Professional Documents
Culture Documents
جهد في تشويه التاريخ الحقيقي للعالقات السوفييتية-الصينية .انهم يجهدون من أجل اعادة كتابة
الصفحات المجيدة في تاريخ الدولتين والشعبين ولجعل الشعب الصيني والرأي العام العالمي
يُشككان في صدق سياسة الحزب الشيوعي السوفييتي والحكومة السوفييتية األممية تجاه الحزب
الشيوعي الصيني وجمهورية الصين الشعبية.
ً
يسعى الحزب الشيوعي السوفييتي بال كلل ،تفيذا للقرارات ال ُمتخذة في مؤتمره ،الى تطبيع
جرد اعالن نواياه عن العالقات السوفييتية الصينية .لم يكن الحزب الشيوعي السوفييتي يقوم ب ُم ّ
وتكرار خطوات عملية ُمحددة لتحقيقها .في المؤتمر الخامس ً تحسين العالقات ،بل اتخذ مرارا ً
ع ِقدَ عام ،1976على سبيل المثال ،أوضح تماما ً أنه ان كانت والعشرين للحزب الشيوعي الذي ُ
الصين ستعود الى المسار الماركسي-اللينيني الحقيقي وتتخلى عن سياساتها العدائية تجاه البلدان
االشتراكية وتسلك طريق التعاون واألممية مع العالم االشتراكي فان هذا سيالقي ردا ً ايجابيا ً من
االتحاد السوفييتي ويفتح امكانيات تطوير العالقات مع الصين بالتوافق مع السياسات األممية.
ع ِقدَ عام 1981التأكيد على الموقف المبدأي للحزب أعاد المؤتمر السادس والعشرون الذي ُ
الشيوعي السوفييتي بشأن جميع العالقات الدولية بين االتحاد السوفييتي والصين.
تحو ٍل ربما تكون قد حدثت في العالقات السوفييتية الصينيةكان من الطبيعي أن نتوقع أن نُقطة ّ
بعد موت ماوتسي تونغ في سبتمبر ، ،1976أو على األقل تغي ٌّر نحو األفضل .لم يكن سرا ً أن
ماو وأتباعه كانوا يعملون بحماسة لتعطيل هذه العالقات ،خاصةً منذ أواخر الخمسينيات وبداية
الستينيات ،وهذا هو بالضبط سبب مضاعفة االتحاد السوفييتي جهوده لتطبيع العالقات
السوفييتية-الصينية بعد موت ماو.
تحقيقا ً لهذه الغاية من عام 1976الى عام ،1980أي في الفترة بين المؤتمرين 25و ،26تم
اتخاذ عدد من الخطوات بمبادرة من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي من أجل ايصال
فكرة للقيادة الصينية الجديدة أنه كان لدى االتحاد السوفييتي نوايا حسنة تجاه الصين وانه ُمستعد
لتطبيع عالقاته مع هذا البلد .على سبيل المثال ،فيما يتعلق بالمفاوضات المبدئية بشأن تنظيم
ع ِقدَت الجوالت األولى من المفاوضات حول تطبيع الحدود التي استمرت منذ عام ُ ،1969
العالقات بين الدولتين عام ،1979حيث قدّم الجانب السوفييتي مجموعةً واسعةً من المقترحات
البناءة ،والتي رفضتها بكين بالرغم من هذا .في عام 1971اقترح االتحاد السوفييتي توقيع
معاهدة مع الصين بشأن التخلي عن استخدام القوة .بموجب شروط هذه المعاهدة ،يتعهد كال
الجانبين بعدم استخدام القوة المسلحة ضد بعضهما البعض وعدم استخدام اي نوعٍ من األسلحة
ت الحق ،في عام 1973اقترح االتحاد التقليدية أو الصاروخية أو النووية ضد بعضهما. في وق ٍ
السوفييتي ابرام معاهدة عدم اعتداء مع الصين.
في آذار عام ،1978عشية جلسة المؤتمر الشعبي الوطني لجمهورية الصين الشعبية ،اتخذ
االتحاد السوفييتي مرة ً أُخرى مبادرات ُمهمة كانت من ال ُممكن أن تؤدي الى تطبيع العالقات.
أظهر الجانب السوفييتي بانتظام ،في المفاوضات التجارية السوفييتية-الصينية السنوية ،استعداده
لتوسيع التجارة على أساس المنفعة ال ُمتبادلة ،الجراء محادثات حول توقيع اتفاقية تجارية طويلة
األجل واحياء التجارة الحدودية .معرروف بشك ٍل جيد االقتراحات السوفييتية بشأن احياء
العالقات بين جمعيات الصداقة وفي مجال الصحة العامة واالستعداد العادة التعاون بين
أكاديميات العلوم الصينية والسوفييتية .كل هذه المقترحات ال تزال قائمة ،على الرغم من
االستجابة الصينية السلبية ال ُمستمرة.
ان الموقف الذي تتخذه القيادة الصينية ،كما هو موقفها من قبل ،هو العقبة الرئيسية في طريق
تطبيع العالقات السوفييتية الصينية .ان زعماء بكين ملتزمون بمسار ماو ال ُمعادي للسوفييت .في
الوضع الذي تسعى فيه القيادة الصينية ،التي تتغير باستمرار ،الى تأكيد نفسها من خالل اتخاذها
المواقف ال ُمهيمنة القديمة ومعاداة السوفييت وتجديد الماوية ،تظل االجراءات السوفييتية حسنة
النية بدون استجابةً ايجابية من الجانب الصيني.
يتضح هذا من خالل حقيقة أن القيادة الصينية ما بعد ماو لم تُقدّم اقتراحا ً واحدا ً لتحسين العالقة
السوفييتية-الصينية وترفض توسيع التجارة أو الحفاظ على التعاون في المجال العلمي والثقافي.
حتى أن الجانب الصيني المريض بمعاداته للسوفييت ،لم يستجب لالقتراح السوفييتي القامة
عالقات علمية بين علماء الزالزل السوفييت والصينيين .عالوة ً على ذلك ،ي ّ
ُصور االتحاد
السوفييتي ،في الوثائق الصادرة عن أعلى الهيئات الحكومية الصينية وتصريحات قادتها ،على
أنه العدو االيديولوجي والسياسي والعسكري الرئيس للصين.
ومع ذلك ،يُظهر تاريخ العالقات السوفييتية الصينية ،أنه ال توجد وال يُمكن أن توجد أي أسباب
لهذه القطيعة ،عدا عن وجود أي أسباب للمواجهة بين الشعبين .على العكس من ذلك ،توجد جميع
الشروط ال ُمسبقة الالزمة من أجل الصداقة والتعاون.
اليوم ،ال يدّخر الماويون وأتباعهم في البلدان األُخرى أي جهد لتزوير األسباب الحقيقية لتفاقم
ب الكثير في محاوالت لوم المشاكل في العالقات السوفييتية-الصينية وطبيعة هذه المشاكلُ .ك ِت َ
الحزب الشيوعي السوفييتي واالتحاد السوفييتي على ذلك .من المعروف أن الدعاية ال ُمعادية
للشيوعية من كل لون تتناول هذه التزويرات بشغف وتُضخمها.
ليس من قبيل المصادفة أن هناك فيض من ال ُكتب والنشرات والمقاالت المزورة في الدراسات
التاريخية الغربية التي تسعى الى تبرير سياسات بكين الداخلية والخارجية وتُشوه الحقائق حول
العالقات السوفييتية-الصينية وتاريخ الخالف بين الحركة الشيوعية العالمية والقيادة الماوية.
يجب التأكيد على أن الماويين أنفسهم ينشرون بكل تع ّمد األكاذيب والتزوير من كل نوع بصدد
هذه المسائل .انهم يُساهمون في مساعدة الصحافة وعلماء الصينولوجيا في البدان الرأسمالية على
بناء األساطير حول هذه القضايا .نُشير في هذا الصدد الى التصريحات التي نشرتها الصحف
Mainichi Shimbunوماينيتشي شيمبون Yomiuri Shimbunاليابانية يوميوري شيمبون
في كانون الثاني لعام 1972حول جوهر ال ُمحادثات التي جرت بين بعض ُممثلي "شنغهاي"
ومندوبي النقابات العُمالية اليابانية حول ما يُسمى "الجرائم االحدى عشر" السوفييتية ضد الصين.
ال يزال من ال ُممكن العثور على تعديالت لهذه التزويرات الماوية في المنشورات األجنبية.
ان تلفيقات بكين تتعامل مع أكثر المسائل تنوعاً .تم الكشف عن العديد منها على نح ٍو ُمالئم في
الصحافة السوفييتية .ومع ذلك ،تستمر قائمة األكاذيب والتزوير في النمو ،وهذا يجعل من
الضروري تقديم معلومات اضافية حول نقاطٍ ُمعينة.
هناك سبب آخر للقيام بذلك .ان األشخاص الذين لديهم فكرة غامضة عن تاريخ العالقات
السوفييتية-الصنية واألهداف الحقيقية لبكين ،أو الذين خدعتهم الدعاية الصينية يزعمون أحيانا ً أن
جذور ُمعاداة السوفييت تكمن في ظروفٍ موضوعية ُمعينة ،مثل "صراع بين المصالح القومية
السوفييتية الصينية" ،وليس في الجوهر القومي لسياسة القادة الصينيين وخطهم السياسي العام.
غالبا ً ما يُل ّمح أتباع مثل هذه اآلراء الى تصريحات ماوتسي تونغ ال ُمنافقة حول "الصداقة" مع
الحزب الشيوعي السوفييتي ،أو ُمالحظاته حول سعي الحزب الشيوعي الصيني الدائم من أجل
تحقيق "الوحدة والتضامن" مع الشعب السوفييتي والشيوعيين السوفييت ،وما الى ذلك .أحيانا ً يتم
تفسير العداء الماوي للسوفييت من خالل نسبها الى "استيائهم الشخصي".
ومع ذلك ،تُظهر الحقائق أن بكين ،أثناء حياة ماو ،ابتكرت "برنامجاً" خاصا ً من أجل ُمفاقمة
الوضع في العالقات السوفييتية-الصينية .هذا وحده يُمكن أن يُفسّر حقيقة أنه منذ الستينيات ،كانت
ال ُمقترحات ال ُمتكررة التي طرحها الحزب الشيوعي السوفييتي من أجل تطبيع العالقات بين
ترك بدون أي رد أو تُدفَن عمدا ً تحت جبا ٍل من االتهامات السخيفة على أساس تزوير البلدين اما ت ُ َ
الحقائق وتطويعها.
ولكن ،فان الحقائق ال تدع مجاالً للشك في الطبيعة ال ُمنافقة للت ُ َهم الموجهة الى الحزب الشيوعي
السوفييتي بأنه ال ُمسبب لتدهور العالقات السوفييتية-الصينية ،و"تقليص المساعدات السوفييتية
بكر من الستينيات ،كل ذلك ردا ً للصين" و"استدعاء ال ُمختصين السوفييت من الصين" في وق ٍ
ت ُم ٍ
على "الموقف ال ُمستقل" للقادة الشيوعيين الصينيين.
من المعروف جيدا ً أن جماعة ماو شنّت حملتها ال ُمعادية للسوفييت في الوقت الذي أصبحت في
العالقات الوثيقة بين الصين واالتحاد السوفييتي عائقا ً أمام ُمخططات الهيمنة الصينية .تم استخدام
الستارة الدخانية ال ُمتمثلة باالدعاءات حول الروح "الثورية" لبكين و"تحريفية" الحزب الشيوعي
السوفييتي من أجل اخفاء انحراف الحزب الشيوعي الصيني عن موقفٍ مبدأي ٍ ُمحدد.
لكي نكون موضوعيين ،يجب على المرء أن يُالحظ أن هجمات ماوتسي تونغ ال ُممنهجة على
االتحاد السوفييتي تعود الى الوقت الذي كانت فيه العالقات بين البلدين ودية للغاية .في تشرين
الثاني عام ،1956ادعى ماوتسي تونغ أنه تم التخلّص من اللينينية في االتحاد السوفييتي ،وفي
آذار عام 1959قال بأن "االستغالل االقتصادي العسكري من نوع التملّك العقاري" موجود في
االتحاد السوفييتي .استاء ماوتسي تونغ بمرارة من قرارات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي
السوفييتي وانتقاد عبادة الشخصيةُ .مخفيا ً آرائه الحقيقية ،تظاهر ماو بالموافقة على قرارات
المؤتمر .في الواقع ،اعتبر مسألة انتقاد عبادة الشخصية تهديدا ً مباشرا ً لمكانته باعتباره الحاكم
األعلى للصين ولمزاعمه بأنه شخصية "كالسيكية حية" في الحركة الشيوعية العالمية.
في الدورة الثانية للمؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الصيني عام 1958وفي اجتماع اللجنة
المركزية للحزب الشيوعي الصيني في آب عام 1959تحدّث ماو عن الحاجة الى "االستعداد
لالنقسام" أو االنشقاق ،و"عدم الخوف من ذلك" .كانت تلك هي اللحظة التي حدد فيها مهمة
"هندسة التناقضات" في عالقات الصين مع االتحاد السوفييتي وحزبه الشيوعي .في عام ،1964
عندما كان الحزب الشيوعي السوفييتي والعديد من األحزاب الشقيقة يبذلون جهودا ً لتطبيع
العالقات مع الحزب الشيوعي الصيني ،أعلن ماو أن االتحاد السوفييتي كان "دولةً فاشيةً من نوع
هتلر" وأقنَ َع القيادة الصينية أنه من المناسب تحقيق قطيعة مع االتحاد السوفييتي .وبالتالي فان
تعرض لها ماو ،بل بداعٍ من طموحاته لفرض خطه المسألة ليست مسألة "اهانات" مزعومة ّ
وعقيدته وهيمنته على ال ُمجتمع االشتراكي والحركة الثورية العالمية.
لكن كان ماو ،في منتصف الخمسينيات ،ال يزال يجد صعوبةً في احداث تحوالت حادة في
العالقات السوفييتية الصينية ،والتي وقف ضد حصولها الشيوعيون األمميون في القيادة الصينية
والروابط الواسعة في جميع المجاالت بين البلدين والوضع الدولي العام.أُج ِب َر ماو على ابقاء خطه
ال ُمعادي للسوفييت مخفياً .هذا ما قاله عام 1958عن االتصاالت بين الصين واالتحاد السوفييتي:
"هناك الكثير من الشائعات الكاذبة حول العالقات بين بلدينا .هل لدينا القوة لكي نُزعج أنفسنا بهذه
الشائعات العديدة؟ فليذهب الشيطان معهم! سنبقى أُخوة ً في عائل ٍة واحدة لمدة عشرة آالف سنة".
ت العداد الرأي العام الصيني والذكاء المشاعر القومية ال ُمعادية للسوفييت. احتاج ماو الى وق ٍ
صعّدَ قادة بكين من أنشطتهم االنشقاقية في الحركة الشيوعية العالمية منذ عام 1958وبدأوا في
اقامة تحالفات ضد الحزب الشيوعي السوفييتي .على سبيل المثال ،قالوا لأللبان أنهم "تح ّملوا خط
الحزب الشيوعي السوفييتي وسياسته بعد المؤتمر العشرين لمدة 4سنوات وشهرين وقد سئموا
منه".
ومن أجل الكشف عن الوضع الحقيقي ،دعونا نُلقي نظرة ً على بعض األمثلة النموذجية في تاريخ
العالقات السوفييتية الصينية.
ُمعارضة التعاون مع الدول االشتراكية سنوات الستينات
سيكون من قبيل البديهية القول أن تنسيق السياسات الخارجية للدول االشتراكية يصب في صالح
السالم وحرية الشعوب وأنه مظهر من مظاهر األممية في أكثر صورها وضوحاً .يُعزز هذا
التنسيق من أمن الدول االشتراكية ويجعل من الممكن التأثير بشك ٍل فعا ٍل أكثر على مسار التطور
العالمي لصالح السالم والديمقراطية واالستقالل الوطني واالشتراكية.
تم تحديد السمات األساسية لمسار تنسيق السياسات الخارجية للدول االشتراكية في الستينيات
بوضوح منذ عام 1957في تصريح اجتماع ُممثلي األحزاب الشيوعية والعمالية للدول
االشتراكية وفي بيان السالم ،وكذلك في البيان والنداء الى شعوب العالم الذي تبنته األحزاب
الشقيقة عام .1960حققت المنظومة االشتراكية العالمية نجاحا ً ملموسا ً في متابعتها سياستها
السلمية وتمكنت من شل الطموحات العدوانية لالمبريالية .لعب دور ايجابي في هذا التعاون الذي
حصل في السياسة الخارجية بين أكبر دولتين اشتراكيتين في العالم ،االتحاد السوفييتي وجمهورية
الصين الشعبية .كان لهذا التعاون أساس قانوني دولي سليم ،وهو معاهدة الصداقة والتحالف
وال ُمساعدة ال ُمتبادلة السوفييتية الصينية المؤرخة في 12شباط عام .1950
عظمى على ولكن منذ أواخر الخمسينيات وبداية الستينات ،عندما حددت بكين أهدافها كقوة ُ
الساحة العالمية ،بدأت الحكومة الصينية في اتخاذ اجراءات ُمنفصلة تتعارض مع الخط العام
للنضال االشتراكي العالمي من أجل السالم .كما أُعلِنَ في بكين في أوائل الستينيات أنه "كانت
الحرب الباردة والتوتر الدولي ُمفيدين للغاية في تثقيف الشعب"ُ .
وز ِع َم أن تفاقم التوتر الدولي هو
"امتياز" ألنه "يُمكن لألحزاب الشيوعية ،في ظروف التوتر الدولي ،أن تتطور بسرعة أكبر
ويُمكن أن يزداد ُمعدل تطورها" ،وبالتالي كان التوتر الدولي "أمرا ً ُمفيداً" .أدلى ماوتسي تونغ
بتصريحات بهذا المعنى ولم يتردد في التصرف وفقا ً لذلك.
انتقد ُممثلو الصين (ليو شاوكي ،Liu Shaoqiجو انالي ،zhou enlaiدون شاوبين Deng
Xiaopingوغيرهم) من على منصة المجلس العام لالتحاد العالمي لنقابات العمال الذي اجتمع
في ُحزيران عام 1960موافق األحزاب الماركسية اللينينية بشأن مسائل الحرب والسالم
والتعايش السلمي ونزع السالح في محاولة لفرض خطهم السياسي ال ُمغامر على الدول
االشتراكية.
جو انالي رئيس وزراء الصين
لقد دافعوا عن سياسة بناء عالقات بين الدول على غرار سياسة (العين بالعين والسن وبالسن)،
ورفضوا المفاوضات كوسيلة لتسوية النزاعات ،زاعمين أن التفاوض مع االمبرياليين هذا "من
شأنه أن يخدع البشرية" وانتقدوا بقسوة سياسة الدول االشتراكية المتضافرة في النضال من أجل
نزع السالح باعتبارها "غير ُمجدية بل وضارة".
دون شاوبين
أفشى القادة الصينيين عملياً ،بلجوئهم الى اسلوب ماوتسي تونغ في "الهجوم ال ُمفاجئ" ،أسرار
لجمهور
ٍ الجوانب األساسية لتكتيكات واستراتيجيات السياسات الخارجية للدول االشتراكية
عريض من غير الشيوعيين دون أي ُمناقشة أولية لهذه المسائل بين اللجان المركزية لألحزاب
ٍ
المعنية.
على الرغم من جميع ُمحاوالت الحزب الشيوعي السوفييتي واألحزاب الماركسية اللينينية
األُخرى القيام باجراءات تسوية األمور ،فقد استمرت قيادة الحزب الشيوعي الصيني في فرض
مسار سياسته الخارجية على الحركة الشيوعية العالمية خالل االجتماعات الثنائية والمتعددة
األطراف (في موسكو وبوخارست).
