You are on page 1of 58

‫في اآلونة األخيرة‪ ،‬لم تدخر قيادة بكين وأجهزة الدعاية الغربية والتحريفيين من جميع األلوان أي‬

‫جهد في تشويه التاريخ الحقيقي للعالقات السوفييتية‪-‬الصينية‪ .‬انهم يجهدون من أجل اعادة كتابة‬
‫الصفحات المجيدة في تاريخ الدولتين والشعبين ولجعل الشعب الصيني والرأي العام العالمي‬
‫يُشككان في صدق سياسة الحزب الشيوعي السوفييتي والحكومة السوفييتية األممية تجاه الحزب‬
‫الشيوعي الصيني وجمهورية الصين الشعبية‪.‬‬
‫ً‬
‫يسعى الحزب الشيوعي السوفييتي بال كلل‪ ،‬تفيذا للقرارات ال ُمتخذة في مؤتمره‪ ،‬الى تطبيع‬
‫جرد اعالن نواياه عن‬ ‫العالقات السوفييتية الصينية‪ .‬لم يكن الحزب الشيوعي السوفييتي يقوم ب ُم ّ‬
‫وتكرار خطوات عملية ُمحددة لتحقيقها‪ .‬في المؤتمر الخامس‬ ‫ً‬ ‫تحسين العالقات‪ ،‬بل اتخذ مرارا ً‬
‫ع ِقدَ عام ‪ ،1976‬على سبيل المثال‪ ،‬أوضح تماما ً أنه ان كانت‬ ‫والعشرين للحزب الشيوعي الذي ُ‬
‫الصين ستعود الى المسار الماركسي‪-‬اللينيني الحقيقي وتتخلى عن سياساتها العدائية تجاه البلدان‬
‫االشتراكية وتسلك طريق التعاون واألممية مع العالم االشتراكي فان هذا سيالقي ردا ً ايجابيا ً من‬
‫االتحاد السوفييتي ويفتح امكانيات تطوير العالقات مع الصين بالتوافق مع السياسات األممية‪.‬‬
‫ع ِقدَ عام ‪ 1981‬التأكيد على الموقف المبدأي للحزب‬ ‫أعاد المؤتمر السادس والعشرون الذي ُ‬
‫الشيوعي السوفييتي بشأن جميع العالقات الدولية بين االتحاد السوفييتي والصين‪.‬‬

‫ُملصق سوفييتي عن الصداقة مع الصين‬

‫تحو ٍل ربما تكون قد حدثت في العالقات السوفييتية الصينية‬‫كان من الطبيعي أن نتوقع أن نُقطة ّ‬
‫بعد موت ماوتسي تونغ في سبتمبر ‪ ، ،1976‬أو على األقل تغي ٌّر نحو األفضل‪ .‬لم يكن سرا ً أن‬
‫ماو وأتباعه كانوا يعملون بحماسة لتعطيل هذه العالقات‪ ،‬خاصةً منذ أواخر الخمسينيات وبداية‬
‫الستينيات‪ ،‬وهذا هو بالضبط سبب مضاعفة االتحاد السوفييتي جهوده لتطبيع العالقات‬
‫السوفييتية‪-‬الصينية بعد موت ماو‪.‬‬
‫تحقيقا ً لهذه الغاية من عام ‪ 1976‬الى عام ‪ ،1980‬أي في الفترة بين المؤتمرين ‪ 25‬و‪ ،26‬تم‬
‫اتخاذ عدد من الخطوات بمبادرة من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي من أجل ايصال‬
‫فكرة للقيادة الصينية الجديدة أنه كان لدى االتحاد السوفييتي نوايا حسنة تجاه الصين وانه ُمستعد‬
‫لتطبيع عالقاته مع هذا البلد‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬فيما يتعلق بالمفاوضات المبدئية بشأن تنظيم‬
‫ع ِقدَت الجوالت األولى من المفاوضات حول تطبيع‬ ‫الحدود التي استمرت منذ عام ‪ُ ،1969‬‬
‫العالقات بين الدولتين عام ‪ ،1979‬حيث قدّم الجانب السوفييتي مجموعةً واسعةً من المقترحات‬
‫البناءة‪ ،‬والتي رفضتها بكين بالرغم من هذا‪ .‬في عام ‪ 1971‬اقترح االتحاد السوفييتي توقيع‬
‫معاهدة مع الصين بشأن التخلي عن استخدام القوة‪ .‬بموجب شروط هذه المعاهدة‪ ،‬يتعهد كال‬
‫الجانبين بعدم استخدام القوة المسلحة ضد بعضهما البعض وعدم استخدام اي نوعٍ من األسلحة‬
‫ت الحق‪ ،‬في عام ‪ 1973‬اقترح االتحاد التقليدية أو الصاروخية أو النووية ضد بعضهما‪.‬‬ ‫في وق ٍ‬
‫السوفييتي ابرام معاهدة عدم اعتداء مع الصين‪.‬‬
‫في آذار عام ‪ ،1978‬عشية جلسة المؤتمر الشعبي الوطني لجمهورية الصين الشعبية‪ ،‬اتخذ‬
‫االتحاد السوفييتي مرة ً أُخرى مبادرات ُمهمة كانت من ال ُممكن أن تؤدي الى تطبيع العالقات‪.‬‬
‫أظهر الجانب السوفييتي بانتظام‪ ،‬في المفاوضات التجارية السوفييتية‪-‬الصينية السنوية‪ ،‬استعداده‬
‫لتوسيع التجارة على أساس المنفعة ال ُمتبادلة‪ ،‬الجراء محادثات حول توقيع اتفاقية تجارية طويلة‬
‫األجل واحياء التجارة الحدودية‪ .‬معرروف بشك ٍل جيد االقتراحات السوفييتية بشأن احياء‬
‫العالقات بين جمعيات الصداقة وفي مجال الصحة العامة واالستعداد العادة التعاون بين‬
‫أكاديميات العلوم الصينية والسوفييتية‪ .‬كل هذه المقترحات ال تزال قائمة‪ ،‬على الرغم من‬
‫االستجابة الصينية السلبية ال ُمستمرة‪.‬‬
‫ان الموقف الذي تتخذه القيادة الصينية‪ ،‬كما هو موقفها من قبل‪ ،‬هو العقبة الرئيسية في طريق‬
‫تطبيع العالقات السوفييتية الصينية‪ .‬ان زعماء بكين ملتزمون بمسار ماو ال ُمعادي للسوفييت‪ .‬في‬
‫الوضع الذي تسعى فيه القيادة الصينية‪ ،‬التي تتغير باستمرار‪ ،‬الى تأكيد نفسها من خالل اتخاذها‬
‫المواقف ال ُمهيمنة القديمة ومعاداة السوفييت وتجديد الماوية‪ ،‬تظل االجراءات السوفييتية حسنة‬
‫النية بدون استجابةً ايجابية من الجانب الصيني‪.‬‬
‫يتضح هذا من خالل حقيقة أن القيادة الصينية ما بعد ماو لم تُقدّم اقتراحا ً واحدا ً لتحسين العالقة‬
‫السوفييتية‪-‬الصينية وترفض توسيع التجارة أو الحفاظ على التعاون في المجال العلمي والثقافي‪.‬‬
‫حتى أن الجانب الصيني المريض بمعاداته للسوفييت‪ ،‬لم يستجب لالقتراح السوفييتي القامة‬
‫عالقات علمية بين علماء الزالزل السوفييت والصينيين‪ .‬عالوة ً على ذلك‪ ،‬ي ّ‬
‫ُصور االتحاد‬
‫السوفييتي‪ ،‬في الوثائق الصادرة عن أعلى الهيئات الحكومية الصينية وتصريحات قادتها‪ ،‬على‬
‫أنه العدو االيديولوجي والسياسي والعسكري الرئيس للصين‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬يُظهر تاريخ العالقات السوفييتية الصينية‪ ،‬أنه ال توجد وال يُمكن أن توجد أي أسباب‬
‫لهذه القطيعة‪ ،‬عدا عن وجود أي أسباب للمواجهة بين الشعبين‪ .‬على العكس من ذلك‪ ،‬توجد جميع‬
‫الشروط ال ُمسبقة الالزمة من أجل الصداقة والتعاون‪.‬‬
‫اليوم‪ ،‬ال يدّخر الماويون وأتباعهم في البلدان األُخرى أي جهد لتزوير األسباب الحقيقية لتفاقم‬
‫ب الكثير في محاوالت لوم‬ ‫المشاكل في العالقات السوفييتية‪-‬الصينية وطبيعة هذه المشاكل‪ُ .‬ك ِت َ‬
‫الحزب الشيوعي السوفييتي واالتحاد السوفييتي على ذلك‪ .‬من المعروف أن الدعاية ال ُمعادية‬
‫للشيوعية من كل لون تتناول هذه التزويرات بشغف وتُضخمها‪.‬‬
‫ليس من قبيل المصادفة أن هناك فيض من ال ُكتب والنشرات والمقاالت المزورة في الدراسات‬
‫التاريخية الغربية التي تسعى الى تبرير سياسات بكين الداخلية والخارجية وتُشوه الحقائق حول‬
‫العالقات السوفييتية‪-‬الصينية وتاريخ الخالف بين الحركة الشيوعية العالمية والقيادة الماوية‪.‬‬
‫يجب التأكيد على أن الماويين أنفسهم ينشرون بكل تع ّمد األكاذيب والتزوير من كل نوع بصدد‬
‫هذه المسائل‪ .‬انهم يُساهمون في مساعدة الصحافة وعلماء الصينولوجيا في البدان الرأسمالية على‬
‫بناء األساطير حول هذه القضايا‪ .‬نُشير في هذا الصدد الى التصريحات التي نشرتها الصحف‬
‫‪ Mainichi Shimbun‬وماينيتشي شيمبون ‪Yomiuri Shimbun‬اليابانية يوميوري شيمبون‬
‫في كانون الثاني لعام ‪ 1972‬حول جوهر ال ُمحادثات التي جرت بين بعض ُممثلي "شنغهاي"‬
‫ومندوبي النقابات العُمالية اليابانية حول ما يُسمى "الجرائم االحدى عشر" السوفييتية ضد الصين‪.‬‬
‫ال يزال من ال ُممكن العثور على تعديالت لهذه التزويرات الماوية في المنشورات األجنبية‪.‬‬
‫ان تلفيقات بكين تتعامل مع أكثر المسائل تنوعاً‪ .‬تم الكشف عن العديد منها على نح ٍو ُمالئم في‬
‫الصحافة السوفييتية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬تستمر قائمة األكاذيب والتزوير في النمو‪ ،‬وهذا يجعل من‬
‫الضروري تقديم معلومات اضافية حول نقاطٍ ُمعينة‪.‬‬
‫هناك سبب آخر للقيام بذلك‪ .‬ان األشخاص الذين لديهم فكرة غامضة عن تاريخ العالقات‬
‫السوفييتية‪-‬الصنية واألهداف الحقيقية لبكين‪ ،‬أو الذين خدعتهم الدعاية الصينية يزعمون أحيانا ً أن‬
‫جذور ُمعاداة السوفييت تكمن في ظروفٍ موضوعية ُمعينة‪ ،‬مثل "صراع بين المصالح القومية‬
‫السوفييتية الصينية"‪ ،‬وليس في الجوهر القومي لسياسة القادة الصينيين وخطهم السياسي العام‪.‬‬
‫غالبا ً ما يُل ّمح أتباع مثل هذه اآلراء الى تصريحات ماوتسي تونغ ال ُمنافقة حول "الصداقة" مع‬
‫الحزب الشيوعي السوفييتي‪ ،‬أو ُمالحظاته حول سعي الحزب الشيوعي الصيني الدائم من أجل‬
‫تحقيق "الوحدة والتضامن" مع الشعب السوفييتي والشيوعيين السوفييت‪ ،‬وما الى ذلك‪ .‬أحيانا ً يتم‬
‫تفسير العداء الماوي للسوفييت من خالل نسبها الى "استيائهم الشخصي"‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬تُظهر الحقائق أن بكين‪ ،‬أثناء حياة ماو‪ ،‬ابتكرت "برنامجاً" خاصا ً من أجل ُمفاقمة‬
‫الوضع في العالقات السوفييتية‪-‬الصينية‪ .‬هذا وحده يُمكن أن يُفسّر حقيقة أنه منذ الستينيات‪ ،‬كانت‬
‫ال ُمقترحات ال ُمتكررة التي طرحها الحزب الشيوعي السوفييتي من أجل تطبيع العالقات بين‬
‫ترك بدون أي رد أو تُدفَن عمدا ً تحت جبا ٍل من االتهامات السخيفة على أساس تزوير‬ ‫البلدين اما ت ُ َ‬
‫الحقائق وتطويعها‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬فان الحقائق ال تدع مجاالً للشك في الطبيعة ال ُمنافقة للت ُ َهم الموجهة الى الحزب الشيوعي‬
‫السوفييتي بأنه ال ُمسبب لتدهور العالقات السوفييتية‪-‬الصينية‪ ،‬و"تقليص المساعدات السوفييتية‬
‫بكر من الستينيات‪ ،‬كل ذلك ردا ً‬ ‫للصين" و"استدعاء ال ُمختصين السوفييت من الصين" في وق ٍ‬
‫ت ُم ٍ‬
‫على "الموقف ال ُمستقل" للقادة الشيوعيين الصينيين‪.‬‬
‫من المعروف جيدا ً أن جماعة ماو شنّت حملتها ال ُمعادية للسوفييت في الوقت الذي أصبحت في‬
‫العالقات الوثيقة بين الصين واالتحاد السوفييتي عائقا ً أمام ُمخططات الهيمنة الصينية‪ .‬تم استخدام‬
‫الستارة الدخانية ال ُمتمثلة باالدعاءات حول الروح "الثورية" لبكين و"تحريفية" الحزب الشيوعي‬
‫السوفييتي من أجل اخفاء انحراف الحزب الشيوعي الصيني عن موقفٍ مبدأي ٍ ُمحدد‪.‬‬
‫لكي نكون موضوعيين‪ ،‬يجب على المرء أن يُالحظ أن هجمات ماوتسي تونغ ال ُممنهجة على‬
‫االتحاد السوفييتي تعود الى الوقت الذي كانت فيه العالقات بين البلدين ودية للغاية‪ .‬في تشرين‬
‫الثاني عام ‪ ،1956‬ادعى ماوتسي تونغ أنه تم التخلّص من اللينينية في االتحاد السوفييتي‪ ،‬وفي‬
‫آذار عام ‪ 1959‬قال بأن "االستغالل االقتصادي العسكري من نوع التملّك العقاري" موجود في‬
‫االتحاد السوفييتي‪ .‬استاء ماوتسي تونغ بمرارة من قرارات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي‬
‫السوفييتي وانتقاد عبادة الشخصية‪ُ .‬مخفيا ً آرائه الحقيقية‪ ،‬تظاهر ماو بالموافقة على قرارات‬
‫المؤتمر‪ .‬في الواقع‪ ،‬اعتبر مسألة انتقاد عبادة الشخصية تهديدا ً مباشرا ً لمكانته باعتباره الحاكم‬
‫األعلى للصين ولمزاعمه بأنه شخصية "كالسيكية حية" في الحركة الشيوعية العالمية‪.‬‬
‫في الدورة الثانية للمؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الصيني عام ‪ 1958‬وفي اجتماع اللجنة‬
‫المركزية للحزب الشيوعي الصيني في آب عام ‪ 1959‬تحدّث ماو عن الحاجة الى "االستعداد‬
‫لالنقسام" أو االنشقاق‪ ،‬و"عدم الخوف من ذلك"‪ .‬كانت تلك هي اللحظة التي حدد فيها مهمة‬
‫"هندسة التناقضات" في عالقات الصين مع االتحاد السوفييتي وحزبه الشيوعي‪ .‬في عام ‪،1964‬‬
‫عندما كان الحزب الشيوعي السوفييتي والعديد من األحزاب الشقيقة يبذلون جهودا ً لتطبيع‬
‫العالقات مع الحزب الشيوعي الصيني‪ ،‬أعلن ماو أن االتحاد السوفييتي كان "دولةً فاشيةً من نوع‬
‫هتلر" وأقنَ َع القيادة الصينية أنه من المناسب تحقيق قطيعة مع االتحاد السوفييتي‪ .‬وبالتالي فان‬
‫تعرض لها ماو‪ ،‬بل بداعٍ من طموحاته لفرض خطه‬ ‫المسألة ليست مسألة "اهانات" مزعومة ّ‬
‫وعقيدته وهيمنته على ال ُمجتمع االشتراكي والحركة الثورية العالمية‪.‬‬
‫لكن كان ماو‪ ،‬في منتصف الخمسينيات‪ ،‬ال يزال يجد صعوبةً في احداث تحوالت حادة في‬
‫العالقات السوفييتية الصينية‪ ،‬والتي وقف ضد حصولها الشيوعيون األمميون في القيادة الصينية‬
‫والروابط الواسعة في جميع المجاالت بين البلدين والوضع الدولي العام‪.‬أُج ِب َر ماو على ابقاء خطه‬
‫ال ُمعادي للسوفييت مخفياً‪ .‬هذا ما قاله عام ‪ 1958‬عن االتصاالت بين الصين واالتحاد السوفييتي‪:‬‬
‫"هناك الكثير من الشائعات الكاذبة حول العالقات بين بلدينا‪ .‬هل لدينا القوة لكي نُزعج أنفسنا بهذه‬
‫الشائعات العديدة؟ فليذهب الشيطان معهم! سنبقى أُخوة ً في عائل ٍة واحدة لمدة عشرة آالف سنة"‪.‬‬
‫ت العداد الرأي العام الصيني والذكاء المشاعر القومية ال ُمعادية للسوفييت‪.‬‬ ‫احتاج ماو الى وق ٍ‬
‫صعّدَ قادة بكين من أنشطتهم االنشقاقية في الحركة الشيوعية العالمية منذ عام ‪ 1958‬وبدأوا في‬
‫اقامة تحالفات ضد الحزب الشيوعي السوفييتي‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬قالوا لأللبان أنهم "تح ّملوا خط‬
‫الحزب الشيوعي السوفييتي وسياسته بعد المؤتمر العشرين لمدة ‪ 4‬سنوات وشهرين وقد سئموا‬
‫منه"‪.‬‬
‫ومن أجل الكشف عن الوضع الحقيقي‪ ،‬دعونا نُلقي نظرة ً على بعض األمثلة النموذجية في تاريخ‬
‫العالقات السوفييتية الصينية‪.‬‬
‫ُمعارضة التعاون مع الدول االشتراكية سنوات الستينات‬

‫سيكون من قبيل البديهية القول أن تنسيق السياسات الخارجية للدول االشتراكية يصب في صالح‬
‫السالم وحرية الشعوب وأنه مظهر من مظاهر األممية في أكثر صورها وضوحاً‪ .‬يُعزز هذا‬
‫التنسيق من أمن الدول االشتراكية ويجعل من الممكن التأثير بشك ٍل فعا ٍل أكثر على مسار التطور‬
‫العالمي لصالح السالم والديمقراطية واالستقالل الوطني واالشتراكية‪.‬‬
‫تم تحديد السمات األساسية لمسار تنسيق السياسات الخارجية للدول االشتراكية في الستينيات‬
‫بوضوح منذ عام ‪ 1957‬في تصريح اجتماع ُممثلي األحزاب الشيوعية والعمالية للدول‬
‫االشتراكية وفي بيان السالم‪ ،‬وكذلك في البيان والنداء الى شعوب العالم الذي تبنته األحزاب‬
‫الشقيقة عام ‪ .1960‬حققت المنظومة االشتراكية العالمية نجاحا ً ملموسا ً في متابعتها سياستها‬
‫السلمية وتمكنت من شل الطموحات العدوانية لالمبريالية‪ .‬لعب دور ايجابي في هذا التعاون الذي‬
‫حصل في السياسة الخارجية بين أكبر دولتين اشتراكيتين في العالم‪ ،‬االتحاد السوفييتي وجمهورية‬
‫الصين الشعبية‪ .‬كان لهذا التعاون أساس قانوني دولي سليم‪ ،‬وهو معاهدة الصداقة والتحالف‬
‫وال ُمساعدة ال ُمتبادلة السوفييتية الصينية المؤرخة في ‪ 12‬شباط عام ‪.1950‬‬
‫عظمى على‬ ‫ولكن منذ أواخر الخمسينيات وبداية الستينات‪ ،‬عندما حددت بكين أهدافها كقوة ُ‬
‫الساحة العالمية‪ ،‬بدأت الحكومة الصينية في اتخاذ اجراءات ُمنفصلة تتعارض مع الخط العام‬
‫للنضال االشتراكي العالمي من أجل السالم‪ .‬كما أُعلِنَ في بكين في أوائل الستينيات أنه "كانت‬
‫الحرب الباردة والتوتر الدولي ُمفيدين للغاية في تثقيف الشعب"‪ُ .‬‬
‫وز ِع َم أن تفاقم التوتر الدولي هو‬
‫"امتياز" ألنه "يُمكن لألحزاب الشيوعية‪ ،‬في ظروف التوتر الدولي‪ ،‬أن تتطور بسرعة أكبر‬
‫ويُمكن أن يزداد ُمعدل تطورها"‪ ،‬وبالتالي كان التوتر الدولي "أمرا ً ُمفيداً"‪ .‬أدلى ماوتسي تونغ‬
‫بتصريحات بهذا المعنى ولم يتردد في التصرف وفقا ً لذلك‪.‬‬

‫ليو شاوكي رئيس مجلش الشعب الوطني الصيني‬

‫انتقد ُممثلو الصين (ليو شاوكي ‪ ،Liu Shaoqi‬جو انالي ‪ ،zhou enlai‬دون شاوبين ‪Deng‬‬
‫‪ Xiaoping‬وغيرهم) من على منصة المجلس العام لالتحاد العالمي لنقابات العمال الذي اجتمع‬
‫في ُحزيران عام ‪ 1960‬موافق األحزاب الماركسية اللينينية بشأن مسائل الحرب والسالم‬
‫والتعايش السلمي ونزع السالح في محاولة لفرض خطهم السياسي ال ُمغامر على الدول‬
‫االشتراكية‪.‬‬
‫جو انالي رئيس وزراء الصين‬

‫لقد دافعوا عن سياسة بناء عالقات بين الدول على غرار سياسة (العين بالعين والسن وبالسن)‪،‬‬
‫ورفضوا المفاوضات كوسيلة لتسوية النزاعات‪ ،‬زاعمين أن التفاوض مع االمبرياليين هذا "من‬
‫شأنه أن يخدع البشرية" وانتقدوا بقسوة سياسة الدول االشتراكية المتضافرة في النضال من أجل‬
‫نزع السالح باعتبارها "غير ُمجدية بل وضارة"‪.‬‬

