Professional Documents
Culture Documents
تأليف
5
تتبدل مع حركة السياقات وتعاقب الحقب .وكفقه أصولي ال يحفل هذا
كثيرا باألدلة المرتاكمة عرب السنين يف السودان وحول العالم على
الربنامج ً
فشله يف إرساء قواعد تنمية حقيقية أو حتى نمو مستدام قادر علي انتشال
الدول التي تتبناه من أتون الفقر والتخلف والحرمان .كما ال يأبه الربنامج
بدوره الفاعل يف إعادة توزيع الثروة القومية المجتمعية لمصلحة شريحة
طفيلية ضيقة ،هذا إذا أخذنا يف االعتبار هذه الخاصية المتصلبة الجامدة.
ربما كان صادما ولكن ليس مفاجئا أن نفس الوصفة االقتصادية التي
ُفرضت على السودان يف سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وتواصل
تطبيقها الي سقوط نظام اإلنقاذ يف ابريل - 2019والتي ُي َش ِّرحها هذا
الكتاب بدقة وعن معرفة واسعة وبصرامة منهجية -يتم تطبيقها مرة
أخرى ،وبحماس غير مسبوق ،منذ اعالن أول موازنة للحكومة يف
خواتيم .2019
السبب اآلخر وراء استمرار األهمية المركزية لهذا الكتاب هو أن مؤلفه
أستاذ االقتصاد علي عبد القادر علي ،قامة فكرية سامقة بكل المقاييس،
تميزا كعالم
وهو بال شك أرفع االقتصاديين يف تاريخ السودان وأكثرهم ً
منقطع النظير يتمتع بعمق معريف فريد يزينه التزام ال يتزعزع بقيم سامية من
الوطنية والغيرة على مصلحة السودان وسيادته واستقالل قراره وحق
طبقاته الدنيا والوسطى يف حياة كريمة ال يشك يف اهنا ممكنة.
يكشف هذا الكتاب أنه يف خالل أربعة عقود من التطبيق المتواصل لنفس
6
الربنامج االقتصادي ظل تحليل القوى الداخلية والخارجية التي تدفع به
لجذور المشكلة كما هو ولم تتغير الوصفة العالجية وظلت كما هي يف
1978أو يف 1997أو 2020ال فرق .لم يتغير اإلخراج السياسي وال
حمالت التسويغ اإلعالمية و لم تتغير مزاعم ما بعد الحقيقة بأن الوصفة
تعرب عن رؤية وطنية مستقلة وأنه ال يوجد بديل لها .وكأن العناية اإللهية
استنسخت عقل الفكر االقتصادي الحكومي المستقل يف سبعينات
وثمانينيات القرن الماضي وأولجته بال تعديل يف عقلها المستقل يف الربع
األول من القرن الواحد وعشرين فأخرجته بنفس اللغة ونفس المفردات
ونفس المربرات ونفس الدفوعات وكأن تطابق الفكر الحكومي مع
برنامج الصندوق كان محض صدفة على مر العقود .لكن االنصاف
يفرض علينا التنبيه إلى بعض التباينات بين الفرتتين ،التباين األول يتجلى
يف أن الحمالت اإلعالمية لتسويغ الربنامج جماهيريا صاحبتها هذه المرة
أفالم الرسوم المتحركة التي تشرح مزاياه التي تصب يف مصلحة الطبقات
الفقيرة الموعودة بالعبور على أكتافه من العوز إلى الرفاهية .والتباين
الثاين يتعلق بأن الرغبة يف الحصول على تمويل خارجي من قروض ومنح
كان هو الدافع الذي استُخدم لتسويغ الربنامج يف المرة األولى أما يف المرة
الثانية فقد كان تخفيف عبء نفس الديون التي تراكمت هو المربر إلعادة
تجريب المجرب دون فحص ثمار تطبيقه سابقا يف ظل نظام مايو أوال
وثانيا يف فرتة الديمقراطية التي أعقبته وثالثا تحت نظام اإلنقاذ الذي ظل
7
يطبق يف نفس الربامج التي يراقبها الصندوق منذ 1997الي يوم رحيله
بعد ثورة أشعلها شباب يبحث عن مستقبل أفضل.
ومن المهم مالحظة مركزية التمويل األجنبي وتداعياته يف اعتماد الربنامج
وتنفيذه يف كل الفرتات .تتضح طبيعة االقتصاد السياسي للتمويل
الخارجي يف كونه يف الجولة األولي الجزرة التي وعدت بتوفير الموارد
األجنبية لتمويل التنمية وسد عجز ميزان المدفوعات .أما يف الجولة الثانية
فكان تخفيف عبء الديون التي تراكمت جراء الركون للتمويل الخارجي
هو العصا .هذا االنتقال من الجزرة الي العصا يوجز ويضيف إلى اهنيار
الموقف التفاوضي للسودان الذي حذر منه علي عبد القادر قبل عقود.
الخالصات التي توصل اليها علي عبد القادر يف نتائج الوصفة االقتصادية
المعنية تم تأكيدها يف بحوث أكاديمية جادة على المستوى النظري وعلى
االمبيريقية ويف دراسات غطت تجارب شبيهة حول مستوى الشواهد ِ
8
الجرعة التي طبقت الوصفة ،وأن الدول التي تجنبت حزمة سياسات
التكيف الهيكلي كانت األفضل أ َدا ًء بمقدار معترب ،وذلك قياسا على نمو
الناتج المحلي ومعدالت االستثمار وعجز الموازنة وغيرها من مؤشرات
االقتصاد الكلي األساسية.
الخالصات عميقة التحليل بعيدة النظر المسرودة يف هذا الكتاب أيضا تم
تأكيدها ودعمها الحقا يف دراسات عالم االقتصاد المتميز ها-جون تشانغ
أستاذ االقتصاد بجامعة كامربدج واحد ألمع المفكرين االقتصاديين -
الذي ذهب الي ان التدهور االقتصادي الذي عانت منه القارة االفريقية
سببه اهنا كانت تدار عمل ًيا من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي
منذ ثمانينات القرن الماضي .ويف ركن آخر من العالم ذهب هـا-جون
إلى انه بعد انفراط عقد الكتلة السوفيتية واستقالل جمهورياهتا رفضت
أوزبكستان الدوران يف فلك البنك الدولي وصندوق النقد ؛ ورفضت
العالج بالصدمة ،ورغم أهنا بلد غير ساحلي مرتين ( ال بحر لها ومحاطة
بدول ال بحر لها) ورغم وابل االنتقادات الذي اهنمر عليها من مؤسسات
التمويل الدولية ،فقد كان أداؤها االقتصادي أفضل بكثير من
الجمهوريات السوفيتية التي تبنت وصفات الصندوق ،فقد نجحت
أوزبكستان يف أن تكون األولي من بين الجمهوريات السوفيتية السابقة
التي استعادت التوازن االقتصادي وازدهرت فيها صناعة السيارات
وتعززت رفاهية الشعب .ويف وجود علماء مثل علي عبد القادر لم يكن
9
السودان يف حاجة الي زرقاء يمامة وال إلى علماء الخارج ومؤسساته
ٍ
انزالق أعلن عنه يف سلسة من الدراسات األكثر رصانة؛ ولكن لتفادي
رأي آخر أملته المصالح قصيرة النظر بعيدا عن
أهل الحكم كان لهم ٌ
التحليل العلمي.