في نهاية عام 1962وبداية عام 1963شنّت قيادة الحزب الشيوعي الصيني هجوما ً ايديولوجيا ً
جديدا ً ضد الحزب الشيوعي السوفييني والحركة الشيوعية العالمية .تم شن هجوم مسعور على
السياسة الخارجية للدول االشتراكية الهادفة الى تجنّب حرب نووية ،وهي ُمشكلة خطيرة في
السياسة الدولية.
في وقت أزمة الكاريبي عام 1962أصبح من الواضح أن قادة بكين كانوا على استعداد للتضحية
بجميع ال ُمثُل والقيم بما في ذلك السالم العالمي من أجل أهدافهم السياسية .عندما كان التهديد
ب نووية ،كان القادة األمريكي الخطير باستخدام القوة يحوم فوق كوبا وكان العالم على شفا حر ٍ
الصينيون يُحاولون عالنيةً اثارة صراع دولي واسع النطاق.
في البداية عندما كان الوضع الدولي متوترا ً بشك ٍل خاص وكانت هناك حاجة ُملحة لتشكيل جبهة
ُمشتركة لصد األعمال العدوانية االمبريالية األمريكية ،امتنع قادة الحزب الشيوعي الصيني عن
اتخاذ اجراءات فعالة وعملية لدعم كوبا ،على عكس االتحاد السوفييتي ودول المنظومة
االشتراكية األُخرى .أي ف ّ
ضلَت القيادة الماوية أن تلعب لعبة االنتظار عندما كانت األمور
مشتعلة ،حتى يكون لها الكلمة األخيرة ،بغض النظر عن النتيجة.
خف التوتر وتحولّت األمور نحو األفضل ،أطلقت الصين فجأة حملةً صاخبةً "من ولكن عندما ّ
الدعم القوي لنضال الشعب الكوبي من أجل استقاللها وسيادتها" .في الوقت نفسه ،زعمت الدعاية
الصينية أن موقف االتحاد السوفييتي كان ضارا ً لكوبا .أظهر القادة الصينيون معارضتهم لتسوية
أزمة الكاريبي من خالل المفاوضات السلمية وكانوا يودون أن يدفعوا االتحاد السوفييتي وكوبا
الى األعمال المشحونة بالصراع العسكري ،وحاولوا اثبات "صواب" وجهات نظرهم حول هذا
الموضوع وبالتالي الهجوم على سياسة التعايش السلمي .نشر ال ُممثلون الصينيون افتراءا ٍ
ت ال
حصر لها ُمعادية للسوفيين حول أزمة الكاريبي في ال ُمنظمات الديمقراطية العالمية وفي ُمختلف
المحافل الدولية.
كان الماويون يريدون اثارة صدام عسكري بين االتحاد السوفييتي والواليات ال ُمتحدة ،ولكي
يظلوا خارج المحرقة الحاصلة دون أي خسائر .في هذا الصدد ،نشرت الصحافة الرأسمالية عدة
تصريحات ُمثيرة لالهتمام.
كتبت صحيفة نيويورك تايمز في 7تشرين الثاني عام ،1962على سبيل المثال ،أن بكين كانت
منذ فترة طويلة على استعداد للقتال حتى آخر أمريكي وآخر روسي.
فشل القادة الصينيون ،خالل فترة الوضع الخطير في منطقة البحر الكاريبي ،في تقديم أية
ُمقترحات بنّاءة من شأنها أن تضمن مصالح كوبا وتجنب نشوب حرب عالمية جديدة .عالوة ً على
ذلك ،بعيدا ً عن فعل كل شيء للمساعدة في تسوية األزمة ،بدأت بكين عملياتها العسكرية على
الحدود الصينية-الهندية في تلك األيام على وجه التحديد ،وبالتالي خلق يؤرة توتر دولي جديدة.
كانت هذه االجراءات شهادة بليغة على األهداف الحقيقية للقادة الصينيين .وقد استفادوا من وضع
كان فيه انتباه كل العالم ينصب على األزمة الدولية في منطقة الكاريبي من أجل تحديد أهدافهم
القومية.
باالضافة الى ذلك ،في ُمحاولة لتشويه السياسة الخارجية اللينينية للدول االشتراكية ،عارضت
بكين في عام 1963بشدة معاهدة موسكو التي تحظر تجارب األسلحة النووية في الغالف الجوي
وفي الفضاء الخارجي وتحت سطح البحر ،والتي كانت ،على الرغم من طابعها المحدود ،النجاح
األول في الكفاح الطويل الذي خاضته الدول ال ُمحبة للسالم وجماهير الشعوب العريضة في جميع
أنحاء العالم ضد خطر الحرب النووية .كانت هذه الوثيقة ُمهمة للغاية لمواصلة البحث عن ُ
ط ُرق
لتسوية القضايا الخالفية بين الدول ذات األنظمة االجتماعية ال ُمختلفة ،وهي قد أثارت استجابة
واسعة وحصلت على دعم كبير في جميع أنحاء العالم .أخضعت الحكومة الصينية هذه الوثيقة
لهجمات مسعورة ،في الوقت الذي كانوا يغضون فيه النظر عن حقيقة أن الرأي العالمي كان
ينظر الى هذه المعاهدة على انها انجاز رئيسي لسياسة التعايش السلمي .أصبح موقف الصين
الهيستيري واضحا ً في تشرين األول عام ،1964عندما اختبرت الصين أول قنبلة ذرية ،وال
زالت الصين ُمستمرة ،الى يومنا هذا في اجراء تجارب نووية في الغالف الجوي .أثّر التساقط
جريَت في تشرين األول عام 1980على سكان اليابان االشعاعي الذي نت َج عن التجربة التي أ ُ ِ
والواليات المتحدة وكندا والمكسيك ،مما أدى الى عاصفة احتجاجات في هذه البلدان وفي جميع
أنحاء العالم.
كان من الواضح ،أن تصرفات القادة الصينيين على الساحة الدولية ،في تلك السنوات ،كانت
تهدُف الى دق اسفين في حركة التضامن االفروآسيوية ،ووضعها في مواجهة ُمجتمع الدول
االشتراكية ،والوقوف مع القوى االمبريالية بشك ٍل ُمباشر في العديد من القضايا .وبالتالي ،لم يكن
جرد انحراف عن السياسة الخارجية للدول االشتراكية ،ولكن اعادة توجيه جوهرية األمر ُم ّ
لسياسة الصين الخارجية .أصب َح من الواضح أكثر فأكثر أن الصين تتخلى عن المواقف الطبقية
وتقوض جبهة النضال ال ُمشترك ضد االمبريالية ونصب تلك السياسة ضد في سياساتها الخارجية ّ
ُ
االتحاد السوفييتي والدول االشتراكية األخرى.
بدا موقف بكين تجاه االتحاد السوفييتي ،الذي لم يدّخر أي جهد لمساعدة الصين في بناء
االشتراكية ،أكثر من كونه موقفا ً غريباً ،وخصوصا ً أن موقف االتحاد السوفييتي الدولي في
الدفاع عن مصالح الصين كان معروفا ً بشك ٍل عام .يكفي أن نتذكر أن االتحاد السوفييتي أر َ
س َل
تشكيالت ضخمة من المقاتالت السوفييتية لحماية الجمهورية من غارات العدو الجوية بناءا ً على
طلب الحكومة الصينية في عام ( 1950-1949ناهيك عن فترة ما قبل الثورة) ،وبالتالي ضمان
سالمة شانغاهاي أحد المراكز الصناعية الرئيسية في البالد واحباط هجمات القوات األمريكية
وقوات تشانغ كايشي.
الجنود التايوانيين يُكدسون قذائف المدافع أثناء أزمة تايوان عام 1958
في أيلول عام ،1958أثناء أزمة تايوان الخطيرة ،حذّ َرت الحكومة السوفييتية الحكومة األمريكية
صراحةً من االتحاد السوفييتي سيعتبر الهجوم على الصين بمثابة هجوم على االتحاد السوفييتي
وأن على الحكومة األمريكية أن تتحمل كل العواقب ال ُمترتبة على ذلك .باالضافة الى ذلك ،كان
قادة الحزب الشيوعي الصيني في ذلك الوقت يتحدثون الى ما ال نهاية عن األهمية االستثنائية
للصداقة السوفييتية-الصينية .كتب ماو تسي تونغ أن "توقيع معاهدة الصداقة والتحالف والمساعدة
المتبادلة بين الصين واالتحاد السوفييتي ،ال يعني تقديم مساعدة هائلة في بناء الصين ،لكنه أيضا ً
ضمانة قوية ضد العدوان ومن أجل الحفاظ على السالم واألمن في الشرق األقصى وفي جميع
أنحاء العالم.1
الكالم كالم والحقائق حقائق .في أوائل الستينيات من القرن الماضي ،بدأ الحزب الشيوعي
الصيني بالفعل في انتهاك المعاهدة السوفييتية الصينية المؤرخة في 14شباط عام .1950وقد
تهرب الصينيون باصرار من الوفاء بالمادة 4من المعاهدة التي دعت الى اجراء مشاورات ّ
"حول جميع المسائل الدولية الرئيسية التي تؤثر على العالقات المشتركة الصينية والسوفييتية".
أخفَت الحكومة الصينية نواياها باطالق النار سواحل ال ُج ُزر البحرية في مضيق فورموزا عام
1958وفَ ِشلَت في ابالغ الحكومة السوفييتية بالعمل العسكري الصيني المتهور ضد الهند ،أو
بموضوع المحادثات الصينية األمريكية التي بدأت عام ،1955وانتهكت الصين كذلك التزاماتها
في نقاطٍ كثيرةٍ أُخرى.
من جانبها ،التزمت الحكومة السوفييتية بدقة بأحكام ال ُمعاهدة فيما يتعلق بالمشاورات ال ُمتبادلة
وتبادل المعلومات السسياسية األجنبية .قد َّم الحزب الشيوعي السوفييتي بانتظام للجنة المركزية
للحزب الشيوعي الصيني والحكومة الصينية مواد كثيفة حول النقاط الرئيسية فيما يتعلق بالوضع
الدولي والسياسة الخارجية السوفييتية .من عام 1960الى عام 1963فقط ،تلقّى الحزب
الشيوعي الصيني أكثر من 140مادة من المعلومات الشفوية والمكتوبة.
كانت العالقات السياسية الخارجية للحزب الشيوعي والحكومة السوفييتية مع الصين تستند دائما ً
الى الثقة واالهتمام العميق بتنسيق جهود البلدين على الساحة الدولية.
تقويض العالقات االقتصادية
نقلت قيادة الحزب الشيوعي الصيني خالفاتها االيديولوجية مع االتحاد السوفييتي والدول
االشتراكية األُخرى الى عالقات الدولة الداخلية ،وكان لهذا تأثير خاص على التعاون االقتصادي.
لم يكن هذا ُمفاجئا ً ألن القيادة الماوية كانت تعمل على تبديل سياساتها الداخلية بالكامل من
الخطوط االشتراكية الى الخطوط االمبريالية .ومن أجل وضع هذه ال ُخطط موضع التنفيذ ،كان
عليها أن تُظهر لشركائها ال ُمستقبليين أنها لم تُغيّر مسارها االيديولوجي فحسب ،بل كانت "تُفسح
المجال" لألنشطة االقتصادية مع الدول االمبريالية .وهكذا بدأت القيادة الماوية في طرد االتحاد
السوفييتي والدول االشتراكية األُخرى من عالقاتها االقتصادية الخارجية .أصبح هذا الجانب من
سياسة بكين واضحا ً بشك ٍل خاص منذ عام ،1960أي عندما بدأ الحزب الشيوعي الصيني
بتطوير "برنامج خاص" في الحركة الشيوعية العالمية وداخل البالد.
طالبت الحكومة الصينية باعادة النظر بجميع ال ُمعاهدات والبروتوكوالت السابقة بشأن التعاون
االقتصادي والعلمي السوفييتي الصيني ،ورفضت قبول جزء كبير من عمليات التسليم ال ُمخطط
لها للمنشأة السوفييتية وبدأت بتقليص التجارة السوفييتية الصينية.
في 31تشرين األول عام ،1960أبلَ َغ وزير التجارة الخارجية الصيني يي جيجيوانغ Ye
Jizhuangونائب وزير الخارجية لو غويبو Luo Guiboالحكومة السوفييتية من خالل السفير
السوفييتي في بكين أن الصين تعتزم اعادة النظر في معاهداتها االقتصادية والعلمية والتكنولوجية
مع االتحاد السوفييتي.
لو غويبو
عندما وصل جو جووشين Gu Zhuoxinالى موسكو في تموز عام 1961على رأس الوفد
االقتصادي الصيني للمشاركة في المفاوضات ،قال أن الحكومة الصينية تعتزم رفض المساعدات
ب التكنولوجية السوفييتية في بناء 89منشأة صناعية و 35متجراً ،ومصانع ووحدات أُخرىَ .
طلَ َ
تشو انالي في محادثاته مع نائب وزير التجارة الخارجية السوفييتية في آب عام 1961تأجيل
تسليم المصانع والمواد من االتحاد السوفييتي لمدة عامينُ ،متذرعا ً بالصعوبات التي ظهرت في
االقتصاد لصيني بسبب الكوارث الطبيعية ،على الرغم من االتفاقية ذات الصلة تم توقيعها قبل
شهرين فقط .كان على اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي والحكومة السوفييتية الموافقة
على هذه الشروط على الرغم من أن ُمعظم المصنع الذي يُكلف عدة ماليين من الروبالت كان قد
بدأ في مرحلة التصنيع وتم طلب مواد له من أطراف أُخرى.
بناءا ً على طلب الحزب الشيوعي الصيني ،تم تأجيل تسليم المواد والمصنع من االتحاد السوفييتي
للمشاريع التي كانت قيد االنشاء بمساعدة التكنولوجيا السوفييتية لمدة عامين،تم تسجيل ذلك في
البروتوكول ال ُمشترك بين الدول في 13أيار عام .1962
اقترحت الحكومة السوفييتية على الحكومة الصينية في كانون األول عام 1962اجراء ُمحادثات
لتحديد حجم ونطاق شحنات المصنع للسنوات القادمة ،ولكن ظل االقتراح السوفييتي دون أي رد.
وأظهرت الحقائق أن القيادة الصينية تعمدت تقليص عالقاتها االقتصادية مع االتحاد السوفييتي بما
يتعارض مع مصالح الشعب الصيني ويضر بالصداقة والتعاون بين البلدين.
بَذَ َل االتحاد السوفييتي جهودا ً ُمتكررة لتحسين الوضع من خالل تقديم ُمقترحات ُمحددة وواضحة
ي من ال ُمقترحات السوفييتية دعما ً من لتعزيز التعاون االقتصادي والتجارة .لسوء الحظ ،لم يتلقَ أ ٌ
الجانب الصيني .واصلت بكين تقليص عالقاتها االقتصادية مع االتحاد السوفييتي ،وبالتالي خفض
الحجم االجمالي للتجارة السوفييتية الصينية (بما في ذلك ال ُمساعدات التقنية السوفييتية) في عام
1962الى %36.5من مستوى عام .1959استمر التدهور الحاد في التعاون االقتصادي
والتجاري طوال عامي 1963و .1964وفي عام 1963انخفض حجم التجارة بنسبة %23
بالنسبة الى عام 1962و %20أُخرى عام .1964
في البداية كانت ُمبررات الصين لتقليص عالقاتها االقتصادية مع االتحاد السوفييتي والدول
االشتراكية األُخرى من خالل التذرع بـ"الوضع االقتصادي الصعب" .كان هذه هي الذريعة التي
قدمها جو جووشين الذي ترأس وفد الحكومة الصينية في المحادثات ال ُمشتركة في 10شباط عام
،1961ومن قِبَل تشو انالي في آب عام .1961ومن ثم على نقيض كل ما كان يُقال في السابق،
بدأت بكين في وضع اللوم الوحيد لتقليص التعاون االقتصادي على االتحاد السوفييتي!.
تم تجميد المشاريع التي كانت قيد االنشاء بمساعدة سوفييتية في الصين عمداً .تم تجميدها كنوع
خاص من "المتاحف" ال ُمستخدمة لتشويه حالة المساعدات االقتصادية السوفييتية .تمت ازالة
العالمات التجارية من المعدات واآلالت السوفييتية ،وتم اتالف المعدات وتفكيكها عمداً ،وقاموا
بعد ذلك بابرازها للمواطنين الصينيين واألجانب على أنها "دليل" على اهمال االتحاد السوفييتي
في الوفاء بالتزاماته.
يُمكن االستشهاد بالعديد من حقائق السلوك الشرير التي قامت به المنظمات الصينية .على الرغم
من أن خط بكين كان واضحا ً تماماً ،استمرت الدعاية الماوية في نشر التلفيقات التي تُفيد بأن
االتحاد السوفييتي أوقف عمليات التسليم للمشاريع الصينية.
ان سياسة اضعاف التعاون االقتصادي بين االتحاد السوفييتي والصين ،كما أصبح واضحا ً اآلن
كانت موجهة نحو الهدف السياسي لبكين وهو تقويض االتحاد السوفييتي في أعين الشعب
الصيني ،وكانت بمثابة ذريعة لتصعيد حملتها ال ُمعادية للسوفييت.
ذهبت الصين في رسالة رسمية من حزبها الشيوعي موجهة الى اللجنة المركزية للحزب
الشيوعي السوفييتي بتاريخ 29شباط عام ،1964ذهبت ،الى حد االدعاء بأنه ال يوجد أي شيء
يُسمى مساعدات سوفييتية للصين واختزلت المساعدة السوفييتية ال ُمكثفة للصين الى "عمليات
تجارية" عادية .كانت مثل هذه التصريحات ُمالئمة لتبرير المسار الماوي ،ولكن في الحقيقة ،ال
يُمكن اعادة كتابة التاريخ اراديا ً بهذا الشكل .وفي هذا الصدد ،يُمكن للمرء أن يتحدث عن بضع
حلقات من تاريخ العالقات السوفييتية الصينية تشهد على ال ُمساعدة الودية السوفييتية والخالية من
المصالح النفعية للصين.
وفقا ً لالتفاقيات بين الصين واالتحاد السوفييتي بشأن سكة حديد تشانغشون Changchun
الصينية وميناء آرثر ودايرين Dairenالمؤرخة في 14شباط عام ،1950سلّم االتحاد
السوفييتي حقوق االدارة ال ُمشتركة للسكك الحديدية مع جميع المعدات ذات الصلة.
في تشرين األول عام 1954سلّمت الحكومة السوفييتية مجانا ً الى الحكومة الصينية ال ُمنشآت
الموجودة في القاعدة البحرية بورت آرثر والتي قام الجانب السوفييتي ببناءها وترميمها.
الجنود السوفييت في بورت آرثر
بمساعدة االتحاد السوفييتي ،استعادت الصين أو أعادت بناء أكثر من 200مشروع حديث بما في
ذلك مشاغل الحديد والصلب في أنشان Anshanووهان Wuhanوباوتو Baotouوبينجي
Benxiوالمصانع الميتالورجية في تشيشيهار Qiqiharال ُمتخصصة في انتاج أنواع خاصة من
الفوالذ ،ومراكز ضخمة للصناعة الكيميائية في جيلين Jilinوتايووان Taiyuanوالنجو
Lanzhouومناطق أُخرى .في عام 1959كانت المرافق الصناعية في الصين التي تم بناؤها
أو اعادة بناؤها بمساعدة سوفييتية تُمثّل %40-35من اجمالي ناتج الصين من الحديد والصلب
والمعدن ال ُمدلفن ،و %85من اجمالي انتاجها من الشاحنات والتراكتورات ،و %40من ناتجها
من الكهرباء و %35من ناتجها الهندسي الثقيل.
