You are on page 1of 115

‫تمييد‪:‬‬

‫يعتبر التغير االجتماعي أحد أىـ المكاضيع إثارة في ميداف العمكـ االجتماعية كاإلنسانية‬
‫بصفو عامة‪ ،‬فمنذ ظير الفكر الفمسفي كالفكر السكسيكلكجي كاف االىتماـ بفيـ كتحميؿ‬
‫كتفسير مختمؼ القضايا المرتبطة بالتغير االجتماعي‪ ،‬كاف لـ يكف بالمفيكـ الحديث‬
‫المتداكؿ بو اآلف يشغؿ معظـ المفكريف آف ذاؾ‪.‬‬

‫كاف كاف الفكر العربي يزخر بمفكريف كفالسفتو طرحكا العديد مف القضايا كمسائؿ‬
‫اجتماعية‪ ،‬كنفسية‪ ،‬كدينة‪ ،‬كاقتصادية‪ ،‬كسمككية ‪...‬الخ المتعمقة بالتغير االجتماعي‪ ،‬أمثاؿ‬
‫بف خمدكف الذم نصت مقدمتو عمى أىـ عكامؿ كمخمفات كآليات التغير االجتماعي في‬
‫الكطف العربي؛ ككذا عبد الرحمف الككاكبي ‪ ...‬كأمثاليـ مف المفكريف العرب كالمسمميف أثناء‬
‫العصكر الكسطى‪ ،‬كأياـ الدكلة العثمانية‪ ،‬ككذا بداية الحقبة االستعمارية الغربية لمبمداف‬
‫العربية كاالسالمية‪ ،‬كما ألحقتو تمؾ األحداث التاريخية مف تغيرات اجتماعية كثقافية بشكؿ‬
‫عاـ؛ لكف يبقى ىذا المصطمح كمفيكـ سكسيكلكجي مقترف بالنظريات الغربية بشكؿ خاص؛‬
‫نظ ار لإلسيامات كالتراكمات العممية التي أفرزىا مفكرك الغرب حكؿ التغير االجتماعي‬
‫كنظرياتو كعممياتو كآلياتو‪....‬إلخ‪.‬‬

‫كقد ازداد االىتماـ بالدراسات المتعمقة بالتغير االجتماعي كاالىتماـ بو كعممية أك‬
‫ظاىرة إنسانية اجتماعية منذ التحكالت االقتصادية‪ ،‬كالسياسية‪ ،‬كاالجتماعية‪ ،‬كالثقافية‪ ،‬التي‬
‫عرفتيا أكركبا خاصة بعد الثكرة الصناعية‪.‬‬

‫فمنذ ذلؾ الحيف اعتبر التغير االجتماعي مفيكـ سكسيكلكجي ميـ كمثير‪ ،‬تداكلتو العديد‬
‫مف النظريات بمداخؿ فكرية كتحميمية كتفسيرية مختمفة؛ لكف المسألة المتفؽ عمييا حكؿ‬
‫التغير االجتماعي أنو عممية اجتماعية تمر بيا مختمؼ المجتمعات ميما كانت درجة تقدميا‬
‫أك تخمفيا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫كليذا يعتبر التغير االجتماعي مادة ميمة جدا بالنسبة لتخصص العمكـ االجتماعية‬
‫خاصة في ظؿ التحكالت كالتغيرات السريعة التي يشيدىا العالـ اليكـ في مختمؼ المجاالت‪،‬‬
‫كما نتج عنيا مف تحكالت كتغيرات اجتماعية كثقافية كسياسية‪ ...‬لمختمؼ بمداف كمجتمعات‬
‫العالـ‪.‬‬

‫كال يسعنا إال أف نعتبر ىذه المادة مف المكاد التي يحاكؿ كؿ سكسيكلكجي أف يبحث في‬
‫مضامينيا‪ ،‬يحمميا كيحاكؿ تفسيرىا انطالقا مف المخمفات النظرية العربية كالغربية ككذا‬
‫النتاجات التي يفرزىا الكاقع العالمي بكؿ ما يتضمنو مف تفاعالت كعمميات كثقافات ‪...‬الخ‪،‬‬
‫ألنيا تتعمؽ بمعظـ الممارسات االجتماعية كالثقافية كاالقتصادية كالسياسية كالقانكنية كالدينية‬
‫التي ينشط فييا الفاعؿ االجتماعي باستمرار‪.‬‬

‫كتتضمف ىذه المطبكعة البيداغكجية لطمبة السنة الثانية عمـ االجتماع مادة التغير‬
‫االجتماعي لمسداسييف األكؿ كالثاني مجمكعة المحاكر التالية‪:‬‬

‫(التطكر‬ ‫المحكر األكؿ‪ :‬مفيكـ التغير االجتماعي كالمفاىيـ المشابية لمتغير االجتماعي‬
‫االجتماعي‪ ،‬التحكؿ االجتماعي‪ ،‬التنمية‪ ،‬النمك‪ ،‬النمك االجتماعي‪ ،‬التحديث‪ ،‬التغير الثقافي‪،‬‬
‫التقدـ‪ ،‬التحديث) حتى يتمكف الطالب مف معرفة استخداـ المصطمحات تمؾ في كضعيا المناسب‬
‫كاألىـ مف ذلؾ تمكيف الطالب مف معرفة الفركؽ المفيكمية ليذه المصطمحات‪.‬‬
‫كما يضمف ىذا المحكر أيضا أىـ خصائص كأنكاع التغير االجتماعي حسب رأم المختصيف‬
‫كالدارسيف في ىذا المجاؿ‪.‬‬

‫المحكر الثاني‪ :‬كجاء فيو عكامؿ التغير االجتماعي كقد خصصنا في ىذا المحكر أىـ العكامؿ‬
‫التي يتفؽ عمييا فكر السكسيكلكجي كمسببات لمتغير االجتماعي كىي‪ ( :‬العكامؿ الخاصة البيئة‬
‫العامؿ السكاني‪ ،‬العكامؿ االقتصادية‪ ،‬التكنكلكحيا كالتقدـ التقني‪ ،‬االتصاؿ الثقافي‪،‬‬ ‫الفيزيقية‪،‬‬
‫العامؿ السياسي كظيكر الشخصيات القيادية القكية‪ ،‬العامؿ االيديكلكجي‪ ،‬العامؿ الديني )‬

‫المحكر الثالث‪ :‬كخصص لالتجاىات النظرية المفسرة لمتغير االجتماعي كقسمنيا كالتمي‪( :‬النظرية‬
‫الحتمية‪ ،‬النظرية التطكرية بما فييا نظرية التطكر الكالسيكية‪ ،‬كالنظرية التطكرية المحدثة‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫النظريات الدائرية‪ ،‬النظرية الكظيفية كالتغير االجتماعي "نظرية بارسكنز لمتغير االجتماعي"‪ ،‬نظرية‬
‫الصراع بما فييا نظرية الصراع الكالسيكية (كارؿ ماركس)‪ ،‬كنظرية التبعية‪ ،‬ثـ نظرية التفاعؿ‬
‫الثقافي)‬

‫المحكر الرابع‪ :‬كتناكنا فيو معكقات التغير االجتماعي كتضمنت‪ :‬العكائؽ االجتماعية‪ ،‬العكائؽ‬
‫االقتصادية‪ ،‬العكائؽ االيككلكجية‪ ،‬العكائؽ السياسية‪ ،‬العكائؽ الثقافية‪ ،‬العكائؽ السيككلكجية‪.‬‬

‫كعميو تعتبر محاكر السداسي األكؿ محاكر نظرية مفاىيمية كنظرية تعريفية‪ ،‬تعطي‬
‫لمطالب أىـ المعالـ الفكرية التي تقكده لمعرفة التحميؿ النظرم لمتغير االجتماعي بشكمو‬
‫العاـ‪.‬‬

‫أما محاكر السداسي الثاني فجاءت لتكمؿ الفكر النظرم الذم جاء في السداسي األكؿ‬
‫لكف يمكف‬ ‫كربطو بالمجاؿ االجتماعي الكاقعي أك الميداني كاف كاف في شكؿ نظرم‪،‬‬
‫لمطالب في محاكر السداسي الثاني أف يطبؽ الفكر السكسيكلكجي عمى ما يحدث في كاقعو‬
‫االجتماعي العاـ‪ ،‬خاصة أف محاكر التالية جاءت لتنمي النضج االجتماعي لمطالب‬
‫الجامعي‪ ،‬كيحاكؿ مف خالليا تحميؿ الكاقع المعاش بشكؿ جدم‪.‬‬

‫كتضمنت المحاكر التالية‪:‬‬

‫كجاء فييا‪(:‬النخب مفيكميا‬ ‫المحكر األكؿ‪ :‬الفاعمكف االجتماعيكف في التغير االجتماعي‬


‫نظرياتيا‪ ،‬أنكاعيا؛ كالحركات االجتماعية كالجماعات الضاغطة في التغير االجتماعي كجاء فييا‬
‫المفاىيـ كالنظريات كآليات‪...‬التي ليا عالقة مباشرة كغير مباشرة بالتغير االجتماعي)‬
‫المحكر الثاني‪ :‬تناكلنا فيو التغير االجتماعي في الفكر االسالمي المعاصر كخصصنا في ىذا‬
‫المحكر في الحديث عف حركة اإلصالح كأسمكب لمتغيير االجتماعي في العصر الحديث ؛ كالتغير‬
‫االجتماعي االصالح االجتماعي في فكر مالؾ بف نبي)‬

‫‪3‬‬
‫أما المحكر الثالث خصص نمكذج عف الثكرات العربية‪ ،‬كلـ نتطرؽ فيو لمثكرات العربية المناىضة‬
‫لالستعمار الغربي‪ ،‬بؿ تناكلنا الثكرات العربية االجتماعية التي كانت في مطمع األلفية الثالثة‬
‫كخصصنا بالذكر ثكرة تكنس كمصر‪.‬‬

‫المحكر الرابع‪ :‬كتضمف فيو العكلمة كالتغير االجتماعي كجاء فيو مفيكـ لمعكلمة‪ ،‬كما أنتجتو مف‬
‫تغيرات في مختمؼ المجاالت كالتي بدكرىا أحدثت تغيرات اجتماعية كثقافية كاضحة بشكؿ كبير‬
‫لمعظـ دكؿ العالـ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫المحاضرات الخاصة بالسداسي األكؿ‬

‫‪5‬‬
‫المحكر األكؿ‪ :‬مفيكـ التغير االجتماعي كالمفاىيـ المشابية لمتغير االجتماعي‬

‫أكال‪ :‬مفيكـ التغير االجتماعي‬

‫‪ -1‬المفيكـ المغكم‪ :‬تدؿ كممة التغير في المغة العربية عمى معنى التحكؿ كالتبدؿ‪ ،‬فتغير الشيء‬
‫ىك تحكؿ كتبدؿ ذلؾ الشيء بغيره‪ ،‬كتدؿ كممة التغير في المغة االنجميزية ‪ change‬عمى معنى‬
‫االختالؼ في أم شيء يمكف مالحظتو خالؿ فترة زمنية محددة‪.1‬‬

‫‪ -2‬المفيكـ االصطالحي‪:‬‬

‫إف ما يميز مجتمعات العالـ قديميا كحديثيا‪ ،‬نامييا كمتقدميا‪ ،‬أنيا مجتمعات متغيرة ىذه‬
‫حقيقة فال يكجد مجتمع ثابت‪ ،‬كال يكجد مجتمع إال كنممس تغي ار في اقتصادياتو كسياساتو كتنظيمو‬
‫كبنيانو كحجمو كقيمو‪ ،‬فالتغير االجتماعي ظاىرة أساسية تتميز بيا الحياة االجتماعية في سبيؿ‬
‫بقائيا كنمكىا كنيايتيا إلى التكازف مع الكاقع كاالستقرار االجتماعي‪.2‬‬

‫التغير أحد أبرز الخصائص الجكىرية لممجتمع‪ ،‬فالحياة االجتماعية تتألؼ مف تغيرات مستمرة‬
‫ال تتكقؼ‪ ،‬كعميو فإنو عندما تتكقؼ ىذه التغيرات فإف الحياة نفسيا تنتيي‪.‬‬
‫ف إذا افترضنا إلى جانب معظـ المنظريف المعاصريف‪ ،‬بأف المككنات الرئيسية ألم مجتمع ىي‬
‫أفعاؿ كأنشطة أفراد‪ ،‬فحينيا اليسعنا إال أف نرل ىذا المجتمع كيانا ديناميكيا‪ ،‬ألف ىذه األفعاؿ‬
‫كاألنشطة تتضمف بعض التغير‪ ،‬كفي حيف يتسـ التغيير بأنو كاحد في كؿ المجتمعات‪ ،‬إال أف‬
‫سرعة كنطاؽ كعمؽ كايقاع التغيرات تختمؼ مف مجتمع آلخر‪ ،‬فيك تغي ار شامال‪ ،‬كسريعا‪ ،‬ك بار از‬
‫في المجتمعات المتقدمة عمى األخص‪.3‬‬

‫‪ :1‬المنجد في المغة كاألدب كالعمكـ‪ ،‬بيركت‪ ،‬المطبعة الكاثكليكية‪ ،‬بيركت‪ ،0891 ،‬ص‪ ،6‬نقال عف طاىر محمد بكشمكش‪،‬‬
‫التحكالت االجتماعية كاالقتصادية كآثارىا عمى القيـ في المجتمع الجزائرم ‪ ،1999-1967‬دار بف مرابط لمنشر‬
‫كالطباعة‪ ،‬الجزائر‪ ،8119،‬ص ‪.44‬‬
‫‪ :2‬يكسؼ اسالـ عمى مطر‪ ،‬التغير االجتماعي دراسة تحميمية مف منظكر التربية االسالمية‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار الكفاء‬
‫لمطباعة كالنشر كالتكزيع‪ ،‬المنصكرة‪ ،‬مصر‪0418 ،‬ق‪0899 ،‬ـ‪ ،‬ص ‪.9-8‬‬
‫‪ :3‬جكف سككت‪ ،‬عمـ االجتماع المفاىيـ األساسية‪ ،‬ترجمة محمد عثماف‪ ،‬الشبكة العربية لألبحاث كالنشر‪ ،‬بيركت‪،8118،‬‬
‫ص ‪.86‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -‬تعريؼ أكجبيرف ‪ :Ogburn‬التغير االجتماعي يعني أساسا تمؾ التحكالت التي تحدث في‬
‫التنظيـ االجتماعي‪ ،‬أم التي تحدث في بناء المجتمع‪ ،‬كيشير التغير االجتماعي غالبا إلى التغير‬
‫في السمكؾ اإلنساني‪ ،‬بينما التغير الثقافي يتعمؽ بإبداع االنساف‪.‬‬

‫‪ -‬تعريؼ ليبيت ‪ Lippitt‬التغير أك التبدؿ مخطط أك غير مخطط في الكضع الراىف لمكقؼ أك‬
‫لعممية أك لكائف حي‪ ،‬كيقصد بالتغير المخطط أم تغير مقصكد أك غرضي أك محاكلة عمدية‬
‫بكاسطة فرد أك منظمة أك جماعة أك نظاـ اجتماعي لكي يؤثر مباشرة في الكضع الراىف‪.‬‬

‫‪ -‬أما زلتماف كدنكاف‪ Zaltman et Duncan‬فقد عرفا التغيير االجتماعي عمى أنو عمى مستكل‬
‫الفرد كعمى مستكل النظاـ‪ ،‬عمى أنو عممية التبدؿ في الطريقة التي يسمؾ بيا الفرد أك مجمكعة‬
‫أفراد في تعريفيـ لممكقؼ‪.1‬‬
‫‪ -‬كيعرؼ معجـ العمكـ االجتماعية‪ :‬التغير االجتماعي عمى أنو كؿ تحكؿ يقع في التنظيـ‬
‫االجتماعي سكاء في بنائو أك كظائفو‪ ،‬خالؿ فترة زمنية معينة‪ ،‬كيشمؿ ذلؾ كؿ تغير يقع في‬
‫التركيب السكاني لممجتمع أك بنائو الطبقي أك نظمو االجتماعية كفي أنماط العالقات االجتماعية‬
‫أك في القيـ كالمعايير التي تؤثر في سمكؾ األفراد كالتي تحدد مكانيـ كأدكارىـ‪ ،‬في مختمؼ‬
‫التنظيمات االجتماعية التي ينتمكف الييا‪.2‬‬

‫‪ -‬كما يعني التغير االجتماعي نكع مف التبايف كاالختالؼ الذم يحدث عمى مككنات البناء‬
‫االجتماعي كالنظـ كالظكاىر االجتماعية‪ ،‬كالذم يؤدم إلى حدكث تغيير في أنساؽ التفاعؿ‬
‫كالعالقات كأنماط السمكؾ كالنشاط اإلنساني‪ ،‬كيعد السمة المميزة لمنشاط االنساني في الحياة‬
‫الحديثة‪.3‬‬

‫‪ :3‬مفيكـ التغير االجتماعي مف حيث أىميتو‪:‬‬


‫يرل يكسؼ اسالـ عمى مطر‪ :‬التغير االجتماعي طاىرة تتناكؿ كؿ مقكمات الحياة االجتماعية‬
‫كالنظـ كالعالقات االجتماعية‪ ،‬كىذه الظاىرة مف األىمية بمكاف حتى أف كثي ار مف الباحثيف اىتمكا‬

‫‪ :1‬يكسؼ اسالـ عمى مطر‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص ‪.00-01‬‬


‫‪ :2‬أحمد بدكم‪ ،‬معجـ مصطمحات العمكـ االجتماعية‪ ،‬مكتبة لبناف‪ ،‬بيركت‪ ،0899 ،‬ص‪.298‬‬
‫‪ :3‬عبد اهلل محمد عبد الرحماف‪ ،‬عمـ االجتماع النشأة كالتطكر‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،8112 ،‬ص‪.214‬‬

‫‪7‬‬
‫بدراستيا كخاصة عمماء التربية كاالجتماع كالفمسفة كذلؾ لككف التغير ضركرة حياتية لممجتمعات‬
‫البشرية فيك سبيؿ بقائيا كنمكىا كبالتغيير يتييأ ليا التكيؼ مع كاقعيا كبالتغير يتحقؽ التكازف‬
‫كاالستقرار في أبنيتيا كأنشطتيا كعف طريؽ التغير يحاكؿ اإلنساف أف يسد نقصو‪ ،‬كيضيؼ الفجكة‬
‫بيف المجتمعات المتقدمة كالمتخمفة‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬المفاىيـ ذات صمة بالتغير االجتماعي‬

‫‪ -1‬التطكر االجتماعي‪:‬‬
‫بغض النظر عف فكرة التطكر التي لطالما اقترنت بالنظرية الداركينية التي استعارت فكرة التطكر‬
‫االجتماعي مف نظرية التطكر البيكلكجي‪ ،‬إال أف الكتاب المحدثيف كضعكا مفيكما يكاد يككف مغاي ار‬
‫عف التطكر االجتماعي‪ :‬فالتطكر االجتماعي يعتبر مفيكما أكثر تعقيدا إذ يشير إلى عممية‬
‫اجتماعية ليا ثالث خصائص مجتمعية‪ :‬فيك اتجاىي كداخمي كيحدث عمى مراحؿ يمكف تميزىا‪،‬‬
‫كبالتالي فيك يحمؿ لنا تصك ار بالحالة النيائية لممجاؿ االجتماعي التي تتحرؾ العممية نحك تحقيقيا‪.‬‬
‫فيك عممية حتمية كجبرية‪ ،‬كذلؾ عندما ينظر إليو ضركريا كغير قابؿ لمتغيير‪ ،‬كتبع سبيال‬
‫شامال كأحاديا‪ ،‬كمحددا مسبقا‪ ،‬كذلؾ نحك ىدؼ محتكـ‪ ،‬مما يفرغ العممية مف أم دكر لمخيارات أك‬
‫التفضيالت اإلنسانية‪.‬‬
‫كمف بيف ىذ األمثمة المجتمع االيجابي لككنت‪ ،‬المجتمع الصناعي عمى نحك ما تصكره سبنسر‪،‬‬
‫كالمجتمع الشيكعي لكارؿ ماركس‪ ،‬كدكلة التضامف العضكم لدكركايـ‪.1‬‬
‫‪ -‬كما يعرؼ التطكر عمى أنو التحكؿ المنظـ مف األشكاؿ البسيطة إلى األشكاؿ األكثر تعقيدان‪،‬‬
‫كىك‪،‬النمك البطيء المتدرج الذم يؤدم إلى تحكالت منتظمة كمتالحقة تمر بـ ا رحؿ مختمفة ترتبط‬
‫كؿ مرحمة بالمرحمة التي تسبقيا‪ ،‬كيتضمف معنى مفيكـ التطكر أف التغيرات خارجة عف رادة‬
‫اإلنساف‪ ،‬بؿ قد يعتبر تدخؿ اإلنساف أك تنظيماتو عامالن معكق نا لممسيرة الطبيعية لألشياء‪.2‬‬

‫‪ :1‬سككت جكف‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص ‪.010-011‬‬


‫‪ :2‬إبراىيـ عثماف‪ ،‬مقدمة في عمـ االجتماع‪ ،‬دار الشركؽ‪ ،‬عماف‪ ، 1999 ،‬ص‪.222‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ -2‬التقدـ االجتماعي‪:‬‬
‫كاف مفيكـ التطكر يأتي مرتبطا ارتباطا كثيقا بأفكار التقدـ االجتماعي الذم ينقمو مف المستكل‬
‫التكصيفي إلى المستكل التقييمي‪ ،‬كمف ثمة فالتقدـ االجتماعي إلى جانب التطكر يعتمد عمى تقيـ‬
‫العممية التطكرية باعتبارىا جيدة أخالقيا أك عادلة‪ ،‬كالطريؽ إلييا باعتبارىا تحسينا أك تحقيقا لمذات‪.‬‬
‫مثؿ في ذلؾ العكلمة‬

‫‪ -3‬التحكؿ االجتماعي‪:‬‬
‫نظ ار لمعيكب التي ميزت التطكر في الفكر االجتماعي الكالسيكي‪ ،‬كاق ار ار لتمؾ العيكب باتت‬
‫النظرية االجتماعي المعاصرة تميؿ إلى ىجر مفيكـ التطكر كاستبدالو بفكرة التحكؿ االجتماعي‪:‬‬
‫كالذم ينظر فييا إلى حالة المجاؿ االجتماعي باعتباره المحصمة أك االنجاز الفريد لمفاعميف‬
‫اإلنسانييف‪ ،‬سكاء جاء الفعؿ ىنا فرديا أك جماعيا‪ ،‬كالذم جاء معتمدا عمى خياراتيـ كق اررتيـ‬
‫كبرامجيـ كسياساتيـ‪ ،‬أم أنو ليس عممية جبرية بؿ نابع مف ابتكارىـ الذاتي‪.1‬‬

‫‪ -4‬مفيكـ التغير الثقافي‪:‬‬


‫يعتبر التغير الثقافي أحد مصادر التغير االجتماعي‪ ،‬كذلؾ ما تكصمت إليو معظـ الدراسات التي‬
‫تناكلت التغير االجتماعي‪ ،‬كعمى الرغـ مف ذلؾ فال يزاؿ البحث في التغير االجتماعي يالحظ قد ار‬
‫مف الخمط بيف مفيكمي التغير االجتماعي كالتغير الثقافي‪ ،‬بؿ اف بعض النظريات التي حاكلت‬
‫تفسير التغير االجتماعي تدكر حكؿ التغير الثقافي دكف تميز كاضح بيف المفيكميف‪.‬‬

‫فالتغير الثقافي يشير إلى التحكالت التي تط أر عمى ما ينتجو مف أشياء مادية أك غير مادية‬
‫كالقكانيف كالفنكف‪ ،‬كبمعنى آخر ىك التغيير الذم يحدث في محتكل الثقافة التي يتفاعؿ معيا أبناء‬
‫المجتمع‪ ،‬كبالتالي يصبح التغير الثقافي أكسع في مضمكنو كأشمؿ في مجالو مف التغير‬
‫االجتماعي‪.2‬‬

‫‪ -5‬مفيكـ التنمية‪ :‬أغمب الميتميف بدراسات التنمية في المجاؿ االجتماعي كاالقتصادم يتفقكف‬
‫في نقاط عدة لعؿ أىميا التي سنتطرؽ إلييا في جممة التعريفات التالية‪.‬‬

‫‪ :1‬سككت جكف‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص ‪.010-011‬‬


‫‪ :2‬طاىر محمد بكشمكش‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.46‬‬
‫‪9‬‬
‫‪ -‬التنمية ىي ارتقاء المجتمع كاالنتقاؿ بو مف الكضع الثابت إلى كضع أعمى كأفضؿ‪ ،‬كما تصؿ‬
‫إليو مف االستغالؿ الحسف لمطاقات التي تتكفٌر لدييا‪ ،‬كالمكجكدة كالكامنة‪ ،‬كتكظيفيا لألفضؿ‪.1‬‬

‫‪ -‬كيشير مفيكـ التنمية بمعناه العاـ إلى محاكلة اإلنساف تغيير الكاقع كظركفو لتحقيؽ كضع‬
‫مستقبمي تـ تصكره سمفا‪ ،‬فعممية التغير ىنا قصدية أساسيا اإلرادة اإلنسانية كما يرتبط بيذه مف‬
‫كعي كدراية كقدرات كتخطيط كأساليب مختارة كتنظيمات‪ ،‬فالتنمية عممية مدركسة منظمة يكجييا‬
‫اإلنساف كلك نسبيا بما يحقؽ غاياتو‪.2‬‬

‫‪ -‬تعريؼ األمـ المتحدة لمتنمية يرل أف التنمية‪ :‬مجمكعة الكسائؿ كالطرؽ التي تستخدـ بقصد‬
‫تكحيد جيكد األىالي مع السمطات العامة‪ ،‬مف أجؿ تحسيف مستكل الحياة مف الناحية االقتصادية‬
‫كاالجتماعية كالثقافية في المجتمعات القكمية كالمحمية‪ ،‬كاخراج ىذه المجتمعات مف عزلتيا لتشارؾ‬
‫إيجابيان في الحياة القكمية‪ ،‬كما تساىـ في تقدـ البالد‪.‬‬

‫‪ -‬يرل الدكتكر عبد اليادم‪ :‬أف التنمية تعني التركيز عمى العمؿ الكاعي مف أجؿ احراز تغيير‬
‫كاسع النطاؽ نحك االتجاىات المرغكبة‪ ،‬كالطمكح في التغيير كايجاد الكسائؿ التنظيمية إلح ارزه‬
‫يعتبر مسألة محكرية لمتصكر الحديث لمتنمية‪.‬‬

‫‪ -‬كيرل د‪ .‬محمكد الكركم‪ :‬أف التنمية ىدؼ عاـ كشامؿ لعممية ديناميكية تحدث في المجتمع‬
‫كتتجمى مظاىرىا في تمؾ السمسمة مف التغييرات البنائية كالكظيفية التي تصيب مككنات المجتمع؛‬
‫كتعتمد ىذه العممية عمى التحكـ في حجـ كنكعية المكارد المادية كالبشرية المتاحة لمكصكؿ بيا إلى‬
‫أقصى استغالؿ ممكف‪ ،‬في أقصر فترة مستطاعو كذلؾ بيدؼ تحقيؽ الرفاىية االقتصادية‬
‫كاالجتماعية المنشكدة لمغالبية العظمى مف أفراد المجتمع‪.3‬‬

‫كيتحدد مفيكـ التنمية في جانبيف ىما‪:‬‬

‫‪ :1‬عبد الباسط حسف‪ ،‬التغير االجتماعي في المجتمع االشتراكي‪ ،‬القاىرة الحديثة‪ ،0894 ،‬ص‪.22‬‬
‫‪ :2‬عبد الباسط حسف‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪ :3‬طمعت مصطفي السركجي‪ ،‬التنمية االجتماعية المثاؿ كالكاقع‪ ،‬مركز نشر كتكزيع الكتاب الجامعي‪ ،‬جامعة حمكاف‪،‬‬
‫مصر‪ ،8110،‬ص‪.06‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ -‬الجانب األكؿ‪ :‬يتصؿ بالتخطيط كالبرمجة كتطبيؽ األساليب العممية أك التقنية في مختمؼ‬
‫القطاعات االقتصادية كاالجتماعية ‪...‬إلخ‪.‬‬
‫‪ -‬الجانب الثاني‪ :‬عقائدم أك ايديكلكجي أك قيمي أك أخالقي يتصؿ بمنضمات التنمية كأىدافيا‬
‫كتكظيؼ نتائجيا كصكرة المجتمع التي تسعى برامج التنمية تحقيقو كتصكر اإلنساف مف حيث قيمو‬
‫كدكره في المجتمع‪ ،‬كضكابط التي يجب االلتزاـ بيا خالؿ مسيرة التنفيذ كالتنمية‪...‬إلخ‪.1‬‬

‫‪ -2‬مفيكـ النمك‪:‬‬
‫تعني كممة النمك بشكؿ عاـ عممية النضج التدريجي كالمستمر لمكائف كزيادة حجمو الكمي أك‬
‫أجزائو في سمسمة مف المراحؿ الطبيعية‪ ،‬كما تشير إلى نكع معيف مف التغير كىك التغير الكمي‪،‬‬
‫حيث يرتبط النمك بالتغير االجتماعي خاصة بالجكانب الكمية منو التي يمكف أف تقاس مثال مف‬
‫خالؿ معدالت النمك السكاني الذم يعتبر مف المؤشرات اليامة لمتغير االجتماعي‪.‬‬

‫‪ -‬كيعرؼ النمك في مجاؿ التنمية عمى أنو‪ :‬ىك نكع مف التحكؿ التدريجي الكمي دكف أف يككف‬
‫شامال‪ ،‬أم أنو تمؾ الزيادة الكمية االقتصادية التي تحدث في جانب معيف مف جكانب الحياة‪ ،‬إنيا‬
‫تراكـ رأس الماؿ أك زيادة في الدخؿ‪ ،‬كبمنطمؽ آخر النمك ىك مجرد تنمية اقتصادية بحتة‪ ،‬بناءا‬
‫عمى مؤشرات كمية احصائية‪ ،‬كالتركيز عمى عنصر رأس الماؿ كالزيادة في معدؿ االستثمار الذم‬
‫يرفع الطاقة االنتاجية‪.‬‬
‫كيرل العالـ األمريكي "ككزينش"‪ :‬النمك االقتصادم باعتباره عممية تؤمف زيادة مستمرة في إنتاج‬
‫الثركات المادية‪.2‬‬
‫‪ -‬النمك االجتماعي‪ :‬التغير في حجـ السكاف أك تركيبيـ‪ ،‬كالتغير في حجـ الناتج القكمي يمكف أف‬
‫تعد مؤشرات لمتغير االجتماعي‪ ،‬غير أف التغير االجتماعي يتعدل ذلؾ إلى بيانات أكثر تفصيال‬
‫ي‬
‫حكؿ التغيرات الكيفية في العالقات االجتماعية كالثقافية كالقيـ‪.‬‬

‫كمف ثـ تعددت النظرة إلى النمك االجتماعي في مجاؿ الدراسات االجتماعية ألف النمك‬
‫االجتماعي أكثر تعقيدا مف النمك العضكم أك المادم‪ ،‬فال يمكف ألف نرجع أم ظاىرة اجتماعية‬

‫‪ :1‬طمعت مصطفي السركجي‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص ص (‪.)09-06‬‬


‫‪ :2‬طمعت مصطفي السركجي‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره ‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪11‬‬
‫إلى نكاتيا األصمية كما ىك في النمك العضكم‪ ،‬إال أننا نممسو في عمميتيف إجتماعيتيف كما يقكؿ‬
‫"بكتكمكر ‪"0890‬ىما‪ ( :‬نمك المعرفة‪ ،‬كنمك سيطرة االنساف عمى الطبيعة‪ ،‬كما يبدك في الكفاءة‬
‫التكنكلكجية كاالقتصادية‪ ،‬ىما العمميات التي ظيرت بكضكح في عمميتي نمك كتطكر المجتمع‬
‫االنساني‪.‬‬
‫كنظ ار لتعقد الظكاىر االجتماعية كارتباطيا بشكؿ كثيؽ بالقيـ فإنو يصعب تحديد مكانة النمك‬
‫االجتماعية بيف القيـ االجتماعية كمف ثـ يبقى مصطمح النمك االجتماعي نسبي إلى حد كبير في‬
‫مجاؿ الكيؼ‪ ،‬طالما ال يكجد قانكف اجتماعي قيمي متفؽ عميو يحدد سيركرة كاتجاه نمك القيـ إلى‬
‫األفضؿ‪.1‬‬
‫‪-‬عالقة النمك بالتنمية‪ :‬ىك نكع مف التحكؿ التدريجي الكمي دكف أف يككف شامال‪ ،‬أم أنو تمؾ‬
‫الزيادة الكمية االقتصادية التي تحدث في جانب معيف مف جكانب الحياة‪ ،‬إنيا تراكـ رأس الماؿ أك‬
‫زيادة في الدخؿ‪ ،‬كبمنطمؽ آخر النمك ىك مجرد تنمية اقتصادية بحتة‪ ،‬بناءا عمى مؤشرات كمية‬
‫احصائية‪ ،‬كالتركيز عمى عنصر رأس الماؿ كالزيادة في معدؿ االستثمار الذم يرفع الطاقة‬
‫االنتاجية‪.‬‬
‫كيرل العالـ األمريكي "ككزينش"‪ :‬النمك االقتصادم باعتباره عممية تؤمف زيادة مستمرة في إنتاج‬
‫الثركات المادية‪.2‬‬
‫كيختمؼ النمك عف التنمية ككنو تمقائيا بينما التنمية ىي عممية مخطط ليا‪.‬‬
‫‪ -6‬مفيكـ التقدـ‪:‬‬
‫يعبر عف حالة مف التغيير التقدمي الذم يحمؿ داللة لتحسف دائـ في الظركؼ المادية كالالمادية‬
‫لممجتمع في سياؽ غائي مثالي‪ ،‬فيك يحمؿ في طياتو أحكاما قيمية؛ فالتقدـ يعني أف كؿ صكرة‬
‫مف صكر المجتمعات أفضؿ بالضركرة مف سابقتيا‪.3‬‬

‫‪ :1‬دالؿ الممحس استيتية‪ ،‬التغير االجتماعي كالثقافي‪ ،‬دار كائؿ‪ ،‬عماف األردف‪ ،‬ط‪ ،8101 ، 2‬ص ‪.41-29‬‬
‫‪ : :2‬طمعت مصطفي السركجي‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره ‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ : :3‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.29‬‬
‫‪12‬‬
‫‪ -7‬مفيكـ التحديث‪:‬‬
‫يشير التحديث إلى تحكؿ المجتمعات مف نمط بسيط كتقميدم إلى نمط آخر يتصؼ بالتعقيد‬
‫كالتصنيع‪ ،‬حيث أف التغيرات االقتصادية ىي األكثر كضكحا‪.‬‬

‫كالتحديث كعممية ىك تمؾ القدرة العالية عمى استغالؿ كافة المكارد البشرية كالطبيعية في‬
‫تحقيؽ مزيد مف التكامؿ كالتماسؾ االجتماعي‪ ،‬كتطكر أساليب أكثر كفاءة في مجاالت السياسية‬
‫كالضبط االجتماعي‪ ،‬كالنيكض المستمر بمستكل االنتاج كالثركة‪ ،‬ككذلؾ المظاىر األخرل التي‬
‫صاحبت ىذه العممية في المجتمعات األكركبية‪ ،‬مثؿ ذيكع االنتاج العقمي‪ ،‬كاالعتماد عمى العمـ‬
‫الحديث القائـ عمى المالحظة الكاقعية‪ ،‬كاالستفادة مف النظرية في االستخدامات العممية‪ ،‬كتدعيـ‬
‫مقكمات التنظيـ كاإلدارة الرشيدة‪.1‬‬

‫كيرل بعض مفكرم عمـ االجتماع أف التحديث عممية مستمرة كمتصمة نالحظيا منذ الطكر‬
‫األكؿ لمحداثة‪ ،‬كاتصالو بالطكر االنتقالي التالي‪ ،‬كالذم يقضي بدكره الطكر الحديث الذم نعيشو‬
‫في الكقت الراىف‪ ،‬كىذا الطكر األخير يحمؿ لنا مؤشرات عمى شكؿ نبضات مضيئة كمتفرقة لحالة‬
‫المجتمعات في المستقبؿ‪ ،‬كالتي تعرؼ بمجتمعات ما بعد الحداثة‪.‬‬

‫كالمجاالت الرئيسية لمتحديث ىي االجتماعي كاالقتصادم كالسياسي‪...‬إذ تؤثر عممية التحديث في‬
‫مختمؼ جكانب المجتمع االقتصادية كاالجتماعية كالسياسية‪.2‬‬

‫‪ :1‬عمي غربي كآخريف‪ ،‬تنمية المجتمع مف التحديث إلى العكلمة‪ ،‬دار الفجر لمنشر كالتكزيع‪ ،‬سنة ‪ ،8112‬ص ‪.28‬‬
‫‪ :2‬المرجع نفسو ‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪13‬‬
‫ثالثا‪ -‬خصائص كأنكاع التغير االجتماعي التغير االجتماعي‬

‫‪ -1‬خصائص التغير االجتماعي‪:‬‬


‫يمكف أف نستنتج خصائص التغير االجتماعي مف مجمكعة التعريفات التي قدمت حكلو كقد‬
‫ميز العديد مف الدارسيف خصائص معينة لمتغير االجتماعي كغالبا ما يتفؽ العديد منيـ عمى‬
‫خصائص معينة لمتغير االجتماعي كيمكف أنـ نمخصيا في النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬تعتبر ظاىرة التغير صفة مالزمة ألم مجتمع كأم ثقافة يمكف مالحظتيا بصكرة مستمرة‪.‬‬
‫‪ -‬الفرؽ بيف المجتمعات بكجو عاـ خاصة في العصر الحديث ىك فرؽ في سرعة التغير‬
‫االجت ماعي‪ ...‬فقد يككف التغير بطيئا يصعب ادراكو في فترة قصيرة مف الزمف‪ ،‬كقد يككف متدرجا‪،‬‬
‫كقد يككف سريعا يمكف ادراكو بسيكلة كمالحظتو‪ ،‬كقد يككف في قفزات‪.‬‬
‫‪ -‬ال يحدث التغير االجتماعي في كؿ الظكاىر االجتماعية بطريقة كاحدة أك بنسبة كاحدة بؿ إف‬
‫ذلؾ يختمؼ مف ظاىرة ألخرل‪ ،‬كقد تندفع جماعات في التغيير أكثر مف غيرىا كقد يتطرؼ البعض‬
‫اآلخر في ىذا التغير‪ ،‬كمف المالحظ أف العناصر المادية في التراث االجتماعي تككف أسرع مف‬
‫العناصر غير المادية في التغير كيعرؼ ىذا بالتخمؼ الثقافي‪.1‬‬
‫‪ -‬تأتي التغيرات االجتماعي عادة مترابطة في تتبعات زمنية كمرتبطة سببيا‪ ،‬كيطمؽ عمى ام تتابع‬
‫لممتغيرات المترابطة اسـ عممية اجتماعية‪ ،‬كتشمؿ ىذه العمميات االجتماعية التحكؿ لمنمط‬
‫الحضرم‪ ،‬التحكؿ لمنمط الصناعي‪ ،‬النمك االقتصادم كالعكلمة‪ .‬فيناؾ تغيرات اجتماعية يعبر‬
‫عمييا بالعمميات االجتماعية الخطية‪ :‬كىي تحدث حيف ال تتكرر أم حالة مف حاالت المجاؿ‬
‫االجتماعي‪ ،‬أك عندما تأتي حالة أخيرة فريدة كمختمفة عف سابقتيا مثؿ‪ :‬النمك التكنكلكجي‪ ،‬التقدـ‬
‫االقتصادم‪ ،‬التقدـ العممي‪ ،‬التحكؿ لمتحديث‪.‬‬

‫‪ -‬أما النمط الثاني مف التغير االجتماعي الذم يعبر عنو بأنو عممية اجتماعية حمقية كفيو يعكد‬
‫المجاؿ االجتماعي لحاالتو االبتدائية نفسيا بيف الحيف كاآلخر‪ ،‬مثال ما يحدث مف التقمبات السعرية‬
‫في السكؽ‪.2‬‬

‫‪ :1‬يكسؼ إسالـ عمى مطر‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.8‬‬


‫‪ :2‬سككت جكف‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪14‬‬
‫‪ -2‬أنكاع التغير االجتماعي‪:‬‬
‫‪ -‬تصنيؼ األكؿ‪:‬‬
‫أ‪ -‬التغير في التركيب‪ :‬مثؿ إعادة االنضماـ إلى مجمكعة أك اليجرة أك النمك الديمغرافي‪.‬‬
‫ب‪ -‬التغير في الييكؿ‪ :‬مثؿ تبمكر عالقات الصداقة كنشكء القيادة كالمناداة بالدستكر‪.‬‬
‫ج‪ -‬التغير في الكضائؼ‪ :‬مثؿ حالة الحراؾ المينية كتراجع الدكر االقتصادم لألسرة كالتراجع في‬
‫مقكمات دكلة الرفاىية‪.‬‬
‫د‪ -‬التغير في الحدكد مع المجاالت األخرل‪ :‬مثؿ ترابط العائالت بالزكاج كاندماج الشركات كالغزك‬
‫االمبريالي‪.‬‬
‫ق‪ -‬تغير البيئة‪ :‬مثؿ انييار احدل االمبراطكريات المييمنة أك اكتشاؼ حقكؿ النفط أك حدكث‬
‫‪1‬‬
‫أحد الزالزؿ الكبيرة‪.‬‬
‫التصنيؼ الثاني‪ :‬مف حيث نطاقيا كايقاعيا‬
‫أ‪ -‬التغير الداخمي‪ :‬حيث يككف قابؿ لمتكرار كىي تكلد في المجاؿ االجتماعي بالشكؿ نفسو‪ ،‬مثؿ‬
‫التغيرات في الركتيف اليكمي لألسرة‪ ،‬كتقمبات المركر مف الصباح حتى المساء‪ ،‬أك التعاقب‬
‫المكسمي لمعمالة في المجتمعات الزراعية‪.‬‬
‫ب‪ -‬التغير الخارجي "الشمكلي"‪ :‬كتحدث ىذه التغيرات تحكالت كمية‪ ،‬حيث تعدؿ مف طبيعة‬
‫المجاؿ االجتماع بالكامؿ‪ ،‬كيحدث ىذا في الغالب نتيجة التحكالت في اليياكؿ‪ ،‬كفي الكظائؼ‪،‬‬
‫مثؿ نشكء الرأسمالية‪ ،‬كاضفاء الطابع الديمقراطي عمى النظاـ السياسي كعممنة المجتمعات الحديثة‪،‬‬
‫كتعد التغيرات االجتماعية مف ىذا النكع كالتي تتسـ بالشمكلية كاستعابيا لمعظـ مناحي المجاؿ‬
‫كسرعتيا النسبية في حدكث ثكرات اجتماعية‪.2‬‬
‫‪ -‬تصنيؼ ليبت‪ :‬قدمت ليبت نمطيف مف التغير االجتماعي‬
‫أ‪ -‬التغير المخطط (المقصكد)‪ :‬كىك التغير المقصكد كغرضي أك محاكلة عمدية بكاسطة فرد اك‬
‫منظمة‪ ،‬أك جماعة أك نظاـ اجتماعي‪ ،‬لكي يؤثر مباشرة في الكضع الراىف‪ ،‬كيعرؼ أيضا عمى أنو‬

‫‪ :1‬جكف سككت‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص ‪.89‬‬


‫‪ :2‬المرجع نفسو‪ ،‬ص ص ‪.88-89‬‬
‫‪15‬‬
‫عممية تغيير تحدث عف طريؽ التخطيط مف اجؿ تغيير في الكضع الراىف‪ ،‬كبالتالي لو ىدؼ‬
‫كاضح يصبكا اليو ككسائؿ خاصة لتحقيقو‪.‬‬
‫ب‪ -‬التغير غيرمخطط "غير مقصكد"‪ :‬يحدث نتيجة التفاعؿ بيف قكل النسؽ االجتماعي‪ ،‬فيك‬
‫تغيير يحدث بدكف تدخؿ ظاىرم‪ ،‬كبدكف ىدؼ منسؽ محدد مف قبؿ أكلئؾ المشتمميف في عممية‬
‫التغير‪.1‬‬

‫‪ :1‬يكسؼ اسالـ عمى مطر‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص ص ‪.01-8‬‬


‫‪16‬‬
‫المحكر الثاني‪ :‬عكامؿ التغير االجتماعي‬

‫أكال‪ -‬العكامؿ الخاصة البيئة الفيزيقية‪:‬‬

‫البيئة ىي كؿ ما يؤثر عمى االنساف منذ خركجو مف بيئة الرحـ المحدكدة كال شؾ اف كجكد‬
‫بعض المكارد الطبيعية في مجتمع ما يؤثر في عممية التغير كيعتبر عامال ىاما مف عكامؿ التغير‬
‫االجتماعي‪ ،‬فاستغالؿ االنساف لبيئتو الطبيعية كاستغاللو لقدراتو كطاقاتو في تسخير تمؾ البيئة‬
‫كتكجيييا نسبيا لصالح التغيير يترتب عميو تغيير في البيئة يتبعو تغير في الطرؽ التي تتبع في‬
‫التكيؼ معيا كالمالئمة بينيا كبيف أساليب الحياة األفراد كالجماعات كتغير في أنماط معيشتيـ‬
‫كعالقاتيـ كفيما يستخدمكنو في حياتيـ مف كسائؿ كأدكات‪.‬‬

‫كتمعب العكامؿ المادية مف كالتي منيا المناخ كالمكارد كالزالزؿ‪...‬دك ار ميما في التغير في‬
‫الحدكد التي تسمح بيا الطبيعة‪ ،‬كيمكف القكؿ اف ما يحيط بالمجتمع مف ظركؼ طبيعية كالمناخ‬
‫كالمكقع الجغرافي أك الثركات يمكف أف يككف ليا أث ار كبي ار في التغير كلعؿ أىـ مثاؿ عمى ذلؾ ما‬
‫حدث في دكؿ الخميج مف تغيرات عمى مختمؼ األصعدة نتيجة اكتشاؼ كاستغالؿ لمداخيؿ‬
‫البتركؿ‪.1‬‬

‫ثانيا‪ -‬العامؿ السكاني‪:‬‬


‫تعتبر القكل االجتماعي عنصر أساسي كفعاؿ كراء كؿ تغيير كىي المحركة كالمدعمة لجكانبو‬
‫المختمفة‪ ،‬كما يتعمؼ بتكزيع السكاف كمعدالت زيادتيـ كتقاليدىـ كمعاييرىـ كقيميـ الخمقية‪،‬‬
‫كعقيدتيـ‪ ،‬كتماسكيـ كتعميميـ‪ .‬فكؿ ىذه العكامؿ ليا أثر كبير في احداث التغير االجتماعي كيكجد‬
‫ارتباط كاضح بيف كضع السكاف العددم كالنكعي كبيف تكزيعيـ كبيف عممية التغير االجتماعي‪.‬‬

‫كيرتبط أ يضا بذلؾ نسبة الكفيات كنسبة المكاليد‪ ،‬كنسبة المنتجيف مف أفراد المجتمع إلى‬
‫نسبة المستيمكيف‪ ،‬كيتعمؽ بذلؾ عامؿ اليجرة حيث أف ىجرة األيدم العاممة كالخبرة في مجاؿ‬

‫‪ :1‬يكسؼ اسالـ عمى مطر‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص ‪.02‬‬


