You are on page 1of 359

‫من التبعية إلى التبعية‬

‫صندوق النقد الدولي‬


‫واالقتصاد السوداين‬
‫من التبعية إلى التبعية‬
‫صندوق النقد الدولي‬
‫واالقتصاد السوداين‬

‫تأليف‬

‫د‪ .‬علي عبد القادر علي‬


‫جميع الحقوق محفوظة للمؤلف‬
‫الطبعة األولى‬
‫‪1990‬م‬
‫الطبعة الثانية‬
‫(منقحة)‬
‫أغسطس ‪2021‬م‬
‫تقديم د‪ .‬معتصم األقرع للطبعة الثانية‬
‫التاريخ يعيد نفسه كمأساة‬
‫رغم أن الطبعة األولى من هذا الكتاب الهام قد تم نشرها للمرة األولى يف‬
‫عام ‪1990‬؛ إال أنه يظل طازجا ومواكبا ألن سطوره تطعن يف قلب‬
‫الحدث االقتصادي المعاصر وكأنه تم تأليفه الشهر الماضي كتحليل‬
‫للسياسة االقتصادية يف حقبة ما بعد ثورة ديسمرب ‪.2018‬‬
‫الدراسات التي يحتويها هذا الكتاب ال غنى عنها لمن شاء ان يدرك‬
‫النتائج الحتمية وجوهر التوجه االقتصادي الذي بدأ تنفيذه مع تولي‬
‫الحكومة الحالية السلطة يف سبتمرب ‪ .2019‬ومن الممكن صياغة أعمق‬
‫تحليل نقدي للربنامج االقتصادي الذي تم تبنيه مؤخرا تحت إشراف‬
‫صندوق الدولي عن طريق تحديث أرقام هذا السـِّـ ْفر ‪ :‬عليك فقط‬
‫مالحظة تعمق بؤس الفكر االقتصادي وارتفاع مؤشرات التبعية التي تم‬
‫الحكــم بالحرج ثم إضاف ًة الي‬
‫التطبيع معها حتى لم تعد مما يصيب أهل ُ‬
‫ذلك تغيير أسماء صناع القرار مع االحتفاظ بأسماء المؤسسات المحلية‬
‫والدولية التي يمثلوهنا‪.‬‬
‫هناك سببان الستمرار أهمية محتوى هذا الكتاب الرائع عرب العقود‪ .‬يتعلق‬
‫السبب األول بحقيقة أن موضوعه هو موضوع الساعة يف الوطن‪ :‬إخضاع‬
‫االقتصاد السوداين كامال لربنامج صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؛‬
‫ذلك الربنامج الذي يتجلى كعقيدة أصولية صالحة لكل زمان ومكان وال‬

‫‪5‬‬
‫تتبدل مع حركة السياقات وتعاقب الحقب‪ .‬وكفقه أصولي ال يحفل هذا‬
‫كثيرا باألدلة المرتاكمة عرب السنين يف السودان وحول العالم على‬
‫الربنامج ً‬
‫فشله يف إرساء قواعد تنمية حقيقية أو حتى نمو مستدام قادر علي انتشال‬
‫الدول التي تتبناه من أتون الفقر والتخلف والحرمان‪ .‬كما ال يأبه الربنامج‬
‫بدوره الفاعل يف إعادة توزيع الثروة القومية المجتمعية لمصلحة شريحة‬
‫طفيلية ضيقة‪ ،‬هذا إذا أخذنا يف االعتبار هذه الخاصية المتصلبة الجامدة‪.‬‬
‫ربما كان صادما ولكن ليس مفاجئا أن نفس الوصفة االقتصادية التي‬
‫ُفرضت على السودان يف سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وتواصل‬
‫تطبيقها الي سقوط نظام اإلنقاذ يف ابريل ‪ - 2019‬والتي ُي َش ِّرحها هذا‬
‫الكتاب بدقة وعن معرفة واسعة وبصرامة منهجية ‪ -‬يتم تطبيقها مرة‬
‫أخرى‪ ،‬وبحماس غير مسبوق ‪ ،‬منذ اعالن أول موازنة للحكومة يف‬
‫خواتيم ‪.2019‬‬
‫السبب اآلخر وراء استمرار األهمية المركزية لهذا الكتاب هو أن مؤلفه‬
‫أستاذ االقتصاد علي عبد القادر علي‪ ،‬قامة فكرية سامقة بكل المقاييس‪،‬‬
‫تميزا كعالم‬
‫وهو بال شك أرفع االقتصاديين يف تاريخ السودان وأكثرهم ً‬
‫منقطع النظير يتمتع بعمق معريف فريد يزينه التزام ال يتزعزع بقيم سامية من‬
‫الوطنية والغيرة على مصلحة السودان وسيادته واستقالل قراره وحق‬
‫طبقاته الدنيا والوسطى يف حياة كريمة ال يشك يف اهنا ممكنة‪.‬‬
‫يكشف هذا الكتاب أنه يف خالل أربعة عقود من التطبيق المتواصل لنفس‬

‫‪6‬‬
‫الربنامج االقتصادي ظل تحليل القوى الداخلية والخارجية التي تدفع به‬
‫لجذور المشكلة كما هو ولم تتغير الوصفة العالجية وظلت كما هي يف‬
‫‪ 1978‬أو يف ‪ 1997‬أو ‪ 2020‬ال فرق‪ .‬لم يتغير اإلخراج السياسي وال‬
‫حمالت التسويغ اإلعالمية و لم تتغير مزاعم ما بعد الحقيقة بأن الوصفة‬
‫تعرب عن رؤية وطنية مستقلة وأنه ال يوجد بديل لها ‪ .‬وكأن العناية اإللهية‬
‫استنسخت عقل الفكر االقتصادي الحكومي المستقل يف سبعينات‬
‫وثمانينيات القرن الماضي وأولجته بال تعديل يف عقلها المستقل يف الربع‬
‫األول من القرن الواحد وعشرين فأخرجته بنفس اللغة ونفس المفردات‬
‫ونفس المربرات ونفس الدفوعات وكأن تطابق الفكر الحكومي مع‬
‫برنامج الصندوق كان محض صدفة على مر العقود‪ .‬لكن االنصاف‬
‫يفرض علينا التنبيه إلى بعض التباينات بين الفرتتين‪ ،‬التباين األول يتجلى‬
‫يف أن الحمالت اإلعالمية لتسويغ الربنامج جماهيريا صاحبتها هذه المرة‬
‫أفالم الرسوم المتحركة التي تشرح مزاياه التي تصب يف مصلحة الطبقات‬
‫الفقيرة الموعودة بالعبور على أكتافه من العوز إلى الرفاهية‪ .‬والتباين‬
‫الثاين يتعلق بأن الرغبة يف الحصول على تمويل خارجي من قروض ومنح‬
‫كان هو الدافع الذي استُخدم لتسويغ الربنامج يف المرة األولى أما يف المرة‬
‫الثانية فقد كان تخفيف عبء نفس الديون التي تراكمت هو المربر إلعادة‬
‫تجريب المجرب دون فحص ثمار تطبيقه سابقا يف ظل نظام مايو أوال‬
‫وثانيا يف فرتة الديمقراطية التي أعقبته وثالثا تحت نظام اإلنقاذ الذي ظل‬

‫‪7‬‬
‫يطبق يف نفس الربامج التي يراقبها الصندوق منذ ‪ 1997‬الي يوم رحيله‬
‫بعد ثورة أشعلها شباب يبحث عن مستقبل أفضل‪.‬‬
‫ومن المهم مالحظة مركزية التمويل األجنبي وتداعياته يف اعتماد الربنامج‬
‫وتنفيذه يف كل الفرتات‪ .‬تتضح طبيعة االقتصاد السياسي للتمويل‬
‫الخارجي يف كونه يف الجولة األولي الجزرة التي وعدت بتوفير الموارد‬
‫األجنبية لتمويل التنمية وسد عجز ميزان المدفوعات‪ .‬أما يف الجولة الثانية‬
‫فكان تخفيف عبء الديون التي تراكمت جراء الركون للتمويل الخارجي‬
‫هو العصا‪ .‬هذا االنتقال من الجزرة الي العصا يوجز ويضيف إلى اهنيار‬
‫الموقف التفاوضي للسودان الذي حذر منه علي عبد القادر قبل عقود‪.‬‬
‫الخالصات التي توصل اليها علي عبد القادر يف نتائج الوصفة االقتصادية‬
‫المعنية تم تأكيدها يف بحوث أكاديمية جادة على المستوى النظري وعلى‬
‫االمبيريقية ويف دراسات غطت تجارب شبيهة حول‬ ‫مستوى الشواهد ِ‬

‫العالم‪ .‬فعلي سبيل المثال أجرت لجنة األمم المتحدة االقتصادية‬


‫ألفريقيا يف ‪ 1990‬جرد حساب لتقييم حصاد سياسات التكيف الهيكلي‬
‫يف أفريقيا ؛ تم نشرها يف دراسة معروفة بعنوان " البديل االفريقي لربامج‬
‫التكيف الهيكلي ‪ -‬من أجل التعايف االجتماعي ‪-‬االقتصادي والتحول" ؛‬
‫حيث خلصت الدراسة إلى أن الدول االفريقية التي طبقت هذه السياسات‬
‫بإشراف الصندوق والبنك الدولي كانت أسوأ أ َدا ًء مقارنة بالدول التي‬
‫امتنعت عن تطبيقه ؛ وأن رداءة األداء االقتصادي تناسبت طرديا مع حجم‬

‫‪8‬‬
‫الجرعة التي طبقت الوصفة ‪ ،‬وأن الدول التي تجنبت حزمة سياسات‬
‫التكيف الهيكلي كانت األفضل أ َدا ًء بمقدار معترب‪ ،‬وذلك قياسا على نمو‬
‫الناتج المحلي ومعدالت االستثمار وعجز الموازنة وغيرها من مؤشرات‬
‫االقتصاد الكلي األساسية‪.‬‬
‫الخالصات عميقة التحليل بعيدة النظر المسرودة يف هذا الكتاب أيضا تم‬
‫تأكيدها ودعمها الحقا يف دراسات عالم االقتصاد المتميز ها‪-‬جون تشانغ‬
‫أستاذ االقتصاد بجامعة كامربدج واحد ألمع المفكرين االقتصاديين ‪-‬‬
‫الذي ذهب الي ان التدهور االقتصادي الذي عانت منه القارة االفريقية‬
‫سببه اهنا كانت تدار عمل ًيا من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي‬
‫منذ ثمانينات القرن الماضي ‪ .‬ويف ركن آخر من العالم ذهب هـا‪-‬جون‬
‫إلى انه بعد انفراط عقد الكتلة السوفيتية واستقالل جمهورياهتا رفضت‬
‫أوزبكستان الدوران يف فلك البنك الدولي وصندوق النقد ؛ ورفضت‬
‫العالج بالصدمة ‪ ،‬ورغم أهنا بلد غير ساحلي مرتين ( ال بحر لها ومحاطة‬
‫بدول ال بحر لها) ورغم وابل االنتقادات الذي اهنمر عليها من مؤسسات‬
‫التمويل الدولية ‪ ،‬فقد كان أداؤها االقتصادي أفضل بكثير من‬
‫الجمهوريات السوفيتية التي تبنت وصفات الصندوق ‪ ،‬فقد نجحت‬
‫أوزبكستان يف أن تكون األولي من بين الجمهوريات السوفيتية السابقة‬
‫التي استعادت التوازن االقتصادي وازدهرت فيها صناعة السيارات‬
‫وتعززت رفاهية الشعب‪ .‬ويف وجود علماء مثل علي عبد القادر لم يكن‬

‫‪9‬‬
‫السودان يف حاجة الي زرقاء يمامة وال إلى علماء الخارج ومؤسساته‬
‫ٍ‬
‫انزالق أعلن عنه يف سلسة من الدراسات األكثر رصانة؛ ولكن‬ ‫لتفادي‬
‫رأي آخر أملته المصالح قصيرة النظر بعيدا عن‬
‫أهل الحكم كان لهم ٌ‬
‫التحليل العلمي‪.‬‬
‫كان بإمكان صانع السياسات العامة واألحزاب السياسية السودانية وقادة‬
‫الرأي تجنب تكرار الفشل الموجع وكان بإمكاهنم اإللمام بطبيعة التحدي‬
‫التنموي وبأهم جوانب تجربة السودان االقتصادية تحت إشراف الخارج‬
‫بـاالطالع على التقييم الثري لتاريخها الوارد يف مقاالت هذا الكتاب والتي‬
‫ظلت متوفرة منذ ثمانينات وتسعينات القرن الماضي‪ .‬ولكن لألسف فان‬
‫من ال يعرفون تاريخهم محكوم عليهم بتكراره؛ هذه المرة كمأساة مكتملة‬
‫األركان‪ُ .‬ينسب إلى أينشتاين القول بإن تعريف الجنون هو فعل الشيء‬
‫وتكرارا وتوقع نتيجة مختلفة‪.‬‬
‫ً‬ ‫مرارا‬
‫نفسه ً‬
‫ولكن‪ ،‬ما زال بإمكان أهل الحل والعقد االلتفات الي الخالصة التي‬
‫توصل إليها علي عبد القادر بأن انقالب ‪ 30‬يونيو ‪ 1989‬على‬
‫الديمقراطية يمكن تفسيره جزئيا بفشل الحكومة الديمقراطية يف التعامل‬
‫مع األزمة االقتصادية السودانية ومساهمتها يف تفاقمها ومن ثم استمرار‬
‫حالة التبعية واالنبطاح‪.‬‬
‫استنادا إلى تحليل عميق ومعرفة بموارد السودان وبطبيعة التمويل‬
‫الخارجي يرهن علي عبد القادر الخروج من الجب إلى االعتماد على‬

‫‪10‬‬
‫الذات‪ ،‬ويالحظ ان أن األغلبية الساحقة من السكان "سوف لن تخسر‬
‫شيئا إذ إهنا قد ظلت تفعل ذلك طوال السنوات"‪ ،‬ثم يتساءل عن إمكانية‬
‫تبني هنج االعتماد على الذات من األقلية ذات النفوذ االقتصادي‬
‫واالجتماعي والسياسي‪ .‬من نافلة القول ان استفسار الكاتب هو يف‬
‫الحقيقة اهتام‪ ،‬لذا يسارع بتذكير األقلية المذكورة “إنه إذا ما جاء الطوفان‬
‫فإهنا ستكون الطبقة االجتماعية الوحيدة التي ستخسر يف هناية المطاف‬
‫مهما كرب حجم ما تراكم لديها من أصول مالية وعينية"‪ .‬فهل يسمعون يف‬
‫فرصتهم االخيرة؟‬
‫ختاما نذكر مرة اخري بان الذي بين يديك هو اإلصدارة الثانية لكتاب تم‬
‫نشره ألول مرة يف عام ‪ .1990‬ولكن تاريخ ميالد يضلل بال قصد‪ ،‬فهذا‬
‫كتاب مواكب بكل ما تعني الكلمة‪ ،‬يستنطق التوجه االقتصادي الحالي‪،‬‬
‫ومنطقه‪ ،‬ومرتكزاته الفكرية وتمظهراته السياسية ونتائجه المتوقعة التي‬
‫لن تختلف عما تنبأ به علي عبد القادر قبل أربعة عقود‪.‬‬
‫د‪ .‬معتصم األقرع‬
‫مؤتمر األمم المتحدة‬
‫للتجارة والتنمية ‪ -‬األونكتاد‬
‫جنيف‪ ،‬سويسرا‬
‫‪ 26‬يونيو ‪2021‬م‬

‫‪11‬‬
‫توطئة الطبعة الثانية‬
‫صدرت الطبعة األولى من هذا الكتاب عن دار المستقبل العربي يف‬
‫القاهرة ‪ ،‬قبل ثالث عقود من الزمن وعلى وجه التحديد يف عام ‪، 1990‬‬
‫وزع الكتاب حينئذ نسخا محدودة يف السودان أغلب ظني أن ذلك يعزي‬
‫لسعر الكتاب الذي بلغ عشرون جنيها (ما يعادل ‪ 4‬دوالر امريكي وفق‬
‫السعر الرسمي) وهو ما يفوق القدرة الشرائية للمواطنين السودانيين‬
‫يومئذ ‪.‬‬
‫تأيت الطبعة الثانية من الكتاب ‪ ،‬بمبادرة من بعض شباب المقاومة‬
‫الذين تسني لهم االطالع مؤخرا على الكتاب ‪ ،‬واعتقدوا أن محتواه‬
‫والقضايا التي يطرحها حول االقتصاد السوداين ‪ ،‬لم تزال إلى يوم الناس‬
‫هذا صالحة ‪ ،‬ويجيب على الكثير من األسئلة المطروحة ‪ ،‬ويمكن لها أن‬
‫تسهم يف تصحيح مسارات الثورة الملهمة التي فجروها ‪.‬‬
‫توطئة الطبعة األولى من الكتاب ‪ ،‬رصدت ووثقت اإلجراءات التي‬
‫اتخذهتا الحكومة المنتخبة ديمقراطيا ‪ ،‬ازاء انسحاب فريق من الخرباء‬
‫السودانيين من عضوية بعثة منظمة العمل الدولية ‪ ،‬الذين وصفوا هنج‬
‫الحكومة حينها بأنه توجه تابع وفقا للتعريف الذي تبناه الكتاب لمفهوم‬
‫التعبية ‪.‬‬
‫أما توطئة الطبعة الثانية للكتاب ‪ ،‬فإهنا ترصد على نحو مكثف وموجز‬
‫هنج (حكومة الثورة!!) إزاء قضايا االقتصاد السوداين ‪ ،‬انطالقا من الوثيقة‬

‫‪12‬‬
‫التي أصدرهتا وزارة المالية والتخطيط االقتصادي يف ديسمرب عام ‪2019‬‬
‫يف ‪ 71‬صفحة يف شكل بوربوينت ‪ ،‬حملت عنوان «االقتصاد السوداين بين‬
‫التحديات الماثلة واآلفاق الرحبة – موازنة عام ‪ »2020‬وتعرض‬
‫المحتوي االقتصادي للوثيقة لتحليل معمق ‪ ،‬قام به عدد من االقتصاديين‬
‫السودانيين ‪ ،‬ويمكن للراغبين االطالع على هذه التحليالت أن يعودوا‬
‫إلى مختلف المواقع اإلسفيرية التي تعني بالشأن السوداين ‪ ،‬وسيجدون‬
‫ضالتهم فيها ‪.‬‬
‫ما نود الرتكيز عليه يف هذه التوطئة ‪ ،‬محتوي القسم الخاص لما أسمته‬
‫الوثيقة بخارطة الطريق (ص ‪ )56-53‬ويشمل هذا القسم ثالث عناوين‬
‫رئيسية ‪ ،‬تتضمن الجدول الزمني لإلصالح االقتصادي ‪ ،‬والجدول‬
‫الزمني إلعفاء الديون ‪ ،‬وإعادة التأهيل ‪ ،‬واآلفاق الرحبة ‪ ،‬وما ورد يف‬
‫هذه االقسام الثالث من موضوعات يمثل تكريسا تاما لنهج التبعية بأكثر‬
‫صورها تجليا ووضوحا ‪ ،‬وعلى بعد الزمان وتطاوله واتساع الشقة‬
‫ومداها وعصف اآلزمة وفداحتها ‪ ،‬حذت (حكومة الثورة!!) حذو‬
‫سابقاهتا النص بالنص ووقع الحافر على الحافر ‪ ،‬ولم تجد مناصا إال أن‬
‫تتبع هوي التبعية وتسير على خطاها ‪ ،‬وكأن الثورة لم تأيت لتعصف بكل‬
‫إرث التبعية ‪ ،‬وكأن ارواح الشهداء ودمائهم لم تراق لرسم فضاء أكثر‬
‫رحابة تجلله آفاق التنمية المستقلة والسيادة الوطنية وكرامة المواطنيين‬
‫وحقهم يف العيش الكريم والرفاه االنساين ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫وعود على بدء التبعية ومنتهاها ‪ ،‬فقد اشتمل عنوان الجدول الزمني‬
‫لإلصالح االقتصادي على السياسات التقليدية لصندوق النقد الدولي ‪،‬‬
‫إضافة إلى مواقيت تنفيذ هذه السياسات خالل الفرتة االنتقالية ومن بينها‪:‬‬
‫"إطالق الربنامج التجريبي للدعم النقدي المباشر ‪ ،‬تحرير سعر صرف‬
‫الصادرات ‪ ،‬تحرير أسعار السلع االسرتاتيجية ‪ ،‬كما يشمل عنوان‬
‫الجدول الزمني إلعفاء الديون وإعادة التأهيل على أربعة نقاط ‪ ،‬ثالث‬
‫منها كما يلي‪:‬‬
‫"* بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لالتفاق على برنامج‬
‫اإلصالح االقتصادي المتابع ‪. SMP‬‬
‫*سريان تنفيذ الربنامج‪ :‬أبريل ‪ – 2020‬نوفمرب ‪. 2021‬‬
‫*إعالن تقييم الصندوق ألداء السودان والوصول إلى مرحلة القرار‬
‫التي تشمل بدء عملية اإلعفاء من الديون (ص‪ ، )55‬اعتبارا من‬
‫يناير\يوليو ‪ ، 2021‬ومن بينها ديون نادي باريس (‪ 54‬بليون دوالر) ‪،‬‬
‫إضافة إلى الديون األخرى ‪ ،‬وتفعيل األلية التلقائية لدفع متأخرات البنك‬
‫الدولي (‪ 23. 1‬بليون دوالر) ‪ ،‬وبنك التنمية االفريقي ‪ .‬تتبقي متأخرات‬
‫صندوق النقد الدولي (‪ 4. 1‬بليون دوالر) والتي يجب سدادها وذلك‬
‫نظرا لعدم وجود األلية التلقائية مثل البنك الدولي" ‪.‬‬
‫أما عنوان اآلفاق الرحبة ‪ ،‬فيشتمل على اربع نقاط هي‪(( :‬إعفاء أو‬
‫تخفيض كبير للديون ‪ ،‬دعم مباشر للموازنة يف شكل منحة من وكالة‬

‫‪14‬‬
‫التنمية الدولية ‪ ،‬يمكن أن تصل إلى بليون دوالر سنويا ‪ ،‬قروض أخري‬
‫ميسرة لمشاريع وبرامج تنموية ‪ ،‬شراكات استثمارية مع القطاع الخاص‬
‫السوداين واألجنبي)) ‪( .‬ص ‪)56‬‬
‫نسارع لنالحظ أن السياسات التي ذكرهتا الموازنة هي نفس السياسات‬
‫التقليدية للصندوق ‪ ،‬وأن ما أسمته وثيقة الموازنة بربنامج اإلصالح‬
‫االقتصادي المتابع ‪ SMP‬ليس فتحا مبينا لحكومة الخرباء التي جاءت‬
‫هبا الثورة ‪ .‬ويهمنا يف هذا المجال مالحظة أن الحكومات المتعاقبة للعهد‬
‫االسالمي المباد قد وقعت مثل هذه الربامج سنويا منذ عام ‪ 1997‬دون أن‬
‫تبشر الشعب السوداين بآفاق رحبة جراء تطبيق السياسات المدرجة يف مثل‬
‫تلك الربامج ‪ .‬كما يهمنا أيضا مالحظة التعريف الرسمي لهذه الربامج‬
‫كما جاء يف هامش البيان الصحفي الذي صدر عن الصندوق يف ‪28‬‬
‫مارس ‪ 2021 ،‬تحت عنوان‪ :‬ادارة صندوق النقد الدولي تنهي تقييم‬
‫المراجعة األولي لربنامج ‪ SMP‬مع السودان ‪ .‬ينص التعريف على أن‬
‫هذا الربنامج هو عبارة عن اتفاق غير رسمي بين سلطات البلد المعني‬
‫وموظفي الصندوق لمراقبة تنفيذ برنامج اإلصالح االقتصادي الذي‬
‫صاغته سلطات البلد المعني ‪ ،‬وال ينطوي برنامج ‪ SMP‬على تقديم‬
‫مساعدات مالية أو اعرتاف من مجلس إدارة الصندوق ‪.‬‬
‫مهما يكن من امر ‪ ،‬أفضت موازنة عام ‪ 2020‬إلى تشكيل آلية عليا‬
‫إلدارة اآلزمة االقتصادية يف البالد اعتبارا من أول مارس ‪ ، 2020‬أسندت‬

‫‪15‬‬
‫رئاستها يف بدء إنشاءها إلى رئيس الوزراء ( دكتوراة يف االقتصاد من‬
‫جامعة مانشسرت – بريطانيا) ‪ ،‬ولكن سرعان ما أنيطت قيادة هذه اآللية‬
‫لنائب رئيس مجلس السيادة (لم يسبق له أن ارتاد أي مرحلة من مراحل‬
‫التعليم النظامي) ‪ ،‬وترتب على مستوي ونوع هذه اإلدارة العليا لآلزمة ‪،‬‬
‫خاصة يف أعقاب تشكيل حكومة شركاء الدم ‪ ،‬التي جاءت بعد انضمام‬
‫الحركات المسلحة للحكومة االنتقالية ‪ ،‬أن تتوالي القرارات اإلرتجالية ‪،‬‬
‫والتي بدأت بخفض سعر الجنيه السوداين من ‪ 55‬جنيها للدوالر إلى‬
‫‪ 375‬جنيها للدوالر ‪ ،‬تحقيقا لرغبة شركاء السودان ‪ ،‬وتطبيقا لشروط‬
‫صندوق النقد الدولي وأخذ هذه الشروط على عواهنها دون تبصر أو تدبر‬
‫لنتائجها الكارثية على اقتصاد منهار مثل االقتصاد السوداين ‪ ،‬وال نخال‬
‫إننا بحاجة إلى إبداء مالحظات فنية من أن مثل اإلجراءات التي تم‬
‫اتخاذها سوف ترتتب عليها أي أثار إيجابية على االقتصاد ‪ ،‬سواء كان‬
‫ذلك على صعيد توحيد سعر الصرف (بين السعر الرسمي والسعر‬
‫الموازي) ‪ ،‬أو تشجيع الصادرات (لتدين مرونتها السعرية) ‪ ،‬أو تحسين‬
‫ميزان المدفوعات (لكون مجموع المرونة السعرية للصادرات والواردات‬
‫تقل عن الواحد الصحيح ‪ ،‬كما ينص على ذلك شرط مارشال‪-‬ليرنر‬
‫الشهير) ‪.‬‬
‫وبعد ‪ ،‬سوف يالحظ القارئ أن الفصل الرابع من الكتاب هو دراسة‬
‫مشرتكة مع فقيدنا الكبير محمد نور الدين حسين ‪ ،‬الذي كان حين إعداد‬

‫‪16‬‬
‫الدراسة محاضرا يف جامعة الجزيرة ‪ ،‬وكان رحمه اهلل من بين ألمع‬
‫طالبي ‪ ،‬كما أنه كان أكثر طالب ثيرلول (جامعة كنت – بإنجلرتا) تميزا ‪،‬‬
‫حيث قام بمشاركته يف تطوير نموذج النمو االقتصادي المقيد بميزان‬
‫المدفوعات ‪ ،‬والذي أصبح يعرف يف األدبيات االقتصادية بنموذج حسين‬
‫– ثيرلول ‪ ،‬ويف أعقاب انقالب الجبهة االسالمية العسكري أضطر إلى‬
‫مغادرة موقعه يف جامعة الجزيرة لينتهي به المطاف يف البنك االفريقي‬
‫للتنمية ‪ ،‬حيث لمع نجمه بوصفه أحد أفضل االقتصاديين يف افريقيا وفقا‬
‫لتعبير بروفيسور ثيرلول ‪ .‬واعرتافا بفضله العلمي أصدر البنك االفريقي‬
‫عددا خاصا من مجلته الدورية (العدد رقم ‪ ، 3‬مجلد رقم ‪ 17‬بتأريخ‬
‫ديسمرب ‪ )2005‬تخليدا لذكراه واحتفاء بإسهاماته العلمية ‪ ،‬أال رحم اهلل‬
‫محمد نورالدين الذي غادرنا يف ريعان الشباب ‪ ،‬ونحن يف أمس الحاجة‬
‫إليه ففي الليلة الظلماء يفتقد البدر ‪.‬‬
‫يف ختام توطئتي أتقدم بجزيل الشكر والتقدير لنشطاء المقاومة الذين‬
‫تسني لهم االطالع على الطبعة األولي من الكتاب ‪ ،‬وقرروا أن ما ورد فيه‬
‫رغم تقادم الزمن واتساع فجوة اآلزمة ‪ ،‬لم يزل صالحا كمرجع لمتابعة‬
‫التطورات االقتصادية والسياسية المتسارعة يف السودان ‪ ،‬لكونه يف‬
‫اعتقادهم – يمثل تحليال وتوثيقا لما أصاب االقتصاد السوداين من‬
‫تشوهات هيكلية ‪ ،‬كما أعرب عن خالص شكري للدكتور معتصم‬
‫االقرع ‪ ،‬الذي يعمل حاليا يف مؤتمر االمم المتحدة للتجارة والتنمية‬

‫‪17‬‬
‫(االونكتاد) الذي رحب بإعداد تقديم للطبعة الثانية للكتاب ‪ ،‬وهو بدوره‬
‫من بين أبرز طالبي تميزا ودراية ‪ ،‬ويجدر بنا أن ننوه بمشاركته الفاعلة يف‬
‫النهوض بالوعي والمعرفة يف المجتمع السوداين ‪ ،‬كما أعرب عن عرفاين‬
‫للدكتور حسام الدين إسماعيل ‪ ،‬الذي تحمس لفكرة إعادة نشر الكتاب‬
‫يف طبعة ثانية ‪ ،‬وللجهود التي بذلها مع الناشرين ‪ ،‬وتوفير التمويل الالزم‬
‫للطباعة والنشاطات األخرى المصاحبة إلعادة نشر الكتاب ‪ ،‬وأخص‬
‫بالشكر لكل الذين أسهموا يف هذا العمل ‪ ،‬ومن بينهم إبراهيم السوري‬
‫وآخرين كثر ‪.‬‬

‫علي عبد القادر علي‬


‫القاهرة يف مايو ‪2021‬م‬

‫‪18‬‬
‫توطئة الطبعة األولى‬
‫لقد كان من المقرر أن تصل مسودة هذا الكتاب إلى الطابعين يف مطلع‬
‫شهر يونيو من عام ‪ 1986‬إال أن عددا من العوامل قد تضافر لتأجيل هذا‬
‫الموعد ‪ .‬ولعل اهلل قد أراد خيرا بذلك إذ شهدت فرتة التأخير هذه مزيدا‬
‫من مظاهر التبعية تحت ظل الحكومة الديموقراطية المنتخبة ‪.‬‬
‫ولعل أول حدث جدير بالتقرير يف هذه العجالة هو انسحاب األعضاء‬
‫السودانيين – يف مساء يوم ‪ – 1986/9/7‬من بعثة منظمة العمل الدولية‬
‫الخاصة بكتابة تقرير حول «اسرتاتيجية لالستخدام واإلصالح االقتصادي‬
‫يف السودان» ‪ .‬ونحن نزعم بأنه يمكن ترجمة تصرف الدولة إزاء هذا‬
‫الحدث على أنه دليل تطبيقي على تفشي ظاهرة التبعية يف أعلى‬
‫المستويات ‪.‬‬
‫فعلى الرغم من أن األعضاء المنسحبين قد أوضحوا أسباب انسحاهبم‬
‫يف بيان صحفي وزعته وكالة أنباء السودان بتاريخ ‪ 8‬ديسمرب ‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من تعليق وزارة العمل على هذا البيان بقولها إن اختيار األعضاء‬
‫السودانيين قد تم بواسطة المنظمة الدولية وليس بواسطتها ‪( ،‬وكأين هبا‬
‫تحاول التنصل من مسئولية ما) طلع علينا مصدر ذو مستوى عال بالوزارة‬
‫يف تصريح له بجريدة سودان تايمز بتاريخ ‪ 11‬سبتمرب بافرتاءين يمكن‬
‫ترجمتهما على النحو التالي ‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫أ‪« -‬انسحب الخرباء السودانيون من البعثة عندما رفض فريق‬
‫منظمة العمل الدولية طلبهم القاضي بإدانة موقف صندوق النقد‬
‫الدولي فيما يتعلق باالقتصاد السوداين» ‪.‬‬
‫ب‪« -‬إن الخرباء السودانيون لم يكونوا يف حقيقة األمر ضمن‬
‫فريق البعثة ‪ ،‬وإنما تم إلحاقهم بواسطة وزير المالية لمساعدة‬
‫البعثة بعد وصولها هنا» ‪.‬‬
‫هذا وقد أوضح الخرباء السودانيون موقفهم تجاه هذا الكذب‬
‫والتلفيق يف بيان صحفي آخر نشرته وكالة األنباء السودانية وال نود‬
‫الخوض يف ترداد محتواه ‪ .‬إال أن ما يهمنا هو طرح بعض األسئلة فيما‬
‫يتعلق بموقف الحكومة تجاه هذا الحدث ‪:‬‬
‫أ‪ -‬لمصلحة من تكذب وزارة العمل من خالل مصدرها ذي‬
‫المستوى الرفيع ؟‪.‬‬
‫ب‪ -‬لماذا لم يوضح السيد وزير المالية الحقائق فيما يتعلق‬
‫بكذب وزارة العمل ؟ ‪.‬‬
‫ج‪ -‬لماذا لم تقم الحكومة باتخاذ موقف تجاه بعثة منظمة العمل‬
‫الدولية بعد انسحاب الخرباء السودانيين منها ؟‬
‫مهما يكن من أمر ‪ ،‬وعلى الرغم من هامشية منظمة العمل الدولية فيما‬
‫يتعلق بإدارة االقتصاد السوداين ‪ ،‬فإن األسئلة المذكورة أعاله تكفي‬
‫للتدليل على تفشي نمط التبعية يف أوساط القائمين على اتخاذ القرار يف‬

‫‪20‬‬
‫السودان ‪ ،‬وهو نمط قلنا بأهمية زواله إذا أردنا التغلب على المشاكل‬
‫االقتصادية يف السودان وهو األمر الذي يتهتم ببعض جوانبه هذا الكتاب ‪.‬‬
‫هذا وتجدر اإلشارة يف هذا الخصوص إلى أن تقرير المنظمة قد نشر يف‬
‫عام ‪ 1987‬تحت عنوان «العمالة واإلصالح االقتصادي نحو اسرتاتيجية‬
‫للسودان» وقد تضمن التقرير يف صفحة ‪( 7‬باألرقام الرومانية) خطابا من‬
‫رئيس الوزراء المنتخب إلى السيد فرانسز بالنشارد ‪ ،‬المدير العام لمنظمة‬
‫العمل الدولية ‪ ،‬يخطره بقبول حكومة السودان للتقرير ويشيد فيه‬
‫«بمساهمة الربوفسور جست فاالند الذي قاد البعثة باقتدار» !!!‬
‫كما حدث خالل فرتة تأخير وصول مسودة الكتاب للطابعين أن‬
‫تجرأت الحكومة المنتخبة ‪ ،‬بعد أن سعت سعيا حثيثا ‪ ،‬وتوصلت إلى‬
‫تفاهم مع صندوق النقد الدولي على الرغم من توقيع مختلف أطراف‬
‫الحكومات االئتالفية التي ترأسها رئيس الوزراء المنتخب على الميثاق‬
‫االقتصادي الذي توصل إليه المؤتمر االقتصادي القومي يف مارس‬
‫‪ . 1986‬هذا وعندما أرادت الحكومة تحدي الشارع السوداين بزيادة‬
‫أسعار بعض السلع األساسية يف ديسمرب ‪ 1988‬تعرضت المتحان قاس‬
‫يف كيفية المحافظة على دست الحكم !!!! ولقد أكدت هذه األحداث أن‬
‫ما تم استقراؤه من حادثة منظمة العمل الدولية كمؤشر لتفشي نمط التبعية‬
‫يف أعلى مستويات الدولة لم يكن ضربا من التحامل على أحد ‪ ،‬وال‬
‫شعورا باإلحباط من عدم مساندة الدولة لمواطنيها ‪ ،‬وإنما كان استدالال‬

‫‪21‬‬
‫منطقيا لم تفتأ األيام أن عضدته بالشواهد التجريبية ‪ .‬غني عن القول أن‬
‫هذا سلوك تابع ومن ثم سنتناول بعض جوانبه يف هذا الكتاب أيضا ‪.‬‬
‫يف اإلعداد لهذا الكتاب تراكمت على ديون معرفية متنوعة من خالل‬
‫تبادل اآلراء والنقاش والحوار ‪ ،‬وأود يف هذا الخصوص أن أشكر زمالئي‬
‫األعضاء المنسحبين من بعثة العمل الدولية وهم د ‪ .‬خالد عفان ود ‪.‬‬
‫صديق أمبدة ود ‪ .‬محمد نور الدين واألستاذ إبراهيم الباقر لتعليقاهتم‬
‫المختلفة ‪ .‬كما أود أن اشكر األستاذ الدكتور سمير رضوان (منظمة‬
‫العمل الدولية) نادر فرجاين (باحث اجتماعي متفرغ بالقاهرة) ورمزي‬
‫زكي (المعهد العربي للتخطيط بالكويت) لمالحظاهتم القيمة كما أود أن‬
‫أشكر طالبي بجامعتي الجزيرة والخرطوم لعبارات التشجيع ‪.‬‬
‫علي عبد القادر علي‬
‫الخرطوم‬
‫نوفمبر ‪ 1989‬م‬

‫‪22‬‬
‫الفصل األول‬

‫مقدمة‬

‫‪23‬‬
24
‫‪ -1‬مقدمة‬
‫تبلور خالل العام الماضي ‪ ،‬عام ‪ ، 1985‬شبه اتفاق عام بين‬
‫االقتصاديين السودانيين ‪ ،‬على مختلف مدارسهم الفكرية ‪ ،‬على أن أداء‬
‫االقتصاد السوداين خالل الفرتة ‪ 1985 – 1978‬قد كان ضعيفا للغاية‬
‫األمر الذي تسبب يف أن ينتقل االقتصاد السوداين من مرحلة األزمة إلى‬
‫مرحلة األزمة المتفاقمة بحلول أبريل ‪. 1985‬‬

‫هذا وقد تم قياس األداء االقتصادي من خالل عدد من المؤشرات‬


‫التجميعية المتعارف عليها كمعدل نمو الناتج المحلي اإلجمالي ‪،‬‬
‫ومعدل التضخم ‪ ،‬ومعدل التوسع النقدي ‪ ،‬ومعدل البطالة ‪ ،‬ونسبة‬
‫العجز يف الموازنة الداخلية للناتج المحلي اإلجمالي ‪ ،‬وحجم الديون‬
‫وعبء سداد الديون حيث تمت مقارنة هذه المؤشرات مع تلك التي‬
‫كانت سائدة خالل فرتات زمنية قبل عام ‪ 1978‬أو مع نسب نمطية تتوافق‬
‫مع المرحلة التنموية للقطر ‪( .‬للتفاصيل انظر على سبيل المثال علي‬
‫(‪ )1984‬وعلي (‪ ، )1985‬وصالح (‪ 1986‬أ و ب) ‪ ،‬كذلك انظر منظمة‬
‫العمل الدولية (‪ ، )1986‬وهانسهوم (‪. )1985‬‬

‫كذلك تبلور شبه اتفاق عام يف أوساط االقتصاديين السودانيين على أن‬
‫هذه الفرتة قد تميزت بسيطرة صندوق النقد الدولي على مقاليد األمور‬
‫االقتصادية التجميعية يف السودان األمر الذي ترتب عليه إجماع على‬

‫‪25‬‬
‫إطالق صفة (التبعية) على االقتصاد السوداين خالل فرتة الحكم المباد ‪.‬‬
‫هذا وتجدر اإلشارة إلى أن سيطرة الصندوق على زمام األمور االقتصادية‬
‫التجميعية خالل الفرتة تحت الدراسة قد صاحبها تحالف وطيد مع البنك‬
‫الدولي ‪.‬‬

‫على الرغم من عدم تعرضنا فيما يلي لمفهوم التبعية كأداة تحليلية‬
‫يمكن من خاللها التعرض للسجل البائس ألداء االقتصاد السوداين ‪ ،‬إال‬
‫أنه وألغراض إقناع القارئ بتوافق عنوان هذا الكتاب مع محتواه ‪ ،‬يمكننا‬
‫قبول تلخيص سعد الدين (‪ )1986‬ص (‪ )1‬لمحتوى مقولة التبعية‬
‫باعتبارها «صياغة نظرية حقيقة أن دول العالم الثالث قد أخضعت خالل‬
‫فرتة تاريخية معينة لم تزل ممتدة حتى اآلن لسيطرة النظام الرأسمالي‬
‫العالمي ‪ ،‬وأن الهياكل االقتصادية واالجتماعية يف هذه الدول قد أعيد‬
‫تشكيلها بواسطة القوى الرأسمالية المسيطرة ولصالحها ‪ ،‬وقد أنتجت‬
‫تلك العملية التاريخية آثارا اقتصادية واجتماعية وثقافية هامة حيث أدت‬
‫إلى تفكك وتحلل العالقات بين مختلف قطاعات االقتصاد الوطني يف‬
‫الدول التي خضعت للسيطرة الرأسمالية وارتباط الدول الخاضعة بالدول‬
‫الرأسمالية المتقدمة بعالقات غير متكافئة يعاد تجددها باستمرار ‪ ،‬وإن‬
‫بوسائل مختلفة ‪ ،‬وذلك هبدف أن يستمر امتصاص الفائض االقتصادي‬
‫من الدول التابعة لصالح رأس المال الدولي ‪ .‬وقد أدت هذه العالقات‬
‫إلى تخلف دول العالم الثالث وإلى محدودية فرص هنوضها االقتصادي‬

‫‪26‬‬
‫واالجتماعي والثقايف حتى بعد حصولها على استقاللها السياسي ‪ ،‬كما‬
‫أدى إلى خضوع التطورات االقتصادية يف الدول النامية للتطورات يف‬
‫الدول المتقدمة»(‪. )1‬‬

‫ونسارع لننبه القارئ بأن منهجنا يف هذا الكتاب سيكون توثيقيا ‪ ،‬األمر‬
‫الذي يعني أننا قد استخدمنا تعبير (التبعية) لتوصيف حالة االقتصاد‬
‫السوداين وليس كمنهج تحليلي ‪ .‬وعلى الرغم من ذلك فإننا نزعم أن‬
‫توثيق حالة السودان من شأنه أن يتيح ألتباع مدرسة التبعية من الدارسين‬
‫فرصة للمساهمة يف تطوير البعد الجزئي لنظرية التبعية السائدة والتي‬
‫يمكن وصفها بأهنا نظرية تجميعية حتى اآلن ‪ ،‬كما يهمنا أيضا أن ننوه أن‬
‫حالة السودان ربما أضافت بعدا جديدا للدور الذي تقوم به المؤسسات‬
‫الدولية (المحايدة) يف خدمة أغراض النظام الرأسمالي السائد ‪ ،‬على‬
‫بداهة هذا الدور ! ‪.‬‬

‫على أساس هذا الفهم لتعبير (التبعية) المستخدم يف عنوان الكتاب ‪،‬‬
‫وباعتبار أن منهج التوثيق طريقة مقبولة لطرح أهم القضايا االقتصادية التي‬
‫تواجه القطر ‪ ،‬يحتوي هذا الكتاب على ست مقاالت رئيسية تم نشر‬

‫تزخر أدبيات التنمية باملسامهات اجلادة حول التبعية «كنظرية» و«كمدرسة»‬ ‫(‪)1‬‬

‫و«كمنهج حتلييل» ‪ .‬ويمكن للقارئ الرجوع يف هذا اخلصوص إىل سعد الدين‬
‫(‪ ، )1980‬وصايغ (‪ )1986‬وسيزر (‪ ، )1981‬واالطالع عىل املراجع املذكورة‬
‫هنالك ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫بعضها وقدم البعض اآلخر يف لقاءات أكاديمية واستعرضت نتائج باقيها‬
‫بطريقة غير رسمية يف عدد من اللقاءات غير الرسمية ‪ .‬يف القسم الثاين من‬
‫هذا الفصل نستعرض محتوى المقاالت كما نتعرض سريعا ألهم الدوافع‬
‫التي حدت بنا لنشر الكتاب ‪.‬‬

‫‪ -2‬محتوى وأهداف الكتاب‬


‫يهتم الفصل الثاين من الكتاب بتوثيق ما كان عليه الحال خالل العهد‬
‫المايوي على مدى السنوات ‪ 1985 – 1978‬فيما يتعلق بصياغة الربامج‬
‫والسياسات االقتصادية التجميعية ‪ ،‬وتتلخص أهم مقوالت هذا الفصل‬
‫يف أن صندوق النقد الدولي ‪ ،‬وليس الجهات الرسمية السودانية ‪ ،‬هو‬
‫الذي كان يقوم بصياغة هذه الربامج والسياسات ‪ ،‬األمر الذي ال يعكس‬
‫حالة التبعية فقط وإنما أيضا حالة هيمنة الصندوق على االقتصاد السوداين‬
‫ومجريات األمور فيه ‪ ،‬هذا وتجدر اإلشارة إلى أن هذه المقولة قد لقيت‬
‫قبوال واسعا من الرسميين (كوكيل المالية بالنيابة) ‪.‬‬

‫أما الفصل الثالث فيستعرض توثيقا لمراحل تدخل الصندوق يف‬


‫االقتصاد السوداين باعتباره معمال للتجارب خصوصا فيما يتعلق بقضية‬
‫تخفيض قيمة الجنيه السوداين ‪ .‬هذا ولقد كان القصد من كتابة هذه الورقة‬
‫تبصير حكومة االنتفاضة بالنوايا الحقيقية لصندوق النقد فيما يتعلق‬
‫بالجنيه السوداين حيث كانت هذ النوايا تنطوي على إرغام السودان التباع‬

‫‪28‬‬
‫سياسة تخفيض لشعر الجنيه السوداين بشكل مستمر وذلك من طريق ربط‬
‫الجنيه بسلة من العمالت ‪ .‬ويؤسفنا أن نقرر أن هذا الجهد التوثيقي لم‬
‫يكتب له النجاح إذ قام وزير مالية االنتفاضة ‪ ،‬السيد عوض عبد المجيد ‪،‬‬
‫بتطبيق سياسة سلة العمالت دون سند موضوعي ‪ ،‬هذا وتجدر اإلشارة‬
‫إلى أن الصندوق حينما اعتمد سياسة التخفيض المستمر كان قد اقتنع‬
‫اقتناعا جازما بأن السياسات السابقة فيما يتعلق بسعر الصرف ‪ ،‬والتي‬
‫كانت تعتمد التخفيض الدوري على فرتات زمنية متباعدة بمعدالت‬
‫تخفيض كبيرة نسبيا ‪ ،‬قد أفرزت حالة من الفوضى االقتصادية يف‬
‫السودان!!‬

‫يف الفصل الرابع نقوم بدراسة تجربة السوق األسود للنقد األجنبي يف‬
‫السودان من الناحيتين النظرية والتطبيقية حيث نالحظ أن السوق األسود‬
‫قد تم انشاؤه بواسطة الصندوق يف يوم ‪ 1979/9/15‬يف إطار برنامج‬
‫إصالح السياسات المتعلقة بالنقد األجنبي والتجارة الخارجية ‪ ،‬هذا‬
‫ويمكن تلخيص أهم نتائج هذا الفصل يف األطروحة القائلة بأن السوق‬
‫األسود للنقد األجنبي يف السودان يتصف بعدم االستقرار ‪ ،‬حيث قمنا‬
‫باختيار هذه األطروحة بالطرق اإلحصائية ووجدنا تأييدا قويا لها ‪،‬‬
‫ويحتوي الفصل كذلك على النتائج التطبيقية المتعلقة بأهم العوامل‬
‫المؤثرة على سلوك سعر الصرف يف السوق األسود وكذلك نتائج‬
‫التقديرات الدنيا لحجم السوق ومعدالت أربحيته ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫على الرغم من اعرتاف الصندوق بالفوضى االقتصادية التي أفرزهتا‬
‫سياساته يف السودان ‪ ،‬وعلى الرغم من الجدل الذي دار حول كيفية إدارة‬
‫شئون االقتصاد السوداين بطريقة فيها قدر من االستقالل ‪ ،‬إال أن وزير‬
‫مالية االنتفاضة قد قرر فيما يبدو أن يسلم أمور االقتصاد السوداين‬
‫للصندوق مرة أخرى على الرغم من تفجير الشعب السوداين لالنتفاضة‬
‫كتعبير لرفضه للتبعية ‪ .‬يوثق الفصل الخامس كيف تسنى للسودان‬
‫االنتقال من التبعية إلى التبعية من خالل إيراد ترجمة كاملة لما سمي‬
‫وقتها ببيانات حكومة السودان فيما يتعلق بالسياسات االقتصادية‬
‫والمالية ‪ ،‬هذا وقد أطلقنا على عملية االنتقال من التبعية إلى التبعية‬
‫أطروحة اهنيار موقف السودان التفاوضي ‪.‬‬

‫يهتم الفصل السادس من الكتاب باستعراض بعض النتائج األولية فيما‬


‫يتعلق بإمكانية استعادة التوازن الداخلي لالقتصاد السوداين خالل الفرتة‬
‫االنتقالية ‪ .‬ويمكننا القول بأن عدم قيام حكومة االنتقال باستخدام‬
‫مصداقيتها السياسية يف األيام األولى لالنتفاضة الستعادة التوازن الداخلي‬
‫لالقتصاد ما هو إال إصرار غير معلن على المضي قدما يف هنج التبعية‬
‫الذي ورثته من العهد البائد ‪.‬‬

‫أما يف الفصل السابع فنقدم تقديرات أولية للموارد المالية التي كانت‬
‫متاحة لالقتصاد السوداين خالل العهد البائد والهامش الذي بدد من هذه‬
‫الموارد يف إطار سياسات الصندوق التي نادت بتحرير التعامل يف النقد‬

‫‪30‬‬
‫األجنبي من ناحية والتي ساندت القطاع الخاص الطفيلي يف سلوكه‬
‫االقتصادي غير المسئول من ناحية أخرى ‪.‬‬

‫يف الفصل الثامن نتطرق إلى سلوك الحكومة المنتخبة تجاه‬


‫المؤسسات المالية الدولية ونكمل بذلك حلقة االنتقال من التبعية يف زمن‬
‫الحكم المايوي البائد إلى التبعية يف العهد الديمقراطي ‪ .‬هذا وقد‬
‫استخدمنا مفهوم االنبطاح الذي تقدم به السيد رئيس الوزراء المنتخب‬
‫لتوصيف حالة التبعية الجديدة التي انتقلنا إليها ‪.‬‬

‫أما الفصل التاسع واألخير فيهتم باستعراض سريع لمجموعة من‬


‫السياسات االقتصادية التي يمكن أن تشكل بديال لتلك التي تتم صياغتها‬
‫يف واشنطن ‪ .‬هذا وتجدر اإلشارة إلى أن هذه المقرتحات لم تجد ‪ ،‬حتى‬
‫يومنا هذا ‪ ،‬نقاشا جادا من قبل المسئولين ‪ ،‬على الرغم من أننا ال ندعي‬
‫لها الكمال وعلى الرغم من يقيننا أهنا ستشكل مخرجا للسودان !!‬

‫يتضح من هذا االستعراض أن هناك عددا من القضايا االقتصادية‬


‫العاجلة والملحة التي لم نتعرض لها بالتفصيل كاألطروحة القائلة بأن‬
‫األزمة االقتصادية تتلخص يف أننا نستهلك أكثر مما ننتج وكقضية الديون‬
‫وماذا ينبغي أن نفعل حيالها‪ .‬وعذرنا يف ذلك أن هذه القضايا مازالت‬
‫موضوع الدراسة على الرغم من أن اإلجابة الجزئية على بعضها وردت يف‬
‫بعض البحوث المتضمنة يف هذا الكتاب ‪ ،‬إال أن السبب األساسي يف عدم‬

‫‪31‬‬
‫التعرض لها هو إحساسنا بأهمية الكشف عن هشاشة موقف الصندوق‬
‫تجاه االقتصاد السوداين على المستويين النظري والتطبيقي آملين من ذلك‬
‫توعية متخذي القرار إلمكانية وجود حلول اقتصادية ناجعة من داخل‬
‫السودان وليس بالضرورة من واشنطن ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫الفصل الثاين‬
‫االقتصاد السوداين بين صندوق النقد‬
‫والجهات المختصة‬
‫صياغة البرامج والسياسات االقتصادية يف السودان‬

‫(‪)1986 – 1978‬‬

‫قدمت هذه الورقة لحلقة نقاش مركز الدراسات‬

‫والبحوث اإلنمائية بجامعة الخرطوم‬

‫كورقة دورية رقم ‪. 63‬‬

‫‪33‬‬
34
‫‪ -1‬مقدمة‬
‫دعنا نقرر ابتداء أن هنالك اتفاقا شبه عام بين االقتصاديين السودانيين‬
‫أن ائتالف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قد فشل فشال ذريعا يف‬
‫انتشال السودان من أزمته االقتصادية ‪ . .‬ليس ذلك فحسب وإنما يتفق‬
‫معظم المحللين االقتصاديين أن األزمة السودانية قد بدأت يف االستفحال‬
‫بعد أن تولي صندوق النقد الدولي اإلدارة المباشرة لالقتصاد التجميعي‬
‫السوداين يف عام ‪ 1978‬مما أدى إلى أن تتفاقم األزمة مع بداية الثمانينات‬
‫من جراء تطبيق الربامج االقتصادية التي صاغها وفرضها الصندوق‬
‫وتبناها العهد البائد ‪. .‬‬

‫هذا ولقد سبق لنا أن تقدمنا باألطروحة التي تقول إنه يف عام ‪ 1978‬لم‬
‫يكن االقتصاد السوداين يعاين من اختالل أساسي يف ميزان مدفوعاته ‪ ،‬كما‬
‫زعم الصندوق آنذاك ‪ . .‬وإنما كان يعاين من سوء يف اإلدارة االقتصادية‬
‫مرده أساسا إلى عوامل سياسية تتعلق بطبيعة النظام السياسي الذي كان‬
‫سائدا فيما قبل انتصار الشعب السوداين يف أبريل ‪ . . 1985‬ومن ثم فقد‬
‫قلنا من قبل بخطل سياسات صندوق النقد الدولي وعدم عالقتها بمشاكل‬
‫االقتصاد السوداين من ناحية ‪ ،‬وعدم مالءمتها لقضايا التنمية عموما من‬
‫ناحية أخرى ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫وعلى الرغم من االتفاق العام بين االقتصاديين السودانيين فيما يتعلق‬
‫بدور صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يف خراب االقتصاد السوداين ‪،‬‬
‫وعلى الرغم من إدراك العديد من االقتصاديين المهتمين بقضايا التنمية‬
‫على مستوى العالم لطبيعة الطريق المسدود الذي تبشر به المؤسستان‬
‫الدوليتان إال أنه يبدو أن الرسميين السودانيين ‪ ،‬أو باألحرى بعض‬
‫اقتصاديي الحكومة ‪ ،‬ال يزالون مصرين على نصرة دعاوي هذه‬
‫المؤسسات ‪ .‬فقد أوردت جريدة األيام يف عددها الصادر يوم األربعاء‬
‫الموافق ‪ 1985/5/8‬خربا اقتصاديا فحواه أن وكيل االقتصاد بالنيابة‬
‫بوزارة المالية والتخطيط االقتصادي قد صرح لها بأن تبديد الموارد‬
‫االقتصادية المتاحة وتراكم الديون يف العهد البائد قد كان نتيجة لعدم‬
‫استشارة الجهات المختصة رغم سالمة برنامج الرتكيز االقتصادي الذي‬
‫أعدته الجهات المختصة بالوزارة ‪. .‬‬

‫هذا وعلى الرغم من اعرتاضنا المبدئي على قيام وكالء الوزارات ‪ ،‬يف‬
‫ظل عهد ديمقراطي ‪ ،‬بالتصريح لوسائل اإلعالم (لمنافاة ذلك الفرتاض‬
‫حياد الخدمة المدنية) فإن التصريح أعاله ينطوي على أمر خطير هو‬
‫اإلصرار على سالمة برنامج الرتكيز االقتصادي الذي أعدته الجهات‬
‫المختصة بالوزارة ‪ . .‬وخطورة هذا االدعاء تكمن يف تضليله ‪ ،‬سواء أكان‬
‫متعمدا أم غير ذلك ‪ ،‬للرأي العام علما بأن قائله يعترب أحد الفنيين (ال‬
‫السياسيين) الذين يعتمد عليهم القطر يف الحفاظ على حقوقه‬

‫‪36‬‬
‫االقتصادية ‪ . .‬فمن ناحية فإن ما يسمى بربنامج الرتكيز االقتصادي ال‬
‫عالقة له بمعطيات االقتصاد السوداين ومن ثم فإن (سالمته) ‪ ،‬أي توافق‬
‫سياساته مع مشاكل االقتصاد السوداين وقضاياه أمر مشكوك فيه للغاية ‪،‬‬
‫ومن ناحية أخرى فإن االدعاء بأن الجهات المختصة قد أعدت الربنامج‬
‫ادعاء كاذب ‪. .‬‬

‫يف ظل تخبط الحكومة االنتقالية فيما يتعلق بماهية المشاكل السودانية‬


‫وكيفية معالجتها ولتذكير المؤمنين بمحتويات الربامج االقتصادية‬
‫المختلفة التي تبناها العهد البائد تقدم هذه الورقة استعراضا سريعا ألهم‬
‫بنود هذه الربامج ‪ .‬ونأمل أن يقوم القارئ بمقارنة السياسات المتضمنة يف‬
‫هذه الربامج مع تلك المعروفة عن صندوق النقد الدولي التي عادة ما‬
‫تشتمل عليها برامج التثبيت والمؤازرة والتسهيالت الموسعة ‪.‬‬

‫هذا وألغراض تسهيل عملية المقارنة يجدر بنا أن نالحظ أن هذه‬


‫الربامج ‪ ،‬من ناحية نموذجية ‪ ،‬عادة ما تحتوي على ثالث مجموعات‬
‫أساسية تشتمل كل مجموعة منها على عدد من اإلجراءات االقتصادية‬
‫ذات األهداف المحددة ويمكننا تصنيف هذه المجموعات على النحو‬
‫التالي ‪:‬‬

‫أ) المعامالت الخارجية ‪ :‬وهي مجموعة اإلجراءات التي تعنى نظريا‬


‫بالقضاء على العجز التجاري بميزان المدفوعات وتشتمل على ‪:‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ -‬تخفيض القيمة الخارجية للعملة الوطنية ‪.‬‬
‫‪ -‬إلغاء الرقابة على المعامالت بالنقد األجنبي ‪.‬‬
‫‪ -‬تحرير االستيراد من القيود وخصوصا بالنسبة للقطاع‬
‫الخاص ‪.‬‬
‫‪ -‬إلغاء االتفاقيات الثنائية ‪.‬‬
‫‪ -‬السعي لخلق سوق تجارية حرة للنقد األجنبي ‪.‬‬

‫ب) الطلب اإلجمالي ‪ :‬وهي مجموعة إجراءات وسياسات هتدف‬


‫نظريا لمكافحة التضخم المحلي وتشتمل على ‪:‬‬

‫‪ -‬تخفيض العجز بالميزانية العامة للدولة عن طريق الضغط على‬


‫اإلنفاق العام (الجاري والتنموي) ‪ ،‬وزيادة الضرائب والرسوم‬
‫الجمركية ‪ ،‬وزيادة األسعار التي تباع هبا منتجات وخدمات‬
‫مؤسسات القطاع العام ومرافقه ‪ ،‬وإلغاء دعم السلع‬
‫الضرورية ‪. .‬‬
‫‪ -‬زيادة سعر الفائدة ‪. .‬‬
‫‪ -‬وضع حدود عليا لالئتمان المصريف المسموح به للحكومة‬
‫ولشركات القطاع العام ومؤسساته ومرافقه ‪. .‬‬
‫‪ -‬زيادة أسعار مواد الطاقة ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫ج) القطاع الخاص ‪ :‬وهي مجموعة إجراءات وسياسات هتدف إلى‬
‫العمل على هيمنة القطاع الخاص على النشاط االقتصادي وسيادة‬
‫األسعار وقوى السوق على عملية تخصيص الموارد وتشتمل هذه‬
‫المجموعة على ‪:‬‬

‫‪ -‬إعطاء مزايا ضريبية لنشاط رأس المال الخاص ‪.‬‬


‫‪ -‬ضمان عدم تأميم أو مصادرة أو فرض الحراسة على‬
‫المشروعات الخاصة ‪.‬‬
‫‪ -‬ضمان حرية تحويل أرباح ودخول المشروعات األجنبية ‪.‬‬
‫‪ -‬تقليص نمو القطاع العام وقصر نشاطه على المشروعات‬
‫العامة ومشروعات الهياكل األساسية ‪.‬‬
‫‪ -‬تعديل قوانين الشركات وتنمية أسواق رأس المال المحلية ‪.‬‬
‫‪ -‬تحرير األسعار من تحكم األجهزة الرسمية ‪.‬‬

‫تشتمل األجزاء ‪ 2‬إلى ‪ 4‬من الورقة على توثيق محتوى الربامج‬


‫االقتصادية التي بناها العهد البائد ‪ ،‬بينما يستعرض الجزء الخامس‬
‫الربنامج الذي كان سيطبق لعام ‪ 1985/84‬والذي بدأ رئيس الجمهورية‬
‫السابق يف إعالن بعض سياساته قبيل رحلته (األخيرة) ألمريكا ‪ ،‬لوال أن‬
‫قام الصندوق بإلغاء ترتيبات المؤازرة التي تمت الموافقة عليها يف يونيو‬
‫‪ . . 1984‬ولقد أطلقنا على هذا الربنامج اسم (برنامج الحكومة‬
‫االنتقالية) لما يسمع حاليا من تصريحات وزير مالية هذه الحكومة فيما‬

‫‪39‬‬
‫يختص بعالقة السودان بالصندوق ‪ . .‬يف الجزء السادس من الورقة‬
‫نستعرض يف إيجاز الشواهد التجريبية التي تؤيد االهتام المباشر للصندوق‬
‫بأنه قد تسبب يف خراب االقتصاد السوداين ‪ ،‬بينما نتعرض يف الجزء‬
‫السابع لقضية االفرتاء على الصندوق ومدى جديتها ليس على مستوى‬
‫السودان وإنما على مستوى العالم الثالث ‪ .‬ونختتم الورقة يف الجزء‬
‫الثامن بإيراد بعض المالحظات الختامية ‪.‬‬

‫‪ -2‬برنامج التركيز االقتصادي واإلصالح المالي‬


‫أعلن هذا الربنامج يف إطار خطاب الميزانية لعام ‪ 1979/1978‬وقد‬
‫ذكر وزير المالية واالقتصاد الوطني آنذاك أن الهدف األساسي لهذا‬
‫الربنامج هو تحقيق التوازن المطلوب الذي يساعد يف هتيئة المناخ‬
‫المناسب للتنمية ‪ . .‬والنقاط األساسية التي يهدف إليها برنامج الرتكيز‬
‫(هي) ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬العمل على حل المشاكل التي تعوق زيادة اإلنتاج وهذا يعني‬
‫توفير احتياجات المشاريع القائمة لدفع طاقتها اإلنتاجية المستغلة ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬زيادة اإلنتاج مما يعني زيادة الناتج القومي وبالتالي إيرادات‬
‫الدولة كما تعني أيضا زيادة ما هو متوفر من سلع داخليا وما هو فائض‬
‫للتصدير ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫ثالثا ‪ :‬العمل على تخفيض المصروفات متى كان ذلك ممكنا وذلك‬
‫بغرض توفير فوائض حقيقية الستغاللها يف التنمية ولتقليل االعتماد على‬
‫االستدانة من النظام المصريف ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬االهتمام بمشاكل المواطنين وذلك بالعمل على تخفيض معدل‬


‫ارتفاع تكاليف المعيشة وإزالة أسباب االتجاه التضخمي الحالي ‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬االهتمام بجانب الحساب الخارجي وتدعيم موارد الدولة‬


‫بغرض إيجاد موارد إضافية خارجية لتستغل يف تمويل الجهد اإلنمائي ‪.‬‬

‫هذا وتحددت أسبقيات العمل بربنامج الرتكيز لعام ‪ 1978‬على النحو‬


‫التالي ‪:‬‬

‫‪ -‬منح أسبقية أولى لتوفير المواد الخام وقطع الغيار والمواد‬


‫الوسيطة ‪.‬‬
‫‪ -‬العمل على خفض اإلنفاق والتقيد بالميزانية المصدقة وعدم اللجوء‬
‫ألي اعتمادات إضافية خارجها سواء للصرف الجاري أو الصرف على‬
‫التنمية ‪.‬‬
‫‪ -‬العمل على تكملة مشاريع التنمية الحالية والرتكيز على المشاريع‬
‫التي قد توفر فوائض للتصدير أو بدائل لالستيراد والرتكيز على المشاريع‬
‫التي اكتملت ولم تستغل طاقتها الكاملة بعد ‪.‬‬
‫‪ -‬تخفيض حجم االستدانة من الجهاز المصريف ‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫‪ -‬توفير أكرب كمية ممكنة من السلع الضرورية للمواطنين عن طريق‬
‫االستيراد ‪.‬‬
‫‪ -‬مواصلة الجهد لتحسين موقف ميزان المدفوعات ‪.‬‬
‫الحظ الوزير أن برنامج الرتكيز المقرتح ال يسعى إلى الموازنة‬
‫المنشودة لالقتصاد الوطني وإنما يهدف أيضا إلى التأكيد بأن اإلدارة‬
‫المالية واالقتصادية قد وضعت يف المسار الصحيح ‪ ،‬وأن هناك مجهودا‬
‫يبذل إليجاد المعادالت الالزمة للخالص من المعوقات الحالية ‪« . .‬كما‬
‫ال يفوتني أن أذكر بأننا قد بدأنا بالفعل ومنذ فرتة يف انتهاج السياسات‬
‫الرتكيزية ومثال ذلك إصدار قانون اإلجراءات المالية والحسابية لعام‬
‫‪ . 1977‬هذا القانون الذي يؤكد والية وزارة المالية واالقتصاد الوطني‬
‫على المال العام ويضع الضوابط الالزمة للتعامل يف ذلك المجال ‪. .‬‬
‫مثال آخر فيما نقوم به من دراسات أساسية كدراسة مؤسسات القطاع‬
‫العام التي قمنا هبا بالتعاون مع البنك الدولى» ‪.‬‬

‫ولعلنا لسنا يف حاجة إلى مالحظة أن ما سمي بربنامج الرتكيز وما أعلن‬
‫من سياساته لم يتعد مرحة «إعالن» النوايا ‪ .‬إذ بمراجعة سريعة ألسبقيات‬
‫تنفيذ الربنامج كما أعلنها الوزير يتضح خواءها من أي مؤشرات اقتصادية‬
‫كمية يمكن على أساسها الحكم على تنفيذ الربنامج فيما بعد أو صياغة‬
‫الميزانية أو االثنين معا ‪ . .‬كما يتضح أيضا أن األسبقيات يف مجملها تعني‬

‫‪42‬‬
‫حياد السياسة االقتصادية المعلنة فيما يتعلق بما كان عليه الحال‬
‫االقتصادي آنذاك ‪. .‬‬

‫«وإعالن النوايا» الذي وصفنا به الربنامج له أهميته لما تبعه من تنفيذ‬


‫تفصيلي لهذه النوايا ‪ .‬إذ إن هذا الربنامج قد أعلن اعرتاف الحكومة‬
‫صراحة ببداية عهد استالم صندوق النقد الدولي لزمام األمور االقتصادية‬
‫يف السودان ‪ .‬والدليل القاطع على ذلك هو عودة وزير المالية واالقتصاد‬
‫الوطني لمجلس الشعب بعد شهر من الزمان تقريبا إلعالن تخفيض سعر‬
‫صرف الجنيه السوداين الذي ضمن كسياسة اقتصادية يف إطار برنامج‬
‫الرتكيز «باالهتمام بجانب الحساب الخارجي وتدعيم موارد الدولة‬
‫وبغرض إيجاد موارد خارجية لتستغل يف تمويل الجهد اإلنمائي» وحدد‬
‫كأسبقية لتنفيذ الربنامج يف مواصلة الجهد لتحسين موقف ميزان‬
‫المدفوعات ‪ .‬هذا ولقد سبق لنا وأن أوضحنا التطابق شبه الكامل بين‬
‫تحليل صندوق النقد الدولي المطالب بتخفيض سعر الجنيه السوداين‬
‫ونص خطاب وزير المالية واالقتصاد الوطني آنذاك يف نفس الخصوص‬
‫وذلك بإيرادنا للمذكرتين حرفيا(‪. )1‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك فقد اتضح للذين يطالعون المجالت االقتصادية‬


‫العالمية أن تحليل صندوق النقد الدولي لما أسماه بالخلل األساسي يف‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر على (‪ – 1985‬ب) ‪ ،‬والفصل الثالث ‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫ميزان المدفوعات السوداين ومطالبته بتخفيض سعر صرف الجنيه‬
‫السوداين لمعالجة العجز يف ميزان المدفوعات كأحد أهم سياسات‬
‫برنامج الرتكيز (الذي قامت بصياغته الجهات المختصة) ‪ ،‬اتضح أن هذا‬
‫التحليل قد استند أساسا على النتائج األولية لدراسة قام هبا كريم نشاشيبي‬
‫آنذاك(‪. )1‬‬

‫‪ -3‬برنامج إصالح السياسات المتعلقة بالنقد‬


‫األجنبي والتجارة الخارجية‬
‫أعلن هذا الربنامج يف ‪ 15‬سبتمرب ‪ 1979‬يف مؤتمر صحفي عقده وزير‬
‫المالية واالقتصاد الوطني آنذاك ‪ ،‬ونقلت صحيفة األيام الصادرة يوم‬
‫‪ 1979/9/16‬أهم بنود الربنامج على النحو التالي ‪:‬‬

‫‪ -‬توحيد سعر الصرف الرسمي للجنيه السوداين بتضمين ضريبة‬


‫التحويل وحافز المتحصالت ‪.‬‬
‫‪ -‬إلغاء السعر التشجيعي لتحويالت المغرتبين ‪.‬‬
‫‪ -‬تطبيق سعرين للجنيه السوداين أحدهما رسمي ويطبق على‬
‫الصادرات والواردات والتحويالت يف الكشفين المرفقين‬

‫(‪)1‬‬
‫راجع نشاشيبي (‪ )1980‬تعرض تحليل نشاشيبي لكثير من النقد الفني ‪ :‬انظر‬
‫حسين وثيرلول (‪ )1984‬وعلي (‪ – 1985‬ب) ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫واآلخر تشجيعي ويحدد سعره حسب مؤشرات السوق يطبق‬
‫على الصادرات والواردات والتحويالت بخالف المضمنة يف‬
‫الكشفين المرفقين ‪. .‬‬
‫‪ -‬إلغاء الرسم اإلضايف وضريبة التنمية على الواردات ‪.‬‬
‫‪ -‬إلغاء نظام تجارة المقايضة باستثناء تلك التي تتم يف إطار‬
‫تجارة الحدود ‪.‬‬
‫‪ -‬السماح للمقيمين وغير المقيمين من السودانيين وغيرهم بفتح‬
‫حسابات جارية بعمالت أجنبية ‪ ،‬ومنح السودانيين منهم أو‬
‫الحاصلين على رخص استيراد أولوية يف الحصول على رخص‬
‫استيراد الستخدام أرصدهتم يف تمويل عملياهتم ‪.‬‬
‫‪ -‬يسمح بشراء وبيع العمالت األجنبية لدى البنوك المرخص‬
‫لها باألسعار الواقعية المرنة وقد تحدد سعر الدوالر بـ ‪ 80‬قرشا‬
‫سودانيا لهذه العمليات ‪.‬‬
‫‪ -‬تلغى القيود الحالية على إدخال وتحويالت العمالت األجنبية‬
‫إلى داخل وخارج القطر وفقا إلجراءات وضوابط مرنة‬
‫واقعية ‪. .‬‬

‫هذا وحدد وزير المالية واالقتصاد الوطني السلع التي سيطبق عليها‬
‫سعر الصرف الرسمي يف كشفين على النحو التالي ‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫(أ) قائمة الواردات والتحويالت إلى الخارج ‪ :‬وتحتوي على القمح‬
‫ودقيق القمح ‪ ،‬والسكر وأدوية الطب البشري والبيطري واألسمدة‬
‫بجميع أنواعها ‪ ،‬والمبيدات الحشرية والخيش وجواالت الخيش ‪،‬‬
‫البرتولية‬ ‫والمنتجات‬ ‫الخام‬ ‫والبرتول‬ ‫والوالية ‪،‬‬ ‫والدمورية‬
‫والكيماويات ‪ ،‬والشاي والبن ‪ ،‬واللبن المجفف ‪ ،‬واألرز والعدس ‪،‬‬
‫والتبغ الخام ‪ ،‬والمواد الخام والوسيطة ‪ ،‬وقطع الغيار للصناعة (تحدد‬
‫حسب كشف مختار) ‪ ،‬والشناية التي تستخدم يف حزم باالت القطن‬
‫باإلضافة إلى تحويالت الحكومة والتحويالت غير المنظورة المتعلقة‬
‫بالسلع المذكورة والتي يحددها بنك السودان ‪.‬‬

‫(ب) قائمة الصادرات والتحويالت إلى الداخل ‪ :‬وتحتوي على‬


‫القطن بجميع أنواعه ‪ ،‬والفول السوداين (مقشور وغير مقشور)‬
‫والسمسم ‪ ،‬والزيوت النباتية وأمباز بذرة القطن وأمباز الفول وأمباز‬
‫السمسم والذرة ‪ ،‬والصمغ العربي بجميع أنواعه ‪ ،‬وبذرة القطن وبذرة‬
‫الخروع ‪ ،‬والحيوانات الحية من فصيلة البقر والجاموس والضأن والماعز‬
‫واللحوم واألحشاء واألطراف الصالحة لألكل (طازجة أو مربدة أو‬
‫مجمدة) ‪ . .‬باإلضافة إلى التحويالت غير المنظورة المتعلقة هبذه السلع‬
‫والتي يحددها بنك السودان ‪. .‬‬

‫ولعلنا لسنا يف حاجة إلى مالحظة أن هذا الربنامج قد هدف أساسا إلى‬
‫تحقيق ما يلي ‪:‬‬

‫‪46‬‬
‫أوال ‪ :‬االنتقال بنظام صرف الجنيه السوداين من (التعددية) (ثالثة‬
‫أسعار صرف بعد التخفيض األول ‪ :‬الرسمي التشجيعي المغرتبين) إلى‬
‫التوحيد (سعرين ‪ :‬الرسمي والموازى) ‪ .‬ويقيننا أن القارئ قد أصبح‬
‫عليما بأن (توحيد) أسعار الصرف ‪ ،‬بغض النظر عن الظروف االقتصادية‬
‫التي أملت نظام (التعددية) هو أحد أهداف صندوق النقد الدولي ومن‬
‫ثم ‪ ،‬وعلى الرغم من سذاجة المنطق التحليلي المستخدم ‪ ،‬فإن االنتقال‬
‫من نظام سعر صرف ساد فيه ثالثة أسعار إلى نظام آخر يسود فيه سعران‬
‫للعملة يعترب تحقيقا جزئيا للهدف األمثل القائل (بتوحيد) أسعار‬
‫الصرف(‪. )1‬‬

‫ثانيا ‪ :‬هدف الربنامج إلى ما يسمى بتحرير المعامالت التجارية‬


‫الخارجية وذلك بإلغاء بعض مؤشرات التشوهات التي تفرز هامشا‬
‫لالختالف بين األسعار المحلية واألسعار العالمية (كضرائب التجارة‬
‫الخارجية ‪ ،‬والقيود الكمية ‪ . . .‬الخ) ‪ .‬ويستند مثل هذا اإلجراء على‬
‫االفرتاض النظري القائل بأن أسعار السوق الحر التنافسي هي التي تعكس‬
‫القيم الحقيقية للموارد يف االقتصاد المعني ومن ثم يمكن التوصل من‬
‫خالل استخدامها إلى االستغالل األمثل للموارد بحيث يحقق االقتصاد‬
‫حالة مثلى للرفاهية (حالة باريتو المشهورة) ‪ ،‬ومن ثم ولما كانت األسعار‬

‫(‪)1‬‬
‫راجع باير (‪. )1984‬‬

‫‪47‬‬
‫العالمية تتحدد يف أسواق تعترب أكثر تنافسا يقول صندوق النقد الدولي‬
‫بأهمية تحرير المعامالت التجارية الخارجية لالقتصاد المعني وذلك‬
‫بإلغاء الرسوم الجمركية والقيود الكمية(‪. )1‬‬

‫ثالثا ‪ :‬هدف الربنامج إلى خلق سوق محلي يف العمالت األجنبية‬


‫وذلك من خالل إلغاء القيود القانونية الخاصة بحيازة النقد األجنبي‬
‫واالتجار فيه وتحويله من وإلى داخل القطر ‪ . .‬ولعل الدافع الواقعي‬
‫لذلك قد كان اعتقاد صندوق النقد بوجود سوق أسود ذي داللة ‪ ،‬وهو‬
‫اعتقاد لم تكن تسنده الشواهد التجريبية آنذاك على أية حال ‪ .‬استنادا على‬
‫هذا االعتقاد تم خلق ما يسمى بالسوق الموازي حيث حدد سعر الصرف‬
‫فيه بثمانين قرشا للدوالر ‪. .‬‬

