You are on page 1of 326

‫أمة عربية واحدة‬ ‫العربي الاشتراكي‬ ‫حزب البعد‬

‫القطرالعربي السوري ‪ -‬القيادة القطرية‬

‫ذات رسالة خالدة‬ ‫مكتب الإعداد الحربي القطري‬

‫لحربي‬
‫ف‬ ‫ا‬
‫التثقي‬‫منهاج‬

‫الجزء الرابع‬

‫ت عامة‬
‫ات‬ ‫اس‬
‫سا‬ ‫را‬
‫در‬‫د‬
‫مقدمة المنهاج‬

‫ان فكرة وضع هذا المنهاج التثقيفي بين ايدي رفاقنا البعثيين فكرة‬
‫قديمة حديثة ‪ ،‬فهي قديمة من جهة اذ يعود أمر التفكير بها الى أواخر عام‬
‫‪ ، ۱۹۷۵‬حيث حرص مكتب الاعداد على جمع مختلف المواضيع الثقافية‬
‫المتناثرة في كتاب ‪ -‬تلك المواضيع التي كانت تتضمنها مختلف برامج‬
‫الاعداد واعداد دراسات جديدة حول المواضيع الثقافية الواردة في تلك‬
‫البرامج والتي لم يكن قد صدر حولها دراساتوما اکثرها ‪ ،‬وذلك تلبية لرغبة‬
‫رفاقنا في الجهاز الحزبي وتحقيقا لجملة أغراض من بينها ‪:‬‬

‫ا ‪ -‬توحيد مناهل الثقافة الحزبية وصولا لوحدة التفكير حول مختلف‬


‫المسائل والمواضيع التي تتعلق بايديولوجية الحزب‬

‫‪ ۲‬ـ توفير مصادر المادة الثقافية لمختلف المؤسسات الحزبية وبخاصة‬


‫اذا عرفنا أن كثيرا من المواضيع لم يصدر حولها دراسات ‪ ،‬وان الدراسات‬
‫المعدة حول بعضها قد نفذت‬

‫‪ -‬المساهمة في عملية التطوير الثقافية الحزبية تمشيا مع اغتناء‬


‫تجربة الحزب وخبراته في مختلف المجالات السياسية والاقتصاديةو التنظيمية‬
‫وما اليها‬

‫وهي حديثة من جهة اذ ان تلك الفكرة لم يكتب لها أن ترى النور في‬
‫ذلك الحين بسبب انتقالي من مكتب الاعداد الى مكتب التربية في أوائل الشهر‬
‫الأول من عام ‪١٩٧٧‬‬

‫‪---‬‬
‫ومرت الفكرة بطور كمون ‪ ،‬لم يقيض لها ان تتجاوزه الا في اعقاب‬
‫انتهاء اعمال المؤتمر القطري السابع العادي في اوائل عام ‪ ١٩٨٠‬حيث انيطت‬
‫بي مسؤولية مكتب الاعداد ثانية ‪ .‬وكان أول ما فكرت فيه هو ان نبعث‬
‫تلك الفكرة من مرقدها‬

‫وعلى الرغم من ان كل شيء كان جاهزا ومعدا ومراجعا ‪ .‬ولا يحتاج‬


‫الا الى دفعة الى المطبعة ‪ .‬فانه كان لا بد من اعادة النظر فيه على ضوء ما‬
‫‪..‬‬‫استجد عبر السنوات الخمس المنصرمة على ظهور تلك الفكرة ‪.‬‬

‫وهذا ما كان في الاجتماع الذي عقد في مقر القيادة القطرية بدمشق‬


‫بتاريخ ‪ ۱۹۸۰ - ٥ - ١٥‬للرفاق رؤساء مكاتب الاعداد ومديري مدارس‬
‫الاعداد ‪ ،‬وطرح الموضوع على بساط البحث مجددا فشكلت لجنة للمراجعة‬
‫ضمت عددا من الرفاق أعاد ت النظر في المنهاج من حيث محتواه وتعديله‬

‫وتقسيمه وتبويبه ‪ ،‬وظلت تعمل عدة ايام بذلت خلالها جهودا مشكورة حتى‬
‫انتهت الى النتيجة التي نضعها بين ايدي رفاقنا ونقدر انها ستكون مرضية‬
‫وملبية للحاجة في الوقت الحاضر ‪ ،‬وخطوة على طريق تطوير البنية الثقافية‬
‫واغنائها وشمولها في حزبنا ‪.‬‬

‫هذا واذا كان لنا من رجاء فهو ان يغنى هذا المنهاج بملاحظات رفاقنا‬

‫التي نامل ان تردنا عبر الرفاق رؤساء مكاتب الاعداد الفرعية لنعمل على‬
‫سد الثغرات ان وجدت وتلافي كل نقص أن حصل في المستقبل‬

‫والخلود لرسالتنا‬

‫رئيس مكتب الاعداد الحزبي القطري‬

‫الرفيق محمد زهير مشارقة‬

‫‪-‬‬
‫العالم الثالث ‪ :‬واقعه وآفاق تقدمه‬

‫‪-0-‬‬
‫ان نظرة متفحصة يلقيها المرء على المسار الحديث والمعاصر للفكر‬

‫السياسي ‪ ،‬تشير الى أن الكثيرين قد كتبوا في العقد الأخير من هذا القرن‬


‫بـ « العالم الثالث » ‪ .‬وبشكل خاص حول ما يتعلق‬
‫حول ما يسمى حاليا‬
‫بجوانبه الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية ( السكانية ) ‪ .‬بيد انه من‬

‫الملاحظ ان المشكلة ( الثقافية » في علائقها مع مشكلة « الثورة « لم تطرح‬


‫فيه بعد في أبعادها وآفاتها القريبة والبعيدة المدى ‪ ،‬وذات الطابع المنتقد‬

‫بشكل مثير‬

‫ويبدو من الأمور الاولية ان نحدد » موضوع » بحثنا ‪ ،‬الذي نطرحه‬


‫هنا ‪ ،‬تحديدا دقيقا متماسكا ‪ .‬ذلك لأن هذا خطوة ضرورية في سبيل خلق‬
‫وضوح نظري فلسفي و اجتماعي حول المشكلة التي تعمل على تحديد‬
‫معالمها ‪ .‬فنحن ندرك تماما الاهمية القصوى للتفكير المنطقي المتماسك ‪ ،‬غير‬
‫ض‬
‫الفضفا و الملتزم بالدقة العلمية بالنسبة الى مجمل بلدان « العالم الثالث » ‪.‬‬

‫ان التعبير » العالم الثالث ‪ ، ،‬المستخدم على نطاق واسع من قبل‬


‫علماء في الاقتصاد السياسي وعلم الاجتماع وغيرهما ومن قبلأوساط واسعة‬

‫من المثقفين في بلدان هذا العالم وبلدان العالم الرأسمالي ‪ ،‬غير دقيق وغير‬

‫متماسك علميا ‪ ،‬اذ انه لا يغطي المسألة التي يراد له ان يعبر عنها ‪ .‬وفي‬
‫حالات أخرى عديدة يستبدل ذلك التعبير بتعبيرين آخرين ‪ ،‬هما « البلدان‬

‫‪.‬‬ ‫النامية » و « البلدان المتخلفة »‬

‫والحقيقة أن هذين التعبيرين يساهمان أيضا في القاء ظلال قائمة من‬


‫الضوض والابهام والأوهام حول المشكلة المطروحة ‪ .‬فهذه التعبيرات‬
‫بمجموعها تلح في الخط الأول على جانب « التخلف » في واقع البلدان المعنية‬

‫البلدان المتخلفة » بـ « البلدان المتقدمة » ‪.‬‬ ‫هذا يتم من خلال مقابلة‬

‫على هذا النحو التعبير ان التخلف » و « التقدم » كصفتين جوهريتين‬


‫‪.‬‬
‫لتحديد معالم واقع الحال في كلتا الفئتين من البلدان المشار اليها‬

‫‪-1-‬‬
‫تنطلق » من تلك‬ ‫والجدير بالاهتمام المبدني العميق هو اننا حين‬

‫الصفتين ‪ ،‬نكون قد اكسبناهما ‪ ،‬على نحو خاطی ‪ . ،‬اهمية مضخمة نفسخيما‬


‫بارزا ‪ .‬فهما لا يتيحان لنا فهما عميقا وجوهريا لمختلف المجتمعات القديمه‬
‫والوسيطة والحديثة والمعاصرة ‪ .‬بل اننا اذا دققنا في الامر ‪ .‬نجد انهما‬

‫نفسيهما ‪ .‬أي تعبيري « التخلف » و « المقدم » يخضعان في النهاية لتعابير‬


‫ومفاهيم أخرى اجتماعية اكثر شمولا واحاطة بواقع الحال في المجتمعات‬

‫المعنية ‪ ،‬مثل مفهوم « المطور الطبقي ‪ ،‬و " علاقات الانتاج » و « قوی‬
‫التشكيلية الاقتصادية الاجتماعية " و " الوحدة القومية‬ ‫الانتاج » و‬
‫·‬
‫الحضارية » ‪ ...‬فدراستنا للمجتمع الامريكي المعاصر ‪ .‬على سبيل المثال‬
‫دراسة تعتمد منهجية علمية دقيقة ‪ ،‬لا يؤدي بنا الى النتيجة بأن هذا المجتمع‬
‫يتحدد بالدرجة الاولى من حيث هو مجتمع " منقدم » في الحقول التكنولوجية‬
‫((‬
‫والعلمية ‪ .‬وانما الى الحقيقة العلمية الاجتماعية بأنه بـ « الدرجة الاولى‬

‫مجتمع راسمالي استعماري على هذا النحو من النظر الى الامور نجد ان‬
‫التقدم » و « التخلف » صفتان يمكن اطلاقهما على مجتمعات معاصرة كما‬
‫على مجتمعات قديمة أو وسيطة ‪ .‬فالمجتمع اليوناني القديم العبودي ( بدءا‬
‫من القرن السادس قبل التاريخ الميلادي ) احتوى على جوانب ايجابية‬
‫ة وكذلك على جوانــــــــب سلبية محافظة‬ ‫نقدمی‬
‫بالنسبة الى التطور التاريخي العام ‪ .‬والأمر نفسه ينطبق أيضا على المجتمع‬

‫الامريكي المعاصر ‪ .‬مع ملاحظة ان الجوانب الايجابية في هذا المجتمع نكاد‬


‫تنحصر في حقل التطور التكنولوجي والعلمي‬

‫الا ان تلك الجوانب السلبية والايجابية لا يمكن أن تشكل المنطلق‬

‫المبدئي في فهمنا للمعالم الجوهرية لكلا المجتمعين اذ أن هذين يتحددان بالخط‬


‫الاول من خلالكون الأول مجتمعا « عبوديا » ‪ ،‬ومن خلال كون الثاني مجتمعا‬
‫راسماليا بلغ المرحلة القصوى من تطوره ‪ .‬وهي مرحلة الاستعمار ·‬

‫بل نستطيع ان نصل في استنتاجاتنا الى مدى أوسع وأكثر خطورة ‪.‬‬
‫فمن العادة لدى الاوساط المثقفة البورجوازية أن يدرجوا الوطن العربي‬

‫» ‪ ،،‬والمجتمع الامريكي في اطـــــــــار‬ ‫ف »‬‫في اطار " العالم المتخلف‬


‫ين‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫حققيقة ان تلك الاوم‬
‫لقي‬
‫اح‬‫وال‬
‫" العالم المتقدم » ‪ .‬و‬

‫تفعل ذلك ‪ ،‬فانها تكون قد اعتمدت الجانب « الاستهلاكي الانتاجي‬


‫كمحور مركزي لطرح المشكلة ‪ .‬آنئذ ‪ ،‬وفي اطار هذا الفهم للمسألة ‪ ،‬نجد‬

‫‪-۷-‬‬
‫انفسنا مرغمين على القول بأن القدرة النتاجية والاستهلاكية الواسعة‬

‫للمجتمع الامريكي ‪ ،‬هي التي تحدد تقدمه على الوطن العربي ‪ ،‬الذي يتسم‬
‫بقدرة انتاجية واستهلاكية ضئيلة وغير عميقة الجذور ‪ .‬فالسيارات‬

‫والبرادات والادوات الكهربائية المختلفة والحاجيات اليومية التي يحصل‬


‫عليها الفرد الأمريكي غير متوفرة بنفس القدرة والحجم لدى الفرد العربي‬
‫بشكل عام ‪ .‬وفي أحيان أخرى تأتينا المؤسسات العالمية كالأونيسكو ‪،‬‬
‫باحصائيات حول المعدل العام للدخول الفردية في بلدان « العالم الثالث » ‪،‬‬
‫التي تتراوح عند – ‪ ۲۰۰‬ـ دولارا في السنة ‪ ،‬بينما هذا المعدل العام‬
‫‪ -‬دولار في‬ ‫للدخول الفردية في الولايات المتحدة الامريكية يجاوز الـ ــ ‪..‬‬
‫‪ ۳۰۰۰‬ـــ‬

‫التقدم » و « التخلف » ان‬ ‫السنة ‪ .‬وهذا يعني ‪ ،‬براي الآخذين بنظرية »‬


‫المجتمع الامريكي متقدم على المجتمع العربي ومجتمعات « العالم الثالث »‬
‫بشكل عام ‪.‬‬

‫لا شك اننا في مناقشتنا لتلك النظرية ملزمون ضرورة بالتأكيد على‬


‫القدرة الانتاجية والاستهلاكية في المجتمع ‪ .‬والحقيقة ان هنالك في المجتمعات‬
‫الراسمالية المتطورة المعاصرة تناقضا جوهريا بين الشكل الاجتماعي للتملك‬
‫في كبح تلك القوى ‪ .‬الا انه يبقى ضروريا أن نؤكد على ان القوى الانتاجية قد‬
‫حققت تقدما هائلا في اطار العلاقات التملكية الراسمالية ‪ .‬ومن مظاهر هذا‬

‫التقدم الثورة التكنولوجية العلمية المعاصرة ‪ ،‬التي تحققها كذلك البلدان‬


‫الاشتراكية ‪ ،‬ولكن بالطبع في اطار مختلف اصلا عما هو الامر في البلدان‬
‫الراسمالية‬

‫ولكن على الرغم من ذلك التقدم في القوى الانتاجية الراسمالية نجد‬


‫ان الاجابة العلمية الدقيقة على التساؤل التالي ‪:‬‬

‫ما هي معايير تقدم مجتمع على مجتمع آخر ؟ تحتاج الى نظرة مبدئية‬

‫من الجانب ( الاجتماعي التاريخي ( للمجتمع البشري ‪ .‬ولتوضيح‬ ‫تنطلق‬


‫هذا الامر الاساسي في فهمنا واستيعابنا لمواصفات الوطن العربي كجزء‬
‫من « العالم الثالث » ‪ ،‬نقول أن هذا الوطن في بعض أقطاره ‪ ،‬مثل سورية ‪،‬‬
‫متقدم على مجتمع الولايات المتحدة الامريكية من زاوية أن تلك الاقطار أخذت‬

‫تطرح قضية الانتقال الى الاشتراكية كنظام اجتماعي و اقتصادي وسياسي ‪،‬‬
‫بينما مجتمع الولايات المتحدة الامريكية لا يزال يتميز بكونه راسماليا‬

‫استعماريا ‪ ،‬وبالرغم من أن التطور الاقتصادي الصناعي والتكنولوجي‬

‫‪-- ^ -‬‬
‫العلمي والزراعي يكون ولا شك حلقة أساسية في عملية التقدم المجتمعي‬
‫الا انه لا يمكن أن يكون المنطلق الجوهري الوحيد للحكم على طبيعة الوضع‬
‫الاجتماعي ( العلاقات الاجتماعية الانتاجية ( السائدة في بلدنا‬

‫ان الكونغو برازافيل أو وطننا العربي في بعض اقطاره ‪ ،‬على الرغم‬


‫من تخلفه الاقتصادي والتكنولوجي العلمي العام عن الولايات المتحدة‬
‫الامريكية يمكن ) وهذا ينبغي التأكيد عليه ثانية ( ان يمثل في السنين القادمة‬
‫مرحلة متقدمة على هذه الاخيرة ‪ ،‬أي الولايات المتحدة ‪ ،‬في اطار التحول‬
‫الاجتماعي الاشتراكي ‪ .‬هذا على الرغم من أن ذلك التحول لا يمكنه أصلا‬
‫وبطبيعة الحال أن يكتسب أبعاده وآفاقه الحقيقية والشاملة بمعزل عن‬

‫التقدم الاقتصادي والتكنولوجي العلمي‬

‫و >>> التقدم »‬ ‫التخلف‬ ‫ان هذا كله يظهر بوضوح عجز مفهومي‬

‫عن توضيح معالم مجتمع ما ‪ ،‬وليكن المجتمع العربي المعاصر ‪ ،‬بمعزل عن‬
‫التعرض والتحليل الاجتماعي التاريخي للعلاقات المجتمعية الطبقية السائدة‬
‫فيه ‪ .‬كما يظهر ذلك ‪ ،‬وهذا امر طمحنا في الوصول اليه ‪ ،‬ان التعبيرات‬
‫العالم الثالث » أو « العالم المتخلف » او « العالم النامي » غير دقيقة‬
‫وقاصرة عن استيعاب واقع الحال الذي يراد لها أن تعبر عنه‬

‫وقد رأينا نشوء محاولات جديدة لفهم ظاهرة ( العالم الثالث » منطلقة‬

‫من واقع اساسي في بلدان هذا العالم كنا قد اشرنا اليه ‪ ،‬وهو تعدد الانماط‬
‫الاجتماعية الاقتصادية فيها ‪ .‬ففي كتاب صدر مؤخرا مترجما عن الروسية‬
‫بعنوان « اين العالم الثالث من العالم المعاصر » يسمى مؤلفه ( ا ‪ .‬ي ‪•.‬‬

‫ليفكوفسكي ) ‪ .‬المجتمع السائد في تلك البلدان بالمجتمع « ذي الانماط‬


‫المتعددة »‬

‫والحقيقة ان هذا ممكن ‪ ،‬وربما كان أصح تسمية لبلدان « العالم‬


‫الثالث » ‪ ،‬لانها تنطلق من واقع العلاقات الاجتماعية الاقتصادية هناك ‪،‬‬
‫كما تعتبر أن أمكانية فهم ذلك العالم تتحدد بالدرجة الاولى بفهم واقع تلك‬
‫العلاقات اذ لا شك ان تعدد الأنماط الاجتماعية الاقتصادية هناك ظاهرة‬

‫جوهرية حاسمة تقودنا الى الاجابة عن السؤال الجوهري التالي ‪ :‬اين موقع‬
‫مجتمعات » العالم الثالث (» من ساعة التطور التاريخي ‪ :‬والاجابة هذه‬
‫تكمن في أن تلك المجتمعات تحتوى في آن واحد ) عدة » انماط اجتماعية‬

‫‪-9.‬‬
‫اقتصادية ‪ .‬من النمط الطبيعي البطريركي ‪ .‬الى النمط البضاعي الصغير‬
‫والنمط الاقطاعي التقني والنمط الرأسمالي المرتبط بالرأسمال الاستعماري‬
‫العالمي الى جانب انبثاق بعض القطاعات المعادية للراسمالية والاقطاعية‬

‫والتي تحاول الاخذ بأسلوب العمل الاشتراكي‬

‫ولا شك ان بلدان الانماط المتعددة هذه تشترك في مجموعة من‬


‫الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والسكانية والثقافية العامة • بحيث‬

‫يصبح ممكنا أن نتحدث عن فارق بينها وبين المجتمعات الأخرى المتقدمه‬


‫اذ ان هذه الاخيره تنميز بكونها تحتوي نمطا‬ ‫اشتراكيه او راسمالية ‪.‬‬

‫اجتماعيا اقتصاديا رئيسيا واحدا ‪ .‬هو النمط الاشتراكي أو الراسمالي‬


‫ولذلك تسمى هذه المجتمعات بـ « المجتمعات النظيفة » ‪ ..‬هذا بالاضافه‬
‫‪11‬‬
‫النظيفة " تتميز من الاخرى الراسمالية‬ ‫الى ان المجتمعات الاشتراكية‬

‫المتطوره ‪ .‬اي " النظيفة » من حيث انها تركز جهودها الشاملة على ازاله‬
‫كل بقايا الانماط الاجتماعية الاقتصادية الاخرى ‪ .‬بينما المجتمعات‬
‫‪ .‬بمعنى آخر ‪ .‬المجتمعات‬ ‫الراسمالية تلك غير قادرة على تحقيق ذلك‬
‫الرأسمالية المتقدمه نظل ‪ .‬من حيث هي راسمالية ‪ .‬تحتوي في صلبها‬
‫اشکالا‬
‫من انماط اجتماعية اقتصادية أخرى ‪ .‬مثل النمط الاقطاعي‬

‫على هذا النحو نبرز نقاط الالتقاء بين مجتمعات " العالم الثالث » ‪.‬‬

‫والعالم الراسمالي ‪ ،‬والعالم الاشتراكي من حيث انها جميعا تخضع للبحث‬


‫المنطلق من مقولة « النمط أو التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية » ‪.‬‬

‫التي تشكل ركيزة أساسية في علم الاجتماع الاشتراكي العلمي ‪ .‬كما مبرز‬
‫نقاط الاختلاف بين تلك المجتمعات ‪ .‬من حيث مواقعها في سلم التطور‬

‫لـاشتراكي أكثر تقدما من بقية تلك‬ ‫الاجتماعي التاريخي ‪ ..‬فالمجتمع ال‬


‫ااش‬
‫المجتمعات ‪ .‬والمجتمع الرأسمالي " النظيف » ‪ ،‬أي المنطور ‪ .‬أكثر تقدما من‬
‫العالم الثالث » ‪ .‬لأنه حقق نموا منعاظما في اطار النمط الاجتماعي‬ ‫مجتمعات‬
‫الاقتصادي الراسمالي ‪ .‬في حين لم نحقق بلدان ذلك العالم نموا عميقا‬
‫وشاملا وحاسما في اطار أحد الانماط الاجتماعية الاقتصادية التي تضمنها ‪،‬‬
‫لان هذه الانماط لا نزال في طور الصراع الذي لم يغلب بعد كفة أحد هذه‬
‫الانماط على الاخرى ‪ .‬هذا بالرغم من وجود بعض الاستثناءات النسبية‬

‫التي تفرض نفسها بشكل او آخر في بعض بلدان " العالم الثالث » مثل‬
‫قطرنا‬
‫وقد رأينا انه في حال تعاظم هذه الاستثناءات ‪ ،‬أي في حال تعاظ‬

‫اهمية وتأثير النمط اللارأسمالي المعادي للرأسمالية والمتجه نحو تحقيق‬


‫علاقات اشتراكية متقدمة ‪ ،‬يصبح من الضروري تعديل ذلك التسلسل‬

‫الاجتماعي التاريخي للمجتمعات البشرية المعاصرة ‪ ،‬بحيث يقفز مجتمع‬


‫الانماط المتعددة » أي مجتمع « العالم الثالث » الى أمام مخلفا وراءه‬
‫تعمعات‬ ‫جم‬
‫مجت‬
‫المجتمع الرأسمالي المتقدم ‪ .‬حينذاك يصبح ممكنا ان ندخل م‬
‫نام‬ ‫العالم الثالث » في نطاق المجتمعات الاشتراكية أو في اطار النظـ‬
‫الاشتراكي العالمي‬

‫واذا اردنا الان تقصي الملامح الاساسية للعالم الثالث أو عالـ‬


‫الانماط المتعددة » بشكل دقيق مختزل ‪ ،‬فاننا نجد التالية ‪:‬‬

‫‪-‬‬
‫‪ ۱‬ـ ان بلدان ذلك العالم لم تتحقق فيها ثورة بورجوازية صناعية‬

‫على غرار الثورات التي انفجرت في اوروبا ‪ ،‬بل ظلت تتحرك ضمن اطــــــار‬
‫اجتماعي اقطاعي ‪ ،‬تتواجد فيه بعض ملامح العلاقات الاجتماعية‬
‫البورجوازية الهزيلة وهذه البلدان تشترك في مجموعة من الخصائص‬
‫التي تميزها نسبيا عن البلدان الرأسمالية الصناعية والاشتراكية ‪ ،‬واذا‬
‫تقصينا المشكلة ‪ ،‬نجد أن مجموعة من تلك البلدان ‪ ،‬ومن ضمنها الوطن‬

‫العربي ‪ ،‬مهيأة لانجاز ثورة بورجوازية صناعية ‪ ،‬لولا ان ذلك قد اخذ في‬
‫التكون والتبلور في وقت بلغت فيه الراسمالية الاوروبية مرحلة الاستعمار‬
‫الاحتكاري ‪ ،‬مخلفه وراءها الوضع الذي اتسم بالمنافسة الحرة ‪ .‬وقـــــــد‬
‫كانت هذه الرأسمالية بشكلها الاستعماري قادرة على حل وربط الامور في‬

‫بلدان « العالم الثالث » والوقوف في وجه الحركات التصنيعية والاجتماعية‬

‫والقوميةفيه ‪ .‬وفي الحقيقة ‪ ،‬كاننشوء » العالم الثالث » تعبيرا عن انحسار‬


‫هيمنة النظام الاستعماري في العالم ونشوء مجموعة من البلدان الفتية‬
‫المستقلة سياسيا ‪ .‬ومن الجدير بالذكر ان الرأسمالية الغربية ساهمت‬

‫طوال القرن التاسع عشر والعشرين في افقار تلك البلدان وجعلها ‪،‬‬
‫مرتبطة بها اقتصاديا ‪ .‬الى جانب ذلك كان المجتمع الاقطاعي القديم بكل‬
‫مظاهر التخلف والتبلد والمداء للجديد ‪ ،‬يحاول ما استطاع التضيق الشامل‬

‫على عملية تحرك القوى البورجوازية الطامحة في تحقيق بعض المهمات‬


‫المطروحة أمامها ‪ .‬والحقيقة ‪ ،‬هنالك أمر ينبغي ان يؤخذ بعين الاعتبار في‬
‫معرض الحديث عن عملية التكون البورجوازي الحديث في المجتمع‬

‫‪-11-‬‬
‫العربي ‪ .‬هذا الامر هو التواطؤ الذي عقد تحت ضرورات اجتماعي‬

‫وتاريخية بين الاستعمار الاوروبي والاقطاع في داخل الوطن العربي لقمع‬


‫·‬
‫آفاق التحول البورجوازي في هذا الوطن‬

‫وهنالك عامل آخر اسهم في بلورة هذا التواطؤ ‪ ،‬وهو ان الاقطاع‬


‫ذاك هو الذي ليس ‪ ،‬الى حد بعيد ‪ ،‬لبوس البورجوازية العربية ‪ ،‬بحيث‬
‫ــة‬
‫كان البورجوازي هو الاقطاعي المالك لمشاريع صناعية خفيفة في المدينـ‬
‫أو في الريف •‬

‫العالم الثالث » لا توجد علاقات اقطاعية وشبه‬ ‫‪ - ۲‬في معظم بلدان‬


‫بورجوازية فحسب ‪ ،‬وانما الى جانب ذلك تواجدت علاقات اجتماعيـــــة‬
‫اخرى ‪ ،‬عبودية رقيقة ‪ ،‬وقبلية ‪ ،‬كما هو الحال مثلا في المملكة العربي‬

‫السعودية ‪ .‬هذا يعني أن مجموعة من ( الانماط الاجتماعية الاقتصادية »‬


‫متواجدة مع بعضها ضمن علاقة تناقض وصراع ‪ ،‬تتحدد على اساس نموها‬
‫وتضخمها امكانية الهيمنة لواحد من هذه الانماط على الاخرى ‪ .‬واذا اخذنا‬

‫بحسباتنا ان آفاق التقدم البورجوازي العربي قد تكونت بالاصل هزيلــــة‬


‫وغير قادرة على حل المشكلات الرئيسية التي اشرنا اليها ( ثورة اجتماعية‬
‫انتاجية تصنيعية ‪ ،‬وثورة قومية توحيدية ‪ ،‬وثورة علمية ثقافية ) ‪ ،‬فاننا‬
‫سوف نجد ان هذه الافاق قد قمعت من قبل القوى السياسية والاجتماعية‬

‫الاقطاعية ولا تزال تقمع في مجموعة من بلدان ذلك العالم‬

‫‪ -‬في بلدان » العالم الثالث « يلاحظ المرء واقعا اساسيا يكمن في‬
‫عدم التكامل والتناسق بين القطاعات المختلفة فيها ‪ .‬ان احد المظاهر الهامة‬

‫لعدم التكامل والتناسق هذا يقوم على تطور متصاعد واحيانا انفجاري في‬
‫الحقل الديموغرافي ( السكاني ( من جهة والهبوط المذهل في الحقـــــــــــــل‬
‫الصناعي الاقتصادي ‪ .‬وبطبيعة الحال فان مثل هذا الوضع يؤدي بشكل‬
‫مخيف الى تكوين حالة مرضية في مجموع عملية التغيير الايجابي في تلك‬
‫البلدان ‪ .‬والحقيقة ان حل تلك المسألة لا يقوم على مجرد التقريب بين‬
‫وتائر النمو السكاني ووتائر التطور الاقتصادي الصناعي والزراعي وانما‬
‫على تحقيق قانون التناسق الشامل بين مجموع قطاعات المجتمع ‪.‬‬

‫>>>‬
‫العالم الثالث » وبلدان‬ ‫ـ ان هوة سحيقة تفصل مابين بلدان‬

‫العالم الاشتراكي والراسمالي المتقدم في حقل النمو الاقتصادي والتكنولوجي‬

‫‪--15-‬‬
‫علمي ‪ .‬ففي الوقت الذي يبلغ عدد سكانها نصف سكان العالم ‪ ،‬فان انتاجها‬
‫العام لا يتعدى ‪ ٪ ۱۰‬من الانتاج العالمي ‪ .‬واذا اخذنا بعين الاعتبــــــار ان‬

‫تلك البلدان في ( العالم الثالث » هي في الدرجة الاولى والحاسمة بلدان‬


‫ريفية زراعية ‪ ،‬فانها مع ذلك لا تنتج الا ‪ ٪ ۳۰‬من الانتاج الزراعي العالمي ‪.‬‬
‫مع العلم ان مساحتها تبلغ ‪ ٪ ٥١‬من مساحة العالم ‪ .‬ومن المسائل الاساسية‬

‫التي تثقل كاهل هذه البلدان ان اسعار المواد الاولية التي تصدرها تبقى في‬
‫معظم الاحيان ثابتة ‪ ،‬في حين ان اسعار منتجات البلدان الرأسماليـــــــة‬
‫>>‬
‫العالم الثالث » ‪ ،‬ترتفع باستمرار وترتبط‬ ‫الصناعية التي تصدر الى بلدان‬
‫اكثر الاحيان بشروط سياسية اقتصادية ‪ .‬اما في نطاق الخدمات العامة ‪،‬‬

‫التي تمارس في بلدان ) العالم الثالث » دورا مرضيا مضخما ‪ ،‬فاننا نرى‬
‫انه يوجد لكل ‪ ۷۰۰۰‬مواطنا من هذه البلدان طبيب واحد ‪ ،‬ولكل ‪٢٤٠‬‬

‫مواطنا معلم واحد ‪ ،‬بينما في الدول الصناعية المتقدمة ‪ ،‬الاشتراكية‬


‫والراسمالية ‪ ،‬يوجد طبيب لكل ‪ ۷۰۰‬مواطن ومعلم لكل ‪ ۱۰۰‬مواطن‬

‫واخيرا ينبغي أن نذكر ان الانتاج الزراعي في بلدان ذلك العالم يطور‬


‫ويوجه باتجاه انتاج المحاصيل الخاصة بالتصدير للبلدان المتقدمة ‪ ،‬بينما لا‬

‫يتم ذلك الانتاج باتجاه تغطية حاجات الاستهلاك المحلي ‪ ،‬وذلك للضغوط‬
‫التي تمارسها الدول الاستعمارية الراسمالية ‪ ،‬ولحاجة تلك البلــــــــدان‬
‫للنقد النادر‬

‫ه ‪ -‬انطلاقا من وجود علاقات اجتماعية ذات انماط متعددة‬

‫ومتناقضة ( اقطاعية وشبه بورجوازية وعبودية وقبلية واحيانا مشاعية )‬

‫في مجتمعات » العالم الثالث » ‪ ،‬فاننا نلاحظ واقعا هاما فيها يكمن في عدم‬
‫التميز والوضوح في البنية الاجتماعية الطبقية ‪ .‬فالعلاقات الاجتماعية تلك‬
‫متداخلة في بعضها ‪ ،‬بمعنى انها لم تستقل استقلالا نسبيا عن بعضهـ‬
‫ـورا‬ ‫فالطبقة العاملة والطبقة البورجوازية لم تستطيعا أن تحققا تطـ‬

‫ذاتيا داخليا ولم تنفصلا الى حد ضروري عن الانماط الاجتماعية القديمة‬


‫انهما لم تحققا تطورا كميا وكيفيا عميقا ‪ ،‬بحيث نكون قادرين على القولبان‬
‫هنالك طبقة بورجوازية متماسكة لها ( آفاقها الاقتصادية والاجتماعية‬
‫والايديولوجية الواضحة والحازمة ) ان هذا الامر في واقع العلاقات الانتاجية‬

‫في تلك البلدان يدعو الباحث الاجتماعي احيانا الى ان يعيد النظر في آرائه ‪،‬‬
‫ليصوغها مجددا في ضوء الظاهرات المستجدة امامه ‪.‬‬

‫‪-17-‬‬
‫‪ -‬ان عدم التميز والوضوح في البنية الاجتماعية الطبقية قد حمل‬
‫‪ ٦‬ـ‬
‫في احشائه واقعا مماثلا في الحقل السياسي فهنالك مجموعة من المنظمات‬
‫والاحزاب والتجمعات السياسية في تلك البلدان نشأت ليس على اساس‬

‫اجتماعي طبقي واضح المعالم ‪ ،‬وانما على اساس اعتبارات عديدة اخرى‬
‫‪ .‬الخ ‪ .‬وهذا الواقع نشاهده مثلا في‬ ‫منها الطائفية والدينية و العنصرية‬

‫لبنان على اشد ما يكون من الوضوح ‪ .‬ومما لا شك فيه ان وجود الواقع‬


‫يعرقل عملية النمو في اطار البنية الطبقية لطبقة اجتماعية معينة ‪ .‬كمـ‬
‫يعمل على خلق عقبات على طريق تشكل ونطور وعي اجتماعي طبقي حول‬
‫الامور الاجتماعية الحضارية المطروحة على بساط البحث‬

‫هذا الوضع ‪ ..‬كما هو واضح ‪ .‬قضية « التماسك الاجتماعي " في‬


‫«‬
‫مجتمعات " العالم الثالث » ‪ .‬فالى جانب فقدان وجود تطور طبقي متميز‬
‫وواضح ‪ ،‬بحيث لا يمكن القول بأن هنالك تقاطبا اجتماعيا بين الطبقات‬
‫المختلفة‬
‫‪ ،‬فان عدم التماسك الاجتماعي والاقتصادي والايديولوجي النظري‬
‫والاخلاقي ضمن الطبقة الواحدة يبرز على نحو جلي في تلك المجتمعات ‪.‬‬
‫·‬
‫والامر هذا يمكن سحبه كذلك على الوحدات الاجتماعية الصغيرة هناك‬
‫كالعائلة والمدرسة‬

‫ولا شك أن سيادة ذلك الوضع تعرقل الى حد كبير النمو العميق‬

‫للطبقات الاجتماعية ووعيها الطبقي الذاتي الضروري ‪ .‬الذي يمثل احـــــــــــد‬


‫مظاهر تماسكها ‪ ،‬كل منها على حده ‪ .‬السبب تشكل موضوع البحث‬
‫العلمي الفكري لكل من يتصدى لها باحثا منقبا ‪ ،‬بل الى جانب ذلك‬
‫الظاهرات الفكرية نجد ظاهرة اخرى جديدة تطرح نفسها في بلدان « العالم‬
‫الثالث » بوتائر متباينة تبعا لميزان القوى السياسة والاجتماعي‬

‫والاقتصادية والقومية ‪ .‬وهي دخول ) الفكر الاشتراكي العلمي في قطاعات‬


‫»‬
‫متعددة من مثقفي وجماهير تلك البلدان‬

‫‪ -‬على هذا النحو من رؤيتنا لمشكلات بلدان « العالم الثالث‬


‫نكون قد بلغنا النقطة التي تهمنا ونطمح في طرحها وهي الوضع الفكري‬
‫والثقافي العام غير المتطور وغير المتميز وغير المتجانس في تلك البلدان‬
‫"‬
‫ها هنا يجد الباحث نفسه ملزما على ان يتحدث ليس فقط عن « فكر‬
‫‪c‬‬
‫فكر‬ ‫اقطاعي فقط أو عن « فكر » بورجوازي فقط ‪ .‬او عـــــــــــ‬

‫‪-18-‬‬
‫ذه‬

‫عبودي فحسب ‪ ،‬أو عن « فكر " عشائري فقط ‪ .‬بل ان مجموع‬


‫الظاهرات الفكرية المعقدة تشكل مجتمعة البنية الفكرية لجماهير العالم‬
‫الثالث ‪ ،‬وهي لهذا السبب تشكل موضوع البحث العلمي الفكري لكل من‬

‫يتصدى لها باحثا منقبا ‪ .‬بل الى جانب تلك الظاهرات الفكرية نجد ظاهرة‬

‫أخرى جديدة تطرح نفسها في بلدان ) العالم الثالث » بوتائر متباينة تبما‬

‫الميزان القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقومية وهي دخول‬

‫الفكر » الاشتراكي العلمي في قطاعات متعددة من مثقفي تلك البلدان‬

‫وعلى هذا النحو سنتبين لنا حقيقة هامة هي انه في بلدان " العالم‬
‫الثالث » توجد معظم الاشكال الفكرية الايديولوجية التي اكتسبتها الانسانية‬
‫انه خليط مثير للغاية للباحث‬ ‫عبر مراحل تطورها العديدة والمختلفة ‪.‬‬

‫الايديولوجي ‪ .‬ويدعو فعلا وبجدية الى الدرس والتقصي العميق وذي‬


‫النفس الطويل ‪ .‬ومن الامور البينة الواضحة ان ذلك « الخليط الفكري »‬
‫بالرغم من أن الفكر الاشتراكي الثوري لا يحتل فيه أكثر الأحيان الا مكانا‬
‫متواضعا ‪ .‬فانه يثير مجموعة من المشكلات الاجتماعية والاقتصاديـــــــة‬

‫والعلمية والقومية والايديولوجية التي تشير جميعها بقليل أو كثير مر‬


‫الوضوح والحسم الى الطريق الاشتراكي كحل وحيد ممكن للواقع المتخلف‬
‫والمبعثر في بلدان " العالم الثالث »» ‪ ،‬ومن ضمنها أو في طليعتها الوطـــــن‬
‫العربي باقطاره التقدمية‬

‫ان استنفاد آفاق التقدم و انسدادها امام بلدان ذلك العالم في‬
‫العلاقات الاجتماعية الانتاجية المتعددة وغير المتجانسة فيه ( شبـ‬

‫البورجوازية والاقطاعية والرق والقبلية وربما المشاعية البدائية ) يطرح‬


‫امامها قضية « الثورة » الاشتراكية ‪ .‬من حيث هي الامكانية « الوحيدة‬

‫لتجاوز التخلف الاجتماعي الشامل بتحقيق أعلى ونائر للتنمية الاجتماعية‬


‫الاقتصادية ‪ .‬ولازالة التبعثر والتجزئة القومية بتحقيق الدولة القومية‬
‫الواحدة ‪.‬‬

‫ولا شك انه في عملية الخيار الوحيد هذا يبرز دور الفكر الثــــــــوري‬

‫) أي الاشتراكي الثوري الذي لم يحتضن بعد بشكل كاف معمق من قبل‬

‫ممثلي الطبقات الكادحة انفسهم ‪ ،‬ويكافح بلا هوادة من قبل ممثلي الاقطاع‬
‫والراسمالية الكومبرادورية المتواطئين مع الاستعمار في اكساب تلك العملية‬

‫‪-‬‬ ‫‪10-‬‬
‫ابعادها ومضامينها الدقيقة والمعقدة ‪ ،‬والموضوعة القائلة بانه لا يتم نحول‬

‫اشتراكي ثوري في اطار المجتمع ما لم يقد ذلك فكر اشتراكي ثوري ‪ ،‬ليست‬
‫صحيحة فحسب بالنسبة الى بلدان ) العالم الثالث ‪ »་་‬وانما تبرز اهميتها‬
‫القصوى هنا بشكل مكثف ‪ .‬ذلك لان عمق وشمول التخلف والتجزئة‬

‫في تلك البلدان يطرحان قضية التثوير الفكري الايديولوجي بالحاح ‪.‬‬

‫ان ضعف الانتاج والتقنية وتبعثر الطاقات البشرية والمادية بشكل‬


‫مريع يستثيران بالحاح وبضرورة قصوى دور اللحظة الفكرية والمخططة ‪.‬‬

‫اي ان ذلك الوضع من الضعف لا يمكن طرح تجاوزه والتغلب عليه في تلك‬
‫الطاقات‬
‫البلدان فقط من خلال رفع الانتاج والتقنية وتجميع وصهر‬
‫البشرية والمادية في بوتقة التقدم الاشتراكي وانما يتطلب كذلك وبشكل‬
‫عضوي وثيق التأكيد على اهمية اللحظة الفكرية الثورية المرافقة بشكل‬

‫فعال للجهد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ‪ .‬بل اكثر مـــــــن ذلك ‪.‬‬
‫فاستباق ذلك الجهد استباقا فكريا ايديولوجيا ‪ ،‬أي التخطيط المسبق الفكري‬
‫الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والتقني لذلك الجهد ‪ ،‬يبرز‬
‫كاحدى المسائل الرئيسية في اطار التحويل الاشتراكي في بلدان « العــــالم‬
‫الثالث » ‪.‬‬

‫ان الموضوعية الاساسية المطروحة في ادبيات الاشتراكية الثورية‬


‫حول التطور « المتناسق » لمجموع قطاعات المجتمع الاشتراكي ‪ ،‬صحيحة ‪،‬‬
‫«‬
‫العالم الثالث » التي‬ ‫وتبرهن على صحتها هذه مجددا في بعض بلدان‬
‫اخذت تطرح قضايا التحويل الاشتراكي فيها ‪ .‬فكل تلك القطاعات ينبغي‬
‫أن تطور وتلاحق وتخطط على نحو منسجم ومتناسق بينها والذي يبرز في‬
‫اهميته القصوى في عملية التطوير والملاحقة والتخطيط هذه ‪ ،‬هو الفكر‬
‫الاشتراكي الثوري ‪ ،‬ليس لسبب آخر سوى أنه قادر على الاحاطة بأبعاد‬
‫هذا الكفاح احاطة أكثر شمولا ‪ ،‬للمدى البعيد والقصير في آن واحد ‪.‬‬

‫الفلسفي والسياسي والاجتماعي‬ ‫الثوري ‪،‬‬ ‫ان هذا الفكر‬

‫و الاقتصادي ‪ ،‬يكتسب ضمن تلك الظروف المحيطة ببلدان ذلك العالم‬


‫)»‬
‫اولوية » تجاه المشكلات الاقتصادية والتقنية العلمية الخ ‪ ..‬أي أن‬
‫>>‬
‫مفتاح » الحل لمجموع المشكلات تلك يكمن في تطوير وتدعيم السلطة‬
‫))‬
‫نظري اشتراكي قادر فعلا على‬ ‫السياسية » الثورية المسلحة بفكر‬

‫‪-17-‬‬
‫الاحاطة بابعاد وآفاق هذه المشكلات‪ .‬وبالطبع ‪ ،‬من الخطأ العلمي والخطر‬

‫الاجتماعي أن نطرح الاولوية لذلك الفكر بالتعارض مع الظواهر الاخرى‬

‫جزء أساسي من هذه‬ ‫القائمة ‪ ،‬ذلك لان الفكر هذا هو ‪ ،‬بالتحليل الاخير‬
‫الظواهر الاجتماعية •‬

‫والحقيقة أن هنالك محاولات عديدة ومن مستويات مختلفة انجزها‬

‫عدد من الباحثين والمثقفين خلال فترة امتدت من نهاية الحرب العالمية‬


‫الثانية حتى الآن ‪ ،‬قامت على طرح قضايا الثورة والثقافة في الوطن العربي‬
‫) ونحن هنا نركز على الوطن العربي كجزء من العالم الثالث) ‪ .‬وبالرغم من‬

‫أنها قد أسهمت بشكل ايجابي في هذا الاتجاه فان معظمها ظل يتعثر تحت‬
‫ضغط عاملين أساسيين ‪:‬‬

‫الاول ‪ -‬يكمن في عدم استيعاب مشكلة ( الثورة » على نحو معمق ‪،‬‬
‫اذ سادت في هذا الحقل رؤية ساذجة ترى ان الثورة هي « الطموح »‬
‫الانساني في تغيير مراكز السلطة السياسية ‪ ،‬أو في « اصلاح » بعض‬
‫قطاعات المجتمع أو كلها ويركز في هذه الحال على قطاع التربية والتعليم ‪.‬‬

‫وعلى هذا النحو ظلت تلك المشكلة تطرح في الخط الأول في اطار‬
‫اصلاحي متخلف ‪ .‬فلم تناقش خلال ذلك المسائل الخاصة بـ « العلاقات‬
‫الاجتماعية » و « القوى الانتاجية » الاقطاعية البورجوازية السائدة ‪ ،‬أو‬
‫بالاحرى لم تتعرض البنى الاقتصادية والاجتماعية والايديولوجية في ذلك‬

‫الوطن لنقد جذري بالحد الادنى‬

‫أما العامل المعيق الثاني ‪ -‬ويرتبط بشكل عضوي وثيق بالاول ـ فقد‬
‫كمن في القدرة الضحلة ذات الابعاد الساذجة على التحرك « الثقافي »‬
‫الايديولوجي ‪ .‬ذلك لان تحديد اطار «( الثورة » بامكانات « الاصلاح »‬
‫ضبط وحد من عملية التحرك تلك ‪ :‬أن الثقافة أصبحت على هذا النحو ثقافة‬

‫اللاثورة والاصلاح ‪ ،‬و « القناعة ) ببعض الجوانب غير الجوهرية من مشكلة‬


‫التحويل الحضاري العام في الوطن العربي ‪ .‬واذا أردنا تقصي مسألتنا هذه‬
‫في جوانبها العامة فاننا نجد أن دور الثقافة العلمية الثورية يكتسب في‬
‫الوضع الراهن في بلدان ) العالم الثالث » ‪ ،‬كما في البلدان الرأسمالية‬
‫المتقدمة صناعيا وتكنولوجيا وعلميا ‪ ،‬اهمية قصوى ‪ .‬ففي البلدان الأولى‬

‫‪-IV-‬‬
‫يجد المثقفون الثوريون انفسهم أمام مشكلات التخلف الاجتماعي والاقتصادي‬
‫والتبعثر والتجزئة القومية والوطنية ‪ ،‬أما في البلدان الاخرى فيجدون انفسهم‬
‫امام مشكلات التقدم الصناعي والتكنولوجي والتخلف في العلاقات الاجتماعية‬
‫الانسانية وهنا نجد ظاهرة مثيرة تحتل مواقع مكينة في كلا العالمين ‪،‬‬

‫الراسمالي و « الثالث » ‪ .‬هذه الظاهرة هي التداخل الاجتماعي الطبقي‬


‫المتعاظم كثيرا أو قليلا‬

‫فمع تعاظم وتائر التطور العلمي التكنولوجي في المجتمعات الرأسمالية‬


‫المتقدمة ‪ ،‬يتنطح ايديولوجيون بورجوازيون ليؤكدوا ان المجتمع الرأسمالي‬
‫المعاصر ‪ ،‬ان لم يكن الحديث ‪ ،‬فقد صفته « الراسمالية » ‪ ،‬وتحول الى‬
‫مجتمع صناعي تكنولوجي متطور تنتفي فيه الصراعات الطبقية ‪ .‬وهؤلاء‬

‫الايديولوجيون يجهدون انفسهم ليبرهنوا على نظريتهم هذه بادعائهم ان‬


‫البؤس الاجتماعي قد « انتفى » من تلك المجتمعات ‪ :‬فالجميع يعملون ‪،‬‬
‫والجميع يحققون دخولا اقتصادية ليست منخفضة ‪ ،‬بحيث نشأ ما يسمى‬
‫بـ « المجتمع العظيم » أو « مجتمع الرفاه » أو « المجتمع الصناعي ‪ ، ،‬الذي‬
‫يمكن أن يكون متحدرا من علاقات بورجوازية واشتراكية على السواء ان‬

‫الفروق الاجتماعية الطبقية في المجتمع الرأسمالي تنحسر فتزول عملية‬


‫الاضطهاد الاقتصادي والاجتماعي ‪ ،‬وهذا يعني أن ذلك المجتمع يفقد رويدا‬
‫رويدا شخصيته « الرأسمالية »‬

‫كذلك المجتمع الاشتراكي المتقدم صناعيا وتكنولوجيا علميا ‪ .‬اما‬

‫ما يميزه عن المجتمع الرأسمالي من حيث العلاقات الاجتماعية الانتاجية فهذا‬


‫أمر ينحسر ويزول ‪ ،‬حيث يدخل هذان المجتمعان في مرحلة « تقارب » ‪.‬‬
‫وبذلك فالطموح للثورة على العلاقات الرأسمالية يصبح في هذه الحال من‬
‫الامور النافلة‬

‫العالم الثالث » ‪ .‬فهذا‬ ‫والأمر نفسه ينسحب على واقع بلدان‬


‫الواقع ‪ ،‬المتسم بتخلف عميق وشامل يحاول ايديولوجيو الراسمالية‬
‫الاستعمارية أن يقدموا له الحلول ‪ .‬والحلول هذه تكمن في تحويل تلك‬
‫البلدان الى ورشة تصنيعية تكنيكية ‪ ،‬أي في ادخال احدث منجزات الثورة‬

‫العلمية التكنيكية ورفع وتاثر الانتاج الاقتصادي ‪ .‬ولكن أولئك الايديولولجيين‬


‫لا يثيرون في معرض حديثهم ذاك أي اطار اجتماعي لعملية ادخال تلك‬

‫‪-‬‬ ‫‪--‬‬
‫‪- ١٨ -‬‬
‫المنجزات ‪ :‬هل علينا أن نحقق ذلك في اطار رأسمالي أو اشتراكي ؟ انهم‬
‫يتحاشون هذا التساؤل ‪ ،‬الذي يشكل بالنسبة الى المسألة جانبا جوهريا‬
‫ضروريا ‪.‬‬

‫وللرد على طروح الايديولوجيين أولئك ‪ ،‬نطرح بدورنا السؤال‬

‫التالي ‪ :‬هل تقدم الدول الاستعمارية هذه المنجزات لبلدان « العالم الثالث » ؟‬

‫ونجيب على ذلك بالنفي القاطع ‪ .‬ذلك لان المهم في نظر هذه الدول‬
‫وايديولوجييها هو طمس الحقيقة الموضوعية أمام شعوب تلك البلدان ‪،‬‬

‫هذه الحقيقة هي ‪ :‬ان شعوب » العالم الثالث ( تحتاج احتياجا ماسا أهم‬
‫منجزات التكنيك والعلم المعاصر ‪ ،‬ولكن من خلال ‪ ،‬وتعبير « من خلال »‬
‫هنا جوهري جدا ‪ ،‬عملية تحويل اجتماعي اشتراكي ‪ .‬هذا هو الشق الأول‬
‫من الحقيقة ‪ .‬أما الشق الثاني ‪ ،‬وهو ايضا جوهري ‪ ،‬فانه يكمن في التأكيد‬
‫على ان البلدان الاشتراكية ‪ ،‬وليس الراسمالية ‪ ،‬هي التي تقدم لشعوب‬
‫العالم الثالث » مساعدات اقتصادية وتكنيكية وعلمية بشكل يتيح لها فعلا‬

‫تحقيق عملية التحويل الاشتراكي بصعوبات واشكالات أقل ‪ .‬وهكذا ‪ ،‬وعلى‬


‫هذا النحو ‪ ،‬نستشف الاهمية القصوى للفكر النظري الثوري ‪ ،‬القادر على‬
‫استيعاب الابعاد والمشكلات الخاصة بالبلدان الراسمالية المتقدمة تكنولوجيا‬

‫علميا وبلدان « العالم الثالث » في آن واحد ‪ .‬ان هذا الفكر النظري الثوري‬

‫يتيح كشف الحقيقة المبدئية ‪ ،‬وهي أن المجتمع الرأسمالي المعاصر لهم يفقد‬
‫صفته « الرأسمالية » ‪ ،‬وانما اكتسب اشكالات جديدة متطورة ومعقدة في‬

‫آن واحد ‪ .‬أما « الاضطهاد الاجتماعي » فما يزال يشكل فيه الترسانة‬

‫الاساسية التي يقوم عليها ‪ .‬ولكن كشف هذا الاضطهاد أصبح بالنسبة الى‬
‫فئات كثيرة من المجتمع من الصعوبة بمكان بحيث يقتضي الامر نموا عميقا‬

‫للرؤية الفكرية النظرية الثورية في اذهان تلك الفئات المضطهدة الغائب عنها‬

‫الوعي العلمي ‪ .‬هذا في واقع البلدان الرأسمالية المتقدمة ‪ .‬أما في بلدان‬

‫العالم الثالث » فان عدم التميز والوضوح الاجتماعي الطبقي ـ الناشيء‬


‫عن التداخل المعقد في الاشكال الاجتماعية الاقتصادية الاقطاعية‬
‫والبورجوازية المبكرة الهجينة والقبلية وعن تداخل هذه جميعا مع بعض‬
‫‪-‬‬
‫ملامح تحول اجتماعي اقتصادي لصالح القطاع الانتاجي العام – يخلق‬
‫ويكرس فوضى فكرية نظرية واسعة النطاق والابعاد لدى مجموعات كبيرة‬
‫من جماهير تلك البلدان‬

‫‪-‬‬
‫‪-19-‬‬
‫في هذا الوضع الخاص المعقد يقفز الفكر الاشتراكي الثوري الى‬
‫المقدمة ليعمل على ايجاد وتعميق وضوح علمي اجتماعي حول ذلك‬
‫الوضع ‪ .‬هذا يعني بالضبط ان عملية تسييس وتثقيف الجماهير وتكوين‬
‫ثقتها بنفسها كقوة تاريخية محركة ‪ ،‬يغدو أمرا في منتهى الاهمية والضرورة ‪.‬‬

‫فهذه الجماهير المحرومة في حالات كثيرة من الحد الادنى الضروري للمعاش‬


‫المادي والخاضعة لتقلبات أمزجة الموظفين البيروقراطيين الكبار والصغار‬
‫المتواطئين بحدود مختلفة مع السادة الاقطاعيين وارباب العمل الرأسماليين ‪،‬‬
‫نقول ‪ ،‬أن هذه الجماهير يمكن أن تتحول فعلا الى قوة اجتماعية هائلة ‪ ،‬اذا‬

‫انصهرت في بوتقة ايديولوجية وتنظيمية وسياسية واحدة متجانسة تتجــــه‬


‫باتجاه الاطاحة بالسلطة السياسية والاقتصادية والايديولوجية لاولئك‬

‫الاقطاعيين والبورجوازيين ‪ ،‬الذين لا يحسون في الحقيقة بغلبتهم ووقتهم الا‬


‫لان تلك الجماهير بمنظماتها السياسية تعيش تمزقا سياسيا وايديولوجيا‬
‫وتنظيميا شاملا وعميقا •‬

‫والمدقق في الامر يصل الى النتيجة القائلة بأن دور الفكر النظري‬
‫الثوري قد يبرز بقوة أكثر واهمية ادق في بعض بلدان « العالم الثالث » ‪،‬‬
‫التي تعاني من تجزئة قومية ‪ ،‬الى جانب تخلفها الاجتماعي الحضاري العام‬
‫كما هو الحال مثلا في الاقطار العربية‬

‫بيد أن تحقيق نجاح مرموق لهذا الفكر في تلك البلدان أمر تعتوره‬
‫صعوبة أساسية ‪ ،‬هي عدم وجود تطور متواز هنالك ‪ .‬الا انه على الرغم‬
‫من ذلك فان الاستخدام العقلاني الثوري لذلك الفكر يتيح الاحاطة بأبعاد‬
‫وآفاق عملية التوحيد القومية لتلك الاقطار ‪ ،‬والاسهام بشكل فعال في‬

‫تحقيقه ‪ .‬ذلك لان ربط قضايا التوحيد القومي بقضايا التحويل الاجتماعي‬
‫التقدمي ‪ ،‬لم يغن الفكر الاشتراكي الثوري فحسب ‪ ،‬وانما فتح أمام قضايا‬
‫التوحيد القومي آفاق جديدة هائلة وامكانيات للتحقيق لم تكن من قبل واردة‬
‫اطلاقا ·‬

‫فمن خلال ذلك الفكر الثوري استبانت ضرورات توثيق الوحدة القومية‬
‫بوحدة الجماهير ( الطبقات ( الكادحة في تلك البلدان ‪ .‬ذلك لان عجز‬
‫الطبقات البورجوازية الاقطاعية الهجينة عن تحقيق الوحدة القومية لبلدانها ‪.‬‬
‫نقل هذه المهمة من نطاقها الى نطاق الطبقات الكادحة المناضلة في نفس‬
‫‪.‬‬ ‫الوقت من أجل تقدمها الاجتماعي‬

‫‪- ۲۰‬‬
‫لقد حقق المجتمع الراسمالي الأوربي المتطور ثورات عديدة الانتاجية‬
‫الاجتماعية والصناعية والتكنيكية العلمية والقومية وذلك في اطار الثورة‬

‫البورجوازية التي أخذ ينجزها انطلاقا من القرن الخامس عشر ‪ .‬وفي خلال‬
‫ذلك احتدم النضال العميق والشامل بين علاقات الانتاج فيه القائمة على‬
‫التملك البورجوازي الاستغلالي المتخلف واللا انساني والعاجز عن استيعاب‬
‫آفاق التقدم من جهة ‪ ،‬وبين قوى الانتاج الطامحة الى التقدم بشكل عاصف ‪.‬‬
‫) على سبيل المثال نجد الولايات المتحدة الامريكية تمثل هذا الوضع اصدق‬
‫تمثيل ) ‪.‬‬

‫هذا يعني ان المجتمع الرأسمالي المعاصر المتطور استنفد امکانیات‬


‫نموه وتقدمه على أساس العلاقات الاجتماعية القائمة فيه ‪ .‬فلقد وصل‬

‫التقاطب بين هذه العلاقات الاجتماعية المتخلفة حتى العظم وبين قوى الانتاج‬
‫الطامحة الى التقدم العاصف حدا لم يعد فيه حل المشكلة ممكنا على أساس‬
‫الثورة ( الاشتراكية أمرا ملحا ووحيدا من‬ ‫الوضع القائم ها هنا تبرز »‬
‫أجل حل هذا « الاشكال " التاريخي ·‬

‫اما بلدان ) العالم الثالث » ‪ ،‬ومنها الوطن العربي ‪ ،‬فقد ظلت تراوح‬
‫في اطار ما قبيل الثورة البورجوازية الديمقراطية ‪ ،‬بحيث وجدت نفسها أمام‬
‫طريق مسدود ‪ ،‬طريق الثورات الثلاث ( الاجتماعية الانتاجية التصنيعية ‪.‬‬

‫والعلمية الايديولوجية ‪ ،‬والقومية ) ‪ ،‬التي حملت لواء التقدم الشامل للمجتمع‬


‫الانساني قبل تكون المجتمعات الاشتراكية الحديثة •‬

‫و انطلاقا من هذه المعاينة الاجتماعية والتاريخية لواقع « العالم‬


‫الثالث » ‪ ،‬نجد أن تحقيق تلك الثورات فيه لم يعد مرهونا بتحقيق ثورة‬

‫بورجوازية ديمقراطية شاملة ‪ -‬ذلك لان هذا الامر أصبح ضمن الظروف‬
‫الداخلية والخارجية غير ممكن اطلاقا ‪ -‬وانما بتحقيق مجتمع اشتراكي‬

‫متقدم ‪ .‬وفي الحقيقة ‪ ،‬هذا المجتمع يشكل الامكانية » الوحيدة » لانجاز تلك‬
‫الممهات وهنا ينبغي أن نؤكد ثانية على ان انفراد المجتمع الاشتراكي بتحقيق‬
‫ذلك في « العالم الثالث » لا يعود في الخط الاول الى موقف انساني معاد‬
‫الراسمالية ‪ ،‬وانما الى سبب اساسي ‪ ،‬وكون التواطؤ التاريخي الذي‬

‫انعقد بين الاقطاع والارهاصات البورجوازية تحت الضغوط الاستعمارية‬


‫الخارجية والاقطاعية الداخلية ‪ ،‬قد أغلق الابواب دون حل مهام تلك‬
‫الثورات من قبل البورجوازية الوليدة المبعثرة ·‬

‫‪- ۲۱ ----‬‬
‫هكذا تبدو مسألة « الثورة » في بلدان « العالم الثالث » معقدة حتى‬
‫الحد الاقصى ‪ ،‬في الوقت الذي تشكل فيه كذلك المسألة الاكثر اهمية‬
‫وجوهرية والحاحا في واقع تلك البلدان ‪.‬‬

‫وفي الحين الذي نرى فيه ونؤكد على أن مسألة ( الثقافة » في « العالم‬

‫الثالث » كما في أي مجتمع آخر ‪ ،‬تخضع بالخط العام وبالحدود الأساسية‬


‫لامكاناته على التحرك الاجتماعي الاقتصادي والسياسي ‪ ،‬فاننا نلح كذلك‬
‫على حقيقة كنا قد أشرنا اليها سابقا ‪ ،‬وهي ان الثقافة أو الفكر النظري‬
‫خصوصا يمكن أن يمارس ضمن تلك الظروف المعقدة والمتشابكة دورا‬

‫حاسما » في تكوين وضع متماسك ومفعم بالتوقعات الايجابية لدى جماهير‬


‫الطبقات الاجتماعية المعدومة في البلدان « المتخلفة » ‪ ،‬بالطبع ‪ ،‬هذا ممكن‬
‫شريطة أن يلتحم هذا الفكر النظري بواقع تلك الجماهير التحاما يغنيــه‬
‫‪.‬‬
‫ويطوره ‪ ،‬كما يغني ويطور آفاق التماسك والتضامن في هذا الواقع‬

‫ولا شك ان القول بامكانية المثقفين المسيسين الثوريين على اكساب‬

‫الفكر النظري الثوري ) الاشتراكي ( ابعادا عموديا و افقيا في واقع « العالم‬


‫الثالث » ‪ ،‬يتضمن التأكيد الضروري بأن جماهير هذا العالم يمكنها من خلال‬
‫ذلك ‪ ،‬أي بالتلاحم مع أولئك المثقفين المسيسين ‪ ،‬يمكن أن تحقق حرية‬
‫أولية تقوم على استيعاب مشكلة تلك الجماهير استيعابا علميا ثوريا باتجاه‬
‫طها طبقا لمقتضيات امكانات وآفاق التقدم الاجتماعي التاريخي في مرحلتها‬
‫الراهنة‬

‫وعلينا هنا أن نسارع فنشير الى أن ما نقصده بـ « المثقفين الثوريين‬

‫المسيسين » تلك المجموعة المثقفة المتحدرة في مجتمعات « العالم الثالث »‬


‫اكثر الاحيان من أصول طبقية بورجوازية صغيرة ‪ ،‬التي تدرك عبر واقعها‬

‫الاجتماعي » المهلهل » الذي لا يختلف كثيرا عن وضع الطبقتين الكادحتين‬


‫العمالية والفلاحية الفقيرة ‪ ،‬وعبر ثقافتها المتنامية أكثر فأكثر باتجاه الفكر‬

‫الاشتراكي العلمي ‪ ،‬ان تحقيق التقدم الاجتماعي ‪ ،‬والوحدة القومية في بعض‬


‫العالم الثالث » لا يمكن أن يتم خارج التحويل الاشتراكي ‪ .‬والمثقفون‬ ‫بلدان‬
‫الثوريون أولئك يتوصلون ‪ ،‬بالتفاعل مع عملية التحول داخل البنية‬
‫الاقتصادية والاجتماعية والايديولوجية والقومية لكل طبقة كادحة مضطهدة‬
‫) وبشكل خاص العمالية والفلاحية الفقيرة ( وللمجتمع بمجموعه ‪ ،‬الى‬

‫‪-‬‬
‫‪- ۲۲‬‬
‫النتيجة المبدئية الخطيرة ‪ ،‬وهي ان عملية التقدم الاجتماعي الاشتراكي تلك‬
‫ضابط » سياسي يضبط اتجاهها ويقودها الى‬ ‫تحتاج أول ما تحتاج الى‬
‫النجاح ‪ .‬هذا « الضابط » هو في الحقيقة الحزب السياسي الثوري‬

‫هكذا تتبدى الاهمية القصوى لـ ( ادراك ( هذه المسائل المتعلقة بالواقع‬


‫الاجتماعي والبنية السياسية والايديولوجية لمجتمعات « العالم الثالث » ذلك‬

‫لان هذا « الادراك » يدخل في اطار العوامل الذاتية الضرورية في عملية‬

‫التحويل الاجتماعي ‪ .‬هذا يعني انه اذا توفرت هذه الشروط « الذاتية »‬
‫يمكن ان تقود الواقع الاجتماعي والقومي الى الاهداف الحقيقية المتوخاة ‪،‬‬
‫رغم الصعوبة في التحليل الشامل لهذا الواقع وحصيلة ذلك ‪ ،‬نجدها تتركز‬
‫في ان الفكر النظري الثوري يمكنه ‪ .‬اذا وجد في احد مجتمعات « العالم‬
‫الثالث » أن يقود هذا المجتمع في طريق التقدم ·‬

‫هذا يعني ‪ ،‬وهنا موضع المسألة الاساسي ‪ ،‬انه لا يوجد علاقة‬

‫الية « اشتقاقية » بين الفكر النظري الثوري المتقدم والواقع الاجتماعي‬

‫المتخلف ‪ ،‬بل علاقة جدلية متحركة ‪ ،‬لا تمنع من أن يكون هنالك واقع‬

‫اجتماعي متخلف وفكر نظري متقدم في مرحلة تاريخية واحدة ‪ .‬اذ ان خلف‬

‫مثل هذه الظاهرة يكمن سببين رئيسيين ‪ .‬أولهما قدرة مثقفي الطبقات‬

‫الكادحة ومثقفي الطبقة البورجوازية المتخلفة على انسلاخهم من واقعهم‬

‫الطبقي « الضحل » انسلاخا ايديولوجيا ‪ .‬بحيث يتيح لهم ذلك الاحاطة‬

‫بأبعاد هذا الواقع واستشراق آفاقه المستقبلية أما السبب الآخر فهو التأثير‬

‫الذي تمارسه البلدان الاشتراكية وحركات التحرر القومي والاجتماعي في‬

‫البلدان الرأسمالية والنامية ‪ .‬وهذا التأثير الذي يتمثل بتعاظم واتساع‬

‫أهمية الفكر الاشتراكي العلمي ‪ ،‬وبالنضال ضد الاستعمار والرأسمالية ‪،‬‬

‫وبضرورة تكوين مجتمع عصري متقدم يستوعب مهمات التحويل الاشتراكي ‪،‬‬

‫بما فيها وضع خطط للمدى القريب والبعيد لرفع وتائر الانتاج وتحويل العلم‬
‫لى قوة انتاجية مباشرة وتحرير المرأة كمسألة من مسائل التنمية الاقتصادية‬

‫الاجتماعية ‪ ،‬وتوحيد الأوطان المجزأة كواحد من أشكال التكتل الاقتصادي‬


‫ضد الاستعماري الاقتصادي ‪ .‬وضرب المفاصل الرئيسية للبيروقراطية في‬
‫المجتمع واجهزة الدولة الخ ‪.‬‬

‫‪--‬‬
‫الحديث عن دور واهمية الفكر النظري‬ ‫ومن الضروري ‪ ،‬في معرض‬
‫الثوري في » العالم الثالث ( ان نؤكد على ان مثقفي هذا العالم لا يمكلهم‬
‫أن يسهموا في الاجابة النظرية العلمية عن مشكلات بلدانهم الراهنة ‪.‬‬
‫والمتوقعة اسهاما جدليا خلافا بمعزل عن تناولهم بتراثهم الفكري والحضاري‬
‫العام ‪ .‬واكتشاف حلقات الوحدة والتجانس الايجابي بين الجوانب الايجابية‬
‫التقدمية من هذا التراث من جهة ‪ ،‬وبين الفكر الاشتراكي العلمي من جهة‬
‫اخرى • هذا الفكر الذي يحاولون على أساسه صياغة الحلول الفعلية‬

‫الثورية لمشكلات بلدانهم صياغة تعتمد التحليل الموضوعي الدقيق الشامل‬


‫‪ ،‬أي‬ ‫والمجانب لكل اشكال التبلد الايديولوجي والنقل الجمودي الحرفي‬
‫المجانب لـ « التأملية » و « التجريبية ( هاتان الظاهرتان اللتان تشكلان‬

‫العالم الثالث » يعمل على اعاقة‬ ‫واقعا مرضيا سلبيا في البنية لمثقفي بلدان )‬
‫الوصول الى طرح علمي ثوري ) لمشكلاتها ( أي طرح يوحد بين الفكر‬
‫الاشتراكي العلمي وواقع تلك البلدان توحيد ا عميقا بعيدا عن التصنيع‬
‫والزيف •‬

‫والحصيلة الاساسية للتحليل الذي قدمناه تكمن في نقاط محددة هي ‪:‬‬

‫‪ (« -‬العالم الثالث ( هو مشكلة اجتماعية واقتصادية وتكنيكية‬


‫‪۱-۱‬‬

‫وسياسية اثبت البحث العلمي ويثبت وجودها كمشكلة ذات خصائص‬


‫ومواصفات متميزة ومستقلة نسبيا عن خصائص ومواصفات البلدان‬
‫الصناعية المتقدمة ‪ ،‬الراسمالية والاشتراكية ‪ .‬والاقرار بهذا الواقع يقود‬

‫الى الاقرار بمسألة هامة ‪ ،‬هي ضرورة توظيف القدرات العلمية الاقتصادية‬
‫والاجتماعية والفلسفية في سبيل استجلاء ابعاد وآفاق ذلك العالم على‬
‫نحو أكثر عمقا وشمولا‬

‫ان التميز والاستقلال النسبي لخصائص ومواصفات العالم‬


‫الثالث لا يعني انه لا يلتقي ببعض خصائص ومواصفات العالم الاشتراكي‬
‫والعالم الراسمالي ‪ .‬ان هذا الالتقاء وارد ويمكن ملاحظته انطلاقا من مفهوم‬
‫النمط أو التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية » ‪ .‬ففي مجموع تلك العوالم‬
‫يسود واحد أو أكثر من الانماط الاجتماعية الاقتصادية ‪ ،‬وان كانت هذه‬
‫الانماط في العالم الثالث متعددة ومتخلفة ولم يأخذ أحد منها بعد ‪ ،‬وبشكل‬
‫عام ‪ ،‬موقع الحسم والهيمنة على الانماط الأخرى‬

‫‪- 34-‬‬
‫ـ ان وصولنا الى تلك النتائج يدعونا الى رفض الاتجاه السائد‬

‫في بعض أوساط علم الاجتماع والاقتصاد السياسي الذي يقول بـ « النظرية‬
‫الثالثة » أو « الطريق الثالث » ‪ .‬والمقصود بذلك ان يبحث سكان ومفكرو‬

‫العالم الثالث ( عن نظرية جديدة لا هي اشتراكية ولا هي رأسمالية ‪،‬‬


‫وعن طريق في التقدم لا هو اشتراكي ولا هو رأسمالي ‪ .‬والحقيقة ‪ ،‬ان الاخذ‬
‫بهذا الاتجاه ( الثالث » والدفاع عنه من قبل علماء الاجتماع والاقتصاد‬
‫البورجوازيين المعاصرين يعني أولا وقبل كل شيء ابعاد شعوب العالم‬
‫الطريق الاشتراكي ‪ ،‬خلال مشكلاتهم الاجتماعية‬ ‫الثالث عن الطريق الصحيح‬
‫والقومية ‪ ،‬وجعلها مرتبطة بشكل او آخر بابعاد وآفاق النظام الرأسمالي‬
‫الاستعماري في العالم ‪.‬‬

‫اما حينما تنطلق الدعوة لذلك ) الطريق أو النظرية الثالثة » ضمن‬


‫مثقفي العالم الثالث انفسهم ‪ ،‬فهي أما صدى لما يطلقه أولئك العلماء‬

‫البورجوازيون ‪ ،‬واما تعبير عن قصور علمي معرفي أو عن يأس اجتماعي‬


‫الموقع الثوري ‪.‬‬
‫وقومي وتخلف في‬

‫" وقد انتبهت بعض المنظمات والاحزاب السياسية في بلدان ذلك العالم‬
‫الى هذا الخطأ العلمي المعرفي والخطر الاجتماعي السياسي ‪ ،‬فرفضت‬
‫‪ .‬ففي الوطن‬ ‫الطريق الثالث »‬ ‫وأدانت تلك « النظرية الثالثة ( وذلك »‬

‫العربي أماط حزب البعث العربي الاشتراكي اللثام عن ملابسات هذه‬


‫المسالة ‪ ،‬حيث أكد في أحد نشراته الثقافية « ‪ ...‬انه لا توجد اشتراكية‬
‫غينية أو تانزانية أو عربية بل هناك طرق غينية و تانزانية وعربية الى‬
‫الاشتراكية ‪ ،‬وان هذه الطرق ليست سوى تشعبات تنطلق من الاشتراكية‬

‫العلمية ‪ ،‬الحل الوحيد الصالح لمشاكل عالمنا ‪ ،‬وان المصاعب التي تواجه‬

‫التحويل الاشتراكي في العالم الثالث ليست مصاعب ايجاد النظرية الملائمة‬


‫بل هي مصاعب ملاءمة النظرية الموجودة مع الظروف المميزة التي تحدد‬
‫هويتنا وتتطلب منا بذل الجهد للتعرف على طريقنا الخاص »‬

‫الثقافة‬
‫) الاشتراكية الاصلاحية والاشتراكية في العالم الثالث )‬
‫العامة ‪ ٤‬ص ‪ ، ٣٤‬كانون الأول ‪١٩٦٨‬‬

‫ـ في واقع العالم الثالث ‪ ،‬المتخلف تخلفا عميقا وشاملا والذي‬

‫‪- ٢٥ -‬‬
‫يحتوي مجموعة من الانماط الاجتماعية الاقتصادية المتناقضة والمتصارعة‬

‫في داخل كل منها وفيما بينها جميعا ‪ ،‬في هذا الواقع يبرز عاملان أساسيان‬

‫يمكن أن يسهما بشكل حاسم في عملية التقدم والتحرر لبلدان ذلك العالم‬
‫أولهما ‪ :‬التفاعل الداخلي العميق والشامل في جميع الحقول ‪ ،‬وخصوصا‬
‫الحقل السياسي ‪ ،‬فحينما يصل الى السلطة حزب سياسي اشتراكي يمثل‬
‫احد تلك الانماط الاجتماعية السائدة ‪ .‬فان هذا يعتبر خطوة كبيرة وضرورية‬

‫لتغليب هذا النمط على الانماط الاخرى السائدة ‪ .‬ان استراتيجية ذلك‬
‫الحزب السياسية والاقتصادية والعلمية والقومية والاجتماعية تقود‬

‫اذا كانت متماسكة ومتجذرة في جماهير البلد المعين ‪ ،‬الى تحقيق الثورة‬
‫الاجتماعية والقومية ‪ ،‬المهم في ذلك هو تعاظم الدور السياسي ‪ ،‬بل اولويته‬
‫في مثل هذه الظروف المعقدة‬

‫والدور السياسي هذا ‪ ،‬الذي يمارسه حزب سياسي معين ‪ .‬له‬


‫خلفية نظرية ايديولوجية معينة ‪ .‬وبذلك فالوضوح في الرؤية السياسية‬
‫والايديولوجية والتنظيميه هو ‪ ،‬بالعلاقة مع الالتزام العملي الثوري بمطامح‬
‫ري‬
‫ي لقادة الثورة‬ ‫هر‬
‫وه‬‫جو‬
‫لج‬‫ال‬
‫ط ا‬
‫رط‬‫شر‬
‫لش‬‫ال‬
‫واهداف الجماهير الكادحة الساحقة ‪ ،‬ا‬
‫العالم الثالث « بيد أن ذلك الوضوح ‪ ،‬وهذا‬ ‫الاشتراكية والقومية في بلدان‬
‫امر مفهوم بذاته ‪ ،‬لا يتكون في ليلة وضحاها ‪ ،‬وانما هو حصيلة الكفاح‬

‫الاجتماعي والاقتصادي والقومي والايديولوجي ‪.‬‬

‫اما العامل الثاني في تقدم وتحرر بلدان ) العالم الثالث » ‪ ،‬فهو الكفاح‬
‫الدؤوب ضد الاستعمار القديم والحديث وتدخله الاقتصادي والثقافي‬
‫والعسكري في تلك البلدان من جهة ‪ .‬وتوطيد العلاقات الاقتصادية‬
‫والسياسية والعلمية والفكرية مع بلدان النظام الاشتراكي بوتائر متطورة‬
‫أكثر فأكثر وأعمق فأعمق من جهة أخرى ‪ .‬ذلك لان هذا الامر يتعلق بشكل‬

‫وثيق بعملية التقدم الشامل والعميق في بلدان ) العالم الثالث » بعيدا عن‬

‫الشروط السياسية بل أكثر من ذلك ‪ ،‬ان اقامة تحالف طبقي عالمي مع بلدان‬
‫النظام الاشتراكي ‪ ،‬اصبح له في واقع تلك البلدان أكثر من مبرر ‪ .‬فالطغيان‬
‫الاستعماري و عمق التخلف في البلدان هذه يجعلان ذلك التحالف مشروعا‬
‫وضروريا ‪ .‬هذا اذا اضفنا ان البلدان الراسمالية الاوربية ظلت طوال القرن‬

‫التاسع عشر وبعضا من القرن العشرين تخضع شعوب البلدان الصعيفة‬


‫لنهب شامل ومنظم ‪ ،‬بحيث ان هذه البلدان اصبحت عسيرة على الفهم‬

‫‪- ٢٦ -‬‬
‫بمعزل عن طرح علاقاتها بالعالم الخارجي ‪ .‬ولذلك فضرب المصالح‬
‫الاستعمارية في مجتمعات العالم الثالث ‪ .‬لم يعد موضوعيا ممكنا انطلاقا‬
‫من القوى الذاتية فحسب ‪ .‬بل اصبح عقد أوثق الصلات بين تلك المجتمعات‬

‫وبلدان النظام الاشتراكي شرطا مكملا لعملية التحرر والتقدم الاجتماعي‬


‫و القومي في هذه المجتمعات ·‬

‫فمزيد من العمق في الرؤية النظرية الاشتراكية العلمية في ظروف‬


‫)‪1‬‬
‫العالم الثالث » ‪ .‬ومزيد من تلاحم الحركات الثورية في هذا العالم مع‬
‫البلدان الاشتراكية وشعوب العالم الراسمالي ‪ .‬ومزيد من الفرز الطبقي‬
‫والقومي في بلدان عالمنا ‪ .‬ان هذه الامور جميعا تشكل ركيزة اساسية للثورة‬
‫الاشتراكية والقومية في هذا العالم ‪.‬‬

‫ولا شك ان حزبنا ‪ .‬حزب البعث العربي الاشتراكي ‪ ،‬بتفهمه لتلك‬


‫المسائل النظرية والعملية ‪ .‬يسهم بشكل فعال في نضال شعوب « العالم‬
‫الثالث » من أجل التحرر والتقدم ‪·.‬‬

‫‪- TV-‬‬
‫حركات التحرر‬
‫في العالم الثالث‬

‫‪- ۲۹ -‬‬
‫مخطط البحـــث‬

‫– الراسمالية الاوربية وظهور الاستعمار ‪:‬‬ ‫ا‬

‫‪ - T‬الدول المستعمرة ‪.‬‬

‫‪ -‬البلدان المستعمرة ‪.‬‬

‫‪ -‬البلدان شبه المستعمرة ‪.‬‬

‫‪ – ۲‬عجز الاساليب الاستعمارية القديمة وبوادر التغيير ‪.‬‬

‫‪ -‬نتائج الحرب العالمية الثانية وخصائص العصر الراهن ‪.‬‬

‫‪T‬‬
‫‪ -‬على نطاق المعسكر الامبريالي ‪.‬‬

‫‪ -‬في نطاق العالم الاشتراكي ‪.‬‬

‫{ ‪ -‬انهيار نظام المستعمرات ‪.‬‬

‫لاستعمار الجديد والنضال من أجل الاستقلال الاقتصادي •‬


‫ه ‪ -‬ا‬

‫خصائص حركة التحرر القومي في مرحلة الاستعمار الجديد ·‬


‫‪- 1‬‬

‫ريالية •‬
‫‪ - ۷‬دور ثورة التحرر القومي في النضال ضد الامب‬
‫ا ‪ -‬الراسمالية الاوروبية وظهور الاستعمار ‪:‬‬

‫بدات ظاهرة الاستعمار كامتداد اقتصادي للرأسمالية الاوروبية‬


‫الصناعية خارج حدود القارة ‪ ،‬وكان الهدف منه تأمين أسواق تصريف‬
‫منتجات الصناعة النامية من جهة وضمان موارد المواد الخام اللازمة‬
‫لتوسيع هذه الصناعات من جهة ثانية ‪ .‬ولم يكن ثمة حاجة امام انكلترا‬
‫في بداية تطورها الصناعي الى التفتيش عن أراض لتستعمرها وتقيم‬
‫سلطانها السياسي عليها ما دامت تجارتها معها تتم بدون منافسة ‪.‬‬

‫وحتى في حال ظهور شركات أوروبية منافسة أخرى لم تكن لتؤثر على‬
‫تجارة انكلترا مع القارة الاسيوية نظرا لتمتع الصناعة الانكليزية آنذاك‬
‫بتفوق مطلق على الصناعات الاوروبية ‪ .‬ولعل هذا العامل هو الذي دفع‬
‫الاقتصاديين ورجال السياسة الانكليز الى المطالبة بحرية التجارة الخارجية‬
‫بين البلدان في حين ظهرت اتجاهات أخرى في أوروبا تطالب بتقييد حرية‬
‫التجارة الخارجية من أجل خلق ظروف مؤاتية أمام صناعة الاقطار الاوروبية‬
‫الاخرى للنمو والازدهار‬

‫وهكذا بعد انتشار الثورة الصناعية في بقية ارجاء القارة الاوروبية‬


‫وظهور شركات أوروبية أخرى منافسة للشركات الانجليزية التي تتاجر مع‬
‫الهند وغيرها من البلدان ظهرت الحاجة الى بسط السلطان السياسي على‬
‫أراض معينة بغية ( حمايتها ( من منافسة الشركات العائدة الى اقطار‬
‫أخرى ‪ .‬على هذا النحو تميز النصف الثاني من القرن التاسع عشر بركض‬
‫الاقطار الاوروبية للاستيلاء على المستعمرات ‪ .‬وكانت سنوات ‪– ١٨٦٠‬‬
‫‪ ۱۸۸۰‬مرحلة اشتداد الاستيلاء على المستعمرات اشتدادا هائلا بالنسبة‬
‫لانكلترا ‪ ،‬وازداد هذا الاتجاه ‪ .‬بشكل ملحوظ في العقدين الاخيرين من القرن‬
‫التاسع عشر ( ‪ . ) -۱۹۰۰ ۱۸۸۰‬أما بالنسبة لفرنسا والمانيا فقد كان‬

‫العقدان الاخيران من التاسع عشر مرحلة السعي للحصول على‬


‫المستعمرات ‪ .‬وبنهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كانت‬
‫الدول الكبرى آنذاك ( انكلترا ‪ ،‬روسيا ‪ ،‬فرنسا ‪ ،‬المانيا ‪ ،‬بالاضافة الى‬

‫دول أخرى مثل بلجيكا وهولندا وغيرها ) قد سيطرت على كل أقطار الكرة‬

‫الارضية ‪ .‬وبشكل آخر فقد انقسم العالم الى ثلاث مجموعات من البلدان ‪:‬‬
‫ا ـ الدول المستعمرة ‪ :‬وهي التي تسيطر اقتصاديا على مساحات‬
‫شاسعة من الاراضي وتخضع لسلطانها السياسي ملايين البشر من سكان‬
‫المستعمرات‬

‫ب ‪ -‬البلدان المستعمرة ‪ :‬وهي البلدان الخاضعة لحكم الدول‬


‫الاستعمارية مباشرة حيث تتولى هذه الاخيرة السلطة السياسية والهيمنة‬
‫الاقتصادية‬

‫ج ‪ -‬البلدان شبه المستعمرة ‪ :‬وهي بلدان تتمتع باستقلال اسمي‬


‫صوري ولكنها في الواقع تابعة لنفوذ الدول الكبرى وبصورة أخرى يمكن‬

‫القول انها الدول التي توضح أكثر ما يمكن مقدرة الرأسمال المالي على‬
‫اخضاع بلدان شاسعة لنفوذه دونما حاجة الى استخدام الجيوش والاحتلال‬
‫العسكري ‪ ،‬وهي بنفس الوقت تعتبر بذورا للاستعمار الجديد الذي طبع‬
‫•‬
‫العلاقات بين الدول الامبريالية المتقدمة والدول المتخلفة فيما بعد‬

‫‪ ۲‬ـ عجز الاساليب الاستعمارية القديمة وبوادر التغيير‬

‫غير ان الاستعمار الاوروبي بالشكل الذي وصفناه أعلاه أي ما نطلق‬


‫عليه اليوم تسمية الاستعمار القديم لم يستطع الاستمرار في حكم‬
‫المستعمرات بنفس الاسلوب ويتضح هذا أكثر ما يمكن من سعي الدول‬
‫الاستعمارية الاوروبية للتفتيش عن تسميات جديدة للاحتلال العسكري بعد‬
‫الحرب العالمية الاولى كالانتداب والحماية وغير ذلك ‪ .‬والرأسمال‬
‫الاوروبي بدوره عمل ‪ ،‬في سبيل زيادة ارباحه من استغلال المستعمرات ‪،‬‬
‫الرأسمالية ‪ .‬والرأسمالية‬ ‫الشعوب المضطهدة الى لجة‬ ‫عمل على جذب‬
‫نفسها بما تقود اليه من تطور للقوى المنتجة وزيادة الوعي القومي تقدم‬
‫للشعوب المضطهدة شيئا فشيئا الوسائل والاساليب للتحرر ‪ .‬وهكذا مع‬
‫زيادة الوعي القومي وتفتح المشاعر ونمو الاحساس بالظلم بدأت شعوب‬
‫المستعمرات تضع نصب أعينها نفس الهدف الذي كانت ترى فيه الامم‬
‫الاوروبية هدفها الاسمى ‪ ،‬أي انشاء دولة قومية موحدة باعتبارها وسيلة‬
‫للحرية السياسية والاقتصادية والثقافية ‪ .‬وبدأت هذه الحركة الطامحة‬
‫الى الاستقلال تهدد الرأسمال الاوروبي في أهم ميادين الاستعمار ولم يكن‬
‫بوسعه الاحتفاظ بسيطرته على المستعمرات الا بزيادة قواته العسكرية‬

‫‪٣٢ -‬‬
‫بصورة دائمة ‪ .‬والى جانب ذلك ظهرت الولايات المتحدة الامريكية بعد‬

‫الحرب العالمية الاولى كدولة كبرى ليس لها مطامع استعمارية لانها بلد‬
‫غني بثرواته الطبيعية ولم تكن صناعتها بعد قد بلغت مرحلة من التوسع‬
‫بحيث تضيق بها أسواقها الداخلية وأسواق البلدان المجاورة لها ‪ .‬أضف الى‬
‫ذلك ان الولايات المتحدة الامريكية وضعت نصب أعينها بناء امبراطورية‬

‫بدون مستعمرات » أي الحلول محل الاستعمارين الفرنسي والانكليزي‬


‫بدون جيوش احتلال ‪ .‬ولهذا السبب نشطت الحكومة الامريكية في اظهار‬
‫نواياها الحسنة » حيال مطالبة المستعمرات باستقلالها السياسي‬

‫وجاءت الحرب العالمية الثانية دليلا واضحا على ان اقتسام العالم‬


‫جغرافيا ( اي احتفاظ كل بلد استعماري بمجموعة من المستعمرات » لم‬
‫بعد ممكنا بسبب تفاوت تطور الراسمالية بين البلدان الاستعمارية وظهور‬
‫دول قوية اقتصاديا بحاجة الى اسواق لتصريف منتجاتها ومصادر مواد‬

‫أولية ‪ ،‬أي بحاجة لما أطلق عليه الاستعماريون » المجال الحيوي » ‪ .‬وهذا‬
‫ما حصل فعلابالنسبة لالمانيا عندما ازدادت قوتها الاقتصادية بشكل أصبحت‬

‫معه حصتها من المستعمرات لا تتناسب مع حاجاتها للاسواق ومصادر‬


‫الخامات فكان ذلك سببا في اندلاع الحرب العالمية الثانية ·‬

‫‪ -‬نتائج الحرب العالمية الثانية وخصائص العصر الراهن‬

‫كان للحرب العالمية الثانية نتائج اقتصادية وسياسية واجتماعية‬


‫على العالم بأسره ‪ .‬فقد كان من نتائجها انهيار امبراطوريات واسعة وقيام‬
‫قوى جديدة امبريالية لعبت فيما بعد دورا حاسما في تاريخ البشرية ‪ ،‬كما‬
‫ادت الى تحول الاشتراكية في بلد واحد ( الاتحاد السوفييتي ) الى نظام‬
‫اشتراكي عالمي له دوره المتزايد في تقرير مستقبل الانسانية من جهة ثانية‬
‫كشفت الحرب طبيعة الاستعمار أمام شعوب المستعمرات ‪ ،‬وأوضحت بما‬
‫لا يقبل الشك الاهداف الاقتصادية للحروب وعدم اهتمام الدول المستعمرة‬
‫بمصالح المستعمرات كما كانت تدعي ( نظام الانتداب والحماية الخ ‪) ..‬‬
‫وكان من نتيجة ذلك ان خرجت شعوب المستعمرات بقناعة تامة ان ارتبا ا‬
‫ه‬ ‫ط‬
‫بالدول الامبريالية لا يخدم مصالحها في نفس الوقت الذي تتحمل فيه كل‬
‫ويلات الحرب في سبيل زيادة القدرة الاقتصادية والعسكرية للدول‬

‫الامبريالية ‪ .‬وهكذا كان للحرب العالمية الثانية نتائج على المعسكر‬

‫‪- ۳۳ -‬‬
‫الاستعماري ‪ .‬وأخرى على دول المنظومة الاشتراكية وثالثة على‬
‫المستعمرات نفسها ‪:‬‬

‫‪T‬‬
‫‪ 1‬ــ على نطاق المعسكر الامبريالي ‪ :‬خرجت بريطانيا وفرنسا من‬
‫الحرب منهوكني القوى مكبلتين بالديون للولايات المتحدة الامريكية فضلا عن‬
‫اقتصادهما مما جعلهما خاضعتين بشكل أو بآخر للنفوذ الامريكي ‪.‬‬
‫تهديم‬
‫أما أمريكا فلم تشترك بصورة مباشرة في الحرب الا في أواخرها كما كانت‬
‫المعارك بعيدة عن أراضيها وكان عليها خلال فترة الحرب أن تؤمن تزويد‬

‫أسواق العالم بالبضائع والسلع مما كان يقتضي منها تنشيط الاقتصاد‬
‫للقيام بهذه المهام الكبيرة وخرجت من الحرب باقتصاد قوي مزدهر ومسيطر‬
‫على كل الاسواق العالمية تقريبا ‪ .‬كما حاولت السيطرة على الاقتصاد‬
‫الأوروبي بتشجيع الاستثمارات الامريكية في أوروبا ‪ ،‬فاذا علمنا أن رغبة‬

‫أمريكا هي اقامة امبراطورية بدون مستعمرات لم يعد مستغربا تبدل‬


‫الاستعمار من شكله القديم الى شكله الحديث ‪ ،‬أي محاولة السيطرة على‬
‫العالم بالطرق الاقتصادية دونما حاجة الى جيوش احتلال وتحمل نفقاتها‬
‫العسكرية‬

‫ب ‪ -‬في نطاق العالم الاشتراكي ‪ :‬تحرر الاتحاد السوفييتي من‬


‫الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضا عليه وانتقلت بلدان أخرى الى‬
‫الاشتراكية فظهرت منظومة الدول الاشتراكية التي أرست فيما بينها نموذجا‬
‫جديدا من العلاقات الدولية القائمة على التعاون والمساعدة المتبادلة •‬

‫اضف الى ذلك نجاح الثورات الاشتراكية في بلدان اسيوية ذات مستوى‬

‫متدن من التطور كالصين وكوريا الديمقراطي والفيتنام ‪ .‬وترتب على ذلك‬


‫نتیجتان هامتان ‪ :‬أولاهما ان انتقال البلدان الاسيوية ذات المستوى المتدني‬
‫للتطور والتاريخ الطويل من شكل السلطة الاستمدادي الى الاشتراكية كان‬
‫لا بد ان يحمل معه طريقة خاصة في التفكير وأسلوب خاص في التنظيم ( ‪، ) ۱‬‬
‫والثانية انه كان للنتائج العظيمة التيحققتها البلدان الاسيوية ذات الاقتصاد‬

‫(‪ ) 1‬وهذا براينا السبب الموضوعي لاختلاف وجهات النظر بين قطبي المعسكر الاشتراكي‬
‫اي الاتحاد السوفييتي والصين الشعبية ذلك ان اختلاف درجة التطور الاقتصادي والاجتماعي‬

‫يستتبع اختلافا في وجهات النظر‬


‫‪-‬‬
‫‪- ٣٤ -‬‬
‫المتأخر بعد تحررها وسيرها بالطريق الاشتراكي تأثير كبير على مجموعة‬
‫‪.‬‬
‫الدول المتخلفة والتي كانت ما تزال ترزح تحت نير الاستعمار‬

‫ج ‪ -‬وأما نتائج الحرب العالمية الثانية وفترة ما بعد الحرب مباشرة‬


‫على حركة التحرر القومي نضال شعوب المستعمرات فكانت ذات جوانب‬
‫متعددة ‪ .‬فمن الناحية الاقتصادية اضطرت ظروف الحرب وانقطاع‬
‫المواصلات شعوب هذه البلدان الى الاعتماد على امكانياتها الذاتية مما أدى‬
‫الى تحول بعض التجار من أثرياء الحرب والاشتغال في مجال الوساطة الى‬
‫مجال الصناعة وكان ذلك مقدمة لظهور البورجوازية الصناعية ( الوطنية‬
‫وفي بعض البلدان التي ظهرت فيها البورجوازية الصناعية في مجال الصناعة‬
‫الخفيفة ) من أجل تلبية طلبات جيوش الاحتلال قويت هذه البورجوازية خلال‬
‫فترة الحرب بسبب ازدياد حاجات الجيوش المتحاربة والسكان الأصليين •‬

‫من الناحية السياسية ارتفع وعي الشعوب المضطهدة وزاد نضالها من أجل‬
‫الانفصال عن الدول المستعمرة ( المتروبولات ( وتشكيل حكومات قومية‬

‫مستقلة وقد ساهم في تنمية هذا الوعي الى جانب تطور القوى المنتجة‬
‫المحلية هجرة بعض الشباب الى الدول الاوروبية طلبا للعلم حيث تعرفوا‬

‫على شتى أنواع العلوم واكتشفوا الاضرار التي الحقها المستعمر ببلدانهم‬
‫ومن ناحية ثالثة كانت البورجوازية الصناعية الناشئة ترغب في لانفراد‬
‫باستغلال الجماهير الكادحة في وطنها دون مشاركة من الرأسمال الاجنبي ·‬

‫اضف الى ذلك ان الجماهير الكادحة في المستعمرات قد اكتشفت بتجربتها‬


‫العملية ما يجره عليها الاستعمار من ويلات الحروب والشقاء دون أن يكون‬
‫لها أية صلة في خوض هذه الحروب ‪.‬‬

‫كما كان لبروز منظومة الدول الاشتراكية والنجاحات التي حققتها هذه‬
‫الدول تأثير كبير على تنشيط حركات التحرر القومي فمن الناحية الأولى‬

‫أصبحت الدول الاشتراكية قوة يمكن للشعوب المضطهدة ان تعتمد على‬


‫مساعدتها ‪ ،‬ومن الجهة الثانية كانت تجربة البلدان الاشتراكية تغذي تيارات‬

‫التحرر القومي في البلدان المستعمرة ‪.‬‬

‫انهيار نظام المستعمرات‬

‫كانت فترة ما بين الحربين ( الحرب العالمية الأولى والثانية ( فترة‬

‫‪- ٣٥ -‬‬
‫تحضير لثورات التحرر القومي وشهدت بعض المناطق من العالم خلال‬
‫الحرب بداية ثورات شعبية شاركت فيها كل فئات الشعب تقريبا ولكن لم‬
‫يقيض لها النجاح ‪ .‬غير ان اندلاع الحرب العالمية الثانية وما سببته من‬
‫انشغال للدول المناضلة للضغط أكثر فأكثر على القوى الاستعمارية مطالبة‬
‫باستقلالها ‪ .‬واستمر النضال بعد الحرب متخذا في أغلب الاحيان طابع‬

‫الكفاح المسلح ولكن الدول الاستعمارية مع كل ما وصلت اليه من حالة‬


‫الوهن لم تشأ أن تسلم بالامر الواقع خاصة وانها كانت ترغب في ان تنقل‬
‫جزءا من أعباء الحرب على المستعمرات ‪ ،‬ولهذا فقد لجأت الى القوة في‬
‫سبيل وقف انحلال النظام الاستعماري والاحتفاظ بسيطرتها السياسية‬
‫على المستعمرات علها تستطيع تحسين أوضاعها الاقتصادية المتردية على‬
‫حساب نهب هذه المستعمرات وتتصف هذه المرحلة من مراحل ثورة التحرر‬

‫القومي بما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬نحرر المستعمرات الاساسية واشباه المستعمرات في آسيا‬


‫‪ ۱‬ـ‬

‫‪ - ٢‬غلبة الكفاح المسلح على نضال شعوب المستعمرات ضد الاستعمار‬

‫‪ -‬محاولات الدول الاستعمارية استخدام القوة لوقف عملية انحلال‬


‫النظام الاستعماري ‪ .‬وفي بعض الاحيان لاعادة الاستعمار الى بعض المناطق‬

‫المتحررة ( مثل العدوان الثلاثي على مصر والوجود الامريكي في كوريا‬


‫الجنوبية والحرب الفرنسية في الهند الصينية الخ ‪ ٤ ، ...‬ـ وكذلك زيادة‬
‫قوى الشعوب المناضلة صلابة ‪.‬‬

‫يمكن القول بكل تأكيد ان هذه المرحلة كانت نضالا ضد اشکال‬

‫الاستعمار القديم وبالتالي فهي نضال من أجل التحرر السياسي أو كما‬


‫تسمى عادة من أجل علم ونشيد وطنيين ‪ .‬وحتى ذلك الوقت كانت الدول‬
‫الاستعمارية تخضع شعوب المستعمرات بالاعتماد على العسكريين من‬
‫ابناء المستعمرات نفسها ولكن ازدياد الوعي والتضامن بين شعوب‬
‫المستعمرات حال فيما بعد بين الدول الامبريالية وتحقيق هذا الهدف ‪ .‬غفي‬
‫العدوان الثلاثي على مصر عام ‪ ١٩٥٦‬لم تستطع بريطانية أو فرنسا زج‬
‫العسكريين من المستعمرات في الحرب ‪ ،‬وهذا قلل من امكانية لجوء الدول‬
‫المستعمرة الى القوة أضف الى ذلك وقوف الدول الاشتراكية والشعوب‬

‫المحبة للسلام الى جانب حركات التحــــر القــومي مما قيد حرية الدول‬
‫الامبريالية في استخدام السلاح ‪.‬‬

‫‪- ٣٦ -‬‬
‫ف مرحلة‬
‫وفي منتصف الخمسينات دخل انحلال النظام الاستعماري ي مر‪.‬‬
‫جديدة يمكن أن نطلق عليها مرحلة انهيار النظام الاستعماري وتهدمه ‪،‬‬

‫مرحلة اتمام التحرر السياسي وبدء النضال من أجل التحرر الاقتصادي ·‬

‫‪ -‬تحرر أفريقيا ( آخر معقل للاستعمار )‬


‫وتتصف هذه المرحلة بـ ‪– ١ :‬‬
‫و اشتداد نضال شعوب أمريكا الوسطى والجنوبية ضد الامبريالية ‪،‬‬
‫‪ -‬غلبة أساليب النضال غير المسلح في سبيل الحصول على الاستقلال‬
‫‪ ۲‬ـ‬
‫‪ -‬التوفيق بين أساليب الاستعمار الجديد في بعض البلدان‬
‫الحكومي ( ‪ ٣ ، ) ١‬ــ‬
‫وبين الحروب الاستعمارية في بلدان أخرى ‪ - ٤ ،‬زيادة اسهام البلدان‬
‫المتحررة في السياسة الدولية وتشكيل جبهة عامة من هذه البلدان للنضال‬
‫ضد الامبريالية ( بلدان عدم الانحياز ومؤتمرات تضامن القارات الثلاث ) ‪.‬‬
‫كما تتصف هذه المرحلة بنضال شعوب هذه البلدان من أجل تحررها‬

‫الاقتصادي واحتدام التناقضات الاجتماعية الداخلية حول اختيار طريق‬


‫التطور المقبل‬

‫‪ -‬الاستعمار الجديد والنضال من اجل الاستقلال الاقتصادي ‪:‬‬

‫كان لتحول مركز الاستعمار من أوروبا الى امريكا اثر كبير علـ‬
‫تغير الاساليب المتبعة من قبل الدول الامبريالية في استعباد الشعوب ‪ ،‬كما‬

‫كان للنضال البطولي الذي خاضته شعوب المستعمرات وللهزائم التي‬


‫الحقتها بالجيوش الاستعمارية دور كبير في جعل الاستعماريين اكثر واقعية‬
‫نظرتهم للأمور ( ‪ ) ۲‬أضف الى ذلك ان التخلف الذي ثبته الاستعماريون‬

‫عالية قهر‬ ‫( ‪ ) ۱‬وتشكل هذه الظاهرة دليلا على ضعف القوى الاستعمارية وتسليمها عام‬

‫الشعوب من جهة ‪ ،‬ومن الجهة الثانية تعتبر بداية لاساليب جديدة في نهب هذه المبادان بطرق‬
‫اقتصادية وهذا جوهر الاستعمار الجديد ·‬

‫( ‪ ) ۲‬يرى البروفسور ‪ .‬اي توليانورف ان تأثير حركة التحرر القومي في الوطن‬


‫العربي لم يقتصر فقط على الاحداث في اقطار العالم الثالث فحسب ‪ ،‬وانما انعكس ايضا‬
‫على مواقف بعض الدول الاستعمارية ‪ ،‬ويضيف قائلا ‪ « :‬لقد ساعد انتصار الجزائر في حصول‬
‫العديد من الاقطار الافريقية على استقلالها بطريق سهل ودون الحاجة الى اراقة دمــــــــــــاء‬

‫ابنائها ‪ ،‬واكثر من ذلك فقد كان لثورة الجزائر الدور الاساسي في انتهاج الحكومة الفرنسية‬
‫سياسة واقعية في علاقاتها الدولية ‪ ،‬راجع كتاب من ‪ .‬أي توليا نوروف الاقتصاد السياسي‬
‫للبلدان النامية ‪ .‬ترجمة الدكتور مطانيوس حبيب صفحة ‪ ۱۳‬ونفس الشيء يقال من انتصار‬
‫شعب فيتنام على الحرب العدوانية الامريكية ‪.‬‬

‫‪- ۳۷ -‬‬
‫في المستعمرات وكذلك التركيب الاقتصادي الوحيد الجانب ( أي الاعتماد‬
‫على انتاج سلعة واحدة أو مجموعة سلع ) الذي يربط اقتصاد المستعمرات‬

‫باقتصاد دول المتربول وتجعله تابعا دائرا في فلكه جعلا بالامكان « منح »‬

‫الاستقلال السياسي للمستعمرات دون ان تتأثر المصالح الاقتصادي‬


‫للدول الاستعمارية ‪ ،‬وهذا ما عبر عنه الاقتصادي السويدي المشهور‬
‫غونار میردال عندما اكد أن مهمة السيطرة السياسية للدول الاستعمارية‬

‫على مستعمراتها كانت منع هذه المستعمرات من حماية منتجي السلع‬


‫فيها ضد منافسة المنتجين في الدول الامبريالية ‪ ،‬ويضيف ميردال ان هذه‬
‫السيطرة السياسية ليست ضرورية اذا لم تقم الدول الفتية بحمايــــــــــــة‬
‫صناعتها لأن صناعة المتروبولات تتمتع بمزايا كبيرة وتستطيع أن تنتج‬

‫البضائع بتكاليف اقل بكثير بحيث تتمكن من ازاحة أي منافس محلي في‬
‫البلدان المستقلة ( ‪. ) ۱‬‬

‫فالاستعمار الجديد ليس الا استمرارا للاستغلال الامبريال‬


‫لشعوب البلدان المتأخرة اقتصاديا بأساليب جديدة » ( ‪. ) ۲‬‬

‫ولقد جرى تغيير اشكال وطرق واساليب هذا الاستغلال تحت تأثير‬

‫عوامل داخلية متعلقة بالتغيرات الهيكلية الرأسمالية المعاصرة بالاضافة‬


‫الى عوامل خارجية ‪ ،‬يشكل نضال الشعوب الثائرة من أجل تحررها‬
‫هذا وتلعب القدرة المتنامية لدول المنظومة‬ ‫القومي العامل الحاسم فيها‬

‫الاشتراكية والمساعدة التي تقدمها لحركات التحرر القومي دورا بارزا في‬
‫هذا الصدد ‪ .‬ان الدول الامبريالية ترغب بالاعتماد على السياس‬

‫الاستعمارية الجديدة افراغ حركة التحرر القومي من مضمونها الاقتصادي‬

‫الاجتماعي والعمل على ابقاء البلدان النامية دائرة في فلك النظـــــــــــــــام‬


‫الرأسمالي العالمي وتثبيت وضعها غير المتساوي في هذا النظام ومن أجل‬
‫ذلك تعمد الدول الامبريالية الى اساليب متعددة منها ‪:‬‬

‫‪ ۱‬ـ ان تصدر رأس المال من الدول الامبريالية الى البلدان‬

‫( ‪ ) ۱‬کتاب میردال ‪ -‬التنمية والتخلف ‪ -‬باللغة الانكليزية القاهرة ‪. ١٩٥٧‬‬

‫( ‪ . ۱۰۱ ) ۲‬اسكندر وحركة التحرر القومي ‪ :‬مسائلها ‪ ،‬قوانينها ومستقبلها ‪ .‬اصدار‬


‫موسكو باللغة الروسية لعام ‪. ۱۹۷۰‬‬

‫‪- ۳۸ -‬‬
‫المتخلفة ‪ .‬وتغلب على تصدير رأس المال في هذه الفترة الصفة الحكومية ‪،‬‬
‫ولكن الاحتكارات تلعب دورا ملموسا ايضا في هذا المجال وبذلك تستطيع‬
‫·‬
‫الدول الامبريالية توجيه اقتصاديات الدول النامية بما يخدم مصالحها‬

‫‪ - ۲‬تقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية ‪ ،‬أما المساعدات‬

‫العسكرية فتهدف الى ايجاد ادوات لحماية المصالح الامبريالية في تلك‬


‫المناطق ‪ ،‬واما المساعدات الاقتصادية فكثيرا ما تستخدم لتخريب اقتصاد‬

‫هذه البلدان ‪ .‬يرى الاختصاصي السوفييتي ‪ ۱.‬اي ليفكوفسكـــــــــي ان‬


‫الولايات المتحدة الامريكية كانت تهدف من تقديم مساعدات « فائض المواد‬
‫الغذائية » الى بلدان العالم الثالث لتحقيق هدفين معا ‪ :‬أولهما التخلص من‬

‫فوائض المواد الغذائية التي تكلفها نفقات تخزين عالية ‪ ،‬وثانيهما اشغال‬
‫البلدان النامية عن تطوير انتاج المواد الغذائية بنفسها مما يجعلها مرتبطة‬
‫الى حد كبير بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية ( ‪ . ) ۱‬كما ان الدول‬

‫الامبريالية تقوم بتقديم « المساعدات » المالية والفنية لتطوير فروع‬


‫الصناعات الخفيفة وتشجيع القطاع الخاص فقط ‪.‬‬

‫وهكذا تستخدم الدول الامبريالية » المساعدات » الاقتصادية لتوجه‬


‫تطور البلدان النامية في الاتجاه المناسب لها‬

‫ـ ربط البلدان النامية بهذه او تلك من البلدان الامبريالية عن‬


‫طريق مختلف الاتفاقيات والمعاهدات ‪ .‬وهذا هو الحال ارتباط عدد كبير من‬

‫المستعمرات البريطانية السابقة بعضوية الكومنولث البريطاني وكذلك‬


‫الاتفاقيات التي عقدتها فرنسا » حول التعاون الاقتصادي » مع مستعمراتها‬
‫السابقة في افريقيا ولا يختلف « الاتحاد في سبيل التقدم » الذي تقيمه‬

‫( ‪ ) ۱‬لقد حاولت الولايات المتحدة الامريكية ممارسة الضغط على مصر فحرمتهـ‬

‫من المساعدات الغذائية عندما كانت احوج ما تكون اليها آملة بذلك تحويل مصر عن نهجها‬
‫التقدمي ‪ ،‬كما تهدد الولايات المتحدة الامريكية اليوم بفرض الحظر على تصدير المواد الغذائية‬
‫الى البلدان العربية بغية التأثير في موقفها من قطع البترول العربي عنها ردا على انحيازها‬
‫الى العدو الصهيوني ضد الامة العربية ‪ .‬لهذا نعتقد بضرورة الاهتمام بمثل هذه الظواهر‬
‫والاستفادة منها في سد الثغرات التي كانت قائمة في تطور اقتصادنا العربي لكي تتمكن من‬
‫الوقوف أمام الضغوط الاجنبية ‪ .‬ويجب الا تركن الى المساعدات الاجنبية ونعتمد عليها ‪•.‬‬

‫‪-‬‬
‫امريكا مع بقية اقطار القارة الامريكية عن الاتفاقيات التي تعقدها انكلترا‬
‫وفرنسا مع مستعمراتها السابقة لان الغرض من كل هذه الاتفاقيات هــو‬
‫استمرار التبعية الاقتصادية للدول الامبريالية واستغلال الدول المتخلفة‬
‫بأساليب اقتصادية ( ‪. ) ١‬‬

‫ومع هذا يجب الا نعتقد ان الدول الامبريالية غير معنية علـ‬

‫الاطلاق في تحقيق بعض التقدم الاقتصادي في الدول النامية ‪ ،‬ذلك ان الدول‬


‫الامبريالية تعرف حق المعرفة انه اذا لم تحقق الانظمة الموالية لها أي تقدم‬
‫فلن تستطيع الاستمرار في حكم الشعب ‪ .‬من اجل هذا تعمد الحكومات‬
‫الامبريالية الى تقديم المساعدات فعلا لتطوير اقتصاديات البلدان السائرة‬
‫في فلكها ولكنها تحرص على ابقائها في اطار الرأسمالية ‪ .‬وهذا هـ‬
‫فعلا جوهر البرنامج « اتحاد من أجل التقدم » الذي اعدته امريكا في عهد‬
‫الرئيس كندي والذي يتضمن تقديم مساعدات وقروض لاقطار امريكـــــــا‬
‫اللاتينية من أجل تحقيق بعض الاجراءات التقدمية ( الاصلاح الزراعي )‬
‫تحسين الوضع النقدي وغير ذلك ‪ .‬فقد كان كندي يرغب من جراء ذلك‬
‫مساعدة هذه الاقطار على التطور بالطريق الراسمالي وتلافي قيام ثورة‬
‫جذرية من الطراز الكوبي ‪.‬‬

‫ولهذا السبب يحرص مفكرو البرجوازية على ابراز دور الاستغلال‬

‫السياسي تاركين في الظلام مسألة التحرر الاقتصادي مع ان الاهم فعلا هو‬


‫تحقيق الاستقلال الاقتصادي ‪ .‬لان التحرر السياسي يقضي على طرق‬
‫النهب غير الاقتصادي فقط في حين ان التغييرات الحاصلة في تركيب‬
‫الرأسمالية المعاصرة تجعل من اساليب النهب الاقتصادي العامل الحاسم‬
‫استغلال البلدان النامية ولهذا السبب تكتسب مسألة التحرر الاقتصادي‬

‫اهمية خاصة ‪ .‬ويعتبر النضال من أجل التحرر الاقتصادي خطوة متقدما‬

‫( ‪ ) ۱‬لا تقتصر اساليب الاستعمار الجديد على التدابير الاقتصادية وانما تشمل الجوانب‬
‫السياسية ( اقامة انظمة حكم موالية للاستعمار وتدعيم القوى الرجعية المسكرية ‪ ،‬الارتباط‬
‫بالاحلاف ) والثقافية ) نشر الايديولوجية البورجوازية ومحاولة تشويه الاجيال الناشئة عن‬

‫طريق نشر الادبيات الفاسدة ‪ .‬الخ ‪ . ) ..‬ولكننا اقتصرنا هنا على الجانب الاقتصادي لاتــــــــه‬
‫يهمنا من أجل التحرر الاقتصادي •‬
‫على طريق ثورة التحرر القومي وتشكل مرحلة ثانية من مراحلها ‪ .‬لا بل‬
‫يمكننا التأكيد ان التحرر السياسي سيبقى بدون محتوى ما لم يكنــــــــــل‬
‫بالتحرر الاقتصادي •‬

‫‪ ٦‬ـ خصائص حركة التحرر القومي في مرحلة الاستعمار الجديد‬

‫لم يعد بالامكان لحركة التحرر القومي ان تقتصر على تحقيق الاستقلال‬
‫السياسي والتوقف عند هذا الحد لانها ان فعلت ذلك تكون قد خدمت‬
‫اغراض الاستعمار بنفس القدر الذي تخدم فيه المصالح القومية ‪ .‬ان‬
‫التحرر السياسي ‪ ،‬في الوقت الذي اصبحت فيه الدول الامبريالية تعتمد‬
‫على وسائل النهب الاقتصادي والتخريب الثقافي ( الاستعمار الجديد )‬
‫يحرر البلدان التابعة من « ضريبة « قليلة الاهمية نسبيا فقط بينما يخلص‬

‫الدول الامبريالية من نفقات عسكرية باهظة ومن توتر اجتماعي كبير‬


‫بسبب اراقة دماء الجيوش المستعمرة على أيدي الشعوب المناضلة ‪.‬‬
‫ولكن الشعوب لا تناضل من أجل علم ونشيد فقط وانما من أجل تحسين‬
‫أوضاعها الاقتصادية ورفعة مكانتها على المستوى الدولي وتحقيق وجودها‬
‫القومي والحضاري كاملا لهذا فان التحرر الاقتصادي يصبح ضرورة‬

‫موضوعية من اجل تحقيق الاهداف التي ناضلت من اجلها هذه الشعوب‬

‫المناضلة من أجل التحرر السياسي اهدافـــــــا‬ ‫غير ان للقوى الوطنية‬

‫مختلفة ‪ .‬ففي الوقت الذي يحاول فيه ممثلو الطبقات المستغلة طرد الوجود‬
‫الاستعماري للحلول محله في تسلم دفة الحكم والانفراد باستغلال الطبقات‬
‫الكادحة تحسين اوضاعها الاقتصادية والاجتماعية‬

‫وبسبب ظروف نشأة البورجوازية في العالم الثالث كفئة تابعة‬

‫لبورجوازية المتروبولات تعيش على الوساطة بين السوق الاجنبية والسوق‬


‫الداخلية وبسبب تشويه التراكيب الاقتصادية في المستعمرات ( التخصص‬

‫بانتاج السلع والخدمات التي تخدم مصلحة الدول الامبريالية ‪:‬‬


‫فان التحرر الاقتصادي يعني ضرب مصالح القسم الاكبر من البورجوازية‬
‫الوطنية باستثناء البورجوازية الصناعية التي هي قليلة العدد وضعيفة‬
‫حياة لاقتصادية والاجتماعية لهذه البلدان •‬
‫ا‬ ‫الوزن في ال‬
‫ولهذا السبب فان ثورة التحرر القومي السائرة بخط صاعد سوف تواجه‬
‫مقاومة من الاقطاع والبورجوازية الوسيطة بسبب ارتباط مصالحها‬

