You are on page 1of 12

‫د‪ /‬صونية حداد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالقيم االجتماعية بين الفكر اللسماي والفكر‬

‫الغرب‬
‫القيم االجتماعية بني الفكر اإلسالمي والفكر الغربي‬

‫د‪ /‬صونية حداد‬


‫ألستاذ يحاضر قسم ‪-‬أ‪،-‬‬
‫كلية العلوم االجتماعية النسانية‪،‬‬
‫جايعة العرب التبس ي تبسة‪-‬‬
‫‪haddadsocio58@yahoo.fr‬‬

‫امللخص‪:‬‬
‫يعتبر يوضوع القيم يجاال خصبا للدرالسات في العديد ين التخصصات‪ ،‬إذ ال يكاد يتفق الباحثون‬
‫حول يفهويها والذي يتم تحديده انطماقا ين املصدر املستقى ينه‪ ،‬بالضافة إلى أن هناك ين الباحثين‬
‫ين يعرض عن درالستها‪ ،‬ال لسيما في البحوث السولسيولوجية‪ ،‬العتقاده أنها تقع خارج إطار البحوث‬
‫اليبريقية‪ ،‬وأنه ال يمكن خضوعها للموضوعية‪ ،‬في حين يذهب بعض الباحثين واملفكرين اللسماييين إلى‬
‫ربطها بالدين اللسماي ‪ ،‬وهي يا يصطلح عليه بالقيم اللسمايية والتي يصدرها الوحيد هو القرآن الكريم‬
‫والسنة الشريفة‪ ،‬وأنها بمثابة ظاهرة دينية يتم تناولها بالدرالسة في البحث السولسيولوجي كباقي الظواهر‬
‫االجتماعية األخرى‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬القيم‪ ،‬الفكر‪ ،‬الثقافة‪.‬‬

‫‪Social values between Islamic thought and Western‬‬


‫‪thought‬‬
‫‪Summary:‬‬
‫‪The subject of values is a fertile field for studies in many disciplines, as researchers‬‬
‫‪hardly agree on its concept, which is determined from the source derived from it, in‬‬
‫‪addition to that there are researchers who are exposed to study, especially in‬‬
‫‪sociological research, believing that they fall outside the framework of research And‬‬
‫‪some scholars and Islamic thinkers go to link them to the Islamic religion, which is‬‬
‫‪called the Islamic values, whose only source is the Holy Quran and the Sunnah. It is a‬‬
‫‪religious phenomenon that is studied in sociological research, as is the case with other‬‬
‫‪Islamic scholars. For other social phenomena.‬‬
‫‪Keywords: values, thought, culture.‬‬
‫توطئة‪:‬‬
‫إن للقيم دورا ألسالسيا في التنمية االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬فهي تمس العماقات‬
‫النسانية بكافة صورها‪ ،‬وتتغلغل في األفراد على شكل اتجاهات ودوافع وتطلعات‪ ،‬ثم تبرز‬

‫‪344‬‬
‫مجلة العلوم االجتماعية واإلنسانية ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالعدد الخامس عشر‬

‫في لسلوكهم الظاهري‪ ،‬ويا تنوع واختماف آراء الدارلسين له إال دليل على يا يتسم به املفهوم‬
‫ين عمق يعرفي وثقافي وايديولوجي‪.‬‬
‫لذا ارتأينا في ورقتنا البحثية هذه إلى يحاولة تسليط الضوء على يفهوم ويصدر القيم‬
‫ين ينطلق تخصصات يتنوعة تعكس في يحتواها الفكرين الغرب واللسماي ‪ ،‬وصوال إلى‬
‫جهود املفكرين والباحثين السولسيولوجيين اللسماييين في التمهيد لبلورة وصياغة نظرية‬
‫للقيم اللسمايية‪.‬‬
‫‪ .I‬مفهوم القيم في ضوء دراسات متنوعة‪:‬‬
‫‪ .01‬القيم يف ضوء الدراسات الفلسفية‪:‬‬
‫غالبا يا يقسم الفمالسفة ال لسيما الغربيين ينهم‪ ،‬العلوم الفلسفية التي تبحث فيها‬
‫الفلسفة إلى ثماث يباحث رئيسية وهي‪1:‬‬

‫أوال‪ :‬يبحث الوجود‪.‬‬


‫ثانيا‪ :‬يبحث املعرفة أو نظرية املعرفة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬يبحث القيم‪.‬‬
‫وبناء على هذا التقسيم فإن يبحث القيم يشكل أحد املباحث األلسالسية التي يهتم‬
‫بدرالستها الفمالسفة قديما وحديثا‪ ،‬وهي يحورا لخمافات كثيرة بين املدارس واملذاهب‬
‫الفلسفية املتعددة‪ ،‬إلى درجة التناقض في اآلراء حول املفهوم‪ ،‬وفي هذا الشأن يقول جون‬
‫ديوي‪" :‬إن اآلراء حول يوضوع القيم تتفاوت بين االعتقاد ين ناحية بأن يا يسمى )قيما(‬
‫ليس في الواقع لسوى إشارات انفعالية أو تعبيرات صوتية وبين االعتقاد في الطرف املقابل‬
‫بأن املعايير القبلية‪...‬ضرورية ويقوم على ألسالسها كل ين الفن والعلم واألخماق‪2".‬‬

