You are on page 1of 12

‫قال الشارح رمحه اهلل‪:‬‬

‫«﷽‬

‫احلمد هلل الواجب وجوده‪ ،‬املمتنع نظريه‪ ،‬املمكن سواه وغريه‪ ،‬الصادر باختياره رشه وخريه‪ ،‬وصالته عىل سيدنا‬

‫حممد الذي انترش به هنيه وأمره»‪.‬‬

‫قال رمحه اهلل‪( :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم) ابتدأ الشارح –رمحه اهلل ونفعنا بعلومه يف الدارين‪ -‬رشحه‬

‫بالبسملة وذلك لعدة أمور‪:‬‬

‫ا‬
‫امتثاًل بحديث النبي × «كل أمر ذي بال ًل يبدأ ببسم اهلل فهو أبرت أو أجزم أو أقطع» روايات‪ ،‬أي‪ :‬ناقص‬ ‫‪-1‬‬

‫وقليل الربكة‪.‬‬

‫‪ -2‬واقتداء بالكتاب العزيز يف ابتدائه هبا‪.‬‬

‫‪ -3‬وعمال بام شاع بني املؤلفني‪ ،‬بل وكأنه وقع عليه إمجاع املصنفني‪.‬‬

‫والبسملة تتكون من‪:‬‬

‫‪ -4‬الرمحن الرحيم‪.‬‬ ‫‪ -3‬اهلل‪.‬‬ ‫‪ -2‬اسم‪.‬‬ ‫‪ -1‬باء اجلر‪.‬‬


‫وسوف نتكلم عن كل واحد منها بيشء من التفصيل يناسب املرحلة التي نحن بصددها‪.‬‬

‫أول ًا‪ :‬الكلام عن «باء» البسملة‪:‬‬

‫اعلم أن الباء من حروف املعاين‪ ،‬وقد ذكر العلامء هلا معان كثري كاًلستعانة واملصاحبة والتعدية‪...‬إلخ ما‬

‫هو مبسوط يف كتاب النحو كمغني اللبيب عن كتب األعاريب ًلبن هشام األنصاري‪.‬‬

‫وقد اختلف العلامء يف «باء» بسم اهلل عىل قولني‪:‬‬

‫‪ -1‬إما أهنا للمصاحبة عىل وجه التربك‪ ،‬أي‪ :‬أبدأ مستصح ابا اسم اهلل‪.‬‬

‫واملصاحبة‪ :‬انضامم يشء ليشء آخر انضام اما يقتيض تالزمهام فيام يقع عليهام أو منهام‪.‬‬
‫وهلا عالمتان‪:‬‬

‫‪ -‬أن حيسن يف موضعها «مع»‪ ،‬مثل‪ :‬قوله تعاىل‪( :‬اهبط بسالم) أي‪ :‬مع سالم‪.‬‬

‫مسلام‪.‬‬
‫ا‬ ‫‪ -‬أن تغني عنها وعن مصحوهبا احلال‪ ،‬مثل‪ :‬قوله تعاىل‪( :‬اهبط بسالم) أي‪:‬‬

‫‪ -2‬وإما أهنا لالستعانة عىل وجه التربك‪ ،‬أي‪ :‬أبدأ مستعيناا باسم اهلل‪.‬‬

‫وباء اًلستعانة‪ :‬هي الداخلة عىل آلة الفعل وهي التي تسمى بباء اآللة نحو قطعت بالسكني‪.‬‬

‫واألأوىل جعلها للمصاحبة ألن جعلها لالستعانة فيه شبهة إساءة أدب‪ ،‬ألن باء اًلستعانة تدخل عىل اآللة‬

‫فيلزم عليها جعل اسم اهلل مقصو ادا لغريه ًل لذاته‪.‬‬

‫واعلم أن اجلر واملجرور ًلبد له من متعلق إليصال معنى الفعل إىل اًلسم‪ ،‬فحينام تقول‪« :‬بالسكني» ا‬
‫مثال‬
‫كامال إًل إذا جعلت اجلر واملجرور متعلق بـ «قطعت» ا‬
‫مثال‪ ،‬فحينام تقول قطعت بالسكني‬ ‫فإنك ًل تفهم املعنى ا‬