‫‪-‬‬
‫‪- ٤١ -‬‬
‫بالمصالح الاستعمارية ‪ .‬ففي مرحلة النضال من اجل التحرر الاقتصادي‬
‫تخرج فئات وطنية ) البورجوازية الكومبرادور ( من النضال وتنضم الى‬
‫الخط‬
‫صفوف الثورة المضادة في حين تستمر البورجوازية الصناعية مع‬
‫الصاعد للثورة ‪ .‬ولكن ضعف البورجوازية الصناعية وطبيعة العلاقات‬

‫الدولية في ظل النظام الرأسمالي العالمي ) من طبيعة النظام الراسمالي‬


‫انه يؤدي الى زيادة الثروة في جهة والفقر في جهة ثانية ) تجعل التحرر‬
‫الاقتصادي امرا متعذرا دون اجراء تحولات اقتصادية اجتماعية تقدمية ‪،‬‬
‫مثل القضاء على العلاقات وتأميم الراسمال الاجنبي وتقوية القطاع العام‬

‫الخ ‪ ..‬وفي كثير من الاحيان يكون الراسمالي الصناعي نفسه مالكا للارض‬
‫ولا يقوم باستغلالها بالاسلوب الراسمالي وانما يؤجرهــــــا للفلاحين أو‪.‬‬
‫يعطيها بالمزارعة لهذا السبب لا تستطيع البورجوازية ( حتى الصناعية ) في‬
‫بلدان العالم الثالث القضاء على العلاقات الاقطاعية ‪ ،‬اي انها بحكـ‬
‫ارتباطها بالاقطاع تفقد صفتها الثورية وتكون عاجزة عن تحقيق الثورة‬
‫الديمقراطية البورجوازية التي حققتها البورجوازية الاوروبية وكانت سببا‬
‫ــة‬
‫في افساح المجال أمام تطور القوى المنتجة وتحقيق الثورة الصناعي‬
‫في اوروبا ‪ .‬ومن جهة ثانية بسبب ضعف البورجوازية الاقتصادي في بلدان‬
‫العالم الثالث تكون عادة بحاجة الى المعونات الاجنبية وفي كثير مـ‬
‫الاحيان تدخل كشريك ضعيف في اقامة المؤسسات الصناعية بالاشتراك‬

‫مع الرأسمال الاحتكاري الاجنبي ( ‪ . ) ۱‬اضف الى ذلك ان البورجوازية‬


‫الوطنية ( الصناعية ) تتردد كثيرا في التأميم لانها ترى فيه هجوما على مبدأ‬
‫الملكية الخاصة » قد يتهددها بالذات في المستقبل لهذا تتجه عادة ‪ ،‬عندما‬
‫تلمس النهوض الثوري عند الجماهير الى التراجع عن محاربة الراسمال‬
‫الاجنبي وتميل الى الاتفاق معه ‪ .‬وبهذا الشكل تتوقف ثورة التحرر القومي‬

‫في منتصف الطريق ولا تستطيع ان تحقق الاهداف التي قامت من اجلها‬
‫اذا كانت بزعامة البورجوازية الوطنية وحتى انها تكون عاجزة عن تحقيق‬

‫الاستغلال الاقتصادي الذي يجب ان تقوم به في سبيل زيادة ارباحها‬

‫من هنا يكون من الضروري من أجل تحقيق الاستقلال الاقتصادي‬

‫( ‪ ) 1‬تعتبر الشركات المختلطة بمساهمة الراسمال الوطني والرأسمال الاحتكاري‬


‫الاجنبي احد اساليب الاستعمار الجديد في استغلال ثروات العالم الثالث وايجاد الضمانة‬
‫التأميم •‬

‫‪- ٤٢ -‬‬
‫‪-‬‬
‫وتجاوز التخلف بالانتقال من مرحلة التحرر الاقتصادي الى مرحلة التحرر‬
‫الاجتماعي ‪ .‬ولن يستطيع تحقيق ذلك غير الجماهير الكادحة وطلائعها‬
‫الثورية ‪ .‬ولهذا السبب بالذات تكون ثورات التحرر القومي في العصر‬
‫الراهن ذات طابع معادي للاقطاع والامبريالية والراسمالية‬

‫واذا كانت ثورات التحرر القومي في السابق لم تخرج عن الطـــــــــار‬


‫الثورات الديموقراطية البورجوازية اي تقتصر مهمتها على فتح الطريق‬

‫امام التطور الرأسمالي ( ‪ ) ۱‬فان طابع العصر وظروف التحرر القومي‬


‫في الوقت الحاضر يجعلان ثورات التحرر القومي تتطور بخط صاعد وتتحول‬
‫الى ثورات معادية للامبريالية والاقطاع والراسمالية ‪ .‬وبشكل آخـــــــــر‬
‫تتقارب ثورات التحرر القومي مع الثورات الاشتراكة ولنقل انثورة التحرر‬
‫القومي السائرة بالطريق الصاعد اصبحت فعلا بحكم الضرورة الموضوعية‬
‫ثورة قومية ) تحرر سياسي واقتصادي ) واشتراكية ( تحرر اجتماعي ) في‬
‫نفس الوقت ان ثورة التحرر القومي تحل بعص المسائل التي تحل عادة خلال‬
‫الثورة الاشتراكية مما دفع بالعلماء الماركسيين الى القول « انه يجرى في‬
‫العصر الراهن ‪ ،‬أكثر من أي وقت مضى ‪ ،‬تشابك المهام التي تحلها كل من‬
‫ثورة التحرر القومي والثورة الاشتراكية ) ( ‪ ) ۱‬غير ان تقارب ثورة التحرر‬
‫القومي والثورة الاشتراكية لا يعني ان الانتقال من الاولى الى الثانية يتم‬
‫بصورة آلية ) اوتوماتيكية ( لان هناك طبقات معادية وقوى امبريالية تسعى‬

‫بجهدها الى منع مثل هذا التحول وليس أدل على ذلك من الدعم الأمريكي‬

‫المتواصل للكيان الصهيوني بغية ايقاف حركة الثورة العربية في منتصف‬


‫الطريق الى حد انه خلال حرب تشرين التحريرية ارسلت الولايات‬

‫المتحدة الاميركية الخبراء العسكريين مع الاسلحة الجديدة للاشراف على‬


‫تشغيلها ‪ ،‬وكذلك الحرب الامريكية في الفييتنام ‪ .‬ان تحقيق الضرورة‬
‫الموضوعية تقتضي نضالا واعيا من جانب الطبقات الكادحة بقيادة طلائعها‬
‫الثورية للجم القوى الرجعية والقضاء على مقاومتها ‪ .‬لكن قوى الامبريالية‬

‫( ‪ ) 1‬خير دليل على ذلك تجربة ايران وتركيا‬


‫‪་‬‬
‫( ‪ ۲۰۲. )۱‬اسکندروف ‪ :‬ثورة التحرر القومي ‪ ..‬صفحة ‪ ۷۷‬وليس اسكندروف الوحيد‬
‫الذي يعترف بذلك بل يشاركه هذا الرأي كل المثقفين التقدميين من شيوعيين وغيرهم في بلدان‬
‫اوروبا الشرقية والغربية •‬

‫‪- ٤٣ -‬‬
‫والاستعمار الجديد لا تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى مصالحها مهددة لهذا‬
‫تسرع الى تقديم المساعدة للقوى الرجعية في كل مرة يتهددها الخطر‬

‫ان خصائص حركة التحرر القومي المعاصرة تجعلها جزءا لا يتجزا من‬
‫الثورة الاشتراكية العالمية ومن باب اولي تقوم بدور كبير وقد يكون حاسما‬
‫في القضاء على الامبرياليةوتسريع عملية الثورة الاشتراكية البروليتارية في‬
‫الدول المتقدمة وهذا ما اكدته جريدة « جانمين جيار » الصينية في عددها‬
‫الصادر في ‪ ٢٢‬تشرين الاول ‪ ٩٦٣‬حين قالت ‪ « :‬تشكل المناطق الواسعة‬
‫من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية تلك المناطق التي تتركز فيها التناقضات‬
‫المختلفة للعالم المعاصر أضعف حلقة من حلقات سيطرة‬

‫الامبريالية والمنطقة الاكثر احتداما في الثورة العالمية المعاصرة والتي تهد‬


‫الامبريالية لهذا السبب يتوقف مصير الثورة البروليتارية الى حد كبير على‬
‫مصير النضال الثوري لشعوب هذه المناطق والتي تشكل الغالبية العظمى‬
‫السكان الكرة الارضية ) ( ‪• ) ۱‬‬

‫فما هي اذن اهمية ثورة التحرر القومي بالنسبة للثورة الاشتراكية‬


‫العالمية وما هو الدور الذي تلعبه في النضال ضد الامبريالية ؟ ‪.‬‬

‫دور ثورة التحرر القومي في النضال ضد الامبريالية ‪:‬‬

‫لكي نعرف اثر تحرر بلدان العالم الثالث على سير العملية الثورية‬
‫العالمية والدور الذي تلعبه حركة التحرر القومي في النضال ضد الامبريالية‬
‫·‬
‫ينبغي الاجابة اولا على سؤال حول مصدر قوة الدول الامبريالية‬

‫مما لاشك فيه ان قوة الامبريالية ترجع الى ثلاث مصادر أساسية‬
‫التقدم التقني الذي بلغته هذه الدول ‪ ،‬استغلال الجماهير الكادحة في هذه‬
‫البلدان وكذلك نهب خيرات العالم الثالث ‪ .‬ومع ان المصدريين الأولين يلعبان‬
‫براينا ؛ اهمية اكبر من الناحية الكمية فانهما لوحدهما غير كافيين لاستمرار‬

‫النظام الرأسمالي في الدول الامبريالية ‪ .‬يضاف الى ذلك ان التقدم التقني‬


‫لم يتحقق على حساب تراكم الرأسمال المحلي بقدر ما حصل على حساب‬

‫( ‪ ) ۱‬نقلا عن ‪ • ٢٠• ٢‬اسكندروف نفس المرجع المذكور السابق صفحة ‪. ٨١‬‬

‫‪- ٤٤-‬‬
‫تراكم الثروات المنهوبة من المستعمرات ‪ .‬يرى بولا ‪ .‬باران ان الرأسماليين‬
‫الانكليز خلال العقدين الاولين من القرن العشرين فقط كانوا يستولون على‬
‫أكثر من ‪ ٪ ١٠‬من الناتج القومي الاجمالي للهند سنويا وهذا كان يشكل‬
‫انكلترا ( ‪ ) ۱‬ويشير الاقتصاديان ديركسن‬ ‫نصيبا كبيرا من الادخارات في‬

‫وتنبرغن الى ان هولندا حصلت في عام ‪ ۱۹۳۸‬من اندونيسيا على ما يعادل‬


‫‪ ٪ ١٤‬من الدخل القومي لهولندا نفسها ( ‪ ) ۲‬اما الامر على ما هو عليه فان‬
‫التقدم التقني حتى بابعاده الحالية لا يستطيع حل التناقضات الداخلية‬

‫للمجتمع الرأسمالي ‪ .‬ذلك ان التقدم التقني يؤدي الى زيادة المنتجات‬


‫عن حاجة السوق المحلية مما يوقع في ازمة فيض الإنتاج ‪ ،‬اي الازمات‬
‫الاقتصادية وهي سبب هدوء النظام الرأسمالي وتفاقم الأزمة الاقتصادية‬
‫بسبب كون التقدم التقني يؤدي الى زيادة الطلب على السلع‬

‫الرأسمالية أكثر مما يؤدي الى زيادة الاجور التي يخصصها العمال للانفاق‬
‫الاستهلاكي ‪.‬‬

‫يضاف الى كل هذا ان التقدم التقني يؤدي الى الاستغناء عن عدد‬


‫متزايد من العمال وحرمانهم من أجورهم وهذا من شأنه ان يزيد اوضاع‬
‫الطبقة العاملة سوءا ويسرع في عملية تهديم النظام الرأسمالي ونجاح الثورة‬
‫الاشتراكية لكن الواقع غير هذا في أوروبا الغربية وامريكا الشمالية فما هو‬
‫‪.‬‬

‫يرجع السبب في ذلك الى ان احتكارات الدول الامبريالية تسمى الى‬


‫حل التناقضات الداخلية على حساب تشدید استغلال شعوب البلدان‬
‫النامية‬

‫وتعتمد الدول الامبريالية في ذلك على اساليب مختلفة ‪:‬‬

‫‪ ۱‬ـ الاعتماد على بلدان العالم الثالث كسوق لتصريف فائض الانتاج‬

‫( ‪ ) 1‬ا ‪ .‬باران الاقتصادي السياسي للتنمية ‪·.‬‬

‫( ‪ ) ۲‬ف ‪ .‬ل تياغونينكو مسائل ثورات التحرر القومي المعاصرة صفحة اه هذا ولا يمكن‬

‫تقدير اهمية هذه النسبة على النمو الاقتصادي في الدول الاوروبية الا اذا علمنا ان نسبة‬
‫الادخار لم تكن تتجاوز ‪ ٪ ۲۰‬من الدخل القومي للبلدان الأوروبية ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪- ٤٥ -‬‬
‫لديها وبذلك تحقق عددا كبيرا من الاهداف ‪ .‬فهي من جهة تؤمن تخفيض‬

‫تكاليف منتجاتها بسبب توزيع النفقات الثابتة ) استهلاك الآلات والمباني ‪،‬‬

‫المصاريف الادارية وغيرها ( على كمية أكبر من المنتجات ‪ .‬وتتضح اهمية‬

‫ذلك أكثر اذا علمنا ان المقاييس العصرية للانتاج تتجاوز طاقة الاستيعاب‬
‫في اي بلد مهما اتسعت رقعته وانه حتى مع توفر اسواق العالم الثالث امام‬
‫منتجات البلدان المتقدمة فان مصانع هذه البلدان لا تعمل بكل طاقتهـ‬
‫الانتاجية ‪ .‬ومن ناحية ثانية تستطيع البلدان الامبريالية حل ازمة فيض‬

‫الانتاج لديها على حساب اسواق البلدان النامية وبالتالي ايجاد اسواق‬
‫لتصريف المنتجات وهذا يحقق للرأسمال الاحتكاري ارباحا اضافية يستطيع‬

‫بالاعتماد عليها تخفيف حدة التناقضات الداخلية وعدم تشدید استغلال‬


‫الطبقة العاملة •‬

‫‪ ۲‬ـ الاعتماد على بلدان العالم الثالث كمصدر للمواد الاوليـــــــة‬


‫والخامات ‪ .‬وتستطيع الدول الامبريالية عن هذا الطريق تشجيع صناعاتها‬
‫بالاعتماد على الخامات الزراعية والمعدنية المستوردة من بلدان العالم‬

‫الثالث ‪ .‬كما تستطيع عن هذا الطريق المحافظة على مستوى منخفض‬


‫لتكاليف المعيشة في بلدانها اضف الى كل هذا ان هناك سلعا استراتيجية‬
‫يتوقف على مدى توفرها تقدم الصناعة في الدول الامبريالية مثل البترول •‬

‫ـ الاعتماد على بلدان العالم الثالث كمجال التوظيف رؤوس الاموال‬


‫الفائضة في البلدان المتقدمة ‪ .‬فبعد حصول المستعمرات السابقة ععللــــــــــى‬

‫استقلالها السياسي لم تعد حدود هذه البلدان مفتوحة أمام حركة البضائع‬
‫الاجنبية لهذا فان الراسمال الاجنبي كثيرا ما يفيض عن حاجة الاستثمارات‬
‫الداخلية ولهذا يتجه الى خارج الحدود بصفة قروض حكومية أو خاصة ‪.‬‬
‫وبالطبع فان هذه القروض لا تمنح بدون مقابل اذ تحصل مقابلها الدول‬
‫الامبريالية على فوائد بمبالغ كبيرة‬

‫{ ‪ -‬الاستثمار المباشر لثروات بلدان العالم الثالث مثل استثمار‬

‫البترول العربي واستغلال مناجم النحاس وغيرها من المعادن في التشيلي‬


‫·‬
‫وبلدان امريكا اللاتينية ‪ ،‬البوكسيت وخامات الالمنيوم في افريقيا وغير ذلك‬

‫الثروات يدر ارباحا طائلة على الاحتكارات الامبريالية‬ ‫ان استغلال هذه‬

‫‪-87-‬‬
‫تساعدها في رفع مستوى اجور العمال في بلدانها وتخفيض حدة التناقضات‬
‫الداخلية •‬

‫كما أن آلية التبادل غير المتعادل بين منتجات البلدان النامية‬


‫ومنتجات البلدان الامبريالية تشكل مصدرا جديدا لانتقال الثروات من العالم‬
‫الثالث الى البلدان الامبريالية ‪ ،‬ويرى الاقتصادي اليوناني انجلوس‬
‫انجلو بولس ان شروط التجارة الخارجية تزداد سوءا بالنسبة للبلدان النامية‬

‫ففي عام ‪ ١٩٦٢‬انخفضت اسعار المنتجات التي تصدرها البلدان النامية‬


‫بالمقارنة مع أسعار صادرات البلدان المتقدمة بنسبة ‪ ٪ ١٥‬وكان حصيلة ذلك‬
‫خسارة البلدان النامية مبلغا يزيد على ‪ ٢ ٫ ٢‬ملياردولار في السنة الواحدة ( ‪) 1‬‬

‫كما تقدر المبالغ التي تدفعها البلدان النامية الى الدول الامبرياليـــــــة‬
‫لتسديد القروض ودفع الفوائد لقاء القروض الرسمية بمبلغ ‪ ٤٧‬مليار دولار‬
‫لعام ‪ ١٩٦٨‬و ‪ ٥ ٫٢‬مليار دولار لعام ‪ ، ١٩٦٩‬في حين يرى ان مجمل الارباح‬
‫التي يحصل عليها القطاع الخاص مقابل توظيف امواله في البلدان النامية‬
‫يصل الى ‪ ٦,٣‬مليار دولار في العام ·‬

‫بحرص الامبرياليون على اخفاء الارباح التي يحصلون عليها من‬


‫بلدان العالم الثالث ويحاولون التقليل من قيمتها ولهذا فان الاحصاءات‬
‫الرسمية الغربية ليست صادقة في هذا المجال ‪ .‬اما الاقتصاديون السوفييت‬
‫فيقدرون مجمل خسارة البلدان النامية من التبادل غير المتعادل بالاضافة الى‬

‫الفوائد التي تدفعها على رؤوس الأموال الاجنبية المستثمرة فيها بمبلغ ‪٢٠‬‬
‫مليار دولار سنوايا أو ما يعادل سدس الناتج القومي الاجمالي لهذه‬
‫البلدان ( ‪· ) ۱‬‬

‫واذا اضفنا الى هذه المبالغ الارباح التي يحصل عليها الامبرياليون من‬
‫جراء استغلال موارد العالم الثالث وكذلك الوفورات التي يحصلون عليها‬

‫( ‪ ) 1‬انجلوس انجلوبوس • العالم الثالث في مواجهة العالم الغني ‪ .‬باللغة الفرنسية‬


‫صفحة ‪• ٦٨‬‬

‫( ‪ ( ) ۱‬تطورات البلدان الحاصلة على استقلالها الوطني والاشتراكية العالمية ‪ ،‬المجموعة‬


‫اقتصاديين سوفييت صفحة ‪• ٢٨٦‬‬

‫‪- ٤٧ -‬‬
‫بنتيجة الاعتماد على الخامات والمواد الاولية من العالم الثالث نستطيع‬
‫ان نتبين اهمية استغلال العالم الثالث بالنسبة للدول الامبريالية •‬

‫ومن هنا يتبين لنا اهمية تحرر بلدان العالم الثالث ودور هذا التحرر‬
‫في القضاء على الامبريالية ‪ .‬ذلك ان البورجوازية الاحتكارية بحصولها على‬
‫مثل هذه الموارد تستطيع ارضاء الطبقة العاملة في بلدانها واشغالها عن‬
‫التناقضات الداخلية ‪ .‬وقد استطاعت فعلا هذه البورجوازية خلق فئة من‬

‫العمال ذات امتيازات كبيرة اطلق عليها اسم ( الارستقراطية العمالية » لم‬
‫تعد تهتم بامور النضال الطبقي ‪ .‬ومما لا شك فيه ان ارتفاع مستوى الحياة‬
‫للطبقة العاملة الاوروبية أخر في نضج العامل الذاتي للثورة البروليتارية‬
‫وليس هذا بكشف جديد وان كان اليوم يتخذ اهمية خاصة لتقدير اهمية كل‬
‫من فصائل الثورة العالمية الثلاث ) دول المنظومة الاشتراكية ‪ ،‬حركة التحرر‬

‫القومي ونضال الطبقة العاملة في الدول الغربية ) في القضاء على الامبريالية ‪.‬‬
‫وقد تنبه انجلس الى خطر استغلال المستعمرات على ثورية الطبقة العاملة‬

‫في الدول الاستعمارية فكتب الى ماركس يقول ‪ « :‬في الواقع تتبرجز‬
‫البروليتاريا الانكليزية أكثر فأكثر ‪ ،‬ويبدو ان هذه الامة الاكثر برجوازية بين‬
‫الامم تريد ان تكون لديها في نهاية الامر الى جانب البرجوازية ‪ ،‬ارستقراطية‬

‫برجوازية وبروليتاريا ‪ .‬وبديهي أن هذا ‪ ،‬بمعنى معين ‪ ،‬امر منطقي من‬


‫امة تستثمر العالم كله » ( ‪ ) ۱‬وقد اكد لينين هذا الرأي أكثر من مرة ‪ .‬لقد‬
‫بين انه لم يعد بالامكان الاعتماد على البروليتاريا الاوروبية لتحقيق الثورة‬
‫بسبب عدم بقائها طبقة تعيل المجتمع ‪ " .‬والقيام بالثورة الاجتماعية ليس في‬
‫طاقة طبقة غير طبقة البروليتاريين التي تعيل المجتمع كله ‪ .‬وها قد افضى‬

‫انتهاج السياسة الاستعمارية في نطاق واسع الى جمل البروليتاريين‬


‫الاوروبيين لحد ما في حال لا يرتكز معها المجتمع على عملهم ‪ ،‬بل على سكان‬
‫المستعمرات الذين غدوا عبيدا أو في حكم العبيد ) ( ‪ . ) ۲‬كما بين في كتابه‬
‫الاستعمار اعلى مراحل الرأسمالية » أن البروليتاريا الاوروبية اصبحت‬
‫نفسها تعيش على حساب عمل سكان المستعمرات •‬

‫أمام هذا الواقع الذي يعيشه العالم بحيث يشكل نهب العالم الثالث‬

‫( ‪ ) 1‬لينين المختارات مجلد جزء ‪ ٢‬صفحة ‪٤١٢‬‬


‫( ‪ ) ۲‬لينين حركة شعوب الشرق الوطنية التحريرية صفحة ‪3‬‬

‫‪- ٤٨ -‬‬
‫مصدرا كبيرا من مصادر قوة الامبريالية تستطيع البورجوازية الاحتكارية‬
‫طمس التناقضات الطبقية في مجتمعها على حساب استغلال العالم الثالث ‪.‬‬
‫ومن هنا فان تحرر بلدان العالم الثالث من التبعية وتحقيق سيادتها الاقتصادية‬
‫على مواردها سوف يحرمان الدول الامبريالية المتقدمة من هذه الموارد‬
‫فتتجه البورجوازية من اجل زيادة ارباحها الى تشديد استغلال الطبقات‬

‫الكادحة وبالتالي تتحرك التناقضات الداخلية فتهب الطبقة العاملة وجميع‬


‫الكادحين الى اسقاط النظام الرأسمالي واقامة المجتمع الاشتراكي‬

‫ان هذا لن يتم بصورة آلية ( اوتوماتيكية ) وانما نتيجة نضال الطبقة‬

‫العاملة والكادحين الاخرين ضد النظام الراسمالي القائم ‪ .‬اذن تخلق ثورة‬


‫التحرر القومي الشروط الضرورية لتثوير الطبقة العاملة في المجتمعات‬

‫الرأسمالية المتقدمة وفي ظروف تحول النضال بين النظامين الاجتماعيين‬

‫المتناقضين الرأسمالي والاشتراكي من جبهة الكفاح المسلحالى جبهة المباراة‬


‫الاقتصادية يحتل تحرير العالم الثالث اهمية كبيرة خاصة ‪ .‬ذلك ان كـــلا‬
‫من النظامين يسعى الى اثبات تفوقه من الناحية الاقتصادية على النظام‬
‫الآخر ‪ .‬وفي هذه الحالة فان خروج بلدان العالم الثالث من تحت السيطرة‬
‫الاستعمارية الجديدة سوف يضعف الدول الامبريالية اقتصاديا ويجمـــــــــل‬
‫الدول الاشتراكية متفوقة عليها ‪ .‬ومن ناحية ثانية فان استمرار تطور‬

‫حركة التحرر القومي بخط صاعد سوف يوصلها كما رأينا سابقا الى البناء‬
‫·‬
‫الاشتراكي وبذلك تقوى جبهة الدول الاشتراكية على الراسمالية‬

‫ومع انه لا يجوز النظر الى حركة التحرر القومي بمعزل عن المساعدات‬
‫التي تتلقاها من الدول الاشتراكية وبغير تحالفها معها في نضالها ضــــــــــد‬
‫الامبريالية فاننا نعتقد انه يتوقف انهيار الامبريالية الى حد كبير ‪ ،‬على انتصار‬
‫حركة التحرر القومي في مسيرتها الصاعدة‬

‫وهكذا نصل الى ان تحالف ثورات التحرر القومي مع الدول‬

‫الاشتراكية ليس وليد موقف سياسي او اتجاه عقائدي وانما هو ضرورة‬


‫تقتضيها ظروف نضال كل منهما ضد الامبريالية ومن اجل التحرر والسلام ‪.‬‬

‫‪- {9-‬‬
‫الصلة العضوية بين حركات التحرر‬

‫في العالم الثالث‬

‫‪-01-‬‬
‫صعيد حركات‬ ‫جاء في مقررات المؤتمر القومي الثاني عشر علــــ‬

‫التحرر الوطني في العالم ما يلي ‪:‬‬

‫ان حزبنا يعتبر فصيلة من فصائلها ولذا فقد اصبح التحالف معها‬
‫بالنسبة الينا قضية مصيرية ‪ ،‬لانيا نناضل ضد عدو مشترك ‪ ،‬ونســــــــــم‬

‫الى هدف موحد ‪ .‬ان تدعيم هذا التحالف غاية في الاهمية ‪ ،‬لان )‬
‫الحركات تقف في خطوط الصدام الأولى مع الامبريالية والصهيونيـ‬
‫وتعمل بالتعاون مع قوى التقدم والاشتراحية على تصفية القواع‬
‫الامبريالية وانهاء استغلالها لشعوب العالم الثالث » ‪.‬‬

‫فمنذ ان انبثق فكر حزب البعث العربي الاشتراكي في ساحـ‬


‫العمل السياسي في الوطن العربي ‪ ،‬وبدات طلائعه الأولى تتصدى للاحداث‬
‫القومية ‪ ،‬والقضايا الكبيرة التي جابهتها جماهير شعبنا العربي متسلحة‬
‫ببعض ملامح الفكر التقدمي ‪ ،‬فجر في وجدان هذه الجماهير شعورا طاغيا‬
‫بطبيعة معركتها التقدمية ووجوب خوضها غمار النضال من اجل تحررها‬

‫وبناء الحياة التي تتحقق من خلالها الظروف الموضوعية لتفتح شخصية‬


‫الفرد العربي ‪ ،‬والنظام الذي يمحو أي شكل من اشكال استغلال او امتهان‬
‫كرامته وانسانيته ‪ .‬وما ان اكتملت صورة بناء الحزب حتى وقف في القلب‬
‫من مسار الحركة الثورية العالمية ‪ ،‬يحدد الابعاد ويرسم الخطى ‪ ،‬يحدد‬

‫منهجا فكريا منبثقا عن معاناته النضالية المباشرة مع الجماهير ضمن منظور‬


‫موضوعي للقضايا المصيرية التي تتصدى لها امتنا ‪ ،‬محددا في الوقت نفسه‬

‫الاداة العلمية للعمل والاسلوب ‪ ،‬الذي تنهج من خلاله سبل التحرك على‬
‫المستوى الاستراتيجي من اجل تحقيق الاهداف القريبة والبعيدة لمجمل‬
‫قضايا الثورة الراهنة‬

‫خصائص حركة التحرر ودورها في النضال ضد الاستعمار الجديد ‪:‬‬

‫لم يعد بالامكان لحركة التحرر أن تقتصر على تحقيق الاستقلال‬


‫السياسي والتوقف عند هذا الحد ‪ ،‬لانها ان فعلت ذلك تكون قد خدمــــــــــت‬

‫‪-or-‬‬
‫اغراض الاستعمار بالقدر نفسه الذي تخدم فيه المصالح القومية ‪ .‬ان التحرر‬

‫السياسي ‪ ،‬في الوقت الذي اصبحت فيه الدول الامبريالية تعتمد علــــــــــى‬
‫وسائل النهب الاقتصادي والتخريب الثقافي ( الاستعمار الجديد » يحرر‬
‫البلدان التابعة من « ضريبة » قليلة الاهمية نسبيا فقط بينما يخلص الدول‬
‫الامبريالية من نفقات عسكرية باهظة ‪ ،‬ومن توتر اجتماعي كبير بسبب‬

‫اراقة دماء الجيوش المستعمرة على ايدي الشعوب المناضلة ‪ ،‬ولكـ‬


‫الشعوب لا تناضل من أجل علم ونشيد فقط ‪ ،‬وانما من اجل تحسين‬
‫أوضاعها الاقتصادية ورفعة مكانتها على المستوى الدولي وتحقيق وجودها‬
‫القومي والحضاري كاملا ‪ ،‬لهذا فان التحرر الاقتصادي يصبح ضرورة‬
‫موضوعية من أجل تحقيق الاهداف التي ناضلت من أجلها هذه الشعوب‬
‫غير ان للقوى الوطنية المناضلة من أجل التحرر السياسي اهدافا مختلفة‬
‫ففي الوقت الذي يحاول فيه ممثلو الطبقات المستغلةطرد الوجود الاستعماري‬
‫للحلول محله في تسلم دفة الحكم والانفراد باستغلال الطبقات الكادحة ‪،‬‬
‫تفاضل الطبقات الكادحة بغية تحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية •‬

‫وبسبب ظروف نشأة البورجوازية في العالم الثالث كفئة تابع‬


‫البورجوازية المتروبولات ( ‪ ) ۱‬تعيش على الوساطة بين السوق الاجنبية‬
‫والسوق الداخلية وبسبب تشويه التراكيب الاقتصادية في المستعمرات‬
‫) التخصص بانتاج السلع التي تخدم مصلحة الدول الامبريالية ) ‪ .‬فان‬
‫التحرر الاقتصادي يعني ضرب مصالح القسم الاكبر من البورجوازيـــــــــــــة‬
‫الوطنية باستثناء البورجوازية الصناعية التي هي قليلة العدد وضعيـفـــــــــة‬
‫الوزن في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لهذه البلدان ‪ ،‬ولهذا السبب فان‬
‫ثورة التحرر السائرةبخط صاعد سوف تواجهمقاومةمن الاقطاعوالبورجوازية‬
‫الوسيطة بسبب ارتباط مصالحها بالمصالح الاستعمارية ‪ .‬ففي مرحل‬
‫النضال من أجل التحرر الاقتصادي تخرج فئات وطنية ( البورجوازية‬
‫الكمبرادور ) ( ‪ ) ۲‬من النضال وتنضم الى صفوف الثورة المضادة ‪ ،‬في حين‬

‫( ‪ ) 1‬البورجوازية الاحتكارية ‪.‬‬


‫( ‪ ) ۲‬هي الطبقة الوسيطة من ابناء البلدان المستعمرة التي تشكلت لتكون رابطة‬
‫الوصل بين المستعمرين الاجانب وابناء البلد المستعمر ‪ .‬وكان هؤلاء الوسطاء من وكــــــلاء‬
‫للشركات الاجنبية او مستشارين وطنيين لدى السلطات الاجنبية الدخيلة أو عملاء يخدمون‬
‫تلك السلطات ويقدمون لها العون هم الركن الاساسي في طبقة الكمبرادور ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪- ٥٣ -‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ .‬ولكن ضعف‬ ‫تستمر البورجوازية الصناعية مع الخط المساعد للثورة‬
‫البورجوازية الصناعية وطبيعة العلاقات الدولية في ظل النظام الراسمالي‬

‫العالمي ( ‪ ) ۳‬تجعل التحرر الاقتصادي امرا متعذرا دون اجراء تحـــــــولات‬


‫اقتصادية اجتماعية تقدمية ‪ .‬مثل القضاء على العلاقات الاقطاعية ‪ .‬وتأميم‬

‫رأس المال الاجنبي وتقوية القطاع العام الخ‬

‫من هنا يكون من الضروري من اجل تحقيق الاستقلال الاقتصادي‬


‫وتجاوز التخلف بالانتقال من مرحلة التحرر الاقتصادي الى مرحلة التحرر‬
‫الاجتماعي ‪ .‬ولن يستطيع تحقيق ذلك غير الجماهير الكادحة وطلائعهــا‬
‫الثورية ‪ .‬ولهذا السبب بالذات تكون ثورات التحرر الوطني والقومي في‬
‫العصر الراهن ذات طابع معاد للاقطاع والامبريالية والراسمائية •‬

‫ان خصائص حركة التحرر القومي المعاصرة تجعلها جزءا لا يتجزا من‬
‫الثورة الاشتراكية العالمية ومن باب اولى ان تقوم بدور كبير ‪ ،‬وقد يكون‬
‫حاسما في القضاء على الامبريالية تعجيل عملية الثورة الاشتراكية في‬
‫الدول المتقدمة ‪ ،‬حيث ان المناطق الواسعة من آسيا وافريقيا واميريكا‬

‫اللاتينية ‪ ،‬تلك المناطق التي تتركز فيها التناقضات المختلفة للعالم المعاصر‬
‫انها تشكل أضعف حلقة من حلقات سيطرة الامبريالية والمنطقة الاكثر‬

‫احتداما في الثورة العالمية المعاصرة ‪ .‬والتي تهدد الامبريالية ‪ .‬لهذا السبب‬


‫يتوقف مصير الثورات الى حد كبير على مصير النضال الثوري لشعوب‬

‫هذه المناطق ‪ ،‬والتي تشكل الغالبية العظمى لسكان الكرة الارضية‬

‫فما هي اذن اهمية ثورة التحرر القومي بالنسبة للثورة الاشتراكية‬

‫العالمية ‪ ،‬وما هو الدور الذي تلعبه في النضال ضد الامبريالية ؟‬

‫ومن هنا يمكن القول على ان شروطا ضرورية يجب ان تتوفر من أجل‬

‫الانهيار النهائي للنظام الاستعماري ‪ ،‬ومن أجل انتصار النضال الوطني‬


‫التحرري ‪ ،‬وهذه الشروط هي‬

‫( ‪ ) ٣‬من طبيعة النظام الراسمالي انه يؤدي الى زيادة الثروة من جهة والفقر من جهة‬
‫ثاني‬

‫‪- 30-‬‬
‫‪-‬‬

‫‪:‬‬
‫الشرط الاول ‪:‬‬

‫وجود النظام الاشتراكي العالمي ‪ ،‬الذي يشكل اليوم قوة‬


‫تؤثر في مسيرة تطور المجتمع الانساني ‪ .‬وفي انتصار حركة التحرر الوطني ‪.‬‬

‫الشرط الثاني ‪:‬‬

‫وجود انتفاضة عامة للشعوب المستعمرة ‪ ،‬الامر الذي يسهل‬


‫في زيادة مفعول هذا النضال ‪ ،‬والمثال على ذلك هو نضال الشعوب المعقد‬
‫في البلدان النامية التي منها من يناضل من أجل الاستقلال ‪ ،‬ومنها مــــــــــن‬
‫يناضل من أجل التحرر الاقتصادي ( ‪· ) ۱‬‬

‫الشرط الثالث ‪:‬‬

‫وجود الشروط الداخلية المتمثلة بالتغيرات الاجتماعية الجذرية‬

‫وما يترتب فيها من تغيرات في علاقات القوى الطبقية التي جرت وتجري‬
‫في كل بلد من البلدان ·‬

‫الشرط الرابع ‪:‬‬

‫حدوث الخسائر الضخمة التي تكبدها الاستعمار في المرحلة‬


‫الثالثة للازمة العامة للراسمالية ‪.‬‬

‫هذا ولا يمكن للاستعمار والامبريالية ان يمرا بصورة ملتوية على‬


‫التوسع الجاري في مجال الديمقراطية والاشتراكية في العالم خــــــــــــلال‬
‫السنوات الاخيرة ‪.‬‬

‫وهذه الحقيقة أثرت في اضعاف مواقع الاستعمار ‪ ،‬وعملت علــــــــــ‬


‫تقليص رقعة سيطرته‬

‫( ‪ ) ۱‬الاجتماع الذي عقدته القوى التقدمية في افريقيا بتاريخ تشرين الأول من عام ‪١٩٦٦‬‬
‫في القاهرة ‪ ،‬قسمت البلدان الى ثلاث مجموعات ‪ :‬المجموعة الأولى ‪ :‬هي مجموعة البلدان‬
‫الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية العنصرية المباشرة ‪ ،‬المجموعة الثانية ‪ :‬هي مجموعة‬
‫البلدان الواقعة تحت سيطرة الاستعمار الجديد والحكام الرجعيين ‪ ،‬والمجموعة الثالثة ‪:‬‬

‫هي البلدان المتحررة التي تعبىء القوى للسير على الطريق الاشتراكي ‪.‬‬
‫‪00-‬‬

‫‪:‬‬
‫هذا وتختلف الطرق التي يستعملها الاستعمار في محاولته لايقاف‬
‫عملية التطور الحتمية الجارية ‪ .‬فهو اما ان يقدم « المساعدات » الاقتصادية‬
‫من أجل تحقيق اغراضه السياسية في البلدان النامية ( ‪ ) ۱‬في افريقيا‬
‫واسيا ‪ ،‬أو ينظم الثورات المضادة الداخلية ‪ ،‬أو يستخدم العدوان العسكري‬
‫المباشر على هذه البلدان ‪ ،‬كما هو جاري على الاقطار العربية من قبل‬
‫العدوان العسكري الاسرائيلي •‬

‫وتحت راية النضال من أجل الديمقراطية والحرية يحاول‬


‫الاستعماريون والامبرياليون ضمن اطار الاستراتيجية العامة ‪ .‬تقوي‬
‫الاحلاف الاستعمارية ‪.‬‬

‫ان هدف السياسة الاميركية هو قبر الاستقلال السياء‬

‫والاقتصادي لهذه البلدان ‪ ،‬واخضاعها للنفوذ الاستعماري ‪ ،‬وعرقل‬


‫نضال الشعوب في مسيرتها التحررية النهائية وتجاه كل ذلك يجب تقويم‬
‫نجاحات حركة التحرر الوطني في الاعوام الماضية على انها نجاحات ضخمة ‪.‬‬

‫ولقد جاء في المنطلقات النظرية للحزب حول اسس السياسة الدولية‬


‫للالتقاء مع الحلفاء لقضية النضال العربي التحرري ‪:‬‬

‫ســـــــــة‬
‫اــ‬
‫يسـ‬
‫ان سياسة مبدئية ثورية على الصعيد الخارجي ‪ ،،‬سسيا‬

‫الذي يرفض جميع اشكال الاستغلال ‪،‬‬ ‫نابعة من المفهوم الاشتراكي ‪،‬‬

‫سواء أكانت داخل الوطن العربي ام خارجه ‪ ،‬سياسة قائمة على الثقة‬

‫بقوة الجماهير العربية ‪ ،‬هي وحدها التي تمكن الشعب العربي من الالتقاء‬

‫على الصعيد الدولي ‪ ،‬مع حلفاء ثابتين لقضية النضال العربــــــي‬


‫الاستعمار ‪ ،‬ان تعزيز التضامن مع بلدان العالم الثالث ـ ونحن منـــه ـ‬
‫التي تنتهج سياسة الحياد الايجابي ‪ .‬وتعميق الصلات معها على نحـ‬
‫متفاوت تبعا لشروط الحكم فيها ودرجة استقلالها الاقتصادي سيساه‬
‫بالتأكيد في تقوية جبهة الكفاح ضد الاستعمار »‬

‫بون والاستعمار الجديد ( للمؤلفين ‪ :‬و ‪ .‬شيروته ‪ ،‬وجيرهارد هان‬ ‫( ‪ ) ۱‬راجع كتاب‬
‫ص ‪١٦٧ – ١٦٦‬‬

‫‪--07-‬‬
‫السمات الاساسية لحركات التحرر ‪:‬‬

‫بالرغم من وجود بعض الاختلاف بين حركات التحرر الوطني ‪:‬‬


‫العالم الثالث كالاختلاف في اسلوب النضال ‪ .‬ونوع القيادات السياسية ‪،‬‬
‫وانتماءاتها الطبقية ‪ .‬والشكل الذي يأخذه التحالف الطبقي في داخلها ‪،‬‬
‫الا ان لها سمات اساسية مشتركة تجمع بينها وبالتالي تميزها عن بقية‬
‫القوى الفاعلة في العالم المعاصر‬

‫واهم السمات الاساسية لهذه الحركات هي ‪:‬‬

‫‪ -‬انها حركات حديثة نمت وتطورت بعد الحرب العالمي‬


‫الثانية‬

‫‪ -‬انها ذات مضمون واحد واهداف عامة عريضة واحدة‬

‫‪ -‬انها تحتل مركزا هاما في استراتيجية الثورة العالمية المعاصرة ‪.‬‬


‫جـ ـــ‬

‫فبالنسبة للسمة الأولى ‪ .‬نلاحظ ان حركات التحرر في العالم الثالث‬


‫بالرغم من أنها وجدت جذورها قبل الحرب العالمية الثانية ‪ .‬وخاض قسم‬
‫منها نضالات ضارية ضد الاستعمار ‪ .‬الا انها لم تظهر بمعظمها كحركات‬
‫منظمة لها احزابها السياسية ‪ .‬وبرامجها ذات الاهداف الاجتماعية ‪ .‬الا‬
‫بعد الحرب ·‬

‫ناهضت‬
‫ان جميع الانتفاضات والثورات الشعبية المسلحة التـ‬

‫الاستعمار في بلدان العالم الثالث ‪ .‬كانت حركات ذات افق سياس‬


‫محدود ‪ .‬ل‬
‫ا تطمح الى اكثر من الاستقلال الوطني ‪ .‬الذي يعني اخراج‬
‫لك‬ ‫ذ‬ ‫ج‬
‫ى انب‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫انت‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫وطن‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ستعمارية‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫القوات ال سلحة‬
‫م‬

‫حركات عاجزة لم تستطع أن تتحول الى ثورات حقيقية تنهي ا‬


‫لاستعمار‬
‫م النافذة‬
‫بعد خروجه من الباب‬ ‫بجميع اشكاله وتمنع عودته ن‬

‫ولكن الحرب العالمية الثانية وما نتج عنها من نهاية الامبراطوريات‬


‫الاستعمارية القديمة وحلول الولايات المتحدة الاميركية محلها في قيادة‬

‫‪-‬‬
‫العالم الغربي الامبريالي ‪ .‬وانتصار القوى الاشتراكية ‪ .‬بقيادة الاتحاد‬

‫السوفياتي أفسح المجال أمام حركات التحرر في العالم الثالث لكي تنمو‬
‫وتتطور وتأخذ مضمونا اجتماعيا جديدا في اكثر دول ذلك العالم ‪.‬‬

‫اما بالنسبة للسمة الثانية ‪ .‬فقد وجدت حركات التحرر في العالـ‬


‫الثالث ان تحقيق الاستقلال السياسي الذي انجز بعد الحرب العالميـــــة‬
‫الثانية وفي ظل الهيمنة الامبريالية بزعامة الولايات المتحدة الاميركي‬
‫كان استقلالا شكليا‬

‫ــع‬ ‫ان الاستعمار وقد خرج مرغما من الدول المستقلة حديثا اصـ‬
‫يمارس سياسة استعمارية جديدة تتمثل في التبعية الاقتصادية التـ‬
‫فرضها على هذه الدول ‪ .‬هذا بالاضافة الى ان الولايات المتحدة كانـ‬
‫ــة‬
‫تمارس سياسة الحلول محل بريطانيا وفرنسا في مستعمراتها القديم‬
‫ـق‬ ‫وذلك باخضاعها للسيطرة الاقتصادية الاميركية وادخالها ضمن مناط‬
‫نفوذها‬

‫ان ظروف التخلف الاقتصادي التي تعاني منه دول وشعوب العالم‬
‫الثالث ‪ ،‬والتي تتمثل في ضعف الدخل القومي وما سمي بالانفجــ‬

‫السكاني ‪ .‬اي زيادة نسبة تزايد السكان عن نسبة الدخل القوم‬


‫وضعف انتاجية العمل ‪ ،‬وارتفاع نسبة البطالةوخاصة في الريف ‪ ،‬والعجز الدائم‬
‫في الميزان التجاري لصالح الدول الاستعمارية واستمرار كون الاقتصاد‬

‫القومي اقتصادا زراعيا متخلفا‬

‫ان اختلافا في الراي قد وقع بين القوى التحررية الاشتراكية في العالم‬


‫حول اهمية الدور الذي تلعبه حركات التحرر الوطني في القضاء علـــــــى‬
‫الامبريالية ‪ ،‬فهناك من يقول ان العالم يحكمه تناقض بين دول المنظومة‬
‫الاشتراكية وعلى راسها الاتحاد السوفياتي وبين الامبريالية وعلى راسها‬
‫الولايات المتحدة الاميركية ‪ .‬وتعتبر التناقضات الاخرى ‪ ،‬وهي التناقض‬
‫بين حركات التحرر الوطني والامبريالية والتناقض بين الكادحين وحلفائهم‬
‫في العالم الغربي والامبريالية ‪ ،‬والتناقض بين الدول الامبريالية نفسها‬

‫تعتبر هذه التناقضات تناقضات ثانوية يتوقف حلها على حل التناقضبينالمعسكر‬


‫الاشتراكي والمعسكر الامبريالي ‪ ،‬ويجب ان يخدم حلها ايضا حل التناقض‬
‫الاساســــــــ‬

‫‪- OɅ-‬‬
‫والى جانب هذا الرأي يقول آخرون ان العالم تحكمه اربـ‬
‫تناقضات اساسية هي‬

‫التناقض بين المعسكر الاشتراكي والامبريالية ‪ -‬والتناقض بين‬

‫البروليتاريا في الدول الغربية والنظام الراسمالي ‪ -‬والتناقض بين الدول‬


‫الامبريالية بعضها مع بعض ‪ .‬ولذا فان التناقض بين حركة التحرر الوطني‬

‫والامبريالية يقف على قدم المساواة مع التناقضات الاخرى ‪.‬‬

‫ولكن رايا آخر أقرب الى الصواب يقول ان العالم يحكمه تناقض‬

‫اساسي واحد هو التناقض بين الثورة الاشتراكية العالمية التي تضم دول‬
‫المنظومة الاشتراكية ‪ ،‬وحركات التحرر الوطني في العالم الثالث ‪،‬‬
‫والبروليتاريا في الدول الغربية من جهة ‪ ،‬وبين الراسمالية والامبريالية وعلى‬
‫راسها الولايات المتحدة الاميركية من جهة اخرى ‪.‬‬

‫·‬
‫لذا فان تناقض حركات التحرر مع الامبريالية يأتي في مقدمة نضالها‬
‫لا بل يساعد على تلاحمها بعضها مع بعض من جهة ومع دول المنظومـــــــة‬
‫·‬
‫الاشتراكية والكادحين في الدول الراسمالية من جهة أخرى‬

‫ومهما يكن فان الجميع يقرون بالدور البالغ الاهمية لحركات التحرر‬
‫الوطني في العالم الثالث في الثورة العالمية المعاصرة ولا أدل عمليا على ذلك‬
‫من الصراع الذي يدور الان بين الصهاينة ومن ورائها الولايات المتحــــــدة‬

‫الاميركية وبين حركة التحرر العربية المتمثلة بالقطر العربي الســـــــــوري‬


‫وفضائل المقاومة الفلسطينية‬

‫واذا حللنا القوى الثورية الحالية في العالم لا مكننا القول ‪ ،‬ان حركة‬
‫ــة‬
‫التحرر الوطني بالاشتراك مع قوى النظام الاشتراكي العالمي وحركــــ‬
‫العمال في البلدان الراسمالية وحركة السلم الديمقراطية الضخمة اصبحت‬
‫تعد من العناصر الهامة للحركة الثورية في العالم ‪ ،‬كما اصبحت جزءا هاما‬
‫من القضية الثورية العالمية ‪ ،‬الا ان حركة التحرر وحدها لا تشكل وحدة‬
‫منسجمة ‪ ،‬ففيها نجد تباينا كبيرا بمستويات وشروط التطور السياس‬
‫و الاقتصادي لدى كل شعب من الشعوب ‪ ،‬الامر الذي يستغله الاستعمار‬
‫استغلالا واسعا من أجل تحقيق اهدافه الاستعمارية ‪.‬‬

‫‪- -09-‬‬
‫ونتيجة لحركة التحرر الوطني نجد ان تجمعات القوى في العالــ‬
‫قد طرأ عليها تغيرات ذات قيمة بالغة ‪ ،‬فقد تغير الوجه السياسي لقارات‬
‫عوب‬ ‫بكاملها في آسيا وافريقيا ‪ ،‬ومنذ سنوات قليلة كان مستعمرو الشـ‬
‫يأخذون حق التكلم باسم هذه الشعوب » في المؤتمرات العالمية » ‪ ،‬أما‬
‫اليوم فقد اصبحت الدول النامية ذات قوة ضخمة على الصعيد العالمي ‪،‬‬
‫ويظهر سياسيوها دائما في المقدمة ‪ ،‬كما اصبح ممثلو ومفكرو الــــــدول‬
‫الاستعمارية يعترفون بأنه لا يمكن حل القضايا الرئيسية السياسية‬

‫العالمية ‪ ،‬دون مساهمة هذه الدول ‪ .‬وتقوم الدول النامية هذه في افريقيا‬
‫وآسيا باتباع موقف معاد للاستعمار وسياسة موجهة لصيانة السلام ‪،‬‬
‫كما تعمل هذه الدول ضد السياسة الاستعمارية المتعلقة بالتحضير للحرب‬

‫والسباقعلى التسلح وتحتج على العدوان الاسرائيلي الصهيوني على الدول‬


‫العربية ‪ ،‬وترفع صوتها الى جانب تعاون الشعوب‬

‫وقد رفضت معظم هذه الدول الدخول في الاحلاف العسكرية‬

‫الاستعمارية ‪ ،‬وناضلت بنجاح ضد محاولات الضغوط الاستعمارية ‪ ،‬ولم‬


‫تكن مستعدة لتقديم اراضيها وامكانياتها البشرية والمادية لتحقيق الخطط‬

‫الاستعمارية ‪ .‬وقد اتبعت البلدان النامية سياسة حيادية تقوم‬


‫السلام والاحترام المتبادل والمساواة والتعاون والصداقة مع جميع الشعوب‬
‫الاخرى‬

‫ولقد جاء في مقررات المؤتمر القومي الثاني عشر حول التعــــــــــــاون‬

‫والتلاحم بين حركات التحرر في العالم ما يلي ‪:‬‬

‫انطلاقا من ايمان الحزب بالارتباط الوثيق بين تحرر الشعوب‬


‫وحركاتها الثورية ‪ ،‬والتأثير المتبادل بين نضال هذه الحركات جاء موقف‬
‫حزبنا الداعم والمؤيد الشعب غينيا بيساو ‪ ،‬وجزر الرأس الأخضر ‪ ،‬وشعب‬

‫موزامبيق ‪ ،‬وانغولا في القارة الافريقية ‪ ،‬والشعب الفيتنامي البطل ‪،‬‬


‫والشعب الكمبودي ‪ ،‬وغيرها من شعوب آسيا وحركاتها التحررية ‪ ،‬التي‬
‫تعتبر انتصاراتها انتصارا للامة العربية ‪ ،‬ولمصلحة قضيتها ‪ ،‬وبالمقاب‬

‫فان الانتصارات التي يحرزها الشعب العربي على مختلف جبهاته ‪ .‬هــي‬
‫كذلك مساهمة كبيرة وجريئة في حسم المعركة لصالح استقلالها ووحدتها‬
‫وتقدمها » ‪.‬‬
‫ولم يغفل الحزب عن ضرورة توثيق التعاون مع بعض فصائل‬

‫الثورة والتحرر التي تكافح ضد الانظمة العنصرية كامتداد للنفـــــــــوذ‬

‫الامبريالي ‪ ،‬وكحليفة للكيان الاستيطاني الصهيوني في فلسطين المحتلة ‪،‬‬

‫فقد قدم العون الشعب زيمبابوي وناميبيا ليتمكنا من الاستمرار فــــــي‬


‫سيرتهما التحررية الى جانب اشقائهما في القارة الافريقية •‬

‫ونخلص الى القول ان هناك أكثر من قاسم مشترك يربط بين فصائل‬
‫حركة التحرر العالمية ‪ ،‬وان هناك أكثر من نقطة تشابه بينها حيث تشكل‬

‫الارضية الطبيعية للتحرك باتجاه الاهداف المشتركة ‪ ،‬والتي على راسها‬

‫العداء للامبريالية ‪ ،‬والعمل من أجل بناء بلدانها ‪ ،‬والسير في ركب التقدم‬

‫والحضارة ‪.‬‬

‫ومن هنا نرى لزاما على هذه الحركات ان تبقي الجسور ممتدة فيما‬
‫بينها ‪ ،‬لان الاتصالات المستمرة واللقاءات المباشرة تساعد كثيرا في خلق‬

‫روح التعاون وتدفع بهذه الحركات في أن تسير في طريق مشتركة ‪.‬‬

‫‪-71-‬‬
‫حركة عدم الانحياز‬

‫ودورها في العالم الثالث‬

‫‪- ٦٣ -‬‬
‫تعريف عدم الانحياز ‪:‬‬

‫يعني عدم الانحياز السياسة المستقلة في اتخاذ القرارات واعراب‬

‫الدول عن رأيها في أي موضوع دولي وفقا لتقديرها ودون انحياز سبق‬


‫لأي كتلة دولية ‪ ،‬أو مصلحة أي دولة بعينها ‪ ،‬والنضال من أجل ذلك بصورة‬
‫فعالة ‪ ،‬بغية تحقيق سلام ورخاء دوليين ‪ ،‬وازالة الاستعمار والاستعمار‬
‫الجديد والامبريالية ‪ ،‬وفي الوقت نفسه تحقيق تنمية وطنية شاملة من أجل‬
‫استقلال الدول واعطاء مضمون لذلك الاستقلال وفقاً للآمال الوطنية‬

‫القائمة على مبدأ التعايش السلمي والمساواة وعدم التدخل في الشؤون‬


‫الداخلية لأي بلد •‬

‫بداية عدم الانحياز ‪:‬‬

‫يجمع المؤرخون السياسيون على أن سياسة عدم الانحياز ظهرت‬


‫كمصطلح متداول بعد «» مؤتمر باندونغ » عام ‪ . ۱۹٥٥‬الا ان هذه السياسة‬
‫بدات في الحقيقة منذ أيلول ‪ ١٩٤٦‬على اثر تصريح الزعيم الهندي « نهرو »‬
‫الذي أعلن فيه « أن سياسة الكتل المتصارعة ‪ ...‬ادت في الماضي الى‬

‫الحروب العالمية ‪ ،‬والتي قد تؤدي في المستقبل الى دمار أكبر » ‪.‬‬

‫) مؤتمر العلاقات الآسيوية » وعرضت فيه‬ ‫ثم عقد في عام ‪١٩٤٧‬‬


‫فكرة ايجاد كتلة حيادية تأخذ مكاناً لها بين الدول العظمى ‪ .‬وفي عام ‪١٩٤٩‬‬

‫ترسخت هذه الفكرة في « مؤتمر نيودلهي » الذي عقد لمناقشة العدوان‬


‫الهولندي على اندونيسيا ‪ .‬وفي العام نفسه ‪ ،‬تألف في هيئة الأمم المتحدة‬
‫فريق عربي ‪-‬‬
‫آسيوي ضم اثنتي عشرة دولة من بينها ســــورية طرح‬
‫موضوعين في غاية الأهمية ‪ :‬أولهما ‪ -‬مكافحة الاستعمار بصورة منتظمة ‪.‬‬
‫وثانيهما ‪-‬‬
‫السعي الى اقرار سلام دولي ودائم يقوم على سياسة عدم‬
‫الانحياز ‪.‬‬

‫‪-78-‬‬
‫في نيسان ‪ ١٩٥٤‬عقد مؤتمر في كولومبو وانبثقت عنه فكرة عقـــــــد‬
‫مؤتمر للدول الاسيوية ‪ -‬الافريقية في مدينة باندونغ وذلك للاسباب التالية ‪:‬‬

‫ــة‬ ‫ا ‪ -‬حدوث الازمة الدولية التي خلفتها الحرب العالمية الثاني‬


‫‪-‬‬
‫والتي ادت الى ‪ :‬ـ‬

‫‪ -‬انقسام العالم الى معسكرين كبيرين يتسابقان لعقد الاحلاف‬

‫العسكرية‬

‫‪ -‬ظهور الحرب الباردة كشكل من اشكال الصراع غير المسلح بين‬

‫المعسكرين‬

‫ظهور الاسلحة الذرية كأداة من أدوات الحرب الحديثة‬

‫‪-‬‬
‫‪ ۲‬ـــ تطور الحركة القومية في الدول المتحررة بعد الحرب العالمية‬
‫الثانية‬

‫لقد كان لهذين السببين اثر هام على سياسة الدول المستقلة حديثا‬

‫والتي لا ترغب الانضمام الى احد هذين المعسكرين ‪ ،‬وذلك بسبب الازمة‬
‫الدولية وشعور هذه الدول ان الانحياز يقلل من فرص السلام الدولي‬

‫ومن ناحية ثانية – شعور هذه الدول بالحاجة الى سياسة حرة تنبع من‬
‫ظروفها وتؤكد استقلالها وتقدمها •‬

‫اهداف سياسة عدم الانحياز ‪:‬‬

‫تهدف سياسة عدم الانحياز الى تحقيق ما يلي ‪:‬‬

‫اولا ‪ :‬السلام العالمي ‪ :‬ويعني عدم الاقتصار على حالة اللاحرب‬


‫وانما يتجاوزها الى مرحلة يتمثل فيها الشعور بالامن الحقيقي والتعاون‬

‫الوثيق والاخلاص المتبادل والرغبة المشتركة للوصول بالعالم والحضارة‬

‫الانسانية الى مثلها العليا ‪:‬‬


‫ثانياً‬
‫التعايش السلمي ‪ :‬وهذا يعني التعاون الدولي المخلص‬
‫الذي يتخذ مظاهره في التجاوب الانساني والتكامل الاقتصادي والمشاركة‬
‫البناءة في السعي الحثيث لتحقيق الهناء البشري ‪ ،‬والتعايش السلمي‬
‫حسب مفهوم سياسة عدم الانحياز لا يقتصر نطاقه على الدول الكبرى فيما‬

‫بينها ولكنه يمتد ايضا ليشمل العلاقة بين جميع الدول بما فيهـــــا الدول‬
‫الكبرى •‬

‫ثالثاً ـ فض المنازعات الدولية بالوسائل السلمية ‪:‬‬

‫‪ -‬الطرق الدبلوماسية ‪- :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬المفاوضات بين الدول المتنازعة •‬

‫الوساطات بغية تقريب وجهات النظر بين الدول المتنازعة‬

‫‪ -‬عرض النزاعات على المنظمات الدولية ‪.‬‬


‫‪-‬‬

‫‪ -‬الطرق القضائية ‪:‬‬


‫ـ‬

‫•‬ ‫―‬
‫التحكيم من قبل الهيئات الرسمية والالتزام بتنفيذ قراراتها‬
‫الدولي في حال النزاعات ذات الطابع القانوني ·‬ ‫‪-‬‬
‫القضاء‬

‫رابعاً ‪ -‬قيام العلاقات الدولية على اسس نظيفة ‪:‬‬

‫يقصد بنظافة العلاقات الدولية ‪ ،‬ان تقوم هذه العلاقات على‬


‫است ر من الحق وبما يتفق ومبادىء العدل الدولية ‪ -‬بعيدا عن رغبات‬

‫التحكم والسيطرة والنفوذ الدولي وتجنب سياسة المؤامرات والخديعة‬


‫السياسية ‪ ،‬وكان لمؤتمر باندونغ فضل في ابراز أهمية هذا الموضوع ‪.‬‬

‫مبادىء عدم الانحياز ‪:‬‬

‫‪ - ۱‬مبدأ السيادة والوحدة الاقليمية للدول •‬

‫‪ - ٢‬مبدأ المساواة بين الدول وجميع الاجناس والامم ‪•.‬‬

‫‪-77-‬‬
‫–‬
‫– مبدأ عدم الاعتداء واحترام سيادة وسلامة أراضي جميع الامم ‪.‬‬

‫} ‪ -‬مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى‬

‫مبدا حق تقرير المصير‬

‫‪ - ٦‬مبدأ فض المنازعات بالطرق السلمية‬

‫‪ - ۷‬مبدأ التعاون الدولي النشيط‬

‫‪ -‬مبدأ عدم الاشتراك في الاحلاف العسكرية التي يكـون مــن‬


‫اعضائها بعض الدول الكبرى ‪ ،‬ورفض أي ضغط تمارسه قوة دولية‬

‫‪.‬‬
‫ـ المحافظة على السلام وتخفيف حدة التوتر الدولي‬

‫‪ - 1 .‬استنكار سياسة القوة والعمل على نزع السلاح وتحريم‬


‫الاسلحة الذرية ‪•.‬‬

‫‪ - ۱۱‬العمل على تحرير البلاد غير المستقلة والقضاء علـ‬

‫الاستعمار والامبريالية الجديدة‬

‫‪ - ۱۲‬القضاء على التمييز والتفرقة ‪.‬‬

‫‪ - ۱۳‬تأكيد دور هيئة الامم المتحدة ومنظماتها مع تشجيع وسائل‬


‫التعاون الثقافي والعلمي والاقتصادي بين الدول‬

‫اهمية مؤتمر بريوني ‪:‬‬

‫عقد في مدينة بريوني بيوغسلافيا في يومي ‪ ۱۸‬و ‪ ۱۹‬تموز ‪١٩٥٦‬‬

‫مؤتمر قمة ثلاثي اشترك فيه الرئيس تيتو والرئيس جمال عبد الناصر‬

‫والرئيس نهرو وقد أكد هذا المؤتمر مبدأ الأمن الجماعي وقدموا مجموعة‬

‫من القواعد مؤلفة من ‪ ۱۲‬بندا تعتمدها دول عدم الانحياز في تسويـــــــــة‬


‫المشاكل العالمية ‪ .‬كما أقر اقطاب بريوني مبدأ الاجتماعات الدورية للبحث‬

‫‪-TV-‬‬
‫مختلف المعضلات الدولية ‪ ،‬ومن هنا نشأت فكرة عقد مؤتمرات للدول‬
‫غير المنحازة ‪.‬‬

‫يعتبر مؤتمر بريوني تحولا هاما في تطور حركة عدم الانحياز ان اكد‬
‫على ان سياسة عدم الانحياز ليست مقصورة على الدول التي تخلصت‬

‫من الاستعمار الغربي أو على المجموعة الافرواسيوية بل تستطيع تبنيها‬

‫أي دولة مهما كان موقعها أو نظامها السياسي والاقتصادي ‪ .‬ومهما كانت‬
‫الايديولوجية التي تأخذ بها •‬

‫مؤتمر القمة الاول والثاني لدول عدم الانحياز ‪:‬‬

‫انعقد المؤتمر الاول لدول عدم الانحياز في بلغراد ‪ ٦ – ١‬ايلول ‪١٩٦١‬‬

‫لتبادل وجهات النظر في المشاكل الدولية بغية المشاركة الفعالة في خدمة‬

‫السلام والامن الدوليين والتعاون السلمي بين الشعوب وقد شارك في هذا‬
‫المؤتمر خمس وعشرون دولة ‪ ،‬واصدر القرارات التالية ‪:‬‬

‫‪ - 1‬التأييد التام للاعلان الخاص بمنح الاستقلال للبلاد والشعوب‬


‫•‬ ‫المستعمرة الذي اقرته الجمعية العامة للامم المتحدة عام ‪١٩٦٠‬‬

‫طالب المؤتمر بانهاء الاعمال العسكرية واجراءات القمـ‬


‫الوحشية الموجهة ضد الشعوب غير المستقلة فورا‬

‫ـ اعتبر المؤتمر كفاح الشعب الجزائري كفاحا عادلا وضروريا من‬


‫اجل الحرية‬

‫{ ‪ -‬طالب بالجلاء الفوريللقوات الفرنسية من جميع الاراض‬


‫التونسية ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫ه ــ ندد المؤتمر بالسياسة الاستعمارية التي تنتهج في الشرق‬

‫الاوسط واعلن تأييده لاعادة حقوق الشعب العربي في فلسطين كامــــــــــة‬


‫‪.‬‬ ‫طبقا لميثاق الامم المتحدة وقراراتها‬

‫‪-u-‬‬
‫اما مؤتمر القمة الثانية لدول عدم الانحياز فقد عقد في القاهرة‬
‫‪-‬‬
‫‪ ۱۰‬تشرين عام ‪ ١٩٦٤‬وحضرته ‪ ٤٧‬دولة و ‪ ۱۰‬دول بصفة‬
‫مراقب ومنظمات دولية واقليمية وحركات تحرير ‪.‬‬

‫اضاف المؤتمر الثاني لقمة عدم الانحياز بعض الملامح الجديدة لنضال‬
‫هذه الحركة ‪ ،‬فقد ابرز الشخصية الافريقية بشكل لم يسبق له مثيل‬

‫واوضح المؤتمر أن عدم الانحياز لا يعني الحياد في المنازعات التي تقع بين‬
‫الدول الاستعمارية والبلاد الافرو اسيوية التي ما زالت تحت نير الاستعمار ‪،‬‬
‫كذلك اهتم مؤتمر القاهرة بقضية التخلف والتنمية الاقتصادية ‪ ،‬واوضح‬
‫المؤتمر خطورة الفقر على السلام العالمي واقترح علاجا لذلك التعجيل‬
‫بانشاء وكالة متخصصة للتنمية الصناعية واعطاء البلاد التي لا منافذ لهـا‬
‫على البحار حق حرية العبور الى أقرب منفذ بحري لها في بلد مجاور •‬

‫وقد حقق المؤتمران نتائج ايجابية منها ‪- :‬‬

‫‪ - ۱‬شن حملة واسعة النطاق داخل الامم المتحدة وخارجها لتحسين‬

‫مركز الدول المتخلفة ‪ ،‬مما ادى الى تكوين مجموعة السبعة والسبعين والى‬
‫انشاء منظمات دولية دائمة من مهمتها مساعدة الدول النامية وتضيق‬
‫الفجوة بينها وبين الدول الغنية المتقدمة ‪.‬‬

‫‪ -‬القيام بحملة واسعة النطاق من أجل التعجيل في تخفيض‬


‫‪·.‬‬
‫السلاح‬

‫ـ اجراء تعديلات سياسية ودستورية داخل الامم المتحدة ترتب‬


‫عليها ازدياد عدد اعضاء مجلس الامن ‪ ،‬والمجلس الاقتصادي والاجتماعي‬
‫وتعديل تمثيل الدول الافرو اسيوية في هذه المجالس تمثيلا اقرب الـ‬
‫العدالة‬

‫{ ‪ -‬القيام بحملة من أجل تصفية الاستعمار وتنشيط مقاوم‬


‫التمييز العنصري •‬

‫القيام بحملة لتقنين مبادى التعايش السلمي ‪ ،‬مما أفضى الى‬

‫انشاء لجان في الامم المتحدة أوكل اليها أمر هذا التقنين ‪ ،‬ويعتبر اجتماع‬

‫‪٦٩ -‬‬
‫تلك اللجان ومنجزاتها خطوة ايجابية نحو توضيح القواعد الجديدة لعلاقات‬
‫بعضها ببعض ‪.‬‬
‫الدول مع‬

‫مؤتمر القمة الثالث ‪:‬‬

‫انعقد مؤتمر القمة الثالث لدول عدم الانحياز في ( لوساكا )‬


‫زامبيا فيما بين ‪ – ۱۰ – ۸‬ايلول ‪ ۱۹۷۰‬واشترك في المؤتمر ممثلو ‪ ٥٤‬دولة‬
‫وقد أكد المؤتمر على الدور الافريقي المتعاظم ضد بلقنة القارة ووخخللــــــــــــق‬
‫الانقسامات فيها كانعكاس لمخلفات الاستعمار ودسائسه ‪ ،‬واضاف هذا‬

‫المؤتمر على المؤتمرات التي سبقته نبرة اقتصادية جديدة ‪ ،‬اذ طالبت الدول‬
‫المجتمعة برفع يد الاستغلال الاستعماري عن البلدان المتخلفة التي تصدر‬
‫المواد الاولية بأسعار ادنى فأدنى ‪ ،‬وتستورد منتجات الدول الصناعية‬

‫باسعار أعلى فأعلى ‪ .‬أما القضايا الرئيسية التي تناولها المؤتمر فكانت ‪:‬‬

‫‪ - ۱‬تدعيم التنمية الاقتصادية ‪ :‬وذلك بدعم امكانية الاكتفاء‬


‫الاقتصادي في دول عدم الانحياز وتعميق التعاون الاقتصادي فيما بينها‬
‫( تسهيلات جمركية ‪ ،‬تبادل خبرات ومهارات ‪ ،‬اتفاقات اقتصادية طويلة‬
‫الامد ‪ ،‬سياسة موحدة تجاه الشركات الراسمالية ‪ ،‬طرق تجارية عبر هذه‬
‫الدول )‬

‫‪-‬‬
‫تدعيم دور الأمم المتحدة ‪ :‬وذلك بتنفيذ نصوص ميثاق الأمم‬
‫المتحدة وفي مقدمتها منع التهديد باستخدام القوة ضد وحدة وسلام‬
‫اراضي الدول واستقلالها السياسي‬
‫‪ -‬تدعيم دور الدول غير المنحازة ‪ :‬وذلك بتطبيق القرارات‬

‫والتوجيهات الصادرة عن مؤتمرات دول عدم الانحياز وذلك من خلال جهاز‬


‫للمتابعة‬

‫‪ - ٤‬قضايا الاستعمار ‪ :‬فقد حصلت حركات التحرير على تأييد غير‬


‫مشروط في المؤتمر‬

‫‪ -‬قضية جنوب افريقيا ‪ :‬من خلال نمو الاستثمارات الغربية‬


‫فيها والدعم العسكري الذي تتلقاه ‪.‬‬

‫‪--‬‬
‫‪- ۷۰ -‬‬
‫‪ - ٦‬قضية المستعمرات البرتغالية ‪ :‬واعلن المؤتمر تأييده الكامل‬
‫لانغولا وموزامبيق وغينيا بيساو‬

‫‪ - ۷‬قضية ناميبيا ‪ :‬بانهاء انتداب جنوب افريقيام على اقليم جنوب‬


‫غرب أفريقيا ) ناميبيا ) ‪.‬‬

‫‪ -‬قضية زيمبابوي ‪ :‬وافق المؤتمر على استخدام القوة لاسقاط‬


‫النظام العنصري غير الشرعي في زيمبابوي واستعادة حقوق هذا الشعب‬

‫‪ -‬الوضع في جنوب شرق آسيا ‪ :‬أكد المؤتمر مسؤولية الولايات‬


‫المتحدة الامريكية المباشرة عن اتساع نطاق الحرب في الهند الصينية‬

‫واعرب المؤتمر عن تأييده الكامل لنضال شعوب هذه المنطقــــــــــة‬


‫من أجل الحرية والاستقلال •‬

‫مؤتمر القمة الرابع ‪:‬‬

‫انعقد مؤتمر القمة الرابع لدول عدم الانحياز في الجزائر خلال‬


‫الفترة من ‪ ٩ - ٥‬ايلول ‪ ۱۹۷۳‬وحضرته وفود من ‪ ۷۸‬دولة كما حضرته‬
‫مجموعة كبيرة من حركات التحرر في العالم‬

‫وقد تميز هذا المؤتمر عن المؤتمرات السابقة بطرحه لامور واقعية‬

‫ذات مضمون سياسي وكذلك تطرقه لمشاريع اقتصادية تهم هذه البلدان‬
‫وتطورت سياسة عدم الانحياز في هذا المؤتمر الى مرحلة جديدة هي مرحلة‬
‫الوقوف بين المعسكرين العالميين كي لا يكون الوفاق بينهما على حساب‬
‫الدول الصغيرة •‬

‫مؤتمر القمة الخامس ‪:‬‬

‫انعقد المؤتمر الخامس لدول عدم الانحياز في كولومبو عاصمــــــــــــــة‬


‫سيرلانكا في الفترة ‪ ١٩ – ١٦‬آب ‪ ١٩٧٦‬واشتركت فيه وفود ‪ ٨٥‬دولة‬
‫ن‬ ‫اضافة الى مجموعة من الدول بصفة مراقب وهيئات دولية ووفود‬

‫حركات التحرر في العال‬

‫‪- ۷۱ -‬‬
‫وقد نتج عن هذا المؤتمر مجموعة من القرارات والتوصيات تتعلق‬
‫بسياسة الوفاق بين الدول الكبرى واهمية مشاركة دول عدم الانحيــــــــــاز‬

‫في تخفيف التوتر الدولي ‪ ،‬كما وعى المؤتمر الى ازالة القواعد العسكرية‬
‫الاجنبية من الدول حديثة الاستقلال ‪ .‬كما أكد المؤتمر على اكثر القرارات‬

‫الاقتصادية المقرة في المؤتمر الرابع كما اعرب المؤتمر الخامس عن أمله‬


‫في قيام نظام اقتصادي عالمي جديد يقوم على العدالة‬

‫موقف الحزب من حركة عدم الانحياز ‪:‬‬

‫لقد كان حزب البعث العربي الاشتراكي أول حركة عربية طرحت‬
‫فكرة الحياد الايجابي ‪ .‬الى انتهاج سياسة على الصعيد الدولي تستند‬
‫الى المصلحة القومية العليا ·‬

‫ولهذا فقد اقر في مؤتمره التأسيسي ‪ ٧ - ٤ -‬نیسان ‪ – ١٩٤٧‬ان‬

‫العلاقات الدولية يجب ان تنطلق من وجود مصلحة عربية عليا تحكــم‬

‫وبين المؤتمر القومي‬ ‫الموقف بين الكتلتين الكبيرتين المتنازعتين في العالم‬

‫الاول التأسيسي وبين المؤتمر القومي الثاني الذي انعقد في حزيران ‪١٩٥٤‬‬

‫شدد الحزب على فكرة الحياد الايجابي فدعا الى قيام عالم ثالث يضـ‬
‫ــق‬ ‫الشعوب المناضلة من أجل الاستقلال والتحرر ‪ ،‬وعلى اساس تحقيـ‬
‫نوع من التضامن بين شعوبه •‬

‫ثم تطور مفهوم الحياد الايجابي عند حزب البعث العربي الاشتراكي‬
‫في الفترة ما بين عامي ‪ ۱۹۵۸ - ۱۹٥٤‬واخذ يتحول الى موقف سياسي‬
‫معلن عندما بدا يشارك في الحكم ‪ .‬وتجلى ذلك بشكل واضح في مواقف‬
‫التأييد التي وقعها من مؤتمر باندونغ ‪ ،‬وفي دعائمه وتبنيه للمبادىء والافكار‬
‫التي قام باسمها وانعقد في سبيلها •‬

‫وفي المؤتمر القومي الثالث الذي انعقد من ‪ ۲۷‬آب الى ‪ 1‬ايلول‬


‫‪ ١٩٥٩‬جرى التأكيد على التمسك بموقف الحياد الايجابي وتوسيع‬

‫التضامن الاسيوي الافريقي وتعميقه وعلى تصعيد سياسة تصفيـــــــة‬


‫الاستعمار وفضح التحالف الصهيوني الاستعماري وعلى اقامة علاقات مع‬
‫منظومة الدول الاشتراكية ·‬
‫أما المؤتمر القومي السادس لحزب البعث العربي الاشتراك‬
‫فقد اضاف شيئا جديدا الى مواقفه السابقة تجلى بأن سياسة عــــــــــــــدم‬
‫الالتزام بالمعسكرات الدولية يجب ان لا يحول دون تقوية علاقات الصداقة‬
‫مع العالم الاشتراكي ‪ .‬وذلك من أجل تعزيز الكفاح العام الانســـــــــــــاني‬

‫المشترك ضد الاستعمار ‪ ،‬ومن اجل اقتلاع المواقع الاستراتيجية والمصالح‬


‫الاقتصادية والاحتكارية الاستعمارية في الوطن العربي‬

‫وفي المؤتمر القومي التاسع ‪ -‬اواخر ايلول ‪ - ١٩٦٦‬وكذلك في‬

‫المؤتمر القومي التاسع الاستثنائي ‪ -‬ايلول ‪ – ١٩٦٧‬وفي المؤتمر القومي‬


‫العاشر – ايلول ‪ – ١٩٦٨‬جرى التأكيد على الفهم الايجابي الخلاق لعدم‬
‫الانحياز المتمثل بالاصرار على امتلاك الارادة الحرة النابعة من مصالح‬
‫شعبنا ومثله القومية الانسانية العليا بعيدا عن المؤتمرات الدولية الخارجية‬
‫بحيث نكون قادرين على ان ننحاز الى جانب الشعوب المكافحة من اجل‬

‫الحرية وان نقف في صف الكفاح الانساني ضد الاستعمار والتخلف وضد‬


‫جميع القوى المعوقة لمسيرة التقدم والحرية في العالم‬

‫وفي التقرير السياسي للمؤتمر القومي الحادي عشر – آب ‪– ۱۹۷۱‬‬


‫جرى التأكيد على الحياد الايجابي وعدم الانحياز الى السياسة الخارجية‬
‫وبان سياسة عدم الانحياز هي تحرك مسؤول واع يعبر عن ارادة عدم‬

‫الالتزام بطرف من أطراف النزاع المسلح في العالم‬

‫وهكذا فان موقفنا من سياسة عدم الانحياز ينبع من سياسة مبدئية‬


‫وثابتة كرستها مقررات مؤتمرات حزبنا وقد عبر عنها الرفيق الامين العام‬
‫للحزب حافظ الأسد في خطابه التاريخي أمام مؤتمر القمة الخامس‬
‫لدول عدم الانحياز حيث قال ‪:‬‬

‫أن الشعب العربي السوري قد واكب حركة عدم الانحياز منذ‬


‫‪...‬‬ ‫ولادتها وشارك في تطويرها مبادئاً ونهجاً وممارسة منذ بدايتها‬
‫واعرب الرفيق حافظ الاسد عن عميق ايمان الشعب العربي السوري‬
‫بمبادىء عدم الانحياز وتمسكه بها وتصميمه على دعمها في كل مجال من‬
‫مجالات العمل الدولي ‪:‬‬
‫تاريخ الحركة الصهيونية‬

‫‪-VO-‬‬
‫ية من ‪۱۸۹۷ - ۱۹۲۱‬‬

‫ان الصراع بين الامة العربية والحركة الصهيونية صراع قاس ومرير‬
‫ومديدوما ذلك الا لأن هذه الشركه العنصرية النازية ترمي الى استعمار رقعة‬
‫من الوطن العربي تمتد من الفرات الى الذيل استعمارا استيطانيا بربريا‬
‫على حساب الشعب العربي ووجوده القومى فى ارضه ووطنه ‪ ،‬وهذا‬

‫الاستعمار الاستيطاني الصهيوني المدعوم من قبل الامبريالية العالمية وعلى‬


‫راسها الولايات المتحدة الأمريكية اشبه شيء بسرطان خبيث فناك ‪ ،‬نشب‬
‫في جزء من قلب الوطن العربي ‪ -‬فلسطين المحتلة ‪ -‬ويحاول ان يمتد‬

‫ويترعرع على حساب الاجزاء الأخرى من الوطن العربي ‪ ،‬وعلى حساب‬


‫الامة العربية ككل‬

‫وبذلك يصبح الوجود الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في الجزء‬


‫المحتل من فلسطين على طرفي نقيض مع وجود الامة العربية في أرضها‬
‫ووطنها ‪ ،‬ويشكل عقبة كأداء في طريق نزوع الامة العربية الى تحقيق وحدتها‬
‫وتطوير امكانياتها ‪ ،‬وبلرغ ما نصبو اليه من تقدم ورقي لتحتل المكانة اللائقة‬
‫بها بين أمم الأرض في عالمناالمناصر‬

‫واذا كان الصراع بين الامة العربية والصهيونية ‪ ،‬قد بدا منذ بدات‬
‫سرانم شذاذ الافاق سواهد على ربوع فلسطين منذ أواخر القرن التاسع‬
‫عشر وأوائل القرن العشرين فانه قد تبلور وتجسد في اربعة حروب خاضتها‬
‫الامة العربية ضد العدو الصهيوني العنصري عبر اعوام ‪٦٧ - ٥٦ - ٤٨‬‬
‫وأن حرب تشرين التحريرية التي رفعت رأس العرب عاليا‬ ‫‪- ۷۳‬‬

‫واعادت الثقة الى نفس المواطن العربي والجندي العربي ‪ ،‬واثبتت للعالم‬
‫اجمع قدرة الامة العربية على الصمود والمواجهة لتحرير أراضيها وطرد‬
‫الغاصب المحتل ‪ ،‬وكان لشعبنا العربي في هذا الفطر بقيادة الرفيق المناضل‬
‫حافظ الاسد دور اساسي وفعال فيها ‪ ،‬نقول ان هذه الحرب ليست خاتمة‬
‫ا هي حلقة في سلسلة‬
‫ما‬‫نم‬
‫ان‬‫وا‬
‫المطاف في الصراع العربي مع الصهيونية العنصرية و‬
‫حروب تحريرية قد تكون من نصيب أكثر من جبل من اجيال الامة العربية‬

‫حتى يتم تحرير كامل التراب المحتل ‪ ،‬وحتى يصفى الوجود الاستعماري‬
‫الاستيطاني من على الارض العربية‬

‫‪٧٦ -‬‬
‫واذا كانت معرفة العدو وواقعه من مختلف جوانبه السياسية‬
‫والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وما اليها ‪ ،‬ذات أثر في حسم المعركة معه‬
‫واحراز النصر عليه ‪ .‬لان من أولى اسباب الهزيمة في كل صراع جهل ماهية‬
‫العدو ومكامن قوته وضعفه ‪ .‬فان الالمام بواقع الحركة الصهيونية والتعرف‬
‫على مختلف جوانب ذلك الواقع ‪ ،‬والرجوع الى تاريخ هذه الحركة والتعرف‬
‫على نشأتها وبواعث هذه النشاة ‪ ،‬وأهدافها واساليبها لتحقيق تلك الاهداف‬
‫وغايتها البعيدة والقريبة وتكتيكها واستران جيتها الى آخر ما هنالك ‪ ،‬كل‬
‫ذلك يقدم لنا خدمات جلى في صراعنا المداويل مع العدو الصهيوني وفي حسم‬

‫الصراع لصالح الامة العربية ان عاجلا أو آبلا ‪.‬‬

‫ومن هنا فاننا نضع بين ايدي قواعد حزبنا المناضل وجماهير شعبنا‬
‫العربي الابي هذا الكراس الذي يتناول نشوء الحركة الصهيونية قبل‬
‫ان تتبلور بشكلها الحالي المعروف ‪ ،‬وهو يبحث في تلك الحركة ونشأتها‬
‫واهدافها واوضاع اليهود في العالم خلال الفترة الواقعة بين ‪ ۱٦٢١‬و ‪۱۸۹۷‬‬
‫اي حتى تاريخ انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول ‪ ،‬حيث دخلت الصهيونية منذ‬
‫ذلك التاريخ مرحلة جديدة وعملية من اجل الوصول الى اهدافها في السيطرة‬
‫على قلب الوطن العربي‬

‫وتكتسب هذه الدراسة اهمية خاصة ‪ ،‬لانها ملخص الرسالة قيمة جدا‬
‫نال بها رفيقنا ) لطف الله حيدر (( شهادة الدكتوراه ‪ ،‬وقل ان نجد دراسة‬
‫في العربية تناولت الصهيونية من حيث واقعها ونشأتها وتاريخها بدقة‬
‫‪.‬‬ ‫وموضوعية وفق اساليب البحث العلمي كهذه الدراسة‬

‫واننا لنأمل ان نوفق في الوصول بجهازنا الحزبي الى مستوى من‬


‫الثقافة والمعرفة يؤهله عن جدارة لممارسة الدور القيادي المناط به وان نضع‬
‫في متناول جماهير شعبنا المزيد من هذه الدراسات القيمة نظرا لما فيها‬
‫من كبير فائدة وعظيم غناء‬

‫والخلود لرســــــــــالتــــــــا‬

‫مكتب الاعداد الحزبي القطري‬


‫دمشق ‪ -‬تشرين الأول ‪١٩٧٦‬‬

‫‪- ۷۷ -‬‬
‫الصهيونية تاريخيا )‬

‫من‬

‫‪/ ١٨٩٧ - ١٦٢١ /‬‬

‫ليس ثمة شك في ان المعركة النهائية والفاصلة في منطقتنا العربية‬

‫ستدور بين الحركة الصهيونية ‪ ،‬بكل ما تمثله هذه الحركة من مفاهيم واسس‬

‫عنصرية ‪ ،‬عدوانية ‪ ،‬توسعية معادية لحركات التحرر والتقدم ‪ ،‬وبين حركة‬

‫القومية العربية ‪ ،‬بكل ما تصبو اليه هذه الحركة من تطلعات نحو التحرر‬

‫·‬
‫والاشتراكية وبناء المجتمع العربي الديمقراطي الاشتراكي الموحد‬

‫فالتناقض بين الحركتين اساسي وصدامي ‪ ،‬لا يمكن تجاوزه او‬

‫المساومة عليه ‪ ،‬وهو تناقض بلغ من الجوهرية والمصيرية حدا يجعـــــــل‬

‫التعايش بينهما مستحيلا استحالة تعايش الغازي مع المغزو ‪ ،‬العنصري مع‬

‫الانساني ‪ ،‬المستوطن الامبريالي مع الشعب الاصيل المتطلع الى الاستقلال‬


‫والتحـ‬

‫كذلك ليس ثمة شك ايضا في ان القضية الفلسطينية تشكل منذ زمن‬

‫غير قصير ‪ ،‬وستظل تشكل الى زمن غير معروف بعد ‪ ،‬محور النضال العربي‬

‫ضد الغزو الاستيطاني الصهيوني وتحالفه الابدي مع النضال الذي اتخذ‬

‫شكل صراع مصيري بين قوتين رئيسيتين في هذه المنطقة من العالم ‪:‬‬

‫قوة حركة القومية العربية واهدافها الثابتة والاستراتيجية المتمثلة في‬

‫تحقيق الوحدة والحرية والاشتراكية عبر كفاح طويل تساندها خلاله قوی‬
‫التحرر والتقدم والاشتراكية في العالم ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪- VA -‬‬
‫وقوة الحركة الصهيونية واهدافها الاستراتيجية الثابتة المتمثلة في بناء‬

‫اسرائيل كبرى ‪ ،‬قوية ‪ ،‬مسيطرة عسكريا واقتصاديا وثقافيا ‪ ،‬تشكل‬

‫حاجزا منيعا بين شطري الوطن العربي يمنع وحدته ‪ ،‬كما تشكل شرطيا‬

‫امبرياليا يتكفل بقمع اية حركة تحرر أو تقدم في هذه المنطقة ‪ ،‬تدعمها في ذلك‬
‫قوى الامبريالية والاستعمار بأشكاله المختلفة في العالم •‬

‫هذه المعركة المصيرية الفاصلة بين هاتين الحركتين تتسم بعدة سمات‬

‫رئيسية ‪:‬‬

‫‪ – ۱‬مسرحها ‪ ،‬كان ولا يزال فلسطين تلك الارض العربية ذات‬

‫التاريخ العريق الذي يصل آسيا العربية بأفريقيا العربية ‪ ،‬كما يصل المتوسط‬

‫بالجزيرة العربية ‪ ،‬الأمر الذي يكسبها ‪ ،‬اضافة الى أهميتها التاريخية‬


‫الدينية ‪ ،‬اهمية استراتيجية تنفرد بها بين الاقطار العربية ·‬

‫‪ ۲‬ـ تشكل اللبنة الاساسية في الصرح الذي تطمح الى بنائه حركة‬

‫القومية العربية ‪ ،‬فهي في حال انكسار النضال العربي وتراجعه ‪ ،‬مانـــــــــع‬

‫وعائق للوحدة والتحرر ‪ ،‬وفي حال تصاعد هذا النضال ومده ‪ ،‬حافز ودافع‬

‫قوي نحو الوحدة والتحرر ‪ ،‬ولذا فهي بمثابة المؤشر الزئبقي الذي يتناسب‬

‫ارتفاع أو انخفاض حرارته ‪ ،‬مع ارتفاع أو انخفاض زخم النضال العربي‬


‫وتنامي قوته أو ضعفها ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫انها تفرز وباستمرار القوى في منطقتنا وفي العالم ‪ .‬وتزداد حدة‬

‫الخيار وضرورته يوما اثر يوم بين الوقوف في صف حركة القومية العربية ‪،‬‬

‫اي مع التحرر والتقدم والاشتراكية ‪ ،‬أو في صف الحركة الصهيونية ‪ ،‬أي‬

‫مع الامبريالية والعدوان والتوسع وتمزيق الوطن العربي ‪ ،‬ونهبه وابقائه في‬
‫حالة معاناة دائمة ‪.‬‬

‫•‬ ‫واذا كانت السمتان الرئيسيتان الاولى والثانيةتشكلان حقائق تاريخية‬

‫‪-V9-‬‬
‫‪ ،‬وبالتالي ‪ ،‬لا حاجة لنقاشهما او تفصيلهما ‪،‬‬ ‫ترقي الى مصاف البدهيات‬
‫فان السمة الثالثة نظرا لكونها » حديثة نسبيا » ‪ ،‬ولانها متطورة ‪ ،‬وكذلك‬

‫موضع شك » لدى بعض القوى فان نقاشها واثباتها بالحقائق‬ ‫لانها لاتزال‬
‫التاريخية قد يكون أمرا مفيدا ومطلوبا •‬

‫ولذا ‪ ،‬فان مهمة هذه الدراسة الموجزة تنحصر في الاجابة على هذا‬

‫السؤال ‪:‬‬

‫ما هي الصهيونية ؟ وما هو موقعها من العالم ؟‬

‫والاجابة على هذا السؤال ‪ ،‬بقدر ما هي ضرورية لفهم الحركة‬

‫الصهيونية تاريخيا ‪ ،‬بقدر ما هي اساسية ومهمة بالنسبة الينا ‪ ،‬لمزيد من‬

‫·‬
‫الفهم ‪ ،‬والاحاطة بعمق ‪ ،‬بعدونا الاساسي في صراعنا المصيري الطويل‬

‫ما هي الصهيونية ‪:‬‬

‫ظهرت عبارة « الصهيونية » لاول مرة في التاريخ في الكتاب الذي‬

‫أصدره المفكر اليهودي الصهيوني الالماني «) ناتان بيرنباوم » ونشره عام‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ – ۱۸۹۳‬تحت عنوان « البعث الثقافي للشعب اليهودي في أرضـــــــــــه‬
‫‪١٨٩٣‬‬

‫كوسيلة لحل المسألة اليهودية ( بدلا عن عبارة « القومية اليهودية » التي‬

‫كانت سائدة آنذاك في كتابات المفكرين والكتاب الصهاينة دعاة تأسيس‬

‫الدولة اليهودية ‪ .‬وفي هذا الكتاب ‪ ،‬كما في صحيفته « التحرر الذاتي » ‪،‬‬

‫اعاد بيرنباوم طرح الافكار التي سبقه اليها عدد من دعاة الصهيونية أهمهم ‪:‬‬

‫‪ ١٨٦٢ -‬ـ دشن‬


‫‪ - ۱‬مورنس هس ‪ :‬مؤلف كتاب « روما والقدس » ـ‬
‫صدور هذا الكتاب مرحلة انعطاف هامة في تاريخ الدعوة الصهيونية للعودة‬

‫الى فلسطين واستيطانها وتأسيس مملكة اسرائيل لانه ‪:‬‬

‫‪A. -‬‬
‫) سبقت‬ ‫― اول كتاب يؤلفه مفكر يهودي يدعو الى غزو فلسطين‬

‫هذا الكتاب كتب كثيرة تدعو الى استيطان اليهود في فلسطين ‪ ،‬ولكنها جميعا‬

‫لمؤلفين غير يهود وسنتطرق الى ذلك لاحقا ) ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫أول كتاب يضع برنامجا كاملا لاعادة اليهود الى « وطنهم التاريخي »‬

‫الذي يمتد من السويس الى القدس ‪ ،‬ومن ضفاف نهر الاردن الى البحر‬

‫الابيض المتوسط ‪ .‬وذلك تحت رعاية فرنسا حامية اليهود ‪...‬‬

‫دشن هذا الكتاب مرحلة انتقال الدعوة الصهيونية من ايدي غـ‬

‫اليهود واقلامهم الى اليهود‬

‫‪ - ۲‬ليوبنسكر ‪ :‬مؤلف كتاب « التحرر الذاتي » عام – ‪: - ۱۸۸۲‬‬

‫بينما دشن كتاب « هس » السابق ذكره مرحلة انتقال الدعوة الصهيونية‬

‫من اقلام غير اليهود الى اليهود ‪ ،‬فان كتاب « بنسكر » دشن مرحلة انتقال‬

‫الصهيونية من الدعوة الى الحركة ‪ .‬ويتفق معظم المؤرخين والدارسين‬

‫‪ – ۱۸۸۲‬عاما فاصلا في تاريخ‬ ‫للحركة الصهيونية على اعتبار عام –‬


‫‪١٨٨٢ -‬‬

‫الحركة الصهيونية ‪ ،‬لأن هذا العام شهد التطورات التالية ‪:‬‬

‫‪ -‬تولت نهائيا مجموعات من الصهيونيين انفسهم تحقيق الفكر‬


‫الصهيونية عبر تنظيمات سياسية ·‬

‫بدأ صراع طويل بين اليهود الصهيونيين واليهود غير الصهيونيين‬

‫الذين رفضوا الانفصال عن مجتمعاتهم والتعلق بأفكار قومية بورجوازية‬

‫شوفينية ‪.‬‬

‫ظهرت أولى المجموعات الصهيونية السياسية الداعية الى الهجرة‬

‫الى فلسطين واستيطانها تدريجيا ‪ ،‬ثم الاستيلاء عليها ‪ .‬واهم هذه المجموعات‬

‫اثنتان ‪ « :‬احباء صهيون » و « بيلو » ‪.‬‬

‫‪-A1-‬‬
‫آ ـــ احــــــــــــاء صهيون ‪:‬‬

‫‪ -‬طالبا روسيا‬ ‫جماعة صهيونية تأسست عام ‪– ۱۸۸۲ -‬‬


‫‪ -‬من – ‪– ٢٥‬‬

‫في جامعة « خاركوف » معظمهم من الطلاب الفاشلين دراسيا والمهددين‬

‫بالفصل من الجامعة ‪ ،‬اصدرت منشورات تتغنى بحب فلسطين وجبـــــــل‬

‫صهيون والغيرة عليهما ‪ ،‬وتدعو الى الهجرة الى فلسطين لاستيطانه‬

‫و استعادة مجد بني اسرائيل ‪ .‬وفي نفس العام ايضا تشكلت جماعة صهيونية‬
‫•‬
‫اخرى تحمل نفس الاسم في جامعة أوديسا بروسيا‬

‫هذه الكلمة ( كالعادة في اللغات الاجنبية ( تتشكل من الاحرف الاولى‬

‫‪: -‬تعالوا ــ‬


‫‪ -‬لنرحل‬ ‫لاربع كلمات بالعبرية هي ‪ :‬بيت – يعقوب –‬

‫وقد نشرت نداءها الاول من مركز تجمعها في جامعة القسطنطينية عام‬

‫‪ ، - ۱۸۸۲ -‬واعتبر الصهاينة فيما بعد هذا النداء نموذجا للدعـــــــــــــــوة‬


‫الصهيونية ‪ .‬اذ جاء فيه ‪:‬‬

‫دعوة يهود المنفى للنهوض من سباتهم الذي استمر الفي عام ‪.‬‬

‫وغسل العار الذي لحق بالامة اليهودية منذ دمار الهيكل ‪ .‬والحصول على‬
‫‪6‬‬
‫موطن لليهود في ارضهم فلسطين ‪ .‬واقامة مركزهم الاساسي في القدس ‪،‬‬

‫واقناع السلطان العثماني بمختلف الوسائل ‪ ،‬واغرائه بعدالة قضيتهم‬


‫وكسب دعمه ورعايته » ‪.‬‬

‫وفي العام ذاته تأسست جمعيات صهيونية مماثلة في النمسا والمانيا‬

‫وغيرهما ‪ .‬الا ان هناك اتفاقا عاما على ان « احباء صهيون » و « بيلو »‬

‫هما الجماعتان الرائدتان في هذا المجال ‪ ،‬وان كان بعض المؤرخين يعتبر‬

‫احداهما سابقة على الاخرى بعدة اشهر ‪ ،‬ويضفي كتاب « بنسكر » تحت‬

‫عنوان « التحرر الذاتي (» المنشور عام – ‪ ۱۸۸۲‬ـ اهمية اضافية على‬

‫هذا العام ايضا لسببين ‪:‬‬

‫‪-AY-‬‬
‫‪-T‬‬
‫كان ليو بنسكر ‪ ،‬الطبيب الروسي ‪ ،‬المثقف والمندمج تماما‬

‫المجتمع الروسي احد الدعاة اليهود الروس الى الاندماج في مجتمعهم ‪ ،‬وكان‬
‫معجبا بالثقافة واللغة الروسية ‪ ،‬كما كان عضوا نشيطا في « جمعية نشر‬

‫الثقافة الروسية بين يهود روسيا » ‪ ،‬وقد ظل كذلك بالفعل حتى انفجار‬

‫أعمال العنف والدمار ‪ ،‬وما تخللها من مذابح ضد اليهود اثر اغتيال القيصر‬

‫الروسي عام ـ ‪ ١٨٨١‬ــ ‪ .‬فانسحب منالجمعية الثقافية وبدأ يبحث عن‬

‫حلول جديدة للمسألة اليهودية ( خارج الاندماج في المجتمعات المحيطة‬

‫ب ـ تضمن هذا الكتاب اول برنامج عملي يدعى انه الحل النهائي‬
‫للمسألة اليهودية ‪ ،‬واخذت به على الفور الجماعات الصهيونية المنظمة‬
‫( احباء صهيون ( واعتبرته كتابها المقدس ‪ ،‬كما تلقفت الكتاب ايضا‬
‫الجماعات الصهيونية الاخرى في النمسا والمانيا •‬

‫وجاء في الكتاب ‪:‬‬

‫اليهود قوم شبح لا وطن لهم ‪ ،‬وبما ان الانسانية تكره الاشباح ‪ ،‬لذا‬
‫تقوم الشعوب باضطهاد اليهود ‪ .‬ان حل المسألة اليهودية يكمن في تحويل‬
‫اليهود من قوم شبح الى قوم طبيعي ‪ ،‬وهذا يتطلب بالضرورة اقامة وطن‬
‫لهم في مكان ما ‪ ...‬اللاسامية لا يمكن ان تزول طالما اننا لا نملكوطنا قوميا‬
‫خاصا بنا ‪ ،‬لان شعور الكراهية ضد اليهود متأصل في النفس البشرية ‪ .‬لذا‬
‫ينبغي انقاص عدد اليهود في كل بلد ضمن الحدود التي تمليها الشـــــــروط‬
‫الاقتصادية للسكان الأصليين ‪ .‬ولا ينبغي التفكير بهجرة الشعب ( اليهود )‬
‫الكاملة ‪ ،‬وانما تهجير الفائض ( الجماهير الفقيرة ) من السكان ‪ .‬ويجب ان‬

‫تتولى هذا الامر منظمة صهيونية مركزية نواتها الجمعيات القائمة حاليا‬

‫وذلك من خلال مؤتمر عام تعقده هذه الجمعيات وتقرر فيه انشاء شركة‬
‫مساهمة للمتمولين اليهود ‪ ،‬تكون مهمتها شراء قطعة من الارض يمكنها‬
‫استيعاب بضعة ملايين من « الفائض اليهودي » في اوروبا ‪ ...‬وعلينا ان‬

‫لا نرحل الى ذلك المكان الذي سبق ان دمرت فيه حياتنا كدولة في الزمن‬
‫الغابر ‪ .‬بل سننتقل الى موطن جديد ‪ ،‬وسننقل معنا فكرة الرب والتوراة‬
‫لانهما وحدهما اللذان حولا ارضنا الى بلاد مقدسة ‪ .‬وليس القدس أو نهر‬
‫الاردن » ‪.‬‬

‫‪- ۸۳ -‬‬
‫الا ان الجمعيات التي اعتبرت هذا الكتاب بمثابة التوراة الجديدة‬

‫اخذت على بنسكر دعوته الى الاستيطان في اي مكان ‪ .‬ونقل فكرة الرب‬
‫والتوراة الى هذا الوطن الجديد ‪ .‬ودخلت مجموعة احباء صهيون في‬

‫خاركوف » و « اوديسا » في حوار مع المؤلفلاقناعه بتبني فكرة استيطان‬

‫فلسطين بالذات وتحديدها هدفا لهجرة اليهود وتأسيس دولتهم فيها ‪.‬‬

‫وعرضت هاتان المجموعتان على بنسكر رئاسة جمعيتها الموحدة مقابل تبني‬
‫فلسطين ‪ .‬وما كاد يوافق على تبني استيطان فلسطين حتى اعلنه قادة‬
‫·‬ ‫احباء صهيون الموحدة في اوديسا ‪١٨٨٣ -‬‬
‫الجمعيتين رئيسا لجمعية‬
‫‪་‬‬
‫على ان يساعده في توجيه اعمال الجمعية وادرتها « موشي ليلنبلوم » الذي‬
‫اصدر بدوره في عام ‪ – ١٨٨٣ -‬كراسا بعنوان " بعث الشعب اليهودي في‬
‫ارض اجداده المقدسة » تبنى فيه افكار بنسكر مع اضافة وحيدة تتضمن‬
‫اعتبار فلسطين وحدها وطن اليهود المقبل •‬

‫وبذلك اصبحت جمعية ( احباء صهيون » الجمعية القائدة للدعوة‬

‫الصهيونية فكرا ‪ ،‬وممارسة ‪ ،‬وسرعان ما انتشرت فروعها في اوروبا الشرقية‬


‫والغربية ‪ ،‬واصبحت الدعوة الى " مؤتمر قومي عام » امرا حيويا بالنسبة‬
‫لهذه الجمعيات لصياغة برنامجها المرحلي واهدافها الاستراتيجية ‪ ،‬وبالفعل‬
‫‪• - ١٨٨٤‬‬ ‫‪-‬‬
‫انعقد هذا المؤتمر في مدينة « كاتوفيتز » ـ بولونيا ـ‬

‫•‬
‫ثم تلاه المؤتمر الثاني عام ‪ ۱۸۸۷‬والثالث ‪ ، ۱۸۸۹‬والرابع ‪۱۸۹۰‬‬
‫وفي المؤتمر الرابع نضجت الحركة الصهيونية وبدات تتمايز التيارات‬
‫الفاعلة داخلها وبرزت في هذا المؤتمر الذي انعقد في أوديسا ‪ ۱۸۹۰‬ثلاثة‬
‫تيارات رئيسية ‪:‬‬

‫‪- T‬‬
‫التيار العملي بزعامة " ليلنبلوم » والذي دعا الى الاستمرار في‬
‫الهجرة الى فلسطين وانشاء المستعمرات والاستيطان فيها تحت اية ظروف‬
‫وبأية شروط •‬

‫ب ـ التيار الروحي ‪ -‬الثقافي بزعامة ) احاد همام » ( الاسم رمزی‬

‫ومعناه ‪ :‬واحد من الشعب ‪ ،‬الاسم الحقيقي ( اسر فيبربرغ ) وكان هذا‬


‫التيار يلح على اولوية العمل الثقافي والروحي بين اليهود ‪ .‬ويعتبر فلسطين‬
‫مركزا ثقافيا روحيا بالدرجة الأولى‬

‫‪- ٨٤ -‬‬
‫‪-‬‬
‫جـــــ التيار الديني الحرفي الذي يحب فلسطين بسبب مكانتها الدينية‬
‫انه ينتظر ظهور المسيح المنقذ الذي سيتولى تحقيق نبوة التوراة بعبادة‬
‫·‬
‫اليهود والعودة بهم تحت رايته الى فلسطين‬

‫كان هذا عرضا موجزا وسريعا للنشاطات الصهيونية في أوروبا‬

‫الشرقية ‪ ،‬وبعض فروعها التي تولى ادارتها وتوجيهها طلاب شرقيـــــــــون‬


‫يدرسون في جامعات أوروبا الغربية كجامعة فيينا وجامعة برلين كالجمعية‬

‫التي اسسها « ليوموتزكين » عام ـ ‪ – ١٨٩٠‬تحت اسم « الجمعية العلمية‬


‫للطلاب الروس اليهود » والتي انضم اليها مشاهير القادة الصهاينة امثال‬
‫حایم و ایزمن » و « شماريا ليفن » و « دافيد جاكوبن » وغيرهم‬

‫اما في الشطر الغربي من اوروبا فقد تأخر تأسيس هذه الجمعيات‬


‫عن الشطر الشرقي قرابة عقد من الزمن ‪ .‬ويعتبر الكراس الذي اصدره‬
‫الصهيوني الالماني » بودنها يمر » بعنوان « این نذهب باليهود الروس » ؟‬
‫واجاب عليه ‪ « :‬الى فلسطين وجوارها في سورية »‬

‫يعتبر هذا الكراس بمثابة الشرارة التي استقطبت امثاله من الصهاينة‬


‫‪-‬‬
‫بودنها يمر » ذاته نداء في ايلول – ‪– ١٨٩١‬‬ ‫للبدء في التنظيم ‪ .‬كما اصدر‬
‫بعنوان «ياصهيونيي العالم ‪ :‬اتحدوا ! » وتضمن هذا النداء مشروعالاستعمار‬
‫فلسطين وتأسيس شركات تطوير الاراضي ومد الخطوط الحديدية وغير‬
‫ذلك من مقومات بناء الدولة •‬

‫وبشكل عام كان مشروعه مماثلا لمشروع « اوليفانت » الانكليزي‬


‫الخاص باستعمار فلسطين يهوديا ‪ ،‬وهو ما سيرد الحديث عنه لاحقا ونقطة‬

‫الخلاف الرئيسية بين مشروع « بودنها يمر » الالماني ‪ ،‬وأوليفانت البريطاني ‪،‬‬
‫ان الأول دعا الى ربط دولة اليهود العتيدة بالامبراطورية الالمانية ووضعها‬

‫تحت حمايتها ‪ ،‬في حين دعا الثاني الى ربطها بالامبراطورية البريطاني‬
‫ووضعها تحت حمايتها •‬

‫وما كاد « بودنهايمر » يلتقي مع « وولفنسون » ( الذي اصبح فيما‬


‫بعد رئيسا للمنظمة الصهيونية العالمية ) في شباط ‪ ١٨۹۲ -‬ـ ويتم التعارف‬

‫نادي صهيون القومي اليهودي » و « جمعية‬ ‫بينهما حتى اتفقا على تأسيس‬
‫احباء صهيون الالمانية » التي انضم اليها على الفور « بيرنباوم » ‪ .‬واتفق‬
‫‪- ٥٧ -‬‬
‫‪-‬‬
‫الثلاثة على الدعوة الى مؤتمر صهيوني عام » لصياغة الأهداف النهائية‬
‫للصهيونية السياسية بشكل واضح ‪ ،‬وجمع اليهود حولها » ‪ ،‬فوافقت على‬
‫‪. » ١٨٩٣‬‬ ‫الفور جمعية ) اسرائيل الفتاة الالمانية التي تأسست في برلين عام‬

‫وکتب بودنهايمر عن لقائه وولفنسون في مذكراته ‪:‬‬

‫وهكذا ولدت الصهيونية الالمانية » •‬

‫وفي المؤتمر العام الذي انعقد في برلين ( ‪ » ۱۸۹۳‬اقرت مشاريع تتضمن‬


‫انشاء منظمة صهيونية موحدة ‪ ،‬وصندوق مالي وتشجيع الاستيطان اليهودي‬
‫في فلسطين وتنظيمه ‪ ،‬واحياء اللغة العبرية والثقافة القومية ‪ ،‬كما حدد‬
‫الدعوة لعقد مؤتمر قومي عام يضم جميع التنظيمات الصهيونية العاملة‬
‫في المانيا •‬

‫‪-‬‬
‫وبالفعل انعقد هذا المؤتمر في مدينة كولون بألمانيا عام – ‪– ١٨٩٦‬‬
‫وتبنى المؤتمر مشاريع وقرارات مؤتمر برلين واصدرها في كراس بعنوان‬
‫« قضايا كولون »‬

‫وهكذا ولدت فعلا الصهيونية الالمانية ‪ .‬وكانت قد سبقتها الصهيونية‬


‫‪ -‬البولونية بعشر سنوات ‪.‬‬
‫الروسية –‬

‫أما الصهيونية البريطانية ومثيلتها الصهيونية الفرنسية فقد سبقتاهما‬

‫بمدة تتراوح بين قرن وقرنين من الزمن‬

‫الصهيونية البريطانية ‪:‬‬

‫قد تبدو هذه التسمية غريبة بعض الشيء ‪ ،‬وقد يسأل البعض وهل‬
‫هناك صهيونية بريطانية والمانية وفرنسية وغيرها‬

‫لقد حاولت ان اميز في هذه الدراسة بين نوعين من الصهيونية ‪:‬‬

‫آ ‪ -‬الصهيونية كدعوة أو اتجاه اقتصر على الكتب والافكـ‬


‫والنشاط الدعائي‬

‫العمل‬ ‫ب ‪ -‬الصهيونية كحركة أو تنظيم تبنى الى جانب الافكار‬


‫المنظم الدائب وفق اسيس معينة ولتحقيق اهداف محددة ‪.‬‬

‫‪-17-‬‬
‫الصهيونية كدعوة أو اتجاه ‪ ،‬معروفة منذ القرن السابع عشر‬
‫وبالتحديد هذ عام ‪ ١٦٢١‬م ‪.‬‬

‫ففي ذلك العام نشر « سير هنري فينش » الانكليزي كتابا بعنوان‬
‫دعوة اليهود » توقع فيه المؤلف اقتراب موعد استعادة اليهود لسلطانهم في‬
‫فلسطين وتأسيس امبراطورية يهودية ‪ .‬ويتفق مؤرخو الصهيونية علــــــــــ‬
‫اعتبار النصف الاول من القرن السابع عشر مولدا للدعوة الصهيوينة بين‬
‫المسيحيين ‪ ،‬ويطلق المؤرخون بمن فيهم اليهود ‪ ،‬والموسوعة اليهودية‬
‫الصهيونية بالذات ‪ ،‬على هذا النوع من الصهيونية اسم « صهيونية الاغيار »‬
‫اي صهيونية الذين لا ينتمون الى اليهودية كديانة ‪ ،‬وهي ترجمة كلمة « غوييم »‬
‫بالعبرية ‪ .‬اي الاغيار ‪ .‬في حين يطلق عليها كتاب آخرون اسم الصهيونية‬
‫المسيحية » أو صهيونية غير اليهود » نظرا لانها لم تنشر الا في صفوف‬
‫المسيحيين آنذاك وخاصة فئة المطهرين « يورينان » من البروتستانت ‪ .‬وقد‬
‫استمدت هذه الدعوة مبرراتها العلنية من عقيدة العصر الالفي التي تحدد‬
‫العام الالف‬
‫موعدا لظهور المسيح المنقذ وقيادته لبني اسرائيل واعادتهم الى‬
‫فلسطين تحقيقا لنبوءة التوراة ‪.‬‬

‫أما المبررات الحقيقية لتنامي هذه الدعوة وانتشارها في بريطانيا مع‬


‫صعود « كرومويل » الى السلطة فكانت في الاصل مصالح بريطانيا التجارية ‪.‬‬
‫وساعد كرومويل المسيحي البريطاني على انتشار هذه الدعوة عندما سمح‬
‫لليهود بالعودة الى الجزر البريطانية عام ( ‪ » ١٦٥٥‬بعد إن كانوا قد طردوا‬
‫منها عام ‪ . - ۱۲۹۰ -‬ويبرر كرومويل قراره هذا بانه » تحقيق لنبوءة‬

‫التوراة بوجوب تشتت اليهود في جميع أرجاء الأرض ‪ .‬ثم تجمعهم في الجزر‬
‫>>‬
‫الجزر البريطانية ؟ » قبل ظهور مسيحهم وقيادته لهم عائدين الى‬
‫فلسطين " •‬

‫وينسب المؤرخون الغربيون والصهاينة عامة الى كرومويل تأثره‬


‫"‬
‫جون آرثر » عام ‪ ١٦٤٢‬الذي‬ ‫بعقيدة العصر الألفى " بعد ظهور كتاب‬
‫حدد فيه عام – ‪ – ١٦٦٦‬عاما الفيا وموعدا لظهور المسيح ‪ .‬في حين حدد‬
‫الصوفيون اليهود العام الالفي ‪. » ١٦٤٨‬‬

‫ویری هؤلاء الكتاب أن كرومويل رغب في ان يساهم في تحقيق النبوءة‬


‫المذكورة ‪ ،‬ولذلك سمح لليهود بالعودة الى الجزر البريطانية‬

‫‪---- AY·-‬‬
‫اما دوافع كرومويل الحقيقية فكانت مصالح بريطانيا التجارية‬
‫البحرية خاصة ‪ ،‬وحاجة كرومويل الى اموال اليهود واساطيلهم التجارية‬
‫وخبراتهم المصرفية لاستخدامها في تدعيم صراعه مع البرتغال من اجــــــل‬
‫السيادة على البحار ‪ .‬وكان اليهود آنذاك يشكلون الطبقة التجارية‬

‫المسيطرة في هولندا ‪ ،‬كما كانوا يتطلعون الى الانتقام مـــــــن البرتـــــال ‪،‬‬
‫واسبانيا بسبب طردهم منها واضطهادهم في هذين البلدين ‪ .‬فاستفاد‬

‫كرومويل من هذا الواقع الموضوعي ‪ ،‬وعمل على استقدام اليهود بأموالهم‬


‫واساطيلهم وخبراتهم الى بريطانيا كخطوة عملية تستفيد منها بريطانيا في‬
‫وفي‬ ‫حربها المقبلة ضد اسبانيا والبرتغال للسيطرة على البحار من جهـ‬
‫·‬
‫سباقها التجاري مع هولندا من جهة اخرى‬

‫وهكذا ولدت الصهيونية البريطانية من جهة ‪ ،‬كما عبرت هذه الصهيونية‬

‫منذ ولادتها عن ارتباطها بالمصالح الاقتصادية والسياسية لبريطانيا من جهة‬


‫اخرى ‪ .‬وكانت هذه الدعوة تبرز وتقوى عندما تستدعي ذلك مصالح الدولة ‪،‬‬

‫في بريطانيا مثلا ‪ ،‬وتختفي عندما تتوقف الحاجة الى استخدامها ‪ .‬ولذا ما‬
‫كاد كرومويل ينتصر في حربه ويحقق أغراض استخدامه للدعوة الصهيونية‬

‫حتى خمدت هذه الدعوة واختفت نهائيا ولم تعد الى الظهور اطلاقا الا بعد‬
‫ما يزيد على قرن كامل من الزمن ‪ ،‬مع انتصار الثورة الفرنسية واستفحال‬
‫العداء بين بريطانيا سيدة البحار المحافظة البروتستانتية ‪ ،‬وفرنسا الثورة‬
‫الفرنسية حاملة المباديء الليبرالية ‪ .‬اذ عادت الحاجة مرة اخرى الـــــــــ‬
‫استخدام هذه الدعوة سلاحا في التنافس البريطاني الفرنسي‬

‫وهكذا ‪ ،‬بعد انقطاع دام ما يزيد على قرن من الزمن ‪ ،‬ظهر كتاب‬
‫جديد في بريطانيا عام ـ ‪― ١٧٩٤‬‬
‫اصدره الضابط البحري البريطاني‬
‫بروزرز » وحدد فيه عام « ‪ » ١٧٩٥‬موعدا لظهور المسيح المنقذ ودعــا‬
‫الى اعادة اليهود الى فلسطين تحقيقا لنبوءة التوراة ‪ ،‬واعتبر الانكليز من‬
‫سليلة الاسباط اليهود ‪.‬‬

‫الصهيونية الفرنسية ‪:‬‬

‫هذه المرة ‪ ،‬لم تنفرد بريطانيا باحتضان نبوءة التوراة وتحقيقها بـــل‬
‫شاركتها فرنسا ‪ ،‬وبالذات نابليون بونابرت الذي كان يتطلع الى ضرب‬