‫كما يذهب أولئك الفمالسفة إلى تقسيم يبحث القيم إلى ثماث يباحث فرعية يتمثلة‬
‫في فلسفة األخماق‪ ،‬فلسفة املنطق وفلسفة الجمال‪ ،‬على اعتبار أنها علويا يعيارية‪ ،‬بمعنى‬
‫أنهم يدرلسون يا ينبغي أن يكون‪ ،‬وهي ليست علويا وضعية تسعى لدرالسة يا هو كائن‪ ،‬حيث‬
‫يشمل يبحث فلسفة األخماق درالسة القيم األخماقية بصفة أكبر لديهم‪.‬‬
‫والقيم عند هؤالء الفمالسفة تضم ثماثة أنواع رئيسية وهي الحق والخير والجمال‪ ،‬وفي‬
‫املقابل توجد ثماثة أوجه تحلل ين خمالها حياة األشخاص الواعية‪ ،‬وهي الدراك والسلوك‬
‫والوجدان‪ ،‬غير أن يا تتضارب حوله آراء هؤالء الفمالسفة‪ ،‬هو إن كانت هذه القيم تحدد‬
‫بمعزل عن خبرة النسان‪ ،‬أم أنها تعبر عن قيمة األشياء تبعا لتجربته في الحياة‪ .‬أيا الفئة‬
‫‪345‬‬
‫د‪ /‬صونية حداد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالقيم االجتماعية بين الفكر اللسماي والفكر‬
‫الغرب‬
‫األولى وهي يا يطلق عليها بأصحاب اتجاه الفلسفات املثالية أو العقلية‪ ،‬بينما الفئة الثانية‬
‫وهي أصحاب اتجاه الفلسفات الطبيعية‪:‬‬
‫إن أصحاب االتجاه الفلسف األول )املثالي العقلي( يحددون يصدر القيم بأنه عالم‬
‫يثالي عاش فيه األفراد قبل أن يأتوا إلى هذا العالم‪ ،‬أو يحددون العقل فيما يعد املصدر‬
‫الوحيد للقيم‪ ،‬بينما يرى أصحاب االتجاه الثان )الفلسفة الطبيعية( أن األشياء ال تمثل‬
‫خيرا أو شرا‪ ،‬حقا أو باطما في حد ذاتها‪ ،‬ولكن هذه أحكام نحن ين يصدرها ين خمال تأثرنا‬
‫بها وتفاعلنا يعها‪.‬‬
‫ويما لسبق يمكن الستخماص أن يفهوم القيم وفق املنظور الفلسف هو قضية‬
‫يعيارية‪ ،‬وليست قضية وجودية فحسب‪ ،‬وهو ينطوي على عدد ين املفاهيم األخرى كالدافع‬
‫والرغبة واالتجاه‪...‬ويضاف عليها الجانب املعياري‪.‬‬
‫‪ .02‬القيم يف ضوء الدراسات النفسية والرتبوية‪:‬‬
‫يعتبر يوضوع القيم ين أهم املوضوعات التي تهتم بدرالستها البحوث النفسية‬
‫والتربوية‪ ،‬ال لسيما في تخصص علم النفس التربوي وعلم النفس االجتماعي وعلم النفس‬
‫االكلينيك ‪ ،‬وكذلك اهتم بدرالسته املختصين في ييدان التوجيه والرشاد النفس ي‪.‬‬
‫لم يهتم املختصون في علم النفس والتربية بمجال القيم إال في السنوات األخيرة‪ ،‬أين‬
‫شعروا بالحاجة املالسة إليه‪ ،‬حيث وضعوا لها تعريفات عديدة‪" ،‬بعضها يؤكد الناحية‬
‫الشعورية‪ ،‬وبعضها يؤكد الناحية الوجدانية‪ ،‬وبعضها يؤكد الناحية العملية‪ ،‬إال أنها جميعا‬
‫تؤكد أن القيم أحكام يصدرها الفرد على العالم االنسان واالجتماعي واملادي الذي يحيط‬
‫به‪3".‬‬

‫وين بين التعريفات الواردة في املجال النفس ي التربوي حول القيم‪ ،‬تعريف الدكتور‬
‫لطفي بركات أحمد فيرى بأنها‪" :‬يجموعة ين القوانين واملقاييس تنبثق ين جماعة يا‬
‫وتتخذها يعايير للحكم على األعمال والتصرفات ويكون لها ين القوة والتأثير على الجماعة‬
‫بحيث يصبح لها صفة اللزام والضرورة والعمويية وأي خروج عليها أو انحراف على‬
‫اتجاهاتها يصبح خروجا عن يبادئ الجماعة وأهدافها ويثلها العليا‪ 4"،‬إن القيم وفق هذا‬
‫التعريف‪ ،‬هي عبارة عن أحكام قيمية يصدرها الجماعة‪ ،‬تكتس ي صفتي اللزام والعمويية‪،‬‬
‫وهي بمثابة يبادئ وغايات في الوقت نفسه‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫مجلة العلوم االجتماعية واإلنسانية ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالعدد الخامس عشر‬

‫كما يذهب بعض الباحثين في هذا املجال إلى أن األفراد ال يتوزعون على أنماط يتعددة‬
‫ين القيم‪ ،‬وإنما توجد كل أنماط القيم في الفرد الواحد ولكنها يتفاوتة ين حيث األهمية‬
‫والعمل بها ين فرد آلخر‪ ،‬أيثال العالم النفس ي األملان سبرانجر الذي توصل في درالسته‬
‫للتاريخ ولسلوك الناس في حياتهم اليويية‪ ،‬إلى وجود لستة أنماط ين القيم واملتمثلة في‪:‬‬
‫النمط النظري‪ ،‬النمط االقتصادي‪ ،‬النمط الجمالي‪ ،‬النمط االجتماعي‪ ،‬النمط السياس ي‬
‫والنمط الديني‪.‬‬
‫أيا ين ناحية ثبات وتغير القيم‪ ،‬فيرى أولئك الباحثون التربويون اتجاهات يختلفة‪،‬‬
‫والتي يمكن تصنيفها في اتجاهين رئيسيين هما‪5:‬‬