في ذلك الوقت ،تحدثت بكين كثيرا ً عن التعاون ال ُمثمر بين الصين واالتحاد السوفييتي وحول
المساعدات السوفييتية في تدريب ال ُمتخصصين الصينيين.
في الواقع ،تلقّت الصين مساعدا علمية وتكنيكية ُمكثّفة .ما يقرب من %50من جميع
ال ُمخططات والوثائق التكنولوجية التصميمية الممنوحة للدول االشتراكية قد ُمنِ َحت الى الصين.
بحلول 1تموز عام 1957تم تصميم ما يُمكن اجماله بـ 159مشروعا ً في الصين وتم استدخال
أكثر من 300نوع جديد من السلع الصناعية الى خط االنتاج الصيني باستخدام الوثائق
زود االتحاد السوفييتي الصين بـ 24000مجموعة والمخططات العلمية التكنولوجية السوفييتيةّ .
من الوثائق العلمية والتكنولوجية مجانا ً تقريبا ً في غضون 10سنوات .ووفقا ً للخبراء األجانب،
فان شراء مثل هذه الوثائق في السوق العالمية كان سيكلّف الصين عدة آالف من ماليين
الدوالرات.
درس سوفييتي كان 500منهم في الفترة من 1949الى 1959تم ارسال أكثر من ُ 900م ّ
متخصصون في المواضيع التكنولوجية ،الى الصين .قام ال ُمتخصصون السوفييت بتدريب ما
يقرب من ُ 17000مدرس صيني شاب على التدريس ال ُمستقل والعمل البحثي .ساعد ال ُمعلمون
السوفييت في انشاء ُ 900مختبر علمي جديد في الجامعات الصينية .عالوة ً على ذلك ،تمكن عدد
كبير من ال ُمتخصصين الصينيين من تحسين مؤهالتهم وتطويرها من خالل العمل مع
ال ُمتخصصين السوفييت.
هذه ليست سوى عدد قليل من الحقائق التي يُمكن االستشهاد بها هنا .في ذلك الوقت ،قامت الصين
بتقييم هذه المساعدة حق قدرها .قال ماوتسي تونغ" :دعونا نرى من قام بتصميم وتجهيز العديد
من المصانع ال ُمهمة لنا .هل كانت الواليات ال ُمتحدة أم بريطانيا؟ ال .فقط االتحاد السوفييتي هو
الذي كان يوافق على ذلك ،ألنه بلد اشتراكي وحليف لنا" .في 1شباط عام 1959كتبت (صحيفة
الشعب الصيني) " :renmin ribaoان المساعدات السوفييتية للبناء االقتصادي لبلدنا ،لم يسبق
لها مثيل في التاريخ من حيث الكمية والنطاق".2
كثيرا ً ما تُثير الصين مسألة القروض السوفييتية وهي تدّعي أن االئتمانات السوفييتية طويلة
األجل لم تكن ذات أهمية لها ،فهل هذا صحيح؟
قدّم االتحاد السوفييتي للصين ائتمانات طويلة األجل تصل الى 1816مليون روبل .في 14شباط
ُ 1950منِ َحت الصين ائتمانات بمعدالت فائدة بنسبة %1لمبلغ 300مليون دوالر ،تم تخصيصها
كافةً كدفعة لآلالت والمصانع والمواد ،وتم استخدامها وفقا ً لذلك .في عام 1954سلّم االتحاد
السوفييتي للصين أصوله من الشركات السوفييتية الصينية ال ُمشتركة ومنحها ائتمانا ً طويل األجل
بدون فوائد بقيمة 62600000روبل لتغطية قيمة هذه األصول .في عام 1960سلمت المنظمات
السوفييتية ما قيمته 288مليون روبل قيمة مواد وسلع أُخرى الى الصين ُمحملة على حساب
االئتمان بدون فوائد .تم تخصيص ُمعظم االئتمانات السوفييتية لالقتصاد الوطني الصيني وبشكل
أساسي لتطوير صناعتها الثقيلة.
قدّم االتحاد االتحاد السوفييتي مساعدة هائلة للصين من أجل تعزيز امكانياتها الدفاعية .لم تقتصر
جرد "بيع األسلحة" كما يزعم الماويون في الوقت الحاضر .خالل الحرب هذه المساعدات على ُم ّ
الكورية ،كانت معاهدة الصداقة والتعاون ال ُمشترك السوفييتية الصينية وحقيقة أن الجيش
السوفييتي كان في حالة قتال عند بورت آثر ودايرين ،قد منع الواليات المتحدة من توسيع
عدوانها واطالق العنان للتدخل العسكري المباشر ضد الصين.
ان المساعدة السوفييتية للصين في تعزيز دفاعاتها هي مثال على األممية الحقيقية والتزام
بالواجب تجاه الحليف .وافق االتحاد السوفييتي مرارا ً على طلبات الحكومة الصينية في
الخمسينيات بتقديم المساعدة في بناء العديد من مؤسسات الصناعة الحربية .في الفترة من عام
1963-1950ساعد السوفييت لصين على بناء وتشغيل ما يقرب من 100مصنع ذخيرة كبير.
زودت الحكومة السوفييتية الصين باألسلحة والموارد من احتياطاتها الخاصة والتي كانت كافية
العادة تجهيز العشرات من فِ َرق مشاة جيش تحرير الشعب .كما تلقت الصين جميع المتطلبات في
بورت آرثر .في الخمسينيات ،أرسل االتحاد السوفييتي العديد من المتخصصين الى الصين حيث
ساعدوا في تنظيم انتاج األسلحة وتعليم وحدات الجيش الصيني على استخدامها.
في الستينيات ،بدأت الحكومة الصينية في سداد ديونها لالتحاد السوفييتي وكان هذا قد تم بمبادرة
منها وبسرعة عالية وقبل الوقت المرسوم ،على الرغم من الصعوبات االقتصادية التي تمر بها
البالد وعلى عكس ما يُمليه المنطق .تم لفت انتباه ال ُممثلين الصينيين الى هذه الحقيقة مرارا ً
وتكراراً .في البداية ،لم تكن الدوافع وراء مثل هذه األعمال غير المعقولة اقتصاديا ً واضحةً تماماً.
ومع ذلك ،صار من الواضح الحقا ً أن هذا كان تدبيرا ً ُمتعمداً .بدأت الدعاية الماوية في االدعاء
بأن االتحاد السوفييتي" ،طالب بسداد القروض قبل الوقت ال ُمحدد" ،وتجاهل الصعوبات
االقتصادية للصين مما زاد العبئ الذي يتحمله الشعب الصيني ،وأن االتحاد السوفييتي "يستخدم
الديّن الذي قدمه للصين كعقوبة على ال ُمعارضة االيديولوجية للشيوعيين الصينيين على الحزب
الشيوعي السوفييتي".
حوض امور
وبينما كان القادة الصينيون يُشككون بالتجارة والسياسة االقتصادية السوفييتية ،فقد بذلوا جهدا ً
للصمت عن ال ُمقترحات العديدة التي كانت تهدف الى تطوير العالقات التجارية واالقتصادية بين
البلدين .من بين ال ُمقترحات ال ُمقدمة بين عامي 1963و ،1964كانت هناك ُمقترحات لتقديم
ائتمانات طويلة األجل ( 20-15سنة) بشروط ُميسّرة لزيادة موارد الصادرات الصينية وتبادل
معلومات التجارة الخارجية وتنسيق عمليات التجارة الخارجية في السوق الرأسمالية ،مما كان
سيكون مفيدا ً لكال البلدين .اقترح االتحاد السوفييتي مرارا ً ابرام ُمعاهدة طويلة األجل لسلع فردية
تقليدية ،ولألسف تم تجاهل جميع هذه ال ُمقترحات.
قضية االختصاصيين السوفييت والتعاون العلمي التكنولوجي
باالضافة الى سعيها لتقويض السياسة األممية للحزب الشيوعي السوفييتي والحكومة السوفييتية
وتحميل السوفييت المسؤولية عن االخفاقات االقتصادية الصينية في زمن سياسة (القفزة) و ُمفاقمة
األزمة في العالقة السوفييتية-الصينية ،تستمر الصين في تشويه مسألة االختصاصيين السوفييت.
في هذا الوقت الذي يتم التنديد بتجارب الماويين في أواخر الخمسينيات حتى داخل الصين
باعتبارها أخطاء ،تجد بكين صعوبةً في ترويج أفكارها الزائفة فيما يتعلق باالختصاصيين
ت مضى.السوفييت ،أكثر من أي وق ٍ
ُ
"أدرسوا العلم السوفييتي لالرتقاء الى مستوى العلم العالمي"ُ ،1958 ،ملصق صيني
تم ارسال أكثر من 10000اختصاصي سوفييتي الى الصين بناءا ً على طلب الحكومة الصينية
قبل عام .1960هناك قام االختصاصيون بنقل خبراتهم المهنية الى الشعب الصيني .من الواضح
قأن عملهم قد أثمر ،ألنه تم تقييم هذه الثمار عاليا ً من قِبَل القادة الصينيين الذين تحدثوا على نطا ٍ
واسع الى الشعب الصينين حول الحاجة الى االستفادة من التجربة السوفييتية .قال تشو انالي ،في
خطابه في المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الصيني عام " :1956قام االختصاصيون السوفييت
واولئك القادمون من الديمقراطيات الشعبية بتقديم مساهمة بارزة في بناءنا االشتراكي" .أما لي
فوتشون Li Fuchunنائب رئيس مجلس الدولة الصيني فقد قال في 29أيار عام " :1959ان
ص ِم َمت وبُنيت في بلدنا بمساعدة السوفييت تُجسّد بالفعل أفضل وأحدث ما كان المشاريع التي ُ
يملكه االتحاد السوفييتي تحت تصرفه .هذه المشاريع هي العمود الفقري لصناعاتنا ،ليس فقط من
حيث حجمها ،بل أيضا ً من حيث مستواها التكنولوجي ...نحن كنا نعلم من قبل ،وهذا ما تؤكده
الحقائق ،أن جميع االختصاصيين ومؤسسات التصميم السوفييتة قد بذلوا قصارى جهودهم
لضمان أن تُجسّد هذه المشاريع أفضل ما تُقدمه التجربة السوفييتية وأنها هي األفضل في العالم،
وقد نجحوا في ذلك .هذا هو تقييمنا للمساعدات التي قدمها لنا االختصاصيون وال ُمنظمات
السوفييتية".
لي فوتشون
ُ
"أدرسوا االقتصاد السوفييتي ال ُمتقدّم من أجل بناء دولتنا" ،1953 ،ملصق صيني
في عامي 1958و 1959بدأت التقارير تتوالى حول سوء ُمعاملة السلطات الصينية
لالختصاصيين السوفييت
ُ
"أدرسوا تجربة االتحاد السوفييتي ال ُمتطورة في النضال من أجل تصنيع بالدنا"ُ ،1953 ،ملصق
صيني
وانغ داوهان
في ُمحاول ٍة منهم لحفز استدعاء االختصاصيين السوفييت من الصين وبالتالي خلق ذريعة أُخرى
لمزي ٍد من تفاقم العالقات السوفييتية الصينية ،بدأت القيادة الصينية تفرض على االختصاصيين
السوفييت وجهات نظهرها ال ُمناهضة للينينية بشأن المسائل األُممية وتحريضهم ضد الحزب
سخَط الشعب السوفييتي الذي بدأ يتقدم الشيوعي والحكومة السوفييتيتان .أثار هذا االجراء َ
بالحصول على أذون من الحزب الشيوعي والحكومة السوفييتية اما لرفض األعمال االستفزازية
الصينية أو بباستدعاء االختصاصيين الى وطنهم.
وا َجهَ الجانب السوفييتي خيار اما السماح لالختصاصيين السوفييت بالدخول في مناقشات من
شأنها حتما ً أن تزيد من حدة الخالفات ،أو استدعاؤهم ،وبالتالي منع نشوب أي صراع بينهم وبين
الجانب الصيني .قبل اتخاذ قرار نهائي ،اتصلت الحكومة السوفييتية بالقيادة الماوية وطلبت منها
تهيئة ظروف عمل ُمالئمة لالختصاصيين السوفييت حيث ذكرت لهم األولى الحقائق ذات الصلة
التي حدثت مهم .وحذرت الحكومة السوفييتية أنه سيتعين عليها استدعائهم الى االتحاد السوفييتي
بخالف ذلك .نظرا ً الى أن الجانب الصيني لم يُعر الطلبات السوفييتية ال ُمتكررة أي اهتمام ،فقد تم
ارسال مذكرة رسمية الى الحكومة الصينية في ُ 16حزيران عام 1960تُب ِل ُغ فيها الصين أنه لم
يتبقى لديها أي خيار سوى استدعاء االختصاصيين.
ومما يُثير االهتمام أن الحكومة الصينية لم تعتبر أنه من الضروري الرد على المذكرة عندما
تلقتها .فقط بعد أن غادرت المجموعة األولى من االختصاصيين السوفييت أصدرت وزارة
صرة ً طوال الوقت على "حقها" في الخارجية الصينية بيانا ً رسميا ً يطلب بقائهم في البالدُ ،م ّ
اخضاعهم للدعاية الموجهة ضد سياسة الحزب الشيوعي السوفييتي والحكومة السوفييتية.
كان هذا السلوك مؤشرا ً اضافيا ً على أن بكين لم تكن ُمهتمةً بوجود اختصاصيين سوفييت في
الصين .بذل الماويون منذ عام 1958قصارى جهودهم لجعل وجود االختصاصيين في بالدهم
ُمستحيالً .ومن الجدير بالذكر أن الصين لم تقم أبدا ً بالرد على االقتراحات السوفييتية الالحقة من
أجل اعادة االختصاصيين السوفييت بشرط منحهم ظروف عمل ُمالئمة .تم تقديم هذه االقتراحات
وتكرار وتم ادراجها في رسالة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي الموجهة الى ً مرارا ً
اللجنة المركزية لحزب الصين في 19تشرين الثاني عام .1963
ومع ذلك ،أثارت آلة الدعاية الصينية ضجةً كبيرة ً حول هذا األمرُ ،مدعيةً أن "االستدعاء
التعسفي" لالختصاصيين السوفييت من الصين قد خلق صعوبات هائلة.
ع َمت الرسالة المذكورة أعاله الصادرة عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في 29 ز ُ
ُ ُ
شباط عام ،1964ومنشورات صينية أخرى ،أن رحيل االختصاصيين السوفييت قد أث ّ َر على
تنفيذ ال ُخطط االقتصادية الصينية .ان الطبيعة التي ال أساس لها من الصحة لمثل هذه التصريحات
بديهية ألن ال ُخطط االقتصادية الوطنية الصينية ،ان كان يُمكن للمرء أن يُطلق عليها هذا ،مع أخذ
سياسة "القفزة" في الخمسينيات والستينيات بعين االعتبار ،كانت مشلولة على وجه التحديد في
تلك القطاعات االقتصادية-الزراعة وتنجيم الفحم والنقل -حيث لم يتم توظيف اختصاصيين
سوفييت على االطالق ،أو كان هناك عدد ضئيل للغاية منهم.
قرب من 1100أو %80من العدد االجمالي لالختصاصيين في صيف عام 1960كان هناك ما َي ُ
السوفييت( ،أي ُ 1390متخصصا ُ) ،يعملون في نظام وزارة الهندسة الميكانيكية وفي صناعة
الحديد والصلب .بالحكم من خالل الوثائق الصينية ،كان الوضع في مشاريع صناعة الحديد
والصلب وبناء اآلالت في الصين طبيعيا ً نسبياً .كان الفشل يعتري الصناعات المعدنية "صغيرة
الح َرفية والتي لم يكن لدى االختصاصيين السوفييت أي شيء يفعلونه حيالها النطاق" و"التقليدية" ِ
على االطالق.
كم عدد االختصاصيين السوفييت الذين تم توظيفهم بالفعل في الصناعات التي عانت من أكبر
االنتكاسات؟ كان هناك 4اختصاصيين سوفييت في تنجيم الفحم و 4في وزارة اقتصاد الدولة
وواحد في وزارة الزراعة .لم يكن العديد من االختصاصيين السوفييت ُمرتبطين باقتصاد الدولة
بأي شك ٍل من األشكال ( 140اختصاصياً) .كانوا يعملون في المجاالت الثقافية والطبية وغيرها
من المجاالت غير ال ُمنتِجة .لذلك ،ال توجد أي أسباب على االطالق لالدعاء بأن رحيل
االختصاصيين السوفييت قد أث ّ َر سلبا ً على االقتصاد الصيني.
زَ عمت القيادة الصينية ،على عكس كل منطق ،بأن الصين لم تكن بحاجة الى اختصاصيين
ثيرت مثل هذه ال َجلَبة حول هذه المسألة ولماذا تم عزو سوفييت .ان كان هذا هو الحال ،فلماذا أ ُ َ
عم أن الصين قد عانت تدهور العالقات السوفييتية الصينية الى االنتكاسات االقتصادية التي يُز َ
منها بسبب رحيل االختصاصيين السوفييت؟ من الواضح أن الماويين اختلقوا قصة
االختصاصيين السوفييت بهدف اثارة العداء ضدهم بين الشعب الصيني وخلق ذريعة لتحويل
سياسة الصين العالمية من كونها ُجزءا ً من منظومة الدول االشتراكية الى سياسة قائمة على
ال ُمغامرة وطموحات القوة العُظمى .زعم القادة الماويون في رسالة من اللجنة المركزية للحزب
الشيوعي الصيني في 29شباط عام ،1964وفي الوثائق الالحقة ،أن الحكومة السوفييتية "ألغت
257مشروعا ً للتعاون العلمي التكنيكي" مع الصين .تقدم السجالت صورة ً ُمختلفة تماما .انها
تُظ ِهر أن الجانب الصيني في 31تشرين األول عام 1960هو الذي قدّم اقتراحا ً لمراجعة جميع
االتفاقيات والبروتوكوالت القائمة بشأن التعاون العلمي التكنيكي السوفييتي-الصيني .في 12
شباط عام 1961سلّ َم ال ُممثلون الصينيون الذين شاركوا في ال ُمحادثات حول التعاون العلمي
التكنيكي ،مسودة خطاب يحتوي على اقتراح العتبار اتفاقية التعاون العلمي التكنيكي بين الجانبين
الموقعة في 12تشرين األول عام 1956الغية ،واالتفاقية الصينية السوفييتية الموقعة في 18
كانون الثاني عام 1958بشأن البحث العلمي التكنيكي ال ُمشترك والمساعدة السوفييتية في هذا
المجال ،وكذلك االتفاقيات والبروتوكوالت األُخرى بشأن التعاون العلمي التكنيكي الموقعة من
قِ َبل الوزرات واالدرات التابعة لألطراف ال ُمتعاقدة على أساس االتفاقات المذكورة أعاله ،كلها
الغية .من خالل هذه االجراءات ،ألغت الحكومة الصينية التزامات االتحاد السوفييتي بتقديم
وثائق تكنولوجية ( 1129مشروعاً) الى الصين واستضافة االختصاصيين الصينيين بهدف
تعريفهم باالنجازات السوفييتية في 26مشروعاُ ،وكذلك التزام الصين بتسليم وثائق تكنولوجية
لـ 159مشروعا ً الى االتحاد السوفييتي واستقبال االختصاصيين السوفييت في 68مشروعاً.