‫‪-M-‬‬
‫المصالح البريطانية الرئيسية في الشرق الاوسط ‪ ،‬وقطع طريق الهند ‪ ،‬ومد‬
‫·‬
‫النفوذ الفرنسي الى الشرق وجعله منافسا اساسيا للنفوذ البريطاني‬

‫وماكاد نابليون ينتصر على المماليك في حملته على مصر عام ‪١٧٩٨‬‬
‫ويتجه زاحفا الى فلسطين فيصطدم باسوار عكا المنيعة ‪ ،‬حتى لجأ الــ‬
‫‪-‬‬
‫الدعوة الصهيونية فأصدر نداء مؤرخا في ( ‪ ۲۲‬ايار ‪ ١٧٩٩ -‬ــ » دعا فيه‬
‫اليهود الى الانضواء تحت لوائه والقتال معه من اجل استعادة القدس ‪،‬‬
‫وتأسيس مملكة اسرائيل ‪ ،‬وتسليمها الى اليهود باعتبارهم « الورثة الشرعيين‬
‫لفلسطين » ‪.‬‬

‫وهكذا دشن نابليون » المحاولة الجادة الاولى لاستيطان اليهود في‬


‫فلسطين عن طريق تهجيرهم اليها » ‪.‬‬

‫وبالتأكيد ‪ ،‬لم يكن نابليون يهوديا أو صهيونيا ‪ ،‬وانما قصد الى‬


‫استخدام هذه الدعوة لخدمة اغراضه الاقتصادية والسياسية ‪ .‬وبهذا‬
‫النداء ‪ ،‬دخلت مرحلة التنافس الاستعماري البريطاني – الفرنسي مرحلة‬
‫جديدة ‪ ،‬كما اصبحت الدعوة الصهيونية اداة لخدمة اغراض هذا الاستعمار‬
‫أو ذاك ·‬

‫الا ان فشل حملة نابليونو هزيمته واضطراره الى الانسحاب وبالتالي‬


‫انخفاض حدة التنافس بين الدولتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا قلص‬
‫الحاجة الى الدعوة الصهيونية مخمدت هذه الدعوة بل اختفت مرة اخرى‬

‫لعدة عقود من الزمن ولم تعد الى الظهور مجددا الا في أواخر الثلاثينيات من‬
‫‪-‬‬
‫القرن التاسع عشر ‪ ،‬مع اشتداد التنافس البريطاني ـ الفرنسي مـــــــــن‬
‫اجل الاستيلاء على سورية وفلسطين ( ‪ ، ١٨٤٥ ، » ١٨٣٩‬وبروز محمد‬

‫علي باشا في مصر كقوة رئيسية تهدد مصالح الدولتين معا‬

‫وتجدر بالاهمية ملاحظة ان اليهود انفسهم لم يكونوا حتى ذلك التاريخ‬

‫مهتمين عمليا بفكرة عودتهم الى فلسطين وعلى الرغم من كون المسألة‬
‫الفلسطينية قد اتخذت طابعا يهوديا للمرة الثانية في مؤتمر لندن عام ‪١٨٤٠‬‬

‫) المرة الأولى اثناء حصار عكا ‪ ، ) ۱۷۹۹‬كما لاحظ المؤرخ اليهودي « لوسيان‬

‫وولف » ‪ :‬لم يرتفع صوتيهودي واحد يطالب بالعودة الى فلسطين حتى‬
‫ذلك التاريخ ‪..‬‬

‫‪-19-‬‬
‫كانت هزيمة محمد علي باشا ‪ ،‬الحاكم المصري الذي « عارض بصورة‬
‫قاطعة انشاء طريق مائي انكليزي عبر الفرات لنقل البضائع أو شق قناة‬
‫خاصة تنقل بوساطتها هذه البضائع الى " صرة عبر الفرات ‪ ،‬كما عارض‬
‫مختلف المشاريع الرامية الى انشاء قناة السويس » كما كتب المؤرخ‬
‫السوفييتي » لوتسكي ) ‪ ،‬وانعقاد مؤتمر لندن « ‪ » ١٨٤٠‬الذي كرس هذه‬
‫الهزيمة التاريخية ‪ ،‬مؤشرا واضحا لتصاعد الاهتمام السياسي البريطاني‬
‫بفلسطين وسورية ‪ ،‬وبالتالي لظهور الدعوة الصهيونية مرة اخرى ‪ ،‬والتأكيد‬
‫هذه‬
‫على الطابع المصلحي لتبني بريطانيا لهذه الدعوة ‪ .‬وقد عبر عن هـ‬
‫النقطة بوضوح اللورد بالمرستون عندما كتب الى السفير البريطاني في‬
‫الاستانة عام « ‪ ) ١٨٤٠‬طالبا اليه توصية السلطان العثماني بتشجيع هجرة‬
‫يهود أوروبا الى فلسطين نظرا لان استيطان اليهود لفلسطين « يعني ثروة‬
‫من موارد السلطان ‪ ،‬كما يجعل من فلسطين حاجزا‬ ‫مالية جديدة تزيد‬

‫منيعا يقف في وجه الاطماع الخبيثة لدولة محمد علي ‪ ،‬أو من يخلفه في مصر » ‪.‬‬
‫وفي عام ‪ ١٨٤٢‬وجه القنصل البريطاني في سورية الكولونيل « تشارلز هنري‬
‫تشرشل » نداء الى يهود أوروبا يدعوهم فيه الى الهجرة الى فلسطين‬
‫واستيطانها وسيادتهم عليها معتبرا بريطانيا الدولة الوحيدة المسؤولةوالقادرة‬
‫على تحقيق ذلك‬

‫وفي عام « ‪ » ١٨٤٤‬تأسست في لندن ( الجمعية البريطانية الاجنبية‬

‫للعمل على ارجاع الامة اليهودية الى فلسطين التي تمتد من النيل الى الفرات‬
‫وترتبط بالامبراطورية البريطانية » ‪.‬‬

‫وهكذا توالت الكتب والمشروعات ‪ ،‬وابرزها مشروع الكولونيل‬

‫البريطاني ( متفورد » عام ‪ ١٨٤٥‬لاستعمار فلسطين يهوديا تحت الحماية‬


‫البريطانية وكتاب الكولونيل « غولر ‪ » ١٨٤٥‬بعنوان ‪:‬‬

‫تهدئة سورية والشرق عن طريق الاستعمار اليهودي المنظم لفلسطين‬

‫باعتباره يلبيالحاجات الضرورية لبريطانيا ويحمي مراكز تجارتها عبر البحار‬

‫وقد عبر عن هذه السياسة بكل وضوح اللورد « شافتسبيري » في‬

‫رسالة موجهة الى سفيره البريطاني في تركيا عام ‪ ١٨٥٤‬عندما ارسل اليه‬

‫تعليماته بوجوب ) حمل السلطان العثماني على اصدار « فرمان » يمنح‬

‫‪۹۰ -‬‬
‫الشعب اليهودي سلطة امتلاك الاراضي في سورية الطبيعية ذلك لان استلاء‬
‫اليهود على سورية ( فلسطين ضمنا ) هو السبيل الوحيد لحل المسألة‬
‫السورية » ·‬

‫وقد علقت المؤرخة الامريكية « بربارة توخمان » في كتابها الممتـــــــــاز‬

‫التوراة والسيف » على هذا الاهتمام البريطاني باليهود والعطف عليهم‬


‫فكتبت ‪:‬‬

‫وفي الواقع لم يكن الحب للامة اليهودية هو الذي اثار جميع‬

‫اذ عارض هؤلاء انفسهم وبثبات‬ ‫هؤلاء الاغيار الطيبين والمتحمسين‬


‫•‬
‫منح اليهود الحقوق المدنية في بلادهم ‪ .‬وهو ما اراده اليهود فعلا »‬

‫ذلك لان « شافتسبيري « بالذات وقف في البرلمان البريطاني ضـ‬


‫مرسوم منح اليهود حقوقا مدنية متساوية مع المسيحيين في بريطانيا •‬

‫مرة اخرى اذن ‪ ،‬عادت الى الظهور الدعوة الصهيونية ‪ ،‬وارتبطت‬

‫مجددا بمصالح هذه الدولة او تلك في الشرق ‪ ،‬ولم تكن بريطانيا لتستطيع‬
‫الانفراد بهذه الدعوة ‪ ،‬اذ كان ذلك يتقرر على ضوء مصالح الدول الاستعمارية‬
‫المتنافسة على اقتسام العالم ·‬

‫ـ ‪ - ١٨٥١‬كتاب بعنوان ( القدس والشعب‬


‫ففي ايطاليا ظهر عام ‪-‬‬

‫العبراني » لمؤلفه » بنيتو موسوليني » دعا فيه الى التعجيل باستعمار‬


‫لفلسطين‬ ‫اليهود‬

‫كما ظهركتاب آخر في فرنسا عام « ‪ » ١٨٦٠‬بعنوان « المسألة الشرقية‬


‫الجديدة ــ الامبراطورية المصرية والعربية تأسس القومة الهودية » ‪ ،‬لمؤلفه‬
‫ارنست لاهاران ( السكرتير الخاص لنابليون الثالث ‪ .‬ودعا المؤلف في هذا‬
‫اعادة بناء الدولة اليهودية في فلسطين تحت الوصاية الفرنسية‬ ‫الكتاب الى‬
‫واقترح على التجار والاثرياء اليهود تقديم كميات من الذهب الى السطان‬
‫العثماني وان يقولوا له ‪:‬‬

‫اعطنا بلادنا وخذ هذه الاموال لتدعيم الاجزاء المتبقية لك من‬

‫‪-91-‬‬
‫ان مملكتنا تمتد من السويس الى ازمير ‪ ،‬بمافيها سلسلة‬ ‫امبراطوريتك‬

‫جبال لبنان الغربية ‪ ...‬ولن ينسى ابناء اسرائيل فضل فرنسا المعاصرة‬

‫التي احبتهم دوما ودافعت عنهم » ‪.‬‬

‫ان كتاب ( لاهاران » ومشروعه‬ ‫نيفل باربر‬ ‫ويرى المؤرخ البريطاني‬


‫اثرا بصورة واضحة على « مورس هس » وكتابه « روما والقدس » الذي‬
‫سبق ذكره ‪ ،‬وان هذا التأثير " يوضح ان وجود الصهيونيين الاغيار ‪ ،‬قد‬

‫مارس فعله في اليهود انفسهم ‪ ،‬وانعش آمالهم التي كان ممكنا ان تظل‬
‫مجرد تخیلات ‪. » .‬‬

‫هذا الاهتمام الفرنسي الجديد آثار رد فعل متوقع في بريطانيا ‪ ،‬اذ‬


‫اشتدت الدعوة مجددا الى توطين اليهود في فلسطين ‪ ،‬فتأسس في لندن‬
‫عام ‪ ( ١٨٦٥‬صندون اكتشاف فلسطين » ‪ ،‬كانت الغاية الرئيسية لهذا‬
‫الصندوق دعم بريطانيا وجهودها الهادفة الى الاحتفاظ بمواقعها وتدعيمها‬

‫في وجه التنافس البريطاني ‪ -‬الفرنسي الذي عاد الى الظهور ‪ .‬خاصة بعد‬
‫هزيمة فرنسا في لبنان في احداث عام ‪ ١٨٦٠‬وبروز بريطانيا كقوة رئيسية في‬
‫المنطقة مرشحة لوراثة مستعمرات الامبراطورية العثمانية في المستقبل •‬

‫وكانت خاتمة هذه المشاريع البريطانية مشروع سير « لورانس‬


‫أوليفانت » عام ‪ ، ۱۸۸۰‬الذي حاول اقناع المسؤولين البريطانيين‬
‫سولزبري » و « دزرائيلي » بالمنافع التي ستحصل عليها بريطانيا مــــــــــن‬
‫جراء تنفيذها لهذا المشروع ‪ .‬ويری « اولفانت » ان « الامة التي تناصر‬
‫قضية اليهود ومسألة ارجاعهم الى فلسطين ‪ ،‬يمكنها الاعتماد على تأييد‬
‫اليهود في عمليات مالية على اوسع نطاق ‪ ،‬كما يمكنها الاعتماد على نفوذهم‬
‫الاعلامي في البلدان التي يقطنونها ‪ ،‬وكذلك تعاونهم السياسي معها ‪ ،‬مما‬
‫قد يؤدي مستقبلا الى شل نشاط الدولة التي يقيمون فيها فيما اذا دخلت‬
‫في عداء مع الدول التي تناصرهم » ‪.‬‬

‫―‬
‫وهكذا اكتملت الحلقة ‪ ،‬واتضحت اسس التحالف الاستعماري ‪-‬‬
‫الصهيوني‪.‬‬

‫فبريطانيا ترى في فلسطين مركزا استراتيجيا هاما لابد من احتلاله ‪،‬‬

‫‪-97-‬‬
‫هند ·‬ ‫بعد احتلال‬
‫مصر ‪ ،‬لحماية مناطق نفوذها في الشرق وتأمين طريق ال‬
‫وحماية قناة السويس ولابعاد فرنسا عن المنطقة ‪ ،‬وايقاف التغلغل الالماني في‬
‫الامبراطورية العثمانية ‪ .‬واليهود الذين سيجري تهجيرهم الى فلسطين‬

‫وتوطينهم فيها ‪ ،‬سيظلون على استعداد لخدمة هذه المصالح وتأدية المهام‬
‫المطلوبة منهم ‪ .‬وكان » صندوق اكتشاف فلسطين » قد ساهم بدوره في‬
‫تقد كافة المعلومات اللازمة للبدء باستعمار فلسطين‬
‫يم‬

‫ما الذي تبقى اذن ؟ ! ‪.‬‬

‫بقي ان تولد الصهيونية السياسية‬

‫وقد ولدت بالفعل بعد عامين على ضوء المجازر والحرائق التـ‬
‫ارتكبها الحكم القيصري الروسي ضد اليهود‬

‫وكتب فيما بعد ( ماكس نورد او » ‪ ،‬الساعد الايمن لهرتزل ‪ ،‬واحد‬

‫ابرز القادة في الحركة الصهيونية فيما بعد ‪ " :‬لو لم تولد الصهيونية ‪ ،‬اذن‬
‫لعملت بريطانيا على خلقها ‪. » .‬‬

‫عن هذه الفترة التي شهدت ولادة الصهيونية السياسة كتب لينين ‪:‬‬

‫كانت مرحلة اشتداد الصراع على الفتوحات‬ ‫‪،‬‬ ‫بالنسبة لانجلترا‬


‫الاستعمارية حافلة بين اعوام – ‪ - ۱۸۸۰ - ١٨٦٠‬كما تميزت بنشاط‬

‫أكبر طوال العشرين سنة الاخيرة من القرن التاسع عشر ‪ .‬اما بالنسبة‬
‫لفرنسا والمانيا ‪ ،‬فان فترة العشرين سنة الاخيرة ) من القرن التاسع عشر )‬
‫هي التي يعتد بها ‪ ...‬ذلك ان المد الكبير للفتوحات الاستعمارية بدأ يظهر‬
‫‪ ، – ۱۸۸۰‬وهي الفترة الي‬
‫بعد تلك الفترة الممتدة بين اعوام ‪١٨٨٠ - ١٨٦٠ -‬‬

‫بلغ فيها الصراع من اجل تقسيم العالم ذروته ‪ ،‬كما بلغ درجة لاتقاس من‬
‫العنف والشراسة‬

‫كانت فرنسا قد احتلت تونس عام – ‪ ، - ۱۸۸۱‬كما احتلت بريطانيا‬


‫مصر ‪ ، - ۱۸۸۲ -‬وعززت المانيا سعيها الحثيث للتغلغل في الامبراطورية‬
‫العثمانية والبلدان المرتبطة بها في منطقة الشرق الاوسط خاصة ‪ .‬وادى‬

‫احتدام الصراع بين الامبراطوريات الاستعمارية الانكليزية والفرنسية‬


‫والالمانية على سورية وفلسطين والعراق الى النظر بجدية واهتمام لاستخدام‬
‫الصهيونية المصلحة كل من هذه الامبراطوريات ‪ ،‬وقد ربط المؤرخ السوفييتي‬

‫‪- ۹۳ -‬‬
‫‪-97-‬‬
‫لوتسكي » في كتابه الرائع ) تاريخ الاقطار العربية الحديث » بين ازدياد‬
‫•‬
‫الحماسة للدعوة الصهيونية وتأسيس دولة يهودية في فلسطين من جهة‬

‫واحتدام التنافس والصراع الاستعماري للاستيلاء على سورية وفلسطين من‬

‫جهة اخرى ‪ .‬ودلل على ذلك بالتنافس البريطاني – الفرنسي اعوام –‬


‫‪– ١٨٤٥ -‬‬
‫‪ ،. -‬واضاف‬ ‫– ‪ ،‬وكذلك اعوام ‪– ١۸۳۹ -‬‬ ‫‪۱۸۰۱ – ۱۷۹۸‬‬

‫مشيرا الى الارتباط العضوي والطبقي بين الامبريالية والصهيونية قائلا ‪:‬‬

‫« وكذلك في الاعوام – ‪ ، - ۱۸۷۰ - ١٨٦٠‬نظرا لافتتاح قناة‬

‫السويس ‪ ،‬والصراع الاستعماري من اجل السيطرة على الاراضي المجاورة‬


‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫لها ‪ ،‬وخصوصا اعوام ‪ ، – ۱۹۰۰ – ۱۸۹۰ –.‬التي تعتبر مرحلة التقسيم‬

‫للعالم والاستيلاء على المستعمرات » مرحلة انتقال الراسمالية الى اعلى‬


‫مراحلها ‪ ..‬الامبريالية‬

‫ويؤكد الكاتب اليهودي » ابراهام ليون « الذي اغتالته النازية في افران‬


‫الة‬
‫الغاز على الطابع الطبقي للصهيونية في كتابه « المفهوم المادي للمسـ‬

‫اليهودية » عندما يخلص في تحليله الممتاز للمسألة اليهودية منذ القرون الاولى‬
‫وحتى تاريخنا قائلا ‪:‬‬

‫‪...‬‬
‫ان الراسمالية التي اقتلعت اليهود من جذورهم الاقتصادية ‪،‬‬

‫الا ان بدء تحلل النظام الرأسمالي وانحطاط‬ ‫سهلت في البدء استيعابهم ‪.‬‬
‫وبينما كانت الحركات القومية‬ ‫‪..‬‬ ‫الراسمالية خلق المسألة اليهودية‬
‫الاوروبية نتيجة مرحلة الراسمالية الصاعدة ‪ .‬جاءت الصهيونة ثمرة عصر‬
‫الامبريالية ‪ ..‬فالصهيونية ليست الانتيجة المرحلة الاخيرة من الرأسمالية ‪.‬‬
‫الآخذة في التعفن » ‪.‬‬

‫ويتفق العالم اليهودي الانجليزي » ليفي هايمان » مع « ليون »‬


‫طرحه للمسألة اليهودية ‪ ،‬اذ يرى ‪:‬‬

‫ان الرأسمالية هي التي طرحت المسألة اليهودية ولكنها لم تستطع‬


‫حلها ‪ .‬لانها لم تكن قادرة على استيعاب اليهود وتمثلهم‬

‫‪-98-‬‬
‫يوري ايفانوف ( فيؤكد ايضا على الترابــط‬ ‫اما الكاتب السوفييتي‬
‫العضوي بين الامبريالية والصهيونية في كتابه ( احذروا الصهيونية » ‪:‬‬

‫ان التناقضات بين انكلترا وفرنسا والمانيا في منطقة الشرق الادنى‬

‫التي كانت جزءا من الامبراطورية العثمانية المريضة ‪ .‬والصراع الدائر‬


‫من اجل تقسيمها النهائي ‪ .‬ارغمت كلا من الدول الامبريالية على البحث‬
‫عن افضل وسيلة ملائمة لتوسيع مناطق نفوذها ‪ ...‬وظهرت فكرة تهجير‬

‫اليهود الى فلسطين ‪ .‬التي حملت لواءها الاوساط الانكليزية الحاكمة منذ‬
‫•‬
‫زمن طويل ‪ ،‬كافضل وسيلة للاستعمار المحتشم »‬

‫بهذه الايديولوجية ‪ ،‬ايديولوجية الاستعمار والامبريالية ‪ ،‬التوسع على‬


‫حساب الشعوب واقتسام مناطق النفوذ بين الامبرياليات السائدة آنذاك ‪،‬‬
‫وليس بغير هذه الايديولوجية اقترنت الصهيونية حتى قبل تحولها الـ‬

‫منظمة سياسية عالمية عام عام – ‪١٨٩٧‬‬


‫‪ . - ۱۸۹۷‬كما قامت الايديولوجيــــــة‬
‫الصهيونية بدورها في تدعيم قوى الردة والامبريالية على الصعيدين الاوربي‬
‫والعالمي ‪ ،‬ووقفت بشدة ضد حركات تحرر اليهود واندماجهم في مجتمعاتهم ‪.‬‬
‫كما اصطدمت على الدوام بالحركات الثورية والديمقراطية الاشتراكية ‪،‬‬
‫وتبنت باستمرار الدعوة الى الاندماج في مخططات الامبريالية العالمية‬

‫الصهيونة حركة سياسية منظمة ‪:‬‬

‫شهد يوم التاسع والعشرين من آب لعام ‪ ۱۸۹۷‬في مدينة « بال »‬


‫بسويسرا انعقاد اول مؤتمر صهيوني عام ‪ ،‬انبثقت عنه فيما بعد المنظمة‬
‫الصهيونية العالمية ‪ ،‬وتحولت بموجبه الصهيونية الى حركة سياسية منظمة‬
‫عالمية‬

‫وكانت قد نضجت الدعوة الى عقد هذا المؤتمر في شرق أوروبا منذ عام‬
‫‪ ، -‬وفي وسطها وغربها منذ عام ـ ‪ . - ١٨٩٦‬وترأس هذا‬ ‫‪– ۱۸۹۱ -‬‬

‫المؤتمر الصهيوني الاول « تيودور هرتزل » الصحفي النمساوي اليهودي‬


‫الذي نشر عام ‪ - ١٨٩٦ -‬كتابه « الدولة اليهودية » ‪ ،‬وهو الكتاب الذي‬
‫اذ تضمن برنامجا‬ ‫اعتبر دستور الصهيونية والدولة اليهودية العتيدة ‪،‬‬
‫كاملا لتأسيس الدولة اليهودية كحل وحيد للمسألة اليهودية ‪ ،‬وذلك انطلاقا‬

‫‪--90-‬‬
‫‪ -‬العداء للسامية – باقيـــــة‬
‫من قناعة « هرتزل » بأن المسألة اليهودية ‪-‬‬

‫الى الابد ‪ ،‬ولا يمكن حلها الا بتأسيس دولة لليهود ‪ .‬ولم يتورع هرتزل عن‬

‫الاعلان في كتابه المذكور بان هذه الدولة ستبنى بأموال كبار الراسماليين‬

‫وبدعم من الدول الامبريالية ‪ ،‬وان المجتمع اليهودي المقبل سيكون مجتمعا‬

‫طبقيا يسود فيه الاغنياء والخبراء ‪ ،‬بينما يقوم الفقراء وبقية شرائح الجماهير‬
‫بالعمل اليدوي كتنظيف المستنقعات ومد الخطوط الحديدية وفلاحة الأراضي‬
‫وغيرها ‪ .‬وعهد الى العرب ‪ ،‬المواطنين الاصليين ‪ ،‬بالعمل في مناطق الاوبئة‬

‫والامراض السارية والافاعي وغيرها ‪ ،‬وذلك قبل تهجيرهم الى البلدان‬


‫المجاورة ‪.‬‬

‫وظل هرتزل حتى وفاته عام ‪ ۱۹۰٤‬امينا لأفكاره ومبادئه العنصرية‬


‫الامبريالية ‪ ،‬اذ أقام أوثق العلاقات مع الامبريالية البريطانية والفرنسية‬
‫والالمانية ‪ ،‬كما عقد اللقاءات المستمرة مع الدولة العثمانية وايطاليا ‪ .‬وكان‬
‫على رأس حركته حليفا أكيدا للبرجوازية والراسمالية الحاكمة في أوروبا ‪،‬‬
‫وعدوا لدودا لحركات التحرر والديمقراطية والاشتراكية النامية في أوروبا‬
‫آنذاك ‪.‬‬

‫افتتح هرتزل هذا المؤتمر بخطاب حدد فيه الهدف من انعقاد‬


‫المؤتمر بقوله ‪:‬‬

‫اجتمعنا هنا لوضع ‪.‬‬


‫لوضع حجر الاساس للبيت الذي سيأوي الامـــة‬
‫اليهودية » ‪.‬‬

‫الدعوة الى انعقاده امثال‬ ‫ويساهم في المؤتمر اشخاص نشطوا في‬


‫نورادو » ‪ « ،‬بونهايمر » ‪ « ،‬بيرنب‬
‫‪ « ،‬بيرنبـــــــاوم » ‪ « ،‬هاعام » ‪،‬‬
‫« ليلنبلوم » ‪ « ،‬بنسكر » وغيرهم‬

‫ومنذ الجلسات الاولى تميزت داخل المؤتمر ثلاثة اتجاهات رئيسية ‪:‬‬

‫‪ - 1‬الاتجاه السياسي ‪ :‬تزعم هذا الاتجاه هرتزل نفسه ‪ ،‬وكان يدعو‬


‫الى اعتبار المهمة الاولى والاساسية للحركة الصهيونية الحصول على براءة‬

‫( موافقة ) احدى الدول الامبريالية الكبرى لهجرة اليهود الى فلسطين‬


‫واستيطانها وتأسيس الدولة اليهودية ‪.‬‬

‫‪-97-‬‬
‫‪7‬‬

‫‪ - ٢‬الاتجاه العملي ‪ :‬تزعم هذا الاتجاه قادة حركات احباء صهيون » ‪،‬‬
‫ورای انصار هذا الاتجاه ان المهمة الاساسية للصهيونية هي المباشرة‬
‫بالاستيطان التدريجي المنظم لفلسطين ‪ ،‬ودونما انتظار اية موافقة ‪ ،‬وذلك‬
‫·‬
‫كي يتحول هذا الاستيطان الى امر يمكن فرضه مستقبلا‬

‫‪ -‬الاتجاه الثقافي الروحي ‪ :‬قاد هذا الاتجاه « آحاد هعام » الذي‬


‫ـ‬
‫ظل مصرا على اعتبار الدولة اليهودية غير ضرورية الا كعامل اخلاقي‬
‫يهدف الى تنمية الوعي الثقافي والتلاحم الروحي بين اليهود ‪ ،‬والحفاظ‬
‫على التراث ‪ ،‬والاخلاق اليهودية‬

‫لكن وعلى الرغم من الخلاف المرحلي والمؤقت بالطبع بين هذه‬


‫الاتجاهات ‪ ،‬فقد تمكن المؤتمر من انجاز اعماله بنجاح وصياغة قراره‬
‫‪:‬‬
‫الاساسي الوحيد الذي جاء فيه أن هدف الصهيونية هو‬

‫ایجاد وطن للشعب اليهودي في فلسطين يضمنه القانون العام »‬


‫الوضع الدولي ‪ ،‬أي موافقة‬ ‫» هو‬ ‫والمقصود بـ « القانون العام‬
‫وضمان الدول الكبرى •‬

‫أما الوسائل الكفيلة بتحقيق هذا الهدف ‪ ،‬والتي أقرها المؤتمر فهي ‪:‬‬
‫‪ --‬تشجيع استيطان فلسطين بالعمال الزراعيين والحرفيين‬ ‫‪1‬‬
‫والصناع اليهود‬

‫‪ -‬تنظيم اليهود جميعا في مؤسسات عامة ترتبط بمنظمة عالمية‬


‫‪ ۲‬ـــ‬
‫مي ليهود ·‬
‫ل‬ ‫‪ - ٣‬تقوية الوعي الثقافي والحس القو‬
‫•‬
‫الحصول على موافقة الدول الكبرى لتحقيق الهدف الصهيوني‬

‫ومن الملاحظ ان هذه الوسائل تعكس الاتجاهات الثلاثة التي تمثلت‬


‫في المؤتمر ‪ ،‬كما تعكس غموضا مقصودا يهدف الى تجنب اثارة النزعات‬
‫والشقاق ‪ .‬وقد علق هرتزل على هذا الغموض في الالفاظ قائلا ‪:‬‬

‫" لا داعي للقلق بشأن الالفاظ ‪ .‬فسيقرا الناس ذلك ( وطن في‬
‫فلسطين ( على انه دولة يهودية حتما » ‪.‬‬
‫اما نورد او فعلق ايضا ‪:‬‬

‫‪- 9V-‬‬
‫ان كل من سمع هرتزل يقول « وطن » فهم انه عنـــــــى دولة في‬
‫فلسطين » ‪.‬‬

‫وهكذا استطاع هذا المؤتمر صياغة الهدف النهائي للصهيونيــــــة‬


‫والوسائل الكفيلة بتحقيقه ‪ ،‬كما باشر عملهلاقامة المنظمة الصهيونية العالمية ‪،‬‬

‫واعلانها حركة سياسية منظمة تقوم بتنظيم اليهود في العالم ويربطهـ‬


‫بمؤسسة مركزية واحدة ‪.‬‬

‫وفي مذكراته كتب هرتزل ‪:‬‬

‫لو رغبت في تلخيص معنى مؤتمر بال ‪ ،‬وهذا ما لن اجهر به علنا ‪،‬‬

‫اذن لقلت ‪ :‬في بال اسست الدولة اليهودية )‬

‫وكان واضحا منذ المؤتمر الاول ان الصهيونية محكومة نظريا وعمليا‬

‫بالتحالف والتنسيق واتباع خطى الامبريالية ‪ ،‬ولم يخف زعماء الصهيونية‬

‫كون الامبرياليين ـ البريطانيين خاصة ‪ -‬قدوة لهم في هذا المجال اذ كتب‬


‫سوكولوف » ‪:‬‬

‫ان الانتصارات العظيمة لبريطانيا تعتبر مثالا يقتدي به الصهاينة‬

‫فقد اسس الراسمالي « سيسيل رودس » الذي بدأ عمله بمليون جنيه‬
‫‪ ...‬وكذلك‬
‫فقط ‪ ،‬روديسيا التي تبلغ مساحتها ‪ - ۷۵۰ -‬الف ميل مربع‬
‫بع‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ف‬ ‫‪۲۰۰ -‬‬
‫‪ ٢٠٠‬ـ ال‬ ‫شركة أفريقيا البريطانية التي سيطرت على‬
‫برأسمال معادل للرأسمال الذي ستبدا به شركتنا اليهودية عملها‬

‫وكان هرتزل قد تحدث في كتابه « الدولة اليهودية » عن بنك يهودي‬


‫للاستعمار كوسيلة لاستعمار فلسطين اسوة بالسادة البريطانيين •‬

‫تك هي قصة الصهيونية تاريخيا عبر ثلاثة قرون منذ كانت دعوة‬

‫فاتجاها الى ان تحولت الى منظمة سياسية عالمية ‪ ،‬واذا كانت هذه الفترة‬

‫الطويلة في عمر عدونا لم تنل منا الاهتمام الكافي فظلت غائمة عنا فانهـا‬
‫‪--‬‬
‫تأخذ طابعها الكامل في الدراسة التالية والتي تتناول المرحلة من ‪۱۸۹۷‬‬
‫‪ ١٩١٧‬يوم وعد بلفور والتي ستتلو هذه الدراسة ‪.‬‬

‫‪-94-‬‬
‫الحركة الصهيونية من ‪۱۹۱۷ - ۱۸۹۷‬‬

‫ان الصراع بين الامة العربية والحركة الصهيونية صراع قاس ومرير‬
‫ومديد ‪ ،‬وما ذلك الا لان هذه الحركة العنصرية النازية ترمي الى استعمار‬

‫رقعة من الوطن العربي تمتد من الفرات الى النيل ‪ ،‬استعمارا استيطانيا‬

‫بربريا على حساب الشعب العربي ووجوده القومي في ارضه ووطنه ‪ ،‬وهذا‬
‫الاستعمار الاستيطاني الصهيوني المدعوم من قبل الامبريالية العالمية وعلى‬
‫راسها الولايات المتحدة الامريكية اشبه شيء بسرطان خبيث فتاك ‪ ،‬نشب‬
‫في جزء من قلب الوطن العربي ‪ -‬فلسطين المحتلة ‪ -‬ويحاول ان يمتد‬
‫ويترعرع على حساب الاجزاء الأخرى من الوطن العربي وعلى حساب الامة‬
‫العربية ككل‬

‫وبذلك يصبح الوجود الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في الجزء‬


‫المحتل من فلسطين على طرفي نقيض مع وجود الامة العربية في ارضها‬
‫ووطنها ‪ ،‬ويشكل عقبة في طريق نزوع الامة العربية الى تحقيق وحدتها‬
‫وتطوير امكانياتها ‪ ،‬وبلوغ ما تصبو اليه من تقدم ورقي لتحتل المكانة اللائقة‬
‫بها بين امم الارض في عالمنا المعاصر‬

‫واذا كان الصراع بين الامة العربية والصهيونية قد بدا فعلا منذ ان‬
‫بدات شرانم شذاذ الافاق تتوافد على ربوع فلسطين منذ أواخر القرن‬
‫التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ‪ ،‬فانه قد تبلور وتجسدفياربعة حروب‬
‫خاضتها الامة العربية ضد العدو الصهيوني العنصري عبر اعوام ‪- ١٩٤٨‬‬
‫‪ • - ۱۹۷۳ - ١٩٦٧ - ١٩٥٦‬وان حرب تشرين التحريرية التي رفعت‬
‫راس العرب عاليا واعادت الثقة الى نفس المواطن العربي والجندي‬
‫العربي ‪ ،‬واثبتت للعالم اجمع قدرة الامة العربية على الصمود والمواجهة‬

‫‪- 99-‬‬
‫لتحرير اراضيها وطرد الغاصب المحتل ‪ .‬وكان لشعبنا العربي في هذا‬
‫القطر بقيادة الرفيق المناضل حافظ الاسد دور اساسي وفعال فيها ‪ ،‬نقول‬
‫ان هذه الحرب ليست خاتمة المطاف في الصراع العربي مع الصهيونية‬
‫المنصرية ‪ ،‬وانما هي حلقة في سلسلة حروب تحريرية قد تكون من نصيب‬
‫اكثر من جيل من اجيال الامة العربية حتى يتم تحرير كامل التراب المحتل ‪،‬‬

‫وحتى يصفى الوجود الاستعماري الاستيطاني الصهيوني من على الارض‬


‫العربية ‪ .‬واذا كانت معرفة العدو وواقعه من مختلف جوانبه السياسية‬
‫والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وما اليها ذات اثر في حسم المعركة معه‬

‫واحراز النصر عليه ‪ ،‬لان من أولى اسباب الهزيمة في كل صراع جهل ماهية‬
‫العدو ومكامن قوته وضعفه ‪ .‬فان الالمام بواقع الحركة الصهيونية والتعرف‬
‫على مختلف جوانب ذلك الواقع ‪ ،‬والرجوع الى تاريخ هذه الحركة والتعرف‬
‫على نشأتها وبواعث هذه النشاة واهدافها وأساليبها لتحقيق تلك الاهداف ‪،‬‬
‫وغاياتها البعيدة والقريبة ‪ ،‬وتكتيكها واستراتيجيتها ‪ ،‬الى آخر ما هنالك ‪،‬‬
‫كل ذلك يقدم لنا خدمات جلى في صراعنا الطويل مع العدو الصهيوني وفي‬
‫حسم الصراع لصالح الامة العربية ان عاجلا أو آجلا ·‬

‫وكان مكتبنا قد قدم في العدد السابق من هذه السلسلة دراسة عن‬

‫بدايات الحركة الصهيونية بين عامي ‪ ، ۱۸۹۷ - ۱٦۲۱‬ويتابع في هذا العدد‬


‫الحديث عن الصهيونية العنصرية من خلال مؤتمراتها حتى عام ‪ ، ۱۹۱۷‬اي‬
‫حتى حصول هذه الحركة الاستعمارية العنصرية على ( صك اعتراف ) من‬
‫احدى الدول الكبرى بانشاء وطن قومي لها في فلسطين ‪ ،‬ذلك ما سمي بوعد‬
‫بلفور المشؤوم ‪ ،‬حيث دخلت الصهيونية بذلك مرحلة جديدة من اجلالوصول‬

‫الى اهدافها في السيطرة على قلب الوطن العربي ( فلسطين ) ‪.‬‬

‫واننا لنأمل ان نوفق في الوصول بجهازنا الحزبي الى مستوى من‬


‫الثقافة والمعرف‪.‬‬
‫ة يؤهله عن جدارة لممارسة الدور القيادي المناط به ‪ ،‬وان‬

‫نضع في متناول جماهير شعبنا العربي المزيد من هذه الدراسات القيمة نظرا‬
‫لما فيها من كبير فائدة وعظيم غناء ‪.‬‬

‫والخلود لرسالتنا‬

‫مكتب الاعداد الحزبي القطري‬

‫دمشق ــ تشرين الثاني ‪- ١٩٧٦‬‬

‫‪- ۱۰۰۰-‬‬
‫منظمة سياسية عالمية )‬ ‫الصهيونية‬

‫‪۱۹۱۷ - ۱۸۹۷‬‬

‫تناولت الدراسة السابقة ( الصهيونية تاريخيا ‪) ١٨٩٧ – ١٦٢١ :‬‬

‫تاريخ الصهيونية عبر ثلاثة قرون ‪ ،‬وهو التاريخ الذي يكاد يكون مجهولا ‪،‬‬
‫لا بتفاصيله وتطوراته فحسب ‪ ،‬بل وحتى بخطوطه العريضة ايضا ‪ .‬وتوقفت‬
‫تلك الدراسة عند المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد عام ـ ‪ - ١٨٩٧‬في‬
‫مدينة بازل ) بال ( بسويسرا برئاسة « تيودور هرتزل » زعيم المنظمـ‬
‫– وحتى وفاته عـــــــــام‬ ‫الصهيونية العالمية منذ تأسيسها عام – ‪١٨٩٧‬‬
‫‪. - 11. { -‬‬

‫وتجدر الاشارة الى عدد من الملاحظات الاضافية حول المؤتمر الصهيوني‬


‫الاول ‪:‬‬

‫‪ : ) 1‬انه المؤتمر التأسيسي الذي انبثقت عنه المنظمة الصهيونية‬


‫السياسية ‪ ،‬وتحولت بنتيجته الى منظمة سياسية عالمية لها قيادة مركزية‬
‫‪..‬‬
‫وفروع موزعة في مختلف ارجاء العالم ‪.‬‬

‫‪ : ) ۲‬المؤتمر الذي حدد هدف الصهيونية الاساسي بانشاء دولة‬


‫يهودية ‪ ،‬كما حدد السبل والوسائل الكفيلة بتحقيق هذا الهدف‬

‫) ‪ :‬ارسى نهائيا انتقال الصهيونية من كونها دعوة ‪ ،‬فاتجاها ‪،‬‬


‫فحركات عديدة منفصلة عن بعضها البعض ‪ ،‬الى حركة موحدة‬

‫‪ : ) ٤‬ساهم في المؤتمر ‪ - ٢٤ -‬مشتركين ‪ ،‬لم يكونوا منتخبين أو‬


‫ممثلين لقطاعات محددة ‪ ،‬وانما جرت دعوتهم على اساس الشهرة والمعرفة‬
‫الشخصية ‪ ،‬ولذا فقد مثلوا شرائح واتجاهات مختلفة ‪.‬‬

‫‪-1·1-‬‬
‫ه ) ‪ :‬قرر المؤتمر تأسيس بنك صهيوني للاستعمار مهمته تغطيـ‬
‫نفقات المنظمة وتمويل اعمالها ‪ ،‬وتمويل مشاريع الهجرة الى فلسطين‬
‫واستيطانها وشراء الاراضي والرشاوى للمسؤولين في الحكومات ‪ ،‬وغيرها‬
‫من النفقات المطلوبة لنشاط المنظمة ‪ .‬الا ان الميثاق النهائي لهذا البنـــــــك‬
‫( الصندوق ) لم يوضع الا في المؤتمر الصهيوني الثاني الذي انعقد في العام‬
‫التــــــــالــي‬

‫المؤتمر الصهيوني الثاني ‪ :‬آب – ‪: - ۱۸۹۸‬‬

‫انعقد هذا المؤتمر في ظروف افضل نسبيا من المؤتمر الأول ‪ ،‬وشهد‬

‫عضوا (المؤتمر الاول ‪، ) ٢٠٤‬‬ ‫‪٤٠٠‬‬ ‫اذ ساهم فيه‬ ‫نموا عديدا في اعضائه‬
‫كما شهد هذا المؤتمر ازدياد عدد الجمعيات والتنظيمات الصهيونية المحلية‬

‫في القارتين الاوروبية والامريكية بنسبة ثمانية امثال الى المؤتمر الاول‬
‫وابرز هذه الجمعيات الفيدراليتان اللتان تأسستا في الولايات المتحدة وكندا ‪.‬‬

‫الا ان ابرز سمة تميز بها هذا المؤتمر هو انعقاده في الوقت المحدد له ‪،‬‬
‫والمشاركة فيه من قبل اعضاء منتخبين من تنظيمات وقواعد معترف بها ‪،‬‬
‫‪.‬‬
‫الامر الذي اكسبه صفتي الشرعية والنظامية‬

‫ومع ذلك فقد شهد المؤتمر نمطين من المعارضة ‪:‬‬

‫‪ : ) 1‬معارضة الصهيونية واهدافها عامة ‪ ،‬وسرعان ما تم اخماد‬


‫هذه المعارضة ‪..‬‬

‫‪ : ) ۲‬معارضة الاتجاهين العملي والروحي للاتجاه السياسي ‪ ،‬وهي‬


‫المعارضة التي استمرت طويلا فيما بعد ‪ ( .‬سبق الحديث بوضوح عن هذه‬
‫‪..‬‬
‫الاتجاهات في المؤتمر الصهيوني الاول ‪ ( -‬الدراسة السابقة )‬

‫وبغض النظر عن هذا التعارض المرحلي في صفوف الحركة الصهيونية ‪،‬‬


‫فقد حقق المؤتمر انجازا رئيسيا هاما عندما اقر ميثاق تشکیل « صندوق‬

‫الائتمان اليهودي للاستعمار » برأسمال قدره اربعة ملايين فرنك ‪ ،‬وحدد‬


‫مجال عمله في « المشرق وخاصة سورية وفلسطين »‬

‫‪- ۱۰۲ -‬‬


‫وجاء في ميثاق تشكيل هذا الصندوق ‪:‬‬

‫مما يستحيل الشك في صحته ان استعمار فلسطين يشكل واحدة‬

‫من أهم الوسائل الكفيلة بتحقيق الهدف الصهيوني ‪ ..‬ولا يوجد ما يقربنا من‬
‫هدفنا الرئيسي هذا مثلما يقربنا اليه المصرف ( الصندوق ) اليهودي الذي‬
‫تشغل الخواطر مسألة تأسيسه الان ‪ .‬علما بان هذا المصرف يوفر لنا وسائل‬

‫القوة والنفوذ التي تكفي ‪ ،‬على كبرها واهميتها ‪ ،‬للتفاوض مع الباب العالي‬
‫بشأن الحفاظ على الضمانات القانونية للاستعمار ‪ ،‬وبما انه يقع ضمن‬

‫سلطة هذا المصرف منذ الان اسداء الكثير من المنافع في حقل تقوية العنصر‬
‫اليهودي في فلسطين عن طريق انعاش جميع انواع التجارة والحرف لديه ‪،‬‬
‫فهو سيصبح ايضا بمثابة عمل عام يمكن الوصول بوساطته الى تلك الوحدة‬

‫المطلقة والضرورية بين الصهيونيين السياسيين والصهيونيين العمليين »‬

‫وحدد القانون الاساسي للمصرف المذكور حقول نشاطاته في تدعيم‬


‫المستعمرات الزراعية اليهودية في فلسطين ‪ ،‬ودعم المؤسسات والمشروعات‬
‫التجارية ‪ ،‬وبناء الخطوط الحديدية ‪ ،‬وتأسيس البيوتات المالية المصرفية‬

‫في الشرق ‪ ،‬وخاصة في سورية وفلسطين ‪ .‬وكذلك انشاء مؤسسات‬


‫صناعية وشركات للتأمين والملاحة تستخدم اساسا اليد العاملة اليهودية ·‬

‫وباختصار ‪ ،‬فقد جاء ميثاق هذا المصرفوقانونه ليعكسا بدقة ووضوح‬

‫وسائل الصهيونية لبلوغ أهدافها النهائية ‪ ،‬والمتمثلة في بناء المؤسسات التي‬


‫ستقوم على اعمدتها الدولة المنشودة ‪ .‬كما يعكسان نية الحركة الصهيونية‬
‫آنذاك والمتجهة الى تحقيق حالة من القوة والنفوذ تمكنها من مفاوضة‬

‫السلطان العثماني والحصول منه على اعتراف او ضمانة قانونية لاستيطان‬


‫فلسطين ‪ ،‬باعتبارها تابعة للسلطان ‪ ،‬وقطعة من الامبراطورية العثمانية‬
‫‪·.‬‬‫آنذاك‬

‫وقد عبر « هرتزل ) صراحة عن هذا الهدف عندما اعلن ‪:‬‬

‫‪ ...‬وتتجه مساعينا الان للحصول على براءة ( اعتراف ) مـــــــــن‬

‫الحكومة التركية ‪ ،‬بحيث تأتي هذه البراءة في ظل سيادة صاحب الجلالة‬


‫السلطان العثماني ‪ .‬وحين تصبح هذه البراءة في حوزتنا ‪ ،‬شريطة اشتمالها‬
‫على الضمانات القانونية العامة واللازمة ‪ ،‬حينئذ يمكننا الشروع في استعمار‬

‫‪- ۱۰۳ -‬‬


‫عملي واسع النطاق ‪ .‬وسوف نجلب للحكومة التركية منافع كبرى لقاء منحنا‬
‫هذه البراءة » ‪.‬‬

‫وكان هرتزل يعر بكلماته هذه عن الاتجاه السائد في المنطقة الصهيونية‬

‫آنذاك ‪ ،‬والذي كان يقوده بنفسه ‪ ،‬أي الاتجاه السياسي الذي كان يولي‬

‫الحصول على موافقة احدى الدول الكبرى على استيطان اليهود لفلسطين‬

‫الاهمية الاولى ‪ ،‬ويعتبر الاستيطان اليهودي السريع والمنظم الذي دعا اليه‬

‫انصار الاتجاه العملي ‪ ،‬عملا استفزازيا من شأنه اثارة العرب والاتراك ضد‬
‫•‬
‫هذا المشروع ‪ ،‬وبالتالي مقاومته وربما القضاء عليه‬

‫وقد رد انصار الاتجاه العملي على هرتزل قائلين ‪:‬‬

‫ان اقامة الدولة ‪:‬‬ ‫‪ ...‬ما من دولة تبنى على اساس البراءة‬

‫وارساء قواعدها واسسها لا يجب ان تتم الا بوساطة الاستيطان التدريجي‬

‫المنظم » ‪..‬‬

‫ومع هذا استمر هرتزل في مساعيه السياسية من اجل الحصول على‬

‫موافقة أو ضمانة احدى الدول الكبرى للاستعمار الصهيوني لفلسطين ‪ ،‬ولم‬


‫يكن في الواقع مهتما بأية عجلة امبريالية سترتبط الصهيونية ‪ ،‬سواء اكانت‬

‫تركيا ام المانيا أم بريطانيا ‪ .‬وكان يخاطب كلا منها بما يتفق مع مصالحها‬
‫فهو يعلن في بريطانا عام ‪ - ۱۸۹۸ -‬بمناسبة تأسيس « الاتحاد الصهيوني‬
‫‪.‬‬
‫البريطاني »‬

‫منذ اللحظة الاولى اتجهت انظاري الى انكلترا »‬

‫الا ان هذا لا يمنعه من ان يكتب في العام ذاته الى الامبراطور الالماني‬


‫غليوم » مذكرا بان » لغة المؤتمرات الصهيونية هي اللغة الالمانية ‪،‬‬
‫والثقافة الالمانية هي السائدة بين قادة الحركة الصهيونية » ‪ ،‬راجيا توفير‬

‫الحماية الالمانية للصهيونية ‪ ،‬ولا يغيب عن ذهن هرتزل ان فلسطين تقع‬


‫ضمن ممتلكات الامبراطورية العثمانية ‪ ،‬فيصرح أن « مساعيه تتجه الان‬
‫صوب الحكومة التركية » ‪ .‬ويكتب في مذكراته حالما ‪:‬‬

‫‪-1.8-‬‬
‫لو ان جلالة السلطان يمنحنا فلسطين ‪ ،‬اذن لكان باستطاعتنا ان‬
‫ننذر انفسنا لقاء ذلك لتنظيم شؤون تركيا المالية وضبطها ودعمها » ‪.‬‬

‫‪で‬‬ ‫الا ان عامين انقضيا من عمر المنظمة دون التوصل الى اية نتائـ‬
‫ملموسة بالنسبة لهرتزل واتجاهه ‪ .‬واطل المؤتمر الثالث الذي كان على‬
‫هرتزل ان يدافع فيه عن نفسه وقيادته للمنظمة‬

‫المؤتمر الصهيوني الثالث ‪ :‬آب ‪: ۱۸۹۹‬‬

‫اكتملت في هذا المؤتمر وتحددت ايضا الاطر التنظيمية للمنظمة‬


‫الصهيونية العالمية ‪ ،‬اذ تبنى المؤتمر الاجهزة الدائمة للمنظمة والتي حلت محل‬
‫الاجهزة المؤقتة التي قامت سابقا ‪ ،‬كما شهد نموا ملحوظا في عدد اعضائه ‪،‬‬
‫وكذلك توسعا في صفوف المنظمة على المستوى الدولي ‪ .‬ولاحظ المؤتمر‬
‫ازدياد عدد الاعضاء بنسبة الثلث في روسيا القيصرية ‪ ،‬والربع في البلدان‬
‫الاخرى‬

‫اما ابرز سمة تميز بها هذا المؤتمر فهي النقد الجدي والمعارضة العلنية‬

‫السياسة هرتزل ‪ ،‬وقد تركز هذا النقد على اهمال قيادة المنظمة الصهيونية‬
‫للشؤون الثقافية والروحية اليهودية ‪ .‬واتهم ( الصهيونيون الثقافيون »‬
‫هرتزل وقيادته باللامبالاة تجاه الثقافة اليهودية واللغة العبرية ‪ ،‬ومسائل‬
‫•‬
‫تقوية الوعي الذاتي والحس القومي لدى اليهود‬

‫وشمل هذا النقد الذي قوبل به هرتزل للمرة الاولى جملة من الخطب‬
‫والتصريحات التي ادلى بها هرتزل ‪ ،‬وكذلك تفاؤله غير المبرر ‪ ،‬وجاءفي مقدمة‬
‫‪-‬‬
‫الخطب التي تركز حولها النقد تلك التي القاها في لندن عام ـ ‪١٨٩٩‬‬
‫واعلن فيها ‪:‬‬

‫ان الانكليز اول من ادرك ضرورة التوسع الاستعماري في العالـ‬


‫الحديث ‪ ،‬لذلك يرفرف علم بريطانيا العظمى فوق البحار ‪ .‬ولذا اعتقد ان‬
‫الفكرة الصهيونية ‪ ،‬وهي فكرة استعمارية ‪ ،‬يجب ان تحظى في انكلترا بفهم‬
‫سريع وسهل »‬

‫ورای انصار التيار الذي انتقد هرتزل ‪ ،‬ان هرتزل بدأ يجنح صوب‬

‫‪11.01‬‬
‫بريطانيا بدلا من تركيا صاحبة الحق في فلسطين ‪ ،‬او المانيا ذات النفوذ‬
‫المتعاظم في الامبراطورية العثمانية ‪.‬‬

‫والواقع ان آمال هرتزل كانت قد بدأت تخيب في كل من تركيا التي‬


‫رفض سلطانها مرارا وتكرارا استقباله كممثل للصهيونية ( استقبله كصحفي‬

‫نمساوي فحسب ) ‪ ،‬وفي المانيا التي لم تنجح مقابلاته الثلاث لامبراطورها‬


‫في التوصل الى نتيجة محسوسة ‪.‬‬

‫‪١٨٩٨-‬‬ ‫وكان هرتزل قد حاول مرتين اثناء لقائهبالقيصر الالماني عام‬

‫اقناعه بالتوسط لدى السلطان العثماني لمقابلته ‪ ،‬أو لكسب موافقة القيصر‬
‫على مشروع استعمار فلسطين ولكن دون جدوى‬

‫وتركز النقد الثاني الذي واجهه هرتزل على خطه السياسي بشكل‬
‫علم ‪ ،‬واسبقيته على الخط العملي ‪ ،‬ورأى انصار هذا الخط ( العمليون ) ان‬
‫الوقت يمضي بسرعة بين مقابلات وخطب ووعود سياسية ‪ ،‬بينما يجب ان‬

‫يتركز الجهد الرئيسي على تنفيذ الفقرة الأولى من برنامج بازل ‪ :‬اي تشجيع‬
‫ودعم عمليات الاستيطان اليهودي في فلسطين ·‬

‫الا ان القوة الحقيقية داخل المنظمة كانت لا تزال في يد هرتزل ‪ ،‬وقد‬ ‫•‬

‫ظلت كذلك في المؤتمر الرابع الذي انعقد في العام الثاني‬

‫المؤتمر الصهيوني الرابع ‪ :‬آب ‪: ۱۸۹۹‬‬

‫شهد هذا المؤتمر نموا كميا ونوعيا ‪:‬‬

‫فمن جهة ازداد عدد الجمعيات الصهيونية في بريطانيا من ‪ ١٦‬الى ‪: ٣٩‬‬


‫‪ ، -‬وفي روسيا القيصرية‬
‫وفي الولايات المتحدة من ‪ - ۱۰۳ -‬الى – ‪– ١٣٥‬‬
‫من ‪ ٤٠٠‬الى ‪ ، ١١٤٦‬وكذلك كانت النسب في عدد من البلدان الأخرى ‪ .‬ومن‬
‫جهة اخرى نمت المعارضة لهرنزل وخطه السياسي ‪ .‬اذ نهض « حاييم‬
‫و ایزمان ( ممثلا للمعارضة وانتقد هرتزل وتقديره المتفائل أكثر من اللازم ‪،‬‬
‫كما انتقد نشاط المنظمة واسلوب عمل قيادتها ‪ .‬وركز و ایزمان نقده على‬

‫اسلوب هرتزل السري والغامض في تقرير واضح ومفصل عن نشاط المنظمة‬


‫وانجازاتها بدلا من تلك التلميحات والاشارات الغامضة‬

‫‪-1·7-‬‬
‫اما هرتزل فكان قد اعتبر انعقاد هذا المؤتمر في لندن بمثابة نقل لنشاط‬
‫المنظمة وتركيزه في بريطانيا ‪ ،‬خاصة عندما اعلن ‪:‬‬

‫انتقلت الصهيونية السياسية الى لندن لكي تقدم نفسها رسميا الى‬
‫العالم الانكليزي وتطلب تأييده »‬

‫وبقدر ما ركز هرتزل جهوده في بضع السنوات الماضية على تركيا‬


‫والمانيا ‪ ،‬بدا الان يكرس جهوده للحصول على موافقة ودعم بريطانيــــــــا‬

‫لمشروعه الاستعماري ‪ .‬وبدا له الامبريالي البريطاني « سيسيل رودس »‬


‫قدوة يمكنه ان يحتذي بها ‪ ،‬فكتب اليه طالبا دعمه ‪:‬‬

‫‪ ...‬كيف حدث ان اتجهت نحوك ‪ ،‬مادام الأمر خارج طريقك ذلك‬


‫لان الامر يتعلق بمشروع استعماري ‪ ..‬وما اريده منك هو ان تعلن التصريح‬
‫التالي امام الناس ‪:‬‬

‫انا سيسيل رودس ‪ ،‬قمت بفحص هذا المشروع ( استعمار فلسطين )‬

‫ووجدته صحيحا وعمليا ‪ .‬انه حضاري تماما ‪ ،‬ممتاز بالنسبة للشعب‬

‫اليهودي الذي يتوجه اليه ‪ ،‬ومفيد جدا لبريطانيا العظمى ‪ .‬اما المشروع‬

‫فهو استيطان الشعب اليهودي في فلسطين »‬

‫كان هرتزل يهدف بالطبع الى ربط حركته الصهيونية ببريطانيا ‪ ،‬بعد‬
‫ان خاب امله مرحليا في تركيا والمانيا ‪ .‬الا ان بريطانيا التي كانت مهمتة‬
‫بالمشروع الاستعماري الصهيوني ‪ ،‬لم تكن على عجلة من أمرها ‪ .‬فقد كانت‬
‫الاوضاع السياسية في الشرق الاوسط تسير لصالحها ‪ .‬وباستثناء تزايد‬

‫النفوذ الالماني الملحوظ في تركيا ‪ ،‬والذي لم يصبح خطرا بعد ‪ ،‬لم يكن هناك‬
‫ما يقلق بريطانيا على مصالحها ويدفعها للعمل السريع‬

‫اما هرتزل ‪ ،‬فعلى عكس بريطانيا ‪ ،‬كان يستعجل الوقت للحصول‬

‫على اي شيء يستطيع تقديمه الى المؤتمر القادم والدفاع به عن سياسته ‪.‬‬
‫‪ ..‬الخ ‪...‬‬‫اي شيء ‪ :‬موافقة ‪ ،‬وعد ‪ ،‬تصريح ‪.. ،‬‬

‫وكانت قد مرت اربع سنوات من عمر المنظمة وقيادته لها ‪ ،‬واطل‬

‫‪-1.8-‬‬
‫المؤتمر الخامس ‪ ،‬وليس في يد هرتزل حتى وعد بسيط يستطيع اعتباره‬
‫انجازا حققته جهوده طوال هذه المدة ‪.‬‬

‫ولذا ‪ ،‬كان هرتزل متسرعا من جهة ‪ ،‬وكان يعلم أن عليه أن يواجه‬


‫معارضة حادة في المؤتمر القادم من جهة اخرى ‪.‬‬

‫المؤتمر الصهيوني الخامس ‪ :‬آب ‪: ۱۹۰۱‬‬

‫انعقد هذا المؤتمر وسط جو عاصف ومخيب ‪ ( .‬اصبحت المؤتمرات‬


‫تعقد مرة كل سنتين ) ‪.‬‬

‫فقد دخلت المنظمة الصهيونية عامها الخامس دون تحقيق اي نجاح‬

‫مادي محسوس ‪ ،‬واصبحت قيادة المنظمة وعلى رأسها هرتزل ‪ ،‬موضع‬

‫انتقاد و هجوم صريحين ‪ .‬ولم تحقق اية نتيجة محاولات هرتزل المتكررة‬

‫سواء اكان مع المانيا أو تركيا ام بريطانيا ‪ .‬ولان هرتزل كان في أمس الحاجة‬

‫الى تقديم اي شيء ‪ ،‬مهما كان غامضا او تافها الى المؤتمر لكي يدافع به‬
‫عن نفسه ‪ ،‬فقد استخدم جميع طاقاته ونفوذه للحصول على مقابلة مع‬

‫السلطان العثماني ‪ .‬وعلى الرغم من كون السلطان قد اصر على استقباله‬


‫كصحفي نمساوي فقط ‪ ،‬وليس كممال لاية منظمة أو طائفة من جهة ‪ ،‬وعلى‬

‫الرغم من فشل هذه المقابلة فشلا نهائيا من جهة اخرى ‪ ،‬فان هرتزل اخلی‬
‫مادار فيها من أحاديث كعادته ‪ ،‬واكتفى بابلاغ قيادته ان الامور تسير على‬

‫ما يرام ‪ .‬وازاء هذا الفشل اتجه هرتزل مرة اخرى ‪ ،‬بعد أن خذله ايضا‬
‫الامبراطور الالماني والقيصر الروسي ‪ ،‬الى بريطانيا التي تغنى بها قائلا ‪:‬‬
‫انكلترا العظيمة ! انكلترا الحرة ! انكلترا سيدة البحار ‪ ،‬سوف‬ ‫انكلترا‬
‫أهدافنا‬
‫‪ ،‬ولنتأكد ان الفكرة الصهيونية سوف تنطلق في طيرانها من‬ ‫تتفهم‬
‫هنا محلقة الى اجواء اعلى وابعد •‬

‫الا ان المؤمر الذي كان قد سئم هذه العبارات والتلميحات الغامضة‬


‫طالب هرتزل بتقديم تفصيلات دقيقة عن نشاطاته والمراحل التي قطعها‬
‫في اتصالاته ‪ ،‬والنجاحات التي حققتها قيادته ‪ ،‬بدلا من هذه العبارات‬
‫المتفائلة والمبهمة ‪•.‬‬

‫‪--1 .‬‬
‫‪^-‬‬
‫ولاول مرة بلغت المعارضة حدا من الجدية والقوة دفعها الى تشكيل‬

‫جناح سياسي داخل المؤتمر اطلق عليه اسم الجناح الديمقراطي الصهيوني ‪،‬‬
‫واستطاعت المعارضة استقطاب ‪ ۳۷‬مندوبا في المؤتمر ‪ .‬وتقدم قادة هذا‬
‫الجناح بمقترحات تدعو الى ديمقراطية اوسع في القيادة ‪ ،‬برنامج عمل‬
‫بومي وثقافي بين يهود العالم‬

‫وطلب هؤلاء ‪ ،‬وفي مقدمتهم ‪ :‬وايزمان ‪ ،‬موتزكين ‪ ،‬جاكوبس ‪ ،‬بوبر ‪،‬‬


‫تريتش وغيرهم ‪ ،‬التصويت على هذه المقترحات ‪ .‬الا ان هرتزل ‪.‬‬
‫المقترحات دون طرحها على التصويت مستفيدا من نقطة نظام ‪ ،‬فغادر‬
‫الجناح الديمقراطي القاعة لمدة ساعة احتجاجا على ذلك‬

‫الا ان هذا الاحتجاج ‪ ،‬وان كان رمزيا ‪ ،‬وظهور الجناح داخل المؤتمر ‪،‬‬
‫وان كان شكليا ومرحليا ‪ ،‬فانهما استطاعا أن يتركا بصماتهما على المؤتمر‬
‫الخامس ‪ ،‬وكذلك المؤتمرات اللاحقة ‪ .‬كما وضعا قيادة هرتزل للحركة‬

‫موضع نقاش و انتقاد علني صريح‬

‫ومع ذلك ‪ ،‬وبرغم كل هذا التعارض ‪ ،‬فقد استطاع المؤتمر تحقيق‬


‫انجازين اساسيين ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫ا – انجاز على المستوى العملي المادي يتلخص في تأسيس « الصندوق‬
‫القومي اليهودي ‪ -‬كيرين كايمت » ‪ ،‬الذي حدد اهدافه في تأمين رأس المال‬
‫الثابت لابتياع الاراضي في فلسطين ‪ ،‬واعتبارها ملكية عامة للشعب اليهودي‬
‫في العالم فلا يجوز بيعها او التصرف بها ‪ ،‬كما لا يجوز ان يعمل فيها سوى‬
‫اليهود ‪ ،‬وذلك تحقيقا لشعار ( العمل اليهودي على الارض اليهودية »‬
‫حصرا دون استثناء ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪ ۲‬ـ انجاز على المستوى التنظيمي ‪ .‬فقد راجع المؤتمر انظمة المنظمة‬
‫الصهيونية العالمية ومختلف الاجهزة المتفرعة عنها ‪ ،‬وادخل عليها بعض‬
‫التعديلات ‪ .‬كما اقر تمدید دورته من سنة واحدة الى سنتين ‪ ،‬وحدد موعد‬

‫المؤتمر السادس القادم عام ‪ ، ۱۹۰۳‬على ان يحل المؤتمر السنوي محل‬


‫المؤتمر العام في الفترة ما بين الدورتين أي المؤتمرين العامين ‪ .‬وقرر تشكيل‬
‫المؤتمر السنوي من ‪:‬‬

‫‪−1·9-‬‬
‫‪ -‬االلللججننةة االلتتننففييذذييةة ‪ -.‬اللجنة الدائمة ‪ -‬لجنة‬
‫المجلس العام للمنظمة ‪-‬‬

‫البنك الصهيوني ‪ .‬كذلك برزت في هذا المؤتمر ‪ ،‬الى جانب « الجنـــــاح‬


‫الديمقراطي ‪ ،‬حركة معارضة المعارضة ‪ ،‬والتي اطلقت على نفسها اسم‬
‫مزراحي ‪ -‬الشرق » ‪ ،‬بزعامة الحاخام « راينس » ‪ .‬ودرجت هذه الحركة‬
‫على الوقوف الى جانب « هرتزل » والدفاع عن قيادته وخطه السياسي ‪،‬‬
‫ومعارضة ) الجناح الديمقراطي » ومختلف اتجاهات « اليسار » الصهيوني‬
‫في المؤتمرات ‪ .‬واضافت « مزراحي » الى الهدف الصهيوني المتضمن انشاء‬
‫وطن قومي لليهود في فلسطين ‪ ،‬اضافت ايضا ‪ ،‬و « البلدان المجـــــــــاورة‬
‫لفلسطين » ‪ .‬وكانت الحركة تعكس في هذه الاضافة اتجاها متناميا داخل‬
‫الحركة الصهيونية يدعو الى عدم الاكتفاء بفلسطين وحدها ‪ ،‬وانما التوسع‬
‫داخل البلدان المجاورة ‪ ،‬وخاصة سورية وكان ابرز المدافعين عن هذا‬

‫الاتجاه التوسعي « دافيز تريتش ‪ ، » ۱۹۳۲ – ۱۸۷۰ :‬الذي بذل جهودا‬


‫كبيرة لاستبدال كلمة فلسطين بعبارة « فلسطين الكبري ـ فيما بعــــــد ‪:‬‬
‫اسرائيل الكبرى » ‪ ،‬الا ان المؤتمر الخامس رفض هذا الاقتراح ‪ .‬وبالنسبة‬
‫له كانت « فلسطين الكبرى » تشمل سورية ) ضمنها فلسطين ) والعريش‬
‫وسيناء وقبرص ايضا •‬

‫كما عكس هذا الاتجاه التوسعي هرتزل ذاته عندما كتب في مذكراته‬
‫عن لقائه مع الامبراطور الالماني ‪:‬‬

‫‪ ..‬وسألني ايضا عن الأرض التي نريدها وما اذا كانت تمتد شمالا‬
‫حتى بيروت ‪ ،‬او ابعد من ذلك •‬

‫فاجبت ‪ :‬سنطلب ما نحتاجه ‪ .‬وستزداد المساحة المطلوبة مع ازدياد‬


‫المهاجرين ‪.‬‬

‫واضاف هرتزل معلقا على هذه المقابلة ‪:‬‬

‫المساحة من نهر مصر الى الفرات ‪ .‬لابد في البداية من فترة انتقالية‬


‫لتثبيت مؤسساتنا يكون خلالها الحاكم يهوديا ‪ .‬وما ان تصل نسبة اليهود‬
‫مكاس نورد او » اكثر‬ ‫الى الثلثين حتى يفرضوا ادارتهم سياسيا ‪ .‬وكان‬
‫وضوحا عندما اعلن ‪:‬‬

‫‪-- ۱۱۰ -‬‬


‫‪-‬‬
‫يدعي خصومنا ان فلسطين غير قادرة على استيعاب اليهود ‪ ،‬نعم‬
‫انها قادرة على استيعاب – ‪ – ١٥ – ١٢‬مليونا من البشر ‪ .‬على ان يكون‬
‫واضحا أن فلسطين تشمل ايضا البلدان المجاورة » ‪ .‬اما كيف ستستوعب‬
‫سيحل بسكانها الاصليين ‪،‬‬ ‫فلسطين هذه الملايين المهاجرة اليها ؟ ‪ ،‬وماذا‬
‫وكيف ستتعامل معهم الصهيونية ؟ ‪ ،‬فان هرتزل نفسه يجيب على ذلك في‬
‫مذكراته ‪:‬‬

‫عندما نحتل البلاد ‪ ،‬سنستخلص ملكية الاراضي من اصحابها‬


‫سوف ينضم الينا اصحاب الاملاك الكبار ‪ ،‬وسوف تتم تدريجيا عملية‬
‫تجريدهم من الملكية طوعيا وباسعار عالية ‪ ،‬وسوف نقوم بابعاد الفقراء‬

‫والتخلص منهم جنبا الى جنب مع تجريد الملاكين من اراضيهم‬

‫ستحاول تسريب السكان الفقراء والمعدمين عبر الحدود ‪ ،‬وسنشجعهم‬


‫ونغريهم بالهجرة ‪ .‬اما من يبقى من اهل البلاد فيها فسوف نستخدمهم في‬

‫المناطق التي تكثر فيها الحيوانات والافاعي الكبيرة ‪ ،‬وفي مناطق الاوبئة‬
‫والامراض السارية ‪ ،‬وتجفيف المستنقعات ‪ .‬وبغير هذا الاسلوب ستكثر‬

‫نسبة الموت بيننا ‪ .‬وبالاجمال سنستخدم العرب للعمل في المناطق الموبوءة » ‪.‬‬

‫وبهذا الوضوح والتفصيل اللذين لا مجال لشرحهما او الدورانحولهما ‪،‬‬


‫عبرت الصهيونية بكل دقة ‪ ،‬وعلى لسان قادتها ‪ ،‬عن عقيدتها التوسعية‬
‫العنصرية ‪.‬‬

‫فهي لن تكتفي حتى بفلسطين ‪ ،‬بل ستتوسع وتتوسع كلما قدم الى‬
‫فلسطين مهاجرون جدد ‪ .‬كما انها لن تتيح للسكان الأصليين العرب مجالا أو‬
‫فرصة للبقاء في وطنهم ‪ .‬وعليهم اما ان ينزحوا الى البلدان المجاورة ‪ ،‬أو‬
‫تفترسهم الافاعي والوحوش وتحصدهم الأوبئة في المناطق الموبوءة‬

‫تلك بعض سمات الصهيونية التي ظلت وفية لها ‪ ،‬لاصقة بها ‪ .‬وقد‬
‫وجدت هذه السمات العنصرية التوسعية ‪ ،‬المعادية للشعوب والتحرر‬

‫والتقدم ‪ ،‬المرتبطة بالامبريالية ارتباطا عضويا اصيلا ‪ ،‬وجدت تعبيرها الاكثر‬


‫وضوحا في المؤتمر السادس القادم ‪.‬‬

‫‪-111-‬‬
‫<‬
‫المؤتمر الصهيوني السادس ‪: / ١٩٠٣ /‬‬

‫تميزت المرحلة التي انعقد خلالها هذا المؤتمر بسمات رئيسية بارزة‬
‫على الصعيدين الدولي والصهيوني ‪.‬‬

‫الدولي ‪ ،‬كان التوسع الامبريالي ‪ ،‬واكتساب‬ ‫‪ ۱‬ـ فعلى الصعيد‬


‫مناطق النفوذ يسير بوتائر سريعة ‪ ،‬وكانت الدولتان الامبرياليتان الرئيسيتان ‪،‬‬

‫بريطانيا وفرنسا ‪ ،‬تحاولان تثبيت مواقعهما في المناطق التي تم الاستيلاء‬


‫عليها أو غزوها سياسيا واقتصاديا ‪ ،‬كما تمهدان السبل لاكتساب مناطق‬

‫واسواق جديدة لتصريف منتجاتهما من جهة ‪ ،‬ولنهب المواد الخام من جهـ‬


‫اخرى ‪.‬‬

‫وكانت ايطاليا والمانيا تحاولان اللحاق ببريطانيا وفرنسا ‪ .‬وقـــــــد‬


‫استطاعت المانيا التغلغل بشكل واضح في الامبراطورية العثمانية والاقاليم‬

‫العربية التابعة لها ‪ ،‬سالكة نفس الطريق التي سلكها منافسوها الانكليز‬
‫والفرنسيون والقائمة على تمديد الخطوط الحديدية ‪ ،‬وتأسيس البنوك ‪،‬‬
‫واقامة الشركات وغيرها‬

‫ومع بداية القرن العشرين كانت المانيا قد اصبحت تؤثر تأثيرا ملحوظا‬
‫في توجيه السياسة والاقتصاد العثمانيين ‪ .‬كما برزت كمنافس خطير قد يهدد‬
‫مستقبلا مصالح الدولتين الامبرياليتين البريطانية والفرنسية‬

‫اما في روسيا القيصرية ‪ « ،‬التي لم يكن لها مطامح مباشرة في الاقاليم‬

‫العربية التابعة لتركيا ‪ ،‬والتي كانت مطامحها تتلخص في الحصول على‬


‫المضائق وبعض مناطق شمال تركيا ‪ ،‬فكان الوضع الداخلي ( صراع حزب‬

‫لينين مع جماعة « البوند » الانفاصليين ( ملائما للدول الامبريالية ومثيرا‬


‫لاهتمامها ‪ .‬وكان من مصلحة هذه الدول انفصال « البوند » ( حزب العمال‬

‫اليهود ) عن حزب لينين ( الحزب الديمقراطي الاشتراكي الروسي ) ‪ ،‬نظرا‬


‫لما يؤديه هذا الانفصال من اضعاف للحركة الديمقراطية الاشتراكية الروسية‬
‫من جهة ‪ ،‬ولامكانية استغلال الجماهير العمالية اليهودية وصرفها عن النضال‬

‫الديمقراطي الاشتراكي ‪ ،‬وتسخيرها بالتالي لخدمة اهداف الحرك‬

‫‪- ۱۱۲ -‬‬


‫الصهيونية ‪ ،‬التي اصبحت موضع اهتمام الدول الامبريالية الكبرى ‪ ،‬كما‬
‫مكاس نورداو » نائب هرتزل ‪:‬‬ ‫اعلن في حينه‬

‫ان اربع دول عظمى تسيطر على الكرة الارضية اعلنت عطفها على‬
‫حركتنا الصهيونية ‪ .‬فالامبراطورية الالمانية اعربت عن عطفها علينا ‪ ،‬بينما‬
‫قدمت روسيا خططا لمساعدتنا ‪ .‬اما بريطانيا فقد قرنت عطفها بالاستعداد‬

‫العملي لمساعدة حركتنا الصهيونية ‪ ،‬كما اتخذت الولايات المتحدة خطوات‬


‫توحي بأنها ستكون عطوفة عندما يحين الوقت »‬

‫صحيح ان روسيا ‪ -.‬عبر وزير داخليتها‪ -‬اعربت عن عطلها على‬

‫الحركة الصهيونية ‪ ،‬وعن استعدادها لمساعدتها ‪ ،‬ولكن مقابل تعهد الحركة‬


‫الصهيونية بابعاد الجماهير اليهودية الروسية عن الاحزاب الديمقراطية‬

‫الاشتراكية الروسية ‪ ،‬والتي كانت هذه الجماهير تشكل نسبة عالية من‬
‫اعضائها وانصارها ‪ .‬وكذلك المانيا التي أعربت عن عطفها على الصهيونية ‪،‬‬

‫كانت تضع الصهيونية كاداة ضمن مخططها الرامي الى وراثة الامبراطورية‬
‫العثمانية ‪ ،‬وما يمكن للصهيونية أن تقدمه من مساعدة في هذا المجال •‬

‫اما الذي اثار اهتمام الولايات المتحدة في الصهيونية ومخططاتهـ‬


‫الرامية الى استعمار فلسطين ‪ ،‬فهو احتمال وجود النفط في صحراء النقب‬

‫وبالنسبة لبريطانيا ‪ ،‬فقد شكلت الصهيونية منذ ولادتها حليفامنتظرا في‬

‫المستقبل ‪ ،‬يدعم ويحمي مخططات الامبريالية البريطانية في الشرق الاوسط‬


‫والعالم ‪ .‬الا ان هذا العطف والاهتمام الامبرياليين لم يكونا قد وصلا بعد‬

‫الى حد تبني أي من هذه الدول للحركة الصهيونية ‪ ،‬وذلك باستناء بريطانيا‬


‫نسبيا والى حد ما ‪ .‬ولم تكن مساعي هرتزل قد استطاعت حتى انعقاد‬
‫المؤتمر السادس الحصول على البراءة الدولية المنشودة ‪.‬‬

‫اما على صعيد الحركة الصهيونية فكان الوضع مخيبا كالسابق ‪،‬‬
‫ولا يبشر بالتفاؤل ‪ .‬اذ بينما رفض القيصر الروسي مجرد استقبال هرتزل‬
‫) استقبله وزیر داخلية القيصر ) ‪ ،‬فان الامبراطور الالماني اعتذر عن عدم‬
‫استطاعته التوسط لدى تركيا لئلا يعتبر ذلك تدخلا في شؤونها الداخلية‬

‫‪- ۱۱۳ -‬‬


‫اما السلطان العثماني الذي استقبل هرتزل مرتين في شباط وتموز ‪، / ۱۹۰۲ /‬‬
‫بصفته مراسلا صحفيا ‪ ،‬فقد امتنع عن القطع بأي وعد •‬

‫وهكذا وجد هرتزل نفسه محاصرا بعامل الزمن من جهة ( لم يستطع‬


‫تحقيق نجاح ملموس طوال ست سنوات من زعامة الحركة ) ‪ ،‬وبكـــــــــون‬
‫بريطانيا هي الدولة الامبريانية المتبقية والتي يمكن أن تنقذ زعامته مـــــــــــن‬
‫جهة اخرى ‪ .‬فلجأ اليها ‪ ،‬والقى بنفسه كليا في احضانها ‪ .‬وأمر بالفعل‬
‫وزير المستعمرات ‪.‬‬ ‫الاتصالان الاولان اللذان تما بينه وبين الورد) تشمبرلين‬
‫و « لانسدون » وزير الخارجية ‪ ،‬اذ قدم الوزيران بعد سلسلة من اللقاءات‬

‫عرضا لاستعمار العريش صهيونيا ‪ ،‬فأوفد هرتزل لجنة برئاسة « غرينبرغ »‬


‫•‬
‫الدراسة المنطقة ووضع المخططات اللازمة لاستعمارها‬

‫وعبر هرتزل عن امتنانه لبريطانيا وعرضها استعمار العريش أو‬

‫سيناء ‪ ،‬وبالتالي تأهيل الحركة الصهيونية العب دورها المنتظر في خدمة‬


‫الامبريالية البريطانية ‪:‬‬

‫حينما يجيء الوقت الذي نعيش فيه تحت ظل العلم البريطاني في‬
‫العريش ‪ ،‬فمن المؤكدان فلسطين بدورها ستقع في فلك النفوذ البريطاني » ‪.‬‬

‫الا ان فشل مهمة ( غرينبرغ » في العريش وسيناء بسبب مقاومة مصر‬

‫لذلك ‪ ،‬اصاب احلام ومشاريع هرتزل الصهيونية الاستعمارية بضربة‬


‫قاسية ‪ ،‬خاصة وان هذا الفشل لم يكن الأول ‪ ،‬فقد كان الزعيمــــــــــان‬
‫الصهيونيان » تريتش » ( الداعية الى فلسطين الكبرى ) ‪ ،‬و « نورداو » قد‬

‫اقنعا هرتزل ببذل المساعي من اجل استعمار قبرص ‪ ،‬وشجعهم على ذلك‬
‫الحاخام الصهيوني ) آرون ماركوس » الذي اكتشف في التلمود ان « قبرص‬
‫يهودية الاصل ‪ ،‬وجزء من فلسطين التاريخية » ‪.‬‬

‫وازاء فشله المتكرر في سيناءو العريش وقبرص بعد فشله في فلسطين ‪،‬‬
‫وبسبب ضغط الزمن المتواصل التفت هرتزل هذه المرة الى البرتغال ‪،‬‬

‫واجرى اتصالا معها للسماح للصهيونية باستعمار موزامبيق يهوديا ‪ ،‬كما‬


‫اتصل مع بلجيكا من اجل الموافقة على استعمار الكونغو ‪ ،‬وكان يهدف كما‬
‫كتب في مذكراته ‪ ،‬في حال نجاحه في استعمار موزامبيق او الكونغو ‪ ،‬الــــى‬
‫مبادلة أي منهما بقطعة من فلسطين أو الاراضي المجاورة لها كالعريش‬

‫‪-118-‬‬
‫خطوة قفز الى فلسطين » ‪ .‬الا ان فشل هذه‬ ‫أو قبرص التي وصفها بأنها‬
‫المساعي جميعها ‪ ،‬وقرب انعقاد المؤتمر السادس ‪ ،‬حصرا هرتزل ضمن‬
‫زاوية المصالح البريطانية مجددا ‪ .‬وبشكل أكثر تمركزا وادراكا منها لهذه‬
‫الظروف ‪ ،‬تقدمت بريطانيا ‪ ،‬عبر وزیر مستعمراتها تشمبرلين ‪ ،‬بعرض‬
‫جديد لاستعمار اوغندا صهيونيا‬

‫فاحتضن هرتزل هذا المشروع على الفور وحمله الى المؤتمر السادس‬
‫يدافع به عن سياسته الفاشلة عبر ست سنوات •‬

‫وسط هذه الظروف الدولية ‪ ،‬التي تركت اثرها الواضح على الحركة‬
‫الصهيونية ‪ ،‬انعقد المؤتمر الصهيوني السادس ·‬

‫وعلى الرغم من كون هذا المؤتمر قد شهد نموا عدديا ملحوظا اذ‬

‫حضره ‪ ٦٠٠‬مندوب ‪ ،‬كما اصبح عدد الجمعيات الصهيونية المنتشرة في‬


‫العالم ‪ ١٥٧٢‬جمعية ‪ ،‬كما شهد نموا نوعيا اذ اصبحت الصهيونية حركة‬

‫سياسية عالمية تهتم بها وتسعى لربطها بمصالحها مختلف الدول الامبريالية‬

‫فان المؤتمر انعقد وسط اجواء عاصفة ومشحونة بخلافات هددت بنسف‬
‫ــة‬
‫المؤتمر وقيادة هرتزل ‪ .‬ولاول مرة واجه هرتزل ورفاقه في قيادة المنظمـ‬

‫تهديدا بعزلهم من القيادة ‪ ،‬مما دفع بعض المؤرخين الصهيونيين لان يرى في‬

‫المؤتمر مناسبة لخلع رئيس المنظمة – هرتزل ‪ ،‬وتركز التهديد الذي اتخذ‬

‫صيغة انذار الى هرتزل وجماعته في القيادة على المطالبة بتغيير اسلوبه في‬

‫ادارة المنظمة ‪ ،‬والتخلي عن طريقته الديكتاتورية في تسيير الأمور ‪ ،‬وتقديم‬

‫تعهد خطي يلتزم فيه هرتزل بعدم تقديم أي مشروع استعماري للمؤتمر‬
‫لا يتعلق بفلسطين أو سورية ‪ .‬واعتبر جماعة الانذار قبول هرتزل وقيادته‬

‫لمشروع اوغندا انحرافا وتخليا عن برنامج (بال ) الاساسي المتعلق بفلسطين ‪.‬‬
‫وقدم هؤلاء مشروع قرار برفض المشروع الاستعماري الخاص بأوغندا ‪ ،‬في‬
‫حين اعلن عدد من المندوبين انهم لن يلتزموا بهذا المشروع حتى في حالة‬
‫اقراره ‪ ،‬وانسحب ( الجناح الديمقراطي » من المؤتمر لمدة ساعة احتجاجا‬
‫على عرض مشروع أو غنده ‪ ،‬في حين اصر الجناح الصهيوني الانكليزي داخل‬
‫المنظمة برئاسة « اسرائيل زانغويل » على قبول هذا المشروع ‪ ،‬فساد المؤتمر‬
‫جو عاصف مشحون بالمخاطر ‪ ،‬مما اضطر هرتزل للتدخل ‪ ،‬وعقد مساومة‬

‫‪-110-‬‬
‫تتلخص في ارسال لجنة استقصاء الى اوغندا لدراسة الاوضاع هناك ‪،‬‬
‫وتقديم تقرير بذلك الى المؤتمر القادم‬

‫وبذلك تم التوصل الى قرار وسط لتأجيل انفجار الازمة ‪ ،‬دون ان‬
‫يحلها ‪ .‬ولئن استطاع المؤتمر السادس تأجيل هذا الانفجار ‪ ،‬فان المؤتمر‬
‫السابع الذي لم يحضره هرتزل ‪ ،‬شهد هذا الانفجار العلني الحاد والذي‬
‫ادى الى شق المنظمة‬

‫المؤتمر الصهيوني السابع ـ آب ‪: ١٩٠٥‬‬

‫مات هرتزل في تموز ‪ . ١٩٠٤‬واحدث موته فراغا واضحا في قيادة‬


‫المنظمة الصهيونية ‪ .‬وقد عبر عن هذا الفراغ قرار المنظمة بتشكيل لجنة‬
‫ثلاثية تتولى قيادتها ‪ .‬وتألفت اللجنة الثلاثية من اثنين يمثلان اتجاه هرتزل‬

‫السياسي هما ‪ « :‬نورداو و وولفسون » ‪ ،‬وثالث يمثل الاتجاه العملي وهو‬


‫اوتو واربورغ » ‪ ،‬وقد عنت هذه النسبة ‪ ١٢‬ان الصهيونيين السياسيين‬
‫مازالوا يتمتعون بقوة الاغلبية داخل المؤتمر واجهزة المنظمة ·‬

‫كان غياب هرتزل عن المسرح السياسي الصهيوني ‪ ،‬والفشل الذي‬


‫منیت به مشاريعه الاستعمارية ( قبل وفاته اتصل مجددا بوزير الداخلية‬

‫الروسي ‪ ،‬وكذلك ملك ايطاليا والبابا ‪ ،‬ولم تسفر اتصالاته عن نتيجــــــــة‬

‫ملموسة ) ‪ ،‬كان هذان العاملان سببا أساسيا في التعجيل بتفجير الصراع‬


‫داخل المنظمة الصهيونية ‪ ،‬وهو الصراع الذي اتخذ شكله النهائي اثناء‬
‫‪ .‬فقد‬
‫مناقشة مشروع اوغندا وطرحه على التصويت في المؤتمر السابع‬
‫قدمت « لجنة العمل » في المؤتمر مشروع القرار التالي ‪:‬‬

‫يعلن المؤتمر الصهيوني السابع ما يلي ‪:‬‬

‫تتمسك المنظمة الصهيونية ‪ ،‬دونما تردد ‪ ،‬بالمبدأ الاساسي لبرنامج‬


‫بازل ‪ .‬وترفض المنظمة سواء أكان ذلك غاية أو وسيلة ‪ ،‬النشاطات‬

‫الاستعمارية خارج فلسطين والاراضي المجاورة لها ‪ .‬كما يقرر المؤتمر توجيه‬
‫الشكر الى الحكومة البريطانية على العرض الذي تقدمت به في اقليم افريقيا‬
‫الشرقية البريطانية ( اوغندا ) ‪ ،‬ويسجل المؤتمر شعوره بالرضى لاعتراف‬

‫‪-117-‬‬
‫الحكومة البريطانية بالمنظمة الصهيونية ‪ .‬اقر المؤتمر هذا القرار بأغلبية‬
‫‪ ۲۹۰‬صوتا ‪ ،‬مقابل ‪ ۱۷۸‬صوتا معارضا ‪ ،‬وامتناع ‪ ۹۰‬مندوبا عن التصويت ‪.‬‬

‫وفور اعلان نتائج التصويت ‪ ،‬انسحب « اسرائیل زانغويل »‬


‫الصهيوني البريطاني من المؤتمر ‪ ،‬وانضم اليه انصار مشروع اوغندا وشكلوا‬
‫معا « المنظمة الاقليمية الصهيونية » التي اعلنت انفصالها عن المنظمة‬
‫الصهيونية العالمية ‪ ،‬وعزمها على استعمار اية قطعة أرض تمنحها لها‬
‫بريطانيا ‪.‬‬

‫وحاول عدد من قادة الصهيونية اقناع » زانغويل » بالعودة‬

‫المنظمة ‪ ،‬الا انه ظل مصرا على قراره الى ان تطابقت المخططات‬


‫الصهيونية مع البريطانية ‪ ،‬ولم يعد هناك مبرر لوجود منظمته فاعلن دمجها‬
‫المنظمة العالمية اثناء الحرب العالمية الاولى •‬

‫أما القراران الرئيسيان اللذان توصل المؤتمر الى اقرارهما ‪ ،‬اضافة‬

‫الى رفضه لمشروع اوغندا فهما ‪:‬‬

‫صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار » بحيث‬ ‫‪ - ۱‬تعديل ميثاق‬

‫اصبحت نشاطاته تشمل « فلسطين وسورية واي قسم آخر من تركيا‬


‫الآسيوية ‪ ،‬وكذلك سيناء والعريش وقبرص » ·‬

‫‪-‬‬
‫‪ ٢‬ــ التوفيق بين التيارات المتناقضة مرحليا داخل المنظمةالصهيونية ‪،‬‬

‫اذا رأى المؤتمر انه بمؤازرة النشاط السياسي ‪ ،‬وكأساس واقعي لتدعيم‬

‫هذا النشاط ‪ ،‬وبناء على مضمون البند الاول من برنامج بازل ‪ ،‬يجب‬

‫الانصراف الى تأسيس مراكزنا في فلسطين بصورة منظمة » ‪ .‬وبذا يكون‬

‫المؤتمر قد رفض مشاريع الاستيطان الصغيرة وغير المنظمة ‪ ،‬كما رفض‬

‫مشاريع « الابعاد الخيري » التي كان قد تولاها كل من البارون « هيرش »‬

‫( مشروع الارجنتين ) ‪ ،‬والمصرفي اليهودي « روتشيلد » ‪.‬‬

‫ومهما يكن ‪ ،‬فان المؤتمر الصهيوني السابع يعتبر نقطة تحول بارزة‬
‫بالنسبة للحركة الصهيونية ·‬

‫‪-117-‬‬
‫فمن جهة ‪ ،‬تخلى هذا المؤتمر نهائيا عن اية مشاريع استعماريـــة‬
‫لا تشمل سورية وفلسطين ·‬

‫ومن جهة ثانية ‪ ،‬استطاع المؤتمر بقراره السابق ذكره ‪ ،‬التوفيق بين‬

‫الاتجاهين الصهيونيين الرئيسيين » السياسي والعملي » ‪ ،‬واعتبار كـــــــــل‬


‫منهما مكملا وموازيا للاخر ‪ .‬ومن جهة ثالثة ‪ ،‬وضع المؤتمر الحركة‬
‫الصهيونية في قلب الصراع الامبريالي على مناطق النفوذ في الشرقالاوسط ‪،‬‬
‫وترك لهذه الحركة فسحة من الزمن والمرونة تناور بهما قبل ربط نفسها‬

‫نهائيا بهذه الامبريالية او تلك ‪ ،‬وهو الربط الذي تم اثناء الحرب العالمية‬
‫الاولى والذي ارتكز على حسابات ومراهنات على الجهة التي ستربح‬
‫الحرب‬

‫‪ -‬اليهودية في فلسطين ‪:‬‬


‫العلاقات العربية –‬

‫حتى مطلع الثمانينات من القرن الماضي ولم تتخذ الهجرة اليهودية الى‬
‫فلسطين اي طابع سياسي ‪ .‬وكان الطابع الغالب دينيا ‪ ،‬وفي بعض الحالات ‪،‬‬
‫انسانيا ‪ .‬وقد هاجر اليهود الى فلسطين بمجموعات صغيرة للغاية ‪ ،‬اما‬
‫الاسباب دينية ‪ ،‬واما هربا من اضطهاد واقع او محتمل في مكان ما من‬

‫أوروبا ‪ .‬وكانت مجمل المشاريع الدينية أو الانسانية لتوطين بعض اليهود في‬
‫‪ ۱۸۸۰ -‬بعيدة عن اي طابع قومي •‬ ‫فلسطين في الفترة من ‪– ١٨٤٠‬‬

‫فمن محاولة الانكليزي اليهودي الثري « مونتيفيوري » في مطلع‬


‫الاربعينات لشراء قطعة أرض في فلسطين يهاجر اليها ويتوطن فيها بعض‬

‫اليانس الاسرائيلية العالمية‬ ‫اليهود المهاجرين البؤساء الى مشاريع جماعة‬


‫روتشيلد » في السبعينات ‪،‬‬ ‫في مطلع الستينات وحتى مشاريع الرأسمالي‬
‫كان الطابع الغالب على سكان هذه المستوطنات هو التسامح الديني ‪،‬‬

‫وحسن الجوار ‪ ،‬والتعاون مع العرب ‪ .‬وبشكل عام ‪ ،‬الاندماج تماما مع‬


‫السكان الأصليين لفلسطين ‪ .‬وقد لخص البروفسور اليهودي « موشي‬

‫مينوحين » نظرة العرب الى اليهود وعلاقتهم بهم من خلال تجربته الطويلة‬
‫في فلسطين قائلا ‪:‬‬

‫ما من عربي ضايقني مرة ‪ .‬لم اشعر ابدا بالخوف ‪ ،‬ولم احس‬
‫يوما بانني غريب » ‪.‬‬

‫‪-114-‬‬
‫الا ان هذه المرحلة سرعان ما بدأت تتجه نحو نهايتها منذ مطلـ‬
‫الثمانينات ‪ ،‬عندما بدا الاستيطان اليهودي يتخذ طابعا سياسيا قوميا •‬

‫ففي شتاء عام ‪ ۱۸۸۲‬ذهب المندوب الصهيوني الاول الى فلسطين‬


‫) موفدا من احباء صهيون ( لشراء اراض لتوطين اليهود ‪ .‬واستمر طوال‬
‫ذلك العام تدفق المهاجرين اليهود من روسيا القيصرية وبولونيا الى فلسطين‬
‫هربا من الاضطهاد القيصري ‪ ،‬واقام هؤلاء الرواد أول مستعمرة صهيونية‬
‫لهم في فلسطين في نفس العام ‪ ،‬واسموها » ريشيون لي زيون – الاولى في‬
‫صهيون » قرب يافا ‪ ،‬وكان عدد سكانها ثلاثة آلاف شخص ‪ .‬ومع نهاية‬
‫عام ‪ ۱۸۸۲‬تمكن المهاجرون الصهيونيون من تأسيس خمس مستوطنات‬
‫مساحتها ‪ ٢٥‬الف دونم‬

‫انتبهت الحكومة العثمانية الى سيل الهجرة والاستيطان ‪ ،‬ففرضت‬

‫حظرا مؤقتا على الهجرة واستملاك الأراضي ‪ ،‬لكنها عادت فرفعت الحظر ‪،‬‬

‫ثم عادت ففرضته مرة اخرى ‪ ،‬وذلك تبعا للقوى الضاغطة المعارضة في‬

‫فلسطين ‪ ،‬أو القوى المؤيدة في الدول الامبريالية ‪.‬‬

‫ویری عدد من المؤرخين لهذه المرحلة ان اول صدام وقع بين العرب‬

‫واليهود في فلسطين كان عام ‪ ، ١٨٨٦‬مما لفت انتباه الحكومة العثمانية ‪،‬‬
‫واثار اهتمام الدول الامبريالية المعنية بالشرق الاوسط ‪ ،‬وكانت مخاوف‬
‫العرب قد بدأت تجد صداها داخل فلسطين وخارجها نتيجة لتدفق الهجرة‬

‫الصهيونية واستملاك الاراضي وتنامي العداء الصهيوني للعرب ومقاطعة‬


‫اليهود لهم •‬

‫وقد وصف القنصل الأمريكي في القدس هذا الوضع في نهاية الثمانينات‬


‫عندما كتب قائلا ‪:‬‬

‫ان تدفق اليهود على فلسطين بمثل هذه الكثرة سوف يقلب الحالة‬

‫البلاد ‪ ،‬وقد لا تمضي سنوات حتى يصبح اليهود هم سكان البلاد الاصليين ‪،‬‬
‫وليس العرب »‬

‫كما وصف هذه الحالة قنصل اوروبي آخر عام ‪: ۱۸۹۱‬‬

‫‪-‬‬
‫‪- ۱۱۹ -‬‬
‫ان اليهود يتحدثون منذ الآن عن اقامة مملكة لهم في فلسطين‬
‫ويشجعهم على ذلك مهووسون عديدون في بريطانيا واوروبا » ·‬

‫وقد اعتبر الفلسطينيون سيطرة اليهود الاقتصادية على فلسطين ‪،‬‬


‫واستيلاءهم على البنوك والشركات ومعظم المرافق والمنشآت الاقتصادية‬
‫خطرا رئيسيا ومباشرا » يهدد عروبة فلسطين‬

‫وتصدى الفلسطينيون لهذا الخطر وعلى عدة مستويات ·‬

‫فمن جهة قاوم السكان بيع الاراضي الصهيونيين ‪ ،‬واصدروا التشريعات‬


‫والفتاوى الدينية والوطنية التي شككت في وطنية ودين كل من يبيع أرضه ‪.‬‬

‫كما ابرق زعماء الطوائف والعائلات في القدس وغيرها الى الباب‬


‫العالي والبرلمان التركي مطالبين باصدار تشريعات صارمة تمنع الهجرة‬
‫وتحظر بيع الاراضي ‪ .‬كما قام بعض الفلاحين العرب بمهاجمة اراضيهم‬
‫التي باعها الملاكون والاقطاعيون للصهاينة ‪ ،‬فأتلفوا مزروعاتها وهدمـــــوا‬
‫مساكنه‬

‫« شاهدا على اول موقف‬ ‫ويجمع المؤرخون على اعتبار عام ‪۱۸۹۱‬‬

‫حاسم وشامل يقفه عرب فلسطين ضد الاستيطان الصهيوني‬

‫كما يعتبر هذا العام ايضا شاهدا على بداية الاهتمام الامريكي‬
‫بفلسطين والدولة اليهودية المرتقبة ‪ .‬اذ بينما كانت بريطانيا مشغولة بتثبيت‬
‫مواقفها في مصر ‪ ،‬وتقوية نفوذها في العراق وفلسطين ايضا ‪ ،‬وكانت فرنسا‬
‫منصرفة الى دعم نفوذها في سوريا ولبنان ‪ ،‬والمانيا ماضية في خططها الرامية‬
‫الى مزيد من التغلغل في الامبراطورية العثمانية وممتلكاتها العربية‬
‫ارتفعت اصوات في امريكا تطالب بالافادة من هذه الاوضاع لصالح الولايات‬
‫المتحدة ‪ .‬وقد عبرت عن هذه المطامح صحيفة « نيويورك ديل تريبيون » في‬

‫مقال لها بتاريخ ‪ ۱۸۹۱/۵/۳۱‬عندما طالبت الحكومة الامريكية بالتدخل‬


‫لاقتطاع فلسطين من تركيا ‪ ،‬وتأسيس وطن لليهود فيها » ‪.‬‬

‫‪ ...‬وعلى الرغم من جهود الصهيونيين الجبارة ‪ ،‬واموال‬ ‫ولكن‬

‫أثريائهم الهائلة ‪ ،‬ودعم الدول الامبريالية المختلفة لجهودهم الاستيطانية ‪. ،‬‬

‫‪- ۱۲۰ -‬‬


‫‪-‬‬
‫فانهم لم يستطيعوا طوال خمسة عشر عاما ( ‪ ) ١٨٩٧ - ۱۸۸۲‬من العمل‬
‫المنظم والمتواصل ان يستقدموا الىفلسطين سوى اقل من ثلاثين الف مهاجر‬

‫اقاموا تسع عشرة مستعمرة تقل مساحتها عن ‪ ٢٠٠‬الف دونم من اصل ما‬
‫يزيد عن ‪ ٢٦‬مليون دونم ‪ ،‬هي مساحة فلسطين الاجمالية‬

‫وقد لعبت المقاومة العربية دورا بارزا في عرقلة المخططات الاستيطانية‬


‫الصهيونية ‪ ،‬وشهدت التسعينات من القرن الماضي جهودا عربية مكثفة على‬
‫مختلف الاصعدة المحلية والخارجية ‪ ،‬العنيفة والسلمية ‪ ،‬للتصديللمخططات‬
‫الصهيونية ‪ .‬وبرزت منذ التسعيناتسمات هذه المرحلة من الخطط الصهيونية‬

‫الرامية الى استعمار فلسطين ‪ ،‬والتي تتلخص في اعتبار هدف الصهيونية‬


‫استيطان فلسطين عبر دعم وتشجيع الدول الامبريالية ‪ ،‬وبوسائل ابرزها‬
‫تدفق الهجرة ‪ ،‬استملاك الاراضي ‪ ،‬انعزال اليهود ضمن مستوطناتهم ‪،‬‬
‫ومقاطعة العرب والتخلص منهم في الاراضي والمصانع على السواء وكلما‬
‫سنحت الفرصة ‪ ،‬مما دفع العرب بدورهم الى تكتيل قواهم والتصـ‬
‫•‬
‫لمحاولات سلبهم اراضيهم وطردهم منها ‪ ،‬تمهيدا لطردهم من وطنهم بكامله‬

‫وقد لخص الزعيم الصهيوني » هعام » نظرة المستوطنين الصهاينة‬


‫للفلاحين العرب ‪ ،‬بعد زيارة قام بها المستعمرة « المطلة » عام ‪: ١٨٩١‬‬

‫انهم ( اليهود الصهيونيون ) يعاملونالعرب بروح العداءوالشراسة ‪،‬‬


‫ويمتهنون حقوقهم بصورة لا معقولة ‪ .‬يوجهون اليهم الاهانات دون أي مبرر‬
‫معقول ‪ ،‬ويفاخرون بتلك الافعال ‪ ...‬اننا نفكر ان العرب جميعا متوحشون‬

‫مثل الحيوانات ‪ ،‬ولا يدركون ما يجري حولهم ‪ ،‬ولا يوجد بيننا من يقاوم هذا‬
‫الميل المزري الخطير » ‪.‬‬

‫وقد استمر هذا الطابع للعلاقات طوال المرحلة الثالثة من الهجرة‬


‫ايضا ‪ ،‬وهي المرحلة التي بدأت عام ‪ ۱۸۹۷‬مع انعقاد المؤتمر الصهيوني‬
‫الاول واعلان الصهيونية ( حركة سياسية عالمية منظمة هدفها اقامة وطن‬

‫قومي لليهود في فلسطين يضمنه القانون العام » ‪.‬‬

‫كما اتسمت المرحلة الممتدة من المؤتمر الاول ‪ ۱۸۹۷‬حتى المؤتمـ‬


‫ات‬
‫السابع ‪ ۱۹۰٥‬بظبة الطابع السياسي الذي قاده هرتزل على نشاط‬
‫المنظمة واولوية السعي للحصول على موافقة احدى الدول بدلا من التركيز‬

‫‪- ۱۲۱ -‬‬


‫على اقامة المستوطنات في فلسطين ‪ ،‬واعتبار النشاط العملي في‬
‫يجيء في المرتبة الثانية من حيث الاهمية ·‬

‫ما بعد المؤتمر السابع ‪:‬‬

‫اتسمت هذه المرحلة بالتركيز الشديد على تأسيس المستوطنات في‬


‫فلسطين ‪ ،‬واستمرار الهجرة اليها تحت اي ستار من جهة ‪ ،‬ومواصلة‬

‫للمشروع‬ ‫الاتصال مع مختلف الدول الامبريالية بغية الحصول على دعمها‬


‫الصهيون من جهة اخرى ‪·.‬‬
‫ي‬

‫وبكلمة موجزة ‪ ،‬فقد تغلبت في هذه المرحلة النزعة التوفيقية داخل‬


‫الحركة الصهيونية ‪ ،‬وعكست هذه النزعة قرارات المؤتمر الصهيوني الثامن‬
‫الذي انعقد في « لاهاي » هولندا عام ‪ ، ۱۹۰۷‬اذ اتخذ المؤتمر قرارا ينص‬
‫على ‪:‬‬

‫المباشرة وعلى اوسع نطاق بعمليات الهجرة والاستيطان المنظم في‬


‫فلسطين » ‪.‬‬

‫وعبر « وايزمان » في المؤتمر عن ضرورة مزج الصهيونية السياسية‬


‫بالصهيونية العملية كوسيلة للحصول على الصهيونية الصحيحة الناجمة ‪،‬‬

‫مع ضرورة التركيز على الاستيطان المستمر والمنظم تمهيدا لفرض الامــــــــــر‬
‫الواقع مستقبلا ‪:‬‬

‫اؤكد لكم ان الف وعد تنالونه ) من الدول الكبرى ) لا يفيدكم ‪ ،‬اذا‬

‫لم تعمل نحن أولا في فلسطين ‪ ،‬ان لم نقم نحن بالاعمال التي من شأنها‬
‫تحويل فلسطين الى وطن فعلي لليهود »‬

‫مكتب فلسطين‬ ‫كما تبنى المؤتمر من اجل تنفيذ هذه السياسة انشاء‬
‫في يافا عام ‪ ، ۱۹۰۸‬وبادر هذا المكتب فور تأسيسه الى وضع الخططاللازمة‬
‫لتنفيذ وتطوير عمليات الاستيطان المنظم في فلسطين ‪ .‬وكان أول مشروع‬
‫تعهد بتنفيذه تأسيس منطقة سكنية يهودية قرب يافا ‪ ،‬اصبحت فيما بعد‬
‫مدينة تل ابيب الحالية ‪ .‬كما اشرف المكتب على انشاء وتطوير « شركة‬

‫انماء الاراضي في فلسطين » عام ‪ ۱۹۰۹‬باسهم يملك معظمها « الصندوق‬

‫‪- ۱۲۲ -‬‬


‫و « صندوق الائتمان اليهودي للاستعمار » ‪ ،‬وبنك‬ ‫القومي اليهودي‬
‫انجلو – فلسطين » معا ‪.‬‬

‫وقد لعبت هذه المؤسسات الصهيونية المالية دورا اساسيا في بناء‬


‫الدولة اليهودية مستقبلا ‪ ،‬كما اثمرت جهود هذه المؤسسات بين اعـــــــــوام‬
‫‪ ١٩١٤ -‬في هجرة واستيطان ‪ ٤٠‬الف يهودي في فلسطين‬ ‫‪– ١٩٠٤‬‬

‫واعتبر الصهاينة نجاح جهود هذه المؤسسات بمثابة نجاح للتيار‬

‫العملي داخل المنطقة الصهيونية ‪ ،‬الأمر الذي مكنه من السيطرة نهائيا على‬
‫قيادة المنظمة في مؤتمرها العاشر ‪ ، ۱۹۱۱‬اذ تم في هذا المؤتمر انتخاب‬
‫واربورغ » الصهيوني العملي الالماني رئيسا للمنظمة ‪ ،‬كما تشكلت اللجنة‬
‫التنفيذية للمنظمة من العمليين فقط‬

‫وقد تأكد هذا النصر النهائي للاتجاه العملي في المؤتمر التالي ايضا ‪-‬‬
‫المؤتمر الحادي عشر ‪ ، ۱۹۱۳‬الامر الذي انهى دور الصهيونيين السياسيين‬
‫‪.‬‬
‫في صنع الاحداث ‪ ،‬أو قيادتها وتوجيهها‬

‫ومن جهة اخرى كان الاتجاه الاقليمي ) اتجاه زانغويل ) في الحركة‬


‫الصهيونية العالمية ‪ ،‬والذي انشق عن المنظمة بسبب رفض مشروع اوغندا‬
‫يبذل نشاطات محمومة للحصول على بقعة ارض في اي مكان لتأسيس‬

‫الوطن القومي اليهودي ( عليها ‪ .‬وقد حاول هذا الاتجاه دون جدوى‬
‫الحصول على ترخيص من السلطان العثماني لاستيطان « برقة » في ليبيا ‪،‬‬
‫كما جدد محاولات هرتزل السابقة مع البرتغال التي منحتهم موافقتها هذه‬

‫المرة ‪ ،‬فأرسلوا بعثة لاستقصاء الاوضاع في ( انغولا » عام ‪ ، ١٩١٣‬وعادت‬


‫هذه البعثة لترفع تقريرها قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى عام ‪١٩١٤‬‬
‫بفترة وجيزة ‪?.‬‬

‫المقاومة العربية ‪: ١٩١٤ - ١٨٩٨‬‬

‫مع انفجار الحرب العالمية الاولى برزت ظاهرتان تركنا اثرهما العميق‬
‫في ميدان الصراع من اجل الاستيطان الصهيوني في فلسطين طوال فترة‬
‫الحرب وما بعدها ايضا ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪۱۲۳‬‬
‫الظاهرة الاولى هي اشتداد المقاومة العربية للصهيونية ‪ ،‬والظاهرة‬

‫الثانية بلوغ هذه المقاومة مستوى من الوعي والشمول ترك اثره على المحيط‬
‫·‬ ‫‪-‬‬
‫الشرق ـ اوسطي بمجمله‬

‫‪.‬‬ ‫وكانت المرحلة الثانية من المقاومة العربية قد بدأت عام ‪۱۸۹۸‬‬


‫( المرحلة الاولى ‪. ) ۱۸۹۷ – ۱۸۸۲‬‬

‫‪-‬‬
‫وتجمع تقارير المهتمين بدراسة هذا الجانب من الصراع العربي –‬
‫الصهيوني في تلك المرحلة على ان « اهل فلسطين وقفوا موقفا حازما ضد‬
‫المشاريع الصهيونية ‪ ،‬والهجرة اليهودية ‪ ،‬وانتقال ملكية الاراضي ) ‪.‬‬

‫وقد عبرت هذه المقاومة عن نفسها بسلسلة من العرائض والبرقيات‬

‫والاحتجاجات والمظاهرات خلال اعوام ‪ ، ۱۹۰۰ – ۱۸۹۸‬كما عبرت عن‬


‫نفسها ايضا ببعض اعمال العنف كالهجوم على عدد من المستوطنات‬
‫الصهيونية وتدمير احداها ( قرب جرش ) تدميرا كاملا •‬

‫ومع الموجة التالية للهجرة الصهيونية ‪ ، ۱٩١٤ - ١٩٠٤‬اتسعت‬

‫وتعمقت هذه المقاومة لتشمل اصدار المنشورات والصحف والكتب ‪ .‬ولعل‬

‫ابرزها بیان نجيب عازوري ( بلاد العرب للعرب ‪ -‬عام ‪ » ١٩٠٤‬وكتابه‬


‫يقظة الامة العربية عام ‪ ، » ۱۹۰٥‬وكذلك صحيفة نجيب نصار عام ‪١٩٠٨‬‬
‫الكرمل » التي جعلت فضح الصهيونية وكشف اخطارها مهمتها الاساسية‬
‫الاولى ‪ ،‬وصحيفة « فلسطين » التي التزمت ايضا نفس الخطة‬

‫‪-‬‬ ‫وكانت هذه الحملة الاعلامية‬


‫الثقافية من القوة والاتساع بحيث‬
‫‪...‬‬
‫وصلت حتى الى الفلاحين في اكواخهم الطينية ‪ ،‬والبدو في خيامهم‬
‫شملت صحفا أخرى في فلسطين وخارجها ( الاهرامرفي مصر ) » ‪.‬‬

‫وبلغ الضغط العربي ذروته السياسية عندما استطاع النواب العرب‬

‫في البرلمان التركي ارغام رئيس الوزارة التركية على الاعلان عام ‪ ١٩٠٩‬انه‬

‫لن يسمح لليهود باستيطان فلسطين » ‪ ،‬كما اعلن وزير الداخلية التركية‬
‫عام ‪ » ۱۹۱۱‬المعارضة للاهداف الصهيونية » •‬

‫‪- ١٢٤ -‬‬


‫وتصاعدت هذه الحملة اعوام ‪ ۱۹۱۲‬و ‪ ۱۳‬و ‪ ١٤‬بحيثشملت تأسيس‬
‫عدد من الجمعيات والاحزاب التي اتفقت جميعا على مكافحة الخطر‬
‫الصهيوني بشتى الوسائل ‪ ،‬وتحت ثالوث ‪ :‬وقف الهجرة اليهودية ‪ ،‬حظر‬
‫بيع الاراضي للصهيونيين ‪ ،‬استقلال فلسطين »‬

‫‪-‬‬
‫وكان ابرز هذه الاحزاب والجمعيات ‪ « :‬الحزب الوطني الفلسطيني ‪-‬‬
‫مركزه يافا ‪ » .‬جمعية مكافحة الصهيونية ‪ -‬نابلس ‪ « ، ۱۹۱۳‬شركة‬
‫‪-‬‬
‫الاقتصاد الوطني الفلسطيني » ‪ « ،‬شركة التجارة الوطنية الاقتصادية ‪-‬‬
‫‪. " 1918‬‬

‫والملاحظ في اسماء هذه الجمعيات واهدافها الاهمية التي أولاها‬


‫الرامية للتصدي للسيطرة‬ ‫مؤسسوها للناحية الاقتصادية ومحاولتهم‬
‫الاقتصادية الصهيونية على فلسطين ‪ ،‬والتي كانت تعتبر مقدمة ضرورية‬
‫للسيطرة السياسية اللاحقة ·‬

‫الصهيونية وانفجار الحرب ‪:‬‬

‫كانت ابرز سمة طبعت فترة الحرب بكاملها ازدواج الانتماء أو الولاء‬
‫داخل المعسكر الصهيوني نفسه ‪ .‬وقد تميز في السنوات القليلة التي سبقت‬
‫الحرب ‪ ،‬وسنوات الحرب ايضا اتجاهان رئيسيان داخل المنظمة الصهيونية ‪.‬‬

‫فبينما دعا الاتجاه الاول الى التحالف مع تركيا والمانيا قبل الحرب‬
‫واثناءها ‪ ،‬باعتبار تركيا ‪ « ،‬صاحبة الحق » في فلسطين ‪ ،‬دعا الاتجـــــــــاه‬
‫الثاني الى التحالف مع بريطانيا والمراهنة على انتصارها في الحرب ‪ .‬وقد‬
‫بلغ تودد الاتجاه الاول الى تركيا وتعاونه معها حدا مثيرا للحساسية ‪ ،‬مما‬
‫ــة‬
‫اضطر زعيم المنظمة آنذاك « وولفنسون الى لفت نظر ممثل المنظم‬
‫في استانبول « جاكومن » الى ضرورة عدم نسيان « فضل بريطانيا علـ‬
‫الصهيونية ‪ ،‬والذي يفوق فضل الدول الكبرى الاخرى مجتمعة » ‪.‬‬

‫وعلى مدى اعوام ‪ ، ١٩١٤ - ۱۹۱۲‬وبعد أن تعمق النفوذ الالماني‬

‫لدى البابالعالي نتيجة لحروب البلقان من جهة وسياسة الضباط الشباب‬


‫الاتراك المؤيدين لالمانيا من جهة اخرى ‪ ،‬تعاظم نفوذ الاتجاه الصهيوني المؤيد‬
‫لالمانيا وتركيا ‪.‬‬

‫‪-190-‬‬
‫وقد استطاع هذا الاتجاه ‪ ،‬رغم ضعفه النسبي ‪ ،‬أن يلفت انظار‬
‫بريطانيا ‪ ،‬ويثير مخاوفها من احتمال تحالف الصهيونية العالمية مع المانيا‬

‫وتركيا في الحرب الوشيكة الوقوع‬

‫واذا لم يستطع أي من الاتجاهين حسم الامر لصالحه فقد جرى تعليق‬

‫هذا الصراع بانتظار مجريات الحرب ونتائجها التي سيتقرر على ضوئها‬
‫مع اية دولة امبريالية سترتبط الصهيونية لتنفيذ مخططها الاستعماري في‬
‫فلي‬
‫طين‪.‬‬

‫الحرب ‪ ..‬الصهيونية ‪..‬‬


‫العرب ‪ ..‬وفلسطين ‪:‬‬

‫كتب لينين ‪:‬‬

‫كان من دواعي الحرب العالمية الأولى التطاحن في سبيل اعادة‬


‫اقتسام العالم بين فئتين جبارتين وهما الفئة الانجلو ‪ -‬فرنسية ‪ ،‬والفئة‬
‫الالمانية » ‪ .‬واندلعت الحرب‬

‫ومع انفجار اول حرب امبريالية في التاريخ تحولت ساحة الصراع‬


‫الفلسطيني الى ميدان للترقب والانتظار ‪ .‬اذ كانت اطراف الصراع الثلاثة ‪:‬‬
‫العرب ‪ ،‬والصهيونية ‪ ،‬والامبريالية ‪ ،‬غير قادرة على حسم مواقفها بعد‬

‫كما كانت نتائج الحرب ومنعكساتها غير مؤكدة بعد ايضا‬

‫فبالنسبة للطرف العربي في الصراع لم تكن حركة التحرر القومية‬


‫العربية قد حسمت اتجاهها بعد ‪ ،‬اذ بينما كانت هناك اقلية تطالب بمساندة‬

‫تركيا والمانيا في الحرب تحت شعار « الجامعة الاسلامية » ودعوة « الجهاد‬


‫المقدس » مأخوذة بوعود جمال باشا حول الاستقلال الذاتيللولايات العربية ‪،‬‬
‫كانت الاغلبية العربية حاقدة على تركيا ممالئة للحلفاء ‪ ،‬آملة في الاستقلال‬
‫العربي عند هزيمة الدولة العثمانية ‪ ،‬ومأخوذة في نفس الوقت ايضا بالوعود‬
‫الانجلو – فرنسية ‪.‬‬

‫وكانت المخابرات الانجلو ‪ -‬فرنسية قد استطاعت التغلغل في صفوف‬


‫حزب اللامركزية » « وجمعية العربية الفتاة » و « جمعية العهد »‬ ‫قيادات‬
‫وغيرها ‪.‬‬