‫أ‪ .‬اتجاه يرى أن القيم يوضوعية وثابتة وعاية يطلقة يشترك فيها األفراد عاية في‬
‫كل زيان ويكان‪ ،‬وأنها ال تتغير وال تتعدل باختماف الناس واألحوال واألزيات‬
‫ويوصف هؤالء عند الباحثين التربويين بالسم الكمالسيكيين‪.‬‬
‫ب‪ .‬اتجاه يرى أن القيم لسببية يتغيرة بتغير املجتمع ويا يطرأ عليه ين تعديل في‬
‫االتجاهات والعادات وأنماط السلوك‪.‬‬
‫إال أن درجة تغير القيم تختلف‪ ،‬فهناك ين القيم يا يعمم في املجتمع كله‪ ،‬في حين‬
‫تقتصر بعض القيم على فئات يعينة ينه‪ ،‬إذ تتمسك بها أكثر ين باقي الفئات األخرى فيه‪،‬‬
‫كما أن هناك ين القيم يا يقاوم التغير رغم عوايل التطور الكبيرة في املجتمع‪ ،‬وينها يا‬
‫يسهل تغييره نسبيا عنديا تقتض ي ظروف الحياة ذلك‪.‬‬
‫ويؤكد أيضا بعض الباحثون التربويون أن القيم ين أكثر السمات الشخصية عرضة‬
‫للتأثر بالثقافة السائدة في ذلك املجتمع‪ ،‬والدليل على ذلك االختماف الشديد في الرؤية‬
‫الفكرية لألفراد الذين يعيشون في يجتمعات يختلفة‪ ،‬ولذلك يذهب هؤالء الباحثين إلى‬
‫اعتبار الثقافة هي يصدر ألساس ي للقيم‪ ،‬وأن التاريخ هو الذي يحكم تلك الثقافة باعتباره‬
‫ناقلها عبر األجيال‪.‬‬
‫وين ناحية أخرى يرى الباحثون التربويون أن دور التنشئة الدينية املبكرة‪ ،‬إنما هي‬
‫بمثابة وقاية وصحة نفسية لألفراد‪ ،‬بسبب تكوينها ملنظوية ين القيم واملعايير األخماقية‬
‫لديهم‪ ،‬األير الذي يقودهم إلى إتباع السلوكات املرغوبة بصفة تلقائية‪.‬‬
‫‪ .03‬القيم يف ضوء الدراسات االجتماعية‪:‬‬

‫‪347‬‬
‫د‪ /‬صونية حداد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالقيم االجتماعية بين الفكر اللسماي والفكر‬
‫الغرب‬
‫اهتم علماء االجتماع بشكل والسع بموضوع القيم على يستوى الفرد والجماعة‬
‫واملجتمعات‪ ،‬باعتبارها ذات أثر كبير على لسلوك األفراد ين كل الجوانب‪ ،‬كما أنها تحتل‬
‫يكانة جوهرية في الحياة االجتماعية املتعلقة بكافة ييادين النشاط البشري‪.‬‬
‫ورغم أهمية يوضوع القيم لدى علماء االجتماع‪ ،‬إال أنه ظل بعيدا عن اهتمايهم لفترة‬
‫طويلة‪ ،‬والسبب في ذلك يعود إلى اهتمام الفلسفة العقلية به‪ ،‬حيث يشكل عنصرا ألسالسيا‬
‫في النسيج الفكري املجرد‪ ،‬وهو األير على حد قول أحد الباحثين وهو الباحث جاندي‪" :‬كان‬
‫علماء االجتماع حتى عهد قريب يعتقدون أن درالسة يوضوع القيم ين شأن الفمالسفة‬
‫وحدهم‪ ،‬ولذلك لم يعيروها أي اهتمام وتركوها للفمالسفة"‪ ،6‬ولذلك لم يلق يوضوع القيم‬
‫اهتمايا كبيرا لدى علماء االجتماع إال في السنوات األخيرة‪ ،‬حيث يعد كل ين "توماس‬
‫وزنانيكي أول ين الستخدم هذا املصطلح في كتابهما )الفماح البولندي في أوربا وأيريك‪.‬ا("‪7‬‬

‫ثم توالت بعد ذلك الدرالسات االجتماعية‪ ،‬وأعطت هذا املصطلح اهتمايا كبيرا خاصة‬
‫في ترابط العلوم االجتماعية‪ ،‬وشكلت يا يعرف بعلوم القيمة والتي تشمل كل ين علم‬
‫األخماق‪ ،‬علم الجمال‪ ،‬علم االقتصاد‪ ،‬علم السيالسة‪ ،‬االنثروبولوجيا‪ ،‬علم االجتماع ونظرية‬
‫املعرفة‪.‬‬
‫ولعل أهم األلسباب التي أدت إلى تطور علم اجتماع القيمة في نهاية القرن التالسع عشر‬
‫هو لسبب عملي‪ ،‬وهو الرغبة في تحسين األوضاع االجتماعية‪ ،‬فعلماء االجتماع ذو النزعة‬
‫األخماقية‪ ،‬كانوا يهتمين ألسالسا بفهم الحقائق عن املجتمع ين أجل إرشاد وتوجيه الناس‬
‫دينيا وأخماقيا ويساعدتهم في جعل هذا العالم يكانا أفضل للحياة‪8.‬‬