‫دون شاوبين‬

‫أفشى القادة الصينيين عملياً‪ ،‬بلجوئهم الى اسلوب ماوتسي تونغ في "الهجوم ال ُمفاجئ"‪ ،‬أسرار‬
‫لجمهور‬
‫ٍ‬ ‫الجوانب األساسية لتكتيكات واستراتيجيات السياسات الخارجية للدول االشتراكية‬
‫عريض من غير الشيوعيين دون أي ُمناقشة أولية لهذه المسائل بين اللجان المركزية لألحزاب‬
‫ٍ‬
‫المعنية‪.‬‬
‫على الرغم من جميع ُمحاوالت الحزب الشيوعي السوفييتي واألحزاب الماركسية اللينينية‬
‫األُخرى القيام باجراءات تسوية األمور‪ ،‬فقد استمرت قيادة الحزب الشيوعي الصيني في فرض‬
‫مسار سياسته الخارجية على الحركة الشيوعية العالمية خالل االجتماعات الثنائية والمتعددة‬
‫األطراف (في موسكو وبوخارست)‪.‬‬
‫في نهاية عام ‪ 1962‬وبداية عام ‪ 1963‬شنّت قيادة الحزب الشيوعي الصيني هجوما ً ايديولوجيا ً‬
‫جديدا ً ضد الحزب الشيوعي السوفييني والحركة الشيوعية العالمية‪ .‬تم شن هجوم مسعور على‬
‫السياسة الخارجية للدول االشتراكية الهادفة الى تجنّب حرب نووية‪ ،‬وهي ُمشكلة خطيرة في‬
‫السياسة الدولية‪.‬‬
‫في وقت أزمة الكاريبي عام ‪ 1962‬أصبح من الواضح أن قادة بكين كانوا على استعداد للتضحية‬
‫بجميع ال ُمثُل والقيم بما في ذلك السالم العالمي من أجل أهدافهم السياسية‪ .‬عندما كان التهديد‬
‫ب نووية‪ ،‬كان القادة‬ ‫األمريكي الخطير باستخدام القوة يحوم فوق كوبا وكان العالم على شفا حر ٍ‬
‫الصينيون يُحاولون عالنيةً اثارة صراع دولي واسع النطاق‪.‬‬
‫في البداية عندما كان الوضع الدولي متوترا ً بشك ٍل خاص وكانت هناك حاجة ُملحة لتشكيل جبهة‬
‫ُمشتركة لصد األعمال العدوانية االمبريالية األمريكية‪ ،‬امتنع قادة الحزب الشيوعي الصيني عن‬
‫اتخاذ اجراءات فعالة وعملية لدعم كوبا‪ ،‬على عكس االتحاد السوفييتي ودول المنظومة‬
‫االشتراكية األُخرى‪ .‬أي ف ّ‬
‫ضلَت القيادة الماوية أن تلعب لعبة االنتظار عندما كانت األمور‬
‫مشتعلة‪ ،‬حتى يكون لها الكلمة األخيرة‪ ،‬بغض النظر عن النتيجة‪.‬‬
‫خف التوتر وتحولّت األمور نحو األفضل‪ ،‬أطلقت الصين فجأة حملةً صاخبةً "من‬ ‫ولكن عندما ّ‬
‫الدعم القوي لنضال الشعب الكوبي من أجل استقاللها وسيادتها"‪ .‬في الوقت نفسه‪ ،‬زعمت الدعاية‬
‫الصينية أن موقف االتحاد السوفييتي كان ضارا ً لكوبا‪ .‬أظهر القادة الصينيون معارضتهم لتسوية‬
‫أزمة الكاريبي من خالل المفاوضات السلمية وكانوا يودون أن يدفعوا االتحاد السوفييتي وكوبا‬
‫الى األعمال المشحونة بالصراع العسكري‪ ،‬وحاولوا اثبات "صواب" وجهات نظرهم حول هذا‬
‫الموضوع وبالتالي الهجوم على سياسة التعايش السلمي‪ .‬نشر ال ُممثلون الصينيون افتراءا ٍ‬
‫ت ال‬
‫حصر لها ُمعادية للسوفيين حول أزمة الكاريبي في ال ُمنظمات الديمقراطية العالمية وفي ُمختلف‬
‫المحافل الدولية‪.‬‬
‫كان الماويون يريدون اثارة صدام عسكري بين االتحاد السوفييتي والواليات ال ُمتحدة‪ ،‬ولكي‬
‫يظلوا خارج المحرقة الحاصلة دون أي خسائر‪ .‬في هذا الصدد‪ ،‬نشرت الصحافة الرأسمالية عدة‬
‫تصريحات ُمثيرة لالهتمام‪.‬‬
‫كتبت صحيفة نيويورك تايمز في ‪ 7‬تشرين الثاني عام ‪ ،1962‬على سبيل المثال‪ ،‬أن بكين كانت‬
‫منذ فترة طويلة على استعداد للقتال حتى آخر أمريكي وآخر روسي‪.‬‬
‫فشل القادة الصينيون‪ ،‬خالل فترة الوضع الخطير في منطقة البحر الكاريبي‪ ،‬في تقديم أية‬
‫ُمقترحات بنّاءة من شأنها أن تضمن مصالح كوبا وتجنب نشوب حرب عالمية جديدة‪ .‬عالوة ً على‬
‫ذلك‪ ،‬بعيدا ً عن فعل كل شيء للمساعدة في تسوية األزمة‪ ،‬بدأت بكين عملياتها العسكرية على‬
‫الحدود الصينية‪-‬الهندية في تلك األيام على وجه التحديد‪ ،‬وبالتالي خلق يؤرة توتر دولي جديدة‪.‬‬
‫كانت هذه االجراءات شهادة بليغة على األهداف الحقيقية للقادة الصينيين‪ .‬وقد استفادوا من وضع‬
‫كان فيه انتباه كل العالم ينصب على األزمة الدولية في منطقة الكاريبي من أجل تحديد أهدافهم‬
‫القومية‪.‬‬
‫باالضافة الى ذلك‪ ،‬في ُمحاولة لتشويه السياسة الخارجية اللينينية للدول االشتراكية‪ ،‬عارضت‬
‫بكين في عام ‪ 1963‬بشدة معاهدة موسكو التي تحظر تجارب األسلحة النووية في الغالف الجوي‬
‫وفي الفضاء الخارجي وتحت سطح البحر‪ ،‬والتي كانت‪ ،‬على الرغم من طابعها المحدود‪ ،‬النجاح‬
‫األول في الكفاح الطويل الذي خاضته الدول ال ُمحبة للسالم وجماهير الشعوب العريضة في جميع‬
‫أنحاء العالم ضد خطر الحرب النووية‪ .‬كانت هذه الوثيقة ُمهمة للغاية لمواصلة البحث عن ُ‬
‫ط ُرق‬
‫لتسوية القضايا الخالفية بين الدول ذات األنظمة االجتماعية ال ُمختلفة‪ ،‬وهي قد أثارت استجابة‬
‫واسعة وحصلت على دعم كبير في جميع أنحاء العالم‪ .‬أخضعت الحكومة الصينية هذه الوثيقة‬
‫لهجمات مسعورة‪ ،‬في الوقت الذي كانوا يغضون فيه النظر عن حقيقة أن الرأي العالمي كان‬
‫ينظر الى هذه المعاهدة على انها انجاز رئيسي لسياسة التعايش السلمي‪ .‬أصبح موقف الصين‬
‫الهيستيري واضحا ً في تشرين األول عام ‪ ،1964‬عندما اختبرت الصين أول قنبلة ذرية‪ ،‬وال‬
‫زالت الصين ُمستمرة‪ ،‬الى يومنا هذا في اجراء تجارب نووية في الغالف الجوي‪ .‬أثّر التساقط‬
‫جريَت في تشرين األول عام ‪ 1980‬على سكان اليابان‬ ‫االشعاعي الذي نت َج عن التجربة التي أ ُ ِ‬
‫والواليات المتحدة وكندا والمكسيك‪ ،‬مما أدى الى عاصفة احتجاجات في هذه البلدان وفي جميع‬
‫أنحاء العالم‪.‬‬
‫كان من الواضح‪ ،‬أن تصرفات القادة الصينيين على الساحة الدولية‪ ،‬في تلك السنوات‪ ،‬كانت‬
‫تهدُف الى دق اسفين في حركة التضامن االفروآسيوية‪ ،‬ووضعها في مواجهة ُمجتمع الدول‬
‫االشتراكية‪ ،‬والوقوف مع القوى االمبريالية بشك ٍل ُمباشر في العديد من القضايا‪ .‬وبالتالي‪ ،‬لم يكن‬
‫جرد انحراف عن السياسة الخارجية للدول االشتراكية‪ ،‬ولكن اعادة توجيه جوهرية‬ ‫األمر ُم ّ‬
‫لسياسة الصين الخارجية‪ .‬أصب َح من الواضح أكثر فأكثر أن الصين تتخلى عن المواقف الطبقية‬
‫وتقوض جبهة النضال ال ُمشترك ضد االمبريالية ونصب تلك السياسة ضد‬ ‫في سياساتها الخارجية ّ‬
‫ُ‬
‫االتحاد السوفييتي والدول االشتراكية األخرى‪.‬‬
‫بدا موقف بكين تجاه االتحاد السوفييتي‪ ،‬الذي لم يدّخر أي جهد لمساعدة الصين في بناء‬
‫االشتراكية‪ ،‬أكثر من كونه موقفا ً غريباً‪ ،‬وخصوصا ً أن موقف االتحاد السوفييتي الدولي في‬
‫الدفاع عن مصالح الصين كان معروفا ً بشك ٍل عام‪ .‬يكفي أن نتذكر أن االتحاد السوفييتي أر َ‬
‫س َل‬
‫تشكيالت ضخمة من المقاتالت السوفييتية لحماية الجمهورية من غارات العدو الجوية بناءا ً على‬
‫طلب الحكومة الصينية في عام ‪( 1950-1949‬ناهيك عن فترة ما قبل الثورة)‪ ،‬وبالتالي ضمان‬
‫سالمة شانغاهاي أحد المراكز الصناعية الرئيسية في البالد واحباط هجمات القوات األمريكية‬
‫وقوات تشانغ كايشي‪.‬‬

‫الجنود التايوانيين يُكدسون قذائف المدافع أثناء أزمة تايوان عام ‪1958‬‬

‫في أيلول عام ‪ ،1958‬أثناء أزمة تايوان الخطيرة‪ ،‬حذّ َرت الحكومة السوفييتية الحكومة األمريكية‬
‫صراحةً من االتحاد السوفييتي سيعتبر الهجوم على الصين بمثابة هجوم على االتحاد السوفييتي‬
‫وأن على الحكومة األمريكية أن تتحمل كل العواقب ال ُمترتبة على ذلك‪ .‬باالضافة الى ذلك‪ ،‬كان‬
‫قادة الحزب الشيوعي الصيني في ذلك الوقت يتحدثون الى ما ال نهاية عن األهمية االستثنائية‬
‫للصداقة السوفييتية‪-‬الصينية‪ .‬كتب ماو تسي تونغ أن "توقيع معاهدة الصداقة والتحالف والمساعدة‬
‫المتبادلة بين الصين واالتحاد السوفييتي‪ ،‬ال يعني تقديم مساعدة هائلة في بناء الصين‪ ،‬لكنه أيضا ً‬
‫ضمانة قوية ضد العدوان ومن أجل الحفاظ على السالم واألمن في الشرق األقصى وفي جميع‬
‫أنحاء العالم‪.1‬‬
‫الكالم كالم والحقائق حقائق‪ .‬في أوائل الستينيات من القرن الماضي‪ ،‬بدأ الحزب الشيوعي‬
‫الصيني بالفعل في انتهاك المعاهدة السوفييتية الصينية المؤرخة في ‪ 14‬شباط عام ‪ .1950‬وقد‬
‫تهرب الصينيون باصرار من الوفاء بالمادة ‪ 4‬من المعاهدة التي دعت الى اجراء مشاورات‬ ‫ّ‬
‫"حول جميع المسائل الدولية الرئيسية التي تؤثر على العالقات المشتركة الصينية والسوفييتية"‪.‬‬
‫أخفَت الحكومة الصينية نواياها باطالق النار سواحل ال ُج ُزر البحرية في مضيق فورموزا عام‬
‫‪ 1958‬وفَ ِشلَت في ابالغ الحكومة السوفييتية بالعمل العسكري الصيني المتهور ضد الهند‪ ،‬أو‬
‫بموضوع المحادثات الصينية األمريكية التي بدأت عام ‪ ،1955‬وانتهكت الصين كذلك التزاماتها‬
‫في نقاطٍ كثيرةٍ أُخرى‪.‬‬
‫من جانبها‪ ،‬التزمت الحكومة السوفييتية بدقة بأحكام ال ُمعاهدة فيما يتعلق بالمشاورات ال ُمتبادلة‬
‫وتبادل المعلومات السسياسية األجنبية‪ .‬قد َّم الحزب الشيوعي السوفييتي بانتظام للجنة المركزية‬
‫للحزب الشيوعي الصيني والحكومة الصينية مواد كثيفة حول النقاط الرئيسية فيما يتعلق بالوضع‬
‫الدولي والسياسة الخارجية السوفييتية‪ .‬من عام ‪ 1960‬الى عام ‪ 1963‬فقط‪ ،‬تلقّى الحزب‬
‫الشيوعي الصيني أكثر من ‪ 140‬مادة من المعلومات الشفوية والمكتوبة‪.‬‬
‫كانت العالقات السياسية الخارجية للحزب الشيوعي والحكومة السوفييتية مع الصين تستند دائما ً‬
‫الى الثقة واالهتمام العميق بتنسيق جهود البلدين على الساحة الدولية‪.‬‬
‫تقويض العالقات االقتصادية‬
‫نقلت قيادة الحزب الشيوعي الصيني خالفاتها االيديولوجية مع االتحاد السوفييتي والدول‬
‫االشتراكية األُخرى الى عالقات الدولة الداخلية‪ ،‬وكان لهذا تأثير خاص على التعاون االقتصادي‪.‬‬
‫لم يكن هذا ُمفاجئا ً ألن القيادة الماوية كانت تعمل على تبديل سياساتها الداخلية بالكامل من‬
‫الخطوط االشتراكية الى الخطوط االمبريالية‪ .‬ومن أجل وضع هذه ال ُخطط موضع التنفيذ‪ ،‬كان‬
‫عليها أن تُظهر لشركائها ال ُمستقبليين أنها لم تُغيّر مسارها االيديولوجي فحسب‪ ،‬بل كانت "تُفسح‬
‫المجال" لألنشطة االقتصادية مع الدول االمبريالية‪ .‬وهكذا بدأت القيادة الماوية في طرد االتحاد‬
‫السوفييتي والدول االشتراكية األُخرى من عالقاتها االقتصادية الخارجية‪ .‬أصبح هذا الجانب من‬
‫سياسة بكين واضحا ً بشك ٍل خاص منذ عام ‪ ،1960‬أي عندما بدأ الحزب الشيوعي الصيني‬
‫بتطوير "برنامج خاص" في الحركة الشيوعية العالمية وداخل البالد‪.‬‬
‫طالبت الحكومة الصينية باعادة النظر بجميع ال ُمعاهدات والبروتوكوالت السابقة بشأن التعاون‬
‫االقتصادي والعلمي السوفييتي الصيني‪ ،‬ورفضت قبول جزء كبير من عمليات التسليم ال ُمخطط‬
‫لها للمنشأة السوفييتية وبدأت بتقليص التجارة السوفييتية الصينية‪.‬‬
‫في ‪ 31‬تشرين األول عام ‪ ،1960‬أبلَ َغ وزير التجارة الخارجية الصيني يي جيجيوانغ ‪Ye‬‬
‫‪ Jizhuang‬ونائب وزير الخارجية لو غويبو ‪ Luo Guibo‬الحكومة السوفييتية من خالل السفير‬
‫السوفييتي في بكين أن الصين تعتزم اعادة النظر في معاهداتها االقتصادية والعلمية والتكنولوجية‬
‫مع االتحاد السوفييتي‪.‬‬

‫‪- Renmin ribao, February 14, 1951‬‬


‫‪1‬‬
‫يي جيجيوانغ‬

‫لو غويبو‬

‫عندما وصل جو جووشين ‪ Gu Zhuoxin‬الى موسكو في تموز عام ‪ 1961‬على رأس الوفد‬
‫االقتصادي الصيني للمشاركة في المفاوضات‪ ،‬قال أن الحكومة الصينية تعتزم رفض المساعدات‬
‫ب‬ ‫التكنولوجية السوفييتية في بناء ‪ 89‬منشأة صناعية و‪ 35‬متجراً‪ ،‬ومصانع ووحدات أُخرى‪َ .‬‬
‫طلَ َ‬
‫تشو انالي في محادثاته مع نائب وزير التجارة الخارجية السوفييتية في آب عام ‪ 1961‬تأجيل‬
‫تسليم المصانع والمواد من االتحاد السوفييتي لمدة عامين‪ُ ،‬متذرعا ً بالصعوبات التي ظهرت في‬
‫االقتصاد لصيني بسبب الكوارث الطبيعية‪ ،‬على الرغم من االتفاقية ذات الصلة تم توقيعها قبل‬
‫شهرين فقط‪ .‬كان على اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي والحكومة السوفييتية الموافقة‬
‫على هذه الشروط على الرغم من أن ُمعظم المصنع الذي يُكلف عدة ماليين من الروبالت كان قد‬
‫بدأ في مرحلة التصنيع وتم طلب مواد له من أطراف أُخرى‪.‬‬
‫بناءا ً على طلب الحزب الشيوعي الصيني‪ ،‬تم تأجيل تسليم المواد والمصنع من االتحاد السوفييتي‬
‫للمشاريع التي كانت قيد االنشاء بمساعدة التكنولوجيا السوفييتية لمدة عامين‪،‬تم تسجيل ذلك في‬
‫البروتوكول ال ُمشترك بين الدول في ‪ 13‬أيار عام ‪.1962‬‬
‫اقترحت الحكومة السوفييتية على الحكومة الصينية في كانون األول عام ‪ 1962‬اجراء ُمحادثات‬
‫لتحديد حجم ونطاق شحنات المصنع للسنوات القادمة‪ ،‬ولكن ظل االقتراح السوفييتي دون أي رد‪.‬‬
‫وأظهرت الحقائق أن القيادة الصينية تعمدت تقليص عالقاتها االقتصادية مع االتحاد السوفييتي بما‬
‫يتعارض مع مصالح الشعب الصيني ويضر بالصداقة والتعاون بين البلدين‪.‬‬
‫بَذَ َل االتحاد السوفييتي جهودا ً ُمتكررة لتحسين الوضع من خالل تقديم ُمقترحات ُمحددة وواضحة‬
‫ي من ال ُمقترحات السوفييتية دعما ً من‬ ‫لتعزيز التعاون االقتصادي والتجارة‪ .‬لسوء الحظ‪ ،‬لم يتلقَ أ ٌ‬
‫الجانب الصيني‪ .‬واصلت بكين تقليص عالقاتها االقتصادية مع االتحاد السوفييتي‪ ،‬وبالتالي خفض‬
‫الحجم االجمالي للتجارة السوفييتية الصينية (بما في ذلك ال ُمساعدات التقنية السوفييتية) في عام‬
‫‪ 1962‬الى ‪ %36.5‬من مستوى عام ‪ .1959‬استمر التدهور الحاد في التعاون االقتصادي‬
‫والتجاري طوال عامي ‪ 1963‬و‪ .1964‬وفي عام ‪ 1963‬انخفض حجم التجارة بنسبة ‪%23‬‬
‫بالنسبة الى عام ‪ 1962‬و‪ %20‬أُخرى عام ‪.1964‬‬
‫في البداية كانت ُمبررات الصين لتقليص عالقاتها االقتصادية مع االتحاد السوفييتي والدول‬
‫االشتراكية األُخرى من خالل التذرع بـ"الوضع االقتصادي الصعب"‪ .‬كان هذه هي الذريعة التي‬
‫قدمها جو جووشين الذي ترأس وفد الحكومة الصينية في المحادثات ال ُمشتركة في ‪ 10‬شباط عام‬
‫‪ ،1961‬ومن قِبَل تشو انالي في آب عام ‪ .1961‬ومن ثم على نقيض كل ما كان يُقال في السابق‪،‬‬
‫بدأت بكين في وضع اللوم الوحيد لتقليص التعاون االقتصادي على االتحاد السوفييتي!‪.‬‬
‫تم تجميد المشاريع التي كانت قيد االنشاء بمساعدة سوفييتية في الصين عمداً‪ .‬تم تجميدها كنوع‬
‫خاص من "المتاحف" ال ُمستخدمة لتشويه حالة المساعدات االقتصادية السوفييتية‪ .‬تمت ازالة‬
‫العالمات التجارية من المعدات واآلالت السوفييتية‪ ،‬وتم اتالف المعدات وتفكيكها عمداً‪ ،‬وقاموا‬
‫بعد ذلك بابرازها للمواطنين الصينيين واألجانب على أنها "دليل" على اهمال االتحاد السوفييتي‬
‫في الوفاء بالتزاماته‪.‬‬
‫يُمكن االستشهاد بالعديد من حقائق السلوك الشرير التي قامت به المنظمات الصينية‪ .‬على الرغم‬
‫من أن خط بكين كان واضحا ً تماماً‪ ،‬استمرت الدعاية الماوية في نشر التلفيقات التي تُفيد بأن‬
‫االتحاد السوفييتي أوقف عمليات التسليم للمشاريع الصينية‪.‬‬
‫ان سياسة اضعاف التعاون االقتصادي بين االتحاد السوفييتي والصين‪ ،‬كما أصبح واضحا ً اآلن‬
‫كانت موجهة نحو الهدف السياسي لبكين وهو تقويض االتحاد السوفييتي في أعين الشعب‬
‫الصيني‪ ،‬وكانت بمثابة ذريعة لتصعيد حملتها ال ُمعادية للسوفييت‪.‬‬
‫ذهبت الصين في رسالة رسمية من حزبها الشيوعي موجهة الى اللجنة المركزية للحزب‬
‫الشيوعي السوفييتي بتاريخ ‪ 29‬شباط عام ‪ ،1964‬ذهبت‪ ،‬الى حد االدعاء بأنه ال يوجد أي شيء‬
‫يُسمى مساعدات سوفييتية للصين واختزلت المساعدة السوفييتية ال ُمكثفة للصين الى "عمليات‬
‫تجارية" عادية‪ .‬كانت مثل هذه التصريحات ُمالئمة لتبرير المسار الماوي‪ ،‬ولكن في الحقيقة‪ ،‬ال‬
‫يُمكن اعادة كتابة التاريخ اراديا ً بهذا الشكل‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يُمكن للمرء أن يتحدث عن بضع‬
‫حلقات من تاريخ العالقات السوفييتية الصينية تشهد على ال ُمساعدة الودية السوفييتية والخالية من‬
‫المصالح النفعية للصين‪.‬‬
‫وفقا ً لالتفاقيات بين الصين واالتحاد السوفييتي بشأن سكة حديد تشانغشون ‪Changchun‬‬
‫الصينية وميناء آرثر ودايرين ‪ Dairen‬المؤرخة في ‪ 14‬شباط عام ‪ ،1950‬سلّم االتحاد‬
‫السوفييتي حقوق االدارة ال ُمشتركة للسكك الحديدية مع جميع المعدات ذات الصلة‪.‬‬
‫في تشرين األول عام ‪ 1954‬سلّمت الحكومة السوفييتية مجانا ً الى الحكومة الصينية ال ُمنشآت‬
‫الموجودة في القاعدة البحرية بورت آرثر والتي قام الجانب السوفييتي ببناءها وترميمها‪.‬‬
‫الجنود السوفييت في بورت آرثر‬

‫بمساعدة االتحاد السوفييتي‪ ،‬استعادت الصين أو أعادت بناء أكثر من ‪ 200‬مشروع حديث بما في‬
‫ذلك مشاغل الحديد والصلب في أنشان ‪ Anshan‬ووهان ‪ Wuhan‬وباوتو ‪ Baotou‬وبينجي‬
‫‪ Benxi‬والمصانع الميتالورجية في تشيشيهار ‪ Qiqihar‬ال ُمتخصصة في انتاج أنواع خاصة من‬
‫الفوالذ‪ ،‬ومراكز ضخمة للصناعة الكيميائية في جيلين ‪ Jilin‬وتايووان ‪ Taiyuan‬والنجو‬
‫‪ Lanzhou‬ومناطق أُخرى‪ .‬في عام ‪ 1959‬كانت المرافق الصناعية في الصين التي تم بناؤها‬
‫أو اعادة بناؤها بمساعدة سوفييتية تُمثّل ‪ %40-35‬من اجمالي ناتج الصين من الحديد والصلب‬
‫والمعدن ال ُمدلفن‪ ،‬و‪ %85‬من اجمالي انتاجها من الشاحنات والتراكتورات‪ ،‬و‪ %40‬من ناتجها‬
‫من الكهرباء و‪ %35‬من ناتجها الهندسي الثقيل‪.‬‬
‫في ذلك الوقت‪ ،‬تحدثت بكين كثيرا ً عن التعاون ال ُمثمر بين الصين واالتحاد السوفييتي وحول‬
‫المساعدات السوفييتية في تدريب ال ُمتخصصين الصينيين‪.‬‬
‫في الواقع‪ ،‬تلقّت الصين مساعدا علمية وتكنيكية ُمكثّفة‪ .‬ما يقرب من ‪ %50‬من جميع‬
‫ال ُمخططات والوثائق التكنولوجية التصميمية الممنوحة للدول االشتراكية قد ُمنِ َحت الى الصين‪.‬‬
‫بحلول ‪ 1‬تموز عام ‪ 1957‬تم تصميم ما يُمكن اجماله بـ‪ 159‬مشروعا ً في الصين وتم استدخال‬
‫أكثر من ‪ 300‬نوع جديد من السلع الصناعية الى خط االنتاج الصيني باستخدام الوثائق‬
‫زود االتحاد السوفييتي الصين بـ‪ 24000‬مجموعة‬ ‫والمخططات العلمية التكنولوجية السوفييتية‪ّ .‬‬
‫من الوثائق العلمية والتكنولوجية مجانا ً تقريبا ً في غضون ‪ 10‬سنوات‪ .‬ووفقا ً للخبراء األجانب‪،‬‬
‫فان شراء مثل هذه الوثائق في السوق العالمية كان سيكلّف الصين عدة آالف من ماليين‬
‫الدوالرات‪.‬‬
‫درس سوفييتي كان ‪ 500‬منهم‬ ‫في الفترة من ‪ 1949‬الى ‪ 1959‬تم ارسال أكثر من ‪ُ 900‬م ّ‬
‫متخصصون في المواضيع التكنولوجية‪ ،‬الى الصين‪ .‬قام ال ُمتخصصون السوفييت بتدريب ما‬
‫يقرب من ‪ُ 17000‬مدرس صيني شاب على التدريس ال ُمستقل والعمل البحثي‪ .‬ساعد ال ُمعلمون‬
‫السوفييت في انشاء ‪ُ 900‬مختبر علمي جديد في الجامعات الصينية‪ .‬عالوة ً على ذلك‪ ،‬تمكن عدد‬
‫كبير من ال ُمتخصصين الصينيين من تحسين مؤهالتهم وتطويرها من خالل العمل مع‬
‫ال ُمتخصصين السوفييت‪.‬‬
‫هذه ليست سوى عدد قليل من الحقائق التي يُمكن االستشهاد بها هنا‪ .‬في ذلك الوقت‪ ،‬قامت الصين‬
‫بتقييم هذه المساعدة حق قدرها‪ .‬قال ماوتسي تونغ‪" :‬دعونا نرى من قام بتصميم وتجهيز العديد‬
‫من المصانع ال ُمهمة لنا‪ .‬هل كانت الواليات ال ُمتحدة أم بريطانيا؟ ال‪ .‬فقط االتحاد السوفييتي هو‬
‫الذي كان يوافق على ذلك‪ ،‬ألنه بلد اشتراكي وحليف لنا"‪ .‬في ‪ 1‬شباط عام ‪ 1959‬كتبت (صحيفة‬
‫الشعب الصيني) ‪" :renmin ribao‬ان المساعدات السوفييتية للبناء االقتصادي لبلدنا‪ ،‬لم يسبق‬
‫لها مثيل في التاريخ من حيث الكمية والنطاق"‪.2‬‬
‫كثيرا ً ما تُثير الصين مسألة القروض السوفييتية وهي تدّعي أن االئتمانات السوفييتية طويلة‬
‫األجل لم تكن ذات أهمية لها‪ ،‬فهل هذا صحيح؟‬
‫قدّم االتحاد السوفييتي للصين ائتمانات طويلة األجل تصل الى ‪ 1816‬مليون روبل‪ .‬في ‪ 14‬شباط‬
‫‪ُ 1950‬منِ َحت الصين ائتمانات بمعدالت فائدة بنسبة ‪ %1‬لمبلغ ‪ 300‬مليون دوالر‪ ،‬تم تخصيصها‬
‫كافةً كدفعة لآلالت والمصانع والمواد‪ ،‬وتم استخدامها وفقا ً لذلك‪ .‬في عام ‪ 1954‬سلّم االتحاد‬
‫السوفييتي للصين أصوله من الشركات السوفييتية الصينية ال ُمشتركة ومنحها ائتمانا ً طويل األجل‬
‫بدون فوائد بقيمة ‪ 62600000‬روبل لتغطية قيمة هذه األصول‪ .‬في عام ‪ 1960‬سلمت المنظمات‬
‫السوفييتية ما قيمته ‪ 288‬مليون روبل قيمة مواد وسلع أُخرى الى الصين ُمحملة على حساب‬
‫االئتمان بدون فوائد‪ .‬تم تخصيص ُمعظم االئتمانات السوفييتية لالقتصاد الوطني الصيني وبشكل‬
‫أساسي لتطوير صناعتها الثقيلة‪.‬‬
‫قدّم االتحاد االتحاد السوفييتي مساعدة هائلة للصين من أجل تعزيز امكانياتها الدفاعية‪ .‬لم تقتصر‬
‫جرد "بيع األسلحة" كما يزعم الماويون في الوقت الحاضر‪ .‬خالل الحرب‬ ‫هذه المساعدات على ُم ّ‬
‫الكورية‪ ،‬كانت معاهدة الصداقة والتعاون ال ُمشترك السوفييتية الصينية وحقيقة أن الجيش‬
‫السوفييتي كان في حالة قتال عند بورت آثر ودايرين‪ ،‬قد منع الواليات المتحدة من توسيع‬
‫عدوانها واطالق العنان للتدخل العسكري المباشر ضد الصين‪.‬‬
‫ان المساعدة السوفييتية للصين في تعزيز دفاعاتها هي مثال على األممية الحقيقية والتزام‬
‫بالواجب تجاه الحليف‪ .‬وافق االتحاد السوفييتي مرارا ً على طلبات الحكومة الصينية في‬
‫الخمسينيات بتقديم المساعدة في بناء العديد من مؤسسات الصناعة الحربية‪ .‬في الفترة من عام‬
‫‪ 1963-1950‬ساعد السوفييت لصين على بناء وتشغيل ما يقرب من ‪ 100‬مصنع ذخيرة كبير‪.‬‬
‫زودت الحكومة السوفييتية الصين باألسلحة والموارد من احتياطاتها الخاصة والتي كانت كافية‬
‫العادة تجهيز العشرات من فِ َرق مشاة جيش تحرير الشعب‪ .‬كما تلقت الصين جميع المتطلبات في‬
‫بورت آرثر‪ .‬في الخمسينيات‪ ،‬أرسل االتحاد السوفييتي العديد من المتخصصين الى الصين حيث‬
‫ساعدوا في تنظيم انتاج األسلحة وتعليم وحدات الجيش الصيني على استخدامها‪.‬‬
‫في الستينيات‪ ،‬بدأت الحكومة الصينية في سداد ديونها لالتحاد السوفييتي وكان هذا قد تم بمبادرة‬
‫منها وبسرعة عالية وقبل الوقت المرسوم‪ ،‬على الرغم من الصعوبات االقتصادية التي تمر بها‬
‫البالد وعلى عكس ما يُمليه المنطق‪ .‬تم لفت انتباه ال ُممثلين الصينيين الى هذه الحقيقة مرارا ً‬
‫وتكراراً‪ .‬في البداية‪ ،‬لم تكن الدوافع وراء مثل هذه األعمال غير المعقولة اقتصاديا ً واضحةً تماماً‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬صار من الواضح الحقا ً أن هذا كان تدبيرا ً ُمتعمداً‪ .‬بدأت الدعاية الماوية في االدعاء‬
‫بأن االتحاد السوفييتي‪" ،‬طالب بسداد القروض قبل الوقت ال ُمحدد"‪ ،‬وتجاهل الصعوبات‬
‫االقتصادية للصين مما زاد العبئ الذي يتحمله الشعب الصيني‪ ،‬وأن االتحاد السوفييتي "يستخدم‬
‫الديّن الذي قدمه للصين كعقوبة على ال ُمعارضة االيديولوجية للشيوعيين الصينيين على الحزب‬
‫الشيوعي السوفييتي"‪.‬‬

