهم» فيكون المحذوف هو الخبر وهو أيضا لفظ
"حين" وهو المنصوب المحذوف ،ولكن كما قلت إن األكثر في كالم العرب
أن يحذف اسمها ويبقى خبرها المنصوب فتظهر عالمة نصبه على آخره.
نأتي اآلن للقسم الثاني من النواسخ؛ ونحن عرفنا في بداية الحديث عن
النواسخ أنها عبارة عن أشياء تدخل على جملة المبتدأ والخبر فتنسخ حكمهما،
ونحن عرفنا أن حكمهما هو الرفع ،فإما أن تنسخ حكم الثاني ،وإما أن تنسخ
حكم األول ،أو تنسخهما معا ،قد تقدم اآلن الحديث عما ينسخ حكم الثاني وهو
الخبر فينصبه بعد أن كان مرفوعا وهي "كان وأخواتها" وما ألحق بها ،بقي
اآلن عكس ذلك وهو تلك النواسخ التي تدخل أيضا على المبتدأ والخبر فتنسخ
5/13
حكم المبتدأ األول ،وتبقي الخبر؛ بمعنى أنها تنصب المبتدأ بعد أن كان
مرفوعا وتبقي الخبر على رفعه ،وهذه هي التي تسمى "إن وأخواتها" وهي
حروف ،بخالف "كان وأخواتها" فإنها أفعال.
من المرغبات في حفظ األلفية أو حفظ على األقل ما كان مهما ومركزا من
أبيات األلفية لطالب العلم والحريصين على ذلك ،أذكر هنا بعض الشيء
مفيد ،وأنا ُأَذ ِّك َر به بين الحين والحين فأرجو أال أثقل به على اإلخوة أقول:
«إن ألفية ابن مالك» هي من المتون المتميزة وعناية العلماء بها ما جاءت
لمجرد أنها اشتهرت ،ولكن أيضا لما فيها من مزايا ودقة وشمول ومقدرة
فائقة عند الناظم -رحمه اهلل -في أن يجمع القاعدة مع الحس الشعري الجيد،
فإنه قلما تجد نظما يجمع بين أشتات العلم وفي الوقت نفسه روح الشاعر أو
المقدرة (مقدرة الصياغة) الشعرية الجيدة ،أنا ال أقول :إنه ينبغي على طالب
العلم أن يحفظ أبيات األلفية كلها وإن كان هذا أمرا جيدا ومطلوبا ،لكن أقول
على األقل ُتحفظ تلك األبيات الحاصرة والمفيدة من ألفية ابن مالك ،يعني هنا
مثال في هذا الباب ابن مالك ...وإن كنا ال نشرح نحن ألفية بن مالك ،ولكن
ذكرها هنا مفيد؛ ألنه فيه ترغيب في هذه القضية ،ابن مالك لما وصل إلى
الحروف الناسخة وقد كان قد شرح األفعال الناسخة كما نحن فيه اآلن وهي
"كان وأخواتها" قال:
الحروف الناسخة ستة« :إن وأن وليت ولكن ولعل وكأن» ،التي نحن اآلن
بصددها ستة فقط ،هو اآلن يريد أن يبين للطالب الحروف الناسخة ،ويبين
عملها في بيت واحد ،فجمعها وذكر عملها ،بدل أن يقول إنها تدخل على
المبتدأ والخبر فتنصب المبتدأ وترفع الخبر ،اختصر ذلك وقد ذكر أن كان
ترفع االسم وتنصب الخبر ،قال هي بعكسها:
إلَّن أَّن ليت لكَّن لعل *** كأن عكس ما لكان من عمل
أي عكس ما قلناه في عمل "كان" فتلك ترفع ثم تنصب ،وهذه تنصب ثم ترفع.
