You are on page 1of 113

‫بيان‬

‫مًفجر الجامعات والطائرات‬


‫‪The Unabomber Manifesto‬‬

‫ثيودور جون كازينسكي‬


‫‪1995‬‬

‫ترجمة‬
‫الضابط هاشم‬

‫مراجعة لغوية‬
‫الحاچ چورچي‬

‫الطبعة الثانية‬
‫‪2023‬‬
‫إلى عـليـا‪ ،‬حـسـين‪ ،‬دانـيــال‬
‫ودنـيــا‬
‫ّ‬
‫مقدمة ر‬
‫المتجم‬

‫ينسك‪ ،‬من أين أبدأ؟‬


‫تيد كاز ي‬

‫التفكت به‬
‫ر‬ ‫هل أبدأ بالتعريف بالرجل؟ اسمه ومولده وتاريخه يف رسد يثقل عىل الرأس‬
‫وعىل اليد كتابته؟ ُج ّل ما عىل أحدكم أن يفعله هو تحريك أنامله عىل شاشة هاتفه‬
‫الذك ليصل إىل الطرف اآلخر من العالم بكامل الحرية‪ ،‬أو هكذا تظنون!‬ ‫ي‬
‫أحك لكم عن الرجل‪ ،‬لكن سأقول ما آمل أن يقيكم ررس الدعاية المحيطة بقصته‪.‬‬ ‫لن ي‬
‫بيئ‪ ،‬مجرم بال قلب‪ ،‬رجل بال مغامرات‬ ‫سيقولون لك "فوضوي مجنون‪ ،‬متطرف ي‬
‫نسائية‪ ،‬معتوه آخر من نتاج التجارب النفسية‪"...‬‬
‫ُ ّ‬
‫سفه نبوءته ر‬ ‫ر‬
‫الئ أصبحنا نعيشها‬
‫ي‬ ‫الئ ما قيلت إال لت‬
‫حسنا‪ ،‬دع عنك كل تلك المسميات ي‬
‫ليل نهار‪ّ ،‬أيا كان لونك أو دينك أو عقيدتك السياسية‪.‬‬
‫ال هو بالفوضوي وال بالمعتوه‪ ،‬بل عبقري أدرك ما سيكون‪ ،‬وصاغ كل تلك األحاديث‬
‫الئ نتحرس بها عىل حالنا يف مقال يعجز اإلنسان الحديث عن القبول به‬‫ر‬
‫الجانبية ي‬
‫ليصل إىل جوهر القضية‪ :‬المجتمع الحديث وكل ما فيه من امتهان للكرامة ر‬
‫البرسية‪.‬‬
‫الثماني خريفا يف سجنه‪ ،‬تزداد رسالته انتشارا يوما بعد يوم‪،‬‬
‫ر‬ ‫حي يذوي الرجل ذو‬ ‫يف ر‬
‫ألن الحقيقة ال يمكن إخفاؤها والواقع الذي تحاولون الهروب منه ُيطبق عليكم بال‬
‫رحمة‪ ،‬شئتم أم أبيتم‪.‬‬

‫ر‬
‫ترجمئ لبيانه‪.‬‬ ‫عرفانا له ولما قام به أقدم لكم‬
‫ي‬
‫ّ‬
‫مقدمة‬

‫البرسي‪ .‬لقد زادت بشكل‬ ‫‪ .1‬لقد كانت الثورة الصناعية ونتائجها كارثة عىل الجنس ر‬
‫كبت من متوسط العمر المتوقع ألولئك منا الذين يعيشون يف البلدان "المتقدمة"‪،‬‬ ‫ر‬
‫غت ُمرضية‪ ،‬وأخضعت ر‬
‫البرس‬ ‫لكنها زعزعت استقرار المجتمع‪ ،‬وجعلت الحياة ر‬
‫لإلهانات‪ ،‬وأدت إىل انتشار المعاناة النفسية (والجسدية أيضا يف العالم الثالث)‬
‫ستيد الوضع‬ ‫الطبيع‪ .‬التطور المستمر للتقنية ر‬‫ي‬ ‫وألحقت أضارا جسيمة بالعالم‬
‫أكت والحياة الطبيعية ألض ٍار‬ ‫سوءا‪ .‬ومن المؤكد أنها ستعرض اإلنسان إلهانات ر‬
‫االجتماع والمعاناة النفسية‪ ،‬وقد‬
‫ي‬ ‫أخطر‪ ،‬وربما تؤدي إىل مزيد من االضطراب‬
‫حئ يف البلدان "المتقدمة"‪.‬‬ ‫تؤدي إىل زيادة المعاناة الجسدية ر‬
‫التقئ أو ينهار‪ .‬إذا نجا‪ ،‬فلربما يحقق يف نهاية المطاف‬ ‫ي‬ ‫الصناع‬
‫ي‬ ‫‪ .2‬قد يستمر النظام‬
‫مستوى منخفضا من المعاناة الجسدية والنفسية‪ ،‬ولكن فقط بعد مرور رفتة طويلة‬
‫ومؤلمة للغاية من التكيف وفقط عىل حساب التقليل الدائم من ر‬
‫البرس والعديد من‬
‫الكائنات الحية األخرى إىل منتجات هندسية ومجرد تروس يف اآللة االجتماعية‪.‬‬
‫عالوة عىل ذلك‪ ،‬إذا استمر النظام‪ ،‬فستكون العواقب حتمية‪ :‬ال توجد طريقة‬
‫إلصالح أو تعديل النظام لمنعه من حرمان الناس من الكرامة واالستقاللية‪.‬‬
‫كت النظام كلما كانت‬ ‫‪ .3‬إذا انهار النظام‪ ،‬فستظل العواقب مؤلمة للغاية‪ .‬ولكن كلما ر‬
‫ً‬ ‫نتائج انهياره ر‬
‫أكت كارثية‪ ،‬لذلك إذا كان النظام سينهار‪ ،‬فمن األفضل أن ينهار عاجال‬
‫ً‬
‫وليس آجال‪.‬‬
‫الصناع‪ .‬هذه الثورة قد تستخدم أو ال‬ ‫ي‬ ‫‪ .4‬لذلك نحن ندعو إىل ثورة ضد النظام‬
‫تستخدم العنف‪ .‬قد تكون مفاجئة أو قد تكون عملية تدريجية نسبيا تمتد لعقود‬
‫ر‬
‫الئ يجب‬ ‫قليلة‪ .‬ال يمكننا التنبؤ بأي من ذلك‪ .‬لكننا نحدد بشكل عام اإلجراءات ي‬
‫الصناع اتخاذها من أجل تمهيد الطريق لثورة ضد هذا‬ ‫ي‬ ‫عىل من يكرهون النظام‬
‫الشكل من المجتمع‪ .‬هذه ليست ثورة سياسية‪ .‬سيكون هدفها اإلطاحة ليس‬
‫الحاىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫بالحكومات ولكن باألسس االقتصادية والتقنية للمجتمع‬

‫‪5‬‬
‫الئ نتجت عن النظام‬ ‫ر‬
‫نوىل اهتماما يف هذا المقال لبعض التطورات السلبية ي‬ ‫‪ .5‬ي‬
‫حئ‬ ‫نشت إليها فقط ً‬
‫إشارة عابرة أو ر‬ ‫التقئ‪ .‬تطورات سلبية أخرى سوف ر‬ ‫الصناع‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫غت مهمة‪ .‬ألسباب‬ ‫نعتت هذه التطورات األخرى ر‬ ‫تماما‪ .‬هذا ال ي‬
‫يعئ أننا ر‬ ‫سنتجاهلها‬
‫ر‬ ‫ُ‬
‫الكاف‬
‫الئ لم تحظ باهتمام الجمهور ي‬ ‫قص مناقشتنا عىل المجاالت ي‬ ‫عملية علينا أن ن ِ‬
‫شء جديد نقوله‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬نظرا لوجود حركات بيئية أو‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫الئ لدينا فيها ي‬
‫أو ي‬
‫برية منظمة جيدا‪ ،‬فقد كتبنا القليل جدا عن التدهور البيئ أو تدمت الطبيعة ّ‬
‫التية‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ي‬
‫نعتتها يف غاية األهمية‪.‬‬
‫رغم أننا ر‬

‫‪6‬‬
‫نفسية اليسارية الحديثة‬

‫ُ‬
‫‪ .6‬سيتفق الجميع تقريبا عىل أننا نعيش يف مجتمع مضطرب للغاية‪ .‬ت ر‬
‫عتت اليسارية‬
‫أكت مظاهر جنون عالمنا انتشارا‪ ،‬لذا فإن مناقشة نفسية اليسارية يمكن‬ ‫واحدة من ر‬
‫أن تكون بمثابة مقدمة لمناقشة مشاكل المجتمع الحديث بشكل عام‪.‬‬
‫العرسين‪ ،‬كان من الممكن أن‬‫‪ .7‬لكن ما ه اليسارية؟ خالل النصف األول من القرن ر‬
‫ي‬
‫ُ‬ ‫ر‬
‫يتطابق اليسار عمليا مع االشتاكية‪ .‬اليوم الحركة مجزأة وليس من الواضح من‬
‫يمكن تسميته يساريا‪ .‬عندما نتحدث عن اليسار ريي يف هذا المقال‪ ،‬فإننا نضع يف‬
‫اعيي‪ ،‬أنماط "الصوابية السياسية"‪،‬‬ ‫ر‬
‫اكيي‪ ،‬الجم ر‬ ‫أساش االشت ر‬
‫ي‬ ‫اعتبارنا بشكل‬
‫والمعاقي ونشطاء حقوق الحيوان وما‬
‫ر‬ ‫المثليي‬
‫ر‬ ‫الناشطي (عن حقوق)‬
‫ر‬ ‫النسويات‪،‬‬
‫شابه‪ .‬لكن ليس كل من يرتبط بإحدى هذه الحركات يساريا‪ .‬ما نحاول الوصول إليه‬
‫نفس‪ ،‬أو باألحرى‬ ‫ي‬ ‫يف مناقشة اليسارية ليس كحركة أو كعقيدة سياسية بل كنوع‬
‫مجموعة من األنواع ذات الصلة‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن ما نعنيه بـ "اليسارية" سوف يظهر‬
‫أكت وضوحا يف سياق مناقشتنا للنفسية اليسارية‪( .‬انظر أيضا الفقرات ‪-227‬‬ ‫بشكل ر‬
‫‪.)230‬‬
‫‪ .8‬ومع ذلك‪ ،‬فإن مفهومنا لليسارية سيظل أقل وضوحا مما نتمئ‪ ،‬ولكن يبدو أنه ال‬
‫أي عالج لهذا‪ .‬كل ما نحاول القيام به هنا هو اإلشارة بطريقة تقريبية إىل‬ ‫يوجد ّ‬
‫اللتي نعتقد أنهما القوة الدافعة الرئيسية لليسارية الحديثة‪.‬‬ ‫النفسيتي ر‬
‫ر‬ ‫عتي‬
‫الت ر‬
‫ع بأي حال من األحوال أننا نقول كل الحقيقة عن النفسية اليسارية‪.‬‬ ‫َّ‬
‫نحن ال ند ي‬
‫أيضا‪ ،‬تنطبق مناقشتنا عىل اليسارية الحديثة فقط‪ .‬رنتك المجال مفتوحا للتساؤل‬
‫عرس وأوائل القرن‬ ‫ألي مدى يمكن تطبيق مناقشتنا عىل يساري القرن التاسع ر‬
‫يي‬
‫ر‬
‫العرسين‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ .9‬التعتان النفسيتان اللتان تقوم عليهما اليسارية الحديثة نسميهما "مشاعر الدونية"‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ه سمة من سمات اليسارية الحديثة‬ ‫ي‬ ‫ونية‬ ‫الد‬ ‫"الفوقية االجتماعية"‪ .‬إن مشاعر‬ ‫و‬
‫ه سمة فقط ل ررسيحة محددة فقط من اليسارية‬ ‫ّ‬
‫ككل‪ ،‬بينما الفوقية االجتماعية ي‬
‫الحديثة؛ لكنها ررسيحة مؤثرة للغاية‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ّ‬
‫مشاعر الدونية‬

‫ّ‬
‫الحرف للكلمة‪ ،‬بل‬ ‫ي‬ ‫بالمعئ‬ ‫بالنقص‬ ‫الشعور‬ ‫فقط‬ ‫ليس‬ ‫ونية"‬ ‫الد‬ ‫نعئ بـ "مشاعر‬ ‫ي‬ ‫‪.10‬‬
‫ّ‬
‫نعئ أيضا مجموعة كاملة من السمات ذات الصلة؛ تدي ر‬
‫احتام الذات‪ ،‬الشعور‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫بالعجز‪ ،‬الميول االكتئابية‪ ،‬االنهزامية‪ ،‬الشعور بالذنب‪ ،‬كراهية الذات‪ ،‬وما إىل ذلك‪.‬‬
‫نجادل بأن اليسار ريي المعاضين يميلون إىل امتالك بعض هذه المشاعر (ربما تكون‬
‫أكت أو أقل كبتا) وأن هذه المشاعر حاسمة يف تحديد اتجاه اليسارية الحديثة‪.‬‬ ‫ر‬
‫عرف‬ ‫الئ ُي ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫شء يقال عنه (أو ّعن المجموعات ي‬ ‫‪ .11‬عندما يفرس شخص ما تقريبا أي ي‬
‫احتام الذات‪.‬‬ ‫عن نفسه بها) عىل أنه ازدراء‪ ،‬فإننا نستنتج أنه يشعر بالدونية أو تدي ر‬
‫ي‬
‫الئ‬‫ر‬
‫يظهر هذا االتجاه ربي نشطاء حقوق األقليات‪ ،‬سواء أكانوا ينتمون إىل األقليات ي‬
‫يدافعون عن حقوقها أم ال‪ .‬إنهم شديدو الحساسية تجاه الكلمات المستخدمة‬
‫شء يقال عن األقليات‪ .‬لم يكن للمصطلحات‬ ‫ر‬
‫لتسمية األقليات وبشأن أي ي‬
‫األفريق‪ ،‬اآلسيوي‪ ،‬الشخص‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫"حلوة" لإلشارة إىل‬ ‫"معوق" أو ُ‬ ‫ّ‬ ‫"رس ر يف"‪،‬‬ ‫"ز رنج"‪ ،‬ر‬
‫ي‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫المعاق أو المرأة يف األصل أي داللة ازدراءية‪ .‬كانت "مره" و "حلوة" مجرد مرادفات‬
‫أنثوية لكلمة "دكر" أو "صاحب"‪ .‬لقد ربط الناشطون أنفسهم الدالالت السلبية‬
‫بهذه المصطلحات‪ .‬ذهب بعض نشطاء حقوق الحيوان إىل حد رفض كلمة "حيوان‬
‫حيواي"‪ .‬يبذل علماء علم اإلنسان‬ ‫ي‬ ‫أليف" واإلضار عىل استبدالها بكلمة "رفيق‬
‫تفسته‬‫ر‬ ‫شء عن الشعوب البدائية يمكن‬ ‫كبتة لتجنب قول أي ر‬ ‫اليسار ريي جهودا ر‬
‫ُ‬ ‫ي‬
‫مية"‪ .‬يبدو أنهم مرتابون‬ ‫عىل أنه سلئ‪ .‬يريدون استبدال كلمة "بدائية" بكلمة "أ ّ‬
‫ري‬
‫يوح بأن أي ثقافة بدائية أدي من ثقافتنا‪( .‬نحن ال نقصد‬ ‫ر‬
‫شء قد ي‬ ‫تقريبا من أي ي‬
‫نشت إىل الحساسية‬ ‫اإلشارة إىل أن الثقافات البدائية أدي من ثقافتنا‪ .‬نحن فقط ر‬
‫المفرطة لعلماء اإلنسان اليسار ريي)‪.‬‬
‫"غت الصائبة سياسيا" ليسوا‬ ‫ر‬
‫‪ .12‬أولئك األكت حساسية تجاه المصطلحات ر‬
‫الفقتة من السود‪ ،‬المهاجر اآلسيوي‪ ،‬امرأة تعرضت‬ ‫ر‬ ‫قاطئ األحياء‬‫ي‬ ‫المعتادين من‬
‫حئ ال ينتمون إىل‬ ‫كثتون منهم ر‬ ‫لإلساءة أو شخص معاق‪ ،‬لكن أقلية من النشطاء‪ ،‬ر‬
‫ممتة من المجتمع‪.‬‬ ‫أي مجموعة "مضطهدة" ولكنهم ينتمون إىل طبقات ر‬
‫تتبوأ مكانتها ربي أساتذة الجامعات‪ ،‬الذين لديهم وظائف آمنة‬ ‫فالصوابية السياسية ّ‬

‫‪8‬‬
‫سليىل عائالت‬
‫ي‬ ‫بمرتبات مريحة‪ ،‬ومعظمهم من الذكور البيض من األسوياء جنسيا‬
‫من الطبقة الوسىط إىل العليا‪.‬‬
‫الئ لديها صورة‬ ‫ر‬
‫مع مشاكل الجماعات ي‬ ‫ّ‬
‫تماه شديد‬
‫ي‬ ‫‪ .13‬العديد من اليسار ريي لديهم‬
‫مثليي) أو أقل شأنا بأي شكل‬ ‫ضعيفة (نساء)‪ ،‬مهزومة (الهنود الحمر)‪ ،‬منفرة ( ر‬
‫يعتفوا ألنفسهم‬ ‫آخر‪ .‬يشعر اليساريون أنفسهم أن هذه الجماعات أقل شأنـا‪ .‬لن ر‬
‫ّ‬
‫أبدا بأن لديهم مثل هذه المشاعر‪ ،‬ولكن نظرتهم الدونية لتلك المجموعات تحديدا‬
‫ه ما تجعلهم يتماهون مع مشاكلهم‪( .‬نحن ال نقصد اإلشارة إىل أن النساء‪ ،‬الهنود‪،‬‬ ‫ي‬
‫وغتهم‪ ،‬هم أدي متلة‪ ،‬نحن فقط نوضح نقطة عن النفسية اليسارية)‪.‬‬ ‫ر‬
‫‪ .14‬إن النسويات حريصات بشدة عىل إثبات أن النساء قويات وقادرات مثل الرجال‪.‬‬
‫من الواضح أنهن متعجات بسبب الخوف من أن النساء قد ال يكن بقوة أو قدرة‬
‫الرجال‪.‬‬
‫شء له صورة قوية وجيدة وناجحة‪ .‬يكرهون أمريكا‪،‬‬ ‫ر‬
‫‪ .15‬يميل اليساريون إىل كره أي ي‬
‫يكرهون الحضارة الغربية‪ ،‬يكرهون الذكور البيض‪ ،‬يكرهون العقالنية‪ .‬من الواضح‬
‫الئ يقدمها اليساريون لكراهية الغرب وما إىل ذلك ال تتوافق مع‬ ‫ر‬
‫أن األسباب ي‬
‫متحت‬
‫ر‬ ‫عداي‪ ،‬استعماري‪،‬‬ ‫ي‬ ‫دوافعهم الحقيقية‪ .‬يقولون أنهم يكرهون الغرب ألنه‬
‫جنسيا وعرقيا وما إىل ذلك‪ ،‬ولكن حيث تظهر هذه األخطاء نفسها يف البلدان‬
‫االشتاكية أو يف الثقافات البدائية‪ ،‬يجد اليساري األعذار لهم‪ ،‬أو يف أفضل األحوال‬ ‫ر‬
‫كثتا) إىل‬ ‫ر‬
‫يشت بحماسة (وغالبا ما يبالغ ر‬ ‫حي أنه ر‬
‫يعتف عىل مضض بوجودها؛ يف ر‬
‫حي تظهر يف الحضارة الغربية‪ .‬وهكذا يتضح أن هذه األخطاء ليست‬ ‫هذه العيوب ر‬
‫الحقيق لليساري لكراهية أمريكا والغرب‪ .‬يكره أمريكا والغرب ألنهما أقوياء‬ ‫ر‬ ‫الدافع‬
‫ي‬
‫وناجحون*‪.‬‬

‫والئ ُسميت حقبة الطفرة لما حققته الواليات المتحدة والغرب‬


‫ر‬ ‫ر‬
‫* الرجل نشأ يف حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية مبارسة ي‬
‫عموما من طفرة اقتصادية وعسكرية‬

‫‪9‬‬
‫‪ .16‬كلمات مثل "الثقة بالنفس"‪" ،‬االعتماد عىل الذات"‪" ،‬المبادرة"‪" ،‬المغامرة"‪،‬‬
‫ً‬
‫"التفاؤل"‪ ،‬وما إىل ذلك‪ ،‬تلعب دورا ضئيًل يف المفردات التحررية واليسارية‪.‬‬
‫اليساري مناهض للفردانية‪ ،‬مؤيد للجماعية‪ .‬يريد من المجتمع أن يحل مشاكل كل‬
‫يعتئ بهم‪ .‬إنه ليس‬ ‫ي‬ ‫لئ احتياجات الجميع لهم‪ ،‬أن‬ ‫فرد عوضا عن أنفسهم‪ ،‬أن ي ر ي‬
‫داخىل بالثقة يف قدرته عىل حل مشاكله وتلبية‬ ‫ي‬ ‫من النوع الذي لديه إحساس‬
‫احتياجاته الخاصة‪ .‬إن اليساري مناهض لمفهوم المنافسة ألنه يشعر‪ ،‬يف أعماق‬
‫نفسه‪ ،‬بأنه فاشل‪.‬‬
‫كت عىل‬ ‫ر‬ ‫‪ .17‬تميل األشكال الفنية ر‬
‫الئ تروق للمفكرين اليسار ريي المعاضين إىل الت ر‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫القذارة‪ ،‬الهزيمة واليأس‪ ،‬أو بدال من ذلك فإنها تأخذ رنتة العربدة‪ ،‬متخلصة من‬
‫التفكت‬ ‫شء من خالل‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫السيطرة العقالنية كما لو لم يكن هناك أمل يف تحقيق أي ي‬
‫تبق هو أن تغمر نفسك يف أحاسيس آنية‪.‬‬ ‫المنطق وكل ما ر‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫الموضوع‬
‫ي‬ ‫‪ .18‬يميل المفكرون اليساريون الحديثون إىل رفض العقل والعلم والواقع‬
‫نسئ ثقافيا‪ .‬صحيح أنه يمكن للمرء أن يطرح أسئلة جادة‬ ‫شء‬ ‫واإلضار عىل أن كل ر‬
‫ً‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ي‬
‫حول أسس المعرفة العلمية وكيف يمكن ‪-‬إن أمكن أصًل‪ -‬تعريف مفهوم الواقع‬
‫الموضوع‪ .‬لكن من الواضح أن المفكرين اليسار ريي المعاضين ليسوا مجرد علماء‬ ‫ي‬
‫منهج أسس المعرفة‪ .‬إنهم متورطون عاطفيا يف‬ ‫ر ي‬ ‫هادئي يحللون بشكل‬ ‫ر‬ ‫منطقيي‬
‫ر‬
‫هجومهم عىل الحقيقة والواقع‪ .‬إنهم يهاجمون هذه المفاهيم بسبب احتياجاتهم‬
‫النفسية‪ .‬من ناحية‪ ،‬إن هجومهم هو منفذ للعدائية‪ ،‬وبقدر نجاحه‪ ،‬فإنه يشبع‬
‫اليساريي يكرهون العلم والعقالنية‬ ‫ر‬ ‫الحاجة للشعور بالقوة‪ .‬واألهم من ذلك‪ ،‬أن‬
‫ألنهما يصنفان معتقدات معينة عىل أنها صحيحة (أي ناجحة‪ ،‬متفوقة)‬
‫ّ‬
‫ومعتقدات أخرى عىل أنها خاطئة (أي فاشلة‪ ،‬متدنية)‪ .‬إن مشاعر الدونية لدى‬
‫اليساري عميقة لدرجة أنه ال يستطيع تحمل أي تصنيف لبعض األشياء عىل أنها‬
‫ناجحة أو متفوقة وأمور أخرى بأنها فاشلة أو متدنية‪ .‬وهذا أيضا يكمن وراء رفض‬
‫العقىل وفائدة اختبارات معدل الذكاء‪.‬‬ ‫ي‬ ‫العديد من اليسار ريي لمفهوم المرض‬
‫البرسي ألن مثل هذه‬ ‫للتفستات الوراثية للقدرات والسلوك ر‬ ‫ر‬ ‫اليساريون معادون‬
‫التفستات تميل إىل جعل بعض األشخاص يبدون أعىل أو أدي من اآلخرين‪ .‬يفضل‬ ‫ر‬
‫اليساريون منح المجتمع الفضل أو اللوم عىل قدرة الفرد أو عدمها‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫وبالتاىل‪ ،‬إذا كان الشخص "أدي" فهذا ليس خطأه‪ ،‬بل خطأ المجتمع‪ ،‬ألنه لم يتم‬ ‫ي‬
‫تربيته بشكل صحيح‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ .19‬اليساري ليس عادة من النوع الذي تجعله مشاعر الدونية متبجحا‪ ،‬متفاخرا‪،‬‬
‫متنمرا‪ ،‬مروجا للذات أو منافسا ال يرحم‪ .‬عىل األقل هذا النوع من األشخاص لم‬
‫يفقد الثقة يف نفسه تماما بعد‪ .‬صحيح أن لديه عيب يف إحساسه بالقوة وتقدير‬
‫الذات‪ ،‬ولكن ال يزال بإمكانه تصور نفسه عىل أنه يمتلك القدرة عىل أن يكون قويا‪،‬‬
‫وجهوده لجعل نفسه قويا تنتج سلوكه المزعج‪ ]1[ .‬لكن اليساري بعيد كل البعد عن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫متأصل لدرجة أنه ال يستطيع تصور نفسه كفرد قوي‬ ‫ذلك‪ .‬إن شعوره بالدونية‬
‫وذي قيمة‪ .‬ومن هنا جاءت جماعية اليسار ريي‪ .‬يمكن أن يشعر بالقوة فقط كعضو‬
‫عرف نفسه بها‪.‬‬ ‫اهتية ُي ّ‬ ‫كبتة أو حركة جم ر‬ ‫يف منظمة ر‬
‫‪ .20‬الحظ التعة المازوخية لألساليب اليسارية‪ .‬يحتج اليساريون من خالل‬
‫الرسطة أو العنص ريي إلساءة‬ ‫االستلقاء أمام المركبات‪ ،‬فهم يستفزون عمدا ر‬
‫كثت من األحيان‪ ،‬لكن‬ ‫معاملتهم‪ ،‬وما إىل ذلك‪ .‬قد تكون هذه األساليب فعالة يف ر‬
‫العديد من اليسار ريي يستخدمونها ليس كوسيلة لتحقيق غاية ولكن ألنهم يفضلون‬
‫ه سمة يسارية‪.‬‬ ‫الطرق المازوخية‪ .‬كراهية الذات ي‬
‫‪ .21‬قد يزعم اليساريون أن نشاطهم مدفوع بالشفقة أو المبادئ األخالقية‪ ،‬وأن‬
‫االجتماع‪ .‬لكن الرأفة والمبدأ‬ ‫فوق‬ ‫النوع‬ ‫من‬ ‫لليسار‬ ‫ا‬
‫دور‬ ‫يلعب‬ ‫ر‬
‫األخالف‬ ‫المبدأ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫ه عنص‬ ‫ئيسيي للنشاط اليساري‪ .‬العدائية ي‬ ‫الدافعي الر ر‬
‫ر‬ ‫األخالف ال يمكن أن يكونا‬
‫ي‬
‫ُ‬
‫بارز جدا يف السلوك اليساري‪ .‬هكذا هو الدافع للسلطة‪ .‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬فإن ر‬
‫الكثت‬
‫ّ‬ ‫من السلوك اليساري ال ُ‬
‫ع‬ ‫ي‬ ‫يد‬ ‫الذين‬ ‫لألشخاص‬ ‫ا‬‫مفيد‬ ‫ليكون‬ ‫عقالي‬
‫ي‬ ‫بشكل‬ ‫حسب‬ ‫ي‬
‫اليساريون أنهم يحاولون مساعدتهم‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬إذا اعتقد المرء أن الدمج‬
‫المنطق المطالبة بالدمج اإلجباري بعبارات‬ ‫ر‬ ‫اإلجباري* مفيد للسود‪ ،‬فهل من‬
‫ي‬
‫عدائية أو متعصبة؟‬

‫ر‬
‫وانترس يف دول أخرى تحت مسىم‬ ‫ر‬
‫العرسين‬ ‫اإليجاي" ظهر منذ ستينيات القرن‬
‫ري‬ ‫"بالتميت‬
‫ر‬ ‫أمريك ُي رتجم قانونيا‬
‫ي‬ ‫* قانون‬

‫"تميت مضاد" إللحاق مجموعات يف التوظيف أو التعليم أو األعمال أو الحياة السياسية ‪ -‬بدأ‬
‫ر‬ ‫"المحاصصة"‪ ،‬يتلخص بأنه‬
‫ّ‬ ‫األمريكيي ثم امتد لكل من ُي ّ‬
‫التميت الذي ُمورس ضدهم‬
‫ر‬ ‫السع إلصالح‬
‫ي‬ ‫عرف نفسه بأنه أقلية‪/‬مضطهد‪/‬ضحية ‪ -‬بعلة‬ ‫ر‬ ‫باألفريقيي‬
‫ر‬

‫‪11‬‬
‫وتصالج من شأنه أن يقدم‬ ‫ي‬ ‫سياش‬
‫ي‬ ‫من الواضح أنه سيكون من األفضل اتخاذ نهج‬
‫عىل األقل تنازالت لفظية ورمزية لألشخاص البيض الذين يعتقدون أن الدمج‬
‫يمت ضدهم‪ .‬لكن النشطاء اليسار ريي ال يتخذون مثل هذا النهج ألنه لن‬ ‫اإلجباري ر‬
‫ر ‪ً .‬‬
‫الحقيق بدال من ذلك‪،‬‬‫ي‬ ‫يلئ احتياجاتهم العاطفية‪ .‬مساعدة السود ليست هدفهم‬ ‫ري‬
‫للسلطة‪.‬‬‫المحبطة ُ‬ ‫للتعبت عن عدائيتهم وحاجتهم ُ‬ ‫ر‬ ‫توفر التوترات العرقية ذريعة لهم‬
‫العداي تجاه األغلبية‬
‫ي‬ ‫وهم بذلك يصون يف الواقع بالسود‪ ،‬ألن موقف النشطاء‬
‫البيضاء يميل إىل تأجيج الكراهية العرقية‪.‬‬
‫يعاي من مشاكل اجتماعية عىل اإلطالق‪ ،‬لكان عىل‬ ‫ي‬ ‫‪ .22‬إذا لم يكن مجتمعنا‬
‫لك يوفروا ألنفسهم ذريعة إلثارة الضجة‪.‬‬ ‫مشاكل‬ ‫اع‬ ‫اليساريي ر‬
‫اخت‬
‫ّي‬ ‫ر‬
‫ع أنه وصف دقيق لكل من يمكن اعتباره يساريا‪ .‬إنه‬ ‫‪ .23‬نؤكد أن ما تقدم ال يد ي‬
‫تقريئ عىل نزعة عامة لليسارية‪.‬‬ ‫ر‬
‫مجرد مؤرس ر ي‬

‫‪12‬‬
‫ّ‬
‫الفوقية االجتماعية‬

‫الئ يتم‬‫ر‬
‫‪ .24‬يستخدم علماء النفس مصطلح "التنشئة االجتماعية" لوصف العملية ي‬
‫التفكت والعمل حسب متطلبات المجتمع‪ُ .‬يقال‬ ‫ر‬ ‫من خاللها تدريب األطفال عىل‬
‫إن الشخص يكون اجتماعيا إذا كان يؤمن بالقواعد األخالقية لمجتمعه ويطيعها‬
‫غت المعقول أن نقول إن العديد‬ ‫وبكونه جزء فعال من ذلك المجتمع‪ .‬قد يبدو من ر‬
‫متمرد‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اجتماعيي‪ ،‬حيث ُينظر إىل اليساري عىل أنه‬ ‫ر‬ ‫من اليسار ريي فوق‬
‫متمردين كما يبدون‪.‬‬ ‫كثت من اليسار ريي ليسوا ّ‬ ‫يمكن الدفاع عن هذا الرأي‪ .‬ر‬
‫الكثت بحيث ال يمكن ألحد أن يفكر‬ ‫األخالف لمجتمعنا يتطلب‬ ‫ر‬ ‫‪ .25‬إن القانون‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫فتض بنا أن نكره‬ ‫ويشعر ويتصف بطريقة أخالقية تماما‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬ال ي ر‬
‫اعتف‬ ‫أي شخص‪ ،‬لكن الجميع تقريبا يكره شخصا ما ف وقت ما أو آخر‪ ،‬سواء ر‬
‫ي‬
‫التفكت‬
‫ر‬ ‫بذلك لنفسه أم ال‪ .‬بعض الناس ُمغالون يف اجتماعيتهم لدرجة أن محاولة‬
‫أخالف تفرض عليهم عبئا شديدا‪ .‬لتجنب الشعور‬ ‫ر‬ ‫والشعور والتصف بشكل‬
‫ي‬
‫يتعي عليهم باستمرار خداع أنفسهم بشأن دوافعهم الخاصة والبحث عن‬ ‫بالذنب‪ ،‬ر‬
‫أخالف‪ .‬نحن‬ ‫ر‬ ‫غت‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫الئ لها يف الواقع أصل ر‬ ‫تفستات أخالقية للمشاعر واألفعال ي‬ ‫ر‬
‫‪[2] .‬‬
‫اجتماع" لوصف هؤالء األشخاص‬ ‫ي‬ ‫نستخدم مصطلح "فوق‬
‫احتام الذات‪ ،‬الشعور بالعجز‪،‬‬ ‫‪ .26‬يمكن أن تؤدي فوق االجتماعية إىل تدي ر‬
‫ي‬
‫ر‬
‫االنهزامية‪ ،‬الشعور بالذنب‪ ،‬وما إىل ذلك‪ .‬من أهم الوسائل ال يئ يعمل مجتمعنا من‬
‫ه بجعلهم يشعرون بالخجل من السلوك‬ ‫خاللها عىل جعل األطفال اجتماعيون ي‬
‫معي‬ ‫أو الكالم المخالف لتوقعات المجتمع‪ .‬إذا كان هذا مبالغا فيه‪ ،‬أو إذا كان طفل ر‬
‫ينته بالشعور بالخجل من نفسه‪.‬‬ ‫ي‬ ‫معرضا بشكل خاص لمثل هذه المشاعر‪ ،‬فإنه‬
‫فكت وسلوك الشخص فوق االجتماع ُم ّ‬ ‫ً‬
‫قيد بتوقعات‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫فإن‬ ‫ذلك‪،‬‬ ‫عىل‬ ‫عالوة‬
‫االجتماع االعتيادي‪ .‬ينخرط غالبية‬ ‫بالشخص‬ ‫الخاصة‬ ‫تلك‬ ‫من‬ ‫المجتمع ر‬
‫أكت‬
‫ي‬
‫كبت من السلوك المشاغب‪ .‬إنهم يكذبون‪ ،‬يرتكبون رسقات تافهة‪،‬‬ ‫الناس يف قدر ر‬
‫قواني المرور‪ ،‬يتكاسلون يف العمل‪ ،‬يكرهون شخصا ما‪ ،‬يقولون أشياء‬ ‫ر‬ ‫يخالفون‬
‫حاقدة أو يستخدمون بعض الحيل المخادعة للتقدم عىل الرجل اآلخر‪ .‬ال يستطيع‬
‫ّ‬
‫االجتماع أن يفعل هذه األشياء‪ ،‬أو إذا فعلها فإنه ُيولد يف نفسه‬ ‫ي‬ ‫الشخص فوق‬

‫‪13‬‬
‫يختت‪،‬‬
‫ر‬ ‫االجتماع أن‬
‫ي‬ ‫إحساسا بالخزي وكراهية الذات‪ .‬ال يستطيع الشخص فوق‬
‫دون الشعور بالذنب‪ ،‬أفكارا أو مشاعر تتعارض مع األخالق المقبولة؛ ال يستطيع‬
‫"غت الطاهرة"‪ .‬والتنشئة االجتماعية ليست مجرد مسألة‬ ‫التفكت يف األفكار ر‬ ‫ر‬
‫الئ ال تندرج‬ ‫ر‬
‫أخالقية؛ نحن اجتماعيون للتوافق مع العديد من قواعد السلوك ي‬
‫االجتماع يتم إبقائه مقيدا بلجام‬ ‫ي‬ ‫تحت عنوان األخالق‪ .‬وهكذا فإن الشخص فوق‬
‫الئ وضعها المجتمع له‪ .‬وينتج عن‬ ‫ر‬
‫ض حياته يف الركض عىل القضبان ي‬ ‫نفس ويق ي‬ ‫ي‬
‫والئ يمكن‬ ‫ر‬
‫االجتماعيي شعورا بالتقييد والعجز ي‬ ‫ر‬ ‫هذا يف العديد من األشخاص فوق‬
‫أكت صور‬ ‫الفوقية االجتماعية ه من بي ر‬ ‫ّ‬ ‫أن‬ ‫ح‬ ‫أن تمثل مشقة بالغة‪ .‬نحن ر‬
‫نقت‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫البرس عىل بعضهم البعض‪.‬‬ ‫الئ يمارسها ر‬ ‫ر‬
‫القسوة ي‬
‫‪ .27‬نحن نجادل يف أن ررسيحة مهمة ومؤثرة للغاية من اليسار الحديث هم فوق‬
‫كبتة يف تحديد اتجاه اليسارية‬ ‫اجتماعيي وأن مغالتهم االجتماعية لها أهمية ر‬ ‫ر‬
‫مثقفي أو أعضاء‬ ‫ر‬ ‫االجتماع إىل أن يكونوا‬
‫ي‬ ‫الحديثة‪ .‬يميل اليساريون من النوع فوق‬
‫الرسيحة ر‬
‫األكت‬ ‫امعيي [‪ ]3‬يشكلون ر‬ ‫يف الطبقة الوسىط العليا‪ .‬الحظ أن‬
‫المثقفي الج ر‬ ‫ر‬
‫أكت ررسيحة يسارية‪.‬‬ ‫اجتماعية يف مجتمعنا وأيضا ر‬
‫النفس ويؤكد استقالليته‬ ‫ي‬ ‫االجتماع أن يتخلص من لجامه‬ ‫ي‬ ‫‪ .28‬يحاول اليساري فوق‬
‫أكت القيم أساسية‬ ‫للتمرد عىل ر‬ ‫ّ‬ ‫يكق‬ ‫التمرد‪ .‬لكنه عادة ال يكون قويا بما‬ ‫ّ‬ ‫عت‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫للمجتمع‪ .‬بشكل عام‪ ،‬أهداف اليسار ريي اليوم ال تتعارض مع األخالق المقبولة‪.‬‬
‫ً‬
‫عىل النقيض من ذلك‪ ،‬يأخذ اليسار مبدأ أخالقيا مقبوًل‪ ،‬ويتبناه عىل أنه مبدأ خاص‬
‫به‪ ،‬ثم يتهم المجتمع السائد بانتهاك هذا المبدأ‪ .‬أمثلة‪ :‬المساواة العرقية‪ ،‬المساواة‬
‫الجنسي‪ ،‬مساعدة الفقراء‪ ،‬السالم يف مقابل الحرب‪ ،‬الالعنف بشكل عام‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ربي‬
‫التعبت‪ ،‬الرفق بالحيوانات‪ .‬واألهم من ذلك هو واجب الفرد يف خدمة‬ ‫ر‬ ‫حرية‬
‫المجتمع وواجب المجتمع لرعاية الفرد‪ .‬كانت كل هذه قيما متجذرة بعمق يف‬
‫التعبت عن‬ ‫لفتة طويلة‪ .‬تم‬ ‫مجتمعنا (أو عىل األقل الطبقات الوسىط والعليا) [‪ ]4‬ر‬
‫ر‬
‫احة أو ضمنيا أو ر‬ ‫ً‬
‫بافتاض مسبق يف معظم المواد المقدمة إلينا من‬ ‫هذه القيم ض‬
‫يتمرد اليساريون‪،‬‬ ‫قبل وسائل االتصال اإلعالمية الرئيسية والنظام التعليىم‪ .‬ال ّ‬
‫ي‬ ‫ً‬
‫االجتماعيي‪ ،‬عادة ضد هذه المبادئ ولكنهم ريترون عداءهم للمجتمع‬ ‫ر‬ ‫خاصة فوق‬
‫يلتم بهذه المبادئ‪.‬‬ ‫من خالل االدعاء (بدرجة من الحقيقة) بأن المجتمع ال ر‬

‫‪14‬‬
‫االجتماع ارتباطه‬
‫ي‬ ‫الئ ُيظهر بها اليساري فوق‬ ‫ر‬
‫يىل توضيح للطريقة ي‬ ‫‪ .29‬فيما ي‬
‫تمرد ضده‪.‬‬‫الحقيق بالمواقف التقليدية لمجتمعنا بينما يتظاهر بأنه ف حالة ّ‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫يضغط العديد من اليسار ريي من أجل الدمج اإلجباري‪ ،‬لنقل السود إىل وظائف‬
‫تحسي التعليم يف مدارس السود والمزيد من األموال‬ ‫ر‬ ‫رفيعة المستوى‪ ،‬من أجل‬
‫يعتتون طريقة حياة "الطبقة الدنيا" السوداء وصمة اجتماعية‪.‬‬ ‫لهكذا مدارس؛ ر‬
‫ً‬
‫محاميا‪ ،‬عالما‬ ‫يريدون دمج الرجل األسود يف النظام‪ ،‬جعله مديرا تنفيذيا لألعمال‪،‬‬
‫ستد اليساريون بأن آخر ما يريدون‬ ‫تماما مثل البيض من الطبقة الوسىط العليا‪ .‬ر‬
‫ً‬
‫هو تحويل الرجل األسود إىل نسخة من الرجل األبيض؛ بدال من ذلك‪ ،‬يريدون‬
‫الحفاظ عىل الثقافة األفريقية األمريكية‪ .‬ولكن من ماذا يتكون هذا الحفاظ عىل‬
‫أكت من تناول طعام عىل‬ ‫الثقافة األفريقية األمريكية؟ بالكاد يتكون من أي رشء ر‬
‫ي‬
‫الطراز األسود‪ ،‬االستماع إىل موسي رق عىل الطراز األسود‪ ،‬ارتداء مالبس عىل الطراز‬
‫األسود والذهاب إىل كنيسة أو مسجد عىل الطراز األسود‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬ال يمكنه‬
‫النواح األساسية‪ ،‬يرغب معظم‬ ‫ي‬ ‫التعبت عن نفسه إال يف األمور السطحية‪ .‬من جميع‬ ‫ر‬
‫ُُ‬
‫االجتماعيي يف جعل الرجل األسود متوافق مع مثل الطبقة الوسىط‬ ‫ر‬ ‫اليسار ريي فوق‬
‫البيضاء‪ .‬إنهم يريدون أن يجعلوه يدرس الموضوعات التقنية‪ ،‬أن يصبح مديرا‬
‫يقض حياته يف تسلق سلم المكانة االجتماعية إلثبات أن السود‬ ‫ي‬ ‫تنفيذيا أو عالما‪ ،‬أن‬
‫"مسؤولي"‪ ،‬يريدون أن تصبح‬ ‫ر‬ ‫بجودة البيض‪ .‬إنهم يريدون جعل اآلباء السود‬
‫ه بالضبط قيم النظام‬ ‫غت عنيفة‪ ،‬وما إىل ذلك‪ .‬لكن هذه ي‬ ‫العصابات السوداء ر‬
‫الئ يستمع إليها الرجل‪ ،‬ما نوع‬ ‫ر ر‬ ‫التقئ‪ .‬ال يهتم النظام ر‬
‫كثتا بنوع الموسيق ي‬ ‫ي‬ ‫الصناع‬
‫ي‬
‫الئ يرتديها أو الدين الذي يؤمن به طالما يدرس يف المدرسة‪ ،‬يتوىل وظيفة‬ ‫ر‬ ‫المالبس‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫غت‬ ‫ر‬
‫محتمة‪ ،‬ويتسلق سلم المكانة االجتماعية‪ ،‬أن يكون والدا "مسؤوال"‪ ،‬أن يكون ر‬
‫عنيف وهكذا دواليك‪ .‬يف الواقع‪ ،‬بغض النظر عن مدى إنكاره‪ ،‬يريد اليساري فوق‬
‫االجتماع دمج الرجل األسود يف النظام وجعله يتبئ قيمه‪.‬‬ ‫ي‬

‫‪15‬‬
‫يتمردون أبدا عىل‬‫االجتماعيي‪ ،‬ال ّ‬
‫ر‬ ‫حئ فوق‬‫‪ .30‬نحن بالتأكيد ال ّندع أن اليسار ريي‪ ،‬ر‬
‫ي‬
‫القيم األساسية لمجتمعنا‪ .‬من الواضح أنهم يفعلون ذلك يف بعض األحيان‪ .‬لقد‬
‫التمرد عىل أحد أهم مبادئ‬ ‫ّ‬ ‫االجتماعيي إىل حد‬
‫ر‬ ‫ذهب بعض اليسار ريي فوق‬
‫المجتمع الحديث من خالل االنخراط يف العنف الجسدي‪ .‬من وجهة نظرهم‪ ،‬فإن‬
‫العنف بالنسبة لهم هو شكل من أشكال "التحرر"‪ .‬بعبارة أخرى‪ ،‬بارتكاب العنف‬
‫الئ تم تطويعهم عليها‪ .‬ألنهم ُمغالون اجتماعيا فقد كانت‬ ‫ر‬
‫يخرقون القيود النفسية ي‬
‫تأي حاجتهم إىل التحرر منها‪.‬‬ ‫أكت ضيقا عليهم من غتهم؛ ومن هنا ر‬ ‫هذه القيود ر‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫تمردهم من منظور القيم السائدة‪ .‬إذا انخرطوا يف أعمال‬ ‫لكنهم عادة ما ريترون ّ‬
‫ّ‬
‫عنف‪ ،‬فإنهم يدعون أنهم يحاربون العنصية أو ما شابه‪.‬‬
‫االعتاضات عىل الرسم المصغر السابق‬ ‫ر‬ ‫‪ .31‬نحن ندرك أنه يمكن إثارة العديد من‬
‫شء مثل الوصف الكامل له سوف‬ ‫ر‬
‫الحقيق معقد‪ ،‬وأي ر‬ ‫للنفسية اليسارية‪ .‬الوضع‬
‫ّ‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫ع فقط‬ ‫يستغرق عدة مجلدات حئ لو كانت البيانات الصورية متوفرة‪ .‬نحن ند ي‬
‫نزعتي يف نفسية اليسارية الحديثة‪.‬‬‫ر‬ ‫أننا رأرسنا تقريبا إىل أهم‬
‫احتام الذات‬ ‫‪ .32‬مشاكل اليساري تدل عىل مشاكل مجتمعنا ككل‪ .‬ال يقتص تدي ر‬
‫ي‬
‫والميول االكتئابية واالنهزامية عىل اليسار‪ .‬عىل الرغم من أنها ملحوظة خصيصا يف‬
‫اجتماعيي إىل حد‬
‫ر‬ ‫منترسة يف مجتمعنا‪ .‬ويحاول مجتمع اليوم جعلنا‬ ‫اليسار‪ ،‬إال أنها ر‬
‫يختوننا عن كيفية تناول الطعام‪ ،‬وكيفية‬ ‫الختاء ر‬
‫حئ أن ر‬ ‫أكت من أي مجتمع سابق‪ .‬ر‬ ‫ر‬
‫ممارسة الرياضة‪ ،‬وكيفية ممارسة الحب‪ ،‬وكيفية تربية أطفالنا وما إىل ذلك‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫عملية ُ‬
‫السلطة‬

‫لسء سندعوه عملية‬ ‫ر‬ ‫ر‬


‫‪ .33‬لدى البرس حاجة (ربما استنادا إىل طبيعتهم الحيوية) ي‬
‫السلطة (وهو أمر معروف عىل‬ ‫كبت مع الحاجة إىل ُ‬
‫السلطة‪ .‬يرتبط هذا األمر بشكل ر‬ ‫ُ‬
‫السلطة من أربعة عناض‪.‬‬ ‫السء نفسه‪ .‬تتكون عملية ُ‬ ‫ر‬
‫نطاق واسع) ولكنه ليس ي‬
‫األكت وضوحا من تلك العناض نسميها الهدف‪ ،‬الجهد وتحقيق الهدف‪.‬‬ ‫ر‬ ‫الثالثة‬
‫(يحتاج كل شخص إىل أهداف يتطلب تحقيقها جهدا‪ ،‬ويحتاج إىل النجاح يف‬
‫أكت صعوبة يف التحديد وقد‬ ‫تحقيق بعض من أهدافه عىل األقل)‪ .‬العنص الرابع ر‬
‫ال يكون ضوريا للجميع‪ .‬نسميه االستقاللية وسنناقشها الحقا (الفقرات ‪.)44-42‬‬
‫شء يريده فقط‬ ‫االفتاضية لرجل بإمكانه أن يحصل عىل أي ر‬ ‫ر‬ ‫‪ .34‬لنأخذ الحالة‬
‫ي‬
‫بتمنيه له‪ .‬هكذا رجل لديه ُسلطة‪ ،‬لكنه سيصاب بمشاكل نفسية ر‬
‫خطتة‪ .‬يف البداية‪،‬‬
‫بالكثت من المرح‪ ،‬لكنه وبمرور الوقت سيصاب بالملل الحاد واإلحباط‪.‬‬ ‫ر‬ ‫سيحىط‬
‫الم رتفة تميل‬
‫ف النهاية قد يصبح مريضا باالكتئاب‪ .‬يكشف التاري ــخ أن طبقة النبالء ُ‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫يتعي عليها أن‬‫الئ ر‬ ‫إىل أن تكون منحلة‪ .‬هذا ال ينطبق عىل طبقة النبالء المقاتلة ي‬
‫ر‬ ‫ُر‬
‫الئ ال تحتاج إىل‬ ‫تكافح للحفاظ عىل سلطتها‪ .‬لكن طبقة النبالء المتفة واآلمنة ي‬
‫إثبات نفسها عادة ما تشعر بالملل‪ ،‬االنحالل واإلحباط‪ ،‬عىل الرغم من امتالكها‬
‫السلطة ليست كافية‪ .‬يجب عىل المرء أن يكون لديه‬ ‫السلطة‪ .‬هذا يدل عىل أن ُ‬ ‫ُ‬
‫أهداف ليمارس ُسلطته للوصول إليها‪.‬‬
‫لسء آخر سوى الحصول عىل الصوريات‬ ‫ر‬
‫‪ .35‬الجميع لديهم أهداف؛ إذا لم يكن ي‬
‫الم رتف‬
‫المادية للحياة‪ :‬الطعام‪ ،‬الماء وأي لباس ومأوى يتطلبهما المناخ‪ .‬لكن النبيل ُ‬
‫يحصل عىل هذه األشياء دون جهد‪ .‬ومن هنا جاء ملله وإحباطه‪.‬‬
‫‪ .36‬عدم تحقيق األهداف الهامة يؤدي إىل الموت إذا كانت األهداف ضورات‬
‫مادية‪ ،‬وإىل اإلحباط إذا كان عدم تحقيق األهداف ال يتعارض مع البقاء‪ .‬يؤدي‬
‫احتام الذات‬‫الفشل المستمر ف تحقيق األهداف طوال الحياة إىل االنهزامية‪ ،‬تدي ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫أو االكتئاب‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الخطتة‪ ،‬يحتاج اإلنسان إىل أهداف‬
‫ر‬ ‫‪ .37‬لهذا‪ ،‬من أجل تجنب المشاكل النفسية‬
‫ّ‬
‫يتطلب تحقيقها جهدا‪ ،‬ويجب أن يكون لديه معدل نجاح معقول يف تحقيق‬
‫أهدافه‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫أنشطة بديلة‬

