Professional Documents
Culture Documents
ىتا Merged
ىتا Merged
مقدمة:
ورد في إعالن ميونخ لواجبات وحقوق الصحفيين ( .)1971أنه بناء على حق الجمهور في معرفة الوقائع واآلراء تنتج
مجموعة واجبات الصحفيين وحقوقهم .ويعني هذا أن أخالقيات الصحافة تضل مسخرة –سواء في شقها الخاص بااللتزامات
أو ذلك الذي ينص على حقوق الصحفيين -لخدمة الجمهور بشكل جيد.1
ففي عالم اليوم المتشعب والمركب والمتداخل بفعل العولمة المسندة بالتكنولوجيات الجديدة لإلعالم
واالتصال ،أصبحت الصحافة على المحك بفعل المنافسة الشرسة التي تعيشها الخطابات والتعبيرات
الالمتناهية الدائرة على المنصات الرقمية .وبما أن التكنولوجيات الجديدة لإلعالم واالتصال -خاصة
االنترنيت وشبكات التواصل االجتماعي -قد أنتجت نوعا من "الديمقراطية الخطابية" وحررت الكلمة التي
ظلت محتكرة تاريخيا على الحكام والفقهاء والعلماء واألدباء ،لتضعها رهن مشيئة من كانوا يسمون
"األغلبية الصامتة" ،فإن الحاجة ألخالقيات تؤطر إنتاج الخطابات –المتالحقة أحيانا والمتصادمة في
الغالب -والتي من المفترض أن تؤسس لنقاش عام ناجع ،باتت ملحة اليوم .ويظل للصحافة دور كبير في
تأطير األخالقيات الخطابية عامة ،سواء داخل حقلها ،أو داخل الحقول الخطابية المجاورة مثل شبكات
التواصل االجتماعي.2
لكن وموازاة مع ما هو كائن في الواقع المهني وما يجب أن يكون ،نجد أن هناك تقاطعات عدة على مستوى
المهام واألدوار بين الصحفي المهني والسياسي الذي يسخر كل الوسائل المتاحة لتمرير خطاباته السياسية
بما يخدم أجنداته الحزبية واأليديولوجية .ما يفرض على المشرع أن يتدخل للفصل بين التقاطعات المهنية،
وبيان مهام ومسؤوليات كل من الصحفي والسياسي وإبراز حدود اشتغال كل واحد منهما على حدا.
تبدو مهمة إبراز الحدود الفاصلة بين الصحافي و السياسي على قدر من التعقيد في ظاهر القول و باطن
الفعل كذلك .خصوصا و أن األدوار و المهام بينهما تكاد تتداخل على نحو الفت ،فهما معا يؤثران في الرأي
العام و يوجهانه و قد يساهمان في إعادة تشكيله أيضا .عالوة على أن كالهما يعمل على نقل األخبار و
المعلومات إلى شرائح واسعة من المجتمع ،كجمهور متلقي تطبعه عالقة تأثير و تأثر مع الصحافي و
السياسي على حد سواء .
1عبد الوهاب الرامي ،الجامع في أخالقيات الصحافة ،منشورات معهد الجزيرة ،لإلعالم ،ص 53:ط2023 :
2نفس المربع .18
1
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
لعل هذا التداخل الذي يمكن أن يصل أحيانا حد التماهي على مستوى األدوار قد يؤدي إلى نشوب عالقة
صراع و توتر ،أو إلى إرساء عالقة يؤطرها من الناحية المهنية و األخالقية نوع من التكامل و االنسجام.
إن هذا التجاذب على مستوى العالقة بين الصحافي و السياسي قد يكون راجعا باألساس إلى المسار التعليمي
و المهني لكل منهما .فالسياسي من خالل طبيعة تكوينه الجامعي و األكاديمي ،وتمرسه في الساحات
الجامعية و غيرها من أشكال صقل الشخصية .و التي تفرز بالفعل سياسيين حقيقيين ،يختلف مساره تماما
عن المسار الذي يخوضه الصحافي في تكوينه من خالل تشبعه بعدد من المناهج ،و نهله من مختلف
المشارب العلمية سواء في السياسة أو االقتصاد أو االجتماع .
إن هذا الزخم المعرفي ،و المراكمة المهنية ،كفيل بصقل شخصيتين قويتين ،السياسي المحنك و الصحفي
المتمرس .ما ينتج عنه تجاذب نوعي بين الطرفين على مستوى الممارسة و الفعل.3
من ناحية أخرى نجد أن الفصل بين عمل الصحافي و عمل السياسي أضحى ضرورة ملحة قد تكون لها
عالقة وطيدة بتطور المجتمع بشكل عام ،على اعتبار أن كالهما مضطر لممارسة مهامه بحرفية تعكس
مجال تخصصه ،عن قناعة راسخة يمليها ضميره المهني ،و يزكيها حرصه الشديد على تطوير مهاراته
المهنية ،فإذا كانت قواعد العمل على هذا
النحو فال مانع أن يتقمص الصحافي دور السياسي في بعض المقامات تلبية لرغباته و ميوالته في هذا
الشأن .كما ال يمكن بأي حال من األحوال حرمان السياسي من أن يصبح إعالميا إذا ما توفرت فيه شروط
المهنة.
إذن فمهما بلغت مهام الصحافي و مهام السياسي من تماس و تمازج ،إال أن الواجب المهني كممارسة
أخالقية محاطة بنصوص قانونية صريحة يفرض على الجانبين مراعاة الحدود الفاصلة بين العمل الصحفي
و العمل السياسي .و مرد ذالك أن وفرة نقاط التقاطع بين المهمتين ،و كثرة أوجه التشابه و التداخل على
مستوى المهام ،ال يعني بالضرورة التقاطع و التداخل نفسه على مستوى الوسائل و الغايات.