ثم ذكر بيتا ثانيا بعده جمع فيه ثالثة أمثلة لثالثة أحرف ناسخة بأسمائها
وأخبارها معربة في شيء يشبه القصة ،وهو بيت واحد فقال:
مَّثل لـ "إن" :زيدا عالم؛ إن واسمها وخبرها ،ثم مثل لـ "أن" :عالم بأني ،مع
اسمها وخبرها ،ومثل لـ "لكن" مع اسمها "ولكن ابنه ذو ضغن" أيضا مع
اسمها وخبرها فيما يشبه القصة .يقول :زيد ...لعله جاء لزيد هذا ليطلب منه
طلبا أو يحتاج منه حاجة وقد كاد زيد أن يوافق له ،ولكن تدخل االبن في
وسط القضية فأبطل وأفسد المشروع فقال :إن زيدا عالم بأني كفء لهذا الذي
طلبته منه ،ولكن ابنه صاحب حقد وأبطل األمر ،فلعله وشى بشيء أو ذكر
عيبا من العيوب تبطل ما أراد فأفسد عليه ما أراده.
الشاهد في هذا أن ابن مالك جمع في هذا البيت ثالثة حروف ناسخة مع
أسمائها وأخبارها ،وقد نصبت االسم ورفعت الخبر في مثل هذا الربط
السريع" ،كإن"" :ك" حرف تشبيه" ،إن زيدا عالم" :إن مع اسمها زيد
منصوب وعالم خبرها" ،بأني كفء" أن مع اسمها ياء المتكلم وكفء خبرها،
"ولكن ابنه ذو ضغن" :لكن مع اسمه ابن منصوب ،وخبره ذو المرفوع
وعالمة رفعه الواو ألنه من األسماء الستة.
أعود فأقول :إن هذه األحرف الناسخة الستة" :إن وأن وليت ولكن ولعل
وكأن" تدخل على الجملة االسمية المكونة من مبتدأ وخبر فتنسخ حكم المبتدأ،
فال يعود مرفوعا بل ينصب ،وتبقي الخبر على حاله مرفوعا ،ولكن يتغير
اسمهما في اإلعراب كما تغير اسم معموَلي كان وأخواتها ،فيصبح المبتدأ بعد
6/13
"إن" اسما لـ "إن" منصوبا ،ويصبح الخبر خبرا لها ويبقى على رفعه؛ أي
يبقى مرفوعا ،ونقول :إن الذي نصب االسم ونصب الخبر هو الحرف الناسخ
نفسه.
كما ذكرت من قبل ،هذه حروف وكان وأخواتها أفعال ،هذا فرق ظاهر بِّين
إال ما حمل على كان وأخواتها من مثل "ما" و"الت" ...إلى آخره .فهذه
حروف ولكنها عملت عمل األفعال الناسخة لمشابهتها إياها في النفي ،هكذا
التمس العلماء الحكمة ،واألصل أن العلماء وجدوها تعمل هذا العمل فالتمسوا
لها مثل هذه الحكمة.
الحروف الناسخة الستة ليس المتكلم مخير أن يأتي بأي واحدة منها في أي
وقت شاء أو ألي جملة أو لمعنى واحد؛ ألن كل واحد من هذه األحرف له
معنى ،ولذلك فإن المتكلم إذا أراد أن يؤدي معنى من المعاني أتى بالحرف
الذي يمثله ،فلكل حرف منها إن وأن لها معنى ،وليت لها معنى ،ولعل لها
معنى ،وكأن لها معنى ،ولكن لها معنى ،فلكل واحد منها معنى يأتي به المتكلم
للداللة عليه ،وهذا يختلف عن استعمال –مثال -مجموعة من األفعال الناسخة
التي سبق ذكرها بمعنى واحد ،كاستعمالها بمعنى "صار" فإنها تعمل عمال
واحدا وتؤدي معنى واحدا في ذلك الوقت ،أما هنا فكل واحد منها يؤدي معنى
يختلف عن اآلخر ،وإن تشابهت في العمل.