‫وعمويا اختلفت تعاريف الباحثين االجتماعيين حول يوضوع القيم‪ ،‬وقبل التطرق إلى‬
‫أوجه االختماف‪ ،‬نشير إلى نقطة التقائهم‪ ،‬واملتمثلة أن القيم عنصرا ألسالسيا ين عناصر‬
‫البناء االجتماعي وتشتق ألسالسا ين التفاعل االجتماعي‪ ،‬أيا عن أوجه االختماف فإن هناك‬
‫ين العلماء االجتماعيين ين يعتبرها خيرا أو شرا أيثال مور ‪ MOORE‬والمونت‬
‫‪ LAMONT‬وبير الذي يقول )القيمة بأولسع يعانيها هي أي ش يء‪ ،‬خيرا أو شرا‪ 9،‬إذ يذهب‬
‫إلى االكتفاء بكلمة الخير والشر دون تقديم شرح لهما‪.‬‬
‫في حين هناك ين العلماء ين يفسر القيم على أنها يفهوم تجريدي‪ ،‬أيثال كالكهون‬
‫الذي يقول أن القيمة "يفهوم تجريدي ظاهر أو ضمني يميز الفرد أو الجماعة واملرغوب فيه‬

‫‪348‬‬
‫مجلة العلوم االجتماعية واإلنسانية ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالعدد الخامس عشر‬

‫الذي يؤثر على اختياراتنا ين عدة بدائل لطرق وولسائل وأهداف السلوك‪ 10"،‬إذ تشير كلمة‬
‫املرغوب هنا إلى يا يخضع إلى يعايير الجماعة بعيدا عن امليوالت والرغبات الشخصية‪.‬‬
‫بينما هناك ين العلماء ين يصر على تعريف القيم بالسرور‪ ،‬كما أن بعضهم أيثال‬
‫بيري ‪ PERRY‬يؤكد أن القيمة هي االهتمام ‪ INTEREST‬أي االهتمام بأي ش يء‪ ،‬فمن رأي‬
‫بيرى أنه إذا كان أي ش يء )أيا كان( يوضوع اهتمام‪ ،‬فإنه حتما يكتسب قيمة‪ ،‬أيا ثورنديك‬
‫‪ THORNDIKE‬فيرى أن القيمة تفضيمات )‪ ،(PREFERENCES‬وأن القيم اليجابية‬
‫ينها والسلبية‪ ،‬تكمن في اللذة أو األلم الذي يشعر به النسان‪11.‬‬

‫فحسب وجهات نظر العلماء ‪-‬السالفة الذكر‪ ،-‬تعد القيم لسلوك طبيعي لألفراد حيال‬
‫األشياء‪ ،‬فما يمكن أن يستوي الجمال والقبح‪ ،‬وال الفضيلة وال الرذيلة‪ ،‬وال الطيبة والخبث‪،‬‬
‫وال بد أن يصدر النسان حكما حيال ذلك‪ ،‬فعلى حد قول كاليدكهون‪ ،‬النسان حيوان‬
‫يقوم‪ ،‬فالنسان يقيم طوال الوقت وبالستمرار بين عدة بدائل‪.‬‬
‫كما يعرفها روكيتش ‪ ROKEATCH‬بأنها "يعتقد أو اعتقاد يحظى بالدوام ويعبر عن‬
‫تفضيل شخص ي أو اجتماعي لغاية ين الغايات للوجود بدال ين نمط لسلوك أو غاية أخرى‬
‫يختلفة‪12".‬‬

‫وفي يعنى آخر للقيم‪ ،‬يرى بعض الكتاب أيثال كنترول ‪ CANTRIL‬أنها تعني‬
‫االتجاهات‪ ،‬ويرى "ستاجنر ‪ STAGNER‬أنها‪ :‬تقويمات التجاهات يتقاربة‪ ،‬أيا سارجنت‬
‫‪ SARGENT‬فيرى أن االتجاهات تدل على ييل لسلوك يتميز بشعور لسار أو يؤلم في حين‬
‫أن القيم تمثل األيور التي تتجه نحوها رغباتنا واتجاهاتنا‪13".‬‬

‫والواقع أن االتجاه والقيمة وجهان لعملة واحدة‪ ،‬باعتبار أن االتجاه نحو الش يء هو‬
‫القبال عليه والرضا به‪ ،‬وهذا يشير إلى القيمة التي أضيفت عليه‪ ،‬والعكس‪ ،‬إذا كان االتجاه‬
‫هو النفور والعراض فهذا ناجم عن القيمة السلبية‪.‬‬
‫وتتسم القيم حسب علماء االجتماع بجملة ين الخصائص أهمها‪14:‬‬

‫‪ ‬إنها ذاتية وشخصية يحسها كل فرد على نحو خاص به‪،‬‬


‫‪ ‬إنها غير خاضعة للقياس‪،‬‬
‫‪ ‬إنها إنسانية شخصية تتوقف على االعتقاد‪،‬‬
‫‪ ‬إنها بناء على ذلك نسبية‪،‬‬