3عبد السالم فزازي .العالقة بين السياسي و اإلعالمي "،عالقة تكامل يسودها التوتر "،مقال على جريدة بيان اليوم (جريدة إلكترونية).رابط الجريدة:
http:/bayanealyawme.press.ma
2
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
من هذا المنطلق نجد أن جدلية الصحافي و السياسي تملي علينا كباحثين ضرورة التنقيب العلمي و
األكاديمي في طياتها كقضية جديرة بالبحث ،لها تأثيراتها المباشرة على الممارسة اإلعالمية و السياسية ،و
لما قد تخلقه من تشنجات بين الفاعلين في كال المجالين.
بناءا على ما سبق سنحاول إبراز بعض المهام و األدوار المنوطة بكل من الصحافي و السياسي كل على
حدا ،كما سنعرج على عرض لبعض الحدود الفاصلة بين الحقلين من منظور مهني و آخر قانوني.
3
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
4
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
صحفي كلمة عربية قديمة كانت بالسابق تقال لمن يجلب المعلومات من الكتب دون معلم ,
فكانوا عند المناقشات األدبية يعيبون على من ليس له شيخ أو معلم و ينعتونه بكلمة صحفي ,
وقد تدرجت هذه الكلمة عند بداية تشكيل القرآن عند أبو األسود الدؤلي بالنقط .
وبعدها وضع نصر بن عاصم نقطه الجديدة التي كان يعني بها تعجيم القرآن ،وفي ذلك الوقت
تضاربت النقاط ،حتى بدأ قارئ القرآن يصحف ويخلط بالمصحف ما بين الضم والجيم
والخاء ،وذلك لعدم اهتمامه بالعلم أو بشيخ يعلمه حروف القرآن ،حتى تدارك ذلك الخليل
الفراهيدي
ال تزال هذه الكلمة تحمل نفس المدلول القديم لكن بوقف مختلف ذلك ألن الصحفي الحالي ال
يهتم بنقل خبر أو حدث فقط وإنما يهتم أيضا بالتفسير والتعليق على األحداث والتواصل مع
جمهور قرائه.
وقد تطور العمل الصحفي خالل القرن العشرين ،فمنهم المتخصص في الكتابة عن االقتصاد
أو التحليل السياسي أو العلوم أو الطب أو الفلك ،ومنهم من يغامر وينقل األخبار من مواقع
األحداث ويعرض نفسه للخطر في ميادين القتال والثورات .وأصبح الصحفي يشكل مجتمعه
ويفتح له نوافذ واسعة في نطاقات التفكير الحر والحرية والمساواة والخالص من قيود الفئوية
والعشائرية والتفكير الضيق
كلما تطور الصحفي وارتفع بتفكيره وبمسؤوليته أمام مجتمعه ،كلما انتفع جمهوره وقرائه من
عمله ،وبه تتطور الشعوب إذ أنه أصبح يهتم بالتحليل والنقد
وبالمختصر المفيد الصحفي هو الشخص الذي يمارس مهنة الصحافة ،إما منطوقة أو مكتوبة،
وعمل الصحفي هو جمع المعلومات عن األحداث الراهنة واالتجاهات ،وقضايا الناس وعمل
ربورتاجات ،كما أن مهنة الصحفي هي إعداد تقارير إلذاعتها أو نشرها في وسائل اإلعالم
المختلفة
ثانيا :السياسي
إن المجال السياسي ليس فقط مجال لنقد السلطة ،و التمكن من المناصب العليا والبارزة في
مدارج هرم السلم االجتماعي للدولة ،وليس مجال القيادة وتولي األمور العامة ،وال ينبني على
الكاريزمية أشكالها المختلفة ،بل يبدو من خالل الممارسة اليومية الفعلية والمستمرة ،وهو ما
5
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
يدخل في مجال المهن السياسية التي ال يمكن ارتجالها ،ولهذا األساس يتطلب الحقل السياسي
استعدادات ومهارات بعيدة كل البعد عن استعدادات ومهارات المثقف ،سواء كان جامعيا أو
كاتبا أو فنانا ،والمتعاطي للسياسة عرضا وبشكل غير مهني ،ألن حقل المهن السياسية متجذر
في تاريخ المجتمعات ،ويتطلب دراسات معمقة في مجال سوسيولوجيا الدولة والنظام السياسي
القائم والسلطة ،و المهن السياسية المرتبطة بها.
تمهيد
شكل تداخل األدوار بين الصحافة و السياسة موضوع جدل على الدوام ،حيث تميزت عالقتهما بالصراع
تارة و التفاهم تارة أخرى ،مما يعقد مهمة فصل األدوار و الوظائف بين الجانبين .و يقول الباحثون في
جدلية هته العالقة ،أن عالقة اإلعالمي بالسياسي هي في جوهرها عالقة تكاملية بما أن كال الطرفين في
حاجة إلى اآلخر ،فالسياسي يحتاج إلى بوابة تواصلية لنشر أفكاره ،و بث برامجه لتوضيح خطط عمله
للرأي العام و منافسة خصومه في الساحة السياسية ،أما اإلعالمي فال يقبل أن يقتصر دوره في إيصال
الرسالة السياسية فحسب ،بل يمتد طموحه لممارسة الرقابة على هيئات الدولة و تقييم عمل السياسيين و
4
كشف أسرارهم ،و هذا ما يدفع البعض إلى اعتبار اإلعالمي سياسي مستتر.
محمد توفيق أمزيان – وليد اتباتو ،اإلعالمي والسياسي أبعاد العالقة وحدود التماس وخلفيات التوتر 4
https://bayanealyaoume.press.ma/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%
8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-
%D8%A3%D8%A8%D8%B9%D8%A7%D8%AF-
%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A9-
%D9%88%D8%AD%D8%AF%D9%88/.html
6
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
من هذا المنطلق ،ينبغي رسم حدود واضحة بين مهام الصحافي و األدوار التي ينفرد بها ،و بين وظائف
الفاعل السياسي و أبعاد الممارسة السياسية بغية إزالة اللبس عن هته العالقة .و هو ما سنحاول القيام به في
هذا الفصل عن طريق النظر إلى مجاالت عمل كل طرف و تحديد مهامه.