‫ر‬
‫اإلمتاطور‬‫‪ .38‬لكن ال يشعر كل نبيل متف بالملل واإلحباط‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬ر‬
‫بدال من االنغماس ف المتعة المنحلة‪ّ ،‬‬ ‫ً‬
‫كرس نفسه لعلم األحياء البحرية‪،‬‬ ‫ي‬ ‫هتوهيتو‪،‬‬‫ر‬
‫ممتا فيه‪ .‬عندما ال يضطر الناس إىل بذل جهد لتلبية حاجاتهم‬ ‫وهو مجال أصبح ر‬
‫كثت من الحاالت‪ ،‬يتابعون‬ ‫المادية غالبا ما يضعون أهدافا ُمصطنعة ألنفسهم‪ .‬يف ر‬
‫الئ كانوا سيضعونها يف البحث‬ ‫ر‬
‫هذه األهداف بنفس الطاقة والمشاركة العاطفية ي‬
‫اإلمتاطورية الرومانية أعمالهم‬ ‫ر‬ ‫عن الصوريات المادية‪ .‬وهكذا كان للنبالء يف‬
‫هائلي‬‫ر‬ ‫األوروبيي منذ بضعة قرون وقتا وطاقة‬ ‫ر‬ ‫األدبية؛ استثمر العديد من النبالء‬
‫يف الصيد‪ ،‬رغم أنهم بالتأكيد لم يكونوا بحاجة إىل اللحم؛ تنافس النبالء اآلخرون‬
‫للتوة؛ وبعض النبالء القالئل‪ ،‬مثل‬ ‫عىل المكانة من خالل العروض الباذخة ر‬
‫هتوهيتو‪ ،‬اتجهوا إىل العلم‪.‬‬ ‫ر‬
‫وجه نحو هدف ُمصطنع‬ ‫لتميت نشاط ُم ّ‬ ‫‪ .39‬نستخدم مصطلح "نشاط بديل"‬
‫ر‬
‫وضعه الناس ألنفسهم فقط من أجل الحصول عىل هدف ما للعمل نحوه‪ ،‬أو دعنا‬
‫السع وراء الهدف‪ .‬هنا‬ ‫ي‬ ‫نقول‪ ،‬فقط من أجل "اإلرضاء"* الذي يحصلون عليه من‬
‫الكثت‬
‫كرس ر‬ ‫قاعدة مقبولة عموما لتعريف النشاط البديل‪ :‬بـفرض أن الشخص س ُي ّ‬
‫من الوقت والجهد لتحقيق الهدف ص‪ ،‬مع العلم أن معظم وقته وجهده يذهب‬
‫سع الشخص س وراء الهدف‬ ‫األصل لتلبية حاجاته الحيوية‪ ،‬ومع العلم أيضا أن ي‬ ‫يف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ومشوقة‪،‬‬ ‫ص يتطلب منه استخدام قدراته الجسدية والعقلية بطريقة متنوعة‬
‫اآلي‪ :‬إذا لم يت ّئ لـ الشخص س تحقيق الهدف ص‪ ،‬هل سوف‬ ‫ي‬
‫اسأل نفسك السؤال ر‬
‫السع‬ ‫فإن‬ ‫‪،‬‬ ‫بالنق‬ ‫اإلجابة‬ ‫كانت‬ ‫إذا‬ ‫الشديد؟‬ ‫بالحرمان‬ ‫شعوره‬ ‫ف‬ ‫ذلك‬ ‫ب‬ ‫ّ‬
‫يتسب‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫للهدف ص ال يمثل لـ الشخص س إال مجرد "نشاط بديل"‪.‬‬

‫* يصح ترجمتها بالرضا‪ ،‬اإلشباع‪ ،‬تحقيق (الهدف)‬

‫‪19‬‬
‫ً‬
‫هتوهيتو يف علم األحياء البحرية شكلت نشاطا بديًل‪ ،‬ألنه‬ ‫من الواضح أن دراسات ر‬
‫غت‬ ‫يقض وقته يف العمل يف مهام ر‬ ‫ي‬ ‫هتوهيتو أن‬ ‫من المؤكد تماما أنه إذا كان عىل ر‬
‫مثتة لالهتمام من أجل الحصول عىل ضورات الحياة‪ ،‬فلن يشعر بالحرمان‬ ‫علمية ر‬
‫ترسي ــح ودورات حياة الحيوانات البحرية‪ .‬من ناحية‬ ‫ألنه لم يعرف كل رشء عن علم ر‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫السع وراء الجنس والحب (عىل سبيل المثال) ليس نشاطا بديال‪ ،‬ألن‬ ‫ي‬ ‫أخرى فإن‬
‫حئ لو كان وجودهم ُمرضيا‪ ،‬سيشعرون بالحرمان إذا قضوا حياتهم‬ ‫معظم الناس‪ ،‬ر‬
‫كبت‬ ‫السع وراء قدر ر‬ ‫ي‬ ‫دون أن تكون لهم عالقة أبدا بأحد أعضاء الجنس اآلخر‪( .‬لكن‬
‫ً‬ ‫من الجنس‪ ،‬ر‬
‫أكت مما يحتاجه الشخص يف الحقيقة‪ ،‬يمكن أن يكون نشاطا بديال)‪.‬‬
‫الصناع الحديث ال يلزم سوى الحد األدي من الجهد لتلبية‬ ‫ي‬ ‫‪ .40‬يف المجتمع‬
‫يئ الكتساب بعض المهارات‬ ‫يكق الخضوع رلتنامج تدر ر ي‬ ‫االحتياجات المادية للفرد‪ .‬ي‬
‫الكاف‬
‫ي‬ ‫الصغتة‪ ،‬ثم القدوم إىل العمل يف الوقت المحدد وبذل الجهد الضئيل‬ ‫ر‬ ‫التقنية‬
‫ه قدر معتدل من الذكاء‪ ،‬واألهم من‬ ‫للحفاظ عىل الوظيفة‪ .‬المتطلبات الوحيدة ي‬
‫يعتئ‬‫ي‬ ‫غت‪ .‬إذا كان لدى المرء هذه المواصفات‪ ،‬فإن المجتمع‬ ‫ذلك كله‪ ،‬الطاعة ال ر‬
‫به من المهد إىل اللحد‪( .‬نعم‪ ،‬هناك طبقة دنيا ال يمكن أن تأخذ الصورات المادية‬
‫ُ ّ‬
‫المثت‬ ‫وبالتاىل فليس من ر‬‫ي‬ ‫‪.‬‬‫)‬ ‫السائد‬ ‫المجتمع‬ ‫عن‬ ‫هنا‬ ‫نتحدث‬ ‫لكننا‬ ‫به‪،‬‬ ‫م‬‫سل‬ ‫كأمر م‬
‫العلىم‪،‬‬ ‫ي‬ ‫وه تشمل العمل‬ ‫مىلء باألنشطة البديلة‪ .‬ي‬ ‫للدهشة أن المجتمع الحديث ي‬
‫واألدي‪ ،‬تسلق سلم المناصب يف‬ ‫ري‬ ‫الفئ‬
‫اإلنساي‪ ،‬اإلبداع ي‬‫ي‬ ‫الرياض‪ ،‬العمل‬
‫ي‬ ‫اإلنجاز‬
‫الئ تتوقف‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫بكثت النقطة ي‬ ‫الئ تتجاوز ر‬ ‫الرسكات‪ ،‬اكتساب األموال والسلع المادية ي‬
‫االجتماع عندما تعالج القضايا‬ ‫ي‬ ‫ضاف‪ ،‬والنشاط‬ ‫عندها عن إعطاء أي إشباع مادي إ ي‬
‫الناشطي البيض الذين يعملون من‬ ‫ر‬ ‫الئ ليست مهمة للناشط شخصيا‪ ،‬كما يف حالة‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫غت البيضاء‪ .‬هذه ليست دائما أنشطة بديلة خالصة‪ ،‬نظرا‬ ‫أجل حقوق األقليات ر‬
‫غت‬ ‫مدفوعي جزئيا باحتياجات أخرى ر‬ ‫ر‬ ‫ألن العديد من األشخاص قد يكونون‬
‫العلىم مدفوعا جزئيا بدافع الوجاهة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫الحاجة إىل تحقيق هدف ما‪ .‬قد يكون العمل‬
‫االجتماع المتطرف بدافع‬ ‫ي‬ ‫التعبت عن المشاعر‪ ،‬النشاط‬ ‫ر‬ ‫الفئ بدافع‬ ‫ي‬ ‫اإلبداع‬
‫العدائية‪ .‬ولكن بالنسبة لمعظم األشخاص الذين يسعون خلفها‪ ،‬فإن هذه األنشطة‬
‫كبت منها أنشطة بديلة‪.‬‬ ‫ه يف جزء ر‬ ‫ي‬

‫‪20‬‬
‫عىل سبيل المثال‪ ،‬ربما يوافق غالبية العلماء عىل أن "اإلرضاء" الذي يحصلون‬
‫الئ يكسبونها‪.‬‬‫ر‬
‫عليه من عملهم أهم من المال والوجاهة ي‬
‫تعتت األنشطة البديلة أقل‬‫‪ .41‬بالنسبة للعديد من األشخاص إن لم يكن معظمهم‪ ،‬ر‬
‫الئ يرغب الناس يف تحقيقها‬ ‫ر‬
‫السع وراء أهداف حقيقية (أي األهداف ي‬ ‫ي‬ ‫إرضاءا من‬
‫ر‬
‫المؤرسات‬ ‫السلطة قد تم تحقيقها بالفعل)‪ .‬أحد‬ ‫حئ لو كانت حاجتهم إىل عملية ُ‬ ‫ر‬
‫كثت من الحاالت أو يف معظمها‪ ،‬األشخاص الذين‬ ‫عىل ذلك هو حقيقة أنه‪ ،‬يف ر‬
‫وبالتاىل فإن صانع‬
‫ي‬ ‫يشاركون بعمق يف أنشطة بديلة ال يرضون أبدا‪ ،‬ال يرتاحون أبدا‪.‬‬
‫التوة‪ .‬لم يكد العالم يحل مشكلة‬ ‫المال يسع باستمرار إىل المزيد والمزيد من ر‬
‫ّ‬ ‫واحدة ر‬
‫حئ ينتقل إىل أخرى‪ .‬يقود عداء المسافات الطويلة نفسه إىل الركض دائما‬
‫أبعد وأرسع‪ .‬سيقول العديد من األشخاص الذين يسعون خلف أنشطة بديلة أنهم‬
‫أكت مما يحصلون عليه من‬ ‫يحصلون عىل قدر أكت بكثت من الرضا بهذه األنشطة ر‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫األعمال "العادية" المتمثلة يف تلبية احتياجاتهم الحيوية‪ ،‬ولكن هذا بسبب أنه يف‬
‫حئ أصبح أمرا‬ ‫مجتمعنا الجهد الالزم لتلبية االحتياجات الحيوية تم تقليصه ر‬
‫هامشيا‪ .‬واألهم من ذلك‪ ،‬أن الناس يف مجتمعنا ال ُيشبعون احتياجاتهم الحيوية‬
‫باستقاللية ولكن من خالل العمل كأجزاء من آلة اجتماعية هائلة‪ .‬يف المقابل‪ ،‬يتمتع‬
‫كبت من االستقاللية يف ممارسة أنشطتهم البديلة‪.‬‬ ‫الناس عموما بقدر ر‬

‫‪21‬‬
‫االستقاللية‬

‫غت ضورية لكل فرد‪ .‬لكن معظم‬ ‫السلطة قد تكون ر‬ ‫‪ .42‬االستقاللية كجزء من عملية ُ‬
‫أكت أو أقل من االستقاللية يف العمل نحو أهدافهم‪ .‬يجب‬ ‫الناس يحتاجون إىل درجة ر‬
‫ُ‬
‫أن تبذل جهودهم كمبادرة منهم ويجب أن تكون تحت توجيههم وسيطرتهم‪ .‬ومع‬
‫يتعي عىل معظم الناس ممارسة هذه المبادرة‪ ،‬التوجيه والسيطرة كأفراد‪.‬‬ ‫ذلك‪ ،‬ال ر‬
‫ً‬
‫وبالتاىل إذا ناقش ستة أشخاص‬‫ي‬ ‫‪.‬‬ ‫ة‬‫صغت‬
‫ر‬ ‫مجموعة‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫كعضو‬ ‫العمل‬ ‫يكق‬
‫ي‬ ‫ما‬ ‫ادة‬ ‫ع‬
‫مشتكا ناجحا لتحقيق هذا الهدف‪ ،‬فسيتم تلبية‬ ‫هدفا فيما بينهم وبذلوا جهدا ر‬
‫السلطة‪ .‬لكن إذا عملوا بموجب أوامر صارمة صادرة من أعىل‬ ‫حاجتهم إىل عملية ُ‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫وال رتتك لهم مجاًل التخاذ قرار ومبادرة مستقل ري‪ ،‬فلن يتم تلبية حاجتهم إىل عملية‬
‫ُ‬ ‫السلطة‪ .‬وينطبق ر‬ ‫ُ‬
‫جماع إذا كانت‬
‫ي‬ ‫أساس‬ ‫عىل‬ ‫ات‬‫ر‬‫ا‬‫ر‬ ‫الق‬ ‫تخذ‬ ‫ت‬ ‫السء نفسه عندما‬ ‫ي‬
‫]‪[5‬‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫كبتة جدا بحيث يكون دور كل فرد ضئيًل‪.‬‬ ‫الجماع ر‬ ‫ي‬ ‫الئ تتخذ القرار‬ ‫المجموعة ي‬
‫كبتة لالستقاللية‪ .‬إما أن‬
‫‪ .43‬صحيح أن بعض األفراد يبدو أنهم ليس لديهم حاجة ر‬
‫التماه مع منظمة‬
‫ي‬ ‫للسلطة ضعيفا أو أنهم ُيرضون ذلك من خالل‬ ‫يكون دافعهم ُ‬
‫الئ ال تفكر‪ ،‬ويبدو أنها راضية بإحساس‬ ‫ر‬ ‫قوية ينتمون إليها‪ .‬ثم هناك األنواع ر ّ‬
‫التية‪ ،‬ي‬
‫بالسلطة (الجندي المقاتل الجيد‪ ،‬الذي يحصل عىل إحساسه‬ ‫جسدي بحت ُ‬
‫الئ ُيرضيه استخدامها يف الطاعة العمياء‬ ‫ر‬
‫بالسلطة من خالل تطوير مهارات قتاله ي‬
‫ُ‬
‫لرؤسائه)‪.‬‬
‫السلطة — وجود هدف‪ ،‬بذل‬ ‫‪ .44‬لكن بالنسبة لمعظم الناس فإنه من خالل عملية ُ‬
‫احتام الذات‪ ،‬الثقة بالنفس‬ ‫جهد مستقل وتحقيق الهدف — يتم اكتساب ر‬
‫السلطة‬‫والشعور بالقوة‪ .‬عندما ال يكون لدى المرء فرصة كافية للخوض ف عملية ُ‬
‫ي‬
‫الئ يتم بها تعطيل عملية‬ ‫تكون العواقب (اعتمادا عىل الفرد وعىل الطريقة ر‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫احتام الذات‪ ،‬مشاعر الدونية‪ ،‬االنهزامية‪،‬‬ ‫السلطة) الملل‪ ،‬اإلحباط‪ ،‬تدي ر‬ ‫ُ‬
‫ي‬
‫االكتئاب‪ ،‬القلق‪ ،‬الذنب‪ ،‬اليأس‪ ،‬العدائية‪ ،‬اإلساءة للزوج أو الطفل‪ ،‬نهم اللذة‪،‬‬
‫الطبيع‪ ،‬اضطرابات النوم‪ ،‬اضطرابات األكل‪ ،‬وما إىل ذلك‪.‬‬ ‫ي‬ ‫غت‬‫الجنس ر‬
‫ي‬ ‫السلوك‬
‫]‪[6‬‬

‫‪22‬‬
‫مصادر المشاكل االجتماعية‬

‫أي من األعراض السابقة يف أي مجتمع‪ ،‬ولكنها موجودة يف‬ ‫‪ .45‬يمكن أن تحدث ٌّ‬
‫الصناع الحديث عىل نطاق واسع‪ .‬لسنا أول من ذكر أن العالم اليوم يبدو‬ ‫ي‬ ‫المجتمع‬
‫وكأنه يفقد عقله‪ .‬هذا النوع من األشياء ليس طبيعيا بالنسبة للمجتمعات ر‬
‫البرسية‪.‬‬
‫البداي عاي من إجهاد وإحباط أقل وكان‬ ‫ي‬ ‫هناك سبب وجيه لالعتقاد بأن اإلنسان‬
‫شء‬ ‫أكت رضا بطريقته ف الحياة من اإلنسان الحديث‪ .‬صحيح أنه لم يكن كل ر‬ ‫ر‬
‫ي ً‬ ‫ي‬
‫عرسة" يف المجتمعات البدائية‪ .‬فقد كانت اإلساءة إىل النساء شائعة‬ ‫عرسة عىل ر‬ ‫" ر‬
‫الجنس شائعا إىل حد ما ربي‬ ‫اف‬‫ر‬ ‫االنح‬ ‫وكان‬ ‫‪،‬‬ ‫اليي‬ ‫ر‬
‫األست‬ ‫األصليي‬ ‫ربي السكان‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫بعض القبائل الهندية األمريكية‪ .‬لكن يبدو أنه بالحديث بشكل عام عن أنواع‬
‫الئ ذكرناها يف الفقرة السابقة كانت أقل شيوعا ربي الشعوب البدائية مما‬ ‫ر‬
‫المشاكل ي‬
‫ه عليه يف المجتمع الحديث‪.‬‬ ‫ي‬
‫‪ .46‬نعزو المشاكل االجتماعية والنفسية للمجتمع الحديث إىل حقيقة أن ذلك‬
‫المجتمع يتطلب من الناس أن يعيشوا يف ظروف تختلف اختالفا جذريا عن‬
‫البرسي وأن يتصفوا بطرق تتعارض مع أنماط‬ ‫الئ تطور فيها الجنس ر‬ ‫ر‬
‫الظروف ي‬
‫البرسي خالل معيشتهم يف ظل الظروف السابقة‪.‬‬ ‫الئ طورها الجنس ر‬ ‫ر‬
‫السلوك ي‬
‫السلطة بشكل‬ ‫نعتت عدم وجود فرصة لتجربة عملية ُ‬ ‫يتضح مما كتبناه بالفعل أننا ر‬
‫الئ ُيخضع المجتمع الحديث الناس لها‪.‬‬ ‫ر‬
‫غت الطبيعية ي‬ ‫صحيح كأحد أهم الظروف ر‬
‫السلطة كمصدر للمشاكل‬ ‫ولكنه ليس الوحيد‪ .‬قبل التعامل مع تعطل عملية ُ‬
‫االجتماعية سنناقش بعض المصادر األخرى‪.‬‬
‫الصناع الحديث الكثافة‬ ‫ي‬ ‫غت الطبيعية السائدة يف المجتمع‬ ‫‪ .47‬من ربي الظروف ر‬
‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫التغيت‬
‫ر‬ ‫السكانية المفرطة‪ ،‬عزل اإلنسان عن الطبيعة‪ ،‬الرسعة المفرطة يف‬
‫الصغتة الطبيعية مثل األرسة الممتدة‪ ،‬القرية أو القبيلة‪.‬‬ ‫ر‬ ‫وانهيار المجتمعات‬
‫‪ .48‬من المعروف أن االزدحام يزيد من التوتر والعدوانية‪ .‬إن درجة االزدحام‬
‫التقئ‪ .‬كانت جميع‬ ‫ي‬ ‫ه نتائج للتقدم‬ ‫الموجودة اليوم وعزلة اإلنسان عن الطبيعة ي‬
‫المجتمعات ما قبل الصناعية يف الغالب ريفية‪ .‬أدت الثورة الصناعية إىل زيادة حجم‬
‫كبت‪ ،‬وقد أتاحت التقنية الزراعية‬ ‫المدن ونسبة السكان الذين يعيشون فيها بشكل ر‬

‫‪23‬‬
‫بكثت مما كانت تفعل من قبل‪( .‬أيضا‪،‬‬ ‫ر‬
‫الحديثة لألرض أن تدعم تعدادا سكانيا أكت ر‬
‫تؤدي التقنية إىل تفاقم آثار االزدحام ألنها تضع المزيد من القوى التخريبية يف أيدي‬
‫الناس‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬مجموعة متنوعة من األجهزة المسببة للضوضاء‪:‬‬
‫جزازات العشب‪ ،‬أجهزة المذياع‪ ،‬الدراجات النارية‪ ،‬وما إىل ذلك‪ .‬إذا كان استخدام‬
‫غت مقيد‪ ،‬فإن األشخاص الذين يريدون السالم والهدوء يشعرون‬ ‫هذه األجهزة ر‬
‫باإلحباط من الضوضاء‪ .‬إذا تم تقييد استخدامها‪ ،‬فإن األشخاص الذين يستخدمون‬
‫اختاع هذه اآلالت مطلقا‪،‬‬‫األجهزة يشعرون باإلحباط من اللوائح‪ .‬ولكن إذا لم يتم ر‬
‫فلن يكون هناك ضاع أو إحباط ناتج عنها)‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫يتغت عادة ببطء فقط)‬‫الطبيع (الذي ر‬
‫ي‬ ‫العالم‬ ‫م‬ ‫قد‬ ‫‪ .49‬بالنسبة للمجتمعات البدائية‪،‬‬
‫إطارا مستقرا وبالتاىل شعورا باألمان‪ .‬ف العالم الحديث‪ ،‬يهيمن المجتمع ر‬
‫البرسي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫لتغت‬
‫كبتة بسبب ا ر‬ ‫ويتغت المجتمع الحديث برسعة ر‬ ‫ر‬ ‫عىل الطبيعة وليس العكس‪،‬‬
‫وبالتاىل ال يوجد إطار مستقر‪.‬‬ ‫ي‬ ‫التقئ‪.‬‬
‫ي‬
‫‪ .50‬المحافظون أغبياء‪ :‬يتذمرون من انحالل القيم التقليدية‪ ،‬لكنهم يدعمون‬
‫التقئ والنمو االقتصادي‪ .‬من الواضح أنه لم يخطر ببالهم أبدا أنه‬ ‫ي‬ ‫بحماس التقدم‬
‫تغيتات رسيعة وجذرية يف التقنية واقتصاد المجتمع دون التسبب‬ ‫ال يمكنك إجراء ر‬
‫التغيتات‬
‫ر‬ ‫تغيتات رسيعة يف جميع جوانب المجتمع األخرى أيضا‪ ،‬وأن هذه‬ ‫يف ر‬
‫الرسيعة تؤدي حتما إىل تحطيم القيم التقليدية‪.‬‬
‫الئ تربط المجموعات‬ ‫ر‬
‫يعئ إىل حد ما تفكك الروابط ي‬ ‫‪ .51‬انهيار القيم التقليدية ي‬
‫صغتة الحجم‪ .‬يتم أيضا تعزيز تفكك المجموعات االجتماعية‬ ‫االجتماعية التقليدية ر‬
‫الصغتة من خالل حقيقة أن الظروف الحديثة غالبا ما تتطلب أو تغري األفراد‬ ‫ر‬
‫ً‬
‫فاصلي أنفسهم عن مجتمعاتهم‪ .‬عالوة عىل ذلك‪،‬‬ ‫ر‬ ‫باالنتقال إىل أماكن جديدة‪،‬‬
‫التقئ أن ُيضعف الروابط األرسية والمجتمعات المحلية إذا‬ ‫ي‬ ‫يجب عىل المجتمع‬
‫ً‬
‫كان يريد أن يعمل بكفاءة‪ .‬يف المجتمع الحديث‪ ،‬يجب أن يكون والء الفرد أوال‬
‫صغت الحجم‪ ،‬ألنه إذا كانت الوالءات الداخلية‬ ‫ر‬ ‫للنظام وفقط ثانويا لمجتمع‬
‫الصغتة الحجم أقوى من الوالء للنظام‪ ،‬فإن هذه المجتمعات ستسع‬ ‫ر‬ ‫للمجتمعات‬
‫لتحقيق مصلحتها الخاصة عىل حساب النظام‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ُ ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫عي ابن عمه‪ ،‬صديقه أو‬ ‫‪ .52‬لنفتض أن مسؤوال عاما أو مسؤوًل تنفيذيا يف ررسكة ي ر‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫تعيي الشخص األفضل تأهيال لهذه الوظيفة‪ .‬لقد‬ ‫ابن ملته يف منصب بدال من ر‬
‫ه "المحسوبية" أو‬ ‫الشخض بأن يحل محل والئه للنظام‪ ،‬وهذه ي‬ ‫ي‬ ‫سمح للوالء‬
‫"التميت"‪ ،‬وكالهما خطايا رهيبة يف المجتمع الحديث‪ .‬المجتمعات الصناعية‬ ‫ر‬
‫سئ يف إخضاع الوالءات الشخصية أو المحلية للوالء‬ ‫الئ قامت بعمل ر‬ ‫ر‬
‫الناشئة ي‬
‫وبالتاىل‪ ،‬فإن‬
‫ي‬ ‫غت فعالة للغاية‪( .‬انظر إىل أمريكا الالتينية)*‪.‬‬ ‫للنظام عادة ما تكون ر‬
‫الصغتة‬
‫ر‬ ‫الصناع المتقدم ال يمكنه أن يتحمل سوى تلك المجتمعات‬ ‫ي‬ ‫المجتمع‬
‫‪[7] .‬‬
‫الئ يتم إضعافها وترويضها وتحويلها إىل أدوات للنظام‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫والتغت الرسي ــع وانهيار‬ ‫االعتاف عىل نطاق واسع بأن االزدحام‬ ‫ر‬ ‫‪ .53‬لقد تم‬
‫ر‬
‫لتفست حجم‬ ‫ر‬ ‫المجتمعات كمصادر للمشاكل االجتماعية‪ .‬لكننا ال نعتقد أن هذا ٍ‬
‫كاف‬
‫الئ نراها اليوم‪.‬‬‫ر‬
‫المشكالت ي‬
‫الكبتة والمزدحمة للغاية‪ ،‬ومع‬ ‫‪ .54‬كان يوجد عدد قليل من المدن ما قبل الصناعية ر‬
‫يعاي منه‬
‫ي‬ ‫ذلك ال يبدو أن سكانها عانوا من مشاكل نفسية بالقدر نفسه الذي‬
‫غت مزدحمة‪ ،‬ونجد‬ ‫اإلنسان الحديث‪ .‬يف أمريكا اليوم ال تزال هناك مناطق ريفية ر‬
‫نفس المشاكل الموجودة يف المناطق الحصية‪ ،‬عىل الرغم من أن المشاكل تميل‬
‫وبالتاىل ال يبدو أن االزدحام هو العامل‬ ‫ي‬ ‫إىل أن تكون أقل حدة يف المناطق الريفية‪.‬‬
‫الحاسم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .55‬عىل الحافة المتنامية للحدود األمريكية خالل القرن التاسع ر‬
‫عرس‪ ،‬ربما أدى تنقل‬
‫صغتة الحجم إىل نفس القدر من‬ ‫ر‬ ‫السكان إىل تقسيم األرس الممتدة والمجموعات‬
‫ّ‬
‫لمتفردة باختيارها‬ ‫تفككها اليوم عىل األقل‪ .‬يف الواقع‪ ،‬عاشت العديد من العائالت ا‬
‫تنتىم إىل أي مجتمع عىل‬ ‫ي‬ ‫جتان عىل بعد عدة أميال‪ ،‬ال‬ ‫يف مثل هذه العزلة‪ ،‬بال ر‬
‫اإلطالق‪ ،‬ومع ذلك ال يبدو أنها قد طورت مشاكل نتيجة لذلك‪.‬‬

‫* أو ر‬
‫الرسق األوسط!‬

‫‪25‬‬
‫األمريك رسيعا وعميقا‬‫ي‬ ‫التغيت يف المجتمع الحدودي‬ ‫ر‬ ‫‪ .56‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬كان‬
‫خشئ‪ ،‬خارج نطاق القانون والنظام ويتغذى‬ ‫ري‬ ‫للغاية‪ .‬قد ُيولد الرجل وينشأ يف كوخ‬
‫التية؛ وبحلول الوقت الذي وصل فيه إىل سن الشيخوخة‪،‬‬ ‫إىل حد كبت عىل اللحوم ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫ربما كان يعمل يف وظيفة عادية ويعيش يف مجتمع منظم مع تطبيق قانون فعال‪.‬‬
‫ً‬
‫تغيتا أعمق من ذلك الذي يحدث عادة يف حياة الفرد الحديث‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫كان هذا ر‬
‫األمريك يف القرن‬
‫ي‬ ‫ال يبدو أنه أدى إىل مشاكل نفسية‪ .‬يف الواقع‪ ،‬كان لدى المجتمع‬
‫عرس رنتة متفائلة وثقة بالنفس‪ ،‬تختلف تماما عن تلك السائدة يف مجتمع‬ ‫التاسع ر‬
‫‪[8] .‬‬
‫اليوم‬
‫‪ .57‬االختالف‪ ،‬كما نجادل‪ ،‬هو أن اإلنسان المعاض لديه إحساس ( ُم رتر إىل حد‬
‫حي أن رجل التخوم ف القرن التاسع ر‬
‫عرس كان‬ ‫التغيت مفروض عليه‪ ،‬يف ر‬ ‫ر‬ ‫كب رت) بأن‬
‫ي‬
‫التغيت بنفسه‪ ،‬من خالل اختياره‬ ‫ر‬ ‫كبت) أنه خلق‬ ‫لديه إحساس ( ُم رتر أيضا إىل حد ر‬
‫الشخض وجعلها‬
‫ي‬ ‫الخاص‪ .‬وهكذا استقر أحد الرواد عىل قطعة أرض من اختياره‬
‫مزرعة بجهوده الخاصة‪ .‬يف تلك األيام قد يكون لمقاطعة بأكملها بضع مئات من‬
‫ً‬ ‫السكان فقط وكانت كيانا ر‬
‫أكت عزلة واستقالًل من مقاطعة حديثة‪ .‬ومن هنا شارك‬
‫صغتة نسبيا يف إنشاء مجتمع منظم جديد‪ .‬قد‬ ‫ر‬ ‫المزارع الرائد كعضو يف مجموعة‬
‫عما إذا كان إنشاء هذا المجتمع يمثل تحسينا‪ ،‬ولكنه عىل أية حال‬ ‫يتساءل المرء ّ‬
‫أشبع حاجة الرواد لعملية ُ‬
‫السلطة‪.‬‬
‫تغت رسي ــع و‪/‬أو افتقرت‬ ‫الئ حدث فيها ر‬ ‫ر‬
‫‪ .58‬يمكن إعطاء أمثلة أخرى للمجتمعات ي‬
‫السلوك الهائل الذي‬
‫ي‬ ‫إىل روابط مجتمعية وثيقة بدون هذا النوع من االنحراف‬
‫ّ‬
‫ع أن أهم سبب للمشاكل االجتماعية‬ ‫الصناع اليوم‪ .‬نحن ي‬
‫ند‬ ‫ي‬ ‫نالحظه يف المجتمع‬
‫والنفسية يف المجتمع الحديث هو حقيقة أن الناس ليس لديهم الفرصة الكافية‬
‫السلطة بطريقة طبيعية‪ .‬ال نقصد أن نقول إن المجتمع الحديث‬ ‫للخوض ف عملية ُ‬
‫ي‬
‫ُ‬
‫هو المجتمع الوحيد الذي تعطلت فيه عملية السلطة‪ .‬ربما تدخلت معظم‬
‫أكت أو أقل‪ .‬ولكن‬ ‫السلطة بدرجة ر‬ ‫المجتمعات المتحصة‪ ،‬إن لم يكن كلها‪ ،‬ف عملية ُ‬
‫ي‬
‫الصناع الحديث أصبحت المشكلة حادة بشكل خاص‪ .‬اليسارية‪ ،‬عىل‬ ‫ي‬ ‫يف المجتمع‬
‫ه جزئيا أحد‬ ‫ر‬
‫األخت (من منتصف إىل أواخر القرن العرسين)‪ ،‬ي‬ ‫ر‬ ‫األقل يف شكلها‬
‫السلطة‪.‬‬ ‫أعراض الحرمان فيما يتعلق بعملية ُ‬

‫‪26‬‬
‫تعطيل عملية ُ‬
‫السلطة يف المجتمع الحديث‬

‫ر‬ ‫ر‬
‫الئ يمكن‬ ‫‪ .59‬نقسم الدوافع البرسية إىل ثالث مجموعات‪ )1( :‬تلك الدوافع ي‬
‫الئ يمكن إشباعها ولكن فقط عىل حساب جهد جاد؛‬ ‫ر‬
‫إشباعها بأقل جهد؛ (‪ )2‬تلك ي‬
‫كاف بغض النظر عن مقدار الجهد الذي‬ ‫الئ ال يمكن إشباعها بشكل ٍ‬ ‫ر‬
‫(‪ )3‬تلك ي‬
‫كتت‬ ‫السلطة ه عملية إرضاء دوافع المجموعة الثانية‪ .‬كلما ر‬ ‫يبذله المرء‪ .‬عملية ُ‬
‫ي‬
‫الدوافع يف المجموعة الثالثة‪ ،‬كلما زاد اإلحباط‪ ،‬الغضب‪ ،‬االنهزامية‪ ،‬االكتئاب‪ ،‬وما‬
‫إىل ذلك‪.‬‬
‫البرسية الطبيعية بدفعها إىل‬‫‪ .60‬ف المجتمع الصناع الحديث‪ ،‬تميل الدوافع ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫المجموعتي األوىل والثالثة‪ ،‬وتميل المجموعة الثانية إىل التكون بشكل متايد من‬
‫ر‬
‫الئ تم اصطناعها‪.‬‬ ‫ر‬
‫الدوافع ي‬
‫‪ .61‬يف المجتمعات البدائية‪ ،‬تندرج الصورات المادية بشكل عام يف المجموعة (‪:)2‬‬
‫يمكن الحصول عليها‪ ،‬ولكن فقط عىل حساب جهد جاد‪ .‬لكن المجتمع الحديث‬
‫يميل إىل ضمان الصوريات المادية للجميع يف مقابل الحد األدي من الجهد فقط‪،‬‬
‫وبالتاىل يتم دفع الصورات المادية إىل المجموعة (‪( .)1‬قد يكون هناك خالف‬ ‫ي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حول ما إذا كان الجهد المطلوب لشغل وظيفة "ضئيًل"؛ ولكن عادة‪ ،‬يف الوظائف‬
‫ذات المستوى األدي إىل المتوسط‪ ،‬مهما كان الجهد المطلوب فهو مجرد الطاعة‪.‬‬
‫تجلس أو تقف حيث ُيطلب منك الجلوس أو الوقوف وتفعل ما ُيطلب منك القيام‬
‫به بالطريقة ر ُ‬
‫وف أي‬‫الئ يطلب منك القيام بها‪ .‬نادرا ما تضطر إىل بذل جهد جاد‪ ،‬ي‬ ‫ي‬
‫حال من األحوال من الصعب أن يكون لديك أي استقاللية يف العمل‪ ،‬بحيث ال يتم‬
‫‪[9].‬‬
‫السلطة بشكل جيد)‬‫تلبية الحاجة إىل عملية ُ‬
‫تبق يف المجموعة‬ ‫‪ .62‬االحتياجات االجتماعية‪ ،‬مثل الجنس‪ ،‬الحب والمكانة‪ ،‬غالبا ر‬
‫(‪ )2‬يف المجتمع الحديث‪ ،‬اعتمادا عىل حالة الفرد‪ ]10[ .‬لكن‪ ،‬باستثناء األشخاص‬
‫الذين لديهم دافع قوي بشكل خاص للحصول عىل المكانة‪ ،‬فإن الجهد المطلوب‬
‫السلطة بشكل‬ ‫غت كاف لتلبية الحاجة إىل عملية ُ‬ ‫لتحقيق الدوافع االجتماعية ر‬
‫ٍ‬
‫رض‪.‬‬ ‫ُ‬
‫م ي‬

‫‪27‬‬
‫وبالتاىل‬ ‫المصطنعة لتقع يف المجموعة (‪،)2‬‬ ‫‪ .63‬لذلك تم إنشاء بعض االحتياجات ُ‬
‫ي‬
‫ر‬ ‫ُ‬
‫الئ تجعل‬ ‫تلئ الحاجة إىل عملية السلطة‪ .‬تم تطوير تقنيات الدعاية والتسويق ي‬ ‫ري‬
‫حئ يحلموا‬ ‫الكثت من الناس يشعرون أنهم بحاجة إىل أشياء لم يرغبها أجدادهم أو ر‬ ‫ر‬
‫يكق من المال لتلبية هذه االحتياجات‬ ‫بها‪ .‬يتطلب األمر جهدا جادا لكسب ما ي‬
‫فه تقع يف المجموعة (‪( .)2‬لكن انظر الفقرات ‪.)82-80‬‬ ‫ُ‬
‫المصطنعة‪ ،‬ومن ثم ي‬
‫كبت من خالل‬ ‫السلطة بشكل ر‬ ‫يجب أن يلئ اإلنسان الحديث حاجته إىل عملية ُ‬
‫ري‬
‫الئ أوجدتها صناعة الدعاية والتسويق [‪،]11‬‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫السع وراء االحتياجات المصطنعة ي‬ ‫ي‬
‫ومن خالل األنشطة البديلة‪.‬‬
‫المصطنعة‬ ‫لكثت من الناس‪ ،‬وربما األغلبية‪ ،‬تكون هذه األشكال ُ‬ ‫‪ .64‬يبدو أنه بالنسبة ر‬
‫االجتماعيي‬
‫ر‬ ‫غت كافية‪ .‬إن الموضوع الذي يتكرر يف كتابات النقاد‬ ‫السلطة ر‬ ‫لعملية ُ‬
‫الكثت‬
‫ر‬ ‫العرسين هو اإلحساس بالالهدف الذي ُيصيب‬ ‫ف النصف الثاي من القرن ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ُ‬
‫من الناس يف المجتمع الحديث‪( .‬غالبا ما يطلق عىل انعدام الهدف هذا أسماء‬
‫"التيه االجتماع" أو "فراغ الطبقة الوسىط")‪ .‬ر‬ ‫ّ‬
‫نقتح أن ما يسىم "أزمة‬ ‫ي‬ ‫أخرى مثل‬
‫لاللتام بنشاط‬ ‫الهوية" هو ف الواقع بحث عن إحساس بالهدف‪ ،‬وغالبا ما يكون ر‬ ‫ّ‬
‫ي‬
‫كبت منها رد فعل عىل انعدام الهدف يف الحياة‬ ‫بديل‪ .‬قد تكون الوجودية يف جزء ر‬
‫ينترس البحث عن "اإلرضاء" عىل نطاق واسع يف المجتمع الحديث‪.‬‬ ‫الحديثة‪ ]12[ .‬ر‬
‫ئيس هو‬ ‫لكننا نعتقد أنه بالنسبة لغالبية الناس‪ ،‬فإن النشاط الذي يتمثل هدفه الر ي‬
‫ُ‬
‫يلئ بشكل‬ ‫اإلرضاء (أي نشاط بديل) لن يجلب إرضاءا مرضيا تماما‪ .‬بمعئ آخر‪ ،‬ال ر ي‬
‫السلطة‪( .‬انظر الفقرة ‪ .)41‬ال يمكن إشباع هذه الحاجة‬ ‫كامل الحاجة إىل عملية ُ‬
‫ر‬
‫خارح‪ ،‬مثل الصوريات المادية‪،‬‬ ‫ر ي‬ ‫الئ لها هدف‬ ‫بالكامل إال من خالل األنشطة ي‬
‫الجنس‪ ،‬الحب‪ ،‬المكانة‪ ،‬االنتقام‪ ،‬وما إىل ذلك‪.‬‬
‫السع لتحقيق األهداف من خالل كسب المال‪،‬‬ ‫ي‬ ‫‪ .65‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬عندما يتم‬
‫تسلق سلم المكانة أو العمل كجزء من النظام بطريقة أخرى‪ ،‬يصبح معظم الناس‬
‫يف وضع ال يؤهلهم إلتمام سعيهم باستقاللية‪ .‬معظم العمال هم موظفون لدى‬
‫شخص آخر‪ ،‬وكما رأرسنا يف الفقرة ‪ ،61‬يجب أن يقضوا أيامهم يف فعل ما ُيطلب‬
‫حئ معظم األشخاص الذين‬ ‫الئ ُيطلب منهم القيام بها‪ .‬ر‬ ‫ر‬
‫منهم القيام به بالطريقة ي‬
‫الشخض لديهم فقط استقاللية محدودة‪ .‬إنها شكوى مزمنة‬ ‫ي‬ ‫يعملون لحسابهم‬

‫‪28‬‬
‫المبتدئي من أن أيديهم مقيدة‬‫ر‬ ‫الصغتة ورجال األعمال‬ ‫ر‬ ‫ألصحاب األعمال التجارية‬
‫غت ضورية‪ ،‬لكن‬ ‫الحكوم المفرط‪ .‬ال شك أن بعض هذه اللوائح ر‬ ‫ي‬ ‫بسبب التنظيم‬
‫يف المجمل اللوائح الحكومية أجزاء أساسية وحتمية من مجتمعنا المعقد للغاية‪.‬‬
‫الصغتة اليوم عىل نظام االمتياز‪ .‬ذكرت صحيفة وول‬ ‫ر‬ ‫كبت من األعمال‬ ‫يعمل جزء ر‬
‫الرسكات المانحة لالمتياز تطلب‬ ‫ستيت جورنال قبل بضع سنوات أن العديد من ر‬ ‫ر‬
‫المتقدمي للحصول عىل امتياز إجراء اختبار شخصية مصمم الستبعاد أولئك‬ ‫ر‬ ‫من‬
‫قابلي لالنقياد بشكل‬ ‫الذين لديهم إبداع ومبادرة‪ ،‬ألن مثل هؤالء األشخاص ليسوا ر‬
‫الصغتة‬
‫ر‬ ‫يستثئ من األعمال التجارية‬
‫ي‬ ‫كاف للذهاب مع طاعة نظام االمتياز‪ .‬هذا‬ ‫ٍ‬
‫أمس الحاجة إىل االستقاللية‪.‬‬‫العديد من األشخاص الذين هم ف ّ‬
‫ي‬
‫ر‬
‫‪ .66‬يعيش الناس اليوم تحت حكم ما يفعله النظام من أجلهم أو فيهم أكت مما‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫يفعلونه ألنفسهم‪ .‬وما يفعلونه ألنفسهم يتم أكت فأكت عىل طول القنوات ي‬
‫الئ‬
‫ر‬
‫الئ يوفرها النظام‪ ،‬يجب استغالل‬ ‫يضعها النظام‪ .‬تميل الفرص إىل أن تكون تلك ي‬
‫الختاء إذا‬
‫الئ يحددها ر‬ ‫ر‬ ‫[‪]13‬‬
‫والقواني ‪ ،‬ويجب اتباع التقنيات ي‬ ‫ر‬ ‫الفرص وفقا للوائح‬
‫كان هناك فرصة للنجاح‪.‬‬
‫السلطة تتعطل يف مجتمعنا من خالل عدم كفاية األهداف‬ ‫‪ .67‬وهكذا فإن عملية ُ‬
‫السع وراء األهداف‪ .‬لكنها أيضا تتعطل‬ ‫ي‬ ‫الحقيقية وعدم كفاية االستقاللية يف‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫الئ ال يستطيع‬ ‫الئ تقع يف المجموعة (‪ :)3‬الدوافع ي‬ ‫بسبب تلك الدوافع البرسية ي‬
‫كاف بغض النظر عن مقدار الجهد الذي يبذله‪ .‬أحد هذه‬ ‫المرء إشباعها بشكل ٍ‬
‫الدوافع هو الحاجة إىل األمان‪ .‬تعتمد حياتنا عىل قرارات يتخذها أشخاص آخرون؛‬
‫حئ األشخاص الذين‬ ‫ليس لدينا سيطرة عىل هذه القرارات وعادة ال نعرف ر‬
‫يتخذونها‪"( .‬نحن نعيش يف عالم يتخذ فيه عدد قليل نسبيا من الناس — ربما‬
‫‪ 500‬أو ‪ — 1000‬القرارات المهمة"‪ ،‬فيليب ب‪ .‬هيمان من كلية الحقوق بجامعة‬
‫ً‬
‫أنتوي لويس‪ ،‬نيويورك تايمز‪ 21 ،‬أبريل ‪ .)1995‬حياتنا تعتمد‬ ‫ي‬ ‫عن‬ ‫نقال‬ ‫هارفارد‪،‬‬
‫معايت األمان يف محطة طاقة نووية يتم اتباعها بشكل صحيح؛‬ ‫ر‬ ‫عىل ما إذا كانت‬
‫حول كمية المبيدات المسموح لها بالوصول إىل طعامنا أو مقدار التلوث يف الهواء؛‬
‫حول مدى مهارة (أو عدم كفاءة) طبيبنا؛ ما إذا كنا سنخرس أو سنحصل عىل وظيفة‬
‫قد تعتمد عىل قرارات يتخذها اقتصاديون حكوميون أو مديرو ررسكات؛‬

‫‪29‬‬
‫بتأمي أنفسهم ضد هذه‬ ‫ر‬ ‫وهكذا دواليك‪ .‬معظم األفراد ليسوا يف وضع يسمح لهم‬
‫أكت من) محدود للغاية‪ .‬لذلك فإن بحث الفرد عن األمان يكون‬ ‫التهديدات بشكل ( ر‬
‫حبطا‪ ،‬مما يؤدي إىل الشعور بقلة الحيلة*‪.‬‬ ‫ُ‬
‫م ِ‬
‫البداي أقل أمانا جسديا من اإلنسان الحديث‪ ،‬كما‬ ‫ر‬
‫االعتاض بأن اإلنسان‬ ‫‪ .68‬يمكن‬
‫ي‬
‫يتضح من قص عمره المتوقع؛ ومن ثم فإن اإلنسان الحديث يعاي أقل‪ ،‬وليس ر‬
‫أكت‬ ‫ي‬
‫النفس ال يتوافق بشكل وثيق‬ ‫لبرس‪ .‬لكن األمان‬‫من مقدار انعدام األمان الطبيع ل ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الموضوع بقدر ما هو‬
‫ي‬ ‫مع األمان الجسدي‪ .‬ما يجعلنا نشعر باألمان ليس األمان‬
‫البداي‪ ،‬الذي يهدده‬
‫ي‬ ‫الشعور بالثقة يف قدرتنا عىل االعتناء بأنفسنا‪ .‬يمكن لإلنسان‬
‫حيوان فتاك أو الجوع‪ ،‬أن يدافع عن نفسه أو يسافر بحثا عن الطعام‪ .‬ليس لديه‬
‫يقي من النجاح يف هذه الجهود‪ ،‬لكنه ليس عاجزا بأي حال من األحوال ضد األشياء‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫الئ تهدده‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬فإن الفرد الحديث مهدد بالعديد من األشياء ي‬
‫الئ ال‬ ‫ي‬
‫حول له وال قوة له بها‪ :‬الحوادث النووية‪ ،‬المواد المرسطنة يف الغذاء‪ ،‬التلوث‬
‫الكبتة لخصوصيته‪ ،‬الظواهر‬ ‫ر‬
‫البيئ‪ ،‬الحرب‪ ،‬الصائب المتايدة‪ ،‬انتهاك المنظمات ر‬ ‫ي‬
‫الئ قد تعطل طريقة حياته‪.‬‬ ‫ر‬
‫الوطئ ي‬
‫ي‬ ‫االجتماعية أو االقتصادية عىل الصعيد‬
‫الئ تهدده؛ المرض عىل‬ ‫ر‬
‫البداي عاجز أمام بعض األمور ي‬ ‫ي‬ ‫‪ .69‬صحيح أن اإلنسان‬
‫سبيل المثال‪ .‬لكن يمكنه أن يتقبل مخاطر المرض برزانة‪ .‬إنه جزء من طبيعة‬
‫ر‬
‫خياىل ما‪ .‬لكن التهديدات ي‬
‫الئ‬ ‫ي‬ ‫األشياء‪ ،‬إنه ليس خطأ أحد‪ ،‬إال إذا كان خطأ عفريت‬
‫يتعرض لها الفرد الحديث تميل إىل أن تكون من صنع اإلنسان‪ .‬إنها ليست نتائج‬
‫الصدفة ولكنها مفروضة عليه من ِقبل أشخاص آخرين ال يستطيع أن يؤثر‪ ،‬كفرد‪،‬‬
‫وبالتاىل يشعر باإلحباط‪ ،‬اإلهانة والغضب‪.‬‬
‫ي‬ ‫يف قراراتهم‪.‬‬

‫* يصح ترجمتها بالعجز‪ ،‬الضعف‪ ،‬الوهن‪ ،‬الالسلطة‬

‫‪30‬‬
‫البداي يمتلك يف الغالب أمنه يف يديه (إما كفرد أو كعضو‬ ‫ي‬ ‫‪ .70‬وهكذا فإن اإلنسان‬
‫حي أن أمن اإلنسان الحديث يف أيدي أشخاص أو منظمات‬ ‫صغتة) يف ر‬ ‫يف مجموعة ر‬
‫التأثت عليهم شخصيا‪ .‬لذا فإن‬ ‫كبتة جدا بالنسبة له ليكون قادرا عىل ر‬ ‫بعيدة جدا أو ر‬
‫المجموعتي (‪ )1‬و (‪)3‬؛ يف بعض‬ ‫ر‬ ‫دافع اإلنسان الحديث لألمان يميل إىل الوقوع يف‬
‫المناطق (الغذاء‪ ،‬المأوى‪ ،‬إىل آخره) يتم ضمان أمانه عىل حساب جهد ضئيل‬
‫بسط الوضع‬ ‫فقط‪ ،‬بينما ف مناطق أخرى ال يمكنه تحقيق األمان‪( .‬ما سبق ذكره ُي ّ‬
‫ي‬
‫يشت بطريقة عامة تقريبية إىل كيفية اختالف حالة‬ ‫ر‬
‫كبت‪ ،‬لكنه ر‬ ‫الحقيق إىل حد ر‬ ‫ي‬
‫البداي)‪.‬‬
‫ي‬ ‫اإلنسان الحديث عن تلك لإلنسان‬
‫حبطة‬ ‫الئ تكون بالصورة ُم َ‬ ‫ر‬
‫‪ .71‬لدى الناس العديد من الدوافع أو التعات العابرة ي‬
‫يف الحياة الحديثة‪ ،‬ومن ثم تندرج يف المجموعة (‪ .)3‬قد يغضب المرء‪ ،‬لكن‬
‫حئ‬ ‫كثت من الحاالت ال يسمح ر‬ ‫المجتمع الحديث ال يمكنه السماح بالقتال‪ .‬يف ر‬
‫اللفىط‪ .‬عند الذهاب إىل مكان ما‪ ،‬قد يكون المرء يف عجلة من أمره‪ ،‬أو‬ ‫ي‬ ‫بالعدوان‬
‫قد يكون يف حالة مزاجية للسفر ببطء‪ ،‬ولكن عموما ليس أمامه خيار سوى التحرك‬
‫مع تدفق حركة المرور واالنصياع إلشاراته‪ .‬قد يرغب المرء يف القيام بعمله بطريقة‬
‫عادة ما يمكن للمرء أن يعمل فقط وفقا للقواعد ر‬ ‫ً‬
‫الئ وضعها‬ ‫ي‬ ‫مختلفة‪ ،‬ولكن‬
‫نواح عديدة أخرى أيضا‪ ،‬فإن اإلنسان الحديث مقيد بشبكة‬ ‫ٍ‬ ‫صاحب العمل‪ .‬من‬
‫ر ُ‬
‫تاىل‬
‫ي‬ ‫وبال‬ ‫دوافعه‬ ‫من‬ ‫العديد‬ ‫حبط‬ ‫ت‬ ‫الئ‬
‫والقواني (الصيحة أو الضمنية) ي‬ ‫ر‬ ‫من اللوائح‬
‫السلطة‪ .‬ال يمكن االستغناء عن معظم هذه اللوائح‪ ،‬ألنها ضورية‬ ‫تتدخل ف عملية ُ‬
‫ي‬
‫الصناع‪.‬‬
‫ي‬ ‫لعمل المجتمع‬
‫ر‬
‫الئ ال تمت‬ ‫النواح‪ .‬يف األمور ي‬ ‫ي‬ ‫‪ .72‬إن المجتمع الحديث متساهل للغاية من بعض‬
‫لست النظام يمكننا عموما أن نفعل ما يحلو لنا‪ .‬يمكننا أن نؤمن بأي دين‬ ‫بصلة ر‬
‫خطت عىل النظام)‪ .‬يمكننا الذهاب إىل الفراش مع‬ ‫ر‬ ‫(طالما أنه ال يشجع عىل سلوك‬
‫ر‬
‫شء‬ ‫أي شخص نحبه (طالما أننا نمارس "الجنس اآلمن")‪ .‬يمكننا أن نفعل أي ي‬
‫متايد‬ ‫نحبه طالما أنه غت مهم‪ .‬ولكن ف جميع األمور المهمة‪ ،‬يميل النظام بشكل ر‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫إىل تنظيم سلوكنا‪.‬‬
‫‪ .73‬يتم تنظيم السلوك ليس فقط من خالل قواعد ضيحة وليس فقط من ِقبل‬
‫عت‬ ‫المبارس أو ر‬ ‫ر‬ ‫غت‬‫الحكومة‪ .‬غالبا ما يكون التحكم موجودا من خالل اإلكراه ر‬