‫‪349‬‬
‫د‪ /‬صونية حداد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالقيم االجتماعية بين الفكر اللسماي والفكر‬
‫الغرب‬
‫‪ ‬إن هناك لسلما لهذه القيم بحيث ترتب فيما بينها ترتيبا هرييا‪،‬‬
‫‪ ‬إن القيم تتضمن الوعي أو الشعور بمظاهره الثماثة الدراك والوجدان والنزوعي‪.‬‬
‫وهناك ين الباحثين ين صنفها على ألساس أبعادها‪ ،‬بحيث يمكن الستعراض القيم‬
‫ين حيث "بعد املحتوى‪ ،‬بعد املقصد‪ ،‬بعد الشدة‪ ،‬بعد العمويية‪ ،‬بعد الوضوح‪ ،‬بعد‬
‫الدوام‪ 15"،‬أيا عن املصدر الذي تستقى ينه قيم النسان‪ ،‬فيتفق الباحثون على أن املجتمع‬
‫هو يصدر القيم‪ ،‬لذلك فهي تكتس ي صفة النسانية واالجتماعية‪ ،‬فهي بمثابة لسلوك إنسان‬
‫اجتماعي‪ ،‬ال يخلو ين التأثير والتأثر بأنواع العماقات واملواقف الخلقية‪.‬‬
‫‪ .II‬مفهوم القيم اإلسالمية‪:‬‬
‫بداية نشير إلى أن يصطلح )القيم اللسمايية( الستخدم حديثا في الدرالسات التربوية‪،‬‬
‫ولم يستخدم في التراث التربوي اللسماي ‪ ،‬ولم يسجل في قايوس املصطلحات التربوية‪ ،‬ولقد‬
‫تباينت تعريفات الباحثين في تحديد إطار القيم اللسمايية يا بين يضيق لها لتعني بذلك‬
‫)األخماق اللسمايية(‪ ،‬وبين يولسع للمفهوم ليشير إلى يفهوم )اللسمام( ذاته‪.‬‬
‫ويمكن توضيح يفهوم القيم اللسمايية ين خمال بعض التعاريف‪ ،‬والتي تتجلى في‪16:‬‬

‫‪ -‬القيم اللسمايية هي عبارة عن يكون نفس ي يعرفي عقلي ووجدان أدائ يوجه السلوك‬
‫ويدفعه ولكنه إلهي املصدر ويهدف إلى إرضاء هللا تعالى‪،‬‬
‫‪ -‬القيم اللسمايية هي حكم يصدره النسان على ش يء يا يهتديا بمجموعة ين املبادئ‬
‫واملعايير التي ارتضاها الشرع يحددا املرغوب فيه واملرغوب عنه ين السلوك‪،‬‬
‫‪ -‬يجموعة ين املثل العليا والغايات واملعتقدات والتشريعات والولسائل والضوابط‬
‫واملعايير لسلوك الفرد والجماعة يصدرها هللا عز وجل‪ ،‬وهذه القيم هي التي تحدد‬
‫عماقة النسان وتوجهه إجماال وتفصيما يع هللا تعالى‪ ،‬ويع نفسه ويع البشر ويع الكون‬
‫وتتضمن هذه القيم غايات وولسائل‪.‬‬
‫أيا بالنسبة لدرالسات بعض املفكرين املسلمين التي تناولت يوضوع القيم اللسمايية‪،‬‬
‫فإنها في يجموعها نوعان‪17:‬‬

‫أ‪ .‬القيم السلبية‪ :‬أو قيم التخلي‪ ،‬وتتجلى في هجر يا ينهى هللا عنه ين شرور ويوبقات‬
‫كشرب الخمر والزنى والكذب والسرقة‪...‬الخ‬

‫‪350‬‬
‫مجلة العلوم االجتماعية واإلنسانية ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالعدد الخامس عشر‬

‫ب‪ .‬القيم اإليجابية‪ :‬وهي القيم التي كلف املسلم بالتحلي بها وأخذ نفسه بمقتضياتها‪،‬‬
‫يثل‪ :‬الصدق واأليانة وصلة الرحم والكرم وحسن الجوار‪.‬‬
‫إن القيم اللسمايية تستمد ين التعاليم الدين االلسماي وتقوم على الثقافة اللسمايية‪،‬‬
‫على خماف املنظويات القيمية األخرى التي ال تجعل للدين أي اعتبار في تشكيلها‪ ،‬في حين‬
‫تقر الثقافة اللسمايية أن القيم يرتبطة بالعقيدة والشريعة‪ ،‬وأن املنظوية القيمية يحددة‬
‫في الكتاب والسنة‪ ،‬فما وافقه هدي اللسمام فهو يقبول‪ ،‬ويا خالفه فهو يردود‪.‬‬
‫‪ .III‬القيم بين الفكر االسالمي والفكر الغربي‪:‬‬
‫لقد أولى علماء اللسمام عناية واضحة بالقيم‪ ،‬خاصة القيم الخلقية املتعلقة بتهذيب‬
‫النفس والسمو بالروح‪ ،‬وثمة فروق كبيرة بين يفهوم القيم في الدرالسات النفسية والتربوية‬
‫والفلسفية واالجتماعية الغربية وبين الدرالسات اللسمايية‪.‬‬
‫ولقد ارتبط تصور هؤالء العلماء واملفكرين للقيم بنظرة اللسمام الشايلة للعلم‬
‫واليمان واملعرفة وأثرها في تنشئة اللسمام لألفراد وتربيتهم‪ ،‬وتجلى هذا التصور في أبدع‬
‫صوره في "علم السلوك" الذي وظف علماء اللسمام‪ ،‬وبخاصة اإلمام الغزالي في إحياء علوم‬
‫الدين‪ ،‬جزءا كبيرا ين جهودهم للكشف عن خصائصه ولسماته‪ ،‬وانبثقت فكرة السلوك‬
‫عندهم ين حقيقة يؤداها أن أحكام الشرع هي املعيار الصحيح الذي يتوجب أن يتحدد في‬
‫ضوئه السلوك السوي‪ ،‬والذي يقاس بمدى االلتزام بالحدود الشرعية والوصايا الربانية‬
‫الشايلة التي أير هللا عز وجل بها‪18.‬‬