‫ظاهرا ‪ ،‬وعليه فام متعلق بسم اهلل؟‬


‫ا‬ ‫يكون املعنى‬

‫متعلق «بسم اهلل» مقدر‪ ،‬هذا املقدر إما أن يكون‪:‬‬

‫خاصا‪.‬‬
‫عاما أو ا‬
‫ا‬ ‫‪-‬‬ ‫مؤخرا‪.‬‬
‫ا‬ ‫مقدما أو‬
‫ا‬ ‫‪-‬‬ ‫اسام أو ا‬
‫فعال‪.‬‬ ‫ا‬ ‫‪-‬‬
‫فاألوىل أن يكون ذلك املقدر ا‬
‫فعال؛ ألن الفعل هو األصل يف العمل‪.‬‬

‫مؤخرا »‪ ،‬ألنه أدخل يف التعظيم وألنه اهلل مقدم ذاتاا فوجب تقديمه‬
‫ا‬ ‫واألوىل أن يكون ذلك الفعل املقدر «‬

‫ذكرا‪ ،‬وألن تقديم املعمول يفيد اًلختصاص‪.‬‬


‫ا‬

‫خاصا» داًل عىل نوع الفعل الذي يقوم به املرء‪ ،‬إذ أن كل فاعل‬
‫واألوىل أن يكون هذا الفعل املقدر املؤخر « ا‬
‫يضمر ما جعل التسمية مبدأ له‪ ،‬فإن املسافر إذا حل أو ارحتل قال‪« :‬بسم اهلل» أي‪ :‬بسم اهلل أحل وبسم اهلل‬

‫أرحتل‪ ،‬فال يقصد بسم اهلل أبدأ؛ ألن البدأ عام‪ ،‬واحلل أو اًلرحتال خاص‪.‬‬

‫وعىل هذا فالتقدير بناء عىل أن املقدر فعل مؤخر خاص هو‪ :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم أؤلف‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الكلام عن «اسم»‪:‬‬


‫تاما أو غري تام‪ ،‬واملراد هنا‪:‬‬ ‫اسام أو ا‬
‫فعال أو حر افا أو مرك ابا ا‬ ‫اًلسم لغة‪ :‬اللفظ املوضوع مطل اقا سواء كان ا‬
‫رشعا إما بطريق اًلسمية أو بطريق الوصفية‪.‬‬
‫كل ما يصح إطالقه عىل اهلل تعاىل ا‬

‫وهو مشتق عند البرصيني من «السمو»‪ ،‬وهو‪ :‬العلو؛ ألنه يعلو به مسامه‪ ،‬وعند الكوفيني من « أو أس أم»‬

‫املايض‪ ،‬أي‪ :‬أع أل أم‪ ،‬وذلك ألن اًلشتقاق عندهم من األفعال‪.‬‬

‫واملختار هو رأي البرصيني‪ ،‬وهو من األسامء التي حذفت أعجازها لكثرة اًلستعامل وبنيت أوائلها‬

‫عىل السكون وادخل عليها مهزة الوصل‪.‬‬

‫فأصله كام اخرتانا «سمو» حذف العجز «الواو» فأصبحت «سم» فبني أوهلا عىل السكون فصارت « ْسم»‪،‬‬

‫والقاعدة تقول ًل يبتدأ بالساكن‪ ،‬فأدخلت عليها مهزة الوصل التي توصلنا للنطق بالساكن فأصبحت «اسم»‪.‬‬

‫ويف اسم عرش لغات نظمها بعضهم‪:‬‬

‫سم وسام واسم بتثليث أول ‪ ...‬هلن سامء عارش متت انجيل‬

‫فإن قيل‪ :‬ما رس التطويل يف باء «بسم»؟‬

‫نقول‪ :‬تطويل الباء يف الكتاب للتفخيم‪ ،‬والتعويض عن األلف املحذوفة عن اًلسم لف اظا وخ اطا املوصلة‬