‫‪17‬‬
‫االنتاج مف مجتمع إلى مجتمع آخر يعتبر عامال أساسيا مف عكامؿ التغير االجتماعي في المجتمع‬
‫المصدر كالمجتمع الذم يجذب تمؾ القكل العاممة‪.1‬‬

‫ثالثا‪ -‬العكامؿ االقتصادية‬


‫يقصد بالعكامؿ االقتصادية شكؿ االنتاج كتكزيع كاستيالؾ نظاـ الممكية السائدة في المجتمع‬
‫كالتصنيع‪.‬‬

‫كتمعب تمؾ العكامؿ دك ار ىاما في إحداث ظاىرة التغير االجتماعي؛ فعندما يتغير نظاـ الممكية‬
‫في المجتمعات فإف ذلؾ يصاحبو تأثيرات عميقة ككاضحة في األنساؽ االجتماعية األخرل داخؿ‬
‫البناء االجتماعي‪ ،‬كما يحدث التصنيع تغيي ار ىائال داخؿ المجتمعات ليس فقط في الثركة كالدخؿ‬
‫كانما أيضا في عقمية االنساف مف حيث قيمة الكقت كالثقة بالنفس‪.‬‬
‫فكارؿ ماركس يطرح نظرية أف عالقات االنتاج تتحكـ في الحياة االجتماعية كالسياسية كالفكرية‪.2‬‬

‫رابعا‪ -‬التكنكلكحيا كالتقدـ التقني‪:‬‬


‫يعتبر العامؿ التقني أحد العكامؿ التي تستحث التغير في الجانب المادم مف ثقافة المجتمع إذ‬
‫بتغير المخترعات كاآلالت كنمط استعماليا تتغير مظاىر المجتمع مف عادات كتقاليد مما قد يككف‬
‫لو أثره عمى العالقات االجتماعية‪ ،‬كعمى السياسة بكجو عاـ‪.‬‬

‫كتقدـ العمكـ يؤدم إلى استكشافات جديدة مما يترتب عميو آثار متنكعة في النكاحي‬
‫االجتماعية كاالقتصادية بؿ كفي البناء االجتماعي كمو‪ ،‬كالعمـ يعتبر اتجاىا عقميا عاما كاألخذ بو‬
‫كبأسبابو ضركرة ألم تغيير مخطط‪ ،‬فاالختراعات كاالكتشافات العممية ليا أثر كبير عمى التغير‬
‫االجتماعي ككذا التقدـ كسائؿ النقؿ ككسائؿ االعالـ كاستخداـ العقؿ االلكتركني كغزك الفضاء‬
‫ككصكؿ االنساف إلى القمر كؿ ىذا كغيره لو أثر عمى أساليب التفكير كالعالقات االجتماعية‬
‫كتنظيـ المجتمع كتغير السمكؾ البشرم‪.‬‬

‫‪ :1‬يكسؼ اسالـ عمى مطر‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره ص ‪.06‬‬


‫‪ :2‬دالؿ ممحس استيتية‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.24‬‬

‫‪18‬‬
‫كما يتبعو تغير في شكؿ الحياة كتعقيدىا كظيكر طبقات جديدة كخدمات كقد يؤدم تغيير كثير مف‬
‫القيـ كالعالقات بظيكر قيـ جيدة‪.1‬‬

‫خامسا‪ -‬االتصاؿ الثقافي‬


‫تعتبر سيكلة اتصاؿ مجتمع بغيره مف المجتمعات نتيجة لمتقدـ في كسائؿ االتصاؿ الفكرية‬
‫المختمفة مف صحافة كاذاعة كتمفاز‪ ،‬مف العكامؿ التي تؤثر عمى سرعة التغير االجتماعي ألثرىا‬
‫الكاضح في نقؿ األفكار كاحتماؾ الثقافات كتبادؿ األفكار بيف األفراد‪.‬‬

‫فاالحتكاؾ كاالتصاؿ يترتب عميو تغير في أساليب الحياة كتغير في االتجاىات كتنمية لبعض‬
‫العادات كتغير فيما يرمي اليو اإلنساف مف أىداؼ كارتفاع في مستكل طمكحات األفراد‪ ،‬كتغير في‬
‫النمك العقمي كفي طريقة التفكير مما ال يمكف أف يغفؿ أثره كخاصة في المجتمعات الحديثة التي‬
‫تتميز بالتقدـ السريع في كسائؿ االتصاؿ‪.2‬‬

‫سادسا‪ -‬العامؿ السياسي كظيكر الشخصيات القيادية القكية‬


‫يمعب العامؿ السياسي دك ار ىاما في التغير االجتماعي ألف العممية ىنا تتعمؽ بالسمطة‬
‫السياسية العميا كما ليا مف تأثير كذلؾ عف طريؽ التخطيط المباشر إلحداث التغيير المطمكب‬
‫كيتعمؽ المر بما تممكو السمطة السياسية مف مكارد مادية كبشرية كما تممكو مف معمكمات يؤىميا‬
‫لمسيطرة عمى عممية التغير كدفعيا‪.‬‬

‫كظيكر بعض الشخصيات القيادية القكية سكاء كاف في ميداف السياسة أك في أم ميداف مف‬
‫مياديف الحياة المختمفة يؤثر في المجتمع‪.‬‬

‫كالقادة ىـ مجمكعة خاصة مف األفراد يككف ليا تأثيرات عديدة عمى اتجاىات األفراد اآلخريف‬
‫كيمكنيـ مف تسييؿ عممية التغير أك عرقمتيا إذا ما كانت غير مالئمة ألفكارىـ كسمكؾ القائد في‬
‫مجمكعة يمكف أف تندرج مف الضبط كالتحكـ في عممية اتخاذ القرار إلى التحكـ الكامؿ في كؿ‬

‫‪ :1‬يكسؼ اسالـ عمى مطر‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره ص ‪.09-06‬‬


‫‪ :2‬المرجع نفسو ‪ ،‬ص‪.09‬‬
‫‪19‬‬
‫شؤكف المجمكعة كيعتبر لبيت ‪ Lippitt‬أف القيادة المالئمة في القمة تعد عنص ار أساسا في تنمية‬
‫كتنفيذ أم برنامج لمتغيير‪.1‬‬

‫كيقكـ النظاـ السياسي في أم مجتمع في المجتمعات بتنظيـ العالقات الخارجية‪ ،‬كما يقكـ‬
‫بكضع استراتيجية عامة تستيدؼ تحقيقي الرفاىية االقتصادية كاالجتماعية كتحقيؽ االستقرار‬
‫كاألمف‪.‬‬

‫كما حقؽ النظاـ السياسي درجة مف القكة كالتي غالبا ما تقاؿ بشرعية النظاـ في إطار‬
‫المشاركة السياسية كدرجة فاعمية السياسات التي يضعيا‪ ،‬كمخرجات ىذه السياسات بالنسبة‬
‫لمسكاف‪ ،‬فكمما حقؽ النظاـ السياسي درجة مف القكة يككف فاعال في احداث التغيرات الداخمية‬
‫كدفعيا‪.‬‬

‫كيمعب النظاـ السياسي في الدكؿ النامية دك ار أساسيا في عممية التغيير االجتماعي‪ ،‬كال يقتصر‬
‫دكره عمى رسـ السياسات‪ ،‬أك التدخؿ في الجكانب االقتصادية لتنظيميا كضبط مسارىا‪ .‬أك‬
‫االشراؼ عمى الخدمات األساسية مف صحة كتعميـ كتأميف‪...‬إلخ‪ .‬بؿ أف دكره يمتد لتطكير البناء‬
‫السياسي نفسو‪.‬‬
‫ىذا كيمكف أف يمعب النظاـ السياسي دك ار سمبيا في احداث عممية التغير كأف يككف النظاـ‬
‫السياسي تابعا لنظاـ أخر يطبؽ سياساتو دكف مراعات لممصالح الداخمية لممكاطنيف‪ ،‬أم أف ىذا‬
‫النظاـ يككف نظاما عميال متكاطئا ضد شعبو‪.‬‬
‫أك أف يككف النظاـ السياسي نظاما عدكانيا يمارس التيديد العسكرم لمدكؿ األخرل‪ ،‬أك أف يبدد‬
‫ثركات الشعب في حركب ال طائؿ مف كرائيا‪.2‬‬

‫سابعا‪ -‬العامؿ االيديكلكجي‪ :‬كيقصد بو التغيرات التي تحدث في ايدلكجية الجماعة معتقداتيا‪،‬‬
‫مذىبيا الفكرم‪ ،‬فمسفتيا كأخالقيا كقيميا‪ ،‬فكؿ جديد في ىذا الجانب يتحدل كاقع الجماعة ككؿ‬
‫تغيير في األصكؿ الفكرية كالمذىبية يؤدم إلى تغيير بعيد األثر في النظـ كاألكضاع‪.‬‬

‫‪ :1‬اسالـ يكسؼ عمي مطر‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص ص ‪.09 -09‬‬
‫‪ :2‬دالؿ ممحس استيتية‪ ،‬التغير االجتماعي كالثقافي‪ ،‬دار كائؿ عماف‪ ،‬األردف‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،8101 ،‬ص ‪.26-22‬‬

‫‪20‬‬
‫كيرل ماكس فيبر أف لمعكامؿ الفكرية أثر كبير في التغير االجتماعي ‪ ،‬فالتغيرات‬
‫االقتصادية كما ينجـ عنيا مف تغيرات اجتماعية كانما تنجـ عف تغيرات ثقافية كالفكرية‪ ،‬فظيكر‬
‫النظاـ الرأسمالي ناجـ عف اتباع المذىب البركتستانتي الذيف عرفكا بالمثابرة كاالجتياد كالسعي‬
‫لكسب الرزؽ كالتكسع في التجارة‪ ،‬كاالقتصاد في االنفاؽ‪.‬‬

‫فحسب "إسالـ يكسؼ عمي مطر" أف االيديكلكجيا تقكـ بإثارة الحركات االجتماعية كبعث‬
‫الفكضى في النظاـ لقائـ كتجعؿ األفراد غير كاثقيف كغير قابميف لألحداث التي تجرم حكليـ‬
‫فيعممكف عمى تغييرىا‪.‬‬

‫كالتاريخ حافؿ بحركات فكرية كثيرة أحدثت تغيرات عميقة في النظـ االجتماعية كاالنسانية ‪،‬‬
‫فحركة النيضة كاالصالح الديني‪ ،‬كالثكرات السياسية كالثكرة االنجميزية‪ ،‬كالمريكية كالفرنسية‬
‫كالتركية كالمصرية كغيرىا مف الثكرات احدثت تغي ار كبي ار في مختمؼ الظكاىر كالنظـ كاألنساؽ‬
‫‪1‬‬
‫االجتماعية‪.‬‬

‫ثامنا‪ -‬العامؿ الديني‬


‫لمديف أثر كبير في تكجيو االنساف كتييئة طاقاتو لمكاجية تغيرات الحياة كالتقدـ نحك المثؿ‬
‫العميا كالكماؿ الخمقي كبما يزكد بو األفراد مف معتقدات يككف ليا أكبر الثر في تغيير أفكارىـ‬
‫كمفاىيميـ كحثيـ عمى التغير كبما يقدمو مف نظاـ تربكم يغير األفراد فتتغير بيـ المجتمعات‪ ،‬كقد‬
‫لعبت التربية اإلسالمية دك ار بار از في تغيير المجتمع في صدر اإلسالـ كلـ يكف لمجانب المادم‬
‫أثر كبير كيعني ىذا شمكؿ الجانب الديني لمعناصر كالعكامؿ التي تحدث التغيير كيعني أيضا‬
‫أىمية الجانب العقائدم كباعث أساسي في عممية التغيير‪.2‬‬

‫‪ :1‬دالؿ ممحس استيتية‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.61‬‬


‫‪ :2‬اسالـ يكسؼ عمي مطر‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص ص ‪.81‬‬

‫‪21‬‬
‫المحكر الثالث‪ -‬االتجاىات النظرية المفسرة لمتغير االجتماعي‬

‫أكال‪ -‬النظرية الحتمية‪:‬‬


‫نقصد بالنظريات الحتمية تمؾ النظريات التي تركز في دراستيا لمتغير االجتماعي عمى عامؿ‬
‫كاحد فحسب‪ ،‬كتفترض كؿ نظرية مف ىذه النظريات أف عامال كاحدا كاالقتصاد أك المناخ ‪...‬إلخ‪،‬‬
‫ىك العامؿ الرئيسي الذم يحرؾ العكامؿ األخرل‪ ،‬كلذلؾ تكصؼ ىذه النظريات بالنظريات‬
‫االختزالية‪.‬‬

‫فأنصار الحتمية الجغرافية تأثركا بالجغرافيا‪ ،‬بؿ أف بعضيـ كاف مف الجغرافييف‪ ،‬كالحتمية‬
‫البيكلكجية تأثركا بالبيكلكجيا بؿ أف بعظيـ كانكا بيكلكجييف‪ ،‬لكف يجدر الذكر أف معظـ النظريات‬
‫الحتمية تالشت في ظؿ النظريات الحديثة في عمـ االجتماع‪ ،‬كمف ثـ فإنيا تمثؿ النظريات األكلى‬
‫في تفسير التغير االجتماعي‪.‬‬

‫‪ -1‬الحتمية الجغرافية‪:‬‬
‫يرل بعض المفكريف القدماء أف ىناؾ عالقة بيف طبيعة الطقس الذم يعيش فيو اإلنساف باردا‬
‫أـ حا ار أـ معتدال‪ ،‬كبيف طابعو االجتماعي (مزاجو‪ ،‬اريحيتو‪ ،‬انبساطو أك انطكاءه كغير ذلؾ مف‬
‫سيمات الطابع االجتماعي) كىناؾ مف المفكركف االجتماعيكف مف تأثر بيذا االعتقاد‪ ،‬كحاكلكا مف‬
‫خاللو أف يميزكا أكجو التشابو كاالختالؼ بيف البشر ككانت النتيجة نظرية شاممة في الحتمية‬
‫الجغرافية‪.‬‬

‫كمف أشير ىؤالء الجغرافي األمريكي "ىنتنجتكف ‪ " Huntington‬فقد ذىب إلى قكؿ أنو إذا‬
‫كانت الظركؼ الجغرافية ىي التي تحدد صمات الناس كسككيـ‪ ،‬فإف ىذه الصفات كذلؾ السمكؾ‬
‫لف يتغير إال إذا تغيرت الظركؼ الجغرافية‪ ،‬كفي ضكء ىذه الفرضية فسر ىنتنجتكف ظيكر‬
‫الحضارات كسقكطيا‪ ،‬فقد ازدىرت حضارة كاد النيؿ نظ ار لتكفر الظركؼ الجغرافية خاصة بمالئمة‬
‫الطقس كالتربة كنكعية المحاصيؿ‪ ،‬كانقرضت ىذه الحضارة بفعؿ تغيرات جغرافية أيضا بعد ارتفاع‬
‫درجة الح اررة في كاد النيؿ كما ترتب عمييا مف جفاؼ التربة األمر الذم خمؽ ظركفا التي ال يمكف‬
‫أف تحافظ عمى ثمار الحضارة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫كفي الكقت الذم كانت تتدىكر فيو الحضارة ىنا‪ ،‬كانت ىناؾ ظركؼ جغرافية أخرل تييء لنشأة‬
‫حضارة أخرل‪ ،‬كىكذا تغير مركز الحضارة مف بالد الرافديف‪ ،‬إلى اليكناف ‪ ،‬فالركماف ‪ ،‬فإسطنبكؿ‪،‬‬
‫فأكركبا الحديثة‪.‬‬

‫كلكي يستدؿ ىنتنجتكف عمى صحة نظريتو قدـ شكاىد عمى التغيرات الجغرافية التي حدثت في‬
‫حكض البحر المتكسط خالؿ ثالثة آالؼ عاـ الماضية‪.‬‬

‫‪ -2‬الحتمية البيكلكجية‪:‬‬
‫تتأسس الحتمية البيكلكجية عمى فرضية مؤداىا أف الناس في العالـ ينقسمكف إلى أجناس‬
‫كجماعات متميزة بيكلكجيا‪ ،‬كأف األجناس تختمؼ في قدرتيا عمى تطكير الحياة االجتماعية‬
‫كتنميتيا‪ ،‬كأف نكعية الحياة لدل شعب مف الشعكب ىي مؤشر عمى قدرتيا البيكلكجية العرقية‪ ،‬كفي‬
‫ضكء ذلؾ تتبمكر الفركؽ بيف الشعكب‪ ،‬سكاء التغيرات السمبية المرتبطة بالتخمؼ أك التقيقر‬
‫الحضارم‪ ،‬أك التغيرات اإليجابية التي تفسر التفكؽ الكامف في شعب مف الشعكب‪ .‬ككاف "دم‬
‫جكبيكف" (‪ )0998-0906‬مؤيدا لفكرة أف تفكؽ طبقة اجتماعية عمى طبقة اجتماعية أخرل يرجع‬
‫إلى التفكؽ البيكلكجي لتمؾ الطبقات المتفكقة‪ ،‬كالذم يعكد إلى تفاكت السالالت البشرية حسب‬
‫اعتقاده‪ .‬ككاف مف أكثر المعاديف لالشتراكية لمحاكالتيا خمؽ نكع مف المساكاة بيف البشر‪.‬‬

‫كمف المتغيرات البيكلكجية التي يتـ التركيز عمييا في ىذا الصدد ما يمي‪:‬‬

‫‪ -‬أثر التفاكت الكراثي عمى التغير االجتماعي؛ مف خالؿ خمؼ تفاكت بيف األفراد في الذكاء‪،‬‬
‫كاالمكانيات الجسمية كالنفسية المختمفة‪.‬‬
‫‪ -‬أثر البيئة الصحية العامة لشعب مف الشعكب عمى تطكره كنمكه االقتصادم كاالجتماعي‪.‬‬
‫‪ -‬أثر االنتخاب الطبيعي كاالصطناعي عمى الشكاؿ المختمفة ليرـ السكاف( نسبة عدد الذككر عمى‬
‫اإلناث‪ ،‬نسبة المكاليد كالكفيات‪ ،‬نسبة الكبار إلى الصغار)‪.‬‬

‫ككنقد ليذه النظرية يبدك أف صيتيا غاب عف الساحة السكسيكلكجية مف عقكد مف اآلف‪ ،‬كىذا‬
‫أكبر دليؿ عمى تراجع مصداقيتيا العممية كاالجتماعية‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫أدت ىذه النظريات إلى الكثير مف الصراعات بيف الشعكب‪ ،‬كما يعتقد البعض أف ىذه النظريات‬
‫شجعت العنصرية السياسية كاالجتماعية في بعض دكؿ العالـ‪ ،‬كالعنصرية الصييكنية‪ ،‬كالعنصرية‬
‫ضد السكد في أمركا كجنكب أفريقيا‪.1‬‬

‫ثانيا– النظرية التطكرية‪:‬‬


‫انتشرت النظرية التطكرية في القرف التاسع عشر ككانت متكازنة إلى حد ما مع النظريات‬
‫الحتمية‪ ،‬كاف كانت تستمد جذكرىا مف الفمسفات القديمة‪ ،‬كلقد ظيرت النظريات التطكرية مف خالؿ‬
‫االعتقاد بأف المجتمعات تسير في مسار كاحد محدد سمفا عبر مراحؿ يمكف التعرؼ عمييا كيتفؽ‬
‫التطكريكف حكؿ ىذه القضية كلكنيـ يختمفكف حكؿ قضايا ثالثة‪:‬‬
‫أ‪ -‬ىؿ التطكر يتصؿ بالمراحؿ أم عدد المراحؿ التي يسمكيا التطكر؟‬
‫ب‪ -‬العامؿ الرئيسي المحرؾ لمتطكر؟‬
‫ج‪ -‬ىؿ التطكر يظير نتيجة تغيير في األفكار كالمعتقدات أـ نتيجة لتغيير في التكنكلكجيا‬
‫كالعناصر المادية؟‬

‫‪ -1‬نظرية التطكر الكالسيكية (التطكر الخطي)‪:‬‬


‫تكصؼ النظرية الخطية بأنيا نظرية تيتـ بالتحكالت التقدمية المستمرة أك المطردة المكصمة إلى‬
‫النياية‪ ،‬كيمر المجتمع نحك تحقيؽ ىذا اليدؼ‪ ،‬بمراحؿ أك خطكات ثابتة‪ ،‬كيعتبر جيامباتيستا فيكك‬
‫(‪ )0944-0699‬مف فالسفة التنكير الكالسيكييف الذم ربطيا بعالقة اإلنساف بقكل ما فكؽ‬
‫الطبيعة‪.‬‬

‫أما التطكرييف بعده فقد ماؿ بعظيـ لمتركيز عمى الجكانب االقتصادية‪ :‬حيث تطكر النمط‬
‫االقتصادم لإلنساف مف مرحمة الصيد‪ ،‬ثـ مرحمة الرعي‪ ،‬ثـ مرحمة الزراعة‪.‬‬
‫كىناؾ مف التطكرييف مف يركزكف عمى تطكر األسرة كمؤسسة اجتماعية‪ :‬حيث تحكلت األسرة عبر‬
‫التاريخ مف‪ :‬أسرة مشاعية‪ ،‬إلى أسرة ذات نسب أيمكم‪ ،‬إلى أسرة ذات نسب أبكم؛ بعدىا قاـ‬
‫التطكرييف بتحميؿ التطكر الكمي لمبناء االجتماعي أك الثقافي كمف بينيـ‪:‬‬

‫‪ :1‬دالؿ الممحس استيتية‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص ‪.082-008‬‬

‫‪24‬‬
‫فكرتو حكؿ التطكر االرتقائي لحالتنا االجتماعية كطبيعة االنسانية‪ ،‬كالتقدـ‬ ‫‪-‬أكجست ككنت‪:‬‬
‫االجتماعي ىك مظير مف مظاىر التطكر العقمي الذم انتقؿ االنساف مف خاللو مف مرحمة‬
‫الالىكتية إلى المرحمة الفمسفية الميتافيزيقية ثـ إلى المرحمة الكضعية‪.‬‬

‫‪ -‬ىربرت سبنسر (‪ :)1857‬الميندس كالكاتب االنجميزم الشيير‪ ،‬يرل أف المجتمع االنساني‬


‫كالطبيعة كالككف خضعكا لمقانكف نفسو لمتقدـ كالتطكر‪ ،‬أم الحركة البطيئة المستمرة ‪ :‬مف البسيط‬
‫إلى المركب عبر عممية مف التمايزات المتعاقبة‪ ،‬تسبب في تحكؿ البنى المتجانسة الخكاص إلى‬
‫أنظمة يزداد مع الكقت تمايزىا كنيا ذات مككنات مترابطة كظيفيا‪.‬‬

‫ككصؼ سبنسر المجتمعات اإل نسانية بطرؽ مختمفة قائال‪ :‬يمكننا اكال ترتيبيا كفقا لرجة تركيبيا‪،‬‬
‫كبسيط كمركب‪ ،‬كضعؼ مركب‪ ،‬كثالثة أضعاؼ مركب‪ ،‬كثانيا يمكف تقسيميا إف يكف بالقدر أقؿ‬
‫مف التحديد‪ ،‬أم عسكرية بشكؿ طاغ كصناعية بشكؿ طاغ أم المجتمعات التي يتطكر فييا إلى‬
‫أبعد الحدكد تنظيـ جكانب اليجكـ كالدفاع‪ ،‬كتمؾ التي يتطكر فييا إلى أبعد الحدكد التنظيـ الذم‬
‫يمد المجتمع بأسباب الحياة‪.‬‬

‫‪ -‬المجتمعات البسيطة (جماعات الرحؿ كالجماعات المستقرة البدائية التي تفتقر تماما إلى أم‬
‫تنظيـ سياسي لو شكؿ محدد أك أف ليدىا فقط أشكاال أكلية مف الرقابة السياسية‪.‬‬

‫‪ -‬المج تمعات المركبة مثؿ الككمانتش أك الفيدجي‪ ،‬كاف لييا قيادات سياسية معترؼ بيا كدرجات‬
‫مختمفة في السمـ االجتماعي كتقسيـ لمعمؿ أكثر تطكرا‪.‬‬

‫‪ -‬المجتمعات ضعؼ المركبة مثؿ السامكا أك اإلنكا‪ ،‬التي استقرت استقررت نيائيا كلدييا ىرمية‬
‫اجتماعية كسياسية ككنسة أكثر تطكرا‪،‬‬

‫‪ -‬المجتمعات ثالثة أضعاؼ المركبة أم األمـ المتحضرة لممكسيؾ القديمة كاالمبراطكرية الركمانية‬
‫التي شيدت تنظيمات سياسية طكقت لألشكاؿ السياسية األخرل‪.‬‬

‫كفي ظؿ ىذا التدرج التركيبي نتج في مجممو عف عممية تركيب كاعادة التركيب في تسمسؿ‬
‫ارتقائي ثابت‪ ،‬حيث التفت المجتمعات الصغيرة البسيطة حكؿ بعضيا البعض كالعنقكد لتشكؿ‬
‫مجمكعات أكبر كتكتمت في كحدات أكبر مف األكلى؛ كبينما كاف النمك السكاني ىك المحرؾ‬
‫‪25‬‬
‫لالرتقاء االجتماعي أثناء المراحؿ المبكرة مف العممية‪ ،‬تقمصت أىميتو كمحرؾ لمتغير عندما أصبح‬
‫المجتمع أكثر تعقيدا‪.‬‬

‫كعمى حسب سبنسر انو في ظؿ تككيف تمؾ التكتالت السكانية‪ ،‬دخمت المجمكعات السكانية‬
‫في نزاع مع المجمكعات المجاكرة ليا ككنتيجة لذلؾ طكرت ىذه المجتمعات مؤسسات كممارسات‬
‫لمدفاع عف ذاتيا كلميجكـ عف أعدائيا مف ناحية كمف ناحية أخرل لمتزكد بالطعاـ كاالحتياجات‬
‫المختمفة ألعضائيا‪ ،‬حيث تعايشا الشكالف مف التنظيـ العسكرم كالصناعي في كؿ المجتمعات‪.‬‬

‫كفي خصـ عممية التطكر االجتماعي كاف ىناؾ تكجو لمخركج مف النمكذج العسكرم ايف‬
‫كانت األفراد في خدمة الدكلة إلى النمكذج الصناعي عندما انطمقت المجتمعات في أعقاب‬
‫التطكر حيث أصبحت الدكلة حينيا في خدمة الفرد‪ .‬كىناؾ امكانية في أف يصبح ىناؾ نمكذج‬
‫ثالث لممجتمع كىك الذم يككف فيو "العمؿ مف أجؿ الحياة" أم مف أج متع الحياة كارضاء الذات‪.1‬‬

‫‪-‬ىنرم مكرجاف ‪ :1877‬في كتابو "المجتمع القديـ" أف يفترض أف مراحؿ التطكر التكنكلكجي‬
‫كنظرية القرابة ترتبط بمختمؼ المؤسسات االجتماعية كالسياسية‪ ،‬فحسب المعطيات التاريخية أف‬
‫الثقافة تتطكر في مراحؿ متشابية كأف ترتيب ىذه المراحؿ ىك ترتيب حتمي في ضكء اإلنجازات‬
‫التكنكلكجية‪ ،‬كقسـ كؿ مرحمة إلى ثالثة مراحؿ( دنيا‪ ،‬كسطى‪ ،‬عميا) كالتالي‪:‬‬

‫‪ -‬المرحمة البدائية‪ :‬كفي مرحمتيا الدنيا تبدأ منذ نشأة االنساف‪ ،‬المرحمة الكسطى كىي مرحمة صيد‬
‫األسماؾ كمعرفة استخداـ النار‪ ،‬المرحمة العميا‪ :‬تتميز باختراع األسيـ كأداة لمصيد‪.‬‬

‫‪ -‬المرحمة البربرية‪ :‬الدنيا منيا تبدأ مف صناعة الفخار إلى المرحمة التالية‪ ،‬المرحمة الكسطى‪:‬‬
‫كتميزت باستئناس الحيكاف‪ ،‬كبداية الزراعة الرم‪ ،‬كالعميا تتميز بابتكار صير الحديد الخاـ كاستخداـ‬
‫أدكات جديدة‪.‬‬

‫‪ :1‬تكماس‪.‬س‪ ،‬باترسكف‪ ،‬التغير كالتنمية في القرف العشريف ‪ ،‬ترجمة عزة خميسي‪ ،‬المجمس األعمى لمثقافة‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫‪ ،8112‬ص ‪.49-44‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ -‬المرحمة المدنية‪ :‬العميا منيا بدأت باختراع الحركؼ‪ ،‬الثانية باستخداـ الكتابة‪ ،‬كالمرحمة العميا‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫منذ الثكرة الصناعية إلى كقتنا الحاضر‪.‬‬

‫‪ -2‬النظرية التطكرية المحدثة‪:‬‬


‫أ‪ -‬نظرية مراحؿ النمك‪ :‬كىي النظرية التي قدميا "كالت ركسك" في ‪ ،0860‬في كتابو بعنكاف‪:‬‬
‫مراحؿ النمك االقتصادم‪ ،‬كتقكـ ىذه النظرية عمى فرضية مؤداىا أف انمك االقتصادم في‬
‫المجتمعات جميعا يمر بمراحؿ محددة‪ ،‬كأف الفرؽ بيف مجتمع كآخر ىكم في الدرجة التي قصعيا‬
‫ا لمجتمع عف طريؽ النمك االقتصادم‪ ،‬بمعنى أف المجتمعات غير النامية سكؼ تمر بنفس خط‬
‫التطكر الذم مرت بو المجتمعات المتقدمة‪ ،‬كقد حدد رستك ىذه المراحؿ الذم يجب عمى تمؾ‬
‫المجتمعات أف تمر بيا بالترتيب مع األخذ بعيف االعتبار اختالؼ المدة الزمنية الالزمة لكؿ‬
‫مرحمة‪:‬‬
‫مراحؿ النمك عند ركستك‪:‬‬
‫‪-‬المرحمة األكلى‪ :‬مرحمة المجتمع التقميدم‪ ،‬كتتميز باقتصاد متخمؼ ِّ‬
‫جدا يتسـ بالطابع الزراعي‪،‬‬
‫دكر ر ِّ‬
‫ئيسيا في التنظيـ‬ ‫كيتبع أىمو كسائؿ بدائية لإلنتاج‪ ،‬كيمعب فيو نظاـ األسرة أك العشيرة نا‬
‫االجتماعي‪ ،‬كما أف الييكمة االجتماعية مؤسسة عمى الممكية العقارية‪ ،‬كيستند نظاـ القيـ إلى‬
‫"القدرية كمعاداة التغيير"‪ ،‬أما الناتج الكطني فإنو يقسـ ألغراض غير إنتاجية‪ ،‬كقد ضرب ركستك‬
‫مثاالن لدكؿ اجتازت ىذه المرحمة؛ كالصيف‪ ،‬كدكؿ الشرؽ األكسط‪ ،‬كدكؿ حكض البحر المتكسط‪،‬‬
‫كبعض دكؿ أكركبا في القركف الكسطى‪ ،‬ىذه المرحمة عادة ما تككف طكيمة ِّ‬
‫نسبيا‪ ،‬كتتميز بالبطء‬
‫الشديد‪.‬‬

‫‪-‬المرحمة الثانية‪ :‬مرحمة التييؤ لإلقالع أك االنطالؽ‪ :‬ال تختمؼ ىذه المرحمة الجديدة ‪ -‬مف حيث‬
‫البنياف االجتماعي كالقيـ كالمؤسسات السياسية الالمركزية ‪ -‬اختالفنا جذرِّيا عف مرحمة المجتمع‬
‫التقميدم‪ ،‬كلعؿ الفارؽ الرئيس بيف المرحمتيف ال يعدك أف يككف فارقنا في طبيعة حركية المجتمعيف؛‬
‫أطر ذلؾ المجتمع؛ ألنيا حركية داخمية جزئية بالضركرة‪ ،‬بينما‬
‫فحركية المجتمع التقميدم ال تتعدل ى‬
‫تتميز مرحمة المجتمع المؤىؿ لالنطالؽ بظيكر نكازع لمتحكؿ الجذرم‪ ،‬تحكؿ في المؤسسات‬

‫‪ :1‬دالل ملحس استٌتٌة ‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.023-021‬‬


‫‪27‬‬
‫السياسية ‪ -‬االقتصادية‪ ،‬كتكسيع آفاؽ المصالح الفردية كالجماعية التي تدفع بأفراد المجتمع إلى‬
‫العمؿ المثمر‪ ،‬كالى أخذ المبادرة‪.‬‬

‫‪ -‬المرحمة الثالثة‪ :‬مرحمة االنطالؽ‪ :‬مرحمة حتمية في عممية ُّ‬


‫النمك‪ ،‬فإذا تعطمت العقبات التي‬
‫تعترض سبؿ التنمية‪ ،‬دخؿ المجتمع مرحمة االنطالؽ‪ ،‬كىي المرحمة التي تسيطر فييا القكل الفاعمة‬
‫ألجؿ التقدـ في كؿ مرافؽ الحياة‪ ،‬فيصبح ُّ‬
‫النمك كالتنمية ظاىرة طبيعية في المجتمع‪ ،‬كىنا تختمؼ‬
‫ً‬
‫التجارب التاريخية أظيرت فعالية عامميف رئيسييف‪:‬‬ ‫الحكافز الدافعة في ىذا االتجاه‪ ،‬غير أف أنماط‬
‫التكنكلكجيا‪ ،‬كالثكرة السياسية‪ ،‬بمعنى انتقاؿ الحكـ السياسي "إلى جماعة تعتبر تحديث االقتصاد‬
‫قضية جدية‪ ،‬كتعطييا المقاـ األكؿ بيف القضايا السياسية"‪ ،‬كفي ىذه المرحمة ترتفع نسبة االستثمار‬
‫مف خمسة إلى عشرة بالمائة‪ ،‬فتتكسع الصناعات الجديدة بسرعة كتنشط كيتـ تصنيع القطاع‬
‫الزراعي‪.‬‬

‫‪ -‬المرحمة الرابعة‪ :‬مرحمة النضج‪ :‬مرحمة تي ىعد فييا الدكؿ المتقدمة اقتصادية؛ حيث تككف قد‬
‫استكممت نمك جميع قطاعات اقتصادىا القكمي‪ ،‬كتمكنت مف رفع مستكل إنتاجيا‪ ،‬ترتفع القدرات‬
‫التقنية لالقتصاد المحمي‪ ،‬كتقاـ العديد مف الصناعات األساسية‪ ،‬كصناعات أكثر طمكحا مف ذم‬
‫قبؿ‪ ،‬كصناعات قائدة لمتنمية؛ كصناعة اآلالت الصناعية‪ ،‬كالزراعية‪ ،‬كاإللكتركنية‪ ،‬كالكيميائية‪ ،‬مع‬
‫الصناعية‪.1‬‬ ‫زيادة الصادرات‬
‫‪ -‬مرحمة الخامسة االستيالؾ الجماىيرم الكاسع‪ :‬كفييا تسعى الدكلة المعنية نحك العظمة كالقكة‬
‫كتكفير الحد األقصى لألمف كاألماف لمجميع‪ ،‬كرفع القدرة الشرائية لمسكاف‪ ،‬كتتكافر في ىذه المرحمة‬
‫السمع االستيالكية‪ ،‬كتككف مع قطاع الخدمات‪ ،‬القطاعات الرئيسية في اإلنتاج‪.‬‬

‫كيربط ركستك بيف البناء االقتصادم كاالجتماعي لممجتمع‪ ،‬كأف انتقاؿ المجتمع نحك التحديث‬
‫ال يتـ إال بتغيير البناءيف معا‪.‬‬

‫‪ :1‬جالل خشٍب‪ ،‬نظرٌة مراحل النمى االقحصادي عنذ والث روسحى‪،2012-10-20 ،‬‬
‫‪ https://www.alukah.net/culture/0/81485/#ixzz5ctsdLVZA‬نقل فً دٌسمبر ‪2012‬‬

‫‪28‬‬
‫ب‪ -‬نظرية االلتقاء أك التقارب‪:‬‬
‫قدـ ىذه النظرية "كالرؾ كير ‪"0861 kerr‬كقد عرفت بنظرية االلتقاء أك التقارب أك الكفاؽ‪،‬‬
‫كتتأسس ىذه النظرية عمى فرضية أساسية ىي أف العالـ قد دخؿ إلى مرحمة جديدة كىي مرحمة‬
‫التصنيع الكامؿ‪ ،‬كال شؾ أف ىناؾ مف األفكار ما يقترب إلى ىذه المرحة‪ ،‬كبعضيا اآلخر ما يزاؿ‬
‫بعيد عنيا‪ ،‬كلمتصنيع خاصية جكىرية ىي أنو يجعؿ المجتمعات متشابية‪ ،‬كيخمؽ نظاما متشابو‪،‬‬
‫كلقد كصمت المجتمعات الصناعية إلى ىذا التشابو الذم يشكؿ مستقبؿ المجتمعات غير‬
‫الصناعية‪ ،‬كيقكـ ىذا اتشابو عمى المظاىر األتية‪:‬‬

‫‪ -‬االنتاج كاسع النطاؽ الذم يعتمد عمى الميارات المنافسة كتقسيـ العمؿ كالحراؾ االجتماعي‬
‫الرأسي كاألفقي‪.‬‬
‫‪ -‬تطكر التعميـ كتفرعو إلى التركيز عمى التعميـ الفني المتخصص كالتعميـ اإلدارم‪.‬‬
‫‪ -‬التحضر كزيادة سكاف المدف‬
‫‪ -‬نمك االعتماد المتبادؿ كتناقص فرص الحرب‪.‬‬

‫كتككف ىذه المؤثرات نمكذجا مثاليا يسعى التغير االجتماعي في أم مجتمع إلى تحقيقو‪ ،‬كاف كانت‬
‫مؤثرات ىذا النمكذج ىي السمات العامة المشتركة لممجتمعات الصناعية‪ ،‬فإف التغير االجتماعي‬
‫سكؼ يؤدم في النياية إلى ضكب مف االلتقاء أك التقارب بيف الدكؿ‪.1‬‬

‫ج‪ -‬نظرية نياية التاريخ" فرانسيس فكككياما" ‪:1989‬‬

‫كتتأسس ىذه النظرية عمى آراء ىيجؿ التطكرية التي تنظر إلى التطكر عمى أنو انطالؽ نحك‬
‫الكماؿ‪ ،‬العقؿ الكامؿ كالدكلة الكاممة‪ ،‬كالقيـ المطمقة‪ ،‬انو تطكر نحك المطمؽ يختمو قانكف الجدؿ‬
‫كيسعى بو إلى أفضؿ الصكر كأكمميا‪.‬‬

‫كقد اعتمد فكككياميا عمى ىيجؿ حكؿ الرغبة في االعتراؼ كالتقدير‪ ،‬كالتي اعتبرىا ىيجؿ‬
‫فكرة محركة لمتاريخ‪ ،‬كينظر فكككياما إلى الديمقراطية الميبيرالية المعاصر كالتي تمثميا أميركا عمى‬
‫أنيا ألغت فكرة العالقة بيف السادة كالعبيد‪ ،‬كالتي كانت مكجكدة بشكؿ أك بآخر في النظـ السياسية‬

‫‪ :1‬دالؿ الممحس‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪.022-022 ،‬‬


‫‪29‬‬
‫األخرل‪ ،‬كألغت فكرة االعتراؼ الالعقالني لمدكلة أك الفرد ىذا العتراؼ األخير الذم كاف دائما‬
‫يدفع ثمنو الشخص أك الدكلة المغمكبة عمى حساب الدكلة الغالبة‪ ،‬فاستبدؿ باالعتراؼ العقالني‬
‫الذم يقكـ عمى أساس المساكاة‪.‬‬

‫كيعني ذلؾ أف دكلة الديمقراطية قد حت معضمة الصراع التاريخي مف خالؿ قيمة المساكاة‬
‫كىي بذلؾ تككف قد اكقفت التاريخ عف الحركة؛ كىي اذف نياية التاريخ كسكؼ تتطكر المجتمعات‬
‫لتصؿ لنفس ىذه النياية‪ ،‬كليست ثمة مجاؿ آخر لمتطكر غير الميبيرالية التي تحقؽ لمفرد ذاتو‬
‫ككمالو‪ ،‬كتخمؽ إطار مف المساكاة تختفي فيو السيطرة االمبريالية‪.1‬‬

‫ثالثا‪-‬النظريات الدائرية‬
‫يذىب أصاحب ىذه النظريات إلى أف التغير صعكدان كىبكطان فػي تمكجػات عمػى شػكؿ نصػاؼ‬
‫دكائر متتابعة كبنظاـ مطرد‪ ،‬بحيث يعكد المجتمػع مػف حيػث بػدأ فػي دكرة معينػة‪ ،‬كتنقسػـ النظريػات‬
‫الدائرية إلى نكعيف‪ :‬بعضيا يفسر جانبػان محػدكدان مػف جكانػب الحيػاة االجتماعيػة أك يشػرح ظػاىرة أك‬
‫نظام ػان اجتماعي ػان كاحػػدان‪ ،‬كبعضػػيا اآلخػػر ييػػدؼ إلػػى تفسػػير المج ػرل العػػاـ لتػػاريخ‪ ،‬متنػػاكالن جميػػع‬
‫الظػ ػكاىر كال ػػنظـ كاألنس ػػاؽ االجتماعي ػػة دكف أف يرك ػػز عم ػػى ظ ػػاىرة كاح ػػدة أك نظ ػػاـ بذات ػػو‪ ،‬كم ػػف‬
‫أصحاب النظريات الدائرية‪ :‬ابف خمدكف‪ ،‬كبيتريـ سكرككيف‪ ،‬كفيكك‪ ،‬كشبنجمر‪ ،‬كتكينبي‪.‬‬

‫‪ -1‬نظرية ابف خمدكف حكؿ التغير االجتماعي‪ :‬يرل بف خمدكف أف المجتمع اإلنساني كالفرد يمر‬
‫بمراحؿ منذ كالدتو حتى كفاتو‪ ،‬كأف لمدكؿ أعما انر كاألشخاص سكاء‪ ،‬كعمر الدكلة في العادة ثالثة‬
‫أجياؿ‪ ،‬كالجيؿ أربعكف سنة‪ ،‬فعمر الدكلة إذف مائة كعشركف سنة‪ ،‬كفي ىذه األجياؿ الثالثة يمر‬
‫المجتمع بمراحؿ ثالث ىي‪:‬‬
‫– مرحمة النشأة كالتككيف‪ :‬كىي مرحمة البداكة‪ ،‬كيقتصر األفراد فييا عمى الضركرم مف المعيشة‪.‬‬
‫– مرحمة النضج كاالكتماؿ‪ :‬كىي مرحمة الممؾ‪ ،‬كفييا يتحكؿ المجتمع إلى الحضارة‪.‬‬
‫– مرحمة اليرـ كالشيخكخة‪ :‬كىي مرحمة الترؼ كالنعيـ أك الحضارة‪.‬‬
‫كتمثمت ىذه المراحؿ في أطكار خمسة تحدث عنيا بف خمدكف في مقدمتو كشرح مميزات كؿ مرحمة‬
‫كالتالي‪:‬‬

‫‪ :1‬دالؿ الممحس‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.026 -022‬‬


‫‪30‬‬
‫أطكار الدكلة‪:‬‬
‫‪-‬الطكر األكؿ ‪ :‬ىك طكر التأسيس (طكر الظفر بالبغية)‪ :‬كفيو يككف السمطاف جديد العيد بالممؾ‪،‬‬
‫لذا فيك ال يستغني عف العصبية‪ ،‬كاَّنما يعتمد عمييا إلرساء قكاعد ممكو‪ ،‬فيككف الحكـ في ىذه‬
‫المرحمة مشتركان نكعان ما بيف الممؾ كبيف قكمو كعشيرتو‪ ،‬كيتميز ىذا الطكر ببداكة المعيشة‪،‬‬
‫كبانخفاض مستكاىا‪ ،‬فمـ يعرؼ الغزاة الجدد بعد الترؼ‪ .‬كيشترؾ الجميع في الدفاع عف الدكلة‬
‫لكجكد الشجاعة كالقكة البدنية‪.‬‬
‫‪-‬الطكر الثاني‪ :‬ىك االنفراد بالممؾ‪ :‬كسماىا بف خمدكف طكر االستبداد عمى قكمو‪ :‬كيرل ابف‬
‫أف االنفراد بالسمطة ميؿ طبيعي كفطرم لدل البشر‪ ،‬كلذا َّ‬
‫فإف السمطاف عندما يرل ممكو قد‬ ‫خمدكف َّ‬
‫استقر يعمؿ عمى قمع العصبية ‪ ،‬كما يعمؿ عمى االنفراد بالحكـ ‪ ،‬كاستبعاد أىؿ عصبيتو مف‬
‫ممارسة الحكـ‪ ،‬كعندئذ يتحكؿ مف رئيس عصبية إلى ممؾ ‪.‬كقد يفعؿ ذلؾ َّأكؿ مف أسَّس الدكلة‪،‬‬
‫كقد ال يفعؿ‪ ،‬فال تدخؿ الدكلة في ىذا الطكر الثاني إالَّ مع ثاني زعيـ أك ثالث ‪ ،‬كيتكقؼ ذلؾ عمى‬
‫قكة صمكد العصبية‪.‬‬
‫كيضطر السمطاف إلى االستعانة بالمكالي لمتغمب عمى أصحاب العصبية‪ ،‬أم َّأنو يبدأ في ىذه‬
‫الممؾ‪.‬‬
‫المرحمة االعتماد عمى جيش منظـ مف أجؿ المحافظة عمى ي‬
‫‪-‬الطكر الثالث‪ :‬كىك طكر الفراغ كالدعة‪ :‬كفي ىذا الطكر يتـ تحصيؿ ثمرات الممؾ كتخميد اآلثار‬
‫كبعد الصيت‪ ،‬فالدكلة في ىذا الطكر تبمغ قمة قكتيا ‪ ،‬كيتفرغ السمطاف لشؤكف الجباية‪ ،‬كاحصاء‬
‫ي‬
‫النفقات كالقصد فييا‪ ،‬كلتخميد ممكو بأف يبني المباني العظيمة الشاىدة عمى عظمتو‪ ،‬كفي ىذه‬
‫المرحمة يستمتع الجميع ‪ :‬السمطاف بمجده ‪ ،‬كحاشيتو بما يغدقو عمييا السمطاف‪.‬‬
‫‪-‬الطكر الرابع‪ :‬ىك طكر القنكع كالمسالمة‪ :‬كفي ىذا الطكر يككف صاحب الدكلة قانعان بما بناه‬
‫أسالفو مقمدان ليـ قدر ما يستطيع ‪ ،‬كالدكلة في ىذه المرحمة تككف في حالة تجمد فال شيء جديد‬
‫يحدث‪ ،‬كتغير يط أر ‪ ،‬كأف الدكلة تنتظر بداية النياية‪.‬‬
‫الطكر الخامس‪ :‬ىك طكر اإلسراؼ كالتبذير‪ :‬كيككف صاحب الدكلة في ىذا الدكر متمفان لما جمعو‬
‫أسالفو في سبيؿ الشيكات كالمالذ كالكرـ عمى بطانتو ‪ ،‬فيككف مخربان لما كاف سمفو يؤسسكف‪،‬‬
‫كىادمان لما كانكا يبنكف‪.‬‬
‫كفي ىذا الطكر تحصؿ في الدكلة طبيعة اليرـ‪ ،‬كيستكلي عمييا المرض المزمف الذم ال برء منو‬