‫‪- Renmin ribao, June 19, 1957‬‬


‫‪2‬‬
‫وهكذا‪ ،‬صاغت قيادة الحزب الشيوعي الصيني خطوة ً بخطوة "أسبابا ً ُمقنعة" لتفسير الصعوبات‬
‫الناشئة في العالقات السوفييتية الصينية‪.‬‬
‫في بداية الستينيات‪ ،‬تعمدت الصين تفسير طبيعة التجارة بين البلدين‪ُ ،‬مدعيةً أن االتحاد السوفييتي‬
‫ت قصير كانوا‬ ‫كان يستخدمها "للضغط السياسي"‪ ،‬على الرغم من أن قادة الصين قبل وق ٍ‬
‫جردة من المصلحة‬ ‫يعتبرون التجارة السوفييتية الصينية شكالً من أشكال "ال ُمساعدة األُممية ال ُم ّ‬
‫النفعية"‪.‬‬
‫وهكذا قامت رسالة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في ‪ 29‬شباط عام ‪1964‬‬
‫والمنشورة في الصين والعديد من المقاالت في الصحافة الصينية‪ ،‬بتحديد كمية ال ُمنتجات الغذائية‬
‫والخامات التي سلمتها الصين الى االتحاد السوفييتي في مقابل بناء المصانع والمواد‪ .‬وطالما أن‬
‫الجانب الصيني يواصل جني رأسماالً سياسيا ً من هذه الحقائق‪ ،‬فمن الجدير أن نتذكر بعض‬
‫ظ َر المرء الى بُنية صادرات الصين الى االتحاد السوفييتي في تلك السنوات‪ ،‬فلن‬ ‫التفاصيل‪ .‬ان نَ َ‬
‫يسعه اال أن يرى أنه‪ ،‬الى جانب السلع ال ُمهمة‪ ،‬تلقى االتحاد السوفييتي كميةً كبيرة ً من ال ُمنتجات‬
‫التي ربما كانت ستفشل في ايجاد سوق في العالم الرأسمالي‪ .‬من بين صادرات الصين الى االتحاد‬
‫السوفييتي‪ ،‬احتلت العديد من السلع االستهالكية مكانا ً بارزاً‪ :‬األدوات المنزلية والمالبس‬
‫واألدوات اليدوية والسلع الرياضية وما الى ذلك‪ .‬شكلت هذه السلع نحو ‪ %39‬من الحجم‬
‫االجمالي للصادرات الصينية الى االتحاد السوفييتي في عام ‪ ،1959‬وأكثر من ‪ %46‬عام‬
‫‪ ،1960‬ونحو ‪ %63‬عام ‪ 1961‬وأكثر من ‪ %67‬في عام ‪ 1962‬و‪ %70‬عام ‪ .1963‬لم تكن‬
‫هذه السلع ضرورية التحاد الجمهوريات االشتراكية السوفييتية وكان من ال ُممكن على الصناعة‬
‫السوفييتية أن تُنتجها بسهولة‪ .‬اشترى االتحاد السوفييتي هذه البضائع من الصين ألنه كان حريصا ً‬
‫بصدق على تحسين الوضع االقتصادي للصين‪.‬‬
‫أما بالنسبة للصادرات السوفييتية الى الصين‪ ،‬فقد بلغت ‪ 7655‬مليون روبل منذ أوائل‬
‫الخمسينيات وحتى عام ‪ ،1963‬منها ‪ 2790‬مليون روبل لآلالت المصنعية الثقيلة‪ ،‬و‪2674‬‬
‫للمواد الصناعية والخامات‪.‬‬
‫باختصار‪ ،‬كان االتحاد السوفييتي يبذل قصارى جهده لتحويل الصين الى دولة صناعية‪ ،‬وكان‬
‫يزودها بمصانع متطورة وآالت حديثة‪.‬‬
‫على عكس هذه الحقائق‪ ،‬تواصل بكين اتهام الحزب الشيوعي السوفييتي بـ"الوقوف ضد تصنيع‬
‫الدول الشقيقة" والسعي للحفاظ على طابعها الزراعي‪.‬‬
‫ان ادعاءات الدعاية الصينية بأن شحنات الطعام الصينية الى االتحاد السوفييتي في أوائل‬
‫الستينيات كانت مسؤولةً عن المصاعب المادية للشعب الصيني بعد فشل سياسة القفزة العُظمى لن‬
‫تحتاج الى ُمعالجة عميقة‪ .‬في الواقع‪ ،‬شكلت المواد الغذائية أقل من ‪ %20‬من الحجم االجمالي‬
‫لتسليمات الصين التعاقدية الى االتحاد السوفييتي عام ‪ .1960‬باالضافة الى ذلك‪ ،‬كانت كمية‬
‫ال ُمنتجات الغذائية التي باعتها الصين الى االتحاد السوفييتي في ذلك العام نسبةً ضئيلةً من اجمالي‬
‫انتاج الصين من الغذاء‪ :‬األرز ‪ ،%0.6‬فول الصويا ‪ ،%3.7‬الزيت النباتي ‪ ،%2.7‬اللحوم‬
‫سب المئوية كانت من شأنها أن تُنقذ‬ ‫ومشتقاته أقل من ‪ .%3‬ال يُمكن للمرء أن يُصدق أن هذه النِ َ‬
‫الشعب الصيني من المجاعة والمصاعب التي جلبتها عليهم سياسات القادة الصينيين ال ُمغامرة‪.‬‬
‫ليس من قبيل الصدفة على ما يبدو أن تكتم الصين حقيقة أنه في أواخر الستينيات‪ ،‬عندما قادت‬
‫سياسة "الرايات الثالثة الحمراء‪ :‬الخط العام‪ ،‬القفزة ال ُكبرى والكوميونات الشعبية" البالد الى‬
‫مجاعة‪ ،‬أن االتحاد السوفييتي أظهر اهتمامه بالشعب الصيني من خالل رفض تسلّم المواد‬
‫الغذائية وتوقف بعد ذلك عن شراء ال ُمنتجات الغذائية من الصين‪ .‬فقط في عام ‪ 1964‬وافق‬
‫االتحاد السوفييتي‪ ،‬بعد الضغوط الصينية عليه‪ ،‬على تضمين كمية ُمعيّنة من المواد الغذائية في‬
‫وارداته من الصين (حوالي ‪ %8‬من اجمالي قيمة الشحنات الصينية الى االتحاد السوفييتي)‪.‬‬
‫زعم خطاب اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في ‪ 29‬شباط عام ‪ 1964‬والذي أساء‬
‫تفسير أسباب الصعوبات الناشئة في العالقات بين البلدين‪ ،‬أن أسعار الشحنات السوفييتية الى‬
‫الصين كانت "أعلى بكثير من األسعار في السوق العالمية"‪ .‬تجدر االشارة في هذا الصدد الى أنه‬
‫في بداية المفاوضات التجارية السنوية مع ال ُممثلين الصينيين‪ ،‬طلبت وزارة التجارة الخارجية‬
‫السوفييتية دائما ً رأي الجانب الصيني حول األسعار السوفييتية‪ .‬كان الجانب الصيني يُجيب بشك ٍل‬
‫ع ِقدت‬‫ثابت بأنه ال توجد أسباب العادة النظر في األسعار‪ .‬كان هذا هو الحال في ال ُمحادثات التي ُ‬
‫في أيار عام ‪ ،1964‬بعد شهرين من الرسالة المذكورة أعاله‪ .‬كان لدى الجانب الصيني سبب‬
‫وجيه لترك األسعار دون تغيير‪ ،‬ألنها كانت مواتية بشك ٍل عام لهم‪ ،‬وهذا كان شكل من أشكال‬
‫ال ُمساعدة التي قدمها االتحاد السوفييتي للشعب الصيني‪.‬‬
‫ومع التحول االرادي ال ُمتعمد لتدهور العالقات السوفييتية الصينية في أوائل الستينيات‪ ،‬رفضت‬
‫الحكومة الصينية الوفاء بالتزاماتها التعاقدية فيما يتعلق ببناء المشاريع االقتصادية ال ُمشتركة التي‬
‫كانت ضرورية لكال الجانبين‪ .‬وكان من بينها سكة حديد النتشو ‪( Lanzhou‬الصين)‪-‬أكتاغاي‬
‫‪( Aktagai‬االتحاد السوفييتي)‪ .‬أوفى االتحاد السوفييتي بالتزاماته عام ‪ ،1958‬أما الجانب‬
‫الصيني فقد أوقف جميع األعمال في المشروع بعد عام ‪ 1960‬دون أن يتحمل عناء تفسير أسباب‬
‫سلوكه‪ .‬على الرغم من انفاق مبالغ كبيرة على القسم السوفييتي من السكة الحديدية وانجازه‪ ،‬اال‬
‫أن الخط لم يكتمل أبدا ً في الجانب الصيني‪.‬‬
‫اقترح الجانب السوفييتي في نيسان عام ‪ 1962‬وضع برنامج ُمشترك للتدابير الشاملة لتطوير‬
‫الموارد الطبيعية في حوض آمور‪ .‬امتنع الجانب الصيني ال ُمشاركة في المشروع‪ .‬تم الكشف عن‬
‫ت الحق‪ ،‬عندما اتضح أن المنطقة كانت تُعدها الصين لالستفزازات ضد‬ ‫أسباب ذلك في وق ٍ‬
‫االتحاد السوفييتي‪.‬‬

‫حوض امور‬

‫وبينما كان القادة الصينيون يُشككون بالتجارة والسياسة االقتصادية السوفييتية‪ ،‬فقد بذلوا جهدا ً‬
‫للصمت عن ال ُمقترحات العديدة التي كانت تهدف الى تطوير العالقات التجارية واالقتصادية بين‬
‫البلدين‪ .‬من بين ال ُمقترحات ال ُمقدمة بين عامي ‪ 1963‬و‪ ،1964‬كانت هناك ُمقترحات لتقديم‬
‫ائتمانات طويلة األجل (‪ 20-15‬سنة) بشروط ُميسّرة لزيادة موارد الصادرات الصينية وتبادل‬
‫معلومات التجارة الخارجية وتنسيق عمليات التجارة الخارجية في السوق الرأسمالية‪ ،‬مما كان‬
‫سيكون مفيدا ً لكال البلدين‪ .‬اقترح االتحاد السوفييتي مرارا ً ابرام ُمعاهدة طويلة األجل لسلع فردية‬
‫تقليدية‪ ،‬ولألسف تم تجاهل جميع هذه ال ُمقترحات‪.‬‬
‫قضية االختصاصيين السوفييت والتعاون العلمي التكنولوجي‬

‫باالضافة الى سعيها لتقويض السياسة األممية للحزب الشيوعي السوفييتي والحكومة السوفييتية‬
‫وتحميل السوفييت المسؤولية عن االخفاقات االقتصادية الصينية في زمن سياسة (القفزة) و ُمفاقمة‬
‫األزمة في العالقة السوفييتية‪-‬الصينية‪ ،‬تستمر الصين في تشويه مسألة االختصاصيين السوفييت‪.‬‬
‫في هذا الوقت الذي يتم التنديد بتجارب الماويين في أواخر الخمسينيات حتى داخل الصين‬
‫باعتبارها أخطاء‪ ،‬تجد بكين صعوبةً في ترويج أفكارها الزائفة فيما يتعلق باالختصاصيين‬
‫ت مضى‪.‬‬‫السوفييت‪ ،‬أكثر من أي وق ٍ‬

‫ُ‬
‫"أدرسوا العلم السوفييتي لالرتقاء الى مستوى العلم العالمي"‪ُ ،1958 ،‬ملصق صيني‬

‫لقد قام الحزب الشيوعي والحكومة السوفييتيين مرارا ً وتك ً‬


‫رار بتفسير الموقف الحقيقي من مسألة‬
‫االختصاصيين‪.‬‬
‫"بدعم االتحاد السوفييتي الهائل وقوتنا العظيمة س ُنحقق تصنيع ُأمتنا خطوةً بخطوة" ‪،1953‬‬
‫ملصق صيني‬

‫تم ارسال أكثر من ‪ 10000‬اختصاصي سوفييتي الى الصين بناءا ً على طلب الحكومة الصينية‬
‫قبل عام ‪ .1960‬هناك قام االختصاصيون بنقل خبراتهم المهنية الى الشعب الصيني‪ .‬من الواضح‬
‫ق‬‫أن عملهم قد أثمر‪ ،‬ألنه تم تقييم هذه الثمار عاليا ً من قِبَل القادة الصينيين الذين تحدثوا على نطا ٍ‬
‫واسع الى الشعب الصينين حول الحاجة الى االستفادة من التجربة السوفييتية‪ .‬قال تشو انالي‪ ،‬في‬
‫خطابه في المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الصيني عام ‪" :1956‬قام االختصاصيون السوفييت‬
‫واولئك القادمون من الديمقراطيات الشعبية بتقديم مساهمة بارزة في بناءنا االشتراكي"‪ .‬أما لي‬
‫فوتشون ‪ Li Fuchun‬نائب رئيس مجلس الدولة الصيني فقد قال في ‪ 29‬أيار عام ‪" :1959‬ان‬
‫ص ِم َمت وبُنيت في بلدنا بمساعدة السوفييت تُجسّد بالفعل أفضل وأحدث ما كان‬ ‫المشاريع التي ُ‬
‫يملكه االتحاد السوفييتي تحت تصرفه‪ .‬هذه المشاريع هي العمود الفقري لصناعاتنا‪ ،‬ليس فقط من‬
‫حيث حجمها‪ ،‬بل أيضا ً من حيث مستواها التكنولوجي‪ ...‬نحن كنا نعلم من قبل‪ ،‬وهذا ما تؤكده‬
‫الحقائق‪ ،‬أن جميع االختصاصيين ومؤسسات التصميم السوفييتة قد بذلوا قصارى جهودهم‬
‫لضمان أن تُجسّد هذه المشاريع أفضل ما تُقدمه التجربة السوفييتية وأنها هي األفضل في العالم‪،‬‬
‫وقد نجحوا في ذلك‪ .‬هذا هو تقييمنا للمساعدات التي قدمها لنا االختصاصيون وال ُمنظمات‬
‫السوفييتية"‪.‬‬
‫لي فوتشون‬

‫وأدلى قادة شيوعيون صينيون آخرون بتصريحات ُمماثلة‪.‬‬


‫كان االتحاد السوفييتي دائما ً يأخذ باالعتبار مسألة أهمية تطوير العالقة بين ال ُمتخصصين‬
‫ص الجانب السوفييتي على عدم اعاقة ُمبادرة الكوادر‬ ‫السوفييت والكوادر الصينية المحلية‪َ .‬ح ِر َ‬
‫الصينية وتطورهم السريع‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار النمو السريع للكوادر التكنولوجية الوطنية‬
‫في الصين‪ .‬ولهذا السبب سأ َل االتحاد السوفييتي من القيادة الصينية رسميا ً في أعوام ‪1956‬‬
‫و‪ 1957‬و‪ 1958‬عما اذا كان الوقت قد حان لعودة االختصاصيين السوفييت الى بالدهم‪ .‬ردت‬
‫الصين على السؤال بأنه يجب على االختصاصيين أن يظلوا في البلد‪.‬‬

‫ُ‬
‫"أدرسوا االقتصاد السوفييتي ال ُمتقدّم من أجل بناء دولتنا"‪ ،1953 ،‬ملصق صيني‬

‫في عامي ‪ 1958‬و‪ 1959‬بدأت التقارير تتوالى حول سوء ُمعاملة السلطات الصينية‬
‫لالختصاصيين السوفييت‬
‫ُ‬
‫"أدرسوا تجربة االتحاد السوفييتي ال ُمتطورة في النضال من أجل تصنيع بالدنا"‪ُ ،1953 ،‬ملصق‬
‫صيني‬

‫"االتحاد السوفييتي هو مثلنا األول"‪ُ ،1953 ،‬ملصق صيني‬


‫كان هذا هو الوقت الذي بدأت فيه حملة "الشعارات الحمراء الثالث" الماوية تُطبّق في الصين‪.‬‬
‫وبقدر ما لم يستطع الشعب السوفييتي دعم هذه الحملة ال ُمغامرة التي تتعارض مع المبادئ‬
‫االقتصادية االشتراكية اللينينية والمعايير التكنولوجية‪ ،‬صار االختصاصيون السوفييت يُعاملون‬
‫بازدراء على أنهم " ُمتخلفين تكنولوجياً" و" ُمحافظين" ولم تعد هناك حاجة لتوصياتهم‪ .‬أدت‬
‫كثير من‬
‫المغامرة التكنولوجية والصناعية الى حوادث خطيرة أسفرت عن وقوع اصابات في ٍ‬
‫الحاالت‪.‬‬
‫تم التعامل مع االختصاصيين السوفييت الذين كانوا يؤدون واجبهم األُممي بأمانة بظلم وانعدام ثقة‬
‫علني‪ ،‬وتم تفتيش ممتلكاتهم الخاصة سراً‪ ،‬وما الى ذلك‪ .‬بدأوا باالحتجاج على السلطة الصينية‬
‫ردا ً على هذا النوع من التعامل ُمعتبرين أنه يُشكل اهانةً لهم‪ .‬في ُمقابل ٍة مع نائب وزير وزارة‬
‫الهندسة الميكانيكية وانغ داوهان ‪ ،Wang Daohan‬كان لدى االختصاصي السوفييتي‬
‫زوسيمينكو ‪ Zosimenko‬الذي كان يحتج على تفتيش في ُممتلكاته الشخصية كل األسباب‬
‫ليقول‪" :‬كان األمر مفهوما ً عندما كان يتم التفتيش في حقيبة ُممتلكاته الشخصية عندما كنت في‬
‫ألمانيا عام ‪ .1937‬لكنني ال أستطيع أن أفهم ما يجري هُنا اآلن"‪.‬‬

‫وانغ داوهان‬

‫في ُمحاول ٍة منهم لحفز استدعاء االختصاصيين السوفييت من الصين وبالتالي خلق ذريعة أُخرى‬
‫لمزي ٍد من تفاقم العالقات السوفييتية الصينية‪ ،‬بدأت القيادة الصينية تفرض على االختصاصيين‬
‫السوفييت وجهات نظهرها ال ُمناهضة للينينية بشأن المسائل األُممية وتحريضهم ضد الحزب‬
‫سخَط الشعب السوفييتي الذي بدأ يتقدم‬ ‫الشيوعي والحكومة السوفييتيتان‪ .‬أثار هذا االجراء َ‬
‫بالحصول على أذون من الحزب الشيوعي والحكومة السوفييتية اما لرفض األعمال االستفزازية‬
‫الصينية أو بباستدعاء االختصاصيين الى وطنهم‪.‬‬
‫وا َجهَ الجانب السوفييتي خيار اما السماح لالختصاصيين السوفييت بالدخول في مناقشات من‬
‫شأنها حتما ً أن تزيد من حدة الخالفات‪ ،‬أو استدعاؤهم‪ ،‬وبالتالي منع نشوب أي صراع بينهم وبين‬
‫الجانب الصيني‪ .‬قبل اتخاذ قرار نهائي‪ ،‬اتصلت الحكومة السوفييتية بالقيادة الماوية وطلبت منها‬
‫تهيئة ظروف عمل ُمالئمة لالختصاصيين السوفييت حيث ذكرت لهم األولى الحقائق ذات الصلة‬
‫التي حدثت مهم‪ .‬وحذرت الحكومة السوفييتية أنه سيتعين عليها استدعائهم الى االتحاد السوفييتي‬
‫بخالف ذلك‪ .‬نظرا ً الى أن الجانب الصيني لم يُعر الطلبات السوفييتية ال ُمتكررة أي اهتمام‪ ،‬فقد تم‬
‫ارسال مذكرة رسمية الى الحكومة الصينية في ‪ُ 16‬حزيران عام ‪ 1960‬تُب ِل ُغ فيها الصين أنه لم‬
‫يتبقى لديها أي خيار سوى استدعاء االختصاصيين‪.‬‬
‫ومما يُثير االهتمام أن الحكومة الصينية لم تعتبر أنه من الضروري الرد على المذكرة عندما‬
‫تلقتها‪ .‬فقط بعد أن غادرت المجموعة األولى من االختصاصيين السوفييت أصدرت وزارة‬
‫صرة ً طوال الوقت على "حقها" في‬ ‫الخارجية الصينية بيانا ً رسميا ً يطلب بقائهم في البالد‪ُ ،‬م ّ‬
‫اخضاعهم للدعاية الموجهة ضد سياسة الحزب الشيوعي السوفييتي والحكومة السوفييتية‪.‬‬
‫كان هذا السلوك مؤشرا ً اضافيا ً على أن بكين لم تكن ُمهتمةً بوجود اختصاصيين سوفييت في‬
‫الصين‪ .‬بذل الماويون منذ عام ‪ 1958‬قصارى جهودهم لجعل وجود االختصاصيين في بالدهم‬
‫ُمستحيالً‪ .‬ومن الجدير بالذكر أن الصين لم تقم أبدا ً بالرد على االقتراحات السوفييتية الالحقة من‬
‫أجل اعادة االختصاصيين السوفييت بشرط منحهم ظروف عمل ُمالئمة‪ .‬تم تقديم هذه االقتراحات‬
‫وتكرار وتم ادراجها في رسالة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي الموجهة الى‬ ‫ً‬ ‫مرارا ً‬
‫اللجنة المركزية لحزب الصين في ‪ 19‬تشرين الثاني عام ‪.1963‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬أثارت آلة الدعاية الصينية ضجةً كبيرة ً حول هذا األمر‪ُ ،‬مدعيةً أن "االستدعاء‬
‫التعسفي" لالختصاصيين السوفييت من الصين قد خلق صعوبات هائلة‪.‬‬
‫ع َمت الرسالة المذكورة أعاله الصادرة عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في ‪29‬‬ ‫ز ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫شباط عام ‪ ،1964‬ومنشورات صينية أخرى‪ ،‬أن رحيل االختصاصيين السوفييت قد أث ّ َر على‬
‫تنفيذ ال ُخطط االقتصادية الصينية‪ .‬ان الطبيعة التي ال أساس لها من الصحة لمثل هذه التصريحات‬
‫بديهية ألن ال ُخطط االقتصادية الوطنية الصينية‪ ،‬ان كان يُمكن للمرء أن يُطلق عليها هذا‪ ،‬مع أخذ‬
‫سياسة "القفزة" في الخمسينيات والستينيات بعين االعتبار‪ ،‬كانت مشلولة على وجه التحديد في‬
‫تلك القطاعات االقتصادية‪-‬الزراعة وتنجيم الفحم والنقل‪ -‬حيث لم يتم توظيف اختصاصيين‬
‫سوفييت على االطالق‪ ،‬أو كان هناك عدد ضئيل للغاية منهم‪.‬‬
‫قرب من ‪ 1100‬أو ‪ %80‬من العدد االجمالي لالختصاصيين‬ ‫في صيف عام ‪ 1960‬كان هناك ما َي ُ‬
‫السوفييت‪( ،‬أي ‪ُ 1390‬متخصصا ُ)‪ ،‬يعملون في نظام وزارة الهندسة الميكانيكية وفي صناعة‬
‫الحديد والصلب‪ .‬بالحكم من خالل الوثائق الصينية‪ ،‬كان الوضع في مشاريع صناعة الحديد‬
‫والصلب وبناء اآلالت في الصين طبيعيا ً نسبياً‪ .‬كان الفشل يعتري الصناعات المعدنية "صغيرة‬
‫الح َرفية والتي لم يكن لدى االختصاصيين السوفييت أي شيء يفعلونه حيالها‬ ‫النطاق" و"التقليدية" ِ‬
‫على االطالق‪.‬‬
‫كم عدد االختصاصيين السوفييت الذين تم توظيفهم بالفعل في الصناعات التي عانت من أكبر‬
‫االنتكاسات؟ كان هناك ‪ 4‬اختصاصيين سوفييت في تنجيم الفحم و‪ 4‬في وزارة اقتصاد الدولة‬
‫وواحد في وزارة الزراعة‪ .‬لم يكن العديد من االختصاصيين السوفييت ُمرتبطين باقتصاد الدولة‬
‫بأي شك ٍل من األشكال (‪ 140‬اختصاصياً)‪ .‬كانوا يعملون في المجاالت الثقافية والطبية وغيرها‬
‫من المجاالت غير ال ُمنتِجة‪ .‬لذلك‪ ،‬ال توجد أي أسباب على االطالق لالدعاء بأن رحيل‬
‫االختصاصيين السوفييت قد أث ّ َر سلبا ً على االقتصاد الصيني‪.‬‬
‫زَ عمت القيادة الصينية‪ ،‬على عكس كل منطق‪ ،‬بأن الصين لم تكن بحاجة الى اختصاصيين‬
‫ثيرت مثل هذه ال َجلَبة حول هذه المسألة ولماذا تم عزو‬ ‫سوفييت‪ .‬ان كان هذا هو الحال‪ ،‬فلماذا أ ُ َ‬
‫عم أن الصين قد عانت‬ ‫تدهور العالقات السوفييتية الصينية الى االنتكاسات االقتصادية التي يُز َ‬
‫منها بسبب رحيل االختصاصيين السوفييت؟ من الواضح أن الماويين اختلقوا قصة‬
‫االختصاصيين السوفييت بهدف اثارة العداء ضدهم بين الشعب الصيني وخلق ذريعة لتحويل‬
‫سياسة الصين العالمية من كونها ُجزءا ً من منظومة الدول االشتراكية الى سياسة قائمة على‬
‫ال ُمغامرة وطموحات القوة العُظمى‪ .‬زعم القادة الماويون في رسالة من اللجنة المركزية للحزب‬
‫الشيوعي الصيني في ‪ 29‬شباط عام ‪ ،1964‬وفي الوثائق الالحقة‪ ،‬أن الحكومة السوفييتية "ألغت‬
‫‪ 257‬مشروعا ً للتعاون العلمي التكنيكي" مع الصين‪ .‬تقدم السجالت صورة ً ُمختلفة تماما‪ .‬انها‬
‫تُظ ِهر أن الجانب الصيني في ‪ 31‬تشرين األول عام ‪1960‬هو الذي قدّم اقتراحا ً لمراجعة جميع‬
‫االتفاقيات والبروتوكوالت القائمة بشأن التعاون العلمي التكنيكي السوفييتي‪-‬الصيني‪ .‬في ‪12‬‬
‫شباط عام ‪ 1961‬سلّ َم ال ُممثلون الصينيون الذين شاركوا في ال ُمحادثات حول التعاون العلمي‬
‫التكنيكي‪ ،‬مسودة خطاب يحتوي على اقتراح العتبار اتفاقية التعاون العلمي التكنيكي بين الجانبين‬
‫الموقعة في ‪ 12‬تشرين األول عام ‪ 1956‬الغية‪ ،‬واالتفاقية الصينية السوفييتية الموقعة في ‪18‬‬
‫كانون الثاني عام ‪ 1958‬بشأن البحث العلمي التكنيكي ال ُمشترك والمساعدة السوفييتية في هذا‬
‫المجال‪ ،‬وكذلك االتفاقيات والبروتوكوالت األُخرى بشأن التعاون العلمي التكنيكي الموقعة من‬
‫قِ َبل الوزرات واالدرات التابعة لألطراف ال ُمتعاقدة على أساس االتفاقات المذكورة أعاله‪ ،‬كلها‬
‫الغية‪ .‬من خالل هذه االجراءات‪ ،‬ألغت الحكومة الصينية التزامات االتحاد السوفييتي بتقديم‬
‫وثائق تكنولوجية (‪ 1129‬مشروعاً) الى الصين واستضافة االختصاصيين الصينيين بهدف‬
‫تعريفهم باالنجازات السوفييتية في ‪ 26‬مشروعاُ‪ ،‬وكذلك التزام الصين بتسليم وثائق تكنولوجية‬
‫لـ‪ 159‬مشروعا ً الى االتحاد السوفييتي واستقبال االختصاصيين السوفييت في ‪ 68‬مشروعاً‪.‬‬
‫كل هذا يدل على أن الحكومة الصينية هي وحدها التي تتحمل المسؤولية عن تقليص التعاون‬
‫االقتصادي والعلمي التكنيكي وأنها فعلت ذلك لنفس السبب‪ :‬لقد كانت تتخلى عن سياسة الصداقة‬
‫مع االتحاد السوفييتي من أجل سياسة العداء والمواجهة‪.‬‬
‫في تلك السنوات نفسها‪ ،‬قلصت الصين تعاونها االقتصادي ليس فقط مع االتحاد السوفييتي ولكن‬
‫مع الدول االشتراكية األُخرى‪ .‬بحلول عام ‪ 1962‬انخفض حجم تجارتها مع دول مجلس التعاون‬
‫االقتصادي الى ما يقرب الثلث عام ‪ ،1959‬وانخفض بنسبة أكبر عام ‪ 1963‬ليصل الى ‪.%20‬‬
‫االستفزاز على الجبهة‬