يقول :هناك من يعرب "إذا" بقوله :إذا ظرف لما يستقبل من الزمان متضمن
معنى الشرط ،منصوب بجوابه ،خافض لفعله .ما المقصود بقولهم :منصوب
بجوابه خافض لفعله؟
هم يقصدون أنه إذا قلت مثال" :إذا قام زيد قام عمرو"" ،إذا" ظرف فهو اسم،
واألسماء إذا وقعت بعدها جملة فإن هذه الجملة تكون في محل جر مضاف
إليه ،فهو خافض لشرطه بمعنى أنه مضاف إلى شرطه ،فجملة الشرط في
محل جر مضاف إليه بإضافة الظرف إليها وهو "إذا" .وقولهم :إنه منصوب
بجوابه ،ألنك إذا قلت" :إذا جاء زيد أكرمتك" ،التقدير" :أكرمك إذا جاء زيد"،
"إذا" ظرف ،أي في الوقت الذي يجيء فيه زيد أكرمك ،فنحن نقول :متى
تكرمه؟ في ذلك الوقت ،فأصبح الظرف ظرف زمان منصوب ،ما الذي
نصب هذا الظرف؟ جواب الشرط ،أو ما هو في معنى جواب الشرط وإن لم
يكن مجزوما .في قولك :أكرمتك ،فالذي جزمه هو فعل جواب الشرط في
جملة الجواب؛ ألنه متعلق به.
يقولون :إن الجار والمجرور والظرف الذي ينصبها هو الفعل الذي تعلقت به،
أنت إذا قلت :مررت بزيد" ،بزيد" جار ومجرور ،هي معمولة أي أنها في
محل نصب ،ما الذي عمل فيها؟ الفعل "مررت" ألنها مرتبطة به "بزيد" ما
به زيد؟ تقول" :مررت" .كذلك إذا قلت :جئت اليوم" ،اليوم" ظرف ،ما الذي
نصبه؟ الفعل "جئت" ،ألنه ما الذي حصل اليوم؟ "المجيء" ،فالفعل الذي...
أو الحدث الذي وقع في الزمان المذكور "الظرف" ،وقع في ذلك الظرف ،أو
تعلق به الجار والمجرور هو الذي عمل فيه ،هنا في قولك :إذا جاء زيد
أكرمتك ،الذي يحصل أن الوقت الذي يجيء فيه زيد متعلق بالجواب
"اإلكرام"؛ ألن اإلكرام يكون في هذا الوقت ،ولذلك قيل إنه منصوب بجوابه؛
أي أن "إذا" الظرف ال يتم معناه إال عندما ُيتصور جوابه ،وحينذاك هو الذي
عمل فيه وهذا معنى قولهم :إن أشباه الجمل هي ال بد أن تتعلق بشيء يعملوا
فيها.
7/13
المفعول به من وقع عليه الفعل ،وهو اآلن ال يقول إنه إذا أعجبه ....ألن
"أعجب" أصال ال يمكن أن تأتي على الدهر أو أنه قد وقع عليه اإلعجاب،
والمفعول به هو من وقع عليه الفعل ،ولكن المقصود "في الدهر" ،فالدهر هنا
ظرف زمان ،كما أنك إذا قلت :إذا جئت اليوم أي في هذا اليوم ،ومن ثم فإنا
نقول إن "الدهر" ظرف زمان منصوب وعالمة نصبه الفتحة الظاهرة على
آخره.
أقول :إن األحرف الناسخة هذه األحرف الستة كل واحد منها يؤدي معنى؛
يشترك الحرفان األوالن "أَّن وإَّن " ،المفتوحة الهمزة والمكسورة الهمزة ،طبعا
هم يقولون :إن أم الباب هي "إَّن " كما أن أم الباب في األفعال الناسخة "كان"؛
ألنها أكثرها استعماال ،فلذلك نقول :إن الحرفين "إن وأن" يشتركان في معنى
واحد وهو التوكيد ،وإن اختلفا في وضعهما وطريقة صياغة الجملة معهما،
نقول :إن "إن وأن" يأتيان للتوكيد .مثال :تأتي بجملة المبتدأ والخبر تقول:
الجو باردُ ،تدِخ ل "إن" تقول :إن الجو بارد ،أنت اآلن لم تفد معنى جديدا،
ولكنك أكدت المعنى الموجود في المبتدأ والخبر؛ ومن ثم فإنا نقول :إن المبتدأ
والخبر لم ُيَض ف إليهما شيء جديد بإضافة الحرف الناسخ ،ولكن ُأكد معناهما.