‫‪-177-‬‬
‫وفي العامين الأولين للحرب خيم شبح المجاعة على سكان سورية‬
‫ولبنان وفلسطين ‪ ،‬اذ تقلص الانتاج الزراعي والصناعي الى حد كبير ‪،‬‬
‫واختفى القمح ‪ ،‬فاضطر مئات الالاف من السكان الى الهجرة من منازلهم‬
‫كما قامت المظاهرات والانتفاضات وموجات التذمر التي قمعها جمال باشا‬

‫( السفاح ) ‪ ( .‬اعدم جمال باشا حتى اواسط عام ‪ ١٩١٦‬قرابة ‪٨٠٠‬‬


‫شخصية وطنية عربية ) ‪ .‬الامر الذي خنق اي امل للعرب في تركيا ‪ ،‬ودفعهم‬
‫الى التحالف مع الحلفاء‬

‫اما بالنسبة للحركة الصهيونية ‪ ،‬فقد كانت الحرب فرصةمواتيةللغاية‬

‫لكي يحققوا بوساطتها ما عجزوا عن تحقيقه زمن السلم ‪ .‬وكانت حصيلة‬


‫العمل الصهيوني حتى انفجار الحرب هزيلة ‪ ،‬ومخيبة لامالهم ‪ ،‬اذ لم تستطع‬
‫الحركة الصهيونية استمالة اكثر من ‪ ۱۳۰‬الف يهودي هم مجموع الاعضاء‬

‫في الحركة الصهيونية حتى عام ‪ ، ١٩١٤‬وذلك من اصل ‪ ۱۳‬مليون يهودي‬


‫في العالم ‪ ،‬اي نسبة ‪ % 1‬فقط •‬

‫كما ان نسبة اليهود الى السكان في فلسطين لم تتجاوز ‪ ، ٪ ۸‬ولم تزد‬

‫مساحة الاراضي التي استملكوها في فلسطين عن ‪ ٪ ٢٥‬من المساحـــــــة‬


‫الاجمالية لفلسطين •‬

‫اضافة الى انهم لم يحصلوا على موافقة اية من الدول الكبرى علـى‬
‫مشروعهم الاستعماري في فلسطين •‬

‫هذا مع العلم ان هذه النسب تشمل السكان اليهود الاصليين في‬


‫فلسطين وممتلكاتهم ايضا ‪ .‬الأمر الذي يدل بوضوح أن الصهيونية لم تستطع‬
‫خلال ‪ ١٥‬عاما من العمل غير المنظم ( ‪ ، ) ۱۸۹۷ - ۱۸۸۲‬وكذلك ‪ ١٧‬عاما‬
‫‪..‬‬ ‫‪-‬‬
‫من العمل النشيط والمنظم ( ‪ ) ١٩١٤ – ١٨٩٧‬تحقيق نتائج محسوسة‬

‫ولذا وجدت الصهيونية في الحرب فرصتها التاريخية لربط نفسه‬


‫باحدى الدول الامبريالية ‪ ،‬واندفع قادة الصهيونية خلافا لقرار مؤتمرهم‬
‫الحادي عشر ‪ ۱۹۱۳‬الذي نص على التزام الحياد في حال نشوب الحرب ‪،‬‬
‫اندفع عدد من هؤلاء القادة في اتجاهين متناقضين ‪ ،‬بل ومتحاربين •‬

‫كان هناك اذن اتجاهان في القيادات الصهيونية ‪.‬‬

‫‪۱۲۷ -‬‬
‫الاتجاه الأول بزعامة وايزمان الذي بني خططه على اساس ان الحلفاء‬
‫سيكسبون الحرب ‪:‬‬

‫ترتكز خططي بالطبع على افتراض جوهري واحد ‪ :‬ان الحلفاء‬


‫سيكسبون الحرب ‪ ..‬ولا يساورني شك في ان فلسطين سوف تقع ضمن‬
‫دائرة النفوذ البريطاني ‪ .‬وفلسطين هي الامتداد الطبيعي لمصر ‪ ،‬والجدار‬
‫الذي يفصل قناة السويس عن البحر الاسود ‪ ،‬ويصد اي عمل عدائي من‬
‫تلك الجهة ‪ ..‬وبذا ستحصل انجلترا على جدار فعال ‪ ،‬ونحصل نحن على‬
‫وطن » ‪.‬‬

‫ولذا طالب و ایزمان و انصاره بربط الصهيونية بالامبريالية البريطانية ‪،‬‬

‫الا ان المجلس الصهيوني العام رفض هذا الطلب ‪ ،‬واتخذ قرارا بمنع‬
‫الدخول في اية مفاوضات مع اية دولة تحارب تركيا ‪ ..‬ومع ذلك مضى‬

‫و ایزمان و انصاره في خطتهم لربط الصهيونية ببريطانيا ‪ .‬فشكلوا « اللجنة‬


‫الصغرى المؤقتة » التي تألفت من ثلاثة اعضاء هم و ایزمان ‪ ،‬سوكولوف ‪،‬‬
‫تشلينوف ‪ ،‬وحلت محل اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية ‪ .‬كما اخذت‬
‫‪...‬‬
‫على عاتقها مهمة ‪ « :‬كسب اليهود البريطانيين الى جانب الصهيونية ‪.‬‬
‫وكسب اصدقاء للصهيونية من الطبقة الحاكمة والرأسمالية عامة في‬
‫بريطانيا ) ‪.‬‬

‫وقد استطاعت هذه اللجنة بالفعل كسب صداقة عدد من الشخصيات‬


‫امثال ‪:‬‬

‫لويد جورج ‪ -‬رئيس الوزارة المقبل ‪ ،‬بلفور ‪ -‬وزير الخارجية لاحقا‬


‫‪ ،‬صموئيل ‪ -‬وزير دولة ‪ ،‬سايكس ‪ -‬وزير خارجية سابق ‪ ،‬وهربرت‬

‫سايد بوتام الكاتب الاستراتيجي السياسي والعسكري في صحيفة « مانشستر‬


‫غارديان » ذات النفوذ الواسع آنذاك في بريطانيا ‪ ،‬وصاحبة الدعوة الى‬

‫منح فلسطين لليهود كأفضل وسيلة لحماية قناة السويس ومصالح بريطانيا‬
‫في مصر من جهة ‪ ،‬وحماية طريق الهند من جهة اخرى‬

‫كذلك كرست « اللجنة الصغرى » حيزا كبيرا من نشاطاتها لكسب‬

‫اليهود الأمريكيين والشخصيات البارزة في امريكا ‪ ،‬فدعت الـــــــى مؤتمر‬

‫‪- ۱۲۸ -‬‬


‫صهيوني طاريء انعقد في نيويورك في آب ‪ . ۱۹۱٤‬وانتخب القاضي الامريكي‬
‫» براندس » رئيسا للجنة التنفيذية الصهيونية الامريكية ‪.‬‬

‫وكان « براندس » رئيس المحكمة العليا الامريكية وصديقا شخصيا‬

‫للرئيس الأمريكي « ويلسون » ‪.‬‬

‫الاتجاه الصهيوني الثاني ‪ ،‬والداعي الى توثيق الصلات مع المانيا‬


‫اما‬
‫وتركيا ‪ ،‬مفترضا أنهما ستكسبان الحرب ‪ ،‬فقد شكل ايضا لجنة ثلاثية من ‪:‬‬

‫جاكوبس ‪ -‬اوبنهايمر ‪ -‬بودنهایمر ‪ ،‬مهمتها كسب المانيا وتركيا الى جانب‬

‫الصهيونية واهدافها في فلسطين‬

‫وقد لخص الكاتب الصهيوني الالماني ( بلومنفيلد » خطة هذه اللجنة‬


‫بقوله ‪:‬‬

‫كانت الصهيونية الالمانية موالية لالمانية ‪ ،‬وعقدت آمالها على انتصار‬


‫دول المحور » ‪.‬‬

‫وأضاف يسرد حوارا بينه وبين احد المسؤولين الالمان الذي قال له ‪:‬‬

‫انتم تريدون الحصول على فلسطين من أولئك الذين يحتلونها بعد‬


‫وعليكم ان تأخذوا باعتباركم ان المانيا قد تنتصر » ‪.‬‬ ‫الحرب‬

‫وفي خريف ‪ ۱۹۱۵‬ارسلت وزارة الخارجية الالمانية وثيقة الـ‬


‫سفاراتها في العالم ‪ ،‬تطلب فيها العطف على اليهود ‪ ،‬وتسهيل هجرتهم الى‬
‫فلسطين ‪ .‬كما سمحت الخارجية الالمانية وسفاراتها للمكاتب الصهيونية‬
‫باستخدام الحقيبة الدبلوماسية والشيفرة الالمانية لاغراضها •‬

‫وفي عام ‪ ۱۹۱٦‬بدأت المانيا تضغط على تركيا للتوصل الى اتفاق مع‬
‫الصهيونية ‪ .‬فأرسل طلعت باشا ) احد الثلاثة الحاكمين لتركيا ) مندوبا عنه‬
‫مفوضا في معالجة المسألة اليهودية اسمه « كراسو افندي » ‪ ( ،‬يهودي‬

‫المذهب ) الى برلين لعقد مباحثات مع اللجنة الصهيونية الالمانية ‪ .‬وقد اتفق‬

‫تأسيس شركة يهودية مرخصة مـــــــن‬ ‫الجانبان التركي والصهيوني على‬

‫‪-179-‬‬
‫البرلمان التركي تتولى الاشراف على اليهود الاتراك ‪ ،‬ومنح الحكم الذاتي‬
‫ليهود فلسطين »‬

‫ووافق طلعت باشا على هذا الاتفاق ووعد بادراجه في شروط مؤتمر‬
‫الصلح بعد نهاية الحرب ‪ .‬وهكذا تكون الصهيونية قد اجتازت مرحلة‬
‫عصيبة ‪ ،‬وحققت نجاحا واضحا ‪ ،‬بينما الحرب لا تزال دائرة الرحى ‪.‬‬

‫اذ ضمنت هذه الحركة باطرافها البرلمانية والامريكية والالمانية دعم ومساندة‬
‫·‬
‫الطرف الذي سيكسب الحرب‬

‫وبالتالي اصبح تحقيق هدف الصهيونية المرحلي للحصول علـ‬


‫موافقة احدى الدول مسألة زمن فحسب‬

‫انطلاقا من هذا النجاح النسبي ‪ ،‬وبناء على افتراضه بأن الحلفاء‬

‫سيكسبون الحرب ‪ ،‬بدأ الجناح الصهيوني البريطاني – الامريكي بزعامة‬


‫و ایزمان ( اول رئيس دولة لاسرائيل ( يضغط بكل قواه للحصول على موافقة‬
‫بريطانيا على مشروعه الاستعماري في فلسطين ‪ .‬الا ان هذه الجهود مجتمعة‬
‫مضافا اليها جهود « هربرت صموئيل » وزير الدولة البريطاني ‪ ،‬لم تستط‬
‫تحرير وثيقة بعنوان ( مستقبل فلسطين » تقدم بها الوزير صموئيل الى‬
‫اجتماع لمجلس الوزراء ‪ ،‬وهدف منها الى اقرار وضع فلسطين تحت الحماية‬
‫البريطانية بعد نهاية الحرب ‪ .‬وقد وقف ضد هذه الوثيقة الوزير اليهودي‬

‫« مونتاغيو » ‪ ،‬وتقدم بمذكرة معارضة نفى فيها ان يكون اليهود أمة أو‬
‫قومية أو حتى شعبا متجانسا ‪ ،‬وحذر حكومته من تأييد المشروع الصهيوني‬
‫بمثابة كارثة تصيب يهود العالم اجمع » ‪ ،‬كما عارض هذه‬ ‫لان ذلك سيكون‬
‫المذكرة ايضا « اسكويت » رئيس الوزارة آنذاك ‪ ،‬و « غراي » وزيــــر‬

‫الخارجية ‪ .‬ولم يكتف « اسكويت » بمعارضة المذكرة وسخريته منها ‪ ،‬بل‬


‫استغرب تأييد « لويد جورج » لها ‪ ،‬وكتب في مذكراته بعد نقاش المذكرة ‪:‬‬

‫والغريب ان يكون المؤيد الوحيد لمذكرة صموئيل هو لويد‬

‫جورج ‪ .‬ولا حاجة بي الى القول ان لويد لا يهتم اطلاقا باليهود ‪ .‬لابحاضرهم‬
‫ولا بمستقبلهم » ·‬

‫‪.‬‬
‫وهكذا تم اهمال المذكرة وعدم الأخذ بها‬

‫‪-‬‬
‫وفي كانون اول ‪ ١٩١٦‬استقالت وزارة « اسكويت » ‪ ،‬وتشكلت بدلا منها‬
‫وزارة ائتلافية برئاسة « لويد جورج » ‪ ،‬واصبح بلفور وزيرا للخارجية ‪،‬‬
‫وصموئيل وزيرا للدولة ‪ .‬الامر الذي انعش مجددا آمال الصهاينة ‪ .‬يضاف‬
‫الى هذا ان الشركات البترولية الامريكية كانت قد حصلت حتى اندلاع الحرب‬
‫على سبعة امتيازات للتنقيب عن النفط في فلسطين ‪ ،‬وبالتالي اصبحت‬
‫مصالحها الاقتصادية ترتبط بمصالح الصهيونية ·‬

‫وعلى الجانب العربي ‪ ،‬كانت الاعدامات بالجملة للوطنيين العرب‬


‫التي قام بها جمال باشا ‪ ،‬ومصادرة خبز الجماهير ‪ ،‬وتشريد سكان القرى ‪،‬‬
‫اسبابا كافية لكي ينفض العرب ايديهم نهائيا من تركيا والمحور ‪ ،‬ويتحالفوا‬
‫مع بريطانا والحلفاء ‪ ( .‬حتى عام ‪ ۱۹۱۷‬مات في لبنان وحده مئة الف شخص‬

‫كما هلك في ولايتي بغداد والموصل عشرات الالاف » وقضي على عشر‬
‫سكان سورية بسبب الجوع والامراض ) ‪.‬‬

‫ولم يكن امام العرب سوى الثورة على الاتراك ••‬

‫استغلت بريطانيا هذا الواقع ‪ ،‬فدفعت بالمفوض السامي البريطاني في‬


‫مكماهون » للتفاوض مع الملك حسين ‪ ،‬شريف مكة ‪ .‬وبعد تبادل‬ ‫مصر‬
‫‪- ١٩١٥‬‬
‫عدد من الرسائل ) مجموعها خمس رسائل ( على مدى العامين‬
‫‪ ، ١٩١٦‬توصل الطرفان الى الاتفاق على اقامة « دولة عربية مستقلة ضمن‬

‫حدودها الطبيعية ) وذلك تنفيذا للاتفاقية التي عرفت باسم « اتفاقي‬


‫الحسين ‪ -‬مكماهون » ‪ ،‬والتي هي في الاصل مضمون الرسالة المؤرخة‬
‫في ‪. ١٩١٥/١٠/٢٤‬‬

‫وبذا التزمت بريطانيا بوعد مكتوب ينص على تأسيس الدولة العربية‬
‫المستقلة والتي لم يكن هناك ثمة شك أن فلسطين تقع ضمن حدودها‬
‫الطبيعية‬

‫وفي ‪ 5‬حزيران ‪ ١٩١٦‬وفي العرب بوعدهم ‪ ،‬واعلنوا الثورة ضد الحكم‬


‫التركي الذي استمر اربعة قرون بالضبط ( ‪. ) ١٩١٦ – ١٥١٦‬‬

‫اما في الجانب الامبريالي ‪ ،‬فقد ادت المفاوضات التي بدأت في آذار‬

‫‪-171-‬‬
‫‪ ١٩١٥‬بين روسيا القيصرية وبريطانيا وفرنسا الى توقيع اتفاقية بين الاطراف‬
‫الثلاثة في ‪ ١٠‬نيسان ‪ ، ۱۹۱۵‬وافقت بموجبها بريطانيا وفرنسا على منح‬
‫المضائق لروسيا ‪ ،‬على ان تستمر المفاوضات لتقرير مصير الاقاليم العربية‬
‫فيما بعد وبالفعل ‪ ،‬وبعد مفاوضات استمرت قرابة الشهرين ‪ ،‬وقعت‬
‫الاطراف الثلاثة اتفاقية سايكس ‪ -‬بيكو ‪ ،‬وتبادلت هذه الاطراف المذكرات‬

‫الخاصة بالاتفاقية في ايار ‪ ، ۱۹۱٦‬اي قبل الثورة العربية بشهر واحد‬

‫وبموجب هذه الاتفاقية تم تقسيم البلاد العربية الى ثلاث مناطق ‪:‬‬
‫ا ‪ -‬المنطقة الزرقاء ‪ :‬تشمل غربي سورية ولبنان وكيليكيا ‪ -‬حصة‬
‫فرنس‬

‫‪ -‬المنطقة الحمراء ‪ :‬تشمل أواسط وجنوبي العراق والموانيء‬


‫‪-‬‬
‫الفلسطينية ‪ -‬حصة بريطانيا •‬

‫ـ المنطقة البنية ‪ :‬تشمل باقي اجزاء فلسطين ‪ ،‬وتكون تحت الادارة‬


‫الدولية •‬

‫كما أحدثت منطقة خضراء شملت اواسط وغرب الاناضول لارضاء‬

‫ايطاليا ‪ ،‬ومنطقة صفراء شملت الاماكن المقدسة في فلسطين والتي يقيم‬

‫فيها المسيحيون الارثوذكس تحت الحماية الروسية ·‬

‫تصريح بلفور ‪: ۱۹۱۷‬‬

‫قبل مضي عام واحد على الاتفاقية التي وقعتها بريطانيا مع الشريف‬
‫حسين ‪ ،‬والتزمت بموجبها بتأسيس ( الدولة العربية المستقلة » ‪ ،‬وبينما‬
‫كانت الجماهير العربية الجائعة والمضطهدة تقاتل بعنف ضد الاتراك ‪ ،‬وتقدم‬

‫سايكس‬ ‫العون الكبير للحلفاء ‪ ،‬التزم الحلفاء فيما بينهم بهذه الاتفاقية‬

‫‪ --‬بيكو » ‪ ،‬الرامية الى تقسيم البلاد العربية واعادة احتلالها ‪.‬‬

‫وبذا اختتم فصل رائع في وضوحه ودقة تعبيره عن طبيعة الامبريالية و‬

‫احترامها » الشديد لاماني الشعوب ‪ ،‬و « حرصها » التام على استقلال‬

‫وسيادة الدول ‪ ،‬والتزامها الاكيد بالوعود والمواثيق ·‬

‫– ‪۱۳۲‬‬
‫وباختتام هذا الفصل المأساوي من تاريخنا المعاصر ‪ ،‬بدأ تنفيذ فصل‬
‫آخر من هذه الجريمة المتسلسلة التي مازالت الدول والقوى الامبريالية‬
‫تواجه بها وطننا‬

‫فمع مطلع عام ‪ ، ۱۹۱۷‬وبعد تشكيل الوزارة البريطانية الجديدة‬


‫برئاسة لويد جورج ‪ ،‬بدأت سلسلة من اللقاءات والمحادثات بين المسؤولين‬
‫البريطانيين والصهيونيين ‪ .‬كما اجرت الحكومة البريطانية عددا من الاتصالات‬
‫والمشاورات مع الحكومة الامريكية لجس نبضها بشأن منح اليهود وطنا‬
‫قوميا في فلسطين ‪ .‬وبعد ان تم بين الحكومتين تبادل العديد من المذكرات‬
‫والرسائل ‪ ،‬وتعديل المشاريع ‪ ،‬ومسودات المشاريع ‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫تحذيرات الزعماء اليهود في بريطانيا وامريكا لحكومتيهما من خطر هـذا‬
‫المشروع الاستعماري على اليهود انفسهم ( كانت نسبة الصهيونيين في‬
‫بريطانيا حتى عام ‪ ۱۹۱۷‬لا تزيد عن ‪ ٪ ۲‬من مجموع اليهود الانكليز ) ‪...‬‬
‫على الرغم من هذا ‪ ،‬صدر في الثاني من تشرين الثاني لعام ‪ ١٩١٧‬تصريح‬
‫بلفور الذي نص على التالي ‪:‬‬

‫ان حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف الى تأسيس وطن‬
‫قومي لليهود في فلسطين وستبذل اقصى جهودها لتسهيل انجاز هذا الهدف‪،‬‬
‫على الا يؤدي ذلك الى الاضرار بحقوق الطوائف غير اليهودية في فلسطين ‪.‬‬

‫وفي شباط ‪ ۱۹۱۸‬وافقت فرنسا على التصريح ‪ ،‬وحذت ايطاليا حذوها‬


‫‪ .‬اما الولايات المتحدة ‪ ،‬فكان رئيسها ويلسون قد اطلع‬ ‫في ايار ‪۱۹۱۸‬‬
‫ووافق على التصريح قبل اصداره ‪.‬‬

‫ومن الوقائع المثيرة ان هذا التصريح صدر في نفس الوقت الذي كان‬

‫فيه جيش « اللنبي » ‪ ،‬قائد الجيوش البريطانية في الشرق الاوسط ‪ ،‬يستعد‬


‫الدخول فلسطين واحتلالها •‬

‫وقد صدر هذا التصريح الذي يرمز الى العرب بكونهم « الطوائف غير‬

‫اليهودية » كما لو كانوا اقلية ‪ ،‬في الوقت الذي كانت نسبة اليهود الـــــــــى‬
‫‪ ،‬كما لا تتجاوز نسبة ممتلكاتهم من الارض الفلسطينية‬ ‫السكان لا تتجاوز ‪۸‬‬

‫‪۰ ٪ ٢٥‬‬

‫‪۱۳۳ -‬‬
‫ولعل هذا التصريح الذي لا يستند الى اية قاعدة حقوقية في القوانين‬

‫الدولية المختلفة ‪ ،‬هو اغرب تصريح من نوعه في التاريخ الانساني ‪.‬‬

‫فالتصريح وعد تقطعه حكومة وهي ( بريطانيا ( لا تملك الحق في ارض‬

‫هي ( فلسطين ( لم تكن قد احتلتها بعد ‪ ،‬لحركة هي ( الصهيونية ) ليس لها‬

‫وجود فعلي على تلك الارض ‪ ،‬وعلى حساب شعب هو ( العربي والفلسطيني‬

‫خاصة ) حارب معها ‪ ،‬ودون اخذ رأي احد افراده !!! انه بالتأكيد اغرب‬

‫تصريح في التاريخ الانساني ‪ ،‬بل وحتى في الفصل الامبريالي من هذا التاريخ ‪.‬‬

‫‪- ١٣٤‬‬
‫‪1‬‬

‫الصهيونية وعلاقتها بالاستعماروالامبريالية‬

‫‪ -‬ملا ‪- ٥‬‬
‫—‬
‫مخطط البحث ‪:‬‬

‫ا ‪ -‬المقدمة‬

‫‪ -‬الحركة الصهيونية ‪:‬‬


‫‪ ٢‬ــ‬

‫مؤتمر بال‬

‫‪ -‬المشاريع الاستيطانية‬

‫‪ -‬الحركة الصهيونية واوروبا ‪.‬‬


‫‪ ٣‬ـ‬

‫‪ - ٤‬الصهيونية والاستعمار البريطاني‬

‫وعد بلفور‬

‫ه ـ قيام دولة اسرائيل‬

‫‪ - ٦‬الصهيونية العالمية والولايات المتحدة‬

‫ـ الاستعمار الصهيوني‬

‫‪ - ۸‬اسرائيل والدول الاستعمارية‬

‫‪ -‬الصهيونية والامبريالية العالمية في افريقيا‬


‫ـــ‬

‫‪ -‬العوامل الدافعة للاستعمار الصهيوني في افريقيا‬

‫‪ -‬مظاهر الاستعمار والسيطرة الصهيونية في افريقيا‬

‫‪ - ۱۰‬فضح الزيف الاسرائيلي‬

‫فضح الدولار الاستعماري الاسرائيلي‬

‫‪-177-‬‬
‫المقدمة‬

‫عاش اليهود خلال قرون طويلة في المجتمعات الاوروبية بعزلة تامة ‪،‬‬

‫وحافظوا على تقاليدهم ومارسوا فيها طقوسهم الدينية ‪ .‬ومنذ ايام‬


‫الامبراطورية الرومانية ‪ ،‬رفضت الجماعات اليهودية الاندماج في المجتمع‬

‫الروماني أو تقبل الثقافة الرومانية ‪ ،‬فنتج عن ذلك اضطهاد اليهود الذي‬


‫لم يتوقف بعد انتشار المسيحية في اوروبا ‪ ،‬اذ اعتبر اليهود مسؤولين عن‬
‫دم المسيد المسيح ‪ ،‬فوضعت اوربا القوانين التي حظرت على اليهود تملك‬
‫الارض‬

‫وقد اكتسب اليهود نتيجة نشاطهم المالي والتجاري وما يتصل به من‬
‫عملية الاقراض والربا ‪ ،‬سخط المجتمعات باعتبار ان تسلط اليهود التجاري‬
‫وجشعهم المالي احد اهم اسباب مصدر ما تعانيه الطبقات الكادحة من بؤس‬
‫وفاق‬

‫وعندما قامت الثورة الفرنسية وانتشرت مبادىء العدالة والمساواة‬

‫وتأكيد الحقوق وبدا يدخل شيء من التحسن على اوضاع اليهود في اوروبا‬
‫وخاصة عندما اتجه المجتمع الاوروبي نحو العلمانية وظهرت الدولة الحديثة‬
‫التي فصلت بين الدين والدولة كل ذلك عدل موقف الاوروبيين من اليهود‬
‫واصبحت كلمة يهودي التي كانت تعني الخائن وسيء السلوك والبخيل‬
‫والمرابي والجشع ‪ ،‬لاتعني شيئا وقد رافق هذه التبدلات الفكريةوالدستورية‬

‫تبدلات واسعة واساسية في بنى المجتمع الاوروبي الطبقية اتيح لليهود‬


‫الاحتكاك مباشرة وعلى قدم المساواة مع المجتمعات الاوروبية ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪- ۱۳۷ -‬‬
‫الحركة الصهيونية ‪:‬‬

‫تجدر الاشارة الى ان هناك تمييزا واضحا بين اليهودية والصهيونية‬


‫فاليهودية دين وعقيدة دينية بينما الصهيونية حركة ودعوة ساسية عنصرية‬

‫استعمارية تسخر الدين اليهودي لتحقيق اهدافها العدوانية الاستعمارية‬


‫من جهة ولاجتذاب يهود العالم من جهة ثانية‬

‫ولم تكن الحركة الصهيونية التي ظهرت عام ‪ ۱۸۹۷‬اول تنظيم سياسي‬
‫لليهود ولا اول تطلع لهم نحو فلسطين فقد كانت عندهم عقيدة تمثلت بعاطفة‬

‫الحنين والشوق الى الوطن المفقود والمزعوم فالحاخام ( زفي هيرش ) عام‬
‫‪ ١٨٧٤ - ١٧٦٥‬دعا الى استيطان فلسطين بمساعدة دولية عن طريق‬

‫انشاء منظمة لشراء الاراضي الزراعية‬

‫ولا شك أن ظهور الصهيونية وتحولها الى مذهب سياسي في النصف‬


‫الثاني من القرن التاسع عشر كان نتيجة ظهور الحركات القومية في اوروبا‬
‫حيث بادر دعاة الصهيونية الى استغلال المناخ القومي في أوروبا والاضطهاد‬
‫الذي يتعرض له اليهود في المجتمعات الأوروبية يجعل اليهود يقنعون ان‬
‫مشاكلهم لن تحل الا اذا أصبح لهم وطن خاص بهم ‪ ،‬فانتشرت جمعيات‬
‫صهيونية في انحاء أوروبا التي كانت التنظيم السياسي المتقدم للحركة‬
‫•‬
‫الصهيونية والتي تولت تمهيد الطريق لظهور الحركة الصهيونية العالمية‬

‫وترتبط الصهيونية كحركة سياسية في مراحلها الاولى بتاجر يهودي‬

‫ايطالي اسمه ( موسى مونتفيوري ( تنازل عن جنسيته الايطالية واصبح من‬


‫رعايا بريطانيا ‪ ،‬وزار فلسطين عام ‪ ۱۸۳۷‬وقابل محمد علي باشا ‪ ،‬ثم الباب‬
‫العالي العثمانيفي سبيل الحصول على الاراضي في فلسطين لاقامةمستعمرات‬
‫يهودية عليها ‪ .‬لقد اتصفت الحركة الصهيونية منذ نشأتها بالديناميكية‬
‫والتخطيط الدقيق والارادة الحازمة للوصول الى تحقيق اهدافها ‪ ،‬لذلــــــــك‬
‫اتبعت سياسة ( الغاية تبرر الواسطة ( وناورت في جميع الاتجاهات وتحينت‬
‫الفرص وافتعلت الاحداث للوصول الى غايتها‬

‫‪- ۱۳۸ -‬‬


‫مؤتمر بال ‪:‬‬

‫كان لمؤتمر بال اهمية كبرىفي تاريخ الحركة الصهيونية فقد تبنى تحول‬

‫اليهودية من دين الى قومية ومن حلم خيالي الى مادة وحجر كما تحدد في هذا‬
‫المؤتمر الهدف المرحلي الصهيوني وهو « خلق وطن للشعب اليهودي فـ‬
‫فلسطين يضمنه القانون العام » ‪.‬‬

‫وقد كتب هرتزل في يومياته ( لو اني جنت لاوجز مؤتمر بال في كلمة‬

‫واحدة لقلت ‪ :‬في بال اقمت الدولة اليهودية ‪ ،‬لو اني اعلنت هذا القول‬
‫اليوم لقابلني العالم كله بالهزء والسخرية ولكن ربما في مدى خمس سنوات‬
‫وبالتأكيد في مدى خمسين سنة سوف يرى كل انسان الدولة اليهودية )‬

‫وكان هرتزل ( ابو الصهيونية السياسية بمعناها الاستعماري ) قد دعـــــا‬


‫الجماعات اليهودية لترسل عنها مندوبين لحضور المؤتمر الذي عقد في بال‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫بسويسرا بتاريخ ‪ ۲۹‬آب ‪ ۱۸۹۷‬واجتمع المندوبون وعددهم ـ ‪ ٢٠٤‬ـ‬
‫اعضاء وقد حدد المؤتمر الوسائل الواجب اتباعها لتحقيق هدف الصهيونية‬

‫‪ - ۱‬تشجيع استيطان العمال الزراعيين والصناعيين اليهود في‬


‫فلسطين وفقا لخطوط مناسبة ‪.‬‬

‫‪ ۲‬ـ تنظيم اليهود وربطهم جميعا بواسطة مؤسسات عامة علـ‬


‫·‬
‫الصعيدين المحلي والعالمي تتلاءم مع القوانين المرعية في كل بلد‬

‫تقوية المشاعر اليهودية والقومية‬

‫‪ -‬اتخاذ خطوات تمهيدية للحصول على موافقة الحكومات المعنية‬‫‪ ٤‬ـ‬


‫حيث يكون ذلك ضروريا لتحقيق هدف الصهيونية ‪.‬‬

‫وبالفعل تحركت الصهيونية لتحقيق البرنامج الذي اعد في مؤتمر بال ‪،‬‬
‫فاقيمت الجمعيات الصهيونية والمنظمات والمؤسسات في كثير من بلاد العالم‬
‫مثل بريطانيا وروسيا والولايات المتحدة وغيرها ·‬

‫كما اقامت الصهيونية المنظمة الصهيونية العالمية للاشراف على تنفيذ‬

‫‪- ۱۳۹ -‬‬


‫مقررات مؤتمر بال ولتستقطب المشاعر القومية لدى اليهود وتحولها الى قوة‬

‫سياسية ضاغطة ولتشجيع الهجرة الى فلسطين وتجمع المال لتغطية نفقات‬
‫الحركة الصهيونية ( وما زالت هذه المنظمة عاملة حتى الان بالرغم من قيام‬

‫) اسرائيل ) وهي تبسط سيطرتها على الاحزاب الصهيونية والتجمعات‬


‫اليهودية ‪ ،‬ولها اليوم فروع في ‪ ٦٤‬بلدا من بلدان العالم وتحوي هذه الوكالة‬
‫من الدوائر ما تحتويه دولة كاملة بميزاتها ووزاراتها العديدة واكثر الدول‬
‫احتواء لهذه المنمظات هي الولايات المتحدة ففيها ‪ ۲۸۱‬منظمة قومية و ‪٢٥١‬‬
‫اتحادا يهوديا محليا ) ‪..‬‬

‫وعمدت الصهيونية بناء على مقررات المؤتمر الصهيوني الخامس عام‬

‫‪ ۱۹۰۱‬الى انشاء الصندوق القومي اليهودي لشراء الاراضي وتوطين اليهود‬

‫المهاجرين واقامة البنوك والشركات والمجمعات في كل مكان‬

‫المشاريع الاستيطانية ‪:‬‬

‫لم تكن فلسطين هدفا للصهيونية في مراحلها الاولى ‪ ،‬فهرتزل نفسه‬


‫لم يحدد فلسطين بالذات لتكون وطنا قوميا ‪ ،‬فقد فكر بكل من فلسطين‬
‫و الارجنتين وقبرص وسيناء والعريش واوغندا وموزامبيق وليبيا ‪ ،‬ولكن‬
‫‪.‬‬
‫سرعان ما استقر رأيه على فلسطين اثناء مؤتمر بال‬

‫لقد مرت الصهيونية بعدة مراحل في اختيار مستوطنة لليهود ‪ ،‬فقد‬


‫قابل هرتزل السلطان العثماني بشأن فلسطين غير ان مساعيه باعت‬
‫بالفشل ‪ ،‬لذلك بدأ يبحث عن مشروع اخر لتجمع اليهود ففاوض بريطانيا‬
‫لتتنازل له عن اراض من امبراطوريتها في قبرص أو سيناء والعريش حيث‬

‫يكون استيطانهم فيها نقطة تجمع وانطلاق لغزو فلسطين ‪ ،‬وقد عبر هرتزل‬
‫عن ذلك في يومياته « اننا سوف نتجمع في قبرص وفي يوم من الايام سنذهب‬
‫الى ارض اسرائيل ونأخذها عنوة كما اخذت منا في العصور الغابرة » •‬

‫أما بشأن قبرص فقد رفضت بريطانيا هذا العرض ‪ ،‬لذلك قدم هرتزل‬

‫مشروع العريش وسيناء وارسل لجنة صهيونية من الخبراء الى مصر في ‪٢٠‬‬
‫كانون الثاني ‪ ۱۹۰۳‬لدراسة امكانية الاستيطان في القسم الشمالي من سيناء‬
‫ولكن اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني في مصر ابدی فتورا ثم نسف‬

‫‪-.18. -‬‬
‫المشروع بسبب قلة المياه وعدم موافقة المصريين عليه وعرضت بريطانيا‬
‫على هرتزل استعمار واستيطان اوغندا وقبل هرتزل ذلك على اساس‬

‫مرحلي وكان في تصوره ان يستخدم قبول هذا الوطن كوسيلة للضغط على‬
‫العثمانيين من جهة ولينتزع بهذا المشروع اعترافا ضمنيا من بريطانيا‬
‫بالمنظمة الصهيونية العالمية ‪ ،‬ولكن هذا المشروع رفض من قبل الصهيونية‬

‫العالمية لأن أوغندا لا تحقق حلم الصهيونية بالعودة الى الأرض المقدسة‬

‫وحاولت الصهيونية الحصول على موزامبيق من البرتغال لتقابض‬


‫عليها بريطانيا مقابل التنازل عن سيناء والعريش ‪ ،‬وبالفعل قابل هرتزل‬
‫سفير البرتغال في فيينا بشهر ايار ‪ ۱۹۰۳‬كما فكر بالسفر الى البرتغال‬
‫لضمان الحصول على موزامبيق ‪ ،‬وكذلك فكرت الصهيونية باستعمار اجزاء‬

‫من الكونغو البلجيكي ولكنها تخلت عن هذه الفكرة لفشل هرتزل في الحصول‬
‫على موعد مقابلة من ملك البلجيك‬
‫‪.‬‬

‫مما تقدم يتضح لنا ان الصهيونية كانت جادة في ايجاد اي أرض تقام‬
‫عليها الدولة الصهيونية بشكل مبدئي ومن ثم تقايض أو تقفز الى فلسطين‬
‫لانها تمثل لديهم فكرة ثابتة ازلية وكانت الصهوينية تعتقد انه ولو قبل طلبهم‬
‫بانشاء وطن خارج فلسطين فهذا يعني ارجاء المشكلة لا حلها ‪ .‬ففي رأيهم‬
‫ان فلسطين هي المنطقة الوحيدة في العالم التي تناسب قيام ( دولتهم )‬

‫الحركة الصهيونية واوروبا ‪:‬‬

‫وضعت الصهيونية كل آمالها وقواها في دعم الدول الاوروبية‬


‫الاستعمارية الاخذة بالتوسع وكذلك فان اكثر الدول الاوروبية قدمت‬
‫مساعداتها للصهيونية بعد ان اكتشفت ما تستطيعه دولة صهيونية ان تلعبه‬
‫من دور في حماية وضمان مناطق نفوذها‬

‫وكان المجال العالمي خاليا للصهيونية ‪ .‬لذلك صالت فيه وجالت ابان‬
‫التخلف الرهيب في الوطن العربي نتيجة الاستعمارين العثماني والأوروبي ‪،‬‬
‫لذلك عملت الصهيونية بذكاء وحذق لاستغلال ظروف الدول الاستعمارية‬
‫الاوروبية‬

‫‪-181-‬‬
‫وكانت الصهيونية ترى ان اقامة وطن الشعب اليهودي لا يمكن ان يتم‬

‫دون التدخل من جانب الحكومات صاحبة المصالح والتي تعود عليها الحركة‬
‫الصهيونية بمنافع جمة لذلك استهدفت الصهيونية العالمية الدول الاوروبية ‪:‬‬
‫تركيا ‪ -‬المانيا ‪ -‬انكلترا – ايطاليا •‬

‫بدا هرتزل دعوته بالتعهد للدول الاستعمارية بأن تكون دولة اليهود‬

‫ممثلة للحضارة الاوروبية في الشرق المتخلف وانه اذا استحوذ اليهود على‬

‫فلسطين فانهم سيشكلون آنذاك جزءاً من الرديف أو السد الأوروبي بوجه‬


‫آسيا ومركزاً طليعية للمدنية ضد البربرية‬

‫لقد تصور هرتزل ان مفتاح القضية مع العثمانيين ‪ ،‬فراح يسعى لدى‬


‫السلطان العثماني للحصول على فلسطين ولكن عندما أوصدت الابواب دونه‬
‫وباء بالفشل اتجه نحو الدول الاوروبية للتوسط لدى السلطان وركز هرتزل‬
‫في مفاوضاته مع الاستعماريين على الفوائد الامبريالية والستراتيجية‬

‫والاقتصادية والمعنوية التي تجنيها هذه الدول نتيجة قيامها بمؤازرةالصهيونية‬


‫‪ .‬وكانت المانيا أول الدول الاوروبية التي‬ ‫لاقامة دولة اليهود في فلسطين‬
‫استهدفتها الصهيونية العالمية ‪ ،‬فقد اجرى هرتزل مفاوضات في ‪ ٢٥‬حزيران‬

‫‪ ١٨٩٥‬م مع الدوق ( بادن ( الكبير عم الامبراطور ومستشاره ‪ ،‬وقد رحب‬


‫الدوق بالفكرة الصهيونية ولكنه امتنع عن تأييدها علنا كما ان المقابلة التي‬
‫تمت بين هرتزل والامبراطور غليوم الثاني في فلسطين عام ‪ ١٨٩٨‬لم تسفر‬
‫عن اي شيء ايجابي بالنسبة للصهيونية رغم تقديمها المشاريع الاستثمارية‬
‫المشتركة المغرية في فلسطين ·‬

‫واجرت الصهيونية اتصالات مع النمسا فكتب هرتزل الى ( باديني )‬


‫رئيس حكومتها في شباط ‪ ۱۸۹٦‬رسالة يطلب معونته ويعده بأن من يؤمن‬
‫العالمي •‬
‫بالفكرة الصهيونية فسوف يدخل التاريخ‬

‫واتصلت الصهيونية مع ايطاليا وقابل هرتزل مليكها واقترح عليه‬


‫توجيه هجرة اليهود الفائضة نحو طرابلس الغربوفق القوانين الايطالية ‪،‬‬
‫ولكن الملك اجابه ( وهذه ايضا ديار غيركم ( يقصد انها كفلسطين ‪ ،‬ليست‬
‫من حق اليهود ‪ .‬وتقرب هرتزل من البابا بيوس العاشر وقابل وزير خارجيته‬

‫في ‪ ٢٢‬كانون الثاني ‪ ١٩٠٤‬وطلب منه اعلان مناصرة الفاتيكان للمشروع‬

‫‪- ١٤٢ -‬‬


‫‪-‬‬
‫الصهيوني الذي يريد ( الارض غير المقدسة فقط ) ‪ ،‬واجابة الوزير لا يمكن‬

‫ان نقف الى جانب اليهود الا اذا هم اعتنقوا المسيحية ‪ ،‬وعندما قابل البابا‬

‫اجابه لم يعترف اليهود بسيدنا ولذلك لا نستطيع ان نعترف بالشـعـ‬

‫اليهودي ) وتابع هرتزل جهوده في سبيل وقوف اية دولة أوروبية الى جانب‬

‫الصهيونية في الضغط على الدولة العثمانية ووقع اختياره في نهاية المطاف‬

‫على روسيا القيصرية ‪ ،‬حيث طلب اليها التوسط بشأن استعمار فلسطين‬

‫ولكن مساعيه لم تسفر عن شيء ايضا •‬

‫عند ذلك قطعت الصهيونية كل امل في مساعدة هذه الدول الاوروبية‬

‫وحولت نظرها نحو بريطانيا فكان النفوذ الصهيوني قد ازداد بدرجة ملحوظة‬

‫فيها كما انها كانت تتزعم الدول الاستعمارية‬

‫الصهيونية والاستعمار البريطاني ‪:‬‬

‫تنبه الاستعمار البريطاني الى اهمية مصر اثناء الحملة الفرنسية‬


‫بقيادة بونابرت عام ‪ ۱۷۹۸‬كما تنبه في الوقت ذاته الى اهمية اليهود وامكانية‬
‫الافادة منهم في خدمة استراتيجيته واطماعه ‪ ،‬لذلك بذلت بريطانيا مساعيها‬
‫لدى الدولة العثمانية لتسمح لليهود بشراء الاراضي في القدس وبذلك تمكن‬
‫) موسی مونتفوري ( عام ‪ ١٨٤٩‬من الحصول على فرمان من السلطان‬
‫العثماني عبد المجيد يسمح لليهود بشراء الاراضي وهكذا بدأت القوانين‬

‫العثمانية التي كانت تمنع بيع الاراضي في القدس وضواحيها لليهود تتهاوى‬
‫تحت وطأة الضغط الاستعماري البريطاني ·‬

‫وقد ظهر ايضا للاستعمار البريطاني منذ ذلك التاريخ المبكر ان‬
‫الدوافع القومية لاقامة الوحدة العربية لابد أن تقوى في يوم ما فوجد في‬
‫اليهود اداة لتنفيذ سياسته وبذلك التقت في هذا المجال الاطماع الاستعمارية‬
‫والاهداف الصهيونية ·‬

‫وقبل ان نخوض في بحث العلاقات بين الصهيونية وبريطانيا لابد ان‬


‫ننوه ان الارتباط كان وثيقا بين الحركات الاستعمارية والفكر الاستعماري‬
‫والحركة الصهيونية ‪ ،‬ففي حمى الاستعمار التي أصابت دول اوربا في القرن‬

‫‪--‬‬
‫‪- ١٤٣ -‬‬
‫‪ ١٩‬ابنعت الحركة الصهيونية وادلت بدلوها في فلسطين ووجدت قبولا في‬
‫الاوساط الاستعمارية لانها كانت تسير في نفس الاتجاه وبنفس المنطق •‬

‫المصالح المتضاربة للدول الاستعمارية‬ ‫وراحت الصهيونية تستغل‬

‫وخاطبت كل بلد بلغة مصالحة ‪ ،‬ففي فرنسا ذكرت ( ستضم البلاد التي‬
‫تعتزم احتلالها ‪ :‬مصر السفلى والاقسام الجنوبية منسورية ولبنان ‪ ،‬ويمكننا‬
‫هذا الوضع من أن نصبح سادة التجارة من الهند والجزيرة العربية وشرق‬
‫افريقيا وجنوبها ‪ ،‬ولا يمكن لفرنسا الا ان ترغب في رؤية الطريق الى الهند‬
‫والصين وهل هناك من شعب يصلح لهذا الهدف اكثر من اليهود الذين شاء‬
‫القدر لهم منذ بداية عصور التاريخ أن يرتبطوا بمثل هذا الهدف وليس ثمة‬
‫شك ان اليهود والفرنسيين قد خلقوا منذ الازل ليعملوا معا ) ‪.‬‬

‫ويجب ان ندركفي هذا الصدد ان التعاون كان قائما بين اليهودو فرنسا‬

‫منذ القديم ‪ ،‬ففي الحملة الفرنسية على مصر عام ‪ ۱۷۹۸‬منح نابليون اليهود‬
‫وعدا في فلسطين بتاريخ ‪ ٤‬نيسان ‪ ) ۱۷۹۹‬ان العناية الالهية التي ارسلتني‬
‫على رأس هذا الجيش الى هنا قد جعلت رائدي العدل وكفلتني بالظفر ‪،‬‬
‫وجعلت من القدس مقري العام ‪ ،‬وهي التي ستجعله بعد قليل في دمشق‬
‫التي يضيرها جوارها بلد داوود ‪.‬‬

‫‪:‬‬
‫يا ورثة فلسطين الشرعيين‬

‫ان الأمة العظيمة التي تتجر بالرجال كما فعل أولئك الذين باعوا‬
‫اجدادكم للشعوب ‪ ،‬تناديكم الان لا للعمل على اعادة احتلال وطنكم‬
‫فحسب ‪ ،‬وليس بغية استرجاع ما فقد منكم بل لا جل ضمان ومؤازرة هذه‬
‫الامة لتحفظوها مصونة من جميع الطامعين بكم لكي تصبحوا اسياد بلادكم‬
‫الحقيقيين ‪ ،‬انهضوا وبرهنوا على ان القوة الساحقة التي كانت لاولئك الذين‬
‫اضطهدوكم لم تفعل شيئا بسبيل همة ابناء هؤلاء الابطال الذين كانت محالفة‬
‫اخوانهم تشرف اسبارطة ورومة ) ‪.‬‬

‫لقد أوردنا هذه الحادثة لندن على مدى الارتباط والتعاطف الذي كانت‬
‫تظهره الحركات الاستعمارية لليهود ‪.‬‬

‫وعرضت الصهيونية على الحكومة الالمانية « نحن نريد ان نقيم على‬

‫‪- ١٤٤ -‬‬


‫الشواطىء الشرقية للبحر الابيض المتوسط حضارة عصرية ومركزا تجاريا‬
‫يكونان دعامة للسيادة الالمانية مباشرة أو لا مباشرة وستكون فلسطين عن‬
‫طريق الهجرة اليهودية قاعدة سياسية وتجارية بل صخرة المانية تركية‬
‫‪-‬‬
‫كصخرة جبل طارق على حدود المحيط الانكليزي ـ العربي »‬

‫وفي امريكا وبريطانيا قالت « ان فلسطين اليهودية التي تخلقها بريطانيا‬


‫العظمى وتساعدها امريكا تعني ضربة مميتة للسيطرة الاسلامية ـ البروسية‬
‫‪-‬‬
‫الطورانية – على الشرق ‪ ،‬ويجب ان يكون واضحا كل الوضوح ان ثمة‬
‫ارتباطا كليا بين المصالح الامريكية والبريطانية واليهودية بوجه المصالح‬
‫التركية – البروسية » •‬

‫لقد كانت اتصالات الصهيونية مع هذه الدول مفيدة للغاية فهي على‬
‫الاقل لن تقف ضدها وتناصر العرب مثلا ولكن الصهيونية كانت تدرك في‬

‫تلك الفترة المتأخرة ان الطريق الوحيد الذي يقودها الى فلسطين هو بريطانيا‬
‫وفي ذلك يقول وايزمن في مذكراته معلا اختيار الصهيونية لبريطانيا ( ان‬
‫بريطانيا كانت البلد الذي يمكنه ان يظهر عطفا على الحركة الصهيونية وان‬
‫تاريخ العلاقات بين انجلترا والصهيونية حتى ذلك العهد يشهد بصحة‬
‫هذا القول ) ‪.‬‬

‫والحقيقة ان الاتصال الاول بين بريطانيا و الصهيونية بدأ منذ عام ‪١٨٣٣‬‬
‫اثناء حملة محمد علي والى مصر على سورية ‪ ،‬حين تبنت بريطانيا فكرة‬
‫توطين اليهود في فلسطين ‪ .‬وحاول ( بالمرستون ) رئيس وزراء بريطانيا آنذاك‬
‫اقناع السلطان العثماني بأن يوافق على اسكان اليهود في فلسطين لتشكيل‬
‫حاجز لكبح مؤامرات محمد علي وحلفائه في المستقبل‬

‫واستمر التقارب الصهيوني البريطاني حتى ان هرتزل دخــــــــل في‬


‫مفاوضات مع حكام بريطانيا ‪ ،‬ظهر منها مدى التعاطف بين الحركتـــــــين‬
‫الاستعماريتين ‪ ،‬ففي رسالة هرتزل الى لانزدون وزير خارجية بريطانيا‬
‫بشأن مشروع استيطان العريش وسيناء ما يلي ) وهناك عشرة ملايين‬
‫يهودي في العالم كله لا يستطيعون في جميع البلدان ان ينتموا الى انكلترا‬
‫علنا ‪ ،‬انما سينتمون اليها في قلوبهم اذا هي قامت بعمل مثل هذا فاصبحت‬
‫حامية للشعب اليهودي ‪ ،‬وفي لحظة تستطيع الاعتماد على عشرة ملايين من‬
‫انجاء‬
‫الرعايا السريين ‪ ،‬ولكن المخلصين في جميع مسالك الحياة وفي جميع‬

‫‪- 180-‬‬
‫العالم وان كان هذا سيجري سرا ‪ ،‬بعضهم مجرد بائعي ابر وخيطانفي قرى‬
‫الشرق الصغير ولكن البعض الآخر تجار كبار واصحاب مصانع ومدراء بنوك‬
‫و علماء وفنانون وصحفيون و اصحاب اعمال اخرى ‪ .‬جميع هؤلاء سيكونون‬
‫رهن اشارة الأمة العظيمة التي ستمد لهم المساعدة المطلوبة ‪ .‬سيكون‬
‫لانكلترا عشرة ملايين عميل من اجل عظمتها وسيطرتها وهذا الولاء لابد ان‬
‫·‬
‫يكون على الصعيدين السياسي والاقتصادي‬

‫وكذلك كتب هرتزل الى سولزبري وزير خارجية بريطانيا « هناك‬


‫طريقة لايجاد طريق جديد الى الهند اقصد بهذه الطريقة انشاء دولة يهودية‬

‫تابعة الى فلسطين ‪ ،‬لها استقلال ذاتي تحت سيادة السلطان الامر ممكن‬
‫اذا توافر لنا دعم دولة كبرى » ‪.‬‬

‫لقد بدأ الارضاء الصهيوني واضحا ووجدت بريطانيا بذلك مجالالوضع‬


‫خططها المستقبلية موضع التنفيذ مستغلة بذلك العواطف الدينية التي كانت‬
‫تشد اليهود الى القدس ‪ ،‬ومستفيدة من امكاناتهم الرأسمالية والاقتصادية‬
‫لاقامة حاجز مادي بشري غريب يفصل بين مصر والمشرق العربي وكانت‬
‫العلاقات أوثق ما يكون منذ عام ‪ ، ۱۹۰۲‬ففي عام ‪ ۱۹۰۷‬عقد مؤتمر خبراء‬
‫الاستعمار الذي يسمى ايضا مؤتمر كاميل ياترمن ( رئيس وزراء بريطانيا )‬
‫والذي اشتركت فيه كل من بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا والبرتغال‬
‫واسبانيا وايطاليا ‪ .‬لدراسة مستقبل الاستعمار ‪ ،‬واقتنع المؤتمرون بأهمية‬
‫اقامة دولة عنصرية في فلسطين ) ان اقامة حاجز بشري قوي وغريب على‬

‫الجسر البري الذي يربط اوروبا بالعالم القديم ويربطها معا بالبحر الابيض‬
‫المتوسط بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة‬
‫عدوة لشعب المنطقة وصديقة للدول الاوروبية ومصالحها هو التنفيذ العملي‬
‫العاجل للوسائل والسبل المقترحة » ‪.‬‬

‫ومنذ ذلك الحين اصبحت بريطانيا حامية للصهيونية ومنفذة لرغباتها‬


‫الدول الاوروبية الاخرى التي ابدت‬ ‫واهدافها هذا دون ان تلغي دور‬
‫الصهيونية بكل امكاناتها‬

‫وعد بلفور ‪:‬‬

‫لم يكن للصهيونية اثناء الحرب العالمية الأولى كيان مادي ملموس‬

‫‪-187-‬‬
‫ة المالية اليهودية‬ ‫الا انها كانت قوة خفية هائلة بما تتحكم به من اموال المؤس‬

‫العالمية فالحرب دمرت اقتصادیات جميع الدول المشتركة فيها واصبحت‬


‫جميعها تحت رحمة الدائنين اليهود وفي حاجة لقروضهم ‪ .‬ففي هذا الواقع‬
‫الدولي الذي لم يكن للمبادىء والاخلاق فيه اي وزن جرت الاتصـــــــــالات‬
‫الواسعة بين فرنسا وبريطانيا لاقامة دولة يهودية في فلسطين وقد جاء في‬
‫مذكرات اللورد بوني سفير بريطانيا في فرنسا خلال الحرب ( ان اتصالات‬
‫عديدة جرت بين البلدين لاقامة دولة يهودية في فلسطين تحت حماية بريطانيا‬
‫وفرنسا وروسيا ‪ ،‬علما أن اليهود يؤثرون ان تكون دولتهم تحت حماية الاولى‬
‫دون غيرها ) ‪.‬‬

‫لقد أدركت الصهيونية العالمية خلال سنين الحرب الأولى ان فرصتها‬

‫النادرة لاقامة الكيان الصهيوني قد اصبحت قريبة التحقيق نظرا للظروف‬

‫المالية الحرجة التي تمر بها الدول الاستعمارية فتبنى الصهاينة فتح فلسطين‬
‫بشراء الاراضي والهجرة الفردية المنظمة على مقياس واسع وفرض الوجود‬
‫السياسي فيها ووضع الاطراف المعنية امام الامر الواقع فاقيمت الاجهزة‬
‫والتنظيمات للهجرة وانشاء المستعمرات والمستوطنات ‪ ،‬وانتظر للصهاينة‬

‫حتى عام ‪ ١٩١٧‬للحصول على وعد بلفور الذي ضمنوه « صك الانتداب عام‬
‫‪ ۱۹۲۲‬وبذلك حصلت الصهيونية على تعهد دولي بدعم ادعائها الباطل بعد‬
‫ان كانت تفتقر الى اي سند يشدها الى فلسطين مهما كان واهيا •‬

‫والحق أن وعد بلفور كان نتيجة العمل الجاد للصهيونية وزعيمها حاييم‬

‫وايزمن ويبدو ان الصهاينة في تلك الفترة كانوا يعرفون كل ما يدور بشأن‬


‫مصير فلسطين في اجتماعات مجلس الوزراء عن طريق وزراء امثال هربرت‬
‫صموئيل وروبرت سيسل مساعد وزير الخارجية ومهما يكن الأمر فان‬

‫الحلفاء كانوا بحاجة لدعم اليهود الاقوياء في السياسة والمال خاصة في‬
‫الولايات المتحدة ‪ ،‬كل ذلك جعل بريطانيا تدخل في مفاوضات مع الصهيونية‬
‫التي نتج عنها وعد بلفور تشرين الثاني ‪ ۱۹۱۷‬وكان الوعد على شكل رسالة‬
‫موجهة من اللورد بلفور امين سر الدولة البريطانية في وزارة الخارجية الى‬

‫اللورد روتشيلد ‪ ،‬أحد ممولي الصهاينة وزعمائهم والمقطع الأساسي في هذه‬


‫الرسالة هو التالي ‪:‬‬

‫ان حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف الى تأسيس وطن قومي‬

‫‪- TEV-‬‬
‫للشعب اليهودي في فلسطين ‪ ،‬وستبذل جهودها لتسهيل تحقيق هذه الغاية‬
‫علىان يفهم جليا انه لن يؤتى بعمل ان يغير الحقوق المدنية والدينية التي‬
‫تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين ولا الحقــوق او‬
‫الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الاخرى » ‪.‬‬

‫لقد كان بلفور اداة طيعة بيد اليهود ولم يلحظ وعده رغبات السكان‬
‫الاصليين ‪ ،‬وقد ذكر بلفور بهذا الشأن ( لم نقصد ابدا ان نستانس برغبات‬
‫السكان و امانيهم والافكار المسبقة بسبعماية الف عربي يقطنون تلك الارض‬
‫القديمة ) •‬

‫لقد كان للتخطيط البارع اكبر الأثر في النصر الدبلوماسي الذي احرزه‬
‫الصهاينة بقيادة وايزمن ولا يمكن أن نرد هذا النجاح السريع الى البراعة‬
‫الدبلوماسية وحدها دون ان نشير الى التقاء المصالح الصهيوني‬
‫والاستعمارية وبذلك اعطى من لا يملك وعدا لمن لا يستحقه‬

‫قيام دولة اسرائيل ‪:‬‬

‫بعد قرار مؤتمر سان ريمو عام ‪ ۱۹۲۰‬خضعت فلسطين للانتداب‬


‫البريطاني وكان اهتمام الصهيونية منصبا على ان تكون فلسطين محمية‬
‫بريطانية لا فرنسية لان الادارة البريطانية اجدى واصلح لان تصبح فلسطين‬

‫يهودية هذا بالرغم من أن وعد بلفور قد وافقت عليه كل من الولايات المتحدة‬

‫‪ ١٤‬شباط‬ ‫وايطاليا في‬ ‫ايار عام ‪۱۹۱۸‬‬ ‫قبل اصداره وفرنسا في ‪۱۹‬‬
‫عام ‪١٩١٨‬‬

‫ومنذ ان وضعت فلسطين تحت الادارة المسكرية البريطانية بدا جليا‬


‫تحيز بريطانيا نحو الصهاينة وبدأت باعطاء المعنى والمحتوى لذلك الاطار‬
‫التاريخي ( وعد بلفور ) وذلك بتنفيذ مخطط متكامل مدروس يهدف الى وضع‬
‫فلسطين في الظروف الادارية والسياسية والاقتصادية والعسكرية اللازمة‬
‫لاقامة الدولة الصهيونية فاصبحت اللغة العبرية لغة رسمية رغم ان نسبة‬

‫السكان كما سنت قوانين لتسهيل الهجرة‬ ‫من‬ ‫اليهود لا تتجاوز ‪٧%‬‬
‫اليهودية الى فلسطين ( دخلت بريطانيا كمنتدبة ( الى فلسطين وفيها ‪٦٥٠‬‬
‫الف عربي و ‪ ٥٠‬الف يهودي وخرجت منها بعد ‪ ۳۰‬سنة وفيها ‪ ٦٥٠‬الف‬

‫‪-- ١٤٨ -‬‬


‫يهودي مسلح و ‪ ۱۷۵‬الف عربي ‪ ،‬ومنحت الاراضي الى اليهود فبينما لم‬
‫يتملكوا قبل الانتداب سوى ‪ ٪ ١‬من اراضي فلسطين مهدت لهم السبيل‬
‫للحصول على ثلثيها و فتحت لهم ابواب الوظائف فاصبحوا يشكلون ‪% ٦٠‬‬
‫من الموظفين كما وضعت اسس التعاون بين الادارة والحركة الصهيونية‬

‫التي اصبحت حكومة داخل حكومة‬

‫ان هذه الاجراءات التي تعتبر الاعمدة التي بني عليها الوطن القومي‬
‫والدولة الصهيونية اصر على تنفيذها جميع المندوبين الساميين الذين توالوا‬

‫على الحكم اعتبارا من عام ‪ ۱۹۲۰‬وحتى عام ‪ ١٩٤٨‬واضعين الادارة‬


‫الفلسطينية في خدمة الصهيونية •‬

‫وهكذا تم للصهيونية بمعاونة بريطانيا تحقيق سيطرة واسعة في‬

‫فلسطين تمهيدا لاستعمارها قبل ان يعلن قيام الدولة اليهودية ( اسرائيل )‬


‫‪ .‬وتنبه العرب لما ييراد بهم ووقفوا بوجه الاستعمار‬ ‫‪ 10‬ايار عام ‪١٩٤٨‬‬
‫‪ .‬وبعد وعد بلفور ادرك العرب حقيقة‬ ‫الاستيطاني القادم منذ عام ‪۱۸۵۰‬‬
‫المخطط الاستعماري الصهيوني فاعلنوا غضبتهم وسخطهم في ثورات‬
‫و انتفاضات دامية كان اهمها ثورة عام ‪ ١٩٣٦‬وكان البريطانيون في كل مرة‬
‫يشتبك فيها العرب والصهاينة يناصرون الصهاينة ويخمدون صوت العرب‬
‫بقوة وعنف ‪.‬‬

‫وقد افاد الصهاينة من ظروف الحرب العالمية الثانية فقد اشتركوا‬

‫مع الانكليز وجمعوا الاسلحة والعتاد وتدربوا على الاسلحة استعداد الاعلان‬

‫دولتهم ومجابهة العرب وبانتهاء الانتداب البريطاني في ‪ 15‬ايار عــــــام‬


‫‪ - ١٩٤٨ -‬كانت الصهيونية قد هيأت جميع الاسباب لاعلان الدولــــــــة‬

‫الصهيونية ‪ ،‬رغم الصدام العربي الاسرائيلي عام ‪ ١٩٤٨‬ففي ذلك الواقع‬


‫العربي المجزا المتخلف الذي ينوء باوزار الاستعمار عدا عن الخيانات‬
‫والاسلحة الفاسدة والهدنة والتفكك السياسي ظهرت ( دولة اسرائيل ) في‬
‫قلب الوطن العربي بمساندة الدول الاستعمارية الكبرى وبتواطؤ الرجعية‬
‫العربية المحلية‬

‫الصهيونية العالمية والولايات المتحدة ‪:‬‬

‫كانت اسرائيل تدرك منذ تأسيسها ان الولايات المتحدة الامريكية لن‬

‫‪-189-‬‬
‫تتخلى عنها ‪ ،‬وانها سترمي بجميع ثقلها وامكاناتها وتساعد على خلـــــــــق‬

‫واستمرار المناخ الملائم لبقائها ونموها والدعم الامريكي للصهوينية تجلى‬


‫في جميع مراحل تكوين الدولة فقد اعطت امريكا تأييدها لوعد بلفور قبـــــــــل‬

‫اعلانه ثم جاهرت بتأييده بعد اصداره كما ان القاضي (براندريس) مستشار‬

‫الرئيس الامريكي ولسن ‪ ،‬ذكر أن مفهوم الوعد يعني ) ان يصبح اليهود اكثرية‬

‫في فلسطين وعلى العرب ان يرحلوا الى الصحراء ( كما لم تأخذ امريكـــــــــا‬

‫بتوصيات لجنةكر اين بشأن الهجرة بل آثرت توصياتلجنة الشرق الادنىفيدائرة‬

‫الاستخبارات الامريكية التي أوصت فيها بأقامة دولة يهودية كما اشتركت‬

‫عن طريق ( بنيامين كوهين ( في وضع صيغة صك الانتداب على فلسطين رغم‬
‫انها لم تكن عضواً في عصبة الأمم ومن المواقف الرسمية في هذا الصدد‬
‫ايضاً موقف الحزبين الرئيسيين في امريكا وهما الديمقراطي والجمهوري‬
‫فقد ايد الحزبان الحركة الصهيونية تأييداً مطلقاً ·‬

‫ومما لاشك فيه ان الصهيونية استطاعت ان تلعب دورا هام‬

‫و اساسيا في توجيه السياسة الامريكية لصالحها بما تملكه من نفوذ في‬

‫الكونغرس الأمريكي والبيت الابيض حتى ان الكاتب اليهودي الامريكي‬


‫( جويني ) يقول ‪ « :‬ان الرؤساء الامريكيين ومعاونيهم ينحنون امام الصهيونية‬
‫كما ينحني المؤمن امام قبر مقدس » ‪.‬‬

‫ان نفوذ الصهاينة في الولايات المتحدة جاء نتيجة عدد اليهود الكبير فيها‬
‫ففي نيويورك وحدها ‪ ٤‬ملايين يهودي يتحكمون عمليا في معظم الاحتكارات‬
‫والتروستات الاقتصادية ويحكمون ويساهمونفي اكثر الشركات ويسيطرون‬

‫على وسائل واجهزة الاعلام ‪ ،‬كما ان اليهود في الولايات المتحدةيديرون شبكة‬


‫من الجمعيات اليهودية تزيد على سبعة آلاف تعمل في اطار الصهيونية ‪،‬‬
‫وباموال الصهيونية ‪ .‬يرشون كبار الباحثين والعلماء ويشترون ذمم رجال‬

‫‪ .‬مما تقدم جاءت القوة المؤثرة في السياسة الامريكية التي‬ ‫الكونغرس‬


‫ا معاديا للعرب وعملت بتصميم على دعم هذه الدولة المعتدية •‬
‫انتهجت خط‬

‫بالاضافة الى الطابع العدواني الاستعماري الامبريالي للسياسة الاميركية‬

‫ارتباطها عبر التاريخ‬ ‫والحقيقة ان الحركة الصهيونية غيرت مركز‬

‫مع تغير مركز ثقل الاستعمار والامبريالية فبعد الحرب العالمية الثانيةتزعمت‬

‫‪- 10. -‬‬


‫الولايات المتحدة المعسكر الاستعماري واعتبرت نفسها الوارثة الشرعية‬
‫للاستعمار الاوروبي في اسواقه ومصالحه وركائزه ‪ .‬كما أن رائحة البترول‬
‫القوية التي فاحت في الشروق الاوسط ‪ ،‬بقوة جعلت امريكا تواصل المهمة‬
‫التي بدأها الاستعمار البريطاني لاستكمال بناء الدولة الصهيونية التي ستكون‬
‫في تصورهم حلا مثاليا وركيزة مضمونة لاستمرار سيطرة الاحتكارات‬

‫النفطية من جهة ولاستغلال المنطقة وتطويق الشيوعية والاتحاد السوفياني‬


‫من جهة ثانية ‪ .‬مع ابقاء الوطن العربي متخلفاً ومجزءا ومجالا للنهب‬
‫الاستعمار ي ‪.‬‬

‫لقد ابدت الولايات المتحدة سياسة تهجير اليهود واقترح ترومان‬

‫ادخال ‪ ۱۰۰‬الف يهودي الى فلسطين كما ضغطت على الدول في الامم المتحدة‬
‫لاقرار مشروع تقسيم فلسطين عام ‪ ١٩٤٧‬والذي كان استكمالا للبناء‬
‫الذي بداته بريطانيا في عهد الانتداب لاقامة الدولة الصهيونية ‪ ،‬وكان البيت‬

‫الابيض اول من اعترف بالدولة اليهودية عام ‪ ١٩٤٨‬ومنذ ذلك الحين والدعم‬
‫الامريكي لم يفتر فقد اتخذ صورا عديدة من معونات ومساعدات اقتصادية‬

‫فقد تلاحم الاقتصاد الامريكي والاسرائيلي حيث اصبح الاخير امتدادا للاول ‪،‬‬
‫فأمريكا تملك العديد من الشركات الكبرى داخل اسرائيل كما حصلت على‬

‫امتيازات استخراج الاملاح المعدنية من البحر الميت ‪ ،‬وامتياز التنقيب عن‬


‫الفوسفات في صحراء النقب ‪ .‬كما اشترى الأمريكيون مصانع حيفا الكبرى‬

‫لانتاج المواد الكيماوية ‪ .‬ولم يقتصر الدعم الامريكي على الناحية الاقتصادية‬
‫بل تعداه الى مجالات ثانية مثل التسليح والحماية في الامم المتحدة ‪.‬‬

‫اما التسليح فلم يعد سرا ان الولايات المتحدة هي الممول الرئيسي‬


‫بالسلاح والمتطوعين اليهود وفي كل يوم يتصاعد تأييدها بالسلاح المتطور‬

‫هوك والصواريخ وباشكال الدعم الاخرى‬ ‫كطائرات الفانتوم والسكاي‬


‫متذرعة وباستهتار بتوازن القوى بين ) اسرائيل ( من جهة والدول العربية‬

‫وبخاصة التقدمية من جهة ثانية ‪ .‬اما الحماية في الامم المتحدة ومجلس الامن‬
‫فقد تكفلت امريكا على ما يبدو بتأمينها ومنع اتخاذ اية اجراءات رادعة‬
‫لاعمالها وسياستها العدوانية التوسعية ‪ .‬لقد حققت الصهيونية نجاحات‬

‫كبيرة في فلسطين وضد الاقطار العربية ‪ ،‬وهذا يعود الى الدول الاستعمارية‬
‫الاوروبية التي كانت شريكة مع الصهيونية العالمية كما رأينا ويجب ان لا‬
‫نشك مطلقا ان الدول الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة‬

‫‪-‬‬
‫‪--- 101 -‬‬
‫كانت وما تزال تستغل الكيان الصهيوني لخدمة اغراضها واهدافها اي ان‬
‫تبادل المنافع بين الاستعمارين الصهيوني والاوروبي كان واضحا وجليا في‬
‫واقعنا العربي ‪.‬‬

‫الاستعمار الصهيوني ‪:‬‬

‫ان الحركة الصهيونية الاستعمارية هي اخطر من اي استعمار تعرض‬

‫الغربي فرض وجوده العسكري وتحكم في‬ ‫له الوطن العربي فالاستعمار‬

‫اقتصاديات الوطن العربي ‪ .‬اما اسرائيل والحركة الصهيونيةفتمثلان قمة‬


‫الاستعمار لانهما تهدفان بالاضافة الى السيطرة على الارضوالشعب انزاع‬
‫تلك الارض وطرد الشعب نهائيا والسيطرة على اقتصاديات المنطقة‬

‫فانصهيونية لا تختلف عن الاستعمار في شيء ‪ ،‬فهي تعتبر العرب في الارض‬


‫المحتلة مواطنين من الدرجة الثانية وتكتب في الهويات حرف ( ب ) للدلالة‬
‫عليهم ‪ .‬كما تنظر اليهم كحواجز بشرية ومعوقات لابد من اقتلاعها بواسطة‬
‫التشريد والتعذيب واستعمال وسائل القمع والارهاب مثل مذابح دير ياسين‬
‫وناصر الدين وبيت الخوري ومنذ انشاء اسرائيل اتخذت اجراءات ترمي الى‬
‫تجريد العرب من اراضيهم بسرعة وبذلك تجاوز الاستعمار الصهيوني مرحلة‬
‫التملك الى مرحلة المصادرة ‪ .‬وبهذا حصلت اسرائيل على ‪ ٣٢٤٠‬كم ‪ ٢‬من‬
‫‪-‬‬
‫اجود الاراضي حتى عام ـ ‪. – ١٩٦١‬‬

‫العسكرية كانت ترغم الاهلين‬ ‫واضافة الى ما تقدم فان السلطات‬


‫على ترك بيوتهم بشتى الوسائل والطرق من طرد وتهديم للقرى ‪ .‬كما صدقت‬

‫في المناطق العربية قانون الغياب بحيث عادت الفائدة على اليهود بملك‬
‫جديد للارض العربية وكذلك بموجب انظمة عسكرية تعسفية منع على‬
‫المساحات التي حددت اعتباطا دون‬ ‫اصحاب املاك الدخول الى بعض‬
‫تصريح السلطة العسكرية ‪ .‬وفرضت الاقامة على العصهمراهم بشكل‬

‫ادى الى منعهم من زراعة اراضيهم البعيدة وبهذه الطريقه ايضا صنادر‬
‫الصهاينة ‪ ١٦٠٠‬هكتار من اجود الاراضي العربية‬

‫والحق ان العرب في فلسطين محرومون من حقوق المواطنة الكاملة‬


‫ويعاملون على انهم ينتمون الى فئة ادنى ‪ .‬وهذا هو شأن الاستعمار في اي‬
‫مكان فالقرى العربية تتصف بالركود وهي محرومة من الخدمات ومن ابسط‬

‫‪- ١٥٢‬‬
‫الحقوق ‪ .‬كما يعيش العرب في قراهم ضمن قيود قانونية تحرم انتقالهم‬
‫و خروجهم وتحركهم ‪ .‬فهم محاصرون وخاضعون لنظام التصاريح وهم‬
‫معرضون الى ذلك للنفي والطرد والتهجير ومصادرة الاملاك في حالة‬
‫غيابهم ‪ .‬كما ان وصول كل دفعة من المهاجرين الجدد تؤدي الى طرد ساكن‬
‫القرى العربية ‪ .‬اما من ناحية العمل فتناط بالعرب الاعمال الوضيعة في‬

‫المناجم والصناعة كما لايشغل أي عربي وظائف مسؤولة في جهاز الدولة‬


‫العرب معاملة تفريق وتمييز‬ ‫) في‬ ‫( اسرائيل‬ ‫كما تعامل‬
‫الرواتب والاجــور كمـــا‬ ‫اسرائيل ) في‬ ‫( بقوة التشريع في‬
‫تحرمهم من تنظيم الجمعيات السياسية ‪ ،‬كما ان تمثيلهم في البرلمان‬

‫الاسرائيلي لا يمت الى عددهم فليس لهم سوى ‪ ٦‬مقاعد من ‪ ۱۲۰‬مقعدا‬


‫من مجموع السكان وبالاضافة الى ذلك تحرم‬ ‫بينما يشكلون ‪٪ ۱۱‬‬
‫عليهم حرية التعبير عن الانتماء العربي أو حرية الرأي فقد انكرتهما المحكمة‬
‫العليا في القدس كما تعمد بمناهجها ازالة اثار هذا الانتماء من اذهان‬
‫الناشئة‬

‫اما بالنسبة للتعليم فكما ان الاستعمار يحرم على ابناء البلاد التعليم‬
‫ويبقيهم في ربقة الجهل فان اسرائيل تتبع نفس المنحى فقد وضعت العراقيل‬
‫امام المدارس العربية الاهلية بتحديد عددها ومجالات نشاطها لكي ترضخ‬
‫للاجراءات الصهيونية كما قررت مناهج الهدف منها ( غسل دماغ ) للطلاب‬
‫العرب كما ذكرنا ‪.‬‬

‫وتضيق اسرائيل على العرب في التعليم الثانوي فعدد الطلاب العرب‬


‫المرحلة الثانوية لا يتجاوز ـ ‪ – ۲۰۰۰‬طالب مع انخفاض في مستوى‬ ‫في‬

‫التعليم ‪ ،‬فنسبة نجاح العرب في البكالوريا لا يتجاوز ‪ % ٥٠٤‬كما يجبر الطلاب‬


‫على تعلم اللغة العبرية والادب العبري كما سن الكنيست عام ‪ ١٩٦٩‬قانونا‬
‫اجاز فيه فصل اي معلم من وظيفته اذا حرض الطلاب العرب ضد اسرائيل‬
‫واقفال المدرسة اذا رفضت اقالة المعلم ‪ ،‬اما بالنسبة للتعليم العالي فلا‬
‫يتمكن سوى عدد ضئيل من متابعة الدراسة العالية في الجامعات وقد بلغ‬
‫عددهم عام ‪ ٥٠٠ - ۱۹۷۰ – ١٩٦٩‬ــ طالب من بين ما يقارب ‪ ٣٥٠‬الف‬
‫عربي ويجب ان يكون عددهم بالنسبة لعدد السكان ثلاثة الاف طالب ‪ ،‬من‬
‫هنا نجد انه ليس هناك تكافؤ فرص بين العرب واليهود في الارض المحتلة‬
‫وان اسرائيل ليست في حقيقتها سوى دولة استعمارية ‪ .‬ومن جهة ثانية‬

‫‪١٥٣ -‬‬
‫فان اسرائیل دولة توسعية تتحدى الامم المتحدة وقراراتها وتصر على الاحتلال‬
‫والتوسع فهي تجلب المستوطنين اليهود من كل الارض نوسيعا للقاعدة‬
‫العدوانية ومدها بالمزيد من الثروات الطبيعية والخامات والمواقع‬
‫الستراتيجية‬

‫والحقيقة ان حدود فلسطين لم تكن محددة المعالم اثناء انعقاد مؤتمر‬


‫بال فقد كانت جزءاً من الامبراطورية العثمانية ‪ ..‬لذا فان الحركة الصهيونية‬

‫لم تعلن مفهومها لفلسطين وبقي الاستيلاء على الارض هدفا وهذا الغموض‬
‫الذي احاط بتعريف فلسطين كانت له ابعاده ومراميه في الحركة التوسعية‬

‫الصهيونية ‪ ،‬فقد اخذت الحركة الصهيونية تتخير الحدود ــ الامنة ــ التي‬


‫تلائم المرحلة التي تمر بها ولذلك تعمد دستور ( اسرائيل ) عدم الاشارة الى‬
‫تلك الحدود لتكون قابلة للتحريك ·‬

‫قفي كلمة وجهها بن غوريون الى الطلاب قال ‪:‬‬

‫‪-‬‬
‫هذه الخارطة ـ اي خارطة فلسطين ‪ -‬ليست خارطة شعبنا ان لنا‬
‫خارطة اخرى عليكم انتم طلاب المدارس اليهودية وشبابها ان تحولوها الى‬
‫واقع يجب أن يتوسع شعب اسرائيل من الفرات الى النيل وذلك مثبت في‬
‫خارطة في واجهة الكنيست الاسرائيلي نفسه ‪.‬‬

‫ان جميع السياسيين الصهاينة يقرون مبدأ العدوان والتوسع فعندما‬


‫كلف بن غوريون بتشكيل وزارته عام ‪ ١٩٥٢‬قال ( اني اقبل بتشكيل الحكومة‬
‫بشرط ان استعمل كل الوسائل الممكنة في سبيل توسعنا نحو الجنوب » ‪.‬‬

‫ارتكبت اسرائيل منذ تأسيسها وحتى الآن أكثر من ‪ ٦٣١٦١‬عدوانا‬


‫على مصر والاردن ولبنان وسورية وكان ابرز هذه الاعتداءات ‪:‬‬

‫ا ‪ -‬العدوان الثلاثي على مصر عام ‪ ١٩٥٦‬الذي شاركت فيه كل‬


‫من فرنسا وانكلترا واسرائيل ‪ .‬ويمكن ان نجمل اسباب العدوان بالامور‬
‫التالية ‪:‬‬

‫خوف الاستعمار من نمو الروح القومية العربية ومحاولته القضاء‬

‫على الثورة التحررية والاشتراكية ‪ ،‬فرض الاحلاف الاستعمارية ولا سيما‬

‫‪١٥٤ -‬‬
‫حلف بغداد ‪ ،‬والقضاء على النهج التحرري لسياسة الحياد الايجابي التي‬
‫اتبعتها مصر والدول العربية المتحررة ‪ -‬اعادة البلدان المتحررة الى مناطق‬
‫النفوذ‬

‫اما السبب المباشر للعدوان الثلاثي هو عزم رجال الثورة في مصر على‬
‫التنمية الاقتصادية وبناء سد على النيل ‪ .‬فقد عرضت الولايات المتحده‬
‫وبريطانيا تقديم قروض مشروطة لهذا المشروع بالتبعية السياسية ‪ ،‬الامر‬
‫الذي رفضته مصر ‪ .‬واعلن الرئيس عبد الناصر في ‪ ٢٦‬تموز ‪ ١٩٥٦‬تأميم قناة‬
‫السويس ليتمكن بمواردها تغطية نفقات السد ‪ ،‬وقد اطار هذا الاجراء‬

‫صواب الاستعمار الذي خطط لهذا العدوان ونفذه ‪ ،‬وضربت بور سعيد‬
‫والمدن المصرية واحتلت سيناء وقد شارك جول جمال برد العدوان كما نسف‬
‫العمال السوريون انابيب البترول كما كان الراي العام العالمي ‪ ،‬وهكذا‬
‫اخفق العدوان الثلاثي بفضل الشعب وصموده وموازرة الامة العربية‬

‫‪ - ۲‬حزيران ‪: ١٩٦٧‬‬

‫وقد كان هذا العدوان ذروة الهجوم الامبريالي الصهيوني على حركة‬

‫التحرر العربية المتصاعدة وقد نفذته اسرائيل بدعم الاوساط الامبريالية‬


‫العالمية بقيادة الامبريالية الامريكية •‬

‫وتريد اسرائيل هذه المرة اتمام ما بدات به في عام ‪ ١٩٤٨‬القوى الأئمة‬


‫احتلال التراب الفلسطيني وأراضي جديدة من ثلاثة أقطار عربية ‪ ،‬ولاتزال هذه‬
‫المشكلة قائمة رغم قرارات الامم المتحدة في عودة اسرائيل الى حدودها‬
‫السابقة ‪ ،‬ولكن جميع هذه المحاولات ليست سوى اضاعة للوقت وتسويق‬
‫ومماطلة فالمخططون الصهاينة لن يتخلوا عن هذه الارض فهم يعملون تحت‬
‫شعار ( خذ ما تستطيع الحصول عليه دون ان تتخلى عن اي هدف من‬
‫اهدافك ‪ ،‬واعمل على أساس الاستفادة من كل ما تحصل عليه‬
‫لتحقيق الاهداف القريبة والبعيدة على حد سواء ) ‪.‬‬

‫ان طريقة استعادة الارض السليبة معروفة وقد حددها حزبنا العظيم‬
‫فهي لن تكون بالتوسلات وارتماء في احضان الدول الاستعمارية والركض‬
‫وراء مشاريع الحلول الاستسلامية والتصفوية ‪.‬‬

‫‪- 100-‬‬
‫ان طريق التحرر هو طريق تسديد النضال ضد الامبريالية الصهيونية‬
‫وتعبئة كل القوى والامكانات وخوض المعركة المصيرية ‪ .‬ان استخدام القوى‬
‫هو الوسيلة الوحيدة لجعل المعتدين يرضخون ويسلمون بحقنا في التحرر‬
‫والسيادة على ارضنا ‪ ،‬وليس هناك اي طريق اخر •‬

‫اسرائيل والدول الاستعمارية ‪:‬‬

‫لقد اصبحت اسرائيل في أبرز صورها جزءا مكملا للامبريالية فهي‬


‫تساعد الدول الاستعمارية في أفريقيا ضد حركات التحرر ‪ ،‬فقد ناصرت‬

‫اسرائيل حركة الجيش السري في الجزائر وقد ذكرت المنظمة في احـــــــــدى‬


‫منشوراتها ( نحن نرى ان حق الاسرائيليين لا يقل عن حق فرنسيي الجزائر‬
‫في الاحتفاظ ببلاد فتحوها بكدهم وجهدهم بل كونوها بحيث اضحت بلادهم‬
‫لا أكثر ولا اقل ‪ ...‬ونحن اعضاء منظمة الجيش السري نحيي اخواننا جنود‬
‫اسرائيل الوحيدين الذين يدافعون معنا منذ اعوام عن حضارة نعتبرها‬
‫مشتركة ) ‪.‬‬

‫وفي الحبشة قاد الاسرائيليون عمليات مكافحة حرب العصابات ضد‬


‫جبهة التحرير الارتيرية كما ان القوات البرتغالية التي تقاتل حركة تحرير‬
‫انغولا تستعمل السلاح الاسرائيلي ‪ ،‬وفي تشاد شارك الاسرائيليون في‬

‫العلميات العسكرية التي تمت ضد قوات التحرير الوطنية ‪ ،‬كما ان الاجراءات‬


‫الاخيرة التي اتخذها ( عيدي امين ) في اوغندا تشكل ادلة واضحة لاسرائيل‬
‫حيث تم كشف النقاب عن عمليات التجسس والتخريب التي يمارسهـــــــا‬
‫العسكريون الصهاينة ضد اوغندا والبلدان الافريقية الاخرى التي تفضح‬
‫السياسة الاستعمارية وعلاقاتها بالامبريالية العالمية •‬

‫مما تقدم يتضح الارتباط العضوي بين الاستعمار والصهيونية فقد‬


‫‪ .‬اصبحت شريكته في مقاومة التحرير والتقدم والوحدة ‪ ،‬وفي التآمر وممارسة‬
‫اعمال التخريب ضد كل قوى التحرر والتقدم في العالم ‪.‬‬

‫الصهيونية والامبريالية العالمية في أفريقيا ‪:‬‬

‫اتخذ الاستعمار الصهيوني أسلوبا جديدا يخالف الاستعمار التقليدي‬

‫‪- - ١٥٦ -‬‬


‫‪---‬‬
‫الصهيونية ليست لديها الامكانات البشرية للتقدم بالاحتلال السافر ـ خارج‬
‫فلسطين ‪ -‬لذلك لجأت الى التغلغل في الاقطار النامية في محاولة للسيطرة‬
‫عليها اقتصادياً وقد رسمت المخططات الغنية ونموذجاً يقدم الخدمة‬
‫·‬
‫التي تحتاجها الدول النامية لمواجهة مشاكلها المستعجلة بعد الاستقلال‬
‫وقد قالت غولدا مايير في الكنيست " اننا دولة ديمقراطية لها مطامع‬
‫توسعية وتتمتع بالخصال التي قد تفيد هذه الدول ‪ .‬وتقصد دول افريقيا‬
‫‪ .‬وهكذا مهدت اسرائيل لنفسها لتقوم بالدور الذي‬ ‫الحديثة الاستقلال »‬
‫اناطه بها الاستعمار في الدول النامية بصفة عامة وافريقيا بصفة‬
‫خاصة ‪.‬‬

‫لقد بدأ التسئل الصهيوني الى افريقيا عام ‪ ١٩٥٧‬عندما بدا الصهاينة‬
‫يبحثون عن حلفاء سياسيين في العالم الثالث على اثر فشل العدوان الثلاثي‬
‫‪ ،‬واستطاعت اسرائیل ان‬ ‫الذي دمع اسرائيل بأنها ( أداة للاستعمار )‬

‫تخفي حقيقتها الاستعمارية وترسم لها صوراً أخرى في ذهن الأفريقي ‪:‬‬
‫لذا نرى احد الزعماء الثوريين عام – ‪ – ١٩٥٨‬يشيد بدور اسرائيل وقبل‬
‫ان يعرف حقيقتها « لقد أصبحت اسرائيل قبلة تحج اليها الشعوب‬

‫الأفريقية لتستلهم منها أسلوب بناء بلادها ولنقف على المثال الحي‬

‫للشكل الانساني الذي يبني عليه المجتمع الجديد " كما ان الرئيس نيريري‬
‫يقول ( ان اسرائيل بلد صغير ولكنها يمكن ان تفيد كثيرا بلدا كثيرا اسرائيل‬

‫وهذه المشاكل هي بناء الامة وتغيير وجه الارض طبيعيا واقتصاديا ‪ ،‬ومهما‬
‫يكن من أمر فان اسرائیل تزداد افتضاحا وتزداد عزلة وتزداد الاوساط‬

‫التي اخذت تتعرف على حقيقة السياسة العدوانية والدور الاستعماري‬


‫الذي تقوم به •‬

‫العوامل الدافعة للاستعمار الصهيوني في افريقيا ‪:‬‬

‫صرح بن غوريون في المؤتمر الصهيوني الخامس « ان المستقبل‬

‫الاقتصادي لاسرائيل ووضعها الدولي يتوقفان على الروابط التي نجتهــــــد‬


‫باقامتها مع افريقيا وآسيا » كما ذكر اشكول « ان مستقبل الاجيال المقبلة‬
‫في اسرائيل مرتبط بمقدار كبير بنشاطنا في القارة الافريقية »‬

‫من هذا نرى ان استراتيجية الصهيونية رسمت خططها لغزو القارة‬

‫الافريقية مستهدفة ما يلي ‪:‬‬


‫‪ - ۱‬نسف التضامن المتعاظم بين القومية العربية والنهج التحرري‬
‫الذي تمثله والقوميات الافريقية والاسيوية المتطلعة الى التحرر والتقدم ‪·.‬‬

‫‪ ٢‬ـ‪-‬‬
‫ـ البحث عن اسواق وفك الحصار الاقتصادي الذي فرضه العرب‬
‫على اسرائيل من جهة ولتطويق الاقطار العربية بالموالين نظرها من جهة ثانية‬
‫ولخلق المتاعب بين الشعب العربي وزعماء افريقيا اذا حدث صدام بـــــــــين‬
‫العرب واسرائيل ·‬

‫‪ -‬احتلال مكان الاستعمار التقليدي الذي اصبح مكشوفا وممجوجا‬


‫ـ‬
‫فعندما اضطر الاستعمار الى تغيير خططه امام الدفع الثوري الاسيوي‬
‫ـية‬ ‫الافريقي الامريكي اللاتيني بقي حريصا على مصالحه الاساس‬
‫‪ -‬الاقتصادية – الستراتيجية ‪ ،‬وخاصة في الشرق الاوسط والدول‬

‫الأفريقية وقد وجد في اسرائيل اداة حسنة يمكنها ان تحل محله ويقوم بعد‬

‫ذلك بدوره الخفي من وراء الوجود الاسرائيلي وفي ذلك يقول ( ورلان بيري )‬
‫وهو احد الاستعماريين المؤيدين لاسرائيل في ندوة نظمت في فرنسا عام‪١٩٦٢‬‬
‫>>‬
‫يجب علينا اعتبار اسرائيل تسربا للغرب في المناطق التي انصرفت عــن‬
‫الغرب ‪ ،‬وان تنظر اليها كأداة لتغلغل النفوذ الغربي بالنسبة للبـــــــلاد‬
‫المتخلفة في افريقيا وآسيا » ‪.‬‬

‫مظاهر الاستعمار والسيطرة الصهيونية في افريقيا ‪:‬‬

‫― مصدرا مناسبا للمواد‬ ‫تعتبر افريقيا ‪ -‬من وجهة نظر اسرائيل‬

‫الاولية وسوقا لتصريف البضائع الاسرائيلية ‪ .‬لذا نجد ان التجارة نامية‬

‫بينهما ففي عام ‪ ١٩٦٣‬كان حجم الصادرات الاسرائيلية لا فريقيا في حدود‬

‫الى ‪ ٢١ ٫ ٥‬مليون دولار واصبح عام‬ ‫‪ ١١ ٫٦‬مليون دولار قفز عام ‪١٩٦٥‬‬

‫‪ ٣٤ / ٢٠‬مليون دولار ‪ .‬كما ارتفعت الواردات من ‪ ۲‬و ‪ ۲۷‬مليون دولار‬ ‫‪١٩٦٩‬‬

‫الى ‪ ٣٧٢‬مليون دولار عام ‪ « ١٩٦٩‬هذا عدا عن مشتريات‬ ‫عام ‪١٩٦٥‬‬

‫الماس من جنوب افريقيا والتي تصل قيمتها الى ‪ ۱۷۰‬مليون دولار سنويا ‪..‬‬

‫وأكثر الدول تعاونا مع اسرائيل هي ‪ :‬اثيوبيا ‪ -‬التي تعتبر الحليفة الطبيعية‬


‫والاساسية في مواجهة الثورة العربية ‪ .‬ومما يؤكد تعاونهما حجم التجارة‬

‫والتبادل ففي عام ‪ ۱۹۷۰‬صدرت اسرائيل الى اثيوبيا ما قيمته ‪ ٤,٣‬مليون‬

‫‪- 10A-‬‬
‫دولار و استوردت ما قيمته ‪ ۲ ٫۹‬مليون دولار ‪ ،‬كما ان اثيوبيا تعج بالشركات‬

‫الاسرائيلية مثل مصانع الادوية ) مصنع اقارم » ومزارع القطن في اقادير‬

‫وصناعة الجلود والمعاطف والبطاريات الكهربائية وتعليب الفواكه ‪ ،‬واهم‬

‫الشركات الصهيونية هي شركة « سوليل يونيه » التي تعمل حاليا على شق‬
‫طريق بين اثيوبيا وكينيا ·‬

‫هذا وفضلا عن المساعدات الفنية من خبراء ومستشارين و اخصائيين‬


‫وعدا عن العسكري وتدريب الضباط والتدريب العسكري‬

‫اما بشأن ارتيريا ‪ ،‬فنجد ان اسرائيل بذلت كل جهد لسيطرة علــــــــــى‬


‫مرافق التجارة الخارجية والحصول على استثمارات زراعية ‪ ،‬فالشركات‬
‫الاسرائيلية في أرتيريا تتولى ‪ ٪ ۹۰%‬من حركة تصدير اللحوم والخضروات‬
‫شركة انكودة – شركة براتللو – شركة هارون » ·‬

‫كما جرت محادثات مع أثيوبيا ترمي الى اقامة شبكة رادار على ساحل‬
‫أرتيريا عدا عن اتفاق السيطرة الاسرائيلية بالقواعد العسكرية ومدارس‬

‫الكومندوس والاستخباراتفي اسمرة ومرسة بحرية ‪ ،‬وقواعدها في « الجزر‬


‫الغربية من ارتيريا مثل جزيرتي حالب وفاطمة قرب باب المندب » تستخدمها‬
‫في التجسس على الأقطار العربية المجاورة والأفريقية ‪ ،‬ويقوم‬
‫بينها وبين الاستخبارات الامريكية والاثيوبية تنسيق كامل في هذا المضمار‬
‫أما الدول الافريقية الاخرى فالعلاقات معها جيدة وخاصة الدول التي لم‬
‫تستطع حتى الآن كشف الدور الاستعماري الصهيوني وتتجلى المساعدات‬
‫الصهيونية لدول افريقيا في المجالات التالية ‪:‬‬

‫‪ -‬الخبراء ‪ :‬ان عدد الخبراء الاسرائيليين في الخارج ‪ ۱۸۱٥‬منهم‬

‫‪ ١٢٦١‬في أفريقيا وهؤلاء الخبراء مدربون درسوا المشاكل الفلاحية التي‬


‫تناسب المجتمع الافريقي وانواع النباتات الصالحة في البلاد الصحراوية‬
‫والتي جربت في صحراء النقب ‪ ،‬واخصائيون في الري والامراض المنتشرة‬
‫في أفريقيا ‪ ،‬زيادة على ان هؤلاء الخبراء يحرصون على الا يكلفوا الدول‬
‫الافريقية ما يكلفها الاخصائيون الاوربيون ‪.‬‬

‫وكان الخبراء يحاولون فرض نظام مزارع الموشاف ذات الاتجاه‬

‫‪١٥٩ -‬‬
‫الاشتراكي الكاذب كبديل عن اشكال الزراعة التعاونية الحقيقية ذات الطابع‬

‫الاشتراكي الصحيح ‪.‬‬

‫‪ - ۲‬اعطاء منح دراسية للطلاب ‪ ،‬فقد بلغ عدد الطلاب الافريقيين‬

‫الممنوحين من اسرائيل حوالي ‪ ٤٥٢١‬افريقيا درسوا في المعهد العربي بالقدس‬


‫باللغة الفرنسية والانكليزية‬

‫‪-‬‬
‫التدريب ‪ :‬تقدم اسرائيل تدريبا اختصاصيا لمجموعات متنوعة‬
‫من الافارقة بما فيهم الطلبة والموظفون والنقابيون والكوادر العسكرية ‪،‬‬
‫وهذا النوع من التدريب يكون عادة سريعا ويقدم بشكل كاف ومكثف ‪ .‬هذا‬
‫وقد بلغ مجموع المتدربين في اسرائيل من الافارقة ‪ / ٤٤٨٢ /‬افريقيا في‬
‫مجال الشرطة والجيش والطيران ‪ ،‬كما قامت بتدريب الجواسيس ورجال‬

‫المخابرات السرية في تنزانيا والحبشة والكونغو كنشاسا ‪ .‬وقد ركزت‬


‫اسرائيل برامج مساعداتها في مجالات ذات أهمية استراتيجية حيوية ولا‬
‫سيما في حقل التدريب العسكري المتخصص في قمع الحركات التحررية‬
‫والقيام بالثورات المضادة ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫المعهد الافرو آسيوي للتدريب النقابي وقد تلقت فيه معظم‬
‫القيادات الافريقية دورات متخصصة وهذا المعهد اسسته المنظمة النقابية‬
‫الاسرائيلية ( الهستدروت ( بمساعدة من النقابة الامريكية ‪ ،‬ويرتبط المعهد‬
‫عضويا بخطط وكالة المخابرات المركزية الامريكية وعن طريق المعهد تسعى‬

‫الصهيونية الى تخريب الوعي السياسي لدى النقابيين الأفارقة وتمييعه‬


‫وافراغه من كل اتجاه ثوري أو اشتراكي صحيح ‪ ،‬واحلال للروح التوفيقية‬
‫الوسيطة الاصلاحية بدلا عن ذلك ‪ .‬وكان المعهد يضم ‪ ٦٠‬وفدا من نقابات‬

‫داهومي ‪ -‬الحبشة ‪ -‬غانا ــ ساحل العاج ــ كينيا – ليبيريا – نيجيريا ‪.‬‬


‫روديسيا ‪ -‬السنغال ‪ -‬مالي ـ تشاد ـ غينيا ‪ .‬وقد انسحبت بعــض‬

‫الدول بعد أن أدركت الدور التخريبي الذي تقوم به اسرائیل ‪ ،‬حتى انه‬
‫‪ -‬الكاميرون ــ افريقيا الوسطى –‬
‫لم يبق في المعهد سوى وفود ــ انجولا ــ‬
‫النيجر – رواندار ــ السنغال‪• -‬‬

‫ه ‪ -‬عقد مؤتمرات وندوات تحت عناوين براقة تستقطب بها وفود‬

‫الدول النامية مثل المؤتمر العالمي وكان موضوعه ( العلم في خدمة الدول‬

‫‪- ١٦٠ -‬‬


‫النامية ) كما عقد ندوة لكبار موظفي افريقيا وندوة لنساء افريقيا تحت عنوان‬
‫( دور المرأة في المجتمع ( حضرتها ‪ ٦٣‬امرأة من أفريقيا ‪ ،‬والهدف من هذه‬
‫الندوات والمؤتمرات تخدير المنظمات الافريقية بمزاعم الاسطورة الاسرائيلية‬
‫في التنمية‬

‫‪ - ٦‬المساعدات الاقتصادية ‪:‬‬

‫وتشمل القروض ‪ -‬وهي نادرة – وتأسيس الشركات وخصوصا‬


‫الشركات المختلطة بين الشركات الاسرائيلية والمؤسسات الحكومية‬

‫واسرائيل تفضل مثل هذا النوع من الشركات التي لها تأثير مباشر على‬
‫مواقف الحكومة وخاصة في السياسة الخارجية واهم هذه الشركات هي‬
‫) سوليل يونيه ( وتمولها الاحتكارات الامريكية ويشمل نشاط هذه الشركة‬

‫معظم الدول الافريقية وفي المجالات الاساسية ‪ .‬وقد استفادت اسرائيل‬


‫من هذا النشاط الاقتصادي ‪ -‬السياسي ‪ ،‬ونجحت في بعض المواقف على‬
‫الرغم ان العرب تعاونوا مع أكثر الدول الافريقية قبل الاستقلال وخاضوا‬
‫عها بصدق معركة الكفاح ضد الاستعمار وضحوا بالكثير من أجلها فان‬

‫اسرائيل هي التي جنت ثمار الاستقلال في العلاقات القائمة مع بعض الدول‬


‫ففي مؤتمر عدم‬ ‫الافريقية الحديثة في الناحيتين الاقتصادية والسياسية‬
‫الانحياز عام ‪ ١٩٦٥‬لم يتخذ المؤتمر قرارا واضحا بادانة السرائيل كما وقفت‬
‫الى جانبها بعض الدول الاسلامية التي ناصرتها ضد العرب ‪ ،‬وكما استطاعت‬
‫أن تقنع ‪ ٨‬دول أفريقية للتقدم بوجهة نظرها الى الامم المتحدة مطالبة‬
‫بالمفاوضة المباشرة بين اسرائيل والعرب ‪ ،‬كما تمكنت من الحصول على‬

‫قواعد عسكرية في ارتيريا وبعض الجزر كما رأينا ‪.‬‬

‫فضح الزيف الاسرائيلي ‪:‬‬

‫ان واقع اسرائيل الاقتصادي والاجتماعي يكذب ادعاءها في مساعدة‬


‫الدول النامية اقتصاديا والعمل على حل مشكلاتها ‪ ،‬فالطبيعة قترت عليها‬
‫بشكل واضح من حيث المياه وخصوبة التربة كما ان الموارد الشحيحة لا يمكن‬
‫أن تفسر تلك المساعدات ومن المستحيل أن يتطاول مريض على مرض‬
‫الآخرين ‪.‬‬

‫ان الوضع الاقتصادي في اسرائيل يفضح زيف الاسطورة الاسرائيلية‬

‫‪- 171-‬‬
‫ويؤكد دور الامبريالية العالمية ‪ .‬فاسرائيل تعيش على المساعدات الخارجي‬
‫بالدرجة الاولى •‬

‫‪ - 1‬المساعدات المالية الامريكية وليس الهدف من هذه المساعدات‬

‫التنمية العادية المزعومة ‪ .‬وانما هي في اسرائيل لتكون قاعدة عسكرية في‬


‫الشرق الاوسط ‪ .‬ومد اسرائيل بالدعم المالي والاقتصادي الذي يمكنها من‬
‫تنفيذ المخطط الامبريالي العدواني التوسعي‬

‫وقد سنت الولايات المتحدة قانونا رسميا ينص على ان التبرعات‬


‫لاسرائيل تعتبر وتحسب من الدخل ومعنى ذلك ان هذه التبرعات تعتبر‬
‫جزءا من الاموال الرسمية لدولة الولايات المتحدة ولولا هذه المساعدات‬

‫لانهار الكيان الاسرائيلي اقتصاديا بحيث بلغ العجز ‪ ۹۰۰‬مليون دولار عام‬
‫‪. ۱۹۷۰‬‬

‫‪-‬‬
‫التعويضات الالمانية ‪ .‬فألمانيا الغربية تدفع تعويضات لاسرائيل‬
‫نحت اسم التعويض عن ضحايا النازية من اليهود وقد بلغت التعويضات‬
‫‪ ٦,٥‬مليار دولار وستبلغ عام ‪ ) ۱۱ ٫ ۲ ( ١٩٧٥‬مليار دولار‬

‫‪ -‬بيع سندات اسرائيلية وبلغت ‪ ٦‬مليار دولار‬


‫{ ‪-‬‬
‫أفرجت بريطانيا عن مبالغ كبيرة من الارصدة الاسترلينية‬
‫لاسرائيل ·‬

‫تتحمل امريكا مسؤولية التسليح وكانت إسرائيل تدفع قبل عام‬

‫‪ ١٩٦٧‬سعرا رمزيا للسلاح الذي كانت تحصل عليه من فرنسا وبريطانيا‬


‫والمانيا الغربية ‪ .‬أما بالنسبة لامريكا فلا يزال تسليحها شبه مجاني فهي‬
‫تزود اسرائيل بالسلاح الكثير نظير تزويد بعض الاقطار العربية بالقليل •‬

‫هذا عدا عن الاموال التي جمعها اليهود في العالم خلال خمسين سنة مضافا‬
‫الى الرساميل الخاصة التي جاء بها الممولون ولا يقل ذلك في التقدير عن‬

‫‪ ١ ٫٥‬مليار دولار وكذلك القيمة المالية التي تركها العرب في الارض المحتلة‬
‫والتي تقدر بمبلغ ‪ ٦,٥‬مليون دولار ‪ .‬بالاضافة الى الارباح التي تجنيها‬
‫نتيجة استمرار احتلالها لمساحات واسعة من الارض العربية‬

‫بهذا الوضع نجد ان الاقتصاد الاسرائيلي طفيلي غير متوازن يعتمد‬

‫‪-- ١٦٢ -‬‬


‫على الخارج بالدرجة الأولى وبالتالي فان اسطورة الدخل القومي للفرد ‪.‬‬
‫ائيل و المرتفع الى ‪ ٣۵۰۰‬دولار سنويا لا اساس له من الصحة‬

‫مما تقدم نرى الاموال المستغلة في افريقيا ليست سوی رؤوس اموال‬
‫غربية ‪ .‬ان المساعدات المقدمة الى افريقيا باسم اسرائيل تعادل اربعــة‬
‫اضعاف ميزانيتها فمن أين لها هذه الاموال ‪ ..‬ان الاجابة واضحة بان‬
‫جميع الدلائل تشير الى ‪:‬‬

‫‪ -‬ان الحكومة الامريكية قد ساعدت على وضع وصياغة وتكييف‬ ‫‪ ۱‬ـ‬


‫•‬
‫مواد برامج المساعدة الاسرائيلية في أفريقيا‬

‫‪ ٢‬ـ ان الولايات المتحدة وحلفاءها قاموا بتمويل هذه البرامج من‬

‫خلال استخدام أسلوب العمل الخفي غير المباشر عن طريق هذا الطرف‬
‫الثالث ( اسرائيل )‬

‫ان اسرائيل لا تستطيع ان تبقى يوما واحدا دون المعونات الاجنبية‬


‫الاقتصادية والعسكرية ‪ .‬تلك حقيقة أكدتها الارقام والوقائع وهذا يكشف‬

‫لنا الطابع الطفيلي لاقتصاديات اسرائيل المعتمدة في جوهرها على استغلال‬


‫•‬
‫الطاقة الانتاجية في خارج اسرائيل ونهب الثروات لخدمة مآربها وأهدافها ‪.‬‬
‫لقد أزاح واقع اسرائيل الاقتصادي الستار عن مصادر الاموال التي تقدمها‬
‫اسرائيل في دول افريقيا تحت زعم التجربة الاسرائيلية الناجحة •‬

‫فضح الدور الاستعماري الاسرائيلي ‪:‬‬

‫ان العلاقة بين الصهيونية واسرائيل من جهة والدول الاستعمارية‬


‫من جهة ثانية هي علاقة عضوية انها علاقة الجزء بالكل وهي وان كانت‬

‫علاقة مصالح متبادلة في جوهرها علاقات استعمارية استغلالية ‪ ،‬الا انه‬

‫يبقى لكل من طرفي المعادلة الجماعية الخاصة التي تلتقي في نهاية التحليل‬
‫عند المصالح المشتركة والمخصصات المشتركة المعادية لقضية التحرير‬
‫والتقدم في العالم ‪.‬‬

‫ان القضايا الاستراتيجية الكبرى لا خلاف حولها وان وقع أي خلاف‬


‫فعلى التفاصيل والامور التكنيكية ·‬

‫‪-174-‬‬
‫هذا هو واقع الحركة الصهيونية واسرائيل ‪ ،‬فهل صحت بعض الدول‬
‫الافريقية التي تعطي لاسرائيل دورا كبيرا في المشاريع الاقتصادية والعمرانية‬
‫ونواحي التدريب ؟ ‪..‬‬

‫في الواقع وقع تحول كبير في مواقف كثير من الدول الافريقية تجاه‬
‫اسرائيل وذلك بفضل المشاركة الفعلية للقوى التقدمية الثورية العربية ‪،‬‬

‫التي أوضحت أهداف اسرائيل العميلة وبفضل افتضاح سياسة اسرائيل‬


‫العدوانية ‪ ،‬وكانت البداية في مؤتمر باندونغ نيسان ‪ ١٩٥٥‬حيث بدأت‬
‫الشعوب الافريقية الآسيوية تدين اسرائيل وتؤيد حقوق الشعب العربي‬
‫في فلسطين وكذلك في مؤتمر افريقي آسيوي عقد في القاهرة عام ‪١٩٥٨‬‬
‫وأعلن لأول مرة ( ان اسرائيل قاعدة استعمارية تهدد تقدم الشرق الاوسط‬
‫وسلامته » وتوالت المؤتمرات وكانت قرارات الادانة تختلف من حيث القوة‬
‫والوضوح من مؤتمر الآخر ‪ ،‬وكانت الاهمية لهذه القرارات ان بعض الدول‬
‫الافريقية الموقعة على القرارات لها تمثيل دبلوماسي مع اسرائيل ·‬

‫لقد وقع تحول كبير في موقف كثير من الدول الافريقية تجاه اسرائيل ‪،‬‬
‫خصوصا بعد زيارة جولدا مائير لافريقيا وتأييدها لدور الاستعمارفي الكونغو ‪،‬‬

‫وقد ساعد في هذا التحول الثورات التقدمية في الوطن العربي التي استطاعت‬
‫ان تغير كثيرا من المفاهيم الافريقية تجاه اسرائيل ودورها الاستعماري في‬
‫افريقيا وكان آخرها مواقف عدد من الدول الافريقية وقطع علاقاتها‬
‫الدبلوماسية باسرائيل ‪ ،‬ولا شك أن انتصار حركة التحرر العربية وترسيخ‬

‫خط التطور التقدمي في البلدان العربية سيضع بداية النهاية لاسرائيل التي‬
‫تؤكد تجارب الشعوب والتطور العالمي انه لا مستقبل لها ‪ ،‬أن المستقبل‬
‫لقضية الشعوب المكافحة ‪ ،‬قضية التحرر والتقدم والاشتراكية ‪ ،‬قضية حق‬

‫الشعوب في تقرير مصيرها وتحقيق وحدتها وسيادتها فوق أرضها‬

‫والخلود لرسالتنا‬

‫‪-178-‬‬
‫ا‬
‫لمراجع‬

‫‪ -‬التحدي الاسرائيلي ومواجهته‬

‫انيس القاسم ‪ ١٩٦٩‬معهد البحوث والدراسات العربية‬

‫القضية الفلسطينية ‪ -‬ندوة القانونيين العرب المنعقدة في الجزائر تموز ‪١٩٦٧‬‬

‫‪ -‬في المجتمع الاسرائيلي ‪ - .‬دكتور اسعد رزق ‪ ۱۹۷۱‬معهد البحوث والدراسات العربية ‪.‬‬

‫اسرائيل والمشكلة الفلسطينية ‪ - .‬فرانتز شايدل ترجمة ( محمد جديد )‬

‫‪ -‬ارقام ووقائع عن الدول () العنصرية الصهيونية ) ‪ -.‬محمد المصري – محمد منصور ‪.‬‬

‫‪ -‬فلسطين في مخطط الصهيونية والاستعمار ‪ - .‬دكتور احمد طربين‬

‫‪ -‬قضايا الدين والمجتمع في اسرائيل ‪ - .‬دكتور اسعد رزق ‪.‬‬

‫‪ -‬العمل العربي المشترك في المجال الدولي ‪ - .‬دكتور السيد نوفل ‪.‬‬

‫‪ -‬محاضرة الصهيونية ومراكز القوة في الغرب ‪ - .‬دكتور حسين مؤنس‬

‫شاکر مصطفی‬ ‫محاضرة بعنوان وعد بلفور‬

‫محاضرة الكيان الاقتصادي الاسرائيلي ‪ - .‬يوسف ابو الحجاج ‪.‬‬

‫‪ -‬عودة بطرس عودة‬ ‫‪ -‬القضية الفلسطينية في الواقع العربي‬

‫‪ -‬دكتور نور الدين حاطوم ‪.‬‬


‫‪ -‬محاضرات عن حركات القومية العربية ‪– .‬‬

‫اعداد من مجلة صوت فلسطين ‪.‬‬


‫اسرائیل‬

‫الاسرائيلي‬ ‫واقعها ‪ -‬والصراع العربي‬

‫—‬
‫‪-177-‬‬
‫تعتبر الصهيونية نفسها ايديولوجية قومية تقوم على الرغم بان‬
‫اليهود شعب واحد له ماضيه الواحد وله هدف عام واحد ومصير واحد ‪،‬‬
‫على الرغم من تشتت شمله عبر القرون ‪ .‬ومنذ البدء قدمت الصهيونية‬
‫نفسها على أنها بديل للمسألة اليهودية ‪ ،‬ودعت يهود العالم جميعا الى‬

‫الهجرة الى ( أرض الميعاد ( لكي يستأنفوا حياتهم القومية التي انقطعت‬
‫بسبب الشتات ‪ .‬وقد صاحبت هذه الدعوة نزعة شوفينية اتصفت بالتمييز‬

‫والاستعلاء وانكارحقوق الاخرين ‪ .‬وكانتنظراتهم الى العرب الفلسطينيين‬


‫بوجه خاص اشد عنصرية من نظرة الامريكيين الـــــــى الهنود الحمر أو‬
‫الروديسيين الى الافريقيين ‪ .‬ولقد التقت آراء الزعماء الفكريين الصهيونيين‬

‫حول مسألة التخلص من العرب ‪ ،‬ولكنهم تفاوتوا أحيانا في انتقاء الوسيلة‬

‫ان النزعة الشوفينية والنزعة العسكرية العدوانية لا تنفصلان ‪،‬‬

‫وقد كانتا لب الحركة النازية في ثلاثينات هذا القرن ‪ .‬وينسى الناس عادة‬
‫ان السبق في هذه النزعة يرجع الى ان الفكر الصهيوني سبق النازية في‬
‫الزمن وفاقها في درجة الوضوح‬

‫وتكشف كتابات تيودور هرتزل انه كان يفضل لو تقوم الدولـــــــــــــة‬


‫‪.‬‬
‫الصهيونية بقوة السلاح ‪ ،‬كما تكشف عن تمسك شديد بالعنف والقوة ‪.‬‬
‫وتشير هذه الكتابات الى تصور مزدوج للطرفين الصهيوني والعربي منذ‬
‫على السلاح‬ ‫أواخر القرن التاسع عشر ‪ .‬فالطرف الصهيوني سيعتمد‬
‫والعنف الجماعي المنظم وسيضم جيشا » الرجال البائسين الذين هم افضل‬
‫الغزاة » ‪ .‬وأما الطرف العربي فسيكون » قطيعا من الوحوش » علاجــــه‬
‫هو الابادة الجماعية ‪ .‬ولم تكن مذابح دير ياسين ونحالين وغيرها سوى‬
‫حفلات صيد كبيرة سيقت اليها القطعان العربية على طريقة هرتزل ‪.‬‬

‫ان دولة اسرائيل ليست دولة تقليدية ‪ ،‬فهي لم تنشأ بالتدريج ضمن‬
‫حدود معينة ‪ ،‬وانما أنت تجسيدا لعمل ايديولوجي وسياسي ‪ ،‬ولذلك فهي‬

‫‪--171-‬‬
‫تعكس هذا العمل تماما وتصر الطبقة الحاكمة الاسرائيلية على الطبيعة‬

‫الصهيونية لاسرائيل وترفض أي فهم آخر لها ‪ .‬ان هذه المسألة شديدة‬
‫الاهمية بالنسبة لكل مفكر يساري وتقدمي لانها تتطلب منه ان ينظر الــــى‬
‫اسرائيل نظرة مختلفة من نظرته الى أي بلد في العالم ‪ ،‬وان لا يتوقع منها‬
‫نفورات اجتماعية وسياسية شبيهة بما يحدث في المجتمعات العادية‬
‫فاسرائيل لم تستوعب سوى جزء من يهود العالم ( حوالي ربعهم‬

‫اليوم ) ‪ ،‬واحتلت حتى الان جميع أراضي فلسطين واراض من أجزاء‬


‫ثلاث دول عربية أخرى مجاورة ‪ .‬لنفترض ان اسرائيل أصابت نجاح‬

‫جديدا في استقدام مهاجرين يهود بكميات ضخمة ‪ ،‬أين سيقيم هؤلاء ‪ ،‬وهل‬
‫يمكن ان تكتفي الدولة الصهيونية بحدودها الحالية ‪ ،‬وأي سلام يمكن أن‬
‫يسود في منطقة محدودة الموارد يفد اليها كل عام مئة الف مهاجر مشبعون‬
‫بروح العداء لاهالي المنطقة وبنزعة شوفينية عدوانية ؟ ‪.‬‬

‫ان الايديولوجية الصهيونية التي تسود اسرائيل تقوم على اعتبار‬


‫مــــــــــ‬
‫كل المنطقة الممتدة بين النيل والفرات « أرض اسرائيل » ‪ .‬وتعتبر‬

‫حققته حتى اليوم من ( فتوحات ( ليس الا اسرائيل الصغرى ‪ ،‬بل ان‬
‫الاراضي المحتلة حتى اليوم لم تستكمل حدود اسرائيل الصغرى وينقصها‬
‫حسب المخططات الصهيونية جنوب لبنان ومنابع نهر الاردن والهضــــــــــاب‬
‫الشرقية المحاذية لنهر الاردن ومنطقة حوران في سورية ‪ .‬ويزيد من خطورة‬
‫الامر ان دولة اسرائيل حتى اليوم لم تشر الى حدودها ‪،‬في بيان رســـــــــ‬
‫وعند انشاء الدولة سنة ‪ ١٩٤٨‬ثارت مناقشات كبيرة حول حدود الدولة ‪،‬‬

