Professional Documents
Culture Documents
عقيدة الاستلقاء فى الصين
عقيدة الاستلقاء فى الصين
1/12/2022
مقدمة الترجمة:
في مقاله المنشور بموقع "إيست آسيا فوروم" ،يسلط "ياو-يوان ِيه" ،األستاذ المشارك بقسم العالقات الدولية في جامعة سانت توماس،
الضوء على الحراك الصامت للشباب الصيني والمعروف اليوم باسم حراك االستلقاء أو "تانغ بينغ" .ويشير هذا المصطلح إلى األجيال
الجديدة في الصين التي تشعر بالتشاؤم تجاه مستقبلها ،وبالتالي فإنها باتت ترفض قيم العمل الجاد والنضال من أجل المستقبل التي تبنتها
األجيال السابقة ،ما يُه ِّدد بإسدال الستار على الفترة الذهبية لالزدهار الصيني.
نص الترجمة:
بزغ حراك االستلقاء أو ما يُطلق عليه "تانغ بينغ" بوصفه ظاهرة في الصين عام ،2021وهو توصيف لألجيال التي وُ لِدَت في أواخر
التسعينيات والعقد األول من األلفية وأصابتها خيبة أمل نظرا الفتقارها إلى تحسين وضعها االجتماعي ،ومعاناتها من الركود االقتصادي.
ومن ث َّم قررت تلك األجيال "أال تناضل من أجل مستقبلها" ،فهي ترفض قيم العمل الجاد أو تملُّك المنازل أو الزواج أو المستويات المعيشية
التي طمحت إليها األجيال السابقة .ومنذ القى حراك االستلقاء أصداء كبيرة لدى مستخدمي اإلنترنت الشباب في الصين ،سعت الحكومة
الصينية إلى إخماده من خالل استعادة "القيم التقليدية النبيلة" لألجيال السابقة .غير أن السؤال الذي يطرح نفسه يتعلق بالسبب الكامن وراء
انتشار هذا الحراك بين الشباب الصيني رغم أربعين عاما من االزدهار االقتصادي.
الحقيقة هي أن نمو إجمالي الناتج المحلي الصيني انخفض على نحو مطرد منذ عام ،2010كما انخفض إجمالي الناتج المحلي بالفعل من
معدل %10.6إلى %6قبل جائحة كورونا نفسها .واآلن فإن الركود االقتصادي الناتج عن التضخم العالمي بسبب الجائحة والحرب
األوكرانية والعقوبات االقتصادية يُه ِّدد بإسدال الستار على الفترة الذهبية لالزدهار الصيني.
الثورة الصامتة
إن التوترات المتزايدة بين الصين والواليات المتحدة واإلغالقات العديدة الناتجة عن سياسة "صفر كوفيد" ال ُم َّتبعة في الصين ،باإلضافة إلى
األزمة العقارية التي تلوح في األفق وتراجع فرص العمل للعمال غير المهرة ،كلها أدت إلى إثارة المزيد من االرتياب فيما يتعلق بمستقبل
الصين( .على سبيل المثال ،تأخرت شركة "إيفرجراند" ،وهي واحدة من كبرى الشركات العقارية في الصين ،عن سداد مدفوعاتها،
ولحقتها في التخلف عن السداد بعد ذلك بفترة قصيرة شركات مجموعة "كايسا" .ولذا انخفضت أسعار العقار في البالد بأكثر من %30
بالمقارنة مع العام الماضي .ومن حينها ومعضالت القطاع في تصاعد ،حيث صارع المُطوِّ رون الذين يعانون من ضائقات مادية من أجل
جينغدِشِ ن" الجنوبية-الشرقية هذا العام ،انتشرت احتجاجاتTإكمال المشاريع في مواقيتها المحددة .وبعد اندالع احتجاجات Tفي مدينة " ْ
مشتري العقارات كالنار في الهشيم في مئة مدينة تقريبا .وقد قدَّر بنك "دويتشِ ه بانك" األلماني بأن قيمة الديون العقارية التي تأثرت
بالمقاطعة تبلغ نحو من 270إلى 300مليار دوالر)*.
مثل عجز الشباب غير أن الرقابة النشطة على اإلنترنت وغيرها من اإلجراءات التي ُتقيِّد حرية التعبير تعني أن "تانغ بينغ" ثورة صامتة ُت ِّ
الذين يدركون بأنهم لن يحققوا أبدا المستويات المعيشية نفسها التي حققها آباؤهم أو أجدادهم .ورغم أنها ثورة صامتة وحسب ،فإن الحزب
وظف الحزب الشيوعي الصيني وسائل إعالم مملوكة للدولة ،مثل وكالة أنباء الشيوعي الصيني متوجس بشأن تأثيرها على المجتمع .ولذا َّ
"شينخوا" وغيرها من المنصات ،لشجب تلك الحركة.