‫إن هذا التصور الذي يستمد ين املنهج التربوي اللسماي ‪ ،‬والذي تبنى على ألسالسه‬
‫نظرية القيم لدى العلماء املسلمين‪ ،‬يختلف اختمافا جوهريا عن باقي املدارس الوضعية التي‬
‫تذهب إلى إلغاء دور الدين في تحديد وفهم القيم وفلسفتها‪.‬‬
‫بينما ين خمال الدرالسات الفلسفية و النفسية التربوية واالجتماعية ‪-‬السالفة الذكر‪-‬‬
‫تتجلى فيها بوضوح صورة الصراع في الفكر األورب بين العقل والدين والحس‪ ،‬وأيها يعتبر‬
‫املصدر الوحيد للمعرفة‪ ،‬حيث أن "الفلسفات واملدارس الوضعية تجعل للقيم يصادر‬
‫يتنوعة يتمثلة في األحكام العقلية واألنماط االجتماعية التي تقوم على يا تعارف عليه أفراد‬
‫املجتمع ين أحكام قيمية‪ ،‬ولكنها تخطأ عنديا تعمل على تهميش دور الدين وتعاليمه في‬
‫تكوين القيم وتحديدها‪ ،‬في حين يتخذ املنهج التربوي اللسماي طريقا يغايرا‪ ،‬إذ يقر املصادر‬
‫السابقة‪ ،‬ولكنه في الوقت ذاته يؤصل يرجعية عليا تحكم القيم هي يرجعية الشرع‪19".‬‬

‫‪351‬‬
‫د‪ /‬صونية حداد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالقيم االجتماعية بين الفكر اللسماي والفكر‬
‫الغرب‬
‫لقد ظل التفكير األورب ينذ القرن السابع عشر ييمادي وإلى غاية الحاضر‪ ،‬يشهد‬
‫صراعا فكريا‪ ،‬واتجاهات فكرية يختلفة‪ ،‬تسعى في يجملها إلى يحاولة إيجاد يصدر املعرفة‬
‫البشرية ينذ فجر التاريخ واملتمثلة في الدين والعقل والحس أو الواقع‪ ،‬وفي كل يرحلة تطرح‬
‫األلسئلة‪ ،‬أي ين هذه الثماثة يعد يصدرا للقيم؟‪ ،‬وأثناء يحاوالت الجابة عليه تنشأ املذاهب‬
‫الفلسفية التي تجمع على املصدر ذاته‪.‬‬
‫وين هذا املنطلق تشكلت األفكار الواردة في الدرالسات املتنوعة في الفكر الغرب ‪ ،‬وهي‬
‫رؤية فكرية نابعة ين تلك الفلسفة الوضعية املستندة للمنطق والتي تجعل ين الطبيعة‬
‫املصدر الوحيد للمعرفة‪ ،‬لذلك تجمع تلك الدرالسات على أن القيم هي نتاج لخبرات املجتمع‬
‫وأفراده‪ ،‬وأنها جاءت نتيجة لعملية انتقاء جماعية أثناء عمليات التفاعل بين أفراد املجتمع‪،‬‬
‫وبين أفراده والبيئة املحيطة بهم‪ ،‬بغرض تنظيم العماقات بينهم‪.‬‬
‫ورغم أن هناك عددا ين املفكرين والباحثين املسلمين لساروا خلف هذا الركب‬
‫الغرب ‪ ،‬حيث انطلقوا ين ينطلق الفكر الغرب في نظرتهم لإلنسان والكون والحياة وفي‬
‫تفسيرهم للقيم ويصدرها‪ ،‬وهو األير الذي يتضح ين خمال بعض الدرالسات الفلسفية‬
‫والنفسية والتربوية واالجتماعية لباحثين يسلمين‪ ،‬في حين تتحدد ينظوية القيم وينهج‬
‫التعايل يعها لدى يعظم املفكرين املسلمين في إطار يرجعية الشريعة اللسمايية وفي ضوء‬
‫القرآن الكريم والسنة الشريفة‪.‬‬
‫إن القضية القيمية كانت وال تزال في بؤرة اهتمام علماء اللسمام ويفكريه‪ ،‬وذلك‬
‫انطماقا ين االهتمام بمصادر الشريعة اللسمايية‪ ،‬حيث يعد "اللسمام يصدر القيم واملثل‬
‫العليا ورلسالته رلسالة القيم النسانية التي تتسم بالربانية والشمول والثبات والتوازن‬
‫والعاملية‪ ،‬وتعاليم اللسمام يا جاءت إال لتكون النسان الذي يتمثل القيم العليا قيم‬
‫التوحيد‪ ،‬والعمل الصالح والخير والعدالة‪20"...‬‬

‫‪ .IV‬نحو نظرية قيم إسالمية‪:‬‬


‫إن يا يقتضيه األير لفهم يوضوع القيم اللسمايية‪ ،‬هو نظرية يوحدة‪ ،‬ولذا نجد علماء‬
‫املسلمين االجتماعيين قد لسبقوا علماء االجتماع املحدثين في هذا املضمار‪ ،‬حيث درلسوا‬
‫ثماث جوانب ين القيمة وهي الجانب امليتافيزيق والجانب السولسيو‪-‬أخماقي وجانب الفعل‪،‬‬
‫"وفي يعالجتهم املكانة امليتافيزيقية للقيمة لم يناقشوا نسق يا ينبغي أن يكون ولكنهم قديوا‬
‫نسقا )إالهيا‪ -‬قيميا –انسانيا(‪ ،‬واعتبر املفكرون املسلمون أن )هللا املطلق( هو قيمة النسان‬
‫‪352‬‬
‫مجلة العلوم االجتماعية واإلنسانية ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالعدد الخامس عشر‬