كل هذا يدل على أن الحكومة الصينية هي وحدها التي تتحمل المسؤولية عن تقليص التعاون
االقتصادي والعلمي التكنيكي وأنها فعلت ذلك لنفس السبب :لقد كانت تتخلى عن سياسة الصداقة
مع االتحاد السوفييتي من أجل سياسة العداء والمواجهة.
في تلك السنوات نفسها ،قلصت الصين تعاونها االقتصادي ليس فقط مع االتحاد السوفييتي ولكن
مع الدول االشتراكية األُخرى .بحلول عام 1962انخفض حجم تجارتها مع دول مجلس التعاون
االقتصادي الى ما يقرب الثلث عام ،1959وانخفض بنسبة أكبر عام 1963ليصل الى .%20
االستفزاز على الجبهة
كانت السياسة التي تبنتها القيادة الماوية إلحداث توتر في العالقات السوفييتية-الصينية واضحة
بشك ٍل خاص في مسألة الحدود ال ُمشتركة.
كان كل شيءٍ هادئا ً على الحدود التي تمتد أكثر من 7500كيلومتراً ،خالل السنوات العشر
األولى بعد قيام جمهورية الصين الشعبية .قدّم كال الجانبين المساعدة لبعضهم البعض في ُمكافحة
الكوارث الطبيعية في المنطقة الحدودية ،وكانت السلطات السوفييتية تُلبي دائما ً مطالب الجانب
الصيني في السماح للمواطنين الصينيين برعي الماشية وقطع األخشاب وصيد األسماك في بعض
مناطق الحدود السوفييتية .تم اجراء أبحاث ُمكثّفة بهدف دراسة موارد األنهار الحدودية
واستخدامها ال ُمشترك.
لم يعد سرا ً أن صارت الحكومة الصينية راغبةً ،منذ الستينيات ،الخراج ملف "القضية الحدودية"
على المأل .ومما له داللة أن ال ُمطالبات ال ُمتعلقة بأراضي سوفييتية التي تم طرحها عام 1957
على صفحات العديد من الصحف الصينية الرسمية لم تتلقى رفضا ً مثلما تستحقه سواءا ً في ذلك
الوقت أو الحقاً .كان هذا واضحا ً بشدة .بدأ ال ُممثلون الصينيون الرسميون يخوضون في هذه
االدعاءات بصراحة ،والتي تقدمت بها بادئ ذي بدء عناصر برجوازية في الصين أثناء
3
مظاهراتهم ال ُمعادية لالشتراكية عام .1957
- 3من المعروف جيدا ً انه خالل حملة "النضال ضد عناصر الجناح اليميني" في الصين ،تم طرح ُمطالبات مفتوحة بخصوص
األراضي السوفييتية ،وقد عرضتها وسائل االعالم الرسمية
ال ُمجاورة األُخرى كوسيلة لزيادة المواجهة السياسية.
كان الهدف ال ُمباشر من ذلك هو تأسيس عقيدة ُمعاداة للسوفييت طويلة األمد يتبناها الحزب
والدولة ،وقد تحقق هذا في مؤتمرات الحزب الشيوعي الصيني التاسع والعاشر والحادي عشر
وخالل اعتماد دساتير الجمهورية لعامي 1975و .1978كانت األهداف غير ال ُمباشرة والبعيدة
هي زرع الشكوك الوقائعية ،إن لم يكن التشريعية حتى ،بشأن الوضع الحدودي السوفييتي-
عم "...مصادرة الروس الصيني القائم ،من أجل تعزيز اطروحة ماو تسي تونغ االحتيالية التي تز ُ
لـ 1.500.000كيلومتر مربع من األراضي الصينية" ( ُمقابلة ماو مع اختصاصيين يابانيين عام
.)1964
استمر عدد االستفزازات الصينية في االزدياد :من 400استفزاز عام 1960الى أكثر من 5000
استفزاز عام .1962وقام الصينيون عام 1963بأكثر من 4000هجمة استفزازية على
األراضي السوفييتية في ضواحي أنهار آرغون Argunوآمور Amurوأوسوري Ussuri
ع ِم َل المتدخلون بناءا ً على تعليمات مكتوبة من بكين والتي تجاوز عددها االجمالي لوحدها .وقد َ
الى 100الف.
تجدر االشارة الى أن القادة الصينيين حتى أوائل الستينيات لم يُشككوا في حالة الوضع الحدودي
ع ِقدَ في كاتماندوط ِر َح عليه في مؤتمر صحفي ُ القائم .هكذا أجاب تشو انالي على سؤال ُ
Katmanduفي 4نيسان عام 1960حول ما ان كانت هناك أقسام من الحدود الصينية-
السوفييتية لم يتم رسمها بوضوح" :هناك تناقض بسيط يُمكن تسويته بالوسائل السلمية".
أظهرت الحكومة السوفييتيةُ ،مسترشدة ً بمبادئ األُممية و ُحسن الجوار ،تسامحا ً استثنائيا ً في
مواجهة استفزازات السلطات الصينية التي ال تُعد وال تُحصى .أظهر االتحاد السوفييتي ،منذ
األحداث األولى التي تعود الى بداية الستينات ،استعداده إلجراء مشاورات ودية مع الجانب
الصيني من أجل ترسيم حدود دولتهم وتطبيع الوضع .تم تضمين هذا االقتراح في ُمذكرة وزارة
الخارجية السوفييتية في 29تشرين الثاني عام 1960والتي لم تُقدّم الحكومة الصينية أي رد
عليها .فقط في 19نيسان عام 1963وافقت وزارة الخارجية الصينية على المقترحات السوفييتية
العديدة إلجراء المشاورات .تم عقدها عام 1964وفشلت فعليا ً في تحقيق أي نتائج .والذنب في
ذلك يقع على عاتق الصين.
ضت معاهدات غير متكافئة مع الصين. غالبا ً ما تُشير بكين الى أن حكومة روسيا القيصرية قد فَ َر َ
ومع ذلك ،فمن المعروف أن الحكومة السوفييتية قد ألغت جميع المعاهدات غير المتكافئة التي
ى امبريالية فرضتها القيصرية على البُلدان األُخرى ،إما بشك ٍل ُمنفصل أو باإلشتراك مع قو ً
أُخرى .تخلت روسيا السوفييتية عن مناطق نفوذ روسيا القيصرية في الصين ،وألغت حق
الحصانة والقنصلية ،وسلمت جزء من التعويضات ال ُمستحقة على روسيا الحتياجات التعليم في
الصين ،وألغت االمتيازات وأعادت الى الصين حقها في طريق السكك الحديدية الصينية الشرقية،
ووضعت حدا ً لجميع عناصر الالمساواة في العالقات بين البلدين .لم يُالحظ صن ياتشينغ Sun
Yatxiengهذا وحسب ،بل الحظها ماو تسي تونغ وقادة صينيون آخرون كذلك .يجب التأكيد
على أنه لم يكن هناك أي حديث في أي ٍ من أعمال لينين وال في أي وثائق أُخرى للحزب الشيوعي
والحكومة السوفييتيتان عن ُمراجعة المعاهدات أو االتفاقيات الحدودية.
ان سياسة رفض الحدود المرسومة بين البلدين تاريخيا ً وتلفيق "قضية اقليمية" هو اختالق
بخطر كبير .قال لينين في أيامه "دعوا البرجوازية الصغيرة تقوم بمشاجراتها القذرة
ٍ محفوف
وتجارتها عبر الحدود ،فلن يتشاجر العمال من جميع البلدان والجنسيات حول هذا النوع من
األشياء".4
من المناسب أن نتذكر هنا ما قاله تشو انالي للصحفي األمريكي إدغار سنو Edgar Snowفي
تشرين األول عام .1960قال انه إن كان الجميع سيصفّون حساباتهم بالعودة الى مثل هذه
األزمنة التاريخية البعيدة ،فسيغرق العالم في الفوضى .سيتعيّن على الواليات المتحدة أن تعود
تحت الحكم البريطاني ،باعتبار أن البالد قد حصلت على استقاللها قبل أقل من قرنين من الزمان.
تؤكد الصين باستمرار على حقيقة أنها نجحت في تسوية مشاكلها الحدودية مع جميع جيرانها
تقريباً :بورما ونيبال وأفغانستان وباكستان ومنغوليا .ولكن ال يُمكن انكار أن الماويين لم يتوقفوا
عن التحريض على االستفزازات الحدودية ضد العديد من الدول ال ُمجاورة واستمروا بال ُمناداة
ب ُمطالبات اقليمية ضدهم .ال يسع المرء ،عند تحليل موقف الماويين بشأن المسائل الحدودية ،اال
أن يُالحظ أنها تنبع من ال ُمطالبات الشوفينية للقوميين الصينيين مع طموحاتهم في استعادة
"العصر الذهبي" الصيني عندما كانت امبراطورية أخضعت العديد من المناطق ال ُمجاورة.
بالمناسبة ،ان اتبّع المرء منطق بكين الخطير المتجذر في هذه الطموحات ،فلن يكون هناك بديل
سوى إعادة رسم خريطة آسيا .السؤال الذي يطرح نفسه ،ما هي الفترة التاريخية التي يجب أن
تُستخدم كـ" ُمرشد للعمل" .أهو الزمن الذي احتلت فيه الصين أرضا ً صغيرة ً نسبياً ،ام في زمن
الصين االقطاعية التي امتد نفوذها الى المناطق والشعوب المجاورة؟ هناك شيء واحد واضح،
وهو أن الماويين يسعون ،من خالل ُمطالباتهم الحدودية ،وراء اهدافٍ افتراسية بعيدة المدى حيث
4
- Speech At The First All-Russia Congress Of The Navy November 22 (December 5), 1917
https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1917/nov/22.htm
تتشابك ُمعاداة السوفييت مع طموحات قبائل الهان الهيمنية الصينية القديمة.
أصبَ َح االتجاه الى خلق توترات على الحدود السوفييتية-الصينية وابتكار ذرائع للمواجهة مع
االتحاد السوفييتي واضحا ً من خالل عملية النزوح الجماعي من منطقة شينغيانغ Xinjiang
عبَ َر أكثر من 90ألف شخص من سكان هذه المنطقة وخاصةً الكازاخ ال ُمتمتعة بالحكم الذاتيَ .
وااليغور الى األراضي السوفييتية .وفسّر النازحون ذلك من خالل عدم قدرتهم على تحمل المزيد
من التمييز والقمع القومي الذي كانوا يتعرضون له في بالدهم.
جوعين و ُممزقي المالبس ،ومن بينهم العديد من النساء واألطفال وكبار عندما تدفّق الالجئين ال ُم ّ
السن فجأة ً عبر الحدود ،واجه الجانب السوفييتي ُمشكلة ُمعقدة للغاية .تم عمل كل شيء لتقديم
طلَبت الحكومة السوفييتية على الفور من الحكومة الصينية المساعدات الطارئة لهؤالء الناسَ .
اتخاذ اجراءات عاجلة ضد االنتهاكات الجماعية للحدود ،وطالبت بارسال ُممثلين صينيين الى
هذه المناطق بهدف القيام بعمل توضيحي باالشتراك مع ممثلين عن االتحاد السوفييتي بهدف
تحقيق عودة سريعة لالجئين الى وطنهم.
ً
كان يجب على المسألة ان تكون واضحة بدرج ٍة كافية .كانت هناك انتهاكات جماعية للحدود
السوفييتية .اقترحت الحكومة السوفييتية ،وفقا ً لمعايير ُحسن الجوار ،تسوية األمور على أُسس
ضت رفضا ً قاطعا ً األُسلوب ال ُمقترح للتشاور ودّية .كيف كان رد فعل الحكومة الصينية؟ لقد َرفَ َ
والتسوية االنسانية للمسألة .ودون اتخاذ أي اجراءات لوقف النزوح الجماعي لسكان شينغيانغ الى
األراضي السوفييتية ،والذي استمر ألكثر من شهر ،طالبت الحكومة الصينية "بإعادة الالجئين
بالقوة" .أثار هذا بطبيعة الحال السؤال التالي :لماذا لم تقم السلطات الصينية ،التي كانت بالتأكيد
تعرف أن عشرات اآلالف من سكان شينغيانغ كانوا مستعدين للفرار من بالدهم ،لم تفشل فقط في
منعهم من القيام بذلك وحسب ،بل وحتى استفزتهم وحثتهم على اتخاذ مثل هذه الخطوة ،كما أكد
شهود عيان؟ ووفقا ً ألدلة التي قدمها الالجئون ،فإن سلطات الحدود الصينية التي كانت شاهدة
على العملية بأكملها ،لم تفعل شيئا ً لوقفهم وحسب ،بل قدمت لهم كل مساعدة في عبورهم .في
كولجا Kuldjaوتشوغوتشاك ( Chuguchakشينغيانغ) ،أخبرت السلطات الصينية المواطنين
إذن بالمغادرة الى االتحاد السوفييتي بأنهم "ال يحتاجون الى الذين يتقدمون للحصول على ٍ
تأشيرات" ،مما يعني أنهم يُمكنهم العبور على الحدود ببساطة .قامت المؤسسات الصينية ببيع
تذاكر السفر بالسيارات الى النقاط الحدودية بالمجّان وساعدت الالجئين على حمل أمتعتهم الثقيلة
في مركبات البريد .كانت هناك من 10الى 20شاحنة تُغادر يوميا ً ُمحملةً بـ 50-40شخص في
كل شاحنة تُغادر كولجا متوجهةً الى المناطق الحدودية .ألقى الالجئون أمتعتهم على بُعد
كيلومترات قليلة من الحدود حيث بدأوا سيرهم اليها تحت "األعين" الصينية األبوية.
من الواضح تماما ً أن الجانب الصيني قد سعى عمدا ً لحدوث هذه االنتهاكات الجماعية للحدود
ونظم كل " َحدَث" في متناول اليد ل ُمفاقمة العالقات السوفييتية الصينية ،وبالتالي تنفيذ خطة ماو ّ
سمعة لتخريب صرح الصداقة السوفييتية-الصينية العظيم التي أقامها الشعب الصيني سيئة ال ُ
والشيوعيين ،ومن أجل إرساء أُسس سياسة القوة العُظمى الموالية لإلمبريالية على أنقاضه ،وهي
الخطة التي رعاها ماو منذ الخمسينيات.
كانت الذرائع ال ُمتنوعة التي استخدمها الماويون ل ُمفاقمة العالقات السوفييتية الصينية موجهة في
سلطات الصينية حادثة الالجئين كل مرة الى ال ُمهمة العملية الحالية القائمة .وهكذا استغلت ال ُ
لتطهير الجزء األكبر من اقليم شينغيانغ ،الذي كان من ال ُمفت ََرض تحويله الى ساحة اختبار
لألسلحة الذرية ،من شهو ٍد غير مرغوب فيهم من سكانها الذين ال ينتمون الى قبائل الهان .وهو
شرير بطبيعته وفي طريقة تنفيذه. ٌ عمل استفزازي
من ال ُمثير القول أن الحكومة الصينية كانت قد بدأت بوصف الهجرة الجماعية لسكان شينغيانغ
رسميا ً بأنه "حدث صدفي" ،ولكنها بعد ذلك بدأت باتهام االتحاد السوفييتي بإرتكاب "أنشطة
تخريبية في المناطق الحدودية للصين" و"تحريض عشرات آالف من المواطنين الصينيين للفرار
الى االتحاد السوفييتي" وهلم جرا.
فَ ِشلَت قيادة الحزب الشيوعي الصيني في خداع شعوبها أو شعوب الدول األُخرى ،وتحميل
المسؤولية عن أخطاء سياستها الداخلية الى أطرافٍ أُخرى ،وهي أخطاء دَفَ َعت آالف من الناس،
فر آالف من المواطنين الصينيين من وبشك ٍل رئيسي من األقليات القومية ،الى الفرار من الصينّ .
البالد ،ليس فقط الى اإلتحاد السوفييتي ولكن الى البلدان ال ُمجاورة األُخرى أيضا ً منذ عام -1960
.1962هل يتحمل االتحاد السوفييتي مسؤولية ذلك أيضاً؟ ماذا عن آالف الصينيين الذين ّ
فروا
وما زالوا يفرون الى هونغ كونغ وماكاو Macau؟ هل استدرجهم ُممثلوا االتحاد السوفييتي الى
هناك؟
أجرت هيئات الدولة السوفييتية أعماالً توضيحية متواصلة بين الالجئين من شينغيانغ ،وهي تبذل
ُجهودها إلقناعهم بالعودة الى الصين ،وبنتائج جيدة :وافق أكثر من 500شخص على العودة الى
الصين في صيف عام .1963كان من ال ُممكن أن يكون قرارهم قدوة ً حسنةً لغيرهم من الالجئين،
لكن السلطات الصينية رفضت عودتهم .باإلضافة الى ذلك ،رفضت الحكومة الصينية بإصرار
لمدة عامين جميع ال ُمقترحات السوفييتية إلجراء ال ُمشاورات الالزمة ،ورفضت ال ُمشاركة في أي
اجتماعات مع الالجئين .رفضت وزارة الخارجية الصينية رفضا ً قاطعاً ،ردا ً على ُمقترح
سوفييتي في ُ 19حزيران عام ،1964قبول عودة الالجئين الذين وافقوا على العودة الى الصين،
وطالبت بالعودة "غير المشروطة" لجميع المواطنين الصينيين البالغ عددهم 60ألف شخص
والذين عبروا الحدود في ربيع عام .1962أصرت الحكومة الصينية أن تقوم الحكومة السوفييتية
بـ" ُممارسة القوة" على عشرات آالف األشخاص واعادتهم الى الصين "بقوة السالح"ُ ،مدركةً
جيدا ً أن الشعب السوفييتي لن يوافق أبدا ً على مثل هذا العمل اإلجرامي .رفضت وزارة الخارجية
الصينية ال ُمقترح السوفييتي بإرسال ُممثلين للقيام بعمل توضيحي بين الالجئين ،قائلةً أن الحكومة
الصينية "لن توافق أبدا ً على ذلك" .من الواضح هنا أيضا ً أن الماويين كانوا يريدون خلق طري ٍ
ق
غرض سياسي ٍ ُمحدد.
ٍ ُمغلق من أجل
التدخل السافر في شؤون االتحاد السوفييتي
عندما كانت العالقات السوفييتية الصينية أوائل الستينيات تزداد تعقيداً ،انتقلت بكين الى حمالت
التدخل العلني في الشؤون الداخلية للحزب الشيوعي السوفييتي والدولة السوفييتية ،على الرغم
من أن هذا التدخل لم يتعارض فقط مع مبادئ العالقات بين الدول االشتراكية ال ُمعبّر عنها في
معاهدة الصداقة والتحالف وال ُمساعدة ال ُمتبادلة السوفييتية-الصينية المؤرخة في 14شباط عام
،1950بل وأيضا ً تتعارض مع المبادئ األولية للعالقة بين الدول جميعها.
قررت القيادة الصينية ،اعتقادا ً منها أن لها الحق في شن دعاية ُمعادية للسوفييت ،ليس فقط في
الصين ولكن في االتحاد السوفييتي أيضاً ،أن تظهر بمظهر " ُمربي و ُمعلم" الشعب السوفييتي.
قامت المؤسسات الصينية الرسمية ال ُمعتمدة في االتحاد السوفييتي والسياح والطالب الصينيين
وموظفي القطارات بين بكين وموسكو وأعضاء الوفود الصينية ب ُممارسة الدعاية ال ُمعادية
للسوفييت في الستينيات .لقد حاولوا نشر منشورات ُمشينة على الشعب السوفييتي ونشر الشائعات
طب حول كيفية "بناء واالفتراءات االستفزازية .استخدموا البرامج اإلذاعية إللقاء ال ُخ َ
االشتراكية" :و"الدفاع عن الثورة" و" ُمحاربة النظام السوفييتي القائم" وما الى ذلك.