يلعب الصحفي دورا محوريا في المجتمع ،فال يمكن الحديث عن أي مجال من مجاالت الحياة المختلفة دون
تواجد الصحفي ،ليس فقط كناقل للخبر و كاشف عن الحقائق ،بل كفاعل أساسي في صناعة الواقع و توجيه
الرأي العام كذلك .و يتمحور عمل الصحفي حول تجميع المعلومات التي تعالج القضايا الراهنة بقصد نشرها
في مختلف القنوات و الوسائل اإلعالمية ،و كذا القيام بريبورتاجات و تقارير تتناول القضايا و المواضيع
االجتماعية األكثر تداوال .." .ذلك ألن الصحفي الحالي ال يهتم بنقل حدث أو خبر فقط إنما يهتم أيضا
5
بالتفسير و التعليق على األحداث و التواصل مع جمهور قرائه".
و لعل مهنة الصحافة قد مرت بتحوالت كثيرة منذ أن نشأ مفهوم الصحافة و مرورا عبر عدة محطات
تاريخية ،كان لها أثر عميق في تشكيل صورة واضحة المعالم عن مهام الصحفي و وظائفه .في نفس
السياق،فإن العمل الصحفي طرأت عليه تطورات عديدة خالل القرن العشرين ،و صار منقسما حسب
المجال الذي يكتب فيه .فمن الصحفيين من يكتب عن االقتصاد ،و منهم من يقوم بتحليل األحداث السياسية،
و منهم من يتناول المستجدات العلمية و غيرها من المجاالت .حتى أن بعض الصحفيين يعرضون حياتهم
للخطر بالعمل في مناطق الصراع و التوتر السياسي .و بذلك بات الصحفي مرآة تعكس المجتمع الذي يعيش
فيه و تفتح له آفاقا جديدة للتفكير الحر و المساواة و التخلص من التفكير الضيق المقيد باالنتماء العشائري و
علي كنعان،الصحافة مفهومها و أنواعها ،الطبعة األولى (األردن-عمان :دار المعتز للنشر و التوزيع ،2013 ،ص )35 5
7
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
الخلفيات اإليديولوجية .و ألن الصحفي يشكل رافعة لتقدم و رقي مجتمعه ،فإنه ملزم بتطوير قلمه باعتباره
6
أداة للتحليل و النقد من جهة ،و اللسان الذي يخاطب به الوعي من جهة أخرى.
و في سياق متصل ،تتعدد األدوار التي تقوم بها الصحافة و تتسع رقعتها نتيجة لتواتر المراحل التاريخية
على مجتمع معين .و عليه ،فإن كل حقبة تاريخية تأتي فيها الصحافة بوظائف جديدة لتواكب التطورات التي
تطرأ على المجتمع ،فبداية من نشر األخبار ،و مرورا عبر نشر الوعي و توجيه الرأي العام ،ثم إلى القيام
بوظيفة إعالنية ،وصوال إلى وظيفة التسلية ،و في مرحلة خامسة أخذت الصحافة دورا جديدا في بث
األحداث و الوقائع اليومية في المجتمع .و بالحديث عن المجتمع ،فإن الصحافة تتغير وظائفها بتغير النظام
السياسي و االجتماعي و االقتصادي الذي تعمل فيه .فبينما تحث الصحافة في الدول الليبرالية على االنخراط
الشعبي في الحكم و محاربة الفساد في المجتمع ،تعمد نظيرتها في البلدان االشتراكية إلى نشر التوجهات
األيديولوجية و كذا الدفاع عن النظام االشتراكي باعتبارها سالحا قويا في الصراعات األيديولوجي .و عالقة
بالتباينات االقتصادية و االجتماعية بين الدول ،فدور الصحافة في المجتمعات المتقدمة يقتصر على توفير
حاجيات القارئ اليومية ،في حين تحمل الصحافة في الدول النامية على عاتقها الدفع بالتنمية الوطنية
7
لمستويات أفضل.
كما أن وسائل اإلعالم تنخرط في الحقل السياسي بشكل أو بآخر ،باعتبارها صلة وصل بين السلطة و
المجتمع .و يتجلى انخراطها في التأثير المتواصل في تسيير الشأن العام و تشكيل الرأي العام و ممارسة
الرقابة عليه ،ناهيك عن كونها أداة للتنشئة االجتماعية و تحريك عجلة النمو االقتصادي و االجتماعي عن
8
طريق المساهمة في نشر المعارف و المعلومات في تلك المجاالت.
6المرجع السابق
7فاروق أبو زيد ،مدخل إلى علم الصحافة ،الطبعة الثانية (القاهرة :عالم الكتب ،1988 ،ص )79
7
8
8برنارد ترو ،اإلعالم ،محمد الغندور (المركز اإلسالمي الثقافي:المنشورات العربية ،ص )54
8
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
لقد حدد ميثاق أخالقيات مهنة الصحافة المسؤوليات و المهام التي تقع على عاتق الصحفيين ،و نص في
سطوره على أن البحث عن الحقيقة هو أساس العمل الصحفي ،و أكد في نفس الوقت على ضرورة مراعاة
المصداقية في نشر المعلومات و التحري قبل النشر لتجنب أي تضليل قد يضرب مهنية الصحفي بعرض
الحائط .و هذا ما يقودنا إلى الحديث عن عملية معالجة الخبر و تقديم اإلثباتات التي تدعمه ،و هو ما نص
عليه الميثاق مشيرا إلى أن أي خبر يحتمل الشك ،يجب على الصحفي أن يتحمل مسؤوليته في اإلفصاح عنه
بشرط أن ال يترتب عن هذا اإلفصاح مس بحرمة األفراد و المؤسسات .و يلعب الصحفي دور المحقق في
المواضيع التي تهم الرأي العام بغرض إطالع المواطنين بكل شفافية و موضوعية .كما نص الميثاق على
ضرورة حماية الصحافي لمصادره و إن استدعى األمر أال يفصح عنها ،باستثناء الحاالت التي ينص عليها
القانون .كما أن من واجب الصحفي عرض المحتوى الخبري بشكل واضح ال يدع مجاال للخلط بين الخبر و
التعليق ،الذي قد يربك المتلقي .وسائل اإلعالم من جهتها تعتبر فضاء للحوار العمومي و يفترض أن
تضمن تعددية اآلراء ،لضمان حق المتابعين في الحصول على إعالم ديمقراطي ،متنوع و حر ،يسمح لهم
9
بتبني توجهات تستند لمعطيات متكاملة.