‫يتضح من هذه المالحظات العابرة أن برنامج إصالح السياسات‬


‫المتعلقة بالنقد األجنبي والتجارة الخارجية لم تقم بصياغته (األجهزة‬
‫المختصة) بوزارة المالية واالقتصاد الوطني آنذاك وإنما كان تطبيقا حرفيا‬
‫لتوجيهات صندوق النقد الدولي التي هتدف ال إلى إصالح االقتصاد‬
‫السوداين وإنما إلى تحقيق أهداف اسمية ووهمية (وربما نظرية) يعتقد‬

‫(‪)1‬‬
‫راجع نشاشيبي (‪ . )1980‬وخطاب وزير المالية واالقتصاد الوطني لمجلس‬
‫الشعب (‪ ، )1980‬وثائق مجلس الشعب دورة االنعقاد الثالث ‪ ،‬الجلسة رقم‬
‫(‪. )11‬‬

‫‪48‬‬
‫فيها الصندوق ‪ . .‬ليس ذلك فحسب ‪ ،‬وإنما كان هذا الربنامج خطوة‬
‫أولية نحو تحقيق األهداف المثلى للصندوق كما سيتضح الحقا ‪. .‬‬

‫‪ -4‬البرنامج االقتصادي األساسي‬


‫أعلن هذا الربنامج يوم ‪ 1981/11/9‬يف خطاب لرئيس الجمهورية‬
‫أمام ما ُسمي بالقيادات السياسية والتنفيذية والجماهيرية ‪ . .‬وقد حدد‬
‫هدف الربنامج بتجديد وبعث حركة اإلنعاش االقتصادي ‪ ،‬وتوسيع قاعدة‬
‫اإلنتاج الوطني والسيطرة على العجز المالي والتضخم وتحسين موقف‬
‫ميزان المدفوعات والطفرة باإلنتاج ‪ . .‬هذا وقد اشتملت إجراءات‬
‫الربنامج على ما يلي ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬يوحد سعر الصرف للجنيه السوداين ‪ ،‬بحيث يصبح سعر‬


‫الدوالر األمريكي تسعين قرشا سودانيا ‪. .‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تعلن وزارة المالية حوافز لتشجيع االدخار وتعبئة الموارد‬


‫الوطنية ‪. .‬‬

‫ثالثا ‪ :‬يعدل قانون الجمارك وقانون رسم اإلنتاج بحيث تلغى أو‬
‫تخفض رسوم اإلنتاج على زيت الطعام والصابون واألحذية والغزل‬
‫والمنسوجات والمالبس الجاهزة وتزاد الرسوم الجمركية على السلع‬

‫‪49‬‬
‫المنافسة للصناعة المحلية وسلع االستهالك الكمالية ‪ .‬كما يفرض رسم‬
‫إضايف على الواردات قدره ‪ %10‬من القيمة ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬يسحب الدعم فورا من البرتول ومشتقاته ويتم سحب الدعم‬


‫تدريجيا يف خالل ثمانية عشر شهرا من القمح والسكر بعد ضمان وفرته‬
‫وحسن توزيعه ويفتح باب االستيراد للسكر والدقيق للقطاع الخاص‬
‫والقطاع العام على السواء ‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬يخفض اإلنفاق الحكومي خالل الجزء الباقي من السنة‬


‫المالية بما يحقق وفرا قدره عشرين مليونا من الجنيهات وعلى أساس‬
‫انتقائي ‪ . .‬ويف هذا المقام يخفض عدد البعثات الدبلوماسية الخارجية‬
‫ونفقاهتا بكل أنواعها ‪. .‬‬

‫سادسا ‪ :‬تلغى أو تخفض الرسوم الجمركية على صادرات الفول‬


‫والسمسم والكركدي والزيوت واللحوم والضأن والماشية بما يشجع‬
‫الصادرات ويحفز اإلنتاج ‪. .‬‬

‫سابعا ‪ :‬تعدل رسوم االنتقال وبدل الميل للعاملين بالحكومة والقطاع‬


‫العام بما يتناسب مع ارتفاع تكلفة المواصالت العامة والبرتول ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫ثامنا ‪ :‬يرفع الحد األدنى لإلعفاء من ضريبة الدخل الشخصي إلى‬
‫‪ 1200‬بدال من ألف جنيه يف العام على أن يستفيد من اإلعفاء جميع‬
‫العاملين بما يف ذلك من تتجاوز مرتباهتم الحد األدنى لإلعفاء ‪.‬‬

‫تاسعا ‪ :‬تـُتخذ إجراءات صارمة للسيطرة على مستويات التسليف من‬


‫الجهاز المصريف للحكومة والقطاع العام والقطاع الخاص ‪ . .‬ولتصفية‬
‫المتأخرات بجميع الوسائل القانونية بما يف ذلك البيوع الجربية ‪.‬‬

‫عاشرا ‪ :‬تتخذ اإلجراءات التشريعية والتنفيذية والقضائية الالزمة‬


‫لتحقيق االنضباط المالي الكامل وعلى األخص حظر التصرف يف أموال‬
‫المعاشات وصندوق التوفير واستقطاعات الضرائب واإليرادات‬
‫الحكومية لغير الجهة المصدق لها قانونا بذلك ‪. .‬‬

‫حادي عشر ‪ :‬تدفع المؤسسات والهيئات العامة الرابحة أرباحها‬


‫السنوية ابتداء من العام المالي السابق للخزانة العامة على أن تخصص‬
‫وزارة المالية االحتياطي الالزم للتجديد واإلحالل والتطور ‪. .‬‬

‫ثاين عشر ‪ :‬تتخذ اإلجراءات الالزمة للسيطرة على المديونية الخارجية‬


‫والتصرف يف القروض والمنح والتسهيالت االئتمانية ‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫ثالث عشر ‪ :‬تجرد جميع المخازن العامة يف الدولة والمؤسسات‬
‫والهيئات ‪ ،‬وتتخذ اإلجراءات الالزمة للتصرف يف الفائض ويصرف عائد‬
‫البيع بالطريقة التي يقررها رئيس الجمهورية ‪.‬‬

‫رابع عشر ‪ :‬تلغى مؤسسة العقارات ويوضع برنامج خاص لالستغالل‬


‫األفضل لممتلكات الدولة العقارية ‪. .‬‬

‫خامس عشر ‪ :‬يوضع برنامج كامل لإلصالح الشامل لمؤسسات‬


‫وهيئات وشركات القطاع العام والتأكد من تنظيم القطاع العام وإدارته‬
‫على أفضل النظم التجارية ‪. .‬‬

‫سادس عشر ‪ :‬يطبق برنامج استعادة التكاليف والحساب الفردي‬


‫وفض الشراكة يف الزراعة المروية ابتداء من الموسم الجاري‬
‫‪. 1982/1981‬‬

‫سابع عشر ‪ :‬يوضع برنامج تفصيلي متجدد لالستثمار العام يقتصر‬


‫على مشروعات التعمير ‪ ،‬وتكملة المشروعات قيد التنفيذ ومشروعات‬
‫البنية األساسية والطاقة والمرافق العامة وتركيز الخدمات االجتماعية ‪.‬‬

‫ثامن عشر ‪ :‬تصدر رئاسة الجمهورية القرارات الالزمة لوضع هذا‬


‫الربنامج موضع التنفيذ ‪. .‬‬

‫‪52‬‬
‫هذا ويمثل هذا الربنامج يف رأينا الخطوة األخيرة يف استالم ائتالف‬
‫صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لزمام األمور االقتصادية يف البالد‬
‫حيث تم فرض برنامج متكامل يحتوي على كل مكونات نموذج السياسة‬
‫االقتصادية المثلى للصندوق(‪. . )1‬‬

‫وحتى يتسنى لنا الحكم على ما إذا كان هذا الربنامج قد تمت صياغته‬
‫بواسطة الجهات المختصة بالوزارة دعنا نستعرض ‪ ،‬يف إيجاز شديد أهم‬
‫مكونات (برنامج اإلصالح) الذي اقرتحه البنك الدولي حديثا إلفريقيا‬
‫وهو برنامج يعكس آراء ائتالف المؤسستين ضد‬ ‫جنوب الصحراء‬
‫(‪)2‬‬

‫مصلحة البلدان النامية ‪ . .‬بعد هذا االستعراض يمكن للقارئ مقارنة‬


‫الربنامجين والحكم لنفسه إذا كان ادعاء وكيل االقتصاد بالنيابة كاذبا أم‬
‫صادقا ‪.‬‬

‫تتلخص أهم محاور برنامج اإلصالح المقرتح بواسطة البنك الدولي‬


‫يف إصالح نظام الحوافز ‪ ،‬وإصالح القطاع العام ‪ ،‬وترشيد برنامج‬
‫المصروفات الحكومية ‪ ،‬وسنتناول فيما يلي اآلراء الرئيسية يف كل من‬
‫هذه المجاالت ‪:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫راجع نموذج سياسات الصندوق الذي استعرضناه يف المقدمة ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫البنك الدولي (‪. )1984‬‬

‫‪53‬‬
‫(أ) إصالح نظام الحوافز ‪ :‬يتمثل إصالح نظام الحوافز ‪ ،‬يف رأي‬
‫البنك الدولي ‪ ،‬يف العناية باتباع سياسات تسعير واقعية للمنتجات‬
‫الزراعية من ناحية وتسعير النقد األجنبي من ناحية أخرى ‪.‬‬

‫هذا ويالحظ البنك أن األقطار اإلفريقية بما يميزها من صغر حجم‬


‫اقتصادياهتا واعتمادها على القطاع الزراعي وافتقارها للنقد األجنبي‬
‫ومواجهتها لشروط تبادل تجارية متدهورة ‪ ،‬ومعاناهتا من خدمات ديون‬
‫مرتاكمة ومتزايدة البد لها من اتباع سياسة تعتمد على تخفيض سعر‬
‫صرف العمالت اإلفريقية بطريقة تكاد تكون مستمرة على اعتبار أن مثل‬
‫هذه السياسة تكافئ الذين يعملون على تعظيم حصيلة النقد األجنبي‬
‫وتعاقب الذين يقومون باستخدام العمالت األجنبية !!‬

‫(ب) إصالح القطاع العام ‪ :‬يالحظ البنك الدولي يف تقريره أن‬


‫القطاع العام يف إفريقيا قد تضخم بشكل كبير خالل األعوام الماضية ‪.‬‬
‫على الرغم من إدراك البنك الدولي لحقيقة أن حجم القطاع العام ال بد له‬
‫أن يزداد إذا ما أريد التغلب على المعوقات طويلة المدى للتنمية‬
‫االقتصادية ‪ ،‬إال إنه يعتقد أن بعض األعمال يمكن أن توكل إلى القطاع‬
‫الخاص الذي سيقوم بتأديتها بكفاءة أعلى ‪ .‬يحدد البنك الدولي مجاالت‬
‫التسويق (خصوصا يف القطاع الزراعى) ‪ ،‬ومجال النقل والمواصالت ‪،‬‬
‫وبعض أوجه التعليم والصحة والمقاوالت الصغيرة ألعمال الصيانة‬

‫‪54‬‬
‫والتشييد كمجاالت لتوسع القطاع الخاص وتقلص القطاع العام ‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك يوصي التقرير بإصالح األطر الضرائبية ومراجعة‬
‫التعريفات الجمركية وترشيد الضوابط اإلدارية وذلك هبدف معاملة صغار‬
‫التجار والحرفيين معاملة أكثر عدالة ‪ .‬ويطالب التقرير الحكومات‬
‫اإلفريقية بعدم السماح للمؤسسات الحكومية بأن تتحصل على حقوق‬
‫احتكارية خصوصا يف مجاالت التسويق ‪:‬‬

‫(ج) ترشيد برامج اإلنفاق الحكومي ‪ :‬يقول البنك الدولي يف‬


‫تقريره إن المصروفات الحكومية يف إفريقيا ال بد لها من أن تنخفض‬
‫وذلك نسبة ألهنا قد بلغت مستويات من الصعب االستمرار يف دعمها‬
‫بالموارد المطلوبة ‪ .‬ولرتشيد برامج اإلنفاق الحكومي اقرتح البنك‬
‫الدولي العديد من السبل يتمثل أهمها يف التقويم الواقعي للموارد‬
‫المتوقعة والدراسة الجيدة للمشروعات الجديدة وتخفيض العمالة يف‬
‫الخدمة العامة ‪ .‬ويوصي التقرير بأنه ال بد لربامج اإلنفاق الحكومي من‬
‫أن تركز على مشروعات إعادة إعمار وصيانة البنيات الهيكلية الموجودة‬
‫هبدف دعم جهود إصالح السياسات االقتصادية بدال عن االستثمار يف‬
‫طاقات جديدة ‪ ،‬كما ال بد من حصر االستثمار يف مشروعات جديدة يف‬
‫حدود ضيقة ‪ .‬كما يوصي بصياغة برامج إعادة اإلعمار وبرامج التنمية‬
‫بطريقة تجعلها قابلة للتغيير والتعديل الدوري ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫‪ -5‬برنامج الحكومة االنتقالية‬
‫يف استعراضه لإلجراءات التقشفية التي أعلنها العهد البائد قبيل تفجير‬
‫الشعب لثورته أورد بروان (‪ )1985‬تفاصيل العالقة بين صندوق النقد‬
‫الدولي والسودان منذ بداية عام ‪ 1984‬والتي يمكننا تلخيصها على النحو‬
‫التالي ‪:‬‬

‫(أ) مع بداية عام ‪ 1984‬ابتدأت المشاورات مع الصندوق يف‬


‫شأن ترتيبات مؤازرة جديدة كان من المزمع تنفيذها يف‬
‫‪. 1984/5/31‬‬

‫(ب) يف فرباير ‪ 1984‬فشل السودان يف تسديد مبلغ ‪ 18‬مليون‬


‫دوالر كانت مستحقة للصندوق ‪ ،‬مما هدد بوقف المشاورات‬
‫الجارية بشأن ترتيبات المؤازرة األمر الذي حدا هبيئة المعونة‬
‫األمريكية للتدخل وتمويل المبلغ المطلوب من المبالغ‬
‫المرصودة لربنامج السودان ‪.‬‬

‫(ج) استؤنفت المشاورات وتم االتفاق من حيث المبدأ على‬


‫ترتيبات المؤازرة شريطة أن يتم تمويل الفجوة التمويلية يف ميزان‬
‫المدفوعات السوداين (وقد قدرت بنحو ‪ 60‬مليون دوالر) ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫(د) لم يتمكن السودان من الحصول على تعهدات كافية من‬
‫مانحي العون لسد الفجوة التمويلية يف ميزان المدفوعات يف‬
‫الوقت المحدد (األمر الذي عادة ما يتسبب يف إلغاء ترتيبات‬
‫المؤازرة) وتكرم صندوق النقد بتمديد الفرتة إلى ‪ 7‬يونيو ‪.‬‬

‫(هـ) فشلت جهود السودان يف الحصول على تعهدات من‬


‫مانحي العون لتمويل فجوة ميزان المدفوعات حسب التاريخ‬
‫الجديد وقد اضطر الصندوق تحت ضغط الواليات المتحدة‬
‫األمريكية من تمديد الفرتة بأسبوع آخر حتى ‪ 14‬يونيو ‪ .‬وقد‬
‫تمكن السودان خالل هذه الفرتة من الحصول على التمويل‬
‫المطلوب ‪.‬‬

‫(و) بعد الحصول على التعهدات لتمويل الفجوة يف ميزان‬


‫المدفوعات اتضح أن السودان قد فشل يف دفع مبلغ ‪ 25‬مليون‬
‫دوالر مستحقة للصندوق األمر الذي تسبب يف تأخير إعالن نفاذ‬
‫ترتيبات المؤازرة المتفق عليها ‪ .‬وبعد رفض الواليات المتحدة‬
‫والسعودية دفع المبلغ المطلوب للصندوق قامت هيئة المعونة‬
‫األمريكية يف ‪ 1984/6/25‬بالحصول على قرض تجاري‬
‫باألصالة عن السودان دفع رأسا للصندوق ‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫(ز) قام صندوق النقد الدولي بعد استالمه للمبلغ المطلوب‬
‫باإلفراج عن الدفعة األولى تحت ترتيبات المؤازرة لعامة‬
‫‪ 1985/1984‬بمبلغ ‪ 20‬مليون وحدة سحب خاصة‬
‫استخدمت لسداد القرض التجاري المذكورة أعاله ‪.‬‬

‫(ح) وعلى الرغم من مجهودات هيئة المعونة األمريكية لتحقيق‬


‫نفاذ ترتيبات المؤازرة فقد اتضح أن السودان قد فشل مرة أخرى‬
‫يف تسديد أقساط ديونه للصندوق األمر الذي تسبب يف تجميد‬
‫ترتيبات المؤازرة الجديدة ‪ .‬ليس ذلك فحسب وإنما عجز‬
‫السودان أيضا عن تسديد أقساط ديونه لعدد من مؤسسات العون‬
‫متعددة األطراف ‪.‬‬

‫(ط) بنهاية عام ‪ 1984‬بلغت مستحقات صندوق النقد على‬


‫السودان ‪ 84‬مليون دوالر ومع بداية عام ‪ 1985‬بلغت هذه‬
‫المتأخرات مبلغ ‪ 110‬ماليين دوالر وبدأ الصندوق يف التفكير‬
‫جديا بتعليق عضوية السودان مما أدى إلى أن يسافر وزير المالية‬
‫الجديد آنذاك ومحافظ بنك السودان لزيارة واشنطن يف محاولة‬
‫إلقناع الصندوق بعدم إلغاء «ترتيبات المؤازرة» ‪ .‬وعلى الرغم‬
‫من قيام السودان بدفع مبلغ ‪ 10‬ماليين دوالر فقد قام الصندوق‬
‫بإلغاء الرتتيبات يف يوم ‪. 1985/2/8‬‬

‫‪58‬‬
‫هذا ما كان من أمر قصة عالقة الصندوق بالسودان خالل العام السابق‬
‫لثورة الشعب ‪ .‬وعلى الرغم من أن بروان قد قام باستخالص عدد من‬
‫النتائج فيما يتعلق بالهيئات التي تحاول إنقاذ النظام البائد ‪ ،‬إال إن ما يعنينا‬
‫هو أن «ترتيبات المؤازرة» التي تم إلغاؤها قد كان من المزمع تنفيذها‬
‫تحت شروط تضمنت تطبيق عدد من السياسات االقتصادية قام بصياغتها‬
‫صندوق النقد الدولي وكان سيدعي السيد وكيل المالية بالنيابة بأن‬
‫«الجهات المختصة» هي التي وضعتها ‪ .‬ويف هذا الخصوص يقول‬
‫الصندوق أن «الربنامج الذي ستدعمه ترتيبات المؤازرة يعترب امتدادا‬
‫لربنامج عام ‪ 1983‬وقد تمت صياغته يف إطار متوسط المدى للفرتة‬
‫‪ . 1986/1985 – 1984/1983‬وهتدف السياسات االقتصادية‬
‫للربنامج إلى تقوية قاعدة اإلنتاج بغرض تشجيع إنتاج ووفرة السلع‬
‫الرئيسية للصادرات وسلع إحالل الواردات وإلى كبح جماح الطلب‬
‫المحلي بغرض احتواء نمو الواردات وتخفيف حدة الضغوط‬
‫التضخمية ‪ ،‬وإلى خلق بيئة اقتصادية مالئمة لتدفقات متزايدة لتحويالت‬
‫السودانيين العاملين بالخارج» ‪.‬‬

‫يتضمن الربنامج الذي لم يتم تنفيذه سياسات للمدى القصير يمكن‬


‫تلخيص أهم سماهتا على النحو التالي ‪:‬‬

‫‪59‬‬
‫(أ) سياسات يف مجال اإلنتاج ‪ :‬واشتملت على توجهات عامة‬
‫تتطلب ‪:‬‬

‫‪ -‬استمرار سياسات القطاع الزراعي يف الرتكيز على زيادة إنتاج القطن‬


‫والفول السوداين والسمسم والصمغ العربي ‪.‬‬
‫‪ -‬استمرار سياسات القطاع الصناعي يف العناية بزيادة إنتاج السكر‬
‫والمنسوجات ‪.‬‬
‫‪ -‬استمرار سياسات قطاع الطاقة يف الرتكيز على التوفير بواسطة الزيادة‬
‫المستمرة يف أسعار الطاقة من ناحية ومواصلة الجهود لتقليل االنقطاع‬
‫الدوري يف واردات المواد البرتولية من ناحية أخرى ‪.‬‬

‫(ب) السياسات المالية ‪ :‬اشتملت على سياسات نقدية وسياسات‬


‫للمالية العامة على نحو ما يلي ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬يف مجال السياسة النقدية فقد تمت صياغة الربنامج المالي‬
‫هبدف تحقيق تدن ملحوظ يف معدل نمو عرض النقود دون تعارض مع‬
‫مقابلة االحتياجات التمويلية الفعلية لالقتصاد ‪( . . .‬حيث) «تنوي‬
‫السلطات تخفيض معدل نمو السيولة إلى ‪ %12‬خالل عام‬
‫‪ . . 1985/84‬ويتوقع أن يؤدي مثل هذا التخفيض ومع توقع معدل‬
‫لنمو الناتج المحلي يبلغ ‪ %5‬لألعوام ‪ ، 1985/1984/1983‬إلى‬
‫انخفاض ملحوظ يف معدل ارتفاع األسعار ‪ . . .‬هذا ونسبة إلى أن‬

‫‪60‬‬
‫الربنامج سيغطي جزءا من عامين وأجزاء من موسمين زراعيين ‪ ،‬فقد عقد‬
‫العزم على تحديد سقوف ائتمانية للفرتات المنتهية يف ‪1984/9/30‬‬
‫وديسمرب ‪ 1984‬ومارس ‪ 1985‬خالل شهر يونيو ‪ 1984‬وهوالشهر‬
‫المحدد لمراجعة السياسة المالية يف السودان بواسطة بعثة من الصندوق‬
‫هذا وفيما يتعلق برتكيبة أسعار الفائدة ‪ ،‬ويف ظل القوانين اإلسالمية التي‬
‫قضت بعدم التعامل بسعر الفائدة يف العمليات المصرفية المحلية فإن‬
‫السلطات السودانية تعتقد أنه يمكن ابتداع بعض الرتتيبات التي من شأهنا‬
‫تحقيق نتائج مماثلة لتلك التي تتأيت من تغيير مستوى أسعار الفائدة ‪.‬‬
‫وسيقوم موظفو الصندوق بمناقشة هذه الرتتيبات البديلة ومضامينها يف‬
‫شهر سبتمرب يف إطار مهمتهم التي هتدف إلى تقييم الربنامج» ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬يف مجال المالية العامة أكد الربنامج على اتباع السياسة الهادفة‬
‫إلى تخفيض العجز يف ميزانية عام ‪ 1985/84‬إال أنه ألسباب تتعلق‬
‫بالفوضى التي كانت سائدة يف إعالن المؤسسات االقتصادية يف ذلك‬
‫الوقت ‪ ،‬من جراء إعالن ما سمي باإلجراءات االقتصادية اإلسالمية ‪ ،‬لم‬
‫يحدد الربنامج الهدف الكمي لتخفيض العجز كما لم يحدد اإلجراءات‬
‫التفصيلية التي يمكن أن يتأتى من خاللها هذا التخفيض حيث تركت هذه‬
‫المهام للبعثة مراجعة مسار االقتصاد (يوليو ‪. )1984‬‬

‫‪61‬‬
‫(ج) السياسات المالية الخارجية ‪ :‬اشتملت على ‪:‬‬

‫‪ -‬التقويم الدوري لسعر صرف الجنيه السوداين ومدى مالءمته ‪.‬‬


‫‪ -‬التحويل التدريجي لواردات البرتول والسكر والقمح واألدوية‬
‫ومدخالت اإلنتاج الزراعي ‪ ،‬وقطع الغيار من السوق الرسمي إلى السوق‬
‫الحر ‪ .‬عدم المساس بنظام أسعار الصرف السائد إال فيما يتعلق بإلغاء‬
‫السوق المزدوج للنقد األجنبي ‪.‬‬
‫‪ -‬عدم فرض قيود جديدة ‪ ،‬أو زيادة حدة وقع القيود القديمة ‪ ،‬على‬
‫المعامالت التجارية العالمية فيما عدا تلك المتعلقة بخدمات الديون‬
‫الخارجية ولحين الوصول إلى اتفاق شامل فيما يتعلق بإعادة جدولة هذه‬
‫الديون ‪.‬‬
‫‪ -‬عدم الوصول إلى اتفاقيات ثنائية ‪.‬‬
‫‪ -‬عدم فرض قيود جديدة ‪ ،‬أو زيادة حدة وقع القيود القديمة ‪ ،‬على‬
‫الواردات هبدف خدمة أغراض ميزان المدفوعات ‪.‬‬
‫‪ -‬عدم الحصول على أي قروض خارجية أو ضماهنا بشروط تجارية‬
‫تقل مدة سدادها عن ‪ 12‬سنة إال إذا كانت هذه نتيجة لعملية إعادة جدولة‬
‫ديون سابقة ويستثنى من ذلك القروض التي تحصل عليها شركة النيل‬
‫األبيض للبرتول وبحد أقصي يبلغ ‪ 200‬مليون دوالر ‪.‬‬
‫هذه السياسات التي كانت ستصوغها «الجهات المختصة» يف وزارة‬
‫المالية السودانية ‪ ،‬على حد زعم وكيل االقتصاد بالنيابة إذا ما قدر‬

‫‪62‬‬
‫لرتتيبات المؤازرة لعام ‪ 1985/84‬أن تنفذ ‪ .‬ولعلنا لسنا يف حاجة إلى‬
‫مالحظة أن هذه السياسات ستمثل قاعدة المشاورات التي سينطلق منها‬
‫صندوق النقد الدولي يف تعامله مع الحكومة االنتقالية ووزير ماليتها الذي‬
‫يعترب الصندوق «مثله مثل أي بنك» يلجأ إليه العميل عند الحاجة ‪.‬‬

‫‪ -6‬الصندوق وخراب االقتصاد السوداين ‪:‬‬


‫الشواهد‬
‫يف إطار هذه السياسات التي صاغها ونفذها الصندوق والتي قال‬
‫«بسالمتها» وكيل االقتصاد بالنيابة ‪ ،‬دعنا نسأل عما حدث لالقتصاد‬
‫السوداين ؟ لقد سبق لنا وأن أجبنا على هذا السؤال باستخدام عدد من‬
‫المؤشرات التجميعية المتعارف عليها مقارنين هذه المؤشرات لفرتتين ‪:‬‬
‫فرتة ما قبل استالم الصندوق إلدارة االقتصاد السوداين (ما قبل ‪، )1978‬‬
‫وفرتة ما بعد تدخل الصندوق (ما بعد ‪ . )1978‬ولقد كانت النتائج على‬
‫النحو التالى(‪: )1‬‬

‫حقق الناتج المحلي خالل الفرتة ‪ 1978 – 1970‬معد ً‬


‫ال للنمو‬
‫السنوي بلغ يف المتوسط ‪ %6,6‬بينما كان معدل النمو سالبا للفرتة ‪1978‬‬
‫– ‪ 1983‬بلغ متوسطه السنوي سالب ‪. %0,7‬‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر علي (‪. )1984‬‬

‫‪63‬‬
‫‪ -‬بلغ المتوسط السنوي للعجز الجاري يف ميزان المدفوعات للفرتة‬
‫‪ 1978 – 1970‬مبلغ ‪ 278,3‬مليون دوالر مقارنا بمتوسط سنوي للعجز‬
‫للفرتة ‪ 1983 – 1978‬بلغ ‪ 833,2‬مليون دوالر وكنسبة من الناتج‬
‫المحلي اإلجمالي ارتفع العجز الجاري من ‪ %4,7‬للفرتة األولى إلى‬
‫‪ %10,6‬للفرتة الثانية ‪.‬‬

‫‪ -‬حققت الصادرات السودانية معد ً‬


‫ال للنمو السنوي خالل الفرتة‬
‫‪ 1978 – 1973‬بلغ يف المتوسط ‪ %10‬مقارنا بمتوسط سنوي لمعدل نمو‬
‫للفرتة ‪ 1983 – 1978‬بلغ ‪ %4,4‬هذا وقد انخفضت كميات الصادر من‬
‫القطن طويل التيلة من متوسط سنوي يبلغ ‪ 649‬ألف بالة للفرتة ‪– 1974‬‬
‫‪ 1978‬إلى متوسط سنوي بلغ ‪ 359‬ألف بالة للفرتة ‪1982 – 1978‬‬
‫بينما انخفضت كميات الصادر من القطن بجميع أنواعه من متوسط ‪813‬‬
‫ألف بالة للفرتة الثانية ‪.‬‬

‫‪ -‬ارتفع حجم الديون الخارجية للسودان من حوالي ‪ 396‬مليون‬


‫دوالر عام ‪ 1973‬إلى ما قدر بحوالي ‪ 9‬باليين دوالر مع بداية عام ‪1985‬‬
‫هذا وقد ارتفعت أعباء خدمات الديون كنسبة من الصادرات من ‪%13,7‬‬
‫عام ‪ 1972‬إلى ما قدر بحوالي ‪ %102‬عام ‪. 1982‬‬

‫ولعلنا لسنا يف حاجة إلى مالحظة أن هذه النتائج إن دلت على شيء‬
‫فإنما تدل على ما سبق وأن وصفناه بالفشل الذريع الئتالف الصندوق‬

‫‪64‬‬
‫والبنك الدولي يف إدارة االقتصاد السوداين خالل الفرتة ‪– 1978‬‬
‫‪ . 1985‬ليس ذلك فحسب وإنما كانت المؤسستان تأمالن يف االستمرار‬
‫يف سوء إدارة االقتصاد السوداين للفرتة ‪1995/94 – 1984/1983‬‬
‫على أساس عدد من االفرتاضات المتفائلة فيما يختص بأداء القطاعات‬
‫اإلنتاجية وفيما يتعلق بالبيئة االقتصادية العالمية وتوصل إلى نتيجة تقول‬
‫بإمكانية إعادة توازن االقتصاد يف ذلك العام ‪ .‬ويهمنا يف هذا المجال‬
‫مالحظة أهم مضامين هذه االفرتاضات التي يمكن تلخيصها على النحو‬
‫التالي ‪:‬‬

‫(أ) الصادرات ‪ :‬يفرتض أن ينمو إنتاج القطن والقطاع الزراعي ككل‬


‫بمعدل سنوي يبلغ ‪ %5‬للفرتة ‪ 1990/1989 – 1983/82‬وأن ينمو‬
‫حجم الصادرات الزراعية بمعدل سنوي يبلغ ‪ ، %10‬كما يفرتض أن تبلغ‬
‫مساهمة تصدير البرتول يف المتوسط ‪ 138‬مليون دوالر (علي أساس‬
‫دوالرات ‪ )1983‬ابتداء من عام ‪. 1986‬‬

‫(ب) الواردات ‪ :‬يفرتض أن تنمو الواردات بمعدل حقيقي يبلغ ‪%2‬‬


‫سنويا ‪.‬‬

‫(ج) التحويالت الخاصة ‪ :‬يفرتض أن تبلغ التحويالت الخاصة يف عام‬


‫‪ 1985/1984‬حوالي ‪ 450‬مليون دوالر على أن تظل عند هذا المستوى‬
‫محسوبة على أساس دوالرات ‪. 1981/80‬‬

‫‪65‬‬
‫(د) االستثمار األجنبي ‪ :‬يفرتض أن يزداد صايف االستثمار األجنبي‬
‫المباشر من ‪ 70‬مليون دوالر إلى ‪ 105‬ماليين دوالر سنويا بحلول عام‬
‫‪. 1990/1989‬‬

‫(هـ) المساعدات الخارجية ‪ :‬يفرتض الحفاظ على مستويات تعهدات‬


‫العون لعام ‪ 1984/1983‬بالقيمة الحقيقية حتى هناية الثمانينات ‪ .‬كما‬
‫يفرتض أن يتمكن السودان من إعادة جدولة متأخرات ديونه على أساس‬
‫شروط اتفاقية نادي باريس لعام ‪ . 1983‬ويفرتض أيضا أن يحصل على‬
‫تخفيف لعبء الديون بمتوسط يبلغ ‪ 700‬مليون دوالر سنويا لما تبقى من‬
‫حقبة الثمانينات ‪.‬‬

‫وعلى أساس هذه االفرتاضات ‪ ،‬وباستخدام نموذج تمثيلي يعني‬


‫بقطاع التجارة الخارجية وميزان المدفوعات ‪ ،‬توصل البنك إلى النتائج‬
‫التي يلخصها الجدول رقم (‪: )1‬‬

‫‪66‬‬
‫جدول رقم (‪)1‬‬
‫مستقبل االقتصاد السوداين‪1995/1994 – 1983/1982‬‬
‫(مليون دوالر باألسعار الجارية)‬
‫السنة‬
‫‪95/94‬‬ ‫‪84/83‬‬ ‫البند‬
‫االرتكازية‬
‫‪83/82‬‬
‫‪5091,6‬‬ ‫‪1059,9‬‬ ‫‪839,3‬‬ ‫‪ -1‬الصادرات‬
‫‪5598,6‬‬ ‫‪2156,6‬‬ ‫‪2042,5‬‬ ‫‪ -2‬الواردات‬
‫‪1522,9‬‬ ‫‪403,5‬‬ ‫(‪)142‬‬ ‫‪ -3‬صايف ميزان الموارد‬
‫‪805,9‬‬ ‫‪440‬‬ ‫‪430‬‬ ‫‪ -4‬صايف التحويالت الخاصة‬
‫(‪)1224‬‬ ‫(‪)1160,2‬‬ ‫(‪)915,5‬‬ ‫‪ -5‬الميزان الجارى‬
‫‪620,9‬‬ ‫‪334,9‬‬ ‫‪305‬‬ ‫‪ -6‬التحويالت الرسمية (هبات)‬
‫‪358,1‬‬ ‫‪22,9‬‬ ‫‪320‬‬ ‫‪ -7‬صايف القروض متعددة الجهات‬
‫‪250,9‬‬ ‫‪764‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -8‬تخفيض عبء الديون‬
‫‪25200‬‬ ‫‪82,4‬‬ ‫‪8385‬‬ ‫‪ -9‬الناتج المحلي اإلجمالي‬
‫‪4. 3‬‬ ‫‪1,4‬‬ ‫‪1,1‬‬ ‫‪ -10‬سعر الصرف (جنيه للدوالر)‬
‫‪2270,4‬‬ ‫‪1082‬‬ ‫‪802,3‬‬ ‫‪ -11‬خدمة الديون‬
‫‪44,6‬‬ ‫‪102,1‬‬ ‫‪95,6‬‬ ‫‪ -12‬نسبة خدمة الديون للصادرات‬
‫(‪)%‬‬
‫‪ -13‬نسبة عجز ميزان المدفوعات‬
‫‪4,9‬‬ ‫‪14,1‬‬ ‫‪10,9‬‬ ‫للناتج المحلي اإلجمالي (‪)%‬‬
‫ملحوظة ‪ :‬األرقام بين األقواس سالبة ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫ٍ‬
‫بخاف على أحد أن النتائج المقررة يف هذا الجدول ‪ ،‬وعلى‬ ‫ولعله ليس‬
‫الرغم من بطالن صحة عدد من االفرتاضات التي بنيت عليها ‪ ،‬ال تبشر‬
‫بمستقبل مشرق يف ظل سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي‬
‫ومن ثم فإن االتجاه نحو ابتداع سياسات جديدة تأخذ يف االعتبار ما تذخر‬
‫به البالد من إمكانيات ذاتية قد أصبح ضرورة ملحة ‪.‬‬

‫‪ -7‬صندوق النقد المفترى عليه‬


‫يحاجج بعض االقتصاديين السودانيين ‪ ،‬خصوصا أولئك الذين عملوا‬
‫لفرتة مع إحدى المؤسستين أنه ليس من العدل يف شيء إدانة الصندوق‬
‫إدانة شاملة فيما يتعلق بالخراب االقتصادي الذي أصاب االقتصاد‬
‫السوداين يف الفرتة ‪ 1978‬إلى ‪ ، 1985‬وأنه ال بد وأن ينظر إلى الصندوق‬
‫يف حياد تام كمؤسسة دولية أنيطت هبا بعض األعمال تقوم بتأديتها بطريقة‬
‫مهنية وبكفاءة وأن السياسات التي يقرتحها الصندوق ال يتم فرضها على‬
‫البلدان األعضاء كما وأن أعضاء الصندوق يلجأون إليه عند الحاجة‬
‫بمبادراهتم وال يقوم الصندوق بتسويق سياساته االقتصادية ‪ .‬ويقول‬
‫هؤالء االقتصاديون ضمنيا ‪« ،‬بسالمة» هذه السياسات ومن ثم يقولون‬
‫بأن الحكم بفشل أو نجاح سياسات معينة ال بد أن يكون من نصيب‬
‫الحكومة المعينة ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫على الرغم من هشاشة وتربيرية هذه الحجج دعنا نستعرض يف إيجاز‬
‫أهم اآلراء المشككة يف دور صندوق النقد الدولي يف البلدان النامية كما‬
‫لخصها توين كيليك الذي قام بالتعاون مع غراهام بيرد وجنيفر شاريلي‬
‫وماري سوتون بدراسة دور الصندوق يف البلدان النامية ‪ .‬وبالطبع ال‬
‫يمكن لالقتصاديين ‪ ،‬سودانيون أو غيرهم من المدافعين عن صندوق‬
‫النقد الدولي بالدفع بأن كيليك وزمالءه متحيزون ألي سبب أو آخر‬
‫إلجماع االقتصاديين السودانيين الذين يتهمون صندوق النقد الدولي‬
‫بالتسبب يف الخراب االقتصادي السوداين من جراء تطبيق سياساته خالل‬
‫فرتة السنوات الست السابقة ‪.‬‬

‫تتلخص أهم آراء مجموعة الدراسة فيما أورده كيليك يف تبادل لآلراء‬
‫مع رئيس تحرير مجلة التمويل والتنمية التي تصدرها المؤسستان‬
‫الدوليتان ‪ ،‬يف عددها رقم ‪ 3‬المجلد رقم ‪ 21‬بتاريخ سبتمرب ‪1984‬‬
‫(ص‪ . )36-21‬وقد قمنا بتلخيصه على النحو التالي ‪:‬‬

‫(أ) أهداف الصندوق ‪:‬‬

‫حددت أهداف الصندوق يف تسهيل اتساع التجارة الدولية ونموها‬


‫المتوازن واإلسهام من ثم يف تشجيع وصيانة مستويات مرتفعة من العمالة‬
‫والدخل الحقيقي ‪ ،‬وتنمية الموارد اإلنتاجية لكل األعضاء ‪ ،‬كأهداف‬
‫أولية للسياسة االقتصادية ‪ . .‬وبث الثقة يف األعضاء بإتاحة موارد‬

‫‪69‬‬
‫الصندوق العامة لهم مؤقتا يف ظل ضمانات كافية ‪ ،‬ومن ثم إتاحة الفرص‬
‫لهم لتصحيح أخطاء التكييف يف موازين مدفوعاهتم دون اللجوء إلى‬
‫تدابير مدمرة لالزدهار الوطني أو الدولي ‪.‬‬

‫ويري كيليك أن الصندوق ‪ ،‬مع مضي الزمن قد أهمل األهداف‬


‫األولية (العمالة والدخل والتنمية االقتصادية) واهتم بميزان المدفوعات‬
‫والذي ال يعترب غاية يف حد ذاته بل يعتربه ‪ ،‬على العكس من ذلك ‪ ،‬قيدا‬
‫على بلوغ األهداف األولية ‪.‬‬

‫(ب) سياسة الصندوق ‪:‬‬

‫يقول كيليك ‪« :‬إن هنج التثبيت التقليدي لدى الصندوق ليس مناسبا‬
‫بالتحديد ألفقر البلدان النامية وهي التي يتعامل معها الصندوق اآلن ‪،‬‬
‫أساسا ‪ . .‬وأن السبب الرئيسي لكثير من ألوان العجز قد تغير تماما كما‬
‫تغير نوع البلدان التي تعاين االختالالت ‪ .‬فقد زاد تدهور شروط التبادل‬
‫وغيره من العوامل الخارجية من تفاقم وضع ميزان المدفوعات يف معظم‬
‫البلدان النامية المستوردة للنفط يف العقد الماضي وهي صعوبات زاد من‬
‫تعقيدها يف بعض األحيان أوجه الضعف الهيكلية الداخلية األصل ويف‬
‫ذات الوقت فقد ظل التحكم يف الطلب الداخلي جوهر برامج الصندوق ‪،‬‬
‫رغم أن محاوالت تكيف اختالل التوازن عن هذا الطريق كثيرا ما هددت‬
‫بأن تكون مدمرة لالزدهار الوطني ‪ .‬من حيث الناتج والعمالة والتنمية‬

‫‪70‬‬
‫فضال عن ذلك فإن من المسلم به عالميا – ومن جانب الصندوق أيضا –‬
‫أن التكييف الهيكلي الالزم يف هذه الظروف هو بالضرورة عملية طويلة‬
‫األجل ‪ ،‬ورغم هذا يواصل الصندوق استخدام برامج المؤازرة التقليدية‬
‫لعام واحد ‪ ،‬غير المصمم للمساعدة يف هذه المهمة طويلة األجل ‪ ،‬حتى‬
‫لو وضعت داخل نوع من اإلطار متوسط األجل» ‪.‬‬

‫تتلخص أهم النتائج التي وصلت إليها الدراسة فيما يتعلق بتأثير برامج‬
‫الصندوق فيما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬رغم أن الربامج تتجه بالفعل إلى تعزيز الميزان األساسي أو‬


‫الكلي للمدفوعات فإن الداللة اإلحصائية المعروفة كانت‬
‫منخفضة ‪ ،‬وكثيرا ما كان اإلنجاز أدنى من أهداف الربامج التي‬
‫مالت إلى أن تكون برامج طموحة للغاية ‪.‬‬

‫‪ -‬لم تؤد برامج الصندوق إلى تدفقات أكرب كثيرا لراس المال من‬
‫مصادر أخرى إال يف بعض الحاالت ‪ ،‬ولم تكن هناك صلة‬
‫منتظمة بين الربامج والتحرير المستمر للتجارة والمدفوعات ‪.‬‬

‫‪ -‬لم تكن للربامج عموما آثار على تخفيف التضخم ‪ ،‬وإن كانت‬
‫هناك دالئل على أن مثل هذه اآلثار أصبحت أقوى يف السنوات‬
‫األخيرة وكان من الواضح أن كال من برامج المؤازرة‬

‫‪71‬‬
‫والتسهيالت الموسعة تتعرض الهنيارات عديدة إلى حد ما ‪،‬‬
‫وخاصة الربامج األخيرة ‪.‬‬

‫ويقيننا أن يف هذا ما يكفي كسند للحجة القائلة بأن سياسات الصندوق‬


‫ال تمت بصلة لمشاكل االقتصاد السوداين لكون السودان واحدا من أفقر‬
‫البلدان النامية ومن ثم تنطبق عليه النتائج التي توصل إليها كيليك‬
‫وأصحابه ‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بقيام الصندوق «بتسويق» سياساته بين األعضاء ‪ ،‬أي‬
‫فيما يتعلق بالحجة المدافعة عن الصندوق والتي تقول أن أعضاء‬
‫الصندوق عادة ما يلجأون إليه بمبادراهتم وأن موظفي الصندوق ال‬
‫يحملون حقائبهم مملوءة بوصفات اقتصادية يوزعها على األعضاء رغم‬
‫أنوفهم ‪ ،‬فتكفينا اإلشارة إلى قصة ائتالف الصندوق والبنك مع تنزانيا يف‬
‫‪ 1977‬والتي أوردهتا باير (‪ . . )1983‬وبإيجاز شديد تتلخص القصة يف‬
‫أن االحتياطات األجنبية لتنزانيا قد تراكمت يف عام ‪ 1977‬حتى بلغت ما‬
‫يعادل قيمة ‪ 5‬شهور من الواردات ‪ ،‬وقد كان نظام االستيراد السائد آنذاك‬
‫هو ما سمي بنظام «تحديد أو التحكم يف الواردات» الذي كان يتطلب أن‬
‫يتم االستيراد بواسطة ست مؤسسات عامة تشرف عليها مؤسسة التسويق‬
‫الداخلي ‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫تحت هذه الظروف يحكى أنه قد قام صندوق النقد الدولي والبنك‬
‫الدولي يف إطار المشاورات الروتينية السنوية بنصح تنزانيا بأن احتياطياهتا‬
‫من النقد ليست مرتفعة فقط وإنما قد تسبب حرجا لشركاء القطر من‬
‫مانحي العون ‪ . .‬وقد كانت الحجة أنه ليس من حق القطر الفقير اكتناز‬
‫االحتياطي وإنما يتعين عليه إنفاقه هبدف النمو السريع ‪ ،‬وعليه يجب‬
‫اغتنام هذه الفرصة لتحرير االستيراد من القيود الشديدة التي فرضت عليه‬
‫بواسطة التحكم الحكومي ‪ . .‬وتعرضت حكومة تنزانيا لضغوط من‬
‫الصندوق والبنك إللغاء نظام التحكم يف الواردات واتباع سياسة إصدار‬
‫الرخص المفتوحة وبعد عراك داخلي قامت الحكومة بالسماح لعدد من‬
‫المستوردين بطلب السلع خارج نطاق قنوات التحكم ‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫أن (تحرير) االستيراد قد قصد منه تسهيل عملية استيراد مدخالت اإلنتاج‬
‫لقطاع الصناعة إال أنه ونتيجة لفقدان الحكومة للسيطرة على ميزانيات‬
‫النقد األجنبي ترتب على السياسة الجديدة أن صرفت مبالغ هائلة على‬
‫استيراد السلع الكمالية وتدهورت االحتياطات لتنزانيا من ‪ 2,4‬بليون‬
‫شلن تنزاين يف ديسمرب ‪ 1977‬إلى ‪ 224,3‬مليون شلن تنزاين بنهاية عام‬
‫‪ ، 1987‬أي أن االحتياطات قد تدنت مما كان معادال لقيمة واردات‬
‫خمسة أشهر إلى ما يعادل قيمة واردات عشرة أيام فقط ‪. .‬‬

‫ولمعرفة مدى مغزوية هذه القصة دعنا نتذكر أن البنك الدولي وافق‬
‫على منح تنزانيا تسهيالت ائتمانية بمبلغ ‪ 15‬مليون دوالر يف أوائل عام‬

‫‪73‬‬
‫‪ 1977‬وأنه «توجد قرائن لألحوال تشير إلى وجود ارتباط بين هذه‬
‫التسهيالت وسياسة تحرير االستيراد» ‪.‬‬

‫هذا وعلى أثر األزمة التي تفاقمت من جراء اتباع سياسات ائتالف‬
‫الصندوق والبنك ضد تنزانيا تطورت أقاويل كثيرة حول مؤامرة كانت قد‬
‫دبرت بواسطة المؤسستين إلحداث هذه األزمة بغرض السيطرة على‬
‫الحكومة التنزانية بعد وضعها تحت رحمتيهما ‪ .‬ومهما يكن من أمر هذه‬
‫األقاويل ومن أمر مصداقية (نظرية المؤامرة) فإن هذه القصة حقيقية تربز‬
‫بجالء أن الصندوق يقوم يف واقع الحال بتسويق سياساته الخرقاء يف إطار‬
‫المشاورات الدورية مع اللدول األعضاء ‪.‬‬

‫‪ -8‬مالحظات ختامية‬
‫استعرضت هذه الورقة أهم الربامج االقتصادية التي تبناها الحكم‬
‫البائد وأوردت عددا من الشواهد لدحض الزعم القائل بأن الجهات‬
‫المختصة يف وزارة المالية السودانية هي التي قامت بصياغة السياسات‬
‫االقتصادية خالل الفرتة ‪ 1984 – 1978‬وكذلك الزعم القائل بأن هذه‬
‫السياسات كانت (سليمة) من وجهة النظر السودانية ‪.‬‬

‫لعله من المفيد يف آخر المطاف أن نستعرض كذلك بعض التصريحات‬


‫التي أدلى هبا ممثل صندوق النقد يف اجتماعات نادي باريس فيما يتعلق‬
‫بالسياسات االقتصادية يف السودان ‪ .‬ففي بيانه أمام نادي باريس المنعقد‬

‫‪74‬‬
‫خالل الفرتة ‪ 4 – 3‬فرباير ‪ 1983‬قال ممثل صندوق النقد الدولي يف‬
‫معرض استعراضه لرتتيبات برنامج المؤازرة لعام ‪ 1983‬أن «السلطات‬
‫السودانية قد نفذت بالفعل عددا من السياسات الهامة بما يف ذلك تخفيض‬
‫سعر الصرف الرسمي من تسعين قرشا للدوالر إلى ‪ 1,3‬جنيه سوداين‬
‫للدوالر ‪ ،‬وإجراءات مالية لتخفيض العجز يف الميزانية وإزالة الدعم من‬
‫البرتول ‪ ،‬وزيادة أسعار الفائدة وتخفيف حدة التحكم يف األسعار‬
‫وتحسين الحوافز لمزارعي القطن ‪ ،‬ومزيج من زيادة الرسوم الجمركية‬
‫وفرض قيود مؤقتة على التجارة الخارجية للحد من نمو المستوردات غير‬
‫الهامة» وهذا التصريح هو بمثابة الشهادة الصحية التي كثيرا ما نسمع عنها‬
‫وهي تقول ألعضاء النادي أن السودان كان صبيا مطيعا يف تنفيذه لسياساتنا‬
‫ومن ثم فعليكم معاملته برفق !!‬

‫وقال ممثل الصندوق يف بيانه أمام نادي باريس المنعقد خالل الفرتة ‪3‬‬
‫– ‪ 4‬مايو ‪ 1984‬يف معرض تبيانه ألهمية الفراغ من استنفار الموارد‬
‫الالزمة لسد الفجوة يف ميزان المدفوعات السوداين «إن ذلك مهم ليس‬
‫فقط لحماية سالمة الربنامج ‪ ،‬والذي تمت مناقشة أهم بنوده قبل بضعة‬
‫أشهر مضت ‪ ،‬وإنما أيضا لتمكين موظفي الصندوق من المضي قدما يف‬
‫مناقشة السياسات التي يجب أن تتبع خالل السنة المالية ‪، 1985/84‬‬
‫ويف إطار الرتتيبات الحالية ‪ ،‬مع السلطات السودانية» ‪ .‬ويف هذا التصريح‬

‫‪75‬‬
‫يطمئن ممثل الصندوق أعضاء النادي بأنه هو المسئول عن السياسات‬
‫االقتصادية يف السودان !!‬

‫أخيرا دعنا نالحظ أن الصندوق مازال ‪ ،‬وسيظل مؤسسة عقائدية تتسم‬


‫بعدم المرونة ونقدية التوجه ‪ ،‬وتحابي اقتصاد السوق الحر وتعادي‬
‫االشرتاكية وليست بتنموية كما وصفها بروفيسور ثيرلول(‪ )1‬لتأكيد رأي‬
‫ثيرلول دعنا نتمعن رأي رئيس تحرير مجلة التمويل والتنمية الذي كان يف‬
‫تبادل للرأي مع كيليك حول دور الصندوق يف البلدان النامية حيث اختتم‬
‫المحاورة بقوله ‪:‬‬

‫«إننا نرحب بالدراسات المتفتحة للصندوق واالقرتاحات البناءة ‪،‬‬


‫وكثير من أوجه قلقكم صحيحة وقد تم – أو يتم – التصدي لها ‪ .‬يتضمن‬
‫يف األساس اختالفا يف الرتكيز ‪ ،‬كما أن البعض اآلخر يف اعتقادي قائم‬
‫على مقدمات خاطئة عن ماهية الصندوق وماذا يستطيع أن يصنع ‪.‬‬
‫والحق أن هناك عددا كبيرا من القيود على قدرة الصندوق على مساعدة‬
‫أعضائه ‪ ،‬لكنني ال أعتقد أن مجرد تخفيف المشروطية أو االتجاه إلى‬
‫برامج لخمس سنوات (أو أطول) أو اتباع االقتصاد الحقيقي ‪ ،‬كفيل‬
‫بالتصدي لهذه القيود وأعتقد أن الصندوق – على ضوء موارده وأهدافه‬

‫(‪)1‬‬
‫ثيرلول (غ ‪ .‬ت) ‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫وظروف البلدان النامية – يؤدي دورا مفيدا ‪ ،‬ويقدم خدمة ضرورية‬
‫ألعضائه ‪ ،‬ومن ثم لالقتصاد الدولي» !!‬

‫بمعنى آخر يقول السيد رئيس تحرير مجلة التمويل والتنمية أن‬
‫الصندوق سيظل يعمل على غرار هنجه السابق ولن يخفف من‬
‫مشروطيته وسوف لن ينظر يف أمر تمديد المدى الزمني لربامجه اإلقراضية‬
‫وسوف لن يتبع االسرتاتيجية البديلة التي تعنى بتحقيق أهدافه األولية من‬
‫(صيانة مستويات مرتفعة من العمالة والدخل الحقيقي وتنمية الموارد‬
‫اإلنتاجية لكل األعضاء) ‪ .‬كما يؤكد لنا السيد رئيس تحرير مجلة التمويل‬
‫والتنمية أن الصندوق يؤدي دورا مفيدا لالقتصاد الدولي ‪ .‬فإذا لم يكن‬
‫مثل هذا القول والذي جاء يف هناية تبادل لآلراء بين أشخاص مسئولين‬
‫قوال عقائديا ومتزمتا وجامدا ‪ ،‬فأي قول آخر يمكن أن يكون كذلك !!‬

‫‪77‬‬
78
‫الفصل الثالث‬
‫االقتصاد السوداين كحقل تجارب‬
‫صندوق النقد والجنيه السوداين‬
‫قدمت هذه الورقة لحلقة نقاش مركز الدراسات‬

‫والبحوث اإلنمائية بجامعة الخرطوم‬

‫كورقة دورية رقم ‪. 67‬‬

‫‪79‬‬
80
‫‪ -1‬مقدمة‬
‫يف كتابه بعنوان ال خير فينا إن لم نقلها ويف معرض حديثه عن قضية‬
‫الدين العام نعى إلينا الدكتور منصور خالد – أحد وزراء خارجية نميري‬
‫السابقين ‪ ،‬والمساعد السابق لرئيس الجمهورية للتنسيق – فشل‬
‫المحاوالت التي تمت يف السابق لجعل السودان نموذجا مثاليا إللغاء‬
‫قوانين الرقابة على النقد األجنبي ‪.‬‬

‫القصة التي أوردها الدكتور تشير إلى مذكرة كان قد رفعها وزير المالية‬
‫يف ذلك الوقت حول إلغاء قوانين رقابة النقد ‪ « :‬تشير فيما تشير إلى‬
‫اتصال تم بين وزير المالية وكان برفقته يومها محافظ بنك السودان ووكيل‬
‫االقتصاد األخ فاروق المقبول وبين المسئولين يف صندوق النقد الدولي ‪.‬‬
‫وكان الصندوق يومها يتحدث عما عرف بمقرتحات فيتيفين (الرئيس‬
‫السابق للصندوق) والتي يسعى من ورائها الختيار إحدى الدول النامية‬
‫كنموذج لتجربة إلغاء قوانين النقد ‪ ،‬على أن يقوم الصندوق بعوهنا المادي‬
‫والفني إلجراء هذه التجربة ‪ ،‬وقد هرع وزير الخزانة المصري وقتها‬
‫الدكتور عبد العزيز حجازي ُمقرتحا أن تكون مصر هي مسرح هذه‬
‫التجربة إال أن األمر لم يتحقق لمصر يف النهاية ‪ ...‬بيد أن الحوار بين‬
‫صندوق النقد ومصر والذي دام لقرابة العام قد حال دون النقاش الجاد‬

‫‪81‬‬
‫لعرض السودان ‪ .‬وبالرغم من هذا فقد ناقش الوفد السوداين الذي أشرنا‬
‫إليه األمر مع الصندوق(‪.. )1‬‬

‫وعلى الرغم من حزن مساعد رئيس الجمهورية للتنسيق على فشل‬


‫المحاوالت السودانية إال أن الصندوق عاد واستلم زمام أمور االقتصاد‬
‫السوداين دون عون مادي أو فني !! فقد أصبح السودان فيما بعد ‪1978‬‬
‫ليس فقط مسرحا لتجربة إلغاء قوانين الرقابة على النقد وإنما معمال‬
‫خاصة للصندوق إلجراء تجاربه !!‬

‫لقد كانت أولى تجارب الصندوق يف السودان هي تخفيض قيمة الجنيه‬


‫السوداين يف يونيو ‪ 1978‬بناء على مذكرة سرية بعنوان (سعر صرف‬
‫الجنيه السوداين واإلجراءات المتصلة به) نورد تلخيصا موسعا لمحتوياهتا‬
‫يف القسم الثاين من هذه الورقة ألن «كل هذه األمور ال بد من تسجيلها‬
‫للتاريخ ألن اإللمام هبا أمر هام من جانب كل من يريد أن يدرس قصة‬
‫تصاعد الدين العام ‪ ،‬واختالل سعر الصرف ‪ ،‬وأثر ذلك كله على‬
‫اقتصادنا الوطني ‪ »..‬على حد قول الدكتور منصور خالد ‪.‬‬

‫يف مذكرته األولى هذه قام الصندوق بتخفيض الجنيه السوداين هبدف‬
‫تأمين تنافسية محاصيل الصادر السوداين حيث استخدمت النتائج األولية‬
‫لدارسة كان يقوم هبا نشاشيبي ‪ ،‬ثم نشرها فيما بعد ‪ ،‬مستخدما فيها‬

‫(‪)1‬‬
‫خالد (‪ )1985‬ص‪. 393‬‬

‫‪82‬‬
‫منهجية تنافسية المحاصيل للتوصل إلى النتيجة القائلة بأن الجنيه‬
‫السوداين كان مقوما بأكثر مما تمليه تركيبة األسعار العالمية وتركيبة‬
‫التكاليف المحلية – وعليه فقد قام الصندوق بإجراء تجربته األولى يف‬
‫السودان باستخدام هذه المنهجية إلحداث التعديالت يف سعر الصرف ‪.‬‬
‫يف القسم الثالث من هذه الورقة نقدم ‪ ،‬يف إيجاز شديد ‪ ،‬نقدا منهجيا‬
‫وتطبيقيا لمنهجية تنافسية المحاصل ‪.‬‬

‫ما يهمنا يف هذه الورقة هو نتاج هذه التجربة يف إطار المعمل السوداين‬
‫لصندوق النقد الدولي ‪ .‬فبعد أن أدى تخفيض سعر الصرف يف عام‬
‫‪ 1978‬إلى عدد من التخفيضات المتعاقبة دون أن يؤدي ذلك إلى تحقيق‬
‫أي من األهداف التجميعية التقليدية المتعلقة بالتوازن الخارجي ‪،‬‬
‫وانطالقا من مفهوم إجراء التجارب المعملية تفتق ذهن الصندوق عن‬
‫طريقة أخرى إلجراء التعديالت ‪ .‬ولما كان الصندوق مؤسسة مهنية ذات‬
‫كفاءة عالية فقد قام بكتابة مذكرة سرية أخرى بعنوان (ربط الجنيه‬
‫السوداين بسلة من العمالت) تقول إشاعات األوساط الدبلوماسية أن‬
‫محررها هو النشاشيبي ‪.‬‬

‫تقع المذكرة الجديدة للصندوق يف ثالثة أجزاء وتحتوي على ثالثة‬


‫مالحق ‪ .‬أما األجزاء (ص ‪ )8- 1‬فتشتمل على اآليت ‪:‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ -‬سياسة سعر الصرف ‪ :‬ويحتوي هذا الجزء على جزءين فرعيين هما‬
‫«التجربة حديثة العهد» و«التعديالت المستقبلية لسعر الصرف» ‪.‬‬

‫‪ -‬التعديل التدريجي لسعر الصرف ‪ :‬ويحتوي هذا الجزء على جزءين‬


‫فرعيين هما «مزايا التعديل التدريحى» و«التعديل من خالل سلة‬
‫للعمالت أم عملة واحدة» ‪.‬‬

‫‪ -‬آثار ربط الجنيه بسلة للعمالت ‪ :‬ويحتوي هذا الجزء على أربعة‬
‫أجزاء فرعية هي «التأثير على التجارة الخارجية» و«األثر يف عملية‬
‫التسعير» و«خدمات الديون» و«التأثير على سعر صرف السوق الحر» ‪.‬‬

‫أما المالحق (ص ‪ )19 – 9‬فتعني «بإدارة سعر الصرف تحت نظام‬


‫ربط الجنيه بسلة للعمالت» ‪« ،‬الملحق األول» ‪ ،‬و«تحديد السلة» ‪،‬‬
‫«الملحق الثاين» ‪ ،‬وتجارب البلدان األخرى ‪.‬‬

‫يف القسم الرابع من هذه الدراسة نقدم استعراضا لمحتويات أجزاء‬


‫المذكرة الثانية للصندوق هادفين من ذلك إلى «تسجيلها للتاريخ ألن‬
‫اإللمام هبا أمر هام» من ناحية ‪ ،‬وإلى إتاحة الفرصة للذين ال تصلهم مثل‬
‫هذه المذكرات السرية لالطالع عليها من ناحية أخرى ‪ .‬أما القسم‬
‫الخامس فيهتم بإيراد بعض من مالحظاتنا حول محاولة التجربة الثانية‬
‫للصندوق ‪ ،‬بينما نخصص القسم السادس لعدد من المالحظات‬
‫الختامية ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫هذا وتجدر اإلشارة إلى أننا سنغض الطرف عن محتويات مالحق‬
‫المذكرة الثانية للصندوق ألهنا تعنى باإلرشادات الواجب اتباعها لتطبيق‬
‫السياسة المقرتحة وهي إشارات لم تعد هتمنا يف شيء بعد اهنيار دعائم‬
‫الحكم البائد ومن ثم انتفاء استمرار السودان كمعمل خاص لصندوق‬
‫(‪)1‬‬
‫النقد الدولي !!‬

‫‪ -2‬المذكرة األولى لصندوق النقد الدولي‬


‫حول تخفيض سعر الجنيه السوداين‬
‫يف هذا القسم سنقوم باستعراض أهم ما ورد يف مذكرة صندوق النقد‬
‫الدولي حول (سعر صرف الجنيه السوداين واإلجراءات المتصلة به) ‪.‬‬
‫ولعله من المناسب مالحظة أن هذه المذكرة ‪ ،‬والتي ال تحمل تاريخا ‪،‬‬
‫تقع يف إحدى عشرة صفحة باإلضافة إلى رسمين بيانيين وقد اشتملت‬
‫على سبعة أقسام محتوياهتا كما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬مقدمة‬
‫‪ -‬عدم التوازن الداخلي‬
‫‪ -‬عالقة التكاليف باألسعار‬
‫‪ -‬تعديل سعر الصرف‬

‫(‪)1‬‬
‫لقد كان هذا ظننا عندما كتبت الورقة إال أن الحكومة االنتقالية قد قامت بتطبيق‬
‫نظام ربط الجنيه السوداين بسلة من العمالت كما أوصي الصندوق ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫‪ -‬الوقع على ميزان المدفوعات‬
‫‪ -‬الوقع على «الرتكيز» والميزانية‬
‫‪ -‬الوقع على تكاليف المعيشة‬

‫الحظت المذكرة يف مقدمتها أنه «على مدى السنوات القليلة الماضية‬


‫تسبب عدد من التطورات االقتصادية الداخلية والخارجية – كعمليات‬
‫الميزانية ‪ ،‬والتوسع يف االئتمان والعالقات بين التكاليف واألسعار – يف‬
‫إحداث خلل هيكلي يف االقتصاد السوداين وقد انعكست هذه التطورات‬
‫يف عدم التوازن الحاد يف الميزانية العامة وميزان المدفوعات ‪ .‬وعليه فقد‬
‫أضحى من الضروري القيام بخطوات إصالحية من خالل تخفيض قيمة‬
‫الجنيه السوداين باإلضافة إلى اتخاذ خطوات أخرى إلزالة أسباب‬
‫العجز» ‪ .‬هذا وقد حدد الهدف األساسي من هذه الخطوات اإلصالحية‬
‫على أنه زيادة معدل النمو من خالل ترشيد توزيع الموارد ومن ثم‬
‫االستغالل األمثل للميزة المقارنة لالقتصاد السوداين خصوصا يف الزراعة‬
‫والصناعة الزراعية» ‪.‬‬

‫أ‪ -‬عدم التوازن الداخلي ‪:‬‬


‫انتقلت المذكرة بعد ذلك لتحليل أسباب العجز يف االقتصاد السوداين‬
‫فأوضحت فيما يختص بعدم التوازن الداخلي أن ارتفاع اإلنفاق التنموي‬
‫من ثالثين مليون جنيه عام ‪ 1973/72‬إلى ما يفوق مائة مليون جنيه عام‬
‫‪ 1975/74‬لم يصاحبه ارتفاع يف االدخار بل بالعكس من ذلك تماما إذ‬

‫‪86‬‬
‫انخفض االدخار العام حتى أصبح سالبا على الرغم من الزيادة المتسارعة‬
‫يف اإليرادات الحكومية ‪ .‬وعزت المذكرة هذا التطور إلى ارتفاع‬
‫التحويالت من الحكومة المركزية إلى الحكومات المحلية من ناحية‬
‫وإلى الزيادة الملحوظة يف اإلنفاق الجاري على الخدمة المدنية والتدهور‬
‫الملحوظ يف الموقف المالي لعدد من المؤسسات العامة من ناحية أخرى‬
‫‪ ،‬مما نتج عنه ارتفاع يف عجز الميزانية الجارية من ثالثين مليون جنيه عام‬
‫‪ 1973/72‬إلى ما يفوق ‪ 150‬مليون جنيه عام ‪ . 1975/74‬ترتب على‬
‫هذا العجز أن اضطرت الحكومة والمؤسسات العامة للجوء المتزايد‬
‫لالستدانة من القطاع المصريف مما أدى إلى توسع شديد يف االئتمان‬
‫المحلي بلغ ‪ 99‬مليون جنيه عام ‪« 1975/74‬واالقرتاض من الخارج‬
‫مما أدى إلى ارتفاع المديونية وزيادة ضغوط خدمات الديون حتى بلغت‬
‫نسبة يصعب مقابلتها من إيرادات الصادر» ‪ .‬ومن ثم فقد أدت السياسات‬
‫المالية والنقدية للحكومة خالل الفرتة ‪ 1975/74 – 1973/72‬إلى‬
‫تفاقم موجة ارتفاع األسعار بحيث أصبح معدل التضخم السائد يف‬
‫السودان أعلى من معدالت التضخم يف األقطار التي يتعامل معها تجاريا ‪.‬‬
‫هذا ولقد شهدت الفرتة حتى ‪ 1976/75‬ارتفاعا شديدا يف تكلفة‬
‫العمالة ‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫ب‪ -‬عدم التوازن الخارجي ‪:‬‬

‫تالحظ المذكرة أن عدم التوازن الداخلي باإلضافة إلى ارتفاع أسعار‬


‫المستوردات أدى إلى تفاقم العجز يف ميزان المدفوعات ‪ ،‬حيث تسبب‬
‫اإلنفاق التنموي الحكومي المباشر والضغوط التضخمية العالمية‬
‫واالنخفاض النسبي لتكلفة اإليرادات إلى زيادة استيراد السلع‬
‫االستهالكية والمواد الخام ونقص يف استيراد المواد الوسيطة إلنتاج‬
‫الصادرات ‪ ،‬مما ترتب عليه أن ازدادت فاتورة االستيراد من متوسط ‪118‬‬
‫مليون جنيه سنويا للفرتة ‪ 1973/1970‬إلى ‪ 250‬مليون جنيه عام‬
‫‪ ، 1975/74‬بينما لم ترتفع حصيلة الصادرات ‪ ،‬األمر الذي أدى إلى‬
‫ارتفاع العجز يف ميزان الحساب الجاري من متوسط سنوي بلغ ‪ 19‬مليون‬
‫جنيه للفرتة ‪ 1973 – 1970‬إلى حوالي مائة وخمسين مليون جنيه عام‬
‫‪ . 1975/74‬ولتغطية هذا العجز لجأت الحكومة إلى االقرتاض‬
‫الخارجي غير الميسر مما نتج عنه أن ازدادت الديون الخارجية من‬
‫حوالي ‪ 162‬مليون جنيه بنهاية عام ‪ 1972‬إلى حوالي ‪ 390‬مليون جنيه‬
‫سوداين بنهاية يونيو ‪ . 1975‬وارتفعت خدمة الديون كنسبة من واردات‬
‫العمالت األجنبية من ‪ %17‬عام ‪ 1973/1972‬إلى حوالي ‪ %27‬يف عام‬
‫‪« 1975/1974‬آخذين يف االعتبار الموقف المتدهور الحتياطي‬
‫السودان من العمالت األجنبية والذي أصبح يعادل تكلفة واردات‬
‫أسبوعين فقط ‪ .‬فإن هذا الموقف لميزان المدفوعات السودانية ال يمكن‬

‫‪88‬‬
‫دعمه ‪ .‬باإلضافة إلى ذلك فإذا لم تتخذ خطوات عاجلة للحد من‬
‫الضغوط التضخمية حتى يتسنى معالجة الخلل يف ميزان المدفوعات يف‬
‫المدى المتوسط فسيصبح من العسير على السودان الحصول على‬
‫قروض خارجية مما سيكون له أثر سلبي يف برامج التنمية التي تعتمد‬
‫اعتمادا أساسيا على مثل هذه القروض» ‪.‬‬

‫ج‪ -‬عالقة التكلفة باألسعار‬

‫تشير المذكرة إلى دراسة قطاعية تختص برتكيبة التكلفة واتجاهات‬


‫األسعار العالمية ألهم ستة محاصيل زراعية سودانية ‪ :‬القطن طويل‬
‫ومتوسط التيلة والفول السوداين المروي ‪ ،‬والذرة المروية ‪ ،‬والقمح‬
‫والسمسم والسكر ‪ .‬تم إعدادها بواسطة الصندوق وتؤيد نتائجها‬
‫االعتبارات التجميعية التي تم استعراضها سابقا والتي تقول بوجوب‬
‫تخفيض سعر صرف الجنيه السوداين ‪ .‬وتستند نتائج هذه الدراسة على‬
‫مالحظة أن ارتفاع مدخالت اإلنتاج الزراعية قد حافظت على اتجاهاهتا‬
‫الصعودية بينما بدأت أسعار الصادرات يف الثبات مما أحدث تدنيا يف‬
‫الهوامش الربحية لهذه السلع خصوصا تلك كثيفة استخدام المدخالت‬
‫اإلنتاجية المستورادة (القمح) ‪ .‬كما تشير الدراسة إلى أن القطن قد ظل‬
‫يتحمل تكلفة إنتاج كل المحاصيل المروية مما أسفر عنه إحجام‬
‫المزارعين عن العناية هبذا المحصول الحيوي ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫والحظت الدراسة أنه إذا ما تمت جباية رسوم تكلفة إنتاج الفول‬
‫والقمح والذرة فإن هذه المحاصيل لن تتمكن من المنافسة عالميا على‬
‫أساس سعر الصرف السائد لها (واحد جنيه = ‪ 2,5‬دوالر) بينما سيكون‬
‫القطن منافسا هامشيا ‪ .‬إال أنه إذا استمرت االتجاهات الصعودية يف تكلفة‬
‫اإلنتاج من ناحية ‪ ،‬وإذا لم تـتحسن التوقعات للطلب على القطن‬
‫وصاحبها انخفاض يف األسعار من ناحية أخرى ‪ ،‬فسيكون من الالزم‬
‫تخفيض سعر صرف الجنيه السوداين حتى تصبح زراعة القطن مجزية من‬
‫الناحية الربحية ‪.‬‬

‫تالحظ المذكرة أنه على الرغم من صعوبة الحسابات المباشرة لدى‬


‫تخفيض سعر الصرف نسبة لعدم توفر المعلومات ولتفشي القيود الكمية‬
‫على االستيراد ‪ ،‬فإن الحسابات المبنية على إعادة أربحية اإلنتاج للتصدير‬
‫تتطلب تخفيضا لسعر الصرف بحيث يصبح الجنيه السوداين يعادل ‪2,5‬‬
‫دوالر مما يعني أن نسبةالتخفيض المطلوبة تبلغ ‪ %30‬على أساس سعر‬
‫الصرف الرسمي و‪ %20‬على أساس سعر الصرف الفعلي ‪ .‬كما يعني هذا‬
‫التخفيض أن العملة األجنبية ستصبح أكثر تكلفة بنسبة ‪ %44‬على أساس‬
‫السعر الرسمي و ‪ %25‬على أساس السعر الفعلي وتقول المذكرة أن هذا‬
‫التخفيض سيكون كافيا إلعادة توازن تركيبة التكلفة يف السودان مع‬
‫األسعار العالمية كما سيوفر مجاال للتكيف مع زيادة تكلفة العمالة التي‬
‫ستصاحب إزالة التشوهات يف أسعار المدخالت اإلنتاجية ‪ .‬ومن ثم فإن‬

‫‪90‬‬
‫التخفيض المقرتح سيؤمن تنافسية أهم المحاصيل السودانية وسيخلق‬
‫فرصا كبيرة للتوسع يف الصناعات الزراعية ومن ثم سيوسع المقدرة‬
‫التصديرية ‪ .‬وتسارع المذكرة لتالحظ أنه «ألغراض االستفادة من الوقع‬
‫الكلي للتخفيض على تخصيص الموارد ال بد من ترك جهاز األسعار‬
‫ليعكس تكلفة اإلنتاج بحرية ‪ ،‬وباألخص ‪ ،‬ال بد من استبدال نظام‬
‫الشراكة يف التكلفة المعمول به يف مشروع الجزيرة بنظام فرض فئات للماء‬
‫واألرض لكل المحاصيل المروية» ‪.‬‬

‫كذلك تالحظ المذكرة أن نجاح التعديل المقرتح ‪ ،‬والذي يتطلب أن‬


‫يساوي الجنيه دوالرين يف تحقيق الهدف المتوسط المدى سيعتمد‬
‫اعتماد ًا كبيرا على نجاح اإلجراءات التي ستتخذ للتغلب على مشكلة‬
‫التضخم ‪ ،‬فإذا لم يتحقق التوازن النقدي المحلي فإن الحاجة إلى تعديل‬
‫آخر يف سعر الصرف ستظهر من جديد ‪.‬‬

‫تنتقل المذكرة بعد ذلك لتعدد آثار تخفيض سعر الصرف وتتوصل إلى‬
‫النتائج التالية ‪:‬‬

‫أ‪ -‬يتوقع أن يكون التحسن الذي سيطرأ على الميزان التجاري‬


‫يف المدى القصير متوسطا ‪ ،‬إال أنه سيزداد مع الزمن بعد أن‬
‫تتعدل األنماط الزراعية وتزرع أراض جديدة ويبدأ السودان يف‬
‫إنتاج سلع ذات مرونات دخل مرتفعة ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫ب‪ -‬يف المدى القصير يتوقع أن تتصف الواردات بمرونات‬
‫سعرية متدنية وذلك نسبة للقيود الكمية الممارسة التي خفضت‬
‫هذه الواردات إلى أدنى مستوياهتا ‪ ،‬إال أن التخفيض من شأنه‬
‫التخفيف التدريجي من وقع هذه القيود بحيث يتحدد حجم‬
‫الواردات عن طريق قوى السوق األمر الذي سيؤدي إلى‬
‫استخدام أكثر كفاءة لموارد النقد األجنبية الشحيحة باإلضافة‬
‫إلى ذلك فإن التكلفة المرتفة للواردات ستشجع تلك‬
‫المشروعات والوحدات اإلنتاجية التي تتسم بمحتوى استيراد‬
‫متدن كما ستحفز إنتاج السلع التي تحل محل الواردات ‪.‬‬

‫ج‪ -‬نتيجة لتقوية الثقة يف الجنيه السوداين سيؤدي التخفيض إلى‬


‫تشجيع االستثمار األجنبي باإلضافة إلى نمو الصادرات سيؤدي‬
‫إلى وفرة النقد األجنبي مما سيمكن من استيراد مدخالت‬
‫اإلنتاج الزراعية والصناعية بكميات أكرب ومن ثم سيؤدي إلى‬
‫ارتفاع معدل استغالل الطاقة المصممة ‪.‬‬

‫د‪ -‬سيؤدي التخفيض إلى تحسين الوضع المالي للحكومة على‬


‫الرغم من أن مثل هذا التحسن ربما كان ضئيال إذا لم تصاحبه‬
‫إجراءات ضرائبية إضافية ‪ ،‬فبينما ستتأثر اإليرادات الحكومية‬
‫سلبا نسبة لالرتفاع يف تكلفة استيراد السكر ‪ ،‬إال أن هذه الخسارة‬
‫ستغطي بواسطة الزيادة يف اإليرادات الناتجة عن الضرائب‬

‫‪92‬‬
‫النسبية على التجارة الخارجية التي سرتتفع قاعدة تقييمها بنسبة‬
‫‪ . %44‬هذا ‪ ،‬وسيكون تأثير التخفيض على اإلنفاق الجاري‬
‫هامشيا لما تتسم به بنود هذا اإلنفاق من تدين محتواها‬
‫االستيرادي ‪.‬‬

‫هـ‪ -‬بينما سيؤدي التخفيض إلى زيادة تكلفة اإلنفاق التنموي‬


‫نسبة لمحتواها االستيرادي المرتفع إال أن هذه الزيادة لن تؤدي‬
‫إلى عبء مالي ذي أهمية ألن التخفيض سيؤدي إلى ارتفاع قيمة‬
‫القروض الخارجية التي ستستخدم يف تمويل اإلنفاق التنموي‬
‫(القيمة بالجنيه السوداين) ‪.‬‬