‫‪31‬‬
‫غت الحكومة‪ ،‬أو من ِقبل‬ ‫النفس أو التالعب‪ ،‬ومن ِقبل منظمات أخرى ر‬ ‫ي‬ ‫الضغط‬
‫ً‬
‫[‪]14‬‬
‫الكبتة شكال من أشكال الدعاية‬ ‫ر‬ ‫النظام ككل‪ .‬تستخدم معظم المنظمات‬
‫للتالعب بالمواقف أو السلوك العام‪ .‬ال تقتص الدعاية عىل "اإلعالنات التجارية"‬
‫وف بعض األحيان ال ُيقصد بها أن تكون دعاية من قبل األشخاص الذين‬ ‫والتسويق‪ ،‬ي‬
‫التفيهية هو شكل قوي من أشكال‬ ‫يصنعونها‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬محتوى المواد ر‬
‫يجتنا عىل العمل‬ ‫المبارس‪ :‬ال يوجد نص دستوري ر‬ ‫ر‬ ‫الدعاية‪ .‬مثال عىل اإلكراه ر‬
‫غت‬
‫ّ‬ ‫كموظفي مطالبي بالتوقيع يوميا ف ر‬
‫دفت الحضور واإلنصاف واتباع أوامر صاحب‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫كالبدائيي أو الذهاب‬
‫ر‬ ‫العمل‪ .‬فالقانون ليس به ما يمنعنا من الذهاب ر‬
‫للتية للعيش‬
‫يف مغامرة إلنشاء عمل ألنفسنا ولكن من الناحية العملية لم يتبق سوى القليل جدا‬
‫التية‪ ،‬وهناك مساحة يف االقتصاد لعدد محدود فقط من أصحاب‬ ‫من البالد ّ‬
‫ر‬
‫كموظفي لدى شخص آخر‪.‬‬ ‫ر‬ ‫الصغتة‪ .‬ومن ثم يمكن لمعظمنا البقاء فقط‬ ‫ر‬ ‫األعمال‬
‫البدي‬ ‫نقتح أن هوس اإلنسان الحديث بطول العمر‪ ،‬والحفاظ عىل النشاط‬ ‫ر‬ ‫‪.74‬‬
‫ي‬
‫حئ سن متقدمة‪ ،‬هو أحد أعراض عدم اإلرضاء الناجم عن‬ ‫والجاذبية الجنسية ر‬
‫ُ‬
‫ه أحد تلك‬ ‫الحرمان فيما يتعلق بعملية السلطة‪ .‬كما أن "أزمة منتصف العمر" ي‬
‫األعراض‪ .‬وكذلك هو عدم االهتمام بإنجاب األطفال وهو أمر شائع إىل حد ما يف‬
‫تخيل يف المجتمعات البدائية‪.‬‬ ‫غت ُم ّ‬ ‫المجتمع الحديث ولكن يكاد ر‬
‫ه سلسلة من المراحل‪ .‬بإتمام تحقيق‬ ‫‪ .75‬يف المجتمعات البدائية الحياة ي‬
‫احتياجات وأغراض إحدى المراحل‪ ،‬فال يوجد أي تردد محدد يف االنتقال إىل‬
‫السلطة عندما يصبح صيادا‪ ،‬ليس الصيد من‬ ‫المرحلة التالية‪ .‬يمر الشاب بعملية ُ‬
‫أجل الرياضة أو لإلرضاء ولكن للحصول عىل اللحم الصوري للطعام‪( .‬للشابات‪،‬‬
‫السلطة االجتماعية؛ لن نناقش‬ ‫أكت عىل ُ‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫كت بشكل ر‬ ‫تكون العملية أكت تعقيدا‪ ،‬مع الت ر‬
‫ذلك هنا) بعد اجتياز هذه المرحلة بنجاح‪ ،‬ال ريتدد الشاب يف االستقرار وقبول‬
‫الحديثي إنجاب‬
‫ر‬ ‫مسؤوليات إنشاء أرسة‪ ( .‬يف المقابل‪ ،‬يؤجل بعض األشخاص‬
‫غت معلوم ألنهم مشغولون جدا يف البحث عن نوع من "اإلرضاء"‪.‬‬ ‫األطفال لوقت ر‬
‫واف —‬ ‫نقتح أن اإلرضاء الذي يحتاجون إليه هو اختبار عملية ُ‬ ‫ر‬
‫بشكل ٍ‬‫ٍ‬ ‫السلطة‬
‫ً‬
‫بأهداف حقيقية بدال من أهداف ُمصطنعة ألنشطة بديلة)‪ .‬مرة أخرى‪ ،‬بعد أن‬
‫السلطة من خالل تزويدهم بالصورات‬ ‫عت خوض عملية ُ‬ ‫نجح يف تربية أطفاله‪ ،‬ر‬

‫‪32‬‬
‫داي أن عمله قد تم وأنه مستعد لقبول الشيخوخة (إذا‬ ‫المادية‪ ،‬يشعر الرجل الب ي‬
‫نجا هذا الوقت الطويل) والموت‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬يشعر العديد من األشخاص‬
‫الحديثي باالنزعاج من حتمية التدهور الجسدي والموت‪ ،‬كما يتضح من مقدار‬ ‫ر‬
‫الجهد الذي يبذله يف محاولة الحفاظ عىل حالتهم البدنية ومظهرهم وصحتهم‪.‬‬
‫ً‬
‫نحن نجادل يف أن هذا يرجع إىل عدم اإلرضاء الناجم حقيقة من أنهم لم يستخدموا‬
‫السلطة‬‫قواهم البدنية مطلقا ف أي استخدام عمىل‪ ،‬ولم يخضعوا أبدا لعملية ُ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫البداي‪ ،‬الذي استخدم جسده‬ ‫ي‬ ‫باستخدام أجسادهم بطريقة جادة‪ .‬ليس اإلنسان‬
‫يخس تدهور العمر‪ ،‬ولكنه اإلنسان الحديث‪ ،‬الذي‬ ‫يوميا ألغراض عملية‪ ،‬هو الذي ر‬
‫المس من سيارته إىل متله‪ .‬إنه الرجل‬ ‫لم يكن لجسده أبدا فائدة عملية بما تتجاوز ر‬
‫ي‬
‫السلطة خالل حياته هو األفضل استعدادا لقبول‬ ‫الذي تم إشباع حاجته إىل عملية ُ‬
‫نهاية تلك الحياة‪.‬‬
‫‪ .76‬ردا عىل الحجج الواردة يف هذا القسم‪ ،‬سيقول أحدهم‪" ،‬يجب عىل المجتمع‬
‫السلطة"‪ .‬هذا لن ينجح مع‬ ‫أن يجد طريقة لمنح الناس الفرصة لخوض عملية ُ‬
‫السلطة‪ .‬بالنسبة لهؤالء‬ ‫أولئك الذين يحتاجون إىل االستقاللية ف عملية ُ‬
‫ي‬
‫تدمت قيمة الفرصة من خالل حقيقة أن المجتمع يمنحها لهم‪ .‬ما‬ ‫األشخاص‪ ،‬يتم ر‬
‫يحتاجونه هو العثور عىل فرصهم الخاصة أو صنعها‪ .‬طالما أن النظام يمنحهم‬
‫مقيدا لهم‪ .‬لتحقيق االستقاللية يجب عليهم التخلص من هذا‬ ‫فرصهم فإنه ال يزال ّ‬
‫اللجام‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫كيف ّ‬
‫يتكيف بعض األشخاص‬

‫حئ أن بعض‬ ‫‪ .77‬ال يعاي كل فرد ف مجتمع الصناع التقئ من مشاكل نفسية‪ .‬ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الناس يصحون بأنهم راضون تماما عن المجتمع كما هو‪ .‬نناقش اآلن بعض‬
‫كبتا يف استجابتهم للمجتمع الحديث‪.‬‬ ‫الئ تجعل الناس يختلفون اختالفا ر‬ ‫ر‬
‫األسباب ي‬
‫ً‬
‫أوال‪ ،‬هناك بال شك اختالفات ف قوة الدافع إىل ُ‬
‫السلطة‪ .‬قد يكون األفراد الذين‬ ‫‪.78‬‬
‫ي‬
‫السلطة‪ ،‬أو عىل‬‫للسلطة بحاجة قليلة نسبيا لخوض عملية ُ‬ ‫لديهم دافع ضعيف ُ‬
‫األقل حاجة قليلة نسبيا لالستقاللية ف عملية ُ‬
‫السلطة‪ .‬هذه أنواع سهلة االنقياد‬ ‫ي‬
‫األمريك‬
‫ي‬ ‫كان من الممكن أن تكون سعيدة مثل عبيد المزارع السود يف الجنوب‬
‫القديم‪( .‬نحن ال نقصد السخرية من "عبيد المزارع السود" يف الجنوب القديم‪.‬‬
‫إحقاقا لهم فأن معظم العبيد لم يرضوا بعبوديتهم‪ .‬نحن نسخر من األشخاص‬
‫الذين يرضون بالعبودية)‪.‬‬
‫االستثناي‪ ،‬الذي يف سعيهم ورائه‬
‫ي‬ ‫‪ .79‬بعض الناس قد يكون لديهم بعض الدافع‬
‫السلطة‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬أولئك الذين لديهم دافع‬ ‫يلبون احتياجاتهم لعملية ُ‬
‫غت عادي للمكانة االجتماعية قد يقضوا حياتهم كلها يف تسلق سلم‬ ‫قوي بشكل ر‬
‫المكانة دون الشعور بالملل من هذه اللعبة‪.‬‬
‫‪ .80‬يتفاوت الناس من حيث قابليتهم للتأثر بتقنيات اإلعالن والتسويق‪ .‬البعض‬
‫كبتا من المال‪ ،‬فلن يتمكنوا من إرضاء‬ ‫حئ لو حققوا قدرا ر‬ ‫قابل للغاية لدرجة أنه ر‬
‫ر ُ ّ‬
‫الئ تدليها صناعة التسويق أمام أعينهم‪.‬‬ ‫نهمهم المستمر لأللعاب الالمعة الجديدة ي‬
‫كبتا‪ ،‬ورغباتهم‬
‫حئ لو كان دخلهم ر‬ ‫لذا فهم دائما يشعرون بضغوط مالية شديدة ر‬
‫حبطة‪.‬‬‫ستكون ُم َ‬
‫‪ .81‬بعض الناس لديهم قابلية منخفضة للتأثر بتقنيات اإلعالن والتسويق‪ .‬هؤالء‬
‫هم األشخاص الذين ال يهتمون بالمال‪ .‬االستحواذ المادي ال يخدم حاجتهم لعملية‬
‫ُ‬
‫السلطة‪.‬‬
‫‪ .82‬إن األشخاص الذين لديهم قابلية متوسطة للتأثر بأساليب اإلعالن والتسويق‬
‫يكق من المال إلشباع رغبتهم يف الحصول عىل السلع‬ ‫قادرون عىل كسب ما ي‬
‫والخدمات‪ ،‬ولكن فقط عىل حساب جهد جاد (العمل لساعات إضافية‪ ،‬االلتحاق‬

‫‪34‬‬
‫وبالتاىل فإن االستحواذ المادي يخدم‬ ‫التقيات‪ ،‬وما إىل ذلك)‪.‬‬‫بوظيفة ثانية‪ ،‬كسب ر‬
‫ي‬
‫يعئ بالصورة إشباع حاجتهم بالكامل‪ .‬قد‬ ‫ُ‬
‫حاجتهم لعملية السلطة‪ .‬ولكن هذا ال ي‬
‫السلطة (قد يتكون عملهم من اتباع‬ ‫غت كافية ف عملية ُ‬ ‫يكون لديهم استقاللية ر‬
‫ي‬
‫حبطة (عىل سبيل المثال‪ ،‬األمن‪ ،‬العدوانية)‪.‬‬ ‫األوامر) وقد تكون بعض دوافعهم ُم َ‬
‫(نحن مذنبون بالمبالغة ف التبسيط ف الفقرات ‪ 82-80‬ألننا ر‬
‫افتضنا أن الرغبة يف‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ه بالكامل من إنشاء صناعة اإلعالن والتسويق‪ .‬بالطبع ليس‬ ‫االستحواذ المادي ي‬
‫‪[11].‬‬
‫األمر بهذه البساطة)‬
‫التماه مع منظمة‬ ‫خالل‬ ‫من‬ ‫لطة‬ ‫‪ .83‬بعض الناس ُي ّلبون جزئيا حاجتهم إىل ُ‬
‫الس‬
‫ي‬
‫جماهتية‪ .‬ينضم الفرد الذي يفتقر إىل األهداف أو القوة إىل حركة أو‬ ‫ر‬ ‫قوية أو حركة‬
‫منظمة‪ ،‬يتبئ أهدافها عىل أنها أهدافه الخاصة‪ ،‬ثم يعمل عىل تحقيق تلك‬
‫األهداف‪ .‬عندما يتم تحقيق بعض األهداف‪ ،‬يشعر الفرد‪ ،‬عىل الرغم من أن جهوده‬
‫الشخصية لم تلعب سوى دور ضئيل يف تحقيق األهداف‪( ،‬من خالل تماهيه مع‬
‫السلطة‪ .‬هذه الظاهرة استغلها‬ ‫الحركة أو المنظمة) كما لو كان قد مر بعملية ُ‬
‫الفاشيون‪ ،‬النازيون والشيوعيون‪ .‬يستخدمها مجتمعنا أيضا‪ ،‬وإن كان بشكل أقل‬
‫فظاظة‪ .‬مثال‪ :‬كان مانويل نورييغا* مصدر إزعاج للواليات المتحدة (الهدف‪:‬‬
‫معاقبة نورييغا)‪ .‬غزت الواليات المتحدة بنما (جهد) وعاقبت نورييغا (تحقيق‬
‫األمريكيي‪،‬‬
‫ر‬ ‫السلطة والعديد من‬ ‫الهدف)‪ .‬وهكذا خاضت الواليات المتحدة عملية ُ‬
‫غت ر‬
‫مبارس‪.‬‬ ‫السلطة بشكل ر‬ ‫بسبب تماهيهم مع الواليات المتحدة‪ ،‬خاضوا عملية ُ‬
‫ومن هنا جاءت الموافقة العامة عىل نطاق واسع عىل غزو بنما؛ أعطت الناس‬
‫الرسكات‪ ،‬األحزاب‬‫لسلطة‪ ]15[ .‬نشهد نفس الظاهرة ف الجيوش‪ ،‬ر‬ ‫إحساسا با ُ‬
‫ي‬
‫السياسية‪ ،‬المنظمات اإلنسانية والحركات الدينية أو العقائدية‪ .‬عىل وجه‬
‫الخصوص‪ ،‬تميل الحركات اليسارية إىل جذب األشخاص الذين يسعون إىل إشباع‬
‫كبتة أو‬‫تماه مع منظمة ر‬ ‫السلطة‪ .‬لكن بالنسبة لمعظم الناس‪ ،‬فإن ال‬ ‫حاجتهم إىل ُ‬
‫ي‬
‫السلطة‪.‬‬ ‫جماهتية ال يلئ بشكل كامل الحاجة إىل ُ‬ ‫ر‬ ‫حركة‬
‫ري‬

‫بنىم ربق ف ُ‬
‫السلطة بعد استيالئه عليها بدعم من وكالة االستخبارات األمريكية‬ ‫ّ‬
‫* عسكري ي ي ي‬

‫‪35‬‬
‫ه من خالل‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫يلئ بها الناس حاجتهم إىل عملية السلطة ي‬ ‫الئ ر ي‬
‫‪ .84‬الطريقة األخرى ي‬
‫األنشطة البديلة‪ .‬كما أوضحنا يف الفقرات ‪ ،40-38‬فإن النشاط البديل هو نشاط‬
‫موجه نحو هدف ُمصطنع يسع الفرد لتحقيقه من أجل "اإلرضاء" الذي يحصل‬
‫السع وراء الهدف‪ ،‬وليس ألنه يحتاج إىل تحقيق الهدف بحد ذاته‪ .‬عىل‬ ‫ي‬ ‫عليه من‬
‫عمىل لبناء عضالت ضخمة‪ ،‬أو ضب كرة بيضاء‬ ‫ي‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬ال يوجد دافع‬
‫التيدية‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫صغتة يف حفرة أو الحصول عىل سلسلة كاملة من الطوابع ر‬ ‫ر‬
‫الكثت من الناس يف مجتمعنا أنفسهم بشغف لبناء األجسام‪ ،‬الجولف أو‬ ‫ر‬ ‫يكرس‬
‫وبالتاىل سوف يعلقون‬ ‫هم‪،‬‬‫غت‬ ‫من‬ ‫أكت‬ ‫"منقادون" ر‬ ‫جمع الطوابع‪ .‬بعض األشخاص ُ‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫أكت عىل نشاط بديل لمجرد أن الناس من حولهم يعاملونه عىل أنه مهم أو‬ ‫أهمية ر‬
‫يختهم أنه مهم‪ .‬هذا هو السبب يف أن بعض األشخاص يتعاملون‬ ‫ألن المجتمع ر‬
‫بجدية شديدة بشأن أنشطة تافهة بوضوح مثل متابعة الرياضة أو لعبة الطاولة أو‬
‫الشطرنج أو المالحقات العلمية الغامضة‪ ،‬بينما ال يرى آخرون ممن لديهم رؤية‬
‫كبتة‬
‫وبالتاىل ال يولونها أبدا أهمية ر‬
‫ي‬ ‫ه‪،‬‬
‫أفضل هذه األشياء إال أنشطة بديلة كما ي‬
‫كثت‬ ‫السلطة بهذه الطريقة‪ .‬ر‬ ‫لتلبية حاجتهم إىل عملية ُ‬
‫نشت إىل أنه يف ر‬‫يبق فقط أن ر‬
‫ه أيضا نشاط بديل‪.‬‬ ‫تكون طريقة الشخص يف كسب لقمة العيش ي‬ ‫من الحاالت‬
‫ً‬
‫ليس نشاطا بديال نقيا‪ ،‬حيث أن جزءا من الدافع لهذا النشاط هو اكتساب‬
‫الصوريات المادية و(بالنسبة لبعض األشخاص) المكانة االجتماعية والكماليات‬
‫الكثت من الناس يبذلون يف عملهم جهدا‬ ‫الئ تجعلهم اإلعالنات يرغبون فيها‪ .‬لكن ر‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫بكثت مما هو ضوري لكسب أي أموال أو مكانة يحتاجون إليها‪ ،‬وهذا الجهد‬ ‫أكت ر‬ ‫ر‬
‫‪ً.‬‬
‫العاطق المصاحب‬
‫ي‬ ‫اإلضاف‪ ،‬مع االستثمار‬
‫ي‬ ‫اإلضاف يشكل نشاطا بديال هذا الجهد‬ ‫ي‬
‫الئ تعمل من أجل التطوير المستمر وتحقيق الكمال‬ ‫ر‬
‫له‪ ،‬هو واحد من أقوى القوى ي‬
‫للنظام‪ ،‬مع عواقب سلبية عىل الحرية الفردية (انظر الفقرة ‪ .)131‬بالنسبة للعلماء‬
‫األكت إبداعا عىل وجه الخصوص‪ ،‬يميل العمل إىل أن يكون نشاطا‬ ‫ر‬ ‫والمهندسي‬
‫ر‬
‫ً‬
‫كبت‪ .‬هذه النقطة مهمة للغاية لدرجة أنها تستحق مناقشة منفصلة‪،‬‬ ‫ر‬ ‫حد‬ ‫إىل‬ ‫بديًل‬
‫سنعطيها لها بعد قليل (الفقرات ‪.)92-87‬‬

‫‪36‬‬
‫يلئ العديد من األشخاص يف المجتمع الحديث‬ ‫‪ .85‬يف هذا القسم‪ ،‬أوضحنا كيف ر ي‬
‫بدرجة أو بأخرى‪ .‬لكننا نعتقد أنه بالنسبة لغالبية الناس‪،‬‬ ‫حاجتهم إىل عملية ُ‬
‫السلطة‬
‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫فإن الحاجة إىل عملية ُ‬
‫السلطة لم تشبع تماما‪ .‬يف المقام األول‪ ،‬فإن أولئك الذين‬
‫لديهم دافع ال يشبع للحصول عىل المكانة‪ ،‬أو الذين "يعلقون" بقوة عىل نشاط‬
‫السلطة‬‫بديل‪ ،‬أو الذين يتعاطفون بقوة كافية مع حركة أو منظمة لتلبية حاجتهم إىل ُ‬
‫اض تماما عن أنشطة‬ ‫غت ر ٍ‬ ‫بهذه الطريقة‪ ،‬هم شخصيات استثنائية‪ .‬البعض اآلخر ر‬
‫الثاي‪ ،‬يفرض‬‫ي‬ ‫الفقرتي ‪ 41‬و ‪ .)64‬يف المقام‬
‫ر‬ ‫بالتماه مع منظمة (انظر‬
‫ي‬ ‫بديلة أو‬
‫كبتا من التحكم من خالل التنظيم الصي ــح أو من خالل التنشئة‬ ‫النظام قدرا ر‬
‫االجتماعية‪ ،‬مما يؤدي إىل ضعف االستقاللية‪ ،‬واإلحباط بسبب استحالة تحقيق‬
‫الكثت من التعات‪.‬‬
‫أهداف معينة وضورة تقييد ر‬
‫اضي تماما‪ ،‬فإننا‬
‫التقئ ر ر‬ ‫الصناع‬ ‫حئ لو كان معظم الناس يف المجتمع‬ ‫‪ .86‬لكن ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫)‪ *(FC‬سنظل نعارض هذا الشكل من المجتمع‪ ،‬ألننا (من ربي أسباب أخرى) ر‬
‫نعتت‬
‫المهي تلبية حاجة المرء إىل عملية ال ُسلطة من خالل أنشطة بديلة أو من‬ ‫ر‬ ‫أنه من‬
‫السع لتحقيق أهداف حقيقية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫التماه مع منظمة‪ ،‬وليس من خالل‬
‫ي‬ ‫خالل‬

‫* اختصار لـ "نادي الحرية" كما أطلق المؤلف عىل حركته‬

‫‪37‬‬
‫دوافع العلماء‬

‫‪ّ .‬‬
‫ع بعض العلماء‬ ‫ي‬ ‫يد‬ ‫‪ .87‬العلم والتقنية يقدمان أهم األمثلة عىل األنشطة البديلة‬
‫أنهم مدفوعون "بالفضول" أو بالرغبة يف "إفادة اإلنسانية"‪ .‬لكن من السهل أن نرى‬
‫ئيس لمعظم العلماء‪ .‬بالنسبة إىل‬ ‫أنه ال يمكن أن يكون أي من هذين الدافع الر ي‬
‫"الفضول"‪ ،‬فإن هذا المفهوم هو ببساطة سخيف‪ .‬يعمل معظم العلماء عىل حل‬
‫تثت أي فضول عادي‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬هل‬ ‫والئ ال ر‬ ‫ر‬
‫مشاكل عالية التخصصية ي‬
‫فضوىل بشأن خصائص‬ ‫ر‬
‫الحرسات‬ ‫عالم‬
‫عالم الرياضيات أو ِ‬ ‫عالم الفلك أو ِ‬
‫ِ‬
‫ي‬
‫الكيمياي هو الذي يشعر بالفضول‬ ‫ي‬ ‫األيزوبروبيل ترايميثيل ميثان؟ بالطبع ال‪ .‬فقط‬
‫ه نشاطه‬ ‫ر‬
‫فضوىل حيال ذلك فقط ألن الكيمياء ي‬ ‫ي‬ ‫شء من هذا القبيل‪ ،‬وهو‬ ‫حيال ي‬
‫فضوىل بشأن التصنيف المناسب لنوع جديد من الخنافس؟‬ ‫ي‬ ‫الكيمياي‬
‫ي‬ ‫البديل‪ .‬هل‬
‫ر‬
‫الحرسات‬ ‫الحرسات فقط‪ ،‬وهو مهتم به فقط ألن علم‬ ‫ر‬ ‫عالم‬
‫ال‪ ،‬هذا السؤال يهم ِ‬
‫الحرسات أن يبذلوا جهدا جادا‬ ‫ر‬ ‫وعالم‬
‫ِ‬ ‫الكيمياي‬ ‫هو نشاطه البديل‪ .‬إذا كان عىل‬
‫ي‬
‫مثتة‬‫للحصول عىل الصوريات المادية‪ ،‬وإذا استخدم هذا الجهد قدراتهم بطريقة ر‬
‫العلىم‪ ،‬فلن يعبأوا بشأن األيزوبروبيل ترايميثيل‬ ‫ي‬ ‫غت‬‫السع ر‬ ‫ي‬ ‫لالهتمام ولكن يف بعض‬
‫لنفتض أن نقص األموال المخصصة للتعليم بعد‬ ‫ميثان أو تصنيف الخنافس‪ .‬ر‬
‫ً‬
‫كيمياي‪ .‬يف هذه‬
‫ي‬ ‫من‬ ‫بدال‬ ‫تأمي‬‫بالكيمياي إىل أن يصبح وسيط ر‬ ‫ي‬ ‫التخرج قد أدى‬
‫شء بخصوص‬ ‫ر‬
‫التأمي ولم يكن ليهتم بأي ي‬ ‫ر‬ ‫الحالة كان سيكون مهتما جدا يف مسائل‬
‫الطبيع أن ننسب لمجرد‬ ‫ي‬ ‫األيزوبروبيل ترايميثيل ميثان‪ .‬عىل أي حال‪ ،‬ليس من‬
‫تفست‬
‫ر‬ ‫الفضول مقدار الوقت والجهد اللذين يبذلهما العلماء يف عملهم‪ .‬إن‬
‫"الفضول" لدوافع العلماء ال يصمد‪.‬‬
‫تفست "نفع اإلنسانية" ال يعمل بشكل أفضل‪ .‬بعض األعمال العلمية ليس لها‬ ‫ر‬ ‫‪.88‬‬
‫البرسي كعلم اآلثار أو علم اللغة المقارن عىل‬ ‫عالقة يمكن تصورها برفاهية الجنس ر‬
‫خطتة بشكل واضح‪.‬‬ ‫ر‬ ‫سبيل المثال‪ .‬تقدم بعض مجاالت العلوم األخرى احتماالت‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فإن العلماء يف هذه المجاالت متحمسون لعملهم مثل أولئك الذين‬
‫يطورون اللقاحات أو يدرسون تلوث الهواء‪ .‬لنأخذ حالة الدكتور إدوارد تيلر‪ ،‬الذي‬
‫التوي ــج لمحطات الطاقة النووية‪ .‬هل نشأت هذه‬ ‫كان له دور عاطق واضح ف ر‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫‪38‬‬
‫المشاركة من الرغبة يف إفادة اإلنسانية؟ إذا كان األمر كذلك‪ ،‬فلماذا لم يتأثر الدكتور‬
‫تيلر ألسباب "إنسانية" أخرى؟ إذا كان إنسانيا فلماذا ساعد يف تطوير القنبلة‬
‫الهيدروجينية؟ كما هو الحال مع العديد من اإلنجازات العلمية األخرى‪ ،‬هناك سبب‬
‫البرسية بالفعل‪ .‬هل‬ ‫عما إذا كانت محطات الطاقة النووية تفيد ر‬ ‫كبت من التساؤل ّ‬ ‫ر‬
‫المتاكمة وخطر الحوادث؟ رأى‬ ‫الكهرباء الرخيصة تفوق المخلفات (النووية) ر‬
‫العاطق مع‬
‫ي‬ ‫الدكتور تيلر جانبا واحدا فقط من السؤال‪ .‬من الواضح أن انخراطه‬
‫شخض حصل‬ ‫ي‬ ‫الطاقة النووية لم ينشأ من الرغبة يف "إفادة اإلنسانية" ولكن إلرضاء‬
‫الفعىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫عليه من عمله ومن رؤية ذلك قيد االستخدام‬
‫السء نفسه عىل العلماء بشكل عام‪ .‬مع استثناءات نادرة محتملة‪ ،‬فإن‬ ‫‪ .89‬ينطبق ر‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ي‬
‫دافعهم ليس فضوًل وال رغبة يف إفادة اإلنسانية بل الحاجة إىل خوض عملية‬
‫السلطة‪ :‬أن يكون لديك هدف (مشكلة علمية يجب حلها)‪ ،‬بذل جهد (بحث‬ ‫ُ‬
‫علىم) وبلوغ الهدف (حل المشكلة)‪ .‬العلم نشاط بديل ألن العلماء يعملون أساسا‬ ‫ي‬
‫من أجل اإلرضاء الذي يحصلون عليه من العمل نفسه‪.‬‬
‫‪ .90‬بالطبع‪ ،‬األمر ليس بهذه البساطة‪ .‬تلعب دوافع أخرى دورا للعديد من العلماء‪.‬‬
‫المال والوجاهة عىل سبيل المثال‪ .‬قد يكون بعض العلماء أشخاصا من النوع الذي‬
‫الكثت‬
‫لديه دافع ال يشبع للحصول عىل الوجاهة (انظر الفقرة ‪ )79‬وهذا قد يوفر ر‬
‫من التحفت لعملهم‪ .‬ال شك أن غالبية العلماء‪ ،‬مثل غالبية الجماهت العادية‪ ،‬ر‬
‫أكت‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫أو أقل عرضة لتقنيات اإلعالن والتسويق ويحتاجون إىل المال إلشباع رغباتهم من‬
‫ً‬
‫كبت منه‬ ‫وبالتاىل فإن العلم ليس نشاطا بديال نقيا‪ .‬لكنه يف جزء ر‬
‫ي‬ ‫السلع والخدمات‪.‬‬
‫نشاط بديل‪.‬‬
‫ويشبع العديد من العلماء‬ ‫‪ .91‬أيضا العلم والتقنية يشكالن حركة جماهتية قوية‪ُ ،‬‬
‫ر‬
‫الجماهتية (انظر الفقرة ‪.)83‬‬‫ر‬ ‫التماه مع هذه الحركة‬ ‫للسلطة من خالل‬ ‫حاجتهم ُ‬
‫ي‬
‫البرسي‬‫الحقيق للجنس ر‬ ‫ر‬ ‫يست العلم بشكل أعىم‪ ،‬بغض النظر عن الرفاه‬
‫ي‬ ‫‪ .92‬وهكذا ر‬
‫والمسؤولي‬
‫ر‬ ‫أو ألي معيار آخر‪ ،‬مطيعا فقط لالحتياجات النفسية للعلماء‬
‫الحكوميي ومديري ا رلرسكات الذين يقدمون األموال لألبحاث‪.‬‬ ‫ر‬

‫‪39‬‬
‫طبيعة الحرية‬

‫الصناع بطريقة تمنعه من‬


‫ي‬ ‫التقئ‬
‫ي‬ ‫‪ .93‬سنجادل يف أنه ال يمكن إصالح المجتمع‬
‫تفستها‬
‫ر‬ ‫تضييق مجال حرية اإلنسان تدريجيا‪ .‬ولكن‪ ،‬ألن "الحرية" كلمة يمكن‬
‫ً‬
‫بعدة طرق‪ ،‬يجب علينا أوال أن نوضح نوع الحرية الذي نهتم به‪.‬‬
‫السلطة‪ ،‬بأهداف حقيقية وليست‬ ‫‪ .94‬نعئ بكلمة "الحرية" فرصة خوض عملية ُ‬
‫ي‬
‫ر‬
‫األهداف المصطنعة لألنشطة البديلة‪ ،‬وبدون تدخل‪ ،‬تالعب أو إرساف من أي‬ ‫ُ‬
‫تعئ الحرية أن تكون متحكما (إما كفرد أو كعضو‬‫كبتة‪ .‬ي‬
‫أحد‪ ،‬خاصة من أي منظمة ر‬
‫صغتة) يف قضايا الحياة والموت لوجود المرء‪ :‬الطعام‪ ،‬الملبس‪،‬‬ ‫ر‬ ‫يف مجموعة‬
‫المأوى‪ ،‬والدفاع ضد أي تهديدات قد تكون موجودة يف بيئة المرء‪ .‬الحرية ي‬
‫تعئ‬
‫السلطة)؛ ليس بالقدرة عىل التحكم يف اآلخرين ولكن بالقدرة عىل‬ ‫امتالك القوة ( ُ‬
‫التحكم يف ظروف حياة المرء نفسه‪ .‬ال يتمتع المرء بالحرية إذا كان لدى أي شخص‬
‫كبتة) ُسلطة عىل المرء ذاته‪ ،‬بغض النظر عن مدى اإلحسان‪،‬‬ ‫آخر (خاصة منظمة ر‬
‫السلطة‪ .‬من المهم عدم الخلط ربي الحرية ومجرد‬ ‫التسامح والسماح بممارسة تلك ُ‬
‫اإلذن (انظر الفقرة ‪.)72‬‬
‫‪ُ .95‬يقال إننا نعيش يف مجتمع حر ألن لدينا عددا معينا من الحقوق المضمونة‬
‫دستوريا‪ .‬لكن هذه الحقوق ليست مهمة كما تبدو‪ .‬يتم تحديد درجة الحرية‬
‫الشخصية الموجودة يف المجتمع من خالل البنية االقتصادية والتقنية للمجتمع‬
‫أكت من قوانينه أو شكل حكومته‪ ]16[ .‬كانت معظم الدول الهندية يف نيو إنجالند‬ ‫ر‬
‫ملكية‪ ،‬وكانت العديد من مدن النهضة اإليطالية تحت سيطرة طغاة‪ .‬لكن عند‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫القراءة عن هذه المجتمعات‪ ،‬يتولد لدى المرء انطباع بأنها سمحت بحرية شخصية‬
‫بكثت مما يسمح به مجتمعنا‪ .‬كان هذا جزئيا بسبب افتقارهم إىل اآلليات‬ ‫ر‬
‫أكت ر‬
‫الفعالة لفرض إرادة الحاكم‪ :‬لم تكن هناك قوات ررسطة حديثة ومنظمة جيدا‪ ،‬ال‬
‫كامتات مراقبة‪ ،‬ال ملفات معلومات عن حياة‬ ‫اتصاالت رسيعة بعيدة المدى‪ ،‬ال ر‬
‫العاديي‪ .‬ومن ثم كان من السهل نسبيا التهرب من السيطرة‪.‬‬‫ر‬ ‫المواطني‬
‫ر‬
‫‪ .96‬بالنسبة لحقوقنا الدستورية‪ ،‬انظر عىل سبيل المثال إىل حرية الصحافة‪ .‬نحن‬
‫السلطة‬‫كت ُ‬
‫بالتأكيد ال نقصد ضب ذلك الحق؛ إنها أداة مهمة للغاية للحد من تر ر‬

‫‪40‬‬
‫السياسية وإلبقاء أولئك الذين لديهم ُسلطة سياسية يف الصف من خالل الكشف‬
‫ُ‬
‫العلئ عن أي سوء سلوك من جانبهم‪ .‬لكن حرية الصحافة ليست ذات فائدة تذكر‬ ‫ي‬
‫للمواطن العادي كفرد‪ .‬تخضع وسائل اإلعالم يف الغالب لسيطرة المنظمات ر‬
‫الكبتة‬
‫المدمجة يف النظام‪ .‬يمكن ألي شخص لديه القليل من المال أن يطبع شيئا ما‪ ،‬أو‬
‫يمكنه توزيعه عىل شبكة التواصل المعلوماتية أو بطريقة ما‪ ،‬ولكن ما سيقوله‬
‫وبالتاىل لن يكون لها‬ ‫الئ ر‬
‫تنرسها وسائل اإلعالم‪،‬‬ ‫سيغمره الكم الهائل من المواد ر‬
‫ً‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫عمىل‪ .‬لذلك فإن ترك انطباع يف المجتمع بالكلمات يكاد يكون مستحيًل‬ ‫ي‬ ‫تأثت‬
‫ر‬
‫الصغتة‪ .‬خذنا )‪ (FC‬عىل سبيل المثال‪ .‬إذا‬ ‫ر‬ ‫بالنسبة لمعظم األفراد والمجموعات‬
‫لم نقم بأي عمل عنيف وقمنا بتقديم الكتابات الحالية إىل أحد ر‬
‫النارسين‪ ،‬فمن‬
‫ونرسها‪ ،‬ربما لم تكن لتجتذب العديد من‬ ‫المحتمل أال يتم قبولها‪ .‬إذا تم قبولها ر‬
‫أكت من قراءة‬ ‫تنرسه وسائل اإلعالم ر‬ ‫التفيه الذي ر‬‫القراء‪ ،‬ألنه من الممتع مشاهدة ر‬
‫حئ لو كان لهذه الكتابات العديد من القراء‪ ،‬فإن معظم هؤالء القراء‬ ‫رصي‪ .‬ر‬ ‫مقال ر‬
‫ُ‬
‫الئ ت ّ‬ ‫ر‬
‫عرضهم لها‬ ‫رسعان ما سينسون ما قرأوه ألن أذهانهم غارقة يف كمية المواد ي‬
‫وسائل اإلعالم‪ .‬من أجل إيصال رسالتنا إىل الجمهور مع بعض الفرصة رلتك انطباع‬
‫ُ‬
‫دائم‪ ،‬كان علينا قتل أناس‪.‬‬
‫بكثت مما‬ ‫ر‬
‫‪ .97‬الحقوق الدستورية مفيدة إىل حد ما‪ ،‬لكنها ال تعمل عىل ضمان أكت ر‬
‫يمكن تسميته بمفهوم الطبقة الوسىط للحرية‪ .‬وفقا لذلك المفهوم‪ ،‬فإن اإلنسان‬
‫"الحر" هو يف األساس عنص من عناض اآللة االجتماعية ولديه فقط مجموعة‬
‫معينة من الحريات المقررة والمحددة؛ الحريات المصممة لخدمة احتياجات اآللة‬
‫أكت من احتياجات الفرد‪ .‬وهكذا يتمتع الرجل من الطبقة الوسىط‬ ‫االجتماعية ر‬
‫"الحر" بالحرية االقتصادية ألن ذلك يعزز النمو والتقدم؛ يتمتع بحرية الصحافة‬
‫السياسيي؛ له الحق يف محاكمة‬
‫ر‬ ‫العلئ يقيد سوء السلوك من قبل القادة‬
‫ي‬ ‫ألن النقد‬
‫عادلة ألن الحبس حسب نزوة األقوياء سيص بالنظام‪ .‬كان هذا بوضوح موقف‬
‫سيمون بوليڤار*‪ .‬بالنسبة له‪ ،‬الناس يستحقون الحرية فقط إذا استخدموها لتعزيز‬
‫التقدم (التقدم كما تصورته الطبقة الوسىط)‪ .‬اتخذ مفكرون آخرون وجهة نظر‬
‫مماثلة للحرية باعتبارها مجرد وسيلة لتحقيق غايات جماعية‪.‬‬
‫ويىل‬ ‫ر‬
‫اك ثوري فت ي‬
‫وسياش اشت ي‬
‫ي‬ ‫* قائد عسكري‬

‫‪41‬‬
‫العرسين"‪ ،‬الصفحة ‪،202‬‬ ‫تشيست ش تان‪" ،‬الفكر السياش الصيئ ف القرن ر‬ ‫ر‬ ‫يرسح‬ ‫ر‬
‫ي ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫"يمنح الفرد الحقوق ألنه عضو يف المجتمع‬ ‫فلسفة زعيم الكومينتانغ* هوو هان مي‪ُ :‬‬
‫ر‬
‫يعئ مجتمع األمة‬ ‫وحياته المجتمعية تتطلب مثل هذه الحقوق‪ .‬بالمجتمع‪ ،‬كان هوو ي‬
‫وف الصفحة ‪ 259‬يذكر تان أنه وفقا لكارسوم تشانغ** يجب استخدام الحرية‬ ‫بأرسه"‪ .‬ي‬
‫ر‬
‫الئ يتمتع بها المرء إذا كان‬ ‫لمصلحة الدولة والشعب ككل‪ .‬ولكن ما هو نوع الحرية ي‬
‫بإمكانه استخدامها فقط كما يصفها شخص آخر؟ إن مفهوم )‪ (FC‬للحرية ليس مفهوم‬
‫ّ‬
‫غتهم من ُمنظري الطبقة الوسىط‪ .‬تكمن مشكلة هؤالء‬ ‫بوليڤار‪ ،‬هوو‪ ،‬تشانج أو ر‬
‫ً‬ ‫ُ ّ‬
‫وبالتاىل‬
‫ي‬ ‫‪.‬‬ ‫لهم‬ ‫بديًل‬ ‫ا‬ ‫نشاط‬ ‫االجتماعية‬ ‫النظريات‬ ‫وتطبيق‬ ‫تطوير‬ ‫جعلوا‬ ‫أنهم‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫رين‬ ‫نظ‬ ‫الم‬
‫ُ‬ ‫نظرين ر‬ ‫ُ ّ‬
‫أكت من احتياجات أي أناس قد‬ ‫فإن النظريات مصممة لتلبية احتياجات الم‬
‫ُ‬
‫يكق للعيش يف مجتمع تفرض فيه تلك النظريات‪.‬‬ ‫سئ الحظ بما ي‬ ‫يكونوا ر‬
‫االفتاض أن الشخص‬ ‫ر‬ ‫ينبع‬ ‫‪ .98‬نقطة أخرى يجب توضيحها يف هذا القسم‪ :‬ال‬
‫ي‬
‫يكق‪ .‬الحرية مقيدة جزئيا من خالل‬ ‫يتمتع بحرية كافية لمجرد أنه يقول أن لديه ما ي‬
‫واعي لها‪ ،‬وعالوة عىل ذلك فإن‬ ‫غت ر‬ ‫والئ يكون الناس فيها ر‬ ‫ر‬
‫الضوابط النفسية ي‬
‫أكت من‬‫أفكار العديد من الناس حول ما يشكل الحرية تحكمها األعراف االجتماعية ر‬
‫احتياجاتهم الحقيقية‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬من المحتمل أن يقول العديد من‬
‫االجتماع أن معظم الناس‪ ،‬بما يف ذلك أنفسهم‪ ،‬يتفاعلون‬ ‫ي‬ ‫اليسار ريي من النوع فوق‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫اجتماعيا قليًل جدا وليس أكت من الالزم‪ ،‬ومع ذلك يدفع اليساري فوق‬
‫ثمنا نفسيا باهظا لمستوى اجتماعيته المرتفع‪.‬‬

‫الصيئ‬
‫ي‬ ‫القوم‬
‫ي‬ ‫* الحزب‬

‫الصي‬ ‫اك الحاكم يف‬ ‫ر‬


‫ر‬ ‫** رئيس الحزب االشت ي‬

‫‪42‬‬
‫بعض مبادئ التاري ــخ‬

‫غت منتظم يتكون من أحداث‬ ‫مكون ر‬ ‫مكو رني‪ّ :‬‬


‫‪ .99‬فكر ف التاري ــخ عىل أنه مجموع ّ‬
‫ي‬
‫تميته‪ ،‬ومكون منتظم يتكون من اتجاهات‬ ‫ّ‬ ‫ال يمكن التنبؤ بها وال تتبع نمطا يمكن ر‬
‫تاريخية طويلة األمد‪ .‬نحن هنا نهتم باالتجاهات طويلة األمد‪.‬‬
‫يج طويل األمد‪،‬‬ ‫تغيت طفيف ليؤثر عىل تيار تار ي‬ ‫‪ .100‬المبدأ األول‪ .‬إذا تم إجراء ر‬
‫التغيت دائما مؤقتا تقريبا — وسيعود التيار قريبا إىل حالته‬ ‫ر‬ ‫تأثت هذا‬ ‫فسيكون ر‬
‫السياش‬
‫ي‬ ‫األصلية‪( .‬مثال‪ :‬نادرا ما يكون لحركة اإلصالح المصممة لتنظيف الفساد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫قصت المدى؛ عاجال أم آجال‪ ،‬يرتاح اإلصالحيون ويتسلل‬ ‫تأثت ر‬ ‫يف مجتمع أكت من ر‬
‫عي إىل البقاء ثابتا‪،‬‬ ‫السياش يف مجتمع م ر‬ ‫ً ي‬ ‫الفساد مرة أخرى‪ .‬يميل مستوى الفساد‬
‫السياش دائما‬
‫ي‬ ‫التغت ببطء فقط مع تطور المجتمع‪ .‬عادة‪ ،‬لن يكون التنظيف‬ ‫أو ر‬
‫تغيت طفيف يف المجتمع لن‬ ‫تغيتات اجتماعية واسعة النطاق؛ ر‬ ‫إال إذا صاحبته ر‬
‫يج طويل األمد عىل أنه دائم‪ ،‬ذلك‬ ‫التغيت الطفيف يف تيار تار ي‬
‫ر‬ ‫يكون كافيا)‪ .‬إذا بدا‬
‫يج بالفعل‪ ،‬بحيث‬ ‫التغيت يعمل يف االتجاه الذي يتحرك فيه التيار التار ي‬ ‫ر‬ ‫فقط ألن‬
‫تغيت التيار بل مجرد تم دفعه خطوة لألمام‪.‬‬ ‫لم يتم ر‬
‫‪ .101‬المبدأ األول هو تقريبا تكرار لنفس الكالم‪ .‬إذا لم يكن التيار مستقرا فيما يتعلق‬
‫ً‬
‫عشواي بدال من اتباع اتجاه محدد؛‬ ‫ي‬ ‫الصغتة‪ ،‬فسوف يتجول بشكل‬ ‫ر‬ ‫بالتغتات‬
‫ر‬
‫بمعئ آخر‪ ،‬لن يكون تيارا طويل األمد عىل اإلطالق‪.‬‬
‫يج طويل األمد‬ ‫لتغيت تيار تار ي‬
‫ر‬ ‫يكق‬
‫كبت بما ي‬ ‫الثاي‪ .‬إذا تم إجراء ر‬
‫تغيت ر‬ ‫ي‬ ‫‪ .102‬المبدأ‬
‫سيغت المجتمع ككل‪ .‬بمعئ آخر‪ ،‬المجتمع هو نظام رتتابط فيه‬ ‫ر‬ ‫بشكل دائم‪ ،‬فإنه‬
‫تغيت جميع األجزاء‬ ‫تغيت أي جزء مهم بشكل دائم دون ر‬ ‫جميع األجزاء‪ ،‬وال يمكنك ر‬
‫األخرى أيضا‪.‬‬
‫لتغيت اتجاه طويل األجل بشكل‬ ‫ر‬ ‫يكق‬‫كبت بما ي‬ ‫‪ .103‬المبدأ الثالث‪ .‬إذا تم إجراء ر‬
‫تغيت ر‬
‫دائم‪ ،‬فال يمكن التنبؤ مسبقا بالعواقب عىل المجتمع ككل‪( .‬ما لم تمر مجتمعات‬
‫وف هذه الحالة‬ ‫التغيت وعانت جميعها من نفس العواقب‪ ،‬ي‬ ‫ر‬ ‫أخرى مختلفة بنفس‬
‫التغيت سيمر‬
‫ر‬ ‫يمكن للمرء أن يتنبأ عىل أسس تجريبية بأن مجتمعا آخر يمر بنفس‬
‫بعواقب مماثلة)‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ .104‬المبدأ الرابع‪ .‬ال يمكن تصميم نوع جديد من المجتمع عىل الورق‪ .‬أي أنه ال‬
‫الرسوع يف تنفيذه‬ ‫يمكنك التخطيط لشكل جديد من أشكال المجتمع مسبقا‪ ،‬ثم ر‬
‫وتوقع أن يعمل كما تم تصميمه للقيام به‪.‬‬
‫‪ .105‬إن المبدأين الثالث والرابع ناتجان عن تعقيدات المجتمعات ر‬
‫البرسية‪ .‬سيؤثر‬
‫البرسي عىل اقتصاد المجتمع وبيئته المادية؛ سيؤثر االقتصاد‬ ‫التغيت ف السلوك ر‬
‫ر ي‬
‫التغيتات يف االقتصاد والبيئة عىل السلوك‬ ‫ر‬ ‫عىل البيئة والعكس صحيح‪ ،‬وستؤثر‬
‫والتأثتات‬
‫ر‬ ‫البرسي بطرق معقدة ال يمكن التنبؤ بها؛ وهكذا دواليك‪ .‬شبكة األسباب‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫معقدة للغاية بحيث ال يمكن فكها وفهمها‪.‬‬
‫بوع وعقالنية شكل مجتمعهم‪ .‬تتطور‬ ‫ي‬ ‫‪ .106‬المبدأ الخامس‪ .‬ال يختار الناس‬
‫برسية‬‫الئ ال تخضع لسيطرة ر‬ ‫ر‬
‫االجتماع ي‬
‫ي‬ ‫المجتمعات من خالل عمليات التطور‬
‫عقالنية‪.‬‬
‫‪ .107‬المبدأ الخامس هو نتيجة للمبادئ األربعة األخرى‪.‬‬
‫االجتماع بشكل عام إما أن‬
‫ي‬ ‫‪ .108‬للتوضيح‪ :‬وفقا للمبدأ األول‪ ،‬فإن محاولة اإلصالح‬
‫التغيت الذي‬
‫ر‬ ‫تعمل ف االتجاه الذي يتطور فيه المجتمع عىل أي حال (بحيث ُي ِّ‬
‫رسع‬ ‫ي‬
‫تأثت عابر‪ ،‬بحيث يعود المجتمع رسيعا إىل‬ ‫كان سيحدث عىل أي حال) أو أنه فقط ر‬
‫تغيت دائم يف اتجاه التنمية ألي جانب مهم من جوانب‬ ‫أخدوده القديم‪ .‬إلجراء ر‬
‫كاف والثورة مطلوبة‪( .‬ال تنطوي الثورة بالصورة عىل‬ ‫غت ٍ‬ ‫المجتمع‪ ،‬فإن اإلصالح ر‬
‫تغت الثورة أبدا جانبا‬ ‫انتفاضة مسلحة أو اإلطاحة بحكومة)‪ .‬وفقا للمبدأ ي‬
‫الثاي‪ ،‬ال ر‬
‫تغت المجتمع بأرسه؛ ووفقا للمبدأ الثالث‪ ،‬تحدث‬ ‫واحدا فقط من المجتمع‪ ،‬إنها ر‬
‫تغيتات لم يتوقعها أو يرغب فيها الثوار أبدا‪ .‬وفقا للمبدأ الرابع‪ ،‬عندما يؤسس‬ ‫ر‬
‫الثوريون أو الحالمون (بالمدينة الفاضلة) نوعا جديدا من المجتمع‪ ،‬فإن ذلك ال‬
‫يست كما هو مخطط له أبدا‪.‬‬ ‫ر‬