كان بإمكان صانع السياسات العامة واألحزاب السياسية السودانية وقادة
الرأي تجنب تكرار الفشل الموجع وكان بإمكاهنم اإللمام بطبيعة التحدي
التنموي وبأهم جوانب تجربة السودان االقتصادية تحت إشراف الخارج
بـاالطالع على التقييم الثري لتاريخها الوارد يف مقاالت هذا الكتاب والتي
ظلت متوفرة منذ ثمانينات وتسعينات القرن الماضي .ولكن لألسف فان
من ال يعرفون تاريخهم محكوم عليهم بتكراره؛ هذه المرة كمأساة مكتملة
األركانُ .ينسب إلى أينشتاين القول بإن تعريف الجنون هو فعل الشيء
وتكرارا وتوقع نتيجة مختلفة.
ً مرارا
نفسه ً
ولكن ،ما زال بإمكان أهل الحل والعقد االلتفات الي الخالصة التي
توصل إليها علي عبد القادر بأن انقالب 30يونيو 1989على
الديمقراطية يمكن تفسيره جزئيا بفشل الحكومة الديمقراطية يف التعامل
مع األزمة االقتصادية السودانية ومساهمتها يف تفاقمها ومن ثم استمرار
حالة التبعية واالنبطاح.
استنادا إلى تحليل عميق ومعرفة بموارد السودان وبطبيعة التمويل
الخارجي يرهن علي عبد القادر الخروج من الجب إلى االعتماد على
10
الذات ،ويالحظ ان أن األغلبية الساحقة من السكان "سوف لن تخسر
شيئا إذ إهنا قد ظلت تفعل ذلك طوال السنوات" ،ثم يتساءل عن إمكانية
تبني هنج االعتماد على الذات من األقلية ذات النفوذ االقتصادي
واالجتماعي والسياسي .من نافلة القول ان استفسار الكاتب هو يف
الحقيقة اهتام ،لذا يسارع بتذكير األقلية المذكورة “إنه إذا ما جاء الطوفان
فإهنا ستكون الطبقة االجتماعية الوحيدة التي ستخسر يف هناية المطاف
مهما كرب حجم ما تراكم لديها من أصول مالية وعينية" .فهل يسمعون يف
فرصتهم االخيرة؟
ختاما نذكر مرة اخري بان الذي بين يديك هو اإلصدارة الثانية لكتاب تم
نشره ألول مرة يف عام .1990ولكن تاريخ ميالد يضلل بال قصد ،فهذا
كتاب مواكب بكل ما تعني الكلمة ،يستنطق التوجه االقتصادي الحالي،
ومنطقه ،ومرتكزاته الفكرية وتمظهراته السياسية ونتائجه المتوقعة التي
لن تختلف عما تنبأ به علي عبد القادر قبل أربعة عقود.
د .معتصم األقرع
مؤتمر األمم المتحدة
للتجارة والتنمية -األونكتاد
جنيف ،سويسرا
26يونيو 2021م
11
توطئة الطبعة الثانية
صدرت الطبعة األولى من هذا الكتاب عن دار المستقبل العربي يف
القاهرة ،قبل ثالث عقود من الزمن وعلى وجه التحديد يف عام ، 1990
وزع الكتاب حينئذ نسخا محدودة يف السودان أغلب ظني أن ذلك يعزي
لسعر الكتاب الذي بلغ عشرون جنيها (ما يعادل 4دوالر امريكي وفق
السعر الرسمي) وهو ما يفوق القدرة الشرائية للمواطنين السودانيين
يومئذ .
تأيت الطبعة الثانية من الكتاب ،بمبادرة من بعض شباب المقاومة
الذين تسني لهم االطالع مؤخرا على الكتاب ،واعتقدوا أن محتواه
والقضايا التي يطرحها حول االقتصاد السوداين ،لم تزال إلى يوم الناس
هذا صالحة ،ويجيب على الكثير من األسئلة المطروحة ،ويمكن لها أن
تسهم يف تصحيح مسارات الثورة الملهمة التي فجروها .
توطئة الطبعة األولى من الكتاب ،رصدت ووثقت اإلجراءات التي
اتخذهتا الحكومة المنتخبة ديمقراطيا ،ازاء انسحاب فريق من الخرباء
السودانيين من عضوية بعثة منظمة العمل الدولية ،الذين وصفوا هنج
الحكومة حينها بأنه توجه تابع وفقا للتعريف الذي تبناه الكتاب لمفهوم
التعبية .
أما توطئة الطبعة الثانية للكتاب ،فإهنا ترصد على نحو مكثف وموجز
هنج (حكومة الثورة!!) إزاء قضايا االقتصاد السوداين ،انطالقا من الوثيقة
12
التي أصدرهتا وزارة المالية والتخطيط االقتصادي يف ديسمرب عام 2019
يف 71صفحة يف شكل بوربوينت ،حملت عنوان «االقتصاد السوداين بين
التحديات الماثلة واآلفاق الرحبة – موازنة عام »2020وتعرض
المحتوي االقتصادي للوثيقة لتحليل معمق ،قام به عدد من االقتصاديين
السودانيين ،ويمكن للراغبين االطالع على هذه التحليالت أن يعودوا
إلى مختلف المواقع اإلسفيرية التي تعني بالشأن السوداين ،وسيجدون
ضالتهم فيها .
ما نود الرتكيز عليه يف هذه التوطئة ،محتوي القسم الخاص لما أسمته
الوثيقة بخارطة الطريق (ص )56-53ويشمل هذا القسم ثالث عناوين
رئيسية ،تتضمن الجدول الزمني لإلصالح االقتصادي ،والجدول
الزمني إلعفاء الديون ،وإعادة التأهيل ،واآلفاق الرحبة ،وما ورد يف
هذه االقسام الثالث من موضوعات يمثل تكريسا تاما لنهج التبعية بأكثر
صورها تجليا ووضوحا ،وعلى بعد الزمان وتطاوله واتساع الشقة
ومداها وعصف اآلزمة وفداحتها ،حذت (حكومة الثورة!!) حذو
سابقاهتا النص بالنص ووقع الحافر على الحافر ،ولم تجد مناصا إال أن
تتبع هوي التبعية وتسير على خطاها ،وكأن الثورة لم تأيت لتعصف بكل
إرث التبعية ،وكأن ارواح الشهداء ودمائهم لم تراق لرسم فضاء أكثر
رحابة تجلله آفاق التنمية المستقلة والسيادة الوطنية وكرامة المواطنيين
وحقهم يف العيش الكريم والرفاه االنساين .