‫وفيما يختص بتأثير القيود الكمية على االستيراد فإن «ريع الندرة»‬
‫الذي كانت تجنيه تلك الفئات التي تتمكن من الحصول على تراخيص‬
‫استيراد سيتدين ‪ ،‬كما وأنه نسبة ألن تخفيض سعر الصرف سيؤدي إلى‬
‫ارتفاع إنتاج السلع التي تحل محل الواردات فإن الوقع اإلجمالي‬
‫للتخفيض سيتمثل يف ارتفاع أسعار المستهلكين بنسبة ‪ %7 – 6‬وهي نسبة‬
‫ستكون أدنى لسكان القطاع الريفي الذين يستهلكون سلعا ذات محتوى‬
‫استيرادي متدن ومن ثم فإن تأثير التخفيض يف تكاليف المعيشة سينحصر‬
‫يف القطاع الحضري فقط ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫‪ -3‬منهج تنافسية المحاصيل ‪ :‬فشل التجربة‬
‫األولى‬
‫يتضح من استعراض مذكرة الصندوق األولى يف القسم الثاين أعاله أن‬
‫صندوق النقد الدولي قد استند يف حجته القائلة بتخفيض سعر صرف‬
‫الجنيه السوداين يف عام ‪ 1978‬على النتائج األولى لدراسة قام بنشرها فما‬
‫بعد النشاشيبي (‪ . )1980‬واستخدم النشاشيبي يف دراسته ما يسمى‬
‫بمنهج تنافسية المحاصيل الذي يعتمد على استخالص تكلفة اإلنتاج‬
‫الفعلية لهذه المحاصيل بعد تعديل تكاليف اإلنتاج المحلية وأسعار‬
‫مدخالت اإلنتاج المستوردة لتأخذ يف االعتبار مختلف الضرائب‬
‫وسياسات الدعم وغيرها من أسباب التشوهات السعرية (من تحكم يف‬
‫األسعار واتباع األساليب االحتكارية) ‪ .‬أي بمعنى آخر يعتمد هذا المنهج‬
‫على تقدير التكاليف على أساس األسعار العالمية باعتبارها أفضل مؤشر‬
‫ألسعار السوق التنافسي ‪.‬‬

‫علي أساس هذه التكاليف الفعلية يمكن احتساب صايف النقد األجنبي‬
‫الذي يتم الحصول عليه من تصدير السلعة المعنية ‪ ،‬أو الذي يتم توفيره‬
‫من عدم استيراد السلعة يف حالة سلع إحالل الواردات ‪ ،‬الذي يمكن‬
‫مقارنته بوحدة الموارد المحلية التي تستخدم يف إنتاج السلعة تحت‬
‫النظر ‪ .‬يعني ذلك أنه يمكن القيام بتقدير سعر صرف ضمني لكل‬

‫‪94‬‬
‫محصول يقارن النقد األجنبي الذي يتم توفيره بالموارد المحلية التي يتم‬
‫استخدامها يف اإلنتاج ‪ .‬وقد عرب النشاشيبي عن هذه العالقة بمؤشر أسماه‬
‫تنافسية المحصول أو السلعة ‪ ،‬أو ما يمكن أن نطلق عليه سعر صرف‬
‫المحصول أو السلعة ‪ ،‬وقد عرفه على النحو التالي ‪:‬‬

‫معادلة رقم (‪)1‬‬

‫(تنافسية المحصول) = (القيمة المضافة العالمية) × (سعر الصرف) ÷ (تكلفة عوامل اإلنتاج المحلية)‬
‫(بالعملة المحلية)‬ ‫(بالعملة المحلية)‬ ‫(بالدوالر)‬

‫حيث عرفت القيمة المضافة العالمية على النحو التالي ‪:‬‬

‫معادلة رقم (‪:)2‬‬

‫(القيمة المضافة العالمية) = (قيمة انتاج السلعة على أساس األسعار‬


‫العالمية) ناقصا (تكلفة عوامل اإلنتاج المستوردة باألسعار العالمية)‬

‫هذا وقد استخدم النشاشيبي هذا المنهج لتقدير تنافسية مختلف‬


‫المحاصيل الزراعية السودانية للسنوات ‪ 1973/72‬و‪. 1977/76‬‬
‫ويهمنا يف هذا المجال تلخيص ما توصل إليه التحليل من نتائج تختص‬
‫بالمحاصيل المروية ‪ ،‬إذ إنه وألسباب تتعلق بتوفر المعلومات لم يكن‬
‫من المستطاع الحصول على نتائج المحاصيل المطرية لعام ‪: 1973/72‬‬

‫‪95‬‬
‫جدول رقم (‪)1‬‬
‫تنافسية المحاصيل الزراعية السودانية ‪ :‬نتائج النشاشيبي‬
‫(دوالر للجنيه السوداين)‬

‫‪1977/76‬‬ ‫‪1973/72‬‬ ‫المحصول‬


‫‪2,69‬‬ ‫‪3,52‬‬ ‫قطن طويل التيلة‬
‫‪2,22‬‬ ‫‪2,75‬‬ ‫قطن متوسط التيلة‬
‫‪2,46‬‬ ‫‪1,92‬‬ ‫فول‬
‫‪1,10‬‬ ‫‪1,05‬‬ ‫قمح‬
‫‪1,34‬‬ ‫‪1,39‬‬ ‫ذرة‬
‫‪2,26‬‬ ‫‪3,96‬‬ ‫سكر‬
‫‪2,26‬‬ ‫‪2,68‬‬ ‫المتوسط المثقل (*)‬
‫المصدر ‪ :‬النشاشيبي (‪ )1980‬جدول رقم (‪ )5‬ص ‪. 49‬‬

‫(*) مالحظة ‪ :‬للتثقيل استخدمت األنصبة يف قيمة الناتج ‪.‬‬

‫ولعل يف استطاعة القارئ القيام برتتيب هذه المحاصيل فيما يتعلق‬


‫بتنافسيتها كما لعله من الواضح أن تنافسية المحاصيل الزراعية السودانية‬
‫قد تدهورت خالل السنوات تحت الدراسة ‪ ،‬إال أن ما يهمنا مالحظته هو‬
‫إمكانية القول بتخفيض سعر الجنيه السوداين على أساس مقارنة سعر‬
‫صرف المحصول المعني بسعر الصرف السائد يف السنة المعنية ‪ .‬ويمكن‬
‫تلخيص هذه اإلمكانية يف قانون التخاذ القرار يقضي بالمقارنة التالية ‪:‬‬

‫‪96‬‬
‫معادلة رقم (‪: )3‬‬

‫إذا كان سعر صرف المحصول أكرب من (أصغر من) سعر الصرف‬
‫السائد يتوجب زيادة سعر الصرف السائد (تخفيض سعر الصرف السائد)‬

‫علي افرتاض إمكانية تطبيق هذه المنهجية يف ظروف االقتصاد‬


‫السوداين ‪ ،‬وعلى افرتاض أهنا مقبولة من الناحية النظرية ‪ ،‬قمنا باختبار‬
‫سجل التخفيضات المتعاقبة لسعر صرف الجنيه السوداين خالل الفرتة‬
‫‪ 1983 – 1978‬وذلك للحكم على سياسات صندوق النقد الدولي من‬
‫خالل تطبيق منهجيته ذاهتا حتى نضمن لنفسنا حيادا أكاديميا نحن يف غنى‬
‫عنه على أية حال ‪ .‬وألغراض هذا االختبار استخدمنا المعطيات‬
‫واالفرتاضات التالية ‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن هنالك عالقة سببية بين تنافسية المحصول المعني وإنتاجيته‬
‫معربا عنها بالغلة الفدانية ‪ :‬ونسارع لنالحظ أن صياغة هذه الدالة تستند‬
‫على مذكرة الصندوق وعلى تحليل النشاشيبي باستخدام هذه الصياغة‬
‫يمكن الحصول على مرونة تنافسية المحصول المعني بالنسبة إلنتاجيته ‪.‬‬
‫وقد قمنا بحساب هذه المرونات على أساس مقارنة النتائج المنشورة‬
‫لألعوام ‪ 1977/76‬و‪ : 1981/80‬هذا وقد كانت المرونات على النحو‬
‫التالي ‪:‬‬

‫‪97‬‬
‫القطن طويل التيلة (‪ ، )1,19‬القطن متوسط التيلة (‪ ، )2,5‬الفول‬
‫المروي (‪ ، )1‬الفول المطري (‪ ، )0,54‬السمسم (‪. )4,06‬‬

‫ب‪ -‬إن دالة التنافسية معرفة على اإلنتاجية دالة لوغارثمية بمعنى أن‬
‫المرونات المحسوبة أعاله ستظل ثابتة خالل فرتة التحليل ‪ .‬وعلى الرغم‬
‫من أن هذا افرتاضا يمكن اعتباره متصلبا للغاية إال أنه ولعدم توفر‬
‫المعلومات ال يوجد افرتاض بديل مناسب ‪ .‬وعلى الرغم من تصلبه إال‬
‫أن افرتاضنا ال يعترب أكثر تصلبا من افرتاضات مذكرة الصندوق ‪.‬‬

‫ج‪ -‬إن سلع القطن والفول والسمسم تمثل أهم صادرات القطر ومن‬
‫ثم يمكن التوصل إلى سعر صرف الجنيه السوداين بتثقيل أسعار صرف‬
‫كل من هذه المحاصيل بنصيب المحصول يف حصيلة الصادرات‬
‫للسنوات المعنية ‪ .‬ويجدر بنا مالحظة أن هذا االفرتاض قد كان صحيحا‬
‫فيما قبل عام ‪1980‬م ‪ .‬إال أن الرتكيبة النسبية للصادرات السودانية قد‬
‫تغيرت جذريا بعد ذلك عندما بدأ األثر اإلسالمي يف الظهور بحيث‬
‫تساوي النصيب النسبي لصادرات الحبوب مع نصيب صادرات القطن‬
‫!! ‪.‬‬

‫علي أساس هذه االفرتاضات قمنا بحساب أسعار الصرف لكل‬


‫محصول على حدة وحساب سعر صرف الجنيه السوداين للفرتة‬
‫‪. 1983/82 – 1978/77‬‬

‫‪98‬‬
‫ولقد كان النتائج على النحو الذي يوضحه الجدول التالي ‪:‬‬
‫جدول رقم (‪)2‬‬
‫منهجية تنافسية المحاصيل ‪ :‬أسعار الصرف المحصولية‬
‫(دوالر للجنيه السوداين)‬
‫‪83/82‬‬ ‫‪82/81‬‬ ‫‪81/80‬‬ ‫‪80/79‬‬ ‫‪79/78‬‬ ‫‪78/77‬‬ ‫البند‬
‫‪2,48‬‬ ‫‪2,31‬‬ ‫‪1,22‬‬ ‫‪1,30‬‬ ‫‪1,75‬‬ ‫‪2,69‬‬ ‫طويل‬ ‫القطن‬
‫التيلة‬
‫‪4,07‬‬ ‫‪3,36‬‬ ‫‪1,61‬‬ ‫‪1,25‬‬ ‫‪1,58‬‬ ‫‪2,22‬‬ ‫القطن متوسط‬
‫التيلة‬
‫‪1,77‬‬ ‫‪1,50‬‬ ‫‪1,50‬‬ ‫‪2,21‬‬ ‫‪1,75‬‬ ‫‪2,46‬‬ ‫الفول المروى‬
‫‪3,03‬‬ ‫‪3,03‬‬ ‫‪3,40‬‬ ‫‪3,01‬‬ ‫‪3,34‬‬ ‫‪3,22‬‬ ‫الفول المطرى‬
‫‪3,43‬‬ ‫‪4,72‬‬ ‫‪2,79‬‬ ‫‪2,29‬‬ ‫‪2,68‬‬ ‫‪2,68‬‬ ‫السمسم‬
‫‪2,92‬‬ ‫‪2,05‬‬ ‫‪2,16‬‬ ‫‪1,56‬‬ ‫‪1,94‬‬ ‫‪2,66‬‬ ‫الصرف‬ ‫سعر‬
‫المحصولي‬
‫المثقل‬
‫‪0,77‬‬ ‫‪1,17‬‬ ‫‪2,00‬‬ ‫‪2,00‬‬ ‫‪2,50‬‬ ‫‪2,87‬‬ ‫الصرف‬ ‫سعر‬
‫الرسمى‬
‫‪0,62‬‬ ‫‪1,06‬‬ ‫‪1,25‬‬ ‫‪2,00‬‬ ‫‪2,00‬‬ ‫‪2,50‬‬ ‫الصرف‬ ‫سعر‬
‫الفعلى‬
‫‪0,68‬‬ ‫‪1,10‬‬ ‫‪1,60‬‬ ‫‪2,00‬‬ ‫‪2,39‬‬ ‫‪3,75‬‬ ‫الصرف‬ ‫سعر‬
‫المثقل‬
‫المصدر ‪ :‬علي (‪)1985‬‬

‫‪99‬‬
‫دعنا نالحظ أنه فيما يتعلق بعام ‪1982/81‬م فقد احت ُِسب سعر‬
‫الصرف الرسمي بالتثقيل الزمني لألسعار ‪ 1,25‬دوالر للجنيه والذي كان‬
‫سائدا خالل الفرتة (‪ )1981/11/9 – 1981/6/8‬و ‪ 1,11‬دوالر‬
‫للجنيه والذي كان سائدا خالل الفرتة (‪– 1981/11/12‬‬
‫‪ . )1982/8/30‬كذلك فيما يتعلق بعام ‪ 1982/81‬استخدم التثقيل‬
‫الزمني بالطريقة الموضحة أعاله باإلضافة إلى التثقيل النسبي خالل الفرتة‬
‫الثانية ‪ ،‬حيث احتسبت ‪ %75‬من حصيلة الصادرات على أساس سعر‬
‫‪ 0,9‬دوالر للجنيه ‪ .‬أما فيما يتعلق بعام ‪ 1983/82‬فقد تم التوصل إلى‬
‫المتوسط المثقل بحيث احتسبت ‪ %75‬من حصيلة الصادرات على‬
‫أساس السعر الرسمي بينما عوملت ‪ %25‬من حصيلة الصادرات على‬
‫أساس متوسط سعر صرف للسوق الحر بلغ ‪ 0,57‬دوالر للجنيه ‪.‬‬

‫ليس من الصعوبة بمكان استخدام قانون اتخاذ القرار الذي لخصناه يف‬
‫المعادلة رقم (‪ )3‬للتأكد من صحة النتائج التالية ‪:‬‬

‫النتيجة األولى ‪:‬‬

‫أن سياسة تخفيض سعر صرف الجنيه السوداين خالل الفرتة ‪– 1978‬‬
‫‪ ، 1983‬محكوما عليها بمنهجية تنافسية محاصيل الصادر السودانية التي‬
‫قال هبا الصندوق ‪ ،‬قد كانت سياسة خاطئة باستمرار إما (أ) ألن قرار‬

‫‪100‬‬
‫التخفيض قد كان صوابا إال أن نسبة التخفيض قد كانت خطأ ‪ ،‬أو (ب)‬
‫ألن قرار التخفيض كان خطأ ثم كانت نسبة التخفيض خطأ أيضا ‪.‬‬

‫النتيجة الثانية ‪:‬‬

‫أن التطبيق الصارم لمنهجية التنافسية التي قال هبا الصندوق كان‬
‫يقتضي تعديل سعر الصرف بحيث تزداد قيمة الجنيه السوداين ابتدا ًء من‬
‫موسم ‪. 1982/81‬‬

‫النتيجة الثالثة ‪:‬‬

‫أن سياسة تخفيض سعر صرف الجنيه السوداين على المستوى‬


‫التجميعي لالقتصاد محكوما عليها بمنهجية التنافسية قد كانت خطأ‬
‫لألسباب الواردة يف النتيجة األولى أعاله ‪ .‬كما أن التطبيق الصارم لهذه‬
‫المنهجية كان يقتضي تعديل سعر الصرف بحيث تزداد قيمة الجنيه‬
‫السوداين ابتداء من موسم ‪. 1981/80‬‬

‫هذا ما كان من أمر الحكم على سياسة التخفيض بمعيار المنهجية التي‬
‫قال هبا الصندوق ‪ .‬وتجدر اإلشارة كذلك إلى أن حسين وثيرلول‬
‫(‪ )1984‬قد قاما باختيار تطبيقي آخر لمضامين اإلطار الذي اقرتحه‬
‫الصندوق لتخفيض سعر صرف الجنيه السوداين وذلك عن طريق تقدير‬
‫دوال لعرض الصادرات باستخدام نماذج االقتصاد القياسي ‪ ،‬حيث قاما‬

‫‪101‬‬
‫بمفاضلة المعادلة رقم (‪ )1‬بالنسبة للزمن للحصول على الشروط‬
‫الواجب توفرها لنجاح سياسة التخفيض ‪ .‬وقد توصال إلى نتيجة مؤداها‬
‫أن « مرونة العرض المتدنية باإلضافة إلى مرونة مرتفعة لألسعار بالنسبة‬
‫لتخفيض سعر الصرف تؤدي إلى خسارة يف النقد األجنبي لكل وحدة من‬
‫الموارد المحلية المستخدمة يف إنتاج السلعة لكل سلع الصادر ‪ .‬وعلى‬
‫المستوى التجميعي يقدران تخفيضا لسعر الصرف بنسبة ‪ %1‬يؤدي إلى‬
‫فقدان للنقد األجنبي بنسبة ‪ %1.02‬لكل وحدة من الموارد المحلية‬
‫المستخدمة ‪ .‬ولقد سجل الفول أعلى خسارة لما يتسم به من ٍ‬
‫تدن يف‬
‫مرونة العرض وارتفاع لدرجة المرور العابر ٍ‬
‫تدن ( ص ‪. )160 – 195‬‬

‫وبعد ‪ ،‬يبدو أن الصندوق قد بدأ يف االقتناع بفشل تجربته األولى يف‬


‫مجال سياسة سعر الصرف (ليس بفعل الشواهد التجريبية المرتاكمة وألن‬
‫قاطني الغابات السودانية قد عرضوا سياسته لنقد موضوعي استخدمت‬
‫فيه أساليب التحليل المهنية المتعارف عليها) ‪ .‬ومن ثم فقد بدأ يف‬
‫التحضير إلجراء تجربة ثانية يف نفس المجال ‪ .‬وليس على الصندوق من‬
‫حرج يف ذلك إذا كان يف متناول يديه معمل خاص ‪ ،‬تحصل عليه دون‬
‫عون مادي أو فني إلجراء التجارب !!‬

‫‪102‬‬
‫‪ -4‬ربط الجنيه السوداين بسلة للعمالت‬
‫نحو تجربة ثانية للصندوق‬
‫كما سبق وذكرنا فسوف يهتم هذا القسم باستعراض محتويات مذكرة‬
‫صندوق النقد الدولي فيما يتعلق بتجربته الثانية يف مجال سعر الصرف ‪،‬‬
‫وذلك بغرض التوثيق من ناحية وحتى يتسنى لنا التعليق على هذه‬
‫المحتويات فيما بعد من ناحية ثانية ‪ .‬هذا وسنقوم باتباع التسلسل‬
‫األصلي لمذكرة الصندوق حسبما أوردنا يف المقدمة ‪.‬‬

‫سياسة سعر الصرف‬

‫يشتمل هذا الجزء من مذكرة الصندوق على جزأين فرعيين ‪ ،‬على‬


‫النحو التالي ‪:‬‬

‫أ – التجربة حديثة العهد ‪:‬‬

‫يقول الصندوق يف مذكرته أنه «خالل السنوات الماضية وجد السودان‬


‫أنه من الضروري القيام بتخفيض سعر صرف الجنيه السوداين مقابل‬
‫الدوالر األمريكي عدة مرات ‪ .‬ولما كانت الفرتة الزمنية بين كل تخفيض‬
‫وآخر طويلة ‪ ،‬فقد تمت التخفيضات بالضرورة بنسب كبيرة من ناحية ‪.‬‬
‫كما تفشى ‪ ،‬بالضرورة أيضا ‪ ،‬خربها قبيل تنفيذها ومن ثم أصبحت‬
‫معلومات عامة ‪ ،‬من ناحية أخرى ‪ .‬لقد كان لمثل هذه التعديالت الكبيرة‬

‫‪103‬‬
‫عدد من النتائج السلبية من أهمها االرتفاع الحاد يف أسعار المستوردات‬
‫(بما يف ذلك أسعار الواردات األساسية كالبرتول والقمح والسكر)‬
‫والمضاربة ‪ ،‬والتي فرضت تكلفة حقيقية على االقتصاد ‪ ،‬وبعض اآلثار‬
‫التوزيعية التي حابت المجموعات التي تعمل بالتجارة ‪ .‬وكنتيجة‬
‫لالرتفاع الهائل واآلين يف تكلفة المعيشة فقد اكتسبت تعديالت سعر‬
‫الصرف صفة «االنكشاف» التي أدت بدورها إلى إثارة المعارضة‬
‫السياسية مما جعل تنفيذ تعديالت الحقة يف سعر الصرف من الصعوبة‬
‫بمكان» ‪.‬‬

‫«ولقد كان لموجة المضاربة التي صاحبت (تخفيضات) عامي ‪1981‬‬


‫و‪ 1982‬عدد من اآلثار االقتصادية الضارة ‪ .‬فحالما تأسست التوقعات‬
‫فيما يتعلق بتخفيض آت ‪ ،‬قام المصدرون باالحتفاظ بسلعهم للحصول‬
‫على غنائم مالية بالعملة المحلية ‪ ،‬ويف نفس الوقت قام عدد كبير من‬
‫التجار المحليين ببناء مخزوناهتم من سلع الصادر والوارد لنفس الهدف‬
‫وتمت مكافآهتم بارتفاع قيمة هذه السلع بالعملة المحلية بعد تنفيذ‬
‫تخفيض سعر العملة ‪ .‬وقد تسبب هذا يف تحويل للدخل من المستهلكين‬
‫والمنتجين إلى التجار ‪ .‬هذا ولقد تطلبت نشاطات بناء المخزون السلعي‬
‫هذه تمويال إضافيا من البنوك والذي كان يمكن تدفقه يف مجاالت أكثر‬
‫إنتاجية يف االقتصاد ‪ .‬باإلضافة إلى ذلك فقد زاد الضغط على االحتياطي‬
‫الرسمي من النقد األجنبي ‪ ،‬األمر الذي ربما تسبب يف تدين ما هو متاح‬

‫‪104‬‬
‫من النقد األجنبي لألغراض األساسية وخدمات الديون المستحقة يف‬
‫آجالها المحدودة ‪ .‬ومن ثم ‪ ،‬فقد أدت موجة المضاربة إلى تفاقم حالة‬
‫عدم التوازن الخارجي ‪ ،‬وأدت أيضا إلى ارتفاع سعر صرف الدوالر يف‬
‫السوق الحر إلى مستويات ال يمكن تربيرها بقوى العرض والطلب» ‪.‬‬

‫ب‪ -‬التعديالت المستقبلية لسعر الصرف ‪:‬‬

‫يقول الصندوق أن «هذه العوامل األربعة ‪ :‬االرتفاع الحاد يف‬


‫األسعار ‪ ،‬واالنكشاف السياسي للتخفيض ‪ ،‬وسوء تخصيص الموارد‬
‫بسبب المضاربة ‪ ،‬واألثر السلبي على توزيع الدخل ‪ ،‬التي تصاحب‬
‫التخفيضات الكبيرة يف أسعار الصرف» تعضد وبشدة الحجة القائلة باتباع‬
‫منهج التعديل التدريجي لسعر الصرف ‪ .‬فبينما يعترب سعر الصرف‬
‫الرسمي السائد حاليا مالئما لضمان تنافسية الصادرات السودانية يف‬
‫اإلطار الحالي لرتكيبة التكاليف ‪ ،‬واألسعار العالمية واإلنتاجية ‪ ،‬إال أنه‬
‫ليس من المتوقع أن تستمر هذه الظروف لمدة طويلة ‪ .‬فالتغيير يف أي من‬
‫هذه العوامل ‪ ،‬وخصوصا تكاليف اإلنتاج التي تتأثر بتحركات سعر‬
‫صرف السوق الحر ‪ ،‬سيتطلب تغييرا يف سعر الصرف الرسمي لألغراض‬
‫التنافسية وحدها ‪ .‬بينما ال يتوقع أن تطرأ مثل هذه التغيرات (يف العوامل‬
‫المذكورة) خالل األشهر القليلة القادمة ‪ ،‬إال أنه ال بد من مراقبة سعر‬
‫الصرف الرسمي مراقبة لصيقة يف ضوء تطور هذه العوامل ‪ ،‬كما ال بد من‬
‫عدم استبعاد احتمال تعديل جديد لسعر الصرف ‪ .‬باإلضافة إلى اعتبارات‬

‫‪105‬‬
‫التنافسية ‪ ،‬هنالك عوامل أخرى ربما أشارت إلى الحاجة إلى هذا‬
‫التعديل ‪ ،‬فعلي أساس سعر الصرف الجاري يوجد هنالك طلب زائد‬
‫على النقد األجنب يف إطار السوق الرسمي ‪ ،‬خصوصا فيما يتعلق‬
‫بالواردات األساسية ‪ .‬وقد تمت مقابلة هذا الطلب الزائد من خالل‬
‫السوق الحر ‪ ،‬إال أن هذا قد تسبب يف اتساع الشقة بين سعري الصرف‬
‫الرسمي والحر مما أدى إلى تشوهات يف التجارة واإلنتاج ‪ .‬وإذا لم يتم‬
‫تضييق هذه الشقة من خالل ترشيد سياسة االستيراد والتشدد يف‬
‫السياسات النقدية والمالية ‪ ،‬فسيتحتم تعديل سعر الصرف الرسمى» ‪.‬‬

‫التعديل التدريجي لسعر الصرف‬

‫يشتمل هذا الجزء من مذكرة صندوق النقد على جزءين فرعيين على‬
‫النحو التالي ‪:‬‬

‫أ‪ -‬مزايا التعديل التدريجي ‪:‬‬

‫يقول صندوق النقد أنه «إذا ما قبلت الحجة القائلة بأنه سيتحتم تعديل‬
‫سعر الصرف الرسمي مع مرور الزمن فيبدو أن هنالك ثالث مزايا من‬
‫التغيير الدوري والمحدد النسبة لسعر الصرف يف مقابل التغيرات‬
‫المتباعدة كبيرة النسبة ‪ :‬فالتغيرات المحدودة ستعمل على هتدئة القضايا‬
‫السياسية واالجتماعية التي تثيرها التغييرات الكبيرة وعلى االرتفاع‬
‫التدريجي لألسعار وعلى تدين أربحية المضاربات ‪ .‬ويمكن أن يخفض‬

‫‪106‬‬
‫سعر الصرف بالنسبة للدوالر بطريقة دورية ‪ ،‬كما يمكن إجراء‬
‫التخفيضات عن طريق ربط الجنيه بسلة من العمالت ‪ .‬وإذا اتبع النهج‬
‫التدريجي لتخفيض سعر الصرف ‪ ،‬فإن االتفاق مع الصندوق فيما يتعلق‬
‫بسياسة سعر الصرف سيأخذ شكل تحقيق هدف محدد كميا لتخفيض‬
‫سعر الصرف الرسمي على مدى زمني معلوم ‪ .‬والعامل الحاسم يف نجاح‬
‫التخفيض التدريجي لقيمة العملة يف تحقيق أهدافه المرتجاة هو بقاء‬
‫الهدف الكمي لتخفيض سعر الصرف ‪ ،‬والذي يتم االتفاق عليه سرا ‪،‬‬
‫ُيتحفظ عليه بشدة ‪ .‬وإذا ما أصبحت األهداف الكمية هذه معلومات عامة‬
‫فسيؤدي هذا إلى فقدان بعض المكاسب من إدخال نظام الربط بسلة‬
‫العمالت ‪ ،‬كوسيلة لتخفيف المضاربة» ‪.‬‬

‫ب‪ -‬التعديل بواسطة سلة العمالت أم مقابل عملة واحدة‬

‫يقول الصندوق «إن التعديل التدريجي يف حالة ربط الجنبه السوداين‬


‫بالدوالر األمريكي يعاين من مشكلتين مقارنة بحالة ربط الجنيه بسلة‬
‫العمالت ‪ .‬أوال ‪ ،‬ستظل قيمة الجنيه السوداين ثابتة على مدى كل الفرتات‬
‫التي تفصل بين تعديل وآخر ‪ ،‬كما ستبقى العالقة بين الدوالر والجنيه‬
‫السوداين هي محور النشاطات يف سوق النقد األجنبي ‪ .‬ولتحقيق المرونة‬
‫لسياسة سعر الصرف فإنه من المهم أن يتعود الجمهور على حقيقة‬
‫التذبذب اليومي لقيمة الدوالر ‪ .‬األمر الذي يتحقق عند ربط الجنيه بسلة‬
‫من العمالت بطريقة تلقائية مما يشجع قبول تذبذب قيمة الدوالر ‪ .‬ثانيا ‪،‬‬

‫‪107‬‬
‫سيصبح االتجاه العام للقيمة المتبادلة للجنيه السوداين واضحا مقارنة‬
‫بحالة الربط بسلة العمالت ‪ .‬ففي حالة (السلة) سيتذبذب سعر الصرف‬
‫تلقائيا باإلضافة إلى التغييرات التي تفرضها السياسة ‪ ،‬ومن ثم فإن‬
‫االتجاه العام لن يكون مفضوحا ‪ .‬ومن المتوقع أن تؤدي حالة عدم التيقن‬
‫فيما يتعلق بسلوك سعر الصرف يف المدى القصير التي سيفرزها اتباع‬
‫السياسة الجديدة ‪ ،‬إلى تدين القابلية للمضاربة حتى إذا قورنت بالوضع‬
‫السابق الذي يتسم بتغييرات كثيرة يف سعر الصرف ‪ .‬ومن ثم ستدخل‬
‫سياسة الربط بسلة العمالت عنصرا أكرب من المرونة يف سياسة سعر‬
‫الصرف ‪ .‬وسيكون من المفضل إدخال نظام السلة يف الوقت الحاضر‬
‫حيث ال توجد توقعات حول إجراء تخفيض يف سعر صرف العملة ‪ .‬هذا‬
‫وسوف يرتتب على التغيرات يف العمالت المضمنة يف السلة تغيرات يف‬
‫سعر صرف الجنيه السوداين مقابل الدوالر (كما تحددها تغيرات األوزان‬
‫بالنسبة لهذه العمالت) مما سيعود الجمهور على هذه التطورات قبيل أي‬
‫تغييرات مفروضة بواسطة السلطات والتي ربما تم فرضها يف وقت‬
‫الحق ‪ .‬وعندما يتم تقويم سعر الصرف الرسمي يف أوائل السنة المقبلة ‪،‬‬
‫وإذا ما ظهرت الحاجة إلى تخفيض سعر الصرف الرسمي ‪ ،‬فإنه يمكن‬
‫استخدام السلة لبلوغ هذا الهدف عن طريق تخفيضات طفيفة والتي‬
‫ستكون مغلفة جزئيا بواسطة التحركات التلقائية للدوالر مقابل العمالت‬
‫األخرى» ‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫مضامين اعتماد ربط الجنبه بسلة من العمالت ‪:‬‬

‫‪ -1‬التجارة الخارجية‬

‫يقول الصندوق أن «هنالك سؤاال كثيرا ما يثار حول إذا ما كانت‬


‫تقلبات سعر الصرف يف إطار سلة العمالت ستخلق حالة من عدم التيقن‬
‫يف التجارة الخارجية ‪ .‬واإلجابة على هذا السؤال هي أن اتباع سياسة ربط‬
‫الجنيه بسلة من العمالت لن يكون لها أثر على الطريقة التي تتم هبا‬
‫المعامالت التجارية للقطاع الخاص حيث يقوم هذا القطاع يف الوقت‬
‫الحاضر بتمويل استيراده من موارد السوق الحر والذي يتذبذب فيه سعر‬
‫الصرف ‪ ،‬متحمال بذلك التكاليف اإلضافية التي تفرضها تقلبات سعر‬
‫الصرف أو محمال هذه التكاليف للمستهلكين حسبما تمليه الظروف‬
‫الزمنية للتمويل أو وصول السلع ‪ .‬أما سعر الصرف الرسمي فإنه يطبق‬
‫على واردات الحكومة ويحدد حصيلة الصادرات ‪ .‬وعليه فإن اتباع‬
‫سياسة ربط الجنيه بسلة من العمالت لن يؤثر على واردات الحكومة إال‬
‫أن أسعارها بالعملة المحلية ربما تطلبت تعديالت أكثر دورية ‪ ،‬بينما‬
‫ستؤمن هذه السياسة استمرار تنافسية الصادرات ومن ثم استمرار وجود‬
‫الحوافز لمنتجي الصادرات لتوسيع إنتاجهم» ‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫ب‪ -‬التسعير‬

‫يقول الصندوق أنه «من الواضح ‪ ،‬ومهما كان النظام السائد ألسعار‬
‫الصرف ‪ ،‬أنه لكي تحقق التغيرات يف سعر الصرف آثارها االقتصادية‬
‫المبتغاة فال بد من أن تنعكس هذه التغيرات بكاملها على تركيبات‬
‫التكاليف واألسعار ‪ .‬والتحول نحو اتباع سياسة ربط الجنيه بسلة من‬
‫العمالت سينطوي على تغيرات متكررة يف أسعار الصرف ‪ ،‬إما بسبب‬
‫تغيرات أسعار صرف عمالت السلة أو بسبب التعديل المفروض بواسطة‬
‫السلطات ‪ .‬وبينما ستمكن هذه التغيرات المتكررة يف أسعار الصرف من‬
‫تجنب االرتفاع الحاد يف األسعار المحلية والذي يتأتى من التعديالت‬
‫الرسمية لسعر الصرف يف فرتات متباعدة ‪ ،‬إال أنه ربما لم يكن من النافع‬
‫إحداث تغيرات متكررة يف األسعار المحلية على غرار تقلبات السلة ‪.‬‬
‫فبينما يمكن تعديل سعر الصرف عدة مرات خالل السنة الواحدة لتحقيق‬
‫هدف محدد ‪ ،‬إال أن أسعار السلع المستوردة بواسطة القطاع العام‬
‫(كالقمح والبرتول) يمكن أن تتعدل بطريقة دورية فقط ‪ .‬ومثل هذا‬
‫التعديل يف األسعار ال بد وأن يأخذ يف االعتبار حقيقة أن الواردات عادة ما‬
‫تمول عن طريق استخدام تسهيالت ائتمانية متوسطة المدى ‪ ،‬تتم آجالها‬
‫بعد أن يكون سعر الصرف قد خفض ‪ ،‬بحيث تغطي التعديالت يف‬
‫األسعار المحلية التكاليف اإلضافية المرتتبة على سعر الصرف ‪ .‬وبالنسبة‬
‫للقمح والبرتول فإن التدفق النقدي للمؤسسات التجارية سيمكن من‬

‫‪110‬‬
‫استيعاب التكاليف اإلضافية لبضعة شهور لحين اسرتدادها بعد تعديل‬
‫واحد لألسعار ‪ .‬وتحت هذه الطريقة سوف لن يكون من الضروري رصد‬
‫مبالغ يف الميزانية لهذه السلع طالما سيتم تعديل أسعارها كل سنة بطريقة‬
‫تغطي التغيرات المرتاكمة يف سعر الصرف ‪ .‬فيما يتعلق بالعون السلعي ‪،‬‬
‫وللحد الذي يتم فيه بيع هذه السلع للقطاع الخاص ‪ ،‬فسيرتتب على ذلك‬
‫تدفق موارد إضافية للميزانية ستساعد يف تغطية الزيادة يف اإلنفاق‬
‫الحكومي التي ترتتب على التغير يف سعر الصرف» ‪.‬‬

‫ج‪ -‬خدمات الديون‬

‫يقول الصندوق أن «تخفيض سعر صرف العملة سيؤدي إلى ارتفاع‬


‫تكلفة خدمات الديون بالعملة المحلية ‪ .‬ويمكن مقابلة هذه التكلفة برفع‬
‫افرتاض الحكومة من بنك السودان بحيث يؤخذ هذا االقرتاض اإلضايف‬
‫عند صياغة السقوف االئتمانية » ‪.‬‬

‫د‪ -‬سعر صرف السوق الحر‬

‫يعرتف الصندوق بأن « وقع التغيرات الطفيفة يف سعر الصرف الرسمي‬


‫على سعر صرف السوق الحر يف إطار استخدام سلة العمالت » يتسم‬
‫بالتعقيد ‪ .‬فمن ناحية ‪ ،‬فإن التغير يف السعر الرسمي يف حد ذاته ال يجب‬
‫أن يؤثر يف الطلب يف النقد األجنبي من خالل ارتفاع الطلب على‬
‫الواردات أو من خالل بطء تدفق الدخول غير المنظورة (بما فيها‬

‫‪111‬‬
‫التحويالت) ‪ ،‬ومن ناحية أخرى ‪ ،‬وبسبب التوقعات باستمرار الطلب‬
‫الزائد يف السوق الرسمي فإن أي تخفيض يف السعر الرسمي سيغذي‬
‫توقعات الجمهور حول حدوث تخفيضات مقبلة يف السعر الرسمي ومن‬
‫ثم سيقوم المضاربون بشراء الدوالرات ‪ ،‬وسيرفع المستوردون من‬
‫مخزوناهتم ‪ ،‬وربما حجبت بعض التحويالت من التدفق إلى الداخل‬
‫لحين وصول سعر السوق إلى هضبة جديدة ‪ .‬ولما كانت هذه هي‬
‫التجربة مع التخفيضات السابقة فمن المحتمل تكرارها مع التخفيضات‬
‫يف إطار ربط الجنيه بسلة من العمالت ‪ ...‬وللحد من هذه الضغوط التي‬
‫تؤدي إلى عدم االستقرار والتي تفرزها عمليات المضاربة ال بد من‬
‫تقليل ‪ ،‬أو القضاء على الطلب الزائد يف السوق الرسمي ‪ ،‬مما يتطلب‬
‫تحويل الواردات التجارية للقمح والسكر إلى السوق الحر ‪ ،‬وكذلك‬
‫تحويل كل ما تبقى يف السوق الرسمي من المدفوعات غير المنظورة ‪ ،‬بما‬
‫يف ذلك تكاليف الشحن والتأمين المرتبطة بواردات العون السلعي ‪ ،‬إلى‬
‫السوق الحر ‪ .‬ويف نفس الوقت ‪ ،‬فإنه ال بد من تخفيض الطلب على النقد‬
‫األجنبي ألغراض االستيراد (والمدفوعات غير المنظورة األخرى) غير‬
‫الضروري يف السوق الحر وذلك عن طريق سياسات مالية ونقدية متشددة‬
‫وبتطبيق قيود االستيراد الواردة يف الربنامج ‪ .‬إنه من خالل القضاء على‬
‫الطلب الزائد على النقد األجنبي يف السوق الرسمي ومن خالل فرض‬

‫‪112‬‬
‫قيود على الطلب على النقد األجنبي يف السوق الحر سيكون من الممكن‬
‫تضييق الشقة بين السعرين ‪.‬‬

‫‪ -5‬حول محاولة التجربة الثانية للصندوق‬


‫ألغراض المناقشة التفصيلية للمقرتحات الجديدة للصندوق فيما‬
‫يتعلق بسعر صرف الجنيه السوداين يمكننا تلخيص أهم ما جاء يف المذكرة‬
‫على النحو التالي ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬يالحظ أن الصندوق يقدم لنا اعرتافا صريحا بأن التخفيض‬


‫المتعاقب لسعر صرف الجنيه السوداين خالل الفرتة ‪ 1984 – 1978‬قد‬
‫أدى يف هناية المطاف إلى تفاقم حالة عدم التوازن وتفاقم مشكلة التضخم‬
‫وتفاقم حالة سوء توزيع الدخل وتفاقم حالة الفوضى االقتصادية ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬يالحظ أن الصندوق قد استخدم ظاهرة المضاربة يف سوق النقد‬


‫األجنبي كأهم أداة تحليلية وظاهرة الطلب الزائد يف السوق الرسمي كأداة‬
‫تحليلية ثانوية ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬يالحظ أن الصندوق قد اعتمد تقليل تفشي ظاهرة المضاربة يف‬


‫سوق النقد األجنبية كدالة هدف للسياسة المقرتحة ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬باالعتماد على هذا اإلطار التحليلي يقرتح الصندوق ربط‬


‫الجنيه بسلة من العمالت ‪ ،‬عوضا عن ربطه بالدوالر ‪ ،‬وذلك بغرض‬

‫‪113‬‬
‫تحقيق الهدف المعتمد ومن ثم يقرتح الصندوق اتباع منهج التعديل‬
‫المتكرر لسعر الصرف عوضا عن سياسة التعديل المتعاقب ‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬ليتمكن الصندوق من إقناع صانعي القرار قامت المذكرة‬


‫بشرح عدد من اآلثار التي سترتتب على اتباع السياسة الجديدة مركزة‬
‫على اآلثار على التجارة الخارجية وعملية تسعير السلع وخدمات الديون‬
‫وسعر صرف السوق الحر ‪.‬‬

‫قبل أن ننتقل إلى النقاش التفصيلي لمحتوى مذكرة الصندوق دعنا‬


‫نسارع لنالحظ من ناحية المنهجية البحتة أنه يمكن اعتبار المذكرة‬
‫نموذجا مثاليا لعدم النزاهة العلمية من ناحية والتناقض الداخلي من ناحية‬
‫أخرى ‪ .‬وهذه هتم جد خطيرة سندلل على صحتها ‪ .‬هذا من جانب ‪ .‬ومن‬
‫جانب آخر ‪ ،‬دعنا نالحظ أيضا أننا لم هنلل العرتاف الصندوق بفشل‬
‫سياساته يف السودان ‪ ،‬على الرغم من أن هذا يزودنا بشهادة شاهد من‬
‫أهلها يف صالح أطروحتنا القائلة بمسئولية الصندوق عن خراب االقتصاد‬
‫السوداين خالل الفرتة ‪ 1984 – 1978‬لسبب بسيط هو أن الصندوق لم‬
‫يوقع على هذا االعرتاف إال ليستخدمه كسند يعضد وبشدة الحاجة القائلة‬
‫باتباع منهج التعديل المستمر لسعر الصرف(‪. )1‬‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر علي (‪. )1985( ، )1984‬‬

‫‪114‬‬
‫كذلك يجدر بنا ‪ ،‬ألغراض تبسيط النقاش ‪ ،‬مالحظة عدد من‬
‫المعطيات االقتصادية الهامة التي يتمحور حولها محتوى مذكرة‬
‫الصندوق ‪:‬‬

‫أ‪ -‬إن سياسة التخفيض المتعاقب التي طبقت خالل الفرتة‬


‫‪ 1984 – 1978‬قد روج لها وصاغها وفرض تنفيذها صندوق‬
‫النقد الدولي ‪.‬‬

‫ب‪ -‬إن الهدف األساسي من التخفيض المتعاقب لسعر‬


‫الصرف هو تأمين تنافسية أهم المحاصيل السودانية وسيخلق‬
‫فرصا كبيرة للتوسع يف الصناعات الزراعية ومن ثم سيوسع‬
‫المقدرة التصديرية ‪.‬‬

‫ج‪ -‬إن ما يسمى بالسوق الحر يف النقد األجنبي قد تم خلقه‬


‫بإشراف الممثل المقيم لصندوق النقد الدولي يف عام‬
‫(‪. )1()1979‬‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر خالد (غ ‪ .‬ت) فيما يتعلق بالمحاوالت التي تمت مع الصندوق لجعل‬
‫السودان مثاال يحتذى فيما يتعلق بإلغاء نظام الرقابة على النقد ‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫د‪ -‬إن سياسة تحديد السقوف االئتمانية خالل الفرتة ‪1978‬‬
‫– ‪ 1984‬والذي أشرف عليها الصندوق ‪ ،‬قد سخرت عمدا‬
‫لخدمة ما يسمى بالقطاع الخاص(‪. )1‬‬

‫آخذين يف االعتبار هذه المعطيات يمكننا اآلن االنتقال لنتناول بالتعليق‬


‫أهم ما ورد يف مذكرة الصندوق حيث قمنا ألغراض تبسيط العرض ‪،‬‬
‫بتجميع مالحظاتنا تحت خمسة موضوعات رئيسية على النحو التالي ‪:‬‬

‫‪ -‬قضية توزيع الدخل‬


‫‪ -‬الهدف من التخفيض المقرتح‬
‫‪ -‬التخفيض والتجارة الخارجية‬
‫‪ -‬التخفيض والتسعير‬
‫‪ -‬التخفيض وسوق النقد األجنبي‬

‫الصندوق وتوزيع الدخل‬

‫أورد الصندوق يف معرض حصره ألهم اآلثار المرتتبة على سياسة‬


‫التخفيض المتعاقب لسعر صرف الجنيه السوداين تفاقم سوء حالة توزيع‬
‫الدخل كأحد اإلفرازات السلبية بمالحظته «لقد كان لمثل هذه التعديالت‬

‫(‪)1‬‬
‫بلغ إجمالي الديون غير المسرتدة من البنوك التجارية للقطاع الخاص بنهاية عام‬
‫‪ 1983‬حوالي ‪ 1,3‬بليون دوالر (انظر البنك الدولي (‪)1985‬‬

‫‪116‬‬
‫بعض اآلثار التوزيعية التي حابت المجموعات التي تعمل بالتجارة ‪...‬‬
‫وقد تسبب هذا يف تحويل للدخل من المستهلكين والمنتجين إلى التجار»‬
‫وعلى الرغم من حقيقة وقوع إعادة التوزيع هذه كمشاهدة تجريبية إال أن‬
‫الصندوق يقف متهما ‪ ،‬الستخدامه لها يف مذكرته بعدم األمانة العلمية‬
‫وذلك لعدد من األسباب البديهية أهمها ما يلي ‪:‬‬

‫أنه لم يعرف إطالقا عن الصندوق اهتمامه بحالة توزيع الدخل كمتغير‬


‫اقتصادي ذي أهمية تذكر ال يف إطار التحليل وال يف إطار صياغة الربامج‬
‫والسياسات ‪ .‬بل بالعكس من ذلك تماما ‪ ،‬إذ بتقمص ثوب الحياد العلمي‬
‫عادة ما يقوم الصندوق بتذكير المتعاملين معه بأنه وكمؤسسة مالية‬
‫متخصصة يهتم بأمر المتغيرات االقتصادية التجميعية كميزان‬
‫المدفوعات ‪ .‬ومعدل التضخم ومعدل نمو كتلة النقد الخ ‪ ،‬وأن حالة‬
‫توزيع الدخل هي يف األساس قضية هيكلية ومن ثم تقع خارج نطاق‬
‫تخصصاته(‪. )1‬‬

‫أن الصندوق قد قلل متعمدا من أهمية قضية توزيع الدخل يف مذكرته‬


‫ال تي تمت على أساسها التخفيضات المتعاقبة خالل الفرتة تحت الدراسة‬
‫حيث أوهم صناع القرار االقتصادي آنذاك بأن ارتفاع تكلفة المعيشة الذي‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر كيليك (‪. )1984‬‬

‫‪117‬‬
‫سيرتتب على تنفيذ سياسة التخفيض المتعاقب سينصب على عاتق‬
‫السكان الحضريين(‪. )1‬‬

‫إن الطبقات الطفيلية التي أفادت من إعادة توزيع الدخل نتيجة لتنفيذ‬
‫سياسة التخفيض المتعاقب لسعر الصرف هي طبقات عمل الصندوق إما‬
‫مباشرة أو غير مباشرة على صنعها ‪ ،‬من خالل تنفيذ سياساته ‪ .‬وعلى‬
‫دعمها عن طريق الجهاز المصريف ‪ .‬بمعنى آخر لقد قام الصندوق من‬
‫خالل تنفيذ سياساته بإعادة توزيع الدخل لصالح هذه الطبقات الطفيلية ‪.‬‬

‫دالة الهدف ‪:‬‬

‫يتضح من القراءة المتأنية لمذكرة الصندوق أن هدف سياسة التخفيض‬


‫قد تغير تغيرا جذريا من تأمين تنافسية الصادرات السودانية – كما كان‬
‫عليه الحال يف عام ‪ – 1978‬إلى تقليل اآلثار السلبية لظاهرة المضاربة ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من جذرية تغير الهدف إال أن الصندوق ال يحدثنا يف مذكرته‬
‫عن أسباب هذا التحول وال عن الكيفية التي سيتم هبا تحقيق هدف‬
‫التنافسية إذا كان هذا األخير ال يزال يف إعداد أهداف سياسة سعر الصرف‬
‫الجديدة ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫كان تعليل الصندوق لهذه النتيجة هو مالحظة تدين المحتوى االستيرادي للوجبة‬
‫يف القطاع الريفي ‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫ولعله يمكننا ‪ ،‬بكرمنا السوداين المعروف ‪ ،‬تقدير الموقف الدقيق‬
‫للصندوق يف هذه الحالة ‪ :‬فالتنافسية معيار يتأثر بعدد من العوامل‬
‫االقتصادية كسعر الصرف ‪ ،‬وتكاليف المدخالت اإلنتاجية المستوردة‬
‫والمحلية واإلنتاجية ‪ .‬وعلى الرغم من أن معظم هذه العوامل االقتصادية‬
‫يتعرض للتغير مع الزمن إال أنه ال يتوقع أن يتم هذا التغير عدة مرات‬
‫خالل السنة الواحدة ‪ ،‬األمر الذي يوقع الصندوق ليس فقط يف حرج‬
‫تحليلي ‪ ،‬وإنما سيورده مورد عدم األمانة العلمية لسكوته يف مذكرته ‪،‬‬
‫عن تبيان إمكانية تضارب أهداف السياسة التي يوصي باتباعها ‪.‬‬

‫هذا من ناحية ‪ ،‬ومن ناحية أخرى تالحظ المذكرة أن العامل الحاسم‬


‫يف نجاح التخفيض التدريجي لقيمة العملة يف تحقيق أهدافه المرتجاة هو‬
‫بقاء الهدف الكمي لتخفيض سعر الصرف سرا يتحفظ عليه بشدة ‪ .‬وإذا‬
‫ما أصبحت األهداف الكمية هذه معلومات عامة فسيؤدي هذا إلى فقدان‬
‫بعض المكاسب من إدخال نظام الربط بسلة العمالت كوسيلة لتخفيض‬
‫المضاربة ‪ .‬والصندوق هنا يعرتف ضمنيا ‪ ،‬على الرغم من اجتهاده‬
‫إلبطان نواياه الحقيقية ‪ ،‬باحتمال تفاقم وضع التوازن الخارجي والتضخم‬
‫وحالة توزيع الدخل والفوضى االقتصادية بطريقة أكثر دراماتيكية يف إطار‬
‫السياسة الجديدة ‪ .‬ولقد قصد الصندوق من هذه المالحظة ليس فقط‬
‫تحذير منفذي السياسة االقتصادية من مغبة إفشاء أسرار السياسة‬
‫المقرتحة لسعر الصرف وإنما أيضا قصد الصندوق إيجاد مربرات لنفسه‬

‫‪119‬‬
‫حتى يتسنى له عندما تفشل سياساته ‪ ،‬إلقاء اللوم على الكوادر المهنية غير‬
‫الكفئة التي أنيط هبا تنفيذ السياسة أو على الحكومات الفاسدة التي قدر له‬
‫التعاون معها أو باالثنين معا ‪ .‬هذا ولقد سبق للصندوق بأن قال بمثل هذا‬
‫القول يف وجه الشواهد التجريبية المرتاكمة على فشل سياساته على‬
‫مستوى السودان وغيره من البلدان النامية ‪.‬‬

‫التجارة الخارجية ‪:‬‬

‫فيما يتعلق بأثر التخفيض التدريجي على التجارة الخارجية يقول‬


‫الصندوق إنه ‪:‬‬

‫أ‪ -‬لن يكون هنالك أثر على الطريقة التي تتم هبا المعامالت‬
‫التجارية للقطاع الخاص الذي تعود على تذبذب سعر صرف‬
‫السوق الحر ‪.‬‬

‫ب‪ -‬لن يكون هنالك أثر على واردات الحكومة فيما عدا‬
‫الحاجة إلى تعديالت أكثر دورية يف األسعار المحلية لهذه‬
‫الواردات ‪.‬‬

‫ج‪ -‬سوف تؤمن هذه السياسة استمرار تنافسية الصادرات‬


‫ومن ثم استمرار وجود الحوافز لمنتجي الصادرات لزيادة‬
‫إنتاجهم ‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫ويقيننا أنه يمكن للقارئ بقليل من التمعن اكتشاف هشاشة هذه‬
‫الحجج التي ال تستند على تحليل متماسك فيما يتعلق بمعطيات‬
‫االقتصاد السوداين ‪ .‬فالقول بأن تقلبات سعر الصرف مهما كان مصدرها‬
‫سوف لن تؤثر على حجم الواردات وإنما على أسعارها قول صحيح‬
‫لسبب بسيط هو تدين مرونة الواردات بالنسبة لسعر الصرف ‪ .‬وتدين‬
‫مرونة الواردات بالنسبة لسعر الصرف حجة يتم استخدامها للقول بخطل‬
‫سياسة التخفيض أيا كان نوعها ‪ .‬وال يعقل أن تستخدم للمفاضلة بين‬
‫سياسة معينة للتخفيض وأخرى ‪ .‬هذا من ناحية ومن ناحية أخرى وفيما‬
‫يتعلق بالصادرات فلعل الصندوق قرر أن يتمادى يف المكابرة باستخدامه‬
‫المتكرر للحجة الفاسدة المتعلقة بزيادة الحوافز للمنتجين يف قطاع‬
‫الصادر ‪ .‬فقد اعرتف الصندوق يف استهالل مذكرته باألثر التوزيعي‬
‫للتخفيض الذي كافأ التجار على حساب المنتجين !! فأي حوافز لمنتجي‬
‫الصادرات يا ترى ‪ ،‬يتمشدق هبا الصندوق خصوصا إذا علمنا أن المرونة‬
‫السعرية للصادرات تتسم بالتدين هي األخرى(‪. )1‬‬

‫التسعير ‪:‬‬

‫يحدثنا الصندوق يف مذكرته بعد أن تجاهل السلع المستوردة بواسطة‬


‫القطاع الخاص بأنه ‪:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر حسين وثيرلول (‪ . )1984‬انظر حسين (‪)1985‬‬

‫‪121‬‬
‫‪ -‬يمكن تعديل أسعار السلع المستوردة بواسطة القطاع العام (البرتول‬
‫والقمح) بطريقة دورية (كل عام مثال) عوضا عن تعديلها بطريقة متكررة‬
‫حسب تغيرات سعر الصرف ‪.‬‬

‫‪ -‬ليس هنالك داع لرصد مبالغ يف الميزانية لتغطية التكاليف اإلضافية‬


‫التي سترتاكم يف الفرتة ما بين وصول السلع وتعديل أسعارها ‪ ،‬وذلك‬
‫نسبة ألن التدفق النقدي للمؤسسات العامة يف هذا المجال سيمكن من‬
‫استعياب هذه التكلفة اإلضافية ‪.‬‬

‫يقيننا أن هذا النوع من التحليل يعكس ليس فقط تناقضا داخليا وإنما‬
‫أيضا مستوى جد متدن من عدم األمانة العلمية ‪ ،‬ويكفينا يف هذا‬
‫الخصوص مالحظة ما يلي ‪:‬‬

‫‪122‬‬
‫أ‪ -‬أنه لما كانت معظم سلع الوارد تستورد بواسطة القطاع الخاص‬
‫(شاكرين مجهودات الصندوق السابقة يف هذا المجال) فإن األسعار‬
‫المحلية ستتغير بطريقة متكررة مع تغير سعر الصرف ‪ ،‬رضي الصندوق‬
‫بذلك أم أبى ‪ .‬وذلك للعالقة التي تربط بين السعرين المحلي واألجنبي‬
‫خصوصا يف إطار القطاع الخاص الذي يقوم بتحميل كل التكاليف‬
‫اإلضافية للمستهلكين بطريقة تلقائية ‪ .‬هذا وقد تم تقدير العالقة السببية‬
‫بين األسعار المحلية وأسعار الواردات على النحو التالي(‪: )1‬‬
‫معدل التغير يف األسعار المحلية =‬
‫‪( 0,29‬معدل التغير يف اإلنتاجية)‬ ‫‪+‬‬ ‫‪( 0,56 +‬معدل التغير يف األجور)‬ ‫‪0,37‬‬
‫(‪)6,11‬‬ ‫(‪)1,6‬‬
‫‪( 0,48 +‬معدل التغير يف أسعار الواردات)‬
‫(‪)3,36‬‬

‫حيث األرقام بين األقواس توضح قيمة ت – اإلحصائية وحيث بلغ‬


‫معامل التحديد لهذه الدالة ‪ %59‬هذا وتجدر اإلشارة إلى أن قيمة معامل‬
‫معدل التغير يف أسعار الواردات البالغة ‪ %0,48‬بطريقة تلقائية ‪ .‬أما يف‬
‫المدى الطويل فيتعين علينا استخدام المعادلة التالية(‪: )2‬‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر حسين (‪)1985‬‬
‫(‪)2‬‬
‫انظر حسين (‪)1985‬‬

‫‪123‬‬
‫‪( 0,7 +‬معدل التغير يف األسعار المحلية)‬ ‫‪2,3-‬‬ ‫معدل التغير يف األجور =‬
‫(‪)2,8‬‬
‫‪( 0,32 +‬السياسة الحكومية لألجور)‬
‫(‪)1,64‬‬

‫حيث توضح األرقام بين األقوال قيمة ت – اإلحصائية وحيث بلغ‬


‫معامل التحديد لهذه الدالة ‪ %64‬وبتعويض هذه المعادلة يف دالة األسعار‬
‫المحلية يمكننا ببسيط من الحساب التوصل إلى أن األثر يف المدى‬
‫الطويل للتغير يف معدل أسعار الواردات على التغير يف معدل األسعار‬
‫المحلية يبلغ ‪ 0,79‬بمعنى أن ارتفاع اسعار الواردات بنسبة واحد يف‬
‫المائة ستسبب يف ارتفاع األسعار المحلية بنسة ‪. %0,79‬‬

‫ب‪ -‬أنه إذا كانت المؤسسات العامة حسب اآلراء السابقة للصندوق‬
‫وخصوصا تلك المؤسسات التي تعمل يف مجال التجارة الخارجية تتسم‬
‫بعدم الكفاءة فكيف سيتسنى لتدفقاهتا النقدية امتصاص التكاليف‬
‫اإلضافية المتكررة التي سترتتب على التغير المتكرر لسعر الصرف ؟‬
‫والصندوق يف هذا التحليل يقع مرة أخرى يف فخ من صنع يديه ‪ :‬فإذا‬
‫كانت هذه المؤسسات ذات تدفقات نقدية كافية ألغراض سياسته‬
‫المقرتحة – يبقى السؤال لماذا قال بحلها من قبل ؟ أما إذا كانت هذه‬
‫المؤسسات غير كفئة ‪ ،‬فإن مقرتحاته ستتطلب إما رصدا لألموال يف‬

‫‪124‬‬
‫الميزانية لمقابلة التكاليف اإلضافية (زيادة اإلنفاق الحكومي) أو رفعا‬
‫لسقوف االئتمان لهذه المؤسسات (التوسع النقدي) أو االثنين معا ؟ ‪.‬‬

‫هذا ما كان من أمر عدم األمانة العلمية وعدم التناسق الداخلي ‪.‬‬
‫ويهمنا كذلك أن ننبه القارئ على أن الصندوق يف التحليل أعاله يظهر لنا‬
‫إصابته بمرض انفصام الشخصية ‪ :‬إذ إن التحليل قد ركز على سلعتين‬
‫يقوم باستيرادهما القطاع العام ليس ألهميتهما وإنما ألنه ‪ ،‬ومن الناحية‬
‫النظرية ‪ ،‬إذا ما كان استيراد جميع السلع يتم بواسطة هذا القطاع فمن‬
‫الممكن إجراء التحليل بطريقة أكثر سهولة ويسرا ‪ .‬كما يمكن التوصل‬
‫إلى نتائج أكثر وضوحا من وجهة نظر صياغة السياسات االقتصادية ‪ .‬أما‬
‫إجراء التحليل ومعظم السلع يتم استيرادها بواسطة القطاع الخاص‬
‫فسيؤدي إلى نتيجة واحدة هي االرتفاع المتكرر يف األسعار المحلية‬
‫للسلع المستوردة ومن ثم تفاقم حالة التضخم ‪ ،‬وهي نتائج ترتتب عادة‬
‫على سياسات الصندوق وال يود الصندوق التطرق إليها إمعانا يف عدم‬
‫األمانة العلمية !!‬

‫سوق النقد األجنبي ‪:‬‬

‫فيما يتعلق بتأثير التخفيض المستمر لسعر الصرف الرسمي على سوق‬
‫النقد األجنبي يالحظ أن أهم عوامل عدم االستقرار يف هذا السوق هي‬
‫وجود طلب زائد على موارد السوق الرسمي األمر الذي يتطلب ‪:‬‬

‫‪125‬‬
‫أ‪ -‬القضاء على هذا الطلب الزائد عن طريق تحويل كل ما تبقى من‬
‫معامالت تجارية يف السوق الرسمي إلى السوق الحر ‪.‬‬

‫ب‪ -‬تخفيض الطلب على النقد األجنبي يف السوق الحر ألغراض‬


‫االستيراد غير الضروري وذلك من خالل اتباع سياسات مالية ونقدية‬
‫متشددة وتطبيق قيود كمية على االستيراد ‪.‬‬

‫بمعنى آخر يقول الصندوق بالتحرير الكامل لنظام النقد األجنبي‬


‫بتحويل كل المعامالت التجارية إلى السوق الحر من ناحية ‪ ،‬كما يقول‬
‫أيضا بفرض قيود رقابية واتباع سياسات مالية ونقدية متشددة يف إطار‬
‫السوق الحر من ناحية أخرى ‪ .‬ولعل القارئ يالحظ التناقض الداخلي‬
‫الذي يتسم به هذا التحليل ‪ ،‬ومن ثم فال تعليق لدنيا سوى مالحظة‬
‫منهجية مؤداها أن الصندوق عادة ما يقوم بطرح األسئلة الخطأ ‪ ،‬ومن ثم‬
‫فال غرابة البتة يف حصوله دوما على اإلجابات الخطأ ! والسؤال الذي ال‬
‫بد من طرحه يف إطار معطيات االقتصاد التجميعي السوداين هو ما إذا كان‬
‫وجود سوق حر للنقد األجنبي يف السودان يتوافق مع المرحلة التنموية‬
‫للقطر ؟ وعلى هذا األساس فاالستفسار الذي كان يجب أن يطرح من‬
‫أجل الوصول إلى موجهات عامة لصياغة السياسات االقتصادية هو كيف‬
‫يمكن القضاء على السوق األسود الرسمي الذي يسمى بالسوق الحر !!‬

‫‪126‬‬
‫‪ -6‬مالحظة ختامية‬
‫استعرضنا يف هذه الورقة الجهود المقدرة التي قام هبا صندوق النقد‬
‫الدولي الستغالل السودان كمعمل للتجارب يف مجال ‪ .‬سياسات سعر‬
‫الصرف ‪ .‬ولقد أوضحنا أنه حالما اكتشف الصندوق فشل تجربته‬
‫األولى ‪ ،‬قام مشكورا بالتحضير لتجربة ثانية حال دون تطبيقها حتى اآلن‬
‫اهنيار دعائم الحكم السابق وألن الصندوق مؤسسة عالمية محايدة ذات‬
‫كفاءة ومهنية متميزة فلم يقتصر تحضيره للتجربة الثانية على االعرتاف‬
‫صراحة بالفوضى االقتصادية التي نتجت عن التجربة األولى ‪ ،‬وإنما‬
‫استخدم هذه الفوضى كتربير أساسي إلجراء التجربة الثانية ‪ ،‬والتي تقول‬
‫بربط الجنيه السوداين بسلة للعمالت حتى يتسنى إجراء تعديالت متكررة‬
‫لسعر صرف الجنيه السوداين عوضا عن ربطه بالدوالر الذي ترتب عليه‬
‫إجراء تخفيضات متعاقبة على فرتات زمنية متباعدة ‪.‬‬

‫تجدر اإلشارة إلى أن نجاح الصندوق يف استغالل السودان كحقل‬


‫لتجاربه قد جرت عليه منافسة من هيئة المعونة األمريكية والتي لم تبخل‬
‫إطالقا بتقديم الدعم المتواصل للحكم البائد ‪ .‬فقد عز على هيئة المعونة‬
‫األمريكية انفراد الصندوق بإجراء تجارب سياسات سعر الصرف بمفرده‬
‫مما دعاها الستقدام أحد جهابذة االقتصاد من جامعة برنستون وهو‬
‫األستاذ وليام برانسون ليدلي بدلوه يف مجال تعديل سعر صرف الجنيه‬
‫السوداين وقد كان ‪ .‬ففي محاضرة عقدت بتاريخ ‪ 14‬يناير ‪ 1985‬بمباين‬

‫‪127‬‬
‫مركز الدراسات والبحوث اإلنمائية بجامعة الخرطوم تفضل علينا األستاذ‬
‫برانسون ‪ ،‬على اعتبارنا من قاطني الغابات اإلفريقية ‪ ،‬بحكم أمريكية يف‬
‫شأن سوق النقد األجنبية يمكننا تلخيصها على النحو التالى(‪: )1‬‬

‫أ‪ -‬إن النموذج التقليدي الذي يستخدمه صندوق النقد‬


‫الدولي يف صياغة سياساته المتعلقة بأسعار الصرف نموذج ال‬
‫يصلح للتطبيق يف البلدان النامية لعدد من األسباب تتعلق‬
‫بالهيكل االقتصادي لهذه البلدان ‪.‬‬

‫ب‪ -‬إن النموذج الذي يصلح للتطبيق يف البلدان النامية‬


‫عموما هو ذلك الذي يستدعي تثبيت األسعار النسبية المتبادلة يف‬
‫التجارة العالمية والسلع المحلية بحيث تستخدم التغيرات يف‬
‫سعر الصرف االسمي إلحداث االستقرار يف سعر الصرف‬
‫الحقيقي ‪.‬‬

‫ج‪ -‬إن النموذج الصالح للتطبيق يتطلب أن يعدل سعر‬


‫الصرف االسمي بنسبة الفارق بين تغير األسعار المحلية وتغير‬
‫أسعار السلع المستوردة ‪ ،‬أي بمعنى آخر أن يتم تعديل سعر‬
‫الصرف االسمي بمقدار الفرق بين معدل التضخم المحلي‬
‫ومعدل التضخم العالمي ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫لألفكار األساسية لهذا النموذج انظر برانسون وكاتسلي (‪)1982‬‬

‫‪128‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن المستمعين للدرر األمريكية من قاطني الغابات‬
‫السودانية قد أبدوا بعض المالحظات المنهجية حول صالحية نموذج‬
‫برانسون للتطبيق يف ظروف السودان ‪ ،‬مما جعل الضيف العزيز يشعر‬
‫ببعض الحرج من عدم دبلوماسية المشاركين ‪ ،‬إال أنه كظم غيظه هذا‬
‫بإبداء استغرابه لوجود فئة قليلة من سكان غابات السودان تفهم يف أمور‬
‫االقتصاد !!‬

‫وبعد ‪ ،‬يتضح من هذه الورقة أن ما يف جعبة صندوق النقد الدولي من‬


‫سياسات يف مجال سوق النقد األجنبي ال يستند على أساس تحليلي‬
‫متماسك من ناحية ‪ ،‬وال تسنده الشواهد التجريبية من ناحية أخرى ‪ .‬كما‬
‫أن ما تبشر به هيئة المعونة األمريكية من حلول ال يعدو كونه أفكارا أولية‬
‫ألحد جهابذة االقتصاد األمريكان(‪. )1‬‬

‫والحال كذلك فإنه يبدو من المقبول القول بأن االتجاهات العامة‬


‫للسياسة االقتصادية السودانية يف مجال النقد األجنبي ‪ ،‬آخذين يف االعتبار‬
‫المعطيات األساسية لالقتصاد ‪ ،‬ال بد لها وأن تتمثل يف فرض رقابة كاملة‬
‫على النقد األجنبي كما كان عليه الحال قبل عام ‪ 1969‬ورفع سعر صرف‬
‫الجنيه السوداين مقابل الدوالر ‪.‬‬

‫(‪ )1‬حدثنا برانسون يف محاضرته بأنه يقوم حاليا بعدد من التجارب يف البلدان النامية بتمويل من البنك‬
‫الدولي !!‬

‫‪129‬‬
‫ولعلنا لسنا يف حاجة إلى مالحظة أن نظام الرقابة الكاملة على النقد‬
‫األجنبي سيتطلب إعادة النظر يف الرتكيبة المؤسسية لقطاع المصارف ‪،‬‬
‫بينما سيتطلب رفع سعر صرف الجنيه السوداين إجراء دراسة مهنية‬
‫متكاملة لتحديد الهوامش المقبولة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا لمثل هذا‬
‫التعديل ‪ .‬ولما كانت هذه قضايا شائكة ال يمكن بحال تناولها يف عجالة‬
‫فسنقوم بدراستها يف ورقة مقبلة بإذن اهلل ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫صندوق النقد الدولى‬
‫والفوضى االقتصادية يف السودان‬
‫تجربة السوق األسود للنقد األجنبي‬

‫هذه ورقة مشرتكة مع الدكتور محمد نور الدين ‪،‬‬


‫جامعة الجزيرة وقد قدمت لمؤتمر سياسات االقتصاد الكلى‬
‫الذي نظمه مركز الدراسات والبحوث اإلنمائية‬
‫باالشرتاك مع مؤسسة فريدرك ايربت األلمانية‬
‫يف فرباير ‪1986‬‬

‫‪131‬‬
132
‫‪ -1‬مقدمة‬
‫تعني هذه الورقة ببحث الطبيعة التوازنية لما يسمى بالسوق الحر للنقد‬
‫األجنبي ‪ ،‬أو ما نطلق عليه اسم السوق األسود الرسمي للنقد األجنبي ‪.‬‬

‫ألغراض هذه الورقة ‪ ،‬ودون الدخول يف تفاصيل مؤسسية يمكن‬


‫الرجوع إليها يف عدد من الوثائق المنشورة ‪ ،‬يهمنا مالحظة أن هذا السوق‬
‫قد تم إنشاؤه بواسطة صندوق النقد الدولي يف سبتمرب ‪ . 1979‬يف إطار‬
‫برامج إصالح السياسات المتعلقة بالنقد األجنبي والتجارة الخارجية ‪.‬‬

‫هذا وقد نص هذا الربنامج ‪ ،‬ضمن ما نص عليه ‪ ،‬على ما يلي ‪:‬‬

‫أ‪ -‬السماح للمقيمين وغير المقيمين من السودانيين وغيرهم‬


‫بفتح حسابات جارية بعمالت أجنبية ‪ ،‬ومنح السودانيين منهم أو‬
‫الحاصلين على تراخيص استيراد أولوية يف الحصول على‬
‫تراخيص استيراد الستخدام أرصدهتم يف تمويل عملياهتم ‪.‬‬

‫ب‪ -‬يسمح بشراع وبيع العمالت األجنبية لدى البنوك‬


‫المرخص لها باألسعار الواقعية والمرنة ‪.‬‬

‫ج‪ -‬تلغى القيود الحالية على إدخال وتحويالت العمالت‬


‫األجنبية إلى داخل وخارج القطر وفقا إلجراءات وضوابط مرنة‬
‫وواقعية ‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫ولقد أوضحنا رأينا يف خطل سياسة الصندوق هذه بمالحظتنا أن هذا‬
‫الربنامج قد هدف إلى خلق سوق محلي يف العمالت األجنبية وذلك من‬
‫خالل إلغاء القيود القانونية الخاصة بحيازة النقد األجنبي واالتجار فيه‬
‫وتحويله من وإلى داخل القطر ‪ .‬ولعل الدافع الواقعي لذلك قد كان‬
‫اعتقاد صندوق النقد بوجود سوق أسود ذي داللة ‪ ،‬وهو اعتقاد لم تكن‬
‫لتسنده الشواهد التجريبية آنذاك على أية حال ‪.‬‬

‫هذا وقد تسبب خلق هذا السوق يف تفاقم الفوضى االقتصادية يف‬
‫السودان وقد اعرتف الصندوق بذلك كتابة ‪ ،‬إال أنه برغم اعرتافه هذا ال‬
‫يزال مصرا إصرارا طفوليا على االحتفاظ بدميته هذه يف إطار معمله‬
‫الخاص مبشرا يف كل وصفة باعها لمتخذي القرار االقتصادي (أو‬
‫باألحرى لمرتجمي بياناته للغة العربية) يف السودان بإمكانية توحيد أسعار‬
‫الصرف عن طريق تخفيض سعر الصرف الرسمي للجنيه السوداين ‪.‬‬

‫ولعله من الصعوبة بمكان فهم هذا اإلصرار الطفولي إال يف إطار ما‬
‫سبق واهتمنا به صندوق النقد الدولي من عدم األمانة العلمية ‪ .‬فالصندوق‬
‫يعلم ‪ ،‬أو ربما لم يكن يعلم ‪ ،‬أن النتائج المقررة يف أدبيات تحديد سعر‬
‫الصرف كما استعرضتها كروقر (‪ )1983‬تقول اآليت ‪:‬‬

‫أ‪ -‬لألقطار النامية التي تتعرض لتقلبات يف شروط تبادلها‬


‫التجاري فإنه من الواضح أن سعر صرف حقيقي بعينه ربما ال‬

‫‪134‬‬
‫يستمر كسعر صرف توازين ‪ .‬ويبقى السؤال بال إجابة إذا كان من‬
‫المفروض أن يقوم قطر صغير الحجم يواجه تقلبات يف شروط‬
‫تبادله التجارية بتثبيت السعر الحقيقي لصرف عملته عند متوسط‬
‫شروط التبادل ‪ ،‬أو ما إذا كان من المفروض عليه استخدام‬
‫السياسة المالية والنقدية للتعامل مع التغيرات يف شروط‬
‫التبادل ‪ ،‬أو ما إذا كان سعر الصرف يف حد ذاته يمثل أداة مثلى‬
‫(دياز – إليجاندرو ‪ )1976‬وحتى إذا كان سعر الصرف أداة‬
‫مثلى للسياسة االقتصادية ‪ ،‬فال يوجد دليل عن سلوك سعر‬
‫الصرف الحقيقي مع الزمن ‪.‬‬

‫ب‪ -‬إن السؤال فيما يتعلق بالمزيج األمثل بين تعديالت سعر‬
‫الصرف وازدياد تدفق الواردات كوسيلة للقضاء على ‪ ،‬أو على‬
‫أقل تقدير تقليل الفجوة بين األسعار المحلية والعالمية لسلع‬
‫الصادر والسلع المنافسة للواردات ‪ ،‬إن هذا السؤال لم يحسم‬
‫بعد ! (كروقر ‪. )1983‬‬

‫ج‪ -‬إن هناك إمكانية ألن يتسم السوق الحر للنقد األجنبي‬
‫بعدم االستقرار (بالك ‪. )1976‬‬

‫وعلى الرغم من ذلك وألغراض تقديم الحجج لتدعيم مقوالتنا‬


‫السابقة القائلة بخطل سياسة الصندوق نتقدم يف هذه الورقة بأطروحة‬

‫‪135‬‬
‫مفادها أن ما يسمى بالسوق الحر للنقد األجنبي يف السودان يتصف بعدم‬
‫االستقرار ‪ ،‬ومن ثم فإن مختلف السياسات التي يطرحها الصندوق يف‬
‫هذا المجال ليس لها جدوي على أي مدى زمني يختاره المحلل ‪ .‬لتدعيم‬
‫هذه الحجة نقوم يف القسم الثاين من هذه الورقة باستعراض آخر النماذج‬
‫التي ظهرت يف األدبيات المتخصصة يف سوق النقد األجنبي حيث عرف‬
‫االستقرار يف السوق على أساس االتجاه العام ألسعار الصرف نحو‬
‫التوحيد «أي تعريف الصندوق» ‪ .‬ونقوم يف هذا القسم بربهان أن سوق‬
‫النقد األجنبي يف السودان غير مستقر هبذا المعنى ‪ .‬يف القسم الثالث من‬
‫الورقة نستعرض عددا من النتائج التطبيقية لدعم حجتنا ‪ .‬األولى تختص‬
‫باختبار أطروحة الصندوق حول توحيد أسعار الصرف ‪ .‬والثانية تعنى‬
‫باختبار أهم العوامل المحددة لسلوك سعر الصرف يف السوق األسود ‪.‬‬

‫يف القسمين الرابع والخامس وألغراض إثراء الحوار نستخلص أهم‬


‫اآلثار التجميعية التي أفرزتنها تجربة ما يسمى بحرية التعامل يف النقد‬
‫األجنبي يف السودان ‪ ،‬ونتقدم باقرتاح للرجوع إلى سياسة الرقابة على‬
‫النقد كخيار بديل للتبعية للصندوق ‪.‬‬

‫ونسارع لنوضح للقارئ أننا نستخدم يف الورقة كمصطلحات رديفة‬


‫«السوق األسود» و«السوق الحر» و«السوق السوداء» و«السوق‬
‫الموازى» ‪ :‬وكلها يف رأينا أسواق سوداء ‪ .‬كما يجدر بنا اإلشارة إلى‬
‫الملحقين رقم (‪ )1‬ورقم (‪ )2‬واللذين يحتويان على بعض المعلومات‬

‫‪136‬‬
‫التاريخية والمؤسسية للذين يودون الرجوع إلى مثل هذه التفاصيل ‪.‬‬
‫كذلك ال بد وأن ننوه إلى تعريف سعر الصرف الوارد يف هذه الورقة وهو‬
‫السعر المحلي للعملة األجنبية «جنيه للدوالر» ومن ثم فإن عبارة‬
‫تخفيض سعر الصرف تعني ارتفاع السعر المحلي للعملة األجنبية ‪.‬‬