‫‪31‬‬
‫إلى أف تنقرض‪.‬‬
‫كيرل ابف خمدكف أف بداية انحالؿ الدكلة يرجع إلى عنصريف ىما‪ :‬انحالؿ العصبية‪،‬‬
‫كاالنحالؿ المالي نتيجة تبذير السمطاف‪ ،‬كليذا تنيار الدكلة سياسيا كاقتصاديا؛ كأف المجتمع يحمؿ‬
‫في مراحؿ تطكره عكامؿ ىدمو‪.‬‬
‫كيذىب بف خمدكف أف تطكر المجتمع أك الدكلة يعزل إلى عنصريف أك عامميف أساسييف‬
‫ىما‪ :‬العنصر االقتصادم (المادم) كالعنصر المعنكم غير المادم كغالبا ما يككف مثؿ الديف‬
‫كالعصبية؛ فاختالؿ المراحؿ في المجتمع يرجع إلى الحرفة التي يزاكليا‪ ،‬كما أف كؿ كضع‬
‫اقتصادم لو أسسو المعنكية التي تقابمو‪ ،‬كلو عالقاتو االجتماعية التي تالئمو أيضا‪.‬‬

‫كما أكد بف خمدكف عمى أىمية العصبية في تطكر المجتمع‪ ،‬إذ يقكؿ في ذلؾ‪( :‬إف الممؾ‬
‫إنما يككف بالعصبية‪ ،‬كأىؿ العصبية ىـ الحامية الذيف ينزلكف لممالؾ الدكلة كأقطارىا ‪....‬فما كاف‬
‫مف الدكلة العامة قبيمتيا كاىؿ عصابتيا أكثر نالت أقكل كأكثر ممالؾ كأكطانا‪ ،‬ككاف ممكيا أكسع‪،‬‬
‫كاعتبر بذلؾ الدكلة االسالمية لما كاف ممكيا تحت راية االسالـ ككاف المسممكف متكحديف بيذا‬
‫االسالـ‪.1‬‬

‫‪ -2‬نظرية بتريـ سكرككيف(‪:)1968-1889‬‬


‫كتب سكرككيف مؤلفات ضخمة كطكر نظرية تفكؽ نظرية بارسكنز في مجاليا كتركيبيا كقد ضمت‬
‫نظريتو في مجاؿ متكامؿ في كتابو‪ :‬الديناميات االجتماعية كالثقافية‪ ،‬الذم نشر بيف عامي‬
‫‪ ،0840 -0829‬كاعتمد سكرككيف في ىذا الكتاب عمى مجمكعة ضخمة مف البيانات االمبيريقية‬
‫في تطكير نظرية عامة لمتغير االجتماعي كالثقافي‪ ،‬كعمى العكس مما حاكلكا تطكير نظريات‬
‫‪2‬‬
‫تطكرية في الغير االجتماعي‪ ،‬قاـ سكرككيف بتطكير نظرية دكرية‪.‬‬

‫‪ :1‬كماؿ التابعي‪ ،‬تغريب العالـ الثالث‪ ،‬دراسة نقدية في عمـ االجتماع التنمية‪ ،‬دكف ذكر سنة كدار النشر‪ ،‬ص ‪-82‬‬
‫‪.89‬‬
‫مرجعة كتقديـ‪ :‬محمد الجكىرم‪ ،‬دكف ذكر أسماء المؤلفيف‬
‫‪ :2‬قراءات معاصرة في عمـ االجتماع‪ ،‬ترجمة مصطفى خمؼ‪ ،‬ا‬
‫األصمييف‪ ،‬مركز البحكث كالدراسات االجدتماعية‪ ،‬القاىرة‪ .8118 ،‬ص ‪. 898‬‬

‫‪32‬‬
‫اذ يرل أف الحقائؽ األساسية في عمـ االجتماع ذات طبيعة عقمية كال تفيـ إال في ضكء النظر‬
‫إلى عالـ األنساؽ الثقافية االجتماعية ككؿ‪ ،‬كال ينطبؽ ذلؾ عمى ظاىرة صغرل كاالنتحار فقط‪ ،‬بؿ‬
‫إف ىذا يصدؽ عمى العكامؿ المسببة لمجريمة‪ ،‬كالحرب كالثكرة‪ ،‬كيطمؽ سكرككيف عمى ىذه األنساؽ‬
‫الثقافية تسمية النسؽ الفكقي ‪ super system‬الذم يتككف مف خمسة أنساؽ أساسية‪( :‬المغة‪،‬‬
‫الفنكف‪ ،‬األخالؽ‪ ،‬العمـ‪ ،‬الديف) التي تنقسـ بدكرىا إلى أنساؽ فرعية أخرل‪.‬‬

‫إف كؿ نسؽ فكقي مف األنساؽ الخمسة المشار إلييا يقكـ عمى فكرة أساسية تمثؿ النظرة‬
‫السائدة إلى ال حقيقة في ثقافة معينة‪ ،‬فإذا أعطى الناس لحكاسيـ قيمة مطمقة كاف النسؽ الفكقي‬
‫حسيا‪ ،‬أما إذا آمف الناس بأف كراء حكاسيـ حقائؽ غير مممكسة كليا صفة المطمؽ كاف النسؽ‬
‫فكريا ‪ ،‬كمف الممكف أف يعتقد الناس بارتباط كثيؽ بيف النسقيف الحسي كالمثالي‪ ،‬فينجـ عف ذلؾ‬
‫الفكقي المثالي ‪ ،indiolistic‬أما إذا اقتصرت الصمة بيف النسقيف الحسي كالفكرم عمى مجرد‬
‫التجاكز فإف النسؽ مختمطا‪.‬‬
‫كفي رأيو أف المجتمعات تتقمب بيف ثالثة أنماط مختمفة مف التفكير‪( ،‬حسية‪ ،‬كفكرية‪،‬‬
‫كمثالية) كتؤكد المجتمعات التي تسكدىا النزعة الحسية عمى دكر األحاسيس في فيـ الكاقع‪ ،‬أما‬
‫المجتمعات التي تسكدىا النزعة الفكرية يسيطر عميا الديف كتجاكز الكجكد المادم كطريؽ لفيـ‬
‫الكاقع‪.‬‬
‫أما المجتمعات المثالية فيي أنماط انتقالية تكازف بيف النزعة الحسية كالنزعة الدينية‪.‬‬
‫كتكجد القكة المحركة لمتغير االجتماعي في المنطؽ الداخمي لكؿ نظاـ مف ىذه النظـ‪ ،‬بمعنى أنيا‬
‫تتعرض لضغط داخمي لكي تمتد بنمط تفكيرىا إلى نيايتيا المنطقي‪ ،‬كمف ثـ يصبح المجتمع‬
‫الحسي شيكانيا بدرجة تؤدم إلى زكالو‪.‬‬
‫كعندما تصؿ النزعة الحسية إلى نقطة النياية المنطقية‪ ،‬يتحكؿ الناس إلى النظـ الفكرية كمالذ‬
‫ليـ؛ لكف عندما يتحقؽ ليذا النظاـ سطكتو‪ ،‬يصؿ إلى نقطة نيايتو‪ ،‬كتككف النتيجة أف المجتمع‬
‫يصبح دينيا إلى حد بعيد‪ ،‬كتميد ىذه المرحمة لظيكر ثقافة مثالية كاعادة الدكرة مف جديد‪ .‬كقد قدـ‬
‫سكرككيف براىيف تفصيمية مف األدب كالفمسفة كالسياسة‪...‬ليدعـ أفكاره النظرية‪.1‬‬

‫‪ :1‬قراءات معاصرة في عمـ االجتماع‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص ‪.898‬‬


‫‪33‬‬
‫كمف ثـ تتككف األنساؽ األربعة‪" :‬الحسي‪ ،‬كالفكرم‪ ،‬كالمثالي‪ ،‬كالمختمط" أساس النظرية عند‬
‫سكرككيف‪ ،‬فالتغير يبدأ مستقيما حتى يصؿ أقصاه‪ ،‬كيعكد مرة أخرل كيتخذ طريقا آخر إلى نمط‬
‫التغيير كفؽ ذلؾ التصكر ىك ذبذبة أك تحكؿ بيف ما سماه بالثقافة الفكرية كالثقافة الحسية‪ ،‬كما‬
‫يتكسطيا مف ثقافة مثالية أك ثقافة مختمطة‪ ،‬كيمكف تتبع ىذا مف خالؿ تغيير الثقافة االغريقية‪:،‬‬

‫(‪ -0‬الثقافة فكرية قبؿ القرف الثامف قبؿ الميالد ‪ -8‬ثـ ثقافة مثالية قرف كنصؼ قرف تالييف‪-2 ،‬‬
‫ثـ صارت ثقافة حسية في الجزء األخير مف القرف الرابع قبؿ الميالد ‪ -4‬ثـ حدث اختالؼ ثقافيا‬
‫بعد قرنيف كلمدة طكيمة صارت فييا الثقافة فكرية ‪ -2‬ثـ تحكلت إلى ثقافة مثالية بدءا مف القرف‬
‫الثاني عشر‪ -6 ،‬حتى كصمت إلى ذركتيا في ىذه األياـ إلى ثقافة حسية)‪.‬‬

‫كيرل سكرككيف أف العامؿ الذم يغير نمط الثقافة ينبثؽ مف داخؿ الثقافة نفسيا‪ ،‬ألف مف طابع‬
‫الثقافة أف تتغير كيتغير معيا قانكف كؿ الحياة‪.‬‬

‫رابعا‪ -‬النظرية الكظيفية كالتغير االجتماعي "نظرية بارسكنز لمتغير االجتماعي"‪:‬‬


‫يعترؼ بارسكنز بأىمية تفسير التغير االجتماعي‪ ،‬عمى الرغـ مف أف نظرية بارسكنز تعتمد في‬
‫تفسيراتيا عمى تكازف النسؽ‪ ،‬إال أف بارسكنز يشير إلى أف ىذا التكازف ىك تكازف متحرؾ حيث أف‬
‫عممية التغير يمكف أف تحدث‪.‬‬
‫كمف ثمة فإف التغيير في نظر بارسكنز يحصؿ اث ار العمميات التي تجرم داخؿ النسؽ‪ ،‬كعمميات‬
‫التغير التي يحدثيا ىذا النسؽ أثر تمؾ العمميات داخمو‪ ،‬كتعرؼ ىاتو العمميات بالنسبة لو بػ‪:‬‬
‫"ديناميات التكازف" كىك مفيكـ مشتؽ مف مفيكـ "صيانة حدكد النسؽ"‪.‬‬

‫فينظر "بارسكنز" لديناميات التكازف حتى كاف حدثت تغييرات في بناء النسؽ إال أنيا ال‬
‫تمس منظكمة القيـ‪ ،‬بمعنى‪ :‬أف التغير الذم يحدث في بناء النسؽ ينبغي أف يككف متكافقا مع‬
‫االلتزامات القيمية األساسية‪ ،‬كأف يظؿ ىذا التغير في نطاؽ سيطرة نسؽ الثقافة دائما؛ غير أنو‬
‫يعترؼ بعدىا بكجكد تغيرات في نسؽ الثقافة كالتي تتكلد بالتغير في الشخصية سنتطرؽ ليا الحقا‪.‬‬
‫كبالنسبة لبارسكنز القكة الدافعة لمتغير‪ ،‬ربما تأتي مف منظكمة األنماط الثقافية‪ ،‬كربما تأتي مف‬
‫خالؿ التغيرات السكانية أك التكنكلكجية أك غير ذلؾ‪ ،‬كيميز بارسكنز بيف صكرتيف أك نكعيف مف‬
‫التغير‪:‬‬
‫‪34‬‬
‫التغيرات الخارجية‪ :‬كىي تقع في البيئة الخارجية لمنسؽ كعالقتو باألنساؽ األخرل بطريقة متبادلة‬
‫التغيرات الداخمية‪ :‬التي تحدث نتيجة تكترات داخؿ النسؽ نفسو‪.‬‬
‫كيمكف تمخيص نظرة بارسكنز لمتغير الداخمي كالخارجي في المخطط التالي‪:‬‬

‫نمكذج بارسكنز لمتغير الداخمي كالخارجي ( صكلة فيركز)‬


‫كيعقب بارسكنز عمى ىذه األنماط مف التغيرات عمى مستكل األنساؽ االجتماعي أف قابمي‬
‫األنساؽ لمتغير‪ ،‬ككذلؾ التكتر الناشئ داخؿ النسؽ ىي أشكؿ ضركرية لتكامؿ النسؽ‪ ،‬كما أطمؽ‬
‫عمييا عمميات اعادة التكازف‪ ،‬بحيث تحدث عمميات قبؿ التغير تدعى المقاكمة‪ ،‬فعند التغمب عمى‬
‫المقاكمة الخاصة بكؿ نسؽ يحدث التغير‪ ،‬كبعد ىذا التغير يعيد النسؽ تكازنو كفؽ متطمبات‬
‫التغيير التي حدثت‪.‬‬
‫مثاؿ‪ :‬عممية التنشئة االجتماعية تظير شكال مف التكتر في طكر تقدميا‪ ،‬بمكجب ضركرة غياب‬
‫شكؿ التكازف القديـ‪ ،‬كاحاللو بتكازف جديد يظير أىمية منظكمة جديدة مف القيـ‪ ،‬كينطبؽ األمر‬
‫ذاتو عمى األنساؽ االجتماعي األخرل‪.‬‬
‫‪ -‬نظرية بارسكنز(الصراع – التغيير) كفؽ المصالح الراسخة لمنسؼ االجتماعي‪:‬‬

‫‪35‬‬
‫تحدث بارسكنز عف ظاىرة المصالح الراسخة كعالقتيا بالتغير كالصراع مف أجؿ تغير النسؽ‬
‫كاعادة تكازنو‪ ،‬كاعتبر أف المصالح الراسخة ىي مشكمة خمؼ كؿ عممية تغير اجتماعي‪ ،‬حيث أف‬
‫التغير سيؤدم إلى اضطراب التكازف الممكف في اإلشباع‪ ،‬لذلؾ يقابؿ بمقاكمة مف قبؿ المصالح‬
‫الراسخة‪ ،‬مما يقكد إلى التكتر الذم يتـ التغمب عميو بمكجب عمميات التكازف؛ كيعتقد بارسكنز أف‬
‫التغير الفعمي الذم يحدث يككف ممكنا مف خالؿ عمؿ ميكانزمات التي تتغمب عمى مقاكمة‬
‫المصالح الراسخة‪.‬‬
‫كيرل بعض المنظريف االجتماعييف أف بارسكنز رغـ تحفظو مف مفيكـ القكة كالصراع في‬
‫النظرية الكظيفية إال أنو تفطف متأخ ار عمى مفيكـ المصالح الراسخة كىك مفيكـ يعكس في جكفو‬
‫تفاضؿ القكل كتناقضاتيا التي تعتبر محرضات أساسية لمصراع كالتغيير‪ .‬كفؽ االتجاه التالي‪:‬‬
‫المصالح الراسخة كالمكتسبة ( كالتي تحدث تكترات كفؽ تفاضؿ األدكار كالمكانات كاالمتيازات‬
‫تغيير‪.‬‬ ‫صراع‬ ‫الرمزية المرتبطة بيا)‬

‫كأخي ار يقترح بارسكنز ثالثة نماذج أساسية لمتغير كالتالي‪:‬‬


‫أ‪ -‬نمكذج التغيير التدريجي المنظـ‪ :‬حيث يعتقد بارسكنز أف التغيير يأتي بصكرة منظمة‪ ،‬فتنظيـ‬
‫التغيرات يستند إلى التقدـ المستمر لمعمـ كتطبيقاتو‪ .‬كاذا كانت التكنكلكجيا ترتبط بمستكل ثقافي‬
‫كقيمي محدد‪ ،‬فظيكر ىذه العكامؿ يثير بال شؾ ضغكطا كتكترات في النسؽ القيمي‪ ،‬مما يثير فيو‬
‫المقاكمة‪ ،‬كتكمف أسباب المقاكمة بيف الخبراء كالمختصيف كالباحثيف كجيؿ العامة‪ ،‬األمر الذم‬
‫يتطمب ىجر الكسائؿ التقميدية التي ترتبط بيا مصالح إحدل الجماعات داخؿ النسؽ‪ ،‬كاستبداليا‬
‫بالكسائؿ الحديثة كنشرىا أداتيا كرمزيا حتى البناءات التكيفية‪ ،‬كالنسؽ القرابي مثال‪.‬‬

‫ب‪ -‬نمكذج التغير الثكرم بفعؿ الصفكة المميمة‪:‬‬


‫مصدر ىذا التغير ىك النسؽ الشخصية‪ ،‬بحيث ال يمكف أحيانا لعممية التكازف الدينامي أف تحقؽ‬
‫التكيؼ كالتالؤـ‪ ،‬كيترتب عمى ذلؾ أمريف‪:‬‬
‫‪ -0‬تتجمع التكترات كينتج حد أقصى مف المقاكمة مف المصالح الراسخة‪ ،‬كيتكقؼ التغير‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ -8‬أ ف يتكيؼ التكتر في المراتب القيادية لمنسؽ االجتماعي‪ ،‬كىك التكيؼ الذم يقكد لحركة ثكرية‬
‫ذات طابع راديكالي‪ ،‬كىذا النكع مف التغير القائد لمثكرة مف الصعب أف يحدث في المجتمعات ذات‬
‫الدرجة العالية مف التصنيع مثؿ الك‪ .‬ـ‪ .‬أ‪.‬‬
‫كيرل بارسكنز أف ىناؾ شركط حتى تبسط الثكرة نفكذىا كتحقؽ االنتشار‪ ،‬كمف أبرزىا‪:‬‬
‫‪ -‬كجكد تيار كامؿ مف العناصر ذات الحافزية المغتربة‪ ،‬كىذ الحافزية تعج تجميا لمتكتر أك القير‬
‫السائد في النسؽ‪.‬‬
‫‪ -‬تنظيـ ثقافة فرعية تعد بمثابة طاقة إلمكانية قيادة التغير‪.‬‬
‫‪ -‬أف تمتمؾ ايديكلكجيا‪ ،‬تقدـ كعدا بإشباع احتياجات الجماىير كتحفؼ ليـ إشباعا أفضؿ‬
‫يتكقعكنو‪ ،‬كيشير بارسكنز أف المجتمع المعقد ال يمتمؾ نسؽ قيمي يحظى بالقبكؿ الكامؿ‪ ،‬حيث‬
‫يتضمف حالة مف عدـ االتساؽ‪ ،‬تبرر عدـ الخضكع لكؿ منظكمة القيـ السائدة‪ ،‬ليذا ال يصمح ىذا‬
‫النكع مف التغير في المجتمعات عالية التصنيع‪ ،‬أك المجتمعات الصناعية الكبرل‪.‬‬
‫‪ -‬تعديؿ بناؤه‪ ،‬أك تشكيؿ أبنية تكيفية جديدة " أبنية ثكرية جديدة"‪.‬‬
‫‪ -‬تنظيـ جيد تربكم ألعضائيا الذيف يحاكلكف التراجع‪ ،‬أك قد تعمؿ عمى تدريب أشخاص ثكرييف‬
‫كفي ىذه الحالة قد تجد الحركة الثكرية نفسيا مدفكعة إلى كسائؿ القير التي كانت ترفضيا بداية‪،‬‬
‫كيعتقد بارسكنز ىذا اإلجراء بمثابة تخمي الحركة عف ثكريتيا‪ ،‬كما حدث مع الشيكعييف‪.‬‬
‫‪ -‬ظيكر قادة ثكريف جدد ليـ رؤية جديدة‪ ،‬بحيث يصبح التكافؽ مع قيميا ميال لتأكيد استقرار‬
‫النسؽ‪.‬‬
‫ج‪ -‬نمكذج التغير العضكم بفعؿ عكامؿ ذاتية‪:‬‬
‫كىك نمكذج مستقى مف المماثمة العضكية‪ ،‬حيث يتـ التغير بناءا عمى التبايف المنظـ كيتـ عمى‬
‫أساس التكافؽ مع القيـ األساسية لمنسؽ‪ ،‬حيث يمثؿ التبايف خمؽ كحدة جديدة تقكـ بأداء الكظائؼ‬
‫كالمياـ التي كانت تقكـ بيا كحدة قديمة‪ ،‬كعمى ىذا النحك يتضمف نمك الكحدة الجديدة قد ار مف‬
‫االفتقاد الذم تعانيو الكحدة القديمة أك تميد إللغائيا‪.‬‬

‫تعقيب عمى نظرية بارسكنز‪:‬‬


‫رغـ جميع محاكالت بارسكنز لتقديـ مقكالت نظرية حكؿ التغير االجتماعي‪ ،‬إال أف الرأم الشائع‬
‫بيف المقيميف لطركحات ال يعتبر التغير االجتماعي مشكمة بالنسبة لو‪ ،‬فقد أشار جكلدنر إلى أف‬

‫‪37‬‬
‫النسؽ البارسكنزم ىك آلة ذات حركة ثابتة مستمرة‪ ،‬كأكضح لكككد بأف نظرية بارسكنز ال تتضمف‬
‫عمميات مرتبطة بالتغير االجتماعي‪ ،‬ككذا دارندكرفيرل بأنو ال يكج مؤشر يكضح بأف بارسكنز‬
‫يعتبر التغير قضية حقيقية بالنسبة لعمـ االجتماع‪.1‬‬

‫خامسا ‪ -‬نظرية الصراع‬

‫‪ -1‬نظرية الصراع عند كارؿ ماركس‬

‫أ‪ -‬النظرية المادية التاريخية ( المادية الجدلية)‪:‬‬

‫إف التفسيرات االقتصادية لمتاريخ أك التغير االجتماعي‪ ،‬ليست في حاجة أف تككف ماركسية‪،‬‬
‫كلكف ال يكجد أم مف المتغيرات األخرل لممذىب ناؿ االىتماـ مثؿ الماركسية‪.‬‬
‫كالجدؿ الماركسي‪ ،‬ال يستخدـ األساليب الميتافيزيقية في التفسير‪ ،‬كال الصكر المثالية لمتفسير‪ ،‬إنما‬
‫ىك جدؿ مادم أم جدؿ الكاقع‪ ،‬كالكاقع ىنا ىك كاقع الطبيعة ككاقع الفكر‪ ،‬كليذا أصبح الجدؿ عند‬
‫ماركس ىك األسمكب الكحيد لمعرفة الفكر المنبثؽ عف الكاقع‪.‬‬

‫كتعرؼ المادية الجدلية بأنيا" ‪ :‬عمـ القكانيف العامة التي تحكـ تطكر المجتمع‪ .‬كمعنى ذلؾ‪،‬‬
‫أف المادية الجدلية ىي ذلؾ العمـ النظرم الذم عنو تصدر قكانيف التطكر‪ ،‬تمؾ التي تحكـ حركة‬
‫تمؾ النظـ كالظكاىر السائدة في البناء االجتماعي‪.‬‬

‫كمف السمات المميزة لمنيج المادية التاريخية أنو يبحث عف األسباب الرئيسة لمتغير‬
‫االجتماعي في نطاؽ الحقائؽ التي تككف في متناكؿ التحميؿ‪ ،‬كليس في الحقائؽ الخارجة عنو؛ أم‬
‫أف أسباب التغير االجتماعي تكمف في التناقضات الرئيسة‪ ( :‬تناقضات بيف قكل اإلنتاج كعالقات‬
‫اإلنتاج‪ ،‬تناقضات بيف األساس االقتصادم كالبناء الفكقي‪ ،‬كالتناقضات التي تكجد داخؿ البناء‬
‫الفكقي ذاتو (البناء التحتي ىك فعال عالقات االنتاج أك بكجو آخر ىك البناء المادم لممجتمع مف‬
‫طبقاتو‪ ،‬أما البناء الفكقي ىك كعي المجتمع كأخالقو كأحزابو كاعالمو ك ثقافتو)‪.‬‬

‫‪ :1‬محمد عبد الكريـ حكراني‪ ،‬النظرية المعاصرة في عمـ االجتماع‪ ،‬دار المجدالكم لمنشر كالتكزيع‪ ،‬عماف‪ ،‬األردف‪،‬‬
‫‪0489‬ق‪8119 -‬ـ‪ ،‬ص ‪.849-829‬‬
‫‪38‬‬
‫كىذا يتضمف أف كؿ ظاىرة اجتماعية تجعؿ داخميا جكىر تغيرىا المستقبمي‪ ،‬الذم سكؼ‬
‫ينمك في اتجاه أك آخر معتمداى عمى الظركؼ المادية الخاصة في البيئة التي تعمؿ مف خالليا ىذه‬
‫الظكاىر‪ ،‬كما أف النتائج التي يمكف التكصؿ إلييا البد أف تقارف بالخصائص الكاقعية إذا كانت‬
‫مضبكطة عمميا‪ ،‬كىذه المقارنة ىي كحدىا التي يمكف أف تحدد ما إذا كانت النتائج المحددة‬
‫المممكسة تقكـ عمى قاعدة ثابتة مف الحقائؽ‪.‬‬
‫كحاكؿ ماركس أف يقدـ نظرية منظمة عف البناء االجتماعي كالتغير االجتماعي‪ ،‬كاستند في‬
‫ذلؾ إلى المادية التاريخية التي تسمـ بأف المجتمع ىك كؿ منظـ تعتمد أجزاؤه الكاحدة منيا عمى‬
‫األخرل‪ ،‬بطريقة ال تككف فييا معتمدة عمى أم شيء يخرج عف ذلؾ الكؿ‪.‬‬
‫كتفترض ىذه النظرية جدال أننا يمكف أف نميز بيف المجتمع كبيئتو بنفس الطريقة التي تميز بيا‬
‫بيف النبات كالمناخ‪ ،‬أك التربة كالطقس‪.‬‬

‫كاذا كنا نفكر في المجتمع بيذه الطريقة‪ ،‬فيمكننا أف نسمـ بأف تاريخو عبارة عف نكع مف النمك‪،‬‬
‫كأف بناءه يحدد تطكره‪ ،‬كأف األجزاء التي يعتمد بعضيا عمى بعض ليست ىي األفراد رجاال كنساء‬
‫إنما ىي النظـ االجتماعية‪.‬‬
‫أم أف الماركسية‪ ،‬تسعى إلى تفسير التغير االجتماعي في ضكء العمميات الداخمية لألنساؽ‬
‫االجتماعية عمكما‪ ،‬كأكثر مف ذلؾ‪ ،‬أنيا ال تعالج ىذه العمميات باعتبارىا أشياء مادية أك إعادة‬
‫تكيؼ كمحاكالت استخداـ مجمكعات مف نماذج الفعؿ كالتفاعؿ عمى المستكل االقتصادم لبياف‬
‫االستمرار المنطقي في تطكر الرأسمالية أك بعض األنساؽ األخرل‪ ،‬كلكف المشكمة ىي تمؾ‬
‫األنساؽ االجتماعية التي ال تعمؿ في طرؽ بسيطة معينة‪ ،‬فكؿ مجاؿ لمحياة االجتماعية مزكد‬
‫ببعض درجات االستقالؿ الذاتي حتى في المجتمعات البسيطة‪ ،‬ككذلؾ كؿ منيا يمكف تككيف‬
‫مصدر ممكف لمتغير االجتماعي‪.‬‬

‫كالكاقع أف قكة النظرية الماركسية تكمف أساسا في أنيا أكؿ محاكلة منظمة في تفسير البناء‬
‫االجتماعي كالتغير االجتماعي مف خالؿ الشكاىد التاريخية كالبحكث الكاقعية‪ ،‬كما أنيا قد أسيمت‬
‫إسيامان كاضحا في فتح آفاؽ عديدة أماـ عمـ االجتماع‪ ،‬كخاصة سكسيكلكجيا الثكرة‪ ،‬الذم يعد‬
‫إسيامان أساسيان نسجمو لماركس‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫ب‪ -‬نظرية الصراع الكالسيكية (كارؿ ماركس)‬
‫في نظرية ماركس‪ ،‬نجد التغير االقتصادم كحده يحدث كينتج التغيرات األخرل مف خالؿ‬
‫ميكانيزـ الصراع المكثؼ بيف الجماعات االجتماعية كاألجزاء المختمفة مف النسؽ االجتماعي‪ ،‬كما‬
‫قاـ كارؿ ماركس بتحميؿ التطكر االجتماعي كالتغير االجتماعي مف خالؿ خمس مراحؿ ميمة عبر‬
‫التاريخ تتمخص في التالي‪:‬‬
‫‪ -‬المرحمة األكلى‪ :‬مرحمة االنتاج البدائي (نظاـ الشيكعية البدائية)‪ :‬كيقكـ عمى الزراعة كالصيد‬
‫كالتعاكف المشترؾ في أداء العمؿ‪ ،‬ككانت الممحكية الجماعية ىي السائدة‪ ،‬كال يكجد أم استغالؿ‬
‫ألنو لـ يكف في ىذه المرحمة الممكية الخاصة‪.‬‬
‫‪ -‬المرحمة الثانية ‪( :‬مرحمة نظاـ الرؽ)‪ :‬ارتكزت فييا عالقات االنتاج عمى الممكية الخاصة‬
‫لمعماؿ أنفسيـ (األرقاء) كساد فييا حرماف العامؿ المستغؿ مف كؿ حقكقو كالتعامؿ معو باعتباره‬
‫أداة مف أدكات االنتاج‪ ،‬ساد القير كالعدكاف؛ كتتميز في ىذه المرحمة بركز طبقتيف أساسيتيف داخؿ‬
‫المجتمع‪ ،‬ىي‪ - :‬طبقة مف يممككف األرقاء‪ ،‬كطبقة األرقاء أنفسيـ‪.‬‬
‫‪ -‬المرحمة الثالثة‪( :‬نظاـ االقطاع)‪ :‬كتتميز بممكية المكردات االقطاعية لكسائؿ كأدكات االنتاج‪،‬‬
‫ككاف الفالحكف يعتمدكف عمى رجاؿ االقطاع لكنيـ لـ يككنكا ممكا ليـ‪ ،‬كأحياا يقدمكف ليـ خدمات‬
‫كأحيانا يممككنيـ جزء مف قطعة أرض في حاؿ الكفاء لصاحب أك مالؾ األرض‪.‬‬
‫‪ -‬المرحمة الرابعة‪ :‬مرحمة نشأة الرأسمالية‪ :‬كفي ىذه المرحمة حمت البرجكازية محؿ االقطاع‪،‬‬
‫كانقسـ فييا المجتمع إلى طبقتيف‪ :‬الطبقة البرجكازية ممكية كسائؿ كأدكات االنتاج‪ ،‬كطبقة‬
‫البركليتاريا‪ :‬كىي طبقة كالعماؿ الذم ال يممؾ فييا العامؿ سكل عرقو كجيده‪ .‬كتتميز ىذه المرحمة‬
‫باستغالؿ الطبقة البرجكازية لمطبقة العاممة‪.‬‬
‫كمع ظيكر التناقضات االجتماعية التي يمعب دكرىا في تفكيض المظاـ الرأسمالي كاحالؿ النظاـ‬
‫االشتراكي‪ ،‬كتسمح بسيطرة البركليتاريا سمحت بظيكر المرحمة الخامسة التالية‪:‬‬
‫‪ -‬المرحمة الخامسة ‪ :‬المرحمة االشتراكية‪ :‬يرتكز فييا النظاـ عمى الممكية الجماعية ألدكات‬
‫ككسائؿ االنتاج كعالقات االنتاج تقكـ عمى التعاكف كالمساعدات المتبادلة بيف كؿ العماؿ الذيف‬
‫تحرركا مف استغالؿ البرجكازية‪ ،‬كتيدؼ االشتراكية إلى التخمص مف الممكية الخاصة التي يعتبرىا‬
‫مصدر لكؿ الشركر كىي تنسؽ بيف عالقات االنتاج كقكل االنتاج‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫كبعد المرحمة االشتراكية تأتي مرحمة مستقبمية كىي‪:‬‬
‫‪ -‬المرحمة الشيكعية‪ :‬المذاف يندرجاف تحت غاية كاحدة ىي المالكية الجماعية لكسائؿ االنتاج‪،‬‬
‫كيختمفاف في درجة التطكر االقتصادم كنضج العالقات االقتصادية‪ ،‬كعمى الرغـ مف الممكية‬
‫الجماعية لكسائؿ االنتاج كقياـ عالقات التعاكف كالمساعدات المتبادلة‪ ،‬إال أنيا اعمى مراحؿ النظاـ‬
‫االقتصادم االشتراكي‪ ،‬كفييا يصؿ المستكل التكنكلكجي لكسائؿ كأدكات االنتاج جد متقدمة‪،‬‬
‫(فينتقؿ مف المبدأ االشتراكي الذم يأخذ بشعار‪ :‬كؿ حسب عممو كؿ حسب قدرتو‪ ،‬كاعطائو حسب‬
‫عمموٌ؛ الى المبدأ الشيكعي كشعاره كؿ حسب قدرتو‪ ،‬كؿ حسب حاجتو)‬
‫كما يخمك المجتمع مف الطبقات كتنمكا كسائؿ االنتاج نمكا ح ار‪.1‬‬

‫‪ -2‬نظرية التبعية‪:‬‬
‫القضية األساسية التي تنيض عمييا فكرة التبعية في التحميؿ الكمي لعممية تطكر المجتمع‬
‫كتقديـ رؤية نظرية تاريخية تبرز خصكصية التطكر الذم مرت بو‪ ،‬كىنا نجد ىذه النظرية تتخذ مف‬
‫فكرة النسؽ العالمي نقطة بداية تحاكؿ بعدىا الكشؼ عف مكقع الدكؿ المتخمفة داخمو‪ ،‬كما تيتـ‬
‫بالبناء االجتماعي باعتباره بناءا متخمفا تابعا كمحككما بنمط معيف لتقسيـ العمؿ الدكلي‪ ،‬كيبدك أف‬
‫ذلؾ ىك ما دفع أنصار ىذه النظرية إلى تحميؿ المترتبات االجتماعية لمتنمية الرأسمالية كالتكسع‬
‫اإلمبريالي كالطرؽ التي مف خالىا تتشكؿ األبنية االستغاللية الجديدة التي تعيؽ النمك االقتصادم‬
‫في الدكؿ المتخمفة‪.‬‬
‫كعمى تعدد كتنكع إسيامات عمماء ىذه النظرية‪ ،‬إال أف نكرماف لكنغ يعتقد انو مف اليسير التمييز‬
‫بيف اتجاىيف نظرييف يمثالف مراحؿ مختمفة مف الحكار الدائر حكؿ التبعية‪ ،‬االتجاه األكؿ كىك‬
‫التبعية البنيكية كعالقات المركز‪ ،‬كاالتجاه الثاني فيك تحميؿ أساليب االنتاج‪.‬‬

‫أ‪ -‬التعية البنيكية كعالقات المركز‪ -‬اليامش‪:‬‬


‫المفكريف األكائؿ ليذه النظرية ىـ‪ :‬فرانؾ ‪ ،Frank‬كاردكزك ‪ ،Cardoso‬كالرشتايف‬
‫‪ ،Wallerstein‬سمير أميف‪.‬‬

‫‪ :1‬كماؿ التابعي‪ ،‬تغريب العالـ الثالث‪ ،‬دراسة نقدية في عمـ االجتماع التنمية‪ ،‬دكف ذكر سنة كدار النشر‪ ،‬ص ‪-041‬‬
‫‪.042‬‬
‫‪41‬‬
‫يقكـ ىذا االتجاه عمى تحديد خصائص أكضاع التشكيالت االجتماعية الطرفية كتحميؿ أسباب‬
‫كنتائج االستعمار الداخمي في العالـ الثالث‪ ،‬كيعتبر فرانؾ أىـ منظرم ىذا االتجاه متأث ار بالفكر‬
‫الماركسي كقيامو بالعديد مف الدراسات في أمريكا الالتينية لفيـ كتحميؿ التنمية االقتصادية كالتغير‬
‫االجتماعي في البمداف النامية‪.1‬‬

‫كالفكرة العامة التي يقكـ عمييا تحميؿ فرانؾ في أف قطاعات االقتصاد المتخمؼ ىي في‬
‫الكاقع قطاعات متمفصمة في إطار بناء عالقات (المركز‪ -‬اليامش) الذم نجـ عف تغمغؿ‬
‫الرأسمالية في مختمؼ مناطؽ بمداف العالـ الثالث‪ ،‬حيث يتصكر اف ىناؾ سمسمة كاممة مف المراكز‬
‫كاألطراؼ تبدأ مف البمداف المتطكرة كتمتد حتى المناطؽ الزراعية أك التاجر الريفي الذم يعتبر ىك‬
‫في حد ذاتو تابعا لممركز الميتركبكلي التجارم المحمي كتمتد ‘لى أبعد مف ذلؾ في تبعية الفالح‬
‫لمتاجر الريفي‪.‬‬
‫كىك بذلؾ يكشؼ مف خالؿ ىذه السمسمة مف العالقات التبعية األطراؼ لمركز عف االرتباطات‬
‫االقتصا دية‪ ،‬السياسية‪ ،‬االجتماعية‪ ،‬كالثقافية التي تربط األطراؼ بكؿ مركز يحصؿ عمى فائضيا‬
‫االقتصادم أك جزء منو الستخدامو في تطكر‪ ،‬بينما تميؿ األطراؼ إلى أف تزداد تكبيال بقيكد‬
‫التبعية‪.‬‬
‫كما أقر "فرانؾ" عمى أف تغمغؿ الرأسمالية يؤدم إلى القضاء عمى أشكاؿ التنظيـ غير‬
‫الرأسمالي كعدـ استم اررية القطاعات كاألنماط األخرل‪ ،‬ففرانؾ قدـ بذلؾ فرضيتيف أساسيتيف ىما‪:‬‬
‫‪ -0‬العكاصـ الكطنية في الدكؿ العالـ الثالث تقكـ بكظيفة تبعكية‪ ،‬فإنيا ال تستطيع تحقيؽ اكتفاء‬
‫ذاتي كتنمية مستقمة‪ ،‬األمر الذم يجعؿ نمكىا متكقفا عمى المستكيات الدنيا لمتكابع المرتبطة‬
‫بالمراكز الكطنية أك الجيكية‬
‫‪ -8‬عند اضعاؼ عالقات التبعية تأخذ التنمية شكال ال تطكريا‪ ،‬الشيء الذم يؤدم إلى إحدل‬
‫النتيجتيف التاليتيف‪( :‬األكلى‪ :‬ظيكر رسمالية ال تطكرية غير فعالة ينتج عنيا فقر شديد كتخمؼ؛‬

‫‪ :1‬عمي غربي بمقاسـ سالطنية كآخريف‪ ،‬تنمية المجتمع مف التحديث إلى العكلمة‪ ،‬دار الفجر لمنشر كالتكزيع‪ ،‬القاىرة‪،‬‬
‫‪ ،8112‬ص‪.028 -029‬‬
‫‪42‬‬
‫الثانية‪ :‬ترتبط بنمط محدد مف الرأسمالية أطمؽ عميو الرأسمالية ال تطكرية فعالة‪ ،‬كيتيح ىذا النمط‬
‫قد ار محدكدا مف التنمية المستقمة لدكؿ األطراؼ‪.1‬‬
‫ب‪ -‬تحميؿ أساليب االنتاج‪:‬‬
‫كينطمؽ ىذا االتجاه لإلجابة عمى التساؤليف األساسييف ىما‪:‬‬
‫‪ -‬ما ىك دكر القكل المحمية في انتاج التخمؼ؟‬
‫‪ -‬لماذا ال يمكف كصؼ االقتصاد المتخمؼ عمى أنو اقصاد رأسمالي؟‬
‫كلقد انطمؽ ىذا االتجاه عمى تحميؿ الترابطات بيف مختمؼ أساليب اإلنتاج كاستعماليا في فيـ‬
‫تخمؼ مجتمعات العالـ الثالث‪ ،‬كمف بينيـ تيرم ‪ Terry‬ديبرم ‪ Dupre‬رام ‪... Rey‬قدمكا‬
‫محاكالت لفيـ خاصية تعددية بناء األنظمة االقتصادية في العاـ الثالث مف خالؿ تحميؿ األنظمة‬
‫االنتاجية‪.‬‬
‫كمحاكلة فيـ لمميكانزمات التي تعزز عف طريقيا أنكاع معينة مف عالقات االنتاج كالكيفية التي‬
‫ترتبط بيا مع أساليب أخرل متعايشة في نفس التشكيمة الماكركسكسيك ػ ػ ػ اقتصادية؛ كلفيـ ىذه‬
‫العالقة أجريت العديد مف الدراسات لتحديد األساليب االنتاجية المتعايشة في المناطؽ الريفية‬
‫كالحضرية لكؿ مف "بالسيك" ك"ماتكس مار"؛ ككذا دراسات "بنفيمد" التي تمحكرت حكؿ االرتباطات‬
‫غير المتكافئة بيف قطاعي اقتصاد المدينة ( القطاع الحضرم الرسمي‪ -‬كاقطاع الحضرم غير‬
‫الرسمي)‪.‬‬
‫كنظ ار لممحاكالت التي سعت إلى تشخيص األساليب االنتاجية المتعايشة في بيئة كاحدة‬
‫فإنيـ تكصمكا إلى أف العكامؿ الداخمية مسؤكلة عف انتاج التخمؼ كخاصة العالقات الطبقية ما قبؿ‬
‫الرأسمالية‪.‬‬
‫كما يرفض ركاد ىذا االتجاه عمى كصؼ البمداف المتخمفة بأنيا تشكيالت اجتماعية رأسمالية‪،‬‬
‫كلذؾ انطالقا مف قناعاتيـ بأف عالقات كأساليب االنتاج ما قبؿ الرأسماية ىي السائدة‪ ،‬كىي التي‬
‫تحدد طبيعة المجتمعات المتخمفة التي ىي بحاجة لتراكـ رأس الماؿ كنمك الرأسمالية‪.‬‬

‫‪ :1‬عمي غربي بمقاسـ سالطنية كآخركف‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص ‪.040‬‬

‫‪43‬‬
‫كلقد تحكؿ انصار ىذا االتجاه بعد ذلؾ إلى مناقشة الكيفية التي يتـ بكاسطتيا انياء الكاقع‬
‫االجتماعي المتخمؼ‪ ،‬فأكضحكا أف البديؿ الكحيد المتاح ىك الثكرة التي تتطمب تحالفا مع‬
‫البرجكازية الكطنية ضد الييمنة االقطاعية كاألكليغاركية مف اجؿ بناء رأسمالية كطنية كخطكة أكلى‬
‫نحك االشتراكية‪.1‬‬

‫كالفكرة العامة االتجاىات نظرية التخمؼ تقكـ عمى أف البناء االجتماعي لدكؿ العالـ الثالث‬
‫تابع محككـ بنمط معيف لتقسيـ العمؿ الدكلي‪ ،‬كقد اكتسب ىذا البناء المتخمؼ خصائصو مف خالؿ‬
‫العالقات التاريخية الذم دخؿ فييا مع الرأسمالية العالمية‪ ،‬كـ تؤدم ىذه العالقات إلى تحكيؿ‬
‫األبنية التقميدية في الدكؿ الفقيرة إلى أبنية حديثة‪ ،‬كانما أخضعتيا لخدمة مصالحيا‪ ،‬كحكلتيا إلى‬
‫أبنية تابعة متخمفة‪ ،‬كلقد نتج التخمؼ ىنا مف خالؿ امتصاص الفائض ىنا مف ىذه المجتمعات‬
‫كنقمو إلى مراكز النظاـ الرأسمالي العالمي‪.‬‬
‫كفي ضكء ىذه الرؤية فإف تحميؿ عمميات التغير االجتماعي في دكؿ العالـ الثالث‪ ،‬ال بد أف يتـ‬
‫في ضكء تحميؿ ظيكر النظاـ الرأسمالي كتطكره عبر الزمف‪ ،‬كتحميؿ القكانيف التي عمؿ في ضكئيا‬
‫ىذا النظاـ كالتي أفرزت في داخمو أشكاال مف التبايف بيف الدكؿ المتخمفة التابعة كدكؿ المركز التي‬
‫حققت درجة عالية مف النمك‪.2‬‬

‫‪- 3-5‬التغير االجتماعي في فكر نظريات الصراع الكالسيكية كالحديثة‪:‬‬

‫كلقد اقترح عمماء النظرية االجتماعية حديثا‪ ،‬أف الصراع بمضمكنو الكاسع‪ ،‬يجب أف يككف‬
‫سبب التغير االجتماعي؛ كالبرىنة كراء ذلؾ تككف ‪ :‬لك أنو يكجد إجماع في المجتمع‪ ،‬كلك أف‬
‫القطاعات المختمفة لممجتمع كانت المجتمعات متكاممة‪ ،‬تككف الحاجة ضئيمة لمتغير‪ ،‬كبالتالي يجب‬
‫أف يحدث التغير نتيجة لصراع بيف الجماعات االجتماعية‪ ،‬أك بيف األجزاء المختمفة لمنسؽ‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫كمف الكاضح أف التأكيد بأف الصراع ضركرم لمتغير مف النادر رفضيا‪ ،‬حيث ال يكجد‬
‫مجتمع‪ ،‬متغير أك غير متغير‪ ،‬ليس فيو صراع في بعض األنكاع األخرل‪ ،‬ككذلؾ مف الكاضح أنو‬

‫‪ :1‬عمى غربي بمقاسـ سالطنية كآخركف‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص ‪.029-022‬‬
‫‪ :2‬دالؿ استيتية‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص ‪.049‬‬
‫‪44‬‬
‫ال يكجد حالة لمتغير االجتماعي ال تككف مصاحبة مع الصراع كبالتالي فإف الصراع يعتبر ضركريان‬
‫لحدكث التغير االجتماعي لدل نظرية الصراع‪.‬‬

‫كقد يككف الصراع غير و‬


‫كاؼ لتقديـ التغير في ظركؼ كثيرة‪ ،‬كقد ال يككف ضركريا في بعضيا‪،‬‬
‫كلكف شدة الصراع ىي نفسيا كاحدة مف منتجات كثيرة ألنماط متعددة مف التغير االجتماعي ‪.‬كمف‬
‫الناحية االمبيريقية يككف ربط الصراع مع التغير‪ ،‬غالبا ما يدفع عمماء االجتماع لمقكؿ إف الصراع‬
‫يككف سببان أساسيان لمتغير‪.‬‬
‫كفي المجتمع الذم لديو مجمكعة محددة مف خالؿ التصنيع المخطط يمكف أف يساىـ الصراع‬
‫في العمميات‪ :‬فالمنافسة مف أجؿ النفكذ كالقكة بيف الدكؿ‪ ،‬كحتى بيف أجزاء الدكلة الكاحدة ربما‬
‫ينشط التغير االجتماعي‪ .‬كلكف نفس ىذه األشكاؿ الخاصة بالصراع ربما أيضا تمنع التغير‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫كمما يثير االنتباه في نظرية الصراع لمتغير االجتماعي أف الصراع يعني ثكرة كالتغير الراديكالي‬
‫كالكمي في البناء االجتماعي‪ ،‬فالثكرات تحدث فعال أقؿ مما يتكقع‪ ،‬ككثي ار ما ال تحدث النتيجة في‬
‫التغيرات التي كانكا يتكقعكنيا أك تنبؤا بيا مقدما بكاسطة ىؤالء سكاء كانكا مؤيديف أك خائفيف مف‬
‫ىذه الثكرات‪ ،‬فالثكرات تثير القمع كالثكرة المضادة‪ .‬كلك أف الثكرة المضادة‪ ،‬حدثت تؤدم إلى‬
‫مظاىر الالنظاـ كتقؿ حالة الشرعية‪.1‬‬