إذن الحرف الناسخ "إن وأن" يضيفان إلى الجملة التوكيد وال يضيفان معنى
جديدا إليها .ونحن نعرف أن التوكيد أحيانا يكون مقصد من مقاصد المتكلم
البليغ ،ألنه يريد أن يزيد المعنى تقريرا في ذهن السامع ،وبالذات إذا كان
السامع مترددا أو منكرا ،فإنه يضيف له من المؤكدات ما يدفع عنه تردده أو
إنكاره.
أقول :فأنت عندما تقول" :إن زيدا قائم" أو تقول :بلغني أو "أعجبني أن زيدا
قائم" ،فأنت استعمالك "إلن وأن" كالهما ال يغير في معنى الجملة ولكنه
يؤكدها ،لكن لعل الواحد منا قد تنبه لشيء وهو أني في األولى قلت :إن زيدا
قائم ،وفي الثانية قلت :أعجبني أن زيدا قائم.
فعندما استعملت مكسورة الهمزة "إن" جئت بها في أول الكالم ،وعندما
استعملت المفتوحة الهمزة "أن" ذكرت كالما قبلها ،وهذا الفرق بين استعمال
الحرفين" :أن" مكسورة الهمزة تأتي في أول الكالم بينما مفتوحة الهمزة ال بد
أن يسبقها كالم ،وإال فهما يشتركان في المعنى والعمل ،المعنى :هو التوكيد
والعمل :هو نسخ -كما رأينا نسخ -حكم المبتدأ الذي هو الرفع.
الحرف الثالث بعد "إن وأن"" ،لكن" .لكن هذا الحرف هو حرف يقول
العلماء :إنه حرف استدراك؛ ومعنى االستدراك :هو أن تتذكر أيها المتكلم
شيئا فتريد أن تقف عنده أو تنبه إليه ،كيف ذلك؟ إذا كنت تكلمت بكالم ثم
تخشى أن يكون السامع قد فهم شيئا فتستدرك لتوضح مسألة ،والقصد من
خشية أن يكون المتكلم قد فهم شيئا أنه ربما يكون كالمك السابق يوحي بهذا
الشأن.
مثال ،أنت عندما تقول :زيد عالم ،يفهم اآلن السامع أن هذا الرجل فيه خصال
الخير ،فربما يتوقع أيضا أنه عنده من الصفات األخرى ما لم تذكره أيضا،
وأنت تعرف أن عنده صفات ليست بالطيبة ،فتريد أن تنبه إليها وتستدرك
فتقول :لكنه فاسق ،فهذا معنى االستدراك ،االستدراك هو :أن تعقب الكالم
برفع ما يتوهم ثبوته ،أو أن تعقب الكالم بإثبات ما يتوهم نفيه ،األولى
وضحت من المثال األول.
الثانية :أن تعقب الكالم بإثبات ما يتوهم نفيه ،أنت عندما تقول :فالن –مثال-
بخيل فيتوهم أنه أيضا فيه الصفات السيئة األخرى فيقال هو جبان مثال وأنت
تعرف أنه ليس كذلك فتعقب وتقول :لكنه شجاع ،إذن تعقيب الكالم برفع ما
يتوهم ثبوته أو إثبات ما يتوهم نفيه من خالل الكالم السابق هو االستدراك،
هذا معنى قولنا :لكن ،فالمثال الذي ذكرته اآلن في قولي :زيد عالم لكنه فاسق،
أو أن أقول :ما زيد شجاع ،لكنه كريم ،فعندما قلت :ما زيد شجاع ،ظن الظان
أنه مع جبنه هو بخيل ،فعقبته واستدركت في الكالم وقلت :لكنه كريم.
8/13
هذا معنى االستدراك ،وهو كما ذكرته أن يعقب الكالم برفع شيء يتوهم
السامع ثبوته من الكالم السابق ،أو إثبات شيء يتوهم السامع نفيه من خالل
الكالم السابق فتستدرك وتعقب بمثل هذا العمل.