"الفاعل السياسي هو كل بنية أو مؤسسة أو شخص معنوي أو طبيعي يملك تأثيرا معتبرا أو فعاال في
القرارات السياسية ،إنشاء أو تعديال أو إلغاء ،أي أن الفاعل السياسي ليس رجل السياسة فقط 10".في هذا
9
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
الصدد ،يشكل السياسي الحجر األساس في عملية صنع القرار و ما يترتب عنه من نتائج سلبية أو إيجابية،
لذلك فهو بحاجة إلى فهم و إدراك مجموعة من اآلليات التي تنطوي عليها العملية السياسية من أجل ضمان
ممارسة سياسية سليمة ،و كذا التعرف على العلوم التي تعد بمثابة الخيط الناظم لجوهر الفعل السياسي.
يجرنا الحديث عن دور السياسي إلى التساؤل حول أمر آخر ال يقل أهمية و هو وظائف السياسة بحد ذاتها.
يرى بعض المفكرين أن السياسة تلعب أدوارا مختلفة داخل المجتمع ،و لعل أهم دور تقوم به في هذا اإلطار
هو تحقيق الخير العام بما في ذلك ضمان أمان و استقرار المواطنين و رخائهم ،و في حقيقة األمر أن هذه
الوظيفة كانت هي الغاية من وجود السياسة منذ الفترة اإلغريقية و حتى يومنا هذا ,و يعتبر ابن خلدون أن
السياسة هي صناعة الخير العام ،وقد رجح خيرها على شرها واصفا ً اإلنسان بأنه إلى الخير أقرب .و من
وظائف السياسة كذلك تحقيق المصالح المشتركة ،على اعتبار أنها أداة لحل النزاعات و تحقيق التعاون
المشترك من أجل ضمان المصلحة العامة ،ذاك ما نشهده في الدبلوماسية الدولية و العالقات السياسية بين
البلدان ،الرامية إلى تحقيق االستفادة المشتركة .و تماشيا مع هذه المصالح ،تسعى السياسة عن طريق تلك
العالقات السياسية إلى ضمان السالم و األمان و الوفاق ،رغم االختالف في األفكار و المبادئ و التوجهات
التي يتبناها كل طرف من األطراف المشكلة لهذه العملية .و من األدوار األخرى التي تقع على عاتق
السياسيين هو العمل على تنمية و تقدم و ازدهار المجتمع ،عن طريق تهيئ شروط و سبل تحقيق النماء
االقتصادي و االجتماعي و تأطير المواطنين و أرشادهم ،و كذا سن القوانين و المواثيق التي تضمن
المساواة و تكافئ الفرص بهدف الدفع بعجلة التنمية إلى األمام و تحقيق التقدم الحضاري .كما تسهر السياسة
على حل النزاعات بشكل سلمي و توافقي ،و للقيام بذلك تعتمد السياسة على منافذ للحوار السياسي بين
األطراف المتنازعة بغرض إيجاد حل توافقي يرضي الجانبين .و ال يقتصر تدخل السياسة لحل النزاعات
على الصعيد الخارجي فحسب ،بل يبرز دورها داخليا كذلك من خالل تبني و تنظيم الحوارات المتعلقة
بالصراعات الدينية و العرقية التي تهدد استقرار المجتمع ،فهي بهذا المفهوم تعد صلة وصل لتحقيق التفاهم
10
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
و تسوية النزاعات .من الوظائف المهمة أيضا للسياسة ،هو ممارسة النقد حول التنظيمات البنيوية للدولة و
مراجعة المسلمات من أجل مسايرة التطورات الحاصلة في المجتمع و العالم ،و هذا ما يستدعي االنخراط
الجماعي عبر توفير التعددية السياسية و حرية األحزاب و حرية الكالم و التصرف .و من الغايات األسمى
التي وجدت السياسة لتبليغها ،هي تحقيق إنسانية اإلنسان عن طريق تأطير االرتباط بين الرئيس و المرؤوس
خدمة للصالح العامة و حماية لمصالح و مطامح األفراد"،إن اإلنسان كان ومازال المحور األساسي ليس فقط
لعلم السياسية بل للنشاط السياسي أيضا ،فالسياسية هي عالقة اإلنسان باإلنسان اآلخر ،وعالقة الحاكم
بالمحكوم" .عالوة على ما سبق ،تعمل السياسة على تقوية الشعور الوطني و تنمية روح المواطنة من خالل
11
نشر القيم النبيلة و الدفاع عن الوطن ،و كذا تعزيز الشعور بأهمية الرهانات و القضايا الوطنية.
باإلضافة إلى ذلك فقد ارتبطت السياسة منذ زمن طويل بالقدرة على تحقيق توزيع الوظائف بين المواطنين،
والحفاظ على تواصلهم وسالمة المجتمع ،و تعبر السياسة عن المصالح األساسية لمختلف المجتمعات و
األحزاب والدول و األهداف التي توجههم .فالسياسة إذا تؤدي أدوارا متعددة في المجتمع ،نذكر منها :إشراك
المواطنين في الحياة السياسية ،ترشيد الصراعات و توجيهها نحو الحوار الحضاري بين المواطن والدولة،
تشكيل مبادئ توجيهية قيمة للتقدم االجتماعي ،دسترة العالقات و أفعال األشخاص و التصريح بأهداف
العملية السياسية ،ممارسة اإلكراه لصالح شرائح معينة من السكان أو لصالح المجتمع بأكمله ،إرضاء
مصالح السلطة لجميع فئات وطبقات المجتمع ،التنشئة االجتماعية للفرد ،ضمان االتساق واالبتكار (التجديد)
11
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
للتنمية االجتماعية لكل من المجتمع ككل والفرد .و تبين وظائف السياسة شموليتها و تأثيرها المستمر على
12
المجتمع وأهميتها الدائمة في تنظيم العالقات االجتماعية.