فركت العناصر الغربية ال ُمعادية للسوفييت أيديهم فرحا ً في الوقت الذي كان ُممثلو بكين في
الخارج ينشرون يوما ً بعد يوم أبشع األكاذيب حول الحزب الشيوعي السوفييتي والشعب
السوفييتي حول "انحالل ال ُمجتمع السوفييتي" و"عودة الرأسمالية في االتحاد السوفييتي".
رفضت وزارة الخارجية الصينية في ُمذكرتها المؤرخة 7آذار 1964االحتجاجات السوفييتية
سلطات الصينية تحتفظ بحق مواصلة ضد االنتهاك الجسيم لسيادة االتحاد السوفييتي وأعلنت أن ال ُ
غرض أفضل- ٍ أنشطتها .كانت بكين لمدة عشرين عاما ً تُحاول ،بحماس ٍة-كان يُمكن أن تُستخدم ل
تحريض الشعب السوفييتي ضد الحزب الشيوعي والقيادة القائمة .يكتظ بثها االذاعي الذي يصل
مجموعه الى 56ساعة يوميا ً بالعديد من لغات شعوب االتحاد السوفييتي بالنداءات االستفزازية
من جميع األنواع .يُمكن للمرء أن يصف مثل هذه الطموحات والدعوات بأنها شريرة عندما تأتي
من أعداء االتحاد السوفييتي الطبقيين .ولكن ماذا يُمكن للمرء أن يقول عن مثل هذه األشياء عندما
سع المرء اال أن يتسائل أن بكين تستغرق تأتي من اولئك الذين يتعهدون بالوالء لالشتراكية؟ ال يَ َ
وقتا ً طويالً لكي تُدرك عدم جدوى ُمحاوالتها لدق اسفين بين الحزب الشيوعي والشعب
السوفييتي ،وبين اللجنة المركزية للحزب وبقية أعضاء الحزب .قام الشعب السوفييتي مرارا ً
وتكرارا ً باحتجاجات كثيرة ضد أنشطة الماويين التخريبية.
في واقع األمر ،كان من الواضح بالفعل في أوائل الستينيات أن طبيعة األنشطة ال ُمعادية للسوفييت
ال يُمكن أن تُعزى فقط الى الخالفات االيديولوجية بين الحزبين الشيوعيين الصيني والسوفييتي
ع َم الجانب الصيني .عالوة ً على ذلك ،أصب َح من الواضح تماما ً أن ما يُسمى بالخالفات كما ز ُ
ط ُرق تنفيذ الثورة" كانت وما زالت ذات أهمية بالنسبة لبكين. االيديولوجية في الرأي حول " ُ
كانت هناك حاجة اليها فقط كذريعة ألعمالها ال ُمعادية للسوفييت واسعة النطاق ،والتي كانت في
األساس حربا ً سياسية ضد االتحاد السوفييتي وأصدقائه .لقد نسيت بكين منذ فترةٍ طويلة ال ُمناقشة
حول المشاكل األساسية في عصرنا والتي استخدمها الماويون كذريعة لتأجيج الصراع .هل
يُمكن ،في الواقع ،تبرير االستفزازات ال ُمسلحة على الحدود السوفييتية الصينية وأعمال التخريب
ال ُمباشرة ضد االتحاد السوفييتي بالخالفات االيديولوجية؟ إن "البرنامج" الفعلي للماويين يُعادل
ط ُرق والالنضال ضد االتحاد السوفييتي ودول المنظومة االشتراكية األُخرى بكل الوسائل وال ُ
حديث في بكين اآلن عن الحاجة ٌ قدر من ال ُحجج ال ُمجردة أن يُخفي هذه الحقيقة .هناك
يُمكن ألي ٍ
الى إقامة "جبهة أوسع" بمشاركة الدول االمبريالية من أجل "حملة صليبية عالمية ضد االتحاد
السوفييتي".
ان قادة بكين يقولون بأنهم سيشنون كفاحا ً ال هوادة فيه من أجل "خطهم العام" لـعشرة آالف سنة"
ويُحاولون فرض هذا "الخط" على جميع القوى الثورية في عصرنا .ليس لدى الحزب الشيوعي
السوفييتي واألحزاب الشقيقة في جميع أنحاء العالم ال ُمخلصين لنضالهم ضد االمبريالية ،أي نية
للموافقة على ح ٍل وسط في المسائل المبدأية .لن يحيدوا قيد أ ُن ُملة عن الماركسية اللينينية
وسيُناضلون بال توقف من أجل تماسك ال ُمجتمع االشتراكية والحركة الشيوعية العالمية بأسرها
ومن أجل االلتزام بالماركسية اللينينية .مهما كان مدى حدة الخالفات في المجال االيديولوجي،
فإن االتحاد السوفييتي لم ينقلها أبدا ً الى مجال العالقات بين الدول مع الصين.
ت في عالقاته مع الحزب الشيوعي الصيني، بمجرد أن واجه الحزب الشيوعي السوفييتي صعوبا ٍ
ت ُمحددة لم يقصر نفسه على التصريحات العامة ،ولكن تمشيا ً مع روح األُممية ،قدم ُمقترحا ٍ
الستعادة العالقات االقتصادية والثقافية وتنسيقها السياسات الخارجية وتطويرها .حدد خطاب
اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي في 29تشرين الثاني عام 1963والوثائق األُخرى
الصادرة عنه وعن الحكومة السوفييتية برنامجا ً واسعا ً لتطوير العالقات السوفييتية الصينية.
لكن في ذلك الوقت لم يكن لدى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ُمسبقا ً أي نية للرد على
ُمبادرات الحزب الشيوعي السوفييتيُ .متجاهالً جميع ال ُمقترحات السوفييتية البناءة ،وضع الحزب
الصيني في في رسالته المؤرخة 29شباط عام 1964ذرائع ال حصر لها ل ُمفاقمة العالقات
ال ُمشتركة وفبرك أبشع التزييفات .كان كل شيء يُشير الى حقيقة أن قيادة الحزب الشيوعي
الصيني بعيدة ً ُكل البُعد عن تطبيع الوضع ،وكانت تسعى لزيادة التوترات بين البلدين الى ذروتها
وكانت تنتهج سياسةً ُمعادية للسوفييت بشك ٍل صريح.
ومن األدلة البليغة على ذلك المقالتان "الثامنة" و"التاسعة" التي نشرتها صحيفة الشعب الصيني
ي بـ"الردود" على الرسالة المفتوحة للجنة المركزية للحزب س ّم َ
عام 1963في سلسلة ما ُ
الشيوعي السوفييتي في 14تموز عام ،1963والتي عالجت ُمطوالً العالقات السوفييتية الصينية.
كانت المقاالت مليئةً بالتأكيدات السخيفة حول النظام االجتماعي السوفييتي وأساءت للحزب
الشيوعي السوفييتي .فَش َل ال ُمزيفون في نوبة غضبهم الحاد ،في رؤية أنهم لم يوجهوا اللوم الى
االتحاد السوفييتي بقدر ما كان اللوم موجها ً ضد األفكار والمبادئ األساسية االشتراكية :ال ُملكية
العاملة لوسائل االنتاج ،والدور القيادي للحزب الشيوعي والديمقراطية االشتراكية .واصلت
بكين ،مع مرور الوقت تصعيدها للعداء للسوفييت وانحيازها لالمبريالية ،وهو الموقف الذي
تحول الى شراك ٍة معها.
سرعان ما ّ ُ
***
ينتمي مكان بارز في ترسانة التزوير الماوي ،االدعاء بأن االتحاد السوفييتي سعى دائما ً الى
عم ،على سبيل المثال ،أن االتحاد السوفييتي اقترح وضع الصين تحت "سيطرته العسكرية" .يُز َ
على الصين عام ،1958انشاء بحرية سوفييتية صينية ُمشتركة ،وأنه حتى أصر على وضعها
تحت ظل قياد ٍة ُمشتركة .نَش ََر الماويون مثل هذه التلفيقات حتى من خالل القنوات الرسمية :في
بتصريح يحمل هذا المعنى من على منبر
ٍ تشرين األول عام 1973أدلى وزير الخارجية الصيني
الجمعية العامة لألُمم ال ُمتحدة .أشار المسؤولون الصينيون الى هذا الموضوع بإنتظام في
ال ُمحادثات.
ب رسمي الى االتحاد السوفييتي لتعزيز ما هي الحقيقة؟ تقدمت الحكومة الصينية عام 1958بطل ٍ
قواتها البحرية .وبسبب الطبيعة ال ُمعقدة لهذه المسألة ،اقترح الجانب السوفييتي اجراء ُمشاورات
لدراسة احتماالت تلبية طلب الصين وايجاد حل ُمشترك للمسألة .وهكذا ،كانت النُقطة المطروحة
هي تحديد نوع البحرية التي تحتاجها الصين ،من أجل اجراء ُمناقشة مع ال ُممثلين الصينيين
األكفّاء حول ما هي المعدات المطلوبة وما الذي يُمكن لالتحاد السوفييتي أن يفعله بهذا الصدد،
وليس تشكيل نوع من "األُسطول ال ُمشترك" تحت "قيادة ُمشتركة".
لكن ماو تسي تونغ وأنصاره شوهوا تماما ً طبيعة ال ُمقترح السوفييتي وحولوه الى ُمقامرة عديمة
التدقيق وذريعة ل ُمفاقمة حالة العالقات مع االتحاد السوفييتي .اعترف ماو تسي تونغ ذات مرة أن
طلب تشكيل البحرية الصينية قد جاء من الجانب الصيني ،قال أن ال ُممثلين الصينيين "قد وضعوا
مسودة المشروع المعني ،ونتيجةً لذلك أرسل الطلب الى موسكو" .وأكد الجانب السوفييتي في ّ
رده أن نظرا ً ألهمية الموضوع سيكون من األنسب ُمناقشته في موسكو.
ت ُمتكررة ،أُج ِب َر ماو على االعتراف بأن "كل الغيوم الداكنة قد تبددت" و"تم
بعد تلقيه تفسيرا ٍ
سحب المسألة" .وهكذا فإن مسألة "البحرية ال ُمشتركة" ُملفقة من أولها الى آخرها ومن الواضح
أن القيادة الصينية تستغلها ألهداف استفزازية.
ان مسألة بناء محطة إرسال السلكي للتواصل مع السفُن في ال ُمحيط الهادئ يصورها الماويون
في ضوءٍ ُمماثل .أشار الماويون في تصريحاتهم الى هذه الحادثة على أنها ُمحاولة من قِبَل االتحاد
السوفييتي "النتهاك سيادة الصين".
في الواقع ،أوضح المسؤولون السوفييت رفيعو ال ُمستوى في المشاورات السوفييتية الصينية التي
ع ِقدَت عام 1958حقيقة أنه ال يُمكن أن يكون هناك شك في أن ُملكية االتحاد السوفييتي للمحطة ُ
"تنبغي أن تكون صينية بالكامل" .اقترح الجانب السوفييتي أن يتم التوصل الى اتفاق بشأن بناء
المحطة على قدم ال ُمساواة وتحدث عن امكانية استخدام الجانب الصيني لمحطات الراديو
السوفييتية في الشرق األقصى الحتياجاته الدفاعية .لم يكن لدى ال ُممثلين الصينيين أي اعتراضات
على المشروع ،بل قالوا أنه "يُمكن تمويل المحطة من قِبَل الحكومة الصينية واستخدامها مع
االتحاد السوفييتي بشك ٍل ُمشترك" .لم يكن األمر رغبةً في االعتداء على سيادة الصين بأي شك ٍل
من األشكال ،بل كان ال ُمقترح نابعا ً من رغبة االتحاد السوفييتي في ُمساعدة جمهورية الصين
جرد أن شكك ال ُممثلون الصينيون عن الحاجة الى مثل هذه المحطة ،أسقط الجانب الشعبية .ب ُم ّ
السوفييتي المسألة فوراً.
تُظهر هذه الحقائق وغيرها من تاريخ العالقات السوفييتية الصينية أن الماويين كانوا يستخدمون
جوانب متنوعة من العالقة بين الدولتين لتصوير أنفسهم على أنهم "ضحية" أو باألحرى لخلق
ذرائع لشن حمالت ُمعادية للسوفييت .اآلن ،صار جوهر أعمالهم االستفزازية ال ُمعادية للسوفييت
الذي يعود الى الستينات ،والذي تم اخفاءه بعناية ،واضحا ً في الثمانينات :استمر خلق الذرائع
لتقويض العالقات السوفييتية الصينية.
الشيوعيين السوفييت يسعون الى تطبيع العالقات بعد اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي
السوفييتي ()1964
يجب على المرء أن يُالحظ ،عند الحديث عن النوايا الطيبة للحزب الشيوعي السوفييتي ،وبحثه
عن الطرق للتغلب على الخالفات السوفييتية-الصينية ،ال ُجهد الكبير البنّاء الذي بذلته اللجنة
المركزية للحزب في مجال العالقات السوفييتية الصينية بعد اجتماع اللجنة المركزية عام .1964
على مدى السنوات الـ 25الماضية ،دعت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي والحكومة
السوفييتيتان دائما ً الى تطبيع العالقات ال ُمشتركة .تمت ُمناقشة أعمال وجوهر تلك الجهود على
واسع في األدبيات العلمية السوفييتية .وهنا نلفت االنتباه الى أحداث عام .1964جاءت ٍ ق
نطا ٍ
قرارات االجتماع العام للجنة المركزية من حقيقة أن وجود خالفات ايديولوجية خطيرة ال يُقلل
من الحاجة الى وحدة الفعل ،وقبل كل شيء ،الوحدة في النضال ضد االمبريالية وتطوير
وبدعم من األحزاب الماركسية اللينينية األُخرى ،أوقف الحزب الشيوعي ٍ العالقات بين الدول.
السوفييتي جميع االنتقادات الموجهة ضد وجهات نظر وأفعال الحزب الشيوعي الصيني في
الصحافة .لم ترد بكين بالمثل ،وواصلت دعايتها ال ُمعادية للسوفييت .ومع ذلك ،دعت اللجنة
المركزية والحكومة السوفييتيتان عام 1964وفدا ً حكوميا ً وحزبيا ً من الصين للمشاركة في
االحتفاالت بالذكرى السنوية السابعة واألربعين لثورة أُكتوبر حتى يُمكن استخدام وسائل االتصال
سبُل لتطبيع العالقات السوفييتية الصينية. رفيعة ال ُمستوى من أجل ايجاد ُ
حاول الوفد الصيني ،الذي كان من بين أعضاءه تشو انالي وكانغ شينغ Kang Shengاستخدام
الضغط ال ُمباشر والصريح لجعل الحزب الشيوعي السوفييتي يتخلى عن موقفه المبدأي،
واستخدام كل فرصة تسنح لالبتزاز باتهام الحزب الشيوعي السوفييتي بأنه يتخذ موقفا ً "غير
ودياً" من الحزب الشيوعي الصيني .لجأوا الى شعار "افالس التحريفية ال ُمعاصرة وانتصار
أفكار ماو تسي تونغ" من أجل إقناع قادة األحزاب والدول الشقيقة الذين وصلوا الى موسكو
ولزرع بذور الفتنة بين دول المنظومة االشتراكية والحركة الشيوعية العالمية .تقدّم الجانب
ب من الحزب الشيوعي السوفييتي الصيني بطلب لم يسبق له مثيل في العالقات بين األحزابُ :
ط ِل َ
أن يتخلى عن سياستة المبنية على قرارات المؤتمرات من 22-20ووثائق اجتماعات األحزاب
ع ِق َدت في موسكو عامي 1957و ،1960وتبنّي سياسة تقوم على "أفكار الشيوعية والعمالية التي ُ
سمعة السيئة والتي تتبعها بكين في "خطها العام" ماو تسي تونغ" والنقاط الـ 25ذات ال ُ
المنصوص عليها في وثائق اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني والمنشورة في عدد 14
ُحزيران من صحيفة الشعب الصيني.5
قُوبِلَت هذه المحاوالت بالرفض .في موسكو ،قِيل للوفد الصيني أن المسار السياسي لجميع
مؤتمرات الحزب الشيوعي السوفييتي يعكس ارادة الحزب والشعب السوفييتي بأسره.
فيما يتعلق بجوانب ُمحددة من العالقات السوفييتية الصينية ،كان موقف الحزب الشيوعي
السوفييتي في االجتماع واضحا ً جداً :لقد ذكر أنه من أجل مصلحة قضيتهما ال ُمشتركة ،يجب على
- 5تجدر االشارة الى أن بكين تُحبّذ "نسيان" هذه الوثيقة الديماغوجية واالنتهازية التي تُلقّن الجميع حول " ُ
ط ُرق القيام بالثورة" .بعد أن
َكش َ
َف ُمعظم الجهات ال ُمناضلة في الجبهة ال ُمعادية لالمبريالية الطبيعة الزائفة واالمبريالية لقيادة بكين ،قامت قيادة هذه األخيرة بسلوك
الطريق المفتوح والمتواطئ مع االمبريالية الرجعية واألكثر عدوانيةً.
وكان قادة بكين ،قد أدانوا في "نقاطهم الـ "25حلف الناتو واألحالف العسكرية االمبريالية األُخرى .اليوم تحولوا هم أنفسهم فعليا ً الى
شيء يُشبه عضوا ً "بدوام ُجزئي" في كل هذه األحالف ،كشيء يُشبه ناتو شرقي يُستخدم كأداة للسياسة االمبريالية األمريكية.
استمر دينغ شاوبينغ Deng Xiaopingفي العام 1963بالعزف على نفس النغمة" :إن الجوهر العداوني لالمبريالية لن يتغير أبداُ،
وأنه "ال ينبغي الوثوق باالمبرياليين أبدا ً -فمن المؤكد أنهم يخدعوننا" .اليوم ،ينسى ،جنبا ً الى جنب مع القادة الصينيين اآلخرين ،هذه
الكلمات ،شاجبا ً االتحاد السوفييتي باعتباره "العدو الرئيسي للشعب" ،ويحث على انشاء "جبهة موحّدة تضم جميع البلدان ،بما في ذلك
الواليات ال ُمتحدة ،للنضال ضد أول دولة اشتراكية في العالم.
الحزبين الشيوعيين ال ُمضي في عالقاتهما من عوامل وحدتهما وليس تفرقهما ،ألن جوهر المسألة
هو البدء في تطبيع الوضع بغض النظر عن الخالفات االيديولوجية القائمة .تم التأكيد على أنه من
الضروري وضح حد للنزاع المفتوح ومناقشة مسألة اتخاذ الطرفين خطوات ُمشتركة لتعزيز
الجبهة ال ُمعادية لالمبريالية وكذلك تبادل وجهات النظر حول العالقات ال ُمتبادلة بين البلدين.
أكد قادة الحزب الشيوعي الصيني مرة ً أُخرى في اجتماع عام 1964رفضهم االمتناع عن الجدل
العلني .كما رفضوا بشك ٍل قاطع ُمقترح الحزب الشيوعي السوفييتي بابقاء الجداالت في اطار
الجداالت الرفاقية.
امتنع الوفد الصيني عن ُمناقشة تدابير ُمحددة لتوحيد الجبهة ال ُمعادية لالمبريالية ،وكما اتضح
الحقاً ،لم يكن بدون سبب أن رفضوا ُمقترح ُمناقشة العالقات بين البلدين وفشلوا في طرح أي
ُمقترحات ايجابية بخصوص تطبيع العالقات.