‫للنطق بالسني الساكنة يف «اسم»‪.‬‬

‫فإن قيل‪ :‬ملاذا حذفت خ اطا ألف «اسم»؟‬

‫نقول‪ :‬حذفت لكثرة اًلستعامل‪ ،‬كام حذفت ألف الرمحن خ اطا‪ ،‬وعوض عنها بتطويل الباء‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬الكلام عن الله‪:‬‬

‫واهلل ‪ :‬علم عىل الذات الواجب الوجود املستجمع جلميع الصفات الكاملية‪.‬‬

‫هل اسمه «اهلل» هو اًلسم األعظم؟‬


‫مجهور العلامء عىل أن «اهلل» هو اًلسم األعظم‪ ،‬واختار النووي أنه «احلي القيوم»‪ ،‬واختار الرزاي أنه «هو»‪،‬‬

‫وقيل هو «رب» وقد ذكر احلافظ ابن حجر كالم العلامء يف تلك املسألة يف رشحه عىل صحيح البخاري‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬الكلام عن الرحمن الرحيم ‪:‬‬

‫«الرمحن الرحيم» صفتان مأخوذتان من الرمحة بمعنى‪ :‬اإلحسان أو إرادة اإلحسان‪ً ،‬ل بمعناها األصيل‬

‫الذي هو‪ :‬رقة يف القلب تقتيض التفضيل واإلحسان‪ً ،‬لستحالة ذلك يف حقه تعاىل‪ ،‬فـ «الرمحن الرحيم» يف حقه‬

‫بمعنى املحسن أو مريد اإلحسان‪.‬‬

‫و«الرمحن» بمعنى‪ :‬املحسن بجالئل النعم أي بالنعم اجلليلة أو أصول النعم كالوجود واإليامن والعافية‬

‫والرزق والعقل والسمع والبرص وغري ذلك‪.‬‬

‫و«الرحيم» بمعنى املحسن بدقائق النعم‪ ،‬أي‪ :‬النعم الدقيقة أو فروع النعم‪ ،‬كاجلامل وزيادة اإليامن ونقصه‪،‬‬

‫ووفور العافية‪ ،‬وسعة الرزق‪ ،‬ودقة العقل‪.‬‬

‫و«الرمحن» أبلغ من «الرحيم» ألن زيادة املبني تدل عىل زيادة املعنى غالب اا‪ ،‬واألول خمتص به تعاىل بخالف‬

‫الثاين فإنه يطلق عىل غريه سبحانه كام يف قوله (باملؤمنني رؤوف رحيم)‪ ،‬وإنام مجع بينهام‪ ،‬إشارة إىل أنه ينبغي أن‬

‫يطلب منه تعاىل النعم احلقرية كام ينبغي أن يطلب منه النعم العظيمة ألن الكل منه وحده سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫فإن قيل‪ :‬ملاذا قدم «الرمحن» عىل «الرحيم»؟‬

‫قلنا‪ :‬ألن الرمحن متعلق بالنشأة األوىل‪ ،‬بخالف الثاين فإنه متعلق بالنشأة األخرى‪.‬‬

‫قال –رمحه اهلل‪( -‬احلمد هلل الواجب وجوده‪ ،‬املمتنع نظريه‪ ،‬املمكن سواه وغريه‪ ،‬الصادر باختياره شره‬

‫وخريه)‪.‬‬

‫(احلمد) أتى الشارح باحلمدلة بعد البسملة ا‬


‫عمال بحديث النبي × (كل أمر ذي بال ًل يبدأ فيه باحلمد هلل‬

‫فهو أقطع) أي‪ :‬مقطوع الربكة‪ ،‬واقتداء بالكتاب العزيز‪.‬‬


‫أولا ‪ :‬تعر يف الحمد والشكر لغة وعرفًا‪:‬‬

‫الشكر عر افا‬ ‫الشكر لغة‬ ‫احلمد عر افا‬ ‫احلمد لغة‬

‫الثناء بالكالم عىل املحمود فعل ينبئ عن تعظيم املنعم فعل ينبئ عن تعظيم املنعم رصف العبد مجيع ما أنعم‬
‫منعام عىل اهلل به عليه إىل ما خلق‬
‫ا‬ ‫منعام عىل بسبب كونه‬
‫ا‬ ‫بسبب كونه‬ ‫بجميل صفاته‪.‬‬
‫ألجله‪.‬‬ ‫الشاكر أو غريه‪.‬‬ ‫احلامد أوغريه‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬اللام في الحمد ولله‪:‬‬