وبالنسبة لإلعراب واضح األمر في قولنا :لكنه كريم" ،لكن" حرف ناسخ
والهاء اسم لكن منصوب ضمير متصل في محل نصب اسم لكن ،و"كريم"
خبرها مرفوع وعالمة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
تقول :قال تعالىُ? :قْل َناُر َج َه َّنَم َأَش ُّد َح ًّر ا َّلْو َك اُنوا َيْفَقُهوَن ? ،ما الحكم في
"أشد" التي هي اسم تفضيل ،ما الحكم فيها؟
لعلها تسأل عن اإلعراب ،واإلعراب فيا واضح" :النار" مبتدأ وهو مضاف،
و"جهنم" مضاف إليه مجرور وعالمة جره الفتحة ألنه ممنوع من الصرف،
و"أشد" خبر مرفوع وعالمة رفعه الضمة الظاهرة على آخره ،وهو أيضا
ممنوع من الصرف للوصفية ووزن الفعل.
يقول :كذلك عندي سؤال عن "جهنم" يا شيخ -أعاذنا اهلل منها -هنا تقول :هل
لفظ جهنم ممنوع من الصرف ولماذا؟
قالوا :إن العلمية والتأنيث هما األظهر يعني في هذا ،ألنها اسم علم ،على
مكان معين ،عليها -أعاذنا اهلل منها -وأيضا التأنيث فيها ،ونحن نعرف أنه إذا
اجتمع علتان من علل تسع أو علة واحدة قوية تقوم مقام العلتين منع االسم من
الصرف ولذلك قال اهلل تعالىُ? :قْل َناُر َج َه َّنَم ? ،ولم يقل نار جهنٍم ،ولو كانت
مصروفة لجرها بالكسرة ،فجرها بالفتحة دليل على أنها ممنوعة من
الصرف ،وقد ذكرت علة منعها من الصرف.
األداة :هي كل ما يعمل سواء كان حرفا أو اسما أو فعال ،فقد نقول :أدوات
الشرط وهي تشمل حروفا وأسماء ،وقد نقول أو نسمي النواسخ أدوات مثال
وهي تشمل أفعاال ناسخة وتشمل حروفا ناسخة ،فاألداة في األصل أعم تشمل
كل ما يؤدي إلى شيء؛ أي كل ما يعمل ،لكن عندما نقول الحروف الناسخة
فإنا نخصص القصد "بإن وأخواتها" .فلذلك قولنا األحرف الناسخة أو قولنا
مثال حروف الجزم ،أو حروف الشرط أكثر حصرا من قولنا أدوات.
العلماء قالوا :إنه ما صدر بأب أو أم أو ابن أو بنت ،لكنه ليس على سبيل
الوصف ولكن على سبيل التسمية العلمية ،يعني ليس المقصود بها أن تصف
فالن بأنه ابن فالن ،ولكن اشتهر بين الناس أنه بتسميته ابن فالن ،عندما يقال
مثال :ابن مالك ،اآلن أنت فقط تنسبه إلى والده ،ألن أصله هو محمد بن عبد
اهلل ،ليس والده مالكا ،لكن هو اشتهر بهذه التسمية فهذه كنية حينذاك ،لكن إذا
وصفته قلت :هذا محمد بن عبد الرحمن ،هذه ليست كنية له ،ألنك تصفه
وصفا بها ،فالكنية شرطها أن تقوم مقام العلم ،بمعنى أنه يكون اشتهر بها ،هذا
شرط التكنية بها ،وهذا قد شمل عند العلماء باألصل األب واألم ،أبو فالن وأم
فالن ،وأيضا حملوا عليه بنت فالن وابن فالن إذا قامت مقام العلم؛ أي إذا
صارت ...عرف بها ،وعرف بهذا االسم.