‫العليا‪ ،‬وألساس لكل األنساق القيمية األخرى‪ ،‬ولهذا فإن األلساس امليتافيزيق لكل القيم‬
‫يمكن يناقشته على أنه صفات هللا‪ ،‬فتلك الصفات هي القيم املثالية لإلنسان والتوحيد‬
‫هو القاعدة القيمية للمكانة املتسايية لنسق القيمة املتساي ‪ ،‬ونتيجة لذلك فإن القيم‬
‫الخاصة بالعالم االجتماعي أو املادي ال يمكن اعتبارها غايات في حد ذاتها ولكنها ولسائل‬
‫لتحقيق القيمة في ذاتها أو صفات هللا‪21".‬‬

‫إن بعض املفكرين املسلمين االجتماعيين يثل املعتزله وإخوان الصفا والفرابي وابن‬
‫سينا وابن مسكويه والغزالي واملاوردي وابن خلدون وابن تيمية واألفغاني ومحمد عبدو‬
‫ومحمد إقبال وكل حركات الصماح الدينية‪ ،‬كل هؤالء شيدوا الكثير ين انساق القيم‬
‫األخماقية التي تحفظ للمجتمع اللسماي هويته وتجلب للفرد السعادة القصوى في‬
‫الدارين‪22.‬‬

‫ولسعيا ينهم لقاية يجتمعا يقوم على يبدأ األير باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬اهتموا‬
‫بالصفات الواجب توافرها في رئيس الدولة اللسمايية‪ ،‬بغرض نشر التقوى والعدل في أرجاء‬
‫الدولة وأقايوا نظام الحسبة الذي لم تكن أهدافه دينية فحسب ولكنها دنيوية أيضا ين‬
‫خمال حرصه على الصالح العام أثناء املعايمات التجارية واالتفاقيات‪.‬‬
‫لقد قدم املفكرون اللسماييون يدخما شموليا‪ ،‬ويع التسليم بأن القيم هي بمثابة قوى‬
‫اجتماعية قديمة عظيمة‪ ،‬فهي أيضا تشكل يتغيرات يستقلة تؤدي إلى التغير االجتماعي‪.‬‬
‫وبناء على ذلك‪ ،‬ليست هناك ين إشكالية تتعلق بالبحث العلمي في يوضوع القيم‪،‬‬
‫باعتباره يوضوع شرعي للبحث السولسيولوجي‪ ،‬يثل باقي الظواهر االجتماعية‪ ،‬وأي حكم‬
‫لسولسيولوجي عن القيمة قد يكون يوضوعا يخضع للتحقق اليبريق ‪ ،‬إال أنه قد تطرح‬
‫بعض الصعوبات املنهجية املتعلقة بالبحث في يوضوع القيم‪ ،‬وهو أنه يوضوع للبحث في‬
‫الكثير ين التخصصات كالفلسفة واألخماق واالقتصاد والعلوم السيالسية وعلم النفس‪،‬‬
‫وإذا لسلمنا بأن األير يستوجب وجود تخصص علم اجتماع القيم‪ ،‬فإن هناك ثماث نقاط‬
‫يمكن التركيز عليها وهي‪23:‬‬

‫‪ 01‬أنه ين الخطأ أن يرد يفهوم القيمة إلى أحد جوانبه الثماثة أي الثقافي أو االجتماعي‬
‫أو الفردي‪ ،‬فالقيم ليست تجريدات أو يعايير أو حاجات‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬القيم‬

‫‪353‬‬
‫د‪ /‬صونية حداد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـالقيم االجتماعية بين الفكر اللسماي والفكر‬
‫الغرب‬
‫يبادئ تقوم لتدعم الثقافة أو التقاليد وتحديد الطار املرجعي للمجتمع وتشجع‬
‫وتوجه الفرد في أفعاله‪،‬‬
‫إن ين أهم املصادر الفنية للبيانات عن القيم والتغير االجتماعي هو يجال الحركات‬ ‫‪02‬‬
‫الدينية والسولسيو‪-‬لسيالسية‪ ،‬كذلك الثورات وصناع القيم‪ ،‬فعن طريق خلق قيم‬
‫جديدة أو تحديث القيم القديمة‪ ،‬فإن هذه الحركات وصناع القيم ينظمون‬
‫يحاوالت لحداث التغيرات النظايية األلسالسية‪،‬‬
‫ج‪ -‬ويمكن التوصل الكتشاف القيم عن طريق تعميمات الستنتاجيه يبنية على درالسات‬
‫إحصائية‪ ،‬ولكن الطريق الذي قد يكون األفضل هو فهم القيم على أنها القوى‬
‫األلسالسية في يجرى التغير االجتماعي‪.‬‬
‫تعقيب‪:‬‬
‫إن يوضوع القيم بالنسبة الهتمام علماء االجتماع كموضوع للبحث السولسيولوجي‪،‬‬
‫يازال يتأرجح بين القبول والرفض‪ ،‬رغم أن هناك ين يدعو لضرورة نشأة تخصص علم‬
‫اجتماع القيم ويا يحويه ين يفاهيم ويناهج والنظريات املتعلقة بالنسق القيمي‪ ،‬كما أن‬
‫هناك ين علماء االجتماع الغربيين‪ ،‬ين اعتبر القيم يتغيرا يستقما لعمليات التحديث‬
‫والتغير االجتماعي واالقتصادي أيثال ‪-‬ماكس فيبر‪ -‬في نموذجه النظري ‪.‬‬
‫ورغم ييل الكثير ين علماء االجتماع املسلمين والغربيين إلى تجنب املعالجة الصريحة‬
‫ملوضوع القيم‪ ،‬باعتبارها ذاتية غير يوضوعية‪ ،‬إال أن ظهور علم االجتماع املعياري لساهم‬
‫في إعطاء اهتمايا يتزايدا للدرالسات الخاصة بالقيم‪ ،‬ليبقى الصراع قائما حول إيكانية‬
‫االلستناد إلى العقيدة اللسمايية في تفسيرها واعتبارها املصدر الوحيد لها‪.‬‬
‫قائمة املراجع‪:‬‬
‫­ اعتماد يحمد عمام‪ ،‬فاطمة يولسف القليني وآخرون‪ ،‬قيم العمل الجديدة في املجتمع‬
‫املصري‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬يكتبة أنجلو املصرية‪.2007 ،‬‬
‫­ جابر قميجة‪ ،‬املدخل إلى القيم اإلسالمية‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬دار الكتب اللسمايية‪،‬‬
‫‪.1984‬‬
‫­ فوزية ذياب‪ ،‬القيم والعادات االجتماعية‪ ،‬ط ‪ ،1‬يصر‪ ،‬يكتبة األلسرة‪.2003 ،‬‬
‫­ ياجد زك الجماد‪ ،‬تعلم القيم وتعليمها‪ ،‬تصور نظري وتطبيقي لطرائق‬
‫واستراتيجيات تدريس القيم‪ ،‬عمان‪ ،‬دار املسيرة للنشر والتوزيع والطباعة‪.2005 ،‬‬
‫‪354‬‬
‫مجلة العلوم االجتماعية واإلنسانية ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالعدد الخامس عشر‬