المطلب األول :الخاصيات التي تسهم في توتر العالقة بين االعالم والسياسة
إذا كان اإلعالم يهدف إلى تزويد الجمهور باألخبار والمعلومات الدقيقة ،والحقائق الثابتة التي تساعدهم على
تكوين رأي في واقعة من الوقائع ،أو مشكلة من المشكالت ،بحيث يُعبِّر هذا الرأي تعبيرا ً موضوعيا ً عن عقلية
الجماهير وميولهم ،واتجاهاتهم في نفس الوقت ،31فيما السياسة تهدف إلى تدبير الشأن العام ،فإنه من حيث
المبدأ ،ال يوجد تنافس بين اإلعالمي والسياسي ،فكالهما ملتزمان تجاه المجتمع بواجب الخدمة العمومية
ويستقالن بدور خاص يتوخى تحقيق التنمية
كما يضطلع اإلعالم بدور مهم في خدمة السياسة؛ وذلك عبر تأكيد شرعية الحكومات ودعم مبادئ الحرية
والمساواة وتأمين مصالح المواطنين سواء االقتصادية أو الثقافية أو االجتماعية ،وإن كان األمر يختلف في
الدول غير الديمقراطية؛ حيث التوجهات السياسية تسيطر على وسائل اإلعالم بشكل مباشر أو غير مباشر.32
وتوصف العالقة بين النظام السياسي والحقل اإلعالمي بأنها عالقة تأثير متبادل؛ حيث يتأثَّر ويُؤثِّر كال
الطرفين في اآلخر ،ولعل تحليل تلك العالقة يطرح النماذج التفسيرية اآلتية :نموذج عالقة العداء ،ونموذج
التبادل االجتماعي ،ثم نموذج االعتماد والتكيف ،ونموذج "العالقة ذات األبعاد الثالثة" الذي يصور العالقة
بين اإلعالميين والسياسيين والجمهور ،ويرى
أن اإلعالميين هم أكثر تحر ًرا في هذه العالقة؛ ألن الجمهور والسياسيين يعتمدون على وسائل االتصال
لالحتفاظ بقوتهم.33
12
IRYNA ANDROSHCHUK. THE ROLE OF POLITICS IN THE LIFE OF MODERN SOCIETY. Universidade Católica de
Petrópolis, Rio de Janeiro, Brasil
12
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
لكن ،إذا انطلقنا من قاعدة أساسية مفادها أن اإلعالم هو معرفة نسبية بالواقع ،وأن السياسة هي قراءة نسبية
للواقع ،فإن النتيجة هي حدوث ارتجاج في العالقة واختالف في المواقع بين اإلعالمي والسياسي على مستوى
اللغة ومستوى المنظورات ،وهذا ما يؤكده عالم االجتماع الفرنسي ،بيير بورديو ،من خالل رفضه لما يُسمى
بـ"اللغة الموحدة"؛ حيث إن
اللغات تعكس التوترات الموجودة بين األفراد نتيجة التعدد واالختالف السنني لخطاباتهم.
وبما أن َسنَن اإلنتاج )خطاب السياسي( يختلف عن َسنَن التلقي والتأويل )خطاب اإلعالمي( ،فإن ذلك يستتبعه
االختالف في المنظور وفي وجهات النظر. 34
وهذه المسألة ال تعدو أن تكون مشروطة بقصدية تراهن على خلق االلتباس وعدم التحديد ،باعتبارها أشكاال
يُرام من ورائها المراوغة أكثر من الوضوح ،والتملص أكثر من اإلثبات ،فضالً عن االختالف الناتج عن
التداول بين مفاهيم متضاربة أحيانًا أو أحكام مسبقة ،أو في توظيف لصور مجازية واستعارية وتعابير إيحائية
ومسكوكات غير مألوفة .وفي هذا الصدد ،يمكن استحضار أربع خاصيات تدفع في اتجاه توتر العالقة بين
اإلعالم والسياسة:
.1سعي اإلعالم في تعاطيه مع مواضيع السياسة إلى التركيز على النقاط التي تُؤ ِّجج الخالف بحثًا عن
اإلثارة ،وقد يصل األمر في بعض األحيان إلى تجزيء خطاب أو تصريح ألحد الفاعلين السياسيين
بشكل يُ َحور المعنى من أجل خلق نوع من البلبلة ،ولعل أحد أسباب ذلك هو نزوع وسائل اإلعالم إلى
الربح المادي على حساب الحقيقة والموضوعية ،إضافة إلى عدم تفهم بعض الفاعلين السياسيين لمهام
اإلعالم مما يسقطهم في أخطاء يقتنصها اإلعالميون.
.2اإلعالمي يُعتبر فاعال سياسيا ً مضمرا35؛ يضطلع بمهمة الرقابة على الفاعل السياسي ،مما
يجعله ُمؤثِّرا في القرار السياسي والحياة السياسية.
.3التباين المفترض بين الطرفين على مستوى الخطاب واللغة؛ إذ يخبرنا السياسي عن أشياء نعرفها لكن
بلغة مستعصية على الفهم؛ واإلعالمي يخبرنا عن أشياء ال نعرفها لكن بلغة قريبة إلى الفهم .وهذا
الخالف يمكن أن ينتهي إلى صراع التأويالت ،حسب تعبير الفيلسوف الفرنسي بول ريكور ،وبالتالي
التأثير على نوعية العالقة بينهما لتصل إلى حاالت من التأزم أو سوء التفاهم.