13
وعود على بدء التبعية ومنتهاها ،فقد اشتمل عنوان الجدول الزمني
لإلصالح االقتصادي على السياسات التقليدية لصندوق النقد الدولي ،
إضافة إلى مواقيت تنفيذ هذه السياسات خالل الفرتة االنتقالية ومن بينها:
"إطالق الربنامج التجريبي للدعم النقدي المباشر ،تحرير سعر صرف
الصادرات ،تحرير أسعار السلع االسرتاتيجية ،كما يشمل عنوان
الجدول الزمني إلعفاء الديون وإعادة التأهيل على أربعة نقاط ،ثالث
منها كما يلي:
"* بدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لالتفاق على برنامج
اإلصالح االقتصادي المتابع . SMP
*سريان تنفيذ الربنامج :أبريل – 2020نوفمرب . 2021
*إعالن تقييم الصندوق ألداء السودان والوصول إلى مرحلة القرار
التي تشمل بدء عملية اإلعفاء من الديون (ص ، )55اعتبارا من
يناير\يوليو ، 2021ومن بينها ديون نادي باريس ( 54بليون دوالر) ،
إضافة إلى الديون األخرى ،وتفعيل األلية التلقائية لدفع متأخرات البنك
الدولي ( 23. 1بليون دوالر) ،وبنك التنمية االفريقي .تتبقي متأخرات
صندوق النقد الدولي ( 4. 1بليون دوالر) والتي يجب سدادها وذلك
نظرا لعدم وجود األلية التلقائية مثل البنك الدولي" .
أما عنوان اآلفاق الرحبة ،فيشتمل على اربع نقاط هي(( :إعفاء أو
تخفيض كبير للديون ،دعم مباشر للموازنة يف شكل منحة من وكالة
14
التنمية الدولية ،يمكن أن تصل إلى بليون دوالر سنويا ،قروض أخري
ميسرة لمشاريع وبرامج تنموية ،شراكات استثمارية مع القطاع الخاص
السوداين واألجنبي)) ( .ص )56
نسارع لنالحظ أن السياسات التي ذكرهتا الموازنة هي نفس السياسات
التقليدية للصندوق ،وأن ما أسمته وثيقة الموازنة بربنامج اإلصالح
االقتصادي المتابع SMPليس فتحا مبينا لحكومة الخرباء التي جاءت
هبا الثورة .ويهمنا يف هذا المجال مالحظة أن الحكومات المتعاقبة للعهد
االسالمي المباد قد وقعت مثل هذه الربامج سنويا منذ عام 1997دون أن
تبشر الشعب السوداين بآفاق رحبة جراء تطبيق السياسات المدرجة يف مثل
تلك الربامج .كما يهمنا أيضا مالحظة التعريف الرسمي لهذه الربامج
كما جاء يف هامش البيان الصحفي الذي صدر عن الصندوق يف 28
مارس 2021 ،تحت عنوان :ادارة صندوق النقد الدولي تنهي تقييم
المراجعة األولي لربنامج SMPمع السودان .ينص التعريف على أن
هذا الربنامج هو عبارة عن اتفاق غير رسمي بين سلطات البلد المعني
وموظفي الصندوق لمراقبة تنفيذ برنامج اإلصالح االقتصادي الذي
صاغته سلطات البلد المعني ،وال ينطوي برنامج SMPعلى تقديم
مساعدات مالية أو اعرتاف من مجلس إدارة الصندوق .
مهما يكن من امر ،أفضت موازنة عام 2020إلى تشكيل آلية عليا
إلدارة اآلزمة االقتصادية يف البالد اعتبارا من أول مارس ، 2020أسندت
15
رئاستها يف بدء إنشاءها إلى رئيس الوزراء ( دكتوراة يف االقتصاد من
جامعة مانشسرت – بريطانيا) ،ولكن سرعان ما أنيطت قيادة هذه اآللية
لنائب رئيس مجلس السيادة (لم يسبق له أن ارتاد أي مرحلة من مراحل
التعليم النظامي) ،وترتب على مستوي ونوع هذه اإلدارة العليا لآلزمة ،
خاصة يف أعقاب تشكيل حكومة شركاء الدم ،التي جاءت بعد انضمام
الحركات المسلحة للحكومة االنتقالية ،أن تتوالي القرارات اإلرتجالية ،
والتي بدأت بخفض سعر الجنيه السوداين من 55جنيها للدوالر إلى
375جنيها للدوالر ،تحقيقا لرغبة شركاء السودان ،وتطبيقا لشروط
صندوق النقد الدولي وأخذ هذه الشروط على عواهنها دون تبصر أو تدبر
لنتائجها الكارثية على اقتصاد منهار مثل االقتصاد السوداين ،وال نخال
إننا بحاجة إلى إبداء مالحظات فنية من أن مثل اإلجراءات التي تم
اتخاذها سوف ترتتب عليها أي أثار إيجابية على االقتصاد ،سواء كان
ذلك على صعيد توحيد سعر الصرف (بين السعر الرسمي والسعر
الموازي) ،أو تشجيع الصادرات (لتدين مرونتها السعرية) ،أو تحسين
ميزان المدفوعات (لكون مجموع المرونة السعرية للصادرات والواردات
تقل عن الواحد الصحيح ،كما ينص على ذلك شرط مارشال-ليرنر
الشهير) .
وبعد ،سوف يالحظ القارئ أن الفصل الرابع من الكتاب هو دراسة
مشرتكة مع فقيدنا الكبير محمد نور الدين حسين ،الذي كان حين إعداد
16
الدراسة محاضرا يف جامعة الجزيرة ،وكان رحمه اهلل من بين ألمع
طالبي ،كما أنه كان أكثر طالب ثيرلول (جامعة كنت – بإنجلرتا) تميزا ،
حيث قام بمشاركته يف تطوير نموذج النمو االقتصادي المقيد بميزان
المدفوعات ،والذي أصبح يعرف يف األدبيات االقتصادية بنموذج حسين
– ثيرلول ،ويف أعقاب انقالب الجبهة االسالمية العسكري أضطر إلى
مغادرة موقعه يف جامعة الجزيرة لينتهي به المطاف يف البنك االفريقي
للتنمية ،حيث لمع نجمه بوصفه أحد أفضل االقتصاديين يف افريقيا وفقا
لتعبير بروفيسور ثيرلول .واعرتافا بفضله العلمي أصدر البنك االفريقي
عددا خاصا من مجلته الدورية (العدد رقم ، 3مجلد رقم 17بتأريخ
ديسمرب )2005تخليدا لذكراه واحتفاء بإسهاماته العلمية ،أال رحم اهلل
محمد نورالدين الذي غادرنا يف ريعان الشباب ،ونحن يف أمس الحاجة
إليه ففي الليلة الظلماء يفتقد البدر .
