Professional Documents
Culture Documents
رهان الترجمة واليات النص الديبلوماسي
رهان الترجمة واليات النص الديبلوماسي
مقدم ـ ــة
لئن كانت املقولة الرائدة اليت مؤداها أ ّن " جوهر الرتمجة احلقيقية" ختتصر مرامي االشتغال وما
تصبو إليه الرتمجة ،من تكشف للقصديات املطلقة للغة املصدر ومن مكنة لنقلها إىل اللغة اهلدف،
حيث تصبح حدود القول حقيقته وذاته واجلوهر الذي يأىب التشذير ،فأن الرتمجة تنهض على جدلية
التنازع الذي تؤديه ثنائية مطاردة قصديات القول املطلقة للغة املصدر ،وخصيصة احلضور الفين
واإلبداعي الالمتناهي للمرتجم.
ومن هنا ،فإن الرتمجة باعتبارها نشاطا ديناميا ينهض على مسلكي ملكات اللغة وضروب
اإلبداع ،اليت تعتد بقدرة التقصي والتحليل والتفسري ومكنة التواصل ملطاولة تطابق املرتادفات
واملدلوالت ،ونقل األفكار واحملموالت عرب حركية النقل والرتجيع ،حبيث يظهر اشتغال املرتجم متميزا
عرب تفرده ،يف التعامل مع جواهر الكلم ومؤديات املعىن ،معززا بذلك ألمناط معرفية متجددة ،وكاشفا
عن مهارة إنسانية أخرى تعقب دور التقمص وتتجاوز فعل احملاكاة والنسخ .ليُظهر إىل الوجود ،نصا
جديدا ،متميزا ،فريد اللغة ،حيمل خصوصيات ينماز هبا ،ويوحي يف جوهره بأنه مطابق متاما لروح
النص األصلي املرتجم.
وفق هذا املأخذ ،فإن قيمة الفعل الرتمجي ال تكمن يف تقفي أثر املقابالت الداللية وفك
مستغلقات النصوص واخلطابات ،وال حىت يف صناعة التماهي مع ثقافات اللغة الثانية وتعضيد
احلضور العالئق بني أصحاهبا ،وإمنا هي جتلي آخر يؤديه املرتجم من خالل إعادة تشكيل النصوص
ومضامينها ،وأبعادها التصورية ارتكازا على براعة األداء يف مطاولة ختوم املعرفة والفكر ومنذجتها بوعي
وتشوف ،وقوة واقتدار يف تطويع املدركات ومتثيلها ،حبسب متوضعها السياقي والتحوالت اليت تؤديها
ظرفية الزمان واملكان ،وحقول االشتغال.
أ
مقدمــة
إ ّن ما يشهده العامل اليوم من تسارع وتطور تكنولوجي ،كان له األثر الواضح على مجيع مناحي
السياسي -أوفر
السياسية ،وقد كان هذا األخري –اجملال ّ احلياة االقتصادية ،واالجتماعية ،والثّقافية و ّ
حظا يف االستثمار من األدوات املعرفية ،باعتباره جماال جامعا تٌؤَكد به كينونة اجملتمعات ومتوقعها،
وترسم به حضور باقي اجملاالت حضورها وتستمد منه قوهتا ،وفق مرجعية البعد احلضاري ومعامل
التشكل الثقايف بكل أبعادها.
السياسي حافال بزخم من التنوع الفكري واإليديوجلي يف ظل ما تؤديه حركية وملا كان احلقل ّ
العالقات بني األقطار والدول عرب خطية التنازع والصراع والتفاهم والتحالف اليت جعلها اهلل سنة من
َّاس إِنَّا َخلَق َٰنَ ُكم ِّمن ذَ َك ٍر َوأُنثَ َٰى َو َج َعل َٰنَ ُكم ُشعُوبًا َوقَبَائِ َل
سننه الكونية ،استشهادا بقوله تعاىل ﴿أَيُّ َها ٱلن ُ
يم َخبِريٌ ﴾ ،كان من الضروري بل من األكيد ،أن ِ ِ لِتَ عارفُوا إِ َّن أَكرم ُكم ِع َ ِ
ند ٱللَّه أَت َق َٰى ُكم إ َّن ٱللَّهَ َعل ٌ ََ ََ
حتتجز الرتمجة دورا رائدا ضمن هذه احلركية بوصفها وسيطا ،يشتغل على إحداث عملية الربط
والتعضيد وبناء جسور التناقل والتالقح بني اجملتمعات تساوقا مع األغراض اليت تتغياها السياسات
والتوجهات االسرتاتيجية للدول ،تنهض على الذرائعية الرباغماتيه .وذلك عرب التعامل مع النص
السياسي البيين باالرهتان إىل ما يتوافق مع األغراض النفعية وما خيدم التوجهات الكربى ،دون إرباك
ملضامني اللغة يف عملية حتويل منظمة ومسطرة سلفا.
السهلة امليسرة،
السياسي مبا فيها النص الدبلوماسي ليست بالعملية ّ
ال ضري أ ّن ترمجة اخلطاب ّ
بل هي عملية ذهنية معقدة تتحكم فيها عوامل املتغري السياسي الرباغمايت ،إذ تعمل على توجيه
السياسي الذي يستمد مشروعتيه من سلطة القرار ،وال
املرتجم إىل املعىن األقرب الذي يفيده اخلطاب ّ
لسلطة أل ّن اخلطاب سيخرج رمبا إىل احملضور وسيتجاوز حدود
ميكن حبال من األحوال تقويض تلك ا ّ
الرتمجة هبذا املنظور خاضعة لفلسفة ال ّدولة وعلى العاملني يف حقلها العمل
املعىن الكائن ،لتصبح ّ
الرتمجي يندرج حاليا ضمن ال ّرتمجة املوجهة
بضوابط إيديولوجية وقومية معينة ،وهذا ما جعل الفعل ُّ
سياسيا وإيديولوجيا.
ب
مقدمــة
وتبني الدراسات أن الرتمجة الدبلوماسية تصنع احلدث السياسي مبا يتوفر يف املرتجم من حتكم
ّ
ٍ
وضبط للسنن الثقافية املتنوعة كون العامل الدبلوماسي عاملاً مغلقاً جداً ،ويتعذر على الغرباء الوصول
حممي برجال أم ٍن
إليه؛ فالقنصليات تتمتع حبراسة أمنية متعددة األبعاد؛ ألهنا فضاءٌ مكاني دولي ي
ميثلون ذلك البلد ،وتأسيساً على هذا ،فإن السفارة منطقة دوليةٌ على الرغم من حلوهلا يف غري بلدها
جغرافياً ،األمر الذي يوضح جبالء ،أن املؤولني الفوريني قلةٌ يف هذه األماكن السياسية .هناك مفارقةٌ،
إذن ،على الرغم من الدور امليتاسياسي الذي تلعبه الرتمجة الفورية يف السفارات فإن عدداً قليالً منها
األصلي يتقنون أكثر
ّ يتوفر على خدمات ترمجة حتريرية وشفهية ،وإمنا تعتمد على مرتمجني من البلد
صوان السابقة.
تبني دراسة األستاذ فرح حممد ّ
من لغة كما ّ
ومن هنا ،فكيف ميكننا أن نتصور الفضاء الثقايف الذي يعزز من الفعل الرتمجي الدبلوماسي؟.
ال خيتلف اثنان يف كون العامل اليوم ،جينح حنو حتقيق العدالة والسالم الدوليني اهلادف إىل حتقيق
املصاحل العامة اليت تضمن استقرار العالقات الدولية ،وإلجناح صلة القرابة بني بلدين خمتلفني من
العرق واللغات والثقافات انربت السياسات اللغوية إىل إذكاء الوعي بالقيمة الرتمجية الفورية
حيث ُ
ذات املقومات الرامية إىل حكمنة السياسات وعقلنتها ،متوخية من وراء ذلك ،التطور ومواكبة
اطي
احلدث العاملي الذي حتتم على الدول االخنراط فيه .وإلجناح الرتمجة الفورية يف سياق سياسي دميقر ّ
رحب ،قامت أجهزة الدولة بانتقاء ترمجانيني (مؤولين )Interpretersيتوفر فيهم قدر ٍ
عال من ٌ
الدراية اللغوية لتحقيق اخلطاب السياسي أهدافَهُ النوعيةَ يف نظرة استشرافية يدوُم ُوُّد َها وتؤيت مثارهاَ يف
املشهد السياسي املعاصر الذي جيلب معه نقالت نوعية على الصعيد االقتصادي.
ال جنانب الصواب ،إذا أقررنا أن الرتمجة الدبلوماسية تعد من أكثر األنشطة اليت ميارسها املرتجم
تعقيدا وتشعبا يف العصر احلديث من حيث أهنا تتطلب تضلعا معرفيا وثقافيا من جهة ومن جهة
أخرى تستلزم استشعارا مببادئ أخالقيات املهنة أثناء املمارسة ،وتتميز بأهنا هتتم حسب أولوياهتا
بتحقيق املصاحل الوطنية وهتذيب العالقات بني الدول من خالل صناع القرار والدبلوماسيني أنفسهم
ج
مقدمــة
وبني الشعوب احملكومة والرأي العام احمللي .ولذلك فهي تكتسي طابعا سياسيا حساسا ومتثل مطلبا
لغويا ذا أمهية يف توجيه اخلطاب الدبلوماسي ،وهذا ما جيعلها تتسم مبعايري اليت تصدق على الرتمجة
العامة ،لذلك فالتحديات اليت تواجه هذا االختصاص تتخطى املناورات اللغوية من لغة إىل أخرى كي
تصبح مرتعا لتالعبات ذات عواقب وخيمة.
ومع تسارع وترية التطور العلمي والتكنولوجي وتداعيات العوملة يف خمتلف مناحي احلياة
اإلنسانية ،أصبحت الرتمجة من بني األنشطة الفكرية املعاصرة اليت ميارسها اإلنسان متوخيا من خالهلا
خدمة العلم واحلضارة ،ذلك ألن الرتمجة يف نظرنا ال ميكن أن ينجزها العقل االصطناعي ،لكوهنا
حتمل يف طياهتا خصوصية الدفء اإلنسان .حيث تنقسم الرتمجة الدبلوماسية إىل نوعان كتابية
وشفوية ،إما الكتابية فتشمل املعاهدات واالتفاقيات اليت جتمع الدول ،والشفوية ،عندما يكون هناك
خطاب دبلوماسي ،ويعمل املرتجم على ترمجته بطريقة متزامنة .على الرغم من تعدد الكتابات عن
الدبلوماسية والعمل الدبلوماسي ،فإن القليل منها هو الذي يعاجلها يف ضوء املتغريات اليت حلقت
بالعامل ،وبشكل خاص الثورة املعلوماتية والتكنولوجية ،فضالً عن التحوالت الثقافية والسياسية
واالقتصادية ،األمر الذي كان له أبلغ األثر على مفهوم الدبلوماسية وأدائها .ونعتقد أن هذا الكتاب
إمنا يلىب هذه احلاجة ،ويفي مبتطلبات العمل الدبلوماسي للقرن الواحد والعشرين ،وحيدد مفاهيمه،
ويقدم دليالً للمشتغلني به ،ويشرح كيف تغري العامل.
وبالنظر إىل كون الرتمجة جسرا تواصليا بني الشعوب واألمم ،فهي بذلك تُعترب عمال مستقال
بذاته ،فهي تقوم أساسا على اإلبداع واقرتاح احلس اللغوي الرفيع ،وانتقاء املفردات والتعابري املناسبة،
كما تقوم أساسا على القدرة الفاعلة على تقريب الثقافات ،واحلضارات املختلفة ،فهي جتمع عددا
كبريا من بين البشر ،وحتثهم على التواصل واالستفادة من خربات بعضهم البعض ،ومن خمتلف جتارب
اإلنسان عرب مسريته الطويلة ،ومن مث جندها تسهم يف تناسق جهود الفرد ،لتجعلها جزءا مفيدا من
جتارب اجلماعة ،وكل ذلك يهدف يف النهاية إىل بناء حضارة إنسانية متكاملة.
د
مقدمــة
وملا كان التحاور بالكالم مشافهة عادة يسبق عملية الكتابة ،كانت الرتمجة الشفوية سابقة
للرتمجة التحريرية وأكثر تداوال واستعماال منها ،ومبا أن لغات شعوب العامل وحىت ثقافاهتا خمتلفة
ومتباينة ،فقد كانت الرتمجة الشفوية سبيال فعاال خباصة بالنسبة للعملية الدبلوماسية ،وما تعلق
بعمليات إبرام املعاهدات واالتفاقيات وإحداث التقارب بني الشعوب واألمم فأصبح من الضروري
ايالء عناية بالغة بالروابط الفكرية والتواصلية اليت والعمل على تطوير طرق التعامل ،واالحتكاك ،األمر
الذي يساعد هذه العملية اليت يقوم هبا الرتمجان يف غالبية األحيان ،وليس املرتجم ،ألن املرتجم
يتعامل يف بعض احلاالت مع نص مكتوب أصال ،أما الرتمجان يف هذه احلال ،فقد يتعامل مع نص
مشفوه يتلقاه مساعة ،فيرتمجه ترمجة فورية وانطالقا مما سبق ارتأينا أن نقوم بتحليل عميق للرتمجة
الشفوية الدبلوماسية ،مركزين على أنواعها ،وخصوصياهتا ،من خالل موضوع حبثنا األكادميي املوسوم
ب :آليات الرتمجة الدبلوماسية -دراسة حتليلية لعملية الرتمجة الدبلوماسية ،ومن مث حماولة صرب آليات
هذه الرتمجة.
وعلى هذا األساس ميكن أن نبلور اإلشكالية اليت ننطلق منها يف هذه الدراسة يف مجلة
التساؤالت اآلتية:
-ماهي مميزات وخصائص النص الدبلوماسي وهل تنطبق عليه الصفات اليت تنطبق على غريه
من النصوص األخرى من حيث البنية وتركيب اجلملة ومن مث الوظيفة؟
-كيف يتعامل املرتجم مع النص الدبلوماسي هل مييل إىل احلرفية أم إىل التكييف وما هي
السبل والطرائق اليت تعينه على جتاوز إشكاالت التلقي؟
-ما موضع املصطلح يف هذا النوع من النصوص وهل املعاجم ثنائية اللغة كافية للوقوف على
ترمجة املصطلح الدبلوماسي ذي الصبغة السياسية ال حمالة؟
-هل يلعب السياق دورا فاصال يف فعل االختيار واختاذ القرار أمام األلفاظ ذات الشحنة
الثقافية أو الكلمات ذات البعد الثقايف؟
ه
مقدمــة
ومما ال شك فيه أن احلاجة أصبحت ملحة إىل توافر عملية ترمجية متخصصة متكننا من تأسيس
عالقة ود بني طرفني عن طريق الرتمجان ،لتذليل عملية التواصل يف هذه احملافل الدولية اليت قد تعاجل
مواضيع حساسة ،ومصريية واليت جتمع شذرات احلضارات البشرية بعضها ببعض ،وتفضل التقارب
واللقاء ،الذي يسهم يف إحداث التقارب والتعايش بني الشعوب.
واجلدير بالذكر ان عملية الرتمجة اجليدة الناجحة تقوم أساسا على مستوى حسن الفهم العميق
لرسالة النص األصلي ،وبالتال تفهم الكلمات تفهما جيدا ،حبيث تتم إزالة كل ما يتعب الذاكرة ،أو
ما يبعث على االلتباس ،لتأيت النتيجة مقبولة ،ولنتمكن من طرح التساؤل التال :ما لذي جيب أن
نرتمجه لنحقق النجاح يف عمليتنا..؟ الكلمات أم املعىن العام..؟ إذ ال يُقبل ترمجة النص كلمة بكلمة،
قد يوصف عملنا بالرديء ،ألن املطلوب منا أن نتابع السياق العام للنص ،وذلك ليبقى جوهر النص
مضمونا ،كما جيب على املرتجم أن يكون ذكيا يف تناوله ملوضوعه ،وتنظيم تسلسل األفكار داخل
النص املكتوب باللغة املصدر ،لتتم ترمجته إىل اللغة اهلدف حبكمة شافية.
إن التواصل الدبلوماسي بني األمم والشعوب ،أساس بناء احلضارات ونشأهتا وقد كان سببا
مباشرا كذلك لشن احلروب ،ويف الوقت نفسه النتهائها ،ولكن باختالف األجناس ختتلف العقائد
والثقافات وكذا اللغات ،ومن أجل املصلحة وجب على خمتلف اللغات والثقافات املتنوعة أن جتتمع
من أجل النقاش العميق ،املسهم يف حل النزاعات فيما بينها ،يف حني تبقى اللغة هي النهر الذي
يفصل بني الضفتني وما من سبيل لعبوره إال بتعلم لغات بعضنا البعض ،تلك اللغات وثقافاهتا وليس
تعلم قواعدها ومعامجها فحسب ،وهذا جسر ال يسهم يف صنعه إال املتمكن العارف باللغتني أال وهو
املرتجم /الرتمجان ،ألن العمل الدبلوماسي متلؤه األفكار السياسية اهلادفة وألن الدبلوماسيني حيرصون
دوما على وصول وجهة النظر إىل الطرف األخر بدقة ووضح ،فالدبلوماسية تتأسس على احلوار
وليس على املواجهة ،فيجب أن ترتجم النوايا بشكل صحيح كما يقال ،ذلك ألن حاجة
الدبلوماسيني ،ومبتغاهم يهدف إىل فهم بعضهم البعض ،يف نقاش واضح وشفاف ،فالرتمجة هنا تبدو
و
مقدمــة
عامة ،شاملة تقوم على نقل كل ما يقال يف تلكم اللقاءات اليت جتمع األطراف ،فيتعني على الرتمجان
دائما أن ال ينسى أنه يتحاور ويبذل كل جهده لكي يندمج مع احلوار امللقى ،فحني يرتجم جيب
عليه أن يُشعر املستمع وكأنه يتلقى النص مباشرة من املتحدث ،وهذا ال يتحقق إال إذا كان مستوى
تركيز الرتمجان كبريا يف إيصال النص ،فيجب أن ينصهر معه إىل حد أنه يرتجم كل شيء حىت طريقة
كالم املتحدث واحلركات اليت يقوم هبا ،فيشعر وكأنه هو الذي يلقي اخلطاب ،بناء على كل ما
سبق ،بات واضحا أن الرتمجة الدبلوماسية خيتلجها كثريا من الصعوبات والعقبات اليت تعيق عمل
املرتجم ،فقد يقع يف مشكلة التعرف على بعض األلفاظ املستعملة من طرف املتلقي يف كثري من
احلاالت.
وقد جاء اختياري لهذا الموضوع ،لعدة أسباب منها املوضوعي ،ومنها الذايت فاألسباب
الذاتية منها حيب الكبري للرتمجة عموما ،وللدبلوماسية خصوصا ،ألنين أعتربها من املهن الراقية ،اليت
قد يقوم هبا الرتمجان يف احملافل الدولية ويف املؤمترات ،وكذا لوجود حافز مهم يف عملية الرتمجة يف حد
ذاهتا ،كوهنا تؤسس عالقة بني أمتني لكل منهما ظروفها السياسية ،وعالقاهتا الدولية ،أما الدوافع
املوضوعية فألن هذا املوضوع قليال ما وجدنا أحباثا مثله ،أعتقد جازمة أن قلة قليلة من الدارسني
احملرتفني هلذه املهنة الشريفة ،املتمثلة يف الرتمجة قد توجهوا إىل هذا احلقل الصعب ،ودليلي على ذلك
أنه ال توجد أحباث يف مكتبة جامعة وهران حول هذا املوضوع الصعب ،وقد جلت عدة جامعات
جزائرية ومل أعثر على حبث واحد ،وعليه فإن اجلهد الذي سأبذله هنا قد يفتح الطريق أمام زمالئي
الباحثني مستقبال.
ولتحقيق هذه الرغبة العظيمة ،وبالتال إجناز حبث ارتأيت أن أطرح اإلشكالية التالية :كيف
ميكن لرتمجان متخصص يف اللغة الدبلوماسية أن يبلّغ خطاب املتحدث ،حتت تأثري النص املكتوب
وضغط الوقت احملدد جدا..؟ وكذا راودتين بعض التساؤالت العميقة يف املوضوع ،كما وأن هناك
بعض األسئلة املهمة واجلوهرية ،من تلك اليت تساعدنا على إماطة اإلهبام القائم حول قضية
ز
مقدمــة
التخصص يف ترمجة بذاهتا ،طبعا أكثر من ذي قبل ،كما وأنين سأحاول أن أقف مطوال مع قضية
العمل الدبلوماسي ،ماهيته ،خصوصياته ،وما ينجر عنه خالل عملية ربط ما قد نسميه اختالفا حول
هذه الرتمجة الفورية املتعلقة بالدبلوماسية.
ولإلجابة عن مجيع هذه التساؤالت املطروحة ،ومن مث اخلوض يف غمارها ،وفق عملية منهجية،
مرتبة ،تنظيما وتنسيقا ،اقتضى األمر تقسيم هذا البحث إىل مقدمة ومدخل وخامتة ومخسة فصول
جاءت على النحو التال :مدخل :عنونته ب ( نحو عولمة :الدبلوماسية والترجمة ) وقد أوجزت
فيه أهم املصطلحات املتعلقة مبوضوعي ،وتوقفت مع حتليل ملقصدية العوملة يف زمننا ،مث انتقلت إىل
الفصل األول واملعنون ب :الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص وسأحبث يف تارخيها ،وأنواعها،
وأقف مطوال مع مراحلها التارخيية اليت ازدهرت فيها العالقات بني األمم والشعوب ،كما سأتعرض إىل
أنواعها ،وسأطرق يف هذا الفصل األول عديد العناصر اليت أراها جوهرية يف عملية البحث ،أمهها:
-1ماهية مصطل ح دبلوماسية -2 ،الدبلوماسية :يف حدود املفهوم -3.حمطات يف تاريخ
الدبلوماسية -4 ،مفهوم التمثيل الدبلوماسي -5الدبلوماسية احلديثة يف عصر العوملة ،وأعقب كل
مبحث بتعليقات منهجية مرتبة ،ألثبت أو أنفي ما أريد الوصول إليه.
أما الفصل الثاني واملوسوم ب " :الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي فسأقف فيه
على مسائل الرتمجة الفورية املتخصصة املرفقة بنص ،املؤسسة الرتمجة الفورية الدبلوماسية العادية،
وسأتطرق إىل تعريفات متنوعة وخمتلفة هلذا النوع من الرتمجة ،واهلدف من وراء ذلك ،هو معرفة ما
قال خبصوصها أكرب الباحثني يف هذا اجملال احليوي ،كما سأعرض بعض الصعوبات اليت تواجه
الرتمجان الفوري ،يف مسائل الدبلوماسية ،واليت قد تعيق العملية بأكملها ،وتقف حاجزا يف وجه
عملية إيصال الرسالة إىل املتلقي ،وبعد ذلك سأعرض وجهة نظر البحث خبصوص كل مسألة،
وأناقش اآلراء ،أرد على بعضها ،وأساند بعضها اآلخر.
ح
مقدمــة
أما بالنسبة للفصل الثالث ،فقد ومسته ب -صعوبات ترجمة النص الدبلوماسي׃ إذ ال خيفى
على املتتبع ملناهج الرتمجة الدبلوماسية احلديثة أن العملية املعقدة ،والسريعة ،حمفوفة بصعاب مجة،
وذلك أثناء عملية ترمجة النصوص الدبلوماسية ،أو احملادثات ،وهي يف جوهرها تقوم على التلقائية
أتبني ذاك اجلهد الشاق الذي يبذله املرتجم ،وسأركز
والفورية وما يشوهبا من صعاب ،سأحاول أن ّ
على بعض التطبيقات اليت قمت هبا يف هذا اجملال احليوي املفيد دائما.
أما بالنسبة للفصل الرابع ،فقد كرسته ألهم أنواع الترجمة في المؤسسة الدبلوماسية ،وقد
ركزت حبثي على جمموعة معينة هلذه الرتمجات ،اليت رأيت بأهنا مفيدة ومعتمدة ،وقد أمسيتها اجتهادا
مين :أنواع الرتمجات وكيفيتها يف املؤمترات الدولية ،وهي كما يلي - 1 :الرتمجة اآللية - 2الرتمجة
الفورية - 3الرتمجة احلرفية - 4ترمجة املعن ى – 5ترمجة املختصرات – 6الرتمجة التقنية ،يف
املؤمترات والندوات - 7ترمجة النصوص التقنية - 8أمساء املنظمات والشعارات وال اختصارات- 9
شبه الرتمجة .وبطبيعة احلال ،أعقبت كل نوع من هذه األنواع بتعليقات وشروح لوجهة النظر ،ومن مث
إمتام الفكرة لطرحها على القارئ .أما الفصل اخلامس ،فقد كرسته مبجمله إىل حماولة الوقوف يف
دراسة تطبيقية شاملة على مجيع ما طرحته يف الفصول السابقة وجاء معنونا كما يلي :الفصل
الخامس :الجانب التطبيقي :استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة ،حبيث سأحاول
تطبيق نتائج الفصول السابقة على مقتطفات من خطابات دبلوماسية مرتمجة إىل اللغة العربية ألقف
من خالهلا على فكرة الرتمجة الدبلوماسية وتأثريها على سياسة الدولة.
أما المنهج المتبع يف هذه الدراسة فهو املنهج الوصفي التحليلي ،الذي يقف على وصف
الظواهر اللغوية وصفا واقعيا دون تدخل الباحث باجتهادات من ذاته وصوال إىل استخالص قواعد
ميكن أتن تعمم على دراسة الظواهر وبالتال فقد كان هذا املنهج خري معني ملقاربة النص الدبلوماسي
الذي حيتاج إىل موضوعية يف الدراسة ويف التحليل حىت ال يؤثر ذلك سلبا يف توجيه النصوص إىل
معان تتماشى ورأي صاحبها.
ط
مقدمــة
جتدر اإلشارة إىل أنين وخالل خوض غمار هذه الرسالة واجهتين صعوبات عدة ،وبعض
العوائق منها :االنعدام الكلي لألحباث والكتب املتعلقة مبوضوع العملية الرتمجية الدبلوماسية خصوصا،
وندرة املراجع املتعلقة هبذا النوع من الرتمجة الفورية ،كما أن معظم الكتب األجنبية اليت تعاجل هذا
املوضوع ،هي أصال نادرة إال ما عثرت عليه إلكرتونيا قد ال يفي باحلاجة املاسة ،مث هناك مسألة
األعمال التطبيقية ،إذ كان من الصعوبة مبكان ،خصوصا ما تعلق بالعربية يف األمم املتحدة ،األمر
الذي جعلين أكتفي بتعليقات حول الرتمجة الدبلوماسية ،كما وال يفوتين يف ختام هذا املطاف
احملفوف باملصاعب أن أنسب الفضل إىل أهله ،مشيدة بالرعاية اليت أوالن هبا أستاذنا املشرف :
الربوفيسور عباد أمحد ،الذي كانت توجيهاته السديدة ،وتنقيحاته الصائبة ،املرفقة بالتعليق على كثري
مما كتبته ،أتوجه إليه جبزيل الشكر والتقدير ،والعرفان ،إذ لواله ملا وجدت هذه الرسالة أصال ،ولوال
تسديداته القيمة ملا تقدمت هبا إىل الناس.
وجممل القول ،تعد مهنة املرتجم ،مهمة ويف غاية الصعوبة ،وال جيين من ورائها الشكر يف معظم
األحيان .فحني يرتكب املرتجم خطأ بسيطا ينتقده الناس بشدة ،وحني ينجح يف عمله ال يلقى إال
امتداحا ال يكاد يُذكر ،إذ غالبا ما تسود قناعة لدى اجلميع بأن أي شخص يعرف لغتني يكون
بإمكانه عمل ما قام به املرتجم الذي عاىن أشد املعاناة إلنتاج نص مكافئ.
ي
من وصية الجاحظ إلى ال ُكتّاب
ينبغي لمن كتب كتابا أال يكتبه إال على أن الناس كلهم له أعداء،
كلهم عالم باألمور ،وكلهم متفرغ له .ثم ال يرضى بذلك حتى يدع
كتابه غفال ،وال يرضى بالرأي الفطير .فإن البتداء الكتاب فتنة
تمهيد
ينهض التواصل الثقايف اجملتمعي على جمموعة من اخلصوصيات العرفية ،غايتها األساسية بناء
جسر من العالقات بني األمم؛ عرب ما يصطلح عليه ب " :ترمجة الدبلوماسية" اليت متثل تستشرف
استمرارية األوضاع العاملية؛ ألن ذات العملية مرهونة جبانني :العوملة والدبلوماسية؛ إذ أ ّن الفواصل
القائمة بني الدول والشعوب يف ضوء هذين اجلانبني ستشتغل حتما على تقويض استفحال حاالت
التنازع األزلية القائمة يف العالقة بني الرتمجة والعوملة ،هذه العالقة اليت توصف أحيانا بالتنافر الوظيفي
والتباعد املنهجي.
ومما ال شك فيه ،أن اهلدف من الرتمجة ال يقف حصرا على عتبة نقل املعلومات من لغة مصدر
إىل لغة هدف ،إمنا مسعاها يتوثب إىل هندسة وبناء اجلسر الرابط بني احلضارات واألمم والشعوب
وتعضيد العالقات بينها ،بغرض التأسيس لفعل تبادل اخلربات والثقافات .وهي حقيقة تثبتها تعاقبية
التناقل واجملايلة للثقافات القدمية الضاربة جبذورها يف أعماق األعصر ،يف حنو الثقابة اليونانية واألوروبية
وغريها ،وكيف بلغ تراثنا العريب أقاصي الغرب ،لوال احلركة الرتمجية اليت شكلت وصال منقطع النظري،
ومنواال إجرائيا اعتمده األمم والشعوب يف تناقل املعارف وتكشف احلضارات.
ومن هنا ،فقد استطاعت الرتمجة أن تبين مسلكا عالئقيا بني األنا واآلخر كما متكنت من
حياكة نسيج شبكة الرتابطات والتالقح الوجدان بني اجلماعات املختلفة ،كما حافظت الرتمجة على
اخلصوصية الفكرية والثقافية والروحية لدى كل أمة ،وذلك من خالل الذود عن املساس أو العبث
بالذات اللغوية واخلصوصية األلسنية اليت انفتحت على اخلطاب اإلنسان واشتغلت على فك
مغاليقه ،واستنطاق مضمراته .بغض النظر عن التفاوتات اليت تؤديها األشكال واألجناس واألنواع.
ّأما العوملة بوصفها جتليا أرحب وأوسع من الغايات الضيقة اليت تتوسلها الرتمجة ،فهي تنهض
على مطاولة بسط القطبية اليت ترتد إىل فكرة صهر كل األمناط يف أمنوذج موحد ،يبدأ باالستقطاب
السياسي واإليديولوجي وينتهي عند اهليمنة الثقافية واحلضارية ،اليت ال تعرتف باخلصوصية مبا فيها
اللغة اليت ستُجرد حتما من خاصيتها اهلوياتية والعرقية والعرفية ،ويقتصر حضورها على الشكل ،حيث
1
مدخـ ـ ــل
حيصر الفعل الرتمجي -دون شك -إىل حرفية النقل اآلل وإىل مكننة اللغة بعيدا عن كل متثل روحي
وكينون.
العولمة وإطالقية التجلي
إن املسلك الذي انتهجته فلسفة العوملة ،ينهض حتما على تقويض اخلصوصيات ،واملقومات
اليت تسم للهوية والنوع ،وتشتغل على صهراها يف إكسري الكلية ،توقا إىل هندسة كونية جامعة ،ال
تعرتف باالختالف والسمات الفارقة .ومن مثة ،فهي تصبو إىل كسر األنا واآلخر معا ،وإحياء األنا
األعلى لألقوى الذي سيفرض صدارة حضوره مبعيار القوة والتفوق حتما.
ومن هنا ،فإن اللغة بوصفها نظاما عرفيا واجتماعيا تواصليا ،لن تكون مبنأى عن هذا التحول،
حيث سيتم منذجتها وفق قوالب اللغة الرائدة اليت تتوخاها العوملة ،ولن تتأتى تلك النمذجة إال عرب
إقصاء مجلة اخلصوصيات اليت كانت تربطها مبستعمليها ومتلفظيها ،وهي ذات اخلصوصيات اليت
تعضد للهوية واألنا ،وكان يستغلها املرتجم املبدع ليربز من خالهلا التباينات الثقافية واحلضارية اليت
تصنع التمايز والفرق بني اجملتمعات واألقوام.
وانطالقا من مقرتب الكلية الذي تعتمده العوملة يف هنجها؛ تتأسس رؤيتها وفق مسلك تتوق
إىل بسط النفوذ ،والتقليص من هوة التباينات اليت تؤديها خصوصيات ثقافات اجملتمعات ،فهي
(هتدف إىل حتقق التواصل الثقايف الكون ،وتصبو إىل عاملية الفكر ،ولكنها ال تضمن احلفاظ على
اخلصوصية الثقافية) 1اليت تسم للحضور والوجود وتنبين على حفريات املنشأ وتتشكل وفق رحاب
الزمن ومتغريات األسيقة التارخيية واملتغريات احلياتية (وما يشجع على معاينة مفهوم العوملة أن اخلطاب
الثقايف قد توزع بني مؤيد يرى أن العوملة ال هتدد اهلوية أو اهلويات الثقافية جبميع دبلوماسيتها اهلجينة،
واليت تربط بني األمم بالفناء أو التذويب ،بل تعيد تشكيلها أو تطويرها للتكيف مع العصر2).ويف
كال الرأيني فإن العوملة ستقف حتما عند حدود بناء املشرتك اجلامع الذي يلفظ اخلصوصية بغض
النظر عن جوهر الغاية.
-1اجليالل حالم :أثر العوملة يف اللسان الرمسي–العربية -منوذجا ) جملة اللغة العربية .اجمللس األعلى للغة العربية .ع .5اجلزائر
.2001ص324
-2اجليالل حالم :أثر العوملة يف اللسان الرمسي–العربية -منوذجا ) جملة اللغة العربية .اجمللس األعلى للغة العربية .ع .5اجلزائر
.2001ص324
2
مدخـ ـ ــل
ووفق هذا املأخذ ،فال جدال يف أن العوملة ستدفع حتما إىل االستالب الثقايف وتدمري اهلوية
الوطنية ،وفناء القطرية ،وتفتيت البنيات الثقافية والفكرية والروحية للمجتمعات ،ولعل ما يشري إىل
ذلك كون الكثري من فالسفة العوملة ال ي ّكنون سوى االحتقار للثقافات األخرى غري الغربية ،بل
يصفوهنا بأهنا مناقضة للتقدم وللعلم 1.وهي هبذا املفهوم قاتلة الذات البشرية ،وللتمثالت الروحانية
لكل األمم ،على اعتبار أهنا تسعى إىل توحيد املفاهيم والقيم وإلغاء التمايز والتفرد والتعدد يف السياق
الثقايف الشمول .ومن مثة ،فهي تعمل على إكساب الشيء طابع العاملية ،وما يشرتك فيه كل الناس
2
باعتباره شكال من أشكال توحد العامل املفضي إىل سعادة البشر.
ومن هنا ،فإن املرجعية أو اخللفية الفكرية اليت تنهض عليها العوملة Globalizationاليت تتساوق
مع مؤدى مفهوم الكونية اليت ترهتن إىل غاية إلغاء احلواجز والتقويض من مظاهر التعدد والدفع إىل
إحداث أشكال التقارب ومنذجة أساليب الكينونة وفق القوالب اليت تتواخها ،ستشتغل على ابتداع
الطرائق واآلليات اإلجرائية اليت تتيح هلا إمكانية مطاولة هذا اهلدف ،وذلك من خالل استغالل كل
السبل املتوافرة.
ولئن كان االشتغال على اجلوانب امللموسة واملادية قد يبدو ممكنا بالنظر إىل إمكانية إخضاعها
لعامل التفوق املعريف والعلمي الذي تؤديه التقانات والتسابق التكنولوجي ،وميزان القوة االقتصادية اليت
حتكم األنظمة والشعوب ،حيث يتم استقطاب اجملتمعات الضعيفة عنوة ودفعها إىل التبعية إكراها
حتت طائل احلاجة والعوزة ،فإن اجلوانب احلسية والروحية اليت متتاح من حفريات البدايات األوىل
وعوامل التشكل اإلثنوغرايف واالنثروبولوجي الذي يرهتن إىل أسباب الوجود لدى اجملتمعات ،ستكون
صعبة املنال ولن تكون طيعة يف تطويعها.
وعرب هذه اجلدلية ،تنربى العوملة إىل الرتكيز على تذليل الصعوبات اليت ستالقيها يف البعد
احلسي والكينون للمجتمعات من خالل اخلوض يف تلك اخلصوصية الثقافية واالنثروبولوجية اليت
تؤدي الفوارق بينها ،ومن مثة العمل على تكييفها وفق األمنوذج األوحد الذي تتغياه ،بانتهاج كل
السبل املتاحة طوعا أو إكراها .ومن هذا املنطلق ،فإننا نلفي العوملة ال تول اهتماما للحدود اليت
3
مدخـ ـ ــل
تصنع تلك اخلصوصيات ،وجلها حدود ترهتن إىل مقومات اهلوية اليت جتليها أبعاد املقدس والدين
والعرف والتقاليد والعادات واللغة.
ووفق هذا املأخذ من الغاية ،تتبدى لنا طبيعة التنازع احلاصل واملستمر بني احلضارات ،حتت
طائل مربرات حقيقية وأخرى ومهية ،فجعل بعضهم منها صراعا واآلخر ع ّدها حوارا ،فخاض كالمها
يف تكشف القرائن والعوامل الثقافية واحلضارية اليت ميكن حتريكها واالستثمار يف خصائصها باالعتماد
على التقاطعات والتشاكالت اليت تؤديها من جانب ،والنزوع إىل إقصاء القناعات والقيم اليت تؤول
إىل إحداث االختالف والفارق ،فمفهوم الصراع واالحتدام مل يكن حمددا وواضح املعامل حىت يف
تصور مؤسسه السياسي األمريكي "صامويل هنتنجتون" عرب نظرية صراع احلضارات ،اليت تعلن أن
الصراع بعد احلرب البارد لن يقتصر على اخلاصية السياسية واإلديوجلية وإمنا سيشمل كل مقوم
حضاري بني األمم ،ردا على الطرح الذي جاء به فرانسيس فوكوياما اليت استشرف إىل سيادة
الدميقراطية الليربالية للعامل.
وعرب هذا املنطلق ،فإن اللغة باعتبارها ظاهرة اجتماعية ووعاء فكريا ،وأداة لتناقل احملموالت
الداللية اليت تفيد التواصل والتعبري ،ستشكل هدفا ترومه العوملة ،من خالل تعريته من خصيصتها
اللسانية والنظام التلفظي الذي يتعانق مع الكينونة القومية ،والدفع هبا إىل مجلة املقاربات اليت جتعلها
منسجمة ومتناغمة شكال وتعبريا مع اللغة املهيمنة اليت تتوخاها العوملة ،باالرهتان إىل ما تقدمه
املدارس اللسانية والفلسفية من تصورات تصب يف ذات املنحى ،على غرار ما أسست له التوجهات
الفلسفة التحليلية ومدرسة أكسفورد اليت انتصرت إىل لغة االستعمال واللغة العادية ،وكذا البنوية
الثانية لرائدها تشومسكي.
ويف ضوء هذا التحول الذي مس موضوع اللغة ،بدأت تربز مالمح التأثري اليت طالت احلقول
املعرفية األخرى اليت تعضد لكافة أشكال املمارسة اللغوية يتصدرها الفعل الرتمجي ،الذي ستزداد
مهمته تعقيدا ،خباصة وأنه حقل لغوي إجرائي يُسلّم مببدئية االشتغال على اللغة يف احلفاظ على
طبيعتها وخصوصيتها شكال وتعبريا من وإىل اللغات األخرى ،وأن أكرب مهومه تنصب يف إجياد السبل
واملناويل األنسب يف حتقيق هذه الغاية اجلوهرية .ومن هنا ،سنقف على طبيعة التعارض الذي سيصنع
مشهدية التقارب كما التنافر بني أهداف ومرامي الرتمجة ،وما تتوجسه العوملة من ذات الغاية.
4
مدخـ ـ ــل
الترجمة من حدود االشتغال إلى مستغرق التماهي
ال جدال أن العوملة ،بإعالهنا هنج التعميم وصهر التمايزات يف األمنوذج األوحد ،حيث
اختصرت الزمن ،وألغت املسافة والبعد اجلعرايف ،وقوضت من حضور املكان وخصوصيته ،وأقصت
التعدد يف كل جتلياته ،فإهنا بذلك ستُلز إىل تشويه العالقة احلضارية والبعد اهلويايت الذي يؤديه األنا
واآلخر ،وذلك عرب تعزيز تشويه التعددية اللغوية اليت تنطوي على اخلصوصية الثقافية ،معاكسة
للمعسى الذي تطاوله حقول الرتمجة حيث يتم حتقيق االحرتام املتبادل بني األنا واآلخر ،ذلك أن
عملية التقريب يف ما بني اللغات اليت تتوخاها الرتمجة تتساوق مع خدمة الرتمجة ذاهتا ،لكوهنا تشتغل
على تكشف مضامني احلموالت الداللية اللغات وتبياهنا ،كما جندها تؤسس بالفعل ذاته إىل قاعدة
عدم العبث يف خصوصية الأللسن و جمانبة حماذير اخلوض يف االختالف احلاصل بني اللغات،
فليست الرتمجة خلقا للقرابة فحسب ،وإمنا هي أيضا تكريس للغرابة ،إهنا ليست وصال فحسب ،وإمنا
هي انفصال وابتعاد كذلك ،إهنا تقريب الذات من اآلخر ،لكنها أيضا فصل بينهما ،فاملسافة بني
الذات واآلخر ال ميكن أن تلغى هنائيا ،إذ أهنا لو ألغيت ملا ظل هناك ال أنا وال اآلخر).
1
إن التجاذب والتشافع الذي تؤديه ثنائية األنا واآلخر والتفتت والذوبان يف الذات يف اآلخر
ينبثق عنها ما يصطلح عليه بالتمركز العرقي " "Ethnocentrismeيعىن بإرجاع كل شيء إىل الثقافة
اخلاصة باملرتجم وإىل معايريها وقيمها واعتبار اخلارج عن إطار هذه األخرية –أي التغريب -سلبيا،
يتعني أن يكون ملحقا ومهيأ للمسامهة يف إغناء هذه الثقافة" ،فالغريب ،هنا هي هيوىل حتيط
2
باملرتجم قد ينغمس يف فلكها وفضائها تارة ،وخيرج عنها تارات أخرى ،ليعيش بذلك حالة من
التنازع مع الذات ،التنازع الذي تؤديه وضعيات االنغماس يف عوامل اللغة املصدر ،ووضعيات العودة
إىل األنا.
ومن هنا ،فإن حماذير التغريب تتبدى حاضرة ،حيث تتدخل مكنة املرتجم يف اختيار فواصل
االنعزال ،ومدى اتقتداره على توظيف األدوات الفكرية الواعية ،اليت تتيح له إمكانية املراوحة بني
بعدي األنا واآلخر ،وجتعله قادرا على محاية مؤديات ألفاظ وصيغ ومصطلحات األنا واحلفاظ على
محولتها الداللية وتشكالهتا املعنوية وفق األسيقة اليت حتكمها بعيدا عن احملاذير احمليطة .ومن هنا فإن
-1عبد السالم بنعبد العال :الرتمجة أداة للتحديث جملة فكر ونقد ،عدد 79.املغرب ،ص34.
-1أنطوان برمان ،الرتمجة واحلرف أو مقام البعد ،ترمجة وتقدمي عز الدين اخلطايب ،ط ،1بريوت ،املنظمة العربية للرتمجة 2010
ص 48
5
مدخـ ـ ــل
الذود خبطاب األنا من التفريغ والتغريب يقتضي أن نتجاوز الفضاء اللغوي واجلغرايف الذايت إىل فضاء
اآلخر الذي ينتنج تلك املصطلحات وذلك برتمجة املطبوعات الورقية واإللكرتونية والندوات وبرامج
القنوات الفضائية اليت تتكفل بالرد على مصطلحات التشويه والتغريب ،وكلما تعددت لغات الرتمجة
ازداد احنسار تلك املصطلحات ،وضعف تأثريها ،وفرتت حرارهتا اإلعالمية ،وال خيفى أن جناح
خطاب الرتمجة املضاد لتلك املصطلحات يف احليز الثقايف واالجتماعي لآلخر يسهم يف إسقاط
املصطلح يف عقر داره ،إذ أن اآلخر ال حياول تصدير مصطلحاته إال بعد تسويقها يف حميطه الثقايف
واالجتماعي.
وضمن ذات املسلك من التوصيف ،جيدر بنا أن نشري إىل أن الواقع املعاش اليوم مبا يشهده من
حتول كبري يف عامل التناقل الثقايف والفكري ،بفعل التطور الكبري لوسائل االتصال جتاوز تلك البصرية
اليت كانت تؤديها املخطوطات واملدونات ،وأضحى أمام رخم هائل من الروافد اإللكرتونية يف وترية
زمنية متسارعة ،فارضا حلضوره عنوة ،وأصبحت فكرة وجود تنوع ثقايف داخل جمتمع واحد مشرعنة
من منطلق واقع احلال .ومن هنا ،بات مطلب اإلملام بلغة أو لغات اآلخر ،ضرورة ملحة ،باعتبارها
املسلك األوحد ،الستقبال ومعرفة وإدراك ثقافته ،وتكشف مقصديات خطابه الظاهري واملضمر.
ذلك أنه ال مكان اليوم ملتلقي مرتدد أومسترت أو منكمش ،وينبغي أال تنفر املنظومة الثقافية من كل
قادم جديد قبل معاينته والوقوف على ماهيته ،إذ أن الرفض املسبق يكشف عن رغبة باالنكماش أو
االنغالق الذي يفضي إىل الضمور الثقايف والتقهقر احلضاري ،كما أن الرتحيب بكل ما هو قادم من
فكر وممارسة يعد أكثر خطرا من االنغالق ،ألنه قد يفضي إىل االغرتاب والذوبان يف اآلخر .لذا فإن
موقف املنظومة الثقافية من النصوص املرتمجة يقتضي وجود آلية مقارنة دائمة بني منظومة القيم
القائمة فعال ومنظومة القيم الوافدة اليت ال ينبغي أن تكون.
ومن هنا ،فإن الرتمجة اليت تعد حقال فنيا وأدبيا ولغويا ،ينهض على آلياته اإلجرائية ومناهجه
البحثية ،اليت ُح ّددت من خالل طبيعة املوضوع واالشتغال ،جتد نفسها اليوم أمام أكثر من حتدي،
بدءا بالدور املنوط هبا الذي جتاوز إسداء خدمة نقل املعارف والعلوم من لغة إىل أخرى ،بغاية التعرف
على اآلخر ،وحتولت إىل أداة جماهبة ومقارعة ،لغربلة ما حيتويه اآلخر وتصفيه ما يقدمه مبا يتوافق مع
خصوصية األنا ،ومبا يتساوق مع وظيفتها يف النقل األمني واحلفاظ على اخلصوصية .وعليه ،فهي
مدعوة أكثر من أي وقت مضى يف توفري العدد اإلجرائية اجلديدة واملتجددة يف ضوء املتغري الذي
6
مدخـ ـ ــل
تفرضه العوملة -املتوحشة -خباصة ،وأالّ تقف عند حدود املناويل التقليدية أو احلدود الضابطة الذي
يلزمها هبا اإلجراء الرتمجي.
وضمن هذا املعطى ،فإن الرتمجة تؤدي صدارة احلضور يف مسوؤلية توجيه اخلطاب الرافد الذي
تبسطه العوملة ،ومن مثة فإن املهمة املوكلة على الرتمجة اليوم تعدت ملمحها الفين واألكادميي لتقفز
إىل مرتبة الرتشيد والقيادة يف هتذيب خطاب العوملة الذي يفضي إىل خلق ثقافة التشكيك يف ثوابت
اخلطاب الوطين والقومي والديين ،وإىل شعور بالنفور من االنتماء للذات وازدواجية يف اهلوية،
فاإلنسان يشعر باالطمئنان والسالم الداخلي مهما تعددت واختلفت املكانات االجتماعية ،ألنه
واثق من نفسه ،ومعرتف به من طرف احمليط املادي واالجتماعي والثقايف احمللي واإلقليمي والدول.
"حني تشعر اجملتمعات بان خطرا يتهدد هويتها الثقافية والسياسية ،فإهنا تنهض للدفاع عن لغتها
وتنشط للحفاظ عليها واالهتمام بإحيائها"1
ومما ال شك فيه ،أن منظومة القيم االجتماعية تتسم بالثبات والتقديس ،وخيضع سلوك األفراد
املرتبط بتلك القيم إىل عمليات مراقبة ومتابعة وتقييم من قبل عامة الناس واملؤسسات الرمسية واألهلية
وكذلك من النظام األسري ،فإذا خالف سلوك ما منظومة القيم ،أو ابتعدت مقولة فكرية عن الثوابت
أو ظهر خطاب يغرد خارج السرب الثقايف فإن تلك املخالفة ستفضي إىل النقد والرفض والتشهري،
وذلك أن كل جديد أو غريب أو دخيل حياول أن يغري أو يؤثر يف املوروث الثقايف أو املعتقد الديين أو
الثوابت االجتماعية ،يستنهض مقومات اهلوية الثقافية وينظر إليه بالشك والريبة والرتقب ).لذا وجب
2
التعامل مع النص املرتجم حبذر شديد؛ مراعني يف ذلك قيمنا االجتماعية وثقافتنا الوطنية.
ولو جنحت العوملة يف إذابة الثقافات الوطنية وإلغاء اخلصوصية انطالقا من جناحها يف تسويق
النصوص املرتمجة املنتخبة قد يفضي إىل عزل اللغات عن مركز املعادلة الدولية ،ألدى بالضرورة إىل
تغريب اجملتمع املستهدف عن خمزونه الرتاثي وجذور تارخيه ومعامل هويته ،وقد حيدث هذا ألي جمتمع
جتتاحه أعاصري سياسية ونكبات اجتماعية .وال ريب أن هذا النجاح ،يف إذابة الثقافة الوطنية تشرتك
فيه جهات سياسية ذات سلطة قرار نافذ يف بسط أمناط اجتماعية بالقوة ،واهليمنة على الفكر
الرتبوي.
-1كلري كرامش ،اللغة والثقافة ،ترمجة أمحد الشيمي ،وزارة الثقافة والفنون ،والرتاث ،قطر ،الطبعة العربية األوىل ، 2010ص126.
-2ينظر :ناصر مها خري بك :اللغة العربية والعوملة يف ضوء النحو العريب واملنطق الرياضي .جملة الرتاث العريب -جملة فصلية
تصدر عن احتاد الكتاب العرب -دمشق العدد .102نيسان .2006ص99
7
مدخـ ـ ــل
وللعلم فإ ّن حالة التغريب تستمر فرتة زمنية قد تطول أو تقصر ،فهي ال تدوم إىل األبد ،إذ
ينشأ جيل مشبع بالضجر واالحتقان والكراهية للوضع السائد ،خصوصا يف عصر الوعي بالراهن
املعاش ،يتلوه جيل يثور على احلالة ذاهتا ،فيقوم بالثأر لرتاثه وتارخيه وهويته ،ولو كلفه هذا التحول
تغيريا سياسيا أو مواجهة مع أطراف خارجية ،لنالحظ ما يقع يف فلسطني يوميا ،أصبح يُطلق عليه
سياسيا باالنتفاضة أو حركة العودة ،وهي يف البداية عبارة عن خاليا فكرية وجيوب ثقافية تدافع عن
هويتها). 1
ويف السياق نفسه ،قد تلجأ بعض مؤسسات العوملة إىل تسويق النصوص األكثر تأثريا عرب
وسائل إعالمية ،وذلك مبا يتناسب مع توجهاهتا .وهذا ما مل يتقبله بعض املعارضني الذين حياولون
احلفاظ على الرتاث ومقومات األصالة ،من خالل ترمجة النصوص املختارة بعناية اليت جتسد جانيا من
البناء الثقايف تراثا وأصالة ،رافضني أي وجه من أوجه التغريب.
وللتوضيح أكثر ،فإننا جنزم بالقول :بأن املهارة اللغوية غري كافية وال تؤهل املرتجم للخوض يف
حتديات العوملة ،ذلك أ ّن املرتجم يصطدم ببعض املصطلحات املرتمجة؛ اليت تسهم يف إثبات الوجود
الفعلي هلويات متعددة؛ قد تفسح اجملال أمام بروز هوية نشاز ،مثل ما هي عليه اهلوية الصهيونية
-1ينظر :ناصر مها خري بك :اللغة العربية والعوملة يف ضوء النحو العريب واملنطق الرياضي .جملة الرتاث العريب -جملة فصلية
تصدر عن احتاد الكتاب العرب -دمشق العدد .102نيسان .2006ص115
8
مدخـ ـ ــل
داخل هويات عربية إسالمية متعددة ،ذلك ألن هذا النشاز الظامل ،ال عالقة هلا بواقع احلال.
وباألخص أل ّن اهلوية العربية أصيلة وضاربة جذورها يف عمق التاريخ.
ولعل أوضح مثال على ذلك ،ما نعانيه يف تعامل السياسات الدولية مع بروز مصطلح مشروع
الشرق األوسط اجلديد الذي يدعو صراحة( إىل ثورة يف املفاهيم لتحقيق مشروعه اخلفي ،وما الثورة
باملفاهيم إال اإلتيان على مفاهيم األمة العربية والوحدة العربية والثقافة العربية وتأكيد النشاز التارخيي
"إلسرائيل ).احملتلة لألراضي العربية.1
وعليه فإ ّن الصراع بني العوملة واخلصوصية الثقافية يتأتى يف ثالثة أمور أساسية هي:
-أوال :جناح العوملة يف إذابة اخلصوصية الثقافية ،والقضاء على الذاتية ( األنا ) ،من خالل
خلق منظومة قيم إنسانية مشرتكة ،ومنط تفكري مستمد من سياسات عليا للدول
االستعمارية املسيطرة واملروجة للعوملة ،وكل ذلك يف ضوء دبلوماسية موجهة للعمل الرتمجي.
-وثانيا :جناح هذه اخلصوصية الثقافية يف صد تيار التغريب العوملي ،ويف هذا يتحقق اهلدف
األمسى للثقافات الوطنية.
-وثالثا :جناح العوملة يف خلق خاليا فكرية ومتزيق البىن االجتماعية والثقافية يف جمتمع ما.
إن الرتمجة دون منازع؛ هي وسيلة وأداة رئيسة للعمل الدبلوماسي الذي يسهر على تنظيم
العالقات بني الدول واملنظمات الدولية ،هبدف خدمة املصاحل العليا ،والسياسات العامة ،وللتوثيق
بني مصاحل الدول بواسطة االتصال والتبادل وإجراء املفاوضات السياسية وعقد االتفاقات واملعاهدات
الدولية .فبالرتمجة تعمم هذه العملية .األمر الذي يعىن أهنا (لتعزيز العالقات بني الدول وتطورها يف
اجملاالت املختلفة وبالدفاع عن مصاحل وأشخاص رعاياها يف اخلارج ومتثيل احلكومات يف املناسبات
واألحداث ،كما وأن الرتمجة ،يف زمن العوملة جتعل العملية تؤدي إىل مجع املعلومات عن أحوال الدول
واجلماعات اخلارجية ،وتقييم مواقف احلكومات واجلماعات إزاء قضايا راهنة ،أو تصري عبارة عن ردة
2
فعل حمتملة ،حنو مواقف معينة).
-1ينظر أمحد برقاوي .األساس القومي لألمن الثقايف العريب .جملة الفكر السياسي العدد الثامن السنة الثالثة شتاء ،2000
ص84
-2ينظر :د .مسوحي فوق العادة ،الدبلوماسية احلديثة ،م.س /ص166
9
مدخـ ـ ــل
أما خبصوص النص املرتجم ،فنجد رأيني؛ األول حيرص على ترمجة النصوص بشكل يتوافق
وينسجم مع الفضاء الثقايف واالجتماعي الدبلوماسي ومنظومته الفكرية .والثان حيرص على ترمجة
النصوص املمانعة لفضاء العوملة العام؛ أي يعارضها .وهذا راجع إىل اإليديولوجية الفكرية للمرتجم أو
التكوين اإليديولوجي له .فثقافة وخلفية املرتجم اللغوية واأللسنية تتحكم يف رؤيته الدبلوماسية
للمواقف اإلنسانية.
إن املصطلح le termeضمن النص السياسي املرتجم ،رهني املناخ السياسي الدبلوماسي،
جيسد املعان السياسية والثقافية لكل أمة على حدا ،وحينما يطرأ تغري يف داللته فإن ذلك التغري قد
يكشف عن هبوط يف مستوى االستحقاقات السياسية .فهذا التغري التدرجيي للمصطلح ،خيدم أهدافا
ثقافية وسياسية هلا عالقة باالستعمار ،وهذا من أهم التحديات اليت تعاجلها الرتمجة يف ظل العوملة،
املصاحبة للدبلوماسية ،فاملصطلح يبدأ بلفظ حمدد يستمر زمنا حمددا ،مث يتحول إىل لفظ آخر بعد أن
يكون اللفظ األول قد استقر يف اخلطاب اإلعالمي.
إ ّن مصطلح الدبلوماسية حيمل مفهوما أعمق من كوهنا دالة على ذلك الشخص املبعوث من
دولته إىل دولة أخرى ،فجوهرها يكمن يف الصفات اليت يتحلى هبا الدبلوماسي من هنج ،ولباقة،
وكياسة ،وفطنة ودهاء يف معاجلة القضايا السياسية بني البلدين؛ حبيث يقال( :إن هذه املعضلة الدولية
مفتقرة إىل حل دبلوماسي .كما وقد تُستعمل لإلشارة إىل التاريخ الدبلوماسي لدولة من الدول أو
لفرتة زمنية أو مبعىن ضيق كصفة لبعض املصطلحات مثل املراسالت الدبلوماسية واحلصانات
واالمتيازات الدبلوماسية ،وقد نشري لالسرتاتيجية ،وللسياسة الدولية وللعالقات املتعلقة بالسياسة
اخلارجية ،وللمفاوضة ،والتمثيل واالتفاق ورعاية املصاحل ،ولعل هذا املعىن قد يتجاوب مع املعىن
األصلي هلذه للفظة اليت تطلق عادة ويراد هبا الدبلوماسية ،أي اإلجراء املنظم للعالقات بني مجاعة
ُ
بشرية معينة ،ومجاعة بشرية أخرى أجنبية عنها 1).ضمن ما يرمسه التشوف النفعي واالستشرايف لكل
مجاعة.
وملا كان العمل الدبلوماسي يتم وفق ضوابط معينة متتثل إىل أحكام وسنن األسيقة السياسية،
وال تعتد بالثابت ،فإن جممل النصوص واخلطابات اليت تتم ضمنها ،تعرض إىل أحكام التلفظ بكالم
حلظي وآن ،يراعى فيه تزامن احملكي واملرتجم؛ ليس فقط على مستوى التلفظ ،وإمنا أيضا اإلشارات
10
مدخـ ـ ــل
واإلمياءات وكل ذلك يتم يف وقت واحد ،فإذا كان الدبلوماسي غري مقيد باألعراف والطقوس
الدبلوماسية ،فإن املرتجم ملزم مبراعاهتا؛ ألن العملية الرتمجية مضبوطة ومقيدة بضرورات دبلوماسية؛
خاضعة حلسابات سياسية دقيقة ،مرتبطة بالدول وأوضاعها بشكل مباشر ،ومرتبطة أيضا باخلطاب
الدبلوماسي من حيث احلوار ،واللغة ،والكاتب ،والنص املنتج ،واملتلقي املستهدف؛ أي بعناصر
العملية التواصلية ككل .لذا جيب ان تكون عملية الكتابة الرتمجية دقيقة يف كل تفاصيلها.
وعرب ذات املعطى ،فإن املرتمجة الذي توكل إليه مهام الرتمجة الدبلوماسية ،ينبغي أال يغيب
عن أذهاننا ،أنه سفريٌ Ambassadorوعليه أن يكون عاملاً بالثقافة االجتماعية اليت تغطيها اللغة،
ألن اللغة ترمجان للفكر ،فال يكفي يف الرتمجان الدبلوماسي الثنائية اللغوية لتأدية مهام حتويل املقاصد
السياسية ونقله؛ أي أن يكون ثنائي الثقافة كذلك؛ ألنه يف حالة غياب الكفاية الثقافية قد حيدث
إخالال وتصدعا ال يقف عند حدود سوء التعبري ،وقد يقع املرتجم يف فخ ما يسميه ستيفان أملان
بفخ خماتلة اللغة فيزل يف تأويل املعىن وقد يرتتب على ذلك عواقب غري حممودة يف العادة 1،وندلل
لذلك يف التاريخ املعاصر مبا حدث الواليات املتحدة اليت أجهزت على مدينة ناجازاكي وهريوشيما
métaphore culturelle بسبب ترمجان فوري عدل باملعىن موظفا ألنساق خطابية استعارية ثقافية
غري مالئمة .
- 1د .نسيمة أزرو ،الكفاءة النفسية املعرفية وأثرها على األداء اللفظي للمرتجم يف احلقل الدبلوماسي ،جملة دفاتر الرتمجة ،جامعة اجلزائر ،2معهد الرتمجة،
اجمللد/25العدد ،1ماي ،22ص.244
11
مدخـ ـ ــل
اللغوية الرتكيبية .إن ثقفنة اخلطاب وتعدديته وانفتاحه الدميقراطي املكثّف ،إن صح هذا التعبريُ،
يشكل حضوراً يف حصد اجلوائز الدبلوماسية وحتقيق نقالت سياسية ناجعة.
أحسن
َ من هذا املنظور ،يسعى الرتمجان الدبلوماسي ،إىل استخدام طاقات اللغة ،حبيث إذا
صُّرفَ َها ،مكنته من توفري لنفسه مساحةً كبريةً يف إنتاجية اللغة إجنازاً وترمجةً ،كما توفر له اقتصاداً
تَ َ
لغوياً يف ضوء ثنائية اإلجياز واإلطناب ،وقد فسرت البالغة ،من هذه الوجهة التداولية ،بوصفها تأدية
ب مع مراعاة مقتضى احلال واملخاطبني، أثر َخالَّ ٌ
املعىن اجلليل يف عبارة فصيحة بليغة هلا يف النفس ٌ
وعليه خنلص إىل أن المؤول الدبلوماسي Interperter diplomateبراديغم ُمك َّو ٌن من حقول
من املعارف اللغوية والثقافية والسياسية ميتا ختصصية ،نظراً للمهام املتنوعة ليس اليت يؤديها فحسب
اليت يقوم هبا Translation ويف ضوء هذا املقرتب ،ينبغي أن نفرق بني عملية الرتمجة
مرتجم النصوص األدبية األدبية Literary translatorالذي يشتغل على ثبوتية النص وبني عملية
التأويل الفوري للنص الدبلوماسي من لغة إىل لغة ثانية فورياً وآنياً يؤديها المؤول Interpreterيف
وضيق من عدة زوايا ،تتصدرها مسلمة أن اخلطأ غري
ِج ٌ احملافل الدولية ،حيث يكون مدار اشتغاله َحر ٌ
املسموح به ،وضغوط العوامل النفسية اليت تضع الرتمجان أو املؤول أمام حتديات لغوية ،سياسية،
12
مدخـ ـ ــل
اقتصادية وغريها من التحديات اليت جتعل منه حلقة مفصلية ،يف حتديد مسالك النص السياسي
مطالب برتكيز متناهي الدقة.
ٌ املقصدية ،كل ذلك حيدث يف برهة زمنية أسرع من ارتداد الطرف ،فهو
املعريف احلافل باملفاهيم واملهول بالرتاكمات السياسية الفلسفية الذي حياول أن
ويف هذا السياق ّ
Danica ف للباحثةمفصلةً يف منصنّ ٍ
يؤصل ملفهوم الرتمجة الفورية الدبلوماسية ،نلفي اإلجابةً َّ
افية ٍ
بليغة تتجاوز اللغة إىل ما وراء صادح ،يرمي إىل تأسيس ترمجة احرت ٍ
ٍ Seleskovitchيف عنوان
تبني
اللغة ،يف ضوء االفرتاض القاطع بأن الرتمجة الفورية ضمن ثنائية االستماع والقول .حيث ُّ
صوص الفورية الشفهية يقوم بعملية الباحثةُ ،على حن ٍو و ٍ
اضح ،أن الرتمجا َن الذي يشتغل على النّ ُ
ض مبوجب تفكيك شفرة اخلطاب ٍ ِ
تتمح ُ
تصورات ّ Concepts
اختزال الوحدات اللغويّة الرتكيبيّة يف ّ
املكون من صيغتني مها :الرتمجة ،والشفرة،
الدبلوماسي ،حبيث جندها توظف مفهوم Transcode؛ ّ
كل)
لتعين أن الرتمجة الفورية االحرتافية تنحاز حنو مفاهيم أساس تنجذب حنوها األكالل (مجع ّ
عقد املقاصد
املقاصدية ،هذه الشفرات هي اليت حتوم حوهلا الداللة؛ أي ترمجة الشفرة اليت يتم هبا ُ
املضمرة الدبلوماسية؛ إذ املسألة ليست قضي نقل الكلمات من اللغة "أ" إىل اللغة "ب" ،فرتمجة
خطاب فوري ال تفيد شيئاً إذا جردته وعرته املؤ َّسسةُ التُّر ُِ
مجيَّةُ بوصفها أنا عن مؤسسته الفكرية َُ َ
السياسية بوصفها آخر ،هنا ،تصبح املسألةُ عالئقيةً ميكن صياغتها يف عبارةٍ ٍ
ثنائية فلسفية :كيف
آخر؟ مث ِ
الدبلوماسي بوصفه َ
َّ اخلطاب
َ الفوري
ُّ تصبح األنا الدبلوماسية آخراً؟ ،كيف حيوي التُر ُمجَا ُن
خطاب اآلخ ِر مع املؤسسة السياسية اليت ميثلها األنا عرب اللوغوس مبا خيدم مصاحلَ ُ س
كيف يَتَ َسيَّ ُ
َ
البلدين؟.