‫‪44‬‬
‫ً‬
‫‪ .109‬ال تقدم الثورة األمريكية مثاال مضادا‪ .‬لم تكن "الثورة" األمريكية ثورة بالمعئ‬
‫سياش بعيد‬‫ي‬ ‫المقصود للكلمة‪ ،‬بل كانت حربا من أجل االستقالل أعقبها إصالح‬
‫األمريك‪ ،‬ولم يطمحوا إىل‬ ‫ي‬ ‫يغت اآلباء المؤسسون اتجاه تطور المجتمع‬ ‫المدى‪ .‬لم ر‬
‫يطاي‪.‬‬
‫الت ي‬ ‫التأثت المثبط للحكم ر‬ ‫ر‬ ‫األمريك من‬
‫ي‬ ‫ذلك‪ .‬لقد حرروا فقط تطور المجتمع‬
‫أساش‪ ،‬بل دفع الثقافة السياسية األمريكية‬ ‫ي‬ ‫السياش أي تيار‬ ‫ي‬ ‫يغت إصالحهم‬ ‫لم ر‬
‫يطاي‪ ،‬الذي كان المجتمع‬ ‫الت ي‬ ‫الطبيع‪ .‬كان المجتمع ر‬ ‫ي‬ ‫فقط عىل طول اتجاه نموها‬
‫النياي‪ .‬وقبل حرب‬ ‫لفتة طويلة يف اتجاه نظام التمثيل‬ ‫األمريك فرعا منه‪ ،‬يتحرك ر‬
‫ير‬ ‫ي‬
‫النياي‬
‫ري‬ ‫كبتة من حكم التمثيل‬ ‫االستقالل‪ ،‬كان األمريكيون يمارسون بالفعل درجة ر‬
‫السياش الذي وضعه الدستور عىل‬ ‫ي‬ ‫يف المجالس االستعمارية‪ .‬تمت صياغة النظام‬
‫كبتة‪ ،‬بالتأكيد —‬ ‫تغيتات ر‬ ‫يطاي والمجالس االستعمارية‪ .‬مع إجراء ر‬ ‫الت ي‬ ‫غرار النظام ر‬
‫المؤسسي اتخذوا خطوة مهمة للغاية‪ .‬لكنها كانت‬ ‫ر‬ ‫ليس هناك شك يف أن اآلباء‬
‫اإلنجلتية بالفعل‪.‬‬ ‫الئ كان يسلكها العالم الناطق باللغة‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫خطوة عىل طول الطريق ي‬
‫الئ كان يسكنها يف الغالب أشخاص‬ ‫ر‬
‫والدليل هو أن بريطانيا وجميع مستعمراتها ي‬
‫أساش لنظام‬ ‫ي‬ ‫بريطاي انته بها المطاف بأنظمة نيابية مشابهة بشكل‬ ‫ي‬ ‫من أصل‬
‫المؤسسون أعصابهم ورفضوا التوقيع عىل إعالن‬ ‫ّ‬ ‫الواليات المتحدة‪ .‬لو فقد اآلباء‬
‫كبت‪ .‬ربما لكانت‬ ‫االستقالل‪ ،‬فإن أسلوبنا يف الحياة اليوم لم يكن ليختلف بشكل ر‬
‫ً‬
‫نياي ورئيس وزراء بدًل من‬ ‫لدينا مع بريطانيا عالقات أوثق‪ ،‬وكان لدينا مجلس ر ي‬
‫وبالتاىل‪ ،‬فإن الثورة األمريكية‬ ‫ي‬ ‫مجلس شيوخ ورئيس‪ ،‬ليس هذا بالفارق الجوهري‪.‬‬
‫ً‬
‫ال تقدم مثاال مضادا لمبادئنا ولكنها تقدم توضيحا جيدا لها‪.‬‬
‫يتعي عىل المرء استخدام الفطرة السليمة يف تطبيق هذه‬ ‫ّ‬
‫‪ .110‬ومع ذلك‪ ،‬اليزال ر‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫مساحة للتأويل ويمكن العثور‬ ‫غت حاسمة تاركة‬ ‫ر‬ ‫ة‬‫بلغ‬
‫ٍ‬ ‫هنا‬ ‫مكتوبة‬ ‫المبادئ‪ .‬ي‬
‫فه‬
‫غت قابلة لالنتهاك‬ ‫كقواني ر‬
‫ر‬ ‫عىل استثناءات لها‪ .‬لذلك فنحن ال نقدم هذه المبادئ‬
‫ّ‬
‫للتفكر‪ ،‬ر‬ ‫ولكن كقواعد عامة أو خطوط ر‬
‫والئ قد توفر ترياقا جزئيا لألفكار‬ ‫ي‬ ‫شادية‬ ‫است‬
‫الساذجة حول مستقبل المجتمع‪ .‬يجب أن تؤخذ المبادئ يف االعتبار باستمرار‪،‬‬
‫وعندما يصل المرء إىل رأي يتعارض معها‪ ،‬يجب عىل المرء إعادة النظر بعناية يف‬
‫يص عىل رأيه فقط إذا كان لدى المرء أسباب وجيهة للقيام بذلك‪.‬‬ ‫تفكته وأن ّ‬‫ر‬

‫‪45‬‬
‫التقئ‬
‫ي‬ ‫الصناع‬
‫ي‬ ‫ال يمكن إصالح المجتمع‬

‫ّ‬
‫الصناع‬
‫ي‬ ‫النظام‬ ‫إصالح‬ ‫أمر‬ ‫ر‬ ‫تعذ‬ ‫‪ .111‬تساعد المبادئ السابقة عىل توضيح مدى‬
‫المتايد عىل حرياتنا الشخصية‪ .‬فبالعودة ور ًاء‪،‬‬ ‫بطريقة تمنعه من فرض التضييق ر‬
‫لتسخت‬
‫ر‬ ‫إىل عص الثورة الصناعية عىل أقل تقدير‪ ،‬نجد أنه كان هناك ميل دائم‬
‫التقنية يف دعم النظام القائم بثمن فادح عىل الحرية الشخصية واالستقاللية الذاتية‬
‫تغيت مصمم لحماية الحرية من التقنية سيكون مخالفا‬ ‫لألفراد‪ .‬ومن ثم فإن أي ر‬
‫تغيتا‬ ‫غيت سيكون إما ر‬ ‫وبالتاىل‪ ،‬فإن مثل هذا الت ر‬ ‫ي‬ ‫أساش يف تنمية مجتمعنا‪.‬‬ ‫ي‬ ‫لتيار‬
‫يكق ليكون دائما‬ ‫كبتا بما ي‬ ‫مؤقتا — رسعان ما سيغمره تيار التاري ــخ — أو إذا كان ر‬
‫والثاي‪.‬‬
‫ي‬ ‫يغت طبيعة مجتمعنا بأرسه‪ .‬هذا وفقا للمبدأين األول‬ ‫فسيكون من شأنه أن ر‬
‫سيتغت بطريقة ال يمكن التنبؤ بها مسبقا (المبدأ‬ ‫ر‬ ‫عالوة عىل ذلك‪ ،‬نظرا ألن المجتمع‬
‫كبتة بما‬ ‫تغيتات ر‬‫الرسوع يف إجراء ر‬ ‫كبتة‪ .‬لن يتم ر‬ ‫الثالث)‪ ،‬فستكون هناك مخاطرة ر‬
‫يك يق إلحداث فرق دائم لصالح الحرية ألنه سيتم إدراك أنها ستؤدي إىل تعطيل‬
‫خطت‪ .‬لذا فإن أي محاوالت لإلصالح ستكون خجولة للغاية بحيث‬ ‫ر‬ ‫النظام بشكل‬
‫يكق إلحداث فرق دائم‪،‬‬ ‫حئ لو تم ر‬ ‫ال تكون فعالة‪ .‬ر‬
‫كبتة بما ي‬ ‫تغيتات ر‬ ‫الرسوع يف ر‬
‫وبالتاىل‪ ،‬ال‬ ‫‪.‬‬‫واضحة‬ ‫)‬ ‫للنظام‬ ‫(‬ ‫لة‬ ‫الم ِّ‬
‫عط‬ ‫التاجع عنها عندما تصبح آثارها ُ‬ ‫فسيتم ر‬
‫ي‬
‫تغيتات دائمة لصالح الحرية إال من قبل األشخاص المستعدين‬ ‫يمكن إحداث ر‬
‫وغت متوقع للنظام بأكمله‪ .‬بعبارة أخرى من قبل الثور ريي‬ ‫خطت ر‬ ‫تغيت جذري‪ ،‬ر‬ ‫لقبول ر‬
‫اإلصالحيي‪.‬‬
‫ر‬ ‫وليس‬
‫المفتضة‬ ‫ر‬ ‫الحريصي عىل إنقاذ الحرية دون التضحية بالفوائد‬ ‫‪ .112‬إن األشخاص‬
‫ر‬
‫سيقتحون مخططات ساذجة لشكل جديد من أشكال المجتمع من شأنه‬ ‫ر‬ ‫للتقنية‬
‫التوفيق ربي الحرية والتقنية‪ .‬بصف النظر عن حقيقة أن األشخاص الذين يقدمون‬
‫يقتحون أي وسيلة عملية يمكن من خاللها إنشاء‬ ‫االقتاحات نادرا ما ر‬ ‫مثل هذه ر‬
‫ّ‬ ‫الشكل الجديد للمجتمع ف المقام األول‪ ،‬فلذلك‪ ،‬وطبقا للمبدأ الرابع‪ ،‬ر‬
‫حئ لو تمكن‬ ‫ي‬
‫يعىط نتائج مختلفة تماما‬ ‫الشكل الجديد للمجتمع من الظهور‪ ،‬فإنه إما سينهار أو س ي‬
‫عن تلك المتوقعة‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫غت المحتمل للغاية العثور عىل أي‬ ‫حئ عىل أسس عامة للغاية‪ ،‬يبدو من ر‬ ‫‪ .113‬لذا‪ ،‬ر‬
‫لتغيت المجتمع من شأنها التوفيق ربي الحرية والتقنية الحديثة‪ .‬يف األقسام‬
‫ر‬ ‫طريقة‬
‫التقئ‬ ‫أكت تحديدا الستنتاج أن الحرية والتقدم‬ ‫القليلة التالية سوف نقدم أسبابا ر‬
‫ي‬
‫متوافقي‪.‬‬
‫ر‬ ‫غت‬ ‫ر‬

‫‪47‬‬
‫الصناع‬
‫ي‬ ‫إن تقييد الحرية أمر ال مفر منه يف المجتمع‬

‫‪ .114‬كما أوضحنا يف الفقرات ‪ ،73-70 ،67-65‬فإن اإلنسان الحديث مقيد بشبكة‬


‫ومصته يعتمد عىل تصفات أشخاص بعيدين عنه وال‬ ‫ر‬ ‫والقواني‪،‬‬
‫ر‬ ‫من اللوائح‬
‫موظفي‬
‫ر‬ ‫التأثت يف قراراتهم‪ .‬هذا ليس عرضيا أو نتيجة لتعسف‬ ‫ر‬ ‫يستطيع‬
‫وحتىم يف أي مجتمع متقدم تقنيا‪ .‬يجب أن يتحكم النظام‬ ‫ي‬ ‫متغطرسي‪ .‬إنه ضوري‬ ‫ر‬
‫البرسي عن كثب من أجل أن يعمل‪ .‬الناس يف العمل عليهم أن يفعلوا‬ ‫ف السلوك ر‬
‫ي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ما يطلب منهم القيام به‪ ،‬عندما يطلب منهم‪ ،‬كما يطلب منهم‪ ،‬وإال فإن اإلنتاج‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫سيهوي إىل الفوض‪ .‬يجب أن تدار الحياة الوظيفية الرتيبة وفقا لقواعد صارمة‪.‬‬
‫للموظفي من المستوى األدي من‬ ‫ر‬ ‫إن السماح بأي ُسلطة تقديرية شخصية ر‬
‫كبتة‬
‫شأنه أن يعطل النظام ويؤدي إىل اتهامات بالظلم بسبب االختالفات يف الطريقة‬
‫الئ يمارس بها الموظفون الفرديون تقديرهم‪ .‬صحيح أنه يمكن إلغاء بعض القيود‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫المفروضة عىل حريتنا‪ ،‬ولكن بشكل عام فإن تنظيم حياتنا من قبل المنظمات‬
‫ه شعور بالعجز من‬ ‫التقئ‪ .‬النتيجة ي‬ ‫ي‬ ‫الصناع‬
‫ي‬ ‫الكبتة أمر ضوري لعمل المجتمع‬ ‫ر‬
‫جانب الشخص العادي‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬ربما ستميل اللوائح الرسمية إىل االستعاضة‬
‫متايد بأدوات نفسية تجعلنا نرغب يف القيام بما يتطلبه النظام منا‪.‬‬ ‫عنها بشكل ر‬
‫(الدعاية [‪ ،]14‬تقنيات التعليم‪ ،‬خطط "الصحة العقلية"‪ ،‬وما إىل ذلك)‪.‬‬
‫متايد عن‬ ‫‪ .115‬يتوجب عىل النظام إجبار الناس عىل التصف بطرق بعيدة بشكل ر‬
‫البرسي‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬يحتاج النظام إىل العلماء‬ ‫النمط الطبيع للسلوك ر‬
‫ي‬
‫ُ‬
‫والمهندسي‪ .‬ال يمكن أن يعمل (النظام) بدونهم‪ .‬لذا يمارس‬ ‫وعلماء الرياضيات‬
‫ر‬
‫يقض‬
‫ي‬ ‫الطبيع أن‬
‫ي‬ ‫لك يتفوقوا يف هذه الحقول‪ .‬ليس من‬ ‫ضغطا شديدا عىل األطفال ي‬
‫األكت من وقته جالسا عىل مكتب مستغرقا يف الدراسة‪ .‬يريد المراهق‬ ‫المراهق الجزء ر‬
‫الحقيق‪ .‬ربي الشعوب البدائية‪ ،‬تميل‬ ‫ر‬ ‫العادي قضاء وقته يف اتصال نشط بالعالم‬
‫ي‬
‫الئ يتم تدريب األطفال عىل القيام بها إىل أن تكون يف وئام معقول مع‬ ‫ر‬
‫األشياء ي‬
‫دوافع اإلنسان الطبيعية‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫األمريكيي‪ ،‬عىل سبيل المثال‪ ،‬تم تدريب األوالد عىل أنشطة خارجية‬‫ر‬ ‫من ربي الهنود‬
‫نشطة — فقط من النوع الذي يحبه األوالد‪ .‬لكن يف مجتمعنا‪ ،‬يتم دفع األطفال‬
‫إىل دراسة المواد التقنية‪ ،‬وهو ما يفعله معظمهم عىل مضض‪.‬‬
‫البرسي‪ ،‬هناك‬‫‪ .116‬بسبب الضغط المستمر الذي يمارسه النظام لتعديل السلوك ر‬
‫زيادة تدريجية يف عدد األشخاص الذين ال يستطيعون أو لن يقوموا بالتكيف مع‬
‫ُ‬
‫عتاىل أنظمة الرعاية الحكومية‪ ،‬أعضاء عصابات الشباب‪،‬‬ ‫متطلبات المجتمع‪ :‬م ي‬
‫المتمردون المناهضون للحكومة‪ ،‬المخربون المتطرفون‬ ‫ّ‬ ‫المنتمون للطوائف*‪،‬‬
‫البيئيون‪ ،‬المترسبون (من التعليم) والمقاومون من مختلف األنواع‪.‬‬
‫مصت الفرد عىل قرارات ال يستطيع‬ ‫‪ .117‬يف أي مجتمع متقدم تقنيا‪ ،‬يجب أن يعتمد ر‬
‫التقئ إىل مجتمعات‬
‫ي‬ ‫كبت‪ .‬ال يمكن تقسيم المجتمع‬ ‫شخصيا أن يؤثر عليها إىل حد ر‬
‫كبتة جدا من األشخاص‬ ‫صغتة مستقلة‪ ،‬ألن اإلنتاج يعتمد عىل تعاون أعداد ر‬ ‫ر‬
‫ُّ‬
‫واآلالت‪ .‬هكذا مجتمع يجب أن يكون منظما للغاية و هكذا قرارات يجب أن تتخذ‬
‫كبتة جدا من الناس‪ .‬عندما يؤثر القرار‪ ،‬لنقول‪ ،‬عىل مليون‬ ‫بحيث تؤثر عىل أعداد ر‬
‫شخص‪ ،‬فإن كل فرد من األفراد المتأثرين‪ ،‬يف المتوسط‪ ،‬ال يملك سوى حصة‬
‫عمىل هو أن يتم اتخاذ‬
‫ي‬ ‫واحدة من المليون يف صنع القرار‪ .‬ما يحدث يف العادة بشكل‬
‫للرسكات‪ ،‬أو من قبل‬ ‫التنفيذيي ر‬
‫ر‬ ‫العامي أو المديرين‬
‫ر‬ ‫المسؤولي‬
‫ر‬ ‫القرارات من قبل‬
‫حئ عندما يصوت الجمهور عىل قرار‪ ،‬يكون عدد‬ ‫التقنيي‪ ،‬ولكن ر‬‫ر‬ ‫المتخصصي‬
‫ر‬
‫‪]17[ .‬‬ ‫ً‬
‫وبالتاىل فإن‬
‫ي‬ ‫أكت من أن يكون تصويت أي فرد بمفرده مهما‬ ‫الناخبي عادة ر‬
‫ر‬
‫الئ‬‫ر‬
‫التأثت بشكل يمكن قياسه يف القرارات الرئيسية ي‬ ‫غت قادرين عىل ر‬ ‫معظم األفراد ر‬
‫تؤثر عىل حياتهم‪ .‬ال توجد طريقة يمكن تصورها لعالج هذا يف مجتمع متقدم تقنيا‪.‬‬
‫يحاول النظام "حل" هذه المشكلة باستخدام الدعاية لجعل الناس يريدون‬
‫حئ لو كان هذا "الحل" ناجحا تماما يف‬ ‫الئ تم اتخاذها من أجلهم‪ ،‬ولكن ر‬ ‫ر‬
‫القرارات ي‬
‫جعل الناس يشعرون بتحسن‪ ،‬سيكون ذلك مهينا‪.‬‬

‫* تسمية ظهرت خصيصا لمجموعات دينية أمريكية ذات عقائد وممارسات غريبة أو مستهجنة‬

‫‪49‬‬
‫‪ .118‬يدافع المحافظون وآخرون عن المزيد من "االستقاللية المحلية"‪ .‬كانت‬
‫المجتمعات المحلية تتمتع باالستقاللية ذات مرة‪ ،‬لكن مثل هذا االستقاللية تصبح‬
‫أكت انغماسا ر‬
‫وأكت اعتمادا عىل‬ ‫أقل احتمالية حي تصبح المجتمعات المحلية ر‬
‫ر‬
‫األنظمة واسعة النطاق مثل المرافق العامة‪ ،‬شبكات الحواسب‪ ،‬أنظمة الطرق‬
‫الجماهتي ونظام الرعاية الصحية الحديث‪ .‬تعمل أيضا‬ ‫ر‬ ‫الرسيعة‪ ،‬وسائط االتصال‬
‫معي غالبا ما تؤثر عىل‬ ‫ضد االستقاللية حقيقة أن التقنية المطبقة يف مكان ر‬
‫ر‬
‫الحرسية أو‬ ‫وبالتاىل‪ ،‬فإن استخدام المبيدات‬ ‫األشخاص يف أماكن أخرى بعيدة‪.‬‬
‫ي‬
‫المواد الكيميائية بالقرب من خور مياه قد يلوث إمدادات المياه عىل بعد مئات‬
‫تأثت االحتباس الحراري عىل العالم بأرسه‪.‬‬ ‫األميال يف اتجاه مجرى النهر‪ ،‬ويؤثر ر‬
‫ً‬ ‫‪ .119‬إن النظام لم ولن يوجد لتلبية االحتياجات ر‬
‫البرسية‪ .‬بدال من ذلك‪ ،‬فإن السلوك‬
‫البرسي هو الذي يجب تعديله بما يتوافق مع احتياجات النظام‪ .‬هذا ال عالقة له‬ ‫ر‬
‫التقئ‪ .‬إنه ليس‬ ‫الئ قد تتظاهر بأنها توجه النظام‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫بالعقيدة السياسية أو االجتماعية ي‬
‫يستشد‬‫االشتاكية‪ .‬إنه خطأ التقنية‪ ،‬ألن النظام ال ر‬ ‫ر‬ ‫خطأ الرأسمالية وليس خطأ‬
‫‪]18[ .‬‬
‫يلئ النظام العديد من‬ ‫بالطبع ر ي‬ ‫بالعقيدة السياسية بل بالصورة التقنية‬
‫البرسية‪ ،‬ولكن بشكل عام فإنه يفعل هذا فقط بقدر استفادة النظام‬ ‫االحتياجات ر‬
‫ه األهم‪ ،‬وليس احتياجات اإلنسان‪ .‬عىل‬ ‫من القيام بذلك‪ .‬إن احتياجات النظام ي‬
‫سبيل المثال‪ ،‬يوفر النظام الطعام للناس ألن النظام ال يمكن أن يعمل إذا كان‬
‫مئ أمكنه فعل ذلك‪،‬‬ ‫يلئ االحتياجات النفسية للناس ر‬
‫الجميع يتضورون جوعا؛ إنه ر ي‬
‫الكثت من الناس باالكتئاب أو ّ‬
‫التمرد‪ .‬لكن النظام‪،‬‬ ‫ألنه ال يمكن أن يعمل إذا أصيب ر‬
‫ألسباب جيدة‪ ،‬صلدة وعملية‪ ،‬يجب أن يمارس ضغطا مستمرا عىل الناس‬
‫ر‬
‫المتاكمة؟‬ ‫الكثت من النفايات‬ ‫ليصوغوا سلوكهم وفقا الحتياجات النظام‪.‬‬
‫ر‬
‫التعليىم‪ ،‬دعاة حماية البيئة‪ ،‬الجميع يغمروننا‬‫ي‬ ‫الحكومة‪ ،‬وسائل اإلعالم‪ ،‬النظام‬
‫كبتة من الدعاية حول إعادة التدوير‪ .‬هل تحتاج إىل المزيد من الكوادر‬ ‫بكمية ر‬
‫الفنية؟ جوقة من األصوات تحض األطفال عىل دراسة العلوم‪ .‬ال أحد يتوقف عن‬
‫اهقي عىل قضاء معظم وقتهم يف‬ ‫اإلنساي إجبار المر ر‬ ‫غت‬ ‫السؤال ّ‬
‫عما إذا كان من ر‬
‫ي‬
‫دراسة مواضيع يكرهها معظمهم‪ .‬عندما يتم إخراج العمال المهرة من العمل بسبب‬
‫التقئ ويضطرون إىل الخضوع لـ "إعادة التأهيل"‪ ،‬ال يسأل أحد ما إذا كان‬ ‫ي‬ ‫التقدم‬

‫‪50‬‬
‫ُ َّ‬
‫المسلم به ببساطة أنه يجب عىل الجميع‬ ‫دفعهم بهذه الطريقة أمرا مهينا‪ .‬من‬
‫البرسية عىل الصورة‬‫الرضوخ للصورة التقنية‪ .‬ولسبب وجيه‪ :‬إذا ُقدمت الحاجات ر‬
‫التقنية سيكون هناك مشاكل اقتصادية‪ ،‬بطالة أو نقص ( يف المواد) أو ما هو أسوأ‪.‬‬
‫كبت بالمدى الذي يتصف‬ ‫يتم تحديد مفهوم "الصحة العقلية" يف مجتمعنا إىل حد ر‬
‫فيه الفرد وفقا الحتياجات النظام وأن يفعل ذلك دون إظهار عالمات اإلجهاد‪.‬‬
‫‪ .120‬إن الجهود المبذولة إلفساح المجال لإلحساس بالهدف واالستقاللية داخل‬
‫الرسكات‪ ،‬بتكليف‬‫أكت من مزحة‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬قامت إحدى ر‬ ‫النظام ليست ر‬
‫ً‬
‫كل موظف فيها بإعداد فهرس كامل لبياناتها‪ ،‬بدًل من تكليف كل واحد بإعداد جزء‬
‫المفتض أن يمنحهم ذلك إحساسا بالهدف‬ ‫ر‬ ‫واحد وتجميعهم يف النهاية‪ ،‬وكان من‬
‫ّ‬ ‫واإلنجاز‪ .‬بعض ر‬
‫الرسكات تحاول منح موظفيها مزيدا من االستقاللية يف عملهم‪،‬‬
‫ولكن ألسباب عملية ال يمكن القيام بذلك إال عىل نطاق محدود للغاية‪ ،‬وعىل أي‬
‫الموظفي مطلقا استقاللية فيما يتعلق باألهداف النهائية — ال‬ ‫ر‬ ‫حال‪ ،‬ال يتم منح‬
‫الئ يختارونها شخصيا‪،‬‬ ‫ر‬
‫يمكنهم توجيه جهودهم "المستقلة" أبدا نحو األهداف ي‬
‫الرسكة ونموها‪ .‬ستتوقف أي‬ ‫ولكن فقط نحو أهداف صاحب العمل‪ ،‬مثل بقاء ر‬
‫ررسكة عن العمل قريبا إذا سمحت لموظفيها بالتصف بطريقة أخرى‪ .‬وبالمثل‪ ،‬يف‬
‫اك‪ ،‬يجب عىل العمال توجيه جهودهم نحو أهداف‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫أي مرسوع داخل نظام اشت ي‬
‫المرسوع لن يخدم غرضه كجزء من النظام‪ .‬مرة أخرى‪ ،‬ألسباب‬ ‫المرسوع‪ ،‬وإال فإن ر‬ ‫ر‬
‫كبت‬
‫الصغتة أن يتمتعوا بقدر ر‬‫ر‬ ‫تقنية بحتة‪ ،‬ال يمكن لمعظم األفراد أو المجموعات‬
‫الصغتة عادة ما‬
‫ر‬ ‫حئ أصحاب األعمال‬ ‫من االستقاللية ف المجتمع الصناع‪ .‬ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الحكوم‪،‬‬
‫ي‬ ‫يتمتعون باستقاللية محدودة فقط‪ .‬بصف النظر عن ضورة التنظيم‬
‫فهو مقيد بحقيقة أنه يجب عليه االنخراط يف النظام االقتصادي واالمتثال‬
‫ً‬
‫يتعي عىل صاحب‬ ‫لمتطلباته‪ .‬مثال‪ ،‬عندما يطور شخص ما تقنية جديدة‪ ،‬غالبا ما ر‬
‫حئ يظل قادرا عىل‬ ‫الصغتة استخدام هذه التقنية سواء أراد ذلك أم ال‪ ،‬ر‬ ‫ر‬ ‫األعمال‬
‫المنافسة‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫ال يمكن فصل األجزاء" السيئة "من التقنية عن األجزاء" الجيدة"‬

‫الصناع لصالح الحرية وهو أن‬ ‫ي‬ ‫‪ .121‬يوجد سبب آخر لعدم إمكانية إصالح المجتمع‬
‫ه نظام موحد تعتمد فيه جميع األجزاء عىل بعضها البعض‪ .‬ال‬ ‫التقنية الحديثة ي‬
‫يمكنك التخلص من األجزاء "السيئة" من التقنية واالحتفاظ باألجزاء "الجيدة"‬
‫فقط‪ .‬خذ الطب الحديث‪ ،‬عىل سبيل المثال‪ .‬يعتمد التقدم يف العلوم الطبية عىل‬
‫وغتها من المجاالت‪ .‬تتطلب‬ ‫الفتياء‪ ،‬األحياء‪ ،‬علوم الحاسوب ر‬ ‫التقدم يف الكيمياء‪ ،‬ر‬
‫توفتها‬
‫العالجات الطبية المتقدمة معدات باهظة الثمن ذات تقنية عالية ال يمكن ر‬
‫إال من خالل مجتمع متقدم تقنيا وثري اقتصاديا‪ .‬من الواضح أنه ال يمكنك تحقيق‬
‫يتماش معه‪.‬‬ ‫ر‬ ‫التقئ بأكمله وكل ما‬ ‫كبت يف الطب بدون النظام‬ ‫تقدم ر‬
‫ي‬
‫التقئ‪ ،‬فإنه يف حد‬ ‫الطئ بدون بقية النظام‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫‪ .122‬حئ لو أمكن الحفاظ عىل التقدم ر ي‬
‫افتض عىل سبيل المثال أنه تم اكتشاف عالج‬ ‫الرسور‪ .‬ر‬‫ذاته سيؤدي إىل بعض ر‬
‫ر‬
‫اي لمرض السكري من‬ ‫لمرض السكري‪ .‬سيتمكن األشخاص الذين لديهم ميل ور ي‬
‫الطبيع ضد‬
‫ي‬ ‫البقاء عىل قيد الحياة والتكاثر مثل أي شخص آخر‪ .‬سيتوقف االنتقاء‬
‫جماهت‪( .‬حدث هذا اآلن‬ ‫ر‬ ‫وستنترس هذه المورثات ربي ال‬ ‫ر‬ ‫مورثات مرض السكري‬
‫غت قابل للشفاء‪ ،‬يمكن السيطرة‬ ‫بالفعل إىل حد ما‪ ،‬ألن مرض السكري‪ ،‬رغم أنه ر‬
‫ر‬
‫السء مع األمراض األخرى‬ ‫اإلنسولي)‪ .‬سيحدث نفس ي‬ ‫ر‬ ‫عليه من خالل استخدام‬
‫الئ تتأثر احتمالية حدوثها بالعوامل الوراثية (عىل سبيل المثال رسطان األطفال)‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫للجماهت‪ .‬سيكون الحل الوحيد نوعا ما من برامج‬ ‫اي‬ ‫وسينتج عنها تدهور ور ر‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫تحسي النسل أو الهندسة الوراثية الشاملة للبرس‪ ،‬بحيث ال يكون اإلنسان يف‬ ‫ر‬
‫المستقبل من صنع الطبيعة أو الصدفة أو هللا (اعتمادا عىل آرائك الدينية أو‬
‫ّ‬
‫الفلسفية)‪ ،‬بل منتج مصنع‪.‬‬
‫كثتا اآلن‪ ،‬فقط انتظر‬ ‫الكبتة تتدخل يف حياتك ر‬ ‫ر‬ ‫‪ .123‬إذا كنت تعتقد أن الحكومة‬
‫اي ألطفالك‪ .‬مثل هذا التنظيم‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫حئ تبدأ الحكومة يف تنظيم التكوين (التعديل) الور ي‬
‫غت‬‫للبرس‪ ،‬ألن عواقب الهندسة الوراثية ر‬ ‫سوف يتبع حتما إدخال الهندسة الوراثية ر‬
‫‪[19].‬‬
‫المنظمة ستكون كارثية‬

‫‪52‬‬
‫‪ .124‬الرد المعتاد عىل هذه المخاوف هو بالحديث عن "أخالقيات مهنة الطب"‪.‬‬
‫الطئ‬
‫لكن قواعد أخالقيات مهنية لن تعمل عىل حماية الحرية يف مواجهة التقدم ر ي‬
‫بل ستؤدي إىل تفاقم األمور‪ .‬إن قواعد األخالقيات المهنية المطبقة عىل الهندسة‬
‫للبرس‪ .‬شخص ما (ربما من‬ ‫الوراثية ستكون ف الواقع وسيلة لتنظيم التعديل الور راي ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الطبقة الوسىط العليا‪ ،‬يف الغالب) سيقرر أن مثل هذا التطبيق أو ذاك للهندسة‬
‫"أخالف" وآخر ليس كذلك‪ ،‬لذا فهم يف الواقع سيفرضون قيمهم‬ ‫ر‬ ‫الوراثية هو‬
‫ي‬
‫حئ إذا تم اختيار قواعد‬ ‫الخاصة عىل التكوين الور راي للجمهور عىل العموم‪ .‬ر‬
‫ي‬
‫أخالقيات مهنية عىل أساس رأي األغلبية تماما‪ ،‬فإن األغلبية ستفرض قيمها‬
‫عما يشكل استخداما‬ ‫الخاصة عىل أي أقليات قد يكون لديها فكرة مختلفة ّ‬
‫ر‬
‫ستحىم‬
‫ي‬ ‫"أخالقيا" للهندسة الوراثية‪ .‬قواعد األخالقيات المهنية الوحيدة ي‬
‫الئ‬
‫الئ تحظر أي هندسة وراثية للب ررس‪ ،‬ويمكنك أن تكون عىل‬ ‫ر‬
‫ه تلك ي‬ ‫الحرية حقا ي‬
‫قئ‪ .‬ال يمكن ألي‬ ‫يقي من أنه لن يتم تطبيق مثل هذه القواعد يف أي مجتمع ت ي‬ ‫ر‬
‫لفتة طويلة‪ ،‬ألن اإلغراء‬ ‫ختل الهندسة الوراثية إىل دور ثانوي أن تصمد ر‬ ‫قواعد ت ر‬
‫الذي تمثله القوة الهائلة للتقنية الحيوية سيكون ال يقاوم‪ ،‬خاصة وأن العديد من‬
‫تطبيقاتها بالنسبة لغالبية الناس ستبدو جيدة بشكل واضح ال لبس فيه (القضاء‬
‫الئ يحتاجونها‬ ‫ر‬
‫عىل األمراض الجسمانية والعقلية‪ ،‬مما يمنح الناس القدرات ي‬
‫للتعايش يف عالم اليوم)‪ .‬حتما‪ ،‬سيتم استخدام الهندسة الوراثية عىل نطاق واسع‪،‬‬
‫‪[20] .‬‬
‫لتقئ‬
‫الصناع ا ي‬
‫ي‬ ‫ولكن فقط بطرق تتفق مع احتياجات النظام‬

‫‪53‬‬
‫ه قوة اجتماعية أقوى من التطلع إىل الحرية‬
‫التقنية ي‬

‫ه‬‫‪ .125‬ليس من الممكن التوصل إىل مقاربة دائمة ربي التقنية والحرية‪ ،‬ألن التقنية ي‬
‫األكت قوة وتتعدى باستمرار عىل الحرية من خالل‬ ‫ر‬ ‫إىل حد بعيد القوة االجتماعية‬
‫تخيل حالة جارين‪ ،‬يمتلك كل منهما يف البداية نفس المساحة‬ ‫التنازالت المتكررة‪ّ .‬‬
‫من األرض‪ ،‬لكن أحدهما أقوى من اآلخر‪ .‬القوي يطلب قطعة من أرض اآلخر‪.‬‬
‫أعطئ نصف ما طلبته"‪ .‬ليس‬ ‫ي‬ ‫الضعيف يرفض‪ .‬القوي يقول‪" ،‬حسنا‪ ،‬لنتساوم‪.‬‬
‫لدى الشخص الضعيف متسع من الخيارات سوى االستسالم‪ .‬يف وقت الحق‪،‬‬
‫يطلب الجار القوي قطعة أخرى من األرض‪ ،‬ومرة أخرى هناك حل وسط‪ ،‬وما إىل‬
‫ذلك‪ .‬من خالل فرض سلسلة طويلة من التنازالت عىل الرجل األضعف‪ ،‬يحصل‬
‫القوي يف النهاية عىل كل أرضه‪ .‬وهكذا هو األمر يف الصاع ربي التقنية والحرية‪.‬‬
‫‪ .126‬دعونا نوضح لماذا تعد التقنية قوة اجتماعية أقوى من التطلع إىل الحرية‪.‬‬
‫ً‬
‫يتبي أنه يهددها‬ ‫كثتا عادة ما ر‬ ‫التقئ الذي يبدو أنه ال يهدد الحرية ر‬
‫ي‬ ‫‪ .127‬إن التقدم‬
‫اآلىل‪ .‬كان بإمكان‬‫خطت فيما بعد‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬ضع يف اعتبارك النقل ي‬ ‫ر‬ ‫بشكل‬
‫بوتتته الخاصة دون اتباع‬ ‫الست ر‬‫س سابقا الذهاب إىل حيث يشاء‪ ،‬ر‬ ‫الرجل الذي يم ر‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫التقئ‪ .‬عندما تم تقديم السيارات‬ ‫ي‬ ‫الدعم‬ ‫أنظمة‬ ‫عن‬ ‫ستقال‬ ‫أي لوائح مرور وكان م‬
‫يمس‪ ،‬ولم‬ ‫بدت أنها تزيد من حرية اإلنسان‪ .‬لم يأخذوا أي حرية من الرجل الذي ر‬
‫ي‬
‫يجب عىل أحد أن يمتلك سيارة إذا كان هو لم يكن يريد واحدة‪ ،‬وأي شخص اختار‬
‫يمس‪ .‬لكن‬ ‫ي‬
‫بكثت من الرجل الذي ر‬ ‫ررساء سيارة يمكنه السفر بشكل أرسع وأبعد ر‬
‫تغيت المجتمع بطريقة تقيد بشكل‬ ‫رسعان ما أدى إدخال وسائل النقل اآللية إىل ر‬
‫كثتة‪ ،‬أصبح من الصوري‬ ‫كبت حرية اإلنسان يف التنقل‪ .‬عندما أصبحت السيارات ر‬ ‫ر‬
‫تنظيم استخدامها عىل نطاق واسع‪ .‬يف السيارة‪ ،‬ال سيما يف المناطق المكتظة‬
‫بالسكان‪ ،‬ال يمكن للمرء الذهاب إىل حيث يحلو له بالرسعة الخاصة به؛ حركة الفرد‬
‫التامات‪:‬‬ ‫تحكمها تدفق حركة المرور وقواني المرور المختلفة‪ .‬أحدهم مقيد بعدة ر‬
‫ر‬
‫التأمي‪ ،‬الصيانة المطلوبة‬ ‫التخيص‪ ،‬اختبار القيادة‪ ،‬تجديد التسجيل‪،‬‬ ‫متطلبات ر‬
‫ر‬
‫الرساء‪ .‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬لم يعد استخدام‬ ‫للسالمة‪ ،‬األقساط الشهرية عىل سعر ر‬
‫تغت ترتيب مدننا بحيث لم يعد غالبية‬ ‫اآلىل اختياريا‪ .‬منذ إدخال النقل ي‬
‫اآلىل‪ ،‬ر‬ ‫النقل ي‬

‫‪54‬‬
‫الناس يعيشون عىل مسافة قريبة من مكان عملهم ومناطق التسوق وفرص ر‬
‫التفيه‪،‬‬
‫يتعي عليهم االعتماد عىل السيارات من أجل االنتقال‪ .‬وإال يجب عليهم‬ ‫بحيث ر‬
‫وف هذه الحالة يكون لديهم سيطرة أقل عىل حركتهم‬ ‫استخدام وسائل النقل العام‪ ،‬ي‬
‫كبت‪ .‬يف المدينة‪،‬‬ ‫حئ حرية الرجل السائر اآلن مقيدة بشكل ر‬ ‫مقارنة بقيادة السيارة‪ .‬ر‬
‫أساش لخدمة‬ ‫ي‬ ‫عليه أن يتوقف باستمرار النتظار أضواء المرور المصممة بشكل‬
‫الست عىل طول‬ ‫حركة مرور السيارات‪ .‬يف الريف‪ ،‬تجعل حركة مرور السيارات من ر‬
‫ر‬
‫الئ أوضحناها‬ ‫وغت سار‪( .‬الحظ هذه النقطة المهمة ي‬ ‫خطتا ر‬‫ر‬ ‫الطريق الرسي ــع أمرا‬
‫اآلىل‪ :‬عندما يتم تقديم عنص جديد من التقنية كخيار يمكن‬ ‫للتو يف حالة النقل ي‬
‫ر‬
‫كثت من‬ ‫للفرد قبوله أو عدم قبوله كما يشاء‪ ،‬فإنه ال يبق بالصورة اختياريا‪ .‬يف ر‬
‫تغت المجتمع بطريقة تجعل الناس يجدون أنفسهم يف‬ ‫الحاالت‪ ،‬التقنية الجديدة ر‬
‫مجتين عىل استخدامها)‪.‬‬ ‫النهاية ر‬
‫التقئ ككل إىل تضييق مجال حريتنا باستمرار‪ ،‬فإن كل تقدم‬ ‫ي‬ ‫‪ .128‬بينما يؤدي التقدم‬
‫تقئ جديد إذا أخذ عىل حدة سيبدو مرغوب فيه‪ .‬الكهرباء‪ ،‬السباكة الداخلية‪،‬‬ ‫ي‬
‫االتصاالت الرسيعة بعيدة المدى‪ ...‬كيف يمكن للمرء أن يجادل ضد أي من هذه‬
‫والئ صنعت المجتمع‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫الئ ال حص لها ي‬ ‫األشياء‪ ،‬أو ضد أي من التطورات التقنية ي‬
‫الحديث؟ كان من السخف مقاومة إدخال الهاتف‪ ،‬عىل سبيل المثال‪ .‬لقد وفر‬
‫العديد من المزايا بال عيوب‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وكما أوضحنا يف الفقرات ‪ ،76-59‬فإن كل‬
‫مصت الرجل العادي‬ ‫ر‬ ‫هذه التطورات التقنية مجتمعة قد خلقت عالما لم يعد فيه‬
‫التنفيذيي‬
‫ر‬ ‫السياسيي‪ ،‬المديرين‬ ‫ر‬ ‫ربي يديه أو يف أيدي ج رتانه وأصدقائه‪ ،‬بل يف أيدي‬
‫التأثت عليهم‬ ‫ر‬ ‫المجهولي الذين ليس له ُسلطة‬ ‫ر‬ ‫والموظفي‬
‫ر‬ ‫والتقنيي‬
‫ر‬ ‫الرسكات‬ ‫ف ر‬
‫ي‬
‫كفرد‪ .‬نفس العملية ستستمر يف المستقبل‪ .‬خذ الهندسة الوراثية‪ ،‬عىل سبيل‬ ‫]‬‫‪21‬‬ ‫[‬

‫اي‪ .‬إنها‬ ‫المثال‪ .‬قلة من الناس سوف تقاوم إدخال تقنية وراثية تقض عىل مرض ور ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫الكثت من ُ‬ ‫سبب َّ‬ ‫ال ت ّ‬
‫كبتا من هذه‬ ‫المعاناة‪ .‬لكن عددا ر‬ ‫ر‬ ‫أي ض ٍر ظاهر‪ ،‬بل وتمنع‬
‫َ َ‬
‫البرس "منتجات هند َسها النظام" ال‬ ‫التحسينات الوراثية ُمجتمعة‪ ،‬سوف يجعل ر‬
‫كائنات أبدعتها الصدفة الحرة أو اإلرادة اإللهية (اعتمادا عىل معتقداتك الدينية)‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫‪ .129‬وهناك سبب آخر لكون التقنية قوة اجتماعية بهذه القوة‪ ،‬وهو أن التقدم‬
‫يست يف اتجاه واحد فقط‪ ،‬ال يمكن عكسه أبدا‪.‬‬ ‫معي‪ ،‬ر‬ ‫التقئ‪ ،‬يف سياق مجتمع ر‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫تقئ‪ ،‬يصبح الناس عادة معتمدين عليه‪ ،‬بحيث ال يمكنهم‬ ‫بمجرد إدخال ابتكار ي‬
‫أكت تقدما‪ .‬ال يعتمد الناس‬‫االستغناء عنه مرة أخرى‪ ،‬ما لم يتم استبداله بابتكار ر‬
‫كأفراد عىل عنص جديد من التقنية فحسب‪ ،‬بل يصبح النظام ككل معتمدا عليه‪.‬‬
‫(تخيل ما سيحدث للنظام اليوم إذا تم التخلص من أجهزة الحاسوب‪ ،‬عىل سبيل‬
‫وبالتاىل يمكن للنظام أن يتحرك يف اتجاه واحد فقط‪ ،‬نحو مزيد من التقنية‪.‬‬ ‫ي‬ ‫المثال)‪.‬‬
‫التاجع خطوة إىل الوراء‪ ،‬لكن التقنية ال‬ ‫تفرض التقنية مرارا وتكرارا عىل الحرية ر‬
‫التقئ بأكمله‪.‬‬ ‫بالنظام‬ ‫اإلطاحة‬ ‫باستثناء‬ ‫—‬ ‫اجع‬ ‫يمكنها أبدا ر‬
‫الت‬
‫ي‬
‫كبت وتهدد الحرية يف العديد من النقاط المختلفة يف نفس‬ ‫‪ .130‬تتقدم التقنية بتسارع ر‬
‫الكبتة‪،‬‬
‫ر‬ ‫والقواني‪ ،‬زيادة اعتماد األفراد عىل المنظمات‬
‫ر‬ ‫الوقت (االزدحام‪ ،‬اللوائح‬
‫الدعاية والتقنيات النفسية األخرى‪ ،‬الهندسة الوراثية‪ ،‬انتهاك الخصوصية من‬
‫خالل أجهزة المراقبة والحواسب‪ ،‬إىل آخره)‪ .‬لكبح أي واحد من مهددات الحرية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يتطلب ذلك نضاًل اجتماعيا طويًل وصعبا‪ .‬فأولئك الذين يريدون حماية الحرية‪،‬‬
‫حئ تصيبهم يف‬ ‫عج ُز ُهم العدد الهائل من الهجمات الجديدة ورسعة تطورها ر‬ ‫ِ‬ ‫ُي‬
‫ّ‬
‫النهاية الالمباالة ويتوقفوا عن المقاومة‪ .‬إن مقاومة كل تهديد عىل حدة سيكون بال‬
‫التقئ ككل؛ لكن‬
‫ي‬ ‫جدوى‪ .‬ال يمكن أن نأمل يف النجاح إال من خالل محاربة النظام‬
‫هذه ثورة وليست إصالح‪.‬‬
‫‪ .131‬يميل التقنيون (نستخدم هذا المصطلح بمعناه الواسع لوصف كل من يؤدون‬
‫مهمة متخصصة تتطلب تدريبا) إىل االنغماس يف عملهم (نشاطهم البديل) لدرجة‬
‫التقئ وحريتهم‪ ،‬ينحازون دائما تقريبا لصالح عملهم‬
‫ي‬ ‫أنه عندما ينشأ نزاع ربي عملهم‬
‫كثتة‪:‬‬
‫التقئ‪ .‬هذا واضح جدا يف حالة العلماء‪ ،‬لكنه يظهر أيضا يف أماكن أخرى ر‬ ‫ي‬
‫ّ‬
‫المدي ال يتورعون عن استخدام‬ ‫العمل‬ ‫منظمات‬ ‫أعضاء‬ ‫‪،‬‬ ‫البيئة‬ ‫ماة‬ ‫ح‬ ‫‪،‬‬ ‫بويون‬ ‫ر‬
‫فالت‬
‫ي‬
‫غتها من األساليب النفسية لمساعدتهم عىل تحقيق غاياتهم‬ ‫الدعاية [‪ ]14‬أو ر‬
‫الرسكات الك رتى والمؤسسات الحكومية‬ ‫الجديرة بالثناء‪ .‬وهكذا أيضا عىل مستوى ر‬
‫ّ‬
‫الئ ال رتتدد يف جمع المعلومات حول األفراد بغض النظر عن حق الخصوصية‪،‬‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫طالما يرون ذلك مفيدا‪ .‬فغالبا ما تتضايق أجهزة إنفاذ القانون من الحقوق‬

‫‪56‬‬
‫الدستورية المكفولة للمشتبه به وغالبا إنسان برئ بالكامل‪ ،‬فيفعلون كل ما بوسعهم‬
‫قانوي) لتقييد هذه الحقوق أو‬ ‫ي‬ ‫غت‬ ‫قانوي (أو يف بعض األحيان بشكل ر‬ ‫ي‬ ‫بشكل‬
‫ر‬
‫وموظق‬
‫ي‬ ‫الحكوميي‬
‫ر‬ ‫المسؤولي‬
‫ر‬ ‫التحايل عليها‪ .‬يؤمن معظم هؤالء الت ر‬
‫بويي‪،‬‬
‫القانون بالحرية والخصوصية والحقوق الدستورية‪ ،‬ولكن عندما تتعارض هذه‬
‫الحقوق مع عملهم‪ ،‬فإنهم عادة ما يشعرون أن عملهم ر‬
‫أكت أهمية‪.‬‬
‫السع‬ ‫وأكت إضارا عند‬‫‪ .132‬من المعروف أن الناس عموما يعملون بشكل أفضل ر‬
‫ي‬
‫للحصول عىل مكافأة مقارنة بمحاولة تجنب عقاب أو نتيجة سلبية‪ .‬العلماء‬
‫الئ يحصلون عليها من خالل‬ ‫ر‬
‫أساش المكافآت ي‬ ‫ي‬ ‫التقنيي يدفعهم بشكل‬
‫ر‬ ‫غتهم من‬ ‫و ر‬
‫التقئ للحرية يعملون عىل تجنب النتائج‬ ‫ي‬ ‫عملهم‪ .‬لكن أولئك الذين يعارضون الغزو‬
‫وبالتاىل هناك القليل ممن يعملون بإضار وبصورة جيدة يف هذه المهمة‬ ‫ي‬ ‫السلبية‪،‬‬
‫ّ‬
‫المحبطة‪ .‬إذا حقق اإلصالحيون يف أي وقت مض انتصارا بارزا بدا أنه شكل حاجزا‬
‫التقئ‪ ،‬فسيميل معظمهم إىل‬ ‫ي‬ ‫صلبا ضد المزيد من تآكل الحرية الناتجة عن التقدم‬
‫ً‬ ‫االستخاء وتحويل انتباههم إىل أنشطة ر‬ ‫ر‬
‫مشغولي‬‫ر‬ ‫أكت قبوًل‪ .‬لكن العلماء سيظلون‬
‫مختتاتهم‪ ،‬وستجد التقنية أثناء تقدمها طرقا‪ ،‬عىل الرغم من أي حواجز‪،‬‬ ‫ر‬ ‫يف‬
‫أكت اعتمادا عىل‬ ‫لممارسة المزيد والمزيد من السيطرة عىل األفراد وجعلهم دائما ر‬
‫النظام‪.‬‬
‫قواني‪ ،‬مؤسسات‪ ،‬أعراف أو قواعد‬ ‫‪ .133‬ال يمكن ألي ترتيبات اجتماعية‪ ،‬سواء كانت ر‬
‫التتيبات‬‫أخالقية‪ ،‬أن توفر حماية دائمة من التقنية‪ُ .‬يظهر التاري ــخ أن جميع ر‬
‫التقئ دائم يف‬
‫ي‬ ‫تتغت أو تنهار يف النهاية‪ .‬لكن التقدم‬ ‫االجتماعية مؤقتة؛ جميعها ر‬
‫افتض‪ ،‬عىل سبيل المثال‪ ،‬أنه كان من الممكن التوصل إىل‬ ‫سياق حضارة معينة‪ .‬ر‬
‫الئ من شأنها أن تمنع تطبيق الهندسة الوراثية عىل‬ ‫التتيبات االجتماعية ر‬ ‫بعض ر‬
‫ي‬
‫البرس‪ ،‬أو تمنع تطبيقها بطريقة تهدد الحرية والكرامة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ستظل التقنية‬ ‫ر‬
‫ً‬
‫آجال سينهار ر‬ ‫ً‬
‫االجتماع‪ .‬ربما يف وقت قريب‪ ،‬بالنظر إىل‬ ‫ي‬ ‫تيب‬ ‫الت‬ ‫أم‬ ‫عاجال‬ ‫تنتظر‪.‬‬
‫التغيت يف مجتمعنا‪ .‬ثم تبدأ الهندسة الوراثية يف غزو مجال حريتنا‪ .‬وسيكون‬ ‫ر‬ ‫وتتة‬ ‫ر‬
‫هذا الغزو ال رجوع فيه (إال بانهيار الحضارة التقنية نفسها)‪ .‬يجب تبديد أي أوهام‬
‫التتيبات االجتماعية بما يحدث حاليا مع‬ ‫حول تحقيق أي رشء دائم من خالل ر‬
‫ي‬
‫الترسيعات البيئية‪.‬‬ ‫ر‬

‫‪57‬‬
‫قبل بضع سنوات بدا أن هناك حواجز قانونية آمنة تمنع عىل األقل بعض أسوأ‬
‫تغت يف اتجاه الرياح السياسية‪ ،‬بدأت هذه‬ ‫البيئ‪ .‬لكن بمجرد ر‬
‫ي‬ ‫أشكال التدهور‬
‫الحواجز يف االنهيار‪.‬‬
‫‪ .134‬لكل األسباب السابقة‪ ،‬تعد التقنية قوة اجتماعية أقوى من التطلع إىل الحرية‪.‬‬
‫لكن هذا التصي ــح يتطلب معيارا مهما‪ .‬يبدو أنه خالل العقود العديدة القادمة‬
‫التقئ لضغوط شديدة بسبب المشاكل االقتصادية‬ ‫ي‬ ‫اع‬
‫سوف يتعرض النظام الصن ي‬
‫ّ‬
‫التمرد‪ ،‬العدائية‪،‬‬ ‫والبيئية‪ ،‬وخصوصا بسبب مشاكل السلوك ر‬
‫البرسي (اإلبعاد‪،‬‬
‫مجموعة متنوعة من الصعوبات االجتماعية والنفسية)‪ .‬نأمل أن تؤدي الضغوط‬
‫كاف‬
‫الئ من المحتمل أن يمر النظام بها إىل انهياره‪ ،‬أو عىل األقل إضعافه بشكل ٍ‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫حئ تصبح الثورة ضده ممكنة‪ .‬إذا حدثت مثل هذه الثورة ونجحت‪ ،‬فسيكون‬ ‫ر‬
‫التطلع إىل الحرية يف تلك اللحظة بالذات أقوى من التقنية‪.‬‬
‫‪ .135‬يف الفقرة ‪ ،125‬استخدمنا تشبيها لجار ضعيف تركه جار قوي ُمعدما والذي‬
‫افتض اآلن أن الجار القوي‬ ‫يأخذ كل أرضه بفرض سلسلة من التنازالت عليه‪ .‬لكن ر‬
‫يجت‬‫غت قادر عىل الدفاع عن نفسه‪ .‬يمكن للجار الضعيف أن ر‬ ‫مرض‪ ،‬بحيث يكون ر‬ ‫ِ‬
‫القوي عىل إعادته أرضه‪ ،‬أو يمكنه قتله‪ .‬إذا سمح للرجل القوي بالبقاء عىل قيد‬
‫وأجته فقط عىل إعادة األرض‪ ،‬فهو أحمق‪ ،‬ألنه عندما يتعاف الرجل القوي‬ ‫الحياة ر‬
‫سيأخذ كل األرض لنفسه مرة أخرى‪ .‬البديل المعقول الوحيد للرجل األضعف هو‬
‫الصناع مريض‬
‫ي‬ ‫قتل القوي بينما تتاح له الفرصة‪ .‬بنفس الطريقة‪ ،‬بينما النظام‬
‫يقض يف النهاية‬
‫ي‬ ‫تدمته‪ .‬إذا تنازلنا وتركناه يتعاف من مرضه‪ ،‬فسوف‬
‫يجب علينا ر‬
‫عىل كل حريتنا‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫غت قابلة للحل‬
‫لقد ثبت أن المشكالت االجتماعية األبسط ر‬