يف ختام توطئتي أتقدم بجزيل الشكر والتقدير لنشطاء المقاومة الذين
تسني لهم االطالع على الطبعة األولي من الكتاب ،وقرروا أن ما ورد فيه
رغم تقادم الزمن واتساع فجوة اآلزمة ،لم يزل صالحا كمرجع لمتابعة
التطورات االقتصادية والسياسية المتسارعة يف السودان ،لكونه يف
اعتقادهم – يمثل تحليال وتوثيقا لما أصاب االقتصاد السوداين من
تشوهات هيكلية ،كما أعرب عن خالص شكري للدكتور معتصم
االقرع ،الذي يعمل حاليا يف مؤتمر االمم المتحدة للتجارة والتنمية
17
(االونكتاد) الذي رحب بإعداد تقديم للطبعة الثانية للكتاب ،وهو بدوره
من بين أبرز طالبي تميزا ودراية ،ويجدر بنا أن ننوه بمشاركته الفاعلة يف
النهوض بالوعي والمعرفة يف المجتمع السوداين ،كما أعرب عن عرفاين
للدكتور حسام الدين إسماعيل ،الذي تحمس لفكرة إعادة نشر الكتاب
يف طبعة ثانية ،وللجهود التي بذلها مع الناشرين ،وتوفير التمويل الالزم
للطباعة والنشاطات األخرى المصاحبة إلعادة نشر الكتاب ،وأخص
بالشكر لكل الذين أسهموا يف هذا العمل ،ومن بينهم إبراهيم السوري
وآخرين كثر .
18
توطئة الطبعة األولى
لقد كان من المقرر أن تصل مسودة هذا الكتاب إلى الطابعين يف مطلع
شهر يونيو من عام 1986إال أن عددا من العوامل قد تضافر لتأجيل هذا
الموعد .ولعل اهلل قد أراد خيرا بذلك إذ شهدت فرتة التأخير هذه مزيدا
من مظاهر التبعية تحت ظل الحكومة الديموقراطية المنتخبة .
ولعل أول حدث جدير بالتقرير يف هذه العجالة هو انسحاب األعضاء
السودانيين – يف مساء يوم – 1986/9/7من بعثة منظمة العمل الدولية
الخاصة بكتابة تقرير حول «اسرتاتيجية لالستخدام واإلصالح االقتصادي
يف السودان» .ونحن نزعم بأنه يمكن ترجمة تصرف الدولة إزاء هذا
الحدث على أنه دليل تطبيقي على تفشي ظاهرة التبعية يف أعلى
المستويات .
فعلى الرغم من أن األعضاء المنسحبين قد أوضحوا أسباب انسحاهبم
يف بيان صحفي وزعته وكالة أنباء السودان بتاريخ 8ديسمرب ،وعلى
الرغم من تعليق وزارة العمل على هذا البيان بقولها إن اختيار األعضاء
السودانيين قد تم بواسطة المنظمة الدولية وليس بواسطتها ( ،وكأين هبا
تحاول التنصل من مسئولية ما) طلع علينا مصدر ذو مستوى عال بالوزارة
يف تصريح له بجريدة سودان تايمز بتاريخ 11سبتمرب بافرتاءين يمكن
ترجمتهما على النحو التالي :
19
أ« -انسحب الخرباء السودانيون من البعثة عندما رفض فريق
منظمة العمل الدولية طلبهم القاضي بإدانة موقف صندوق النقد
الدولي فيما يتعلق باالقتصاد السوداين» .
ب« -إن الخرباء السودانيون لم يكونوا يف حقيقة األمر ضمن
فريق البعثة ،وإنما تم إلحاقهم بواسطة وزير المالية لمساعدة
البعثة بعد وصولها هنا» .
هذا وقد أوضح الخرباء السودانيون موقفهم تجاه هذا الكذب
والتلفيق يف بيان صحفي آخر نشرته وكالة األنباء السودانية وال نود
الخوض يف ترداد محتواه .إال أن ما يهمنا هو طرح بعض األسئلة فيما
يتعلق بموقف الحكومة تجاه هذا الحدث :
أ -لمصلحة من تكذب وزارة العمل من خالل مصدرها ذي
المستوى الرفيع ؟.
ب -لماذا لم يوضح السيد وزير المالية الحقائق فيما يتعلق
بكذب وزارة العمل ؟ .
ج -لماذا لم تقم الحكومة باتخاذ موقف تجاه بعثة منظمة العمل
الدولية بعد انسحاب الخرباء السودانيين منها ؟
مهما يكن من أمر ،وعلى الرغم من هامشية منظمة العمل الدولية فيما
يتعلق بإدارة االقتصاد السوداين ،فإن األسئلة المذكورة أعاله تكفي
للتدليل على تفشي نمط التبعية يف أوساط القائمين على اتخاذ القرار يف
20
السودان ،وهو نمط قلنا بأهمية زواله إذا أردنا التغلب على المشاكل
االقتصادية يف السودان وهو األمر الذي يتهتم ببعض جوانبه هذا الكتاب .
هذا وتجدر اإلشارة يف هذا الخصوص إلى أن تقرير المنظمة قد نشر يف
عام 1987تحت عنوان «العمالة واإلصالح االقتصادي نحو اسرتاتيجية
للسودان» وقد تضمن التقرير يف صفحة ( 7باألرقام الرومانية) خطابا من
رئيس الوزراء المنتخب إلى السيد فرانسز بالنشارد ،المدير العام لمنظمة
العمل الدولية ،يخطره بقبول حكومة السودان للتقرير ويشيد فيه
«بمساهمة الربوفسور جست فاالند الذي قاد البعثة باقتدار» !!!