ويوحي فع ُل الرتمجة الفورية بأن ما مييّز ترمجة مصداقية دومنا سواها ،هو االنصهار يف أعراف
اآلخر والثنقف بثقافته دون حد االنصهار والذوبان يف آخريته الذي يولد ضرباً من االستالب
الفكري ،حىت إذا انربينا إىل اخلطاب نرتمجه أعدنا له ثقافته وأفكاره وهي قصد املخاطب يف لغة
النص غري املفهومة يف لغة مفهومة؛ فالرتمجان أمام حتديات لغوية
منقول إليها ،قوامها إبراز دالالت ّ
13
مدخـ ـ ــل
تضليلية ،حتتم عليه الضرورة السياسية ،أن خيلق معىن منسجماً ولو اقتضى ذلك استعمال معىن يوحي
النص يف تلك الثقافة ،وهنا تقول .Danica Seleskovitchتقول
مبضمون ّ
au- de là des mots puis exprimer un sens déverbalisé. La théorie
interprétative qui sous- tend les écrits réunis ici est théorie dans le sens ou
elle explique le phénomène de la traduction et révèle, à travers lui, les
1
.فالرتمجة هبذا املعىن ،هي "aspects essentiels du fonctionnement du langage
إعادة إنتاج الداللة والتحكم يف السمعة املقصدية للمتكلم اليت تفك شفرة اخلطاب وتعيد عركه فتنتج
املتعلقة Stephen Ullmann وعود إىل إشكالية
متصوراً داللياً يف قالب لغوي من نوع آخرٌ ،
بالتضليل اللغوي؛ فما مييز مالحظاته أنه عمم التضليل على مجيع أنواع املشاكل اليت حتول دون فهم
قصد املتكلم ،وهذه املشاكل حتضر بكثافة يف ترمجة اخلطاب فورياً خباصة يف اخلطابات والنصوص
املأدجلة يف حنو اخلطاب السياسي الدبلوماسي ،فلنتخيل مجلةً استعاريةً مثل :انطلق رئيس اجللسة
تفهم يف حمفلها الذي
حيرث املناقشة؛ فما معناها القصدي ،هل الغاية منه تضليل املستمع؟ هل ُ
كييب ،ترمجة حرفيةٌ كهذه تزيد االحنراف ح ّدةً وتوتراً وبالتال حتشر املعىن
قيلت فيه؟ .فعلى الصعيد الرت ّ
املعريف
ِّ ط بالنظر يف السياق
فمدار الرتمجة هنا ،منو ٌ
يف زاوية معتمة ،وهذا ال خيدم الغرض السياسي؛ ُ
الثقايف الذي يُنَ ِّزُل التُر ُمجَا ُن فيه هذه البُ َىن املص ُفوفَةُ اِستِ َعا ِرياً مما يقتضي كفايةً Eduquacyتتجاوز
َ
اللغة ،وهي كفاية الثقافة وامتالك ناصية التأويل الدالل بالنظر إىل ما يؤديه اخلطاب السياسي
بالضرورة
الدبلوماسي باعتبارها خطابا يتعلق باألفكار واملضامني على حساب األلفاظ ،وهذا ال يعين ّ
الشكل واملضمون ،وهو
إقصاء وإمهال دور األلفاظ ،أل ّن التّأثري واإلقناع ال يتحقق ّإال بتكامل ّ
خطاب مشحون باملعان وال ّدالالت ،فهو يعج بالعبارات اللّغوية اليت حتمل يف طياهتا ٍ
معان مسكوت
عنها.2
1
Danica SELESKOVITCH – Marianne LEDERER, Interpréter Pour traduire, Publications De La Sorbonne,
Didier Erudition, 3ème Edition- Revue et corrigée, p5
-2ينظر :راضية بوبكري ،اخلطاب السياسي :اخلصائص واسرتاتيجيات التّأثري ،جملة دراسات وأحباث ،جامعة زيان عاشور اجللفة،
اجلزائر2013 ،م ،ع ،12 :مج،5 :ص،97 :
14
مدخـ ـ ــل
السياسي الدبلوماسي عبارة عن وضع ( )Codeيتألف من شبكة من العناصر إ ّن اخلطاب ّ
اإلعالمية واإلجرائية اليت تعمل على تربير قوانني وقرارات معينة مت اختاذها يف جمال حمدد .وهو ترميز
إيديولوجي يتخذ من العالمات ( )Sémiologieأداة بيانية له ،باإلضافة إىل كونه يتأسس على ترسانة
قارة من املفاهيم واالستعماالت الثّقافية ذات االنتماء املرجعي احملدد والواضح.1
وما مييزه أيضا هو اختالفه عن غريه من اخلطابات كونه صنيع لغوي غري تلقائي ،يتم إعداده
إعدادا متقنا ليؤثر يف اجلمهور املتلقي –بغض النظر عن طبيعته ،-يضاف إىل ذلك أ ّن اخلطاب
السياسي ،هو نص ذو مسات مركبة من اإلحياءات املعنوية هلا أبعادها ،ومن مثّ فإ ّن له مميزات تفرقه ّ
عن غريه من اخلطب داخل اللّغة الواحدة .2فكيف نتصور ملمح القبض عليه حني يتم إخضاعه إىل
أداء حمددة سلفا تراعى فيها أسيقة الكالم وطبيعة احلدث .فاحلطاب سنن اللغة الثانية يف ظرفية ٍ
السياسي والدبلوماسي خباصة هو "جمموعة من اجلمل والعبارات اليت تنتج أفعاال هدفها التّأثري يف
3
الرموز
ّ استثارة إىل يعمد حبيث، املتلقي يف سياق اجتماعي ونفسي ،ويف إطار زمين وجغرايف حمددين"
اللّغوية يف عقول ونفوس املخاطبني وذلك بغرض حتقيق هدفه وهو التّواصل مع األفراد وإقناعهم
وتوجيههم حنو سلوك معني ،4تتوخاه األغراض السياسية واالسرتاتيجية اليت يؤديها ذات اخلطاب.
ومن مثة ،تنربي الرتمجة إىل عملية النقل والتحويل حمافظة على ذات الغاية ،عرب لغة ثانية تنهض على
-1ينظر :املنصف وناس ،يف سوسيوجلية اخلطاب السياسي االرتكازات النظرية للخطاب السياسي العريب ،جملة دراسات عربية،
،1982األعداد ،12 -8 :ص. 31 :نقال عن :إبرير بشري ،مسات التداول يف اخلطاب السياسي خطاب الرئيس بوتفليقة
مبناسبة جائزة البابطني الثقافية منوذجا ،جملة العلوم االجتماعية واالنسانية ،جامعة باتنة ،1اجلزائر2004 ،م ،ع ،10 :مج،5 :
ص.38 :
2
- Voir: Jean-Jacques, Quelques problèmes théoriques et méthodologiques en analyse du discours, à propos du
discours communiste adressé aux chrétiens, In: Langages, Analyse du discours politique, 15 e année, n0 62,
1981.Www. Persee. Fr/doc/lgge-0458-726x-1981-num-15-62-1873,p: 65.
3
السياسي خطاب ترامب وامللك سلمان أمنوذجا ،دار الفارايب،
-سامي كليب ،الرباغماتية (القولفعلية) يف حتليل أفعال اخلطاب ّ
بريوت ،لبنان ،ط2017 ،1م ،ص.178 :
4
السياسة يف عامل ما بعد 11سبتمرب ،دار غريب للطّباعة والنشر والتّوزيع ،القاهرة( ،د ط)،
-ينظر :حممد حممد داود ،اللّغة و ّ
2003م ،ص.26 :
15
مدخـ ـ ــل
منظمومة عالماتية غري األوىل ،وعلى سياقات خمالفة تؤديها خصوصية الثقافة واهلوية وتؤطرها جتليات
البعد الرباغمايت والنفعي.
الرتكيب ،عميق األثر يف املتلقني ،متعدد املستويات
السياسي خطابا معقد البنية و ّ
يعترب اخلطاب ّ
السلطة
تتداخل فيه جمموعة من ال ّذوات الفاعلة ،قصد خلق جو من التّأثري والتّأثر ،ويراد به «خطاب ّ
احلاكمة يف شائع االستخدام ،وهو اخلطاب املوجه عن قصد إىل متلق مقصود ،بقصد التّأثري فيه
وإقناعه مبضمون اخلطاب ،ويتضمن هذ ااملضمون أفكارا أساسية ،أو يكون موضوع هذا اخلطاب
سياسيا» ،1ما جيعله خطابا قصديا يف حماولته التّأثري على املتلقي واستمالته من أجل إقناعه مبضامني
وأفكار معينة تعترب جوهر اخلطاب املصنوع .ما يؤدي ِ
باملرسل إىل االهتمام باألفكار اليت هي األساس
السياسي ،عالوة على معاجلته قضايا احلياة اليومية.
يف اخلطاب ّ
فبالرغم من كوهنا لغة تواصلية واضحة
السياسي الدبلوماسي هو لغته التّواصلية ّ
وما مييز اخلطاب ّ
ّإال أ ّهنا حتتاج إىل تأمل وإمعان ،من أجل فهم ما يتسم به اخلطاب من دالالت ٍ
ومعان ،وذلك راجع
إىل ما حتتوي عليه هذه اللّغة من ٍ
معان ضمنية غري مباشرة ،جتعل املتلقي يُعمل فكره حىت يصل إىل
السياق الذي أُلقي فيه اخلطاب.
املعىن املراد ويكون ذلك وقفا على ّ
1
السلطوي ،تر :مصطفى كمال ،ضمن بيت احلكمة ،ال ّدار البيضاء1987 ،م،
-ينظر :غولد شليغر آلن ،حنو سيمياء اخلطاب ّ
السلطة ،ص 15 :وما بعدها ،أفريقيا الشرق ،املغرب ،ط،1
السنة الثّانية،ع،5 :ص .134 :عمر أوكان ،مدخل لدراسة النّص و ّ
ّ
1991م .علي بنشويل القرىن ،اخلطاب اإلعالمي العريب ،اجمللة املصرية لبحوث اإلعالم ،كلية اإلعالم ،جامعة القاهرة،
1997م،ع ،1:ص .41 :حممود عكاشة ،خطاب السلطة اإلعالمي ،مكتبة النهضة املصرية( ،دط)2004 ،مص.4 -3 :
السياسي دراسة لغوية تطبيقية يف ضوء نظرية االتصال ،دار النّشر للجامعات ،مصر ،ط،1
نقال عن :حممود عكاشة ،لغة اخلطاب ّ
2005م ،ص.45 :
16
مدخـ ـ ــل
السياسي:
-2خصائص الخطاب ّ
السمات اليت جتعله ميتلك سلطة أقوى على
السياسي بالعديد من اخلصائص و ّيتميز اخلطاب ّ
املتلقي وتأثريا أكرب ،األمر الذي جعله يتبوأ مكانة مهمة من بني اخلطابات ،وميكن رصد أهم مساته
1
يف النّقاط التّالية:
السياسي من أهم اخلطابات املعاصرة تأثريا ،وأكثرها انتشارا بني خمتلف شرائح
-يع ّد اخلطاب ّ
اجملتمع ،باعتباره ميلك وسائال عديدة تساعد على انتشاره ،ويرجع ذلك إىل اهتمامه مبعاجلة أهم
القضايا واملشاكل اليت يتطلع كل فرد إىل معاجلتها وإجياد حلول هلا.
السياسي بأهم القضايا اليت تسهم يف صنع القرارات ،ما جيعله يرتبط ارتباطا
-يهتم اخلطاب ّ
السائدة يف اجملتمع.
وثيقا باألحداث والظّروف ّ
السياسي هو خطاب مضمون يهتم بالفكرة اليت جتعله أكثر تأثريا وإقناعا للمتلقي،
-اخلطاب ّ
لتصاغ بعدها هذه املضامني واألفكار يف خطاب متكامل جمسد يف شكل قوالب لغوية وصيغ
أسلوبية ،ما جيعله خطابا حجاجيا شكال ومضمونا.
السياسي إىل اإلقناع عن قصد ونية ،حىت حيقق وجهة نظر صاحبه وألجل
-يهدف اخلطاب ّ
السهل والبسيط ليصل إىل أكرب قدر ممكن من اجلمهور ،كما يعمد
ذلك يلجأ إىل األسلوب املباشر و ّ
إىل توظيف بعض األساليب النّاجحة والفعالة أثناء حماولة إقناع اجلمهور كالتّكرار مثال.
(الشعب ،األمة)،
السياسي إىل إبراز ال ّذات املتكلمة املتمثلة يف اجلماعة "حنن" ّ
-مييل اخلطاب ّ
ال ال ّذات الفردية "أنا" ،حبيث حتاول هذه ال ّذات خلق مساحة مشرتكة بينها وبني املتلقي.
السياسي متغري ،أي ليس له قيم ثابتة كاخلطاب ال ّديين ،وإّمنا هو وليد الظّروف
-اخلطاب ّ
السياسية ،ما جيعل قيمه غري ثابتة ومتغرية وذات مفاهيم متعددة ختتلف منواملتغريات االجتماعية و ّ
مجاعة إىل أخرى.
-1ينظر :حممود عكاشة ،لغة اخلطاب السياسي دراسة لغوية تطبيقية يف ضوء نظرية االتصال ،ص.347 -346 :
17
مدخـ ـ ــل
الروابط اليت تفصل
السياسي على التّفاعل ،الذي يتبدى من خالل احلدود و ّ
-يقوم اخلطاب ّ
السياسية واألدوار اليت يؤديها
أو جتمع بني األنا واآلخر ،وتتبدى كذلك من خالل املكانة االجتماعية ّ
كل طرف يف التّفاعل أو حوله.1
السياسي خطاب قصدي بعيد عن العفوية ،حيث حيمل نواياه يف مضامينه -اخلطاب ّ
السلطة ،وبالتّال مصداقية اخلطاب رهينة مبا تفرضه
وأساليبه ،ينظر لألمور ويعاجل القضايا من زاوية ّ
السلطة.
ّ
السياسي لغة احلياة اليومية ،ملا تتضمنه من إحياءات إضافة إىل خلق التّفاعل
-يوظف اخلطاب ّ
مع اجملتمع.
صنع من أجله ،والظّروفالسياسي خطاب موقفي أي يرتبط باملوقف الذي ُ -اخلطاب ّ
والتّغريات اليت أسهمت يف وجوده ومبجرد أن ختتفي هذه الظّروف خيتفي هذا اخلطاب ويفقد قوته.
-حيظى اخلطاب السياسي بأكرب مجهور ،حيث يتعدد املتلقي هلذا اخلطاب وخيتلف من ٍ
متلق ّ
مقصود من اخلطاب أو مستمع للخطاب ،مباشر أو غري مباشرٍ ،
متلق داخلي أو خارجي حبسب
الشأن الذي قيل فيه اخلطاب.
ّ
الرتاكيب غري املعقدة ،بوصفه
السياسي إىل البساطة واالختصار واستخدام ّ
-يعمد اخلطاب ّ
خطابا إقناعيا مقصديا.2
-1ينظر :هباء الدين حممد يزيد ،تبسيط التّداولية من أفعال اللّغة إىل بالغة اخلطاب السياسي ،مشس للنّشر والتّوزيع ،القاهرة،
ط2010 ،1م ،ص.127 :
2
السياسي دراسة لغوية تطبيقية يف ضوء نظرية االتصال ،ص.348 ،347 :
-ينظر:حممود عكاشة ،لغة اخلطاب ّ
18
1
ماهية مصطلح ديبلوماسية
تنهض العالقات بني الدول على ما تؤديه طبيعة االلتزامات البينية االسرتاتيجية واالستشرافية
اليت تُرصد ضمن مدونات املراسيم واملعاهدات؛ ومن مثة ،فهي مجلة من القوانني الداخلية واخلارجية،
ختضع إىل أحكام املشرتك العام أو اخلاص من األعراف اليت تؤطرها اهليئات الدولية ،وتتوىل تنفيذها
هيئات داخلية تشرف عليها احلكومات عرب هياكلها من خالل املهام اليت توكل إىل الوزراء املخولني
أن السفراء الذي يعملون على تطوير الروابط القائمة بني الدول وتنفيذ االتفاقات املربمة بينهم.
ومن أهم هذه املناصب نذكر وزير اخلارجية ،الذي يعد وسيلة اتصال دائم وفعلي بني دولته
القطرية ،وبني خمتلف الدول املتبقية يف العامل؛ ما يسمى يف األعراف العاملية برئيس الدبلوماسية.وكذا
املهام اليت يشرف عليه السفري الذي يتوجب عليه أن يتقن فن متثيل احلكومة ،ويتمرس على رعاية
مصاحل البالد لدى احلكومات األجنبية ،ومن مث حيرتف مهمة السهر على أن تكون حقوق البالد
مصونة وكرامتها حمرتمة يف اخلارج ،وإدارة األعمال الدولية بتوجيه املفاوضات السياسية .لذا يتوجب
عليه أن حيسن متابعة مراحل العالقات وفقاً للتعليمات املرسومة من طرف دولته ،ومن مث يقوم على
السعي احلثيث لتطبيق القانون يف العالقات الدولية لكي تصري املبادئ القانونية أساس التعامل مع
الشعوب واألمم.
إن الدبلوماسية هي جمموعة من القواعد واألعراف واملبادئ الدولية اليت هتتم بتنظيم العالقات
القائمة بني الدول واملنظمات الدولية ،واألصول الواجب إتباعها يف تطبيق أحكام القانون الدول،
والتوفيق بني مصاحل الدول املتباينة ،وفن إجراء املفاوضات واالجتماعات واملؤمترات الدولية ،وعقد
االتفاقيات واملعاهدات .ومبعىن آخر ،هي علم وفن إدارة العالقات بني األشخاص الدوليني ،أو
الوظيفة اليت ميارسها الدبلوماسيون احملرتفون ،الذين تدرجوا يف مهامها .موضوعها هو العالقات
اخلارجية للدول واألمم والشعوب ،كما سنتعرف عليه يف املباحث الالحقة.
1الدبلوماسية من ضمن ما تعنيه ،أهنا اإلجراء املنظم للعالقات بني مجاعة بشرية معينة ومجاعة بشرية أخرى أجنبية عنها وأن أقدم
السفراء هم املالئكة على حد تعبري الباحث نيكلسون هرولد .الدبلوماسية .مرجع سابق .ص 15وما بعدها
20
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
وقبل أن أتناول مجيع هذه املسائل اليت تبدو معقدة ومتماسكة ،جيدر بنا حتديد املصطلح بدقة،
من خالل حتديد ماهيتها ونشأة مصطلحها يف لغتها الالتينية األصلية؛ ألن هذه اللفظة يتفق
الدارسون على أهنا مشتقه يف اللغة اليونانية من ( دبلوما ) ومعناها الوثيقة أو الشهادة الرمسية اليت
1
تطوى على نفسها ودبلوم أودبلون ومعناها طبق).
وقد كانت تذاكر املرور تسمى هكذا ( دبلومات) مث اتسعت كلمة دبلوما حىت مشلت وثائق
رمسية غري معدنية ،من تلك اليت متنح املزايا أو حتتوي على اتفاقات مع مجاعات ،أو قبائل أجنبية عن
2
ختول
الدولة ،واليت كانت تصدر عن صاحب السلطة العليا يف البالد ).مث ُوجدت هذه الوثيقة ،اليت ّ
حلاملها امتيازات خاصة ،وتتضمن صفة املبعوث واملهمة املوفد هبا ،كما أطلقت على بعض التصاريح
اليت كان مينحها القاضي لبعض األفراد ،مث اتسع مدلول هذه الكلمة فيما بعد ليشمل األوراق،
والوثائق الرمسية؛ املتضمنة لنصوص االتفاقيات ،اليت أبرمتها اإلمرباطورية الرومانية مع اجملتمعات
والقبائل األجنبية ،وأصبحت تعين دراسة الوثائق القدمية املتعلقة بالعالقات الدولية.
استعمل الرومان كلمة الدبلوماسية للداللة على طباع املبعوث ،أو السفري .وقصدت بالالتينية
(مبعىن الرجل املنافق ذي الوجهني) 3جتدر اإلشارة إىل أن إدارة وتوجيه العالقات الدولية استخدمت
كلمة املفاوضة ،واستخدم لفظ سفارة لإلشارة إىل اهليئة اليت تقوم هبذا العمل ،كما سنعرف يف
4
اجلانب التارخيي.
فقد استعمله الرومان كذلك ،وهو لكلمة دبلوماسية والذي من إفادته بعض طباع املبعوث أو
5
السفري وقصد بالالتينية مبعىن الرجل املنافق صاحب الوجهني)
21
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
لكن الدبلوماسية باملفهوم الفرنسي تذهب إىل معىن آخر فهي تعين مبعوث أو مفوض أي
الشخص الذي يرسل يف مهمة ،أما كلمة سفري فتشتق من كليتيه ،أي تابع خادم وهو لقب مينح
فقط ملمثلي امللوك ،فقد كان اإلسبان أول من استخدم كلمة سفارة أو سفري بعد نقلها عن التعبري
الكنسي مبعىن اخلادم أو السفارة ،فاتسع هذا املفهوم املتعلق بالدبلوماسية ،فيما بعد وأصبحت
تستعمل يف عدة معان) 1وقد تطور مدلول ( الدبلوماسية ) مع الزمن وأصبح يشري إىل معان خمتلفة،
2
فهو يستعمل اليوم يف املعان التالية:
للداللة على النهج السياسي يف زمن معني ،يقال :لقد تطورت الدبلوماسية الروسية يف القرن .1
احلال ،وأصبحت غري ما كانت عليه يف القرن املاضي مثال.
أو للداللة على اللباقة ،ومعها الكياسة ،وللداللة كذلك على الدهاء الصفة اليت جيب أن .2
يتحلى هبا الشخص الدبلوماسي ،بل وكل شخص بالنسبة إىل عالقاته مع غريه ،فيقال مثالً :أن
3
فالناً يتحلى بدبلوماسية رفيعة ،يقصد بذلك كياسة ودهاء يف التعامل)
وإما للداللة على املفاوضات وما يتبعها من مراسم ،حبيث يقال( :إن هذه املعضلة الدولية .3
مفتقرة إىل حل دبلوماسي أو كقولنا :حل املنازعات بالطرق السلمية أي عن طريق املفاوضات
الدبلوماسية ،وما يتبعها من أعراف واتصاالت مبعىن عدم اللجوء إىل العنف.
-4وتستعمل مبعناها لإلشارة إىل التاريخ الدبلوماسي لدولة ما أو لفرتة زمنية معينة لتعىن .4
التسلسل التارخيي للعالقات الرمسية بني الدول مثل قولنا((:تاريخ فرنسا الدبلوماسي )).
-5وتستعمل الدبلوماسية مبعىن ضيق كصفة لبعض املصطلحات مثل املراسالت الدبلوماسية .5
واحلصانات واالمتيازات الدبلوماسية .وتستعمل خطأ كرديف لالسرتاتيجية ،وتستعمل خطأ
كرديف للسياسة الدولية أو العالقات الدولية أو السياسة اخلارجية .وتستعمل كرديف
22
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
للمفاوضة ،حىت قيل يف تعريف الدبلوماسية أهنا فن املفاوضات ،وهذا غري صحيح ألنه استثىن
الوظائف األخرى للدبلوماسية مثل التمثيل واالتفاق ورعاية املصاحل.
وتستعمل للداللة على مهنة املمثل الدبلوماسي الذي يقوم على حد تعبري األستاذ أرنست .6
ساتو ،مبهمة ((التوفيق بني مصاحل بالده ومصاحل البالد املعتمد لديها والذود عن شرف وطنه
والسهر على تنمية الوعي الدول )).ولعل هذا املعىن األخري للدبلوماسية هو الذي يتجاوب مع
املعىن األصلي هلذه للفظة اليت تطلق عادة ويراد هبا هذا املعىن ((،الدبلوماسية )) وما ((الدبلوما))
إال (( كتاب االعتماد )) الصادر يف يومنا هذا عن رئيس الدولة ،والذي يتسلح به املمثل
1
الدبلوماسي ،وذلك حىت يتمكن من مباشرة مهامه لدى الدولة املضيفة)
أما الدبلوماسية يف اللغة العربية ،فقد كانت تعىن فيما تعين كلمة (( كتاب )) ،وذلك للتعبري
عن تلك (الوثيقة اليت يتبادهلا أصحاب السلطة بينهم) 2وجند بأن هذه الوثيقة مهمة جدا ،إلحداث
هذا التبادل احلاصل بني املبعوث الذي كانت له حصانة ومكانة مهمة عند املسلمني ،واليت متنح
3
حاملها مزايا احلماية واألمان)).
وكلمة سفارة تستخدم عند العرب مبعىن الرسالة أي التوجه واالنطالق إىل القوم ،بغية التفاوض
وتشتق (( كلمة سفارة من سفر )) أو (( أسفر بني القوم إذا أصلح )) (( كلمة سفري هو ميشي بني
4
القوم يف الصلح أو بني رجلني)).
23
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
إن الدبلوماسية باعتبارها مؤسسة بشرية ،هي يف عملية ديناميكية متواصلة ،تتعرض لتغيريات
الزمن وما يأيت به من قوى ومؤثرات جديدة ،لذلك جند بأن كل عصر مير بتجديد جوهري يف أساليبه
وصيغه الدبلوماسية.
ولعله األمر الذي يتوقع معه بعض مؤرخي الدبلوماسية أن تكون صيغ اليوم من الفكرة
الدبلوماسية اليت صنفتها بأهنا جديدة ،وميكن أن ختتلف عن تلك اليت سنجدها يف املستقبلني القريب
و املتوسط ،وهو االجتاه الذي بدأ فعال حيث شرعت وزارات خارجية ،خاصة الدول الكربى ،يف
التخطيط إلعادة بناء هياكلها ونظمها وأساليب العمل فيها ،ومن مث إعادة وإعداد دبلوماسييها لكي
تواجه متطلبات القرن اجلديد بأوضاعه وأدواته وعالقاته املتغرية ،وجبميع أنواع التكنولوجيات اليت
1
ستؤثر على الفكر الدبلوماسي)).
.تعريف الدبلوماسية.
الدبلوماسية مبعناها العام هي :جمموعة املفاهيم والقواعد واإلجراءات واملراسم واملؤسسات
واألعراف الدولية اليت تنظم العالقات بني الدول واملنظمات الدولية واملمثلني الدبلوماسيني)) 2ولعل
هذا التعريف يتماشى مع مفهوم القانون الدول ،وهو من أمشل التعاريف اليت أعطيت هلا يهدف
خدمة املصاحل العليا ( األمنية واالقتصادية) والسياسات العامة ،وللتوثيق بني مصاحل الدول بواسطة
االتصال والتبادل وإجراء املفاوضات السياسية وعقد االتفاقات واملعاهدات الدولية.
وتعترب الدبلوماسية أداة رئيسة من أدوات حتقيق أهداف السياسة اخلارجية؛ للتأثري على الدول
واجلماعات اخلارجية هبدف استمالتها ،وكسب تأييدها بوسائل شىت ،منها ما هو إقناعي وأخالقي
1
- willsswolfrrram (1977) ubersetzungsswissenschaft-probleme und methodenstuttgout.klett.
S145
-2اكتشفت جمموعة من الرسائل الدبلوماسية بلغ عددها 360لوحاً من الصلصال وهي عبارة عن مراسالت دبلوماسية متبادلة
بني فراعنة األسرة الثامنة عشرة اليت حكمت مصر يف القرنني 14 /15وملوك بابل واحلثيني وسوريا وفلسطني معظمها كان
مكتوباً باللغة البابلية لغة العصر الدبلوماسية ،هذا ما تؤكده معاهدة قادش بني الفراعنة واحلثيني سنة 1279ق.م اليت أتت
نتيجة يف القانون الدول والعالقات الدبلوماسية ,ينظر:د .م ص عفيفي ،تطور التبادل الدبلوماسي يف اإلسالم ،ص 155وما
بعدها.
24
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
ومنها ما هو ترهييب (( مبطن )) وغري أخالقي .باإلضافة إىل توصيل املعلومات للحكومات
والتفاوض معها تعىن الدبلوماسية بتعزيز العالقات بني الدول وتطورها يف اجملاالت املختلفة وبالدفاع
عن مصاحل وأشخاص رعاياها يف اخلارج ومتثيل احلكومات يف املناسبات واألحداث 1))..وكذا تقييم
مواقف احلكومات واجلماعات إزاء قضايا راهنة أو ردود أفعال حمتملة ،إزاء مواقف مستقبلية .وقد
أخذ تعريف الدبلوماسية عدة معان ،بتطور الدبلوماسية ذاهتا وسأوجزها يف نقاط مركزة على النحو
التال:
عرف اهلنود الدبلوماسية منذ ثالثة أالف سنة بقوهلم (( :إهنا القدرة على إثارة احلرب -1
الرمسية اليت تعطي لألفراد الذين يأتون إىل بالد الرومانية وكانوا حيملوهنا معهم ليسمح هلم
باملرور وليكونوا موضع رعاية خاصة ،انتقلت الدبلوماسية اليونانية إىل الالتينية وإىل اللغات
2
األوروبية مث إىل اللغة العربية)).
الدبلوماسية يف الالتينية :تعين الشهادة الرمسية أو الوثيقة اليت تتضمن صفة املبعوث واملهمة -3
املوفد هبا ،والتوصيات الصادرة بشأنه من احلاكم يقصد تقدميه و حسن استقباله أو تسري
انتقاله بني األقاليم املختلفة وكانت هذه الشهادات أو الوثائق عبارة عن أوراق متسكها قطع
3
من احلديد تسمى (( دبلوما ))
تعريف معاوية بن أيب سفيان (( :لو أن بيين وبني الناس شعره ما انقطعت ،إذا أرخوها -4
شددهتا وإن شدوها أرخيتها ))..يتميز بأنه تعريف على غاية يف الرهافة الفكرية.
تعريف أرنست ساتو (( :إن الدبلوماسية هي استعمال الذكاء والكياسة يف إدارة العالقات -5
الرمسية بني حكومات الدول املستقبلة )) وهنا اسرتجاع ملكانة الدولة املضيفة.
25
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
تعريف شارل دي مارتينس (( :الدبلوماسية هي علم العالقات اخلارجية أو الشؤون اخلارجية -6
تعريف فوديريه (( :الدبلوماسية هي فن متثيل السلطات ومصاحل البالد لدى احلكومة والقوى -9
األجنبية ،والعمل على أن حترتم ،وال تنتهك وال يستهان حبقوق وهيبة الوطن يف اخلارج ،وإدارة
1
الشؤون الدولية ،وتوحيد ومتابعة املفاوضات السياسية حسب تعليمات احلكومة)).
تعريف انتولوليتز (( :الدبلوماسية هي جمموعة املعرفة والفن الالزمني من أجل تسيري العالقات -10
واألسلوب الذي به يدير السفراء واملبعوثون هذه العالقات ،وعمل الرجل الدبلوماسي أو
فنه))..
تعريف كيسنجر (( :الدبلوماسية هي تكييف االختالفات من خالل املفاوضات)). -12
تعريف جورج كينان (( :الدبلوماسية عملية االتصال بني احلكومات )). -13
تعريف فيليب كاييه (( :الدبلوماسية هي الوسيلة اليت يتبعها أحد أشخاص القانون الدول -15
سياستها اخلارجية يف تعاملها مع الدول واألشخاص الدوليني األخريني ،وإدارة عالقاهتا الرمسية
1
بعضها مع بعض ضمن النظام الدول)). .
26
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
تعريف د .مسوحي فوق العادة يف كتابه (( الدبلوماسية والربوتوكول ) :الدبلوماسية (( هي فن -17
متثيل احلكومة ،ورعاية مصاحل البالد لدى احلكومات األجنبية ،والسهر على أن تكون حقوق
البالد مصونة وكرامتها حمرتمة يف اخلارج ،وإدارة األعمال الدولية بتوجيه املفوضات السياسية.
ومتابعة مراحلها وفقاً للتعليمات املرسومة ،والسعي لتطبيق القانون يف العالقات الدولية كيما
تصبح املبادئ القانونية أساس التعامل مع الشعوب )).
تعريف د.مسوحي فوق العادة يف كتابه ( الدبلوماسية احلديثة ((:2)).الدبلوماسية هي -18
جمموعة من القواعد واألعراف واملبادئ الدولية اليت هتتم بتنظيم العالقات القائمة بني الدول
واملنظمات الدولية ،واألصول الواجب إتباعها يف تطبيق أحكام القانون الدول ،والتوفيق بني
مصاحل الدول املتباينة ،وفن إجراء املفاوضات واالجتماعات واملؤمترات الدولية ،وعقد
االتفاقيات واملعاهدات))..
تعريف د .علي حسني الشامي(( :الدبلوماسية هي علم وفن إدارة العالقات بني -19
األشخاص الدوليني ،وهي مهنة املمثلني الدبلوماسيني ،أو الوظيفة اليت ميارسها الدبلوماسيون،
وميدان هذه الوظيفة هو العالقات اخلارجية للدول واألمم والشعوب)).
تعريف مأمون احلموي ((:إن الدبلوماسية هي ممارسة عملية لتسيري شؤون الدولة اخلارجية -20
وهي علم وفن ،علم ملا تطلبه من دراسة عميقة للعالقات القائمة بني الدول ومصاحلها
املتبادلة ومنطوق توارخيها ومواثيق معاهداهتا من الوثائق الدولية يف املاضي واحلاضر ،وهي فن
3
ألنه يرتكز على مواهب خاصة عمادها اللباقة والفراسة وقوة املالحظة ))
يقول نيوملن :إن التاريخ يذكرنا بالقبائل البدائية واجلماعات البشرية األوىل قد عرفت احلرب -21
والسلم وإجراء الصلح ،وعرفت كذلك مراسم االحتفاالت الدينية والسياسية واالتصاالت
27
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
التجارية و هذه اجلماعات كانت هلا مراسم خاصة عند وفاة الزعيم وعند تول زعيم جديد
للسلطة.
يقول دوليل :بأن الدبلوماسية ظهرت أثارها على األلواح اآلشورية ويف التاريخ الصيين واهلندي -22
واإلغريقي و الرومان ولكن ال صلة مباشرة بني النظام احلديث وبني إرسال الكنيسة الرومانية
الوسطى للمبعوثني*تطور العالقات االجتماعية داخل اجملتمع القبلي أدى إىل بروز بعض
القواعد واألغراض أمهها:
أ – كانت البعثات الدبلوماسية تنشأ عن اإلعالن عن تول زعيم جديد للسلطة أو تتويج أحد
1
امللوك أو وفاة آخر أو إجراء انتخاب الختيار زعيم أو رئيس ))..
ب -كان إرسال البعثات والسفراء جيري هبدف القيام باالتصال والتباحث من أجل املصاهرة
والزواج.
ج -كانت الدعوة إىل عقد االجتماعات اليت تضم القبائل القريبة والبعيدة هتدف إىل حبث
عدة شؤون منها الصيد واألعياد والشعائر الدينية.
د -كانت غاية البعثات تطوير العالقات الودية ونبذ احلروب والدعوة للمفاوضات وعقد
2
الصلح واالحتفال بإرساء قواعد السالم))..
ه -كانت هذه البعثات تشجع على قيام مجاعات سياسية من أجل التحالف واملساندة
كوسيلة لرعاية السالم (( مثل حلف الفضول ،وحلف الطيبني
و --كانت البعثات الدبلوماسية تقوم بدور يف إعالن احلرب أو التهديد هبا واألخطار اليت
ترتتب على وقوعها.
ز -مبدأ تبادل الرسل واملبعوثني املؤقتني إقرار مبدأ احلصانات واالمتيازات
-1ينظر :د.علي صادق أبو هيف .القانون الدبلوماسي م.س /.ص 85وما بعدها
-2د.أمحد أبو الوفا ،القانون الدبلوماسي اإلسالمي ،ص ص .309–296
28
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
ح -يف بعض اجملتمعات البدائية كانت تلقى عمل السفارة على النساء.
Diplomatie : (( ist die kunst und praxis im luitem von
verhandlungenzuischenbevollmachtgtenreprasentantenvershiedener Gruppen oder nationen
(diplomaten) der begniffbezieht sich meist auf die international also die pflege
zwischenstaatlicher beziehungenderch absprachen uberangelegenheiten wie
friedenssicherungkulturwirtschafthandel und konflikte international vertrage werden
normalerweise von diplomaten im sinne von nationalen politikern ausgehandelt ))1
تقضي االتفاقيات على منح احلق يف تب ادل التمثيل الدبلوم اسي على الدول كاملة السيادة.
أم ا ال دول ناقصة السيادة كال دول احملمية أو التابعة أو املشمولة بالوصاية ،فليس هلا – غالباً –
2
ممارسة هذا احلق ،اللهم إال إذا كانت عالقتها بالدولة اليت تدير شؤوهنا ختوهلا هذا احلق.
وجتدر اإلشارة إىل أ ّن الوضع خيتلف بالنسبة للدول اليت تنضم إىل احتاد دول .فإذا كان االحتاد
ال يؤثر على الشخصية الدولية للدول املنضمة إليه كاالحتاد الشخصي واالحتاد الكونفدرال .فإنه يظل
هلذه الدول احلق يف تبادل التمثيل الدبلوماسي مع غريها من الدول.
أما إذا كان انضمام الدول إىل االحتاد الدول يؤدي إىل فناء شخصيتها الدولية كاالحتاد
الفيدرال واالحتاد الفعلي ،فإن هذه الدول تفقد احلق يف تبادل التمثيل الدبلوماسي لصاحل دولة
االحتاد ،اللهم إال إذا اتفق على أن يكون إلحدى هذه الدول أو بعضها احلق يف مباشرة التمثيل
-1ترمجة النص السابق الدبلوماسية :هي فن وتطبيق لتسيري حماضرات بني ممثلي فرق خمتلفة أوطان معرتف هبم دبلوماسيون
املصطلح يتعلق غالبا بالدبلوماسية الدولية محاية العالقات ما بني الدول وأخرى بواسطة اتفاقات عن األشغال كضمان للسلم
الثقافة االقتصاد التجارة واملواجهات عقود عاملية تقدم من املفروض من طرف دبلوماسيني مبعىن سياسيون وطنيو ينظر:
Auslandsvertretungen sind dauerhaft eingerchtetevolkerrechtlichevertungen eines staates im
ausland dazu zahlen auch seine standigenvertretungen bei internationalen organisationen.
2د .مفيد حممود شهاب ،القانون الدول العام ،دار النهضة العربية ،القاهرة1985 ،م ،ص ص .257–256
29
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
1
الدبلوماسي بنفسها
وميكن لدولة أن تعهد لدولة أخرى بتمثيلها لدى الدولة املعتمد لديها ،وذلك ألسباب تتعلق
بالرغبة يف خفض اإلنفاق ،أو نتيجة لنشوب احلرب بني الدولتني املعتمدة واملعتمد لديها أو لتوتر
العالقات الدبلوماسية بينهما .شرط أن تعهد كل دولة برعاية مصاحلها إىل بعثة دبلوماسية تابعة لدولة
صديقة ،ومعتمدة لدى الدولة اليت قطعت العالقات الدبلوماسية معها 2).ويستمر هذا الوضع حلني
عودة العالقات الدبلوماسية بينهما مرة أخرى.
متلك الدولة الصالحية املطلقة يف اختيار أعضاء بعثاهتا الدبلوماسية ،وحتديد كل ما يتعلق
بوضعهم املهين؛ من حيث التعيني وشروطه ،وحتديد أقدميتهم وترقياهتم ،وكيفية تأهيلهم وإعدادهم.
ومن الطبيعي ،أن يكون املبعوثني الدبلوماسيني من مواطين الدولة املعتمدة ،ومع هذ اليس
هناك ما مينع اختيارهم من مواطين الدولة املضيفة أو دولة ثالثة ،بشرط موافقة الدولة املضيفة .وعلى
أساس حجم العالقات وأمهية املصاحل بني الدولة املوفدة والدولة املوفد إليها؛ تتكون البعثة
الدبلوماسية.
ويتوىل املبعوث متثيل الدولة املوفدة لدى الدولة املوفد إليها .ويقوم باإلشراف على أعمال
احدا ،لكي يرأس أكثر من بعثة دبلوماسية ،أو لكي
شخصا و ً
ً البعثة .وجيوز أن تعني إحدى الدول
3
ميثلها لدى أكثر من دولة ،ما مل تقم إحدى الدول املعتمد لديها باالعرتاض على ذلك).
وللتنويه ،فإنه ميكن لدولتني أو أكثر اعتماد شخص واحد لرئاسة بعثاهتا لدى دولة معينة،
مظهرا من مظاهر السيادة ،فإن للدولة
شرط أن يكون باالتفاق عليه .وملا كان التمثيل الدبلوماسي ً
1ود .علي حسني الشامي ،الدبلوماسية ،دار العلم للماليني ،بريوت1990 ،م ،ص ص .200–185
-2د .علي صادق أبو هيف ،املرجع السابق ،ص .96
3- Do Nascimento, E. Silva; Diplomacy in International Law, Leidnsijthaff p51
30
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
املوفد إليها سلطة تقديرية كاملة يف قبول الشخص املرشح لرئاسة البعثة الدبلوماسية أو رفضه للدولة
1
املوفدة دون االلتزام بإبداء األسباب).
ويف املقابل ،للدولة املوفدة إليها احلق يف فسخ العقد مع املبعوث يف أي وقت وجدته غري
مناسب ملهامه ،Persona Non Grata ،وتطل ب من الدول ة اليت ميثله ا استدعاءه ،أو أن تفرض
عليه مباشرة مبغادرة اإلقليم .ويتحقق ذلك أثناء قيام رئيس البعثة الدبلوماسية بعمل يسيء إىل
العالقات الودية بني البلدين كأن يتدخل يف الشؤون الداخلية للدولة املضيفة2). .استعمال مقر البعثة
الدبلوماسية يف عمل يتعارض ووظائفها األساسية.وعليه ،جيب على الدولة املوفدة ،سحب مبعوثها
شخصا غري مرغوب فيه.
ً الدبلوماسي يف حالة أعترب
يبدأ مهام املبعوث من تاريخ اإلخطار بوصوله وتقدمي صورة رمسية من أوراق اعتماده إىل وزارة
تبعا للعرف املتبع يف الدولة املضيفة .وبشرط
خارجية هذه الدولة .أو من تاريخ تقدمي أوراق اعتماده ً
عدم التمييز بني رؤساء البعثات الدبلوماسية .ويتوقف ترتيب تقدمي أوراق االعتماد أو صور تلك
3
األوراق على تاريخ وصول رئيس البعثة وساعته).
تتشكل البعثة الدبلوماسية من مبعوث رمسي وموظفني تعينهم الدولة املوفدة ،ملعاونة رئيس البعثة
4
الدبلوماسية يف أداء مهام منصبه .وينقسم هؤالء املوظفون إىل الفئات الثالث اآلتية:
ب – املوظفون اإلداريون والفنيون ،وهم املوظفون الذين يعهد إليهم باألعمال اإلدارية
31
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
أما بالنسبة لوظائف البعثة الدبلوماسية ،فإهنا وف ًقا للمادة الثالثة من اتفاقية فيينا للعالقات
الدبلوماسية ،تتمثل مهام البعثة الدبلوماسية يف ما يأيت:
32
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
33
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
واملالحظ أن هذه املائة عام من السالم ،واليت ستثري شجن وحنني الدبلوماسيني والساسة يف
balance of األجيال التالية؛ قد قامت يف ظروف استثنائية ،ونتيجة لسياسة توازن القوى
powerووجود شبكة من املصاحل املتبادلة يف التجارة.1)).
ومع ذلك مل يستمر االستقرار والسالم؛ ألنه مع مطلع القرن العشرين بدأ النظام الدول يبشر
ببعض االضطرابات العنيفة ،وانتهى زمن التناسق واالستقرار ،فقد أزاحت احلرب األوىل أربع
2
إمرباطوريات كربى من القوى السبع اليت كانت على املسرح الدول). .
1
- Do Nascimento, E. Silva; Diplomacy in International Law, Leidnsijthaff p. .89
2-Denza.– E. Diplomatic Law, New York, Ocean publications Inc, Dobbs Ferry, 1996, pp. 56
85; Oppenheim's International Law, Lauterpacht ,Vol. I, peace, 8th Ed., Longman, 1974,
pp793-794.
34
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
انعكس كل هذا على الدبلوماسية التقليدية -يف جوهرها_ فكان عليها أن هتيئ نفسها للتأقلم
مع عصر ثوري جديد .بدءا بإهناء االحتكار األورويب نتيجة لدخول الواليات املتحدة يف اجملموعة
الصغرية لألعضاء الكبار يف اجملتمع الدبلوماسي.
إن هذا التطور بدأ باالجتاه االنعزال الذي ساد الواليات املتحدة ،الذي كان يود لو مل يكن
للعامل اجلديد سياسة خارجية على اإلطالق ابتعاداً عن مشاكل أوروبا وصراعاهتا وحروهبا ،حيث أعلن
1906م جون آدمز أن عمل أمريكا مع أوروبا هو التجارة وليس السياسة أو احلرب ،وأنه حىت عام
كان للواليات املتحدة ست سفارات يف اخلارج والباقي مفوضيات.
ورغم كل ذلك ،إال أن االجتاه االنعزال مل يصمد أمام التطورات اليت أرغمتها على أن تندمج
فيها وتصبح هي ودبلوماسيتها من العوامل املؤثرة يف توجيه احلياة والدبلوماسية الدولية إن مل تكن هي
1
العامل احلاسم فيها)). .
وعلى إثر هذا التطور ،تعرضت الدبلوماسية القدمية أو التقليدية وأساليبها هلجوم مستمر منذ
احلرب العاملية األوىل ،واستمر هذا اهلجوم الذي صحبته تطورات جذرية يف البيئة الدولية حىت كادت
الدبلوماسية القدمية أن تنبذ منذ هناية احلرب الثانية .ويلخص هانز مورجانثو احلجج اليت استند عليها
اهلجوم على الدبلوماسية القدمية يف:
أهنا مسؤولة عن الكوارث السياسية اليت حاقت بالبشرية خالل احلقب اليت سيطرت -1
فيها أساليبها ،واملنطق يقول إن األساليب اليت ثبت عدم صحتها جيب أن تستبدل.
إ ّن الدبلوماسية التقليدية إمنا تتعارض مع مبادئ الدميقراطية لذلك كان على -2
الدبلوماسية أن تكون مفتوحة ومعرضة للفحص يف كل عملياهتا.
إ ّن الدبلوماسية التقليدية بشكلياهتا غري ذات جدوى ومضيعة للوقت ومتعارضة -3
مبساوماهتا مع املبادئ األخالقية.
1
- Do Nascimento, E. Silva; Diplomacy in International Law, Leidnsijthaff p. .97
35
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
ّأما العوامل احلامسة اليت أدت إىل تراجع الدبلوماسية القدمية ونشوء الدبلوماسية اجلديدة
فكانت نتيجة لثالثة تطورات رئيسية هي:
فبالنسبة للعامل األول فقد كان عدد الدول اليت متارس العملية الدبلوماسية عند بداية نظام الدولة
احلديثة عند منتصف القرن السابع عشر اثنيت عشر دولة أوروبية ،ومنذ هذا الوقت تضاعف هذا
العدد عدة مرات.
حدث حتول أساسي حيث حصلت الواليات املتحدة 19 وبداية القرن 18 ففي هناية القرن
ومخس عشرة دولة التينية على االستقالل ،األمر الذي ضاعف من عدد الدول املكونة للمجتمع
الدول واتسعت الساحة الدولية 1)..حبيث مشلت نصف الكرة الغريب .مث حدث منو مفاجئ -وإن
كان بطيئاً -يف منتصف القرن التاسع عشر على اجملتمع الدول الصني واليابان ،وعدد من دول
أمريكا الوسطى ،وليبرييا.
ومنا هذا التوسع بشكل أكرب بعد احلرب العاملية األوىل ،خباصة يف البلقان وجنوب شرق أوروبا
دولة .غري أن اجملتمع الدول شهد أكرب 65 والشرق األوسط حيث بلغ عدد الدول ما يقرب من
توسع له نتيجة ملوجه االستقالل بعد احلرب العاملية الثان حيث انضم 75عضواً جديداً خاصة من
العامل العريب وأفريقيا وآسيا والباسيفيكي.2)..
36
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
واستمر هذا التوسع حىت وصل عدد الدول اليت تتمتع بعضوية األمم املتحدة 185دولة
وبطبيعة احلال نتج عنه توسع كبري يف الصالت والعالقات الدبلوماسية واملفاوضات واألجهزة
الدبلوماسية يف اجملتمع الدول.
أما العامل الثان الذي خيتص نشوء الدبلوماسية احلديثة ،فقد متثل يف التغيري النوعي الذي
جنم عن تقلص احلدود بني الدول والثورة الصناعية ،وتزايد االعتماد على التجارة وتنوعها
واالكتشافات العلمية والتداخل املتزايد بني الدول يف الشؤون الثقافية واملالية واالجتماعية وتعامل
1
احلكومات مع نطاق واسع من القضايا واملشكالت)..
ففي القرن 19احنصر اهتمامات الدول ومن مث جهازها الدبلوماسي يف عدد حمدود من
القضايا مثل قضايا السالم واحلرب واالسرتاتيجية ومحاية املواطنني يف األراضي األجنبية وحقوق
lowpolitics املالحة والتجارة وتسليم اجملرمني .وما عدا ذلك إال من قبيل االهتمامات األدىن
اليت إن أثارت االهتمام فهي ترتك للمستويات الوظيفية األقل.
أما اليوم فقد اتسع نطاق اهتمامات الدولة بشكل أصبح يشمل -إضافة إىل االهتمامات
التقليدية -قضايا مثل الطعام والطاقة واملياه والبيئة والسكان واهلجرة ومقاومة اإلرهاب والسكان
2
واالنتشار النووي واألمراض))..
ولعل العامل الثالث مثلته ثورة االتصاالت واملعلومات ،اليت أحدثت تغيرياً نوعياً يف ظهور
الدبلوماسية احلديثة .فالثورة التكنولوجية يف جمال النقل واالتصاالت سهلت األمور ،واقتصرت اجلهد
والوقت ،وأصبح من املمكن عقد مؤمترات وحوارات عرب االتصاالت السلكية والالسلكية واألقمار
الصناعية ،لتتم من خالهلا إجراء اتصاالت طويلة ومشاورات بالربقيات والفاكس واخلط الساخن
1
- Strolzbirgit . konferenzdolmetschen ffertigkeit oder kunst ? kurz ingridroislangelahvsg
(1997) berufsbil der finubersetzer und dolmetscherwienuniversitatverlag.S.S 245 -278
-2د .مسوحي فوق العادة ،الدبلوماسية احلديثة ،ص.283
37
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
الذي يربط بني الرؤساء خاصة ،هذا من جهة .ومن جهة أخرى ،مكن املتفاوضني وهم على مائدة
املفاوضات من االتصال بعواصم بالدهم واحلصول على التوجيهات من صناع القرار يف عواصمه.
إن لثورة املعلومات التكنولوجية ،وما متيزت به من سرعة النقل واالتصال عرب الشبكات
والقنوات التلفزيونية ،تأثري حاسم على عمل الدبلوماسي وكمية ما هو متاح له من أخبار ومعلومات
وتقييمات وجعله يف مركز األحداث العاملية وهو يف مكتبه وجعله هذا يف سباق مع الزمن لكي
1
يالحق هذه اإلحداث وال يتخلف عنها)).
إ ّن إدارة العالقات الدولية خالل عصر الدبلوماسية القدمية والتقليدية كانت توكل إىل صفوة من
الرجال املختارين ،اليت تتفاوض وتقرر سياسات بالدها وعالقاهتا .ولعل هذا هو السبب الرئيس يف
ظهور الدبلوماسية احلديثة ،وبالتال بروز تصور أكثر دميقراطية للعالقات الدولية.
وعلى العموم ،كانت هذه هي العوامل الرئيسة يف التحول الذي حدث يف الدبلوماسية احلديثة
ونقلها من طبيعتها ومنهجها ومضموهنا التقليدي الكالسيكي إىل الدبلوماسية اجلديدة ذات املضمون
-وإن ظل حمتفظاً بعناصر من مضمون الدبلوماسية القدمية 2)).فالديبلوماسية احلديثة طورت
مناهجها وادواهتا مبا يتناسب مع تنوع موضوعاهتا .فإذا كان األمر كذلك فما هي أهم اخلصائص اليت
أصبحت متيز الدبلوماسية احلديثة واملعاصرة؟
1
- Do Nascimento, E. Silva; Diplomacy in International Law, Leidnsijthaff p. .91
-2د .مسوحي فوق العادة ،الدبلوماسية احلديثة ،ص.283
38
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
لقد أظهرت العوامل اليت كانت وراء هذا التحول عدداً من اخلصائص الدبلوماسية احلديثة ،فقد
أصبحت تعمل يف بيئة دولية أكثر اتساعا وتعددا وتنوعا من اليت كانت تعمل فيها الدبلوماسية
القدمية .واتسع نطاق القضايا واملوضوعات اليت تعاجلها وينشغل هبا الدبلوماسي وتشكل جدول
أعماله اليومي1)).هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى ،أصبحت تعمل يف ضوء العالنية ومتابعة وسائل اإلعالم ،وحتت تأثري
املؤسسات الدميقراطية ويقظة الرأي العام .وباإلضافة إىل هذه اخلصائص املرتبطة بعوامل التغري اليت
طرأت على الدبلوماسية ،مثة خصائص أصبحت من املعامل الرئيسية للدبلوماسية املعاصرة .من أهم
هذه املعامل:
أوال :إن الدبلوماسية اليوم أصبح يطلق عليها ما ميكن تسميته الدبلوماسية الشاملة أو الكاملة
.Totalذلك أ ّن الدبلوماسي اليوم هو الذي يدير وينسق نطاقا عريضا من Diplomacy
النشاطات واالهتمامات العريضة للبلد املعتمد فيه ،فلم يعد كالسابق قانعا مبمارساته التقليدية من
حفالت ومآدب عشاء وغذاء واستقباالت أو بكتابة التقارير والتحليالت والتنبؤات.
وعيله ،جيب على الديبلوماسي احلديث أن يتوقع معاجلة كل مظاهر احلياة البشرية ،إذ أن كل
مظهر للوجود البشرى أصبح اليوم تقريبا له بعض األبعاد الدولية ،األمر الذي نقل الدبلوماسية من
كوهنا عملية بسيطة إىل معقدة؛ وهذا نتيجة للعدد املتزايد من املشكالت ،والقضايا املعقدة
واملتشابكة اليت تواجه الدول واجملتمع الدول؛ وأيضا نتيجة للعدد املتزايد من الدول.
ثانيا :إ ّن الذي أصبح مييز الدبلوماسية املعاصرة وأصبحت معه تسمى الدبلوماسية الرتابطية
Associativeهو النمو املستمر يف تكوين اجملموعات اإلقليمية والدولية Diplomacy
Groupingsوهو االجتاه الذي تشكل به هذه اجملموعات عالقات سياسية واقتصادية وثيقة الصلة
مع دول أخرى تربطها هبا روابط اسرتاتيجية وسياسية واقتصادية وجتارية.
1
- Do Nascimento, E. Silva; Diplomacy in International Law, Leaden sijthaff p. .99
39
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
ويبدو هذا االجتاه واضحا يف توسيع وتعميق جمموعات كانت قائمة مثل السوق األوروبية
املشرتكة EECواليت توسعت لتصبح االحتاد األورويب EUوأصبحت تضم اليوم 15عضوا ،ومل تتسع
يف العضوية فقط وإمنا كذلك يف طبيعة الروابط بينها حبيث أصبحت تتجه وفقا ملعاهدة ماستريخت
1
يف ديسمرب عام 1991اىل الوحدة النقدية والسياسية واالقتصادية))..
وعلى املستوى اآلسيوي جند رابطة دول جنوب شرقي آسيا :اآلسيان ،ASIANومنتدى
التعاون االقتصادي لدول آسيا باسيفيك ،APECمث جتمع NAFTAالذي يضم الواليات املتحدة
وكندا واملكسيك .باإلضافة إىل جتمعات فرعية Sub-groupingsيف النطاق العريب :جمموعة الدول
اخلليجية اليت جيمعها جملس التعاون اخلليجي GCCوجمموعة الدول املغاربية اليت جيمعها احتاد
املغرب العريب 2)).ويف النطاق اإلفريقي جمموعة دول غرب إفريقياECAWASوجمموعة اجلنوب
.SA-DAC اإلفريقي
ويف اإلطار الالتيين هناك جمموعة امليكروسول Micro soleوهي اجملموعات الفرعية اليت تعمل
جبوار املنظمات اإلقليمية األوسع مثل منظمة الوحدة األفريقية ،وجامعة الدول العربية ،ومنظمة
3
الوحدة األمريكية))..
إ ّن املتتبع للحقبتني املاضيتني يلمس منوا ملحوظا يف تطور الدبلوماسية املعاصرة فيما يتعلق
بالقضايا االجتماعية واالقتصادية والفنية أو ما أصبح يعرف بالقضايا العاملية ،Global Issuesهذه
القضايا اليت أصبحت عمليا تشكل جدول أعمال االهتمامات امللحة للمجتمع الدول وتفرض
طبيعتها املتشابكة وآثارها املمتدة اليت تتعدى حدود الدول بل والقارات .وهلذا تتطلب جهدا وتنسيقا
مجاعيا .ويصبح من الصعب على دولة واحدة مهما كانت إمكانياهتا أن تواجهها منفردة.
–1د .علي صادق أبو هيف .القانون الدبلوماسي .ص 15وما بعدها
-2د.حممودخلف.النظرية واملمارسة الدبلوماسية ،ص 184
-3د .على صادق أبوهيف ،املرجع نفسه .ص 245
40
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
ومثل هذه القضايا هي اليت انعقدت حوهلا مؤمترات دولية مثل البيئة ،والسكان ،والتنمية
االقتصادية واالجتماعية ،وحقوق اإلنسان واملرأة ،إىل جانب قضايا عريضة أخرى تنتظر وتتطلب
جهدا دوليا مجاعيا مثل :اإلرهاب الدول ،واجلرمية ،واهلجرة واألمراض والتلوث واالنتشار النووي ...
اخل .كل حتت مسمى رعاية األمم املتحدة.
وطبقا هلذه املهام اجلديدة كان على األجهزة الدبلوماسية إعادة تنظيم هياكلها وأولوياهتا حبيث
أصبحت اإلدارات واألقسام اليت تعاجل هذه القضايا هلا األولوية على غريها من اإلدارات التقليدية اليت
1
تعاجل القضايا السياسية ،وانسحب هذا على األفراد الذين يتولون هذه املهام)).
ولعل هذا ما خلق جوا تنافسيا بني أعضاء األجهزة الدبلوماسية على مستوى العمل
والتخصص يف هذه األنشطة اجلديدة ،واليت أصبحت تتطلب ثقافة وتكوينا جديدا ،وأصبح ترتيب
حضور هذه املؤمترات وكذلك احتمال تنظيمها موضوعيا وإداريا وفنيا من أهم ما يشغل وزارات
اخلارجية واليت تتوىل مسؤولية هذه املؤمترات الدولية اليت تعقد يف بالدها2)).باإلضافة إلى معاجلتها
تعاجل قضايا بعيدة عن القضايا السياسية التقليدية سواء من حيث املشاركة الدولية فيها أو من الناحية
التنظيمية ،وإعداد الكوادر الفنية الالزمة :السكرتارية الرتمجة ومصاحبة الوفود الزائرة ..اخل.
41
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
غري أن اخلربة قد أظهرت أن فعالية الدبلوماسية املتعددة يف حتقيق حلول هلذه الصراعات يرد
عليها قيود عديدة ،كما سوف تظل عاجزة طاملا أصرت أطراف النزاع على إدارته بالوسائل
العسكرية1)). .وهنا يبدأ الدور الفعال للدبلوماسية املتعددة ،فبعد أن تستنفد أطراف الصراع جهودها
العسكرية وتصل املواجهة بينهم إىل مرحلة اجلمود Deadlockكما أظهرت خربات الصراعات يف
الشرق األوسط يف كمبوديا وأجنوال وأخريا يف البلقان .هنا يأيت دورها لفك هذه النزاعات.
ولعل أهم ما أصبح مييز البيئة الدبلوماسية اجلديدة هو تأثرها بوسائل اإلعالم والعالنية اليت
تفرضها عليها .ويسجل مؤرخو الدبلوماسية بدء تصدع نظام الدبلوماسية القدمية برتاجع طابع التكتم
والسرية واخلصوصية اليت كانت تتميز هبا العملية الدبلوماسية وخاصة يف أهم جوانبها وهي
2
املفاوضات)).
ال أحد ينكر مدى تأثري وسائل اإلعالم على االتصاالت الدبلوماسية وخاصة خالل األحداث
الدقيقة ،ومثة أمثلة حديثة ،تظهر مدى هذا التأثري ،وقد بدأ هذا واضحاً خالل أزمة الرهائن
األمريكيني يف إيران3)).،حيث كانت االتصاالت حوهلا واجلانب األمريكي يقبع حتت ضغط إثارة
وسائل اإلعالم ومتابعتها لألزمة حلظة بلحظة.
كما بدأ ذلك أيضا خالل أزمة اخلليج اليت كانت فيها وسائل اإلعالم طرفا أساسيا ومؤثرا يف
اجتاه األزمة وتناوهلا ،وخالل عملية التفاوض وجلساهتا يعمل املتفاوضون ويف أذهاهنم ماذا سيقولونه
1
– -Denza. E. Diplomatic Law, New York, Ocean publications Inc, Dobbs Ferry, 1976, pp. 79
82; Oppenheim's International Law, Lauterpacht ,Vol. I, peace, 8th Ed., Longman, 1974,
pp793-794.
-2د .مسوحي فوق العادة ،الدبلوماسية والربوتوكول .ن.م ص188
-3ميثل العمل الدبلوماسي بالنسبة للمرتمجني تطلعات خاصة ومميزة جيمعها مع املعايري املنبثقة من ترمجة خمتلف السياسات،
ومقارنتها ،بل ودراستها ومن مث حتديدها ،واألخذ ببعضها وترتك البعض اآلخر ،وإلثراء اللغتني ،العربية واألملانية ،ميكن إضافة
مفهوم لغوي جديد يضيف آفاقاً جديدة حلركة الرتمجة الدبلوماسية ،فهذا املقسم اجلديد الذي يعد جائرا ألنه ينال من الرتمجة
الدقيقة األمينة .لألصل .لنأخذ مثالً على ذلك:
42
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
ألجهزة اإلعالم ومراسليها الذي يرتبصون هبم1). .وقد يالحقوهنم بعد انتهاء كل جلسة ويعلم كل
جانب أنه وهو خياطب أجهزة اإلعالم عن جمرى املفاوضات وما حققته من جناح أو فشل ،إمنا
2
خياطب الرأي العام يف بالده بكل اجتاهاته مواقفه من موضوع املفاوضات)..
ولعل إدراك تأثري ذلك على عملية التفاوض وإمكانات جناحها هو الذي يدفع إىل ترتيب
إجراء املفاوضات ،خاصة حول القضايا املعقدة والشائكة ،يف معزل تام عن عيون أجهزة اإلعالم وهو
3
ما رأيناه يف مفاوضات كامب ديفيد حول قضية الشرق األوسط).،
ونذكر أيضا جو العزلة والسرية املطلقة اليت أحاطت بالتفاوض بني إسرائيل ومنظمة التحرير
الفلسطينية؛ للتوصل إىل اتفاق إعالن املبادئ واختيارهم بلدا يف أقصى الشمال وهي النرويج لعقد
هذه املفاوضات ،كما مت ترتيب نفس أجواء العزلة للمفاوضات اليت عقدت يف والية دايتون بوالية
أوهايو األمريكية بني األطراف املتنازعة حول البوسنة واهلرسك .على أية حال ،إذا كان التظلم
الدبلوماسي يعيش اآلن عصر الدبلوماسية احلديثة مبكوناهتا وخصائصها اليت أسلفناها ،إال أن علينا
أن ندرك أنه من املنظور النظري والعلمي فإن الدبلوماسية كأي مؤسسة بشرية يف عملية ديناميكية
4
تتعرض لتغيريات الزمن وما يأيت به من قوى ومؤثرات جديدة). .
وعليه فالديبلوماسية غري ثابتة على مبدأ واتفاق بني مجيع الدول ،فهي خاضعة للتغريات اليت
يشهدها كل عصر واحتياجات كل دولة .لذلك جند أن كل عصر مير بتجديد جوهري يف أساليبه
وصيغه الدبلوماسية ،األمر الذي يتوقع معه بعض مؤرخي الدبلوماسية أن صيغة اليوم من الدبلوماسية
1
- Joëlle Redouane, stylistique comparée du Français et de l’Anglais OPU 1996.p.162
–2ينظر :د.حممد عمر مدن ،العالقات الدبلوماسية ،ص 276وما بعدها
–3د .حممد عمر مدن .مرجع سابق .ص261
4
- Do Nascimento, E. Silva; Diplomacy in International Law, Leidnsijthaff p. 51.
43
الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص الفصل األول
اليت نصفها بأهنا جديدة ميكن أن ختتلف عن تلك اليت سنجدها يف املستقبل 1)). .وعلى إلثر هذا
االجتاه شرعت وزارات خارجية ،خاصة الدول الكربى ،يف التخطيط إلعادة بناء هياكلها ونظمها
وأساليب العمل فيها وإعادة تدريب وإعداد دبلوماسييها لكي تواجه متطلبات القرن اجلديد بأوضاعه
2
وأدواته وعالقاته املتغرية).
1
– -Denza. E. Diplomatic Law, New York, Ocean publications Inc, Dobbs Ferry, 1976, pp. 79
82; Oppenheim's International Law, Lauterpacht ,Vol. I, peace, 8th Ed., Longman, 1974,
pp793-794.