‫­ يحمد أحمد بيوي ‪ ،‬علم اجتماع القيم‪ ،‬إلسكندرية‪ ،‬دار املعرفة الجايعية‪.1990 ،‬‬
‫­ يساعدين عبد هللا املحيا‪ ،‬القيم في املسلسالت التلفازية‪ ،‬دراسة تحليلية وصفية‬
‫مقارنة لعينة من املسلسالت التلفازية العربية‪ ،‬دار العاصمة‪ ،‬الرياض‪.1993 ،‬‬
‫­ نورهان ينير حسن فهمي‪ ،‬القيم الدينية للشباب من منظور الخدمة االجتماعية‪،‬‬
‫إلسكندرية‪ ،‬املكتب الجايعي الحديث‪.1999 ،‬‬
‫اهلوامش‪:‬‬

‫‪ -1‬يساعدين عبد هللا املحيا‪ ،‬القيم في املسلسمات التلفازية‪ ،‬درالسة تحليلية وصفية يقارنة لعينة ين املسلسمات التلفازية‬
‫العربية‪ ،‬دار العاصمة‪ ،‬الرياض‪ ،1993 ،‬ص‪.31‬‬
‫‪ - 2‬املرجع نفسه‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪- 3‬يساعدين عبد هللا املحيا‪ ،‬يرجع لسبق ذكره‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪- 4‬املرجع نفسه‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪- 5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫‪ - 6‬يساعدين عبد هللا املحيا‪ ،‬يرجع لسبق ذكره‪ ،‬ص ‪.46‬‬
‫‪- 7‬املرجع نفسه‪ ،‬نفس الصفحة‪.‬‬
‫‪ - 8‬يحمد أحمد بيوي ‪ ،‬علم اجتماع القيم‪ ،‬السكندرية‪ ،‬دار املعرفة الجايعية‪ ،1990 ،‬ص ‪.89‬‬
‫‪ - 9‬فوزية ذياب‪ ،‬القيم والعادات االجتماعية‪ ،‬ط ‪ ،1‬يصر‪ ،‬يكتبة األلسرة‪ ،2003 ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪ - 10‬يساعدين عبد هللا املحيا‪ ،‬يرجع لسبق ذكره‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪ - 11‬فوزية ذياب‪ ،‬يرجع لسبق ذكره‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ - 12‬نورهان ينير حسن فهمي‪ ،‬القيم الدينية للشباب ين ينظور الخدية االجتماعية‪ ،‬السكندرية‪ ،‬املكتب الجايعي الحديث‪،‬‬
‫‪ ،1999‬ص ‪.32‬‬
‫‪ - 13‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ - 14‬يساعدين عبد هللا املحيا‪ ،‬يرجع لسبق ذكره‪ ،‬ص ص ‪.52-51‬‬
‫‪ - 15‬يساعدين عبد هللا املحيا‪ ،‬يرجع لسبق ذكره‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪ - 16‬ياجد زك الجماد‪ ،‬تعلم القيم وتعليمها‪ ،‬تصور نظري وتطبيق لطرائق والستراتيجيات تدريس القيم‪ ،‬عمان‪ ،‬دار املسيرة‬
‫للنشر والتوزيع والطباعة‪ ،2005 ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪ - 17‬جابر قميجة‪ ،‬املدخل إلى القيم اللسمايية‪ ،‬ط ‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬دار الكتب اللسمايية‪ ،1984 ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ - 18‬ياجد زك الجماد‪ ،‬يرجع لسبق ذكره‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪ - 19‬ياجد زك الجماد‪ ،‬يرجع لسبق ذكره‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪- 20‬ياجد زك الجماد‪ ،‬يرجع لسبق ذكره‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪ - 21‬يحمد أحمد بيوي ‪ ،‬يرجع لسبق ذكره‪ ،‬ص ص ‪.214 -213‬‬
‫‪ - 22‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.214‬‬
‫‪ - 23‬يحمد أحمد بيوي ‪ ،‬يرجع لسبق ذكره‪ ،‬ص ص ‪.217 -216‬‬

‫‪355‬‬

You might also like