‫كانت السياسة التي تبنتها القيادة الماوية إلحداث توتر في العالقات السوفييتية‪-‬الصينية واضحة‬
‫بشك ٍل خاص في مسألة الحدود ال ُمشتركة‪.‬‬
‫كان كل شيءٍ هادئا ً على الحدود التي تمتد أكثر من ‪ 7500‬كيلومتراً‪ ،‬خالل السنوات العشر‬
‫األولى بعد قيام جمهورية الصين الشعبية‪ .‬قدّم كال الجانبين المساعدة لبعضهم البعض في ُمكافحة‬
‫الكوارث الطبيعية في المنطقة الحدودية‪ ،‬وكانت السلطات السوفييتية تُلبي دائما ً مطالب الجانب‬
‫الصيني في السماح للمواطنين الصينيين برعي الماشية وقطع األخشاب وصيد األسماك في بعض‬
‫مناطق الحدود السوفييتية‪ .‬تم اجراء أبحاث ُمكثّفة بهدف دراسة موارد األنهار الحدودية‬
‫واستخدامها ال ُمشترك‪.‬‬
‫لم يعد سرا ً أن صارت الحكومة الصينية راغبةً‪ ،‬منذ الستينيات‪ ،‬الخراج ملف "القضية الحدودية"‬
‫على المأل‪ .‬ومما له داللة أن ال ُمطالبات ال ُمتعلقة بأراضي سوفييتية التي تم طرحها عام ‪1957‬‬
‫على صفحات العديد من الصحف الصينية الرسمية لم تتلقى رفضا ً مثلما تستحقه سواءا ً في ذلك‬
‫الوقت أو الحقاً‪ .‬كان هذا واضحا ً بشدة‪ .‬بدأ ال ُممثلون الصينيون الرسميون يخوضون في هذه‬
‫االدعاءات بصراحة‪ ،‬والتي تقدمت بها بادئ ذي بدء عناصر برجوازية في الصين أثناء‬
‫‪3‬‬
‫مظاهراتهم ال ُمعادية لالشتراكية عام ‪.1957‬‬

‫اشتباك باأليدي بين حرس الحدود الصينيين والسوفييت‬


‫تُظهر الحقائق أنه منذ أوائل الستينيات صدرت تعليمات للمواطنين وحرس الحدود للسيطرة على‬
‫المناطق الحدودية السوفييتية و ُج ُزرها على نهري آمور ‪ Amur‬وأوسور‪ .Ussuri‬بدأوا‪ ،‬بناءا ً‬
‫على أوامر ُمباشرة من سلطات بكين‪ ،‬بإثارة حوادث حدودية وتوجيه تهديدات ُمسلحة ضد‬
‫المواطنين السوفييت والقيام بهجمات وهمية على نقاط حدودية ومحاوالت الختطاف حرس‬
‫الحدود السوفييت‪ .‬كان الهدف من كل هذه االستفزازات هو خلق توترات حدودية وبالتالي استثارة‬
‫شفَت اآلحداث‬‫المشاعر الشوفينية بين السكان الصينيين وإثارة الكراهية للشعب السوفييتي‪َ .‬ك َ‬
‫الالحقة مثل االستفزاز الصيني ال ُمسلّح في جزيرة دامانسكي ‪ Damansky‬وفي منطقة‬
‫جاالنشكول ‪ Zhalanshkol‬في آسيا الوسطى عام ‪ ،1969‬كشفت بالكامل عن مخططات‬
‫الماويين‪ .‬كان الماويون يستخدمون االستفزازات الحدودية ضد االتحاد السوفييتي والدول‬

‫‪ - 3‬من المعروف جيدا ً انه خالل حملة "النضال ضد عناصر الجناح اليميني" في الصين‪ ،‬تم طرح ُمطالبات مفتوحة بخصوص‬
‫األراضي السوفييتية‪ ،‬وقد عرضتها وسائل االعالم الرسمية‬
‫ال ُمجاورة األُخرى كوسيلة لزيادة المواجهة السياسية‪.‬‬
‫كان الهدف ال ُمباشر من ذلك هو تأسيس عقيدة ُمعاداة للسوفييت طويلة األمد يتبناها الحزب‬
‫والدولة‪ ،‬وقد تحقق هذا في مؤتمرات الحزب الشيوعي الصيني التاسع والعاشر والحادي عشر‬
‫وخالل اعتماد دساتير الجمهورية لعامي ‪ 1975‬و ‪ .1978‬كانت األهداف غير ال ُمباشرة والبعيدة‬
‫هي زرع الشكوك الوقائعية‪ ،‬إن لم يكن التشريعية حتى‪ ،‬بشأن الوضع الحدودي السوفييتي‪-‬‬
‫عم "‪...‬مصادرة الروس‬ ‫الصيني القائم‪ ،‬من أجل تعزيز اطروحة ماو تسي تونغ االحتيالية التي تز ُ‬
‫لـ ‪ 1.500.000‬كيلومتر مربع من األراضي الصينية" ( ُمقابلة ماو مع اختصاصيين يابانيين عام‬
‫‪.)1964‬‬
‫استمر عدد االستفزازات الصينية في االزدياد‪ :‬من ‪ 400‬استفزاز عام ‪ 1960‬الى أكثر من ‪5000‬‬
‫استفزاز عام ‪ .1962‬وقام الصينيون عام ‪ 1963‬بأكثر من ‪ 4000‬هجمة استفزازية على‬
‫األراضي السوفييتية في ضواحي أنهار آرغون ‪ Argun‬وآمور ‪ Amur‬وأوسوري ‪Ussuri‬‬
‫ع ِم َل المتدخلون بناءا ً على تعليمات مكتوبة من بكين والتي تجاوز عددها االجمالي‬ ‫لوحدها‪ .‬وقد َ‬
‫الى ‪ 100‬الف‪.‬‬

‫اشتباك باأليدي بين حرس الحدود الصينيين والسوفييت‬

‫تجدر االشارة الى أن القادة الصينيين حتى أوائل الستينيات لم يُشككوا في حالة الوضع الحدودي‬
‫ع ِقدَ في كاتماندو‬‫ط ِر َح عليه في مؤتمر صحفي ُ‬ ‫القائم‪ .‬هكذا أجاب تشو انالي على سؤال ُ‬
‫‪ Katmandu‬في ‪ 4‬نيسان عام ‪ 1960‬حول ما ان كانت هناك أقسام من الحدود الصينية‪-‬‬
‫السوفييتية لم يتم رسمها بوضوح‪" :‬هناك تناقض بسيط يُمكن تسويته بالوسائل السلمية"‪.‬‬
‫أظهرت الحكومة السوفييتية‪ُ ،‬مسترشدة ً بمبادئ األُممية و ُحسن الجوار‪ ،‬تسامحا ً استثنائيا ً في‬
‫مواجهة استفزازات السلطات الصينية التي ال تُعد وال تُحصى‪ .‬أظهر االتحاد السوفييتي‪ ،‬منذ‬
‫األحداث األولى التي تعود الى بداية الستينات‪ ،‬استعداده إلجراء مشاورات ودية مع الجانب‬
‫الصيني من أجل ترسيم حدود دولتهم وتطبيع الوضع‪ .‬تم تضمين هذا االقتراح في ُمذكرة وزارة‬
‫الخارجية السوفييتية في ‪ 29‬تشرين الثاني عام ‪ 1960‬والتي لم تُقدّم الحكومة الصينية أي رد‬
‫عليها‪ .‬فقط في ‪ 19‬نيسان عام ‪ 1963‬وافقت وزارة الخارجية الصينية على المقترحات السوفييتية‬
‫العديدة إلجراء المشاورات‪ .‬تم عقدها عام ‪ 1964‬وفشلت فعليا ً في تحقيق أي نتائج‪ .‬والذنب في‬
‫ذلك يقع على عاتق الصين‪.‬‬
‫ضت معاهدات غير متكافئة مع الصين‪.‬‬ ‫غالبا ً ما تُشير بكين الى أن حكومة روسيا القيصرية قد فَ َر َ‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فمن المعروف أن الحكومة السوفييتية قد ألغت جميع المعاهدات غير المتكافئة التي‬
‫ى امبريالية‬ ‫فرضتها القيصرية على البُلدان األُخرى‪ ،‬إما بشك ٍل ُمنفصل أو باإلشتراك مع قو ً‬
‫أُخرى‪ .‬تخلت روسيا السوفييتية عن مناطق نفوذ روسيا القيصرية في الصين‪ ،‬وألغت حق‬
‫الحصانة والقنصلية‪ ،‬وسلمت جزء من التعويضات ال ُمستحقة على روسيا الحتياجات التعليم في‬
‫الصين‪ ،‬وألغت االمتيازات وأعادت الى الصين حقها في طريق السكك الحديدية الصينية الشرقية‪،‬‬
‫ووضعت حدا ً لجميع عناصر الالمساواة في العالقات بين البلدين‪ .‬لم يُالحظ صن ياتشينغ ‪Sun‬‬
‫‪ Yatxieng‬هذا وحسب‪ ،‬بل الحظها ماو تسي تونغ وقادة صينيون آخرون كذلك‪ .‬يجب التأكيد‬
‫على أنه لم يكن هناك أي حديث في أي ٍ من أعمال لينين وال في أي وثائق أُخرى للحزب الشيوعي‬
‫والحكومة السوفييتيتان عن ُمراجعة المعاهدات أو االتفاقيات الحدودية‪.‬‬
‫ان سياسة رفض الحدود المرسومة بين البلدين تاريخيا ً وتلفيق "قضية اقليمية" هو اختالق‬
‫بخطر كبير‪ .‬قال لينين في أيامه "دعوا البرجوازية الصغيرة تقوم بمشاجراتها القذرة‬
‫ٍ‬ ‫محفوف‬
‫وتجارتها عبر الحدود‪ ،‬فلن يتشاجر العمال من جميع البلدان والجنسيات حول هذا النوع من‬
‫األشياء"‪.4‬‬
‫من المناسب أن نتذكر هنا ما قاله تشو انالي للصحفي األمريكي إدغار سنو ‪ Edgar Snow‬في‬
‫تشرين األول عام ‪ .1960‬قال انه إن كان الجميع سيصفّون حساباتهم بالعودة الى مثل هذه‬
‫األزمنة التاريخية البعيدة‪ ،‬فسيغرق العالم في الفوضى‪ .‬سيتعيّن على الواليات المتحدة أن تعود‬
‫تحت الحكم البريطاني‪ ،‬باعتبار أن البالد قد حصلت على استقاللها قبل أقل من قرنين من الزمان‪.‬‬

‫الصحفي األمريكي ادغار سنو يقف مع ماو تسي تونغ‬

‫تؤكد الصين باستمرار على حقيقة أنها نجحت في تسوية مشاكلها الحدودية مع جميع جيرانها‬
‫تقريباً‪ :‬بورما ونيبال وأفغانستان وباكستان ومنغوليا‪ .‬ولكن ال يُمكن انكار أن الماويين لم يتوقفوا‬
‫عن التحريض على االستفزازات الحدودية ضد العديد من الدول ال ُمجاورة واستمروا بال ُمناداة‬
‫ب ُمطالبات اقليمية ضدهم‪ .‬ال يسع المرء‪ ،‬عند تحليل موقف الماويين بشأن المسائل الحدودية‪ ،‬اال‬
‫أن يُالحظ أنها تنبع من ال ُمطالبات الشوفينية للقوميين الصينيين مع طموحاتهم في استعادة‬
‫"العصر الذهبي" الصيني عندما كانت امبراطورية أخضعت العديد من المناطق ال ُمجاورة‪.‬‬
‫بالمناسبة‪ ،‬ان اتبّع المرء منطق بكين الخطير المتجذر في هذه الطموحات‪ ،‬فلن يكون هناك بديل‬
‫سوى إعادة رسم خريطة آسيا‪ .‬السؤال الذي يطرح نفسه‪ ،‬ما هي الفترة التاريخية التي يجب أن‬
‫تُستخدم كـ" ُمرشد للعمل"‪ .‬أهو الزمن الذي احتلت فيه الصين أرضا ً صغيرة ً نسبياً‪ ،‬ام في زمن‬
‫الصين االقطاعية التي امتد نفوذها الى المناطق والشعوب المجاورة؟ هناك شيء واحد واضح‪،‬‬
‫وهو أن الماويين يسعون‪ ،‬من خالل ُمطالباتهم الحدودية‪ ،‬وراء اهدافٍ افتراسية بعيدة المدى حيث‬
‫‪4‬‬
‫‪- Speech At The First All-Russia Congress Of The Navy November 22 (December 5), 1917‬‬
‫‪https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1917/nov/22.htm‬‬
‫تتشابك ُمعاداة السوفييت مع طموحات قبائل الهان الهيمنية الصينية القديمة‪.‬‬
‫أصبَ َح االتجاه الى خلق توترات على الحدود السوفييتية‪-‬الصينية وابتكار ذرائع للمواجهة مع‬
‫االتحاد السوفييتي واضحا ً من خالل عملية النزوح الجماعي من منطقة شينغيانغ ‪Xinjiang‬‬
‫عبَ َر أكثر من ‪ 90‬ألف شخص من سكان هذه المنطقة وخاصةً الكازاخ‬ ‫ال ُمتمتعة بالحكم الذاتي‪َ .‬‬
‫وااليغور الى األراضي السوفييتية‪ .‬وفسّر النازحون ذلك من خالل عدم قدرتهم على تحمل المزيد‬
‫من التمييز والقمع القومي الذي كانوا يتعرضون له في بالدهم‪.‬‬
‫جوعين و ُممزقي المالبس‪ ،‬ومن بينهم العديد من النساء واألطفال وكبار‬ ‫عندما تدفّق الالجئين ال ُم ّ‬
‫السن فجأة ً عبر الحدود‪ ،‬واجه الجانب السوفييتي ُمشكلة ُمعقدة للغاية‪ .‬تم عمل كل شيء لتقديم‬
‫طلَبت الحكومة السوفييتية على الفور من الحكومة الصينية‬ ‫المساعدات الطارئة لهؤالء الناس‪َ .‬‬
‫اتخاذ اجراءات عاجلة ضد االنتهاكات الجماعية للحدود‪ ،‬وطالبت بارسال ُممثلين صينيين الى‬
‫هذه المناطق بهدف القيام بعمل توضيحي باالشتراك مع ممثلين عن االتحاد السوفييتي بهدف‬
‫تحقيق عودة سريعة لالجئين الى وطنهم‪.‬‬
‫ً‬
‫كان يجب على المسألة ان تكون واضحة بدرج ٍة كافية‪ .‬كانت هناك انتهاكات جماعية للحدود‬
‫السوفييتية‪ .‬اقترحت الحكومة السوفييتية‪ ،‬وفقا ً لمعايير ُحسن الجوار‪ ،‬تسوية األمور على أُسس‬
‫ضت رفضا ً قاطعا ً األُسلوب ال ُمقترح للتشاور‬ ‫ودّية‪ .‬كيف كان رد فعل الحكومة الصينية؟ لقد َرفَ َ‬
‫والتسوية االنسانية للمسألة‪ .‬ودون اتخاذ أي اجراءات لوقف النزوح الجماعي لسكان شينغيانغ الى‬
‫األراضي السوفييتية‪ ،‬والذي استمر ألكثر من شهر‪ ،‬طالبت الحكومة الصينية "بإعادة الالجئين‬
‫بالقوة"‪ .‬أثار هذا بطبيعة الحال السؤال التالي‪ :‬لماذا لم تقم السلطات الصينية‪ ،‬التي كانت بالتأكيد‬
‫تعرف أن عشرات اآلالف من سكان شينغيانغ كانوا مستعدين للفرار من بالدهم‪ ،‬لم تفشل فقط في‬
‫منعهم من القيام بذلك وحسب‪ ،‬بل وحتى استفزتهم وحثتهم على اتخاذ مثل هذه الخطوة‪ ،‬كما أكد‬
‫شهود عيان؟ ووفقا ً ألدلة التي قدمها الالجئون‪ ،‬فإن سلطات الحدود الصينية التي كانت شاهدة‬
‫على العملية بأكملها‪ ،‬لم تفعل شيئا ً لوقفهم وحسب‪ ،‬بل قدمت لهم كل مساعدة في عبورهم‪ .‬في‬
‫كولجا ‪ Kuldja‬وتشوغوتشاك ‪( Chuguchak‬شينغيانغ)‪ ،‬أخبرت السلطات الصينية المواطنين‬
‫إذن بالمغادرة الى االتحاد السوفييتي بأنهم "ال يحتاجون الى‬ ‫الذين يتقدمون للحصول على ٍ‬
‫تأشيرات"‪ ،‬مما يعني أنهم يُمكنهم العبور على الحدود ببساطة‪ .‬قامت المؤسسات الصينية ببيع‬
‫تذاكر السفر بالسيارات الى النقاط الحدودية بالمجّان وساعدت الالجئين على حمل أمتعتهم الثقيلة‬
‫في مركبات البريد‪ .‬كانت هناك من ‪ 10‬الى ‪ 20‬شاحنة تُغادر يوميا ً ُمحملةً بـ‪ 50-40‬شخص في‬
‫كل شاحنة تُغادر كولجا متوجهةً الى المناطق الحدودية‪ .‬ألقى الالجئون أمتعتهم على بُعد‬
‫كيلومترات قليلة من الحدود حيث بدأوا سيرهم اليها تحت "األعين" الصينية األبوية‪.‬‬
‫من الواضح تماما ً أن الجانب الصيني قد سعى عمدا ً لحدوث هذه االنتهاكات الجماعية للحدود‬
‫ونظم كل " َحدَث" في متناول اليد ل ُمفاقمة العالقات السوفييتية الصينية‪ ،‬وبالتالي تنفيذ خطة ماو‬ ‫ّ‬
‫سمعة لتخريب صرح الصداقة السوفييتية‪-‬الصينية العظيم التي أقامها الشعب الصيني‬ ‫سيئة ال ُ‬
‫والشيوعيين‪ ،‬ومن أجل إرساء أُسس سياسة القوة العُظمى الموالية لإلمبريالية على أنقاضه‪ ،‬وهي‬
‫الخطة التي رعاها ماو منذ الخمسينيات‪.‬‬
‫كانت الذرائع ال ُمتنوعة التي استخدمها الماويون ل ُمفاقمة العالقات السوفييتية الصينية موجهة في‬
‫سلطات الصينية حادثة الالجئين‬ ‫كل مرة الى ال ُمهمة العملية الحالية القائمة‪ .‬وهكذا استغلت ال ُ‬
‫لتطهير الجزء األكبر من اقليم شينغيانغ‪ ،‬الذي كان من ال ُمفت ََرض تحويله الى ساحة اختبار‬
‫لألسلحة الذرية‪ ،‬من شهو ٍد غير مرغوب فيهم من سكانها الذين ال ينتمون الى قبائل الهان‪ .‬وهو‬
‫شرير بطبيعته وفي طريقة تنفيذه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫عمل استفزازي‬
‫من ال ُمثير القول أن الحكومة الصينية كانت قد بدأت بوصف الهجرة الجماعية لسكان شينغيانغ‬
‫رسميا ً بأنه "حدث صدفي"‪ ،‬ولكنها بعد ذلك بدأت باتهام االتحاد السوفييتي بإرتكاب "أنشطة‬
‫تخريبية في المناطق الحدودية للصين" و"تحريض عشرات آالف من المواطنين الصينيين للفرار‬
‫الى االتحاد السوفييتي" وهلم جرا‪.‬‬
‫فَ ِشلَت قيادة الحزب الشيوعي الصيني في خداع شعوبها أو شعوب الدول األُخرى‪ ،‬وتحميل‬
‫المسؤولية عن أخطاء سياستها الداخلية الى أطرافٍ أُخرى‪ ،‬وهي أخطاء دَفَ َعت آالف من الناس‪،‬‬
‫فر آالف من المواطنين الصينيين من‬ ‫وبشك ٍل رئيسي من األقليات القومية‪ ،‬الى الفرار من الصين‪ّ .‬‬
‫البالد‪ ،‬ليس فقط الى اإلتحاد السوفييتي ولكن الى البلدان ال ُمجاورة األُخرى أيضا ً منذ عام ‪-1960‬‬
‫‪ .1962‬هل يتحمل االتحاد السوفييتي مسؤولية ذلك أيضاً؟ ماذا عن آالف الصينيين الذين ّ‬
‫فروا‬
‫وما زالوا يفرون الى هونغ كونغ وماكاو ‪Macau‬؟ هل استدرجهم ُممثلوا االتحاد السوفييتي الى‬
‫هناك؟‬
‫أجرت هيئات الدولة السوفييتية أعماالً توضيحية متواصلة بين الالجئين من شينغيانغ‪ ،‬وهي تبذل‬
‫ُجهودها إلقناعهم بالعودة الى الصين‪ ،‬وبنتائج جيدة‪ :‬وافق أكثر من ‪ 500‬شخص على العودة الى‬
‫الصين في صيف عام ‪ .1963‬كان من ال ُممكن أن يكون قرارهم قدوة ً حسنةً لغيرهم من الالجئين‪،‬‬
‫لكن السلطات الصينية رفضت عودتهم‪ .‬باإلضافة الى ذلك‪ ،‬رفضت الحكومة الصينية بإصرار‬
‫لمدة عامين جميع ال ُمقترحات السوفييتية إلجراء ال ُمشاورات الالزمة‪ ،‬ورفضت ال ُمشاركة في أي‬
‫اجتماعات مع الالجئين‪ .‬رفضت وزارة الخارجية الصينية رفضا ً قاطعاً‪ ،‬ردا ً على ُمقترح‬
‫سوفييتي في ‪ُ 19‬حزيران عام ‪ ،1964‬قبول عودة الالجئين الذين وافقوا على العودة الى الصين‪،‬‬
‫وطالبت بالعودة "غير المشروطة" لجميع المواطنين الصينيين البالغ عددهم ‪ 60‬ألف شخص‬
‫والذين عبروا الحدود في ربيع عام ‪ .1962‬أصرت الحكومة الصينية أن تقوم الحكومة السوفييتية‬
‫بـ" ُممارسة القوة" على عشرات آالف األشخاص واعادتهم الى الصين "بقوة السالح"‪ُ ،‬مدركةً‬
‫جيدا ً أن الشعب السوفييتي لن يوافق أبدا ً على مثل هذا العمل اإلجرامي‪ .‬رفضت وزارة الخارجية‬
‫الصينية ال ُمقترح السوفييتي بإرسال ُممثلين للقيام بعمل توضيحي بين الالجئين‪ ،‬قائلةً أن الحكومة‬
‫الصينية "لن توافق أبدا ً على ذلك"‪ .‬من الواضح هنا أيضا ً أن الماويين كانوا يريدون خلق طري ٍ‬
‫ق‬
‫غرض سياسي ٍ ُمحدد‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ُمغلق من أجل‬
‫التدخل السافر في شؤون االتحاد السوفييتي‬