-2د .مسوحي فوق العادة ،الدبلوماسية احلديثة ،مرجع سابق .ص25
44
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
-1الترجمة المتخصصة׃
يندرج حتت لواء الرتمجة املتخصصة أنواع ،منها ترمجة النصوص االقتصادية والنصوص القانونية
والطبية والتقنية وغريها من أنواع النصوص .وقد يتوزع النوع الواحد على عدة ختصصات فرعية،
فالرتمجة الدبلوماسية مثال تتوزع على أنواع فرعية نذكر منها على سبيل املثال :اإلحصائيات،
والتجارة االلكرتونية ،وقانون املنافسات ،وقانون العقوبات يف جمال تبييض رؤوس األموال ،والرشوة،
وغريها من النصوص.
أضحت الرتمجة املتخصصة ذات أمهية كربى غداة احلرب العاملية الكربى؛ أي مع انفتاح السوق
( تتميز هذه الترجمة بأنه ينبغي أن تتوافر لها الدقة ،والوضوح في المعنى ،مع صحة المصطلح،
وسالمة اللغة ،وليس مطلوبا فيها حسن األسلوب ،وجمال العبارة ) .1وهي بذلك تتميز عن غريها من
الرتمجة خبصوصية النصوص ،واألسلوب التقين ،الذي يشكل صعوبات ال يستطيع أن يتجاوزها
وترتبط صعوبة ترمجة النصوص املتخصصة بطبيعة هذه النصوص نفسها ،وقد ال نأيت جبديد إذا
46
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
فرتمجة النصوص القانونية مثاال ختتلف عن ترمجة اإلعالنات والدعاية ،وترمجة النصوص الطبية
ختتلف عن ترمجة النصوص التقنية ،وتعد هذه الظاهرة من أهم العوامل اليت تصعب إجناز معاجم
متخصصة.
احرتام أسلوب النص األصلي أثناء عملية النقل أي االعتناء باجلانب اللغوي وذلك بسبب
اختالف أنواع النصوص .فلغة النص الدبلوماسي مثال ختتلف عن لغة النص اإلشهاري.
ويشرتط يف املرتجم املتخصص امتالكه ملؤهالت ،ومهارات خاصة يذكرها إبراهيم بدوي
اجليالن بقوله" :إن أدوات املرتجم الناجح هي املعرفة الذاتية ،وإتقان اللغتني ،واقتناء املراجع اللغوية
والتخصصية ،ومعاجلة مشكلة املنقول من لغات هلا خصائصها الرتكيبية اليت ختتلف جزئيا أو كليا عن
خصائص العربية واليت قد يؤدي عدم اكتشافها إىل معضالت داللية تشوه املعىن أو تعكسه" 2وقد
سبق للجاحظ يف القرن الرابع أن حددها بشكل واضح عندما حتدث عن الرتمجان .
وإذا كان بعض الباحثني يدعو ن إىل ضرورة ختصص املرتجم يف امليدان واحد (أو ختصص
دقيق) ،فهم يرون أن النص الدبلوماسي مثال ال يرتمجه إال املتخصص يف اجملال الدبلوماسي و يف
- 1يرى بعض الدارسني أن االهتمام باجلانب الشكلي يف الرتمجة املتخصصة يأيت يف مرتبة ثانية غري أنه يفضل أن يعتين به
املرتمجون قصد إنتاج ترمجة وافية شاملة
-2اجليالن (إبراهيم بدوي) ،علم الرتمجة وفضل العربية على اللغات ،املكتب العريب للمعارف ،ط ،1996 ،1ص.47
47
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
الشؤون الدبلوماسية ،وأن النص الطيب ال يرتمجه إال من كان خبريا يف امليدان الطيب ،فإن تداخل
بعض اجملالت أو انسالهلا عن بعضها بعض جعل هذا التخصص الدقيق تشوبه العديد من
اإلشكاالت.
غري أن هذين العاملني األخريين ليسا الشرطني الوحيدين من أجل جناح الرتمجة املتخصصة،
فرمبا يتسىن للخبري مبيدان الدبلوماسية فهم النص وإدراكه بسهولة مقارنة باملرتجم ،إال أنه لن يقدم لنا
نصا مفهوما يف آخر املطاف ذلك ،ألنه سيلجأ إىل الرتمجة كلمة بكلمة دون إملامه بلغة اهلدف ،وال
ال ميكن للمرتجم أن يكون موسوعة متنقلة ،فمن املستحيل إدراكه كل املصطلحات الواردة يف
النص .ويرجع هذا العسر يف الفهم إىل صعوبة املصطلحات التقنية اليت يتضمنها املوضوع املتناول.
ولكن التكوين اجليد للمرتجم يكفيه ملواجهة خمتلف النصوص مبا يف ذلك النصوص الدبلوماسية.
وهذا الكالم يعين أن املرتجم إذا تلقى تكوينا جيدا يستطيع أن يرتجم خمتلف النصوص ،شريطة أن
وال بأس من اإلشارة إىل وجود عدة حلول تساعد املرتجم على جتاوز مشكلة املصطلحات،
مثل االستعانة باملعاجم املتخصصة املزدوجة اللغة ،وكذلك أحادية اللغة اليت تسمح له بفهم املصطلح
48
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
-4.1إبداع المترجم׃
إن عنصر اإلبداع ليس حكرا على الرتمجة األدبية ،فهو عامل مهم يف جمال الرتمجة املتخصصة
أيضا .وعلى الرغم من كون املرتجم مقيد بالنص األصل ،إال أن هذا ال مينعه من اإلبداع الذي يكمن
يف خلق نفس تأثري النص األصل يف القارئ ،وبالقوة نفسها ،فما عليه إال استعمال املوارد اللغوية
ويكون األمر جليا عند مقارنة ترمجتني لنص واحد ،ملرتمجني خمتلفني ،فنجد أن إحدامها أحسن
من األخرى ،والفرق يعود هنا إىل عامل "اإلبداع" ،الذي ختتلف درجته من مرتجم إىل آخر.
وينعكس هذا حتما على الشكل ،واملضمون اللذين يعتربان متكاملني حسب "فيكتور هيجو"
الذي يقول ׃ "ليس الشكل إال باملضمون الذي يصعد إىل سطح املاء". 1
وعليه ،فتقنية النص الدبلوماسي لن ختلو من حاجتها إىل إبداع املرتجم أثناء الرتمجة ،ويكمن
اإلبداع إذا يف اختيار املقابل احلسن الصائب الذي تكون له قوة التأثري نفسها يف القارئ ،مثل تلك
اليت جندها يف النص األصل ،األمر الذي يتطلب من املرتجم املتخصص إدراكا تاما للغة األصل،
وتفكريا منطقيا سليما ،حىت ال يبتعد عن معىن النص احلقيقي ،ومنه عن هدفه.
ولرمبا تتضح أمهية إبداع املرتجم يف ترمجة هذا النوع من النصوص ،عندما يتعذر عليه القيام
برتمجة مباشرة ،أي إعطاء مقابالت مفرداتية وتركيبية ،فيلجأ إىل إبداعه الشخصي ،وذلك خبلق
1
- Delisle )Jean(, La Traduction Raisonnée, Presses de l’Université d’Ottawa,
(ترمجة الطالبة)1997, p152 .
49
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
عبارات حتمل املعىن األصلي نفسه ،ختدم املعىن يف اللغة اهلدف ،كما هو احلال بالنسبة إىل النص
وختتلف درجة اإلبداع من مرتجم إىل آخر ومن نص إىل آخر ،ويف بعض األحيان من فقرة إىل
أخرى يف النص الواحد ،إذ هناك فقرات تستدعي إبداعا أكثر من أخرى ،فرتمجة مقال صحفي مال
–على سبيل املثال -حتتاج إىل إبداع املرتجم حني يقوم الكاتب بوصف حال السوق الدول مثال،
فنجد الكثري من الكنايات ،والتشبيهات ،واجلناس ،وقد يستغين النص نفسه يف مرحلة ثانية عن هذه
املهارة حني يقوم برصد إحصائيات السوق اليت ال تتطلب ترمجتها أي نوع من اإلبداع ،وهنا يربز لنا
بروزا واضحا ،اختالف درجة اإلبداع لدى املرتجم نفسه ،ويف ترمجة النص الواحد ،وتتجلى لنا
الكيفية اليت يتحدى هبا املرتجم الصعوبات اليت تعرتضه يف عمله ،اعرتاضا فائقا ،وذلك باستعمال
كلما كان النص الدبلوماسي قريبا من اإلحصائيات واألرقام ،قلت درجة اإلبداع يف النص،
وكلما اقرتب النص من املقال الصحفي الدبلوماسي ،أو التعليق على حوصالت األعمال السنوية
مثال ،زادت درجة اإلبداع فيه ،وهنا نالحظ أن النص الدبلوماسي ،وعلى الرغم من تقنيته إال أنه
حيتاج إىل إبداع املرتجم أثناء ترمجته ،وميكن مرد ذلك إىل األسلوب اخلاص املستعمل يف ميدان
-5.1كفاءات المترجم׃
1
- Voir : Hallal (yamina), Les degrés et les variations de la créativité en traduction, 1982.
Université de la Sorbonne Nouvelle -Paris III. (Thèse de doctorat de 3eme cycle). P229
50
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
إن املرتجم املتخصص احملرتف هو ذلك الذي ميتلك الكفاءات الالزمة للقيام بعمله ،ويشرتط
منه مخسة أنواع من املعرفة :معرفة لغة اهلدف ،ومعرفة أمناط النصوص ،ومعرفة لغة األصل ،ومعرفة
موضوع البحث(معرفة حقيقية) ،ومعرفة تقابلية ،1إضافة إىل معرفة داللية(كيف ترتكب القضايا)،
ومعرفة تركيبية(كيف ميكن تركيب اجلميالت لتحمل حمتوى القضايا ،وكيف حتلل السرتجاع احملتوى
اجملسد فيها) ،ومعرفة براغماتية (كيف يتم حتقيق اجلميلة على هيئة نص حيمل املعىن ،وكيف حيلل
فعلى املرتجم أن يكون بارعا يف اللغتني ،املصدر ،واهلدف ،مدركا هلما متام اإلدراك .وبصيغة
أخرى ،جيب أن يكون ثنائي اللغة ،حىت يتسىن له التنقل من اللغة األوىل إىل الثانية والعكس ،بسهولة
ومرونة ،وإدراك خفايا النص األصل أي املعىن الباطين ،والضمين ،ومنه الفهم الصحيح حىت يتمكن
من القيام برتمجة دقيقة ،صحيحة ،مما يتطلب أيضا معرفة منط النص وموضوعه معرفة حبتة.
فبخصوص موضوع دراستنا هذه ،جيب أن يكون املرتجم ملما مبجال الدبلوماسية املاما تاما
دقيقا ،مطلعا على آخر األحداث ،واألخبار ،يقوم بتجديد دائم ملعلوماته ،وهذا بالبحث ،واملطالعة،
والتتبع املستمر لكل األخبار اليت متس ميدان الدبلوماسية من قريب أو من بعيد ،ويتم هذا عن طريق
اجملالت املتخصصة ،واجلرائد ،والنشرات اإلذاعية والتلفزيونية ،وشبكة اإلنرتنيت اليت تقدم خدمات
وفرية.
-1ينظر :روجر(ت-بيل) ،ترمجة د.محيدي(م.د) ،الرتمجة وعملياهتا ،النظرية والتطبيق ،كتاب الرياض ،العدد،63+62
ديسمرب. 1999ص.91
- 2ينظر.م.ن ،ص .92
51
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
وعالوة على هذه العوامل السابقة الذكر ،نشري إىل أمهية توافر عامل "الذكاء" يف املرتجم فالعقل
يأيت إليضاح اإلهبام يف النص األصل ،ويساعد املرتجم على التكيف مع طبيعة النص املرتجم.1
وهكذا ،فاملرتجم املدرك لغة األصل إدراكا تاما يتمكن من فهم النص ظاهريا ،وباطنيا،
باالستناد على معرفة موسوعية ،خاصة بامليدان املرتجم له ،ويف األخري -وبطبيعة احلال -إدراكه
الشامل ،العام ،التام للغة اهلدف ميكنه من نقل مفاهيم دالالت النص األصل ،مستعينا بذكائه يف
هذا العمل.
-6.1دور المترجم ׃
قد يبدو للبعض أن عملية الرتمجة عملية سهلة ،يسرية تتلخص يف استبدال لفظة بغريها من
اللغة األصل إىل اللغة اهلدف ،غري أن األمر ليس هباته البساطة ،فالرتمجة تتطلب عدة مؤهالت،
وكفاءات من أجل القيام هبا ،إضافة إىل أن املرتجم يقوم بعدة أدوار يف الوقت نفسه ،خاصة يف جمال
الرتمجة املتخصصة.
ولكونه مرتمجا ،فكثريا ما تقتضي الضرورة إىل أن يكون مصطلحيا ومعجميا ،فال يستطيع
االكتفاء باستهالك منتوج املصطلحيني ،واملعجميني ،ذلك أن عمله يضعه يف الواجهة األوىل ملن
يبحثون عن املقابالت املناسبة للمصطلحات اليت يراد ترمجتها ،حىت قبل املصطلحي نفسه ،فاملرتجم
هو أول من يصادف هذه املصطلحات ،وكثريا ما تكون حديثة ،قليلة التداول ،وليس لديه متسع من
-1رضا أوتريان ،توليد املصطلحات يف ضوء مبدأ التعليل ،جامعة اجلزائر( ،2004 ،أطروحة ماجستري).ص137
52
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
وقد يقوم املرتجم نفسه بدور الرقيب على ترمجته ،حيث عليه أن׃ "يتأكد من صحة ترمجته ،وال
حيس فيها بشيء تستغربه لغة املتلقي ،أو يشعر بأهنا أضعف من األصل" ،1فمهمته -وعلى ِّ
حد
قول رئيس "الشركة الفرنسية للمرتمجني" -تكمن يف׃ "إدراك النص العلمي ،أو التقين املكتوب بلغة
أجنبية ...وإعادة كتابته بطريقة جتعل املتخصص املتلقي للرتمجة يعتقد أن النص كتب بلغته الوطنية"،2
ويتطلب أن يكون إعداده׃ "إعدادا جيدا يف حقل داللة األلفاظ العربية ،وكذلك يف النحو والصرف
و يتجلى لنا دور املرتجم أكثر ،إذا ما قارنا الرتمجة البشرية بالرتمجة اآللية ،فهنا تتضح أمهية
الدور الذي يؤديه ،ويتبني لنا أيضا أن الرتمجة ليست جمرد مقابالت ملفردات ،بل هي أبعد من ذلك،
فكثريا ما جند أن الرتمجات اآللية ال تؤدي الغرض املطلوب ،ويف أحيان كثرية تبتعد من معىن النص
األصلي ،حيث تعجز هذه األخرية عن ترمجة معظم التعابري املصطلحية ،وتقدم لنا مجال ،أو مفردات
خارجة متاما عن سياق الكالم .وهنا يربز دور املرتجم الذي يقوم حبل هذه املشكلة مستعينا مبعارفه،
وإبداعه ،وقدراته الفكرية إلعطاء ترمجة سليمة ،مفهومة ،فالرتمجة اآللية ال ميكنها إال أن تكون عونا
للمرتجم ال أكثر.
53
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
وهناك سؤال يفرض نفسه :هل يعترب كل ثنائي ،أو ثالثي اللغة مرتمجا؟ بطبيعة احلال ،ال !
فهنا أيضا يربز دور املرتجم يف ربطه بني النص األصلي ،والنص اهلدف ،والتنقل من اللغة األصلية إىل
اللغة اهلدف مبرونة ،وإجياد املقابالت املناسبة ،وحسن التصرف يف املصطلحات ،خاصة يف ميدان
الرتمجة املتخصصة.
إضافة إىل ذلك ،على املرتجم مراعاة مستويات اللغة اليت استعملها كاتب النص ،فإذا ترجم
ملبتدئ يف ميدان الدبلوماسية مثال ،فال خيالف بساطة تعبري الكاتب ،واألمر نفسه إذا ما ترجم خلبري
مال أو حملاسب مال ،من الذين ميلكون زمام أمور الدبلوماسية ،ويتميزون بأسلوب تقين خاص
حبت.
وعلى الرغم من الطابع التقين ألسلوب النص الدبلوماسي ،إال أنه ال خيلو من ضروب اجملاز
واالستعارة ،فإذا أراد املرتجم القيام بدوره على أمت وجه ،فهو مطالب مبعرفة كيفية التعامل مع خمتلف
هذه الضروب ،وذلك مبعرفة وافرة ،وافية بلغي األصل واهلدف على حد سواء.
ويتحقق هذان العامالن بالبحث املستمر ،والتعطش الدائم ملستجدات اختصاصه ،ما يعطيه
كفاءة من أجل القيام بعمله ،فيسعى املرتجم دائما إىل حتسني معارفه يف جمال اختصاصه بشىت
وال ننسى الدور الذي يؤديه تأثري املرتجم الشخصي يف النص اهلدف ،فما نالحظه يف جمال
الرتمجة املتخصصة نقص هذا األخري ،وميكن مرد ذلك إىل الطبيعة العلمية للمواضيع املعاجلة يف
54
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
النصوص املقدمة للرتمجة وتقنيتها ،واليت ال تستدعي عادة عامل ميول املتلقي (املرتجم) ،فهي
إالّ أن هناك نوعا من التأثر من قبل املرتجم أحيانا ،وانعكاسه يف النص اهلدف يرجع إىل مدى
تأثره بفكرة الكاتب وقبوهلا ،فلذا يطلب منه االبتعاد قدر املستطاع عن إبداء تأثره من خالل ترمجته،
وأن يهدف دائما إىل املوضوعية ،وأن يتماشى وروح النص األصل ،وأن يكون يف مستوى هذا األخري
من ناحية األسلوب ،والرتاكيب ،وغريها ،وبإمكانه اإلشارة إىل أي خطأ ورد عن الكاتب وذلك يف
العامة ،واملليئة باألخطاء ،اجملردة من اجلودة ،واإلتقان ،بل هندف إىل ترمجة مفيدة قيّمة ،تفي باهلدف
ويتجلى دور املرتجم أيضا ،يف التزامه بواجباته ،ونشري بوجه اخلصوص إىل األخالقية منها على
التزامه بالسر املهين ،خاصة يف جمال الرتمجة املتخصصة ،وعلى سبيل املثال نأخذ ميدان الرتمجة
الدبلوماسية ،حيث يطلب من املرتجم ترمجة حوصالت سنوية لشركات ،أو تقارير ختص الوضع
الدبلوماسي للشركة ،وهذه األمور تفرض السرية التامة ،إذ إن غريه -وخاصة يف ميدان املنافسة-
1
- Voir : Joêlle Redouane, Encyclopédie de la traduction, OPU.03-1996, p77.
55
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
ميكنه استعمال هذه املعلومات لغرض الضرر بتلك الشركة ،أو إذا ما قام برتمجة أحباث علمية ،حيث
تعترب السرية أيضا أمرا مطلوبا ،كي ال تسلب جمهودات الباحث املعين ،وعمله.
وهذا األمر ال مينع املرتجم من ذكر مصادره ،حىت يعترب ذلك من واجباته أيضا ،وهنا تكمن
النقطة الثانية .فإذا ما أخذ معلومة ،توجب عليه اإلشارة إىل صاحبها.
أما النقطة الثالثة تتمثل يف وجوب امتالك املرتجم املهارة الالزمة للقيام هبذا العمل ،وإذا رأى أنه
غري قادر على إمتامه على أحسن وجه ،فما عليه إال أن يعتذر عنه إذا ما كان ميهن
الرتمجة احلرة ،أو أن جيهد نفسه يف البحث ،واملعرفة واإلملام باملوضوع من كل النواحي ،وال حرج
عليه إذا ما استعان باختصاصي يف امليدان الذي يرتجم فيه إذا ما لزم األمر ،بل هذا يزيد من قيمة
وتتلخص النقطة األخرية يف أمانة املرتجم ،اليت هلا أمهية بالغة يف هذا امليدان ،فعليه التأكد من
أن النص اهلدف يؤدي نفس معىن النص األصل وغرضه ،وحيمل نفس املعلومات الظاهرة ،والباطنة،
مع احرتام أسلوب الكاتب إذا ما كان بسيطا أو معقدا ،حافال بالصور البيانية ،أو عكس ذلك،
فاملرتجم ليس مفسرا النص األصل ،بل مرتمجا له ،أمينا عليه ،غري خمل به ال بالنقص وال باإلضافة.
56
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
-7.1تكوين المترجم ׃
يعد هذا العنصر من أهم العناصر اليت جيب توضيحها بالتفصيل ،إذ هي أساس كل مرتجم
متخصص ناجح .وإذا ما سلطنا الضوء على تكوين املرتجم العام واملتخصص ،نالحظ أنه نفس
التكوين يف األساس ،فكالمها يشرتط فيه إتقان اللغتني؛ األصل واهلدف ،غري أن هذا غري كاف
بالنسبة إىل املرتجم املتخصص ،فعلى الرغم من أمهية العنصر السابق ،إال أنه ال يكفي إذا مل يدعم
ولعل رغبتنا يف العمل مبجال معني ،جتعلنا كثريي االهتمام به ،وراغبني يف اإلطالع على أدق
تفاصيله ،فكلما زاد علم املرتجم وإدراكه جمال ختصصه ،زادت نسبة جناحه يف عمله .فزيادة على
وعليه ،يضاف إىل كل من الرتمجة ،واالختصاص املختار ،امتالكه روح املبادرة والشغف
باملعرفة ،مما حيفزه على حضور مؤمترات مبجال ختصصه ،وتعترب هذه النقطة بالغة األمهية ،إذ عليه أن
يصب كل تفكريه وتركيزه يف اختصاصه ،وال أن يشتت معارفه باالنتقال من اختصاص إىل آخر.
وال بد من اإلشارة إىل أمهية القيام بتدريبات وسط الشركات ،وغريها من املؤسسات اليت متكنه
من التمرن على مزاولة الرتمجة ،إذ كلما زاد تدريب الفرد ،زادت نتائجه ،ومتكن من امتالك نواصي
الرتمجة ،فال أحسن وال أنفع من ممارسة الرتمجة املتخصصة نفسها من أجل اإلملام بزمام أمورها.
وال بأس من التذكري بأن هناك فكرة شائعة يؤيدها بعضهم وخيالفها آخرون ،وتتلخص يف كون
املرتجم املتخصص الناجح هو ذلك التقين الذي يتبىن الرتمجة بعد أن كان اختصاصيا مبيدان تقين
57
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
معني ،1فهو يتقن ويفهم ويدرك كل مصطلحات اللغة األصل دون أي جهد كبري .غري أن هذا النوع
من املرتمجني كثريا ما يتعاملون مع النص عن طريق الرتمجة احلرفية التامة إلنتاج النص اهلدف ،واليت ال
إن سهولة إدراك التقين النص األصل ،جتعله يعتقد أن ترمجته صحيحة ،غري أن هذه الرتمجة ال
تؤدي الغرض يف معظم الوقت ،ألن التقين ليس ملما بالعديد من تقنيات الرتمجة .فيمكن لرتمجته أن
تلقى صدى عند زمالئه التقنيني الذين يفضلون هذه الرتمجة احلرفية كوهنم يريدون املعلومات على
نفس الطريقة اليت وردت يف النص األصل ،أي على الشكل اخلام ،والرتمجة احلرفية تؤمن هلم ذلك،
ألن النص اهلدف حيوي كل املعلومات ،واملصطلحات الواردة يف النص األصل ،ولكن ترمجة "التقين-
املرتجم" لن تلقى صدى ورواجا لدى القارئ العادي الذي ختتلط عليه األمور ويتعذر عليه فهم هذا
التقين ونصه املرتجم ،ويبقى دائما يف حاجة ماسة إىل مرتجم متخصص من أجل أن ينقل له
ال شك أن أحسن اخليارين هو املرتجم املتخصص ،املدرك لتقنيات الرتمجة ،وصاحب املعرفة
الكبرية بامليدان املرتجم له ،احملب لإلطالع والتوثيق يف ميدان اختصاصه ،كثري املداومة على التدريبات
املهنية واملؤمترات ،وهذا ما مي ّكنه التعامل مع املصطلحات ومع األسلوب التقين بنوع من السهولة
واملرونة ،األمر الذي يؤثر إجيابا يف ترمجاته .فكلما زاد إدراكه مليدان اختصاصه ،كانت ترمجاته أحسن.
1
-Voir : Joêlle Redouane, La traductologie, science et philosophie de la traduction, op.cit, p
204.
58
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
يتحقق النجاح يف أي ميدان من امليادين بتوافر شروط وعوامل ،والرتمجة كذلك هلا عوامل
وشروط لنجاحها ،ومن مث فاملرتجم املتخصص ال ميكنه النجاح ،والتميز يف مهمته ما مل تتوافر فيه
إدراك لغة األصل ،ولغة اهلدف ،ويعد هذا العنصر القاعدة األساسية اليت ينطلق منها كل
جل علماء الرتمجة على أن هذا أمر ممكن ،وميسور إذا ما تعلق األمر ب"اللغة األم"،
مرتجم ،ويتفق ّ
و"اللغة األجنبية األوىل" أو "اللغة الثانية"( ،بالنسبة إىل البلدان املزدوجة اللغة) .حيث أن املرتجم
يتعلم "اللغة األم" منذ والدته ،ويزداد تعمقه فيها خالل سنوات الدراسة .أما اللغة الثانية ،فيتم
تعلمها يف سن مبكر ،والثابت علميا أن اإلنسان يسهل عليه تعلم لغة ثانية يف سنوات التعليم
االبتدائي حيث القابلية لالستيعاب ،والتعلم أفضل منها يف سن الرشد .2وبالنسبة إىل اجلزائر-على
سبيل املثال -فإن اللغة العربية هي "اللغة األم" ،والفرنسية هي "اللغة األجنبية األوىل" أو"اللغة
الثانية" ،وجند أن املرتمجني اجلزائريني تكون ترمجتهم أدق حني يتعلق األمر بالرتمجة بني "اللغة األم"
و"اللغة الثانية" من ترمجتهم بني "اللغة األم" و"اللغة األجنبية الثانية"؛ أي اللغة االجنليزية ،وأدق أيضا
-1عبد الرزاق إبراهيم (عبد اهلل ) ،و السيد منسي (عبد احلليم) ،م.س ،ص.13 ،11 ،7
- 2اجليالن (ابراهيم بدوي) ،م.س ،ص .34
59
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
ولذلك فإن علماء الرتمجة يفضلون أن يرتجم املرتجم بني "اللغة األم" و"اللغة األجنبية األوىل"
يف بلده على أن يرتجم بني "اللغة األم" و"اللغة األجنبية الثانية" ،أو بني "اللغة األجنبية األوىل"
إملام املرتجم بالقواعد اللغوية ،واملصطلحات ،والتعابري ،والرتاكيب لكلتا اللغتني ،حىت يتسىن
للمرتجم النقل الصحيح األمني لألفكار األصلية إىل اللغة اهلدف ،وهو األمر الذي جيعله يستعمل
التعابري الالئقة ،املوافقة ،املتماشية معها ،مث إن الفهم الصحيح ملدلوالت املصطلحات جينب املرتجم
الوقوع يف متاهات الرتمجة احلرفية اليت تبتعد عن املعىن الصحيح -يف كثري من األحيان -وال تؤدي
الغرض املطلوب.
وال حرج على املرتجم أن يلجأ إىل استعمال املعاجم املتخصصة ،وحيدة اللغة ،أو ثنائية اللغة،
وهو أمر حمبذ مطلوب حني يعسر عليه فهم مصطلح ما ،بل إن جلوءه واستعانته باملعاجم ،والقواميس
املتخصصة يزيد يف إثرائه لقاموسه الشخصي ،وينعكس ذلك إجيابا على عمله بطبيعة احلال.
حتري الوفاء يف ترمجته للنص األصل ،ألنه كثريا ما يتهم باخليانة حني ال يؤدي يف ترمجته املعىن
املطلوب ،وهذا األمر ليس خاصا بالرتمجة األدبية وحدها ،بل هو مطلوب أيضا يف جمال الرتمجة
املتخصصة ،ذلك أن عدم وفاء الرتمجة للنص األصل ال يغتفر وال يسمح به ،ألن األمر يتعلق برتمجة
قرارات وابتكارات قد يرتكز عليها مصري شركات ،أو حىت اقتصاد بلدان حباهلا إذا ما أخذنا الرتمجة
60
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
وعليه ،فإن عنصر األمانة يصبح عامال بالغ األمهية ،وخمالفته ينجر عنه نتائج سلبية ثقيلة،
فيكون املرتجم واضحا يف كالمه ،متفاديا لكل أنواع االلتباس ،متسلسال يف أفكاره ومجله ،حىت ال
احرتام املرتجم أسلوب الكاتب ،فيتبىن األسلوب نفسه عند صياغته النص اهلدف ،ولذلك
يفرتض أن يكون املرتجم حمكما يف قواعد اللغة وأساليب البالغة والبيان ،حىت يسهل عليه اإلحاطة
وإدراك األساليب اليت يستعملها الكاتب ،وحىت يفهم ما يرمي إليه ،ويتقيد بالصور البالغية نفسها يف
ترمجته إىل أقصى حد ممكن حبيث ميكن القارئ أن مييز أسلوب الكاتب األصلي .وقد ذكرنا –
سابقا -أن الرتمجة املتخصصة تستهدف النصوص التقنية اليت ال ختلو هي أيضا من الصور البيانية،
والبالغية ،واألساليب اللغوية اليت جيب أخذها بعني االعتبار يف عملية الرتمجة.
إدراك املرتجم حدود جمال ختصصه حبيث يكون واسع املعرفة بتقنيات ختصصه ،متحكما يف
اجلانب املصطلحي لعمله ،فاملصطلحات كثريا ما يتغري معناها بتغري استعماهلا من جمال إىل آخر.
ومن األمثلة على ذلك كلمة « commerce »1اليت تتغري ترمجتها من سياق إىل آخر؛ فهي تعين
( )1جتارة تارة )2( ،وتبادل فكري تارة أخرى )3( ،وتعين صالت اجتماعية(علوم اجتماعية))4( ،
ومعرفة املرتجم وإدراكه املعان املختلفة للمصطلح الواحد يف ضمن السياق والتخصص
املستعمل فيه ،جينبه االلتباس ،وجيعله يتحكم يف معان املفردات املرتمجة الصحيحة ،وتلك املعرفة
- 1ينظر :عبد الرزاق إبراهيم (عبد اهلل ) ،و السيد منسي (عبد احلليم) ،م.س ،ص.8
61
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
تتوافر له من خالل املمارسة املكثفة ،والقراءة العميقة لكل ما ميت بصلة جملال ختصصه فيكتسب
اخلربة ،واملعرفة.
-1.2المصطلح الدبلوماسي:
املصطلح هو اللفظ أو العبارة أو الرمز الذي يعني مفهوما ،جمردا أو حمسوسا ،داخل جمال من
مصطلحات حضارية ترتبط بفكر أمة من األمم وحضارات وخصوصيات الثقافية كالشورى
واإلمامة واخلالفة…
مصطلحات تقنية تعني ذوات مادية موجودة أو مستحدثة كاهلاتف واحلاسوب واألقمار
االصطناعية وغريها…
مصطلحات علمية ومعرفية تعني مفاهيم جمردة – يف الغالب -ال ميكن قيام علم أو معرفة
دون وجودها.
واعتمدت املنظمة الدولية للتقييس (إيزو) ،يف توصيتها رقم 1087الصادرة عن اللجنة التقنية
37التعريف التال:
- 1الكتاب الطيب اجلامعي ،علم املصطلح لطلبة العلوم الصحية والطبية ،أعضاء شبكة تعريب العلوم الصحية -املكتب االقليمي
لشرق املتوسط ومعهد الدراسات املصطلحية –فاس -اململكة املغربية ،2005 ،ص 27
62
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
املصطلح "هو أي رمز يتفق عليه للداللة على مفهوم ،ويتكون من أصوات مرتابطة أو من
صورها الكتايب (احلروف) .وقد يكون املصطلح كلمة أو عبارة" .و "املصطلح التقين هو مصطلح
ومنه نطبق مفهوم املصطلح التقين على املصطلح الدبلوماسي الذي يُستعمل يف ميدان
الدبلوماسية وما جياورها كاالقتصاد واحملاسبة ،إالّ أ ّن اللغة الدبلوماسية تزخر باأللفاظ املقرتضة مباشرة
يدل على أن الواليات املتحدة األمريكية تتصدر الساحة االقتصادية العاملية .2وتبقى اللغة
الدبلوماسية مولِّدة للعديد من املصطلحات ،اليت تنقل حقائقها املتطورة باستمرار ،وهي تقرتض من
السجل احلريب( "veillée d’armes" :ليلة ما قبل القتال)camper sur ses " ،
( "positionsمتسك مبوقفه)( "percée sur le front du chômage" ،فتحة على جبهة
البطالة(.
- 1جملة اللسان العريب ،معجم مفردات علم املصطلح ،املادتان 31و ،32مؤسسة إيزو ،التوصية .1087عدد اجمللة ،32
.1983
2
-Voir : Ibid. p02.
63
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
"( "prendre l’eau croisièreإتباع املياه اجلارفة)( "perdre le nord" ،أضاع الطريق)،
عرف العلم ،واملعرفة يف الوقت احلاضر نوعا من التفرع ،والتعقيد لتشعب مكامنهما يف
اجملتمعات املختلفة ،فاستحدثت اختصاصات؛ وانقسمت العلوم من خالهلا إىل فروع ،وعرف ما
يسمى "بلغة االختصاص" وأصبحت هذه اللغة متيز كل اختصاص فنتج عن ذلك لغة الدبلوماسية،
ولغة االقتصاد ،ولغة اجلغرافيا ولغة الرياضيات ،ولغة الكيمياء وهلم جرا ،ولكل لغته اخلاصة ،ولكل
64
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
تكفي قراءة بعض املقاالت الصحفية من أجل إدراك أن لغة الدبلوماسية تعترب يف الوقت نفسه
"لغة حية" من جهة و"تقنية جدا" من جهة أخرى .فهي "لغة حركية" ملا حتويه من عبارات جتسد
"( "le marché joue au yo-yoيلعب السوق لعبة "يويو"*) ،1إمنا السوق ال يلعب،
يتدهور) ،واليت حتتوي ألفاظا تدل على احلركة والفاعلية مثل ( )se redresseو()se relève
و( )dégringoleوكأننا نتحدث عن كائن حي ،فإهنا استعملت من قبيل اجملاز إذ شبه الدوالر
بالكائن احلي الذي أسندت إليه وظائف يقوم هبا على سبيل االستعارة.وميكن قياس ذلك على كم
هائل من العبارات اليت تزخر هبا اللغة الدبلوماسية يف تشخيصها ميادين الدبلوماسية ،واليت جتعلك
تظن أننا نتكلم عن شخص يقوم بأفعال ،وحركات ،حيب ،ويكره ،يأمر وينهي ،وميكننا أن نسوق
مثال لذلك:
1
- Frédéric Houbert, Problématique de la Traduction Economique et Financière, Dans :
( .ترمجة الطالبة)journal des Finances N°16, 19/03/2004, p02.
* لعبة قوامها أسطوانة مفرغة تصعد وتنزل ملتفة حول خيط.
2
(ترمجة الطالبة) - Frédéric Houbert, op.cit., p02.
65
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
" ( " le marché spécule sur un mariage d’amourالسوق يفرتض زواج حب)la " ،
مجاال)le titre a tout "، ( "future mariée est de plus en plus belleالعروس املستقبلية تزداد
-4.2المختصرات والشعارات:
إن لغة الدبلوماسية هي لغة تقنية ،ذات معجم خاص ،تستعمل الكثري من الرموز ،فهدفها نقل
املعلومات بسرعة ومن دون تكلف ،حيث تنتقى مصطلحاهتا بعناية ،ودقة متناهيتني ،فتميل إىل
وغالبا ما تتكون املختصرات من احلروف األوىل للكلمات؛ مثال( :ش.ذ.م.م) الذي يعين
"شركة ذات مسؤوليات حمدودة" ،ويف بعض األحيان ،تكون اختصارا للكلمة يف حد ذاهتا؛ حبذف
احلروف الصوامت فيما خيص اللغة الفرنسية واإلجنليزية ،وإليك هذا املثال يف اللغة الفرنسيةsvt : " :
1
(ترمجة الطالبة) - Ibid. P02.
66
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
واألمثلة اليت تدور يف النطاق الوطين اجلزائري كثرية متنوعة ،فهذه الشعارات معروفة ومتداولة من
قبل املواطنني يف الرتاب اجلزائري ،وذلك ال يشري بالضرورة إىل أن األجانب املوجودين باجلزائر يدركون
معناها حتما.
يستعمل على هذا النحو نفسه يف اللغات كلها ،حىت إن وجد له مقابل يف لغة أخرى ،إال أن اهلدف
من وراء استعمال هذا الشعار على هذا النحو يف خمتلف اللغات ،يكمن يف إعطاء هذه املنظمة
بذلك طابع الشعار العاملي ،وإننا يف اللغة العربية حنتفظ بالشعار نفسه وإن اختلف رمسه من احلروف
الالتينية ( ،)UNESCOإىل احلروف العربية (اليونسكو) ،يبقى الشعار واحدا .هذا ال يعين أنه من
غري املمكن ترمجته ،بل اهلدف –كما سبق الذكر -يكمن يف األمهية البالغة هلذا النوع من املنظمات،
وللشعارات اليت عرفت هبا على املستوى العاملي ،وتوحيد تسميتها يف خمتلف اللغات.
1
- Jean Maillot, La Traduction Scientifique Et Technique, édition Eyrolles, 61 Boul Saint
Germain, ParisVe 1969, p207
2 - Ibid. p210.
67
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
-5.2درجة التقنية:
إن ما مييز اللغة الدبلوماسية عن غريها هو ما تتمتع به من درجة تقنية عالية ،فهي لغة
اختصاص ،ذلك ما يدل على أن النص الدبلوماسي حيفل باملصطلحات اخلاصة باجملال الدبلوماسي،
وأن هذه النصوص ليست موجهة إىل عامة الناس ،بل هلا متلقيها من رجال االقتصاد ،والدبلوماسية،
الذين ال يصعب عليهم فهم اللغة الدبلوماسية العالية التقنية؛ ألهنم تعودوا على هذه املصطلحات
وألفوها.
وبقدر ما يسهل ،ويتيسر أمر فهم (النص الدبلوماسي) لدى القراء ،الذين هلم صلة مبيدان
الدبلوماسية ،فإن األمر يكون عسريا على القارئ العادي الذي -وإن أدرك املصطلحات التقنية-
يدرك شيئا قليال ال يؤدي إىل فهمه للنص .إن النصوص الدبلوماسية تكتسي درجة عالية من التقنية،
شأهنا شأن النصوص املتخصصة ،اليت تستعمل لغة مكتوبة متخصصة ،تتطلب أشخاصا يشتغلون يف
غري أن تطورات شبكة اإلنرتنيت الباهرة ،والبورصة عرب اخلط (أو املباشرة)؛ مكنت اجلمهور
وهناك عدة مواقع على اإلنرتنيت تقوم بتعميم اللغة الدبلوماسية ملصلحة املستثمر الصغري،
1
-Voir : Frédéric Houbert, op.cit, p02
68
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
ومنه فإن القارئ العادي للنص الدبلوماسي العادي أصبح متمكنا من إدراك أفضل للنص؛
حىت وإن بقي لديه بعض الصعوبات يف إدراك كل معان النص الدبلوماسي واالقتصادي وأبعادمها إذا
لقد سبق وذكرنا أن املهم يف النص الدبلوماسي هو نقل املعلومة ال تزيني النص وجتميله ،ولكن
هذا ال مينع من أن يكون له أسلوب خاص به " ،يتميز بطبيعة خاصة ،فهو يتسم باألرقام،
والتحليل ،والرتكيز على اهلدف" ،1والسبب يف ذلك يرجع إىل اللغة الدبلوماسية اليت تزخر
باملصطلحات التقنية ،والرموز ،واملختصرات ،والعبارات الدبلوماسية ،واالقتصادية البحتة ،نذكر على
سبيل املثال:
وما مييز أسلوب النص الدبلوماسي أيضا ميله إىل استعمال االستعارات واجملاز ،والتالعب
باأللفاظ ،مما يتطلب ثقافة واسعة لفهم هذه األخرية ،وعلى حد قول (جريارد إيلڤ) إن"
االقتصاديني ،والصريفيني حيبون استعمال اجملاز ،واالستعارات" .3وجند هذه العناصر الثالثة بكثرة يف
املقاالت الصحفية الدبلوماسية .أما فيما خيص التقارير الرمسية ،فنالحظ أن الرجوع إىل هذه
- 1عبد الرزاق إبراهيم (عبد اهلل ) ،والسيد منسي (عبد احلليم) ،الرتمجة ،أصوهلا مبادئها وتطبيقاهتا ،ط،1995 ،1
د.ن.ج.م.ص223
- 2عبد الرزاق إبراهيم (عبد اهلل ) ،و السيد منسي (عبد احلليم) ،م.ن ،ص.223 ،222
3
- Ilg (Gérard), Le Traducteur de Langue Française à la Tâche, Parallèle N°16,1994 p79. « Les
ت.الطالبةéconomistes et les banquiers adorent filer les métaphores ».
69
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
األساليب ليس أمرا معتادا ،ذلك أن حمرري الوثائق والتقارير الدبلوماسية الرمسية ،غري ملزمني بتعميم
اللغة الدبلوماسية اليت يكتبون هبا ،بل إهنم يفضلون استعمال أسلوب أكثر أكادميية وتلقائية؛
فيهدفون من وراء ذلك إىل إعطاء نتائج دراساهتم وحتاليلهم بطريقة أكثر شفافية ،وموضوعية ،حيث
وإذا كانت الصحافة اخلاصة مبيدان الدبلوماسية تقرتب من اجلمهور الكبري عن طريق اجلناس*،
وتشخيص قضايا الدبلوماسية ،فهذا ال حيل مشكلة القارئ العادي أمام تقارير البنك املركزي األورويب
على سبيل املثال ،وغريه من املؤسسات الكبرية ،حيث تكون النصوص يف هذه احلالة تقنية جدا ،مما
يفلت أمر إدراكها من قبضة القارئ غري املتخصص ،ونذكر املثال التال :
1
(عملية ضبط هناية ""Opération de réglage fin de retrait de liquidités
سحب السيولة).
-3التنقيط:
للتنقيط أمهية كبرية خاصة يف النصوص ذات الطابع االختصاصي؛ كما هو احلال بالنسبة إىل
النص الدبلوماسي .فإذا كانت مهمة التنقيط يف النص األديب تكمن يف تسهيل القراءة ،من أجل
احلصول على إيقاع صويت لدى املستمع للنص ،فمهمة التنقيط يف النص الدبلوماسي تتجاوز هذا
الدور السهل إىل أهم من ذلك؛ حيث تعترب كل نقطة ،أو فاصلة ،أو أي عالمة من عالمات التنقيط
* التالعب باأللفاظ
1
- Voir : Frédéric Houbert, op.cit, p03
70
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
ذات أمهية خاصة ومعىن خاص .ويتغري معناها حسب اللغة املستعملة لكتابة النص الدبلوماسي؛
فاللغة الفرنسية مثال متيل أكثر إىل استعمال عالمات التنقيط باملقارنة مع اللغة اإلجنليزية.
إن لغة النص الدبلوماسي لغة اختصاص زاخرة بالرموز واملصطلحات والشعارات ،فالتنقيط
يصبح هنا أمرا ال ميكن االستغناء عنه عند كتابة النص الدبلوماسي؛ حيث يبسط األمور ،ويفصل
بني األفكار ،ويسهل الفهم تسهيال كبريا ،وبدونه ختتلط املفاهيم ،ويصبح من غري املمكن إدراك
النص ،وقد يؤدي عدم تواجد التنقيط إىل خلط يف املفاهيم بالنسبة للمتلقي ،حىت وإن كان خمتصا
للطباعة أمهية كبرية يف النص الدبلوماسي؛ ألهنا تساعد على إبراز النقاط املفيدة واملصطلحات
اليت جيب الرتكيز عليها .فيتخذ الكاتب من الطباعة وسيلة لش ّد انتباه القارئ حنو اجلمل أو
املصطلحات اليت يعتربها مفاتيح للنص أو نظرا لألمهية اليت تكتسبها من خالل النص.
لقد سبقت اإلشارة إىل أن اللغة الدبلوماسية هي لغة اختصاص ،تستعمل فيها كثريا من الرموز.
كما أهنا متيل إىل االختصار الشديد ،ألن هدفها نقل املعلومة .وذلك ما أعطى لرموزها صبغة
العاملية ،فعبارة التيار املتناوب –مثال -ميكن االستغناء عنها وتعويضها بالرمز( ~) ،والشيء نفسه
بالنسبة إىل التيار املباشر الذي يرمز له ب(―) .1أما إذا اقرتبنا من ميدان العملة فإننا جند
1
-Jean Maillot, op.cit., p215.
71
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
كلمة "دوالر" يشار إليها بالرمز ( ،)$و"اليورو" بالرمز ( ،)€وينطبق ذلك على كثري من
العمالت العاملية.
وما يكثر استعماله أيضا يف اللغة الدبلوماسية ،الرموز الرياضية؛ حيث يزخر امليدان الدبلوماسي
( ،)√ ،≠ ،± ،< ،> ،‰ ،%وغريها من الرموز اليت تعترب جزء ال يتجزأ من اللغة
الدبلوماسية ،اليت تكثر من استعمال هذه األخرية بغرض االختصار ،والوصول إىل درجة التقنية اليت
كفاءات املرتجم
يقصد بالكفاءة اللغوية ،وهي تسمية أدخلها نعوم تشومسكي ،قدرة متحدثي لغة ما على فهم
النصوص وإنتاجها .وتتمثل هذه الكفاءة يف معرفة علم املعان ،والصوتيات ،وعلم النحو ،واملعجم
اللغوي للغة من اللغات .ويف هذا الصدد ،تصبح معرفة لغة ما تساوي معرفة القواعد اليت حتكمها.
غري أنه جيب أيضا عدم إغفال أمهية املعجم ،الذي يعد جزءا ال يتجزأ من قواعد اللغة ،باعتباره ُخمتَ ِزال
منذ أوائل القرن املاضي ،بدأ اللسانيون ،أمثال فرانز بواس ) ،(1911صاحب املثال الشهري
املتعلق باملصطلحات املتعددة اليت يستعملها اإلسكيمو للتعبري عن الثلج ،يدركون العالقات املعقدة
بني الفكر ،واملفاهيم ،واللغة لكوهنا تعبريا عن هذين العنصرين .ويف سنة ،1956خلص بينيامني ل
هورف ،عند حتليل خمتلف عمليات التفكري لدى اهلنود احلمر واألوربيني ،حول الزمان واملكان
72
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
والظواهر الطبيعية ،إىل أن تلك الطرق املختلفة من أجل فهم العامل ظلت منعكسة يف املعجم (إل
هينكل).1999 ،لقد طرح غياب التشاكل املعجمي بني اللغات مشكل قابلية ترمجة الفراغات
املعجمية .فمن وجهة نظر علم النفس املعريف ،تطرق ليف سيميونوفيتش فيجوتسكي )(1986إىل
أمهية املعجم يف تكوين الفكر املفاهيمي الفردي ،اخلاص بعقول الكبار .بينما ظلت الصلة الوثيقة ،يف
اجملال األكادميي ،بني املعجم واألدب قائمة وال ميكن احلياد عنها (جياماتيو وباسوالدو.)2003 ،
ويف خمتلف ميادين التخصصات ،اكتست الوحدات املعجمية للغة الطبيعية طابعا مصطلحيا بسبب
شروطها التداولية .حبيث إن النظام الدالل للمعجم املتخصص يعكس البنية املفاهيمية جملال
التخصص (إيناس كوغيل2004). ،ومنذ أن ابتكر ديل هاثاواي هيمس ( )1972 ،1967تسمية
الكفاءة التواصلية ،داخل التيار األنكلوساكسون إلثنوغرافية الكالم ،فإن العديد من النماذج املقرتحة
السنَن ،أي الكفاءة اللغوية ،ضرورية إال أهنا ليست كافية .بل ال بد من
تلتقي عند فكرة أن معرفة َّ
املعرفة واملهارة من أجل استعمال اصطالحات خطابية ،ولسانية اجتماعية ،وثقافية ،وإسرتاتيجية.
نقول اصطالحات ألهنا تظهر وتبقى صاحلة داخل إطار اجملتمع الذي تولد فيه النصوص.
ومع تطور اللسانيات الوظيفية النظمية( ،ميشيل أليكساندر كريكوود هاليداي ،وآخرون)
واللسانيات النصية (فان ديخ وآخرون) أواخر الستينيات تقريبا ،استوعبت اللغة يف ظل وظيفتها
التواصلية ،ويف إطار سياق اجتماعي .كما انتقلت وحدة التحليل من اجلملة إىل النص ،لكون هذا
األخري وحدة معىن .وبذلك تصبح الكفاءة اللغوية غري كافية من أجل فهم النصوص وإنتاجها .لذا
جيب على مستعمل لغة ما أن يتوفر على املعرفة واملهارة من أجل فهم واستعمال األشكال اليت
73
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
يعكس فيها نص ما االتساق من حيث املعىن ،والتناسق من حيث الشكل ،ويتأقلم مع بنية نصية ما
وقد اقرتح ليل بايشمان ( )1990تسمية الكفاءة التنظيمية ،اليت تتكون من الكفاءة النحوية
والكفاءة النصية ،لإلشارة إىل إتقان البنية الشكلية للغة ما ،بينما داخل الكفاءة التداولية ميكن متييز
الكفاءة اللغوية االجتماعية والكفاءة املقاصدية .وهذه األخرية تعين القدرة على تنظيم نص حسب
الغاية التواصلية املنشودة .وترتبط اإلشارة إىل التنظيم البالغي للنصوص مبفهوم األجناس (ميخائيل
وميكن أن تكون االصطالحات اخلاصة باألجناس مرتبطة بالثقافة ،وغري كونية (أنا تروسبورغ )1997
وهو ما يتعني معه أن تصبح مظاهر الثقافة اخلارجية املتعلقة بالكفاءة النصية للمرتمجني أساسية .ومن
وجهة نظر أكثر مشوال ،فإن الكفاءة النصية تقتضي ثالث مهارات وهي :إنشاء النصوص ،وحتويلها،
وتصنيفها (ميشيل شارول ). 1984وتستلزم املهارة التحويلية ،على سبيل املثال ،التبسيط (التلخيص،
الرتكيب ،وتلخيص كتاب) وإعادة الصياغة .بينما تشمل القدرة التصنيفية معرفة وترمجة وتقييم
ومبا أن النصوص ليست ذوات ضائعة يف الزمان وال يف املكان ،وإمنا هي عمليات تواصلية
قائمة من وجهة نظر اجتماعية ،فإنه جيب على مستعملي لغة ما األخذ بعني االعتبار مدى مالءمة
املعىن واملبىن لنصوصهم مع السياق اللغوي االجتماعي .وهذا األخري يشمل على حد تعبري كنال
( )1983:7وضع املشاركني ،وأهداف التفاعل ،وقواعد أو اصطالحات التفاعل .وجيب تقييم مدى
74
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
توافق وظائف تواصلية معينة ،واملواقف ،واألفكار ،وكذا الشكل الذي نسجت فيه ،مع وضعية من
الوضعيات .إذ يكشف ،على سبيل املثال ال احلصر ،تسجيل عبارة "أحسن بقليل من البارحة" يف
تقرير طيب عن حالة املريض ،عن غياب كفاءة لغوية اجتماعية (كنال وسوين 1980؛ كنال 1980؛
سيلس مورثيا ،دورجني وتوريل .)1995لذلك عندما قال هاليداي ( )1978:2إن اللغة هي
"سيميوطيقا اجتماعية" ،فإنه يقصد أهنا تفهم "داخل سياق اجتماعي ثقايف .حبيث إن الثقافة نفسها
وقد أضاف بيري بورديو ( ،)1980يف إطار علم االجتماع الفرنسي ،مفهوم السوق اللغوية
حيث يصبح اخلطاب منتوجا ذا قيمة ،حسب الرأمسال الرمزي أو اللغوي-الكفاءة التواصلية -الذي
ميلكه املتكلم .ويف اجملال التعليمي ،يصبح للغتنا مثن ،أال وهو التصنيف على حد تعبري بورديو
).(1990
ويعترب سايفيل ترويك ( )1982أن الكفاءة التواصلية ،باعتبارها هيمنة نظام رمزي ما ،جيب أن
تفهم كجزء من شبكة األنظمة الرمزية اليت تشكل الكفاءة الثقافية أو املوسوعاتية .وقد بني إدوارد
سابري ،سنة ،1920أن اللغة جيب أن تفهم باعتبارها ظاهرة اجتماعية وثقافية ،ألهنا تصف وجتسد
الطريقة اليت يبين املتحدثون هبا العامل .وهذه الفكرة كانت وراء إبراز الوجه احلقيق لفرضية سايرب-
وورف ،واليت مفادها أننا حينما نفكر ،فإننا نفعل ذلك "حسب األمناط واالختالفات املنظمة يف
اللغة" (ليون .)1984:264وباعتبار اللغة نظاما رمزيا ،فهي تنظم تصورنا للواقع .ومبا أن مفهوم
الثقافة متعدد املعان ،فإننا نكتفي باختيار تعريف برونايت ومينديفيل ) ،(2005:11اللذين يؤكدان
75
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
على أنه ميكن أن نعترب الثقافة معرفة اجتماعية مكتسبة ،أي أهنا جمموعة من املمارسات الرمزية،
والقواعد ،والقيم ،اليت متيز اجلماعات البشرية وحتدد فضاءات التفاعل االجتماعي الغاصة باملعان
املشرتكة بني الذوات" .من أجل ذلك ،جيب أن يكون طالب اللغات األجنبية واعني باالختالفات
الثقافية ،حبيث إهنا "تشكل صنف العوامل األكثر مشوال واليت تؤثر يف التعلم بلغة أجنبية/باللغة الثانية"
(ريتشارد1997:28). ،إن تعليم اللغات األجنبية يعين حتما ،حسب كلري كرامش (،1991
،)1993تعلم ثقافة متحدثيها ،سواء أكان هذا التعلم ظاهريا أم باطنيا .وتطرح اللغة االجنليزية حتديا
خاصا بالنسبة لألساتذة ،نظرا لالنتشار الكاسح هلذه اللغة وكذا جتزئها احلال إىل العديد من أنواع
اإلجنليزية .ولقد أصبحت فكرة وجود تنوع معياري ،اشتقت منه اللهجات ،مثارا للجدل يف السنوات
األخرية .إن تصنيف التنوع اللغوي (لنأخذ على سبيل املثال االجنليزية الربيطانية أو األمريكية أو اللغة
اإلسبانية لشبه اجلزيرة اإليبريية) باعتباره قاعدة ،مثلما مت القيام بذلك منذ سنوات ،ليعكس منوذج
االستعالء العرقي الذي حتاول اللسانيات احلالية جتازوه .ويشكل تأييد االستعالء العرقي أو خمتلف
التنوعات اللغوية وثقافاهتا خيارا جيب على أساتذة اللغات التفكري فيه واستيعابه ،حىت أولئك الذين
يبدؤون يف تعليم اإلسبانية باعتبارها لغة أجنبية .أما يف الرتمجة ،فيوضح اجلدل حول طرق التغريب
(احلفاظ على املرجعيات الثقافية للنص األصلي) والتقريب (تكييف املرجعيات الثقافية مع ثقافة
اهلدف) أمهية الكفاءة الثقافية عند املرتمجني .وكما يؤكد روبري أالن بوغراند،)1978:98( ،
قائال...":جيب على املرتجم أال يكون ثنائي اللغة فقط ،بل جيب عليه أيضا أن يكون كليا ثنائي
الثقافة" .ويف اإلطار نفسه ،يؤكد جيين بروم قائال إنه "جيب أال نفهم من كلمة "مرتجم" أنه مهزة
76
الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي الفصل الثاني
وصل بني لغتني ،بل متخصصا بني ثقافتني أو متعدد الثقافات ،جيب عليه أن يعيد ،يف وضع حمدد،
ولقد دافع إيوجني نيدا ( ،)1982رائد الدراسة اللسانية االجتماعية واملدافع عن التقريب ،على
كون الرتمجة تتجاوز ما هو لغوي حمض ،وميوضعها داخل جمال السيميائيات األنثروبولوجيا .بينما
يعرف لورنس فينويت ( )1995:19الرتمجة بأهنا "ممارسة سياسية ثقافية تبين أو تنتقد هويات متميزة
إيديولوجيا لصاحل ثقافات أجنبية ،وتتخطى قيما خطابية وحدودا مؤسساتية يف ثقافة لغة اهلدف أو
تلتزم هبا" .ويؤكد فينويت ،املدافع عن التغريب ،أن الرتمجة "مكان اختالف" (املصدر السابق،
ص )42.ويضيف أن التقريب ،املهيمن على الرتاث اإلجنليزي األمريكي ،ميارس "عنفا استعالئيا "
على النص املصدر ،وخيفي يف إطار التكافؤ الدالل ما يشكل يف الواقع اختالفا جيب أن حتتفظ به
الرتمجة (املصدر السابق نفسه ،ص .)21 .وهذا العنف االستعالئي إن دل على شيء فإمنا يدل على
ممارسة "اهليمنة واإلقصاء الثقايف" (املصدر السابق نفسه ،ص) 40 .عندما يصبح مسخرا خلدمة
اهليمنة الثقافية األجنلو أمريكية.
77
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
ال خيفى على املتتبع طريق املرتجم الدبلوماسي أن عمليته هذه حمفوفة بصعاب مجة ،وذلك أثناء
ترمجته النصوص الدبلوماسية ،وما يدور حوهلا ،إذ على الرغم من استناده على وسائل وطرائق عديدة
إال أن ذلك ال مينع صعوبات كثرية من اعرتاض طريقه ،ومن هذا املنطلق وجب اإلشارة إىل بعض
هذه الصعاب ،حىت نتبني اجلهد الشاق الذي يبذله املرتجم أثناء تأدية مهامه ،فقراءته النص اهلدف،
واستفادته من الضروريات ،إال أن الالفت لالنتباه هو تلك املعوقات اليت تستدعي منا الوقوف عندها
حىت نثمن جهد املرتجم الدبلوماسي ،وندلل يف الوقت نفسه من حدة هذه الصعوبات ،وذلك
بتحليلها ،ألن إدراكها يساهم يف إجياد طرائق التعامل املناسبة معها ،والتمكن من اجتيازها.
الفروق اللغوية:
نقصد هبا الفروق املوجودة بني النص يف اللغة األصل ،واللغة اهلدف ،ألن لكل لغة خصائص
متيزها ،منها ما تتعلق باملستوى النحوي ،واملستوى الصريف ،واملستوى البالغي ،إذ أن اللغة العربية –
مثال -هلا آلياهتا اليت متيزها عن لغات أخرى فهي تفرق بوضوح تام بني املذكر واملؤنث وما يظهر
إالّ أن اللغة الفرنسية –مثال -تفتقد هذه اخلاصية ،فال جتعل فروقا بني املذكر واملؤنث ،فكلمة
« ( ،»comptableحماسب) اليت تستعمل لنعت احملاسب ،رجال كان أو امرأة جيوز فيها التذكري،
والتأنيث ،إال أننا جند ما يفرق يف اللغة الفرنسية بني املذكر ،واملؤنث مثلما هو احلال يف اللغة العربية
79
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
يف مسألة (التاء) املربوطة املشار إليها آنفا ،وعالمة املؤنث يف اللغة الفرنسية تكمن يف حرف "،"e
وهذه ليست بقاعدة عامة ،فإذا أخذنا مثال كلمة ( industrielصناعي) فمؤنثها هو
أما بالنسبة إىل اللغة اإلجنليزية ،جتتمع فيها قاعدة عامة ،حيث هي فاقدة متاما هلذه اخلاصية،
فال تستعمل أي إضافة ،أو عالمة لتوضح الفرق بني املذكر ،واملؤنث .فإذا أخذنا املثال املوال:
» ( ،« He spoke to the accountantإنه يتكلم مع احملاسب) فال ميكننا هنا معرفة إذا ما
كان » ،« accountantيرمز إىل املؤنث أو املذكر ،فنواصل قراءة اجلملة املوالية لعلنا جند فيها ما
يبني لنا اجلنس الذي يقصده الكاتب األصل .وإذا مل حنظ هبذا ،فنرتجم على أساس املذكر ألن
أما عدد الضمائر يف اللغة اإلجنليزية فهو ستة ،مع استعمال نفس الضمري » « youبالنسبة
إىل املخاطب املفرد املذكر ،واملؤنث ،واجلمع املذكر ،واجلمع املؤنث ،غري أن اللغة العربية تعترب دقيقة
جدا يف هذا امليدان ،إذ تزخر باثين عشر ضمريا ،وهذا يعين أن الضمري » « youيقابله يف اللغة
العربية أربعة ضمائر :أنتِ ،
أنت ،أنتم ،أننت .فكيف ميكن املرتجم اختيار الضمري احلسن املناسب، َ
وهذا كثريا ما يكون عائقا يف عمل املرتجم ،وميكن أن يدل به يف اخلطأ ،إذا مل حيسن اختيار الضمري
املناسب.1
-1ينظر :هشيمي(كامي) ،الرتمجة بالنصوص ،ط ،2003 ،دار املشرق ،بريوت ،ص.04
80
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
هناك صعوبة أخرى تعرتض طريق املرتجم يف ترمجة الضمري » .« itفهو يستعمل لنعت
األشياء أو بعبارة أخرى ،فهو يستعمل لغري اإلنسان .إال أن يف اللغة العربية لن جند مقابال هلذا
ما نالحظه يف املثال السابق هو أن ترمجة عبارتني خمتلفيت القصد تعطينا نفس النتيجة ،ويصعب
علينا القيام بالرتمجة العكسية ،اليت هي مرحلة ال مفر منها من أجل التأكد من صحة الرتمجة.
ونقصد باجلملة األوىل بنك (دائن) ،والثانية شخص (دائن) ،إالّ أن الرتمجة إىل اللغة العربية
أعطت اجلملة ذاهتا على الرغم من أن اجلملتني األصليتني ذات ضمريين خمتلفني يف اللغة األصل؛
ومن هنا يستحيل علينا ترمجة الضمري » ،« itوبالتال صعوبة ترمجة اجلمل ذات ضمري مسترت من
العربية إىل اإلجنليزية ،حيث جند أنفسنا أمام اختيارين ،« it » :أو » ،« she/heفإذا استعنا
بالفقرة التالية من أجل معرفة إىل من يعود الضمري املسترت ،فسوف نقع يف اخلطأ بدون شك .وما
تلك إالّ أمثلة سهلة جدا لتجسيد صعوبة ترمجة اجلنس النحوي ،والضمائر املختلفة ،حني تتعذر
ومن خصوصيات اللغة العربية أيضا ،أهنا تقسم العدد إىل مفرد ،ومثىن ،ومجع .أما بالنسبة إىل
اللغة الفرنسية واإلجنليزية ،فهما يكتفيان باملفرد واجلمع فقط ،مما جيعل هاتني اللغتني أقل دقة مقارنة
باللغة العربية ،وهذا ما ينتج نوعا من الصعوبة يف ترمجة بعض الكلمات حني تكون على صيغة اجلمع
81
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
يف اللغة الفرنسية أو اإلجنليزية .فيتساءل املرتجم هنا عما إذا يقوم بالرتمجة مستعمال صيغة املثىن أو
اجلمع ،خاصة إذا مل جيد بالنص األصل ما يدله على العدد بدقة ،فيلجأ إىل صيغة اجلمع ،حىت
يتفادى الوقوع يف اخلطأ ،بالرغم من أن اللغة العربية هلا من الدقة ما يفوق كل اللغات يف هذا الباب.
ونذكر أيضا صعوبة ترمجة املركبات االمسية الوصفية املعطوفة ب"الواو" ،و"أو" ،حيث أنه ،كما
نعلم أن الصفة يف اللغة العربية تتبع املوصوف .أما يف اللغة اإلجنليزية ،فيشرتط أن تكون الصفة قبل
وهذا ما يطرح غموضا إذا ما تبع الصفة امسني ،فهل تكون الصفة لإلسم األول فقط أو
لالمسني معا؟ فمثال اجلملة ،Primary factors or conditions :واليت ميكننا أن نرتمجها
معنامها خمتلف بغري معىن النص األصلي ،وهنا تكمن الصعوبة يف اختيار الرتمجة املناسبة ،وجيب
العودة إىل السياق ،عله يساعد املرتجم على القيام باختيار صائب.
وال بأس من اإلشارة إىل صعوبة أخرى ال يستهان هبا تواجه طريق املرتجم ،وكما أسلفنا الذكر،
فالنص الدبلوماسي ،زيادة على أنه نص تقين جدا ،فهو يعتمد كثريا على الصور البيانية ،ومن بينها
االستعارة ،اليت ال تعترب ترمجتها سهلة .فهي تتجدد بفعل السياق ،وما على املرتجم القيام به هو
82
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
إعطاء البديل ،ال تفسريها ،وكثريا ما ترتبط االستعارة بثقافة الكاتب األصل ،ويصعب على من ال
فلذا ،يكون املرتجم واسع الثقافة حىت يستطيع إدراك هذه األخرية يف النص األصل ،ومنه
حسن التعامل معها ،وميكنه إبدال هذه االستعارة باستعارة أخرى يف لغة اهلدف ،كنحو قولك:
"يعمالن جنبا إىل جنب" واليت تقابلها يف الفرنسية » .« travailler main dans la main
أو ميكنه لدى تعذر املقابل يف لغة اهلدف حتليل هذه االستعارة إىل معناها ،وإجياد صيغة ميكن
إلباسها هذا املعىن ،أو االستغناء عنها إذا تعذرت ترمجتها ،خاصة االستعارات احلديثة ،اليت تظهر
متاشيا مع التطور االقتصادي والدبلوماسي ،فتصعب ترمجتها .فيحذفها املرتجم إذا مل تزد يف معىن
النص ،أو إذا ما كانت تشكل تكرارا ممال ،وال تستجيب لألولويات اليت وضعها املرتجم يف
ضف إىل كل هذا ،اختالف األسلوب الذي تستعمله كل لغة على حدا ،فيمكن نفس الظاهرة
أن يعرب عنها بأسلوبني خمتلفني حسب خصوصيات كليهما .وعلى املرتجم أن حيسن التعامل مع هذا
العامل احلساس ،مدركا أمهيته ،مستعمال األسلوب الالئق الالزم ،وأالّ ينقاد وراء استعمال األسلوب
نفسه الذي ورد به النص األصل ،ألن ما يعرب عنه بأسلوب معني يف اللغة االجنليزية ،يعرب عنه يف
وتتميز اللغة االجنليزية باالختصار الشديد ،واجلمل القصرية ،خبالف اللغة العربية ،اليت تعترب لغة
ثرية جدا ،يرتكز أسلوهبا على اإلدغام ،والتكرار املفيد ،واجلمل الطويلة املفسرة ،مما يوصل الفكرة إىل
83
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
القارئ يف أسهل شكل ممكن ،وذلك لتحليلها وتكرارها الفكرة ،حىت تصل كاملة ،مبسطة إىل
القارئ.