13
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
.4السياسي في ُجبَّة اإلعالمي واإلعالمي في جلباب السياسي ،والمقصود بذلك عندما يتقمص أحدهما
(اإلعالم أو السياسة) شخصية اآلخر دون معرفة مسبقة بقواعد العمل وأخالقيات التنافس ،فتخسر
السياسة نُ ْبلَها ويحيد اإلعالم عن أهدافه ووظيفته.
____________________
31
البكاء ،محمد ،اإلعالم واللغة :مستويات اللغة والتطبيق ،دار نينوى ،دمشق ، 2010 ،ص11
32الزهراني ،أحمد قران ،السلطة السياسية واإلعالم في الوطن العربي ،مركز دراسات الوحدة العربية،
بيروت2015 ،
33
بسيوني ،إبراهيم حمادة ،الصحافة وصنع القرار السياسي في الوطني العربي ،عالم الكتب ،القاهرة،
، 2012ص105
. 34عمراني ،المصطفى "،حوار" ،التجديد ،العدد 16-10 ، 3896 -نوفمبر/تشرين الثاني2016
الخلفي ،مصطفى "،اإلعالمي والسياسي ..أية عالقة؟" ،ورقة قُدمت إلى مركز هسبريس للدراسات 35
14
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
لكل حكومة ثالث سلطات ،وهي :السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية ،وتحفظ السلطة
ِّ
المشرع في إصدار القوانين وإلغائها ،فيما تضمن السلطة التنفيذية الحق في حماية سياسة الدولة التشريعية حق
وأمنها الداخلي والخارجي ،أما السلطة القضائية فإنها تكفل الحق في تنفيذ القوانين .لكن استيالء فرد أو جماعة
على كل هذه السلطات يدفع إلى االستبداد ،لذلك جاء تطبيق الديمقراطية النيابية التي نادى بها الفيلسوف
الفرنسي مونتسكيو ،وبرزت معها سلطة جديدة هي سلطة المناقشة ،40وتعني مناقشة مشروعات القوانين في
وسائل اإلعالم بأنواعها المختلفة (صحف ،إذاعة ،تليفزيون ،إنترنت .)..وستُعرف هذه السلطة فيما بعد
بـ"السلطة الرابعة" إلى جانب السلطات الثالث (التنفيذية ،التشريعية ،القضائية) .ويُعتبر النائب اإلنجليزي،
إدموند بوك ،أول من أطلق اسم "السلطة الرابعة" على الصحافة ،عندما اتجه إلى مقاعد الصحافيين في مجلس
العموم البريطاني وهو يقول" :أنتم السلطة الرابعة". 41
إذن ،اعتبار اإلعالم ُسلطة رابعة جعل تحدي اإلعالم والسياسة أهم التحديات التي يواجهها اإلعالم بشكل عام،
وذلك بحكم تداخل أهدافهما وغاياتهما ،فالصحافة في جوهرها تشتغل بالسياسة ،والسياسة تمارس الصحافة..
أي إن الصحافيين سياسيون بالضرورة ،والسياسيون صحافيون بحكم العمل 42.ولذلك؛ تستعبد السلطة السياسية
في حاالت كثيرة اإلعال َم ،وتحتكره سال ًحا من أسلحة الدفاع عن نفوذها وهيبتها وسلطاتها بدل أن تمارس
الصحافة دورها في المناقشة والمساءلة وتوجيه الرأي العام لصالح قضايا عادلة تنتصر لقيم الحرية والكرامة.
ومن ثم يبقى مطلب ضمان حرية اإلعالم ملحا؛ ألنها امتياز للمجتمع وتعكس تعددية اآلراء المختلفة ،وليست
امتيازا لإلعالميين وحدهم ،كما أن ممارسة مهنة الصحافة تحتاج إلى ضمانات قانونية وسياسية ومهنية أكثر
من غيرها ،ومن أبرز هذه الضمانات العامة :الفصل بين السلطات ،والقضاء النزيه ،وإيقاف هيمنة السلطة
السياسية التنفيذية على اإلعالم.
15
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
وتعد الرقابة أحد مظاهر هيمنة السلطة السياسية على اإلعالم باعتبار أنها ِّ
تشكل أداة سياسية قوية لطمس
تطور الرأي العام وإضعاف وخنق الفضائح ، 43حتى إن البعض يُشبِّه حالة المتلقي للمعلومة من اإلعالم بأننا
"نعيش تحت سقف زجاجي كبير تتم فيه مراقبة أفكارنا وتصرفاتنا في كل لحظة ،وبقدر ما نحاول أن نتحرر
من سيطرة المرسل إلى دائرة خيار حرة وواعية ألفعالنا ،فإننا في الواقع نعيد بناء سور جديد للرقابة من دون
أن ندرك أبعاد ذلك إال عندما نستيقظ من حلم االنعتاق من تلك الهيمنة" .44كما أن مسألة توظيف اإلعالم من
طرف السياسيين أو من ينوب عنهم يحيل إلى مفهوم "الدعاية" ،ويخرج للوجود ظاهرة اسمها التحكم أو
التالعب بالعقول لتطويعها عبر وسائل اإلعالم الجماهيرية ،من كتب ونشرات وملصقات وصحف ومجالت
وإذاعة وتليفزيون وإنترنت ،حتى اختلط اإلعالم بالسياسة والخبر بالمال ،والمعلومة باألمن القومي.