‫وًلم احلمد للجنس –كام هو خمتار الزخمرشي‪ -‬وهي‪ :‬الالم التي يشار هبا للحقيقة من حيث هي هي بغض‬

‫النظر عن األفراد‪ ،‬مثل قوهلم‪« :‬الرجل أقوى من املرأة»‪.‬‬

‫أو لالستغراق –كام هو خمتار اجلمهور‪ -‬وهي‪ :‬الالم التي يشار هبا للحقيقة ضمن مجيع األفراد التي يتناوهلا‬

‫اللفظ‪ ،‬مثل قوله تعاىل‪( :‬عامل الغيب والشاهدة)‬

‫والالم يف «هلل» لالستحقاق ‪ ،‬وًلم اًلستحقاق هي‪ :‬التي تقع بني اسم ذات واسم معنى‪.‬‬

‫فـ «احلمد» اسم معنى «واهلل» اسم ذات ‪-‬عىل ما سبق‪ -‬فيكون املعنى جنس احلمد من حيث هو‪ ،‬أو مجيع‬

‫أفراد احلمد مستحق هلل تعاىل‪.‬‬

‫وهاهنا أسئلة‪:‬‬

‫األول‪ :‬ملاذا بدأ بالبسملة واحلمدلة؟‬

‫بدأ الشارح –رمحه اهلل‪ -‬بالبسملة واحلمدلة‪:‬‬

‫‪ -1‬اقتدا اء بحديث النبي –صىل اهلل عليه وسلم‪( -‬كل أمر ذي بال ًل يبدأ فيه ببسم هلل فهو أقطع)‪ ،‬وحديث‬

‫(كل أمر ذي بال ًل يبدأ فيه بحمد هلل فهو أقطع)‪ ،‬ومعنى «ذي بال»‪ :‬أي صاحب حال بحيث هيتم به‬

‫أيضا أن ًل يكون‬
‫مكروها لذاته‪ ،‬ويشرتط ا‬
‫ا‬ ‫رشع اا‪ ،‬بحيث ًل يكون من سفاسف األمور‪ ،‬وليس حمر اما أو‬

‫حمضا‪ ،‬وًل جعل الشارع له مبدأ غري البسملة واحلمدلة‪.‬‬


‫ذكرا ا‬
‫ا‬
‫‪ -2‬واقتدا اءا بالكتاب العزيز يف ابتدائه هبام‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬كيف جياب عن ادعاء التعارض بني احلديثني؟‬

‫جياب بأنه ًل تعارض بني احلديثني إذا اًلبتداء حقيقي وإضايف‪:‬‬

‫فاًلبتداء احلقيقي هو ‪ :‬ما كان ساب اقا ومل يكن مسبو اقا بيشء‪ ،‬أو قل ‪ :‬ما ًل يتقدم عليه يشء‪.‬‬

‫واًلبتداء اإلضايف هو ‪ :‬ما يكون ساب اقا بالنسبة إىل املقصود وإن كان مسبو اقا بالنسبة إىل غريه‪.‬‬

‫وعليه فالبسملة هنا ابتداء حقيقي ألنه مل يتقدم عليها يشء بل جاءت أوًلا‪ ،‬واحلمدلة ابتداء إضايف ألهنا‬

‫متقدمة بالنسبة ملا للقصود‪ ،‬فاملقصود يف هذا الكتاب هو علم املنطق‪ ،‬فكل الكالم الذي قبل الرشوع يف‬

‫املقصود يعد ابتدا اء إضاف ايا فهو ابتداء بالنسبة ملا بعده‪ ،‬وإن كان مسبو اقا بالنسبة إىل البسملة‪.‬‬