ومن خصوصيات اللغة اإلجنليزية يف كتابة النص الدبلوماسي ،كثرة استعمال أدوات الوصل
مثل "with" :و " ،"asاليت ال تتوقف وظيفتها يف هذه احلال عند الربط بني اجلمل ،واألفكار،
فيبقى معناها مرتبطا بالسياق الذي وردت فيه .1وهنا ،على املرتجم الدبلوماسي الرتكيز ،واالنتباه،
حىت ال يكتفي دائما برتمجتها بصفتها أدوات وصل ،وبالتال لن حيصل على ترمجة وفية بالغرض ،بل
سيحصل على نص هدف غري واضح ،بل غامض ،ضاعت منه نصف املعلومات الواردة يف النص
األصل ،وهذا إذا ما استهان املرتجم هباتني الكلمتني ،وحدد وظيفتهما يف الربط بني اجلمل ،واألفكار
فقط.
إذا ما أخذنا اللغة الفرنسية مقارنة باللغة العربية مثال ،فسنالحظ أنه حني تستعمل اللغة
الفرنسية الصفة؛ تفضل اللغة العربية استعمال احلال ،أو املفعول املطلق ،وإليك املثال التال - :كان
ضف إىل ذلك ميول اللغة العربية إىل التكرار املفيد ،الشيء الذي هو غري مقبول على اإلطالق
يف اللغة الفرنسية ،حيث يعترب ضعفا يف األسلوب .إن كل من اللغة الفرنسية واإلجنليزية متيالن إىل
1
-Voir : Frédéric Houbert, op.cit., p07.
- 2ينظر :كامي هشيمي ،م س،ص06
84
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
تعويض أدوات الوصل بالفاصلة ،عكس اللغة العربية اليت تدعم عالمات التنقيط بأدوات الوصل،
وغريها .وهنا تتضح لنا بعض الفروق بني اللغات ،والصعوبات الناجتة عن هذه األخرية اليت تعرتض
طريق املرتجم.
ترجمة العناوين:
مشكلة أخرى تعرتض طريق املرتجم الدبلوماسي؛ وهي ترمجة العناوين خاصة عند ترمجته
مقاالت صحفية حيث يستدل بعناوين اجملالت ،وكتب متخصصة مبيدان االقتصاد والدبلوماسي ،أو
عادة ،يصاغ العنوان يف عبارة قصرية هلا داللة شاملة ،وال يتسىن اإلملام بأبعاد العنوان إال بعد
فلذا جيد املرتجم نفسه أمام عنوان ،ال يعلم -هو نفسه -عما يتحدث ،فكيف له أن يرتمجه،
مع العلم أنه من غري املمكن أن يذهب لقراءة كل كتاب جيد عنوانه بالنص األصل الذي هو بصدد
ترمجته.
فأمام هذا الوضع ،يلزم املرتجم الرتكيز يف املوضوع الذي يعاجله النص األصل ،وإقامة عالقة بني
هذا األخري ،والعناوين الواردة بالنص ،إضافة إىل االستعانة خبلفيته الثقافية حىت يستطيع ترمجة هذه
85
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
تبقى هناك مشكالت أخرى تعرتض طريق املرتجم الدبلوماسي ،اليت ترجع مباشرة إىل اللغة
الدبلوماسية يف حد ذاهتا ،مثل درجة تقنية النص ،واختالف املعاجم املفرداتية املتنوعة اليت تستعملها
هذه اللغة ،ضف إىل ذلك مشكلة األلفاظ ،واملصطلحات املتعددة املعىن .ونبدأ مبا خيصص هذه
اللغة عن غريها ،وهو االختصارات؛ فمنها الدولية واحمللية ،وهذا ما يزيد من صعوبة إدراكها،
باإلضافة إىل كون هذه األخرية تتغري من لغة إىل أخرى ،ونأخذ مثال OTANيف اللغة الفرنسية،
اليت تعين "منظمة حلف الشمال األطلسي" ،ويقابلها يف اللغة اإلجنليزية .NATOفعلى الرغم
من هذه الصعوبات ،فاملرتجم يتعامل أفضل مع االختصارات والشعارات الدولية مقارنة بلك احمللية،
وما يزيد من تعقيد األمور بالنسبة إىل املرتجم الدبلوماسي ،وجود عدة معان لنفس االختصار،
86
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
نالحظ هنا أن » « ASAأعطتنا أحد عشر شعارا ،فكيف للمرتجم أن يعرف أي شعار
يقصد به يف النص األصل .ويف هذه احلالة ،فإن السياق هو الذي سيساعده يف اختياره ،حىت يتمكن
من الرتمجة.
وال ب ّد أن نشري يف هذا املقام إىل مشكلة تنوع املفردات اللغوية اليت تستعملها اللغة
الدبلوماسية ،فهي تلجأ إىل مفردات لغوية خمتلفة ،فمنها البحرية ،واحلربية ،والطبية ،واجلوية ،وما إىل
غري ذلك .وتكمن الصعوبة هنا يف حتديد معىن املصطلح ،وكما نعلم ،فهذا األخري يستمد معناه من
السياق ،واملوضوع ،وامليدان الذي ورد فيه .ولنأخذ على سبيل املثال كلمة» « câbleمن اللغة
الفرنسية ،اليت تقابلها يف اللغة اإلجنليزية يف ميدان الكهرباء " ،"cableو" ،"flexو" ،"cordويف
ميدان البحرية تقابلها " ،"lineو" ،"towو" ،2"ropewayوعدة مصطلحات أخرى يف ميادين
أخرى ،وهذا بالنسبة إىل مصطلح واحد فقط .إن مهمة املرتجم الدبلوماسي ليست سهلة ،حيث جيد
نفسه أمام مصطلحات مأخوذة من سجالت لغوية خمتلفة ،فقبل الشروع يف ترمجتها ،وجب عليه -
قبل كل شيء ،-حتديد السجل اللغوي الذي تنتمي إليه هذه املصطلحات.
وتعترب هذه العملية صعبة جدا ،ألنه إذا ما أخطأ يف حتديد السجل اللغوي الذي أخذ منه
املصطلح ،وجد نفسه يرتجم ضمن سجل لغوي آخر ،وبالتال فلن يفي باملعىن األصلي .فاختالف
املفردات اللغوية اليت تستعملها اللغة الدبلوماسية ميثل عائقا صعب التجاوز بالنسبة إىل املرتجم
1
- Jean Maillot, op.cit., p213.
2 - Joêlle Redouane, op.cit., p 206.
87
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
الدبلوماسي ،ويتطلب منه تركيز كبري ،ودراسة كاملة للنص مسبقا ،وفهم املوضوع املدروس ،واإلحاطة
به ،حىت يذهب بعد ذلك إىل تصنيف خمتلف سجالت املفردات اللغوية املستعملة يف النص األصل.
باستعمال وسائل الرتمجة الالزمة ،ميكن للمرتجم أن يتجاوز هذه الصعوبة ،فاملرتجم غري ملزم
بالتوقف عند املصطلحات نفسها على اإلطالق ،بل عليه أن يذهب إىل أبعد من ذلك ،فيبلغ
مصدرها؛ وهذا يعين الرجوع إىل القاموس اللغوي الذي تنتمي إليه ،والسياق الذي وردت فيه حىت
وتعترب تقنية النص الدبلوماسي أيضا من الصعاب اليت تواجه طريق املرتجم ،حيث أن اللغة
الدبلوماسية مكونة من التساوق ،1والتصنيف ، 2فالتعبري عن ظاهرة واحدة باستعمال عدة مفردات
خمتلفة من حيث درجتها املعنوية هو التساوق ،وترتيب هذه املفردات حسب درجتها املعنوية هو
التصنيف.
فمثال لدينا يف ما خيص العملة يف اللغة الفرنسية عدة مفردات من أجل نعت املراحل اليت متر
هبا ،والفرق بني هذه املفردات على الرغم من أهنا تصف نفس الظاهرة يبقى يف درجتها املعنوية:
املعنوية لكل هذه املفردات ،حيث أن هذه الدرجات متر هبا العملة يف حتسنها ،وعندما يكون املرتجم
على دراية بالفرق الذي بينها ،حيسن إدراكها يف النص األصل ،ويتمكن من ترتيبها حسب درجتها،
88
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
ومنه يستعمل املفردة ذات الدرجة املعنوية املناسبة من أجل نعت ظاهرة حتسن العملة يف هذا
املثال(التصنيف) ،وهكذا فدرايته بالتساوق ،والتصنيف متكنه من إعطاء ترمجة مناسبة دقيقة.
أما إذا كان جاهال هذين العاملني ،فلن حيسن الرتمجة ،وما نعلمه هو أن الرتمجة الدبلوماسية
حتتاج إىل دقة كبرية ،فإذا ترجم ظاهرة ما ،ذات درجة معنوية معينة مستعمال مصطلحا ذا درجة
معنوية خمالفة لألصل ،فستكون ترمجته خاطئة .ولذا ،معرفة التساوق ،والتصنيف أمر ضروري جدا
بالنسبة إىل املرتجم الدبلوماسي حىت يستطيع التغلب على الصعوبات اليت ترجع إىل هذين العاملني يف
وما يساعده يف اكتساب هذه املعرفة ،هو البحث التوثيقي ،فيداوم قراءة اجلرائد املتخصصة
بالدبلوماسية ،ألهنا تزخر بالكثري من التساوق والتصنيف ،ومنه يركز انتباهه على كل املصطلحات اليت
تصف ظاهرة معينة ،والدرجات اليت متر هبا ،حىت يتمكن -ومل ال؟ -من وضع جذاذات جيمع فيها
كل ما اكتسبه من قراءاته ،وهذا ما سيساعده يف ترمجاته الالحقة -دون شك -ويوفر له وقتا كبريا.
Les hausses et les baisses observées sur les marchés : fléchissement، recul،
وغريها من املفردات ،فنالحظ يف هذه احلال أن هناك العديد من املفردات اليت تستعمل من
أجل ظاهرة واحدة ،والفرق الوحيد بني هذه املفردات يكمن يف درجتها املعنوية ،فلكل مفردة درجة
معينة ،وعلى املرتجم اختيار املصطلح الذي له درجة املصطلح األصل نفسها.
1
-Voir : Frédéric Houbet, op.cit., p 13.
89
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
وهبذا يكون املرتجم قد أعطى الظواهر الواردة يف النص األصل ووصفها بنفس الدقة والدرجة
اليت وردت هبا ،ويعد هذا العامل مهما جدا يف ميدان الدبلوماسية ،نظرا إىل كون هذا امليدان حساسا
وجيد املرتجم نفسه أيضا أمام إشكال آخر؛ يكمن يف املصطلحات املتعددة االستعمال ،حيث
ميكنه أن يستعمل املصطلح نفسه يف الكثري من احلاالت ،ولكن املشكلة تربز يف تغري معىن هذه
املصطلحات تغيريا تاما حسب املوضوع أو السياق الذي ترد فيه مثل:
ذكره ،نأخذ املثال التال"price" :؛ الذي ميكن ترمجته ب "prix" :إذا ما قصدنا حتديد مثن شيء
بالنسبة إىل كلمة ،yearاليت ترتجم ب ، année:عندما نريد اإلشارة إىل التاريخ مثال ،وب:
.2006
إن تقنية لغة النص الدبلوماسي تطرح الكثري من املشكالت بالنسبة إىل املرتجم ،غري أن
ختصصه بامليدان ،واحتكاكه بعامل الدبلوماسية سيساعده يف عمله ،ويف إصابة اهلدف ،بإنتاج نص
1
- Voir : op cit. p 13
2 - Voir: Ibid p 15.
90
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
ويف الوقت نفسه ،يواجه فهو يواجه مشكلة تعدد املعان لبعض املفردات ،فمثال كلمة
» ( « capitaleرأس مال) ،إذا ما وضعت يف سياق آخر ،وعلى سبيل املثال اجلملة املوالية:
هذا مثال بسيط عن مشكلة تعدد املعان اليت كثريا ما يواجهها املرتجم الدبلوماسي أثناء عمله،
ويف هذه احلالة ،فإن السياق هو الذي حيدد املعىن الذي تكتسبه الكلمة ،وليست الكلمة نفسها هي
اليت حتدد معناها ،وعلى حد قول (بول ريكور) " :إمنا مهمة السياق يف غربلة املتغريات الداللية
اخلاصة وجعل األلفاظ املتعددة املعىن خطابا يصل أحادي املعىن نسبيا ،أي إنه ال يفسح جماال إال
ويقول حسن غزالة " :ميكن للسياق أن يكون حامسا يف ختمني املعىن احملتمل للفظ املتعدد
ومن هنا نعود إىل القول إن السياق اللسان هو أهم ما حيدد معىن اللفظ إذا كان متعدد املعىن،
حيث يقوم بإظهار املعىن املقصود يف النص .فاملهمة الواقعة على عاتق املرتجم ليست بالسهلة ،حيث
أنه بإجياد نفسها ،واملقصود من قبل كاتب النص األصل ،إذ خبالف ذلك ،فهو مل يف بأفكار النص
1
- Voir : Frédéric Houbert, op.cit., p 16.
- 2بول ريكور( ،)1975مذكور من طرف عمار بوقريقة ،م س ،ت عمار بوقريقة.
- 3حسن غزالة( ،)1995عمار بوقريقة ،ن م ،ص.100
91
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
األصل ،وعليه تكون ترمجته فاشلة ،خاصة وأننا سبق وأشرنا إىل أن األلفاظ املتعددة املعىن كثرية يف
اللغة الدبلوماسية.
إن املرتجم الدبلوماسي يصيب اهلدف حني القيام بعملية الرتمجة ،وهذا أمر يرتكز ارتكازا مهما
وبليغا على حسن إدراكه األلفاظ املتعددة املعىن ،وحسن ترمجتها ،مستعينا يف ذلك بكل الوسائل اليت
بني يديه ،فالسياق اللسان هو حتما ما حيدد معىن األلفاظ ،ولكنه ليس الوحيد .زيادة على هذا،
يتوجب على املرتجم إدراك هذه األلفاظ يف هذا السياق اللسان احملدد ،حىت ولو رجع إىل القواميس
من أجل ذلك ،أو إىل االختصاصي ملساعدته ،ذلك ألن ألفاظا كثرية تسند إليها معان حديثة؛
فنحن بعامل الدبلوماسية ،عامل املستجدات ،فال نستعجب إن وجدنا ألفاظا قدمية محلت معان
جديدة ،األمر الذي يتطلب من املرتجم أن يكون يف الواجهة ،دا ٍر بكل التطورات اليت حتدث يف
92
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
-1البحث التوثيقي:
يعترب البحث التوثيقي من أهم مراحل الرتمجة املتخصصة ،فضال عن البحث املصطلحي؛ حيث
إن هذا البحث مي ّكن املرتجم من اإلملام مبوضوع النص ،وإدراك العبارات ،واألساليب املستعملة يف لغة
االختصاص هذه ،1فهدف البحث التوثيقي إجياد مقابالت املصطلحات يف اللغة اهلدف ،ورصد
يبدأ املرتجم بتحديد ميدان النص ،مث يقوم جبمع املعطيات الواردة فيه وحتليلها ،كما متكنه هذه
العملية من حتديد طبيعة النص ونوعه ووظيفته ،وال خيفى عن املرتجم أن قراءة النص املتكررة املتأنية
ٌجتلي املبهمات ،وجتعلها قريبة املنال ،وٌمت ّكنه بذلك من فهم ما صعب عليه يف قراءة النص األولية.
تع ّد عملية البحث التوثيقي مرحلة أساسية يف الرتمجة املتخصصة ،حيث أن اهلدف املنشود من
الرتمجة هو إحداث نفس األثر يف متلقي النص اهلدف .ومن أجل الوصول إىل هذه النتيجة ،يتوجب
على املرتجم التوثق باللغتني؛ األصل واهلدف ،حىت يتقرب أكثر من موضوعه ،ويتسىن له فهم النص
األصل فهما أفضل ،ومنه يكتسب القدرة على ترمجته ترمجة صحيحة.
و املرتجم مطالب بأن يكون منهجيا ،فيبدأ يوثق باللغة اهلدف 2حىت جيد املصطلحات املقابلة
فيها ،فما يعسر عليه فهمه من أفكار ،ومصطلحات يف اللغة األصل ،يسهل عليه لدى قراءته نفس
1
-Voir : Christine Durieux, Fondement Didactique de la Traduction Technique, Collection
traductologie, Didier érudition, 6 Rue de la Sorbonne 75005, 1988, p 24.
2
-Voir : op cit .P.45
93
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
الوثائق تقريبا باللغة اهلدف مما يسمح له أيضا بربح الوقت ،فكلما زاد رصيده املعلومايت ،كانت
والوسيلة األوىل هي املوسوعة ،فيطلع على املقاالت اليت متت بصلة مباشرة مع موضوعه ،مث
يرجع إىل النص األصل كي يقيس درجة وضوح النص بعد ذلك وإن كان بطريقة كافية أو وجب عليه
1
مواصلة البحث التوثيقي.
مث مير إىل الكتب املتخصصة ،ويهتم مبا له صلة مباشرة مبوضوعه فقط حىت ال تتشتت أفكاره،
إىل أن يتسىن له فهم النص الذي سيرتمجه ،2وينتقل إىل اجملالت املتخصصة ،ويقوم بإنشاء جذاذات
مصطلحية ،وتوثيقية ،3فالتوثيق الثنائي اللغة ينتج مقابالت مصطلحية تساعد املرتجم كثريا ،4مما
يسمح له باستعمال نفس املعلومات اليت اكتسبها يف ترمجة نص آخر ميس نفس املوضوع.
وإن أكرب فائدة تعود على املرتجم من التوثيق الثنائي اللغة ،هي إجياده مقابل املصطلح األصل
يف اللغة اهلدف دون الرجوع إىل املعاجم املتخصصة اليت تكمن أمهيتها وفائدهتا يف حسن إنتقاء
املرتجم املصطلح اهلدف ،حيث تقرتح عدة مكافئات للمصطلح الواحد ،وعلى املرتجم اختيار
األنسب منها .وال يتسىن له هذا األمر إالّ إذا فهم ،وأدرك املصطلح األصل يف السياق الذي ورد فيه،
1
-Voir :Christine Durieux, op.cit., p 46.
2 -Voir : Ibid. P 46.
3 -Voir: Christine Durieux, op.cit., P 47.
4 - Ibid. P 63.
94
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
ويبقى التوثيق نسبيا ،فإذا متكن املرتجم من فهم النص ومصطلحاته ،فال بأس أن يكتفي
مبعلوماته السابقة ،وإذا مل يتسىن له إدراك النص إدراكا تاما ،فعليه أالّ يكتفي مبعلوماته التقريبية ،وأن
يباشر التوثيق فورا ،والتجديد املستمر لقاعدته املعلوماتية والوثائقية ،جيعله يبقى يف الواجهة من حيث
مستجدات اختصاصه .فهو مطالب جب ّدة الوثائق اليت يرجع إليها عند احلاجة ،ألن يف جمال
االختصاص ،كلما كانت معلوماته حول املوضوع قليلة يكون حبثه التوثيقي واسعا من أجل إدراك
1
املوضوع ،وجيب أن يكون هذا البحث متعمقا أيضا كي يبلغ املرتجم فهما حقيقيا للنص األصل.
إن املوسوعات ،واجملالت -حىت اجلديدة منها -هي غري كافية ألهنا ال تتطرق إىل املواضيع
تطرقا دقيقا ،فلذا جيب أن تكون وثائق املرتجم جديدة حىت يكون على علم باملستجدات ،وتكون
أيضا يف صميم موضوع نصه ،ليتمكن من إدراك النصوص اليت يقوم برتمجتها.
وتساعد شبكة اإلنرتنيت املرتجم على توثيقه أيضا؛ فيجد هبا كل املقاالت ،والبحوث الصادرة
حديثا ،حيث يسهل عليه اختيار الوثائق اليت يود اإلطالع عليها حىت ال يضيع الوقت ،فالوقت
عامل ال ينبغي هتميشه على اإلطالق يف جمال الرتمجة عموما ،واملتخصصة على وجه اخلصوص.
كلما زادت خربة املرتجم زادت معها معلوماته الشخصية ،وقاعدة معطياته الذاتية ،فإدراك
املرتجم ملوضوعه ينعكس على النص اهلدف ،فتقل حاجته إىل التوثيق قبل مباشرة الرتمجة ،وهذا ال
يعين إلغاء البحث التوثيقي بالضرورة ،بل يعين أن املرتجم املتخصص اخلبري قد يتوثق أقل من املرتجم
95
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
املتخصص املبتدئ ،فخربته متده بالكثري من املعلومات ،وتكسبه إدراكا ملعظم املصطلحات ،ألنه
-2فهم النص ׃
إن مفتاح الرتمجة عامة يكمن يف خطوة املرتجم األوىل ،واليت تتمثل يف فهم النص الذي يعد
الركيزة األساس إلجناز عمله ،وذلك ما ينطبق على الرتمجة الدبلوماسية بل يضاف إىل ذلك عدم
االكتفاء بالفهم التقرييب ،واالبتعاد عن التأويالت اليت تتفرع إىل مفاهيم ال يريدها املرتجم إمنا الفهم
يبدأ من خارج النص ،مث ينتقل إىل داخله أو باألحرى أن يفهم املرتجم املضمون والشكل حىت يتسىن
هذا ما حيتاج اإلملام باملعارف اللسانية وآليات تطبيقها قبل الولوج يف ميدان الرتمجة ،باإلضافة
إىل ذلك ،فإن األمر يستدعي من املرتجم أن ميتلك رصيد معريف غزير يربطه بصلب ختصصه ،وهذا
يف -اعتقادنا -ال يتحقق إال باملمارسة املستمرة ،والتوثيق الدائم ،حيث إن البحث التوثيقي هو
فالنصوص املتخصصة غالبا ما تكون موجهة للمتخصصني أنفسهم ،األمر الذي يستدعي
االعتناء مبضمون النص والكشف عن خفاياه أكثر من االهتمام بظاهره ،كما يتطلب تركيز وانتباه
املرتجم املتخصص ،ومعارفه كي ال يقع يف متاهات الفهم الباطين ،ويكتفي باملعىن الظاهر ،وال
يتمكن من إدراك النص كامال ،إذ أن فهم النص يعطي الرتمجة مرونة وتيسريا ،ومي ّكنه من تصحيح
1
-Voir : Frédéric Houbert, op.cit., p 02.
96
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
بعض األخطاء الرتكيبية الواردة يف النص األصل .فلهذا جيب أن يتساءل دائما عن معىن هذه اجلملة
أو تلك الفقرة ،فال جيدر به أن مير مرور الكرام حني يعسر الفهم عليه ،ولعل الطريقة اليت تبسط له
األمور هي البحث التوثيقي الذي أجنزه من أجل إيضاح األمور حىت ينجح يف عمله.
ويتمثل عمل املرتجم يف إعادة تركيب النص بعد تفكيكه ،وإذا وضعنا يف احلسبان أن اللغة
االجنليزية -مثال -لغة اختصار فهي تعين تقصري اجلمل ،واملالحظ أن نفس الفاعل -مثال -يتكرر يف
الفقرة ذاهتا ،فيقوم املرتجم يف هذا الباب بإعادة تركيب النص ،وجيعل هذه اجلمل القصرية ذات نفس
الفاعل ،مجلة واحدة ،وهبذا تكون الفقرة أوضح ويتم التخلص من ظاهرة التكرار ،وقد يكون العكس
هم برتمجة مجل طويلة معقدة ،ميكن أن يقسمها عند ترمجتها إىل مجلتني مثال ،وهذا من أجل
إذا َّ
ولعل األمر الذي جيب أن يقتنع ويعمل به كل مرتجم متخصص هو االلتزام مبا ورد على لسان
كريستني ديريو :״ ال نرتجم من أجل الفهم ،بل نفهم لنرتجم ״.1
وعليه؛ فاملرتجم مطالب ببذل قصارى جهده ،واالستعانة بكل الوسائل املوجودة حتت يده من
أجل فهم النص ،حىت يتمكن من ترمجته ترمجة حسنة ،وال يلجأ إىل الرتقنة ،فيعطي كل كلمة يف
النص األصلي مقابلها يف اللغة اهلدف ،وهذا أكرب دليل على أن املرتجم مل يفهم النص األصلي،
وحياول فهمه عن طريق الرتمجة ،الشيء الذي يعترب خطأ ،حيث إن عملية فهم النص هي أمر سابق
1
-Christine Durieux, op.cit., p39, « on ne traduit pas pour comprendre, mais on comprend
ت .الطالبةpour traduire »,
97
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
وال بد من اإلشارة إىل استحالة ميكن ترمجة مفردات النص مبعزل عن السياق الذي وردت فيه،
وإذا قام املرتجم بذلك ،فإن نصه يولد مشوها بعيدا من املضمون الذي كتب ألجله أول مرة بلغته
األصلية ،ألن الرتمجة تقتضي االهتمام باملفردة داخل السياق الذي كتبت ألجله ،كما أنه خيضع
العملية إىل مبدأ املنطق ،ويأيت تنسيق كل ذلك باألسلوب املناسب لطبيعة النص املرتجم.
ويهدف –ما سبق ذكره -إىل الكشف عن الصعوبات واملعوقات الواردة يف ثنايا النص ،ولن
يتسىن للمرتجم عمل ذلك إال بالفهم الصحيح والتحليل الدقيق ،واإلحاطة بكل املعلومات،
ومن الضروري أن يكون املرتجم أن يكون يف املستوى املطلوب ،وذلك بالقيام بعمله على أمت
وجه ،حمرتما اخلطوات الالزم إتباعها قبل الوصول إىل النتيجة النهائية ،مع إعطاء كل مرحلة االهتمام
ويكمن مفتاح هذه املرحلة يف البحث التوثيقي الذي قام به أوال ،وكلما تقرب املرتجم من معىن النص
احلقيقي ،كانت ترمجته صائبة .وإن أراد االبتعاد عن الوقوع يف أخطاء الفهم ،عليه أن يتسلح ״
بالشك املنهجي״ ،2وهذا يعين أن يتأكد من كل معلومة تصدر عن فهمه ،والتحقق منها ،وبعد هذه
املرحلة ،يتسىن له فهم كل متفردات النص الذي هو بصدد ترمجته ،وهبذا يكون قد جتاوز أصعب
مرحلة يف عملية الرتمجة ،اليت يرتكز عليها جناح هذه األخرية أو فشلها.
-3البحث المصطلحي:
1
ت.الطالبة - Delisle (Jean), Op.cit, p85, « on ne traduit bien que ce que l’on comprend bien ».
2 - Voir: Gérard Hardin & Cynthia Picot, Translate, Donod, Paris, 1969, p 11.
98
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
يبقى البحث التوثيقي غري كاف من أجل إدراك املرتجم كل املصطلحات الواردة يف النص
األصل ،ومنه ترمجتها ،فلذا ،لزم على املرتجم القيام ببحث مصطلحي ،األمر الذي سيمكنه من
التقرب أكثر من النص األصل ،وإدراك املصطلحات الواردة فيه ،كي يقدم ترمجة صحيحة.
يبدأ املرتجم باستخراج كل املصطلحات اليت يصعب عليه فهمها ،كي يقوم ببحثه املصطلحي،
وأسهل طريق بالنسبة إليه هو الرجوع إىل املعاجم الثنائية اللغة ،خمتارا معاجم متخصصة بالدبلوماسية
ألن املصطلح يف حد ذاته حيمل عدة معان (ظاهرة تعدد املعان بالنسبة إىل املصطلح الواحد) ،وما
1
حيدد معناه هو السياق ،واملوضوع ،واجملال الذي ورد فيه.
وهذا ال يعين أن ينقاد وراء املعىن األول أو املقابل األول الذي يصادفه ،فريجع إىل السياق
الذي وضع فيه هذا املصطلح ،وموضوع النص ،وهذا ما سيساعده على إدراك هذا األخري ،واإلملام
به ،فيقوم بإقصاء املقابالت اليت ال عالقة هلا بسياق موضوع النص ،وإن مل يتمكن من إدراك كل
املقابالت باللغة اهلدف ،يستعني بقاموس أحادي اللغة (باللغة اهلدف) حىت يتمكن من فهم كل
1
- Voir : Christine Durieux, Op.cit., p91.
99
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
يزخم البحث املصطلحي الديبلوماسي بالعبارات االصطالحية ،إذ يش ّكل ظاهرة تستدعي
الدراسة والبحث ولفت خصوصا يف ختلّقها ،إذ إن األحداث املختلفة داخل اجملتمع هي أكثر العوامل
باإلضافة إىل أن العبارات االصطالحية وحدة داللية متكاملة ال ميكن جتزئتها ،وهي
مرتبطة أشد لالرتباط بالزاد الثقايف و احلضاري لناطقي لغة ما ،ومتثل ترمجتها امتحانا حقيقيا
للمرتجم ،فهو حياول عالوة على نقل املعىن...،كما يشكل املصطلح حتديا إضافيا لعملية ترمجة
العبارات االصطالحية املتنوعة ،فهو حيد من حرية املرتجم خاصة أن الديبلوماسي يف معظم األحيان
مييل إىل الغموض واللّبس يف خطابه وبذلك جيد نفسه أحيانا أمام ضرورة التصرف يف الرتمجة وحتمية
وهنا تزداد صعوبة ترمجة العبارات االصطالحية ،إذ تتعارض بعض طرق ترمجتها كالتصرف
أو التكافؤ مثال مع خصائص اخلطاب الديبلوماسي خاصة تلك املتعلقة بالغموض وعدم اإلفصاح
املباشر ،إذ يقول أحد الدارسني للرتمجة بأن ":ليس من وظيفة املرتجم أن يعلق على اخلطاب
وأضاف قائال (:الديبلوماسي يف خطابه غالبا ما مييل إىل عدم إلزام نفسه بالتزامات صرحية
و إىل عدم توريط نفسه ) 3ففي ظل القيود اليت تفرضها ترمجة العبارات االصطالحية يف اخلطاب
-1الجمعي بولعراس ،ناصر الغالي ،التعبير الاصطالحي في لغة الخطاب الديبلوماس ي العربي ومواجهة ألاحداث الدولية قراءة سوسيوثقافية
،العددالثاني ،ص.74
-2حديد ،ح.إ ،.أصول الترجمة ،دار الكتب العلمية،بيروت،ص.299
-3املرجع السابق،ص.300
100
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
الديبلوماسي جيد املرتجم نفسه يف مفرتق بني التصرف يف الرتمجة و بني هذه القيود فاملرتجم يضطلع
احلالة يكون املرتجم دور يف غاية األمهية" .يعترب املصطلح الديبلوماسي منظومة من األفكار تشكلت
عرب تراكم معريف نابع من استقراء للواقع بكل مكوناته الثقافية واالجتماعية والسيكولوجية ،هذا ما
جيعل من ترمجة اخلطاب الديبلوماسي أصعب الرتمجات حيث يُلزم املرتجم على الوقوف على حيثيات
اخلطاب اللغوية والديبلوماسية مبا فيها الباث ،كي حيدد إمكانية التصرف وضبط درجة تدخله يف
النص ،إما االلتزام احلريف وإما إتباع منهج احلذف والشرح واإلضافة.
ومن أجل ذلك ،يفضل أن خيتار أيسرها و أسهلها من حيث النطق ،واملفهوم ،حىت يبتعد عن
االلتباس ،وأن يكون املصطلح متداول االستعمال ،شرط أن يتوافق وقواعد اللغة العربية ،وأن يكون
قابال لالشتقاق ،مع إعطاء األسبقية للمصطلح العريب على املصطلح املعرب.
واملرتجم ملزم باختيار املقابالت اجلديدة عن القدمية ،مع أخذ مستوى اللغة اهلدف اليت يرتجم
1
هلا بعني االعتبار ،ويرجع حتديد مستواها إىل مستوى القارئ املتلقي للرتمجة.
ويف بعض األحيان جيد املرتجم مقابال واحدا فقط باملعاجم ،فيتأكد من معناه باللجوء إىل
قاموس أحادي اللغة باللغة اهلدف ،ومناسبته للسياق الذي ورد فيه.
1
- voir : Samia Barrada&Yousif Elias, Traduire Le Discours Economique, Université
Abdelmalek Essaâdi, Publications de ESRFT, Tanger, 1992, p25
101
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
إن البحث التوثيقي وسيلة تساعد املرتجم بالدرجة األوىل على اختياره املقابالت ،وتبقى هذه
الطريقة -أي العودة إىل املعاجم املتخصصة الثنائية اللغة -أسرع طريق للمرتجم من أجل الوصول إىل
ترمجة املصطلحات ،شرط إتباع اخلطوات املذكورة سابقا ،وشرط وجود املصطلح باملعاجم.
أما بالنسبة إىل املصطلحات اليت ال توجد باملعاجم الثنائية اللغة – كوهنا من املستجدات-
يقوم املرتجم ببحث مصطلحي دقيق من أجل الوصول إىل ترمجتها ،ونأخذ على سبيل املثال
املصطلحات احملددة من لدن الشركات ،وختص عامة منتجات هذه الشركات ،ونضرب مثال الربنامج
فيحدد من السياق بعد قراءة أولية أن النص يتعلق بربنامج معلومايت ،كي يتمكن من ترمجة هذا
املصطلح ،عليه معرفة خصوصيات هذا الربنامج ،وأقصر طريق له هو التوجه إىل نقطة بيع لشركة
» ،« Appleواالستفسار عن هذا الربنامج ،ويقوم جبمع املعلومات اليت يقدمها له البائع ،ويتضح
له أن األمر يتعلق بربنامج حساب لوحات مالية عن طريق احملاكاة ،وبإمكانه أيضا أن يسأل عن
التسمية احمللية (بلغة اهلدف) املتداولة بني االختصاصيني يف هذا اجملال ،وهنا إما أن جيد التسمية
االجنليزية نفسها املستعملة (اقرتاض) أو تسمية مرتمجة باللغة اهلدف ،واليت ميكنه استعماهلا يف
ترمجته.2
1
-Voir : Christine Durieux, op.cit., p99
2 - Voir :Christine Durieux, op.cit., P100.
102
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
ويف هذه احلالة ،يطّلع من حني إىل آخر على مواضيع تتعلق باملوضوع ذاته يف لغة اهلدف حىت
يرى إذا احتفظ هذا الربنامج بنفس املصطلح املرتجم الذي استعمله أو مت تداول مصطلح آخر.
فاملصطلحات اجلديدة متر مبرحلة انتقالية ،1وكثريا ما يعطيها عدة مقابالت قبل أن تصدر باملعاجم
الثنائية اللغة ،وهنا تتضح أمهية التجديد الدائم جلذاذة املرتجم ،فالتوثيق الدائم يسمح له مبعرفة إن
كان املصطلح الذي استعمله وسجله يف جذاذته مازال يستعمل على نفس احلال أو مت تداول
مصطلح آخر يف اللغة اهلدف ،ومنه يقوم مبقارنة املعلومات اليت جبذاذته ،وجيددها كلما أتيحت له
الفرصة للعثور على مقابل جديد من خالل توثيقه وإضافته إىل جذاذته كي يستعمله يف ترمجاته
املستقبلية وال يبقى على مصطلح قدمي ،وهذا ما يسمح له بإثراء قاعدة معطياته املصطلحية ،لكن
األمر ال خيص كل املصطلحات اجلديدة ،وإمنا خيص تلك اليت تتعلق باجملاالت الواقعة يف أقصى
،"Economiqueأن هناك ثالثة أسباب لعدم وجود مقابل للمصطلح يف اللغة اهلدف وهي:
أما أن يكون هذا املصطلح اجلديد معروفا من قبل االختصاصيني على صيغته األصلية (اقرتاض
املصطلح) ،ذلك كون املصطلح ال يرتجم مباشرة عند ظهوره ،بل تأيت ترمجته الحقا.
-أو أن يكون املصطلح غري مستعمل يف بلد لغة اهلدف ،وذلك لعدم وجود الوظيفة اليت
يعنيها ،وهذا راجع إىل اختالف مستوى االقتصاد ،والدبلوماسية من بلد إىل آخر
1
- Voir :Ibid., p106
103
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
أما السبب الثالث ،فهو راجع إىل كون بعض املصطلحات خاصة باقتصاد ومالية بلد معني
وألجل ذلك يلجأ املرتجم إىل البحث املصطلحي من أجل ترمجة هذه املصطلحات بلغة
اهلدف ،فريجع إىل املعاجم األحادية اللغة املتخصصة بالدبلوماسية يف اللغة األصل ،األمر الذي
ميكنه من فهم املصطلح فهما عميقا يف بادئ األمر ،مث إجياد مقابل له يف اللغة األصل نفسها ،ومنه
الرجوع- ،ومل ال؟ -إىل املعجم الثنائي اللغة للبحث عن مقابل للمصطلح الذي أعطاه -هو بنفسه-
املصطلح األصل يف اللغة األصل نفسها ،وهذه املرة يف لغة اهلدف .فيقوم بتحليل املصطلح يف لغة
النص األصل؛ حىت يتمكن من إدراك معناه ،مث يذهب إىل ترمجته ،مع مراعاة السياق الذي ٌوضع
لقد بيّنت الدراسات الرتمجية احلديثة اليت عنيت باجلانب املوضوعي يف الرتمجة أهنا تعيد كتابة
نص ما من لغة إىل أخرى بتكييفه وفق اخلصوصيات وحىت الثقافية واإليديولوجية والديبلوماسية
للمجتمع املرتجم له ،فهو ال يهدف إىل تطويع النص لغويا و ثقافيا ليناسب النواميس املتعارف عليها
يف اللغة اهلدف ،بل إنه يهدف إىل التدخل الفكري يف حمتوى النص ،وحتوير ذلك احملتوى ليتفق مع
3
أغراض املرتجم أو اجلهة اليت أوكلت له عملية الرتمجة"
1
الدخل األدىن لإلدماج - Revenu minimum d’insertion :
2
-Voir : Samia Barrada&Yousif Elias, op.cit. p28.
-3أ.د .محمد فرغل ،التصرف إلايديولوجي في الترجمة :مصطلحا و مفهوما ،مجلة نقد وتنوير العدد الثالث ،شتاء ،2015ص.146
104
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
ومبعزل عن مدح أو ذم هذه العملية فإن التدخل الفكري يف النص املرتجم هو ممارسة شائعة
وتستدعي تسليط الضوء عليها وسرب أغوارها ونقتبس من باسنت قوهلا ( :إن الرتمجة اليت كانت تعد
يف املاضي خامة وانعكاسا شفافا للنص األصلي قد أضحت اآلن عملية يُعد التدخل فيها ضروريا.
( جاء هذا عكس ما يراه نيومارك يف أحد آرائه الصارمة أن مهمة املرتجم هي أن ينقل النص
األصلي ألعلى درجة من املوضوعي كابتا مشاعره الشخصية و متعامال مع نص يتفق معه اتفاقا تاما،
متاما كما يتعامل مع نص خيتلف معه اختالفا تاما .ومع ذلك فالصورة احلقيقية يف الرتمجة ليست
بدرجة الوضوح اليت يتحدث عنها نيومارك إذ أن الدراسات احلديثة بدأت مؤخرا يف اجتاه منحى تبين
مذاهب سياسية :مذاهب تربط املمارسة الرتمجية بإيديولوجية املرتجم و مواقفه الديبلوماسية و قوانني
1
و قواعد جمتمعه ،و الثقافة السائدة به من جهة أخرى".
ومن هنا نستنتج أن الرتمجة ليست عملية تأويلية بقدر ماهية عمل أدائي يصبح املرتجم مشاركا
فاعال يف التواصل بني لغتني ،ومن جهة أخرى فإن الرتمجة الديبلوماسية تأخذ على وجه اخلصوص
أبعادا اجتماعيا وثقافية بل وحىت إيديولوجية ،حبيث جتعل من الصعب األخذ بعني االعتبار "األمانة"
و"املطابقة" ألهنا تشكل يف عمقها ممارسة اجتماعية ،تظهر عن طريق العالقة الكامنة بني النص و
إيديولوجية املرتجم و القواعد السائدة يف اجملتمع املستقبل للرتمجة و السياق اجملتمعي اجملرب ،إذ أن
املرتجم خيضع أساسا إىل الثقافة املرتجم إليها :فغالبا ما جيد نفسه مقيدا يف تأويله للنص األصلي.
105
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
وعليه ،جيدر بنا –أوال -حتديد اجملال الذي ورد فيه املصطلح ،مث حتديد السياق الذي وضع
فيه ،ومن مث نذهب إىل البحث عن معناه ،مبراعاة هذين العاملني األساسيني ،ونقوم برتمجته أيضا يف
ويكمن البحث املصطلحي أيضا يف استعانة املرتجم مبعلوماته السابقة من أجل إدراك
املصطلحات اجلديدة ،وما يساعده يف ذلك هو امتالكه خلفية معلومات كافية ،حىت يستطيع دراسة
املصطلحات اليت مل يسبق له التعامل معها ،خاصة أن النص الدبلوماسي يزخر باملصطلحات
يف ترمجاته السابقة ،وهذا ما يوفر عليه الكثري من الوقت أثناء عمله ،ويٌسهل عليه ترمجاته املستقبلية،
ويزيد من رصيده الوثائقي ،وقاعدته املعلوماتية .كما متكنه هذه اجلذاذات من إعطاء نفس الرتمجة
لنفس املصطلح يف نفس امليدان ،والسياق .ويرجع املرتجم يف حبثه هذا أيضا إىل االختصاصي؛ إن مل
يتسن له فهم بعض املصطلحات بالطرق اليت ذكرناها سابقا ،كي يوضح له ما عسر عليه من
املصطلحات ،وما نالحظه يف ميدان الرتمجة الدبلوماسية أن׃ "التعاون بني املرتجم ،واخلبري أمر ال
يُستغىن عنه".1
فقد يوفر اخلبري ،واالختصاصي على املرتجم مشقة ساعات من البحث دون أن تكون النتيجة
مضمونة ،فعند االلتباس ،يتصل باخلبري ،أو االختصاصي كي يوضحا له ما عسر عليه إدراكه ،ولكن
1
- Paul A.Horguelin, op.cit., p18 « En traduction technique, la collaboration entre traducteur
.ت.الطالبةet expert est indispensable »,
106
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
ال يليق أن ينتظر منه تزويده برتمجة تلك املصطلحات ،فمهمة االختصاصي تنتهي عند توضيح ما
عسر على املرتجم فهمه وإدراكه ،حىت إن استعان بالطرق اليت ذكرناها سابقا فيما خيص البحث
املصطلحي .ولذلك يركز على املعلومات اليت مجعها ،حىت يستطيع استعماهلا بطريقة إجيابية من أجل
ولتلخيص ما ذكرناه سابقا؛ فالبحث املصطلحي هو طريقة متكن املرتجم من التقرب أكثر من
املصطلحات التقنية الواردة يف النص األصل ،حىت يتمكن من ترمجتها ،وألجل ذلك يعود إىل املعاجم
الدبلوماسية الثنائية اللغة ،واألحادية اللغة ،إضافة إىل جذاذته وما استخرجه من مقابالت من خالل
البحث التوثيقي باللغة األصل واهلدف ،آخذا بعني االعتبار املوضوع ،والسياق الذي وردت فيه
املصطلحات .وميكنه طلب مساعدة االختصاصي كي يوضح ويبسط له ما تعسر عليه فهمه،
فيزوده باملعلومات اليت كانت تنقصه من أجل إدراك هذه املصطلحات ،والقدرة على ترمجتها.1
وهكذا ذكرنا أهم النقاط اخلاصة بالبحث املصطلحي ،إضافة إىل البحث التوثيقي ،الذي ميكن
املرتجم من إدراك النص األصل إدراكا تاما ،ومن مث ترمجته .إن املرتجم املتخصص مطالب بتخزين كل
املعلومات اليت اكتسبها يف جذاذته كي يستعملها إذا ما لزم األمر يف ترمجة نصوص أخرى ،وإذا ما
صادفته نفس املصطلحات يف ترمجات الحقة ،حيث تعترب كل ترمجة جتربة ،والتجارب تكسب
املهارة.
1
- Voir : Christine Durieux, op.cit., p112
107
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
تعد ترمجة املصطلح الدبلوماسي من أهم مراحل الرتمجة الدبلوماسية ،حيث يرتكز فشل الرتمجة،
أو جناحها على نقل املصطلحات املوجودة بالنص األصل نقال صحيحا ،ألن املصطلحات هي
مفتاح النص الدبلوماسي .فزيادة على البحث املصطلحي الذي يقوم به املرتجم ميكنه االستعانة
إذ حيتاج املرتجم يف استحضار معرفته بثقافتني خمتلفتني والتقريب الثقافة األجنبية ليسهل
التعرف إليها من قبل املتلقي العريب مثال ،والرتمجة ليست متاسا بني لغتني فقط ،بل هي أيضا متاس
بني ثقافتني خمتلفتني و ميكن القول هنا بأن املرتجم وسيط بني ثقافتني خمتلفتني:
means he / she is the bridge not only betweentwo languages but also between two
cultures. In otherwords, a translator must take into his / her account the targettext
حبيث يعترب السياق الثقايف األوسع ذا أمهية قصوى يف فهم نعىن أي رسالة ،ألن الكلمات ال
متلك معان هلا إال إذا وردت يف إطار ثقايف كلي ،وجيب أن يرتبط أي حديث جبو أوسع من العمل
1
-Dr.Tareq
Ali EadaroosAssaqaf,(2014),Adaptation as a Means of Translation,Internatinal
Journal of Science and Research(IJSR),2319,P.784.
108
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
أو التفكري اإلنسان ،كذلك فعند حتديد تفسري رسالة جيب أن ننتبه إىل السياق الثقايف األوسع لغرض
يؤدي التطور االقتصادي يف ميدان الدبلوماسية إىل توليد الكثري من املصطلحات ،األمر الذي
يتطلب جمهودا كبريا من املرتجم الدبلوماسي حىت يتمكن من ترمجة كل هذه املصطلحات ،فهو ال
يتوقف عمله عند ترمجة هذه األخرية فقط ،بل يتعداه إىل تكوين بنك معلومات خاص به ،يقوم
بتزويده باملصطلحات اجلديدة بعد كل ترمجة ،مما يسهل عليه ترمجاته الالحقة ،ويكسبه وقتا مثينا؛
فعامل الوقت يف الرتمجة الدبلوماسية مهم جدا ،ألن هذا امليدان يزخر باملستجدات يوميا ،وال يسمح
للمرتجم بتضييع الوقت ،ويُل ِزُمه على بذل كل جمهوده يف إهناء الرتمجة اليت توجد بني يديه يف أقل
وقت ممكن.
ومن بني الطرق اليت يلجأ إليها املرتجم من أجل ترمجة املصطلحات ،نذكر أيضا ما يأيت׃
أ -توليد المصطلحات
ميكن املرتجم أن يرجع إىل مبدأ التوليد يف توليد املصطلحات إلبراز اجلهد الذي قام به أثناء
الرتمجة؛ فالتوليد يبني العالقة التكافؤية اليت أقامها املرتجم بني املصطلح الدبلوماسي األصل،
-1نيدا يوجين،ترجمة ماجد النجار،نحو علم الترجمة،مطبوعات وزارة إلاعالم،الجمهورية العراقية ،1976ص.471
109
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
واملصطلح اهلدف من أجل توليد هذا األخري .ويقوم التوليد أيضا بإيضاح اإلهبام ما مل يدرك القارئ
ويلجأ املرتجم الدبلوماسي إىل التوليد يف توليد املصطلحات ،ألنه سيصادف الكثري من
املصطلحات اجلديدة يف ميدان الدبلوماسية ،وكما يقوم بالتوليد أيضا حني خيشى أالّ يدرك القارئ
ترمجته لبعض املصطلحات ،فيكون وسيلته الناجعة حلل هذا اإلشكال" ،فهو يساعد القارئ على فهم
2
مدلول املصطلحات اجلديدة اليت مل يسبق له أن صادفها ،وذلك دون اللجوء إىل القاموس"
مهارات المترجم:
تكمن مهارات املرتجم يف اإلملام بقواعد اللغة املصدر واهلدف ،واملعرفة املوسوعية ،والذكاء من
أجل فهم مدلول النص األصل ،والقدرة على إعادة صياغة ما فهمه يف اللغة اهلدف حمافظا على معىن
النص األصل ،3فإذا كان املرتجم يتمتع باملهارات اليت ذكرناها أعاله ،فهذا سيمكنه من فهم
املصطلح األصل ،وإدراكه السياق الذي ورد فيه ،مث توليد مصطلح جديد يف اللغة اهلدف ،بالرجوع
إىل إحدى طرق التوليد اعتمادا على خمزون ذاكرته ،فال يكون أسريا للقواميس ،ومما يسهل عليه ترمجة
املصطلحات اليت يبحث عنها حىت وإن كانت غري موجودة يف القاموس ،وذلك حلداثتها.
110
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
فال ميكن بأي حال من األحوال اعتبار النصوص تركيبا للكلمات فقط بل إهنا نتاج وعصارة
موروث ونسيج ثقايف ضخم ،وثقافة موسوعية عمل املرتجم كثريا على اكتساهبا ،ومن هذا املنظور
بالذات ميكن اعتبار الرتمجة نقطة تالقي لثقافات خمتلفة يُوضح ادموند كاري هنا ( :أن الرتمجة ليست
عملية لسانية بل إهنا عملية حول األفعال و األحداث املرتبطة بسياق ثقايف كامل ،وهنا بالذات
تكمن أمهية السياق الثقايف للغة ما واإلملام بكل ما حييه من خالل هذه الثقافة إلعادة نقلة إىل لغة
أخرى أي "لفهم وترمجة امللفوظات يف هذه اللغة بأكرب قدر ممكن ،جيب أن نكون أوال باحثني يف
خصائص الشعوب ،وكل مرتجم ال يستطيع أن جيعل من نفسه بألف طريقة جتريبية متخصصا يف
خصائص اجملتمع الذي يرتجم له ،فهو بذلك ال يعترب مرتمجا كامال"
من هذا املنظور بالذات ميكن اعتبار الرتمجة نقطة تالقي لثقافات خمتلفة بعضها ببعض حيث
ترى املدرسة التأويلية على أن العملية الرتمجية احتكاك لثقافتني متباينتني أكثر منها عملية لسانية ،أو
بعبارة أخرى "فأن األمر ال يتعلق أبدا برتمجة العالمة اليت ترتبط مبرجع من خالل رابط اعتباطي ،بل
أي أنه ال جيب علينا بتاتا النظر إىل الرتمجة على أهنا نص موازي ،ألنه ( عندما ينظر إليها
بتلك الرؤية ،فإهنا تعمل يف خدمة األصل ليس إال ،وليس مجهور القراء املستهدف الذي سيستمتع
2
هبا )
1
-Joelle, Redouane: La traductologie science et philosophie de la traduction, Office des
publications universitaires, Alger, 1985, P 40.
-2ثيو،ھرمانز ،ترمجة قنديل ،بيومي :جوھر الرتمجة ،عبور احلدود الثقافية ،اجمللس األعلى للثقافة ،القاھرة،2005 ،ص93
111
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
للمرتجم والءات ثالث :األول للمؤلف ،والثان للنص ،والثالث للقارئ ،ولكل أمهيته اخلاصة.
فعندما يتعلق األمر بالتوليد يف توليد املصطلح ،يكون الوالء األكثر أمهية هو والء املرتجم للقارئ،
حيث يؤدي دورا مهما يف كيفية تعليل املرتجم عند توليده املصطلح.
إن القارئ – باملفهوم الواسع -هو اجلمهور الذي يستهدفه النص الدبلوماسي من رجال
األعمال والدبلوماسية ،والطلبة املتخصصني يف هذا امليدان ،وغريهم ممن يهمهم ميدان الدبلوماسية،
وهم األشخاص الذين سيلجئون الحقا إىل استعمال هذه املصطلحات املولدة ،يف دراساهتم أو يف
تقاريرهم ،وكتاباهتم.1
والتوليد يف توليد املصطلح هو طريقة مفيدة جدا يف ميدان الرتمجة الدبلوماسية ،مع مراعاة
بعض النقاط املهمة ،واليت تشمل التوليد املقيد ،حيث يستكشف املرتجم املصطلح األصل يف السياق
الذي ورد فيه أوال ،ويقوم بالتوليد يف نفس السياق أيضا -وكما نعلم -فللمصطلح الواحد معان
إن والء املرتجم للقارئ جيعله يأخذ -بعني االعتبار -عدة نقاط عندما يُل ِزمه األمر إىل توليد
املصطلح؛ ففي أحيان كثرية ال ميكن للمرتجم أن ينتظر املصطلحي ألن املستجدات تظهر يوميا،
فبذلك ميكنه أن يقوم بتوليد مصطلحات جديدة تساعده عند قيامه بالرتمجة .فالقارئ ال يكتفي
بقراءة هذه املصطلحات املولّدة ،بل سيستعملها حتما يف كثري من املرات ،فلذا يشرتط يف توليد
112
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
املصطلح املولّد لن خيرج من نطاق الرتمجة اليت ورد فيها ،ولن يُتداول استعماله يف املستقبل ،األمر
الذي يعاكس مفهوم التوليد الذي يهدف إىل قدرة املرتجم على توفري ترمجة للمصطلحات األصل،
1
وتزويد اللغة اهلدف مبصطلحات جديدة تزيد من غناها وثرائها.
وخالصة ما سبق تقدميه أن مبدأ التوليد يف توليد املصطلحات هو طريقة متكن املرتجم
الدبلوماسي من إعطاء مصطلحات يف لغة اهلدف ،عندما ال توفرها له القواميس ،حىت املتخصصة
منها ،الشيء الذي يرتكز جناحه على مهارات املرتجم ،حيث متكنه هذه األخرية من إدراك املصطلح
يف لغة األصل ،مستعينا مبعارفه اخلاصة ،أو بالرجوع إىل االختصاصي كي يوضح له أكثر مفهوم هذا
املصطلح يف السياق الذي وضع فيه بطبيعة احلال ،مث يلجأ إىل التوليد من أجل وضع مصطلح
جديد.
ويشرتط يف هذا األخري سهولة النطق ،واملفهوم ،والتذكر ،كي يتيسر للقارئ املستقبل للنص
اهلدف استعمال هذا املصطلح املولد مستقبال ،ذلك ألن والء املرتجم للقارئ يف غاية األمهية ،ألن
هذا املصطلح متّ استحداثه حىت يتمكن املتلقي من استعماله الحقا .ويف الوقت نفسه تزيد هذه
املصطلحات املولدة من ثراء اللغة اهلدف وغناها ،وهبذا يكون املرتجم الدبلوماسي قد أصاب هدفني
113
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
لعل الرتمجة الديبلوماسية ،ونظرا ألمهيتها يف حياة األمم والشعوب ،فإن املرتجم جيد نفسه أمام
معضلة حقيقية ،ومسؤولية عظيمة ،األمر الذي يضعه أمام خيارين :إما ترمجة املعىن بتفصيالته
الداللية املضمنة ،وإما الرتمجة بأساليب مقابلة يف اللغة املرتجم إليها ،خاصة إذا علمنا بأن
املصطلحات الديبلوماسية خمتارة بدقة ولكل مصطلح داللة وغاية من استعماله ،ويف هذا السياق
حاولت الوقوف على خيارات املرتجم إزاء مواجهة اإلشكال املطروح يف أهم مستوياته املتعلقة برتمجة
اللغة الديبلوماسية ،وعلى وجه اخلصوص من اللغتني اإلجنليزية واألملانية إىل اللغة العربية وذلك من
خالل حتليل وتقييم بعض مناهج مستويات التصرف اليت قد يعتمدها املرتجم يف عملياته الرتمجية
وألنين أحاول الرتكيز على سياق اخلطابات الديبلوماسية ،حبيث أجد املرتجم يعتىن بفهم
جل الوحدات الداللية واليت عادة ما تتوزع على أغلب هذه املستويات اليت ختص العديد من اجملاالت
الديبلوماسية وكذا الرتمجية ،فمن هذا املنطلق تبني لنا مدى حرص املرتجم على نقل هذه الوحدات
الداللية ،وكذا املعان املقصودة من اخلاطب جتاه مجهور متلقيه وذلك من خالل دراسة أساليبه
وتقنياته يف الرتمجة ومستويات التصرف اليت اعتمدها يف الرتمجة وهي على النحو التال:
تبني لنا يف املستوى البالغي :تنوع يف األساليب البيانية والبالغية يف النص املصدر وذلك
ّ -
لتأديتها ألغراض بيانية وتأثريية ومجالية ،وقد يتفطن املرتجم جلل مقاصد ومعان هذه األمناط يف
التعبري ،وبالتال فقد اختار نقل املعىن وايضاحه يف أغلب مواضع األساليب البالغية وذلك لتعذر نقل
114
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
-أما على املستوى الرتكييب فقد تبني لنا اعتماد املرتجم على التصرف يف ترمجة أغلب تراكيب
النص املصدر من حيث اخلصائص اللغوية يف اللغة العربية ،حرصا منه على احلفاظ على املعىن
املقصود منه
-أما خبصوص املستوى املعجمي فقد تبني اختيار املرتجم يف معظم املواضع للرتمجة احلرفية هذا
ما أوقعه يف حفرة اخلطأ يف احلاالت اليت خترج فيها األلفاظ عن معانيها احلقيقية إىل معان ودالالت
ثانوية ومن هذا املنطلق مل ينجح دائما بتبليغ ونقل مقاصد النص املصدر إىل اجلمهور متلقي الرتمجة
باللغة العربية.
-أما على املستوى الثقايف فقد يعتمد املرتجم على الرتمجة احلرفية لرتمجة بعض الطقوس
واملصطلحات الدينية ،حيث يضع املتلقي يف حالة حرية يف فهم هذه املصطلحات الدخيلة على
الدين اإلسالمي باعتبار أن متلقي هذه الرتمجة من البلدان العربية ،إذ البد من أن يضع املرتجم
اسرتاتيجية واضحة قائمة على اخللفية الثقافية والدينية ،من خالل البحث عن وضعيات مكافئة يف
اللغة املستهدفة.
إن الرتمجة مهما بلغت قدرا كبريا من الدقة واملوضوعية واحلزم واجلدية يف العمل ،إال أهنا ال ميكن
أن تؤدي إىل إحداث تكافؤ تام ومطلق بينها وبني اللغة الديبلوماسية األصلية ،ذلك لكوهنا عملية
ابداعية ،وفنية ،وال تتقيد بقواعد وأساليب منهجية خاصة صارمة ،إذ لوال ذلك العتمدنا على
115
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
ب -التعريب:
وعرب منطقه
عرب ّ
يعرفُه معجم لسان العرب بأنه مصدر ّ
التعريب لفظ مشرتك متعدد املعان ِّ
أي ه ّذبه من اللحن ،وتعريب االسم األعجمي هو أن تتفوه به العرب على منهاجها ويف املعجم
الوسيط التعريب يعين صبغ الكلمة بصبغة عربية عند نقلها بلفظها األجنيب إىل اللغة العربية. 1
وغالبا ما تزود عملية التعريب اللغة العربية مبصطلحات حديثة تتماشى وتطور امليدان
الدبلوماسي املزدهر الذي يشهده العامل ،وال جيدي التعريب نفعا إال إذا قمنا بعملية التنسيق لظاهرة
املصطلح وتوحيده ،ألن عملية توحيد املصطلح بني دول العامل العريب بعيدة املنال يف وقتنا احلال،
وهذا راجع إىل انعدام التنسيق ،ألسباب عديدة نذكر منها مثال :تأثري األجنلوساكسونية
والفرونكوفونية يف دول املنطقة العربية ،مما يعرقل منو اللغة العربية ،وازدهارها وغناها ،وعلى الرغم من
وجود منظمات ،وهيئات يف الدول العربية تعمل يف هذا اجملال ،يبقى املصطلح العريب غري مضبوط.
وميكن للمرتجم الدبلوماسي اللجوء إىل التعريب باعتباره حل أخري دون اإلفراط يف استعماله
حىت ال يشوه النظام اللغوي للغة العربية ،حيث يفضل استعمال اللفظة العربية على تلك املعربة ،وهذا
يف حالة عدم قدرته على ترمجة املصطلح بالطرق اليت ذكرناها سابقا ،أو عند استحالة توليد مصطلح
2
جديد ،مثال --- Holding :هولدنغ
116
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
ج -االشتقاق׃
هو أن يؤخذ من لفظة ما كلمة ،أو أكثر مع التناسب يف املعىن بني اللفظة املشتقة وما أخذ
منها ،واالختالف يف اللفظ .واالشتقاق يف األصل هو أخذ صيغة من صيغة أخرى ،وهو أنواع:
االشتقاق األصغر :وهو األكثر شيوعاً ،1فلو أخذنا مادة (ضرب) مثالً ،فإننا نستطيع أن
حنصل من مشتقاهتا ،وتصاريفها ،ومصادرها ،وتصغري أمسائها على كلمات كثرية جداً ،فأنت تأخذ
من املادة األصلية "ض ر ب" كلمات مثل :ضارب ،مضروب ،ضربة ،ضربات ،ضريبة ،ضرائب،
ضراب ،وإضراب ،وقد تصل إىل كلمات مهملة غري مستعملة من املادة ذاهتا إىل أن يأيت يوم حيتاج
إليها املستخدمون فيجدوهنا ،ولعل أهم ما يف االشتقاق األصغر هو ارتداد كل الكلمات اجلديدة إىل
االشتقاق األكرب :وهو أن تأخذ أصالً من األصول الثالثية ،فتعقد عليه ،وعلى تقاليبه الستة
معىن واحداً جتتمع الرتاكيب الستة وما يتصرف من كل واحد منها عليه ،كأن تأخذ مادة "ق و ل"
وتقلبها إىل ستة تقاليب :ق و ل ،ق ل و ،و ل ق ،ل و ق ،ل ق و ،و ق ل .فلكل كلمة معناها
د -األسلوبية املقارنة وإسهامها يف ترمجة مييز (فيين وداربيلين) بني ثالثة أساليب للرتمجة
117
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
االقتراض
هو استعمال الكلمة األصل نفسها يف النص اهلدف دون ترمجته .1ويلجأ إليه املرتجم حني
يعجز أحيانا عن إجياد مصطلح مقابل يف لغة اهلدف ،وكثريا ما يرجع هذا إىل الفروق اللغوية اليت
تعترب عائقا ،وحاجزا أيضا يف طريق املرتجم الدبلوماسي ،خاصة أن ميدان الدبلوماسية ال يقتصر
على بلد معني ،أو منطقة معينة ،ونذكر على سبيل املثال كلمة (جات) املقرتضة أصال من االختصار
المحاكاة
احملاكاة هي نقل العبارات اجلاهزة ،أو الكلمات املركبة من اللغة األصل إىل اللغة اهلدف ،على
نفس الشكل الذي صدرت به ،وذلك برتمجة كل عناصرها حرفيا ،3مثال׃
من املعلوم أن اللغة الدبلوماسية تزخر بالكلمات املركبة وكذا بالعبارات اجلاهزة ،ومن هنا ميكننا
اللجوء إىل احملاكاة يف بعض األحيان من أجل الوصول إىل نتيجة عندما جند أنفسنا أمام عبارات ال
متلك مقابال يف اللغة اهلدف ،ومن أجل مجالية النص اهلدف ،غري أن اإلفراط يف احملاكاة يوقع املرتجم
1
-Voir : J.-P. Vinay et J. Darbelnet, Stylistique comparée du français et de l'anglais, Didier,
Paris, 1967, p05.
2 ( االتفاقية العامة عن التعريفات اجلمركية والتجارة) - General Agreement on Tariffs and Trade
3 - J.-P. Vinay et J. Darbelnet, op. cit., p06.
118
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
يف اخلطأ ،فالعبارات اجلاهزة هلا تأثريها يف لغتها األصلية ،فإذا زال تأثريها عند حماكاهتا ،يستحسن
ترمجتها من حماكاهتا.
الترجمة الحرفية
هي ترمجة النص األصل كلمة بكلمة للحصول على نص صحيح من الناحية الرتكيبية
والداللية ،1و ذلك باستبدال كل عنصر من األصل مبا يقابله يف النص اهلدف 2وتعترب حال يف بعض
األحيان عند صعوبة الرتمجة بشرط احرتام مظهر النص األصل ومضمونه ،مثل:
le climat des affaires est resté stable ،«Dans l'industrie comme dans les services
، tandis que la production industrielle a reculé de 09% en mars »،entre mars et avril
" يف الصناعة واخلدمات ،ال يزال مناخ األعمال مستقرا بني مارس وأبريل ،بينما اخنفض اإلنتاج
لكن علينا أالّ نفرط يف اللجوء إليها حىت ال حنصل على نص قد يكون غري مفهوم ،ومن مثّ
ستكون الرتمجة فاشلة.
وهذا ال يعين أن الرتمجة احلرفية أمر جيب نبذه ،إالّ أهنا ال تستجيب للغرض يف الكثري من
األحيان ،وخاصة يف ميدان الرتمجة الدبلوماسية؛ ألن لغة الدبلوماسية تستعني بالكثري من اجملاز،
واالستعارات ،والكنايات ،بالرغم من الطابع التقين لنصوصها .ويف هاته احلال تضحى الرتمجة احلرفية
1
-Voir : J.-P. Vinay et J. Darbelnet, op. cit., pp 48-50.