‫وتقرر الاكتفاء بدستور مؤقت بدلا من الدستور الدائم لكي تتجنب الدولة‬
‫وضع نفسها ضمن أطر جغرافية وسياسية محددة‬

‫ان هذا الواقع بحد ذاته يشكل عقبة نوعية في طريق أية تسوية‬
‫سلمية في الشرق الاوسط ‪ ،‬لان اسرائيل لا تستطيع من الناحية الايديولوجية‬
‫‪ -‬على الاقل ‪ -‬ان تلتزم بحدود معينة‬

‫من خلال ما تقدم نلاحظ التناقض الصارخ بين مفهوم الدول‬

‫الصهيونية وأبسط مفهومات السلام ‪ .‬ان الحق هنا ينظر اليه من طرف‬
‫واحد ‪ ،‬وهو حق الطبقة الحاكمة الاسرائيلية وزعماء الصهيونية العالمية‬

‫في حشد يهود العالم في فلسطين وتسخيرهم للمآرب والاطماع الامبريالية ‪.‬‬

‫‪-179-‬‬
‫أما العدالة فهي غير واردة هنا ‪ ،‬لان التوسع يتم على حساب مجتمعـــــات‬

‫بشرية لا يحسب لها حساب وكأنها غير موجودة على الاطلاق ‪ .‬أما‬

‫المشاركة الانسانية فهي كلمة غير موجودة في قاموس الصهيونية ‪ ،‬فالمهم‬


‫ان تقوم اسرائيل التاريخية ولو على حساب المصير الانساني كله ‪ ،‬خاصة‬
‫وان العلاقة بين الامبريالية والصهيونية علاقة قديمة ومستمرة وهي أقرب‬
‫الى علاقة الكل بجزء منه ‪ ،‬في الوقت الذي لا يحول ذلك دون ان يكون لهذا‬
‫الجزء بعضا من السمات الخاصة ‪ ،‬والتي تنعكس على أمتنا العربية بذلك‬
‫التزييف الكبير في هوية التراب العربي والتبديل في البنية الجغرافية العربية‬
‫للجزء من الوطن العربي الذي يستقر فيه غزاة القرن العشرين على حساب‬
‫تشريد وابادة الانسان العربي ‪ .‬ومن هنا نرى بأن اسرائيل قد خلقت‬
‫لتكون أداة للامبريالية والصهيونية في تكريس واقع التبعية والتجزئة‬
‫والتخلف ‪ ،‬علاوة على ذلك السمات الخاصة المتعلقة بالاستعمار‬

‫الاستيطاني الذي أوجد في قلب الوطن العربي باقامة اسرائيل وهذا بحد‬
‫ذاته يوضح طبيعة العلاقة بين اسرائيل والامبريالية وكون الاولـــــــى أداة‬
‫أساسية للثانية ‪ .‬ان هذه الرابطة ليست بالامر المبتكر ‪ .‬فلا هي من بنات‬
‫افكار الامة العربية ولم تكتشف حديثا على يد المنظرين التقدميين‬

‫من خلال هذا العرض لا بد لنا من تسجيل بعض الملاحظات المتعلقة‬

‫بواقع النضال العربي ضد عدو الامة العربية الشرس المتمثل بالامبريالية‬


‫والصهيونية على اعتبار ‪ ،‬ان اصراع الامة العربية مع الصهيونية‬
‫والامبريالية في الارض المحتلة تمثل العقدة الاساسية التي يشكل حسمها‬
‫في صالح الامة العربية تمهيدا للطريق أمام هذه الامة لتحقيق آمالها‬
‫واهدافها في الوحدة والحرية والاشتراكية‬

‫‪ - ۱‬لقد ادى قيام دولة اسرائيل احتلالثمانية بالمائةمن أرضفلسطين‬


‫وخروج ثلاثة ارباع المليون من عرب فلسطين الى الاقطار العربية المجاورة‬
‫وضم معظم الجزء الباقي منها الى شرقي الاردن ‪ ،‬ووضع قطاع غزة تحت‬
‫الادارة المصرية ‪ ..‬الى تلاشي الوجود القانوني لشعب فلسطين والى‬
‫بعثرة الحركة الوطنية الفلسطينية وطرح المسألة الفلسطينية كمسالة‬
‫لاجئين من قبل القوى الامبريالية والصهيونية الى ان بدات الحركة الوطنية‬

‫الفلسطينية في التبلور من جديد ‪ ،‬اثر النجاحات التي حققتها قوى الثورة‬


‫العربية بقيام ثورة البعث في كل من سورية والعراق ‪ ،‬وانتصار الثورة‬
‫الجزائرية ‪ ،‬وقيام ثورة تموز في مصر ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪- ۱۷۰ -‬‬
‫‪-‬‬
‫‪-‬‬
‫اكتسب دور الولايات المتحدة الامريكية في المنطقة أهمية خاصه‬
‫بعد تراجع الاستعمارين البريطاني والفرنسي ‪ .‬وتعتمد الامبريالي‬
‫الامريكية وغيرها من الدول الامبريالية على أهمية وجود « استقرار »‬

‫في المنطقة يؤمن استمرار وتنمية مصالحها الاقتصادية الاحتكارية وخاصة‬


‫النفط العربي ‪.‬‬

‫ومن هنا جاء اصدار الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وبريطانيا‬

‫ما عرف بالبيان الثلاثي عام ‪ ١٩٥١‬الذي نص الحفاظ على التوازن في‬

‫التسلح بين الدول العربية واسرائيل ‪ ،‬وهذا لا يغني شيئا سوى تفوق‬

‫اسرائيل العسكرية على الدول العربية مجتمعة ‪ ،‬وضمان حدود دول المنطقة‬

‫واستقرارها أي ضمان حدود اسرائيل وعدم تعرض هذه الحدود لخطــر‬


‫القوى العربية ‪ .‬ولذلك عمدت الدول الامبريالية الى تقدم فيض من‬

‫المعونات العسكرية والمالية والتقنية لاسرائيل ‪ ،‬كما قامت من جهة ثانية‬

‫بمحاولات لربط البلدان العربية بعجلة الاحلاف الاستعمارية كحلف بغداد‬

‫وطرح نظرية الفراغ في المنطقة التي ناضلت ضدها الجماهير العربيـــــــة‬


‫نضالا مريرا ·‬

‫‪ - ٣‬تنامي الحركة الثورية نتيجة لهزيمة عام ‪ ، ١٩٤٨‬ولظهـ‬


‫حركة حزب البعث العربي الاشتراكي التي استطاعت ان تشخص بعلمي‬
‫وموضوعية الواقع المرضي للامة العربية ‪ ،‬وتحديد اعداء هذه الامـــــــــة في‬
‫الداخل والخارج وتحدد موقفها منها ‪ ،‬حيث اعلنت ان مشكلة الامــــــــ‬
‫العربية تكمن في التخلف والتبعية والتجزئة ‪ ،‬وبأن حل هذه المشكلة هو‬

‫الوحدة والحرية والاشتراكية ‪ ،‬كما اعلنت موقفها الواضح المعادي‬


‫للامبريالية والاستعمار بجميع اشكاله ‪ ،‬وبوقوفها الى جانب شـ‬
‫شعوب‬
‫العالم في نضالها من أجل التحرر الوطني والاجتماعي ‪ ،‬كما اعلنت موقفها‬
‫الواضح ايضا من الرجعية البورجوازية المرتبطة بالاستعمار والتي تعتبر‬
‫دة‬ ‫من معوقات انجاز الامة العربية لامالها وطموحاتها في تحقيق الوم‬

‫العربية ‪ ،‬وبناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد ‪ ،‬كما اعلنت حركـــــــــة‬


‫البعث الثورة طريقا وحيدا لتحقيق الامة العربية لاهدافها فخاضت نضالا‬

‫عنيدا ضد القوى السوداء في الوطن العربي وضد محاولات ربط الدول‬


‫العربية بالاحلاف الاستعمارية ‪ ،‬كما اعلنت أهمية الانفتاح على الدول‬

‫‪- ۱۷۱ -‬‬


‫لبلوغ‬ ‫الاشتراكية ‪ ،‬وأهمية دور المنظومة الاشتراكية في تعزيز نضالهـ‬
‫أمانيها الوطنية والاجتماعية ‪.‬‬

‫وسرعان ما اصبحت الافكار التي طرحتها حركة البعث العرب‬


‫الاشتراكي تمثل العمود الفقري في المنطلقات الفكرية للحركات العربي‬
‫الثورية خاصة ‪ ،‬وانها ترجمت افكارها الى اعمال عندما بدأت عمليـ‬

‫بناء الحزب القومي التي تعتبر الأولى من نوعها على صعيد الوطن العرب‬
‫منذ اليقظة العربية الحديثة والتي أوقفها دخول الاستعمار المنطقة العربية‬
‫لمدة تزيد عن ربع قرن ‪.‬‬

‫‪ -‬عمدت اسرائيل منذ قيامها الى الاستمرار في تعميق وتعزيز‬


‫{ ـ‬
‫مرتكزاتها العملية فعمدت الى استقدام المزيد من المهاجرين اليهود ‪ ،‬بحيث‬
‫ارتفع عدد السكان الى خمسة اضعاف ما كانت عليه في عام ‪ ١٩٤٨‬وعززت‬
‫قواها العسكرية الى درجة تحويل مجتمعها كله الى مجتمع عسكري يخدم‬
‫الاغراض العدوانية للدولة ‪ .‬كما عملت على تحويل مجرى نهر الاردن‬
‫متجهة بذلك كله الى تحقيق المرتكز الثالث للبرنامج الصهيوني وهو التوسع‬

‫و اغتصاب الارض على النحو الذي تم في عدوان حزيران عام ‪، ١٩٦٧‬‬

‫والمحاولات التي جرت بعد هذا العام لتعزيز قبضة اسرائيل فوق الاراضي‬
‫‪.‬‬
‫التي اغتصبتها‬

‫لقد ارتبط مسار النضال العربي بعد عام ‪ ١٩٤٨‬بهذه المسائل ارتباطا‬
‫وثيقا ‪ .‬فمنذ عام ‪ ١٩٤٨‬والنهاية الفاجعة التي انتهت اليها الحرب العربية‬

‫الاسرائيلية الأولى ‪ ،‬تصاعد نشاط القوى الثورية العربية لاسقاط الانظمة‬


‫الرجعية البورجوازية والديكتاتوريات العسكرية‬

‫ففي سورية قام حزب البعث العربي الاشتراكي بدور اساسی‬


‫النضال ضد الاحزاب التقليدية البورجوازية وبقايا الاقطاع والقوى‬
‫الرجعية واليمينية الممالئة للاستعمار ‪ ،‬كما ساهم باسقاط الديكتاتوري‬

‫العسكرية ( أديب الشيشكلي ) عام ‪ ، ١٩٥٤‬ومن ثم عمد الى دفع السلطة‬


‫من خلال قواعده الجماهيرية في القطاعين المدني والعسكري الى اسقاط‬

‫سياسة ( التوازن والاستقرار ( التي اعتمدتها الولايات المتحدة الامريكية‬


‫المنطقة حيث جرى كسر طوق التسلح من العرب والانفتاح على البلدان‬

‫‪۱۷۲ --‬‬
‫‪-‬‬
‫الاشتراكية وفي طليعتها الاتحاد السوفييتي ‪ ،‬كما عمد الى مقاومة الاحلاف‬
‫العسكرية ومحاولات سد الفراغ الامريكية ‪ ،‬كما دعا الى تصفية القواعد‬
‫الاستعمارية ‪ ،‬وساهم في خلق تجمع قوي من القوى الوطنية التقدمية وفي‬
‫القطر ‪ ،‬كما ساهم في قيادة‬ ‫تصفية الجيوب الرجعية الممالئة للاستعمار في‬
‫القطر باتجاه تحقيق الوحدة العربية حيث قامت وحدة عام ‪ ١٩٥٨‬بين‬
‫سورية ومصر‬

‫في مصر قامت ثورة تموز عام ‪ ۱۹۵۲‬والتي تحولت تدريجيا الى‬
‫ات مضامين قومية واجتماعية ‪•.‬‬
‫ثورة ذ‬

‫‪ -‬وفي العراق قامت ثورة ‪ ١٤‬تموز استجابة للمد القومي الاشتراكي‬


‫•‬
‫في سورية ومصر فأسقطت النظام الملكي في العراق‬

‫‪-‬‬
‫ولقد شهد المغرب العربي أيضا قيام حركات تحرر وطني ‪ ،‬وقامت‬
‫الثورة الجزائرية في منتصف الخمسينات‬

‫لقد أخل تصاعد النضال العربي واتجاهه اتجاها قوميا استراتيجية‬


‫( التوازن والاستقرار ( الامبريالية ‪ ،‬قيام عدوان ‪ ١٩٥٦‬الذي ساهمت فيه‬
‫بريطانيا وفرنسا واسرائيل ‪ .‬وفشل هذا العدوان في تحقيق اهدافه نتيجة‬
‫الصمود القوي الثورية العربية‬

‫وشهدت مطالع الستينات تحولات جوهرية أخرى فقد سقطت وحدة‬


‫وبالمقابل‬ ‫عام ‪ ١٩٥٨‬بين سورية ومصر بسبب انفصال عام ‪١٩٦١‬‬
‫حققت الثورة الجزائرية انتصارها حيث هزمت الاستعمار الفرنسي ‪ ..‬وفي‬
‫‪.‬‬ ‫عام ‪ ١٩٦٣‬قامت ثورة البعث في كل من سورية والعراق‬

‫ومن خلال فشل تجربة الوحدة السورية المصرية وانتصار الثورة‬

‫الجزائرية ‪ ،‬وقيام ثورة البعث في سورية والعراق ‪ .‬هذه الثورة التي‬


‫خلقت ظروفا و آفاقا جديدة للصراع العربي مع الصهيونية والامبرياليا‬
‫رغم عظم وثقل مهماتها الداخلية بدأت حركة تحرر وطني فلسطينية في‬
‫الظهور والتكوين ووحدت الحركة هذه مناخها الصحي والطبيعي لدى سلطة‬
‫البعث في سورية بشكل خاص‬

‫‪-- ۱۷۳ -‬‬


‫وفي المقابل كانت اسرائيل تعمل على تعميق مرتكزاتها العملية‬
‫حيث اثباتها بالمهاجرين وتحويلها لمجرى نهر الاردن ‪ .‬وبنائها قوة عسكرية‬
‫ضخمة بذلت الامبريالية الدولة الامريكية خاصة كل جهودها في دعمها‬

‫ونتيجة لتعاظم المد الثوري العربي ‪ .‬فقد قامت اسرائيل بعدوان‬


‫حزيران عام ‪ ١٩٦٧‬على الامة العربية منهزة فرصة انهماك الانظمة الثورية‬
‫في انجاز مهماتها الاجتماعية الداخلية والخلافات بين تلك الانظمة من جهة‬

‫ثانية ‪ ،‬واستهدفت في عدوانها هذا تحقيق التوسع في الارض العربيـ‬


‫واسقاط الانظمة الثورية العربية‬

‫ولقد حققت الصهيونية والامبريالية نجاحا ملموسا على صعيد التوسع‬


‫في الارض ولكنها فشلت في اسقاط الانظمة الثورية العربية نظرا للدع‬
‫الجماهيري الذي لقيته تلك الانظمة من جهة ‪ .‬وللدعم الذي لقيته من البلدان‬
‫الاشتراكية على كافة الاصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية ‪..‬‬

‫ولقد ادى عدوان حزيران في عام ‪ ١٩٦٧‬الى نتائج كبيرة الاهمية‬


‫فهو قد وضع القضية الفلسطينية ومواجهة الصهيونية في مكان الاولوية‬
‫بالنسبة لحركات التحرر العربي وانطلقت الثورة الفلسطينية كفصيل‬
‫تجسد ارادة الامة العربية‬ ‫اساسي من فصائل الحركة الثورية العربية‬
‫برفض الهزيمة ·‬

‫وجاءت حرب تشرين التحريرية وما حققته من نتائج بالغة الاهمية‬

‫في الساحة العربية والدولة على حد سواء ‪ .‬فعلى الصعيد العربي انهــت‬
‫هذه الحرب الشعور باليأس والعجز الذي ساد الامة العربية خلال‬
‫السنوات التي تلت عدوان حزيران عام ‪ ١٩٦٧‬وخلقت لدى الامة العربية‬
‫بالتالي شعورا بالامل والتفاؤل والقدرة على تحقيق النصر ‪ .‬كما فرضت‬
‫على العالم بأجمعه ان ينظر نظرة ملؤها الجدية الى تطلعات الامة العربية‬

‫في تحقيق وحدتها ‪ ،‬والانسحاب الكامل للعدو الصهيوني من الاراض‬


‫العربية واستعادة الحقوق المغتصبة للشعب العربي الفلسطيني‬

‫الواقع السياسي والاجتماعي في اسرائيل ‪:‬‬

‫ان الواقع السياسي والاجتماعي في اسرائيل ينطوي على تناقضات‬

‫‪- ١٧٤ -‬‬


‫ونقاط ضعف اساسية سواء علىمستوى التركيب السياسي أو الاجتماعي‬
‫بالرغم من محاولة الدعاية الصهيونية والاستعمارية المستمرة التغنـ‬
‫بالديمقراطية الاسرائيلية ·‬

‫فبعد حرب تشرين التحريرية طفت على السطح خلافات وتناقضات‬


‫اجتماعية كثيرة كانت مضغوطة ‪ ،‬وتبين ان المجتمع الاسرائيلي قائم على‬

‫التباين والتمييز والتضارب والظلم ‪ ،‬كما تبين ان الغطاء الديمقراط‬


‫المصطنع للسياسة الاسرائيلية يخفي تحته حكما استبداديا يمارسه تحالف‬
‫حزب العمل في المؤسسة العسكرية‬

‫ان هذه التناقضات تفعل فعلها اليوم ‪ ،‬وهي تتطور باستمرار وتضع‬
‫امام اسرائیل مشکلات کبری داخلية تؤدي الى عرقلة نموها العدواني‬
‫وقد تؤدي الى انكماشها ثم ضمورها اذا صاحب ذلك ضغط عربي مستمر‬
‫عسكري وسياسي ‪ ،‬يهدف على الاقل الى عدم اعطاء المجتمع الاسرائيلي‬
‫فرصة الاستقرار‬

‫الحياة السياسية في اسرائيل ‪:‬‬

‫تتبع اسرائيل نظام الديمقراطية البورجوازية على النحو المعروف‬


‫في أوروبا الغربية ‪ ،‬ولا سيما في فرنسا ‪ .‬وتتعدد فيها الاحزاب وتتنوع‬
‫حتى تشمل تقريبا جميع أنماط الاحزاب المعروفة في العالم من أقصى اليمين‬

‫الى اقصى اليسار ‪ ،‬وهذا التنوع يعكس طبعا التنوع البشري والفكري‬

‫في الدولة الصهيونية التي تضم أناسا ينتمون الى اكثر من ‪ ١٢١‬بلدا ‪،‬‬
‫ويتكلمون أكثر من ثلاثين لغة وينتسبون الى مختلف التيارات الثقافية‬
‫والسياسية المنتشرة في العالم ‪ .‬ومن الواضح أن قيادة الحركة الصهيونية‬
‫راضية عن هذا التنوع ‪ ،‬وربما كانت تشجعه نسبيا لانه يفيدها في اعطاء‬

‫انطباع عن وجود حرية كاملة في المجتمع الاسرائيلي من جهة ‪ ،‬ولأنه من‬


‫جهة ثانية يساعد على اعطاء اليهود القادمين من مناطق مختلفة في العالم ‪،‬‬
‫الشروط السياسية الاكثر مشابهة لتلك التي يعيشونها في‬ ‫فرصة انتقاء‬

‫بلدانهم الاصلية وذلك من خلال التنوع في التركيب السياسي الاسرائيلي‬

‫‪ ١٤ -‬حزبا باستثناء‬ ‫‪١١‬‬ ‫ويتراوح عدد الاحزاب الاسرائيلية بين‬


‫الاحزاب الصغيرة جدا ‪ ،‬ومن الصعب تحديد عدد دقيق لها لأن هذه الاحزاب‬

‫‪- ۱۷۵ -‬‬


‫معرضة باستمرار للانشقاقات ‪ ،‬وهناك دائما أحزاب صغيرة تنشق‬
‫‪-‬‬
‫وأحزاب أخرى تتكتل ‪ ،‬ومعظم هذه الاحزاب ـ ان لم يكن كلها ـ تلتقي عند‬
‫الايديولوجية الصهيونية بما تتضمنه من دعوة الى اسرائيل التاريخية ‪ ،‬ومن‬ ‫•‬

‫تعصب شوفيني ‪ ،‬ومن ايمان بضرورة استيعاب يهود العالم جميعا في‬
‫اسرائيل‬

‫ويمكن تصنيف الاحزاب السياسية الاسرائيلية ضمن الزمر التالية ‪:‬‬

‫‪ - 1‬أحزاب اليمين ‪ :‬وأهمها حزب الاحرار وحزب حيروت الذي‬


‫انقلب عن منظمة أرغون الارهابية‬

‫‪ -‬الاحزاب الدينية ‪ :‬وأهمها حزبا بوعال مزراحي ‪ ،‬وبوعالي‬


‫اغودات اسرائيل ‪ ،‬ويلعب هذان الحزبان دورا مهما في الحياة السياسية‬
‫‪.‬‬
‫الاسرائيلية على الرغم من كونهما محدودي الانصار‬

‫ـ الاحزاب العربية ‪ :‬وهي أحزاب جزئية صغيرة مرتبطة بحزب‬


‫الماباي الحاكم ‪ ،‬أما منظمة الأرض وغيرها من المنظمات العربية الوطنية‬
‫فتعتبر غير شرعية وهي مطاردة من قبل السلطات الاسرائيلية‬

‫{ ـ الاحزاب اليسارية والاحزاب التي تسمي نفسها اشتراكية ‪:‬‬


‫وأهمها حزب الماباي وهو الذي نظم « هاغاناه » وأشرف على الوكالة‬
‫اليهودية ونظم خطة الاستيلاء على فلسطين ‪ ،‬وما زال يقود الحياة‬
‫السياسية الاجتماعية الاسرائيلية ‪.‬‬

‫وهناك أيضا حزب أحدوت ها عافودا ‪ ،‬وحزب المابام وحزب رافي‬

‫‪ .‬يضاف الى ذلك‬ ‫وقد قويت هذه الاحزاب بعد انشقاق حزب ) ماباي )‬
‫الحزب الشيوعي الذي تأسس في أعقاب وصول الشيوعيين الى فلسطين‬
‫عام ‪ ، ١٩١٩‬وقد انشق سنة ‪ ١٩٦٥‬الى فئة يهودية بزعامة ميكونيس‬

‫و د ‪ .‬موشي سنيه وفئة غالبيتها عربية يتزعمها توفيق طوبي واليهودي‬


‫مايرفيلز ‪ ،‬وتعرف الفئة الاخيرة باسم الحزب الشيوعي ( راكاح ) ‪.‬‬

‫وقد أدت حرب تشرين التحريرية الى بروز حركات وانتشار‬


‫اضطرابات ومظاهرات في اسرائيل خلال الانتخابات التي جرت بعد هذه‬
‫الحرب ·‬

‫‪- ١٧٦ -‬‬


‫ومما يلفت النظر ان الاحزاب الرئيسية التي تؤلف عماد الحكم في‬
‫اسرائيل تدعي الاشتراكية وتنتسب الى ما يسمى ( بالاشتراكية الدولية ) ‪،‬‬
‫وهي مجموعة من الاحزاب الاشتراكية المناوئة للشيوعية ‪ ،‬على أن‬

‫الادعاءات الاشتراكية في الاحزاب الصهيونية يجب أن تؤخذ بحذر ‪ ،‬فهذه‬


‫‪ ،‬وتعمل بولاء كامل‬ ‫الاحزاب تتخذ الصهيونية المتعصبة عقيدة لها‬
‫للاستعمار والامبريالية ‪ ،‬وتتبنى سياسات التوسع والعدوان ‪ ،‬وربما كان‬
‫أبرز ما فيها تشديدها على قيمة العمل أما ما عدا ذلك فمن الصعب تبين‬

‫الاوجه الاشتراكية لنشاطاتها ‪ .‬على أن الطابع الاشتراكي الذي تحرص‬


‫الاحزاب الصهيونية على التستر من ورائه ضارب الجذور في الحركة‬
‫الصهيونية ‪ ،‬وقد رافقها منذ نشأتها بل لقد جرت محاولات قديمة من أجل‬
‫( مركسة ( الحركة الصهيونية اشترك فيها اسحق بن زفي ) الذي أصبح فيما‬
‫بعد رئيس الدولة الصهيونية ‪ ،‬وكانت هذه المحاولات تهدف الى كسب‬
‫البروليتاريا اليهودية •‬

‫والحقيقة أن العداء الايديولوجي والسياسي قديم بين الماركسية‬


‫والصهيونية ‪ ،‬وقد نجم في الاصل عن التنافس على الجماهير اليهودية بين‬
‫الطرفين ‪ .‬ومن المعروف أن ماركس لم يكن يعترف بوجود ما يسمى بالمسألة‬
‫اليهودية ‪ ،‬بل ارتأى أن حل مشكلة اليهود مرتبط بحل مشكلة الاستغلال‬
‫اي بنضال اليهود وغيرهم ضد الطبقات المستغلة ‪ ،‬وفيما بعد أكد لينين هذه‬
‫الناحية أكثر من مرة‬

‫ويطرح التركيب السياسي الاسرائيلي مشكلات كثيرة تتعلق بصلب‬


‫الكيان الاسرائيلي وتختلف عن مشكلات اية دولة أخرى في العالم وأهم‬
‫هذه المشكلات مشكلتا الجنسية والعودة ‪ ،‬وتمنح قوانين اسرائيل الصادرة‬
‫منذ سنة ‪ ۱۹٥٠‬الجنسية بشكل آلي لكل يهودي في العالم ‪ ،‬كما أن قانون‬
‫العودة يمنحه حق الاستيطان في اسرائيل وما يترتب على ذلك من حقوق‬

‫اخرى ‪ ،‬وتثير هاتان المشكلتان مسائل معقدة كثيرة وفي مقدمتها تعريف ‪ :‬من‬
‫هو اليهودي * وتجعـل هذه المسائل من اسرائيل دولة عجيبة متغيرة‬
‫الامكانات ‪ ،‬مما يبعد بهذه الدولة عن وضع دستور دائم لها أو تحديد تخوم‬

‫جغرافية ‪ ،‬وبذلك تظل هذه الدولة مصدر خطر دائم في المنطقة يعكس‬
‫اضطراب تركيبها السياسي والغليان المستمر في داخلها والتماوج في‬
‫علاقاتها الدولية‬

‫‪-‬‬
‫‪-IW-‬‬
‫الاضطراب الاجتماعي في اسرائيل ‪:‬‬

‫النظرة الى اسرائيل من الداخل بطريقة موضوعية مجردة هي ما‬


‫نجتاج اليه الآن وفي المستقبل حتى نعرف عدونا دون خداع للنفس ‪ ،‬ودون‬
‫الوقوع ضحية سهلة للمنى والآمال ‪ .‬فالمجتمع الاسرائيلي كما نعرفه الآن‬
‫يستمد قيمه ومثله من مصادر مختلفة ‪ .‬والصهيونية كمذهب وحركة بدأت‬
‫بداية جادة بصدور كتاب هرتزل « الدولة اليهودية » ‪ ،‬وبانعقاد المؤتمر‬

‫‪ .‬وقد جسد هذين‬ ‫الصهيوني الاول في مدينة بال السويسرية عام ‪۱۸۹۷‬‬
‫الحدثين ‪ ،‬في وحدة فكرية وعملية ‪ ،‬تيارات وأفكار متنوعة ‪ ،‬يبدو أكثر على‬
‫السطح متناقض ومشتت ‪ .‬وقد تحول المؤتمر الصهيوني الاول الى « المنظمة‬
‫الصهيونية العالمية » وأصبح لها فروع في مختلف أنحاء العالم حيثما توجد‬
‫اقليات يهودية ‪ .‬ويمكن تلخيص البرنامج العملي لهذه المنظمة في الآتي ‪:‬‬

‫العمل على تشجيع توطين فلسطين بالعمال الزراعيين اليهود‬


‫‪.‬‬
‫والصناع والمثقفين وأصحاب المهن وأصحاب رؤوس الاموال‬

‫‪-‬‬
‫‪ ۲‬ـ تنظيم اليهود في كل دولة وتنسيق جهودهم لكي يمكن تنفيذ البند‬
‫الاول‬

‫‪ -‬تقوية المشاعر اليهودية والوعي الذاتي القومي لدى جميع يهود‬


‫العالم‬

‫الصندوق‬ ‫وقد انبثق عن المنظمة الصهيونية مؤسسة اخرى هي‬

‫القومي اليهودي » في سنة ‪ ۱۹۰۱‬والذي بدأ في مباشرة نشاطه في سنة‬

‫‪ ۱۹۰۸‬والصندوق القومي تجسيد لفكرة اساسية في المذهب الصهيوني وهي‬


‫السيطرة على الارض ‪ .‬بالتحديد كان لهذا الصندوق ثلاثة وظائف هي‬

‫‪.‬‬
‫ا ‪ -‬ابتياع الاراضي وخاصة الزراعية منها في فلسطين‬

‫‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ٢‬ـ استقبال المهاجرين الجدد وتوطينهم في هذه الارض‬

‫‪-‬‬
‫ـــــ استخدام العمال اليهود في كل الممتلكات اليهودية سواء ما يملكه‬
‫الصندوق أو ما امتلكته الجالية اليهودية التي كانت موجودة في فلسطين قبل‬
‫انشاء الصندوق •‬

‫‪- ۱۷۸ -‬‬


‫وهكذا نجد أنه ابتداء من سنة ‪ ١٨٩٧‬والى سنة ‪ ١٩٤٧‬تبلورت ونمت‬

‫خمس مؤسسات كبرى تعمل باسم ومن أجل الشعب اليهودي بصفة‬
‫عامة ‪ .‬وهي ‪:‬‬

‫‪ -‬المنظمة الصهيونية العالمية •‬

‫‪ -‬صندوق الدعم القومي اليهودي ‪.‬‬

‫‪ -‬الوكالة اليهودية ‪.‬‬

‫هيئة الحراس ونموها الى هيئة دفاع ( الهاجاناه ) ‪.‬‬

‫‪ -‬مؤسسة عمالية عامة ( الهستدروت ) ‪.‬‬

‫وهذه المؤسسات الاجتماعية الخمس شكلت النواة أو العمود الفقري‬


‫لما أصبح في سنة ‪ ١٩٤٨‬ما يسمى بدولة اسرائيل بهيكلها العام الذي نعرفه‬
‫اليوم ‪.‬‬

‫الاشكال المعيشية للمجتمع الاسرائيلي ‪:‬‬

‫المجتمع اليهودي في فلسطين قبل وبعد انشاء اسرائيل تميز بنوعية‬


‫تكاد تكون فريدة في اشكال المعيشة التي صاغها لافراده ويمكن تقسيم هذه‬

‫‪་‬‬
‫‪ 1‬ـ مستوطنات عمال زراعيين ‪ :‬وهي قرية زراعية يعمل المقيمين‬
‫فيها على أرض يملكها الصندوق القومي اليهودي ‪ .‬ولكن كل أسرة تعمل‬
‫على قطعة أرض محددة تجني عائد انتاجها ‪ ،‬ولكنها لا تستطيع التصرف في‬
‫قطعة الارض هذه بالبيع أو الشراء أو التأجير أو الهبة ‪ .‬كما لا يمكن لهذه‬
‫الاسرة أن تستأجر عمالا بل لا بد أن يشتغل أفراد الاسرة بأنفسهم بزراعتها ‪.‬‬

‫ب ــ المستعمرات الجماعية ‪ :‬وهذا الشكل هو أكثر الأشكال المعيشة‬


‫الاسرائيلية خرابة وطرافة وفعالية ‪ ،‬وهو فريد في تاريخ المجتمعات البشرية‬
‫‪-‬‬
‫من حيث تعدد الوظائف فسكان المستعمرة (مباني ‪ -‬آلات – اثاث ‪ ..‬الخ)‬
‫فالمستعمرة الجماعية بهذا الشكل هي شكل من أشكال المعيشة‬
‫الاشتراكية الكلية اقتصاديا ‪ ،‬اجتماعيا ‪ ،‬ثقافيا ‪ ،‬ترويحيا ‪ ،‬دفاعيا‬

‫‪- ۱۷۹ -‬‬


‫الأمر خطورة وسوءا أن القوى الامبريالية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية‬
‫تنهج سياسة متمادية باستمرار ‪ .‬قوامها مكافأة المعتدي واغداق الاسلحة‬
‫والهبات المالية عليه ‪ .‬وان كل العوامل تشير الى أن العدوان مستمر‬
‫‪.‬‬
‫وانتهاك السلام مستمر ما دام الكيان الصهيوني مستمرا‬

‫وفي الوقت الحالي يصعب على الانسان التفكير بأية معادلة سلمية‬
‫يمكن أن تستجيب لها اسرائيل بعد أن رفضت أكثر من ثلاثين مشروعا‬
‫للتسوية ولكن ذلك لا يعني الاستسلام للتشاؤم ‪ .‬فمع مضي المعتدي في‬
‫غطرسته تتعاظم موجة نضال الشعوب ضد الامبريالية ‪ ،‬ويزداد الصوت‬

‫العالمي الداعي الى السلام والرافض للظلم جهارة وقوة ‪ ...‬وفي مثل هذا‬
‫الظرف ‪ ،‬وفي حالة أزمة كازمة السلم في الشرق الاوسط يجد أحرار العالم‬
‫أنفسهم مطالبين جميعا بمزيد من الوعي وتحديد المسؤوليات ‪ ،‬لأن تحديد‬
‫المسؤولية أمام العالم هو السبيل الكفيل بانارة طريق الخروج من الازمة ‪.‬‬

‫والخلود لرسالتنا‬

‫‪-- JAY-‬‬
‫القضية الفلسطيني‬

‫‪- ١٨٣ --‬‬


‫‪-‬‬
‫‪ -‬عرض تاريخي‬
‫‪ ۱‬ـ‬

‫المقاومة الفلسطينية والكفاح المسلح وموقف الحزب منهما ‪...‬‬

‫ان من اخطر المشكلات التي واجهتها الامة العربية وماتزال‬


‫القضية الفلسطينية ‪ .‬لانها تتناول الوجود العربي بابعاده السياســـــــــية‬
‫والاقتصادية والفكرية والاجتماعية ‪ .‬وتعتبر من أهم قضايا التحرر العالمية ‪.‬‬
‫وهي قضية حياة او موت او وجود او لا وجود بالنسبة للامة العربية‬

‫وبعد ان عمل الاستعمار على خلق اسرائيل في فلسطين قلب الامة‬


‫العربية ‪ .‬لابد من أن نحلل طبيعة الصهيونية ‪ .‬واعطاء صورة صادقة لنشأة‬
‫اسية لتي بتدعها دعاتهم في نهاية القرن التاسع عشر •‬
‫ا‬ ‫ا‬ ‫هذه الحركة السي‬

‫ولا بد كذلك من أن نعرف السكان الأصليين في فلسطين ‪ .‬وبالعودة الـ‬


‫الحقائق التاريخية ‪ .‬يثبت لدينا بوضوح لا يقبل الشك أن العرب هم سكان‬

‫فلسطين منذ اقدم عصور التاريخ ‪ .‬وليس لليهود أي سند في هذا‬

‫في سنة ‪ ۲۵۰٠٠‬قم استوطن الكنعانيون فلسطين ‪ .‬وهم قبيلة عربية‬


‫نزحت من جزيرة العرب ‪ .‬لذلك كانت فلسطين تسمى بأرض كنعان ‪ .‬وقد‬
‫امتد سلطانهم حتى مدينة حماه ‪ .‬وكانت موجات سامية اخرى قد سبقت‬
‫الكنعانيين الى مناطق مختلفة من بلاد الشام ومنها فلسطين ونخص منها‬
‫بالذكر العموريين •‬

‫استقر العموريون تدريجيا على ضفاف الفرات والعاصي وطــــــــــول‬


‫الساحل السوري وفي الجنوب أي في فلسطين وعندما جاءت الموجـــــة‬
‫·‬
‫الكنعانية تمازجت مع العموريين وبدات تطبع البلاد بطابعها الخاص‬

‫وبعد مدة من الزمن تعرضت أرض كنعان لغزو قبيلة عرفت فيما بعد‬
‫بالعبرانيين ‪ .‬وربما سموا كذلك لعبورهم نهر الاردن من الشرق ‪ .‬وسموا‬

‫‪-‬‬ ‫‪١٨٤ -‬‬


‫بعد ذلك بالاسرائيليين نظرا الدعواهم أنهم من ذرية يعقوب المعروف‬
‫باسرائيل ‪ .‬وترى التوراة انهم قدموا الى فلسطين من مصر التي مكثوا فيها‬
‫ردحا من الزمن ‪ .‬ثم غادروها بعد أن ضاقت بهم السبل وخرجوا بقيادة النبي‬
‫موسى عليه السلام ‪ .‬أما الخبر المتواتر فيحدثنا ان اصل العبرانيين هو قبيلة‬

‫كانت تقطن في اور جنوب العراق ومنهم ابراهيم عليه السلام الذي هاجر‬
‫مع عشيرته متجها بها نحو شمال سورية ثم جنوبها حيث حلت هذه الجماعة‬
‫( جرون الخليل ) وتذكر التوراة ان ابراهيم اشترى قطعة ارض في جرون‬
‫لتكون له منزلا‬

‫‪.‬‬
‫وان احد ابنائه قد اشترىقطعة ارض في جوار نابلس لتكون مدفنا له‬
‫وهذا يدل دلالة قاطعة على ان العبرانيين ما كانوا يملكون اية قطعة ارض‬
‫في فلســـــــــــطين ·‬

‫وهكذا كان العبرانيين يعيشون في فلسطين حياة البداوة والرع‬


‫والتنقل ‪ .‬ولما قويت شوكتهم تمكنوا من غزو معظم المرتفعات في فلسطين ‪.‬‬
‫ومارسوا ضروبا في البطش والوحشية والابادة ‪ .‬وعندما احتلوا مدينة‬
‫اريحا من الكنعانيين بقوة ووحشية قال قائدهم لقواته » احرقوا كل ما في‬
‫المدينة واقتلوا كل رجل وامرأة وطفل وشيخ حتى البقر والغنم بحد السيف‬
‫واحرقوا المدينة بالنار مع كل من فيها »‬

‫وبعد ان اخذوا الحضارة عن الكنعانيين وتطور نمط حياتهم ‪ .‬اسسوا‬


‫مملكة كان اشهر من تولى حكمها داود ( ‪ ۹۷۰ – ۱۰۱۰‬قم ‪ ،‬ثم سليمان‬
‫( ‪ ۱۲۰ - ۹۷۰‬قم ) ‪.‬‬

‫وعلى اثر موت سليمان بدا النزاع حادا فيما بين اليهود وانقسمت‬
‫مملكتهم الى قسمين ‪:‬‬

‫مملكة اسرائيل وعاصمتها السامرة ( نابلس ‪1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ - ٢‬مملكة يهودا وعاصمتها اورشليم ( القدس )‬

‫وهكذا بقيت فلسطين مسرحا للحروب والفوضى من اجل السيطرة‬

‫عليها حتى الفتح العربي وتعاقب عليها الاشوريون والبابليون والاغريق‬

‫‪- ١٨٥ -‬‬


‫والرومان وقضى الاشوريون بقيادة شلمنصر على مملكة اسرائيل سنة‬
‫‪ ٧٢٢‬قم ‪ .‬ثم قضى البابليون بقيادة نيوخد نصر على مملكة يهودا وأحرق‬
‫العاصمة ( القدس ) والهيكل بالنار وسبى الشعب الى بابل سنة ‪ ٥٨٠‬فم‬
‫ولم يبق في المدينة الا عدد قليل من اليهود ‪.‬‬

‫وبعد ستين عاما عاد اليهود الى فلسطين بأمر من ملك الفرس‬
‫·‬
‫( کورش ) الذي قهر آخر ملوك بابل ( تابونيد )‬

‫دام الحكم الفارسي لبلاد الشام ومنها فلسطين قرابة القرنين ‪ .‬وجاء‬
‫بعده الفتح اليوناني بقيادة الاسكندر المكدوني ‪ ،‬وجاء بعده الفتح الروماني‬
‫سنة ‪ ٦٣‬قم ودام حكم الرومان فيها ‪ ۷۰۰‬سنة وفي ‪ ٦٣٧‬ميلادية استرجع‬
‫العرب فلسطين ودام حكمهم فيها ‪ ۸۸۰‬سنة متواصلة ‪ .‬وكانت وصية‬
‫الخليفة العظيم عمر بن الخطاب للقوات العربية « لا تخونوا ولاتغدروا ولا‬
‫تقتلوا طفلا ولا شيخا كبيرا ولا تقطعوا شجرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولابعيرا‬
‫وسوف تمرون بأناس قد فرغوا انفسهم للصوامع فدعوهم وما فرغوا انفسهم‬
‫له » وهنا يتبين الفارق بين اجرام ووحشية اليهود ‪ ،‬وبين رحمة وحسن‬
‫معاملة العرب لغيرهم ‪ ،‬وهذا يؤكد حقيقة ان التاريخ لم يعرف فاتحا أرحم من‬
‫العرب جاءت بعد ذلك الحملات الصليبية تحت ستار الدين واحتلت القدس‬
‫ودامت من ( ‪ ) ۱۲۹۱ - ۱۰۹٦‬ميلادية ‪ ،‬وبعد هزيمة المماليك عام ‪ ١٥١٦‬م‬

‫ابتليت سورية ومن ضمنها فلسطين بالاستعمار العثماني وهكذا انتقل الحكم‬
‫في فلسطين الى الاتراك عام ‪ ١٥١٧‬م زمن السلطان سليم الاول ‪ ،‬وبقيت‬
‫فلسطين في حوزتهم مدة ‪ ٤٠٠‬سنة •‬

‫وبالرغم من كل ما تقدم بقي فيها سكانها العرب ‪ ،‬وفي عام ‪١٩١٨‬‬


‫ميلادية احتلتها بريطانيا ‪ .‬ويتضح مما تقدم ان دعوى اليهود للييسســــــــت الا‬

‫اكاذيب مكشوفة ‪ ،‬وان اول من استوطن فلسطين التي وصفت بانها بـــلاد‬
‫الخيرات ‪ ،‬هم العرب وذلك قبل غزوها من قبل العبرانيين عام ‪ ۱۲۰۰‬قم ‪.‬‬

‫هذا بالاضافة الى التوراة في معرض بيانها عن بني اسرائيل اشارت في‬

‫سفريوشع ( ‪ ( ) ١٣ : ٢٤‬واعطيتكم ارضا لم تتعبوا عليها ‪ ،‬ومدنا لم تبنوها‬


‫فسكنتم فيها ‪ ،‬ومن الكروم والزيتون التي ما غرستم تأكلون » وبهذه الشهادة‬
‫م التاريخي في‬ ‫للتوراة كذلك تتبدد حجة الصهاينة بما يزعمون انه حقهـ‬

‫‪-147-‬‬
‫فلسطين ‪ ،‬ويتبين لنا بوضوح تام ان فلسطين عربية منذ اقدم عصور التاريخ‬
‫وستبقى عربية رغم انوف المعتدين الصهاينة •‬

‫لا بد لنا الان أن نشير الى الدعاية الصهيونية التي تزعم أن اليهود من‬

‫سلالة واحدة هي سلالة اسرائيل ‪ ،‬ولو كان هذا الزعم صحيحا لكـــــــانت‬
‫النتيجة اللازمة لذلك ‪ ،‬ان يتشابه اليهود في جميع انحاء العالم ‪ ،‬لان قانون‬
‫الوراثة يقضي حتما ان الفروع تشبه الاصل وتتشابه فيما بينها تشابها‬
‫شديدا‬

‫ونحن لو نظرنا الى اليهود في مختلف انحاء العالم في يومنا هذا لوجدنا‬
‫بينهم الشقر ذوي الشعر الاصفر ‪ ،‬كما نجد بينهم السمر ذوي الشعر المجعد‬
‫•‬
‫في الحبشة والسود في جنوب الهند والصفر في الصين‬

‫ان الحقيقة التي لا تقبل الشك أن يهود أوروبا من اصل اوروبي‬


‫اعتنقوا الدين اليهودي على ايدي مبشرين يهود واليهود الالمان ينتمون الى‬
‫اليهود في انحاء العالم‬ ‫الاصل الالماني ‪ ،‬وقس على ذلك‬

‫فاليهود والحال هذه ليسوا سلالة واحدة وانما يرجعون الى سلالات‬

‫متعددة وانتشارهم في العالم لم يأت نتيجة لاضطهاد الرومان لهم في فلسطين ‪،‬‬

‫وانما هو انتشار لمذهب ديني كسائر الاديان عن طريق الجهود التبشيرية‬


‫التي بذلها اصحاب هذا الدين‬

‫ومن بين علماء الاجناس الذين بددوا ) خرافة الجنس اليهودي )‬


‫الاستاذ جوان كوماس من جامعة مكسيكو حيث ارى ان اليهود على درجة‬

‫كبيرة من التمازج البيولوجي ‪ ،‬ودعم رأيه هذا عندما اشار الى ان من كل‬
‫‪ ۱۰۰‬عقد زواج يهودي في المانيا ما بين عامي ‪ ١٩٢٥ – ۱۹۲۱‬كان يوجد‬
‫‪.‬‬ ‫‪ ٥٨‬عقد زواج يهودي و ‪ ٤٢‬عقد زواج مختلط‬

‫وهكذا نستطيع ان نقول ان اليهود تفرقوا شيعا في الارض ‪ ،‬ووجدوا‬


‫على شكل جماعات منطوية ومتقوقعة على نفسها في احياء عرفت باسم‬

‫الجيتو ‪ ،‬وكان الحقد يملأ نفوسهم على اهل البلاد والشعوب التي عاشت‬
‫مثل هذه الجماعات اليهودية بينهم ‪.‬‬

‫―‬ ‫‪۱۸۷ ---‬‬


‫بهذا حق علينا ان نقول ان اليهود ليسوا أمة لانهم يفتقرون‬
‫مقوماتها ‪ ،‬فيتكلمون لغات متعددة ‪ ،‬وتختلف عاداتهم وتقاليدهم بعض‬
‫عن بعض ولا يعيشون على أرض واحدة وتاريخهم غير مشترك ·‬

‫أن سبب كره العالم لليهود كما ذكرت أعلاه هو الحقد الذي يمـــلا‬
‫نفوس اليهود على الشعوب والدليل واضح في كتابهم التلمود‬

‫فالتعاليم في هذا الكتاب تدعوهم الى الفساد والحقد والانانية‬


‫‪-‬‬
‫والوحشية ‪ .‬فمن هذه التعاليم على سبيل المثال « ‪ – ۱‬اقتل الصالح من‬
‫غير الاسرائيليين » ‪ ( - ۲‬ان الله لا يغفر ذنبا ليهودي يرد لاجنبي ماله‬

‫المفقود » ‪ ( - ۳‬محرم على اليهودي أن ينقذ أحدا من باقي الامم من هلاك‬


‫أو يخرجه من حفرة وقع فيها »‬

‫ولا بد لنا الان ان نعرف الدور الذي لعبه أول مؤتمر صهويني وماتلاه‬
‫من مؤتمرات ومباحثات في تطوير الحركة الصهيونية‬

‫كان لظهور هرتزل وهو يهودي مجري تلقى ثقافته في النمسا ‪،‬‬
‫السبب الرئيسي في تنظيم الحركة الصهيونية وقد اثار نشر كتابه ( الدولة‬

‫اليهودية ) عام ‪ ١٨٩٦‬ردود افعال ( محبذة ) ومعادية ‪ ،‬سواء اكان في‬


‫الاوساط اليهودية أم في غيرها ‪ .‬وعندما تبين له ان عددا كبيرا من اليهود‬
‫) يحبذ ( هذه الفكرة ‪ ،‬بدأ يعد لقيام مؤتمر عالمي صهيوني وقد نجح هرتزل‬
‫في عقد هذا المؤتمر في مدينة بال بسويسرا يوم ‪ ۲۹‬آب عام ‪- ۱۸۹۷‬‬

‫واجتمع ‪ ٢٠٤‬اعضاء يمثلون معظم يهود العالم ‪ .‬وفي اعلى باب كازينو بال‬

‫أي المكان الذي انعقد فيه هذا المؤتمر ‪ ،‬رفع علم تتوسطه نجمة داود‬
‫السداسية‬

‫انتخب هرتزل لرئاسة المؤتمر حيث استطاع ان يبين الغاية منه‬

‫بقوله ‪ ( :‬اننا هنا لنرسي حجر الاساس للبيت الذي سيظل الامة اليهودية ) ‪.‬‬
‫ولتحقيق هذا الهدف الصهيوني وهو انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ‪،‬‬
‫تبنى المؤتمر النقاط الاربع التالية التي سميت ببرنامج بال •‬

‫‪-‬‬
‫‪ ۱‬ـ تشجيع استيطان العمال الزراعيين والصناعيين اليهود في‬
‫‪.‬‬ ‫فلس‬
‫فلسطين‬

‫‪-‬‬‫‪-IM-‬‬
‫‪ – ۲‬تنظيم اليهود وربطهم جميعا بو اسطة مؤسسات عامة ‪.‬‬

‫‪ -‬تقوية المشاعر اليهودية وتعزيزها‬


‫ـ‬

‫‪-‬‬
‫‪ ٤‬ـ اتخاذ خطوات تمهيدية للحصول على موافقة الحكومات المعنية‬
‫حيث يكون ذلك ضروريا لتحقيق هدف الصهيونية‬

‫‪ -‬بريطانية‬
‫وفي تشرين الأول عام ‪ ۱۹۰۲‬جرت مباحثات يهودية‬
‫للحصول على اجزاء من شبه جزيرة سيناء والعريش لاقامة استعمـــــــــار‬
‫بات‬ ‫يهودي عليها تمهيدا لاحتلال فلسطين فيما بعد ‪ ،‬الا ان هذه المباحثـ‬
‫فشلت بسبب المقاومة العربية للصهيونية ‪ .‬وفي السنة التالية عرضت‬

‫بريطانيا على المنظمة الصهيونية ‪ ،‬استعمار اوغندا ‪ ،‬الا ان هذه المساعي‬


‫فشلت علما ان هرتزل ايد هذا العرض على اساس مرحلي •‬

‫وفي عام ‪ ۱۹۰٤‬انقسمت المنظمة الصهيونية بوفاة هرتزل الى فريقين ‪:‬‬

‫الاول ‪ :‬ايد راي هرتزل في ان القضية الرئيسية هي التصديق‬


‫العالمي و ايجاد حل فوري للمسألة اليهودية في فلسطين أو غيرها ‪ ،‬وعرفت‬
‫هذه الجماعة ) بالسياسيين ) ‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬رفض ان ينظر بأي عرض لاقامة وطن يهودي في اي مكان‬


‫غير فلسطين وعرفت هذه الجماعة ( بالعمليين ) ‪.‬‬

‫وفي المؤتمر الصهيوني السابع عام ‪ ۱۹۰۵‬رجحت قوة العمليين واتخذ‬


‫قرار أعلن فيه ان الصهيونية معنية بفلسطين وحدها‬

‫وبعد وفاة هرتزل جاء قائد جديد للحركة الصهيونية ‪ ،‬وهو يهودي‬
‫من روسيا اسمه حاييم و ايز من حيث استطاع ان يحل الخلاف بـــــــين‬
‫السياسيين والعمليين •‬

‫وبالنظر الى كل ماتقدم وباعتبار الهجرة اليهودية هي العامل الاساسي‬

‫قضية فلسطين ‪ ،‬باشرت الحركة الصهيونية الهجرة الى فلسطين واقيمت‬


‫رة‬ ‫لها الاجهزة والتنظيمات حتى لا ترتطم بالصعوبات التي واجهت الهجــ‬
‫الاولى في مطلع الثمانينات في القرن التاسع عشر‬

‫‪- ۱۸۹ -‬‬


‫وقد تم تأسيس ‪ / ۲۲ /‬قرية لليهود في فلسطين ‪ ،‬وباعتبار أن العمال‬
‫اليهود لم يكونوا متوافرين تماما في هذه القرى ‪ ،‬فقد سدد هذا العجز أو‬
‫النقص من عمال الهجرة الثانية التي وصلت الى فلسطين بين عامي ‪١٩٠٤‬‬
‫‪ ١٩١٤ -‬وبلغ عدد افرادها ‪ / ٤٠ /‬الفا تقريبا ‪ ،‬وغالبيتهم من أوساط‬
‫‪-‬‬ ‫عمالية فتية ‪ ،‬بينما في الهجرة الاولى بين عامي ‪۱۸۸۲‬‬
‫‪ ١٩٠٤‬بلغ عددهم‬
‫‪ / ٢٥ /‬الفا‬

‫اعتمدت الهجرة الثانية على النظم التعاونية والجماعية في الانتاج‬


‫بدلا من النظام الفردي ‪ ،‬والحت هذه النظم على مقاطعة اليد العاملة‬
‫العربية في المشاريع الصهيونية ‪ ،‬واقيمت المستعمرات الزراعية ‪ ،‬واعدت‬
‫مساكن ومزارع جديدة لاستقبال المهاجرين الجدد من الصهاينة ‪ ،‬ثم قامت‬
‫الصهيونية بتشكيل منظمة الحراس اليهود التي عرفت باسم ( هاشومير )‬
‫ومهمتها حماية المنشآت القائمة ‪ ،‬واقامة منشآت ومستعمرات جديدة ‪•.‬‬

‫اصبحت مهمة الدفاع عن المستمرات بعد وعد بلفور على عاتق منظمة‬
‫جديدة من الجالية اليهودية عرفت باسم ( اليشوف ( اي الهاغانا ومعناها‬
‫الدفاع ‪ ،‬وقد نفخت هذه المنظمة في كل مهاجر روح الانغلاق والتعصب‬
‫والعداء للعرب ‪ .‬ثم اصبح شراء الاراضي ‪ ،‬واستيعاب المهاجرين ‪،‬‬
‫وتوجيه التعليم ‪ ،‬وتحويل الملكية اليهودية الفردية أو الخاصة الى عامة‬

‫وغير ذلك من المهام لتهويد فسلطين على عاتق الصندوق القومي اليهودي‬
‫الذي تأسس عام ‪. ١٩٠١٠‬‬

‫باشر الصهاينة عام ‪ ۱۹۰۸‬بانشاء ( مكتب فلسطين ) مهمته وضع‬


‫الخطط لتنظيم عمليات الاستيطان وذلك بمساعدة الصندوق القومي‬
‫اليهودي ‪ .‬وقام المكتب ببناء منظمة سكنية قرب مدينة يافا عرفت بعـد‬
‫ذلك باسم تل ابيب وأصبحت هذه المدينة المركز الرئيسي للنشاط الصهيوني‬
‫‪.‬‬
‫في فلسطين‬

‫لقد انشأا مكتب فلسطين ( شركة انماء الاراضي ) في فلسطين عام‬

‫‪ ۱۹۰۹‬وهدفها شراء الاراضي العربية من المالكين العرب ‪ ،‬وبلغت مساحة‬


‫ما اشتراه حتى عام ‪ / ٢٢٣٦٢ / ۱۹۲۰‬دونما ‪ ،‬وما بين عامي ‪– ١٩١٩‬‬
‫‪ ۱۹۳۷‬كانت نسبة المهاجرين الصهاينة بحسب جنسيات بلدانهم الاصلية‬
‫كما يلي ‪:‬‬

‫‪- ۱۹۰ -‬‬


‫النسبة المئوية‬ ‫العدد‬ ‫الجنس‬
‫‪٤٢‬‬ ‫‪١٣١,٢٤٩‬‬ ‫بولنده‬
‫‪1‬‬
‫"‬ ‫‪٣٥٣٤٦‬‬ ‫المانيا‬

‫‪1.‬‬ ‫‪۳۰۷۱۸‬‬ ‫الاتحاد السوفييتي‬


‫‪١٥ ٥٢٨‬‬ ‫رومانيا‬
‫‪٩,٦٤٢‬‬ ‫ليتوانيا‬
‫‪۹٫ ۱۸۱‬‬ ‫اليمن ‪،‬‬
‫‪: ۷,۹۰۹‬‬ ‫الولايات المتحدة‬

‫‪۲۳‬‬ ‫‪٧٣,٤٥٧‬‬ ‫بلدان اخرى‬

‫‪11.‬‬ ‫‪۳۱۳,۰۳۰‬‬ ‫المجموع‬

‫وحصلت الصهيونية على مكاسب سياسية هامة عندما صدر وعد‬

‫بلفور وزير خارجية بريطانيا على شكل رسالة بعث بها في ‪ ٢‬تشرين الثاني‬

‫عام ‪ ١٩١٧‬الى اللورد روتشلد ونصها « يسرني جدا ان ابلغكم بالنيابة عن‬
‫حكومة جلالته التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على اماني اليهود‬
‫والصهيونية وقد عرض على الوزارة فأقرته ‪ ،‬ان حكومة جلالة الملك تنظر‬

‫بعين العطف الى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل‬
‫جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية ) ·‬

‫عبر وايزمن عن خيبة امله لان نص التصريح جاء خلوا من اية اشارة‬

‫الى الحق اليهودي او الصلة التاريخية ‪ .‬وقد سجل في سيرته الذاتية انه‬

‫بينما كانت الوزارة مجتمعة لاقرار النص النهائي ‪ ،‬كنت أنا انتظر خارجا ‪،‬‬
‫وجاعي سايكس بالوثيقة وهو يصيح ( دكتور وايزمن انه مولود ذكر ؟ )‬
‫ويتابع وايز من حديثه فيقول « لم يعجبني الصبي في البدء ‪ ،‬انه لم يكن‬

‫الصبي الذي كنت انتظره ولكنني كنت اعلم ان هذا كان حدثا عظيما‬

‫وكان اليهودي البريطاني هربرت صموئيل قد استلم مهام المندوب‬


‫السامي البريطاني في فلسطين اعتبارا من أول تموز عام ‪ ١٩٢٠‬وقد عمل‬
‫هذا على ارغام الفلاحين العرب على بيع أملاكهم بطرق متعددة منها‬
‫على سبيل المثال ‪:‬‬

‫‪-191-‬‬
‫منع تصدير الحبوب والزيت ‪ ،‬وهما ثروة الفلاح الاساسية ‪ .‬وبهذا‬
‫العمل تهبط اسعارهما ويعجز الفلاح عن تسديد الديون والضرائب ليبيع‬
‫ارضه لليهود ·‬

‫بهذا تكون الحكومة البريطانية قد خدمت الصهيونية ضد الحق العربي‬


‫وضد المطالب العربية عام ‪ ۱۹۲۲‬التي كانت تلح على اقامة حكومة وطنية‬
‫مسؤولة أمام مجلس نيابي منتخب ‪ ،‬وعللت بريطانيا رفضها هذه المطالب‬
‫العربية حيث رأت ان هذه المطالب تتعارض مع الوعود المعطاة لليهود ‪.‬‬

‫واجابت حكومة لندن بصراحة عام ‪ ، ۱۹۲٥‬انه لا يمكنها ان تنشيء‬


‫مجلسا تشريعيا في فلسطين يكون العرب فيه ممثلين حسب عددهم ‪ .‬لان‬
‫ذلك يحول دون تنفيذ الحكومة للواجبات الملقاة على عاتقها في انشاء الوطن‬
‫القومي اليهودي ·‬

‫وهنا كان لابد للثورة العربية ان تشتعل ‪ .‬ففي عيد من اعياد اليهود‬
‫ويسمى خراب الهيكل وفي عام ‪ ( ۱۹۲۹‬بالذات ) ملأ اليهود المكان المجاور‬

‫للبراق الشريف بالمقاعد والستائر حتى ظهر وكأنه بيعة يهودية فاحتــــــــــج‬
‫العرب على ذلك لدى الدولة المنتدبة ‪ ،‬ولكن اليهود بعثوا الى لندن يطلبون‬
‫تسليم البراق الشريف لهم ‪ ،‬وكان من جراء ذلك وقوع اصطدامات بين‬
‫رب واليهودد‬ ‫المـ‬

‫ولما قامت ثورة عام ‪ ۱۹۲۹‬بعثت الحكومة البريطانية لجنة برئاسة‬


‫والترشو للتحقيق في اسباب الثورة ‪ .‬كما بعثت جمعية الامم بلجنة اخرى‬
‫برئاسة دوجرين ‪ ،‬فتقدم اليها العرب والمسلمون مدافعين عن المسجد‬
‫الاقصى ‪ ،‬واعترفت اللجنة الدولية ان البراق الشريف ليس لليهود حق‬
‫فيه ‪ ،‬ولكنها سمحت لليهود بالصلاة عند البراق في اعيادهم ‪.‬‬

‫بالاضافة الى ما تقدم من اسباب ‪ .‬كان الذي أوعز صدور العرب‬


‫للقيام بهذه الثورة هو الكتاب الابيض الاول · لعام ‪ ۱۹۲۲‬الذي ينص على‬
‫ان الهجرة اليهودية لا يحدها سوى مقدرة البلاد الاقتصادية علــ‬
‫الاستيعاب وكان حصيلة هذه الثورة استشهاد ‪ ١١٦‬وجرح ‪ ۲۳۲‬عربيا‬
‫وقتل ‪ ۱۳۳‬وجرح ‪ ٣٣٩‬من اليهود‬

‫‪- ۱۹۲ -‬‬


‫اما الكتاب الابيض الثاني الصادر عن الحكومة البريطانية بتاريخ‬
‫فهو لا يقل خطورة عن الكتاب الأول ‪ ،‬ومع‬ ‫‪ ۲۱‬تشرين الأول عام ‪۱۹۳۹‬‬
‫ذلك سجل فيه ما لحق بالعرب من اضرار نتيجة انتقال اراضيهم الى اليهود‬
‫وأوصى بتقليل انتقال هذه الاراضي للمحافظة على حقوق الفلاحين وحرصا‬
‫على مصلحتهم‬

‫أما الثورة العربية لعام ‪ ۱۹٣٦‬فقد بدأت قبل هذا العام ولكن اشند‬
‫وطيسها في عام ‪ ١٩٣٦‬لذلك الحقت بهذا العام وبتاريخ ‪ ٢٦‬آذار عام ‪١٩٣٤‬‬
‫استشهد الشيخ موسى كاظم الحسيني رئيس اللجنة التنفيذية العربية‬
‫على اثر اصابة برضوض اثناء اشتراكه بمظاهرة في يافا بعد ان تجاوز‬
‫الثمانين من العمر‬

‫‪ .‬وفي اواخر عام ‪ ۱۹٣٤‬تبين للعرب ان اليهود يتسلحون ‪ ،‬وان حكومة‬


‫الانتداب تغض الطرف عن تسليحهم‬

‫واكتشف العرب في تشرين الأول عام ‪ ۱۹٣٤‬شحنة كبيرة من الاسلحة‬


‫وردت من بلجيكا في براميل ونقلت الى تل ابيب ·‬

‫وفي مطلع كانون الأول من هذا العام قدمت اللجنة التنفيذية العربية‬
‫مذكرة الى المندوب السامي ‪ .‬لفتت فيها النظر الى الاخطار التي تحيط‬
‫بالعرب من جراء بيع الاراضي والهجرة اليهودية المتزايدة الى فلسطين‬

‫وتزويدهم بالاسلحة واعتداءاتهم المتكررة على العرب ‪ ،‬وعلى الرغم من‬


‫المطالب التي قدمتها الوفود واللجان الوطنية العربية ‪ ،‬كانت حكومة لندن‬
‫تماطل وتراوغ لذلك •‬

‫بدا الاسلوب العربي يتغير بعد ان تعذر اقناع حكومة الانتــــــداب‬


‫بالعدالة والحق العربيين ‪ ،‬وبدا ذلك في نداء ( الحرس الوطني ) الذي تألف‬
‫للسهر على حسن سير الاضراب ‪ ،‬وجاء فيه ‪:‬‬

‫رأينا ان نغير أساليب كفاحنا قبل أن نطلب الى الانكليز تغيير‬


‫كانت احتجاجات وبيانات ‪ ،‬ووسيلتنا الان كفاح‬ ‫سياستهم ‪ .‬ووسائلنا‬

‫عملي شريف ‪ .‬هم الاصل في قضيتنا ‪ ،‬واليهود الفرع ‪ ،‬هم الذين رمونا‬

‫‪-‬‬
‫بالصهيونية ‪ ،‬وهم الذين يهددون دماء ابنائنا بدفاعهم الباطل عن مذه‬

‫الحركة الصهيونية الائمة ‪ .‬يدنا مبسوطة للسلام والخصام ‪ .‬اننا لا نهدد‬


‫قواتكم الانكليزية العظيمة الهائلة ‪ ،‬لكننا أقسمنا مع ذلك ان تظل فلسطين‬
‫لنا أو نطوى شهداء »‬

‫وفي النصف الثاني من نيسان عام ‪ ١٩٣٦‬جرت حوادث صدام بين‬


‫العرب واليهود في ضواحي تل ابيب قتل فيها سبعة من اليهود واستشهد‬
‫اثنان منالعرب ‪ ،‬واشتد التوتر في شتى جهات فلسطين ‪ ،‬وفي ‪ ٢٠‬نيسان‬
‫من العام نفسه خرجت مظاهرة عربية فتصدت لها الشرطة البريطانية وقتل‬

‫عربيان ‪ ،‬وتقرر الاضراب العام في يافا احتجاجا على الاجراءات الغاشمة‬


‫التي اتبعتها الحكومة البريطانية ثم عم الاضراب جميع انحاء فلسطين ‪ .‬وتم‬

‫تأليف اللجنة العربية العليا التي الحت على استمرار الاضراب الى ان تبدل‬
‫الحكومة البريطانية سياستها وتلبي المطالب التاية ‪:‬‬

‫‪ - ۱‬منع الهجرة اليهودية منعا باتا •‬

‫‪ - ۲‬منع انتقال الاراضي العربية الى اليهود‬

‫‪ - ٣‬انشاء حكومة وطنية مسؤولة امام مجلس نيابي‬

‫اساليب الارهاب التي مارستها‬ ‫وبعد ان فشلت حكومة الانتداب‬

‫لقمع الارهاب اعلنت عن عزمها لارسال لجنة ملكية لتقصي اسباب‬


‫الارهاب ‪ ،‬ولكن العرب رفضوا قبول هذه اللجنة وتابعوا اضرابهم ثم تحول‬
‫الاضراب الى ثورة علنية مسلحة اشتركت فيها طبقات الشعب من عمال‬

‫‪ ۲۹‬حزيران لعام ‪ ١٩٣٦‬تم نسف الحي‬ ‫وفلاحين وتجار ومثقفين ‪ ،‬وفي‬


‫العربي في يافا على يد حكومة الانتداب حيث هدم ‪ ۲۲۰‬بيتا كان يقطنها ‪٤٥٠‬‬
‫عائلة عربية‬

‫وعلى اثر هذه المظاهرات والاضراب المستمر و الاصطدامات العنيفة‬


‫تقدم نوري السعيد بالوساطة لفك الاضراب‬

‫ويروي الكاتب الصهيوني ( هيروتز ) بصدد هذه الوساطة ‪ :‬ان نوري‬


‫‪ ۲۰‬آب من العام‬ ‫السعيد وزير خارجية العراق ‪ ،‬وصل الى القدس في‬

‫المذكور واجتمع ) بموشي شرتوك ) الناطق السياسي باسم الوكالـــــة‬

‫‪- ١٩٤ -‬‬


‫‪--‬‬
‫الصهيونية في محاولة لاقناعه بأن اليهود اذا وافقوا طوعا علـــــــى وقف‬
‫الهجرة مؤقتا ( كبادرة شكلية ( فانهم يقنعون العرب بأن اليهود مخلصون‬
‫في رغبتهم بالتفاهم ‪ .‬وقد اعترض شرتوك لانه يرى ان الهجرة الى فلسطين‬
‫حق مطلق لليهود ‪ ،‬وحين تمكن العرب من قهر كبرياء بريطانيا ‪ .‬عمـــــل‬
‫ــوك‬ ‫الدهاء البريطاني على اجهاض هذه الثورة عن طريق وساطة الملـ‬

‫والامراء والرجعيين العرب‬

‫وفي تموز عام ‪ ۱۹۳۷‬رات بريطانيا تقسيم فلسطين الى دولتين دولة‬
‫عربية ‪ ،‬ودولة يهودية ‪ ،‬واصدرت ذلك ببيان رسمي وصفت فيه التقسيم بأنه‬
‫حل للخروج من تضارب أماني العرب واليهود‬

‫استنكر العرب مشروع التقسيم ‪ ،‬واذاعت اللجنة العربية العليا بيانا‬

‫جاء فيه ( ان المشروع المقترح تطبيقه يهدي اليهود اخصـــــــب الارض في‬
‫فلسطين ‪ ،‬ويضع الأماكن المقدسة تحت الانتداب ‪ ،‬ولا يبقي للعرب الا‬
‫الاماكن الجبلية ( ورأى العرب ان مشروع التقسيم يعقد المشكلة بدلا من‬
‫حلها ‪ ،‬وان فلسطين لا بد ان تبقى عربية‬

‫امتدت الثورة العربية الى عام ‪ ۱۹۳۹‬وشارك فيها سائر ابناء المدن‬
‫والقرى ‪ ،‬ويقدر عدد البنادق التي كانت في ايدي االلثثـــــوار بعشرة آلاف‬
‫بالاضافة الى المسدسات والقنابل ·‬

‫قابلت السلطات البريطانية الثورة العربية بالعنف والقسوة والتدمير‬


‫·‬
‫ونشر الرعب في نفوس الناس‬

‫واشتدت سواعد الثورة منذ شهر تشرين الثاني عام ‪ ١٩٣٧‬وتعاظمت‬


‫قوتها ‪ ،‬وفي تشرين الاول عام ‪ ١٩٣٨‬كان الثوار يسيطرون على جزء كبير‬
‫من فلسطين سيطرة فعالة ‪ ،‬وفي الاشهر الثمانية الاولى من عام ‪١٩٣٩‬‬
‫بقيت الثورة مشتعلة ولكن قوتها اخذت تتناقص وكان اليهود في هذه المعارك‬
‫ينغدرون العرب بالقنابل الموقوتة التي يضعونها في أسواق الخضار وأماكن‬
‫التجمعات العربية وعلى سبيل المثال ‪:‬‬

‫ففي ‪ ٦‬تموز من عام ‪ ۱۹۳۹‬انفجرت قنبلة موقوتة في سوق الخضار‬

‫‪- ١٩٥ -‬‬


‫بحيفا فقتلت ‪ ۲۳‬شخصا ومعظمهم من العرب ‪ ،‬وذلك بالاضافة الى الدعم‬
‫المتبادل بين السلطة البريطانية والصهاينة للغدر بالثوار والمواطنين العرب‬
‫العزل من السلاح ‪.‬‬

‫وكانت الوكالة اليهودية تعمل دائبة للحصول – غيرالمشروع ـ على‬


‫الاسلحة وذلك بالسرقة من الامدادات البريطانية والتهريب أو عن طريق‬
‫المساعدات البريطانية ·‬

‫واذا كان التحالف الصهيوني البريطاني شديدا منذ الانتداب علــى‬


‫فلسطين ‪ ،‬فان هذا التحالف اخذ يتحول منذ صيف ‪ ، ١٩٤٠‬وانتقل مركز‬
‫النشاطات السياسية الصهيونية الى الولايات المتحدة الامريكية ‪ ،‬وبدا‬

‫بتعاظم هذا التحالف في اعقاب الحرب العالمية الثانية‬

‫اما الدعم البريطاني فقد استمر بعد ان فسحت انكلترا المجال امام‬
‫التفاعل بين السياسة الأمريكية والاطماع الصهيونية‬

‫وفي ‪ ١٦‬نیسان ‪ ١٩٤٤‬اختار ناحوم غولدمان عضو اللجنة التنفيذية‬


‫للوكالة اليهودية ‪ ،‬أن يخاطب اجتماع المجلس الاداري للمنظمة الصهيونية‬
‫في امريكا بالعبارات التالية ‪:‬‬

‫لم اكن يوما احد أولئك الذين يعتقدون بأن مركز الثقل الصهيوني‬
‫‪ .‬انتقل من لندن الى واشنطن ‪ .‬فما زلت عند اعتقادي بأن لندن هي مركز‬
‫الثقل » ثم يتابع غولدمان قوله « بيد ان الولايات المتحدة سوف تلعب دورا‬
‫هاما في تكوين السياسة المتعلقة بفلسطين »‬

‫وتحققت هذه الأمال الصهيونية خلال فترة قصيرة ‪ ،‬وسرعان ما قفزت‬


‫الامبريالية الامريكية لتحل محل السلف •‬

‫وفي صيف عام ‪ ١٩٤٥‬اصبح تأثير الصهاينة على ترومان واضحا ‪،‬‬
‫ففي ‪ ٣١‬آب قام الرئيس الامريكي بخدمة الصهيونية حين طلب من رئيس‬
‫وزراء بريطانيا قبول ‪ ۱۰۰‬الف يهودي لدخول فلسطين ‪ ..‬وفي ‪ ١١‬تشرين‬
‫الأول عام ‪ ١٩٤٧‬وبأمر من الرئيس ترومان أعلن وفد الولايات المتحدة‬
‫في الامم المتحدة تأييده الرسمي لخطة تقسيم فلسطين ‪ ،‬ففي ‪ ٢٩‬تشرين‬

‫‪-197-‬‬
‫الثاني عام ‪ ١٩٤٧‬انتهت اجتماعات الامم المتحدة بموافقتها على مشروع‬
‫تقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية وتبلغ مساحة الدولة العربية‬
‫‪ -‬الفا من العرب و ‪١٥‬‬
‫‪ ٪ ٣٦‬من مساحة فلسطين وعدد سكانها ـ ‪ ٥٢٠‬ـ‬

‫الف يهودي وتبلغ مساحة الدولة اليهودية ‪ ٪ ٦٤%‬من مساحة البلاد وعدد‬
‫سكانها ‪ ٥٠٠‬الف من العرب و ‪ ٥٥٠‬الف من اليهود والدولة اليهودية تضم‬
‫ثلثي مساحة فلسطين وفيها اعظم الموانىء والمنشآت الصناعية واخصب‬
‫اراضي فلسطين ونتيجة لهذا التقسيم يكون على الدولة اليهودية فتح باب‬
‫الهجرة على مصراعيه ‪ .‬وهنا لابد ان نسأل ‪:‬‬

‫كيف يمكن لدولة يهودية نصف سكانها من العرب تقريبا ‪ ،‬ان تتحقق‬

‫فيها الديمقراطية الحقة والتعاون الاقتصادي المثمر في الوقت الذي سيكون‬


‫في ايدي النصف اليهودي الاخر النفوذ ؟ وكذلك ‪:‬‬

‫هل يرضى العالم الذي حارب الطغيان النازي ‪ ،‬وانشأ هيئة‬

‫الامم المتحدة لتحقيق العدالة والاستقرار بنتائج هذا التقسيم الرهيب ؟ ‪.‬‬

‫وهنا اعلنت الامة العربية الجهاد من اجل فلسطين بحيث تجعل منه‬

‫جهادا مستميتا داميا لن ينتهي الا بالقضاء على مشروع التقسيم أو‬
‫باستشهاد العرب لان وجود دولة يهودية في فلسطين لا يشكل خطرا على‬
‫فلسطين وحدها وانما هو خطر على الوطن العربي بأكمله ‪.‬‬

‫وهذا ما قرره زعماء الصهيونية في مؤتمراتهم ووثائقهم الرسمية‬

‫السرية التي فضحها العرب حيث انهم اعتبروا ان الجزء الذي خصص لهم‬
‫في فلسطين بمقتضى مشروع التقسيم ليس منتهى آمالهم ‪ ،‬بل هو خط‬
‫للمطالبة بفلسطين كلها ثم اقتطاع اجزاء من الاقطار العربية المحيط‬
‫·‬ ‫بفلس‬

‫وانتهى الانتداب رسميا ليلة ‪ ۱٥‬ايار ‪ ١٩٤٨‬وبدأت الجيوش العربية‬


‫تزحف باتجاه فلسطين وبعد ثلاثة أيام من دخول الجيوش العربية حرب‬

‫فلسطين سارع الوفد الأمريكي في الامم المتحدة بتقديم مشروع قرار الى‬
‫‪.‬‬
‫الامم المتحدة يأمر المتحاربين بوقف اطلاق النار‬

‫وفي ‪ ٢٦‬ايار ‪ ١٩٤٨‬اعلن المندوبون العرب في مجلس الامن انهم سوف‬


‫يوافقون على وقف اطلاق النار بشرط ان يوقف تدفق المهاجرين اليهود‬
‫والسلاح الى فلسطين‬

‫‪-198-‬‬
‫الصهاينة بانقاذ يهود القدس الجديدة المائة‬ ‫وبهذا الامر تحقق أمل‬

‫الف الذين أوشكوا على التسليم وذلك عن طريق هدنه فرضها مجلس‬
‫الا من في ‪ 1‬حزيران ‪ ۱۹٤٨‬لمدة اربعة اسابيع وفي ‪ ٩‬تموز من نفس العـــام‬
‫استؤنف القتال بحماسة ‪ .‬ولكن العرب استطاعوا زحزحة الصهاينة في‬
‫‪.‬‬ ‫الايام الاربعة الاولى من مواقع كانوا قد استولوا عليها‬

‫ونستطيع ان نقول ان القوات العربية لو استطاعت أن تخوض‬


‫حرب فلسطين عام ‪ ١٩٤٨‬بقيادة واحدة لاستطاعت أن تحول دون تأسيس‬
‫هذه الدولة الصهيونية‬

‫وبرغم النكبة عام ‪ ١٩٤٨‬فان الامة العربية لم تستعد الاستعداد الذي‬

‫يضمن لها النصر في معركة المصير التي كنا ننتظرها بفارغ الصبر ‪ ،‬وجاء‬
‫العدوان على الامة العربية عام ‪ ١٩٦٧‬وهي ما تزال مجزاة الى اقطــــــار‬
‫و امارات وسلطنات ومشيخات حيث ان جهود وقوة وامكانية العرب مبعثرة‬

‫بين هذه الاجزاء وهذه الحدود الوهمية التي وضعها الاستعمار ‪ .‬وتحافظ‬
‫عليها الرجعية التي كانت وما تزال ذيلا للاستعمار‬

‫وكان لابد للاقطار العربية بعد نكبة عام ‪ ١٩٤٨‬والعدوان الثلاثي عام‬
‫‪ ١٩٥٦‬ان تعمل على ازالة الحدود المصطنعة التي لا وجود لها الا على الخرائط‬
‫وفي نفوس بعض الحكام العرب من الرجعيين ولو استطاع الشعب العربي أن‬
‫يبني دولة الوحدة لاستطاع ان يقف وقفة قوية وصامدة امام التحدي‬
‫الصهيوني والاستعماري في حزيران عام ‪ ، ١٩٦٧‬وان يسترجع فلسطين‬
‫والاجزاء العربية الاخرى المغتصبة ‪ .‬وان هذا ليس بالصعب على الامة‬

‫العربية وعلى الحزب القائد حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يعمل‬
‫دوما في سبيل تحقيق اهداف الامة العربية في الوحدة والحريةو الاشتراكية •‬

‫والان بعد هذا العرض وما وصلت اليه القضية الفلسطينية لابد‬

‫كذلك من ان نسأل السؤال التالي ‪:‬‬

‫ماذا كان يمكن ان نفعل بعد ان توقف اطلاق النار في العاشر‬


‫حزيران ‪ ١٩٦٧‬؟ ‪.‬‬

‫ونستطيع القول انه على الرغم من فداحة الكارثة ومرارة النكسة‬


‫والحرب النفسية القذرة التي شنتها اسرائل واسيادها الامريكان علـى‬

‫‪-194-‬‬
‫الامة العربية لتشل ارادة الكفاح وتشكل عزيمة الصمود لديها ‪ .‬وفي هذا‬
‫الجو المكفهر الملوث بغبار النكسة وفي الوقت الذي تراءى فيه للعدو ان‬
‫الامة العربية لم يبق بينها وبين الرضوخ لارادته الا بضع خطوات ‪ ،‬وان‬
‫الزمن يسير لصالح الغزاة الصهاينة واسيادهم ‪ .‬ارتفع من دمشق الثورة‬
‫في أواخر ايلول عام ‪ ١٩٦٧‬صوت المقاومة على لسان الحزب القائد حزب‬

‫البعث العربي الاشتراكي الذي قرر في مؤتمره القومي التاسع الاستثنائي‬


‫ان قضية فلسطين هي قضية الامة العربية كلها ‪ ،‬وقضية مستقبل الثورة‬
‫العربية ‪ ،‬ولا يمكن لاية دولة عربية ‪ ،‬أو أية جهة كانت ان تتخذ أي موقف‬
‫حيال هذه القضية المصيرية ينطوي على مظاهر التهاون أو المساومة أو‬
‫الاقدام على ايه خطوه يمكن ان تكون بادرة في طريق تصفيه القضيه‬
‫الفلسطينية‬

‫وان الشعب العربي لقادر بصموده وتصميمه على متابعة الكفاح‬


‫واحباط جميع محاولات التصفيات والمساومة ‪ ،‬وانطلاقا من كل ذلك فان‬
‫المؤتمر يدين أية بادرة تشير الى احتمال سلوك هذا الطريق المتهاون او‬
‫حساب وجود الشعب العربي ومصير اجياله المقبلة ‪.‬‬
‫المساومة على‬

‫والمؤتمر اذ يسجل بكل تقدير صمود الشعب العربي الفلسطيني في‬


‫الضفة الغربية وفي قطاع غزة انما يؤكد ايمانه الراسخ بتصميم هذا الشعب‬

‫على ان يظل طليعة الكفاح المسلح في مسيرة التصدي للغزو الاستعماري‬


‫الصهيوني »‬

‫والواقع ان هذا القرار التاريخي الهام الذي صدر عن المؤتمر القومي‬


‫التاسع الاستثنائي لحزب البعث العربي الاشتراكي كان يمثل صـــــــــوت‬
‫الضمير العربـــــــــي‬

‫ولقد طرح حزب البعث العربي الاشتراكي بعد النكسة شـــــــــــار‬


‫( الكفاح المسلح ( ان لكل فعل رد فعل مساويا له في القوة ومعاكسا له في‬
‫الطبيعي على احتلال الصهاينة الغزاة‬ ‫الاتجاه ‪ .‬والكفاح المسلح هو الرد‬
‫اجزاء عزيزة وغالية من وطننا العربي ‪ ،‬وهو اللغة الوحيدة التي يفهمها‬
‫العدو الصهيوني‬

‫والحقيقة ان هزيمة الايام الستة السوداء فيها ما يدعو الى الحزن‬

‫‪------ ۱۹۹ -‬‬


‫ولكن ليس فيها مايدعو الى اليأس خصوصا على ضوء الحقائق الكبرى ‪.‬‬

‫وحول مناقشة دارت في مجلس العموم البريطاني قال احد اعضائه‬


‫البارزين وهو السيد دنجل فوت بالحرف الواحد ما يلي ‪:‬‬

‫ان العرب خسروا امام اسرائيل معركة عسكرية بالامس‬


‫ولكن ماذا عن الغد ؟ هناك عبرة تاريخية نستطيع ان نستخلصها مــــــــــن‬
‫‪.‬‬
‫الحرب بين السويد وروسيا في بداية القرن الثاني عشر‬

‫ان السويد في ذلك الوقت أكثر تنظيما وتقدما من روسيا وفي سنة‬
‫‪ ۱۷۰۰‬خلال معركة نارفا فان جيشا سويديا صغيرا يقوده الملك شارل‬

‫الثاني عشر استطاع ان ينتصر على جيش روسي يفوقه في العدد عشر‬
‫مرات ‪ ..‬ولكن الجيش الروسي استطاع ان يتقدم ويتغلب على الجيش‬
‫السويدي » ‪.‬‬

‫وكذلك فان اقل من ثلاثة ملايين من الصهاينة لا يستطيعون قهر اكثر‬


‫من ‪ ١٥٠‬مليون عربي وان حدث ذلك فانه سيكون احداثا عارضة في عمر‬

‫التاريخ‬

‫ولا بد ان ننتصر على اعدائنا ‪ ،‬وان الكفاح المسلح هو الاسلوب‬


‫الصحيح لمواجهة المخططات الاستعمارية والصهيونية على ارض الوطن‬
‫العربي ‪ .‬ولذلك لابد من ان نعرف عدونا وانفسنا حق المعرفة ولا بد ان‬
‫نعود الى الحكمة الصينية التي قالها الفيلسوف الصيني سان تسيو منذ‬
‫‪:‬‬
‫‪ ١٥٠٠‬سنة خلت وهي ماتزال صحيحة حتى اليوم الا وهي‬

‫اذا عرفت العدو وعرفت نفسك فليس هذا ما يدعو لان تخاف‬

‫نتائج مائة معركة ‪ ..‬واذا عرفت نفسك ولم تعرف العدو فانك تقاسي‬
‫هزيمة مقابل كل انتصار ‪ ...‬واذا لم تعرف نفسك ولم تعرف العدو فانك‬
‫احمق وسوف تواجه الهزيمة في كل معركة ‪...‬‬

‫وباعتبار ان الكفاح المسلح كثر الحديث عنه وخاصة بعد العدوان‬


‫على الامة العربية في ‪ ٥‬حزيران ‪ ١٩٦٧‬واصبح شعارا للثورات التقدمية‬

‫والتحررية في العالم ‪ ،‬لذلك لابد ان نلقي الضوء عليه وعلى الحرب الشعبية‬

‫‪- ۲۰۰ -‬‬


‫والمقاومة الفلسطينية بالنظر الى اهميتها ‪ .‬والدور الذي تلعبه في سبيل‬
‫تحرير الارض العربية من الاستعمار والصهيونية ولابد لنا الان ان نعرف‬

‫الكفاح المسلح بما يلي ‪:‬‬

‫‪ - ۱‬الكفاح المسلح هو نضال الجماهير الشعبية‬


‫· ويستهدف‬
‫والاجتماعي ‪ .‬تقودها طليعة منظمة واعية تجسد طموحها‬
‫هذا النضال طرد الغزاة المستعمرين من ارض الوطن والاطاحة بنظام‬

‫الحكم الرجعي الفاسد في البلاد مستخدما الحرب الشعبية كوسيل‬


‫اساسية في الصراع المسلح ‪ .‬وان الصدام المباشر مع العدو وقواتـــــــــه‬
‫المسلحة في ميدان القتال هو الوجه الاهم للكفاح المسلح واستخدام كافة‬
‫الوسائط المعنوية والمادية التي تملكها الامة من اجل احراز النصر على‬
‫العدو وتحرير الارض المحتلة ·‬

‫وان نعرف الحرب الشعبية على الشكل التالي ‪:‬‬

‫‪ - ٢‬هي حرب جماهيرية عادلة يخوض غمارها كافة أفراد الشعب‬

‫الذين يستطيعون الحصول على سلاح ‪ ،‬وهي لا تعني الاستغناء عن دور‬


‫الجيوش النظامية ‪ ،‬وتعتمد على العنصر البشري بالدرجة الاولى ‪ ،‬لان‬
‫الانسان هو العامل الاساسي في المعركة كما تستعيض عن السلاح الجيد‬
‫بالايمان بعدالة القضية والشجاعة والاقدام والتضحية ‪ .‬ومن خلال هذين‬
‫التعريفين نرى أن الكفاح المسلح يتمتع بصفة أكثر شمولية من الحــ‬
‫رب‬
‫الوجه الهام من الكف‬ ‫الشعبية ‪ ،‬كما نرى أن الحرب الشعبية‬
‫المسلـ‬

‫والان يجب ان نعرف كيف بدأت المقاومة الفلسطينية وماهو دورها‬


‫وتأثيرها في معركة التحرير والعودة ؟ ‪.‬‬

‫آمن المناضلون الفلسطينيون بأن الكفاح المسلح هو طريق التحرير‬

‫والعودة ‪ ،‬واستطاعت مجموعة من الشباب المناضل الفلسطيني ان تحصل‬


‫على السلاح وان تتسلل الى الارض المحتلة وتستطلع مواقع العدو واثناء‬
‫قيامها بمهمتها في الجليل الاعلى وقع اول اشتباك بين الفدائيين الفلسطينيين‬
‫والقوات الصهيونية بتاريخ ‪ ١٩٦٤ – ١١ - ٢‬واستطاعت هذه المجموعة‬
‫ان تتدرب وتجهز نفسها بالعتاد واتخذت اسم الشباب الثائر ‪ ،‬ثم آمنت‬
‫مجموعة اخرى من الشباب الثوري بطريق الكفاح المسلح وكونوا تنظيما‬
‫اطلقوا عليه اسم حركة التحرير الوطني الفلسطيني أو فتح وباشرت فتح‬
‫عملياتها مساء ‪١٩٦٥ – ١٢ - ٣١‬‬

‫وكونت مجموعة ثالثة اطلقت على نفسها اسم جبهة تحرير فلسطين‬
‫وباشرت عملها ايضا في نهاية عام ‪ ١٩٦٥‬وهكذا بدات وولدت المقاومة‬
‫الفلسطينية وفي تموز عام ‪ ١٩٦٧‬جرت محاولة لتوحيد المنظمات الفلسطينية‬
‫المسلحة انتهت الى تكوين مكتب للتنسيق والمنظمات الاربع التي يوجـ‬

‫سياستها هذا المكتب هي ‪:‬‬

‫‪٤‬ـ ابطال‬ ‫‪ -‬فتح ‪ ٢‬ــ‬


‫‪ -‬شباب الثأر ‪ - ٣‬جبهة تحرير فلسطين‬ ‫‪– ۱‬‬
‫العودة ‪.‬‬

‫وهذه المنظمات الاربع كانت قد استقطبت جميع المنظمات الفلسطينية‬

‫الصغيرة الا ان هذه الوحدة لم تدم طويلا وانسحبت فتح ابتداء من ايلول‬
‫‪ ، ١٩٦٧‬وباشرت عملها منفردة وجرت محاولات عديدة لتوحيد منظمات‬

‫المقاومة الفلسطينية ‪ .‬وفي ‪ ١٩٦٩ - ٧ - 1‬كانت سبع منظمات قد تـــ‬


‫انضواؤها تحت قيادة الكفاح المسلح الفلسطيني وهي ‪:‬‬

‫‪ - ۱‬الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – ‪ - ۲‬جبهة النــــــــــــــال‬


‫‪-‬‬
‫الشعبي – ‪ – ٣‬الجبهة العربية لتحرير فلسطين ‪ ٤ -‬ـ قوات العاصفة ‪،‬‬
‫ه ـ قوات الصاعقة ‪ - ٦ ،‬قوات الجبهة الشعبية الديمقراطية ‪،‬‬
‫‪ -‬قوات التحرير الشعبية ‪.‬‬
‫ـ‬

‫وفي المجلس الوطني الفلسطيني السابع انتهت المناقشات بتأسيسها‬


‫اللجنة المركزية لحركة المقاومة الفلسطينية بقيادة الاخ ياسر عرفات الذي‬

‫اصبح القائد الفعلي لثلاث منظمات هي‬

‫طيني‬ ‫‪ - ۲ -‬حركة التحرير الفلسـ‬


‫منظمة التحرير الفلسطينية –‬

‫( فتح ) ‪ - ٣ -‬اللجنة المركزية لحركة المقاومة ‪ ،‬بالاضافة الى منصبه كقائد‬


‫أعلى لجيش التحرير الفلسطيني‬

‫‪- ۲۰۲ -‬‬


‫والحقيقة انه مضى أكثر من خمس سنوات على النكسة في عام ‪٩٦٧‬‬
‫ورغم المحاولات العديدة في سبيل شق الطريق لتوحيد جميع هذه المنظمات‬
‫تم حتى الآن توحيدها ‪.‬‬
‫في منظمة واحدة لم ي‬

‫وان المقاومة الفلسطينية تصاعدت كما ونوعا ‪ ،‬واصبحت الآن حقيقة‬

‫واقعة تتطور يوما بعد يوم منذ ان زاد حجم العمليات زيادة كبيرة خلال‬
‫شهر آب ‪ ١٩٦٩‬اذ اعترف العدو الصهيوني بمقتل ‪ ٤١‬من جنوده ولكن‬
‫هذا العدد ازداد حيث اصبح ‪ ٥٣‬قتيلا خلال شهر ايلول من العام نفسه‬

‫وان الضربات المؤلمة التي وجهها الفدائيون العرب قد تعـــــــــــــدت‬


‫المستوطنات الصهيونية القريبة من خط وقف اطلاق النار وذلك باعتراف‬

‫موشي دايان وزير الدفاع الاسرائيلي نفسه ‪ ،‬حين قال في مقابلة أجرتها‬
‫معه مجلة ( شتيرن ( الالمانية الغربية مانصه ‪ « :‬لقد وصل الفدائيون حتى‬

‫تل ابيب وحيفا وليتنا نستطيع ان نقضي عليهم ‪ ،‬تأكد انني لو استطعت‬
‫ذلك لما تأخرت دقيقة واحدة ‪ ،‬اننا عاجزون عن قطع دابر الارهاب »‬

‫وجاءت ردود الافعال الاسرائيلية تجاه العمل الفدائي حيث ارتكب‬


‫الصهاينة مختلف صور القمع الوحشي والمجازر التي يندى لها جبين‬
‫ا الضمير‬ ‫الانسانية التي يحرمها القانون والعرف الدولي ويستنكر‬
‫•‬

‫فقد قاموا بعمليات الانتقام الجماعية ونسف البيوت والقرى ‪ ،‬وقتل‬


‫المدنيين وسوق المواطنين العرب بالالاف الى ساحات التعذيب بالاضافة‬

‫الى التعذيب الآلي والكهربائي ‪ .‬ويحاول الصهاينة دوما التصريح بأن‬


‫المقاومة الفلسطينية لا تنفع العرب ولا تنال من قوة اسرائيل ‪ ،‬ولا تؤثر‬
‫فيها اذا ما قورنت بالخسائر التي تنزلها اسرائيل في صفوف الفدائيين ‪.‬‬

‫ويحاول العدو الصهيوني دوما القيام بأساليب وحشية وعدوانية‬


‫لضرب المقاومة والعمل الفدائي ‪ .‬وفي هذه الاساليب ‪:‬‬

‫‪ - ۱‬ضرب أو قصف قواعد الفدائيين في الدول العربية المحيطة‬


‫بفلسطين ‪ ،‬ويمتد هذا القصف فيشمل الثكنات العسكرية لدى تلك الدول‬

‫والمصانع المدنية والمدارس والمطارات الحربية والمدنية والاهداف‬


‫الاقتصادية الهامة •‬

‫‪- ۲۰۳ -‬‬


‫‪ - ٢‬بث العملاء من الرجعيين العرب وضعاف النفوس في البلاد‬
‫العربية او من اليهود الذين يتكلمون اللغة العربية ان استطاعوا ‪ .‬وذلك‬

‫في صفوف منظمات المقاومة الفلسطينية وتجنيدهم وفق توجيهات اجهزة‬


‫المخابرات الاسرائيلية •‬

‫وذلك بغية ضرب المقاومة من الداخل •‬

‫‪ -‬واذا فشلت الصهيونية بردع الفدائيين والدول العربية التي‬

‫تساعدهم كالقطر العربي السوري بالتدابير المذكورة آنفا فان الصهيونية‬


‫تحاول القيام بحرب عدوانية لخلق اوضاع جديدة في المنطقة يمكن ان تؤدي‬
‫) بنظر الصهاينة ( الى تطور الموقف العربي باتجاه القبول بالأمر الواقع‬
‫وبالتسوية النهائية للقضية الفلسطينية‬

‫وحين فرض العمل الفدائي وجوده الثوري بعد ان احتضنه حزب‬


‫البعث العربي الاشتراكي في سورية بقيادة الرفيق المناضل حافظ الاسد‬
‫الامين العام للحزب فرض وجوده على قوى العدو وراحت المقاومة‬

‫الفلسطينية تتسع عمقا وشمولا ‪ .‬اصيبت الصهيونية بالاحراج وخيبة الامل‬


‫أمام اليهود الذين نزحوا او هاجروا الى فلسطين متأثرين بدعايتها ‪ .‬وامام‬
‫اليهود في العالم الذين يمدون دولة العصابات بالدعم المادي والمعنوي حيث‬
‫كانوا يصورون لهم دولتهم في فلسطين انها قد اصبحت آمنة مطمئنة وقوية‬
‫ومنيعة الجانب‬

‫ولكن العمل الفدائي يمضي قدما في زعزعة صفوف العدو يومــــــــــا‬


‫بعد يوم رغم محاولات الصهيونية التي تحاول اضعافه لذلك ·‬

‫تلح الصهيونية اليوم على الدول الاستعمارية وعلى رأسها الولايات‬


‫المتحدة الامريكية لتخليصها من المقاومة العربية الفلسطينية ‪ ،‬لذلك قامت‬
‫امريكا بمحاولات يائسة من اجل تصفية المقاومة الفلسطينية وضرب‬

‫فصائل المقاومة الفلسطينية في الاردن وضرب مخيمات اخواننا الفلسطينيين‬


‫بالقنابل والمدفعية ‪ .‬وان الامبريالية الامريكية كانت تبغي من وراء هذا‬
‫الصدام الدامي تحقيق الاهداف التالية ‪:‬‬

‫ان يذبح العرب بعضهم بعضا ‪ .‬وهنا يعربون الحرب على غرار‬

‫‪-Y.ε-‬‬
‫المصطلح الذي يطلق في فيتنام عندما ذبح ابناء الشعب الواحد بعضهم بعضا‬
‫باسم فتنمة الحرب ‪ ،‬وأمام هذا التآمر على المقاومة الفلسطينية فانحزب البعث‬
‫العربي الاشتراكي وقف في وجه كل المحاولات المشبوهة والرامية لتصفية‬

‫العمل الفدائي تمهيدا لتصفية القضية الفلسطينية ‪ ،‬وان سورية الثورة‬


‫قدمت كل ما تستطيع لتنقذ فصائل المقاومة من المذبحة الرهيبة التي دبرت‬
‫لها ‪.‬‬

‫وباعتبار ان الامبريالية هي المرحلة الاخيرة للراسمالية تقودها‬


‫الولايات المتحدة الأمريكية وتهدف الى قهر الشعوب ‪ ،‬واذلالها ‪ ،‬ونهب‬

‫خيراتها وثرواتها ‪ ،‬وما دامت اسرائيل هي الاداة المنفذة للامبريالية في‬


‫الشرق الاوسط فان المقاومة الفلسطينية قامت باعلان الكفاح المسلح ضد‬
‫الاحتلال الصهيوني وبمواجهة لاتكاد تتوقف ونستطيع القول ‪ :‬ان المقاومة‬
‫الفلسطينية اخذت دورها ومكانها في حركة التحرر العالمي‬

‫واستطاعت المقاومة الفلسطينية أن تثبت قدرتها على الصمود‬


‫والتحدي والتطور رغم المؤامرات التي حيات وتحاك ضدها عربيا وعالميا ‪•.‬‬

‫واخيرا نستطيع ان نقول ان الثورة العربية هي القوة الفعالة التي‬


‫تستطيع المقاومة الفلسطينية من خلالها النمو المتطور ‪ ،‬نظرا لحاجتها‬
‫الماسة الى العون المادي والمعنوي والبشري الذي من شأنه ان يمد حركة‬
‫المقاومة بالمقاتلين الذين تحتاج اليهم ‪.‬‬

‫وكذلك فان الدعم الذي تقدمه الجماهير العربية للمقاومة الفلسطينية‬


‫هو الدرع المتين لمواجهة الانظمة العربية العميلة في بعض الدول العربية‬
‫والاستعمار والامبريالية والصهيونية ‪ .‬وان النصر حليف الشعوف المناضلة‬
‫والثورات التحررية ‪ ،‬وان فلسطين عربية وستبقى عربية ‪.‬‬

‫واذا كانت طريق التحرر من الاستعمار والصهيونية صعبة فانها‬

‫ليست مستحيلة بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي الذي سيرفع الراية‬
‫‪.‬‬
‫العربية فوق ربوع ارضنا السليبة في فلسطين‬

‫‪- ٢٠٥ -‬‬


‫الامبريالية ودورها فيالتجزئة والتخلف‬

‫‪- ۲۰۷ -‬‬


‫مخطط البحث‬

‫اولا ‪ -‬السمات الاساسية للاستعمار‬

‫ـ نشوء الاحتكارات‬

‫ب ‪ -‬الراسمال المالي‬

‫تصدير الرساميل‬ ‫ج‬

‫د ـ نشوء الاحتكارات الدولية‬

‫اقتسام العالم وتوزيع مناطق النفوذ‬ ‫ه‬

‫ثانيا ‪ -‬مظاهر التخلف الاقتصادي في البلدان النامية‬

‫ا ‪ -‬الطابع الزراعي المتخلف‬

‫‪ ۲‬ـ اعتماد اغلب البلدان على انتاج محصول ومحصولين رئيسيين‬

‫من القطاع الزراعي‬

‫‪ -‬ضعف القطاع الصناعي وسيطرة الصناعة الخفيفة‬

‫‪ -‬التبعية الاقتصادية وعدم الاستقرار الاقتصادي ‪.‬‬

‫ه ‪ -‬نشوء طبقة ضخمة من كبار التجار ·‬

‫‪ - ٦‬انتشار البطالة ونقص اليد العاملة الخبيرة ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ -‬حتمية الثورة الاشتراكية في الوطن العربي‬

‫‪-‬‬
‫اولا ‪ -‬السمات الاساسية للاستعمار‬

‫حواليالقرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وصل نمو الرأسمالية‬


‫الى مرحلة جديدة من تطورها حتى بلغت مرحلة الاستعمار المتميز بالسمات‬

‫الاساسية التالية ‪:‬‬

‫الانتاج والرساميل لدرجة ادت الى نشوء الاحتكارات‬ ‫تمركز‬


‫التي اخذت تلعب دورا اساسيا في الحياة الاقتصادية للبلدان الرأسمالية‬

‫ب ـ نشوء الاحتكارات في القطاع المصرفي ووجود نوع من الاتحاد‬

‫الشخصي بين هذه الاحتكاراتوالاحتكارات الصناعية ‪ .‬والاتحاد الشخصي‬

‫المذكور يعني أن نفس الفئات الرأسمالية تسيطر على احتكارات المصارف‬


‫والصناعات في البلدان الرأسمالية‬

‫‪ --‬تصدير الرساميل الى الخارج للاستيلاء على مصادر المواد‬


‫جـ ــ‬
‫الاولية في المستعمرات‬

‫د ـــ نشوء الاحتكارات الدولية التي يضم كل منها عدة احتكارات من‬
‫جنسيات متعددة‬

‫اقتسام العالم وتوزيع مناطق النفوذ بين الدول الرأسماليـــــــة‬


‫الكبرى‬

‫‪ 1‬ـ نشوء الاحتكارات ‪:‬‬

‫وتعتبر عملية تمركز الراسمال ووسائل الانتاج في ايد قليلة وفي منشأة‬
‫ضخمة الاساس نقطة الانطلاق لبلوغ النظام الرأسمالي مرحلة الاستعمار ‪.‬‬
‫عام ‪ ۱۹٠٤‬بلغ عدد الشركات الامريكية التي تنتج أكثر من مليون دولار‬

‫نحو ‪ ٪ ٠ ٫٩‬من مجموع الشركات الامريكية وكانت هذه الشركات تستخدم‬


‫‪ ٪ ٢٥٦‬من مجموع عمال الولايات المتحدة وتنتج نحو ‪ ٪ ۳۸‬من مجمـــــ‬

‫‪- ۲۰۹ -‬‬


‫الانتاج ‪ ،‬وفي عام ‪ ۱۹۳۹‬وقبيل الحرب العالمية الثانية انتجت ‪% ٥٫ ٢‬‬
‫مجموع الشركات الامريكية نحو ‪ ٪ ٦٧,٥‬من مجمل انتاج الولايات المتحدة‬
‫وضمت ما يزيد على ‪ % 50‬من مجموع العمال هناك ‪ .‬وقد تطورت عملية‬

‫تمركز الانتاج في ايدي الاحتكارات الاميركية بشكل اسرع لاسيما بعــــــد‬


‫‪ -‬شركة صناعية اميركية في عام‬
‫الحرب العالمية الثانية فمثلا انتجت ـــ ‪ ٥٠٠‬ــــ‬
‫‪ ٪ ٠٠‬من عدد الشركات الصناعية في اميركا نحو ‪% 50‬‬ ‫‪ ١٩٥٧‬تمثل نحو ‪٤‬‬

‫من مجمل الانتاج الصناعي وحققت نحو ‪ ٪ ۷۱%‬من ربح جميع الشركـــــــات‬
‫الصناعية الاميركية ‪ .‬وفي عام ‪ ١٩٦٠‬كان هناك ثماني احتكارات صلب‬
‫تسيطر على ‪ ٪ ٧٥%‬من انتاج الصلب الاميريكي بالاضافة الى خمس شركات‬
‫بترول تسيطر على ‪ ٪ ٤١‬من بترول العالم الراسمالية ‪.‬‬

‫أما في انكلترا فيسيطر احتكار صناعة الكيمياء على حوالي ‪ ٪ ٩٤‬انتاج‬


‫صناعات الكيمياء وعلى مجمل انتاج صناعة المواد المتفجرة والاصبغة‬
‫والكبريت ‪ ،‬وهذه المواد مرتبطة ارتباطا وثيقا بتطور اهم الفروع الصناعية‬
‫في بريطانيا وخاصة صناعات التسليح بالاضافة الى وجود ثلاثة احتكارات‬
‫بترولية كبرى تسيطر على ‪ ٪ ۲۰‬من بترول العالم الرأسمالي ‪ .‬كذلك الحال‬
‫•‬
‫في المانيا الغربية حيث تسيطر الاحتكارات على اهم مفاتيح الصناعةالالمانية‬
‫ففي عام ‪ ١٩٥٩‬كانت ‪ - ٩ -‬احتكارات تسيطر على ‪ ٪ ٩٤‬من صناعـــــــة‬
‫الصلب و ‪ ٪ ۱۰۰‬من صناعة استخراج فلذات الجديد و ‪ ٪ ۸۷‬من صناعة‬
‫استخراج الفحم الحجري •‬

‫اما في فرنسا فتسيطر حاليا شركة واحدة على جميع صناعات الالمنيوم‬
‫الفرنسية كما تسيطر شركة واحدة على ‪ ٪ ۸۰‬من صناعة الاصبغة وشركة‬
‫من صناعة الاسمنت‬ ‫من صناعة السفن واخرى على ‪۷۲‬‬ ‫واحدة على ‪٧٥%‬‬
‫وثالثة على ‪ ٪ ٩٠‬من صناعة اطارات الكوتشوك ‪ ،‬وشركة رابعة على ‪٦٥‬‬
‫من صناعة السكر ‪ .‬أما بالنسبة لصناعة الصلب في فرنسا فهناك خمس‬
‫شركات كبرى تسيطر على ‪ ٪ ٧٥ - ۷۰‬من الانتاج ‪.‬‬

‫وللحصول على المزيد من الارباح تسمى الشركات الكبرى للسيطرة‬


‫على السوق اما بخوض مزاحمة ضارية ضد الاخرين أو باتفاق على فرض‬
‫سعر احتكاري على المستهلكين فامكانية حدوث مثل هذا الاتفاق بين عدد‬

‫ضئيل من الشركات الراسمالية أمر أسهل بكثير من قيام مثل هذا الاتفاق بين‬
‫الالاف من صغار المنتجين ‪ .‬وتؤدي عملية تمركز الانتاج في مرحلة معينة‬

‫‪- ۲۱۰ -‬‬


‫عندما‬
‫تتم السيطرة على أكثر من نصف الانتاج الصناعي في فرع معين كما‬
‫هي اتحاد أو‬
‫رأينا سابقا الى نشوء الاحتكارات ‪ .‬وعليه فان الاحتكارات‬
‫رابطة بين عدد من الرأسماليين الذين تتمركز في ايديهم عمليات انتاج الجزء‬
‫الاكبر من انتاج فرع اقتصادي أو عدة فروع ‪ .‬أي ان الاحتكار يتمتع بقوة‬
‫اقتصادية هائلة في الصناعة والتجارة والمواصلات ‪ .‬الامر الذي يمكنه من‬

‫فرض الاسعار الاحتكارية وبالتالي تحقيق الارباح الاحتكارية ‪.‬‬

‫فالوضع الاحتكاري لشركات معينة يمكن هذه الشركات من الحصول‬


‫على ارباح اضافية دون زيادة الانتاج ‪ .‬أي بزيادة الاسعار على حســـــــــاب‬
‫المستهلك وان الاتفاقات بين الشركات الرأسمالية هذه تشتمل على ايجاد‬

‫التنسيق فيما بينهما حول كل شيء حتى التنسيق لمقاومة فضال الطبقة‬
‫العاملة ومنظماتها وهناك اشكال متعددةلهذه الاحتكارات مثل ‪ -‬الكارتل ‪-‬‬
‫والتروست ‪ -‬والكونسيرن ‪.‬‬

‫وتختلف هذه الانواع من الاحتكارات عن بعضها بعضا بحسب شمول‬


‫الاتفاقية التي تتم بين الشركاء في هذه الاحتكارات ‪ .‬ففي الكارتل يكتفي‬
‫الشركاء بالاتفاق فقط على تقاسم اسواق التصريف وفق اسعار محددة بينما‬

‫تبقى عمليات الانتاج من اختصاص كل شركة أما في التروست فتفقد كل‬


‫شركة من أعضائه استقلالها حيث يدير التروست عمليات الانتاج والتصريف‬
‫في مجموعة الشركات الداخلة فيه ·‬

‫فهو عبارة عن اتحاد عدة شركات تابعة لفروع‬ ‫أما الكونسيرن‬


‫اقتصادية مختلفة ) شركات تجارية وصناعية ومصارف وشركات نقل‬
‫ومواصلات ) وتكون كل شركة من هذه الشركات مستقلة شكلا الا انها تدار‬
‫بمجموعها من قبل مجموعة كبار الرأسماليين •‬

‫ان المزاحمة لا تنتهي في هذه المرحلة بل على العكس تشتد ضراوة‬


‫وخاصة بين الاحتكارات من جهة وبين صغار الرأسمالية ومتوسطيهاوصغار‬
‫الحرفيين من جهةاخرى وكذلك بين الاحتكارات نفسها أو بينكبار الرأسماليين‬
‫ضمن الاحتكار الواحد ‪.‬‬

‫ثم ان هذه المرحلة من تطور الرأسمالية تؤدي الى زيادة حدة التناقض‬
‫الاساسي في النظام الرأسمالي وهو التناقض بين الملكية الفردية لوسائل‬
‫الانتاج وبين الصفة الاجتماعية للانتاج نفسه ·‬

‫‪- ۲۱۱ -‬‬


‫ب ـ الراسمال المالي ‪:‬‬

‫‪i‬‬ ‫مع نمو عملية تمركز الانتاج تنمو كذلك عملية تمركز الراسمال المصرفي‬
‫وتصل الى مرحلة الاحتكار حيث يتمركز الجهاز المصرفي كله في عدد قليل من‬
‫المؤسسات الحالية المسيطرة على جميع مرافق الحياة الاقتصادية ‪ .‬فالمصارف‬
‫تصبح في هذه المرحلة شريكة في ملكية الشركات الصناعية الأمر الذي يؤكد‬

‫نوعا من الاتحاد الشخصي بين الاحتكارات المصرفية والصناعية ويؤدي الى‬


‫ظهور ما يسمى بالرأسمال ونشوء المساهمة بالطغمة المالية التي تسيطر‬
‫بواسطة الشركات المساهمة على اضعاف رساميلها ‪ .‬ففي عام ‪ ١٩٦٠‬بلغت‬
‫قيمة اسهم الشركات التي يملكها رو کند ‪ ۳ ٫ ۵‬ملیار دولار بينما بلغت قيمة‬
‫اسهم الشركات التي يسيطر عليها رو کند نفسه ‪ ٦١‬مليار دولار وكذلك‬
‫بالنسبة الى مورفان ‪ ٥‬ملیار و ‪ ٦٥ ٫۲‬مليار دولار ·‬

‫ومن الجدير بالذكر ان مثل هذه الاحتكارات والمؤسسات المالية الكبيرة‬

‫بأمكانها السيطرة على السوق الداخلية والاسواق العالمية ‪ .‬وهي بالفعل‬


‫تمارس هذه السيطرة بشكل أو بآخر على اصدار النقد في كثير من البلدان‬

‫النامية الامر الذي يجعل النقد الوطني في البلدان النامية مرتبطا ارتباطا وثيقا‬
‫بالسياسة الاستعمارية لهذه المؤسسات المالية العملاقة على النحو الذي‬
‫كان عليه الوضع بالنسبة للنقد السوري قبل تحرره من الفرنك الفرنسي ‪.‬‬

‫وهذا يعني ان اي تخفيض في قيمة العملات الاجنبية ( الاسترليني أو الدولار‬


‫‪ .‬وقد تتضرر‬ ‫و الفرنك سيتبعه حتما تخفيض في قيمة النقد المرتبط بها )‬
‫البلدان النامية كذلك من عملية التخفيض الانف الذكر في حال وجود ودائع‬
‫وطنية في بنوك الدول الاستعمارية ‪ .‬وقد رأينا كيف خسر اصحاب الودائع‬

‫العربية في مصارف انكلترا نحو ‪ % ١٤‬من قيمة ودائعها وهي نسبة التخفيض‬
‫وتقدر الاحصاءات الاولية ان‬ ‫التي طرأت على قيمة الجنيه الاسترليني‬
‫شيوخ البترول قد خسروا نتيجة ذلك‬ ‫المودعين العرب وهم على الاغلب من‬
‫•‬
‫نحو ‪ ٤٠٠‬مليون دولار امريكي من جراء تخفيض الاسترليني‬

‫جـ ‪ -‬تصدير الرساميل ‪:‬‬

‫ان سيطرة الرأسمال المالي في قلب الدول الراسمالية المتطورة مثل‬


‫الولايات المتحدة وانكلترا والمانيا الغربية يؤدي بصورة حتمية الى سيطرة‬

‫هذه الدول على مجموع البلدان الرأسماليةوذلك عن طريق تصدير الرساميل ‪.‬‬

‫‪- ۲۱۲ -‬‬


‫ويقصد من عبارة تصدير الرساميل توظيف رساميل في بلد آخــــــــر بهدف‬

‫الحصول على فضل القيمة الذي تنتجه الطبقات الكادحة في هذا البلد ويأخذ‬
‫‪-‬‬
‫تصدير الرساميل شكلين ‪ -‬الأول ـ التصدير على شكل رأسمال منتج‬
‫كاستثمارات صناعية في البلد الذي تصدر اليه الرساميل ‪ .‬والثاني ــ تصدير‬
‫بشكل قروض مالية تتم اما مع الدول مباشرة أو مع القطاع الخاص ‪ .‬وقد‬
‫بدأت عملية تصدير الرساميل تتجه الى الدول المتخلفة والى المستعمرات‬

‫حيث توجد امكانيات جيدة لتحقيق اعلى معدلات الارباح بسبب رخص البد‬
‫العاملة والمواد الاولية ونقص الرساميل في هذه البلدان ‪ .‬وهكذا حققت‬
‫شركة استاندر أويل الاميركية ‪ ٪ ۷۷‬من ارباحها لعام ‪ ١٩٥٥‬من استثماراتها‬
‫المباشرة في بلدان الشرقين الادنى والاوسط وامريكا اللاتينية ‪ .‬وفي‬
‫الرساميل من الولايات‬ ‫السنوات العشرين الاخيرة اخذت عملية تصدير‬

‫المتحدة تتجه ايضا الى بلدان رأسمالية في اوروبا الغربية مثل انكلترا وفرنسا‬
‫والمانيا الغربية حيث تتخذ هذه الظاهرة طابعا واهدانا سياسية بالاضافة‬
‫الى الاهداف الاقتصادية ‪ .‬وقد كانت انكلترا والمانيا اولى الدول المصدرة‬

‫للرساميل في فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى ‪ ،‬ثم قفزت الولايات المتحدة‬
‫في فترة مابين الحربين الى المرتبة الأولى ‪ .‬وتعادل الرساميل المصدرة في‬
‫الوقت الحاضر من الولايات المتحدة جميع الرساميل المصدرة من قبل البلدان‬
‫الراسمالية الاخرى ‪ .‬وعن طريق تصدير الرساميل تحكم الاحتكارات‬
‫العالمية قبضتها شيئا فشيئا على اقتصاديات الدول النامية حتى تتحول‬
‫منشآتها الى منشآت وسيطة تقوم بتصريف منتجات الاحتكارات الصناعية‬
‫او تأمین مواد اولية رخيصة لها‬

‫وقد صدر في الهند مؤخرا كتاب بعنوان ( النهب الكبير ) يعين فيه‬
‫المؤلف بالوقائع وهو عضو في البرلمان الهندي معنى عملية تصدير الرساميل‬
‫الاجنبية الى بلاده فقال ‪ :‬ان شركة استلنفان الاميركية والشركة الانكليزية‬