____________________
39اليحياوي ،يحيى" ،في تجاذبات العالقة بين اإلعالم واالتصال والسياسة"،مركز الجزيرة
للدراسات23،يونيو/حزيران ،2014تاريخ الدخول 15فبراير/شباط 2017
http://studies.aljazeera.net/ar/mediastudies/2013/11/201311149572620685
3.html
.40غالي ،بطرس ،وعيسى ،محمود خيري ،المدخل في علم السياسة ،مكتبة األنجلو مصرية،
القاهرة. 41 1990،محمد،محمدسيد،الصحافةسلطةرابعة..كيف؟،د.ن،1989،ص5
.42حافظ ،صالح الدين ،تحريم السياسة وتجريم الصحافة ،دار الشروق ،القاهرة ، 2008 ،ط ، 1ص96
16
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
انطالقًا مما سبق ،يتضح أن اإلعالم ارتبط بشكل كبير بالسياسة ،وهذه األخيرة تسعى إلى احتكاره وتوظيفه
من أجل التأثير في الرأي العام ،حتى إن عالم االتصال األميركي هارولد السويل ،الذي ختم مشواره
العلمي ،بعد أن جرى تكليفه بمكتبة الكونغرس بين سنوات 1940و ، 1941بدراسة عالقة وسائل اإلعالم
بقيادة الرأي العام ،انتهى إلى القول" :إن وسائل االتصال تحولت إلى أدوات ضرورية في إدارة الرأي العام
من طرف الحكومات ".45
التقنين :أي وضع الضمانات التي تقيد حركة الفاعل السياسي تجاه التحكم في اإلعالم ،وتُحصن الفاعل
اإلعالمي من الخضوع لسلطات الدولة ،ولن يتأتى ذلك إال عبر تعزيز حرية اإلعالم والحق في
الوصول إلى المعلومة وحماية سرية المصادر.
اإلرساء المؤ سساتي :والمقصود به إنشاء مؤسسات تحمي استقاللية اإلعالم وتضطلع بمهمة تنظيم
الممارسة اإلعالمية.
صياغة نموذج اقتصادي يحقق استقرار المقاولة اإلعالمية.
دمقرطة اإلعالم بأن يصبح المواطن شري ًكا نشي ً
طا وليس مجرد هدف لإلعالم ،وأن تتنوع الوسائل
مقر َ
طة اإلعالمية المتبادلة ،وأن تزداد مساهمة المواطنين في وسائل اإلعالم؛ وال يمكن حصر َد َ
اإلعالم في مجرد توفر مزيد من مرافق االتصال ،وإنما من الضروري أن يرافق ذلك انتفاع أكبر
عدد من المواطنين بها. 46
تحديد جهة الوالءات على نحو يجعل وسائل اإلعالم تتوفر على عالقات شفافة مع األنظمة السياسية،
وفي نفس الوقت تُشكل عامال إيجابياًا في خدمة مشروع سياسي تنموي يكرس مبادئ الحرية والتعددية
والحداثة واالنفتاح واحترام حقوق اإلنسان.
___________________
45الزرن ،جمال ،تدويل اإلعالم العربي الوعاء الوعي الهوية ،صفحات للدراسات والنشر ،دمشق ، 2007
ط ، 1ص 33
46أبو زيد فاروق اإلعالم والديمقراطية عالم الكتب ،القاهرة ، 2010 ،ط ،1ص . 30
17
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
مبادئ استقرار العالقة بين الفاعل السياسي باإلعالمي إن الوصول إلى نوع من االستقرار في عالقة الفاعل
السياسي باإلعالمي ،يقتضي اإليمان بأربعة مبادئ جوهرية ،وهي:
التعددية :إن الممارسة الديمقراطية تقتضي وجود تيارات مختلفة ومنافذ للتعبير عن الرأي بطريقة
منصفة ،ومن األشياء التي تجعل السياسي يفقد الثقة باإلعالمي هو عدم دقة هذا األخير في تناول
األخبار وتحريف التصريحات وعدم التوازن في التعاطي مع األحداث.
االستقاللية :يفترض السياسي في أغلب األحيان أن اإلعالمي غير مستقل فيما يكتبه أو ينشره ،والواقع
أن من حق اإلعالمي أن يطالب باحترام استقالليته؛ ألن زاوية نظره ليست بالضرورة زاوية نظر
السياسي .والمقصود باالستقاللية ليس مفهومها الحرفي إنما مفهومها المعياري؛ فاالستقاللية مسألة
نسبية.47
األخالقيات :وفي مقدمتها النزاهة وتحري الدقة واألمانة في نقل المعلومة والتقيد بقواعد الكتابة
الصحفية ،ومن حق الفاعل السياسي أن يطالب باإلنصاف.
احترام اختصاصات ال سلط :كون اإلعالم سلطة رابعة يعني أنه ُم َك ِّمل للسلط الثالث األخرى
(التشريعية والتنفيذية والقضائية) ،فاإلعالم يضطلع بدور الوسيط بين الجمهور (المتلقي)
وال ُم َش ِّر عين والمسؤولين الحكوميين والقضاة .ويجب االنتباه إلى أن لكل سلطة مجالها ودائرة
اختصاصها ،لذلك فالمطلوب من السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية احترام اختصاصات
ونطاق سلطة اإلعالم ،وهذا األخير مطالب بدوره بعدم منازعة السلط األخرى في دائرة نفوذها.
18
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
انطالقًا مما سبق يمكن القول :إن التجربة المغربية في مجال اإلعالم يلزمها عمل كبير لتجاوز العراقيل سالفة
الذكر ،والتي تسهم في تعميق حالة التوتر بين الفاعل ْين :اإلعالمي والسياسي ،وتبقى اإلجراءات المتخذة في
السنوات األخيرة قاصرة عن تقديم حلول ما لم تشمل مختلف المستويات بهدف الوصول إلى الحد األدنى من
التوتر.