2 -Voir : forum.univbiskra, op.cit., p01.
119
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
اإلبدال׃
هو أول األساليب غري املباشرة ،ويكمن يف حتويالت على مستوى الصيغة النحوية للجملة
األصل يف النص اهلدف ،دون أن نغري معىن الرسالة 1ويسمى إبداال ألنه يتم باستبدال فئة حنوية من
النص األصل بفئة حنوية أخرى يف النص اهلدف ،ومن أمثلة ذلك :
التصرف׃
ّ
هو ترمجة الوضعيات الثقافية ،واحلضارية املوجودة مبجتمع لغة النص األصل إىل وضعيات
ثقافية ،وحضارية موجودة مبجتمع لغة النص اهلدف ،2وذلك إذا كانت لغة النص األصل واهلدف ال
تتكافآن ثقافيا ،وحضاريا ،واهلدف منه تالءم القارئ مع الوضعيات املذكورة يف النص اهلدف ،مثال:
" ،"l’augmentation du tôt de bénéfice leur a réchauffé le cœurترتجم يف اللغة العربية ب:
الربح أثلج قلبهم" ،حبكم أن العرب كانوا يسكنون الصحراء ويشتاقون إىل شيء
" نبأ زيادة مع ّدل ّ
1
-Voir : J.-P. Vinay et J. Darbelnet, op. cit., p 50
2-Voir J.-P. Vinay et J. Darbelnet, op. cit., pp52-54.
120
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
من الربودة ،والثلج حيميهم من احلر الشديد ،و باملقابل جند الفرنسي على عكس العريب جيد احلرارة
1
متنفسا له من الربد القارس الذي خييم يف طبيعتهم.
ويقول حممد عبد الغين حسن يف هذا الشأن ما يأيت " :إن املرتجم قد يلجأ إىل البرت واحلذف،
وإمهال بعض العبارات املذكورة يف النص األصل العتبارات خاصة لديه ،كأن ال يؤذي شؤون قومه
كرتمجة مطاعن يف الدين وجهها املؤلف األجنيب سواء كانت مطاعن يف الدين ،أو يف رسول هذا
2
الدين ،أو يف الكتاب املنزل عليه ،أو أوحي به إليه ،أو عادات القوم و تقاليدهم و أخالقهم".
التطويع:
هي أن نعرب عن احلقيقة اللسانية نفسها باستعمال وسائل أسلوبية خمتلفة خاصة بلغة املتلقي،3
أي إجياد عبارة يف اللغة اهلدف ،تعطي املعىن األصل نفسه ،والتأثري نفسه ،حىت إن كانت اجلملتان
األصل ،واهلدف خمتلفتني من حيث الرتكيب أو الشكل ،ويف املثال التال توضيح هلذا األمر وجتسيده
التكافؤ׃
1
- forum.univbiskra, op.cit., p01.
2- Ibid, p01.
3 -Voir : J.-P. Vinay et J. Darbelnet, op. cit., p51.
121
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
هو نقل العبارة األصل إىل لغة اهلدف باستعمال كلمات خمتلفة ،1واهلدف منه هو نقل املعلومة
األصل إىل النص اهلدف بإعطاء اجلمل ،أو العبارات األصلية مكافئات ،وذلك بأخذ املضمون بعني
االعتبار دون اإلساءة إىل الشكل ،وغالبا ما يتعلق األمر بالكالم املأثور ،والتعابري
ه-الكناية:
يكمن اهلدف من استعمال الكناية يف الرتمجة الدبلوماسية يف االبتعاد عن التكرار .فهناك لغات
تتميز بالتكرار مثل اإلجنليزية دون أن يؤثر ذلك على األسلوب ،إال أن هذه املسألة غري مستحبة يف
لغات أخرى مثل الفرنسية .فيلجأ املرتجم أثناء ترمجته من اللغة اإلجنليزية إىل الفرنسية أو العربية ،إىل
استعمال الكناية؛ فعوض أن يذكر نفس الكلمة مرتني ،أو ثالث يف نفس اجلملة ،على النحو الذي
صدرت به يف النص األصل،يذهب إىل تعويضها بكلمة ،أو بعبارة متداولة تشري إليها ،حىت يفهم
1
-Voir: Ibid. pp 8-9 et p52.
2 - Frédéric Houbert, op.cit., p11.
122
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
هنا نالحظ -يف ترمجة هذه الفقرة إىل اللغة الفرنسية -أن املرتجم جلأ إىل استعمال ا الكناية من
أجل جتنب تكرار عبارة » ، « the US dollarوقام بالرتمجة على النحو التال:
« Le dollar américain devrait continuer à bien se comporter compte tenu
du dynamisme de l’économie nationale. L’évolution à plus long terme du billet
vert dépendra toutefois du tour de vis que la Réserve Fédérale décidera ou non
de donner à sa politique monétaire »1
لقد قام املرتجم بنقل » ، « the US dollarاليت وردت مرتني يف نفس اجلملة ،بطريقتني
ويف املرة الثانية جلأ للكناية وترمجها بعبارة« le dollar américain »:
وتعترب الكناية من أهم التقنيات اليت يلجأ إليها املرتجم الدبلوماسي أثناء عمله ،حيث يستعمل
عبارات ،وكلمات متداولة لنعت منظمات أو بنوك...اخل ،مما يعطي النص طابعا مجاليا من جهة،
هناك تقنية أخرى ،كثريا ما يلجأ إليها املرتجم الدبلوماسي يف عمله ،وتكمن يف ترمجة الصفة
باالسم ،من أجل إنتاج نص هدف أكثر مرونة وتناسق ،ففي الكثري من األحيان ترمز الصفة إىل
شيء آخر غري ما ترمز إليه عامة ،إذا ما أخرجت من السياق الذي وضعت فيه ،فيلجأ املرتجم إىل
1
- Ibid., p11.
123
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
ترمجة الصفة باالسم ،ألن ذلك يعطي معىن أدق وأصح من أن ترتجم الصفة بصفة أخرى ،واملثال
» « robustاليت ترمجها الصفة السابق ذكرها .والشيء نفسه بالنسبة إىل كلمة
وهكذا حنصل على ترمجة تويف بالغرض ومرنة ومتناسقة ،ألنه لو قام برتمجة الصفة بصفة أخرى،
ومن القاموس الدبلوماسي ،واالقتصادي ل(مارسيل ويزر) ،الذي يرتجم فيه العديد من
1
- Frédéric Houbert, op.cit., p11.
2 - Ibid., p15.
124
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
وهذا ما يوضح لنا أكثر أن تقنية ترمجة الصفة باالسم ،هي تقنية معتمدة يف الرتمجة
إعادة التعبير׃
تتمثل يف إبقاء املرتجم على األثر نفسه يف املتلقي دون االهتمام بعدد كلمات النص ومفرداته،
باإلضافة إىل حتري الدقة ،واملوضوعية يف عملية إعادة التعبري ،والتقيد بالنص األصلي دون إضفاء
النتاج نصا موازيا للنص املقصود .وعليه ،فإن املرتجم يتقيد مببدأ إظهار ما
الذاتية عليه حىت يكون ُ
ويُسهم الفهم يف جتليات املعان وإيضاحها ،حىت يرِّكب املرتجم نصه اجلديد بالصياغة اليت يراها
األسلوب،إال أن الشرط الذي جيب
ّ مناسبة ،وختتلف هذه الصياغة باختالف األشخاص ،شأهنا شأن
احرتامه هو عدم االبتعاد عن رؤية كاتب النص األصل حىت حيافظ املرتجم على وقع التأثري األصلي
لدى املتلقي.2
لعل صياغة النص ،أو إعادة تركيبه بأسلوب آخر لن تظهر نتائجه ما مل يبدأ املرتجم صياغته
و ّ
بأسلوب موحد من بداية النص إىل هنايته ،فالرتمجة الناجحة هي اليت جتعل متلقي النص املرتجم حيس
كأنه بصدد قراءة نص أصلي حبيث إذا انتقل عرب مفرداته ،ومجله ،وفقراته من خالل القراءة ال
تعرتضه أخطاء وال يشق عليه الفهم ،وعند انتهائه من قراءة النص ،فإنه خيرج باالنطباع نفسه ،والتأثري
1
- Wieser (Marcel), Glossaire économique et Financier, 1993, cité par Frédéric Houbert,
op.cit., p 16
2
– Voir:Gérard Hardin & Cynthia Picot, op.cit., p 12
125
ترجمة المصطلح الدبلوماسي الفصل الثالث
وهنا تكمن أمهية عملية إعادة التعبري ،فالنص هو أوال وأخريا موجه إىل اآلخر ،ذلك ما
يستدعي االهتمام بالقارئ ،ومنه بات على املرتجم االهتمام بإثارته ،وإشباع فضوله ،وخماطبة مستواه
الثقايف ،واالجتماعي ،ومراعاة الفوارق العلمية بني طبقات اجملتمع املختلفة ،فالقارئ عامل من العوامل
126
توطئة
- 1الرتمجة اآللية
- 2الرتمجة الفورية
- 3الرتمجة احلرفية
- 4ترمجة املعن ى
– 5ترمجة املختصرات
- 9شبه الرتمجة
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
تمهيد منهجي.
وألنه قد صار لكل جمال من جماالت الرتمجة يف احلياة السياسية العامة ظروفه املوضوعية
اخلاصة ،حبيث أصبح لكل نوع من هذه الرتمجات قوانينه اخلاصة به ،بل أن لكل لغة من لغات العامل
خصوصياهتا وبنياهتا وظروفها كما الحظناه سابقا ،مث وألن وظيفة العمل الرتمجي املعاصر من املهام
الشاقة والعسرية فهي يف عصرنا من الصعوبة مبكان ،باعتبارها عملية حمفوفة باملخاطر ،ولكون العوملة
وألنين يف هذا الفصل ال أريد أن أتعرض ألنواع الرتمجات كما تتحدث عنها النظريات الرتمجية
اجلديدة ،بل سأعرض بالتحليل والتوسع ملا يتناسب مع موضوعي الرئيس ،ذلك ألن املرتجم يف
املؤسسات الدبلوماسية املختلفة ،قد جيد نفسه معرضا إىل تساؤل يتعلق حبقيقته الوجودية ،يف هذه
املهام الصعبة ،والدقيقة التعامل ،حبيث جيعلنا أحيانا نشفق على ظروفه املوضوعية ،وحاالته املزرية،
كوهنا مشروطة دائما مبا هو أفضل .إذ ال ميكن أن تكون العملية الرتمجة مسألة لغوية فحسب ،بقدر
ما هي أعمق من ذلك ،لكوهنا حمفوفة مبفهوم عناصرها الدبلوماسية) 1املتبقية كما رأينا يف
وإذا كانت املعايري اللغوية واأللسنية ،تسيطر على بقية املعايري مع ما هلا من أمهية كربى ،وإذا
كانت الرتمجة يف حد ذاهتا ال تشكل سوى احتماالً ثانوياً تابعاً حبيث ال ترقى إىل الطبيعة الكاملة
- 1ينظر :أالن بالنيت .مبادئ يف الدبلوماسية .الفصل األول .الدبلوماسية والثقافة.ترمجة :نور الدين خدودي .دار األمة
للطباعة والنشر .ط .1998/.1ص151
128
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
من املتعارف عليه أن النص قد يتم حتويله من لغة إىل أخرى ،حبيث تربز عالقات جديدة ،قد
كان هلا وجودها الفعلي غري الظاهر أصالً يف اللغتني فمثالً :عليه أن يتحدث بطالقة وأن حيسن
اخلطابة ،وأن يكون له حضور من حيث اهليئة ،فالبد أن يكون صاحب مطلع حسن ،مع قابلية
استقبال جذابة ،وفوق كل ذلك أن يكون قابالً لالقتداء بالشخص الذي يتحدث عنه 1)..وبناء
على ذلك فإن الدارسني مل حيددوا الفروق بني عملييت الرتمجة األمينة
يف احلياة الدبلوماسية وبني أنواع الرتمجات الفورية على وجه اخلصوص ،بالنسبة للكتابة األدبية
مثال ،هي نفسها عملية ضرورية ،أما خبصوص األدب والفن يف عمومه ،وبشكل واضح ،فإن القضية
ال تزال ( مصطلحية ) 1معقدة ،ولعل اخلطر يف كيفية إصدار احلكم على وضع تلك التوصيفات
الواقعية ،خصوصا مببدأ املنطق القاطع ،ألننا جند أنفسنا منساقني وراء حقيقة العمل األديب اجلاد،
ففي أيامنا هذه ،تبدو ترمجة املؤلفات يف احملافل الدولية حمظوظة جدا ،ذلك ألن امليزانيات
املالية اليت تصرف من أجلها ،جد حمرتمة .أما التعليم فعلى العموم يتطلب استخدام الرتمجات
املتخصصة ،أو اللجوء إىل النقل على نطاق واسع .وعن طريق تلك التمارين كان التعليم يسعى إىل
تعريف اللغة والثقافة ،واهلدف األول ليس تعليم فن الرتمجة ،بل لنقل أن التعليم ميكن بلوغه بواسطة
لن يكون األمر عبثاً إذا كان التعلم على الرتمجة قد تضمنت مترينات تعطى بنفس األسلوب
1
مصطفى الشهايب .املصطلحات العلمية .ص 124
129
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
واملبادئ عشر ترمجات خمتلفة ذات فائدة .أما الرتمجة التصورية املنتقاة بصورة تعسفية من قبل املدرب،
إن هذا املبدأ يف الرتمجة يبدو مقبوالً من الناحية املنهجية ،حىت أنه ميتد دون تردد يف ممارسة مثل
هذا النوع من الرتمجات ،وبشكل عام ،فقد اضطر هذا املرتجم املعلم ،أمام تالميذه إىل نقد مجيع
القواعد املتعلقة بالصرف ،وبان برصد قيمة كل كلمة وكل معىن للنص ،فهذه التفاصيل هي اليت ترتبط
بإيقاظ الشعور اإلنسان لدى الفرد احملب للثقافة .كما وأنه ومبنتهى احملبة واإلرادة الفوالذية ،حنو ذلك
املبدأ األصيل ،فإن املرتجم اجلامعي جنده دوماً معرض خلطر العرقلة وإثقال ما هو خفيف غري
1
متزن.ميكن أن يؤدي إىل فقد نواة اإلهلام اإلبداعية عنده).
- 1أهم تعريف للمصطلح كونه جمموع املفردات اليت تنقلها لغة ما عن لغة أخرى ،وغالباً
ما تكون ألفاظاً ملعان أو أمساء ملسميات اشتهرت هبا هذه اللغة املنقول عنها ،أو انفردت هبا أو
لدى املؤلف فما بالنا باملرتجم الذي قد يكون أكثر عرضة لذلك ،ولكن مبوازاة هذه اللغة احلية
الغزيرة يظهر لنا فجأة مشكل عويص ،يتمثل يف منتظم قدمي يعود إىل مسألة أمجل الرتمجات
مبجموعها ،فإن اللحاق واملطاردة وراء التفصيل لغاية التفصيل فقط يقود إىل انقطاع النغمة اليت ال
تتحمل أية مسودة مكثفة مهملة ،عليك قبل أن تباشر بتأدية النقل من لغة إىل أخرى ،أن تتفهم
1
جوزيف هنوم حجال .دراسة يف أصول الرتمجة .دار املشرق.ط .2002./ 7ص131
130
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
1
النص على حد تعبري جوزيف هنوم) .
غري أن مثل هذه الطريقة يف الرتمجة حسب امليكروسكوب الذي استخدم مبنهجية كمثل
للطالب ،واليت تستخدم على العموم لتوطيد معايري الرتمجة ،حبيث جند فيها أن أي خرق ملثل هذه
اهلواية يف التحليل تثار بسخط ،وعليه علينا أن نتمتع ببعد النظر ،فعلى املرتجم الذي ينتظر النجاح
الباهر يف ترمجته ،أن ال يقدم على خيانة مضمون نص املؤلف يف كل ما يتعلق باألعمال اليت هلا
عالقة بالعموم ،ألن كل تفسري معكوس يساعد على مترير كل صواب ،وكل إشارة خاطئة توشك أن
أما بالنسبة للرتمجان يف املؤمترات مثال فقد يالقي الصعوبة ليس من الناحية اللغوية ،بل من
الناحية الثقافية واألدبية ،ومثل تلك امللتقيات واملؤمترات اليت تتوافق مع اهتمامات العامة ،ميكن أن
تصادف آراء أو لقاءات خميفة يف دول أخرى فال يتعلق األمر بالنجاح الباهر ،صدفة ،بل يتعلق
بالتفهم احلقيقي وبالقدرة الفعلية على الرتمجة الصحيحة ،ومن خالل تتابع األعمال ،تبني بأن بعض
املرتمجني ،قد افتتنوا بلغة بعضهم ،خاصة فيما يتعلق باللغة األملانية ،ليس ألن اللغتني العربية واألملانية
2
متقاربتني ميكنان من الرتمجة ،ولكن ألن تقارهبما يوحي بتقارب احلضارتني من جهة ما).
وألن الرتمجة الفورية :هي أكثر الرتمجات صعوبة ،كما يصرح غالبية املرتمجني احملرتفني ،وهي
كذلك أخطر من الرتمجة العادية يف كثري من احلاالت ،ألهنا بالضرورة تستهدف قضايا يف املشهد
الواقعي باجتاه أناس من حلم ودم ،كما أهنا تستهدف مواقف سياسية عن بعض الوقائع يف تاريخ معني
- 1جوزيف هنوم حجال .دراسة يف أصول الرتمجة .دار املشرق .ط .2002./ 7ص135
- 2شحادة خوري .الرتمجة قدمياً وحديثاً – مرجع سابق .ص123
131
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
كما أن هذا العمل قد يكون ناجحاً تبعا لذلك إذ يفضل أن يطلق على هذه الرتمجة صفة
التكيف وبالرغم من االعتقاد بضرورة القيام بالرتمجة النبيلة اليت قد حترتم النصوص الواردة يف املصدر
األصل ،إال أن املرتجم ،بالغريزة يتبىن مسلكاً معاكساً إىل حد ما لرتمجة املرتجم اجلامعي للنصوص
وميكن أن ميثل هذا التكيف الذي سبق ذكره طابعاً جديداً يستخدم يف ترمجة الدبلوماسية
خاصة ،عندما توفرت املصطلحات يف اللغة وتوالدت االشتقاقات الناجتة عن خمتلف النصوص
وغريها ،كما ميثل العمل الدبلوماسي بالنسبة للمرتمجني تطلعات خاصة ومميزة جيمعها مع املعايري
املنبثقة من ترمجة خمتلف السياسات ،ومقارنتها ،بل ودراستها ومن مث حتديدها ،واألخذ لبعضها وترك
البعض اآلخر ،ألهنا تكون يف هذا اإلطار عبارة عن مهمة مقدسة حنو الوطن واألمة قاطبة ،وال تعين
وإلثراء اللغتني ،العربية واألملانية ،ميكن إضافة مفهوم لغوي جديد يضيف آفاقاً جديدة حلركة
الرتمجة الدبلوماسية ،فهذا املقسم اجلديد الذي يعد جائرا ألنه ينال من الرتمجة الدقيقة األمينة لألصل
ولنأخذ مثالً على ذلك هبذا ميكن القول بأننا أمام مجلة غري دقيقة ،يصادف املرتجم الكثري من أمثاهلا
عندما يتوخى الرتمجة احلرفية الدقيقة ،وقد سبق أن ُدرس هذا املفهوم العابر الذي كثرياً ما يعرتض
1
سبيل املرتمجني) .
- 1الرتمجة املتعاقبة :يراد هبا ،أنك ما أن تنتهي حىت يبدأ املرتجم برتمجتها وهي قريبة من مفهوم الرتمجة الفورية ولكن هذه تفرتض
أن تنطق ترمجته يف الوقت نفسه الذي فيه املتحدث ،ينظر :د .حممد رشاد احلمزاوي -املنهجية العامة لرتمجة املصطلحات
وتوحيدها وتنميطها م.س.ص.873
132
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
ولكن احللول اليت توصلوا إليها مل تساعد على إجياد مفهوم موحد جلوهر ( الرتمجة 1).اليت تسري
قدماً باطراد بكل فاعلية واستبشارا ،متخطية مجيع الصعوبات اليت تنال حركة الرتمجة بصورهتا
الشاملة 2).ألن العامل الضار الذي يبطئ حركتها هو حماولة حصرها ضمن نطاق املمارسة اللغوية
اجلافة واملتحجرة ،اليت تنتهي هبا إىل الركود وعدم مواكبة التقنيات احلديثة املتدفقة ،ذلك ألهنا متتاز
باحليوية والتدفق عرب مسارات احلضارة البشرية وكل كبح هو يف حقيقته نيل من دفقها ،إن الرتمجة ولو
أقيمت على مفهوم املعادلة الرياضية فهي ليست بالعلم الرياضي إال على مستوى اجلوهر ،أي
الفكرة .3).وعليه فإن مسألة الرتكيز يف الرتمجة أساسية جدا ألن قراءة املنت هبدوء وروية وتذوق حىت
يتم االستيعاب ،وتتم معه مسألة تسلسل األفكار لكي تتأثر بروعة الصور اليت تؤدي إىل الشعور
باحليوية.
لقد أصبح حلركة الرتمجة يف املؤمترات ،ويف الندوات العاملية ،واللقاءات الدولية مهنة سائدة
ومتدرجة .فقد ابتكرت هلا منهجيات متجددة ،ومهمات تدريبية وما يستوجب على مرتجم املؤمترات
أن يدونه هي األفكار الرئيسية ،مث عليه باالهتمام بعملية ،نطق الكالم Kinds of Translation
– 1انطوان شكري مطر .التمارين التطبيقية لكتابة الرتمجة العلمية .دار املشرق .ط.2003ص 19
- 2على املرتجم أن ال يفقد األمل أو أن ينكمش جملرد عارض مفاجئ ،فإن الرتدد والتلعثم يف الصوت بعد نطق كلمات ،مث
الصمت مث مساع كلمة وأخرياً الصمت األخري قبل التفوه بكلمة ,سبق ذكرها ,كل ذلك مل يؤثر باملرتجم اجليد كما مل يُغيّب حدة
الذهن.ينظر :جوزيف هنوم حجال .دراسة يف أصول الرتمجة..م.س.ص28
-3من قرارات جممع اللغة العربية يف مصر ترمجة الكلمات األعجمية املنتهية بالكاسعة ،والكاسعة ،بالفعل املضارع للمجهول
فيقال eau potableيشرب ويف Digestibleطعام يهضم -ينظر -:شحادة خوري الرتمجة قدمياً وحديثاً .ص164 .
133
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
وتسلسل األفكار ،وعليه كذلك باحلذر من العرقلة احملتملة وبالرتابط الذي له أمهية كربى يف تلك
العملية السريعة.
خصوصا عندما تكون مقاطع كلمات اجلملة طويلة .ألن االختصارات وأنواع االختزاالت اليت
يقوم هبا هلا وشائج تربطها ببعضها مث إهنا هي نفسها جديرة بتقصري األنغام الصوتية مع االحتفاظ
برمزية املعان .مثل :مفهوم الشدة يف الصوت ،النقص ،التفسري والشرح ،املكاملة وغريها ،مجيع هذه
األساليب والطرق جند بأهنا جديرة باملالحظة ،ذلك ألهنا جديدة وتألفت بشأهنا الكتب النظرية
أما خبصوص بعض التدوينات املبعثرة بشح على الورق من قبل مرتمجي املؤمترات ،يف حال كالم
املندوب ال متثل األصوات بل األفكار اليت جيب اعتبارها مبدأً أساسياً بدونه ال ميكن الوصول إىل
ترمجة حقيقية ،ويف حال إتباع نفس الطريقة ،ميكن أيضاً ترمجة النص إىل عدة لغات ،مثلما قام به
فعندما جيد املرتجم نفسه بعيداً عن االختزال ،وبعيدا عن أنواع االختصارات ،عليه أن يتمتع
بالرياضة الفكرية اليت تساعده على النقد الصحيح لطريقته ،وأن يبتكر الكالم الذي قد يدوم نصف
ساعة أو ساعة أو ساعتني حبيث ميكن تكراره أدبياً ولغوياً بلغة أخرى ،ألن مثل تلك املبادرات تشبه
أن ومن هذا املنطلق فأن يُظهر نفسه أهالً لتصويب وتصحيح ما هو واجب .فمثالً :عليه
يتحدث بطالقة وأن حيسن اخلطابة ،وأن يظهر بعض املواقف الكوميدية ،وبنفس املعىن ،أن يكون له
134
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
حضور ذو مطلع حسن مع قابلية استقبال جذابة ،وفوق كل ذلك أن يكون قابالً لالقتداء بالشخص
ويف املؤمتر التقين تتابع الندوات ،ويف كل اجتماع ندوة يتتابع املندوبون إللقاء احملاضرات،
للسؤال واجلواب ،وللنقاش ،فاملوضوع إذاً ال يقتصر على طرح واحد وال على شخص واحد ،لذلك
واخلاصة األوىل اليت جيب أن يتميز هبا املرتجم هي جاهزية الفكر والفاعلية يف إمكانية السيطرة على
ليس نادراً أن نشاهد بعض املرتمجني يرددون أقواهلم أو خطاباهتم دون إلقاء نظرة جدية على
فحواها ،حىت أننا نلمس لدى البعض من فحوى تلك اخلطب املواربة والظالل والتفرد جبميع
االنثناءات الصوتية حىت خمتلف التلعثمات اليت تؤثر على صياغة الفكرة والضرب على الوتر ،أما كل
خطوة خاطئة ومغلوطة يسلكها املرتجم تنايف األثر األديب تعترب مميتة وتضر باملسار الكوميدي ويف
املوضوع القصصي .وإذا أردنا احلديث عن تقنية الرتمجة وعن البحوث املتوازنة فيها نلمس واحدة من
اخلصائص اليت يتمتع فيها هذا الفن ،أال وهي االنتقال من لغة إىل أخرى ،الذي جيب أن يكون هو
االنتقال طبيعياً وقد ال يكون ذلك سهالً عندما تكون الرتمجة سريعة.
وقبل الشروع يف تقسيم الرتمجة إىل أنواعها وأصنافها ،سأبدأ هبذا التقسيم الذي اقرتحه العامل
أأللسين الكبري Jakobson:وذلك ألنه يتميز مبنهجية حمكمة تعمل على إلغاء سواها ،لقد أورد
135
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
النوع األول :ويسمى بالرتمجة ضمن اللغة الواحدة .intralingual translationوتعين هذه
الرتمجة إعادة صياغة مفردات رسالة ما يف إطار اللغة نفسها ،ووفقا هلذه العملية ،ميكن ترمجة
اإلشارات اللفظية بواسطة إشارات أخرى يف تلك اللغة املعنية بالرتمجة ،وهي تعترب عملية أساسية حنو
النوع الثاني :وهو الرتمجة من لغة إىل أخرى .interlingual translationوتعين هذه
الرتمجة ترمجة اإلشارات اللفظية إلحدى اللغات عن طريق اإلشارات اللفظية للغة أخرى .وهذا هو
النوع الذي نركز عليه ،وحناول أن ننطاق فيه بالبحث ،وما يهم يف هذا النوع من الرتمجة ليس جمرد
معادلة الرموز (( مبعىن مقارنة الكلمات ببعضها فحسب ،بل تكافؤ رموز كلتا اللغتني وترتيبها .أي
intersemiotic النوع الثالث ،وميكن أن نطلق عليه الرتمجة من عالمة إىل أخرى
.translationوتعين هذه الرتمجة نقل رسالة من نوع معني من النظم الرمزية إىل نوع آخر دون أن
تصاحبها إشارات لفظية ،وحبيث يفهمها اجلميع .ففي البحرية األمريكية على سبيل املثال ،ميكن
1
حتويل رسالة لفظية إىل رسالة يتم إبالغها باألعالم ،عن طريق رفع األعالم املناسبة) .
ويف إطار الرتمجة من لغة إىل أخرى ،interlingual translationميكن التمييز بصفة
3
عامة بني قسمني أساسيني يف العملية الرتمجية) :
136
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
الرتمجة التحريرية :Written Translationوهي اليت تتم كتابة .وعلى الرغم مما يعتربه
الكثريون من أهنا أسهل نوعي الرتمجة ،إذ ال تتقيد بزمن معني جيب أن تتم خالله ،إال أهنا تعد يف
نفس الوقت من أكثر أنواع الرتمجة صعوبة ،حيث جيب على املرتجم أن يلتزم
التزاما دقيقا وتاما بأسلوب النص األصلي ،وإال تعرض لالنتقاد الشديد يف حالة الوقوع
يف خطأ ما ،ذلك ألهنا ترمجة تتميز بالدقة األكادميية ،وليست ارجتالية.
وترتكز صعوبتها يف أهنا تتقيد بزمن معني ،وهو الزمن الذي تقال فيه الرسالة األصلية .إذ يبدأ
دور املرتجم بعد االنتهاء من إلقاء هذه الرسالة أو أثناء اإللقاء ،ولكنها ال تلتزم بالدقة نفسها،
ومبحاولة االلتزام بأسلوب النص األصلي نفسه ،بل يكون على املرتجم االكتفاء بنقل فحوى أو
حمتوى هذه الرسالة فقط ،وتنقسم الرتمجة الشفهية إىل عدة أنواع أذكرها خمتصرة:
أو الرتمجة مبجرد النظر .وتتم بأن يقرأ املرتجم نص الرسالة املكتوبة باللغة املصدر SLبعينيه ،مث
يرتمجها يف عقله ،ليبدأ بعد ذلك يف ترمجتها إىل اللغة املنقول إليها TLبشفتيه.
وحتدث بأن يكون هناك اجتماعا بني جمموعتني تتحدث كل جمموعة بلغة خمتلفة عن لغة
اجملموعة األخرى .ويبدأ أحد أفراد اجملموعة األوىل يف إلقاء رسالة معينة ،مث ينقلها املرتجم إىل لغة
137
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
اجملموعة األخرى لكي ترد عليها اجملموعة األخرية برسالة أخرى ،مث ينقلها املرتجم إىل اجملموعة األوىل
وهكذا.
ومن الصعوبات اليت جيب التغلب عليها يف الرتمجة التتابعية ،مشكلة االستماع مث الفهم
اجليد للنص من منظور اللغة املصدر نفسها ،ولذلك جيب العمل على تنشيط الذاكرة السرتجاع أكرب
وحتدث يف بعض املؤمترات الدولية ،حيث يكون هناك متحدث أو جمموعة من املتحدثني بلغة
أخرى عن لغة احلضور ،ويبدأ املتحدث يف إلقاء رسالته بلغته املصدر SLليقوم املرتجم برتمجتها يف
1
نفس الوقت إىل لغة احلضور ) .TL
وقد حتدثنا فيما سبق عن دور املرتجم الذي يلعبه أثناء ممارسته للرتمجة التحريرية .وميكننا هنا أن
نلقي بعض الضوء على املتطلبات الواجب توافرها يف املرتمجني الذين يقومون هبذه األنواع اخلطرية من
الرتمجة الفورية.
ولكون الرتمجة من الفنون اجلميلة ،ألهنا ختضع ملعايري حمددة ويضفي كل مرتجم على النص
املرتجم ملساته الشخصية فنية كانت أو مجالية ،لكنها يف مجيع احلاالت تفيد الرتمجة ،مع ذلك فإن
اآللة تقدم ترمجة قياسية متكن املرتجم مراجعتها وحتسينها وإعادة صياغتها ،وألهنا آلة بكماء ،ستوفر
138
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
كما تتوقف نسبة صحة الرتمجة على النص وعلى ما إذا كان املستخدم سيستعمل القاموس
املتخصص والقاموس العام املتوفرين يف نظام املرتجم اآلل ،كما تتوقف دقة الرتمجة العربية على دقة
النص اإلنكليزي الذي جتري ترمجته ،وقد أثار بعض ملرتمجني العرب االهتمام بقدرة اآللة على الرتمجة
بني لغتني خمتلفتني متاماً كاإلنكليزية والعربية ،وقد أثارت سرعته القياسية اهتماما كبريا.
والرتمجة ( اآللية ) 1ال تزال غري صحيحة مائة يف املائة حىت بني لغات من أصول واحدة ،ولكن
هذا مل مينع انتشار استخدامها على نطاق واسع ،واإلمكانات اليت توفرها الرتمجة اآللية كبرية يف جمال
واملالحظ هو أن أنظمة الرتمجة اآللية ال تستخدم حالياً على نطاق واسع يف العامل العريب،
ألسباب عديدة ،لعل أمهها أهنا قدمت لألسواق يف املدة األخرية ،وهي ترمجة ال تزال تواجه
انطباعات خمتلفة ،وقد نصفها باملسبقة ،ذلك ألهنا ترتاوح ما بني االعتقاد بأهنا قادرة على ترمجة كل
2
شيء ،وبطريقة أفضل من املرتمجني البشر ،أو اعتبارها لعبة غري جدية وهي جمرد تسلية) .
والعملية نفسها قد تنسحب على الرتمجة األدبية ،أنه ال يستطيع أن يرتجم الشعر الذي يواجه
حىت املرتمجني أنفسهم يف صعوبة ترمجته ،ألن اآلالت ترتجم اجلمل وليس املعان ،ولكنها قد تفعل
ذلك يف املستقبل مع تقدم تقنيات الذكاء االصطناعي 3) .لكننا نعتقد بأن وجهيت النظر يف حاجة
139
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
إىل تصحيح ،ذلك ألن اآللة ال ميكنها يف نظري أن تتفوق على القدرة البشرية ،ألهنا جمرد آلة صماء،
غري ذكية ،أما خبصوص الرأي الثان والذي حياول أن يسقط من قيمتها هنائيا ،فال أعتقد بأنه موفق،
يستخدم املرتجم العريب برناجمني خمتلفني يف هذه الرتمجة اآللية ،يدعى أحدمها( :الطريقة
املباشرة) .Direct modeوفيها يقوم ملف الرتمجة برتمجة النص وعرض عدد الكلمات املرتمجة يف
الثانية الواحدة ألن سعة ملف الرتمجة بشكل غري حمدود ومتوقف على جهاز احلاسوب الذي
يستخدمه ،وُميكن للمستخدم حفظ النص املرتجم واستخدامه يف أية معاجلة للنصوص.
ويناسب املرتجم حاجات املرتمجني احملرتفني ،يف حني يصلح الوايف لالستخدامات املنزلية من
قبل الطالب مثالً .ولكن يبقى نطاق الرتمجة متماثالً يف االثنني معا ،على الرغم من أن الوايف حيتوي
على مائة ألف مدخل إنكليزي ونصف مليون كلمة ،بينما حيتوي املرتجم على مليون كلمة إضافية
إىل قاموس متخصص 1)).كما يضم اإلصدار اجلديد قاموساً خاصاً ميكن للمستخدم إنشاءه وتطويره
وفق احلجم واملواصفات اليت يرغب فيها .ويتيح القاموس اخلاص للمستخدمني اختيار الكلمات
ويعمل (( املرتجم العريب )).على احلاسبات الشخصية ،وقد جهز بطريقة تتناسب مع نظام
((وندوز العريب )).لكن النص اإلنكليزي ميكن أن يُعد يف أي معاجل للنصوص .وتتم عملية الرتمجة
فورياً بعد إدخال النص اإلنكليزي املطلوب ترمجته إىل الكومبيوتر بالوسيلة اليت يستخدمها املستعمل.
- 1مصطفى الشهايب.نفس ه .ص 87ينظر:أالن بالنيت .الدبلوماسية والثقافة .م.س /.ص 182ينظر :شحادة خوري الرتمجة
قدمياً وحديثاً .ص.ص 166-165-164
140
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
وسواء عن طريق تنضيد الكلمات على لوح املفاتيح أو عرب جهاز املسح أو أجهزة اتصاالت
(( املودم )) أو الصوت املباشر باستخدام تقنيات التعرف الصويت .وبعرض النص اإلنكليزي وترمجته
العربية يف نصفي الشاشة العلوي والسفلي 1)).إهنا تقنيات عالية ستجعل من الرتمجة اآللية وسيلة
لإلبداع الفين.
ولعل امليزة األساسية للربنامج هي يف قدرته على الرتمجة بني لغتني خمتلفتني كلية حيث يساعده
ذكاؤه على سبيل املثال ،يف اإلدراك أن ،Bbcأي (( الببس )) تعين ((:يب يب سي )).وليس حروف
األجبدية املعروفة ،وعندما يفرق بني أشياء كهذه ،فإنه قد أحرز تقدما مهما يف جمال اآللية.
وأن كلمة (( كتاب )).اسم مذكر يف اللغة العربية ،ويف حال اخلطأ يف هتجئة الكلمة اإلنكليزية
ميتنع الربنامج عن الرتمجة وخيرب املستخدم بوجود اخلطأ .واملالحظ هو أن املرتجم العريب قد جنح عند
فرتمجها إىل العربية السيد ((:بوكس حبجز اإلنكليزيةBookd his book،Mr : اختباره يف ترمجة العبارة
2
كتبه))..
ونظراً ملا تؤديه الرتمجة من دور فعال يف خلق احلوار بني اآلداب املختلفة ومن حماولة تضييق
الفجوة بني خمتلف احلضارات والثقافات العاملية ،ونظرا لكوهنا هتيئ الظروف لتوسيع انتشار األدب
العاملي ،فإهنا أصبحت مبثابة القنطرة اليت يتوصل من خالهلا إىل باقي اجملتمعات العاملية ،خصوصا
- 1يف تقدير صاحب الشركة (( ,خمتار هامشي)) الذي أعاد إىل األذهان املوقف املرتدد للجمهور يف أول طرح معاجلات النصوص
العربية ،مل يكن معظم الناس آنذاك يتصور أهنا ستحل حمل اآللة الكاتبة .ويف رأيه شيء مماثل ،مبرور الوقت ،ستالقي التكنولوجيا
اجلديدة االنتشار الواسع .فاملسألة تتصل بتقبل اجلمهور .ينظر:د .أنور اخلطيب .منهجية بناء املصطلح .جملة اللسان العريب.م.س
/ص 100 -99
– 2ينظر :د .ممدوح خساة .التعريب والتنمية اللغوية.م.س /ص.ص 123-117ينظر نبيل علي .الثقافة العربية وعصر
املعلومات .عامل املعرفة 2001.ص.248
141
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
1
يف زمننا احلال))..
وسيحدث ذلك يف العامل بأكمله ،دون أي جواز سفر ،وهذا املوضوع جيرنا إىل التساؤل عن
العالقة بني املؤلف واملرتجم ومن مث إىل احلديث عن الرتمجة كعملية إبداعية ،ومما ال شك فيه أنه ال
فرق بني الكتابة والرتمجة فكالمها عمل إبداعي ،ألن املرتجم حسب العادة ال ينتج نصه دفعة واحدة
إن إبداعه ومهارته يظهران خاصة على مستوى النص األديب الذي يكتب عادة بلغة بعيدة عن
مستوى اللغة العادية وأشكال الصياغة املألوفة .بالوقت الذي فيه يكون املرتجم حباجة إىل كفاءة
والصور بأقل وإىل انسجام كبري مع مؤلفه حىت يتمكن من نقل األصوات والكلمات واجلمل
ما ميكن من األخطاء أو عدم الوفاء ،ويف هذا الصدد يقول كوانرتيو (( :إن الرتمجة األدبية عملية
تعاون عاطفي وهذا يعين أنه ال يكفي أن يكون املرتجم مرتمجاً ممتازاً حىت يوفق يف ترمجة األعمال
األدبية وغريها إىل لغة أخرى على أحسن صورة ،.بل البد من أن يكون يف أعماقه فناناً مبدعاً يف
2
جمال اختصاصه))..
ومن هنا ذهب الكثريون إىل اعتبار الرتمجة فناً صعباً بل هو أصعب من فن الكتابة ذاهتا
وإبداعاً حقيقياً يفرتض أن يتمتع صاحبه خبيال خصب وواسع ،وإذا كنا قد ركزنا على مرتجم
املقبل يف مدينة ديب - 1وسيضم اإلصدار القادم من ((:املرتجم العريب )).الذي سيعرض يف معرض (جيتكس )Gitex
اإلماراتية مخسة قواميس متخصصة للتجارة والشؤون العسكرية والعلوم والطب.
- 2ينظر:أالن بالنيت .الدبلوماسية والثقافة.م.س /.ص 121
142
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
النصوص األدبية ووضعناه على قدم املساواة مع املؤلف ،فهذا ال يعين أننا هنمل أو نضع كل من
املرتجم التقين والفوري على اهلامش ،ذلك ألن أمهية هؤالء تزداد يوماً بعد يوم وتزداد مهمتهم صعوبة
أكثر مما كانت عليه يف السابق ،وذلك بالنظر إىل التقدم العلمي اهلائل الذي يثري اللغة كل يوم
وكل ذلك يتطلب الدقة واإلتقان واإلبداع 1)..انطالقاً من هذه النظرية وبالنظر أيضاً إىل اتفاقية
(( برين )) اليت تعترب املرتجم مؤلفاً يف األصل ،فإن أية إشارة حلقوق املؤلف هي بدون منازع.
وهنا إشارة لصعوبة العملية الرتمجية ،كوهنا تأيت يف مرتبة متقدمة ،حىت على كاتب النص يف حد
ذاته ،ذلك ألن املرتجم له مهمة األمانة العلمية ،ومن ناحية أخرى كونه كاتبا ،جيب أن حترتم
إبداعاته ،مث إنه ميتلك أحقية التوقيع ،علماً بأن هذا احلق سبق وأن استعمله مرتمجون وكتاب منذ عدة
2
سنوات))..
وبصدد هذا احلق يف التأليف ،البد من ذكر فكرة (امللكية الفكرية) والعمل على محايتها ،وهي
املهمة اليت جعلتها املنظمة العاملية للملكية الفكرية على عاتقها واليت مقرها ( جبنيف ).وتعترب كل
عمل أديب أو فين أو اخرتاع تقين ملكية خاصة بصاحبها وبالتال من واجبها احملافظة عليها ومحايتها
3
حىت ال تنتقل إىل حيازة شخص آخر دون موافقة صاحبها األصلي))..
لكن لألسف مع غزو اإلنرتنيت للساحة اإلعالمية كان على املدافعني محاية امللكية الفكرية
143
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
للمؤلف واملرتجم وغريمها ،أن يقوموا جبهود ،ومن مث عملت دول االحتاد األورويب على نشر كتاب
أخضر حول حقوق املؤلف ،وحيتوي هذا الكتاب على كافة احلقوق املتعلقة باجملتمع اإلعالمي ،كما
نشرت الواليات املتحدة األمريكية كتاباً أبيض خبصوص امللكية الفكرية والبنية التحتية لإلعالم الوطين،
كل هذا لكي ال تضيع حقوق املرتجم باعتباره مؤلفاً أوالً مث مرتمجاً ثانياً 1))..لذلك يبقى على
املرتمجني أن يوقعوا بأمسائهم يف كل عمل ينجزونه وأن تتضمن العقود بنوداً تتعلق حبقوقهم ،وذلك
يستعمل يف املؤمترات احمللية أو الدولية ،حيث يكون هناك متحدث أو جمموعة متحدثني بلغة أخرى
عن لغة احلضور ،ويبدأ املتحدث يف إلقاء رسالته بلغته املصدر SLليقوم املرتجم برتمجتها يف الوقت
2
نفسه إىل لغة احلضور )). .TL
وهي مكتوبة أو ملفوظة وليست ملفوظة فقط كما يظن البعض .وتتميز هذه الرتمجة بعدم
إتاحة مدة زمنية للمرتجم بني نشأة النص أو تقدميه للمرتجم وبني عمله الرتمجي .وعليه فقد يضطر
الرتمجان إىل ترمجة كالم قيل للتو أو نص كتب قبل دقائق ترمجة فورية دون تفكري ودون مراجعة .وهذه
3
الرتمجة هي األصعب وهي اليت تكثر فيها األخطاء واالختزاالت وتتطلب جمهودا ذهنيا جبارا)). .
هي إذن :ترمجة ما يقال من قبل شخص أثناء حديثه حبيث يضع املرتجم مساعة يستمع من
- 1من أبرز الذين وقعوا ترمجاهتم بإمضاءاهتم إبراهيم ناجي مرتجم ديوان بودلري (( Beaudelaireأزهار الشر )) والدكتور
طه حسني مرتجم مسرحية (( جذور)).
- 2د .عبد الكرمي اليايف .دراسة بعض املصطلحات الفنية.م.س.ص74
3د .حممد رشاد احلمزاوي -املنهجية العامة لرتمجة املصطلحات ا م.س.ص95
144
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
خالهلا للمتحدث ويف الوقت نفسه يرتجم إىل اللغة األخرى ،ويعد هذا النوع أصعب أنواع الرتمجة
على اإلطالق حيث انه ال يستحمل اخلطاء أو التفكري والبد من أن يكون املرتجم متقنا لكلتا
اللغتني ،ويستخدم هذا النوع من الرتمجة يف الربامج التلفزيونية املباشرة اليت يستضاف فيها أجانب كما
1
نشاهد عادة يف قناة اجلزيرة والعربية)). .
اجلدير ذكره يف هذا احملال أن هناك بعض املتطلبات الواجب توافرها يف املرتمجني الذين يقومون
بالرتمجة الفورية ،ذلك أنه جيب التحلي ببعض املواصفات من أمهها القدرة على سرعة الرد quick
باإلضافة إىل املعرفة بعدد كبري من املفردات اللغوية .vocabulaireويالحظ أن حوال ثلث
الرتمجة الفورية تعتمد على الثقة بالنفس .self confidenceوهناك صعوبات كبرية تواجه املرتجم
الفوري ،لعل من أمهها يف الرتمجة من العربية إىل اإلجنليزية ما يتمثل يف تأخر الصفة على املوصوف،
ذلك أنه يف اللغة اإلجنليزية البد أن تتقدم الصفة على املوصوف .ومثال ذلك ،فالعربية تقول مثال:
2
الرجل الكبري))..
وألن املرتجم الفوري ال يستطيع االنتظار حىت يسمع بقية اجلملة كلها مث يبدأ يف عملية الرتمجة،
- 1ولعل الرتمجة هي الوسيلة الثابتة والناجعة لنقل خمتلف العلوم املستحدثة إىل لساننا من لغات العامل ،أو األمم بشكل خاص،
اليت أحرزت سبقاً يف تقنيتها ،يف ميدان املعرفة والعلوم اليت حيتاجها العصر .ولكن هل تسعف لغتنا ميدان الرتمجة يف أداء هذه
املهمة حسب املستوى املطلوب..؟ هذا سؤال البد من طرحه رغم إمياننا باإلجياب ،مع أن اإلجابة الصحيحة تتعلق باملصطلح
الذي هو بنية الرتمجة.
- 2مصطفى الشهايب .املصطلحات العلمية .ص84
145
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
فهو يقوم بالرتمجة أوال بأول .ومن الصعوبات اليت تواجهه أيضا يف هذا الصدد ،تأخر الفاعل يف
اجلملة الفعلية ،حبيث يقال مثال :ال يلبث أن ينكشف زيفه .ومن املعلوم أن اجلملة اإلجنليزية تبدأ
إن املقصود بالعمل الدبلوماسي يف املؤسسات الدولية ،جيعلنا أمام ترمجة من لغة ما إىل لغة
أخرى بواسطة الكلمات الناطقة ،وبذلك فالكالم احملكي بلغة األصل حيل حمله كالم آخر يف لغة
1
أخرى ،بالوقت الذي خالله تبقى ترمجة املكتوب على حاهلا دون تغيري))..
(( على العموم ودون أي تدقيق"جيد اإلنسان نفسه أمام نوع من الرتمجة اليت هلا عالقة بالرتمجة
األدبية ،واليت ختضع إىل معايري وصيغ حتمية يف منتهى الدقة ،ضمن نطاق دبلوماسي ،وإىل
تكهنات حتمل رد فعل القراء واملستمعني على السواء ،يتمثل العمل الدبلوماسي يف لفظ كالمي سريع
يتم دون التأثري على حترك ومسرية املتحدثني ،فلدى مساع الدبلوماسي إىل املرتجم يشاهد بالوقت
نفسه حركات نطق لكلمات بلغة خمتلفة جيب القيام هبا بالطريقة والسرعة املناسبة.
ويف الوقت الذي يكون فيه الدبلوماسي غري مقيد ،عليه أن يلقن لفظته بوقت متزامن فعالً بني
نصه احملكي واملرتجم ،وبني النص األجنيب واحملكي أيضاً ،فإن هذه الطريقة يف التلقني ،تبقى دوماً يف
ويف الوقت الذي يستوجب فيه على الرتمجان ،القيام بعمله بكل دقة وإتقان عليه أيضاً أن يتقيد
مبعىن الكلمات وحبركات الشفاف اليت قد تشاهد على أفواه املتحدثني ،ونظراً لثقل وطأة التزامن
146
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
املطلوب يرى امللقن أحياناً نفسه مضطراً إىل حتريف نصه مبتعداً إىل حد ما عن النص األصلي حىت
حيقق التوازن والتزامن املطلوب والكايف بني نطق ونربات أشخاص احلوار ،وبني قوله حىت يظهر عمله
1
مستساغاً)).
لكن اخلطورة هنا هو أن املرتجم يعمل يف احلقل السياسي ،يتطلب منه عدم ترمجة العبارة باملعىن
احلريف الصحيح ،يف بعض احلاالت هكذا ال خيتلف األمر بالنسبة للدبلوماسية بأن تبديل اللغة ،يف
بعض احلاالت ليس برتمجة بل هو اقتباس حر وطليق ،ال حيرتم أمانة الرتمجة إال بالصدف .ويف
مضمار الرتمجة يف العمل الدبلوماسي ،تعترب ترمجة كتب السياسة خاضعة لطغيان الشهرة أو العمل
الرتمجي الذي تلفه قواعد صارمة وعديدة )).ويف الوقت الذي جتمع فيه كل هذه التناقضات يف
الدبلوماسية ،أليس هو الذي يعتمد على الطالقة واحلرية بدرجة غري حمدودة .كما هو احلال يف مسألة
التحكم يف احلوار ،ويف األطر احملكمة يف حساب مقاطع احلديث أو أثناء تذمر العامة شخصية ما،
كل ذلك ميكن تواجده ،لذلك هل متكن نسبة كل هذا إىل جناح أو فشل الرتمجة..؟
علينا أن جنرب العودة إىل الرتمجة الفورية ،فحول هذا النوع من الرتمجة حناول أن نقف على ما
ميكن أن تعرضه أمامنا من مالحظات مهمة ،فإذا زعمنا بضرورة الرتكيز على املفهوم املوضوعي
للرتمجة الفورية وفقاً للمعايري اللغوية 2))..مع قبول أو رفض األشخاص املعنيني حسب درجة أمانتها
يف الرتمجة جتاه األصل ،إن الرتمجة الفورية مبعناها اجلاف ال تستطيع االضطالع باملعايري اليت توجب
األمانة الدقيقة يف العملية الدبلوماسية بأكملها ،ومع كل هذا علينا أن نعرتف بأهنا من حيث املظهر
147
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
هي النوع الوحيد الذي ميكننا أن نصفه باجلودة ،بالنسبة للرتمجات السريعة كلها.
ال يشعرون ويف حقيقة األمر ،خالل عملية التفحص اليت يتلمسها غالبية املثقفني ،فإهنم قد
بعملية التنقيل Transpositionذلك ألهنم ال يراعون سوى اللغة املكتوبة ،أما خالل اللجوء إىل
الرتمجات اليت تتطلب األمانة فإن العملية تطال اللغة احملكية أيضاً ،وقد يعود ذلك إىل حتسس
1
احلقيقة والبحث يف طبيعة العبارة ،ولكن للمعىن الدقيق يف احرتام اللفظ والتوازن الصويت أيضاً)).
148
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
يستعمل هذا النوع من الرتمجة ،عندما تستخدم لغة الرتمجة حروف أجبدية ختتلف عن حروف
اللغة األصلية ،جيب تطبيق ذلك النظام يف الرتمجة احلرفية على األمساء والكلمات غري املرتمجة.
هتدف قواعد الرتمجة احلرفية إىل ضمان التناسق بني رمز /رموز اللغة األصلية ورمز /رموز اللغة
األخرى .يف حالة النقل احلريف ،يتم حتويل النغمات الصوتية واللفظية بصورة واضحة ملن يتكلم اللغة
املرتجم إليها.
الرتمجة احلرفية تقوم على نقل األلفاظ واألفكار يف نص ما ،بلغة إىل إىل لغة أخرى .واملرحلة
األوىل فيها هي تفسري املفردات والعبارات 1))..وترمجتها إىل مقابالهتا .ومع أن املصطلح يرتكز على
املفردات فيتوجب فهم الكلمة من السياق الذي وردت فيه ،والذي حيدده موضوع النص ،كما أنه
يعني مجيع ما يتعلق به ،خصوصا أفكاره العامة ،ذلك أن لكل كلمة معىن معجمياً لغوياً واحداً،
وعده معان اصطالحية صاحلة لالستعمال .فعلى سبيل املثال :كلمة (( :عامل )) اليت هلا معىن
معجمياً حمدداً ال يصح ترمجتها باملعىن نفسه سواء يف نص حنوي أو قانون أو فيزيائي أو تارخيي،
لذلك لدى الرتمجة الكلمة مبعناها اللغوي املعجمي هو ما تعنيه الرتمجة احلرفية )).2أما ترمجتها مبعناها
اإلستعمال االصطالحي هو ما نسميه بالرتمجة باملعىن وقد دارت خالفات من وقت إىل آخر بني
املربني حول أي الطريقتني أجدى وأحكم يف ترمجة هذا املصطلح أو ذاك ،هل هي الرتمجة احلرفية أم
149
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
الرتمجة باملعىن 1 ))..واملثال على ذلك ترمجة مصطلح (( )) Pneumoniqueب (رئوية) ،وهي هنا
ترمجة حرفية للكلمة حسب الرد املعجمي من قبل الدكتور مصطفى نظيف الذي يبني أن مجيع
استعماالت املصطلحات املشتقة من لفظة ( )Peneumaيف العلوم الطبيعية ،حيث يالحظ فيها
معىن النسبة إىل اهلواء وليس معىن النسبة إىل الرئة ،أما إذا أريد (املعىن) فالرتمجة تقتضي كلمة
ولكن الرتمجة باملعىن هي (( مؤمتر والرتمجة احلرفية ملصطلح Sumposionهي مأدبة أو حفلة
شراب بعد املأدبة ،ولكن الرتمجة باملعىن هي (ندوة) كما ذهب إىل ذلك جممع القاهرة 3 ))..والرتمجة
احلرفية ملصطلح Radium bombeهو قنبلة راديوم ،ولكنه حسب املعىن (( مصدر إشعاع راديومي
لكن هل تصح الرتمجة احلرفية للمصطلح إذا طابق معناه اللغوي ملدلوله االصطالحي ،فعندما متثل
كلمة Résistanceاملقاومة تطابق املعنيني ،وهل مقاومة احملتلني هي مقاومة الكهرباء نفسها
ومقاومة اهلواء.
فال ميكن األخذ هبذه الرتمجة احلرفية يف ميدان املصطلحات ألنه يبعد تطابق املعنيني اللغوي
االصطالحي يف كلمة واحدة .فكل ما وصل إليه املصطلح أنه لفظ خرج عن مدلوله اللغوي إىل
مدلول آخر متدفق عليه ولوال خروجه هذا لبقي يف عداد املفردات العامة ،وملا عد مصطلحاً .لنأخذ
150
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
عندما نقلت إىل لغة االصطالح مثل (الباب العال) أصبحت تعين مقر رئيس الوزراء ،مث عنت
رئيس الوزراء نفسه لدى مؤرخي الدولة العثمانية ،وهكذا ،وأيضا (( الباب )) اليت تعين رتبة حمددة
عند بعض الفرق الصوفية ،يف أحد معانيها ،لكن الرتمجة احلرفية هبذا املعىن ،تصح يف النعوت ويف
الصفات كطويل وغين ومثله ،كما تصح يف ترمجة املفردات العامة اليت مل تدخل نطاق االصطالح
أما ترمجة العبارات فكثرياً ما تثري اجلدل ،فقد اعرتض الدكتور حسين سبح على ترمجة عبارة
Tout a l’égoutبعبارة الكل إىل الكثيف وهي هنا ترمجة حرفية ،فاقرتح عبارة (( نظام اجملاري
1
اليت هي ترمجة باملعىن )).
وأيضاً ترمجة املبدأ االقتصادي املعروف Laissez faireفقد ترجم حرفياً ب دعه يعمل وعدم
التدخل ،وسياسة الرتك ،االقتصاد املرسل وحرية العمل ،واحلرية االقتصادية .كما منهم من مساه
ومن املرتمجني من جعل الرتمجة احلرفية قاعدة مهمة ،من ذلك ترمجة املصطلح الفرنسي
Vaisseauب وعاء ،يف عبارة ،األوعية الدموية اليت يعتربها الكثريون خطأ ،ومنشأ اخلطأ برأيه ،أنه
2
عندما ترمجت الكتب الفرنسية املنتقاة فتش عن مقابل لكلمة Vaisseauوجدت كلمة وعاء)).
فأخذت حبرفيتها يف حني أن كلمة(عرق) العربية هي اليت تؤدي املعىن املقصود ،وأيضاً كلمة
1
- matysset heinz(1989) handbuch der notizentedrnik fur dolmescher teil i heidelberg
groos.S.S 145 – 175
- 2د .مجيل املالئكة -املصطلح العلمي..م.س.ص 91ينظر -:شحادة خوري.166
151
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
Cadreحرفياً إىل إطارات ،يف حني أن املعىن املناسب هلا هو(:املالك 1 )).لكنين أالحظ بأن أسوأ
أشكال الرتمجة احلرفية ،تلك اليت تقرتب من الداللة العربية للمصطلح ،كعبارة الصحافيني املتداولة،
تغطية األحداث كوهنا ترمجة حرفية ،تؤدي إىل عكس ما يراد منها ،الذي هو نشر األخبار ،وهكذا..
ذلك ألن املراسل الصحفي ال يغطي أخبار جهة ما ،بل يكشفها وينشرها .وعلى كل حال،
ولتحديد معىن الرتمجة احلرفية البد هلا من أن تتفق مع السياق أي سياق احلديث ،وال يصح غري
ال نستطيع ترمجتها حرفياً وهي (( الدم البارد )) يف سياق علمي ،فال يصح القول عن ((
احليوانات ذوات الدم البارد )) وهي اليت تتغري درجة حرارهتا وفق احمليط الذي تكون فيه ،بأهنا
حيوانات رابطة اجلأش أو ثابتة اجلنان 2))..وكلمة Shopاإلنكليزية اليت جيب ترمجتها حرفياً يف
3
سياق جتاري ب (( دكان أو حانوت )) قد تكون ترمجتها يف سياق هندسي ب :مشغل))..
غري أنه قد تتوافق الرتمجة احلرفية والرتمجة باملعىن ،وذلك إذا كان وضع املصطلح يف لغته األصلية
تسمية باملعىن ،فاملصطلح اليونان Knikos :الذي وضع له العرب القدماء املصطلح الفلسفي((:
4
جند بأنه اتفقت فيه الرتمجتان احلرفية واملعنوية ،ألن أصحاب تلك الفلسفة كانوا الكلبيون)).
152
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
مع كثرة النعوت املعطاة للرتمجة ومع كثرة أنواعها ،البد من الرتكيز توافقاً على القول (الرتمجة
السياقية) باعتبارها أكثر دقة من :الرتمجة بباقي األنواع الرتمجية .إن اللغة األملانية متتلك خاصية
Die klassichen ضمن كلمتني (األلياف الكيميائية): Fibres chimiqees الكلمة املوازية فهي
chemiefasern
153
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
يف بعض الرتمجات ،يتم استعمال معان تقنية وحرفية .يف هذه احلاالت ،جيب استعمال املعان
املطابقة يف لغة الرتمجة .إذا وردت كلمات جديدة ،جيب وضع الكلمة باللغة األصلية بني هاللني بعد
الرتمجة.
تعتمد الرتمجة باملعىن يف أغلبية حاالهتا املعروفة ،على كل تركيب إضايف يلتصق بكلمة األصل
سواء كان يف بدايتها أو هنايتها ،حيث يصبح تركيباً إضافياً أو وصفياً يؤدي املعىن املقصود الذي يريده
املرتجم فمثال :فاملصطلح Hypersensibilitéجنده مؤلفا من السابقة Hyperاليت ترمجت بفرط أو
زيادة ،ومن الكلمة األصلية Sensibilitéواليت معناها احلساسية ،فتكون ترمجة هذا املصطلح فرط
احلساسية 1)).وقد جاءت تركيباً إضافياً أما املصطلح Colloïdeمؤلف من اجلذر colleالذي يعين
اليت ترمجت إىل(شبه) ،فصارت ترمجة املصطلح (شبه غرائي ،ومثلها Oide (غراء) ومن الالحقة
املصطلح Géotropismeتُرجم بتأود أرضي ،تركيباً وصفياً ،ألن السابقة Géoتدل على األرض،
والكلمة األصل Tropismeمعناها التأود أو االحنناء .مع أن هذه الكلمة األصل استعملت الحقة
2
يف مثل thyroïdismeمبعىن :تأود جدول Phototropismeمبعىن تأود ضوئي)).
ومن ترمجة اللواصق باملعىن ما ذكره املهندس اجملمعي -وجيه السمان فيما يتعلق برتمجة
154
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
1
مكشاف)). .
لقد ظهرت املختصرات يف بعض اللغات األجنبية ال جياز أمساء أجنبية أصلية طويلة ومؤلفة من
عدة كلمات مبدلول خمتصر يلفظ بكلمة واحدة .حيث يصعب استعمال هذه الكلمات جمتمعة
الواحدة ،جلأ املختصون إىل التعبري عن تلك باصطالح كلمة جديدة مركبة من أوائل الكلمات اليت
فبدالً من القول جهاز Radio détection and rangig :الكشف وقياس األبعاد بالراديو
أي(:الرادار املأخوذ من أوائل كلماته األجنبية .ومن هذا القبيل وحبكم التقنيات املكتشفات اجلديدة
اليت ظهرت يف عصرنا احلال ازدادت هذه املختصرات مما استدعت الضرورة إىل مجعها يف قاموس
وعلى هذا املبدأ ،أطلقت بعض املؤسسات العربية على نفسها امسا خمتصراً من أوائل حروف
امسها مع تغيري يف مواقع بعض احلروف ،مثل كلمة(سانا) اختصاراً لعبارة (وكالة األنباء السورية)
1
-Salvesky heidemarie (1986) problem des simultandolmetscens eine studie zun
handlandungspeziefik linguistisch studien reiche 184-berlin akademie der wissenschaften der
ddr / zentralinstitutfin sprachwissenschaft.s. 198
155
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
لقد حاول البعض ربط هذه الظاهرة اللغوية املعاصرة بطريقة العرب القدماء باختصار حروف
(( صلى اهلل عليه وسلم )) .ومن املختصرات يف تراثنا العريب اإلسالمي ربطها بظاهرة النحت عند
القدماء مشبهاً إياها باحلوقلة ،والبسملة ،ومن جهة أن املنحوت يكتب ويلفظ ككلمة مستقلة
1
وتامة))..
جلأ كذلك بعض املرتمجني إىل استعمال هذه املختصرات مبعانيها فقالوا يف DC :التيار
املتواصل ،ويف Ac :التيار املتناول ،ولكن األغلبية نزعت إىل تعريبها لفظياً فقالوا :نظام ( بال )
غري أنه مل يعثر على من دعا إىل ترمجتها مبختصرات عربية منحوتة ولعل مرد ذلك إىل الغموض
الذي قد يتصف مبثل هذه الكلمة ألهنا ليست معتمدة على جذر عريب ،كما ال توافق البنية الصوتية
العربية ،ولنأخذ مثالً (( وكالة الفضاء األوروبية )) فإذا اعتمد حنت خمتصر عريب هلا لقيل (( وفاء ))
غري أنه قد يوجد رأي يرجح ترمجتها مبعانيها أو توليد مصطلح جديد هلا .ولكن
ميكن األخذ باملختصرات النحتية إذا كانت مما يستساغ يف العربية ككلمة (( محاس )) خمتصر
عبارة ((:حركة املقاومة اإلسالمية )) أو كلمة (( فتح )) خمتصر (( حركة التحرير الفلسطينية )) مع
- 1لقد سيطرت الرتمجة الشفهية مبفهومها الغريزي والواقعي حىت عصر النهضة ،ومنذ ( 400سنة) بدأ يظهر اهلوس وامليل
املتنامي للكتابة فرتكز يف أفكارنا وأعمالنا حىت أوصلنا إىل قناعة شبه تامة بأن كلمة (املرتجم) هي خلق جديد استنبطت خالل
القرن السادس عشر من قبل(أتيني دوليه )Etienne Doletالذي أراد هبا تثبيت واقع جديد .ينظر شحادة خوري الرتمجة
قدمياً وحديثاً .ص 156ود .حممد مجيل اخلان .املصطلحات العلمية ص95
156
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
1
تقدمي وتأخري يف احلروف))..
وإشكاالهتا دعي احتاد اجملامع العربية اللغوية إىل عقد ندوات متتابعة إلقرار الصيغ النهائية هلا ،وعلى
أية حال فقضية املختصرات والرموز هي مسألة تعليمية اقتصادية أكثر مما هي مسألة لغ وية.
يف املؤمترات والندوات العاملية .ويف املؤمتر التقين تتابع الندوات ،ويف كل اجتماع ندوة يتتابع
املندوبون إللقاء احملاضرات ،للسؤال واجلواب ،وللنقاش ،فاملوضوع إذاً ال يقتصر على طرح واحد وال
على شخص واحد ،لذلك واخلاصة األوىل اليت جيب أن يتميز هبا املرتجم هي جاهزية الفكر والفاعلية
2
يف إمكانية السيطرة على لب املوضوع وأهليته)).