‫‪ -6‬نظرية التفاعؿ الثقافي‪:‬‬


‫إف إحدل النظريات التي اقترحت مف أجؿ تفسير التغير االجتماعي في المجتمعات البسيطة‬
‫كبعض المجتمعات التاريخية ىي نظرية التفاعؿ الثقافي‪ ،‬كىي تقرر ببساطة أنو عندما يتفاعؿ‬
‫أعضاء ثقافييف يككف ىناؾ اتجاه نحك التغير الثقافي أك نحك زيادة سرعة التغير الثقافي‪ ،‬كالسبب‬
‫في ىذا ليس ببساطة أف كال منيا يأتي بمفردات ثقافية جديدة إلى اآلخر‪ ،‬كلكف السبب ىك أف‬
‫الزيادة في عدد المفردات الثقافية المتكافرة لكؿ منيا يؤدم إلى إمكانية تركيبات جديدة مف ىذه‬
‫المفردات‪.‬‬

‫‪ :1‬سعكد راشد العنزم‪ ،‬التغير االجتماعي كنظرياتو‪httpwww.salanezi.comfiles2014- ،‬‬


‫‪ 12socail%20change.pdf‬مارس ‪.8109‬‬
‫‪45‬‬
‫يستخدـ التفاعؿ الثقافي أيضا لمتفسير في المجتمعات البسيطة بطريقة أخرل‪ ،‬كغالبا ما‬
‫يؤدم مثؿ ىذا التفاعؿ الثقافي إف لـ يكف دائما إلى أشكاؿ جديدة مف العالقات االجتماعية‬
‫كخصكصا في شكؿ الغزك‪ ،‬كمثؿ ىذه العمميات قد تكسع مف مجاؿ العالقات االجتماعية التي‬
‫يمكف أف تحدث‪ ،‬كبيذا فإنيا تدفع بتطكر نظـ جديدة‪.‬‬

‫كنظرية التفاعؿ الثقافي تدفع الفكر أيضا تجاه أسباب التغير في المجتمعات المركبة‪ ،‬ذلؾ‬
‫أنيا تكحي بإمكانية كجكد عمميات داخمية النمك تدفع األنساؽ المركبة بصكرة مشابية لمدكافع‬
‫الخارجية النمك التي تؤثر في التغير في المجتمعات البسيطة‪ ،‬كتتجو ىذه المناقشة إلى القكؿ بأف‬
‫األجزاء كاألقساـ المختمفة مف المجتمعات المركبة تمثؿ إلى حد ما ثقافات ثانكية منفصمة تدفع‬
‫بالتغير أثناء تفاعميا‪ ،‬ككمما ازداد تعقد األنساؽ االجتماعية ازداد عدد مثؿ ىذه األجزاء التي‬
‫تخمقيا‪ ،‬كليذا تزداد إمكانية تكفير مصادر لتغيرات أبعد مف ذلؾ‪.1‬‬

‫‪ :1‬سعكد راشد العنزم‪ ، ،‬مرجع سبؽ ذكره‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫المحكر الرابع معكقات التغير االجتماعي‬

‫أكالن‪ :‬العكائؽ االجتماعية‬

‫ىناؾ عكائؽ اجتماعية عديدة تقؼ أماـ التغير االجتماعي‪ ،‬كتظير بكضكح لدل المجتمعات‬
‫التقميدية أكثر منيا في المجتمعات الحديثة‪ ،‬كأىـ العكائؽ‪:‬‬

‫‪ -1‬الثقافة التقميدية‪:‬‬
‫يرتبط التغير االجتماعي إلى حد كبير بثقافة المجتمع السائدة‪ ،‬فالثقافة التقميدية القائمة عمى‬
‫العادات كالتقاليد‪ ،‬كالقيـ بكجو عاـ‪ ،‬ال تساعد عمى حدكث عممية التغير االجتماعي بيسر‪،‬‬
‫فالعادات كالتقاليد التي تميؿ إلى الثبات تقاكـ التغير ككؿ تجديد سكاء أكاف ماديان أـ معنكيان‪ ،‬ككمما‬
‫سادت ىذه الثقافة كانتشرت‪ ،‬كانت المقاكمة أشد كأقكل‪.‬‬

‫فاأليديكلكجية المحافظة التي تتبنى فمسفة تقديس القديـ تؤدم إلى مقاكمة كؿ جديد‪ ،‬كتسكد مثؿ‬
‫ىذه المعتقدات خاصة عند كبار السف الذيف عاشكا أكضاعان مختمفة عف األكضاع الحالية‪ ،‬مما‬
‫يؤدم إلى الجيؿ بالتجديد‪ ،‬كالتحديث عامة‪.‬‬

‫كقد بيف كلياـ أكجبرف أف النزعة المحافظة عند كبار السف كالميؿ لممحافظة عمى القديـ كاستاتيكيو‬
‫ثبات العادات كالتقاليد‪ ،‬كميا متغيرات تقاكـ التجديد المادم كالتغير بكجو عاـ‪.1‬‬

‫كتظير المقاكمة بشكؿ أكسع‪ ،‬حينما يتعمؽ التغير بالقيـ كالمعتقدات التقميدية‪ ،‬كما أف المحافظة‬
‫عمى البناء األسرم المتعمؽ باألسر الممتدة مف شأنو أنو يعيؽ عممية التغير االجتماعي‪ ،‬بعكس‬
‫بناء األسرة الصغيرة "األسرة النككية‪".‬‬
‫كما أف تعطيؿ دكر المرأة في المجتمع مف شأنو أف يعيؽ عممية التغير االجتماعي‪.‬‬

‫أ – طبيعة البناء الطبقي‪ :‬لطبيعة البناء الطبقي في المجتمع أثر في قبكؿ أك رفض التغير‬
‫االجتماعي‪ ،‬فالنظاـ الصارـ لمطبقات االجتماعية يعيؽ عممية التغير االجتماعي ألف أنماط التفاعؿ‬

‫‪ :1‬دالؿ استيتية‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره ص ‪.066‬‬

‫‪47‬‬
‫فييا تككف محدكدة نتيجة لإلنغالؽ الطبقي‪ ،‬كما ىك الحاؿ في اليند كباكستاف حيث أف النظاـ‬
‫الطائفي يحدد نكع المينة التي تككف مفركضة عمى فئات معينة في المجتمع فنظاـ الطبقات في‬
‫اليند يحدد الميف التي تككف مفركضة عمى فيئات معينة بيف أفرادىا كتنتقؿ بفعؿ الكراثة‪ ،‬كليس‬
‫بمكجب الكفاءة ‪.1‬‬

‫ب – الميؿ لممحافظة عمى االمتيازات‪ :‬تظير المقاكمة لمتغير مف قبؿ األفراد الذيف يخشكف عمى‬
‫زكاؿ مصالحيـ‪ ،‬تمؾ المصالح التي قد تككف في المكانة االجتماعية‪ ،‬أك االمتيازات االقتصادية‪،‬‬
‫أك االجتماعية‪ ،‬ليذا يشعر أكلئؾ األفراد بأف امتيازاتيـ ميددة بالزكاؿ نتيجة لمتجديد‪ ،‬سرعاف ما‬
‫تقكـ المعارضة‪.‬‬

‫كتظير ال مقاكمة بكضكح في مياديف عديدة في أنماط الحياة المختمفة السياسية كاالقتصادية‬
‫كالعممية‪ ،‬كغالبان ما تككف ىذه المقاكمة نتيجة الجيؿ بالمتغيرات الجديدة‪ ،‬كالخكؼ عمى المصالح‬
‫المستقرة‪ ،‬فإف المقاكمة تككف قكية كمما تعرضت تمؾ المصالح إلى تغيير كبير‪.‬‬

‫ج – عزلة المجتمع‪ :‬إف العزلة قد تككف مفركضة عمى المجتمع كاالستعمار‪ ،‬ككذلؾ بالنسبة‬
‫لحالة الزنكج في أمريكا الذيف يعيشكف في مناطؽ منعزلة خاصة بيـ تعرؼ باسـ المناطؽ السكداء‪،‬‬
‫كقد تككف عزلة ذاتية يفرضيا المجتمع عمى نفسو كما حدث في ركسيا بعد الثكرة البمشفية عاـ‬
‫‪ ،0809‬أك إقامة الييكد في مناطؽ أك أحياء خاصة بيـ بيدؼ المحافظة عمى أصكليـ الساللية‬
‫كالقكمية كالدينية كالثقافية‪.2‬‬

‫د – المحافظة عمى القيـ كالخكؼ مف التغير‪ :‬غالبان ما تقؼ الفئات المحافظة في المجتمع عقبة‬
‫أماـ إحداث التغير االجتماعي‪ ،‬حرصان عمى أكضاعيـ التقميدية دينية كانت أك اقتصادية أك‬
‫اجتماعية أك ثقافية‪.‬‬

‫‪ :1‬دالؿ استيتية‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.068‬‬


‫‪ :2‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.090-068‬‬
‫‪48‬‬
‫ىػ ‪ -‬تماسؾ الجماعة‪ :‬في المجتمعات الريفية التقميدية يتمسؾ الناس بفكرة مثالية تنعكس في‬
‫إحساسيـ بااللتزاـ المتبادؿ داخؿ إطار األسرة كالجماعة مف األصحاب‪ ،‬كتفضيميـ العاـ لالنتماء‬
‫إلى جماعة صغيرة كالرغبة في انتقاد أم فرد ينحرؼ عف السمكؾ المعتاد‪.1‬‬

‫‪ -2‬النزاعات‪:‬‬
‫تسكد لدينا فكرة بأف المجتمعات الريفية يسكدىا التماسؾ االجتماعي كاالتفاؽ العاـ إال أف األمر ال‬
‫يسمـ مف كجكد بعض الخالفات كالنزاعات الحزبية كالتي تؤدم إلى تجزئة القرية إلى أجزاء‬
‫متصارعة‪.‬‬

‫أ – التحزبات‪ :‬يجب أف تجرم البرامج المكجية لمجماىير بطريقة تسمح لعدد كبير مف الناس‬
‫باالشتراؾ فييا‪ ،‬كبالتالي يمكف تقميؿ معارضتيا‪ ،‬لككف المجتمعات التي تككف في طكر انتقاؿ‬
‫الحزبيات كاالنقسامات غالبان‪ ،‬لذا نجد أنو إذا أخذت مجمكعة أك حزب بفكرة معينة فإف المجمكعة‬
‫المضادة سترفض ىذه الفكرة دكف تقييميا أك حتى التفكير فييا‪.‬‬

‫ب – ذكك المصمحة الخاصة (الجماعات المصمحية)‪ :‬إف كثي انر مف التغيرات االجتماعية‬
‫كاالقتصادية المشجعة عالميان تفسر في الكقت الحاضر عمى أنيا محددة ألماف بعض األفراد‬
‫كالجماعات‪.‬‬

‫ج – مصادر السمطة‪ :‬في مجتمع القرية يقع جانب كبير مف السمطة في نطاؽ األسرة طبقان لمتقاليد‬
‫المكضكعة كتكجد أنكاع أخرل مف السمطة داخؿ البنياف السياسي‪ ،‬كذلؾ فإنو قد تكجد متمركزة في‬
‫أيدم بعض الشخصيات الفريدة في نكعيا الذم ليـ تأثيرىـ المباشر عمى تصرفات باقي األفراد‪،‬‬
‫دكف أف يككف لذلؾ صفة رسمية‪ ،‬باإلضافة لذلؾ تكجد أنكاع أخرل مف السمطة خارج نطاؽ القرية‬
‫كالتي يككف ليا تأثير أقكل مف السمطة المحمية كىي خاصية تتميز بيا المجتمعات التقميدية‪ ،‬كالتي‬
‫تشمؿ السمطة داخؿ نطاؽ األسرة‪ ،‬كداخؿ البنياف السياسي كاالجتماعي كسمطة الشخص الفريد‪.‬‬

‫‪ :1‬دالؿ استيتية‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره ‪ ،‬ص‪.098‬‬


‫‪49‬‬
‫ثانيان‪ :‬العكائؽ االقتصادية‬
‫‪ -1‬رككد حركة االختراعات كاالكتشافات العممية‪:‬‬
‫كىي نتيجة انعداـ ركح االبتكار كالتجديد‪ ،‬كتعكد إلى عكامؿ فرعية كثيرة منيا‪ :‬انخفاض‬
‫المستكل العممي‪ ،‬كالمستكل االجتماعي بكجو عاـ‪ ،‬كعدـ كجكد الحاجة الممحة الدافعة إلى‬
‫االختراع‪ ،‬مع مالحظة أف الشعكر بالحاجة كحده ال يكفي لالختراع‪ ،‬إذ البد مف تكفر المستكل‬
‫العممي كالتكنكلكجي‪ ،‬باإلضافة إلى المناخ الثقافي المالئـ‪ ،‬لكي يصبح االختراع ممكنان‪.‬‬

‫إف شركط االختراع تتطمب كجكد الشخص القادر كاإلمكانيات الالزمة كالبيئة االجتماعية المالئمة‪،‬‬
‫كأف نقص اإلمكانات االقتصادية الالزمة يحكؿ دكف تقدـ االختراعات كبالتالي إعاقة عممية التغير‬
‫االجتماعي‪.‬‬

‫‪ -2‬التكمفة المالية‪:‬‬
‫يرغب األفراد في امتالؾ المخترعات التكنكلكجية إال أف ارتفاع تكمفتيا المالية يحكؿ دكف تحقيؽ‬
‫ذلؾ‪ ،‬أم أف تكفر الرغبة ال يكفي‪ ،‬ما لـ تتكفر القدرة المالية التي تسمح باالقتناء‪.‬‬

‫إف المكقؼ االجتماعي يجب أف يؤخذ في االعتبار كعامؿ مؤثر في عممية التغير‪ ،‬كأف تحقيؽ‬
‫الفائدة المادية ليس ىك العامؿ الحاسـ أك الكحيد في تبني التجديد‪.‬‬

‫كيرتبط المكقؼ اتجاه التجديد بمدل الفائدة االقتصادية المتكقعة منو مف ناحية عامة‪ ،‬فكمما تحققت‬
‫فائدة أعمى كاف االقباؿ أعـ كأشمؿ‪.1‬‬

‫‪ -3‬محدكدية المصادر االقتصادية‪:‬‬


‫إف شح المكارد االقتصادية لدل المجتمعات مف شأنو أف يعيؽ عممية التغير االجتماعي‪،‬‬
‫فالمجتمعات التي ال تتكافر فييا الثركة المعدنية أك الطبيعية‪ ،‬ال تحدث فييا تغيرات اجتماعية كبيرة‪،‬‬
‫كليذا فإف المجتمعات النامية كالفقيرة منيا ال تستطيع أف تمبي حاجات أفرادىا‪ ،‬فتبقى عمى مستكل‬
‫الكفاؼ‪ ،‬كينخفض فييا التراكـ الرأسمالي الذم يؤدم بدكره إلى انخفاض معدؿ االستثمار‪.‬‬

‫‪ :1‬دالؿ استيتية‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره ‪ ،‬ص ‪.099-094‬‬


‫‪50‬‬
‫في حيف اف المجتمعات الصناعية المتقدمة ذات المكارد االقتصادية العالية تقكـ فييا معدالت‬
‫التغير بسيكة كيسر‪ ،‬فالمصادر االقتصادية تساعد في انجاح خطط التنمية‪.‬‬
‫كصؼ البرتيني االقتصاد المتخمؼ بثالث خصائص‪:‬‬
‫أ – أنو اقتصاد تقميدم‪ :‬كيسكد الزراعة فيو أنماط بدائية اإلنتاج‪.‬‬
‫ب – يتصؼ االقتصاد المدني فيو بضعؼ اإلنتاج‪ ،‬كال ينتج إال القميؿ مما يستيمؾ‪ ،‬كالباقي‬
‫يستكرد أم أنو اقتصاد تابع كال تتكفر فيو الجدكل االقتصادية‪.‬‬
‫ج – يتميز باقتصاد الشركات متعددة الجنسيات التي تقكـ عمى خدمة مصالحيا الخاصة في‬
‫الدرجة األكلى‪ ،‬كغير منسجمة في إنتاجيا كتشغيميا مع البمد النامي‪ ،‬باإلضافة إلى أف أرباحيا‬
‫تذىب لمخارج‪.‬‬

‫عمكمان‪ ،‬يؤدم نقص المكارد االقتصادية إلى محدكدية عممية التغير كاعاقتيا‪ ،‬فالكسائؿ المادية‬
‫ال يمكف الحصكؿ عمييا إال بالماؿ‪ ،‬ككذلؾ االختراعات كالمصانع‪ ،‬فالمقدرة المادية ىي التي‬
‫تساعد في الحصكؿ عمى ذلؾ كفي غيابيا تمغى عممية التغير‪.1‬‬

‫ثالثان‪ :‬العكائؽ االيككلكجية‪:‬‬

‫إف تأثير البيئة الطبيعية عمى المجتمعات كاضح سكاء أكاف إيجابان أـ سمبان‪ ،‬فالبيئة الطبيعية‬
‫مف مناخ كسيكؿ كجباؿ كأنيار تؤثر في تككيف حضارة المجتمعات‪ ،‬فشح المكارد الطبيعية يعيؽ‬
‫عممية التغير‪ ،‬كبناء حضارة كبيرة‪ ،‬فالعزلة الطبيعية التي تعيشيا المجتمعات نتيجة أحاطتيا‬
‫بالصحراء أك بمنطقة جبمية كعرة المسالؾ‪ ،‬مف شأنيا أف تعيؽ اتصاؿ المجتمع بغيره مف‬
‫المجتمعات األخرل‪.‬‬

‫رابعان‪ :‬العكائؽ السياسية‬

‫‪ -0‬العكائؽ السياسية الداخمية‪ :‬ىناؾ عكائؽ سياسية عديدة تقؼ أماـ عممية التغير منيا‪:‬‬

‫أ – ضعؼ اإليديكلكجية التنمكية‪ :‬تخضع عممية التغير لمسياسة الداخمية لمدكلة‪ ،‬كذلؾ كفؽ‬
‫اإليديكلكجية التي تتبناىا‪ ،‬فحينما تككف اإليديكلكجية غير كاضحة‪ ،‬كمتأرجحة فإف ذلؾ ينعكس‬

‫‪ :1‬دالؿ استيتية‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره ‪ ،‬ص ‪.098-099‬‬


‫‪51‬‬
‫عمى المنيج التنمكم القائـ‪ ،‬األمر الذم يؤدم إلى قصكر في خطط التنمية‪ ،‬فخطة التنمية تصاغ‬
‫في إطار إيديكلكجي سياسي‪ ،‬ألف التنمية عممية سياسية في المحؿ األكؿ‪ ،‬في البناء كالتطبيؽ‬
‫كاإلشراؼ‪.‬‬

‫ب – تعدد القكميات كاألقميات داخؿ المجتمع‪ :‬غالبان ما تقؼ أماـ التغير حفاظان عمى التكازف العاـ‬
‫داخؿ المجتمع‪ ،‬فأم إصالح أك تغيير غالبان ما يقابؿ بعدـ استجابة أك معارضة مف قبؿ تمؾ‬
‫الفئات التي قد تتضرر مصالحيا داخؿ المجتمع عمى عكس المجتمع المتجانس‪.‬‬

‫ج – عدـ االستقرار السياسي‪ :‬مف شأف االستقرار أف يسيؿ عممية التغير كيؤدم إلى تحقيقيا‪،‬‬
‫حيث تتكجو جيكد السمطة كالشعب نحك التغير المنشكد‪ ،‬كفي حاؿ عدـ االستقرار السياسي فإف‬
‫جيكد السمطة تككف مكزعة في بيف إعادة استتباب األمف‪ ،‬كتنمية المجتمع‪ ،‬ناىيؾ عف ىجرة‬
‫األدمغة نحك الخارج‪.1‬‬

‫‪-2‬عكائؽ السياسية الخارجية‪:‬‬


‫أ – السياسة االمبريالية‪ :‬مف المعركؼ أف االمبريالية تفرض ىيمنتيا عمى المستعمرات‪ ،‬كتحارب‬
‫كؿ تغير إيجابي قد يحدث في البمداف المستعمرة فيي تفرض السياسة التي تتالءـ مع كجكدىا‪،‬‬
‫كىي سياسة مناقضة لمصالح الشعكب المقيكرة‪ ،‬عالكة عمى فرض ثقافتيا كحضارتيا التي ال‬
‫تتالءـ كثقافة المستعمرات مما يؤدم في النياية إلى إعاقة عممية التغيير‪.‬‬

‫ب – الحركب الخ ارجية‪ :‬ال شؾ أنيا تستنزؼ مكارد مالية ىائمة يككف المجتمع بحاجة إلييا مف‬
‫أجؿ إحداث التنمية‪ ،‬كما أنيا قد تؤدم إلى تدمير الثركة المادية كالبشرية‪.2‬‬

‫خامسان‪ :‬العكائؽ الثقافية‬

‫تتعرض كؿ المجتمعات اإلنسانية لظاىرة التغير‪ ،‬كعمى ذلؾ يمكف النظر إلى كؿ مجتمع عمى أنو‬
‫عرضة لنكعيف مف القكل‪ :‬قكل تعزز حدكث التغير كتعضده‪ ،‬كأخرل تعرقمو كتحد مف فاعميتو‪،‬‬
‫كمف ىنا تبدأ عناصر الثقافة في المجتمع مرة أخرل‪ ،‬كتكيؼ نفسيا في بناء أكثر انسجامان كتالؤمان‪،‬‬

‫‪ :1‬دالؿ استيتية‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره ‪ ،‬ص‪.098-090‬‬


‫‪ :2‬المرجع نفسو‪ ،‬ص ‪.092-098‬‬
‫‪52‬‬
‫كفي خالؿ ىذه الدينامية الثنائية تنعكس لنا قكل الثبات الثقافي النسبي‪ ،‬كالميؿ إلى التغير المتكازف‬
‫بيف القكل القائمة‪.‬‬
‫قد تككف عكامؿ لمتثبيت االثنكجرافي‪ ،‬أك تككف عكامؿ منشطة إلحداث التغير الثقافي ىي‪:‬‬
‫‪ -0‬البيئة أك المكاف‪ :‬قد تقدـ إمكانيات تفيد سكانيا‪ ،‬أك تصبح عديمة الجدكل ليـ‪ ،‬كفي الحالة‬
‫الثانية تضع البيئة العراقيؿ أماـ التيار التكنكلكجي الطاغي‪ ،‬كما يمكف أف تضع مف العقبات ما‬
‫يكفي لمحد مف فاعمية التكاصؿ بيف الشعكب‪ ،‬كبالتالي تحكؿ دكف كصكؿ التيارات كالمكجات‬
‫الالزمة لتحقيؽ التغير المنشكد‪ ،‬بيد أف العزلة ليست كحدىا عامالن معكقان لمتغير‪ ،‬كانما ىي عامؿ‬
‫كسيط تعضده عكامؿ أخرل كقمة السكاف كعقـ الكسائؿ التكنكلكجية كندرة كجكد المستحدثات‪.‬‬

‫‪ -8‬العكامؿ التاريخية‪ :‬تميؿ إلى أف تككف المخرج مف أسر العكامؿ البيئية كمعكقاتيا‪ ،‬كذلؾ مف‬
‫خالؿ ما تقدمو العكامؿ األكلى مف منبيات أك مثيرات إلحداث التغير الثقافي‪ ،‬كمثاؿ ىذه العكامؿ‬
‫االنحراؼ الثقافي كالصدفة التاريخية‪ ،‬كىما عامالف قد ينبعاف مف داخؿ الثقافة أك خارجيا‪،‬‬
‫كالرحالت كالغزك‪.‬‬

‫‪ -2‬العكامؿ النفسية‪ :‬تتضمف ميكانيزمات تقبؿ الجديد كتعتنقو‪ ،‬أك تمفظو كترفضو‪ ،‬كىي مبعث‬
‫السمكؾ اإلنساني‪ ،‬كمظير خاص لعممية التعمـ في مستكيييا المبكر‪ ،‬كالراشد‪.‬‬

‫كعمى ذلؾ ينبغي النظر إلى العكامؿ التي تشؿ عممية التغير الثقافي عمى أنيا حكاجز تنطكم عمى‬
‫مضمكف ثقافي كبالتالي فيي حكاجز ثقافية‪ ،‬مع مراعاة أف العكامؿ النفسية كالثقافية كاالجتماعية‬
‫المعرقمة لمتغير تكجد في إطار اقتصادم‪ ،‬كمف ثـ فالبد مف مراعاة العامؿ االقتصادم الياـ الذم‬
‫يعطي لمعكامؿ السابقة جدكاىا كفاعميتيا‪.‬‬

‫‪ -4‬نكعية التراث كطبيعتو‪ :‬تتضمف بعض الثقافات أىمية كبرل عمى قيمة االبتكار كالتغير‪،‬‬
‫كلذلؾ فيي ترل في الشيء الجديد مبر انر كافيان لفحصو كتطبيقو‪ ،‬بينما نالحظ مجتمعات أخرل أف‬
‫التراث يمارس سطكة كبيرة عمييا كيتسـ أيضان بالمحافظة الثقافية‪ ،‬كمرد ذلؾ إلى الطابع النسقي‬
‫المتكامؿ لمثقافة‪ ،‬كفي ضكء ىذا الطابع يتشكؾ القركم مثالن في األشياء الجديدة كلف يقبؿ عمييا أك‬
‫يقبميا‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫كتمعب األمثاؿ الشعبية دك انر بار انز في التثبيت االثنكجرافي‪ ،‬كبالتالي في الحيمكلة دكف حدكث‬
‫التغير الثقافي سريع اإليقاع‪ ،‬حيث أف المثؿ صكرة مختزلة بخبرة مكقؼ اجتماعي‪ ،‬كعمى ذلؾ قد‬
‫يككف المثؿ‪ ،‬متضاربان مع غيره كىذا التضارب ال يرجع إلى تضارب الكجداف الشعبي بقدر ما‬
‫يرجع إلى اختالؼ المكاقؼ ذاتيا‪ ،‬كالمثؿ إذف مكقؼ كليس إال‪ ،‬كطالما أف المكاقؼ متنكعة‬
‫كمتباينة فالبد أف تتنكع األمثاؿ كتتبايف‪.‬‬

‫‪ -5‬التكاكؿ‪ :‬ترتبط اتجاىات التكاكؿ ارتباطان كثيقان بقكل التراث السائد‪ ،‬كلذلؾ ففي المجتمعات غير‬
‫الصناعية التي لـ تحقؽ السيطرة الكاممة عمى قكل الطبيعة‪ ،‬ينسب الجفاؼ كالفيضاف إلى القكل‬
‫فكؽ الطبيعية التي تزكر اإلنساف سكاء كانت آلية أك أركاحان شريرة‪ ،‬كعمى ذلؾ عمى اإلنساف أف‬
‫يستعطفيا‪ ،‬ال أف يتحكـ فييا‪ ،‬بينما ال تقدـ األشكاؿ االقتصادية كالتكنكلكجية فييا لمفالح ما يقيـ‬
‫األكد فيظؿ خاضعان ليا‪ ،‬كأف دؿ ذلؾ عمى شيء فإنما يدؿ عمى قصر نظر كما يذىب إلى ذلؾ‬
‫ىيرسككفيتس كبالتالي يككف التكاكؿ بمثابة التكيؼ األفضؿ الذم يقكـ بو اإلنساف إزاء القنكط‪ ،‬ككؿ‬
‫ما يعجز عنو‪.‬‬

‫‪ -6‬معايير التكاضع السائدة‪ :‬غالبان ما تكجد عكائؽ تعرقؿ التغير الثقافي المكجو‪ ،‬كيقصد بيذا‬
‫النكع العالقة بيف الرجؿ كالمرأة‪ ،‬كتظير ىذه العالقة كاضحة في حمالت الصحة العامة بيف‬
‫الطبيب كالنسكة الحكامؿ‪ ،‬كعمى سبيؿ المثاؿ لمتقميؿ مف معدؿ كفيات األطفاؿ كالمالحظ في بعض‬
‫البالد النامية في بداية دخكؿ الطب الرسمي بيا أف المرأة الحامؿ كانت تفضؿ تجنب الرعاية‬
‫الطبية خشية أف يفحصيا طبيب رجؿ يطمع عمييا‪ ،‬كلذلؾ كاف الزكج ىك حمقة الكصؿ بيف‬
‫الطرفيف‪.‬‬

‫‪ -7‬تضارب السمات الثقافية‪ :‬مف المعركؼ أف ىناؾ عناصر ثقافية يسكد بينيا االنسجاـ‬
‫المنطقي‪ ،‬كفي حيف تكجد أخرل تنطكم عمى تضارب بيف بعضيا البعض‪ ،‬كيؤدم ىذا التضارب‬
‫كعدـ االتساؽ إلى الحيمكلة دكف حدكث التغير الثقافي‪.‬‬

‫‪ -8‬النتائج غير المتكقعة لمتجديد‪ :‬ال يمكف أف يحدث تغير في حالة منعزلة كبال نتائج ثانكية‬
‫كأكلية كثالثة عمى نطاؽ كاسع في المجتمع المتغير‪ ،‬أنو ىنا مثؿ حجر نمقيو في الماء فيحدث‬
‫حمقات آخذة في االتساع إلى أف يفقد تأثيره قكة الدفع‪ ،‬كذلؾ حاؿ التجديد حيث يترتب عميو تأثيرات‬

‫‪54‬‬
‫دائرية في الثقافة‪ ،‬فإف التجديد يتعرض لممقاكمة إذا أحدث آثا انر جانبية سيئة‪ ،‬كعمى ذلؾ ينبغي بذؿ‬
‫المجيكدات الكبيرة لمتغمب عمى ىذه السكءات مف ناحية‪ ،‬كالتفحص الدقيؽ لمتجديد قبؿ نشره مف‬
‫ناحية أخرل حتى ال يؤتي آثا انر ضاره‪ ،‬كحتى ال يقاكمو المستقبمكف لو‪.‬‬

‫‪ -9‬المعتقدات الشعبية‪ :‬تكجد صكر عديدة مف ىذه المعتقدات التي تعرقؿ التغير عمى كجو‬
‫العمكـ‪ ،‬مثؿ أكؿ المبف كشرب السمؾ‪ ،‬لما في ذلؾ مف أضرار‪ ،‬كغير ذلؾ‪.‬‬

‫‪ -11‬القيـ كاالتجاىات كالتقاليد‪:‬‬


‫أ – التقاليد‪ :‬لكؿ مجتمع تقاليده السائدة بو كالمسيطرة عميو كالتي تؤثر عمى مدل تقبؿ المجتمع‬
‫لمتغير‪ ،‬فمثالن المجتمعات الصناعية يسكد بيا ثقافة تحفز كتدعك لمتغيير كاألخذ بالحديث مف‬
‫المبتكرات كتكلي ذلؾ أىمية خاصة فالجديد بيا يجذب انتباه الناس إليو كيدعكىـ لمحاكلة تجربتو‪،‬‬
‫فيناؾ عالقة كثيقة الصمة بيف االقتصاد كبيف ظيكر التقاليد الدافعة لمتغير‪ ،‬كعمى العكس في‬
‫المجتمعات غير الصناعية التقاليد ال تدفع لمتغير‪.‬‬

‫ب – االعتقاد في الحظ كالنصيب‪ :‬إنيا مرتبطة ارتباطان كثيقان بالقكل التقميدية‪ ،‬كتعتبر أحد‬
‫المعكقات اليامة لعممية التغير كلقد تمكنت المجتمعات الصناعية مف أف تثبت لنفسيا أف لدييا قدرة‬
‫كبيرة عمى التحكـ في الظركؼ الطبيعية كاالجتماعية كتطكيعيا لصالحيا‪ ،‬كال تعتبر أم كضع غير‬
‫مرغكب فيو أم انر مستحيالن كلكف تعتبره تحدم لقدرتيا لذلؾ‪ ،‬عكس المجتمعات غير الصناعية‪.‬‬

‫ج – التعصب الثقافي‪ :‬يعتقد جميع البشر بمختمؼ ثقافتيـ أف أنظمتيـ كطريقة معيشتيـ ىي‬
‫الطريقة الطبيعية كالمثمى بالمقارنة بالطرؽ األخرل كاف جكىر الثقافة الحقيقي يتعمؽ بما نفكر فيو‬
‫كنعممو بما يشممو مف اتجاىات سمككية كعقائد دينية كأشكاؿ اجتماعية كأف القيـ المطمقة تؤكد أف‬
‫االعتقاد العاـ في رفعة ثقافة معينة مف أىـ القكل التي تؤدم إلى االستقرار‪.‬‬

‫د – الشعكر بالعزة كالكرامة‪ :‬في المجتمعات التقميدية يكلي الناس اىتمامان كبي انر لألشياء التي تمس‬
‫بعزتيـ أك كرامتيـ كلك مف بعيد كمرجع ذلؾ اعتدادىـ بثقافتيـ كقكميتيـ كنكع الحياة التي‬
‫يعيشكنيا‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫ق ‪ -‬معايير التكاضع‪ :‬ال تخمك أم ثقافة مف الثقافات مف عنصر التكاضع كىذه األفكار مصطمح‬
‫عمييا ثقافيان كتتبايف كثي انر مف ثقافة ألخرل فمثالن ما يعد سمككان صالحان كمحمكدان في ثقافة معينة قد‬
‫يعد نفس السمكؾ في مجتمع آخر مستيجف مما يجعؿ ىذه المعايير تقؼ كعائؽ لبعض برامج‬
‫التغيير المكجية‪.1‬‬

‫سادسان‪ :‬العكائؽ السيككلكجية‬

‫ال يتكقؼ قبكؿ الناس أك رفضيـ لفرصة جديدة تعرضكا ليا لمجرد كجكد نمط مناسب لمعالقات‬
‫االجتماعية كتكافر الظركؼ االقتصادية بؿ أيضان يتأثر بالعكامؿ السيككلكجية مثؿ كيفية تصكر‬
‫الشخص لمشيء الجديد ىؿ يتخيمو مثؿ األخصائي أك بكجية نظر أخرل فالظاىرة الكاحدة يفيميا‬
‫كؿ مجتمع بطريقة مختمفة‪.‬‬

‫‪ -1‬التبايف التصكرم كاإلدراكي بيف الثقافات‪:‬‬

‫أ – االتجاه إلى الحككمييف‪ :‬غالبية البرامج المستخدمة لمتغيير المكجو بمعظـ بمداف العالـ كالتي‬
‫تقكـ بيا الحككمة مف خالؿ ىيئاتيا المخصصة تكاجو بالتشكيؾ مف قبؿ أفراد المجتمع كيرجع ذلؾ‬
‫إلى خبرات سابقة ليـ في التعامؿ المباشر مع أجيزة الحككمة‪ ،‬كليس ككف األخصائي ممثؿ‬
‫الحككمة فقط ىك ما يشكؿ عائؽ لمتغيير بؿ لككنو غريبان أيضان كغير مفيكـ لجميع سكاف المجتمع‪.‬‬

‫ب – النظرة إلى اليدايا‪ :‬تميؿ بعض المؤسسات إلى إعطاء الفالحيف معكنات في صكرة أشياء‬
‫كالسمع كالخدمات بدكف مقابؿ كلكننا نجد في معظـ األحكاؿ أف األفراد الفالحيف ال يقبمكف عمييا‬
‫بالرغـ مف فقرىـ كيرجع ذلؾ إلى نظرتيـ إلى ىذه األشياء باعتبارىا فاسدة أك ليست ذات فائدة‬
‫لذلؾ فاألفضؿ أف تعطى ىذه المنح كلكف بسعر رمزم لتالفي ىذا الشعكر‪.‬‬

‫ج – االختالؼ التخيمي لألدكار‪ :‬يكجد بكؿ مجتمع اختالؼ أك تبايف لما يتكقعو األفراد مف‬
‫اآلخريف كما يتكقعو اآلخركف منيـ كذلؾ بمختمؼ المكاقؼ كبالطبع ذلؾ يؤدم عمى حدكث‬
‫المشاكؿ في المكاقؼ الثقافية المتداخمة نظ انر الختالؼ التكقعات‪.‬‬

‫‪ :1‬دالؿ استيتية‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره ‪ ،‬ص ‪.086-094‬‬


‫‪56‬‬
‫د – اختالؼ النظرة إلى الغرض الحقيقي‪ :‬اختالؼ كجيات النظر أثناء القياـ بتنفيذ برامج التنمية‬
‫كالتغيير المخطط بيف كؿ مف القائميف عمى كضعيا كبيف المنفذيف مف جية كبيف األعضاء‬
‫المشتركيف فييا بينيـ مف جية أخرل يمثؿ عائؽ لمتغيير‪.‬‬

‫‪ :2‬المشاكؿ االتصالية‪:‬‬

‫تحدث عممية االتصاؿ بنجاح عندما يشترؾ كؿ مف أخصائي التغيير كأعضاء المجتمع في ثقافتيـ‬
‫كلغتيـ نظ انر ألف األشخاص المشتركيف في المغة يستطيعكف أف يتفيمكا رمكزىا بسيكلة أكثر مف‬
‫األخرل‪ ،‬كمف أىـ المشاكؿ االتصالية صعكبة المغة كالمشاكؿ اإليضاحية‪.‬‬

‫أ – مشاكؿ المغة‪ :‬تظير بكضكح في اختالؼ المغة التي يستعمميا كؿ مف األخصائي كلغة‬
‫أعضاء المجتمع‪.‬‬

‫ب – مشاكؿ إيضاحية‪ :‬فميس مف السيؿ أف يتبع كيفيـ القركيكف الكسائؿ اإليضاحية فاألفالـ‬
‫كالشرائح كالممصقات كالنشرات قد تظير بصكرة مشكشة في ذىف األفراد غير المعتاديف عمييا‪ ،‬كقد‬
‫ال يدرؾ القركيكف بيف األحداث أك الصكرة المعركضة في األفالـ‪.‬‬

‫ج – مشاكؿ التعمـ‪ :‬يجب أف يدرؾ المرشد أف الخبرات كالمعمكمات كطرؽ تناكليما لممكضكعات‬
‫كأف بدت لو سيمة‪ ،‬إال أنيا قد ال تككف كذلؾ بالنسبة لمقركييف‪ ،‬المراد أف يكصؿ ليـ ىذه الخبرات‬
‫لذلؾ يجب عميو أف ينتبو لنكاحي القصكر في خبرات القركييف المراد تنميتيا كيساعده في إتماـ ذلؾ‬
‫عمى أكـ كجو بأف يككف كجكده معيـ بشكؿ مستمر يعطي القركم الفرصة إلقناع نفسو بتبني ذلؾ‬
‫الشيء الجديد‪.1‬‬

‫‪ :1‬دالؿ استيتية‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص ‪.088-086‬‬

‫‪57‬‬
‫محاضرات السداسي الثاني‬

‫‪58‬‬
‫المحكر األكؿ‪ :‬الفاعمكف االجتماعيكف في التغير االجتماعي‬

‫أكال‪ -‬النخب كالفعؿ االجتماعي‬

‫‪ -1‬مفيكـ النخب (الصفكة)‪:‬‬


‫أ‪ -‬التعريؼ المغكم‪ :‬في المغة العربية مفردة النخبة مشتقة مف نخب‪ ،‬ينتخب‪ ،‬انتخابا‪ ،‬كعرؼ بف‬
‫منظكر النخبة في قامكس لساف العرب بانيا اشتقت مف نخب كانتخب الشيء يعني اختاره‪ ،‬كنخبة‬
‫القكـ ىـ خيارىـ‪.‬‬
‫في المغة الفرنسية كممة نخبة ىي‪ Elite :‬كىي مشتقة مف كممة مف أصؿ التيني ‪Ex-legree‬‬
‫الذم يعني قطؼ كاختيار كجمع‪.‬‬
‫كما أف ىناؾ مف يرل بأف مفردة الصفكة ىي نفسيا كممة النخبة‪ ،‬كالصفكة مشتقة مف صفا‪ ،‬يصفك‪،‬‬
‫صفكا‪ ،‬كالمصطفى ىك المختار كالصفي ىك النقي مف كؿ شيء‪.1‬‬

‫ب‪ -‬التعريؼ االصطالحي‪:‬‬


‫النخبة مفردة جامعة مف معانييا إكبار النجاح الذم يحرزه الفاعمكف االجتماعيكف خالؿ نشاطيـ‪،‬‬
‫كاالكبار ىك التقدير كالتقكيـ بالمقارنة‪.‬‬
‫فالنخبة ىي زمرة اجتماعية بمغت داخؿ جماعة أكبر أعمى نسب نجاح‪ ،‬أرفع المعايير كالمشيرات‪،‬‬
‫كعميو ىناؾ عدد مف النخب مماثؿ لعدد فركع النشاط االجتماعي‪.2‬‬
‫‪ -‬أف الفركع االجتماعية الفاعمة تككف كفؽ تراتب طبقي يرل فييا التابعيف االجتماعية نمكذجيـ‬
‫المفضؿ مف القيـ التي يفضمكنيا‪ ،‬كمف ثمة فإف ىناؾ تراتب قيمي معيف‪ ،‬يرشدنا إلى كجكد ىيمنة‬
‫طبقية في المجتمع‪ ،‬كتحكؿ ىذا الكجكد(الفاعميف) إلى قدرة مييمنة يككف نتائجيا مائال في الطبقة‬
‫السائدة‪.‬‬
‫الذم يفضؿ استعماؿ مفيكـ طبقة عمى مفيكـ نخبة‪ .1‬كيرل "تكماس‬ ‫‪Bourdieu‬‬ ‫كيعد بيار بكر ديك‬
‫بكتكمكر" أف أقدـ استخداـ لمفيكـ النخبة في المغة االنجميزية يعكد إلى سنة ‪ ،0982‬حيث أنو تـ‬

‫‪ :1‬عبد اهلل كبار‪ ،‬النخبة الجامعية كالمجتمع المدني في الجزائر‪ ،‬مجمة العمكـ اإلنسانية كاالجتماعية‪ ، ،‬العدد ‪ ،00‬جكاف‬
‫‪ ،8102‬ص‪.806‬‬
‫‪ : 2‬خميؿ أحمد خميؿ‪ ،‬المفاىيـ األساسية في عمـ االجتماع‪ ،‬دار الحداثة بيركت‪ ،0894 ،‬ص‪.888‬‬
‫‪59‬‬
‫تكظيؼ مفيكـ النخبة‪ ،‬في القرف السابع عشر لكصؼ السمع ذات النكعية الممتازة‪ ،‬ثـ اتسع ىذا‬
‫المفيكـ لمداللة عمى الجماعات االجتماعية العميا كبعض الكحدات العسكرية العميا أك المراتب العميا‬
‫مف النبالة‪.‬‬

‫بيد أف المصطمح لـ يستخدـ استخداما كاسعا في الكتابات االجتماعية كالسياسية كاألكركبية‬


‫بكجو عاـ إال في أكاخر القرف التاسع عشر كفي ثالثينيات القرف العشريف في بريطانيا كأميركا بكجو‬
‫خاص‪ ،‬حينما انتصر ىذا المصطمح كساد استخدامو في النظريات السكسيكلكجية لمصفكة كعمى‬
‫األخص تمؾ التي تضمنتيا كتابات "فمفريدك باريتك"‪.2‬‬

‫كيعد باريتك ىك الذم أعطى صيتا لمصطمح النخبة فيك يرل بأف النخبة ىـ أفراد تكفرت‬
‫فييـ شركط التميز كالنجاح في إطار نشاط اجتماعي معيف؛ كىـ طبقة يتمتعكف بالمؤشرات األكثر‬
‫ارتفاعا في الفرع الذم يؤدكف فيو نشاطيـ‪.3‬‬

‫‪ -‬الصفكة ىي‪" :‬جماعة مف األفراد معركفة اجتماعيا أك سياسيا ليا خصائص كسمات ذات قيمة‬
‫معينة‪ ،‬كالقدرة العقمية أك الكضع اإلدارم المرمكؽ‪ ،‬أك القكة العسكرية‪ ،‬كىي خصائص ترتبط بدرجة‬
‫عالية مف الييمنة كالنفكذ"‪.‬‬

‫‪ -‬أكرد قامكس عمـ االجتماع تعريفا لمفيكـ" الصفكة" مفاده‪ :‬أف الصفكة ىي "جماعة صغيرة في‬
‫مجتمع ما‪ ،‬كفي ظرؼ معيف تحمؿ االسـ نظ ار ألنيا تتمتع بأىمية تعطييا لنفسيا أك يعطييا ليا‬
‫اآلخركف‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ :‬خميؿ أحمد خميؿ‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ، ،‬ص‪.882‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ :‬بكتكمكر‪ ،‬الصفكة كالمجتمع دراسة في عمـ االجتماع السياسي‪ ،‬ترجمة محمد الجكىرم كعميا شكرم‪ ،‬كآخركف‪ ،‬دار‬
‫المعرفة الجامعية االسكندرية‪ ،0899 ،‬ص‪.82‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ :‬عبد اهلل كبار‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.809‬‬

‫‪60‬‬
‫‪ -2‬نظرة عمماء االجتماع لمنخبة‪:‬‬

‫‪ -1-2‬النخبة عند فمفريدك باريتك ‪:1923-1848‬‬


‫يعد "فيمفريدك باريتك" مف أىـ عمماء االجتماع السياسي الذيف اىتمكا بدراسة النخبة‪ ،‬في‬
‫ارتباطا كثيؽ بمسألة اختالؿ المجتمع كتكازنو‪ ،‬بؿ يمكف القكؿ‪ :‬إنو أكؿ مف اىتـ بمفيكـ النخبة في‬
‫المجاليف االجتماعي كالسياسي‪ .‬كفي ىذا الصدد‪ ،‬يقكؿ جكف سككت‪ " :‬قدـ باريتك الكثير مف‬
‫المساىمات الجديرة بالذكر إلى عمـ االقتصاد كعمـ االجتماع السياسي‪.‬‬

‫كيعتقد عمماء االقتصاد بأنو ليبرالي كالسيكي‪ ،‬كلو ريادة في تطبيؽ نظرية االختيار العقالني‬
‫عمى اقتصاديات الرفاىية‪ .‬كعمى العكس مف ذلؾ‪ ،‬فعمى الرغـ مف ككنو مؤسس عمـ االجتماع‬
‫السياسي‪ ،‬كباألخص نظرية النخبة‪ ،‬فقد عرؼ عنو في ىذا المجاؿ‪ ،‬أنو ذلؾ المتعصب كالمناىض‬
‫لمديمقراطية‪ ،‬كيبحث في الالعقالنية في السياسة‪ .‬كفي الحقيقة‪ ،‬ظؿ باريتك إلى حد ما مخمصا‬
‫لمثمو القديمة‪ ،‬كلكنو عزل عدـ تحقيقيا إلى فشؿ السياسات الديمقراطية‪.1‬‬

‫كيعطي باريتك لمنخبة تعريفيف أحدىما كاسع‪ ،‬كالثاني ضيؽ؛ فالنخبة‪ -‬بالمفيكـ الكاسع‪ -‬ىي‬
‫تمؾ الفئة القميمة مف المجتمع التي حققت نجاحا في أنشطتيا المينية كالكظيفية‪ ،‬فكصمت إلى أعمى‬
‫مراتب اليرـ المجتمعي‪ ،‬مثؿ‪ :‬رجؿ األعماؿ الناجح‪ ،‬كالمجرـ الذكي‪ ،‬كالصانع الماىر‪ ،‬كاألستاذ‬
‫البارع‪ ،‬كالفناف المشيكر‪ ...‬كيعني ىذا أف ىذه النخب غير حاكمة‪.‬‬
‫أما بالمفيكـ الضيؽ‪ ،‬فالنخبة ىي تمؾ الفئة أك األقمية الحاكمة التي تممؾ السمطة كالنفكذ‬
‫كالقرار‪ ،‬كتمارس تأثيرىا في باقي الطبقات االجتماعية األخرل‪ ،‬قصد إقناعيا بتكجياتيا السياسية‬
‫كاإليديكلكجية‪ .‬كقد تتككف ىذه النخب مف الكزراء‪ ،‬كأمناء األحزاب‪ ،‬كالمعارضيف السياسييف‪،‬‬
‫كالمسؤكليف النقابييف‪ ،‬ككبار العسكر‪ ،‬كرجاؿ المقاكالت الصناعية النافذيف‪...‬‬