‫فاًلبتداء أمر عريف ممتد من األخذ يف التأليف إىل الرشوع يف املقصود‪ ،‬وبذلك يرتفع توهم التعارض بني‬

‫احلديثني‪ ،‬يكون املصنف قد عمل هبام م اعا‪ ،‬كام أنه قد صح بني أرباب احلديث أن املقصود من الروايات كالمه‬

‫هو اًلبتداء بذكر اهلل وذلك للرواية األخرى التي تقول (كل أمر ذي بال مل يفتح بذكر اهلل فهو أبرت)‪ ،‬وهلذا‬

‫اقترص البعض عىل اًلبتداء بالبسملة دون احلمدلة‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬ملاذا قدم البسملة عىل احلمدلة؟‬

‫قدم البسملة عىل احلمدلة اقتدا اءا بالقرآن الكريم‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬ملاذا محد هنا باجلملة اإلسمية دون الفعلية؟‬

‫‪ -1‬ألنه محد املوىل لذاته‪ ،‬وذاته سبحانه ثابتة ومستمرة فناسب ذلك احلمد باجلملة اإلسمية الدالة‬

‫عىل الثبات والدوام واًلستمرار‪.‬‬

‫‪ -2‬واقتداء القرآن الكريم‪.‬‬

‫اخلامس‪ :‬ملاذا قدم «احلمد» عىل «هلل» مع أن تقديم اًلسم الكريم أوىل؟‬
‫أن املقام مقام محد وإن كان ذكر اهلل أهم يف نفسه فقدمت األمهية العارضة عىل األمهية الذاتية للبالغة‬

‫التي هي مطابقة الكالم ملقتىض احلال‪.‬‬

‫قوله‪( :‬احلمد هلل الواجب وجوده‪...‬إخل) اعلم أن املفهوم إما‪:‬‬

‫‪ -1‬أن يكون وجوده رضور ًّيا وعدمه حمال‪.‬‬

‫‪ -2‬أو يكون عدمه رضور ًّيا ووجوده حمال‪.‬‬

‫‪ -3‬أو ًل يكون كالمها رضوي‪.‬‬

‫فاألول‪ :‬يقال له‪« :‬الواجب»‪ ،‬هو الذي يقتيض ذاته وجوده‪ ،‬كـ«الباري عز وجل»‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬يقال له‪« :‬املمتنع»‪ ،‬هو الذي يقتيض ذاته عدمه‪ ،‬كـ «رشيك الباري تعاىل»‪.‬‬

‫والثالث‪ :‬يقال له «املمكن باإلمكان اخلاص»‪ ،‬هو الذي ًل يقتيض ذاته وجوده وًل عدمه‪ ،‬ويكون نسبة‬
‫الوجود والعدم له سواء‪ ،‬كـ«سائر املوجودات»‪.‬‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫يطلق «اإلمكان» باًلشرتاك اللفظي عىل سلب الرضورة من الطرفني وعىل سلب الرضورة من أحد‬
‫الطرفني‪ ،‬األول هو‪« :‬اإلمكان اخلاص»‪ ،‬والثاين هو‪« :‬اإلمكان العام»‪ ،‬واإلمكان العام ينقسم إىل‪:‬‬
‫أ‪ -‬اإلمكان العام املقيد بجانب الوجود مع سلب الرضورة عن العدم‪.‬‬
‫ب‪ -‬اإلمكان العام املقيد بجانب العدم مع سلب الرضورة عن الوجود‪.‬‬
‫فاإلمكان العام يعم املفهومات الثالث‪« :‬الواجب واملمتنع واملمكن اخلاص»‪.‬‬
‫رشح كالمه‪:‬‬

‫كل أفراد (احلمد) مستحقة (هلل الواجب وجوده) الذي يقتيض ذاته وجوده (املمتنع) الذي يقتيض ذاته عدم‬

‫(نظريه) ومثيله ورشيكه يف األلوهية وخواصها والدليل عليه برهان التامنع املشار إليه بقوله تعاىل‪( :‬لو كان فيهام‬