‫‪ .136‬إذا كان أي شخص ال يزال يتخيل أنه سيكون من الممكن إصالح النظام بطريقة‬
‫تحىم الحرية من التقنية‪ ،‬فليأخذ يف االعتبار كيف تعامل مجتمعنا بطريقة خرقاء‬ ‫ي‬
‫بكثت‪.‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫وغت ناجحة يف الغالب مع مشاكل اجتماعية أخرى أكت بساطة وأكت وضوحا ر‬ ‫ر‬
‫السياش‪ ،‬االتجار‬
‫ي‬ ‫البيئ‪ ،‬الفساد‬
‫من ربي أمور أخرى‪ ،‬فشل النظام يف وقف التدهور ي‬
‫بالمخدرات أو العنف المت يىل‪.‬‬
‫‪ .137‬خذ مشاكلنا البيئية عىل سبيل المثال‪ .‬هنا يكون تضارب القيمة واضحا‪ :‬المنفعة‬
‫االقتصادية اآلن مقابل إنقاذ بعض مواردنا الطبيعية ألحفادنا‪ ]22[ .‬لكن فيما يتعلق‬
‫التثرة والتعتيم من األشخاص الذين‬ ‫بهذا الموضوع‪ ،‬ال نحصل إال عىل الكثت من ر‬
‫ر‬
‫شء مثل مسار عمل واضح ومتسق‪ ،‬ونستمر يف مراكمة‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫لديهم السلطة‪ ،‬وال ي‬
‫سيتعي عىل أحفادنا التعايش معها‪ .‬تتكون محاوالت حل‬ ‫ر‬
‫الئ‬
‫ر‬ ‫المشاكل البيئية ي‬
‫المشكلة البيئية من ضاعات وتنازالت ربي فصائل عدة‪ ،‬بعضها يتصاعد يف لحظة‪،‬‬
‫المتغتة للرأي‬
‫ر‬ ‫تغت التيارات‬ ‫والبعض اآلخر يف لحظة أخرى‪ .‬خط النضال ر‬
‫يتغت مع ر‬
‫العام‪ .‬هذه ليست عملية عقالنية‪ ،‬كما أنها ليست عملية من المحتمل أن تؤدي إىل‬
‫الكتى‪ ،‬إذا تم "حلها" عىل‬ ‫حل ناجح وناجع للمشكلة‪ .‬المشاكل االجتماعية ر‬
‫اإلطالق‪ ،‬نادرا ما يتم حلها أو ال يتم حلها أبدا من خالل أي خطة عقالنية شاملة‪.‬‬
‫عت عملية تقوم فيها المجموعات المختلفة المتنافسة‬ ‫إنهم يجهدون أنفسهم فقط ر‬
‫قصتة المدى يف العادة) للوصول (بشكل‬ ‫الئ تسع وراء اهتماماتها الذاتية [‪ ( ]23‬ر‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫غت مستقرة مؤقتة إىل حد ما‪ .‬يف الواقع‪،‬‬ ‫أساش عن طريق الحظ) إىل تسوية ر‬ ‫ي‬
‫الئ صغناها يف الفقرات ‪ 106-100‬تجعل من المشكوك فيه أن التخطيط‬ ‫ر‬
‫المبادئ ي‬
‫العقالي طويل األجل يمكن أن يكون ناجحا عىل اإلطالق‪.‬‬ ‫ي‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬
‫البرسي يف أحسن األحوال قدرة محدودة للغاية عىل‬ ‫‪ .138‬هكذا يتضح أن للجنس ر‬
‫ر‬
‫األكت‬ ‫المبارسة منها نسبيا‪ .‬فكيف سيحل المشكلة‬ ‫ر‬ ‫حئ‬‫حل المشاكل االجتماعية‪ ،‬ر‬
‫وه التوفيق ربي الحرية والتقنية؟ تقدم التقنية مزايا مادية واضحة‪،‬‬ ‫صعوبة ودقة ي‬
‫مختلفي‪ .‬ومن السهل‬
‫ر‬ ‫تعئ أشياء مختلفة ألناس‬‫ه فكرة مجردة ي‬ ‫حي أن الحرية ي‬ ‫يف ر‬
‫طمس خسارتها بالدعاية والكالم المعسول‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫‪ .139‬والحظ هذا االختالف المهم‪ :‬من المتصور أن مشاكلنا البيئية (عىل سبيل‬
‫المثال) قد تتم تسويتها يف يوم من األيام من خالل خطة عقالنية وشاملة‪ ،‬ولكن‬
‫إذا حدث ذلك فسيكون ذلك فقط ألنه من مصلحة النظام عىل المدى الطويل‬
‫حل هذه المشاكل‪ .‬لكن ليس من مصلحة النظام الحفاظ عىل الحرية أو استقاللية‬
‫الصغتة‪ .‬عىل العكس من ذلك‪ ،‬من مصلحة النظام السيطرة عىل‬ ‫ر‬ ‫المجموعات‬
‫حي أن االعتبارات العملية‬‫البرسي إىل أقض حد ممكن‪ ]24[ .‬وهكذا‪ ،‬يف ر‬ ‫السلوك ر‬
‫منطق وحكيم للمشاكل البيئية‪ ،‬فإن‬ ‫ر‬ ‫تجت النظام يف النهاية عىل اتباع نهج‬
‫ي‬ ‫قد ر‬
‫البرسي بشكل‬‫ستجت النظام عىل تنظيم السلوك ر‬ ‫ر‬ ‫االعتبارات العملية بنفس القدر‬
‫غت ر‬
‫مبارسة من شأنها‬ ‫ر‬
‫وثيق أكت من أي وقت مض (ويفضل أن يكون ذلك بوسائل ر‬
‫إخفاء التعدي عىل الحرية)‪ .‬هذا ليس رأينا فقط‪ .‬أكد علماء االجتماع البارزون (مثل‬
‫جيمس كيو ويلسون) عىل أهمية "التنشئة االجتماعية" للناس بشكل ر‬
‫أكت فعالية‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫الثورة أسهل من اإلصالح‬

‫‪ .140‬نتمئ أن نكون قد أقنعنا القارئ بأن النظام ال يمكن إصالحه بطريقة توفق ربي‬
‫التقئ كليا‪ .‬هذا‬
‫ي‬ ‫الصناع‬
‫ي‬ ‫الحرية والتقنية‪ .‬المخرج الوحيد هو االستغناء عن النظام‬
‫وأساش‬
‫ي‬ ‫تغيت جذري‬‫يعئ ثورة‪ ،‬ليس بالصورة انتفاضة مسلحة‪ ،‬ولكن بالتأكيد ر‬ ‫ي‬
‫يف طبيعة المجتمع‪.‬‬
‫بكثت مما‬ ‫ر‬
‫أكت ر‬‫تغيت ر‬
‫‪ .141‬يميل الناس إىل االفتاض أنه نظرا ألن الثورة تنطوي عىل ر‬
‫يحدث يف اإلصالح‪ ،‬فإن تحقيق الثورة أصعب من تحقيق اإلصالح‪ .‬يف الواقع‪،‬‬
‫بكثت من اإلصالح‪ .‬والسبب هو أن الحركة‬ ‫الثورة يف ظل ظروف معينة أسهل ر‬
‫الئ ال يمكن لحركة اإلصالح أن تلهمها‪ .‬تقدم‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫الثورية يمكن أن تلهم قوة االلتام ي‬
‫حركة اإلصالح مجرد حل لمشكلة اجتماعية معينة‪ .‬تقدم الحركة الثورية حل جميع‬
‫الئ‬ ‫ر‬
‫المشاكل دفعة واحدة وخلق عالم جديد بالكامل؛ إنها توفر نوعا من المثالية ي‬
‫كبتة‪ .‬لهذه األسباب‪ ،‬سيكون‬ ‫يخاطر الناس بشدة من أجلها ويقدمون تضحيات ر‬
‫ً‬
‫التقئ بالكامل بدال من وضع قيود فعالة ودائمة‬‫ي‬ ‫بكثت اإلطاحة بالنظام‬
‫من األسهل ر‬
‫عىل تطوير أو تطبيق أي قطاع واحد من التقنية‪ ،‬كالهندسة الوراثية‪ ،‬عىل سبيل‬
‫الكثت من الناس أنفسهم بشغف أوحد لفرض قيود عىل الهندسة‬ ‫المثال‪ .‬لن يكرس ر‬
‫كبت من‬ ‫الوراثية والحفاظ عليها‪ ،‬ولكن يف ظل ظروف مناسبة‪ ،‬قد يكرس عدد ر‬
‫الصناع‪ .‬كما رأرسنا يف الفقرة ‪،132‬‬
‫ي‬ ‫التقئ‬
‫ي‬ ‫الناس أنفسهم بشغف لثورة ضد النظام‬
‫اإلصالحيي الذين يسعون إىل الحد من جوانب معينة من التقنية سيعملون‬ ‫ر‬ ‫فإن‬
‫عىل تجنب نتيجة سلبية‪ .‬لكن الثوار يعملون للحصول عىل مكافأة قوية — تحقيق‬
‫أكت مما يفعل اإلصالحيون‪.‬‬ ‫رؤيتهم الثورية — وبالتاىل يعملون بجدية أكت و بإضار ر‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫التغيتات‬
‫ر‬ ‫‪ .142‬إن اإلصالح مقيد دائما بالخوف من العواقب المؤلمة إذا ذهبت‬
‫بعيدا‪ .‬ولكن بمجرد أن تسيطر حىم ثورية عىل المجتمع‪ ،‬يصبح الناس عىل‬
‫غت محدودة من أجل ثورتهم‪ .‬ظهر هذا بوضوح يف‬ ‫استعداد لتحمل مصاعب ر‬
‫الثور رتي الفرنسية والروسية‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫التمت حقا بالثورة‪ ،‬لكن‬‫قد يكون ف مثل هذه الحاالت أن أقلية فقط من السكان ر‬
‫ي‬
‫كبتة ونشطة بدرجة كافية بحيث أصبحت القوة المهيمنة يف المجتمع‪.‬‬ ‫هذه األقلية ر‬
‫سيكون لدينا المزيد لنقوله عن الثورة يف الفقرات ‪ 180‬إىل ‪.205‬‬

‫‪62‬‬
‫السيطرة عىل السلوك ر‬
‫البرسي‬

‫‪ .143‬منذ بداية الحضارة‪ ،‬كان عىل المجتمعات المنظمة أن تمارس ضغوطا عىل‬
‫األكت‪ .‬تختلف أنواع الضغوط‬ ‫ر‬ ‫االجتماع‬ ‫البرسية من أجل عمل الكائن‬ ‫الكائنات ر‬
‫ي‬
‫كبتا من مجتمع إىل آخر‪ .‬بعض الضغوط جسدية (سوء التغذية‪ ،‬العمل‬ ‫اختالفا ر‬
‫البرسي‬‫المفرط‪ ،‬التلوث البيئ)‪ ،‬بعضها نفس (الضوضاء‪ ،‬االزدحام‪ ،‬إجبار السلوك ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ّ‬
‫ر‬
‫الماض‪ ،‬كانت الطبيعة البرسية‬ ‫ف‬ ‫‪.‬‬ ‫)‬ ‫المجتمع‬ ‫يتطلبها‬ ‫الئ‬‫ر‬ ‫بالطريقة‬ ‫ل‬ ‫التشك‬ ‫عىل‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫وبالتاىل‪ ،‬تمكنت‬
‫ي‬ ‫تغتت عىل أي حال ضمن حدود معينة فقط‪.‬‬ ‫ثابتة تقريبا‪ ،‬أو ر‬
‫المجتمعات من دفع الناس إىل حدود معينة فقط‪ .‬عندما يتم تجاوز حد التحمل‬
‫التمرد‪ ،‬أو الجريمة‪ ،‬أو الفساد‪ ،‬أو التهرب من العمل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫البرسي‪ ،‬تبدأ األمور بالسوء‪:‬‬ ‫ر‬
‫أو االكتئاب ومشاكل عقلية أخرى‪ ،‬أو ارتفاع معدل الوفيات‪ ،‬أو انخفاض معدل‬
‫غت فعال للغاية‬ ‫شء آخر‪ ،‬بحيث ينهار المجتمع‪ ،‬أو يصبح أدائه ر‬ ‫ر‬
‫المواليد أو أي ي‬
‫ويتم استبداله (رسيعا أو تدريجيا‪ ،‬من خالل الغزو‪ ،‬االستتاف أو التطور) بنوع ر‬
‫أكت‬
‫‪[25] .‬‬
‫فعالية من المجتمعات‬
‫الماض قيودا معينة عىل تطور‬ ‫البرسية يف‬ ‫‪ .144‬وهكذا‪ ،‬فقد وضعت الطبيعة ر‬
‫ي‬
‫ر‬
‫معي وليس أ كت‪ .‬لكن هذا قد ر‬
‫يتغت اليوم‪،‬‬ ‫المجتمعات‪ .‬يمكن دفع الناس إىل حد ر‬
‫البرس‪.‬‬ ‫ألن التقنية الحديثة تطور طرقا لتعديل ر‬
‫غت سعداء بشكل رهيب‪ ،‬ثم‬ ‫ُ‬
‫‪ .145‬تخيل مجتمعا يخضع الناس لظروف تجعلهم ر‬
‫علىم؟ إنه يحدث بالفعل إىل حد‬ ‫يعطيهم المخدرات للتخلص من تعاستهم‪ .‬خيال ي‬
‫كبت يف‬ ‫ما يف مجتمعنا‪ .‬من المعروف أن معدل االكتئاب الرسيري قد ازداد بشكل ر‬
‫السلطة‪ ،‬كما هو موضح يف‬ ‫األختة‪ .‬نعتقد أن هذا يرجع إىل تعطيل عملية ُ‬ ‫ر‬ ‫العقود‬
‫المتايد لالكتئاب هو‬ ‫حئ لو كنا مخطئي‪ ،‬فإن المعدل ر‬ ‫الفقرات ‪ .76-59‬ولكن ر‬
‫ر‬
‫ً‬
‫بالتأكيد نتيجة لبعض الظروف الموجودة يف مجتمع اليوم‪ .‬بدال من إزالة الظروف‬
‫عقاقت مضادة‬
‫ر‬ ‫الئ تجعل الناس يعانون من االكتئاب‪ ،‬يقدم المجتمع الحديث لهم‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫ه وسيلة لتعديل الحالة الداخلية للفرد‬ ‫لالكتئاب‪ ّ .‬يف الواقع‪ ،‬مضادات االكتئاب ي‬
‫غت محتملة‪.‬‬ ‫الئ لوال ذلك لوجدها ر‬ ‫ر‬
‫بطريقة تمكنه من تحمل الظروف االجتماعية ي‬

‫‪63‬‬
‫ونشت هنا إىل‬ ‫اي بحت‪.‬‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫(نعم‪ ،‬نحن نعلم أن االكتئاب غالبا ما يكون من أصل ور ي‬
‫الئ تلعب فيها البيئة دورا مهيمنا)‪.‬‬ ‫ر‬
‫تلك الحاالت ي‬
‫الئ تؤثر عىل العقل ليست سوى مثال واحد عىل األساليب الجديدة‬ ‫ر ر‬
‫عقاقت ي‬ ‫‪ .146‬إن ال‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫نلق نظرة عىل‬‫الئ يطورها المجتمع الحديث‪ .‬دعونا ي‬ ‫للتحكم يف السلوك البرسي ي‬
‫بعض الطرق األخرى‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ .147‬يف البداية‪ ،‬هناك تقنيات المراقبة‪ .‬تستخدم آالت التصوير المخفية اآلن يف‬
‫ُ‬
‫وف العديد من األماكن األخرى‪ ،‬تستخدم أجهزة الحاسوب لجمع‬ ‫معظم المتاجر ي‬
‫ر‬
‫الئ يتم الحصول‬ ‫ومعالجة كميات هائلة من المعلومات حول األفراد‪ .‬المعلومات ي‬
‫كبت من فعالية اإلكراه الجسدي (أي إنفاذ القانون)‪ ]26[ .‬ثم هناك‬ ‫عليها تزيد بشكل ر‬
‫الئ توفر لها وسائل اإلعالم قنوات فعالة‪ .‬لقد تم تطوير تقنيات‬ ‫ر‬
‫طرق الدعاية ي‬
‫التأثت عىل الرأي العام‪ .‬تعمل صناعة‬ ‫ر‬ ‫فعالة للفوز باالنتخابات‪ ،‬بيع المنتجات‪،‬‬
‫كبتة من الجنس‬ ‫حئ عندما ر‬ ‫التفيه كأداة نفسية مهمة للنظام‪ ،‬ر‬ ‫ر‬
‫تنرس كميات ر‬
‫التفيه لإلنسان الحديث وسيلة أساسية للهروب‪ .‬أثناء استغراقه يف‬ ‫والعنف‪ .‬يوفر ر‬
‫مشاهدة شاشة العرض والمقاطع المصورة وما إىل ذلك‪ ،‬يمكنه أن ينس التوتر‪،‬‬
‫القلق‪ ،‬اإلحباط‪ ،‬عدم الرضا‪ .‬العديد من الشعوب البدائية‪ ،‬عندما ال يكون لديهم‬
‫قانعي تماما بالجلوس لساعات يف كل مرة ال يفعلون‬ ‫ر‬ ‫عمل يقومون به‪ ،‬يكونون‬
‫شيئا عىل اإلطالق‪ ،‬ألنهم يف سالم مع أنفسهم ومع عالمهم‪ .‬لكن معظم الناس‬
‫مستمتعي‪ ،‬وإال فإنهم يشعرون‬‫ر‬ ‫مشغولي باستمرار أو‬‫ر‬ ‫الحديثي يجب أن يكونوا‬ ‫ر‬
‫"بالملل"‪ ،‬أي يصابون بالتململ‪ ،‬عدم االرتياح‪ ،‬التوتر‪.‬‬
‫‪ .148‬تقنيات أخرى تصب أعمق مما سبق‪ .‬لم يعد التعليم مجرد مسألة صفع مؤخرة‬
‫والتبيت عىل رأسه عندما يعرفها‪ .‬لقد أصبح أسلوبا‬ ‫طفل عندما ال يعرف دروسه ر‬
‫*‬
‫علميا للتحكم يف نمو الطفل‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬حققت مراكز سيلڤان التعليمية‬
‫ُ‬
‫تحفت األطفال عىل الدراسة‪ ،‬كما تستخدم األساليب النفسية أيضا‬ ‫ر‬ ‫كبتا يف‬
‫نجاحا ر‬
‫أكت أو أقل يف العديد من المدارس التقليدية‪ .‬تم تصميم تقنيات "األبوة‬ ‫بنجاح ر‬
‫الئ يتم تدريسها للوالدين لجعل األطفال يقبلون القيم األساسية للنظام‬ ‫ر‬
‫واألمومة" ي‬
‫ويتصفون بطرق يرض عنها النظام‪.‬‬
‫* مؤسسة تعليمية خاصة عىل نظام ر‬
‫الرسكات‪ ،‬عالية التخصصية وضخمة التنظيم للطلبة يف مرحلة ما قبل الدراسة الجامعية‬

‫‪64‬‬
‫النفس‪ ،‬وما إىل ذلك‪،‬‬
‫أنظمة "الصحة العقلية"‪ ،‬وتقنيات "التدخل"‪ ،‬والعالج ً ي‬
‫مصممة ظاهريا إلفادة األفراد‪ ،‬ولكنها يف الواقع تعمل عادة كطرق لحث األفراد‬
‫التفكت والتصف حسب ما يتطلبه النظام‪( .‬ال يوجد تناقض هنا؛ فالفرد الذي‬ ‫ر‬ ‫عىل‬
‫تجعله مواقفه أو سلوكه يف ضاع مع النظام يواجه قوة أقوى من أن يغلبها أو يهرب‬
‫يعاي من اإلجهاد‪ ،‬اإلحباط‪ ،‬الهزيمة‪ .‬سيكون طريقه‬ ‫وبالتاىل من المحتمل أن ي‬‫ي‬ ‫منها‪،‬‬
‫بكثت إذا كان يفكر ويتصف كما يتطلب النظام‪ .‬وبــهذا المعئ‪ ،‬فإن النظام‬ ‫أسهل ر‬
‫حئ يتوافق معه)‪ .‬إساءة معاملة األطفال‬ ‫يعمل لصالح الفرد عندما يغسل دماغه ر‬
‫بأشكالها الجسيمة والواضحة مرفوضة يف معظم‪ ،‬إذا لم يكن يف كل‪ ،‬الثقافات‪.‬‬
‫تعذيب طفل لسبب تافه أو بدون سبب عىل اإلطالق هو أمر ي ّنفر الجميع تقريبا‪.‬‬
‫لكن العديد من علماء النفس يفرسون مفهوم اإلساءة عىل نطاق أوسع‪ .‬هل الصفع‬
‫منطق ومتسق‪ ،‬هو شكل من‬ ‫ر‬ ‫عىل مؤخرته‪ ،‬عند استخدامه كجزء من نظام تأديب‬
‫ي‬
‫أشكال اإلساءة؟ سيتم تحديد السؤال يف نهاية المطاف من خالل ما إذا كان الصفع‬
‫الحاىل للمجتمع‪ .‬يف‬
‫ي‬ ‫يميل إىل إنتاج سلوك يجعل الشخص عىل ما يرام مع النظام‬
‫تفستها لتشمل أي طريقة رلتبية األطفال‬ ‫ر‬ ‫الممارسة العملية‪ ،‬تميل كلمة "إساءة" إىل‬
‫غت مالئم للنظام‪ .‬وهكذا‪ ،‬عندما يذهبون إىل أبعد من منع القسوة‬ ‫تنتج سلوكا ر‬
‫الئ ال معئ لها‪ ،‬فإن برامج منع "إساءة معاملة األطفال" تكون موجهة‬ ‫ر‬
‫الواضحة ي‬
‫نحو السيطرة عىل السلوك ر‬
‫البرسي نيابة عن النظام‪.‬‬
‫المفتض أن تستمر األبحاث لزيادة فعالية األساليب النفسية للتحكم يف‬ ‫ر‬ ‫‪ .149‬من‬
‫غت المحتمل أن تكون التقنيات النفسية‬ ‫البرسي‪ .‬لكننا نعتقد أنه من ر‬ ‫السلوك ر‬
‫البرس مع نوع المجتمع الذي تخلقه التقنية‪ .‬ربما ر‬
‫يتعي‬ ‫وحدها كافية لتكييف ر‬
‫استخدام األساليب الحيوية‪ .‬لقد ذكرنا بالفعل استخدام المخدرات يف هذا الصدد‪.‬‬
‫البرسي‪ .‬بدأت الهندسة الوراثية‬ ‫قد يوفر علم األعصاب طرقا أخرى لتعديل العقل ر‬
‫الفتاض أن مثل‬ ‫للبرس بالحدوث عىل شكل "عالج بالمورثات"‪ ،‬وال يوجد سبب ر‬ ‫ر‬
‫الئ تؤثر‬ ‫هذه األساليب لن ُتستخدم ف النهاية لتعديل تلك الجوانب من الجسم ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫العقىل‪.‬‬
‫ي‬ ‫عىل األداء‬
‫الصناع يدخل عىل األرجح رفتة‬ ‫ي‬ ‫‪ .150‬كما ذكرنا يف الفقرة ‪ ،134‬يبدو أن المجتمع‬
‫البرسي وجزئيا إىل‬‫من اإلجهاد الشديد‪ ،‬ويرجع ذلك جزئيا إىل مشاكل السلوك ر‬

‫‪65‬‬
‫كبتة من المشاكل االقتصادية والبيئية للنظام‬ ‫المشاكل االقتصادية والبيئية‪ .‬ونسبة ر‬
‫احتام الذات‪ ،‬االكتئاب‪ ،‬العدائية‪،‬‬ ‫البرس‪ .‬اإلبعاد‪ ،‬تدي ر‬ ‫تنجم عن طريقة تصف ر‬
‫ي‬
‫غت‬ ‫تعاط المخدرات بشكل ر‬ ‫التمرد؛ األطفال الذين لن يدرسوا‪ ،‬عصابات الشباب‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ي‬
‫غت اآلمن‪ ،‬حمل‬ ‫قانوي‪ ،‬االغتصاب‪ ،‬إساءة معاملة األطفال‪ ،‬جرائم أخرى‪ ،‬الجنس ر‬ ‫ي‬
‫العرف‪،‬‬ ‫ر‬ ‫السياش‪ ،‬الكراهية العرقية‪ ،‬التنافس‬ ‫السكاي‪ ،‬الفساد‬ ‫المراهقات‪ ،‬النمو‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الصاع العقائدي المرير (عىل سبيل المثال‪ ،‬المؤيد لالختيار يف مقابل المؤيد للحياة‬
‫السياش‪ ،‬اإلرهاب‪ ،‬التخريب‪ ،‬والجماعات‬ ‫ي‬ ‫— فيما يخص اإلجهاض)‪ ،‬التطرف‬
‫المناهضة للحكومة‪ ،‬جماعات الكراهية‪ .‬كل هذا يهدد بقاء النظام ذاته‪ .‬لذلك‬
‫البرسي‪.‬‬ ‫سيضطر النظام إىل استخدام كل الوسائل العملية للسيطرة عىل السلوك ر‬
‫االجتماع الذي نراه اليوم ليس نتيجة مجرد الصدفة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫‪ .151‬من المؤكد أن االضطراب‬
‫الئ يفرضها النظام عىل الناس‪( .‬لقد‬ ‫ر‬
‫يمكن أن يكون فقط نتيجة لظروف الحياة ي‬
‫السلطة)‪ .‬إذا نجحت األنظمة يف‬ ‫جادلنا بأن أهم هذه الظروف هو تعطيل عملية ُ‬
‫البرسي لضمان بقائها‪ ،‬فسيتم تجاوز نقطة تحول‬ ‫فرض سيطرة كافية عىل السلوك ر‬
‫البرسي يف السابق قيودا‬ ‫حي فرضت حدود التحمل ر‬ ‫جديدة ف تاري ــخ ر‬
‫البرسية‪ .‬يف ر‬ ‫ي‬
‫عىل تطور المجتمعات (كما أوضحنا يف الفقر رتي ‪ 143‬و ‪ ،)144‬سيكون المجتمع‬
‫البرس‪ ،‬سواء عن‬ ‫الصناع التقئ قادرا عىل تجاوز هذه الحدود عن طريق تعديل ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫طريق األساليب النفسية أو األساليب الحيوية أو كليهما‪ .‬يف المستقبل‪ ،‬لن يتم‬
‫ً‬ ‫تعديل النظم االجتماعية لتناسب احتياجات ر‬
‫البرس‪ .‬بدال من ذلك‪ ،‬سيتم تعديل‬
‫‪[27].‬‬
‫اإلنسان ليناسب احتياجات النظام‬
‫بنية‬‫البرسي ّ‬‫‪ .152‬بشكل عام‪ ،‬من المحتمل أال يتم إدخال التحكم التقئ ف السلوك ر‬
‫ي ي‬
‫كل خطوة‬ ‫‪]28[ .‬‬
‫حئ من خالل الرغبة الواعية يف تقييد حرية اإلنسان‬ ‫شمولية أو ر‬
‫البرسي سوف تؤخذ عىل أنها استجابة‬ ‫جديدة ف تأكيد السيطرة عىل العقل ر‬
‫ي‬
‫عقالنية لمشكلة ما تواجه المجتمع‪ ،‬مثل عالج إدمان الكحول‪ ،‬تقليل معدل‬
‫كثت من الحاالت سيكون‬ ‫الجريمة أو حث الشباب عىل دراسة العلوم والهندسة‪ .‬يف ر‬
‫نفس مضادا لالكتئاب‬ ‫ي‬ ‫إنساي‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬عندما يصف طبيب‬ ‫ي‬ ‫هناك رمتر‬
‫إنساي‬
‫ي‬ ‫لمريض مكتئب‪ ،‬فمن الواضح أنه يقدم خدمة لهذا الفرد‪ .‬سيكون من الال‬
‫حجب الدواء عن شخص يحتاجه‪ .‬عندما يرسل اآلباء أطفالهم إىل مراكز سيلڤان‬

‫‪66‬‬
‫متحمسي لدراساتهم‪ ،‬فإنهم يفعلون ذلك من‬ ‫ر‬ ‫التعليمية للتالعب بهم ليصبحوا‬
‫اهتمامهم برفاهية أطفالهم‪ .‬قد يكون بعض هؤالء اآلباء يرغبون يف أال يحتاج المرء‬
‫إىل تدريب متخصص للحصول عىل وظيفة وأن طفلهم لم يكن مضطرا إىل غسل‬
‫دماغه ليصبح مهووسا بالحاسوب‪ .‬لكن ماذا بيدهم أن يفعلوا؟ ال يمكنهم ر‬
‫تغيت‬
‫عاطال عن العمل إذا لم يكن لديه مهارات معينة‪.‬‬ ‫ً‬
‫المجتمع‪ ،‬وقد يكون طفلهم‬
‫لذلك يرسلونه إىل سيلڤان‪.‬‬
‫البرسي بقرار محسوب من السلطات‬ ‫‪ .153‬وبالتاىل‪ ،‬لن يتم إدخال التحكم ف السلوك ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫االجتماع (تطور رسي ــع‪ ،‬مع ذلك)‪ .‬سيكون من‬ ‫ي‬ ‫ولكن من خالل عملية التطور‬
‫المستحيل مقاومة العملية‪ ،‬ألن كل تقدم‪ ،‬إن أخذ عىل حدة‪ ،‬سيبدو مفيدا‪ ،‬أو عىل‬
‫الرس المتورط يف تحقيق التقدم أقل مما سينتج عن عدم القيام به‬ ‫األقل سيبدو ر‬
‫(انظر الفقرة ‪ .)127‬يتم استخدام الدعاية عىل سبيل المثال للعديد من األغراض‬
‫الجيدة‪ ،‬مثل محاربة إساءة معاملة األطفال أو الكراهية العرقية‪ ]14[ .‬من الواضح‬
‫التبية الجنسية (إىل الحد الذي يجعلها‬ ‫التبية الجنسية مفيدة‪ ،‬لكن تأثت ر‬ ‫أن ر‬
‫ر‬
‫ناجحة) يكمن يف إبعاد تشكيل المواقف الجنسية عن األرسة ووضعها يف أيدي‬
‫الدولة كما يمثلها نظام المدارس العامة‪.‬‬
‫يكت الطفل ليصبح‬ ‫ر‬
‫‪ .154‬لنفتض أنه تم اكتشاف سمة حيوية تزيد من احتمالية أن ر‬
‫وافتض أن نوعا من العالج بالمورثات يمكنه إزالة هذه السمة‪ ]29[ .‬بالطبع‬ ‫مجرما‪ ،‬ر‬
‫معظم اآلباء الذين يمتلك أطفالهم هذه السمة سيخضعونهم للعالج‪ .‬سيكون من‬
‫غت ذلك‪ ،‬ألن الطفل من المحتمل أن يعيش حياة بائسة إذا‬ ‫اإلنساي أن تفعل ر‬
‫ي‬ ‫غت‬
‫ر‬
‫نشأ ليصبح مجرما‪ .‬لكن العديد من المجتمعات البدائية أو معظمها لديها معدل‬
‫جريمة منخفض مقارنة بمجتمعنا‪ ،‬عىل الرغم من أنها ال تمتلك أساليب عالية‬
‫التقنية رلتبية األطفال وال أنظمة عقابية قاسية‪ .‬نظرا لعدم وجود سبب ر‬
‫الفتاض‬
‫البدائيي‪ ،‬من‬ ‫مفتسة فطرية ر‬
‫أكت من الرجال‬ ‫األكت حداثة لديهم ميول ر‬ ‫ر‬ ‫أن الرجال‬
‫ر‬
‫الئ تفرضها‬ ‫ر‬
‫المؤكد أن معدل الجريمة المرتفع يف مجتمعنا هو بسبب الضغوط ي‬
‫الكثتون معها‪ .‬لذا‪ ،‬فإن العالج‬
‫والئ ال أو لن يتكيف ر‬ ‫ر‬
‫الظروف الحديثة عىل الناس‪ ،‬ي‬
‫المصمم إلزالة الميول اإلجرامية المحتملة هو عىل األقل جزئيا طريقة إلعادة‬
‫هندسة األشخاص بحيث يتناسبون مع متطلبات النظام‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫غت مالئم للنظام عىل أنه‬ ‫تفكت أو سلوك ر‬ ‫‪ .155‬يميل مجتمعنا إىل اعتبار أي نمط من ر‬
‫"مرض"‪ ،‬وهذا أمر معقول ألنه عندما ال يتأقلم الفرد يف النظام فإن ذلك يسبب‬
‫األلم للفرد وكذلك المشاكل للنظام‪ .‬لذا‪ُ ،‬ينظر إىل التالعب بالفرد لتكييفه مع النظام‬
‫وبالتاىل فهو جيد‪.‬‬
‫ي‬ ‫عىل أنه "عالج" لـ "المرض"‬
‫‪ .156‬يف الفقرة ‪ 127‬رأرسنا إىل أنه إذا كان استخدام عنص جديد من التقنية اختياريا‬
‫تغيت‬ ‫ف البداية‪ ،‬فإنه ال ر‬
‫يبق بالصورة اختياريا‪ ،‬ألن التقنية الجديدة تميل إىل ر‬ ‫ي‬
‫ً‬
‫المجتمع بطريقة تجعل العمل صعبا أو مستحيال بالنسبة للفرد دون استخدام تلك‬
‫البرسي‪ .‬يف عالم يتم فيه وضع معظم‬ ‫التقنية‪ .‬هذا ينطبق أيضا عىل تقنية السلوك ر‬
‫متحمسي للدراسة‪ ،‬سيضطر أحد الوالدين‬ ‫ر‬ ‫األطفال يف أنظمة تدريبية لجعلهم‬
‫فسيكت الطفل‬
‫ر‬ ‫تقريبا إىل وضع ابنه يف مثل هذا نظام‪ ،‬ألنه إذا لم يفعل ذلك‪،‬‬
‫جاهال وبالتاىل غت قابل للتوظيف‪ .‬أو ر‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫لنفتض أن عالجا‬ ‫ي ر‬ ‫ليكون‪ ،‬مقارنة باآلخرين‪،‬‬
‫ُ‬
‫كبت من‬ ‫غت مرغوب فيها‪ ،‬سيقلل بشكل ر‬ ‫حيويا قد اكتشف أنه‪ ،‬وبدون آثار جانبية ر‬
‫كبت‬‫الكثت من الناس يف مجتمعنا‪ .‬إذا اختار عدد ر‬ ‫ر‬ ‫يعاي منه‬
‫النفس الذي ي‬ ‫ي‬ ‫الضغط‬
‫من الناس الخضوع للعالج‪ ،‬فسيتم تقليل المستوى العام للتوتر يف المجتمع‪،‬‬
‫بحيث يمكن للنظام زيادة الضغوط المسببة للتوتر‪ .‬سيؤدي هذا إىل مزيد من‬
‫األشخاص للخضوع للعالج؛ وهكذا دواليك‪ ،‬بحيث تصبح الضغوط يف نهاية‬
‫المطاف ثقيلة للغاية بحيث ال يتمكن سوى عدد قليل من الناس من البقاء عىل‬
‫دون الخضوع للعالج المخفض للتوتر‪ .‬يف الواقع‪ ،‬يبدو أن شيئا كهذا قد حدث‬
‫لتمكي الناس من تقليل‬‫ر‬ ‫بالفعل مع واحدة من أهم األدوات النفسية يف مجتمعنا‬
‫الجماع (انظر الفقرة ‪.)147‬‬ ‫التفيه‬‫التوتر (أو عىل األقل الهروب مؤقتا منه)‪ ،‬إنه ر‬
‫ي‬
‫الجماع "اختياري"‪ :‬ال يوجد قانون يلزمنا بمشاهدة شاشة‬ ‫فيه‬ ‫للت‬‫استخدامنا ر‬
‫ي‬
‫الجماع هو‬ ‫ر‬
‫العرض‪ ،‬االستماع إىل المذياع‪ ،‬قراءة المجالت‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن التفيه‬
‫ي‬
‫يشتك الجميع من‬
‫ي‬ ‫وسيلة للهروب وتقليل التوتر الذي أصبح معظمنا يعتمد عليه‪.‬‬
‫المري‪ ،‬لكن الجميع تقريبا يشاهده‪ .‬قلة من الناس تخلوا عن عادة‬ ‫ي‬ ‫قذارة البث‬
‫مشاهدته‪ ،‬لكنه سيكون شخصا نادرا يمكنه التعايش اليوم دون استخدام أي شكل‬
‫الجماع‪.‬‬ ‫التفيه‬ ‫من أشكال ر‬
‫ي‬

‫‪68‬‬
‫البرسي‪ ،‬كان معظم الناس يتعايشون‬ ‫حئ وقت قريب جدا ف التاري ــخ ر‬ ‫(ومع ذلك‪ ،‬ر‬
‫ي‬
‫غت ذلك الذي أنشأه كل مجتمع‬ ‫بشكل جيد للغاية مع عدم وجود أي ترفيه آخر ر‬
‫التفيه‪ ،‬ربما لم يكن النظام بمقدوره اإلفالت بكل هذا‬ ‫محىل لنفسه)‪ .‬بدون صناعة ر‬
‫ي‬
‫القدر من التوتر الناتج عن الضغط علينا كما يفعل‪.‬‬
‫الصناع‪ ،‬فمن المحتمل أن تكتسب التقنية يف نهاية‬ ‫بافتاض بقاء المجتمع‬ ‫‪ .157‬ر‬
‫ي‬
‫البرسي‪ .‬لقد ثبت بما ال يدع‬ ‫يقتب من السيطرة الكاملة عىل السلوك ر‬ ‫المطاف شيئا ر‬
‫مجاال للشك أن الفكر والسلوك ر‬ ‫ً‬
‫كبت‪ .‬كما أظهر‬ ‫البرسي لهما أساس حيوي إىل حد ر‬
‫المجربون‪ ،‬يمكن تشغيل وإيقاف مشاعر مثل الجوع‪ ،‬البهجة‪ ،‬الغضب والخوف‬
‫تدمت الذكريات عن‬ ‫الكهرباي ألجزاء مناسبة من الدماغ‪ .‬يمكن ر‬ ‫ي‬ ‫التحفت‬
‫ر‬ ‫عن طريق‬
‫التحفت‬
‫ر‬ ‫طريق إتالف أجزاء من الدماغ أو يمكن إخراجها إىل السطح عن طريق‬
‫غت الحالة المزاجية عن طريق المخدرات‪.‬‬ ‫حدث الهلوسة أو ُت َ‬ ‫ُ َ‬
‫الكهرباي‪ .‬يمكن أن ت‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫غت مادية‪ ،‬ولكن إذا كانت هناك روح فمن الواضح‬ ‫برسية ر‬‫قد توجد أو ال توجد روح ر‬
‫البرسي‪ .‬ألنه إذا لم يكن األمر كذلك‪ ،‬فلن‬ ‫أنها أقل قوة من اآلليات الحيوية للسلوك ر‬
‫بالعقاقت‬
‫ر‬ ‫يتمكن الباحثون بهذه السهولة من التالعب بالمشاعر والسلوك ر‬
‫البرسي‬
‫والتيارات الكهربائية‪.‬‬
‫العمىل لجميع الناس إدخال أقطاب كهربائية‬ ‫المفتض أنه سيكون من غ رت‬ ‫ر‬ ‫‪ .158‬من‬
‫ي‬
‫حئ يمكن للسلطات التحكم فيها‪ .‬لكن حقيقة أن األفكار والمشاعر‬ ‫ف رؤوسهم ر‬
‫ي‬
‫البرسية منفتحة للغاية عىل التدخل الحيوي تظهر أن مشكلة التحكم يف السلوك‬ ‫ر‬
‫ه يف األساس مشكلة تقنية؛ مشكلة خاليا عصبية‪ ،‬هرمونات وجزيئات‬ ‫ر‬
‫البرسي ي‬
‫المتمت‬ ‫الئ يمكن مهاجمتها علميا‪ .‬بالنظر إىل السجل‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫معقدة؛ نوع من المشاكل ي‬
‫كبت يف‬ ‫كبت إحراز تقدم ر‬
‫لمجتمعنا يف حل المشكالت التقنية‪ ،‬فمن المحتمل بشكل ر‬
‫البرسي‪.‬‬ ‫السيطرة عىل السلوك ر‬
‫البرسي؟ بالتأكيد‬ ‫‪ .159‬هل ستمنع المقاومة العامة إدخال التحكم التقئ ف السلوك ر‬
‫ي ي‬
‫ستمنع إذا جرت محاولة إلدخال مثل هذه السيطرة دفعة واحدة‪ .‬ولكن بما أنه‬
‫الصغتة‪ ،‬فلن‬‫ر‬ ‫التقئ من خالل سلسلة طويلة من التطورات‬ ‫ي‬ ‫سيتم إدخال التحكم‬
‫تكون هناك مقاومة عامة منطقية وفعالة‪( .‬انظر الفقرات ‪.)153 ،132 ،127‬‬

‫‪69‬‬
‫نشت إىل أن الخيال‬
‫علىم‪ ،‬ر‬
‫ي‬ ‫‪ .160‬ألولئك الذين يعتقدون أن كل هذا يبدو وكأنه خيال‬
‫غتت الثورة الصناعية بشكل جذري بيئة‬ ‫العلىم باألمس هو حقيقة اليوم‪ .‬لقد ر‬
‫ي‬
‫ر‬
‫اإلنسان وطريقة حياته‪ ،‬ومن المتوقع فقط أنه مع تطبيق التقنية بشكل متايد عىل‬
‫سيتغت جذريا كما حدث يف بيئته‬
‫ر‬ ‫الجسم والعقل ر‬
‫البرس ريي‪ ،‬فإن اإلنسان نفسه‬
‫وطريقة حياته‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫البرسي عىل ر‬
‫مفتق طرق‬ ‫الجنس ر‬

‫‪ .161‬لكننا تقدمنا يف قصتنا‪ .‬إن تطوير سلسلة من التقنيات النفسية أو الحيوية يف‬
‫اجتماع‬ ‫شء‪ ،‬ودمج هذه التقنيات يف نظام‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫المختت للتالعب بالسلوك البرسي ي‬ ‫ر‬
‫االثني‪ .‬عىل سبيل المثال‪،‬‬ ‫ر‬
‫ه األكت صعوبة ربي‬ ‫شء آخر‪ .‬المعضلة‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫األختة ي‬
‫ر‬ ‫فعال ي‬
‫التبوي تعمل بشكل جيد بال شك يف "المدارس‬ ‫ف حي أن تقنيات علم النفس ر‬
‫ي ر‬
‫التجريبية" حيث يتم تطويرها‪ ،‬فليس من السهل بالصورة تطبيقها بشكل فعال يف‬
‫التعليىم‪ .‬نعلم جميعا كيف تبدو العديد من مدارسنا‪ .‬المعلمون‬ ‫ي‬ ‫جميع أنحاء نظامنا‬
‫السكاكي والمسدسات من األطفال عن إخضاعهم ألحدث‬ ‫ر‬ ‫مشغولون جدا بأخذ‬
‫مهووسي بالحواسب‪ .‬وهكذا‪ ،‬عىل الرغم من كل التطورات‬ ‫ر‬ ‫التقنيات لجعلهم‬
‫مثت‬ ‫حئ اآلن لم يكن ناجحا بشكل ر‬ ‫البرسي‪ ،‬فإن النظام ر‬ ‫التقنية المتعلقة بالسلوك ر‬
‫البرس‪ .‬األشخاص الذين يخضع سلوكهم بشكل جيد إىل‬ ‫لإلعجاب ف السيطرة عىل ر‬
‫ي‬
‫حد ما لسيطرة النظام هم من النوع الذي ينتمون للـ "الطبقة الوسىط"‪ .‬لكن هناك‬
‫متمردين ضد النظام‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫متايدة من األشخاص الذين هم بطريقة أو بأخرى‬ ‫أعدادا ر‬
‫المتطرفي‬ ‫عتاىل أنظمة الرعاية الحكومية‪ ،‬عصابات الشباب‪ ،‬الطوائف‪ ،‬الناز ريي‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ر‬ ‫م ي‬
‫غت النظامية‪ ،‬وما إىل ذلك‪.‬‬‫البيئيي‪ ،‬رجال التنظيمات المسلحة ر‬ ‫ر‬
‫الئ تهدد بقاءه‪،‬‬ ‫ر‬
‫‪ .162‬يخوض النظام حاليا كفاحا يائسا للتغلب عىل بعض المشاكل ي‬
‫البرسي‪ .‬إذا نجح النظام يف اكتساب سيطرة كافية عىل‬ ‫ومن أهمها مشاكل السلوك ر‬
‫البرسي بالرسعة الكافية‪ ،‬فمن المحتمل أن يستمر‪ .‬وإال فإنه سوف ينهار‪.‬‬ ‫السلوك ر‬
‫نعتقد أنه من المرجح أن يتم حل المشكلة يف غضون العقود العديدة القادمة‪ ،‬لنقل‬
‫‪ 40‬إىل ‪ 100‬عام‪.‬‬
‫لنفتض أن النظام نجا من أزمة العقود العديدة التالية‪ .‬بحلول ذلك الوقت‬ ‫‪ .163‬ر‬
‫الئ تواجهه‪،‬‬ ‫ر‬
‫سيتحتم عليه أن يحل‪ ،‬أو عىل األقل يسيطر‪ ،‬عىل المشاكل الرئيسية ي‬
‫طيعي‬ ‫ر‬ ‫للبرس؛ أي جعل الناس‬ ‫وال سيما تلك المتعلقة بـ "التنشئة االجتماعية" ر‬
‫بدرجة كافية بحيث ال َي ُعد سلوكهم مهددا للنظام‪ .‬وبتحقيق ذلك‪ ،‬ال يبدو أنه‬
‫المفتض أن تتقدم نحو‬ ‫ر‬ ‫سيكون هناك أي عقبة أخرى أمام تطور التقنية‪ ،‬ومن‬
‫البرس‬ ‫المنطق‪ ،‬وهو التحكم الكامل ف كل رشء عىل األرض‪ ،‬بما ف ذلك ر‬ ‫ر‬ ‫استنتاجها‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫‪71‬‬
‫وجميع الكائنات الحية المهمة األخرى‪ .‬قد يصبح النظام منظمة وحدوية متجانسة‪،‬‬
‫الئ تتعايش يف عالقة‬ ‫ر‬
‫أو قد يكون مجزءا إىل حد ما ويتكون من عدد من المنظمات ي‬
‫تتضمن عناض من التعاون والمنافسة‪ ،‬تماما كما هو الحال اليوم مع الحكومة‬
‫الكبتة األخرى‪ ،‬يتعاونون ويتنافسون مع بعضهم البعض‪.‬‬ ‫ر‬ ‫والرسكات والمنظمات‬‫ر‬
‫الصغتة سيكونون‬ ‫ر‬ ‫ستختق حرية اإلنسان‪ ،‬ألن األفراد والمجموعات‬ ‫ي‬ ‫غالبا ما‬
‫الكبتة المسلحة بالتقنية الفائقة وترسانة من األدوات‬ ‫ر‬ ‫عاجزين أمام المنظمات‬
‫بالبرس‪ ،‬إىل جانب أدوات المراقبة واإلكراه‬ ‫ر‬ ‫النفسية والحيوية المتقدمة للتالعب‬
‫ر‬
‫وحئ‬ ‫الجسدي‪ .‬فقط عدد قليل من الناس سيكون لديهم أي ُسلطة حقيقية‪،‬‬
‫هؤالء ربما لن يتمتعوا إال بقدر محدود للغاية من الحرية‪ ،‬ألن سلوكهم أيضا سيتم‬
‫التنفيذيي يف‬
‫ر‬ ‫للسياسيي والمديرين‬
‫ر‬ ‫تنظيمه؛ تماما كما هو الحال اليوم‪ ،‬يمكن‬
‫السلطة فقط طالما ظل سلوكهم ضمن حدود‬ ‫الرسكات االحتفاظ بمناصبهم ف ُ‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫معينة ضيقة إىل حد ما‪.‬‬
‫‪ .164‬ال تتخيل أن األنظمة ستتوقف عن تطوير تقنيات أخرى للتحكم ف ر‬
‫البرس‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫والطبيعة بمجرد انتهاء أزمة العقود القليلة القادمة‪ ،‬ولم تعد السيطرة المتايدة‬
‫ستيد‬ ‫ضورية لبقاء النظام‪ .‬عىل العكس من ذلك‪ ،‬بمجرد انتهاء األوقات الصعبة ر‬
‫أكت‪ ،‬ألنه لن يعوقه بعد اآلن‬ ‫النظام من سيطرته عىل الناس والطبيعة برسعة ر‬
‫ئيس لبسط‬ ‫يعاي منها حاليا‪ .‬البقاء ليس الدافع الر ي‬ ‫ي‬ ‫صعوبات من النوع الذي‬
‫السيطرة‪ .‬كما أوضحنا يف الفقرات ‪ ،90-87‬يقوم التقنيون والعلماء بعملهم إىل حد‬
‫السلطة من خالل حل المشكالت‬ ‫كبت كنشاط بديل؛ أي أنها تلئ حاجتهم إىل ُ‬ ‫ر‬
‫ري‬
‫أكت المشكالت‬ ‫التقنية‪ .‬سيستمرون ف القيام بذلك بحماس وبال هوادة‪ ،‬ومن بي ر‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫إثارة لالهتمام وتحديا بالنسبة لهم لحلها ستكون تلك المتعلقة بفهم الجسم‬
‫"خت اإلنسانية" بالطبع‪.‬‬‫البرسي والتدخل يف تطورها‪ .‬من أجل ر‬ ‫والعقل ر‬
‫أكت من‬ ‫لنفتض‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬أن ضغوط العقود القادمة ستكون ر‬ ‫‪ .165‬لكن ر‬
‫الالزم بالنسبة للنظام‪ .‬إذا تعطل النظام‪ ،‬فقد تكون هناك رفتة من الفوض‪" ،‬وقت‬
‫الماض‪ .‬من‬ ‫الئ سجلها التاري ــخ يف عهود مختلفة من‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫االضطرابات" مثل تلك ي‬
‫المستحيل التنبؤ بما سيحدث يف مثل هذا الوقت من االضطرابات‪ ،‬ولكن عىل أي‬
‫األكت يف أن المجتمع‬ ‫البرسي فرصة جديدة‪ .‬يتمثل الخطر ر‬ ‫حال‪ ،‬سيتم منح الجنس ر‬

‫‪72‬‬
‫الصناع قد يبدأ يف إعادة تكوين نفسه يف غضون السنوات القليلة األوىل بعد‬ ‫ي‬
‫ُ‬
‫المتعطشي للسلطة)‬
‫ر‬ ‫االنهيار‪ .‬بالتأكيد سيكون هناك ر‬
‫الكثت من الناس (خاصة من‬
‫متلهفي إلعادة تشغيل المصانع مرة أخرى‪.‬‬
‫ر‬ ‫الذين سيكونون‬
‫الئ ُيخضع بها‬ ‫ر‬
‫أولئك الذين يكرهون العبودية ي‬ ‫‪ .166‬لذلك هناك مهمتان تواجهان‬
‫ر ‪ً .‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الجنس البرسي أوال‪ ،‬يجب أن نعمل عىل تصعيد الضغوط‬ ‫الصناع‬
‫ي‬ ‫النظام‬
‫حئ تصبح‬ ‫كاف ر‬ ‫االجتماعية داخل النظام لزيادة احتمالية انهياره أو إضعافه بشكل ٍ‬
‫ونرس عقيدة معارضة للتقنية والنظام‬‫الثورة ضده ممكنة‪ .‬ثانيا‪ ،‬من الصوري تطوير ر‬
‫الصناع إذا‬
‫ي‬ ‫الصناع‪ .‬يمكن أن تصبح مثل هذه العقيدة أساسا لثورة ضد المجتمع‬ ‫ي‬
‫وعندما يصبح النظام ضعيفا بدرجة كافية‪ .‬ستساعد مثل هذه العقيدة عىل ضمان‬
‫الصناع‪ ،‬سيتم تحطيم بقاياه بشكل ال يمكن إصالحه‪،‬‬‫ي‬ ‫أنه يف حالة انهيار المجتمع‬
‫تدمت المصانع وحرق الكتب التقنية وما‬‫بحيث ال يمكن إعادة بناء النظام‪ .‬يجب ر‬
‫إىل ذلك‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫المعاناة ال ر‬
‫برسية‬