ليس نادراً أن نشاهد بعض املرتمجني يرددون أقواهلم أو خطاباهتم دون إلقاء نظرة جدية على
فحواها ،حىت أننا نلمس لدى البعض من فحوى تلك اخلطب املواربة والظالل والتفرد جبميع
االنثناءات الصوتية حىت خمتلف التلعثمات اليت تؤثر على صياغة الفكرة والضرب على الوتر ،أما كل
خطوة خاطئة ومغلوطة يسلكها املرتجم تنايف األثر األديب تعترب مميتة وتضر باملسار الكوميدي ويف
1يتمثل العمل الدبلوماسي يف لفظ كالمي سريع يتم دون التأثري على حترك ومسرية املتحدثني ،فلدى مساع الدبلوماسي إىل املرتجم
يشاهد بالوقت نفسه حركات نطق لكلمات بلغة خمتلفة جيب القيام هبا بالطريقة والسرعة املناسبة ،ويف الوقت الذي يكون فيه
الدبلوماسي غري مقيد ،عليه أن يلقن لفظته بوقت متزامن فعالً بني نصه احملكي واملرتجم ،وبني النص األجنيب واحملكي أيضاً ،فإن
هذه الطريقة يف التلقني ,تبقى دوماً يف العملية الرتمجية مكبوحة ومقيدة بضرورات ميكن تسويتها بالتزامن.
- 2مصطفى الشهايب .املصطلحات العلمية .ص 124
157
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
1
املوضوع القصصي)..
وإذا أردنا احلديث عن تقنية الرتمجة وعن البحوث املتوازنة فيها نلمس واحدة من اخلصائص اليت
يتمتع فيها هذا الفن ،أال وهي االنتقال من لغة إىل أخرى ،لكن جيب أن يكون هو االنتقال طبيعياً
وقد ال يكون ذلك سهالً عندما تكون الرتمجة سريعة التبدل وهي اليت نسميها الرتمجة الفورية،
لسرعتها ومباشرهتا 2)).وقد انتشرت يف أيامنا هذه أكثر فأكثر ،بينما جند اخلطيب يتحدث يف
الصالة أمام املذياع ،واملرتجم يتواجد يف غرفة(كابني) ختميد رنني الالقط Microوقد استقبل الكالم
فيرتمجه آنياً ويتلوه أمام امليكرو املتصل مع املستمعني الذين حسب رغبتهم ينكبون على
السماعة املتصلة باخلطيب أو على عدة مساعات تقوم بالرتمجة من لغة من اللغات ،الفرنسية أو
3
اإلنكليزية أو األملانية ،أو الروسية اليت مجيعها باألساس مرتبطة مع املنصة))..
4
إن اللغة اإلنكليزية تضع الصفة واسم املوصوف يف ترتيب خيتلف عما هو يف اللغة الفرنسية)).
فإهنا تقذف باألفعال إىل آخر الكلمات التابعة ولكن هل ميكن التغيري يف مثل هذه الرتاكيب بالسرعة
اآلنية ،باحلقيقة تنتهي هذه الصعوبات إىل املتاعب واملضايقات ،ولكن ال شيء يبدو مستحيالً ،ألنه
من لغة إىل أخرى تصبح املسافة كبرية ،وتكون احملاولة متكررة ،فال يوجد أي حتليل لغوي مستثىن من
158
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
من جهة أخرى ،يصعب الوصول إىل التزامن اآلل ،وال ميكن اغتنام أية فرصة لتداركه ،ألنه
سيكون حينئذ من احلماقة تتبع الكالم كلمة كلمة بني مجل خمتلف اللغات .فبني اخلطيب واملرتجم
حيدث بعض اخلالفات اليت أحياناً قد تتعرض للتأخر أو السبق 1)) .وغالباً ،لسبب أو آلخر يفصل
املرتجم انتظار مجلة أو إعالن للبدء بالرتمجة ،ولكن هل هذا االنتظار يسهل مهمته ،ألنه عندما يعيد
ما قاله اخلطيب مرتمجاً ،يكون هذا األخري يف حالة استمرار الكالم ،عندها يصبح املرتجم يف موقف
يضطر خالله مساع الكالم الالحق الذي يتحدث به اخلطيب ،كذلك التفاوت املعاكس سائداً أيضاً،
ألن العادة أن يصادف املرتجم الذي أهنى مجلته املرتمجة قبل صمت اخلطيب ،قد وجد أمامه من
جديد الكلمة الالحقة اليت تصل إليه ببطء حىت يقوم برتمجتها .هل يف هذا نوع من احلدس والعرافة؟
2
بال شك يف أننا قد أدخلنا هذه الكلمة دون تناقض أو هتكم)). .
تقضي الفطنة أن نتذوق يف كل كالم جزءاً من التنبؤ أو العرافة ،فعندما نقرأ صفحة مطبوعة،
من املفهوم السائد أن العيون قد ال تقرأ بدقة كل حرف يف الكلمة ،وهذا أمر عادي لكل فكر)). .
3ألنه ال يستطيع الرتكيز على اجملموع عندما تتوارد عليه بسرعة معطيات جمزأة ومكثفة ،والشيء نفسه
حيصل عندما جترى متابعة الكالم احملكي ،حيث يصعب تسجيل كل مقطع على حدة ،وذلك
- 1ينظر شحادة خوري الرتمجة قدمياً وحديثاً .ص .117.ود .حممد مجيل اخلان .املصطلحات العلمية ص98
- 2إن مفهوم كتابة املعىن منهجيا ,أصبحت حتيل إىل قضايا متشعبة منها التأليف ومنها التأويل النقدي ومنها فاعلية القراءة
( )Lectureومنها تداخل النصوص مع مالحظة أن أسلوب النص األصلي يتسم خبصوصية املؤلف الذاتية املتميزة ،وتبدو العالقة
بني النص والكتابة من جهة على أن الكتابة هي جمموعة من األعراف والتقاليد والشفرات املؤسساتية اليت حتدد نص املؤلف عن
طريق خضوع نصه هلذه القوانني ،وبذلك يعد هذا اإلطار "أدبية النص ويعطيها مشروعيتها بقدر التزامها بقوانني املؤسسة .ودخول
النص إىل هذه املؤسسة ينهي حرية مؤلفه ،وتضبط املؤسسة معانيه وتؤثر عليه وعلى طروحاته وطريقة تأويله والتعامل معه ،ذلك
هو املعىن ينظرImbertot Eco. La structure absente p64 :
- 3مصطفى الشهايب .املصطلحات العلمية .ص .77
159
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
إلمكان مساعه وفهمه يف بعض العبارات مثل (( :األمم املتخلفة )) أو (( الربنامج املوسع حتت
1
اإلشراف التقين لألمم املتحدة))..
يف هذه احلالة السريعة واملتالحقة ،فإن :حوال ( ) 10العشر أو العشرين جزء من الشروحات
2
تقدم (( الكلمة اجلوهرية )) دون احتمال الوقوع باخلطأ)). .
ومبوجب حساب تقرييب ،ميكن أن نستدل على باقي القيم العددية بعد قياس ما وصفناه من
التخمني والكهانة :ففي املثل املذكور ،جند بوضوح أن مقاطع آخر اجلملة (( األمم املتحدة
) قد جتدد (( مائة يف املائة )) من قبل ما سبقه ،ويف اجلملة (( الربنامج املوسع Nations unies
3
حتت اإلشراف التقين )) أي بالتعبري الفرنسي قولنا)).:
فإن املقاطع الثالثة األوىل جتر بالضرورة السبعة مقاطع اليت تتبعها ،وهذا االستنتاج ظاهر يف
صيغ بسيطة يف مثل هذا النوع ،الذي يفسر مفهوماً وحيداً يتكرر باستمراره ولكن يف غضون
املناقشة ،أو اجلدل جندها ذيوالً وأهداباً من االستدالالت الكاملة اليت يتكرر ظهورها بشكل متواتر،
4
ألن املرتجم يعرفها خالل وجوده يف معمعة احلديث أو املناقشة)). .
- 1د .عبد الكرمي اليايف .دراسة بعض املصطلحات الفنية.جملة جممع دمشق .ح166 :1/56 :
- 2ينظر :لطيف زيتون .حركة الرتمجة يف عصر النهضة -صص 93 -91وينظر :أدمون كاري/كيف ترتجم /ص53 -51
املصدر نفسه.
- 3مصطفى الشهايب .املصطلحات العلمية .ص 58
- 4د .حممد رشاد احلمزاوي -املنهجية العامة لرتمجة املصطلحات م.س.ص97
160
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
أما حنن عندما نسمع املبادئ األوىل لتقرير معروض علينا يف املباشر أن نقرها بعد أن نستكملها
بذهننا ألنه يتوجب على املرتجم أن يتمتع حبيوية ومبعرفة متقدمة واعتداد نفسي ،وجدية يف التحضري
للمبادرة ،وأن يكون ذهنه متحفزا دوما ،وكفيل بعدم إمكان تشويش هذه اخلصائص من لدن بنات
واملالحظ هنا ،وجود عملية مميزة ميكن تسميتها (( بامليسر )) تتناول مسألة ((التخمني ))
Guess wordحبسب الكالم اإلنكليزي املأثور ،وهو إذا وجد مقطع ميكن متاثله مع املقاطع
1
التسعة الالحقة)). .
فيكفي غالبا انتقاص الكلمة اجلوهرية اليت تسمى يف الفرنسية بالكلمة املفتاح ` Cleحىت
يستطيع أن يرسخ يف فكره معىن اجلملة الطويلة اليت تتبخر كلماهتا يف اهلواء لدى مساعها ،وهذا كله
يعود إىل نوع من العرافة اليت جيب أن يتمتع هبا مرتجم املؤمترات ضمن انطالقة دقيقة ومنظمة
ومعقولة.
ولكي نتمكن من توصيل هذه األفكار املهمة واملنهجية ،سأعطي جمموعة من األمثلة :ذلك إن
مجلة Assistance techniqueاليت تعين احلضور التقين للمرتجم ،واليت يكفي أن يسمع جزء من
مقتطفاهتا حىت ميكن إعادة تركيب العبارة بكاملها أما إذا أضاف احملاضر كلمة أخرى على اجلملة
أي (( برنامج احلضور التقين )) فإن The technical assistance programme بقوله باإلنكليزية
صمتاً مباغتاً ميكن أن مينع املرتجم من التمسك مبكراً يف برنامج احلضور التقين ،فال بد إذاً من إضافة
161
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
Les fonds الكلمة أسس Fundsتبعاً لذلك عندما تصبح اجلملة باللغة الفرنسية على النحو التال
1
أي أسس برنامج احلضور التقين). du programme d`assistance technique
لنتصور مقدار اخلطأ إذا لفظ احملاضر اجلملة هكذا (:احلضور التقين ) يصمت مث يقول :برنامج
( يصمت ) مث يقول :أسس ،فليس أمام املرتجم إال التلعثم لوجوب تصحيح اخلطأ املستقرأ بسبب
2
هذين الصمتني أو لنقول (:الوقفتني ) اخلاطئتني)..
هل هناك صعوبة يف التسلسل اللغوي ،نعم ميكن االعرتاف بوجود قسم منه ،ولكن احلقيقة ،مل
تأت هذه الصعوبة مل تأت من الرتمجة للكلمات اإلنكليزية ولكن من احملاضر الذي أوجد قطعاً أو
صمتاً يف تالوة عبارته وترددا يف تسلسل فكرته األم الذي اضطر املرتجم إىل تصحيح اخلطأ
3
واإلفاضة))..
حىت يف هذه احلالة ،على املرتجم أن ال يفقد األمل أو أن ينكمش جملرد عارض مفاجئ فإن
الرتدد والتلعثم يف الصوت بعد نطق كلمات(احلضور التقين) مث الصمت مث مساع كلمة منهاج وأخرياً
الصمت األخري قبل التفوه بكلمة أسس اليت سبق ذكرها كل ذلك مل يؤثر باملرتجم اجليد كما مل
يُغيّب حدة الذهن ،خصوصا وأنه يعرف جيدا بأن العملية الدبلوماسية شاقة ومحالة أوجه ،فقد جيعل
- 1أالن بالنيت .مبادئ يف الدبلوماسية .الفصل األول .الدبلوماسية والثقافة.ترمجة :نور الدين خدودي .دار األمة للطباعة
والنشر .ط .1998/.1ص 255
- 2د .حممد مجيل اخلان .املصطلحات العلمية.م.س / .ص125
– 3نفس ه ص127.
162
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
إن االعتبارات اللغوية احلقة جندها هنا متر بالرتتيب الثان ،ويف سبيل إتقان الشرح والتفسري قبل
فعندما جيد املرتجم نفسه بعيداً عن االختزال ،عليه أن يتمتع بالرياضة الفكرية اليت تساعده
على النقد الصحيح لتسلسل ترمجاته املتتابعة ،وأن يبتكر الكالم الذي قد يدوم نصف ساعة أو
ساعة أو ساعتني حبيث ميكن تكراره أدبياً ولغوياً بلغة أخرى ،ألن مثل تلك املبادرات تشبه اإلقالع
من قفز إىل قفز ،ومتطيط يف الكلمات وكأنه يقوم بعملية رياضية.
وذلك ألن لغة اخلطاب الديبلوماسي تتميز عن غريها من اخلطابات بأهنا متتلك سلطة أقوى
على املتلقي ،و تأثريا أكرب المتالكها الوسائل اليت جتعلها يف هذه املكانة ،وجتعلها بذلك خطابا
إقناعيا بشكله و مضمونه" ،2فاللغة هنا ديبلوماسية عميقة الداللة ،حبيث تأيت عبارة عن جمال
إلظهار القدرات الشخصية يف االستقراء وحسن التسيري وحتقيق مصاحل شخصية أو عامة أو درء
مفسدة باستعمال قوة الكلمة واألسلوب والتحكم يف اللغة ،ومن هذه اخلصائص:
.1أن لغة اخلطاب الديبلوماسي قد تعاجل أهم املشاكل والقضايا على املستوى الداخلي
– 1ينظر :د .حممد رشاد احلمزاوي -م.س.ص 127وينظر :د .مجيل املالئكة -م.س .ص107
-2راضية بوبكري،مرجع سابق،ص.99
163
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
.2كوهنا هتتم بالقضايا اليت تساهم يف صنع القرارات الفاعلة يف اجملتمع ،حبيث يبقى مرتبطا
.3خلطاب الديبلوماسي يرتبط بالسياسة اليت متده بأهم املضامني واألفكار ،وببعض القضايا
.4أهنا هتدف إىل التعبري عن وجهة نظر صاحبها ،فهو يلجأ إىل األسلوب السهل الذي جيعله
.5اللغة الديبلوماسية توظف الضمري حنن ألنه حياول إبراز الذات املتكلمة وحياول أن خيلق
.7ترتبط اللغة الديبلوماسية باملوقف الذي صنعت من أجله والظروف والتغريات الواقعة واليت
جاءت لتعرب عنه ،ومبجرد أن ختتفي هذه الظروف ختتفي اللغة وتفقد قوهتا.
.8حتظى جبمهور كبري ،وخيتلف املتلقي هلا من حيث كوهنا متلق مقصود من اخلطاب أو
مستمع للخطاب ،أو مباشر وغري مباشر ،أو داخلي أو خارجي حبسب الشأن الذي قيلت
2
فيه.
حبسب هذه املميزات اليت جتعل اللغة الديبلوماسية بارزة بشكل ظاهر ،فإهنا ومن خالل ما
تستمده من سلطة حتاول أن تكون األكثر تأثريا وإقناعا ،قائما على قضية أو موقف ما ،يريد من
164
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
خالهلا توصيل ألكرب قدر من اجلمهور ،حماولة إقناعه بأن هذا هو الصواب ومستبعدة اآلخر ،وبالتال
فهي أسياسية يف كل عملية ترمجية ،حتظى خبصوصية عن غريها من اخلطابات ،الرتباطه بالتغريات
اجلارية على الساحة و مبا متتاز به من ديناميكية جتعل منها مستمرة منتظرة ذلك اجلمهور الواسع
واخلاص ،وبالتال فإهنا تؤدي عمال سياسيا جيب أن ميتلك تلك امليزات ،ألنه حباجة للتأثري يف اجملتمع
أكثر من غريه.
وهلذا السبب ولغريه جتد املرتجم يبذل جهودا جبارة من لغة إىل لغة ،ليثبت متكنه ،أو ليعطي
للسانه تلك الطالقة اليت تساعده على العمل املتواصل ومن هذا املنطلق أن يظهر نفسه أهالً
لتصويب وتصحيح ما هو واجب .فمثالً :عليه أن يتحدث بطالقة وأن حيسن اخلطابة ،أن يظهر
بعض املواقف الكوميدية ،وبنفس املعىن ،أن يكون له حضور ذو مطلع حسن مع قابلية استقبال
جذابة ،وفوق كل ذلك أن يكون قابالً لالقتداء بالشخص الذي يتحدث عنه.
وكذلك الشأن يف املؤمترات التقنية ،حبيث جيعل املسائل تتابع ،وتكون الندوات كذلك
متالحقة ،ويف كل اجتماع ندوة ،تقنية يتتابع خالهلا املندوبون إللقاء احملاضرات ،أو للسؤال واجلواب،
1
وللنقاش) .
فاملوضوع يف هذه احلال إذاً ال يقتصر على طرح واحد وال على شخص واحد ،لذلك واخلاصة
املتميزة اليت جيب أن يكون عليها املرتجم هي جاهزية الفكر والفاعلية يف إمكانية السيطرة على لب
165
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
املوضوع وأهليته 1)) .خصوصا وأن الدبلوماسية تقتضي النباهة والفطنة والتحضري اجليد لكل طارئ
قد يطرأ.
إذ ليس نادراً أن نشاهد بعض املرتمجني يرددون أقواهلم أو خطاباهتم دون إلقاء نظرة جدية على
فحواها ،حىت أن االرجتالية تبلغ هبم حد اإلعجاب ،وحىت أننا قد نلمس لدى البعض من فحوى
تلك اخلطب املواربة والظالل والتفرد جبميع االنثناءات الصوتية حىت خمتلف التلعثمات اليت تؤثر على
2
صياغة الفكرة والضرب على الوتر)) .
أما كل خطوة خاطئة ومغلوطة يسلكها املرتجم تنايف األثر األديب وتعترب مميتة وقد تضر باملسار
الدبلوماسي للمؤمتر ،وإذا أردنا احلديث عن تقنية الرتمجة الدبلوماسية ،وعن أهم البحوث املتوازنة فيها
نلمس واحدة من اخلصائص اليت يتمتع فيها هذا النوع الرتمجي ،أال وهي االنتقال من لغة إىل أخرى.
إنه االنتقال الذي جيب أن يكون هو طبيعياً بكل ما للكلمة من معان ،وقد ال يكون ذلك
سهالً عندما تكون الرتمجة سريعة التبدل وهي اليت تدعى ( الرتمجة الفورية ) واليت انتشرت يف أيامنا
هذه أكثر فأكثر بني املتحادثني دبلوماسيا ،بينما جند اخلطيب يتحدث يف الصالة أمام املذياع،
واملرتجم يتواجد يف غرفة منعزلة تسمى الكابني ،ألهنا تساعد على إمخاد رنني الالقط Microوقد
يصله الكالم عن طريق السماعة ،فيرتمجه فوريا وآنياً ،حبيث يتلوه أمام امليكرو املتصل مع املستمعني
3
يف املباشر)) .
- 1ينظر :لطيف زيتون .حركة الرتمجة يف عصر النهضة -صص .93 -91
- 2أدمون كاري -كيف جيب أن ترتجم ص76
- 3د .حممد مجيل اخلان .املصطلحات العلمية.م.س / .ص77
166
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
وقد يكون هؤالء املستمعني الذين حسب رغبتهم يصلهم الصوت على السماعة املتصلة
باخلطيب أو على عدة مساعات تقوم بالرتمجة األملانية أو اإلسبانية ،اليت تكون مرتبطة باألساس مع
املنصة.
وهنا قد يتوقف املرتجم عند اصطدامه بالعديد من الصعوبات اليت تشغله واليت هي يف األصل
مسائل لغوية ،أي من ترتيب لغوي حبت ،ذلك ألن اللغة اإلنكليزية تضع الصفة واسم املوصوف يف
ترتيب خيتلف عما هو يف اللغة األملانية ،أما األملانية فإهنا تقذف باألفعال إىل آخر الكلمات التابعة
باحلقيقة تنتهي هذه الصعوبات إىل املتاعب واملضايقات ،ألهنا دبلوماسية سياسية أوال ولكن ال
شيء يبدو مستحيالً أمام املرتجم اجلاد ،ألنه من لغة إىل أخرى قد تصبح املسافة كبرية ،وتكون
احملاولة متكررة ،فال يوجد حتليل لغوي مستثىن من اخلطأ أو عرضة للتوقف ،ومن جهة أخرى ،يصعب
الوصول إىل التزامن اآلل ،وال ميكن اغتنام الفرص لتداركه ،ألنه سيكون حينئذ من احلماقة تتبع
1
الكالم كلمة كلمة) .
إهنا يف حقيقتها بني مجل خمتلف اللغات املتنوعة ،ألهنا عبارة عن مواقف دبلوماسية ،مث بني
اخلطيب واملرتجم قد حيدث بعض اخلالفات اليت أحياناً قد تتعرض للتأخر أو السبق أثناء احلديث،
وغالباً لسبب أو آلخر يفصل املرتجم انتظار مجلة أو إعالن للبدء بالرتمجة.
167
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
ولكن هل هذا االنتظار يسهل مهمته ،ألنه عندما يعيد ما قاله اخلطيب مرتمجاً ،يكون هذا
األخري يف حالة استمرار الكالم ،عندها يصبح املرتجم يف موقف يضطر خالله مساع الكالم الالحق
الذي يتحدث به اخلطيب ،كذلك التفاوت املعاكس قد يكون سائداً أيضاً ،ألن العادة أن يصادف
املرتجم الذي أهنى مجلته املرتمجة قبل صمت اخلطيب ،قد وجد أمامه من جديد الكلمة الالحقة اليت
هل يف هذا نوع من احلدس والعرافة..؟ بال شك قد أدخلنا هذه الكلمة دون تناقض أو هتكم،
تقضي الفطنة أن نتذوق يف كل كالم جزءاً من التنبؤ أو العرافة ،فعندما نقرأ صفحة مطبوعة ،من
املفهوم السائد أن العيون قد ال تقرأ بدقة كل حرف يف الكلمة ،وهذا أمر عادي لكل فكر ،يف الوهلة
1
األوىل ،من حيث املعلومات املستجدة ،وقد حيدث ذلك يف التصرحيات اجلديدة).
أما املالحظ فيسمع األوىل كالم دبلوماسي ،معروف مسبقا يف عامل السياسة والتصرحيات لكن
علينا أن نقر بعد أن نستكمل تلك العملية الذهنية ،ألنه يتوجب على املرتجم أن يتمتع حبيوية ومبعرفة
حتتل الرتمجة التقنية يف أيامنا هذه حيزاً مهماً يف عامل الرتمجات املتطورة ،ذلك ألهنا جتعل املرتجم
يعتمد على ما يتضمنه عمله بالنسبة للنصوص التقنية ،الدبلوماسية خصوصا فما هي أنواع تلك
- 1ينظر :فوزي عطية حممد ،علم الرتمجة ,ص 193ينظر :د .حممد عجيبة :م.س ،ص.231 .
168
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
حيث يسمح بتجزئة الثقل على كل خيط من اإلطار .وقد نتج عن ذلك وفرة يف اخليط
ومتاسك بني األلياف قوي جداً ،مكن من صد الصدمات اليت حتصل أثناء الطريق .إن الليف
االصطناعي ذات القدرة العالية اللزوجة والتماسك تستخدم ألجل عقب إطارات اآلليات ذات
احملرك ،إن إدراج مثل هذا النص يعترب عملة دارجة يف احلقل موضوع اهتمامنا هنا ،حيث ال ينتج عنه
أية صعوبات ،أما الدراسة السريعة اليت أجنزت يف هذا املضمار تكشفت عن بعض خصائص العمل
1
الذي يقع على عاتق املرتجم الواقع وجهاً لوجه جتاه ما يعرتضه) .
وما يتبادر إىل الذهن هو أن هذا املرتجم جيد نفسه ملتزماً مبراعاة األصل ضمن فكرة أو طريقة
هي باألساس خمتلفة عن املبدأ الذي حيرك املرتجم يف النصوص األدبية .ويف هذا اجملال جيد مرتجم
النصوص التقنية نفسه طليقاً وحمرراً يف كل ما يتعلق باألمور العملية ،من كل خلل يف الشكل الذي
يرتفع عنه زميله املرتجم للنصوص األدبية .فهو مل ينحت أو يسلك عظمة النص وال اإليقاعات
واألوزان الرنانة اليت يسلكها مرتجم الشعر ،كما هو بعيد عن تنوع التفسريات ،حىت أنه يغتاظ إذا مل
يسلك مؤلف آخر نفس الطريقة ولكن بعبارات مطابقة )). 2
ضمن النص الذي قرئ يوجد كلمة ،بشع Rayonneففي مجيع القواميس تكتب باإلنكليزي
ولكن يف الكالم احملكي حتمل هذه الكلمات Kunsteide أو Reyon Rayonوباللغة ألملانية
3
معان مغايرة سواء باإلنكليزية أو باألملانية) .
- 1أمحد شقرون .الرتمجة التقنية ومشكالهتا .جملة املرتجم العدد .3أكتوبر ديسمرب .2001ص63
– 2ينظر شحادة خوري الرتمجة قدمياً وحديثاً .ص .172.ود .حممد مجيل اخلان .املصطلحات العلمية ص125
3
– voir ADMIRAL ( J.E ) Traduire Théorèmes pour la tradition .p.14
169
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
أما يف اللغة األملانية ،من جهة ثانية ،فإن هذه الكلمة تتضمن عبارتني مميزتني حسب طول
1
Fibranneولكن ال يستعملهما بوضعهما الراهن إالّ يف األسالك الفحمية الدبقة)) .
أما إذا كانت األلياف مصنوعة على قاعدة (االسيتات) فتلفظ باألملانية (آزيتات) Azetat
دون االهتمام حبجم األلياف ،جامعاً حتت هذا اإلسم رايان االسيتات مثل فيربان االسيتات ،أما
اختالل املعان هنا ،فهي ختتلف عن اليت سبق ذكرها بالنسبة لإلنكليز ألن ترمجة الكلمات
.ou d’acétate
إن هذا التعداد يتوافق مع ما نسمعه يف الفرنسية بالعبارة النوعية اليت تطلق على األلياف
االصطناعية ،وجتاه ذلك يعطي القاموس اإلنكليزي هذه الكلمة معىن ما ماند res Manade feb
2
ولكن البد من احلذر)) .
وأما يف اللغة األملانية ،نعتقد بأهنا متتلك الرتمجة الكلمة املوازية وهي إىل حد قريب جداً من
العبارة اإلنكليزية اليت هي Man- made fibres:ما ( ماند فيرب ) فهي حسب شيميفاسرين
1
-Georges Mounin, Les problèmes théoriques de la traduction,. P 151
- 2إن املبدأ يف مواكبة مستوى اللغة املرتجم منها أخالقي بالدرجة األوىل ،مث إتقان املرتجم للغة اليت يرتجم منها-كفاءة املرتجم
يف سائر قواعد اللغة العربية من صرف وحنو وإنشاء واستخدام املفردات ،فذلك أساس الرتمجة وجوهرها ،وتقتضي األمانة من
املرتجم بذل اجلهد والعرق والتحري الدقيق يف كنه ما أورده املؤلف من أفكار واجتاهات ومن تورية وكنايات ،يذهب البعض بالقول
بأن الرتمجة ليست يف األصل إال مهارة من املهارات اليت ميكن اكتساهبا وصقلها وتطويرها .ينظر :لطيف زيتون .حركة الرتمجة يف
عصر النهضة -صص 125- 124
170
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
Fibres chimiqeesضمن كلمتني(األلياف الكيميائية) وإذا فسر ذلك مبا ال يتعدى :األلياف
االصطناعية فإن املرتجم عندها جييب Die klassichen chemiefasern :وأيضاً لكي يتحدث ذاكراً
النايلون والربلون وغريها عليه أن يضيف ،إهنا ألياف مائة باملائة اصطناعية تتوافق حسب املفهوم
1
الفرنسي مع األلياف الصناعية دون حتديد أية نسبة))..
ال يوجد أي قاموس له صفة مؤهلة إليضاح هذه املالبسات ،غري أنه ،جيب معرفة النص الذي
ميكن من تغيري كل شيء أو البعض من هذا الشيء إذا اقتصر األمر على التسجيل اآلل لبعض
الكلمات هلا متوازيات أخرى يف القاموس ،أو إعادة النظر هبذه املتوازيات عندما تكون خارج دائرة
2
احليطة يف دائرة القرينة)) .
على املرتجم للمواد التقنية أن يتمتع بذكاء حاد ميكنه التأكد من سري املوضوع الذي يعاجله،
وبإتباع هذا اخلط السليم ميكن لالختصاص واحلرفية أن تتجدد وتتوضح وتنظم كامل اجليل كما أن
البعض يرى من البداهة أن االختصاصي مبا لديه من التعمق يف التقنية يعرف كيف يرتجم ما هو
ويف مجيع احلاالت ،فإن إتقان اللغتني ليس باألساس ،واملعرفة اللغوية ال تكفي وحدها فالبد
من التقنية ،ولكن سواء كان املرتجم حمرتفاً أو مهندساً سبق له أن قام بالعديد من األعمال البد
للمتلقي من أن حيصل على عطاء فكري مثمر ،وعند انعدام تلك الفائدة املرجوة فليس أمامه سوى
- 1ينظر شحادة خوري الرتمجة قدمياً وحديثاً .ص .417.ود .حممد مجيل اخلان .املصطلحات العلمية ص112
- 2د .مجيل املالئكة -املصطلح العلمي..م.س.ص 91
171
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
االستئناس بعطاء الرتمجة الشامل املوجه للجميع ،بغض النظر عن فحوى التضاد الذي قد حيصل بني
والذي البد من مالحظته ،هو أن املقدار القليل املتواضع من املعارف املكتسبة يف احلقل التقين
ال متكن املرتجم -اهلاوي -أو احملرتف من اقتحام مجيع النصوص حىت لو كانت خاضعة ملعارفه .غري
أن بعض النصوص األدىن قيمة ميكنها بعد التقصي أن تكون حاملة لنوع من االبتكار كان سبباً
1
الستمرارها ،فما بالنا باملصطلحات الدبلوماسية )
وذلك على قاعدة احلكمة القائلة :إذا أبقينا معارفنا املكتسبة مغلقة ضمن احملفظة اجللدية أثناء
السفر ،لن نصل بالتأكيد إىل االستفادة من ومضة احلياة الراقية احلاملة لكل مفيد ،واملفروض
لذلك فإن شرط النجاح ،يستند قبل كل شيء ،أن تتوفر لدى املرتجم التقين قابلية االعتماد
على املراجع والوثائق باإلضافة إىل معارفه املكتسبة اليت متكنه من السيطرة والقبض عليها برؤية ثابتة
على كل جتدد -أو غموض -أو فوارق مستحدثة بالنسبة للماضي ،ويف هذه احلالة ينتظر من املرتجم
2
أن يكون متفهماً لكامل موضوع النص ومتمتعاً بالثقافة املؤهلة) ..
- 1إن املقصود بالعمل الدبلوماسي يف املؤسسات الدولية ،جيعلنا أمام ترمجة من لغة ما إىل لغة أخرى بواسطة الكلمات الناطقة،
وبذلك فالكالم احملكي بلغة األصل حيل حمله كالم آخر يف لغة أخرى ,بالوقت الذي خالله تبقى ترمجة املكتوب على حاهلا دون
تغيري ,على العموم ودون أي تدقيق ,جيد اإلنسان نفسه أمام نوع من الرتمجة اليت هلا عالقة بالرتمجة األدبية ،واليت ختضع إىل معايري
وصيغ حتمية يف منتهى الدقة ،ضمن نطاق دبلوماسي ،وإىل تكهنات حتمل رد فعل القراء واملستمعني على السواء.
- 2ينظر :لطيف زيتون .حركة الرتمجة يف عصر النهضة -م.س /.ص 75
172
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
وال بد من ذكر مغامرة هذا املرتجم الذي باهتمامه خبواص معادن الفحم قد أفسد التعبري خبلطه
جهاز مستعمل يف اآلبار يعمل بعمق وبشكل عامودي مع جهاز آخر حتمل أملانيا مماثالً ولكنه
يستخدم يف اإلنفاق بتنقل أفقي وليس بعامودي ،وقد نتج عن ذلك حتول من تسعني درجة تناولت
مجيع الوقائع الواردة يف النص ،ولكونه انطلق مبقدمة خاطئة استعان من جهة أخرى مبعارفه املكتسبة
إلصالح ما بدا له خمالفاً ،غري أن النتيجة كانت فاشلة ولكن هل تعزى إىل نقص املعلومات أو إىل
1
أعم من ذلك)) .
رداءة تفهم واستيعاب املعلومات التقنية أو ما هو ّ
أما اإلملام باللغات وخاصة منها إتقان اللغتني وإدراك فوارقها ودقائقها ،يبقى شرطاً أساسياً
وواجباً يف كل ترمجة سواء كانت تقنية أو أدبية فال جيب التفكري إال يف املظهر اللغوي الذي ال يدعنا
خنطو خطوة واحدة حذقة وماهرة يف عملية الرتمجة حىت وال يف اللمسات القانونية املستحقة خالل
كافة احلاالت النوعية ،ويف حال النقد الدقيق للمسات اخلاصة لكل من هذه األنواع الىت يتعذر احلد
منها ،ومن جهة أخرى فإن االعتبارات اللغوية توجب التمسك بعض الشيء بوحدة الرتمجة بصورة
2
عامة))..
أما فيما يتعلق باالختصارات ، Abréviationsإن قوانني إسو ISOحت ّدد بصريح العبارة:
جيب ترمجة االختصار بصورة مطابقة ،يف حالة عدم وجود االختصار املطابق ،جيب شرح االختصار
– 1ينظر شحادة خوري الرتمجة قدمياً وحديثاً .ص .172.ود .حممد مجيل اخلان .املصطلحات العلمية ص125
- 2د .مجيل املالئكة -املصطلح العلمي..م.س.ص 91ينظر -:شحادة خوري166
173
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
وخبصوص نقل أمساء املنظمات ،جيب أن يتم دون أي ترمجة ،باستثناء املنظمات اليت حتمل
أمساء رمسية يف عدة لغات مثل :االحتاد األوريب ،منظمة الصحة العاملية وهكذا .يف حالة وجود اسم
املنظمة الرمسي يف لغة واحدة ،جيب نقل ترمجة اسم املنظمة يف أول مرة مير فيها يف النص ،وجيب
وضعه بني هاللني .يف الفهرس ،جيب نقل اسم املنظمات باللغة األصلية وهكذا تتم العملية يف سياق
1
منظم)) ..
من املسلم به أن الكلمة يف اللغة العربية تتميز بعدم قابليتها لالنقسام أو التجزئة ،ولذلك فال
هو احلال يف اللغة اإلجنليزية واألملانية ،وإن وجدت فهي قليلة للغاية.
تأيت عن طريق ترك بعض حروف الكلمة أو استخدام األحرف األوىل من كل كلمة وعلى
سبيل املثال ،فإن Gهي اختصار لكلمة Gramيف أحد التعبريات عن الوزن،كأن يقال)) 3مثال:
"."25 g
– 1ينظر شحادة خوري الرتمجة قدمياً وحديثاً .ص .172.ود .حممد مجيل اخلان .املصطلحات العلمية ص125
2
- Holz- manttari justa (1984) : translatousheshandeln theorie und methode helsiinki
suomalainen triedeattemi. S.s 198 -215
- 3نبيل علي .الثقافة العربية وعصر املعلومات .عامل املعرفة 2001.ص.248وينظر :د .مجيل املالئكة -املصطلح
العلمي..م.س.ص 113
174
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
Countries
ويعترب هذا الشكل من أكثر املشاكل اليت تواجه املرتجم أثناء عملية الرتمجة ،خاصة إذا متت
كتابة هذه الكلمات األوائلية مبفردها ،أي بدون أن يصاحبها وجود الكلمة ككل قبلها ،أو سياق
2
مجلة)) .
175
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
من العرض السابق ،جند أن ظاهرة االختصارات أو الكلمات األوائلية هي ظاهرة تتميز هبا
اللغة اإلجنليزية .أما اللغة العربية ،كما سبق القول ،فال يوجد هبا مثل هذه الظاهرة ،وإن ُوجدت فهي
ت تليفون /ص .ب .صندوق بريد /كم كيلو مرت /سم سنتيمرت
1
وهكذا يظل وجود مثل هذه االختصارات يف اللغة العربية استثناء من القاعدة)).
أما ترمجة األمساء اجلغرافية فإن بعض األمساء اجلغرافية ،تكتب بعدة أمناط يف خمتلف اللغات
مثل ((:لوندرا ،لندن ،لوندين ،اخل ،))..وهناك آخرون هلم منط كتابة واحد ،يف هذه احلالة،ال جيب
مالئمة االسم بلغة الرتمجة ،ولكن ترمجتها كما هي .األمساء اجلغرافية ،جيب نقلها باللغة األصلية،
2
وترمجتها حرفياً)) .
أما املعلومات :فيجب حتديد تاريخ النشر باللغة األصلية يف الرتمجة يف حالة استعمال تقومي
خمتلف (على سبيل املثال :تقومي جوليان ،العربي ،العريب أو اليابان) ،جيب وضع التقومي يف لغة
أما خبصوص ترمجة الصحف واجملالت ،فباستثناء القليل من احلاالت واليت تتعلق بالصحف أو
اجملالت املتعددة اللغات ،جيب وضع العناوين فقط باللغة األصلية .حبيث ميكن ترمجة العناوين هذه
176
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
ال يُعترب مصطلح Pseudo translationمفهوماً جديداً ،حيث يُ ّرد ظهوره إىل (أنتون
ٍ
لكاتب ما أن ينشر عمله الذي خطته بوبوفيتش) الذي مساها ،الرتمجة اخليالية ،حني قال (( :ميكن
1
يده على أنه ترمجةً خيالية أي [ شبه ترمجة ] حىت يستقطب شهرةً جتوب اآلفاق)).
تلهف القراء ،وحياول هذا املؤلف أن يستخدم الفرقعة اليت حتدثها الرتمجة
فيستغل بفعلته تلك ّ
حىت يُعرتف بأدبياته ،ويف إطار نظرية النص ،ميكن تعريف شبه الرتمجة مبا يُسمى (( شبه نص
رتجم.
رتجم)) texte Meta quasiأي نص ميكن أن يُقبل على أنه نص ُم َ
ُم َ
إن العملية الرتمجية قد تبدو مستحيلة يف بعض األحيان ،وذلك العتبارات لسانية وحضارية
وفلسفية .كما يرى بلومفيلد Bloomfieldيف كتابه le langageأن الرتمجة غري شرعية نظريا
ومتعذرة عمليا ،و ذلك راجع إىل اختالف الثقافات واحلضارات املختلفة اليت حتافظ على قيمها
2
ومعارفها)).
وأن مثة صعوبة بالغة يف ترمجة النصوص اإلبداعية ( قصص -روايات -مسرحيات قصائد،
ونقلها من جماهلا املعريف واللغوي إىل آخره .وقد نبه اجلاحظ إىل هذا األمر قدميا .فأكد أن الشعر ال
177
أنواع الترجمات وكيفيتها في المؤتمرات الدولية الفصل الرابع
يُستطاع أن يرتجم و ال جيوز عليه النقل ومىت حول تقطع نظمه و بطل وزنه و ذهب حسنه وسقط
لكن األكيد هو أن الرتمجة نشاط ممكن التحقيق ،بل إنه يف وقتنا املعاصر ضروري للتنمية
ولإلقالع يف خمتلِف اجملاالت ،وخصوصا إذا علمنا أن العامل يعرف آالف املصطلحات سنويا و يف
شىت احلقول املعرفية؛ األمر الذي يدعو إىل ضرورة مسايرة هذا التقدم والرتاكم الرهيب ،وترمجته إىل
2
العربية لإلفادة منه)).
جدير بالذكر أن غالبية هذه األنواع الرتمجية تستعمل يف سفارة أملانيا يف اجلزائر ،ذلك ألهنم يف
حاجة ماسة إىل كثري من االتصاالت مع املتعاملني االقتصاديني ،ومع من يقومون بزيارات خاصة إىل
سفارهتم ،مث هناك التعامل اليومي مع طاليب رخص زيارة أملانيا ،إما للعالج أو للتعامل االقتصادي أو
لزيارات أخرى
ويف هذا اإلطار قدم معهد (( غوته )) خدمات جليلة إىل أنواع الرتمجة املختلفة اليت ميكن أن
تستعمل يف هذه احلاالت ،وخصوصا يف عملية تسهيل التواصل ،كما أن هذا املعهد قد خترجت منه
- 1د .حممد عجيبة :مقال" نظريات الرتمجة" ،ضمن كتاب " الرتمجة و نظرياهتا ،م.س ،ص .237 .وينظر :كاتف ورد :نظرية
لغوية يف الرتمجة،م.س ،ص97.
- 2مجاعة من الباحثني :الرتمجة و التأويل ،أعمال املائدة املستديرة الثالثة ،م.س.ص 115
178
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي
في ظل العولمة
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
توطئة:
مثلما ازداد مستوى التواصل بني األفراد يف هذا العصر ارتفع كذلك مستوى العالقات بني
الدول واحلكومات .وال شك أن الرتمجة ،التحريرية والشفوية ،تقومان بدوٍر مه ٍم يف إدارة تلك
العالقات وترسيخها واحلفاظ عليها ،فمن املعلوم أن رجال الدولة يفضلون احلديث بلغتهم واالستعانة
مبرتجم حىت إن كانوا جييدون اللغة األجنبية – لغة اآلخر .لذلك تساعد الرتمجة يف اجملال الدبلوماسي
على ضمان االرتقاء بالعالقات اخلارجية ألي دولة ،ومتكنها من إجراء مفاوضات إجيابية ومثمرة مع
الدول األخرى.
وعاد ًة يتم هذا النوع من الرتمجة داخل البعثات الدبلوماسية والسفارات والقنصليات ووزارة
اخلارجية ،ويف مكتب رئاسة اجلمهورية أو الديوان امللكي ،ويف مكتب رئيس الوزراء ،وكذلك داخل
وأهم املناسبات اليت حنتاج فيها للرتمجة الشفوية (الدبلوماسية) ،اليت اخرتنا أن نركز عليها هنا:
اللقاءات الثنائية ،الضيقة أو املوسعة حول طاوالت العمل ،واخلطابات واملؤمترات الصحفية وأثناء
املآدب الرمسية .ويزداد الطلب على املرتمجني الشفويني عندما يلتقي رؤساء الدول أو غريهم من
وإضافة إىل اإلملام التام باللغة األم واللغة األجنبية والقدرة على التعبري هبما بطريقة سلسة
وواضحة ،تتطلب الرتمجة الشفوية يف األوساط الدبلوماسية اطالع املرتجم بالتطورات السياسية
واالجتماعية واالقتصادية والعسكرية على مستوى العامل ،وبطبيعة القضايا اليت سيتناوهلا املتحدثون.
180
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
وعلى املرتجم أن يكون ملما بالربتوكوالت الدبلوماسية اليت تُعد من أبرز العناصر املؤثرة يف هذا
النوع من الرتمجة ،واليت جتعلها أكثر صعوبةً وتعقيدا من الرتمجات األخرى ،فهذه الربتوكوالت
الدبلوماسية تنظم العالقات بني الدول وعاد ًة ما تضع اخلطاب الدبلوماسي يف خانة السرية .ونتيجة
لذلك ،عاد ًة ما يعان املرتجم الشفوي من صعوبات مجة ،أمها تردد كثري من املوظفني يف تسليمه
كما أن هناك بعض الشخصيات الرمسية اليت تفضل أن تصطحب دائما مرتمجها اخلاص ،ويف
هذه احلالة ميكن أن يتوىل املهمة مرتمجان ،ويصبح على كل مرتجم القيام مبهمته يف اجتاه واحد،
وميكن أن حيدث ذلك أيضا حينما يكون أحد طريف احملادثة ملماً بلغة الطرف اآلخر .ومع ذلك ،يف
اللقاءات الرئاسية الرمسية ،يتم يف الغالب االتفاق على مرتجم واحد يتوافق عليه الطرفان .1ويذكر
كريستوفر ثريي ،الذي عمل رئيسا لقسم الرتمجة الشفوية الفورية يف وزارة الشؤون اخلارجية الفرنسية
وأستاذا للرتمجة الفورية يف املدرسة العليا للرتمجة والرتمجة الفورية يف جامعة باريس.3
أنه يف “ما خيص رئاسة اجلمهورية ،فإن القاعدة العامة أن أحد املرتمجني يكون منا أو ممن
أبرمنا معه عقدا للعمل ،ويكون حاضرا يف اللقاء .وإذا كان الزائر مصحوبا مبرتمجه الفوري فإننا نتقاسم
مهمة الرتمجة .والقاعدة الدبلوماسية تقضي أن يصبح كل مرتجم فوري هو الناطق باسم رئيس دولته.
وهذا ما يفضي غالبا إىل مواقف قلما تكون مرضية ،حيث يكون املرتجم مدعوا للتعبري ٍ
بلغة غري لغته
1ينظر علم الرتمجة ترمجة د .محيد العواضي ،اهليئة العامة للكتاب ،وزارة الثقافة ،صنعاء ،2007ص77
181
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
األم .وقلما جند بالفعل ثنائي اللغة أصال ،هلذا فأن املرتمجني الذين يعرف أحدمها اآلخر جيدا
1
يتبادالن األدوار ،ويرتجم كل واحد منهما إىل لغة رئيس دولته.
ومن العوامل اليت تعطي للرتمجة الشفوية يف اجملال الدبلوماسي طابعا خاصا :طبيعة اللغة
الدبلوماسية اليت متيل يف كثري من األحيان إىل عدم املباشرة والصراحة ورمبا إىل اإلحياء والغموض
و(اللف والدوران) ،يف الوقت الذي يكون على املرتجم أن ينقل خطابا مفهوما وواضحا ،وال
يرتك جماال للبس أو سوء الفهم والتفسري ،وهو أمر ميكن أن تكون له مرتتبات مكلفة ،السيما حينما
ينعكس مضمون اخلطاب يف شكل اتفاقيات ومعاهدات ومذكرات تفاهم بني الدول واحلكومات.
وعلى املرتجم أن يكون قادرا على متييز اخلفايا والفوارق الدقيقة يف لغته األم واللغة اليت يرتجم منها أو
إليها ،مبا يف ذلك املصطلحات واأللفاظ العامية اليت عاد ًة ما تربز يف األحاديث الشفوية ،السيما
إذ أن الطرفني كثريا ما ميزجان يف حديثهما بني اجلد واهلزل ،وال يرتددان يف تبادل النكات
واحلكايات اليت تتطلب نقلها إىل اللغة األخرى جهدا مضاعفا من املرتجم ،الذي لن يكون نصيبه
من األكل غري املشاهدة .وأتذكر أنين عندما قمت بالرتمجة خالل مأدبة رمسية أقامها رئيس الوزراء يف
182
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
حيضر بشكل
وقد حيدث أال يكون املتحدث أصال ماهرا يف التعبري عن نفسه بوضوح ،أو مل ّ
جيد للحديث ،ويف هذه احلالة يتدخل املرتجم إلعطاء ما يقوله بعض الرتتيب ورمبا اجلمال ،وهذا
يعين أن على املرتجم الشفوي يف اجملال الدبلوماسي أن يضفي على ترمجته الصياغة اجلميلة والواضحة
ويف احلقيقة من الصعب على أي مسؤول أن يلجأ إىل األسلوب الدبلوماسي امللتوي إذا كان
حيدث خماطبيه من خالل الرتمجة .وكثريا ما تسبب (الطريقة الدبلوماسية امللتوية والغامضة يف التعبري)
شيئا من احلرج للمرتجم الذي يدرك متاما تعمد جلوء املتحدث للطريقة امللتوية يف صياغة أفكاره،
وحياول عبثا احلفاظ على ما يريده املتحدث من غموض .وأحيانا قد يضطر املرتجم إىل طلب
مساعدة أو توضيح من املتحدث (حىت إن كان رئيس الدولة) ليتجنب سوء الفهم والرتمجة اخلاطئة،
الناس .
الترجمة والدبلوماسية
تعود الناس على رؤية املرتمجني رفقة الدبلوماسيني يف املؤمترات ويف غريها من املناسبات ،يُنجزون
َّ
أشكاالً من الرتمجة الفورية منها والتتابعية وغريمها .لذلك لن يستغرب القارئ من العنوان أعاله ،ولن
يستغرب أيضاً من ختصيص املؤسسات األكادميية الدبلوماسية يف الغرب وغ ِريه ِحصصاً للرتمجة ،وإفراد
183
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
وتبدو العالقة بني اجملالني موغلة يف ِ
القدم؛ إذ يُطلعنا القرآن الكرمي على أشكال من
مجيعها
الرتمجة متع ّددة ،لعل أغرَهبا ما كان من أمر النيب سليمان ،الذي كان ُحي ّدث خملوقات اهلل َ
ِ ِ
"وَوِر َ
ث حشراهتا وحيواناهتا ،وكان يُفهم عنها بالضرورة رعاياه ،بدليل قوله تعاىل ،يف سورة النملَ :
نط َق الطَّ ِري َوأُوتِينَا ِمن ُك ِّل َشي ٍء إِ َّن َه َذا َهلَُو ال َفض ُل
سلَيما ُن داود وقَ َال يا أَيُّها النَّاس علِّمنَا م ِ
ُ ُ َ ُ َ َ َُ َ َ َ
ال ُمبِ ُ
ني" 1.ونَفهم من ذلك أ ّن سليمان كان تُرمجاناً ،ويف الوقت ذاته ،سياسياً ،ينقل الكالم من نظام
أخ الرسول موسى ،عليه السالم .فقد ترجم هارون عن موسى ،يف موقف
النيب هارون ُ
مثالَه األوضح ُّ
صد ِري،
ب اشَرح ِل َ
الرسول ذلك من ربه يف قوله ،يف سورة طه" :قَ َال َر ِّ
ُ سياسي بعد أن التمس
وي ِّسر ِل أَم ِري ،واحلُل عق َد ًة ِمن لِس ِان ،ي ف َقهوا قَوِل ،واجعل ِّل وِزيراً ِّمن أَهلِي ،هارو َن أ ِ
َخي ،اش ُدد َُ َ َ َ َ َ ُ ُ َ ََ
َّك ُكنت بِنَا ب ِ
صرياً" 2.ليكون هارون ِ ِ بِِه أَزِري ،وأَش ِركه ِيف أَم ِريَ ،كي نُسبِّح َ ِ
ك َكثرياًَ ،ونَذ ُكَرَك َكثرياً ،إن َ َ َ َ َ َ ُ
قد قام مبهمة دبلوماسية ،ومارس ترمجة فورية داخل اللغة نفسها ،دون شك ،أمام فرعون ،يف موقف
سياسي.
184
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
هكذا ،نكتشف أن الرتمجة والدبلوماسية يتعايشان يف انسجام منذ األزل ،وأن اللغة األجنبية
البلدين.
وجود تقل ٍ
يد دبلوماسي ،يتمثّل يف إسناد ويقف املتتبع للحياة السياسية يف أمريكا الالتينية على ِ
ُ
مهمة سفري أو قنصل إىل أدباء مرموقني ،منهم الشاعرة غاب ِريِيال ِميسرتال ( )1957-1889قُنصل
بلدها التشيلي يف نيويورك ،ومواطنها الشاعر السفري يف باريس بَابلو نريودا (.)1973-1904
وخالفاً للتشِّيليَّني اآلنفني ،فإن املكسيكيني أوكتافيو باث (ِ ،)1998-1914سريخيو بِيتُول
(َّ ،)2018-1938برزا بصفتهما ِ
مرتمجني المعني ،إلس ِ
هام ِهما حقيقة يف التعريف بثقافة الشرق
األقصى والفرنسية واإلنكليزية ،برتمجتهما لكثري من املؤلَّفات اإلبداعية ،وبإدخال إوكتافيو باث،
وصي طَبالداِ ،
لشعر اهلايكو إىل األدب األمريكوالتيين ،وكان ذلك إضافة إىل الشاعر ِ
املرتجم خوان خ ِ
ُ
أمراً طبيعيّاً ،نظراً لإلقامة مدة طويلة خار َج وطنهما .وبذلك خدمت الرتمجة الدبلوماسية والعكس
صحيح.
وحيز يف النفس أال يكون لدينا يف البالد العربية دبلوماسيون على غرار هؤالء يضيفون إىل
السياسية االشتغال بالثقافة والرتمجة أيضاًِ ،علماً بأن ال سفارة ختلو من ملحق ثقايف ،وأن
ِ مهمتهم
ضمت أمساء إبداعية كبرية مثل الشاعرين نزار قبان وعبد الوهاب البيايت ،اللذين
سفارات عديدة ّ
أقاما يف مدريد ،لكنهما خدما االستعراب ،ومل يوليا اعتباراً للرتمجة.
185
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
ولعل االستثناء العريب الوحيد رمبا ُميثَّله الروائي والناقد سفري املغرب لدى التشيلي عبد القادر
فهل سينتبه العرب إىل أمهية الرتمجة وإىل ضرورة استعماهلا من قِبَل الدبلوماسية للرتويج لتقدمي
العامل الدبلوماسي عامل مغلق جدا ،ويتعذر على الغرباء الوصول ،وللمفارقة فهو ليس دبلوماسيا
كثريا يف العديد من املناسبات .ليس كل السفارات هلا ،كما سيفكر املرء منطقيا ،خدمات ترمجة
حتريرية وشفهية .على العكس من ذلك ،عدد قليل جدا من البعثات الدبلوماسية تدرك أمهية أن
يكون لديها مرتمجني حتريريني وفوريني حمرتفني بني موظفيها .ويف هذا الصدد ،ميكننا أن نذكر أن من
بني كل السفارات الناطقة باللغة اإلجنليزية املعتمدين لدى ليبيا ،فقط أسرتاليا ،والواليات املتحدة،
واململكة املتحدة لديهم مرتجم واحد على األقل .ومن املثري للدهشة أن السفارات الكربى
مثل السفارة الكندية ،كون كندا دولة ثنائية اللغة رمسيا ،ترتك كل مهام الرتمجة التحريرية والشفهية
فال تفكر حىت يف هذا االحتمال .ومع ذلك ،هناك لبعثات الدبلوماسية األخرى اليت ،على
الرغم من أن اللغة اإلجنليزية ليست اللغة الرئيسية لبالدهم ،تستخدم اللغة اإلجنليزية كلغة عملهم.
186
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
هذا هو احلال يف دول مثل تايالند والفلبني وباكستان أو اهلند (حيث يبدو أن الدبلوماسيني أنفسهم
بعض السفارات ،األكرب واألكثر متثيال منها ،لديها فريق من املرتمجني التحريريني والفوريني
احملرتفني ،حيث يقومون بتنويع مهامهم ويظهرون درجة كبرية من الكفاءة املهنية والتخصص .ويف
هذا الصدد ،ميكننا أن نشري إىل حالة السفارة الربيطانية ،حيث يوجد فريق من املرتمجني التحريريني
واملرتمجني الفوريني ،برئاسة مرتجم أعلى متخصص يف الصحافة وأمور السفارة ،باإلضافة إىل مرتمجني
أما بالنسبة للقنصليات واملكاتب القنصلية ،فإىل حد علمنا ،ليس لديهم مرتمجني حتريريني أو
مرتمجني فوريني بني موظفيها .ولكن ،ما هي الرتمجة الدبلوماسية بالضبط؟ وماذا تشمل؟ حسنا،
احلقيقة هي ،قليال من كل شيء وأكثر قليال .هذا بالضبط هي أحد خصائصها األكثر جاذبية،
ولكنها أيضا أحد مساهتا األكثر صعوبة .على املرء أن يكشف عن نفسه كخبري عاملي ،وكمثل
للمعرفة بكل حروفها السبعة ،من أجل ،على سبيل املثال ،بدء يومه برتمجة شهادة صحية للحصول
على ترخيص لتصدير التمور ،تليها ترمجة عكسية ملقال رأي مكثف وموجز حول االقتصاد الكلي،
187
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
من املهم أن حندد بعض املصطلحات واملفاهيم املشرتكة يف السياق الدبلوماسي .أوال ،ال بد
من القول أن العامل الدبلوماسي حيكمه تسلسل هرمي صارم جدا .من املهم معرفة املستويات املختلفة
داخل الطبقات الدبلوماسية ،ألن كل مستوى يتعامل مع جوانب خمتلفة ،وله هنج خمتلف:
كما يسمى رئيس البعثة ،وحيتل أعلى مستوى داخل السلك الدبلوماسي ،وهو رئيس البعثة
الدبلوماسية أو السفارة .وهناك أنواع خمتلفة من السفراء :سفري “املهنة” ،السفري املعني سياسيا،
السفري اخلاص ،السفري فوق العادة ،واملمثل الدائم .يف الدبلوماسية الفاتيكانية ،يسمى السفري
بالسفري البابوي ( .)Nuncioويف البلدان ذات التقليد الكاثوليكي ،يعترب السفري البابوي عادة،
ألسباب اجملاملة“ ،عميد السلك الدبلوماسي” .تقع السفارات يف عاصمة البلد املضيف .ميكن
أن يكون لدى سفارة ما أيضا “دول معتمدة” ،أي أنه قد تكون سفارة معينة يف بلد معني مسؤولة
المستشار (:)Counsellor
الثان يف قيادة البعثة الدبلوماسية ،ويعترب املمثل والبديل عن السفري يف حالة غيابه .ويف
املمثل يف غياب السفري ،فإنه يوقع الوثائق الرمسية كقائم باألعمال بالنيابة (مؤقتا).
188
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
األمين (:)Secretary
الفئة اليت تلي املستشار ،وميكن أن يكون هناك عدة فئات فرعية :األمني األول
والثان والثالث .ويعترب األمني أو السكرتري فوق امللحق مباشرة .ومع ذلك ،ميكن يف بعض احلاالت
اجلمع بني األلقاب ،حيث ميكن أن يكون السكرتري األول قنصال يف نفس الوقت ،أو ميكن أن يكون
القنصل (:)Consul
ويلي األمني يف التسلسل اهلرمي ،وتتضمن مهامه الدبلوماسية واإلدارية الشؤون القنصلية يف
األساس (رعاية رعايا البلد يف اخلارج ،والتعامل مع جوازات السفر والتأشريات وشهادات عدم
اإلعاقة ،وما إىل ذلك) .وميكن ان يكون دبلوماسي مهين أو قنصل فخري (يتم تعيينه ملزاياه
الشخصية أو سريته ،وهو ال حتتاج إىل أن يكون من رعايا البلد الذي ميثلها) .يف بعض البعثات
الدبلوماسية الناطقة باللغة اإلجنليزية ،يسمى القنصل أيضا ،بسبب الوظائف اليت يؤديها ،باملدير
اإلداري للمكاتب ،املوظف االداري األعلى ،املستشار ،أو نائب القنصل .ميكن أن تكون املكاتب
القنصلية موجودة داخل السفارة أو يف موقع آخر يف نفس املدينة .كل دولة هلا معايري خمتلفة
إلنشاء القنصليات واملكاتب القنصلية أو القنصليات الفخرية يف بلدات أخرى ،وذلك وفقا ملصاحلها
اخلاصة.
189
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
وميكن ملوظفي اخلدمة املدنية الدبلوماسيني أو من فئة أدىن ،أن يكونوا مسؤولني عن
جمال خاص كاجملال العسكري ،اجملال السياسي أو الثقايف أو االقتصادي ،ورمبا املعروف أكثر منها هو
امللحق العسكري ،والثقايف ،و التجاري .كما تضع بعض البلدان أيضا ملحقني يف بعثاهتا الدبلوماسية
وسفاراهتا ولكنها ال ترغب يف االفصاح عن واجباهتم احلقيقية .وكما هو احلال بالنسبة للقناصل،
فيمكن أيضا أن يكون هناك ملحقني فخريني .وبصرف النظر عن موظفي السلك الدبلوماسي
املعتمدين لدى البعثات الدبلوماسية ،هناك أيضا املوظفني احملليني ،الذي يتألفون أساسا من مواطين
البلد الذي تقع فيه البعثة الدبلوماسية أو السفارة .إن املوظفني احملليني ليسوا موظفي خدمة مدنية،
وبالتال ال يتمتعون بامتيازات الدبلوماسيني .ومع ذلك ،فإن العديد من املوظفني احملليني يؤدون
الوظائف واملهام اليت تتوافق مع املوظفني الدبلوماسيني من الفئات األعلى .ويعرف املوظفني احملليني
هناك جمموعتان رئيسيتان من الوثائق يف نطاق الرتمجة الدبلوماسية (على الرغم من أهنا ليست
الوحيدة):
190
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
تتكون المجموعة األولى من النصوص أو الوثائق التي تهدف إلى أن تكون وسيلة
للتواصل الدبلوماسي بين البعثة الدبلوماسية املعنية ووزارة الشؤون اخلارجية وبالعكس .النوع األكثر
،)Thirdواليت تُستخدم لإلبالغ أو تقدمي (Person Note شيوعا منها هو مذكرة املفرد الغائب
املشورة حول قضية معينة ،للحصول على دعم احلكومة للهيئة أو هيئة دولية (على سبيل املثال ،يف
حاالت الرتشيحات) ،إىل لتوصيل إهناء أو بدء مهام شخص كدبلوماسي ،وما إىل ذلك .تُسلم
مذكرة املفرد الغائب بواسطة دبلوماسي أو من خالل القنوات الرمسية األخرى ،وتتم كتابتها بصيغة
املفرد الغائب (ومن هنا جاء امسها) ،ودائما تتبع نفس اهليكل ،فيما يتعلق بالتقدمي والتحية مثل:
“تُقدم السفارة … حتياهتا إىل وزارة الشؤون اخلارجية وتتشرف بتقدمي املشورة /إعالم /
“The … Embassy avails itself of this opportunity to renew to the Ministry of
” تنتهز السفارة … هذه الفرصة لتعرب لوزارة الشؤون اخلارجية عن فائق احرتامها”.
يوقع رئيس البعثة أو السفري املذكرة ،واسم املرسل إليه ،أي أنه يتم وضع وزارة الشؤون اخلارجية
اخلطاب أو الرسالة هي نوع آخر من الوثيقة .وعلى عكس مذكرة املفرد الغائب ،تُكتب
الرسالة بصيغ املتكلم ويتم التوقيع عليها عادة من قبل رئيس البعثة .يعترب هذا وسيلة أكثر مباشرة
191
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
وشخصية لالتصاالت الدبلوماسية ،وعادة ما تكون موجهة إىل الوزير .وفيما يتعلق بالرسائل أو
اخلطابات جند مصطلح تبادل الرسائل ( ،)Letters Exchange ofلإلشارة إىل تبادل معني
رمبا أحد أقل أنواع الوثائق املعروفة هو الالورقة ( ،)Non-Paperوهي وثيقة تنشأ عن هيئة
رمسية (سفارة ،وزارة ،مديرية عامة ،وما إىل ذلك) ،وليس لديها ،عن قصد ،أي طابع رمسي ،وبالتال
فهي ال تلزم اجلهة اليت أصدرت مثل هذه الوثيقة .طبيعتها معلّمة باستخدام الورق العادي ،أي
بدون ترويسة أو على ورق رمسي ،والذي يستخدم يف كل من مذكرة املفرد الغائب والرسائل .وغالبا ما
لدى تول السفري أو رئيس البعثة منصبه يسلم وثائق تفويضه إىل رئيس دولة البلد املضيف.
وقبل عرض وثائق تفويضه ،جيب أن يكون الدبلوماسي قد تلقى سابقا املوافقة من احلكومة املضيفة،
اليت تنص على أنه ال يوجد أي عائق لتوليه انتدابه يف البلد املضيف.
ومن الواضح أن هناك استخدام واسع النطاق للمصطلحات الفرنسية يف هذا النوع من الرتمجة.
وهذا ليس من قبيل الصدفة ،حيث أن اللغة الفرنسية كانت لسنوات عديدة (وال تزال) اللغة
الدبلوماسية بامتياز .على غرار مذكرة املفرد الغائب ،وإن كان هلا مساهتا وشكلها اخلاص ،توجد
هذه الوثيقة تقدمها السفارة أو البعثة الدبلوماسية اىل الوزارة (عادة وزارة الشؤون اخلارجية)،
وتشرح وضع مسألة معينة ،مبا يف ذلك موقف أو وجهة نظر البلد اليت تصدرها فيما يتعلق بقضية
192
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
حمددة ،وتقدم فيها اقرتاحات معينة .تُكتب هذه الوثيقة بطريقة غري شخصية ،باستثناء أية صيغ
جماملة على عكس مذكرات املفرد الغائب .وال يتم عادة استخدام الرتويسات فيها.
املذكرة هي بال شك واحدة من العديد من الوثائق اليت يتعامل معها املرتمجني يف البعثات
الدبلوماسية ،وخاصة يف املسائل املتعلقة بقضايا مثل االقتصاد الدول والتجارة ،والزراعة ،والقضايا
ذات االهتمام الدول (حقوق اإلنسان ،حقوق العمال ،والبيئة ،وما إىل ذلك).
جيب أن تتم ترمجة هذه الوثائق بدقة وحذر ،نظرا لتعقيدات املسائل املطروحة .ويوىل نفس
االهتمام للرسائل ومذكرات املفرد الغائب ،اليت تتطلب أعلى درجة من الدقة ،ألن أي خطأ أو سوء
فهم للمعىن األصلي ميكن أن يضر بالدبلوماسية ويؤدي إىل صراع دبلوماسي.
تشكل الوثائق املتعلقة بالقضايا القنصلية قدرا كبريا من اجلزء األكرب من أعمال الرتمجة يف
السفارات.