الحرف الرابع من الحروف الناسخة هو "كأن" وكأن أيضا يعمل عمل "إن"
فيدخل على جملة المبتدأ والخبر فينصب االسم ويرفع الخبر ،لكن الفرق
بينهما المعنى الذي تؤديه "كأن" .نحن عرفنا أن الحروف الناسخة ميزتها أن
كل حرف منها يؤدي معنى مستقال وإن تساوت في العمل" ،كأن" معناها
األصلي هو التشبيه ،عندما تقول" :كأن زيدا أسٌد " أي أنك تشبهه به في
الشجاعة ،فـ "زيدا" اسمه منصوب وعالمة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره،
و"أسد" خبره مرفوع وعالمة رفعه الضمة الظاهرة على آخره ،هذا هو
األصل في استعمال كأن ،وقد تستعمل للظن؛ فعندما تقول" :كأنك مريض"
يعني أظنك كذلك ،أنت ال تشبهه بالمريض ،ولكنك تقول أتوقع كذلك" ،كأن
9/13
الجو بارد"" ،كأن فالن حصل له كذا" ،كأنك تبين ظنك لهذا الشيء تستعمل
للتشبيه وتستعمل للظن ،والذي يفرق بين االثنين هو السياق والمقام ،فإذا كان
المقام مقام تشبيه حملت على التشبيه ،وإذا كان المقام مقام ظن حملت على
الظن فيهما.
كأن :يا شيخ محمد مكون من حرفين :حرف للتشبيه الكاف ،والتوكيد؟
قال بعض العلماء –نعم :-كأن تؤدي تشبيها مبالغا فيه أكثر من "الكاف" فأنت
عندما تقول" :محمد كزيد" وقولك" :كأن محمدا زيد" أكثر مبالغة وقوة فيها،
ألن "كأن" فيها حروف أكثر ،وفيها إضافة حرف توكيد وهو "أن" والعلماء
قد اختلفوا فيها فمنهم من قال :إنها عبارة عن -كما ذكرت اآلن عبارة عن-
حرفين :حرف التشبيه مع أن المؤكدة ،ومنهم من قال هي برمتها تؤدي معنى
التشبيه المؤكد دون تفريق ،فال يقال هذا .وما دامت تؤدي المعنيين فحملها
على أنها مركبة من حرفين أولى وأوجه ،وعلى كل حال هي تؤدي معنى
التشبيه والتوكيد جاء من زيادة األحرف ،أو من استعمال "أن" فيها األمران
سواء ،ألن زيادة المبنى أيضا تؤدي إلى زيادة في المعنى.
الحرف الخامس :هو "ليت" وهو الحرف قبل األخير من الحروف الناسخة،
و"ليت" حرف من الحروف الناسخة ،فينصب االسم ويرفع الخبر ،لكنهم قالوا
معناه هو التمني؛ والتمني يأتي عند العرب على نوعين :إما أن يطلب أو
يرجى أو يرغب في الشيء الذي ال يمكن حصوله ،أو الشيء الذي يمكنه
حصوله ولكنه فيه عسر ،عندما يقول أبو العتاهية:
أال ليت الشباب يعود يوما *** فأخبره بما فعل المشيب
يقول هذا الكالم شيخ قد شاب فنقول :إنه يتمنى شيء ال يمكن حصوله ،يطلب
شيئا ال يمكن حصول ،ولذلك نقول :إن التمني هنا هو طلب الشيء مستحيل
الحصول ،وهذا هو األكثر في استعمال ليت في التمني؛ أن األصل فيها أن
يكون للشيء الذي ال يمكن حصوله ،لكنه يستعمل في ما هو دون ذلك ،عندما
يقولَ? :يا َلْيَت َلَنا ِم ْثَل َم ا ُأوِتَي َقاُر وُن ? ،يا ليت لي ماال عندما يقول الفقير
المعدم :يا ليت لي ماال كثيًر ا ،يا ليت لي قنطارا من الذهب وهو ال يملك إال
القليل ،نقول :هذا ليس بعزيز على اهلل ،لكنه عقال بعيد الحصول؛ ألنه ال
يتحقق حصول هذا للغني ،أما الفقير فإن هذا بعيد الحصول عنه ،كال األمرين