‫آهلة إًل اهلل لفسدتا) (املمكن) باإلمكان اخلاص الذي ًل يقتيض ذاته وجوده وًل عدمه (سواه وغريه) أي‪:‬‬
‫سوى اهلل وغريه‪ ،‬فالضمري يف «سواه وغريه» راجع إىل اهلل وًل يلزم أن يصري املمتنع ممكناا؛ ألن قوله‪« :‬املمكن‬
‫ا‬
‫مقابال لقوله «املمتنع» مل يتناوله‪.‬‬ ‫سواه وغريه» ملا كان يف‬

‫هنا توقف الشرح ‪1212/9/21‬‬


‫قال الشارح‪( :‬الصادر باختياره شره وخريه) اعلم أن اًلختيار واإلرادة صفتان زائدتان عىل العلم‬

‫والقدرة عند مجهور املتكلمني‪.‬‬


‫فالعلم‪ :‬صفة يتجىل هبا املعلوم ملن قامت تلك الصفة به‪.‬‬
‫والقدرة ‪-‬عند من قال بالتكوين صفة زائدة‪ :-‬صفة من شأهنا صحة التأثري واإلجياد‪.‬‬
‫والتكوين‪ :‬صفة من شأهنا اإلجياد بالفعل‪.‬‬
‫وأما القدرة ‪-‬عند من أنكر التكوين‪ :-‬صفة من شأهنا اإلجياد واإلعدام‪.‬‬
‫واإلرادة‪ :‬صفة توجب ختصيص أحد املقدورين بالوقوع يف وقت دون وقت‪.‬‬
‫واًلختيار‪ :‬صفة من شأهنا صحة الفعل والرتك‪ ،‬بمعنى إن شاء فعل وإن شاء مل يفعل‪.‬‬
‫وقال البيضاوي إن اًلختيار بمعنى اإليثار‪ ،‬وليس ذلك املعنى مرا ادا هنا‪ ،‬باًلختيار هنا باملعنى األول الذي‬
‫يف مقابل اإلجياب؛ ألن الرش إنام هو صادر عن اهلل تعاىل باختياره باملعنى األول‪ ،‬وًل جيوز أن يكون باملعنى‬
‫الثاين‪ ،‬فحاصل الكالم أن اخلري والرش كله صادر عنه تعاىل باختياره ًل باإلجياب كام تقول الفالسفة‪ ،‬وًل أن‬
‫أفعل العباد خملوقة هلم كام قالت املعتزلة ومل يفهموا ان املمكن ليس من شأنه اإلجياد وأن خلق القبيح ليس‬
‫بقبيح وإنام القبيح كسب القبيح‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك أن نقول‪:‬‬
‫قد اختلف املتكلمون واحلكامء يف هل اهلل خمتار يصح منه الفعل والرتك؟‬
‫خمتارا لكان‬
‫فأثبته املتكلمون‪ ،‬ونفاه احلكامء‪ ،‬وقال‪ :‬إنه تعاىل فاعل موجب بالذات‪ ،‬زعام منهم أنه لو كان ا‬
‫الفعل والرتك مقدورين‪ ،‬لكن الالزم باطل؛ ألن الرتك نفي حمض وعدم مستمر‪ ،‬والنفي املحض والعدم‬
‫مقدورا أصال‪.‬‬
‫ا‬ ‫املستمر ًل يكون‬
‫ورد بأن معنى صحة الرتك‪ :‬صحة أًل يفعل‪ً ،‬ل صحة أن يفعل الرتك‪ ،‬وانتفاء الفعل غري فعل الرتك‪ ،‬عىل‬
‫أنا ًل تسلم أن الرتك نفي حمض وعدم مستمر‪ ،‬مل ًل جيوز أن يكون كف النفس؟!‬
‫واحلق ما ذهب إليه املتكلمون عىل ما بني يف الكتاب الكالمية‪.‬‬
‫ثم إن املتكلمني قالوا بأن اهلل تعاىل قادر عىل مجيع املمكنات وفاعل خمتار يف الكل ابتداء‪.‬‬
‫وخالفهم يف ذلك فرق‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬احلكامء املتأهلون حيث قالوا‪ :‬إن اهلل تعاىل واحد حقيقي مل يصدر عنه بطريق اإلجياب إًل واحد‪،‬‬
‫وهو ‪ :‬العقل األول الصادر منه باإلجياب الفلك األول املسمى بالفلك األعظم والفلك األطلس والنفس‬
‫الفلكية‪ ،‬والعقل الثاين الصادر منه باإلجياب الفلك الثاين املسمى بفلك الثوابت والنفس الفلكية‪ ،‬والعقل‬
‫الثالث الصادر منه باإلجياب الفلك الثالث املسمى بفلك زحل ونفسه الفلكية‪ ،‬والعقل الرابع الصادر منه‬
‫باإلجياب الفلك الرابع املسمى باملشرتي ونفسه الفلكية‪ ،‬والعقل اخلامس الصادر منه باإلجياب الفلك اخلامس‬
‫املسمى بفلك املريخ ونفسه الفلكية‪ ،‬والعقل السادس صادر منه باإلجياب الفلك السادس املسمى بفلك‬
‫الشمس ونفسه الفلكية‪ ،‬والعقل السابع صادر منه باإلجياب الفلك السابع املسمى بفلك الزهرة ونفسه‬
‫الفلكية‪ ،‬والعقل الثامن صادر منه باإلجياب الفلك الثامن املسمى بفلك عطارد ونفسه الفلكية‪ ،‬والعقل التاسع‬
‫صادر منه باإلجياب الفلك التاسع املسمى بفلك القمر ونفسه الفلكية‪ ،‬والعقل العارش املسمى بالعقل الفعال‬
‫املؤثر يف عامل العنارص التي هي النار واهلواء واملاء واألرض‪ ،‬املسمى بعامل الكون والفساد‪ ،‬والتي حصلت له‬
‫املواليد الثالثة التي هي املعادن والنبات واحليوان‪.‬‬
‫دوائر األفالك‬