‫الصناع نتيجة عمل ثوري بحت‪ .‬ولن يكون عرضة للهجوم‬ ‫ي‬ ‫‪ .167‬لن ينهار النظام‬
‫خطتة للغاية‪.‬‬
‫ر‬ ‫الثوري إال إذا أدت مشاكله الداخلية الخاصة بالتنمية إىل مصاعب‬
‫تلقاي أو من خالل عملية عفوية‬ ‫ي‬ ‫لذلك إذا انهار النظام فسوف يفعل ذلك إما بشكل‬
‫الكثت من الناس‪،‬‬‫ر‬ ‫جزئيا ولكن يساعدها الثوار‪ .‬إذا كان االنهيار مفاجئا‪ ،‬فسيموت‬
‫ألن تعداد العالم قد تضخم لدرجة أنه ال يمكنه إطعام نفسه بعد اآلن بدون التقنية‬
‫حئ لو كان االنهيار تدريجيا بدرجة كافية بحيث يمكن أن يحدث‬ ‫المتقدمة‪ .‬ر‬
‫أكت من ارتفاع معدل‬ ‫انخفاض عدد السكان من خالل خفض معدل المواليد ر‬
‫الصناع فوضوية للغاية‬‫ي‬ ‫الوفيات‪ ،‬فمن المحتمل أن تكون عملية إزالة المجتمع‬
‫الكثت من المعاناة‪ .‬من السذاجة االعتقاد بأنه من المحتمل أن يتم‬ ‫ر‬ ‫وتنطوي عىل‬
‫ُ ّ‬ ‫ً‬
‫حئ‬‫يج من التقنية بطريقة منظمة وبإدارة سلسة‪ ،‬خاصة وأن م ر ي‬ ‫التخلص التدر ر ي‬
‫التقنية سوف يقاومون بعناد يف كل خطوة‪ .‬فهل من القسوة إذا العمل من أجل‬
‫انهيار النظام؟ ربما‪ ،‬ولكن ربما ال‪ .‬يف المقام األول‪ ،‬لن يكون الثوريون قادرين عىل‬
‫تحطيم النظام ما لم يكن بالفعل يف مشكلة كافية بحيث تكون هناك فرصة جيدة‬
‫كت النظام‪ ،‬كلما كانت عواقب‬ ‫النهياره يف النهاية من تلقاء نفسه عىل أي حال؛ وكلما ر‬
‫انهياره كارثية؛ لذلك قد يكون الثوار‪ ،‬من خالل ترسي ــع بداية االنهيار‪ ،‬سيقللون من‬
‫مدى الكارثة‪.‬‬
‫وبي فقدان الحرية‬ ‫الثاي‪ ،‬عىل المرء أن يوازن ربي النضال والموت ر‬ ‫ي‬ ‫‪ .168‬يف المقام‬
‫أكت أهمية من طول العمر أو‬ ‫والكرامة‪ .‬بالنسبة للكثتين منا‪ ،‬تعتت الحرية والكرامة ر‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫تجنب األلم الجسدي‪ .‬أضف إىل ذلك‪ ،‬علينا جميعا أن نموت يف وقت ما‪ ،‬وقد‬
‫يكون من األفضل أن نموت خالل قتالنا من أجل البقاء‪ ،‬أو من أجل قضية‪ ،‬عىل‬
‫أن نعيش حياة طويلة ولكنها فارغة وعديمة الهدف‪.‬‬
‫‪ .169‬يف المقام الثالث‪ ،‬ليس من المؤكد إطالقا أن بقاء النظام سيؤدي إىل معاناة أقل‬
‫ّ‬
‫يتسبب‪ ،‬يف‬ ‫مما قد يؤدي إليه انهيار النظام‪ .‬لقد تسبب النظام بالفعل‪ ،‬واليزال‬
‫ر‬
‫الئ منحت الناس عىل مدى‬ ‫معاناة هائلة يف جميع أنحاء العالم‪ .‬الثقافات القديمة‪ ،‬ي‬
‫السني عالقة ُمرضية مع بعضهم البعض ومع بيئتهم‪ ،‬تحطمت عند تماسها‬ ‫ر‬ ‫مئات‬

‫‪74‬‬
‫الصناع‪ ،‬وكانت النتيجة قائمة كاملة من المشاكل االقتصادية والبيئية‬ ‫ي‬ ‫بالمجتمع‬
‫الكثت من‬ ‫ر‬ ‫الصناع هو أن‬ ‫ي‬ ‫واالجتماعية والنفسية‪ .‬كان أحد آثار اقتحام المجتمع‬
‫غت متوازنة‪ .‬ومن هنا جاء‬ ‫الضوابط التقليدية عىل السكان يف العالم أصبحت ر‬
‫ر‬
‫المنترسة يف دول‬ ‫السكاي مع كل ما يعنيه ذلك‪ .‬ثم هناك المعاناة النفسية‬ ‫االنفجار‬
‫ي‬
‫فتض أنها محظوظة (انظر الفقر رتي ‪ 44‬و ‪ .)45‬ال أحد يعرف ماذا‬ ‫الئ ُي ر‬
‫ر‬
‫الغرب ي‬
‫وغتها من‬ ‫سيحدث نتيجة الستنفاذ طبقة األوزون‪ ،‬وظاهرة االحتباس الحراري ر‬
‫الئ ال يمكن توقعها بعد‪ .‬وكما أظهر االنتشار النووي‪ ،‬ال يمكن إبعاد‬ ‫ر‬
‫المشاكل البيئية ي‬
‫غت المسؤولة‪ .‬هل ترغب يف‬ ‫التقنية الجديدة عن أيدي الطغاة ودول العالم الثالث ر‬
‫التكهن بما سيفعله العراق أو كوريا الشمالية بالهندسة الوراثية؟‬
‫‪" .170‬أوه!" سيقول محبو التقنية‪" ،‬العلم سيصلح كل ذلك! سوف نتغلب عىل‬
‫نقض عىل المعاناة النفسية‪ ،‬سنجعل الجميع بصحة جيدة‬ ‫ي‬ ‫المجاعة‪ ،‬س‬
‫تقض‬ ‫ر‬
‫المفتض أن‬ ‫وسعداء!"‪ ...‬طبعا أكيد‪ .‬هذا ما قالوه قبل ‪ 200‬عام‪ .‬كان من‬
‫ي‬
‫الثورة الصناعية عىل الفقر‪ ،‬وتجعل الجميع سعداء‪ ،‬وما إىل ذلك‪ .‬وكانت النتيجة‬
‫الفعلية مختلفة تماما‪ .‬محبو التقنية ساذجون بشكل ميؤوس منه (أو يخادعون‬
‫كي (أو يختارون تجاهل)‬ ‫غت مدر ر‬ ‫أنفسهم) يف فهمهم للمشاكل االجتماعية‪ .‬إنهم ر‬
‫الئ تبدو مفيدة‪ ،‬يف‬ ‫ر‬ ‫كبتة‪ ،‬ر‬
‫التغيتات ي‬ ‫ر‬ ‫حئ‬ ‫تغيتات ر‬
‫حقيقة أنه عندما يتم إدخال ر‬
‫والئ يستحيل التنبؤ‬ ‫ر‬
‫التغيتات األخرى‪ ،‬ي‬ ‫ر‬ ‫المجتمع‪ ،‬فإنها تؤدي إىل سلسلة طويلة من‬
‫ه اضطراب المجتمع‪ .‬لذلك فمن المحتمل‬ ‫بمعظمها (الفقرة ‪ .)103‬والنتيجة ي‬
‫جدا أنه يف محاوالتهم إلنهاء الفقر والمرض‪ ،‬وهندسة شخصيات سهلة االنقياد‪،‬‬
‫وسعيدة وما إىل ذلك‪ ،‬سيخلق محبو التقنية أنظمة اجتماعية مضطربة بشكل‬
‫الحاىل‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬يتفاخر العلماء بأنهم‬ ‫النظام‬ ‫من‬ ‫أكت‬ ‫حئ ر‬ ‫رهيب‪ ،‬ر‬
‫ي‬
‫سينهون المجاعة من خالل إنشاء نباتات غذائية جديدة معدلة وراثيا‪ .‬لكن هذا‬
‫البرسي باالستمرار يف التوسع إىل ما ال نهاية‪ ،‬ومن المعروف أن‬ ‫سيسمح للتعداد ر‬
‫ر‬
‫االزدحام يؤدي إىل زيادة التوتر والعدوانية‪ .‬هذا مجرد مثال واحد عىل المشاكل ي‬
‫الئ‬
‫التقئ إىل‬
‫ي‬ ‫الختات السابقة‪ ،‬سيؤدي التقدم‬ ‫يمكن التنبؤ بها‪ .‬نؤكد أنه‪ ،‬كما أظهرت ر‬
‫مشاكل جديدة أخرى ال يمكن التنبؤ بها مسبقا (الفقرة ‪ .)103‬يف الواقع‪ ،‬منذ الثورة‬
‫أكت مما كانت تحل‬ ‫الصناعية‪ ،‬خلقت التقنية مشاكل جديدة للمجتمع برسعة ر‬

‫‪75‬‬
‫وبالتاىل‪ ،‬فإن األمر سيستغرق رفتة طويلة وصعبة من التجربة‬
‫ي‬ ‫المشاكل القديمة‪.‬‬
‫حئ التقنية لحل أخطاء عالمهم الشجاع الجديد (إن تمكنوا من ذلك‬ ‫ُ ّ‬
‫والخطأ لم ر ي‬
‫ً‬
‫كبتة‪ .‬لذلك ليس من الواضح عىل‬ ‫أصال)‪ .‬يف هذه األثناء ستكون هناك معاناة ر‬
‫الصناع قد ينطوي عىل معاناة أقل من انهيار ذلك‬
‫ي‬ ‫اإلطالق أن بقاء المجتمع‬
‫البرسي إىل مضيق ال ُيحتمل أن يكون من‬
‫المجتمع‪ .‬لقد أوصلت التقنية الجنس ر‬
‫السهل الهروب منه‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫المستقبل‬

‫الصناع قد نجا من العقود العديدة التالية وأن‬ ‫المجتمع‬ ‫أن‬ ‫اآلن‬ ‫ض‬ ‫‪ .171‬لكن ر‬
‫لنفت‬
‫ي‬
‫األخطاء ُطردت من النظام يف نهاية المطاف‪ ،‬بحيث يعمل بسالسة‪ .‬أي نوع من‬
‫األنظمة سيكون؟ سننظر يف عدة احتماالت‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ .172‬ر‬
‫لنفتض أوال أن علماء الحاسوب نجحوا يف تطوير آالت ذكية يمكنها أن تفعل‬
‫المفتض‬ ‫ر‬ ‫البرس القيام به‪ .‬يف هذه الحالة‪ ،‬من‬‫كل األشياء بشكل أفضل مما يستطيع ر‬
‫أن يتم تنفيذ جميع األعمال من خالل أنظمة ضخمة عالية التنظيم من اآلالت ولن‬
‫الحالتي‪ .‬قد ُيسمح لآلالت‬‫ر‬
‫برسي‪ .‬قد تحدث ّ‬
‫أي من‬ ‫يكون من الصوري بذل جهد ر‬
‫البرسية‬ ‫برسي‪ ،‬أو قد يتم االحتفاظ بالسيطرة ر‬ ‫باتخاذ جميع قراراتها دون رإرساف ر‬
‫عىل اآلالت‪.‬‬
‫‪ .173‬إذا ُسمح لآلالت باتخاذ جميع قراراتها الخاصة‪ ،‬فال يمكننا إجراء أي تخمينات‬
‫نشت‬ ‫تخمي كيف يمكن أن تتصف هذه اآلالت‪ .‬ر‬ ‫ر‬ ‫بشأن النتائج‪ ،‬ألنه من المستحيل‬
‫البرسي سيكون تحت رحمة اآلالت‪ .‬قد ُيقال إن الجنس‬ ‫مصت الجنس ر‬ ‫فقط إىل أن ر‬
‫نقتح أن‬ ‫السلطة لآلالت‪ .‬لكننا ال ر‬
‫البرسي لن يكون من الحماقة بمكان لتسليم كل ُ‬ ‫ر‬
‫ستستوىل عىل‬ ‫السلطة طواعية لآلالت وال أن اآلالت‬ ‫سيسلم ُ‬ ‫البرسي ُ‬‫الجنس ر‬
‫ي‬
‫البرسي قد يسمح لنفسه بسهولة‬ ‫نقتحه هو أن الجنس ر‬ ‫السلطة عمدا‪ .‬ما ر‬ ‫ُ‬
‫عمىل‬
‫ي‬ ‫باالنجراف إىل درجة من االعتمادية عىل اآلالت بحيث لن يكون لديه خيار‬
‫ر‬
‫الئ تواجهه أصبحا‬ ‫سوى قبول جميع قرارات اآلالت‪ .‬وألن المجتمع والمشكالت ي‬
‫وأكت‪ ،‬سيسمح الناس لآلالت‬ ‫أكت ر‬ ‫وأكت تعقيدا‪ ،‬ف حي يزيد ذكاء اآلالت ر‬ ‫أكت ر‬ ‫ر‬
‫ي ر‬
‫الئ‬ ‫ر‬
‫باتخاذ المزيد والمزيد من قراراتهم نيابة عنهم‪ ،‬وذلك ببساطة ألن القرارات ي‬
‫الئ يقررها اإلنسان‪ .‬يف نهاية المطاف‪،‬‬ ‫ر‬
‫تتخذها اآللة ستحقق نتائج أفضل من تلك ي‬
‫قد يتم الوصول إىل مرحلة تكون فيها القرارات الالزمة للحفاظ عىل تشغيل النظام‬
‫البرسي القيام بها‪ .‬يف تلك المرحلة ستكون‬ ‫معقدة للغاية بحيث ال يستطيع الذكاء ر‬
‫اآلالت مسيطرة بالفعل‪ .‬لن يتمكن الناس من إيقاف تشغيل اآلالت‪ ،‬ألنهم‬
‫كبت لدرجة أن إيقاف تشغيلها قد يصل إىل حد االنتحار‪.‬‬ ‫سيعتمدون عليها بشكل ر‬

‫‪77‬‬
‫البرسي يف اآلالت‪ .‬يف هذه‬ ‫‪ .174‬من ناحية أخرى‪ ،‬من الممكن االحتفاظ بالتحكم ر‬
‫الحالة‪ ،‬قد يتحكم الرجل العادي يف بعض اآلالت الخاصة به‪ ،‬مثل سيارته أو جهاز‬
‫الكبتة من اآلالت سيكون يف أيدي‬ ‫الحاسوب الخاص به‪ ،‬ولكن التحكم يف األنظمة ر‬
‫اختالفي‪ .‬بفضل التقنيات‬‫ر‬ ‫صغتة — تماما كما هو الحال اليوم‪ ،‬ولكن مع‬ ‫ر‬ ‫نخبة‬
‫البرسي لن يكون‬ ‫الجماهت؛ وألن العمل ر‬‫ر‬ ‫أكت عىل‬‫حسنة‪ ،‬سيكون للنخبة سيطرة ر‬ ‫الم ّ‬ ‫ُ‬
‫الجماهت ستكون عبئا عديم الفائدة عىل النظام‪ .‬إذا كانت‬ ‫ر‬ ‫ضوريا بعد اآلن‪ ،‬فإن‬
‫إنسانيي‪ ،‬فقد‬
‫ر‬ ‫النخبة قاسية فقد يقررون ببساطة إبادة جموع ر‬
‫البرسية‪ .‬إذا كانوا‬
‫غتها من التقنيات النفسية أو الحيوية لتقليل معدل‬ ‫يستخدمون الدعاية أو ر‬
‫كي العالم للنخبة‪ .‬أو‪ ،‬إذا كانت النخبة‬ ‫حئ تنقرض الكتلة ر‬
‫البرسية‪ ،‬تار ر‬ ‫المواليد ر‬
‫الطيبي لبقية‬
‫ر‬ ‫تتكون من ضعاف القلوب التحرر ريي‪ ،‬فقد يقررون لعب دور الرعاة‬
‫البرسي‪ .‬سوف يتأكدون من إشباع االحتياجات الجسدية لكل شخص‪ ،‬أن‬ ‫الجنس ر‬
‫جميع األطفال يتم تربيتهم يف ظل ظروف نفسية صحية‪ ،‬أن كل شخص لديه هواية‬
‫ً‬
‫اض لـ "العالج" لشفاء‬ ‫ٍ‬ ‫ر‬ ‫غت‬
‫ر‬ ‫شخص‬ ‫أي‬ ‫يخضع‬ ‫وأن‬ ‫مشغوًل‬ ‫مفيدة إلبقائه‬
‫"مشكلته"‪ .‬بطبيعة الحال‪ ،‬ستكون الحياة بال هدف لدرجة أنهم سيضطرون‬
‫السلطة أو لجعلهم‬ ‫البرس حيويا أو نفسيا‪ ،‬إما إللغاء حاجتهم إىل عملية ُ‬ ‫لهندسة ر‬
‫غت مؤذية‪ .‬قد يكون هؤالء‬ ‫السلطة يف هواية ر‬ ‫قانعي" مع سعيهم للحصول عىل ُ‬ ‫" ر‬
‫المهندسون سعداء يف مثل هذا المجتمع‪ ،‬لكنهم بالتأكيد لن يكونوا أحرارا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫البرس ُ‬
‫ر‬
‫سيكونون قد تم تخفيضهم إىل متلة الحيوانات األليفة‪.‬‬
‫ناع‪،‬‬ ‫ر‬
‫‪ .175‬لكن لنفتض اآلن أن علماء الحاسوب لم ينجحوا يف تطوير الذكاء االصط ي‬
‫حئ مع ذلك‪ ،‬ستهتم اآلالت بالمزيد والمزيد‬ ‫البرسي ضوريا‪ .‬ر‬‫بحيث يظل العمل ر‬
‫البرس ريي ذوي‬‫العاملي ر‬ ‫متايد من‬ ‫من المهام األبسط بحيث يكون هناك فائض ر‬
‫ر‬
‫المستويات األدي من القدرة‪( .‬نرى هذا يحدث بالفعل‪ .‬هناك العديد من‬
‫األشخاص الذين يجدون صعوبة أو استحالة الحصول عىل عمل‪ ،‬ألسباب ذهنية‬
‫أو نفسية ال يمكنهم اكتساب مستوى التدريب الالزم لجعل أنفسهم مفيدين يف‬
‫متايدة‬‫النظام الحاىل)‪ .‬أما عىل أولئك الذين يعملون بالفعل‪ ،‬سيتم وضع مطالب ر‬
‫ي‬
‫باستمرار‪ :‬سوف يحتاجون إىل المزيد والمزيد من التدريب‪ ،‬المزيد والمزيد من‬
‫أكت موثوقية‪ ،‬توافقية‪ ،‬وسهولة يف االنقياد‪،‬‬ ‫القدرات‪ ،‬وسيتعي عليهم أن يكونوا ر‬
‫ر‬

‫‪78‬‬
‫ح عمالق‪ .‬ستصبح مهامهم تخصصية‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫ألنهم سيكونون أكت فأكت مثل خاليا كائن ي‬
‫كتهم‬ ‫ر‬ ‫متايد‪ ،‬بحيث يكون عملهم‪ ،‬إىل حد ما‪ ،‬بعيدا عن العالم ال ر‬ ‫بشكل ر‬
‫حقيق‪ ،‬بت ر‬
‫ي‬
‫سيتعي عىل النظام استخدام أي وسيلة‬ ‫ر‬ ‫عىل ررسيحة ضئيلة واحدة من الواقع‪.‬‬
‫ّ‬
‫طيعي‪ ،‬أن يمتلكوا‬ ‫ر‬ ‫تمكنه‪ ،‬سواء كانت نفسية أو حيوية‪ ،‬من هندسة الناس ليكونوا‬
‫السلطة يف بعض‬ ‫الئ يتطلبها النظام و أن "ينقلوا" دافعهم للحصول عىل ُ‬ ‫ر‬
‫القدرات ي‬
‫المهام التخصصية‪ .‬لكن القول بأن الناس يف مثل هذا المجتمع يجب أن يكونوا‬
‫طيعي قد تتطلب مؤهالت‪ .‬قد يجد المجتمع القدرة التنافسية مفيدة‪ ،‬ررسيطة أن‬ ‫ر‬
‫يتم إيجاد طرق لتوجيه القدرة التنافسية إىل قنوات تخدم احتياجات النظام‪ .‬يمكننا‬
‫أن نتخيل مجتمعا مستقبليا توجد فيه منافسة النهائية عىل مناصب الوجاهة‬
‫والسلطة‪ .‬لكن لن يصل سوى عدد قليل جدا من األشخاص إىل القمة‪ ،‬حيث تكمن‬ ‫ُ‬
‫ّ‬
‫القوة الحقيقية الوحيدة (انظر نهاية الفقرة ‪ .)163‬إنه لمجتمع ُمنفر للغاية ذلك‬
‫كبتة‬
‫السلطة فقط عن طريق إبعاد أعداد ر‬ ‫الذي يمكن فيه للفرد أن يلئ حاجته إىل ُ‬
‫ري‬
‫ُ‬
‫من الناس عن الطريق وحرمانهم من فرصتهم يف السلطة‪.‬‬
‫أكت من جانب واحد من‬ ‫‪ .176‬بإمكان المرء تصور مجرى لألحداث يتضمن ر‬
‫الئ ناقشناها للتو‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬قد تتوىل اآلالت معظم العمل‬ ‫ر‬
‫االحتماالت ي‬
‫مشغولي من خالل‬ ‫ر‬ ‫الذي له أهمية حقيقية وعملية‪ ،‬ولكن سيتم إبقاء ر‬
‫البرس‬
‫ر‬ ‫ً‬
‫الكبت‬
‫غت مهم نسبيا لقد تم اقتاح‪ ،‬عىل سبيل المثال‪ ،‬أن التطور ر‬ ‫‪.‬‬ ‫إعطائهم عمًل ر‬
‫سيمض الناس وقتهم يف تلميع‬ ‫للبرس‪ .‬وهكذا‬ ‫ف صناعة الخدمات قد يوفر العمل ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫أحذية بعضهم البعض‪ ،‬يقودون بعضهم البعض يف سيارات األجرة‪ ،‬يصنعون‬
‫الحرف اليدوية لبعضهم البعض‪ ،‬يخدمون عىل طاوالت بعضهم البعض‪ ،‬وما إىل‬
‫البرسي‪ ،‬ونشك يف أن‬ ‫ذلك‪ .‬تبدو لنا هذا كطريقة بغيضة جدا لينته إليها الجنس ر‬
‫ي‬
‫العديد من الناس سيجدون حياة ُمرضية يف مثل هذا "اإلشغال" الذي ال طائل من‬
‫خطتة (المخدرات‪ ،‬الجريمة‪ ،‬الطوائف‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ورائه‪ .‬سوف يبحثون عن منافذ أخرى‬
‫للتكيف مع‬ ‫ُّ‬ ‫مجموعات الكراهية) ما لم يكونوا قد تم تصميمهم حيويا أو نفسيا‬
‫أسلوب الحياة هذا‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫غئ عن القول أن مجرى األحداث المبينة أعاله ال يستنفذ كل االحتماالت‪ .‬إنه‬ ‫‪ .177‬ي‬
‫أكت ترجيحا‪ .‬لكن ال يمكننا تصور أي‬ ‫الئ تبدو لنا ر‬ ‫ر‬
‫يشت فقط إىل أنواع النتائج ًي‬ ‫ر‬
‫الئ وصفناها للتو‪ .‬من المحتمل بشكل‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫معقولة تكون أكت قبوال من تلك ي‬ ‫ٍ‬ ‫أحداث‬
‫ٍ‬
‫الصناع خالل ‪ 40‬إىل ‪ 100‬عام القادمة‪ ،‬فسيكون‬ ‫ي‬ ‫التقئ‬
‫ي‬ ‫كبت أنه إذا استمر النظام‬ ‫ر‬
‫قد طور يف ذلك الوقت خصائص عامة معينة‪ :‬األفراد (عىل األقل أولئك من الطبقة‬
‫وبالتاىل لديهم كل‬
‫ي‬ ‫"الوسىط"‪ ،‬الذين تم دمجهم يف النظام ويمكنونه من اآلداء‪،‬‬
‫ً‬ ‫السلطة) سيكونون ر‬ ‫ُ‬
‫الكبتة؛‬
‫ر‬ ‫المنظمات‬ ‫عىل‬ ‫مض‬ ‫وقت‬ ‫أي‬ ‫من‬ ‫اعتمادية‬ ‫أكت‬
‫ً‬ ‫سيكونون ر‬
‫أكت "اجتماعية" من أي وقت مض وستكون صفاتهم الجسدية والعقلية‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫الئ تم تصميمها لهم بدال من أن تكون‬ ‫ه تلك ي‬ ‫كبت جدا) ي‬ ‫كبت (ربما إىل حد ر‬ ‫إىل حد ر‬
‫يتبق من الطبيعة ّ‬
‫التية‬ ‫نتيجة للصدفة (أو بإرادة هللا‪ ،‬أو أي رشء آخر)؛ وكل ما قد ر‬
‫ر‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫ُ‬
‫سوف يتحول إىل بقايا محفوظة للدراسة العلمية ويحتفظ بها تحت إرساف العلماء‬
‫برية بالفعل)‪ .‬عىل المدى الطويل (قل بضعة قرون من‬ ‫وإدارتهم (ومن ثم لن تكون ّ‬
‫البرسي وال أي كائنات أخرى مهمة كما نعرفهم‬ ‫اآلن)‪ ،‬من المحتمل أال يوجد جنس ر‬
‫اليوم‪ ،‬ألنه بمجرد أن تبدأ يف تعديل الكائنات الحية من خالل الهندسة الوراثية‪ ،‬ال‬
‫يوجد سبب للتوقف عند أي نقطة معينة‪ ،‬بحيث ستستمر التعديالت عىل األرجح‬
‫تغيت اإلنسان والكائنات الحية األخرى تماما‪.‬‬ ‫حئ يتم ر‬ ‫ر‬
‫للبرس بيئة مادية واجتماعية‬ ‫‪ .178‬مهما يكن األمر‪ ،‬فمن المؤكد أن التقنية تخلق ر‬
‫الطبيع الجنس‬ ‫كيف معها االنتقاء‬ ‫الئ َّ‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫جديدة تختلف جذريا عن طيف البيئات ي‬
‫البرسي جسديا ونفسيا‪ .‬إذا لم يتم تكييف اإلنسان مع هذه البيئة الجديدة من‬ ‫ر‬
‫صناع‪ ،‬فسوف يتكيف معها من خالل عملية انتقاء‬ ‫ي‬ ‫خالل إعادة تصميمه بشكل‬
‫ر‬
‫األخت‪.‬‬
‫ر‬ ‫بكثت من‬‫طبيعية طويلة ومؤلمة‪ .‬األول أكت احتماال ر‬
‫الع ِفن بأكمله وتحمل العواقب‪.‬‬ ‫‪ .179‬من األفضل التخلص من النظام َ‬

‫‪80‬‬
‫التخطيط بعيد المدى‬

‫الكثت‬
‫ر‬ ‫‪ .180‬يأخذنا محبو التقنية جميعا يف رحلة متهورة تماما نحو المجهول‪ .‬يفهم‬
‫التقئ بنا‪ ،‬لكنهم يتخذون موقفا سلبيا تجاهه‬ ‫من الناس شيئا ّ‬
‫عما يفعله التقدم‬
‫ي‬
‫حتىم‪ .‬نعتقد أنه‬ ‫ي‬ ‫ألنهم يعتقدون بأنه أمر ال مفر منه‪ .‬لكننا )‪ (FC‬ال نعتقد أنه أمر‬
‫الرسوع يف إيقافه‪.‬‬ ‫يمكن إيقافه‪ ،‬وسنقدم هنا بعض اإليماءات حول كيفية ر‬
‫ئيسيتي يف الوقت الحاض هما تعزيز‬ ‫ر‬ ‫المهمتي الر‬
‫ر‬ ‫‪ .181‬كما ذكرنا يف الفقرة ‪ ،166‬فإن‬
‫ونرس عقيدة‬ ‫الضغط االجتماع وعدم االستقرار ف المجتمع الصناع وتطوير ر‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ر‬ ‫ُ‬
‫الصناع‪ .‬عندما يصبح النظام مرهقا ومتعزعا بدرجة‬ ‫معارضة للتقنية والنظام‬
‫ي‬
‫كافية‪ ،‬سيكون حدوث ثورة ضد التقنية ممكنا‪ .‬سيكون النمط مشابها لنمط‬
‫الروش‪ ،‬لعدة‬ ‫ي‬ ‫الفرنس والمجتمع‬ ‫ي‬ ‫الثور رتي الفرنسية والروسية‪ .‬أظهر المجتمع‬
‫متايدة من التوتر والضعف‪ .‬يف غضون ذلك‪،‬‬ ‫عقود قبل ثورات كل منهما‪ ،‬عالمات ر‬
‫تم تطوير العقائد ال ر يئ قدمت وجهة نظر جديدة للعالم مختلفة تماما عن النظرة‬
‫القديمة‪ .‬يف الحالة الروسية‪ ،‬كان الثوار يعملون بنشاط لتقويض النظام القديم‪.‬‬
‫كاف (بسبب األزمة‬ ‫إضاف ٍ‬
‫ي‬ ‫عندها‪ ،‬عندما تم وضع النظام القديم تحت ضغط‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫شء‬ ‫المالية يف فرنسا‪ ،‬الهزيمة العسكرية يف روسيا) جرفته الثورة‪ .‬ما نقتحه هو ي‬
‫عىل نفس المنوال‪.‬‬
‫فاشلتي‪ .‬لكن معظم‬ ‫ر‬ ‫الموضوع القول بأن الثور رتي الفرنسية والروسية كانتا‬ ‫ي‬ ‫‪ .182‬من‬
‫تدمت الشكل القديم للمجتمع واآلخر هو إقامة الشكل‬ ‫الثورات لها هدفان‪ .‬أحدهما ر‬
‫الجديد للمجتمع الذي تصوره الثوار‪ .‬لقد فشل الثوار الفرنسيون والروس (لحسن‬
‫الحظ!) يف خلق النوع الجديد من المجتمع الذي حلموا به‪ ،‬لكنهم نجحوا تماما يف‬
‫ومثاىل‬
‫ي‬ ‫تدمت المجتمع القديم‪ .‬ليس لدينا أوهام حول إمكانية إنشاء شكل جديد‬ ‫ر‬
‫الحاىل للمجتمع‪.‬‬
‫ي‬ ‫تدمت الشكل‬ ‫للمجتمع‪ .‬هدفنا فقط هو ر‬
‫حماش ألي عقيدة‪ ،‬يجب أن يكون لها مثال‬ ‫ي‬ ‫‪ .183‬لكن من أجل الحصول عىل دعم‬
‫شء‪ .‬المثال‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫اإليجاي الذي‬
‫ري‬ ‫لسء وكذلك ضد ي‬ ‫وسلئ‪ .‬يجب أن تكون ي‬ ‫ري‬ ‫إيجاي‬
‫ري‬
‫التية‪ :‬تلك الجوانب من عمل األرض وكائناتها‬ ‫ّ‬ ‫ر‬
‫نقتحه هو الطبيعة‪ .‬إنها الطبيعة ر‬
‫البرسي‪ .‬ومع‬ ‫البرسية والخالية من التدخل والتحكم ر‬ ‫الحية المستقلة عن اإلدارة ر‬

‫‪81‬‬
‫نعئ بها جوانب عمل الفرد‬ ‫البرسية‪ ،‬ر‬ ‫التية‪ ،‬فإننا ندرج الطبيعة ر‬ ‫الطبيعة ّ‬
‫والئ ي‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫الئ ال تخضع للتنظيم من قبل المجتمع المنظم ولكنها نتاج الصدفة‪ ،‬أو‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫البرسي ي‬
‫اإلرادة الحرة‪ ،‬أو هللا (اعتمادا عىل دينك أو آرائك)‪.‬‬
‫ر‬
‫ه خارج‬ ‫‪ .184‬تعمل الطبيعة كمثال مضاد تماما للتقنية ألسباب عدة‪ .‬الطبيعة ( ي‬
‫والئ ي‬
‫الئ تسع إىل توسيع ُسلطة النظام إىل األبد)‪.‬‬ ‫ر‬
‫ه عكس التقنية ( ي‬ ‫سلطة النظام) ي‬
‫ُ‬
‫يتفق معظم الناس عىل أن الطبيعة جميلة؛ بالتأكيد لديها جاذبية شعبية هائلة‪ .‬إن‬
‫دعاة حماية البيئة المتشددين لديهم بالفعل عقيدة تمجد الطبيعة وتعارض‬
‫التقنية‪ .‬ليس من الصوري من أجل الطبيعة إقامة عالم ي‬
‫[‪]30‬‬
‫خياىل أو أي نوع‬
‫ي‬ ‫مثاىل‬
‫تعتئ بنفسها‪ :‬لقد كانت خليقة تلقائية‬ ‫ي‬ ‫جديد من النظم االجتماعية‪ .‬الطبيعة‬
‫برسي بوقت طويل‪ ،‬ولقرون ال حص لها‪ ،‬تعايشت أنواع‬ ‫ُوجدت قبل أي مجتمع ر‬
‫كبتا من الصر‪.‬‬ ‫البرسية مع الطبيعة دون أن تفعل بها قدرا ر‬ ‫مختلفة من المجتمعات ر‬
‫البرسي عىل الطبيعة مدمرا حقا‪.‬‬ ‫تأثت المجتمع ر‬ ‫فقط مع الثورة الصناعية أصبح ر‬
‫لتخفيف الضغط عىل الطبيعة‪ ،‬ليس من الصوري إنشاء نوع خاص من النظام‬
‫الصناع‪ .‬صحيح أن هذا لن‬ ‫ي‬ ‫االجتماع‪ ،‬من الصوري فقط التخلص من المجتمع‬ ‫ي‬
‫الصناع بالفعل يف إلحاق أضار جسيمة‬ ‫ي‬ ‫يحل كل المشاكل‪ .‬لقد تسبب المجتمع‬
‫ً‬
‫طويال ر‬
‫حئ تلتئم الندوب‪ .‬إىل جانب ذلك‪ ،‬يمكن‬ ‫بالطبيعة وسيستغرق األمر وقتا‬
‫كبتة بالطبيعة‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫حئ لمجتمعات ما قبل الثورة الصناعية أن تلحق أضارا ر‬ ‫ر‬
‫الكثت‪ .‬سوف يخفف أسوأ الضغوط‬ ‫ر‬ ‫الصناع سيحقق‬
‫ي‬ ‫فإن التخلص من المجتمع‬
‫حئ تبدأ الندوب يف االلتئام‪ .‬س رتيل قدرة المجتمع المنظم عىل‬ ‫عىل الطبيعة ر‬
‫البرسية)‪ .‬أيا كان نوع‬ ‫االستمرار ف زيادة سيطرته عىل الطبيعة (بما ف ذلك الطبيعة ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الصناع‪ ،‬فمن المؤكد أن معظم الناس‬ ‫ي‬ ‫المجتمع الذي قد يوجد بعد زوال النظام‬
‫سيعيشون بالقرب من الطبيعة‪ ،‬ألنه يف غياب التقنية المتقدمة ال توجد طريقة‬
‫فالحي أو رعاة‬
‫ر‬ ‫أخرى يمكن للناس أن يعيشوا بها‪ .‬إلطعام أنفسهم يجب أن يكونوا‬
‫المحىل سوف تزداد‪،‬‬ ‫ذاي‬‫أو صيادين وما إىل ذلك‪ ،‬وبصفة عامة‪ ،‬فأنظمة الحكم ال ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ألن النقص يف التقنية المتقدمة واالتصاالت الرسيعة سوف يحد من قدرة‬
‫الكبتة األخرى من السيطرة عىل المجتمعات المحلية‪.‬‬ ‫الحكومات أو المنظمات ر‬

‫‪82‬‬
‫الصناع — حسنا‪ ،‬ال يمكنك‬ ‫ي‬ ‫‪ .185‬بالنسبة للعواقب السلبية للقضاء عىل المجتمع‬
‫ر‬
‫شء عليك التضحية بآخر‪.‬‬ ‫تناول كعكتك والحفاظ عليها أيضا‪ .‬لكسب ي‬
‫تفكت‬‫النفس‪ .‬لهذا السبب يتجنبون القيام بأي ر‬ ‫ي‬ ‫‪ .186‬معظم الناس يكرهون الصاع‬
‫جاد حول القضايا االجتماعية الصعبة‪ ،‬ويحبون أن تعرض عليهم مثل هذه القضايا‬
‫شء‪ .‬لذلك يجب‬ ‫ُ َّ‬
‫بمصطلحات مبسطة‪ ،‬باألبيض واألسود‪ :‬هذا كله جيد وذاك كله ي‬
‫مستويي‪.‬‬
‫ر‬ ‫تطوير العقيدة الثورية عىل‬
‫األكت تعقيدا‪ ،‬يجب أن تقدم العقيدة نفسها ألشخاص أذكياء‪،‬‬ ‫ر‬ ‫‪ .187‬عىل المستوى‬
‫وعقالنيي‪ .‬يجب أن يكون الهدف هو خلق نواة من األشخاص الذين‬ ‫ر‬ ‫واعي‬ ‫ر‬
‫عقالي ومدروس‪ ،‬مع تقدير كامل للمشاكل‬ ‫ي‬ ‫الصناع عىل أساس‬
‫ي‬ ‫سيعارضون النظام‬
‫والغموض الذي ينطوي عليه‪ ،‬والثمن الذي يجب دفعه للتخلص من النظام‪ .‬من‬
‫األهمية بمكان جذب أشخاص من هذا النوع‪ ،‬ألنهم أشخاص قادرون وسيكونون‬
‫عقالي‬
‫ي‬ ‫التأثت عىل اآلخرين‪ .‬يجب مخاطبة هؤالء األشخاص عىل مستوى‬ ‫فعالي يف ر‬
‫ر‬
‫المبالغة‪ .‬هذا‬ ‫قدر اإلمكان‪ .‬ال ينبع أبدا تشويه الحقائق عمدا ويجب تجنب اللغة ُ‬
‫ي‬
‫يعئ أنه ال يمكن استدعاء المشاعر‪ ،‬ولكن عند إجراء هكذا استدعاء‪ ،‬يجب‬ ‫ال ي‬
‫تدمت‬ ‫شء آخر من شأنه‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫توح الحذر لتجنب تحريف الحقيقة أو القيام بأي ي‬ ‫ي‬
‫االحتام الفكري للعقيدة‪.‬‬ ‫ر‬
‫ّ‬ ‫‪ .188‬عىل المستوى الثاي‪ ،‬ينبع ر‬
‫نرس العقيدة يف شكل مبسط من شأنه أن يمكن‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫المفكرة من رؤية تضارب التقنية يف مقابل الطبيعة بعبارات ال لبس‬ ‫غت ُ‬‫األغلبية ر‬
‫التعبت عن العقيدة بلغة‬ ‫ر‬ ‫الثاي‪ ،‬يجب أال يتم‬ ‫حئ يف هذا المستوى‬ ‫فيها‪ .‬ولكن ر‬
‫ُ ّ‬ ‫ي‬
‫غت عقالنية لدرجة أنها تنفر الناس من النوع المفكر‬ ‫رخيصة جدا أو مبالغة أو ر‬
‫قصتة‬ ‫ر‬ ‫والعقالي‪ .‬يف بعض األحيان‪ ،‬تحقق الدعاية الرخيصة والمبالغة مكاسب‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫مثتة لإلعجاب‪ ،‬لكن سيكون من األكت فائدة عىل المدى الطويل الحفاظ‬ ‫المدى ر‬
‫غت‬ ‫ر‬
‫مي ِعوضا عن إثارة مشاعر ر‬ ‫عىل والء عدد قليل من الناس األذكياء الملت ر‬
‫سيغتون موقفهم يف أقرب وقت يأ ر يي‬ ‫ر‬ ‫متقلئ المزاج من الغوغاء الذين‬ ‫ري‬ ‫المفكرين‬
‫فيه شخص مع حيلة دعائية أفضل‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫الئ تثت الغوغائية ضورية عندما ر‬
‫يقتب‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬قد تكون الدعاية من النوع ر ي ر‬
‫نهاي ربي العقائد المتنافسة لتحديد‬ ‫النظام من نقطة االنهيار ويكون هناك ضاع ي‬
‫أيها سيصبح مهيمنا عندما تنهار النظرة القديمة إىل العالم‪.‬‬
‫النهاي‪ ،‬يجب عىل الثوار أال يتوقعوا وجود األغلبية يف صفهم‪.‬‬ ‫ي‬ ‫‪ .189‬قبل ذلك النضال‬
‫ر‬
‫الئ نادرا ما لديها‬
‫التاري ــخ يصنعه أقليات نشطة ومصممة‪ ،‬وليس من ِقبل األغلبية‪ ،‬ي‬
‫النهاي نحو‬ ‫يحي الوقت للدفع‬ ‫عما تريده حقا‪ .‬وإىل أن ر‬ ‫فكرة واضحة ومتسقة ّ‬
‫ي‬
‫الثورة [‪ ،]31‬فإن مهمة الثوار ستكون أقل ف كسب التأييد الضحل لألغلبية ر‬
‫وأكت يف‬ ‫ي‬
‫فيكق توعيتهم بوجود‬ ‫األغلبية‬ ‫أما‬ ‫‪.‬‬‫بشدة‬ ‫مي‬ ‫ر‬
‫الملت‬ ‫صغتة من الناس‬ ‫بناء نواة‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫وتذكتهم بها باستمرار‪ .‬عىل الرغم من أنه سيكون من المرغوب‬ ‫ر‬ ‫العقيدة الجديدة‬
‫فيه بالطبع الحصول عىل دعم األغلبية دون الوصول لدرجة إضعاف النواة الصلبة‬
‫ر‬
‫مي بجدية‪.‬‬ ‫المك ّونة من األشخاص الملت ر‬ ‫ُ‬
‫االجتماع سيساعد عىل زعزعة استقرار النظام‪ ،‬ولكن عىل‬ ‫ي‬ ‫‪ .190‬أي نوع من الصاع‬
‫المرء أن يكون حذرا بشأن نوع الصاع الذي يشجعه‪ .‬يجب رسم خط التاع ربي‬
‫الصناع من ناحية أخرى (السياسيون‪،‬‬ ‫ي‬ ‫جماهت الشعب من ناحية‪ ،‬ونخبة المجتمع‬ ‫ر‬
‫العلماء‪ ،‬رجال األعمال رفيعو المستوى‪ ،‬المسؤولون الحكوميون‪ ،‬إىل آخره)‪ .‬ال ربي‬
‫وجماهت الشعب من ناحية أخرى‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬سيكون من‬ ‫ر‬ ‫الثوار من ناحية‬
‫‪ً .‬‬
‫السئ للثور ريي إدانة األمريك ريي عىل عاداتهم االستهالكية بدال من ذلك‪،‬‬ ‫التخطيط ر‬
‫األمريك العادي عىل أنه ضحية لصناعة اإلعالن والتسويق‪،‬‬ ‫ي‬ ‫يجب تصوير المواطن‬
‫الئ ال يحتاجها يف مقابل تعويض‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫األمر الذي خدعه ليشتي الكث رت من الخردة ي‬
‫النهجي يتفق مع الحقائق‪ .‬إنها مجرد‬ ‫ر‬ ‫ضعيف للغاية عن حريته المفقودة‪ .‬كال‬
‫مسألة موقف سواء كنت تلوم صناعة اإلعالن عىل التالعب بالجمهور أو تلوم‬
‫الجمهور عىل سماحه بالتالعب به‪ .‬كمسألة تخطيطية‪ ،‬يجب عىل المرء بشكل عام‬
‫تجنب إلقاء اللوم عىل الجمهور‪.‬‬
‫غت ذلك ربي‬ ‫اجتماع آخر ر‬
‫ي‬ ‫ينبع للمرء أن يفكر مليا قبل تشجيع أي ضاع‬ ‫‪ .191‬ي‬
‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫الئ تمارس التقنية‬ ‫الئ تمسك التقنية) وعامة الناس ( ي‬ ‫النخبة الممتلكة للسلطة ( ي‬
‫ُسلطتها عليها)‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬تميل الصاعات األخرى إىل ضف االنتباه عن‬
‫العاديي‪ ،‬ربي التقنية والطبيعة)؛‬
‫ر‬ ‫السلطوية والناس‬ ‫الصاعات المهمة ( ربي النخبة ُ‬

‫‪84‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬قد تميل الصاعات األخرى يف الواقع إىل تشجيع التقنية‪ ،‬ألن كل‬
‫جانب يف مثل هذا الصاع يريد استخدام القوة التقنية للتقدم عىل خصمه‪ .‬يظهر‬
‫هذا بوضوح يف التنافس ربي الدول‪ .‬كما يظهر يف التاعات العرقية داخل الدول‪ .‬عىل‬
‫السلطة لألفارقة‬‫سبيل المثال‪ ،‬يتوق العديد من القادة السود ف أمريكا إىل اكتساب ُ‬
‫ي‬
‫ُ‬
‫كيي من خالل وضع األفراد السود يف النخبة السلطوية التقنية‪ .‬إنهم يريدون‬ ‫األمري ر‬
‫الحكوميي السود‪ ،‬العلماء‪ ،‬المديرين‬ ‫ر‬ ‫المسؤولي‬
‫ر‬ ‫أن يكون هناك العديد من‬
‫للرسكات وما إىل ذلك‪ .‬وبــهذه الطريقة يساعدون يف استيعاب الثقافة‬ ‫التنفيذيي ر‬
‫ر‬
‫التقئ‪ .‬بشكل عام‪ ،‬يجب عىل المرء أن يشجع‬ ‫ي‬ ‫الفرعية األفريقية األمريكية يف النظام‬
‫الئ يمكن أن تدخل يف إطار ضاعات النخبة‬ ‫ر‬
‫فقط تلك الصاعات االجتماعية ي‬
‫العاديي‪ ،‬التقنية مقابل الطبيعة‪.‬‬ ‫ر‬ ‫السلطوية مقابل الناس‬ ‫ُ‬
‫العرف ال تتم من خالل المناضة المسلحة لحقوق‬ ‫ر‬ ‫‪ .192‬لكن طريقة تثبيط التاع‬
‫‪ً .‬‬ ‫ي‬
‫األقليات (انظر الفقر رتي ‪ 21‬و ‪ )29‬بدال من ذلك‪ ،‬يجب عىل الثوار التأكيد عىل‬
‫التميت له‬
‫ر‬ ‫تعاي من الحرمان إىل حد ما‪ ،‬إال أن هذا‬ ‫أنه عىل الرغم من أن األقليات ي‬
‫وف النضال ضد النظام‪،‬‬ ‫ر‬ ‫أهمية هامشية‪ .‬عدونا‬
‫التقئ‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫الصناع‬
‫ي‬ ‫الحقيق هو النظام‬ ‫ي‬
‫للتميتات العرقية‪.‬‬
‫ر‬ ‫ال أهمية‬
‫‪ .193‬إن نوع الثورة الذي يدور يف أذهاننا لن ينطوي بالصورة عىل انتفاضة مسلحة‬
‫ضد أي حكومة‪ .‬قد يتضمن أو ال يتضمن عنفا جسديا‪ ،‬لكنه لن يكون ثورة سياسية‪.‬‬
‫كتها عىل التقنية واالقتصاد وليس السياسة‪.‬‬ ‫سيكون تر ر‬
‫السلطة السياسية‪ ،‬سواء بوسائل‬ ‫حئ تجنب توىل ُ‬ ‫‪ .194‬ربما يتوجب عىل الثوار ر‬
‫ي‬
‫الصناع إىل نقطة الخطر‬ ‫حئ يصل الضغط عىل النظام‬ ‫غت قانونية‪ ،‬ر‬ ‫قانونية أو ر‬
‫ي‬
‫لنفتض عىل سبيل المثال أن حزبا "أخص"‬ ‫ويثبت أنه فاشل ف نظر معظم الناس‪ .‬ر‬
‫ي‬
‫ما فاز بالسيطرة عىل مجلس شيوخ الواليات المتحدة يف االنتخابات‪ .‬من أجل‬
‫سيتعي عليهم اتخاذ تداب رت‬
‫ر‬ ‫تجنب خيانة عقيدتهم الخاصة أو تخفيف حدتها‪،‬‬
‫صارمة لتحويل النمو االقتصادي إىل انكماش اقتصادي‪ .‬بالنسبة للرجل العادي‪،‬‬
‫ستبدو النتائج كارثية‪ :‬ستكون هناك بطالة هائلة‪ ،‬نقص يف السلع‪ ،‬وما إىل ذلك‪.‬‬
‫حئ لو أمكن تجنب اآلثار السيئة الجسيمة من خالل اإلدارة الماهرة الفائقة‪ ،‬فال‬ ‫ر‬
‫مدمني لها‪.‬‬ ‫الئ أصبحوا‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫خىل عن الكماليات ي‬ ‫يتعي عىل الناس البدء يف الت ي‬ ‫يزال ر‬

‫‪85‬‬
‫ُ‬
‫سوف ريتايد االستياء‪ ،‬سيتم التصويت ضد حزب الخص إلبعاده عن المنصب‪،‬‬
‫وسيعاي الثوار من انتكاسة شديدة‪ .‬لهذا السبب يجب أال يحاول الثوار اكتساب‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫السلطة السياسية حئ يوقع النظام نفسه يف مثل هذه الفوض بحيث ينظر إىل‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫الصناع نفسه وليس عن‬ ‫ي‬ ‫أي صعوبات عىل أنها ناتجة عن إخفاقات النظام‬
‫سياسات الثوار‪ .‬من المحتمل أن تكون الثورة ضد التقنية ثورة من ِقبل غرباء (عن‬
‫الثوار)‪ ،‬ثورة من أسفل وليس من أعىل‪.‬‬
‫‪ .195‬يجب أن تكون الثورة دولية وعىل مستوى العالم‪ .‬ال يمكن تنفيذها عىل أساس‬
‫قتح عىل الواليات المتحدة‪ ،‬عىل سبيل المثال‪ ،‬أن‬ ‫كل دولة عىل حدة‪ .‬عندما ُي ر‬
‫التقئ أو النمو االقتصادي‪ ،‬يصاب الناس بالهلع ويبدأون يف الصاخ‬ ‫ي‬ ‫تقلل من التقدم‬
‫اليابانيي سيتقدمون علينا‪ .‬يالآلالت المقدسة!‬ ‫ر‬ ‫بأنه إذا تخلفنا يف التقنية‪ ،‬فإن‬
‫أكت مما نبيعه! (القومية‬‫سوف يخرج العالم من مداره إذا باع اليابانيون سيارات ر‬
‫النياي‬ ‫واألكت منطقية‪ ،‬أنه إذا تأخرت الدول ذات الحكم‬ ‫ر‬ ‫*‬
‫كبت للتقنية)‬
‫ري‬ ‫ه مروج ر‬ ‫ي‬
‫الصي وڤيتنام‬ ‫نسبيا يف العالم يف التقنية بينما استمرت الدول الشمولية السيئة مثل ر‬
‫وكوريا الشمالية يف التقدم‪ ،‬فقد يصل الطغاة يف النهاية للسيطرة عىل العالم‪ .‬لهذا‬
‫الصناع يف جميع الدول يف وقت واحد‪ ،‬إىل الحد‬ ‫ي‬ ‫السبب يجب مهاجمة النظام‬
‫تدمت النظام‬‫ر‬ ‫الذي قد يكون ذلك ممكنا‪ .‬صحيح‪ ،‬ليس هناك ما يضمن إمكانية‬
‫وحئ أنه من الممكن تصور‬ ‫الصناع ف نفس الوقت تقريبا ف جميع أنحاء العالم‪ ،‬ر‬
‫ً‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬
‫أن محاولة اإلطاحة بالنظام يمكن أن تؤدي بدال من ذلك إىل هيمنة الطغاة عىل‬
‫ه المخاطرة الذي يجب أن تؤخذ‪ .‬وتستحق أن تؤخذ‪ ،‬ألن الفرق‬ ‫النظام‪ .‬هذه ي‬
‫صناع‬
‫ي‬ ‫صغت مقارنة بالفرق ربي نظام‬‫نياي" ونظام يحكمه طغاة ر‬ ‫صناع " ر ي‬
‫ي‬ ‫ربي نظام‬
‫الصناع الذي يسيطر عليه الطغاة‬
‫ي‬ ‫صناع‪ ]33[ .‬بل قد نجادل بأن النظام‬ ‫ي‬ ‫غت‬‫وآخر ر‬
‫ً‬ ‫فض ًال‪ ،‬ألن األنظمة ر‬ ‫ُ ّ‬
‫الئ يسيطر عليها الطغاة أثبتت عادة عدم فعاليتها‪،‬‬ ‫ي‬ ‫سيكون م‬
‫أكت ترجيحا بأن تنهار‪ .‬انظر إىل كوبا‪.‬‬ ‫وبالتاىل ر‬
‫ي‬