يسمى تمنيا عند العرب؛ أي طلب الشيء المتعسر أو المتعذر ،لكن استعماله
المتعذر غير الممكن المستحيل أكثر ،ومن هنا أنا أنبه على أمر لطيف ومفيد،
وهو من األمور التي شاعت عند الناس ويحسن التنبيه إليها ،أنهم يستعملون
كلمة أتمنى هذه في األمور المطلوبة المحبوبة المرجوة فيقول :أتمنى أن
أصبح طبيبا ،وأتمنى أن تكون بخير ،وأقول :إن األصل في التمني عند
العرب؛ هو طلب الشيء إما المستحيل المتعذر ،أو البعيد المتعسر .ولذلك أنت
عندما تقول :أتمنى كذا كأنك تتكلم عن شيء لن يحصل أو سيحصل بعسر،
كأن يقول أرجو وآمل ،ولذلك ال يقال :ما أمنياتك يا فالن ،ولكن يقال ما
آمالك .ألن التمني في األصل في استعمال العرب هو للشيء في معظمه
للمستحيل أو للشيء الذي يمكن ولكنه بعسر ومشقة .ولذلك الرجاء واألمل هو
مقام هذا ،فيقال :أمنية فالن أو رجاؤه أو آمل أن يحصل لك كذا ،أو أرجو أن
يحصل كذا ،وال أقول :أتمنى أن يحصل كذا ،ألن التمني في األصل عند
العرب هو لهذين االستعمالين :الشيء المتعذر مطلًقا ال يمكن ،أو المتعسر
الذي يحصل ولكن فيه عسر وفي حصوله عسر.
ولذلك يقولون :الترجي هو توقع الشيء القريب المحبوب ،عندما يكون الشيء
قريب الحصول وهو محبوب إلى النفس تستعمل معه أسلوب الترجي ،هذا هو
أسلوب الترجي ،وحرفه هنا في الحروف الناسخة هو "لعل".
10/13
أنت عندما تقول" :لعل اهلل يرحمني" أي أني أرجو ذلك وهو قريب -إن شاء
اهلل تعالى -واهلل -سبحانه وتعالى -هو خير مأمول ،هنا يكون هذا أسلوب
ترجي ،بعض العرب ...أحيانا العرب تستعمل "لعل" في معنى آخر غير
الترجي؛ وهو ما يسمونه اإلشفاق؛ واإلشفاق هو :خوف الشيء المكروه،
عندما تقول :لعل زيدا هالك ،أي أخاف أن يكون هلك ،أخشى أن يكون كذلك،
هذا استعمال من استعماالت العرب ولكنه قليل ،واألكثر في استعمال لعل أن
يكون لما ذكرناه منذ قليل طلب حصول الشيء القريب المحبوب وهو الترجي
لكن استعمال لعل لإلشفاق وهو خوف حصول الشيء المكروه وارد عن
العرب ولكنه قليل.
ذكر بعض العلماء أيضا أن مما تأتي له "لعل" وإن كان قليال ،وهذا رأي
لبعض العلماء في تفسير قول اهلل -سبحانه وتعالىَ? :-فُقوَال َلُه َقْو ًال َّلِّيًنا َّلَع َّلُه
َيَتَذَّك ُر َأْو َيْخ َش ى? ،خطاب اهلل -سبحانه وتعالى -إلى موسى وهارون" ،فقوال
له" أي لفرعون" ،قوال لينا لعله يتذكر أو يخشى" .قالوا التفسير التقدير قوال
له ذلك تفسير اآلية؛ "كي يتذكر" فأفادت "لعل" هنا التعليل؛ أي علة طلب
القول اللين والكالم اللين له حصول التذكر والخشية ،وعلى كل حال فهذا رأي
حسن ولكنه يمكن أن يحمل أيضا على الرجاء وهو طلب الشيء ممكن
الحصول والقريب الحصول ،وحينذاك ال يحتاج إلى هذا المعنى وإذا حمل هذا
المعنى فهو معنى حسن ،لكن -كما قلت -هو استعمال قليل حتى لو أثبت أو
حمل عليه معنى اآلية ،ولكن االستعمال األكثر لـ "لعل" هو أن تكون للترجي.