‫‪ -2‬نموذج للسوق األسود‬


‫نستعرض يف هذا القسم النموذج الذي صاغه نواك (‪ )1984‬والذي‬
‫درس من خالله كيفية أداء السوق غير الرسمي للنقد األجنبي ومضامين‬
‫ذلك للسياسات االقتصادية ‪.‬‬

‫االفتراضات ‪:‬‬

‫استخدم نواك المجموعة التالية من االفرتاضات لوصف االقتصاد‬


‫المنمذج ‪.‬‬

‫(أ) تركيبة االقتصاد ‪:‬‬

‫يفرتض أن يكون االقتصاد صغير الحجم بمعنى عدم إمكانية تأثيره‬


‫على شروط التبادل التجارية الدولية ‪ ،‬ويحتوي االقتصاد المعني على‬
‫قطاعين ‪ :‬قطاع خاص وقطاع عام ‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫(ب) القطاع الخاص ‪:‬‬

‫يقوم القطاع الخاص بإنتاج سلعتين إحداهما غير قابلة للتبادل‬


‫واألخرى للتصدير ‪ ،‬وذلك باستخدام العمل كمدخل لإلنتاج ‪ .‬كما يقوم‬
‫هذا القطاع باستهالك نوعين من السلع إحداهما مستوردة واألخرى تلك‬
‫التي ال يمكن تبادلها ‪.‬‬

‫(ج) القطاع الرسمي ‪:‬‬

‫يشتمل القطاع الرسمي على الحكومة والبنك المركزي ‪ ،‬حيث يقوم‬


‫البنك المركزي باإلشراف على سوق للنقد األجنبي تتم المعامالت فيه‬
‫على أساس سعر صرف محدد ‪ .‬ويقوم القطاع الحكومي والقطاع‬
‫الخاص باالشرتاك يف هذا السوق ‪.‬‬

‫(د) الرقابة على النقد ‪:‬‬

‫منتجو سلعة الصادر ملزمون قانونا ببيع سلعتهم للحكومة التي تقوم‬
‫بدورها بتسليم إيرادات النقد األجنبي للبنك المركزي ‪ .‬ويقوم البنك‬
‫المركزي ببيع النقد األجنبي ألغراض االستيراد ‪ .‬إال أن قوانين الرقابة‬
‫على النقد تحد من موارد النقد األجنبي المتاحة لالستيراد ‪ ،‬وتمنع منعا‬
‫باتا استخدام هذه الموارد ألغراض معامالت رأس المال ‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫(هـ) السوق األسود ‪:‬‬

‫تتم مقابلة الطلب الزائد على النقد األجنبي يف سوق مواز أو ثانوي أو‬
‫أسود رسمي ‪ .‬وتتمثل مصادر النقد األجنبي لهذا السوق يف عائدات‬
‫هتريب سلعة الصادر ‪ .‬وتعني عدم قانونية عمليات التهريب وجود‬
‫تكاليف لهذه العمليات تنعكس يف عالوة سعرية ‪.‬‬

‫(و) قانونية المعامالت ‪:‬‬

‫يتم بيع كل السلع المستوردة عن طريق السوق الرسمي للمستهلكين‬


‫على أساس السعر الذي يتحدد لتلك السلع المستوردة بواسطة السوق‬
‫األسود ‪ ،‬وأن هذه المعامالت قانونية ‪ .‬كما يفرتض عدم وجود تكاليف‬
‫أو عقوبات للتعامل يف النقد األجنبي ‪.‬‬

‫(ز) األسعار ‪:‬‬

‫ألغراض التحليل وفيما عدا سعر الصرف الرسمي ‪ ،‬تم توحيد جميع‬
‫األسعار لتصبح واحدة ‪ ،‬ومن ثم فإن سعر صرف السوق األسود يمثل‬
‫ليس فقط سعر بيع سلعة الصادر يف السوق األسود ‪ ،‬ولكن أيضا سعر بيع‬
‫السلعة المستوردة بالعملة المحلية ‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫(ح) دوال عرض النقد األجنبي‬

‫يعتمد عرض النقد األجنبي يف السوقين الرسمي واألسود على‬


‫األسعار النسبية المالئمة بحيث يكون تأثير أسعار الصرف النسبية على‬
‫عرض النقد األجنبي متساويا يف كل من السوقين ‪.‬‬

‫(ط) دوال الطلب ‪:‬‬

‫يعتمد الطلب على السلع المستوردة غير القابلة للتبادل على األسعار‬
‫النسبية معرفة على أهنا سعر السلعة غير القابلة للتبادل منسوبا إليها سعر‬
‫صرف السوق األسود ‪ ،‬بينما تم قياس اإلنتاج كمجموع إلنتاج السلعتين‬
‫مقومة باألسعار الثابتة ‪.‬‬

‫النتائج ‪:‬‬

‫يالحظ نواك أن وجود قيود كمية نافذة المفعول يف االقتصاد تؤدي إلى‬
‫أن تصبح االحتياطيات الدولية عامال خارجيا عن النموذج ‪ .‬وعليه‬
‫وباستخدام االفرتاضات «أ ‪ -‬ك» يمكننا التوصل إلى الشروط التوازنية‬
‫التالية يف كل األسواق ‪:‬‬

‫‪140‬‬
‫معادة رقم (‪ )1‬السوق األسود ‪:‬‬

‫الطلب اإلجمالي لالستيراد ناقص الطلب الرسمي لالستيراد ‪ +‬التغير‬


‫يف العملة األجنبية عند المقيمين = عائد التصدير يف السوق األسود ‪.‬‬

‫معادلة رقم (‪ )2‬السوق الرسمي ‪:‬‬

‫الطلب الرسمي لالستيراد = عائد التصدير الرسمي ناقص التغير يف‬


‫االحتياطي األجنبي ‪.‬‬

‫معادلة رقم (‪ )3‬االقتصاد ‪:‬‬

‫الطلب اإلجمالي لالستيراد ‪ +‬التغير يف العملة األجنبية عند المقيمين‬


‫=‬
‫العائد اإلجمالي للتصدير – التغير يف االحتياطي األجنبي‬

‫ويالحظ أن المعادلة رقم (‪ )2‬توضح ميزان المدفوعات الذي يتم‬


‫تقريره رسميا ‪ ،‬بينما يمكن استخدام المعادلة رقم (‪ )3‬لتحديد سعر‬
‫الصرف الموازي على افرتاض تحديد قيم لكل العوامل األخرى ‪ ،‬أما من‬
‫ناحية تحقق األحداث فإهنا توضح ميزان المدفوعات ‪.‬‬

‫بتعويض الدوال المختلفة وبافرتاض ثبات العملة األجنبية عند‬


‫المقيمين يمكن إجراء عملية تفاضل للمعادلة رقم (‪ )3‬مع الزمن للتوصل‬

‫‪141‬‬
‫إلى العالقة بين سعر الصرف الرسمي وسعر صرف السوق األسود ‪.‬‬
‫ألغراض إجراء التحليل ‪ ،‬نالحظ أن نواك قد استخدم القيود التالية ‪ ،‬على‬
‫أشكال دوال االستيراد والتصدير ‪:‬‬

‫أ‪ -‬دالة االستيراد وهي دالة ُمعرفة على سعر الصرف الرسمي‬
‫منسوبا إلى سعر السلعة غير التبادلية ‪ ،‬بمعنى سعر نسبي بحيث‬
‫كلما ارتفع السعر النسبي كلما نقص الطلب على االستيراد؛‬
‫كذلك يعتمد االستيراد على إجمالي الناتج بحيث كلما ارتفع‬
‫الناتج ازداد الطلب على االستيراد ‪.‬‬

‫ب‪ -‬دالة التصدير يف السوق الرسمي ‪ :‬وهي دالة معرفة على‬


‫سعر الصرف الرسمي منسوبا ‪ ،‬يف كل مرة على حدة ‪ ،‬إلى سعر‬
‫الصرف يف السوق األسود ‪ ،‬وسعر السلعة غير التبادلية ومستوى‬
‫األسعار العام بحيث كلما ازداد أي من هذه األسعار النسبية‬
‫ارتفع الصادر يف السوق الرسمي ‪.‬‬

‫ج‪ -‬دالة التصدير يف السوق األسود ‪ :‬وهي دالة معرفة على‬


‫سعر الصرف يف السوق األسود منسوبا ‪ ،‬يف كل مرة على حدة ‪،‬‬
‫إلى سعر الصرف يف السوق الرسمي وسعر السلعة غير التبادلية‬
‫ومستوى األسعار؛ بحيث كلما ارتفع السعر النسبي كلما ازداد‬
‫التصدير يف السوق األسود ‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫باإلضافة إلى هذه القيود السلوكية على دوال االستيراد والتصدير ‪،‬‬
‫افرتض نواك أن يكون أثر التغيير يف سعر الصرف النسبي على الصادر‬
‫متساويا يف السوقين األسود والرسمي للصادر ‪.‬‬

‫باستخدام هذه القيود ‪ ،‬وبعد إجراء عملية تفاضل مع الزمن توصل‬


‫نواك إلى النتيجة القائلة أنه كلما حدث تخفيض يف سعر الصرف الرسمي‬
‫أدى ذلك إلى ارتفاع يف سعر الصرف للسوق األسود ‪ ،‬أي أن هنالك‬
‫عالقة عكسية بين السعرين ‪.‬‬

‫ويقول نواك يف هذا الخصوص أن السبب يف ذلك يعزي إلى مالحظة‬


‫أنه بتحويل الموارد من إنتاج السلعة غير التبادلية إلى سعر الصادر ‪ ،‬فإن‬
‫تخفيض سعر الصرف الرسمي سيؤدي يف ظل بقاء األشياء كما هي عليه ‪،‬‬
‫إلى توسيع يف العرض اإلجمالي لسلعة الصادر على الرغم من انكماش‬
‫«تناقص» البيع يف السوق األسود ‪ .‬وألن سعر الصرف الموازي يعمل‬
‫لموازنة الطلب اإلجمالي للنقد األجنبي يف االقتصاد ككل ‪ ،‬فإن سعر‬
‫الصرف الموازي ال بد وأن يرتفع ليس فقط نسبيا مقارنة بالسعر الرسمي‬
‫وإنما بطريقة مطلقة أيضا ‪.‬‬

‫ونسارع لتنبيه القارئ إلى أن النتيجة المقررة أعاله قد تم التوصل إليها‬


‫باستخدام القيم المعروضة على تأثير أسعار الصرف النسبية على حصيلة‬
‫الصادرات يف كل من سوقي النقد تحت الدراسة ‪ .‬كما ننبه القارئ الذي‬

‫‪143‬‬
‫سيقوم بإجراء عملية التفاضل ألهمية استخدام االفرتاضات الخاصة‬
‫بتطبيع األسعار يف الفرتة االرتكازية وثبات االحتياطي يف تلك الفرتة‬
‫أيضا ‪.‬‬

‫هذا من النواحي الفنية ‪ ،‬أما من ناحية السياسات االقتصادية فيالحظ‬


‫أن النتيجة التي توصل إليها نواك تذهب لتؤيد ما درج عليه الصندوق من‬
‫توصية للدول النامية التخاذ إجراءات خفض سعر صرف العمالت‬
‫المحلية بحجة أن ذلك من شأنه تضييق الشقة بين السعرين ‪.‬‬

‫نموذج بديل ‪:‬‬

‫على الرغم من تقديرنا لمساهمة نواك يف نمذجة السوق األسود ‪ ،‬إال‬


‫أننا نزعم بأهنا ال تقوم بوصف يتقارب مع حالة السودان من جهة ‪ ،‬وأن‬
‫النتيجة التي توصل إليها ال تتتوافق مع إدراكنا الفطري لطبيعة أداء السوق‬
‫السوداء للنقد األجنبي يف السودان من جهة أخرى ‪.‬‬

‫وبغرض توضيح موقفنا على المستوى النظري فقد قمنا بتعديل‬


‫النموذج تعديال طفيفا بحذف االفرتاضين (هـ) و (ط) واستبدالهما بما‬
‫يلي ‪:‬‬

‫‪144‬‬
‫(هـ) السوق األسود ‪:‬‬

‫تتم مقابلة الطلب الزائد على النقد األجنبي يف سوق مواز أو ثانوي أو‬
‫أسود رسمي ‪ .‬وتتمثل مصادر النقد األجنبي لهذا السوق يف تحويالت‬
‫المغرتبين ‪.‬‬

‫(ح) دوال عرض النقد األجنبي ‪:‬‬

‫يعتمد عرض النقد األجنبي يف السوق على سعر الصرف الرسمي ‪،‬‬
‫‪ ، Y‬بحيث يمكن أن تكون مرونة الصادرات لسعر الصرف الرسمي‬
‫مساوية للصفر ‪ ،‬بينما تعتمد تحويالت المغرتبين على نسبة السعر‬
‫الموازي للسعر الرسمي ‪ X‬بطريقة مباشرة ‪.‬‬

‫باستخدام هذه االفرتاضات الجديدة يجب تعديل المعادلتين رقم (‪)1‬‬


‫و (‪ )3‬على النحو التالي ‪:‬‬

‫معادلة رقم (‪ )1‬السوق األسود ‪( :‬الجزء الواقع على يمين المعادلة‬


‫رقم ‪( = )1‬تحويالت المغرتبين) ‪.‬‬

‫معادلة رقم (‪ )3‬االقتصاد ‪( :‬الجزء الواقع على يمين المعادلة رقم ‪)3‬‬
‫= (عائد التصدير الرسمي) ‪( +‬تحويالت المغرتبين) – (التغير يف‬
‫االحتياطي)‬

‫‪145‬‬
‫ودون فقدان أي نوع من العمومية يف التحليل يمكننا كتابة المعادلة رقم‬
‫(‪ )4‬على النحو التالي حيث استخدمنا افرتاض تطبيع األسعار ومن ثم‬
‫بسطنا عرض الدوال المستخدمة ‪:‬‬

‫‪I (X) + A = E (Y) + M (X/Y) – B‬‬ ‫معادلة رقم (‪)4‬‬

‫حيث ‪ E‬تمثل الصادرات ‪ M‬تمثل تحويالت المغرتبين و ‪ I‬تمثل‬


‫الواردات بينما ‪ A‬و ‪ B‬ثوابت ‪ .‬وحيث فرضت القيود الشكلية التالية على‬
‫الدوال المختلفة ‪:‬‬

‫أ‪ -‬كلما ارتفع سعر صرف السوق األسود كلما انخفضت‬


‫الواردات ‪.‬‬
‫ب‪ -‬ال تتغير الصادرات مع تغير سعر صرف السوق‬
‫الرسمي ‪.‬‬
‫ج‪ -‬كلما ارتفع سعر الصرف النسبي ‪ ،‬معرفا بأنه سعر السوق‬
‫األسود منسوبا إلى سعر السوق الرسمي ‪ ،‬كلما ازدادت‬
‫تحويالت المغرتبين ‪.‬‬
‫وبإجراء عملية التفاضل نتحصل على النتيجة التالية ‪:‬‬

‫معادلة رقم (‪)5‬‬

‫‪146‬‬
‫يالحظ أن مقام المعادة (‪ )5‬سالب حسب القيود المفروضة على‬
‫أشكال الدوال ومن ثم فإن العالقة بين سعري الصرف ستتحدد بعالمة‬
‫البسط ‪ .‬كذلك يالحظ أنه إذا ما كانت الصادرات ال تستجيب للتغيرات‬
‫يف سعر الصرف الرسمي فإن عالمة البسط ستكون سالبة أيضا ‪ ،‬مما يعني‬
‫أن تخفيض سعر الصرف الرسمي سيؤدي إلى تخفيض سعر الصرف يف‬
‫السوق األسود ‪.‬‬

‫نخلص من كل ذلك إلى أن النتيجة التي توصل إليها نواك (‪)1984‬‬


‫تعتمد اعتمادا حساسا على افرتاضاته ‪ ،‬وأن وضعا تقريبيا لالقتصاد‬
‫السوداين مع االحتفاظ ببقية االفرتاضات يؤدي إلى نتيجة عكسية ‪ .‬كذلك‬
‫نالحظ أن هذه النتيجة تتوافق مع مشاهدتنا التطبيقية فيما يتعلق بسلوك‬
‫أسعار الصرف يف إطار االقتصاد السوداين والتي سنقوم باختبارها يف‬
‫الجزء القادم ‪.‬‬

‫‪ -3‬النتائج التطبيقية‬
‫نقدم يف هذا الجزء عددا من النتائج التطبيقية التي تحصلنا عليها فيما‬
‫يتعلق برتكيبة وأداء السوق األسود األجنبي يف السودان ‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫اختبار أطروحة الصندوق ‪:‬‬

‫تقول أطروحة الصندوق وكما توصل إليها نواك (‪ )1984‬بوجود‬


‫عالقة عكسية بين سعر الصرف يف السوق األسود وسعر الصرف‬
‫الرسمي ‪ ،‬بمعنى أنه كلما ارتفع السعر المحلي للعملة األجنبية يف السوق‬
‫الرسمي انخفض السعر المحلي للعملة األجنبية يف السوق األسود يف‬
‫مسار نحو التوحيد ‪ .‬ولقد برهنا نحن بعد تعديل نموذج نواك على وجود‬
‫عالقة مباشرة بين السعرين ‪ .‬والختبار هذه األطروحة قمنا بتقدير دالة‬
‫خطية على النحو التالي ‪:‬‬

‫المعادلة رقم (‪: )6‬‬

‫سعر الصرف يف السوق األسود = س ‪ +‬ص (سعر الصرف الرسمي)‬


‫حيث س ثابت وص معامل سعر الصرف الرسمي الذي يحدد وجود‬
‫ونوع العالقة بين السعرين ‪ .‬هذا وقد قمنا بتقدير هذه الدالة للمعلومات‬
‫المتوفرة لدينا حول المتوسطات الشهرية ألسعار الصرف يف السوق‬
‫األسود ومستويات األسعار الرسمية للفرتة سبتمير ‪ 1981‬إلى فرباير‬
‫‪ ، 1985‬وقد كانت نتيجة التقدير على النحو التالي ‪:‬‬

‫‪148‬‬
‫المعادلة رقم (‪:)7‬‬
‫سعر الصرف يف السوق األسود = ‪ 1,6067 + 0,0626‬سعر الصرف الرسمي‬
‫(‪)7,546‬‬

‫حيث األرقام بين األقواس توضح قيمة ت – اإلحصائية وحيث بلغ‬


‫معامل التحديد المكيف ‪ 0,57‬بمعنى أن التغيرات يف سعر الصرف‬
‫الرسمي تفسر ‪ %57‬من التقلبات يف سعر السوق األسود ‪ .‬هذا وتوضح‬
‫قيمة ت اإلحصائية أن معامل سعر الصرف ذو داللة إحصائية كبيرة‬
‫للغاية ‪ ،‬كما توضح عالمة معامل التقدير وجود عالقة مباشرة بين سعر‬
‫الصرف الرسمي وسعر صرف السوق األسود مما يقودنا إلى رفض‬
‫أطروحة الصندوق القائلة باستقرار سوق النقد األجنبي يف السودان أو‬
‫بمعنى آخر االتجاه العام ألسعار الصرف نحو التوحيد ‪.‬‬

‫هذا وتعني هذه النتيجة أن تخفيضا بنسة ‪ %92‬لسعر الصرف الرسمي‬


‫كما حدث يف ‪ 12‬فرباير ‪ 1985‬يؤدي إلى انخفاض يف سعر صرف السوق‬
‫األسود بنسبة ‪ %148‬ولعلنا لسنا يف حاجة إلى مالحظة أن سلوكا مثل هذا‬
‫قد حدث وأن شوهد يف السوق األسود السوداين ‪.‬‬

‫اختبار أطروحة عدم االستقرار الديناميكي ‪:‬‬

‫على الرغم من أننا لم نقم بتعديل نموذج نواك (‪ )1984‬ليأخذ يف‬


‫االعتبار عامل الزمن ومن ثم لم نقم بنمذجة عملية التوقعات والتي تلعب‬

‫‪149‬‬
‫يف اعتقادنا دورا أساسيا يف عدم االستقرار الديناميكي للسوق األسود‬
‫للنقد األجنبي يف السودان ‪ ،‬إال أننا قمنا باختبار أطروحة عدم االستقرار‬
‫الديناميكي هذه بتطبيق دالة الفروقات (انظر شيانج) ‪ )1974( ،‬وذلك‬
‫بتقدير دالة خطيبة على النحو الذي توضحه المعادلة رقم (‪ )8‬حيث‬
‫أخذت الفرتة على أساس أهنا أسبوع واحد وحيث استخدمنا متوسطات‬
‫األسعار األسبوعية للفرتة من ‪ 15‬يوليو ‪ 1981‬إلى ‪ 6‬فرباير ‪. 1985‬‬
‫ولقد كانت نتيجة هذا التقدير على النحو التالي ‪:‬‬

‫سعر صرف‬ ‫= ‪1,0257 + 0,03088 -‬‬ ‫سعر صرف‬


‫السوق األسود‬ ‫السوق األسود‬
‫(‪)0,006‬‬ ‫(‪)1,01127‬‬ ‫معادلة رقم‬
‫ىف األسبوع‬ ‫ىف األسبوع‬
‫الحالي‬ ‫المقبل‬ ‫(‪)8‬‬

‫حيث توضح األرقام بين األقواس األخطاء المعيارية للمعامالت‬


‫المقدرة ويتمثل اختبار أطروحة االستقرار الديناميكي يف اختبار ما إذا كان‬
‫ثابت العالقة المقدرة سالبا وما إذا كان معامل التقدير لسعر الصرف‬
‫الحالي أكثر من واحد ‪ .‬فإذا ما تحققت عالمة ثابت المعادلة وقيمة معامل‬
‫التقدير يقال أن السوق المعني يتصف بعدم االستقرار الديناميكي بمعنى‬
‫أن السعر المعني يتباعد من سعر التوازن مع مرور الزمن ‪ .‬وباستخدام‬
‫األخطاء المعيارية المقررة يف المعادلة المقدرة أعاله يتضح أن شروط‬

‫‪150‬‬
‫عدم االستقرار الديناميكي تتوفر يف السوق األسود للنقد األجنبي يف‬
‫السودان ‪.‬‬

‫اختبار العوامل المؤثرة على سعر الصرف يف السوق األسود ‪:‬‬

‫الستنباط أهم العوامل المؤثرة على سلوك سعر صرف السوق األسود‬
‫قام حسين (‪ )1985‬بصياغة األطروحات التي تقول بأن التغيرات يف هذا‬
‫السعر يمكن تفسيرها بواسطة التغيرات يف التسهيالت االئتمانية الممنوحة‬
‫بواسطة الجهاز المصريف للقطاع الخاص ‪ ،‬وكذلك بالتغيرات التي تطرأ‬
‫على الفارق بين السعر الرسمي وسعر السوق األسود ‪ .‬تفرتض هذه‬
‫األطروحة أن هذا الفارق يمكن أن يستخدم كمؤشر لتوقعات األفراد فيما‬
‫يتعلق بسياسة تخفيض السعر الرسمي للعملة ‪.‬‬

‫والختبار هذه األطروحة تم تقدير دالة خطية يف لوغاريثمات العوامل‬


‫أعاله على النحو التالي ‪:‬‬

‫معادلة رقم (‪)9‬‬

‫لوغاريثم سعر الصرف يف السوق األسود = س ‪ +‬ص (لوغاريثم‬


‫التسهيالت االئتمانية للقطاع الخاص) ‪ +‬ط (لوغاريثم الفارق بين أسعار‬
‫الصرف) ‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫حيث س ثابت وص وط معامالت تقدير ‪ .‬هذا وقد تم إجراء التقدير‬
‫اإلحصائي على خطوتين حيث تم التوصل إلى النتائج التالية باستخدام‬
‫مشاهدات شهرية للفرتة مايو ‪ – 1980‬فرباير ‪: 1985‬‬

‫معادلة رقم (‪: )10‬‬


‫‪1,03+0,19‬‬
‫(لوغاريثم‬ ‫لوغاريثم سعر الصرف يف السوق األسود =‬
‫)‪(30,2‬‬
‫التسهيالت االئتمانية للقطاع الخاص) ‪.‬‬

‫هذا وقد بلغ معامل التحديد لهذه المعادلة ‪ ، %86‬ويوضح العدد بين‬
‫األقواس قيمة ت – اإلحصائية والتي تدل على المغزوية اإلحصائية‬
‫للمعامل الذي تم تقديره ‪.‬‬

‫لوغاريثم سعر الصرف يف السوق األسود = ‪0,24‬‬ ‫معادلة رقم (‪: )11‬‬
‫‪( 0,82 +‬لوغاريثم التسهيالت االئتمانية للقطاع الخاص)‬

‫(‪)7,7‬‬
‫‪( 0,23+‬لوغاريثم الفارق بين سعري الصرف)‬

‫(‪)20,1‬‬
‫حيث بلغ معامل التحديد لهذه المعادلة ‪ ، %96‬وتوضح األعداد بين‬
‫األقواس قيمة ت اإلحصائية والتي تدل على المغزوية اإلحصائية‬
‫للمعامالت التي تم تقديرها ‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫وتوضح هذه النتائج أن التسهيالت االئتمانية الممنوحة للقطاع‬
‫الخاص بواسطة الجهاز المصريف تفسر ‪ %86‬من التغيرات يف سعر صرف‬
‫السوق األسود بينما يفسر المعامالن (التسهيالت االئتمانية والفارق‬
‫السعري) مجتمعان حوالي ‪ %96‬من التغيرات يف سعر الصرف ‪.‬‬

‫هذا وتوضح نتيجة التقديرات المتكاملة والواردة يف المعادلة رقم‬


‫(‪ )11‬أن مرونة سعر الصرف يف السوق األسود بالنسبة إلى التسهيالت‬
‫االئتمانية الممنوحة للقطاع الخاص تتسم باالرتفاع ‪ ،‬حيث يؤدي التوسع‬
‫يف التسهيالت بنسبة ‪ %10‬إلى ارتفاع سعر الصرف بنسبة ‪ %8,2‬بينما‬
‫يؤدي االرتفاع يف الفارق بين السعرين بنسبة ‪ %10‬إلى زيادة يف سعر‬
‫السوق األسود بنسبة ‪. %2,3‬‬

‫تقديرات حجم السوق األسود ‪:‬‬

‫لعله من البديهي مالحظة أنه ال تتوفر معلومات تجميعية تتسم بالدقة‬


‫والشمول فيما يتعلق بحجم السوق األسود للنقد األجنبي يف السودان‬
‫ومن ثم فإن الطرق المتاحة للوصول إلى مثل هذه التقديرات ال بد لها من‬
‫أن تكون غير مباشرة ‪ .‬وتشمل هذه الطرق غير المباشرة على سبيل المثال‬
‫ال الحصر ‪ ،‬استخدام ما يتوفر حاليا من معلومات يف أدبيات الهجرة‬
‫الخارجية للحصول على حجم السوق األسود من جانب العرض ‪،‬‬
‫وإمكانية استخدام البيانات الرسمية للتجارة الخارجية لتقدير حجم‬
‫السوق يف جانب الطلب (حسين ‪ . )1985‬ودون الدخول يف قضايا‬

‫‪153‬‬
‫منهجية ‪ ،‬وألغراض التدليل األولي على حجم السوق ‪ ،‬نود اإلشارة إلى‬
‫أن طريقة البيانات الرسمية للتجارة الخارجية تتطلب تقدير حجم السوق‬
‫باستخدام معادلة التعريف التالية ‪:‬‬

‫معادلة رقم (‪: )12‬‬

‫قيمة الواردات ناقص قيمة الواردات عرب السوق الرسمية = قيمة‬


‫الو اردات الممولة من السوق األسود = الحد األدنى لحجم السوق‬
‫األسود ‪.‬‬

‫كما نود أن نركز على صفة «الحد األدنى» لتقديرات الطلب على النقد‬
‫األجنبي هذه وذلك لتجاهلها للطلب على الدوالر ألغراض هتريب رأس‬
‫المال ‪ ،‬وأغراض االكتناز ‪ ،‬وأغراض المضاربة وكذلك أغراض السفر‬
‫السياحي وتجارة الشنطة ‪.‬‬

‫باستخدام هذه المنهجية يمكن للقارئ التأكد من صحة النتائج القائلة‬


‫بأن متوسط حجم العمالت الصعبة التي تم تداولها يف هذا السوق قد بلغ‬
‫حوالي ‪ 2,6‬مليون دوالر يف إليوم عام ‪ 1981‬ارتفع إلى ‪ 3,1‬مليون دوالر‬
‫يف عام ‪ ، 1984‬كما ارتفع متوسط حجم التداول الشهري من ‪67,5‬‬
‫مليون دوالر إلى ‪ 90,2‬مليون دوالر لنفس األعوام على التوالي ‪ .‬ويمكن‬
‫للقارئ أيضا التحقق من ارتفاع حجم التداول السنوي من ‪ 800‬مليون‬
‫دوالر عام ‪ 1981‬إلى حوالي ‪ 1,1‬بليون دوالر عام ‪. 1984‬‬

‫‪154‬‬
‫كذلك يمكن للقارئ عقد مقارنة بين الحد األدنى لحجم السوق‬
‫األسود وحصيلة صادرات القطر ‪ .‬حيث سيتضح أن متوسط حجم‬
‫السوق األسود يساوي ضعف إجمالي حصيلة الصادرات ‪ .‬ولما كان أهم‬
‫مورد لعرض النقد األجنبي يف السوق األسود يتمثل يف تحويالت‬
‫السودانيين العاملين بالخارج فإن هذه المقارنة يجب أن تستخدم ال‬
‫لالستدالل على األهمية الحاسمة لهذا السوق يف حد ذاته ‪ ،‬كما يفعل‬
‫خرباء الصندوق ومن لف لفهم ‪ ،‬وإنما لالستدالل على األهمية الحاسمة‬
‫لمورد تحويالت المغرتبين ‪.‬‬

‫باستخدام تقديرات الحد األدنى يمكن للقارئ أيضا القيام بحساب‬


‫أربحية عمليات هذا السوق على افرتاض هامش للربح ‪ .‬هذا وقد قدر‬
‫أول منشور لبنك السودان الحاد األدنى لهامش الربح بقرشين للدوالر‬
‫(الفرق بين سعر الشراء وسعر البيع – انظر الملحق رقم (‪ ) )1‬ويوضح‬
‫الجدول التالي حسابات بديلة لهوامش ربح مفرتضة لألعوام ‪1981‬‬
‫و‪. 1984‬‬

‫‪155‬‬
‫جدول رقم (‪ : )1‬متوسط األرباح المتحققة لتجارة الدوالر‬
‫(مليون جنيه سوداين)‬
‫‪1984‬‬ ‫‪1981‬‬ ‫هامش الربح‬
‫(جنيه للدوالر)‬
‫‪22‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪0,2‬‬
‫‪55‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪0,05‬‬
‫‪110‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪0,10‬‬
‫ولعلنا لسنا يف حاجة إلى مالحظة أن هذه النتائج تكفي للتدليل على‬
‫األطروحة القائلة بأن تجارة العملة يف السوق األسود تدر أرباحا سهلة‬
‫وطائلة تفوق يف معدالهتا تلك األرباح التي يمكن أن تحققها الوحدات‬
‫اإلنتاجية يف االقتصاد ‪.‬‬

‫‪ -4‬اآلثار التجميعية لتجربة السوق األسود‬


‫ألغراض حصر مناقشة جدوي تجربة الصندوق يف مجال تحرير‬
‫التعامل يف النقد األجنبي يف السودان يمكننا تلخيص أهم اآلثار التي‬
‫ترتبت على هذه التجربة فيما يلي ‪:‬‬

‫(أ) األثر التضخمي‬


‫(ب) األثر على عملية تخصيص الموارد اإلنتاجية‬
‫(ج) األثر على عملية توزيع الدخل‬

‫‪156‬‬
‫(د) األثر على عملية اتخاذ القرارات االقتصادية ‪.‬‬

‫هذا ولعلنا يف حاجة إلى التأكد مرة أخرى أنه وفيما يتعلق باآلثار (أ –‬
‫ج) فقد اعرتف الصندوق صراحة بوقعها السلبي على االقتصاد حيث‬
‫قال ‪« :‬لقد كان لموجة المضاربة التي صاحبت تخفيضات عامي ‪1981‬‬
‫و ‪ 1982‬عدد من اآلثار االقتصادية الضارة ‪ .‬فحالما تأسست التوقعات‬
‫فيما يتعلق بتخفيض آت ‪ ،‬قام المصدرون باالحتفاظ بسلعهم للحصول‬
‫على غنائم مالية بالعملة المحلية ‪ ،‬ويف نفس الوقت قام عدد كبير من‬
‫التجار المحليين ببناء مخزوناهتم من سلع الصادر والوارد لنفس الهدف‬
‫وتمت مكافأهتم بارتفاع قيمة هذه السلع بالعملة المحلية بعد تنفيذ‬
‫تخفيض سعر العملة ‪ .‬وقد تسبب هذا يف تحويل للدخل من المستهلكين‬
‫والمنتجين إلى التجار ‪ .‬هذا وقد تطلبت نشاطات بناء المخزون السلعي‬
‫هذه تمويال إضافيا من البنوك والذي كان يمكن تدفقه يف مجاالت أكثر‬
‫إنتاجية يف االقتصاد ‪( ».‬انظر الفصل الثالث) ‪.‬‬

‫كذلك اعرتف البنك الدولي يف آخر تقرير له عن السودان عن فشل‬


‫التجربة حيث قال إنه «ومنذ عام ‪ 1978‬فإن تخفيض سعر صرف الجنيه‬
‫السوداين قد كان جزءا أساسيا من وصفة سياسات اإلنعاش ‪ .‬ولقد كان‬
‫هدف تخفيض سعر الصرف هو إزالة المغاالة يف قيمة العملة ‪ . .‬إال أنه‬
‫ولسوء الطالع قد فشلت هذه الجهود ‪ .‬فعقب كل تخفيض يف سعر صرف‬

‫‪157‬‬
‫العملة ‪ ،‬قضي التضخم بسرعة على التحسينات الوقتية التي تطرأ على‬
‫الحوافز» (البنك الدولي ‪ 1985‬ص‪. )29‬‬

‫ونسارع لنالحظ أن اآللية التي أفرزت هذه اآلثار السلبية هي يف رأينا‬


‫الطبيعة غير المستقرة للتوازن يف السوق األسود للنقد األجنبي كما أثبتنا ‪،‬‬
‫والتي تقول بأن الفارق بين سعري الصرف يف السوق الرسمي والسوق‬
‫األسود يف ازدياد متواصل مع الزمن وخصوصا كلما قامت الحكومة‬
‫بتخفيض سعر الصرف الرسمي ‪ .‬باإلضافة إلى الطبيعة غير المستقرة ‪،‬‬
‫فإن اآلليات الفرعية التي أدت إلى تشويه عملية تخصيص الموارد بعيدا‬
‫عن المجاالت اإلنتاجية ونحو مجاالت المضاربة تمثلت يف التسهيالت‬
‫المصرفية التي مولت عمليات السوق األسود من ناحية ويف معدالت‬
‫األربحية المرتفعة نسبيا من هذه العمليات من ناحية أخرى ‪ .‬واآلليات‬
‫الثالث مجتمعة تعضد بعضها بعضا بطريقة ديناميكية مع مرور الزمن ‪.‬‬

‫فيما يتعلق باألثر السلبي على عملية توزيع الدخل ‪ ،‬فإن النتائج األولية‬
‫التي تحصلنا عليها والتي اعتمدت على المعلومات التجميعية للدخول يف‬
‫القطاعات اإلنتاجية والخدمية توضح أنه فيما بين ‪1977/76‬‬
‫و‪ 1983/82‬كان النمو الحقيقي لدخل الفرد يف كل من قطاعات الزراعة‬
‫والخدمات والمواصالت سالبا بينما حقق دخل الفرد يف قطاع التجارة‬
‫أعلى معدل للنمو قدر بنحو ‪ %9,5‬سنويا تليه قطاعات التشييد (‪، )%6,4‬‬
‫والصناعة (‪ )%2,7‬والمرافق العامة (‪ . )%2,2‬هذا وتدل النتائج األولية‬

‫‪158‬‬
‫أن معامل جيني قد ارتفع من ‪ 0,3726‬يف عام ‪ 1977/76‬إلى ‪0,4217‬‬
‫يف عام ‪ . 1983/82‬ونسارع لنالحظ أيضا أن هذه النتائج ال بد لها من أن‬
‫تعامل على أساس أهنا تقديرات للحدود الدنيا ‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق باألثر على عملية اتخاذ القرارات االقتصادية فنزعم أن‬
‫تجربة السوق األسود للنقد األجنبي يف السودان قد أفرزت أنماطا من‬
‫السلوك على المستويين الفردي والمؤسسي كان لها آثارها يف سوء إدارة‬
‫االقتصاد التجميعي باإلضافة إلى بروز المضاربة كنشاط اقتصادي ‪ ،‬أدى‬
‫االهنيار المتواصل يف قيمة الجنيه السوداين يف السوق األسود ‪ ،‬وما نتج‬
‫عنه من ضغوط تضخمية إلى فقدان الثقة يف العملة المحلية مما دفع‬
‫أصحاب الثروات إلى استخدام الدوالر كحافظة لثرواهتم ‪ ،‬األمر الذي‬
‫تسبب يف ظهور نوع من الطلب الجديد على العملة الصعبة يف السوق‬
‫المحلي ألغراض االستثمار أو االكتناز ‪ .‬هذا من ناحية ومن ناحية أخرى‬
‫‪ ،‬والستمرار انخفاض سعر صرف العملة يف السوق األسود ومن ثم تأكيد‬
‫التوقعات بعيدة المدى فيما يتعلق بتفاقم أداء االقتصاد التجميعي ‪ ،‬ظهر‬
‫طلب أكثر حدة على الدوالر ألغراض استبدال األصول المحلية‬
‫(وخصوصا العقارية منها) بأصول يف الخارج مما أفرز موجات ال يستهان‬
‫هبا من هروب رؤوس األموال المحلية ‪ .‬كذلك تسببت التجربة السودانية‬
‫فيما يسمى بمجال حرية التعامل يف النقد األجنبي إلى استخدام‬
‫مجموعات المصالح الطفيلية لمقدراهتا على الضغط على القطاع‬

‫‪159‬‬
‫المصريف لالنحراف عن تقاليد السلوك المصريف وانخراطه يف تمويل‬
‫عمليات هذه المجموعات يف السوق األسود ‪ ،‬وربما كان لهذه‬
‫المجموعات أثر كبير للغاية يف مختلف القرارات التي اتخذت إلضعاف‬
‫هيمنة البنك المركزي على القطاع المصريف لخدمة هذه األغراض !‬

‫ويف إطار النتائج التطبيقية التي أوردناها واآلثار التي عددناها يمكن‬
‫صياغة أطروحة إضافية تقول بأن مجموعات المصالح الطفيلية التي نمت‬
‫واستشرت خالل فرتة إدارة صندوق النقد الدولي لالقتصاد السوداين ‪ ،‬لم‬
‫تقم فقط بتشويه عملية اتخاذ القرار االقتصادي يف السودان ‪ ،‬وإنما كانت‬
‫تمثل السند الدائم لكل ما بشر به الصندوق من سياسات اقتصادية يف‬
‫السودان وإن الصندوق كان يستخدمها لذات الغرض ‪.‬‬

‫‪ -5‬مالحظات ختامية‬
‫تقدمنا يف هذه الورقة باألطروحات القائلة بعدم استقرار السوق األسود‬
‫للنقد األجنبي يف السودان ‪ ،‬مستندين يف ذلك على تعديل طفيف لنموذج‬
‫نواك (‪ . )1984‬هذا وقد قمنا باختبار هذه األطروحة بالطرق اإلحصائية‬
‫ووجدنا تأييدا قويا لها ‪ ،‬كذلك قدم الجزء التطبيقي من الورقة النتائج‬
‫المتعلقة بأهم العوامل المؤثرة على سلوك سعر الصرف يف السوق‬
‫األسود وكذلك التقديرات الدنيا لحجم هذا السوق ومعدالت أربحيته ‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫استنادا على النتائج التطبيقية التي توصلنا إليها حاولنا يف الجزء الرابع‬
‫من الورقة استعراض اآلثار المرتتبة على االقتصاد التجميعي من جراء‬
‫أداء هذا السوق ‪ .‬ولقد توصلنا إلى أن هذه اآلثار يف مجاالت التضخم‬
‫وتخصيص الموارد وتوزيع الدخل واتخاذ القرارات االقتصادية قد كانت‬
‫سلبية للغاية وقد تميزت بالرتاكمية لتعضيد بعضها البعض مع مرور‬
‫الزمن ‪.‬‬

‫وإذا كان ما توصلنا إليه صحيحا من أن طبيعة السوق األسود للنقد‬


‫األجنبي غير مستقرة ديناميكيا ‪ ،‬فإنه يصبح من المعقول القول بأن‬
‫اإلصالحات الجزئية يف مثل هذا السوق سوف لن تجدي فتيال ‪ .‬ومن ثم‬
‫يصبح من المقبول الدعوة إلى العودة إلى نظام متكامل للرقابة على النقد‬
‫تشدد فيه العقوبات على الذين يخرقون قواعد السلوك االقتصادي‬
‫المقنن ‪ ،‬وتتطلب العودة إلى نظام الرقابة على النقد تعديل القوانين‬
‫السارية بحيث ‪:‬‬
‫أ‪ -‬تمنع حيازة وتبادل النقد األجنبي خارج إطار البنك‬
‫المركزي ‪.‬‬
‫ب‪ -‬يمنع إخراج النقد األجنبي من البالد إال بتصاديق صادرة‬
‫من البنك المركزي ‪.‬‬
‫ج‪ -‬يمنع فتح الحسابات بالعملة األجنبية لدى البنوك‬
‫التجارية وإعادة العمل بنظام الحسابات غير المقيمة ‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫ونسارع لنالحظ أن ما يأخذه الصندوق على مثل هذا النظام هو احتمال‬
‫تفشي ظاهرة الفساد يف أوساط الذين يقومون بتطبيق اإلجراءات واللوائح ‪ .‬غير‬
‫أنه رأينا وربما يوافقنا القارئ يف ذلك أن التجربة السودانية يف مجال حرية التعامل‬
‫بالنقد األجنبي ال توفر سندا لمقولة الصندوق هذه ‪ ،‬وأن التحليل النهائي‬
‫للشواهد التجريبية يف مجال الفساد واإلفساد ال بد أن يؤيد القول القائل بأن‬
‫تكلفة الفساد تحت وصفة الصندوق تعادل أضعاف تكلفة الفساد تحت نظام‬
‫الرقابة على النقد ‪ ،‬وهذه قضية تطبيقية يمكن حسمها باالحتكام إلى الشواهد‬
‫التجريبية التي ظهرت بوادرها يف المحاكمات الدائرة علينا منذ انتصار الشعب يف‬
‫أبريل ‪. 1985‬‬

‫‪162‬‬
‫ملحق رقم (‪ : )1‬تطورات األحداث يف السوق األسود‬

‫األحداث ‪ /‬السياسات‬ ‫التاريخ‬


‫‪ )1‬تخفيض سعر الصرف الرسمي من ‪ 36‬قرشا‬ ‫‪1978/6/8‬‬
‫للدوالر إلى ‪ 40‬قرشا للدوالر ‪.‬‬
‫‪ )2‬تخفيض سعر الصرف الفعال من ‪ 40‬قرشا‬
‫للدوالر إلى ‪ 50‬قرشا للدوالر لكل الواردات وكل‬
‫الصادرات ما عدا القطن ‪.‬‬
‫‪ )3‬الحفاظ على سعر الصرف التشجيعي‬
‫لتحويالت المغرتبين عند ‪ 57‬قرشا للدوالر‬
‫تخفيض سعر الصرف التشجيعي إلى ‪ 67‬قرشا‬ ‫‪1979/2/27‬‬
‫للدوالر ‪.‬‬
‫تطبيق سعر الصرف الفعال بواقع ‪ 50‬قرشا للدوالر‬ ‫‪1979/7/13‬‬
‫على صادرات القطن ‪.‬‬
‫‪ )1‬إلغاء ضريبة التحويل وسعر الصرف التشجيعي‬ ‫‪1979/9/15‬‬
‫واالستيراد بدون تحويل عملة ‪.‬‬
‫‪ )2‬تخفيض سعر الصرف الرسمي من ‪ 40‬قرشا‬
‫للدوالر إلى ‪ 50‬قرشا للدوالر ‪.‬‬
‫‪ )3‬تأسيس السوق الموازي لصادرات وواردات‬
‫مختارة بسعر مواز بلغ ‪ 80‬قرشا للدوالر ‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫األحداث ‪ /‬السياسات‬ ‫التاريخ‬
‫تحويل كل الصادرات ما عدا القطن وكل الواردات‬ ‫‪1979/9/21‬‬
‫ما عدا األدوية والبرتول والسكر والقمح دقيق‬
‫القمح ‪ ،‬واللبن ومدخالت اإلنتاج الرزاعية من‬
‫السوق الرسمي إلى السوق الموازي ‪.‬‬
‫تحويل صادرات القطن ومدخالت اإلنتاج‬ ‫‪1981/6/8‬‬
‫المستوردة إلى السوق الموازي ‪.‬‬
‫تقنين التعامل يف النقد األجنبي بمنح تراخيص‬ ‫‪1981/7/15‬‬
‫الصرافات ‪.‬‬
‫‪ )1‬توحيد سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف‬ ‫‪1981/11/19‬‬
‫الموازي ‪ .‬سعر الصرف الموحد يساوي ‪ 90‬قرشا‬
‫للدوالر ‪.‬‬
‫‪ )2‬تقويم ‪ %75‬من الصادرات ما عدا القطن وكل‬
‫صادرات القطن ‪ ،‬وواردات الحكومة على أساس‬
‫السعر الموحد ‪.‬‬
‫‪ )3‬تقويم ما تبقى من المعامالت التجارية‬
‫الخارجية على أساس السعر الحر ‪.‬‬
‫تحديد أسعار صرف السوق الحر للشراء ‪1,13‬‬ ‫‪1982/6/30‬‬
‫جنيه للدوالر والبيع ‪ 1,15‬جنيه للدوالر ‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫األحداث ‪ /‬السياسات‬ ‫التاريخ‬
‫إلغاء األسعار المحددة للسوق الحر ‪.‬‬ ‫‪1982/8/25‬‬
‫تخفيض سعر الصرف الرسمي من ‪ 90‬قرشا‬ ‫‪1983/11/15‬‬
‫للدوالر إلى ‪ 1,3‬جنيه للدوالر ‪.‬‬
‫ترخيص البنوك التجارية للتعامل بسعر السوق‬ ‫‪1983/2/27‬‬
‫الحر ‪.‬‬ ‫‪1983/3/6‬‬
‫تطبيق سعر صرف السوق الحر على ‪ %25‬من‬
‫حصيلة الصادرات وذلك من خالل البنوك‬
‫التجارية ‪.‬‬
‫سحب رخص الصرافات ورخص خمسة بنوك‬ ‫‪1983/5/18‬‬
‫تجارية تعاملت بسعر السوق األسود ‪.‬‬
‫إعادة ترخيص البنوك التجارية ‪ ،‬وتحديد سعر‬ ‫هناية مايو‬
‫موحد ‪ 1983‬للسوق األسود بواسطة اتحاد‬
‫المصارف مع بنك السودان ‪.‬‬
‫إعادة ترخيص الصرافات‬ ‫يونيو ‪1983‬‬
‫‪ )1‬تحديد سعر الصرف للبنوك التجارية عند ‪2,1‬‬ ‫‪1984/10/21‬‬
‫جنيه للدوالر ‪.‬‬
‫‪ )2‬زيادة هامش «التجنيب» بسعر البنوك التجارية‬
‫من ‪ %25‬إلى ‪ %100‬لحصيلة معظم الصادرات‬

‫‪165‬‬
‫األحداث ‪ /‬السياسات‬ ‫التاريخ‬
‫فيما عدا القطن ‪.‬‬
‫‪ )3‬تحويل البنوك التجارية بنسبة ‪ %50‬من حصيلة‬
‫الصادرات لبنك السودان (‪ %100‬بالنسبة‬
‫للسمسم) ‪.‬‬
‫تعليق عمليات السوق الحر ‪.‬‬ ‫ديسمرب ‪1984‬‬
‫إعادة عمليات السوق الحر ‪.‬‬ ‫يناير ‪1985‬‬
‫‪ )1‬تخفيض سعر الصرف الرسمي من ‪ 1,3‬جنيه‬ ‫‪1985/2/12‬‬
‫للدوالر إلى ‪ 1,5‬جنيه للدوالر ‪.‬‬
‫‪ )2‬تخفيض سعر صرف البنوك التجارية من ‪2,1‬‬
‫جنيه للدوالر إلى ‪ 2,5‬جنيه للدوالر ‪.‬‬
‫‪ )3‬إلغاء رخص الصرافات وإنشاء سوق حر للنقد‬
‫األجنبي فيما بين البنوك التجارية بسعر صرف ‪3,3‬‬
‫جنيه للدوالر ‪.‬‬
‫ربط الجنيه السوداين بسلة من العمالت ‪ ،‬تحديد‬ ‫‪1985/8/19‬‬
‫سعر الصرف إسبوعيا بواسطة بنك السودان ‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫ملحق رقم (‪)2‬‬
‫بعض سمات الرقابة على النقد األجنبي‬

‫‪ -1‬أسعار الصرف ‪:‬‬

‫عرف الجنيه السوداين قانونا بمحتوى من الذهب يبلغ ‪2,115368‬‬


‫جرام من الذهب الصايف ‪ ،‬وقد كان سعر الصرف السائد بمعدل‬
‫‪ 2,87156‬دوالر للجنيه السوداين ‪ .‬وقد كانت أسعار المعامالت يف النقد‬
‫األجنبي (للبنوك المصرح هبا والحكومة) التي يعلنها بنك السودان للبيع‬
‫والشراء ‪ 2,867268‬و ‪ 2,875887‬دوالر للجنيه على التوالي ‪.‬‬

‫تتم معظم المعامالت ‪ ،‬فيما عدا تلك المتعلقة بالقطن على أساس‬
‫سعر الصرف الفعال والبالغ ‪ 2,5‬دوالر للجنيه وهو عبارة عن تطبيق‬
‫ضرائب ومنح تبلغ ‪ 5,18‬قرشا للدوالر (‪ )%15‬على السعر الرسمي ‪.‬‬

‫تطبيق حوافز وضرائب بنسبة ‪ %65‬من السعر الرسمي على تحويالت‬


‫السودانيين العاملين بالخارج وبعض المعامالت غير المنظورة ‪ ،‬مما نتج‬
‫عنه سعر تشجيعي بلغ ‪ 1,74‬دوالر للجنيه ‪.‬‬

‫‪ -2‬إدارة نظام الرقابة على النقد ‪:‬‬

‫تقع مسئولية إدارة نظام الرقابة على النقد على بنك السودان ‪،‬‬
‫بمساعدة البنوك المصرح لها ‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫تقع مسئولية إصدار أرانيك التسجيل والرخص للصادرات والواردات‬
‫(فيما عدا الذهب) على وزارة التجارة والتموين ‪.‬‬

‫يقوم بنك السودان بفحص ومراجعة الموافقة على األرانيك والرخص‬


‫الصادرة من وزارة التجارة ‪.‬‬

‫يتم التصديق على تسديد فواتير الواردات وكل الدفعيات الخارجية يف‬
‫إطار ميزانية سنوية للنقد األجنبي ‪.‬‬

‫‪ -3‬الحسابات غير المقيمة ‪:‬‬

‫يسمح للدبلوماسيين األجانب بفتتح حسابات بالجنيه السوداين‬


‫وتسمي الحسابات غير المقيمة ‪ .‬وتغذي هذه الحسابات بالعمالت‬
‫القابلة للتحويل ‪.‬‬

‫يمكن للموظفين األجانب األخرين الذين يعملون يف السودان وكذلك‬


‫األجانب الذين يقطنون السودان ‪ ،‬بفتح حسابات جارية أو حسابات توفير‬
‫بالجنيه السوداين ‪.‬‬

‫يمكن لألفراد األجانب ‪ ،‬والشركات والمنظمات العالمية والسودانيين‬


‫العاملين بالخارج فتح حسابات بالعمالت القابلة للتحويل ‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫الحسابات الموصدة التي تخص الذين يقطنون بالسودان يمكن‬
‫استخدام عوائدها يف داخل السودان لألغراض الشخصية وبحدود‬
‫تتحددها سلطات الرقابة على النقد ‪ .‬وفيما عدا تغذية هذه الحسابات‬
‫بالفائدة ‪ ،‬فإن اإليداعات والسحوبات تتطلب تصديقا من السلطات‬
‫المعنية ‪.‬‬

‫‪ -4‬رأس المال ‪:‬‬

‫يمكن تسجيل رؤوس األموال التي تدخل البالد ألغراض استثمارية‬


‫محددة وتكون قابلة من ضمن ميزان أخرى ‪ ،‬لضمان إعادة تحويل‬
‫األصل واألرباح ‪.‬‬

‫يمكن للمهاجرين من السودانيين عند المغادرة تحويل ما يعادل‬


‫‪ 1500‬جنيه سوداين ‪.‬‬

‫يمكن لألجانب المغادرين هنائيا تحويل ما يعادل ‪ 2500‬جنيه‬


‫سوداين ‪.‬‬

‫‪169‬‬
170
‫الفصل الخامس‬
‫االقتصاد السوداين وصفاقة الصندوق‬
‫انهيار موقف السودان التفاوضي‬

‫قدمت النتائج الرئيسية لهذه الورقة‬


‫يف حلقة نقاش ألساتذة كلية االقتصاد والتنمية الريفية ‪،‬‬
‫جامعة الجزيرة ‪ ،‬يف فرباير ‪. 1986‬‬

‫‪171‬‬
172
‫‪ -1‬مقدمة‬
‫استعرضنا يف الفصل الثاين من هذا الكتاب أهم الربامج التي تبناها‬
‫الحكم البائد‪ ،‬وأوردنا عددا من الشواهد لدحض الزعم القائل بأن‬
‫الجهات المختصة يف وزارة المالية السودانية هي التي قامت بصياغة‬
‫السياسات االقتصادية خالل الفرتة ‪ ، 1985 – 1978‬وكذلك الزعم‬
‫القائل بأن هذه السياسات كانت سليمة من وجهة النظر السودانية ‪ .‬هذا‬
‫ولقد كان الدافع إلجراء ذلك التوثيق هو الخرب الذي أوردته جريدة األيام‬
‫يف عددها بتاريخ ‪ 1985/5/8‬الذي يقول بأن « وكيل االقتصاد بالنيابة‬
‫بوزارة المالية والتخطيط االقتصادي قد صرح لها بأن تبديد الموارد‬
‫االقتصادية المتاحة وتراكم الديون يف العهد البائد قد كان نتيجة لعدم‬
‫استشارة الجهات المختصة بالوزارة » ‪.‬‬

‫كذلك استعرضنا يف الفصل الثالث السياسات االقتصادية التي‬


‫تضمنتها ترتيبات المؤازرة التي كان السودان يسعى للحصول عليها من‬
‫الصندوق وكان يزمع تنفيذها يف ‪ ، 1984/5/31‬إال أن التنفيذ قد تأخر‬
‫حتى ‪ 1984/6/25‬نتيجة لرتاكم ديون الصندوق على السودان وقد تم‬
‫إلغاء الرتتيبات يف يوم ‪ 1985/2/8‬لنفس السبب ‪ .‬هذا ولقد لفتنا النظر‬
‫إلى أن هذه السياسات التي كانت ستصيغها الجهات المختصة يف وزارة‬
‫المالية السودانية ‪ ،‬على حد زعم وكيل االقتصاد بالنيابة ‪ ،‬إذ ما قدر‬
‫لرتتيبات المؤازرة لعام ‪ 1985/84‬أن تنفذ ‪ .‬ولعلنا لسنا يف حاجة إلى‬

‫‪173‬‬
‫مالحظة أن هذه السياسات ستمثل قاعدة المشاورات التي سينطلق منها‬
‫صندوق النقد الدولي يف تعامله مع الحكومة االنتقالية ووزير ماليتها الذي‬
‫يعترب الصندوق «مثله مثل أي بنك ‪ ،‬يلجأ إليه العميل عند الحاجة» ‪.‬‬

‫وبعد مضي أربعة أشهر على تقديم محتوى الفصلين الثاين والثالث يف‬
‫شكل أوراق دورية يف إطار منتدى أكاديمي ‪ ،‬وموافقة وكيل االقتصاد‬
‫بالنيابة على نتائجنا بتعديل طفيف على التاريخ الذي استلم فيه الصندوق‬
‫زمام األمور االقتصادية التجميعية يف البالد ‪ ،‬تأكد حدسنا بأن الصندوق‬
‫سيظل ممسكا بزمام األمور االقتصادية يف البالد ‪ .‬فقد اندلعت خالل شهر‬
‫ديسمرب لجاجة كربى حول ما يسمى « بيان حكومة السودان حول‬
‫السياسات المالية واالقتصادية » فقد أوردت جريدة األيام يف عددها‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 3‬ديسمرب ‪ 1985‬خربا يقول بأن مجلس الوزراء قد أمن يف‬
‫« اجتماعه أمس على استمرار تعاون السودان مع صندوق النقد الدولي يف‬
‫إطار بناء ينطلق من تقدير سليم وموضوعي للظروف االقتصادية‬
‫واالجتماعية للبالد ويف ضوء سياسات سودانية تطرح مستقبال للتفاوض‬
‫مع الصندوق »‪ .‬وكان المجلس قد أبدى بعض المالحظات حول‬
‫السياسات المطروحة وذلك بعد نقاش مستفيض ‪ .‬هذا وقد تقرر إحالة‬
‫المذكرة والسياسات إلى اللجنة الوزارية للقطاع االقتصادي إلعادة النظر‬
‫فيها على ضوء المالحظات التي أبداها المجلس توطئة إلعداد الصيغة‬
‫المناسبة يف جولة المحادثات الجديدة مع صندوق النقد» ‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫على الرغم من الموقف المعتدل لمجلس وزراء االنتفاضة الذي أملته‬
‫ظروف األمر الواقع معرفا بالزيارة الميمونة التي قام هبا وزير مالية‬
‫االنتفاضة السابق لواشنطن يف ‪ 1985‬إال أن الكثير من المراقبين قد‬
‫اندهش لما بدر من السيد وزير مالية االنتفاضة حيال ما أبداه مجلس‬
‫الوزراء من « تحفظات حول السياسات المطروحة » و « إحالة المذكرة‬
‫والسياسات إلى اللجنة الوزارية للقطاع االقتصادي إلعادة النظر فيها »‬
‫واللجاجة الكربى مدونة بحذافيرها يف الصحف اليومية وال نود الخوض‬
‫فيها ‪ ،‬كذلك دونت الصحف اليومية اآلراء المختلفة للمراقبين ‪ ،‬وما‬
‫تمخضت عنه اللجاجة الكربى من استقالة وزير مالية االنتفاضة ‪.‬‬

‫هتتم هذه الورقة بتوثيق هذه األحداث االقتصادية التي تمثل يف رأينا‬
‫أهم ركن من أركان نكسة انتفاضة أبريل ‪ .‬ولوضع األمور يف إطارها‬
‫التاريخي يجدر بنا مالحظة أن أحداث ديسمرب تمتد جذورها إلى يوليو‬
‫‪ 1985‬حيث كانت هنالك مذكرة مماثلة لمذكرة أكتوبر تم تضمين نواياها‬
‫يف خطاب الميزانية ولكنها لم تسلم لمجلس الوزراء للموافقة عليها ‪ .‬وأن‬
‫مذكرة يوليو قد كانت نتيجة للزيارة التي قام هبا السيد وزير مالية‬
‫االنتفاضة لواشنطن ‪.‬‬

‫يف القسمين (‪ )2‬و (‪ )3‬من هذه الورقة نورد ترجمة كاملة لبياين يوليو‬
‫وأكتوبر حول السياسات المالية واالقتصادية لحكومة السودان ‪،‬‬
‫ونستعرض ما أسميناه بأطروحة اهنيار الموقف التفاوضي للسودان يف‬

‫‪175‬‬
‫القسم الرابع حيث نجري مقارنة سريعة لمحتوى البيانين ‪ .‬يف القسم‬
‫الخامس نوثق موقف الصندوق تجاه السودان من خالل استعراض‬
‫الرسائل التلكسية التي بعث هبا المدير التنفيذي بالنيابة لحكومة‬
‫السودان ‪ .‬بينما يف القسم السادس نتقدم ببعض المالحظات الختامية ‪.‬‬

‫‪ -2‬بيان السلطات السودانية حول السياسات‬


‫االقتصادية‬
‫صدر هذا البيان يف يوم ‪ 15‬يوليو ‪ 1985‬يف أعقاب مباحثات عقدت‬
‫مع فريق زائر من موظفي صندوق النقد الدولي خالل الفرتة ‪ 29‬يونيو ‪15‬‬
‫يوليو ‪ 1984‬وقد كان موضوع المباحثات « الحالة االقتصادية الراهنة‬
‫وسياسات التكيف االقتصادية » ‪.‬‬

‫يقع البيان يف ثماين صفحات باإلضافة إلى جدولين ملحقين جدول‬


‫رقم (‪ )1‬بعنوان «السقوف المقرتحة على التوسع االئتماين المحلي» ‪،‬‬
‫وجدول رقم (‪ )2‬بعنوان «التغيرات يف االئتمان لوحدات القطاع العام‬
‫‪ . »1986 - 1984‬ويحتوي البيان على ثالثة عشرة فقرة ‪.‬‬

‫تقول الفقرة األولى من البيان «إن حكومة السودان تواجه حاليا‬


‫مخلفات عدة سنوات من السوء الممعن يف اإلدارة ‪ ،‬حيث أورثها النظام‬
‫السابق ‪ ،‬والذي تمت هزيمته يف أبريل ‪ ، 1985‬اقتصادا أضعفته‬

‫‪176‬‬
‫السياسات غير المالئمة ‪ .‬إذ لم تكن السياسات السابقة هتدف إلى تنمية‬
‫اإلمكانيات االقتصادية للقطر وإنما شجعت االستهالك واالستيراد‬
‫واالستدانة الداخلية والخارجية واالعتماد على المساعدات األجنبية ‪.‬‬
‫هذا ولعدة سنوات عاشت البالد ‪ ،‬وباألخص الحكومة ‪ ،‬بمستوى فاق‬
‫سبل كسبها ‪ ،‬األمر الذي تسبب يف أن يتصف االقتصاد الذي ورثت‬
‫الحكومة الحالية بالتزامات ضخمة لخدمات الديون ‪ ،‬وبرتاكم متأخرات‬
‫السداد وبضغوط تضخمية محلية حادة» ‪.‬‬

‫يف الفقرة الثانية أعلنت الحكومة تصميمها على «معالجة مشاكل‬


‫السودان االقتصادية ‪ ،‬الداخلية منها والخارجية ‪ ،‬بطريقة واقعية‬
‫ومستمرة ‪ .‬وتدرك الحكومة إدراكا كامال لفداحة المشاكل التي تفاقمت‬
‫بالجفاف وتدفق الالجئين من األقطار المجاورة التي تأثرت بالجفاف ‪.‬‬
‫ومن الواضح أن المشاكل من الحجم بمكان يتطلب معالجتها يف إطار‬
‫خطة للعمل تغطي عددا من السنوات ‪ .‬وقد أوضحت اإلسقاطات التي‬
‫أجراها موظفو الصندوق والبنك أنه وحتى مع التنفيذ الكامل لسياسات‬
‫التكيف المالئمة ومع العودة إلى األحوال العادية يف القطاع الزراعي فإن‬
‫التحسن يف وضع المدفوعات الخارجية على مدى الخمس إلى الست‬
‫سنوات القادمة سوف لن يكون كافيا ليمكن السودان من تقليل اعتماده‬
‫على العون المالي الخارجي ‪ .‬ويف حقيقة األمر وخالل هذه الفرتة‬
‫سيحتاج القطر إلى دعم بمقادير غير مألوفة من العون ‪ ،‬وإعفاء استثنائي‬

‫‪177‬‬
‫للديون حتى يتمكن من تشجيع اإلنعاش االقتصادي ‪ ،‬وتخفيض حدة‬
‫التضخم ‪ ،‬وإعادة ميزان المدفوعات لوضع يمكن الدفاع عنه على المدى‬
‫المتوسط ‪ .‬كما تدرك الحكومة أن المساعدات بالمقادير المطلوبة لن‬
‫تتدفق إال إذا أخذت الحكومة مبادرات شجاعة لمعالجة القضايا الشائكة‬
‫لالقتصاد السوداين ‪ .‬وهبذا الفهم تعتزم الحكومة تنفيذ أعمال جادة خالل‬
‫السنة المالية ‪( 1986/85‬والتي تبدأ يف ‪ 16‬سبتمير ‪ )1985‬من شأهنا‬
‫تشجيع النمو االقتصادي وإشاعة االستقرار المالي وإعادة األمور إلى‬
‫نصاهبا يف الحسابات الخارجية ولحين بداية العام المالي فإن عددا من‬
‫اإلجراءات العاجلة ‪ ،‬والتي ستذكر يف الفقرات ‪6‬و ‪ 8‬و ‪ 10‬ستوضع‬
‫موضع التنفيذ بغرض إيقاف التدهور يف االقتصاد» ‪.‬‬

‫واختصت الفقرة الثالثة بقضايا الحوافز اإلنتاجية «ألغراض تحفيز‬


‫اإلنتاج المحلي تعتزم الحكومة تنفيذ سياسات استثمارية تعنى بالنمو‬
‫وذلك لزيادة اإلنتاج يف القطاع الرزاعي وإلعادة الحيوية للقطاع الصناعي‬
‫الخامل ‪ .‬وترتكز اسرتاتيجية الحكومة فيما يتعلق بالقطاع الزراعي‬
‫ارتكازا محوريا على توفير الحوافز الكافية للمنتجين من خالل التحديد‬
‫واإلعالن المسبق ألسعار شراء مالئمة للقطن والصمغ العربي ‪.‬‬
‫وستستند هذه األسعار على دراسة لرتكيبة التكاليف ألهم الصادرات‬
‫الزراعية والتي سيقوم هبا موظفو صندوق النقد الدولي يف سبتمرب وأكتوبر‬
‫‪ . 1985‬ويف هذا المجال ‪ ،‬فإن الحكومة تدرك أن الحفاظ على حوافز‬

‫‪178‬‬
‫مجزية لمحصولي القطن والصمغ العربي ومحاصيل الصادر األخرى‬
‫سيتطلب اتباع سياسة مرنة لسعر الصرف ‪ .‬وستدعم هذه السياسة بجهود‬
‫ترمي إلى تحسين اإلنتاج وبإعطاء األفضلية لتوفير المدخالت األساسية‬
‫يف الوقت المناسب وبتوفير االئتمان الكايف لمقابلة االحتياجات الحقيقية‬
‫خالل دورات إنتاج وتوزيع كل المحاصيل ‪ .‬ويف نفس الوقت فإن‬
‫الحكومة ستخطو خطوة حاسمة الستعادة كل تكاليف الري يف المشاريع‬
‫الزراعية الكربى وذلك بتعديل فئات األرض والماء للمستويات‬
‫المالئمة» ‪.‬‬

‫أشارت الفقرة الرابعة للقطاعين الصناعي والعام فالحظت أنه فيما‬


‫يتعلق بالقطاع الصناعي فإن الحكومة مدركة مدى تأثير الرقابة الحالية‬
‫المفروضة على األسعار واألرباح وعلى االستثمار واإلنتاج ‪ ،‬ومن ثم ‪،‬‬
‫فإهنا تعتزم خالل السنة القادمة اتخاذ خطوات إلزالة هذه الرقابة ‪ .‬أما يف‬
‫القطاع شبه العام ‪ ،‬فإن هم الحكومة هو كفاءة كربى وحداته اإلنتاجية ‪.‬‬
‫وقد طلبت من البنك الدولي القيام بدراسة على وجه السرعة ‪ ،‬للمشاكل‬
‫الهيكلية واإلدارية والمالية ومشاكل الميزانية لهذه الوحدات بغرض‬
‫التقدم بتوصيات لحلها ‪ .‬ويف نفس الوقت سرتكز الحكومة برنامجها‬
‫االستثماري العام على إعادة إعمار األصول الرأسمالية والتغلب على‬
‫معوقات الهياكل األساسية» ‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫ربطت الفقرة الخامسة بين ما سمي بسياسات جانب العرض‬
‫وسياسات إدارة الطلب التجميعي فالحظت أن «وقع سياسات جانب‬
‫العرض سيكون تدريجيا خالل السنوات القادمة‪ ،‬وسيعتمد بطبيعة الحال‬
‫على حجم المجهود الذي سيبذل يف استنفار الموارد المحلية‪ ،‬وكذلك‬
‫توفر المساعدات األجنبية‪ .‬وبالتالي فإن الحكومة ستقوم بتنفيذ سياسات‬
‫تصحيحية إلدارة الطلب التجميعي بغرض وقف التدهور يف االقتصاد‪،‬‬
‫وبغرض توفير البيئة المالئمة لتشجيع تدفق التمويل الخارجي»‪.‬‬

‫تحدثت الفقرة السادسة عن الخطوات التي تم اتخاذها يف مجال‬


‫السياسات النقدية والمالية ‪« .‬ستتم صياغة السياسات النقدية والمالية‬
‫خالل ما تبقى من عام ‪ 1985/84‬وخالل السنوات القادمة هبدف الحد‬
‫من التوسع يف السيولة المحلية وخفض حجمها المرتفع حاليا ‪.‬‬

‫هذا وست تخذ اإلجراءات األساسية لتحقيق هذا الهدف يف إطار ميزانية‬
‫عام ‪ 1986/1985‬حيث ستتبنى الحكومة وقتها إصالحات جذرية‬
‫إلعادة تركيبة الميزانية بغرض تضمين منابع إضافية لإليرادات وبغرض‬
‫التحكم الفعال يف المنصرفات قبل حلول السنة المالية الجديدة فقد‬
‫حدثت بداية للحد بطريقة ملحوظة من اقرتاض الحكومة من الجهاز‬
‫المصريف يف الشهرين المتبقيين من السنة المالية الحالية ‪ .‬نسبة للقيود‬
‫التشريعية والسياسية واإلدارية فإنه ليس واقعيا التوقع بأن تقوم الحكومة‬
‫بفرض ضرائب جديدة ولم يبق للتحضير للميزانية الجديدة سوى أسابيع‬

‫‪180‬‬
‫معدودة ‪ .‬عليه فإن الحد من االقرتاض المصريف يف الشهرين المتبقيين‬
‫سيتم تحقيقه بواسطة التحكم يف المصروفات ‪ ،‬واسرتداد المتأخرات ‪،‬‬
‫وتحسين جباية الضرائب ‪ .‬ولخدمة هذا الهدف فإن السلطات قد اتخذت‬
‫خطوات لتحسين التحكم يف المصروفات الذي كان سائدا والذي اتسم‬
‫بعدم االنضباط ‪ .‬وبالتحديد فقد صدر توجيه لكل الوحدات الحكومية‬
‫والوزارات ولبنك السودان يقول بأنه سوف لن تكون هنالك دفعيات إال‬
‫إذا كان للوحدة التي تزمع الصرف أموال كافية يف حساهبا ‪ .‬باإلضافة إلى‬
‫ذلك ‪ ،‬فإن الدفعيات ستتم فقط يف حالة تصديقات مالية صريحة يف إطار‬
‫الميزانية أو يف حالة تصديق خاص من وزير المالية ‪ .‬ويتوقع أن تؤدي هذه‬
‫اإلجراءات إلى خفض ملحوظ يف عمليات الصرف خارج الميزانية ‪ .‬هذا‬
‫وستتبع ضوابط المصروفات هذه مجهودات أكرب لتحصيل اإليرادات ‪.‬‬
‫وباألخص فقد استطاعت الحكومة تحديد متأخرات ضخمة على القطاع‬
‫الخاص تتعلق بحصيلة بيع العون السلعي وقد اتخذت الخطوات‬
‫لتحصيلها ‪ .‬باإلضافة إلى ذلك ‪ ،‬تنوي الحكومة تحصيل ما تراكم خالل‬
‫السنة المالية من ضريبة اإلنتاج على األسمنت» ‪.‬‬

‫أما الفقرة السابعة فقد اهتمت بالسياسات النقدية والمالية للسنة المالية‬
‫‪ 1986/1985‬والحظت أن «الجهد األكرب يف الحد من اعتماد الميزانية‬
‫على االقرتاض المحلي من البنوك سيبذل خالل السنة المالية القادمة ‪.‬‬
‫ولهذا الغرض ‪ ،‬فإن الحكومة تعتزم تبني سياسات نقدية ومالية متشددة يف‬

‫‪181‬‬
‫عام ‪ 1986/1985‬لحصر التوسع النقدي لكل ‪ 12‬شهرا على المدى‬
‫‪ 17- 16‬يف المائة ‪ ،‬مما سيسمح بمقابلة االحتياجات االئتمانية الفعلية‬
‫للنشاطات اإلنتاجية يف القطاعين الخاص والعام وسيبقى مجال صايف‬
‫اقرتاض الحكومة من النظام المصريف يف حدود ‪ 150 – 100‬مليون جنيه‬
‫يف السنة ‪ .‬وتدرك الحكومة جيدا أن جهدا ملحوظا ال بد له من أن يبذل يف‬
‫مجال الميزانية للحد من صايف اقرتاض الحكومة من البنوك ‪ .‬ولهذا‬
‫الغرض فإن الميزانية القادمة ستتضمن خفضا محددا للمنصرفات ‪،‬‬
‫وتحكما ماليا متشددا وإصالحا أساسيا للنظام الضريبي سيتم تنفيذه‬
‫بمساعدة بعثة فنية من الصندوق ‪ .‬وسيهدف اإلصالح الضريبي ‪ ،‬والذي‬
‫سيغطي الضرائب المباشرة وغير المباشرة ‪ ،‬إلى زيادة تحصيل‬
‫اإليرادات ‪ ،‬وتشجيع النشاطات اإلنتاجية ‪ ،‬وإلى عدم تشجيع االستهالك‬
‫التفاخري كما سيهدف إلى تسهيل إدارة الضرائب» ‪.‬‬

‫اهتمت الفقرة الثامنة بالخطوات التي ستتبعها الحكومة فيما يتعلق‬


‫بسياسة سعر الصرف وقررت أنه فيما يتعلق بالقطاع الخارجي فإن‬
‫الحكومة تزمع اتباع سياسة مرنة لسعر الصرف هتدف يف هناية المطاف إلى‬
‫توحيد أسعار الصرف ‪ .‬وفيما يتعلق بسوق البنوك التجارية فإن الحكومة‬
‫ستعلن على المأل يف يوم ‪ 16‬يوليو ‪ 1985‬أن البنوك حرة يف التحديد‬
‫اليومي ألسعار الشراء والبيع الخاصة بكل واحد على حدة ‪ .‬وسيطلب‬
‫من البنوك االحتفاظ بسجالت يومية لمعامالت النقد األجنبي التي‬

‫‪182‬‬
‫سرتسل أسبوعيا لبنك السودان ‪ .‬وسيقيم أداء سوق النقد الخاص بالبنوك‬
‫التجارية بطريقة منتظمة للتأكد من أن السعر يعكس أحوال العرض‬
‫والطلب يف السوق» ‪.‬‬

‫واهتمت الفقرة التاسعة بنوايا الحكومة فيما يتعلق بإدارة الطلب يف‬
‫سوق النقد األجنبي فقدرت أن الحكومة «تتنظر يف أمر حوافز إضافية‬
‫لجذب التحويالت عن طريق سوق البنوك التجارية ‪ .‬ويف نفس الوقت ‪،‬‬
‫ونظرا لوجود طلب فائض للنقد األجنبي يف السوق ‪ ،‬فإن الحكومة‬
‫ستستمر يف الحد من الطلب من خالل تطبيق القوانين المالية التي تحكم‬
‫تراخيص االستيراد والمعامالت يف النقد األجنبي ‪ ،‬إال أنه سوف لن تكون‬
‫هنالك محاولة لزيادة التشدد فيها ‪ ،‬وتزمع الحكومة يف أغسطس ‪ /‬سبتمرب‬
‫مراجعة هذه القوانين بالتشاور مع الصندوق هبدف تحريرها» ‪.‬‬

‫أما الفقرة العاشرة فقد اختصت بسعر الصرف الرسمي وقالت إنه فيما‬
‫يتعلق بالسوق الرسمي فإن الحكومة «ستقوم يف ‪ 31‬يونيو ‪ 1985‬بربط‬
‫الجنيه السوداين بسلة من العمالت هبدف تثبيت قيمته بالنسبة لعمالت‬
‫أهم شركاء السودان يف التجارة ‪ .‬بعد ذلك ‪ ،‬سيقوم بنك السودان‬
‫باإلعالن أسبوعيا عن قيمة الجنيه مقارنا بأهم العمالت كما سيقوم‬
‫بتعديل األسعار إذا احدث اختالف حده األقصى أكثر من ‪ 2‬يف المائة ‪.‬‬
‫وسوف لن تنعكس التغيرات األسبوعية يف سعر الصرف الرسمي بطريقة‬
‫مباشرة على سعر الصرف المستخدم لحسابات الجمارك ‪ ،‬والتي سيتم‬

‫‪183‬‬
‫تعديلها بطريقة شبه سنوية ‪ ،‬وألعلى أسعار السلع األساسية التي تتحكم‬
‫فيه الحكومة ‪ ،‬والتي سيتم تعديلها مرة أو مرتين خالل السنة المالية‬
‫للتأكد من عدم ظهور إعانات يف الميزانية» ‪.‬‬

