Professional Documents
Culture Documents
يتعلق األمر إذن بمهمة المترجم ودوره في تفعيل الحوار بين الثقافات ،وأيضا في ترسيخ مف اهيم
وتصورات يمكنه ا أن تفي د في معالج ة قض ايانا السياس ية واالجتماعي ة .فم ا هي إذن الرهان ات المعرفي ة
والسياسية لترجمة الفلسفة السياسية الحديثة والمعاصرة.
لقد تم الربط بين لفظتي مهم ة ومس ؤولية ،وه ذا الرب ط يحيلن ا على ف التر بني امين ،وعلى نص ه
الموسوم بـ"مهمة المترجم" .وبالرغم من أن السياق الذي تندرج فيه أطروحة ه ذا المفك ر ،يتمح ور ح ول
العالقة الحميمية بين اللغات ،وحول اللغة الخالصة ،وعالق ة الترجم ة بالحقيق ة ،وه و م ا ال يس مح س ياقنا
بمجاراته ،إال أن مهمة Aufgabeتحيل على لفظة حل ،Auflosungبمعنى أن مهمة المترجم تتحدد في
مواجهة مشكلة يجب حلها .وبهذا المعنى نتحدث عن مسؤولية المترجم ،وعن رهاناته المعرفية والسياسية.
-فعلى المستوى المعرفي :هناك حاجة ماسة لالطالع على مف اهيم الحداث ة السياس ة وقض اياها.
يوجب أن تكون هذه العملي ة انتقائي ة ح تى تس تجيب لمنتظ رات مجتمعاتن ا .وبم ا أن األم ر يتعل ق بره ان
وباستراتيجية ،فإنه يتجاوز فعالية الفرد (وهو المترجم) ليصبح موكوال إلى المؤسسات الثقافية واألكاديمي ة
(الجامعة ،وزارة الثقافة ،ووزارة التربية الوطنية إلخ ).لتفعيل عملية االنتق اء ،ولتش جيع الترجم ة في ه ذا
االتجاه.
-وعلى المستوى السياسية :تتجلى أهمية ترجمة قضايا الحداثة السياس ية ،في تحدي د مس ؤوليات
رجل السياسة ،وفي رسم التوجهات التي يمكن للفاعلين في الحقل السياسية والمجتمعي االس تئناس به ا؛ إذ
ال يمكن للخطاب السياسي حول الحداثة والديموقراطية والعدالة االجتماعية والحكام ة والسياس ة ،أن يس تم
بالمصداقية ما لم يكن مؤسسا على معرفة متكاملة بهذه المبادئ ،وبإمكان أجرأتها على أرض الواقع .وهن ا
تكمن المسؤولية السياسية للمترجم الذي يتعين عليه أن يك ون واعي ا به اتين الض رورتين :االبس تيمولوجية
والعملية.
هكذا ،فإن عالقة المترجم بالسياسي لن تكون أقل أهمية من عالقة الفيلسوف أو العالم بالسياس ي،
بالرغم من اختالف المواقع والسياقات .وس واء تعل ق األم ر بمس ؤولية معرفي ة أو سياس ية ،ف إن "مهم ة"
المترجم لن تكون ذات فعالية ،ما لم تكن مدعمة بمؤسس ات الترجم ة المقتنع ة بض رورة انفت اح مجتمعاتن ا
على الحداثة السياسية والفكرية عموم ا ،باعتباره ا ش رطا للتق دم االجتماعي ة ،ولع ودة الثق ة بين الش عوب
والسلطات والنخب السياسية وأيضا لع ودة روح المواطن ة المؤمن ة بالمص لحة العام ة وك ذلك ،لس يادة قيم
التعاون والتشارك والتسامح ،بدل قيم األنانية والنفعية والزبونية والتعصب.
وختام ا نق ول ،إن مس ألة الترجم ة ،وتحدي دا ترجم ة الفك ر السياس ي الح ديث والمعاص ر ،ال
تنفصلعن المسألتين الثقافية والسياس ية؛ ل ذلك ،ف إن إق رار ثقاف ة ديموقراطي ة بمجتمعاتن ا ،رهين باإلس هام
الفاعل للمثقفين الحاملين للقيم العقالنية والحداثية (ومن ضمنهم المش تغلون في حق ل الترجم ة) في ترس يخ
هذه الثقافة ،مدعمين في ذلك من قبل المؤسسات الثقافية والعلمية :والتنظيمات السياس ية والجمعوي ة .وألن
لكل زمن ترجمته ،ولكل ترجمة زمانها ،على حد تعبير الطاهر لبيب ،فإننا نعتقد بأن الض رورة التاريخي ة
تقتضي بذل كل من المترجمين ومؤسس ات الترجم ة ،مجه وداتهم بق در كب ير لمنتظ رات مجتمعاتن ا ،على
المس تويات السياس ية واالجتماعي ة والثقافي ة( .وبالمناس بة ،نثمن العم ل ال ذي تق وم ب ه المنظم ة العربي ة
للترجمة ،والتمثل في إصدار مؤلفات عديدة ذات صلة بالفلسفة والفلسفة السياسية والسوسيولوجيا واق تراح
أعمال ضمن هذه الحقول المعرفية للترجمة ،وكذلك مباشرة للمشروع الضخم لترجمة أعمال ماكس فيبر).
طبعا ،إن هذه العملي ة في حاج ة باألس اس إلى إرادة سياس ية ،وإلى دعم المؤسس ات االقتص ادية
والمالية لمشاريع الترجمة الهادفة إلى ترسيخ القضايا السياسية واالجتماعية والثقافي ة المس تجبية لرهان ات
مجتمعاتنا وحقلها في التقدم والتنمية.
وهذا ليس بالمطلب اليسير ،خصوص ا في ظ ل احت واء الس لطة السياس ية للمثقفين ،واس تمرارية
القطيع ة بين ع دد كب ير منهم وش ريحة عرض ية من أف راد الش عب ،والب ون الشاس ع بين م واقفهم المعلن ة
والس لوكات الص ادرة عنهم .وم ع ذل ك ،يح ق لن ا أن نحلم ،وعس ى أن يك ون الحلم ب ادرة ليقظ ة فكري ة
واجتماعية حقيقية.
عز الدين الخطابي ،حركة الترجمة العربية ،ص ،31مؤسسة الملك عبد العزيز ،البيضاء