‫كعميو‪ ،‬فالنخبة ىي تمؾ الفئة أك األقمية التي تمتمؾ صفات استثنائية‪ ،‬كتتمتع بقدرات‬
‫ككفاءات طبيعية أك مكتسبة ىائمة جدا في بعض المجاالت أك في بعض األنشطة مف أنشطة‬

‫‪ :‬جكف سككت‪ :‬خمسكف عالما اجتماعيا أساسيا‪ ،‬ترجمة‪ :‬رشا جماؿ‪ ،‬الشبكة العربية لألبحاث كالنشر‪ ،‬بيركت‪ ،‬لبناف‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫الطبعة الثانية سنة ‪8102‬ـ‪ ،‬ص‪ .28:‬نقال عف حمداكم جماؿ مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.21‬‬

‫‪61‬‬
‫الحياة االجتماعية؛ كفي ىذا‪ ،‬يقكؿ باريتك‪ " :‬لنفرض نعطي لكؿ فرد‪ ،‬في جميع حقكؿ النشاط‬
‫اإلنساني‪ ،‬عالمة تدؿ عمى مياراتو بالطريقة نفسيا تقريبا التي تعطي فييا عالمات في‬
‫االمتحانات‪ ،‬كعمى سبيؿ المثاؿ‪ :‬نعطي مف يبرز في مينتو عشرة‪ ،‬كنعطي مف ال ينجح في‬
‫الحصكؿ عمى زبكف كاحد عالمة كاحدة‪ ،‬بشكؿ نستطيع معو إعطاء صفر لمف يككف غبيا حقا‪.‬‬
‫كنعطي عشرة لمف عرؼ أف يربح المالييف‪ ،‬سكاء كاف جديا أـ سيئا‪ .‬كمف يربح ألكؼ الميرات‬
‫نعطيو ست عالمات‪ .‬كمف يتكصؿ إلى عدـ المكت جكعا فقط نعطيو عالمة كاحدة‪ .‬كمف يعالج‬
‫في مأكل المعكزيف نعطيو صفرا‪...‬كىكذا دكاليؾ بالنسبة لجميع حقكؿ النشاط اإلنساني‪....‬كلننشئ‬
‫‪ -‬إذان‪ -‬طبقة مف ىؤالء الذيف ينالكف أعمى العالمات في الحقؿ الذم يبذلكف فيو نشاطيـ‪ ،‬كلنعطي‬
‫ليذه الطبقة اسـ النخبة"‪.1‬‬

‫كمف ىنا‪ ،‬يميز باريتك بيف الطبقة الشعبية العامة كالنخبة الخاصة‪ ،‬إذ تنجذب العامة‪ ،‬عمى‬
‫المستكل النفسي‪ ،‬إلى األفكار غير المنطقية كغير العقالنية؛ كىذا ما يجعؿ النخبة المتميزة بالدىاء‬
‫كالقكة كاإليديكلكجيا قادرة عمى استغالليـ لمفكز بالسمطة السياسية‪ ،‬كالظفر بيا‪ .‬كبعد ذلؾ‪ ،‬يميز‬
‫باريتك بيف النخبة الحاكمة كغير الحاكمة؛ كفي ىذا‪ ،‬يقكؿ‪ " :‬بالنسبة لمدراسة التي نقكـ بيا‪ ،‬كىي‬
‫دراسة التكازف االجتماعي‪ ،‬مف المستحسف أيضا تقسيـ ىذه الطبقة إلى اثنتيف‪ .‬نضع عمى حدة‬
‫ىؤالء الذيف يمثمكف‪ ،‬مباشرة أك غير مباشرة‪ ،‬دك ار بار از في الحككمة؛ فيـ يشكمكف النخبة الحككمية‪.‬‬
‫كالباقكف يشكمكف النخبة غير الحككمية‪...‬كتككف لدينا ‪ -‬إذان‪ -‬فئتاف مف السكاف‪ ،‬األكلى‪ :‬كىي الفئة‬
‫الدنيا‪ ،‬أك الطبقة الغريبة عف النخبة‪ ،‬كلف نبحث حاليا التأثير الذم يمكف أف تمارسو في الحككمة؛‬
‫الثانية‪ :‬كىي الفئة العميا‪ ،‬أك النخبة التي تقسـ إلى قسميف‪ :‬أ‪ -‬النخبة الحككمية؛ ب‪-‬النخبة غير‬
‫الحككمية‪.2‬‬

‫كعميو‪ ،‬فقد رفض باريتك التصكرات الماركسية التي ال تؤمف بكجكد النخب السياسية أك‬
‫االقتصادية‪ ،‬بؿ تعطي األىمية القصكل لمطبقة الدنيا‪ ،‬كتعتبرىا ىي األحؽ بامتالؾ السمطة‪ ،‬بعد‬
‫القضاء عمى الطبقة البكرجكازية‪ ،‬كاالستيالء عمى كسائؿ اإلنتاج‪ .‬في حيف‪ ،‬يرل باريتك أف النخبة‬
‫‪1‬‬
‫‪: Vilfredo Pareto: Traité de sociologie générale ,1919,p:1296‬‬
‫نقال عف حمداكم جماؿ مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪2‬‬
‫‪: Vilfredo Pareto: OP.cit,p:1304.‬‬
‫نقال عف حمداكم جماؿ مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪28‬‬
‫‪62‬‬
‫ىي البديؿ الحقيقي لضماف استقرار المجتمع‪ ،‬كتحقيؽ تكازنو المؤسساتي كاالجتماعي كاالقتصادم‬
‫كالنفسي‪ .‬فالعامة مف الناس مندفعة كجدانيا‪ ،‬تؤمف باألفكار الكىمية غير الحقيقية‪ .‬في حيف‪ ،‬تتميز‬
‫النخبة بقدرات كمؤىالت فائقة يسمح ليا بالسيطرة عمى الحكـ‪ ،‬كقيادة المجتمع‪.‬‬

‫كبيذا‪ ،‬تككف النخبة ىي البديؿ الحقيقي لألنظمة الماركسية أك االشتراكية‪ .‬كبالتالي‪ ،‬آمف‬
‫باريتك بتداكؿ النخبة عمى السمطة تحقيقا لمجتمع الديمقراطية‪ ،‬كرغبة في تحقيؽ تماسؾ المجتمع‬
‫كتضامنو كتكازنو‪ .‬كمف ثـ‪ ،‬حمت النخبة محؿ الصراع الطبقي‪ ،‬كحمت كممة الجماىير محؿ‬
‫البركليتاريا‪.‬‬

‫كعمى العمكـ‪ ،‬ال يمكف الحديث ‪ -‬إطالقا‪ -‬عف أم نظاـ سياسي بدكف الحديث عف القكة‬
‫كالسيطرة كاالستغالؿ‪ ،‬حتى في األنظمة االشتراكية كالشيكعية نفسيا‪ .‬لذا نجد نخبا مستغمة في كؿ‬
‫األنظمة السياسية كاالقتصادية كالعسكرية‪ ،‬تعمؿ جاىدة عمى تحقيؽ مصالحيا كمنافعيا الخاصة‪،‬‬
‫إلى جانب تحقيؽ المصالح العامة؛ كمف ثـ ترتبط الممكية الخاصة بالقكة كالنفكذ كالسيطرة كالييمنة‪.‬‬
‫كما يتحقؽ ذلؾ لمنخبة المنتقاة سياسيا أك اقتصاديا أك إداريا أك ثقافيا أك دينيا‪ .‬كمف ىنا‪ ،‬تبقى‬
‫المفاىيـ االشتراكية‪ ،‬مثؿ‪ :‬اإلرادة العامة‪ ،‬كالصالح العاـ‪ ،‬كالسيادة الشعبية مفاىيـ عاطفية كطكباكية‬
‫كخيالية أكثر مف ككنيا مفاىيـ عقالنية ككاقعية كمنطقية‪.‬‬

‫كقد قسـ باريتك النخب السياسية ‪ -‬عمى غرار تقسيـ مكيافيمي‪ -‬إلى نخبة الثعالب كنخبة‬
‫األسكد‪ .‬فالنخبة األكلى تتككف مف فئة الشيكخ‪ ،‬كقد استكلت عمى الحكـ بالدىاء كالحيمة كالخديعة‪.‬‬
‫كتتككف النخبة الثانية مف فئة الشباب التي تنتمي إلى الطبقة الدنيا مف عمكـ المجتمع‪ .‬كتدخؿ‬
‫النخبتاف معا في صراع كضغط‪ ،‬فالتي تنتصر تستكلي عمى الحكـ‪ ،‬كبعد فشميا كاضمحالليا‬
‫تستكلي النخبة المعارضة عمى الحكـ بشكؿ تناكبي دكرم؛ كبيذا تتحقؽ الديمقراطية‪ ،‬كيتحقؽ‬
‫التكازف االجتماعي‪ ،‬كتحافظ الدكلة عمى ىيبتيا كاستمرارىا كقكتيا‪ .‬كغالبا‪ ،‬ما تقكـ الحركب‬
‫كاألزمات االقتصادية في تغيير النخب بشكؿ تناكبي‪ ،‬بعد اشتداد الصراع كالجدؿ السياسي بيف‬
‫نخبة األسكد كنخبة الثعالب‪.1‬‬

‫‪ : 1‬جكف سككت‪ ،‬عمـ االجتماع المفاىيـ األساسية‪ ،‬ص‪ ،62-68:‬نقال عف حمداكم جماؿ‪ ،‬ص ‪.24-28‬‬

‫‪63‬‬
‫كمف ىنا‪ ،‬فالنخبة ىي التي تممؾ القكة‪ ،‬كالماؿ‪ ،‬كالنفكذ‪ ،‬كالذكاء بمفيكمو الكاسع‪ ،‬كالمؤىالت‬
‫العممية كالثقافية‪ ،‬كالكياسة‪ ،‬كحسف التصرؼ ‪ ...‬كما يتحدد المجتمع بطبيعة نخبتيا السياسية‬
‫الحاكمة‪.‬‬
‫كمف ثـ فالنخبة ىي التي تسير الطبقة الدنيا إما بالقكة‪ ،‬كاما بالحيمة كالدىاء‪ .‬كيعني ىذا أف ثمة‬
‫نخبتيف‪ :‬نخبة األسكد‪ ،‬كنخبة الثعالب‪ .‬كتخضع النخبة لمنطؽ التناكب الدكرم‪.‬‬
‫أضؼ إلى ذلؾ أف النخب الثكرية التي تقكد الثكرة ضد النخب القديمة‪ ،‬مدعية أنيا عمى حؽ‬
‫كصكاب‪ ،‬كأنيا تبحث عف سعادة الشعب كرفاىيتو‪ ،‬سرعاف ما تفشؿ في تحقيؽ العدالة كاإلنصاؼ‬
‫كالمساكاة كالحرية‪ ،‬فتؤدم بنخبتيا األرستقراطية إلى المقبرة‪ .‬كعميو فالتاريخ الحقيقي عند باريتك ىك‬
‫تاريخ مكت النخب الحاكمة كاألرستقراطيات ككالدتيا مف جديد‪.‬‬

‫كيعني ىذا أف تاريخ المجتمعات ىك تاريخ تعاقب النخب كاألقميات كاصطفائيا؛ تمؾ النخب التي‬
‫تتصارع مع النخب المضادة كالمعارضة كعندما تصؿ إلى الحكـ تشرع في تحقيؽ مصالحيا‪ ،‬ثـ‬
‫‪1‬‬
‫تسقط لتحؿ محميا نخب أخرل‪ ،‬كىكذا دكاليؾ‪...‬‬

‫‪ -2-2‬مفيكـ النخبة "الصفكة" عند "جيتانك مكسكا" ‪ :1941-1858‬الصفكة تتككف مف "أقمية‬


‫األشخاص الذيف يمسككف بالسمطة في المجتمع‪ ،‬كتتمثؿ ىذه األقمية في طبقة اجتماعية حاكمة أك‬
‫مسيطرة‪ ،‬تسمح ليا قكتيا باعتالء السمطة كىذا بفضؿ تنظيميا كطبيعة بنائيا‪ ،‬فأعضاء الصفكة‬
‫المسيطرة تربط بينيـ عالقات قرابة أك مصمحة أك ثقافة كغيرىا مما يضمف لمصفكة كحدة التفكير‬
‫كااللتحاـ في جماعات كطبقة مميزة"‪.‬‬
‫باإلضافة إلى االمتيازات االقتصادية التي تتمتع بيا الصفكة‪ ،‬فإنيا تقكـ بكاسطة كحدتيا كقكة‬
‫سمطتيا السياسية بالتأثير الثقافي عمى األغمبية غير المنظمة‪ ،‬كىذا ىك الذم يؤدم الى تفسير‬
‫الدكر التاريخي الذم تمعبو الصفكة في عممية التغير الثقافي‪.2‬‬

‫مكسكا كباريتك اىتما اىتماما خاصا بالصفكة بكصفيا جماعة مف األشخاص في كضع يسمح‬
‫ليا بممارسة السمطة أك في كضع يمكنيا مف التأثير بقكة عمى ممارسة السمطة السياسية‪ ،‬كفي نفس‬

‫‪ : 1‬جكف سككت‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره ‪ ،‬ص‪.29-29‬‬


‫‪ : 2‬د‪ /‬زاهر زكار‪ ،‬الصفىات(النخب) وجأثٍراجها فً المجحمع‪ http://www.stooob.com/394749.html !..‬جانفً ‪2012‬‬
‫‪64‬‬
‫الكقت نجد المفكراف يذىباف إلى أف الصفكة الحاكمة أك الطبقة السياسية مؤلفة مف جماعات‬
‫اجتماعية محددة‪ ،‬حيث الحظ باريتك أف المستكل األعمى مف المجتمع أم الصفكة يتضمف جماعة‬
‫مف الناس ليست دائما محددة تحديدا دقيقا يطمؽ عييا األرستقراطية‪ ،‬كفي ىذا السياؽ يشير‬
‫باريتكالى مجمكعة مف األرستقراطيات ( العسكرية كالدينية كالتجارية كطبقة األغنياء المتحكمة في‬
‫‪1‬‬
‫أخطر جكانب الحياة)‬
‫‪ -‬يعرفيا ىانز دريتزؿ (‪ )Hanz Dreitzel‬بقكلو‪ " :‬تتككف النخبة مف الذيف يحتمكف مكاقع سامية‬
‫في جماعة ما‪ ،‬أك في منظمة أك مؤسسة‪ ،‬كقد كصمكا إلى ىذه المكاقع المتميزة كالعالية بفضؿ‬
‫انتقائيـ عمى أساس قدراتيـ الكفائية األساسية‪ .‬كيممككف السمطة كالتأثير بفضؿ المناصب التي‬
‫يشغمكنيا‪ ،‬كليا قكة النفكذ‪ ،‬كيممككف قرار تغيير بنية المجتمع كالمعايير التي تتحكـ فييا‪ .‬كتؤىميـ‬
‫مكانتيـ ليككنكا نمكذجا لالقتداء كالتأثير في أفراد جماعتيـ‪.2‬‬

‫‪ -3-2‬مفيكـ النخبة ركبيرت متشمز ‪:1936-1876‬‬


‫استخدـ متشمز مفيكـ "االليجارشية" كالذم استميمو مف كاقع الحياة السياسية الغربية المعاصرة‬
‫التي تعيش ضمف الحكـ الديمقراطي‪ ،‬مف خالؿ دراسة عدد مف األحزاب السياسية (الحزب‬
‫االشتراكي الديمقراطي األلماني) كقد تبيف لو فيما بعد بأف ىذا الحزب كاف يتحكـ في تسيير أقمية‬
‫نخبكية قامت بتحكيمو فيما بعد إلى حزب "أكليجارشي" كأف كؿ األحزاب الكبيرة ستعرؼ ال محالة‬
‫نمكا في جيازىا االدارم كاستنبط قانكف ما يعرؼ القانكف الحديدم لألكليجارشية‪.‬‬
‫‪ -‬ثـ أف متشمر سعى لتحميؿ العالقة بيف النخبة كبقية الجماىير فكجد بأف القادة عندما يصمكف إلى‬
‫مراكز السمطة كبيذا فإنيـ يصبحكف جزءا مف النخبة حيث تتعارض مصالحيـ مع مصالح‬
‫الجماىير‪.‬‬
‫كما أف ىؤالء القادة يصعب عمييـ التنازؿ عف مناصبيـ‪ ،‬كيتكىمكف بأف بقاء التنظيمات التي‬
‫يتكلكنيا إنما يتكقؼ عمى بقائيـ في مناصبيـ‪ ،‬كىـ يكىمكف بيا جماىيرىـ‪.‬‬

‫‪ :‬بكتكمكر‪ ،‬الصفكة كالمجتمع دراسة في عمـ االجتماع السياسي‪ ،‬ترجمة محمد الجكىرم كعميا شكرم‪ ،‬كآخركف‪ ،‬دار‬ ‫‪1‬‬

‫المعرفة الجامعية االسكندرية‪،0899 ،‬ص‪.89‬‬


‫‪2‬‬
‫‪: Jacques Coenen-Huther: Sociologie des élites , 2004 ,p:101 .‬‬
‫نقال عن‪ :‬جمٌل حمداوي‪ ،‬سوسيولوجيا النخب النخبة المغربية أنموذجا‪ ،‬دون ذكر سنة ودار النشر وبلد النشر‪ ،‬ط‪،0‬‬
‫‪ ،2102‬ص‪www.alukah.net 5‬‬

‫‪65‬‬
‫‪ -4-2‬النخبة عند شارؿ رايت ميمز(‪:)1962 -1916‬‬
‫كيعرؼ ميمز النخبة‪ :‬انطالقا مف مبدأ السمطة كامتالؾ القرار‪ .‬كفي ىذا‪ ،‬يقكؿ‪ " :‬يمكننا أف نعرؼ‬
‫نخبة السمطة استنادا إلى كسائؿ القكة‪ ،‬تماما كما ىك األمر‪ ،‬بالنسبة لمف يحتمكف مراكز القيادة‪1‬؛‬
‫كيعني ىذا أف النخبة ال تتميز بالعالمات الجيدة كما عند باريتك‪ ،‬بؿ تتميز كذلؾ بمدل امتالكيا‬
‫لمقكة كالسمطة كالنفكذ‪ ،‬كحقيا في استصدار القرار‪.‬‬

‫قاـ رايت ميمز بتكظيؼ مفيكـ "نخبة السمطة" أك "النخبة الحاكمة" في كتابو الصادر سنة‬
‫‪ 0826‬حيث تركزت أعمالو عف القادة الحقيقيف الذيف يحكمكف الكاليات المتحدة في عيد الرئيس‬
‫ازنياكر‪ ،‬كتكصؿ إلى أنيـ يتمكقعكف في ثالثة مؤسسات كبرل كىي‪ :‬المؤسسة السياسية(الحزاب‬
‫كالبرلماف)‪ ،‬كالمؤسسة الصناعية‪ ،‬كالمؤسسة العسكرية‪ ،‬كقد أرجع ذلؾ إلى طبيعة المنظمات‬
‫الحديثة التي نشأت بسبب التغير كالتحكؿ الذم عرفو العالـ المعاصر(التقدـ العممي‪ ،‬الشركات‬
‫العمالقة‪ ،‬الرفاه االقتصادم) فيذه العكامؿ ىي المسؤكلة عف ظيكر نخبة السمطة في المجتمعات‬
‫الرأسمالية‪.‬‬

‫كيرل أف مفيكـ نخبة السمطة أكثر دقة عف مفيكـ الطبقة فالطبقة العالية أك الغنية تختمؼ‬
‫عف مفيكـ النخبة الحاكمة لككف النخبة الحاكمة إضافة إلى ككنيا غنية يضاؼ إلييا السمطة‪،‬‬
‫فمفيكـ النخبة ىك المفيكـ الذم يستطيع أف يشرح ديناميكية الييمنة التي استعممتيا ىذه األقمية‬
‫لمسيطرة عمى صناعة القرار في أمريكا كما كجد بأف ىناؾ عامالف يجمعاف ىذه الفئة كىما‪:‬‬
‫المصالح المشتركة‪ :‬بحيث تقكـ مجمعات الصناعة العسكرية بتمكيؿ حمالت مرشحي األحزاب‬
‫السياسية‪ ،‬بينما سيعمؿ ىؤالء عند تسميميـ لمقاليد السمطة بتسميح الجيش األمريكي عف طريؽ‬
‫شراء أسمحة المصانع العسكرية أك لشف حركب بغية تمكيف أصحاب ىذه المصانع مف بيع‬
‫األسمحة التي ينتجكنيا عبر العالـ‪.‬‬
‫التقارب االجتماعي‪ :‬يظير في نكعية التكافؽ النفسي كاالجتماعي بيف ىذه الفئة كالتي ستكمؿ‬
‫بعالقات مصاىرة كقرابة عائمية فيما بعد‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫‪: Wright Mills: The Power Elite (L'Élite du pouvoir). Traduction en français chez Agone en 2012 sous le titre‬‬
‫‪L'élite au pouvoir.1956.‬‬
‫نقالف عف حمداكم جماؿ ص‪42‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ -3‬أنكاع النخب‪:‬‬
‫يمكف الحديث عف أنكاع عدة مف النخب‪ ،‬فيناؾ نخب سياسية‪ ،‬كنخب إدارية‪ ،‬كنخب عسكرية‪،‬‬
‫كنخب اقتصادية‪ ،‬كنخب عممية‪ ،‬كنخب تربكية‪ ،‬كنخب فنية‪ ،‬كنخب دينية‪ ،‬كنخب تجارية‪ ،‬كنخب‬
‫مقاكالتية‪ ،‬كنخب تقميدية‪ ،‬كنخب مينية‪ ...‬بمعنى أف في كؿ مجتمع" تكجد فئات متفكقة في مختمؼ‬
‫المياديف‪ :‬االقتصادية كاالجتماعية كالسياسية‪ ،‬كتشكؿ كؿ فئة‪ ،‬في ميدانيا‪ ،‬الفئة المتفكقة‪ ،‬كيستند‬
‫ىذا التفكؽ إلى عكامؿ متعددة‪ ،‬قد تككف الثركة‪ ،‬أك السمطة‪ ،‬أك العقؿ‪ ،‬أك المكانة االجتماعية‪ ،‬مف‬
‫خالليا تحقؽ ىذه الفئة تفكقا كامتيا از عمى باقي مككنات ميدانيا‪.‬‬

‫تبعا لذلؾ‪ ،‬يمكف القكؿ‪ :‬إف في كؿ ميداف تكجد نخبة؛ مما يعني أف المجتمع يػتألؼ مف نخب‬
‫عدة‪ ،‬نخبة سياسية‪ ،‬كنخبة عسكرية‪ ،‬كنخبة اقتصادية‪ ،‬كنخبة ثقافية‪ ،‬كنخبة دينية‪ ،‬أك نخبة تمارس‬
‫سمطة معنكية في المجتمع‪ .‬كيمكف أف تحتكم النخبة في كؿ ميداف نخبا فرعية‪ ،‬عمى سبيؿ المثاؿ‪،‬‬
‫في إطار النخبة السياسية‪ ،‬يمكف الحديث عف النخبة الك ازرية‪ ،‬كالنخبة البرلمانية‪ ،‬كالنخبة‬
‫الديبمكماسية‪ ،‬كالنخبة الحزبية‪.2‬‬
‫تختمؼ التصنيفات التي ميزت بيف أنكاع كأشكاؿ النخب المتكاجدة في جؿ المجتمعات تقريبا غير‬
‫أنو يمكننا تناكؿ أىميا كىي كاآلتي‪:‬‬
‫‪-‬النخبة المثقفة (األنتيمجنسيا)‪ :‬األنتمجنسيا مصطمح ظير في ركسيا خالؿ القرف ‪08‬ـ كتشمؿ‬
‫جميع األشخاص الذيف تمقكا تعميما جامعيا يؤىميـ لالشتغاؿ بالميف الفنية العميا‪ ،‬ثـ اتسع مدلكلو‬
‫بعد ذلؾ لكي يشمؿ كؿ أكلئؾ الذيف يشكمكف جماعة األصغر التي تتألؼ ممف يسيمكف مباشرة في‬
‫ابتكار كنقد كنقؿ األفكار‪ ،‬كتظـ ىذه الفئة المؤلفيف‪ ،‬كالفنانيف‪ ،‬كالعمماء‪ ،‬كالفالسفة‪ ،‬كالمفكريف‪،‬‬
‫كالمتخصصيف في النظريات االجتماعية‪ ،‬كالمعمقيف السياسييف‪ ،‬كقد يصعب تعييف حدكد ىذه‬
‫الجماعة تماما ذلؾ أف المستكيات الدنيا منيا تختمط بميف الطبقة الكسطى‪ ،‬مثؿ التدريس‬
‫كالصحافة ككف الخصائص المميزة ليا التي تتعمؽ مباشرة بثقافة المجتمع كاضحة كضكحا كافيا‪.‬‬

‫‪ : 1‬عبد اهلل كبار‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.808-809‬‬


‫‪ :‬جميؿ حمداكم‪ ،‬سكسيكلكجيا النخب النخبة المغربية أنمكذجا‪ ،‬دكف ذكر سنة كدار النشر كبمد النشر‪ ،‬ط‪8102 ،0‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص‪.86‬‬

‫‪67‬‬
‫كما قد تختمؼ مككنات ىذه النخبة بيف المجتمعات المتقدمة كالمتحضرة كالمجتمعات المتخمفة أك‬
‫غير المتحضرة‪ -‬عمى حسب تعبير بكتكمكر‪.‬‬

‫كاف كانت النخبة المثقفة في فرنسا تمعب دك ار بار از في النقد كالمناقشات السياسية كاالجتماعية‬
‫في فرنسا حيث اف أغمب نكاب البرلماف الفرنسي ىـ مف النخب المثقفة‪ ،‬غير أف األمر قد يختمؼ‬
‫تماما في المممكة البريطانية‪ ،‬فنشاطيـ السياسي كاالجتماعي محدكد جدا مقارنة بالفرنسييف‪.‬‬
‫كمف ثـ تثبت الشكاىد التاريخية أف النشاط السياسي كاالجتماعي التي تحرؾ التغير االجتماعي‬
‫لمنخبة المثقفة في أم مجتمع مف المجتمعات ينطبع بانتماءاتيـ كطبقاتيـ االجتماعية التي ينتمكف‬
‫الييا‪.1‬‬
‫‪-‬النخبة السياسية‪ :‬حيث أف كثير مف الدراسات ركزت عمييا كأقمية تتحكـ في مقاليد السمطة‬
‫خاصة دراسات "مكسكا" كتمميذه "متشمز" المذاف تناكال الفئة التي تتحكـ في السمطة كعمكما يمكف‬
‫القكؿ بأف زعماء األحزاب السياسية كرؤساء الحككمات كالكزراء كأعضاء البرلماف كمجمس الشيكخ‪،‬‬
‫كميـ يشكمكف صدارة النخبة السياسية في المجتمعات المعاصرة‪.‬‬
‫‪-‬النخبة البيركقراطية‪ :‬ككذلؾ تسمى بالنخبة التكنكق ارطية كىـ مجمكعة مف اإلدارييف الذيف تخرج‬
‫أغمبيـ مف الجامعات كمراكز التككيف كبعد شغميـ لكظائؼ إدارية بكاسطة الخبرة كالترقية يرتقكف‬
‫إلى مصاؼ النخبة اإلدارية التي تصبح مف صانعي القرار اإلدارم كالتسيير كادارة الشأف العاـ‪.‬‬
‫‪-‬نخبة رجاؿ األعماؿ‪ :‬تتككف ىده الفئة مف أفراد تمكنكا عف طريؽ التجارة أك الصناعة أك‬
‫السياسة أك المضاربة مف تككيف ثركات بحيث أنيـ يشكمكف أرقاما ميمة في مجاؿ الماؿ كاألعماؿ‬
‫كىـ أصحاب ممتمكات كعقارات كشركات كأرصدة مالية ضخمة كىـ يتجمعكف في اتحادات خاصة‬
‫بيـ‪ ،‬حيث ينظر الييـ بأنيـ مف أخطر النخب المؤثرة عمى صناعة القرار السياسي المحمي‬
‫كالدكلي‪.‬‬
‫‪-‬النخبة العسكرية‪ :‬ينظر الى الضباط السامكف بأنيـ يشكمكف نخبة القكات العسكرية حيت‬
‫يتكزعكف عمى قيادة األركاف أك كعمداء لمنكاحي العسكرية كما أف ىناؾ مف يرل بأف نخبة جنكد‬
‫القكات المسمحة إنما تكمف في "قكات القناصة" باإلضافة إلى "القكات الخاصة"‪.‬‬

‫‪ : 1‬بكتكمكر‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪80-96‬‬


‫‪68‬‬
‫‪-‬النخبة الدينية‪ :‬كتتمثؿ في القادة الدينيكف ككجياء الطكائؼ الدينية كعمماء الالىكت كالعقيدة‬
‫ككؿ مف يشكمكف مراجع دينية أك أصبحكا زعماء ألتباع تجمعيـ رابطة دينية‪ ،‬فمثال يشكؿ بابا‬
‫الكاثكليؾ ككارديناالت الفاتيكاف نخبة المسيحييف‪ ،‬بينما يعد الفقياء كعمماء الديف عند المسمميف‬
‫نخبة النخب الدينية بال منازع‪.‬‬
‫‪-‬النخبة الرمزية‪ :‬يعتقد بعض الباحثيف بأف ىناؾ بعض النخب التي ال يتـ إيالئيا أىمية بالغة‬
‫رغـ أىميتيا مثؿ رؤساء األحزاب السياسية كنجكـ الفف كالسينما كالرياضة‪...‬الخ‪ .‬حيث إنيـ‬
‫يعتبركف كرمكز كمرجعيات لمجمكعة ىائمة مف األتباع كالمعجبيف‪.‬‬
‫‪-‬النخبة النسكية‪ :‬ىناؾ مف الباحثيف مف يرل بأف نساء العالـ تقكدىا نخبا نسكية في إطار ما‬
‫يسمى بالحركة النسكية كالدفاع عف حقكؽ المرأة‪ ،‬كما أف السياسييف يعممكف عمى تكظيؼ كرقة‬
‫النساء في االنتخابات عف طريؽ اختيار قيادات ترمز لمطالب المرأة كذلؾ مف أجؿ استمالة ىذه‬
‫القكة االنتخابية لصالح برامج األحزاب المتنافسة مثمما ىك حاصؿ حاليا في كؿ بمداف العالـ‬
‫تقريبا‪.1‬‬
‫كمف ثـ فإف ىؤالء المنظريف تكصمكا إلى أف ىناؾ عالقة بيف النخبة أك الصفكة كالقكة كالطبقة‬
‫كالتغير االجتماعي‪.‬‬

‫‪ -4‬النخبة كالتغير االجتماعي‪:‬‬


‫يفسر التغير االجتماعي مف خالؿ الخمفية السابقة عف نظرية الصفكة كالرؤية الكالسيكية ليا‪،‬‬
‫ثـ مدل االلتقاء بيف مفيكـ الصفكة كالطبقة‪ ،‬فمختمؼ النظريات السابقة كما تشيده المجتمعات‬
‫سكاء كانت متقدمة أك نامية ترل بأف التغير االجتماعي منطمقة مف نظرية القكة التي ترل أنيا‬
‫قادرة عمى احداث تغير في المجتمعات‪.‬‬
‫كنستند إلى تحديد المرتكزات األساسية في الصفكة القيادية كدكرىا الفعاؿ في إحداث التغير‬
‫االجتماعي كقد يتـ التغير االجتماعي عف طريؽ القيادات المثقفة التي تقدـ لمجماىير األىداؼ‬
‫االجتم اعية التي ترل فييا مصالحيا‪ ،‬كليا القدرة عمى تحقيؽ ىذه األىداؼ بتنظيـ كسائؿ التنفيذ‪.‬‬
‫كتعد الصفكة القيادية ىي بؤرة أحداث التغير االجتماعي عف طريؽ تنسيؽ القكانيف كانشاء‬
‫المنظمات االجتماعية التي تعمؿ عمى تحقيؽ األىداؼ التي يصبك الييا المجتمع‪.‬‬

‫‪ : 1‬عبد اهلل كبار‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.881-808‬‬


‫‪69‬‬
‫فإف لـ تفمح الصفكة في تحقيؽ مطالب الجماىير‪ ،‬فستبدأ حالة مف التكتر كنتيجة لذلؾ‬
‫سيتطمب مف الصفكة القيادية إعادة النظر في األىداؼ نفسيا أك كسائؿ تحقيؽ األىداؼ‪ ،‬كتمعب‬
‫الصفكة القيادية دك ار ىاما في احداث التغير االجتماعي‪ ،‬حيث يككف لدييا الكضكح النظرم كالكفاءة‬
‫السياسية الالزمة إلدارة الصراع كاتخاذ ق اررات رشيدة بيف المتغيرات المتنكعة كالسرعية‪ ،‬كىذه‬
‫الصفكة القيادية ليست مجرد فرد أك بعض أفراد‪ ،‬بالرغـ مف أىمية األفراد المكىكبيف كاحتياجاتنا‬
‫إلييـ فال بد لمصفكة القيادية أف تستقطب عددا كافيا مف العناصر الديناميكية المؤمنة باليدؼ‬
‫الرئيسي البعيد‪ ،‬كقادرة عمى حشد القاعدة الشعبية‪ ،‬كتنظيميا كما تعمؿ عمى تنمية المجتمع‬
‫كاالستثمار األمثؿ لسيككلكجية الجماعات المستفيدة مع تكزيع األدكار عمى األعضاء بحيث يؤدم‬
‫كؿ فرد فييا دكر المنكط بو‪.1‬‬

‫ثانيا‪ :‬الحركات االجتماعية كالجماعات الضاغطة في التغير االجتماعي‬

‫‪ -1‬مفيكـ الحركات االجتماعية‪:‬‬


‫كيبدأ تاريخ كؿ حركة اجتماعية بمرحمة مف التحريؾ‪ ،‬الحراؾ التعبكم أك مف التجمع‪،‬‬
‫كالمجتمع الحراكي التعبكم يمتاز بتكاصؿ فكرم أسرع‪ ،‬كباتصاالت أكثر عددا‪ ،‬كبتكجييات‬
‫لظيكر‬ ‫‪"Deutsch‬‬ ‫نضالية(شخصية القرار)‪ ،‬كيعتبر الحراؾ التعبكم شرطا الزما في نظر "ديكتش‬
‫الحركات االجتماعية‪ ،‬كما يجب عمى األفراد المنعتقكف مف العبكديات‪ ،‬أف يطكرك طاقة قكة‬
‫تنظيمية يتمكنكف بكاسطتيا مف تحديد أىداؼ مشتركة كمف تكفير المكارد الالزمة لبمكغ األىداؼ‬
‫المنشكدة‪.2‬‬

‫‪Lorenz‬‬ ‫‪ -‬كأكؿ مف حاكؿ إعطاء تعريؼ أكاديمي لمحركات االجتماعية ىك "لكرنز فكف شتايف‬
‫‪ "Von‬الذم اعتبرىا عبارة عف «أشكاؿ كصيغ االحتجاج اإلنساني الرامية إلى التغيير‬ ‫‪Stien‬‬

‫‪“History of the french Social Movements from 1789 to the‬‬ ‫كاعادة البناء» مف خالؿ كتابو‬
‫‪.Pesent 1850″‬‬

‫‪ : 1‬ثركت محمد شمبي‪ ،‬تنمية االجتماعية‪ ،‬منشكرات جامعة بنيا مصر‪ ،‬دكف ذكر تاريخ النشر‪ ،‬ص ‪.008-009‬‬
‫‪ :2‬خميؿ أحمد‪ ،‬المفاىيـ األساسية في عمـ االجتماع‪ ،‬دار الحداثة بيركت ‪ ،0894‬ص‪.82‬‬
‫‪70‬‬
‫حيث عالج شتايف في ىذا الكتاب كيفية تطكر الحركة االجتماعية مف مجتمع إلى دكلة‪ ،‬ككيؼ‬
‫كانت المصالح المادية لألفراد دكر في الصراع الطبقي كفي التغيير السياسي‪ ،‬فالصراع الطبقي‬
‫الذم عرفتو فرنسا حسب شتايف كاف أساس الحركات االجتماعية كأحد أىـ المبادئ التي استند‬
‫إلييا المجتمع الفرنسي‪.1‬‬
‫يعتبر أحد السكسيكلكجييف المتأثريف بفكر شتايف كالمجدديف‬ ‫‪Werner Sombart‬‬ ‫‪"-‬كرنر سكمبارت"‬
‫لو‪ ،‬كقد عرؼ الحركات االجتماعية عمى أنيا‪ :‬كؿ الجيكد كالمحاكالت المبذكلة إلى تحرير‬
‫البركليتاريا كتحقيؽ األىداؼ االشتراكية‪.‬‬
‫" في دراستو لمسمكؾ الجمعي عف الحركات االجتماعية‬ ‫‪Herbert Blumer‬‬ ‫‪ -‬كنجد "ىربت بمكمر‬
‫أنيا‪ :‬عبارة عف مشركع أك خطة جماعية تيدؼ إلى تغيير العالقات االجتماعية السائدة في‬
‫المجتمع كتغييرىا عمى أسس جديدة‪.‬‬
‫الذم اىتـ أيضا بالسمكؾ الجمعي لمحركات االجتماعية‪ ،‬فقد عرفيا‬ ‫‪Neil Smelser‬‬ ‫‪" -‬نيؿ سممسر‬
‫بأنيا‪ :‬مجمكعة تتحرؾ لتعبر عف خمؿ كظيفي داخؿ النظاـ االجتماعي‪.‬‬
‫اعتبر الحركات االجتماعية بأنيا‪ :‬تنظيـ مييكؿ كمحدد‪ ،‬لو‬ ‫‪Guy Rocher‬‬ ‫‪" -‬أما غكم ركشي"‬
‫ىدؼ عمني يكمف في جمع بعض األفراد لمدفاع عف قضايا محددة‪.‬‬
‫يعرفيا بأنيا‪ :‬فعؿ مكجو ثقافيا كتصارع اجتماعي‬ ‫‪Alain Touraine‬‬ ‫‪ -‬السكسيكلكجي "آالف تكريف"‬
‫يقكـ بو فاعؿ معرؼ مف خالؿ كضعو المسيطر أك التابع داخؿ امتالؾ التاريخانية‪.‬‬
‫إنيا بذلؾ تعمؿ دائما عمى أف تمتمؾ التاريخ لنفسيا مف خالؿ الدفاع عف ىكيتيا كاستقالليا ضد‬
‫معارضييا كمما دعت الضركرة إلى ذلؾ‪« .‬فأىـ لحظة تمنحيا صفة الحركة االجتماعية ىي‬
‫المركر مف اليكية الدفاعية إلى اليكية اليجكمية»‪ ،‬فعف طريقيا يستطيع المجتمع أف ينتصر‬
‫لكجكده عبر مجمكعة مف المبادئ التي كضع ليا آالف تكريف تسمى مبادئ الكجكد كىي (مبدأ‬
‫اليكية‪ ،‬مبدأ التعارض‪ ،‬مبدأ الكمية)‪.‬‬

‫‪ :1‬عبد اإللو فرح ‪ ،‬االنترنت السياسي ‪ :‬مقاربو سكسيكلكجيو‪ ،‬مجمة السكسيكلكجيا العربية‪ ،‬العدد األكؿ ‪ -‬أكتكبر ‪،8106‬‬
‫إلكتركنيا عف المنتدل العربي لمعمكـ االجتماعية كاإلنسانية‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫ن‬ ‫مجمة عممية ثقافية فكرية‪ ،‬تصدر‬
‫‪http://socio.montadarabi.com/t3890-topic‬‬

‫‪71‬‬
‫الذم متأثر بأستاذه آالف تكريف فقد ركز في دراساتو عمى‬ ‫‪Manouel Castelles‬‬ ‫‪ -‬مانكيؿ كاستمز‬
‫العالقة التي تجمع بيف الحركات االجتماعية كبالمجاؿ الحضرم باعتباره مجاؿ ينتج كيستيمؾ‬
‫كيتطكر بفعؿ العكامؿ السياسية كاالجتماعية كاالقتصادية كالثقافية التي تدفع الناس إلى امتالؾ‬
‫المجاؿ كفؽ التراتبات االجتماعية‪ ،‬حيث يسمي ىذه العالقة ب”حركات المجاؿ الحضرم” أك‬
‫“الحركات االجتماعية الحضرية”‪ .‬كفي كتابو الثالثي “عصر المعمكمات‪ :‬االقتصاد كالمجتمع‬
‫كالثقافة” المجمد الثاني “سمطة اليكية ‪” The Power pf Identity‬يتحدث فيو كاستمز عف‬
‫الحركات االجتماعية‪ ،‬كعف ظيكر بعض اليكيات التي تيدد الدكلة القكمية كحركة زاباتيستا‬
‫بالمكسيؾ‪ ،‬كجماعات الشكاذ جنسيا‪ ،‬كدكر التقنية في التعبئة السياسية ضد العكلمة كتأثيرىا عمى‬
‫الديمقراطية… إلخ‪.1‬‬

‫‪ -‬تعريؼ الحركات االجتماعية مف حيث خصائصيا "شارلز تيمي"‪:‬‬

‫يرل شارلز تيمي أف كضع الحركات االجتماعية غير النظامي يجب أف يتكفر فييا عدد مف‬
‫الخصائص غير المعمنة‪ ،‬لكي تنظـ إلى زمرة الفاعميف المنظميف‪:‬‬
‫‪ -0‬أىمية القضية‪ :‬بحيث تستحؽ االنخراط في مطالبيا كالتظاىر مف اجؿ تكسع دائرة التأييد‪.‬‬
‫استمررية التظاىر حيث ال يختفي االنحصار عبر الكقت كال‬
‫ا‬ ‫‪ -8‬كحدة اليدؼ‪ :‬التي تحافظ عمى‬
‫يحدث بينيـ انقساـ استراتيجي‪.‬‬
‫‪ -2‬أعداد كبيرة مف المؤيديف لمتأثير عمى صناع القرار خاصة في النظـ الديمقراطية‪.‬‬
‫‪ -4‬التزاـ قكمي مف جانب األعضاء يجعؿ الدكلة تستجيب لو‪.‬‬
‫كتشكؿ كؿ ىذه العناصر خصائص في مخزكف الحركات االجتماعية المعاصرة‪ ،‬كىي خصائص‬
‫يتـ تحديدىا استراتيجيا كبشكؿ قصدم كما أنيا تستخدـ لتحقيؽ تأثير تنظيمي عبر كسائؿ غير‬
‫منظمة‪.2‬‬

‫‪ :1‬عبد اإللو فرح‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.9‬‬


‫‪2‬‬
‫‪ :‬ىانؾ جكنستكف‪ ، ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.88-89‬‬
‫‪72‬‬
‫‪ -‬كتعرؼ الحركات االجتماعية بأنيا‪ :‬تجمعات كتتككف مف تنظيمات متعددة‪ ،‬بجانب جماعات‬
‫كدكائر شبو رسمية كأفراد مستقميف‪ ،‬كيمتؼ األعضاء كالجماعات حكؿ قضية أك مشكمة‪ ،‬كذلؾ‬
‫لنشر مطالبيـ عمى المأل‪ ،‬ككشؼ قكتيـ لممثمي الدكلة مف أجؿ تحقيؽ تغير‪.1‬‬

‫فالحركة االجتماعية تعتبر ظاىرة تجمعية ألعضاء متعددم المشارب يرتبطكف بركابط‬
‫متداخمة تصبح أساسا لمتخطيط كالتدبير كالحمالت المنظمة‪ ،‬كىنا فإف عمى الجماعات كالتنظيمات‬
‫أف تضع جانبا خالفاتيا بحيث تشكؿ جبية مكحدة تستطيع مكاجية السمطات أك الخصكـ‪.‬‬

‫كيعني التنظيـ المعقد لمحركة أف عمرىا يمتد إلى أبعد مف الفعؿ الفردم لجماعة بعينيا أك أبعد مف‬
‫عمر ىذه الجماعة‪.2‬‬

‫‪ -‬إف الحركات االجتماعية تتحدل مصالح اآلخريف مف يضفي عمييا طابعا احتجاجيا جداليا‬
‫كسياسيا‪ ،‬كتسعى الحركات االجتماعية إلى تحقيؽ أىداؼ التغير االجتماعي‪ ،‬مثؿ التكجو نحك‬
‫المحافظة عمى البيئة‪ ،‬أك مناىضة العكلمة‪... ،‬كميما يككف اليدؼ اك المصمحة التي تقكـ عمييا‬
‫الحركات االجتماعية ال يجب أف تختمط بالسياسة بالمعنى المعتاد‪ ،‬فالحركات االجتماعية ىي‬
‫ممارسة سياسية بالمعنى المختمؼ‪ ،‬فيذه الحركات االجتماعية يتـ تنظيميا تاريخيا لكي تككف خارج‬
‫القنكات السياسية النظامية ألف ىذه القنكات ىي قنكات مغمقة أك غير متفاعمة‪.‬‬

‫ككثي ار ما تنشأ الحركات االجتماعية بغرض تحقيؽ التغير حكؿ قضية عامة مثؿ التكسع في‬
‫الحقكؽ المدنية إلحدل شرائح السكاف‪ ،‬كقد تبرز مقابؿ ىذه الحركات حركات أخرل مناكئة تسعى‬
‫لمحفاظ عمى الكضع الراىف‪ ،‬كتشيد مثؿ ىذه الحركات كالحركات المضادة في عدة مجاالت مف‬
‫بينيا الحركات الدينية‪ ،‬كاباحة اإلجياض‪ ،‬كاعالف االضراب العاـ‪ ،‬كغيرىا‪.‬‬

‫كتمثؿ الحركات االجتماعية في جميع الحاالت الشكؿ األكثر فعالية كقكة كتأثير في المجتمع‪،‬‬
‫فقد استطاعت حركة الحقكؽ المدنية في الكاليات المتحدة إجراء كثير مف التغييرات مف خالؿ‬

‫‪ : 1‬ىانؾ جكنستكف‪ ،‬الدكؿ كالحركات االجتماعية ‪ ،‬ترجمػة أحمػد ازيػد‪ ،‬ط‪ ،1‬المركػز القػكمي لمترجمػة‪ ،‬القػاىرة‪ ،‬سػنة ‪،2012‬‬
‫ص‪.22‬‬

‫‪ : 2‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.22‬‬

‫‪73‬‬
‫إدخاؿ أك تعديؿ بنكد الدستكر في الكاليات المتحدة‪ ،‬كمثؿ ذلؾ ما حققتو الحركات النسكية مف‬
‫انجازات في مياديف المشاركة السياسية كحقكؽ العمؿ‪.1‬‬

‫كتتعدد الحركات االجتماعية كأنكاعيا كحجكميا كمجاالت انتشارىا‪ ،‬إف حجـ العضكية في‬
‫بعضيا قد ال يتجاكز العشرات‪ ،‬بينما يتسع في حركات أخرل ليشمؿ اآلالؼ بؿ المالييف مف‬
‫الناس‪ ،‬كفيما تستطيع بعض ىذه الحركات أف تزاكؿ أنشطتيا في ظؿ القكانيف السائدة في دكلة أك‬
‫أكثر‪ ،‬فاف بعضيا اآلخر يضطر إلى العمؿ بصكرة سرية تحت األرض‪.‬‬
‫كمف خصائص التي تميز الحركات االحتجاجية عمى سبيؿ المثاؿ‪ ،‬قدرتيا عمى النشاط في اليامش‬
‫الذم تسمح الحككمة مف كجية القانكنية بالنشاط فيو أماكف كاكقات معينة داخؿ البالد‪.‬‬