‫عندما كانت العالقات السوفييتية الصينية أوائل الستينيات تزداد تعقيداً‪ ،‬انتقلت بكين الى حمالت‬
‫التدخل العلني في الشؤون الداخلية للحزب الشيوعي السوفييتي والدولة السوفييتية‪ ،‬على الرغم‬
‫من أن هذا التدخل لم يتعارض فقط مع مبادئ العالقات بين الدول االشتراكية ال ُمعبّر عنها في‬
‫معاهدة الصداقة والتحالف وال ُمساعدة ال ُمتبادلة السوفييتية‪-‬الصينية المؤرخة في ‪ 14‬شباط عام‬
‫‪ ،1950‬بل وأيضا ً تتعارض مع المبادئ األولية للعالقة بين الدول جميعها‪.‬‬
‫قررت القيادة الصينية‪ ،‬اعتقادا ً منها أن لها الحق في شن دعاية ُمعادية للسوفييت‪ ،‬ليس فقط في‬
‫الصين ولكن في االتحاد السوفييتي أيضاً‪ ،‬أن تظهر بمظهر " ُمربي و ُمعلم" الشعب السوفييتي‪.‬‬
‫قامت المؤسسات الصينية الرسمية ال ُمعتمدة في االتحاد السوفييتي والسياح والطالب الصينيين‬
‫وموظفي القطارات بين بكين وموسكو وأعضاء الوفود الصينية ب ُممارسة الدعاية ال ُمعادية‬
‫للسوفييت في الستينيات‪ .‬لقد حاولوا نشر منشورات ُمشينة على الشعب السوفييتي ونشر الشائعات‬
‫طب حول كيفية "بناء‬ ‫واالفتراءات االستفزازية‪ .‬استخدموا البرامج اإلذاعية إللقاء ال ُخ َ‬
‫االشتراكية"‪ :‬و"الدفاع عن الثورة" و" ُمحاربة النظام السوفييتي القائم" وما الى ذلك‪.‬‬
‫فركت العناصر الغربية ال ُمعادية للسوفييت أيديهم فرحا ً في الوقت الذي كان ُممثلو بكين في‬
‫الخارج ينشرون يوما ً بعد يوم أبشع األكاذيب حول الحزب الشيوعي السوفييتي والشعب‬
‫السوفييتي حول "انحالل ال ُمجتمع السوفييتي" و"عودة الرأسمالية في االتحاد السوفييتي"‪.‬‬
‫رفضت وزارة الخارجية الصينية في ُمذكرتها المؤرخة ‪ 7‬آذار ‪ 1964‬االحتجاجات السوفييتية‬
‫سلطات الصينية تحتفظ بحق مواصلة‬ ‫ضد االنتهاك الجسيم لسيادة االتحاد السوفييتي وأعلنت أن ال ُ‬
‫غرض أفضل‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫أنشطتها‪ .‬كانت بكين لمدة عشرين عاما ً تُحاول‪ ،‬بحماس ٍة‪-‬كان يُمكن أن تُستخدم ل‬
‫تحريض الشعب السوفييتي ضد الحزب الشيوعي والقيادة القائمة‪ .‬يكتظ بثها االذاعي الذي يصل‬
‫مجموعه الى ‪ 56‬ساعة يوميا ً بالعديد من لغات شعوب االتحاد السوفييتي بالنداءات االستفزازية‬
‫من جميع األنواع‪ .‬يُمكن للمرء أن يصف مثل هذه الطموحات والدعوات بأنها شريرة عندما تأتي‬
‫من أعداء االتحاد السوفييتي الطبقيين‪ .‬ولكن ماذا يُمكن للمرء أن يقول عن مثل هذه األشياء عندما‬
‫سع المرء اال أن يتسائل أن بكين تستغرق‬ ‫تأتي من اولئك الذين يتعهدون بالوالء لالشتراكية؟ ال يَ َ‬
‫وقتا ً طويالً لكي تُدرك عدم جدوى ُمحاوالتها لدق اسفين بين الحزب الشيوعي والشعب‬
‫السوفييتي‪ ،‬وبين اللجنة المركزية للحزب وبقية أعضاء الحزب‪ .‬قام الشعب السوفييتي مرارا ً‬
‫وتكرارا ً باحتجاجات كثيرة ضد أنشطة الماويين التخريبية‪.‬‬
‫في واقع األمر‪ ،‬كان من الواضح بالفعل في أوائل الستينيات أن طبيعة األنشطة ال ُمعادية للسوفييت‬
‫ال يُمكن أن تُعزى فقط الى الخالفات االيديولوجية بين الحزبين الشيوعيين الصيني والسوفييتي‬
‫ع َم الجانب الصيني‪ .‬عالوة ً على ذلك‪ ،‬أصب َح من الواضح تماما ً أن ما يُسمى بالخالفات‬ ‫كما ز ُ‬
‫ط ُرق تنفيذ الثورة" كانت وما زالت ذات أهمية بالنسبة لبكين‪.‬‬ ‫االيديولوجية في الرأي حول " ُ‬
‫كانت هناك حاجة اليها فقط كذريعة ألعمالها ال ُمعادية للسوفييت واسعة النطاق‪ ،‬والتي كانت في‬
‫األساس حربا ً سياسية ضد االتحاد السوفييتي وأصدقائه‪ .‬لقد نسيت بكين منذ فترةٍ طويلة ال ُمناقشة‬
‫حول المشاكل األساسية في عصرنا والتي استخدمها الماويون كذريعة لتأجيج الصراع‪ .‬هل‬
‫يُمكن‪ ،‬في الواقع‪ ،‬تبرير االستفزازات ال ُمسلحة على الحدود السوفييتية الصينية وأعمال التخريب‬
‫ال ُمباشرة ضد االتحاد السوفييتي بالخالفات االيديولوجية؟ إن "البرنامج" الفعلي للماويين يُعادل‬
‫ط ُرق وال‬‫النضال ضد االتحاد السوفييتي ودول المنظومة االشتراكية األُخرى بكل الوسائل وال ُ‬
‫حديث في بكين اآلن عن الحاجة‬ ‫ٌ‬ ‫قدر من ال ُحجج ال ُمجردة أن يُخفي هذه الحقيقة‪ .‬هناك‬
‫يُمكن ألي ٍ‬
‫الى إقامة "جبهة أوسع" بمشاركة الدول االمبريالية من أجل "حملة صليبية عالمية ضد االتحاد‬
‫السوفييتي"‪.‬‬
‫ان قادة بكين يقولون بأنهم سيشنون كفاحا ً ال هوادة فيه من أجل "خطهم العام" لـعشرة آالف سنة"‬
‫ويُحاولون فرض هذا "الخط" على جميع القوى الثورية في عصرنا‪ .‬ليس لدى الحزب الشيوعي‬
‫السوفييتي واألحزاب الشقيقة في جميع أنحاء العالم ال ُمخلصين لنضالهم ضد االمبريالية‪ ،‬أي نية‬
‫للموافقة على ح ٍل وسط في المسائل المبدأية‪ .‬لن يحيدوا قيد أ ُن ُملة عن الماركسية اللينينية‬
‫وسيُناضلون بال توقف من أجل تماسك ال ُمجتمع االشتراكية والحركة الشيوعية العالمية بأسرها‬
‫ومن أجل االلتزام بالماركسية اللينينية‪ .‬مهما كان مدى حدة الخالفات في المجال االيديولوجي‪،‬‬
‫فإن االتحاد السوفييتي لم ينقلها أبدا ً الى مجال العالقات بين الدول مع الصين‪.‬‬
‫ت في عالقاته مع الحزب الشيوعي الصيني‪،‬‬ ‫بمجرد أن واجه الحزب الشيوعي السوفييتي صعوبا ٍ‬
‫ت ُمحددة‬ ‫لم يقصر نفسه على التصريحات العامة‪ ،‬ولكن تمشيا ً مع روح األُممية‪ ،‬قدم ُمقترحا ٍ‬
‫الستعادة العالقات االقتصادية والثقافية وتنسيقها السياسات الخارجية وتطويرها‪ .‬حدد خطاب‬
‫اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي في ‪ 29‬تشرين الثاني عام ‪ 1963‬والوثائق األُخرى‬
‫الصادرة عنه وعن الحكومة السوفييتية برنامجا ً واسعا ً لتطوير العالقات السوفييتية الصينية‪.‬‬
‫لكن في ذلك الوقت لم يكن لدى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ُمسبقا ً أي نية للرد على‬
‫ُمبادرات الحزب الشيوعي السوفييتي‪ُ .‬متجاهالً جميع ال ُمقترحات السوفييتية البناءة‪ ،‬وضع الحزب‬
‫الصيني في في رسالته المؤرخة ‪ 29‬شباط عام ‪ 1964‬ذرائع ال حصر لها ل ُمفاقمة العالقات‬
‫ال ُمشتركة وفبرك أبشع التزييفات‪ .‬كان كل شيء يُشير الى حقيقة أن قيادة الحزب الشيوعي‬
‫الصيني بعيدة ً ُكل البُعد عن تطبيع الوضع‪ ،‬وكانت تسعى لزيادة التوترات بين البلدين الى ذروتها‬
‫وكانت تنتهج سياسةً ُمعادية للسوفييت بشك ٍل صريح‪.‬‬
‫ومن األدلة البليغة على ذلك المقالتان "الثامنة" و"التاسعة" التي نشرتها صحيفة الشعب الصيني‬
‫ي بـ"الردود" على الرسالة المفتوحة للجنة المركزية للحزب‬ ‫س ّم َ‬
‫عام ‪ 1963‬في سلسلة ما ُ‬
‫الشيوعي السوفييتي في ‪ 14‬تموز عام ‪ ،1963‬والتي عالجت ُمطوالً العالقات السوفييتية الصينية‪.‬‬
‫كانت المقاالت مليئةً بالتأكيدات السخيفة حول النظام االجتماعي السوفييتي وأساءت للحزب‬
‫الشيوعي السوفييتي‪ .‬فَش َل ال ُمزيفون في نوبة غضبهم الحاد‪ ،‬في رؤية أنهم لم يوجهوا اللوم الى‬
‫االتحاد السوفييتي بقدر ما كان اللوم موجها ً ضد األفكار والمبادئ األساسية االشتراكية‪ :‬ال ُملكية‬
‫العاملة لوسائل االنتاج‪ ،‬والدور القيادي للحزب الشيوعي والديمقراطية االشتراكية‪ .‬واصلت‬
‫بكين‪ ،‬مع مرور الوقت تصعيدها للعداء للسوفييت وانحيازها لالمبريالية‪ ،‬وهو الموقف الذي‬
‫تحول الى شراك ٍة معها‪.‬‬
‫سرعان ما ّ‬ ‫ُ‬

‫***‬

‫ينتمي مكان بارز في ترسانة التزوير الماوي‪ ،‬االدعاء بأن االتحاد السوفييتي سعى دائما ً الى‬
‫عم‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬أن االتحاد السوفييتي اقترح‬ ‫وضع الصين تحت "سيطرته العسكرية"‪ .‬يُز َ‬
‫على الصين عام ‪ ،1958‬انشاء بحرية سوفييتية صينية ُمشتركة‪ ،‬وأنه حتى أصر على وضعها‬
‫تحت ظل قياد ٍة ُمشتركة‪ .‬نَش ََر الماويون مثل هذه التلفيقات حتى من خالل القنوات الرسمية‪ :‬في‬
‫بتصريح يحمل هذا المعنى من على منبر‬
‫ٍ‬ ‫تشرين األول عام ‪ 1973‬أدلى وزير الخارجية الصيني‬
‫الجمعية العامة لألُمم ال ُمتحدة‪ .‬أشار المسؤولون الصينيون الى هذا الموضوع بإنتظام في‬
‫ال ُمحادثات‪.‬‬
‫ب رسمي الى االتحاد السوفييتي لتعزيز‬ ‫ما هي الحقيقة؟ تقدمت الحكومة الصينية عام ‪ 1958‬بطل ٍ‬
‫قواتها البحرية‪ .‬وبسبب الطبيعة ال ُمعقدة لهذه المسألة‪ ،‬اقترح الجانب السوفييتي اجراء ُمشاورات‬
‫لدراسة احتماالت تلبية طلب الصين وايجاد حل ُمشترك للمسألة‪ .‬وهكذا‪ ،‬كانت النُقطة المطروحة‬
‫هي تحديد نوع البحرية التي تحتاجها الصين‪ ،‬من أجل اجراء ُمناقشة مع ال ُممثلين الصينيين‬
‫األكفّاء حول ما هي المعدات المطلوبة وما الذي يُمكن لالتحاد السوفييتي أن يفعله بهذا الصدد‪،‬‬
‫وليس تشكيل نوع من "األُسطول ال ُمشترك" تحت "قيادة ُمشتركة"‪.‬‬

‫ُملصق صيني عن الصداقة السوفييتية الصينية البحرية‬

‫لكن ماو تسي تونغ وأنصاره شوهوا تماما ً طبيعة ال ُمقترح السوفييتي وحولوه الى ُمقامرة عديمة‬
‫التدقيق وذريعة ل ُمفاقمة حالة العالقات مع االتحاد السوفييتي‪ .‬اعترف ماو تسي تونغ ذات مرة أن‬
‫طلب تشكيل البحرية الصينية قد جاء من الجانب الصيني‪ ،‬قال أن ال ُممثلين الصينيين "قد وضعوا‬
‫مسودة المشروع المعني‪ ،‬ونتيجةً لذلك أرسل الطلب الى موسكو"‪ .‬وأكد الجانب السوفييتي في‬ ‫ّ‬
‫رده أن نظرا ً ألهمية الموضوع سيكون من األنسب ُمناقشته في موسكو‪.‬‬
‫ت ُمتكررة‪ ،‬أُج ِب َر ماو على االعتراف بأن "كل الغيوم الداكنة قد تبددت" و"تم‬
‫بعد تلقيه تفسيرا ٍ‬
‫سحب المسألة"‪ .‬وهكذا فإن مسألة "البحرية ال ُمشتركة" ُملفقة من أولها الى آخرها ومن الواضح‬
‫أن القيادة الصينية تستغلها ألهداف استفزازية‪.‬‬
‫ان مسألة بناء محطة إرسال السلكي للتواصل مع السفُن في ال ُمحيط الهادئ يصورها الماويون‬
‫في ضوءٍ ُمماثل‪ .‬أشار الماويون في تصريحاتهم الى هذه الحادثة على أنها ُمحاولة من قِبَل االتحاد‬
‫السوفييتي "النتهاك سيادة الصين"‪.‬‬
‫في الواقع‪ ،‬أوضح المسؤولون السوفييت رفيعو ال ُمستوى في المشاورات السوفييتية الصينية التي‬
‫ع ِقدَت عام ‪ 1958‬حقيقة أنه ال يُمكن أن يكون هناك شك في أن ُملكية االتحاد السوفييتي للمحطة‬ ‫ُ‬
‫"تنبغي أن تكون صينية بالكامل"‪ .‬اقترح الجانب السوفييتي أن يتم التوصل الى اتفاق بشأن بناء‬
‫المحطة على قدم ال ُمساواة وتحدث عن امكانية استخدام الجانب الصيني لمحطات الراديو‬
‫السوفييتية في الشرق األقصى الحتياجاته الدفاعية‪ .‬لم يكن لدى ال ُممثلين الصينيين أي اعتراضات‬
‫على المشروع‪ ،‬بل قالوا أنه "يُمكن تمويل المحطة من قِبَل الحكومة الصينية واستخدامها مع‬
‫االتحاد السوفييتي بشك ٍل ُمشترك"‪ .‬لم يكن األمر رغبةً في االعتداء على سيادة الصين بأي شك ٍل‬
‫من األشكال‪ ،‬بل كان ال ُمقترح نابعا ً من رغبة االتحاد السوفييتي في ُمساعدة جمهورية الصين‬
‫جرد أن شكك ال ُممثلون الصينيون عن الحاجة الى مثل هذه المحطة‪ ،‬أسقط الجانب‬ ‫الشعبية‪ .‬ب ُم ّ‬
‫السوفييتي المسألة فوراً‪.‬‬
‫تُظهر هذه الحقائق وغيرها من تاريخ العالقات السوفييتية الصينية أن الماويين كانوا يستخدمون‬
‫جوانب متنوعة من العالقة بين الدولتين لتصوير أنفسهم على أنهم "ضحية" أو باألحرى لخلق‬
‫ذرائع لشن حمالت ُمعادية للسوفييت‪ .‬اآلن‪ ،‬صار جوهر أعمالهم االستفزازية ال ُمعادية للسوفييت‬
‫الذي يعود الى الستينات‪ ،‬والذي تم اخفاءه بعناية‪ ،‬واضحا ً في الثمانينات‪ :‬استمر خلق الذرائع‬
‫لتقويض العالقات السوفييتية الصينية‪.‬‬
‫الشيوعيين السوفييت يسعون الى تطبيع العالقات بعد اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي‬
‫السوفييتي (‪)1964‬‬

‫يجب على المرء أن يُالحظ‪ ،‬عند الحديث عن النوايا الطيبة للحزب الشيوعي السوفييتي‪ ،‬وبحثه‬
‫عن الطرق للتغلب على الخالفات السوفييتية‪-‬الصينية‪ ،‬ال ُجهد الكبير البنّاء الذي بذلته اللجنة‬
‫المركزية للحزب في مجال العالقات السوفييتية الصينية بعد اجتماع اللجنة المركزية عام ‪.1964‬‬
‫على مدى السنوات الـ‪ 25‬الماضية‪ ،‬دعت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي والحكومة‬
‫السوفييتيتان دائما ً الى تطبيع العالقات ال ُمشتركة‪ .‬تمت ُمناقشة أعمال وجوهر تلك الجهود على‬
‫واسع في األدبيات العلمية السوفييتية‪ .‬وهنا نلفت االنتباه الى أحداث عام ‪ .1964‬جاءت‬ ‫ٍ‬ ‫ق‬
‫نطا ٍ‬
‫قرارات االجتماع العام للجنة المركزية من حقيقة أن وجود خالفات ايديولوجية خطيرة ال يُقلل‬
‫من الحاجة الى وحدة الفعل‪ ،‬وقبل كل شيء‪ ،‬الوحدة في النضال ضد االمبريالية وتطوير‬
‫وبدعم من األحزاب الماركسية اللينينية األُخرى‪ ،‬أوقف الحزب الشيوعي‬ ‫ٍ‬ ‫العالقات بين الدول‪.‬‬
‫السوفييتي جميع االنتقادات الموجهة ضد وجهات نظر وأفعال الحزب الشيوعي الصيني في‬
‫الصحافة‪ .‬لم ترد بكين بالمثل‪ ،‬وواصلت دعايتها ال ُمعادية للسوفييت‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬دعت اللجنة‬
‫المركزية والحكومة السوفييتيتان عام ‪ 1964‬وفدا ً حكوميا ً وحزبيا ً من الصين للمشاركة في‬
‫االحتفاالت بالذكرى السنوية السابعة واألربعين لثورة أُكتوبر حتى يُمكن استخدام وسائل االتصال‬
‫سبُل لتطبيع العالقات السوفييتية الصينية‪.‬‬ ‫رفيعة ال ُمستوى من أجل ايجاد ُ‬
‫حاول الوفد الصيني‪ ،‬الذي كان من بين أعضاءه تشو انالي وكانغ شينغ ‪ Kang Sheng‬استخدام‬
‫الضغط ال ُمباشر والصريح لجعل الحزب الشيوعي السوفييتي يتخلى عن موقفه المبدأي‪،‬‬
‫واستخدام كل فرصة تسنح لالبتزاز باتهام الحزب الشيوعي السوفييتي بأنه يتخذ موقفا ً "غير‬
‫ودياً" من الحزب الشيوعي الصيني‪ .‬لجأوا الى شعار "افالس التحريفية ال ُمعاصرة وانتصار‬
‫أفكار ماو تسي تونغ" من أجل إقناع قادة األحزاب والدول الشقيقة الذين وصلوا الى موسكو‬
‫ولزرع بذور الفتنة بين دول المنظومة االشتراكية والحركة الشيوعية العالمية‪ .‬تقدّم الجانب‬
‫ب من الحزب الشيوعي السوفييتي‬ ‫الصيني بطلب لم يسبق له مثيل في العالقات بين األحزاب‪ُ :‬‬
‫ط ِل َ‬
‫أن يتخلى عن سياستة المبنية على قرارات المؤتمرات من ‪ 22-20‬ووثائق اجتماعات األحزاب‬
‫ع ِق َدت في موسكو عامي ‪ 1957‬و‪ ،1960‬وتبنّي سياسة تقوم على "أفكار‬ ‫الشيوعية والعمالية التي ُ‬
‫سمعة السيئة والتي تتبعها بكين في "خطها العام"‬ ‫ماو تسي تونغ" والنقاط الـ‪ 25‬ذات ال ُ‬
‫المنصوص عليها في وثائق اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني والمنشورة في عدد ‪14‬‬
‫ُحزيران من صحيفة الشعب الصيني‪.5‬‬
‫قُوبِلَت هذه المحاوالت بالرفض‪ .‬في موسكو‪ ،‬قِيل للوفد الصيني أن المسار السياسي لجميع‬
‫مؤتمرات الحزب الشيوعي السوفييتي يعكس ارادة الحزب والشعب السوفييتي بأسره‪.‬‬
‫فيما يتعلق بجوانب ُمحددة من العالقات السوفييتية الصينية‪ ،‬كان موقف الحزب الشيوعي‬
‫السوفييتي في االجتماع واضحا ً جداً‪ :‬لقد ذكر أنه من أجل مصلحة قضيتهما ال ُمشتركة‪ ،‬يجب على‬

‫‪ - 5‬تجدر االشارة الى أن بكين تُحبّذ "نسيان" هذه الوثيقة الديماغوجية واالنتهازية التي تُلقّن الجميع حول " ُ‬
‫ط ُرق القيام بالثورة"‪ .‬بعد أن‬
‫َكش َ‬
‫َف ُمعظم الجهات ال ُمناضلة في الجبهة ال ُمعادية لالمبريالية الطبيعة الزائفة واالمبريالية لقيادة بكين‪ ،‬قامت قيادة هذه األخيرة بسلوك‬
‫الطريق المفتوح والمتواطئ مع االمبريالية الرجعية واألكثر عدوانيةً‪.‬‬
‫وكان قادة بكين‪ ،‬قد أدانوا في "نقاطهم الـ‪ "25‬حلف الناتو واألحالف العسكرية االمبريالية األُخرى‪ .‬اليوم تحولوا هم أنفسهم فعليا ً الى‬
‫شيء يُشبه عضوا ً "بدوام ُجزئي" في كل هذه األحالف‪ ،‬كشيء يُشبه ناتو شرقي يُستخدم كأداة للسياسة االمبريالية األمريكية‪.‬‬
‫استمر دينغ شاوبينغ ‪ Deng Xiaoping‬في العام ‪ 1963‬بالعزف على نفس النغمة‪" :‬إن الجوهر العداوني لالمبريالية لن يتغير أبدا‪ُ،‬‬
‫وأنه "ال ينبغي الوثوق باالمبرياليين أبدا ً‪ -‬فمن المؤكد أنهم يخدعوننا"‪ .‬اليوم‪ ،‬ينسى‪ ،‬جنبا ً الى جنب مع القادة الصينيين اآلخرين‪ ،‬هذه‬
‫الكلمات‪ ،‬شاجبا ً االتحاد السوفييتي باعتباره "العدو الرئيسي للشعب"‪ ،‬ويحث على انشاء "جبهة موحّدة تضم جميع البلدان‪ ،‬بما في ذلك‬
‫الواليات ال ُمتحدة‪ ،‬للنضال ضد أول دولة اشتراكية في العالم‪.‬‬
‫الحزبين الشيوعيين ال ُمضي في عالقاتهما من عوامل وحدتهما وليس تفرقهما‪ ،‬ألن جوهر المسألة‬
‫هو البدء في تطبيع الوضع بغض النظر عن الخالفات االيديولوجية القائمة‪ .‬تم التأكيد على أنه من‬
‫الضروري وضح حد للنزاع المفتوح ومناقشة مسألة اتخاذ الطرفين خطوات ُمشتركة لتعزيز‬
‫الجبهة ال ُمعادية لالمبريالية وكذلك تبادل وجهات النظر حول العالقات ال ُمتبادلة بين البلدين‪.‬‬
‫أكد قادة الحزب الشيوعي الصيني مرة ً أُخرى في اجتماع عام ‪ 1964‬رفضهم االمتناع عن الجدل‬
‫العلني‪ .‬كما رفضوا بشك ٍل قاطع ُمقترح الحزب الشيوعي السوفييتي بابقاء الجداالت في اطار‬
‫الجداالت الرفاقية‪.‬‬
‫امتنع الوفد الصيني عن ُمناقشة تدابير ُمحددة لتوحيد الجبهة ال ُمعادية لالمبريالية‪ ،‬وكما اتضح‬
‫الحقاً‪ ،‬لم يكن بدون سبب أن رفضوا ُمقترح ُمناقشة العالقات بين البلدين وفشلوا في طرح أي‬
‫ُمقترحات ايجابية بخصوص تطبيع العالقات‪.‬‬
‫استجاب الوفد السوفييتي بمبادرة جديدة ومهمة‪ ،‬وهي عقد اجتماع ل ُممثلين رفيعي ال ُمستوى‬
‫للحزبين الشيوعيين بهدف تبادل اآلراء حول العديد من المسائل واستعادة الثقة والوحدة بين‬
‫الحزبين والدولتين عندما يكون الجانب الصيني مستعد لذلك‪ .‬وتم اقتراح عقد االجتماع في‬
‫موسكو أو في بكين في أي وقت يُناسب الجانب الصيني‪ .‬لم يؤيّد الجانب الصيني هذا ال ُمقترح‪.‬‬

‫***‬
‫قام االتحاد السوفييتي في السنوات التي أعقبت ذلك‪ ،‬بطرح ُمقترحات ُمتنوعة كان من ال ُممكن أن‬
‫يؤدي تحقيقها الى تحسين العالقات بين الدولتين الى ح ٍد كبير‪ .‬ان ذكر عدد من هذه ال ُمبادرات‬
‫سيُظ ِهر للقارئ غير ال ُمتحيز‪ ،‬النوايا الحسنة التي كان االتحاد السوفييتي يُظهرها‪.‬‬
‫اقترح االتحاد السوفييتي في ‪ 8‬تموز من عام ‪ 1970‬اصدار اعالن عام ُمشتَرك من قِ َبل‬
‫الحكومتين السوفييتية والصينية يُفيد بأن كال الجانبين لم يُطالب بأراضي اآلخر‪ ،‬وأن كل جانب‬
‫عازم على الحفاظ على الوضع الراهن فيما يخص الحدود ال ُمشتركة‪.‬‬
‫مسودة معاهدة بشأن نبذ استخدام القوة‪،‬‬ ‫في ‪ 15‬كانون األول عام ‪ 1971‬تلقّت الحكومة الصينية ّ‬
‫وفي ‪ُ 14‬حزيران لعام ‪ 1973‬تم تقديم مشروع ُمعاهدة عدم اعتداء بين االتحاد السوفييتي‬
‫والصين‪ .‬منذ ذلك الحين‪ ،‬وخاصةً في السنوات القليلة الماضية‪َ ،‬‬
‫ط َر َح االتحاد السوفييتي عدة‬
‫ت حول تطوير التعاون والتبادل في مجاالت العلوم والتكنولوجيا والصحة العامة‬ ‫مرات ُمقترحا ٍ‬
‫والرياضة وبين جمعيات الصداقة السوفييتية الصينية‪ ،‬وبشأن تحسين العالقات فيما يخص األقسام‬
‫الحدودية النهرية ولتطوير التجارة الحدودية‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يُظ ِهر موقف االتحاد السوفييتي أنه ال توجد في العالقات السوفييتية‪-‬الصينية مسائل ال‬
‫يُمكن حلها من خالل نهج ُحسن الجوار‪ .‬لقد أعرب االتحاد السوفييتي دائما ً عن استعداداه إليالء‬
‫اهتمام شديد ألي ُمبادرات بناءة تصدر من الجانب الصيني‪ .‬ولكن هذه المبادرات لم تظهر أبداً‪.‬‬
‫كما لم يكن هناك استجابة ايجابية على ال ُمقترحات البناءة التي طرحها االتحاد السوفييتي‪ .‬ظل‬
‫ض بعضها اآلخر بدون أي أساس‪.‬‬ ‫العديد منها بدون أي رد‪ ،‬كما ُرفِ َ‬
‫باإلضافة الى ذلك‪ ،‬رفضت القيادة الصينية في نيسان ‪ 1979‬تمديد ُمعاهدة الصداقة والتحالف‬
‫وال ُمساعدة ال ُمتبادلة التي وقّعها البلدان في شباط عام ‪.1950‬‬
‫وفي وضع انحياز القيادة الصينية لالمبرياليين‪ ،‬اعتُبِ َرت ال ُمعاهدة السوفييتية الصينية في بكين‪،‬‬
‫بمثابة كابح ل ُخططها ال ُمتمثلة بانشاء "جبهة عريضة موحّدة" ضد قوى السالم واالشتراكية‬
‫والتقدم‪ .‬ردا ً على هذا العمل العدواني‪ ،‬أصدرت الحكومة السوفييتية بيانا ً أفاد أنه بغض النظر عن‬
‫المدى الذي سيذهب اليه أعداء الصداقة السوفييتية‪-‬الصينية في حذف جميع األشياء الجيدة التي‬
‫تحققت في سنوات التعاون الودّي بين البلدين و ُمحاولتهم بناء حاجز من العداء بين الشعبين‪ ،‬فإن‬
‫محاوالتهم ستنتهي بالفشل‪ ،‬وأن المسؤولية عن إحباط تمديد ال ُمعاهدة تقع على عاتق الجانب‬
‫الصيني‪.‬‬