وعلى إثر ذلك ،أبطل مراقبو الحزب ك ّل ملتقيات "االستلقاء" على موقع "دوبان" ووسائل التواصل االجتماعي الصينية األخرى .حتى إن
األمر وصل إلى أن منصات التجارة اإللكترونية الصينية ،مثل "جي دي تاوباو" ،لم تسلم من حملة "تصويبها" من قِ َبل مراقبي الحزب
الحاكم ،حيث إن المنتجات التي تستعرض الطابع الصيني الخاص بحركة االستلقاء ،بما فيها القمصان وأغطية الهواتف الذكية ،سرعان ما
مُح َيت من عرضها للبيع.
(شترستوك)
هناك حيثيات ديمغرافية يجب على الحزب الشيوعي الصيني أن يُعنى بها .لقد انتقلت الصين من سياسة الطفل الواحد إلى سياسة الطفلين
لحث الناس على إنجاب أكبر عدد ممكن من األطفال رغم أن السياسة الرسمية هي ثالثة أطفال ،وذلك بُغية الحفاظ على سالمة نظام ِّ
المعاشات التقاعدية والقوى العاملة .وبدال من إنجابهم لألطفال ،تسبب أولئك "المُستلقون" في زيادة المخاوف الرسمية بشأن انخفاض معدل
المواليد في الصين طيلة السنوات الخمس الماضية( .لقد أبطلت الصين سياسة الطفل الواحد التي كانت سارية لعقود عام ،2016وحلَّت
محلها سياسة الطفلين التي فشلت في زيادة المواليد .ثم أعلنت عام 2021عن أنها ستتيح لألزواج أن ينجبوا ثالثة أطفال فقط ،وذلك بعد أن
أظهرت البيانات أن االنخفاض ال يزال حادا في معدل المواليد)*.
من المحتمل أيضا أن ُتثير حركة االستلقاء مخاوف المستثمرين األجانب وأن تقلل إنتاجية العمال في الصين .ونظرا ألن الحزب الشيوعي
الصيني َي ُع ُّد التنمية االقتصادية أمرا حيويا يستخدمه لشرعنة حكمه االستبدادي الصارم ،فليس من المرجح أن يتسامح مع أي انخفاض
ملحوظ في قيمة رأس المال البشري ودوره االقتصادي .ولعل األهم من ذلك هو أن مفهوم االستلقاء يعني للشعب الصيني وللحزب
الشيوعي والعالم أن الصين في ظل حكم الرئيس "شي جين بينغ" تتراجع ألول مرة منذ بداية نهضتها مع إصالحات الرئيس السابق "دِنغ
شياوبينغ" ،وأن "شي" فعليا غير قادر على تحفيز الشباب "للكفاح" من أجل األمة.
يمكن للمسؤولين عزو ظاهرة االستلقاء إلى التغييرات االقتصادية ،مثل ارتفاع أسعار المنازل وتعطل سالسل التوريد العالمية ،بيد أن
طموحات "شي" بعد الفوز بفترة رئاسية ثالثة كفيلة بجعله غير متساهل مع األصوات المعارضة .وهذا من شأنه أن يقدم تفسيرا لسبب
رغبة الحزب الشيوعي الصيني في وقف انتشار هذه الظاهرة .ولكن من المستبعد أن ُتجابه حركة االستلقاء بنفسها حكم الحزب الشيوعي
الصيني ،وعلى المدى القصير بالتحديد .إن افتقار أولئك "المُستلقين" للرغبة في تنظيم أنفسهم رسميا وتغيير الوضع الراهن يجعل من
الحركة قوة سلبية تساعد الشباب على تقبُّل حقائق الحياة القاسية ليس إال.
إن أولئك "المستلقين" يشبهون جيل "نيتس" (( )NEETSأي غير المشاركين في التعليم أو التوظيف أو التدريب)* الذي ظهر في اليابان في
أوائل األلفية .وقد كان هؤالء شبانا يابانيين ال يبرحون منازلهم ،ويعتمدون على آبائهم في تلبية حاجاتهم Tاألساسية ،وال يرغبون في
االنضمام إلى القوى العاملة .إن حرك َتيْ االستلقاء الصينية و"نيتس" اليابانية تعكسان التحديات المتزايدة التي يواجهها الشباب في اليابان
والصين على ح ٍّد سواء .تعتمد الصين على التنمية االقتصادية لتبرير حكمها Tاالستبدادي ،لكن يبقى من غير الواضح كيف سيواجه الحزب
الشيوعي الصيني والرئيس "شي" حركة االستلقاء .ما لم يعتقد الحزب ورئيسه بأن القمع هو الخيار الوحيد ،فإن هناك طريقة واحدة ُتم ِّكن
الحزب ورئيسه من الحفاظ على الشرعية السياسية ،وهي تتمثل في تقديم فرص اجتماعية واقتصادية حقيقية لألجيال الشابة.
https://1-a1072.azureedge.net/midan/reality/community/2022/12/1/%D8%B9%D9%82%D9%8A
%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1-
%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%8A%D8%B4%D8%B9%D8%B1-
%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%8A%D9%84