‫* المقصود هنا الوطنية وليس القومية بمفهومها الذي تم تشويــهه‬

‫‪86‬‬
‫الئ تميل إىل‬ ‫ر‬
‫بعي االعتبار تفضيل اإلجراءات ي‬ ‫‪ .196‬يجب عىل الثور ريي أن يأخذوا ر‬
‫وحد‪ .‬من المحتمل أن تكون اتفاقيات التجارة الحرة‬ ‫ربط االقتصاد العالىم بشكل ُم َّ‬
‫ي‬
‫القصت‪ ،‬لكنها ربما تكون‬ ‫ر‬ ‫مثل الـ ‪ NAFTA‬والـ ‪ GATT‬ضارة بالبيئة عىل المدى‬
‫مفيدة عىل المدى الطويل ألنها تعزز االعتمادية االقتصادية ربي الدول‪ .‬سيكون من‬
‫تدمت النظام الصناع عىل أساس عالىم إذا كان االقتصاد العالىم ُم َّ‬
‫وحدا‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫األسهل ر‬
‫لدرجة أن انهياره يف أي دولة رئيسية واحدة سيؤدي إىل انهياره يف جميع الدول‬
‫الصناعية‪.‬‬
‫والكثت من السيطرة عىل‬ ‫ر‬ ‫السلطة‬‫الكثت من ُ‬‫‪ .197‬يعتقد البعض أن لإلنسان الحديث ر‬
‫البرسي‪ .‬يف أحسن‬ ‫أكت سلبية من جانب الجنس ر‬ ‫الطبيعة؛ يجادلون لموقف ر‬
‫غت واضح‪ ،‬ألنهم يفشلون يف‬ ‫األحوال‪ُ ،‬ي ّ‬
‫عت هؤالء األشخاص عن أنفسهم بشكل ر‬ ‫ر‬
‫الصغتة‪ .‬من‬ ‫ر‬ ‫الكبتة وسلطة األفراد والمجموعات‬ ‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫التميت ربي سلطة المنظمات‬ ‫ر‬
‫السلطة‪ .‬اإلنسان الحديث‬ ‫الخطأ المجادلة بالعجز والسلبية‪ ،‬ألن الناس بحاجة إىل ُ‬
‫لصناع — لديه ُسلطة هائلة عىل الطبيعة‪ ،‬ونحن‬ ‫ي‬ ‫جماع — أي النظام ا‬ ‫ي‬ ‫ككيان‬
‫الصغتة من األفراد لديهم‬ ‫ر‬ ‫الحديثي والمجموعات‬ ‫ر‬ ‫نعتت ذلك ررسا‪ .‬لكن األفراد‬ ‫)‪ (FC‬ر‬
‫البداي عىل اإلطالق‪ .‬بشكل عام‪،‬‬ ‫ي‬ ‫بكثت مما كان يتمتع به اإلنسان‬ ‫ُسلطة أقل ر‬
‫السلطة الهائلة "لإلنسان الحديث" عىل الطبيعة ال يمارسها األفراد أو المجموعات‬ ‫ُ‬
‫الكبتة‪ .‬إىل الحد الذي عندما يمارس الفرد الحديث‬ ‫ر‬ ‫الصغتة ولكن المنظمات‬ ‫ر‬
‫العادي ُسلطة التقنية‪ ،‬فأنه ُيسمح له بالقيام بذلك فقط ضمن حدود ضيقة وفقط‬
‫التخيص‬ ‫تحت رإرساف وسيطرة النظام‪( .‬أنت بحاجة إىل ترخيص لكل رشء ومع ر‬
‫ي‬
‫الئ يختار النظام‬ ‫ر‬ ‫التقنية‬ ‫السلطات‬ ‫تلك‬ ‫فقط‬ ‫فرد‬ ‫ال‬ ‫يمتلك‬ ‫‪.‬‬‫)‬ ‫والقواني‬ ‫اللوائح‬ ‫تأي‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫ي‬
‫تزويده بها‪ .‬سلطته الشخصية عىل الطبيعة ضئيلة‪.‬‬
‫كبتة عىل الطبيعة؛ أو ربما‬ ‫البدائيي ُسلطة ر‬
‫ر‬ ‫الصغتة‬‫ر‬ ‫‪ .198‬كان لألفراد والمجموعات‬
‫البداي إىل‬ ‫اإلنسان‬ ‫احتاج‬ ‫عندما‬ ‫‪.‬‬‫الطبيعة‬ ‫ف‬ ‫لطة‬ ‫س‬‫يكون من األفضل أن نقول ُ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الطعام‪ ،‬كان يعرف كيفية العثور عىل جذور صالحة لألكل وإعدادها‪ ،‬وكيفية تتبع‬
‫التودة‬ ‫يحىم نفسه من ر‬ ‫ي‬ ‫الطريدة وصيدها بأسلحة محلية الصنع‪ .‬كان يعرف كيف‬
‫الشديدة‪ ،‬المطر‪ ،‬الحيوانات الخطرة‪ ،‬وما إىل ذلك‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫ّ‬
‫الجمعية‬ ‫لكن اإلنسان البداي تسبب ف ضر ضئيل نسبيا للطبيعة ألن ُ‬
‫السلطة‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الصناع‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫اي كانت ضئيلة مقارنة بالسلطة الجمعية للمجتمع‬
‫ي‬ ‫للمجتمع البد ي‬
‫ينبع كرس‬‫ينبع للمرء أن يجادل بأنه ي‬ ‫‪ .199‬عوضا من الجدل ألجل العجز والسلبية‪ ،‬ي‬
‫كبت من ُسلطة وحرية األفراد‬ ‫ستيد بشكل ر‬ ‫الصناع‪ ،‬وأن هذا ر‬ ‫ي‬ ‫ُسلطة النظام‬
‫الصغتة‪.‬‬
‫ر‬ ‫والمجموعات‬
‫الصناع تماما‪ ،‬يجب أن يكون الهدف الوحيد للثوار هو‬ ‫ي‬ ‫لحي تحطيم النظام‬ ‫‪ .200‬ر‬
‫ئيس‪.‬‬ ‫تدمت هذا النظام‪ .‬األهداف األخرى تصف االنتباه والطاقة عن الهدف الر ي‬ ‫ر‬
‫غت‬‫واألهم من ذلك أنه إذا سمح الثوار ألنفسهم بأن يكون لديهم أي هدف آخر ر‬
‫تدمت التقنية‪ ،‬فسيغريــهم استخدام التقنية كأداة للوصول إىل هذا الهدف اآلخر‪ .‬إذا‬ ‫ر‬
‫ه‬ ‫استسلموا لهذا اإلغراء‪ ،‬فسيعودون ر‬
‫التقئ‪ ،‬ألن التقنية الحديثة ي‬
‫ي‬ ‫مبارسة إىل الفخ‬
‫ومنظم بإحكام‪ ،‬لذلك‪ ،‬من أجل االحتفاظ ببعض التقنية‪ ،‬يجد المرء‬ ‫وحد ُ‬ ‫نظام ُم َّ‬
‫ينته األمر بالتضحية بكميات‬ ‫ي‬ ‫نفسه مضطرا لالحتفاظ بمعظم التقنيات‪ ،‬ومن ثم‬
‫رمزية فقط من التقنية‪.‬‬
‫لنفتض عىل سبيل المثال أن الثوار اتخذوا "العدالة االجتماعية" كهدف‪ .‬وبما‬ ‫‪ .201‬ر‬
‫تلقاي؛‬ ‫ه عليه‪ ،‬فلن تتحقق العدالة االجتماعية بشكل‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫أن الطبيعة البرسية كما ي‬
‫يجب أن يتم فرضها‪ .‬من أجل فرضها‪ ،‬يجب عىل الثوار االحتفاظ بالتنظيم‬
‫كزيي‪ .‬لذلك سيحتاجون إىل نقل رسي ــع واتصاالت عىل مسافات‬ ‫والسيطرة المر ر‬
‫وبالتاىل يحتاجون إىل كل التقنية الالزمة لدعم أنظمة النقل واالتصاالت‪.‬‬ ‫ي‬ ‫طويلة‪،‬‬
‫سيتعي عليهم استخدام التقنية الزراعية والتصنيعية‪.‬‬ ‫ر‬ ‫إلطعام الفقراء وكسوتهم‪،‬‬
‫تجتهم محاولة ضمان العدالة االجتماعية عىل االحتفاظ‬ ‫وهكذا دواليك‪ .‬بحيث ر‬
‫ر‬
‫شء ضد العدالة االجتماعية‪،‬‬ ‫يعئ ذلك أن لدينا أي ي‬ ‫التقئ‪ .‬ال ي‬ ‫ي‬ ‫بمعظم أجزاء النظام‬
‫التقئ‪.‬‬ ‫النظام‬ ‫من‬ ‫التخلص‬ ‫جهود‬ ‫ف‬ ‫بالتدخل‬ ‫لها‬ ‫سمح‬ ‫ولكن يجب أال ُ‬
‫ي‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫‪ .202‬سيكون أمرا ميؤوسا منه أن يحاول الثوار مهاجمة النظام دون استخدام بعض‬
‫ر‬
‫شء آخر‪ ،‬فيجب عليهم استخدام وسائط‬ ‫التقنيات الحديثة‪ .‬إذا لم يكن هناك ي‬
‫لنرس رسالتهم‪ .‬لكن يجب عليهم استخدام التقنية الحديثة لغرض واحد‬ ‫االتصال ر‬
‫التقئ‪.‬‬
‫ي‬ ‫فقط‪ :‬مهاجمة النظام‬

‫‪88‬‬
‫لنفتض أنه بدأ يقول لنفسه‪" ،‬النبيذ‬ ‫‪ .203‬تخيل مدمن كحول يقبع أمامه برميل نبيذ‪ .‬ر‬
‫الصغتة من النبيذ‬
‫ر‬ ‫ليس سيئا إذا تم استخدامه باعتدال‪ .‬لماذا‪ ،‬يقولون إن الكميات‬
‫صغتا واحدا فقط‪ "....‬حسنا‪،‬‬ ‫مرسوبا ر‬ ‫مفيدة لك! لن يسبب ىل أي ضر إذا تناولت ر‬
‫ي‬
‫ر‬
‫أنت تعرف ما الذي سيحدث‪ .‬ال تنس أبدا أن الجنس البرسي مع التقنية يشبه‬
‫مدمن الكحول مع برميل من النبيذ‪.‬‬
‫علىم قوي عىل‬ ‫أكت عدد ممكن من األطفال‪ .‬هناك دليل ي‬ ‫‪ .204‬يجب أن ينجب الثوار ر‬
‫االجتماع‬ ‫الموقف‬ ‫أن‬ ‫ح‬ ‫أن المواقف االجتماعية موروثة إىل حد كبت‪ .‬ال أحد ر‬
‫يقت‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫اي للشخص‪ ،‬ولكن يبدو أن سمات الشخصية‬ ‫مبارسة للتكوين الور ر‬
‫ر‬ ‫هو نتيجة‬
‫ي‬
‫موروثة جزئيا وأن سمات شخصية معينة تميل‪ ،‬يف سياق مجتمعنا‪ ،‬إىل جعل‬
‫الشخص ر‬
‫أثتت‬ ‫االجتماع أو ذاك‪ .‬وقد ر‬ ‫ي‬ ‫الموقف‬ ‫بهذا‬ ‫لالحتفاظ‬ ‫عرضة‬ ‫أكت‬
‫االعتاضات واهنة ويبدو أنها ذات دوافع‬ ‫ر‬ ‫اعتاضات عىل هذه االستنتاجات‪ ،‬لكن‬ ‫ر‬
‫تبئ‬ ‫عقائدية‪ .‬عىل أي حال‪ ،‬ال أحد ينكر أن األطفال يميلون يف المتوسط إىل ي‬
‫كثتا ما‬ ‫مواقف اجتماعية مماثلة لتلك الخاصة بوالديهم‪ .‬من وجهة نظرنا‪ ،‬ال يهم ر‬
‫إذا كانت المواقف قد تم نقلها وراثيا أو من خالل التنشئة يف الطفولة‪ .‬يف كلتا‬
‫الحالتي يتم نقلها‪.‬‬
‫ر‬
‫التمرد عىل النظام‬‫ّ‬ ‫ه أن العديد من األشخاص الذين يميلون إىل‬ ‫‪ .205‬المشكلة ي‬
‫أكت قابلية‬‫الصناع قلقون أيضا بشأن مشاكل التضخم السكاي‪ ،‬ومن ثم فهم ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫إلنجاب القليل من األطفال أو عدم إنجابهم‪ .‬وبــهذه الطريقة‪ ،‬قد يسلمون العالم‬
‫الصناع‪.‬‬
‫ي‬ ‫إىل هذا النوع من األشخاص الذين يدعمون أو عىل األقل يقبلون النظام‬
‫الحاىل إعادة إنتاج نفسه‬‫ي‬ ‫لضمان قوة الجيل القادم من الثوار‪ ،‬يجب عىل الجيل‬
‫السكاي بشكل‬‫ي‬ ‫ستيدون من سوء مشكلة التضخم‬ ‫بوفرة‪ .‬وبفعلهم هذا فإنهم ر‬
‫الصناع‪ ،‬ألنه بمجرد زوال‬ ‫ي‬ ‫ه التخلص من النظام‬ ‫طفيف‪ .‬والمشكلة المهمة ي‬
‫الصناع سينخفض عدد سكان العالم بالصورة (انظر الفقرة ‪)167‬؛ بينما‪،‬‬ ‫ي‬ ‫النظام‬
‫الصناع‪ ،‬فسيستمر يف تطوير تقنيات جديدة إلنتاج الغذاء قد‬ ‫ي‬ ‫إذا استمر النظام‬
‫تمكن سكان العالم من االستمرار يف الزيادة إىل ما ال نهاية تقريبا‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫نص عليها بشكل مطلق‬ ‫الئ ّ‬ ‫ر‬
‫‪ .206‬فيما يتعلق بالتخطيط الثوري‪ ،‬فإن النقاط الوحيدة ي‬
‫األساش الوحيد يجب أن يكون القضاء عىل التقنية الحديثة‪ ،‬وأنه‬
‫ي‬ ‫ه أن الهدف‬ ‫ي‬
‫ال يمكن السماح ألي هدف آخر بمنافسة هذا الهدف‪ .‬بالنسبة للبقية‪ ،‬يجب عىل‬
‫تشت إىل أن بعض التوصيات الواردة يف‬‫تجريئ‪ .‬إذا كانت التجربة ر‬
‫ري‬ ‫الثوار اتباع نهج‬
‫عندئذ تجاهل تلك التوصيات‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫تعىط نتائج جيدة‪ ،‬فيجب‬
‫ي‬ ‫الفقرات السابقة لن‬

‫‪90‬‬
‫نوعان من التقنية‬

‫ر‬ ‫ُ‬ ‫الحجة ر‬ ‫ّ‬


‫ه أنها ستفشل‪ ،‬ألنه (كما‬ ‫ي‬ ‫حة‬ ‫المقت‬ ‫تنا‬ ‫ر‬‫ثو‬ ‫ضد‬ ‫ثار‬ ‫ت‬ ‫أن‬ ‫المحتمل‬ ‫من‬ ‫الئ‬
‫ي‬ ‫‪.207‬‬
‫وبالتاىل فإن االنحدار‬ ‫ا‪،‬‬‫أبد‬ ‫اجع‬ ‫تت‬ ‫ُيزعم) عت التاري ــخ كانت التقنية تتقدم دائما‪ ،‬ولم ر‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫التقئ مستحيل‪ .‬لكن هذا االدعاء خاط‪.‬‬ ‫ي‬
‫صغتة الحجم والتقنية المعتمدة‬ ‫نوعي من التقنية‪ ،‬نسميهما التقنية‬ ‫نمت ربي‬ ‫ّ‬
‫ر‬ ‫ر‬ ‫‪ .208‬ر‬
‫الصغتة‬
‫ر‬ ‫ه تقنية يمكن أن تستخدمها المجتمعات‬ ‫الصغتة ي‬
‫ر‬ ‫عىل المنظمة‪ .‬التقنية‬
‫ه تقنية تعتمد عىل تنظيم‬ ‫دون مساعدة خارجية‪ .‬التقنية المعتمدة عىل المنظمة ي‬
‫اجتماع واسع النطاق‪ .‬نحن عىل دراية بعدم وجود حاالت تراجع مهمة يف التقنية‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫صغتة الحجم‪ .‬لكن التقنية المعتمدة عىل المنظمة تتاجع عندما ينهار التنظيم‬ ‫ر‬
‫اإلمتاطورية الرومانية‪ ،‬نجت‬ ‫االجتماع الذي تعتمد عليه‪ .‬مثال‪ :‬عندما انهارت ر‬ ‫ي‬
‫يبئ‪ ،‬عىل‬ ‫ّ‬
‫حرف حذق يف القرية يمكن أن ي‬ ‫ي‬ ‫صغتة الحجم ألن أي‬ ‫ر‬ ‫التقنية الرومانية‬
‫سبيل المثال‪ ،‬عجلة مائية‪ ،‬ويمكن ألي حداد ماهر أن يصنع الفوالذ بالطرق‬
‫الرومانية‪ ،‬وما إىل ذلك‪ .‬لكن تقنية الرومان المعتمدة عىل المنظمة تراجعت‬
‫ُ‬
‫بالفعل‪ .‬سقطت قنواتهم المائية يف حالة سيئة ولم يتم إعادة بنائها أبدا‪ .‬فقدت‬
‫الصج الحصي‪ ،‬بحيث‬ ‫ي‬ ‫الروماي للصف‬ ‫ي‬ ‫تقنياتهم يف بناء الطرق‪ .‬تم نسيان النظام‬
‫حئ وقت‬ ‫لم يكن الصف الصج للمدن األوروبية مساويا لمثل روما القديمة ر‬
‫ي‬
‫قريب‪.‬‬
‫حئ قرن أو قر رني‬ ‫‪ .209‬السبب ف أن التقنية تبدو وكأنها تتقدم عىل الدوام هو أنه ر‬
‫ي‬
‫صغتة الحجم‪ .‬لكن‬ ‫ربما قبل الثورة الصناعية‪ ،‬كانت معظم التقنية عبارة عن تقنية ر‬
‫ه تقنية تعتمد عىل المنظمة‪.‬‬ ‫ر‬
‫الئ تم تطويرها منذ الثورة الصناعية ّ ي‬ ‫معظم التقنية ي‬
‫خذ الثالجة عىل سبيل المثال‪ .‬بدون قطع غيار مصنعة يف المصنع أو مرافق متجر‬
‫ً‬
‫أجهزة ما بعد التصنيع‪ ،‬سيكون األمر مستحيًل تقريبا بالنسبة لعدد قليل من‬
‫المحليي لصنع ثالجة‪ .‬إذا نجحوا بمعجزة ما يف بناء واحدة‪ ،‬فستكون‬ ‫ر‬ ‫الحرفيي‬ ‫ر‬
‫سيتعي عليهم‬‫ر‬ ‫عديمة الفائدة لهم بدون مصدر موثوق للطاقة الكهربائية‪ .‬لذلك‬
‫ِّ‬
‫كبتة من األسالك النحاسية‪.‬‬ ‫ماي وبناء ُمولد‪ .‬تتطلب المولدات كميات ر‬ ‫سد مجرى ي‬
‫تخيل أنك تحاول صنع هذا األسالك بدون آالت حديثة‪ .‬ومن أين سيحصلون عىل‬

‫‪91‬‬
‫بكثت بناء بيت ثلج أو الحفاظ عىل الطعام‬ ‫للتتيد؟ سيكون من األسهل ر‬ ‫غاز مناسب ر‬
‫عن طريق التجفيف أو التمليح‪ ،‬كما حدث قبل ر‬
‫اختاع الثالجة‪.‬‬
‫الصناع بشكل كامل‪ ،‬فسوف تضيع‬ ‫ي‬ ‫‪ .210‬لذلك من الواضح أنه إذا تم تعطل النظام‬
‫ر‬
‫السء نفسه عىل التقنيات األخرى المعتمدة عىل‬ ‫التتيد برسعة‪ .‬وينطبق ي‬ ‫تقنية ر‬
‫أكت‪ ،‬سيستغرق األمر قرونا إلعادة‬ ‫المنظمة‪ .‬وبمجرد فقدان هذه التقنية لجيل أو ر‬
‫بنائها‪ ،‬تماما كما استغرق بناؤها قرونا ألول مرة‪ .‬الكتب التقنية الناجية ستكون قليلة‬
‫الصناع‪ ،‬إذا تم بناؤه من الصفر دون مساعدة خارجية‪ ،‬ال يمكن‬ ‫مجتمع‬ ‫ال‬ ‫‪.‬‬‫ة‬ ‫ر‬
‫ومبعت‬
‫ي‬
‫بناؤه إال يف سلسلة من المراحل‪ :‬أنت بحاجة إىل أدوات لصنع أدوات لصنع أدوات‬
‫لصنع أدوات لصنع أدوات‪ ...‬يتطلب األمر عملية طويلة من التنمية االقتصادية‬
‫وحئ يف حالة عدم وجود عقيدة معارضة للتقنية‪،‬‬ ‫والتقدم ف التنظيم االجتماع‪ .‬ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ال يوجد سبب لالعتقاد بأن أي شخص سيكون مهتما بإعادة بناء المجتمع‬
‫الصناع‪ .‬الحماس من أجل "التقدم" ظاهرة خاصة بالشكل الحديث للمجتمع‪،‬‬ ‫ي‬
‫عرس أو ما يقرب من ذلك‪.‬‬ ‫ويبدو أنها لم تكن موجودة قبل القرن السابع ر‬
‫‪ .211‬يف أواخر العصور الوسىط‪ ،‬كانت هناك أربــع حضارات رئيسية كانت بنفس‬
‫الصي‪ ،‬اليابان‪،‬‬
‫والرسق األقض ( ر‬ ‫"التقدم" تقريبا‪ :‬أوروبا‪ ،‬العالم اإلسالم‪ ،‬الهند‪ ،‬ر‬
‫ي‬
‫كوريا)‪ .‬ظلت ثالث من تلك الحضارات مستقرة إىل حد ما‪ ،‬وأوروبا فقط أصبحت‬
‫أكت حركية‪ .‬ال أحد يعرف لماذا أصبحت أوروبا حركية يف ذلك الوقت‪ .‬المؤرخون‬ ‫ر‬
‫لديهم نظرياتهم ولكن هذه مجرد تكهنات‪ .‬عىل أي حال‪ ،‬من الواضح أن التطور‬
‫تقئ للمجتمع ال يحدث إال يف ظل ظروف خاصة‪ .‬لذلك ال يوجد‬ ‫الرسي ــع نحو شكل ي‬
‫تقئ طويل األمد‪.‬‬ ‫ر‬
‫سبب الفتاض أنه ال يمكن إحداث تراجع ي‬
‫صناع يف النهاية؟ ربما‪ ،‬ولكن‬
‫ي‬ ‫تقئ‬
‫‪ .212‬هل سيتطور المجتمع مرة أخرى إىل شكل ي‬
‫ال طائل من القلق بشأن ذلك‪ ،‬حيث ال يمكننا التنبؤ باألحداث أو التحكم فيها بعد‬
‫‪ 500‬أو ‪ 1000‬عام يف المستقبل‪ .‬يجب التعامل مع هذه المشاكل من ِقبل الناس‬
‫الذين سيعيشون يف ذلك الوقت‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫خطر اليسارية‬

‫ّ‬
‫التمرد واالنتماء إىل حركة ما‪ ،‬فإن اليسار ريي أو األشخاص‬ ‫‪ .213‬بسبب حاجتهم إىل‬
‫ّ‬
‫متمردة أو ناشطة‬ ‫منجذبي إىل حركة‬
‫ر‬ ‫غت‬
‫النفس غالبا ما يكونون ر‬ ‫من نفس النوع‬
‫ي‬
‫لم تكن أهدافها وعضويتها يسارية من البداية‪ .‬يمكن أن يؤدي تدفق تلك األنواع‬
‫غت يسارية إىل حركة يسارية‪ ،‬بحيث تحل‬ ‫اليسارية بسهولة إىل تحويل حركة ر‬
‫األهداف اليسارية محل األهداف األصلية للحركة أو تشوهها‪.‬‬
‫تحتم الطبيعة وتعارض التقنية أن تتخذ‬ ‫الئ ر‬ ‫ر‬
‫‪ .214‬لتجنب ذلك‪ ،‬يجب عىل الحركة ي‬
‫موقفا مناهضا لليسار بشكل حازم وأن تتجنب كل تعاون مع اليسار ريي‪ .‬تتعارض‬
‫التية‪ ،‬حرية اإلنسان والقضاء عىل التقنية‬ ‫اليسارية عىل المدى الطويل مع الطبيعة ّ‬
‫ر‬
‫ً‬
‫الحديثة‪ .‬اليسارية جماعية‪ .‬إنها تسع إىل ربط العالم بأرسه (كال من الطبيعة‬
‫ر‬
‫يعئ إدارة الطبيعة وحياة اإلنسان‬ ‫والجنس البرسي) معا يف كيان واحد‪ .‬لكن هذا ي‬
‫من خالل منظومة مجتمعية‪ ،‬ويتطلب ذلك تقنية متقدمة‪ .‬ال يمكن أن يكون لديك‬
‫وحد بدون النقل والتواصل الرسي ــع‪ ،‬ال يمكنك جعل جميع الناس يحبون‬ ‫عالم ُم َّ‬
‫بعضهم البعض بدون تقنيات نفسية متطورة‪ ،‬ال يمكنك الحصول عىل "مجتمع‬
‫ر‬
‫شء‪ ،‬فإن اليسارية مدفوعة‬ ‫مخطط" بدون القاعدة التقنية الالزمة‪ .‬وفوق كل ي‬
‫جماع‪،‬‬ ‫السلطة عىل أساس‬ ‫السلطة‪ ،‬ويسع اليساري للحصول عىل ُ‬ ‫بالحاجة إىل ُ‬
‫ي‬
‫غت المحتمل أن تتخىل‬ ‫جماهتية أو منظمة‪ .‬من ر‬ ‫ر‬ ‫التماه مع حركة‬
‫ي‬ ‫من خالل‬
‫للسلطة الجماعية‪.‬‬ ‫قيم للغاية ُ‬‫اليسارية عن التقنية عىل اإلطالق‪ ،‬ألن التقنية مصدر ِّ‬
‫للسلطة‪ ،‬لكنه يسع إليها عىل أساس فردي أو يف‬ ‫‪ .215‬الفوضوي* [‪ ]34‬أيضا يسع ُ‬
‫الصغتة قادرين عىل التحكم‬
‫ر‬ ‫صغتة‪ .‬يريد أن يكون األفراد والمجموعات‬‫ر‬ ‫مجموعة‬
‫يف ظروف حياتهم‪ .‬إنه يعارض التقنية ألنها تجعل المجموعات الصغ رتة تعتمد عىل‬
‫الكبتة‪.‬‬
‫المنظمات ر‬

‫* الفوضوي المقصود هنا بمعئ "الالسلطوي"‪ ،‬وليس بالفوضوي بالمعئ المتعارف عليه حاليا‪ ،‬والمستخدم كأداة من أدوات‬
‫ّ‬
‫المتمردة‪ ،‬كما أشار المؤلف يف الفقرة ‪ 213‬وسيؤكد الحقا يف‬ ‫كثت من الحركات‬
‫العنف اليساري بعد أن تغلغلت تلك العقيدة يف ر‬
‫الحاشية‪ ،‬مالحظة رقم ‪33‬‬

‫‪93‬‬
‫‪ .216‬قد يبدو أن بعض اليسار ريي يعارضون التقنية‪ ،‬لكنهم سيعارضونها فقط طالما‬
‫غت يسار ريي‪ .‬إذا أصبحت‬ ‫التقئ خاضع لسيطرة ر‬‫ي‬ ‫أنهم غرباء (عن النظام) وأن النظام‬
‫التقئ أداة يف أيدي‬
‫ي‬ ‫ه المهيمنة يف المجتمع‪ ،‬بحيث أصبح النظام‬ ‫اليسارية ي‬
‫اليسار ريي‪ ،‬فسيستخدمونها بحماس ويعززون نموها‪ .‬بفعلهم هذا‪ ،‬سوف يكررون‬
‫الماض‪ .‬عندما كان البالشفة يف روسيا غرباء‪،‬‬
‫ي‬ ‫نمطا أظهرته اليسارية مرارا وتكرارا يف‬
‫صت لألقليات‬ ‫ّ‬ ‫عارضوا بقوة الرقابة ر‬
‫والرسطة الرسية‪ ،‬ودعوا إىل حق تقرير الم ر‬
‫أكت ضامة‬ ‫السلطة‪ ،‬فرضوا رقابة ر‬ ‫العرقية‪ ،‬وما إىل ذلك؛ لكن بمجرد وصولهم إىل ُ‬
‫أكت قساوة من أي من تلك المتواجدة يف عهد القياضة‪،‬‬ ‫رسية ر‬ ‫وأنشأوا ررسطة ّ‬
‫وقمعوا األقليات العرقية عىل األقل بقدر ما فعل القياضة‪ .‬يف الواليات المتحدة‪،‬‬
‫قبل عقدين من الزمن عندما كان اليساريون أقلية يف جامعاتنا‪ ،‬كان األساتذة‬
‫اليساريون من أشد المؤيدين للحرية الجامعية‪ ،‬لكن اليوم‪ ،‬يف جامعاتنا حيث أصبح‬
‫مهيمني‪ ،‬أظهروا أنفسهم أنهم عىل استعداد لسلب تلك الحرية من‬ ‫ر‬ ‫اليساريون‬
‫السء مع اليسار ريي‬ ‫الجميع‪( .‬هذه ه "الصوابية السياسية")‪ .‬سيحدث نفس ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫والتقنية‪ :‬سوف يستخدمونها لقمع أي شخص آخر إذا ما وضعوها تحت‬
‫سيطرتهم‪.‬‬
‫للسلطة‪ ،‬وبشكل‬ ‫األكت تعطشا ُ‬‫ر‬ ‫‪ .217‬يف الثورات السابقة‪ ،‬كان اليساريون من النوع‬
‫ً‬
‫غت اليسار ريي‪ ،‬وكذلك مع اليسار ريي ذوي الميول‬ ‫متكرر‪ ،‬تعاونوا أوال مع الثوار ر‬
‫السلطة بأنفسهم‪ .‬لقد فعل‬ ‫التحررية‪ ،‬ثم قاموا فيما بعد بخيانتهم لالستيالء عىل ُ‬
‫ذلك روبسبي رت* يف الثورة الفرنسية‪ ،‬وفعلها البالشفة يف الثورة الروسية‪ ،‬وفعلها‬
‫الشيوعيون ف إسبانيا عام ‪ ،1938‬وفعلها ر‬
‫كاستو** وأتباعه يف كوبا‪ .‬بالنظر إىل‬ ‫ي‬
‫غت اليسار ريي‬
‫الماض لليسارية‪ ،‬سيكون من الحماقة تماما أن يتعاون الثوار ر‬ ‫ي‬ ‫التاري ــخ‬
‫اليوم مع اليسار ريي‪.‬‬

‫تأثتا يف الثورة الفرنسية‬ ‫ر‬ ‫ُ‬


‫نس ويعد أحد أكت الشخصيات ر‬
‫* محام ورجل دولة فر ي‬
‫الكوي‬
‫ري‬ ‫** قائد الثورة الشيوعية والحقا النظام‬

‫‪94‬‬
‫‪ .218‬أشار مفكرون مختلفون إىل أن اليسارية نوع من الدين‪ .‬اليسارية ليست ديانة‬
‫تفتض وجود أي كائن خارق‬ ‫بالمعئ الدقيق للكلمة ألن العقيدة اليسارية ال ر‬
‫كبت‬ ‫للطبيعة‪ .‬لكن بالنسبة لليساري‪ ،‬فإن اليسارية تلعب دورا نفسيا يشبه إىل حد ر‬
‫الدور الذي يلعبه الدين عند بعض الناس‪ .‬اليساري بحاجة إىل اإليمان باليسارية‪.‬‬
‫النفس‪ .‬ال تتعدل معتقداته بسهولة بالمنطق أو‬ ‫ي‬ ‫إنها تلعب دورا حيويا يف اقتصاده‬
‫ً‬
‫الحقائق‪ .‬لديه قناعة عميقة بأن اليسارية صائبة أخالقيا وبشكل قاطع‪ ،‬وأن لديه‬
‫ليس فقط الحق ولكن من واجبه فرض األخالق اليسارية عىل الجميع‪( .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫يعتتون أنفسهم‬ ‫نشت إليهم باسم "اليسار ريي" ال ر‬ ‫فإن العديد من األشخاص الذين ر‬
‫يسار ريي ولن يصفوا نظام معتقداتهم عىل أنه يساري‪ .‬نستخدم مصطلح "اليسارية"‬
‫الئ تشمل الحركات‬ ‫ر‬
‫ألننا ال نعرف أي كلمة أفضل لوصف طيف العقائد ذات الصلة ي‬
‫المثليي‪ ،‬الصوابية السياسية‪ ،‬وما إىل ذلك‪ ،‬وألن هذه الحركات لها‬ ‫ر‬ ‫النسوية‪ ،‬حقوق‬
‫عالقة قوية باليسار القديم‪ .‬انظر الفقرات ‪.)230-227‬‬
‫‪ .219‬اليسارية قوة شمولية‪ .‬أينما كانت اليسارية يف موقع قوة فإنها تميل إىل غزو كل‬
‫زاوية خاصة وإجبار كل فكرة عىل التشكل يف قالب يساري‪ .‬يعود ذلك جزئيا إىل‬
‫الديئ لليسارية‪ :‬كل ما يتعارض مع المعتقدات اليسارية يمثل خطيئة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫الطابع شبه‬
‫للسلطة‪ .‬يسع‬ ‫واألهم من ذلك‪ ،‬أن اليسار قوة شمولية بسبب دافع اليسار ريي ُ‬
‫التماه مع حركة اجتماعية‬ ‫السلطة من خالل‬ ‫اليساري إىل إشباع حاجته إىل ُ‬
‫ي‬
‫السلطة من خالل المساعدة يف متابعة وتحقيق أهداف‬ ‫ويحاول أن يمر بعملية ُ‬
‫تلك الحركة (انظر الفقرة ‪ .)83‬ولكن بغض النظر عن المدى الذي قطعته الحركة‬
‫يكتق أبدا‪ ،‬ألن نشاطه هو نشاط بديل (انظر‬ ‫ي‬ ‫يف تحقيق أهدافها‪ ،‬فإن اليساري لن‬
‫الحقيق لليساري ليس تحقيق األهداف الظاهرية‬ ‫ر‬ ‫الفقرة ‪ .)41‬أي أن الدافع‬
‫ي‬
‫السلطة الذي يحصل عليه من النضال‬ ‫لليسارية‪ .‬ف الواقع‪ ،‬هو مدفوع بإحساس ُ‬
‫ي‬
‫‪]35[ .‬‬
‫يكتق‬
‫ي‬ ‫تاىل فإن اليساري ال‬
‫وبال ي‬ ‫اجتماع‬
‫ي‬ ‫من أجل‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬الوصول إىل هدف‬
‫السلطة تقوده دائما إىل‬ ‫الئ حققها بالفعل‪ .‬إن حاجته إىل عملية ُ‬ ‫ر‬
‫أبدا باألهداف ي‬
‫السع وراء هدف جديد‪ .‬اليساري يريد تكافؤ الفرص لألقليات‪ .‬عندما يتم تحقيق‬ ‫ي‬
‫ر‬
‫ذلك‪ ،‬فإنه يص عىل المساواة اإلحصائية ف اإلنجاز من ِقبل األقليات‪ .‬وطالما َ‬
‫بق‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫أي شخص يحمل يف زاوية ما من عقله موقفا سلبيا تجاه أقلية ما‪ ،‬سيتوجب عىل‬

‫‪95‬‬
‫اليساري إعادة تثقيفه‪ .‬واألقليات العرقية ليست كافية‪ .‬ال يمكن السماح ألي‬
‫البديني‪ ،‬كبار‬
‫ر‬ ‫المعاقي‪ ،‬األشخاص‬ ‫ر‬ ‫المثليي‪،‬‬
‫ر‬ ‫شخص بأن يتخذ موقفا سلبيا تجاه‬
‫يكق أن يتم إعالم الجمهور‬ ‫ي‬ ‫وغتهم‪ .‬ال‬ ‫وغتهم ر‬ ‫القبيحي ر‬
‫ر‬ ‫السن‪ ،‬األشخاص‬
‫التدخي؛ يجب دمغ تحذير عىل كل علبة سجائر‪ .‬ثم يجب تقييد إعالنات‬ ‫ر‬ ‫بمخاطر‬
‫حئ يتم حظر التبغ‪ ،‬وبعد ذلك‬ ‫السجائر إذا لم يتم حظرها‪ .‬لن يرض النشطاء أبدا ر‬
‫ي‬
‫سيكون الكحول‪ ،‬ثم الوجبات الرسيعة‪ ،‬وما إىل ذلك‪ .‬لقد حارب النشطاء إساءة‬
‫معاملة األطفال الجسيمة‪ ،‬وهو أمر معقول‪ .‬لكنهم اآلن يريدون وقف كل الصفع‪.‬‬
‫شء آخر‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫صج‪ ،‬ثم ي‬ ‫ي‬ ‫غت‬ ‫يعتتونه ر‬ ‫شء آخر ر‬ ‫ستغبون يف حظر ي‬ ‫عندما يفعلون ذلك‪ ،‬ر‬
‫حئ يتمتعوا بالسيطرة الكاملة عىل جميع ممارسات تربية‬ ‫ثم آخر‪ .‬لن يرضوا أبدا ر‬
‫األطفال‪ .‬وبعد ذلك سينتقلون إىل سبب آخر‪.‬‬
‫الئ كانت خاطئة يف‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫‪ .220‬افتض أنك طلبت من اليسار ريي إعداد قائمة بكل األشياء ي‬
‫اجتماع طلبوه‪ .‬من اآلمن أن نقول إنه‬ ‫تغيت‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫المجتمع‪ ،‬ثم افتض أنك أجريت كل ر‬
‫"رسا" اجتماعيا‬ ‫عامي سيجد غالبية اليسار ريي شيئا جديدا يشكون منه‪ ،‬ر‬ ‫يف غضون ر‬
‫جديدا يستوجب التصحيح؛ ألن اليساري‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬مدفوع‪ ،‬ليس بالضيق من‬
‫للسلطة من خالل فرض حلوله‬ ‫مشاكل المجتمع‪ ،‬بل بقدر حاجته إىل إرضاء دافعه ُ‬
‫عىل المجتمع‪.‬‬
‫‪ .221‬بسبب القيود المفروضة عىل أفكارهم وسلوكهم من المستوى المفرط لتنشئتهم‬
‫السع وراء‬
‫ي‬ ‫االجتماع‬
‫ي‬ ‫االجتماعية‪ ،‬ال يستطيع العديد من اليسار ريي من النوع فوق‬
‫السلطة ليس‬ ‫الئ يفعلها اآلخرون‪ .‬بالنسبة لهم‪ ،‬فإن الدافع إىل ُ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫السلطة بالطريقة ي‬
‫له سوى منفذ واحد مقبول أخالقيا‪ ،‬وهو الصاع لفرض أخالقياتهم عىل الجميع‪.‬‬
‫االجتماع‪ ،‬هم مؤمنون حقيقيون بنفس‬ ‫ي‬ ‫‪ .222‬اليساريون‪ ،‬وال سيما من النوع فوق‬
‫الحقيقيي من‬
‫ر‬ ‫الحقيق‪ .‬لكن ليس كل المؤم رني‬ ‫ر‬ ‫معئ كتاب إيريك هوفر*‪ ،‬المؤمن‬
‫ي‬
‫المفتض أن يكون النازي‬ ‫ر‬ ‫النفس كاليسار ريي‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬من‬ ‫نفس النوع‬
‫ي‬
‫المؤمن حقا (بنازيته) مختلفا تماما من الناحية النفسية عن اليساري المؤمن حقا‬
‫الحقيقيي‬
‫ر‬ ‫المؤمني‬
‫ر‬ ‫التفاي الفردي لقضية ما‪ .‬إن‬ ‫ي‬ ‫(بيساريته)‪ ،‬بسبب قدرتهم عىل‬
‫هم عنص مفيد‪ ،‬وربما ضوري‪ ،‬ألي حركة ثورية‪.‬‬
‫الجماهتية‬
‫ر‬ ‫أمريك اهتم بنفسية التنظيمات‬
‫ي‬ ‫* مفكر‬

‫‪96‬‬
‫نعتف أننا ال نعرف كيف نتعامل معها‪ .‬لسنا متأكدين‬ ‫هذه تمثل مشكلة يجب أن ر‬
‫الحاىل‪ ،‬كل‬ ‫الحقيق لثورة ضد التقنية‪ .‬يف الوقت‬ ‫ر‬ ‫تسخت طاقات المؤمن‬ ‫من كيفية‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ر‬
‫حقيق يقوم بتجنيد آمن للثورة ما لم يكن‬ ‫ر‬ ‫ما يمكننا قوله هو أنه ال يوجد مؤمن‬
‫ُُ‬ ‫ي‬
‫ملتما أيضا بمثل عليا أخرى‪ ،‬فقد يرغب يف‬ ‫التامه حصيا لتدمت التقنية‪ .‬إذا كان ر‬ ‫ر‬
‫ر‬
‫ُُ‬
‫المثل (انظر الفقر رتي ‪.)201 ،200‬‬ ‫للسع وراء تلك‬
‫ي‬ ‫استخدام التقنية كأداة‬
‫كبت‪ .‬أعرف جون‬ ‫ه هراء ر‬ ‫‪ .223‬قد يقول بعض القراء‪" ،‬هذه األشياء عن اليسارية ي‬
‫وجي من اليسار وليس لديهم كل هذه الميول الشمولية"‪ .‬من الصحيح تماما أن‬ ‫ر‬
‫ر‬
‫حئ أغلبية أعدادهم‪ ،‬هم أشخاص محتمون يؤمنون‬ ‫العديد من اليسار ريي‪ ،‬وربما ر‬
‫معي) وال يرغبون يف استخدام األساليب‬ ‫حقا بالتسامح مع قيم اآلخرين (إىل حد ر‬
‫االستبدادية للوصول إىل أهدافهم االجتماعية‪ .‬مالحظاتنا حول اليسارية ليس‬
‫للتطبيق عىل كل فرد يساري‪ ،‬بل تهدف إىل وصف الطابع العام لليسارية كحركة‪.‬‬
‫الطابع العام للحركة ال يتحدد بالصورة بالنسب العددية لمختلف أنواع األشخاص‬
‫المنخرطي يف الحركة‪.‬‬
‫ر‬
‫السلطة يف الحركات اليسارية يميلون إىل أن‬ ‫‪ .224‬األشخاص الذين يصلون إىل مراكز ُ‬
‫المتعطشي‬ ‫للسلطة‪ ،‬ألن األشخاص‬ ‫أكت الفئات المتعطشة ُ‬ ‫يكونوا يساريي من ر‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫السلطة‪ .‬بمجرد أن‬ ‫للسلطة هم أولئك الذين يسعون جاهدين للوصول إىل مراكز ُ‬ ‫ُ‬
‫للسلطة عىل الحركة‪ ،‬سيكون هناك العديد من اليسار ريي‬ ‫المتعطشي ُ‬
‫ر‬ ‫تسيطر أنواع‬
‫من الساللة األلطف الذين ال يوافقون داخليا عىل العديد من تصفات القادة‪ ،‬لكن‬
‫ال يمكنهم حمل أنفسهم عىل معارضتها‪ .‬إنهم بحاجة إىل إيمانهم بالحركة‪ ،‬وألنهم‬
‫التخىل عن هذا اإليمان‪ ،‬فهم يتماشون مع القادة‪ .‬صحيح أن بعض‬ ‫ي‬ ‫ال يستطيعون‬
‫لئ تظهر‪ ،‬لكنهم‬ ‫اليسار ريي لديهم الشجاعة الكافية لمعارضة االتجاهات الشمولية ا ر‬
‫ً‬ ‫ي‬
‫أكت قسوة وتحايال‬ ‫للسلطة أفضل تنظيما‪ ،‬ر‬ ‫يخرسون عموما‪ ،‬ألن أنواع المتعطشة ُ‬
‫وقد حرصوا عىل بناء قاعدة ُسلطوية قوية ألنفسهم‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫الئ سيطر عليها‬ ‫ر‬
‫‪ .225‬تجلت تلك الظواهر بوضوح يف روسيا والدول األخرى ي‬
‫يئ‪ ،‬نادرا ما انتقد‬ ‫ر‬ ‫اليساريون‪ .‬وبالمثل‪ ،‬قبل انهيار‬
‫الشيوعية يف االتحاد السوڤ ي‬ ‫ّ‬
‫ر‬
‫فسيعتفون بأن االتحاد‬ ‫اليساريون يف الغرب ذلك البلد‪ .‬إذا تم حثهم عىل فعل ذلك‬
‫كثتة خاطئة‪ ،‬لكنهم بعد ذلك سيحاولون إيجاد أعذار‬ ‫يئ فعل أشياء ر‬ ‫ر‬
‫السوڤ ي‬
‫للشيوعيي والبدء يف الحديث عن أخطاء الغرب‪ .‬لقد عارضوا دائما المقاومة‬ ‫ر‬
‫الشيوع‪ .‬احتج اليساريون يف جميع أنحاء العالم بقوة‬ ‫ي‬ ‫العسكرية الغربية للعدوان‬
‫عىل التدخل العسكري للواليات المتحدة يف ڤيتنام‪ ،‬لكن عندما غزا االتحاد‬
‫يئ أفغانستان لم يفعلوا شيئا‪ .‬ليس ألنهم وافقوا عىل األفعال السوڤيتية؛‬ ‫ر‬
‫السوڤ ي‬
‫لكن بسبب إيمانهم اليساري‪ ،‬لم يستطيعوا تحمل وضع أنفسهم يف مواجهة‬
‫الشيوعية‪ .‬اليوم‪ ،‬يف جامعاتنا حيث أصبحت "الصوابية السياسية" مهيمنة‪ ،‬ربما‬
‫يكون هناك العديد من اليسار ريي الذين ال يوافقون بشكل خاص عىل قمع الحرية‬
‫الجامعية‪ ،‬لكنهم يتماشون معها عىل أي حال‪.‬‬
‫اليساريي هم شخصيا معتدلون ومتسامحون‬ ‫ر‬ ‫‪ .226‬وهكذا فإن حقيقة أن العديد من‬
‫ّ‬
‫شمولية‪.‬‬ ‫إىل حد ما ال يمنع بأي حال من األحوال اليسارية ككل من أن يكون لها نزعة‬
‫غت الواضح ما نعنيه‬ ‫خطتة‪ .‬ما زال من ر‬‫ر‬ ‫‪ .227‬نقاشنا عن اليسارية فيه نقطة ضعف‬
‫الكثت مما يمكننا فعله حيال ذلك‪ .‬تنقسم‬ ‫ر‬ ‫بكلمة "يساري"‪ .‬ال يبدو أن هناك‬
‫اليسارية اليوم إىل طيف كامل من الحركات الناشطة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ليست كل الحركات‬
‫الناشطة يسارية‪ ،‬ويبدو أن بعض الحركات الناشطة (عىل سبيل المثال‪ ،‬المتطرفون‬
‫غت اليسارية‬
‫البيئيون) تشمل شخصيات من النوع اليساري وشخصيات من األنواع ر‬
‫تتالش مجموعة‬‫ر‬ ‫تماما الذين يجب أن يعرفوا أفضل من أن يتعاونوا مع اليسار ريي‪.‬‬
‫غت اليسار ريي وغالبا ما نتعرض‬ ‫متنوعة من اليسار ريي تدريجيا إىل أنواع مختلفة من ر‬
‫معي يساريا أم ال‪ .‬يتم تحديد مفهومنا عن‬ ‫لضغوط شديدة لنقرر ما إذا كان فرد ر‬
‫الئ قدمناها يف هذه المقالة إىل الحد الذي أمكننا‬ ‫ر‬
‫اليسارية من خالل المناقشة ي‬
‫تعريفها به عىل اإلطالق‪ ،‬وال يمكننا إال أن ننصح القارئ باستخدام حكمه يف تقرير‬
‫من هو اليساري‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫المعايت لتشخيص اليسارية‪ .‬ال يمكن تطبيق‬ ‫ر‬ ‫‪ .228‬لكن سيكون من المفيد رسد بعض‬
‫المعايت دون‬
‫ر‬ ‫يستوف بعض األفراد بعض‬ ‫ي‬ ‫المعايت بطريقة قاطعة ونهائية‪ .‬قد‬ ‫ر‬ ‫هذه‬
‫المعايت‪ .‬مرة أخرى‪،‬‬ ‫ر‬ ‫يستوف بعض اليساري ري أيا من‬ ‫ي‬ ‫أن يكونوا يسار ريي‪ ،‬وقد ال‬
‫عليك فقط أن تستخدم حكمك‪.‬‬
‫موجه نحو الجماعية الواسعة النطاق‪ .‬يؤكد عىل واجب الفرد يف خدمة‬ ‫‪ .229‬اليساري َّ‬
‫سلئ تجاه الفردانية‪ .‬غالبا‬ ‫المجتمع وواجب المجتمع يف رعاية الفرد‪ .‬لديه موقف ر ي‬
‫ر‬
‫وغتها من‬ ‫ما يتخذ رنتة أخالقية‪ .‬إنه يميل للحد من األسلحة‪ ،‬للتبية الجنسية ر‬
‫االجتماع‪ ،‬للدمج اإلجباري‪،‬‬ ‫للتخطيط‬ ‫‪،‬‬‫ا‬ ‫ي‬ ‫نفس‬ ‫ة"‬‫"المستنت‬ ‫بوية‬ ‫األساليب ر‬
‫الت‬
‫ي‬ ‫ر‬
‫التماه مع الضحايا‪ .‬إنه يميل إىل أن يكون ضد‬ ‫ي‬ ‫للتعددية الثقافية‪ .‬يميل إىل‬
‫كثتا ما يجد األعذار لهؤالء اليسار ريي الذين يرتكبون‬ ‫المنافسة وضد العنف‪ ،‬لكنه ر‬
‫العنف‪ .‬إنه مغرم باستخدام العبارات الجذابة الشائعة لليسار‪ ،‬مثل "العنصية"‪،‬‬
‫"اإلمتيالية"‪،‬‬
‫ر‬ ‫"التميت عىل أساس الجنس"‪"ُ ،‬رهاب المثلية"‪" ،‬الرأسمالية"‪،‬‬ ‫ر‬
‫االجتماع"‪" ،‬العدالة‬
‫ي‬ ‫"التغيت‬
‫ر‬ ‫"االستعمار الجديد"‪" ،‬اإلبادة الجماعية"‪،‬‬
‫االجتماعية"‪" ،‬المسؤولية االجتماعية"‪ .‬ربما تكون أفضل سمة تشخيصية لليساري‬
‫المثليي‪ ،‬الحقوق‬‫ر‬ ‫ه ميله إىل التعاطف مع الحركات التالية‪ :‬النسوية‪ ،‬حقوق‬ ‫ي‬
‫المعاقي‪ ،‬حقوق الحيوان‪ ،‬الصوابية السياسية‪ .‬من شبه المؤكد أن‬ ‫ر‬ ‫العرقية‪ ،‬حقوق‬
‫‪[36].‬‬
‫أي شخص يتعاطف بشدة مع كل هذه الحركات هو يساري‬
‫للسلطة‪ ،‬غالبا ما يتسمون بالغطرسة‬ ‫األكت تعطشا ُ‬ ‫‪ .230‬أخطر اليساريي‪ ،‬وهم أولئك ر‬
‫ر‬
‫أو بتقديس عقائدي ألفكارهم‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن أخطر اليسار ريي عىل اإلطالق قد‬
‫االجتماع الذين يتجنبون العروض‬ ‫ي‬ ‫يكونون بعض األشخاص من النوع فوق‬
‫المزعجة للعدوانية ويمتنعون عن اإلعالن عن يساريتهم‪ ،‬ولكنهم يعملون بهدوء‬
‫"المستنتة" للتنشئة االجتماعية‬ ‫ر‬ ‫وخفاء لتعزيز القيم الجماعية‪ ،‬التقنيات النفسية‬
‫المستتون (كما‬‫ر‬ ‫لألطفال‪ ،‬اعتماد الفرد عىل النظام وما إىل ذلك‪ .‬هؤالء اليساريون‬
‫يمكن أن نسميهم) يقاربون أنواعا من الطبقة الوسىط معينة فيما يتعلق باألفعال‬
‫ر ّ‬
‫الطبق‬ ‫العملية‪ ،‬لكنهم يختلفون عنهم يف النفسية‪ ،‬العقيدة والدوافع‪ .‬يحاول‬
‫ي‬
‫الوسىط العادي إخضاع الناس إىل سيطرة النظام من أجل حماية أسلوب حياته‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ي‬
‫ر‬
‫أو يفعل ذلك لمجرد أن مواقفه تقليدية‪ .‬يحاول اليساري المستت أن يضع الناس‬