كما حدث خالل فرتة تأخير وصول مسودة الكتاب للطابعين أن
تجرأت الحكومة المنتخبة ،بعد أن سعت سعيا حثيثا ،وتوصلت إلى
تفاهم مع صندوق النقد الدولي على الرغم من توقيع مختلف أطراف
الحكومات االئتالفية التي ترأسها رئيس الوزراء المنتخب على الميثاق
االقتصادي الذي توصل إليه المؤتمر االقتصادي القومي يف مارس
. 1986هذا وعندما أرادت الحكومة تحدي الشارع السوداين بزيادة
أسعار بعض السلع األساسية يف ديسمرب 1988تعرضت المتحان قاس
يف كيفية المحافظة على دست الحكم !!!! ولقد أكدت هذه األحداث أن
ما تم استقراؤه من حادثة منظمة العمل الدولية كمؤشر لتفشي نمط التبعية
يف أعلى مستويات الدولة لم يكن ضربا من التحامل على أحد ،وال
شعورا باإلحباط من عدم مساندة الدولة لمواطنيها ،وإنما كان استدالال
21
منطقيا لم تفتأ األيام أن عضدته بالشواهد التجريبية .غني عن القول أن
هذا سلوك تابع ومن ثم سنتناول بعض جوانبه يف هذا الكتاب أيضا .
يف اإلعداد لهذا الكتاب تراكمت على ديون معرفية متنوعة من خالل
تبادل اآلراء والنقاش والحوار ،وأود يف هذا الخصوص أن أشكر زمالئي
األعضاء المنسحبين من بعثة العمل الدولية وهم د .خالد عفان ود .
صديق أمبدة ود .محمد نور الدين واألستاذ إبراهيم الباقر لتعليقاهتم
المختلفة .كما أود أن اشكر األستاذ الدكتور سمير رضوان (منظمة
العمل الدولية) نادر فرجاين (باحث اجتماعي متفرغ بالقاهرة) ورمزي
زكي (المعهد العربي للتخطيط بالكويت) لمالحظاهتم القيمة كما أود أن
أشكر طالبي بجامعتي الجزيرة والخرطوم لعبارات التشجيع .
علي عبد القادر علي
الخرطوم
نوفمبر 1989م
22
الفصل األول
مقدمة
23
24
-1مقدمة
تبلور خالل العام الماضي ،عام ، 1985شبه اتفاق عام بين
االقتصاديين السودانيين ،على مختلف مدارسهم الفكرية ،على أن أداء
االقتصاد السوداين خالل الفرتة 1985 – 1978قد كان ضعيفا للغاية
األمر الذي تسبب يف أن ينتقل االقتصاد السوداين من مرحلة األزمة إلى
مرحلة األزمة المتفاقمة بحلول أبريل . 1985
كذلك تبلور شبه اتفاق عام يف أوساط االقتصاديين السودانيين على أن
هذه الفرتة قد تميزت بسيطرة صندوق النقد الدولي على مقاليد األمور
االقتصادية التجميعية يف السودان األمر الذي ترتب عليه إجماع على
25
إطالق صفة (التبعية) على االقتصاد السوداين خالل فرتة الحكم المباد .
هذا وتجدر اإلشارة إلى أن سيطرة الصندوق على زمام األمور االقتصادية
التجميعية خالل الفرتة تحت الدراسة قد صاحبها تحالف وطيد مع البنك
الدولي .
على الرغم من عدم تعرضنا فيما يلي لمفهوم التبعية كأداة تحليلية
يمكن من خاللها التعرض للسجل البائس ألداء االقتصاد السوداين ،إال
أنه وألغراض إقناع القارئ بتوافق عنوان هذا الكتاب مع محتواه ،يمكننا
قبول تلخيص سعد الدين ( )1986ص ( )1لمحتوى مقولة التبعية
باعتبارها «صياغة نظرية حقيقة أن دول العالم الثالث قد أخضعت خالل
فرتة تاريخية معينة لم تزل ممتدة حتى اآلن لسيطرة النظام الرأسمالي
العالمي ،وأن الهياكل االقتصادية واالجتماعية يف هذه الدول قد أعيد
تشكيلها بواسطة القوى الرأسمالية المسيطرة ولصالحها ،وقد أنتجت
تلك العملية التاريخية آثارا اقتصادية واجتماعية وثقافية هامة حيث أدت
إلى تفكك وتحلل العالقات بين مختلف قطاعات االقتصاد الوطني يف
الدول التي خضعت للسيطرة الرأسمالية وارتباط الدول الخاضعة بالدول
الرأسمالية المتقدمة بعالقات غير متكافئة يعاد تجددها باستمرار ،وإن
بوسائل مختلفة ،وذلك هبدف أن يستمر امتصاص الفائض االقتصادي
من الدول التابعة لصالح رأس المال الدولي .وقد أدت هذه العالقات
إلى تخلف دول العالم الثالث وإلى محدودية فرص هنوضها االقتصادي
26
واالجتماعي والثقايف حتى بعد حصولها على استقاللها السياسي ،كما
أدى إلى خضوع التطورات االقتصادية يف الدول النامية للتطورات يف
الدول المتقدمة»(. )1
ونسارع لننبه القارئ بأن منهجنا يف هذا الكتاب سيكون توثيقيا ،األمر
الذي يعني أننا قد استخدمنا تعبير (التبعية) لتوصيف حالة االقتصاد
السوداين وليس كمنهج تحليلي .وعلى الرغم من ذلك فإننا نزعم أن
توثيق حالة السودان من شأنه أن يتيح ألتباع مدرسة التبعية من الدارسين
فرصة للمساهمة يف تطوير البعد الجزئي لنظرية التبعية السائدة والتي
يمكن وصفها بأهنا نظرية تجميعية حتى اآلن ،كما يهمنا أيضا أن ننوه أن
حالة السودان ربما أضافت بعدا جديدا للدور الذي تقوم به المؤسسات
الدولية (المحايدة) يف خدمة أغراض النظام الرأسمالي السائد ،على
بداهة هذا الدور ! .
على أساس هذا الفهم لتعبير (التبعية) المستخدم يف عنوان الكتاب ،
وباعتبار أن منهج التوثيق طريقة مقبولة لطرح أهم القضايا االقتصادية التي
تواجه القطر ،يحتوي هذا الكتاب على ست مقاالت رئيسية تم نشر
تزخر أدبيات التنمية باملسامهات اجلادة حول التبعية «كنظرية» و«كمدرسة» ()1
و«كمنهج حتلييل» .ويمكن للقارئ الرجوع يف هذا اخلصوص إىل سعد الدين
( ، )1980وصايغ ( )1986وسيزر ( ، )1981واالطالع عىل املراجع املذكورة
هنالك .
27
بعضها وقدم البعض اآلخر يف لقاءات أكاديمية واستعرضت نتائج باقيها
بطريقة غير رسمية يف عدد من اللقاءات غير الرسمية .يف القسم الثاين من
هذا الفصل نستعرض محتوى المقاالت كما نتعرض سريعا ألهم الدوافع
التي حدت بنا لنشر الكتاب .