استجاب الوفد السوفييتي بمبادرة جديدة ومهمة ،وهي عقد اجتماع ل ُممثلين رفيعي ال ُمستوى
للحزبين الشيوعيين بهدف تبادل اآلراء حول العديد من المسائل واستعادة الثقة والوحدة بين
الحزبين والدولتين عندما يكون الجانب الصيني مستعد لذلك .وتم اقتراح عقد االجتماع في
موسكو أو في بكين في أي وقت يُناسب الجانب الصيني .لم يؤيّد الجانب الصيني هذا ال ُمقترح.
***
قام االتحاد السوفييتي في السنوات التي أعقبت ذلك ،بطرح ُمقترحات ُمتنوعة كان من ال ُممكن أن
يؤدي تحقيقها الى تحسين العالقات بين الدولتين الى ح ٍد كبير .ان ذكر عدد من هذه ال ُمبادرات
سيُظ ِهر للقارئ غير ال ُمتحيز ،النوايا الحسنة التي كان االتحاد السوفييتي يُظهرها.
اقترح االتحاد السوفييتي في 8تموز من عام 1970اصدار اعالن عام ُمشتَرك من قِ َبل
الحكومتين السوفييتية والصينية يُفيد بأن كال الجانبين لم يُطالب بأراضي اآلخر ،وأن كل جانب
عازم على الحفاظ على الوضع الراهن فيما يخص الحدود ال ُمشتركة.
مسودة معاهدة بشأن نبذ استخدام القوة، في 15كانون األول عام 1971تلقّت الحكومة الصينية ّ
وفي ُ 14حزيران لعام 1973تم تقديم مشروع ُمعاهدة عدم اعتداء بين االتحاد السوفييتي
والصين .منذ ذلك الحين ،وخاصةً في السنوات القليلة الماضيةَ ،
ط َر َح االتحاد السوفييتي عدة
ت حول تطوير التعاون والتبادل في مجاالت العلوم والتكنولوجيا والصحة العامة مرات ُمقترحا ٍ
والرياضة وبين جمعيات الصداقة السوفييتية الصينية ،وبشأن تحسين العالقات فيما يخص األقسام
الحدودية النهرية ولتطوير التجارة الحدودية.
وهكذا ،يُظ ِهر موقف االتحاد السوفييتي أنه ال توجد في العالقات السوفييتية-الصينية مسائل ال
يُمكن حلها من خالل نهج ُحسن الجوار .لقد أعرب االتحاد السوفييتي دائما ً عن استعداداه إليالء
اهتمام شديد ألي ُمبادرات بناءة تصدر من الجانب الصيني .ولكن هذه المبادرات لم تظهر أبداً.
كما لم يكن هناك استجابة ايجابية على ال ُمقترحات البناءة التي طرحها االتحاد السوفييتي .ظل
ض بعضها اآلخر بدون أي أساس. العديد منها بدون أي رد ،كما ُرفِ َ
باإلضافة الى ذلك ،رفضت القيادة الصينية في نيسان 1979تمديد ُمعاهدة الصداقة والتحالف
وال ُمساعدة ال ُمتبادلة التي وقّعها البلدان في شباط عام .1950
وفي وضع انحياز القيادة الصينية لالمبرياليين ،اعتُبِ َرت ال ُمعاهدة السوفييتية الصينية في بكين،
بمثابة كابح ل ُخططها ال ُمتمثلة بانشاء "جبهة عريضة موحّدة" ضد قوى السالم واالشتراكية
والتقدم .ردا ً على هذا العمل العدواني ،أصدرت الحكومة السوفييتية بيانا ً أفاد أنه بغض النظر عن
المدى الذي سيذهب اليه أعداء الصداقة السوفييتية-الصينية في حذف جميع األشياء الجيدة التي
تحققت في سنوات التعاون الودّي بين البلدين و ُمحاولتهم بناء حاجز من العداء بين الشعبين ،فإن
محاوالتهم ستنتهي بالفشل ،وأن المسؤولية عن إحباط تمديد ال ُمعاهدة تقع على عاتق الجانب
الصيني.
ومع ذلك ،وبفضل جهود االتحاد السوفييتي ،بدأت ال ُمحادثات السوفييتية-الصينية في موسكو في
ط َر َح وفد الحكومة السوفييتية مشروع خريف عام 1979بهدف تطبيع العالقات بين الدولتينَ .
مبادئ العالقات بين الدولتين .كان يُمكن للتوقيع عليه أن يُقدّم أساسا ً قانونيا ً فعاالً لتطبيع العالقات.
وأظهرت ال ُمحادثات مرة ً أُخرى أن الجانب الصيني لم يكن ُمهتما ً بتطبيع العالقات بين البلدين
وأنه ليس لديه النية إلتخاذ خطوات حقيقية في هذا االتجاه ،وأن سياسة القادة الصينيين ومسارهم
ال ُمعادي للسوفييت لم يتغيّر.
تضطر قيادة بكين اآلن الى التفكير في الذرائع التي ستُقال لتبرير رفضها تحسين العالقات بين
الدولتين في نظر الرأي العام العالمي .ولتحقيق ذلك ،تلجأ الى التكتيكات التي يُمكن تعريفها على
نح ٍو ُمالئم على أنها "الحلقة الصينية ال ُمفرغة".
تزعم القيادة الصينية أنه قبل التوصل الى أي حل ألي جانب من جوانب العالقات السوفييتية-
الصينية ،من الضروري تحقيق تقدّم في تسوية "القضية الحدودية" .تعني كلمة "تقدم" في هذه
الحالة ،قبول االتحاد السوفييتي لعد ٍد من الشروط السخيفة .أحدها هو اعتراف االتحاد السوفييتي
ب ُمطالبات الصين اإلقليمية بما يُسمى "المناطق ال ُمتنازع عليها" والتي تضم عشرات اآلالف من
الكيلومترات ال ُمربعة من األراضي السوفييتية مع ُمدن ومناطق حكم ذاتي يقطنها سكان الدولة
الروسية منذ قرون.
عندما وافقت القيادة الصينية على المشاركة في ال ُمفاوضات مع االتحاد السوفييتي ،كانت تسعى
لتحقيق أهداف سياسية ُمختلفة تماماً .لقد سعت الى ما يلي:
الحفاظ
-خداع الرأي العام العاملي من خالل تكتيك ُمناوراتها في العالقات السوفييتية-الصينيةِ :
على سياساتها ال ُمعادية للسوفييت تحت ذريعة "حسن النوايا" ،واتباع "نهج واقعي" في العالقات
مع السوفييت.
-ل ُممارسة الضغط على الواليات المتحدة ودول الناتو من خالل التهديد بتطبيع العالقات
السوفييتية-الصينية (بهدف الحصول على تنازالت من القُوى االمبريالية فيما يتعلق بالمساعدات
العسكرية واالقتصادية للصين ،وبالتالي تقوية هذه األخيرة كقوة ُمجابهة لالتحاد السوفييتي).
-الضغط على االتحاد السوفييتي من خالل التقدّم بمطالب قاطعة من جهة ،والتظاهر باالستعداد
لتسوية القضايا المعنية ،من ِجهة أُخرى.
كانت المحادثات السوفييتية الصينية مصحوبةً بدعاية بكين ال ُمعادية للسوفييت والتي تم شنها ضد
جميع جوانب السياسات الخارجية لالتحاد اليوفييتي وفييتنام ودول اشتراكية أُخرى.
في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات تقدّمت بكين بمطالبات أُخرى تجاه االتحاد السوفييتي:
االنسحاب أُحادي الجانب للقوات السوفييتية من الحدود الصينية ،سحب الوحدات العسكرية
السوفييتية من جمهورية منغوليا الشعبية ،التي كانت تتمركز هناك بناءا ً على طلب الحكومة
المنغولية ووفقا ً لالتفاقيات ذات الصلة ،وتقليص المساعدات السوفييتية لفييتنام البطلة ال ُمخصصة
لحمايتها من ُمطالبات بكين التوسعية التي امتدت ايضا ً الى دو ٍل أ ُخرى في جنوب شرق آسيا،
وسحب القوات السوفييتية المتمركزة في أفغانستان بناءا ً على طلب حكومتها الشرعية
وال ُمخصصة لمساعدتها في صد عدوان باكستان والواليات المتحدة والصين .بخالف ذلك ،كما
قال دينغ شياو بينغ ،في ُمقابلة له من مراسلين أجانب في تشرين الثاني عام ،1980فإن العالقات
السوفييتية الصينية لن تتغير حتى بعد 10الى 20عاماً.
بعض المناطق السوفييتية التي كانت تُطالب الصين بضمها( .قام قياصرة روسيا ال ُجدد بتسليم
عدد من هذه المناطق للصين بعد انهيار االتحاد السوفييتي ،ومنها مناطق خاض فيها الجنود
السوفييت معارك طاحنة لحمايتها من التطلعات الصينية الشوفينية)
هذه هي "الشروط" غير المسبوقة التي طرحها القادة الصينيون كشرط الستئناف المفاوضات.
من ال ُمثير لالهتمام أن كل هذه ال ُمطالبات يتم تقديمها في وق ٍ
ت تواصل فيه بكين تركيز قواتها
العسكرية في مناطقها الحدودية ،من أجل طرح ُمطالبات جديدة بصدد أراضي االتحاد السوفييتي
ومنغوليا والقيام بأنشطة تخريبية ضد هذه الدول .من الواضح أن هذه االنذارات موضوعة من
أجل عرقلة كل احتماالت تطبيع العالقات بين البلدين.
ومع ذلك ،يُمكن لالتحاد السوفييتي أن يطرح مطالبات ُمحقّة من بكين ،مثل إلزام الصين بالتخلي
عن سياسة "تحضير جبهة دولية واسعة" ضد االتحاد السوفييتي ،وال ُمسجّلة في الدستور الصيني،
صغرى" و"ال ُكبرى" بالـ 33000كيلومتر مربع و 1.5مليون كيلومتر والتخلي عن مطالباتها "ال ُ
مربع من األراضي السوفييتية ،والتي تم ذكرها في الوثائق الصينية الرسمية ،ومطالبتها بأن ال
تشن المزيد من الهجمات على فييتنام االشتراكية ،وأن تحترم سيادة فييتنام ومنغوليا والوس
وكمبوديا واالمتناح عن التدخل في شؤونها الداخلية ،وانهاء حربها غير ال ُمعلنة ضد جمهورية
أفغانستان الديمقراطية ،وما الى ذلك .ال يطرح االتحاد السوفييتي هذه المطالب فقط ألنه يُدرك
ق مسدود. جيدا ً أن هذا من شأنه أن يؤدي بال ُمحادثات الى طري ٍ
بعد موت ماو تسي تونغ ،اتخذ االتحاد السوفييتي عدة خطوات تُظ ِهر استعداده الصادق لتحسين
العالقات مع الصين.
في بيانه ،أ ّكد وزير خارجية االتحاد السوفييتي اندريه غروميكو الذي ترأس الوفد السوفييتي ،في
الدورة الحادية والثالثين للجمعية العامة لألُمم ال ُمتحدة التي افتُتِ َحت في أيلول ،1970أن االتحاد
السوفييتي يولي إهتماما ً كبيرا ً لعالقاته مع الصين ويواصل ذلك .وقال ،أن إعادة العالقات الى
وضعها الطبيعي سيكون له تأثير إيجابي على الوضع في آسيا والعالم" .تحدد موقفنا هذا بوضوح
فيما يتعلق بالصين من خالل قرارات المؤتمر الخامس والعشرين للحزب الشيوعي ،وهو ال يزال
ساري المفعول بالكامل اليوم".
أندريه غروميكو
تم التعبير عن مشاعر الصداقة والنوايا الحسنة تجاه الشعب الصيني في رسالة ترحيب من هيئة
رئاسة مجلس السوفييت األعلى ومجلس وزراء االتحاد السوفييتي بمناسبة الذكرى السابعة
والعشرين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية .قالت الرسالة أن إعادة العالقات السوفييتية الصينية
الى مجراها الطبيعي على أساس ال ُمساواة واحترام سيادة أراضي ُك ٍل منهما ،وعدم التدخل في
الشؤون الداخلية ،سيتوافق مع تطلعات الشعبين السوفييتي والصيني الذين يهتمان ببناء
االشتراكية والحفاظ على السالم واألمن العالميين وتوطيدهما.
ع ِقدَت في تشرين األولفي خطابه في الجلسة العامة للجنة المركزية للحزب الشيوعي ،التي ُ
،1976حدد ليونيد بريجنيف بوضوح النهج المبدأي السوفييتي لتحسين العالقات مع الصين" :أما
بالنسبة لالتحاد السوفييتي ،فإنه قد اتخذ باستمرار مسارا ً دائما ً ل ُمحاولة تحسين العالقات مع
الصين ...أود التأكيد على أنه ،برأينا ،ال توجد قضايا في العالقات السوفييتية الصينية ال يُمكن
حلها بروح حسن الجوار .سنواصل العمل لتحقيق هذا الهدف .سيعتمد األمر على ما سوف يُقرره
الجانب اآلخر"(.6)6
ليونيد بريجنيف
كيف كان تجاوب قيادة ما بعد ماو في بكين على سياسة االتحاد السوفييتي فيما يخص إعادة
العالقات مع الصين الى طبيعتها؟ أظهرت األشهر األولى من ُحكمها أنها كانت تتبع نفس المسار
وأنه ليس لديها النية لتغيير سياستها ال ُمعادية للسوفييت .باالضافة الى ذلك ،أكد القادة الصينيون
ال ُجدد بكل الطرق تمسكهم الصارم بهذه السياسة واستخدموا كل ذريعة إلظهار عدائهم الشديد
تجاه االتحاد السوفييتي.
في 28شباط عام ،1977عاد نائب وزير خارجية االتحاد السوفييني ليونيد ايليتشيف Leonid
Ilyichevالذي ترأس الوفد السوفييتي في المفاوضات حول قضايا الحدود من بكين الى موسكو.
ويتحمل الجانب الصيني مسؤولية فشل المفوضات :فقد رفضت بكين جميع ال ُمقترحات السوفييتية
عم أن "الظروف لم تنضج بعد" لتحقيقها .أعلن الجانب دون أي نقاش وكانت طوال الوقت تز ُ
الصيني بشك ٍل قاطع ،ردا ً على ال ُمقترح السوفييتي بوضح حد للجدل وخلق جو من حسن النية ،أن
أمر ال مفر منه وسيستمر عشرة آالف سنة" (وهذا يعني "الخالفات حول المسائل المبدأية ٌ
استكمال الدعاية ال ُمعادية للسوفييت والتدخل في شؤون االتحاد السوفييتي الداخلية) ،وأن هذا
6
- Our Course: Peace and Socialism, Novosti Press Agency Publishing House, Moscow, 1977, pp. 246-
247
االستمرار لهذه المدة سيتواصل حتى يعترف الحزب الشيوعي السوفييتي علنا ً "بخطأ سياسته"
ت بأنه لن يُكرر هذه "األخطاء" في ال ُمستقبل .من الطبيعي أنه تم رفض مزاعم القوةويُقدّم ضمانا ٍ
العُظمى هذه تماما ً.
كان أحد الدوافع وراء تصاعد الهستيريا ال ُمعادية للسوفييت في بكين هو جعل االتحاد السوفييتي
يتخلى عن موقفه المبدأي فيما يتعلق بالصين ويكتسب " ُحججاً" لتبرير سياسته في شن مزيد من
الهجمات على االتحاد السوفييتي .هذه المحاوالت باءت بالفشل.
كما قدّم ليونيد بريجنيف وجهة النظر السوفييتية حول تطور العالقات مع الصين في اجاباته على
رئيس تحرير صحيفة اساهي اليابانية شوريو هاتا shoryu hataفي ُ 6حزيران عام .1977
"نحن نُريد أن نُعيد العالقات بين البلدين الى سياقها الطبيعي .ان اعادة عالقات ُحسن الجوار
الحقيقية بين بلدينا ستكون ذات أهمية كبيرة للصين واالتحاد السوفييتي مما سيُحسّن الوضع
الدولي ككل" .وقال" :انه عدم تحسّن العالقات السوفييتية الصينية لسوء الحظ ،لهو ذنب الجانب
الصيني .تسير القيادة الصينية الجديدة على الطريق القديم البالي ،ان جاز التعبير .ومن المعروف
أن حملة التنديد بسياسة االنفراج ُمستمرة وأن كل شيء يُبذّل إلحباط أي تدابير في مجال نزع
السالح".7
ع ِقدَ في الفترة من 21-16أكد االجتماع العاشر للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني الذي ُ
تموز عام 1977في جلسته الثالثة ،رسمياً ،أن قيادة الحزب الشيوعي الصيني الجديدة التزمت
بمواقفها السابقة ،واستمرت في اتباع التوجهات األساسية للماويين في السياسة الخارجية
والداخلية.
حدد االجتماع العام سلفا ً والى ح ٍد كبير طبيعة ومضمون القرارات التي تم تبنيها في المؤتمر
ع ِق َد في الفترة من 18-12آب عام ،1977وشدد الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي ُ
القوة العُظمى
المؤتمر على اخالصه لمسار السياسة الخارجية الماوية ،واعادة التأكيد على نزعة ّ
ُ
والسياسة العسكرتارية ،واتخاذ سياسة النضال ضد االتحاد السوفييتي والدول االشتراكية األخرى
شن هجمات على الحزب الشيوعي السوفييتي والدولة السوفييتية.
ي برنامج القادة الصينيين ال ُمعادي للسوفييت دفعَةَ أُخرى في الجلسة األولى للمجلس الوطني أُ ِ
عط َ
الخامس لنواب الشعب في آذار .1978
وباعتباره أعلى هيئة لسلطة الدولة في الصين ،فقد أ ّكد على نهج القادة الصينيين ال ُمعادي
للسوفييت الذي تمت صياغته في المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني ،وقد تم تثبيت
7
- Our Course: Peace and Socialism, Novosti Press Agency Publishing House, Moscow, 1978, pp. 89-90
هذا المسار في دستور جمهورية الصين الشعبية .لم يعد النضال ضد االتحاد السوفييتي وحلفائه
معيارا ً حزبيا ً ترسّخ في قواعد الحزب وحسب ،بل صار أيصا ً معيارا ً دستورياً ،أي واجب على
كل عضو في الحزب الشيوعي الصيني وعلى كل مواطن من أبناء الشعب .تم اجراء تعديل على
الدستور لجعله يتماشى مع الوثائق التي تم تبنيها في المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي
الصيني ،وهو تعديل يُصنّف االتحاد السوفييتي على أنه عدو الصين األول.
وجّه المتحدثون في المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني اتهامات ال أساس لها ضد
ص الى استنتاج مفاده أن االتحاد السوفييتي زاعمين أنه "لم يتخل عن فكرة استعباد بالدنا" و َخلُ َ
الصينيين "يجب أن يكونوا مستعدين للقتال" "ويبنوا جيشا ً بريا ً وبحريا ً وجويا ً قويا ً أيضاً"
في جلسة نواب الشعب الوطني ،كرر رئيس المجلس هذا االتهام كلمةً بحذافيره وربطه بالحاجة
الى زيادة ُمعدّل التنمية االقتصادية للصين .وهكذا ارتبطت ُمعاداة السوفييت بـ"المهمات العامة"
لسياسة الصين الداخلية.
وكان من بين التطورات الجديدة في الجلسة إعالن مطالب الصين من منصة برلمانية ،مما منحها
طابعا ً رسمياً.