‫‪ -‬مف الحركات االجتماعية تنبثؽ الجماعات الضاغطة‪ les groupes de pression :‬السياسية‬
‫كاالقتصادية كالدينية‪ ،‬كالكاقع أف ىناؾ عناصر مشتركة بيف ىذيف النمطيف مف الجماعات‬
‫كالحركات‪ ،‬كمني ا ظيكرىما في فترات تأزـ المجتمع كاسياميما في تغييره‪ ،‬كىناؾ مف يرل أنو يمكف‬
‫التمييز بيف نمطيف مف الحركات‪:‬‬
‫أ‪ -‬الحركات الرامية إلى تغيير األحكاـ كىي حركات مطمبية اصالحية‪.‬‬
‫ب‪ -‬حركات الرامية إلى تغير القيـ‪ :‬كىي نبكئية رسالية تغييرية‪.2‬‬

‫‪ -2‬النظريات المفسرة لمحركات االجتماعية‪:‬‬

‫‪ -1-2‬نظرية السمكؾ الجماعي‪ :‬كىي تعكد إلي سنكات البدء في دراسة كتحميؿ الحركات‬
‫االجتماعية‪ ،‬أم إلي سنكات األربعينيات كالخمسينات مف القرف العشريف‪ ،‬كتديف ىذه النظرية‬
‫بالكثير لمدرسة شيكاكك كأساسا لبارؾ كمف بعده بمكمر‪ ،‬كما تديف لبعض الكظفييف مف أمثاؿ‬
‫سمسمر ‪ SMELSER‬كبعض الباحثيف القريبيف مف عمـ النفس اإلجتماعي‪ ،‬كتستند في تفسيرىا‬
‫لمحركات االجتماعية إلي خالصات عمـ النفس االجتماعي كسيككلكجية الجماىير‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ :‬أنطكني غدنر بمساعدة كاريف بيرديساؿ عمـ االجتماع ؛ ترجمة كتقديـ‪ ،‬فايز الصياع‪ ،‬ط‪ ،0‬المنظمة العربية لمترجمة‪،‬‬
‫تكزيع‪ ،‬مركز الدراسات الكحدة العربية‪ ،‬بيركت أكتكبر ‪ ،8112‬ص ‪.499‬‬
‫‪ : 2‬خميؿ أحمد‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.86-82‬‬
‫‪74‬‬
‫كتربط ىذه النظرية ميالد الحركات االجتماعية بحدكث مظاىرات كأشكاؿ مف اليستريا‬
‫الجماعية‪ ،‬حيث تنتقؿ العدكم الجماعية التي تجعؿ الفرد منسابان مع السمكؾ االندفاعي‪ ،‬بمعني أف‬
‫الحركات االجتماعية‪ ،‬كفقان ليذا الفيـ‪ ،‬تنطكم عمي ردكد أفعاؿ ليست بالضركرة منطقية تماما في‬
‫مكاجية ظركؼ غير طبيعة مف التكتر الييكمي بيف المؤسسات اإلجتماعية األساسية كيؤكد أنصار‬
‫ىذه النظرية المسار األنحرافي الذم قد يسير فيو الحركة اإلجتماعية‪ ،‬أم مف الممكف أف تحتمؿ‬
‫في مستقبميا مالمح الخطكرة تماما كما ىك األمر بالنسبة إلي الحركات الفاشية في ألمانيا كايطاليا‬
‫‪ .‬كما يصركف عمي اعتبارىا انعكسا لمجتمع مريض‪ ،‬حيث ال تحتاج المجتمعات الصحية إلي‬
‫حركات اجتماعية بؿ تتضمف أشكاالن مف المشاركة السياسية كاالجتماعية‪.1‬‬

‫‪ -2-2‬نظرية تعبئة المكارد‪ :‬لقد تطكرت ىذه النظرية في الستينات مف القرف العشريف كىي‬
‫تبحث في نشكء الحركات االجتماعية كآليات تدبيرىا كتشكميا بكاسطة المكارد االقتصادية كالسياسية‬
‫التي تتكفر لألفراد كالجماعات المنخرطة في الفعؿ االحتجاجي‪ ،‬ككانت البدايات األكلى ليذه‬
‫النظرية في الكاليات المتحدة األمريكية‪ ،‬في سياؽ البحث عف إطار تحميمي لمحركات االجتماعية‪،‬‬
‫خصكصا مع تنامي الحركات النسائية كحركات السكد كالمدافعيف عف البيئة‪.‬‬
‫كيرل أصحاب ىذا االتجاه أف الحركات االجتماعية ىي استجابة منطقية في مكاجية مكاقؼ‬
‫جديدة طرأت عمى المجتمع حديثا‪ ،‬كتعتبر فرصة النتقاؿ المجتمع مف الكضع الحالي كال ينظر‬
‫أصحاب ىذا االتجاه لمحركات االجتماعية عمى أنيا مصدر مف مصادر الخمؿ في المجتمع بؿ‬
‫كجزء مف العممية السياسية كالنظاـ السياسي نفسو كتسعى إلى الكصكؿ إلى الصكرة األفضؿ كيتـ‬
‫ذلؾ مف خالؿ قياـ تمؾ الحركات بتعبئة المكارد كتكظيفو ا لصالح المجتمع كتطكره‪.‬‬
‫كيأخذ عمى ىذه النظرية تركيزىا عمى ككف المكارد عامال أساسيا لتشكيؿ الحركات االجتماعية‪،‬‬
‫مع إغفالو أف ىناؾ حاالت قد تفتقر فييا بعض الحركات االجتماعية لممكارد‪.‬‬

‫‪ -3-2‬نظرية الحركة االجتماعية الجديدة‪ :‬تطكرت ىذه النظرية في أكركبا لتبرير مجمكعة مف‬
‫الحركات الجديدة التي عرفتيا الستينات كالسبعينات‪ ،‬تنظر ىذه النظرية لمحركات االجتماعية كفعؿ‬

‫‪ : 1‬محمىد صافى محمىد‪ ،‬سوسيولوجيا الحركات االجتماعية للبروفٍسىر‪ :‬فرانسىا دٌبى ‪Francois Dubet‬‬
‫‪ https://sites.google.com/site/comppoliticsegphd/home/mqrr-2012/syl/presentations/safisocialmovements‬ماي‬
‫‪.2104‬‬

‫‪75‬‬
‫اجتماعي عاكس لتناقضات المجتمع الحديث بسبب العكلمة كالبيركقراطية المفرطة‪ ،‬كيعتبركف‬
‫أصحاب ىذه النظرية أف الحركات االجتماعية الجديدة ىي نتيجة ظيكر تناقضات اجتماعية جديدة‬
‫كالمتمثمة في التناقض بيف الفرد كالدكلة كىك الدافع مف كراء انتقاؿ ىذه المقاربة مف المصالح‬
‫الطبقية إلى المصالح الغير طبقية المتعمقة بالمصالح اإلنسانية العالمية‪ ،‬كىي تيتـ في الغالب‬
‫بتطكير اليكية الجماعية كالمراىنة عمى الفئات الكسطى بدال مف الطبقة العاممة‪.‬‬

‫كما يميز ىذه النظرية ىك ابتعادىا عف إطار الطبقة‪ ،‬كيشكؿ المككف الثقافي فييا جكىر‬
‫العمؿ كالنشاط‪ ،‬حيث يركز عمى اليكيات كالقيـ التي تبتعد عف تمؾ األبعاد المادية كاالقتصادية‬
‫التي دعت إلييا الحركات االجتماعية التقميدية‪.‬‬
‫كيمكننا القكؿ أف تككيف الحركات االجتماعية الجديدة ال يتأسس بالضركرة عمى إطار إيديكلكجي‬
‫كاحد يجمع بيف أفراد تمؾ الحركة كانما األىـ ىك المزج بيف القضايا االجتماعية العامة كالخاصة‬
‫بالشكؿ الذم يمكنيا مف تحقيؽ اليدؼ العاـ كالمتمثمة في محاكلة تمخيص حالة االغتراب الذم‬
‫يعيشكنيا‪.‬‬
‫غير أف ىذه النظرية كاجيت العديد مف االنتقادات منيا أف‪:‬‬

‫مصطمح الجديدة لو دالالت مفاىيمية خصكصا كأنو يبالغ في تحديد االختالفات بيف الحركات‬
‫التقميدية كالجديدة‪.‬‬

‫‪ -4-2‬نظرية أك نمكذج الفعؿ‪-‬اليكية‪ :‬يرل أصحاب ىذه النظرية أف الحركات االجتماعية تحكؿ‬
‫دكف الرككد االجتماعي كىي تعمؿ ضد األشكاؿ المؤسسية القائمة ككذا المعايير المعرفية المرتبطة‬
‫بيا‪ ،‬فيي تقكـ ضد المجمكعات المييمنة عمى عمميات إعادة االنتاج االجتماعي كاالقتصادم‪،‬‬
‫كتشكيؿ المعايير االجتماعية‪ ،‬كما يركف أف ىناؾ إحالؿ تدريجيا يتـ في استبداؿ النمط القديـ‬
‫لمرأسمالية الصناعية بمجتمع آخر كىك مجتمع ما بعد التصنيع القائمة عمى البرمجة‪ ،‬كيتميز ىذا‬
‫النكع مف المجتمع بأنكاع أخرل مف العالقات كالصراعات الطبقية‪ ،‬كتييمف فيو الطبقة التكنكقراطية‪،‬‬
‫في حيف ينتيي دكر الطبقة العاممة كفاعؿ أساسي ضد األكضاع القائمة‪ ،‬كيعتبركف أف الصراع‬
‫الطبقي ذك طبيعة اجتماعية ثقافية كليس ذك طبيعة اجتماعية اقتصادية‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫‪ -5-2‬مساىمة بيار بكرديك‪ :‬يعتبر بيار بكرديك كاحدا مف أىـ المفكريف الذيف ساىمكا في تكسيع‬
‫دائرة النقاش كالتحميؿ حكؿ الحركات االجتماعية التي عرفتيا فرنسا كالعالـ مف انتفاضة الشباب في‬
‫أكركبا سنة ‪ ، 1968‬منذ ذلؾ التاريخ استمر بكرديك في االىتماـ بتفاصيؿ ىذه الحركات‪ ،‬إلى‬
‫الدرجة التي صار فييا اسمو مرتبطا بحركات مناىضي العكلمة‪ ،‬ليس كباحث فقط كانما كمنظر‪،‬‬
‫فيك يشكؿ مع" شكمسكي كأنطكنيك نيغرم كتيار " أبرز المنظريف لمحركات االحتجاجية المناىضة‬
‫لمعكلمة‪.‬‬
‫كقد اىتـ بيار بكرديك بتناكؿ أنماط السيطرة االجتماعية بكاسطة تحميؿ مادم لمنتاجات‬
‫الثقافية كذلؾ في إطار إبراز آليات إعادة االنتاج المتعمقة بالبنيات االجتماعية‪ ،‬كىك يركز في‬
‫تحميمو لمحركات االجتماعية إلى ما بمكره مف مفاىيـ كأطركحات بخصكص الحقؿ‪ ،‬كالرأسماؿ‪،‬‬
‫كالعنؼ كالمثقؼ الجمعي‪ ،‬فأدكات التحميؿ التي اعتمدىا بيار بكرديك تفيد في فيـ ديناميات‬
‫الحركات االجتماعية‪ ،‬خصكصا عندما يتـ تمثميا كحقكؿ صراعية في نزاع كتنافس ‪.‬مستمر مع‬
‫مؤسسات الييمنة كاالحتكاء‪.‬‬
‫كلقد دعا بكرديك إلى" حركة احتجاجية أكركبية "تككف خطكة أكلى كىي حركة تفترض مزيدا‬
‫مف االلتزاـ كاالنخراط االيجابي لمنقابات كالحركات االجتماعية كالمثقفيف كالذيف ال بديؿ أماميـ‬
‫لمكاجية إكراىات العكلمة كاقتصاد السكؽ غير إبداء الرفض كاالحتجاج ماديا كرمزيا دفاعا عف‬
‫االجتماعي كذلؾ بإبداع قنكات جديدة لمكاجية الرأسمالية العالمية التي مزجت بيف التكنكلكجيات‬
‫الحديثة كسمطة رأس الماؿ كىك يمنحيا إمكانيات قصكل لمييمنة كالتأثير داعيا بقكة إلى تحصيف‬
‫العالقات كالممارسات االجتماعية‪.‬‬
‫فمنذ ‪ 1995‬بدأ" بيار بكرديك "ينظر لمحركات االجتماعية الجديدة كيناضؿ في إطاراتيا‬
‫المختمفة مقدما في ذلؾ نمكذج لممثقؼ العضكم‪ ،‬كرافضا كميا النيك ليبيرالية كدليمو ما انتيى إليو‬
‫مف مقاربات سكسيكلكجية كما يؤمف بو مف التزاـ سياسي‪ ،‬فما راكمو في كتبو المشيكرة‪:‬‬
‫‪-‬مينة عالـ االجتماع ‪le métier de Sociologue‬‬
‫‪-‬الحس العممي ‪le sens pratique‬‬
‫‪ -‬بؤس العالـ ‪la misère du monde‬‬

‫‪77‬‬
‫كما إلى ذلؾ مف كتب عميقة جعمو ينظر لمحركات االجتماعية محتجا عمى العكلمة كالرأسمالية‬
‫المتكحشة التي تتأسس عمى قكانيف اقتصادية مجحفة‪.‬‬

‫‪ -6-2‬مساىمة أالف تكريف‪ :‬تعتبر الحركات االجتماعية مف بيف اىـ المباحث األساسية التي‬
‫اشتغؿ عمييا أالف تكربف‪ ،‬حيث تتميز الحركات االجتماعية الجديدة عند تكريف بقدر معيف مف‬
‫التنظيـ كاالستم اررية المذيف يؤدياف إلى الفعالية في إعادة إنتاج تاريخ األنساؽ االجتماعية كيؤسس‬
‫أالف تكريف الحركة االجتماعية عمى ثالثة مبادئ أساسية ىي‪:‬‬
‫مبدأ اليكية‪ :‬كيقصد بو ضركرة تحديد اليكية الذاتية التي يمكف أف تككف متعددة كمركبة‬
‫(مجمكعة‪ ،‬طبقة‪ ،‬شريحة تماعية‪ )...،‬كبمقابميا أيضا يجب تحديد ىكية الخصـ‪.‬‬
‫مبدأ التعارض‪ :‬يفترض مبدأ التعارض في الحركة االجتماعية تحديد الخصـ‪ ،‬أم يجب أف يككف‬
‫الخصـ الذم تقكـ عميو الحركة كاضحا كمكضكعيا‪ ،‬مثاؿ ‪:‬الحركة العمالية ضد تنظيـ العمؿ مف‬
‫أجؿ االستقالؿ العمالي‪.‬‬
‫مبدأ الكمية‪ :‬كيقصد أالف تكريف ىنا بأف الحركة االجتماعية مككنة مف كعي جمعي كبصيغة‬
‫جمعية كشمكلية ال أقمية كفردية مف اجؿ النجاح في التأثير عمى الرأم العاـ مف أجؿ الحصكؿ‬
‫عمى الحقكؽ كالمطالب‪.‬‬
‫كمنو فالحركات االجتماعية التقميدية تتككف مف ثالث عناصر حسب" أالف تكريف‪":‬‬
‫‪-‬الدفاع عف اليكية كالمصالح الخاصة‪.‬‬
‫‪-‬المنافسة كالصراع‪.‬‬
‫‪-‬الرؤية المشتركة في تقاسميا الحركة مع منافسييا‪.‬‬
‫كالكاقع أف" آالف تكريف" يستند بالحركات االجتماعية إلى مكقفو النقدم مف فكر ما بعد الحداثة‬
‫باعتباره فك ار ىداما لمنمكذج العقالني‪ ،‬مؤكدا أف ىذه الحركات ىي فعؿ خاص يؤثر عمى سمكؾ‬
‫جمعي لمفاعميف مف جماعة معينة تناضؿ ضد جماعة أخرل مف أجؿ القيادة االجتماعية فالصراع‬
‫حاضر بقكة في مستكل ىذه الحركات‪ ،‬كيميز تكريف في تصنيفو ليذه الحركات بيف الجانب النكعي‬
‫المتصؿ باألشكاؿ كالصيغ‪ ،‬كالجانب التنظيمي المفتكح عمى شركط االنتاج كالتككيف‪.‬‬
‫كأف العمؿ السكسيكلكجي حسب رأم" آالف تكريف" ال يفترض ممارسة ذات بعد كاحد‪ ،‬فثمة عكامؿ‬
‫أخرل أكثر أىمية يتكجب االنتباه إلييا في تفسير الفعؿ االجتماعي‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫لقد عمؿ آالف تكريف عمى تأسيس نظريتو حكؿ الحركات االجتماعية كتحديدا حكؿ الجديد‬
‫منيا في منجزه "الكعي العمالي ‪ "la conscience ouvrière‬كالذم يعتبر فيو العماؿ فاعميف‬
‫نازحيف بامتياز‪.1‬‬

‫‪ -3‬ميكانزمات ككسائؿ الحركات االجتماعية‪:‬‬

‫‪ -1-3‬احتالؿ المكاقع ‪:Occupations de locaux‬‬


‫بالش ٍغؿ المؤقت‪ ،‬مف قبؿ أشخاص عديديف‪ ،‬لمبنى أك ًممؾ‬
‫ممارسة االحتالؿ‪ ،‬أك فعؿ االحتالؿ‪ ،‬ى‬
‫خاص أك عاـ‪ ،‬كتعبير مباشر أك غير مباشر عف آراء سياسية‪.‬‬
‫كيتيح ىذا التعريؼ العممي عدـ االلتفات إلى التعاريؼ" الرسمية) "القانكنية أك العسكرية(‪ ،‬مع‬
‫اإلمساؾ بما ييميّْز االحتالؿ ‪:‬استخداـ مكاف مغمؽ أك ًممؾ كشكؿ مف أشكاؿ االحتجاج‪.‬‬
‫يمكف تحميؿ المجكء إلى االحتالؿ باستخداـ أبعاد أك تيارات عدة مف عمـ االجتماع األكركبي‬
‫كاألمريكي ‪.‬كينظر يبعد استراتيجي أكؿ إلى االحتالؿ كتكتيؾ لمفكضى‪ ،‬تختص بو الحركات ذات‬
‫المكارد الضعيفة ‪.‬فاالحتالؿ يتيح اإلخالؿ بالنظاـ العاـ مف ًقىبؿ مجمكعات قميمة العدد أك قميمة‬
‫الحظ مف رأس الماؿ) اإلعالمي‪ ،‬الثقافي‪ ،‬المالي(‪ ،...‬كىك ينتشر في أكساط حركات مثؿ بدكف‬
‫أكراؽ‪ ،‬كالعاىرات‪ ،‬كاألقميات اإلثنية‪ ،‬كبالمثؿ‪ ،‬تتضاعؼ احتالالت المصانع أثناء الصراعات‬
‫الجارية في إطار عمميات فصؿ جماعي‪.‬‬

‫فتيديد المركز االجتماعي أك الحرماف منو يؤدم إلى ميؿ أعمى إلى االنخراط الجسدم في‬
‫الفعؿ‪ ،‬كيكمؿ بعد آخر‪ ،‬أكثر بنيكية‪ ،‬ىذه المقاربة كيتيح تفسير محركات المجكء إلى االحتالؿ مف‬
‫ًقىبؿ مجمكعات أغنى بالمكارد مثؿ العماؿ كالطالب كالمكظفيف كالنشطاء المحبيف لمسالـ أك‬
‫المدافعيف عف البيئة أك المستقميف‪.‬‬
‫فالتحكالت االقتصادية) بدء األزمة االقتصادية كعمميات الفصؿ الجماعي‪ ،‬كظيكر الحاالت المبكرة‬
‫لمقيكد عمى عمؿ المياجريف(‪ ،‬كعمميات إعادة تشكيؿ الفضاء اإلعالمي )احترافية الصحفييف‬

‫‪ : 1‬رمضاني صكراية‪ ،‬الحركات االجتماعية مقاربة سكسيكلكجية‪ ،‬مجمة العمكـ االنسانية كاالجتماعية‪ ،‬جامعة كرقمة‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،84‬جكاف ‪ ،8106‬ص ‪221-249‬‬

‫‪79‬‬
‫االجتماعييف‪ ،‬كتعبئة الرأم العاـ) أسيمت في تشجيع استدعاء الدكلة ككسيط‪/‬فاعؿ في الصراع ‪.‬‬
‫كتبيف احتالالت المكاقع العديدة في حكض صناعة الحديد كالصمب في لكنجكم سنة ‪ 1979‬اآلثار‬
‫المترتبة عمى ىذه التطكرات‪ :‬اإلخالؿ بالنظاـ العاـ‪ ،‬كاالستدعاء الدائـ لممثمي الدكلة‪ ،‬كاتٌباع‬
‫استراتيجية إعالمية )االحتكاؾ بكسائؿ اإلعالـ‪ ،‬إنشاء إذاعات محمية( مف أجؿ كفالة" كجكد "‬
‫المعركة‪.1‬‬
‫‪ -2-3‬اإلضراب ‪:Grève‬‬
‫فرض اإلضراب نفسو تاريخيا كقطعة أساسية في الريبرتكار المعاصر لمفعؿ الجماعي كالنقابي‪.‬‬
‫المحددات االقتصادية لمممارسة اإلضرابية‪ :‬يستند أكؿ ىذه النماذج الفكرية إلى نمكذج لمتحميؿ‬
‫االقتصادم الرياضي لتذبذبات األنشطة اإلضرابية‪ .‬كتتمثؿ ىذه المقاربة في بياف أف اإلضرابات ال‬
‫تحدث منعزلة كانما عمى ىيئة مكجات مف اإلضرابات‪ّْ ،‬‬
‫يحددىا تطكر الدكرات االقتصادية‪.‬‬
‫فمنحنيات اإلضرابات معاكسة لمنحنيات البطالة؛ كىكذا تشير ىذه العالقة المتبادلة إلى أف كجكد‬
‫األجراء إلى اإلضراب‪ ،‬مف خالؿ زيادة خشيتيـ مف‬
‫بطالة كاسعة النطاؽ يسيـ في تثبيط لجكء ي‬
‫فقداف كظائفيـ كتخفيض فرص نجاحيـ في تحقيؽ مطالبيـ عبر اإلضراب‪ .‬كفي المقابؿ‪ ،‬يميؿ‬
‫مستكل التشغيؿ المرتفع‪ ،‬الذم تتسـ بو فترات النمك االقتصادم‪ ،‬إلى تيسير بمكرة تطمعات كمظالـ‬
‫األجراء في نشاط إضرابي ‪.‬فيذه الظركؼ تيحفّْز لدييـ إرادة االستفادة مف الرخاء االقتصادم في‬
‫تحسيف شركط كجكدىـ‪ ،‬كتيقمّْؿ مف ثقؿ مخاطر الفصؿ مف العمؿ التي قد تقترف باالنخراط في‬
‫إضراب‪.‬‬
‫غير أف آثار الظرؼ االقتصادم عمى عمميات التعبئة اإلضرابية تظؿ متكقفة عمى كساطة‬
‫كىوـ قائؿ بالعفكية‪،‬‬
‫تحديدا ‪.‬كلذا‪ ،‬كعمى النقيض مف كؿ ٍ‬
‫ن‬ ‫مجمكعة مف العكامؿ التنظيمية كالسياسية‬
‫تنظيما مف الناحية النقابية‪ ،‬قبؿ أف تسيـ‬
‫ن‬ ‫تنطمؽ مكجات اإلضراب أك نؿ مف العكالـ المينية األكثر‬
‫تمتعا بتراث نقابي قائـ‪ ،‬كمف ثـ فإف المكارد المادية‪ ،‬كالدراية‬
‫ىذه التعبئة في تحريؾ أقؿ القطاعات ن‬
‫النضالية‪ ،‬كذاكرة المعارؾ السابقة المنقكلة عبر المنظمات النقابية تفرض نفسيا كشركط ضركرية‬

‫‪ :‬سيسيؿ بيشك‪ ،‬أكليفيو فيميكؿ‪ ،‬ليمياف ماتيك‪ ،‬قامكس الحركات االجتماعية‪ ،‬ترجمة عمر الشافعي‪ ،‬مرتجعة كتحرير دينا‬ ‫‪1‬‬

‫الخكاجة‪ ،‬الطبعة األكلى‪ ،‬دار صفصافة لمنشر كالتكزيع كالدراسات‪ ، ،‬الجيزة‪ ،‬مصر‪ ،8109 ،‬ص‪.26-22‬‬

‫‪80‬‬
‫لترجمة مظالـ العماؿ في إطار لمفعؿ الجماعي‪ ،‬كلتنسيؽ تعبئتيـ عمى نطاؽ يتجاكز أفؽ شركتيـ‬
‫كحدىا‪.1‬‬

‫‪ -4-3‬اإلعتصاـ ‪:Sit-in‬‬
‫قكدا‬
‫جمكسا أك ر ن‬
‫ن‬ ‫االعتصاـ ىك نمط لمفعؿ يشارؾ فيو شخص أك أكثر في االحتالؿ غير العنيؼ–‬
‫أيضا‬
‫أك كقكفنا –لحيز مكاني في احتجاج يرمي إلى تحقيؽ تغيير‪ ،‬سياسي غالبا‪ ،‬كلكف ربما ن‬
‫عمكما‪ ،‬أك تحقيؽ مطالبو ‪.‬كيندرج‬
‫ن‬ ‫اقتصادم كاجتماعي‪ ،‬إلى حيف فض االعتصاـ‪ ،‬بالقكة‬
‫االعتصاـ ضمف أشكاؿ التدخؿ المباشر‪ ،‬بغرض تعطيؿ نشاط الجية المستيدفة – إدارة عامة أك‬
‫شركة اقتصادية –عبر منعيا مف العمؿ‪.‬‬

‫كيمثؿ قطع الطريؽ أك السكؾ الحديدية اثنيف مف تنكيعات االعتصاـ؛ كتتأتى فعالية الفعؿ مف ذلؾ‬
‫المزيج مف اإلزعاج ككسب تعاطؼ الجميكر عبر الرد السممي عمى عنؼ السمطات‪.‬‬
‫كبينما كاف االعتصاـ‪ ،‬مثمو مثؿ احتالؿ المكاقع‪ ،‬يعاقب عميو ألمد طكيؿ بالسجف‪ ،‬فإنو قد‬
‫اندرج بالتدريج ضمف المككنات الشائعة لمسياسة غير التقميدية‪ .‬كمثمو مثؿ عناصر أخرل مف‬
‫أشكاؿ الفعؿ المباشر غير العنيؼ) الشكاكل‪ ،‬المسيرات‪ ،‬المقاطعة‪ ،‬تكزيع المنشكرات(‪ ،‬يمكف‬
‫معكلما‪.2‬‬
‫ن‬ ‫كبير لمقرف الماضي في ريبرتكار المشاركة السياسية الذم بات‬
‫إسياما نا‬
‫ن‬ ‫اعتبار االعتصاـ‬

‫‪ -5-3‬تمردات كانتفاضات ‪Insurrections, émeutes‬‬


‫منذ العصكر القديمة كصكال إلى قرف التنكير‪ ،‬طاؿ النظر إلى التمردات الشعبية كاالنتفاضات‬
‫كنتاجا لمحدكدية الشعب‪/‬الطفؿ غير المتزف كالقابؿ لمتأثير فيو؛ فمنذ بدء زمف‬
‫ن‬ ‫ثمنا‬
‫بكصفيا ن‬
‫التصنيع كالمكاسب الديمقراطية‪ ،‬بيف عامي ‪ 1770‬ك‪ 1850‬تقريبا‪ ،‬لـ تشيد تمؾ التمردات‬
‫تغي ار مطردا في مضمكنيا كأىدافيا‪.‬‬
‫كاالنتفاضات تصاعدا فحسب‪ ،‬بؿ شيدت أيضا ي‬
‫فمع تبمكر المجتمع الصناعي كالديمقراطية الحديثة‪ ،‬تمؾ الديمقراطية المعرفة كنظاـ لمضبط‬
‫السممي لمنزاعات‪ ،‬انتقمت التمردات كاليبات مف ًس ًجؿ أنماط التعبير العادية عف االحتجاج إلى‬

‫‪1‬‬
‫‪ :‬سيسيؿ بيشك‪ ،‬أكليفيو فيميكؿ‪ ،‬ليمياف ماتيك‪،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.41-28‬‬
‫‪ : 2‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.42‬‬

‫‪81‬‬
‫ًس ًجؿ" األحداث االستثنائية"‪ ،‬التي تعني عند تصاعدىا إخفاؽ أنماط الضبط التي تتسـ بيا‬
‫مجتمعاتنا‪.1‬‬

‫‪ -6-3‬ثكرات كأزمات كانتقاالت ‪Révolutions, crises, transitions‬‬


‫يتمثؿ المنيج السائد في التعريؼ في االلتفات إلى تمؾ الظكاىر أك العمميات‪ ،‬كالتمييز بينيا بادئ‬
‫ذم بدء انطالقنا مف النتائج أك اآلثار التي يبدك أنيا أفضت إلييا ‪:‬تغيير في النظاـ‪ ،‬تحكالت‬
‫اجتماعية مؤثرة في مجمكع أبعاد المجتمع‪ "،‬إمساؾ بالسمطة "مف ًقبؿ ىذه الفئة أك الطبقة أك تمؾ‬
‫مف الفاعميف االجتماعييف‪،‬‬
‫التحكؿ‪.2‬‬
‫ُّ‬ ‫تحديدا ‪..‬غياب مثؿ ىذا التغيير أك‬
‫ن‬ ‫السيما العسكرييف‪ ،‬أك‬

‫‪ -4‬الحركات االجتماعية الجديدة ‪Nouveaux mouvements sociaux‬‬


‫مع تراجع الصكرة الكالسيكية لحشد الحركات العمالية‪ ،‬ظير تعبير" الحركات االجتماعية‬
‫الجديدة"‪ ،‬اعتبا ار مف منتصؼ ستينيات القرف العشريف‪ ،‬ليشير إلى مجمكع أشكاؿ الفعؿ الجماعي‬
‫التي راحت تتطكر خارج نطاؽ الدكائر الصناعية‪ ،‬عمى نحك أدل إلي إعادة النظر في المنطؽ‬
‫الدافع لمتعبئة‪ .‬كقد دشف كؿ مف النضاؿ مف أجؿ حقكؽ السكد األمريكييف كتصاعد المطالبات‬
‫البيئية كاإلقميمية كالنسكية كالمناصرة لمسالـ كالطالبية كالمثمية جنسيا‪ ،‬فترة جديدة تتسـ بظيكر‬
‫رىانات محددة نسبيا‪ ،‬كمعارضة إلى حد كبير لمنظاـ السياسي كاالجتماعي التقميدم‪ ،‬كفقنا لبعض‬
‫المراقبيف‪.‬‬

‫كتسعى عمميات التعبئة ىذه بكجو عاـ إلى الحفاظ عمى استقاللية الفاعميف المعنييف كتثميف‬
‫طابع التفرد المميز لمسمككيات االحتجاجية المعبرة عف الحركات االجتماعية الجديدة‪ ،‬إذ يميؿ‬
‫ىؤالء الفاعمكف‪ ،‬الطامحكف إلى انخراط شامؿ كفعَّاؿ‪ ،‬إلى القياـ بممارسات ناشطية ترمي‪ ،‬بالرغـ‬
‫مف كثافتيا‪ ،‬إلى الحد مف القيكد التنظيمية التي تنطكم عمييا الحركات ذات التراتبية الشديدة‬
‫الخاضعة لقكاعد صارمة أك جامدة‪.‬‬

‫‪ : 1‬سيسيؿ بيشك‪ ،‬أكليفيو فيميكؿ‪ ،‬ليمياف ماتيك‪،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪018‬‬


‫‪ : 2‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.002‬‬

‫‪82‬‬
‫كيفضمكف أشكاؿ المشاركة المباشرة أك الالمركزية‪ ،‬التي تستكحي الكثير مف نماذج الشبكات‬
‫الفضفاضو كالمرنة‪ ،‬ككسيمة لتحقيؽ ىذا التكازف بيف االزدىار الشخصي كالعقالنية الكظيفية؛ كفي‬
‫الكقت ذاتو‪ ،‬تيتيح ىذه األشكاؿ االحتجاجية لكؿ شخص تحديد مدل انخراطو‪ ،‬كتسمح عبر ذلؾ‬
‫بشرح ما تتسـ بو" ريبرتكارات الفعؿ "الخاصة بالحركات االجتماعية الجديدة مف تعبيرات حرة كركح‬
‫عرض ىذه الحركات‪ ،‬في المقابؿ‪ ،‬لمخاطر االنقطاع ‪ -‬بمعنى األفكؿ ‪-‬التي‬
‫ابتكار‪ ،‬األمر الذم يي ّْ‬
‫ّْ‬
‫تيدد كجكدىا باستمرار‪.‬‬

‫كمف خالؿ إعالف الحركات االجتماعية الجديدة عف استقالليا عف سمطة الدكلة ك‪ /‬أك ريبتيا منيا‪،‬‬

‫ال ييمثّْؿ االستحكاذ عمى السمطة ر ن‬


‫ىانا مركزِّيا بالنسبة ليذه الحركات؛‬

‫كبذلؾ تعبر الحركات االجتماعية الجديدة عف حيكية ما يصطمح عمى تسميتو" المجتمع‬
‫المدني"‪ ،‬فتيسيـ في تسييس الرىانات المحصكرة سمفنا في الدائرة الخاصة كالمحظكر تناكليا‪،‬‬
‫بالتالي‪ ،‬في المجاؿ العاـ) العالقة بالجسد‪ ،‬الحياة الجنسية‪ ،‬الحؽ في اإلجياض‪ ،‬كىمـ ج ار(‪ ،‬األمر‬
‫عدا تجاكزِّيا ‪.‬كبيذا المعنى‪ ،‬تعبر‬
‫الذم يفتح الطريؽ أماـ تطكرات ثقافية كبرل كثي ار ما تتضمف يب ن‬
‫الحركات االجتماعية الجديدة قبؿ كؿ شيء عف تطمعات الفئات الشابة كالمتعممة‪ ،‬الميالة نحك قيـ‬
‫تكصؼ بأنيا" ما بعد مادية" كنحك إشباع احتياجات اإلنساف الفرد‪ ،‬كقد خضعت ىذه الظكاىر‬
‫لتفسيرات بالغة التبايف‪ ،‬حيث رأل فييا أغمب المراقبيف تعبيرات إيجابية عف الرغبة في المشاركة‪،‬‬
‫بؿ ك أركا فييا بالذات تعبي ار عف مفيكـ طمكح لمديمقراطية تككف األخيرة بمكجبو قريبة مف األفراد‬
‫المممكسيف‪ ،‬حريصة عمى االستجابة لتحديات المجتمع المفتكح كالتعددم؛ كطرح آخركف رؤل أقؿ‬
‫حماسة لممفيكـ‪ ،‬حيث ركزكا باألحرل عمى ما ً‬
‫تجسده ىذه الحركات كتنميو مف فراغ اجتماعي‬
‫كطائفية‪ ،‬بؿ كقىبمية ‪.‬كبالرغـ مف التفاكتات الكبيرة في تقدير أثر الحركات االجتماعية سمبا كايجابا‪،‬‬
‫قاسما مشتركا بيف ىذه التحميالت يتمثؿ في إشارتيا إلى ميؿ نحك تفتيت‪ ،‬بؿ تذرير‪،‬‬
‫ن‬ ‫فإف ثمة‬
‫أشكاؿ الفعؿ الجماعي كمف ثـ الييئة االجتماعية عبر عدد النيائي مف المجمكعات المطمبية‬
‫الغيكرة عمي تميزىا‪.1‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ :‬سيسيؿ بيشك‪ ،‬أكليفيو فيميكؿ‪ ،‬ليمياف ماتيك‪،‬مرجع سبؽ ذكره‪،‬ص‪.84-82‬‬
‫‪83‬‬
‫‪ -5‬الحركات االجتماعية كالجمعات الضاغطة‪:‬‬
‫يرافؽ ظيكر الحركات االجتماعية الجديدة جماعات جديدة لمضغط مف أجؿ االندماج‪ ،‬سكاء‬
‫كاف ذلؾ متعمقا بحقكؽ المرأة‪ ،‬أك بحقكؽ الشكاذ‪ ،‬أك بحقكؽ المياجريف أك بحقكؽ المسمميف‪ ،‬أك‬
‫كاف ىذا الضغط متعمقا باألبعاد السياسية المختمفة‪ ،‬البيئة كالسالـ‪ ،‬كالحمالت المضادة لمشركات‬
‫الكبيرة‪ ،‬أك مناىضا لألنظمة التسمطية‪ ،‬كذلؾ مف أجؿ الحقكؽ األساسية كالتمثيؿ‪ ،‬ككما تسعى أبنية‬
‫الدكؿ المستقرة لحماية تحيزات القكة القائمة فقد كاف الضغط الشعبي عبر التاريخ يتحدل بشكؿ‬
‫متزايد كيدفع ىذه الدكؿ خطكة بخطكة ألف تتيح ىذه الفرص‪ ،‬كفؽ نمكذج ديناميات الحركات‬
‫االجتماعية كاالنفتاح البطيء لمدكلة بالنسبة لألبعاد األربعة (المكاطنة‪ ،‬العدالة‪ ،‬االستجابية‪،‬‬
‫كالحماية)‪.1‬‬

‫نمكذج عاـ لديناميات العالقة بيف الحركة كالدكلة كالمجتمع لػ‪ :‬ىانؾ جكنستكف‬

‫‪1‬‬
‫‪ :‬ىانؾ جكنستكف‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.44-48‬‬

‫‪84‬‬
‫التعميؽ عمى الشكؿ‪:‬‬
‫في قمب الشكؿ نجد الحركات التي تتبمكر حكؿ قضايا معينة كتمارس ىذه الحركات ضغطا‬
‫عمى النظـ القائمة في مؤسسات الدكلة‪ ،‬اف النخب المستقرة الممثمة في أسقؿ الشكؿ تحسب‬
‫الفرص كالتيديدات المرتبطة بمصالحيا في مقابؿ مطالب الحركات التي تحكـ فيما اذ كاف‬
‫باإلمكاف تمبيتيا مف عدمو‪ ،‬كغالبا ما تككف االستجابة بالنفي‪ ،‬كيرجع السبب في ذلؾ إلى أف‬
‫المكاطنيف يمجؤكف عادة إلى الحركات االجتماعية عندما ال تككف النخب السياسية قادرة عمى تمبية‬
‫مطالبيـ عبر القنكات المؤسسية‪ ،‬كمع ذلؾ فإف نخبة الدكلة ليست جماعة مترابطة‪ ،‬كما ىك مكضح‬
‫في الشكؿ جماعتيف مف النخب‪ :‬النخبة المستقرة سكؼ تميؿ إلى استخدـ القانكف الحديدم‪ ،‬كذلؾ‬
‫بمقاكمة التحديات التي تكاجو قكتيا‪ ،‬كفي مقابؿ ىذه المقاكمة تتشكؿ النخب المتحدية كتتضمف‬
‫أكلئؾ الذيف يكجدكف عمى ىامش القكة محاكليف أف يزيدكا مف ضغكطيـ عمى الدكلة‪ ،‬كىـ يقكـ‬
‫بذلؾ بالمجكء إلى الحركات االجتماعية معتمديف عمى دعنيا كقاعدة لمكصكؿ القكة أك زيادة تأثيرىا‪.‬‬

‫كتككف النتيجة أف تتحقؽ عبر ضغط الحركة عمى كؿ مف النخب المستقرة كالنخب المتحدية‬
‫لبعض الخطكات في االستجابة لمطالب الحركة كذؾ عبر صكر الصراع كالتكيؼ مع النخب كالذم‬
‫تتمثؿ في امتداد انفتاح الدكلة كفؽ األبعاد األربعة المكاطنة كالمساكاة كاالستجابة كالحماية‪.‬‬
‫كبيذه الكيفية كالطريقة يحدث التغير السياسي كؿ قضايا معينة‪ ،‬أما الثكرات كالفترات الطكيمة مف‬
‫الحراؾ االجتماعي فإنيا نادرة الحدكث‪.1‬‬

‫‪ : 1‬ىانؾ جكنستكف‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.44-42‬‬


‫‪85‬‬
‫المحكر الثاني‪ :‬التغير االجتماعي في الفكر االسالمي المعاصر‬

‫أكال‪ -‬حركة اإلصالح كأسمكب لمتغيير االجتماعي في العصر الحديث‬

‫نشأة حركة اإلصالح في العصر الحديث في ظؿ االحتالؿ االنجميزم كاالحتالؿ الفرنسي‬


‫لبعض البمداف العربية‪ ،‬كالتآمر الركسي ضد الدكلة العثمانية‪ ،‬فبدأ صراع الدكؿ األكركبية حكؿ‬
‫فرض الييمنة عمى أجزاء مف العالـ اإلسالمي مف المغرب األقصى إلى اندكنيسيا في أقصى‬
‫الشرؽ – ففي ىذه األجكاء تحرؾ جماؿ الديف األفغاني عمى خريطة شاسعة تشتمؿ أفغانستاف‬
‫كايراف كاليند كمصر كاسطنبكؿ ثـ أكركبا‪...‬كمف مدرسة جماؿ الديف األفغاني تخرج قادة اإلصالح‬
‫في العالـ اإلسالمي في العصر الحديث في المشرؽ ىما "محمد عبده ‪،‬عبد الرحماف الككاكبي(‪.‬‬

‫كفي المغرب عمى يد خير الديف التكنسي فالمدرسة التكنسية جعمت حركة اإلصالح في‬
‫القرف ‪ 08‬ـ انبعثت مف ضمائر متشعبة بقيـ تراثية أصيمة كفي حرية عادلة كمف عقكؿ كاعية‬
‫باطالعيا عمى غرب متطكر بنظمو كعممو منذ عصر النيضة كنفكس متألمة مف كضع مترد في‬
‫تكنس سياسيا كاجتماعيا كحضاريا‪.1‬‬

‫أما الفكر اإلصالحي في الجزائر فكاف عمى يد جمعية عمماء المسمميف مف أبرزىـ عبد‬
‫الحميد بف باديس‪ ،‬الشيخ البشير اإلبراىيمي‪ ،‬الشيخ العربي التبسي‪ ،‬الشيخ الطيب العقبي ‪...‬كما‬
‫كانت عمى يد مفكر كمصمح إسالمي جزائرم "مالؾ بف نبي‪".‬‬

‫لكف أغمب ىذه الحركات اإلصالحية كاجيت غزكا استعماريا قكيا لـ يترؾ ليا قسمة مف‬
‫الكقت لتحقيؽ أىدافيا التي قامت مف أجميا ‪ ،‬ليذا ركزت الحركات اإلصالحية جيكدىا عمى‬
‫الجبية الثقافية كتبنت منيج التغيير الثقافي كىك منيج طكيؿ المدل يقكـ أساسا عمى التربية‬

‫‪: 1‬عبد العزيز بف عثماف التكيجرم‪ ،‬نظرة االيسيسكك لإلصالح كاألمة في العصر الحديث‪ ،‬حركة اإلصالح في العصر‬
‫الحديث عبد الرحماف الككاكبي نمكذجا‪ ،‬تحرير زكي عكضي‪ ،‬دار الرازم لمباعة ك النشر‪ ،‬عماف‪ ،‬األردف‪ ،‬سنة ‪1222‬ق‬
‫‪2002-‬ـ‪ ،‬ص‪.881‬‬
‫‪86‬‬
‫كالتعميـ كالدعكة بالحكمة كالمكعظة الحسنة‪ ،‬مع االىتماـ بضركرات النيضة العممية لتحقيؽ الكثبة‬
‫الحضارية المرتقية‪.1‬‬

‫ثانيا‪ :‬التغير االجتماعي االصالح االجتماعي في فكر مالؾ بف نبي‬

‫‪ -1‬الفكرة الدينية ىي األرضية الصمبة لفمسفة التغيير‪:‬‬


‫أصبح مالؾ بف نبي ينظر إلى الديف عمى انو الفكرة األساس في إحداث أم تغيير اجتماعي‬
‫يؤسس لحضارة جديدة ليذه األمة؛ فيك الذم يبني األشخاص ركحيا‪ ،‬كيكلٌد فييـ الشعكر‬
‫االجتماعي المكحد الذم يمكف مف خاللو القياـ بعمؿ مشترؾ بناء قادر عمى صنع الحضارة‪ .‬فيي‬
‫في نظره " نتاج فكرة حية تيطبع عمى مجتمع في مرحمة ما قبؿ التحضر‪ ،‬إنيا الدفعة التي تجعمو‬
‫يدخؿ التاريخ‪ ،‬فيبني ىذا المجتمع نظامو الفكرم طبقا لمنمكذج المثالي الذم اختاره‪ ،‬كعمى ىذا‬
‫تميزه عف‬
‫النحك تتأصؿ جذكره في محيط ثقافي أصيؿ يتحكـ بدكره في جميع خصائصو التي ٌ‬
‫الثقافات األخرل‪ ،‬كالحضارات األخرل"‪.‬‬

‫كمف ىنا نقكؿ أف الحديث عف الحضارة ىك في األساس حديث عف التغيير االجتماعي‪،‬‬


‫كالحديث عف ىذا األخير يقتضي الحديث عف دكر الديف في تحقيقو‪ ،‬ألنو ما مف حضارة قامت‬
‫تسجؿ الفكرة الدينية‪ ،‬في‬
‫عمى الديف إالٌ كتكلد مرتيف‪ ،‬مرة عند نزكؿ الكحي‪ ،‬كمرة أخرل عندما ٌ‬
‫نفكس معتنقييا‪ ،‬ألف الديف قابؿ لمتطبيؽ عمى الدكاـ ذلؾ أف قكة التركيب لعناصر الحضارة خالدة‬
‫في جكىر الديف‪ ،‬كليست ميزة خاصة بكقت ظيكره في التاريخ فجكىر الديف حسب العبارة الشائعة؛‬
‫مؤثر صالح في كؿ زماف كمكاف‪.2‬‬

‫فمالؾ بف نبي حيف اىتـ باإلصالح فإف ذلؾ يعني اىتمامو بالمشكالت المتعمقة بالحضارة‬
‫كتغييرىا كتبييف أسس نيضتيا‪ .‬فالحديث عف أسس المشركع اإلصالحي في فكر مالؾ بف نبي‬
‫بشكؿ عاـ يعني أف نيضة البمداف اإلسالمية يجب أف تنبثؽ مف شعكبيا كتاريخيا‪ ،‬حيث يعتبر‬

‫‪ : 1‬الفكر اإلسالمي‪ ،‬جريدة المثقؼ ‪ ،‬مف ‪ 08-14‬جكيمة‪،8119 ،‬المكافؽ ‪08‬إلى ‪89‬جمادل الثاني ‪0489،‬ق‪ ،‬العدد‪،6‬‬
‫الجزائر‪.‬‬
‫‪ : 2‬الداكدم قركاز‪ ،‬فمسفة التغيير االجتماعي عند مالؾ ابف نبي‪ ،‬مجمة اآلداب كالعمكـ االجتماعية‪ ،‬جامعة فرحات عباس‬
‫سطيؼ‪ ،‬العدد ‪ 08‬ديسمبر ‪.8104‬‬

‫‪87‬‬
‫فيـ النيضة بأنيا نقؿ بعض أساليب العمؿ السياسي كمحاكلة تطبيقيا كالسير عمى نيجيا في‬
‫البمداف األجنبية كنجاحيا في بمداف المنشأ كمحاكلة تطبيقيا في البمداف اإلسالمية يعتبر خطأ‪ ،‬ألف‬
‫لكؿ مجتمع آلياتو المحركة النابعة مما يسكده مف أفكار كثقافة كقيـ ‪...‬إلخ‪.1‬‬