‫ُملصق سوفييتي حول الصداقة السوفييتية الصينية‬

‫ومع ذلك‪ ،‬وبفضل جهود االتحاد السوفييتي‪ ،‬بدأت ال ُمحادثات السوفييتية‪-‬الصينية في موسكو في‬
‫ط َر َح وفد الحكومة السوفييتية مشروع‬ ‫خريف عام ‪ 1979‬بهدف تطبيع العالقات بين الدولتين‪َ .‬‬
‫مبادئ العالقات بين الدولتين‪ .‬كان يُمكن للتوقيع عليه أن يُقدّم أساسا ً قانونيا ً فعاالً لتطبيع العالقات‪.‬‬
‫وأظهرت ال ُمحادثات مرة ً أُخرى أن الجانب الصيني لم يكن ُمهتما ً بتطبيع العالقات بين البلدين‬
‫وأنه ليس لديه النية إلتخاذ خطوات حقيقية في هذا االتجاه‪ ،‬وأن سياسة القادة الصينيين ومسارهم‬
‫ال ُمعادي للسوفييت لم يتغيّر‪.‬‬
‫تضطر قيادة بكين اآلن الى التفكير في الذرائع التي ستُقال لتبرير رفضها تحسين العالقات بين‬
‫الدولتين في نظر الرأي العام العالمي‪ .‬ولتحقيق ذلك‪ ،‬تلجأ الى التكتيكات التي يُمكن تعريفها على‬
‫نح ٍو ُمالئم على أنها "الحلقة الصينية ال ُمفرغة"‪.‬‬
‫تزعم القيادة الصينية أنه قبل التوصل الى أي حل ألي جانب من جوانب العالقات السوفييتية‪-‬‬
‫الصينية‪ ،‬من الضروري تحقيق تقدّم في تسوية "القضية الحدودية"‪ .‬تعني كلمة "تقدم" في هذه‬
‫الحالة‪ ،‬قبول االتحاد السوفييتي لعد ٍد من الشروط السخيفة‪ .‬أحدها هو اعتراف االتحاد السوفييتي‬
‫ب ُمطالبات الصين اإلقليمية بما يُسمى "المناطق ال ُمتنازع عليها" والتي تضم عشرات اآلالف من‬
‫الكيلومترات ال ُمربعة من األراضي السوفييتية مع ُمدن ومناطق حكم ذاتي يقطنها سكان الدولة‬
‫الروسية منذ قرون‪.‬‬
‫عندما وافقت القيادة الصينية على المشاركة في ال ُمفاوضات مع االتحاد السوفييتي‪ ،‬كانت تسعى‬
‫لتحقيق أهداف سياسية ُمختلفة تماماً‪ .‬لقد سعت الى ما يلي‪:‬‬
‫الحفاظ‬
‫‪ -‬خداع الرأي العام العاملي من خالل تكتيك ُمناوراتها في العالقات السوفييتية‪-‬الصينية‪ِ :‬‬
‫على سياساتها ال ُمعادية للسوفييت تحت ذريعة "حسن النوايا"‪ ،‬واتباع "نهج واقعي" في العالقات‬
‫مع السوفييت‪.‬‬
‫‪ -‬ل ُممارسة الضغط على الواليات المتحدة ودول الناتو من خالل التهديد بتطبيع العالقات‬
‫السوفييتية‪-‬الصينية (بهدف الحصول على تنازالت من القُوى االمبريالية فيما يتعلق بالمساعدات‬
‫العسكرية واالقتصادية للصين‪ ،‬وبالتالي تقوية هذه األخيرة كقوة ُمجابهة لالتحاد السوفييتي)‪.‬‬
‫‪ -‬الضغط على االتحاد السوفييتي من خالل التقدّم بمطالب قاطعة من جهة‪ ،‬والتظاهر باالستعداد‬
‫لتسوية القضايا المعنية‪ ،‬من ِجهة أُخرى‪.‬‬
‫كانت المحادثات السوفييتية الصينية مصحوبةً بدعاية بكين ال ُمعادية للسوفييت والتي تم شنها ضد‬
‫جميع جوانب السياسات الخارجية لالتحاد اليوفييتي وفييتنام ودول اشتراكية أُخرى‪.‬‬
‫في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات تقدّمت بكين بمطالبات أُخرى تجاه االتحاد السوفييتي‪:‬‬
‫االنسحاب أُحادي الجانب للقوات السوفييتية من الحدود الصينية‪ ،‬سحب الوحدات العسكرية‬
‫السوفييتية من جمهورية منغوليا الشعبية‪ ،‬التي كانت تتمركز هناك بناءا ً على طلب الحكومة‬
‫المنغولية ووفقا ً لالتفاقيات ذات الصلة‪ ،‬وتقليص المساعدات السوفييتية لفييتنام البطلة ال ُمخصصة‬
‫لحمايتها من ُمطالبات بكين التوسعية التي امتدت ايضا ً الى دو ٍل أ ُخرى في جنوب شرق آسيا‪،‬‬
‫وسحب القوات السوفييتية المتمركزة في أفغانستان بناءا ً على طلب حكومتها الشرعية‬
‫وال ُمخصصة لمساعدتها في صد عدوان باكستان والواليات المتحدة والصين‪ .‬بخالف ذلك‪ ،‬كما‬
‫قال دينغ شياو بينغ‪ ،‬في ُمقابلة له من مراسلين أجانب في تشرين الثاني عام ‪ ،1980‬فإن العالقات‬
‫السوفييتية الصينية لن تتغير حتى بعد ‪ 10‬الى ‪ 20‬عاماً‪.‬‬

‫بعض المناطق السوفييتية التي كانت تُطالب الصين بضمها‪( .‬قام قياصرة روسيا ال ُجدد بتسليم‬
‫عدد من هذه المناطق للصين بعد انهيار االتحاد السوفييتي‪ ،‬ومنها مناطق خاض فيها الجنود‬
‫السوفييت معارك طاحنة لحمايتها من التطلعات الصينية الشوفينية)‬

‫هذه هي "الشروط" غير المسبوقة التي طرحها القادة الصينيون كشرط الستئناف المفاوضات‪.‬‬
‫من ال ُمثير لالهتمام أن كل هذه ال ُمطالبات يتم تقديمها في وق ٍ‬
‫ت تواصل فيه بكين تركيز قواتها‬
‫العسكرية في مناطقها الحدودية‪ ،‬من أجل طرح ُمطالبات جديدة بصدد أراضي االتحاد السوفييتي‬
‫ومنغوليا والقيام بأنشطة تخريبية ضد هذه الدول‪ .‬من الواضح أن هذه االنذارات موضوعة من‬
‫أجل عرقلة كل احتماالت تطبيع العالقات بين البلدين‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬يُمكن لالتحاد السوفييتي أن يطرح مطالبات ُمحقّة من بكين‪ ،‬مثل إلزام الصين بالتخلي‬
‫عن سياسة "تحضير جبهة دولية واسعة" ضد االتحاد السوفييتي‪ ،‬وال ُمسجّلة في الدستور الصيني‪،‬‬
‫صغرى" و"ال ُكبرى" بالـ‪ 33000‬كيلومتر مربع و‪ 1.5‬مليون كيلومتر‬ ‫والتخلي عن مطالباتها "ال ُ‬
‫مربع من األراضي السوفييتية‪ ،‬والتي تم ذكرها في الوثائق الصينية الرسمية‪ ،‬ومطالبتها بأن ال‬
‫تشن المزيد من الهجمات على فييتنام االشتراكية‪ ،‬وأن تحترم سيادة فييتنام ومنغوليا والوس‬
‫وكمبوديا واالمتناح عن التدخل في شؤونها الداخلية‪ ،‬وانهاء حربها غير ال ُمعلنة ضد جمهورية‬
‫أفغانستان الديمقراطية‪ ،‬وما الى ذلك‪ .‬ال يطرح االتحاد السوفييتي هذه المطالب فقط ألنه يُدرك‬
‫ق مسدود‪.‬‬ ‫جيدا ً أن هذا من شأنه أن يؤدي بال ُمحادثات الى طري ٍ‬
‫بعد موت ماو تسي تونغ‪ ،‬اتخذ االتحاد السوفييتي عدة خطوات تُظ ِهر استعداده الصادق لتحسين‬
‫العالقات مع الصين‪.‬‬
‫في بيانه‪ ،‬أ ّكد وزير خارجية االتحاد السوفييتي اندريه غروميكو الذي ترأس الوفد السوفييتي‪ ،‬في‬
‫الدورة الحادية والثالثين للجمعية العامة لألُمم ال ُمتحدة التي افتُتِ َحت في أيلول ‪ ،1970‬أن االتحاد‬
‫السوفييتي يولي إهتماما ً كبيرا ً لعالقاته مع الصين ويواصل ذلك‪ .‬وقال‪ ،‬أن إعادة العالقات الى‬
‫وضعها الطبيعي سيكون له تأثير إيجابي على الوضع في آسيا والعالم‪" .‬تحدد موقفنا هذا بوضوح‬
‫فيما يتعلق بالصين من خالل قرارات المؤتمر الخامس والعشرين للحزب الشيوعي‪ ،‬وهو ال يزال‬
‫ساري المفعول بالكامل اليوم"‪.‬‬

‫أندريه غروميكو‬

‫تم التعبير عن مشاعر الصداقة والنوايا الحسنة تجاه الشعب الصيني في رسالة ترحيب من هيئة‬
‫رئاسة مجلس السوفييت األعلى ومجلس وزراء االتحاد السوفييتي بمناسبة الذكرى السابعة‬
‫والعشرين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية‪ .‬قالت الرسالة أن إعادة العالقات السوفييتية الصينية‬
‫الى مجراها الطبيعي على أساس ال ُمساواة واحترام سيادة أراضي ُك ٍل منهما‪ ،‬وعدم التدخل في‬
‫الشؤون الداخلية‪ ،‬سيتوافق مع تطلعات الشعبين السوفييتي والصيني الذين يهتمان ببناء‬
‫االشتراكية والحفاظ على السالم واألمن العالميين وتوطيدهما‪.‬‬
‫ع ِقدَت في تشرين األول‬‫في خطابه في الجلسة العامة للجنة المركزية للحزب الشيوعي‪ ،‬التي ُ‬
‫‪ ،1976‬حدد ليونيد بريجنيف بوضوح النهج المبدأي السوفييتي لتحسين العالقات مع الصين‪" :‬أما‬
‫بالنسبة لالتحاد السوفييتي‪ ،‬فإنه قد اتخذ باستمرار مسارا ً دائما ً ل ُمحاولة تحسين العالقات مع‬
‫الصين‪ ...‬أود التأكيد على أنه‪ ،‬برأينا‪ ،‬ال توجد قضايا في العالقات السوفييتية الصينية ال يُمكن‬
‫حلها بروح حسن الجوار‪ .‬سنواصل العمل لتحقيق هذا الهدف‪ .‬سيعتمد األمر على ما سوف يُقرره‬
‫الجانب اآلخر"(‪.6)6‬‬

‫ليونيد بريجنيف‬

‫كيف كان تجاوب قيادة ما بعد ماو في بكين على سياسة االتحاد السوفييتي فيما يخص إعادة‬
‫العالقات مع الصين الى طبيعتها؟ أظهرت األشهر األولى من ُحكمها أنها كانت تتبع نفس المسار‬
‫وأنه ليس لديها النية لتغيير سياستها ال ُمعادية للسوفييت‪ .‬باالضافة الى ذلك‪ ،‬أكد القادة الصينيون‬
‫ال ُجدد بكل الطرق تمسكهم الصارم بهذه السياسة واستخدموا كل ذريعة إلظهار عدائهم الشديد‬
‫تجاه االتحاد السوفييتي‪.‬‬
‫في ‪ 28‬شباط عام ‪ ،1977‬عاد نائب وزير خارجية االتحاد السوفييني ليونيد ايليتشيف ‪Leonid‬‬
‫‪ Ilyichev‬الذي ترأس الوفد السوفييتي في المفاوضات حول قضايا الحدود من بكين الى موسكو‪.‬‬
‫ويتحمل الجانب الصيني مسؤولية فشل المفوضات‪ :‬فقد رفضت بكين جميع ال ُمقترحات السوفييتية‬
‫عم أن "الظروف لم تنضج بعد" لتحقيقها‪ .‬أعلن الجانب‬ ‫دون أي نقاش وكانت طوال الوقت تز ُ‬
‫الصيني بشك ٍل قاطع‪ ،‬ردا ً على ال ُمقترح السوفييتي بوضح حد للجدل وخلق جو من حسن النية‪ ،‬أن‬
‫أمر ال مفر منه وسيستمر عشرة آالف سنة" (وهذا يعني‬ ‫"الخالفات حول المسائل المبدأية ٌ‬
‫استكمال الدعاية ال ُمعادية للسوفييت والتدخل في شؤون االتحاد السوفييتي الداخلية)‪ ،‬وأن هذا‬

‫‪6‬‬
‫‪- Our Course: Peace and Socialism, Novosti Press Agency Publishing House, Moscow, 1977, pp. 246-‬‬
‫‪247‬‬
‫االستمرار لهذه المدة سيتواصل حتى يعترف الحزب الشيوعي السوفييتي علنا ً "بخطأ سياسته"‬
‫ت بأنه لن يُكرر هذه "األخطاء" في ال ُمستقبل‪ .‬من الطبيعي أنه تم رفض مزاعم القوة‬‫ويُقدّم ضمانا ٍ‬
‫العُظمى هذه تماما ً‪.‬‬

‫نائب وزير خارجية االتحاد السوفييتي ليونيد ايليتشيف‬

‫كان أحد الدوافع وراء تصاعد الهستيريا ال ُمعادية للسوفييت في بكين هو جعل االتحاد السوفييتي‬
‫يتخلى عن موقفه المبدأي فيما يتعلق بالصين ويكتسب " ُحججاً" لتبرير سياسته في شن مزيد من‬
‫الهجمات على االتحاد السوفييتي‪ .‬هذه المحاوالت باءت بالفشل‪.‬‬
‫كما قدّم ليونيد بريجنيف وجهة النظر السوفييتية حول تطور العالقات مع الصين في اجاباته على‬
‫رئيس تحرير صحيفة اساهي اليابانية شوريو هاتا ‪ shoryu hata‬في ‪ُ 6‬حزيران عام ‪.1977‬‬
‫"نحن نُريد أن نُعيد العالقات بين البلدين الى سياقها الطبيعي‪ .‬ان اعادة عالقات ُحسن الجوار‬
‫الحقيقية بين بلدينا ستكون ذات أهمية كبيرة للصين واالتحاد السوفييتي مما سيُحسّن الوضع‬
‫الدولي ككل"‪ .‬وقال‪" :‬انه عدم تحسّن العالقات السوفييتية الصينية لسوء الحظ‪ ،‬لهو ذنب الجانب‬
‫الصيني‪ .‬تسير القيادة الصينية الجديدة على الطريق القديم البالي‪ ،‬ان جاز التعبير‪ .‬ومن المعروف‬
‫أن حملة التنديد بسياسة االنفراج ُمستمرة وأن كل شيء يُبذّل إلحباط أي تدابير في مجال نزع‬
‫السالح"‪.7‬‬
‫ع ِقدَ في الفترة من ‪21-16‬‬‫أكد االجتماع العاشر للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني الذي ُ‬
‫تموز عام ‪ 1977‬في جلسته الثالثة‪ ،‬رسمياً‪ ،‬أن قيادة الحزب الشيوعي الصيني الجديدة التزمت‬
‫بمواقفها السابقة‪ ،‬واستمرت في اتباع التوجهات األساسية للماويين في السياسة الخارجية‬
‫والداخلية‪.‬‬
‫حدد االجتماع العام سلفا ً والى ح ٍد كبير طبيعة ومضمون القرارات التي تم تبنيها في المؤتمر‬
‫ع ِق َد في الفترة من ‪ 18-12‬آب عام ‪ ،1977‬وشدد‬ ‫الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني الذي ُ‬
‫القوة العُظمى‬
‫المؤتمر على اخالصه لمسار السياسة الخارجية الماوية‪ ،‬واعادة التأكيد على نزعة ّ‬
‫ُ‬
‫والسياسة العسكرتارية‪ ،‬واتخاذ سياسة النضال ضد االتحاد السوفييتي والدول االشتراكية األخرى‬
‫شن هجمات على الحزب الشيوعي السوفييتي والدولة السوفييتية‪.‬‬
‫ي برنامج القادة الصينيين ال ُمعادي للسوفييت دفعَةَ أُخرى في الجلسة األولى للمجلس الوطني‬ ‫أُ ِ‬
‫عط َ‬
‫الخامس لنواب الشعب في آذار ‪.1978‬‬
‫وباعتباره أعلى هيئة لسلطة الدولة في الصين‪ ،‬فقد أ ّكد على نهج القادة الصينيين ال ُمعادي‬
‫للسوفييت الذي تمت صياغته في المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني‪ ،‬وقد تم تثبيت‬
‫‪7‬‬
‫‪- Our Course: Peace and Socialism, Novosti Press Agency Publishing House, Moscow, 1978, pp. 89-90‬‬
‫هذا المسار في دستور جمهورية الصين الشعبية‪ .‬لم يعد النضال ضد االتحاد السوفييتي وحلفائه‬
‫معيارا ً حزبيا ً ترسّخ في قواعد الحزب وحسب‪ ،‬بل صار أيصا ً معيارا ً دستورياً‪ ،‬أي واجب على‬
‫كل عضو في الحزب الشيوعي الصيني وعلى كل مواطن من أبناء الشعب‪ .‬تم اجراء تعديل على‬
‫الدستور لجعله يتماشى مع الوثائق التي تم تبنيها في المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي‬
‫الصيني‪ ،‬وهو تعديل يُصنّف االتحاد السوفييتي على أنه عدو الصين األول‪.‬‬
‫وجّه المتحدثون في المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني اتهامات ال أساس لها ضد‬
‫ص الى استنتاج مفاده أن‬ ‫االتحاد السوفييتي زاعمين أنه "لم يتخل عن فكرة استعباد بالدنا" و َخلُ َ‬
‫الصينيين "يجب أن يكونوا مستعدين للقتال" "ويبنوا جيشا ً بريا ً وبحريا ً وجويا ً قويا ً أيضاً"‬
‫في جلسة نواب الشعب الوطني‪ ،‬كرر رئيس المجلس هذا االتهام كلمةً بحذافيره وربطه بالحاجة‬
‫الى زيادة ُمعدّل التنمية االقتصادية للصين‪ .‬وهكذا ارتبطت ُمعاداة السوفييت بـ"المهمات العامة"‬
‫لسياسة الصين الداخلية‪.‬‬
‫وكان من بين التطورات الجديدة في الجلسة إعالن مطالب الصين من منصة برلمانية‪ ،‬مما منحها‬
‫طابعا ً رسمياً‪.‬‬
‫هنا أيضا ً تم إعطاء مكانة الصدارة لنسخة بكين الزاائفة لـ"االتفاق ال ُمتبادل بين رؤساء الحكومتين‬
‫الصينية والسوفييتية" الذي تم التوصل اليه في اجتماع القمة في ‪ 11‬أيلول عام ‪ .1969‬كان‬
‫رؤساء الحكومتين قد وافقوا على عدم افشاء ُمحتوى ُمحادثاتهم في مطار بكين وال ُمحادثاتهم‬
‫حول مسألة الحدود‪ .‬انتهك الجانب الصيني االتفاقية بإعالن تفسيره الخاص "للتفاهم ال ُمتبادل" في‬
‫ت الحق في صحيفة الدولة الرسمية‪ .‬لذلك يجب علينا أن‬ ‫جلسة مجلس نواب الشعب‪ ،‬وفي وق ٍ‬
‫نفسّر ما حدث بالفعل في اجتماع رؤساء الحكومات في أيلول‪.‬‬
‫أوالً وقبل كل شيء‪ ،‬تندرج المسائل التي نوقِشَت في االجتماع في فئتين ُمحددتين‪ :‬المسائل التي‬
‫عبّر فيها الطرفين عن وجهات نظر ُمتطابقة أو متشابهة‪ ،‬وتلك التي أدت الى خالفات في الرأي‬
‫وحتى الى مواقف ُمتعاكسة‪.‬‬
‫سفراء وزيادة‬ ‫ومن بين المسائل المطروحة في الفئة األولى مسألة إعادة العالقات على ُمستوى ال ُ‬
‫صل رؤساء‬ ‫التجارة بين البلدين واستعادة االتصاالت الهاتفية ال ُمباشرة عالية التردد‪ .‬كما تو ّ‬
‫الحكومتين الى اتفاق على أن تسوية النزاع الحدودي ُمهم جدا ً لتسوية العالقات بين الدوليتين‪.‬‬
‫اتفق الجانبان على االمتناع عن النزاعات الحدودية ال ُمسلّحة‪ ،‬وبدء ُمفاوضات حول تسوية‬
‫حدودية والحفاظ على الوضع الراهن على الحدود (تم التأكيد على أن المبدأ الرئيسي في إبقاء‬
‫الوضع الراهن هو االعتراف بالحدود القائمة وأن كال الجانبين سيلتزم على حدوده في الوقت‬
‫ع ِق َد فيه اجتماع القمة‪ ،‬أي ‪ 2‬أيلول ‪ .)1969‬كان هذا هو جوهر االتفاق والنتيجة الرئيسية‬ ‫الذي ُ‬
‫لالجتماع‪.‬‬
‫ومن بين المسائل في الفئة الثانية‪ ،‬والتي اختلفت اآلراء بشأنها من حيث المبدأ‪ ،‬المسائل حول‬
‫"المناطق ال ُمتنازع عليها"‪ ،‬والوضع العسكري واألنشطة االقتصادية في "المناطق ال ُمتنازع‬
‫عليها"‪ .‬فَ ِش َل الجانبان في االتفاق على أنه يجب التوقيع على اتفاقية بشأن الحفاظ على وضع‬
‫الحدود الراهن كشرط أولي ل ُمناقشة المسألة الحدودية‪ ،‬وهي االتفاقية التي يُشير اليها القادة‬
‫الصينيون كثيرا ً اليوم‪.‬‬
‫فَ ِش َل اجتماع رؤساء الحكومتين في وضع أي وثيقة ُمنسّقة تُحدد في شك ٍل مكتوب النقاط التي تمت‬
‫ُمناقشتها في ُمحادثاتهم‪ .‬بعد االجتماع تم تبادل الرسائل بين رئيس مجلس وزراء االتحاد‬
‫السوفييتي ورئيس مجلس الدولة الصيني‪ ،‬حيث أوض َح الجانبان موقفهما من جميع المسائل التي‬
‫أُثيرت في اجتماع ‪ 11‬أيلول ‪.1969‬‬
‫صاغ تشو انالي‪ ،‬في رسالته المؤرخة ‪ 18‬أيلول ‪" 1969‬االجراءات الصينية المؤقتة" لتطبيع‬
‫الوضع على الحدود وتجنب النزاعات العسكرية‪ .‬تضمنت هذه المطالب بأن يعترف االتحاد‬
‫السوفييتي بوجود "مناطق ُمتنازع عليها" على األراضي السوفييتية‪ ،‬وسحب القوات السوفييتية‬
‫منها وابرام اتفاقية على الوضع الراهن (أي جميع النقاط التي رفضها الجانب السوفييتي في‬
‫اجتماع ‪ 11‬أيلول)‪ .‬كتب تشو انالي في رسالته أن رؤساء الحكومات بالكاد "تبادلوا األراء"‬
‫بصدد هذه النقاط وأن الموافقة على المطالب المذكورة أعاله برسالة من رئيس الحكومة‬
‫ُحولها بسهولة الى اتفاقية رسمية بين حكومة الدولتين‪.‬‬ ‫السوفييتية يُمكن أن ي ّ‬
‫أظ َه َر رد رئيس مجلس وزراء االتحاد السوفييتي في ‪ 26‬أيلول ‪ 1969‬مرة ً أُخرى أن الجانب‬
‫السوفييتي ال يُمكنه الموافقة على البنود التي اقترحها رئيس مجلس الدولة الصيني‪.‬‬
‫ط الجانب الصيني جميع النقاط التي‬ ‫تُدرك بكين جيدا ً الوضع الحقيقي لألمور‪ .‬ومع ذلك‪َ ،‬خلَ َ‬
‫أُثيرت في االجتماع‪ ،‬ووضعت النقاط التي لم يوافق عليها الجانب السوفييتي مع تلك التي تم تبادل‬
‫اآلراء بشأنها فقط‪ .‬هذه هي الطريقة التي ُو ِلدَت بها النُسخة الصينية عن "االتفاق ال ُمتبادل لرؤساء‬
‫الحكومات"‪.‬‬
‫لم تفشل جلسة آذار لمجلس النواب الصيني عام ‪ 1978‬في إحداث أي تحسن في العالقات‬
‫السوفييتية الصينية وحسب‪ ،‬بل زادتها سوءاً‪.‬‬
‫من المعروف‪ ،‬أن موقف الصين لم يتغير الى األفضل‪ .‬يتغلغل العداء للسوفييت في جميع جوانب‬
‫سياسة قادة بكين‪.‬‬
‫هناك دافع ُمتزايد بإطراد ليس فقط لتوفير أساس "نظري" ل ُمطالبات الصين تجاه االتحاد‬
‫سمعة في تموز ‪ 1964‬ولجعل هذه‬ ‫السوفييتي والتي طرحها ماو تسي تونغ في "قائمته" سيئة ال ُ‬
‫"القائمة" في أساس السياسة العملية‪ .‬يُطالب الشوفينيون في بكين بأراضي في جميع الدول‬
‫ال ُمجاورة لهم تقريباً‪ .‬تتجاوز المساحة االجمالية لألراضي التي وضعوا نُصب اعينهم عليها ‪3‬‬
‫ماليين كيلو متر مربع‪ ،‬وهذا يُعادل ثلث مساحة الصين‪ ،‬أو ‪ 6-5‬أضعاف مساحة فرنسا‪.‬‬