‫كذلك تحدثت الفقرة الحادية عشرة عن سعر الصرف الرسمي حيث‬


‫أوضحت أن «الحكومة ستقوم يف أغسطس ‪ /‬سبتمرب ‪،‬مع موظفي‬
‫الصندوق بمراجعة ما إذا كان سعر الصرف الرسمي مناسبا وذلك بغرض‬
‫الوصول إلى تفاهم حول التعديل المطلوب وكذلك حول مسار لتوحيد‬
‫األسعار ‪ .‬وإلصدار الحكم حول ما إذا كان سعر الصرف الرسمي‬
‫مناسبا ستشتمل المعايير التي تستخدم على ما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬اختالف معدل التضخم بين السودان وأهم شركائه يف‬


‫التجارة ‪.‬‬
‫‪ -‬تنافسية تكاليف الصادرات الزراعية ‪.‬‬
‫‪ -‬مستوى سعر الصرف يف السوق الحر ‪.‬‬
‫وستتم مثل هذه المراجعات فيما بعد بطريقة دورية» ‪.‬‬

‫أما الفقرة الثانية عشرة فقد اهتمت بمدلوالت السياسية المعلنة على‬
‫إجراءات صندوق النقد الدولي وأوضحت أن «الحكومة تعتقد أن تنفيذ‬
‫الخطوات المذكورة يف الفقرات الثامنة والعاشرة أعاله ‪ ،‬وتقويم مالءمة‬
‫هذه الخطوات بواسطة موظفي الصندوق يف األسبوع األول من‬

‫‪184‬‬
‫أغسطس ‪ ،‬سيجعل يف مقدور موظفي الصندوق ‪ ،‬بعد موافقة إدارة‬
‫الصندوق إعطاء تقرير إيجابي ألهم مانحي العون للسودان فيما يتعلق‬
‫بالخطوات التي اتخذت ونوايا الحكومة السودانية يف مجال السياسات ‪.‬‬
‫ومن المؤمل أن هذا سييسر الحصول على العون المالي الذي يحتاجه‬
‫القطر لمتطلباته العاجلة واألساسية ‪ ،‬بما يف ذلك تسديد متأخرات‬
‫صندوق النقد الدولي ‪ .‬وإذا تم تسديد هذه المتأخرات أو إذا اتضح أهنا يف‬
‫الطريق إلى السداد ‪ ،‬فإن الحكومة ستتقدم بطلب لتزور بعثة من الصندوق‬
‫الخرطوم يف أغسطس ‪ /‬سبتمرب للوصول إلى تفاهم محدد حول‬
‫السياسات التي سيتم تبنيها يف عام ‪ 1986/1985‬والمتوافقة مع‬
‫األهداف والنوايا المضمنة يف هذا البيان ‪ .‬فيما بعد ‪ ،‬وشريطة تسديد كل‬
‫المتأخرات الخاصة بصندوق النقد الدولي ‪ ،‬فإن هذا التفاهم يمكن أن‬
‫يرتجم يف شكل خطاب نوايا يستخدم كأساس لرتتيبات مؤازرة من‬
‫صندوق النقد الدولي لمدة اثني عشر شهرا تبدأ يف سبتمير ‪ 1985‬لدعم‬
‫برنامج الحكومة للتكيف والتصديق المبدئي على هذه الرتتيبات بواسطة‬
‫مجلس المديرين التنفيذيين للصندوق سيمهد الطريق الجتماعات‬
‫المانحين والدائنين بغرض الحصول على مساعدات وإعفاءات ديون‬
‫إضافية لتغطية فجوة ميزان المدفوعات والتي بدورها ستجعل من‬
‫الممكن دخول ترتيبات المؤازرة حيز النفاذ» ‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫أما الفقرة الثالثة عشرة فقد اهتمت بعالقة السودان بالصندوق يف‬
‫المستقبل «فيما يتعلق بعالقة السودان المالية بالصندوق ‪ ،‬فإن الحكومة‬
‫تنوي تنظيمها والحفاظ على وقوفها على أرضية صلبة يف المستقبل ‪.‬‬
‫يتطلب هذا قيام الحكومة بالقضاء الكامل على المتأخرات المالية‬
‫المستحقة للصندوق – والحكومة ملتزمة بذلك ‪ ،‬فقد أبدت بعض‬
‫الحكومات الصديقة استعدادا لمساعدة السودان يف القضاء على هذه‬
‫المتأخرات ‪ ،‬وعندما تتوفر هذه المساعدات ستقوم الحكومة بالتشاور مع‬
‫الصندوق والمانحين ‪ ،‬بعمل الرتتيبات لدفع هذه المبالغ مباشرة‬
‫للصندوق إذا كانت مثل هذه الرتتيبات مقبولة لألقطار المعنية ‪ .‬على‬
‫الرغم من ذلك ‪ ،‬فإنه من المعرتف به أن المسئولية الكاملة يف مقابلة هذه‬
‫المتأخرات تقع على السودان ‪ ،‬وأن الحكومة مستعدة الستخدام مواردها‬
‫الخاصة لهذا الغرض ‪ .‬كما تدرك السلطات أن المباحثات حول إمكانية‬
‫الحصول على ترتيبات للمؤازرة ال بد لها وأن ترجأ حتى سداد هذه‬
‫المتأخرات وخالل مثل هذه المباحثات ‪ ،‬سيتم التوصل إلى اتفاق مع‬
‫موظفي الصندوق حول األساليب التي من شأهنا ضمان توفر النقد‬
‫األجنبي لدفع مستحقات الصندوق حسب الجدول الزمني المقرر لها‬
‫طيلة مدة الربنامج ‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫‪ -3‬بيان حكومة السودان حول السياسات‬
‫االقتصادية والمالية‬
‫يحمل هذا البيان تاريخ ‪ 31‬أكتوبر ‪ 1985‬ويقع يف أربع عشرة صفحة‬
‫ويحتوي على ثالث وعشرين فقرة ‪ .‬وقد تمت صياغته باللغة اإلنجليزية‬
‫وقدم لمجلس الوزراء الموقر بنفس اللغة حيث الحظ السيد وزير المالية‬
‫والتخطيط االقتصادي يف خطابه بتاريخ ‪ 17‬نوفمرب ‪ 1985‬والذي أرفق‬
‫معه البيان ما يلي ‪« :‬أرجو أن أرفق صورة السياسات االقتصادية التي‬
‫توصلنا إليها مع صندوق النقد الدولي بعد مفاوضات مضنية استمرت منذ‬
‫شهر يونيو الماضي وانتهت بنهاية أكتوبر ‪ .. 1985‬وقد حرصت أن تكون‬
‫باللغة اإلنجليزية التي كتبت بها تفاديا ألخطاء الترجمة» ‪.‬‬

‫استعرضت الفقرة األولى من البيان الحالة االقتصادية للبالد عند قيام‬


‫انتفاضة الشعب يف السادس من أبريل ‪ . 1985‬واهتمت الفقرة الثانية‬
‫بتبيان التوجه العام للحكومة حيث أوضحت «أن الحكومة الحالية قد‬
‫أولت أفضلية قصوى للقضايا االقتصادية الشائكة وذات الجذور‬
‫العميقة ‪ .‬ويف هذا الخصوص فإن الحكومة مصممة على اتباع سياسات‬
‫واقعية وحكيمة يف جانبي العرض وإدارة الطلب بغرض دفع عجلة النمو‬
‫االقتصادي وتحقيق وضع لميزان المدفوعات يمكن الدفاع عنه يف المدى‬
‫المتوسط» ‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫يف الفقرة الثالثة حدد البيان اإلطار الزمني لمعالجة المشاكل‬
‫االقتصادية واحتياجات المعونة الالزمة فأوضح أن « الحكومة تدرك أن‬
‫التصدي لمشاكل البالد االقتصادية ممكن فقط يف إطار خطة للعمل‬
‫متوسطة المدى وأنه سيتطلب معونة خارجية ضخمة لعدد من السنوات ‪.‬‬
‫وتوضح اإلسقاطات التي أجراها موظفو الصندوق والبنك الدولي أنه‬
‫وحتى إذا ما تم تنفيذ سياسات التكيف المالئمة بجدية وحتى إذا ما عادت‬
‫األحوال يف القطاع الزراعي إلى حالتها الطبيعية ‪ ،‬فإن التحسن يف وضع‬
‫المدفوعات الخارجية خالل السنوات الخمس أو الست القادمة سوف‬
‫لن يكون كافيا ليمكن السودان من تقليل اعتماده على العون المالي‬
‫الخارجي غير العادي ‪ .‬ويف الواقع ‪ ،‬وخالل هذه الفرتة ‪ ،‬فإن القطر‬
‫سيحتاج إلى دعم غير عادي من قبل مانحي العون والدائنين يف شكل‬
‫مساعدات وتخفيف عبء الديون بشروط مفرطة يف اليسر ‪ .‬وإدراكا من‬
‫الحكومة بأن الدعم الخارج سيتبع ‪ ،‬وال يسبق ‪ ،‬جهود التكيف‬
‫السودانية ‪ ،‬فإن الحكومة مصممة على تبني سياسات اقتصادية محلية‬
‫مالئمة على مدى عدد من السنوات» ‪.‬‬

‫وحددت الفقرة الرابعة أولويات السياسات االقتصادية حيث‬


‫أوضحت أن «الحكومة تعتقد أن خطتها لإلنعاش والتثبيت أو االستقرار‬
‫االقتصادي ال بد لها وأن تولى اهتماما متساويا لزيادة وتوسع اإلنتاج‬
‫المحلي والحد من اإلسراف يف االستهالك ويف جانب العرض ‪ ،‬فإن‬

‫‪188‬‬
‫الحكومة مصممة على اتباع سياسات موائمة للنمو برتكيز خاص على‬
‫اإلجراءات التي من شأهنا تحسين استنفار واستغالل الموارد المحلية ‪،‬‬
‫وترشيد عمليات المؤسسات العامة ‪ ،‬وتقوية الحوافز لإلنتاج الزراعي‬
‫وخلق اإلطار المؤسسي المالئم لزيادة االستثمار واإلنتاج يف القطاع‬
‫الخاص» ‪.‬‬

‫ويف مجال تخطيط االستثمار يف القطاع العام أوضحت الفقرة الخامسة‬


‫أن الحكومة «ستستمر يف صياغة قراراهتا االستثمارية يف إطار برامج ثالثية‬
‫الستثمار القطاع العام حيث تنوي الحكومة – يف تنفيذ هذه الربامج –‬
‫مراعاة الرتكيز على مشروعات إعادة اإلعمار ومشروعات الصيانة‬
‫ومشروعات البنيات األساسية ‪ .‬ويف إطار السياسة العامة الستثمار القطاع‬
‫العام ستعطى األفضلية للقطاع الزراعي بغية تشجيع اإلنتاج ومحاربة آثار‬
‫التصحر ‪ .‬ويف نفس الوقت تعتزم الحكومة الشروع يف تحضير خطة‬
‫اقتصادية شاملة لالقتصاد بمعاونة خرباء سودانيين وأجانب من مختلف‬
‫المنظمات اإلقليمية والعالمية ‪ .‬ولهذا الغرض فإن جناح التخطيط يف‬
‫وزارة المالية سيعاد تنظيمه وسيدعم لزيادة فعاليته ‪ .‬كذلك ستبذل‬
‫المحاوالت لتوسيع وتعميق مشاركة مختلف الفعاليات االقتصادية‬
‫واألحزاب السياسية يف عملية التخطيط ‪ .‬وألن إعادة تقويم وتنظيم‬
‫العملية التخطيطية وآلياهتا ستأخذ وقتا ‪ ،‬فإن التحضير والتوثيق الجتماع‬
‫المجموعة االستشارية ‪ 1986/1985‬ونادي باريس والمحافل الدولية‬

‫‪189‬‬
‫األخرى سيتم بالطريقة السائدة حالية وبالتشاور مع الصندوق والبنك‬
‫الدولي» ‪.‬‬

‫اختصت الفقرة السادسة من البيان بنوايا الحكومة فيما يتعلق‬


‫بمؤسسات القطاع العام حيث الحظت أن «الحكومة مدركة بأن األداء‬
‫السابق لهذه المؤسسات لم يكن مرضيا ‪ ،‬ومن ثم تعتزم الحكومة تحسين‬
‫األوضاع المالية واالقتصادية لهذه المؤسسات ‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫التحديد الصريح ألهدافها ومنحها درجة أكرب من االستقاللية العملية‬
‫ووضع إجراءات كافية للرقابة والمتابعة ‪ .‬وباألخص ‪ ،‬ستدار هذه‬
‫المؤسسات على أساس الربحية التجارية وستطالب بإبراز حسابات‬
‫مراجعة بطريقة دورية ‪ ،‬وستقوم معامالهتا بطريقة أكثر دقة استنادا على‬
‫التقارير الدورية على األداء المالي وغير المالي ‪ .‬ويف نفس الوقت ‪ ،‬وفيما‬
‫يتعلق بعدد من المؤسسات الكربى نسبيا والقابلة لتحقيق األرباح ‪ ،‬سيتم‬
‫تطوير برامج إلعادة اإلعمار وإعادة الهيكلة» ‪.‬‬

‫وتناول البيان يف فقرته السابعة قضية الحوافز فأوضح أن جزءا هاما من‬
‫اسرتاتيجية الحكومة يف القطاع الزراعي يتمثل يف إعطاء حوافز سعرية‬
‫كافية للمنتجين ولهذا الغرض فقد قامت الحكومة يف أكتوبر بإعالن زيادة‬
‫بلغت ‪ %77‬يف أسعار شراء الصمغ العربي ‪ ،‬وإعالن زيادة األسعار الدنيا‬
‫للفول والسمسم بنسبة ‪ %15‬و‪ %41‬على التوالي ‪ .‬وبحلول اليوم األول‬
‫من شهر ديسمرب ‪ ، 1985‬ستقوم الحكومة ‪ ،‬بالتشاور مع موظفي البنك‬

‫‪190‬‬
‫الدولي والصندوق ‪ ،‬بإعالن أسعار شراء القطن ‪ .‬باإلضافة إلى ذلك فإن‬
‫الحكومة ستقوم بزيادة فئات األرض والماء بنسبة ‪ %60‬بحلول اليوم‬
‫األول من ديسمرب ‪ 1985‬وذلك بغرض السعي الحثيث نحو تحقيق هدف‬
‫االسرتداد الكامل لتكلفة الري بالمشاريع الزراعية الكربى» ‪.‬‬

‫تناولت الفقرة الثامنة قضية التحكم يف األسعار ودور القطاع الخاص‬


‫يف التنمية فذكرت أن «الحكومة مدركة للعوامل التي أدت يف الماضي إلى‬
‫الحد من االدخار المحلي الخاص واالستثمار وقدرة القطاع الخاص‬
‫على المساهمة يف النمو االقتصادي للقطر ‪ .‬وقد كان أحد هذه العوامل‬
‫هو التحكم الشامل يف األسعار والربحية يف القطاع الخاص ‪ .‬ولقد كان‬
‫الهدف األساسي من هذه اإلجراءات التحكمية هو تخفيض تكلفة‬
‫المعيشة للقطاعات الفقيرة من المجتمع ‪ ،‬إال أن أثرها كان تعويقا لإلنتاج‬
‫يف القطاع الخاص وتشجيعا لسوق غير رسمي كبير ساهم يف ظهور طبقة‬
‫ريعية غنية ذات استهالك تفاخري ‪ .‬وقد قررت الحكومة العمل على‬
‫اإلزالة التدريجية لهذه اإلجراءات التحكمية ‪ .‬ولما كان لهذه اإلجراءات‬
‫جذور ضاربة يف قوانين معقدة ‪ ،‬وعقودات وأوامر إدارية ‪ ،‬فإن تنفيذ‬
‫عملية إزالة اإلجراءات التحكمية ستكون مضيعة للوقت ‪ .‬ومن ثم فإن‬
‫الخطوة األولى يف هذا المجال تتمثل يف تحضير قائمة بالسلع التي تخضع‬
‫للتحكم وتحديد اإلجراءات التشريعية واإلجرائية التي ال بد وأن تتخذ‬
‫إلزالة التحكم ‪ .‬وتزمع الحكومة الفراغ من هذه الخطوة التي تعنى‬

‫‪191‬‬
‫بتجميع المعلومات يف الثالثين من نوفمرب ‪ 1985‬بالتعاون مع ومساعدة‬
‫موظفي الصندوق ‪ .‬فيما بعد ذلك ‪ ،‬ولكن قبل الخامس عشر من ديسمرب‬
‫‪ ، 1985‬تنوي الحكومة استنباط المجموعة األولى من السلع التي يمكن‬
‫تحريرها من إجراءات التحكم السعرية والربحية ‪ ،‬وذلك بالتشاور مع‬
‫موظفي الصندوق ‪ .‬وسيتم الفراغ من إزالة التحكم على أسعار وأرباح‬
‫هذه السلع يف اليوم الخامس من يناير ‪ . 1986‬فيما بعد ذلك ‪ ،‬ستحضر‬
‫قوائم سلعية ربع سنوية إلزالة اإلجراءات التحكمية عليها بغرض تحقيق‬
‫هدف اإلبقاء على قائمة تحكم محدودة من السلع الضرورية بنهاية‬
‫‪ . 1986‬وللمنتجات التي يتحكم يف أسعارها ‪ ،‬فإن نظاما مرنا لتحديد‬
‫األسعار والتحكم يف األرباح سيستحدث على أساس تكلفة أكثر واقعية‬
‫لمدخالت اإلنتاج وعلى أساس ترشيد جهاز تكيف األسعار ‪ ،‬وذلك يف‬
‫‪ 15‬يناير ‪ . 1986‬ويف نفس الوقت تنوي الحكومة مراجعة نظام رخص‬
‫االستيراد لقطاع الخاص ‪ ،‬هبدف ترشيده بحيث تعطى األفضلية لمقابلة‬
‫االحتياجات األساسية لإلنتاج من استيراد مدخالت اإلنتاج ‪ ،‬والمواد‬
‫الخام ‪ ،‬وقطع الغيار ‪ .‬وخالل زيارات موظفي الصندوق للخرطوم فإن‬
‫سيتم التقويم المشرتك للتقدم الذي أحرز يف هذه المجاالت ويتم التوصل‬
‫للتفاهم حول الخطوات التي يجب اتخاذها يف هذا الشأن» ‪.‬‬

‫اهتمت الفقرة التاسعة باالدخار وتحويالت المغرتبين واالستثمار‬


‫المنتج حيث أعلنت الحكومة أهنا تعلم تمام «الحاجة إلى اتخاذ خطوات‬

‫‪192‬‬
‫شاملة لتحفيز االدخار ‪ ،‬وجذب تحويالت إضافية من السودانيين‬
‫العاملين بالخارج ‪ ،‬وتوجيه االستثمار يف قنوات المجاالت األكثر‬
‫إنتاجية ‪ ،‬ويف هذا الخصوص ‪ ،‬فإن العوامل األكثر أهمية تتمثل يف استقرار‬
‫اإلطار المؤسسي للنقود والتمويل وكفاية العائد على المدخرات ومالءمة‬
‫الرسوم على االقرتاض ‪ .‬وتعتزم الحكومة تناول هذه المشكلة خالل‬
‫السنة القادمة وذلك أوال من خالل إعادة االستقرار المؤسسي‬
‫والمصداقية المؤسسية ‪ ،‬وثانيا من خالل تنفيذ سياسات من شأهنا ضمان‬
‫استمرار عوائد حقيقية وموجبة لالستثمار واالدخار ورسوم حقيقية‬
‫وموجبة على االقرتاض ‪.‬‬

‫وتحتاج سياسات جانب العرض إلى دعم بواسطة سياسات متشددة‬


‫إلدارة الطلب وذلك بغرض تشجيع النمو المؤزر يف إطار بيئة من األسعار‬
‫النسبية المستقرة ‪ .‬بأخذه هذه الغاية بعين االعتبار ‪ ،‬فقد تمت وستستمر ‪،‬‬
‫صياغة السياسات المالية والنقدية هبدف خفض النمو يف السيولة المحلية‬
‫من حوالي ‪ %50‬يف عام ‪ 1985/1984‬إلى ‪ %20‬سنويا يف‬
‫‪ 1986/1985‬ثم إلى ‪ %14‬يف عام ‪ 1987/1986‬ثم إلى حوالي ‪%10‬‬
‫يف عام ‪ . 1987/1987‬وبغرض تحقيق الهدف النقدي لعام‬
‫‪ ، 1986/85‬فإن الحكومة ستقوم باتخاذ اإلجراءات اإلضافية الالزمة‬
‫والتي باإلضافة إلى تلك التي تم تنفيذها عند إعداد ميزانية ‪، 1986/85‬‬
‫ستخفض التمويل المصريف للحكومة بطريقة ملحوظة ‪ .‬وبالمثل ‪،‬‬

‫‪193‬‬
‫ستهدف سياسة االئتمان إلى الحصر المتشدد لالئتمان لوحدات القطاع‬
‫العام والقطاع الخاص يف حدود االحتياجات اإلنتاجية والتجارية» ‪.‬‬

‫اهتمت الفقرة الحادية عشرة بالمالية العامة للحكومة فأوضحت «أن‬


‫الحكومة ومنذ توليها مسئولياهتا ‪ ،‬قد أسست عددا من اإلصالحات التي‬
‫هتدف إلى تحسين الموقف المالي الضعيف للغاية ‪ .‬وقد كانت أهم‬
‫مجاالت الضعف هي وجود عمليات خارج الميزانية ‪ ،‬والتي كان من‬
‫الصعب جدا تحديدها على وجه الدقة نسبة لضعف أو عدم وجود‬
‫اإلحصائيات وبالتالي فقد تم تقييمها عن طريق مناهج تقريبية وغير‬
‫مباشرة ‪ .‬وعلى الرغم من ذلك ‪ ،‬فإن العمليات خارج الميزانية يف عام‬
‫‪ 1985/84‬والتي قدرت بنحو ‪ %27‬من اإلنفاق المرصود يف الميزانية ‪،‬‬
‫اشتملت أساسا على دفعيات لألمن والدفاع ‪ ،‬ومصروفات القصر ‪،‬‬
‫ونفقات الحكومة اإلقليمية ‪ ،‬ونفقات تم تمويلها من خالل االمتناع عن‬
‫دفع الرسوم الجمركية بواسطة بعض الوحدات الحكومية ‪ .‬هذا وقد‬
‫أدخلت الحكومة حاليا نظاما جديدا لإلدارة المالية يقضي بوضع كل‬
‫المنصرفات تحت تحكم اإلجراءات العادية للميزانية ‪ .‬وباألخص ‪ ،‬فقد‬
‫اتخذت الحكومة الخطوات الالزمة للتأكد من أنه سوف لن يقوم بنك‬
‫السودان بالدفع ما لم تكن هذه الدفعيات مصدقا عليها يف الميزانية أو أن‬
‫تصريحا خاصا قد صدر هبا بواسطة السلطات المعنية ‪ .‬وبالمثل ‪ ،‬فإن كل‬
‫الوحدات الحكومية مطالبة اآلن بدفع قيمة رسوم االستيراد كاملة قبل‬

‫‪194‬‬
‫تخليص السلع من الجمارك ‪ ،‬األمر الذي لم يكن يحدث حتى سبتمرب‬
‫‪ . 1985‬ويتوقع أن يؤدي هذا االنضباط المالي الذي فرض إلى تقليل ‪،‬‬
‫إن لم نقل القضاء على المنصرفات التي ال تضمن صراحة يف الميزانية ‪.‬‬
‫إال أنه وألغراض مقابلة االحتياجات الطارئة للوحدات اإلنفاقية ‪ ،‬فقد‬
‫خصصت ميزانية ‪ 1986/85‬احتياطيا يبلغ ‪ 280‬مليون جنيه سوداين ‪،‬‬
‫أي ما يعادل ‪ %12‬من إجمالي اإلنفاق (حيث عرف اإلنفاق اإلجمالي بأنه‬
‫ال يحتوي على دفعات الفائدة على القروض الخارجية وال على‬
‫االحتياطي المذكور)» ‪.‬‬

‫اهتمت الفقرة الثانية عشرة باإليرادات حيث ذكرت أنه «باإلضافة إلى‬
‫الجهد الضخم لغرض االنضباط المالي على اإلنفاق ‪ ،‬فقد اتخذت‬
‫الحكومة إجراءات إضافية يف مجال اإليرادات يف سبتمرب ‪ 1985‬قدرت‬
‫عوائدها بنحو ‪ 230‬مليون حنيه خالل السنة المالية ‪ 1986/85‬وتشتمل‬
‫هذه اإلجراءات على إعادة العمل بالضرائب المباشرة التي ألغيت يف‬
‫سبتمرب ‪ 1984‬بما يف ذلك ضريبة أرباح األعمال ‪ ،‬لتجبى حاليا على‬
‫أساس جاري ‪ ،‬وضرائب الدخل الشخصي ‪ .‬كما تمت زيادة الضرائب‬
‫على المشروبات الغازية واألسمنت ‪ ،‬وتذاكر السفر الجوي ‪ ،‬وخدمات‬
‫الفنادق وأدخلت ضريبة جديدة على خدمات الهاتف والمواصالت‬
‫الالسلكية ‪ .‬هذا وقررت الحكومة اتخاذ إجراءات أخرى يف مجال‬
‫اإليرادات قبل حلول الخامس عشر من نوفمرب ‪ 1985‬للحصول على‬

‫‪195‬‬
‫حوالي ‪ 150‬مليون جنيه سوداين على أساس سنوي وذلك للتأكد من‬
‫الحصول على عائد يبلغ ‪ 9‬ماليين جنيه كحد أدنى فيما تبقى من السنة‬
‫المالية الجارية ‪ .‬وكما وضح يف الفقرة السابقة ‪ ،‬فإن الحكومة ستقوم‬
‫بزيادة فئات الماء واألرض يف األول من ديسمرب ‪ 1985‬للحصول على‬
‫عائد يبلغ ‪ 25‬مليون جنيه ‪ .‬يعادل إجمالي العائد من هذه اإلجراءات‬
‫اإلضافية نحو ‪ %2‬من الناتج المحلي اإلجمالي وحوالي ربع إيرادات عام‬
‫‪ 1986/85‬المقدرة دون الجهد اإلضايف المذكور» ‪.‬‬

‫اختصت الفقرة الثالثة عشرة بعالقة الحكومة مع النظام المصريف‬


‫فالحظت أنه وبتنفيذ إجراءات زيادة اإليرادات الحكومية فإن الحكومة‬
‫بإمكاهنا قصر لجوئها للنظام المصريف يف حدود ‪ 200‬مليون جنيه خالل‬
‫‪ ، 1986/85‬وهي مبالغ متالئمة مع الهدف النقدي ‪ .‬إال أنه ال بد من‬
‫التأكيد على أن تحقيق مثل هذه األهداف يستند على افرتاض الميزانية‬
‫لتدفق واستخدام معونات خارجية بمستوى كبير يف شكل إعفاء ديون‬
‫وعون سلعي ‪ .‬وإذا لم يتحقق الحصول على التمويل الخارجي‬
‫بالمستوى المطلوب ‪ ،‬فإن التمويل المصريف للحكومة يتوقع أن يزيد على‬
‫المبالغ المحددة كأهداف » ‪.‬‬

‫واهتمت الفقرة الرابعة عشرة باستنفار الموارد فذكرت أنه « وألغراض‬


‫تحسين الموارد المالية للحكومة يف المستقبل ‪ ،‬فإن جهودا عظمى يجب‬
‫أن تبذل لالستمرار يف ضبط المنصرفات ‪ ،‬وتوسيع القاعدة الضرائبية ‪،‬‬

‫‪196‬‬
‫وفتح مجاالت مسارات جديدة الستنفار الموارد ‪ .‬وفيما يختص باستنفار‬
‫الموارد ‪ ،‬فإن الحكومة مازالت بصدد تقويم إمكانات اإليرادات يف أجزاء‬
‫أخرى من القطاع العام ‪ .‬ففي السابق لم تستغل طاقة خلق اإليرادات‬
‫بواسطة الحكومات اإلقليمية والمحلية وتقوم الحكومة حاليا بتقويم‬
‫الطاقة الكامنة لإليرادات على المستويين اإلقليمي والمحلي ‪ ،‬وإذا كان‬
‫من الضروري فستقوم بطلب للمعونة من الصندوق وبالمثل ‪ ،‬فهناك‬
‫مجال كبير يف وحدات القطاع العام للمساهمة يف الميزانية ‪ .‬واستنادا على‬
‫التقويم والدراسات التي ال تزال تجرى فإن الحكومة ستنفذ خالل أو قبل‬
‫السنة المالية ‪ ، 1987/86‬إجراءات الستنفار الموارد على المستويين‬
‫المحلي واإلقليمي ومن خالل وحدات القطاع العام» ‪.‬‬

‫وخصصت الفقرة الخامسة عشرة للتوسع يف االئتمان المصريف «‬


‫فألغراض تحقيق االنخفاض المرجو يف نمو النقود يف ‪ 1986/85‬فإن‬
‫الحكومة ‪ ،‬باإلضافة إلى الحد من استالفها من النظام المصريف ستتبع‬
‫برنامجا متشددا لالئتمان المصريف للقطاعين العام والخاص ‪ .‬وسيفرض‬
‫برنامج االئتمان سقوفا على التغيرات يف صايف األصول المحلية باإلضافة‬
‫إلى سقوف فرعية لصايف االقرتاض الحكومي من النظام المصريف ‪.‬‬
‫ويوضح الجدول المرفق السقوف لمارس ‪ 1986‬واألهداف للفرتات‬
‫األخرى ‪ .‬واستنادا على األهداف فإن السقوف االئتمانية لشهري يونيو‬
‫وسبتمرب ‪ 1986‬سيتفق عليها يف شهري فرباير ويونيو ‪ 1986‬على التوالي‬

‫‪197‬‬
‫وتاريخ آخر سيحدد فيما بعد ‪ .‬وبغرض تنفيذ برنامج االئتمان للوحدات‬
‫العامة ‪ ،‬فستتبع السياسات الكفيلة بفرض االنضباط فيما يتعلق بتسديد‬
‫قروضها ‪ .‬أما بالنسبة للقطاع الخاص فستقوم الحكومة بالتأكد من مقابلة‬
‫احتياجاته الحقيقية المتوقعة يف حدود ما هو متاح من ائتمان مع التأكد من‬
‫التنفيذ الفعال لألسبقيات التي تصنعها الحكومة ‪ ،‬وباألخص ‪ ،‬فستتأكد‬
‫الحكومة من مقابلة احتياجات رأس المال العامل يف القطاع الصناعي‬
‫باإلضافة إلى تمويل الصادرات والواردات» ‪.‬‬

‫اهتمت الفقرة السادسة عشرة بسياسة سعر الصرف بحيث أمنت‬


‫الحكومة على أهمية سياسة سعر الصرف كوسيلة لإلدارة االقتصادية‬
‫وعلى هذا األساس فقد قامت الحكومة يف يوليو ‪ « 1985‬باتخاذ‬
‫الخطوات الالزمة لتحقيق حرية البنوك التجارية يف تحديد أسعار الصرف‬
‫يف السوق الحر وأعلنت أهنا سوف لن تتدخل مباشرة أو غير مباشرة يف‬
‫قرارات البنوك التجارية ‪ .‬وستستمر الحكومة يف االلتزام الصارم بسياسة‬
‫عدم التدخل هذه إال أهنا تدرك أن سوق النقد األجنبي ال يعمل كما أريد‬
‫له ابتداء ‪ ،‬كما أن البنوك التجارية عازفة عن تحديد أسعار تنافسية ‪ ،‬وال‬
‫زال الفارق الكبير بين سعر البنوك التجارية وسعر السوق األسود سائدا ‪،‬‬
‫وستقوم الحكومة عند مراجعة الربنامج بالتشاور مع موظفي الصندوق‬
‫حول الوضع وحول الخطوات اإلضافية لتشجيع المنافسة الصحية بين‬
‫البنوك يف تحديد األسعار» ‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫وفيما يتعلق بسعر الصرف الرسمي « فإن الحكومة ملتزمة بمبدأ‬
‫المرونة ‪ .‬ويف هذا الخصوص فستعقد مراجعات دورية بين السلطات‬
‫السودانية وموظفي الصندوق وستنفذ االتفاقات التي يتم التوصل إليها‬
‫بطريقة حازمة وسريعة » ‪.‬‬

‫وتختص الفقرة الثامنة عشرة بميزان المدفوعات حيث الحظت أن‬


‫«منظور ميزان المدفوعات للعام ‪ 1985‬يهيمن عليه العبء المرتفع‬
‫للديون ‪ ،‬بما يف ذلك كرب حجم متأخرات السداد التي تراكمت خالل‬
‫السنوات السابقة ‪ .‬وعلى الرغم من اإلنعاش المتوقع لعائد الصادرات ‪،‬‬
‫فإن إسقاطات الصندوق للفجوة اإلجمالية لميزان المدفوعات لفرتة‬
‫االثني عشر شهرا سبتمرب ‪ – 1985‬سبتمرب ‪ ، 1986‬بافرتاض تسديد‬
‫المتأخرات لكن قبل إعادة الجدولة وتدفق المساعدات ‪ ،‬تقدر بحوالي‬
‫‪ 3020‬مليون دوالر ‪ ،‬كما تدل اإلسقاطات أن السحوبات من العون‬
‫الخارجي المتعهد به تبلغ حوالي ‪ 470‬مليون دوالر ‪ .‬هذا وستوفر اتفاقية‬
‫إعادة جدولة الديون التي تم التوصل إليها مع البنوك التجارية وإعادة‬
‫الجدولة مع األطراف الثنائية بشروط مماثلة لتلك التي منحت للسودان يف‬
‫عام ‪ ، 1984‬مبلغ لتخفيف الديون يقدر بحوالي ‪ 1090‬مليون دوالر‬
‫على مدى فرتة االثني عشر شهرا المنتهية يف سبتمرب ‪ 1986‬لتغطية فجوة‬
‫ميزان المدفوعات ‪ .‬وال بد لقدر كبير من المساعدات من أن يكون يف‬
‫شكل نقدي وذلك نسبة لطبيعة احتياجات المدفوعات الخارجية للقطر‬

‫‪199‬‬
‫والحدود الخاصة بطاقة السودان االستيعابية للعون السلعي ‪ .‬تفرتض‬
‫هذه الفجوة أن بنك السودان سيتخلى عن ممارساته الحالية بخصم‬
‫عقودات التصدير لتأمين الواردات ‪ ،‬األمر الذي سيتسبب يف خفض‬
‫عائدات الصادر بما يقدر بحوالي ‪ 77‬مليون دوالر يف عام ‪. 1986/85‬‬
‫يتطلب سد الفجوة مزيجا من العون النقدي والسلعي وإعادة جدولة‬
‫الديون ‪ .‬هذا وتزمع الحكومة االتصال قريبا بالدائنين لبحث إعادة جدولة‬
‫التزامات الديون ‪ .‬وبالمثل ‪ ،‬فقد طلبت الحكومة اجتماعا ألهم مانحي‬
‫العون ودائني السودان للحصول على عون نقدي وسلعي لتغطية فجوة‬
‫ميزان المدفوعات» ‪.‬‬

‫اهتمت الفقرة التاسعة عشرة بقضية متأخرات السداد فأوضحت «أن‬


‫الحكومة ملتزمة من حيث المبدأ بالقضاء على كل متأخرات الديون‬
‫وبمنع تردادها ‪ .‬إال أنه من المحتمل أن ينقضي بعض الوقت قبل إبرام‬
‫اتفاقات إعادة الجدولة مع األطراف الثنائية على هدي الشروط التي‬
‫يتوصل إليها من خالل المناقشات متعددة األطراف ‪ .‬ومن ثم فإنه وخالل‬
‫سريان فعالية ترتيبات المؤازرة ربما لم يكن يف اإلمكان تجنب تراكم‬
‫متأخرات سداد تلك االلتزامات التي تحين آجالها إال أنه ومنذ تاريخ‬
‫توقيع اتفاقية مع دائن ‪ ،‬فإننا سوف لن نؤخر سداد خدمة الدين التي تنشأ‬
‫من اتفاقية إعادة الجدولة هذه ‪ .‬هذا وسيتم مراجعة التقدم الذي يحرز يف‬
‫اإلعادة المزمعة لجدولة الديون مع موظفي الصندوق عندما يحين موعد‬

‫‪200‬‬
‫مراجعة يونيو ‪ . 1986‬باإلضافة إلى ذلك ‪ ،‬فسوف لن نؤخر أي سداد أو‬
‫تحويالت خاصة بالمعامالت العالمية فيما عدا تلك المتعلقة بخدمات‬
‫الديون التي تحل آجالها خالل فرتة سريان ترتيبات المؤازرة والتي‬
‫ذكرناها أعاله» ‪.‬‬

‫تتعهد الحكومة يف الفقرة العشرين بعدم اإلخالل مرة أخرى بتسديد‬


‫مستحقات الصندوق على السودان فتالحظ أنه «وألغراض تسهيل‬
‫مضاهاة العون الخارجي باحتياجات القطر من النقد األجنبي فسيقوم بنك‬
‫السودان بتحضير تفاصيل شهرية لمعامالت النقد األجنبي يف السوق‬
‫الرسمي وتحديثها وذلك بمساعدة موظفي الصندوق ‪ .‬وباستخدام‬
‫تحليل التدفقات النقدية وبعد التشاور مع موظفي الصندوق ستقوم‬
‫الحكومة وقبل تاريخ سريان فعالية الربنامج بتبني آليات تضمن سداد‬
‫االلتزامات نحو الصندوق كما هو مربمج لها» ‪.‬‬

‫أما يف الفقرة الحادية والعشرين وألغراض التناسق مع أهداف ميزان‬


‫المدفوعات ولتجنب زيادة العبء الثقيل لخدمات الديون الخارجية ‪« ،‬‬
‫فسوف لن تتعاقد الحكومة خالل فرتات الربنامج على قروض خارجية‬
‫غير ميسرة ذات فرتات سداد يف المدى ‪ 12 – 1‬سنة ‪ .‬وال ينطبق هذا‬
‫الشرط على العقود الجديدة التي ربما نتتجت عن إعادة تمويل أو إعادة‬
‫جدولة الدين القائم ‪ .‬كما ستمتنع الحكومة عن تكثيف الضوابط على‬
‫المدفوعات الجارية خالل فرتة الربنامج » ‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫« ستقوم الحكومة بمراجعة الحالة والسياسات االقتصادية مع موظفي‬
‫الصندوق يف فرباير ويونيو ‪ . 1986‬كذلك سترتجم األهداف االئتمانية‬
‫التأشيرية للفرتة المنتهية يف يونيو ‪ 1986‬إلى سقوف ائتمانية عند حلول‬
‫موعد المراجعة يف فرباير ‪ 1986‬كما ستحدد السقوف االئتمانية للفرتات‬
‫التالية عند حلول موعد المراجعة يف يونيو ‪ . 1986‬كما سيتم التوصل إلى‬
‫تفاهم حول ميزانية ‪ 1987/86‬مع موظفي الصندوق خالل مراجعة‬
‫يونيو » ‪.‬‬
‫اهتمت الفقرة الثالثة والعشرون بتحديد الخطوات والتواريخ لتطور‬
‫عالقة السودان بالصندوق على النحو التالي «تعتقد حكومة السودان أن‬
‫تنفيذ الربنامج أعاله سيمكن موظفي وإدارة الصندوق من كتابة تقرير‬
‫إيجابي عن السودان ألهم مانحي العون والدائنين ‪ .‬ويؤمل أن يسهل ذلك‬
‫الحصول على المساعدات المالية المطلوبة الحتياجات القطر األساسية‬
‫والعاجلة ‪ ،‬بما يف ذلك سداد متأخرات الصندوق ‪ .‬وبعد سداد متأخرات‬
‫الصندوق ستقوم الحكومة بطلب للحصول على ترتيبات للمؤازرة لدعم‬
‫برنامج التكيف الذي اعتمدته الحكومة وذلك بمبلغ سيتم االتفاق عليه‬
‫مع مدير الصندوق ‪ .‬وعند الموافقة من حيث المبدأ على ترتيبات‬
‫المؤازرة بواسطة مجلس إدارة الصندوق سيتمهد الطريق الجتماعات‬
‫الدائنين ومانحي العون للحصول على عون إضايف وتخفيف للديون‬
‫بغرض تغطية فجوة ميزان المدفوعات ‪ ،‬األمر الذي سيجعل ترتيبات‬

‫‪202‬‬
‫المؤازرة سارية المفعول ‪ .‬ونظرا ألهمية العون اإلضايف وتخفيف الديون‬
‫للتطبيق الفعال للربنامج ‪ ،‬وذلك يف شكل مساعدة نقدية أوال لسداد‬
‫المتأخرات وعون سلعي ضخم لضمان تدفق الواردات األساسية ‪ ،‬فإننا‬
‫نأمل أن يبدي المجتمع الدولي ‪ ،‬بما يف ذلك الصندوق والبنك الدولي‬
‫وأهم المانحين والدائنين ‪ ،‬تجاوبا إيجابيا وسريعا لطلب المساعدة الذي‬
‫نتقدم به » ‪.‬‬

‫‪ -4‬أطروحة انهيار الموقف التفاوضي للسودان‬


‫ابتداء دعنا نالحظ ما يلي ‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن البيانين ‪ ،‬على الرغم مما يحمالن من عناوين ‪ ،‬قد‬


‫تمت صياغتهما وطباعتهما ‪ ،‬وربما تصويرهما أيضا ‪ ،‬يف‬
‫واشنطن وأن صندوق النقد الدولي قد وافق رسميا على‬
‫محتويات بيان أكتوبر بتاريخ ‪ 7‬نوفمرب ‪ ، 1985‬أي قبل أن‬
‫يعرض على مجلس الوزراء الموقر ‪ ،‬بينما لم يعرض بيان يوليو‬
‫على مجلس الوزراء إطالقا ‪.‬‬

‫ب‪ -‬أنه فيما عدا سرد لبعض اإلجراءات التي اتخذهتا‬


‫الحكومة وبمباركة الصندوق ‪ ،‬وإعالن النوايا حول تلك‬
‫اإلجراءات التي تزمع الحكومة اتخاذها مستقبال ‪ ،‬بالمشاورة مع‬
‫الصندوق ‪ ،‬ال يحتوي أي من البيانين على شواهد تدلل على أن‬

‫‪203‬‬
‫السياسات المقرتحة قد بنيت على قراءة سودانية متأنية للحالة‬
‫االقتصادية يف السوادان ‪.‬‬

‫ج‪ -‬أنه فيما عدا اختالف الصياغة تتطابق الوصفة المقرتحة‬


‫مع تلك التي اقرتحت للعهد السابق يف إطار ترتيبات المؤازرة‬
‫لعام ‪! 1984‬‬

‫د‪ -‬أن المدى الزمني الذي حدد لهذه السياسات صراحة أو‬
‫ضمنيا ال يتوافق مع الفرتة االنتقالية برمتها أو ما تبقى منها ! ‪.‬‬

‫على الرغم من هذا تجدر اإلشارة إلى أن التوجهات العامة للسياسة‬


‫االقتصادية المقرتحة وكذلك اإلجراءات التفصيلية الموضحة ‪ .‬يف‬
‫البيانين تتضارب تضاربا منطقيا مع األسباب التي أورداها فيما يتعلق‬
‫بالرتكة االقتصادية المثقلة التي ورثتها الحكومة االنتقالية ‪ .‬فعلى سبيل‬
‫المثال تقول الفقرة األولى من بيان أكتوبر « إن الحكومة السودانية تواجه‬
‫حاليا مخلفات عدد من السنين من السوء الممعن يف اإلدارة االقتصادية‬
‫فقد ترك العهد السابق ‪ ،‬والذي تمت إزالته يف أبريل ‪ ، 1985‬اقتصادا‬
‫أضعفته السياسات غير المالئمة ‪ .‬إذ لم تكن السياسات السابقة تصاغ‬
‫بغرض تنمية اإلمكانات االقتصادية للقطر ‪ ،‬وإنما شجعت االستهالك‬
‫المفرط واالستيراد واالقرتاض من الخارج والداخل واالعتماد على‬
‫المعونات » ‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫ووجه التضارب المنطقي يتجلى بمالحظة أن الجهة التي قامت‬
‫بصياغة السياسات السابقة هي نفس الجهة التي قامت بصياغة السياسات‬
‫المضمنة يف البيانين تحت الدراسة وأنه ليس هنالك اختالف جوهري ‪ ،‬أو‬
‫حتى شكلي ‪ ،‬بين مجموعتي السياسات ‪ .‬وتأسيسا على ذلك ‪ ،‬وإذا ما‬
‫كانت السياسات التي اتبعها العهد البائد قد تسببت يف أن تورث الحكومة‬
‫االنتقالية هذه الرتكة االقتصادية المثقلة فكيف سيتسنى للحكومة التصدي‬
‫لألزمة االقتصادية باتباع نفس السياسات ؟ ‪.‬‬

‫ويقيننا أن هذا التضارب المنطقي ‪ ،‬بغض النظر عما ينطوي عليه من‬
‫عدم أمانة علمية ‪ ،‬يكفي كسبب جوهري لرفض وصفة الصندوق جملة‬
‫وتفصيال ‪ .‬إال أنه وألسباب تتعلق بنا كسودانيين اشتهرنا بالحساسية‬
‫المفرطة تجاه المواقف المتشددة ‪ ،‬وكذلك لشهرتنا المتعلقة بالكرم‬
‫خصوصها فيما يتعلق بكل ما هو «خواجي» األصل ‪ ،‬فإننا سوف لن‬
‫نكتفي بإثبات هذا التناقض المنطقي وإنما سنورد شهادة شاهد من أهل‬
‫الصندوق لتعضيد موقف جبة الرفض البغيضة هذه ‪ ،‬دع عنك شهادة‬
‫الصندق نفسه ‪ .‬ففي آخر تقرير له عن االقتصاد السوداين توصل البنك‬
‫الدولي (‪ )1985‬إلى نتيجة مؤداها أنه «ويف عام ‪ ، 1984‬ولعدد من‬
‫األسباب ‪ ،‬فقد خرج برنامج إعادة اإلعمار عن الخط المرسوم له ‪.‬‬
‫وتتصف األزمة المالية الجديدة بالحدة لدرجة أنه ال يمكن التصدي‬
‫لحلها بالوصفات االقتصادية التقليدية وإعادة جدولة الديون ‪ .‬فلقد فقد‬

‫‪205‬‬
‫القطر األهلية االئتمانية إال فيما يتعلق بأشكال العون المفرطة يف يسر‬
‫شروطها ‪ ،‬وقد أصبح القطر غير قادر يف حقيقة األمر على تحمل شروط‬
‫تسهيالت صندوق النقد الدولي ‪ .‬هذا وقد أصبح الوقت ملحا للعثور‬
‫على حلول جديدة وتأسيس مناهج منتظمة للتعامل مع األزمة‬
‫االقتصادية» ص ‪ 19‬من مقدمة التقرير) ‪.‬‬

‫ويف نفس التقرير يالحظ البنك الدولي أيضا أنه «ومنذ ‪ 1978‬فقد كان‬
‫تخفيض سعر صرف الجنيه السوداين جزءا هاما من وصفة سياسات‬
‫اإلنعاش‪ .‬ولقد كان الغرض من تخفيض سعر الصرف هو القضاء على‬
‫التسعير المرتفع للعملة الذي خلق انحيازا ضد الصادرات ولصالح‬
‫االستيراد وسمح بمستويات وهمية االرتفاع لالستهالك الخاص ‪،‬‬
‫خصوصا يف المراكز الحضرية ‪ .‬ولسوء الطالع ‪ ،‬فقد فشلت المكاسب‬
‫المؤقتة التي تتحقق يف مجال الحوافز» (ص‪. )29‬‬

‫والبنك الدولي يف تقريره هذا يعرتف صراحة بفشل السياسات‬


‫االقتصادية السابقة التي طبقت يف السودان كما يعرتف بعدم جدوى‬
‫الوصفات االقتصادية التقليدية ويطالب بالبحث السريع عن مناهج‬
‫وحلول جديدة للتعامل مع أزمة االقتصاد السوداين ‪ ،‬وإذا كان هذا هو‬
‫موقف البنك الدولي ‪ ،‬فلماذا يكون موقف «الشماسة» السودانيين الذي‬
‫لم يكن أكثر من إبداء بعض التحفظات على بعض بنود البيان مدعاة‬

‫‪206‬‬
‫النزعاج الممثلين المقيمين للصندوق من أبناء السودان وسببا يف استقالة‬
‫وزير مالية االنتفاضة ؟ ‪.‬‬

‫ومهما يكن من أمر هذه المالحظات فإننا نزعم بأن مقارنة محتويات‬
‫بيان يوليو بمحتويات بيان أكتوبر ال بد لها وأن تكون كافية إليضاح تدهور‬
‫الموقف التفاوضي للسودان مع صندوق النقد الدولي ‪ .‬وألغراض‬
‫تسهيل هذه المقارنة يمكننا أخذ عدد الفقرات كمؤشر سطحي للموقف‬
‫التفاوضي للسودان وعليه يمكن التأكد من صحة ما يلي ‪:‬‬

‫أ‪ -‬حالة االقتصاد كما ورثتها الحكومة االنتقالية ‪ :‬فقرة واحدة‬


‫يف كل بيان ‪.‬‬
‫ب‪ -‬إعالن النوايا والمدى الزمني للسياسات االقتصادية ‪:‬‬
‫فقرتان يف بيان يوليو وثالث فقرات يف بيان أكتوبر ‪.‬‬
‫ج‪ -‬سياسات جانب العرض ‪ :‬فقرتان يف بيان يوليو وخمس‬
‫فقرات يف بيان أكتوبر ‪.‬‬
‫د‪ -‬السياسات النقدية والمالية ‪ :‬فقرة واحدة يف بيان يوليو‬
‫وخمس فقرات يف بيان أكتوبر ‪.‬‬
‫هـ‪ -‬سياسات سعر الصرف ‪ :‬أربع فقرات يف بيان يوليو وفقرتان‬
‫يف بيان أكتوبر ‪.‬‬
‫و‪ -‬ميزان المدفوعات والديون ‪ :‬لم تذكر يف بيان يوليو وأربع‬
‫فقرات يف بيان أكتوبر ‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫ز‪ -‬عالقة السودان بالصندوق ‪ :‬فقرتان يف كل بيان ‪.‬‬

‫هذا وبينما خصصت الفقرة الخامسة من بيان يوليو للربط بين‬


‫سياسات جانب العرض وسياسات جانب الطلب ‪ ،‬كانت الفقرة المقابلة‬
‫يف بيان أكتوبر هي الفقرة العاشرة ‪ ،‬كما خصصت الفقرة الحادية عشرة من‬
‫بيان أكتوبر لوصف السياسات المالية والنقدية التي تم اتخاذها بواسطة‬
‫الحكومة ‪.‬‬

‫رغما عن سطحية مؤشر عدد الفقرات إال أنه يكفي للتدليل على‬
‫مستوى التفاصيل التي انتقل إليها الصندوق يف تحديد السياسات والتدقيق‬
‫يف الربامج الزمنية لتطبيقها ‪ .‬فعلى سبيل المثال يمكن للقارئ الرجوع إلى‬
‫الفقرة الخاصة بإزالة التحكم على األسعار والهوامش الربحية ومقارنتها‬
‫يف البيانين حيث سيتضح أن بيان يوليو قد تحدث عن خطوات يجب‬
‫اتخاذها إلزالة الرقابة على األسعار والهوامش الربحية ‪ ،‬بينما فصل بيان‬
‫أكتوبر الربنامج الزمني التخاذ هذه الخطوات وتحديد السلع بواسطة‬
‫موظفي الصندوق ! كذلك الحال بالنسبة للفقرات الخاصة بسياسة سعر‬
‫الصرف حيث سيالحظ القارئ أن الصندوق قد حاور من خالل أربع‬
‫فقرات يف بيان يوليو لإلفصاح عن نواياه الحقيقية يف هذا المجال ‪ ،‬بينما‬
‫اكتفى فقط بفقرة مقتضبة يف بيان أكتوبر تطالب بإعطائه شيكا على بياض‬
‫لتخفيض السعر الرسمي متى ما شاء على أن تطبق توصياته بسرعة‬
‫وحسم ‪ .‬كذلك يمكن للقارئ مقارنة ما ورد يف بيان يوليو عن اتخاذ‬

‫‪208‬‬
‫خطوات لالستعادة الكاملة لتكاليف الري يف المشروعات المروية الكبيرة‬
‫مع التحديد القاطع الستعادة هذه التكاليف من خالل زيادة فئات الماء‬
‫واألرض بنسبة ‪ %60‬كما ورد يف بيان أكتوبر ‪.‬‬

‫ويقيننا أنه بإمكان القارئ القيام بمثل هذه المقارنات بين محتويات‬
‫البيانين ليتأكد من وجود الشواهد التجريبية التي تسند أطروحتنا القائلة‬
‫باهنيار الموقف التفاوضي للسودان خالل الفرتة التي تمتد بين قيام أول‬
‫وزير مالية لالنتفاضة بزيارته الميمونة لواشنطن وبين تاريخ استقالته ‪.‬‬

‫هذا ويذكر أن السيد وزير مالية االنتفاضة كان قد استقال بعد أن فرغت‬
‫اللجنة االقتصادية الوزارية من تسليم تقريرها الخاص ببيان أكتوبر ‪ ،‬فماذا‬
‫قالت اللجنة ؟ جاء يف تقرير اللجنة وكتقييم عام لبيان أكتوبر أن توجيهات‬
‫السياسات «ال تخرج عن القالب التقليدي للسياسات االنكماشية التي‬
‫طرحت من قبل والتي تركز على خفض اإلنفاق ‪ ،‬تعديل سعر الصرف ‪،‬‬
‫إطالق حرية األسعار ‪ ،‬إزالة الدعم وفرض المزيد من الضرائب ‪ ،‬تغطية‬
‫عجز الميزانية ‪ ،‬تسديد الديون ‪ ..‬إال أن غالبية السياسات المطروحة‬
‫تشكل مبادئ عامة ينبغي قبولها ‪ ...‬وترى اللجنة أن معظم بنود الورقة‬
‫يمكن الموافقة عليها » ‪ .‬أما فيما يتعلق ببعض البنود فقد أوضحت اللجنة‬
‫وجهات النظر حولها واقرتحت مناقشتها مع إدارة الصندوق ‪ .‬وعلى‬
‫ضوء ما أسفرت عنه مشاورات اللجنة مع مندوب الصندوق ومع الخرباء‬
‫السودانيين خلصت اللجنة إلى أن التوصل إلى اتفاق مع الصندوق ال‬

‫‪209‬‬
‫ينبغي أن يكون متعسرا ‪« ،‬خاصة وأن مندوب الصندوق قد أوضح بأهنم‬
‫ال يؤمنون بجدوى فرض سياسة ال توافق عليها الجهة المعنية» ‪.‬‬

‫يتضح مما سبق الموقف المعتدل للجنة االقتصادية الوزارية والتي‬


‫اقرتحت على مستوى التفاصيل نوعين من التعديالت ‪ :‬تعديالت جزئية‬
‫وأخرى أساسية ‪ .‬فيما يتعلق بالتعديالت الجزئية طالبت اللجنة باآليت ‪:‬‬
‫أ‪ -‬تعديل الفقرة السابعة « وتتعلق بزيادة رسوم المياه للمزارعين‬
‫بنسبة ‪ %60‬ترى اللجنة أن مبدأ التدرج يف اسرتداد التكلفة الحقيقية مقبول‬
‫إال أن نسبة الزيادة لهذا العام يجب أال تتعدى ‪ %30‬وذلك حسب توصية‬
‫اللجنة الفنية التي تكونت لتقدير أسعار القطن ‪. »..‬‬

‫ب‪ -‬تعديل الفقرة العاشرة وتتعلق « بتخفيض معدل نمو‬


‫النقود ‪ .‬ترى اللجنة أن التخفيض بالنسبة للعام الحالي ينبغي‬
‫إعادة النظر فيه على أسس موضوعية تأخذ يف االعتبار‬
‫االحتياجات الفعلية» ‪.‬‬

‫ج‪ -‬تعديل الفقرة الثالثة عشرة « والخاصة باالستدانة من‬


‫النظام المصريف ‪ .‬ترى اللجنة أن االستدانة من النظام المصريف‬
‫والمحدد لها ‪ 200‬مليون جنيه غير عملي إذا أخذنا يف االعتبار‬
‫الظروف األمنية بالجنوب وإجراء االنتخابات وتوقعات الدعم‬
‫الخارجي والتزامات الدعم الداخلي » ‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫د‪ -‬تعديل الفقرة الحادية والعشرين والمتعلقة بعدم اللجوء‬
‫للقروض غير الميسرة « ترى اللجنة أنه ال بد من االستثناء يف‬
‫حالة الضرورة القصوى أو المشاريع ذات العائد السريع وذات‬
‫الجدوى االقتصادية » ‪.‬‬

‫فيما يتعلق بالتعديالت األساسية طالبت اللجنة بما يلي ‪:‬‬

‫أ‪ -‬تعديل الفقرة الثامنة ‪:‬‬

‫المتعلقة بإزالة التحكم والرقابة على األسعار والهوامش الربحية حيث‬


‫أوضحت اللجنة اقتناعها « بضرورة تسعير السلع بطريقة عادلة وهو اتجاه‬
‫اتخذت فيه وزارتا الصناعة والتجارة خطوات عملية ‪ ،‬إال أهنا تعرتض‬
‫بصورة مبدئية على تناول هذا الموضوع بالصورة المقرتحة وهو تحرير‬
‫األسعار وذلك ألنه يتعارض مع السياسات المقررة للدولة ‪ ،‬إضافة إلى‬
‫اقتناع اللجنة الكامل بأنه لن يؤدي للهدف المنشود » ‪.‬‬

‫ب‪ -‬تعديل الفقرات السادسة عشرة والسابعة عشرة ‪:‬‬

‫« وهي مواد ترمي إلى ترك الباب مفتوحا لتخفيض قيمة الجنيه‬
‫السوداين وهو إجراء اتفق الخرباء بل والمؤسسات الدولية على أنه يؤدي‬
‫إلى نتائج سلبية ‪ .‬وبخالف ما ذكر للمجلس فقد أكد مندوب الصندوق‬
‫أن الفهم المتفق عليه هو إعادة النظر يف سعر الصرف وارده ستكون محل‬

‫‪211‬‬
‫بحث يف مارس – أبريل ‪ .‬وليس من رأي اللجنة الحفاظ على السياسة‬
‫المالية والتي ُأقرت بناء على طلب الصندوق قبل شهور بل ترى تعديلها‬
‫بتطبيق نظام الرقابة على سعر الصرف » ‪.‬‬

‫هذا وبعد أن وافق مجلس الوزراء الموقر على تقرير اللجنة وبعد‬
‫استقالة وزير المالية السابق تلقت اللجنة رسالة تلكسية من رتشارد‬
‫أيرب ‪ ،‬المدير التنفيذي للصندوق بالنيابة بتاريخ ‪ 23‬ديسمرب ‪1985‬‬
‫يقول فيها أنه و « بشيء من االستغراب وبكثير من األسف فقد وجدت أن‬
‫المقرتحات تغير جذريا طبيعة برنامج السياسات والذي كان من المتوقع‬
‫أن يبدأ يف استعادة الظروف المالئمة للنمو المؤزر يف السودان » ‪.‬‬

‫‪ -5‬الصندوق والصفاقة المؤسسية‬


‫بعد أن اهنار الموقف التفاوضي للسودان ‪ ،‬وبعد أن تمت قراءة هذا‬
‫االهنيار بطريقة صحيحة بواسطة الصندوق ‪ ،‬ما كان منه إال أن يصر على‬
‫مجموعة السياسات التي ضمنت يف بيان أكتوبر إصرار ًا طفوليا ‪ .‬ولعلنا‬
‫لسنا يف حاجة إلى مالحظة أن هذا ليس بمستغرب يف ظل قيام صانعي‬
‫القرار االقتصادي السوداين بتهيئة الفرصة للصندوق ‪ ،‬من حيث ال‬
‫يدري ‪ ،‬ألخذ زمام المبادرة وتبني مواقف متشددة من جديد وقد كان ‪.‬‬

‫كان رد الفعل األولي للصندوق فيما يتعلق بقرار مجلس الوزراء‬


‫االنتقالي القاضي برفض الربنامج المضمن يف بيان أكتوبر ‪ 1985‬مزيجا‬

‫‪212‬‬
‫من التهديد والوعيد ‪ .‬فقد بعث السيد جاك دي الروزيير ‪ ،‬المدير العام‬
‫لصندوق النقد الدولي برسالة تلكسية للدكتور الجزولي دفع اهلل رئيس‬
‫الوزراء االنتقالي بتاريخ ‪ 4‬ديسمرب ‪ 1985‬احتوت على ما يلي ‪:‬‬

‫«بناء على التفاهم الذي تم بين وزير ماليتكم وموظفي الصندوق حول‬
‫برنامج السياسات االقتصادية الذي كانت ستنفذه حكومتكم ‪ ،‬فقد قمت‬
‫بشرح الموقف لمانحي العون للسودان ولدائني السودان فيما يتعلق‬
‫بمتطلبات العون االقتصادي العالمي لتمويل ميزان المدفوعات السوداين‬
‫ولدعم الربنامج االقتصادي الذي كان يزمع تنفيذه ‪ .‬هذا ولقد كنت على‬
‫اتصال دائم بموظفي الصندوق فيما يختص بتطورات تنفيذ السياسات‬
‫بواسطة السلطات السودانية كما كنت متفائال بنتائج إيجابية الجتماعات‬
‫مجلس وزرائكم يف األول والثاين من ديسمرب ‪ . 1985‬استنادا على كل‬
‫ذلك ‪ ،‬فقد دعوت الجتماع غير رسمي يف يوم ‪ 1985/12/3‬للمديرين‬
‫التفيذيين الممثلين ألهم مانحي العون ودائني السودان وذلك لحثهم مرة‬
‫أخرى الستنفار المساعدات الخارجية الالزمة ‪ ،‬بما يف ذلك ما هو‬
‫مطلوب لمساعدة السودان لتطبيع عالقاته المالية مع الصندوق ‪ .‬ومن ثم‬
‫فقد اندهشت قبيل انعقاد هذا االجتماع عندما علمت بأن مجلس‬
‫وزرائكم لم يتب َّن برنامج السياسات المطروح وأن التفاهم الذي تم بين‬
‫وزير ماليتكم وموظفي الصندوق قد أصبح يف حالة من البلبلة ‪ .‬ولم يكن‬
‫لي خيار سوى أن أخطر المديرين بالنتائج المخيبة لآلمال التي توصل‬

‫‪213‬‬
‫إليها مجلس وزرائكم ‪ .‬إنه اعتقادي الجازم بأن برنامج السياسات الذي‬
‫اقرتحه وزير ماليتكم يخدم أغراض السودان وأن تنفيذه ذو أهمية حاسمة‬
‫للتعامل مع المشاكل االقتصادية والمالية الخطيرة التي يواجهها بلدكم ‪.‬‬
‫إن أي تأخير أو تعديل يف تنفيذ هذه السياسات سيؤدي إلى تفاقم الحالة‬
‫الخطيرة كما سيرتتب عليه تخريب لجهود استنفار المساعدات األجنبية‬
‫للسودان ‪ .‬ولقد طلب مني المديرون التنفيذيون الممثلون ألهم مانحي‬
‫العون للسودان ولدائني السودان أن أخطركم بقلقهم الشديد حول ما‬
‫وصلت إليه األحداث ولقد ركزوا على أن التدهور المستمر للموقف‬
‫المالي للسودان مع الصندوق متمثال يف تراكم وتشعب المتأخرات ‪،‬‬
‫سيكون له تأثير سلبي خطير ومباشر على كل األعضاء بما يف ذلك دائني‬
‫السودان والدول النامية األخرى التي تجاهد يف سبيل القضاء على مشاكل‬
‫اقتصادية شبيهة بتلك التي يواجهها السودان ‪ .‬هذا ويشاركني المديرون‬
‫التنفيذيون الرأي بأن برنامج السياسات الذي قدم لمجلس وزارئكم‬
‫ضروري للبدء بمصداقية يف معالجة المشاكل االقتصادية المعقدة يف‬
‫السودان ‪ .‬ولهذه األسباب فسيكون من المساعد إن أعادت حكومتكم‬
‫النظر يف قرار مجلس الوزراء ‪ .‬وسأكون سعيدا لتوجيه العاملين معي‬
‫لمساعدة سيادتكم أو وزير ماليتكم بأي طريقة كانت بما يف ذلك زيارة‬
‫السودان ‪ .‬وال بد لي من أن أضيف أن المجلس التنفيذي للصندوق‬
‫سيجتمع يف الثاين من يناير ‪ 1986‬ليتخذ قرارا يتعلق بمتأخرات السودان‬

‫‪214‬‬
‫على الصندوق ‪.‬إن عدم إحراز تقدم يف تنفيذ السياسات ويف تسديد‬
‫المتأخرات للصندوق سيكون له يف رأيي وقع خطير على نتائج هذا‬
‫االجتماع» ‪.‬‬

‫تجسد رسالة السيد دي الوزيير ما نقصده بالصفاقة المؤسسية حيث‬


‫يمكن للقارئ مالحظة ما يلي ‪:‬‬

‫أ‪ -‬اندهاش وإحباط موظف عام من قرارات مجلس وزراء‬


‫دولة ذات سيادة !!‬

‫ب‪ -‬طلب موظف عام من مجلس وزراء دولة ذات سيادة‬


‫إعادة النظر يف قراءات تم اتخاذها بعد مشاورات مطولة وهي‬
‫قراءات تبدي بعض التحفظات حول ما تقدم به موظفو‬
‫الصندوق من مقرتحات حول السياسات !!‬

‫ج‪ -‬هتديد موظف عام لدولة ذات سيادة باستعداء دول أخرى‬
‫ذات سيادة لحجب العون عنها !!‬

‫على مستوى التفاصيل أوضح المدير العام يف رسالته التلكسية بتاريخ‬


‫‪ 3‬ديسمرب ‪ 1985‬الصعوبات التي يجدها الصندوق فيما يتعلق بسياسات‬
‫الحكومة على النحو التالي ‪:‬‬

‫‪215‬‬
‫أ‪ -‬أسعار شراء القطن وفئات الماء واألرض ‪:‬‬

‫«إن المستويات المقرتحة ألسعار الشراء ال تأخذ يف االعتبار بطريقة‬


‫كافية التطورات حديثة العهد يف الظروف المحيطة بتسويق القطن طويل‬
‫ومتوسط التيلة ‪ .‬باإلضافة إلى ذلك ‪ ،‬يف غياب المرونة يف سياسة سعر‬
‫الصرف فإن المستويات المقرتحة ستفرض عبئا ماليا إضافيا ال بد من‬
‫تغطيته من خالل إعانات يف الميزانية أو من خالل ائتمان مصريف لمؤسسة‬
‫تسويق القطن ‪ .‬ويف غياب إجراءات مضادة من شأهنا خلق تدفقات‬
‫إيرادية ‪ ،‬فإن مقابلة هذا العبء المالي ستفاقم من عدم التوازن المالي‬
‫الحالي وذلك بمساهمتها يف زيادة التوسع النقدي ‪ .‬تساوي الزيادة‬
‫المقرتحة يف فئات الماء واألرض نصف تلك المذكورة يف بيان أكتوبر عن‬
‫السياسات المالية واالقتصادية ‪ .‬باإلضافة إلى فقدان اإليرادات من هذه‬
‫الفئات فإن الزيادة المقرتحة من شأهنا التأخير الشديد لالتجاه نحو‬
‫االستعادة الكاملة للتكاليف يف المشروعات المروية الكربى وتعويق‬
‫الجهود الرامية إلى ضمان التحديد المالئم لتكلفة ومدخالت اإلنتاج» ‪.‬‬

‫ب‪ -‬أهداف عرض النقود واإلقراض الحكومي ‪:‬‬

‫«كما تعلمون إن معدل النمو المفرط يف عرض النقود قد كان من أهم‬


‫العوامل المساهمة يف ارتفاع مستوى التضخم يف السودان وقد أثر بدوره‬
‫على ميزان المدفوعات واإلنتاج المحلي ‪ .‬وبالتالي ‪ ،‬فإنه من الضروري‬

‫‪216‬‬
‫تخفيض معدل التوسع النقدي من خالل تبني سياسات مالية ونقدية‬
‫حذرة ‪ .‬يف نفس الوقت ‪ ،‬فإن على السياسات تأكيد ضمان مقابلة‬
‫االحتياجات الحقيقية للقطاعات اإلنتاجية يف االقتصاد ‪ .‬هذا وقد اهتدى‬
‫تحديد األهداف لعرض النقود هبذه االعتبارات ‪ ،‬كما أخذ يف االعتبار‬
‫عوامل من شأهنا زيادة االحتياجات لالئتمان مثل توقعات المحصول ‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بلجوء الحكومة لالقرتاض المصريف فإن األهداف قد‬
‫أسست على تقديرات الميزانية كما حضرهتا وزارة المالية ‪ .‬فإذا شعرت‬
‫السلطات السودانية اآلن بأن المبالغ التي رصدت يف الميزانية للدفاع‬
‫واألمن لم تكن واقعية ‪ ،‬فإن ذلك سيتطلب إجراءات إضافية لمقابلة هذه‬
‫المصروفات الكبيرة ‪ .‬وربما تذكر أن إجراءات إضافية كانت قد طلبت‬
‫سلفا لمقابلة قصور الضرائب وقد قدرت المبالغ المطلوبة بنحو ‪140‬‬
‫مليون جنيه سوداين للسنة المالية الحالية ‪ .‬وعلى ضوء الضغوط‬
‫التضخمية ‪ ،‬فلن يكون من الحصافة زيادة اقرتاض الحكومة من البنك‬
‫فوق ما توصل إليه يف بيان أكتوبر ‪.‬‬

‫ج‪ -‬القيود على الديون الجديدة ‪:‬‬

‫« تتسم مدفوعات السودان الخارجية بعبء مرتفع لخدمة التزامات‬


‫الديون يف هذه الظروف ‪ ،‬سيكون من الحكمة الحد الشديد من الدخول‬
‫يف اتفاقيات قروض غير ميسرة تقع يف المدى ‪ 12 – 1‬سنة ‪ .‬إن تمويل‬

‫‪217‬‬
‫المشروعات االقتصادية والمالية ذات الكفاءة يمكن القيام به باستغالل‬
‫المبالغ التي وفرها عدد من الدائنين ومانحي العون » ‪.‬‬

‫د‪ -‬التحكم يف األسعار واألرباح ‪:‬‬

‫إن نظام التحكم يف األسعار واألرباح السائد حاليا يف السودان قد أثر‬


‫سلبيا على طاقة االقتصاد اإلنتاجية وذلك بتخفيضه إليرادات المنشآت‬
‫وتحجيم قدرهتا على االستثمار ‪ .‬ويف معظم الحاالت ‪ ،‬فإن هذا التحكم ‪،‬‬
‫بينما تمت صياغته لتخفيض التكلفة للمستهلك ‪ ،‬قد نتج يف حقيقة األمر‬
‫يف زيادة األسعار ذلك ألن الغرض المحدود للسلع المتحكم فيها كثيرا ما‬
‫عوض بالشراء من السوق ‪ ،‬األمر الذي يحابي الوسطاء على حساب‬
‫المنتجين والمستهلكين ‪ .‬عليه ‪ ،‬فإن اإلجراءات لتخفيف معظم هذا‬
‫التحكم سيكون يف صالح المستهلكين والمنتجين وسيساهم يف زيادة‬
‫االستثمار واإلنتاج المحلي» ‪.‬‬

‫هـ‪ -‬نظام سعر الصرف ‪:‬‬

‫« لقد كان مخيبا لآلمال قراءة أن مجلس الوزراء ربما أخذ إجراءات‬
‫من شأهنا تكثيف الرقابة على النقد يف السودان ‪ .‬إن مثل هذه اإلجراءات‬
‫ال بد لها من إفراز المزيد من التشوهات يف االقتصاد ‪ ،‬معوقة بذلك‬
‫النشاط االقتصادي المحلي ‪ .‬إن التحرير التدريجي لقوانين النقد األجنبي‬
‫مصاحبة بمرونة لها معناها يف تحديد أسعار صرف السوق الرسمي‬

‫‪218‬‬
‫وسوق البنوك ‪ ،‬يعترب حاسما لتشجيع الصادرات واإلنتاج الذي يحل‬
‫محل الواردات وتشجيع تدفقات أكرب من التحويالت الخاصة »‪.‬‬

‫إلدراك مدى اهنيار موقف السودان التفاوضي من جهة ومدى الثقة‬


‫التي أورثها هذا االهنيار للصندوق من جهة أخرى دعنا نتمعن خاتمة‬
‫الرسالة التلكسية والتي الحظت « أن التأخير يف تنفيذ سياسات التكيف‬
‫المالئمة يخدم فقط التفاقم المتزايد للحالة االقتصادية يف السودان‬
‫وتضييق فرص استنفار المعونات الخاريجة المتطلبة ‪ .‬وعليه فإنه من‬
‫األهمية القصوى البدء يف تنفيذ السياسات االقتصادية المناسبة يف أسرع‬
‫وقت ممكن ‪ .‬إنه على ضوء هذا أتعشم أن يعيد مجلس الوزراء النظر يف‬
‫موقفه وأن يبدأ يف تنفيذ مجموعة متكاملة من اإلجراءات االقتصادية على‬
‫أساس تلك التي تم االتفاق عليها مع بعثة الصندوق يف أكتوبر ‪ .‬ونقف‬
‫مستعدين لنوفر لكم أي مساعدة ربما تحتاجون إليها يف هذا الخصوص» ‪.‬‬

‫والسؤال هو إن لم تكن هذه صفاقة مؤسسية ‪ ،‬فماذا تعني ؟‬

‫وعلى الرغم من هذه الصفاقة المؤسسية ‪ ،‬وربما ألننا سودانيون عرفنا‬


‫بكرمنا الحاتمي تجاه كل من هو أجنبي ‪ ،‬وعلى الرغم من االتفاق العام‬
‫الذي ساد يف أوساط اللجنة االقتصادية الوزارية والذي قام بالرد‬
‫المقتضب على هذه الرسالة ‪ ،‬إال أن اللجنة وألسباب تخفى علينا أوفدت‬
‫بعثة لواشنطن برئاسة السيد وزير األشغال إليصال الرد المقتضب أو ربما‬

‫‪219‬‬
‫ألشياء أخرى ‪ .‬إال أنه ومهما يكن من أمر فقد تأجل اتخاذ قرار إعالن‬
‫عدم أهلية السودان لتسهيالت صندوق النقد الدولي يف اجتماع مجلس‬
‫المديرين التفيذيين الذي عقد يف ‪ 3‬يناير ‪ . 1986‬وقد أوفد الصندوق بعثة‬
‫ميدانية للتفاوض مع اللجنة الوزارية حول النقاط التي أثارهتا ‪ .‬وقد تركت‬
‫البعثة قبيل رجوعها لواشنطن لتسليم تقريرها انطباعا غير مشجع لدى‬
‫السلطات السودانية ‪ ،‬مما حدا بالسيد وزير المالية الجديد القيام بزيارة‬
‫لواشنطن لتهيئة الجو المناسب التخاذ قرار يف صالح السودان عند انعقاد‬
‫مجلس المديرين التنفيذيين بتاريخ ‪ 3‬فرباير ‪. 1986‬‬

‫أوضح ممثل موظفي الصندوق يف بيانه بتاريخ ‪ 3‬فرباير ‪1986‬‬


‫للمجلس التنفيذي يف دورة انعقاده رقم ‪ 20/86‬بنفس التاريخ آخر‬
‫التطورات والنتائج التي توصلت إليها البعثة التي زارت السودان مؤخرا‬
‫على النحو التالي ‪:‬‬

‫(أ) « تدهورت الحالة االقتصادية يف السودان خالل فرتة‬


‫الشهور الثالثة المنتهية يف ‪ 31‬ديسمرب ‪ . 1985‬وباألخص ‪ ،‬فإن‬
‫وضع الميزانية قد تفاقم بطريقة ملحوظة بسبب انخفاض‬
‫اإليرادات ‪ ،‬عاكسا عدم التقدم يف تنفيذ اإلجراءات ‪ ،‬وبسبب‬
‫اإلنفاق المفرط والذي يعزى إلى ازدياد حدة الخالف يف جنوب‬
‫البالد ‪ .‬وكنتيجة لذلك فقد بلغ لجوء الحكومة لالستدانة من‬

‫‪220‬‬
‫البنك خالل ربع السنة ‪ 275‬مليون جنيه سوداين ‪ ،‬وهو مبلغ‬
‫يفوق ما خطط للسنة المالية بأكملها (‪ 200‬مليون جنيه) ‪.‬‬

‫(ب) صاحبت الحالة االقتصادية المتدنية زيادة يف الخالفات‬


‫المدنية والصناعية وتوجد مطالب لزيادة األجور واسعة النطاق‬
‫ومطالبات بتخفيض أسعار السلع األساسية ‪.‬‬

‫(ج) يف مجال تنفيذ السياسات ‪ ،‬فإن السلطات لم تقم بتنفيذ‬


‫تلك اإلجراءات التي تم التوصل إلى تفاهم بشأهنا مع الوفد‬
‫الوزاري يف أوائل يناير يف أوقاهتا المجدولة ‪ .‬وكما الحاظ جميع‬
‫المديرين من الرسالة التي أرسلها الوزير إلى اإلدارة ‪ ،‬فإن‬
‫السلطات قد بدأت يف تنفيذ عدد من اإلجراءات قريبا ‪ .‬إال أنه‬
‫وبينما يرحب الموظفون ببعض هذه اإلجراءات ‪ ،‬إال أن‬
‫مجموعة السياسات ال ترقى إلى ما هو مطلوب اآلن ‪ .‬وتتلخص‬
‫أهم االختالفات بشأن السياسات فيما يلي ‪:‬‬