‫بيرماه بشرائهما طن البترول بسعر ‪ ١٥٧‬ربية وبيعنا اياه ‪ ٤٠٣ -‬ربية قد‬

‫كلفتا الهند قرابة مليار ربية بالعملات الاجنبية سنويا كما وقعت الولايات‬

‫المتحدة الاميركية في عام ‪ ۱۹٦٢‬اتفاقية مع الهند لمنحها قرضا مقداره ‪١٥٧‬‬


‫مليون ربية بشرط ان تشتري به الهند فوائض زراعية اميركية ‪.‬‬

‫ومنذ عام ‪ ۱۹۵۰‬حتى عام ‪ ١٩٥٩‬وظفت الشركات الاميركية ‪ ٤٥‬مليار‬

‫دولار في الاقتصاد الوطني للبلدان النامية ‪ .‬وجنت مقابلها ارباحا تقرب من‬
‫ثلاثة امثال هذا المبلغ اي ‪ ۱۲۸‬مليار دولار ‪ .‬ومنذ عام ‪ ١٩٦٠‬حتى الآن‬

‫‪- ٢١٣ -‬‬


‫ازدادت هذه الارباح بشكل فاحش ‪ .‬فلو ان تلك الدولارات التي سلبها‬
‫الامبرياليون بقيت في حوزة البلدان النامية لمكنتها من مضاعفة رؤوس أموالها‬

‫الموظفة في الصناعة الى ضعفين ولدفع هذا بها خطوة هائلة الى الامام‬

‫ولدى الدراسة العميقة نرى أن ما تسميه الدول الاستعمارية‬

‫بالمساعدات ما هو الا رد جزئي للثروات التي نهبتها وتنهبها من البلدان‬


‫النامية‪.‬‬

‫وفي البرازيل مثلا بلغت رؤوس الاموال الاجنبية الموظفة فيها مابين‬
‫‪ ١٩٥٨ - ١٩٥٥‬مليارا و ‪ ٩٥‬مليون دولار بينما بلغت الارباح التي تجنى منها‬
‫مليارين و ‪ ۲۰‬ملیون دولار‬

‫وفي الميزانية التركية لعام ‪ ٩٦١‬نجد رقم المساعدة الاميركية ‪ ٥٥٠‬مليون‬


‫ليرة تركية في حقل الموارد و ‪ ٦٥۰‬مليون ليرة تركية في مجال تسديد القروض‬
‫التي اغلبها امريكية في حقل النفقات ‪ .‬اي ان الرقم السنوي للتسديد اعلى‬
‫من رقم المساعدة ‪.‬‬

‫ولدى دراسة هذه الحالة بالنسبة لجميع البلدان النامية المرتبطة أو‬

‫المتأثرة بالاقتصاد الامبريالي نصل الى النتائج التالية ‪:‬‬

‫بملايين الدولارات‬
‫‪١٩٥٩‬‬ ‫‪١٩٥٨‬‬ ‫‪١٩٥٧‬‬

‫‪Y ...‬‬ ‫‪۱۲۱۲‬‬ ‫‪٢٥٣٢‬‬ ‫رأس المال المستورد‬


‫‪۲۹۰۱‬‬ ‫‪٢٥١٨‬‬ ‫‪٢٧٨٤‬‬
‫الارباح المنقولة الى الخارج‬
‫‪١٨٥١‬‬ ‫‪١٣٠٦‬‬ ‫‪٢٥٢‬‬ ‫خسائر البلدان النامية‬

‫ولو اخذنا بعض المناطق النامية كافريقيا او امريكا اللاتينية لوجدنا‬

‫النهب الامبريالي خلال ما بعد الحرب في أبشع صوره ‪ .‬وقد بلغت خسائر‬
‫بلدان أفريقيا خلال سنوات ‪ ۱۹٤٥‬و ‪ ۱۹۵۸‬نحو ‪ ٩٥٥‬مليون دولار‬

‫د ــ نشوء الاحتكارات الدولية ‪:‬‬

‫ان اشتداد حدة المزاحمة بين الاحتكارات في السوق العالمية تدفع هذه‬
‫·‬
‫الاحتكارات الى الاتفاق لتقاسم الاسواق ومصادر المواد الاولية فيما بينها‬

‫‪-PIE-‬‬
‫وينجم عن مثل هذه الاتفاقيات قيام الاحتكارات الدولية التي هي اتفاق بين‬

‫عدة احتكارات كبرى من جنسيات متعددة على توزيع الاسواق وتحديد‬


‫الاسعار وحصص الانتاج المخصصة لكل منها ·‬

‫ومن الجدير بالذكر ان نسبة القوى بين هذه الاحتكارات ليست ثابتة‬
‫كل احتكار يسعى جهده لزيادة حصته من اسواق العالم وثرواته ‪.‬‬
‫ف‬

‫هـ ـ اقتسام العالم وتوزيع مناطق النفوذ ‪:‬‬

‫بالاضافة الى اقتسام الاسواق العالمية ومصادر المواد الاولية بين‬


‫الاحتكارات توصلت هذه الاحتكارات في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع‬
‫القرن العشرين الى اقتسام مناطق النفوذ في العالم من الوجهة السياسية‬
‫احة‬
‫ايضا ‪ .‬فخلال الفترة الواقعة بين ‪ ١٩١٤ - ١٨٧٦‬اتسعت مـــــــــ‬

‫المستعمرات التي كانت تحت نفوذ الدول الكبرى اتساعا كبيرا حتى بلغت‬
‫قبيل الحرب العالمية الأولى نحو ‪ ٨٩٤٠‬مليون كم ‪ ٢‬أي نحو ثلثي مساحة الكرة‬
‫الارضية ‪ .‬ويعني الانتهاء من اقتسام العالم على النحو الانف الذكــــــر ان‬
‫حصول بعض الدول على مستعمرات جديدة لا يمكن الا ان يتم على حساب‬
‫بعضها الآخر ونتيجة الحروب كما تم فعلا في الحربين العالميتين الاولــــــى‬
‫والثانية حيث تمت اعادة توزيع المستعمرات بين الدول المستعمرة ذاتها ‪.‬‬

‫ومع نهاية الحرب العالمية الثانية وقيام النظام الاشتراكي في عدد آخر‬
‫من البلدان الأوربية والاسيوية ‪ ،‬غير الاتحاد السوفييتي ‪ ،‬دخلت الازمة‬
‫العامة للنظام الرأسمالي العالمي مرحلة جديدة امتازت بنمو حركة التحرر‬
‫الوطني في البلدان التي كانت آنذاك تحت نير الاستعمار حتى شملت هذه‬
‫الحركة قارات الارض بأكملها •‬

‫سكر‬ ‫ان العلاقات المتبادلة بين انتصار الاشتراكية في دول المعسـ‬

‫الاشتراكي من جهة وبين حركة التحرر الوطني وتصميم شعوب المستعمرات‬


‫على التخلص الى الابد من جميع اشكال الاستعمار والتبعية ‪ ،‬وهذه‬
‫العلاقات المتبادلة ادت الى تفسخ النظام الامبريالي وانحلاله وزيادة هذه‬
‫الازمة التي يعانيها •‬

‫فخلال سنوات ‪ ٩٦٥ - ٩٤٥‬تحرر نحو ‪ ۱۶۰۰‬مليون انسان من نير‬

‫الامبريالية وقامت عشرات من الدول الوطنية التي شكلت فيما بعد مجموعة‬

‫‪-r10-‬‬
‫البلدان النامية التي حصلت على استقلالها السياسي خلال هذه الفترة لتبني‬
‫اقتصادا يحمي ذلك الاستقلال السياسي ويطوي مرحلة التخلف الى الابد‬
‫ويضمن لشعوبها حياة حرة كريمة ‪ ،‬وكلما انضم شعب جديد الى قافلة‬
‫الشعوب المتحررة ازدادت الاهمية الدولية لهذه المجموعة من البلدان وتقلص‬
‫نفوذ الامبريالية وتضاعفت تناقضاتها حتى بلغت في السنوات الاخيرة ذروتها‬
‫وبذلك تهيأت جميع الظروف الموضوعية الكافية للقضاء على جميع اشکال‬

‫الاستعمار في العالم‬

‫واذا كان نضال معظم شعوب البلدان النامية قد تكلل بالظفر في انتزاع‬
‫حريتها السياسية ليبدأ البناء من اجل التطوير الاقتصادي والقضاء على‬
‫التخلف الموروث ‪ ،‬فان الاستعمار المباشر الذي ولى الى غير رجعة بدأ يأخذ‬
‫اليوم شكلا جديدا ‪ .‬وهذا الاستعمار الجديد هو البديل عن الاستعمار القديم‬
‫المباشر ‪ .‬فالاهداف الاساسية للاستعمار التي هي السيطرة على مقدرات‬
‫الشعوب الأخرى واستغلالها لم تتبدل وانما الذي تبدل هو شكلها واساليبها‬
‫فقط لهذه الاسباب التاريخية والموضوعية يحاول الاستعمار عبثا وقبل أن‬

‫يلفظ أنفاسه الاخيرة أمام ضربات الشعوب أن يشن هجومه المعاكس‬


‫•‬
‫لاستعادة نفوذه في بعض المواقع التي كان قد فقدها‬

‫وهو اذا كان قد حقق بعض النجاحات كما حدث في كل من غانا‬

‫واندونيسيا وغواتيمالا و ايران وفلسطين واليونان فان النصر النهائي لايمكن‬


‫ان يكون الا للشعوب البانية للاشتراكية‬

‫ثانيا ‪ -‬مظاهر التخلف الاقتصادي في البلدان النامية‬

‫من تحليا ‪ ،‬الواقع الاقتصادي لمجموعة البلدان النامية ودراسة‬


‫التراكيب الاقتصادية القائمة فيها يتبين للباحث ان التخلف الاقتصادي في هذه‬

‫البلدان يأخذ مظاهر متعددة نوجز فيما يلي أهمها ‪:‬‬

‫‪ -1‬الطابع الزراعي المتخلف ‪:‬‬

‫تتميز البلدان النامية بانها بلدان زراعية متخلفة وان الاكثرية الساحقة‬
‫من سكانها مازالوا يعيشون بصورة مباشرة أو غير مباشرة من المصادر‬
‫الزراعية النباتية والحيوانية وتختلف هذه النسبة من بلد لآخر بحسب درجة‬

‫الصناعي بصورة خاصة وعلى‬ ‫التطور الاقتصادي بصورة عامة والتطور‬

‫‪- ٢١٦ -‬‬


‫العموم فهي تتراوح بين ‪۸۰ - % ٦٠‬‬
‫‪ ٪۸۰‬لذلك فان القسم الاعظم من اليد‬

‫العاملة في هذه البلدان تعمل في الزراعة باستمرار بينما تنخفض هذه النسبة‬
‫في البلدان الصناعية المتطورة الى اقل من ‪• ٪ ۲۰‬‬

‫بالاضافة الى ذلك فان اساليب الانتاج الزراعي وبالتالي فان انتاجية‬
‫العمل في هذا القطاع ما زالت متخلفة وتبرز هذه الظاهرة بشكل خاص في‬
‫البلدان التي ما زالت جماهير الفلاحين فيها تعيش تحت وطأة العلاقات‬
‫الانتاجية الاقطاعية ‪.‬‬

‫‪ -‬اعتماد اغلب هذه البلدان على انتاج محصول ومحصولين‬

‫رئيسيين من القطاع الزراعي ‪:‬‬

‫كالقطن أو الحبوب أو القهوة أو الكاكاو أو الموزاو الشاي وتظهر‬


‫خطورة هذه الظاهرة في سنين المواسم السيئة بسبب نقصان كميات الامطار‬
‫لو بظهور آفات زراعية ‪ .‬ويضاف الى ذلك تقلبات السعر العالمي لهذه‬
‫المحاصيل في السوق الدولية والتي تنعكس بشكل سلبي ومخيف على ميزان‬
‫المدفوعات بالنسبة لهذه البلدان •‬

‫‪ ٣‬ــ ضعف القطاع الصناعي وسيطرة الصناعة الخفيفة ‪:‬‬

‫وهذه ظاهرة بارزة تنعكس في نسبة العاملين في هذا القطاع التـ‬


‫تتراوح بين ‪- ٪ ١٥‬‬
‫‪ ٪ ٢٠‬في حين ترتفع هذه النسبة الى ‪ % ٤٥ - ٣٥‬في‬
‫البلدان الصناعية ‪ .‬وعلى هذا فان نسبة مساهمة هذا القطاع في الدخل‬
‫– ‪ ٪ ٢٠‬بينما‬ ‫القومي لهذه البلدان ضئيلة للغاية بحيث تتراوح بين ‪١٥‬‬
‫ترتفع هذه النسبة الى اكثر من ‪ ٪ ٥٠‬في البلدان الصناعية المتطورة ‪.‬‬

‫‪ - ٤‬التبعية الاقتصادية وعدم الاستقرار الاقتصادي ‪:‬‬

‫وهذه الظاهرة هي نتيجة منطقيةللظواهر الثلاث الانفة الذكر ‪ ،‬فبسبب‬


‫اعتماد اغلب هذه البلدان على محصول واحد او محصولين زراعيين تتعرض‬
‫اقتصاديات هذه الاقطار للتقلبات الفجائية سواء منها التقلبات الجوية أو‬

‫تقلبات الاسعار في السوق العالمية الراسمالية ‪ .‬يضاف الى ذلك ما توضحه‬


‫الاحصاءات الرسمية والصادرة عن منظمة الامم المتحدة والتي تبين بوضوح ‪:‬‬

‫‪-‬‬
‫‪- ۲۱۷ -‬‬
‫ان اسعار المنتجات الزراعية والمواد الأولية التي تشكل القسم الاكبر من‬

‫صادرات البلدان النامية باستثناء النفط الخام في بعض هذه البلدان نقول ان‬
‫اسعار هذه المواد تميل الى الهبوط باستمرار في حين ان اسعار السلع‬
‫الصناعية التي تستوردها هذه الاقطار من البلدان الصناعية المتطورة تميل‬
‫الى الصعود وبذلك تكون خسارة الاقطار العربية من هذه المبادلات التجارية‬
‫الخارجية غير المتكافئة خسارة مزدوجة ‪.‬‬

‫فكمية المنتجات الزراعية والمواد الاولية التي تصدر في عام ‪ ١٩٥٤‬كانت‬


‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ۱۰۰ --‬ـ ليرة سورية اصبحت قيمتها في عام ‪ ٧١ – ١٩٦١‬ـ ليرةسورية‬
‫اي بخسارة تقدر بحوالي ‪ . ٪ ۲۹‬وعلى العكس من ذلك فان قيمة السلع‬

‫الصناعية التي كانت تستورد عام ‪ ٩٥٤‬بمئة ليرة سورية اصبحت في عام‬
‫‪ ١٩٦١‬بحوالي ‪ ۱۱۱‬ليرة سورية أي بزيادة قدرها ‪٪ ۱۱‬‬

‫ه ‪ -‬نشوء طبقة ضخمة من كبار التجار التي تعتمد اعتمادا كليــ‬


‫في عملها على تصريف البضائع المستوردة لحساب الشركات الاجنبية وتسمى‬

‫هذه الطبقة البورجوازية التجارية الكومبرادور وهي فئة متنفذة مـــــــن‬


‫البورجوازية التجارية تستغل ضعف القطاع الصناعي فتنشيء في كل مكان‬
‫يلائمها مصالح الشركات التي تمثلها فروعا ووكالات دعائية لبضائع اجنبية ‪.‬‬
‫اي ان رأسمال هذه الفئة الرئيسية هو ثقة الرأسمال الاجنبي بها ‪ .‬وتتخذ‬
‫هذه الفئة مواقف عدائية من اية سياسة تصنيعية في بلادها لان اقامة اية‬

‫صناعة لانتاج سلع بديلة عن تلك التي تتاجر بها يعني تقليص امكانيات‬
‫تسويق منتجات اسيادها اصحاب الشركات الاجنبية ويتمركز هؤلاء التجار‬
‫في المدن الكبرى لاسيما الموانىء ‪.‬‬

‫وتعتبر هذه الطبقة من التجار من الوجهة النظرية والعملية في الاقتصاد‬


‫حلقة وصل بين الاحتكارات الصناعية في البلدان الرأسمالية وبين‬

‫الجماهير المستهلكة في هذه البلدان اي ان هذه الطبقة تقدم كــل‬


‫الخدمات والتسهيلات وكافة الدراسات التي تسهل على تلك الاحتكارات‬
‫توسیع نشاط عملها وفتح اسواق جديدة لها امام منتجاتها لمحاربة التقدم‬
‫الصناعي في هذه الاسواق من جهة ولتكريس التخلف والاستغلال في هذه‬
‫البلدان من جهة اخرى ‪ .‬ولما كان هذا القطاع يعيش على حساب القطاعات‬
‫الاقتصادية الوطنية بشكل طفيلي فان نموه بهذه الصورة يشكل خطرا على‬
‫•‬
‫الاقتصاد القومي ويكرس التخلف‬
‫‪۲۱۸ -‬‬
‫‪-‬‬
‫انتشار البطالة ونقص اليد العاملة الخبيرة ‪:‬‬

‫ان سيطرة الطابع الزراعي المتخلف وكذلك ضعف القطاع الصناعي‬

‫وانخفاض انتاجية العمل بشكل عام يؤديان الى بطء في التنمية الاقتصادية‬

‫بشكل لا تمكن هذه الاقطار من امتصاص اليد العاملة ‪ .‬وبتعبير آخر يؤديان‬

‫الى زيادة تفشي البطالة سواء منها البطالة المقنعة او البطالة الكاملة ‪.‬‬

‫ويستغل الرأسماليون والاقطاعيون في هذه البلدان تزايد انتشار البطالة‬

‫بالعمل على تخفيض مستوى الاجور لجني المزيد من الارباح على حساب‬
‫بؤس الجماهير الكادحة وشقائها ‪.‬‬

‫اما بالنسبة لنقص اليد العاملة الخبيرة فانها تبرز بوضوح ·‬

‫واذا اخذنا المملكة العربية السعودية كمثل على ذلك وأوردنا بعض‬

‫الاحصاءات التي نشرت رسميا من قبل شركة الزيت العربية الاميركية‬

‫المعروفة بشركة ارامكو لتبين لنا صحة ذلك فعدد كبار الموظفين السعوديين‬

‫شركة الارامكو كان لا يتجاوز بحسب هذه الاحصاءات ستة اشخاص‬

‫فقط في عام ‪ ۱۹۵۲‬وفي عام ‪ ۱۹٥٣‬ارتفع الرقم الى ‪ ۱۱‬شخص وفي عام ‪٩٥٤‬‬

‫الى ‪ ١٨‬وفي عام ‪ ۱۹٥٥‬الی ‪ ۲۰‬وفي عام ‪ ١٩٥٦‬الى ‪ ٢٦‬بينما نجد ان عدد‬

‫كبار الموظفين الاميركيين يتزايد حتى وصل عام ‪ ١٩٥٦‬الى ‪ ۲۸۷۸‬خبيرا ‪،‬‬

‫ان الدول الاستعمارية هي التي تستفيد من مظاهر التخلف الانفة الذكر وهي‬

‫التي تعمل جاهدة على تكريس هذه الصورة للحفاظ على امتيازاتهـ‬

‫الاقتصادية في هذه البلدان‬

‫ففي البلدان الراسمالية المتطورة يقطن حوالي ‪ ٪ ۳۰‬فقط من مجمل‬

‫سكان العالم باستثناء كتلة الدول الاشتراكية الا انهم مع ذلك ينتجون خمس‬

‫اسداس ‪ ٦/٥‬انتاج هذا العالم كما هو واضح من الجدول التالي ‪:‬‬

‫‪- ۲۱۹ -‬‬


‫مجمل الانتاج القومي العالمي باستثناء‬
‫الدول الاشتراكية‬

‫مجمل الانتاج‬
‫متوسط انتاج‬ ‫القومي بالاف‬ ‫السكان بالملايين‬
‫ملايين الدولارات الفرد بالدولار‬
‫‪180 .‬‬ ‫‪۲۱۸۰‬‬ ‫كافة بلدان العالم باستثناء‬
‫الدول الاشتراكية‬
‫‪۱۸۳۵‬‬ ‫‪۱۲۳۰‬‬ ‫‪٦٧٠‬‬ ‫الدول ايضا المتطورة‬
‫‪١٤٥‬‬ ‫‪۲۲۰‬‬ ‫‪101 .‬‬ ‫البلدان النامية‬

‫ثالثا ‪ -‬حتمية الثورة الاشتراكية في الوطن العربي‬

‫والبلدان العربية هي جزء من البلدان النامية تتصف بصفاتها العامة‬


‫ومميزاتها ووضعها الدولي من حيث صمودها بوجه الاستعمار ‪ .‬وقـــــــد‬
‫ساهمت بعض الاقطار العربية المتحررة مساهمة فعالة في مؤتمر باندونغ عام‬
‫‪ ١٩٥٦‬ذلك المؤتمر الذي أرسى دعائم السياسة الخارجية للعالم الثالث‬

‫المبنية على اسس الحياد الايجابي وعدم الانحياز ‪ .‬وبالرغم من ان الوطن‬


‫العربي يتمتع حسب طبيعته المناخية بمناخ معتدل مساعد لنمو جميع أنواع‬
‫المزروعات وبالرغم من ثرواته الزراعية والمعدنية والبترولية بالاضافة الى‬
‫موقعه الجغرافي الاستراتيجي بالرغم من ذلك كله فان الوطن العربي لايزال‬
‫يعتبر من البلدان النامية بعد ان كان منذ قرون خلت مركزا للحضارة والتقدم‬

‫في العـــــالم ‪.‬‬

‫ويعزى تخلف الوطن العربي بشكل رئيسي الى وقوعه تحت السيطرة‬
‫الاجنبية المباشرة منذ انحلال الدولة العربية في القرن الخامس عشرو استيلاء‬

‫العثمانيين عليه ثم الاستعمار الفرنسي والبريطاني والايطالي منذ اواخر‬


‫القرن التاسع عشر ‪ .‬وتبدو علاقة الاستعمار المباشرة بالتخلف واضحة من‬
‫تحليل اهداف هذا الاستعمار في الاستيلاء على مناطق لتزويد البلد المستعمر‬
‫بالمواد الاولية اللازمة لصناعة وتحويل المستعمرات الى سوق لتصريف‬
‫منتجاته •‬

‫‪- ۲۲۰ -‬‬


‫فاذا نظرنا الى الوطن العربي نجد ان اغلب اقطاره كانت نهبا مقسما‬
‫بين الدول الاستعمارية تسيرها كما تشاء وتتحكم في مقدراتها واقتصادياتها‬
‫فالدول الاستعمارية تملك بواسطة شركاتها البترول العربي ( باستثناء ماهو‬
‫موجود منه في الجمهورية العربية المتحدة والجمهورية العربية السورية وجزء‬
‫من بترول الجزائر ( ‪ .‬كما تسيطر على الاسواق العالمية للمواد الزراعية‬

‫الاساسية التي ينتجها الوطن العربي ‪ ،‬كالقطن والحبوب ‪ .‬كما أن جزءا‬


‫كبيرا من تجارة الوطن العربي من استيراد وتصدير لا يزال مع البلدان‬
‫الاستعمارية وان المساعدات الامريكية ورؤوس الاموال الغربية تغرق بعض‬
‫البلدان العربية ‪.‬‬

‫وهذا يعني ربط اقتصاديات الوطن العربي وتبعيتها لاقتصاديات‬


‫البلدان الاستعمارية وتأثر اقتصاديات الوطن العربي بالاسواق الدوليــة‬
‫للمنتجات الرئيسية ‪ .‬ولما كانت البلدان الاستعمارية لا ترغب في ان يصل‬
‫العرب الى مجتمع موحد متطور فانها تضع العراقيل الاقتصادية في طريقها‬
‫اسلحة‬
‫وتحاول التصدي لرغبة العرب في التقدم مستخدمة في ذلك جميع‬
‫الاستعمار الجديد وفي مقدمتها قاعدة الاستعمار اسرائيل •‬

‫ويشكل الاحتلال الاسرائيلي عائقا قويا في وجه التقدم الاقتصادي‬


‫للبلاد العربية لان هذه البلاد مضطرة لتخصيص قسم كبير من مواردهـــــــا‬
‫للاغراض الدفاعية للذود عن وجودها من جهة ولتهيئة الظروف المناسبة‬
‫لتحرير الوطن السليب من جهة اخرى ‪.‬‬

‫بالاضافة الى الاستعمار القديم والجديد فان التجزئة السياسية القائمة‬


‫في الوطن العربي تعتبر كذلك من اهم العوائق الاساسية في طريق الخلاص‬
‫من‬
‫التخلف ‪ .‬لان التجزئة السياسية تتبعها تجزئة اقتصادية فكل قطر عربي‬
‫يعمل بمعزل عن الآخر ويمارس نشاطا اقتصاديا مستقلا ‪ .‬ان تجزئة الوطن‬
‫العربي الى دويلات مكن الاستعمار من فرض نفوذه وخلق كيانات عربية في‬
‫قلب الامة العربية واقامة حكومات ونظم اقتصادية وسياسية فيها تساير‬
‫مصالح المستعمرين وتمكنهم من استغلال الموارد العربية لصالحهم ‪.‬‬

‫وقد اتبع المستعمرون في الوطن العربي جميع السبل التي تكرس‬


‫التجزئة فرسموا حدود الحياة الاقتصادية بشكل يجعل من الوطن العربي‬

‫‪" - ۲۲۱ -‬‬


‫‪-‬‬
‫منطقة لانتاج المواد الاولية اللازمة لهم وسوقا لتصريف السلع التي تنتجها‬
‫احتكاراتهم ‪.‬‬

‫وبعد ان استطاعت اغلب البلدان العربية الحصول على الاستقلال‬

‫السياسي وطرد الاستعمار المباشر بقيت الكيانات والدويلات العربيةمستقلة‬


‫عن بعضها بعضا على الرغم من شعور كل عربي بضرورة الوحدة العربية •‬

‫لقد خلق الاستعمار وضع التجزئة وقبل أن ينحسر عن الوطن العربي‬


‫خلق نظما اقليمية للحكم موالية له ‪ ،‬لتضمن له بقاء مصالحه ‪ .‬وكونت هذه‬

‫الحكومات الاقليمية مع الزمن مصالح اقتصادية وسياسية قطرية تجعلها‬


‫تتمسك بالوضع القائم المجزا وتستفيد منه ‪.‬‬

‫ان هذه النظم التي خلقها الاستعمار قبل ان يخرج سمحت بتسلط‬
‫طبقات معينة على الحكم ومقدرات البلاد وهي الطبقات الاقطاعية‬
‫و البرجوازية التي لا تتخلى عن مراكزها ومصالحها الذاتية في وحدة عربية‬
‫تهدد هذه المصالح ‪ .‬وعندما خطط الاستعمار لهذه النظم من الحكم كان‬
‫يدرك بأن مصالحه مهددة في حال قيام وحدة عربية ‪ .‬لهذا وجد في الطبقات‬
‫الاقطاعية والبرجوازية خير وسيلة يسلطها على الحكم لتحول دون قيام اي‬
‫وحدة عربية في المستقبل وبالتالي ليحمي مصالحه في الوطن العربي •‬

‫ثم ان الاستعمار المباشر خرج من جهة ليدخل من جهة اخرى بوجهه‬


‫استغلال اقتصادي ومساعدات ومعاهدات تربط البلد ‪،‬‬ ‫الجديد اي بشكل‬
‫الذي خرج منه الى عجلته ربطا قويا محكما‬

‫فعندما خرج الاستعمار ترك وراءه انظمة من الحكم الموالي له‬


‫بالاضافة الى عدد كبير من العملاء والمرتبطين بمصالحه ونظمه السياسية‬

‫والاجتماعية ‪ .‬وهذه الأنظمة التقليدية البالية التي كانت قائمة بعد خروج‬
‫الاستعمار من الوطن العربي والتي لا تزال حتى الآن قائمة في بعض اجزائه‬
‫والتي تقوم على سيطرة الاقطاع ورأس المال على شؤون الاقتصاد و السياسة‬

‫في هذه الاقطار ‪ ،‬هذه الانظمة هي اذن من اهم اسباب تخلف الوطن العربي‬
‫ومن اقوى اسباب بقاء التجزئة السياسية في الوطن العربي ‪ .‬وفي الستينات‬
‫من هذا القرن استطاع الشعب العربي في بعض اقطاره القضاء على هذه‬
‫الانظمة البالية ‪ ،‬والسير في طريق جديدة نحو الاشتراكية ‪ .‬فتم مثلا في‬

‫‪- ۲۲۲ -‬‬


‫سورية بخاصة وفي الجزائر ومصر القضاء على الاقطاع ونفوذه السياسي‬
‫والاجتماعي عن طريق الاصلاح الزراعي كما قضي فيها على النفوذ الرأسمالي‬
‫عن طريق تأميم أهم وسائل الانتاج الصناعي وجزء هام من قطاع التجارة‬
‫واتباع اسلوب التخطيط الاقتصادي لاحداث تنمية اقتصادية واجتماعية ترفع‬
‫من مستوى حياة الكادحين في هذه الأقطار وبتعبير آخر فقد كسر الشعب‬
‫العربي في هذه الأقطار طوق النظم التقليدية وسار في رم‬
‫اطار لنظم جديدة تقدمية وفي العام الماضي انضمت كل من السودان‬
‫وليبيا الى قافلة الدول العربية المتحررة ‪ ،‬وبالرغم من ذلك لا يزال الاقتصاد‬
‫العربي بشكل عام يعاني من التجزئة بسبب التجزئة السياسية القائمة وما‬
‫زال المجتمع العربي يتصف بالصفات التالية ‪:‬‬

‫ا‪-‬‬
‫‪ 1‬ـ عدم استغلال الموارد المتوفرة بشكل كامل وبأيدي وطنيين‬

‫‪ -‬ارتفاع نسبة العاملين في الزراعة •‬


‫‪ ٢‬ــ‬

‫– ضعف المردود والانتاجية والاعتماد على انتاج محصــــــــــول أو‬


‫محصولين رئيسيين‬

‫ـ ضعف القطاع الصناعي‬

‫ه ‪ -‬عدم الاستقرار الاقتصادي ·‬

‫‪ - ٦‬ضيق السوق الداخلية‬

‫‪ -‬زيادة معدل تزايد السكان وانتشار البطالة ونقص اليد العامله‬

‫الخبيرة ‪.‬‬

‫‪ -‬التبعية الاقتصادية ‪.‬‬

‫‪ -‬ضالة متوسط الدخل الفردي وانخفاض مستوى المعيشة ‪.‬‬


‫ومع ذلك كله لابد من القول بان الوطن العربي يملك امكانيات ضخمة‬

‫للتخلص من جميع صور التخلف الانفة الذكر ‪ .‬فالوطن العربي يملك أهم‬
‫مورد اقتصادي عالمي اي البترول عصب الصناعة الحديثة الذي تقدر‬
‫احتياطاته من هذه المادة بنحو ‪ ٪ ٦٥ - ٥٥‬من مخزون العالم كما تحتل البلاد‬

‫‪-‬‬
‫‪- ۲۲۳ -‬‬
‫‪-‬‬
‫العربية المرتبة الأولى بين البلاد المنتجة للبترول في العالم بالاضافة الى غير‬
‫ذلك من الثروات الاخرى المعدنية منها والزراعية التي تجعل من الوطن‬
‫العربي الكبير قوة اقتصادية لا يستهان بها شريطة تحرير هذه الثروات من‬
‫السيطرة الاجنبية واستثمارها لمصلحة الشعب العربي نفسه في الـ‬
‫مجتمع عربي اشتراكي موحد‬

‫اما بالنسبة لسبل تجاوز التخلف في البلدان النامية بشكل عام لان‬
‫علماء الاقتصاد ينقسمون بالنسبة لارائهم المختلفة حول الاسلوب الافضل‬
‫والسليم لتجاوز التخلف الى زمرتين ‪.‬‬

‫ــون‬ ‫الزمرة الأولى ‪ :‬وهم الاقتصاديون البورجوازيون الذين يرتبط‬

‫بالنظام الرأسمالي العالمي فكريا ومصلحيا وهؤلاء الاقتصاديون ينصحون‬


‫بتقليد الدول الراسمالية الصناعية كالولايات المتحدة وبريطانيا والمانيـــــــــا‬

‫الغربية ‪ .‬وبتعبير آخر فهم ينصحون باتباع الطريق الرأسمالي في التنمية‬


‫وذلك بالبدء بتطوير الصناعات الخفيفة اولا وفي مرحلة معينة من تطور‬
‫هذه الصناعات يمكن البدء ببناء الصناعات الثقيلة ‪ .‬ثم انهم يقولون ان الدخل‬
‫القومي في البلدان النامية ضئيل وبالتالي فان معدل التراكم الراسمالي‬
‫المخصص للتنمية منخفض ‪ ،‬لهذا فهم يقترحون أيضا أن على البلدان النامية‬
‫ان تفتح ابوابها على مصاريعها امام تدفق رؤوس الاموال الاجنبية لكـ‬
‫تشارك مع رجال الاعمال في هذه البلدان على تأمين التنمية المطلوبة ‪.‬‬

‫ان هذه النتائج التي توصل اليها الاقتصاديون البرجوازيون في معالجة‬


‫قضايا التخلف الاقتصادي خطيرة على مصالح شعوب البلدان النامية لان‬
‫هذه الآراء تخفي وراءها مصالح الاحتكارات العالمية التي تسعى جادة لابقاء‬
‫الدول النامية مصدرا خصبا للمواد الاولية الرخيصة وسوقا واسعة لمنتجاتها‬

‫التنمية يكرس التخلف ويربط اقتصاديات‬ ‫الصناعية ‪ .‬فالطريق الرأسمالي في‬


‫البلدان النامية بعجلة السوق العلمية الراسمالية وتقلباتها وبالتالي فان‬
‫الاستغلال السياسي لهذه البلدان يبقى تحت رحمة هذه السوق ‪ .‬فالظروف‬
‫الداخلية والدولية التي ترافق عملية التنمية في البلدان النامية من مرحلة‬
‫الامبريالية ‪ ،‬هذه الظروف لا تمكن البلدان النامية من اتباع اساليب القرصنة‬
‫من اجل التنمية كما فعلته الدول الاستعمارية من قبل وبالتالي فان شعوب‬
‫البلدان النامية مدعوة اليوم لتجاوز التخلف الموروث بوسائلها الخاصــــــــــــة‬

‫‪-‬‬
‫‪- ٢٢٤ -‬‬
‫ومواردها الوطنية من مادية وبشرية وبمساعدة الدول الصديقة التي تقبل‬
‫معها اقامة علاقات اقتصادية نزيهة تحترم استقلال هذه البلدان والمصلحة‬
‫يع الاطراف ‪ ،‬كما ان تغلغل الاستعمار الجديد علـــــــى هـــــذه‬

‫البلدان اتباع اسلوب جديد في مضمار التنمية الاقتصادية يأخذ بعين الاعتبار‬
‫امكاناتها ومواردها المحلية وبالشكل الذي يؤمن لهذه البلدان التحرر السياسي‬
‫والاجتماعي ومحاربة التدخل والاستغلال الامبريالي والتخلص من التبعية‬
‫السياسية والاقتصادية وتحقيق تحسن مستمر لمستوى حياة شعوبها‬

‫وبصورة خاصة حل المسألة الزراعية في الارياف لصالح جماهير الفلاحين‬


‫ومحاربة كل مظهر من مظاهر استغلال الانسان للانسان ·‬

‫غير ان حل هذه المهام لا يمكن ان يتم بقيادة الطبقات البورجوازية لانها‬


‫تعيش في هذه البلدان وتتطور تحت تأثير تناقض مزدوج فمن جهة لها مصلحة‬
‫في تطوير القوى المنتجة وتوسيع السوق الداخلية لتزيد من ارباحها ومن‬
‫جهة اخرى تخشى تطور هذه القوى حفاظا على امتيازاتها ‪.‬‬

‫وحيث ان الشطر الثاني من هذا التناقض هو الاقوى في هذا العصر‬


‫الذي يتسم بسمة اساسية هي الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية على‬
‫الصعيد العالمي فان هناك شروطا موضوعة للتفاهم بين الاستعمار وهذه‬
‫الطبقات باشكال مختلفة الامر الذي يجعل هذه الطبقات عاجزة عن حل‬
‫مشكلة التنمية وتجاوز التخلف في هذه البلدان وبالتالي فهي عاجزة ‪ ،‬عن‬
‫سلوك الاسلوب الصحيح في التنمية والتحرر من الاستعمار الجديد بجميع‬
‫مظاهره ‪.‬‬

‫ان الطبقات الكادحة بقيادة حزبها الطليعي هي المؤهلة في هذه المرحلة‬


‫لقيادة عملية التنمية وفق الخط الاشتراكي الطريق الحتمي لهذه البلدان‬
‫وهذا الحل هو الذي ينصح به كل الاقتصاديين المؤمنين بقضية شعوبهم‬

‫‪-‬‬
‫‪- ٢٢٥ -‬‬
‫‪-‬‬
‫التخلف والتبعية‬

‫وعلاقتها بالتجزئة‬

‫‪- ۲۲۷ -‬‬


‫مخطط البحث‬

‫ا ‪ -‬تحديد ظاهرة التخلف‬

‫اولا ‪ -‬وطن مجزا سياسيا واقتصاديا‬

‫ثانيا ‪ - .‬الاقتصاديات العربية متخلفة‬

‫ثالثا ‪-‬‬
‫‪ -‬وهي اقتصاديات تابعة‬
‫ـ‬

‫‪ - ٢‬نتائج التخلف‬

‫‪-‬‬
‫اولا ــ سوء توزيع عناصر الانتاج‬

‫ثانيا ‪ -‬ضيق السوق‬

‫‪ -‬مقومات الوحدة الاقتصادية‬

‫‪ - ٤‬الخاتمة‬

‫‪-- ۲۲۸ -‬‬


‫‪I‬‬
‫‪ ۱‬ـ تحديد ظاهرة التخلف ‪:‬‬

‫هذا التخلف يشكل ظاهرة متماسكة وإن تعددت وجوهها والمظاهر‬


‫التي يتجلى فيها ‪ .‬وهو يشمل البنى الاقتصادية والاجتماعية ‪ .‬ولئن كان‬
‫الاندماج بين المواطنين ضعيفا بسبب استمرار انواع من الروابط الاجتماعية‬
‫المترسبة من الماضي كالحي والقرية والعشائرية والقبلية والطائفية ‪ ،‬وكان‬
‫الجهل متفشيا والفكر الغيبي الاستسلامي مايزال سائدا ‪ ،‬وكانت الاحوال‬
‫الصحية سيئة ‪ ،‬أن تطوير هذه البنى التحتية والفوقية لا يمكن أن يتحقق الا‬
‫بتغير البنية الاقتصادية ‪ -‬الاجتماعية وتطوير العلاقات الاجتماعية ‪ .‬ولهذا‬

‫فسنكتفي هنا بالتركيز على الجانب الاقتصادي ‪.‬‬

‫سجل اكتشاف الطاقة البخارية وقيام الثورة الصناعية ‪ ،‬وما ترتب‬


‫عليها من تغيرات مستمرة في وسائل الانتاج مرحلة جديدة في تاريخ الانسان ‪.‬‬
‫وقد اقترنت هذه الثورة بنمو اقتصادي تم بمعدلات وسرعة متزايدة ‪ .‬فزاد‬
‫الانتاج الصناعي في القرن الاخير أكثر من أربعين ضعفا بينما تضاعف عدد‬
‫سكان العالم مرة واحدة تقريبا ‪ ،‬بحيث بلغ معدل التنمية بالنسبة للفرد‬
‫الواحد ‪ ٪ ٢ ٫٦‬ولم يكن يجاوز ‪ ٪ ۱‬أو أقل في القرون الماضية •‬

‫هذا التقدم لم يتحقق في جميع بلاد العالم على السواء ‪ ،‬بل انحصر‬
‫حتى مطلع القرن العشرين في انجلترة وأوروبا القارة والولايات المتحدة‬
‫الامريكية في بلاد شهدت ثورة بورجوازية صناعية وتجارية ضد استبداد‬

‫الملوك ورواسب عهد الاقطاع ‪ ،‬لتحرير الانسان من عبودية الارض ‪ ،‬وفتح‬


‫السبل أمامه للهجرة الى المدن ‪ ،‬والانتقال من العمل في الحقل الى العمل في‬
‫المصانع ‪ ،‬وتوفير الحرية للافراد في استثمار الاموال والقوى البشرية‬

‫والتطور التقني بدون قيود ‪ .‬وهذه البلاد هي الوحيدة بين سائر أنحاء العالم‬
‫التي تيسر لها الانتقال من المرحلة السابقة للرأسمالية الى المرحلة الرأسمالية‬
‫وتبعا لذلك فقد كان معدل النمو الاقتصادي للفرد في هذه البلاد أعلى بكثير‬

‫) ‪ ،‬بينما حافظ المعدل في بقية أنحاء العالم‬ ‫‪٦ -‬‬


‫من ‪ ( ٪ ٢ ٫ ٦‬يتراوح بين ‪- ٣‬‬
‫على نسبة ‪ % 1‬أو أقل ‪ .‬واقترن النمو الاقتصادي في البلاد المتقدم‬
‫بينما حافظ هذا التكاثر على معدل مرتفع‬ ‫بانخفاض معدل تكاثر السكان‬

‫‪--‬‬
‫‪- ۲۲۹ -‬‬
‫في البلاد الأخرى ‪ ،‬بحيث بلغت هذه مرحلة من التناقض الواضح بين التزايد‬
‫السريع في السكان من جهة وجمود النمو الاقتصادي أو نموه بمعدل أقل‬
‫من معدل تكاثر السكان من جهة أخرى ‪ .‬وعلى هذا يبدو أن التخلف لايعدو‬

‫في جوهره القصور عن استخدام موارد البلد الطبيعية واليد العاملة ورأس‬
‫المال وفق الاساليب التقنية المعاصرة‬

‫واذا القينا نظرة شاملة على الوطن العربي نجــد فيـه الخصائص‬
‫الاساسية التالية ‪:‬‬

‫اولا ‪ -‬وطن مجزا سياسيا واقتصاديا ‪:‬‬

‫فتت المستعمر الوطن العربي الى وحدات سياسية متعددة تخضع‬


‫لمختلف الدول الاجنبية ‪ ،‬وأقيمت بينها الحدود والحواجز الجمركية ‪ .‬وفي‬
‫كل قطر عمل المستعمر على تنشيط زراعة المحاصيل التي يحتاجها اقتصاده‬

‫وربط اقتصاد البلد التابع بعجلة اقتصاده ‪ .‬واعتمد المستعمرفي كل قطر على‬
‫طبقة حاكمة في دعم سلطانه وحماية مصالحه تتكون بالدرجة الاولى من‬
‫الطبقة الاقطاعية أو شيوخ القبائل والطبقة البورجوازية التجارية الناشئة‬
‫والجهاز الاداري والعسكري ‪ ،‬كما عمل على اذكاء روح التفرقة الدينية‬
‫والطائفية والاقليمية والقبلية ‪ ،‬واتخذ منها أدوات الدوام سيطرته •‬

‫وقد أدى الوعي الوطني والنضال ضد الاجنبي ‪ ،‬وتطور الشروط‬


‫الاساسية والاقتصادية العالمية الى انهيار النظام الاستعماري ‪ .‬فكان التحرر‬

‫تدريجيا في العمق والشمول ‪ ،‬ومع هذا التحول النسبي اخذت النهضة‬


‫الاقتصادية والاجتماعية تخطو خطواتها الأولىفي كل قطر ‪ .‬وجميعالصناعات‬
‫الهامة في سورية ولبنان قامت بعد جلاء الفرنسيين عنها ‪ .‬وفي مصر بعد‬

‫عام ‪ ، ١٩٣٠‬وفي السودان بعد استقلال عام ‪ ١٩٥٦.‬اما صناعة استخراج‬


‫النفط في الوطن العربي وكذلك الصناعات التي قامت في شمال أفريقيا‬
‫الشمالية ‪ ،‬فقد قام معظمها مباشرة لمصلحة الاستثمارات الاجنبية من حيث‬
‫تمويلها وتنظيمها وادارتها وتسويق منتجاتها •‬

‫ونتيجة هذا التطور التاريخي مايزال الاقتصاد العربي اقتصادا مجزا‬


‫اذ يتألف الوطن العربي من وحدات سياسية كثيرة تقوم بينهـا الحــدود‬
‫وتؤلف كل منها سوقا اقتصادية قائمة‬ ‫الجمركية‬ ‫السياسية والحواجز‬
‫بذاتها ‪..‬‬

‫‪-‬‬
‫‪- ۲۳۰ -‬‬
‫ثانيا ‪ -‬الاقتصاديات العربية متخلفة ‪:‬‬

‫أ ـ فهي اقتصاديات منتجة للمواد الاولية ‪ ،‬فأفريقيا العربية وبلاد‬


‫الهلال الخصيب ) باستثناء لبنان ) تعتمد على الزراعة التي تسهم بحوالي‬
‫النصف في تكوين الدخل القومي ( كما في مصر وسورية ) وترتفع النسبة‬
‫حتى تبلغ ‪ % ٩٥%‬في شمال أفريقيا والاردن واليمن ‪ .‬أو على النفط كالعربية‬

‫السعودية وامارات الخليج أو على كليهما بنسب متفاوتة كالعراق والجزائر‬


‫وليبيا‬

‫وتعتمد الزراعة بشكل عام على الحبوب والخضر والفواكه ‪ .‬وفي‬


‫بعضها يلعب القطن دورا رئيسيا كوادي النيل وسورية ‪ .‬وتتميز الزراعة‬
‫بعدم استثمار الموارد الزراعية بدرجة كافية ( عدا (‬
‫مصر) وبدائية أساليب‬
‫ويساعد على ضعف الانتاجية حالة البؤس‬ ‫وضعف الانتاجية‬ ‫الزراعة‬

‫والجهل التي يعيشها الفلاح العربي ‪ .‬وثمة انفصال بين الزراعة وتربية‬

‫الماشية ‪ ،‬أما الملكية فهي اما من نموذج شبه اقطاعي أو صغيرة لاتسمح‬
‫والبطالة المقنعة واسعة الانتشار‬ ‫باستخدام الوسائل الحديثة في الانتاج‬
‫وهي تلعب دورا أساسيا في ابقاء الاجور في مستواها الادنى ‪ ،‬وتعطيل‬
‫تشريعات العمل ‪ ،‬والحيلولة دون تنظيم سوق اليد العاملة ‪ .‬وينتشر الربافي‬
‫•‬
‫كثير من الاقطار فيدعم تبعية الفلاح لمالك الارض‬

‫أما الصناعة فمحدودة الاهمية ‪ ،‬وتسهم في تكوين الدخل القومي‬


‫بنسبة تتراوح بين ‪ ٪ ۱۷ - ۱۲‬في أكثر الاقطار تطورا ‪ .‬واذا استثنينا معمل‬
‫الحديد والصلب في القطر المصري والصناعات الالية والتعدينية في مراكش ‪،‬‬

‫فان بقية الصناعات العربية تعتبر كلها صناعات خفيفة أهمها الغزل‬
‫والنسيج والصناعات الغذائية والكيميائية وصناعة البناء والورق والجلود‬
‫والسجائر ·‬

‫وفي جميع هذه الاقتصاديات تعتمد التجارة بنسب متفاوتة علـىــــــــى‬


‫تصدير المواد الاولية والزراعة ‪ ،‬واستيراد المنتجات المصنوعة والتجهيزات‬
‫نمط استعماري للتجارة الخارجية وهي تصدر في مجموعها من المنتجات‬
‫الزراعية ما يعادل ثلثي قيمة صادراتها ( ‪ ٪ ۲۸‬منها معادن و ‪ ٪ ۷‬فقط‬

‫‪- ۲۳۱ -‬‬


‫‪ .‬اما مستورداتها فتتألف من منتجات زراعية بحوالي‬ ‫منتجات مصنوعة )‬
‫‪،‬ارداتها ‪ ،‬ويتألف الثلثان الباقيان من مواد مصنوعة ‪ .‬وتعاني‬
‫‪ ٪ ۳۰‬من قيمة و‬
‫‪.‬‬
‫كلها بدرجات متفاوتة عجزا في ميزانها التجاري‬

‫ب ـ ويتجلى هذا التخلف بضعف مستوى الدخل القومي ومتوسط‬

‫الدخل القومي للفرد وسوء توزيعه ويتضح ضعف متوسط الدخل الفردي‬
‫اذا قيس بما عليه الحال في البلاد المتقدمة ( أكثر من ‪ ٥٥٠‬دولار للفرد في‬
‫المتوسط‪ ،‬ويتجاوز الالف في فرنسا وانجلترا ‪ ،‬ويبلغ حدود الثلاثة آلاف في‬
‫الولايات المتحدة الامريكية ) ‪ .‬أما في الوطن العربي فيبدو المتوسط حوالي‬
‫‪ ١٥٠‬دولار للفرد سنويا ‪ .‬وهو أقل من ذلك في مصر وشمال أن يحياو العراق‬
‫والاردن ‪ ،‬ويرتفع الى ‪ ۳۰۰‬دولار كحد أقصى في لبنان‬

‫ويتجه هذا المتوسط الى الانخفاض في كثير من الاقطار لارتفاع معدل‬


‫الولادات ‪ ،‬وانخفاض معدل الوفيات بسبب التحسينات الصحية ‪ ،‬مما يؤدي‬
‫الى أن يتم تكاثر السكان بمعدل أعلى من معدل النمو الاقتصادي ‪.‬‬

‫ج ‪ -‬وادهى من ذلك وأمر سوء توزيع الدخل القومي ‪ .‬وينعكس‬


‫سوء التوزيع هذا بأجلى مظاهره في اتساع الهوة التي تفصل بين الريف‬
‫والمدينة ‪ ،‬وسوء توزيع الخدمات العامة ‪ ،‬فالشوارع والمساكن الصحية‬
‫والنور والماء والتعليم والخدمات الصحية تكاد تنحصر كلها في المدن ‪ ،‬التي‬
‫لاتضم أكثر من ثلث السكان •‬

‫فأقلية ممتازة سياسيا واقتصاديا تقتطع في كل قطر عربي نصيب‬

‫الاسد من الدخل القومي المنخفض أصلا ‪ ،‬وقد تكون شبه اقطاعية أو تجارية‬
‫أو تحالفا بين كل هؤلاء ‪ ،‬وتحول الاقطاعات التي تجريها هذه الطبقة ‪،‬‬
‫والتي تنفق في وجوه كمالية أو ترفيه دون تراكم رأس المال وتعبئته لاغراض‬
‫التنمية ‪ ،‬كما أن اعادة تصدير الارباح الناجمة عن استثمار النفط في البلاد‬
‫العربية ‪ ،‬بدلا عن تثميرها فيها ‪ ،‬يلعبدورا هاما هو الاخر في شل التطور‬
‫الاقتصادي ونموه‬

‫د ـ ويزيد في حدة الشعور بهذا التخلف أن اقتصاد البلاد المتقدمة‬

‫ينمو بمعدل مرتفع ‪،‬باطراد ‪ ،‬بينما لايزداد الدخل القومي العربي الا ببطء‬
‫شديد ‪ ،‬مما يزيد في اتساع الشقة باطراد بينها وبين البلاد المتقدمة التي‬
‫تفيد من تراكم رأس المال والخبرة وتطور التقنية ·‬

‫‪- ۲۳۲ -‬‬


‫‪-‬‬
‫ثالثا ‪ -‬وهي اقتصايات تابعة ‪:‬‬

‫تشترك الاقتصاديات العربية في انها اقتصاديات تابعة لاقتصاديات‬


‫البلاد المتقدمة ‪ ،‬وان تفاوتت اشكال ومدى هذه التبعية تفاوتا كبيرا ‪.‬‬

‫ففي عهد التبعية السياسية كان الاقتصاد المحلي يرتبط بعجلة اقتصاد‬
‫البلد المتبوع بالنظم النقدية والمصارف ووسطاء التجارة الخارجية ‪ ،‬وتكاد‬
‫الدولة المستعمرة تحتكر التجارة مع البلد التابع ( تطبيق الميثاق‬
‫الاستعماري ‪ ( ،‬ومع التحرر استطاع بعضها أن يحرر نقده ‪ ،‬وقام بعضها‬
‫الآخر بتأميم المشروعات الاجنبية الحيوية ( قناة السويس وتمصير المصارف‬
‫الاجنبية وشركات التأمين ووكالات الاستيراد والتصدير وتأميم المصارففي‬

‫(ورية) واخذ بعضها في توزيع تجارته الخارجية توزيعا جغرافيا متوازنا ‪.‬‬
‫س‬

‫‪-‬ـ وبالرغم من هذه الجهود فان بنية الاقتصاديات العربية ‪-‬‬ ‫‪T‬‬
‫– كما‬ ‫آ ـــ‬
‫نظمتها الدول المستعمرة ‪ -‬تجعل منها اقتصاديات تابعة بحكم تكوينها ‪،‬‬
‫لانها تقوم على تبادل المواد الاولية بمنتجات مصنوعة ( النمط الاستعماري‬
‫الجديد للتجارة الخارجية ‪ .‬ويزيد في حدة هذه التبعية تخصص البلاد‬

‫العربية في انتاج وتصدير محصول واحد يشكل وحده جزءا كبيرا من دخلها‬
‫القومي ( يمثل النفط أكثر من نصف الدخل القومي العراقي و ‪ ٪ ۹۰‬من قيمة‬
‫صادراته ‪ .‬وتمثل الصادرات في مصر وسورية ‪ ٪ ٣٠ - ٢٠‬من الدخل‬
‫القومي ‪) .‬‬

‫وتعتمد بعض الاقطار على القطن وحده ‪ ،‬وغيرها على القطن والحبوب ‪،‬‬
‫وهذا التخصص الضيق في الانتاج لسلع موجهة في الاساس الى أوروبا‬
‫واية‬ ‫الغربية يجعل اقتصاد البلاد رهنا بطلب الدول المتقدمة على صادراته‬
‫تقلبات اقتصادية تمر بها الدول الصناعية تعرض اقتصاديات الدول العربية‬

‫إلى هزات عنيفة بسبب التقلبات الواسعة التي تطرأ على أسعار المواد‬
‫الاولية ‪ ،‬مما يعرض موازين مدفوعات البلاد العربية الى تقلبات عنيفة‬

‫الذي يعتمد اعتمادا‬ ‫نتيجة تقلبات اثمان صادراتها ‪ ،‬وبالتالي الدخل القومي‬
‫كبيرا على التصدير ‪ ،‬للهزات •‬

‫ب ـــ والى جانب التبعية الناشئة عن التخصص في التصديرتوجد التبعية‬

‫‪- ۲۳۳ --‬‬


‫الناشئة من اعتماد البلاد العربية الى حد كبير في حياتها على الاستيراد بسبب‬

‫ضالة التصنيع فيها ‪ .‬وتتعرض البلاد العربية بالتالي الى تدهور مستمر في‬
‫أوضاعها الاقتصادية بسبب تدهور حدود التبادل في الاجل الطويل ‪.‬‬

‫‪.‬‬
‫ج – وتتجلى التبعية بوضوح أكبر في البلاد المنتجة للنفط‬
‫فالاستثمارات النفطية ( يكاد ينحصر الاستثمار الاجنبيفي البلاد العربية في‬
‫صناعة استخراج النفط ونصف الاستثمارات الاجنبيةفي هذه المنطقة موظف‬

‫فيها أما النصف الآخر ففي الصناعات (الاسرائيلية تعتبر جزءا متمما من‬
‫الناحية الاقتصادية للبلاد المستثمرة ‪ ،‬وكأنها خارج الارض التي اقيمت عليها ‪.‬‬
‫فهي جزء من الاقتصاديات الراسمالية من حيث تمويلها وتنظيمها وادارتها ‪،‬‬
‫توجه بقرارات خارجية وفق مصالح البلاد المستثمرة ‪ .‬وتتمتع شركات النفط‬

‫في البلاد العربية بمركز احتكاري نتيجة للنفوذ الاستعماري من جهة وضعف‬
‫الاقطار العربية المنجة وتخلفها من جهة أخرى ‪ ،‬فتتحكم في انتاجه وتسويقه‬
‫وفق ماتمليه عليها مصالحها دون اعتبار لمصلحة البلاد المنتجة ‪ .‬وتتجلى‬
‫تبعية هذه البلاد المنتجة في ان ‪ ٪ ۱۰۰‬من موارد كثير من الحكومات يستمد‬

‫الكويت ‪ ٪ ۷۰‬وفي العربية السعودية و ‪% ٥٠‬في‬ ‫‪ .‬من عائدات النفط ) كما في‬

‫العراق ) ‪ ،‬وبالتالي فان دخل هذه البلاد يتوقف في الواقع على سلوك الشركات‬
‫ومن نتيجة هذه التبعية ضآلة الارباح التي تحصل عليها الحكومات العربية‬
‫فنزويلا مما يحرم البلاد العربية من‬ ‫اذا قورنت بمثيلاتها في البلاد الاخرى‬
‫موارد هامة ‪.‬‬

‫‪ - ۲‬نتائج التخلف ‪:‬‬

‫ويترتب على هذه الخصائص التي تدل بوضوح على الارتباط‬


‫العضوي بين التخلف والتجزئة والتبعية ‪ ،‬نتيجتان أساسيتان سوء توزيع‬
‫عناصر الانتاج وضيق السوق ‪.‬‬

‫اولا ‪ -‬سوء توزيع عناصر الانتاج ‪:‬‬

‫يترتب على تجزئة الاقتصاد العربي سوء توزيع عناصر الانتاج ‪،‬‬
‫وكثير من البلاد الاخرى‬ ‫فمعظم البلاد المنتجة للنفط لا تملك اراضي زراعية‬
‫يملك موارد زراعية ضخمة غير مستثمرة ‪ ،‬ويمكن تطويرها بحيث تتضاعف‬
‫·‬
‫مساحتها وتعاني مصر ولبنان من ضغط سكان كبير ( أكثر من ‪ ٦٠٠‬فردفي‬

‫‪-‬‬
‫‪- ٢٣٤ -‬‬
‫الكيلو متر المربع الواحد في الارض المزروعة ‪ .‬ويترتب على ذلك هــــــدر‬
‫طاقات بشرية ثمينة ‪ .‬بينما تشل اقلية السكان جهود التنمية في أقطار أخرى‬
‫كالسودان والعراق وسورية جزئيا ( أقل من ‪ ۹۰‬في الكيلو متر المربع في‬
‫الارض المزروعة ) ‪ .‬وفي الاقطار المنتجة للنفط فائض كبير محمد من رؤوس‬
‫الاموال العاطلة ( ‪ ) ۱‬يودع في المصارف في البلاد المتقدمة ليسهم في ازدياد‬
‫تقدمها بينما تجد الاقطار العربية الاخرى نفسها في حاجة ماسة الى رؤوس‬

‫الاموال لتمويل النمو الاقتصادي فيها ودفع عجلته ( مصر وسورية ولبنان‬
‫والاردن وتونس ومراكش واليمن ) ‪ .‬وتتوفر الخبرة الفنية الى حد ما فيمصر‬
‫لبنان ‪ ،‬سورية ‪ ،‬والعراق جزئيا بينما تفتقر اليه البلاد الاخرى •‬

‫ويترتب على هذا التوزيع السيء تعذر تحقيق أية تنمية جديةفي أي‬
‫قطر عربي منعزل لا سيما تلك المنتجة للنفط ‪ .‬ولو افترضنا أن في مكنة كل‬

‫فانه سيصطدم بعقب‬ ‫قطر أن يتغلب على نقص بعض عوامل الانتاج‬
‫أساسية هي ‪ :‬ضيق السو •‬
‫ق‬

‫ثانيا ‪ - :‬ضيق السوق ‪:‬‬

‫تدور الاقتصاديات العربية غير المنتجة للنفط في حلقة مفرغة فتخلفها‬


‫‪.‬‬
‫هو سبب ضالة الادخار القومي ونتيجة له‬

‫‪ -‬فالطلب والعرض الاجماليان يتسمان بالضعف نتيجة ضعف تكون‬


‫آ ــــ‬

‫رأس المال ‪ :‬فمن جهة الطلب الاجمالي ‪ :‬نظرا لان الدخل منخفض فان السوق‬
‫مما يعني ضعف الطلب‬ ‫( مجال تصريف المنتجات ( تبقى محدودة وضيقة‬
‫الفعلي ‪ ،‬وبالتالي ضعف الحافز على التمير ‪ ،‬فيبقى الاستثمار ضئيلا ولاتزداد‬
‫الانتاجية ‪ ،‬ويبقى الدخل في مستوى منخفض‬

‫‪ ۱‬ـ خصص العراق عام ‪ ۱۹٥٠.‬موارده النفطية لمشروعات التنمية ‪ ،‬الا انه اضطر عام‬
‫‪ ١٩٥٢‬أن يقتصر على تخصيص نسبة ‪ ٪ ۷۰%‬منها لعدم امكان انفاقها كلها ‪ .‬ومع ذلك فان مجموع‬

‫ما أنفق في الفترة ‪ ١٩٥٥ - ١٩٥١‬لم يتجاوز ‪ ٪ ٤٧‬من مجموع الموارد المخصصة ولئن كـــــــــان‬
‫هذا هو حال العراق برقعته الزراعية المتسعة فان قدرة الاقطار الأخرى المنتجة للنفط على‬
‫الاتفاق اقل بكثير رغم أن مواردها اضخم‬

‫‪- ٢٣٥ -‬‬


‫ومن جهة العرض الاجمالي ‪ :‬لما كان الدخل منخفضا فان الاستهلاك‬
‫يمتصه بكامله تقريبا ‪ ،‬ويكون الادخار ضئيلا والطلب عليه بقصد الاستثمار‬
‫ضعيفا ‪ ،‬فلا ينمو رأس المال وتبقى الانتاجية في مستوى ضعيف ويبقى الدخل‬
‫منخفضا •‬

‫ب ـ كما أن انخفاض مستوى المعيشة وتدني الاجور مرده في الواقع‬

‫الى ضعف انتاجية العمل لبدائية وسائل الانتاج من جهة وانتشار البطالة‬
‫المقنعة والمكشوفة من جهة أخرى ‪ .‬وانخفاض الاجور يصبح بدوره سببا‬

‫لتثبيط الهمة على تحسين وسائل الانتاج لان هذا التحسين يتطلب توظيفات‬
‫مرتفعة من رؤوس الاموال ‪ .‬ولا مصلحة للمنظمين في احلال الآلات محـــــــل‬
‫اليد العاملة الرخيصة‪.‬‬

‫ج ‪ -‬ان التنمية الاقتصادية تقتضي ايجاد وحدات انتاجية عاليـة‬


‫الكفاءة تفيد من مزايا الانتاج الكبير من حيث انخفاض التكاليف وجودة‬
‫الصنع ‪ .‬وهذا أمر متعذر في السوق الضيقة اذ لا يمكن اقامة الا بعض‬

‫فروع الصناعات الخفيفة ‪ .‬وصغر وحدات الانتاج يجعل تكاليفها عالية ‪،‬‬
‫عب‬‫لشعـ‬ ‫ا‬
‫ولا بد من حماية وجودها بأسوار من الحماية الجمركية يدفع الشـ‬
‫ثمنها ‪ .‬وارتفاع كلفتها يحول دون تصريفها أو دون تزايد الطلب الفعلي‬
‫بسبب انخفاض الدخل ‪ .‬كما أنه يتعذر تصريفها خارج البلاد لتعذر وقوفهافي‬
‫وجه منتجات الوحدات الصناعية الضخمة المتقدمة ‪ .‬ويمتنع على البلاد ذات‬
‫السوق الضيق أن تلج فروع الصناعة الثقيلة ولو توفرت عوامل اقامتها ‪.‬‬
‫فاقامة أصغر حجم المعمل صلب وفولاذ رابح يقتضي أن تكون طاقته الانتاجية‬
‫في حدود مليون طن سنويا على الاقل ‪ .‬وما من سوق عربية قطرية ان تمتص‬
‫هذا الانتاج ‪.‬‬

‫د ــ ان آثار التقلبات الواسعة في اسعار المواد الاولية والزراعية‬

‫تنعكس بحدة اكبر كلما كان السوق ضيقا ‪ ،‬وبالتالي فان هذه التقلبات‬
‫ان لم تفض الى انخفاض معدلات النمو في الاقتصاديات العربية المجزاة ‪،‬‬
‫فانها تعرقل أي نمو مخطط متناسق ‪ ،‬كما أنه يتعذر في السوق الضيق‬
‫تنويع الانتاج وتخفيف حدة هذه التبعية ‪.‬‬

‫هـ ـ واغتصاب اسرائيل يفرض على اقتصاديات البلاد العربية‬


‫‪-- ٢٣٦ -‬‬
‫المحيطة بها تخصيص جزء هام من الدخل القومي لاعباء الدفاع وتحويلها‬
‫بالتالي عن الاسهام في التنمية الاقتصادية ‪ ،‬وكلما ارتفع المعدل المخصص‬
‫للدفاع ضعف امكانية تكوين رأس مال يستثمر في تحقيق النمو الاقتصادي ‪.‬‬

‫‪ -‬مقومات الوحدة الاقتصادية ‪:‬‬

‫يجدر بنا أن نتساءل أولا عما اذا كان يمكن رد عدم تحقيق الوحدة‬
‫العربية الاقتصادية الى تشابه هذه الاقتصاديات ‪ .‬صحيح ان اقتصاديات‬

‫البلاد العربية الراهنة المجزاة متشابهة الى حد بعيد وهي بالتالي متنافسة‬
‫الى حد ما ‪ .‬الا ان هذا لا يعني استبعاد توحيدها • ولئن كانت هذه‬
‫الاقتصاديات متكاملة في حدود ضيقة ‪ ،‬بمعنى أن ما يفيض من انتاج القطر‬
‫الواحد يكمل حاجات استهلاك القطر الآخرة كأن يكون احد الاقطار زراعيا‬

‫‪،‬ناعيا ‪ ،‬أو أن يكون لدى كل منهما صناعات متكاملة أو زراعات‬


‫والثاني ص‬
‫متنوعة ‪ ،‬فان هذا لا يعني أن الوحدة الاقتصادية لا تنتج خيرا الا في‬
‫الاقتصاديات المتكاملة تكاملا تاما ‪ .‬وفي الواقع ‪.‬‬

‫أولا ـ ان التشابه ليس عقبة تحول دون الوحدة ‪ ،‬اذ من المؤكد أن‬
‫التنافس يقوم فعلا مع استمرار التجزئة ‪ .‬فالسودان ومصر ومراكش تنتج‬

‫التيلة ‪ ،‬واذا ماحاول كل قطر تصريف انتاجه بمعزل عـــــن‬ ‫القطن طويل‬

‫الاقطار الاخرى ‪ ،‬فان المشتري سيكون في مركز أفضل ‪ .‬بينما تكون الاقطار‬
‫المنتجة هي الاقوى في ظل الوحدة ‪ .‬فالوحدة تحقق للبلدان ذات الاقتصاد‬
‫المتشابه مركزا أقوى لتصريف منتجاتها في الاسواق العالمية بشروط أفضل ‪.‬‬
‫هي التي تشكل العنصر الرئيسي في‬ ‫وهذه المنتجات ‪ ،‬على نحو ما رأينا‬
‫ميزانها التجاري ‪..‬‬

‫ثانيا ‪-‬‬
‫فتشابه الاقتصاديات العربية لا يعتبر في حد ذاته عقبة في‬
‫وجه الوحدة ‪ ،‬بل انه مدعاة لتوحيدها واذا بحثنا فاننا نجد اوجه تكامل‬

‫عديدة وأساسية ‪ .‬وقد رأينا سابقا سوء توزيع عناصر الانتاج لاقامة‬
‫صناعة حديثة وزراعة متطورة •‬

‫ويمكن مع هذا أن نشير الى وجوه تكامل عديدة وأساسية ‪ :‬فامتداد‬


‫رقعة الوطن العربي وتنوع مناخه يعتبر في حد ذاته من أهم عوامل التكامل‬
‫في المجال الزراعي ‪ ،‬لامكانية تنويع المحاصيل المنتجة ‪ .‬والتبادل الزراعي‬

‫‪- - ۲۳۷ -‬‬


‫قائم فعلا بين هذه الاقطار ‪ ،‬ولو أنه في حدود ضيقة ‪ ،‬بسبب الافتقار الى‬
‫ومن عوامل التكامل كذلك استغلال الانهار‬ ‫شبكة ملائمة من المواصلات‬

‫التي تمر في أكثر من قطر عربي والتي يتوقف عليها مستقبل التقدم الزراعي‬
‫في تلك الاقطار ‪ ،‬كالنيل ( مصر والسودان ( والفرات ( سورية والعراق )‬
‫واليرموك وفروعه ( سورية والاردن ) ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ -‬واتساع السوق هو السبيل للتحرر من التبعية الخارجية بقدر‬


‫مايؤدي اليه من استيعاب الفائض من انتاج كل قطر من الاقطار الاخرى‬
‫ودعم مركزه في الاسواق الخارجية ويضعف من الاثار المترتبة على تقلبات‬
‫أسعار المواد الاولية والزراعية ‪•.‬‬

‫رابعا ـ واتساع السوق شرط لاغنى عنه لكسر الحلقة المفرغة التي‬
‫تدور فيها الاقتصاديات العربية المتخلفة ‪:‬‬

‫آ ــ فالسوق الواسعة تتيح المجال لاستخدام التقنية الحديثة وزيادة‬


‫الانتاجية والانتاج الكبير المستقر ‪ ،‬مما يمكن من استخدام الالات والتجهيزات‬
‫استخداما كاملا ‪ ،‬ويفضي الى انخفاض تكاليف انتاج الوحدة ‪.‬‬

‫ب ـ وهي تمكن من تخفيض كثير من التكاليف التي لاترتفع بنسبة‬


‫·‬
‫تزايد الانتاج كنفقات التسويق والخزن وتنظيم العمل وكلفة رأس المال‬

‫ج ـ وهي الى ذلك شرط لقيام التخصص ‪ .‬وتخصص العمل‬


‫والكادرات الفنية ومسالك التسويق يؤدي الى استخدام الالات والطاقات‬
‫مما يزيد في الانتاجية ويخفض من تكاليف الانتاج ‪.‬‬ ‫البشرية على وجه ‪،‬أمثل‬

‫د ــــ والسوق الواسعة فوق كل هذا كله شرط اساسي لامكان تنظيم‬
‫البحوث العلمية والتطبيقية هذه البحوث التي تحتل مكانا مرموقافي الاقتصاد‬
‫أما السوق الضيقة فتعجز‬ ‫الحديث اذ يتوقف تطور التقنية على نتائجها‬
‫بحكم تكوينها عن تحمل النفقات الجسيمة والزمن الطويل وهما من مقتضيات‬
‫هذه البحوث وبقدر ما تسهم السوق الواسعة في تخفيض تكاليف الانتاج‬
‫والسعر للمبيع فانها تفتح المجال لتوسيع الطلب الفعلي ونموه وبذلك يزداد‬
‫الطلب على السلع تدريجيا ويلحقه الانتاج وتزداد الدخول الموزعة فتزداد‬
‫القوة الشرائية الاجمالية وبذلك تنكسر الحلقة المفرغة وتنحو البلاد العربية‬
‫سبيل النمو الاقتصادي وما يستتبعه من تقدم اجتماعي ‪.‬‬

‫‪- ۲۳۸ -‬‬


‫وأخيرا فان السوق الواسعة تتيح المجال لقيام فروع صناعية‬

‫يتعذر قيامها في السوق الضيقة اذ تكون غير رابحة ‪ .‬وبذلك يمكن اقامة‬
‫قاعدة صناعية متينة بشروط ملائمة تكون اداة للنمو الاقتصادي بمجمله ‪.‬‬

‫ــة‬
‫خامسا ‪ -‬واتساع السوق بما يؤدي اليه من نهضة اقتصادي‬
‫واجتماعية شاملة مخططة هو السبيل للقضاء على الفروق في مستويات‬
‫النمو بين مختلف البلدان العربية ‪ .‬ولئن كان هذا الفرق يتراوح في أوروبا‬
‫الغربية بين ‪ ١‬و ‪ ٢‬في بلاد السوق الاوروبية المشتركة أنه ليرتفع في البلاد‬
‫العربية من ‪ - 1‬الى ‪ ) ٦‬اليمن ولبنان ) ‪·.‬‬

‫وحسبنا ‪ ،‬لتقدير أهمية الوحدة العربية ‪ ،‬أن نتصور ماكان يمكن أن‬
‫تؤول اليه حال المستعمرات الثلاث عشرة الاميركية والدويلات الالمانية‬

‫لو أنها لم تنتظم في وحدة كبرى ‪ .‬لقد كان التنافس والصراع طابعها المميز ‪-‬‬
‫شأن الدول العربية الآن ‪ -‬وحل محله التعاون والعمل الانشــــــائي والتقدم‬
‫الاقتصادي والاجتماعي بعد انقلابها الى دول اتحادية ‪.‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬

‫والخلاصة أن عوامل الوحدة متوفرة في رأينا ‪ ،‬وان هذه الوحدة‬


‫هي التي تفسح المجال لقيام التكامل الاقتصادي وتحقيق النمو الاقتصادي‬
‫ا‬
‫لعربي‬

‫‪ -‬على‬
‫هل خفيت هذه الحقائق التي أوردناها ‪ -‬وهي واضحة بديهية ـ‬

‫الحكام والقادة العرب ؟ ان الاخفاق في تحقيق الوحدة الاقتصادية وبالتالي‬


‫السياسية يرتد في نظرنا الى طائفتين من العوامل داخلية وخارجية ‪.‬‬

‫أما العامل الداخلي فهو الصراع الذي تعانيه الامة العربية بين قوتين ‪،‬‬
‫قوة الحركة القومية الصاعدة الطامحة الى اقامة دولة واحدة قومية‬

‫وتنطلق في مضمار التقدم والاسهام في الحضارة‬ ‫تنظم شمل العرب‬

‫الانسانية ‪ ،‬وقوة النظم الاقليمية التي تتمسك بمراكزها المكتسبة ولا تود‬
‫التفريط فيها‬

‫ولئن كان النظام السياسي في بلد ما ليس الا انعكاسا مباشراللاوضاع‬

‫‪- ۲۳۹ -‬‬


‫الاقتصادية والاجتماعية السائدة فيه ويعبر بدقة عن المصالح المتحكمة‬
‫في هذه الاوضاع ‪ ،‬فان النظام الاقتصادي الغالب في الاقطار العربية هـو‬
‫نظام شبه اقطاعي متحالف مع رأسمال تجاري مسيطر ورأسمال صناعي‬
‫ملحق به ‪ ،‬هذا التحالف تكونت مصالحه ونمت في ظل أوضاع التجزئة ويرتبط‬
‫كيانه ببقائها ‪ .‬وهو يخشى التغيير أو التطور بما قد يؤدي اليه من المساس‬
‫بمراكزه الممتازة فثراء هذه الطبقة مرده الى الاقتطاعات التي تجريها على‬
‫اذا‬
‫الدخل القومي مستغلة جماهير الشعب بحكم مركزها المسيطر وهي‬
‫اتجهت الى التبادل والتعامل مع الاقطار العربية الاخرى فانما تتجه بدافع‬
‫الاثراء والربح ‪ .‬ولما كان التركيب الاقتصادي متشابها إلى حد كبير مع‬
‫تفاوت في التطور الاقتصادي فان الطبقة المقابلة تخشى ان كانت أقل تطورا‬
‫أن تقاسمها الطبقة الأولى الثراء وتستغلها ‪ .‬وتشعر هذه الطبقات الحاكمة‬
‫بأن أي تقارب جدي يهدد مراكزها لان أوضاع التجزئة طارئة لم ترسخ‬
‫في ضمير جماهير الشعب ‪ .‬ولا أدل على ذلك من أن الاتحاد الجمركي السوري‬
‫اللبناني الذي استمر ربع قرن تفكك وحل محله الانفصال بسبب التنافس‬
‫بين طبقة التجار السوريين الناشئة وطبقة التجار اللبنانيين الاكثر تطورا ‪.‬‬
‫يلعب دورا كبيرا في ابقاء‬ ‫أما العامل الخارجي فهو الاستعمار الجديد وهو‬
‫التباعد والتنافس بين الاقطار العربية للحفاظ على مصالحه وأهم هذه‬

‫المصالح هي المصالح النفطية ‪ .‬فأوروبا الغربية تعتمد اعتمادا كليا علــى‬


‫النفط العربي فضلا عن الارباح العالمية التي يدرها على الشركات المستثمرة‬
‫وطبيعي أن تفضل هذه الشركات مواجهة وحدات سياسية صغيرة تستطيع‬
‫بسهولة السيطرة على توجيه الحكم فيها بشكل أو بآخر ‪ .‬ولئن كانـــــــــت‬
‫عائدات النفط تكون ‪ ٪ ۱۰۰‬من موارد بعض الحكومات العربية فهل‬

‫يتصور أن تستطيع هذه الخروج على ارادة الشركات المدعومة بدولها‬


‫العظمى ‪ .‬يضاف الى ذلك أن جزءا هاما من أرباح النفط يوظف في مصارف‬
‫البلاد المستثمرة لعدم امكان انفاقه في الاقطار المنتجة فهل ترتاح حكومات‬
‫هذه البلاد الى قيام وحدة اقتصادية كبيرة توظف رؤوس الاموال هذه في‬
‫تحقيق التنمية الاقتصادية وتحرم هي منها ؟ ان الاستعمار الجديد لايتورع‬
‫عند الاقتضاء عن استخدام القوة المسلحة عندما يجد مصلحته مهددة بشكل‬
‫خطير ( ‪ . ) ۱‬وحسبنا ان نشير الى انزال القوات الانكلو الاميركيةفي لبنان‬
‫والاردن عقب ثورة ‪ ١٤‬تموز ‪ ١٩٥٨‬في العراق ‪ .‬ويجب في هذا المجال أن‬

‫‪ - ۱‬راجع البحث الخاص بالاستعمار الجديد ‪.‬‬

‫‪- ٢٤٠ -‬‬


‫لاننسى اسرائيل والصهيونية العالمية ‪ ،‬وخوفها من أن يؤدي أي اتفــــــــاق‬
‫عربي جدي لا سيمافي المجال الاقتصادي الى وحدة سياسية تهدد بقـــــــــاء‬

‫اسرائيل ووجدها أو تقضي على الاقل على الحلم الذي يدغدغ جفونها بأن تكون‬
‫دولة كثيفة التصنيع قادرة على فرض سيطرتها على بلاد مجزاة متخلفة‬
‫أما الحكام السياسيون فيندفعون في هذا الاتجاه حفاظا على مراكزهم‬
‫المكتسبة وبتأثير هذه القوى الداخلية والخارجية والتناقضات الشخصية‬

‫والعائلية والخوف المسيطر عليهم من أن يؤدي الى تطور نحو الــــــــوحــــــدة‬


‫الى المساس بمراكزهم ‪.‬‬

‫وقد ازداد هذا الخوف بعد انتشار الوعي بضرورة القضاء علـــــــى‬
‫التخلف وتمهيد السبيل للنمو الاقتصادي بالغاء العلاقات التي تشمل التطور‬
‫الاجتماعي كالاقطاع وضرورة تحرير الفلاحين وتعبئة الادخار القومي عن‬
‫طريق قطاع عام يقود عملية التنمية ويحقق التحرر الاقتصادي ·‬

‫ماهي نتيجة تفاعل هذه القوى ؟ لقد ناضل الشعب العربي في كل قطر‬
‫من أقطاره وحقق جلاء الجيوش الاجنبية ‪ .‬فهل استردت الامة العربية‬

‫وحدتها بتحرر الاقطار العربية ؟ ان المنطق الاستعماري لم يجل بجـــــــــلاء‬


‫الجيوش الاجنبية بل تبناه حكام العرب أنفسهم ‪ .‬وبدلا من أن يتغلب العرب‬
‫على مخطط التجزئة الذي رسمه ونفذه المستعمر فانهم يتمسكون بــــــه‬
‫ويدافعون عنه بسبب المصالح الاقتصادية والمراكز الاجتماعية والسياسية‬
‫التي قامت في ظل أوضاع التجزئة وارتبط كيانها باستمرار الفرقة ‪ .‬وهذه‬
‫القوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هي التي تقاوم الوحدة في الداخل‬
‫خونا على مراكزها المكتسبة وحماية لها •‬

‫واذا كان التطور التاريخي قد أظهر لنا ارتباط التخلف والتجزئة‬


‫بالاستعمار فان هذا التحليل يثبت أن هذا الارتباط عضوي لا انفكاك منه •‬

‫ان هذا التناقض بين مصالح جماهير الامة العربية وأملها ومصالح الاقطاع‬
‫ورأس المال والاستعمار هذا التناقض بين تحفز جماهير الشعب الى‬
‫تحطيم اسوار التجزئة ونزوعها الى حياة أفضل وتمسك الطبق‬

‫بمراكزها الممتازة وكيانها الانفصالي لا يمكن أن يحل الا بالثورة وبتجريد هذه‬
‫الطبقات من أسلحتها ·‬

‫‪- ٢٤١ -‬‬


‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫فالثورة هي الطريق الوحيد الذي يستطيع النضال العربي أن يم‬
‫عليها من الماضي الى المستقبل وهي الوسيلة الوحيدة التي تستطيع بها‬
‫الامة العربية أن تكسر الاغلال التي كبلتها والرواسب التي أثقلت كاهلها عبر‬
‫القرون لان عوامل الاستغلال التي تمكنت فيها طويلا ونهبت ثرواتها لــــــــــن‬
‫تستسلم بالرضى ولا بد للقوى الوطنية أن تنتصر عليها انتصارا حاسما ‪،‬‬
‫والثورة هي الوسيلة الوحيدة لمغالبة التخلف الذي أرغمت عليه الامــــــة‬
‫العربية كنتيجة طبيعية للقهر والاستغلال ‪ ،‬ولم تعد وسائل العمل التقليدية‬
‫قادرة على أن تطوي مسافة التخلف الذي طال مداه بين الامة العربية‬
‫وغيرها من الامم السابقة في التقدم‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪- ٢٤٢ -‬‬
‫الجديد‬
‫اضواء على الاستعمار‬

‫—‬
‫‪- ٢٤٣ -‬‬
‫‪ -‬منذ أقل من عشرين عاما دخلت عبارة « الاستعمار الجديد »‬
‫ا ـ‬

‫في المفردات اليومية ‪ .‬واذا تصفحنا برامج حركات التحرر الوطني في العالم‬

‫نجد فيها جميعا ان من أهدافها الرئيسية النضال ضد الامبريالية بجميع‬


‫أشكالها ‪ ،‬وبخاصة » الاستعمار الجديد » فما معنى ( الاستعمار الجديد »‬
‫ولم وصف الاستعمار بالجديد ؟ وهل هو جديد حقا ؟ •‬

‫هذه العجالة أن نحيط بهذه الظاهرة ونحلل جميع‬ ‫لن نستطيع في‬
‫مقوماتها والظاهرات التي تتجلى بها ‪ ،‬وحسبنا أن نلقي أضواء خاطفة على‬
‫بعض جوانبها الأساسية بما يمكننا من تكوين فكرة عامة محددة عنها ‪ .‬ولو‬

‫عمره المكان واستعمره فيه ‪ ،‬انما‬ ‫اننا رجعنا الى معاجم اللغة لوجدنا أن ‪:‬‬
‫تعني ‪ :‬جعله يعمره ‪ ،‬و ( وأنشأكم في الارض واستعمركم فيها » ‪ :‬أي اذن‬
‫لكم في عمارتها ‪ ،‬وجعلكم عمارها ‪ .‬ومدلوللفظه الاستعمار لا يختلف كثيرا‬
‫في جوهره عن مدلولها القديم ‪ ،‬سوى أن فعل استعمر يتعدى الى الأرض أو‬
‫المكان ‪ ،‬فنقول استعمرت الصهيونية فلسطين ‪ .‬ولو أريد اتباع المعجمات‬
‫حرفيا لوجب أن يقال ‪ :‬استعمرت الصهيونية الصهيونيين في فلسطين •‬
‫وقد شاع الاصطلاع الحديث وانتشر •‬

‫والاستعمار ‪ ،‬بهذا المعنى ‪ ،‬يدل على ظاهرة محددة هي ما نسميه‬


‫اليوم ‪ :‬الاستعمار التقليدي أو الكولونيالية وهي تفترض وجود مستعمر‬
‫ومستعمر تقوم بينها علاقة تبعية ‪ -‬فاسلوب الاستعمار التسلط والقهر ‪،‬‬

‫ووسيلته القوة ‪ ،‬لاخضاع الشعب المستعمر وأرضه لتحكمه السياسي ‪،‬‬


‫‪ .‬ويطلق لينين على هذا‬ ‫و استعماره السكاني ‪ ،‬واستغلاله الاقتصادي‬
‫الاستعمار في مرحلة معينة من مراحل التطور التاريخي ‪ « :‬الامبريالية »‬
‫عندما يكون محركه الأساسي الرأسمالية الاحتكارية ·‬

‫‪-‬‬
‫‪- ٢٤٤ -‬‬
‫‪ -‬وقد استطاعت أوربا الغربية ‪ ،‬في عهد الرأسمالية التجارية ‪،‬‬ ‫‪ ۲‬ـ‬
‫وبخاصة في عهدي الراسمالية الصناعية والمالية ‪ ،‬ان تفيد من تخلف‬
‫وجمود‬
‫البنى الاقتصادية والاجتماعية لدى الشعوب الأخرى ‪ ،‬ومن تفككها وضعفها‬
‫البشري والعسكري ‪ ،‬ففرضت عليها استعمارها ‪ .‬وقد أدى هذا الاستعمار‬
‫طوراً إلى استئصال السكان الأصليين في بلاد كثيرة والى استيطانها من‬

‫مهاجرين أوربيين ‪ ،‬والى امتزاج بين المهاجرين الغزاة والشعوب الوطنية‬


‫أحيانا أخرى ‪ ،‬أما المستعمرات الأخرى فنهبت خيراتها ‪ ،‬وهدمت فيها البنى‬
‫الاقتصادية والاجتماعية التقليدية ‪ ،‬ووجه تطورها بحيث ينمو اقتصادها‬

‫وفق حاجات البلد المتقدم المستعمر ‪ .‬فقدت سوقا لتصريف منتجات الدولة‬
‫المستعمرة ومصدرا للمواد الأولية بأسعار بخسة ‪ ،‬وربطت ربطا محكما‬
‫بالدولة المتبوعة بشبكة من العلاقات بما فيها النقد والمصارف والنقل ‪،‬‬
‫« ان اوربا الغربية ‪ ،‬والولايات المتحدة الأمريكية من‬ ‫بحيث قيل بحق ‪:‬‬
‫بعدها ‪ ،‬نظمت الجغرافية الاقتصادية للكرة الأرضية على هواها ‪ ،‬ووفق‬
‫مصالحها » •‬

‫ـ وكان من نتائج الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬وتصاعد موجة التحرر‬


‫الوطني ‪ ،‬انهيار هذا النظام الاستعماري ‪ ،‬الا في نقاط محددة في العالم‬
‫الاستعمارية ‪ :‬كانت مساحة‬ ‫منها فلسطين فتهاوت الامبراطوريات‬
‫ضعف مساحة انجلترا ‪ ،‬ومساحة‬ ‫الامبراطورية البريطانية ‪١٤٠‬‬
‫الامبراطورية الهولندية ‪ ٦٠‬ضعف مساحة هولندة ‪ ،‬ومساحة الامبراطورية‬
‫الفرنسية عشرين ضعف مساحة فرنسا ‪ .‬وأصبحت المستعمرات وما كان‬

‫في حكمها دولا مستقلة ذات سيادة ‪ .‬ويعكس تركيب هيئة الامم المتحدة هذه‬
‫الظاهرة بوضوح ‪ :‬ففي عام ‪ ١٩٤٦‬لم يكن في المنظمة الدولية سوى خمس‬
‫عشر دولة افريقية وآسيوية من أصل ‪ ٥١‬عضوا ‪ ،‬وارتفع العدد الى أكثر‬
‫من ستين دولة افريقية وآسيوية من أصل ‪ ۱۱۰‬في عام ‪ ، ١٩٦٢‬وهي الآن‬
‫تقارب سبعين دولة ‪ ،‬تشكل اذا أضفنا اليها دول أمريكا اللاتينية ‪ ،‬أكثر من‬
‫ثلاثة أرباع أعضاء هيئة الأمم المتحدة ‪.‬‬

‫{ ‪-‬‬
‫هل يمكن للدولة المستعمرة الرأسمالية أن تنظر بعين الرضا‬
‫والارتياح الى استقلال مستعمراتها السابقة استقلالا حقيقيا ‪ .‬بمعنى أن‬
‫يكون لها حرية العمل على هدم روابط التبعية الاقتصادية التي تشدها الى‬
‫عجلة الاقتصاد المتقدم ‪ ،‬وان تعمل على بناء قاعدة اقتصادية وطنية ؟ لئن‬

‫‪٢٤٥ -‬‬
‫رضيت الدول المستعمرة ‪ ،‬في حالات كثيرة ‪ ،‬بمنح مستعمراتها الاستقلال‬
‫السياسي فلأن أهدافها من الاستعمار كانت قد تحققت قبل هذا الاستقلال ‪:‬‬
‫اذ ربطت ‪ ،‬كما أشرنا من قبل ‪ ،‬في ظل سيطرتها ‪ ،‬موارد المستعمرات‬
‫و اقتصادها ربطا وثيقا بالسوق الرأسمالية العالمية ‪ .‬ولئن كان ‪ ،‬ان تحاول‬
‫المستعمرات السابقة التحرر من الاستغلال وتحقيق تنمية اقتصادية سوية‬

‫توجه لخدمة شعبها والتقدم البشري ‪ ،‬فان من طبيعة الاشياء ان تحاول‬


‫الدول الرأسمالية الحفاظ على روابط التبعية الاقتصادية من خلال الحفاظ‬

‫شكليا على مظاهر الاستقلال السياسي أي دون احتلال مباشر ‪ .‬هذه‬


‫الظاهرة تكون جوهر ما يطلق عليه « الاستعمار الجديد » ‪ .‬فما دام التحكم‬
‫الاستعماري الكامل مستحيلا عمليا في الظروف الدولية الراهنة ‪ ،‬فلابد للدول‬
‫الرأسمالية ‪ ،‬حفاظا على نمط حياتها ومعدل نموها الاقتصادي ‪ ،‬من أن‬

‫تستخدم وسائل أخرى ‪ ،‬بعضها تقليدي ‪ ،‬وبعضها الآخر جديد ‪ ،‬لابقاء‬


‫البلاد المتحررة حديثا في اطار تبعيتها ‪ ،‬ويصف نكروما الرئيس الغــاني‬
‫الذي أطاح به الاستعمار الجديد في كتاب نشره بعنوان ‪ « :‬الاستعمار‬
‫الجديد آخر مراحل الامبريالية » ‪ ،‬جوهر هذا الاستعمار بقوله ‪ :‬ان الدول‬
‫الدائرة في فلك الاستعمار الجديد مستقلة نظريا ‪ ،‬وتملك جميع‬
‫الاختصاصات‬
‫والحقوق الدولية ‪ .‬الا أنها تخضع ‪ ،‬في الواقع ‪ ،‬لتبعية اقتصادية ‪،‬‬
‫وسياستها تخطط من خارج حدودها‬

‫‪-‬‬
‫ان تفهم ظاهرة « الاستعمار الجديد » هذه يقتضينا القاء أضواء‬
‫سريعة على السباق التاريخي الذي يجري‬
‫الذي يجري في صميمه هذا الصراع بين‬
‫النزوع الى التحرر الكامل ونزعة التسلط ‪ ،‬وعلى نوع الارتباط والتبعية‬
‫القائمين بين طرفي النزاع ‪ ،‬وعلى بنية النظام الرأسمالي الراهن ‪ ،‬والوسائل‬
‫التي يتوسل بها لبلوغ غاياته ‪.‬‬

‫‪ - ٦‬لقد أدت الحرب العالمية الثانية الى تغييرات كبيرة في المسرح‬


‫العالمي وفي استراتيجية الدول الاستعمارية فقبل الحرب العالمية الأولى‬
‫كان الصراع يجري بين الدول العظمى لتوسيع النظام الامبريالي بحيث يشمل‬
‫أو لاعادة توزيع الأرض ومناطق النفوذ بين هذه الدول ‪،‬‬ ‫الكرة الارضية كلها‬
‫تبعا لتغيرات ميزان القوى بينها ‪ .‬وبعد الحرب العالمية الاولى وقيام الاتحاد‬

‫الجزء الذي خرج عن النظام‬ ‫السوفييتي كان الصراع يستهدف استرداد‬


‫الامبريالي ‪ ،‬ومنع الآخرين من الاقتداء به ‪ .‬أما المرحلة التي تلت الحرب‬

‫‪- ٢٤٦ -‬‬


‫العالمية الثانية فقد شهدت انفراط النظام الامبريالي التقليدي ‪ ،‬وتفككا خطيرا‬
‫في السوق الرأسمالية نتيجة توسع العالم الاشتراكي وامتداده الى أوربا‬
‫الوسطى والشرقية والى الصين ‪ ،‬وانتظام ثلث سكان العالم في اهابه ‪،‬‬
‫وخطر تقلص جديد في السوق الراسمالية بسبب ثورات التحرر الوطني ‪،‬‬
‫ووصول الاتحاد السوفييتي الى السلاح الذري وقيام توازن الرعب النووي‬
‫فانقسم العالم الى مناطق نفوذ بين العالمين الاشتراكي والراسمالي ‪ ،‬وأصبح‬
‫هدف الدول الراسمالية الحفاظ على ما هو موجود ‪ ،‬أي الحفاظ على النظام‬

‫الرأسمالي ذاته ‪ ،‬وحماية حدود السوق الراسمالية بالحيلولة دون خروج‬


‫البلاد المستعمرة السابقة ‪ ،‬ما يسمى بلدان العالم الثالث ‪ ،‬أو البلدان‬
‫المتخلفة ‪ ،‬عن اطار هذا السوق ‪ .‬ومع أن هذا الهدف المشترك لا يعني الغاء‬
‫التنافس بين الدول الكبرى الرأسمالية ‪ ،‬الا أنه كان العامل المحرك الرئيسي‬
‫للاحداث منذ الحرب العالمية الثانية بسبب التهديد المباشر المتنامي الذي‬

‫يتعرض له النظام الرأسمالي ‪ ،‬وبسبب المزيد من الوحدة التي تحققت بين‬


‫الدول الراسمالية وهي وحدة ترتد لأسباب عديدة أهمها الهيمنة الأمريكية ‪.‬‬

‫وهذه الهيمنة ‪ ،‬هذا الدور القيادي الذي مارسته الولايات المتحدة‬


‫الامريكية منذ الحرب العالمية الثانية أمر جديد هو أيضا ‪ .‬فقد كانت العمليات‬

‫السياسية والعسكرية تجري في النظام الرأسمالي السابق للحرب وفق‬


‫أسلوب التكتل ‪ .‬اذ يتكتل عدد من الدول عن طريق تحقيق تفاهم فيما بينها‬

‫يقوم على تعليق المصالح المتنافسة بصورة مؤقتة بسبب الحاجة الى دفاع‬
‫او هجوم موحد ضد كتلة أخرى ‪ .‬وكان تركيب هذه الكتل يتغير ويتبدل‬
‫وفقا لمقتضيات الظروف ‪ .‬اما بعد الحرب فقد كانت الظاهرة الجديدة ان‬
‫الولايات المتحدة أخذت على عاتقها الهيمنة على النظام الامبريالي كله ‪ .‬وقد‬
‫أتيح لها ‪ ،‬بسبب قوتها الاقتصادية والعسكرية المتنامية وانهيار قوى‬
‫منافسيها من كبريات الدول الرأسمالية بسبب الحرب ‪ ،‬الفرصة والقدرة‬

‫على تنظيم وقيادة النظام الامبريالي في هذا العصر ‪ .‬وفي هذا يقول روستو ‪:‬‬

‫الحرب سلسلة من أعمال الاستيلاء على مواقع‬ ‫« لقد كان تاريخ ما بعد‬

‫الأمن التي كانت في حوزة بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا » ‪.‬‬

‫‪ - Y‬ولنحاول الآن أن نحدد بصورة عاجلة ‪ ،‬ضمن اطار السوق‬

‫العالمية الراسمالية ‪ ،‬مدى حاجة الاقتصاديات الرأسمالية المتقدمة الى بعض‬

‫‪- YEY-‬‬
‫الموارد الاقتصادية المتوفرة في البلدان المتخلفة ‪ ،‬أو بلدان العالم الثالث ‪،‬‬
‫وبصورة عامة البلدان التي كانت مستعمرة في السابق ونالت استقلالها‬
‫حديثا •‬

‫ـ ان الاقتصاد الرأسمالي الأوروبي يعتمد اعتمادا كليا كما يعتمد‬

‫الاقتصاد الامريكي نسبيا ‪ ،‬على الطاقة المستمدة من النفط ‪ ،‬وستستمر‬


‫هذه الحاجة المتنامية لسنوات طويلة ‪ ،‬كما ان التوسع الاقتصادي العظيم‬
‫في البلاد الراسمالية يرتكز على قاعدة تتألف من صناعة التعدين الحديدي‬
‫‪ ،‬فبالنسبة للحديد تعتمد البلدان الأوروبية‬ ‫وصناعات التعدين الأخرى‬

‫بنسبة لا تقل عن ثلث حاجاتها ‪ ،‬على بلدان العالم الثالث ‪ ،‬وتتجه هذه‬
‫الحاجة الى التزايد باطراد ‪ ،‬كما ان هذه البلدان رهينة الامداد الخارجي‬
‫على نحو يكاد يكون كليا بالنسبة للمواد التي تتفاقم الحاجة اليها كالمنغنيز‬
‫‪ ،‬سوى‬ ‫والكروم والكوبالت والالمنيوم والنحاس والقصدير والاورانيوم‬
‫الصورة المألوفة عن الولايات‬ ‫ذلك ‪ ..‬والأمر الجديد منذ عام ‪ ۱۹۵۰‬تغير‬
‫المتحدة الأمريكية ‪ ،‬اذ أصبحت صناعتها الاستخراجية لا تفي بحاجاتها ‪،‬‬

‫فضلا عن ان التطور أدى الى صناعة سلع لا تتوفر موادها الأولية أصلا في‬
‫هذه البلاد ‪ ،‬بحيث أن الصناعة الأمريكية أصبحت تعتمد بأكثر من ‪% ۱۰‬‬

‫من مجموع انتاجها على مواد أولية مستوردة ‪ .‬ويتوقع الخبراء أن ترتفع‬
‫هذه النسبة الى ‪ ٪ ٢٥ - ٢٠‬في عام ‪ ۱۹۷۵‬وبعبارة أخرى لم تعد الولايات‬
‫المتحدة تكتفي ذاتيا ‪ ،‬كما كانت في السابق ‪ ،‬بل اصبحت في حاجة ماسة الى‬
‫بلدان العالم الثالث ‪ .‬وتظهر حاجة الولايات المتحدة هذه أكثر وضوحا من‬
‫زاوية أخرى ‪ ،‬فمن أصل ‪ ٦٢‬مادة يعتبر توفرها المستمر أمرا أساسيا‬

‫للأغراض العسكرية ‪ ،‬ثمة ‪ ٣٨‬مادة تحتاج الولايات المتحدة الى استيرادها‬


‫بنسبة ‪ . ٪ ٨٠‬ويعلق أحد المسؤولين على ذلك ‪ « :‬ان خسران اية من هذه‬
‫المواد ‪ .‬من جراء وقوع عدوان من شأنه أن يعدل هزيمة عسكرية خطيرة » ‪.‬‬

‫‪ --‬ومقابل ذلك لنتساءل الآن كيف يتم اشباع هذه الحاجات ؟ ان‬

‫التبادل بين الاقتصاديات الراسمالية المتطورة والاقتصاديات المتخلفة‬


‫تحددت بنيته في ظل الاستعمار التقليدي ‪ :‬ففي كل مكان سيطر رأس المال‬
‫الأجنبي على موارد الثروة الأساسية من انتاج زراعي ومواد معدنية ‪،‬‬
‫وشجع محصولا رئيسيا يحتاجه الاقتصاد في موطنه الأصلى ويتوقف عليه‬
‫استقرار الاقتصاد المتخلف ‪ ،‬بحيث تبدو البلاد المتخلفة من الناحية‬

‫‪-‬‬
‫‪- ٢٤٨ -‬‬
‫الاقتصادية وكأنها امتداد طبيعي للاقتصاديات الراسمالية المتقدمة ‪ ،‬بصرف‬
‫النظر عن الحدود السياسية والسيادة الوطنية ‪ .‬ولهذا فان التبادل بين‬

‫الاقتصاديات الرأسمالية وبلدان العالم الثالث ما يزال يعكس بأمانة ‪ ،‬في‬


‫بنيته ‪ ،‬تقسيم العمل الدولي ذا الطابع الامبريالي ‪ ،‬اذ تتألف‬
‫ات‬
‫مبيعات العالم الثالث في تسعة اعشارها من المنتجـ‬
‫الاولية الخامية أو شبه الخامية ‪ ،‬في حين أن مبيعـــات‬
‫الاقتصاديات الرأسمالية تتألف في أربعة أخماسها من المنتجات المصنوعة ‪،‬‬
‫ويسنود التبادل غير المتكافيء في العلاقة بين المجموعتين ‪ ،‬على نحو ما كان‬
‫عليه الأمر في ظل الاستعمار التقليدي وبينما تتزايد أسعار المنتجات المصنوعة‬
‫يلاحظ تدهور نسبي مستمر في اسعار المواد الاولية ‪ .‬وتشير الاحصاءات‬
‫الى ان هذا التدهور بلغ في الفترة الواقعة بين سنتي ‪ ١٩٥٠‬و ‪١٩٦٥‬‬
‫‪-‬‬
‫باستثناء النفط – حوالي ‪ ، ٪ ۱۷‬كما تشير دراسات أخرى الى ان‬
‫لا ‪ % ۱۷‬في‬ ‫‪۳۰‬‬ ‫الانخفاض الفعلي في اسعار المواد الأولية بلغ حوالي‬
‫الفترة ذاتها ‪.‬‬

‫ومن الثابت ان اندماج الاقتصاديات المتخلفة ‪ -‬كمورد للمواد الأولية‬

‫وسوق لتصريف المواد المصنوعة – في الاقتصاديات المتقدمة يؤدي بشكل‬


‫عام الى استمرار التبعية للمراكز الاقتصادية المتقدمة ‪ ،‬وتتكيف بنية‬
‫الاقتصاديات المتخلفة باستمرار لحاجات التصدير الذي يتم بأسعار يقررها‬

‫المشترون ‪ ،‬وهم في مركز المسيطر بحكم التفوق التقني والمركز الاحتكاري ‪،‬‬
‫وهو ما سنشير اليه بتفصيل أوفى بعد قليل‬

‫ان تحرر البلدان المتخلفة من هذه التبعية الاقتصادية ‪ ،‬بعملها على‬

‫تحقيق تنمية اقتصادية سوية وتحقيق التصنيع والحصول على أسعار عائلة‬

‫لمنتجاتها ‪ ،‬كل هذا يعني حرمان البلاد الرأسمالية من أرباح هائلة تنهبها من‬
‫البلاد المتخلفة ‪ ،‬مما لا بد أن ينعكس على معدل نموها الاقتصادي‬
‫وازدهارها ‪ .‬وتشير الاحصاءات الى أن رأس المال المعاد تصديره الى البلاد‬

‫الرأسمالية المختلفة بلغ بين عامي ‪ ۱۹۵۰‬و ‪ ۱۹٦٥‬ثلاثة أضعاف رأس المال‬
‫المصدر اصلا ‪ ،‬مع تضاعف قيمة الموجودات ‪ ،‬التي ارتفعت في أمريكا‬
‫اللاتينية من ‪ ٤٥‬مليار دولار الى ‪ ۱۰‬مليارات ‪ ،‬وفي آسيا وأفريقيا من ‪۱ ٫۳‬‬
‫الى ‪ ٤٧‬مليار دولار ‪ .‬وهذه الحقيقة تفسر لنا قول روستو عام ‪ ١٩٦٥‬وقد‬
‫أصبح فيما بعد مستشار الرئيس الامريكي للشؤون الاقتصادية وهو مؤلف‬

‫—‬
‫‪- ٢٤٩ -‬‬
‫كتاب « مراحل النمو ‪ -.‬الذائع الصيت » ان المناطق المتخلفة ‪ ،‬ومواردها‬
‫الطبيعية ‪ ،‬وسكانها ‪ ،‬من شأنها ‪ ،‬فيما لو ارتبطت فعلا بالكتلة الشيوعية ‪،‬‬

‫أن تدع الولايات المتحدة تنتقل الى مرتبة الدولة الثانية في العالم ‪ ..‬ان تطور‬
‫المناطق المتخلفة من شأنه على نحو غير مباشر أن يقرر مصير أوروبا الغربية‬

‫واليابان ‪ ،‬فيحدد بالتالي فعالية هذه المناطق المصنعة في تحالف العالم الحر‬
‫الذي ندبنا لقيادته ‪ ..‬الخلاصة أن أمننا العسكري ونمط حياتنا ‪ ،‬وكذلك‬

‫المطروحة على الرهان بالنسبة لتطور‬ ‫مصير أوربا الغربية واليابان ‪ ،‬هي‬
‫المناطق المتخلفة ‪ .‬وبعبارة أخرى فان الامبريالية ‪ ،‬التي قبلت أشكالا من‬
‫الاستقلال السياسي لسبب أو لآخر غير مستعدة لقبول أي شكل من أشكال‬
‫الاستقلال الاقتصادي لأن في ذلك حتف الاستعمار ونهايته •‬

‫‪ -‬ولنحاول الآن أن نلقي نظرة على بنية النظام الرأسمالي من‬


‫‪ ۱۰‬ـ‬
‫داخله ‪ ،‬أن مراكز البت ‪ ،‬مراكز اصدار القرارات الاقتصادية ‪ ،‬هي‬

‫‪ .‬وقد بلغ التركز في‬ ‫الشركات ‪ ،‬والشركات الاحتكارية بشكل خاص‬


‫الشركات الراسمالية الصناعية والمالية ‪ ،‬بصورة خاصة منها الامريكية ‪،‬‬

‫ذروة لم يبلغها من قبل ‪ ،‬تفوق كل ما تصوره لينين عندما حلل منذ خمسين‬
‫عاما بنظر ثاقب خصائص الامبريالية ومميزاتها ‪ .‬وحسبا لادراك مدى هذا‬

‫التركز ‪ ،‬وبالتالي مدى سيطرة هذه الاحتكارات على السوق العالمية المالية‬
‫والصناعية في المعسكر غير الاشتراكي ‪ ،‬ان نشير الى الوقائع التالية ‪:‬‬

‫‪T‬‬
‫ـ ثلاث مؤسسات مالية تهيمن على القطاع المصرفي في الولايات‬
‫المتحدة الامريكية وفروعه الخارجية البالغة حوالي ثلاثمائة فرع ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬أربع مؤسسات صناعية تهيمن على ‪ ٪ ۷۰‬من صناعة‬


‫السيارات ‪.‬‬

‫‪---‬‬
‫من صناعة التعدين‬ ‫أربع مؤسسات صناعية تهيمن على ‪٥٣‬‬
‫‪-‬‬
‫اربع مؤسسات صناعية تهيمن على ‪ ٪ ٦٠‬من صناعة الملاحة‬
‫الجوية‬

‫‪-‬‬
‫اربع مؤسسات صناعية تهيمن على ‪ ٪ ٣٢‬من الصناعة‬
‫البتروكيماوية ·‬

‫جـ ـــ من أصل خمسين أهم مؤسسة في الولايات المتحدة توجد ست‬

‫‪- ٢٥٠ --‬‬


‫――‬
‫وعشرون منها فقط تملك ‪ ٪ ٦٢‬من مجموع ما تملكه الخمسون ‪ .‬ويتناول‬
‫مجالها الصناعة الفولاذية والبترول والتجهيز الكهربائي والالكتروني‬
‫المنيوم ·‬
‫والمنتجات الكيمياوية وال‬

‫ونشاهد تركزا مماثلا في العالم الرأسمالي خارج أمريكا ‪ ،‬فمن أصل‬


‫خمسين أهم منشأة في العالم الرأسمالي خارج أمريكا تملك ثلاثون منها ‪٪ ٧٣‬‬
‫من رأس مال الشركات الخمسين وفي الفروع ذاتها‬

‫د ـ بين أكبر خمسماية مشروع في العالم الرأسمالي يحتل مشروع‬


‫فيليبس في هولندة ‪ -‬وهو أكبر مشروع في الأسرة الأوروبية ‪ -‬المرتبة الثالثة‬

‫والثلاثين ‪ ،‬ويحتل أكبر مشروع الماني ‪ ،‬وهو فولكس فاكن الالماني ‪ ،‬المرتبة‬
‫الرابعة والثلاثين ‪ ،‬وأكبر مشروع فرنسي المرتبة الرابعة والسبعين‬
‫ويتناول رقم أعمال شركة جنرال الكتريك وحدها رقم أعمال أكبر ثلاثة عشر‬
‫مؤسسة المانية ‪ .‬وكان رقم أعمالها عام ‪ ) ۷,۲۰۰ ( ۱۹٦٦‬مليار دولار ‪،‬‬
‫وتقيم موجوداتها العقارية بـ ‪ ۲۰ ٫۷‬مليار دولار ‪.‬‬

‫ويتجه هذا التركيز الى التزايد بمعدل متسارع بفعل الثورة الصناعية‬
‫الثالثة ‪ ،‬أي دخول مرحلة الذرة والالكترون والفضاء الخارجي ‪ ،‬وما‬
‫تقتضيه من تغير في أساليب الانتاج ‪ .‬فتركز الانتاج اصلا ووجود المنشآت‬
‫العملاقة أتاح ترسيخ جذور التقنية الجديدة بسرعة ‪ ،‬وهذا يقتضي بدوره‬
‫تركزا جديدا في الانتاج واقامة منشآت عملاقة أكبر لما تقتضيه الوسائل‬
‫التقنية الجديدة من توظيفات جسيمة وانتاج كبير ‪ .‬كما أدى وجود التركز‬
‫الجديد في القطاع المصرفي الى توثيق العلاقات بين المصارف والصناعة ‪،‬‬
‫والی اندماج شبه تام بين رأس مال المالي والصناعي ‪ ،‬في أوليفرشية‬
‫طغمة مالية صناعية محددة العدد‬

‫ويمارس هذا التقدم التقني الكبير قوة جاذبة حتى على عقول البلاد‬
‫الاخرى الأقل نموا ‪ ،‬وهو ما نسميه ظاهرة هجرة العلماء والادمغة ‪ .‬وقد‬
‫قدر عدد المهاجرين الى الولايات المتحدة الأمريكية حتى عام ‪ ١٩٦٧‬من الاطباء‬
‫‪ ۱۰۰ -‬ـ الف ‪ ،‬يقدر ما وفرته هذه البلاد من نفقات‬ ‫والعلماء والفنيين بـ ـ‬
‫تأهيل عدد مماثل بأربعة مليارات من الدولارات ‪ ،‬يمكن انفاقها على مجالات‬

‫البحث العلمي والتطوير التقني ‪ ،‬مما يزيد بدوره في معدل النمو العلمي‬
‫والتكنولوجي ·‬

‫‪- ٢٥١ -‬‬


‫‪-‬‬
‫‪ ۱۰‬ـ وقد نجم عن هذا التركيز الشديد والتفوق التقني والدور‬

‫القيادي الذي تضطلع به الولايات المتحدة الأمريكية ان رأس المال الأمريكي‬

‫والصناعة الأمريكية أخذا يتسللان وبسرعة لا الى البلدان المتخلفة وحسب ‪،‬‬

‫لا بالحلول محل رأس المال الأوروبي المستثمر في البلاد المتخلفة وحسب‬
‫( كانت المشروعات الأمريكية تملك أقل من ‪ ٪ ۱۰‬من امتيازات البترول في‬
‫الشرق الأوسط قبل الحرب العالمية الثانية بينما كانت الشركات الانكليزية‬
‫تسيطر على ‪ ، ٪ ۷۲‬وقد انعكست الآية بعد هذه الحرب فأصبحت ‪٪ ٦٠‬‬
‫للولايات المتحدة و ‪ ٪ ۳۰‬لانكلترا ) ‪ ،‬بل والى البلاد الصناعية المتقدمة في‬
‫أوروبا الغربية ذاتها ‪ .‬ان قانون النمو المتفاوت قانون شامل ‪ ،‬فكما تؤدي‬
‫العلاقات بين الاقتصاديات الصناعية المتقدمة ‪ ،‬رأسمالية كانت أم‬ ‫آلية‬
‫اشتراكية ‪ ،‬وبين الاقتصاديات المتخلفة الى فرز ضرب من السيطرة بل‬
‫الاستغلال من قبل الأولى للثانية ‪ ،‬فان آلية العلاقات بين الاقتصاديات‬
‫الصناعية نفسها تؤدي الى ضرب من السيطرة والاستغلال من قبل‬
‫الاقتصاديات الأكبر نموا على تلك الأقل نموا ‪.‬‬

‫ويتجه رأس المال الأمريكي بخاصة الى الطاقة الذرية أو الصناعات‬


‫المتصلة بالفضاء الخارجي ولئن كان الدافع الظاهري هو تحقيق الربح‬
‫المباشر فمما لا شك فيه ان الولايات المتحدة تريد أن تقطف ثمرات السبق‬

‫التكنولوجي الذي توصلت اليه وتعويض النفقات الجسيمة التي تنفقها على‬
‫البحث العلمي الاساسي ‪ ،‬كما يتيح لها هذا التسلل المبكر في هذه المجالات‬
‫السيطرة على الصناعات الاوربية على مقياس واسع عندما تعم أساليب‬

‫التقنية الجديدة في مجال الانتاج ‪.‬‬

‫وخلال السنوات العشر الأخيرة سيطرت المشروعات الأمريكية على‬

‫أكثر من نصف صناعة السيارات في انكلترا وحوالي ‪ ٪ ٤٠‬من البترول في‬


‫المانيا و ‪ ٪ ٤٠‬من صناعة التجهيز الهاتفي والالكتروني والاحصائي في‬
‫فرنسا ‪ .‬وتحاول هذه المشروعات الحصول على مركز مسيطر في حركة‬

‫التركز التي تجري داخل السوق الاوروبية المشتركة والسيطرة علـــــى‬


‫أكثر ما يمكن من السوق العالمية ‪ ،‬وبين عامي ‪ ١٩٦١‬و ‪ ١٩٦٥‬كان لـ ‪٤٦٠‬‬
‫من أصل ‪ ۱۰۰۰‬أكبر مشروع أمريكي فروعفي أوروبا ‪ ،‬وفي عام ‪ ١٩٦٥‬ارتفع‬
‫‪ .‬وبذلك بدأ تدويل رأس المال بين‬ ‫الرقم الى ‪ ۷۰۰‬من أصل ‪۱۰۰۰‬‬
‫المشروعات العملاقة يأخذ أبعادا أكبر مما كان متوقعا في عهد لينين منذ‬

‫‪-- ٢٥٢ -‬‬


‫خمسين عاما ‪ .‬ورأس المال الامريكي هذا يقطف بتسلله الى أوروبا جزءا‬
‫من أرباحها ‪ ،‬اذ يفتح لنفسه أسواقا غنية بالمستهلكين من جهة ويفيد من‬
‫جهة أخرى من مجالات التجارة التي تربط هذه الدول الأوربية منذ العهد‬
‫الاستعماري بالبلاد المتخلفة التي كانت مستعمرة لها ‪ .‬وبعبارة أخرى يمكن‬
‫القول ‪ ،‬وان يكن هذا سابقا لأوانه ‪ ،‬بشر السارق بالنهب‬

‫‪ - ۱۱‬ان السير العادي للاقتصاد الرأسمالي يؤدي الى تركز‬


‫ة ‪ .‬وتركز‬‫ية‬
‫سي‬‫يس‬
‫ئي‬‫رئ‬
‫لر‬‫ال‬
‫السلطات الاقتصادية في القطاعات الصناعية والمالية ا‬
‫السلطة الاقتصادية هذا يمكن تحقيقه والحفاظ عليه ودعمه عندما يكون‬

‫الممسكون بهذه السلطة قادرين على السيطرة على البيئة التي يمارسون‬
‫فيها عملهم ‪ ،‬داخل الحدود القومية وخارجها ‪ ،‬داخل هذه الحدود حيث يتم‬
‫زيادة الانتاج وتصريف السلع ‪ ،‬وخارجها من حيث تستمد المواد الاولية‬
‫ويصرف فائض السلع المنتجة ‪ ،‬وحيث تحقق معدلات عالية من الارباح بأقل‬
‫التكاليف وعن طريق يد عاملة رخيصة‬

‫والجهد المبذول من أجل تحقيق سيطرة احتكار معين يستتبع صراعا‬

‫بين الشركات العملاقة في البلد الواحد ‪ .‬ولكن الصراع الأهم هو ذلك الذي‬
‫يجري بين عمالقة الاقتصاد للامم الصناعية الرئيسية ‪ .‬هذا الصراع ‪،‬‬
‫الفعلي أو المحتمل ‪ ،‬يزيد الضغط من أجل تحقيق سيطرة أشد على مصادر‬
‫المواد الأولية والأسواق العالمية ‪ ،‬بغية الوصول الى وضع حد للصراع‬
‫أو استبعاد منافسين محتملين ‪.‬‬
‫القائم‬