‫‪1‬‬ ‫‪ -1‬الفلك الأطلس‬


‫‪2‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪ -2‬فلك الثوابت‬
‫‪4‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪ -3‬فلك زحل‬
‫‪6‬‬
‫‪7‬‬ ‫‪ -4‬فلك المشتري‬
‫‪8‬‬
‫‪9‬‬ ‫‪ -5‬فلك المريخ‬
‫‪11‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪ -6‬فلك الشمس‬
‫‪12‬‬
‫‪13‬‬ ‫‪ -7‬فلك الزهرة‬
‫‪ -8‬فلك عطارد‬
‫‪ -9‬فلك القمر‬
‫‪ -‬عالم ال كون والفساد‬
‫‪ -11‬كرة النار‬
‫‪ -11‬كرة الهواء‬
‫‪ -12‬كرة الماء‬
‫‪ -13‬كرة الأرض‬
‫قال مال صادق‪ :‬وهذ هو املشهور من مذهبهم‪ ،‬لكن حتقيق مذهبهم أن مجيع املمكنات صادرة عنه بطريق‬
‫اإلجياب ابتداء من غري توسط مؤثر آخر‪ ،‬والعقول أسباب ورشائط غري مؤثرة‪.‬‬
‫والفرقة الثانية املنجمون حيث قالوا إن املؤثر يف العامل العنرصي هو األفالك والكواكب وأوضاعها‪.‬‬
‫والفرقة الثالثة فرقة ديمقراطيس‪ :‬حيث ذهبوا إىل أنه ًل صانع للعامل بل إنام وجد عىل سبيل اًلتفاق‪.‬‬
‫رشيرا‪.‬‬
‫ا‬ ‫والفرقة الرابعة الثنوية‪ ،‬ومنهم املجوس لعنهم اهلل يقولون إن اهلل ًل يقدر عىل الرشور وإًل لكان‬
‫رشا بالنسبة إىل الكاسب ًل بالنسبة إىل اخلالق‪ ،‬ويقول الثنوية أيضا إن فاعل‬
‫وهو مردود ألن الرش إنام يكون ا‬
‫اخلري يزدان وفاعل الرش آهرمان ويعنون هبام ملكاا وشيطانا واهلل منزه عندهم عن فعل اخلري والرش‪ ،‬واملانوية‬
‫منهم يقولون إن فاعلهام النور والظلمة‪ ،‬والربضانية يقولون مثل ذلك‪.‬‬
‫والفرقة اخلامس ة املعتزلة حيث ذهب مجهورهم إىل أن األفعال اًلختيارية للعباد خريا كانت أو رشور‬
‫صادرة عنهم ًل عن اهلل‪ ،‬وإًل ملا كلفوا هبا وملا استحقوا الثواب والعقاب بواسطتها‪ ،‬قلنا التكليف واستحقاق‬
‫الثواب والعقاب باعتبار الكسب ًل باعتبار اخللق‪ ،‬وقال النظام منهم خلق القبيح منه حمال املحال غري مقدور‪،‬‬
‫قلنا ًل نسلم أنه قبيح بالنسبة إىل اهلل تعاىل بل بالنسبة إىل العبد ولو سلم‪ ،‬فاستحالة فعله بالغري واملحال بالغري‬
‫مقدر‬
‫فإن قلت‪ :‬مل قدم املصنف الواجب عىل غريه من املمتنع واملمكن؟‬