_______________
19
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
خالصة تركيبية
إن العالقة بين الصحافي والسياسي قد تكون متوترة أحيانًا بسبب اختالف األجندات واألهداف ،إال أنها تبقى
أساسية لصحة الديمقراطية والتواصل العام .إن دعم حرية الصحافة واحترام دور الصحافيين يساهم في بناء
مجتمع مدني قوي يعتمد على الشفافية والمساءلة .هذه العالقة بين الصحافة والسياسة ال تأتي بحدود
صارمة ،وإنما تتطلب توازنًا دائ ًما وحس المسؤولية من كل طرف .يجب أن يكون الهدف األسمى هو
مؤشرا
ً خدمة المجتمع وتعزيز الفهم والتواصل بين السلطة والشعب .في نهاية المطاف ،تظل حرية الصحافة
حيويًا لصحة الديمقراطية و المجتمع المدني .إن االحترام المتبادل والتفاهم بين الصحافيين والسياسيين
جسورا تسهم في نقل الحقيقة والوصول إلى فهم أعمق وأشمل للقضايا المجتمعية والسياسية,
ً يمكن أن يبني
كما أن ما يمكن أن تفصل الديناميات بين الصحافي والسياسي على الفعليات التعليمية والخبرات المهنية
التي يمران بها .ينشأ السياسي من خالل رحلة تعليمية وأكاديمية تعزز فهمه لعلوم الحكم والسياسة ،بينما
ينطلق الصحافي من أفق تدريب متنوع يهدف إلى تعمق واسع في مختلف المواضيع .هذه التباينات تنتج
فرادة وفريدة لكل منهما.
بالرغم من االحتماالت لتداخل مسؤوليات الصحافي والسياسي ،فإن األخالقيات والقوانين المهنية تحكم
دورا ينتمي للمجال اآلخر ،لكن يجب أن
سلوكهما .بين الحين واآلخر ،يمكن للصحافي أو السياسي أن يتبنى ً
يكون ذلك دون تأثير سلبي على شفافية التغطية اإلعالمية أو عدالة العمل السياسي .االمتثال للقوانين
.والمبادئ المهنية يعزز استقاللية األدوار
20
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
بالرغم من التشابه في البعض من مجاالت العمل بين الصحافي والسياسي ،فإن هناك حاجة ماسة للحفاظ
.على تباين واضح بين دور كل واحد منهما لضمان تحقيق أهداف كل مهنة على حدى.
21
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
المراجع
1باللغة العربية
الكتب :
-أبو زيد فاروق اإلعالم والديمقراطية عالم الكتب ،القاهرة ، 2010 ،ط ،1ص 30
-البكاء ،محمد ،اإلعالم واللغة :مستويات اللغة والتطبيق ،دار نينوى ،دمشق ، 2010 ،ص11
1
– برنارد ترو ،اإلعالم ،محمد الغندور (المركز اإلسالمي الثقافي:المنشورات العربية ،ص )54
-عبد الوهاب الرامي ،الجامع في أخالقيات الصحافة ،منشورات معهد الجزيرة ،لإلعالم ،ص 53:ط:
2023
-علي كنعان،الصحافة مفهومها و أنواعها ،الطبعة األولى (األردن-عمان :دار المعتز للنشر و التوزيع،
1
،2013ص )35
-غالي ،بطرس ،وعيسى ،محمود خيري ،المدخل في علم السياسة ،مكتبة األنجلو مصرية ،القاهرة1990،
. 41محمد،محمدسيد،الصحافةسلطةرابعة..كيف؟،د.ن،1989،ص5
17-14
-علي كنعان" :الصحافة مفهومها أنواعها" دار المعتز للنشر والتوزيع ،الطبعة األولى،
ص47_35_34
-محمود محمد علي ،السياسة مفهومها وموضوعاتها في الفكر اإلسالمي ،ص _8_5_4
المرجع السابق
1
22
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
دراسات و مقاالت:
https://dinpresse.net/%D9%82%D9%88%D8%A7%D8%B9%D8%AF-
%D9%81%D9%8A-
%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%B3%D8%A9-
%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-3-3/-
-الخلفي ،مصطفى "،اإلعالمي والسياسي ..أية عالقة؟" ،ورقة قُدمت إلى مركز هسبريس للدراسات
واإلعالم ومؤسسة دويتشه فيله األلمانية ،الرباط 20 ،سبتمبر/أيلول2016
-الزهراني ،أحمد قران ،السلطة السياسية واإلعالم في الوطن العربي ،مركز دراسات الوحدة العربية،
بيروت2015 ،
-اليحياوي ،يحيى" ،في تجاذبات العالقة بين اإلعالم واالتصال والسياسة"،مركز الجزيرة
للدراسات23،يونيو/حزيران ،2014تاريخ الدخول 15فبراير/شباط 2017
-عبد السالم فزازي .العالقة بين السياسي و اإلعالمي "،عالقة تكامل يسودها التوتر "،مقال على جريدة
http:/bayanealyawme.press.maبيان اليوم (جريدة إلكترونية).رابط الجريدة:
-الزرن ،جمال ،تدويل اإلعالم العربي الوعاء الوعي الهوية ،صفحات للدراسات والنشر ،دمشق ، 2007
ط ، 1ص 33
-محمد توفيق أمزيان – وليد اتباتو ،اإلعالمي والسياسي أبعاد العالقة وحدود التماس وخلفيات التوتر
https://bayanealyaoume.press.ma/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%
8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-
%D8%A3%D8%A8%D8%B9%D8%A7%D8%AF-
%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A9-
%D9%88%D8%AD%D8%AF%D9%88/.html
23
أي حدود فاصلة, الصحفي و السياسي
96 ص، 1 ط، 2008 ، القاهرة، دار الشروق، تحريم السياسة وتجريم الصحافة، صالح الدين، حافظ-
http://studies.aljazeera.net/ar/mediastudies/2013/11/2013111495726206853.html
: نصوص قانونية
1
)2019 يوليوز29( 1440 ذو القعدة26 – 6977 عدد، الجريدة الرسمية-
: باللغات األخرى2
- 1 IRYNA ANDROSHCHUK. THE ROLE OF POLITICS IN THE LIFE OF MODERN
SOCIETY. Universidade Católica de Petrópolis, Rio de Janeiro, Brasil
24
الصحفي و السياسي ,أي حدود فاصلة
الفهرس
2 مقدمة
13 المبحث األول :الخاصيات التي تسهم في توتر العالقة بين العالقة بين اإلعالم و السياسة
22 المراجع
25