‫وفي كل هذا الصراع يلعب المال دور الشريك النافع والضروري ‪ :‬فتقوم‬
‫التحالفات بين الصناعة ورأس المال بحيث يتغذى أحدهما من الآخر ‪ .‬كل‬

‫هذا في جو يفترض فيه أن يكون أمنا مستقرا‬

‫ومن هنا علاقة عضوية لا انفكاك لها بين السيطرة الاقتصادية‬


‫والسيطرة العسكرية ‪ ،‬والسيطرة السياسية ‪ ،‬فكل منها يحفز الآخر ويغذيه‬

‫المصالح الاقتصادية‬ ‫في هذا المستوى من الاحتكار وتصبح العلاقات بين‬


‫والسياسية الخارجية وثيقة ومتينة ‪ .‬واحكام السيطرة على المواد الأولية‬
‫في معظم مناطق العالم لا يعود مسألة اقتصادية بين مسائل أخرى ‪ ،‬بل تغدو‬
‫السيطرة أحد الأهداف الأساسية للاحتفاظ بالسلطة المالية والصناعية‬

‫والعسكرية ‪ .‬وهذا هو واقع الولايات المتحدة اليوم ‪ ،‬وبدرجة أقل سائر‬

‫‪---- ٢٥٣ -‬‬


‫‪-‬‬
‫الدول الراسمالية ‪ .‬والملاحظ فعلا ان الاندماج بين جهاز الدولة‬
‫والأوليفرشية المالية الصناعية في الولايات المتحدة أصبح كبيرا جدا‬
‫وحسبنا أن نشير الى اننا لو استعرضنا أسماء الوزراء الذين توالوا على‬
‫وزارة الدفاع الأمريكية منذ عشرين عاما لوجدناهم جميعا من أقطاب‬
‫الصناعة ورأس المال ‪ ،‬كما ان من الأمور المعروفة ان كبار قادة الجيش‬

‫والأسطول وكبار الموظفين ينتقلون بعد احالتهم الى التقاعد ‪ ،‬بصورة شبه‬
‫آلية الى القطاع الخاص ‪ ،‬ليشغلوا مراكز هامة في الاحتكارات الكبرى ‪ .‬ان‬
‫الأوليفرشية المالية الصناعية أصبحت في الواقع ثالوثا صناعيا ماليا‬
‫عسكريا‬

‫ومنذ عام ‪ ، ١٩٤٤‬اي في أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة ‪ ،‬دعا‬

‫رئيس مجلس ادارة شركة جنرال الكتريك هي كبرى الشركات في الولايات‬

‫المتحدة وفي العالم الرسمالي ‪ ،‬الى اقامة تحالف بين رجال الأعمال‬

‫والعسكريين ‪ ،‬كما اقترح اقامة قطاع اقتصادي يعمل بصورة دائمة من اجل‬

‫التسليح ‪ .‬وقد بنت الولايات المتحدة فعلا أقوى آلة حربية في هذا العصر ‪،‬‬
‫بميزانيتها وباليد العاملة التي تشغلها وبكمية الأجور ‪ -‬أي الدخول ـ التي‬
‫توزعها فوزارة الدفاع تستخدممباشرة أكثر من خمسة ملايين انسان من مدني‬
‫سبعة ملايين عامل يعملون مباشرة‬ ‫وعسكري ‪ ،‬يضاف اليهم حوالي‬
‫في الصناعات العسكرية الخاصة وفي انتاج التجهيزات العسكرية ‪ .‬وبذلك‬

‫اصبح النشاط العسكري نفسه نشاطا اقتصاديا بالدورجة الأولى •‬


‫والولايات المتحدة هي اليوم أكبر مصدر للأسلحة التقليدية في العالم ‪.‬‬
‫وتصدر سنويا بما لا يقل عن ‪ ۳۰۰۰‬مليون دولار ‪ .‬وبذلك غدا الانفاق‬
‫العسكري عاملا للمحافظة على معدل عال للأرباح في أكثر الفروع الصناعية‬
‫الهامة ‪ ،‬وأصبح الناظم لمعدل نمو الاقتصاد الامريكي ‪ ،‬وصمام الأمن الذي‬
‫يستخدم لمنع وقوع بطالة واسعة تعرض الاقتصاد لأزمات خطيرة او هزات‬
‫عنيفة تهدد تماسكه ‪ .‬كما ان اقامة القواعد العسكرية في الخارج ووجود‬
‫النشاط الناجم عنها كان مصدرا رئيسيا للنشاط الاقتصادي بصورة مباشرة‬
‫وغير مباشرة ‪ .‬فقد انتشرت الصناعة الأمريكية ورأس المال الأمريكي فيما‬
‫وراء البحار تحت حماية هذه القوة العسكرية الكونية ‪ .‬وهذا التوسع‬

‫الاقتصادي والمالي والعسكري في الخارج مكن الولايات المتحدة من تولي‬


‫زعامة العالم الراسمالي المصرفية ومن فرض سيطرة الدولار كنقد عالمي ‪،‬‬
‫كما ان الدور المركزي للسوق المالية الأمريكية وسيطرة الدولار كان أداة‬

‫‪-- ٢٥٤ -‬‬


‫لتمويل العمليات العسكرية في الخارج وللتوسع الدولي للصناعة وللمصارف‬
‫الأمريكية‬

‫ولئن كان النشاط العسكري يفترض فيه ان يخضع لمقتضيات الأمن‬


‫القومي ‪ ،‬فان الوحدة قائمة في اذهان المسؤولين الأمريكيين بين الأمن‬
‫القومي والمصالح الاقتصادية ‪ « :‬أن أبعاد العالم الحر ـ أي الراسمالي –‬
‫ودرجة الأمن الذي تسود فيه تقرر الحدود الجغرافية الذي يمكن لرأس‬
‫المال الأمريكي أن يثمر فيها وان يتاجر بحرية » ‪ .‬وهذا الترابط بين المصالح‬
‫الاقتصادية والنشاط العسكري هو ما سماه الرئيس ايزنهاور « المركب‬

‫الصناعي العسكري » الذي يسيطر فعليا على مقدرات الولايات المتحدة‬


‫ويوجه سياستها‬

‫‪ ۱۲‬ـ بعد هذه الأضواء على بنية النظام الرسمالي من حقنا ان‬
‫نتساءل كيف تعمل الدول الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ‪،‬‬
‫على تحقيق أهدافها في ابقاء البلاد المتخلفة تابعة للسوق الراسمالية ‪ ،‬تمتص ‪.‬‬
‫منها الخيرات وتخضعها لتوجيهها السياسي ‪ ،‬ولنقصر حديثنا على الولايات‬
‫‪-‬‬
‫المتحدة ـ رغم أن ليس ثمة فروقا جوهرية في سلوك الدول الراسمالية في‬
‫هذا المجال ـ لأنها بلغت في هذا المضمار شأنا لم يدركها أحد من سائر‬
‫البلاد الراسمالية ‪ .‬يمكن القول دون مبالغة أن سياسة الولايات المتحدة‬

‫تعتمد في هذا المجال على ذراعين قويين يلفان العالم غير الاشتراكي بأسره‬
‫القوات المسلحة الامريكية والمعونات الاقتصادية •‬

‫أما القوات المسلحة الامريكية فهي الذراع الحديدية‪ ،‬ذراع القوة أو‬
‫العصا الغليظة » ‪ .‬وقد بنت الولايات المتحدة قوة عسكرية ضخمة تقوم‬
‫بمهمة الحارس على مصالح الامبريالية ‪ ،‬تعمل على مقياس الكرة الارضية ‪.‬‬
‫فالاساطيل الجوية والبحرية تجوب أبعاد السماء وآفاق المحيطات دون‬

‫والقواعد العسكرية الامريكية تنتشر في أربع وستين دولة ‪ ،‬كما‬ ‫انقطاع‬


‫أن الولايات المتحدة تطوق العالم الاشتراكي بسلسلة من الاحلاف بقيادتها ‪.‬‬
‫هذه القوات ينحصر دورها ‪ ،‬في عصر يسوده توازن الرعب النووي ‪ ،‬في‬
‫الحروب المحدودة والحركات المحلية ‪ .‬ووجوه النشاط العسكري الامريكي‬

‫ومجموع النفقات المترتبة عليهفي الداخل والخارج ‪ ،‬تخدم أهدافا متعددة تهم‬
‫كلها رجال الاعمال الأمريكيين وأقطاب الشركات الاحتكارية العملاقة ‪ ،‬ويمكن‬
‫اجمالها على النحو التالي ‪ :‬حماية المصادر الراهنة والمحتملة للمواد الاولية‬

‫‪- ٢٥٥ -‬‬


‫حماية طرق المواصلات‬ ‫حماية الاسواق الاجنبية والتثميرات الخارجية‬

‫الجوية والبحرية ‪ ،‬حماية مناطق النفوذ التي يملك الاقتصاد الامريكي فيها‬
‫مركزا ممتازا في مجالي التثمير والتجارة ‪ ،‬اكتساب أسواق جديدة ومنافذ‬
‫وبصورة عامة حماية بنية‬‫جديدة للتثمير عن طريق المعونات العسكرية‬
‫السوق الرأسمالية العالمية لصالح ‪ ،‬لا الولايات المتحدة وحدها ‪ ،‬بل وسائر‬
‫شركائها الصغار في البلاد المصنعة‬

‫وفي عام ‪ ۱۹٥٨‬انشأت الولايات المتحدة قوات خاصة لمكافحة حركات‬

‫التحرر الوطني والعمل في الحروب المحلية في الادغال او في مناطق أخرى‬


‫حيثما تنشب الاضطرابات وتهدد المصالح الامريكية ‪ .‬ويعتمد العمل الامريكي‬
‫على نشاط وكالة المخابرات المركزية التي تمد أذرعها وعيونها لرصد حركات‬
‫التحرر في العالم بأسره معتمدة على أحدث مبتكرات العلم والتكنولوجيا‬
‫الحديثة ‪ .‬وتتناول أعمالها من جمع المعلومات وكسب العملاء وشراء الذمم‬
‫والى الاغتيال الفردي واعداد المؤامــــــــــرات‬ ‫والافساد الى تزييف الفكر‬
‫والانقلابات ‪ .‬أما النشاط العسكري الصرف فيتراوح هو أيضا ‪ ،‬تبعا لمقتضى‬
‫الحال ومتطلبات الموقف ‪ ،‬من استعراض العضلات كمافي مناورات الاسطول‬

‫الى التدخل التحذيري كما جرى في لبنان عام ‪ ، ١٩٥٨‬الى‬ ‫السادس‬


‫عمليات الغزو كمحاولة غزو كوبا وغزو الدومنيك ‪ ،‬أو الحرب الفعلية على‬
‫مقياس واسع كما هي الحال في فيتنام ‪ .‬وقد تصل الولايات المتحدة الى‬
‫اهدافها بصورة ملتوية عن طريق جيوش دول أخرى كموقفها من حرب‬
‫‪.‬‬
‫الخامس من حزيران ومساندتها الجيش الاسرائيلي‬

‫‪ - ۱۳‬أما المعونات فهي الذراع الناعمة للولايات المتحدة الامريكية ‪.‬‬


‫وحاجة البلاد المتخلفة الى المعونات ضخمة جدا ‪ ،‬ومن المعلوم أن نقل الارباح‬
‫الناجمة عن التوظيفات الرأسمالية الخاصة في البلاد المتخلفة الى الوطن‬
‫الام ‪ ،‬بدلا من اعادة تثميرها في تنمية الاقتصاديات المتخلفة‪ ،‬اذا أضيف الى‬

‫العجز التجاري يخلق فجوة تقدر بحوالي ‪ ٧ - ٦‬مليارات دولار كل عـــــــــام‬


‫في الحسابات الجارية لبلدان العالم الثالث ‪ .‬ولا يمكن تعويض هذا النزيف‬

‫وهي شرط لدوام استغلال‬ ‫الضخم الا بمعونات تقدمها البلاد المتقدمة‬
‫البلدان المتخلفة المغلوبة على أمرها ‪ .‬وتستغل الولايات المتحدة سلاح‬
‫المعونات الاقتصادية بأشكالها المختلفة على مقياس واسع‪ ،‬وتحليل هذه‬
‫المعونات يبين أنها تهدف الى تحقيق الاهداف التالية ‪:‬‬

‫‪-- ٢٥٦ -‬‬


‫‪-‬‬
‫دعم الاهداف السياسية والعسكرية للولايات المتحدة في العالم‬

‫بأسره ‪ ،‬والهدف الاساسي ‪ « :‬دحر الشيوعية » لايخلو من معنى اقتصادي‬


‫اذ ان دحر الشيوعية أو تجميدها انما يعني الحفاظ على السوق‬ ‫بارز‬
‫الامبريالية وتمهيد الطريق أمام الصادرات الامريكية ورؤوس أموالها ‪ .‬كما‬

‫تستخدم المعونات والضغط الاقتصادي بما في ذلك منع الاغذية عن دول‬


‫تحتاجها للتأثير في اتحاد هذه الدول ·‬

‫‪-‬‬
‫التأكيد أن النمو الاقتصادي يجري في البلد الذي يتلقى المعونة‬
‫ضمن الاطار الرأسمالي وعلى أساس تشجيع المشروعات الحرة ‪ ،‬أي‬
‫الخاصة ‪ ،‬مما يعني ضمان سيطرة المؤسسات الامريكية لتفوقها التكنولوجي‬
‫·‬
‫والمالي والاداري‬

‫‪ -‬الحصول على مكاسب اقتصادية فورية لرجال الاعمال الامريكيين‬


‫الذين يسعون وراء مجالات للتجارة والتثمير‬

‫وقد درجت الولايات المتحدة منذ عام ‪ ١٩٦٥‬على تضمين اتفاقات‬


‫المعونات التي عقدتها مع أكثر من سبعين دولة حتى الآن نصوصا تكفل اتباع‬
‫الباب المفتوح أمام المشروعات الامريكية الخاصة وضمانات ضد احتمالات‬
‫د على حرية تحويل النقد ·‬
‫التأميم أو المصادرة أو فرض قيو‬

‫‪ .-‬وكثيرا ماتستغل الولايات المتحدة الامريكية دورها القيادي‬ ‫‪١٤‬‬

‫في هيئة الامم المتحدة والبنك الدولي للتعمير والانشاء وصندوق النقـــــــد‬

‫الدولي للوصول الى اهدافها عن طريق المنظمات الدولية ‪ ،‬التي يمكن اعتبارها‬

‫الى حد كبير أدوات لتحقيق أهداف السياسة الامريكية ‪ ،‬ومن هنا اهتمامها‬

‫حتى بالبلاد الصغيرة التي لاقيمة اقتصادية ظاهرة لها ‪ ،‬لان الربح ليس مهما‬
‫بحد ذاته في مثل هذه الحالة ‪ .‬فبالنسبة لدول أمريكا اللاتينية يهم الولايات‬
‫المتحدة تأكيد سيطرتها الشاملة ‪ ،‬كما انها لا تكتفي أن تحولفي بلد صغير دون‬

‫مصادرة رأس المال الامريكي وتحصين البلد ضد الثورة الاجتماعية ‪ ،‬بل‬


‫يهمها أيضا كسب صوت هذا البلد الصغير في الامم المتحدة وسواها من‬
‫المنظمات الدولية مما يمكنها من تحقيق أهدافها تحت ستار المشروعية‬
‫الدولية ‪ .‬وكلنا يذكر الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة على وفود هيئة‬

‫ومنعهــ‬ ‫المتحدة‬ ‫الامم المتحدة لاقرار تقسيم فلسطين خلافا لميثاق الامم‬

‫‪-- ٢٥٧ -‬‬


‫‪-‬‬
‫الصين الشعبية – التي تمثل وحدها ربع سكان الكرة الارضية‬
‫المتحدة ‪ ،‬واعادة الكونجو البلجيكية الى‬ ‫اشغال مقعدها الطبيعي في الامم‬
‫السيطرة الامبريالية تحت علم هيئة الامم المتحدة ‪ ،‬والحيلولة دون ادانة‬
‫العدوان الاسرائيلي على الدول العربية في حزيران ‪ ، ١٩٦٧‬ومساعدتها‬
‫اسرائيل على تحدي الرأي العام العالمي بصورة سافرة داخل الامم المتحدة‬
‫وخارجها ‪.‬‬

‫‪ - ١٥‬ان سلاسل التبعية يمكن أن تشد بالاسلحة السياسية والمالية‬


‫والعسكرية ‪ ،‬بمعونة الاساطيل والقواعد العسكرية والرشوة ونشاط‬

‫المخابرات ‪ ،‬غير أن الاسس المادية لهذه التبعية تكمن في الواقع في بنية البلدان‬

‫فالاستعمار الجديد‬ ‫المتخلفة نفسها ‪ ،‬كما شكلتها آليات السوق الرأسمالية‬


‫‪ .‬أكثر مما يفيد من ‪ ..‬قوة الاقوياء •‬ ‫ضعف الضعفاء » ‪.‬‬ ‫يستفيد من‬

‫في احكام سيطرته ‪ .‬فهو ليس في حاجة في معظم الاحوال الى أن يفرض‬
‫فاقتصاديات البلدان المتخلفة تعتمد‬ ‫نفسه من الخارج ‪ ،‬بل يعمل من الداخل‬

‫على محصول رئيسي واحد يتوقف عليه استقرار اقتصادها ودخلها القومي‬
‫\‪٪‬‬
‫‪%‬‬ ‫وايراداتها العامة ‪ .‬ان ايرادات النفط تكون نسبة تتراوح بين ‪.. - ٧٥‬‬
‫‪١٠٠‬‬

‫من دخل كثير من الحكومات ‪ ،‬فمصلحة المستفيدين من النظام هي في دوام‬


‫تدفق النفط لئلا تنخفض ايراداته وينخفض معه حكما مستوى معيشة الحكام‬
‫وذوي الامتيازات ‪ ،‬ولا يختلف شأن البورجوازية التجارية الناشئة عن ذلك ‪.‬‬

‫فمصالحها التجارية ‪ ،‬أي مستوى معيشتها ترتبط بدوام هذا التبـــــــادل ‪.‬‬
‫وما دامت مستفيدة من البنية القائمة فانها لن تدخر وسعا في حمايتها‬

‫والمحافظة عليها ‪ ،‬كما أن صيانة التجهيز الصناعي والمرافق العامة القائمة‬


‫تفرض استمرار العلاقات مع المصانع الاصلية المنتجة ‪ ،‬وهي في الاساس‬
‫مصانع الدول المستعمرة سابقا ‪ ،‬وتلعب العادات والتعليم والروتين دورها‬
‫في تعزيز هذا الارتباط ‪ .‬وبذلك تلتقي مصالح دول الاستعمار الجديد مع‬
‫مصالح فئات محلية مختلفة ‪ .‬وبينما تقف مصالح « الاستعمار الجديد »‬
‫في جبهة غالبا ماتكون منسقة ان لم تكن موحدة ‪ ،‬بسبب وجودها بين أيدي‬
‫شركات عملاقة محدودة تحتل مركزا احتكاريا ‪ .‬فان الفئات المستفيدةفي البلاد‬
‫المتخلفة تكون متفرقة تفصل بينها الحدود السياسية والقومية ‪ ،‬وبذلك تكون‬

‫الشركات الاحتكارية هي في الجانب الاقوى على الدوام ‪ .‬ان « شركة‬


‫ستاندر أويل اوف نيوجرسي » هي على سبيل المثال أكبر شركة بترولية في‬

‫العالم الرأسمالي ‪ ،‬ويمكنها أن تفرض قراراتها على الكارتل الدولي للنفط‬

‫‪- ٢٥٨ -‬‬


‫انها‬ ‫المكون من خمس شركات أمريكية وشركتين بريطانية وواحدة فرنسية‬
‫النفط فيخمس‬
‫تساهم في رأسمال مائتي مشروع اجنبي ‪ ،‬وتقوم بالتنقيب عن‬
‫وعشرين دولة ‪ ،‬وتملك أربعا وستين مصفاة موزعة في تسع وعشرين دولة‬
‫وبذلك يمكنها الضغط على أية دولة بترولية من دول العالم الثالث بأن‬
‫تخفض انتاجها فتنهار ايرادات هذه الدولة دون أن تضار الشركة بشيء‬

‫لان في وسعها تعويض النقص الواقع في الانتاج المحلي بزيادة الانتاجفي مكان‬
‫آخر ‪ .‬وكثيرا ما تهدد الشركات الاحتكارية بالحيلولة دون تصريف الانتـــــــــاج‬

‫كالنفط في السوق العالمية في حال قيام احتمال بتأميم النفط وتدعمها الدول‬
‫الاستعمارية بأن تهدد بوقف المعونات الاقتصادية والفنية التي تقدمها ‪ ،‬مما‬
‫بشكل وسيلة فعالة للضغط‪ ،‬لوجود فئة واسعة نسبيا من السكان المحليين‬
‫تفيد من هذه المعونة بالذات لتعيش حياة على نمط مماثل لنمط حياة‬

‫البورجوازيين في البلاد المتقدمة ويسهل عليها الخضوع لارادة الاجنبي حفظا‬


‫على مستوى معيشتها •‬

‫‪ - ١٦‬وتقدم البنية الاجتماعية في بلدان العالم الثالث ثغرات واسعة‬

‫يتسلل منها الضغط والتأثير الاجنبي ‪ ،‬فمعظم هذه البلاد أمم ناقصة التكوين ‪،‬‬
‫لم يتوفر لها الاندماج القومي بسبب ظروف التخلف ورواسب الاستعمار‬

‫التلقيدي وتسيطر فيها العصبيات القبليةوالطائفيةو الاقليمية علىالاعتبارات‬

‫القومية ‪ ،‬ويشكل التخلف الاقتصادي والاجتماعيبنية اجتماعية تعزز التسلط‬


‫والاستغلال ‪ ،‬لانعدام دور المواطن كفرد وكجماهير ‪ ،‬فيفيد الاستعمار الجديد‬

‫من هذه الثغرات في اقامة أو دعم طبقة اجتماعية حاكمة تلتقي مصالحها‬
‫مع مصالحه وتكون خليفته ‪ ،‬وقد يتحقق ذلك عن طريق تعيين ابناء هذه‬
‫‪-‬‬
‫الطبقات ـ وهم في غالب الاحيان من خريجي جامعاته ـ في المناصب الهامة‬
‫والمراكز الحساسة في الدولة ‪ ،‬بما في ذلك عضوية مجالس ادارة الشركات‬
‫لتكوين طبقة عازلة عن جماهير المجتمع وتطلعاتها وطموحها ‪ ،‬طبقة تفكر‬

‫وتعيش على النمط الغربي ‪ ،‬راضية بالتفاهم مع « الاستعمار الجديد » ‪.‬‬

‫وما أن يتخلخل نفوذ هذه الطبقة بسبب تصاعد الوعي الاجتماعي‬


‫وتطور البنية الاجتماعية وتطلع الجماهير المحرومة الى مستوى أفضل حتى‬
‫يعمد « الاستعمار الجديد » بالوسائل الفعالة المتاحة له الى اغراء بعض‬

‫القادة العسكريين بتسلم السلطة ‪ ،‬ويدعمهم بالمعونات المختلفة الاشكال‬


‫ليحققوا « توطيد النظام » أي استقرار مصالحه ‪ ،‬ومع أن الجيوش الوطنية‬

‫‪- ٢٥٩ -‬‬


‫قامت بدور مشرف في حماية كثير من بلدان العالم الثالث من مؤامرات‬
‫فان عجزها عن بناء حركات‬ ‫الاستعمار الجديد » وصمدت لمحاولاته‬

‫جماهيرية تلتحم بالسلطة وتكون قاعدة لها متينة وعريضة ‪ ،‬وما تنطوي عليه‬
‫السلطة من مكاسب مادية ومعنوية يولد حب الاستئثار بالسلطة ومـــــــــا‬
‫يتفرع عن ذلك من صراع على السلطة يؤدي بالنتيجة الى انفصال سافر‬
‫بين الجماهير الشعبية والحكم ‪ ،‬مما يشكل ثغرة ملائمة لتدخل الاستعمار‬

‫الجديد وتفجيره التناقضات القائمة في صالح الفئات التي يمكن أن يركن‬


‫اليها ‪ .‬وكثيرا ما يجهض ( الاستعمار الجديد » حركات التحرر الاجتماعي‬
‫لتفريغ هذه الشعارات‬ ‫بتحريك فئات تنادي بالشعارات اليسارية المتطرفة‬
‫من محتواها و « تفليس » الحركات الناشئة التي كان يمكن أن تتطور الى‬
‫حركات جدية ‪.‬‬

‫‪ ۱۷‬ـ وفي وطننا العربي يكمن حرص الاستعمار الجديد على استمرار‬
‫ظروف التخلف التي تمكنه من الاستمرار في نهب خيرات الوطن العربي ‪،‬‬
‫لاسيما ثرواته النفطية ‪ ،‬واستغلاله موقعه الستراتيجي ‪ ،‬وراء مخططه الذي‬
‫افضى الى اقامة ( اسرائيل » حربة في قلب الوطن العربي تفصل بين اجزائه‬
‫الاسيوية والافريقية وتكرس التجزئة بين اقطاره ‪ ،‬وتفرض عليها تخصيص‬
‫مواردها للدفاع بدلا من توجيهها للتنمية فيدوم بذلك تخلفها ‪ ،‬وهو السبيل‬
‫ومن هنا كان‬ ‫الامين لاستمرار تبعيتها الاقتصادية وبالتالي السياسية‬
‫الارتباط بين التجزئة والتخلف والاستعمار بتشكيله الجديد والقديم ارتباطا‬
‫عضويا لا فكاك منه الا بالقضاء على التجزئة تمهيدا للقضاء على رواسب‬
‫التخلف وحماية تحرر العرب وتقدمهم •‬

‫‪-‬‬
‫‪ – ۱۸‬لئن اضطرت الدول المستعمرة الى الجلاء بجيوشها تحـ‬

‫فان الاستعمار لــم‬ ‫ضغط الحركات التحررية وقيام المعسكر الاشتراكي‬


‫ينحسر الا مرغما عن مواقفه ‪ ،‬وهو لا يمكن أن يتخلى طواعية عن الارباح‬
‫الجسيمة التي يستمدها من البلاد المتخلفة ‪ ،‬لذلك نراه يعمد الى طرق‬

‫مختلفة واساليب ملتوية لبلوغ الأهداف ذاتها التي كان يحققها عن طريق‬
‫وبالتالي‬ ‫الاستعمار القديم ‪ « ،‬الاحتلال العسكري والسيطرة السياسية‬
‫( الاستعمار‬ ‫هذه الطرقوالاساليب التي يطلقعليها تعبير‬ ‫التبعية الاقتصادية ‪.‬‬
‫الجديد » تتجلى في اشكال وصور يتعذر حصرها لانها تتكيف على الدواملتتلائم‬
‫ع‬
‫م تطور الظروف الدولية ووعي الشعوب ‪ .‬وينظوي الاستعمار الجديد‬
‫اذن على استغلال فقر البلاد المتخلفة وصعوباتها الداخلية لفرض التبعية‬

‫‪-17.-‬‬
‫الاقتصادية عليها بل والسياسة ان أمكن ذلك ‪ ،‬عن طريق شل التنمية‬

‫واذا تعذر تحقيق هذا الهدف‬ ‫الاقتصادية والتطور الاجتماعي المترتب عليها‬
‫فعن طريق ابطاء معدل النمو ومحاولة التحكم في اتجاه التطور ‪ .‬كل ذلك‬
‫بحيث يشعر البلد المتخلف ‪ ،‬رغم استقلاله السياسي الظاهري الذي تجلىفي‬
‫نظمه السياسية وجيشه الوطني وعلمه وعلاقاته الدبلوماسية ‪ ،‬ان ثمة‬
‫روابط عديدة ‪ ،‬ظاهرة وخفية ‪ ،‬تشده الى عجلة الامبريالية وسوقها العالمية ‪.‬‬

‫ان الاستعمار الجديد ‪ ...‬بهذا المعنى ‪ ،‬ليس جديدا على الاطلاق •‬

‫انه صورة مكررة للسياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة الامريكية للسيطرة‬
‫على أمريكا اللاتينية منذ قرن ونصف ‪ :‬سياسة تعتمد على أساسين ‪:‬‬
‫سياسة « الدولار » من جهة وسياسة ( العصا الغليظة » من جهة أخرى‬

‫هذه السياسة اذ اتسعت لتصبح على مقياس العالم استبقت كل المظاهر‬

‫الاساسية التي كانت تميز هذه المظاهر في مراحلها المبكرة ولكن في مستوى‬
‫جديد ‪.‬‬

‫‪-- ٢٦١ -‬‬


‫الجبهة الوطنية التقدمية‬

‫‪— ٢٦٣ -‬‬


‫‪1‬‬
‫يعتبر موضوع الجبهة الوطنية التقدمية من المواضيع الاساسية التي‬
‫يظل من الأهمية بمكان شرحها وتوضيحها وبلورة مفاهيمها وترسيخها ‪،‬‬

‫ان اهميتها تنبع ولا شك من الدور الهام الذي يمكن وينبغي أن تلعبه في حياة‬
‫حزبنا وشعبنا وفي كونها تعتبر الاداة الاهم لتحقيق وحدة كفاح وعمل قواه‬
‫الوطنية التقدمية ‪ ،‬وبالتالي تعزيز وحدته الوطنية ولا سيما في الظروف‬

‫التي تستدعي المهام المطلوب انجازها فيها تحقيق مثل هذه الوحدة ‪ ،‬وقد كان‬
‫في عداد المواضيع التي تضمنها منهاج مدرسة الاعداد الحزبي المركزية‬
‫موضوع الجبهة الوطنية التقدمية الذي تحدث فيه وفصل في شرحه وتوضيحه‬
‫·‬
‫الرفيق عبد الله الاحمر الامين العام المساعد‬

‫وقد راى مكتب الثقافة والدراسات والاعداد الحزبي نظرا لاهمية‬

‫هذا الموضوع ‪ ،‬انه من المفيد اصداره في كراس في عداد ـ سلسلة الاعداد‬


‫الحزبي ‪ ،‬ليكون واحدا من المراجع التي يعود اليها الرفاق الحزبيون لاغناء‬
‫ثقافتهم وزيادة اطلاعهم ‪.‬‬

‫ان هذا الكراس يلقي المزيد من الضوء على نظرة الحزب وتجربته‬

‫وموقفه من قضية الجبهة ‪ ،‬وعلى المراحل التي حققها في اطار نضاله المتصل‬
‫من اجل تجسيد وحدة النضال العربي بشكل حي ‪ ،‬وبصيغ واقعية كان‬
‫مثالها وانموذجها ‪ ،‬اقامة الجبهة الوطنية التقدمية في القطر العربي‬

‫السوري ‪ ،‬التي يعرض هذا الكراس ايضا اهم الاسس التي قامت عليها‬
‫والمهام المطلوب منها العمل من اجل انجازها والصيغ والاساليب الناظمة‬
‫لعملها ‪ .‬وفضلا عن ذلك فان هذا الكراس يعرض تجربة الجبهة في عدد‬

‫من البلدان الاشتراكية الصديقة مما يسمح باخذ فكرة عنها ‪ ،‬ومقارنتها ‪،‬‬
‫بتجربة الجبهة الوطنية التقدمية في القطر العربي السوري ‪ ،‬وبالتال‬

‫الذي‬ ‫واقع التطور الذي قطعه ويقطعه حزبنا وثورته والدور الهام‬
‫الحركة‬ ‫يقوم به في حياة الامة العربية وحركتها التحررية ‪ ،‬وعلى‬
‫التحررية العالمية •‬

‫‪--. ٢٦٤ -‬‬


‫واننا لنجد من المناسب والمفيد التأكيد على اعتبار العمل الثقافي‬
‫باستمرار جزءا لا يتجزا من عملنا ومن وجودنا نفسه ‪ ،‬وان تكون الكراسات‬

‫التي تصدرها ‪ ،‬اداة تثقيف ‪ ،‬ومراجع اساسية في ثقافتنا الحزبية والعامة ‪،‬‬
‫التي نطمح أن تكون غنية ومتطورة دوما •‬

‫مكتب الثقافة والدراسات والاعداد الحزبي‬

‫‪-‬‬ ‫‪٢٦٥ -‬‬


‫مقدمة‬

‫القطر العربي السوري بشكل‬ ‫قامت الجبهة الوطنية التقدمية في‬

‫فعلي ـ في السابع من آذار عام ‪ .– ۱۹۷۲‬وهو اليوم الذي وقع فيه ممثلو‬
‫‪:‬‬
‫القوى الوطنية التقدمية في القطر ميثاق هذه الجبهة ‪ ،‬وهذه القوى هي‬
‫حزب البعث العربي الاشتراكي ‪ ،‬حزب الاتحاد الاشتراكي العربي ‪ ،‬الحزب‬
‫الشيوعي السوري ‪ ،‬حزب الوحدويين الاشتراكيين ‪ ،‬حركة الاشتراكيين‬
‫العرب ‪ .‬وجاء توقيع الميثاق بعد اختتام مرحلة من الحوار بين ممثلي هذه‬
‫القوى من خلال لجنة الجبهة التي شكلت بقرار من الرفيق حافظ الاسد‬
‫الامين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي ‪ -‬رئيس الجمهورية‬
‫العربية السورية ‪ ،‬واستمر عملها منذ ربيع عام ‪ ۱۹۷۱‬حتى السابع من آذار‬
‫!‬
‫‪ ١٩٧٢‬يوم وقع الميثاق •‬
‫عام‬

‫لقد هيأت الحركة التصحيحية التي قادها الرفيق حافظ الاسد الامين‬
‫العام للحزب ‪ -‬رئيس الجمهورية مناخا ايجابيا وجوا من الثقة داخل الحزب‬
‫والمجتمع ‪ .‬وفي علاقة الحزب بالجماهير وبالقوى الوطنية التقدمية ‪ ،‬مما‬
‫اتاح الفرصة لهذه القوى الوطنية التقدمية ان تدخل في حوار فيما بينها ‪،‬‬
‫استنادا الى بيان القيادة القطرية المؤقتة الصادر في ‪ ١٦‬تشرين الثاني‬
‫الذي التزمت القيادة من خلاله ‪،‬‬ ‫التصحيحية ‪،‬‬ ‫‪ ۱۹۷۰‬اثر قيام الحركة‬
‫بالعمل من أجل اقامة الجبهة الوطنية التقدمية وابرازها الى حيز الوجود‬

‫كخطوة على طريق تمتين جبهتنا الداخلية وتعزيز الوحدة الوطنية لشعبنا من‬
‫اجل تحقيق أهدافه القومية و الاجتماعية ‪•.‬‬

‫لقد جاء التزام القيادة القطرية حينذاك بالعمل على قيام الجبهة‬

‫تجسيدا وتطبيقا لشعارات الحزب واهدافه التي حددتها مؤتمراته المتتالية‬


‫قبل قيام الحركة التصحيحية ‪ ،‬دون ان تخرج الى حيز التطبيق والواقع ‪ ،‬لان‬
‫الظروف التي أحاطت بحزبنا وبالقوى السياسية الاخرى ‪ ،‬والعلاقات‬
‫التي سادت فيما بين هذه القوى بما فيها حزبنا ‪ .‬لم تكن علاقات ايجابية في‬
‫المستوى المطلوب ‪ ،‬بل انها كانت في بعض الاحيان علاقات سلبية وتناحرية‬

‫‪- ٢٦٦ -‬‬


‫مما خلق جوا من التباعد أوقف أي حوار ‪ .‬وبالتالي ‪ ،‬فقد بقي شعار ‪ :‬لقاء‬
‫القوى التقدمية ‪ ،‬والعمل لاقامة الجبهة الوطنية التقدمية ‪ ،‬معطلا ‪ .‬مجمدا‬
‫ولم يقترن بأية نتيجة ايجابية هامة •‬

‫واذا استعرضنا الظروف التي مر بها القطر العربي السوري بخاصة‬


‫والوطن العربي بعامة ‪ ،‬فاننا نستطيع ان نتلمس آثار الاجواء المضطربة‬
‫والقلقة التي جعلت مثل هذا الشعار ‪ ،‬أو غيره ‪ .‬دون أي محتوى جدي او‬

‫عملي ‪ ،‬على الرغم من أن ظروف قطرنا أو بعض اقطار وطننا العربي كانت‬
‫تستدعي قيام هذه الجبهة التي يعد انجازها عملا نضاليا كبيرا بالنسبة الى‬
‫•‬
‫الشعب العربي في مختلف اقطاره‬

‫وهكذا فقد كان قيام الجبهة الوطنية التقدمية في القطر العربي السوري‬
‫تجسيدا حيا لارادة حزبنا وشعبنا وكان في الوقت نفسه التزاما وتنفيذا أمينا‬

‫لبيان القيادة القطرية المؤقتة التي قامت على أساسه الحركة التصحيحية في‬
‫‪ ١٦‬تشرين الثاني في عام ‪ ، ۱۹۷۰‬والذي جاء استجابة لارادة عميقة ‪ .‬طالما‬
‫الوطنية التقدمية في هذا القطر في أن‬ ‫عبرت عنها جماهير شعبنا وقواه‬
‫ترى صفوفها متحدة في مواجهة التحديات القائمة وفي مقدمتها تد‬
‫الاحتلال ‪ ،‬وتحقيق هدف التحرير •‬

‫وباعلان الميثاق في السابع من آذار عام ‪ ۱۹۷۲‬وقيام الجبهة الوطنية‬


‫التقدمية على أساسه ‪ ،‬تكون قد بدأت فعلا مرحلة جديدة من العمل المشترك‬

‫والعلاقات الايجابية بين القوى الوطنية التقدمية بقيادة حزبنا الذي استطاع‬
‫من خلال هذه الخطوة ‪ ،‬وغيرها من الاجراءات ‪ ،‬ان يعزز نضال شعبنا ‪.‬‬

‫ويقوي وحدته الوطنية التي نحن أحوج ما نكون اليها ‪ .‬ولا سيما في الظروف‬
‫التي نواجهها‬

‫مؤتمرات الحزب والجبهة‬

‫من المعروف ان مقررات مؤتمرات الحزب ‪ .‬منذ المؤتمر القومي‬


‫السادس وحتى المؤتمر القومي التاسع قد أكدت على العمل من اجل قيام‬
‫الجبهة ‪ ،‬الا انه لم توضع الصيغ التنفيذية لقيامها ‪ ،‬لا من قبل المؤتمرات‬
‫الحزبية نفسها ولا من قبل القيادات المنبثقة عنها ‪ .‬ومن الناحية النظرية ‪.‬‬

‫‪-- ٢٦٧ -‬‬


‫فقد كان هناك وضوح بارز في هذه المقررات بالنسبة لاقامة جبهة قومية‬
‫تقدمية على مستوى الوطن العربي تضم كل القوى التقدمية العربية ‪ .‬أما‬

‫في صيغة التعاون الفعلي بين هذه القوى فقد اقتصر الامر على القطر العربي‬
‫السوري ‪ .‬وذلك منذ قيام حركة ‪ ۲۳‬شباط ‪ ١٩٦٦‬بشكل خاص ‪ .‬الا ان‬
‫هذه الصيغة ظلت قاصرة عن تلبية متطلبات المرحلة التاريخية التي يمر بها‬

‫القطر ‪ .‬والمهام التي تطرحها ‪ ،‬وكان التعاون بين الحزب من جهة ‪ .‬وعناصر‬
‫وطنية تقدمية من جهة ثانية محدودا ‪ .‬ولم يقترن بالاعتراف بواقع وجود‬
‫احزاب او قوى سياسية أخرى ‪ .‬ولهذا فانه كان قاصرا عن تلبية متطلبات‬
‫المرحلة ومهامها القومية و الاجتماعية ‪ ،‬ولا سيما في ظروف الهجمه الصهيونية‬

‫الامبريالية التي تعرض لها الوطن العربي ‪ ،‬والتي كان ذروتها عدوان حزیران‬
‫والفترة التي اعقبته ‪ ،‬وكان قاصرا أيضا عن تحقيق الآمال والطموحات‬
‫والفوائد ‪ ،‬التي كان من الممكن ان يجنيها الحزب وقضية النضال العربي ‪،‬‬
‫فيما لو أمكن اقامة جبهة على اسس راسخة ‪ ،‬تكفل أن يأخذ التعاون‬

‫بين أطرافها ابعاده الكاملة في ظل قيادة الحزب وسلطته الوطنية التقدمية ‪.‬‬
‫ومع ذلك فان هذا التعاون المحدود وما تحقق كان خطوة متقدمة اذا قيس‬
‫صررااعات بين هذه‬
‫بما سبقه قبل حركة ‪ ۲۳‬شباط عام ‪ ١٩٦٦‬من تناحرات وص‬

‫القوى ‪ ،‬وبين حزبنا الذي تسلم مسؤولية الحكم وقيادة الثورة في القطر‬
‫العربي السوري منذ ثورة ‪ ٨‬آذار عام ‪١٩٦٣‬‬

‫التناقضات والصراعات والاحتكاكات المباشرة وغير‬ ‫وقد كان لتلك‬


‫المباشرة آثار سلبية على عمل الحزب وعمل هذه القوى ‪ ،‬اذ خلقت العراقيل‬

‫ة النضال الوطني والقومي ‪ ،‬وتركت بعض السلبيات والثغرات‬ ‫في وجه مس‬
‫في علاقة هذه القوى مع بعضها ‪ .‬ولا سيما في ظروف تاريخية معينة مرت‬
‫بها هذه القوى جميعا ‪ ،‬وتميزت العلاقات فيما بينها بالسلبية وكان منها‬

‫الصراعات الحادة بين الحزب والقوى الناصرية ‪ .‬وذلك خلال الفترة التي‬
‫اعقبت قيام ثورة آذار في الوقت الذي كان يفترض فيه ان تكون هاتان القوتان‬
‫أكثر قربا من بعضهما بسبب منطلقاتهما المتقاربة ‪ ،‬القومية ‪ -‬الاشتراكية ‪.‬‬

‫قوى الجبهة‬

‫‪ -‬القوى الناصرية ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ‬

‫وتتمثل هذه القوى الآن بقوتين أس‪-‬اسيتين هما ‪ :‬الاتحاد الاشتراكي‬


‫‪- ٢٦٨ -‬‬
‫ظررووف تطور‬
‫والوحدويين الاشتراكيين ‪ .‬وقد مر تشكيل هذين التنظيمين في ظ‬
‫معينة ‪ .‬هي تلك الظروف التي اعقبت نكسة الانفصال ‪ .‬ومن ثم ثورة الثامن‬
‫من آذار ‪ .‬ومن المعروف انهما بداا بشكل مجموعات ونظيمات كانت تتبدل‬
‫وتختلف حتى اسماؤها تبعا للصراعات والاخلافات فيما بينها ‪ .‬حتى اخذت‬
‫شكل هذين التنظيمين باعتبارهما القوتين الاسلاسيين بين القوى الناصرية‬
‫اخرى فقد برزت القوى الناصري‬ ‫وبكلمات‬
‫كجماعات وتنظيمات متعددة غير ثابتة فتارة كان ينقسم حتى التنظيم الواحد‬

‫الى تنظيمات ‪ ،‬وتارة كانت هذه التنظيمات تجمع نفسها وتوحد كلها أو‬
‫بعضها وتشكل تنظيما جديدا ‪ .‬الى ان استقر وضعها على ما هو عليه‬

‫الآن ‪ .‬ومما لا شك فيه أن السلبيات التي توارثتها هذه التنظيمات والقوى‬


‫والتي تركت بصماتها الواضحة على العلاقات فيما بينها ولا سيما ما كان‬
‫منها بسبب العلاقات المضطربة بين حزب البعث العربي الاشتراكي من‬
‫جهة وعبد الناصر من جهة أخرى والتي كانت ظاهرة احيانا وخفية احيانا‬
‫أخرى ‪ ،‬قد تركت المجال واسعا للصراعات التي كان من شأنها اعاقة حركة‬

‫النضال العربي ‪ .‬وضعضعة مسيرته التحررية والثورية ‪ .‬وهذا ما جعل‬


‫التناقضات الثانوية والشكلية عمو على حساب التناقضات الاساسية‬

‫والجوهرية التي يحتم الواقع والضرورة أن ينصرف الجهد والعمل المشترك‬


‫لمصلحة الشعب العربي وحركته التحررية بمجموع فصائلها‬ ‫‪،‬‬ ‫لحلها‬
‫الوطنية والتقدمية ‪ .‬وهكذا لم يخل الأمر نتيجة الاخطاء التي وقعت بها‬
‫القوى الوطنية القدمية ومنها حزبنا ‪ .‬والقوى الناصرية من الانجرار الى‬
‫الصراعات الجانبية ‪ .‬وبعد حركة ‪ ۲۳‬شباط ‪ ١٩٦٦‬لم يتطور شكل العلاقات‬
‫بين الحزب والقوى الوطنية التقدمية عموما ومنها القوى الناصرية ‪ .‬لم‬

‫يتطور إلى مستوى التعاون الحقيقي والعمل الايجابي المشترك القائم على‬
‫اساس برنامج عمل وصيفة واضحة واقعية وثورية في آن واحد وقادرة على‬
‫تلبية حاجات المرحلة وضروراتها ‪ .‬واقتصر الامر على تجميد التناقضات‬
‫وقيام تعاون محدود دون سعي جدي واكيد نحو بناء جديد لعلاقات تعاون‬

‫متطورة تساعد على تعزيز الوحدة الوطنية ‪ .‬وتوفر الطاقات وحشدها‬


‫في المعركة المشتركة ‪ .‬وبما يدفع بمسيرة التحرر والثورة خطوات وخطوات‬
‫الى الامام ‪ .‬وبطبيعة الحال فقد كان قيام الجبهة الوطنية التقدمية الخطوة‬
‫الاهم التي استطاعت ان تحدد الاطار والصيغة المناسبة للتعاون والعمل‬

‫المشترك من اجل الاهداف المشتركة ‪ .‬بعيدا عن تغلب التناقضات الثانوية‬


‫على التناقض الاساسي واحلالها محله ·‬

‫‪- 179-‬‬
‫‪ - ۲‬الحزب الشيوعي السوري ‪:‬‬

‫وتعود نشأة هذا الحزب في القطر العربي السوري الى ما قبل‬


‫الاستقلال ‪ ،‬وهو كغيره من الاحزاب الشيوعية يتبنى النظرية الماركسية‬
‫اللينينية وتغلب على تفكيره وسلوكه النزعة الأممية والابتعاد عن ايلاء فكرة‬

‫القومية العربية الاهمية التي تتطلبها ضرورات النضال الوطني والقومي في‬
‫مجتمع يعاني من ظروف التجزئة والتخلف والاستغلال ‪ ،‬مما أوقعه في‬
‫صدامات متتالية مع دعاة الفكرة القومية وهم الكثرة الغالبة من شعبنا‬

‫التي كان من الطبيعي أن تتبنى الاتجاهات القومية الاشتراكية ‪ ،‬التي‬


‫تعكس ارادتها وتعبر عن طموحاتها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد ‪.‬‬
‫وقد كان من نتيجة ذلك ان مر حزب البعث العربي الاشتراكي الذي يتبنى‬
‫الفكر القومي الاشتراكي كمنطلق لاستراتيجيته ونضاله منذ نشوئه في‬
‫صراعات حادة مع الحزب الشيوعي السوري تعود في أساسها الى مواقف‬
‫كل من الحزبين من بعض القضايا العربية الاساسية وأبرزها ‪ :‬قضية‬
‫القومية العربية والموقف منها ‪ .‬الوحدة العربية والنظرة اليها ‪ ،‬والنضال من‬

‫أجل تحقيقها ‪ ،‬ثم الموقف من وحدة عام ‪ ١٩٥٨‬بين سورية ومصر ‪ ،‬وانفصال‬
‫‪ . ١٩٦١‬وكذلك الموقف من‬ ‫سورية عن الجمهورية العربية المتحدة عام‬
‫القوى والفئات الاجتماعية المختلفة في القطر ‪ ،‬وتحالفه « أي الحزب‬
‫البورجوازية والرجعية الانفصالية بعد نكسة‬ ‫الشيوعي » مع القوى‬
‫الانفصال ·‬

‫وفي مجرى النضال الذي خاضه حزبنا وشعبنا ‪ ،‬والذي مارس تأثيره‬
‫على حركة التحرر والثورة العربية وفصائلها التحررية والثورية ‪ ،‬وتحت‬
‫تأثير تبلور اهداف حركة القومية العربية التحررية الوحدوية الاشتراكية ‪،‬‬
‫فقد برزت مواقف جديدة للحزب الشيوعي السوري من القضايا الرئيسية‬
‫التي كانت تشكل سببا للاختلافات والصراعات ‪ ،‬وهي كما ظهرت تختلف عن‬

‫المواقف السابقة مما خلق مناخا وظروفا جديدة ساعدت على تحقيق التقارب‬

‫واللقاء ‪ .‬وكذلك ففي اطار الظروف التي يواجه فيها شعبنا وحركته التحررية‬
‫التحديات الكبيرة ‪ ،‬وفي سبيل انجاز المهام المطروحة على حركة التحرر‬
‫العربية وعلى انظمتها الوطنية التقدمية بخاصة ‪ ،‬كان من الطبيعي أن يتركز‬
‫البحث حول نقاط الالتقاء فيما بين القوى الوطنية التقدمية ‪ ،‬وان تطرح‬
‫جانبا نقاط الاختلاف ويترك للعمل المشترك من خلال الحوار والتفاعل‬

‫‪- ۲۷۰ -‬‬


‫البناء ان يحلها ‪ ،‬وهكذا كان لابد من ايجاد الصيغة المناسبة للالتقاء والتعاون‬

‫والعمل المشترك لخدمة الاهداف الرئيسية المشتركة التي تفرضها المرحلة ‪.‬‬

‫ـ الاشتراكيون العرب ‪:‬‬

‫ويرجع معظمهم وخاصة القياديون منهم في أصولهم التنظيمية الى‬


‫حزب البعث العربي الاشتراكي الذي خرجوا منه ‪ ،‬ولم يلتزموا بخطه اثر‬
‫انشقاقات وازمات مر بها الحزب لاسباب متعددة ‪ ،‬كان أبرزها وضع‬
‫الحزب في فترة الانفصال والمواقف المختلفة التي اتخدتها المجموعات‬

‫والعناصر التي انشقت عن الحزب أو خرجت منه ‪ .‬وكان من نتائج ذلك بروز‬
‫الاتجاهات والمواقف المتباينة التي عبرت عن نفسها بتجمعات وصيغ تنظيمية‬
‫معينة تنضوي تحت لوائها قوى وعناصر متعددة ‪ ،‬لم تكن متفقة تماما وما ‪:‬‬
‫لبثت أن برزت التناقضات والانشاقات في صفوفها ‪ ،‬حتى تشكل منها‬
‫في النهاية تنظيم سمى نفسه بتنظيم { الاشتراكيين العرب ) الذي يتركز‬
‫‪.‬‬
‫وجوده بخاصة في محافظة حماة وبعض المناطق الاخرى في القطر‬

‫وهكذا فقد لعبت طبيعة تكوين هذا التنظيم والظروف التي مر بها‬
‫والظروف التي واجهتها الامة العربية ولا سيما بعد عدوان حزيران عام‬
‫‪ ١٩٦٧‬والظروف التي تطور اليها الحزب ‪ ،‬ولا سيما بعد قيام الحركة‬
‫التصحيحية عام ‪ - ۱۹۷۰‬لقد لعب كل ذلك دوره الفعال والايجابي في تحقيق‬
‫التقارب والالتقاء بعد أن اصبح المناخ مهيئا للعمل المشترك والتعاون في‬
‫اطار الصيغة التي قامت على اساسها الجبهة الوطنية التقدمية‬

‫موقف الحزب منذ ‪ ١٩٦٦ – ١٩٦٣‬من هذه التنظيمات ‪:‬‬

‫اذا كنا قد أشرنا الى طبيعة العلاقات التي كانت قائمة بين الحزب‬

‫والقوى السياسية الاخرى والتي تميزت على العموم بالسلبية ‪ ،‬واذا كنا قد‬
‫اشرنا الى واقع هذه التنظيمات ومسؤوليتها في ذلك ‪ ،‬فان هذا لا يعنينا‬
‫من الاشارة الى واقع الحزب والسلبيات التي حملها ‪ ،‬والتي مارست‬
‫·‬
‫بدورها تأثيرا سلبيا على العلاقة مع القوى التقدمية الاخرى‬

‫لقد تميزت الفترة من ‪ ١٩٦٣‬حتى ‪ ١٩٦٦‬بوجود صراعات حادة داخل‬

‫‪-‬‬
‫‪- ۲۷۱ -‬‬
‫‪-‬‬
‫الحزب بين العقلية اليمينية التي كان همها استمرار وصايتها عليه ‪ .‬وبالتالي‬
‫فرض مواقفها الفكرية والسياسية والتنظيمية ‪ .‬وبين قواعد الحزب المتطلعة‬
‫الى تطوير الحزب وتخليصه من الكوابح التي تقيد حركته كتنظيم ثوري‬
‫ليكون هذا التطور الاساس الذي ينطلق منه الحزب لتطوير ممارساته‬
‫وبالتالي لتطوير علاقاته النظرية والعملية ‪ .‬مع القوى الوطنية التقدمية‬
‫وهذا ما حفز قواعد الحزب الى التصدي لهذه العقلية في ‪ ٢٣‬شباط ‪١٩٦٦‬‬

‫وازاحتها عن قيادة الحزب والتخلص منها ‪ .‬وبالتالي فقد دفع الحزب وحركته‬
‫النضالية الى الامام وبالاتجاه الذي يؤكد حيويته وقدرته على مواجهة‬
‫الطليعي‬ ‫الصعوبات والكوابح التي تعترض طريقه ‪ .‬وتؤهله للنهوض بدوره‬
‫الوطني ‪ ،‬والقومي ‪ .‬والتقدمي ‪ .‬بعيدا عن الفرق في التناقضات والخلافات‬
‫·‬
‫الثانوية ‪ .‬التي لا تخدم مسيرة الحزب التحررية الثورية في شيء ‪.‬‬

‫موقف الحزب منذ ‪ ۲۳‬شباط عام ‪ ١٩٦٦‬وحتى ‪ ١٦‬تشرين الثاني عام‬


‫‪ ۱۹۷۰‬من هذه التنظيمات ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫تطورت مسيرة الحزب النضالية بعد حركة ‪ ۲۳‬شباط تطورا كبير‬

‫برز في جوانب متعددة يأتي في مقدمتها انه تخلص من العقلية اليمينية وجمد‬
‫هذه‬
‫الصراعات مع القوى السياسية الأخرى وتعاون مع عناصر من‬
‫القوى ‪ ،‬ونمي النظرة الى اهمية قيام الجبهة وركز على توضيحها على‬

‫مستوى الوطن العربي‬

‫وقد برزت الاهمية اكبر واكبر لتعاونوعمل متطور بين القوى الوطنية‬
‫التقدمية من أجل حشد الطاقات وتوحيد الجهود واكدت مقررات المؤتمر‬

‫القومي التاسع الاستثنائي الذي انعقد بعد نكسة حزيران – اكدت بشكل‬
‫واضح على ضرورة حشد الطاقات العربية سواء في القطر العربي السوري‬
‫او في سائر الاقطار العربية الاخرى لمواجهة العدوان ‪ ،‬واعتبرت ان هدف‬
‫ـذه‬
‫التحرير هو الهدف الاساسي الذي لا يتقدم عليه اي هدف آخر في‬
‫المرحلة وهو يتطلب قيام جبهة داخلية موحدة ومتينة في القطر العرب‬
‫السوري وفي الاقطار العربية كافة ‪ .‬كما يتطلب موقفا عربيا موحـــــــــ‬
‫وجبهة عربية عريقة متماسكة على الصعيد العربي ‪ .‬تكون بطاقاتهـ‬
‫وامكاناتها الضخمة قادرة على الوقوف في وجه العدوان والتصدي‬
‫وازالة آثاره ‪ .‬لقد كان الأمر يتطلب القيام بخطوات جدية لاقامة جبهات‬

‫‪- ۲۷۲ -‬‬


‫وطنية في كل قطر عربي ولا سيما الاقطار التي تعرضت للعدوان والاحتلال‪.‬‬

‫وبالرغم من الضرورات الحيوية والمصيرية التي كانت تستدعي السير‬


‫ــة‬
‫الجدي في هذا الاتجاه ‪ ،‬الا ان عقلية قيادة الحزب واساليبها الخاطئ‬

‫في هذه المرحلة ولا سيما بعد العدوان لم تساعد على خلق المناخ الملائـ‬
‫للحوار وبالتالي على قيام الجبهة المنشودة حتى كان قيام الحركـ‬
‫التصحيحية في ‪ ١٦‬تشرين الثاني عام ‪ ۱۹۷۰‬بقيادة الرفيق حافظ الام‬
‫الامين العام للحزب‬

‫واننا في ضوء استعراضنا لخط سير الحزب بعد حركة ‪ ٢٣‬شباط‬

‫عام ‪ ، ١٩٦٦‬نستطيع ان نقرر ان هذه المرحلة قد تميزت بسيادة جو مـــن‬


‫التعاون المحدود بين الحزب وعناصر وطنية تقدمية ‪ ،‬منتمية لتنظيمات‬

‫سياسية أخرى موجودة في الواقع وغير معترف بها رسميا ‪ .‬وبالرغـــــم‬


‫من ان هذا التعاون حقق بعض الايجابيات وكسب الحزب من خلاله بعض‬

‫العناصر من قوى متعددة ‪ ،‬الا ان الطابع المميز للعلاقة بين القوى المختلفة‬
‫والحزب ظل مشوبا بالحذر ‪ ،‬ولم يستند حتى الى الحد الادنى المطلوب‬
‫من الثقة المتبادلة ‪ .‬ولذلك لم يكن الاشخاص المتعاونين مع الحزب من هذه‬

‫المجموعة أو تلك ‪ ،‬قادرين على التأثير الجدي في المجموعات التي ينتمون‬


‫اليها اصلا ‪ .‬بل كانت هي التي تستفيد من ايجابيات التعاون وتتنصل من‬
‫مسؤولياته وتحمل المسؤولية كاملة للحزب لدرجة ان بعضا منها تحرك‬
‫في مرحلة ما بعد عدوان حزيران عام ‪ ١٩٦٧‬لاقامة جبهة بعيدا عن الحزب ‪.‬‬
‫ومستفيدا من الظروف المحيطة به في تلك المرحلة‬

‫حركة ‪ ١٦‬تشرين الثاني عام ‪ ۱۹۷۰‬التصحيحية وقيام الجبهة ‪:‬‬

‫جاءت الحركة التصحيحية ردا حتميا على الواقع المتردي الذي وصل‬

‫اليه الحزب ‪ ،‬سواء في حياته الداخلية أو في علاقته بالجماهير والقوى‬


‫الوطنية التقدمية ‪ ،‬أو في مجال قيامه بمسؤوليات الحكم والسلطة ‪ .‬وكذلك‬
‫الحزب والقطر في ظروف من العزلة العربية والدولية باعدت بينه‬ ‫فقد‬

‫وبين الدور الذي يمكن وينبغي أن ينهض به ‪ .‬والذي تحتمه مسؤولياته‬


‫الوطنية والقومية ‪ ،‬ولم يكن ذلك بطبيعة الحال امرا عارضا أو صدفة‬
‫وانما تكمن اسبابه في السياسة القصيرة النظر المتطرفة والمزاودة وفي‬

‫عقلية المناورة والتسلط التي ابتلى بها الحزب والقطر ‪ .‬وهكذا لم يكن‬

‫‪- ۲۷۳۰‬‬
‫أمام قواعد الحزب بقيادة الرفيق حافظ الاسد الامين العام للحزب الا ان‬
‫الواقع المتردي ‪ ،‬وان تعيد للحـــــــزب صفاءه‬ ‫تتصدى لهذه العقلية ولهذا‬
‫واصالته وان تحيي الثقة بينه وبين جماهيره وتعززها كيما يستطيع ان‬
‫يواصل مسيرته التحررية والثورية المجيدة ‪ ،‬ويحقق الانتصارات الاعمق‬

‫والاشمل في المجالات المختلفة ‪ ،‬الفكرية والسياسية والاقتصادي‬


‫والاجتماعية والعسكرية ‪ ،‬وليكون بحق جديرا بالمهمة الطليعة والدور‬
‫القيادي الذي ندب نفسه له‬

‫لقد جاءت الحركة التصحيحية ‪ ،‬وكان في مقدمة أسس السياسة‬


‫التي ارتكزت عليها كما جاء في بيان القيادة القطرية المؤقتة ( حشد الطاقات‬
‫التقدمية والشعبية ووضعها في خدمة المعركة وذلك من خلال تطوير‬
‫العلاقات باتجاه اقامة جبهة تقدمية بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي » ‪.‬‬
‫وكانت بذلك استجابة صادقة لارادة مصممة كامنة في اعماق قواع‬
‫الحزب والقواعد الجماهيرية الواسعة والقوى الوطنية التقدمية ‪ ،‬على‬
‫توحيد قواها وحشد طاقاتها من أجل تصفية العدوان وتحرير الارض ‪ ،‬لقد‬
‫ـال‬ ‫ادركت الحركة التصحيحية ان هذا الهدف لا تحققه الاماني والامـ‬

‫ولا الخطب والاقوال والشعارات البراقة ولا بد ان تتوافر لتحقيقه الشروط‬


‫الموضوعية والذاتية اللازمة القائمة اساسا على خط سياسي صحيح ‪،‬‬

‫وعلى الثقة العميقة بالحزب والجماهير وقواها الوطنية التقدمية ‪ .‬وهكذا‬

‫فتحت الحركة التصحيحية الطريق كي يوضع موضع التنفيذ الانجاز الاساسي‬


‫ــة‬ ‫الذي يعبر عن ارادة الحزب والشعب الا وهو اقامة الجبهة الوطنيـ‬
‫التقدمية باعتبارها تشكل الاداة الرئيسية بيد الشعب لرص صفوف‬
‫وتعزيز وحدته الوطنية‬

‫الجو العام الذي سبق الحوار المباشر حول الجبهة ‪:‬‬

‫لم يكن الجو العام الذي سبق قيام الجبهة نقيا خاليا من الشوائب‬

‫والترسبات التي تركت بصامتها وآثارها السلبية على العلاقات بين القوى‬
‫الوطنية التقدمية في القطر ‪ .‬ولذلك كان لا بد من تنقية الجو وازالـ‬

‫الشوائب والترسبات التي شابت هذه العلاقات ‪ ،‬من منطلق اساس‬

‫هو السعي لتعميق الثقة الحقيقية من خلال الممارسة والتطبيق لا بمجرد‬


‫الاقوال ورفع الشعارات ‪ .‬لقد كان لا بد لاقامة الجبهة من تصفية‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪- ٢٧٤ -‬‬
‫السلبيات التي سادت العلاقات بين القوى الوطنية التقدمية ‪ ،‬وايجاد‬
‫مناخ من الثقة والتعاون ‪ .‬وفي هذا الاتجاه انصبت جهود الحزب لبلورة‬
‫وتوضيح مفهوم الجبهة والعمل الجبهوي ‪ ،‬وكان هذا التوضيح ضروريا‬
‫للحزب وللقوى السياسية الاخرى ‪ ،‬ولا سيما بسبب وجود افكار ومفاهيم‬
‫خاطئة أو مختلفة حول الجبهة والعمل الجبهوي ‪ ،‬فالقوى السياسية غير‬
‫البعثية كانت لديها تطلعات وافكار معينه حول قيام الجبهة ‪ .‬وربمـــــــــــا‬

‫كانت هذه الافكار والتطلعات مختلفة كثيرا أو قليلا عن نظرة الحزب ‪ ،‬الذي‬
‫كانت اقسام غير قليلة من قواعده حذرة وقلقة نتيجة ما كانت تسمعه مما‬
‫يطرحه بعض افراد تلك القوى السياسية عمدا أو جهلا مثل ‪ :‬ان هذه‬

‫المرحلة انتقالية وستتبعها مرحلة ثانية ينتهي فيها حزب البعث ‪ ،‬وسيكون‬
‫هناك تجمع موحد يشكل تنظيميا جديدا من مجموع القوى الداخلة فــي‬
‫الجبهة ‪ .‬وهذا ما كان يبعث على البلبلة لدى قواعد الحزب وذلك بس‬
‫الخوف على مصير الحزب والقلق من الوصول الى تنظيم غير متجانس‬
‫وغير موحد الفكر والتنظيم •‬

‫ولكن وضوح الرؤيا لدى قيادة الحزب والتزامها بمقرراته وتصورها‬


‫الصحيح لمفهوم الجبهة كان دافعا لها وللحزب بجموعه للمضي قدما نحــو‬
‫تحقيق شعار الجبهة وترسيخه واخراجه الى حيز الواقع والتطبيـــــــــــق‬

‫العملي منطلقة من الاسس التالية ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ اعتبار قيام الجبهة ضرورة حتمية تفرضها مهمات النفـــــــــــال‬

‫التحرري والثوري كما اكدت على ذلك مقررات مؤتمرات الحزب ‪ ،‬وهذا ما‬
‫تتطلبه وحدة العمل والنضال الجماهيري الذي يعتبر مبدا ثابتا في‬
‫الاستراتيجية النضالية لحزبنا •‬

‫‪ ۲‬ـ اعتبار الجبهة أداة تعاون وعمل مشترك بين قوى سياسية‬
‫تلتقي حول مصالح و اهداف مشتركة غير متناقضة مع الاهداف الاساسية‬
‫لاستراتيجية الحزب •‬

‫جبهة وطنية تقدمية لا يتعارض مع مبدأ الحزب‬ ‫‪ -‬اعتبار قيا‬


‫القائد ودوره في قيادة المجتمع والدولة ‪ ،‬كما جاء في مقررات مؤتمـــــــــرات‬

‫‪- ٢٧٥ -‬‬


‫الحزب ومنطلقاته النظرية « ان حزبا رئيسيا يقود جبهة من القوى‬

‫السياسية تمارس السلطة الثورية لا يعني الابتعاد عن الديمقراطية ( ‪. » ) 1‬‬

‫ان مبدأ الحزب القائد اصبح امرا تمليه الضرورة المرحلية لوجود‬
‫سلطة مركزية ثابتة تقود عملية البناء الاشتراكي ‪ ،‬كما أكدته التجارب‬
‫الثورية – الاشتراكية في العالم وبنوع خاص ظروف البلدان النامية ( ‪. ) ) ۲‬‬

‫‪ -‬وفضلا عن ذلك فان ظروف عدوان حزيران عام ‪ ١٩٦٧‬واعتبار‬

‫تحرير الارض المحتلة الهدف الرئيسي في هذه المرحلة جعل من مسألة قيام‬
‫الجبهة ضرورة ملحة تفرضها التحديات القائمة وفي مقدمتها تحدي الاحتلال‬

‫للاسباب التالية ‪:‬‬

‫آ ـ ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية وتمتين الجبهة الداخلية‬

‫ب ـ ضرورة حشد جميع الطاقات والقوى من خلال هذه الجبهة‬

‫‪ -‬ضرورة احلال علاقات التعاون والعمل المشترك بين القوى‬

‫الوطنية والتقدمية بديلا عن علاقات الصراع والتناحر ‪ ،‬وعدم تغليـ‬


‫التناقضات الثانوية وغير العدائية على التناقضات العدائية •‬

‫د ــ ضرورة تكوين رأي عام جماهيري موحد يدعم معركة الصمود‬


‫والتحرير والبناء ‪.‬‬

‫هــ ــــ وبالاضافة الى ذلك ‪ ،‬فان قيام هذه الجبهة وما تنطوي عليه من‬
‫تجانس عام ‪ ،‬وتوجه نحو المستقبل يفتح الباب للعمل المشترك وفق برنامج‬
‫عمل موحد متفق عليه ‪ ،‬ومن شأنه تلبية متطلبات النضال في ظروف محددة‬
‫ومرحلة زمنية معينة ‪ ،‬يفسح انجاز مهامها لتطوير لاحق لعمــل هـــــذه‬
‫ــة‬
‫‪ 9‬القوى وتعاونها ‪ .‬ولهذا فان حزبنا يرى أن لقاء هذه القوى في الجبهـ‬
‫لا يتحدد من خلال الحجم العددي لهذه القوى الذي هو حجم محدود بالنسبة‬

‫( ‪ ) ۱‬بعض المنطلقات النظرية‬


‫( ‪ ) ۲‬بعض المنطلقات النظرية‬

‫‪-- ٢٧٦ -‬‬


‫الى قوى الحزب وحجم تنظيمه وعدده ‪ ،‬وانما من خلال العمل المشترك‬

‫لتحقيق وحدة الشعب ولخلق رأي عام موحد وموقف عام موحد وارادة‬
‫عمل موحدة حول اهداف النضال العربي وبالتالي تجاوز مراحل التشتت‬
‫والنمزق وخلق الجو المناسب ‪ ،‬وايجاد الوسيلة اللازمة لحشد كل جماهير‬
‫الشعب المنظمة وغير المنظمة حول الجبهة ‪ .‬وحول شعارات النضال من‬

‫اجل التحرير والتقدم والسير على طريق تحقيق المجتمع العربي الاشتراكي‬
‫الموحد ‪.‬‬

‫دوافع قيام الجبهة وضرورتها وظروف قيامها ‪:‬‬

‫اذا كانت ظروف عدوان حزيران عام ‪ ١٩٦٧‬و اعتبار تحرير الارض‬

‫هدفا رئيسيا ترتبط به وتلتقي من حوله جميع الاهداف القومية والاجتماعية‬


‫‪ -‬اذا كانت هذه الظروف قد جعلت قيام الجبهة ضرورة تفرضها المعركة‬

‫القائمة والمستمرة مع العدو الصهيوني والقوى الامبريالية التي تسانده ‪.‬‬


‫فثمة ظروف موضوعية اخرى تستدعي قيامها وتساعد على نجاحها ‪ .‬وهذه‬
‫الظروف ترتبط من الناحية الواقعية بحركة تطور المجتمع وبالاهــــــداف‬

‫والمهام التي تطرحها هذه المرحلة التاريخية ‪ ،‬والتي تحدد بالتالي وبالضرورة‬
‫صيغة العمل بين القوى السياسية والاجتماعية المختلفة ‪ .‬كما انه‬

‫الناحية الذاتية ثمة ظروف أخرى ساعدت وتساعد على قيام الجبهة‬
‫ونجاحها وفي مقدمتها طبيعة تكوين هذه القوى السياسية التي تضمها الجبهة‬
‫مما اشرنا اليه فيما سبق ‪ .‬ولا سيما من ناحية تركيبها الاجتماعي وطبيعة‬
‫المصالح والاهداف التي تعكسها وتعبر عنها ‪ .‬ويمكن هنا الاشارة الى كون‬
‫‪ .‬وحركة‬ ‫الاشتراكيين‬ ‫‪ .‬وتنظيم الوحدويين‬ ‫حزب الاتحاد الاشتراكي‬
‫‪ .‬لم تكن بعيدة عن الحزب بحكم انتماء اعداد كبيرة‬ ‫الاشتراكيين العرب‬

‫منها الى الحزب في السابق كما انها تتبنى الفكر القومي الاشتراكي كمنطلق‬
‫لنضالها ‪ .‬يضاف الى ذلك ان الحزب الشيوعي السوري الذي له أهدافه‬
‫والتزاماته العقائدية المعروفة ‪ .‬الا اننا نلتقي معه في نقاط ومسائل ايجابية ‪،‬‬
‫مثل مسألة بناء الاشتراكي والديمقراطية والحرية ‪ .‬وكذلك يوجد نقاط التقاء‬
‫حول أهمية الوحدة العربية ولاسيما بعد ان برزت له مواقف جديدة بالنسبة‬
‫الى القضية القومية ‪ .‬وحركة القومية العربية التي استطاعت أن تحقق‬
‫•‬
‫انتصارات هامة في نضالها ضد الصهيونية والاستعمار والامبريالية‬
‫واستطاعت أن تحقق انفتاحا واسعا على بلدان المعسكر الاشتراكي ‪ .‬وان‬

‫‪- ۲۷۷ -‬‬


‫يتحقق تعاون وثيق بين الاقطار العربية التقدمية بخاصة ‪ ،‬وبين هذه البلدان‬

‫على مختلف المستويات ‪ ،‬الاقتصادية والسياسية والعسكرية ‪ ،‬وهكذا‬

‫يمكن القول انه يوجد نقاط التقاء أساسية حول اهداف مشتركة قومية‬

‫واجتماعية يجري النضال في سبيلها ‪ ،‬وفي مقدمتها ‪ ،‬هدف التحرير وازالة‬

‫العدوان وتصفية آثاره ‪ .‬ويمكن القول أيضا أن المناخ العام كان مهيأ بل‬
‫ويستدعي ان تلتقي هذه القوى في اطار برنامج عمل مشترك لخدمة الاهداف‬

‫الرئيسية المشتركة التي تفرضها المرحلة ‪ ،‬وهكذا فانه يوجد من الدوافع‬

‫والضرورات ما يحتم قيام الجبهة ‪ ،‬بل ان الظروف القائمة والتحديات‬


‫الخطيرة التي تطرحها ‪ .‬ولا سيما تحدي العدوان القائم والمستمر فوق‬
‫الارض العربية ‪ ،‬كانت وما تزال تفرض الوحدة الوطنية وكانت وما تزال‬

‫تفرض وحدة القوى الوطنية التقدمية ‪ ،‬وقيام جبهتها وتطويرها ‪ ،‬وتعزيز‬

‫دورها في الحياة العامة للبلاد ‪ ،‬وهذا يعني البحث عن نقاط الالتقاء وتعميقها ‪،‬‬
‫والعمل وباستمرار على تجاوز السلبيات بروح النقد والنقد الذاتي والعمل‬
‫الديمقراطي القائم على الحوار والتعاون ‪ .‬ان وجود قوى في ارض الواقع‬
‫يعني وجود خلافات فيما بينها ولكن هذه الخلافات لا تعني بالضرورة البعد‬
‫و عدم اللقاء لانه لا بد أن يكون هناك نقاط لقاء و اتفاق بين هذه القوة او تلك‬

‫التي تجمعها وتوحدها مصالح و اهداف عامة مشتركة ‪ .‬ولهذا لا بد من‬


‫التأكيد على هذه النقاط وتعميقها والعمل باستمرار لحل مسائل الخلاف‬
‫بالاساليب الايجابية ‪ .‬على ان تظل الامور الجزئية خاضعة للحوار البناء‬
‫من خلال العمل المشترك سعيا الى حلها وتذويبا للخلافات الثانوية التي‬
‫لا يجوز بأي حال تغليبها على التناقضات الاساسية العدائية ·‬

‫لقد اتى ميثاق الجبهة في مقدمته على ذكر دوافع قيام الجبهة وضرورتها‬
‫" ان الجبهة الوطنية التقدمية التي نقيمها اليوم خطوة‬ ‫وقد ورد فيه ‪:‬‬
‫أولى على طريق توحيد فصائل الثورة العربية في الجمهورية العربية‬
‫السورية ‪ .‬تأتي في هذا الوقت بالذات ‪ .‬ضرورة ملحة لتعبئة القوى‬
‫جميعها ‪ .‬وتمتين صلابة الجبهة الداخلية ضد شراسة الهجمة الاستعمارية‬
‫·‬
‫الصهيونية التي تهددنا في وطننا ووجودنا‬

‫و الجبهة الوطنية التقدمية تأتي لتعزيز كفاحنا الوطني التقدمي‬


‫سبيل بناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد ‪ .‬وهي سبيلنا للالتفاف حول‬

‫‪۲۷۸ -‬‬
‫النظام التقدمي في هذا القطر ولترسيخ دعائمه ‪ ،‬وحماية منجزاته السياسية ‪،‬‬
‫والاقتصادية ‪ ،‬والاجتماعية‬

‫ان قوى الجبهة الوطنية التقدمية التي تتطلع الى اهداف واحدة ‪،‬‬
‫وتخاطب قطاعات اجتماعية واحدة هي قطاعات الجماهير الشعبية من عمال‬

‫‪ .‬تقيم هذه‬ ‫وفلاحين وجنود وحرفيين وكسبة صغار ومثقفين ثوريين‬


‫الجبهة لتعميق التحالف بين قوى الجماهير صاحبة المصلحة في التقدم‬
‫والثورة ‪ ،‬وتعزيز ممارساتها الديمقراطية واطلاق طاقاتها النضالية المبدعة ‪.‬‬

‫ان وحدة ارادتنا واهدافنا ‪ ،‬واصرارنا على العمل المشترك وتفاعلنا‬


‫من خلال الحوار الايجابي الدائب ضمن الجبهة لن يحرك قوانا الذاتية‬
‫فحسب ‪ ،‬بل سيجذب الى ساحة العمل النضالي قوى الجماهير الواسعة‬
‫غير المنظمة ‪ ،‬التي تؤيد تلاحم القوى الوطنية التقدمية تأييدا لا حد له ‪،‬‬
‫وتتفاعل مع هذا التلاحم لانه التعبير الصادق عن مصالح الجماهير‬
‫وتطلعاتها »‬

‫الجو العام الذي رافق الحوار حول اقامة الجبهة ‪:‬‬

‫حينما أصبح الجواب ايجابيا ومهياً لبدء الحوار بين اطراف الجبهةفي‬
‫القطر العربي السوري بعد الحركة التصحيحية ‪ ،‬كان بعض افراد التنظيمات‬
‫السياسية بما فيها حزبنا تحملون نظرات سلبية تجاه بعضهم ‪ ،‬حــــــــــى‬

‫ان هذه التنظيمات أو القوى كانت تحمل مثل هذه النظرات السلبية ‪ ،‬الا‬
‫ان الصورة كانت واضحة في اذهان القياديين ‪ ،‬الذين تحملوا عناء كبيرا‬
‫لاقناع القواعد بالخطوة الجديدة ‪ .‬وتجدر الاشارة الى أن قيادة حزبنا بذلت‬
‫جهودا متواصلة لتوضيح أهمية قيام الجبهة في منظمات الحزب القاعدية‬

‫وتوضيح مختلف المفاهيم التي يسير الحزب في ضوئها سواء قبل قيام‬
‫منطلقة من ضرورة تجاوز السلبيات والاخطاء التي لامسوغ‬ ‫الجبهة أو بعده‬
‫لها ولا فائدة منها ومن ضرورة تطور نظرة الحزب نحو الامور بما ينسجم‬
‫مع حركة الواقع والتطور‬

‫وبالفعل فقد كان أمر قيام الجبهة يتوضح يوما بعد يوم ‪ ،‬ويعد معطى‬
‫ايجابيا من معطيات مسيرة حزبنا ‪ ،‬استطعنا أن نتمثله ‪ ،‬وان ننجزه في‬

‫‪- ۲۷۹ -‬‬


‫فترة قصيرة بعد قيام الحركة التصحيحية ‪ ،‬وزال ذلك الخوف أو القلق‬
‫الذي انتاب كثيرا من رفاقنا ‪ .‬واخذ كل منا يشعر بأن الجبهة بعد قيامها‬
‫تعد قوة جديدة وهامة يجب دعمها والحفاظ عليها ‪ ،‬وقد كان هناك تصور‬

‫خاطيء عند بعضهم ‪ ،‬الذين كانوا يرون أن الجبهة هي جبهة تخص القوى‬
‫السياسية وتنظيماتها ‪ ،‬في حين اننا حددنا مفهومنا للجبهة منذ البداية بأنها‬
‫لكل شعبنا ‪ ،‬وان كانت في الاساس قد قامت بين القوى الوطنية التقدمية‬
‫التي تشكل نواة الجبهة وقياداتها ‪ .‬ولكن الجبهة في النهاية لا بد أن تتطور‬
‫في صيغها وأساليب عملها لتكون اطارا للعمل الوطني والقومي وفق الاهداف‬
‫التي حددت في الميثاق والتي التزمت كل القوى السياسية بتنفيذها طوعا‬
‫من خلال مؤسسات الجبهة المختلفة ·‬

‫ومما يذكر أن مرحلة الحوار بين القوى السياسية حول اقامة الجبهة ‪،‬‬

‫‪ ،‬وقبل المؤتمر القطري‬ ‫استغرقت فترة تقارب السنة ( منذ ربيع ‪۱۹۷۱‬‬
‫الخامس بقليل ‪ ،‬حتى ‪ ۷‬آذار ‪ ، ۱۹۷۲‬وكانت مرحلة غنية بالحوار‬

‫والاجتماعات التي قامت بها لجنة الجبهة التي شكلت بقرار من الرفيق‬
‫‪-‬‬
‫الامين العام للحزب – رئيس الجمهورية – وقد ضمت ممثلين عن حزبنا‬
‫وممثلين عن القوى السياسية الاخرى ‪ ،‬وكانت نتيجة الحوار اخيرا « ميثاق‬
‫·‬
‫الجبهة » والاتفاق على قيام الجبهة‪.‬‬

‫وقد يخطر على بالنا الآن أن نقول ‪ :‬ان الحوار والوصول الى وضع‬
‫الميثاق استغرقا وقتا طويلا ‪ ،‬لا ضرورة له ‪ ،‬غير اننا نقول ‪ :‬اننا أردنا من‬
‫الحوار الطويل أن تتعرف هذه القوى على بعضها عن كثب ‪ ،‬وان تستفيد‬
‫من مناقشة الافكار بصراحة ‪ ،‬ومن وجهات النظر المختلفة ‪ ،‬وان تقف على‬
‫الحقيقة مباشرة ‪ ،‬وان تزيل كل الملابسات والسلبيات التي كان بعضها‬

‫غائما ‪ ،‬أو انه غير واقعي ‪ ،‬في الوقت الذي يمكن أن نقول ‪ :‬ان كثرة‬
‫اللقاءات والحوار والاجتماعات والمناقشات ‪ ،‬التي أغنت كل هذه القوى ‪،‬‬
‫وبلورت الامور في أذهانها ‪ ،‬ووضعتها أمام مسؤولياتها المباشرة ‪ ،‬قربت هذه‬
‫القوى الى بعضها ‪ ،‬واطلعتها على حقائق الأمور بشكل واضح وصريح مما‬

‫مكنها من اللقاء وتجميع قواها لمجابهة الواقع والتصدي للعقبات التي حالت‬
‫دون المضي نحو اهدافها الكبرى التي تناضل من أجلها‬

‫ولولا هذه اللقاءات والحوار المباشر والصريح ‪ ،‬لكان الأمر غير ما‬

‫‪- ۲۸۰‬‬
‫وصلنا اليه ‪ ،‬اذ اننا لو اتبعنا اسلوب المكاتبات والمذكرات والرسائل‬

‫وناقش كل طرف الامور المطروحة بينه وبين نفسه ومن زاويته الخاصة‬
‫لربما وصلنا الى نتائج قريبة أو بعيدة قد لا تخدم أيا منا ‪ ،‬حتى ولو وصلنا‬
‫الى وضع الميثاق نفسه ‪ .‬واعنى بهذا ان العمل النضالي هو قبل كل شيء‬
‫التزام مبني على قناعة طوعية ‪ ،‬واذا فقد الالتزام هذا المعنى فلا بد من ان‬
‫تكون ردات الفعل سلبية سواء أظهرت الى العلن أم بقيت في السر ‪ .‬ولذلك‬
‫فنحن توخينا من الحوار الطويل المباشر والصريح تكوين قناعات طوعية ‪ ،‬لا‬
‫فرض آراء جهة على أخرى ‪ ،‬وقد بذل ممثلو حزبنا جهودا شاقة حتى‬

‫توصلوا الى تكوين القناعات التي تضمنها الميثاق في اذهان ممثلي القوى‬
‫السياسية الاخرى ‪ ،‬لان التراكمات والترسبات والسلبيات التي مرت بها‬
‫هذه القوى جميعها ‪ ،‬ليس من السهل ازالتها في وقت قصير وبجهود بسيطة ‪.‬‬

‫ميثاق الجبهة‬

‫وقع ممثلو الجبهة التقدمية ميثاق الجبهة واعلنوا‬

‫عن قيامها في ‪ 7‬آذار ‪ ۱۹۷۲‬كما ذكرنا ‪ ،‬ويتضمن الميثاق النقاط الاساسية‬


‫التالية ‪:‬‬

‫‪ - ٢‬المقدمة‬

‫ذكرت المقدمة عرضا تحليليا موجزا للنضال الوطني والقومي الذي‬


‫مر فيه القطر العربي السوري منذ مطلع هذا القرن ‪ .‬ويتركز هذا العرض‬
‫حول التأكيد على أن نهضة العرب الحديثة اتصفت بصفات خاصة بها تجلت‬

‫بتلاحم النضال الوطني بالنضال القومي واندماج معارك التحرر‬


‫السياس‬
‫اسي بمعارك التحرر الاجتماعي ‪ ،‬مما جعل طلائــــــع‬ ‫ي‬
‫الامة العربية تحدد أهدافها ومبادئها » بالوحدة والحرية والاشتراكية » ‪،‬‬
‫وهذه المباديء والاهداف بشر بها ‪ ،‬وأغنى مضمونها ‪ ،‬وأكد تلازمها حزب‬

‫البعث العربي الاشتراكي ‪ ،‬الذي قاد نضال الجماهير العربية في سبيل هذه‬
‫الاهداف ‪ ،‬وصاغها من خلال منطلقاته الفكرية اطارا عاما للثورة العربية‬

‫الشاملة ‪ ،‬لتصبح الآن أهدافا أساسية للحركات التقدمية العربية ‪ ،‬ومنطلقات‬


‫‪.‬‬
‫ثابتة في الفكر السياسي العربي المعاصر‬

‫كما أكدت المقدمة على الدور الكبير لثورة ‪ – ٢٣ -‬تموز في مصر‬


‫‪۲۸۱ -‬‬
‫بقيادة جمال عبد الناصر في ترسيخ هذه الاهداف ‪ ،‬وعلى الدور الهـــــــام‬

‫لتفاعل حركة الثورة العربية مع حركات التحرر العالمية والثورات‬

‫والتجارب الاشتراكية في اغناء مسير ة‬


‫ة هذه االلثثورة ‪ ،‬وتوسيع آفاقها العالمية ‪.‬‬

‫ثم تستعرض المقدمة الاسباب والمسوغات لقيام الجبهة الوطنية‬


‫التقدمية ـ كما ذكرنا من قبل ‪ -‬بقيادة حزب البعث العربي الاشتشراكي‬

‫الذي كان له دور كبير واساسي في حركة النضال العربي ‪ ،‬ولا سيما منذ‬

‫السلطة ‪ .‬وقد جاء ميثاق‬ ‫نشوئه حزبا شعبيا جماهيريا قبل أن يكون في‬

‫الجبهة ليؤكد حقيقة واقعة ‪ ،‬فقال ‪ « :‬ان حزب البعث العربي الاشتراكي‬

‫من خلال الدور التاريخي الكبير الذي لعبه في حركة النضال العربي ‪ ،‬على‬
‫المستوى القطري ‪ ،‬وعلى امتداد الوطن العربي ‪ ،‬ومن واقع تحمله مسؤولية‬
‫قيادة الدولة والمجتمع منذ ثورة الثامن من آذار ‪ ١٩٦٣‬حنى اليوم ‪ ،‬وما‬
‫حققه من انجازات في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية‬
‫هو المؤهل لاخذ موقع القيادة في هذه الجبهة ‪ ،‬ولان يكون الدعامة الاساسية‬
‫في بنائها »‬

‫الاشتراكي للجبهة بتمثيله‬ ‫وتتجسد قيادة حزب البعث العربي‬

‫بالاكثرية في مؤسسات هذه الجبهة جميعها ‪ ،‬وبأن يكون منهاج الحزب‬


‫ومقررات مؤتمراته ‪ ،‬موجها أساسيا لها في رسم سياستها العامة ‪ ،‬وتنفيذ‬
‫خططها » ‪.‬‬

‫وتجدر الاشارة هنا الى ان دستور القطر الذي اقره الشعب‬


‫باستفتائه عليه قد أقر هذه الحقيقة في المادة الثامنة منه فقال ‪ « :‬حزب‬

‫البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ‪ ،‬ويقـود‬


‫جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ‪ ،‬ووضعها‬
‫في خدمة أهداف الامة العربية » ·‬

‫ب ‪ -‬مهمات الجبهة ‪:‬‬

‫حدد الميثاق مهمات الجبهة الوطنية التقدمية على الصعيد الداخلي‬


‫والقومي والدولي ونوجزها فيما يلي ‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪- ٢٨٢ -‬‬
‫اولا ـــ على صعيد القطر ‪:‬‬

‫الجمهورية‬ ‫ان المهمات التي تتصدى الجبهة الوطنية التقدمية في‬

‫السياسة الداخلية يمكن اجمالها بالمهام‬ ‫العربية السورية للقيام بها في‬
‫الاساسية التالية ‪:‬‬

‫‪ -‬ان تحرير الاراضي العربية المحتلة بعد الخامس من حزيران‬

‫هو هدف هذه المرحلة من نضال أمتنا ‪ ،‬وهو يتقدم جميع الاهداف المرحلية‬

‫الاخرى ‪ ،‬وفي ضوء هذا الهدف الكبير يجب أن نرسم خططنا الاقتصادية‬

‫والاجتماعية والثقافية والسياسية والعسكرية على النحو الذي يؤدي الى‬


‫تع‬
‫بئة جميع القوى والطاقات البشرية والمادية وينظم الوحدة الوطنية‬
‫لجماهير الشعب ويعزز صلابة الجبهة الداخلية وصمودها ‪.‬‬

‫‪ – ۲‬اقرار مسائل السلم والحرب ‪.‬‬

‫‪ -‬اقرار الخطط الخمسية ومناقشة السياسة الاقتصادية لتحقيق‬

‫بناء القاعدة الاقتصادية على أساس من التخطيط العلمي الشامل لمرافق‬

‫البلاد وثرواتها وطاقاتها المادية والبشرية كلها ‪ ،‬ولتحقيق التطور السريع‬


‫للقطاع الزراعي باعتباره القطاع الاساسي في بناء اقتصادنا الوطني ‪ ،‬وذلك‬
‫بدعم الحركة التعاونية وتطويرها ‪ ،‬وباستعمال الالة في الزراعة ‪ ،‬وبالتوسع‬
‫في الصناعات التحويلية الزراعية ‪ ،‬وايجاد المشاريع الانمائية الممكنة‬
‫وتنفيذها ‪ ،‬واقامة نظام توفير حازم ‪ ،‬واستثارة حمية الشعب تحت شعار‬
‫اقتصاد الحرب ‪ ،‬والارتفاع بكفاءة القطاع العام ليؤدي دوره في قيادة عمليات‬

‫الانتاج وقيادة القطاعين الخاص والمشترك ‪ ،‬ووضع سياسة انتاجية موحدة‬


‫للدولة ‪ ،‬وبذل العناية بالقطاع العام التجاري ليتجاوب مع الحاجات‬
‫الاساسية للاقتصاد ‪ ،‬والاستفادة من الرأسمال الوطني غير المستغل لتغذية‬
‫الاقتصاد والاسهام في الانتاج العام ‪ ،‬ومكافحة الاحتكار والاستغلال ‪،‬‬
‫وتحقيق الاكتفاء الذاتي في المواد التموينية وتأمين المواد الاستهلاكية‬
‫المخزون اللازم للمعركة وظروف‬ ‫وتأمين‬ ‫‪،‬‬ ‫الشعب‬ ‫الضرورية لجماهير‬
‫الحرب ‪ .‬كل ذلك في اطار الالتزام باستمرار السير في بناء النظام الاشتراكي‬
‫على أسس علمية تنسجم مع واقعنا ومرحلة التطور التي يمر بها مجتمعنا‬

‫‪- ۲۸۳ -‬‬


‫‪ -‬رسم خطط التثقيف القومي الاشتراكي وقيادة التوجيه السياسي‬
‫العام ‪ ،‬بما يؤمن خلق رأي عام موحد ويسهم في تكوين المواطن ثقافيا‬
‫واجتماعيا وسياسيا ونضاليا ‪ ،‬لتكوين المواطن العربي القومي الاشتراكي‬
‫المهيأ ماديا ومعنويا لتحمل أعباء النضال من اجل معركة التحرير ‪ ،‬وبناء‬
‫‪.‬‬
‫المجتمع العربي الاشتراكي الموحد‬

‫ه ‪ -‬العمل على استكمال بناء النظام الديمقراطي الشعبي ومؤسساته‬


‫الدستورية ومجالسه المحلية على اساس تحقيق السيادة الكاملة للشعب ‪،‬‬
‫والعمل على حشد الطاقات والكفاءات العلمية والادارية والنضالية جميعها ‪،‬‬

‫ووضعها في خدمة الثورة واهدافها القومية الاشتراكية‬

‫‪ ٦‬ـ متابعة استكمال البناء الديموقراطي للمنظمات الشعبية والمهنية‬


‫وتوفير كل وسيلة ممكنة لهذه المنظمات لتقوم بدورها الاساسي في قيادة‬
‫التحويل الاشتراكي ‪ ،‬وتحقيق الرقابة الشعبية على مختلف اجهزة السلطة‬

‫التنفيذية ‪ ،‬ولتوسيع قاعدة هذه المنظمات بحيث يلتف حولها وينتظم في‬
‫صفوفها أكبر عدد ممكن من الجماهير ·‬

‫‪-‬‬
‫ان القوات المسلحة هي العماد الاساسي للدفاع عن أرض‬
‫الوطن وحماية نظامنا الوطني التقدمي ومكتسبات جماهير شعبناء والتصدي‬
‫لمعركة التحرير ‪ ،‬ولذلك يجب العمل على توفير الطاقات والكفاءات الوطنية‬
‫والقتالية كلها من اجل تطويرها ورفع قدراتها الى اقصى ما تسمح به‬
‫مواردنا وطاقات شعبنا ‪ .‬كما يجب ان ينتفي أي صراع أو تناحر في مجال‬
‫الجيش والقوات المسلحة بوجه خاص ‪ .‬لذلك فان الاطراف غير البعثية في‬
‫الجبهة تتعهد بالا تقوم باي تنظيم او نشاط حزبي او تكلي داخل الجيش‬
‫والقوات المسلحة ‪.‬‬

‫وسنعمل جميعا بكل وسيلة ممكنة على وضع الشعب في حالة يقظة‬
‫دائمة ‪ .‬واعداد متواصل ‪ ،‬ليحمي المقاتلين ‪ .‬ويدعم صمودهم ‪ .‬ويسهم‬

‫بدوره في عمليات الدفاع المدني والشعبي على اوسع نطاق ‪ .‬وذلك عن‬
‫طريق تطوير الجيش الشعبي ودعمه بما يحقق تلك الاهداف •‬

‫‪ -‬العمل الدائب من اجل الوصول بالحوار الايجابي ‪ .‬والتفاعل‬


‫الجماهيري الحي داخل اطار الجبهة الى التنظيم السياسي الموحد‬

‫‪-YAE-‬‬
‫ـ ان الطلاب ‪ ،‬وهم جيل المستقبل الذي يتكون بالمعرفة والتوجيه‬

‫بحاجة ماسة لان يحاطوا بأحسن الشروط التي تهيء لوحدة ارادتهم‬

‫واتجاهاتهم ‪ .‬ولتحقيق ذلك لا بد أن ينتهي التنافس الحزبي عليهم ‪ .‬ولذلك‬

‫أيضا فان الجبهة ترى في وحدة هذا القطاع نقطة الانطلاق نحو وحدة قاعدة‬
‫العمل السياسي ووحدة أداة الثورة ‪.‬‬

‫لهذا كله ولتحاشي قيام أي نوع من أنواع التنازع بين الطلبة في ظل‬

‫الجبهة ‪ ،‬ومن اجل خلق الجو الايجابي الملائم لوحدة التوجيه ‪ ،‬وبالتالي‬
‫وحدة القاعدة والاداة ‪ ،‬فان اطراف الجبهة من غير حزب البعث العربي‬

‫الاشتراكي تتعهد ان تعمل على وقف نشاطاتها التنظيمية والتوجيهية في‬

‫هذا القطاع ‪ ،‬بادئة بايقاف امتدادها وتنسيبها منه ‪.‬‬

‫‪ - ۱۰‬ان المهمة المباشرة لقيادة الجبهة هي وضع منهاج مرحلي جديد‬

‫يكون اطارا مستوعبا للبرامج التفصيلية التي اشرنا اليها ومحيطا بآفاق‬
‫•‬
‫المستقبل ‪ ،‬الذي تتطلع اليه جماهير شعبنا المكافحة‬

‫ثانيا ‪-‬‬
‫على الصعيد القومي ‪:‬‬

‫ان الايمان بوحدة المصير ووحدة التراب ووحدة التاريخ ‪ ،‬والانطلاق‬

‫من أهداف واحدة هي الوحدة والحرية والاشتراكية ‪ .‬يحتمان على الجبهة‬


‫الوطنية التقدمية في الجمهورية العربية السورية ان تلتزم في سياستها‬
‫القومية العربية بالمبادىء الاساسية التالية ‪:‬‬

‫‪-‬‬
‫العربي ‪ .‬وتطلع الجماهير الى الوحدة هما‬ ‫ان وحدة المصير‬
‫الاطار الطبيعي لبناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد المتحرر من‬
‫الاستعمار والاستغلال والتخلف ‪ ،‬والقادر على التصدي لتحديات العصر‬
‫والاسهام في صنع التقدم البشري والحضارة الانسانية‬

‫ولذلك فان السياسة العربية للجبهة تقوم على اساس تحقیق خطوات‬
‫وحدوية في ضوء الواقع العربي الراهن ‪ ،‬مستفيدة من التجارب السابقة‬
‫واخذة بعين الاعتبار ‪:‬‬

‫‪-‬‬
‫‪- YAO-‬‬
‫‪ ٢‬ـ ان الوحدة العربية لا يمكن أن تأتي الا تعبيرا عن ارادة حرة‬

‫لشعوب حرة ‪ ،‬ولذلك فان الوحدة التي تناضل الجبهة من اجلها هي الوحدة‬
‫التي تقوم بين اقطار عربية متحررة من السيطرة الاجنبية ‪ ،‬وتناضل ضد‬

‫الاستعمار والصهيونية ‪ ،‬وهي الوحدة التي تقوم بين نظم عربية تقدمية‬

‫تؤمن بتلازم النضال القومي والاشتراكي مبدأ وطريقا لبناء الدولة‬

‫والمجتمع‬

‫ب ـــ ان مواجهة ظروف المرحلة الخطيرة التي تمر بها امتنا ‪ ،‬ولا سيما‬

‫بعد عدوان حزيران ‪ ،‬تقتضي تدعيم كل خطوة وحدوية في سبيل المعركة‬

‫ولذلك فان الجبهة تعمل لدعم دولة اتحاد الجمهوريات العربية وتوطيدها‬
‫باعتبارها الاداة الرئيسية للامة العربية في معركة التحرير ‪ .‬وتناضل من‬

‫اجل تعميق هذه الوحدة وتطويرها لكي تكون نواة للوحدة العربية الشاملة‬
‫•‬
‫واقامة المجتمع العربي الاشتراكي الموحد‬

‫‪ ۲‬ـ تؤمن الجبهة بضرورة تحقيق تعاون عربي جدي في جــم‬


‫المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية ‪ .‬وفي كل ما يخدم‬
‫اهداف امتنا المرحلية والاستراتيجية ‪.‬‬

‫ـ الثروة البترولية في الوطن العربي لا يمكن أن تكون مسألة قطرية‬


‫تعالج من خلال واقع التجزئة ‪ .‬بل هي قضية قومية لانها ترتبط بحرية الوطن‬
‫الكبرى في فلسطين ‪ .‬لذلك فان الجبهة ترفض عزل‬ ‫العربي ‪ .‬وبقضيته‬
‫مسألة البترول عن الاهداف القومية للامة العربية ‪ .‬وتلتزم بالنضال من‬

‫اجل استخدام هذه القوة الاقتصادية الكبيرة في معركة التحرير ضد‬


‫الاستعمار والصهيونية‬

‫ـ ان وحدة القوى الوطنية التقدمية العربية هـدف استراتيجي‬


‫المجتمع العربي ‪ .‬وتفرضه الظروف‬ ‫يرتكز على التحليل العلمي لتطور‬
‫العربي ‪ .‬لذلك فان الجبهة اذ تؤمن بهذا الهدف ترى‬ ‫الموضوعية للنضال‬

‫ضرورة العمل على تحقيق امتن أنواع التعاون والارتباط بين هذه القوى‬
‫بغية قيام جبهة قومية تقدمية تكون السبيل الى اقامة الحركة العربية‬
‫الواحدة‬

‫‪- ٢٨٦ -‬‬


‫ه ــ ان السياسة العربية للجبهة المؤمنة بوحدة تراب الوطن العربي ‪.‬‬

‫تقاوم بدون تحفظ وفي مختلف المجالات جميع الحركات الانفصالية ‪ ،‬ونرى‬

‫ان كل محاولة لاثارة التفرقة العنصرية أو الدينية أو الاقليمية بين مواطني‬


‫اسلحة‬
‫الوطن العربي هي أسلوب من أساليب الاستعمار ‪ ،‬وسلاح من‬
‫·‬
‫الرجعية لمنع تقدم شعبنا وتمزيق وحدته‬

‫•‬
‫‪ - ٦‬ان القضية الفلسطينية هي قضيتنا المصيرية في هذا العصر‬
‫ولذلك فان سياسة الجبهة تجاه القضية الفلسطينية تقوم على الاسس‬
‫التالية ‪:‬‬

‫‪ -‬حشد الامكانيات والطاقات والجهود كلها من أجل معركة‬ ‫آ‬

‫التحرير ‪ ،‬وتحديد علاقاتنا وتعاوننا مع الدول العربية في ضوء ما تقدمه هذه‬


‫الدول لقضية التحرير وللقضية الفلسطينية‬

‫ب ‪ -‬ان الحقوق القومية للشعب العربي الفلسطيني في ارضه ووطنه‬


‫حقوق مقدسة لا يجوز التفريط فيها ولا المساومة عليها •‬

‫ج ‪-‬‬
‫لا صلح ولا تفاوض مع الدولة الصهيونية ولا تنازل عن أي شبر‬
‫من الاراضي العربية المحتلة ‪.‬‬

‫د ـ دعم المقاومة الفلسطينية دعما كاملا ‪ .‬باعتبارها فصيلا من‬

‫من فصائل حركة التحرير العربية ‪ .‬والالتزام بمبدا مد يد العون لها‬


‫و التعاون معها والعمل من اجل وحدتها ‪ .‬وحمايتها من التآمر عليها ‪ .‬واناحة‬
‫على أن يتم كل ذلك فيما يعزز ويخدم استراتيجية‬ ‫‪.‬‬ ‫حرية الحركة لها‬
‫النضال العربي‬

‫ثالثا ‪ :‬على الصعيد الدولي ‪:‬‬

‫انطلاقا من الايمان العميق بأن حركة التحرر العربي جزء لا يتجزا‬

‫من حركة التحرر العالمية ‪ .‬فان الجبهة الوطنية التقدمية في الجمهورية‬


‫العربية السورية تعلن التزامها في سياستها الدولية بالمبادىء والاسس‬
‫التالية ‪:‬‬

‫‪- ۲۸۷ --‬‬


‫‪-‬‬
‫‪ - ۱‬النضال ضد الصهيونية العالمية وصنيعتها اسرائيل باعتبارها‬

‫العدو الاول والمباشر لامتنا العربية وان التناقض الرئيسي في هذه المرحلة‬
‫هو بين أمتنا من جهة وبين الصهيونية واسرائيل والامبريالية العالمية من‬
‫جهة أخرى ‪.‬‬

‫‪ - ٢‬العمل على تحقيق أوثق صلات التعاون والصداقة مع الدول‬

‫الاشتراكية ولا سيما الاتحاد السوفييتي بما يخدم النضال المشترك على‬
‫طريق التحرير وبناء الاشتراكية‬

‫‪ -‬توسيع علاقاتنا بالشعوب والدول الاسلامية ودول العالم‬ ‫–‬


‫تلك‬
‫الثالث وتعزيزها بما يخدم قضايانا القومية واهدافنا المشتركة مع‬
‫الشعوب‬

‫‪ -‬الاستفادة من المواقف الايجابية لدول أوربا الغربية ولجميع دول‬


‫{ ـ‬

‫العالم ‪ ،‬وتطوير علاقاتنا مع هذه الدول بما يخدم تطوير مواقفها من‬
‫قضايانا القومية ‪ ،‬ولا سيما قضية فلسطين ومعركة التحرير‬

‫ه ‪ -‬اقامة اوثق العلاقات مع الحركات التقدمية في العالم ‪ ،‬ومع‬


‫حركات التحرر الوطني ‪ .‬وتقديم كل دعم ممكن لها ‪ ،‬والتوجه الى الرأى‬
‫العام العالمي لدعم قضاياها العادلة ‪ .‬وشجب جميع الاعمال والتحركات‬

‫الامبريالية العدوانية ضد الشعوب الطامحة الى التحرر الوطني والتقدم‬

‫الاجتماعي ‪ ،‬والوقوف بحزم ضد جميع اشكال التمييز العنصري ‪ .‬والعمل‬

‫الجاد لكي تأخذ المنظمات الدولية دورا فعالا في خدمة تقدم الشعوب وفي‬

‫خدمة السلام القائم على العدل ‪ .‬ذلك لان شعبنا العربي يطمح الى الحرية‬

‫والسلام ‪ .‬وهو اذ يقف اليوم في خط النار ‪ .‬فانه يقاتل دفاعا عن وطنه‬


‫ومقدساته ‪ .‬ودفاعا عن الشعوب المضطهدة في العالم كله •‬

‫‪ -‬خاتمة ‪:‬‬
‫جـ ــ‬

‫تؤكد الخاتمة على وجوب تحقيق الوحدة الوطنية لابناء شعبنا من‬

‫خلال اقامة الجبهة ‪ ،‬وان تكون هذه التجربة نموذجا يحتذى به في الوطن‬

‫‪- - ۲۸۸ -‬‬


‫‪-‬‬
‫العربي بغية الوصول الى اقامة الحركة العربية الواحدة من اجل تحقيق‬
‫اهداف الامة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية •‬

‫مؤسسات الجبهة‬

‫تتألف مؤسسات الجبهة كما حددها نظامها الاساسي من ‪:‬‬

‫‪ - ١‬القيادة المركزية للجبهة •‬

‫‪ - ٢‬القيادات الفرعية في المحافظات‬

‫‪ -‬المكاتب واللجان •‬

‫وقد اوضح النظام الاساسي نفسه طريقة تكوين وصلاحيات ومهام‬

‫هذه المؤسسات في موادها المختلفة ونجملها كما يلي ‪:‬‬

‫تتشكل القيادة المركزية للجبهة من رئيس ومن سبعة عشر عضوا‬

‫تسعة منهم يمثلون حزب البعث العربي الاشتراكي وثمانية منهم يمثلون بقية‬
‫اطراف الجبهة بنسبة ممثلين لكل طرف •‬

‫‪ -‬ورئيس الجبهة هو رئيس الجمهورية العربية السورية الامين‬

‫العام لحزب البعث العربي الاشتراكي‬

‫‪ -‬اما القيادات التنظيمية لاطراف الجبهة ‪ ،‬فلها ممثلوها في القيادة‬

‫المركزية للجبهة وكذلك في الفروع ويصدر قرار بتشكيل هذه القيادات من‬
‫رئيس الجبهة‬

‫‪ -‬وتتشكل في مراكز المحافظات بقرار من القيادة المركزية للجبهة‬

‫قيادات فرعية وتسمى من ممثلين عن أطراف الجبهة ومن عناصر أخرى‬

‫تمثل قوى أو اتجاهات وطنية تقدمية ‪ .‬كما تشكل في المراكز او في الفروع‬

‫القيادة المركزية ‪ .‬المكاتب واللجان التي تراها القيادة لازمة‬ ‫وبقرار من‬
‫لممارسة نشاطاتها المختلفة ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪- ۲۸۹ -‬‬
‫صلاحيات الجبهة‬

‫‪ ۲‬ـ رئيس الجبهة ‪:‬‬

‫‪-‬‬
‫يمارس رئيس الجبهة المهام والصلاحيات التالية ‪:‬‬

‫‪ - ۱‬يرأس الاجتماعات الدورية والاستثنائية للقيادة المركزية ويدعو‬


‫•‬
‫لجلساتها ويدير اجتماعاتها ويضع جدول أعمال الجلسات‬

‫‪ -‬يشرف على تنفيذ قرارات القيادة المركزية ونشاطات قيادات‬ ‫‪ ۲‬ـ‬


‫الفروع والمكاتب واللجان ·‬

‫•‬
‫ـ هو الناطق الرسمي باسم الجبهة والموقع لقراراتها وبياناتها‬

‫{ ـ يشرف على تطبيق احكام الميثاق والنظام الاساسي وهو المرجع‬


‫في تفسير النصوص عندما يقع اشكال أو اختلاف في التفسير بين اطراف‬
‫الجبهة‬

‫‪ -‬يوقع أوامر الصرف والنفقات في الحدود التي تقررها القيادة‬


‫ه ـ‬
‫المركزية ‪.‬‬

‫‪.‬‬
‫‪ ٦‬ـ يحتفظ بسجل وقائع جلسات القيادة المركزية ووثائقها‬

‫ويحق لرئيس الجبهة أن ينيب عنه بقرار منه ‪ ،‬احد اعضاء القيادة‬
‫المركزية للقيام بمهماته أو بعض منها ·‬

‫ويكون لرئيس الجبهة امانة سر تقوم بالاعمال الادارية التي يكلفها‬


‫بها ‪ ،‬وتسمى عناصرها ‪ ،‬وتحدد مهماتها بقرار منه ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬القيادة المركزية ‪:‬‬

‫وتقوم بالمهام التالية ‪:‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪ - ۱‬وضع الميثاق موضع التطبيق‬

‫‪ -‬وضع الخطط المرحلية والبعيدة المدى لعمل الجبهة وتنسيق‬


‫‪– ۲‬‬
‫النشاط السياسي والشعبي بين اطرافها ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪- ۲۹۰ ۰-‬‬
‫ـ تسمية القيادات الفرعية للجبهة في المحافظات و اقرار نظام عملها‬
‫و اجتماعاتها وتوجيه نشاطاتها ‪.‬‬

‫― تشكيل المكاتب واللجان اللازمة لممارسة مهامها ووضع نظام‬ ‫{‬


‫عملها و اجتماعاتها‬

‫ه ‪ -‬وضع ميزانية الجبهة ووسائل تمويلها واوجه انفاقها ·‬

‫‪ -‬القيادات الفرعية والمكاتب ‪:‬‬

‫‪ -‬تنحصر مهمات القيادات الفرعية و المكاتب واللجان بتنفيذ قرارات‬

‫وتعليمات القيادة المركزية للجبهة ‪ .‬وتمارس أعمالها ونشاطاتها في الحدود‬


‫التي ترسمها لها‬

‫د ـ هذا وقد اتاح النظام الاساسي للقيادة المركزية للجبهة وبقرار‬


‫منها ان تضم اليها ‪ .‬في المركز أو الفروع اطرافا جديدة ‪ .‬أو عناصر من خلال‬
‫التزام تلك الاطراف والعناصر بميثاق الجبهة ونظامها الاساسي ‪ .‬كما اتاح‬
‫لها فصل اي طرف أو عنصر يخرج على ميثاق الجبهة ونظامها الاساسي‬
‫وقراراتها‬

‫اهمية الجبهة ومكانتها في مسيرة نضالنا‬

‫بعد اعلان الميثاق والنظام الاساسي للجبهة تشكلت القيادة المركزية‬

‫للجبهة وقياداتها الفرعية في المحافظات ومكاتبها المختلفة وبدأت الجبهة تعمل‬


‫بخطى وئيدة الا انها خطوات ثابتة وراسخة ‪ .‬ودخلت الجبهة في تجارب‬
‫انتخابات الادارة المحلية وانتخابات مجلس الشعب الاخيرة‬ ‫عملية في‬
‫اضافة الى انتخابات قطاعات شعبية ومهنية عدة ‪ .‬وان كانت التجربة لم‬
‫تخل من سلبيات وردود فعل على مستويات ضيقة ومحلية هنا أو هناك الا‬

‫ان حجمها بقي محدودا وبقي الطابع العام يتسم بالايجابية وكانت النتائج‬
‫جيدة ومتطورة ‪.‬‬

‫ولا بد من الاشارة الى ان السلبيات التي عانى منها التعاون في‬


‫المرحلة الاولى من عمل الجبهة تعود لاسباب ذاتية وموضوعية تجابه هذه‬

‫‪- ۲۹۱ -‬‬


‫القوى وتتحكم بعلاقتها فيما بينها وبالظروف المحيطة بعملها ونستطيع إن‬
‫نحدد ملامح لهذه الاسباب فيما يلي ‪:‬‬

‫‪ - ۱‬ان بعض القوى تضم في عضويتها خليطا غير متجانس من حيث‬

‫انسجامه الفكري وواقعه التنظيمي ‪ ،‬وفهمه للجبهة ‪ ،‬مما عرض العديد‬


‫من القوى الى انقسامات كان موضوع الجبهة سببا من أسبابها ‪ ،‬وبرزت‬
‫تبعا لذلك ‪ ،‬تيارات سلبية في هذه القوة أو تلك واتخذت سلوكا مجمدا أو‬
‫معطلا أو معرقلا لعمل الجبهة ‪.‬‬

‫‪ -‬ان عناصر بعض القوى كانت تنظر الى الجبهة بأنها طريق‬
‫‪ ۲‬ـ‬
‫لتحقيق مكاسب لنفسها ‪ ،‬وتثقف اعضاءها باتجاه ان تعاملها مؤقت ‪ ،‬وانها‬

‫في النهاية ستكون البديل للحزب ‪ ،‬وقد أدى بها سلوكها لأن تصل الى مواقع‬
‫سلبية من الجبهة والمسيرة ‪ ،‬وتصبح خارج الجبهة‬

‫‪ -‬ان الانقسامات التي برزت بين صفوف اكثر من قوة من قوى‬


‫الجبهة ‪ ،‬اثرت على العلاقات بين قوى الجبهة واورثت العمل الجبهوي‬
‫بعض العقبات ·‬

‫ـذه‬
‫‪ -‬ان القوى المعادية لمسيرة شعبنا التي هالها نجاح هـ‬
‫التجربة ‪ ،‬بدأت تعمل وتتحرك لتشكك بالعمل الجبهوي وتثير التناقضات‬
‫بين قواها ‪ ،‬مستغلة بعض السلبيات والامزجة لدى هذه القوة أو تلك ‪،‬‬
‫لانشال الجبهة واعاقتها •‬

‫ه ـ ان وقوع بعض الاخطاء وبروز حساسيات بين افراد من قوى‬


‫مختلفة ناجمة عن الامزجة وعدم استيعاب الظروف الجديدة والتأثر‬

‫بسلبيات الماضي ‪ ،‬جعل التعاون يتعثر احيانا والعمل يفتر احيانا اخرى‬

‫‪ ٦‬ـ ان الجهود التي يبذلها الحزب من أجل الجبهة لا بد من تطويرها‬


‫لتلبي مطامحنا أكثر واكثر ‪ ،‬وان القناعة بالجبهة تزداد رسوخا ويتعاظم‬
‫في الوقت نفسه خماس الحزبيين لها ‪ ،‬وايمانهم بضرورة تعزيزها وتطويرها ‪،‬‬
‫ولا سيما بعد ان لمسو انها كانت خطوة هامة ‪ ،‬لم تضعف الحزب ‪ ،‬وانما‬
‫زادته قوة ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪- ۲۹۲ -‬‬
‫تـالية‬
‫للي‬
‫اتا‬
‫و كمحصلة لا بد من تأكيد الحقائق ال‬

‫‪T‬‬
‫‪ - ٢‬الجبهة الوطنية التقدمية بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي‬

‫منطلق استراتيجي ينطلق من الالتزام بتحقيق التفاعل والتعاون بين القوى‬


‫الوطنية التقدمية بحيث يصل بالنهاية الى تحقيق التلاحم الكامل والوصول‬
‫الى صيغة تنظيم سياسي موحد ‪.‬‬

‫‪ -‬الجبهة تقوم بين قوى و اطراف تلاقت ارادتها واهدافها حول‬

‫شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية ‪ .‬التي تمثل تطلعات شعبنا وتجسد‬


‫آماله ‪ .‬وان هذا اللقاء تم حول الاهداف الكبيرة والاساسية رغم وجود‬
‫فوارق وخلافات حول امور جزئية ‪ .‬وان اختيار التعاون من خلال اللقاء‬

‫هو تغليب للعوامل الايجابية على العوامل السلبية التي جعلت من هذه‬
‫القوى الملتقية بأهدافها والمختلفة في تكوينها واسلوب عملها تعتبر الجبهة‬
‫منطلقا لتوحيد جهودها واسلوب عملها وتقليص الفوارق وتجـ‬
‫الخلافات فيما بينها‬

‫‪ -‬ان قيام الجبهة يشكل معطى ايجابيا في نضال شعبنا في هذه‬


‫كل السلبيات‬
‫المرحلة ‪ .‬يجب تمثله والمحافظة عليه ‪ .‬وتطويره رغم كـ‬
‫والمعوقات‬