‫الميزانية ‪:‬‬

‫على أساس تقديرات حضرت بالتعاون مع السلطات السودانية ‪ ،‬فقد‬


‫أوصى الموظفون باتخاذ إجراءات تعود بحوالي ‪ 220‬مليون جنيه سوداين‬
‫فيما تبقى من هذه السنة المالية وذلك بغرض الحد من اقرتاض الحكومة‬
‫يف حدود المبلغ الذي تم اقرتاضه خالل الربع األول من السنة ‪ .‬هذا وقد‬

‫‪221‬‬
‫اقرتحت السلطات اتخاذ إجراءات من شأهنا ‪ ،‬وحسب حساباهتا ‪ ،‬أن‬
‫تعود بمبلغ ‪ 140‬مليون جنيه سوداين ‪ .‬وللموظفين تحفظات فيما يخص‬
‫المدى العملي لهذه اإلجراءات وإذا ما كان مرغوبا فيه وإذا ما كان‬
‫بإمكاهنا إفراز اإليرادات الالزمة ‪ .‬وأكثر أهمية هو أن هذه اإلجراءات ال‬
‫تعود بما هو مطلوب يف هذه المرحلة ‪.‬‬

‫األسعار الزراعية ‪:‬‬

‫تمت زيادة فئات الماء واألرض بنسبة ‪ %30‬مقارنة بنسبة ‪ %60‬كان قد‬
‫أوصى هبا موظفو الصندوق والبنك وحواهما بيان أكتوبر ‪ .‬إن الزيادة‬
‫بنسبة ‪ %30‬تعني انخفاض القيمة الحقيقية لفئات الماء واألرض ‪ .‬وقد‬
‫أوضحت السلطات التزامها بمبدأ االستعادة الكاملة للتكاليف ولكنها‬
‫أوضحت صعوبة تغيير الفئات بعد إعالهنا ‪.‬‬

‫التحكم يف األسعار واألرباح ‪:‬‬

‫عربت السلطات عن عزمها للمضي يف تخفيف التحكم على األسعار‬


‫واألرباح كما أوصى هبا موظفو الصندوق ‪ .‬ويف نفس الوقت ‪ ،‬فقد تم‬
‫اتخاذ خطوات تحتوي ‪ ،‬يف رأي الموظفين ‪ ،‬على تشدد متزايد يف تطبيق‬
‫التحكم والتوسع يف عمليات االحتكار بواسطة مؤسسات التسويق ‪ .‬ويف‬
‫ردهم على تحفظات موظفي الصندوق الحظت السلطات أن هذه‬
‫خطوات انتقالية قصد منها التعامل مع حالة الندرة التي تواجه القطر ‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫سعر الصرف ‪:‬‬

‫تعارض السلطات أي تعديل يف سعر الصرف يف الوقت الحاضر ‪،‬‬


‫وفيما يتعلق بسعر صرف البنوك ‪ ،‬فقد أدخلت السلطات ومنذ ‪ 31‬يناير‬
‫‪ 1986‬نظاما جديدا يقضي بتحديد سعر الصرف بواسطة اتحاد البنوك ‪.‬‬
‫وسيقوم االتحاد بتجميع كل النقد األجنبي المتحصل عليه يف السوق‬
‫وتوزيعه على البنوك التجارية ألغراض تمويل االستيراد على ضوء‬
‫األولويات التي تضعها السلطات المرخصة لالستيراد ‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫أنه كان من المفروض تحديد سعر الصرف بطريقة مرنة وليعكس الحالة‬
‫السائدة يف السوق ‪ ،‬فإن القرار األول التحاد البنوك قد كان الحفاظ على‬
‫سعر ‪ 3,3‬جنيه للدوالر مقارنا بسعر (الصرافة) والذي كان حوالي ‪ 5‬جنيه‬
‫للدوالر ‪ .‬وبينما يجب االنتظار لحين عمل السوق بل تقييمه ‪ ،‬فإن القرار‬
‫األول ال يبشر بالسير نحو تحرير التعامل يف النقد األجنبي» ‪.‬‬

‫ومهما يكن من أمر رأينا القائل بأن تقرير بعثة الصندوق لمجلس‬
‫المديرين التنفيذيين يؤكد مرة أخرى صفة الصفاقة المؤسسية إال أنه وبناء‬
‫على هذا التقرير تم اتخاذ قرار إعالن عدم أهلية السودان لتسهيالت‬
‫الصندوق ‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫وللتأكد من صحة ما ذهبنا إليه نورد فيما يلي نص الرسالة التلكسية‬
‫التي بعث هبا السيد رتشارد أيرب المدير العام بالنيابة للسيد وزير المالية‬
‫الجديد بتاريخ ‪ 8‬فرباير ‪ . 1986‬تقول الرسالة ‪:‬‬

‫«نود أوال وقبل كل شيء أن نشكرك على زيارتك لواشنطن وعلى‬


‫الوقت الذي كرسته لالجتماعات مع اإلدارة والموظفين ‪ .‬لقد ساعدتنا‬
‫هذه االجتماعات على التفهم األحسن للظروف والقيود التي تقوم يف‬
‫إطارها الحكومة السودانية باتخاذ خيارات السياسات ‪ .‬وآمل صادقا أن‬
‫تتفهم أن سياسات وإجراءات الصندوق ال بد لها وأن تتطبق بطريقة‬
‫متعادلة ومناسبة لكل األقطار واألعضاء ‪ .‬وكما تعلم فإن طلبكم لتأجيل‬
‫قرار ‪ 3‬يناير ‪ 1986‬فيما يتعلق بمتأخرات السودان الواجب سدادها‬
‫للصندوق لم يقبل بواسطة المجلس التنفيذي ‪ .‬ولقد كان رأي المجلس‬
‫التنفيذي أن الشروط التي يمكن أن تسمح بمثل هذا القرار ‪ ،‬كما ناقشتها‬
‫الفقرة الخامسة من رسالة المدير التنفيذي لك بتاريخ ‪ 18‬يناير ‪ 1986‬لم‬
‫يتم االلتزام هبا ‪ .‬ومهما يكن من أمر نتائج اجتماع المجلس التنفيذي ‪،‬‬
‫فأود أن أؤكد لك أن المديرين التنفيذيين الذين تحدثوا يف االجتماع قد‬
‫عربوا عن تفهمهم للظروف الصعبة التي تواجه السودان وعن رغبتهم‬
‫العميقة لمساعدة السودان يف التصدي لمشاكله بما يف ذلك تطبيع العالقة‬
‫مع الصندوق ‪ .‬وقد أخذ المديرون علما بالتزام السودان لمقابلة تعهداته‬
‫تجاه الصندوق كاملة وقدروا المبلغ الذي قام بسداده السودان يف اآلونة‬

‫‪224‬‬
‫األخيرة للصندوق ‪ .‬كذلك أخذ المديرون التنفيذيون علما باإلجراءات‬
‫المالية وتنظيم سوق البنوك التجارية للنقد األجنبي ‪ .‬إال أن هذه‬
‫اإلجراءات قد اعتربت قاصرة بشدة عن برنامج التكيف الشامل الذي‬
‫يحتاج إليه للتغلب على الصعوبات االقتصادية الملحة التي يعاين منها‬
‫السودان والذي يساعد يف استنفار الدعم من مانحي العون والدائنين ‪.‬‬
‫وأود على المستوى الشخصي ‪ ،‬أن أؤكد لك ولزمالئك يف الحكومة عزم‬
‫الصندوق المستمر لمساعدة السودان يف صياغة وتنفيذ السياسات‬
‫االقتصادية ولدعمكم يف استنفار الموارد العالمية لدعم مثل هذا الجهد‬
‫التكيفي ‪ .‬وعليه فأود أن أؤكد كما يود المجلس التنفيذي أيضا ‪ ،‬أنه ال‬
‫يتوجب اعتبار قرار الثالث من يناير ‪ 1986‬بمثابة هناية رغبة الصندوق يف‬
‫مساعدة السودان أو تقليل الحاجة للتعاون المستمر بين الصندوق‬
‫والسودان ‪ .‬بالعكس من ذلك تماما ‪ ،‬إنما يجب اعتباره مؤشرا إللحاح‬
‫وأهمية تكثيف هذا التعاون هبدف إيجاد الطرق والوسائل لمعالجة‬
‫المسائل االقتصادية والمالية الشائكة التي يعاين منها السودان واستنفار‬
‫الموارد والدعم العالمي الكايف لمساعدة السودان يف مقابلة التزاماته نحو‬
‫الصندوق ومقابلة احتياجاته األساسية من النقد األجنبي ‪ .‬ويقف‬
‫الصندوق مستعدا لتقديم أي عون فني ترغب السلطات السودانية يف طلبه‬
‫يف هذا الخصوص ‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫إهنا رغبتي الصادقة أن تعمل الحكومة السودانية مع الصندوق سويا‬
‫لصياغة مجموعة شاملة من السياسات التي من شأهنا استعادة األرضية‬
‫لنمو مؤزر يف السودان وبعد سداد المتأخرات للصندوق فإن مجموعة‬
‫السياسات هذه يمكن أن تشكل أساسا لرتتيبات مؤازرة وسيمكننا التفاهم‬
‫حول مجموعات السياسات من رفع تقرير إيجابي للمجلس التنفيذي‬
‫ولدائني السودان الرئيسيين ومانحي العون له » ‪.‬‬

‫‪ -6‬مالحظات ختامية‬
‫تقدمنا يف هذه الورقة بتوثيق لألحداث االقتصادية التي قادت إلى اهنيار‬
‫الموقف التفاوضي للسودان يف مقابلة صندوق النقد الدولي بعد انتفاضة‬
‫الشعب السوداين يف أبريل ‪ . 1985‬هذا وقد تتبعنا هذا االهنيار من خالل‬
‫الوثائق الرسمية هبدف إتاحة الفرصة للباحيثن لقراءة مضامين هذه‬
‫األحداث بطريقة مستقلة من ناحية ‪ ،‬وهبدف إثباهتا للتاريخ من ناحية‬
‫أخرى ‪.‬‬

‫على الرغم من قيامنا بمحاولة لصياغة أطروحة اهنيار الموقف‬


‫التفاوضي للسودان بمقارنة محتوى البيانين ‪ ،‬إال أننا تعمدنا البعد عن‬
‫التحليل المفصل لمكونات السياسات االقتصادية التي طرحها الصندوق‬
‫وذلك بغرض إتاحة الفرصة للقارئ بإجراء المقارنة التفصيلية بطريقة‬
‫مستقلة دون أن نقحم عليه قناعاتنا الذاتية والتي تتمثل ليس فقط يف‬

‫‪226‬‬
‫مالحظة عدم موائمة هذه السياسات للظروف االقتصادية التي يمر هبا‬
‫السودان وإنما أيضا يف مالحظة عدم األمانة العلمية التي يتصف هبا تحليل‬
‫موظفي الصندوق للظواهر االقتصادية يف السودان ‪.‬‬

‫يقيننا أن القارئ سيوافق على ما ذهبنا إليه من وصف سلوك‬


‫الصندوق ‪ ،‬بعد اهنيار الموقف التفاوضي للسودان ‪ ،‬بالصفاقة المؤسسية‬
‫وهو وصف قصد منه تجسيد الموقف المتشدد للصندوق كما ورد يف‬
‫مطالبة السيد رتشارد أيرب لمجلس وزراء السودان بإعادة النظر يف موقفه‬
‫المتحفظ ومن ثم القيام بمهر بيان أكتوبر وتبنيه ‪ ،‬وهي مطالبة تنطوي على‬
‫هتد يد ضمني من مؤسسة دولية متعددة األطراف لحكومة دولة مستقلة‬
‫ذات سيادة !!‬

‫أخيرا نود أن ننبه القارئ إلى أهمية مضاهاة محتوى برقية الصندوق‬
‫لوزير المالية الجديد الدكتور سيد أحمد طيفور ‪ ،‬بتصريحات الوزير‬
‫للصحافة السودانية فيما يتعلق بالتهاين التي تلقاها من الصندوق‬
‫بخصوص اإلجراءات االقتصادية التي أعلن عنها والحكم على السيد‬
‫الوزير الجديد إن كان قد سار يف طريق التبعية لمؤسسة يتسم سلوكها‬
‫بالصفاقة !!‬

‫‪227‬‬
228
‫الفصل السادس‬
‫حول التوازن الداخلي لالقتصاد السوداين‬

‫كتبت هذه الورقة يف ديسمرب ‪1985‬‬


‫ونوقشت بعض نتائجها بطريقة غير رسمية‬
‫مع كل من الدكتور خالد عفان والدكتور محمد نور الدين‬
‫فلهما الشكر على ما أبديا من مالحظات‬
‫‪.‬‬

‫‪229‬‬
230
‫‪ -1‬مقدمة‬
‫بعد استالم صندوق النقد الدولي لزمام األمور االقتصادية التجميعية‬
‫يف السودان يف عام ‪ ، 1978‬أصبح الفلكلور االقتصادي المتداول حول ما‬
‫يسمى بعدم التوازن الداخلي لالقتصاد السوداين يتلخص يف مالحظة‬
‫انخفاض نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي اإلجمالي ‪ ،‬وارتفاع نسبة‬
‫اإلنفاق الحكومي ومن ثم ازدياد نسبة العجز يف الميزانية إلى الناتج‬
‫المحلي اإلجمالي ‪.‬‬

‫وقد ترتب على هذا الفلكلور االقتصادي أن نصحت السلطات‬


‫السودانية باتخاذ عدد من اإلجراءات التقليدية يف جانب اإليرادات كان‬
‫آخرها ما تقدمت به مؤسسات التنمية العربية يف إطار مؤتمر الرياض ‪:‬‬

‫« ففي جانب اإليرادات ينبغي على السلطات – كحد أدنى – أن تعمل‬


‫على تحسين فعالية تحصيل الضرائب وأن تعيد اإليرادات من ضريبة‬
‫األعمال على الشركات إلى مستوياهتا السابقة ‪ ،‬وأن تعمل على زيادة‬
‫اإليرادات من ضريبة الدخل على األفراد عن طريق توسيع قاعدهتا ورفع‬
‫معدالهتا الحالية المنخفضة ‪ .‬كما ينبغي أيضا مراجعة الرسوم الجمركية‬
‫وإعادة ترتيب هيلكها هبدف تحسين إيراداهتا يف المدى القصير والمدى‬
‫الطويل ‪ ،‬وباإلضافة إلى ذلك فإنه يمكن أيضا زيادة مساهمة اإليرادات‬
‫غير الضريبية يف الميزانية عن طريق تعديل بعض الرسوم النوعية ‪ ،‬واتخاذ‬

‫‪231‬‬
‫اإلجراءات الالزمة لزيادة مساهمة المؤسسات العامة والتي تتمثل يف إلزام‬
‫الهيئات والمؤسسات العامة بدفع نصيب الحكومة من األرباح والفائدة‬
‫على رؤوس األموال المستثمرة وسداد أقساط القروض وفقا لالتفاقيات‬
‫الفرعية ‪ ،‬وأموال المعاشات وسداد المبالغ الخاصة بالمقابل المحلي‬
‫للقروض السلعية ‪ ،‬ودفع متأخرات رسوم مياه الري المستحقة على‬
‫المؤسسات الزراعية والمقدرة بحوالي ‪ 47‬مليون جنيه (أمانة تنسيق‬
‫‪ )1985‬ص ‪. ) 16 – 15‬‬

‫ومهما يكن من أمر رأينا يف التقارير العربية عن االقتصاد السوداين‬


‫(‪)1‬‬

‫وما اتصفت به من عدم الحساسية السياسية فلعل القارئ قد أدرك أن هذه‬


‫المقطوعة النثرية باللغة العربية ما هي إال ترجمة لمقوالت صندوق النقد‬
‫الدولي التي طالما رددها يف السودان لدرجة أفقدته مصداقيته حتى مع‬
‫(سلطات العهد البائد) ‪ .‬والنصائح العربية المضمنة يف هذه المقطوعة‬
‫على عدم أصالتها تتلخص فيما يلي ‪:‬‬

‫أ‪ -‬تحسين فعالية تحصيل الضرائب – وهو أمر ال خالف فيه‬


‫سواء أصدر من صندوق النقد الدولي أو الصناديق العربية أو‬
‫طالب المراحل األولية يف كليات االقتصاد بمختلف جنسياهتا ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫صندوق النقد العربي (‪. )1985‬‬

‫‪232‬‬
‫ب‪ -‬إعادة اإليرادت من ضريبة األعمال إلى مستوياهتا‬
‫السابقة – بمعنى أنه قد شوهد انخفاض يف إيرادات هذه الضريبة‬
‫وبمضمون أن اإليرادات السابقة كانت ذات مستويات مثلى ‪.‬‬
‫ولعلنا لسان يف حاجة إلى مالحظة فراغ محتوى مثل هذه‬
‫التوصية من ناحية التغلب على ما يسمى بعدم التوازن الداخلي‬
‫والذي كان يتسم به االقتصاد قبل انخفاض إيرادات ضريبة‬
‫األعمال ‪.‬‬

‫ج‪ -‬العمل على زيادة اإليرادات من ضريبة الدخل على‬


‫األفراد عن طريق توسيع قاعدهتا ورفع معدالهتا الحالية‬
‫المنخفضة ‪ .‬وهي توصية على الرغم من عمقها الظاهري خالية‬
‫المحتوى أيضا ‪ ،‬ألهنا تندرج تحت التوصية (أ) أو ألهنا لم تحدد‬
‫كيفية توسيع القاعدة الضريبية أو رفع المعدالت الحالية‬
‫المنخفضة ‪.‬‬

‫ونسارع لنالحظ أن عدم أصالة النصائح العربية فيما يتعلق بجانب‬


‫اإليرادات الحكومية يف قضية عدم التوازن الداخلي ليس بالصفة‬
‫المستغربة يف (التوصيات) إذا سلمنا ابتداء بأن هذه التوصيات ما هي إال‬
‫ترجمة لمقوالت فقدت مصداقيتها ‪ .‬إال أن األمر المستغرب حقا هو‬
‫ليس فقط عدم األصالة وإنما ‪ ،‬رفض وزارة مالية االنتفاضة ‪ ،‬مع سبق‬
‫اإلصرار ‪ ،‬الستخدام المعطيات السودانية البتكار األساليب لزيادة‬

‫‪233‬‬
‫اإليرادات (حتى نعتمد على قدراتنا الذاتية يف تمويل برامجنا لإلنعاش‬
‫االقتصادي)(‪. )1‬‬

‫هتدف هذه الورقة إلى استعراض عدد من النتائج األولية فيما يتعلق‬
‫ببعض األساليب التي كان يمكن أن تتبع لزيادة اإليرادات بواسطة وزارة‬
‫مالية االنتفاضة بغية التغلب على ما يسمى بعدم التوازن الداخلي ‪.‬‬
‫ونسارع لنالحظ أن األرقام التي حصلنا عليها يف هذه الورقة تمثل حدودا‬
‫دنيا للموارد التي يمكن أن تصبح متاحة لالقتصاد الوطني إذا أراد متخذو‬
‫القرار االقتصادي استخدام بعض من المصداقية السياسية التي ما زال‬
‫جزء منها متبق لديهم ‪.‬‬

‫ونسارع لننبه القارئ إلى أن النتائج التي سنقررها فيما بعد تعتمد‬
‫افرتاض ثبات المصروفات الحكومية عند حدودها المقدرة يف الميزانية‬
‫على الرغم من قناعتنا بأنه يمكن خفض اإلنفاق الحكومي يف إطار الدول‬
‫غير الرخوة ‪ .‬ولعلنا ال نكون بحاجة لمالحظة أن مثل هذا االفرتاض‬
‫يقوي من حجتنا القائلة بالطبيعة السرابية لما يسمى باختالل التوازن‬
‫الداخلي يف السودان ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫وزارة المالية والتخطيط االقتصادي (‪ ، )1985‬خطاب السيد وزير المالية‬
‫والتخطيط االقتصادي عن مشروع الميزانية العامة وميزانية التنمية للعام المالي‬
‫‪ 1986/1985‬ص ‪. 3‬‬

‫‪234‬‬
‫يف الجزء الثاين من الورقة نستعرض حجم العجز الداخلي كما ورد يف‬
‫خطاب ميزانية االنتفاضة ونوضح أن السيد وزير مالية االنتفاضة قد أخطأ‬
‫يف تقديره للعجز ‪ .‬يف القسمين الثالث والرابع نورد حساباتنا للحد األدنى‬
‫من الموارد التي كان يمكن أن تكون متاحة لالقتصاد السوداين خالل‬
‫السنة االنتقالية ‪ ،‬بينما يف الجزء الخامس نوضح تأثير هذه الموارد على‬
‫التوازن الداخلي ‪ .‬يف القسم السادس نتقدم بمالحظات ختامية ‪.‬‬

‫‪ -2‬اإلنفاق الحكومي والعجز الداخلي‬


‫أوضح السيد وزير مالية االنتفاضة يف خطاب الميزانية ما يلي ‪:‬‬

‫أ‪ -‬بلغت جملة اإليرادات لميزانية ‪ 1986/85‬نحو ‪1,4‬‬


‫بليون جنيه سوداين مقارنة بمبلغ ‪ 1,3‬بليون جنيه سوداين للتسعة‬
‫أشهر ونصف من العام المالي السابق أي بنسبة زيادة تعادل‬
‫‪. )1(%3,7‬‬

‫ب‪ -‬بلغ إجمالي اإلنفاق العام حوالي ‪ 6,1‬بليون جنيه‬


‫سوداين مقارنا بحولي ‪ 2,1‬بليون جنيه سوداين للفرتة المقابلة من‬

‫(‪)1‬‬
‫خطاب الميزانية ص (‪. )5‬‬

‫‪235‬‬
‫العام المالي السابق أي بزيادة تبلغ حوالي ‪ 4‬بليون جنيه سوداين‬
‫وبنسبة زيادة تعادل ‪. )1(%189‬‬

‫ج‪ -‬قدرت جملة المصروفات الجارية بنحو ‪ 2034‬مليون‬


‫بينما بلغت جملة اعتمادات ميزانية التنمية‬ ‫جنيه سوداين‬
‫(‪)2‬‬

‫المقرتحة حوالي ‪ 716‬مليون جنيه سوداين(‪. )3‬‬

‫هذا وقد توصل السيد وزير مالية االنتفاضة من هذه األرقام التجميعية‬
‫للنتيجة القائلة «إن هذه الصورة كافية لبيان عمق األزمة االقتصادية التي‬
‫نعانيها ومدى الخلل يف التوازن الداخلي ‪ .‬إن مصادرنا الذاتية تغطي فقط‬
‫‪ %22‬من إنفاقنا بينما تسهم المصادر الخارجية بنسبة ‪ %60‬يف تمويل‬
‫اإلنفاق ‪ ...‬ورغم الجهد الذي بذل لست سعيدا بالصورة التي عليها‬
‫الوضع وعليه فقد وجهت بأال تعترب إجازة الميزانية هي هناية المطاف إنما‬
‫بداية عمل خالق مستمر ‪. »)4(..‬‬

‫ومهما يكن من أمر رأي القارئ يف توجيهات السيد وزير المالية دعنا‬
‫نقرر أن السيد وزير المالية ‪ ،‬وألسباب لم يفصح عنها ‪ ،‬قد وقع يف عدة‬
‫أخطاء فيما يتعلق بالنتائج التي توصل إليها والخاصة بعمق األزمة‬

‫(‪)1‬‬
‫خطاب الميزانية ص (‪. )5‬‬
‫(‪)2‬‬
‫خطاب الميزانية ص (‪. )9‬‬
‫(‪)3‬‬
‫خطاب الميزانية ص (‪. )14‬‬
‫(‪)4‬‬
‫خطاب الميزانية ص (‪. )14‬‬

‫‪236‬‬
‫االقتصادية السودانية ومدى الخلل يف التوازن الداخلي والتي استند يف‬
‫التوصل إليها على ما قرره من زيادة إجمالي اإلنفاق العام وحجم هذا‬
‫اإلنفاق مقارنا باإليرادات التي يتوقع أن تتحقق خالل الفرتة االنتقالية ‪.‬‬

‫وألغراض تبسيط االستعراض بغية اكتشاف األخطاء التي وقع فيها‬


‫السيد وزير المالية نورد يف الجدول رقم (‪ )1‬ما كان عليه العجز يف‬
‫الميزانية خالل السنوات األربع األخيرة من عمر الحكم الذي أبادته‬
‫االنتفاضة ‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫جدول رقم (‪)1‬‬
‫الميزانية يف العهد البائد‬
‫(‪)1985( – )1981‬‬
‫(مليون جنيه سوداين)‬
‫‪1405‬هـ‬ ‫‪84/83‬‬ ‫‪83/82‬‬ ‫‪82/81‬‬ ‫البند‬
‫‪1584‬‬ ‫‪1470,0‬‬ ‫‪1288,1‬‬ ‫‪891,3‬‬ ‫‪ 1-1‬اإليرادات‬
‫‪-‬‬ ‫‪1246,8‬‬ ‫‪1071,0‬‬ ‫‪736,8‬‬ ‫‪ 2-1‬الضريبية‬
‫‪-‬‬ ‫‪223,2‬‬ ‫‪217,1‬‬ ‫‪154,5‬‬ ‫‪ 3-1‬غير الضريبية‬
‫‪3110‬‬ ‫‪2288,0‬‬ ‫‪1953,6‬‬ ‫‪1467,7‬‬ ‫‪ -2‬النفقات ‪:‬‬
‫‪1900‬‬ ‫‪1300,0‬‬ ‫‪1194,3‬‬ ‫‪971,1‬‬ ‫‪ 1-2‬الجارية‬
‫‪490‬‬ ‫‪493,0‬‬ ‫‪410,5‬‬ ‫‪306,4‬‬ ‫‪ 2-2‬اإلنمائية‬
‫‪57‬‬ ‫‪53,0‬‬ ‫‪31,4‬‬ ‫‪31,9‬‬ ‫‪ 3-2‬االستثمارات‬
‫‪663‬‬ ‫‪442,0‬‬ ‫‪317,4‬‬ ‫‪158,3‬‬ ‫‪4-2‬خارج‬
‫الميزانية‬
‫(‪)1526‬‬ ‫(‪)818,0‬‬ ‫(‪)665,5‬‬ ‫(‪)576,4‬‬ ‫‪ -3‬العجز الكلي‬
‫المصدر ‪ :‬أمانة التنسيق (‪ ، )1985‬ملحق رقم (‪. )7‬‬
‫ملحوظات ‪:‬‬
‫(‪ )1‬األرقام للسنوات الميالدية أرقام فعلية أولية ‪ ،‬بينما األرقام للعام ‪ 1405‬هـ هي‬
‫تقديرات ‪.‬‬
‫(‪ )2‬بدأت السنة المالية الهجرية يف ‪. 1984/9/16‬‬
‫يوضح هذا الجدول أن متوسط نسبة الزيادة السنوية يف إجمالي اإلنفاق‬
‫العام خال السنوات الثالث األخيرة من الحكم الذي أبادته االنتفاضة قد‬

‫‪238‬‬
‫بلغ ‪ %26‬مما يدعو للتساؤل عن األسباب التي أدت إلى أن تبلغ نسبة‬
‫الزيادة يف اإلنفاق العام بعد االنتفاضة سبعة أمثالها من تلك التي سادت يف‬
‫ميزانيات الحكم البائد ؟ وإذا درجت العادة على النظر إلى نسبة الزيادة‬
‫المرتفعة يف اإلنفاق العام على أهنا تعكس تدهورا يف أحد مؤشرات اإلدارة‬
‫االقتصادية ‪ ،‬فهل يعني ذلك أن االنتفاضة من هذا الجانب قد جرت وباال‬
‫على السودان ؟‬

‫واإلجابة على التساؤل تكمن يف مالحظة أن تبويب بنود االتفاق يف‬


‫الميزانية الذي اعتمده السيد وزير مالية االنتفاضة يتسم بقدر كبير من عدم‬
‫األمانة أو التضليل ‪ .‬فكما هو متعارف عليه فإن تبويب الميزانية المعتمد‬
‫يتضمن ثالث فصول ‪ :‬األول يعني بالمواهي واألجور ‪ .‬والثاين يعنى‬
‫بالمعدات والخدمات والصيانة بينما الثالث يهتم باالستثمارات‬
‫الصغيرة ‪.‬ومن ثم فإن البنود التفصيلية لإلنفاق العام ال بد لها وأن تندرج‬
‫تحت واحد من هذه الفصول الثالثة ‪ .‬هذا وبينما حدثنا وزير المالية عن‬
‫أن جملة اإلنفاق العام قد بلغت ‪ 6,1‬بليون جنيه سوداين إال أن جملة‬
‫اإلنفاق المبوب حسب الفصول المعتمدة تبلغ ‪ 2,750‬بليون جنيه‬
‫سوداين ‪ .‬ويتبقى السؤال وماذا عن المبالغ األخرى ؟ ويبدو لنا أن وزير‬
‫المالية قد رصد مبلغ ‪ 3345‬مليون جنيه ألغراض ما أسماه بتسديد‬
‫تراكمات متأخرات الديون ‪ ،‬غير المستحقات العادية التي يتوقع حلول‬

‫‪239‬‬
‫آجالها خالل السنة والتي تم أخذها يف االعتبار حيث رصد لها مبلغ‬
‫‪ 1203‬مليون جنيه بالطريقة العادية يف الميزانية الجارية ‪.‬‬

‫إذا كان ما ذهبنا إليه من أن السيد الوزير قد رصد مبلغ ‪ 3,4‬بليون جنيه‬
‫سوداين لتسديد المستحقات المرتاكمة على السودان بنهاية عام ‪1984‬‬
‫صحيحا ‪ ،‬فإن السيد الوزير يكون قد ارتكب خطأ فنيا ال يسمح لطالب‬
‫السنوات االبتدائية بأية كلية اقتصاد بارتكابه ‪ .‬والخطأ ببساطة يتلخص يف‬
‫الخلط بين مفهوم (التدفق) ومفهوم (الكمية الثابتة) ‪ .‬فبينما الميزانية‬
‫ومختلف بنودها بما يف ذلك المستحقات التي ستحل آجالها خالل السنة‬
‫المعنية ‪ ،‬هي تدفقات نجد أن المستحقات المرتاكمة بنهاية العام (كمية‬
‫ثابتة) ‪ .‬وكما هو متعارف عليه ال يمكن جمع التدفقات مع الكميات‬
‫الثابتة ‪ .‬ويبقى السؤال ‪ ،‬لماذا خلط السيد الوزير وأجهزته الفنية بين هذين‬
‫المفهومين يف ميزانية االنتفاضة !!‬

‫استنادا على المالحظات أعاله وبإجراء حسابات بسيطة يتضح أن‬


‫عجز ميزانية االنتفاضة ‪ ،‬مع افرتاض عدم تعديل جملة اإليرادات ‪ ،‬يبلغ‬
‫حوالي ‪ 1,4‬بليون جنيه سوداين ‪ .‬ويحق لنا أن نسأل السيد الوزير ما إذا‬
‫كان العجز يعكس (عمق األزمة االقتصادية التي نعانيها ومدى الخلل يف‬
‫التوازن الداخلي) !!‬

‫‪240‬‬
‫وعلى افرتاض أن ما توصلنا إليه يمثل حقيقة العجز الداخلي يبقى‬
‫السؤال هل كان بإمكان حكومة االنتفاضة العمل على بلوغ التوازن‬
‫الداخلي بابتداع أساليب غير تقليدية للحصول على إيرادات من مصادر‬
‫محلية ؟ واإلجابة على هذا السؤال يف رأينا هي باإليجاب كما سنوضح‬
‫يف القسمين التاليين !!‬

‫‪ -3‬القطاع المصريف واسترداد حقوق الدولة‬


‫هنتم يف هذا القسم بتقديم تقديرات دنيا للدخول التي تمكن القطاع‬
‫الخاص من الحصول عليها نتيجة للتسهيالت المصرفية التي منحها له‬
‫القطاع المصريف خالل الفرتة (‪ )1983 – 1975‬وألغراض الوصول إلى‬
‫هذه التقديرات سنقوم باستخدام المعطيات التطبيقية التالية ‪:‬‬

‫أ‪ -‬معدل التخلف ‪ :‬سنفرتض أن تسود خالل فرتة الدراسة‬


‫معدالت للتخلف عن سداد اصل القروض المستحقة على‬
‫القطاع الخاص تبلغ ‪. %50‬‬

‫ب‪ -‬نمط السداد ‪ :‬سنفرتض أن يقوم القطاع الخاص بسداد‬


‫نسبة ‪ %50‬من أصل القروض القائمة بطريقة تلقائي يف السنة التي‬
‫تلي سنة االقرتاض ‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫ج‪ -‬العائد البديل ‪ :‬سيفرتض أن يسود سعر الفائدة الذي‬
‫يقرتض به القطاع الخاص من القطاع المصريف كمعدل عائد‬
‫للثروة المرتاكمة خالل سنوات الدراسة ‪.‬‬

‫د‪ -‬سعر الضريبة ‪ :‬سيفرتض أن ينطبق المتوسط المثقل لسعر‬


‫ضريبة أرباح األعمال على الدخول المتحققة للقطاع الخاص ‪.‬‬

‫فيما يتعلق بمعقولية هذه االفرتاضات دعنا نالحظ أوال أن افرتاض‬


‫معدل التخلف يستند على نتائج لتحليل االنحدار لعينة من الشرائح لعام‬
‫‪ 1975‬م كما وردت معلوماهتا يف تقرير لجنة الرقابة اإلدارية (‪)1976‬‬
‫حيث ضمت العينة عددا من البنوك وعددا من العمالء وحيث بلغ عدد‬
‫المشاهدات المستخدمة يف تحليل االنحدار ‪ 19‬مشاهدة ‪ .‬هذا وألغراض‬
‫تقدير الميل الحدي للتخلف فقد قمنا بتقدير دالة خطية كانت نتائجها‬
‫على النحو التالي ‪:‬‬

‫(الضمانات المقدمة) = ‪( 0,50065 + 30,783 -‬التسهيالت المقدمة)‬


‫(‪)6,686‬‬

‫حيث يبين الرقم بين األقواس قيمة ت – اإلحصائية وحيث بلغ معامل‬
‫التحديد ‪ . %72,5‬ولعلنا لسنا يف حاجة إلى التعليق على المغزوية‬
‫اإلحصائية لمعامل (التسهيالت المقدمة) وال على القيمة المرتفعة نسبيا‬

‫‪242‬‬
‫لمعامل التحديد والذي يعني أن ‪ %72,5‬من التغيرات يف الضمانات‬
‫المقدمة يمكن تفسيره بواسطة التسهيالت المقدمة كعامل مستقل ‪.‬‬

‫إال أن ما يهمنا توضيحه هو أن معامل (التسهيالت المقدمة) الذي تم‬


‫تقديره ‪ ،‬يمثل الميل الحدي للسداد ومن ثم فإن الميل الحدي للتخلف‬
‫عن السداد يبلغ ‪ 0,49935‬وهو ما قمنا بتقريبه إلى ‪ %50‬يف االفرتاض (أ)‬
‫أعاله ‪ .‬هذا ويقول العارفون ببواطن األمور المصرفية أن معدل التخلف‬
‫الحقيقي والذي ساد خالل الفرتة ‪ 1985 – 1975‬م يفوق ذلك الذي‬
‫اعتمدنا عليه يف هذه التقديرات ومن ثم يبدو أن ليس هنالك سبب للدفاع‬
‫عن هذا االفرتاض المحافظ ‪.‬‬

‫فيما يتعلق باالفرتاض (ب) نسارع لنالحظ أنه من نوع افرتاضات‬


‫«األنماط المنتظمة» والتي عادة ما تستخدم يف غياب المعلومات‬
‫التفصيلية عن طبيعة التوزيع الزمني أو المكاين للمتغيرات ‪ .‬ولعله من‬
‫الواضح أننا قد قمنا باستخدامه بسبب عدم توفر المعلومات المطلوبة ‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق باالفرتاض (ج) فتجدر اإلشارة إلى أننا قد قصدنا منه‬
‫محاولة تقدير المستويات الدنيا من الدخول التي يمكن أن يحصل عليه‬
‫القطاع الخاص نتيجة استخدامه للتسهيالت المصرفية الممنوحة يف‬
‫مختلف مجاالت النشاط االقتصادي ‪ .‬و«المستويات الدنيا من الدخول»‬
‫تعني ضمنيا أن ما يحصل عليه القطاع الخاص من دخل مرتتب على‬

‫‪243‬‬
‫التسهيالت المصرفية يفوق تكلفة هذه التسهيالت ‪ .‬أألمر الذي إذا لم‬
‫يكن صحيحا لتعذر علينا مشاهدة القطاع الخاص وهو يقوم باالستالف‬
‫من القطاع المصريف ‪ .‬ومن ثم وباستخدام فكرة «العائد البديل» ‪ ،‬وهي‬
‫فكرة متعارف عليها يف التحليل االقتصادي ‪ ،‬فقد افرتضنا أن يكون أدنى‬
‫مستوى من الدخل المتحقق للقطاع الخاص مساويا لتكلفة االقرتاض من‬
‫القطاع المصريف ‪ ،‬حيث استخدمنا سعر فائدة يبلغ ‪ %13,5‬للفرتة ‪1975‬‬
‫– ‪ 1982‬م و ‪ %17,5‬لبقية سنوات الدراسة ‪.‬‬

‫وأخيرا دعنا نالحظ أن االفرتاض (د) الخاص بسعر الضريبة يعني‬


‫ضمنيا أنه قد كان للقطاع الخاص حق إلهي أهله الستالب ثروة االقتصاد‬
‫الوطني من خالل قطاع المصارف ‪ ،‬وأن الشعب السوداين بكرمه المعهود‬
‫قد غض الطرف عن اسرتداد حقوقه كاملة غير منقوصة واستعاض عنها‬
‫بالمطالبة بمعاملة متساوية مع الدخول األخرى ‪ .‬ولعلنا لسنا يف حاجة إلى‬
‫مالحظة أن هذا افرتاض يستوجب التربير خصوصا يف إطار اقتصاد قام‬
‫سكانه بتفجير ثورة ضد كل أنواع التسلط ‪ ،‬إال أنه افرتاض واقعي حسب‬
‫معطيات التوجهات االقتصادية للحكومة االنتقالية ‪ ،‬ومن ثم ربما كان‬
‫مقبوال لدى سلطات صندوق النقد الدولي والتي ما فتئت تتحدث عن‬
‫آثار إفراط التوسع النقدي ‪ ،‬ولم يفتح اهلل عليها بكلمة واحدة عن حجم‬
‫مديونية القطاع الخاص لدى القطاع المصريف ‪ .‬ومهما يكن من مضامين‬

‫‪244‬‬
‫هذا االفرتاض فقد قمنا باستخدام متوسط مثقل لسعر ضريبة أرباح‬
‫األعمال بلغ ‪. %60‬‬

‫باستخدام االفرتاضات (أ) – (ج) أعاله ‪ ،‬باإلضافة إلى األرقام الواردة‬


‫يف تقرير البنك الدولي (‪ )1983‬حول الدين القائم على القطاع الخاص‬
‫من القطاع المصريف ‪ ،‬يمكننا الحصول على نتائج لرتاكم ثروة القطاع‬
‫الخاص المرتتبة على التسهيالت الممنوحة من القطاع المصريف على‬
‫نحو ما يبين الجدول رقم (‪. )2‬‬

‫‪245‬‬
‫سنة التراكـــــم‬ ‫ديون لم‬ ‫ديون‬ ‫سنة‬
‫‪1984‬‬ ‫‪1983‬‬ ‫‪1982‬‬ ‫‪1981‬‬ ‫‪1980‬‬ ‫‪1979‬‬ ‫‪1978‬‬ ‫‪1977‬‬ ‫تسدد‬ ‫االستحقاق مستحقة‬

‫‪211,9‬‬ ‫‪180,4‬‬ ‫‪153,5‬‬ ‫‪1,2‬‬ ‫‪119,2‬‬ ‫‪105,0‬‬ ‫‪92,5‬‬ ‫‪81,5‬‬ ‫‪71,8‬‬ ‫‪199,4‬‬ ‫‪1976‬‬
‫(مليون جنيه سوداين)‬

‫‪259,2‬‬ ‫‪220,6‬‬ ‫‪187,8‬‬ ‫‪165,5‬‬ ‫‪145,8‬‬ ‫‪128,4‬‬ ‫‪113,2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪99,7‬‬ ‫‪218,5‬‬ ‫‪1977‬‬

‫‪250,5‬‬ ‫‪213,2‬‬ ‫‪181,4‬‬ ‫‪159,8‬‬ ‫‪140,8‬‬ ‫‪124,1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪109,3‬‬ ‫‪250,9‬‬ ‫‪1978‬‬

‫‪253,0‬‬ ‫‪215,4‬‬ ‫‪183,5‬‬ ‫‪161,7‬‬ ‫‪142,2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪125,5‬‬ ‫‪312,1‬‬ ‫‪1979‬‬

‫‪246‬‬
‫‪277,6‬‬ ‫‪236,3‬‬ ‫‪201,1‬‬ ‫‪177,2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪156,1‬‬ ‫‪195,0‬‬ ‫‪1980‬‬

‫‪309,5‬‬ ‫‪263,4‬‬ ‫‪224,2‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪197,5‬‬ ‫‪541,8‬‬ ‫‪1981‬‬
‫جدول رقم (‪ )2‬مصفوفة تراكم ثروة القطاع الخاص‬

‫‪.374‬‬ ‫‪218,3‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪270,9‬‬ ‫‪712,8‬‬ ‫‪1982‬‬

‫‪418,8‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪356,4‬‬ ‫‪944,0‬‬ ‫‪1983‬‬
‫ألغراض الحصول على تقديرات للدخول المتحققة من التسهيالت‬
‫المصرفية سوف نقوم باستخدام التعريف التالي ‪:‬‬

‫الدخل المتحقق من التسهيالت المصرفية = الثروة المرتاكمة بنهاية الفرتة –‬


‫الثروة االرتكازية‬

‫باستخدام هذا التعريف والنتائج المقررة يف الجدول رقم (‪ )2‬أعاله‬


‫توصلنا إلى تقديرات للدخول التي تحققت للقطاع الخاص من جراء‬
‫استخدامه للتسيهالت المصرفية والتي مكنته من تراكم الثروات‬
‫الموضحة ‪ .‬يوضح الجدول رقم (‪ )3‬النتائج التي توصلنا إليها يف هذا‬
‫الخصوص ‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫جدول رقم (‪)3‬‬
‫الدخول الدنيا للقطاع الخاص المترتبة على التسهيالت المصرفية‬
‫(‪)1984- 1975‬‬
‫(مليون جنيه سوادين)‬

‫الدخل‬ ‫الثروة‬ ‫الثروة‬ ‫الديون المستحقة‬ ‫سنة استحقاق‬


‫(العائد البديل)‬ ‫المتراكمة‬ ‫االبتدائية‬ ‫على القطاع‬ ‫الديون‬
‫‪1984‬‬ ‫‪1984‬‬ ‫(ديون لم‬ ‫الخاص‬
‫(‪– )3( = )4‬‬ ‫تسدد)‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪140,1‬‬ ‫‪211,9‬‬ ‫‪71,8‬‬ ‫‪199,4‬‬ ‫‪1976‬‬
‫‪159,4‬‬ ‫‪259,2‬‬ ‫‪99,7‬‬ ‫‪218,5‬‬ ‫‪1977‬‬
‫‪141,2‬‬ ‫‪250,5‬‬ ‫‪109,3‬‬ ‫‪250,9‬‬ ‫‪1978‬‬
‫‪127,5‬‬ ‫‪253,0‬‬ ‫‪125,5‬‬ ‫‪312,1‬‬ ‫‪1979‬‬
‫‪121,5‬‬ ‫‪277,6‬‬ ‫‪156,1‬‬ ‫‪395,0‬‬ ‫‪1980‬‬
‫‪112,0‬‬ ‫‪309,5‬‬ ‫‪197,5‬‬ ‫‪541,8‬‬ ‫‪1981‬‬
‫‪103,1‬‬ ‫‪274,0‬‬ ‫‪270,9‬‬ ‫‪712,8‬‬ ‫‪1982‬‬
‫‪62,4‬‬ ‫‪418,8‬‬ ‫‪356,4‬‬ ‫‪944,0‬‬ ‫‪1983‬‬
‫‪967,2‬‬ ‫‪2354,5‬‬ ‫‪1387,2‬‬ ‫‪3574,5‬‬ ‫إجمالي‬
‫المصدر ‪:‬‬
‫العمود رقم (‪ ، )1‬البنك الدولي (‪ : )1983‬بقية المعلومات مصدرها الجدول رقم‬
‫(‪. )2‬‬

‫‪248‬‬
‫يوضح الجدول رقم (‪ )3‬عددا من النتائج التقريبية يمكن تلخيصها‬
‫على النحو التالي ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬أن إجمالي الديون المصرفية المستحقة على القطاع الخاص‬


‫خالل الفرتة ‪ 1983 – 1975‬قد بلغت حوالي ‪ 3,6‬بليون جنيه سوداين ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أن الديون التي لم تسدد قد بلغت يف حدها األدنى نحو ‪1,4‬‬
‫بليون جنيه سوداين ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬أن الديون التي لم تسدد قد أدت إلى أن ترتاكم لدى القطاع‬
‫الخاص خالل الفرتة تحت الدراسة ثروة تقدر يف حدها األدنى بنحو ‪2,4‬‬
‫بليون جنيه سوداين ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬أن الدخل المرتتب على تراكم ثروة القطاع الخاص من جراء‬
‫عدم سداد الديون المستحقة للقطاع المصريف قد بلغ يف حده األدنى ‪967‬‬
‫مليون جنيه سوداين ‪.‬‬

‫يبدو أننا لسنا يف حاجة إلى اإلشارة إلى ضخامة هذه األموال التي‬
‫تراكمت لدى القطاع الخاص دون أي مربر اقتصادي أو تنموي أو‬
‫أخالقي أو ديني ‪ ،‬وهو أمر ال يعنينا يف هذه الورقة على أية حال على‬
‫الرغم من أنه يمثل أحد المؤشرات الهامة ألزمة اإلدارة االقتصادية يف‬
‫البالد والتي سبق وأن أشرنا إليها يف عدة بحوث ‪ .‬وما يعنينا من أمر هذه‬

‫‪249‬‬
‫النتائج يف إطار التوازن الداخلي لالقتصاد السوداين هو الناظر إلى الدخول‬
‫البديلة التي حققها هذا القطاع ومعاملتها من وجهة نظر المالية العامة‬
‫معاملة الدخول التي يتم توليدها يف القطاعات األخرى ‪.‬‬

‫باستخدام االفرتاض (د) وهو الذي يقول بأن القطاع الخاص قد منح‬
‫حقا إلهيا يف استالب ثروة الوطن وبتطبيق السعر المثقل للضريبة الذي‬
‫يمكن أن يطبق على الدخول البديلة التي تحققت للقطاع الخاص ‪،‬‬
‫يمكننا التوصل إلى أن إجمالي اإليرادات الحكومية المرتاكمة التي يمكن‬
‫أن تصبح متاحة لالقتصاد الوطني سيبلغ يف حده األدنى حوالي ‪580‬‬
‫مليون جنيه سوداين ‪.‬‬

‫ولعلنا ال نحتاج إلى مالحظة أن هذا الحد األدنى من اإليرادات‬


‫الحكومية والذي يمكن أن يكون متاحا آنيا لالقتصاد الوطني سيرتفع كلما‬
‫ارتفع معدل التخلف عن السداد ‪ ،‬ومن ثم ازدادت الثروة االرتكازية ‪،‬‬
‫وكلما مددت فرتة الرتاكم كلما ارتفع معدل العائد البديل ‪.‬‬

‫‪ -4‬موارد السوق األسود‬


‫كما هو متعارف عليه ترجع نشأة ما يسمى بالسوق الحر للنقد األجنبي‬
‫يف السودان ‪ .‬أو ما نسميه بالسوق األسود الرسمي ‪ ،‬إلى ‪ 15‬سبمتمرب‬
‫‪ 1979‬حينما تم تعضيده بتبادل النقد األجنبي خارج نطاق البنوك‬
‫التجارية والحقا يف ‪ 15‬يوليو ‪ 1981‬وذلك بمنح عدد من الرخص‬

‫‪250‬‬
‫التجارية لما أصبح يعرف فيما بعد (بالصرافات) ‪ ..‬هذا ولقد كان قرار‬
‫تقنين السوق األسود نتيجة حتمية للسياسة التي تم إعالهنا يف إطار برنامج‬
‫إصالح السياسات المتعلقة بالنقد األجنبي والتجارة الخارجية ‪ ،‬هذا‬
‫ويقدر عدد المكاتب التي مارست أعمال الصرافة فيما بين يوليو ‪1981‬‬
‫ومارس ‪ ، 1983‬حسبما ورد يف خطاب الميزانية لعام ‪، 1984/1983‬‬
‫بخمسة وثالثين مكتبا ‪ ،‬واحدا منها يف بورتسودان وما تبقى بالخرطوم ‪.‬‬

‫ومهما يكن من أمر رأينا يف طبيعة السوق األسود للنقد األجنبي يف‬
‫السودان ويف مراحل تطوره خالل الفرتة ‪ ، 1985 – 1979‬ويف المشاكل‬
‫التي سببها على مستوى االقتصاد التجميعي خالل نفس الفرتة ‪ ،‬وهي‬
‫قضايا هامة وملحة تناولنا بعضها يف مكان آخر ‪ ،‬يهمنا يف هذا القسم تقديم‬
‫بعض النتائج التي توصلنا إليها فيما يتعلق بالحدود الدنيا للموارد العامة‬
‫التي يمكن أن تصبح متاحة لالقتصاد الوطني ألغراض التوازن الداخلي ‪.‬‬

‫ونبادر لنالحظ أنه لما كان من المتفق عليه عموما أن أهم مورد لتدفق‬
‫النقد األجنبي هو ما يسمى (بالسوق الحر) فإن تقديراتنا للموارد التي‬
‫يمكن أن تصبح متاحة لالقتصاد الوطني يف المعامالت التي تتم يف إطار‬
‫السوق الحر ستعتمد اعتمادا أساسيا على تقديرات حجم التعامل النقدي‬
‫يف هذا السوق ‪ .‬وعلى هذا األساس فقد اعتمدنا بدورنا على عدد من‬
‫النتائج التطبيقية التي قررهتا أدبيات الهجرة السودانية للخارج والتي يمكن‬
‫تلخيصها فيما يلي ‪:‬‬

‫‪251‬‬
‫أ‪ -‬عدد المهاجرين وتوزيعهم ‪ :‬يوضح الجدول رقم (‪ )4‬حجم‬
‫وتطور أعداد المهاجرين العاملين بالدول العربية خالل فرتة ‪– 1978‬‬
‫‪ 1984‬الذي اعتمدنا عليه يف إجراء تقديراتنا ‪.‬‬
‫جدول رقم (‪)4‬‬
‫حجم وتطور أعداد العاملين السودانيين يف الدول العربية‬
‫(‪)1984 / 1978‬‬
‫(باأللف)‬
‫‪1984‬‬ ‫‪1983‬‬ ‫‪1982‬‬ ‫‪1981‬‬ ‫‪1980‬‬ ‫‪1979‬‬ ‫‪1978‬‬ ‫الدولة‬
‫‪150‬‬ ‫‪155‬‬ ‫‪150‬‬ ‫‪127‬‬ ‫‪125‬‬ ‫‪115‬‬ ‫‪90‬‬ ‫السعودية‬
‫‪7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪3‬‬ ‫الكويت‬
‫‪13‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪6‬‬ ‫اإلمارات‬
‫‪80‬‬ ‫‪69‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪64‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪34‬‬ ‫أخرى‬
‫‪250‬‬ ‫‪244‬‬ ‫‪231‬‬ ‫‪207‬‬ ‫‪184‬‬ ‫‪165‬‬ ‫‪133‬‬ ‫المجموع‬
‫المصدر ‪ :‬بتصرف من جالل الدين (‪ )1985‬جدول رقم (‪ )1‬ص‪. 2‬‬
‫ب – متوسط التحويالت للفرد ‪ :‬على اساس تقديرات جالل الدين‬
‫(‪ )1985‬يعتقد بأن متوسط التحويل بالنسبة للفرد قد كان لعام‬
‫‪ 1984/1983‬على النحو التالي (بالدوالر) ‪ :‬السعودية (‪، )6392‬‬
‫اإلمارات (‪ 10‬ألف) ‪ ،‬الكويت (‪ ، )3600‬هذا وقد قمنا بتقدير متوسط‬
‫مثقل لبقية الدول العربية بلغ (‪. )6553‬‬

‫‪252‬‬
‫ج‪ -‬قنوات التحويل ‪ :‬تتفق تقديرات جالل الدين (‪ )1985‬فيما يتعلق‬
‫بالقنوات التي من خاللها ترسل التحويالت للسودان مع تلك التي توصل‬
‫إليها الغول (‪ )1982‬حيث توصل األول إلى أن ‪ %24‬من التحويالت‬
‫تنساب من خالل القنوات الرسمية (‪ %15‬بنوك سودانية و‪ %9‬بنوك‬
‫أجنبية) بينما ‪ %76‬تتدفق من خالل القنوات غير الرسمية ‪ ،‬بينما يوضح‬
‫الثاين أن نسبة التحويالت من خالل القنوات الرسمية تبلغ ‪ %22,7‬ونسبة‬
‫لعدم مغزوية الفرق بين النتيجتين فإننا سنستخدم نتائج جالل الدين فيما‬
‫يلي من حسابات ‪.‬‬

‫د‪ -‬نمط تدفق التحويالت ‪ :‬يوضح الجدول رقم (‪ : )5‬النمط الزمني‬


‫لتدفق التحويالت والمتوسط الدوري للتحويل للفرد ‪.‬‬
‫جدول رقم (‪)5‬‬
‫نمط تدفق التحويالت‬
‫متوسط التحويل‬ ‫نسبة الذين يحولون‬ ‫الفرتة الزمنية‬
‫جنيه سوداين‬ ‫‪%‬‬
‫‪183‬‬ ‫‪49‬‬ ‫شهريا‬
‫‪455‬‬ ‫‪29‬‬ ‫ربع سنوي‬
‫‪1145‬‬ ‫‪13‬‬ ‫نصف سنوي‬
‫‪2087‬‬ ‫‪9‬‬ ‫سنويا‬
‫المصدر ‪ :‬الغول (‪ )1982‬ص‪. 7 – 6‬‬
‫هـ‪ -‬فرق االسعار ‪ :‬سيفرتض أن يسود الفرق بين سعري الشراء والبيع‬
‫بمتوسط اربعة قروش للدوالر الواحد ‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫على أساس هذه النتائج التطبيقية يمكننا تقدير الحجم الكلي‬
‫للتحويالت بافرتاض ثبات متوسط التحويل للفرد خالل الفرتة ‪– 1981‬‬
‫‪ 1984‬على نحو ما يوضحه الجدول رقم (‪. )6‬‬

‫جدول رقم (‪)6‬‬


‫الحجم الكلي للتحويالت ‪1984/1981‬‬
‫(مليون دوالر)‬

‫السوق الرسمي‬ ‫السوق األسود‬ ‫الحجم الكلي‬ ‫السنة‬


‫‪305‬‬ ‫‪2114‬‬ ‫‪2419‬‬ ‫‪1981‬‬
‫‪350‬‬ ‫‪2351‬‬ ‫‪2701‬‬ ‫‪1982‬‬
‫‪415‬‬ ‫‪2437‬‬ ‫‪2852‬‬ ‫‪1983‬‬
‫‪380‬‬ ‫‪2543‬‬ ‫‪2923‬‬ ‫‪1984‬‬
‫المصدر ‪ :‬حسبت على أساس الجدول رقم (‪. )4‬‬

‫يتضح من الجدول أعاله أن الحجم السنوي للسوق األسود تراوح بين‬


‫‪ 2‬بليون دوالر عام ‪ 1981‬إلى ‪ 2,5‬بليون دوالر عام ‪ ، 1984‬ويعني‬
‫ذلك أن العمق اليومي للسوق األسود قد تراوح بين ‪ 6,8‬مليون دوالر‬
‫عام ‪ 1981‬إلى ‪ 8,1‬مليون دوالر عام ‪. 1984‬‬

‫على أساس هذه األرقام وبافرتاض أن متوسط الفجوة بين سعري البيع‬
‫والشراء للدوالر قد كان ثابتا عند أربعة قروش للدوالر الواحد ‪ ،‬هو‬

‫‪254‬‬
‫افرتاض حد أدنى يمكننا حساب الدخل اإلجمالي للصرافات خالل‬
‫السنوات تحت الدراسة ‪ ،‬كما يمكننا أيضا حساب الضرائب التي كان‬
‫يمكن أن تجبى من هذا النشاط االقتصادي المقنن ‪ .‬ويوضح الجدول‬
‫رقم (‪ )7‬نتائج هذه الحسابات ‪.‬‬

‫جدول رقم (‪)7‬‬


‫موارد السوق األسود الرسمي‬
‫(‪)1984 – 1981‬‬
‫(مليون جنيه سوداين)‬

‫اإليراد الضريبي‬ ‫الدخل اإلجمالي‬ ‫السنة‬


‫‪51‬‬ ‫‪85‬‬ ‫‪1981‬‬
‫‪56‬‬ ‫‪94‬‬ ‫‪1982‬‬
‫‪59‬‬ ‫‪98‬‬ ‫‪1983‬‬
‫‪61‬‬ ‫‪102‬‬ ‫‪1984‬‬
‫المصدر ‪ :‬احتسبت على أساس الجدول رقم (‪. )6‬‬

‫ولعلنا لسنا يف حاجة إلى التعليق على الضخامة النسبية للدخول التي‬
‫تولدت لدى هذه المكاتب والتي مهما كانت تركيبتها المؤسسية وصيغتها‬
‫القانونية فإن عدد الذين يمتلكون أسهمها ال بد أن يكون محدودا مقارنة‬
‫بباقي األنشطة االقتصادية يف االقتصاد القومي ‪ .‬كما لعلنا لسنا يف حاجة‬

‫‪255‬‬
‫إلى التعليق على اإليراد الضريبي الذي ال بد له وأن يرتتب على مثل هذا‬
‫النشاط المنظم المقنن بواسطة الدولة ‪ ،‬وهي تقديرات للحد األدنى على‬
‫أية حال ‪.‬‬

‫‪ -5‬إمكانية التوازن الداخلي‬


‫باستخدام التقديرات التي تحصلنا عليها يف القسمين (‪ )3‬و(‪ )4‬يمكن‬
‫النظر إلى ميزانية االنتفاضة من خالل الجدول رقم (‪ )8‬والذي يقرر نتائج‬
‫تمثيل الحد األدنى للتقديرات التي توصلنا إليها حيث أدخلنا بندا جديدا‬
‫تحت اإليرادات أسميناه حقوق الشعب ‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫جدول رقم (‪)8‬‬
‫إمكانية التوازن الداخلي‬
‫تمثيل الحد األدنى‬
‫(مليون جنيه سوداين)‬
‫الميزانية المعدلة‬ ‫الميزانية األصلية‬ ‫البند‬
‫(الحد األدنى)‬
‫‪2154‬‬ ‫‪1347‬‬ ‫‪ -1‬اإليرادات ‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ 1-1‬الضريبية‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ 2-1‬غير الضريبية‬
‫‪807‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ 3-1‬اسرتداد حقوق الشعب‬
‫‪2750‬‬ ‫‪2750‬‬ ‫‪ -2‬النفقات ‪:‬‬
‫‪2034‬‬ ‫‪2034‬‬ ‫‪ 2-1‬الجارية‬
‫‪716‬‬ ‫‪716‬‬ ‫‪ 2-2‬اإلنمائية‬
‫(‪)596‬‬ ‫(‪)1403‬‬ ‫‪ -3‬العجز ‪:‬‬
‫المصدر ‪ :‬خطاب الميزانية والتقديرات الواردة يف القسمين (‪ )3‬و(‪)4‬‬
‫أعاله ‪.‬‬

‫ولعلنا لسنا يف حاجة إلى مالحظة االنخفاض الحاد الذي حدث‬


‫للعجز الداخلي وبنسبة تقارب ‪ %58‬على أساس الحد األدنى ‪ ،‬هذا‬
‫ويمكننا القول أنه كان بمقدور حكومة االنتفاضة القضاء بالكامل على‬
‫العجز الداخلي إذا قدر لها استخدام المعلومات التفصيلية المتوفرة لديها‬

‫‪257‬‬
‫عن األموال العامة التي ال تزال على عاتق كثير من األفراد والجماعات‬
‫والشركات يف القطاع الخاص ‪ ،‬دع عنك حقيقة األموال التي قمنا‬
‫بتقديرها على أساس الحد األقصى والتي تبلغ ‪ 3,4‬بليون جنيه سوداين‬
‫مما يعني أنه كان باستطاعة الحكومة تحويل عجز الميزانية البالغ ‪1,4‬‬
‫بليون جنيه سوداين إلى فائض يبلغ ‪ 1,1‬بليون جنيه سوداين ‪.‬‬

‫نسارع لنالحظ أن فائض الميزانية أعاله ‪ ،‬إذا ما أريد له أن يتحقق ‪،‬‬


‫كان سينعكس تلقائيا على الموازنة الخارجية لالقتصاد سواء أنظر إليها‬
‫من جهة مقابلة االلتزامات المرتاكمة أو من زاوية تقليل الحاجة إلى تدفق‬
‫موارد أجنبية من ناحية االعتماد على النظام المصريف لتمويل اإلنفاق‬
‫الحكومي ‪.‬‬

‫‪ -6‬مالحظات ختامية‬
‫استعرضنا يف هذه الورقة قضية التوازن الداخلي لالقتصاد السوداين يف‬
‫إطار ما أسماه السيد وزير مالية االنتفاضة «بعمق األزمة االقتصادية التي‬
‫نعانيها ومدى الخلل يف التوازن الداخلي» ‪ ،‬هذا وقد أوضحنا أن استنتاج‬
‫السيد الوزير قد انبنى على قراءة خاطئة للمعلومات االقتصادية المتاحة‬
‫له ‪ ،‬وربما عن قصد !! ‪.‬‬

‫كذلك أوردنا يف هذه الورقة بعض التقديرات األولية للموارد المالية‬


‫التي كان يمكن أن تصبح متاحة لالقتصاد السوداين إذا ما قدر لحكومة‬

‫‪258‬‬
‫االنتفاضة استخدام مصداقيتها السياسية السرتاداد حقوق الشعب التي‬
‫تراكمت لدى القطاع الخاص ‪ .‬ولقد أوضحت هذه التقديرات إمكانية‬
‫إعادة التوازن الداخلي سواء أكان ذلك بتخفيض العجز المقدر يف‬
‫الميزانية بنسبة ‪ %58‬أو بالقضاء عليه تماما وتحقيق فائض يف عمليات‬
‫الحكومة ‪.‬‬

‫يقيننا أنه توجد مصادر أخرى غير المصادر التي ذكرناها كان يمكن‬
‫لحكومة االنتفاضة االستفادة منها يف تدبير أحوالها المالية إذا أرادت‬
‫استغالل المصداقية السياسية التي كانت تتمتع هبا خالل األيام األولى من‬
‫تكوينها ‪ .‬إال أنه وألسباب لم تنكشف بعد اختار وزير المالية االنغالق يف‬
‫إسار األساليب التقليدية الستنفار الموارد بعد أن توصل إلى قناعة عدم‬
‫وجود بدائل حقيقية للحلول التي طرحها عليه صندوق النقد الدولي أو‬
‫من لف لفه ‪.‬‬

‫‪259‬‬
260
‫الفصل السابع‬
‫حول التوازن الخارجي لالقتصاد السوداين‬
‫استنفار وتبديد الموارد‬

‫‪261‬‬
262
‫‪ -1‬مقدمة‬
‫تعنى هذه الورقة باستعراض النتائج التي توصل إليها البنك الدولي‬
‫فيما يتعلق باستنفار واستغالل الموارد يف السودان خالل فرتة السبعينات‬
‫وأوائل الثمانينات ‪ ،‬كما تعنى بتقديم تقديرات بديلة لحسابات البنك‬
‫الدولي ومن ثم تلقي شكوكا حول قراءة البنك للمعطيات االقتصادية يف‬
‫السودان ‪ ،‬وكذلك تلقي شكوكا حول النتائج التي توصل إليها ‪.‬‬

‫يف القسم الثاين من الورقة نستعرض حسابات ونتائج البنك موضحين‬


‫األسس المنهجية التي استندت إليها ‪ ،‬بينما يف القسم الثالث نقرر النتائج‬
‫التي توصلنا إليها بعد تعديل طفيف يف منهجية البنك ‪ .‬ونسارع لنالحظ‬
‫أن القضية التي نحن بصددها توضح بجالء وجود بعض الصعوبات‬
‫المفهومية المتعلقة بحسابات الناتج المحلي عموما ‪ ،‬كما تثير شكوكا‬
‫حول تعريف الموارد المالية المتاحة القتصاد ما ‪ ،‬وحول االستخدامات‬
‫البديلة لهذه الموارد وما تنطوي عليه من غرض يف بعض األحيان ‪.‬‬

‫هذا ولقد سبق لنا أن أوضحنا أنه يف اقتصاد تلعب فيه التحويالت دورا‬
‫محوريا يتوجب توخي الحذر يف صياغة العالقات االقتصادية التجميعية‬
‫سواء أكانت هذه العالقة تعريفية أم سلوكية ‪ ،‬كما أوضحنا أن تعريف‬
‫الدخل المتاح ‪ ،‬يف مثل هذا االقتصاد ‪ ،‬منظورا إليه على أساس التجميع‬

‫‪263‬‬
‫من مستوى األفراد ال بد له وأن يعكس الدور الذي تلعبه التحويالت ‪.‬‬
‫(علي ‪. )1986 ،‬‬

‫يف القسم الرابع نتقدم ببعض المالحظات الختامية حيث نحاول الربط‬
‫بين النتائج التي توصل إليها البنك وبين السياسات وأنماط السلوك‬
‫االقتصادي الذي كان سائدا خالل الفرتة تحت الدراسة ونتهم البنك‬
‫الدولي بتواطئه لرتسيخ مثل أنماط السلوك هذه ‪.‬‬

‫‪ -2‬استنفار واستغالل الموارد ‪ :‬نتائج البنك‬


‫الدولي‬
‫نستعرض يف هذا القسم النتائج التي توصل إليها البنك الدولي‬
‫(‪ )1985‬فيما يتعلق باستنفار واستغالل الموارد المالية يف السودان ‪.‬‬
‫ويهمنا يف هذا االستعراض مالحظة أن هذه الحسابات قد اعتمدت على‬
‫المعلومات اإلحصائية الرسمية المقررة من ناحية ‪ ،‬كما استندت على‬
‫المعادلة التعريفية رقم (‪ )1‬أدناه حيث استخدمت الرموز التالية يف‬
‫صياغتها ‪:‬‬

‫‪ M‬استنفار الموارد‬
‫‪ E‬استغالل الموارد‬
‫‪ Y‬الناتج المحلي اإلجمالي‬

‫‪264‬‬
‫‪ C‬االستهالك‬
‫‪ I‬إجمالي االستثمار‬
‫‪ B‬صايف االقرتاض الخارجي‬
‫‪ R‬صايف التحويالت الخارجية‬
‫‪ F‬صايف حقوق خدمات عوامل اإلنتاج‬
‫‪ Mg‬استنفار الموارد في القطاع العام‬
‫‪ Eg‬استغالل الموارد يف القطاع العام‬
‫‪ Mp‬استنفار الموارد يف القطاع الخاص‬
‫‪ Ep‬استغالل الموارد يف القطاع الخاص‬

‫(‪M = F + I +C = R + B + Y = E )1‬‬

‫‪265‬‬
‫جدول رقم (‪)1‬‬
‫استنفار واستغالل الموارد الوطنية يف السودان‬
‫(مليون جنيه سوداين)‬

‫استغالل الموارد‬ ‫استنفار الموارد‬


‫السنة‬
‫إجمالي‬ ‫‪F‬‬ ‫‪I‬‬ ‫‪C‬‬ ‫إجمالي‬ ‫‪R‬‬ ‫‪B‬‬ ‫‪Y‬‬

‫‪777‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪90‬‬ ‫‪683‬‬ ‫‪777‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪761‬‬ ‫‪71/70‬‬


‫‪1698‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪265‬‬ ‫‪1418‬‬ ‫‪1698‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪164‬‬ ‫‪1511‬‬ ‫‪75/74‬‬
‫‪3486‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪431‬‬ ‫‪3486‬‬ ‫‪113‬‬ ‫‪212‬‬ ‫‪3161‬‬ ‫‪1361‬‬ ‫‪79/78‬‬
‫‪9938‬‬ ‫‪260‬‬ ‫‪1290‬‬ ‫‪8388‬‬ ‫‪9938‬‬ ‫‪511‬‬ ‫‪1020‬‬ ‫‪8407‬‬ ‫‪83/82‬‬
‫‪1161‬‬ ‫‪373‬‬ ‫‪1382‬‬ ‫‪9855‬‬ ‫‪1610‬‬ ‫‪604‬‬ ‫‪1025‬‬ ‫‪9981‬‬ ‫‪84/83‬‬
‫المصدر ‪ :‬البنك الدولي (‪ ، )1985‬جدول رقم (‪ )1‬ص (‪. )4‬‬

‫على أساس هذه الحسابات توصل البند الدولي للنتائج التالية ‪:‬‬

‫أ‪ -‬إن الموارد التي تم استنفارها واستغاللها كنسبة من الناتج‬


‫المحلي اإلجمالي قد ازدادت بطريقة ملحوظة خالل الفرتة‬
‫تحت الدراسة ‪.‬‬

‫ب‪ -‬إن الزيادة يف الموارد التي تم استنفارها من الخارج يف‬


‫شكل اقرتاض وتحويالت تقف خلف الزيادة يف (أ) أعاله ‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫ج‪ -‬إن معظم التوسع يف الموارد التي تم استنفارها قد استغل‬
‫تمويل التوسع يف االستهالك حيث يالحظ النمو المتواضع‬
‫لصايف حقوق الخدمات الخارجية مقارنا بالنمو المتسارع‬
‫لالقرتاض الخارجي ‪.‬‬

‫د‪ -‬تعزى النتيجة (ج) أعاله خالل السبعينات للقروض‬


‫الميسرة وفرتات السماح الطويلة نسبيا التي حصل عليها‬
‫االقتصاد بينما تعزى خالل أوائل الثمانينات لرتتيبات إعادة‬
‫الجدولة ‪.‬‬

‫كذلك توصل البنك الدولي ‪ ،‬بعد إدخال التعديالت المطلوبة على‬


‫المعادلة التعريفية رقم (‪ )1‬لتتوافق مع المتطلبات القطاعية ‪ ،‬إلى عدد من‬
‫النتائج فيما يتعلق باستنفار واستغالل الموارد بواسطة القطاعين العام‬
‫والخاص حيث تمثلت أهم هذه التعديالت يف إضافة بند توازين يف جهة‬
‫االستخدامات ‪ ،‬على نحو ما توضحه المعادلتان (‪ )2‬و (‪ )3‬أدناه ‪:‬‬

‫(‪Eg = Ug + Fg + Ig +Cg = Rg + Bg + T = Mg )2‬‬

‫حيث ‪ T‬ترمز إليرادات الحكومة و ‪ Ug‬البند التوازين للقطاع العام‬


‫بينما استخدم الرمز ‪ g‬للتدليل على أن المتغير الذي سبق تعريفه يتعلق‬
‫بالقطاع العام ‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫(‪Ep = Up + Ep + Ip + Cp = Rp + Bp + Yp = Mp )3‬‬

‫حيث استخدم الرمز ‪ p‬للتدليل على أن المتغير الذي سبق تعريفه‬


‫يتعلق بالقطاع الخاص وحيث ترمز ‪ Up‬للبند التوازين للقطاع الخاص ‪.‬‬

‫جدول رقم (‪)2‬‬

‫استنفار الموارد بواسطة القطاع العام‬

‫(مليون جنيه سوداين)‬

‫استغالل الموارد‬ ‫استنفار الموارد‬


‫السنة‬
‫إجمالي‬ ‫‪Ug‬‬ ‫‪Fg‬‬ ‫‪Ig‬‬ ‫‪Cg‬‬ ‫إجمالي‬ ‫‪Rg‬‬ ‫‪Bg‬‬ ‫‪T‬‬
‫‪159‬‬ ‫(‪)14‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪160‬‬ ‫‪159‬‬ ‫‪-‬‬ ‫(‪)5‬‬ ‫‪164‬‬ ‫‪71/70‬‬
‫‪387‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪102‬‬ ‫‪249‬‬ ‫‪387‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪103‬‬ ‫‪284‬‬ ‫‪75/74‬‬
‫‪650‬‬ ‫‪45‬‬ ‫‪17‬‬ ‫‪165‬‬ ‫‪423‬‬ ‫‪650‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪146‬‬ ‫‪504‬‬ ‫‪79/78‬‬
‫‪1765‬‬ ‫‪139‬‬ ‫‪126‬‬ ‫‪414‬‬ ‫‪1086‬‬ ‫‪1760‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪490‬‬ ‫‪1275‬‬ ‫‪83/82‬‬
‫‪2137‬‬ ‫‪202‬‬ ‫‪152‬‬ ‫‪483‬‬ ‫‪1300‬‬ ‫‪2137‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪668‬‬ ‫‪1469‬‬ ‫‪84/83‬‬
‫المصدر ‪ :‬البنك الدولي (‪ ، )1985‬جدول رقم (‪ )2‬ص (‪. )6‬‬
‫ملحوظة ‪ :‬األرقام بين األقواس سالبة ‪.‬‬

‫ويخلص البنك الدولي من الجدول رقم (‪ )2‬إلى النتائج التالية ‪:‬‬

‫أ‪ -‬إن الحجم الكلي للقطاع العام معرفا بالموارد التي تستنفر‬
‫أو تستغل كنسبة من الناتج المحلي اإلجمالي قد ارتفع من ‪%21‬‬

‫‪268‬‬
‫عام ‪ 1971/70‬إلى ‪ %32,6‬عام ‪ 1975/74‬ثم انخفض بعد‬
‫ذلك إلى ‪ %32,1‬يف كل من األعوام ‪ 1979/78‬و ‪1983/82‬‬
‫ثم إلى ‪ %22‬يف عام ‪. 1984/1983‬‬

‫ب‪ -‬يعزى انخفاض حجم القطاع العام عموما إلى‬


‫االنخفاض المستمر يف اإليرادات (ضريبية وغير ضريبية) والتي‬
‫تمت مقابلتها جزئيا بعد منتصف السبعينات بازدياد االقرتاض‬
‫من الخارج ‪.‬‬

‫ج‪ -‬على العكس من النتائج المقررة لالقتصاد ككل ‪ ،‬فإن‬


‫انخفاض استنفار الموارد يف القطاع العام أدى إلى تحجيم‬
‫ملحوظ يف االستهالك الحكومي عوضا عن االستثمار ‪ ،‬األمر‬
‫الذي يعكس التدين الملحوظ يف األجور الحقيقية لموظفي‬
‫الخدمة المدنية ‪.‬‬

‫فيما يتعلق بالقطاع الخاص وعلى أساس المعادلة التعريفية رقم (‪)3‬‬
‫وبطرح الجدول رقم (‪ )2‬من الجدول رقم (‪ )1‬توصل البنك الدولي إلى‬
‫الجدول رقم (‪ )3‬الذي يلخص استنفار الموارد واستغاللها بواسطة‬
‫القطاع الخاص ‪.‬‬

‫‪269‬‬
‫جدول رقم (‪)3‬‬
‫استنفار واستغالل الموارد بواسطة القطاع الخاص‬
‫(مليون جنيه سوداين)‬

‫استغالل الموارد‬ ‫استنفار الموارد‬


‫السنة‬
‫إجمالي‬ ‫‪Up‬‬ ‫‪Fp‬‬ ‫‪Ip‬‬ ‫‪Cp‬‬ ‫إجمالي‬ ‫‪Rp‬‬ ‫‪Bp‬‬ ‫‪Yp‬‬
‫‪617‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪523‬‬ ‫‪617‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪597‬‬ ‫‪71/70‬‬
‫‪1311‬‬ ‫(‪)28‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪163‬‬ ‫‪1169‬‬ ‫‪1311‬‬ ‫‪23‬‬ ‫‪61‬‬ ‫‪1227‬‬ ‫‪75/74‬‬
‫‪2836‬‬ ‫(‪)45‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪266‬‬ ‫‪2600‬‬ ‫‪2836‬‬ ‫‪113‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪2657‬‬ ‫‪79/78‬‬
‫‪8173‬‬ ‫(‪)139‬‬ ‫‪134‬‬ ‫‪876‬‬ ‫‪7302‬‬ ‫‪8173‬‬ ‫‪511‬‬ ‫‪530‬‬ ‫‪7132‬‬ ‫‪83/82‬‬
‫‪9473‬‬ ‫(‪)202‬‬ ‫‪221‬‬ ‫‪899‬‬ ‫‪8555‬‬ ‫‪9473‬‬ ‫‪604‬‬ ‫‪357‬‬ ‫‪8512‬‬ ‫‪84/83‬‬
‫المصدر ‪ :‬البنك الدولي (‪ ، )1985‬جدول رقم (‪ )3‬ص (‪. )7‬‬
‫ملحوظة ‪ :‬األرقام بين األقوس سالبة ‪.‬‬

‫ويستنتج البنك الدولي من الجدول أعاله ما يلي ‪:‬‬

‫أ‪ -‬ازدادت الموارد التي استنفرها واستغلها القطاع الخاص‬


‫بصورة دراماتيكية خالل الفرتة تحت الدراسة حيث ازدادت‬
‫نسبتها للناتج المحلي اإلجمالي من ‪ %81‬عام ‪1971/1970‬‬
‫إلى ‪ %97‬عام ‪ . 1983/82‬وقد ساهم يف هذا االزدياد كل من‬
‫نصيب القطاع يف الناتج اإلجمالي واالقرتاض الخارجي‬
‫وتحويالت السودانيين العاملين بالخارج ‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫ب‪ -‬مثل االستهالك الخاص أهم بنود استغالل هذه الموارد‬
‫حيث ارتفعت نسبته للدخل المحلي اإلجمالي من ‪ %69‬عام‬
‫‪ 1971/1970‬إلى ‪ %89‬عام ‪. 1984/1983‬‬