28
سياسة تخفيض لشعر الجنيه السوداين بشكل مستمر وذلك من طريق ربط
الجنيه بسلة من العمالت .ويؤسفنا أن نقرر أن هذا الجهد التوثيقي لم
يكتب له النجاح إذ قام وزير مالية االنتفاضة ،السيد عوض عبد المجيد ،
بتطبيق سياسة سلة العمالت دون سند موضوعي ،هذا وتجدر اإلشارة
إلى أن الصندوق حينما اعتمد سياسة التخفيض المستمر كان قد اقتنع
اقتناعا جازما بأن السياسات السابقة فيما يتعلق بسعر الصرف ،والتي
كانت تعتمد التخفيض الدوري على فرتات زمنية متباعدة بمعدالت
تخفيض كبيرة نسبيا ،قد أفرزت حالة من الفوضى االقتصادية يف
السودان!!
يف الفصل الرابع نقوم بدراسة تجربة السوق األسود للنقد األجنبي يف
السودان من الناحيتين النظرية والتطبيقية حيث نالحظ أن السوق األسود
قد تم انشاؤه بواسطة الصندوق يف يوم 1979/9/15يف إطار برنامج
إصالح السياسات المتعلقة بالنقد األجنبي والتجارة الخارجية ،هذا
ويمكن تلخيص أهم نتائج هذا الفصل يف األطروحة القائلة بأن السوق
األسود للنقد األجنبي يف السودان يتصف بعدم االستقرار ،حيث قمنا
باختيار هذه األطروحة بالطرق اإلحصائية ووجدنا تأييدا قويا لها ،
ويحتوي الفصل كذلك على النتائج التطبيقية المتعلقة بأهم العوامل
المؤثرة على سلوك سعر الصرف يف السوق األسود وكذلك نتائج
التقديرات الدنيا لحجم السوق ومعدالت أربحيته .
29
على الرغم من اعرتاف الصندوق بالفوضى االقتصادية التي أفرزهتا
سياساته يف السودان ،وعلى الرغم من الجدل الذي دار حول كيفية إدارة
شئون االقتصاد السوداين بطريقة فيها قدر من االستقالل ،إال أن وزير
مالية االنتفاضة قد قرر فيما يبدو أن يسلم أمور االقتصاد السوداين
للصندوق مرة أخرى على الرغم من تفجير الشعب السوداين لالنتفاضة
كتعبير لرفضه للتبعية .يوثق الفصل الخامس كيف تسنى للسودان
االنتقال من التبعية إلى التبعية من خالل إيراد ترجمة كاملة لما سمي
وقتها ببيانات حكومة السودان فيما يتعلق بالسياسات االقتصادية
والمالية ،هذا وقد أطلقنا على عملية االنتقال من التبعية إلى التبعية
أطروحة اهنيار موقف السودان التفاوضي .
أما يف الفصل السابع فنقدم تقديرات أولية للموارد المالية التي كانت
متاحة لالقتصاد السوداين خالل العهد البائد والهامش الذي بدد من هذه
الموارد يف إطار سياسات الصندوق التي نادت بتحرير التعامل يف النقد
30
األجنبي من ناحية والتي ساندت القطاع الخاص الطفيلي يف سلوكه
االقتصادي غير المسئول من ناحية أخرى .
31
التعرض لها هو إحساسنا بأهمية الكشف عن هشاشة موقف الصندوق
تجاه االقتصاد السوداين على المستويين النظري والتطبيقي آملين من ذلك
توعية متخذي القرار إلمكانية وجود حلول اقتصادية ناجعة من داخل
السودان وليس بالضرورة من واشنطن .
32
الفصل الثاين
االقتصاد السوداين بين صندوق النقد
والجهات المختصة
صياغة البرامج والسياسات االقتصادية يف السودان
()1986 – 1978
33
34
-1مقدمة
دعنا نقرر ابتداء أن هنالك اتفاقا شبه عام بين االقتصاديين السودانيين
أن ائتالف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قد فشل فشال ذريعا يف
انتشال السودان من أزمته االقتصادية . .ليس ذلك فحسب وإنما يتفق
معظم المحللين االقتصاديين أن األزمة السودانية قد بدأت يف االستفحال
بعد أن تولي صندوق النقد الدولي اإلدارة المباشرة لالقتصاد التجميعي
السوداين يف عام 1978مما أدى إلى أن تتفاقم األزمة مع بداية الثمانينات
من جراء تطبيق الربامج االقتصادية التي صاغها وفرضها الصندوق
وتبناها العهد البائد . .
هذا ولقد سبق لنا أن تقدمنا باألطروحة التي تقول إنه يف عام 1978لم
يكن االقتصاد السوداين يعاين من اختالل أساسي يف ميزان مدفوعاته ،كما
زعم الصندوق آنذاك . .وإنما كان يعاين من سوء يف اإلدارة االقتصادية
مرده أساسا إلى عوامل سياسية تتعلق بطبيعة النظام السياسي الذي كان
سائدا فيما قبل انتصار الشعب السوداين يف أبريل . . 1985ومن ثم فقد
قلنا من قبل بخطل سياسات صندوق النقد الدولي وعدم عالقتها بمشاكل
االقتصاد السوداين من ناحية ،وعدم مالءمتها لقضايا التنمية عموما من
ناحية أخرى .
35
وعلى الرغم من االتفاق العام بين االقتصاديين السودانيين فيما يتعلق
بدور صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يف خراب االقتصاد السوداين ،
وعلى الرغم من إدراك العديد من االقتصاديين المهتمين بقضايا التنمية
على مستوى العالم لطبيعة الطريق المسدود الذي تبشر به المؤسستان
الدوليتان إال أنه يبدو أن الرسميين السودانيين ،أو باألحرى بعض
اقتصاديي الحكومة ،ال يزالون مصرين على نصرة دعاوي هذه
المؤسسات .فقد أوردت جريدة األيام يف عددها الصادر يوم األربعاء
الموافق 1985/5/8خربا اقتصاديا فحواه أن وكيل االقتصاد بالنيابة
بوزارة المالية والتخطيط االقتصادي قد صرح لها بأن تبديد الموارد
االقتصادية المتاحة وتراكم الديون يف العهد البائد قد كان نتيجة لعدم
استشارة الجهات المختصة رغم سالمة برنامج الرتكيز االقتصادي الذي
أعدته الجهات المختصة بالوزارة . .