هنا أيضا ً تم إعطاء مكانة الصدارة لنسخة بكين الزاائفة لـ"االتفاق ال ُمتبادل بين رؤساء الحكومتين
الصينية والسوفييتية" الذي تم التوصل اليه في اجتماع القمة في 11أيلول عام .1969كان
رؤساء الحكومتين قد وافقوا على عدم افشاء ُمحتوى ُمحادثاتهم في مطار بكين وال ُمحادثاتهم
حول مسألة الحدود .انتهك الجانب الصيني االتفاقية بإعالن تفسيره الخاص "للتفاهم ال ُمتبادل" في
ت الحق في صحيفة الدولة الرسمية .لذلك يجب علينا أن جلسة مجلس نواب الشعب ،وفي وق ٍ
نفسّر ما حدث بالفعل في اجتماع رؤساء الحكومات في أيلول.
أوالً وقبل كل شيء ،تندرج المسائل التي نوقِشَت في االجتماع في فئتين ُمحددتين :المسائل التي
عبّر فيها الطرفين عن وجهات نظر ُمتطابقة أو متشابهة ،وتلك التي أدت الى خالفات في الرأي
وحتى الى مواقف ُمتعاكسة.
سفراء وزيادة ومن بين المسائل المطروحة في الفئة األولى مسألة إعادة العالقات على ُمستوى ال ُ
صل رؤساء التجارة بين البلدين واستعادة االتصاالت الهاتفية ال ُمباشرة عالية التردد .كما تو ّ
الحكومتين الى اتفاق على أن تسوية النزاع الحدودي ُمهم جدا ً لتسوية العالقات بين الدوليتين.
اتفق الجانبان على االمتناع عن النزاعات الحدودية ال ُمسلّحة ،وبدء ُمفاوضات حول تسوية
حدودية والحفاظ على الوضع الراهن على الحدود (تم التأكيد على أن المبدأ الرئيسي في إبقاء
الوضع الراهن هو االعتراف بالحدود القائمة وأن كال الجانبين سيلتزم على حدوده في الوقت
ع ِق َد فيه اجتماع القمة ،أي 2أيلول .)1969كان هذا هو جوهر االتفاق والنتيجة الرئيسية الذي ُ
لالجتماع.
ومن بين المسائل في الفئة الثانية ،والتي اختلفت اآلراء بشأنها من حيث المبدأ ،المسائل حول
"المناطق ال ُمتنازع عليها" ،والوضع العسكري واألنشطة االقتصادية في "المناطق ال ُمتنازع
عليها" .فَ ِش َل الجانبان في االتفاق على أنه يجب التوقيع على اتفاقية بشأن الحفاظ على وضع
الحدود الراهن كشرط أولي ل ُمناقشة المسألة الحدودية ،وهي االتفاقية التي يُشير اليها القادة
الصينيون كثيرا ً اليوم.
فَ ِش َل اجتماع رؤساء الحكومتين في وضع أي وثيقة ُمنسّقة تُحدد في شك ٍل مكتوب النقاط التي تمت
ُمناقشتها في ُمحادثاتهم .بعد االجتماع تم تبادل الرسائل بين رئيس مجلس وزراء االتحاد
السوفييتي ورئيس مجلس الدولة الصيني ،حيث أوض َح الجانبان موقفهما من جميع المسائل التي
أُثيرت في اجتماع 11أيلول .1969
صاغ تشو انالي ،في رسالته المؤرخة 18أيلول " 1969االجراءات الصينية المؤقتة" لتطبيع
الوضع على الحدود وتجنب النزاعات العسكرية .تضمنت هذه المطالب بأن يعترف االتحاد
السوفييتي بوجود "مناطق ُمتنازع عليها" على األراضي السوفييتية ،وسحب القوات السوفييتية
منها وابرام اتفاقية على الوضع الراهن (أي جميع النقاط التي رفضها الجانب السوفييتي في
اجتماع 11أيلول) .كتب تشو انالي في رسالته أن رؤساء الحكومات بالكاد "تبادلوا األراء"
بصدد هذه النقاط وأن الموافقة على المطالب المذكورة أعاله برسالة من رئيس الحكومة
ُحولها بسهولة الى اتفاقية رسمية بين حكومة الدولتين. السوفييتية يُمكن أن ي ّ
أظ َه َر رد رئيس مجلس وزراء االتحاد السوفييتي في 26أيلول 1969مرة ً أُخرى أن الجانب
السوفييتي ال يُمكنه الموافقة على البنود التي اقترحها رئيس مجلس الدولة الصيني.
ط الجانب الصيني جميع النقاط التي تُدرك بكين جيدا ً الوضع الحقيقي لألمور .ومع ذلكَ ،خلَ َ
أُثيرت في االجتماع ،ووضعت النقاط التي لم يوافق عليها الجانب السوفييتي مع تلك التي تم تبادل
اآلراء بشأنها فقط .هذه هي الطريقة التي ُو ِلدَت بها النُسخة الصينية عن "االتفاق ال ُمتبادل لرؤساء
الحكومات".
لم تفشل جلسة آذار لمجلس النواب الصيني عام 1978في إحداث أي تحسن في العالقات
السوفييتية الصينية وحسب ،بل زادتها سوءاً.
من المعروف ،أن موقف الصين لم يتغير الى األفضل .يتغلغل العداء للسوفييت في جميع جوانب
سياسة قادة بكين.
هناك دافع ُمتزايد بإطراد ليس فقط لتوفير أساس "نظري" ل ُمطالبات الصين تجاه االتحاد
سمعة في تموز 1964ولجعل هذه السوفييتي والتي طرحها ماو تسي تونغ في "قائمته" سيئة ال ُ
"القائمة" في أساس السياسة العملية .يُطالب الشوفينيون في بكين بأراضي في جميع الدول
ال ُمجاورة لهم تقريباً .تتجاوز المساحة االجمالية لألراضي التي وضعوا نُصب اعينهم عليها 3
ماليين كيلو متر مربع ،وهذا يُعادل ثلث مساحة الصين ،أو 6-5أضعاف مساحة فرنسا.
يسترشد االتحاد السوفييتي في عالقاته مع الصين بقرارت المؤتمر الخامس والعشرين للحزب
الشيوعي .الى جانب ُمعارضته لسياسة القادة الصينيين وأيديولوجيتهم ،يتوخى استعداده لتطبيع
العالقات مع الصين على طريق التعايش السلمي .وفقا ً لقرارات المؤتمر في 24شباط 1978
اتخذ االتحاد السوفييتي خطوة ً ُمهمة تهدف الى تطبيع العالقات مع الصين من خالل ارسال ٍ
بيان
صادر عن هيئة رئاسة مجلس السوفييت األعلى التحاد الجمهوريات االشتراكية السوفييتية الى ٍ
اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب.
اقترح البيان أن يُصدِر كال البلدين اعالنا ً ُمشتركا ً لمبادئ العالقات بينهما ،والتي ،كما ذّ ّكر ،يجب
أن تسنتد الى مبدأ التعايش السلمي وااللتزام الصارم بمبادئ المساواة واالحترام المتبادل لسيادة
أراضي ُك ٍل منهما وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لك ٍل منها والتخلي عن استخدام القوة.
رفضت القيادة الصينية بوقاحة هذه ال ُمقترحات في 9آذار عام .1978وصفت وزارة الخارجية
ت من اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الوثيقة الصينية في ُمذكرتهاُ ،مستشهدة ً بتعليما ٍ
ال ُمقترحة بشأن مبادئ العالقات ال ُمتبادلة بين البلدين ،وصفته بأنه "بيان فارغ" وكررت ال ُمذكرة
ب ُمطالبات الصين باألراضي السوفييتية الواردة في تقرير هوا جوفينغ Hua Guofengالى
المؤتمر الوطني لنواب الشعب.
تم تأكيد سياسة القادة الصينيين ال ُمعادية للسوفييت مرة ً أُخرى في قرارات الجلستين الثالثة
والرابعة واالجتماعات الكاملة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ،1980-1978
والدورتين الثانية والثالثة لمجلس لنواب الشعب في االجتماع الخامس ،1980-1979وفي العديد
من التصريحات التي أدلت بها.
ان الحملة الجارية اآلن في الصين لجعل الحياة االجتماعية والسياسية واالقتصادية تسير بشك ٍل
طبيعي موجهة للنضال ضد االتحاد السوفييتي ودول المنظومة االشتراكية األُخرى ومن أجل
تصعيد االستعدادات العسكرية ال ُمكثفة .أعلن القادة الصينيون أن النضال ضد االتحاد السوفييتي
سيكون ُمهمتهم الرئيسية في الثمانينيات .لقد أيدوا "العقوبات" األمريكية ضد االتحاد السوفييتي،
ورفضوا ال ُمضي قُدُما ً في المرحلة الثانية من ال ُمحادثات السوفييتية الصينية ،وقلصوا التجارة مع
االتحاد السوفييتي ورفضوا ال ُمشاركة في األلعاب األولومبية ال ُمقامة في موسكو .تجري في
دم وساق .تدعو الصحافة الصينية الغرب الى ُمحاربة الصين حملة خبيثة ُمعادية للسوفييت على ق ٍ
االتحاد السوفييتي قبل أن يصل الى "ذروته" العسكرية واالقتصاديةُ ،محذرة ً من أنه بخالف ذلك
"سيكون األوان قد فات" .حاول رئيس اللحنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني تخويف الدول
الغربية بالحديث عن "التهديد السوفييتي" ودعاهم الى ُمراقبة السوفييت عن كثب ان لم يريدوا
اندالع حرب عالمية جديدة ،وها َج َم اولئك الغربيون الذين يُصرون على االنفراج وقال أن الصين
كانت دائما ً تقف ضد أي تنازالت أو مساومات مع االتحاد السوفييتي.8
يواصل قادة بكين تكرار أُطروحاتهم البالية حول "التهديد العسكري" السوفييتي المزعوم للصين
وينسبون الى االتحاد السوفييتي األهداف السخيفة ال ُمتمثلة بـ"شن حرب عالمية ثالثة" والرغبة في
"استعباد" الصين ،وما الى ذلك ،وبالتالي تع ّمد تشويه الموقف المبدأي للحزب الشيوعي
السوفييتي من المسألة الصينية.9
سلطات الصينية هذا أنها ال تنوي تحسين العالقات مع جيرانها .من الواضح أن يُظ ِهر موقف ال ُ
ى في الصين تجد أن التوتر في العالقات الصينية وتأجيج ال ُمعاداة للسوفييت يسير هُناك قو ً
بالتوافق مع مصالحها .انهم يعتبرون ذلك بمثابة هدي ٍة يُقدمونها للقوى االمبريالية باعتبار أن
مصلحتهم تسير بالتطابق مع التقارب معها ألنهم بذلك يحصلون على الوعود بتقديم قروض
و"مساعدات" لتنفيذ برنامج "التحديثات األربع".
مصدر تلقت الصين ُمساعدة ً حقيقيةً لحركة
ٍ ومع ذلك ،يتذكر الثوار الصينيون الحقيقيون من أي
التحرر الوطني في جميع مراحل الثورية ويتذكرون كذلك نتائح سياسة الكومينتانغ الصينية
ال ُمتمثلة في تحقيق "االزدهار الوطني" من خالل البرجوازية الكمبرادورية واالمبريالية
األمريكية واليابانية وأعداء الشعب الصيني اآلخرين.
على الرغم من سياسة بكين العنيدة ال ُمعادية للسوفييت ،فإن اجراءات االتحاد السوفييتي إلعادة
العالقات مع الصين ُمهمة للغاية .انها تُعرقل ُخطط قادة الحزب الشيوعي الصيني االستفزازية
وتكشف عن الجوهر ال ُمعادي لالشتراكية في سياستهم .بغض النظر عن رد فعل بكين عليها ،فإن
ال ُمبادرات السوفييتية تَلقى ترحيبا ً من قِبَل جميع ال ُمهتمين بإعادة العالقات بين البلدين الى مسارها
الطبيعي .ان لها أهميةً أيضا ً ألنها تُقدّم للشعب الصيني دليالً ُمقنعا ً على أن الجانب السوفييتي يبذل
قًصارى جهده الستعادة عالقات الجوار بين البلدين.
أما بالنسبة لالتحاد السوفييتي ،فعلى الرغم من تنبؤات ُزعماء بكين ال ُمعادية للسوفييت والتنبؤات
البرجوازية بشأن "العداء الحتمي" بين االتحاد السوفييتي والصين ،فإن الشعب السوفييتي كان ال
يزالُ ،مسترشدا ً بأفكار الماركسية اللينينية يعتقد اعتقادا ً راسخا ً بأن الصداقة السوفييتية الصينية
ستنتصر حتماً.
ان خط الحزب الشيوعي السوفييتي والشعب السوفييتي فيما يعلق بالمسألة الصينية ُمحدد بوضوح
في قرارات مؤتمري الحزب الخامس والعشرين والسادس والعشرين.
***
كثيرا ً ما ي َ
ُطرح السؤال :ما هي األسباب الرئيسية لهذا التحول في المسار السياسي في الصين؟
هل ألن قادتها يضعون المصالح القومية للصين فوق المصالح األُممية ويسعون للحصول على
مزايا خاصة لشعوبهم؟ على الرغم من أن هذه السياسة غير ُمبررة وال تستحق أن يُطلَق عليها
- 8قام دونغ تشاوبينغ Dong Xiaopingسيء السُمعة بهجمات استفزازية ُمعادية للسوفييت ،خاصةً في ال ُمقابلة التي أجراها مع
ق واسع في الصحافة الصينية تشرين الثاني عام .1980 الصحفي االيطالي غراند فااليي ،Grand Fallaeiوالتي نُش َِرت على نطا ٍ
ع ِق َد في موسكو لالحتفال ً
- 9قال نيكوالي تيحونوف Nikolai Tikhonovرئيس مجلس وزراء االتحاد السوفييتي ُمتحدثا في اجتماع ُ
بالذكرى الثالثة والستين لثورة اكتوبر االشتراكية العُظمى" :أثبَتَ االتحاد السوفييتي منذ فترةٍ طويلة ،من خالل سياسته ونشاطاته ،أنه
ال يُهدد أحداً ،وال ينوي القيام بذلك ،وهذا صحيح أيضا ً فيما يتعلق بالصين ،التي نحن ُمستعدون للحفاظ على عالقا ٍ
ت طبيعية معها".
أُممية ،اال أنها مفهومة تماماً .ومع ذلك ،فإن االجابة أكثر تعقيداً .النقطة ال ُمهمة هي أن سياسة
الماويين تؤثر قبل كل شيء على المصالح الوطنية للشعب الصيني ،فهي تحرمهم من الدعم من
اصدقائهم الحقيقيين ،وتخلق مصاعب اقتصادية اضافية تؤدي الى تصعيد موقف الشعب الصيني
العامل.
عالوة ً على ذلك ،فإن الماويين ،بعد أن سلكوا طريق العداء لالتحاد السوفييتي ودول المنظومة
االشتراكية األُخرىُ ،مستعدين للتضحية بقضية بناء االشتراكية في الصين من أجل تحقيق
طموحاتهم الخاصة .ال يُمكن لالشتراكية أن تتحقق بدون تطوير قوى انتاج حديثةَ .ح َر َم القادة
الماويون بالدهم ،من خالل االنفصال عن المنظومة االشتراكية ،حرموا بالدهم من مصدر
مساعدة موثوق به وليس له مصالح ُمغرضة .ليس من قبيل ال ُمصادفة أن اعالنهم الرسمي باجراء
انتقال سريع " ُمباشر" الى الشيوعية قد تم استبداله بأُطروحة جديدة مفادها أن بناء االشتراكية
يتطلب جهود عشرات األجيال .االفتراض بأن التحول في سياسة الحزب الشيوعي الصيني ينبع
من المصالح الوطنية ال يصمد للنقد.
ما الذي يجعل القادة الصينيون يدفعون مثل هذا الثمن الغالي مقابل طموحاتهم؟ لماذا يُضحون
بمصالح بالدهم الوطنية؟ وفقا ً للماويين ،فإن انفصالهم عن االتحاد السوفييتي كان "نتيجة" والئهم
للقضية الثورية ،وتصميمهم على شن "نضال ال هوادة فيه" ضد االمبريالية ،وما الى ذلك ،وهو
ادعاء تدحضه الوقائع بالكامل.
لقد داس قادة الحزب الشيوعي الصيني بشك ٍل صارخ على المبادئ الماركسية اللينينية للسياسة
الخارجية للدولة االشتراكية عندما اتبعوا سياسةً دوليةً و ُمحاولة تشكيل جبهة واسعة ُمعاديةً للدول
االشتراكية ،وبالتالي تحولوا الى تحريفيين وشركاء صغار لالمبريالية .عند الحديث عن جذور
الخالفات ال ُمتزايدة بين الحزب الشيوعي الصيني والحركة الشيوعية العالمية يُمكن للمرء أن
يستشهد بموقف بكين بشأن النزاع الحدودي الهندي الصيني الذي حدث في الفترة من -1959
.1962لم ينزعجوا من حقيقة أن اطالق العنان للصراع العسكري مع الهند يتعارض مع سياسة
التعايش السلمي التي تنتهجها الدول االشتراكية ،والتي طالما التزمت الهند بها ودعمتها .عالوة ً
على ذلك ،افتخر الماويون بأفعالهم وتعاطفوا عالنيةً مع سياسة حافة الهاوية .كانت هذه فقط بداية
االجراءات العداونية للصين الماوية.
نائب رئيس مجلس الدولة الصيني دنغ شياو بينغ في مسابقات رعاة البقر في تكساس عام 1979
يحث قادة بكين الدوائر االمبريالية الحاكمة في الواليات ال ُمتحدة واليابان وأوروبا الغربية على
إقامة حلف عالمي ُمعادي للسوفييت والشيوعية .تُولي الدول االمبريالية ،وعلى رأسها الواليات
ال ُمتحدة ،في لعبتها السياسية ،اهتماما ً ُمتزايدا ً للعب بـ"الورقة الصينية".
نيكسون في الصين
ظ في االجتماع العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي في تموز عام ،1980 لوح َ
وكما ِ
فإن الشراكة بين االمبريالية وهيمنة بكين هي ظاهرة جديدة وخطيرة على الساحة العالمية والتي
يعتبرها الجانبان استراتيجية طويلة األمد .ان توسّع التعاون العسكري الصيني -االمبريالي،
والمساعي ال ُمتزايد لقادة بكين للحصول على الترسانات العسكرية الغربية يُش ّكل تهديدا ً خاصا ً
للسالم العالمي .والدليل في هذا الصدد هو زيارة وزيري الدفاع األمريكي والبريطاني للصين
واالتصاالت ال ُمستمرة بين ُممثلي الجيش الصيني وكبار الضباط اليابانيين واأللمانيين الغربيين.
ُحرز التعاون العسكري بين الصين والواليات ال ُمتحدة تقدما ً خاصا ً.
ي ِ
ص َل البلدان الى اتفاق بشأن تنسيق أعمالهما في المجال العسكري وتبادل المعلومات تو ّ
ط ّالب المعاهد التعليمية العسكرية ،فضالً عن تزويد الصين بأحدث المعدات االستخبارية و ُ
الحربية.
هناك تحالف ثالثي بين الواليات المتحدة واليابان والصين في طور التش ّكل ،وهو قائم على أساس
عدائهم لالتحاد السوفييتي والدول االشتراكية األُخرى واألنظمة التقدمية في الدول النامية.