‫هذ ويهمنا من النتائج مالحظة ما يلي ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬األغراض التي استخدمت من أجلها خصوصا فيما يتعلق‬


‫بمالحظة االزدياد الحاد يف االستهالك أو ما أسماه البنك الدولي االرتفاع‬
‫يف الميل الحدي لالستهالك ‪ .‬حيث عرف االستهالك على الناتج المحلي‬
‫اإلجمالي وليس على الناتج الوطني اإلجمالي ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬المنهجية التي اتبعت يف حسابات استنفار واستغالل الموارد‬


‫على المستوى التجميعي لالقتصاد خصوصا فيما يتعلق بمعاملة بند‬
‫التحويالت فبينما يتضح من الجدول أن التحويالت «الجارية» قد قصد‬
‫منها تحويالت المغرتبين والتي أصبحت متاحة بكاملها للقطاع الخاص ‪،‬‬
‫نجد أنه قد تم تحويل هذه التدفقات على أساس سعر الصرف الرسمي‬
‫خصوصا خالل السنوات ‪. 1984/1983‬‬

‫ولعلنا لسنا بحاجة إلى مالحظة أن من شأن هذه التحفظات تغيير ما‬
‫توصل إليه البنك من استنتاجات تغييرا جذريا ومن ثم فإن من شأهنا أيضا‬
‫إثارة الشكوك حول النوايا الحقيقية التي تكمن وراء القراءة المعوجة‬

‫‪271‬‬
‫لمعطيات االقتصاد السوداين خصوصا فيما يتعلق بالموارد المالية التي تم‬
‫هتريبها خارج البالد !!‬

‫‪ -3‬تبديد الموارد‬
‫ألغراض الوصول إلى تقديرات مستقلة قمنا بتعديل المعادلة التعريفية‬
‫رقم (‪ )1‬الستنفار واستغالل الموارد على النحو التالي ‪:‬‬

‫(‪K + F + I + C = R1 + B + I )1‬‬

‫حيث ترمز ‪ R1‬إلجمالي تحويالت المغرتبين و ‪ K‬لتهريب رؤوس‬


‫األموال ‪ .‬ويتضح من هذه المعادلة أنه إذا كانت حسابات البنك الدولي‬
‫فيما يتعلق بكل من ‪ C‬و ‪ Y‬و ‪ B‬و ‪ I‬و ‪ F‬صائبة وإذا تمكنا من تقدير ‪R1‬‬
‫بطريقة مستقلة فإنه يمكننا الحصول على تقدير لمتغير ‪ K‬على أساس أنه‬
‫بند توازين ‪.‬‬

‫ألغراض تقدير تحويالت المغرتبين قمنا باستخدام المعلومات‬


‫التالية ‪:‬‬

‫أ‪ -‬أعداد السودانيين العاملين بالخارج‬

‫لقد سبق لنا مالحظة أن هنالك الكثير من الغرر الذي يحيط بأعداد‬
‫السودانيين العاملين بالخارج وأن التقديرات يف هذا المجال تختلف من‬

‫‪272‬‬
‫مؤلف إلى آخر ‪ .‬هذا وقد توصل حمد (‪ ، )1986‬بعد استعراض‬
‫لألدبيات المتخصصة ‪ ،‬إلى تعديل تقديرات جالل الدين (‪ )1985‬بحيث‬
‫أوضح أن معامل تدين التقديرات يبلغ نحو ‪ 1,4‬بمعنى أنه يتوجب زيادة‬
‫تقديرات جالل الدين هبذا المعامل ‪ ،‬وهي النتيجة التي قمنا باعتمادها يف‬
‫هذه الورقة ‪.‬‬

‫ب‪ -‬متوسط التحويالت السنوي ‪:‬‬

‫ألغراض الحصول على إجمالي التحويالت افرتضنا متوسطا‬


‫للتحويل السنوي يبلغ ‪ 8350‬دوالرا مستندين يف ذلك على المعلومات‬
‫التفصيلية الواردة يف األدبيات السودانية والتي سبق لنا وأن استعرضناها‬
‫(انظر علي ‪ )1985‬والمراجع المذكورة هناك(‪ )1‬هذا ويعترب هذا التقدير‬
‫محافظا أيضا إذا ما قورن بتقديرات شكري (‪ )1985‬والتي تقول بأن‬
‫المتوسط السنوي للتحويالت بالنسبة للفرد قد بلغ نحو ‪ 9‬آالف دوالر‬
‫أمريكي ‪.‬‬

‫ج‪ -‬سعر الصرف ‪:‬‬

‫ألغراض التناسق مع البنك الدولي فقد قمنا باستخدام سعر الصرف‬

‫(‪)1‬‬
‫اعتمدنا هذا التقدير األعلى نسبيا مقارنة بالتقدير المستخدم يف الفصل السادس‬
‫وذلك بعد ظهور نتائج شكري (‪. )1985‬‬

‫‪273‬‬
‫الضمني الذي استخدمه البنك للتحويالت الرسمية بينما استخدمنا السعر‬
‫التشجيعي لتحويالت المغرتبين للفرتة ‪ 1980 – 1977‬ومتوسط سعر‬
‫صرف السوق األسود لسنوات الفرتة ‪ 1984 – 1980‬لبقية التحويالت ‪.‬‬

‫باستخدام هذه المعلومات وبالرتكيز على الفرتة ‪1984 – 1978‬‬


‫توصلنا إلى النتائج المقررة يف الجدول رقم (‪. )4‬‬

‫‪274‬‬
‫جدول رقم (‪)4‬‬
‫استنفار وتبديد الموارد يف السودان ‪1984/77‬‬
‫(مليون جنيه سوداين)‬
‫‪/83‬‬ ‫‪/82‬‬ ‫‪/81‬‬ ‫‪/80‬‬ ‫‪/79‬‬ ‫‪/78‬‬ ‫‪/77‬‬ ‫البند‬
‫‪84‬‬ ‫‪83‬‬ ‫‪82‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪80‬‬ ‫‪79‬‬ ‫‪78‬‬
‫‪ -1‬استنفار الموارد‬
‫‪9981‬‬ ‫‪8407‬‬ ‫‪664‬‬ ‫‪5024 3998 3162 2883‬‬ ‫‪ 1-1‬الناتج المحلي‬
‫اإلجمالي‬
‫‪1025‬‬ ‫‪1020‬‬ ‫‪1113‬‬ ‫‪554‬‬ ‫‪381‬‬ ‫‪212‬‬ ‫‪172‬‬ ‫‪2-1‬االقرتاض‬
‫الخارجي‬
‫‪6122‬‬ ‫‪4630‬‬ ‫‪3275 2264 1676 1126‬‬ ‫‪837‬‬ ‫‪ 3-1‬التحويالت‬
‫‪17128 14057 11052 7842 6055 4500 3892‬‬ ‫‪ -2‬إجمالي الموارد‬
‫‪ -3‬استغالل الموارد‬
‫‪9855‬‬ ‫‪8388‬‬ ‫‪6883 4941 3863 3023 2700‬‬ ‫‪ 1-3‬االستهالك‬
‫‪1382‬‬ ‫‪1290‬‬ ‫‪1033‬‬ ‫‪764‬‬ ‫‪598‬‬ ‫‪431‬‬ ‫‪414‬‬ ‫‪ 2-3‬االستثمار‬
‫‪373‬‬ ‫‪259‬‬ ‫‪173‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪41‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪ 3-3‬خدمات عوامل‬
‫اإلنتاج‬
‫‪5518‬‬ ‫‪4120‬‬ ‫‪2963 2070 1553 1014‬‬ ‫‪760‬‬ ‫‪ 4-3‬هتريب األموال‬
‫‪2,17‬‬ ‫‪1,69‬‬ ‫‪1,26‬‬ ‫‪0,98‬‬ ‫‪0,80‬‬ ‫‪0,60‬‬ ‫‪0,57‬‬ ‫‪ -4‬سعر الصرف‬
‫(جنيه للدوالر)‬
‫‪2497‬‬ ‫‪2382‬‬ ‫‪2279 2029 1849 1584 1246‬‬ ‫‪ -5‬هتريب األموال‬
‫(مليون دوالر)‬

‫‪275‬‬
‫باستخدام المعلومات الموضحة يف الجدول يمكننا التوصل إلى‬
‫اآليت ‪:‬‬

‫أ‪ -‬حجم التحويالت ‪:‬‬

‫بلغ حجم تحويالت السودانيين العاملين بالخارج خالل الفرتة ‪1977‬‬


‫– ‪ 1984‬حوالي ‪ 2‬بليون جنيه من خالل القنوات الرسمية بينما تدفق‬
‫حوالي ‪ 18‬بليون جنيه من خالل السوق األسود ‪ ،‬أي أن متوسط نسبة‬
‫تدفق التحويالت الرسمية إلجمالي التحويالت قد بلغ ‪ %10‬فقط ‪ .‬هذا‬
‫وقد بلغ متوسط نسبة االقرتاض الخارجي من إجمالي التحويالت خالل‬
‫الفرتة تحت الدراسة حوالي ‪ %23‬بينما بلغ متوسط نسبة االستثمار من‬
‫إجمالي التحويالت ‪ %43‬كذلك يتضح من الجدول أن نسبة التحويالت‬
‫إلجمالي الموارد المتاحة لالقتصاد الوطني قد ازدادات من ‪ %21,5‬عام‬
‫‪ 1978/1977‬إلى ‪ %35,8‬عام ‪ 1984/1983‬وقد بلغ المتوسط‬
‫إلجمالي الفرتة ‪. %28,8‬‬

‫ب‪ -‬تهريب رؤوس األموال ‪:‬‬

‫بلغ إجمالي ما تم هتريبه خالل الفرتة تحت الدراسة حوالي ‪ 18‬بليون‬


‫جنيه سوداين أي ما يعادل حوالي ‪ 14‬بليون دوالر أمريكي حيث بلغ‬
‫متوسط نسبة األموال المهربة إلجمالي التحويالت للفرتة تحت الدراسة‬
‫‪ %91‬هذا ويوضح الجدول أن نسبة هتريب رؤوس األموال إلجمالي‬

‫‪276‬‬
‫الموارد المالية المتاحة لالقتصاد قد ارتفعت من ‪ %19,5‬عام ‪1978/77‬‬
‫إلى ‪ %32,2‬عام ‪ 1984/83‬حيث بلغ متوسط النسبة للفرتة تحت‬
‫الدراسة ‪. %26,1‬‬

‫ج‪ -‬إجمالي الموارد المتاحة ‪:‬‬

‫بلغ إجمالي الموارد المالية التي أتيحت لالقتصاد السوداين خالل‬


‫الفرتة تحت الدراسة حوالي ‪ 65‬بليون جنيه سوداين مقارنا بإجمالي موارد‬
‫بلغ نحو ‪ 47‬بليون جنيه سوداين حسب تقديرات البنك الدولي ‪ .‬هذا وقد‬
‫تدنت نسبة االستهالك إلجمالي الموارد المتاحة من ‪ %69‬عام‬
‫‪ 1978/1977‬إلى ‪ %58‬عام ‪ 1984/83‬وحيث بلغ متوسط النسبة‬
‫للفرتة تحت الدراسة ‪. %63‬‬

‫د‪ -‬الميل الحدي لالدخار ‪:‬‬

‫يقول البنك الدولي أن «سياسات الحكومة الخاطئة خالل الفرتات‬


‫الزمنية التي كان تدفق رؤوس األموال الخارجية فيها مرتفعا أدت إلى‬
‫مستويات مفرطة لالستهالك ‪ .‬وتوضح دراسة حديثة أنه يف عام ‪ 1975‬قد‬
‫حدث انزحاف هيكلي يف دالة االستهالك (تدين يف الميل الحدي‬
‫لالدخار) ‪( .‬البنك الدولي (‪ )1985‬ص ‪ . )28‬والختبار هذه النتيجة‬
‫استخدمنا المعلومات يف الجدول أعاله لتقدير دالتين لالستهالك‬
‫إحداهما معرفة على الموارد المتاحة واألخرى معرفة على صايف إجمالي‬

‫‪277‬‬
‫الموارد المتاحة بمعنى استبعاد هتريب رؤوس األموال من إجمالي‬
‫الموارد المتاحة ‪ .‬هذا وقد كانت نتائج التقدير على النحو التالي ‪:‬‬

‫(‪ )4‬االستهالك = ‪( 0,549 + 596‬إجمالي الموارد المتاحة)‬


‫(‪)52,98‬‬
‫(‪ )5‬االستهالك = ‪( 0,8396 + 84‬صايف الموارد المتاحة)‬
‫(‪)214‬‬

‫حيث األرقام بين األقواس توضح قيمة ت‪ -‬اإلحصائية وتشير إلى‬


‫الداللة اإلحصائية للمعامالت التي تم تقديرها ‪.‬‬

‫ويتضح من هذه النتائج خطأ ما توصل إليه البنك الدولي ‪ ،‬إذ توضح‬
‫المعادلة رقم (‪ )4‬أن االنزحاف لدالة االستهالك يؤشر يف اتجاه رفع الميل‬
‫الحدي لالدخار وليس العكس ‪ ،‬بينما توضح العادلة رقم (‪ )5‬أن دالة‬
‫االستهالك معرفة على صايف الموارد المتاحة لالقتصاد لم يطرأ عليها تغير‬
‫هيكلي يذكر إذ استمر الميل الحدي لالدخار يف حدود ‪ %16‬ويكمن‬
‫السبب يف خطأ تحليل البنك الدولي ‪ ،‬فيما يبدو يف تجاهل هتريب رؤوس‬
‫األموال إلى الخارج وهو جزء مهدر من االدخار بعد أن تمت عملية‬
‫االدخار نفسها(‪. )1‬‬

‫(‪)1‬‬
‫لمقارنة الميل الحدي لالستهالك راجع محمد وفضل اهلل (‪. )1985‬‬

‫‪278‬‬
‫‪ -4‬مالحظات ختامية‬
‫تقدمنا يف هذه الورقة بتقديرات بديلة لتلك التي توصل إليها البنك‬
‫الدولي (‪ )1985‬فيما يتعلق باستنفار واستخدام الموارد يف السودان ‪،‬‬
‫حيث أوضحنا أن جملة الموارد التي كانت متاحة لالقتصاد السوداين‬
‫خالل الفرتة ‪ 1984/1983 – 1978/1977‬قد بلغت ‪ 65‬بليون جنيه‬
‫سوداين وليس ‪ 47‬بليون جنيه سوداين كما قدرها البنك الدولي ‪ .‬هذا وقد‬
‫عزينا هذا الفرق لفشل البنك يف األخذ بعين االعتبار تدفقات تحويالت‬
‫المغرتبين من خالل القنوات غير الرسمية ‪.‬‬

‫وعلى أساس حساباته توصل البنك الدولي إلى تقييم مؤداه أنه‬
‫«وبشكل عام فقد كان نمط استغالل الموارد غير مالئم وكانت العوائد‬
‫على االستثمار متدنية للغاية مما ال يشكل تربيرا العتماد السودان على‬
‫االقرتاض الخارجي الحدي ذي التكاليف المرتفعة ‪ .‬وقد كان هذا‬
‫االعتماد على االقرتاض الخارجي مرتبطا ارتباطا وثيقا باالرتفاع يف ميل‬
‫القطاع الخاص لالستهالك ‪ ،‬األمر الذي أدى أن تخفض الحكومة‬
‫استهالك القطاع العام من خالل تخفيض األجور الحقيقية ‪ .‬إال أن‬
‫تخفيض األجور الحقيقية كان شديد الحدة بحيث تسببت المستويات‬
‫المتدنية لمواهي موظفي الحكومة المدنية يف تعويق مقدرة الحكومة على‬
‫االستغالل الكفء للموارد اإلضافية التي اقرتضتها من الخارج» (البنك‬
‫الدولي (‪ )1985‬ص ‪. )14‬‬

‫‪279‬‬
‫وتمثل هذه القراءة يف رأينا جزء ًا يسيرا من الحقيقة ‪ ،‬إذ بعدم التعرض‬
‫لتهريب األموال فقد غاب على البنك الدولي استنباط عنصر القصد يف‬
‫السياسات التي أدت إلى إهدار الموارد التي كانت متاحة لالقتصاد‬
‫السودان ‪ .‬وكما نوهنا من قبل يف مقاالت أخرى يمكن اعتبار الفساد أهم‬
‫أركان هذه السياسات ‪ ،‬األمر الذي مكن عددا محدودا من األفراد من‬
‫تبديد ليس فقط ما تم اقرتاضه من الخارج وإنما أيضا ما تم تحويله‬
‫بواسطة المغرتبين السودانيين ‪ .‬هذا وقد تجسد الفساد يف مختلف‬
‫الممارسات االقتصادية خصوصا تلك المتعلقة باستخدام موارد القطاع‬
‫المصريف لتمويل عمليات هروب رؤوس األموال ‪ ،‬وذلك تحت مظلة ما‬
‫سمي بسياسة تحرير التعامل يف النقد األجنبي ‪ .‬هذا ولقد وفرت‬
‫المحاكمات الدائرة علينا هذه األيام أسانيد متعددة لمقولة سيادة الفساد‬
‫يف أنماط السلوك االقتصادية التي كانت سائدة خالل الفرتة تحت‬
‫الدراسة ‪.‬‬

‫ويهمنا أخيرا الرتكيز على مالحظة أن تفشي ظاهرة الفساد خالل الفرتة‬
‫المعنية قد سندهتا ودعمتها المؤسسات الدولية المانحة للعون خصوصا‬
‫صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ‪ ،‬باإلضافة لبعض مانحي العون من‬
‫الدول الغربية ‪ ،‬األمر الذي يوقع البنك الدولي يف تناقض داخلي مثله يف‬
‫ذلك مثل الصندوق ‪ .‬فقد حاججت هذه المؤسسات والدول بأهمية‬
‫الدور الذي يجب أن يتاح للقطاع الخاص يف عملية التنمية ‪ ،‬ومن ثم‬

‫‪280‬‬
‫أرغمت الحكومة على ابتداع مختلف األساليب لمنح األفراد الخواص‬
‫نصيبا يف العقودات المربمة لتنفيذ مختلف المشروعات التنموية (التي‬
‫أثبتت فشلها فيما بعد بالرغم من إشراف البنك الدولي على تصمميها‬
‫وإرساء عطاءاهتا وتنفيذها) من ناحية ‪ ،‬كما أرغمت الحكومة على غض‬
‫الطرف عن سوء سلوك القطاع الخاص فيما يتعلق بتعامله مع القطاع‬
‫المصريف والتهرب من دفع الضرائب المستحقة عليه من ناحية أخرى ‪،‬‬
‫ومن ثم فإن مشاهدة جنوح القطاع الخاص إلى االستهالك غير المربر‬
‫كان يجب أن يفهم كنتيجة حتمية للسياسات االقتصادية التي ساعد البنك‬
‫الدولي على تنفيذها يف السودان ‪ ،‬وال يزال يحاول تنفيذها على مستوى‬
‫القارة اإلفريقية ‪.‬‬

‫‪281‬‬
282
‫الفصل الثامن‬
‫اكتمال الحلقة ‪:‬‬
‫التبعية واالنبطاح االقتصادي‬

‫‪283‬‬
284
‫‪ -1‬خلفية‬
‫بعد استالم الحكومة المنتخبة لمهام أعمالها يف مايو ‪ 1986‬قامت‬
‫بعثة من صندوق النقد الدولي بزيارة البالد بغرض مناقشة محتوى‬
‫مجموعة متكاملة من سياسات اإلصالح االقتصادي وهبدف تقديم‬
‫مساعدات فنية للحكومة الجديدة إذا كانت هنالك حاجة ‪ ،‬ويف إطار‬
‫المشاورات التي عقدت هبذه المناسبة أوضحت الحكومة المنتخبة لبعثة‬
‫الصندوق رغبتها يف صياغة برامج مستقلة تستند على اإلجماع االقتصادي‬
‫الذي تم التوصل إليه يف المؤتمر االقتصادي القومي ‪ ،‬ومن ثم طلب من‬
‫الصندوق تقديم مساعدات فنية فيما يتعلق بالمعلومات الضرورية‬
‫لصياغة مثل هذه الربامج ‪.‬‬

‫بحلول سبتمرب ‪ 1986‬فرغت الحكومة السودانية من إعداد مجموعة‬


‫من السياسات االقتصادية قصيرة المدى أعلن بعضها يف خطاب الميزانية‬
‫لعام ‪ . 1987 – 1986‬هذا وقد قام الدكتور بشير عمر وزير المالية‬
‫والتخطيط االقتصادي المنتخب ( !) بتسليم نسخة من وثيقة السياسات‬
‫هذه إلدارة وموظفي الصندوق عند زيارة سيادته لواشنطن لحضور‬
‫االجتماعات السنوية للصندوق والبنك الدولي ‪ ،‬وهبذه المناسبة طلب‬
‫السيد الوزير من المدير العام للصدوق التكرم ببذل «مبادرة شخصية مع‬
‫مانحي العون ودائني السودان لمساعدة السلطات السودانية يف الحصول‬
‫على عون إضايف وتخفيض للديون ‪ .‬وأشار المدير العام إلى أن الشرط‬

‫‪285‬‬
‫المسبق لبذل مثل هذه المبادرة هو صياغة وتنفيذ برنامج شامل وذي أبعاد‬
‫مرتامية لإلصالح االقتصادي يف إطار زمني متوسط المدى (صندوق النقد‬
‫الدولي ‪. )1987‬‬

‫خالل الفرتة ‪ 20 – 10‬نوفمرب ‪ 1986‬انعقدت يف الخرطوم جولة‬


‫مشاورات المادة الرابعة لعام ‪ 1986‬بين السودان وصندوق النقد الدولي‬
‫حيث قامت الحكومة بتسليم نسخة من وثيقة «برنامج اإلنقاذ‬
‫االقتصادي ‪ :‬إجراءات المدى الزمني القصير» للبعثة الزائرة ‪ .‬وقد‬
‫أوضحت السلطات أن الربنامج االقتصادي للمدى الزمني المتوسط ما‬
‫زال تحت اإلعداد ويتوقع صدوره يف مارس ‪ . 1987‬وعليه تركزت‬
‫المباحثات حول «إجراءات المدى الزمني القصير وحول طبيعة الجهود‬
‫المطلوبة للمدى المتوسط» ‪ .‬هذا وتجدر اإلشارة إلى أن موقف‬
‫السلطات السودانية قد كان نقيضا لموقف الصندوق يف كل القضايا التي‬
‫تمت مناقشتها ‪( .‬انظر ملحق رقم (‪ )1‬لتلخيص القضايا والمواقف) ‪.‬‬

‫يف تصريح لصحيفة الشرق األوسط ‪ ،‬نقلته جريدة األيام بتاريخ‬


‫‪ ، 1987/5/19‬أفاد السيد رئيس الوزراء أن السودان قد استطاع اسرتداد‬
‫«ثقة كل الصناديق العربية واألجنبية فاستأنفت التعامل معنا ‪ ،‬أما االتفاق‬
‫مع صندوق النقد الدولي فيتوقف على تحديد سعر العملة وذلك بعد‬
‫إصرارنا على أن يكون اإلصالح بمشروعنا وليس بناء على خطة البنك ‪..‬‬
‫مطلوب منا توحيد سعر العملة وهذا يمكن أن يتم بعد أربع سنوات ‪ ،‬أما‬

‫‪286‬‬
‫اآلن فقد أدخلنا إجراءات معينة لتحفيز الصادر بمعاملته بسعر العملة‬
‫الحرة والتوحيد يف السعر نتوقع أن يتم يف هناية مدة اإلصالح المتوسط‬
‫التي حددناها بأربعة أعوام» ‪ !! .‬تجدر اإلشارة إلى أن هذا هو موقف‬
‫الحكومة السودانية كما عربت عنه للصندوق يف مشاورات المادة الرابعة‬
‫التي جرت يف نوفمرب ‪( 1986‬انظر الملحق ‪. )1‬‬

‫يف األسبوع الثاين من يوليو ‪ 1987‬قام السيد رئيس الوزراء ‪ ،‬وبرفقته‬


‫وزير المالية من بين آخرين ‪ ،‬بزيارة لمنطقة الخليج كانت المملكة العربية‬
‫السعودية آخر محطاهتا ‪ .‬وتقول األوساط القريبة من مراكز اتخاذ القرار‬
‫أن السيد وزير المالية قد أبرق تلكسيا من المحطة األخيرة طالبا من‬
‫وكاالته المتخصصة االستعداد لجولة جديدة من المفاوضات مع‬
‫صندوق النقد الدولي حدد لها بداية األسبوع الرابع من شهر يوليو ‪.‬‬
‫واتضح فيما بعد أن هذه الجولة هي التي أفضت إلى ما سمي باالتفاق‬
‫حيث يالحظ الصندوق (‪ 1987‬ص ‪« )1‬أن السلطات لم تقم بتبني‬
‫مجموعة شاملة من السياسات التصحيحية حتى يوليو ‪ 1987‬عندما تمت‬
‫صياغة برنامج العمل وبدئ يف تنفيذه ‪ ...‬وتم عرض العناصر الرئيسية‬
‫للربنامج على المديرين التنفيذيين يف إطار استعراضهم لمتأخرات‬
‫السودان يف اجتماع المجلس المنعقد يف الثامن من أغسطس ‪. »1987‬‬

‫تحمل وثيقة االتفاق عنوان «برنامج عمل حكومة السودان يف شأن‬


‫سياساهتا المالية االقتصادية» وهي بتاريخ ‪ 3‬أغسطس ‪ . 1987‬هذا وعلى‬

‫‪287‬‬
‫الرغم من أن الوثيقة قد عرضت على مجلس المديرين التنفيذيين‬
‫للصندوق يف الثامن من أغسطس وبارك محتوياهتا ‪ ،‬وعلى الرغم من أن‬
‫حكومة السودان قد وقعت عليها يف أغسطس إال أنه قد تم التكتم عليها‬
‫داخل السودان بطريقة كان من المتوجب أن يكافأ عليها السيد وزير‬
‫المالية !!‬

‫يف يوم السبت الموافق ‪ 3‬أكتوبر أعلن الدكتور بشير عمر وزير مالية‬
‫الحكومة المنتخبة تفاصيل االتفاق الذي وقعته الحكومة مع صندوق‬
‫النقد الدولي ‪ .‬هذا وكان السيد الوزير قد وصل البالد فجأة بعد أن قطع‬
‫زيارته لواشنطن والتي كان يحضر فيها االجتماعات السنوية المشرتكة‬
‫للصندوق والبنك الدولي !!!!‬

‫نقلت جريدة األيام يوم ‪ 4‬أكتوبر ‪ 1987‬تفاصيل االتفاق كما‬


‫استعرضها السيد وزير المالية ‪ .‬ويبدو أن صحيفة األيام قد تمكنت من‬
‫الحصول على المذكرات الشخصية للسيد الوزير والتي استعرض من‬
‫خاللها تفاصيل الربنامج ‪ ،‬بعد أن فشلت يف الحصول على نسخة من‬
‫وثيقة االتفاق ‪.‬‬

‫هذا وتوضح القراءة المتأنية لما جاء يف صحيفة األيام أن السيد الوزير‬
‫قد حاول جهد طاقته أن يستعرض تفاصيل الربنامج بطريقة منهجية ‪ ،‬وإن‬
‫جانبه التوفيق يف ذلك ‪ ،‬كما حاول اإليحاء بوجود إيجابيات يف االتفاق‬

‫‪288‬‬
‫وذلك بالرتكيز على وعود تدفقات العون المستقبلية ‪ ،‬األمر الذي أوقعه‬
‫يف عدد من الشراك كان هو يف غنى عنها !!!!‬

‫يف األيام التالية إلعالن االتفاق عربت العديد من النقابات عن‬


‫اعرتاضها على ما تتوصلت إليه الحكومة المنتخبة خصوصا تلك النقابات‬
‫التي كان لها دور بارز يف انتفاضة أبريل ‪ .‬كذلك اندلعت مظاهرات طالبية‬
‫يف مختلف أنحاء العاصمة تعرب عن االحتجاج على ما سمي باالتفاق ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من ذلك فقد استنفرت الحكومة آليات األغلبية التلقائية التي‬
‫تتمتع هبا يف المجلس التشريعي إلضفاء الشرعية على ما توصل إليه من‬
‫اتفاق مع صندوق النقد الدولي ‪.‬‬

‫هتتم هذه الورقة باستعراض محتويات وثيقة االتفاق األخيرة هبدف‬


‫التوثيق ‪ .‬وتجدر اإلشارة يف هذا الخصوص إلى ما قامت به الصحافة‬
‫السودانية من كشف مقتدر لمضامين السياسات التي أعلنتها الحكومة‬
‫حيث سلطت صحيفة األيام األضواء على عدد من مواضع الخلل والزلل‬
‫والخطل يف الربنامج من ناحية ويف سلوك المسئولين السودانيين من ناحية‬
‫أخرى ‪ ،‬وهو موقف متناسق مع ما عرفت به صحيفة األيام من انحياز تام‬
‫لقضايا الصالح العام خصوصا خالل فرتة الديمقراطية الثالثة ‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫يف القسم الثاين من هذه الورقة نورد ترجمة كاملة لما يسمى بربنامج‬
‫العمل ونتناوله بالتعليق يف القسم الثالث ‪ ،‬ونختتم ببعض المالحظات‬
‫الختامية يف القسم الرابع ‪.‬‬

‫‪ -2‬محتوى برنامج العمل‬


‫تقع وثيقة برنامج العمل ‪ ،‬حسبما أوردها الصندوق (‪ )1987‬يف‬
‫الملحق األول (ص ‪ ، )22- 13‬يف عشر صفحات وتحتوي على ثالثة‬
‫عشرة فقرة وأربعة جداول ‪ .‬ويستعرض هذا القسم تفاصيل الوثيقة يف‬
‫شكل ترجمة كاملة لمحتوياهتا ‪.‬‬

‫تطرقت الفقرة األولى من الوثيقة للحالة االقتصادية للقطر منذ أن‬


‫تولت الحكومة المنتخبة أعباءها يف مايو ‪ 1986‬فالحظت أن «حكومة‬
‫السودان تبذل يف الوقت الراهن محاولة جادة للتعامل مع الحالة‬
‫االقتصادية بالغة الصعوبة والتي كانت نتاجا لسوء اإلدراة االقتصادية لعدة‬
‫سنوات فضال عن عدد من العوامل السلبية بما يف ذلك حاالت الجفاف‬
‫المدمر ‪ ،‬واستمرار عدم االستقرار يف الجنوب ‪ ،‬وتدفق أعداد كبيرة من‬
‫الالجئين من األقطار المجاورة ‪ .‬فعندما استلمت الحكومة الحالية‬
‫السلطة يف مايو ‪ 1986‬كانت المشاكل األساسية لالقتصاد قد استفحلت‬
‫ألبعاد مزعحة ‪ :‬فقد انخفض نصيب الفرد من الدخل الحقيقي‬
‫واالستهالك الحقيقي إلى مستويات تقل كثيرا عما كان سائدا قبل حقبة‬

‫‪290‬‬
‫من الزمان ‪ ،‬وتم استهالك رأس المال ‪ ،‬وانخفض االدخار القومي‬
‫بحدة ‪ ،‬وأصبح تمويل االستثمار الثابت يتم عن طريق التدفق الصايف‬
‫للموارد من الخارج واللجوء لالستدانة من البنوك المحلية ‪ .‬كذلك تم‬
‫إهمال األوضاع المالية للحكومة وعمليات المؤسسات العامة للحد‬
‫الذي استخدمت فيه التسهيالت المصرفية من البنوك لتمويل جزء متزايد‬
‫من النفقات الجارية يف الميزانية وخسارات المؤسسات ‪ .‬ويف القطاع‬
‫الخارجين تراكم على القطر ديون خارجية بما يعادل ‪ 10‬باليين دوالر‬
‫أمريكي ‪ ،‬بما يف ذلك متأخرات بلغت ‪ 6. 2‬باليين دوالر أمريكين األمر‬
‫الذي ترتب عليه سيادة حالة للمدفوعات الخارجية غاية يف الحرج» ‪.‬‬

‫اهتمت الفقرة الثانية بجهود الحكومة المنتخبة يف معالجة المشاكل‬


‫االقتصادية التي ورثتها ‪« .‬لقد كان المحرك األساسي لربنامج اإلنقاذ‬
‫االقتصادي الذي اعتمدته الحكومة يف أكتوبر ‪ 1986‬هو إعادة توليد النمو‬
‫يف اإلنتاج وذلك عن طريق تبني سياسات تعنى بجانب العرض ويف نفس‬
‫الوقت تنفيذ سياسات مالية للحصول على إيرادات إضافية وخلق انضبطا‬
‫يف عمليات الميزانية الحكومية ‪ ،‬كذلك ابتدأت الحكومة سلسلة من‬
‫اإلصالحات الهيكلية وزادت الحوافز ؟ األمر الذي ساهم يف زيادة‬
‫اإلنتاج لعام ‪ 1987 – 1986‬ويتوقع أن يؤدي مستقبال إلى تأثيرات‬
‫إيجابية ‪ .‬على الرغم من ذلك ‪ ،‬فقد تعرض القطر النكماش إضايف يف‬
‫الواردات ‪ ،‬وشح يف السلع الضرورية االستهالكية منها واإلنتاجية ‪،‬‬

‫‪291‬‬
‫وضغوط تضخمية قوية ‪ ،‬كما وأنه لم يتمكن من مقابلة التزاماته الخارجية‬
‫بالكامل ‪ .‬وهبدف معالجة هذه المشاكل المستمرة ‪ ،‬فقد عزمت الحكومة‬
‫على زيادة جهودها يف مجالي تشجيع العرض وحصر الطلب ‪ .‬وسيهتدي‬
‫تكثيف هذه الجهود بخطة إنعاش اقتصادي متوسطة المدى ‪ ،‬يتوقع‬
‫الفراغ من إعدادها بنهاية عام ‪ ، 1987‬تتمثل أهم أهدافها فيما يلي ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬ضمان زيادة مستمرة يف الناتج تمكن من زيادة الدخل‬


‫واالستهالك بالنسبة للفرد وتزيد مما هو متاح من السلع األساسية ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬هتدئة معدل التوسع النقدي مما سيؤدي إلى التخفيض‬


‫التصاعدي لمعدل التضخم ‪ ،‬آخذين يف االعتبار زيادة عرض السلع ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬تحقيق مستوى أعلى من االعتماد على الذات وذلك عن طريق‬


‫تحسين موقف المدفوعات الخارجية وتخفيض االعتماد على العون‬
‫الخارجي بمرور الزمن» ‪!! ..‬‬

‫‪ -14‬أوردت الفقرة الثالثة الخطوط العريضة اللتزام الحكومة بتبني‬


‫سياسات متوافقة مع توجهات الصندوق ‪ ،‬وتضمنت بالتالي مباركة‬
‫الصندوق الضمنية لما تم تنفيذه من سياسات يف العام الماضي ‪ .‬ومن ثم‬
‫فإنه ألغراض تحقيق أهداف خطة اإلنقاذ االقتصادي « تعتزم الحكومة‬
‫تنفيذ مجموعة قوية ومتكاملة من إجراءات التكيف ببداية ‪1988/87‬‬
‫هتدف إلى زيادة اإلنتاج المحلي والحد من نمو الطلب الكلي االسمي ‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫ويف جانب العرض ‪ ،‬تم تنفيذ سياسة تمويل واردات مدخالت اإلنتاج‬
‫الضرورية من الموارد الذاتية للقطاع الخاص ‪ ،‬كما تم رفع الحماية عن‬
‫عدد من المصانع غير الكفئة ‪ .‬باإلضافة إلى هذا ‪ ،‬سيتم اتباع سياسات‬
‫أخرى للسنة المالية الحالية من شأهنا الحفاظ على الحوافز السعرية‬
‫الممنوحة للزراعة وتخفيف حدة القيود الحالية على اإلنتاج الصناعي‬
‫وتحسين كفاءة عمليات المؤسسات العامة وابتدار خطة عمل شاملة‬
‫لتشجيع القطاع الخاص لالدخار واالستثمار ‪ .‬وكما كان عليه حال‬
‫السياسات يف العام الماضي ‪ ،‬تنوي الحكومة ضمان استمرار التشجيع‬
‫الكامل لإلنتاج الزراعي خالل موسم ‪ ، 1988/87‬وعليه ستستمر‬
‫الحكومة يف سياستها المتعلقة بإعالن أسعار الشراء للقطن والصمغ‬
‫العربي واألسعار الدنيا للذرة والسمسم والفول ‪ ،‬بمستويات مقبولة‬
‫لتحفيز المزارعين يف القطاع المروي ‪ ،‬ستحافظ الحكومة على نظام‬
‫الحوافز الذي يشجع اللقيط المبكر للقطن ‪ ،‬كما سرتاجع العالقات‬
‫المالية بين المزارعين والمشاريع الزراعية بغرض زيادة حصيلة فئات‬
‫الماء واألرض يف اتجاه تحقيق هدف االستعادة الكاملة للتكاليف يف‬
‫المشاريع الزراعية الكربى » ‪.‬‬

‫يف إطار سياسات جانب العرض تعرضت الفقرة الرابعة لقضية‬


‫المؤسسات العامة فالحظت أن « أحد أهم عناصر برنامج الحكومة يتمثل‬
‫يف إصالح قطاع المؤسسات العامة وهو جهد يتم حاليا بمساعدة فنيين من‬

‫‪293‬‬
‫البنك الدولي ‪ .‬سيركز برنامج إصالح المؤسسات العامة يف السنة‬
‫المالية ‪ ،‬على إعادة تعمير مؤسسات بعينها ‪ ،‬واالرتقاء بكفاءة اإلدراءة‬
‫وزيادة إنتاجية العمل ‪ ،‬وإدخال سياسات واقعية للتسعير ‪ ،‬واتباع النهج‬
‫التجاري يف اتخاذ القرارات داخل المؤسسات كذلك تعتزم الحكومة ‪،‬‬
‫خالل السنة ‪ ،‬اتخاذ قرارات تتعلق بمستقبل عدد من المؤسسات من‬
‫حيث االحتفاظ هبا أو إلغائها أو بيعها للقطاع الخاص حسب مقتضيات‬
‫الحال ‪ .‬وقبل حلول األول من يناير ‪ 1988‬تنوي الحكومة إعداد خطة‬
‫عمل شاملة ‪ ،‬لمناقشتها مع موظفي البنك الدولي ‪ ،‬تعنى بمعالجة‬
‫المشاكل الهيكلية للمؤسسات وباألخص ‪ ،‬زيادة كفاءاهتا اإلنتاجية حتى‬
‫يتسنى لها يف أول أمر خدمة الديون الموسمية والتسهيالت التي تتلقاها‬
‫من القطاع المصريف ‪ ،‬ولتتمكن من خلق فوائض يف هناية المطاف‬
‫ألغراض التكوين الصايف لرأس المال ‪ ،‬ولضمان عائد مقبول على‬
‫االستثمارات الحكومية» ‪.‬‬

‫اختصت الفقرة الخامسة بالقطاع الخاص والحظت أن مساهمة هذا‬


‫القطاع يف التنمية االقتصادية للقطر قد كانت دون إمكاناته لعدد من‬
‫السنوات وعليه « تلتزم بخلق الظروف المالئمة لتشجيع إعادة حيوية‬
‫القطاع الخاص وتركز على خلق مناخ الثقة الذي من شأنه المساهمة يف‬
‫زيادة االدخار واالستثمار لهذا القطاع وتشتمل خطة عمل الحكومة يف‬
‫هذا الخصوص على العناصر التالية ‪:‬‬

‫‪294‬‬
‫أوال ‪ :‬يف إطار خطة اإلنقاذ الرباعي ‪ ،‬تعتزم الحكومة خالل السنة‬
‫المالية الجارية ‪ ،‬اإلعالن عن سياسة متكاملة حول دور القطاع الخاص يف‬
‫السودان ‪ .‬وسيتضمن هذا اإلعالن ‪ ،‬كخطوة أولية ‪ ،‬إدخال مراجعة‬
‫شاملة للقوانين والضوابط التي تحكم االستثمار الخاص بغرض ضمان‬
‫توفر عوائد مرضية للمستثمرين ‪ ،‬ضمن أشياء أخرى ‪ .‬وستقوم الحكومة‬
‫أيضا بتوفير الدعم الهيكلي للقطاع الخاص بما يف ذلك تقوية مكتب‬
‫االستثمار ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تشجيع االستثمار بواسطة القطاع الخاص ‪ ،‬تعتزم الحكومة‬


‫تنفيذ مجموعة من السياسات هتدف إلى زيادة تدفق تحويالت السودانيين‬
‫العاملين بالخارج ‪ .‬وبجانب تبني سياسة سعر صرف مالئمة ‪ ،‬تنوي‬
‫الحكومة الدخول يف عدد من المشروعات المشرتكة كما تعتزم تقديم‬
‫الدعم الستنباط المشروعات القابلة للتمويل ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬تدرك الحكومة أن أغراض استثمار مدخرات القطاع الخاص‬


‫وأغراض القيام باستثمارات منتجة وذات كفاءة تتطلب إصالحات كربى‬
‫يف القطاع المصريف ‪ .‬ويف هذا اإلطار فإن التغييرات العشوائية يف القطاع‬
‫المصريف منذ سبتمرب ‪1984‬م قد تم فهمها الصحيح على أهنا عاقت‬
‫المصارف يف لعب دورها المطلوب يف االقتصاد ‪ ،‬حيث تسببت يف تعويق‬
‫أداء وظيفة التوسط المالي متطلبة بذلك اللجوء إلى إجراءات إدارية‬
‫شاملة يف توزيع االئتمان ‪ .‬وعليه تخطط الحكومة لمقابلة هذه المشاكل‬

‫‪295‬‬
‫من خالل ثالث وسائل أساسية ‪ :‬األولى هي إزالة كل أشكال عدم التيقن‬
‫المؤسس من خالل إدخال نظام «العائد التعويضي» والذي سيتحدد يف‬
‫ظله معدل العائد على أساس معدل التضخم والفئات العادية للعمليات‬
‫المصرفية ‪ .‬ولهذا الغرض فسيتم عرض مسودة القانون الخاصة بذلك‬
‫على الجمعية التأسيسية قبل األول من أكتوبر ‪ ، 1987‬وسيتم إدخال هذا‬
‫التغيير يف إطار النظام المصريف اإلسالمي السائد حاليا ‪ .‬الوسيلة الثانية ‪،‬‬
‫والتي ستستخدم بعد إحداث اإلصالح المؤسسي ‪ ،‬هي أن تراجع‬
‫الحكومة تركيبة الفئات على القروض والعائد على االدخار هبدف تشجيع‬
‫االدخار وضمان التوزيع األكفأ للموارد ‪ .‬أما الوسيلة الثالثة فتتمثل يف‬
‫نوايا الحكومة الرامية إلى التقليل التدريجي يف اإلجراءات اإلدارية التي‬
‫تتحكم يف توزيع االئتمان واستبدالها باألدوات التقليدية ‪ .‬إال أنه يف‬
‫الظروف الراهنة سيكون من الضروري االستمرار يف تحديد السقوف‬
‫االئتمانية للقطاع الخاص ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬لقد كان أحد أهم العوامل التي أثرت سلبا على أداء القطاع‬
‫الخاص يف الماضي هو تطبيق ضوابط على األسعار واألرباح حيث‬
‫حدت هذه الضوابط من الطاقة االستثمارية للقطاع وساعدت أيضا على‬
‫نمو اقتصاد مواز كبير الحجم ‪ .‬على الرغم من اعتقاد الحكومة أن‬
‫الظروف الراهنة توجب الحفاظ على ضوابط األسعار واألرباح لعدد من‬
‫السلع االسرتاتيجية والسلع الحساسة اجتماعيا ‪ ،‬إال أهنا قد بدأت تنفيذ‬

‫‪296‬‬
‫خطوات لتهدئة اآلثار السلبية لهذه الضوابط ‪ .‬فقد تبنت الحكومة خالل‬
‫السنة الجارية برنامجا يهدف إلى ‪ :‬أ) تحديد األسعار على أساس حساب‬
‫التكلفة الكاملة والواقعية لكل مدخالت اإلنتاج ‪ .‬ب) تحقيق عائد مجز‬
‫على رأس المال يأخذ يف االعتبار البيئية التصخمية ‪ .‬ج) اتخاذ قرارات‬
‫األسعار بطريقة سريعة» ‪.‬‬

‫اهتمت الفقرة السادسة بالربط بين سياسات جانبي العرض والطلب «‬


‫تدرك الحكومة أن الواقع اإليجابي لسياسات تشجيع العرض سوف لن‬
‫يتأتى إذا لم تتخذ خطوات من جانب إلزالة القيود المفروضة على اإلنتاج‬
‫والمرتتبة على الشح يف النقد األجنبي وإذا لم تتخذ خطوات من جانب‬
‫آخر لتهدئة معدالت نمو االستيعاب المحلي والتضخم ‪ .‬وعليه تعتزم‬
‫الحكومة إدخال إصالح جوهري يف نظام سعر الصرف واتخاذ إجراءات‬
‫الحتواء النمو يف التوسع النقدي » ‪.‬‬

‫تناولت الفقرة السابعة قضية سعر الصرف ‪ « :‬يف الجانب الخارجي ‪،‬‬
‫فقد قررت الحكومة توحيد أسعار الصرف على مستوى يتوافق مع‬
‫الحاجة إلى تقوية حوافز اإلنتاج والتصدير ‪ .‬وسوف ينطبق السعر على‬
‫كل المعامالت التي تتم بالنقد األجنبي سواء كانت هذه المدفوعات أو‬
‫إيرادات ‪ ،‬كما وأنه كمبدأ عام سيسمح لمستوى األسعار يف التكيف‬
‫الكامل ليعكس التغييرات يف أسعار الصرف ‪ .‬إال أنه على المدى القصير‬
‫تعتزم الحكومة حماية أسعار بعض السلع الهامة وذلك هبدف تقوية‬

‫‪297‬‬
‫احتماالت القبول االجتماعي لتعديالت الصرف من ناحية وهتدئة الوضع‬
‫على تكلفة المعيشة وتكلفة اإلنتاج من ناحية أخرى ‪ .‬وعليه فإن أسعار‬
‫الخبز واألدوية والجازولين ومشتقاته سوف تظل كما هي ‪ .‬هذا وسوف‬
‫يضمن الدعم الناتجة للحفاظ على األسعار المحلية يف مستويات أقل من‬
‫تكلفة الوارد بحسابات سعر الصرف الجديد ‪ ،‬سوف يضمن هذا الدعم‬
‫يف الميزانية كما سوف يتم تمويله بموارد منها ‪( :‬انظر الجدول رقم ‪. )1‬‬
‫أما الهدف على المدى الزمني المتوسط سيكون تعديل األسعار لتعكس‬
‫استعادة التكلفة كاملة بغرض التخفيض التدريجي ‪ ،‬واإلزالة يف هناية‬
‫المطاف ‪ ،‬لعبء دعم األسعار من الميزانية » ‪.‬‬

‫اهتمت الفقرة الثامنة بالسيولة المحلية والحظت أنه لتعضيد سياسات‬


‫سعر الصرف فإن الحكومة تعتزم تطبيق إجراءات نقدية ومالية للحد من‬
‫النمو اإلجمالي للسيولة المحلية ليصبح بمعدل ‪ %33‬يف عام ‪1988/87‬‬
‫مقارنا بمعدل ‪ %34‬يف عام ‪ . 1987/86‬هذا وسيتطلب تحقيق التوسع‬
‫النقدي المتبقي يف السنة الجارية جهدا ماليا كبيرا بما حدا بالحكومة إلى‬
‫اتخاذ قرار بتنفيذ إجراءات مالية إضافية (تعادل حوالي ‪ %3‬من الناتج‬
‫المحلي اإلجمالي للعام) ‪ .‬وتتضمن هذه اإلجراءات زيادة أسعار‬
‫منتجات البنزين والسكر من جانب وزيادة حصيلة ضرائب الواردات‬
‫وضريبة االستهالك على األسمنت وضرائب أخرى ‪( .‬انظر جدول رقم‬
‫‪ . )2‬بينما ستؤدي زيادة أسعار السلع األساسية ‪ ،‬باإلضافة إلى آثار تعديل‬

‫‪298‬‬
‫سعر الصرف ‪ ،‬إلى زيادة ضغوط المطالبات بتعديل األجور والمواهي ‪،‬‬
‫فإن الحكومة تنوي تأجيل هذه االعتبارات لميزانية ‪ ، 1989/88‬كما‬
‫تنوي الحكومة حصر التكلفة اإلضافية للنقد األجنبي يف الميزانية وتكلفة‬
‫تعديل الحد األدنى لألجور إلى ‪ %10‬من المصروفات التي تم تقديرها يف‬
‫الميزانية األصلية (باستبعاد مدفوعات الفائدة على الديون الخارجية) ‪.‬‬

‫أما الفقرة التاسعة فقد أوردت نوايا الحكومة فيما يتعلق بتقوية عملياهتا‬
‫المالية يف إطار زمني متوسط المدى حيث ستقوم الحكومة باتباع‬
‫سياسات من شأهنا «أوال زيادة نسبة اإليرادات للناتج المحلي اإلجمالي‬
‫هبدف تحقيق فائض يف الحساب الجاري ‪ .‬وثانيا التوسع يف برنامج‬
‫االستثمار العام بالتشاور مع البنك الدولي وثالثا تخفيض اعتماد الميزانية‬
‫على المساعدات الخارجية ‪ .‬ورابعا احتواء الحاجة إلى التمويل من‬
‫الجهاز المصريف يف حدود آمنة تمليها اعتبارات احتواء معدل التضخم يف‬
‫مستوى معقول» ‪.‬‬

‫اهتمت الفقرة العاشرة باالئتمان الممنوح للقطاع العام وأهمية الحد‬


‫منه كخطوة معضدة لإلجراءات المالية المذكورة أعاله ‪ « .‬وكما سبقت‬
‫اإلشارة إليه يف الفقرة الرابعة (من الربنامج) ‪ ،‬فإن الحكومة قد قررت‬
‫إدخال إصالحات جوهرية يف قطاع المؤسسات العامة ‪ .‬وبينما سيؤدي‬
‫هذا إلى تقوية الموقف المالي لهذه الوحدات على المدى الزمني‬
‫المتوسط ‪ ،‬إال أنه من غير المتوقع أن يؤدي إلى تخفيض اعتمادها على‬

‫‪299‬‬
‫القطاع المصريف يف عام ‪ . 1988/87‬باإلضافة إلى ذلك ‪ ،‬فإن‬
‫االحتياجات اإلجمالية لالئتمان يف القطاع العام سوف تزداد ‪ ،‬إذ سوف‬
‫لن يستفيد قطاع القطن من انخفاض مخزونه كما حدث يف عام‬
‫‪ 1987/86‬عندما تم التخلص من كميات كبيرة ‪ .‬وعليه ‪ ،‬فيتوقع أن‬
‫تزداد التسهيالت االئتمانية الممنوحة للقطاع العام بحوالي ‪ 830‬مليون‬
‫جنيه سوداين مقارنة بحوالي ‪ 526‬مليون جنيه سوداين للعام السابق (انظر‬
‫الجدول رقم (‪ ، ) )3‬أما فيما يتعلق بعمليات بناء المخزونات السلعية‬
‫فإن الحكومة تؤكد عزمها على عدم تكرار تجربة تمويل الذرة والحبوب‬
‫الزيتية يف العام الحالي ‪ ،‬حيث تطلبت هذه العمليات لعام ‪1978/86‬‬
‫حوالي ‪ 870‬مليون جنيه سوداين ‪ .‬ويف حقيقة األمر ‪ ،‬فإن جزءا كبيرا من‬
‫مخزونات هذه السلع قد تم بيعة وسوف يتم شحنه يف الشهور القليلة‬
‫القادمة ‪ .‬باإلضافة إلى ذلك فإن الحكومة تعتزم اتخاذ الخطوات الالزمة‬
‫للسماح بمساهمة أكرب للقطاع الخاص يف تسويق المحاصيل ‪ ،‬وعليه فإن‬
‫التمويل االئتماين لقطاع المؤسسات سينخفض بحدة ‪ .‬كذلك تعتزم‬
‫الحكومة اتخاذ خطوات لضمان عدم استخدام االئتمان الممنوح للقطاع‬
‫الخاص ألغراض المضاربة ‪ .‬بالرغم من كل ذلك ‪ ،‬وألغراض ضمان‬
‫عدم تعويق نشاطات القطاع الخاص من جراء عدم وجود التمويل‬
‫الكايف ‪ ،‬فإن الحاجات الحقيقية لتمويل اإلنتاج والتجارة سيتم مقابلتها ‪،‬‬
‫األمر الذي سيعني اعتماد القطاع الخاص على تمويل مصريف يبلغ نحو‬

‫‪300‬‬
‫‪ 850‬مليون جنيه ‪ .‬هذه االعتبارات ‪ ،‬باإلضافة إلى اإلجراءات المالية‬
‫المذكورة أعاله ‪ ،‬ستسمح بتخفيض نمو السيولة المحلية إلى ‪ %23‬من‬
‫عرض النقود ابتداء من يونيو ‪. »1987‬‬

‫تناولت الفقرة الحادية عشرة تقديرات الدعم من األسرة الدولية‬


‫لربنامج الحكومة فالحظت أن «سياسات التكيف لعام ‪ 1988/87‬سوف‬
‫تقوي من مقدرة االقتصاد إلحداث دفعة مؤزرة يف المدى الزمني‬
‫المتوسط نحو مزيد من اإلنتاج للصادر وإنتاج بدائل الواردات ومن‬
‫تخفيض االعتماد على المساعدات الخارجية ‪ .‬إال أنه ونظرا إلى الجذور‬
‫العميقة لمشاكلنا ذات الطبيعة الهيكلية ‪ ،‬فإن التوسع يف طاقتنا للحصول‬
‫على موارد نقد أجنبية صافية خالل السنة األولى سيكون محدودا ‪ .‬وعليه‬
‫فإن توفير السلع االستهالكية الضرورية ومدخالت اإلنتاج باإلضافة إلى‬
‫تطبيع عالقاتنا المالية الخارجية مع دائنينا وزيادة معقولة يف احتياجاتنا‬
‫الدولية ألغراض إكمال المعامالت ‪ ،‬وهي كليها أمور محورية لجهود‬
‫التكيف التي نبذلها سوف تتطلب دعما إضافيا هائال من األسرة الدولية‬
‫يقدر بحولي ‪ 4845‬مليون دوالر أمريكي (انظر جدول رقم ‪ )4‬يف شكل‬
‫تخفيف للديون ومساعدات نقدية وسلعية بشروط ميسرة للغاية» ‪.‬‬

‫اختصت الفقرة الثانية عشرة بتلخيص أهم ما ورد يف الوثيقة من‬


‫سياسات وما يتوقع من آثار لتنفيذ هذه السياسات وتأكيد عزم الحكومة‬
‫على المضي قدما يف اتباع توصيات الصندوق ‪« :‬كما هو واضح يف‬

‫‪301‬‬
‫الفقرات السابقة ‪ ،‬فإن مجموعة السياسات لعام ‪ 1988/87‬تشتمل على‬
‫تعديالت ذات مغزى يف سعر الصرف ‪ ،‬وزيادات يف عدد من األسعار‬
‫الرئيسية ذات الحساسية االجتماعية ‪ ،‬وزيادة محسوسة يف عبء الضرائب‬
‫انعكست يف الجهد الكبير لزيادة اإليرادات ‪ ،‬وحصر أكثر لإلنفاق‬
‫الحكومي الحقيقي ‪ ،‬وتخفيض ذو مغزى يف نمو السيولة المحلية ‪ .‬إن‬
‫تأثير هذه اإلجراءات الحاسمة والقاسية سيخترب حد التسامح لمواطنينا ‪.‬‬
‫وبينما نحن مصممون على تأزير وتعضيد هذه اإلصالحات ‪ ،‬نود ضمان‬
‫إمدادات كافية من السلع التي ستزداد أسعارها على أقل تقدير قبيل تنفيذ‬
‫هذه الخطوات وذلك لتأكيد وفرة هذه السلع يف آن واحد مع تعديل‬
‫أسعارها ‪ .‬على ضوء حالة الندرة المحلية للسلع األساسية وعلى ضوء‬
‫هشاشة البيئة االجتماعية والسياسية السائدة ‪ ،‬سوف نتوقع جزءا من‬
‫الدعم العالمي حاال حتى يتسنى هتيئة الشروط المسبقة للنجاح ‪ ،‬وعدم‬
‫النكوص عن تنفيذ أسعار البنزين والسكر ‪ .‬ويف جانب اإلنتاج ‪ ،‬فإن‬
‫سياسات عام ‪ 1988/87‬ستتطلب ‪ ،‬ضمن أشياء أخرى ‪ ،‬توفير‬
‫مدخالت اإلنتاج ألهم السلع الزراعية والصناعية ‪ ،‬وتشجيع النشاطات‬
‫اإلنتاجية للقطاع الخاص من خالل سد النقص يف مدخالت اإلنتاج‬
‫المستوردة وتحسين الجو العام ‪ ،‬وإعادة إعمار األصول الرأسمالية يف‬
‫القطاع العام ‪ .‬وعليه نود أن نناقش مع المجموعة المانحة للعون توفير‬
‫التمويل الخارجي الالزم يف أقرب وقت ممكن حتى نتمكن من تحسين‬

‫‪302‬‬
‫استغالل الطاقة الصناعية ‪ ،‬وزيادة اإلنتاجية يف قطاع المؤسسات العامة ‪،‬‬
‫وضمان استمرارية نمو اإلنتاج الزراعي» ‪.‬‬

‫يف الفقرة الثالثة عشرة أعلنت الحكومة تعهدها بمقابلة التزاماهتا‬


‫الخارجية ذات الشرعية وعربت عن رغبتها يف تطبيع عالقات السودان مع‬
‫دائنيه بما يف ذلك تسوية متأخرات الصندوق ‪ ،‬وتعرتف الحكومة كذلك‬
‫بأن تركيبة الديون السودانية تجعل من المستحيل خلق موارد محلية كافية‬
‫لمقابلة االلتزامات الخارجية « ومن ثم فإن جهودنا يف هذا المجال‬
‫ستتطلب عونا عالميا يف شكل إعفاء وإعادة جدولة للديون على أساس‬
‫ممعن يف اليسر من جانب البنوك التجارية وأعضاء نادي باريس والدائنين‬
‫الثنائيين اآلخرين ‪ .‬كما سنحتاج لموارد ميسرة إضافية لمقابلة تلك‬
‫االلتزامات التي ال تقبل إعادة الجدولة ‪ .‬ويف هذا اإلطار فإننا نعطي أولوية‬
‫قصوى للوصول إلى اتفاقية مالية مقبولة مع المجموعة المانحة للعون من‬
‫شأهنا أن تساعدنا يف تسوية مدخراتنا للصندوق ‪ .‬وعند تسوية هذه‬
‫المتأخرات ‪ ،‬أو إذا تم التوصل إلى ترتيبات ملزمة لتحقيق هذا الغرض ‪،‬‬
‫فنود أن نعقد مباحثات مع الصندوق الستخدام موارده » ‪.‬‬

‫االتفاق االنبطاحي ‪:‬‬

‫استندت معظم المناقشات المعمقة التي دارت ‪ ،‬خالل شهر أكتوبر ‪،‬‬
‫حول ما سمي باالتفاق مع صندوق النقد الدولي على ما نشرته صحيفة‬

‫‪303‬‬
‫األيام بتاريخ ‪ 4‬أكتوبر ‪ ، 1987‬إذ لم تكن الوثيقة متاحة يف ذلك الوقت‬
‫لمعظم الذين اشرتكوا يف النقاش العام ‪.‬‬

‫يف ندوة نشرت مداوالهتا بمجلة األشقاء بتاريخ ‪ 13‬أكتوبر تقدمنا بعدد‬
‫من المالحظات األولية حول االتفاق استندنا يف التوصل إليها على‬
‫المعلومات التي كانت متاحة يف ذلك الوقت عن طريق صحيفة األيام ‪.‬‬
‫ولقد كانت هذه المالحظات تدور حول القضايا التالية والتي سنتبناها يف‬
‫تعليقنا الحالي ‪:‬‬

‫أ‪ -‬انبطاحية االتفاق والمصداقية ‪.‬‬


‫ب‪ -‬سودانية االتفاق ‪.‬‬
‫ج‪ -‬قيمة الجنيه السوداين ‪.‬‬
‫د‪ -‬عملية التفاوض ‪.‬‬
‫هـ‪ -‬مصداقية المعلومات ‪.‬‬
‫و‪ -‬استخدام جهاز اإلعالم ‪.‬‬
‫ز‪ -‬وجود البدائل ‪.‬‬

‫أ‪ -‬انبطاحية االتفاق ‪ :‬يف كلمته االفتتاحية لمؤتمر إدارة االقتصاد‬


‫الوطني الذي نظمه مركز الدراسات والبحوث اإلنمائية يف الثامن‬
‫والعشرين من يناير ‪ 1987‬تعهد السيد رئيس الوزراء برتشيد االنفتاح‬
‫الخارجي حيث قال ما نصه ‪ « :‬نحن نعتقد أن من بين السلبيات الموروثة‬

‫‪304‬‬
‫من العهد المباد أن ننبطح أمام كل محسن ومتصدق ومساهم ومساعد‬
‫ومعين ‪ .‬هذا االنبطاح ال بد أن نضع له حد ‪ ...‬ألننا هبذا االنبطاح يف‬
‫الواقع نخلق ذهنية االتكال والتسول وهي ذهنية اآلن مخلوقة فينا ونحن‬
‫ينبغي أن نتخلص منها ‪ ..‬وسنلتزم نحن الحكومة أن نخرج هذه الشوكة‬
‫سنة ‪ ..‬سنة ‪ ..‬ونحن بصدد هذا المشروع الذي نرجو أن نتخلص به من‬
‫هذه الشوكة ‪ ...‬ونرجو أن نعمل معا بكل الوسائل للوصول لتلك الغاية‬
‫آملين أن نستخدم ما نستخدم اآلن من عون أجنبي إلهناء االتكال على‬
‫العون األجنبي يف المستقبل القريب إن شاء اهلل ‪»..‬‬

‫يف مؤتمره الصحفي الذي نقلته اإلذاعة والتلفزيون وأجهزة اإلعالم‬


‫األخرى تباهى وزير المالية بأن األسرة الدولية قد التزمت بمساندة‬
‫االتفاق بنحو ‪ 9,4‬بليون دوالر أمريكي على مدى أربعة أعوام ‪ .‬ونالحظ‬
‫سريعا أن هذا التباهي قد استند على قراءة خاطئة لألرقام الواردة يف‬
‫الجدولين رقم (‪ )1‬و(‪ )2‬ومن الوثيقة وهي أرقام للعام المالي‬
‫‪ 1988/1987‬وليس ألربعة أعوام ‪ ،‬وتختص أساسا بسد الفجوة يف‬
‫ميزان المدفوعات (جدول رقم ‪ )4‬والتي عادة ما يمكن ترجمتها على‬
‫أساس الفجوة يف الميزانية (جدول رقم (‪ . )1‬ويتضح من الجدول رقم‬
‫(‪ )1‬أن االتفاق يتطلب دعما خارجيا إضافيا بما يعادل ‪ %88‬من الناتج‬
‫المحلي اإلجمالي ‪ %44 :‬منها يف شكل عون نقدي وسلعي إضايف و‬

‫‪305‬‬
‫‪ %42,6‬يف شكل خدمات ديون إضافية و ‪ %1,4‬يف شكل تمويل صايف‬
‫إضايف للميزانية ‪.‬‬

‫ومهما يكن من أمر الخطأ الفني يف محاولة تباهي وزير المالية ‪ ،‬وإذا‬
‫كانت نسبة االعتماد على كل «محسن ومتصدق ومساهم ومساعد‬
‫ومعين» هي أهم مؤشرات «االنبطاحية» حسب تعريف السيد رئيس‬
‫الوزراء ‪ ،‬فيصبح هذا االتفاق انبطاحيا ‪.‬‬

‫والحق يقال أن هنالك مؤشرات أخرى لإلمعان يف االنبطاحية تتجلى‬


‫عند قراءة نص الوثيقة ‪ .‬فكما يالحظ أن السودان قد التزم بتنفيذ ‪ ،‬ونفذ‬
‫فيما بعد ‪ ،‬كل ما طلب منه فيما يتعلق بالسياسات االقتصادية ‪ ،‬بينما لم‬
‫يتعهد صندوق النقد الدولي أو األسرة الدولية بمقابلة أي نوع من‬
‫االلتزامات وهو أمر عربت عنه وثيقة االتفاق باستخدام لغة «نود ضمان‬
‫إمدادات كافية من هذه السلع ‪ ...‬ونود أن نناقش مع المجموعة المانحة‬
‫للعون توفير التمويل الالزم يف أقرب وقت ممكن» كما ورد يف الفقرة‬
‫الثانية عشرة ولغة «فإن جهودنا يف هذا المجال ستتطلب عونا عالميا ‪»...‬‬
‫كما ورد يف الفقرة الثالثة عشرة ‪.‬‬

‫كذلك الحال االنبطاحي عند تعرض الوثيقة لوصف الحالة‬


‫االجتماعية والسياسية يف القطر ‪ .‬ففي الفقرة الثانية عشرة والتي أوردت‬

‫‪306‬‬
‫اعرتافا صريحا لما يتوقف لسياسات الصندوق من آثار ‪ ،‬تقول الحكومة‬
‫المنتخبة ‪:‬‬

‫أ‪ -‬إن اإلجراءات التي اتخذت حاسمة وقاسية ولكن ستستمر‬


‫الحكومة يف تطبيقها بطريقة مؤازرة ‪.‬‬

‫ب‪ -‬إن اآلثار التي سترتتب على هذه اإلجراءات ستخترب حد‬
‫التسامح عند المواطنين ‪.‬‬

‫ج‪ -‬إن السودان بلد يعاين من حالة ندرة يف السلع وهشاشة يف‬
‫الرتكية االجتماعية والسياسية ‪.‬‬

‫وهذه يف مجملها مالحظات انبطاحية توحي للقارئ الحاذق بأن‬


‫هنالك دائرة انتخابية خارج حدود السودان قامت بانتخاب ما يسمى‬
‫بالحكومة المنتخبة وإال ‪ :‬لماذا ترغب الحكومة يف تنفيذ إجراءات قاسية‬
‫على شعبها ولماذا ترغب يف اختبار حد التسامح الشعبي وما الغرض من‬
‫التأكيد على حالة الهشاشة المجتمعية والسياسية للقطر ؟؟؟‬

‫ب‪ -‬سودانية االتفاق ‪ :‬يف بيانه الذي نشر يف صحيفة األيام وتحت‬
‫عنوان فوائد عرب عام ونصف العام من المفاوضات ‪ ،‬ذكر السيد وزير‬
‫المالية أنه قد تم «تحديد المسائل التي نود الحصول عليها يف المفاوضات‬

‫‪307‬‬
‫مع الصندوق يف شكل نقاط محددة وتحديد الحد األدنى برؤية‬
‫سودانية» ‪ ،‬وهو أمر أصبح يعرف بمقرتح سودانية االتفاق ‪.‬‬

‫ورأينا أن هذا االدعاء ال أساس له من الصحة والدليل على ذلك أوال‬


‫ما سبق والحظناه من القراءة الخاطئة لمدلوالت األرقام يف الجدولين‬
‫(‪ )1‬و(‪ )4‬من الوثيقة بوساطة السيد وزير المالية ‪ ،‬وثانيا ‪ ،‬هو تطابق‬
‫محتويات الوثيقة مع وثائق الصندوق خالل الفرتة االنتقالية والتي سبق‬
‫وأن أوردناها يف الفصلين (‪ 2‬و ‪ 3‬أعاله) ‪ .‬وثالثا ما أدلى به السيد عوض‬
‫عبد المجيد وزير مالية الحكومة االنتقالية الذي استقال بسبب رفض‬
‫مجلس الوزراء لوثيقة مشاهبة حيث قال يف تصريح لصحيفة السياسة «أن‬
‫السيد وزير المالية قد اشتط بعض الشيء للدفاع يف مؤتمره الصحفي يف‬
‫المقارنة غير الصحيحة وغير العادلة بين االتفاق الذي تتوصل إليه واآلخر‬
‫الذي توصلنا إليه نحن أثناء الفرتة االنتقالية ‪ .‬ونسأل للسيد الوزير المغفرة‬
‫ونجد له العذر عن تلك الشطحة يف أهنا وردت عفو الخاطر وهو على‬
‫الهواء مباشرة يف سبيل الدعاية الشخصية لنفسه ولربنامجه بالرغم من أن‬
‫االتفاق الذي توصلنا إليه مكتوب وموقع عليه تحت يديه ‪ . »..‬واتفاق‬
‫السيد عوض عبد المجيد ‪ ،‬كما أصبح معروفا ‪ ،‬تمت صياغته وطباعته‬
‫بواسطة صندوق النقد الدولي !!‬

‫ج‪ -‬قيمة الجنيه السوداين ‪ :‬ذهب السيد وزير المالية إلى القول بأن‬
‫السودان قد قام بالتوصل إلى سعر الصرف الجديد والذي حدد بأربعة‬

‫‪308‬‬
‫جنيهات ونصف الجنيه للدوالر الواحد باتباع منهجية حساب التكلفة‬
‫الحقيقية لسلعة الصادر السودانية حتى الحدود ومقارنتها بسعر السلعة‬
‫لمعنية عالميا ‪ .‬وقال السيد الوزير أن هذه اإلجراء سوداين األصل وليس‬
‫من بنات أفكار صندوق النقد الدولي ‪ .‬كذلك ذهب السيد الوزير إلى‬
‫القول بأن الصندوق قد طالب بسعر صرف يبلغ خمسة جنيهات للدوالر‬
‫على اساس السعر السائد يف السوق السوداء وأن السودان قد أقنعه بأن‬
‫ذلك ليس واردا ‪.‬‬

‫ونالحظ سريعا أن ما ذكره السيد الوزير ما هو إال ترديد ساذج ألهم‬


‫مقرتحات منهجية تنافسية المحاصيل التي استخدمها الصندوق لتخفيض‬
‫الجنيه السوداين يف عام ‪ 1978‬ونشرت يف نشاشيبي (‪ )1980‬وتعرضت‬
‫لنقد منهجي وتطبيقي بواسطة حسين وثيرلول (‪ . )1984‬ومن ثم‬
‫فاالدعاء بسودانيتها ادعاء أجوف أيضا ‪ .‬هذا من ناحية ‪ ،‬ومن ناحية‬
‫أخرى ‪ ،‬لقد قام الصندوق بالتخلي عن هذه المنهجية بعد أن تبين له أن‬
‫التخفيضات المتعاقبة للجنيه السوداين قد أفرزت نتائج سلبية ‪ ،‬ومن ثم‬
‫انتقل إلى محاولة إحداث تخفيضات متتابعة ومستمرة عن طريق ربط‬
‫الجنيه بسلة من العمالت أثناء الفرتة االنتقالية ‪ .‬هذا ولقد سبق لنا وأن‬
‫حذرنا من عدم جدى مثل هذا اإلجراء ‪ ،‬إال أن السيد وزير مالية الفرتة‬
‫االنتقالية قد تفضل وربط الجنيه بسلة من العمالت ولم يحرك ذلك ساكنا‬

‫‪309‬‬
‫فيما يتعلق بسلوك متغيرات سوق النقد األجنبي(‪ . )1‬بعد ذلك انتقل‬
‫الصندوق إلى محاولة ثالثة إلحداث التخفيضات وذلك عن طريق إدخال‬
‫نظام مزاد العملة إال أن هذه المحاولة لم يكتب لها التطبيق حتى اآلن ‪.‬‬
‫وبعد ‪ ،‬عاد علينا وزير مالية الحكومة المنتخبة بحجة تنافسية الصادرات‬
‫التي عفا عليه الدهر حتى من وجهة نظر الصندوق وأصر على إلباسها‬
‫الثوب السوداين ‪ .‬والسؤال الذي طرحناه وال يزال يحتاج إلى إجابة هو ‪:‬‬
‫لماذا ال تطلع الحكومة على التقارير المستوفاة لديها والتي تضم من بينها‬
‫كل التقارير السرية التي يكتبها الصندوق عن السودان ؟‬

‫هذا فيما يتعلق بما أورده السيد وزير المالية ‪ .‬ونعود اآلن إلى نص‬
‫الفقرة السابقة الخاصة بقضية سعر الصرف ونالحظ ما يلي ‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن هدف التخفيض قد حدد بأنه «توحيد أسعار الصرف»‬


‫بغية تقوية حوافز اإلنتاج والتصدير ‪.‬‬

‫ب‪ -‬أنه سيسمح لمستوى األسعار العام ليعكس التغييرات‬


‫يف سعر الصرف أو ما يسمى بالمرور العابر الكامل ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫انظر الفصل الثالث ‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫ج‪ -‬أن تخفيض سعر الصرف تصخمي يف أساسه وأن الدعم‬
‫الناشئ من الحفاظ على بعض أسعار السلع الضرورية سيضمن‬
‫يف الميزانية ‪.‬‬

‫د‪ -‬أن سياسة األسعار على المدى المتوسط ستهدف إلى ما‬
‫يسمى باالستعادة الكاملة للتكلفة وإزالة العبء المالي المرتتب‬
‫على دعم السلع من الميزانية ‪.‬‬

‫ويقيننا أن القارئ الذي لم يلم بما هو محفوظ عن صندوق النقد‬


‫الدولي وتفاصيل وصفاته االقتصادية سيلمح سريعا أن المقصود من‬
‫تدابير سعر الصرف هذه هو احرتام مقررات نظرية االقتصاد الكالسيكية‬
‫المحدثة فيما يتعلق باالقتصاديات التنافسية التي تعتمد على الملكية‬
‫الرأسمالية ‪ .‬ومن ثم فإن االدعاء بأن تحديد سعر الصرف الذي اتفق عليه‬
‫على أساس منهجية سودانية هو ادعاء باطل اللهم إال إذا كان السودان قد‬
‫تبنى وجهة نظر الصندوق التقليدية وهو أمر لم يحدث ‪ .‬إذ أورد تقرير‬
‫موظفي الصندوق الخاص بمشاورات المادة الرابعة لعام ‪ 1986‬موقف‬
‫الحكومة السودانية حتى نوفمرب ‪ 1986‬على النحو والتالي ‪« :‬يف إطار‬
‫برنامج اإلنقاذ أوضحت الحكومة أهنا تقف من حيث المبدأ مع أهداف‬
‫توحيد ومرونة سعر الصرف إال أهنا أهداف للمدى المتوسط ‪..‬‬
‫والحكومة ليست يف وضع يمكنها من تحديد برنامج زمني لتحقيق توحيد‬
‫سعر الصرف وليس لديها استعداد إلحداث تعديل ذي مغزى ‪ ..‬هذا‬

‫‪311‬‬
‫وستتبنى الحكومة طريقة تعديل سعر صرف الصادرات من خالل تحويل‬
‫المعامالت من السوق الرسمي للسوق التحفيزي والتعامل مع تحويالت‬
‫المغرتبين بوسائل أخرى ‪»..‬‬

‫كذلك عرب السيد رئيس الوزراء ‪ ،‬يف تصريحات صحفية أدلى هبا‬
‫لصحيفة الشرق األوسط ونقلتها صحيفة األيام الصادرة بتاريخ‬
‫‪ ، 1987/5/19‬عن هذا الموقف بمالحظته أن السودان قد استطاع‬
‫اسرتداد «ثقة كل الصناديق العربية واألجنبية فاستأنفت التعامل معنا ‪ ،‬أما‬
‫االتفاق مع صندوق النقد الدولي فيتوقف على تحديد سعر العملة وذلك‬
‫بعد إصرارنا على أن يكون اإلصالح بمشروعنا وليس بناء على خطة‬
‫البنك ‪ ..‬مطلوب منا توحيد سعر العملة وهذا يمكن أن يتم بعد أربع‬
‫سنوات ‪ ،‬أما اآلن فقد أدخلنا إجراءات معينة لتحفيز الصادر بمعاملته‬
‫بسعر العملة الحرة والتوحيد يف السعر نتوقع له أن يكون يف هناية مدة‬
‫اإلصالح المتوسط التي حددناها بأربعة أعوام» ‪.‬‬

‫بمعنى آخر ‪ ،‬حتى مايو ‪ 1987‬كان رأي الحكومة السودانية يقول‬


‫بأهمية اتباع سياسة تعددية أسعار الصرف يف ظروف السودان‬
‫االقتصادية ‪ ،‬وهو رأي يستند على اإلجماع الذي تبلور يف المؤتمر‬
‫االقتصادي القومي من ناحية ويسنده فشل التجربة األولى التي أجراها‬
‫الصندوق يف السودان خالل الفرتة ‪ 1985 – 1978‬وتؤيده النتائج‬
‫النظرية التي توصل إليها من ضمن آخرين ‪ .‬إسالم (‪. )1984‬‬

‫‪312‬‬
‫د‪ -‬عملية التفاوض والمصداقية واإلعالم ‪:‬‬

‫وهذه أمور وإن بدت منفصلة إال أهنا ترتكز جميعها على محور‬
‫المصداقية السياسية والفنية ‪ .‬فعلى سبيل المثال ‪ ،‬يف ندوة بجامعة‬
‫الجزيرة عقدت يف أغسطس ‪ 1985‬اقرتح الدكتور بشير عمر ‪ ،‬ولم يكن‬
‫وقتها وزيرا ‪ ،‬إنشاء ديوان للمفاوض العام وردد هذا االقرتاح يف سلسلة‬
‫الندوات التي اشرتك فيها بعد ذلك يف الخرطوم خصوصا فيما يتعلق ببيان‬
‫أكتوبر ‪ 1985‬حول السياسات المالية واالقتصادية لحكومة السودان ‪.‬‬