تقول :هل تختص "ما" الحجازية بهذه التسمية في حال عملها فقط؟ في قول
اهلل تعالىَ? :وَم ا ُمَح َّم ٌد ِإَّال َر ُس وٌل َقْد َخ َلْت ِم ن َقْبِلِه الُّر ُس ُل ? بأن "ما" هنا يعني
تسميتها بالحجازية ليست صوابا؟
المقصود بـ "ما" الحجازية هي "ما" العاملة عمل "ليس" فإذا لم تعمل لم تكن
هي "ما" الحجازية ،ولذلك نقول هي العاملة عمل األفعال الناسخة المحمولة
عليها.
يقول :أين خبر "ليت" في قولهَ? :يا َوْيَلَتى َلْيَتِني َلْم َأَّتِخ ْذ ُفَالًنا َخ ِليال?؟
اإلعراب الكامل:
"ليت" هنا حرف ناسخ" ،والنون" نون الوقاية" ،الياء" ياء المتكلم ضمير
متصل مبني على السكون في محل نصب اسم ليت ،جملة "لم أتخذ فالنا
خليال" هي جملة خبر ليت في محل رفع تعرب "لم" حرف جزم" ،أتخذ" فعل
مضارع مجزوم وعالمة جزمه السكون ،الفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره
أنا" ،فالنا" مفعول به أول منصوب وعالمة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره،
"خليال" مفعول به ثاني أيضا منصوب وعالمة نصبه الفتحة الظاهرة على
آخره ،والجملة الفعلية في محل رفع خبر ليت.
تقول :هل األحرف الناسخة تسمى األحرف المشبهة للفعل؟ يسأل عن سبب
تسميتها؟
هم قالوا :إن األصل في العمل هو لألفعال ،واألحرف محمولة عليها ،فإذا
عملت األحرف فكأننا شبهناها باألفعال في هذه ولذلك قيل إنها مشبهة بها.
يقول :في قول اهلل تعالىِ? :إَّنا َنْح ُن َنَّز ْلَنا َع َلْيَك اْلُقْر آَن َتْنِز يال? ،أريد الخبر؟
وإذا كان فيه رفع؟
بلى
األمر اآلخر :أيهما أفصح :أقول :أفيدكم بأننا ،أم أفيدكم بأنا؟
11/13
"إنا نحن نزلنا" هذه "إن" أصله "إننا" خففت بدمجها؛ توالي ثالث نونات ،ألن
النون المشددة ومعها "نا" فـ "نا" الفاعلين هي اسم "إن"" ،نحن" على الرأي
األصوب فيها أنها ضمير فصل ،إن أعربتها مبتدأ وصارت "نزلنا" الجملة
الفعلية هي الخبر ،قلت :الجملة االسمية "نحن نزلنا" في محل رفع خبر "إن"،
وإن جعلتها "نحن" ضمير فصل عماد ال عمل له فالجملة الفعلية هي الخبر،
والتقدير" :نزلنا هذه" نزل فعل ماض ،والفاعل "نا" والقرآن مفعول ،والجملة
الفعلية في محل رفع خبر إن ،فأنت بالخيار أن تجعل الجملة اسمية باستعمال
ضمير الفصل مبتدأ ،أو تجعل ضمير الفصل مجرد عماد ال عمل له وتكون
الجملة الفعلية هي الخبر.
األصل فيها أن "أفيد" تتعدى بنفسها فنقول" :أفيدكم أننا" ال داعي أصال
الستعمال الباء فيها ،وإذا قلت :أننا أو أنا فاألمر فيهما سواء ،فالعرب تخفف
هذه بإثبات النون أو بحذفها.
السؤال األول:
والسؤال الثاني:
12/13
أرسل لصديق
أضف عرض أضف
تعليقًا التعليقات تعليقًا
اضف إلى
المفضلة
13/13