هذا وعلى الرغم من اعرتاضنا المبدئي على قيام وكالء الوزارات ،يف
ظل عهد ديمقراطي ،بالتصريح لوسائل اإلعالم (لمنافاة ذلك الفرتاض
حياد الخدمة المدنية) فإن التصريح أعاله ينطوي على أمر خطير هو
اإلصرار على سالمة برنامج الرتكيز االقتصادي الذي أعدته الجهات
المختصة بالوزارة . .وخطورة هذا االدعاء تكمن يف تضليله ،سواء أكان
متعمدا أم غير ذلك ،للرأي العام علما بأن قائله يعترب أحد الفنيين (ال
السياسيين) الذين يعتمد عليهم القطر يف الحفاظ على حقوقه
36
االقتصادية . .فمن ناحية فإن ما يسمى بربنامج الرتكيز االقتصادي ال
عالقة له بمعطيات االقتصاد السوداين ومن ثم فإن (سالمته) ،أي توافق
سياساته مع مشاكل االقتصاد السوداين وقضاياه أمر مشكوك فيه للغاية ،
ومن ناحية أخرى فإن االدعاء بأن الجهات المختصة قد أعدت الربنامج
ادعاء كاذب . .
37
-تخفيض القيمة الخارجية للعملة الوطنية .
-إلغاء الرقابة على المعامالت بالنقد األجنبي .
-تحرير االستيراد من القيود وخصوصا بالنسبة للقطاع
الخاص .
-إلغاء االتفاقيات الثنائية .
-السعي لخلق سوق تجارية حرة للنقد األجنبي .
38
ج) القطاع الخاص :وهي مجموعة إجراءات وسياسات هتدف إلى
العمل على هيمنة القطاع الخاص على النشاط االقتصادي وسيادة
األسعار وقوى السوق على عملية تخصيص الموارد وتشتمل هذه
المجموعة على :
39
يختص بعالقة السودان بالصندوق . .يف الجزء السادس من الورقة
نستعرض يف إيجاز الشواهد التجريبية التي تؤيد االهتام المباشر للصندوق
بأنه قد تسبب يف خراب االقتصاد السوداين ،بينما نتعرض يف الجزء
السابع لقضية االفرتاء على الصندوق ومدى جديتها ليس على مستوى
السودان وإنما على مستوى العالم الثالث .ونختتم الورقة يف الجزء
الثامن بإيراد بعض المالحظات الختامية .
أوال :العمل على حل المشاكل التي تعوق زيادة اإلنتاج وهذا يعني
توفير احتياجات المشاريع القائمة لدفع طاقتها اإلنتاجية المستغلة .
ثانيا :زيادة اإلنتاج مما يعني زيادة الناتج القومي وبالتالي إيرادات
الدولة كما تعني أيضا زيادة ما هو متوفر من سلع داخليا وما هو فائض
للتصدير .
40
ثالثا :العمل على تخفيض المصروفات متى كان ذلك ممكنا وذلك
بغرض توفير فوائض حقيقية الستغاللها يف التنمية ولتقليل االعتماد على
االستدانة من النظام المصريف .
41
-توفير أكرب كمية ممكنة من السلع الضرورية للمواطنين عن طريق
االستيراد .
-مواصلة الجهد لتحسين موقف ميزان المدفوعات .
الحظ الوزير أن برنامج الرتكيز المقرتح ال يسعى إلى الموازنة
المنشودة لالقتصاد الوطني وإنما يهدف أيضا إلى التأكيد بأن اإلدارة
المالية واالقتصادية قد وضعت يف المسار الصحيح ،وأن هناك مجهودا
يبذل إليجاد المعادالت الالزمة للخالص من المعوقات الحالية « . .كما
ال يفوتني أن أذكر بأننا قد بدأنا بالفعل ومنذ فرتة يف انتهاج السياسات
الرتكيزية ومثال ذلك إصدار قانون اإلجراءات المالية والحسابية لعام
. 1977هذا القانون الذي يؤكد والية وزارة المالية واالقتصاد الوطني
على المال العام ويضع الضوابط الالزمة للتعامل يف ذلك المجال . .
مثال آخر فيما نقوم به من دراسات أساسية كدراسة مؤسسات القطاع
العام التي قمنا هبا بالتعاون مع البنك الدولى» .
ولعلنا لسنا يف حاجة إلى مالحظة أن ما سمي بربنامج الرتكيز وما أعلن
من سياساته لم يتعد مرحة «إعالن» النوايا .إذ بمراجعة سريعة ألسبقيات
تنفيذ الربنامج كما أعلنها الوزير يتضح خواءها من أي مؤشرات اقتصادية
كمية يمكن على أساسها الحكم على تنفيذ الربنامج فيما بعد أو صياغة
الميزانية أو االثنين معا . .كما يتضح أيضا أن األسبقيات يف مجملها تعني
42
حياد السياسة االقتصادية المعلنة فيما يتعلق بما كان عليه الحال
االقتصادي آنذاك . .
()1
انظر على ( – 1985ب) ،والفصل الثالث .
43
ميزان المدفوعات السوداين ومطالبته بتخفيض سعر صرف الجنيه
السوداين لمعالجة العجز يف ميزان المدفوعات كأحد أهم سياسات
برنامج الرتكيز (الذي قامت بصياغته الجهات المختصة) ،اتضح أن هذا
التحليل قد استند أساسا على النتائج األولية لدراسة قام هبا كريم نشاشيبي
آنذاك(. )1
()1
راجع نشاشيبي ( )1980تعرض تحليل نشاشيبي لكثير من النقد الفني :انظر
حسين وثيرلول ( )1984وعلي ( – 1985ب) .
44
واآلخر تشجيعي ويحدد سعره حسب مؤشرات السوق يطبق
على الصادرات والواردات والتحويالت بخالف المضمنة يف
الكشفين المرفقين . .
-إلغاء الرسم اإلضايف وضريبة التنمية على الواردات .
-إلغاء نظام تجارة المقايضة باستثناء تلك التي تتم يف إطار
تجارة الحدود .
-السماح للمقيمين وغير المقيمين من السودانيين وغيرهم بفتح
حسابات جارية بعمالت أجنبية ،ومنح السودانيين منهم أو
الحاصلين على رخص استيراد أولوية يف الحصول على رخص
استيراد الستخدام أرصدهتم يف تمويل عملياهتم .
-يسمح بشراء وبيع العمالت األجنبية لدى البنوك المرخص
لها باألسعار الواقعية المرنة وقد تحدد سعر الدوالر بـ 80قرشا
سودانيا لهذه العمليات .
-تلغى القيود الحالية على إدخال وتحويالت العمالت األجنبية
إلى داخل وخارج القطر وفقا إلجراءات وضوابط مرنة
واقعية . .