‫كيرل مالؾ بف نبي في ىذا الصدد أف حؿ مشكمة اإلنساف يتكامؿ في ثالث عناصر ىي‪:‬‬
‫"تكجيو الثقافة كتكجيو العمؿ كتكجيو رأس الماؿ"‪ ،‬كيعتبر اإلسالـ ىك اليكية الكحيدة القادرة عمى‬
‫فتح مجاؿ اإلبداع كالحكمة في مجاؿ الفكر كالعمؿ‪ ،‬كفي ممارسة الجياد بشتى أنكاعو ‪ :‬ضد‬
‫النفس أكال كضد المنكر في المجتمع في المجتمع إلعطاء الحؽ ألصحابو‪ ،‬كضد الطبيعة لتطكع‬
‫مكاردىا لما فيو خير لمجماعة‪ ،‬كأىـ مف ذلؾ عميو إشباع الجانب المعنكم كالركحي في شخصية‬
‫اإلنساف لتأميف التكازف الركحي كالمادم لو‪.‬‬

‫كما يرل مالؾ بف نبي أف اإلنساف الذم يعيش حالة استالب فكرم ثقافي أك حالة تسمط عمى‬
‫عممو كسمككو أك حالة نيب كىدر لثركاتو دكف أف يككف بمقدكره التدخؿ أك االعتراض‪ ،‬سيتحكؿ‬
‫إلى طاقة مشمكلة ألف الفكر النابع مف كاقعو الحضارم عطمت أثاره في تكجيو كؿ ما في‬
‫مجتمعو‪.2‬‬
‫كعميو فإننا حيف نتمعف في األفكار اإلصالحية عند مالؾ بف نبي‪ ،‬نالحظ أف ىناؾ ترابط فكرم‬
‫بيف الفكر الثقافي‪ ،‬كالديني‪ ،‬كالتربكم‪ ،‬كالسياسي‪ ،‬كاالقتصادم إلى درجة أنو يصعب الفؾ بينيما‬
‫أم فيـ عنصر بعيدا عف اآلخر يككف أم ار شبو مستحيؿ‪ ،‬نظ ار لمتالحـ المعنكم‪ .‬كتتمخص أىـ‬
‫أفكاره اإلصالحية كالتالي‪:‬‬

‫‪ - 2‬اإلصالح الثقافي كالتربكم‪:‬‬

‫يصعب إلى حد كبير الفصؿ بيف الثقافة كالتربية عند مالؾ بف نبي‪ ،‬كأف نجاح العممية‬
‫التربكية ال بد أف يستمد مف الكاقع الثقافي لممجتمع الذم تستيدؼ العمؿ فيو؛ فالثقافة مسؤكلة عف‬
‫التربية بكؿ كجكدىا كبالنسبة لكؿ إنساف‪ ،‬كبذلؾ يككف االلتزاـ مف التربية بقكاعد الثقافة النابعة مف‬
‫األرضية الفكرية لممجتمع ىك الطريؽ الناجح لبناء اإلنساف كتغيير ذاتو‪.‬‬

‫‪ : 1‬أسعد السحمراني ‪ ،‬مالؾ بف نبي مفك ار إصالحيا ‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬بيركت ‪0894 ،‬ـ‪،‬ص‪.090‬‬
‫‪ : 2‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.099‬‬
‫‪88‬‬
‫فكما يحدث لطالب مف أصكؿ إسالمية كيذىبكف لمدراسة ليصطدمكف بقيـ كمية مستكردة ال‬
‫تتناسب مع محيطو ككاقعو الفكرم ال مف بعيد كال مف قريب؛ كىنا سيصاب الطالب بازدكاجية‬
‫الشخصية كسيتعمـ دكف شيية ألف ما يدرسو ال يعبر عف كاقعو كعندىا سيككف مصيره االغتراب‬
‫كربما سييجر المدرسة لعدـ جدكاىا في التعبير عف مشكالت الكاقع الذم يعيشو‪1‬؛ كالحؿ في أف‬
‫"الثقافة المكجية لمتربية" ىي ثقافة أصيمة نابعة مف الكاقع العقدم كالفكرم كاالقتصادم كاألخالقي‬
‫لممجتمع ألف البيئة ىي رحـ القيـ الثقافية"‪ ،‬ىذه الحقيقة الذم أدركيا االستعمار المتمثمة في أىمية‬
‫األثر الثقافي كالتربكم في إعداد األجياؿ كاتخاذىا مدخال لتحقيؽ أىدافو بناءا عمى ىذه المعطيات‪،‬‬
‫ندرؾ خطكرة ما يجرم في بالدنا‪ ،‬حيث الجك الثقافي الميمؿ متركؾ لمفرد كما يمارس فيو مف‬
‫استالب أصالة الشخصية‪.‬‬

‫كيحدد مالؾ بف نبي مالمح الحؿ لممشكمة التربية بحؿ المشكمة الثقافية عمى أسس إسالمية‬
‫ألف ذلؾ حقؽ الجك كالمحيط الذم يناسب العقيدة عند المسمـ الذم يعيش في ىذه األياـ ازدكاجية‬
‫في الشخصية‪.2‬‬

‫مالؾ بف نبي يؤمف أف لكاقعنا أساسا ثقافيا عربيا إسالميا ال يمكف إعادة بناء حضارتنا عمى سكاه‪،‬‬
‫كأف الثقافة العربية اإلسالمية يمكنيا أف تقكـ بو ألنيا قد قامت بو في الماضي فعال عندما كانت‬
‫تيدم بإشعاعيا مف مراكزىا في القاىرة كبغداد كقرطبة ‪ ،...‬كبيذا فيي قادرة كجديرة بأف تنيض‬
‫اليكـ بدكرىا كثقافة كبرل في العالـ‪ ،‬فإذا ما أدرؾ المثقؼ العربي المسمـ مشكمة الثقافة مف ىذه‬
‫الزاكية فسكؼ يمكنو أف يدرؾ حقيقة الدكر الذم يناط بو في الحضارة القرف العشريف‪.3‬‬

‫كنظ ار لتزايد الحاجة لمكاجية المشكمة الثقافية يكـ بعد يكـ ألف الثقافة ىي التي تييئ المناخ‬
‫الصحي اجتماعيا كتربكيا لكي تقكـ فييا ذات اإلنساف‪ ،‬كعندىا سيككف ىذا اإلنساف الجديد صانع‬
‫ا لحضارة في المستقبؿ‪ ،‬فالركح التي تقبؿ اليكاف كتتربى في محيط ثقافي اغترابي فيأتي عمميا‬
‫لصالح النفكذ األجنبي‪ ،‬كاذا كانت األعماؿ ىي الكجو التطبيقي لألفكار فإف التحرر الفكرم كاعداد‬

‫‪ : 1‬لحرش‪ ،‬مكسػى‪ ،‬استراتيجية استئناؼ البناء الحضارم لمعالـ اإلسالمي في فكر مالؾ بػف نبػي‪ ،‬جامعػة بػاجي مختػار‪،‬‬
‫عنابة‪ ،‬الجزائر‪ ،8116 ،‬ص‪ -‬ص‪.881-808:‬‬
‫‪ : 2‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.882-888‬‬
‫‪ : 3‬مالؾ بف نبي ‪ ،‬شركط النيضة‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد الصبكر شاىيف‪ .‬دار الفكر‪ ،‬دمشؽ‪ ،0896 ،‬ص‪-‬ص‪.99-96 :‬‬
‫‪89‬‬
‫لمجك الثقافي المستقؿ ىك الطريؽ إلى التقكيـ األعماؿ‪ ،.‬حيث أف أصالة الفكر كالثقافة عنصر‬
‫أساسي ألنيما يعداف اإلنساف إعدادا جديدا متطمعا إلى التحرر في مجاؿ السياسة كاالقتصاد‬
‫كالعسكرية كالتربية ككافة المجاالت‪.1‬‬

‫كقد أشار مالؾ بف نبي في أحد المحاضرات التي ألقاىا في الجزائر أف مشكمة السمكؾ‬
‫ترجع إلى الثقافة‪ ،‬كلكف ىذه الثقافة يجب أف يتـ تطكيرىا كاعدادىا ضمف اإلطار اجتماعي يشمؿ‬
‫سائر المجتمع‪ ،‬كال يقصر عمى صنؼ اجتماعي معيف‪ ،‬ىذا ما الحظو مالؾ بف نبي "بإحداث‬
‫تجربة تمت عمى ألمانيا كتجربتنا الخاصة بالجزائر منذ خمسيف عاما التي احتؾ بيا جيمنا خالؿ‬
‫السنكات الكاقعة بيف عاـ ‪0844-0841‬ـ تثير أمامنا مشكمة الثقافة ضمف حدكدىا الصحيحة كفي‬
‫‪2‬‬
‫صكرتيا التالية ‪ :‬كيؼ يتـ إعداد ثقافة معينة؟‬

‫فمف أجؿ إعداد ثقافة معينة يتـ مف خالؿ "تكجيو الثقافة" حيث يفسر مالؾ بف نبي "التكجيو"‪:‬‬
‫أنو يمثؿ قكة في األساس كتكافؽ في السير ككحدة في اليدؼ‪ ،‬كبمعنى آخر يعني التكجيو‪ ،‬عممية‬
‫منيجية ضركرية تتجنب اإلسراؼ في الجيكد كالكقت‪ ،‬كيرل مالؾ بف نبي أف يأخذ التكجيو الثقافي‬
‫في بعض االعتبار المحظة الفارقة بيف عيد الفكضى جمكد كعيد التنظيـ كالتركيب كالتكجيو‪.‬‬

‫فالثقافة بيذا الصدد ىي الكسط الذم تتككف فيو خصائص المجتمع المتحضر "المجتمع‬
‫التاريخي" كتتشكؿ فيو كؿ جزئية مف جزئياتو تبعا لمغاية العميا التي رسميا المجتمع منذ البداية‬
‫لنفسو‪ ،‬كتعد الثقافة مف ىذه الزاكية عامال حضاريا تاريخيا بؿ كأيضا نظاما تربكيا تطبيقيا‪ ،‬كيتألؼ‬
‫ىذا النظاـ أك البرنامج التربكم الذم يتخذه المجتمع دستك ار لحياتو الثقافية مف عناصر أربعة ي ارىا‬
‫مالؾ بف نبي "المقكمات األساسية لنجاح المجتمع" كىي ‪:‬‬
‫التكجيو األخالقي لتككيف الصالت االجتماعية كتحديد السمكؾ الجماعي داخؿ المجتمع‪.‬‬ ‫•‬
‫التكجيو الجمالي لتككيف الذكؽ العاـ‪.‬‬ ‫•‬
‫المنطؽ العممي‪.‬‬ ‫•‬
‫التكجيو الفني المتالئـ مع حاجات كمتطمبات كؿ مجتمع‪.‬‬ ‫•‬

‫‪ : 1‬أسعد السحمراني‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.808-819‬‬


‫‪ : 2‬مالؾ بف نبي‪ ،‬القضايا الكبرل‪ ،‬بيركت‪ :‬دار الفكر ‪ ،‬بيركت‪،8118 ،‬ص‪ -‬ص ‪.98-99‬‬
‫‪90‬‬
‫كالمناخ المطمكب بشكؿ عاـ مف أجؿ إصالح الثقافة في فكر مالؾ بف نبي ىك الركح القرآنية التي‬
‫فقدت أثرىا العممي في حياة العرب كالمسمميف‪ ،‬ألنيـ فضمكا عنيا في حالة رككد كجمكد أك في‬
‫حالة تقميد لمادية أكركبية‪ ،‬ىذا المناخ اإلسالمي يكلد جكا ثقافيا مالئما لكؿ فرد يجد فيو "أناه"‬
‫المفقكدة بيف السباؽ عمى التسمح كالسعي لمسيطرة عمى أكسع رقعة جغرافية كاقتصادية‪ ،‬أما الثقافة‬
‫المطمكبة ستتحقؽ األماف لمفرد أك الجماعة كتكجد الثقة بينيما بتحقيؽ النظرة العدائية التي أكجدتيا‬
‫‪1‬‬
‫ثقافات الكـ األكركبية‪.‬‬

‫‪ -3‬اإلصالح السياسي في فكر مالؾ بف نبي‪:‬‬


‫ينطمؽ مالؾ بف نبي في فكره عف اإلصالح السياسي مف أف الثقافة كالسياسة أمراف‬
‫متكامالف‪ ،‬ففي حؿ المشكمة الثقافية حؿ لممشكمة السياسية‪ ،‬ألف فساد الحككمات مؤشر داؿ عمى‬
‫فساد اإلنساف في المجتمعات التي تتكالىا ىذه الحككمات‪ ،‬فمكاجية االستعمار كأعكانو كإلصالح‬
‫‪2‬‬
‫الحككمات لف يككف إال بتغيير الكسط الثقافي الذم تتحكـ فيو القابمية لالستعمار‪.‬‬

‫كىك يقكؿ في ىذا الصدد‪" :‬لكف الحرب ال ينتصر فييا باألسمحة المادية فقط‪ ،‬كالبندقية كالمدفع‬
‫أك حتى الطائرة‪ .‬كأحيانا حتى يسئ لالنتصار العسكرم الكبير تقصير (نقص) عمى الصعيديف‬
‫األخالقي كالسياسي‪ .‬ىذا أمر يشيد عميو التاريخ منذ القدـ‪.‬‬

‫بعد أف انتصر ىنيبعؿ في (كاف)‪ ،‬كصؿ إلى أبكاب ركما‪ ،‬فصاح مجمس الشيكخ كقد اعتراه‬
‫اليمع‪ ،‬صيحة الخكؼ التي ال تزاؿ مدكنة في كتب التاريخ‪ :‬ىنيبعؿ عمى أبكاب ركما ! ‪ .‬كلكف‬
‫ممذات (كابكا) (كامبانيا) التي تراخى فييا ضباط ىذا االستراتيجي العظيـ‪ ،‬كتقصيرات مجمس‬
‫الشيكخ القرطاجي‪ ،‬أنقذت ركما التي انتيت‪ ،‬بأف محت قرطاجة مف خريطة الكجكد كما ىك‬
‫معركؼ‪ .‬كلكف ىذه العكامؿ النفسية كاالجتماعية كالسياسية‪ ،‬تقكـ بدكر أكبر بكثير‪ ،‬في عصرنا‬
‫‪3‬‬
‫الذم ال يتعمؽ فيو مصير الحرب بالجبية فحسب‪ ،‬بؿ بالخطكط الكرائية أيضا‪.‬‬

‫‪ : 1‬موسى لحرش‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.222-013‬‬


‫‪ : 2‬أسعد السحمرانً‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.214‬‬
‫‪ : 3‬مالؾ بف نبي‪ ،‬مف أجؿ التغيير‪ ،‬دار الفكر‪ .‬دمشؽ‪ ،‬سكريا‪ ،8112 ،‬ص‪.84‬‬
‫‪91‬‬
‫كيرل مالؾ أف أغمبية البمداف اإلسالمية استكردكا أفكا ار سياسية مقتبسة مف األفكار‬
‫كالنظريات الغربية‪ ،‬كىذا االقتباس ليس في صالح ىذه البمداف أك المجتمعات ألف تطبيقيا يختمؼ‬
‫عف ما ىك عميو في مجتمعاتيا األـ‪ ،‬كيقكؿ في ىذا الصدد‪ ":‬إف الفكر السياسي الحديث في العالـ‬
‫اإلسالمي ىك في ذاتو عنصر متنافر‪ ،‬فيك اقتباس ال يقؼ كحالة ذلؾ العالـ‪ ،‬كالمسممكف في ىذا‬
‫الميداف أك في غيره مف المياديف لـ ينقبكا عف كسائؿ نيضتيـ بؿ اكتفكا بحاجات قمدكا فييا غيرىـ‬
‫‪1‬‬
‫كأشكاؿ جكفاء مف ىكاء‪.‬‬

‫كيعطي مالؾ بف نبي مثاؿ عمى ذلؾ "النظاـ الديمقراطي" حيث يرل أف الديمقراطية المطبقة‬
‫في المجتمعات الغربية‪ ،‬عمى سبيؿ المثاؿ "إنجمترا" ال يحمييا دستكر خاص إنما تحمييا تقاليد‬
‫الشعب ذاتو كعاداتو كأكضاعو النفسية كعرفو االجتماعي‪...‬إلخ‪ ،‬فالديمقراطية إذف في أساسيا‬
‫ليست عممية تسميـ السمطات تقع بيف طرفيف معينيف‪ -‬بيف الممؾ كالشعب مثال‪ -‬بؿ ىي تككيف‬
‫شعكر كانفعاالت كمقاييس ذاتية كاجتماعية يشكؿ مجمكعيا األسس التي تقكـ عمييا الديمقراطية في‬
‫ضمير الشعب‪ ،‬قبؿ أف ينص عمييا الدستكر‪ ،‬كالدستكر ما ىك غالبا إال النتيجة الشكمية لممشركع‬
‫الديمقراطي عندما يصبح كاقعا سياسيا يدؿ عميو نص تكحي بو عادات كتقاليد‪ ،‬كيمميو شعكره في‬
‫ظركؼ معينة كال يككف أم معنى ليذا النص إف لـ تسبقو التقاليد كالعادات التي أكحت بو‪ ،‬أك‬
‫بعبارة أخرل لمبرراتو التاريخية التي دلت عمى ضركرتو‪ .‬فمثال ال يسكغ لنا أف نعتبر اإلسالـ‬
‫كدستكر ي عمف سيادة شعب معيف كيصرح بحقكؽ كحريات ىذا الشعب‪ ،‬بؿ ينبغي أف نعتبره في‬
‫سياؽ حديثنا كمشركع ديمقراطي تفرزه الممارسة كترل مف خاللو مكقع اإلنساف المسمـ مف المجتمع‬
‫الذم يككف محيطو‪ ،‬كىك في الطريؽ نحك تحقيؽ القيـ كالمثؿ الديمقراطية بحيث ترتبط حركتو‬
‫التاريخية كفي صكرة شعكر عاـ كدكافع تككف المعادلة اإلسالمية في كؿ فرد مف المجتمع‪.2‬‬

‫فمثال نظرة النمكذج اإلسالمي إلى اإلنساف ىي نظرة إلى الجانب الالىكتي فيو‪ ،‬بينما‬
‫النماذج غير اإلسالمية تمنحو النظرة إلى الجانب االجتماعي‪ ،‬فالتقكيـ اإلسالمي يضفي عمى‬
‫اإلنساف شيئا مف القداسة‪ ،‬قيمتو فكؽ كؿ قيمة تعطييا لو النماذج المدنية الغربية‪ ،‬فيك في النص‬

‫‪ : 1‬أسعد السحمرانً‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص ‪.216‬‬


‫‪ : 2‬مالك بن نبً ‪ ،‬القضايا الكبرى‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بٌروت‪ ،2112 ،‬ص‪.012-011‬‬
‫‪92‬‬
‫اإلسالمي يشعر اإلنساف بالتكريـ في تقديره لنفسو كاآلخريف‪ ،‬ألف النزاعات السمبية المنافية لمشعكر‬
‫الديمقراطي تبددت في نفسو‪.‬‬

‫كيعطي مالؾ بف نبي أمثمة عدة عف المبادئ الديمقراطية في اإلسالـ‪ ،‬فمثال عف قضية‬
‫التكريـ كالتقكيـ األساسي لإلنساف يضـ في خطكطو العامة مصير الرقيؽ إلى مصير اإلنساف‬
‫الحر‪ ،‬أم يضيؼ الرقيؽ إلى عالـ األشخاص بعد أف كاف مف عالـ األشياء‪ ،‬كذلؾ ألكؿ مرة في‬
‫التاريخ‪.‬‬

‫أما حرية التعبير فإنيا دخمت في العرؼ منذ األياـ األكلى مف العيد اإلسالمي‪ ،‬فالنبي‬
‫صؿ اهلل عميو كسمـ كاف يعكد أصحابو عمى مناقشة آرائو كتقاريره كما ىك الحاؿ في استشارتو‬
‫لمصحابة في الحركب كغيرىا‪ .‬فالمشركع الديمقراطي في المجاؿ االقتصادم يقكـ عمى مبادئ عامة‬
‫تيدؼ إلى تكزيع الثركة حتى ال تصبح دكلة في أيدم بعض المترفيف‪ ،‬فعندما يقرر القرآف الزكاة‬
‫فإنو يضع أساس تشريع اجتماعي عاـ قبؿ أف تدرج في العالـ األفكار االجتماعية؛ فعمى ىذه‬
‫االعتبارات كغيرىا يصح القكؿ بأف الحكـ اإلسالمي ديمقراطي في مصدره كفي عممو‪ ،‬كاإلسالـ‬
‫‪1‬‬
‫يتضمف كؿ السمات التي تطبع الديمقراطية التي تحميو مف جذكر ىذا الحكـ‪.‬‬
‫كعميو فإف مالؾ بف نبي يعتبر تطبيؽ الديف اإلسالمي يفكؽ بكثير ديمقراطية المستكردة في‬
‫النصكص المدنية الغربية‪.‬‬

‫‪ -4‬أزمة ثقافة القابمية لالستعمار ككيفية تجاكزىا‪:‬‬


‫كعميو فإف أم إخفاؽ يسجمو المجتمع في إحدل محاكالتو‪ ،‬إنما ىك التعبير الصادؽ عمى درجة‬
‫أزمتو الثقافية ألف التفكير االجتماعي ىك في األساس فعؿ حضارم قائـ عمى فعؿ ثقافي‪ ،‬كأف كؿ‬
‫كاقع اجتماعي ىك في الحقيقة قيمة ثقافية محققة في كاقع اإلنساف‪ ،‬كعميو فمشكالت اإلنساف ىي‬
‫في األساس مشكالت الحضارة كالتفكير فييا ىك تفكير في مشكالت الثقافة باعتبارىا المدخؿ إلى‬
‫كؿ تغيير اجتماعي أك بناء حضارم‪.2‬‬

‫‪ :1‬مالؾ بف نبي ‪ ،‬القضايا الكبرل‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص ‪.029-020‬‬


‫‪2‬‬
‫‪ :‬الداكدم قركاز‪ ،‬فمسفة التغيير االجتماعي عند مالؾ ابف نبي‪ ،‬مجمة اآلداب كالعمكـ االجتماعية‪ ،‬جامعة فرحات عباس‬
‫سطيؼ‪ ،‬العدد ‪ 08‬ديسمبر ‪.8104‬‬

‫‪93‬‬
‫المحكر الثالث‪ :‬نمكذج عف الثكرات العربية‬

‫أكال‪ :‬البعد المفيكمي لمثكرات العربية الحديثة‬


‫‪ -1‬مفيكـ الثكرة‪:‬‬
‫تعرؼ الثكرة في األدبيات السياسية كاالجتماعية بأنيا ‪ :‬حركة سياسية يحاكؿ مف خالليا‬
‫الشعب أك أدكاتو الجيش أك األحزاب السياسية ‪..‬الخركج عف الكضع السياسي الراىف ىدؼ‬
‫تغييره‪ ،‬باندفاع يحركو الغضب كعدـ الرضا كالتطمع نحك األفضؿ ‪ ،‬أكىي الفعؿ الذم يحدث تغيي ار‬
‫شامال كجذريا في المجتمع ‪ ،‬عمى مستكل الحكـ كالفمسفة الفكرية كيؤسس لبناء مؤسسي كسياسي‬
‫كاقتصادم كاجتماعي جديد يستجيب إلى األىداؼ التي مف أجميا قاـ الشعب بثكرتو ‪ .‬فيؿ كانت‬
‫ىذه الحركات االحتجاجية العربية ثكرات بالمعنى الدقيؽ لمثكرة ؟ كاذا كانت ثكرات ‪ ،‬فيؿ استطاعت‬
‫تحقيؽ أىدافيا‪ 1‬؟‬
‫‪ -2‬مصطمحات ذات صمة‪:‬‬
‫ىناؾ خالفات في التكصيفات كالتسميات التي أطمقت عمى الحراؾ العربي الذم بدأ عاـ‬
‫‪ 8100‬بيف القائؿ أنيا" ثكرات عربية" أك "انتفاضات عربية" كمف قاؿ أنيا "صحكات عربية"؛‬
‫"صحكات إسالمية" كمف قاؿ "ربيع عربي" أك ربيع اسالمي" ك"مؤامرة أمريكية لتقسيـ العالـ"‬
‫ك"سايكس بيكك الجديد" أك" نيضة حداثية عربية رقمية" كانتفاضات تحت التأثير‪ ،‬ربيع‬
‫أمريكي‪...‬إلخ‪.‬‬
‫كفي خضـ كما ىائال مف التعميمات المتناقضة ال يستطيع أم باحث عربي االدعاء بامتالكو‬
‫تحقيقا أك بحثا عمميا يستند إلى أدلة كقرائف ذات صدقية إلثبات رأيو أك لنفي آراء اآلخريف كفؽ‬
‫مناىج المنطؽ العممي الحديث‪.‬‬

‫فيناؾ مف يبتمع نظرية المؤامرة لتفسير الثكرات أك الذيف قالكا نظرية العفكية كالتمقائية‪ ،‬فكمييما‬
‫كقع في نفس المعطيات كاضطرابات الركابط االستداللية كغرؽ في الذاتية‪ .‬كتقطع في شبكات‬

‫‪ : 1‬خالد عميكم العرداكم‪ ،‬الربيع العربي ثكرات لـ تكتمؿ‪ ،‬الندكة الدكلية تداعيات ما بعد الدكتاتكرية في دكؿ الربيع العربي‪،‬‬
‫التي أقامتيا كحدة أبحاث القانكف كالدراسات الدكلية ةه في كمية القانكف ‪ /‬جامعة كربالء آذار ‪ ،2113‬ص‪.0‬‬
‫‪www.fcdrs.com/includes/download.php?type=article&aid=15‬‬

‫‪94‬‬
‫االتصاؿ بيف أحداث كمعطيات ما قبؿ الثكرات كما بعدىا‪ ،‬كىذا ما ضاعؼ عالمات االستفياـ‬
‫كالحيرة في تقديـ أجكبة مقنعة لمكثير مف التساؤالت‪.‬‬

‫‪ -‬كيتفؽ األغمبية عمى أف الربيع العربي ىك خطة أمريكية منسقة تيدؼ كفؽ مجمكعة مف الكثائؽ‬
‫إلى تحكيؿ بمداف الشرؽ األكسط كشماؿ افريقيا مف نظـ استبدادية‪ ،‬عبر عمميات االنتقاؿ‬
‫الديمقراطي كاالصالح السياسي في مشركع جيك‪ -‬استراتيجي ييدؼ إلى عكلمة الديمقراطية‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ابتداءا مف تكنس ثـ مصر‪ ،‬ثـ اليمف‪ ،‬كليبيا‪ ،‬كختـ سكريا قمب مشركع الشرؽ األكسط الكبير‪.‬‬

‫ثانيا‪ -‬تحميؿ اتجاىات الربيع العربي مثاؿ (تكنس‪ ،‬مصر)‬


‫‪ -1‬عمى المستكل االجتماعي‪:‬‬
‫أ‪ -‬أحداث تكنس‪ :‬في أكائؿ ‪ 8101‬عندما أحرؽ البكعزيزم نفسو أماـ بمدية سيدم بكزيد كىك عمؿ‬
‫فردم عفكم‪ ،‬خرجت اثرىا احتجاجات كتطكرت فجأة عمى أيدم ناشطيف عمى شبكات االنترنيت‪،‬‬
‫كتحكلت مف احتجاجات مطمبية كنقابية إلى السعي إلسقاط النظاـ‪ ،‬كيقاؿ اف األحداث دبرىا‬
‫الجنراؿ رشيد عمار أركاف الجيش التكنسي ضد الرئيس زيف العابديف بف عمي‪ ،‬بأكامر عسكرية‬
‫امريكية حاسمة‪ ،‬راح كرائيا قتؿ مئات مف المتظاىريف‪.‬‬
‫‪ -‬كقد انتقمت األحداث إلى مصر‪ ،‬حيث كانت ىناؾ جيات جاىزة تنتظر كصكؿ المكجة‪ ،‬كفعميا‬
‫مئات مف الناشطيف‪.‬‬
‫ثـ إلى اليمف‪ ،‬كليبيا‪ ،‬ثـ إلى سكريا التي انفجرت في درعا‪.‬‬

‫ب‪ -‬ففي مصر‪ :‬بمغت األحكاؿ المعيشية لدل غالبية المصرييف حدا غير مسبكؽ مف التدني‬
‫كالصعكبة‪ ،‬في ظؿ حككمة ترفع أسعار كؿ شيء‪ ،‬كتبيع كؿ مقدرات البمد في كقت تتشدؽ فيو‬
‫بالمعدالت التي تحققيا التنمية‪.‬‬
‫ففي جريدة الميداف القاىرة كتب محمكد ابراىيـ يصؼ مصر قبؿ الثكرة بما يمي‪:‬‬

‫‪ : 1‬حسف محمد الزيف‪ ،‬السمكؾ األمريكي بإطاحة الحمفاء كفؽ المتغي ارت الجيك استراتيجية‪ ،‬الربيع العربي‪ ،‬أخر عمميات‬
‫الشرؽ األكسط‪ ،‬دار القمـ الجديدة‪8102 ،‬ـ‪0424 ،‬ق‪ ،‬ص‪.04‬‬

‫‪95‬‬
‫" قبؿ الثكرة كانت مصر جائعة كفقيرة ككانت مؤشرات البطالة كاألزمات االقتصادية عالية‪ ،‬في‬
‫المقابؿ كاف ىناؾ نظاـ قكم يدير البمد بقبضة مف حديد‪ ،‬التاريخ يسجؿ أنو طكاؿ ثالثيف عاما ىي‬
‫فترة حكـ الرئيس المخمكع حسني مبارؾ‪ ،‬عانى فييا الشعب المصرم مف كجكد نظاـ فاسد خمؽ‬
‫حالة مف الصراع كاالرتباؾ كالسيكلة كاغرؽ الشعب المصرم في بحر مف الفقر كالمعاناة مف‬
‫العيشة‪ ،‬حيث تدىكرت أحكاؿ الغالبية العظمى مف سكاف مصر كارتفعت األسعار كتدنت الخدمات‬
‫كانتشرت معدالت البمطجة كالتسكؿ كالجريمة‪ ،‬رغـ كجكد جياز أمني متكحش قبض عمى البمد بيد‬
‫مف حديد بكاسطة قانكف الطكارئ الذم استمر ألكثر مف ربع قرف يحكـ شعب مصر دكف كجكد‬
‫أدنى احتراـ‪ ،‬كدكف خجؿ انتشرت الرشكة كالمحسكبية في كؿ أرجاء مصر‪".‬‬

‫كتقكؿ المؤشرات أف معدالت الفقر في مصر كصمت نسبة تتعدل ‪ % 91‬كمف بينيـ نسبة‬
‫‪ %44‬معدكمكف أم يعيشكف تحت خط الفقر‪ ،‬كتضاعؼ عدد الفقراء في مصر خالؿ ‪ 2‬سنكات‬
‫األخيرة أم منذ ‪ 8101‬حسب ما جاء عف تقرير صندكؽ النقد الدكلي‪.‬‬
‫أما البطالة فيي كارثة حقيقية في عيد مبارؾ فيي في تزايد سريع حيث نجد سنة ‪ 8118‬نسبة‬
‫البطالة كصؿ إلى ‪ ،%8.0‬بينما في ‪ 8118‬كصؿ إلى ‪ %06‬كارداد ليصؿ سنة ‪ 8101‬إلى‬
‫‪.%88‬‬
‫كظاىرة التسكؿ التي ازدادت بشكؿ غير طبيعي في مصؿ كأصبحت شكارعيا تكتظ بالمتسكليف‬
‫حتى كصمت نسبتيـ سنة ‪ 8101‬بنسبة ‪.%02‬‬
‫ىذا كقد عاشت مصر في فترة الرئيس المخمكع سني مبارؾ عصر الدكلة البكليسية أك العسكرية‬
‫بمعنى الكممة‪ ،‬ككاف جياز األمف بكؿ غطرستو كعدكانو يتحكـ في كؿ شيء في السياسية‪،‬‬
‫كاالقتصاد كالثقافة كاالعالـ‪ ،‬عصر أىدرت فيو أكاـ القضاء عمدا كعاش الفساد في كؿ أرجائيا‬
‫كدكف خجؿ‪.1‬‬
‫كالكضع االجتماعي ال يختمؼ عنو كثي ار في تكنس التي كانت أكلى الدكؿ انتفاضا عمى‬
‫الكضع االجتماعي كاالقتصادم كالسياسي خاصة‪ ،‬حتى أنيا سميت بثكرة الكرامة‪.‬‬

‫‪ :1‬رمزم المنياكم‪ ،‬الفكضى الخالقة ‪ ،‬الربيع العربي بيف الثكرة كالفكضى ‪ ،‬ط‪ ،0‬دار الكتاب العربي‪ ،‬القاىرة ‪ ،‬سنة‬
‫‪ ،8108‬ص‪.084 -082‬‬
‫‪96‬‬
‫‪ -2‬عمى المستكل االقتصادم‪:‬‬

‫المشركعات االقتصادية المحمية لمبمداف العربية غير النفطية( مصر سكريا‪ ،‬المغرب) شيدت‬
‫تراجعا ممحكظا في أدائيا‪ ،‬كارتفعت نسبة البطالة‪ ،‬كحمت تكنس في المرتبة ‪ 041‬عالميا مف حيث‬
‫البطالة‪ ،‬كانخفضت معدالت النمك كخسرت البكرصات ككسدت أسكاؽ العقارات‪ ،‬كانخفضت‬
‫معدالت اليجرة‪ ،‬كىذه العالمات كالمؤشرات التي حممت الشباب العربي لمثكرة عمى ىذه األكضاع‪،‬‬
‫في المقابؿ تراجع أمريكا كالغرب كتقدـ منافسييا كالصيف كركسيا كىي محركات خارجية لمثكرات‬
‫العربية‪.‬‬

‫‪ -3‬دكر السياسات الخارجية‪ :‬امساؾ أمريكا بقاعدة بيانات الحركات االسالمية بعد ‪ 11‬سبتمبر‬
‫أغناىا عف خدمات النظـ العربية‪:‬‬
‫بعد ‪ 00‬سبتمبر ‪ 8110‬كمجمكعة التحقيقات مع ‪ 61‬دكلة عربية اسالمية‪ ،‬أكسب العالـ‬
‫العربي بيانات ىائمة عف فيـ الحركات االسالمية‪ ،‬فأمريكا اليكـ تفرؽ بيف االخكاف كالسمفييف‪،‬‬
‫كتميز بيف الجيادييف كالصحكييف‪ ،‬كبيف الرعكييف كالصكفييف‪ ،‬كبيف الشيعة كالسنة‪ ،‬كبيف حزب‬
‫التحرير كالقاعدة‪ ،‬كبيف حزب اهلل كحماس‪ ،‬كتعرؼ مصادر تمكيؿ كؿ جبية كشبكاتيا الخارجية‪،‬‬
‫كأفكارىا‪ ،‬كشخصيتيا‪ ،‬كرمكزىا‪ ،‬كميكليا الجيادية‪...‬إلخ‪.‬‬

‫كىذا ما اتاح ليا الدخكؿ عمى حمؼ الخط االسالمي‪ ،‬كاستثمارىا في استراتيجيات جديدة مف‬
‫خالؿ إجراء اتصاالت في اتفاقيات مع بعض الحركات االسالمية كرفع خطط افشاؿ االصالح‬
‫السياسي التدريجي الذم كاف يتبناه بعض النظـ الديكتاتكرية في الكطف العربي‪( ،‬كفي نياية‬
‫المطاؼ تكصمت االدارة األمريكية كالعربية لقرار يقضي بضركرة التخمي عف بعض النظـ الحميفة‬
‫التي ال يشكؿ اسقاطيا ضر ار بالغا عمى االستراتيجيات األمريكية) كىي تكنس‪ ،‬المغرب‪ ،‬اليمف‪،‬‬
‫كلبناف‪ ،‬عمى حد قكؿ أحد الخبراء األمريكييف‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫كفي مصر تـ االتصاؿ بشخصيات معتدلة مف تنظيـ االخكاف المسمميف ( ىذه الحركات‬
‫االسالمية أك الصحكة االسالمية التي ظيرت كمحرؾ أساسي لمثكرات الربيع العربي بعد المطالب‬
‫االقتصادية كاالجتماعية التي ناداىا عامة الشعب)‪.1‬‬

‫‪ -4‬دكر الحركات الشعبية في الربيع العربي (نمكذج حركة مف أجؿ التغيير كفاية)‪:‬‬
‫عقب الحرب األمريكية عمى العراؽ‪ ،‬كتحت تأثير الضغكط األمريكية عمى النظاـ المصرم‬
‫مف أجؿ االصالح كتكسيع ىامش الديمقراطية‪ ،‬تحكؿ الزخـ كالحراؾ الشعبي الذم ساد الشارع‬
‫المصرم مف أجؿ االحتجاج عمى الحرب عمى العراؽ إلى المطالبة باإلصالح الشامؿ عمى‬
‫المستكل الداخمي المصرم‪ ،‬ظيرت إثرىا عدة حركات سياسية شعبية منيا‪ :‬الحكة الشعبية مف أجؿ‬
‫التغيير‪ ،‬التي بادر بإنشائيا نشطاء منتمكف فكريا إلى اليسار‪ ،‬ككاف اليدؼ منيا أف تككف تجمعا‬
‫يظـ مختمؼ القكل السياسية الفاعمة عمى الساحة المصرية مف أجؿ المطالبة بالديمقراطية كالحريات‬
‫‪2‬‬
‫كحقكؽ األساسية لممصرييف‪.‬‬

‫أما الحركة المصرية مف أجؿ التغيير "كفاية" فكاف ليا دكر أكثر فعالية في الساحة المصرية‬
‫كىي حركة ضمت في بدايتيا ثالثمئة مف المثقفيف المصرييف كالشخصيات العامة‪ ،‬التي تمثؿ‬
‫الطيؼ السياسي المصرم عمى اختالؼ ألكانو‪ ،‬كثيقة تأسيس تطالب بتغيير سياسي حقيقي في‬
‫مصر‪ ،‬بإنياء النظاـ االقتصادم كالفساد في البالد‪ ،‬كانياء تبعية سياسية الخارجية المصرية‪ ،‬ككاف‬
‫ذلؾ في سبتمبر ‪ 8114‬كازداد عددىا منذ تمؾ الفترة ليبمغ آالؼ المنظميف‪.‬‬
‫ككانت مف بيف مضامينيا‪:‬‬
‫‪ -‬عدـ تحديث كالية الرئيس مبارؾ‪ ،‬كعدـ تكريث ابنو جماؿ‪ ،‬تحت شعار "ال لمتكريث"‪.‬‬
‫‪ -‬اصالح سياسي كاقتصادم كدستكرم إلزالة االستبداد الذم لحؽ آثاره بالمجتمع المصرم‪.‬‬
‫‪ -‬إنياء احتكار الثركة الذم أدل إلى شيكع الفساد‪ ،‬كتفشي البطالة كالغالء‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ :‬حسف محمد الزيف‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص ‪.09-04‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ :‬عمرك الشبككي‪ ،‬الحركات االحتجاجية في الكطف العربي مصر‪ ،‬المغرب‪ ،‬لبناف‪ ،‬البحريف‪ ،‬الجزائر‪ ،‬سكرية‪ ،‬األردف‪،‬‬
‫مركز الدراسات العربية‪ ،8100 ،‬ص ‪.889‬‬
‫‪ : 3‬المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪.225‬‬
‫‪98‬‬
‫‪ -‬رد االعتبار لممكاطنة العربية كالمصرية إثر اعتداءات االسرائيمية المتكررة عمى األراضي‬
‫الفمسطينية‪ ،‬كقد ضمت كفاية مجمكعة مختمفة مف النشطاء مف التيارات السياسية الماركسييف‬
‫كاإلسالمييف‪ ،‬كالمبيرالييف‪ ،‬كلكنيا مبادرة مف التيار القكمي الناصرم‪.‬‬
‫بعدىا ظيرت أحزاب اخرل كحركات أخرة مطالبة بنفس المطالب منيا‪:‬‬
‫قكل حزب التجمع اليسارم‪ ،‬كجماعة االخكاف المسمميف‪ ،‬كىما التيارات المذاف تسببا في عدد مف‬
‫المشكالت الداخمية لمحركة حسب كجية نظر الحركة‪.‬‬

‫ففي عاـ ‪ ،8118‬نرل أف حاالت التظاىر كالكقفات االحتجاجية باغت نسبتيا ‪ %89،0‬مف‬
‫مجمكع حاالت التي تـ رصدىا‪ ،‬تالىا االعتصاـ بنسبة ‪ %86،9‬ثـ االضراب عف العمؿ بنسبة‬
‫‪ %81،9‬باإلضافة إلى التيديد باالعتصاـ أك االضراب كالشكاكل‪ ،‬االضراب عف الطعاـ‪... ،‬إلخ‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬ىؿ نجحت الثكرات الشعبية العربية في تغيير األنظمة السياسية في بمدانيا؟‬

‫‪ -1‬حالة تكنس‪:‬‬
‫التحكؿ نحك الديمقراطية في تكنس‪ ،‬تظؿ‬
‫ٌ‬ ‫رغـ كؿ الصعاب التي ما زالت قائمة‪ ،‬فإف تجربة‬
‫أنجح التجارب في دكؿ الربيع العربي‪ ،‬ألنيا التجربة الكحيدة التي نجحت في تحقيؽ مراحؿ ميمة‬
‫نتخبة إلى حد ما‪،‬‬
‫مف تشكيؿ ىيئات تضمف الكصكؿ في نياية المطاؼ إلى حككمة ديمقراطية م ى‬
‫بعيدا عف تدخؿ الجيش في العممية السياسية‪.‬‬
‫كبناء عمى نتائجو‬
‫ن‬ ‫"كقد جرل انتخاب المجمس التأسيسي في ‪ 82‬أكتكبر‪/‬تشريف األكؿ ‪، 8100‬‬
‫ص ٍكغ الدستكر‪ ،‬كضـ‬‫ثالثي يعرؼ باسـ التركيكا إلدارة المرحمة االنتقالية كعممية ى‬
‫ّّ‬ ‫تشكؿ ًح ه‬
‫مؼ‬ ‫َّ‬

‫كال مف" حركة النيضة "ذات التكجو اإلسالمي المعتدؿ التي ت أرٌست الحككمة‪ ،‬كحزب‬ ‫المجمس ِّ‬

‫"المؤتمر مف أجؿ الجميكرية "المنتمي إلى التيَّار الكسطي العمماني الذم أسَّسو منصؼ المرزكقي‬
‫ئيسا لمجميكرية‪ ،‬كحزب" التكتٌؿ الديمقراطي مف أجؿ العمؿ كالحريات "ذم التكجيٌات‬
‫كأصبح ر ن‬
‫االجتماعية الديمقراطية بقيادة مصطفى بف جعفر الذم تكلى رئاسة المجمس التأسيسي‪.‬‬
‫اضحا لمستقبؿ الممارسة الديمقراطية في تكنس‪ ،‬اغتياؿ النائب‬
‫تحديا ك ن‬
‫كمف الصعكبات التي مثٌمت ن‬
‫اليسارم محمد البراىمي‪ ،‬في يكليك‪/‬تمكز ‪ 8102‬؛ األمر الذم أثار أزمة سياسية في تكنس‪ ،‬فما‬
‫يقرب مف ثمث أعضاء الجمعية التأسيسية قد حممكا الحككمة التي يترأسيا اإلسالميكف المسؤكلية‬

‫‪99‬‬
‫األخالقية عف جريمة القتؿ التي جاءت بعد فترة ليست طكيمة مف حادث اغتياؿ سياسي آخر‬
‫لشخصية تتمتع بمكانة عالية في فبراير‪/‬شباط‪ ،‬كدخؿ ىؤالء األعضاء في إضراب مفتكح‪ ،‬كنصبكا‬
‫مخيمات أماـ مبنى البرلماف لمدة تقارب ثالثة أشير‪.‬‬
‫كلـ ّْ‬
‫يؤد ذلؾ االعتصاـ إلى كقؼ اعتماد الدستكر الجديد لمبالد فحسب‪ ،‬بؿ إلى ارتفاع حدة‬
‫أيضا بيف" جبية اإلنقاذ الكطني "الممثمة لمكتمة العممانية كائتالؼ السمطة الثالثية المشتركة‬
‫التكتر ن‬
‫)التركيكا (الحاكـ‪.‬‬
‫الحؿ السممي طريؽ فاعؿ لمممارسة الديمقراطية في تكنس‬
‫في النياية‪ ،‬سادت فكرة السعي إليجاد حؿ سممي بيف جميع األطراؼ‪ ،‬كلكف لـ تكتمؿ معالمو‬
‫بشكؿ كامؿ‪ ،‬كبعد حدكث ضغط مف قبؿ أربع جيات فاعمة رئيسة في المجتمع المدني‪ ،‬ىي ‪:‬‬
‫"االتحاد العاـ التكنسي لمشغؿ"‪ ،‬ك"االتحاد التكنسي لمصناعة كالتجارة كالصناعات التقميدية) "جمعية‬
‫ألرباب األعماؿ(‪ ،‬ك"نقابة المحاميف التكنسييف"‪ ،‬ك"رابطة حقكؽ اإلنساف"‪ ،‬اضطر ائتالؼ التركيكا‬
‫كالمعارضة إلى المشاركة في" الحكار الكطني ‪".‬ىذا كقد سيٌمت دكؿ كمنظمات دكلية شريكة بشكؿ‬
‫أكبر قياـ ذلؾ الحكار مف خالؿ تجميد جيكدىا المالية الرامية إلى دعـ عممية التحكؿ الديمقراطي‬
‫البطيئة كغير المنتظمة في تكنس ‪.‬كمف خالؿ قياـ مفاكضات شاقة برئاسة المجنة الرباعية المش ٌكمة‬
‫أخير عمى خارطة طريؽ تتضمف اعتماد دستكر تكافقي كتعييف‬
‫مف المجتمع المدني‪ ،‬اتفؽ الطرفاف نا‬
‫حككمة تصريؼ أعماؿ محايدة في يناير‪/‬كانكف الثاني‪ .‬كمنذ ذلؾ الحيف تـ تكميؼ الحككمة بقيادة‬
‫رئيس الكزراء ميدم جمعة بالتحضير لالنتخابات الرئاسية كالتشريعية قبؿ نياية العاـ‪.‬‬

‫الفعاؿ برفضو تسميـ السمطة إلى حككمة غير منتخبة‬


‫لقد اتبع ائتالؼ التركيكا اإلجراء ٌ‬
‫كاص ارره عمى بقاء الجمعية التأسيسية كما ىي‪ ،‬كمثابرتو المستمرة قد فتحت الباب أماـ" الحكار‬
‫الكطني"‪ ،‬كبالتالي أدت إلى الحفاظ عمى الديمقراطية التكنسية" ككاف لمكقؼ النيضة التكنسية في‬
‫تقديـ التكافؽ مع القكل السياسية التكنسية عمى مصمحة الحركة‪ ،‬دكر كبير في تجنيب تكنس‬

‫‪100‬‬
‫كيالت االنشقاقات كاالحتراب األىمي‪ ،‬كىذا بطبيعة الحاؿ يعزز المسار الديمقراطي الذم تـ‬
‫اعتماده منذ البداية‪.1‬‬