يعترب هذا احلقل متنوعا للغاية ،على الرغم من ارتباطه ارتباطا وثيقا مبجاالت الرتمجة القانونية
واملعتمدة .وبالتال ،جيد املرتمجني أنفسهم يف مواجهة شهادات امليالد والزواج والوفاة وشهادات عدم
اإلعاقة ،وأحكام الطالق ،ونقل امللكية ،وما إىل ذلك ،جنبا إىل جنب مع غريها من الوثائق اليت
تتعلق أساسا بالتأشريات وجوازات السفر ،وتقارير الطب الشرعي للوفيات ،وتقدمي املساعدة
أما اجلانب األكادميي ،اآلن ،فليس على درجة عالية من التطور يف عامل الرتمجة الدبلوماسية.
وعلى الرغم من أن السفارات والبعثات الدبلوماسية تعمل كوسيط قيم يف إنشاء وحتديث أنواع خمتلفة
193
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
من التبادل األكادميي فإن موظفي الرتمجة يف هذه اهليئات الرمسية ال يقومون عادة برتمجة الدرجات
السرية
دائما ما يكون األمن والسرية حامسا يف الرتمجة املهنية ،وخباصة فيما يتعلق بالعميل .الرتمجة
الدبلوماسية ليست مستثنية من هذا .وعالوة على ذلك ،رمبا تكون السرية مهمة أكثر من ذلك
بكثري ومسلم هبا يف هذا اجملال أكثر مما هي عليه يف أي ميدان آخر من ميادين الرتمجة ،ألهنا تنطوي
حنن ال نقول هنا أن على املرتجم أن يصبح إنسان خارق ،فذلك حيدث يف األفالم فقط.
معظم املسائل والقضايا السرية اليوم ،هلا عالقة باألمور “السرية للغاية” ،كالزراعة .غريب ،أليس
كذلك؟ على أي حال ،هناك عدة درجات سرية للوثائق الدبلوماسية يف اللغة اإلجنليزية نذكر منها:
· مصنفة (.)Classified
· خصوصية (.)Confidential
· سرية (.)Secret
· سري للغاية ( :)Top Secretنادرا ما يكون لدى املرتجم حق الوصول إىل هذه الوثائق.
194
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
ومن اجلدير بالذكر ،فيما يتعلق بالسرية ،هي مسألة عدم التوافق املهين .هل ميكن ملرتجم يف
سفارة االخنراط يف وظائف أخرى ذات صلة بالرتمجة؟ من حيث املبدأ ،فإن اجلواب هو نعم ،شريطة
أن تكون طبيعة العمل وتطويره ال حتتمل التضارب يف املصاحل .وعلى أي حال ،من املستحسن جدا
احلصول على موافقة والتوضيح بأهنا لن تتداخل مع املهام الدبلوماسية بأي شكل من األشكال.
الوظائف والمسؤوليات
نادرا ما يتعامل املرتجم الدبلوماسي حصريا مع املسائل املتعلقة بالرتمجة فقط .خيضع املرتمجني
الدبلوماسيني لعمليات اختيار صعبة للغاية ،مشاهبة لتلك املطبّقة يف املنظمات الدولية.
العمل متنوع ومتعدد التخصصات ،وهو ،من حيث املبدأ ،يثلج الصدر ويولد ثروة من املعرفة
واخلربة .ومع ذلك ،فإن عبء العمل اهلائل ومستوى اخلربة املطلوب ليس معروفا يف معظم
احلاالت .وميكن حتديد واجبات املرتجم الدبلوماسي األساسية على النحو التال:
أ .الترجمة:
معظم العمل متعلق بالرتمجة ،مبا يف ذلك جمموعة واسعة من الوثائق ،كما رأينا يف
أعاله .وميكن القول أن املرتجم يرتجم قليال (أو كثريا) من كل شيء ،حىت أغرب القضايا ،وكلها يتم
وهي كما هو احلال يف العديد من اجملاالت األخرى للحياة ،مهارة يندر االعرتاف هبا (إن مل
نقل مطلقا) يف العامل الدبلوماسي ،لدرجة أنه ميكننا القول أنه يف العديد من أماكن العمل ميكننا يف
195
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
كثري من األحيان مساع :أممممم ،انت تعرف االجنليزية قليال ،أليس كذلك؟ أحتاج إليك للقيام ببعض
الرتمجة الفورية ل مع املدير العام …” .عمل الرتمجة الفورية هو أقل تواترا من الرتمجة املكتوبة ،على
الرغم من أنه يتم التعامل مع مجيع أنواع الرتمجة الفورية تقريبا أثناء املناقشات الدبلوماسية ،مبا يف
حنن ندرك قصة املرتجم الدبلوماسي ،مع القليل جدا من التدريب كمرتجم فوري وبالكاد
لديه أي “خربة حقيقية” ،الذي مت استدعائه يوما لتنفيذ ترمجة فورية ثنائية وغري رمسية و واضحة ملدة
15دقيقة ،وذلك فقط لتعارف كال احملاورين ببعضهما” .مث حتول الرتمجة الثنائية من مدة 15دقيقة
إىل 5ساعات من الرتمجة الفورية للهمس بلغة ليست لغة املرتجم األم ،حول النواحي التقنية للصحة
مكملة للرتمجة .هذا مما ال شك فيه حتدي يسر للمرتمجني الذين جيب عليهم أحيانا الغوص يف
البريوقراطية اإلدارية ،أو التعرجات الوزارية ،لكي جيدوا املعلومات أو الشخص املناسب .حلسن احلظ،
أن املرتمجني هذه األيام لديهم إمكانية الوصول إىل مصادر جيدة من الوثائق واملعلومات (قوائم
املراجع والقواميس واإلنرتنت ومصادر املعلومات املباشرة اليت ميكن الوصول إليها يف العاصمة بسهولة،
وما إىل ذلك) .ومع ذلك ،فإنه ليس من السهل دائما العثور على معلومات حمددة ودقيقة حول
196
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
د .وظائف استشارية وحبثية :يف كثري من احلاالت ،يكون من املطلوب من املرتجم يف البعثة
الدبلوماسية كتابة التقارير االقتصادية والسياسية (أو غريها) عن البلد املضيف .ويف بعض األحيان
يتم جتاهل احلدود ويطلب من املرتجم درجة مفرطة من املسؤولية أو املؤهالت (كما يف حالة
ه .اجلانب املثري جدا لالهتمام يف الرتمجة الدبلوماسية هو إمكانية العمل كجزء من فريق.
دعونا نأخذ اللغة اإلسبانية ،على سبيل املثال .ميكن ملرتجم االسبانية يف سفارة ما يف اسبانيا أن
يشارك حجم العمل ،يف بعض احلاالت ،مع نظرائه يف سفارات أخرى من نفس البلد الواقعة
يف بلدان أمريكا الالتينية .هبذه الطريقة ميكن لفريق كامل من املرتمجني خفض عبء
العمل ،وبإمكاهنم مجيعهم مشاركة وثيقة معينة تتّبع جمموعة من املعايري احملددة سابقا ،من أجل حتقيق
درجة أكرب من التوحيد اللغوي .وبالتال ،ينبغي أن يكون واضحا أنه من املستحسن حتديد أعراف
واستخدامات معينة للغة (اإلسبانية يف هذه احلالة) تكون حمايدة قدر اإلمكان ،لكي يتم جتنب سوء
الوضع المهني
لقد رأينا أن الرتمجة الدبلوماسية املهنية ليست معروفة جدا .املرتمجني الدبلوماسي ليسوا كما
يُعتقد شعبيا أهنا حمظوظة ،مبعىن أن املرتجم جيين مبالغ كبرية من املال ،وال يفعل شيئا سوى حضور
مراسم االستقبال .هذا غري صحيح ،ألن ذلك عبارة عن صورة منطية لبعض األفالم بأسلوب القرن
التاسع عشر .جيب أن يكون لدى املرتمجني الدبلوماسي ثروة هائلة من املعرفة وعلى دراية واسعة
197
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
بالشؤون الدولية ،وخاصة الوضع السياسي واالجتماعي واالقتصادي لبلداهنم (أي البلد املضيف وبلد
السفارة اليت يعملون فيها) .وهبذه الطريقة ميكن حتقيق درجة معينة من الدقة والكفاءة املهنية .العمل
متنوع (وهذا األمر دائما موضع ترحيب ،إذا ما أخذنا بعني االعتبار رتابة ترمجة الربامج ،على سبيل
من ناحية أخرى ،فإن املهنة غري معروفة دائما ،وخاصة بالنظر إىل مستوى الدقة املطلوبة
للمهام املتنوعة ،واملسؤولية اليت حتق هبا .كما هو احلال يف العديد من جماالت الرتمجة يف العديد
من احلاالت املختلفة األخرى ،فإن الفراغ القانون القائم وعدم وجود اجلمعيات املهنية الكافية لرعاية
مصاحل هذه الفئة من املهنيني ال تساعد يف هذا الوضع .ومع ذلك ،فإن العمل كمرتجم دبلوماسي
يوفر فرصة فريدة لتعلم العديد من املواضيع املختلفة اليت ال ميكن فهمها يف أي مكان آخر ،واليت،
عرف هذا املصطلح يف حتديد مفهومه العديد من االختالفات ،البائنة بني الباحثني والدارسني،
بني قائل إنه خطاب متميز عن اخلطابات األخرى ،له خصائصه ومميزاته األسلوبية اليت جتعل من
فضاء واسعا للحجاج ،وممارسة الفعل الديبلوماسي ،من خالل اهو التالعب بالكلمات .وبني من
يرى أنه خطاب ،كباقي اخلطابات ،ال يتميز عنها بشيء ،إىل درجة اعتبار كل خطاب هو بالضرورة
1
سياسي".
-1راضية بوبكري ،اخلطاب الديبلوماسي :اخلصائص واسرتاتيجيات التأثري ،جامعة عنابة ،العدد ،12،2013ص .96
198
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
لذلك خيتلف اخلطاب الديبلوماسي عن غريه من اخلطابات ليس من حيث البناء اللغوي و
األسلويب بل من حيث لغته التواصلية" ،فاللغة الديبلوماسية ورغم أهنا تواصلية وتعتمد على الوضوح و
املباشرة و اإلفهام و اإلقناع إال أهنا حتتاج إىل فهم و تأمل و تأويل ملا يتسم به اخلطاب الديبلوماسي
1
من دالالت بلغته الديبلوماسية اخلاصة وحىت يكون أكثر تأثريا يف املتلقي".
غري أن د.بشري إبرير يرى أن للخطاب اإلعالمي عالقة باألخري فال ميكن ألي منهما أن
يستغين عن اآلخر ،فيمكن للخطاب اإلعالمي أن يتحول إىل خطاب سياسي ،كما ميكن للخطاب
الديبلوماسي أن يتحول إىل خطاب إعالمي وهذا راجع إىل شدة الرتابط و التماسك فيما بينهما.
أين قال" :يشكل اخلطاب اإلعالمي أفكار الساسة و أقواهلم و يعمل على نقلها إىل املتلقي ،فيتحول
اخلطاب الديبلوماسي إىل أخبار البد من نقلها ووصفها وشرحها وحتليلها".2مضيفا ":وإ ّن معظم ما
يعرفه املواطنون عن الساسة يأتيهم من اإلعالم" 3حيث تعترب الصحافة مدرسة لتثقيف اجملتمع عن
وبني هذا وذاك فان أهم ما مييز اخلطاب الديبلوماسي كون فهمه قائم وفقا على السياق الذي
ألقي فيه ،فال حيمل دائما معان مباشرة و يقوم على الغموض و التضمني و األسلوب الغري املباشر،
199
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
و الذي بدوره يساعد على حتقيق التواصل من خالل التأثري يف املتلقي وإقناعه واالعتماد على فهمه
اخلاص.
واهلدف من اخلطاب الديبلوماسي قد يكون سياسيا أو اقتصاديا أو ثقافيا أو يكون له أكثر من
هذا يف وقت واحد ،وميكن أن يكون اهلدف اإلخبار و التوجيه و التوعية والتأثري هبدف خلق
استجابات معينة مبا يف ذلك كسب أو تكوين أو توجيه ،وقد يكون التثقيف هبدف تنمية الوعي يف
موضوع أو قضية ما ،وقد يكون اهلدف منه الدعاية للتأثري يف التوجيه أو السلوك واختاذ املوقف و
يتميز اخلطاب الديبلوماسي عن غريه من اخلطابات بأنه ميلك سلطة أقوى على املتلقي ،و تأثريا
أكرب المتالكه الوسائل اليت جتعله يتبوأ هذه املكانة ،وجتعله خطابا إقناعيا بشكله ومضمونه"،1
فاخلطاب الديبلوماسي هو عبارة عن جمال إلظهار القدرات الشخصية يف االستقراء وحسن التسيري
وحتقيق مصاحل شخصية أو عامة أو درء مفسدة باستعمال قوة الكلمة واألسلوب والتحكم يف اللغة،
أن اخلطاب الديبلوماسي يعاجل أهم املشاكل و القضايا على املستوى الداخلي واخلارجي ،و
ميتلك سلطة ونفوذ مستمدة من اجلهة الصادر عنها مما جيعله أكثر تأثريا وانتشارا يف أوساط اجملتمع.
200
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
يهتم اخلطاب الديبلوماسي بالقضايا اليت تساهم يف صنع القرارات الفاعلة يف اجملتمع ،فيبقى
اخلطاب الديبلوماسي هو خطاب حجاجي شكال و مضمونا الرتباطه بالسياسة اليت متد بأهم
املضامني و األفكار و القضايا املهمة ،وحيمل املصطلحات و املعان و الدالالت اليت جتعله أكثر
تأثريا على املتلقي و أكثر إقناعا ،لتُصاغ هذه األفكار يف خطاب متكامل يصاغ يف قوالب لغوية و
يهدف اخلطاب الديبلوماسي إىل التعبري عن وجهة نظر صاحبه وبسطها ،فهو يبع أسلوب
اإلقناع عن قصد ونية ،فيلجأ إىل األسلوب السهل الذي من املمكن أن يصل إىل أكرب قدر من
اجلمهور.
يكثر اخلطاب الديبلوماسي من املصطلحات الشعب واألمة والوطن واملصري املشرتك ،ويوظف
الضمري حنن فهو حياول إبراز الذات املتكلمة وحياول أن خيلق تواصل بني املتكلم واملتلقي.
ميثل اخلطاب الديبلوماسي بنية متماسكة ذات طابع إيديولوجي مستمد من إيديولوجية النظام
الديبلوماسي.
1
اللغة املنمقة الستمالة املتلقي وإقناعه وإغرائه بتقبل األفكار املطروحة أو القرارات املتخذة.
201
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
مفاهيمه من مجاعة إىل أخرى ،كما أنه حياول أن يستخدم اللغة اليومية للتفاعل مع ما يعيشه الفرد يف
اخلطاب الديبلوماسي قصدي وحيمل مضامني يريد إيصاهلا للجمهور وإقناعه هبا ،فهو غري
عفوي وينظر لألمور ويعاجل القضايا ويطرحها من زاوية السلطة ،وبالتال فمصداقية اخلطاب رهينة مبا
تفرضه السلطة ،والصواب واحلقيقة يف اخلطاب حتددمها السلطة كما أن اخلطاب الديبلوماسي خال
من املشاعر وال يعرب عن ذاته الفطرية أو ذات قائله وميارس عن تدريب و توجيه و تلقني.
يرتبط اخلطاب الديبلوماسي باملوقف الذي صنع من أجله والظروف و التغريات الواقعة واليت
جاء اخلطاب ليعرب عنها ،وجبرد أن ختتفي هذه الظروف خيتفي اخلطاب ويفقد قوته.
حيقق اخلطاب الديبلوماسي هدفه املنشود من خالل ما يكتسبه من الرمسية يستمدها من
السلطة اليت ينتمي إليها مما جيعله يفرض مصداقية لتحقيق هدفه ،وهو أحادي النظرة يقوم على
االستفراد بالرأي العام من خالل استبعاده الرأي اآلخر ،بكم ما يتمتع به من سلطة.
حيظى جبمهور كبري ،وخيتلف املتلقي هلذا اخلطاب ،من حيث كونه متلق مقصود من اخلطاب
أو مستمع للخطاب ،أو مباشر وغري مباشر ،أو داخلي أو خارجي حبسب الشأن الذي قيل فيه
1
اخلطاب.
حبسب هذه املميزات اليت يتميز فيها اخلطاب الديبلوماسي ،فإنه ومن خالل ما يسمده من
سلطته حياول أن يكون األكثر تأثريا و إقناعا ،قائما على قضية أو موقف ما ،يريد من خالل
202
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
اخلطاب توصيله ألكرب قدر من اجلمهور ،حماوال إقناعه بأن هذا هو الصواب مستبعدا اآلخر ،وبالتال
فاخلطاب أسياسي حيظى خبصوصي عن غريه من اخلطابات ،الرتباطه بالتغريات اجلارية على الساحة
و مبا ميتاز به من ديناميكية جتعل منه مستمرا منتظرا ذا مجهور واسع ،وبالتال فإن اخلطاب حىت
يكون سياسيا جيب أن ميتلك تلك امليزات ،ألنه حباجة للتأثري يف اجملتمع أكثر من غريه.
يصدر اخلطاب الديبلوماسي بطبيعته إىل خطاب سياسي من خارج السلطة ليقوم بدور
الوصول إىل السلطة مثال من خالل الرتشيح لالنتخابات ،ومن داخل السلطة حني يصدر عمن يف
احلكم مستخدما اسرتاتيجيات خمتلفة للتعبري و ال تأثري ،منها كالم الوعود ،و كالم القرار ،وكالم
كالم الوعود :يكون كالم اخلطاب مثاليا وواقعيا أي يوفق بني املتناقضات ،وعليه يف نفس
الوقت أن يكون مقنعا يف نظر املواطنني ،وبذلك جيب على املتحدث أن يكون صادقا ليبين شخصية
ميكن من خالهلا إقناع أكرب عدد ممكن مبشروعها ،وأن تصل إىل مجهورها من خالل استخدام العقل
كالم القرار :كالم فعل يف جوهره يقوم على موقف شرعي ،ويشري إىل ثالثة أمور يف احلقل
الديبلوماسي :إما أن هناك حالة فوضى اجتماعية أو موقفا أو حالة غري مقبولة ،ويصدر عن هذا
203
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
الكالم تأكيدا مثل "مل تعد األمور صاحلة" ،أو الختاذ قرار حلل املشكلة يف نظام جديد ويقال مثال"
1
علينا أن نصلح" ،كما يظهر املوقف املتخذ لتنفيذه كقرار التدخل أو عدم التدخل يف نزاع ما.
كالم التربير :ويظهر عندما حيتاج اختاذ قرار ما إىل تربير ،أو جتديد للشرعية ،بسبب تعرض
القرار النتقاد أو عدم رضا أو تساؤالت من قبل اجلمهور أو اخلصوم الديبلوماسيني ،مما يتطلب
خطابا سياسيا لتربير املوقف أو التذكري بسبب وجودة ،و ملنع أي احتجاجات ،وذلك ملواجهة ما قد
عرف أمحد أبو سعد العبارات االصطالحية "كل عبارة تتألف من لفظني أو أكثر ،وتُنظم معا
ّ
يف الوضع الذي يقتضيه علم النحو ،ولكنها يف النهاية تؤدي إىل داللة ختتلف عما يقتضيه ظاهر
الرتكيب أو هو عبارة تتجاوز معناها الدالة عليه يف اللغة أو يف ظاهر الرتكيب إىل معىن آخر بالغي
يتحصل بطريق اجملاز أو بأسلوب التعبري الكنائي مثل جير النار إىل قرصه" .2مبعىن أن
ّ اصطالحي
ولعل اإلشكال األكرب املطروح يف العبارات االصطالحية هو قدرة التعرف عليها أي إدراك أن
تركيبا معينا هو عبارة اصطالحية ،حيث جيد الناطقون بلغة ليست بلغتهم األم صعوبة كبرية يف حتديد
- 1شارودو ،باتريك ،اخلطاب الديبلوماسي أو سلطة النقد ،الفكر الديبلوماسي ،ص.129
-2أمحد أبوسعد،معجم الرتاكيب والعبارات االصطالحية القدمي منها واملولود ،الطبعة األوىل،دار العلم للماليني،بريوت1987،
ص.6-5
204
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
العبارات االصطالحية ،هذا ما جاء يف تعريف رمزي منري بعلبكي ":هو تعبري له معىن خاص خيتلف
عن جمموع معان كلماته حبيث يصعب إدراك املقصود به عند مساعه للمرة األوىل لغري أبناء اللغة". 1
« Idiomatic expressions belong to the vast family of fixed phrases ،clichés،
proverbs، indirect speech acts ،speech formulas، and so forth، that shares some
تنتمي العبارات االصطالحية إىل عائلة الكبرية للعبارات اجلاهزة كالكليشيهات ،األمثال ،صيغ
اجملهول وصيغ اجملهول...واليت تتقاسم شيئا من االصطالحية يف املعىن بالرغم من أهنا ختتلف يف
يزخم اخلطاب الديبلوماسي بالعبارات االصطالحية ،إذ ش ّكل ظاهرة تستدعي الدراسة
والبحث ولفت االنتباه يف تعلق انبجاسها منه وش ّكل السبب األول يف ختلّقها ،إذ إن األحداث
الديبلوماسية االجتماعية هي أكثر العوامل الفاعلة واملؤدية إىل تكلّس العبارة اللّسانية".3
-1رمزي منري بعلبكي ،معجم املصطلحات اللغوية :إجنليزي عريب،الطبعة األوىل ،دار العلم للماليني،بريوت ، ،1991ص.235
2:Cacciaricristina –PatriziaTabossi « Idioms processing, structure, and interpretation » 02nd
edition ,New York,psycologie press, 2014, P27.
-3اجلمعي بولعراس ،ناصر الغال ،التعبري االصطالحي يف لغة اخلطاب الديبلوماسي العريب ومواجهة األحداث الدولية قراءة
سوسيوثقافية ،العدد الثان ،ص.74
205
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
باإلضافة إىل أن العبارات االصطالحية وحدة داللية متكاملة ال ميكن جتزئتها ،وهي مرتبطة أشد
لالرتباط بالزاد الثقايف و احلضاري لناطقي لغة ما ،ومتثل ترمجتها امتحانا حقيقيا للمرتجم ،فهو حياول
عالوة على نقل املعىن...،كما يشكل اخلطاب الديبلوماسي حتديا إضافيا لعملية ترمجة العبارات
االصطالحية.
فهو حيد من حرية املرتجم خاصة أن الديبلوماسي يف معظم األحيان مييل إىل الغموض و
اللّبس يف خطابه وبذلك جيد املرتجم نفسه أحيانا أمام ضرورة التصرف يف الرتمجة وحتمية التقيد
خبصوصيات اخلطاب الديبلوماسي يف الوقت ذاته .هنا تزداد صعوبة ترمجة العبارات االصطالحية يف
اخلطاب الديبلوماسي ،إذ تتعارض بعض طرق ترمجتها كالتصرف أو التكافؤ مثال مع خصائص
اخلطاب الديبلوماسي.
خاصة تلك املتعلقة بالغموض وعدم اإلفصاح املباشر ،إذ يقول الدكتور حسيب إلياس حديد
يف ترمجة اخلطاب الديبلوماسي أن ":ليس من وظيفة املرتجم أن يعلق على اخلطاب الديبلوماسي وال
التدخل فيه وال االجتهاد به و تفسري معانيه".1و أضاف "الديبلوماسي يف خطابه غالبا ما مييل إىل
عدم إلزام نفسه بالتزامات صرحية و إىل عدم توريط نفسه."2ففي ظل القيود اليت تفرضها ترمجة
العبارات االصطالحية يف اخلطاب الديبلوماسي جيد املرتجم نفسه يف مفرتق بني التصرف يف الرتمجة
وبني هذه القيود" فاملرتجم يضطلع مبسؤوليات جسيمة أثناء قيامه بعملية الرتمجة العامة ،إال أن هذه
206
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
أوجها عندا يتعلق األمر برتمجة اخلطاب الديبلوماسي ،فعلى املرتجم اختاذ قرارات
املسؤوليات تبلغ ّ
.1
صعبة ومصريية واسرتاتيجية ،ويف هذه احلالة يكون املرتجم دور يف غاية األمهية"
يعترب اخلطاب الديبلوماسي منظومة من األفكار تشكلت عرب تراكم معريف نابع من استقراء
للواقع بكل مكوناته الثقافية و االجتماعية و السيكولوجية ،هذا ما جيعل من ترمجة اخلطاب
الديبلوماسي أصعب الرتمجات حيث يُلزم املرتجم على الوقوف على حيثيات اخلطاب اللغوية
والديبلوماسية مبا فيها الباث ،كي حيدد إمكانية التصرف وضبط درجة تدخله يف النص ،إما االلتزام
احلريف إما إتباع منهج احلذف و الشرح و اإلضافة وغريها من آليات التصرف.
عملت العوملة على إعادة تعريف بعض املفاهيم السائدة يف حقل العلوم الدبلوماسية وظهور
مفاهيم جديدة فرضت استخدامها يف علم الدبلوماسية ،فمن املفاهيم اجلديدة اليت برزت يف ظل
العوملة على سبيل املثال ال احلصر ،التشبيك ،التعصب اإلقليمي ،اجملتمع املدن العاملي ،االنفراج
الدول ،التنظيم الدبلوماسي الواحد ،احلجم الطبيعي للحكومة ،السيادة املقيدة :أي الدولة مل تعد
هي الفاعل الوحيد على الساحة الدولية مع بروز فاعلني جدد .ومن املفاهيم اليت أعاد تعريفها ،الدولة
والسيادة .
تؤدي السياسة دورا هاما يف حياة الناس ،حيث إهنا ترتبط حبياهتم بشكل فوري وحمسوس
األمر الذي أدى إىل بروز امهية ترمجة املصطلحات الدبلوماسية حيث اهنا تتحكم كثريا مبصائر
207
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
الشعوب ،السياسة على وجه اخلصوص ،إذ ليست جزءا من حياة الدبلوماسيني فحسب ،ولكن هي
جزء من حياة اإلنسان حيث نرى أن هناك األغلبية الساحقة تفضل قراءة النصوص ومشاهدة برامج
ومن هنا حيتاج الناس اىل ترمجة هذه النصوص من اللغات األخرى إىل العربية .اطالع الناس
على هذه النصوص الدبلوماسية سواء كانت يف شكل كتب او رسائل خترج ..اخل ميكنهم معرفة ما
جيري من حوهلم يف الدوائر الدبلوماسية فهذا ايضا يبني امهية ترمجة الكتب الدبلوماسية اىل اللغات
املختلفة .
ففي القرن العشرين شاهد العامل الكثري من األحداث الدبلوماسية ولعله أكثر قرن شهد
أحداث إجرامية و مؤثرة يف تاريخ البشرية تطور األحداث لسياسية وتغريت لغات بعض الشعوب يف
املاضي كانت السياسة غري معقدة هبذا الشكل فكان املرتمجون جيدون صعوبة يف ترمجة النصوص
تعقد املصطلحات الدبلوماسية يسبب مشكلة للمرتمجني يف النصوص السياسية دائما هناك
فجوة بني النص و بني املتلقي و املرتجم احد وظائفه اذ استطاع بني النص و بني املتلقي لكي يصل
املعىن كامال للمتلقي جيب على املرتجم ان ينزع احلواجز بني نص االصلي و املتلقي كلما كانت
احلواجز هذه معقدة نتيجة تباعد الثقافة ميكانيكيا تزداد صعوبة الرتمجة.
208
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
لقد كانت الرتمجة على الدوام عنصرا متمما للعوملة ألهنا تعمل على ربط ثقافات خمتلفة .ومع
التقدم التكنلوجي اهلائل تزايدت امهية العوملة بشكل مل يسبق له مثيل ،لذا نرى العوملة اليوم يف اوج
تسارعها وال يبدو اهنا سوف تبطئ خطاها يف املستقبل املنظور مما جيعل عملية تضمني املزيد من
العناصر الثقافية فاللغة يف نصوص اللغة املرتجم اليها امرا ال حميد عنه.
"ال يتفق الباحثون النظريون للعوملة دوما على مدلول مصطلح العوملة فعند روالند روبرستون
Roland Robrestonتشري العوملة اىل كل من انضغاط العامل و اشتداد وعي العامل بوصفه
كال واحدا ويزعم جوناثان فريدمن Jonathan friedmanمن جهته ان العوملة ترتبط
بعمليات اسناد املعىن اليت هلا طبيعة عاملية ان البىن املؤسساتية املعوملة هي احد التعابري عن العوملة
.و هي يف حد ذاهتا جمموعة فرعية للنظام العاملي الذي يصف ،يف سياق كون ،تشكل بىن
مركز/اطراف ،وامتدادها و تقلَصها ،وتفك َكها ،واعادة تأسيسها عرب دورات تناوب الزعامة و مزية
املقاربة النظامية العاملية هي اهنا تقدم ما هو عرضي ،وتتحشى النموذج االنتشاري للثقافة حيث
تصبح العوملة مرادفة للحداثة و للغرب –اي لألفكار الغربية اليت تنتشر تدرجييا يف بقية العامل غري
ان مقاربة احلداثة /العوملة هي نظرية Jan Nedervran Pieterse الغريب و حتاجج جان ندرفني بيرتز
1
يف التغريب باسم آخر".
1
حممد منقذ اهلامشي ،عبد الودود بن عامر العمران ،ط ، 1الرتمجة و العوملة ،دار العربية للعلوم ،بريوت 2010ص .114
209
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
ونستنتج من خالل هذه املقولة أن العوملة هي االنتشار الواسع املدى يف كل أحناء العامل
ويشري هذا التعريف العوملة الدبلوماسية هي العملية اليت من خالهلا تصبح شعوب العامل متصلة
ببعضها يف كل أوجه حياهتا ثقافيا اقتصاديا وسياسيا وبيئيا أسباب العوملة الدبلوماسية هناك عدة
أسباب أدت إىل حتفيز واتساع العوملة ا الدبلوماسية فمنها االقتصادي الدبلوماسي الثقايف
االجتماعي.
"إذا كانت الرتمجة نافذة املتخلّف اليت تنفتح على عامل اآلخر املتق ّدم حىت مطلع عصر النهضة،
ظل العوملة اليت نعيشها على كل املستويات جمال رحب للتواصل والتثاقف.
فإهنا اليوم يف ّ
والعوملة ،على خالف ما يعتقد بعض املثقفني ،هي ثالث عوملات :سياسية ،وهي بدأت منذ
هناية احلرب العاملية الثانية وإنشاء األمم املتحدة ،واقتصادية بدأت مع عملية انفتاح االقتصادات
الوطنية على سوق أصبح كونياً يف هناية القرن العشرين ،والثالثة هي عوملة ثقافية نعيشها اليوم يف إطار
مصطلحات كحوار احلضارات ،وحوار الثقافات ،والتع ّددية اللغوية .وطرحت العوملة مبجاالهتا الثالثة
حتديّات على شعوب العامل املتق ّدم واملتخلّف على السواء ،والرتمجة هي واحدة من بني هذه
وتقرب
تسهل سبل التواصل بني البشر ،وتساعد يف نقل املعارف والتقنيات واألفكارّ ،
التحديّات اليت ّ
2
بني عادات خمتلف شعوب العامل".
2موريس ابو ناضر.جملة احلياة .عدد 18539عمان .سنة .2014ص 18اداب و فنون.
210
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
للرتمجة أمهية كبرية شأهنا شأن العلوم األخرى اليت هلا تأثري مباشر يف احلياة اإلنسانية واجملتمعية
وكذلك يف حياة الفرد بصورة مباشرة .كان للعوملة تأثريا كبرياً ومباشراً على املصطلح بصورة عامة
فنالحظ أنه ومبرور الوقت استحدثت مصطلحات جديدة وانتشرت بسرعة مذهلة كانتشار
النار يف اهلشيم وهذا االنتشار نابعا يف األصل للحاجة امللحة هلذا املصطلح او ذاك وكذلك التأثري
املباشر لسياسة العوملة حيث يكون املصطلح الذي وقع عليه تأثري العوملة مفهوماً بصورة دقيقة يف
مجيع احناء العامل ومتداول بشكل كبري .فلو قمنا بدراسة املصطلحات املستخدمة حاليا يف لغة
السياسة لوجدنا بأن اغلب هذه املصطلحات مل تكن موجودة فقبل عدة أعوام بل مل تكن مفهومة
اصالً ،واألمثلة على ذلك كثريٌ جدا قد ال يسعنا تناوهلا بالبحث والتحليل يف سياق هذا البحث،
211
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
العوملة لغة :تعددت تعريفات العوملة وتباينت ،ومل يتم االتفاق عليها (بوصفها مصطلحاً
حديثاً)؛ وفقاً لتعدد زوايا النظر إليها وتنوع ختصص املعرفني هلا واملهتمني بدراستها .وأضحى هذا
1
املصطلح العوملة ((Globalizationأو( (Modularizationمن أكثر املصطلحات إثارة للجدل .
وإذا نظرنا إىل معاجم اللغة العربية ؛ كلسان العرب البن منظور ،والصحاح يف اللغة
للجوهري ،والقاموس احمليط للفريوز آبادي ،ومقاييس اللغة ألمحد بن فارس ،والعباب الزاخر للحسن
اجلديدة املستحدثة اليت كانت قدمياً على سبيل توهم األصالة؛ فهي من باب ال ملحقات اليت تدرس
فجذر الكلمة من اجلذور املقبولة؛ ف (عوَمل ( على وزن (فعلَ َل) مثل (دحرج (،ومصدره هو
(العوملة) ،مثل (الدحرجة ).ويرى الدكتور أمحد صدقي الدجان أ ّن العوملة مشتقة من الفعل عومل على
صيغة فوعل واستخدام هذا االشتقاق يفيد أن الفعل حيتاج لوجود فاعل يفعل ،أي أ ّن العوملة حتتاج
1
ملن يعممها على العامل
إن الغموض الذي يكتنف العوملة الدبلوماسية أكرب ،قياساً إىل عوملة االقتصاد .تشري آراء
املف ّكرين املختلفة إىل وجود تشتت وعدم انسجام ،وفيما يعترب البعض أهنا حتققت أو ستتح ّقق ،يراها
1ينظر :عبدالقادر بن حممد عطا صويف :آثار العوملة على عقيدة الشباب ،رابطة العامل اإلسالمي ،إدارة الدعوة والتعليم ،سلسلة
دعوة احلق ،السنة الثالثة والعشرون ،العدد 1427، 215ه ،ص .20، 19
1الدجان ،أمحدصدقي :مفهوم العوملة وقراءة تارخيية للظاهرة ،صحيفة القدس1998/2/6 ،م ،ص.13
212
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
وذهب البعض إىل أ ّن العوملة الدبلوماسية تعين نقالً لسلطة الدولة واختصاصاهتا إىل مؤسسات
الدبلوماسي العاملي ،ولكن توجد إىل جانبها هيئات متعددة اجلنسيات ومنظمات عاملية ومجاعات
دولية ،وغريها من التنظيمات الفاعلة اليت تسعى إىل حتقيق مزيد من الرتابط والتداخل والتعاون
واالندماج الدول …،مما يعين أن السيادة ال تكون هلا األمهية نفسها من الناحية الفعلية ،فالدول قد
تكون ذات سيادة من الناحية القانونية ،ولكن من الناحية العملية قد تضطر إىل التفاوض مع مجيع
1
الفعاليات الدولية ،مما ينتج منه أن حريتها يف التصرف حبسب مشيئتها تصبح ناقصة ومقيدة"
هنا نأخذ بعني االعتبار رأي املنظر الربيطان ديفيد هيلد ،خبري العلوم الدبلوماسية ،عن كيفية
حتقق العوملة الدبلوماسية .يبدأ هيلد من مستوى العالقات غري الدبلوماسية بني اجملتمعات ،إلدراك
يوجه حبوثه خطوة خطوة إىل إضعاف الدولة القومية ،ويف النهاية استقرار احلكومة
هذا األمر ،ومن مثّ ّ
العاملية بديالً عن احلكومة القومية ،ويشرح هذه املراحل على هذا املنوال:
1أمحد مصطفى عمر "،اعالم العوملة وتأثريه يف املستهلك ",يف سلسلة كتب املستقبل العريب ( ,)24ط,2عمان،2004 ،
ص.162
213
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
2يُضعف ظهور الشركات ما فوق القومية ،واملؤسسات غري احلكومية ) (NGOمن قدرة
3جيب أن تنسجم أغلب النطاقات التقليدية ملسؤولية احلكومة واألعمال اخلاصة للدول
الوطنية مع املعايري واملناهج الدولية ،وأن يتم تعريفها ( قضايا مثل :األمن القومي ،املصاحل القومية،
والتهديدات).
إن الدول مضطرة أن تعرف حاكميتها يف إطار وحدة سياسية أكرب ،مثل االحتاد األوريب،
آسيان ،أوبك ،نفتا و… وأخرياً تتقلص السيادة القومية للبلدان يف داخل مؤسسات دولية وإقليمية،
1
وتضعف سيطرة الدول يف حوادث سياسية ،قومية ،وإقليمية
يصف مفهوم العوملة تلك التغريات السريعة اليت سادت العامل منذ عقدين وال يوجد موضوع
مهم يف جمال االقتصاد و السياسة و الثقافة يف ايامنا هذه اال و فيه جدل و نقاش بشان ابعاده
ِ
لدرجة أن العاملية الواسعة كانت آثار العوملة شاملة للغاية ،وغري متبلورة ،ومتغرية الشكل ،وفوضويةً
. 1 Held، D. Democracy and Global order : from modern state to cosmopolitan Governance.
polity press. Cambridge. 1995، P. 126
214
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
االجنبية حيث اصبحت املصطلحات اللغوية متشاهبة وبسبب العوملة اصبح عدد هائل من الكلمات
االنكليزية يتم استخدامها باللغة العربية بنفس النطق واللفظ للغة االنكليزية يبقى هناك تساؤل هل
هذا يساعد املرتجم ؟!! . .وذهبت (نيفني مسعد)إىل أن الدولة يف عصر العوملة قد أفرغت من
مفهومها األساسي من دولة رعوية إىل دولة تسعى لتحقيق املصاحل االقتصادية والدبلوماسية ،وتنفيذ
1
السياسات العاملية للحاق بركب احلضارة
إذن فالدولة انتقلت من املفهوم الكالسيكي هلا إىل املفهوم احلديث ،حيث أصبحت الدولة
وفق هذا املفهوم متثل معىن جديد بأولوياهتا وأهدافها ،وعالقاهتا مع الدول ،ووضعها ومكانتها يف
املنظومة الدولية ،إىل قدرهتا على البقاء والسيطرة على مكوناهتا الداخلية ،وعناصرها واحلفاظ على
ينجم عن املنظومات الثقافية والعلمية سيل من املصطلحات يف شىت مناحي احلياة ،ويشكل
هذا السيل املتدفق حتديا حلركة الرتمجة من حيث القدرة على مواكبة التسارع من خالل تغطية
املصطلحات الوافدة عرب تيارات العوملة ثقافيا وعلميا ،والكفاءة يف إجياد املصطلح املكافئ أو املناظر
للمصطلح الوافد .وهو ليس لفظا قادما من لغة مصدر إىل لغة هدف فحسب ،بل إن املصطلح
حيمل يف حناياه جينات ثقافية مستمدة من الوسط الثقايف الذي أجنبه من جهة ،وحيمل أبعادا فكرية
مستمدة من املرجعية الفكرية اليت سعت إىل صنعه وفق أهداف عليا مضمرة .وما دام املصطلح
املرتجم ليس بريئا من مرجعيات فكرية وارتباطات ثقافية فإن أبرز التحديات اليت تواجه املرتجم يف
1نيفن مسعد ،رؤية الشباب العريب للعوملة ،معهد البحوث و الدرسات العربية 2000 ،القدس ص . 104
215
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
سياق العوملة هي التخصص الذي يضمن كشف القناع الثقايف للمصطلح املرتجم ،وال ميكن أن
يتحقق هذا الضمان من خالل قدرة املرتجم على خلق عالقة لغوية تناظرية بني املصطلح الوافد وما
يناظره يف لغة اهلدف ،ألن التناظرةاللغوي يقتصر على البنية اللغوية السطحية وال يصل إىل البنية
وال يسعفنا حيز الدراسة لرصد املستوى الكمي للمصطلحات املرتمجة اليت حيمل بعضها جينات
ثقافية غريبة عن اجلسم الثقايف الوطين والقومي ،وينطوي بعضها اآلخر على حتديات ثقافية يف غاية
اخلطورة ؛ ألن هذا الرصد حيتاج إىل لقاء خاص يبحث يف تأثري املصطلح املرتجم على املنظومة
الثقافية ،هلذا نقتصر على التمثيل هبدف إضاءة فكرة احلاجة إىل إجياد املرتجم املتخصص الذي
إن ما مييز العوملة عموما والعوملة يف بعدها الدبلوماسي خصوصا توسلها بالثورة احلاسوبية،
والثورة يف وسائل االتصال واملواصالت ،مقتحمة جمال الوعي واإلدراك والثقافة ،ومعممة أمناط
االستهالك املباشر من اخلارج قبل أن متر اجملتمعات بعملية تطور سياسي اجتماعي متدرج يتالءم
معها بشكل عضوي ،فضال عن اقتحامها جماالت الثقافة ،مما صورها كعملية أيديولوجية جارية على
ومن النافل القول أن جمتمع املعلومات يأيت بعد مراحل متعددة مر هبا التاريخ اإلنسان ،ومتيزت
كل مرحلة خبصائص وميزات ،حيث شهدت اإلنسانية من قبل تكنولوجيا الصيد مث تكنولوجيا الزراعة
1قاسم احلجاج ،فجرالعوملة اجلديدة ،دار نزهة االلباب للنشر و التوزيع ج ،1غرداية –اجلزائر 2013، ،ص99
216
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
وبعدها تكنولوجيا املعلومات ،اليت رمست املالمح األوىل جملتمع املعلومات ،ولعله من النافل القول
كذلك أن مفهوم جمتمع املعلومات مل يتبلور متاما يف الفكر العاملي للعديد من الباحثني إال أهنم اتفقوا
على اعتباره نتيجة للتحوالت الغري مسبوقة الذي مرت به البشرية منذ الستينات مبناسبة وانعكس
ذلك بربوز اجتاه جديد حنو" الدميقراطية االلكرتونية "عرب االنتخاب االلكرتون ،وتزايد دور االنرتنيت
وهذا ما أكدته ثورات( الربيع العريب) ،يضاف إىل ذلك اهتزاز اليوطوبيات اليت طاملا ّروج هلا
خالل القرنني السابقني أنصار األيديولوجيات احلداثية( الليربالية والشيوعية )وتنامي االجتاهات
األيديولوجية الدبلوماسية األقل مغاالة يف يقينيتها الوضعية ،يف مقابل تنامي التيارات الفكرية ال" ما
بعد حداثية" املتطلعة لبناء منوذج أعلى وأكمل هو جمتمع( دميقراطية السوق احلر ة )بالتزامن م ع
تصاعد اليوطوبيات اجلديدة – القدمية عرب :اليسار اجلديد ،واإلسالم اجلديد ،والكونفشيوسية
1
اجلديدة ،أو البحث عن مناذج ما بني حداثية
إعادة تعريف مفاهيم سياسية كالسيكية مرتبطة بالظروف التارخيية احلضارية لظهور الدولة
الوطنية احلديثة مثل :السيادة الوطنية ،احلدود الوطنية ،االقتصاد الوطين ،السوق الوطنية ،اهلوية
الوطنية ،اللغة الوطنية ...حبيث تنسجم مع التحوالت اليت تدفع إليها ديناميكية العوملة االتصالية
واالقتصادية والدبلوماسية.
1
.قاسم حجاج ,املرجع السابق ,ص. 121 .
217
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
ومن التحديات اليت ينبغي أن تعاجلها الرتمجة يف ظل العوملة التغري التدرجيي للمصطلح ،وهو
تغري مقصود خيدم أهدافا ثقافية وسياسية مضمرة ،إذ يبدأ املصطلح بلفظ حمدد يستمر زمنا حمددا ،
مث يتحول إىل لفظ آخر بعد أن يكون اللفظ األول قد استقر يف اخلطاب اإلعالمي ،وال خيفى أن
إذ أن املصطلح جيسد املعطيات الدبلوماسية والثقافية ،وحينما يطرأ تغري يف داللته فإن التغري
الفلسطينية ) الذي أصابه تغري جذري عرب مراحل زمنية خمتلفة ،،فقد حتول مصطلح ( القضية
الفلسطينية ) إىل مصطلح (املشكلة الفلسطينية ) وبني القضية واملشكلة فرق دالل شاسع،
إذ تتحول قضية األرض املسلوبة والشعب النازح إىل مشكلة قابلة للحل بني ( طرفني ) بعد
أن كان مصطلح القضية يؤكد على حق الطرف الوحيد يف فلسطني ،وحتول مصطلح (املشكلة
وبني املشكلة واملسألة مزيد من التنازل يف االستحقاقات الدبلوماسية ،إذ أضحت القضية
الفلسطينية مسألة تبحث عن إجابة على طاولة املفاوضات ،وهي مسألة ال حل هلا إال بوساطة
احلوار بني ( الطرفني – ) كما يفيد املصطلح ، -وحتول مصطلح املسألة إىل مصطلح (الصراع
العريب اإلسرائيلي ) الذي اختزل القضية الفلسطينية بالصراع على احلدود وأراض عربية حمتلة عام
، 1967مث حول مصطلح الصراع إىل نزاع ،وال خيفى الفرق الدالل بني الصراع والنزاع الذي
يكتسب بعدا قضائيا ميكن تسويته باحلوار واملفاوضات .وهبذا حتاول ترمجة املصطلحات تفريغ القضية
218
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
الفلسطينية من حمتواها الوطين واإلنسان والقومي .وتقتضي مواجهة اإلفرازات السلبية للرتمجة العمل
1
على إجياد مؤسسات رمسية تعتين ب ( نقد الرتمجة)
مقدمة :
تتميز العالقات السياسية والثقافية واالقتصادية بني أملانيا والعامل العريب بتقليد طويل وتنوع مذهل،
تقدم املكاتب الفرعية ملعهد غوته مسامهة مهمة يف تنمية اللغة األملانية يف العامل العريب وتعزيز التعاون
الثقايف .تتمتع املدارس األملانية يف هذه املنطقة بسمعة ممتازة وبالتال تساهم بشكل كبري يف تكثيف
العالقات الثقافية األملانية العربية ،هناك أيضا عدد كبري من اتفاقيات التعاون والشراكات بني
اجلامعات األملانية والعربية ،تلعب غرف التجارة الثنائية دورا مهما بشكل خاص يف تعزيز العالقات
االقتصادية الوثيقة ،عززت أيضا شراكات املدن والبلديات واملقاطعات كحلقة وصل مهمة بني اجملالني
الثقافيني .
1عبود ،عبده :األدب املقارن -مشكالت وآفاق .احتاد الكتاب العرب ،دمشق 1999 ،ص185
219
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
واملنظمات العاملة يف هذا اجملال ال حيتوي التعاون عن بعد على دفرت عناوين شامل حول هذه
التسهيالت .
يود املنشور األخري جمللة العالقات األملانية العربية أن يسد الفجوة وأن يعمل كأداة مفيدة
متهيد :تتسم العالقات السياسية والثقافية واالقتصادية القائمة بني أملانيا وبني العامل العريب
بطابع تقليد عريب وبتنوع كبري للغاية .ففروع معهد غوته تقدم مسامهة قيمة يف االهتمام باللغة األملانية
وتتمتع املدارس األملانية يف هذه املنطقة بسمعة رائعة كما تساهم بشكل حاسم يف تكثيف
العالقات الثقافية األملانية العربية ،وتقوم معاهد أحباث أملانية عديدة بنشاطات علمية هامة يف خمتلف
اجملاالت يف املنطقة العربية .وتوجد جبانب ذلك عدة اتفاقيات للتعاون والزمالة بني اجلامعات العربية
واألملانية .يف إطار تعزيز العالقات االقتصادية املتينة تلعب الغرف التجارية الثنائية دورا مرموقا ،وهذا
لقد اتسعت حلسن الظن يف السنوات األخرية عالقات الزمالة بني املدن واملقاطعات األملانية العربية
220
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
وكثريا ما يوجه املواطنون املهتمون استفساراهتم إىل وزارة اخلارجية األملانية خبصوص عناوين
فبالرغم من حجم التعاون العريب األملان الواسع.املؤسسات واملنظمات اليت تعمل يف هذه امليادين
والنشرة الصادرة اآلن حتت عنوان "حملة.فإنه ال يوجد حىت جمرد دليل شامل لعناوين هذه املؤسسات
عن العالقات األملانية العربية" يراد هبا أن تسد هذه الثغرة وأن تكون مبثابة أداة مفيدة جملموعة كبرية
Einleitung
221
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
Kreispartnerschaften als wichtiges Bindeglied zwischen den beiden
Kuiturriumen gebildet
Helmut Schafer
: التعليق
وهي كيفية إجياد معان،هناك مشكلة يواجهها املرتجم يف بعض النصوص اليت يتعامل معها -1
( من لغة املصدر إىلuntranslatability) وترتبط هذه االختالفات مبشكلة عدم قابلية الرتمجة -2
ومن املفارقات اللغوية أيضاً استخدام صيغة املاضي يف اللغة العربية للداللة على حتمية وقوع -3
وهي ظاهرة غري موجودة يف اللغة العربية اليت يُعرب فيها عن املفرد بصيغة املفرد وعن اجلمع -4
.بصيغة اجلمع
222
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
قد ترتجم من اللغة األملانية عبارة مثبتة تنقل إىل اللغة العربية بصورة النفي دون أن يكون -5
القصد هو النفي يف حد ذاته وإمنا اإلثبات بأداة نفي زائدة مثل "ما" بغرض إضفاء املزيد من البالغة
على العبارة املرتمجة ،مثل عبارة "إذا ما زرتين أكرمتك" مبعىن "إذا زرتين" .وبالطبع فإنه عند الرتمجة يف
االجتاه اآلخر تنقل تلك العبارة إىل األملانية بصورة اإلثبات وليس النفي على اعتبار أن أداة النفي هنا
وإىل جانب األبعاد اللغوية جند أن البعد البيئي والثقايف يلعب أيضاً دوراً رئيسياً يف عملية -6
الرتمجة ،فالكلمات اليت هلا أكثر من داللة يف إحدى اللغات قد ال تكون هلا نفس االنعكاسات
وحىت عند ترمجة بعض األلفاظ الصرحية البعيدة عن التشبيهات والكنايات واالستعارات ،فإن -7
األمر قد يتطلب تدخل املرتجم بتعليقات أو مجل إضافية لتوضيح األبعاد الثقافية والبيئية الىت تكمن
.وقد ال تقف آثار الرتمجة احلرفية عند قبول املادة املرتمجة أو عدم قبوهلا لدى القارئ -8
األجنيب ،بل قد ترتتب عليها أيضاً عواقب سيئة ووخيمة ،خاصة يف اجملاالت القضائية والقانونية.و
الدبلوماسية والسياسية .ومن هنا إن الرتمجة -سواء كانت حتريرية أم فورية -ال جيب أن تكون حرفية
وإمنا جيب تطويعها أحياناً لتناسب الثقافات واألعراف األخرى لتكون أكثر قبوالً.
ويسري أيضاً مفهوم التطويع واالستبدال على بعض النصوص الدبلوماسية اليت قد حتتوي -9
أحياناً على عبارات غري مقبولة من حيث الذوق العام لدى القارئ العريب
223
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
اخلالصة أن للجوانب اللغوية والثقافية دوراً هاماً يف عمليات التواصل ونقل املعلومات واألفكار من
بيئة إىل أخرى ،وعلى اجلميع مراعاة تلك اجلوانب واإلملام هبا يف مواقف الرتمجة والكتابة والتحدث
حىت ال يكون هناك خطأ أو التباس يثري يف بعض احلاالت استياء القارئ أو املستمع وعدم قبوله
تمهيد:
منذ سنوات طويلة واحلوار مع تلك البقاع من العامل ذات السمة اإلسالمية من املقومات الثابتة
للسياسة الثقافية والتعليمية اخلارجية األملانية ،وبه فإنه من املهام اليت يلتزم معهد العالقات اخلارجية
،IFAحيث ساهم مسامهة فعالة يف هذا اجملال بالذات يف العقد املاضي عن طريق منتديات احلوار
العريب -األملانية بني ممثلي ووسائل اإلعالم ومؤمترات الصحافيني واخلرباء يف آسيا الوسطى ،ومعارض
224
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
بعد احلادي عشر من سبتمرب 2001برزت ضرورة تعريف أسس هذا احلوار مرة أخرى ،فدعا
املعهد يف شهر أكتوبر من عام 2002باحثني وكتابا وصحافيني وممثلني ملنظمات غرب حكومية من
وأوصى املؤمتر _كخطوة أوىل _ بتكليف جمموعة من املثقفني من البلدان ذات السمة
اإلسالمية بأن يصيغوا رؤيتهم للمشاكل اجلوهرية يف العالقات مع الغرب على شكل مراجعة لوضعها
اآلن ،وتُعرض حصيلة عملهم يف هذا الكتاب ويف رأيي أن انطالقة جديدة للحوار الندي لن تتاح
غال لو كان الغرب مستعد لإلطالع على مثل هذه املراجعة ،والتأمل يف النقد والتوصيات بروح بناءة،
وظهر من اللقاء يف نويهار دنربغ أن مسار احلوار يتطلب أن نتعلم أشياء كثرية ومتنوعة ،مما
يتجاوز شعائر احلوار املتعارف عليها ،سواء الدبلوماسية منها أو غريها وأمتىن أن ينجح املعهد يف أن
يطور هذا املنطلق إهلام الرفيع املستوى مبا يتخطى أفق هذه املراجعة ،ليحوله إىل عمل مشرتك.
فليساهم التصور الكامن وراء منتدى املعهد IFAللحوار والتفاهم كأن خيفف من األزمات اليت
-اقرتاح ترمجة أخرى للنص بأسلوب آخر مل تعطنا نفس أسلوب الرسالة اليت يتوخاه النص
والكتاب الذي يوضح العالقات بني الدول العربية الغربية خاصة احلوار الثقايف بني الغرب
والعامل اإلسالمي.
225
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
تعليق :
كانت احلوارات مع املناطق اإلسالمية يف العامل جزءا ال يتجزأ من السياسة الثقافية والتعليمية
اخلارجية األملانية لسنوات عديدة ،لديهم تفويض والتزام ملعهد العالقات اخلارجية ، IFAيف العقد
املاضي على وجه اخلصوص ،كان له حوارات مع وسائل اإلعالم األملانية العربية ومؤمترات الصحافة
بعد 11سبتمرب ،2001بدا من الضروري إعادة حتديد أسس هذا احلوار يف أكتوبر ، 2002
دعا معهد العلماء والكتاب والصحافيني وممثلي املنظمات غري احلكومية من العامل اإلسالمي وأملانيا
226
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
كخطوة أوىل ،أوصى املؤمتر جمموعة من املثقفني من الدول اإلسالمية بصياغة نظرهم للمشاكل
أعتقد أن بداية جديدة على قدم املساواة يف احلوار ممكنة فقط إذا كان الغرب مستعدا لتقييم
كشف االجتماع الذي عقد يف نويهار دينبريدج أيضا أن عملية احلوار بني الثقافات ال تزال
تتطلب تعلمك أشياء متنوعة من التعلم تتجاوز طقوس احلوار الدبلوماسية وغريها من الطقوس اليت
أثبتت جدواها.
آمل أن تتمكن IFAمن تطوير هذا النهج املثري والتحدي إىل ما هو أبعد من املخزون احلال
إىل أنشطة مشرتكة أخرى .أمتىن أن يساهم منتدى معهد IFAللحوار والتفاهم يف ختفيف أزمات
(ترمجة ثانية للنص وهي بأسلوب بسيط وأظن أهنا ال توصل الرسالة واملعىن بشكل واضح مثل
الرتمجة األوىل).
Geleitwort
Dialoge mit den islamisch geprgten Weltregionen sind seit Jahren fèster
Bestandteil der deutschen Auswrtigen Kultur- und Bildungspolitik. 51e sind
damit auch Auftrag und Verpflichtung fur das Institut fur Auslandsbeziehungen
(ifa); es hat besonders 1m zuruckIiegenden Jahrzehnt mit seinen deutsch-
arabischen Mediendialogen, mit .Journalisten-Experten-Konferenzen in
Zentralasien und auch mit seinen Ausstellungen deutscher Kunst einen
besondere,n Beitrag geleistet.
227
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
Nach dem 11. September 2001 erschien es notig, die Grundiagen eines
solchen Dialogs neu zu bestimmen. So Iud das ifa 1m Oktober 2002
Wissenschaftler, Schriftsteller, Journalisten und Vertreter von Nicht-
Regierungsorganisationen aus dèr -islamischen Welt und aus Deutschland zu
einer Konferenz nach Schloss Neuhardenberg ein.
Als ersten schritt empfahl die konferenz geprgten Lndern zu beauftragen,
ihre Sicht der Kernprobleme der Beziehungen zum Westen in einer Art
Bestandsaufnahme zu formulieren. Das Ergebnis wird in diesem Buch
vorgelegt. Ich bin der Melnung, dass ein neuer Anfang auf gleicher Augenhôhe
1m Dialog nur môglich ist, wennder Westen bereit ist, eine soiche
Bestandsaufnahme zur Kenntnis zu nehmen und über die Kritik wie auch über
die Vorschlàge in einem konstruktiven Sinne nachzudenken.
Das Treffen in Neuhardenberg hat auch offenbart, dass der Prozess des
Dialogs zwischen den Kulturen noch vieIfItigen Lernens jenseits scheinbar
bewâhrter diplomatischer und anderer DiaIogRituaIe bedarf. lch hoffe, dass es
dem ifa gelingt, diesen spannenden und anspruchsvollen Ansatz über die
vorliegende Bestandsaufnahme hinaus in welteren gemeinsamen Aktivitaten
fortzuentwickeln. Moge die dem ifa-Forum Dialog und Verstdndigung zugrunde
liegende Dialogauffassung erfolgreich zu einem weniger krisenhaften
Zusammenleben der Kulturen unserer Welt beitragen!
و، بالفقرة و تعرف أيضا بالرتمجة باملعىن وهي الطريقة املتداولة/بالوحدة/ الرتمجة باجلملة-1
فيها ينقل معىن مجلة أو فقرة أو وحدة بصفة عامة من اللغة األصل إىل ما يكافئه يف اللغة اهلدف
.منها املنقول اللغة يف النحوية اجلملة لبنية حرفية مراعاة دومنا
228
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
ومبا أن أسلوب املؤلف يعتمد على اإلقناع بالدليل فقد ضرب مثال مجيل يف عبارة وهي:
-2يربز من خالل مقارنة خصائص اللغة األملانية أن هناك اختالفا حنويا وبنيويا بني األملانية والعربية
جيب أن يأخذ بعني االعتبار يف الرتمجة ويبدو ذلك جليا يف عدد الضمائر األملانية وتقسيم األزمنة
وهلذا نؤكد على أمهية إجياد حلول ترمجية للظواهر النحوية و الرتكيبية اليت ال توجد يف اللغة العربية
واالبتعاد عن احلرفية يف الرتمجة ،وميكن أن نضرب مثاال باجلنس احملايد والكلمات املركبة من أكثر من
-3تستعمل صيغة املبين للمجهول يف األملانية يف مجل ونصوص تكون فيها األحداث والوقائع أكثر
أمهية من الفاعل ،وهلذا جند هذه الصيغة تتكرر كثريا يف نصوص ختصصية سواء أكانت تقنية أو
دبلوماسية أو علمية أو اقتصادية تشرح فيها ظواهر أو عمليات معينة ،أيضا يف النصوص اإلدارية و
229
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
توضيح السياق :مالحظات عامة حول العالقة بين العالم اإلسالمي والغرب
- 1لقد ركزت أغلب الندوات واملؤمترات والبحوث السياسية ،خالل العقود اخلمسة املاضية
أكثر ما ركزت ،على العداء بني الشرق والغرب والنزاع بني الشمال واجلنوب ،ومع ذلك ،بل وحىت
قبل احلادية عشر من سبتمرب ،2001نشأ تصور آخر حول التناقضات السياسية والثقافية
األساسية-وضع لعامل اإلسالمي مقابل للغرب ،نعين به التصور "صدام احلضارات" .إن خلفية هذا
النزاع ،الذي يرتكز على معايري دينية وثقافية ،ليست فقط معقدة ،وإمنا تعب عن إشكاليته .وتكمن
جتدر اإلشارة ،أوال وقبل كل شيء ،إىل أن وضع العاملني اإلسالمي والعريب ،بوصفه قطبني
متعارضني ومتناقضني ،يطرح تفسريا ثنائيا للعالقة ،يطمس الفوارق الدقيقة أو االستثناءات ،بل
يتجاهل يف األساس التغاير الداخلي على اجلانبني ،كما يهمل احلقيقة األساسية اليت تقول "إن
230
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
الثقافات" واجملتمعات ليست كيانات ثابتة ودائمة ،بلكنها يف حالة تغيري دائم ،وعالوة على ذلك ،
ال يضع حسبانه ذلك املزيج كلي الوجود-أي التداخل الدائم واخلليط بني الثقافات.
-ما هو الغرب؟ هل يفرتض انه عامل ال يسكنه سوى األوروبيني الذين ينتمون إىل الرتاث املسيحي،
مبا يتعارض مع اإلسالمي املختلف دينيا وعرقيا؟ مادامت بلدان الغرب هي موطن ماليني عديدة من
املهاجرين املسلمني من آسيا وإفريقيا-وميتلك الكثريون مهنهم حق اجلنسية-يفقد إذا هذا التقسيم
بريقه .لقد استوعب منط احلياة الغربية كثريا من هؤالء املهاجرين وأصبحوا جزء منه ،وعالوة على
تقاليدهم وفنوهنم وأنواع طعامهم تدرجييا من العناصر الثقافية يف احلياة اليومية بأوروبا والواليات
املتحدة .وجيدر أيضا عدم نسيان العوامل اإلسالمية املؤثرة يف الثقافة الغربية خالل العصور السابقة يف
خمتلف اجملاالت.
فلم تكن جماالت مثل العلم والطب والفلسفة يف أوروبا لتصبح على ما هي عليه اآلن بدون
الدفعات العربية املساعدة عرب القرون .بل وحىت الفلسفة اليونانية أحد رموز "الثقافة الغربية" –تلقته
أوروبا من خالل أعمال العلماء املسلمني .ماذا ميثل الغرب بالنسبة لنا؟
هل ميثل املسيحية أم العلمانية أم اإلحلاد؟ هل يرمز إىل القوة أو الكفاءة االقتصادية؟ هل ميثله
التنوير أم حقوق اإلنسان ،أو متثله الفاشية أو العنصرية أو احملرقة-أم يتمثل عرب ذلك؟ هل ميكن
تعريفه من خالل الفن والثقافة ،أم من خالل االستهالك أو التكنولوجيا؟ إن الغرب ال يوجد ككيان
231
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
وباملثل ،ال ميكننا أن نتحدث عن جمتمع إسالمي نقي وواضح وخيلو من أي تأثري للثقافة
واحلضارة الغربيتني .لقد أدت وسائل االتصال احلديثة إىل دخول التأثري الغريب حىت إىل اجملتمعات
اإلسالمية احملافظة مثل السعودية .وينبغي أن ال ننسى أن العامل اإلسالمي غري متجانس وميوج
هل هناك خط واضح مييز العامل الغريب الصناعي عن البلدان اإلسالمية النامية؟ يف واقع األمر،
عندما جتري كثري من وسائل اإلعالم الدولية مقارنة بني الغرب وبني العامل اإلسالمي ،فإن صورة العامل
اإلسالمي اليت تتبادر إىل الذهن عادة ما تكون صورة التخلف والتعصب الديين والقمع وغياب احلرية
وحقوق اإلنسان ،وخاصة بالنسبة للمراءة .وتزداد سلبية الصورة العامة مع إضافة االقرتان احلال بني
اإلسالم واإلرهاب ،وينمو يف الغرب تصوير املسلمني كمهج ،مما يسفر عن جتاهل لدور املهم الذي
وعلى الرغم من أن هذا التجاهل الغريب قد يضم جوانب صحيحة أحيانا ،فإنه يتحول إىل
تصورات منطية وحتيزات ضارة .وهو األمر الذي يؤجج املشاعر العنصرية والعدائية حنو كل من ينتمون
إىل العامل اإلسالمي ،دون متييز بني من يتعمدون تبين أسلوب لعنف وبني من يعانون من عواقبه على
ملستوى احمللي.
ال يوجد تعريف واضح للعامل اإلسالمي .وتقود حماولة تعريفه إىل تعميمات ضبابية تتجاهل
التنوع والتناقضات والنزاعات الداخلية .إن الدعوات الرامية إىل إنشاء "أمة إسالمية" مل تتجاوز جتمع
232
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
البلدان اإلسالمية "منظمة املؤمتر اإلسالمي" وبالتال ،ال ميكننا أن نزعم بوجود قوة مرتاصة تسمى
"العامل اإلسالمي" ميكن اعتبارها خطرا يتهدد الغرب الذي ميتلك قوة أكرب كثريا.
كما أن "العامل اإلسالمي" ال يشكل أيضا كيانا حمددا جغرافيا ،وإمنا هو نوع من التكوين
الفضفاض يشبه التجمعات األخرى اليت جرى تأسيسها بني بلدان عدم االحنياز أو العامل الثالث.
وميكننا جدال بأن رابطة القومية أقوى وأكثر انتشارا يف العامل اإلسالمي من رابطة الدين.
وميكن التأكيد على هذه النقطة يف حالة بلدان مثل العراق وإيران ،فهما بلدان إسالميان ،لكن
كال منهما لديه مصاحلة الوطنية اخلاصة ،بل قد دارت بينهما حرب دموية لفرتة طويلة ويتجلى مثال
آخر يف املوقف الذي اختذته إيران إىل جانب باكستان وهو بلد إسالمي أيضا.
ويوضح العديد من األمثلة أن الروابط السياسية واإليديولوجية ميكن أن تطغى على األرضية
الدينية املشرتكة.