‫األراضي التي يُطالب بها الصينيون ‪2020‬‬

‫يسترشد االتحاد السوفييتي في عالقاته مع الصين بقرارت المؤتمر الخامس والعشرين للحزب‬
‫الشيوعي‪ .‬الى جانب ُمعارضته لسياسة القادة الصينيين وأيديولوجيتهم‪ ،‬يتوخى استعداده لتطبيع‬
‫العالقات مع الصين على طريق التعايش السلمي‪ .‬وفقا ً لقرارات المؤتمر في ‪ 24‬شباط ‪1978‬‬
‫اتخذ االتحاد السوفييتي خطوة ً ُمهمة تهدف الى تطبيع العالقات مع الصين من خالل ارسال ٍ‬
‫بيان‬
‫صادر عن هيئة رئاسة مجلس السوفييت األعلى التحاد الجمهوريات االشتراكية السوفييتية الى‬ ‫ٍ‬
‫اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب‪.‬‬
‫اقترح البيان أن يُصدِر كال البلدين اعالنا ً ُمشتركا ً لمبادئ العالقات بينهما‪ ،‬والتي‪ ،‬كما ذّ ّكر‪ ،‬يجب‬
‫أن تسنتد الى مبدأ التعايش السلمي وااللتزام الصارم بمبادئ المساواة واالحترام المتبادل لسيادة‬
‫أراضي ُك ٍل منهما وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لك ٍل منها والتخلي عن استخدام القوة‪.‬‬
‫رفضت القيادة الصينية بوقاحة هذه ال ُمقترحات في ‪ 9‬آذار عام ‪ .1978‬وصفت وزارة الخارجية‬
‫ت من اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الوثيقة‬ ‫الصينية في ُمذكرتها‪ُ ،‬مستشهدة ً بتعليما ٍ‬
‫ال ُمقترحة بشأن مبادئ العالقات ال ُمتبادلة بين البلدين‪ ،‬وصفته بأنه "بيان فارغ" وكررت ال ُمذكرة‬
‫ب ُمطالبات الصين باألراضي السوفييتية الواردة في تقرير هوا جوفينغ ‪ Hua Guofeng‬الى‬
‫المؤتمر الوطني لنواب الشعب‪.‬‬

‫جوفينغ‪ ،‬رئيس مجلس نواب الشعب الصيني‬

‫تم تأكيد سياسة القادة الصينيين ال ُمعادية للسوفييت مرة ً أُخرى في قرارات الجلستين الثالثة‬
‫والرابعة واالجتماعات الكاملة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ‪،1980-1978‬‬
‫والدورتين الثانية والثالثة لمجلس لنواب الشعب في االجتماع الخامس ‪ ،1980-1979‬وفي العديد‬
‫من التصريحات التي أدلت بها‪.‬‬
‫ان الحملة الجارية اآلن في الصين لجعل الحياة االجتماعية والسياسية واالقتصادية تسير بشك ٍل‬
‫طبيعي موجهة للنضال ضد االتحاد السوفييتي ودول المنظومة االشتراكية األُخرى ومن أجل‬
‫تصعيد االستعدادات العسكرية ال ُمكثفة‪ .‬أعلن القادة الصينيون أن النضال ضد االتحاد السوفييتي‬
‫سيكون ُمهمتهم الرئيسية في الثمانينيات‪ .‬لقد أيدوا "العقوبات" األمريكية ضد االتحاد السوفييتي‪،‬‬
‫ورفضوا ال ُمضي قُدُما ً في المرحلة الثانية من ال ُمحادثات السوفييتية الصينية‪ ،‬وقلصوا التجارة مع‬
‫االتحاد السوفييتي ورفضوا ال ُمشاركة في األلعاب األولومبية ال ُمقامة في موسكو‪ .‬تجري في‬
‫دم وساق‪ .‬تدعو الصحافة الصينية الغرب الى ُمحاربة‬ ‫الصين حملة خبيثة ُمعادية للسوفييت على ق ٍ‬
‫االتحاد السوفييتي قبل أن يصل الى "ذروته" العسكرية واالقتصادية‪ُ ،‬محذرة ً من أنه بخالف ذلك‬
‫"سيكون األوان قد فات"‪ .‬حاول رئيس اللحنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني تخويف الدول‬
‫الغربية بالحديث عن "التهديد السوفييتي" ودعاهم الى ُمراقبة السوفييت عن كثب ان لم يريدوا‬
‫اندالع حرب عالمية جديدة‪ ،‬وها َج َم اولئك الغربيون الذين يُصرون على االنفراج وقال أن الصين‬
‫كانت دائما ً تقف ضد أي تنازالت أو مساومات مع االتحاد السوفييتي‪.8‬‬
‫يواصل قادة بكين تكرار أُطروحاتهم البالية حول "التهديد العسكري" السوفييتي المزعوم للصين‬
‫وينسبون الى االتحاد السوفييتي األهداف السخيفة ال ُمتمثلة بـ"شن حرب عالمية ثالثة" والرغبة في‬
‫"استعباد" الصين‪ ،‬وما الى ذلك‪ ،‬وبالتالي تع ّمد تشويه الموقف المبدأي للحزب الشيوعي‬
‫السوفييتي من المسألة الصينية‪.9‬‬
‫سلطات الصينية هذا أنها ال تنوي تحسين العالقات مع جيرانها‪ .‬من الواضح أن‬ ‫يُظ ِهر موقف ال ُ‬
‫ى في الصين تجد أن التوتر في العالقات الصينية وتأجيج ال ُمعاداة للسوفييت يسير‬ ‫هُناك قو ً‬
‫بالتوافق مع مصالحها‪ .‬انهم يعتبرون ذلك بمثابة هدي ٍة يُقدمونها للقوى االمبريالية باعتبار أن‬
‫مصلحتهم تسير بالتطابق مع التقارب معها ألنهم بذلك يحصلون على الوعود بتقديم قروض‬
‫و"مساعدات" لتنفيذ برنامج "التحديثات األربع"‪.‬‬
‫مصدر تلقت الصين ُمساعدة ً حقيقيةً لحركة‬
‫ٍ‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬يتذكر الثوار الصينيون الحقيقيون من أي‬
‫التحرر الوطني في جميع مراحل الثورية ويتذكرون كذلك نتائح سياسة الكومينتانغ الصينية‬
‫ال ُمتمثلة في تحقيق "االزدهار الوطني" من خالل البرجوازية الكمبرادورية واالمبريالية‬
‫األمريكية واليابانية وأعداء الشعب الصيني اآلخرين‪.‬‬
‫على الرغم من سياسة بكين العنيدة ال ُمعادية للسوفييت‪ ،‬فإن اجراءات االتحاد السوفييتي إلعادة‬
‫العالقات مع الصين ُمهمة للغاية‪ .‬انها تُعرقل ُخطط قادة الحزب الشيوعي الصيني االستفزازية‬
‫وتكشف عن الجوهر ال ُمعادي لالشتراكية في سياستهم‪ .‬بغض النظر عن رد فعل بكين عليها‪ ،‬فإن‬
‫ال ُمبادرات السوفييتية تَلقى ترحيبا ً من قِبَل جميع ال ُمهتمين بإعادة العالقات بين البلدين الى مسارها‬
‫الطبيعي‪ .‬ان لها أهميةً أيضا ً ألنها تُقدّم للشعب الصيني دليالً ُمقنعا ً على أن الجانب السوفييتي يبذل‬
‫قًصارى جهده الستعادة عالقات الجوار بين البلدين‪.‬‬
‫أما بالنسبة لالتحاد السوفييتي‪ ،‬فعلى الرغم من تنبؤات ُزعماء بكين ال ُمعادية للسوفييت والتنبؤات‬
‫البرجوازية بشأن "العداء الحتمي" بين االتحاد السوفييتي والصين‪ ،‬فإن الشعب السوفييتي كان ال‬
‫يزال‪ُ ،‬مسترشدا ً بأفكار الماركسية اللينينية يعتقد اعتقادا ً راسخا ً بأن الصداقة السوفييتية الصينية‬
‫ستنتصر حتماً‪.‬‬
‫ان خط الحزب الشيوعي السوفييتي والشعب السوفييتي فيما يعلق بالمسألة الصينية ُمحدد بوضوح‬
‫في قرارات مؤتمري الحزب الخامس والعشرين والسادس والعشرين‪.‬‬

‫***‬

‫كثيرا ً ما ي َ‬
‫ُطرح السؤال‪ :‬ما هي األسباب الرئيسية لهذا التحول في المسار السياسي في الصين؟‬
‫هل ألن قادتها يضعون المصالح القومية للصين فوق المصالح األُممية ويسعون للحصول على‬
‫مزايا خاصة لشعوبهم؟ على الرغم من أن هذه السياسة غير ُمبررة وال تستحق أن يُطلَق عليها‬

‫‪ - 8‬قام دونغ تشاوبينغ ‪ Dong Xiaoping‬سيء السُمعة بهجمات استفزازية ُمعادية للسوفييت‪ ،‬خاصةً في ال ُمقابلة التي أجراها مع‬
‫ق واسع في الصحافة الصينية تشرين الثاني عام ‪.1980‬‬ ‫الصحفي االيطالي غراند فااليي ‪ ،Grand Fallaei‬والتي نُش َِرت على نطا ٍ‬
‫ع ِق َد في موسكو لالحتفال‬ ‫ً‬
‫‪ - 9‬قال نيكوالي تيحونوف ‪ Nikolai Tikhonov‬رئيس مجلس وزراء االتحاد السوفييتي ُمتحدثا في اجتماع ُ‬
‫بالذكرى الثالثة والستين لثورة اكتوبر االشتراكية العُظمى‪" :‬أثبَتَ االتحاد السوفييتي منذ فترةٍ طويلة‪ ،‬من خالل سياسته ونشاطاته‪ ،‬أنه‬
‫ال يُهدد أحداً‪ ،‬وال ينوي القيام بذلك‪ ،‬وهذا صحيح أيضا ً فيما يتعلق بالصين‪ ،‬التي نحن ُمستعدون للحفاظ على عالقا ٍ‬
‫ت طبيعية معها"‪.‬‬
‫أُممية‪ ،‬اال أنها مفهومة تماماً‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن االجابة أكثر تعقيداً‪ .‬النقطة ال ُمهمة هي أن سياسة‬
‫الماويين تؤثر قبل كل شيء على المصالح الوطنية للشعب الصيني‪ ،‬فهي تحرمهم من الدعم من‬
‫اصدقائهم الحقيقيين‪ ،‬وتخلق مصاعب اقتصادية اضافية تؤدي الى تصعيد موقف الشعب الصيني‬
‫العامل‪.‬‬
‫عالوة ً على ذلك‪ ،‬فإن الماويين‪ ،‬بعد أن سلكوا طريق العداء لالتحاد السوفييتي ودول المنظومة‬
‫االشتراكية األُخرى‪ُ ،‬مستعدين للتضحية بقضية بناء االشتراكية في الصين من أجل تحقيق‬
‫طموحاتهم الخاصة‪ .‬ال يُمكن لالشتراكية أن تتحقق بدون تطوير قوى انتاج حديثة‪َ .‬ح َر َم القادة‬
‫الماويون بالدهم‪ ،‬من خالل االنفصال عن المنظومة االشتراكية‪ ،‬حرموا بالدهم من مصدر‬
‫مساعدة موثوق به وليس له مصالح ُمغرضة‪ .‬ليس من قبيل ال ُمصادفة أن اعالنهم الرسمي باجراء‬
‫انتقال سريع " ُمباشر" الى الشيوعية قد تم استبداله بأُطروحة جديدة مفادها أن بناء االشتراكية‬
‫يتطلب جهود عشرات األجيال‪ .‬االفتراض بأن التحول في سياسة الحزب الشيوعي الصيني ينبع‬
‫من المصالح الوطنية ال يصمد للنقد‪.‬‬
‫ما الذي يجعل القادة الصينيون يدفعون مثل هذا الثمن الغالي مقابل طموحاتهم؟ لماذا يُضحون‬
‫بمصالح بالدهم الوطنية؟ وفقا ً للماويين‪ ،‬فإن انفصالهم عن االتحاد السوفييتي كان "نتيجة" والئهم‬
‫للقضية الثورية‪ ،‬وتصميمهم على شن "نضال ال هوادة فيه" ضد االمبريالية‪ ،‬وما الى ذلك‪ ،‬وهو‬
‫ادعاء تدحضه الوقائع بالكامل‪.‬‬
‫لقد داس قادة الحزب الشيوعي الصيني بشك ٍل صارخ على المبادئ الماركسية اللينينية للسياسة‬
‫الخارجية للدولة االشتراكية عندما اتبعوا سياسةً دوليةً و ُمحاولة تشكيل جبهة واسعة ُمعاديةً للدول‬
‫االشتراكية‪ ،‬وبالتالي تحولوا الى تحريفيين وشركاء صغار لالمبريالية‪ .‬عند الحديث عن جذور‬
‫الخالفات ال ُمتزايدة بين الحزب الشيوعي الصيني والحركة الشيوعية العالمية يُمكن للمرء أن‬
‫يستشهد بموقف بكين بشأن النزاع الحدودي الهندي الصيني الذي حدث في الفترة من ‪-1959‬‬
‫‪ .1962‬لم ينزعجوا من حقيقة أن اطالق العنان للصراع العسكري مع الهند يتعارض مع سياسة‬
‫التعايش السلمي التي تنتهجها الدول االشتراكية‪ ،‬والتي طالما التزمت الهند بها ودعمتها‪ .‬عالوة ً‬
‫على ذلك‪ ،‬افتخر الماويون بأفعالهم وتعاطفوا عالنيةً مع سياسة حافة الهاوية‪ .‬كانت هذه فقط بداية‬
‫االجراءات العداونية للصين الماوية‪.‬‬

‫الجيش الهندي يتصدى لغزو صيني ‪1962‬‬


‫عندما يتم الحديث عن تحو ٍل في السياسة يجب على المرء أن يُحدد ما الذي يتم تبادله ُمقابل ماذا‪.‬‬
‫أثناء تصعيدهم لهجماتهم ضد االتحاد السوفييتي والدول االشتراكية األُخرى‪ ،‬كان الماويون‬
‫يوسعون العالقات االقتصادية والسياسية الشاملة مع القُوى االمبريالية‪ ،‬على الرغم من‬
‫أن رغبة هذه األخيرة في إقامة اتصاالت مع الصين كانت نابعةً من وجوب فعل ذلك ألجل ُمكافأة‬
‫عداء الصين للدول االشتراكية‪ .‬باالضافة الى ذلك‪ ،‬اعتبرت بكين هذه االتصاالت بمثابة تعويض‬
‫عن مزايا التعاون مع المنظومة االشتراكية‪ ،‬التي تم رفضها بالكامل‪.‬‬
‫ان المسار المؤيّد لالمبريالية في الصين يرقى اآلن الى نفس االجراءات ال ُمشتركة التي تقوم بها‬
‫الدول االمبريالية في النضال ضد االشتراكية وحركات التحرر الوطنية‪.‬‬

‫نائب رئيس مجلس الدولة الصيني دنغ شياو بينغ في مسابقات رعاة البقر في تكساس عام ‪1979‬‬

‫يحث قادة بكين الدوائر االمبريالية الحاكمة في الواليات ال ُمتحدة واليابان وأوروبا الغربية على‬
‫إقامة حلف عالمي ُمعادي للسوفييت والشيوعية‪ .‬تُولي الدول االمبريالية‪ ،‬وعلى رأسها الواليات‬
‫ال ُمتحدة‪ ،‬في لعبتها السياسية‪ ،‬اهتماما ً ُمتزايدا ً للعب بـ"الورقة الصينية"‪.‬‬

‫نيكسون في الصين‬
‫ظ في االجتماع العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي في تموز عام ‪،1980‬‬ ‫لوح َ‬
‫وكما ِ‬
‫فإن الشراكة بين االمبريالية وهيمنة بكين هي ظاهرة جديدة وخطيرة على الساحة العالمية والتي‬
‫يعتبرها الجانبان استراتيجية طويلة األمد‪ .‬ان توسّع التعاون العسكري الصيني‪ -‬االمبريالي‪،‬‬
‫والمساعي ال ُمتزايد لقادة بكين للحصول على الترسانات العسكرية الغربية يُش ّكل تهديدا ً خاصا ً‬
‫للسالم العالمي‪ .‬والدليل في هذا الصدد هو زيارة وزيري الدفاع األمريكي والبريطاني للصين‬
‫واالتصاالت ال ُمستمرة بين ُممثلي الجيش الصيني وكبار الضباط اليابانيين واأللمانيين الغربيين‪.‬‬
‫ُحرز التعاون العسكري بين الصين والواليات ال ُمتحدة تقدما ً خاصا ً‪.‬‬
‫ي ِ‬
‫ص َل البلدان الى اتفاق بشأن تنسيق أعمالهما في المجال العسكري وتبادل المعلومات‬ ‫تو ّ‬
‫ط ّالب المعاهد التعليمية العسكرية‪ ،‬فضالً عن تزويد الصين بأحدث المعدات‬ ‫االستخبارية و ُ‬
‫الحربية‪.‬‬
‫هناك تحالف ثالثي بين الواليات المتحدة واليابان والصين في طور التش ّكل‪ ،‬وهو قائم على أساس‬
‫عدائهم لالتحاد السوفييتي والدول االشتراكية األُخرى واألنظمة التقدمية في الدول النامية‪.‬‬

‫الرئيس رونالد ريغان والرئيس الصيني لي جيانيان يتفقدان حرس الشرف العسكري في بكين ‪،‬‬
‫‪ 26‬أبريل ‪1984‬‬

‫ان تكثّف التعاون العسكري في اطار "الثُالثي" هو عامل جديد يُزعزع استقرار الوضع في آسيا‬
‫وفي جميع أنحاء العالم ويزيد من خطر نشوب حرب جديدة‪ .‬وقّعت الدول الرأسمالية اتفاقيةً لمنح‬
‫الصين ائتمانات تزيد على ‪ 30‬مليار دوالر تنوي بكين استخدامها أوالً وقبل كل شيء لتعزيز‬
‫امكاناتها الصناعية العسكرية‪ .‬ان المسار الحربي في بكين‪ ،‬ال ُمستند الى برنامج "التحديثات‬
‫األربع" المدعوم باالستثمارات وشحنات األسلحة الغربية‪ ،‬يزداد خطورة ً أكثر من أي وق ٍ‬
‫ت‬
‫مضى‪ .‬ان القدرات العسكرية الصينية ال ُمتزايدة وتهديدها ال ُمستمر للدول والشعوب األُخرى‬
‫تؤكدها حقائق مثل امتالكها المدادات كبيرة من األسلحة النووية واختبارها للصواريخ الباليستية‬
‫العابرة للقارات في أيار ‪.1980‬‬
‫قال نيكوالي تيخونوف رئيس مجلس وزراء االتحاد السوفييتي وعضو المكتب السياسي للحزب‬
‫الشيوعي في تشرين الثاني عام ‪" :1980‬ان تقارب االمبريالية وبكين يُسبب قلقا ً ُمتزايدا ً بين‬
‫الدول‪ .‬يحاول كالهما‪ ،‬من خالل تحريض بعضهما البعض على مشاريع خطيرة في آسيا وأماكن‬
‫أُخرى في العالم‪ ،‬التستر على مخططاتهما وأنشطتهما العدوانية بأكاذيب حول "التهديد العسكري‬
‫السوفييتي"‪ .‬وكلما قلّت امكانات التشويش على الرأي العام‪ ،‬ارتفعت أصوات ال ُمعادين للسوفييت‬
‫أكثر"‪.‬‬
‫اليوم‪ ،‬حتى الشخص العادي في السياسة يُدرك جيدا ً ما يقف وراء هذه التطورات‪ :‬ان قررت بكين‬
‫جعل البلدان االشتراكية عدوا ً رئيسيا ً لها بدالً من االمبريالية‪ ،‬فسوف تسعى للحصول على‬
‫ال ُمساعدة والدعم في هذا المشروع من االمبرياليين‪ ،‬ألنه ال يُمكنها بطبيعة الحال أن تكون في‬
‫حالة حرب مع جميع األطراف في نفس الوقت‪.‬‬
‫التحول في سياسة القادة الصينيين لم يكن نتيجة "ثوريتهم" الصارخة‪ ،‬أو‬ ‫ّ‬ ‫من الواضح‪ ،‬أن‬
‫اهتمامهم بالمصالح الوطنية للصين‪ .‬ان هدفهم الرئيسي هو تحقيق الهيمنة في حركة التحرر‬
‫الوطنية التي تعتبرها بكين مصدر دعم ُمحتمل في أنشطتها السياسية‪ ،‬ومن ثم تحقيق الهيمنة في‬
‫العالم كله‪ .‬يُطالب القادة الصينيون بدور القادة الكبار في "الجبهة العريضة" ال ُمعادية لالتحاد‬
‫السوفييتي‪ ،‬والذي يسعون الى طرده من بين "الدول "ال ُكبرى" و"الوسطى" و"الثانوية"‪ ،‬بغض‬
‫النظر عن أنظمتها الطبقية‪.‬‬
‫وفقا ً لبكين‪ ،‬فإن الطريق لتحقيق هذه األهداف هو استخدام الدول النامية لمصالح طموحات الصين‬
‫عظمى‪ .‬بطبيعة الحال‪ ،‬ال يُمكن للقادة الصينيين تجاهل المكانة والتأثير الهائلين‬ ‫بأن تكون قوة ً ُ‬
‫لالتحاد السوفييتي والدول االشتراكية في حركة التحرر‪ .‬هذا هو السبب في أن القادة الصينيون‬
‫يُحاولون "اصطياد عصفورين بحجر واحد" من أجل توجيه سياسة الدول النامية الى مسارهم‬
‫ال ُمعادي للسوفييت‪ .‬يُصنّف االتحاد السوفييتي على أنه دولة "امبريالية اجتماعية" وبالتالي يتم‬
‫استبعاده من حركة التحرر الوطني‪.‬‬

‫ُملصق سوفييتي حول الصداقة السوفييتية الصينية‬

‫طغمة‬ ‫على الرغم من أن بكين اختلقت مئات المقاالت التي تصف االتحاد السوفييتي بأنه " ُ‬
‫تحريفية" و"قوة امبريالية"‪ ،‬اال أنها ال تستطيع اخفاء جوهر سياستها‪ ،‬التي أُعيد توجيهها عمدا ً‬
‫ُقوض وحدة القوى الثورية‬ ‫للنضال ضد االتحاد السوفييتي والدول االشتراكية األُخرى‪ ،.‬مما ي ّ‬
‫ويصب في مصلحة الدوائر االمبريالية األكثر عدوانية‪ .‬لقد صارت بكين شريكا ً لالمبريالية‪.‬‬
‫لقد كان وال يزال من أسمى واجبات الماركسيين اللينينيين الحقيقيين فضح التحريف الماوي‬
‫االيديولوجي والنظري والعملي للعالم كله‪ .‬يُناضل الشيوعيين السوفييت‪ ،‬لدن كشفه جوهر‬
‫ب ماركسي لينيني‪ ،‬ومن أجل‬ ‫صين اشتراكية‪ ،‬ومن أجل حز ٍ‬‫ٍ‬ ‫الماوية بأشكالها المتنوعة‪ ،‬من أجل‬
‫المصالح الحقيقية للشعب الصيني الجريح‪.‬‬
‫يعمل الحزب الشيوعي السوفييتي من خالل نضاله ضد االيديولوجيا الماوية الرجعية‪ ،‬على تقوية‬
‫تطور االتجاهات التقدمية في المسار االجتماعي والسياسي للصين‪.‬‬

‫***‬

‫بالنظر الى تاريخ العالقات السوفييتية الصينية‪ ،‬ال يُمكن أن يكون هناك شك في أن ماو تسي تونغ‬
‫وشركاؤه كانوا يسعون بشك ٍل ُمتعمد وباستمرار الى تخريب هذه العالقات ثم قطعها‪ .‬في البداية‪،‬‬
‫حصر الماويون أنفسهم في التصريحات ال ُمنافقة مثل االدعاء بأنه يوجد "تسعة أصابع" تؤيد‬
‫الوحدة بين الحزبين الشيوعيين الصيني والسوفييتي‪ ،‬وأن هناك "اصبع واحد" يُشير الى‬
‫اختالفهما‪ .‬عندما كانت العالقة بين الحزبين ال تزال قائمة في منتصف الستينيات‪ ،‬كانت القيادة‬
‫الماوية تُعلن بالفعل أنه لم يكن هناك شيء يوحّد الحزبين الشيوعيين السوفييتي والصيني‪ ،‬ولكن‬
‫ُفرق بيهما‪ .‬تم نقل هذه السياسة في الحال الى مجال العالقات بين الدول‪.‬‬
‫فقط ما ي ّ‬
‫من الواضح اآلن أن الهدف النهائي لقادة بكين كان وضع االتحاد السوفييتي خارج اطار‬
‫المنظومة االشتراكية وطرد الحزب الشيوعي السوفييتي من الحركة الشيوعية العالمية‪ .‬بعد أن‬
‫بجرةٍ من قلمه‪ ،‬في صنف القوى‬ ‫تعرض للفشل الذريع‪ ،‬وضع ماو تسي تونغ االتحاد السوفييتي‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫"االمبريالية االجتماعية"‪ .‬احتاج الماويين المزيد من الذرائع للقيام بذلك‪ .‬لقد كانوا بارعين في‬
‫ابتكارها‪ ،‬أوالً في المجال االيديولوجي‪ ،‬ثم في مجال العالقات بين الدولتين‪.‬‬
‫يحاول ال ُممثلون الرسميون وأجهزة الدعاية الصينية الحديث حول محاوالت االتحاد السوفييتي‬
‫"وضع الصين تحت سيطرته" و"التدخل في شؤون الصين الداخلية"‪ ،‬وما الى ذلك‪ .‬تم استخدام‬
‫هذه التلفيقات اللقاء اللوم على االتحاد السوفييتي فيما يتعلق بتفاقم الوضع‪ ،‬من أجل اثبات‬
‫"جوهره االشتراكي االجتماعي" وبالتالي تقويض مكانته الدولية واثارة الهستيريا ال ُمعادية‬
‫للسوفييت بين الشعب الصيني‪.‬‬
‫كان الماويون يعملون بشك ٍل منهجي لتحقيق هدفٍ آخر‪ :‬تحرير أنفسهم من االلتزامات األُممية‬
‫التي تقع على عاتق كل مجموعة من الحركة الشيوعية العالمية فيما يتعلق بالعملية الثورية‬
‫العالمية‪ ،‬وتمهيد الطريق للتواطؤ مع االمبريالية‪ .‬هذا هو نمط الخيانة الطبقية التي ارتكبها ماو‬
‫تسي تونغ وجماعته‪.‬‬
‫اذا نظرنا الى الوراء في تاريخ الخالفات مع القيادة الماوية‪ ،‬يُمكن للشعب السوفييتي أن يقول‬
‫بضمير ُمرتاح أن الحزب الشيوعي السوفييتي لم يدّخر جهدا ً لدرء هذا التدهور الخطير في تطور‬ ‫ٍ‬
‫األحداث وللنأي بنفسه عن استفزازات الماويين وال ُمحافظة على ودية العالقة مع الحزب‬
‫الشيوعي الصيني والشيوعيين الصينيين‪ .‬ليس ذنبنا أنه لم يتحقق كل هذا‪ .‬عالوة ً على ذلك‪ ،‬فان‬
‫الحزب الشيوعي السوفييتي واألحزاب الماركسية اللينينية األُخرى قد شددوا منذ البداية على‬
‫الطبيعة الخطيرة للتحريفية الماوية وحذروا من خطر الماوية الجسيم على االشتراكية‪ .‬تم التأكيد‬
‫بشك ٍل ُمتكرر على اإلفالس النظري لبرنامج القادة الماويين السياسي في الرسائل المفتوحة‬
‫وال ُمغلقة للحزب الشيوعي السوفييتي‪ ،‬وفي تصريحات قادة الحزب وفي صحافة الحزب‪ ،‬وقد‬
‫أ ّكدت الحياة صحة هذا النقد‪.‬‬
‫ُملصقات سوفييتية تُعبّر عن الصداقة السوفييتية الصينية‬