‫‪99‬‬
‫ر‬
‫المستت‬ ‫حقيق بعقيدة جماعية‪ .‬يختلف اليساري‬ ‫ر‬ ‫تحت سيطرة النظام ألنه مؤمن‬
‫ّ‬ ‫ي‬
‫االجتماع من خالل حقيقة أن نزعته التمردية‬
‫ي‬ ‫عن اليساري العادي من النوع فوق‬
‫ّ‬
‫الوسىط العادي من‬ ‫ر ّ‬
‫الطبق‬ ‫أكت إحكاما‪ .‬إنه يختلف عن‬ ‫أضعف وأن اجتماعيته ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫خالل حقيقة أن هناك بعض النقص العميق داخله مما يجعل من الصوري له أن‬
‫ر‬
‫المستت جيدا)‬ ‫يكرس نفسه لقضية ويغمر نفسه يف الجماعية‪ .‬وربما يكون دافعه (‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫الوسىط العادي‪.‬‬ ‫ر ّ‬
‫الطبق‬ ‫للسلطة أقوى من دافع‬‫ُ‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫‪100‬‬
‫مالحظة ختامية‬

‫والئ وجب أن تكون‬ ‫ر‬


‫غت محددة ي‬ ‫‪ .231‬خالل هذه المقالة‪ ،‬قدمنا تصيحات وبيانات ر‬
‫مصحوبة بكل أنواع المرجعيات والتحفظات؛ وبعض تصيحاتنا قد تكون خاطئة‬
‫تماما‪ .‬االفتقار إىل المعلومات الكافية والحاجة إىل اإليجاز جعال من المستحيل‬
‫أكت دقة أو إضافة جميع المرجعيات الالزمة‪ .‬وبالطبع‬ ‫علينا صياغة تأكيداتنا بشكل ر‬
‫البديه‪ ،‬وقد‬
‫ي‬ ‫يف مناقشة من هذا النوع‪ ،‬يجب أن يعتمد المرء بشدة عىل الحكم‬
‫يكون ذلك خاطئا ف بعض األحيان‪ .‬لذلك ال ندع أن هذا المقال يعت عن ر‬
‫أكت من‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫مجرد تقريب عام للحقيقة‪.‬‬
‫ر‬
‫الئ‬ ‫ّ‬
‫‪ِ .232‬سيان‪ ،‬نحن عىل ثقة معقولة من أن الخطوط العريضة العامة للصورة ي‬
‫رسمناها هنا صحيحة تقريبا‪ .‬يجب ذكر نقطة ضعف محتملة واحدة فقط‪ .‬لقد‬
‫صورنا اليسارية يف شكلها الحديث عىل أنها ظاهرة خاصة بعصنا وكعرض من‬
‫مخطئي بشأن هذا‪ .‬من المؤكد‬ ‫ر‬ ‫السلطة‪ .‬لكن ربما نكون‬ ‫أعراض اضطراب عملية ُ‬
‫للسلطة من خالل‬ ‫الئ تحاول إرضاء دافعها ُ‬ ‫ر‬
‫االجتماع ي‬
‫ي‬ ‫أن األنواع ذات الطابع فوق‬
‫فرض أخالقياتها عىل الجميع موجودة منذ وقت طويل‪ .‬لكننا نعتقد أن الدور‬
‫الدونية‪ ،‬تدي ر‬ ‫ّ‬
‫التماه مع‬
‫ي‬ ‫عجز‪،‬‬ ‫ال‬ ‫الذات‪،‬‬ ‫ام‬‫احت‬ ‫ي‬ ‫الحاسم الذي تلعبه مشاعر‬
‫الضحايا من ِقبل أشخاص ليسوا هم أنفسهم ضحايا‪ ،‬هو من سمات اليسارية‬
‫التماه مع الضحايا من ِقبل أشخاص ليسوا هم أنفسهم ضحايا يمكن‬ ‫ي‬ ‫الحديثة‪ .‬إن‬
‫عرس والمسيحية المبكرة‪ ،‬ولكن بقدر‬ ‫رؤيته إىل حد ما ف اليسارية ف القرن التاسع ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫تدي احتام الذات‪ ،‬وما إىل ذلك‪ ،‬لم تكن واضحة‬ ‫ر‬
‫ما يمكننا معرفته‪ ،‬فإن أعراض ي‬
‫جدا يف هذه الحركات‪ ،‬أو يف أي حركات أخرى كما هو الحال يف اليسارية الحديثة‪.‬‬
‫لكننا لسنا يف وضع يسمح لنا بتأكيد أن مثل هذه الحركات لم تتواجد قبل اليسارية‬
‫المؤرخي أن يوجهوا انتباههم إليه‪.‬‬
‫ر‬ ‫الحديثة‪ .‬هذا سؤال مهم يجب عىل‬

‫‪101‬‬
‫مالحظات‬

‫والمنافسي الذين‬
‫ر‬ ‫حئ جميع‪ ،‬المتنمرين‬ ‫]‪( [1‬الفقرة ‪ )19‬نحن نؤكد أن معظم‪ ،‬أو ر‬
‫ال يرحمون يعانون من الشعور بالنقص‪.‬‬
‫]‪( [2‬الفقرة ‪ )25‬خالل رفتة العص الڤيكتوري عاي العديد من األشخاص النوع‬
‫خطتة نتيجة لقمع أو محاولة قمع مشاعرهم‬ ‫ر‬ ‫االجتماع من مشاكل نفسية‬
‫ي‬ ‫فوق‬
‫ُ‬
‫الجنسية‪ .‬يبدو أن فرويد* بئ نظرياته عىل أشخاص من هذا النوع‪ .‬اليوم تحول‬
‫كت التنشئة االجتماعية من الجنس إىل العدوان‪.‬‬ ‫تر ر‬
‫المتخصصي يف الهندسة أو العلوم‬
‫ر‬ ‫]‪( [3‬الفقرة ‪ )27‬ال يشمل بالصورة‬
‫"التطبيقية"‪.‬‬
‫]‪( [4‬الفقرة ‪ )28‬هناك العديد من أفراد الطبقة الوسىط والعليا الذين يقاومون‬
‫عادة ما تكون مقاومتهم ّ‬ ‫ً‬
‫رسية‪ .‬تظهر هذه المقاومة يف‬ ‫بعض هذه القيم‪ ،‬ولكن‬
‫ئيس للدعاية يف مجتمعنا هو‬ ‫وسائل اإلعالم عىل نطاق محدود للغاية‪ .‬الدافع الر ي‬
‫التعبت‪،‬‬
‫ر‬ ‫ئيس وراء تحول هذه القيم‪ ،‬إذا جاز‬‫لصالح القيم المعلنة‪ .‬إن السبب الر ي‬
‫الصناع‪ .‬يتم تثبيط العنف ألنه‬
‫ي‬ ‫ه أنها مفيدة للنظام‬ ‫إىل القيم الرسمية لمجتمعنا ي‬
‫يعطل عمل النظام‪ .‬يتم تثبيط العنصية ألن التاعات العرقية تعطل أيضا النظام‬
‫والتميت يهدر مواهب أعضاء مجموعات األقليات الذين يمكن أن يكونوا مفيدين‬ ‫ر‬
‫للنظام‪ .‬يجب "معالجة" الفقر ألن الطبقة الدنيا تسبب مشاكل للنظام واالحتكاك‬
‫بالطبقة الدنيا يقلل من معنويات الطبقات األخرى‪ .‬يتم تشجيع النساء عىل‬
‫الحصول عىل وظائف ألن مواهبهن مفيدة للنظام‪ ،‬واألهم من ذلك‪ ،‬ألنه من خالل‬
‫وجود وظائف منتظمة لهن‪ ،‬تصبح النساء ر‬
‫أكت اندماجا يف النظام ويرتبطن به بشكل‬
‫بدال من أرسهن‪ .‬هذا يساعد عىل إضعاف التضامن األرسي‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ر‬
‫مبارس‬

‫النفس الحديث‬ ‫عتت مؤسس علم التحليل‬ ‫ُ‬


‫ي‬ ‫* طبيب من أصل يهودي‪ ،‬ي ر‬

‫‪102‬‬
‫(يقول قادة النظام أنهم يريدون تقوية األرسة‪ ،‬لكن ما يقصدونه حقا هو أنهم يريدون‬
‫أن تكون األرسة بمثابة أداة فعالة للتنشئة االجتماعية لألطفال وفقا الحتياجات‬
‫الفقرتي ‪ 51‬و ‪ 52‬أن النظام ال يستطيع تحمل السماح‬ ‫ر‬ ‫النظام‪ .‬نحن نجادل يف‬
‫الصغتة األخرى بأن تكون قوية أو مستقلة)‪.‬‬
‫ر‬ ‫لألرسة أو المجموعات االجتماعية‬
‫]‪( [5‬الفقرة ‪ )42‬يمكن القول إن غالبية الناس ال يريدون اتخاذ قراراتهم بأنفسهم‬
‫ولكنهم يريدون من القادة أن يفكروا نيابة عنهم‪ .‬هناك درجة من الحقيقة يف هذا‪.‬‬
‫الصغتة‪ ،‬لكن اتخاذ القرارات بشأن‬
‫ر‬ ‫يحب الناس اتخاذ قراراتهم الخاصة يف األمور‬
‫نفس‪ ،‬ومعظم الناس يكرهون‬ ‫ي‬ ‫األسئلة األساسية الصعبة يتطلب مواجهة ضاع‬
‫النفس‪ .‬ومن ثم يميلون إىل االعتماد عىل اآلخرين يف اتخاذ قرارات صعبة‪.‬‬
‫ي‬ ‫الصاع‬
‫ُ‬
‫لكن ال ريتتب عىل ذلك أنهم يحبون أن تفرض عليهم قرارات دون أن تتاح لهم أي‬
‫للتأثت عىل تلك القرارات‪ .‬غالبية الناس هم أتباع بالفطرة‪ ،‬وليسوا قادة‪،‬‬‫ر‬ ‫فرصة‬
‫ر‬
‫المبارس إىل قادتهم‪ ،‬يريدون أن يكونوا قادرين‬ ‫الشخض‬ ‫لكنهم يرغبون يف الوصول‬
‫ي‬
‫التأثت عىل القادة والمشاركة إىل حد ما يف اتخاذ القرارات الصعبة‪ .‬عىل األقل‬
‫ر‬ ‫عىل‬
‫إىل هذه الدرجة يحتاجون إىل االستقاللية‪.‬‬
‫الئ تظهر عىل الحيوانات‬ ‫ر‬
‫]‪( [6‬الفقرة ‪ )44‬بعض األعراض المذكورة مشابهة لتلك ي‬
‫المحبوسة‪ .‬رلرسح كيفية ظهور هذه األعراض من الحرمان فيما يتعلق بعملية‬
‫الئ‬‫ر‬ ‫ر‬
‫المنطق للطبيعة ر‬ ‫ُ‬
‫السلطة‪ :‬الفهم‬
‫يخت المرء أن االفتقار إىل األهداف ي‬
‫البرسية ر‬ ‫ي‬
‫يتطلب تحقيقها جهدا يؤدي إىل الملل وأن ذلك الملل‪ ،‬المستمر ر‬
‫لفتة طويلة‪ ،‬غالبا‬
‫ما يؤدي يف النهاية إىل االكتئاب‪ .‬يؤدي الفشل يف تحقيق األهداف إىل اإلحباط‬
‫وتقليل الثقة بالنفس‪ .‬يؤدي اإلحباط إىل الغضب‪ ،‬والغضب إىل العدوانية‪ ،‬غالبا‬
‫لفتة طويلة‬ ‫عىل شكل إساءة معاملة الزوج أو الطفل‪ .‬لقد ثبت أن اإلحباط المستمر ر‬
‫يؤدي عادة إىل االكتئاب وأن االكتئاب يميل إىل التسبب يف الشعور بالذنب‪،‬‬
‫اضطرابات النوم‪ ،‬اضطرابات األكل والمشاعر السيئة تجاه الذات‪ .‬أولئك الذين‬
‫كتياق؛ ومن هنا نهم اللذة والجنس‬ ‫يميلون إىل االكتئاب يبحثون عن المتعة ر‬
‫المفرط‪ ،‬مع االنحرافات الجنسية كوسيلة للحصول عىل نشوات جديدة‪.‬‬
‫يميل الملل أيضا إىل التسبب يف البحث عن المتعة بشكل مفرط‪ ،‬نظرا لعدم وجود‬
‫أهداف أخرى‪ ،‬غالبا ما يستخدم الناس المتعة كهدف‪ .‬ما سبق هو تبسيط‪ .‬الواقع‬

‫‪103‬‬
‫السلطة ليس السبب الوحيد‬ ‫أكت تعقيدا‪ ،‬وبالطبع الحرمان فيما يتعلق بعملية ُ‬ ‫ر‬
‫نعئ بالصورة اكتئابا‬ ‫لألعراض الموصوفة‪ .‬بالمناسبة‪ ،‬عندما نذكر االكتئاب فإننا ال ي‬
‫كثت من األحيان أشكال‬ ‫نفس‪ .‬يف ر‬ ‫ي‬ ‫شديدا بدرجة كافية ليتم معالجته من ِقبل طبيب‬
‫نعئ بالصورة‬ ‫خفيفة من االكتئاب تحدث‪ .‬وعندما نتحدث عن األهداف فإننا ال ي‬
‫أهدافا طويلة المدى ومدروسة جيدا‪ .‬بالنسبة للعديد من األشخاص أو لمعظمهم‬
‫المبارس (مجرد تزويد المرء لنفسه وأرسته‬ ‫ر‬ ‫البرسية‪ ،‬أهداف الوجود‬ ‫عت تاري ــخ ر‬ ‫ر‬
‫اليوم) كانت كافية تماما‪.‬‬
‫ي‬ ‫بقوتهم‬
‫جزي لعدد قليل من المجموعات السلبية ال ر يئ‬ ‫ي‬ ‫]‪( [7‬الفقرة ‪ )52‬يجوز إجراء استثناء‬
‫تأثت ضئيل عىل المجتمع األوسع‪ .‬بصف‬ ‫والئ لها ر‬ ‫تتطلع إىل الداخل‪ ،‬مثل اآلميش* ر‬
‫ي‬
‫الصغتة الحقيقية يف أمريكا اليوم‪ .‬عىل‬ ‫ر‬ ‫النظر عن هؤالء‪ ،‬توجد بعض المجتمعات‬
‫يعتتهم خطرين‪ ،‬وهم‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬عصابات الشباب و "الطوائف"‪ .‬الجميع ر‬
‫كذلك‪ ،‬ألن أعضاء هذه الجماعات مخلصون يف المقام األول لبعضهم البعض‬
‫ً‬
‫وبالتاىل ال يمكن للنظام السيطرة عليهم‪ .‬أو خذ الغجر‪ .‬عادة ما يفلت‬ ‫ي‬ ‫وليس للنظام‪،‬‬
‫الغجر من الرسقة واالحتيال ألن والءاتهم تجعلهم دائما قادرين عىل إقناع الغجر‬
‫اآلخرين باإلدالء بشهادة "تثبت" براءتهم‪ .‬من الواضح أن النظام سيكون يف مشكلة‬
‫خطتة إذا انتىم الك رثت من الناس إىل هذه المجموعات‪ .‬أدرك بعض المفكرين‬ ‫ر‬
‫الصي ضورة‬ ‫ر‬ ‫مهتمي بتحديث‬‫ر‬ ‫العرسين الذين كانوا‬ ‫ر‬ ‫الصينيي يف أوائل القرن‬
‫ر‬
‫الصغتة مثل األرسة‪ ،‬وفقا لسون يات سن**‪" :‬كان‬ ‫ر‬ ‫تحطيم المجموعات االجتماعية‬
‫والئ من شأنها أن‬ ‫ر‬
‫الصيئ بحاجة إىل موجة جديدة من الروح الوطنية‪ ،‬ي‬ ‫ي‬ ‫الشعب‬
‫تؤدي إىل لنقل الوالء من األرسة إىل الدولة‪ "....‬ووفقا لما قاله يىل هوانغ "كان البد‬
‫التخىل عن االرتباطات التقليدية‪ ،‬ال سيما بالعائلة‪ ،‬إذا ما نشأت القومية*** يف‬ ‫ي‬ ‫من‬
‫العرسين"‪ ،‬الصفحة‬ ‫تشيست ش تان‪" ،‬الفكر السياش الصيئ ف القرن ر‬ ‫ر‬ ‫الصي"‪( .‬‬
‫ي ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ر‬
‫‪ ،125‬الصفحة ‪.)297‬‬

‫* جماعة دينية أمريكية تحيا بطريقة بدائية‬

‫صيئ‬
‫ي‬ ‫سياش وثوري‬
‫ي‬ ‫** قائد‬

‫األصىل‬
‫ي‬ ‫ه الوطنية‪ ،‬أي االنتماء للدولة وليس القومية بمفهومها‬
‫*** مجددا‪ ،‬القومية المقصودة هنا ي‬

‫‪104‬‬
‫تعاي من‬ ‫عرس كانت‬‫]‪( [8‬الفقرة ‪ )56‬نعم‪ ،‬نحن ندرك أن أمريكا ف القرن التاسع ر‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫نعت عن أنفسنا‬ ‫ّ‬
‫خطتة‪ ،‬ولكن من أجل اإليجاز علينا أن ر‬ ‫ر‬ ‫مشكالت‪ ،‬ومشكالت‬
‫بعبارات ُم َّ‬
‫بسطة‪.‬‬
‫]‪( [9‬الفقرة ‪ )61‬رنتك "الطبقة الدنيا" جانبا‪ .‬نحن نتحدث عن التيار السائد‪.‬‬
‫]‪( [10‬الفقرة ‪ )62‬يبذل بعض علماء االجتماع‪ ،‬المربون‪ ،‬وأخصائيو "الصحة‬
‫العقلية" ومن يف حكمهم قصارى جهدهم لنقل الدوافع االجتماعية إىل المجموعة‬
‫(‪ )1‬من خالل محاولة التأكد من أن كل فرد لديه حياة اجتماعية ُمرضية‪.‬‬
‫]‪( [11‬الفقرتان ‪ 63‬و ‪ )82‬هل صحيح أن الدافع وراء النهم الرهيب لالستهالك‬
‫برسي‬‫المادي هو أمر اصطنعته صناعة اإلعالن والتسويق؟ بالتأكيد ال يوجد دافع ر‬
‫ر‬
‫الئ رغب فيها الناس يف‬ ‫فطري الكتساب المادة‪ .‬كانت هناك العديد من الثقافات ي‬
‫التوة المادية بخالف ما كان ضوريا لتلبية احتياجاتهم‬ ‫الحصول عىل القليل من ر‬
‫المكسيكيي التقليدية‪،‬‬ ‫ارعي‬ ‫ر‬
‫ر‬ ‫األساسية (السكان األصليون األستاليون‪ ،‬ثقافة المز ر‬
‫وبعض الثقافات األفريقية)‪ .‬من ناحية أخرى‪ ،‬كانت هناك أيضا العديد من ثقافات‬
‫الئ لعب فيها اقتناء المواد دورا مهما‪ .‬لذلك ال يمكننا االدعاء أن‬ ‫ر‬
‫ما قبل الصناعة ي‬
‫ه حصيا من عمل صناعة اإلعالن والتسويق‪.‬‬ ‫الثقافة الموجهة لالستحواذ اليوم ي‬
‫لكن من الواضح أن صناعة اإلعالن والتسويق كان لها دور مهم يف خلق تلك الثقافة‪.‬‬
‫الماليي عىل اإلعالنات هذا النوع من المال‬ ‫الئ تنفق‬ ‫ر‬ ‫لن تنفق ر‬
‫ر‬ ‫الكبتة ي‬ ‫ر‬ ‫الرسكات‬
‫لتق أحد أعضاء فريق‬ ‫ستده ف زيادة المبيعات‪ .‬إ ر‬ ‫بدون دليل قوي عىل أنها ست ر‬
‫ي‬
‫ه جعل‬ ‫ليخته‪" ،‬مهمتنا ي‬ ‫يكق ر‬ ‫عامي وكان ضيحا بما ي‬ ‫ر‬ ‫)‪(FC‬بمدير مبيعات قبل‬
‫يشتون أشياء ال يريدونها وال يحتاجونها"‪ .‬ثم وصف كيف يمكن لمبتدئ‬ ‫الناس ر‬
‫درب أن يقدم للناس حقائق حول منتج ما‪ ،‬وال يحقق أي مبيعات عىل‬ ‫غت ُم ّ‬
‫ر‬
‫الكثت من المبيعات لنفس‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫ختة بإجراء ر‬ ‫اإلطالق‪ ،‬بينما يقوم بائع محتف مدرب وذو ر‬
‫األشخاص‪ .‬هذا يدل عىل أن الناس يتم التالعب بهم رلرساء أشياء ال يريدونها حقا‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫]‪( [12‬الفقرة ‪ )64‬يبدو أن مشكلة انعدام الهدف قد أصبحت أقل خطورة خالل‬
‫بدي‬ ‫ر‬
‫الخمسة عرس عاما الماضية أو نحو ذلك‪ ،‬ألن الناس يشعرون اآلن بأمان ي‬
‫واقتصادي أقل مما كانوا عليه سابقا‪ ،‬والحاجة إىل األمن توفر لهم هدفا‪ .‬لكن تم‬
‫استبدال انعدام الهدف باإلحباط من صعوبة تحقيق األمن‪ .‬نؤكد عىل مشكلة‬
‫انعدام الهدف ألن التحرر ريي واليسار ريي يرغبون يف حل مشاكلنا االجتماعية بجعل‬
‫المجتمع يضمن األمن للجميع‪ .‬ولكن إذا كان ذلك ممكنا‪ ،‬فلن يؤدي إال إىل عودة‬
‫مشكلة انعدام الهدف‪ .‬القضية الحقيقية ليست ما إذا كان المجتمع يوفر بشكل‬
‫ه أن الناس يعتمدون عىل النظام من أجل‬ ‫ضعيف أمن الناس؛ المشكلة ي‬ ‫جيد أو‬
‫ً‬
‫أمنهم بدال من امتالكه بأيديهم‪ .‬هذا‪ ،‬بالمناسبة‪ ،‬هو جزء من سبب انشغال بعض‬
‫الناس بالحق يف حمل السالح؛ حيازة سالح يضع هذا الجانب من أمنهم يف أيديهم‪.‬‬
‫المحافظي لتقليل مقدار اللوائح الحكومية ليست ذات‬
‫ر‬ ‫]‪( [13‬الفقرة ‪ )66‬جهود‬
‫ُ‬
‫أي فائدة تذكر للرجل العادي‪ .‬لسبب واحد‪ ،‬يمكن إلغاء جزء بسيط فقط من‬
‫ر‬
‫لسء آخر‪ ،‬فإن معظم إلغاء اللوائح يؤثر عىل‬ ‫اللوائح ألن معظم اللوائح ضورية‪ .‬ي‬
‫السلطة من‬ ‫األعمال وليس الفرد العادي‪ ،‬بحيث يكون تأث رته الرئيس هو أخذ ُ‬
‫ي‬
‫للرسكات الخاصة‪ .‬ما يعنيه هذا بالنسبة للرجل العادي هو أن‬ ‫الحكومة ومنحها ر‬
‫الكتى‪ ،‬والذي قد‬ ‫الرسكات ر‬‫تدخل الحكومة ف حياته يتم استبداله بتدخل من ر‬
‫ي‬
‫الئ تدخل إمدادات‬ ‫ر‬
‫تسمح‪ ،‬عىل سبيل المثال‪ ،‬بإلقاء المزيد من المواد الكيميائية ي‬
‫المياه الخاصة به وتسبب له الرسطان‪ .‬المحافظون يعاملون الرجل العادي عىل أنه‬
‫الكتى‪.‬‬
‫الرسكات ر‬ ‫رجل ُمغفل‪ ،‬يستغلون استياءه من الحكومة ر‬
‫الكبتة لتعزيز قوة ر‬
‫]‪( [14‬الفقرة ‪ )73‬عندما يوافق شخص ما عىل الغرض من استخدام الدعاية يف‬
‫التعبتات الملطفة‬
‫ر‬ ‫قضية معينة‪ ،‬فإنه يسميها "تثقيفا" أو يطبق عليها بعض‬
‫ه دعاية بغض النظر عن الغرض من استخدامها‪.‬‬ ‫المماثلة‪ .‬لكن الدعاية ي‬
‫نعت عن موافقتنا أو رفضنا لغزو بنما‪ .‬نحن نستخدمها‬ ‫]‪( [15‬الفقرة ‪ )83‬نحن ال ر‬
‫فقط لتوضيح نقطة‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫يطاي‪ ،‬كانت‬‫الت ي‬ ‫]‪( [16‬الفقرة ‪ )95‬عندما كانت المستعمرات األمريكية تحت الحكم ر‬
‫هناك ضمانات قانونية أقل وأضعف فعالية للحرية مما كانت عليه بعد دخول‬
‫حت التنفيذ‪ ،‬ومع ذلك كان هناك المزيد من الحرية الشخصية يف‬ ‫األمريك ر‬
‫ي‬ ‫الدستور‬
‫أكت مما كانت عليه بعد الثورة‬ ‫أمريكا ما قبل الصناعية‪ ،‬قبل و بعد حرب االستقالل‪ ،‬ر‬
‫الصناعية يف هذا البلد‪ .‬نقتبس من "العنف يف أمريكا‪ :‬مقارنة وجهات نظر تاريخية"‪،‬‬
‫من تحرير هيو ديفيس جراهام وتيد روبرت جور‪ ،‬الفصل ‪ 12‬بقلم روجر رلي‪،‬‬
‫لمعايت اللياقة‪ ،‬ومعه زيادة االعتماد يف‬
‫ر‬ ‫يج‬‫الصفحات ‪" :478-476‬التعزيز التدر ر ي‬
‫عرس)‪ ...‬كانت شائعة للمجتمع‬ ‫تطبيق القانون الرسىم (ف أمريكا القرن التاسع ر‬
‫ي ي‬
‫يشت‬
‫االجتماع طويل األمد وواسع االنتشار لدرجة أنه ر‬ ‫ي‬ ‫التغيت يف السلوك‬
‫ر‬ ‫بأرسه‪...‬‬
‫الصناع الحصي؛‬‫ي‬ ‫إىل وجود صلة بأهم ما يف المجتمع المعاض‪ ...‬ذلك هو التحول‬
‫حواىل ‪ 660,940‬نسمة‪%81 ،‬‬ ‫ي‬ ‫يف عام ‪ 1835‬كان عدد سكان والية ماساتشوستس‬
‫منهم ريفيون‪ ،‬وأغلبهم من سكان ما قبل المرحلة الصناعية ومن مواليد الوالية‪ .‬لقد‬
‫كبت من الحرية الشخصية‪ .‬سواء كانوا عمال نقل‪،‬‬ ‫اعتاد مواطنوها عىل قدر ر‬
‫حرفيي‪ ،‬فقد اعتادوا جميعا عىل وضع جداولهم الخاصة‪ ،‬وطبيعة‬ ‫ر‬ ‫ارعي أو‬‫مز ر‬
‫مستقلي عمليا عن بعضهم البعض‪ ...‬لم تكن المشاكل الفردية‪،‬‬ ‫ر‬ ‫عملهم جعلتهم‬
‫اجتماع أوسع‪ "...‬لكن ضغط الزحف‬ ‫حئ الجرائم سببا بشكل عام لقلق‬ ‫الخطايا أو ر‬
‫ي‬
‫الثناي نحو المصانع والمدن‪ ،‬والذي وصل ذروته يف عام ‪ ،1835‬كان له‬ ‫ي‬ ‫السكاي‬
‫ي‬
‫ً‬ ‫ر‬
‫الشخض طوال القرن التاسع عرس وصوال للقرن‬ ‫ي‬ ‫تأثته المتعاظم عىل السلوك‬ ‫ر‬
‫العرسين‪ .‬فالبنسبة للمصانع‪ ،‬تطلب العمل فيه سلوكا نمطيا‪ ،‬حياة تحكمها طاعة‬ ‫ر‬
‫إليقاعات الساعة وجداول الدوام‪ ،‬وأوامر رئيس الوردية‪ .‬أما المدن‪ ،‬احتياجات‬
‫اعتاض‬ ‫الئ لم تكن محل ر‬ ‫ر‬
‫المعيشة يف أحياء مكتظة أعاق العديد من التصفات ي‬
‫وظفي المدن هؤالء‪ ،‬سواء من ذوي الياقات الزرقاء أو‬ ‫ر‬ ‫سابقا‪ .‬بل نجد أيضا أن م‬
‫البيضاء* يف المؤسسات الك ربتة‪ ،‬يعتمدون بشكل متبادل عىل زمالئهم؛ نظرا ألن‬
‫عمل رجل واحد يدخل يف عمل آخر‪ ،‬فلم يعد عمل رجل واحد ملكا له‪.‬‬

‫* ترمز الياقات الزرقاء للعمالة األدي شأنا‪ ،‬وتكون يف العادة ألعمال جسمانية‪ ،‬يف مقابل البيضاء األعىل شأنا‪ ،‬يف العادة مكتبية‬

‫‪107‬‬
‫المتتبة عىل التنظيم الجديد للحياة والعمل ظهرت آثارها بشكل‬ ‫كل هذه النتائج ر‬
‫حواىل ‪ %76‬من سكان‬ ‫ي‬ ‫واضح بحلول عام ‪ ،1900‬عندما تم تصنيف‬
‫ماساتشوستس البالغ عددهم ‪ 2,805,346‬نسمة عىل أنهم سكان حصيون‪ .‬ر‬
‫الكثت‬
‫غت المنتظم الذي كان يمكن تحمله يف مجتمع عفوي‬ ‫من السلوك العنيف أو ر‬
‫األكت رسمية وتعاونية ف ر‬ ‫مقبوال ف الجو ر‬ ‫ً‬
‫الفتة الالحقة‪ ...‬أدى‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ومستقل لم يعد‬
‫وأكت اجتماعية ر‬
‫وأكت‬ ‫أكت قابلية للتتبع ر‬ ‫االنتقال إىل المدن‪ ،‬باختصار‪ ،‬إىل إنتاج جيل ر‬
‫"تحصا" من أسالفه‪.‬‬
‫ر‬
‫]‪( [17‬الفقرة ‪ )117‬المدافعون عن النظام مغرمون باالستشهاد بالحاالت ي‬
‫الئ تم‬
‫صوتي‪ ،‬ولكن مثل هذه الحاالت‬ ‫ر‬ ‫فيها حسم االنتخابات بأغلبية صوت واحد أو‬
‫نادرة‪.‬‬
‫اض المتقدمة تقنيا‪ ،‬يعيش الرجال حياة متشابهة‬ ‫]‪( [18‬الفقرة ‪" )119‬اليوم‪ ،‬يف األر ي‬
‫للغاية عىل الرغم من االختالفات المكانية والدينية والسياسية‪ .‬إن الحياة اليومية‬
‫شيوع يف‬ ‫ّ‬
‫ومصف‬ ‫ومصف بوذي يف طوكيو‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مسيج يف شيكاغو‪،‬‬ ‫ّ‬
‫لمصف‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫بكثت بالمقارنة ربي حياة أي رجل واحد وآخر عاش قبل‬ ‫ر‬
‫ه أكت تشابها ر‬ ‫موسكو‪ ،‬ي‬
‫ر‬
‫ستاج دي كامب‪،‬‬ ‫ه نتيجة لتقنية مشتكة‪ "....‬ل‪ .‬ر‬ ‫ألف عام‪ .‬هذه التشابهات ي‬
‫موظق المصارف‬ ‫ي‬ ‫باالنتي‪ ،‬صفحة ‪ .17‬إن حياة‬ ‫ر‬ ‫"المهندسون القدماء" طبعة‬
‫التأثت‪ .‬ولكن كل المجتمعات التقنية‪،‬‬ ‫ر‬ ‫الثالثة ليست متطابقة‪ ،‬فالعقيدة لها بعض‬
‫من أجل البقاء‪ ،‬يجب أن تتطور عىل طول المسار نفسه تقريبا‪.‬‬
‫فكر ف أن مهندس ور ر‬ ‫ّ‬
‫الكثت من‬ ‫ر‬ ‫يصنع‬ ‫قد‬ ‫مسؤول‬ ‫غت‬ ‫ي ر‬‫اي‬ ‫ي‬ ‫]‪( [19‬الفقرة ‪ )123‬فقط‬
‫اإلرهابيي‪.‬‬
‫ر‬
‫غت المرغوب فيها للتقدم‬ ‫]‪( [20‬الفقرة ‪ )124‬للحصول عىل مثال آخر للعواقب ر‬
‫حئ لو كان العالج مكلفا‬ ‫افتض أنه تم اكتشاف عالج موثوق للرسطان‪ .‬ر‬ ‫الطئ‪ ،‬ر‬
‫ري‬
‫للغاية بحيث ال يمكن إتاحته ألي شخص باستثناء النخبة‪ ،‬فإنها (أي التكلفة) لن‬
‫تزيد من دافعهم لوقف هروب المواد المرسطنة إىل البيئة‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫الكثت من الناس قد يجدون مفارقة يف الفكرة القائلة بأن‬ ‫]‪( [21‬الفقرة ‪ )128‬بما أن ر‬
‫ُ‬
‫كبتا من األشياء الجيدة يمكن أن تنتج شيئا سيئا‪ ،‬فإننا نوضح ذلك بقياس‪.‬‬ ‫عددا ر‬
‫معلىم‬ ‫لنفتض أن السيد أ يلعب الشطرنج مع السيد ب‪ ،‬السيد ج‪ ،‬أحد كبار‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫الشطرنج‪ ،‬ينظر من فوق كتف السيد أ‪ .‬يريد السيد أ بالطبع الفوز يف لعبته‪ ،‬لذلك‬
‫افتض‬ ‫إذا أشار السيد ج إىل خطوة جيدة ليقوم بها‪ ،‬فإنه يقدم خدمة للسيد أ‪ .‬لكن ر‬
‫يخت السيد أ كيف يقوم بجميع تحركاته‪ .‬يف كل حركة بعينها‪ ،‬فإنه‬ ‫اآلن أن السيد ج ر‬
‫يقدم معروفا للسيد أ من خالل إظهار أفضل حركاته له‪ ،‬ولكن من خالل القيام بكل‬
‫حركاته من أجله‪ ،‬فإنه يفسد لعبته‪ ،‬لهذا ال فائدة يف لعب السيد أ اللعبة عىل‬
‫اإلطالق إذا قام شخص آخر بعمل كل حركاته‪ .‬إن وضع اإلنسان المعاض مشابه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫لوضع السيد أ‪ .‬النظام يجعل حياة الفرد أسهل بالنسبة له بطرق ال تعد وال تحض‪،‬‬
‫مصته‪.‬‬
‫ولكنه بذلك يحرمه من التحكم يف ر‬
‫]‪( [22‬الفقرة ‪ )137‬نحن هنا ننظر فقط إىل تضارب القيم داخل التيار السائد‪ .‬من‬
‫أجل التبسيط‪ ،‬رنتك القيم "الخارجية" خارج الصورة مثل فكرة أن الطبيعة ّ‬
‫التية‬ ‫ر‬
‫أهم من الرفاهية االقتصادية لإلنسان‪.‬‬
‫]‪( [23‬الفقرة ‪ )137‬المصلحة الذاتية ليست بالصورة مصلحة مادية‪ .‬يمكن أن‬
‫نرس‬ ‫تتألف من تلبية بعض االحتياجات النفسية‪ ،‬عىل سبيل المثال‪ ،‬من خالل ر‬
‫الشخصيي‪.‬‬
‫ر‬ ‫العقيدة أو الدين‬
‫]‪( [24‬الفقرة ‪ )139‬توضيح‪ :‬من مصلحة النظام السماح بدرجة معينة من الحرية‬
‫يف بعض المناطق‪ .‬عىل سبيل المثال‪ ،‬أثبتت الحرية االقتصادية (مع الحدود‬
‫والقيود المناسبة) فعاليتها يف تعزيز النمو االقتصادي‪ .‬لكن فقط الحرية المخططة‬
‫حئ‬ ‫لجما دائما‪ ،‬ر‬ ‫والمقيدة والمحدودة ه ف مصلحة النظام‪ .‬يجب أن يظل الفرد ُم ّ‬
‫ي ي‬ ‫ً‬
‫الفقرتي ‪ 94‬و ‪.)97‬‬
‫ر‬ ‫انظر‬ ‫(‬ ‫األحيان‬ ‫بعض‬ ‫ف‬‫ي‬ ‫طويًل‬ ‫لو كان اللجام‬

‫‪109‬‬
‫]‪( [25‬الفقرة ‪ )143‬نحن ال نقصد اإليحاء بأن فعالية أو إمكانية بقاء المجتمع كانت‬
‫دائما تتناسب عكسيا مع مقدار الضغط أو عدم الراحة الذي ُيخضع المجتمع‬
‫الناس له‪ .‬هذا بالتأكيد ليس هو الحال‪ .‬هناك سبب وجيه لالعتقاد بأن العديد من‬
‫األوروي‪ ،‬لكن‬‫ري‬ ‫المجتمعات البدائية أخضعت الناس لضغط أقل مما فعل المجتمع‬
‫بداي‪ ،‬ودائما ما فاز يف‬ ‫بكثت من أي مجتمع‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫األوروي أثبت فعاليته أكت ر‬ ‫ري‬ ‫المجتمع‬
‫الئ توفرها التقنية‪.‬‬ ‫ر‬
‫ضاعات مع مثل هذه المجتمعات بسبب المزايا ي‬
‫األكت فعالية هو أمر جيد‬ ‫ر‬ ‫]‪( [26‬الفقرة ‪ )147‬إذا كنت تعتقد أن تطبيق القانون‬
‫بشكل ال لبس فيه ألنه يقمع الجريمة‪ ،‬فتذكر حينها أن الجريمة كما حددها النظام‬
‫تدخي الحشيشة "جريمة"‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ليست بالصورة ما تسميه أنت جريمة‪ .‬اليوم‪ُ ،‬يعد‬
‫سجل يف بعض األماكن يف الواليات المتحدة‪ .‬غدا‪،‬‬ ‫وكذلك حيازة سالح ناري غت ُم ّ‬
‫ر‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫عتت حيازة أي سالح ناري‪ ،‬سواء أكان مسجال أم ال‪ ،‬جريمة‪ ،‬وقد يحدث ر‬ ‫قد ُ‬
‫السء‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫ي‬
‫نفسه مع أساليب تربية األطفال المرفوضة‪ ،‬مثل الصفع‪ .‬يف بعض البلدان‪ ،‬يعد‬
‫يقي بأن هذا لن‬ ‫التعبت عن اآلراء السياسية المعارضة جريمة‪ ،‬وليس هناك من ر‬ ‫ر‬
‫سياش يدوم إىل‬ ‫ي‬ ‫يحدث أبدا يف الواليات المتحدة‪ ،‬حيث ال يوجد دستور أو نظام‬
‫كبتة وقوية لتطبيق القانون‪ ،‬فهناك خطأ‬ ‫األبد‪ .‬إذا كان المجتمع بحاجة إىل مؤسسة ر‬
‫جسيم يف ذلك المجتمع؛ حتما أنه ُيخضع الناس لضغوط شديدة إذا رفض هذا‬
‫الكبت اتباع القواعد‪ ،‬أو يتبعها فقط بسبب اإلكراه‪ .‬لقد استمرت العديد من‬ ‫العدد ر‬
‫الماض بالقليل من قوة إنفاذ قانون رسمية أو عدم وجودها عىل‬ ‫ي‬ ‫المجتمعات يف‬
‫اإلطالق‪.‬‬
‫للتأثت عىل‬‫ر‬ ‫]‪( [27‬الفقرة ‪ )151‬من المؤكد أن المجتمعات السابقة كان لديها وسائل‬
‫البرسي‪ ،‬لكنها كانت بدائية ومنخفضة الفعالية مقارنة بالوسائل التقنية‬ ‫السلوك ر‬
‫الئ يجري تطويرها اآلن‪.‬‬ ‫ر‬
‫ي‬
‫تشت إىل‬ ‫]‪( [28‬الفقرة ‪ )152‬ومع ذلك‪ ،‬أعرب بعض علماء النفس عالنية عن آراء ر‬
‫ُ‬
‫"أومئ"‬
‫ي‬ ‫جلة‬ ‫م‬ ‫ف‬‫ي‬
‫*‬
‫شانون‬ ‫كلود‬ ‫الرياضيات‬ ‫عالم‬ ‫عن‬ ‫قل‬ ‫ون‬ ‫ازدراءهم لحرية اإلنسان‪.‬‬
‫للبرس‪،‬‬ ‫(أغسطس ‪ )1987‬قوله‪" ،‬أتخيل وقتا سنكون فيه لإلنسان اآلىل كما الكالب ر‬
‫ي‬ ‫ّ‬
‫اآلىل"‪.‬‬
‫ي‬ ‫لذلك‬ ‫ق‬ ‫أصف‬ ‫وأنا‬
‫الرقىم‬ ‫ر‬
‫الحقيق للعص‬ ‫* عالم أمريك من مؤسس نظرية المعلومات ُ‬
‫ويوصف باألب‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫‪110‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫]‪( [29‬الفقرة ‪ )154‬هذا ليس خياال علميا! بعد كتابة الفقرة ‪ ،154‬صادفنا مقاال يف‬
‫مجلة "ساينتفيك أمريكان"‪ ،‬حيث يعمل العلماء عىل تطوير تقنيات للتعرف عىل‬
‫المحتملي يف المستقبل ومعالجتهم بمجموعة من الوسائل الحيوية‬ ‫ر‬ ‫المجرمي‬
‫ر‬
‫والنفسية‪ .‬يدعو بعض العلماء إىل التطبيق اإلجباري للعالج‪ ،‬والذي قد يكون متاحا‬
‫ام"‪ ،‬بقلم دبليو وايت‬ ‫يف المستقبل القريب‪( .‬انظر "البحث عن العنص اإلجر ي‬
‫جيبس ‪ ،‬ساينتفيك أمريكان‪ ،‬مارس ‪ .)1995‬ربما تعتقد أن هذا ال بأس به ألن‬
‫عنيفي‪ .‬لكن بالطبع لن‬
‫ر‬ ‫مجرمي‬
‫ر‬ ‫سيطبق عىل أولئك الذين قد يصبحون‬ ‫العالج ُ‬
‫يتوقف األمر عند هذا الحد‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬سيتم تطبيق العالج عىل أولئك الذين قد‬
‫ائقي مخمورين (فهم يعرضون حياة اإلنسان للخطر أيضا)‪ ،‬ثم ربما‬ ‫يصبحون س ر‬
‫للقضاء عىل من يصفعون أطفالهم‪ ،‬ثم عىل دعاة حماية البيئة الذين يخربون‬
‫غت مالئم للنظام‪.‬‬
‫وف النهاية عىل أي شخص يكون سلوكه ر‬ ‫البيئ‪ ،‬ي‬
‫ي‬ ‫معدات الرصد‬
‫ّ‬
‫اىل للتقنية أن الطبيعة‪،‬‬
‫]‪( [30‬الفقرة ‪ )184‬من المزايا األخرى للطبيعة كالضد المث ي‬
‫كثت من الناس‪ ،‬تلهم نوعا من التبجيل كالمرتبط بالدين‪ ،‬بحيث يمكن إضفاء‬ ‫يف ر‬
‫ديئ‪ .‬صحيح أنه يف العديد من‬ ‫ي‬ ‫القدش عىل الطبيعة عىل أساس‬ ‫ي‬ ‫الطابع‬
‫وتتير للنظام القائم‪ ،‬ولكن من الصحيح أيضا‬ ‫المجتمعات كان الدين بمثابة دعم ر‬
‫ديئ‬ ‫ّ‬
‫للتمرد‪.‬‬
‫وبالتاىل قد يكون من المفيد إدخال عنص ي‬ ‫ي‬ ‫أن الدين غالبا ما وفر أساسا‬
‫ديئ قوي‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الغري اليوم ليس له أساس ي‬‫ري‬ ‫التمرد ضد التقنية‪ ،‬خاصة وأن المجتمع‬ ‫يف‬
‫الدين‪ ،‬يف الوقت الحاض إما يستخدم كدعم رخيص وشفاف للتعة الشخصية‬
‫حئ يتم‬ ‫المحافظي بهذه الطريقة)‪ ،‬أو ر‬
‫ر‬ ‫قصتة النظر (يستخدمه بعض‬ ‫ر‬ ‫الضيقة‬
‫اإلنجيليي)* أو‬
‫ر‬ ‫استغالله بشكل ساخر لكسب المال السهل (من قبل العديد من‬
‫التوتستانتية األصولية‪" ،‬الطوائف")** أو‬ ‫تحلل إىل الالعقالنية الفظة (الطوائف ر‬
‫التوتستانتية الرئيسية)***‪.‬‬ ‫ببساطة أصبح راكدا (الكاثوليكية‪ ،‬ر‬

‫التبشت ريي ** الجماعات المتشددة *** المؤسسات الدينية المؤدلجة‬


‫ر‬ ‫نظتها عندنا من يسمون أنفسهم بالدعاة‪/‬‬
‫* ر‬

‫‪111‬‬
‫األختة هو‬
‫ر‬ ‫حرك شهده الغرب يف اآلونة‬ ‫أقرب رشء إىل دين قوي وواسع االنتشار و ّ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫شبه‪-‬الدين اليساري‪ ،‬لكن اليسارية اليوم مجزأة وليس لها هدف موحد وملهم‪.‬‬
‫ديئ يف مجتمعنا يمكن أن يكتنفه دين يركز عىل الطبيعة يف‬ ‫وبالتاىل‪ ،‬هناك فراغ ي‬
‫ي‬
‫أساش ليقوم‬ ‫ي‬ ‫معارضة التقنية‪ .‬ولكن سيكون من الخطأ محاولة اختالق دين بشكل‬
‫ً‬ ‫الم ر‬
‫بهذا الدور‪ .‬من المحتمل أن يكون مثل هذا الدين ُ‬
‫*‬
‫ختع فاشال‪ .‬خذ ديانة ‪Gaia‬‬
‫عىل سبيل المثال‪ .‬هل يؤمن أتباعها بها حقا أم أنهم يلعبون دورا يف تمثيلية؟ إن‬
‫كان األمر مجرد ثمثيلية‪ ،‬فسوف ينتهون إىل الفشل يف آخر المطاف‪ .‬ربما يكون من‬
‫األفضل عدم محاولة إدخال الدين يف ضاع الطبيعة مقابل التقنية ما لم تؤمن حقا‬
‫يثت استجابة عميقة وقوية وحقيقية لدى العديد من‬ ‫بهذا الدين بنفسك وتجد أنه ر‬
‫األشخاص اآلخرين‪.‬‬
‫النهاي‪ .‬يمكن تصور إلغاء‬ ‫بافتاض حدوث مثل هذا الدفع‬ ‫]‪( [31‬الفقرة ‪ )189‬ر‬
‫ي‬
‫الصناع بطريقة تدريجية أو مجزأة إىل حد ما (انظر الفقرات ‪ 4‬و ‪167‬‬ ‫ي‬ ‫النظام‬
‫والمالحظة ‪.)32‬‬
‫]‪( [32‬الفقرة ‪ )193‬باإلمكان تصور (كاحتمالية بعيدة) أن الثورة قد تتكون فقط‬
‫وغت مؤلم‬ ‫يج ر‬ ‫تغيت هائل يف المواقف تجاه التقنية مما يؤدي إىل تفكك تدر ر ي‬ ‫من ر‬
‫محظوظي للغاية‪ .‬لكن من المحتمل جدا‬ ‫ر‬ ‫الصناع‪ .‬إذا حدث هذا سنكون‬ ‫ي‬ ‫للنظام‬
‫تقئ صعبا للغاية ومليئا بالصاعات والكوارث‪.‬‬ ‫غت ي‬ ‫أن يكون االنتقال إىل مجتمع ر‬
‫بكثت من‬ ‫ر‬ ‫ُ‬
‫والتقئ للمجتمع أكت أهمية ر‬ ‫ي‬ ‫عتت الهيكل االقتصادي‬ ‫]‪( [33‬الفقرة ‪ )195‬ي ر‬
‫الئ يعيش بها اإلنسان العادي (انظر الفقرات‬ ‫ر‬
‫السياش يف تحديد الطريقة ي‬ ‫ي‬ ‫هيكله‬
‫‪ ،119 ،95‬والمالحظات ‪.)18 ،16‬‬
‫يشت هذا اللفظ إىل "عالمتنا الخاصة" من الفوضوية‪ .‬تم‬ ‫]‪( [34‬الفقرة ‪ )215‬ر‬
‫الفوضويي"‪ ،‬وقد ال يقبل‬ ‫ر‬ ‫تسمية مجموعة متنوعة من المواقف االجتماعية بـ "‬
‫فوضويي بياننا الوارد يف الفقرة ‪ .215‬يجب أن‬ ‫ر‬ ‫عتتون أنفسهم‬ ‫العديد ممن ي ر‬
‫غت عنيفة ربما لن يقبل أعضاؤها‬ ‫نالحظ‪ ،‬بالمناسبة‪ ،‬أن هناك حركة فوضوية ر‬
‫)‪(FC‬كالسلطوية وبالتأكيد لن يوافقوا عىل أساليب )‪ (FC‬العنيفة‪.‬‬

‫* ديانة ر‬
‫تقتب من عبادة األرض والوثنية بالرغم من عدم تعريف نفسها بذلك‬

‫‪112‬‬
‫اليساريي مدفوعون ايضا بالعدائية‪ ،‬لكن تلك‬
‫ر‬ ‫]‪( [35‬الفقرة ‪ )219‬العديد من‬
‫حبطة ُ‬
‫للسلطة‪.‬‬ ‫العدائية ربما تكون ناتجة جزئيا عن الحاجة ُ‬
‫الم َ‬
‫نعئ الشخص الذي يتعاطف مع هذه‬ ‫]‪( [36‬الفقرة ‪ )229‬من المهم أن نفهم أننا ي‬
‫المثليي جنسيا‪،‬‬
‫ر‬ ‫ه موجودة اليوم يف مجتمعنا‪ .‬من يعتقد أن النساء‪،‬‬ ‫الحركات كما ي‬
‫وما إىل ذلك‪ ،‬يجب أن يتمتعوا بحقوق متساوية ليس بالصورة أن يكون يساريا‪ .‬إن‬
‫المثليي‪ ،‬إىل آخره‪ ،‬الموجودة يف مجتمعنا لها نغمة‬
‫ر‬ ‫الحركات النسوية‪ ،‬حقوق‬
‫تمت اليسارية‪ ،‬وإذا كان المرء يعتقد‪ ،‬عىل سبيل المثال‪ ،‬أن‬
‫كالئ ر‬‫ر‬
‫عقائدية خاصة ي‬
‫المرأة يجب أن تتمتع بحقوق متساوية‪ ،‬فليس بالصورة أن يتعاطف المرء مع‬
‫ه اليوم‪.‬‬‫الحركة النسوية كما ي‬

‫ان ـت ـه‬

‫‪113‬‬

You might also like