الرئيس رونالد ريغان والرئيس الصيني لي جيانيان يتفقدان حرس الشرف العسكري في بكين ،
26أبريل 1984
ان تكثّف التعاون العسكري في اطار "الثُالثي" هو عامل جديد يُزعزع استقرار الوضع في آسيا
وفي جميع أنحاء العالم ويزيد من خطر نشوب حرب جديدة .وقّعت الدول الرأسمالية اتفاقيةً لمنح
الصين ائتمانات تزيد على 30مليار دوالر تنوي بكين استخدامها أوالً وقبل كل شيء لتعزيز
امكاناتها الصناعية العسكرية .ان المسار الحربي في بكين ،ال ُمستند الى برنامج "التحديثات
األربع" المدعوم باالستثمارات وشحنات األسلحة الغربية ،يزداد خطورة ً أكثر من أي وق ٍ
ت
مضى .ان القدرات العسكرية الصينية ال ُمتزايدة وتهديدها ال ُمستمر للدول والشعوب األُخرى
تؤكدها حقائق مثل امتالكها المدادات كبيرة من األسلحة النووية واختبارها للصواريخ الباليستية
العابرة للقارات في أيار .1980
قال نيكوالي تيخونوف رئيس مجلس وزراء االتحاد السوفييتي وعضو المكتب السياسي للحزب
الشيوعي في تشرين الثاني عام " :1980ان تقارب االمبريالية وبكين يُسبب قلقا ً ُمتزايدا ً بين
الدول .يحاول كالهما ،من خالل تحريض بعضهما البعض على مشاريع خطيرة في آسيا وأماكن
أُخرى في العالم ،التستر على مخططاتهما وأنشطتهما العدوانية بأكاذيب حول "التهديد العسكري
السوفييتي" .وكلما قلّت امكانات التشويش على الرأي العام ،ارتفعت أصوات ال ُمعادين للسوفييت
أكثر".
اليوم ،حتى الشخص العادي في السياسة يُدرك جيدا ً ما يقف وراء هذه التطورات :ان قررت بكين
جعل البلدان االشتراكية عدوا ً رئيسيا ً لها بدالً من االمبريالية ،فسوف تسعى للحصول على
ال ُمساعدة والدعم في هذا المشروع من االمبرياليين ،ألنه ال يُمكنها بطبيعة الحال أن تكون في
حالة حرب مع جميع األطراف في نفس الوقت.
التحول في سياسة القادة الصينيين لم يكن نتيجة "ثوريتهم" الصارخة ،أو ّ من الواضح ،أن
اهتمامهم بالمصالح الوطنية للصين .ان هدفهم الرئيسي هو تحقيق الهيمنة في حركة التحرر
الوطنية التي تعتبرها بكين مصدر دعم ُمحتمل في أنشطتها السياسية ،ومن ثم تحقيق الهيمنة في
العالم كله .يُطالب القادة الصينيون بدور القادة الكبار في "الجبهة العريضة" ال ُمعادية لالتحاد
السوفييتي ،والذي يسعون الى طرده من بين "الدول "ال ُكبرى" و"الوسطى" و"الثانوية" ،بغض
النظر عن أنظمتها الطبقية.
وفقا ً لبكين ،فإن الطريق لتحقيق هذه األهداف هو استخدام الدول النامية لمصالح طموحات الصين
عظمى .بطبيعة الحال ،ال يُمكن للقادة الصينيين تجاهل المكانة والتأثير الهائلين بأن تكون قوة ً ُ
لالتحاد السوفييتي والدول االشتراكية في حركة التحرر .هذا هو السبب في أن القادة الصينيون
يُحاولون "اصطياد عصفورين بحجر واحد" من أجل توجيه سياسة الدول النامية الى مسارهم
ال ُمعادي للسوفييت .يُصنّف االتحاد السوفييتي على أنه دولة "امبريالية اجتماعية" وبالتالي يتم
استبعاده من حركة التحرر الوطني.
طغمة على الرغم من أن بكين اختلقت مئات المقاالت التي تصف االتحاد السوفييتي بأنه " ُ
تحريفية" و"قوة امبريالية" ،اال أنها ال تستطيع اخفاء جوهر سياستها ،التي أُعيد توجيهها عمدا ً
ُقوض وحدة القوى الثورية للنضال ضد االتحاد السوفييتي والدول االشتراكية األُخرى ،.مما ي ّ
ويصب في مصلحة الدوائر االمبريالية األكثر عدوانية .لقد صارت بكين شريكا ً لالمبريالية.
لقد كان وال يزال من أسمى واجبات الماركسيين اللينينيين الحقيقيين فضح التحريف الماوي
االيديولوجي والنظري والعملي للعالم كله .يُناضل الشيوعيين السوفييت ،لدن كشفه جوهر
ب ماركسي لينيني ،ومن أجل صين اشتراكية ،ومن أجل حز ٍٍ الماوية بأشكالها المتنوعة ،من أجل
المصالح الحقيقية للشعب الصيني الجريح.
يعمل الحزب الشيوعي السوفييتي من خالل نضاله ضد االيديولوجيا الماوية الرجعية ،على تقوية
تطور االتجاهات التقدمية في المسار االجتماعي والسياسي للصين.
***
بالنظر الى تاريخ العالقات السوفييتية الصينية ،ال يُمكن أن يكون هناك شك في أن ماو تسي تونغ
وشركاؤه كانوا يسعون بشك ٍل ُمتعمد وباستمرار الى تخريب هذه العالقات ثم قطعها .في البداية،
حصر الماويون أنفسهم في التصريحات ال ُمنافقة مثل االدعاء بأنه يوجد "تسعة أصابع" تؤيد
الوحدة بين الحزبين الشيوعيين الصيني والسوفييتي ،وأن هناك "اصبع واحد" يُشير الى
اختالفهما .عندما كانت العالقة بين الحزبين ال تزال قائمة في منتصف الستينيات ،كانت القيادة
الماوية تُعلن بالفعل أنه لم يكن هناك شيء يوحّد الحزبين الشيوعيين السوفييتي والصيني ،ولكن
ُفرق بيهما .تم نقل هذه السياسة في الحال الى مجال العالقات بين الدول.
فقط ما ي ّ
من الواضح اآلن أن الهدف النهائي لقادة بكين كان وضع االتحاد السوفييتي خارج اطار
المنظومة االشتراكية وطرد الحزب الشيوعي السوفييتي من الحركة الشيوعية العالمية .بعد أن
بجرةٍ من قلمه ،في صنف القوى تعرض للفشل الذريع ،وضع ماو تسي تونغ االتحاد السوفييتيّ ، ّ
"االمبريالية االجتماعية" .احتاج الماويين المزيد من الذرائع للقيام بذلك .لقد كانوا بارعين في
ابتكارها ،أوالً في المجال االيديولوجي ،ثم في مجال العالقات بين الدولتين.
يحاول ال ُممثلون الرسميون وأجهزة الدعاية الصينية الحديث حول محاوالت االتحاد السوفييتي
"وضع الصين تحت سيطرته" و"التدخل في شؤون الصين الداخلية" ،وما الى ذلك .تم استخدام
هذه التلفيقات اللقاء اللوم على االتحاد السوفييتي فيما يتعلق بتفاقم الوضع ،من أجل اثبات
"جوهره االشتراكي االجتماعي" وبالتالي تقويض مكانته الدولية واثارة الهستيريا ال ُمعادية
للسوفييت بين الشعب الصيني.
كان الماويون يعملون بشك ٍل منهجي لتحقيق هدفٍ آخر :تحرير أنفسهم من االلتزامات األُممية
التي تقع على عاتق كل مجموعة من الحركة الشيوعية العالمية فيما يتعلق بالعملية الثورية
العالمية ،وتمهيد الطريق للتواطؤ مع االمبريالية .هذا هو نمط الخيانة الطبقية التي ارتكبها ماو
تسي تونغ وجماعته.
اذا نظرنا الى الوراء في تاريخ الخالفات مع القيادة الماوية ،يُمكن للشعب السوفييتي أن يقول
بضمير ُمرتاح أن الحزب الشيوعي السوفييتي لم يدّخر جهدا ً لدرء هذا التدهور الخطير في تطور ٍ
األحداث وللنأي بنفسه عن استفزازات الماويين وال ُمحافظة على ودية العالقة مع الحزب
الشيوعي الصيني والشيوعيين الصينيين .ليس ذنبنا أنه لم يتحقق كل هذا .عالوة ً على ذلك ،فان
الحزب الشيوعي السوفييتي واألحزاب الماركسية اللينينية األُخرى قد شددوا منذ البداية على
الطبيعة الخطيرة للتحريفية الماوية وحذروا من خطر الماوية الجسيم على االشتراكية .تم التأكيد
بشك ٍل ُمتكرر على اإلفالس النظري لبرنامج القادة الماويين السياسي في الرسائل المفتوحة
وال ُمغلقة للحزب الشيوعي السوفييتي ،وفي تصريحات قادة الحزب وفي صحافة الحزب ،وقد
أ ّكدت الحياة صحة هذا النقد.
ُملصقات سوفييتية تُعبّر عن الصداقة السوفييتية الصينية
ان العداء للسوفييت ليست فقط مسألة ُمتعلقة بالعالقات السوفييتية الصينية .ان العداء للسوفييت
هو شوفينية اجتماعية صينية ُمر ّكزة ،وفي نفس الوقت هي وجه آخر لعداء الماويين لالشتراكية.
يُر ّكز الماويون هجماتهم على االتحاد السوفييتي ألنهم يعتبرونه بمثابة الكابح الرئيسي ألهدافهم
التوسعية والشوفينية .كان نموذج االتحاد السوفييتي وتجربته في بناء االشتراكية ومكانته الدولية
العظيمة وامكاناته الدفاعية ال ُمتزايدة باطراد عائق رئيسي الحباط هذه األهداف ،حيث يضطر
الماويون الى وضع كل هذا في حساباتهم.
واصل القادة الماويون في عامي 1979وُ 1980مفاقمة الوضع في العالقات السوفييتية الصينية،
وبالتالي أظهروا عدم رغبتهم في اعادة العالقات بين البلدين الى سياقها الطبيعي .قال دنغ شياو
بينغ في 16كانون الثاني عام 1980أن النضال ضد االتحاد السوفييتي على الصعيد العالمي
"هو المهمة السياسية الخارجية الرئيسية للصين".
في المواجهة ال ُمتزايدة بين العالمين االشتراكي والرأسمالي ،تلعب الصين دور ُمساعد االمبريالية
الذليل في النضال ضد االتحاد السوفييتي والدول االشتراكية األُخرى.
منذ البداية ،تناول الحزب لشيوعي السوفييتي واألحزاب الماركسية اللينينية األُخرى مسألة
الخالفات بين الحزب الشيوعي الصيني والحركة لشيوعية العالمية من ُمنطلق ُحسن النية تجاه
الشعب الصيني وقضية االشتراكية في الصين .كانوا على دراية بالطبيعة ال ُمعقدة لبناء العالقات
ط ُرقكبير مثل الصين والحاجة الى ايجاد ُ
االجتماعية على طول الخطوط االشتراكية في بل ٍد ٍ
ووسائل من شأنها أن تجمع بين القوانين العامة لبناء االشتراكية والظروف الخاصة للصين .لم
يفرض الحزب الشيوعي السوفييتي واألحزاب الشقيقة األُخرى الصيغ الجاهزة على الشيوعيين
الصينيين ،ولم يدعوهم الى نسخ أساليبهم في بناء االشتراكية .كانوا ،بدالً من ذلك ،يرغبون في
ت عديدة مع الشيوعيين الصينيين لمساعدتهم في تجنب ُمشاركة خبراتهم الواسعة على مدى سنوا ٍ
المصاعب التي واجهها رواد هذه القضية وتحقيق األهداف التي حددتها الثورة الصينية العظيمة
وال ُخطط ال ُخمسية األُولى والمؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الصيني .في الوقت نفسه ،لفتوا
االنتباه الى الخط الفاصل األساسي بين العوامل التي تُعزز بناء االشتراكية والعوامل التي
تتعارض مع ذلك .كان بإمكان الشعب الصيني تجنّب العديد من المآسي والنكسات االقتصادية
واألزمات االجتماعية والثقافية ال ُممتدة لو تم االلتفات الى النصائح المعقولة التي تم تقديمها.
مر
لطالما كان الشيوعيين السوفييت وكل الشعب السوفييتي يحترمون بشدة الشعب الصيني الذي ّ
الم َحن .انهم يتمنون لهم بصدق تجنّب المآسي مثل "الثورة الثقافية" .انهم يؤمنون
بالعديد من ِ
ايمانا ً راسخا ً بأن الماركسية فقط ،وليس الماوية ،هي القادرة على اضاءة طريق ُمستقبل الصين
ال ُمشرق .واسترشادا ً بقرارات المؤتمرين الخامس والعشرين والسادس والسادس والعشرين
للحزب الشيوعي السوفييتي ،يسعى االتحاد السوفييتي دائما ً الى استعادة عالقات ُحسن الجوار مع
جمهورية الصين الشعبية.
يُعتَبَر تفاقم حالة العالقات السوفييتية الصينية حالةً شاذة .توجد جميع الشروط ال ُمسبقة الالزمة من
أجل إعادة الصداقة والتعاون بين االتحاد السوفييتي والصين الى طبيعتهما ،ألن التعاون سيكون
مرة ً أُخرى ،مفيدا ً للغاية لكال الجانبين ولتطوير وضع الثورة العالمية.
لقد أثبت الشعب الصيني طوال تاريخه أنه يستحق أن يُطلَقَ عليه لقب أم ٍة عظيم ٍة وبطولية .ال
شك في أنه سيكون قادرا ً على التغلب على الصعوبات التي يواجهها ،والدفاع عن مكاسبه
الثورية ،وإعادة الصين مرة ً أُخرى الى طريق التطور االشتراكي الحقيقي.
ُمل َحق
الجنود السوفييت جاهزون لرد العدوان ُقرب جبال كامينايا على الحدود الصينية
انتظم حرس الحدود السوفييت في تشك ٍل قتالي ،وقاموا جنبا ً الى جنب ،مع الجنود الذي قدموا من
المركز الحدودي ،بصد الهجوم المفاجئ ثم طردوا الصينيين المتسللين بعيدا ً عن األراضي
السوفييتية.
أدى حرس الحدود السوفييت واجبهم العسكري بشرف .لم يدخروا حياتهم وأظهروا شجاعةً كبيرة ً
وبطولةً في الدفاع عن الحدود.
لم َيكَد ال ُمغيرون يتوقفون عن اطالق النيران حتى انطلقت آلة الدعاية الشاملة في بكين لدعم
االستفزاز المتوحش .بدأ مسؤولو الصحافة واالذاعة والجيش بتعبئة المواطنين الصينيين باللجوء
الى األكاذيب البشعة واالفتراءات فيما يتعلق باالتحاد السوفييتي .أعدّت بكين ،في وق ٍ
ت ُمبكر
نُسخة القصة التي تقول أن الوحدة الصينية "تعرضت للهجوم" واتخذت تدابير الدفاع عن النفس.
ليست هذه هي المرة األولى التي يشهد فيها العالم مثل هذه األعمال االستفزازية من قِبَل ماوتسي
تونغ وزمرته ومحاوالتهم للتغطية على أعمالهم بالدعاية.
َرب ال ُمغيرون ،تاركين
لكن الحقائق ال تقبل الجدل .ال يُمكن محو آثار غارات اللصوص .ه َ
زود بها ال ُمحرضون الصينيون
مالبسهم وأجهزة اتصاالتهم وحتى زجاجات الكحول التي ّ
ال ُمشاركين في هذا األمر.
تكشف دعاية بكين عن حقيقتها التوسعية عندما تُحاول تبرير االستفزاز ال ُمسلّح على الحدود
السوفييتية الصينية من خالل ال ُمطالبات باألراضي السوفييتية ،وخاصةً جزيرة دامانسكي .لكن
الهجوم تم ضد حرس الحدود السوفييت الذين يحمون األراضي السوفييتية.
يسعى هذا العمل االجرامي الذي قامت به جماعة ماوتسي تونغ ،والذي أودى بحياة العديد من
الرجال ،وراء أهدافٍ بعيدة المدى.
يُحاول الماويون ،من خالل تأجيج الهستيريا ال ُمعادية للسوفييت والجنون الشوفيني ،خلق أجواءٍ ،
من شأنها أن تسمح لهم بتقوية وضعهم داخل البالد وتدعيم مسار القوة العُظمى والنزعة ال ُمغامرة
لماوتسي تونغ الذي يسعى الى زيادة تدهور العالقات مع الحزب الشيوعي السوفييتي والدولة
السوفييتية ،واألحزاب الشيوعية والدول االشتراكية األُخرى.
مواجهة بين جنود سوفييت وصينيون على الحدود قبل عدة أسابيع من االعتداء الصيني ال ُمس ّلح
على الحدود.
قام ماوتسي تونغ وأتباعه بالهجوم القذر على االتحاد السوفييتي في الوقت الذي يستمر فيه
العدوان األمريكي على فييتنام ،حيث يتمسك الشعب الفييتنامي البطل بقضية الحرية واالستقالل.
يُقدّم االتحاد السوفييتي والدول االشتراكية األُخرى للشعب الفييتنامي ،في هذا النضال ،مساعدة ً
ودعما ً أُمميا ً هائالً .ال يُمكن أن تكون األمور قد وصلت الى حد ارتكاب مثل هذا العمل
االستفزازي الغادر ضد بل ٍد اشتراكي! ،ما لم تكن قيادة بكين الحالية قد وصلت الى حالة من
االنحالل السياسي وخيانة قوى االشتراكية في النضال العالمي ضد االمبريالية.
ان االستفزاز بالقرب من جزيرة دامانسكي هو جزء من سياسة الماويين التي تهدف الى تسريع
اعادة التوجيه الجذري للسياسة الخارجية والداخلية لجمهورية الصين الشعبية ،وفي النهاية تحويل
هذه الدولة الى قوة ُمعادية للدول االشتراكية.
تُظهر األحداث في السنوات األخيرة أن أهداف الهيمنة الشوفيتية لماو وجماعته تكمن وراء
سياسة بكين فيما يتعلق بالدول ال ُمجاورة األُخرى وآسيا بأكملها .يُظ ِهر الماويين ،في كل مكان،
مساعيهم التوسعية ويسعون الي زرع بذور العداء السمة بين الشعوب والدول.
هذا هو السبب في أن قوى الرجعية االمبريالية تبتهج باألعمال الخبيثة التي يقوم بها ال ُمحرضون
الماويون.
- 10أُجريت االنتخابات الرئاسية في ألمانيا الغربية في 5آذار عام .1969كان غيرهارد شرودر Gerhard Schröderهو أحد
ال ُمرشحين للرئاسة .كان شرودر عضوا ً في الحزب النازي ،وكان جزءا ً من المجموعة البرلمانية النازية التي ساعدت على صعود
هتلر الى سدة الحكم .كانت األوساط الحاكمة في ألمانيا الغربية ،من نشوئها تؤجج نيران المشاعر االنتقامية (االنتقام من هزيمة بلدهم
في الحرب الثانية والمطالبة باعادة أمجاد األمة) ،التي كانت ُمعادية للسوفييت وداعية للحرب .كان شرودر احتماالً رئاسيا ً قد يُسعّر
هذه المزاعم الحاقدة ،مما أثار قلقا ً من جانب منظومة الدول االشتراكية -ال ُمترجم.
ترتبط مشاريع ماوتسي تونغ في مجال السياسة الخارجية ارتباطا ً ُمباشرا ً بسياساتها الداخلية التي
تهدف الى انشاء نظام عسكري بيروقراطي في الصين .من المعروف أن هذا بالتحديد هو سبب
تنفيذ ما يُسمى بالثورة الثقافية والتي تضمنت عمليات انتقامية ارهابية ضد الشيوعيين الصينيين
وجميع الذين تعز عليهم قضية االشتراكية في الصين والصداقة مع االتحاد السوفييتي والدول
االشتراكية األُخرى.
ترجمة من ُكتيّب:
Who is to blame? How differences arose between china's Maoist leaders
and the USSR and other Socialist Countries- Oleg Ivanov
Novosti Press Agency publishing House 1981