‫ان العداء للسوفييت ليست فقط مسألة ُمتعلقة بالعالقات السوفييتية الصينية‪ .‬ان العداء للسوفييت‬
‫هو شوفينية اجتماعية صينية ُمر ّكزة‪ ،‬وفي نفس الوقت هي وجه آخر لعداء الماويين لالشتراكية‪.‬‬
‫يُر ّكز الماويون هجماتهم على االتحاد السوفييتي ألنهم يعتبرونه بمثابة الكابح الرئيسي ألهدافهم‬
‫التوسعية والشوفينية‪ .‬كان نموذج االتحاد السوفييتي وتجربته في بناء االشتراكية ومكانته الدولية‬
‫العظيمة وامكاناته الدفاعية ال ُمتزايدة باطراد عائق رئيسي الحباط هذه األهداف‪ ،‬حيث يضطر‬
‫الماويون الى وضع كل هذا في حساباتهم‪.‬‬
‫واصل القادة الماويون في عامي ‪ 1979‬و‪ُ 1980‬مفاقمة الوضع في العالقات السوفييتية الصينية‪،‬‬
‫وبالتالي أظهروا عدم رغبتهم في اعادة العالقات بين البلدين الى سياقها الطبيعي‪ .‬قال دنغ شياو‬
‫بينغ في ‪ 16‬كانون الثاني عام ‪ 1980‬أن النضال ضد االتحاد السوفييتي على الصعيد العالمي‬
‫"هو المهمة السياسية الخارجية الرئيسية للصين"‪.‬‬
‫في المواجهة ال ُمتزايدة بين العالمين االشتراكي والرأسمالي‪ ،‬تلعب الصين دور ُمساعد االمبريالية‬
‫الذليل في النضال ضد االتحاد السوفييتي والدول االشتراكية األُخرى‪.‬‬
‫منذ البداية‪ ،‬تناول الحزب لشيوعي السوفييتي واألحزاب الماركسية اللينينية األُخرى مسألة‬
‫الخالفات بين الحزب الشيوعي الصيني والحركة لشيوعية العالمية من ُمنطلق ُحسن النية تجاه‬
‫الشعب الصيني وقضية االشتراكية في الصين‪ .‬كانوا على دراية بالطبيعة ال ُمعقدة لبناء العالقات‬
‫ط ُرق‬‫كبير مثل الصين والحاجة الى ايجاد ُ‬
‫االجتماعية على طول الخطوط االشتراكية في بل ٍد ٍ‬
‫ووسائل من شأنها أن تجمع بين القوانين العامة لبناء االشتراكية والظروف الخاصة للصين‪ .‬لم‬
‫يفرض الحزب الشيوعي السوفييتي واألحزاب الشقيقة األُخرى الصيغ الجاهزة على الشيوعيين‬
‫الصينيين‪ ،‬ولم يدعوهم الى نسخ أساليبهم في بناء االشتراكية‪ .‬كانوا‪ ،‬بدالً من ذلك‪ ،‬يرغبون في‬
‫ت عديدة مع الشيوعيين الصينيين لمساعدتهم في تجنب‬ ‫ُمشاركة خبراتهم الواسعة على مدى سنوا ٍ‬
‫المصاعب التي واجهها رواد هذه القضية وتحقيق األهداف التي حددتها الثورة الصينية العظيمة‬
‫وال ُخطط ال ُخمسية األُولى والمؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الصيني‪ .‬في الوقت نفسه‪ ،‬لفتوا‬
‫االنتباه الى الخط الفاصل األساسي بين العوامل التي تُعزز بناء االشتراكية والعوامل التي‬
‫تتعارض مع ذلك‪ .‬كان بإمكان الشعب الصيني تجنّب العديد من المآسي والنكسات االقتصادية‬
‫واألزمات االجتماعية والثقافية ال ُممتدة لو تم االلتفات الى النصائح المعقولة التي تم تقديمها‪.‬‬
‫مر‬
‫لطالما كان الشيوعيين السوفييت وكل الشعب السوفييتي يحترمون بشدة الشعب الصيني الذي ّ‬
‫الم َحن‪ .‬انهم يتمنون لهم بصدق تجنّب المآسي مثل "الثورة الثقافية"‪ .‬انهم يؤمنون‬
‫بالعديد من ِ‬
‫ايمانا ً راسخا ً بأن الماركسية فقط‪ ،‬وليس الماوية‪ ،‬هي القادرة على اضاءة طريق ُمستقبل الصين‬
‫ال ُمشرق‪ .‬واسترشادا ً بقرارات المؤتمرين الخامس والعشرين والسادس والسادس والعشرين‬
‫للحزب الشيوعي السوفييتي‪ ،‬يسعى االتحاد السوفييتي دائما ً الى استعادة عالقات ُحسن الجوار مع‬
‫جمهورية الصين الشعبية‪.‬‬

‫يُعتَبَر تفاقم حالة العالقات السوفييتية الصينية حالةً شاذة‪ .‬توجد جميع الشروط ال ُمسبقة الالزمة من‬
‫أجل إعادة الصداقة والتعاون بين االتحاد السوفييتي والصين الى طبيعتهما‪ ،‬ألن التعاون سيكون‬
‫مرة ً أُخرى‪ ،‬مفيدا ً للغاية لكال الجانبين ولتطوير وضع الثورة العالمية‪.‬‬
‫لقد أثبت الشعب الصيني طوال تاريخه أنه يستحق أن يُطلَقَ عليه لقب أم ٍة عظيم ٍة وبطولية‪ .‬ال‬
‫شك في أنه سيكون قادرا ً على التغلب على الصعوبات التي يواجهها‪ ،‬والدفاع عن مكاسبه‬
‫الثورية‪ ،‬وإعادة الصين مرة ً أُخرى الى طريق التطور االشتراكي الحقيقي‪.‬‬
‫ُمل َحق‬

‫سلطات بكين‪ -‬األحداث على الحدود السوفييتية الصينية‬


‫الهجوم االستفزازي ل ُ‬
‫مطبعة وكالة دار نشر نوفوستي ‪1969‬‬
‫مقالة من صحيفة البرافدا‪ ،‬الحزب الشيوعي السوفييتي المؤرخة في ‪ 8‬آذار عام ‪1969‬‬
‫ترجمة لمقالة‪:‬‬
‫‪a Provocative Sally of Peking Authorities- Events on the Soviet-Chinese‬‬
‫‪Border, Novosti Press Agency Publishing House, Moscow 1969‬‬
‫كما ورد في الصحافة السوفييتية‪ّ ،‬‬
‫نظ َمت السلطات الصينية في ‪ 2‬آذار استفزازا ً ُمسلحا ً على‬
‫الحدود السوفييتية الصينية بالقرب من جزيرة دامانسكي ‪ Damansky‬على نهر أوسوري‬
‫‪ .Ussuri‬تُظ ِهر الحقائق أن هذا كان اعتداءا ً كان ُمخططا ً بشك ٍل ُمسبق على حرس الحدود‬
‫سلطات بكين قد ارتكبت‬ ‫السوفييت الذين يقومون بحماية حدود الدولة‪ .‬يُظهر مسار األحداث أن ُ‬
‫عمدا ً هذا االستفزاز ال ُمسلّح بهدف ُمفاقمة التوتر في العالقات السوفييتية الصينية‪ُ ،‬مثيرا بذلك‬
‫ً‬
‫تضخيم موجة العداء للسوفييت في الصين‪ ،‬واذكاء المشاعر الشوفينية لتُناسب التطلعات الشوفينية‬
‫وزمرته في السلطة‪.‬‬‫ال ُمغامرة لماوتسي تونغ ُ‬
‫وسبق هذا الهجوم انتهاكات ُمتكررة لحدود الدولة السوفييتية من جانب الجنود الصينيين‪ ،‬وال‬
‫سيما بالقرب من جزيرة دامانسكي‪.‬‬

‫ُجنود صينيون يُحاولون دخول جزيرة دامانسكي‬


‫في ‪2‬آذار الساعة ‪ 11‬صباحا ً (‪ 4‬صباحا ً بتوقيت موسكو)‪ ،‬أبلَغَت نقاط ال ُمراقبة السوفييتية الى‬
‫المركز الحدودي أن وحدة ً ُمسلحةً من الجنود الصينيين كانت متوجهةً من الضفة الصينية الى‬
‫منطقة جزيرة دامانسكي‪ .‬خ ََر َجت مجموعة من حرس الحدود السوفييت لمقابلتهم‪ .‬سار ‪ 8‬من‬
‫حرس الحدود بقيادة ضابط باتجاههم لمطالبتهم‪ ،‬كما في عدة مرات سابقة‪ ،‬بمغادرة األراضي‬
‫السوفييتية‪ .‬عندما اقترب حرس الحدود من المتسللين‪ ،‬أطلق هؤالء األخيرين النار عليهم دون‬
‫ضت بقية مجموعة َح َرس الحدود السوفييتية الطالق النيران‬ ‫تعر َ‬
‫سابق انذار‪ .‬في الوقت نفسه‪ّ ،‬‬
‫من كمائن ُمعدة ُمسبقا ً ومن قِبَل مجموعة من المدافع المضادة للدبابات ومدافع الهاون وقاذفات‬
‫القنابل المضادة للدبابات ورشاشات ثقيلة انطلقت من الضفة الصينية‪.‬‬

‫الجنود السوفييت جاهزون لرد العدوان ُقرب جبال كامينايا على الحدود الصينية‬
‫انتظم حرس الحدود السوفييت في تشك ٍل قتالي‪ ،‬وقاموا جنبا ً الى جنب‪ ،‬مع الجنود الذي قدموا من‬
‫المركز الحدودي‪ ،‬بصد الهجوم المفاجئ ثم طردوا الصينيين المتسللين بعيدا ً عن األراضي‬
‫السوفييتية‪.‬‬
‫أدى حرس الحدود السوفييت واجبهم العسكري بشرف‪ .‬لم يدخروا حياتهم وأظهروا شجاعةً كبيرة ً‬
‫وبطولةً في الدفاع عن الحدود‪.‬‬
‫لم َيكَد ال ُمغيرون يتوقفون عن اطالق النيران حتى انطلقت آلة الدعاية الشاملة في بكين لدعم‬
‫االستفزاز المتوحش‪ .‬بدأ مسؤولو الصحافة واالذاعة والجيش بتعبئة المواطنين الصينيين باللجوء‬
‫الى األكاذيب البشعة واالفتراءات فيما يتعلق باالتحاد السوفييتي‪ .‬أعدّت بكين‪ ،‬في وق ٍ‬
‫ت ُمبكر‬
‫نُسخة القصة التي تقول أن الوحدة الصينية "تعرضت للهجوم" واتخذت تدابير الدفاع عن النفس‪.‬‬
‫ليست هذه هي المرة األولى التي يشهد فيها العالم مثل هذه األعمال االستفزازية من قِبَل ماوتسي‬
‫تونغ وزمرته ومحاوالتهم للتغطية على أعمالهم بالدعاية‪.‬‬
‫َرب ال ُمغيرون‪ ،‬تاركين‬
‫لكن الحقائق ال تقبل الجدل‪ .‬ال يُمكن محو آثار غارات اللصوص‪ .‬ه َ‬
‫زود بها ال ُمحرضون الصينيون‬
‫مالبسهم وأجهزة اتصاالتهم وحتى زجاجات الكحول التي ّ‬
‫ال ُمشاركين في هذا األمر‪.‬‬
‫تكشف دعاية بكين عن حقيقتها التوسعية عندما تُحاول تبرير االستفزاز ال ُمسلّح على الحدود‬
‫السوفييتية الصينية من خالل ال ُمطالبات باألراضي السوفييتية‪ ،‬وخاصةً جزيرة دامانسكي‪ .‬لكن‬
‫الهجوم تم ضد حرس الحدود السوفييت الذين يحمون األراضي السوفييتية‪.‬‬
‫يسعى هذا العمل االجرامي الذي قامت به جماعة ماوتسي تونغ‪ ،‬والذي أودى بحياة العديد من‬
‫الرجال‪ ،‬وراء أهدافٍ بعيدة المدى‪.‬‬
‫يُحاول الماويون‪ ،‬من خالل تأجيج الهستيريا ال ُمعادية للسوفييت والجنون الشوفيني‪ ،‬خلق أجواءٍ ‪،‬‬
‫من شأنها أن تسمح لهم بتقوية وضعهم داخل البالد وتدعيم مسار القوة العُظمى والنزعة ال ُمغامرة‬
‫لماوتسي تونغ الذي يسعى الى زيادة تدهور العالقات مع الحزب الشيوعي السوفييتي والدولة‬
‫السوفييتية‪ ،‬واألحزاب الشيوعية والدول االشتراكية األُخرى‪.‬‬

‫ُمجادلة حادة بين جنود سوفييت وصينيون على الحدود‬


‫ما تُخطط له مجموعة ماو للقيام به واضح‪ ،‬وهو استخدام الذُهان ال ُمعادي للسوفييت لمواصلة‬
‫األنشطة التخريبية واالنقسامية في الحركة الشيوعية العالمية‪ .‬من الواضح أن الماويين يسعون‬
‫لعرقلة عقد المؤتمر الدولي لألحزاب الشيوعية والعُمالية من أجل زرع أجواء انعدام الثقة بين‬
‫األحزاب الشيوعية فيما يتعلق بالحزب الشيوعي السوفييتي‪ .‬ينبع خط العداء للسوفييت في‬
‫الصين‪ ،‬من أن جماعة ماوتسي تونغ ترى في أنشطة الحزب الشيوعي السوفييتي وسياسة االتحاد‬
‫السوفييتي عقبةً كبيرة ً في وجه تطلعاتها ال ُمغامرة وال ُمهيمنة على الساحة الدولية‪.‬‬
‫تشهد االستفزازت الخطيرة للماويين على رغبتهم في زيادة ُمغازلتهم السياسية غير المبدئية‬
‫للدول االمبريالية وخاصةً الواليات المتحدة وألمانيا الغربية‪ .‬ومن الجدير بالذكر أن الماويين قد‬
‫حددوا توقيت غاراتهم ال ُمسلحة على الحدود مع وقت اجراء االتخابات الرئاسية االستفزازية في‬
‫ألمانيا الغربية‪.10‬‬

‫مواجهة بين جنود سوفييت وصينيون على الحدود قبل عدة أسابيع من االعتداء الصيني ال ُمس ّلح‬
‫على الحدود‪.‬‬
‫قام ماوتسي تونغ وأتباعه بالهجوم القذر على االتحاد السوفييتي في الوقت الذي يستمر فيه‬
‫العدوان األمريكي على فييتنام‪ ،‬حيث يتمسك الشعب الفييتنامي البطل بقضية الحرية واالستقالل‪.‬‬
‫يُقدّم االتحاد السوفييتي والدول االشتراكية األُخرى للشعب الفييتنامي‪ ،‬في هذا النضال‪ ،‬مساعدة ً‬
‫ودعما ً أُمميا ً هائالً‪ .‬ال يُمكن أن تكون األمور قد وصلت الى حد ارتكاب مثل هذا العمل‬
‫االستفزازي الغادر ضد بل ٍد اشتراكي!‪ ،‬ما لم تكن قيادة بكين الحالية قد وصلت الى حالة من‬
‫االنحالل السياسي وخيانة قوى االشتراكية في النضال العالمي ضد االمبريالية‪.‬‬
‫ان االستفزاز بالقرب من جزيرة دامانسكي هو جزء من سياسة الماويين التي تهدف الى تسريع‬
‫اعادة التوجيه الجذري للسياسة الخارجية والداخلية لجمهورية الصين الشعبية‪ ،‬وفي النهاية تحويل‬
‫هذه الدولة الى قوة ُمعادية للدول االشتراكية‪.‬‬
‫تُظهر األحداث في السنوات األخيرة أن أهداف الهيمنة الشوفيتية لماو وجماعته تكمن وراء‬
‫سياسة بكين فيما يتعلق بالدول ال ُمجاورة األُخرى وآسيا بأكملها‪ .‬يُظ ِهر الماويين‪ ،‬في كل مكان‪،‬‬
‫مساعيهم التوسعية ويسعون الي زرع بذور العداء السمة بين الشعوب والدول‪.‬‬
‫هذا هو السبب في أن قوى الرجعية االمبريالية تبتهج باألعمال الخبيثة التي يقوم بها ال ُمحرضون‬
‫الماويون‪.‬‬

‫‪ - 10‬أُجريت االنتخابات الرئاسية في ألمانيا الغربية في ‪ 5‬آذار عام ‪ .1969‬كان غيرهارد شرودر ‪ Gerhard Schröder‬هو أحد‬
‫ال ُمرشحين للرئاسة‪ .‬كان شرودر عضوا ً في الحزب النازي‪ ،‬وكان جزءا ً من المجموعة البرلمانية النازية التي ساعدت على صعود‬
‫هتلر الى سدة الحكم‪ .‬كانت األوساط الحاكمة في ألمانيا الغربية‪ ،‬من نشوئها تؤجج نيران المشاعر االنتقامية (االنتقام من هزيمة بلدهم‬
‫في الحرب الثانية والمطالبة باعادة أمجاد األمة)‪ ،‬التي كانت ُمعادية للسوفييت وداعية للحرب‪ .‬كان شرودر احتماالً رئاسيا ً قد يُسعّر‬
‫هذه المزاعم الحاقدة‪ ،‬مما أثار قلقا ً من جانب منظومة الدول االشتراكية‪ -‬ال ُمترجم‪.‬‬
‫ترتبط مشاريع ماوتسي تونغ في مجال السياسة الخارجية ارتباطا ً ُمباشرا ً بسياساتها الداخلية التي‬
‫تهدف الى انشاء نظام عسكري بيروقراطي في الصين‪ .‬من المعروف أن هذا بالتحديد هو سبب‬
‫تنفيذ ما يُسمى بالثورة الثقافية والتي تضمنت عمليات انتقامية ارهابية ضد الشيوعيين الصينيين‬
‫وجميع الذين تعز عليهم قضية االشتراكية في الصين والصداقة مع االتحاد السوفييتي والدول‬
‫االشتراكية األُخرى‪.‬‬

‫حرس حدود سوفييت على الحدود الصينية‬


‫تواجه جماعة ماو مقاومةً من الشعب الصيني وقبل كل شيء من الشيوعيين الذين ظلوا مخلصين‬
‫لقرارات المؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الصيني والمبادئ األممية البروليتارية‪ .‬ان الماويين‬
‫يطاردهم الخوف من أن الشعب الصيني قد يُحاسبهم على كل المصائب التي جلبوها للبالد من‬
‫تفكيك للحزب الشيوعي الصينين وارتكاب أعمال ارهاب دموي واضطهاد جماعي وتقويض‬
‫أُسس االشتراكية في الصين‪.‬‬
‫ال تستطيع جماعة ماو اخفاء حقيقة أنها فشلت في القضاء على أفكار الماركسية اللينينية من‬
‫أذهان الناس خالل الثورة الثقافية سيئة الصيت‪ .‬كما أنها لم تنجح في محو مشاعرهم األخوية تجاه‬
‫الشعب السوفييتي والحزب الشيوعي السوفييتي من قلوب العمال الصينيين‪ ،‬الذين قدّموا دعما ً‬
‫قويا ً ومساعدة شاملة للشعب الصيني في نضاله الثوري وفي البناء االشتراكي‪.‬‬
‫من المعروف أن "الثورة الثقافية" أدت أيضا ً الى اضطرابات اقتصادية خطيرة في الصين‪ .‬لقد‬
‫أدى المسار الذاتوي الماوي الى تفاقم مصاعب االقتصاد الصيني‪ ،‬والذي وجد تعبيرا ً عنه في‬
‫"القفزة ال ُكبرى" وفي انشاء "الكوميونات الشعبية"‪ .‬انخفض االنتاج الصناعي في البالد‪ ،‬مع‬
‫اضطراب عمليات النقل‪ .‬كان الشعب الصيني يُعاني من نظام غذائي سبب لهم المجاعة على مدار‬
‫سنوات عديدة‪ ،‬وتم استبدال العلم والثقافة والتعليم الشعبي بالدعاية لـ"أفكار ماو" ال ُمملة‪.‬‬
‫كان لدى الماويين‪ ،‬في ظل هذه الظروف‪ ،‬أمل ضئيل في كسب ثقة الجماهير‪ .‬من أجل ابقاء‬
‫الناس تحت المراقبة وحملهم على االنصياع لخدمة سلطتهم العظيمة وتطلعاتهم الى الهيمنة‪،‬‬
‫يفرض ما وجماعته على البالد نظاما ً عسكريا ً يتطابق نموذجيا ً مع األنظمة الرجعية‪ُ ،‬مسممين‬
‫ضمائر الناس بسم القومية والشوفينية‪ .‬تم استبدال األجهزة الدستورية لسلطة الشعب بـ"لجان‬
‫ثورية" يُديرها أعضاء عسكريون من فصيل ماو‪ .‬انتشرت الرقابة واالشراف العسكريين ليس‬
‫فقط في مجال االدارة‪ ،‬ولكن أيضا ً في مجال االنتاج والثقافة وااليديولوجيا‪.‬‬
‫توافق عسكرة جميع مناحي الحياة في الصين مع تأجيج الهستيريا العسكرتارية بحجة غير معقولة‬
‫أن الصين ُمهددة بهجوم سوفييتي‪ .‬ليس من الصعب أن نرى أن اثارة هذه الهستيريا كانت مدفوعةً‬
‫بمحاول ٍة من جانب ماو وجماعته الخفاء أهدافهم الحقيقية عن الشعب الصيني‪ ،‬لصرف هذا‬
‫األخير عن االعتداءات الداخلية التي يرتكبها الماويون بحقهم‪ ،‬والنشاء منظمة سياسية جديدة‬
‫ستكون أداة ً للنظام العسكري البيروقراطي تحت ُمسمى الحزب الشيوعي الصيني‪ ،‬وابعاد الناس‬
‫عن انتقاد العواقب الضارة الناتجة عن تطبيق أفكار "الربان العظيم"‪ .‬كان هذا بالضبط هو السبب‬
‫في ضرورة القيام باستفزاز وقح بالقرب من جزيرة دامانسكي‪ ،‬وأعقَ َ‬
‫ب ذلك جولة جديدة من‬
‫الدعاية المسعورة ال ُمعادية للسوفييت‪.‬‬
‫ابتداءا ً من ‪ 3‬آذار‪ ،‬تعرضت السفارة السوفييتية في بكين مرة ً أُخرى لحصار منظم نفذه أفراد‬
‫مدربون تدريبا ً خاصاً‪ .‬عالوة ً على ذلك‪ ،‬تدعو جماعة ماو علنا ً الى النضال ضد االتحاد‬
‫السوفييتي والدول االشتراكية األُخرى‪ ،‬وتطرح مطالبا ً اقليمية سخيفة على االتحاد السوفييتي‪.‬‬
‫هذا هو الوضع الذي يُحضر فيه الماويون لما يُسمى بالمؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الصيني‪،‬‬
‫والذي يحتاجون اليه "الضفاء الشرعية" على النظام العسكري والبيروقراطي الذي يسمونه‬
‫"النظام الجديد" ولـ"تعزيز" القوة العُظمى‪ ،‬والطريق الشوفيني ال ُمعادي للسالم واالشتراكية‪.‬‬
‫في هذه األيام‪ ،‬يُعرب الشعب السوفييتي‪ ،‬الذي من حقه أن يشعر بالغضب واالستياء من األعمال‬
‫ت قوية ضد االستفزاز الوقح على الحدود السوفييتية الصينية‬ ‫االجرامية الماوية‪ ،‬عن احتجاجا ٍ‬
‫وضد حملة الكراهية واالفتراء على الشعب السوفييتي التي يُشعلها الماويون‪ .‬يقول النساء‬
‫والرجال السوفييت أن حدود وطنهم االشتراكي مقدسة وال يجوز انتهاكها‪ .‬انهم يستخلصون‬
‫استنتاجات مناسبة من استفزازات قادة بكين الوقحة‪ ،‬ويُعززون يقظتهم الثورية ويدعمون قوة‬
‫بلدهم حصن االشتراكية والسالم‪.‬‬
‫بطبيعة الحال‪ ،‬فان الشعب السوفييتي ال يُطابق جماعة ماو مع الشعب الصيني‪ .‬يُدرك الشعب‬
‫السوفييتي أن الشعب الصيني والحزب الشيوعي الصيني يمر بفترةٍ مأساوية من تاريخهم‪ .‬دعا‬
‫الحزب الشيوعي السوفييتي والحكومة السوفييتية‪ُ ،‬متبعين مبادئ األُممية‪ ،‬دعوا‪ ،‬مرارا ً وتكرارا ً‬
‫الى اعادات العالقات الطبيعية مع جمهورية الصين الشعبية‪ ،‬بسبب مشاعر الصداقة تجاهه‪.‬‬
‫ُملصق سوفييتي حول االعتداءات الصينية على الحدود‬
‫ومع ذلك‪ ،‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬وكما جاء في مذكرة االحتجاج التي قدمتها الحكومة السوفييتية الى‬
‫حكومة جمهورية الصين الشعبية فيما يتعلّق بالغزو ال ُمسلّح الوقح داخل األراضي السوفييتية‪ ،‬فانه‬
‫سيتم قطع دابر األعمال االستفزازية التي تقوم بها السلطات الصينية بحزم‪.‬‬
‫هذه هي االرادة الراسخة للشعب السوفييتي بأكمله‪.‬‬
‫‪------------------------------------‬‬

‫ترجمة من ُكتيّب‪:‬‬
‫‪Who is to blame? How differences arose between china's Maoist leaders‬‬
‫‪and the USSR and other Socialist Countries- Oleg Ivanov‬‬
‫‪Novosti Press Agency publishing House 1981‬‬

‫‪Protect pdf from copying with Online-PDF-No-Copy.com‬‬

You might also like