‫قلت‪ :‬ألن يف الواجب صفة جارية عىل من هي له‪ ،‬وغريه صفة جارية عىل غري من هي له؛ ألن اًلمتناع‬
‫صفة رشيك‪ ،‬واإلمكان صفة أثره دون اهلل‪ ،‬والصفة اجلارية عىل من هي له مقدم عىل الصفة اجلارية عىل غري‬
‫من هي له‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬مل قدم املمتنع عىل املمكن‪ ،‬مع أن كل واحد منهام صفة جارية عىل غري من هي له‪ ،‬واملمكن أرشف‬
‫من املمتنع ألنه موجود واملمتنع معدوم‪ ،‬واملوجود أرشف من املعدوم؟‬
‫قلت‪ :‬ألن مفهوم املمتنع وجودي‪ ،‬وإن صدق عىل املعدوم‪ ،‬ومفهوم املمكن عدمي وإن صدق عىل املوجود‪،‬‬
‫والوجودي مقدم لرشفه عىل العدمي‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬مل قدم املمكن عىل الصادر وقيده باًلختيار‪ ،‬وقدم الرش عىل اخلري؟‬
‫قلت‪ :‬أما تقديم األول فألن صدور الرش واخلري إنام هو بتقدير اهلل وجود املمكن؛ ألهنام إنام يكونان بالنسبة‬
‫إليه ًل بالنظر إىل ذاهتام‪ ،‬وأما تقيده باًلختيار للتنبيه عىل ان الشارح من املتكلمني القائلني بأن اهلل تعاىل فاعل‬
‫باًلختيار وهو الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك دون احلكامء القائلني بأن اهلل تعاىل هو املوجب الذات وهو‬
‫الذي جيب صدور الفعل عنه‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬مل قدم الرش عىل اخلري؟‬
‫قلت‪ :‬ألن الرش سبب الظلمة واخلري سبب النور كام أن الظلمة مقدمة عىل النور يف قوله تعاىل‪( :‬وجعل‬
‫الظلامت والنور)‪ ،‬كذلك سبب الظلمة مقدم عىل سبب النور‪ .‬تأمل‬
‫فإن قلت‪ :‬إن الضامئر املذكورة يف قوله‪( :‬وجوده ونظريه وغريه وباختياره إىل أي يشء يرجع‪ ،‬وإىل اين يعود؟‬
‫قلت‪ :‬يرجع إىل األلف والالم يف قوله الواجب واملمتنع واملمكن والصادر ألهنام بمعنى «الذي»؛ ألن‬
‫األلف والالم إذ دخل عىل اسم الفاعل واملفعول كانا بمعنى الذي فيكون تقدير الكالم‪:‬‬
‫احلمد هلل الذي وجب وجوده‪ ،‬والذي امتنع نظريه‪ ،‬والذي أمكن سواه‪ ،‬والذي صدر باختياره رشه‬
‫وخريه‪.‬‬

You might also like