‫‪ -2‬حالة مصر (ثكرة يناير كتحديات الممارسة الديمقراطية) ‪:‬‬


‫بعد أف قامت الثكرة المصرية في الخامس كالعشريف مف يناير‪/‬كانكف الثاني في العاـ ‪8100‬‬
‫نمكذجا‬
‫ن‬ ‫لتحقيؽ العدالة االجتماعية كالعيش الكريـ كالكرامة اإلنسانية لممكاطف المصرم‪ ،‬كالتي مثٌمت‬
‫يدا لكحدة الصؼ الكطني في مكاجية حكـ اإلقصاء كالتسمط الذم مارسو نظاـ مبارؾ ألكثر مف‬
‫فر ن‬
‫عاما‪ ،‬إال أنو لـ تتحقؽ أىداؼ الثكار بتحقيؽ آماليـ كطمكحاتيـ‪ ،‬بسبب ممارسات المجمس‬
‫ثالثيف ن‬
‫العسكرم الذم استحكذ عمى مقاليد األمكر بعد أف حصؿ عمى الثقة الكافية مف فصائؿ سياسية‬
‫مختمفة‪.‬‬

‫لـ ييكمؿ الرئيس مرسي مدتو االنتخابية التي مف المفترض أف تنتيي في العاـ ‪ ، 8106‬نتيجة‬
‫لممحاكالت المستمرة مف جانب المعارضة في عرقمتو‪ ،‬كلسياساتو البطيئة في تحقيؽ العدالة‬
‫االنتقالية مف جانب آخر؛ فسعى معارضكه لمتكاطؤ مع المجمس‪ ،‬العسكرم كبذلكا كؿ السبؿ إلزاحتو‬
‫مف منصبو كتحقؽ ليـ ذلؾ بالحشكد التي دعكا إلييا في ‪ 21‬مف يكنيك‪/‬حزيراف ‪ 8102‬كتبع ذلؾ‬
‫نص صراحة عمى إبعاد الرئيس المنتخب‪،‬‬
‫بياف االنقالب العسكرم في ‪ 3‬مف يكليك‪/‬تمكز الذم ٌ‬
‫ككضع خارطة طريؽ يتـ بمكجبيا ‪ :‬تعطيؿ العمؿ بالدستكر بشكؿ مؤقت‪ ،‬كاجراء انتخابات رئاسية‬
‫مبكرة عمى أف يتكلى رئيس المحكمة الدستكرية العميا إدارة شؤكف البالد خالؿ المرحمة االنتقالية‬
‫لحيف انتخاب رئيس جديد‪ ،‬كتشكيؿ حككمة كفاءات كطنية قكية كقادرة تتمتع بجميع الصالحيات‬
‫إلدارة المرحمة الحالية‪ ،‬كتشكيؿ لجنة تضـ كافة األطياؼ كالخبرات لمراجعة التعديالت الدستكرية‬
‫المقترحة عمى الدستكر الذل تـ تعطيمو مؤقتنا‪ ،‬ككضع ميثاؽ شرؼ إعالمي يكفؿ حرية اإلعالـ‬
‫كيحقؽ القكاعد المينية كالمصداقية كالحيدة كاعالء المصمحة العميا لمكطف‪ ،‬كتشكيؿ لجنة عميا‬
‫لممصالحة الكطنية مف شخصيات تتمتع بمصداقية كقبكؿ لدل جميع النخب الكطنية كتمثؿ مختمؼ‬
‫التكجيات‪.‬‬

‫‪ :1‬جماؿ نصار‪ ،‬تقارير مستقبؿ الديمقراطية في بمداف الربيع العربي حالة تكس كمصر‪ ،‬مركز الجزيرة لمدراسات ‪ 02 ،‬مام‬
‫‪ ،،8104‬ص ‪.2-8‬‬
‫‪http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2014/05/201451363131798747.html‬‬
‫‪101‬‬
‫ئيسا مؤقتنا‬
‫كلـ يتحقؽ مف خارطة الطريؽ تمؾ سكل تعييف رئيس المحكمة الدستكرية العميا ر ن‬
‫لمبالد‪ ،‬كتغيير كبير في دستكر ‪ 8108‬بدالن مف تعديمو‪ ،‬كترشح قائد االنقالب لرئاسة الجميكرية‪،‬‬
‫كتييئة قطاع كبير مف الشعب المصرم لمتصكيت لو‪ ،‬مف خالؿ التركيج في كسائؿ اإلعالـ‬
‫ثـ تـ‬ ‫ّْ‬
‫المختمفة بأنو المخمص الكحيد لمصر كالمنقذ مف سيطرة اإلخكاف عمى مقاليد األمكر‪ ،‬كمف ٌ‬
‫فج كاعتقاؿ أعداد كبيرة منيـ‪.‬‬
‫التعامؿ مع المعارضيف لالنقالب بشكؿ أمني ٌ‬

‫كتـ تعميؽ االنقساـ المجتمعي بيف أفراد الشعب المصرم كخصكصا بعد المجازر المتتالية‬
‫التي قامت بيا السمطة الحاكمة في الحرس الجميكرم‪ ،‬كالمنصة‪ ،‬كرابعة العدكية‪ ،‬كالنيضة ‪..‬‬
‫كغيرىا‪ ،‬التي راح ضحيتيا أكثر مف ثالثة آالؼ كخمسمائة حتى اآلف‪ ،‬كأكثر مف عشريف ألؼ‬
‫معتقؿ‪ ،‬كآالؼ المفقكديف‪.‬‬
‫كؿ ذلؾ أجيض الممارسة الديمقراطية الناشئة التي أتت برئيس مدني ألكؿ مرة في تاريخ مصر‪.‬‬
‫كمف المؤكد أف كؿ الممارسات التي تمارسيا السمطة االنتقالية تدفع إلى العكدة لحكـ العسكر مرة‬
‫أخرل‪.‬‬
‫كمف المؤشرات الميمة التي ظيرت بعد االنقالب العسكرم عكدة رجاؿ مبارؾ إلى المشيد‬
‫السياسي مرة أخرل‪ ،‬كالكثير منيـ يدعـ تر ٌشح السيسي لرئاسة الجميكرية‪ ،‬لمحفاظ عمى مصالحيـ‪.1‬‬

‫رابعا‪ :‬ايجابيات كسمبيات الربيع العربي‪:‬‬


‫‪ -1‬إيجابيات الربيع العربي‪:‬‬
‫مف االيجابيات التي تحسب لحركات االحتجاج المسماة بالربيع العربي ما يمي‪:‬‬
‫‪-‬كسرىا حاجز الصمت كالخكؼ لدل الناس مف السمطة ‪ ،‬السيما لدل الشباب العربي الذم كاف‬
‫العمكد الفقرم ‪ ،‬بؿ كالمحرؾ األساس ليذه الحركات ‪ ،‬ككسر ىذا الحاجز سيفتح الباب مشرعا‬
‫النتقاد السمطة بغرض تقكيميا‪ ،‬كربما التمرد عمييا كتغييرىا إف لزـ األمر‪ ،‬بمعنى أنك سقطت كالى‬
‫األبد مقدسات السمطة التي تجرـ كؿ محاكلة النتقادىا كالخركج عمييا‪.‬‬
‫‪ -‬أثبتت عدـ دقة حسابات السمطة المتعمقة ببقاء شخص الحاكـ أك أسرتو أك حزبو‪ ..‬في الحكـ‬
‫دكف خشية مف التغيير ‪ ،‬فانقمبت حسابات الحكاـ في المنطقة رأسا عمى عقب ‪ ،‬كبدأنا نسمع بيف‬

‫‪ :1‬جماؿ نصار‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره ‪ ،‬ص‪.9-6‬‬


‫‪102‬‬
‫الفينة كالفينة تصريحات ليذا الحاكـ أك ذاؾ بأنو لف يعيد ترشيح نفسو لمحكـ ‪ ،‬كما ىك حاؿ‬
‫الرئيس السكداني كالرئيس الجزائرم في تصريحات منسكبو ليما‪.‬‬

‫‪-‬أنيا حركات احتجاجية خرجت مف القاع ‪ ،‬أم قاع المجتمعات ‪ ،‬كلـ تقـ بيا النخب في القمة‪،‬‬
‫مما يدؿ عمى مسؾ الشعكب العربية ألكؿ مرة زماـ المبادرة في الفعؿ الثكرم‪ .‬طبعا ىذا ال يعني‬
‫عدـ التحاؽ بعض مف نخب القمة بيذا الفعؿ الثكرم ال حقا‪.‬‬
‫‪-‬عكست ىذه الحركات رغبة شعبية في تغيير منظكمة القيـ السياسية السائدة كالقائمة عمى القيـ‬
‫األبكية المؤلية لمحاكـ كالتي تضعو فكؽ القانكف‪.‬‬
‫‪-‬شكمت صرخة احتجاجية قكية عمى مظاىر البطالة كالفساد كالمحسكبية كعدـ العدالة في تكزيع‬
‫الدخؿ كالثركة‪ ،‬أم عمى كؿ مظاىر االنحراؼ التي أسست لدكلة االستبداد كالفساد في المنطقة‪.1‬‬

‫‪ -2‬سمبيات كتحديات تكاجو الربيع العربي‪ :‬تكاجو حركات الربيع العربي سمبيات كمشاكؿ عدة‬
‫منيا‪:‬‬
‫‪ -‬أنيا حركات لـ تثبت ىكيتيا إلى ىذه المحظة ‪ ،‬إذ تعاني مف التخبط كاإلرباؾ في حسـ مكضكع‬
‫اليكية‪.‬‬
‫‪ -‬لـ تستطع اإلجابة عف أسئمة محكرية تتعمؽ بعالقة الديف بالدكلة‪ ،‬كطبيعة الدكلة‪ ،‬كالعالقة بيف‬
‫الحكاـ كالمحككميف‪.‬‬
‫‪ -‬لـ تنجح أك تضع المقدمات الصحيحة لبناء حياة دستكرية متفؽ عمييا مف الجميع‪.‬‬
‫‪-‬لـ تؤسس إلصالح اقتصادم كاجتماعي كاضح المعالـ‪.‬‬
‫‪-‬عانت مف انقضاض تيارات اإلسالـ السياسي بكؿ ألكانيا الفكرية عمى الحكـ في البمداف التي‬
‫سقط حكاميا ‪ ،‬كممارستيا ألدكات الحكـ السابؽ بثكب جديد‪.‬‬
‫‪-‬أثارت ىذه الحركات الخشية مف احتماؿ تحكليا مف حركات مكجية إلسقاط الطغاة كالفاسديف‬
‫إلى حركات مستفزة لمكجداف االجتماعي كمثيرة لألحقاد العرقية كالدينية كالطائفية الميددة لتفكؾ‬
‫الدكلة كانقساميا‪ ،‬كمؤشرات ىذا االحتماؿ بارزة في مصر كسكريا كالعراؽ كاليمف كالسعكدية كلبناف‬

‫‪ :1‬خالد عميكم الغرداكم‪ ،‬مرع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.2-8‬‬


‫‪103‬‬
‫كالبحريف‪ ...‬حيث يشتد التنكع االجتماعي بنزعاتو االنقسامية المتصارعة المغذاة مف عناصر‬
‫التدخؿ اإلقميمي كالدكلي ‪ ،‬كمف األخطاء كالتراكمات التاريخية‪.‬‬
‫‪-‬أنيا حركات لـ تسمـ مف التدخؿ الخارجي لقكل إقميمية كدكلية تحاكؿ حرفيا عف مسارىا‬
‫الصحيح لمصمحة ىذا المحكر الدكلي أك ذاؾ‪ ،‬بشكؿ قد تضيع معو المصالح الكطنية لحساب‬
‫‪1‬‬
‫المصالح األجنبية‬

‫‪ :0‬خالد عميكم الغرداكم‪ ،‬مرع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.2-8‬‬


‫‪104‬‬
‫المحكر الرابع‪ :‬العكلمة كالتغير االجتماعي‬

‫التغير يشير إلى أم نكع مف أنكاع التبدؿ أك التحكؿ الحادث عمى تركيبة المجتمع سكاء كاف‬
‫ىذا التغير إيجابيا أك سمبيا تقدميا أك انتكاسيا سريعا أك بطيئا عميقا أك سطحيا ‪..‬الخ‪ ،‬أما العكلمة‬
‫فيي حالة مف التغير تشير إلى تحكؿ المجتمعات اإلنسانية نحك مزيد مف التعقيد االجتماعي‬
‫كاالقتصادم كالسياسي كالتقاني ‪ .‬بمفيكـ أيسر‪ ،‬التغير ىك مفيكـ أشمؿ مف العكلمة إذ األخير‬
‫يستظؿ بمظمة األكؿ أك يدخؿ تحت صنكفو ‪ .‬الحظ ىنا أف الفارؽ ما بيف مفيكمي العكلمة كالتغير‬
‫مثمو مثؿ الفارؽ بيف مفيكمي التحديث االجتماعي كالتغير االجتماعي‪ ،‬فيما مف نفس الفئة كلكف‬
‫ال يشيراف إلى نفس الشيء‪ ،‬فالتحديث ىك عبارة عف تغير‪ ،‬كلكنو تغير إيجابي عادة ما يككف‬
‫مقصكدا مف قبؿ الجيات المسؤكلة عف التخطيط االقتصادم كاالجتماعي في المجتمع‪ .‬كذا مفيكـ‬
‫العكلمة فيك يشير أيضا إلى ضرب مف التغير االجتماعي العاـ كالذم ينـ عف ازدياد درجة التعقيد‬
‫االجتماعي كاالقتصادم في المجتمع‪ ،‬غير أنو لـ يكف مقصكدا بالدرجة التي قيصد بيا إحداث‬
‫التحديث االجتماعي بالمجتمع‪. 1‬‬

‫‪ -1‬مفيكـ العكلمة ‪Globalisation‬‬


‫مفيكـ كمصطمح انتشر في األكاف األخيرة‪ ،‬فكرتو األساسية ازدياد العالقات المتبادلة بيف‬
‫األمـ سكاء المتمثمة في السمع أك الخدمات‪ ،‬أك في انتقاؿ رؤكس األمكاؿ‪ ،‬الرأسمالية ىي ديانة‬
‫االنسانية كأف النسبية الفكرية ستككف ليا الغمبة عمى المطمقات االيديكلكجية‪ ،‬أك في انتشار‬
‫المعمكمات كاألفكار كسرعة تدفقيا‪ ،‬أك في تأثر أمة بقيـ كعادات كتقاليد غيرىا مف األمـ‪.‬‬
‫ككاكب انتشار العكلمة االنتقاؿ السريع لممعمكمات‪ ،‬كانتشار الفضائيات كاتفاقية ألجات التي ألغت‬
‫الرسكـ الجمركية بيف الشعكب كاألمـ‪ ،‬كالحماية الفكرية لألعماؿ كاألفكار كالمنتجات‪ ،‬كسيطرت‬
‫القيـ الغربية األمريكية عمى العالـ فيما يخص أساسا الديمقراطية كحقكؽ اإلنساف كالمجتمع المدني‪،‬‬
‫كما العكلمة ما ىي إال رسممة العالـ كتتـ السيطرة عميو في ظؿ ىيمنة دكؿ المركز كسيادة النظاـ‬

‫‪ : 1‬أمؿ المرشدم‪ ،‬دراسة تكضح مفيكـ العكلمة كعالقتيا بالمفاىيـ االجتماعية كميزاتيا في ظؿ التطكر التاريخي‪08 ،‬‬
‫يكليك ‪https://www.mohamah.net/law ،8106‬‬

‫‪105‬‬
‫العالمي الكاحد كبالتالي اضعاؼ القكميات كاضعاؼ فكرة السيادة الكطنية كصياغة ثقافة عالمية‬
‫كاحدة تضمحؿ الى جكارىا الخصكصيات الثقافية‪ ،‬كالنمط السائد اآلف ىك العكلمة األمريكية‪.1‬‬

‫‪ -2‬العكلمة كالتغير االجتماعي‪:‬‬

‫كرغـ أف العكلمة ترتبط في كثير مف األحياف باألنساؽ الضخمة مثؿ نظـ أسكاؽ الماؿ‬
‫كاالنتاج كالتجارة العالمية‪ ،‬بتطكر كسائؿ االتصاؿ‪ ،‬فإف آثارىا تتغمغؿ بقكة في حياتنا الخاصة‪،‬‬
‫فالعكلمة ليست عممية تجرم في كككب آخر بعيد عنا كال صمة لنا بو‪ ،‬فيي ظاىرة تعيش بيننا‬
‫كمعنا كنتعايش معيا بشتى األساليب كالكسائؿ‪ ،‬كقد دخمت سياؽ حياتنا االقتصادية كالثقافية‬
‫كاالجتماعية مف خالؿ مصادر غير رسمية في كثير مف األحياف مثؿ كسائؿ االعالـ كالثقافة‬
‫الشعبية كالتكاصؿ الفردم مع أشخاص آخريف مف ثقافات كبمداف أخرل‪.‬‬

‫ف العكلمة تحدث تغيرات في طبيعة تجاربنا اليكمية‪ ،‬كفيما تمر مجتمعاتنا بتحكالت عميقة‪ ،‬فإف‬
‫بعض المؤسسات الراسخة في حياتنا قد تقادـ عيدىا كأصبحت بالية بؿ اف بعضيا أصبح معيقا‬
‫لمتقدـ‪.2‬‬
‫كقد لخص "انطكني غيدنر" أثار العكلمة في حياتنا كعالقتيا بالتغير االجتماعي في النقاط التالية‪:‬‬

‫أ‪ -‬بزكغ النزعة الفردية‪:‬‬


‫في ظركؼ العكلمة الراىنة نشيد تصاعد النزعة الفردية التي تتيح لمناس اإلسياـ بدكر أكبر‬
‫في تككيف أنفسيـ كبناء ىكياتيـ الخاصة‪ ،‬كقد أخذت كطأة التقاليد كالقيـ الراسخة باالنحسار بعد‬
‫تزايد التفاعؿ بيف الجماعات في إطار نظاـ عالمي جديد‪ ،‬كما تناقص كزف الرمكز االجتماعية التي‬
‫كانت تحدد المالمح الرئيسية لخيارات الناس كأنشطتيـ‪.‬‬

‫كما أف األطر التقميدية لميكية قد أخذت تتفكؾ لتحؿ مكانيا أنماط جديدة ناشئة لتحديد‬
‫اليكية‪ ،‬كقد أرغمت العكلمة الناس عمى العيش بأساليب تأممية كانعكاسية أكثر انفراجا كانفتاحا‪،‬‬
‫كبعبارة أخرل فإ ننا نستجيب عمى الدكاـ كنتكيؼ مع البيئة المتغيرة حكلنا‪ ،‬كما أننا كأفراد نتطكر‬

‫‪ : 1‬اسماعيؿ عبد الفتاح عبد الكافي‪ ،‬معجـ مصطمحات عصر العكلمة‪ ،‬مصطمحات سياسية كاقتصادية كاجتماعية كنفسية‬
‫‪www.kotobarabia.com‬‬ ‫‪.‬‬ ‫كاعالمية‪ ،‬دكف ذكر سنة كدار كبمد النشر‪ ،‬ص‪222‬‬
‫‪ : 2‬أنطكني غدنر بمساعدة كاريف بيرديساؿ‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره ‪ ،‬ص‪.026‬‬
‫‪106‬‬
‫بصكرة مكازية كمتداخمة في الكقت نفسو مع السياؽ األكسع اذم نعيش فيو‪ ،‬بؿ إف الخيارات‬
‫الصغيرة الركتينية التي نقكمكا بيا في حياتنا اليكمية مثؿ المالبس كقضاء كقت الفراغ‪ ،‬كعنايتنا‬
‫بصحتنا كأجسامنا‪ ،‬مثؿ جانبا مف العممية المستمرة لتشكيؿ ىكياتنا الشخصية كاعادة تشكيميا‪.‬‬

‫ب‪ -‬أنماط العمؿ‪:‬‬


‫لقد أطمقت العكلمة تحكالت عميقة الغكر مف عقاليا في عالـ العمؿ‪ ،‬فقد تركت انماط التجارة‬
‫العالمية كأساليب النتقاؿ إلى اقتصاد المعرفة آثا ار بالغة عمى أنماط االستخداـ كالعمالة‪ ،‬إف كثي ار‬
‫مف الصناعات التقميدية قد تقادمت كأصيبت باليرـ بعد التطكرات التقنية‪ ،‬أك نيا بدأت تفقد نصيبيا‬
‫في السكؽ لصالح المنافسيف اذيف تككف كمفة العمؿ كاالستخداـ عمييـ أقؿ مما ىي في الدكؿ‬
‫الصناعية‪ ،‬حيث لحقت البطالة بالعماؿ الصناعييف الذيف ال يمتمككف الميارات الجديدة التي تؤىميـ‬
‫لدخكؿ عالـ االقتصاد القائـ عمى المعرفة‪.‬‬
‫كما ادت العكلمة في كثر مف بمداف العالـ إلى تفاقـ البطالة كارتفاع معدالت الجريمة كاالنحراؼ‪.1‬‬

‫ج‪ -‬العكلمة كالثقافة الشعبية‪:‬‬


‫البعض الباحثيف يربطكنيا باإلمبريالية التي بدأت فييا القيـ كاألساليب كاآلراء ككجيات النظر في‬
‫العاـ الغربي تغزك الثقافات الكطنية كالشخصية القائمة لدل الشعكب األخرل كتتغمغؿ فييا كربما‬
‫تييمف عمى عناصر أساسية كثيرة فييا‪.‬‬

‫غير أف باحثيف آخريف يربطكف بيف العكلمة مف كجية كبيف تصاعد التفاكت كالتمييز في‬
‫التقاليد كاألشكاؿ الثقافية‪ ،‬كيرل ىؤالء أف المجتمع العالمي الحديث يتسـ بالتمايز المتصاعد بيف‬
‫الثقافات كالثقافات الفرعية ال بالتجانس كالتدجيف المستمر فيما بينيما كفقا لمكاصفات نمكذجية‬
‫مكحدة في كؿ مكاف كيرل بعض ىؤالء أف كفكد مؤثرات جديدة عمى التقاليد كالثقافات المحمية ال‬
‫يؤدم إلى نشكء ثقافة كاحدة متجانسة بؿ يقضي إلى مزيد مف التنكع‪ .‬كربما إلى التجزئة كالتشتت‬
‫بيف الثقافات‪.‬‬

‫‪ : 1‬أنطكني غدنر بمساعدة كاريف بيرديساؿ‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص ‪.029-029‬‬

‫‪107‬‬
‫كيعتقد باحثكف آخركف أف اليكيات كأساليب الحياة الراسخة في الجماعات كالثقافات المحمية قد‬
‫بدأت تتراجع أماـ أشكاؿ جديدة مف اليكية اليجينة التي تتألؼ مف عناصر متباينة مستمدة مف‬
‫عدة مصادر ثقافية‪.1‬‬

‫د‪ -‬العكلمة كالمخاطر‪:‬‬


‫كتتجمى اىـ المخاطر التي نجمت عف العكلمة كاقتصاد العكلمة في النقاط األساسية التالية‪:‬‬
‫‪ -‬المخاطر البيئية‪:‬‬
‫لقد كاف مف نتائج التسارع في التنمية الصناعية كالتقنية أف تزايد التدخؿ البشرم في الطبيعة‪،‬‬
‫ال متمثمك في النمك الحضرم المتسارع كاالنتاج كالتمكث الصناعي كبناء السدكد‪ ،‬كالمصانع المائية‪،‬‬
‫كبرامج تطكير الطاقة النككية‪ ،‬ك‪...‬إلخ‪ ،‬كتضافرت نتائج ىذه العمميات بمجمكعيا لنشر الدمار في‬
‫البيئة كألسباب يصعب تبيينيا كبعكاقب يتعذر حسابيا بصكرة مسبقة‪.‬‬

‫كما أف االحتباس الحرارم كآثاره عمى الغالؼ الجكم أصبح يشكؿ خط ار بيئيا في العصر الحديث‪،‬‬
‫حيث تبيف أف ح اررة األرض آخذة بتزايد بفعؿ االحتباس الغازات الضارة داخ الغالؼ الجكم‪ .‬كما‬
‫ينجـ عنيا مف مخاطر أىميا ذكباف الجميد في القطب الشمالي كما ينجـ عنو مف ارتفاع مستكيات‬
‫البحر التي تضر التجمعات السكانية القريبة مف الشكاطئ‪.‬‬
‫كأسفرت المخاطر البيئية عمى إلحاؽ أضرار جسيمة لبعض التجمعات الحيكانية المختفة كالتي منيا‬
‫تجمعات طيكر البطريؽ في المناطؽ القطبية‪.‬‬
‫كنظ ار لغمكض الذم يحيط بأسباب المخاطر البيئية‪ ،‬فإنو لـ يتضح حتى اآلف أفضؿ السبؿ‬
‫لمعالجتيا‪ ،‬كلـ تتحدد المسؤكلية لقياـ بإجراء كاضح تحاشييا أك الحد منيا‪.2‬‬

‫‪ -‬المخاطر الصحية‪:‬‬
‫مف أىـ ما كرد مف المخاطر البيئية عمى صحة االنساف ىك نضكب طبقة اآلكزكف التي تشكؿ‬
‫جانبا مف الغالؼ الجكم الذيي يقكـ بتقنية األشعة فكؽ البنفسجية‪ ،‬كمع ذلؾ تزايد حجـ الغازات‬

‫‪ : 1‬أنطكني غدنر بمساعدة كاريف بيرديساؿ‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.041‬‬


‫‪ : 2‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.040‬‬
‫‪108‬‬
‫الكيماكية الناتجة عف النشطة البشرية كالصناعية‪ ،‬كما تعرضو مف أخطار عمى صحة االنساف‬
‫كتعرض الجمد لألشعة فكؽ البنفسجة كما تمحقو مف أمراض سرطانية في العديد مف الحاالت‪.‬‬

‫كما أف ىناؾ أمثمة عديدة عمى المخاطر المصنعة المرتبطة باألغذية‪ ،‬خاصة مع التقدـ‬
‫التقاني الذم عرفتو الزراعة كأساليب االنتاج بما فييا المنتجات الغذائية كاستعماليا لممكاد الكيماكية‬
‫كالمبيدات الحشرية كفي مجاؿ تربية الحيكانات التي أصبحت بدكرىا تحقف باليرمكنات كالمضادات‬
‫الحيكية‪ ،‬كيرم االخصائييف أف ىذه األساليب تمحؽ ال محاؿ أضرار كخيمة بصحة اإلنساف‪.1‬‬

‫‪ -‬مجتمع المخاطر العالمي‪:‬‬


‫يعتقد عالـ االجتماع األلماني الذم كتب كثي ار عف المخاطر كالعكلمة‪ ،‬أف ىذه األخطار‬
‫جميعيا قد أسيمت في إقامة ما يسميو مجتمع المخاطر العالمي‪ ،‬بحيث ال يقتصر مجتمع‬
‫المخاطر عمى الجانبيف البيئي كالصحي فحسب‪ ،‬بؿ يشتمؿ كذلؾ عمى سمسمة مف التغيرات‬
‫المترابطة المتداخمة في حياتنا االجتماعية المعاصرة‪ ،‬كمف جممة ىذه التغيرات‪ :‬التقمب في أنماط‬
‫العمالة كاالستخداـ‪ ،‬تزايد االحساس االنعداـ باألمف الكظيفي‪ ،‬كانحسار أثر العادات كالتقاليد عمى‬
‫اليكية الشخصية‪ ،‬كتآكؿ أنماط العائمة التقميدية‪ ،‬فإف الق اررات ميما كاف نكعيا كاتجاىيا‪ ،‬أصبحت‬
‫اآلف تنطكم عمى كاحد كأكثر مف عناصر المخاطر بالنسبة إلى األفراد‪ ،‬إف االقداـ عمى الزكاج‬
‫الذم كاف يعتبر في الماضي مؤسسة مستقرة كدائمة طيمة العمر‪.‬‬

‫كما أف المخاطر تتضمف بعض خيارات كق اررات أخرل تتصؿ بالمؤىالت التربكية كالتعميمية‪،‬‬
‫كبالمسارات الكظيفية كالمينية حيث إف مف الصعب التكيف بطبيعة الميارات كالخبرات العممية في‬
‫مجاالت االقتصاد المقبمة المتغيرة عمى الدكاـ‪.‬‬
‫كيرل "أكلريخ بيؾ" ‪ 0882‬أف جانبا ميما مف مجتمع المخاطر يتمثؿ في األخطار تنتشر كتبرز‬
‫بصرؼ النظر عف االعتبارات المكانية كالزمانية كاالجتماعية‪.2‬‬

‫‪ : 1‬أنطكني غدنر بمساعدة كاريف بيرديساؿ‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.048‬‬


‫‪ : 2‬المرجع نفسو‪ ،‬ص‪.042‬‬
‫‪109‬‬
‫ق‪ -‬العكلمة كالالمساكاة في تكزيع الثركات‪:‬‬
‫تعتبر مسألة التفاكت كالالمساكاة في المتزايديف بيف المجتمعات المعمكرة تمثالف كاحدا مف اخطر‬
‫التحديات التي تكاجو العالـ في مطالع القرف الحادم كالعشرييف‪.‬‬
‫فالجانب األكبر مف مف ثركة العالـ في ىذه األياـ يتركز في الدكؿ الصناعية كمتقدمة النمك‪ ،‬بينما‬
‫تتسـ الدكؿ النامية كاألقؿ نمكا بمستكيات متفاكتة كلكنيا عالية مف الفقر كاالنفجار السكاني كتعاظـ‬
‫الديف الخارجي‪ ،‬كبتردم مستكيات التعميـ كالصحة فقد اتسعت الفجكة بيف الدكؿ المتقدمة كالدكؿ‬
‫ٍ‬
‫النامية مف جية أخرل طيمة القرف العشريف‪.‬‬

‫فتقرير التنمية العالمي سنة ‪ 0888‬الصادر عف األمـ المتحدة كشؼ النقاب عف أف متكسط‬
‫الدخؿ لدل خمس سكاف العالـ الذيف يعيشكف في البمداف الكثر ثراءا يزيد ‪ 94‬ضعفا عف معدؿ‬
‫الدخؿ لخمس السكاف الذيف يعيشكف في البمداف األفقر‪.‬‬
‫كفي أكاخر التسعينيات مف القرف الماضي كاف ‪ %81‬مف سكاف العالـ يمثمكف ‪ %96‬مف‬
‫االستيالؾ الكمي ك‪ %98‬مف أسكاؽ التصدير‪ ،‬كيستخدمكف ‪ %94‬مف خطكط الياتؼ في العالـ‬
‫كفي فترة ‪ 0889-0884‬تضاعفت الثركة ‪ 811‬شخص أك مؤسسة يمثمكف أغنى األغنياء العالـ‪،‬‬
‫أصبحت األصكؿ كالثركات التي يممكيا أغنى ثالثة مف أصحاب المميارات (البالييف) في العالـ‬
‫تعادؿ اجمالي الدخؿ القكمي المحمي لجميع بمداف األقؿ نمكا في العالـ التي تضـ نحك ‪ 611‬مميكف‬
‫نسمة كىي اكثر بمداف العالـ النامي؛‬
‫كما أ ف معدالت النمك االقتصادم ظمت متفاكتة بيف الدكؿ المتقدمة كالدكؿ النامية كادت ىذه‬
‫االتجاىات المتعارضة إلى اتساع اليكة بيف البمداف المتقدمة كالفقيرة‪.1‬‬

‫‪ : 1‬أنطكني غدنر بمساعدة كاريف بيرديساؿ‪ ،‬مرجع سبؽ ذكره‪ ،‬ص‪.042-044‬‬

‫‪110‬‬
‫خاتمة‪:‬‬

‫إف أىـ ما يخيؼ البشرية اليكـ ىي جممة التغيرات التي مست باألرض كنعني ىنا العالـ‬
‫المممكس المادم المتمثؿ في األرض كالمناخ كالغالؼ الجكم ‪...‬الخ‪ ،‬لكف يبقى أف نعي أيضا أف‬
‫معظـ مجتمعات العالـ ال تزاؿ ترل الضبابية المصيرية لمستقبؿ مجتمعات اليكـ كنقصد ىنا‬
‫بالتغيرات االجتماعية كالثقافية كاالجتماعية كالسيكمكجية كالدينية‪.‬‬

‫يمكف أف نتصكر إلى حد ما أف الكعي بالتغير االجتماعي كما ينتجو مف مخمفات أخالقية‬
‫كتنمكية كثقافية ‪...‬ال نعير لو اىتماما بار از في نشاطاتنا اليكمية؛ لكف الحقيقة أف ىذه المسائؿ‬
‫تشغؿ فكرنا إلى حد كبير في حاؿ تعثر أحكاؿ مجتمع ما محمى كاف‪ ،‬أك اقميمي‪ ،‬أك دكلي‪.‬‬

‫نعـ إنيا حقيقة باتت كاضحة جدا كأصبحت ترىؽ الفكر السكسيكلكجي بشكؿ خاص ككذا صانعي‬
‫القرار السياسي كاالقتصادم كالقانكني ‪ ،...‬خاصة كأف ىذه الظاىرة أك باألحرل العممية باتت تسير‬
‫بشكؿ متسارع جدا لدرجة ما يصعب التنبؤ بما سيحدث في المستقبؿ القريب‪ ،‬كما حدث في‬
‫الثكرات الشعبية األخيرة التي عرفتيا الدكؿ العربية‪ ،‬فقد كاف مف الصعب جدا التنبؤ بحدكث جممة‬
‫مف الثكرات لمجمكعة معتبرة مف الدكؿ العربية‪ ،‬كاألصعب مف ذلؾ ىك صعكبة التنبؤ بمصير تمؾ‬
‫الثكرات كمخمفاتيا االجتماعية كاالقتصادية كحتى السياسية كاالقميمية كالدكلية‪.‬‬

‫كليذا كاف البد أف نعي بحقيقة ىذه التغيرات كاألجدر أف نعي أكثر بكؿ الدراسات التي مف‬
‫الممكف أف تحدد لنا المسار الذم يسمكو مجتمع ما في مجاؿ ما حتى ال تتعثر المجتمعات كثي ار‬
‫كيحدث ليا خمال في تماسؾ النسؽ االجتماعي العاـ‪.‬‬

‫كال نخص بالذكر ىنا الثكرات العربية التي ال يعرؼ حتى اآلف مصير البعض منيا بؿ أيضا‬
‫الثكرات الرقمية كالتكنكلكجية كاالقتصادية المتنامية التي أصبحت تخيؼ البناء االجتماعي أكثر مف‬
‫أم كقت مضى‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫قائمة المراجع‪:‬‬
‫الكتب‪:‬‬
‫‪ -0‬إبراىيـ عثماف‪ ،‬مقدمة في عمـ االجتماع‪ ،‬دار الشركؽ‪ ،‬عماف‪.1999 ،‬‬
‫‪ -8‬أحمد بدكم‪ ،‬معجـ مصطمحات العمكـ االجتماعية‪ ،‬مكتبة لبناف‪ ،‬بيركت‪.0899 ،‬‬
‫‪ -2‬اسماعيؿ عبد الفتاح عبد الكافي‪ ،‬معجـ مصطمحات عصر العكلمة‪ ،‬مصطمحات سياسية‬
‫النشر‪.‬‬ ‫كبمد‬ ‫كدار‬ ‫سنة‬ ‫ذكر‬ ‫دكف‬ ‫كاعالمية‪،‬‬ ‫كنفسية‬ ‫كاجتماعية‬ ‫كاقتصادية‬
‫‪www.kotobarabia.com‬‬
‫‪ -4‬التابعي كماؿ ‪ ،‬تغريب العالـ الثالث‪ ،‬دراسة نقدية في عمـ االجتماع التنمية‪ ،‬دكف ذكر سنة‬
‫كدار النشر‪.‬‬
‫‪ -2‬الزيف حسف محمد ‪ ،‬السمكؾ األمريكي بإطاحة الحمفاء كفؽ المتغرات الجيك استراتيجية‪،‬‬
‫الربيع العربي‪ ،‬أخر عمميات الشرؽ األكسط‪ ،‬دار القمـ الجديدة‪8102 ،‬ـ‪0424 ،‬ق‪.‬‬
‫‪ -6‬السحمراني أسعد ‪ ،‬مالؾ بف نبي مفك ار إصالحيا ‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬بيركت ‪0894 ،‬ـ‪.‬‬
‫‪ -9‬الشبككي عمرك‪ ،‬الحركات االحتجاجية في الكطف العربي مصر‪ ،‬المغرب‪ ،‬لبناف‪ ،‬البحريف‪،‬‬
‫الجزائر‪ ،‬سكرية‪ ،‬األردف‪ ،‬مركز الدراسات العربية‪.8100 ،‬‬
‫‪ -9‬الممحس استيتية دالؿ ‪ ،‬التغير االجتماعي كالثقافي‪ ،‬دار كائؿ‪ ،‬عماف األردف‪ ،‬ط‪.8101 ، 2‬‬
‫‪ -8‬بف نبي مالؾ ‪ ،‬القضايا الكبرل‪ ،‬بيركت‪ :‬دار الفكر ‪ ،‬بيركت‪.8118 ،‬‬
‫‪ -01‬بف نبي مالؾ ‪ ،‬القضايا الكبرل‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيركت‪.8118 ،‬‬
‫‪ -00‬بف نبي مالؾ ‪ ،‬مف أجؿ التغيير‪ ،‬دار الفكر‪ .‬دمشؽ‪ ،‬سكريا‪.8112 ،‬‬
‫‪ -08‬بف نبي مالؾ‪ ،‬شركط النيضة‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد الصبكر شاىيف‪ .‬دار الفكر‪ ،‬دمشؽ‪.0896 ،‬‬
‫‪ -02‬بكتكمكر‪ ،‬الصفكة كالمجتمع دراسة في عمـ االجتماع السياسي‪ ،‬ترجمة محمد الجكىرم‬
‫كعميا شكرم‪ ،‬كآخركف‪ ،‬دار المعرفة الجامعية االسكندرية‪.0899 ،‬‬
‫‪ -04‬بكشمكش طاىر محمد‪ ،‬التحكالت االجتماعية كاالقتصادية كآثارىا عمى القيـ في المجتمع‬
‫الجزائرم ‪ ،1999-1967‬دار بف مرابط لمنشر كالطباعة‪ ،‬الجزائر‪.8119،‬‬

‫‪112‬‬
‫‪ -02‬بيشك سيسيؿ ‪ ،‬فيميكؿ أكليفيو ‪ ،‬ماتيك ليمياف ‪ ،‬قامكس الحركات االجتماعية‪ ،‬ترجمة عمر‬
‫الشافعي‪ ،‬مرتجعة كتحرير دينا الخكاجة‪ ،‬الطبعة األكلى‪ ،‬دار صفصافة لمنشر كالتكزيع كالدراسات‪،‬‬
‫الجيزة‪ ،‬مصر‪.8109 ،‬‬
‫‪ -06‬تكماس‪.‬س‪ ،‬باترسكف‪ ،‬التغير كالتنمية في القرف العشريف‪ ،‬ترجمة عزة خميسي‪ ،‬المجمس‬
‫األعمى لمثقافة‪ ،‬القاىرة‪.8112 ،‬‬

‫‪ -09‬ثركت محمد شمبي‪ ،‬تنمية االجتماعية‪ ،‬منشكرات جامعة بنيا مصر‪ ،‬دكف ذكر تاريخ النشر‪.‬‬

‫‪ -09‬جكنستكف ىانؾ ‪ ،‬الدكؿ كالحركات االجتماعية ‪ ،‬ترجمة أحمد زايد‪ ،‬ط‪ ،0‬المركز القكمي‬
‫لمترجمة‪ ،‬القاىرة‪ ،‬سنة ‪.8109‬‬

‫‪ -08‬حمداكم جميؿ‪ ،‬سكسيكلكجيا النخب النخبة المغربية أنمكذجا‪ ،‬دكف ذكر سنة كدار النشر‬
‫كبمد النشر‪ ،‬ط‪.8102 ،0‬‬
‫‪ -81‬خميؿ أحمد خميؿ‪ ،‬المفاىيـ األساسية في عمـ االجتماع‪ ،‬دار الحداثة بيركت‪.0894 ،‬‬
‫‪ -80‬خميؿ أحمد‪ ،‬المفاىيـ األساسية في عمـ االجتماع‪ ،‬دار الحداثة بيركت ‪.0894‬‬
‫‪ -88‬سككت جكف ‪ ،‬عمـ االجتماع المفاىيـ األساسية‪ ،‬ترجمة محمد عثماف‪ ،‬الشبكة العربية‬
‫لألبحاث كالنشر‪ ،‬بيركت‪.8118،‬‬
‫‪ -82‬طمعت مصطفي السركجي‪ ،‬التنمية االجتماعية المثاؿ كالكاقع‪ ،‬مركز نشر كتكزيع الكتاب‬
‫الجامعي‪ ،‬جامعة حمكاف‪ ،‬مصر‪.8110،‬‬
‫‪ -84‬عبد الباسط حسف‪ ،‬التغير االجتماعي في المجتمع االشتراكي‪ ،‬القاىرة الحديثة‪.0894 ،‬‬
‫‪ -22‬عبد العزيز بف عثماف التكيجرم‪ ،‬نظرة االيسيسكك لإلصالح كاألمة في العصر الحديث‪،‬‬
‫حركة اإلصالح في العصر الحديث عبد الرحماف الككاكبي نمكذجا‪ ،‬تحرير زكي عكضي‪ ،‬دار‬
‫الرازم لمباعة ك النشر‪ ،‬عماف‪،‬األردف‪ ،‬سنة ‪1222‬ق ‪2002-‬ـ‬
‫‪ -86‬عبد اهلل محمد عبد الرحماف‪ ،‬عمـ االجتماع النشأة كالتطكر‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪،‬‬
‫االسكندرسة‪.8112 ،‬‬
‫‪ -89‬غدنر أنطكني‪ ،‬بمساعدة بيرديساؿ كاريف‪ ،‬عمـ االجتماع ؛ ترجمة كتقديـ‪ ،‬فايز الصياع‪،‬‬
‫ط‪ ،0‬المنظمة العربية لمترجمة‪ ،‬تكزيع‪ ،‬مركز الدراسات الكحدة العربية‪ ،‬بيركت أكتكبر ‪.8112‬‬

‫‪113‬‬
‫‪ -89‬غربي عؿ كآخركف‪ ،‬تنمية المجتمع مف التحديث إلى العكلمة‪ ،‬دار الفجر لمنشر كالتكزيع‪،‬‬
‫سنة ‪.8112‬‬
‫‪ -88‬قراءات معاصرة في عمـ االجتماع‪ ،‬ترجمة مصطفى خمؼ‪ ،‬مراجعة كتقديـ‪ :‬محمد الجكىرم‪،‬‬
‫دكف ذكر أسماء المؤلفيف األصمييف‪ ،‬مركز البحكث كالدراسات االجدتماعية‪ ،‬القاىرة‪.8118 ،‬‬

‫‪ -21‬لحرش مكسى‪ ،‬استراتيجية استئناؼ البناء الحضارم لمعالـ اإلسالمي في فكر مالؾ بف‬
‫نبي‪ ،‬جامعة باجي مختار‪ ،‬عنابة‪ ،‬الجزائر‪.8116 ،‬‬
‫‪ -20‬محمد عبد الكريـ حكراني‪ ،‬النظرية المعاصرة في عمـ االجتماع‪ ،‬دار المجدالكم لمنشر‬
‫كالتكزيع‪ ،‬عماف‪ ،‬األردف‪0489 ،‬ق‪8119 -‬ـ‪.‬‬
‫‪ -28‬يكسؼ اسالـ عمى مطر‪ ،‬التغير االجتماعي دراسة تحميمية مف منظكر التربية االسالمية‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،‬دار الكفاء لمطباعة كالنشر كالتكزيع‪ ،‬المنصكرة‪ ،‬مصر‪0418 ،‬ق‪0899 ،‬ـ‪.‬‬

‫المجالت العممية كالدكريات‪:‬‬

‫‪ -22‬رمضاني صكراية‪ ،‬الحركات االجتماعية مقاربة سكسيكلكجية‪ ،‬مجمة العمكـ االنسانية‬


‫كاالجتماعية‪ ،‬جامعة كرقمة‪ ،‬العدد ‪ ،84‬جكاف ‪.8106‬‬
‫‪ -24‬عبد اإللو فرح ‪ ،‬االنترنت السياسي ‪ :‬مقاربو سكسيكلكجيو‪ ،‬مجمة السكسيكلكجيا العربية‪،‬‬
‫إلكتركنيا عف المنتدل العربي‬
‫ن‬ ‫العدد األكؿ ‪ -‬أكتكبر ‪ ،8106‬مجمة عممية ثقافية فكرية‪ ،‬تصدر‬
‫‪http://socio.montadarabi.com/t3890-topic‬‬ ‫لمعمكـ االجتماعية كاإلنسانية‪.‬‬

‫‪ -22‬قركاز الداكدم‪ ،‬فمسفة التغيير االجتماعي عند مالؾ ابف نبي‪ ،‬مجمة اآلداب كالعمكـ‬
‫االجتماعية‪ ،‬جامعة فرحات عباس سطيؼ‪ ،‬العدد ‪ 08‬ديسمبر ‪.8104‬‬
‫‪ -26‬كبار عبد اهلل ‪ ،‬النخبة الجامعية كالمجتمع المدني في الجزائر‪ ،‬مجمة العمكـ اإلنسانية‬
‫كاالجتماعية‪ ،‬العدد ‪ ،00‬جكاف ‪.8102‬‬

‫‪114‬‬
‫محاضرة في ندكة عممية دكلية‪:‬‬

‫‪-29‬خالد عميكم العرداكم‪ ،‬الربيع العربي ثكرات لـ تكتمؿ‪ ،‬الندكة الدكلية تداعيات ما بعد‬
‫الدكتاتكرية في دكؿ الربيع العربي‪ ،‬التي أقامتيا كحدة أبحاث القانكف كالدراسات الدكلية ةه في‬
‫كمية القانكف ‪ /‬جامعة كربالء آذار ‪.2113‬‬
‫‪www.fcdrs.com/includes/download.php?type=article&aid=15‬‬

‫التقارير‪:‬‬
‫‪ -29‬جماؿ نصار‪ ،‬تقارير مستقبؿ الديمقراطية في بمداف الربيع العربي حالة تكس كمصر‪،‬‬
‫مركز الجزيرة لمدراسات ‪ 02 ،‬مام ‪.8104‬‬
‫دٌسمبر ‪2012‬‬ ‫‪http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2014/05/201451363131798747.html‬‬

‫مقاالت مف االنترنيت‪:‬‬

‫‪ -28‬المرشدم أمؿ ‪ ،‬دراسة تكضح مفيكـ العكلمة كعالقتيا بالمفاىيـ االجتماعية كميزاتيا في‬
‫‪https://www.mohamah.net/law‬‬ ‫ظؿ التطكر التاريخي‪ 08 ،‬يكليك ‪،8106‬‬
‫‪ -41‬خشيب جالؿ‪ ،‬نظرية مراحؿ النمك االقتصادم عند كالت ركستك‪،8102-01-81 ،‬‬
‫‪https://www.alukah.net/culture/0/81485/#ixzz5ctsdLVZA‬‬

‫‪ -40‬زكار زاىر‪ ،‬الصفكات(النخب) كتأثيراتيا في المجتمع‪!..‬‬


‫‪ http://www.stooob.com/394749.html‬جانفي ‪8106‬‬
‫سكسيكلكجيا الحركات االجتماعية لمبركفيسكر‪ :‬فرانسكا ديبك‬ ‫‪ -48‬محمكد صافى محمكد‪،‬‬
‫‪https://sites.google.com/site/comppoliticsegphd/home/mqrr-2012/syl/presentations/safisocialmovements‬‬

‫سبتمبر ‪8109‬‬

‫‪httpwww.salanezi.comfiles2014-‬‬ ‫‪-42‬سعكد راشد العنزم‪ ،‬التغير االجتماعي كنظرياتو‪،‬‬


‫مارس ‪.8109‬‬ ‫‪12socail%20change.pdf‬‬

‫‪115‬‬

You might also like