‫يف بيانه الذي أذاع من خالله نبأ التوصل إلى اتفاق مع الصندوق قال‬
‫السيد الوزير أنه قد تم « تكوين وفد سوداين مفاوض يتسم بالتنسيق‬
‫والتعاون ووحدة الرؤية والغرض ‪ . »..‬هذا وقد سبق لنا وأن شرحنا‬
‫الظروف التي استعدت فيها الوكاالت المتخصصة بوزارة المالية إلجراء‬
‫المناقشات مع بعثة الصندوق ‪ ،‬وهي ظروف إن دلت على شيء إنما تدل‬
‫على أن الوفد السوداين قد تم تكوينه يف عجالة وارتجال ‪ .‬دع عنك‬
‫ظروف تكوين ما سمي باللجنة االستشارية والتي كان تكوينها قبل يوم‬
‫فقط من وصول بعثة الصندوق والذي إن دل على شيء إنما يدل على‬
‫محاولة إدارة االقتصاد عن طريقة «الفهلوة» إن لم نقل «الهرجلة» ‪ .‬ومهما‬
‫يكن من أمر أسلوب تكوين الوفد السوداين المفاوض ‪ ،‬إال انه ينبئ بأنه ال‬
‫يتوافق مع ما سبق للسيد الوزير وأن اقرتحه ‪ ،‬إذ تتضمن فكرة «الديوان»‬
‫خلق جهاز متخصص يعطي كل وقته ألمور التفاوض ‪ .‬وعلى أية حال ‪،‬‬

‫‪313‬‬
‫يبقى السؤال إذا توصل «الديوان الخاص» لوزير المالية التفاق مع‬
‫صندوق النقد الدولي مماثل إن لم يكن مطابقا التفاقات العهد البائد ‪،‬‬
‫ففيما إذن الهجوم المنهجي على ذلك العهد وعلى السيد وزير مالية‬
‫الحكومة االنتقالية ؟؟‬

‫ويف خصوص التفاوض ربما كان مفيدا مالحظة أن لجنة تقويم العالقة‬
‫مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ‪ ،‬والتي كوهنا السيد الوزير يف‬
‫يونيو ‪ 1986‬وسلمت تقريرها يف أغسطس من نفس العام ‪ ،‬كانت قد‬
‫أوصت بالتالي ‪« :‬ترى اللجنة أنه ويف إطار وضع أسس جديدة للتعامل‬
‫مع المؤسسات الدولية ضرورة فريق يتسم بالثبات – من ذوي الدراية‬
‫العلمية والعملية من التنفيذيين واألكاديميين لإلعداد والتفاوض مع كل‬
‫المؤسسات الدولية اإلقليمية بما يف ذلك البنك الدولي وصندوق النقد‬
‫على أساس البدائل السودانية المقرتحة مع تأكيدها بأن هذا يشكل جزءا‬
‫هاما من تنفيذ تلك السياسات وتحقيق أهدافها ‪».‬‬

‫وبعد ‪ .‬فإن سلوك السيد الوزير فيما يتعلق بعملية التفاوض يدل على‬
‫فقدانه للمصداقية السياسية ‪ .‬وربما كان بمقدور السيد الوزير فقدان‬
‫المصداقية السياسية ‪ ،‬بحسبانه أكاديميا يف المقام األول ‪ ،‬إال أن مصداقيته‬
‫الفنية تعرضت لكثير من الشروخ أيضا ‪ .‬فقد أوردت صحيفة األيام يف‬
‫عددها الصادر يوم األربعاء ‪ 1987/10/17‬ما يلي « نفى مصدر باللجنة‬
‫المركزية لتوزيع األسمنت أية زيادات جديدة لسعر طن األسمنت‬

‫‪314‬‬
‫المعمول به اآلن وهو ‪ 502‬جنيه تلسيم المصنع و‪ 550‬جنيها تسليم‬
‫الخرطوم ‪ .‬وقال إن ما أعلنه السيد وزير المالية من زيادة لسعر طن‬
‫األسمنت من ‪ 300‬إلى ‪ 400‬جنيه خاطئ وبني على معلومات غير‬
‫صحيحة خاصة أن السعر الحالي يفوق الزيادة بـ ‪ 102‬جنيه ‪ .‬فيما قال‬
‫السيد أمين بابكر مدير مكتب شركة األسمنت بالخرطوم أن الشركة لم‬
‫تتسلم أي إخطار يفيد بزيادة سعر طن األسمنت يف ذات الوقت الذي‬
‫يفوق فيه السعر الحالي لطن األسمنت ما أعلنه السيد وزير المالية » !!!‬

‫وداللة هذا التصريح واضحة فيما يتعلق بصحة المعلومات التي أدلى‬
‫هبا السيد الوزير عن اتفاقه وتشكك كذلك يف القاعدة المعلوماتية التي‬
‫استند عليها فريق التفاوض السوداين عندما دخل لقاعة المفاوضات مع‬
‫بعثة الصندوق ‪.‬‬

‫أما يف مجال اإلعالم ‪ ،‬أوردت صحيفة األيام الصادرة يوم‬


‫‪ 1987/10/7‬أن اللجنة الوزارية للطوارئ قد قررت القيام بحمة‬
‫إعالمية مكثفة وشرح االتفاق مع الصندوق وذلك عن طريق األجهزة‬
‫اإلعالمية المختلفة وعقد الندوات واللقاءات مع النقابات واالتحادات‬
‫المهنية ‪ .‬وعلى الرغم من أن اطالع الناس على حقائق الموقف‬
‫االقتصادي يعد أمرا محمودا يف حد ذاته ‪ ،‬إال أنه يف هذه الحالة قد جاء‬
‫كجزء ال يتجزأ من اتباع تعليمات المؤسسات الدولية ‪ .‬فقد ورد يف تقرير‬
‫البنك الدولي (‪ )1987‬ما يلي «توجد بالسودان عدم ثقة متأصل بنتائج‬

‫‪315‬‬
‫عمليات األسواق التنافسية الحرة ‪ ..‬وإن الرأي العام ال يلم بالمشاكل‬
‫االقتصادية العويصة التي تواجه الحكومة الجديدة ومن ثم يعرتض على‬
‫اإلجراءات االقتصادية المطلوبة وذلك استنادا على اعتقاد مشوش أن‬
‫مستويات المعيشة يمكن المحافظة عليها من خالل الخطوات السياسية‬
‫والتحكم ‪ ..‬وعلى الرغم من أن هناك فتورا يف مجال التكيف وعلى الرغم‬
‫من وصول الحساسيات السياسية إلى مراق عليا ‪ ،‬فإنه ال ينبغي اللجوء‬
‫إلى إجراءات جزئية ‪ .‬على العكس من ذلك ‪ ،‬ينبغي على الحكومة إفهام‬
‫موطنيها بحجم وطبيعة المشاكل االقتصادية وينبغي عليها مواجهة‬
‫التكيف االقتصادي على طول الجبهة » ‪.‬‬

‫هـ‪ -‬البدائل ‪ :‬نقلت الصحف السودانية الصادرة يف اليوم التالي إلدالء‬


‫السيد رئيس الوزراء بخطاب الحكومة والذي دافع من خالله عن االتفاق‬
‫مع الصندوق على نحو مثير مثالث ‪ « :‬لم يكن أمامنا خيار غير اتخاذ‬
‫اإلجراءات األخيرة » و«رئيس الوزراء يتحدى المعرتضين بتقديم البدائل‬
‫» و« الحكومة لن ترتاجع وعلى جميع الجهات المعرتضة تقديم بدائلها‬
‫» ‪ .‬ولقد سبق لنا إثارة السؤال الربلماين التالي ‪ :‬هل يعلم السيد رئيس‬
‫الوزراء أن وزير المالية قد كون لجنة لتقييم عالقة السودان بصندوق النقد‬
‫الدولي والبنك الدولي بالقرار الوزاري رقم ‪ 2‬بتاريخ ‪ 5‬يونيو ‪1986‬‬
‫والقرار الوزاري رقم ‪ 4‬بتاريخ ‪ 11‬يونيو ‪ 1986‬ضمت يف عضويتها سبعة‬
‫من األكاديميين تغيب أحدهم بصفة مستديمة لدواعي الهجرة وثمانية من‬

‫‪316‬‬
‫التنفيذيين وأربعة من القطاع الخاص ‪ ،‬وأن هذه اللجنة قد قدمت تقريرها‬
‫للسيد الوزير يف أغسطس ‪ 1986‬على الرغم من استقالة رئيسها يف‬
‫منتصف الطريق وأن ذلك التقرير قد احتوى على مجموعة متكاملة من‬
‫السياسات البديلة ؟ وعلقنا على السؤال الربلماين بمالحظتنا أنه إذا كان‬
‫السيد رئيس الوزراء على علم بذلك التقرير وقال بعد ذلك بعدم وجود‬
‫بدائل فإهنا مصيبة ‪ ،‬وإذا لم يكن سيادته على علم بالتقرير ‪ ،‬وهي وثيقة‬
‫حكومية طبعت على نفقة دافع الضرائب السودين ‪ ،‬فالمصيبة أعظم !!‬

‫وفيما يتعلق بالتقرير الذي طبع على نفقة دافع الضرائب السوداين ‪،‬‬
‫فإن معلوماتنا الشخصية كأحد أعضاء هذه اللجنة تؤكد أن السيد وزير‬
‫المالية لم يكلف نفسه عناء مقابلة اللجنة لمناقشة تقريرها أو التفاكر معها‬
‫حول البدائل التي طرحتها أو التشاور حول بعض تفاصيل السياسات التي‬
‫اقرتحتها ‪ .‬على الرغم من كل هذا ‪ ،‬فقد أشاد السيد الوزير ‪ ،‬يف سلوك‬
‫متعال ‪ ،‬باللجنة يف معرض خطابه لمؤتمر إدارة االقتصاد الوطني حيث‬
‫الحظ ‪« ..‬كما كنت قد كلفت بعض ذوي االختصاص لدراسة وتقييم‬
‫عالقتنا بالمؤسسات الدولية وتعاملنا مع العالم الخارجي ولقد اضطلعوا‬
‫بالتكيف بقدر ٍ‬
‫عال من الكفاءة والمسئولية وتوصياهتم محط االهتمام يف‬
‫سعينا يف مجال التعاون الخارجي والذي يتسم بقدر كبير من التعقيدات‬
‫التي تتطلب منهجا عليما يحقق المصلحة العامة بالطريقة المثلى »‪.‬‬

‫‪317‬‬
‫ويبدو أن اللجنة ‪ ،‬يف ضوء ما قال به السيد رئيس الوزراء من عدم‬
‫وجود بدائل سودانية ‪ ،‬فد استخدمت ألغراض تجميلية يف محالف‬
‫الخطابة السياسية السودانية !!‬

‫‪ -3‬مالحظات ختامية‬
‫يتضح مما سبق أن االقتصاد السوداين ‪ ،‬على الرغم من تفجير انتفاضة‬
‫أبريل ‪ 1985‬وهتافات الجماهير السودانية أن « لن يحكمنا البنك الدولي‬
‫» ال يزال لم يربح مكانه الذي تبوأه خالل الفرتة ‪ 1985 – 1978‬فيما‬
‫يتعلق بعالقته مع المؤسسات الدولية سواء عرف المكان بسلوكيات‬
‫المسئولين أو محتويات الربامج أو االثنين معا ‪ .‬وعلى الرغم من االتفاق‬
‫العام الذي تبلور خالل المؤتمر االقتصادي القومي والذي أرسى عددا‬
‫من القواعد العامة لتناول قضية اإلصالح االقتصادي والتي شارك يف‬
‫صياغتها مجموعة األحزاب التي تناوبت على الحكم يف شكل ميثاق‬
‫اقتصادي ملزم ‪ ،‬فقد اختارت الحكومة الديمقراطية بعد طول تلكؤ أن‬
‫تسلك طريق واشنطن مفرغة بذلك الخيار الديمقراطي من محتواه‬
‫السياسي واالجتماعي ‪ .‬ليس ذلك فحسب ‪ ،‬وإنما تمادت الحكومة ‪،‬‬
‫مستغلة بذلك إمكانياهتا اإلعالمية بطريقة شمولية يف الدفاع عن الربامج‬
‫االقتصادية للمؤسسات الدولية تحت دعوى عدم وجود بدائل‬
‫سودانية !!‬

‫‪318‬‬
‫ولعله يحق لنا ‪ ،‬مستعينين يف ذلك بمزايا تحقق األحداث ‪ ،‬أن نخلص‬
‫إلى أن ما حدث يوم ‪ 30‬يونيو ‪ 1989‬من تغيير لنظام الحكم يمكن‬
‫تفسيره جزئيا بفشل الحكومة الديمقراطية يف التعامل مع األزمة‬
‫االقتصادية السودانية بل ويف مساهمتها ‪ ،‬عن وعي أو غير ذلك ‪ ،‬يف تفاقم‬
‫مؤشرات األزمة ومن ثم استمرار حالة التبعية واالنبطاح ‪.‬‬

‫‪319‬‬
‫جدول رقم (‪: )1‬‬
‫السودان ‪ :‬عمليات الحكومة المركزية‬
‫(مليون جنيه سوداين)‬
‫‪1988/1987‬‬ ‫‪1987/1986‬‬
‫السياسات المعدلة‬ ‫تقدير أولي‬
‫‪3225‬‬ ‫‪2742‬‬ ‫‪ -1‬جملة اإليرادات‬
‫‪7288‬‬ ‫‪5015‬‬ ‫‪ -2‬المصروفات (بدون الفوائد)‬
‫‪5285‬‬ ‫‪3813‬‬ ‫‪ -1-2‬الجارية‬
‫‪1517‬‬ ‫‪1202‬‬ ‫‪ -2-2‬التنموية‬
‫(‪)4063‬‬ ‫(‪)2273‬‬ ‫‪ -3‬العجز (بدون فائدة)‬
‫(‪)18406‬‬ ‫(‪)*474‬‬ ‫‪ -4‬خدمة الدين‬
‫(‪)22468‬‬ ‫(‪)2747‬‬ ‫‪ -5‬العجز (بما يف ذلك الفائدة)‬
‫‪ -6‬التمويل ‪:‬‬
‫‪20606‬‬ ‫‪1222‬‬ ‫‪ 1-6‬التمويل الخارجي ‪:‬‬
‫‪726‬‬ ‫‪509‬‬ ‫‪ -1-1-6‬عون المشروعات‬
‫‪**1119‬‬ ‫‪713‬‬ ‫‪ -2-1-6‬عون نقدي وسلعي‬
‫‪ -3-1-6‬عون نقدي وسلعي إضايف‬
‫‪18762‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وتخفيض الديون‬
‫‪932‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -2-6‬اإلجراءات المالية الجديدة‬
‫‪200‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -1-2-6‬عند ميعاد ميزانية ‪1988/87‬‬
‫‪***732‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -2-2-6‬اإلجراءات الجديدة المقرتحة‬
‫‪110‬‬ ‫‪65‬‬ ‫‪ -3-6‬وحدات التمويل الذايت‬
‫‪820‬‬ ‫‪1460‬‬ ‫‪ -4-6‬التمويل المحلي ‪:‬‬
‫‪800‬‬ ‫‪1460‬‬ ‫‪ -1-4-6‬االستدانة من النظام المصريف‬
‫‪20‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -2-4-6‬االستدانة من القطاع الخاص‬

‫‪320‬‬
‫‪ -7‬كنسبة من الناتج المحلي اإلجمالي ‪:‬‬
‫‪****9,8‬‬ ‫‪9,4‬‬ ‫‪ -1-7‬اإليرادات‬
‫‪17,1‬‬ ‫‪17,2‬‬ ‫‪ -2-7‬المصروفات‬
‫‪1,9‬‬ ‫‪5,0‬‬ ‫‪ -3-7‬التمويل المحلي من النظام‬
‫المصريف‬
‫تنبيه ‪ :‬هذه ترجمة انتقائية ألهم محتويات الجدول رقم (‪ )1‬الوارد يف الوثيقة ‪ .‬ترقيم البنود ليس يف‬
‫األصل ‪.‬‬
‫* على أساس نقدي ‪ .‬جملة المستحقات الواجب سدادها تبلغ ‪ 2052‬مليون جنيه سوداين ‪.‬‬
‫** وعود قائمة كما يف ‪ 1987/7/22‬وال تشتمل على التزام السعودية حديث العهد ‪.‬‬
‫*** حصيلة تسعة أشهر من اإلجراءات المقرتحة باستثناء تعديل سعر األسمنت ‪ .‬تعادل حصيلة‬
‫السنة من اإلجراءات المالية المقرتحة نحو ‪ %3‬من الناتج المحلي اإلجمالي ‪.‬‬
‫**** بما يف ذلك اإلجراءات الجديدة ‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫جدول رقم (‪)2‬‬
‫السودان ‪ :‬اإلجراءات المالية التي ستطبق يف أو قبل األول من أكتوبر ‪1987‬‬
‫(مليون جنيه سوداين)(*)(**)‬
‫تقديرات حصيلة اإليرادات‬
‫‪ 9‬أشهر***‬ ‫سنويا‬
‫‪56‬‬ ‫‪66‬‬ ‫‪ -1‬رسم إنتاج جديد على األسمنت بفئة ‪ 100‬جنيه للطن‬
‫‪325‬‬ ‫‪433‬‬ ‫‪ -2‬الزيادة يف رسوم الواردات ‪ :‬بالتوسع يف القاعدة الضريبية‬
‫الذي سيعقب تغيير سعر الصرف ‪ ،‬فإن تعديل الرسوم على‬
‫الواردات الخاضعة للضريبة سيمكن من الحصول على‬
‫اإليرادات الموضحة ‪ ،‬وهذا يعني ضمنيا أنه متوسط فئة‬
‫رسوم الوارد السائدة حاليا والبالغ ‪ %45‬سينخفض إلى ‪%36‬‬
‫‪ -3‬إجراءات ضرائبية جديدة تفرض على مستوى‬
‫‪10‬‬ ‫‪13‬‬ ‫الحكومات اإلقليمية على أشجار النخيل والمواشي واإلنتاج‬
‫الزراعي والعقارات ‪.‬‬
‫‪ -4‬متوسط زيادة يعادل ‪ 20‬قرشا يف سعر السكر على جملة‬
‫‪190‬‬ ‫‪253‬‬ ‫االستهالك المحلي ‪.‬‬
‫‪103‬‬ ‫‪137‬‬ ‫‪ -5‬زيادة أسعار البنزين السيوبر والعادي ‪:‬‬
‫‪95‬‬ ‫‪127‬‬ ‫سعر البنزين العادي من ‪ 7,5‬إلى ‪ 9,5‬جنيه للجالون‬
‫‪8‬‬ ‫‪10‬‬ ‫سعر البنزين السيوبر من ‪ 8,5‬إلى ‪ 10,5‬جنيه‬
‫‪ -6‬إجراءات يتم تحديدها يف االجتماعات السنوية للبنك‬
‫‪49‬‬ ‫‪66‬‬ ‫الدولي وصندوق النقد الدولي ‪.‬‬
‫‪732‬‬ ‫‪968‬‬ ‫الجملة‬

‫‪322‬‬
‫* ال تشمل ‪ 20‬مليون جنيه كإيراد سيتم الحصول عليه بإصدار سندات حكومية للجمهور‬
‫هذا وسيتم إصدار سندات بمبلغ ‪ 5‬ماليين جنيه قبل ‪. 1987/12/31‬‬
‫** التقديرات لألسمنت لمدة عشرة أشهر من ‪1987/9/1‬م ‪.‬‬
‫*** التسعة أشهر للسنة المالية تبدأ يف ‪1987/10/1‬م ‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫جدول رقم (‪ )3‬السودان ‪ :‬التغيرات يف السيولة المحلية‬
‫‪1988/87‬‬ ‫تقديرات‬ ‫التغيرات خالل الفترة‬
‫السياسات‬ ‫السياسات‬ ‫أولية‬
‫القائمة‬ ‫المعدلة‬ ‫‪1987/86‬‬
‫(مليون جنيه سوداين)‬
‫‪3989‬‬ ‫‪2144‬‬ ‫‪2326‬‬ ‫النقود وما شاهبها‬
‫(‪)170‬‬ ‫‪385‬‬ ‫(‪)752‬‬ ‫تأثير القطاع الخارجي‬
‫‪4759‬‬ ‫‪1759‬‬ ‫‪3078‬‬ ‫التوسع يف االئتمان المحلي ‪:‬‬
‫‪2058‬‬ ‫‪800‬‬ ‫‪1460‬‬ ‫المطلوبات الصافية من الحكومة‬
‫‪919‬‬ ‫‪829‬‬ ‫‪528‬‬ ‫المطلوبات من الوحدات العامة‬
‫‪499‬‬ ‫‪578‬‬ ‫‪317‬‬ ‫المطلوبات من القطاع الخاص والبنوك المتخصصة‬
‫‪395‬‬ ‫‪117‬‬ ‫‪868‬‬ ‫تمويل مخزون الذرة والحبوب الزيتية‬
‫‪170‬‬ ‫(‪)565‬‬ ‫‪109‬‬ ‫حساب الصندوق‬
‫‪120‬‬ ‫‪-‬‬ ‫(‪)202‬‬ ‫صايف البنود األخرى‬
‫(كنسبة من التعريف العريض للنقود ببداية الفرتة)‬
‫‪44‬‬ ‫‪23,4‬‬ ‫‪34‬‬ ‫النقود وما شاهبها(*)‬

‫(‪)2‬‬ ‫‪**4,2‬‬ ‫(‪)11‬‬ ‫تأثير القطاع الخارجي‬


‫‪45‬‬ ‫‪19,2‬‬ ‫‪45‬‬ ‫التوسع يف االئتمان المحلي ‪:‬‬
‫‪22‬‬ ‫‪8,7‬‬ ‫‪21,3‬‬ ‫المطلوبات الصافية من الحكومة‬
‫‪10‬‬ ‫‪9,0‬‬ ‫‪7,7‬‬ ‫المطلوبات من الوحدات العامة‬
‫‪5‬‬ ‫‪6,3‬‬ ‫‪4,6‬‬ ‫المطلوبات من القطاع الخاص والبنوك المتخصصة‬
‫‪4‬‬ ‫‪1,3‬‬ ‫‪12,7‬‬ ‫تمويل مخزون الذرة والحبوب الزيتية‬
‫‪2‬‬ ‫(‪)6,2‬‬ ‫‪1,6‬‬ ‫حساب الصندوق‬
‫‪1‬‬ ‫‪-‬‬ ‫(‪)2,9‬‬ ‫صايف البنود األخرى‬

‫‪324‬‬
‫* ال تتضمن تأثير التغيرات يف إعادة تقييم المقابل المحلي لإليداعات بالعملة األجنبية يف عام‬
‫‪. 1988/87‬‬
‫** بعد تصفية التغير يف البنود األخرى خالل الفترة ‪.‬‬

‫‪325‬‬
‫جدول رقم (‪: )4‬‬
‫السودان ‪ :‬ميزان المدفوعات‬
‫(مليون جنيه سوداين)‬
‫‪1988/87‬‬ ‫تقديرات أولية‬
‫السياسات‬ ‫السياسات‬ ‫‪1987/86‬‬
‫القائمة‬ ‫المعدلة‬

‫‪632‬‬ ‫‪654‬‬ ‫‪492‬‬ ‫الصادرات (فوب)‬


‫(‪)1()847‬‬ ‫(‪)1285‬‬ ‫(‪)911‬‬ ‫الواردات (سيف)‬
‫(‪)75‬‬ ‫(‪)75‬‬ ‫(‪)80‬‬ ‫الخدمات (بدون الفائدة)‬
‫‪200‬‬ ‫‪260‬‬ ‫‪250‬‬ ‫التحويالت الخاصة‬
‫(‪)90‬‬ ‫(‪)446‬‬ ‫(‪)249‬‬ ‫الحساب الجاري (بدون الفائدة)‬
‫(‪)4()200‬‬ ‫(‪)4777‬‬ ‫(‪)3()245‬‬ ‫خدمة الديون(‪)2‬‬
‫(‪)149‬‬ ‫‪-‬‬ ‫(‪)149‬‬ ‫أخرى(‪)5‬‬
‫‪)6(-‬‬ ‫(‪)7()60‬‬ ‫‪)6(204‬‬ ‫التغير يف االحتياطي (سالب يعني تراكم)‬
‫‪439‬‬ ‫‪5283‬‬ ‫‪439‬‬ ‫المساعدات األجنبية ‪)2(:‬‬
‫‪)8(258‬‬ ‫‪)8(258‬‬ ‫‪-‬‬ ‫العون النقدي والسعلي‬
‫‪181‬‬ ‫‪181‬‬ ‫‪-‬‬ ‫عون المشروعات‬
‫‪-‬‬ ‫‪4844‬‬ ‫‪-‬‬ ‫احتياجات العون اإلضايف (بما يف ذلك تخفيف‬
‫الديون)‬
‫بند مذكرة ‪:‬‬
‫‪4577‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪3597‬‬ ‫المتأخرات القائمة بنهاية الفرتة‬
‫(‪ )1‬على أساس ما هو متاح من تمويل ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ال يساوي التقديرات المقابلة يف حسابات الميزانية لالختالفات يف التغطية ‪.‬‬

‫‪326‬‬
‫(‪ )3‬على أساس نقدي ‪ .‬االلتزامات الواجب سدادها (بما يف ذلك للصندوق) بلغت ‪ 1068‬مليون‬
‫دوالر أمريكي ‪.‬‬
‫(‪ )4‬حسبت على أساس خدمة الديون وااللتزامات المتعلقة بالتجارة كما قدرت يف الميزانية ‪.‬‬
‫(‪ )5‬بما يف ذلك صايف التدفق الخارجي لرأس المال ‪.‬‬
‫(‪ )6‬ال يشتمل على التغيرات يف حساب الصندوق ‪.‬‬
‫(‪ )7‬ال يشتمل على صايف التغيرات يف موقف الصندوق والتي تم أخذها يف االعتبار يف خدمة‬
‫الديون ‪.‬‬
‫(‪ )8‬عون قائم كما يف ‪1987/7/22‬م وال يشتمل على االلتزامات الحديثة للسعودية ‪.‬‬

‫‪327‬‬
‫ملحق رقم (‪)1‬‬
‫لماذا تتفاوض الحكومة ‪ :‬نقاط التفاوض لعام ‪1986‬م‬

‫صندوق النقد الدولي‬ ‫الحكومة السودانية‬ ‫الموضوع‬


‫(أ) جانب العرض ‪:‬‬
‫الحوافز زيادة األسعار الدنيا للحبوب مع تأييد السياسة السعرية مع‬ ‫‪-1‬‬
‫الزيتية والذرة وزيادة أسعار مالحظة عدم كفايتها إذا لم يتم‬ ‫السعرية ‪:‬‬
‫تعديل سعر الصرف بطريقة‬ ‫شراء الصمغ العربي والقطن‬
‫مواتية بحجة الخسائر التي‬
‫سترتتب بالعملة المحلية‬
‫كمبدأ عام ال بد من أن تعمل مع تأييد األهداف الرئيسية‬ ‫‪-2‬المؤسسات‬
‫أساس للسياسة ثم الرتكيز على أهمية‬ ‫على‬ ‫المؤسسات‬ ‫العامة ‪:‬‬
‫تجاري ‪ .‬ستقوم الحكومة ببيع التنفيذ الحاسم لإلجراءات‬
‫بتحقيق‬ ‫المتعلقة‬ ‫أو إلغاء المؤسسات الخاسرة التفصيلية‬
‫األهداف ‪.‬‬ ‫تجاريا ‪.‬‬
‫‪ -3‬القطاع الخاص ‪ :‬الحكومة ليست ضد القطاع ضرورة إصدار بيان يوضح دور‬
‫صياغة‬ ‫الخاص ‪.‬‬ ‫الخاص بدليل ما اتخذته من القطاع‬
‫البيئة سياسات إلزالة التحكم يف‬ ‫لتحسين‬ ‫إجراءات‬
‫االقتصادية ‪ .‬يمثل التحكم يف األسعار والهوامش الربيحة فيما‬
‫األسعار والهوامش الربحية عدا تلك المتعلقة بعدد محدود‬
‫جانبا مهما من السياسات من السلع الحساسة ‪.‬‬
‫االقتصادية إال أنه مطبق يف‬
‫أضيق الحدود وستتم مراجعة‬
‫األمر على أساس كل سلعة على‬

‫‪328‬‬
‫حدة ‪.‬‬
‫(ب) جانب الطلب ‪:‬‬
‫‪ -1‬الميزانية (بليون عدم وجود فجوة تمويلية فجوة تمويلية متبقية (‪: )3,0‬‬
‫(‪ )2,7‬إيرادات (‪ ، )2,3‬منصرفات‬ ‫إيرادات‬ ‫متبقية ‪:‬‬ ‫جنيه سوداين)‬
‫الديون‬ ‫خدمات‬ ‫منصرفات (‪ ، )5,0‬خدمات (‪، )4,6‬‬
‫الديون الخارجية (‪ ، )0,5‬عون الخارجية (‪ ، )2,1‬عون أجنبي‬
‫أجنبي (‪ ، )2,8‬تمويل محلي (‪. )1,4‬‬
‫غير مصريف (‪. )0,07‬‬
‫‪ -‬يفرتض هدف نمو عرض‬ ‫السياسات هتدف إلى ‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪ -‬تخفيض معدل نمو عرض النقود االستخدام اإلنتاجي‬ ‫النقدية واالئتمانية ‪:‬‬
‫للتسهيالت بواسطة القطاع‬ ‫النقود إلى ‪%20‬‬
‫‪ -‬تتوجيه االئتمان لمؤسسات العام والقضاء على ‪ ،‬أو حصر‬
‫القطاع العام لإلنتاج ومراقبة يف حدود ‪ 270‬مليون جنيه ‪،‬‬
‫استالف الحكومة من البنك‬ ‫تسديد التسهيالت الموسمية‬
‫‪ -‬توجيه االئتمان للقطاع المركزي ‪ .‬يف الربع األول‬
‫المجاالت حدث توسع نقدي بمعدل ‪. %8‬‬ ‫نحو‬ ‫الخاص‬
‫اإلنتاجية واالستثمار وعدم ‪ -‬تدين طلب االئتمان بواسطة‬
‫تشجيع االكتناز والمضاربة ‪ .‬القطاع الخاص مما يعني أنه ال‬
‫رفع كفاءة عمليات التوسط بد للحكومة من اتباع سياسات‬
‫فرص‬ ‫توسيع‬ ‫إلى‬ ‫هتدف‬ ‫المالي ‪.‬‬
‫االستثمار ‪ ..‬الخ ‪ .‬ماذا عن‬
‫إعادة العمل المصريف على‬
‫أساس سعر الفائدة ؟ والعائد‬
‫المدخرات‬ ‫على‬ ‫الحقيقي‬

‫‪329‬‬
‫والسيولة المفرطة لدى القطاع‬
‫المصريف ‪.‬‬
‫(‪: )4,1‬‬ ‫تمويلية‬ ‫(‪ : )0,9‬فجوة‬ ‫تمويلية‬ ‫فجوة‬ ‫‪-3‬ميزان‬
‫صادرات )‪ ، )0,6‬واردات صادرات (‪ ، )0,5‬واردات‬ ‫المدفوعات ‪:‬‬
‫(‪ ، )1,1( )0,3‬تحويالت (‪، )0,3‬‬ ‫تحويالت‬ ‫(‪)1,6‬‬ ‫(بليون دوالر)‬
‫خدمات ديون (‪ = )0,2‬فجوة خدمات (‪ = )3,7‬فجوة تمويلية‬
‫مساعدات‬ ‫(‪: )3,6‬‬ ‫(‪ : )0,03‬متبقية‬ ‫متبقية‬ ‫تمويلية‬
‫(‪ )0,9‬موعودة (‪. )0,5‬‬ ‫موعودة‬ ‫مساعدات‬
‫مساعدات موعودة (‪. )0,9‬‬
‫الديون حددت الحكومة مبلغ ‪ - 207‬إدراك الصعوبات التي تواجه‬ ‫‪-4‬‬
‫مليون دوالر كخدمات للديون الحكومة ‪.‬‬ ‫الخارجية ‪:‬‬
‫وهو ما يعادل ‪ %36‬من ‪ -‬تحذير شديد اللهجة حول‬
‫عدم لياقة تحديد الدفعيات من‬ ‫الصادرات المتوقعة ‪.‬‬
‫جانب واحد ‪.‬‬
‫‪ -‬تسوية العالقات المالية‬
‫ستكون يف صالحة السودان على‬
‫المدى القصير والبعيد إذ إن‬
‫زيادة المعونات يف ظل اعالقات‬
‫مضطربة سيكون من الصعوبة‬
‫بمكان ‪.‬‬
‫‪ -‬أهمية تسوية متأخرات‬
‫السودان على الصندوق ‪.‬‬
‫‪ -‬التزام قاطع بتوقيت تسوية‬
‫هذه المدخرات ‪.‬‬

‫‪330‬‬
‫‪ -‬يف إطار برنامج اإلنقاذ ‪ -‬ال بد من القضاء على‬ ‫‪ -5‬أسعار الصرف ‪:‬‬
‫أوضحت الحكومة أهنا تتفق من ازدواجية نظام سعر الصرف‬
‫حيث المبدأ مع أهداف توحيد وتوحيده على أساس سعر‬
‫ومرونة سعر الصرف إال أن هذه واقعي والحفاظ على نظام‬
‫مرن ‪.‬‬ ‫أهداف اللمدى المتوسط ‪.‬‬
‫‪ -‬ليست الحكومة يف وضع ‪ -‬سترتتب نتائج وخيمة على‬
‫يمكنها من تحديد برنامج زمني االقتصاد يف حالة عدم اتخاذ‬
‫الخطوات الالزمة لتوحيد سعر‬ ‫لتحقيق توحيد سعر الصرف ‪.‬‬
‫تنافسية‬ ‫لعدم‬ ‫‪ -‬ليس هنالك استعداد إلحداث الصرف‬
‫على‬ ‫السودانية‬ ‫تعديل ذي مغزى يف سعر الصادرات‬
‫أساس األسعار الحالية ‪.‬‬ ‫الصرف ‪.‬‬
‫‪ -‬تعديل سعر صرف الصادرات ‪ -‬تحفظات شديدة اللهجة حول‬
‫من خالل تحويل المعامالت سياسات الحكومة ‪ :‬تعددية‬
‫من السوق الرسمي للسوق أكثر يف أسعار الصرف ‪ ،‬خسائر‬
‫بالعملة المحلية ‪ ،‬عدم رشاد‬ ‫التحفيزي ‪.‬‬
‫‪ -‬التعامل مع تحويالت عملية توزيع الموارد ‪ ،‬تفاقم‬
‫ععدم توازن السوق الرسمي ‪.‬‬ ‫المغرتبين بوسائل أخرى ‪.‬‬
‫‪ -‬حاجة لضمان مرونة سعر‬
‫الصرف التحفيزي والذي ظل‬
‫ثابتا لعدة شهور ‪.‬‬
‫المصدر ‪ :‬تلخيص من صندوق النقد الدولي (‪. )1987‬‬

‫‪331‬‬
332
‫الفصل التاسع‬
‫خاتمة‬
‫حول السياسات البديلة‬

‫‪333‬‬
334
‫‪ -1‬مقدمة‬
‫إذا كان ما ذهبنا إليه صحيحا من أن االقتصاد السوداين يعاين من حالة‬
‫فوضى اقتصادية سببتها مجموعة السياسات التي صاغها وأشرف على‬
‫تنفيذها صندوق النقد الدولي بالتعاون مع البنك الدولي ‪ ،‬فإن تلمس‬
‫الطريق القويم إلعادة العافية لالقتصاد السوداين ‪ ،‬أو ابتداع سياسات‬
‫بديلة لتلك التي تبشر هبا المؤسسات الدولية ‪ ،‬يصبح أمرا هينا نسبا على‬
‫الرغم من تحفظاتنا تجاه منهجية االقتصاد الناجع ‪ ،‬التي تستخدمها‬
‫المؤسسات الدولية وأدعياء االقتصاد(‪. )1‬‬

‫وبديهي إذا ما اتفقنا على رفض حالة التبعية المذلة التي فرضت علينا‬
‫من قبل ‪ ،‬أن يرتكز طريق اإلصالح على مفهوم «االعتماد على النفس»‬
‫صدقا وعمال ال شعارا أجوف يستخدم للنيل من جماهير الشعب‬
‫المنهكة ‪ .‬ويقيننا أن تحقيق سلوك اقتصادي يعتمد على النفس ممكن يف‬
‫السودان إذا ما وجدت المصداقية السياسية ‪ .‬ويستند هذا اليقين على‬
‫مالحظة أن األغلبية الساحقة من السكان سوف لن تخسر شيئا يف هناية‬
‫التحليل باعتمادها على نفسها ‪ ،‬إذ إهنا قد ظلت تفعل ذلك طوال‬

‫(‪)1‬‬
‫االقتصاد الناجع ‪ ،‬ترجمة لكلمة «‪ »Instant economics‬وقد استخدمها‬
‫بروفسور سن (‪ ، )1986‬وتعني محاولة استخدام اقتصاد المراجع المدرسية‬
‫ألغراض صياغة السياسة االقتصادية ‪ ،‬ويراد بكلمة (ناجع) المقارنة مع القهوة‬
‫السريعة !!‬

‫‪335‬‬
‫السنوات الماضية على أية حال ‪ ،‬ومن ثم يبقى السؤال حول إمكانية تبني‬
‫هذا السلوك بواسطة األقلية ذات النفوذ االقتصادي واالجتماعي‬
‫والسياسي ؟ هذا من ناحية ‪ ،‬ومن ناحية أخرى فلعل الوقت قد أزف ألن‬
‫تتبنى األقلية المهيمنة أهمية السلوك على أساس االعتماد على النفس ‪ ،‬إذ‬
‫إنه إذا ما جاء الطوفان فإهنا ستكون الطبقة االجتماعية الوحيدة التي‬
‫ستخسر يف هناية المطاف مهما كرب حجم ما تراكم لديها من أصول مالية‬
‫وعينية ‪.‬‬

‫على أساس هذا المقرتح البديهي تصبح قضية إصالح االقتصاد‬


‫السوداين يف المدى القصير قضية مؤسسية – تجميعية تتمحور حول‬
‫إصالح البنية المؤسسية إلدارة االقتصاد السوداين وإصالح القطاع‬
‫المصريف ‪ ،‬وترشيد قطاع المعامالت الخارجية واستعادة التوازن الداخلي‬
‫لالقتصاد ‪.‬‬

‫علينا أن نالحظ يف إسراع أن قضية إصالح البنية المؤسسية إلدارة‬


‫االقتصاد السوداين تمثل يف رأينا المدخل الرئيسي لإلصالح االقتصادي‬
‫وهي تتلخص ببساطة يف القضاء على مظاهر «الدولة الرخوة» يف كل‬
‫المجاالت التي تؤثر على المعامالت االقتصادية وذلك من خالل صياغة‬
‫أطر قانونية تقوم بحراسة الصالح العام(‪ . )1‬وتجدر اإلشارة يف هذا‬

‫(‪)1‬‬
‫نقصد بتعبير «الدولة الرخوة» كل أشكال عدم االنضباط المجتمعي والتي تربز‬

‫‪336‬‬
‫الخصوص إلى أن المؤتمر االقتصادي القومي الذي انعقد خالل الفرتة ‪8‬‬
‫‪ 17-‬مارس ‪ 1986‬قد أمن على «أن أحد األسباب الرئيسية لتدهور أداء‬
‫االقتصاد السوداين يف الفرتة الماضية كان هو تدين أداء األجهزة التنفيذية‬
‫على مستوى الوزارات والمصالح والمؤسسات والهيئات العامة»‬
‫(المؤتمر االقتصادي القومي ‪ ، 1986‬ص‪. )72‬‬

‫يتضح من هذه المحاور بأننا نتقدم بمقرتح فحواه أن البدائل لسياسات‬


‫الصندوق وهنج التبعية ال بد لها وأن تتواجد يف النظرة المتعمدة لإلصالح‬
‫االقتصادي الداخلي ‪ .‬وينطوي هذا المقرتح على افرتاض التغاضي‬
‫مرحليا عن العالم الخارجي والتزامات السودان نحوه ‪ ،‬وهو افرتاض يف‬
‫رأينا ال يحتاج إلى تربير إذا ما قبلنا أطروحة «الفوضى االقتصادية» ‪.‬‬

‫بافرتاض توفر المصداقية السياسية للقضاء على مظاهر الدولة الرخوة‬


‫يف السودان ‪ ،‬واستنادا على النتائج التطبيقية المقررة يف األوراق المضمنة‬
‫يف هذا الكتاب سنستعرض يف القسم الثاين عينة من السياسات التي تشكل‬

‫نفسها من خالل القصور العام يف التشريعات وخصوصا يف مجال فرض القانون‬


‫والعمل بموجب متطلباته ‪ ،‬وتفشي ظاهرة عدم االنصياع للقوانين واللوائح‬
‫والتوجيهات التي تنظم الخدمة العامة ‪ ،‬وتواطؤ مستخدمي الخدمة العامة مع‬
‫أصحاب النفوذ من األفراد والجماعات ‪ ،‬والفساد بكل صوره وأشكاله وأنواعه ‪.‬‬
‫(انظر ميردال (‪ )1970‬فيما يتعلق بتفاصيل مفهوم الدولة الرخوة) ‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫بدائل متاحة للحكومة يمكن من خاللها استعادة التوازن لالقتصاد‬
‫السوداين ‪.‬‬

‫‪ -2‬بعض السياسات البديلة‬


‫سياسات إصالح القطاع المصريف‬

‫يف تحليلنا لسوق النقد األجنبي اهتمنا القطاع المصريف يف صراحة‬


‫بالمساهمة يف تعميق األزمة االقتصادية وتفشي الفوضى االقتصادية يف‬
‫السودان ‪ .‬وعلى الرغم من أن هذا االهتام قد استند على نتائج تحليلية ‪،‬‬
‫إال أن هنالك شواهد تطبيقية ‪ ،‬على جزئيتها ‪ ،‬تؤيد ما ذهبنا إليه ‪.‬‬

‫يف مذكرة داخلية أوضح عبد الوهاب (‪ )1982‬أن ما سمي بسياسة‬


‫االنفتاح االقتصادي التي تبناها السودان عام ‪ 1974‬قد سمحت بتمثيل‬
‫البنوك العالمية أو فتح مكاتب لها يف السودان وفقا لعدد من األسس‬
‫التقليدية أهمها إمكانية السماح للبنك المرخص له بقبول ودائع بعمالت‬
‫أجنبية دون السماح له بقبول ودائع محلية ‪ .‬ويبدو أن مهندسي هذه‬
‫السياسة كانوا يقولون بأن البنوك األجنبية إذا ما سمح لها بالعمل يف‬
‫السودان ستساعد يف تخفيض الضغط على ميزان المدفوعات «باستقطاب‬
‫مواردها الذاتية يف شكل رأس مال ‪ ،‬كما وأهنا ستساعد يف إيجاد القنوات‬
‫التي يتدفق عربها رأس المال األجنبي الخاص للبالد ‪ ،‬كما ستشجع‬

‫‪338‬‬
‫المستثمرين يف الخارج لاللتفات لفرص االستثمار المتاحة يف السودان»‬
‫(عبد الوهاب (‪ )1982‬ص ‪. )2- 1‬‬

‫وبعد إجراء عملية التقويم لبنك أبو ظبي الوطني (الذي زاول نشاطه‬
‫عام ‪ )1976‬وبنك االعتماد والتجارة (‪ ، )1976‬وبنك سيتي األمريكي‬
‫(‪ . )1978‬وبنك عمان المحدود (‪ ، )1980‬وبنك حبيب الباكستاين‬
‫((‪ ، )1977‬وبنك فيصل اإلسالمي (‪ ، )1978‬والبنك العالمي السوداين‬
‫(‪ ، )1978‬توصلت مذكرة بنك السودان إلى « أن البنوك األجنبية على‬
‫الرغم من أهنا قد ساهمت بقدر مناسب يف اآلونة األخيرة يف تمويل‬
‫واردات البالد من السلع االسرتاتيجية إال أهنا قد أغفلت لسبب أو آلخر‬
‫منذ بداية عملها المجاالت المحددة لها أصال لمزاولة نشاطاهتا‬
‫المصرفية ‪ ،‬أال وهي توجيه اهتمام خاص نحو مجاالت العمل المصريف‬
‫سواء يف تمويل التجارة الخارجية أو تمويل مشروعات التنمية مما ال تقوم‬
‫به البنوك الوطنية ولكن رغم ذلك اتجهت نحو التمويل التجاري‬
‫والتمويل قصير األجل وبصفة خاصة مجال الصادر ‪ ،‬األمر الذي يعني أن‬
‫تمويل هذه البنوك لالستيراد لم يتم من مواردها الذاتية وإنما من حصيلة‬
‫الصادر ‪ .‬الشيء الذي ال يخدم أغراض تخفيض الضغط على أرصدة‬
‫البالد من النقد األجنبي كما كان متوقعا ‪ ،‬وهذا يشير إلى عدم اضطالعها‬
‫بالدور الرئيسي المنوط هبا القيام به والتي استقدمت من أجله إلى‬
‫البالد ‪»...‬‬

‫‪339‬‬
‫على الرغم من أهمية هذا التقييم فيجب أأل يفوت علينا أن بنك‬
‫السودان لم يكن يقوم وقتها بدراسة شاملة لآلثار السلبية لنشاطات هذه‬
‫البنوك وإنما اقتصرت دراسته التقييمية على اختبار مدى مطابقة نشاط‬
‫البنوك لشروط الرتخيص ‪ .‬إال إنه على الرغم من محدودية نطاق الدراسة‬
‫إال أن نتائجها تعضد ما ذهبنا إليه فيما يتعلق بالدور الهام الذي لعبه‬
‫القطاع المصريف يف إحداث الفوضى االقتصادية يف السودان(‪. )1‬‬

‫على أساس هذه النتائج التحليلية منها والتطبيقية ‪ ،‬يمكن اقرتاح ما‬
‫يلي ‪:‬‬

‫أ‪ -‬فيما يتعلق ببنوك االنفتاح ‪ :‬سحب الرتخيص من كل البنوك‬


‫األجنبية والمشرتكة التي يثبت التحقيق الفني اشرتاكها يف تعميق الفوضى‬
‫االقتصادية ‪.‬‬
‫ب‪ -‬فيما يتعلق بالبنوك الوطنية ‪ :‬المطالبة باسرتداد الديون المرتاكمة‬
‫على القطاع الخاص بطريقة فورية ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫تقول األنباء أن لجنة التحقيق يف القطاع المصريف قد قامت بتسليم تقريرها‬
‫للجهات المسئولة وأنه يتوقع فتح بالغات ضد ثمانية من البنوك لتجاوزها‬
‫القانون ومخالفتها للوائح بنك السودان (جريدة األيام عدد ‪ 12022‬بتاريخ ‪3‬‬
‫يوليو ‪. )1986‬‬

‫‪340‬‬
‫ج‪ -‬فيما يتعلق بالتعامل مع البنوك ‪ :‬اتباع سياسة تسديد مستحقات‬
‫الضرائب عند االستفادة من التسهيالت المصرفية أو ما يمكن أن نطلق‬
‫عليه «الدفع عند االستالف»(‪. )1‬‬
‫وعلى الرغم من أننا ال نود الخوض يف تفاصيل ما تعنيه هذه‬
‫اإلجراءات بالنسبة لالقتصاد ‪ ،‬األمر الذي ربما تطلب استفاضة ليس هذا‬
‫مكاهنا ‪ ،‬إال أننا نود أن ننوه إلى أن مجموعة السياسات (أ – ج) سيكون‬
‫لها وقع إيجابي على المستوى التجميعي لالقتصاد خصوصا يف مجاالت‬
‫الحد من الفوضى االقتصادية ‪ ،‬تثبيت األسعار يف مختلف األسواق‬
‫وزيادة إيرادات الحكومة على التوالي ‪ .‬كما نود أن ننوه على أن هذه‬
‫السياسة ‪ ،‬على الرغم من استنباطها بطريقة مباشرة من نتائج تحليلية‬
‫وتطبيقية ‪ ،‬تتعارض مباشرة مع توجهات سياسات الصندوق يف مجال‬
‫القطاع المصريف التي تستند أساسا على تقديس ما يسمى بالقطاع‬
‫الخاص(‪. )2‬‬

‫(‪)1‬‬
‫إذا كان نظام تسديد ضرائب الدخل يستند على مفهوم «الدفع عند الكسب»‬
‫«‪ ، »PAYE‬فيمكن ابتداع نظام ضرائب إلرباح األعمال يستند على مفهوم‬
‫«‪ ، »PAYB‬حيث ‪ E‬تعني ‪ ، Earn‬و ‪ B‬تعني ‪. Borrow‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الحظ أن سياسة الدفع عند االستالف ‪ ،‬على الرغم من أن هدفها تقليل التهرب‬
‫من الضريبة وتعظيم إيرادات الحكومة ‪ ،‬يمكن أن تلقى قبوال عند الصندوق باعتبار‬
‫أن الهامش الذي سيتم استقطاعه عن طريق البنوك عند إتمام عملية التسهيالت يمكن‬
‫أن ينظر إليه كسعر فائدة فعال ‪ :‬إال أننا نسارع لننبه القارئ أنه ال يهمنا يف كثير أو قليل‬

‫‪341‬‬
‫ترشيد قطاع المعامالت الخارجية ‪:‬‬

‫لقد أوضحنا يف تحليلنا لسوق النقد األجنبي يف السودان ما يلي ‪:‬‬

‫‪ -‬أن خلق سوق للنقد األجنبي يف السودان كان خطأ مرده قراءة خاطئة‬
‫للمعطيات االقتصادية السودانية بواسطة الصندوق ‪ ،‬وإن كان الخطأ‬
‫متعمدا ‪.‬‬
‫‪ -‬أن المعامالت يف هذا السوق قد تم تمويلها بواسطة القطاع‬
‫المصريف ‪.‬‬
‫‪ -‬أن هذا السوق يتصف بعدم االستقرار الديناميكي ‪.‬‬
‫‪ -‬أن نظام سعر الصرف السائد حاليا ال يتوافق مع المرحلة التنموية‬
‫لالقتصاد ‪.‬‬
‫على أساس هذه النتائج يمكن اقرتاح ما يلي ‪:‬‬

‫أ‪ -‬العودة إلى نظام متكامل للرقابة على النقد بحيث تقوم‬
‫الحكومة برفع سعر تبادل الجنيه السوداين مع الدوالر (بمعنى‬
‫استعادة المغاالة يف تسعير العملة المحلية) كخطوة أولى ‪.‬‬

‫ب‪ -‬تكثيف الضوابط على المعامالت يف النقد األجنبي‬


‫وابتداع عقوبات رادعة للذين يخالفون القانون ‪.‬‬

‫قبول الصندوق لمثل هذه السياسات أو عدم قبوله لها !!‬

‫‪342‬‬
‫ج‪ -‬تأسيس نظام للمعلومات عن أسعار الصادرات‬
‫والواردات لضبط هوامش التالعب بالفواتير وتطبيق الضوابط يف‬
‫(ب) أعاله على من يخالفون القانون ‪.‬‬

‫د‪ -‬العودة إلى نظام الضرائب والمنح على المعامالت‬


‫الخارجية يف الحاالت التي تخدم أغراض تعظيم الرفاهية‬
‫المجتمعية ‪.‬‬

‫هذا ونود أن ننوه إلى أن مثل هذا النظام ربما كان له وقع سلبي فيما‬
‫يتعلق بوفرة الواردات وتدفق أموال المغرتبين ‪ ،‬إال أننا نسارع لنالحظ أن‬
‫مثل هذا الوقع السلبي يتأتى يف حالة تبني تحليل مجتمعي يستند على‬
‫التسليم بأهمية االنفتاح وليس االعتقاد يف حتمية االعتماد على النفس ‪،‬‬
‫والقول باستمرارية النمط االستهالكي البذخي السائد وليس العمل على‬
‫توفير االحتياجات األساسية ‪ .‬كذلك سيتأتى مثل هذا الوقع السلبي يف‬
‫حالة تبني تحليل تجميعي يعتقد يف اسرتاتيجية التوجه نحو الخارج‬
‫وتشجيع الصادرات وتحرير المعامالت التجارية وسيادة النموذج‬
‫التنافسي واستعادة التوازن الخارجي ‪ .‬على الرغم من أن هذه كلها‬
‫مرتكزات تحليلية مقبولة إال أهنا تتعارض أساسا مع محاولة اإلصالح‬
‫االقتصادي الذي نحن بصدده والذي يهدف إلى إحداث تغيير ملموس يف‬
‫الوضع الراهن بما يف ذلك اإلطار التحليلي التقليدي ‪.‬‬

‫‪343‬‬
‫مهما يكن من أمر ‪ ،‬فلقد برهن إسالم (‪ )1984‬على أن مثل هذا النظام‬
‫المقرتح يخدم أغراض التنمية يف الدول النامية بتكلفة اجتماعية أقل بكثير‬
‫من األنظمة التي عادة ما يتبناها صندوق النقد الدولي ومن يلفون لفه ‪.‬‬

‫استعادة التوازن الداخلي ‪:‬‬

‫يف دراستنا حول إمكانية استعادة التوازن الداخلي لالقتصاد السوداين‬


‫أوردنا عددا من التقديرات لإليرادات التي كان يمكن الحصول عليها‬
‫بواسطة الحكومة إذا ما طبقت القوانين السارية للضرائب على ما يسمى‬
‫بالقطاع الخاص ‪ ،‬وقد قارنا هذه اإليرادات المهدرة بما أطلق عليه وزير‬
‫مالية االنتفاضة «مدى الخلل االقتصادي» الذي نعاين منه ‪ ،‬وأوضحنا‬
‫إمكانية مقابلة ‪ ،‬أو القضاء على ‪ ،‬هذا العجز بموارد حقيقية للدولة ‪.‬‬

‫هذا وقد اعتمدت هذه التقديرات على مثالين فقط من أمثلة األرباح‬
‫التي تحققت يف االقتصاد ولم تطلها يد سلطات الضرائب ‪ ،‬عمدا كان‬
‫ذلك أو جهال ‪ .‬المثال األول يختص باألرباح التي تحققت للذين‬
‫استفادوا من التسهيالت المصرفية ‪ ،‬خصوصا أولئك الذين لم يقوموا‬
‫بتسديد ما عليهم من ديون لمصارف القطاع العام ‪ ،‬بينما المثال الثاين‬
‫يختص بمكاتب الصرافة التي مارست أعمالها طبقا لرتاخيص منحتها‬
‫إياها الحكومة ‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫على أساس هذه النتائج يمكن اقرتاح ما يلي ‪:‬‬

‫أ‪ -‬مطالبة القطاع الخاص بتسديد ضرائب األرباح المستحقة‬


‫عليه والمرتتبة على استفادته من التسهيالت المصرفية خصوصا‬
‫تلك التي لم يتم الوفاء هبا كديون مستحقة ‪.‬‬

‫ب‪ -‬مطالبة الذين كانوا يمارسون أعمال الصرافة بتسديد‬


‫ضريبة األرباح المستحقة والمرتتبة على استفادهتم من اإلطار‬
‫القانوين الذي سمح لهم بممارسة أعمالهم ‪.‬‬

‫ج‪ -‬تقدير ضريبة األرباح باستخدام معلومات التغذية‬


‫االسرتجاعية بين المصارف ووزارة التجارة وتقديرات الدخل‬
‫القومي اإلجمالي ‪ ،‬بحيث تستخدم التكلفة الحدية لالستالف‬
‫من المصارف كحد أدنى للربح البديل الذي سيقوم بتحقيقه من‬
‫يقوم باالستفادة من التسهيالت المصرفية ‪.‬‬

‫ولعلنا لسنا يف حاجة إلى مالحظة أن مثل هذه السياسة الضريبية‬


‫سيكون لها أثر إيجابي يف القضاء على ظاهرة الفوضى االقتصادية من‬
‫ناحية ‪ ،‬واستعادة التوازن الداخلي يف إطار الميزانية من ناحية أخرى ‪،‬‬
‫ثم‬
‫كذلك سيكون لهذه السياسة آثار إيجابية يف مجاالت األسعار ومن َّ‬
‫التضخم ‪ ،‬ومعدل نمو الكتلة النقدية ‪ .‬ودون الدخول يف تفاصيل فنية ال‬
‫داعي لها يمكننا مالحظة أن هذه اآلثار اإليجابية ستتأتى يف شكل آثار‬

‫‪345‬‬
‫متتابعة تبدأ بانخفاض األسعار يف سوق األصول العينية ‪ ،‬كالعقارات ‪،‬‬
‫يتبعه انخفاض يف األسعار يف أسواق السلع المعمرة وشبه المعمرة القابلة‬
‫للتخزين ‪ ،‬حيث يتوقع أن يقوم القطاع الخاص بعرض األصول التي‬
‫تراكمت لديه من جراء عدم تسديده للديون المستحقة عليه ‪ ،‬وكذلك‬
‫السلع المخزونة ‪ ،‬يف محاولة لمقابلة الضرائب المستحقة عليه !!‬

‫‪346‬‬
‫المراجع‬
‫إسالم ‪ ،‬ش ‪« ، )1984( ،‬تخفيض سعر صرف العملة وسياسات التثبيت‬
‫والدول النامية ‪ :‬تحليل اقتصادي تجميعي»‬
‫مجلة اقتصاديات التنمية ‪ ،‬المجلد ‪. 14‬‬
‫الدولي ‪ ،‬السودان ‪ ،‬مشاكل التكيف االقتصادي ‪( ،‬ثالثة‬ ‫البنك‬
‫أجزاء) ‪ ،‬تقرير رقم ‪ ، 6491‬واشنطن ‪.‬‬ ‫(‪، )1987‬‬
‫الدولي ‪ ،‬تمويل التكيف مع النمو يف إفريقيا جنوب‬ ‫البنك‬
‫الصحراء ‪ ، 1990 – 1986‬واشنطن ‪.‬‬ ‫(‪، )1986‬‬
‫الدولي ‪ ،‬آفاق إعادة تأهيل االقتصاد السوداين ‪ ،‬ثالثة‬ ‫البنك‬
‫أجزاء ‪ ،‬تقرير رقم ‪ ، 5496‬واشنطن ‪.‬‬ ‫(‪، )1985‬‬
‫الدولي ‪ ،‬نحو تنمية مؤزرة ‪ :‬برنامج عمل مشترك إلفريقيا‬ ‫البنك‬
‫جنوبي الصحراء ‪ ،‬واشنطن‬ ‫(‪، )1984‬‬
‫والتوازنات‬ ‫التسعير‬ ‫سياسات‬ ‫البنك الدولي (‪ ، )1983‬السودان ‪:‬‬
‫الهيكلية ‪ ،‬تقرير رقم ‪ ، 4528‬واشنطن‬
‫االقتصادي التقرير الختامي وتوصيات المؤتمر االقتصادي‬ ‫المؤتمر‬
‫القومي السوداين ‪ ،‬الخرطوم‬ ‫القومي ‪، )1986( ،‬‬
‫تقرير اللجنة الفنية بشأن عمليات مؤسسات‬ ‫أمانة التنسيق (‪)1985‬‬
‫التنمية العربية يف السودان ‪ ،‬الكويت ‪.‬‬
‫«تنزانيا والبنك الدولي» مجلة العالم الثالث ربع‬ ‫باير ‪ ،‬ش ‪، )1983( ،‬‬

‫‪347‬‬
‫السنوية ‪ ،‬المجلد رقم ‪ ، 5‬العدد رقم ‪. 4‬‬
‫فخ الديون الخارجية ‪ :‬صندوق النقد الدولي‬ ‫باير ‪ ،‬ش ‪، )1974( ،‬‬
‫والعالم الثالث ‪ ،‬مطبعة منثصلي ريفيو ‪،‬‬
‫نيويورك ‪.‬‬
‫برانسون ‪ ،‬و ‪ ،‬كاتسلي ‪« ،‬سالل العملة وأسعار الصرف الحقيقية‬
‫الفعلية» ‪ ،‬يف نظرية وتجارب التنمية االقتصادية ‪،‬‬ ‫ل ‪. )1982( ،‬‬
‫قيرسوفتز وآخرين (تحرير) ‪ ،‬مطبعة جورج ألن‬
‫وانيون ‪.‬‬
‫«خلفية حول المجموعة األخيرة من اإلجراءات‬ ‫براون ‪ ،‬ر ‪، )1985( ،‬‬
‫التقشفية التي فرضها نظام نميري ‪ :‬يونيو ‪1984‬‬
‫– مارس ‪ »1985‬ورقة عمل ‪ ،‬مركز الدراسات‬
‫والبحوث اإلنمائية ‪ .‬جامعة الخرطوم‪.‬‬
‫سياسات الصرف يف عالم األسعار العائمة يف‬ ‫بالك ‪ ،‬س ‪، )1976( ،‬‬
‫الدول المتخلفة ‪ ،‬سلسلة مقاالت يف التمويل‬
‫الدولي ‪ ،‬جامعة برينستون ‪.‬‬
‫«قيود الصرف والمنهج النقدي لسعر الصرف»‬ ‫بليجر ‪ ،‬م ‪)1987( ،‬‬
‫يف فرانكل ‪ ،‬ج ‪ ،‬وجنسون ‪ ،‬هـ ‪( ،‬محررين) ‪،‬‬
‫دراسات مختارة يف اقتصاديات سعر الصرف ‪،‬‬
‫مطبعة إديسون ويسلي ‪.‬‬
‫االقتصاد التجميعي من وجهة نظر الهيكلية ‪:‬‬ ‫تيلور ‪ ،‬ل ‪. )1983( ،‬‬
‫نماذج قابلة للتطبيق يف العالم الثالث ‪ ،‬طابعو‬

‫‪348‬‬
‫الكتب األساسية ‪ ،‬نيويورك ‪.‬‬
‫استعراض دراسة كيليك وأصحابه ‪ ،‬مذكرة ‪،‬‬ ‫ثيرلول ‪ ،‬أ ‪( ،‬غ ‪ .‬ت) ‪.‬‬
‫جامعة كنت ‪ ،‬انجلرتا ‪.‬‬
‫الدين ‪،‬م ‪ ،‬تحويالت السودانيين العاملين بالخارج ‪ ،‬كراسة‬ ‫جالل‬
‫دورية رقم ‪ ، 64‬مركز الدراسات واألبحاث‬ ‫(‪. )1985‬‬
‫اإلنمائية ‪ ،‬جامعة الخرطوم ‪.‬‬
‫م ‪،‬ن ‪ ،‬حول تجربة السوق الحر للنقد األجنبي يف‬ ‫حسين ‪،‬‬
‫السودان ‪ ،‬ورقة نقاش ‪ ،‬جامعة الجزيرة ‪.‬‬ ‫(‪، )1986‬‬
‫م ‪،‬ن ‪ ،‬المسببات الخارجية والمحلية للتضخم يف‬ ‫حسين ‪،‬‬
‫السودان ‪ ،‬ورقة قدمت الجتماع خرباء المعهد‬ ‫(‪، )1985‬‬
‫العربي للتخطيط ‪ ،‬الكويت ‪.‬‬
‫م ‪،‬ن ‪« ،‬اعتماد الصندوق لجانب العرض كمنهج‬ ‫حسين ‪،‬‬
‫وثيرلون ‪ ،‬أ ‪ ، )1984( ،‬لتخفيض سعر الصرف ‪ ،‬تقويم حالة السودان» ‪،‬‬
‫نشرة معهد أكسفورد لإلحصاء واالقتصاد ‪.‬‬
‫حمد ‪ ،‬أ ‪ ،‬م ‪« ، )1986( ،‬الهجرة المعاكسة ‪ :‬التحديات والحلول» ‪،‬‬
‫ورقة عمل قدمت للمؤتمر االقتصادي القومي –‬
‫الخرطوم ‪.‬‬
‫ال خير فينا إن لم نقلها ‪ ،‬مطبعة جامعة‬ ‫خالد ‪ ،‬م (غ ‪ ،‬ت)‬
‫الخرطوم ‪.‬‬
‫دياز – أليجاندرو ‪ ،‬ك ‪ ،‬أنظمة التجارة الخارجية والتنمية االقتصادية ‪،‬‬
‫مطبعة جامعة كولمبيا ‪.‬‬ ‫(‪)1976‬‬

‫‪349‬‬
‫ج سلوك سعر الصرف يف إطار عدم قابلية العملة‬ ‫سيدو ‪،‬‬ ‫ديما‬
‫للتحويل ‪ ،‬مذكرة ‪ ،‬جامعة برنستون ‪.‬‬ ‫(‪، )1980‬‬
‫أ ‪« ،‬النظام الدولي وآليات التبعية ‪ :‬آليات التبعية يف‬ ‫الدين ‪،‬‬ ‫سعد‬
‫إطار الرأسمالية المتعدية للجنسيات» مركز‬ ‫(‪، )1986‬‬
‫دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬لبنان ‪.‬‬
‫أ «حول مقولة التبعية والتنمية االقتصادية العربية»‬ ‫الدين ‪،‬‬ ‫سعد‬
‫المستقبل العربي ‪ ،‬العدد السابع عشر ‪.‬‬ ‫(‪، )1980‬‬
‫نظرية التبعية ‪ :‬إعادة تقييم نقدية‪ ،‬فرانسس‬ ‫سيرز ‪ ،‬د ‪( ،‬محرر) ‪،‬‬
‫للطباعة ‪ ،‬لندن ‪.‬‬
‫سن ‪ ،‬أ ‪ ،‬ك ‪« ، )1986( ،‬الغذاء واالقتصاد واألهلية» نشرة العمل‬
‫الجاري ‪ ،‬جامعة األمم المتحدة المجلد رقم ‪، 9‬‬
‫العدد رقم ‪. 3‬‬
‫دراسة عن السودانيين العاملين بالخارج ‪ ،‬معهد‬ ‫شكري ‪ ،‬ن ‪، )1985( ،‬‬
‫ماساتشوستس للتكنولوجيا ‪ ،‬الواليات المتحدة‬
‫األمريكية ‪.‬‬
‫المناهج األساسية لالقتصاد الرياضي ‪ ،‬مطبعة‬ ‫شيانج ‪ ،‬أ ‪، )1974( ،‬‬
‫مجرو – هيل ‪.‬‬
‫«السوق األسود للنقد األجنبي ‪ ،‬تدفق رؤوس‬ ‫شيخ ‪ ،‬م ‪، )1976( ،‬‬
‫األموال والتهريب» ‪.‬‬
‫مجلة اقتصاديات التنمية ‪.‬‬
‫صالح ‪ ،‬ع ‪ ،‬أ ‪« 1986( ،‬نظرة كلية ألداء االقتصاد السوداين خالل الفترة‬

‫‪350‬‬
‫‪ »1985/84 – 1971/70‬ورقة قدمت إلى‬ ‫– أ)‬
‫المؤتمر االقتصادي القومي ‪ ،‬الخرطوم ‪.‬‬
‫أ ‪« ،‬السياسة المالية والنقدية يف السودان ‪ :‬تجربة‬ ‫ع‪،‬‬ ‫صالح ‪،‬‬
‫الماضي ورؤية المستقبل» ‪ ،‬ورقة قدمت إلى‬ ‫(‪، )1986‬‬
‫مؤتمر سياسات االقتصاد الكلي ‪ ،‬الخرطوم ‪.‬‬
‫«نحو تنمية مستقلة يف الوطن العربي» مركز‬ ‫صايغ ‪ ،‬ي ‪)1986( ،‬‬
‫دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬لبنان ‪.‬‬
‫صندوق النقد الدولي ‪« ،‬مذكرة حول ربط الجنيه السوداين بسلة من‬
‫العمالت» ‪.‬‬ ‫(غ ‪.‬ت)‬
‫صندوق النقد الدولي ‪« ،‬مذكرة حول سعر صرف الجنيه السوداين‬
‫واإلجراءات المتصلة به» ‪.‬‬ ‫(غ ‪.‬ت) ‪،‬‬
‫صندوق النقد الدولي ‪ ،‬السودان ‪ :‬تقرير الموظفين لمشاورات المادة‬
‫الرابعة لعام ‪ ، 1986‬تقرير رقم س م ‪/ 87 /‬‬ ‫(‪، )1987‬‬
‫‪ ، 12‬واشنطن ‪.‬‬
‫ح ‪ ،‬دراسة تقييمية لنشاط البنوك األجنبية والمشتركة‬ ‫الوهاب ‪،‬‬ ‫عبد‬
‫العاملة بالبالد ‪ ،‬بنك السودان ‪ ،‬الخرطوم ‪.‬‬ ‫(‪، )1982‬‬
‫مالحظات استكشافية حول التحويالت وتمويل‬ ‫علي ‪ ،‬ع ‪ .‬ع (‪، )1986‬‬
‫التنمية ‪ ،‬المعهد العربي للتخطيط ‪ ،‬الكويت ‪.‬‬
‫علي ‪ ،‬ع ‪ .‬ع (‪ – 1985‬نحو فهم أفضل لالستثمار المنتج لتحويالت‬
‫لضمان‬ ‫العربية‬ ‫المؤسسة‬ ‫المغتربين ‪،‬‬ ‫أ) ‪،‬‬
‫االستثمار ‪ ،‬الكويت ‪.‬‬

‫‪351‬‬
‫علي ‪ ،‬ع ‪.‬ع ‪( ،‬محرر) ‪ ،‬االقتصاد السوداين يف حالة تفكك ‪ ،‬مطبعة أثيكا ‪،‬‬
‫لندن ‪.‬‬ ‫(‪ – 1985‬ب) ‪،‬‬
‫ع ‪ ،‬بعض جوانب االقتصاد السوداين ‪ ،‬مركز‬ ‫ع‪،‬‬ ‫علي ‪،‬‬
‫جامعة‬ ‫اإلنمائية ‪،‬‬ ‫والبحوث‬ ‫الدراسات‬ ‫(‪، ). 1984‬‬
‫الخرطوم ‪.‬‬
‫تحديد سعر الصرف ‪ ،‬مسوحات كمربيدج ‪،‬‬ ‫كروقر ‪ ،‬أ ‪)1983( ،‬‬
‫ألدبيات االقتصاد ‪ ،‬مطبعة جامعة كمربيدج‬
‫السعي إلى االستقرار االقتصادي ‪ ،‬مطبعة‬ ‫كيليك ‪ ،‬ت ‪( ،‬محرر) ‪،‬‬
‫هاينمان ‪ ،‬لندن ‪.‬‬
‫الشعب ‪ ،‬وثائق مجلس الشعب ‪ ،‬دور االنعقاد الثالث ‪،‬‬ ‫مجلس‬
‫الجلسة رقم ‪ ، 11‬الخرطوم ‪.‬‬ ‫(‪، )1980‬‬
‫محمد ‪ ،‬أ ‪ ،‬أ‪ ،‬وفضل منهجية نمذجة لالستقراء ‪ ،‬مركز الدراسات‬
‫اهلل ‪ ،‬ب ‪ ،‬ع ‪ ، )1985( ،‬والبحوث اإلنمائية ‪ ،‬منوغراف رقم ‪. 23‬‬
‫الدولية ‪ ،‬ما بعد المجاعة ‪ ،‬جنيفا ‪.‬‬ ‫العمل‬ ‫منظمة‬
‫(‪، )1986‬‬
‫ميردال ‪ ،‬ق ‪ ، )1970( ،‬تحديات الفقر على مستوى العالم ‪ ،‬كتب‬
‫بانثيون ‪ ،‬نيويورك ‪.‬‬
‫ك ‪« ،‬جانب العرض كإطار لتعديل أسعار الصرف يف‬ ‫نشاشيبي ‪،‬‬
‫البلدان النامية ‪ :‬تجربة السودان» أوراق العاملين‬ ‫(‪، )1980‬‬
‫بصندوق النقد الدولي‬

‫‪352‬‬
‫د ‪ ،‬النجاح المحدود لسياسات صندوق النقد الدولي‬ ‫هانسهوم ‪،‬‬
‫والبنك الدولي يف السودان ‪ ،‬ورقة نقاش رقم ‪، 4‬‬ ‫(‪، )1985‬‬
‫مجموعة البحث يف االقتصاد السوداين ‪ ،‬جامعة‬
‫بريمن ‪ ،‬ألمانيا ‪.‬‬

‫‪353‬‬
354
‫الفهرس‬

‫توطئة الطبعة الثانية ‪5 .........................................................‬‬


‫تقديم د‪ .‬معتصم األقرع للطبعة الثانية ‪5 .......................................‬‬
‫توطئة الطبعة األولى ‪19 ......................................................‬‬
‫الفصل األول ‪23 ............................................................‬‬
‫‪ -1‬مقدمة ‪25 ...............................................................‬‬
‫‪ -2‬محتوى وأهداف الكتاب ‪28 .............................................‬‬
‫الفصل الثاين االقتصاد السوداين بين صندوق النقد والجهات المختصة ‪33 .....‬‬
‫‪ -1‬مقدمة ‪35 ...............................................................‬‬
‫‪ -2‬برنامج الرتكيز االقتصادي واإلصالح المالي ‪40 .........................‬‬
‫‪ -3‬برنامج إصالح السياسات المتعلقة بالنقد األجنبي والتجارة الخارجية ‪44 .‬‬
‫‪ -4‬الربنامج االقتصادي األساسي ‪49 ........................................‬‬
‫‪ -5‬برنامج الحكومة االنتقالية ‪56 ............................................‬‬
‫‪ -6‬الصندوق وخراب االقتصاد السوداين ‪ :‬الشواهد ‪63 ......................‬‬
‫‪ -7‬صندوق النقد المفرتى عليه ‪68 ..........................................‬‬
‫‪ -8‬مالحظات ختامية ‪74 ....................................................‬‬
‫الفصل الثالث االقتصاد السوداين كحقل تجارب ‪79 ..........................‬‬
‫‪ -1‬مقدمة ‪81 ...............................................................‬‬

‫‪355‬‬
‫‪ -2‬المذكرة األولى لصندوق النقد الدولي ‪85 ...............................‬‬
‫‪ -3‬منهج تنافسية المحاصيل ‪ :‬فشل التجربة األولى ‪94 ......................‬‬
‫‪ -4‬ربط الجنيه السوداين بسلة للعمالت ‪103 ................................‬‬
‫‪ -5‬حول محاولة التجربية الثانية للصندوق ‪113 .............................‬‬
‫‪ -6‬مالحظة ختامية ‪127 ....................................................‬‬
‫الفصل الرابع صندوق النقد الدولى والفوضى االقتصادية يف السودان ‪131 ....‬‬
‫‪ -1‬مقدمة ‪133 .............................................................‬‬
‫‪ -2‬نموذج للسوق األسود ‪137 .............................................‬‬
‫‪ -3‬النتائج التطبيقية ‪147 ....................................................‬‬
‫‪ -4‬اآلثار التجميعية لتجربة السوق األسود ‪156 .............................‬‬
‫‪ -5‬مالحظات ختامية ‪160 ..................................................‬‬
‫الفصل الخامس االقتصاد السوداين وصفاقة الصندوق ‪171 ...................‬‬
‫‪ -1‬مقدمة ‪173 .............................................................‬‬
‫‪ -2‬بيان السلطات السودانية حول السياسات االقتصادية ‪176 ................‬‬
‫‪ -3‬بيان حكومة السودان حول السياسات االقتصادية والمالية ‪187 ..........‬‬
‫‪ -4‬أطروحة اهنيار الموقف التفاوضي للسودان ‪203 .........................‬‬
‫‪ -5‬الصندوق والصفاقة المؤسسية ‪212 .....................................‬‬
‫‪ -6‬مالحظات ختامية ‪226 ..................................................‬‬
‫الفصل السادس حول التوازن الداخلي لالقتصاد السوداين ‪229 ...............‬‬
‫‪ -1‬مقدمة ‪231 .............................................................‬‬
‫‪ -2‬اإلنفاق الحكومي والعجز الداخلي ‪235 .................................‬‬

‫‪356‬‬
‫‪ -3‬القطاع المصريف واسرتداد حقوق الدولة ‪241 ............................‬‬
‫‪ -4‬موارد السوق األسود ‪250 ...............................................‬‬
‫‪ -5‬إمكانية التوازن الداخلي ‪256 ............................................‬‬
‫‪ -6‬مالحظات ختامية ‪258 ..................................................‬‬
‫الفصل السابع حول التوازن الخارجي لالقتصاد السوداين ‪261 ................‬‬
‫‪ -1‬مقدمة ‪263 .............................................................‬‬
‫‪ -2‬استنفار واستغالل الموارد ‪ :‬نتائج البنك الدولي ‪264 ....................‬‬
‫‪ -3‬تبديد الموارد ‪272 ......................................................‬‬
‫‪ -4‬مالحظات ختامية ‪279 ..................................................‬‬
‫الفصل الثامن اكتمال الحلقة ‪ :‬التبعية واالنبطاح االقتصادي ‪283 .............‬‬
‫‪ -1‬خلفية ‪285 ..............................................................‬‬
‫‪ -2‬محتوى برنامج العمل ‪290 ..............................................‬‬
‫‪ -3‬مالحظات ختامية ‪318 ..................................................‬‬
‫الفصل التاسع خاتمة حول السياسات البديلة ‪333 ...........................‬‬
‫‪ -1‬مقدمة ‪335 .............................................................‬‬
‫‪ -2‬بعض السياسات البديلة ‪338 ............................................‬‬
‫المراجع ‪347 ...............................................................‬‬
‫الفهرس ‪355 ...............................................................‬‬

‫‪357‬‬

You might also like