‫د ـ بمقدار ما ستقطع الجبهة من خطوات على طريق تعزيـــــــــــــز‬


‫الوحدة الوطنية ‪ .‬وتمتين الجبهة الداخلية لشعبنا ‪ .‬سيزداد تحـــــــرك‬

‫القوى المعادية لوضع العراقيل واثارة التناقضات وخلق اجواء وظروف‬


‫تعيق العمل الجبهوي وتجمده •‬

‫‪ -‬الجبهة ليست عاملا من عوامل تعزيز الوحدة الوطنيـ‬


‫هـ ـ‬

‫لجماهير شعبنا في القطر فحسب ‪ .‬وانما هي خطوة على طريق توحيــــــــــد‬


‫الفصائل التقدمية ‪ .‬وتعزيز التعاون واللقاء والتفاعل بين القوى التقدمية‬

‫العربية على امتداد الوطن العربي من أجل تحقيق جبهة قومية تقدمية تكون‬
‫السبيل لتوحيد أداة الثورة العربية‬

‫و‪ -‬الجبهة عامل هام لاذكاء روح التضحية والفداء ‪ ،‬وزج طاقات‬
‫الشعب كلها في معارك التحرير والبناء الداخلي‬

‫‪-‬‬
‫‪- ۲۹۳ -‬‬
‫وتجدر الاشارة الى ان الجبهة هي جبهة لجماهير شعبنا أولا واخيرا ‪،‬‬
‫وقد كان الحزب أول المناضلين من أجل تحقيقها وبدونه لم يكن من الممكن‬
‫قيامها ‪-‬‬
‫وعلينا باستمرار ان ‪ -‬نؤكد على اهميتها ونوليها ما تستحقه من‬

‫الاهتمام ‪ ،‬وان نبذل مزيدا من الجهود لنجاحها وتطوير عملها ‪ ،‬بما يخدم‬
‫نضالنا من أجل تحقيق اهدافنا الاستراتيجية المرحلية والبعيدة‬

‫ويمكن القول ان الجبهة الوطنية التقدمية لم تصبح تنظيما حتى‬


‫الآن ‪ ،‬بل هي اطار للعمل السياسي من خلال المنظمات التي ذكرناها ‪ ،‬ومن‬
‫خلال امكان توسع هذه المنظمات المرتبطة بشكل متسلسل بالقيادة المركزية‬
‫للجبهة الوطنية التقدمية‬

‫ولا بد من الاشارة بأن الحزب لم يرغب باقامة الجبهة ووضع ميثاقها‬


‫لتكون جبهة للقوى السياسية الداخلة فيها فحسب ‪ ،‬بل لتكون جبهة لكل‬
‫جماهير الشعب ‪ ،‬ولذلك أكد دستور القطر على وجوب تطوير صيغتها‬

‫وفق الظروف التي تتطلب ذلك لتحقيق خدمة أوسع لكل جماهير الشعب ‪،‬‬
‫ولتكون خطوة اساسية نحو تعزيز الوحدة الوطنية ‪ .‬وهذا العمل يتطلب‬
‫جهدا كبيرا وزمنا طويلا •‬

‫وهي ولا شك في وضعها الراهن ‪ ،‬تمثل بقواها السياسة نواة وقوة‬


‫طليعية من الشعب ‪ ،‬تستطيع ان تقود نضاله المستمر نحو اهداف محددة ‪،‬‬
‫ولا بد لجماهير الشعب من ان ترتبط بها بشكل أو بآخر وان تلتف حولها‬

‫وفق صيغ عمل معينة ‪ ،‬واذا كان الميثاق لم يحدد هذه الصيغ ‪ ،‬فانه ترك‬
‫ذلك للمرونة وللظروف المرحلية ‪ ،‬وللتطور ‪ .‬ولذلك فقد سمع النظام‬

‫الاساسي ) وهو جزء من الميثاق » للقيادة المركزية للجبهة ان تضيف الى‬


‫عضويتها اطرافا جديدة أو عناصر ‪ ،‬من خلال التزام تلك الاطراف والعناصر‬
‫ـل‬
‫بميثاق الجبهة ونظامها الاساسي ‪ .‬وهذا يعتبر مرونة في امكان تمثيـ‬
‫قطاعات أوسع وأوسع ‪ ،‬وهذا لا يعني ان من لا يمثل حزبا لا تقبل‬
‫عضويته او ضمه الى الجبهة ‪ .‬لكن الذي نعنيه هو الا تكون هناك طاقة‬

‫وطنية خارجة من اطار العمل الوطني ‪ ،‬بل يجب ان تتوحد كل القـــــــــوى‬


‫·‬
‫الوطنية في طريق نضالي واحد ‪ ،‬تمثل الشعب كله ‪ ،‬وتعمل من اجله‬
‫وحينما تكون الجبهة لكل الشعب يمكن ان تصبح تنظيما له ‪ ،‬ينتســــــب‬
‫اليه الافراد والمواطنون للعمل من خلاله حينما لا يرغبون الانتساب الى‬

‫‪-‬‬
‫‪- ٢٩٤ -‬‬
‫هذا الحزب أو ذاك وحين تكون الاحزاب لا تقبل كل راغب بالانتساب اليها‬
‫الا وفق شروط محددة كما يدل على ذلك واقع حزبنا الذي يرى انه ليس‬

‫من الضروري قبول كل طالب انتساب اليه ما لم تتوافر فيه شروط الانتساب‬
‫‪...‬‬
‫التي تتفق مع مبادىء الحزب ‪ ،‬واهدافه ونظامه الداخلي‬
‫وهكذا يصبح بالامكان الاستفادة من كل الطاقات الايجابية التي‬
‫‪.‬‬
‫نحتاجها ‪ ،‬ونتلافى السلبيات التي قد توجد عند افراد او مجموعات‬

‫لقد اكد المؤتمر القطري الخامس الاستثنائي على متابعة العمـــــل‬


‫ومضاعفة الجهد لايجاد الاسلوب الذي يساعد على تطوير الجبهة الحالية‬
‫باتجاه استيعاب كل الطاقات الجماهيرية من خلال اطار منظم ‪ .‬وقد جاء‬

‫في مقرراته ما يلي ‪:‬‬

‫‪ - ۱‬تمارس قيادات الجبهة الوطنية التقدمية مسؤولياتها وصلاحياتها‬


‫وفق ما نص عليه ميثاقها ·‬

‫‪ - ٢‬العمل على تعزيز الثقة بين قوى الجبهة ‪ -‬قيادات ـ وقواعد‪-‬‬


‫·‬
‫ووضع برامج العمل الكفيلة بتحقيق مزيد من التفاعل بينها‬

‫ومما يبعث على الفخر والاعتزاز انها تعتبر النموذج الأول الذي‬
‫تحقق على أرض الواقع في قطرنا العربي السوري ‪ ،‬بشكل واضح وراسخ‬
‫وهي لهذا تشكل منعطفا هاما في تاريخ النضال الوطني والقومي ستكون له‬
‫نتائجه و آثاره الايجابية على مستقبل النضال العربي بأسره ‪ .‬وهي تؤكد‬
‫أكثر فأكثر الدور الطليعي الذي يقوم به حزبنا وقطرنا ‪ .‬ليس على صعيـــد‬
‫الوطن العربي فحسب ‪ ،‬ولكن على صعيد العالم الثالث ايضا وعلــــــــــى‬

‫صعيـــــــــد مجمل الكفاح التحرري الذي تخوضه جميع الشعوب‬


‫من اجل المستقبل السعيد الذي تتطلع اليه ‪ ،‬بعيدا عن كل اشكـــــــــال‬
‫الظلم والعدوان ‪.‬‬

‫الجبهة طريق لتوحيد اداة الثورة‬

‫من المعروف ان حركات واحزابا وطنية وتقدمية متعددة تشكلت في‬

‫الوطن العربي نتيجة الظروف الموضوعية التي مر ويمر بها ‪ ،‬وقد كانــت‬
‫نشأتها مرتبطة بظروف تطور هذا القطر العربي أو ذاك وبالمهمات والاهداف‬

‫‪- ٢٩٥ -‬‬


‫النضالية التي واجهها ويواجهها ‪ .‬وقد كان حزبنا منذ نشأتــــــــه مدركــــا‬
‫الضرورة المصيرية لوحدة النضال العربي انطلاقا من ايمانه بوحــــــــــــــدة‬
‫القضية العربية ‪ ،‬ووحدة اهدافها ووحدة مصيرها ‪ ،‬وقد عبرت عن ذلك‬
‫وجسدته منطلقاته المبدئية النظرية والتنظيمية ‪ .‬كما عبرت عن ذلك‬
‫ممارساته العملية ونضاله من أجل تحقيق شعار وحدة الحركة القومية‬
‫العربية ووحدة القيادات الثورية لتكون أداة حقيقية لنضال مشترك تقوده‬

‫قوى الثورة العربية على طريق التحرر والتقدم وتحقيق الوحدة العربية‬
‫وبناء الاشتراكية ‪ .‬وان الحزب عندما طرح ويطرح هذا الشعار ‪ ،‬أي‬
‫شعار وحدة اداة الثورة العربية ‪ ،‬وقيام الحركة العربية الواحدة ويؤكد عليه‬
‫فانه بطبيعة الحال يدرك واقع ان هذه الحركات والاحزاب التقدمي‬
‫العربية المتعددة التي نشأت نتيجة ظروف موضوعية ويوجد بينها فروق‬
‫و اختلافات فكرية وتنظيمية وسياسية ‪ .‬ليس من السهولة الوصول الى‬

‫توحيدها في حركة واحدة ‪ ،‬ولا يتحقق ذلك بمجرد طرح الشعارات ‪ ،‬ولا‬
‫بمجرد وجود النوايا والرغبات ‪ ،‬ولكن بالدرجة الأولى ‪ ،‬بايجاد الاساس‬
‫ــذا‬
‫الموضوعي ‪ ،‬والطريق الصحيح المؤدي الى تحقيق وحدتها ‪ .‬و‬
‫الاساس الموضوعي وهذا الطريق الصحيح تساعد على ايجاده ‪ ،‬وحـــدة‬
‫المصالح والاهداف الاساسية التي تعبر عنها هذه الاحزاب والحركات‬
‫والتي تجعل من التناقضات والاختلافات الموجودة بينها تناقضات ثانوية ‪،‬‬
‫والتي تستدعي في النهاية ‪ ،‬أن يكون بينها وحدة عمل ‪ ،‬وان تلتقي بالتالي‬
‫في اطار صيغة مناسبة تحقق بينها التعاون والتفاعل والحوار الذي يسمـ‬
‫بأستمرار باكتشاف نقاط الالتقاء وتعميقها ‪ ،‬ونقاط الاختلاف و از التهــــــــــا‬

‫بروح العمل الديمقراطي ‪ ،‬وعلى أساس ما تثبت الحياة صحته وجدواه‬


‫بهدف تطوير اللقاء فيما بينها وتحقيق وحدتها ‪ ،‬من هنا كانت صيغة اقامة‬
‫الجبهة الوطنية التقدمية على صعيد القطر ‪ ،‬لتكون اداة هذا التفاعل‬
‫والتوحيد ومن هنا ايضا كانت الدعوة والتأكيد على اقامة الجبهة القومية‬
‫التقدمية على مستوى الوطن العربي لتكون ايضا اداة هذا التفاعل ‪ ،‬واداة‬
‫هذا التوحيد ‪ .‬لا سيما وانها كما جاء في المنطلقات النظرية تشكل الاداة‬
‫الموضوعية والاساس الصلب لتحقيق الوحدة العربية ‪ .‬ولحمايتهـ‬

‫وترسيخها حيث " ان افضل اشكال الوحدة هي التي تأتي حصيلة لنضال‬
‫ثوري جماهيري نقوده قوى ثورية منسجمة موحدة لانها الوحدة العضوية‬
‫بين القوى الطليعية تجعلها اكثر جدارة واقتدارا في اتخاذ موقف موحــــــــــد‬

‫منسجم حيال رواسب التجزئة وحيال مختلف القضايا الاخرى » ‪.‬‬

‫‪- ٢٩٦ -‬‬


‫كما لم تغفل المنطلقات النظرية الاخذ بعين الاعتبار ظروف نشأة‬

‫هذه الاحزاب وتشكلها واسلوب عملها فيما بينها ‪ ،‬وطريق وحدنهــــــا ‪.‬‬

‫والتأكيد من ناحية ‪ ،‬على العمل الجبهوي الذي يقوده حزب رئيسي ‪ ،‬ومن‬

‫ناحية ثانية ‪ ،‬توضيح طبيعة الفروق والاختلافات بين هـــــذه الاحزاب‬

‫و الحركات على انها فروق و اختلافات ثانوية وعلى ان العمل المشترك‬

‫والتفاعل والحوار هو الطريق لازالتها ‪ ،‬وجعلها تلتقي وتتوحد وتبن‬

‫وحدتها هذه على اساس توحيد منطلقاها النظرية ‪ ،‬المعبرة عن المصالح‬


‫الجذرية لجماهير الشعب الكادحة ‪ .‬وقد جاء في المنطلقات النظرية « ان‬

‫الظروف الموضوعية في الوطن العربي قد خلقت حركات تقدمية أو ثورية‬


‫متعددة ‪ .‬هذه الحركات وان كان خطها الاساسي متشابها ‪ ،‬الا ان سيماها‬
‫وتركيبها الاجتماعي ‪ ،‬و اختلاف مستوياتها الايديولوجية ‪ ،‬ورواسب التجزئة‬

‫والاقليمية فيها تخلق بعض الاختلاف في نظرتها لقضايا النضال القومي‬


‫الاشتراكي ‪ ،‬ولكن طابع هذا الاختلاف ليس عدائيا بل هو مسألة تبين‬
‫الحدود بين الخطأ والصواب ‪..‬‬

‫ــذه‬ ‫كما أوضحت المنطلقات النظرية ‪ ،‬اهمية وضرورة لقاء‬

‫القوى وتفاعلها ‪ .‬في صيغة عمل مشتركة بأعتبار ذلك الاسلوب الذي‬

‫يساعد على « صهر هذه القوى على الاسس التي يثبت العلم والتجربة‬
‫النضالية صوابها ‪ .‬اذ ان تحقيق الوحدة رهن بتوحيد المنطلقات النظرية‬

‫التي ستبنى عليها ‪ ،‬وبوحدة الاسلوب النضائي المؤدي الى تحقيقهـ‬


‫وبما ان الوحدة ستأتي حصيلة لقاء هذه القوى ‪ ،‬لذا ينبغي ان يتم هذا‬

‫اللقاء على اساس ديمقراطي ‪ .‬على أساس التفاعل لا الفرض ‪ .‬علـ‬


‫اساس ازالة الاختلافات الجزئية والثانوية عن طريق تبادل النقد والنقد‬
‫الذاتي والرقابة المتبادلة وتبادل الخبرة والتجربة » •‬

‫من هنا يمكن القول ان قيام الجبهة الوطنية التقدمية على صعيد‬
‫القطر ‪ .‬وقيام الجبهة القومية التقدمية على صعيد الوطن العربي ‪ ،‬يشكلان‬
‫الاساس الراسخ ‪ .‬والطريق الصحيح للعمل من أجل وحدة اداة الثورة‬
‫من أجل وحدة التنظيم السياسي ‪ .‬وتحقيق قيام الحركة العربية الثورية‬
‫الواحدة ‪ .‬وهذا بطبيعة الحال ما يعطي خطوة اقامة الجبهة الوطنية‬
‫التقدمية بقيادة الحرب على صعيد القطر أهمية خاصة وما يؤكد ايضــــــــ‬

‫‪- - ۲۹۷ -‬‬


‫صحة التوجه الذي يعمل الحزب لتحقيقه على الصعيد القومي ‪ ،‬بأقامة‬
‫الجبهة القومية التقدمية التي تعتبر بحق اداة نضال للحاضر والمستقبل‬

‫ـال‬ ‫لقد كان منطلقنا بأقامة الجبهة ‪ ،‬الايمان الراسخ بوحدة نضـ‬
‫شعبنا وبوحدة مصيره ‪ ،‬وبضرورة تحقيق وحدة ادائه ووحدة عمله ‪،‬‬

‫وقد نظرنا اليها على انها الخطوة الاولى من نوعها في الوطن العربي وفي‬
‫العالم الثالث ‪ ،‬وكانت ولا تزال ‪ ،‬تشكل طموحا لنا ‪ ،‬وكنا وما نزال نحرص‬
‫النضال والعمل المشترك لقــــوى‬ ‫ان تكون عامل جذب وحفز لمزيد من‬

‫شعبنا الخيرة ‪ .‬وهي ولا شك تشكل مطمحا تسعى لتحقيقه كل القوى‬


‫الوطنية التقدمية في أي قطر عربي ‪ ،‬وفي العديد من بلدان العالم ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪- ۲۹۸ -‬‬
‫عرض موجز لجبهات اربعة بلدان اشتراكية في‬

‫اوروبا الشرقية هي ‪:‬‬

‫بلغاريا ـ والمجر ‪ - .‬وتشيكوسلوفاكيا ‪ -‬والمانيا الديمقراطية‬

‫تجدر الاشارة هنا الى ان اوضاع طبقات العمال والفئات الكادحة في‬
‫أوروبا اخذت تتردى بسرعة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن‬
‫العشرين ‪ ،‬هذه الفترة التي ظهرت فيها الراسمالية الامبريالية الامر الذي‬
‫برزت معه الحاجة الملحة والدافع الى العمل من أجل توحيد ورص صفوف‬
‫قوى الجماهير الكادحة للتوصل الى مزيد من القدرة على مقاومة الاوضاع‬

‫الصعبة التي كانت تمر بها والتي كانت تزداد ترديا يوما بعد يوم ‪.‬‬

‫وبعد انتصار الثورة الاشتراكية في روسيا طرحت في اوروبا على‬


‫نطاق واسع مسألة ضرورة كسب حلفاء للطبقة العاملة في نضالهـــــــــا‬
‫ضد الرأسمالية والفاشية وضرورة التحالف في النضال مع الفلاحين وجميع‬

‫القوى الديمقراطبة والوطنية وجميع القوى المناهضة للفاشية والامبريالية ‪.‬‬

‫وخلال النصف الثاني من ثلاثينيات هذا القرن والحرب العالمية‬


‫الثانية بلغ العمل الجبهوي مرحلة حاسمة ‪ ،‬خاصة في بلدان أوروبا الشرقية‬
‫التي كونت بعد الحرب العالمية الثانية مع الاتحاد السوفييتي أسرة الدول‬
‫الاشتراكية‬

‫واننا فيما يلي سنتناول بالعرض الموجز نماذج من الجبهات الموجودة‬


‫في بلدان أوروبا الشرقية الاشتراكية بحيث تتوضح نقاط التقارب والتباعد‬
‫بينها وبين الجبهة الوطنية التقدمية في القطر مع الاشارة الى تواري‬

‫نشوء هذه الجبهات متبعين في العرض التسلسل التالي ‪:‬‬

‫‪ - ۱‬الجبهة الوطنية البلغارية ‪.‬‬

‫‪ .-‬الجبهة الوطنية الشعبية المجرية‬


‫‪ -‬الجبهة الوطنية في جمهورية المانيا الديمقراطية‬
‫‪-‬‬
‫الجبهة الوطنية في تشيكوسلوفاكيا‬

‫‪- ۲۹۹ -‬‬


‫‪ -‬الجبهة الوطنية البلغارية ‪:‬‬

‫نشأة الجبهة ‪ - :‬اتخذت الخطوات الأولى لتشكيل جبهة موحدة‬


‫‪ ،‬حيث اقترح الحزب‬ ‫للقوى التقدمية والديمقراطية في بلغاريا عام ‪۱۹۲۳‬‬
‫الشيوعي البلغاري على حزب اتحاد الفلاحين والحزب الاشتراكي‬
‫الديمقراطي وبعض المنظمات الاخرى تشكيل جبهة للنضال ضد الديكتاتورية‬
‫والفاشية‬

‫وفي عام ‪ ۱۹۳۵‬وضع الحزب الشيوعي البلغاري برنامج جبهة ووجه‬


‫نداء الى الاحزاب والهيئات الديمقراطية لتشكيل جبهة شعبية ‪ ،‬وفي تموز من‬

‫عام ‪ ١٩٤٢‬أعلن الحزب الشيوعي البلغاري برنامجا للعمل والنضال من‬


‫اجل تحرير بلغاريا والحفاظ على ثرواتها واقتصادها والتعاون مع الحلفاء ‪،‬‬
‫هذه الجبهة التي سميت‬ ‫‪ .‬وقد اشتركت في‬ ‫خاصة الاتحاد السوفييتي‬
‫) جبهة الوطن ( الاحزاب التالية ‪:‬‬

‫‪ ،‬والحزب‬ ‫‪ ،‬وحزب اتحاد الفلاحين‬ ‫البلغاري‬ ‫الحزب الشيوعي‬


‫الاشتراكي الديمقراطي ‪ ،‬والحزب الراديكالي ‪ ،‬وحركة زفينو التي تضم‬
‫موظفين وتجارا واصحاب مصانع صغيرة ومن مستقلين ومثقفين ومنظمات‬
‫طلابية و عمالية ‪ ..‬الخ ‪.‬‬

‫وقد استطاعت ) جبهة الوطن ( ان تشكل بعد التحرير الذي تم في‬


‫‪ ١٩٤٤ - 1 - 1‬حكومة أصدرت قانونا أعطى للجان الجبهة صلاحيات‬
‫واسعة في حكم المناطق ‪ ،‬وشكلت لجان لادارة المعامل ومحاكم ‪...‬‬

‫وفي عام ‪ ١٩٤٧‬وضع دستور جديد للبلاد اقر مبدأ قيــــــــاة‬


‫الحزب الشيوعي البلغاري للاحزاب والفئات المشتركة في الجبهة ‪ .‬ونتيجة‬
‫للتطورات السياسية والاقصادية والاجتماعية التي تمت اندمجت بعض‬
‫احزاب الجبهة بالحزب الشيوعي وحل بعضها الآخر نفسه واندمج في‬
‫الجبهة ‪ ،‬اما حزب اتحاد الفلاحين فقد حافظ على استقلاله ووجوده وانضم‬
‫الى الجبهة بصفته هذه ‪.‬‬

‫‪- ۳۰۰ -‬‬


‫مهام الجبهة ‪:‬‬

‫بعد التحرير في ‪ ٩‬ايلول من عام ‪ ١٩٤٤‬واقامة السلطة الديمقراطية‬

‫القضاء على آثار و مخلفات‬ ‫الشعبية قامت جبهة الوطن بمهام اهمها ‪:‬‬
‫الفاشية في البلاد ‪ .‬تمتين السلطة الشعبية ‪ ،‬وترسيخ منجزات الشعب ‪.‬‬
‫وتصفية جهاز الدولة البرجوازي والفاشي ‪ .‬واقامة جهاز دولة ديمقراطي‬

‫شعبي‬

‫وبدءا من عام ‪ ١٩٤٧‬تحولت ) جبهة الوطن ( في بلغاريا الى منظمة‬


‫سياسية اجتماعية شعبية موحدة مهمتها ‪ :‬؟‬

‫تقوية الوحدة السياسية والمعنوية الشعب ‪ .‬وتثقيف جماهير الشعب‬

‫بروح الاشتراكية ورفع وعي المواطنين السياسي وتأجيج نشاطهم ونضالهم‬


‫من اجل نهضة الوطن •‬

‫و انسجاما مع مقررات الاجتماع الموسع للجنة المركزية للحزب‬


‫الشيوعي البلغاري ‪ .‬الذي انعقد في عام ‪ ١٩٦٨‬ومع مقررات المؤتمر العاشر‬
‫للحزب الشيوعي البلغاري الذي انعقد في نيسان من عام ‪ . ۱۹۷۱‬قامت‬
‫اجتماعية‬ ‫( جبهة الوطن ) بتطوير نفسها باعتبار انها منظمة سياسية‬
‫للامة جمعاء وعليها أن تطبق اشكال واساليب عمل تجعل مبادراتها تشمل‬

‫‪ .‬وقد وسعت مهام الجبهة بحيث تصبح حصنا للحزب‬ ‫سكان البلاد‬ ‫كل‬
‫الشيوعي البلغاري والسلطة الشعبية وذلك بتأمينها الدعم الواسع من قبل‬
‫الجماهير والاشتراك من قبل جميع السكان في النضال من اجل بناء‬
‫الاشتراكيةفي البلاد وقيامها بمهمة مدرسةالشعب بأكمله تربيه تربية اشتراكية‬
‫بناء الاشتراكية‬ ‫الواسعة للعمل في‬ ‫ووطنية وتجتذب جماهير الشعب‬
‫وتسيير البلاد ·‬

‫دور الجبهة ‪:‬‬

‫يحدد نظام ( جبهة الوطن ( البلغارية دورها الذي يشمل ما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬مساعدة أجهزة الدولة بتنفيذ المهمات التي تلقيها الحكومة على‬


‫عاتق الجبهة •‬

‫‪- ۳۰۱ -‬‬


‫‪ -‬تسمية المرشحين في الانتخابات وتوزيع وسائل الدعاية الانتخابية‬
‫وعقد الندوات وتنظيم العمليات الانتخابية والاشراف عليها •‬

‫‪ --‬الرقابة على نشاطات اعضاء المجالس المحلية وامكانية عزلهم •‬

‫‪ -‬اقتراح القوانين‬

‫حق الرقابة على جميع المؤسسات والمعامل والمنظمات التي تقدم‬


‫الخدمات العامة للمواطنين والتموين ·‬

‫‪ -‬القيام بمبادرات وترتيبات وحملات لاعمال شتى مثل شق الطرق‬


‫والمساعدة في القطاف والحصاد والتشجير الخ ‪..‬‬

‫فعالية الجبهة ‪:‬‬

‫تقوم الجبهة ‪ ،‬وفقا لما حدده نظامها ‪ ،‬على توحيد مختلف طبقات‬

‫وفئات وافراد المجتمع وتعبئتهم لبناء الاشتراكية وتنفيذ برامج الحزب‬


‫الشيوعي الذي تعمل بتوجيه منه ‪ .‬والجبهة تعتبر دعامة اجماعية فعالة‬
‫ومدرسة لتربية المواطنين بالروح الوطنية الاشتراكية ‪ ،‬ووسيلة ناجحة‬

‫لاشراك الجماهير في تسيير البلاد وبناء المجتمع الاشتراكي المتطور في بلغاريا‬


‫وفق برامج ومقررات وتوجيهات الحزب الشيوعي البلغاري وتحت قيادته‬

‫طبيعة العلاقات داخل الجبهة ‪:‬‬

‫تضم ( جبهة الوطن ( الحزب الشيوعي البلغاري وحزب اتحاد‬


‫الفلاحين ‪ ،‬واتحاد نقابات العمال ورابطة شباب ديمتروف ‪ ،‬واتحاد‬
‫الكتاب ‪ ،‬واتحاد الفنانين ‪ .‬بالاضافة الى أفراد تقدميين ومواطنين‬

‫وعضوية الجبهة يتم الحصول عليها بالانتساب افراديا أو جماعيا‬


‫جماعيا ‪ :‬انتساب منظمات للجبهة » •‬

‫وباختصار يمكن القول ان الجبهة تضم اعضاء من الحزب الشيوعي‬


‫وحزب اتحاد الفلاحين ومواطنين ومنظمات شعبية واتحادات مهنية ‪ ،‬وليس‬
‫هناك نسب محددة للاحزاب والفئات وينظر لاجهزة وقيادات الجبهة على‬

‫انها اداة موحدة للمواطنين البلغاريين من اجل دعم سياسة الحزب‬


‫الشيوعي البلغاري وتنفيذ قراراته ‪..‬‬

‫‪- ٣٠٢ -‬‬


‫دور الحز ب القائد في الجبهة ‪:‬‬

‫الحزب الشيوعي البلغاري هو الذي يقوم بالدور القائد في المجتمع‬


‫والدولة ويعتمد في تنفيذ مهام الدولة بشكل واسع على الجبهة والمنظمات‬
‫‪.‬‬
‫الشعبية التي تعمل على تحقيق برامجه وتنفيذ مقرراته وتوجيهاته‬

‫‪ - ٢‬الجبهة الوطنية الشعبية في المجر‬

‫نشاة الجبهة ‪:‬‬

‫‪ .‬وفي عام ‪ ١٩٤٢‬ابان‬ ‫بدأت الجهود لاقامة الجبهة في عام ‪۱۹۳٥‬‬


‫الحرب العالمية الثانية قامت حركة جبهوية بمبادرة من الحزب الشيوعي‬
‫المجري الذي كان محظورا آنذاك بحجة الاعداد لنظيم احتفالات في فترة‬
‫‪ ١٩٤٩ - ١٩٤٨‬بمناسبة مرور مائة عام على الثورة التي خاضها الشعب‬
‫المجري من اجل نيل الاستقلال عام ‪ . ١٨٤٨‬وقد شكلت لجنة في بودابست‬
‫من السياسيين التقدميين ‪ ،‬والكتاب ‪ ،‬والصحفيين ‪ ،‬كانت في ظاهرها لجنة‬
‫تاريخية ‪ .‬لكنها في الواقع كانت تهدف الى تنظيم المقاومة ضد الالمان ‪ .‬وقد‬
‫تعاون مع الحزب الشيوعي في اقامة الجبهة ‪ ،‬الحزب الاشتراكي الديمقراطي‬
‫وحزب صغار الملاكين المستقل وانضم اليها فيما بعد الحزب الوطني‬
‫للفلاحين •‬

‫وفي اعقاب الاحتلال الالماني في ‪ ١٩‬آذار ‪ ١٩٤٤‬قام داخل الجبهة‬


‫ائتلاف وتحالف بين الاحزاب والمنظمات التي تمثل مصالح العمال والفلاحين‬
‫يعمل على طرد العناصر الراسمالية من مواقعها السياسية والاقتصادية ‪،‬‬

‫الى قيام الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي‬ ‫مما ادى في عام ‪١٩٤٦‬‬
‫الديمقراطي وحزب الفلاحين واتحاد نقابات العمال لتأليف جبهة اشتراكية ‪.‬‬

‫وفي عام ‪ ١٩٤٩‬اعيد تنظيم الجبهة وقلصت صلاحياتها ونشاطاتها‬


‫الاعداد للانتخابات ‪.‬‬
‫وقصرت على الاسهام في‬

‫وفي عام ‪ ۱۹٥٤‬اعيد تنظيم الجبهة مرة أخرى واتخذت اسم « الجبهة‬
‫الوطنية الشعبية » اما ما يتعلق بالاحزاب الاخرى غير الحزب الشيوعي‬

‫‪- ۳۰۳ -‬‬


‫التي كانت تدخل في تكوين الجبهة فقد انتهت ‪ ،‬لكن اعضاءها ظلوا اعضاء‬

‫في الجبهة بعد ان اندمج الحزب الاشتراكي الديمقراطي بالحزب الشيوعي‬


‫وكون « الحزب الاشتراكي العمالي المجري » الذي اصبح الوحيد في المجر‬

‫مهام الجبهة ‪:‬‬

‫على تحقيق الاستقلال‬ ‫حدد برنامج الجبهة الاول مهمتها بالعمل‬


‫الوطني وتنظيم المقاومة ضد الاحتلال الالماني‬

‫أما مهماتها في الوقت الراهن فهي تعبئة الجماهير عن طريق‬


‫الاجتماعات واللقاءات الشعبية من اجل البناء الاشتراكي الشامل ‪ ،‬وحل‬
‫المسائل السياسية والاقتصادية والثقافية ‪ ،‬هذا الى جانب دعم سلطة‬

‫وايجاد‬ ‫‪،‬‬ ‫الشعب العامل وحماية الاستقلال الوطني وحماية السلام‬


‫‪.‬‬
‫الحلول للقضايا الاجتماعية التي تطرح في الحياة العامة ‪.‬‬

‫دور الجبهة ‪:‬‬

‫الجبهة تجمع سياسي يضم كل قطاعات الشعب من اجل البناء‬


‫والاقتصادية والاجتماعية‬ ‫المهمات السياسية‬ ‫وحل‬ ‫الشامل‬ ‫الاشتراكي‬
‫والثقافية ‪ ،‬وايجاد الحلول للقضايا الاجتماعية العامة ‪ .‬وهي تقوم بالترشيخ‬
‫لمختلف سلطات الدولة وتختار وترشح الاعضاء الذين ينتخبون للبرلمان‬
‫والمجالس المحلية ‪ ،‬وتعد للانتخابات وتنظم سيرها وتجمع بين المرشحين‬

‫والناخبين ‪ ،‬وتعد الدراسات والتقارير للمجالس ‪ ،‬وتقدم الاقتراحات باللوم‬


‫وحجب الثقة‬

‫والجبهة تعمل في المناطق السكنية فقط ‪ ،‬وتلعب دورا هاما في حياة‬


‫جماهير الشعب وتكوين وعيها ‪.‬‬

‫طبيعة العلاقات داخل الجبهة ‪:‬‬

‫الجبهة تجمع تعمل فيه أهم المنظمات الجماهيرية القائمة باشتراك‬


‫وقيادة الحزب الاشتراكي العمالي المجري ‪ .‬وهي حركة جماهيرية يت‬

‫‪- ٣٠٤ -‬‬


‫اطارها تكاتف‬
‫جميع فئات الشعب في وحدة وطنية من اجل بناء الاشتراكية‬
‫وتنفيذ سياسة الحزب‬

‫فعالية الجبهة ‪:‬‬

‫صلة الجبهة بالجماهير واسعة ولها صلاحية الترشيح للانتخابات‬


‫ويشمل عملها جميع أوجه النشاط الجماهيري ويستقطبه ويوجههه‬
‫ويحشده‬

‫دور الحزب القائد داخل الجبهة ‪:‬‬

‫يقود الحزب الجبهة عن طريق اشراك اعضائه في قيادة الجبهة وعلى‬


‫كل مستوياتها ‪ .‬وفي ضوء سياسة الحزب تبنى الخطة العامة للجبهة ‪ .‬وهي‬
‫تنقل توجيهات ومقررات وسياسات الحزب من الاعلى الى الادنى فالادنى‬
‫وتنقل افكار و اقتراحات و انتقادات جماهير الشعب من الادنى الى الاعلى‬
‫فالا على ·‬

‫فالجبهة والحالة هذه تعمق علاقات الحزب بجماهير الشعب ‪،‬‬


‫عن طريق تأمين‬ ‫وتساعد الحزب في تحقيق عملية النقد والنقد الذاتي‬

‫مادة النقد والنقد الذاتي للحزب نفسه ‪ ،‬مما انها تساعد على نقل سياسة‬
‫الحزب الى الجماهير وتجمع ملاحظاتهم وانتقاداتهم وتضيف الى ذلك رأيها‬
‫الخاص وتقدمه للحزب ‪ ،‬الذي يقوم بدور القائد والموجه ·‬

‫الجبهة الوطنية في جمهورية المانيا الديمقراطية‬

‫نشوء الجبهة ‪:‬‬

‫وجدت في المانيا في مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية وخلال اشكال‬

‫من التعاون بين الفئات المناوئة للفاشية وتحققت لقاءات حتى في المعتقلات‬

‫بين المناضلين ضد الفاشية ‪ .‬كما شكلت خلال الحرب العالمية الثانية في‬
‫مدينة موسكو لجنة المانيا الحرة من احزاب وعسكريين وشخصيات‬
‫مستقلة ‪ .‬وفي عام ‪ ١٩٤٥‬بعد توقف الحرب العالمية الثانية تبلورت مواقف‬

‫‪14.11‬‬
‫الفاشية والقضية‬ ‫بعض الاحزاب في منطقة الاحتلال السوفييتية تجاه‬
‫الوطنية وهذه الاحزاب هي ‪ :‬الحزب الشيوعي ‪ -‬الحزب الديموقراطي‬
‫الاشتراكي ‪ -‬الديمقراطيون المسيحيون ‪ -‬الديمقراطيون النيبراليون ‪•.‬‬

‫جج الحزب الشيوعي والحزب‬


‫‪ ١٩٤٨ -‬اانندمدـمـــــــــ‬ ‫وفي فترة ‪١٩٤٦‬‬

‫الديمقراطي الاشتراكي وكونا الحزب الاشتراكي الالماني الموحد ‪ ،‬وحصلت‬


‫تطورات داخل حزبين آخرين هما ‪ :‬حزب الفلاحين الذي كان مواليا لنظام‬
‫الديمقراطي الذي شكل من أناس كانوا يعملون‬ ‫هتلر ‪ ،‬والحزب الوطني‬
‫في جيش هتلر ‪ .‬وبرزت اتجاهات ديمقراطية مناوئة للفاشية ‪ ،‬ومؤيدة للتحرر‬
‫و الديمقراطية والاشتراكية‬

‫وجرى عمل وتخطيط من اجل اشراك جميع الفئات ومهد ذلك لقيام‬

‫الجبهة الوطنية في خريف عام ‪ ١٩٤٩‬وتكونت من احزاب ومنظمات شعبية‬

‫مهام الجبهة ‪:‬‬

‫انطلقت من شعار العمل الجماعي لازالة آثار الحرب وبناء المانيا‬


‫جديدة على انقاض المانيا النازية ‪ .‬واصبحت بالتالي حركة اشتراكية تتعاون‬
‫فيها جميع الاحزاب والمنظمات الشعبية والمواطنين الحياديين ضمن اطار‬
‫تحالف الطبقة العاملة مع الفلاحين والمثقفين وجميع الفئات الكادحة الاخرى‬

‫الذي يحدد طبيعة‬ ‫وذلك تحت قيادة الحزب الاشتراكي الالماني الموحد‬
‫المرحلة ويعين اهدافها وطريق الوصول اليها‬

‫وتنحصر مهمات الجبهة الوطنية في المرحلة الراهنة بما يلي ‪:‬‬


‫آ ــ تنفيذ مقررات المؤتمر الثامن للحزب الاشتراكي الالماني الموحد‬
‫ضمن المبادىء التالية ‪:‬‬

‫ا ‪ -‬التركيز على اقناع المواطن الالماني انه مواطن في المجموعة‬


‫الاشتراكية‬

‫البروليتارية كسلاح فعال ضد‬ ‫الاممية‬ ‫‪ -‬التربية الاشتراكية‬


‫الامبريالية ومن اجل العمل على تطوير وحماية المانيا الديمقراطية وكأساس‬
‫فكري للعمل السياسي‬

‫‪- ٣٠٦ -‬‬


‫ـ التركيز على بذل الجهود والمساعي من اجل ان يحصل تبدل‬
‫أكبر وأكبر في ميزان القوى لصالح الدول الاشتراكية‬

‫―‬
‫{ ‪ -‬توحيد جهود سائر المنظمات والاحزاب ومواصلة السعي من‬
‫اجل ترسيخ بناء الاشتراكية ·‬

‫ب ‪ -‬وقد أوكلت مقررات الحزب الاشتراكي الالماني الموحد في مؤتمره‬


‫الثامن الى الجبهة ما يلي ‪:‬‬

‫‪ - ۱‬العمل السياسي والثقافي بين المواطنين ·‬

‫‪ -‬المساهمة في عملية بناء المساكن للشعب‬

‫‪ -‬العمل لازالة الفوارق بين مستوى الفلاح ومستوى العامل‬

‫من النواحي الثقافية والاجتماعية والاقتصادية‬

‫{ ‪ -‬المساهمة في عملية بناء الحدائق والشوارع والمرافق العامة ‪.‬‬


‫‪ -‬التحضير لمهرجانات الشبيبة العالمية‬
‫‪ - ٦‬الاهتمام باتحاد الفلاحين ‪.‬‬
‫‪ - ۷‬الاهتمام بالحرفيين وتشكيل الجمعيات الحرفية •‬
‫‪V‬‬
‫‪ -‬انهاء دور تجار الكمسيون ‪.‬‬

‫‪ - ۹‬تربية رجال الدين اجتماعيا وسياسيا وتوضيح دورهم في بناء‬


‫الاشتراكية ·‬

‫الاهتمام بالمسنين والعجزة ومشوهي الحرب‬ ‫•‬


‫‪ -‬الرياضة‬
‫‪- ۱۲‬‬
‫‪ ١٢‬ـ الدعم والتضامن مع النضال التحرري للشعوب‬

‫دور الجبهة ‪:‬‬

‫‪-‬‬
‫ايضاح وتنفيذ قرارات وخطط الحزب الاشتراكي الالماني الموحد ‪.‬‬

‫اجراء المناقشات مع المواطنين وجمع اقتراحاتهم ورفعها ‪.‬‬


‫علاقة مباشرة بحياة الشعب‬ ‫القيام بنشاطات واعمال ذات‬
‫‪-‬‬
‫اليومية (مساكن ‪ -‬شوارع ‪ -‬حدائق مشاغل المواطنين اليومية واقتراحاتهم‬
‫مناقشات ‪ ...‬الخ ) ‪..‬‬

‫‪-‬‬
‫اصدار بيانات تضامنية مع شعوب العالم المناضلة ضد الامبريالية‬
‫ولقاءات مع منظمات مماثلة واقامة علاقات معها ضمن اطار خطط وتوجيهات‬
‫الحزب الاشتراكي الالماني الموحد‬

‫طبيعة العلاقات داخل الجبهة ‪:‬‬

‫‪ -‬ميدان عمل الجبهة محصور في المناطق السكنية فقط‬


‫‪ -‬وهي ذات تنظيم هرمي يبدأ من القاعدة بلجان القرى والاحياء‬

‫وينتهي برئاسة المجلس الوطني في القمة ‪ .‬ويضم المجلس الوطني ‪٢٨٠‬‬


‫عضوا موزعين وفق النسب التالية ‪ ٪ ٣٠‬من الحزب الاشتراكي الالماني‬
‫الموحد ‪ ٪ ۱۰‬من كل من الاحزاب الاربعة الاخرى ‪ ٪ ۳۰‬من المنظمات‬
‫الشعبية وهذه النسب يمكن أن تتبدل من دورة انتخابية لاخرى •‬

‫‪ --‬ترشح الاحزاب والمنظمات ممثليها بقوائم مستقلة على مختلف‬


‫المستويات‬

‫تتخذ قرارات المجلس الوطني بالاجماع ‪.‬‬


‫‪-‬‬
‫مكتب رئاسة المجلس الوطني يضم رؤساء الاحزاب والمنظمات ‪،‬‬

‫وبالاضافة الى المجلس الوطني يتجسد مفهوم الجبهة في مجلس الشعب‬


‫ومجلس الوزراء ومجلس الدولة ·‬

‫وتجدر الملاحظة الى ان عددا كبيرا من ممثلي المنظمات الشعبية‬


‫والاجتماعية اعضاء في الحزب الاشتراكي الالماني الموحد‬

‫فعاليتها ‪:‬‬

‫لاقى الحزب الاشتراكي الالماني الموحد في السابق صعوبات ضخمة‬

‫‪- ۳۰۸ -‬‬


‫في تسيير دفة الامور واصطدم بعقبات عسيرة نشأت عن مخلفات النازية أولا‬
‫وعن الصراع الدعائي وغيره مع النظام القائم في المانيا الغربية هذا الى جانب‬

‫مهمات بناء الاقتصاد وتنظيم حياة وعمل المواطنين‬

‫وقد احتاج الحزب الاشتراكي الالماني الموحد ‪ ،‬في كل المراحل والمهمات‬


‫والتحديات الى الاستعانة بالجبهة ·‬

‫ويتجه دور الجبهة الى ان يصبح دورا ايضاحيا ودورا تطبيقيا في مجال‬
‫القضايا المتعلقة بالمواطنين ‪ ،‬وكذلك فانها تلعب دورا محركا ‪ ،‬ومساعدا‬

‫بفعالية على تنفيذ سياسة الحزب الاشتراكي الالماني الموحد ‪ ،‬وخططه‬


‫وبرامجه ‪ ،‬وذلك من خلال تنظيماتها ‪ ،‬وصيغ واساليب عملها المختلفة‬

‫دور الحزب القائد في الجبهة ‪:‬‬

‫للحزب الاشتراكي الالماني الموحد دور قيادي في الجبهة لانها بالاضافة‬


‫الى كونها تعمل على تنفيذ خططه وبرامجه ‪ ،‬فانها نضم في قياداتها عددا من‬
‫مثليه تتجاوز نسبتهم ‪ % ٥٠‬بسبب كون عدد كبير من ممثلي المنظمات‬
‫الشعبية من اعضائه ‪ .‬ودوره القيادي في الدولة والمجتمع يتجلى بالاضافة‬

‫الى ما ذكر اعلاه ‪ ،‬في مسؤوليته عن أمن الدولة واشرافه الكامل على وزارة‬
‫الدفــــــــــاع والجيش ووزارة الداخلية وقوى الامـــــــن ‪،‬‬
‫وتفرده بالنشاط السياسي والعمل داخل قطاعات العمال والشبيبة بينما‬
‫تبقى مهمة الاحزاب الاخرى مقتصرة على العمل داخل قطاعات معينة من‬
‫•‬
‫الشعب بحيث تلتقي في النهاية مع الحزب الاشتراكي الالماني الموحد‬
‫وقد تؤدي على المدى البعيد الى الاندماج معه ‪ .‬ومن ناحية أخرى تجدر‬
‫الاشارة الى ان المؤتمرات العامة للجبهة وقرارات الحزب الاشتراكي الالماني‬
‫الموحد ‪ ،‬هي التي ترسم الخطوط العامة لعمل الجبهة وبنود سياستها ‪،‬‬
‫علما بأنه لا يوجد للجبهة في المانيا الديمقراطية ميثاق مكتوب‬

‫{ ‪ -‬الجبهة الوطنية في تشيكوسلوفاكيا‬


‫نشاة الجبهة ‪:‬‬

‫بدأ تشكيل الجبهة في عهد نضال الشعبين التشيكي والسلوفاكي ضد‬

‫‪- ۳۰۹ -‬‬


‫الاحتلال النازي الذي تم نتيجة لمعاهدة ميونيخ عام ‪ ۱۹۳۸‬وقد انشئت‬
‫في ربيع عام ‪ ١٩٤٥‬جبهة من تحالف الاحزاب التشيكية والسلوفاكية بقيادة‬

‫الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي وشكلت أول حكومة اشتراكية وبفضل‬


‫الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي آنذاك تم‬ ‫سكرتير‬ ‫كليمنت غوتوالد‬

‫القضاء على جميع المحاولات اليمنية التي برزت في المفترة الاولى واستمرت‬
‫الجبهة حتى الآن ·‬

‫مهام الجبهة ‪:‬‬

‫اتمام بناء الاشتراكية في البلاد بتهيئة وتعميق العلاقات الاشتراكية‬

‫وتوسيع القاعدة الجماهيرية لبناء الاشتراكية‬

‫دور الجبهة ‪:‬‬

‫تشرف على المجالس الفيدرالية والمحلية وعلى جميع الهيئات الشعبية‬

‫ولها حق النقد والتوجيه وتقدم قوائم المرشحين لجميع المجالس الوطنية‬


‫والشعبية الفيدرالية والمحلية وتقدم اسماء الوزراء ‪ .‬والجبهة موجودة‬
‫كل مكان ولها علاقة بكل شيء في البلاد وتمارس دور بشكل غير مباشر ‪.‬‬
‫وعن طريق الجبهة تسير جميع فئات الجماهير الشعبية في خط الحزب ‪.‬‬

‫طبيعة العلاقات داخل الجبهة ‪:‬‬

‫الجبهة تتشكل من تحالف أحزاب سياسية ومنظمات شعبية‬


‫وقيادانها تتألف من قيادات الاحزاب وقيادات المنظمات الشعبية ‪ .‬وعدد‬

‫الاحزاب الداخلة في تكوين الجبهة ستة احزاب ‪ .‬والامناء العامون لهذه‬


‫الاحزاب اعضاء طبيعيون في المكتب السياسي للجبهة ‪ .‬ويشكل الحزب‬
‫الشيوعي التشيكوسلوفاكي الاكثرية في قيادة الجبهة حيث ان ممثلي‬
‫لرواقع اعضـــــاء‬
‫اوا‬
‫المنظمات الشعبية هم في قيادات االجبهة هم في ال‬

‫في الحزب الشيوعي وبهذه الطريقة فان الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي‬


‫هو الحزب القائد للجبهة •‬

‫ليس للاحزاب الداخلة في تكوين الجبهة ما عدا الحزب الشيوعي‬


‫عمليا دور فعال في الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد الا من خلال‬

‫‪- ٣١٠ -‬‬


‫الشعبية ‪ .‬لانها تسير جميعها في الخط الذي‬ ‫الجبهة الوطنية والمنظمات‬

‫الداخلية‬ ‫التشيكوسلوفاكي في السياستين‬ ‫الشيوعي‬ ‫الحزب‬ ‫يحدده‬


‫والخارجية ‪ .‬وهذه الاحزاب تعد عاملا مساعدا على بناء الاشتراكية في الدولة‬
‫الاتحادية وعلى تراص الشعبين التشيكي والسلوفاكي‬

‫وباختصار يمكن القول ان كل الاحزاب الداخلة في تكوين الجبهة تعمل‬


‫ضمن الاطر التي يحددها لها الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي وتلتزم‬
‫بقراراته وتراعي توجيهاته‬

‫فعالية الجبهة ‪:‬‬

‫الجبهة هي المسير الحقيقي للسلطة في البلاد والموجه لكل الامور في‬


‫المجتمع ·‬

‫دور الحزب القائد فيها ‪:‬‬

‫يحتل الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي المراكز الاساسية والقائدة‬


‫والهامة في الجبهة وغيرها من مجالس وزارية ومحلية ‪ ،‬وعلى جميع‬

‫المستويات في السلطتين التشريعية والتنفيذية كما يمكن القول ان كل أمور‬

‫الجبهة تقرر في المكتب السياسي للحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي وتنفذ‬


‫هذه المقررات على جميع المستويات ‪.‬‬

‫بعد هذا العرض الموجز لواقع هذه الجبهات ‪ :‬نشأتها ‪ :‬تنظيمها ‪،‬‬

‫تطورها ‪ ،‬مهامها ‪ ،‬يمكن استنتاج ان قيامها كان مرتبطا بظروف مقاومة‬


‫الفاشية الغازية وكان في رأس أهدافها هدف تحرير الارض وطرد الغزاة ‪.‬‬

‫وكانت بحكم طبيعة تكوينها والمصالح والاهداف التي تعبر عنها مرتبطة‬
‫بقضية الوطن والشعب ولهذا وضعت قضية التقدم الاجتماعي وتصفية‬
‫الاستغلال منطلقا ثابتا في سياستها باعتباره الاساس الراسخ لحرية الوطن‬
‫والشعب وافساح المجال أمامه كي يتقدم ويزدهر ‪ ،‬ولقد استطاعت هذه‬
‫الجبهات كما تدل الوقائع والحقائق العملية استطاعت ان تلبي طمي ‪-‬‬

‫جماهيرها وان تنهض بالمهام التي قامت باسمها ومن أجلها ‪ ،‬ولعلنا فيما يلي‬
‫نسجل عددا من الملاحظات المستخلصة من واقع هذه الجبهات عبر نشأنها‬
‫وتطورها وحتى الآن‬
‫‪-711-‬‬
‫‪ ۱‬ـ تشكلت هذه الجبهات من أحزاب اشتراكية وديمقراطية ووطنية‬

‫وكانت الاحزاب الشيوعية هي المبادرة في الدعوة لها والعمل لاقامتها‬

‫هذه البلدان تأثيرها ونفوذها ‪،‬‬ ‫‪ - ۲‬كان للاحزاب الشيوعية في‬


‫وبخاصة في أوساط الطبقة العاملة الا ان هذا النفوذ والتأثير لم يكن يشمل‬
‫‪ ،‬وكان للاحزاب الاخرى دورها البارز والهام‬ ‫سائر قطاعات المجتمع‬
‫في اوساط اجتماعية واسعة وهامة وكان لها تأثيرها الكبير فيها ‪ .‬وكان من‬
‫الطبيعي أن يستدعي قيام الجبهة ايجاد الصيغة المناسبة وتحقيق التعاون‬
‫المطلوب بين مجموع هذه القوى ·‬

‫ـ ويتجلى بشكل واضح انه بعد تحرر هذه البلدان من النازية‬


‫بمساعدة الاتحاد السوفييتي أخذ بالبروز الواضح دور الاحزاب الشيوعية‬
‫التي أخذت توطد سلطتها داخل كل من هذه الجبهة وفي أوساط المجتمع‬
‫ونتيجة ذلك تم صهر واندماج بعض هذه الاحزاب ذات الميول والاهداف‬
‫الاشتراكية مع الحزب الشيوعي كما حدث في المانيا الديمقراطية والمجر •‬

‫{ ‪-‬‬
‫تطورت هذه الجبهات مع الزمن لتصبح جبهات بين الحزب‬
‫الشباب – کتاب –‬
‫‪-‬‬ ‫الشيوعي نفسه والمنظمات الجماهيرية « النقابات‬
‫نساء ‪ » ...‬مع استمرار بقاء الاحزاب التي لم تنصهر وبقيت موجودة على‬

‫شكل فئات محدودة في تلك المجتمعات كحزب الفلاحين في بلغاريا ‪ ،‬والحزب‬


‫المسيحي في المانيا الديمقراطية ‪ .‬مع التزام هذه الاحزاب بخطط وبراه‬
‫الحزب الشيوعي نفسه‬

‫ه ـ وقد التزمت الاحزاب التي بقيت موجودة بعدم النشاط في أوساط‬


‫الخ ) ‪ .‬والحزب الشيوعي هو‬ ‫المنظمات الجماهيرية ( عمال – شباب‬
‫‪...‬‬
‫الوحيد الذي له حق النشاط والعمل والتنظيم بين أوساط هذه القطاعات ‪.‬‬

‫‪ - ٦‬اصبحت الاحزاب الشيوعية الآن في هذه البلدان هي العصب‬

‫الاساسي في حياة الجبهات القائمة فيها ‪ .‬التي منها ما يعمل كمنظمة سياسية‬

‫تنظم الافراد بين صفوفها ومنها ما يشكل اطار للعمل السياسي ‪ ،‬وهي‬
‫الحالتين صيغة واطار عمل مشترك يشرف عليها ويطورها ويقودها الحزب‬
‫الشيوعي نفسه في كل من هذه البلدان بما يساعد على تحقيق أهدافه وتنفيذ‬
‫برامجه في المجالات المختلفة‬

‫‪- ۳۱۲ -‬‬


‫خاتمة‬

‫مما تقدم يتبين لنا ان الجبهة الوطنية التقدمية هي اداة تنظيم وتعبئة‬

‫لجماهير الشعب وانها شكل من اشكال التعاون بين القوى والفئات الوطنية‬

‫‪ .‬وعلى هذا‬ ‫التقدمية التي تجمعها وتوحدها اهداف ومصالح مشتركة‬


‫الاساس فانها تعبر عن الاتفاق حول عدد كبير من الاهداف الرئيسية ‪:1‬‬
‫تشكل نقاط النقاء بين هذه القوى وأساس لعملها المشترك ‪.‬‬

‫ويعتبر هذا الشكل من التعاون ضرورة حيوية تمليها ضرورات النضال‬


‫المشترك والمهمات المرحلية المطروحة أمامه وما يستدعيه ذلك من ضرورة‬

‫تحقيق الوحدة الكفاحية بين مجموع هذه القوى التي تشكل وحدتها اساسا‬
‫‪ .‬وكما أكدت التجربة‬ ‫راسخا لوحدة الشعب وتعزيز وحدته الوطنية‬
‫التاريخية والنظرية الثورية فان العمل الجبهوي يمكن ويصح أن يكون‬
‫اطارا لتفاعل الافكار والحوار والعمل المشترك وازالة أوجه الاختلاف‬

‫والتباين بين قوى الجبهة ‪ .‬وهذا ما يمكن أن يوصل الى التوحيد الفعلي لهذه‬
‫القوى وتحقيق وحدة اداة الثورة ‪ .‬وقد جاء قيام الجبهة الوطنية التقدمية‬
‫القطر العربي السوري ليعبر تعبيرا صادقا عن ارادة الحزب وجماهير‬
‫الشعب الواسعة والقوى الوطنية التقدمية ‪ ،‬وجاء في الوقت نفسه تلبية‬
‫للحاجات الواقعية والمهام النضالية التي تتصدى لحلها ‪ ،‬وفي مقدمتها مهمة‬
‫التحرير وضمان استعادة الحقوق الوطنية لشعب فلسطين ولا شك انه‬
‫من خلال هذه الصيغة ‪ .‬يمكن حشد وتعبئة الطاقات وتوحيدها داخل كل‬

‫قطر ‪ ،‬وان تكون بالتالي الاساس المتين لتوحيدها على النطاق القومي‬
‫وهي بهذا تعتبر حجر الزاوية للنضال متعدد الوجوه الذي يخوضه شعبنا‬

‫من هنا كان اهتمام حزبنا وثورتنا بقيادة الرفيق حافظ الاسد الامين‬
‫العام للحزب بقيام الجبهة الوطنية التقدمية ‪ ،‬والحرص على تطويرها وعلى‬
‫الاستفادة من أية امكانية متوفرة لخوض معركة التحرير والبناء ‪ .‬وهذا ما‬
‫السياسة الصحية للحركة التصحيحية المرتكزة على‬ ‫أكدته وكرسته بنود‬
‫المنطلقات المبدئية للحزب ‪ .‬وهذا ما أكده المؤتمر القومي الحادي عشر‬

‫والمؤتمر القطري الخامس العادي والمؤتمر الخامس الاستثنائي حيث‬

‫اعتبرت صيغة العمل الجبهوي هي الاسلوب الصحيح لخوض النضال‬


‫الذي يجمع ويوحد أوسع القوى والجماهير في معارك التحرير‬ ‫الناجح ‪،‬‬
‫والتقدم والوحدة العربية وبناء الاشتراكية ‪.‬‬

‫‪- ۳۱۳ -‬‬


-
- ٣١٤ -
‫حرب تشرينالتحريرية‬

‫—‬
‫‪- ٣١٥ -‬‬
‫اکتوبر‬ ‫لقد كانت حرب تشرين التحريرية التي انطلقت في ‪ ٦‬تشرين ‪.‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ ۱۹۷۳‬ابرز الاحداث التاريخية التي تمت في تاريخ العرب الحديــــــــــــث‬

‫نظرا لمنعكساتها ونتائجها سواء على الصعيدين العربي والدولي او على‬


‫صعيد العدو الصهيوني‬

‫وسنلخص فيما يلي أهم نتائج هذه الحرب ‪:‬‬

‫على الصعيد العسكري ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ .‬انتزاع زمام المباشرة من يد العدو باتخاذ القرار التاريخي بشن‬
‫الحرب وللمرة الاولى في تاريخ العرب المعاصر‬

‫‪ ۲‬ـــ تأكيد قدرة الانسان العربي وجدارته القتالية وشجاعته و امكاناته‬


‫في استخدام اعقد وسائط الصراع المسلح‬

‫ـ تحقيق المفاجأة التامة على العدو الاسرائيلي من الناحيـ‬


‫الاستراتيجية على الجبهتين السورية والمصرية باتخاذ قرار الحرب وتوجيه‬
‫ضربتين مزامننين في الجولان وفي سبناء‬

‫أما من الناحيتين العملياتية والتكتيكية فقد كانت المفاجأة تامة على‬


‫الجبهة المصرية ولم تكن كذلك على الجبهة السورية ‪.‬‬

‫‪--‬‬
‫‪ ٤‬ـ الدروس الكثيرة المستفادة التي قدمتها الحرب في معارك البر‬
‫والجو والبحر‬

‫ه ‪ -‬هدم جدار الوهم من العدو الإسرائيلى وبذلك أرسيت قاعدة‬


‫صلبة تصلح للانطلاق لما هو أفضل‬

‫‪- ٣١٦ -‬‬


‫‪୯‬‬
‫على الصعيد الداخلي ‪:‬‬

‫ا ‪ -‬استعاد الشعب ثقنه بامكاناته وقدراته وتعززت ثقته بقول‬


‫المسلحة ‪.‬‬

‫‪ -‬تعزز الشعور لدى شعبنا بالقدرة على تجاوز المصاعب الموضوعة‬


‫‪ ۲‬ـ‬
‫في طريق التحرير‬

‫‪-‬‬
‫ـ أبرزت الحرب أهمية التنظيم والالتزام واهمية تلاحم الجبه‬
‫الداخلية‬

‫{ ‪ -‬أبرزت الحرب عوامل العطاء والتضحية لدى شعبنا‬

‫ه ـ تعزز الشعور بأن الامة العربية قادرة ليس على المواجهة‬

‫وحسب وانما على تحرير كامل التراب العربي‬

‫على صعيد العدو الاسرائيلي ‪:‬‬

‫‪-‬‬
‫‪ ۱‬ـ اهتزت الصورة التي خلقتها اسرائيل في نفوس سكانهــــــابأن‬
‫الجيش الاسرائيلي لا يقهر والتمزق الداخلي في المجتمع الاسرائيلي من جرا‬
‫ذلك ‪.‬‬

‫‪ ۲‬ـ كشف اسرائيل على حقيقتها وبأنها غير قادرة على حماية نفسها‬
‫فضلا عن حماية المصالح الامبريالية في المنطقة ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪ ۳‬ـ انهيار اسطورة الطيران الاسرائيلي كسلاح فعال في الحرب ‪.‬‬

‫{ ‪ -‬اصابة مشاريع التوسع الاستيطاني والهجرة الى اسرائيل‬


‫باضرار بالغة كنتيجة طبيعية للحرب التحريرية‬

‫ه ‪ -‬اصابة اسرائيل بخسائر بشرية ومادية من جراء الحرب جاوزت‬


‫قدرتها كبلد صغير على تحملها ولا سيما انها تعودت في السابق على خوض‬
‫الحروب السهلة الخاطفة‬

‫‪- ۳۱۷ -‬‬


‫‪ ٦‬ـ تأثر الاقتصاد الاسرائيلي بالحرب واغلاق عدد من المصانــــــــع‬
‫وارتفاع الاسعار ارتفاعا فاحشا وتخفيض النقد واصابة ميزاني المدفوعات‬
‫والتجارة بعجز كبير‬

‫‪ - Y‬خيبة آمال قادة المؤسسة الصهيونية بانشاء امبراطوريا‬

‫اسرائيل الكبرى وتقلص اسرائيل الى كيان معزول على الصعيد العالمي‬

‫على الصعيد الفلسطيني ‪:‬‬

‫‪ - ۱‬ازدياد نشاط العمل الفدائي داخل الارض المحتلة واتسامة‬


‫بطابع جديد وهو الالتحام المباشر مع العدو بعد ان كان طابعه في السابق‬
‫هو الضرب من بعيد‬

‫‪ ۲‬ـ‪ -‬ازدياد الامل بالتحرير في نفوس العرب الفلسطينيين بعد ان كاد‬


‫البأس يمزقهم في اعقاب نكسة حزيران عام ‪. ١٩٦٧‬‬

‫‪ - ٣‬اكتساب القضية الفلسطينية اعترافا عالميا واسعا ‪ .‬وقد تجلى‬


‫ذلك بأعتراف عدد كبير من الدول باستحالة الوصول الى حل في المنطقة دون‬
‫الاعتراف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب العربي الفلسطيني ‪ .‬وقد‬

‫تكرس هذا الاعتراف بالقرارات التي صدرت عن الامم المتحدة في دورتها‬


‫لعام ‪١٩٧٤‬‬

‫ولقد اعادت حرب تشرين التحريرية القضية الفلسطينية‬


‫الاحداث واعطتها اعترافا عالميا واسعا‬

‫على الصعيد العربي ‪:‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪1‬‬
‫ابرزت الحرب اهمية الوحدة العربية في الصراع العرب‬
‫الاسرائيلي‬

‫‪ -‬أكدت الحرب على أهمية التضامن العربي‬


‫‪ -‬دفعت الحرب بالعرب الى مقدمة ساحة الاحداث العالميـ‬

‫‪- ۳۱۸-‬‬
‫‪-MA‬‬ ‫‪-‬‬
‫وبرز العرب كأحدى القوى الرئيسية والفعالة في الاوضاع العالمية ولا سيما‬
‫في مجال الامن والسلام الدوليين وفي مجال النظام الاقتصادي والنقد العالمي ‪.‬‬
‫ولم يعد العرب في نظر أوساط الرأي العام العالمي شعبا مهزوما متخلفا‬
‫لا يستطيع التصدي والمواجهة بل اصبحوا شعبا قويا وقادرا بتملك القدرة‬

‫على التأثير في القضايا العالمية وحتى في صميم الدول والقوى العظمى ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫ابرزت الحرب كذلك اهمية البترول العربي في المعركة وانه لو‬
‫استخدم بشكل صحيح لكان فعالا ومؤثرا في الصراع مع عدونا الصهيوني‬
‫والقوى التي تسانده ‪ .‬غير أن بعض الدول المصدرة للنفط كانت قصيـر‬
‫النظر وكان همها الاكبر الحصول على أسعار أفضل على حساب دمــــــــــاء‬
‫شهداء العرب‬

‫‪-‬‬
‫ه ــ اكدت الحرب ونتائجها ان ساحة المعركة لم نعد في منطق‬
‫المواجهة مع العدو الاسرائيلي بل تمتد الى سائر أرجاء الوطن العرب‬
‫سواء بسبب الموقع كموقع مضيق باب المندب أو بسبب ثروات العــــــــرب‬
‫وطاقاتهم ‪ .‬وهذا ما يفسر الضغوط والتهديدات الاميركية للدول العربية‬
‫المنتجة للنفط‬

‫‪ ٦‬ـ اكدت حرب تشرين التحريرية الهوية القومية للصراع ‪.‬‬


‫الصهيونية وتجلى ذلك واضحا من خلال التحرك الجماهيري الواسع لدعم‬
‫المعركة وكذلك من خلال المواقف الرسمية للاقطار العربية الشقيقة‬

‫ـ لقد اكدت الحرب ان اعتماد المواجهة والتوجه نحو ساحـــــــــــة‬

‫التحرير هو الطريق الافضل لتعزيز تضامن العرب وزج طاقاتهم في المعركة ‪.‬‬

‫على الصعيد الدولي ‪:‬‬

‫‪-‬‬
‫‪ -‬كان لحرب تشرين التحريرية دور بارز على الصعيد الدولي‬
‫ترك آثارا واضحة واحدث تغيرات اساسية في مواقف الكثير مـــــــن دول‬
‫ومن أهم نتائج حرب تشرين التحريرية ان العالم اصبح ينظر الى‬ ‫العالم ‪.‬‬

‫العرب بغير العين التي كان ينظر بها اليهم بعد حرب حزيران ‪ . ١٩٦٧‬ولا‬
‫تشرين التحريرية كانت غير متوقعة لدى الكثير‬ ‫بد من التنويه بأن‬

‫‪- ۳۱۹ -‬‬


‫من شعوب العالم ‪ .‬وقد ادى ذلك الى اتساع دائرة الاهتمام‬
‫بالقضية العربية‬

‫‪ ٢‬ـ لقد كانت الأسلحة التي قاتل بها العرب اسلحة سوفييتية ‪ .‬وقد‬

‫اتقنوا القتال بهذه الاسلحة واحرزوا نتائج عظيمة ‪ .‬ولذلك كان من الطبيعي‬

‫ان يكون الاتحاد السوفياتي مسروراً لهذه النتائج ولا سيما لما سيكون لها‬
‫من صدى و انعكاسات ‪.‬‬

‫‪ ٣‬ــ كانت اميركا تعتقد بعد حرب حزيران ‪ ١٩٦٧‬ان اسرائيل قادرة‬
‫على حماية مصالحها في المنطقة العربية ولهذا قدمت لها كل اسباب القوة‬
‫للعدوان وكانت مواقفها السياسية الى جانب اسرائيل على الدوام كما‬
‫كانت تزدري العرب ‪ .‬ولكن الولايات المتحدة الاميركية شعرت بعد الايـ‬
‫الاولى من الحرب بأن اسرائيل غير قادرة على حماية نفسها دون تدخل‬
‫اميركا بكل طاقاتها الى جانبها •‬

‫‪ ---‬ان التوازن العالمي المحمي بالتوازن العسكري النووي وخطر‬


‫‪ ٤‬ـ‬
‫نشوب حرب شاملة مهددة للبشرية قد خلق ظروفا خاصة لحرب تشرين‬

‫التحريرية ‪ .‬واهم هذه الظروف عدم السماح ( دوليا ) بالحصول على نتائج‬
‫حاسمة ونهائية تحقق فوزا مبينا ونهائيا لاحد طرفي الصراع المسلح وذنك‬
‫لان منطقة الصراع لها شأنها وحساسيتها الخاصة في نظر القوتين الاعظم ‪:‬‬
‫أ موضوع‬ ‫شأ‬
‫نش‬‫الاتحاد السوفياني والولايات المتحدة الاميركية ‪ .‬ومن ههنناا ن‬
‫وقف اطلاق النار ‪ .‬وستبقى القوتان الاعظم تتحكمان في الصراع العربي‬
‫الاسرائيلي الى حد كبير ما دام الطرفان المتصارعان لا يملكان القاعدة المادية‬
‫لانتاج الاعتدة الحربية المتطورة ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫ان الامن في اوروبا والامن في المنطقة العربية لا ينفصلان لان السلام‬ ‫ه‬

‫العالم لا يتجزا ولان العلاقات بين أوربا وبين المنطقة العربية علاقات وثيقة‬
‫جغرافيا واقتصاديا وتاريخيا ‪ .‬ان قرب اوربا من منطقة الشرق الاوسط‬
‫قد جعل أهم المعارك في الحروب الأوربية تدور رحاها في بقاع من وطننا‬

‫العربي ‪ .‬واذا كان هذا قد حدث في الماضي فليس هناك ما يمنع تكراره في‬
‫المستقبل ولا سيما ان تطور الاسلحة الحديثة قد قرب المسافات واختصرها‬

‫حتى ان اندلاع اي حرب في منطقة معينة من العالم يهدد بانتقالها الى مناطق‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫اخرى ولا سيما المجاورة منها ‪ .‬وقد جاءت حرب تشرين التحريرية لتذكر‬

‫الاوربيين بهذه الحقائق كلها ‪ ،‬وهذا ما يفسر لنا شعور القلق الذي سيطر‬
‫عليهم اثناء الحرب ‪ ،‬كما يفسر لنا اصدار دول المجموعة الاوربيةبيانها المعروف‬
‫بتاريخ السادس من تشرين الثاني ‪ ۱۹۷۳‬الذي يتضمن امرين اساسيين ‪:‬‬
‫عدم جواز اكتساب الاراضي بالقوة وبالتالي الانسحاب من كل الاراضي‬
‫العربية المحتلة ‪ ،‬والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني‬

‫لقد ادت الحرب الى وقوع تناقض اساسي بين الموقف الاوربي وبين‬
‫الموقف الاميركي سواء في الموقف السياسي أو الموقف من مجابهة مشكلة‬

‫النفط أو موقف رفض السماح للطائرات الاميركية بالتمون من القواعــــــــــد‬


‫الاميركية في أوربا خلال الحرب‬

‫‪ ٦‬ـ من أبرز الاثار الدولية لحرب تشرين الخلل الذي اصاب النظام‬
‫النقدي و الاقتصادي العالمي ولا سيما في اوربا والولايات المتحدة واليابان‬
‫وتجلى ذلك بالعجوز الضخمة في موازين مدفوعاتها وبالتضخم وارتفاع‬

‫الاسعار مما ادى الى نتائج سياسية خطيرة ‪ .‬ويمكن اعتبار الازمة في‬
‫ايطاليا احد الشواهد على ذلك‬

‫‪ -‬ومن الاثار الايجابية لحرب تشرين التحريرية ان علاقات العرب‬

‫مع الدول الافريقية وبلدان العالم الثالث قد توثقت وتعززت ولا سيما بعد ان‬

‫تعمق وعي شعوب القارة الافريقية وشعوب العالم الثالث بعدالة القضية‬

‫العربية وبمصلحتها في اقامة اوثق العلاقات وامتنها مع العرب ‪ .‬ويكفي ان‬


‫نذكر مثالا على هذا التطور الهام ان الدول الافريقية بدات تقطع واحدة بعد‬
‫الاخرى علاقاتها الدبلوماسية باسرائيل ولا سيما اثناء انعقاد مؤتمر دول‬
‫الانحياز في ايلول ‪ ١٩٧٤‬بالجزائر واستمرت موجة قطع العلاقات حتى‬
‫عدم‬
‫انه لم يبق للكيان الصهيوني في القارة الافريقية سوى الحكومتين العنصريتين‬

‫الشبيهتين به وهما جنوبي افريقيا وروديسيا‬

‫وكذلك اتخذت دول عدم الانحياز وحركات التحرر في العالم الثالث‬


‫الموقف الواضح الذي تمليه طبيعة نزعتها التحريرية •‬

‫اما منظومة الدول الاشتراكية فقد ظلت ثابتة على موقفها المؤيـ‬
‫والمساعد للعرب في نضالهم المشروع والعادل من اجل انسحاب القوات‬
‫الاسرائيلية من جميع الاراضي العربية المحتلة منذ حزيران ‪ ١٩٦٧‬ومن اجل‬
‫ضمان حقوق الشعب العربي الفلسطيني‬

‫‪----‬‬
‫‪- ٣٢١ -‬‬
‫‪-‬‬
‫ثالثا ‪ -‬اهم الاحداث والتطورات بعد الحرب‬

‫ا ـ من وقف اطلاق النار الى مؤتمر القمة في الجزائر ‪:‬‬

‫لقد بدأت الحرب بقرار مشترك بين سورية ومصر وقامت القوات‬

‫المسلحة للبلدين بالضربة الأولى المشتركة وتطورت العمليات القتالية على‬

‫النحو المعروف ثم اتفقت الدولتان الاعظم على تقديم مشروع قرار وقف اطلاق‬
‫النار وصدر القرار ‪ ۳۳۸‬بالفعل بتاريخ ‪ ۱۹۷۳/۱۰/۲۲‬ووافقت مصر عليه‬
‫فورا ‪..‬‬

‫لقد جاء ذلك ليضع القطر العربي السوري امام ظروف جديدة كـــان‬
‫لابد من اخذها بعين الاعتبار فكان لابد من دراسته و دراسة الظروف‬

‫المستجدة التي نشأت عنه وتحديد موقف منها ‪ .‬وعلى هذا النحو قبل القطر‬
‫العربي السوري قرار مجلس الامن رقم ‪ ۳۳۸‬المتضمن اساسا القرار ‪٢٤٢‬‬

‫‪ ،‬وفق فهم القطر العربي السوري لــه‬ ‫الصادر بتاريخ ‪١٩٦٧/١١/٢٢‬‬


‫والذي حدد على انه يعني انسحاب اسرائيل الكامل من جميع الاراضي‬
‫العربية المحتلة وعدم المساس بحقوق الشعب العربي الفلسطيني ‪ .‬والقطر‬
‫العربي السوري لم يكن يخفي رغبته في استمرار القتال ‪ ،‬الا انه مع افتراض‬
‫ان هذا ممكن على الجبهة السورية وحدها دون الجبهة المصرية الا انه كان‬
‫يعتبر في تلك الظروف مغامرة ومخاطرة لا يمكن التكهن بنتائجها •‬

‫ان احدا لم يكن يتصور أن تقاتل سورية وحدها أو مصر وحدهــا في‬
‫معركة منفردة بل ان قتال الجبهتين والجيشين معا هو الذي يحمل معه امل‬
‫النصر الحقيقي ‪ ،‬هذا فضلا عن كون المعركة التي هي اساسا معركة الامة‬

‫العربية بأسرها كانت تستدعى وما تزال ان يكون الرد على التحدي الصهيوني‬
‫الاستعماري بالمستوى القادر على دحره والحاق الهزيمة الكاملة به وذلك‬
‫بتوفير الحشد الكامل للطاقات العربية ‪ .‬كان القطر العربي السوري يعرف‬
‫ان قرار مجلس الامن لا يمثل الاهداف العربية النهائية التي يناضل العرب في‬

‫سبيلها ‪ .‬كما كان يعرف في الوقت نفسه ان اي قرار سياسي هو انعكاسي‬


‫الميزان القوى على النطاقين المحلي والدولي وللظروف الموضوعية والعوامل‬
‫الذاتية التي نجم عنها ‪ ،‬وهو بهذا المعنى لايمكن النظر اليه على انه شيء‬
‫خالد ‪ ،‬ولكنه خطوة على الطريق يتحقق فيها الهدف المرحلي للنضال العربي‬
‫ويهييء الظروف الاكثر ملاءمة لمواصلة السير على طريق تحقيق الاهداف‬
‫البعيدة‬
‫لقد اعترف الاعداء والاصدقاء في العالم بأن القرار ‪ ۳۳۸‬جاء نتيجة‬

‫للمعركة وللواقع الجديد الذي خلقته ‪ ،‬هذا الواقع الذي اهتز معه ميزان‬
‫‪-- ٣٢٢ -‬‬‫‪-‬‬
‫القوى وتحول لمصلحة القضية العربية والكفاح العربي ‪ .‬وهكذا كان قبول‬
‫القرار ‪ ۳۳۸‬بعد ان تعهد الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الامريكية‬

‫بتنفيذه على اساس انه يعني الانسحاب الكامل للقوات الاسرائيلية من جميع‬
‫الاراضي العربية المحتلة منذ حزيران ‪ ١٩٦٧‬وعدم المساس بحقوق الشعب‬
‫‪.‬‬
‫العربي الفلسطيني‬
‫لقد وعت قيادة الحزب وسلطته الثورية في القطر العربي السوري‬
‫النتائج الايجابية والهامة التي حققتها حرب تشرين التحريرية وقدرت اهميتها‬
‫واكدت ضرورة المحافظة عليها وتطويرها ‪ ،‬وقدرت في الوقت نفسه ان هذه‬
‫النتائج ستكون مستهدفة ومعرضة للتشكيك والتشويش واعمال التخريب‬
‫ولهذا فقد نبهت الى ذلك وبذلت اكبر الجهود‬ ‫والتآمر بهدف تصفيتها وازالتها‬
‫من اجل الحرص عليها ‪ ،‬والتمسك بها والانطلاق منها نحو مزيد من القوة‬

‫للموقف العربي في مواجهة مهام المرحلة الجديدة التي بدأت بعد وقف‬
‫اطلاق النار‬

‫في هذه المرحلة انتقل نضالنا الى مستوى جديد ‪ .‬واذا كان قد اخذ‬
‫في الفترة الاولى شكل النضال السياسي والدبلوماسي فقد كانت القاعدة‬
‫ة‬
‫الصلبة التي تنطلق منها هي انتصارات حرب تشرين ونتائجها الايجابيـ‬
‫التي تجسدت على نحو رائع في ارادة القتال لدى قواتنا المسلحة وفي الجبهة‬

‫الداخلية المتينة وبروز مكانة القطر العربي السوري ودوره الطليعي وكذلك‬
‫في مظاهر التضامن العربي الذي عكس بشكل أو بآخر وحدة المصيرو النضال‬
‫العربي في مواجهة الغزوة الصهيونية الاستعمارية ضد وطننا وامتنا ‪ ،‬وكذلك‬
‫في اتساع التأييد العالمي ‪ ،‬الذي يقابله في الجانب الاخر ازدیاد عزلة اسرائيل‬

‫وتعميق ازمتها الداخلية واحتدام الصراع والتناقضات فيها ‪ .‬وقد تجسدت‬


‫هذه الازمة في جملة التغييرات التي رافقت الحرب وتلتها ‪ .‬وبالتالي اخفاق‬
‫السياسة التي تنتهجها ووضع الفكر الصهيوني والسياسة التوسعية في‬
‫مأزق وفي طريق مسدود تبدد معه الكثير من الاوهام ‪ .‬ومن هنا كان محور‬
‫السياسة الاسرائيلية والقوى التي تساندها هو العمل لتصفية نتائج حرب‬
‫تشرين التحريرية في محاولة لتمرير هذا المخطط او ذاك في المنطقة واعادة‬

‫ترتيب الاوضاع فيها وفق ما يخدم مخططات اسرائيل التي كان من الطبيعي ان‬
‫تعود مرة أخرى الى اساليب المناورة والخداع وممارسة الضغوط ومحاولة‬
‫كسب الوقت والعمل في الوقت نفسه لتخريب الوضع العربي من الداخل ‪.‬‬
‫وكذلك بدأت تبرز في الواقع العربي بعض مظاهر الخلاف والانقسام‬
‫والاتجاهات المترددة او المتراجعة من جهة ‪ ،‬واتجاهات الهروب من المواجهه‬
‫من جهة ثانية والتي من شأنها جميعا اضعاف الموقف الصحيح الذي يتلخص‬
‫‪- ۳۲۳ -‬‬
‫· وترسيخها ببناء‬
‫في التمسك بالنتائج التي بلورتها حرب تشرين وأكدتها‬
‫اوضاع داخلية متينة داخل كل قطر عربي وتحقيق تضامن عربي فعال وموقف‬
‫عربي موحد وتعميق التأييد العالمي للعرب وتوسيع نطاقه •‬

‫لقد كان واضحا ان ما يهدد العدو هو ‪:‬‬

‫‪ - ۱‬رسوخ اهمية العمل العسكري في الفكر العربي‬

‫‪ - ۲‬تعزيز التضامن العربي ‪.‬‬

‫ـ بناء قوات مسلحة في سورية ومصر وبقية الاقطار العربية‬

‫‪ - ٤‬استخدام الطاقات العربية في المعركة ضد العدو لا في المجالات‬


‫العسكرية وحسب بل في المجالات السياسية والاقتصادية والاعلامية وما‬
‫يمكن أن يحدثه هذا الاستخدام من آثار على سياسات الدول الاخرى‬
‫الصديقة والحليفة لاسرائيل وحتى الصديقة للعرب‬

‫ه ‪ -‬بروز الشخصية الفلسطينية على المسرح الدولي‬

‫ب ـ مؤتمر القمة العربي السادس في الجزائر ‪:‬‬

‫لقد كانت وجهة نظر القطر العربي السوري بعد وقف اطلاق النار ان‬
‫المعركة لم تنته وان الموقف يقتضي العمل بكل وسيلة للمحافظة على‬

‫الانتصارات التي قدمتها حرب تشرين التحريرية وللاستمرار في استخدام‬

‫اسلحة العرب في المواجهة ولتوطيد التضامن العربي وترسيخه بعد ان اثبت‬

‫فعاليته اثناء الحرب ‪ .‬لذلك كله فقد بادر الامين العام للحزب الرفيق حافظ‬

‫الاسد رئيس الجمهورية الى توجيه عدد من الرسائل الى رؤوساء الدول‬

‫العربية مبينا فيها ضرورة عقد مؤتمر قمة عربي لدراسة الموقف العربي‬
‫والظروف المستجدة بعد وقف اطلاق النار ‪ ،‬كما بادر الى الاتصال بالرئيس‬

‫الجزائري طالبا اليه الدعوة لعقد هذا المؤتمر ولمناقشة الوضع الراهن وتحديد‬
‫مسار العمل في المرحلة المقبلة وتعزيز التضامن العربي ولقد تم عقد مؤتمر‬
‫القمة بالفعل في الجزائر بتاريخ ‪. ١٩٧٣/١١/٢٤‬‬

‫‪ - ۱‬الهدف المرحلي للامة العربية ‪:‬‬


‫ولقد نجح الرفيق الامين العام في دفع المؤتمر لوضع استراتيجية‬
‫شاملة للعمل العربي على النحو التالي ‪:‬‬
‫‪-T‬‬
‫‪ 1‬ـ التحرير الكامل لجميع الاراضي العربية المحتلة بعد عدوان‬
‫حزيران عام ‪ ١٩٦٧‬و عدم التنازل أو التفريط في اي جزء من هذه الاراضي أو‬
‫‪-- ٣٢٤ -‬‬
‫المساس بالسيادة الوطنية عليها‬

‫ب ــــ تحرير مدينة القدس العربية وعدم القبول بأي وضع من شأنه‬
‫المسماس بسيادة العرب الكاملة على المدينة المقدسة •‬

‫ج ـ الالتزام باستعادة الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني‬

‫وفق ما تقرره منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي الوحيد‬


‫الشعب العربي الفلسطيني ·‬

‫د ــ قضية فلسطين هي قضية العرب جميعا ولا يجـــــــوز لاي طرف‬


‫عربي التنازل عن هذا الالتزام وذلك ما اكدته مقررات ومؤتمرات ال‬
‫اقمـ‬
‫لقمة‬
‫العربية السابقة‬

‫‪-۲‬‬
‫ـ في المجال العسكري ‪:‬‬

‫أكد المؤتمر تضامن الدول العربية مع سورية ومصر والشعب العربي‬

‫الفلسطيني وتقديم جميع وسائل الدعم العسكري والمالي لجبهتي القتال‬

‫‪ -‬في المجال الاقتصادي ‪:‬‬

‫دعم العلاقات الاقتصادية والاستمرار في استخدام سلاح النفط‬


‫‪-‬‬
‫في المجال الدولي ‪:‬‬
‫العلاقات‬ ‫حدد المؤتمر وسائل‬
‫مع الدول الافريقية وتطويرها‬ ‫دعم‬
‫وكذلك مع دول عدم الانحياز كما وضع اسس العلاقات مع دول اوربا الغربية‬
‫واليابان في ضوء الظروف الناجمة عن الحرب ‪ ،‬وحدد كذلك كيفية التعامل‬
‫مع الولايات المتحدة الاميركية كما اكد على وجوب دعم العلاق‬
‫ات مع الدول‬
‫الصديقة ‪.‬‬

‫ه ـ في المجال الاعلامي ‪:‬‬


‫أكد المؤتمر على اهمية تعزيز التضامن العربي واقر عقد مؤتمرات‬
‫القم‬

‫ثالثا ‪ -‬الفترة الواقعة بين مؤتمر القمة وحرب الجولان ‪:‬‬

‫توالي النشاط والتحرك السياسي والدبلوماسي ‪ ،‬على نطاق واسع ‪،‬‬


‫و على مختلف الاصعدة خلال الفترة ‪ ،‬التي اعقبت انعقاد مؤتمر القمة العربي‬
‫السادس في الجزائر ‪ ،‬وسبقت بدء حرب الاستنزاف في الجولان ‪ .‬لقد انطلق‬

‫نشاطنا في هذه الفترة من قناعتنا الكاملة بأن وقف اطلاق النار لا يعني انتهاء‬
‫المعركة ‪ ،‬بل يعني ان هذه المعركة قد اخذت ‪ ،‬في الظروف الجديدة شكل‬
‫‪- - ٣٢٥ -‬‬
‫النضال السياسي والدبلوماسي ‪ ،‬وليس هناك ما يمنع من ان تعود المعركة‬
‫في اي وقت لتأخذ شكل النضال العسكري من جديد ‪.‬‬

‫وقد كان من الطبيعي ‪ ،‬انطلاقا من هذه القناعة ‪ ،‬أن يكون هذا‬


‫النشاط هادفا الى تكريس النتائج الايجابية ‪ ،‬التي حققتها حرب تشرين‬
‫التحريرية ‪ ،‬وتطوير هذه النتائج باتجاه تحقيق هدف التحرير ‪ ،‬وان يكون‬

‫هادفا ايضا الى التمسك بالتضامن العربي ‪ ،‬الذي تجلى اثناء الحرب واثبت‬
‫فعاليته ‪ ،‬والى استمرار العمل وبذل الجهود لحشد الطاقات من اجلالمعركة‬
‫المستمرة ‪•.‬‬

‫وقد زادنا حرصا على تعزيز التضامن العربي والمحافظة عليه ‪ ،‬ذلك‬
‫التراجع او التردد الذي اخذت بعض المواقف تتسم به ‪ .‬الامر الذي كان‬

‫يهدد وحدة الموقف العربي ‪ ،‬والعمل العربي المشترك ‪ ،‬واستمرار تنسيق‬


‫المواقف ‪ -‬لاسيما بين سورية ومصر ــ بخطر حقيقي‬

‫وقد زاد من خطورة الموقف استمرار المساعي الدبلوماسيةالاميركية ‪،‬‬


‫ونشاطها المتواصل واحيانا انفراد الولايات المتحدة بالتحرك السياسي في‬
‫المنطقة ‪ .‬وكان واضحا أن هدف السياسة الاميركية ‪ ،‬وهو الالتفاف على‬

‫نتائج حرب تشرين ومعطياتها الايجابية ‪ ،‬وزعزعة التضامن العربي واضعافه‬


‫وبذر الخلاف والشقاق بين الدول العربية ‪ ،‬ولاسيما بين دولتي المواجهة‬
‫سورية ومصر ‪ ،‬من اجل انهاء العمل العربي المشترك من جهة واعطاء العدو‬
‫الصهيوني الفرصة لالتقاط الانفاس وكسب الوقت ‪ ،‬حتى يعود الى سياسة‬

‫المناورة والخداع والمماطلة والتشبث بالعدوان واحتلال الارض ‪.‬‬


‫وازاء هذا كله كان لا بد للقطر العربي السوري من المبادرة الى القيام‬
‫بمساع جادة للتصدي لتحركات العدو ‪ ،‬ولمواجهة ظواهر الخلل ‪ ،‬التــ‬
‫اخذت تبرز في الواقع العربي ‪ ،‬سواء في مستوى التنسيق أو على وحـــدة‬
‫العمل المشترك ‪ .‬وقد تمثلت مساعي القطر بصورة رئيسية في العديد من‬
‫التي قام بها او حضرها وشارك‬ ‫الزيارات واللقاءات والاتصالات والمؤتمرات‬
‫في اعمالها الرفيق الامين العام للحزب وغيرهمن المسؤولين في الحزب والدولة‬
‫وكذلك في استقبال عدد من الرؤساء والمسؤولين في الدول العربيةو الاجنبية ‪.‬‬
‫في هذه الفترة بدأ الحديث عن عقد مؤتمر جنيف ‪ ،‬وكذلك اتسع نطاق‬
‫النشاط السياسي الامريكي في المنطقة ‪ .‬وكانت وجهة نظرنا أن مهمة مؤتمر‬
‫جنيف يجب أن تكون تنفيذ قرار مجلس الامن ‪ / ۳۳۸ /‬المؤرخ في ‪/١٠ /٢٢‬‬

‫‪ ، ۱۹۷۳‬الذي يعنى الانسحاب الكامل من جميع الاراضي العربية المحتلة‬


‫وضمان حقوق الشعب العربي الفلسطيني ‪ ،‬وان المؤتمر يجب ان يكون‬
‫•‬
‫وسيلة لتحقيق ذلك وايجاد الصيغ العملية لتنفيذ القرار المذكور‬
‫‪-‬‬‫‪- ٣٢٦ -‬‬
‫ولكن مجمل الاتصالات التي قام بها القطر ‪ ،‬ولا سيما مع مصر ومـ‬
‫الولايات المتحدة الاميركية ‪ ،‬قد خلقت لدينا قناعة كاملة بأنه يراد المؤتمر‬
‫جنيف أن ينحرف الى بعض القضايا الجزئية ‪ ،‬دون معالجة جوهر القضية‬

‫وفي ضوء ذلك كله فقد قررنا عدم حضور مؤتمر جنيف الذي انعقد في ‪٢١‬‬
‫كانون الاول ‪. ۱۹۷۳‬‬

‫وخلال هذه الفترة نفسها ‪ ،‬كان التنسيق مع مصر يتراجع شيئا‬

‫فشيئا ‪ ،‬رغم حرصنا على استمراره وتوطيده ‪ .‬فمن المعروف ان وقفاطلاق‬


‫النار تم على الجبهة السورية بعد ان تم على الجبهة المصرية بيومين ‪ ،‬وبعد‬

‫ان قبلت مصر وقف اطلاق النار ‪ ،‬ولم يكن هذا القبول بالتنسيق مع سورية‬
‫كما هو مفروض ‪ .‬وبعد وقف اطلاق النار بدات اتصالات مع مصر لفصل‬

‫القوات على الجبهة المصرية ‪ .‬وفي ذلك الحين لم نكن نعلم عن الموضوع‬
‫شيئا ‪ ،‬ولم تكن لدينا اية فكرة عنه ‪ ،‬ذلك ان الاحاديث المعلنة كانت تتناول‬

‫موضوع العودة الى الخطوط التي كانت قائمة يوم ‪ ۲۲‬تشرين الاول ‪، ۱۹۷۳‬‬
‫ولم تكن تتحدث عن فصل القوات •‬

‫وعندما اصبح واضحا لنا أن مصر سائرة في اتجاه فصل القوات شرحنا‬
‫وجهة نظرنا للقيادة المصرية دون لبس او غموض ‪ ،‬وكانت وجهة نظرنا هذه‬

‫تتلخص بما يلي ‪:‬‬

‫للحيلولة دون استقرار العدو ‪،‬‬ ‫‪ ۱‬ـ وجوب استمرار الاعمال القتالية‬
‫ومنعه من تحسين مواقعه ‪ ،‬ولاستمرار الضغط عليه من اجل اجباره على‬
‫الانســـــــــــحاب ·‬

‫‪ -‬لا يجوز ان يتم الفصل على جبهة واحدة فقط ‪ ،‬لان ذلك يعرض‬
‫‪– ۲‬‬
‫الجبهة الاخرى لخطر كبير ومؤكد ‪ ،‬وسيتيح للعدو فرصة الانفراد بالجبهة‬
‫الاخرى ‪.‬‬
‫ـ ان الاصرار على عدم اجراء الفصل على جبهة واحدة دون‬

‫الاخرى ‪ ،‬والحرص ‪ -‬في حالة قبول الفصل ‪ -‬على ان يتم ذلك علـــــى‬

‫الجبهتين في وقت واحد ‪ ،‬ليس من مصلحة سورية وحدها ‪ ،‬وانما‬


‫المصلحة مصر ايضا ‪.‬‬

‫لقد كان رفضنا لفصل القوات على جبهة واحدة وعدم موافقتنا عليه ‪،‬‬
‫نابعا من موقفنا المبدئي المتضمن رفض تجزئة القضية الواحدة ‪ ،‬ورفض‬

‫الخطوات الجزئية المنفردة والاتفاقات الثنائية والقائم على اساس التمسك‬


‫بكامل حقوق شعبنا ‪ .‬وكان هذا الموقف نابعا ايضا من الوعي العميق‬
‫والادراك الواضح لمدى اهمية تعزيز التضامن العربي ‪ ،‬وعدم السماح‬
‫‪- ۳۲۷ -‬‬
‫بتصدعه ‪ ،‬لأنه ضمان اساسي للحفاظ على النتائج الايجابية لحرب تشرين‬
‫التحريرية ودعمها وتطويرها باتجاه تحقيق اهدافنا الكاملة في التحرير ·‬

‫ولكن رغم ذلك كله تم توقيع اتفاقية الفصل بين القوات المصري‬
‫والاسرائليية في ‪ ، ١٩٧٤/۱/۱۸‬وجرى الفصل على جبهة واحدة هي‬
‫الجبهة المصرية‬

‫وبعد فصل القوات على الجبهة المصرية ‪ ،‬اخذ الموقف العربي يتراجع‬
‫ويفقد الكثير من صلابته ‪ ،‬وبدأ الحديث عن رفع حظر النفط ‪ .‬وفي ظل هذه‬
‫الظروف الجديدة جاء انعقاد مؤتمر القمة الرباعي ) سورية ‪ ،‬مصر ‪ ،‬الجزائر ‪.‬‬
‫‪ .‬وفي هذا المؤتمر كانت‬ ‫و ‪١٩٧٤/٢/١٤‬‬ ‫السعودية ) في الجزائر في ‪١٣‬‬
‫القيادة المصرية تحاول التخفيف من ردود الفعل ضد السياسة التي انتهجتها ‪.‬‬
‫وتسعى في الوقت نفسه الى جر العرب الى تأييد هذه السياسة ‪ .‬وفي هذا‬
‫المؤتمر أيضا طرح موضوع رفع حظر النفط عن الولايات المتحدة الاميركية ‪،‬‬
‫فعارضنا ذلك ‪ ،‬ثم بالنتيجة تأجل البحث في هذا الموضوع فترة اخرى ‪.‬‬

‫بانتظار ما تسفر عنه الجهود والمساعي المبذولة في مجال ازمة الشرق‬

‫ولكن التضامن العربي ‪ ،‬في ظل هذه الاوضاع والتطورات كلها ‪ ،‬كان‬


‫يزداد ضعفا وتراجعا وترديا ‪ .‬وكان المناخ الضاغط الذي خلقته حرب تشرين‬
‫التحريرية يفتر ويبتعد ‪ ،‬ولا سيما بعد فصل القوات على الجبهة المصرية‬

‫وحدها ‪ .‬وكان استمرار هذا الوضعيعني في نهاية المطاف بقاء القطر العربي‬
‫السوري وحيدا في مواجهة العدو ‪ .‬فكان لا بد لهذا القطر المناضل من المبادرة‬
‫مرة اخرى الى التصدي للقيام بمسؤولياته القومية واعادة التضامن العربي‬
‫الى المستوى اللائق الذي فرضته دماء شهداء تشرين ‪ .‬والمحافظة على‬

‫المعطيات والمعاني التي أبرزتها الحرب ‪ .‬وهكذا كان القرار التاريخي‬


‫الشجاع ‪ ،‬الذي اتخذه الرفيق المناضل حافظ الاسد لامين العام للحزب‬
‫بالعودة الى القتال وبدء حرب الاستنزاف •‬

‫وهكذا اندلعت معارك البطولة والشرف في هضاب الجولان ونرى‬


‫جبل الشيخ واستمرت ‪ ۸۲ -‬ـ يوما متواصلة‬

‫ج ـــ حرب الاستنزاف في الجولان وجبل الشيخ ‪:‬‬

‫‪( ١٩٧٤/٥/٣١ -‬‬


‫) ‪– ١٩٧٤/٣/١١‬‬

‫في ‪ . ١٩٧٤/٣/١١‬اصدر الرفيق الامين العام توجيهاته الى القيادة‬


‫العامة للقوات المسلحة ‪ .‬بأن تبدأ بشن حرب الاستنزاف على العـــــــدو‬

‫الاسرائيلي ‪ .‬وكانت التوجيهات واضحة ومحددة ( بان الاشتباكات يجب ان‬


‫‪- ۳۲۸-‬‬
‫تكون مستمرة ويومية ‪ ،‬ويجب ان لا تترك للعدو اية فرصة يرتاح فيها من‬
‫ضربات قواتنا المسلحة ) ‪ .‬وتنفيذا لهذه التوجيهات ‪ .‬قامت القوات المسلحة‬
‫‪-‬‬
‫‪– ۸۲ -‬‬ ‫بخوض حرب استنزاف مشرفة ‪ .‬وفقا لخطط مدروسة ‪ .‬استمرت –‬
‫يوما متواصلة‬

‫وقد حدثت في تلك الايام المجيدة من تاريخنا معارك بطولية في هضبة‬


‫الجولان ‪ .‬وفي ذرى حرمون ‪ .‬وسنعرض فيما يلي أهم الوقائع التي حدثت في‬
‫تلك الايام الخالدة‬

‫‪ -‬اهم الاعمال التي قام بها سلاح المدفعية والصواريخ ‪:‬‬


‫آ ـــ‬

‫نفذت قطاعات ووحدات المدفعية والصواريخ في الجيش العربي‬

‫السوري مهامها في حرب الاستنزاف على الوجه الأكمل ‪ ،‬وكانت اعمالها في‬
‫هذه الحرب استمرارا لاعمالها في حرب تشرين التحريرية ‪ ،‬وكانت بلا رتب‬

‫صاحبة الدور الرئيسي في الصراع مع العدو وطوال تلك الفترة‬

‫فقد قامت المدفعية بالتصدى لمدفعية العدو ومنعها من تنفيذ مهامها ‪.‬‬

‫ونفذت الرمايات المركزة على نقاط استناد العدو وعلى الهيئات الحاكمة‬
‫ومنعت الوسائط النارية فيها من التأثير على القوات الصديقة المواجهة‬

‫كما قامت بالتأثير على العدو في العمق ‪ ،‬وعلى تحشدات وتجمعات‬


‫الدبابات والعربات المدرعة ‪ ،‬وعلى مستوطنات العدو •‬

‫كما ابطلت عمل بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات ‪ ،‬ومنعتها من‬


‫تنفيذ قسم كبير من مهامها ونفذت مهمات منفردة بالتأثير على المهابط‬
‫والطائرات الحوامة ‪ .‬ومنعت برماياتها العدو من تنفيذ الاعمال الهندسية‬

‫بالتأثير على المعدات الهندسية والوسائط النارية التي تحميها‬

‫ب ـ القوى الجوية والدفاع الجوي ‪:‬‬

‫خاضت القوى الجوية والدفاع الجوي حرب الاستنزاف جنبا الـ‬


‫ج‬
‫نب مع باقي صنوف الاسلحة الاخرى ‪ ،‬مطورة اساليب الاستخدام فيضوء‬
‫الخبرات المكتسبة من حرب تشرين التحريرية ومستخدمة تكتيكا جديدا في‬
‫‪---‬‬
‫خوض المعركة الجوية بالتعاون مع كمائن الصواريخ والمجموعات الخداعية‬

‫وفي تقديم الدعم للقوات وتأمين عمل الطيران الداعم ‪.‬‬

‫وقد نفذت القوى الجوية والدفاع الجوي المهام التالية ‪:‬‬

‫ا ‪ -‬تغطية القوات واغراض مؤخرة البلاد‬

‫‪ - ٢‬توجيه ضربات جوية على تجمعات العدو ‪ ،‬بغية منعه من بناء‬


‫التحصينات وازعاجه باستمرار ‪ ،‬وذلك في منطقة الجيب والجولان وجبل‬
‫الش‬
‫ـيخ ‪.‬‬

‫‪ -‬اجراء الاستطلاع الجوي ‪:‬‬

‫لقد نجح اسلوب استخدام الكمائن بالصواريخ م‪/‬ط نجاحا كبيرا ‪،‬‬
‫فقد كانت الكتائب التي تقوم بعمل الكمائن ‪ ،‬تغير مواقعها باستمرار ‪ ،‬الامر‬
‫الذي ادى الى عدم كشفها ‪ ،‬وبالتالي عدم مهاجمتها‬
‫‪-‬‬
‫نفذت القوى الجوية خلال حرب الجولان وجبل الشيخ ـ ‪ ٦٠٠٠‬ـ‬
‫طلعة طائرة مقاتلة ومقاتلة قاذفة وحوامة ‪ .‬وحدثت خلال هذه الفترة ـهـ‬
‫اشتباكات جوية ‪ ،‬وكانت جميعها مخططة ‪ .‬وبلغت خسائر العدو الجوية‬

‫‪ ٢٤‬طائرة بالوسائط مط و ‪ ۷‬طائرات بالاشتباكات الجوية ‪ .‬وكان التدريب‬

‫مستمرا في جميع وحدات القوى الجوية والدفاع الجوي طيلة الفترة لاعداد‬
‫الكوادر وتطبيق دروس الحرب ‪.‬‬

‫ج ‪ -‬اعمال القوات الاخرى ‪:‬‬

‫قامت تشكيلاتنا المرابطة على طول الجبهة بعمليات اغارة وكمائن على‬

‫مواقع العدو في الجولان وفي قطاع التوغل وفي جبل الشيخ ‪ .‬وقد حققت‬
‫هذه الاعمال النشيطة والجريئة الغرض الذي كانت القيــــــــادة تهدف الــــــى‬
‫تحقيقه‬

‫ومن الجدير بالذكر ان هذه الغارات التي قامت بها هذه القوات المدربة‬
‫تدريبا خاصا على مثل هذه الاعمال القتالية كانت بقيادة ضباط من الرفاق‬

‫الحزبيين الذين ابلوا بلاء حسنا واستشهد عدد منهم بعد أن سجلوا بطولات‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪- ۳۳۰ -‬‬
‫خارقة سيبقى تاريخ قواتنا المسلحة يذكرها الى الابد ‪ .‬وقد حققت هذه‬
‫الاغارات كل النتائج والاهداف المرجوة منها‬

‫د ــ نتائج حرب الاستنزاف على الصعيد العسكري ‪:‬‬

‫اولا ‪ -‬بالنسبة لقواتنا ‪:‬‬

‫‪-‬‬
‫‪ ۱‬ـ ارتفاع الروح المعنوية وروح الصمود لدى كافة القوات المسلحة ‪،‬‬
‫و ازدیاد ثقة المقاتل بنفسه وعتاده وقيادته ·‬

‫‪ -‬اغناء خبرات القوات وتعميقها ‪ ،‬ولاسيما في مجال استخدام‬


‫مختلف صنوف الاسلحة ·‬

‫‪ -‬اظهار قيمة التحصين والتجهيز الهندسي في وقاية الافـــــــراد‬


‫والسلاح والعتــــــــاد‬

‫{ ‪--‬‬
‫اثبات كفاءة المقاتل العربي السوري ‪ ،‬وارتفاع سمعته على‬
‫المستوى العربي والدولي وقدرته على استخدام الاسلحة الحديثة والمعقدة ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ -‬بالنسبة للعدو ‪:‬‬

‫ا ‪ -‬كانت من أهم العوامل التي اجبرت العدو على قبول شروطالقطر‬


‫المنطقة بفصل القوات •‬

‫‪ ۲‬ـ وضعت العدو في حالة استنفار دائم ‪ ،‬ولم تمكنه من تسريح‬


‫احتياطه ‪.‬‬

‫‪ - ٣‬منعت العدو من تثبيت اقدامه في المنطقة المحتلة ومن تقوية‬


‫سينه‬

‫‪ -‬ادت الى انخفاض الروح المعنوية لدى العدو ‪ ،‬نتيجة الخسائر‬


‫الكبيرة التي وقعت بين صفوفه والقلق النفسي المستمر لافراده‬

‫‪ -‬ادت الى شل الاقتصاد الاسرائيلي ‪ ،‬نتيجة عدم تمكن العدو من‬


‫ه ـ‬

‫‪- ۳۳۱ --‬‬


‫—‬
‫تصريح احتیاطه‬

‫‪ ٦‬ــ نزوح سكان المستعمرات عن هضبة الجولان •‬

‫‪ - ۷‬ايقاع أكبر الخسائر في صفوفه ‪ ،‬سواء بالنسبة للافراد أو‬


‫المعدات او المنشآت •‬

‫هـ ـ النتائج السياسية لحرب الاستنزاف ‪:‬‬

‫لقد قامت قواتنا المسلحة بمهماتها في الحرب بكل شرف وبطولة ‪،‬‬

‫واصبحت بحق مثار اعتزاز وفخر كل مواطن عربي ‪ ،‬لا في القطر العربي‬
‫السوري وحسب ‪ ،‬بل في جميع انحاء الوطن العربي ‪ ،‬ولا سيما ان قواتنا‬
‫المسلحة قد قامت بنقل قتال الدبابات الى ذرى جبل الشيخ ‪ ،‬وهو امر ليس‬

‫له نظير من قبل ‪ ،‬ولذلك اصبح مدار حديث العالم وتناقلت اخباره وكالات‬
‫الانباء العالمية ولم تكن حرب الاستنزاف في الجولان وجبل الشيخ معركة‬
‫عسكرية وحسب ‪ ،‬بل كانت معركة سياسية وعسكرية خاضها القطر العربي‬
‫السوري بقيادة الرفيق حافظ الاسد الامين العام للحزب بكفاءة عالية ‪ .‬وقد‬
‫حققت الحرب النتائج الايجابية التالية ‪:‬‬

‫‪-‬‬
‫‪ ۱‬ـ غيرت الحرب كل الحسابات التي وضعها العدو والولايات المتحدة‬
‫الاميركية ‪ ،‬واسقطت كل المخططات التي رسمت لترتيب الاوضاع من جديد‬

‫المصلحة العدو الصهيوني وعلى حساب المصالح العربية ‪.‬‬

‫‪ ۲‬ـ توطدت مكانة القطر على صعيد الوطن العربي واكتسب وزنا‬
‫دوليا هاما ‪ ،‬وبلغت سمعته الاوج ‪ ،‬وعاد التلاحم العربي الشعبي من حوله ‪.‬‬

‫‪ -‬رغم ان رفع حظر النفط تم اثناء حرب الاستنزاف ‪ ،‬فان الموقف‬

‫الرسمي العربي لم يكن امامه خيار سوى اعلان الدعم والمساندة للجبهة‬
‫المشتعلة التي تقاتل العدو ‪ .‬ولعل خير مثال على ذلك القرار الذي اتخذه‬
‫مجلس جامعة الدول العربية المنعقد في مدينة تونس بین ‪ ۲۵‬و ‪ ۲۸‬آذار‬

‫‪ . ١٩٧٤‬وفيما يلي النص الكامل لهذا القرار ‪:‬‬

‫ان مجلس جامعة الدول العربية ‪ ،‬المنعقد على مستوى وزراء‬


‫‪- ۳۳۲ -‬‬
‫الخارجية في مدينة تونس ‪ ،‬بعد استعراضه للوضع السياسي الراهن‬
‫وتطوراته ‪ ،‬واطلاعه على تصريحات اسرائيل العدوانية الاخيرة ‪ ،‬ورفضها‬

‫الاعتراف بحقوق الشعب العربي الفلسطيني والانسحاب من الاراضي العربية‬


‫المحتلة واصرارها على تحدي القرارات الدولية وميثاق الامم المتحدة‬

‫واذ تتابع الدول العربية تطور الأوضاع العسكرية في الجبهة السورية‬


‫وصمود سورية وتصديها للعدوان واستمرارها في بذل الدماء والمواجهة‬

‫بقرر المجلس ما يأتي ‪:‬‬

‫أولا ‪ :‬استمرار العمل في تنفيذ قرارات مؤتمر القمة العربي السادس‬


‫بالجزائر ‪ .‬السياسية والعسكرية والاقتصادية •‬

‫ثانيا ‪ :‬الاستمرار في تعزيز التضامن العربي ودعم دول المواجهة‬

‫والشعب الفلسطيني ‪ ،‬لتحقيق اهداف الامة العربية في التحرير الشامل‬


‫لاراضيها المحتلة واستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني‬

‫ثالثا ‪ :‬تحية القوات المسلحة في الجبهة السورية وبسالتها وتصديها‬

‫للعدوان ‪ ،‬وتأكيد الالتزام بمساندة سورية بكل الوسائل لمواجهة جميع‬


‫الاحتمالات » ‪.‬‬

‫وقد ظلت حرب الاستنزاف متواصلة مدة ‪ ٨٢‬يوما كاملة حتى تم التوصل‬
‫الى اتفاقية فصل القوات •‬

‫رابعا ‪ -‬المؤتمر القطري الخامس الاستثنائي ‪:‬‬

‫في الفترة الواقعة بين ‪ ١٩٧٤/٥/٣٠‬وبين ‪ ١٩٧٤/٦/١٣‬انعقد‬


‫المؤتمر القطري الخامس الاستثنائي ‪ .‬وقد كان هذا المؤتمر حاسما لاسباب‬
‫عديدة أهمهـ‬

‫‪ - ۱‬اول مؤتمر ينعقد بعد قيام حرب تشرين التحريرية ‪.‬‬


‫‪ ---‬تحديده لاسس عمل المرحلة التالية للحرب‬
‫‪ ۲‬ـــ‬

‫‪- ۳۳۳ -‬‬


‫وفي هذا الصدد اتخذ المؤتمر بالاجماع القرار التالي ‪:‬‬

‫‪ - ۱‬ان مشروع اتفاقية فصل القوات يمثل خطوة هامة على طريق‬
‫تحقيق الاهداف المرحلية للنضال العربي والمتمثلة بالانسحاب الكامل من‬
‫الاراضي العربية المحتلة وضمان حقوق الشعب العربي الفلسطيني‬

‫‪ - ٢‬ان هذه الخطوة الهامة فرضتها تضحيات شعبنا وبطولاتجيشنا‬


‫ودماء شهدائنا في المعارك الظافرة التي خاضتها امتنا العربية في حرب‬
‫تشرين التحريرية وفي استمرار هذه الحرب على هضاب الجولان وذرى‬

‫جبل الشيخ ‪.‬‬

‫ان هذه الخطوة تشكل قاعدة راسخة ننطلق منها في ظروفافضل‬


‫واكثر ملائمة لمتابعة نضالنا في مختلف المجالات لتحقيق اهداف شعبنا وامتنا‬
‫ولهذا يقرر المؤتمر بالاجماع ‪:‬‬

‫ـ الموافقة على مشروع اتفاقية فصل القوات على الجبهة السورية ‪.‬‬

‫ب ــ يسجل باعتزاز للرفيق الامين العام للحزب دوره الفعال والرائع‬

‫في قيادة المرحلة النضالية عسكريا وسياسيا وبقدر الجهود الكبيرة التي‬

‫بذلها للوصول الى النتائج الهامة التي بلغناها على طريق مسيرة شعبنا‬
‫وحزينا‬

‫ج ـــ يحي المؤتمر قواتنا المسلحة وشعبنا الصامد ويحي باجلالارواح‬


‫شهدائنا الابطال •‬

‫ولقد رأى المؤتمر ان اتفاقية فصل القوات ليس الا جزءا وخطوة على‬

‫طريق الانسحاب الشامل ‪ .‬وهي بهذا المعنى ليست اتفاقية سلام ولكنها‬
‫خطوة على طريق السلام الذي لا يمكن ان يتحقق الا على اساس انسحاب‬
‫القوات الاسرائيلية وضمان الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني‬
‫وفق ما نصت عليه الاتفاقية ذاتها التي تقوم على ضرورة تنفيذ قرار مجلس‬
‫الامن رقم ‪ ۳۳۸.‬ومن هنا فان ما حققته الاتفاقية يعتبر نجاحا هاما ونصرا‬
‫كبيرا ما كان له أن يتحقق لولا صمود القطر العربي السوري ونضاله‬
‫وتضحياته ولولا القيادة المبدئية الحكيمة والشجاعة للرفيق القائد حافظ‬
‫الاسد الامين العام للحزب رئيس الجمهورية‬
‫‪-‬‬
‫‪- ٣٣٤ -‬‬
‫اما اهم اسس عمل المرحلة التالية كما اقرها المؤتمر فهي ‪:‬‬

‫―‬ ‫‪1‬‬
‫اعتبار أن ما تحقق في المرحلة الاولى على اساس اتفاقية فصل‬
‫القوات ما هو الا خطوة أولى على طريق تحقيق هدف تحرير جميع الاراضي‬
‫العربية المحتلة في عدوان حزيران عام ‪ ١٩٦٧‬وضمان الحقوق الوطنية‬
‫المشروعة للشعب العربي الفلسطيني ومواصلة النضال من اجل تحقيق‬
‫الانتصار الكامل على الصهيونية واسرائيل والقوى الاستعمارية التي‬
‫تساندها لاستعادة الحقوق التاريخية المشروعة الكاملة للشعب العربي‬
‫الفلسطيني في ارضه ووطنه ·‬

‫‪ -‬ممارسة العمل الدبلوماسي والسياسي بصورة نشطة وفعالة‬


‫في اطار تحقيق الهدفالمرحلي ومواصلة بناء القدرة الذاتية عسكريا واقتصاديا‬
‫وسياسيا وعلى مختلف الاصعدة منطلقين من استمرارية المعركة مع العدو ‪.‬‬

‫‪ -‬متابعة تركيز الجهود باتجاه العدو الرئيسي وتجنب المعارك‬


‫الهامشية والجانبية على اساس استراتيجية حشد الطاقات والعمل من‬
‫اجل تحقيق أي خطوة وحدوية ممكنة وتدعيم التضامن العربي ‪.‬‬

‫{‬
‫ـ اعتبار مصالحنا الوطنية والقومية هي منطلقا دائما في عملنا‬

‫الدبلوماسي والسياسي وفي علاقاتنا الدولية ‪.‬‬

‫‪-‬‬
‫‪- ٣٣٥ -‬‬
‫الفهرس‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬

‫مقدمة المنهاج‬

‫العالم الثالث ‪ :‬واقعة وآفاق تقدمه‬

‫‪۲۹‬‬ ‫حركات التحرر في العالم الثالث‬

‫‪01‬‬ ‫الصلة العضوية بين حركات التحرر في العالم الثالث‬


‫}‬

‫حركة عدم الانحياز ودورها في العالم الثالث‬

‫‪Vo‬‬ ‫تاريخ الحركة الصهيونية‬

‫‪١٣٥‬‬ ‫الصهيونية وعلاقتها بالاستعمار والامبريالية‬

‫‪١٦٧‬‬ ‫اسرائیل ‪ -‬واقعها ‪ -‬والصراع العربي الاسرائيلي‬

‫القضية الفلسطينية‬

‫‪۲۰۷‬‬ ‫الامبريالية ودورها في التجزئه والتخلف‬

‫‪۲۲۷‬‬ ‫التخلف والتبعية وعلاقتها بالتجزئه‬

‫‪٢٦٣‬‬ ‫الجبهة الوطنية التقدمية‬

‫‪٣١٥‬‬ ‫حرب تشرين التحريرية‬

‫‪--‬‬
‫‪- ٣٣٦ -‬‬
‫واحدة‬
‫‪ .‬ف ر خ‬
‫ات سالة الدة‬

‫ة شتراكية‬
‫ري ا‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫"‬

‫·‬

‫طبوعات مكتب الاعلاموالنشفري القيادةالقومية‬

‫مطابع الادارة السياسية‬ ‫مات‬

You might also like