وحقيقة أن العالقة بني العامل اإلسالمي والغرب تقع على جمرى تصادمي ،كما يثبت ذلك
العنف واحلروب اليت شهدهتا السنتان األخريتان .لكن املوقف السياسي واالقتصادي أكثر تعقيدا ،إذ
جيري احلفاظ على العالقات التجارية املكثفة بني بلدان العامل اإلسالمي وأوروبا والواليات املتحدة
األمريكية .بل وحىت البلدان اإلسالمية املعروفة مبوقفها احملافظ ومشروعيتها املأسسة على الدين ،مثل
السعودية ،ال يوجد لديها أي مشكلة يف استثمار أمواهلا يف الغرب والتعاون مع البلدان الغربية ،بل
وحىت دعوة جنود الواليات املتحدة األمريكية إىل أراضيها ،وهو األمر الذي يشري إىل أن العالقات
الغربية-اإلسالمية ال تقوم يف األساس على الدين أو اإليديولوجيا ،وإمنا تدفعها املصاحل الذاتية.
233
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
Europäisch-islamischer Kulturdialog
Der Westen und die Islamische Welt
Kapitel Eins
Den Kontext klären
Allgemeine Bemerkungen über die Beziehungen zwischen der
muslimischen Welt und dem Westen
1 In den vergangenen fünf Jahrzehnten haben sich Seminare, Konferenzen
und die politikwissenschaftliche Forschung in der Regel mit dem Ost-West-oder
dem Nord-Süd-Konflikt befasst. Aber noch vor dem 11 September 2001 bildete
sich eine andere Wahrnehmung grundlegender politischer und kultureller
Widersprüche heraus: Die muslimische Welt wurde dem Westen
gegenübergestellt, ein »clash of civilizations» postuliert. Der Hintergrund dieses
Konflikts, der auf religiösen und kulturellen Kriterien beruht, ist nicht nur
kompliziert, sondern auch problematisch. Einer der Gründe dafür ist der
Gebrauch einer mehrdeutigen Terminologie.
Zuallererst: Die Beschreibung der muslimischen und der westlichen Welt
als zwei einander gegenüberstehender und widersprechender Pole erzeugt eine
234
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
dualistische Interpretation der Beziehung, die viele Facetten oder Ausnahmen
außer Acht lässt. 1m Grunde ignoriert sie die innere Heterogenität auf beiden
Seiten. Sie missachtet aber auch die grundlegende Tatsache, dass »Kulturen«
und Gesellschaften keine festen, dauerhaften Gebilde sind, sondern sich in
einem Zustand permanenter Veränderung befinden. Auch berücksichtigt diese
Beschreibung nicht die allgegenwärtige Vermischung, die ständigen
Überschneidungen und Gemengelagen zwischen den Kulturen.
Was ist der Westen? Handelt es sich um eine Welt, in der nur reine
Europäer in der gemeinsamen christlichen Tradition leben, im Gegensatz zu
einer ethnisch und religiös anderen muslimischen Welt? Da die westlichen
Länder die Heimat von Millionen von muslimischen Migranten aus Asien und
Afrika sind - viele von ihnen besitzen eine europäische Staatsbürgerschaft -
verliert die Aufteilung ihre Trennschärfe. Viele dieser Einwanderer haben sich
die westliche Lebensart angeeignet, sich assimiliert und sind ein Teil von ihr
geworden. Zudem haben die muslimischen Migranten die westlichen
Gesellschaften beeinflusst. ihre Traditionen, ihre Kunst und ihre Küche wurden
allmählich zu kulturellen Elementen im Alltag in Europa und in den Vereinigten
Staaten. Wir sollten auch nicht die Einflüsse der islamischen Zivilisation auf die
westliche Kultur in früheren Jahrhunderten vergessen: Naturwissenschaften,
Medizin und Philosophie in Europa wären nicht auf ihrem heutigen Stand ohne
die arabischen Anregungen im Laufe der Jahrhunderte. Sogar die antike
Philosophie, ein Symbol der »Westlichen Kultur » , wurde in Europa nur über
die Werke muslimischer Gelehrter aufgenommen. Was ist der Westen für uns?
Ist es das Christentum? lst es Säkularisierung oder Atheismus? ist es ein Symbol
der Macht oder der ökonomischen Effizienz? Steht der Westen für die
Aufklärung und die Menschenrechte, für Faschismus, Rassismus und den
Holocaust - oder für all das zusammen? Definieren wir den Westen über seine
Kunst und Kultur, sein Konsumdenken oder seine Technologie? Als homogene
235
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
Einheit existiert der Westen nicht; er ist eine vage Vorstellung voller
Widersprüche.
Aus demselben Grund können wir nicht von einer reinen, klar definierten
muslimischen Gemeinschaft sprechen, die von der westlichen Zivilisation und
Kultur nicht beeinflusst wäre. Die modernen Kommunikationsmittel haben
westliche Einflüsse sogar bis in solch konservative muslimische Gesellschaften
wie Saudi Arabien hineingetragen. Und wir sollten auch nicht vergessen, dass
die muslimische Welt in sich genauso heterogen und von inneren
Widersprüchen gekennzeichnet ist wie der Westen.
Gibt es eine eindeutige Trennungslinie, die zwischen der industrialisierten
westlichen Welt und den sich entwickelnden muslimischen Ländern gezogen
werden kann? Wenn die Medien den Westen der muslimischen Welt
gegenüberstellen, dann sind die Bilder häufig von Rückständigkeit, von
religiösem Fanatismus, Unterdrückung, fehlenden Freiheiten und dem Mangel
an Menschenrechten, vor allem für Frauen, geprägt. Das öffentliche Bild wird
sogar noch negativer, wenn die gängige Assoziation zwischen Islam und
Terrorismus hinzugefügt wird. 1m Westen werden die Muslime zunehmend als
Barbaren gezeichnet, wobei die wichtige Rolle, die ihre Zivilisation für die
Entwicklung der Menschheit gespielt hat, ignoriert wird.
Auch wenn diese westliche Wahrnehmung in bestimmter Hinsicht. einen
Kern von Wahrheit beinhalten mag, so bleibt sie dennoch eine ungerechte
Verallgemeinerung. Wenn sie tagtäglich von den Medien und konservativen
politischen Führern und intellektuellen verbreitet wird, dann mutiert sie zu
Stereotypen und Vorurteilen. Rassismus und Feindseligkeit gegen all diejenigen,
die der muslimischen Welt angehören, werden geschürt, ohne dass
unterschieden würde zwischen solchen, die bewusst gewalttätige Haltungen
einnehmen, und jenen, die vor Ort unter den Folgen zu leiden haben.
Es gibt keine klar definierte muslimische Welt. Der Versuch, sie zu
definieren, fϋhrt zu vagen Verallgemeinerungen und vernachIässigt die
236
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
Unterschiede, Widersprϋche und inneren Konflikte. Der Ruf zur
Wiedererrichtung der islamischen »Umma», wie sie einmal war, hat lediglich
die »Konferenz lslamischer Staaten» hervorgebracht. lnsofern können wir nicht
von der Existenz einer monolithischen Kraft namens »muslimische Welt»
ausgehen, die man als Bedrohung fϋr den viel stärkeren Westen betrachten
könnte.
Die muslimische Welt ist auch keine geographisch definierbare Einheit.
Vielmehr handelt es sich um eine lose Gruppierung wie andere auch, die sich
innerhalb der blockfreien Länder oder aus der Dritten Welt herausgebildet
haben. Wir würden sogar behaupten, dass das Band des Nationalismus in der
muslimischen Welt stärker und weiter verbreitet ist als das der Religion.
Gerade dieser Gesichtspunkt muss in Bezug auf Länder wie Irak und den
Iran betont werden. Beide sind muslimische Länder, haben aber ihre eigenen
nationalen Interessen, die sie durch einen langen, blutigen Krieg durchzusetzen
versuchten. Ein weiteres Beispiel: Iran hat sich im Kaschmirkonflikt auf die
Seite Indiens geschlagen, statt das muslimische Pakistan zu unterstützten. Es
gibt viele Beispiele, die zeigen, dass politische Bindungen und Ideologien sich
über religiöse Gemeinsamkeiten hinwegsetzen.
Es ist wahr - die Beziehung zwischen den Muslimen und dem Westen
scheint auf Kollisionskurs zu sein, wie die Gewalt und die Kriege der Letzten
zwei Jahre belegen. Aber die tatsächlichen politischen und ökonomischen
Beziehungen sind viel komplexer. Zwischen verschiedenen Ländern der
muslimischen Welt und Europa und den Vereinigten Staaten besteht ein
intensiver Handelsaustausch. Sogar sehr konservative muslimische Länder wie
Saudi Arabien haben keine Vorbehalte, ihr Geld im Westen zu investieren, mit
westlichen Ländern zu kooperieren und sogar US-Soldaten bei sich
aufzunehmen. Das zeigt, dass die westlich-muslimischen Beziehungen nicht
zuallererst durch Religion oder Ideologie bestimmt werden, sondern durch die
Eigeninteressen
237
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
تعليــق
- 2المواجهة الراهنة :
إن العداء الغريب الظاهر جتاه البلدان اإلسالمية ال يرجع إىل توجهاهتا الدينية ،وجند أن أسباب
رفض دخول تركيا إىل االحتاد األورويب هي أسباب اقتصادية ،مبا يف ذلك مشكلة اهلجرة وعدم اتساق
القوانني مع املعايري الدميقراطية ألوروبا .وال ميثل دين تركيا ،أي اإلسالم ،سوى عامل شديد احملدودية
يف هذا املقام ،وحىت الواليات املتحدة األمريكية اليت يبدو اآلن موقفها عدائيا إىل حد ما اجتاه
املسلمني ،تقوم يف واقع األمر بتعديل سياستها اجتاه األمم واجملموعات العرقية واألديان األخرى مبا
يتفق مع مصاحلها االسرتاتيجية .فقد تدخلت الواليات املتحدة األمريكية ،على سبيل املثال ،تدخال
عسكريا لصاحل مسلمي البوسنة ضد الصرب املسيحيني ،وعندما أعلنت احلرب ضد أفغانستان ،مل
يكن ذلك بسبب االسالم أو املسلمني وإمنا ألسباب جغرافية-سياسية ،وباسم حماربة االرهاب.
كما ساندت الواليات املتحدة يف السابق "اجملاهدين" األفغان وحرب "اجلهاد" اليت قادوها
ضد االحتاد السوفيايت ،وال يُعد العراق استثناء ،ذلك أن الواليات املتحدة هددت العراق أكثر من مرة
وقامت بغزوه مؤخرا على الرغم من أن العراق دولة علمانية ،ومل يكن ذلك بسبب وجود أغلبية
مسلمة ف العراق وإمنا ألسباب سياسية.
لقد نشأت أحدى عناصر النزاع بني العاملني اإلسالمي والغريب من ثنائية الذهنيات بني
املتعصبني واملتنورين على اجلانبني ،إن الصراع الذي خيوضه التعصب والتفتح ال يقتصر على العامل
اإلسالمي ،بل يوجد يف أغلب األديان .وجند أن عدم التسامح الذي متثله احلركات االسالمية
األصولية يتوازى مع تعصب مماثل لدى الكنائس األصولية يف الواليات املتحدة األمريكية أو املتطرفني
238
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
وميكننا أن نشهد اليوم كيف تؤثر املواقف الدينية الدوغمائية على.اليهود داخل إسرائيل وخارجها
كما نالحظ أيضا كيف تؤد هذه املواقف إىل تأجيج هذه الكراهية بني األديان.العالقات الدولية
ويصعب كبح مجاح هذه.والناس داخل األمة الواحدة وعلى الصعيد العاملي بني شعوب العامل
حيث جيري النظر إىل اآلخر،املشاعر احلاقدة ما دامت تضم شكال من أشكال الرفض املطلق لآلخر
إهنا مشكلة خطرية توجد يف اجملتمعات اإلسالمية والغربية على،بوصفه عدوا ينبغي القضاء عليه
. السواء
239
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
bedroht und sind sogar dort einmarschiert, obwohl es ein säkularer Staat ist -
also nicht wegen der muslimischen Bevölkerung, sondern aus politischen
Gründen.
Ein Element des Konflikts zwischen der muslimischen und der westlichen
Welt entspringt einer Dichotomie in der Denkweise zwischen Fanatikern und
Aufklärern auf beiden Seiten. Dieser Konflikt zwischen Offenheit und
Intoleranz ist nicht auf die muslimische Welt beschränkt. Er existiert in fast
allen Religionen. Die Intoleranz, die die islamistischen, fundamentalistischen
Bewegungen vertreten, ist durchaus vergleichbar mit einem ganz ähnlichen
Fanatismus unter den fundamentalistischen Kirchen in den Vereinigten Staaten
oder bei jüdischen Extremisten innerhalb und außerhalb Israels. Wir können
zurzeit beobachten, wie dogmatische religiöse Positionen die internationalen
Beziehungen beeinflussen. Wir sehen auch, dass sie Hass unter den Religionen
und in der Bevölkerung innerhalb von Nationen säen sowie auf globaler Ebene
unter den Völkern in der ganzen Welt. Solche bösartigen Gefühle sind nicht
leicht einzudämmen, da sie eine Form absoluter Ablehnung des Anderen
beinhalten, der als Feind betrachtet wird und den es gilt auszurotten. Dies stellt
ein gravierendes Problem sowohl für die muslimischen als auch für die
westlichen Gemeinschaften dar.
تعليـق
: القضايا الدالة- 3
ترتبط العالقات بني العامل اإلسالمي والعرب ارتباطا جوهريا بالقضايا السياسية الدالة اليت تضم
.*القضية الفلسطينية واملواقف اليت يتخذها الغرب جتاه الصراع العريب اإلسرائيلي
240
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
*السيناريوهات اخلطرية احملتملة اليت يناقشها عالنية املسؤولون يف الواليا املتحدة وتضم اخلطط
الرامية إىل إحداث مزيد من التغريات اجلذرية يف املنطقة ،مبا يف ذلك التهديدات املوجهة ضد سوريا
وإيران .
*مشكالت أخرى تؤثر يف املناطق اإلسالمية مثل :الصراع الداخلي من أجل اإلصالح يف
إيران ،وضع البلقان (قضية كوسوفا والنزاع األلبان املقدون) ،الشيشان ،كشمري ،أفغانستان ،وضع
املسلمني يف الصني وأخريا احملاوالت اليت قامت هبا تركيا والدول االسالمية يف البلقان لالنضمام إىل
االحتاد األورويب.
ومن أجل فهم العالقات االسالمية-الغربية بصورة واقعية ،من الضروري االشارة إىل اخلالفات
القائمة بني خمتلف القوى الغربية .علينا أن نفرق بني الواليات املتحدة وبلدان االحتاد األورويب،
واإلقرار باالختالفات القائمة داخل أوروبا ،فهناك من يؤكد ارتباطه القوي بسياسات الواليات
املتحدة ويتبع قيادهتا يف العراق ،وهناك من يوصفون بأهنم "أوروبا القدمية" وال يرغبون يف اتباع
اسرتاتيجية واشنطن .فالسياسات اخلارجية اليت أعلنتها فرنسا وأملانيا وبلجيكا كانت تعارض احلرب
اليت تقودها الواليات املتحدة األمريكية ضد العراق مع اصرار تلك البلدان على دور الواليات املتحدة
احلاسم ،لقد تعارضت هذه السياسات مع املواقف املتطرفة اليت أرادت الواليات املتحدة من أوروبا
اتباعها ،فالصراع السياسي الرئيسي فيما يتعلق بالعراق مل يكن بني البلدان االسالمية والغرب ،وإمنا
241
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
ويرى،إن التوازن الدول بني خمتلف القوى والكتل مضطرب منذ اهنيار االحتاد السوفيايت
ينبغي أن حتاول أوروبا استعادة،الكثريون يف العال م اإلسالمي (ويف العامل الغريب أيضا) أن جانبها
هناك حاجة إىل الثقة من أجل اختاذ قرارات سياسية بناءة يف اجملاالت،نوع ما من التوازن الدول
قرارات تتجاوز جمرد مقاومة هيمنة الواليات،الغربية-األساسية اليت تؤثر على العالقات االسالمية
.املتحدة
3 - Wichtige Fragen
Die Beziehungen zwischen der muslimischen Weit und dem Westen
korrelieren heute grundlegend mit bedeutsamen politischen Fragen, die primär
Folgendes umfassen:
Die Palästinafrage und die Haltung des Westens im arabisch-israelischen
Konflikt;
Die irakfrage - der Krieg und die Besetzung Iraks durch amerikanische und
britische Truppen;
• Die potentiell gefährlichen Szenarien, die in den USA öffentlich diskutiert
werden und Plane für weitere radikale Veränderungen in der Region enthalten,
einschließlich Drohungen gegen Syrien und den Iran;
• Weitere Probleme, die muslimische Regionen betreffen: der innere
Kampf um Reformen im Iran, die Situation auf dem Balkan (die Kosovofrage
und der mazedonisch- albanische Konflikt), Tschetschenien, Kaschmir,
Afghanistan, die Lage der Muslime in China, und schließlich die Bemühungen
242
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
der Türkei und der muslimischen Staaten auf dem Balkan, Mitglieder der EU zu
werden.
Um die muslimisch-westlichen Beziehungen realistisch beurteilen zu
können, ist es unabdingbar, die Unterschiede zwischen den verschiedenen
westlichen Mächten zu beachten. Wir müssen zwischen den USA und den
Ländern der EU differenzieren und die Unterschiede innerhalb Europas
anerkennen, so z.B. zwischen denen, die ihre engen Bindungen zu den USA
betonen und den USA in ihrer Position gegenüber Irak folgen, und den Ländern,
die als »das alte Europa» bezeichnet wurden und die gezögert haben, die
Strategie Washingtons zu unterstützen. Die erklärte Außenpolitik Frankreichs,
Deutschlands und Belgiens War gegen den Krieg der USA in Irak und bestand
auf einer entscheidenden Rolle der Vereinten Nationen. Diese Politik geriet in
Konflikt mit den extremen Positionen, die die USA von Europa verlangten. Der
Hauptkonflikt in der Politik gegenüber Irak verlief nicht zwischen den
muslimischen Ländern und dem Westen, sondern vielmehr zwischen den
westlichen Ländern.
Das internationale Gleichgewicht zwischen den verschiedenen Mächten
und Machtblöcken ist durch den Zusammenbruch der Sowjetunion gestört
worden. Viele in der islamischen Welt (aber auch in der westlichen Welt)
betrachten die Politik dieser US-Administration als unilateral, provozierend,
widersprüchlich und ungerecht. Europa sollte seinerseits versuchen, eine Art
internationales Gleichgewicht wiederherzustellen. Benötigt wird das Vertrauen,
um konstruktive Entscheidungen in den Schlüsselbereichen, die die westlich-
muslimischen Beziehungen beeinflussen, tatsächlich zu treffen. Dies wäre mehr
als sich lediglich gegen die Vorherrschaft der USA zu wehre n.
تعليـ ـ ـ ـ ــق
243
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
يبدو أننا قد دخلنا يف حلقة مفرغة من العنف املتبادل ،وال ميكننا اخرتاقها إال إذا حدث تغيري
أساسي يف السياسة اخلارجية الغربية ،توجد ضرورة ملحة إىل بذل حماوالت جادة من أجل إحياء
القانون الدول الذي تعرض للخرق واالنتهاك الشديد من جانب الواليات املتحدة قبل حرب العراق
وخالهلا ،وينبغي أن ميثل القانون الدول املبدأ املفتاح املنظم للعالقات بني الدول ،وأن يرتكز تغيري
وميكن أن توفر هذه التعبريات نقطة انطالق لإلصالح يف الشرق األوسط والبلدان االسالمية
بشكل عام ،وهو األمر الذي جيب أن يساعد على املدى البعيد ،على تطوير ثقافة نبذ العنف ،وعلى
الرغم من أن مثل هذا التحول قد يكون بطيئا عسريا يف حتقيقه ،فهو ميثل حتوال جوهريا ،ومع ذلك
يعتمد جناح هذا التحول على وقف التوترات يف املنطقة أوال من خالل تقليص القمع الداخلي.
فهناك ضرورة ملنح مزيد من الدميقراطية واحلرية لتلك الشعوب اليت عانت طويال من القمع واإلمهال
وعلى الصعيد السياسي ،ينبغي أن تضطلع املنظمات واملؤسسات املدنية بدور أكرب وجيدر أن
تعمل هذه اهليئات كرقيب على السلطات احلاكمة وقراراهتا السياسية .كما ميكنها أيضا املساعدة
على تعضيد جهود جيل الشباب من أجل تطوير جمتمعاته سياسيا واقتصاديا ،مما يؤدي بالتال إىل
تقليص مشكالته ،إن تقوية مشاركة ومسؤولية املواطنني واجملتمع املدن ميكن أن متأل أيضا الفراغ
األيديولوجي الذي نشأ بعد سقوط أو نزع شرعية النظم السياسية التقليدية اليت قادت إىل صعود
التعصب.
244
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
وعالوة على ذلك ،ينبغي أن يكافح املثقفون والصحفيون واملدرسون وصناع القرار ،سواء يف
العرب أو يف البلدان االسالمية ،من أجل تقوية الفهم والشعور بالرتاث البشري املشرتك .وبإمكاهنم
املساعدة على نشر وتعميق القيم املشرتكة حول التسامح وقبول االختالف واحرتام خصوصية كل
عليهم أيضا أن يثمنوا احلاجة اىل احلوار والتعبري احلر ،وذلك من خالل عقد لقاءات للشباب
واملثقفني ،وإنشاء مراكز حوار مؤسس للتخلص من التحيزات والتصورات النمطية لدى املتطرفني.
ينبغي أن نعي أن جتارب احلادي عشر من سبتمرب 2001واحلروب ضد أفغانستان والعراق قد
أدت إىل زيادة التوتر بني العاملني االسالمي والغريب .إن تقوية الفهم املتبادل قد أصبح أكثر صعوبة،
ويبدو أن قد أضحى سبيال مقبوال على نطاق واسع للتعامل مع بعضنا البعض .ومن الناحية األخرى،
جند أن هذه األحداث الكارثية قد حفزت أيضا على إعادة تقييم عالقتنا مع بعض قطاعات
جمتمعاتنا املختلفة.
لقد بدأنا اليوم نشهد انفتاحا يف سلوكيات االنغالق والرجعية يف العامل االسالمي اجتاه األديان
واحلضارات األخرى .وجتدر االشارة يف هذا الصدد إىل العديد من التصرحيات واملطبوعات اليت
يصدرها رجال الدين .كما أن املؤمترات تقود يف هناية املطاف إىل فهم أفضل .ونذكر يف هذا السياق
االجتاه املشجع الذي ميثله موقف البابا املتميز اجتاه احلرب ضد العراق .فضال عن ردود األفعال
245
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
يف2001 إننا نأمل أن تتمثل إحدى النتائج اجلانبية احلسنة ألحداث احلادي عشر سبتمرب
إىل، قد أدت إىل إعادة التفكري واملراجعة يف قيمنا ومفاهيمنا، نظرا لطبيعتها الصادمة االنفعالية، أهنا
التحقق من الدور الذي تلعبه يف امليدان السياسي وهو األمر الذي من شأنه إحياء دور الثقافة
بوصفها عامال ذا داللة يؤثر على الساسة الدولية بعد أن ظلت متباطئة يف سريا خلف االقتصاد
إننا نشهد اليوم يف عديد من البالن تشكل حركات شبابية تتابع باهتمام شديد ما حيدث يف
، وحتاول هذه احلركات باطراد تشكيل رأي عام دول هبدف التأثري يف قرارات السياسية الدولية،العامل
.ونأمل أن نشهد جناح هذا اجليل اجلديد يف حتقيق احلوار والفهم املتبادل بني احلضارات يف املستقبل
4 -Wie kann man den Teufelskreis durchbrechen?
Wir scheinen in einen Teufelskreis aus gegenseitiger Gewalt geraten zu
sein, der nur durch eine grundlegende Änderung der westlichen Außenpolitik
durchbrochen werden kann. Dazu brauchen wir dringend ernsthafte Versuche,
das Völkerrecht wieder zu stärken, das von den USA vor und während des
Irakkrieges missachtet und ernsthaft beschädigt. worden ist. Es muss wieder
zum leitenden Grundprinzip in den zwischenstaatlichen Beziehungen werden.
Ein solcher Politikwechsel sollte auf einer Wiederbelebung der Rolle der
Vereinten Nationen und ihrer Unterorganisationen beruhen.
Diese Änderungen in der internationalen Politik könnten Reformen im
Nahen Osten und in den muslimischen Ländern allgemein möglich machen und
auf lange Sicht eine Kultur der Gewaltlosigkeit entwickeln helfen. Ein solcher
Wandel wird sicher Zeit benötigen und schwer durchzusetzen sein, er würde
jedoch eine dringend notwendige, grundlegende Wende darstellen. Der Erfolg
einer solchen Transformation hängt von einer Reduzierung der Spannungen in
246
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
der Region ab, die durch die Verminderung der Unterdrückung in den dortigen
Ländern erreicht werden kann. Mehr Demokratie und Freiheit sind für die
dortigen Völker nötig, die seit langem an Unterdrückung und Missachtung ihrer
Interessen leiden. Das ist aus innenpoiitischen Gründen notwendig und würde
zugleich den Raum für interkulturelle Kooperation erweitern.
Auf der politischen Ebene sollte den Organisationen und Institutionen der
Zivilgesellschaft eine größere Solche eingeräumt werden. Solche Institutionen
könnten als moralische Kontrollinstanz über die Herrschenden und ihre
politischen Entscheidungen dienen. Sie könnten die Bemühungen der jüngeren
Generationen stärken, ihre Gemeinschaften politisch und sozial zu entwickeln.
Die Stärkung der zivilgesellschaftlichen Beteiligung und Verantwortung
könnten das ideologische Vakuum füllen, das nach dem Sturz der traditionellen
politischen Systeme oder deren Verlust an Legitimation eingetreten ist und zur
Entstehung des Fanatismus geführt hat.
intellektuelle, Journalisten, Lehrer und Entscheidungsträger im Westen wie
in den muslimischen Ländern sollten sich verstärkt bemühen, das Verständnis
und Gefühl für ein gemeinsames menschliches Erbe zu stärken. Sie könnten
helfen, die gemeinsamen Werte wie Toleranz, Anerkennung der Differenzen
und Respekt für das Spezifische in jeder Zivilisation, Kultur und Religion zu
verbreiten und zu vertiefen. Sie sollten auch die Notwendigkeit des Dialogs und
der Meinungsfreiheit betonen, indem sie Begegnungen junger Leute und
intellektueller organisieren und die Schaffung von Dialogzentren anstreben, um
die beiderseitigen Vorurteile und Stereotypen zu beseitigen.
Wir sollten uns bewusst sein, dass die Ereignisse vom 11. September 2001
und die Kriege gegen Afghanistan und Irak die Spannungen zwischen der
muslimischen Weit und dem Westen erhöht haben. Die Stärkung des
gegenseitigen Verstehens ist schwieriger geworden. Gewalt als Mittel des
Umgangs miteinander scheint auf breitere Zustimmung zu stoßen. Andererseits
247
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
haben diese katastrophalen Geschehnisse eine Neubewertung unserer Beziehung
in einigen Teilen unserer Gemeinschaften in Gang gesetzt.
Wir dürfen hoffen, dass ein positiver Nebeneffekt des 11. September 2001
darin besteht, dass er - gerade wegen seines erschreckenden und
hochemotionalen Charakters - zu einer Revision unserer Werte und
Vorstellungen und einer Neubestimmung ihrer Rolle im politischen Raum
führen wird. Das könnte zu einer Erneuerung der Rolle der Kultur als
signifikantem Faktor in der Beeinflussung der internationalen Politik führen,
nachdem sie lange genug im Vergleich zur Wirtschaft und strategischen Fragen
benachteiligt wurde.
In mehreren Ländern sind wir heute Zeuge einer Entstehung von
Jugendbewegungen, die ein starkes Interesse für das hegen, was in der Welt
passiert. Solche Bewegungen zeigen ein starkes Bestreben, die internationale
öffentliche Meinung zu beeinflussen, um politische Entscheidungen auf globaler
Ebene mitbestimmen zu können. Wir hoffen, dass diese junge Generation den
Dialog und das gegenseitige Verständnis zwischen den Zivilisationen in Zukunft
erfolgreich führen wird.
والصواب." " احتدام واشتداد القتال: كالقول. إضافة أكثر من مضاف إىل مضاف إليه واحد:أوال
وإضافة، وهذا يعين إضافة مضاف واحد إىل املضاف إليه،" " احتدام القتال واشتداده:يف ذلك
248
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
ثانيا :تأخري الفاعل وتقدمي ضمريه عليه .كالقول " :يف تصريح له عن األحوال األمنية يف اخلليج ،قال
وزير الدفاع األمريكي ." ...والصواب يف مثل هذه احلالة أن يقال " :قال وزير الدفاع األمريكي يف
ثالثا :مجع عدد من األمساء املعطوفة يف مجلة واحدة ،وذلك دون أن يتبع كال منها حبرف العطف " و
" ،كالقول " :ذهب أمحد إىل املكتبة واشرتى كتبا ،أقالما ،صورا ،دفاتر "! وهذا أسلوب ال يصح
األخذ به يف العربية ملا يف من فجاجة وعجمة ،حىت ولو أخذت به لغة أخرى كاألملانية .إذن
فالصواب يف املثال السابق أن نقول " :ذهب أمحد إىل املكتبة واشرتى كتبا وأقالما وصورا ودفاتر".
رابعا :التخفف من استعمال املفعول املطلق يف الرتمجة ،ليحل حمل كلمات أو عبارات أخرى مرتمجة،
مثل " :بصورة – بشكل – لدرجة – على حنو " ،كالقول " :مشيت بصورة جيدة " ،و"سار بشكل
حسن " ،و " إن قامته طويلة لدرجة أهنا تسد الباب " ،و" ظهر على حنو واضح " .وهذه كلها
استعماالت بعيدة عن العربية ،واألصح منها أن يقال " :مشيت مشيا جيدا " ،و" سار سريا حسنا
" ،و " إن قامته طويلة طوال يسد الباب " ،و " ظهر ظهورا واضحا " .أي استعمال املفعول املطلق
خامسا :تصبح الرتمجة يف مقدمة األسباب اليت تعمل على إشاعة أخطاء إذا قام هبا من يرتجم ترمجة
حرفية:
( أ ) فمثال يستعمل البعض كلمة " ضد " وهي ترمجة حرفية لكلمة gegenيف اللغة األملانية.
فيقال " :حارب ضد االستعمار " ،و " ينبغي أن يسعى اآلباء لتلقيح أبنائهم ضد اجلدري "،
249
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
و"صدر حكم ضد فالن " ،وغري ذلك .وينصب االعرتاض على أن األسلوب الذي يلجأ إىل
استعمال هذه الكلمة ،هو أسلوب خيالف طرق التعبري العربية .فالقول أن " فالن حيارب ضد
االستعمار " يُفهم منه أن هذا احملارب خمالف لالستعمار ،أي أنه حيارب يف جبهة أخرى غري اجلبهة
املعادية لالستعمار .والصواب يف ذلك القول " :شن حربا على االستعمار " .وبالنسبة لبقية األمثلة:
" جيب تلقيح األطفال من اجلدري " ،و " صدر حكم حبق فالن أو عليه ".
( ب ) ومن الكلمات اليت تتداوهلا أجهزة اإلعالم األجنبية ،كلمة berichtenاألملانية .فيضع هلا
املرتجم الكلمة اليت حيددها القاموس ،وهي " يغطي " .ولكن يف العربية ال يفيد هذا الفعل معىن نقل
اخلرب .ففي القول " :قام مراسل جريدة األهرام بتغطية أنباء القتال الدائر يف منطقة اخلليج " .ليس
هناك عالقة بني الغطاء أو التغطية وبني األخبار .وتضع معاجم اللغة أفعاال غري هذا الفعل لداللة
( ج ) ومن الكلمات اليت يساء استخدام ترمجتها ،كلمة kommenمبعىن يصل .فعند وصف
حدث وصول إحدى الشخصيات الرمسية ،يقال " :وصل مصر مساء أمس وزير االقتصاد يف دولة
الكويت " .وهذا االستعمال خاطئ ،ألن الفعل " وصل " باألملانية ٍ
متعد ،أي حيتاج إىل مفعول به.
ولكنه يف العربية الزم ،ال يتعدى .فهو بذلك ليس حباجة إىل مفعول ،بل إىل حرف اجلر " إىل ".
د ) ومن تلك الكلمات ،كلمة durchمبعىن َعب َر ،فيقال " :عرب أجهزة االتصال ".
واألكثر صوابا من ذلك أن تقول " :بأجهزة االتصال " أو " بواسطة االتصال ".
250
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
( ه ) ومنها أيضا كلمة " طبقا " املرتمجة عن كلمة ، gmäßفهي ترد يف أمثلة كثرية .ومن ذلك
مثال القول " :سيتم نقل األسرى يوم األحد طبقا لوكاالت األنباء " .أما اللغة العربية فال ترضى
باستعمال " طبقا " يف مثل هذا املوضع ،وإمنا تتطلب استعمال الكلمة الصحيحة هلذا الوضع ،وهي
" وفقا " أو " وفاقا " أو " على وفق " .فنقول " :سيتم نقل األسرى يوم األحد القادم وفقا ملا ذكرته
وكاالت األنباء " ،هذا إذا أردنا التمسك حبرفية الرتمجة .ولكننا نستطيع ذكر عدة مجل تؤدي املعىن
بصورة سهلة واضحة ،فنقول مثال " :ذكرت وكاالت األنباء أن األسرى سيُنقلون يوم األحد القادم ".
سادسا :ترمجة كلمة kündigenبكلمة " الغيا " ،كالقول " :يعد االتفاق الغيا منذ مساء اليوم
" .وينصب االعرتاض على كلمة " الغيا " ،فهي اسم فاعل من الفعل " لغا – يلغو " ،أي كثر
كالمه .ولكن السياق الذي تُذكر فيه كلمة " الغيا " ال شأن له بكثرة الكالم أو قلته ،بل بإبطال
اتفاق مسبق .ولذلك فيجب استعمال كلمة " ملغي " ،وهي اسم املفعول من الفعل " ألغى – يلغي
" .فالصحيح إذن أن يقال " :يعد االتفاق ملغيا منذ مساء اليوم ".
سابعا :والبعض يرتجم كلمة immer nochبكلمة " ال زال " .فيقول " :الزالت االجتماعات
منعقدة يف جملس األمن " ،ويقول " :الزالت اجلهود تبذل إلصالح الوضع يف لبنان " .وهذا استعمال
خاطئ لكلمة " ال زال " ،فهي تفيد الدعاء ال االستمرار .يصح أن يقال " :ال زالت الديار قوية
عزيزة بأهلها " ،فهو دعاء للديار بدوام القوم والعز .أما ما يفيد االستمرار فهو " ما زال " ،كأن
نقول " :ما زالت االجتماعات مستمرة " ،و " ما زالت اجلهود مبذولة " .وكثريا ما خيتلط األمر على
من يقومون بالكتابة العربية ،فيأخذون باالستعمال األول للداللة على الثان.
251
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
ثامنا :وهناك كلمة vonاليت يرتمجها البعض " ِمن قِبَل " ،ويدخلوهنا يف اجلمل دون استئذان ،على
الرغم من عدم صحتها .فيقالُ " :دونت املالحظات ِمن قِبَل اللجنة " .وليس يف استعمال " ِمن قِبَل
" أي ضرورة يف هذا السياق ،ذلك أنه ميكن القول " :دونت اللجنة املالحظات ".
تاسعا :وهناك كلمة شاع استعماهلا شيوعا خاطئا ،فال تكاد ختلو منها مجلة ،وهي كلمة " بالنسبة "،
اليت ميكن التخلي عنها دون حدوث أي إخالل يف اجلملة ،فضال عن أن استعماهلا خيالف
االستعمال العريب السليم .فيقال مثال " :اخنفضت أسعار العمالت ،وبالنسبة للمارك األملان فقد
اخنفض مقابل الدوالر " .وهذا تركيب غري صحيح للجملة ،فأي نظرة للقاموس تدلنا على أن "
النسبة " هي القرابة أو ما تعلق هبا .ومن هنا فالصواب أن يقال " :اخنفضت أسعار العمالت ،أما
عاشرا :أما عن اخللط بني حريف اجلر " إىل " و " الالم " -عند ترمجة حرف اجلر يف األملانية -فهو
كثري،على الرغم من أن لكل منهما معىن خاصا واستعماال خمتلفا .أما عن املعىن ،فهو أن " إىل "
تعين انتهاء الغاية ،يف حني تستعمل " الالم " للداللة على امللكية والتخصيص ،ويتحدد استعمال كل
منهما تبعا للمعىن الذي تدل عليه .يقال مثال " :سلمت امللف كامال إىل رئيس جملس اإلدارة "،
وهذا غري صحيح ،وصوابه " :سلمت امللف كامال لرئيس جملس اإلدارة " .والسبب أن امللف
سيوضع حتت تصرفه ،كأنه ملك من أمالكه ،ومل يكن الغرض سفر امللف من مكان معني ابتداء إىل
مكان آخر انتهاء .ويقال أيضا " :سافرت صباح اجلمعة املاضي لإلسكندرية " ،وهذا غري صحيح
252
استراتيجيات الترجمة الديبلوماسي في ظل العولمة الفصل الخامس
أيضا .والصواب القول " :سافرت صباح اجلمعة املاضي إىل اإلسكندرية " ،ألن حرف اجلر " إىل "
حادي عشر :اإلصرار على ترمجة بعض الكلمات األملانية بكلمة واحدة مقابلة يف اللغة العربية." ،
وهذه كلها ترمجات غري دقيقة للكلمة ،ذلك أن اللغة األملانية متيل دائما الستخدام الزوائد سواء
كانت بادئة أم الحقة – إىل الكلمة األصلية حىت يتم مواءمة استخدامها يف موقعها من اجلملة.
ولذلك فهي تعترب أكثر من كلمة واحدة ،وإن بدت يف ظاهرها كلمة واحدة .ومن هنا فال داعي
ثان عشر :استخدام نفس املفاهيم اليت يريد الغرب تروجيها وشيوعها عند الرتمجة
253
خـ ــاتمة
خاتمة
وبعد مراحل البحث واملعاناة مع املصادر واملراجع ،ومع كثري من الرتمجات من عدة لغات
عاملية ،تأكد لدي بأن موضوعي الرئيس املتعلق بالرتمجة الدبلوماسية :هلو من أصعب ،وأعقد
فصلُت بدقة
املوضوعات الرتمجية على اإلطالق ،وذلك ألسباب ال أستطيع أن أسهب فيها ،وقد ّ
متناهية ،يف فصول حبثي ،ذلك ألهنا
وصفوة القول :تعترب الرتمجة الدبلوماسية من أنواع الرتمجات السريعة والفجائية ،اليت ترتبط مبا
قبلها من املواقف السياسية الطارئة ،ومع ذلك أعتربها شخصيا من أوضح أساليب اخلطاب
السياسي العاملي ،وأدقه شفافية ،ولعل جتليات هذه اإلشكال املتنوعة للرتمجة الدبلوماسية ،خصوصا
تلك اليت تعتمد الصيغ السياسية ،واألساليب املعقدة ،وغري املباشرة ،مث هناك مسألة األمهية البالغة،
اليت يكتسبها اخلطاب السياسي ،عندما يرتبط مبوضوعنا احلال ،كون املواقف قد تتبدل ،وتتغري من
حني إىل آخر ،ألن املواقف الدبلوماسية وآلياهتا ،سريعة التبدل ،سواء تعلق األمر مبا هو حملي ،أو مبا
يكتسي صبغة دولية ،لعاملية األحداث اليت تتعلق بالعالقات بني األمم والشعوب.
ومهما كان األمر فإن املرتجم جيد نفسه أمام معضلة حقيقية ،بالرغم من شفافيتها ،ذلك ألنه
جيد نفسه على املباشر ،وأمام وقائع ،ال يتمكن من العودة إىل وثائقه اإلجرائية عندما تكون املباشرة،
إما يعتمد ترمجة املعىن بتفصيالته الداللية املضمنة داخل اخلطاب الذي يسعى إىل نقله إىل
املتلقي العاملي ،كما فصلنا يف حتليل ذلك أو أنه يلجأ إىل الرتمجة بأساليب مقابلة يف اللغة املرتجم
255
خـ ــاتمة
إليها ،خاصة إذا علمنا أن املصطلحات الدبلوماسية ،تكون خمتارة بدقة متناهية ،وتكون قد خضعت
لعملية تنقية جوهرية ،ألن التأويل يف هذا امليدان يؤدي إىل تبديل يف املواقف ذاهتا ،وال يستطيع
ويف هذا التوجه اإلطار ،جاءت هذه الدراسة املتخصصة ،اليت حاولت من خالهلا ،أن أقف
على بعض خيارات املرتجم إزاء مواجهة اإلشكال املطروح يف هذا البحث ،ومن مث سأقف على بعض
املستويات اليت ختص العديد من اجملاالت السياسية والدبلوماسية ،فمن هذا املنطلق تبني ل مدى
وفاء املرتجم وحرصه على نقل غالبية هذه الدقائق الداللية ،وكذا املعان املقصودة من املخاطب جتاه
اللغة اليت يرتجم إليها ،وميكن مجع النتائج اليت خلصت إليها يف النقاط اآلتية:
-1متتاز اللغة الدبلوماسية باللباقة والدقة يف اختيار ألفاظها ومصطلحاهتا حىت ال تنزاح عن القصد
من توظيفها.
-2تعد اللغة الدبلوماسية لغة التخاطب بني األمم والدول وفق ما يعرف بالعرف الدبلوماسي ،وهبذا
يكون أسلوهبا إنشائيا ،قد خيلو من التنميق والبيان ألن لغة اخلطاب لغة حذرة تستخدم فيها ألفاظ
شبيهة بالشفرات اليت يفهم كنهها املشتغلون يف هذا اجملال وبالتال جيب على املرتجم توخي احلذر كي
-3تطغى على اللغة الدبلوماسية تعدد معىن األلفاظ املستخدمة مما يرتك للدبلوماسي حيزا من احلرية
واحلركية يف التأويل وهذا األمر يرتك املرتجم يف حرية من أمره ،كيف يستطيع اقتناص املعىن املراد
256
خـ ــاتمة
-4مما الحظناه على املدونة املنتقاة للجانب التطبيقي ،جلوء املرتجم إىل توليد كلمات مت استنباطها
-5يؤدي السياق الدور الفاصل يف فعل االختيار يف مسار الفعل الرتمجي ،فهو األداة اليت حتسم هذا
األمر خباصة يف األلفاظ ذات الشحنة الثقافية اليت تتطلب اطالع على خمتلف العناصر اليت أسهمت
-6ال ميكن فصل اخلطاب الدبلوماسي عن اخلطاب السياسي وبالتال فالرهان األمسى للخطاب
السياسي ولرتمجته ليس كما قد يتبادر إىل األذهان هو محل رسالة أو نشر أيديولوجية أو تفعيل حركة
أو اجتاه ،وإمنا اهلدف احلقيقي هو تأكيد هوية خطيب من أجل تسهيل اخنراط مستمع ،وبفعل
-7إن إدراك املرتجم لكافة وظائف السلك الدبلوماسي تسهل عليه مهمة حتديد األدوار ،وبالتال
إجياد املقابالت .وقد توكل إليه مهاما أخرى قد تندرج حتت لواء العمل اإلداري لكنها نشاط مكمل
لنشاط الرتمجة مثل البحث والتوثيق جلمع املعلومات قبل اخلوض إعداد تقرير أو ما شابه ذلك.
-8تعد املذكرات الدبلوماسية النوع األكثر تداوال ،يستخدم فيها إما صيغة الغائب أو املتكلم ،مما
يضطر املرتجم إىل البحث عن صيغتني قريبتني من هاتني الصيغتني يف لغة الوصول حفاظا على شكل
اخلطاب.
-9إن عملية الرتمجة عملية ذهنية عقلية ،يسعى فيها املرتجم إىل حتقيق املوازنة بني ما هو ذايت و ما
هو موضوعي ،يستخدم أساليب التفكري املختلفة الختاذ القرار الصائب يف انتقاء املقابالت اللغوية
257
خـ ــاتمة
والبدائل األقرب إىل نص االنطالق ،وقد استفاد من املخزون املعريف الذي تراكم يف الذاكرة وادخر يف
-10تبني لنا على مستوى األلفاظ اختيار املرتجم لنهج الرتمجة باملقابل االعتيادي يف غالبية ترمجة
ذلك ألغراض براغماتية ،باستعمال األلفاظ املعروفة واملعمولة هبا عادة ،كما اختار الرتمجة بإجياد
املكافئ األقرب يف احلاالت اليت خترج فيها األلفاظ عن معانيها احلقيقية إىل جمرد معان ثانوية.
-11أما على مستوى الرتاكيب فقد تبني ل بعد الدراسة والتحليل اعتماد املرتجم على ترمجة
العبارات والرتاكيب املكافئة هلا يف لغة اهلدف ،وذلك حلرصه على أمانة النقل الصحيح ،أما على
مستوى األساليب البالغية فقد الحظت تنوعا يف استعمال األساليب البيانية ،وذلك لتأدية بعض
إضافة إىل أن النص املصدر األصلي ،يضم أدق وأصح األوجه املمكن طرحها ،لكوهنا معان
سياقية ختص اخلطابات الدبلوماسية ،اليت تتميز بطابع براغمايت املساعد على الفهم واإلفهام يف عملية
الرتمجة.
لقد حاولت أن أتوقف عند أهم احملطات اليت جتعلنا نتابعها بتمعن وتفحص كبريين ،نظرا
ألمهيتها فيما يتصل مبا ذكرناه فيما تعلق بالرتمجة الدبلوماسية ،وعالقتها بالسياسية احملرتفة اليت تعمل
على إبراز األنواع الرتمجية اليت ميكن اعتمادها ،حبيث جند أنفسنا قد جتاوزنا بعض املسائل املكونة
لعاملية املسألة ،حبيث استنتجنا جمموعة من األفكار األساسية ،بنتيجة تلك االختالفات والتنوعات
واألصالة املعقدة.
258
خـ ــاتمة
فقد اتبعت أهم احملطات األساسية لرتمجة الدبلوماسية يف املؤمترات ،واحللقات السياسية،
خبصائصها األخاذة ،وألجل إعطاء هذا املوضوع حقه يف البحث ،جيب علينا يف البداية أن نتذكر
مسألة مشول ماهية الرتمجة ،ليس ألهنا يف زمننا احلال قد اكتسبت ذلك التنوع املذهل الذي يتخذه
كما وأن الرتمجة بأنواعها تقنية كانت أو فورية حمرتفة ،هي كلها تتميز جافة ،األمر الذي أدى
إىل السيطرة التامة هلذه األصناف باعتبارها ترمجة شفهية سريعة .إذاً البد من تشجيع الدراسات
العلمية اهلادفة ،وبذل اجلهود الثابتة إلحياء الدراسات العلمية واألكادميية ،لتكون ركيزة لتطور مستقبل
العالقات بني األمم ،أما الذي أنكره املنظرون يف الغالب ،هو أن اللسانيات واملواضيع اللغوية ال متتزج
أو تتوافق دائماً مع عطاءات الرتمجة ،وجودها ،ألهنا تقف حائالً ضد كل حماولة جتهد ألن تكون
احلارس األمني للوقوف جبانب الرتمجة ومساندهتا على حتقيق الفعالية يف نتاج األسس اإلجيابية املكونة
لعمل الرتمجة.
التزال الرتمجة الدبلوماسية مل تصل إىل مرحلة فرض وجودها على األفكار األخرى ،ألن العوملة
قد تصطدم بكل ما يريده املرتجم ،فتصري العملية الرتمجية جمرد جهد فارغ ،حيث جندها حتاول أن
تتمكن من إثبات وجودها بشكل قانون ،وأساسي ،أمام عوملة األفكار وإلغاء الذاتية واألنا الفكري
لكل قطر على حدا ،فالعامل اليوم هو عامل متحرك ،ومتنوع ،وسريع التبدل والتغري ،والرتمجة هي
إحدى املكونات املهمة واألساسية يف حياتنا اليومية ،نتيجة التدفق اهلائل لكل ما هو عوملي ،ألننا
259
خـ ــاتمة
نعيش عصر الرتمجة السريعة ،وقد أصبحنا بوضع ال غىن عنها الستكمال مجيع الفعاليات اإلنسانية،
كما أن الرتمجة الدبلوماسية متتلك أيضاً بعدا أساسياً ،علينا أن أال نفرط فيه ،ألنه موجود يف
كافة األنواع اليت تفحصناها ،من تلك املتعلقة بالسياسة يف خمتلف مراحلها ،زادت لدينا الفكرة
الناضجة والواعية جداً عن رسالتها وعن املتطلبات اليت جيب مواجهتها واألخذ هبا ،ألن النص
غري املعىن كلياً ،حىت لو كانت اللغة مل تتغري ،ألن الفكرة يف
الدبلوماسي املرتجم يف اللغة نفسها ،قد يُ ّ
علم الرتمجة تنطلق من مقولة بسيطة فحواها :أن الرتمجة األدبية تنبثق من األدب ،بينما الرتمجة
الشعرية ،فتنطلق من الشعر ،والدبلجة من السينما وهكذا...دون أن يستطيع املرتجم اللغوي إمهال
أي نوع من هذه األنواع لذلك تبقى الدراسة اللغوية الشاملة هي املفضلة ،وال ميكن ألي شرح
وعلينا أن نقتنع منهجيا بأننا يف هذا الوضع قد نصل إىل وضع أخطر ،ألن نظريات الرتمجة
املتواجدة بكميات كبرية منذ مدة طويلة ،قد نقول بأهنا أُعيبت بسبب متجيد اللغة املكتوبة ،ألننا
نعيش ضمن مدنية الكتاب ،حبيث يصعب علينا تقبل فكرة خمتلفة عن هذه ،ألننا أصبحنا نعتمد
اللغة اليت أحدثت بعثاً جديداً ،بفضل وسائل اإلعالم املختلفة ،واملؤمترات الدولية ،مث بفضل التوجه
قد نسجل بعض التحفظ حول مسألة الرتمجة الدبلوماسية ،حبيث ال ميكن جتاهل املظاهر
األساسية هلذا النوع من األلسنيات اجلديدة ،وباألخص الوظيفية ،اليت يبدو وأهنا جديدة بالنسبة هلذا
260
خـ ــاتمة
العصر ،ففي الواقع نالحظ تذبذبا يف التعامالت الدبلوماسية ،اليت تستلزم املرونة القصوى يف التعبري
إن ما جيب العمل به أثناء ترمجة النص الدبلوماسي أو احلوار املباشر يف ظروفه السياسية ،لتظهر
العملية الرتمجية خصوصا ما تعلق باخلطاب السياسي الدبلوماسي ،الذي يتميز بالصور البالغية
املتنوعة ،ونظرا ألمهية الرتمجة الدبلوماسية ،ودقتها ،كان لزاما على املرتجم التحلي بقدر كبري من روح
االجتهاد واملثابرة.
أتوجه بشكر جزيل إىل أستاذي املشرف ،الدكتور أمحد عباد على ما بذله من جهد ،وعلى كرم
معلوماته القيمة ،كما وأجزل شكر وتقدير إىل أساتذيت األفاضل ،الذين ساعدون يف إجناز هذا
البحث.
جيدة وجديرة باالحرتام ،نعتقد بأنه يتوجب اإلملام باللغتني بشكل ظاهر وسوي ،للتمتع مبقدرة
تكون نقطة انطالق باجتاه مجيع أنواع الرتمجة ،وال ميكن التغاضي عن هذا املستوى ليتسىن الولوج إىل
ويف اخلتام أخلص إىل أن الرتمجة مهما بلغت قدرا كبريا من الدقة واملوضوعية ،إال أهنا ال ميكن
261
الملحق
الرقم المصطلح باللغة العربية المصطلح باللغة اإلنجليزية المصطلح باللغة األلمانية
terminology Terminologie
representative
correspondences Korrespondenz
263
الملحق
civilizations Zivilisationen
Law Privatrecht
264
الملحق
Law
42
Treaty North Atlantic
منظمة حلف شمال األطلسي Organisation des
Organization
Nordatlantikvertrags
)(f.a.o
Court Strafgerichtshof
Justice Gerichtshof
265
الملحق
inquiry n
Verbrechen
266
الملحق
organization Organisation
Relations Beziehungen
law
267
الملحق
Staaten
community Gemeinschaft
humanity Menschheit
Organization tion
Representative
268
الملحق
Ministers Minister
Republic Republik
Angelegenheiten
Organization
108 البنك الدولي لإلنشاء والتعميرInternational Bank for Internationale Bank für
Development
Council Einheit
269
الملحق
Organization Organization
116 أتحاد المغرب العربي The Arab Maghreb Die Arabische Maghreb
Union Union
122 الشرق األوسط والشرق Middle East and Far Naher Osten und Fernost
East
األقصى
270
الملحق
Colonialistic
271
الملحق
conflicts verhindern
destruction n
General of Allgemeinen
272
الملحق
Arbitration Schiedsgerichtsbarkeit
Extraordinary Botschafter
Plenipotentiary
174 شخص غير مرغوب به Persona non grata Unerwünschte Person
centers Forschungszentren
coalition Koalition
taxation Doppelbesteuerung
273
الملحق
Cooperation internationale Zusammenarbeit
residence
Adoption Annahme
188 يقدم أوراق إعتماده Submit the credentials Senden Sie die
of Anmeldeinformationen von
274
الملحق
methodology Methodik
memorandum Memorandum
200 مالحظة على الهامش Note in the margin Beachten Sie am Rand
Notifications Benachrichtigungen
208 فكرة المساواة The idea of equality Die Idee der Gleichheit
275
الملحق
nationality Staatsangehörigkeit
accreditation Akkreditierung
Information
225 برنامج ثقافة السالم Culture of Peace Programm für Kultur des
Program Friedens
226 مؤتمر السالم في عقول البشرPeace in the minds of Frieden in den Köpfen
276
الملحق
229 أجندة السالم An Agenda for peace Eine Agenda für den
Frieden
234 أستراتيجية الكذبة الكبرى Strategy of Big Lie Lüge Strategie der großen
277
قائمة المصادر والمراجع
المراجـع العربيـة
.3جماعة من الباحثين :الترجمة والتأويل ،أعمال املائدة املستديرة الثالثة ،منشورات كلية اآلداب (الرباط)،
.4د .العيسوي ،بشري :الترجمة إلى العربية ،قضايا وأراء ،دار الفكر العريب ،القاهرة ،الطبعة الثانية. 2001،
.5د .جعفر عبد السالم ،المنظمات الدولية ،دار النهضة للطبع والنشر ،القاهرة ،ب.ت.
.6د .سموحي فوق العادة ،الدبلوماسية الحديثة ،دار اليقظة العربية للتأليف والرتمجة والنشر ،دمشق،
بريوت1973 ،م.
.7د .صبحي المحمصاني ،القانون والعالقات الدولية في اإلسالم ،دار العلم للماليني ،بريوت1972 ،م.
.8د .علي القاسمي :مقدمة في علم المصطلح ،مكتبة النهضة املصرية (القاهرة) ،ط1987 2
.9د .علي حسين الشامي ،الدبلوماسية ،دار العلم للماليني ،بريوت1990 ،م.
.10د .علي صادق أبو هيف ،القانون الدبلوماسي ،منشأة املعارف باإلسكندرية1975 ،م.
279
قائمة المصادر والمراجع
.11د .عناني ،محمد :نظرية الترجمة الحديثة ،الشركة املصرية العاملية للنشر .لوجنمان ،القاهرة2003.،
.12د .محمد الحسـيني مصيلحي ،المنظمات الدولية ،دار النهضة العربية القاهرة1989،
.13د .محمد الصادق عفيفي ،تطور التبادل الدبلوماسي ،مكتبة األجنلو املصرية 1986
.14د .محمد حافظ غانم ،المنظمات الدولية ،مطبعة هنضة مصر ،القاهرة 1960م.
.15د .محمود خلف ،النظرية والممارسة الدبلوماسية ،املركز الثقايف العريب ،بريوت1989 ،
.16د .مـفي ــد محمـود شهاب ،المنظمــات الدولية ،دار النهضة العربية ،القاه رة1990 ،
.17د .موسى صاحل ،بشرى :نظرية التلقي ،املركز الثقايف العريب ،الطبعة األوىل ،الدار البيضاء املغرب2001 ،
.18عبد الرؤوف ،محمد عوني :تاريخ الترجمة العربية بين الشرق العربي والغرب األوروبي ،مكتبة اآلداب،
القاهرة2008.،
.19علي الهادي حمدي أمين ،إدارة شؤون موظفي الدولة ،أصوهلا وأساليبها ،دار الفكر 1976
.20كمال قحة :مقال الترجمة في العصر الحديث :تاريخها وقضاياها ،ضمن كتاب الرتمجة ونظرياهتا ،بيت
.22محمد الديداوي ،محمد :منهج المترجم ،املركز الثقايف العريب ،الدا البيضاء ،املغرب . 2005.
.23محمد ديداوي:علم الترجمة بين النظرية والتطبيق ،دار املعارف للطباعة ط1992 – 1
.24محمد رشاد الحمزاوي :المنهجية العامة لترجمة المصطلحات وتوحيدها وتنميطها (امليدان العريب) ،دار
.25مفيد محمود شهاب ،القانون الدولي العام ،دار النهضة العربية ،القاهرة 1985
280
قائمة المصادر والمراجع
المراجع المعربة:
.1نيدا ،يوجني .ترمجة ماجد النجار ،نحو علم الترجمة ،مطبوعات وزارة اإلعالم ،اجلمهورية العراقية 1976.
.2أورتادو ألبري ،أمبارو ،ترمجة املنويف ،على إبراهيم :الترجمة ونظرياتها ،الناشر :املركز القومي للرتمجة – القاهرة
2008.
.3ثيو ،هرمانز ،ترمجة قنديل ،بيومي :جوهر الترجمة ،عبور الحدود الثقافية ،اجمللس األعلى للثقافة ،القاهرة،
2005
.5روي ،سنيثاب ،ترمجة عليوي ،مهدي حسني ،الترجمة عملية خطابية ،دار الفكر .الطبعة األوىل .القاهرة،
2007
.6شارل ثاير ،الدبلوماسي ،ترجمة خيري حماد ،دار العلم للماليني ،بريوت.
.7شافنر ،كريستينا ،ترمجة محيدي ،حمي الدين :دور تحليل الخطاب في الترجمة
.8ميلز ،سارة :ترمجة :بغلول ،يوسف :الخطاب ،منشورات خمرب الرتمجة يف األدب واللسانيات ،جامعة منتوري،
قسنطينة2004،
.9وتدريب المترجم ،النشر العلمي واملطابع ،جامعة امللك سعود ،الرياض2007. ،
281
قائمة المصادر والمراجع
Bruxelles, 2001.
octobre2007.
282
قائمة المصادر والمراجع
London.
15. Oustinoff، Michel: La traduction, 2eme Edition mise à jour 5 mille, Paris,
janvier 2007.
16. Plassard, Freddie: Lire pour traduire, Presses Sorbonne Nouvelle, Avril
2007.
17. Reiss, Katharina: La critique des traductions, ses possibilites est ses
المعاجم
1. Dépierres Ibid. 865 claire: le jeu des figures énonciatives: Interrogation et
283
قائمة المصادر والمراجع
:األنترنت مواقع
1. faculty.kfupm.edu.sa/IAS/howsawi/system/khotba/upload/503.doc.
2. http://www.baheth.info/all.jsp?term= . فساد
3. http://www.enterweb.org/know-f.htm.
4. http://www.furat.alwehda.gov.sy/_archive.asp?FileName=72876967720060
726014812
5. http://www.le-dictionnaire.com/definition.php?mot=dirigisme.
6. http://www.le-dictionnaire.com/definition.php?mot=embryon.
7. http://www.le-dictionnaire.com/definition.php?mot=gabegie.
8. http://www.le-dictionnaire.com/definition.php?mot=macro-%E9conomie.
9. http://www.le-dictionnaire.com/resultats.php?mot=%droit_de Lhomme.
10. http://www.le-dictionnaire.com/resultats.php?mot=%E9tat+de+droit
11. http://www.mokarabat.com/mo10-21.htm.
12. http://www.perspective.usherbrooke.ca/bilan/servlet/BMDictionnaire?iddic
tionnaire=1551
13. www.google.com/search?q=define:Société+du+savoir&btnG=Rechercher&
hl=fr&lr=&sa=2.
284
الف ـهــرس
البسملة
كلمة شكر
اإلهداء
مقدمة ............................................................................أ
مدخل 01 ...........................................................................
الفصل األول :الدبلوماسي ـ ــة :الماهية والخصائص
ماهية مصطل ح دبلوماسية 20 ...........................................................
تعريف الدبلوماسية 27 ................................................................
الدبلوماسية يف العصر اإلغريقي والرومان 39 .............................................
تبادل التمثيل الدبلوماسي 43 ..........................................................
-1انشاء العالقات الدبلوماسية 44 .....................................................
-2تكوين البعثة الدبلوماسية 45 .......................................................
الدبلوماسية احلديثة خصوصيات العصر 49 .............................................
الفصل الثاني «:الترجمة المتخصصة والمصطلح الدبلوماسي
الرتمجة املتخصصة׃ 64 .................................................................
مسات الرتمجة املتخصصة׃ 64 ...........................................................
كفاءات املرتجم املتخصص ׃ 65 ......................................................
إبداع املرتجم׃ 67 ......................................................................
كفاءات املرتجم׃ 69 ...................................................................
ج -دور املرتجم ׃ 70 ..................................................................
286
الف ـهــرس
287
الف ـهــرس
288
الف ـهــرس
289
الف ـهــرس
290
الف ـهــرس
291
ﻣﻠﺨﺺ :
ﺗﺘﺄﺳﺲ ﻓﻜﺮة ﻣﻘﺎﻟﺘﻲ ﺣﻮل دراﺳﺔ ،وﺗﺤﻠﯿﻞ ،وﺗﺒﺴﯿﻂ اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﯿﺔ أﻧﻮاﻋﮭﺎ،
وﺧﺼﻮﺻﯿﺎﺗﮭﺎ ،وﺗﺘﺒﻊ آﻟﯿﺎﺗﮭﺎ ،ورﺳﻢ اﻷﺳﺎﺳﯿﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺸﻜﻞ ﻓﺮﺿﯿﺔ اﻟﺨﻄﺎب اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻲ،
وﻷن اﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ﻗﺪ ظﮭﺮت ﻟﺘﻤﻜﻦ اﻹﻧﺴﺎن ﻣﻦ اﻟﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ ﻧﺼﻔﮫ اﻵﺧﺮ ،وﻟﻼطﻼع ﻋﻠﻰ
اﻧﺠﺎزات اﻷﻣﻢ اﻷﺧﺮى ،ﻛﻤﺎ وأﻧﻨﻲ ﺣﺎوﻟﺖ ﺗﺘﺒﻊ اﻟﻔﻮﺿﻰ اﻟﻤﺼﻄﻠﺤﯿﺔ اﻟﺘﻲ راﻓﻘﺖ اﻟﻌﻮﻟﻤﺔ
ﻓﻲ ﺷﻤﻮﻟﯿﺘﮭﺎ ،إذ ﻣﻤﺎ ﻻﺷﻚ ﻓﯿﮫ أن اﻟﺤﺎﺟﺔ أﺻﺒﺤﺖ ﻣﻠﺤﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﻮاﻓﺮ ﻋﻤﻠﯿﺔ ﺗﺮﺟﻤﯿﺔ
ﻣﺘﺨﺼﺼﺔ ﺗﻀﻤﻦ وﺻﻮل رﺳﺎﻟﺔ ﺻﺤﯿﺤﺔ ،وﺗﺆﺳﺲ ﻋﻼﻗﺔ ودﯾﺔ ﺑﯿﻦ طﺮﻓﯿﻦ ﻋﻦ طﺮﯾﻖ
ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣﺘﺨﺼﺼﺔ ،وﻷن اﻟﺘﻮاﺻﻞ اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻲ ﺑﯿﻦ اﻷﻣﻢ واﻟﺸﻌﻮب ،ﯾﺴﮭﻢ ﻓﻲ ﺑﻨﺎء
اﻟﺤﻀﺎرات ،ﻓﻘﺪ رﻛﺰت ﻋﻠﻰ إﺿﺎﻓﺎت اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ إﻟﻰ اﻟﻤﺼﻄﻠﺤﯿﺔ اﻟﺠﺪدة ،ﻓﺬﻛﺮت
اﻻﺷﺘﻘﺎق ،ﺛﻢ رﻛﺰت ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻌﺮﯾﺐ ،واﻟﻤﺠﺎز ،وﻏﯿﺮھﺎ ﻣﻦ اﻵﻟﯿﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﺴﮭﻢ ﻓﻲ ﺻﻨﺎﻋﺔ
اﻟﻤﺼﻄﻠﺢ ،وﻷن اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﺳﯿﺔ ﺗﺘﺄﺳﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻮار وﻟﯿﺲ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ ،وﻋﻠﻰ وﺟﮫ أﺧﺺ
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺘﻢ ﺗﺮﺟﻤﺔ اﻟﻨﻮاﯾﺎ ﺑﺸﻜﻞ دﺑﻠﻮﻣﺎﺳﻲ ﺻﺤﯿﺢ ،ﺑﺤﯿﺚ ﺗﻈﮭﺮ اﻟﻨﻮاﯾﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﯿﻘﺘﮭﺎ ،ﻓﻲ ﻧﻘﺎش
واﺿﺢ وﺷﻔﺎف ،ﻓﺎﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ھﻨﺎ ﺗﺒﺪو ﻋﺎﻣﺔ ،ﺷﺎﻣﻠﺔ ﺗﻘﻮم ﻋﻠﻰ ﻧﻘﻞ ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﻘﺎل ﻓﻲ ﻟﻘﺎءات ﺗﺠﻤﻊ
اﻷطﺮاف اﻟﻤﺘﺼﺎرﻋﺔ.