هذا وحدد وزير المالية واالقتصاد الوطني السلع التي سيطبق عليها
سعر الصرف الرسمي يف كشفين على النحو التالي :
45
(أ) قائمة الواردات والتحويالت إلى الخارج :وتحتوي على القمح
ودقيق القمح ،والسكر وأدوية الطب البشري والبيطري واألسمدة
بجميع أنواعها ،والمبيدات الحشرية والخيش وجواالت الخيش ،
البرتولية والمنتجات الخام والبرتول والوالية ، والدمورية
والكيماويات ،والشاي والبن ،واللبن المجفف ،واألرز والعدس ،
والتبغ الخام ،والمواد الخام والوسيطة ،وقطع الغيار للصناعة (تحدد
حسب كشف مختار) ،والشناية التي تستخدم يف حزم باالت القطن
باإلضافة إلى تحويالت الحكومة والتحويالت غير المنظورة المتعلقة
بالسلع المذكورة والتي يحددها بنك السودان .
ولعلنا لسنا يف حاجة إلى مالحظة أن هذا الربنامج قد هدف أساسا إلى
تحقيق ما يلي :
46
أوال :االنتقال بنظام صرف الجنيه السوداين من (التعددية) (ثالثة
أسعار صرف بعد التخفيض األول :الرسمي التشجيعي المغرتبين) إلى
التوحيد (سعرين :الرسمي والموازى) .ويقيننا أن القارئ قد أصبح
عليما بأن (توحيد) أسعار الصرف ،بغض النظر عن الظروف االقتصادية
التي أملت نظام (التعددية) هو أحد أهداف صندوق النقد الدولي ومن
ثم ،وعلى الرغم من سذاجة المنطق التحليلي المستخدم ،فإن االنتقال
من نظام سعر صرف ساد فيه ثالثة أسعار إلى نظام آخر يسود فيه سعران
للعملة يعترب تحقيقا جزئيا للهدف األمثل القائل (بتوحيد) أسعار
الصرف(. )1
()1
راجع باير (. )1984
47
العالمية تتحدد يف أسواق تعترب أكثر تنافسا يقول صندوق النقد الدولي
بأهمية تحرير المعامالت التجارية الخارجية لالقتصاد المعني وذلك
بإلغاء الرسوم الجمركية والقيود الكمية(. )1
()1
راجع نشاشيبي ( . )1980وخطاب وزير المالية واالقتصاد الوطني لمجلس
الشعب ( ، )1980وثائق مجلس الشعب دورة االنعقاد الثالث ،الجلسة رقم
(. )11
48
فيها الصندوق . .ليس ذلك فحسب ،وإنما كان هذا الربنامج خطوة
أولية نحو تحقيق األهداف المثلى للصندوق كما سيتضح الحقا . .
ثالثا :يعدل قانون الجمارك وقانون رسم اإلنتاج بحيث تلغى أو
تخفض رسوم اإلنتاج على زيت الطعام والصابون واألحذية والغزل
والمنسوجات والمالبس الجاهزة وتزاد الرسوم الجمركية على السلع
49
المنافسة للصناعة المحلية وسلع االستهالك الكمالية .كما يفرض رسم
إضايف على الواردات قدره %10من القيمة .
50
ثامنا :يرفع الحد األدنى لإلعفاء من ضريبة الدخل الشخصي إلى
1200بدال من ألف جنيه يف العام على أن يستفيد من اإلعفاء جميع
العاملين بما يف ذلك من تتجاوز مرتباهتم الحد األدنى لإلعفاء .
51
ثالث عشر :تجرد جميع المخازن العامة يف الدولة والمؤسسات
والهيئات ،وتتخذ اإلجراءات الالزمة للتصرف يف الفائض ويصرف عائد
البيع بالطريقة التي يقررها رئيس الجمهورية .
52
هذا ويمثل هذا الربنامج يف رأينا الخطوة األخيرة يف استالم ائتالف
صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لزمام األمور االقتصادية يف البالد
حيث تم فرض برنامج متكامل يحتوي على كل مكونات نموذج السياسة
االقتصادية المثلى للصندوق(. . )1
وحتى يتسنى لنا الحكم على ما إذا كان هذا الربنامج قد تمت صياغته
بواسطة الجهات المختصة بالوزارة دعنا نستعرض ،يف إيجاز شديد أهم
مكونات (برنامج اإلصالح) الذي اقرتحه البنك الدولي حديثا إلفريقيا
وهو برنامج يعكس آراء ائتالف المؤسستين ضد جنوب الصحراء
()2
()1
راجع نموذج سياسات الصندوق الذي استعرضناه يف المقدمة .
()2
البنك الدولي (. )1984
53
(أ) إصالح نظام الحوافز :يتمثل إصالح نظام الحوافز ،يف رأي
البنك الدولي ،يف العناية باتباع سياسات تسعير واقعية للمنتجات
الزراعية من ناحية وتسعير النقد األجنبي من ناحية أخرى .
54
والتشييد كمجاالت لتوسع القطاع الخاص وتقلص القطاع العام .
باإلضافة إلى ذلك يوصي التقرير بإصالح األطر الضرائبية ومراجعة
التعريفات الجمركية وترشيد الضوابط اإلدارية وذلك هبدف معاملة صغار
التجار والحرفيين معاملة أكثر عدالة .ويطالب التقرير الحكومات
اإلفريقية بعدم السماح للمؤسسات الحكومية بأن تتحصل على حقوق
احتكارية خصوصا يف مجاالت التسويق :
55
-5برنامج الحكومة االنتقالية
يف استعراضه لإلجراءات التقشفية التي أعلنها العهد البائد قبيل تفجير
الشعب لثورته أورد بروان ( )1985تفاصيل العالقة بين صندوق النقد
الدولي والسودان منذ بداية عام 1984والتي يمكننا تلخيصها على النحو
التالي :
56
(د) لم يتمكن السودان من الحصول على تعهدات كافية من
مانحي العون لسد الفجوة التمويلية يف ميزان المدفوعات يف
الوقت المحدد (األمر الذي عادة ما يتسبب يف إلغاء ترتيبات
المؤازرة) وتكرم صندوق النقد بتمديد الفرتة إلى 7يونيو .
57
(ز) قام صندوق النقد الدولي بعد استالمه للمبلغ المطلوب
باإلفراج عن الدفعة األولى تحت ترتيبات المؤازرة لعامة
1985/1984بمبلغ 20مليون وحدة سحب خاصة
استخدمت لسداد القرض التجاري المذكورة أعاله .
58
هذا ما كان من أمر قصة عالقة الصندوق بالسودان خالل العام السابق
لثورة الشعب .وعلى الرغم من أن بروان قد قام باستخالص عدد من
النتائج فيما يتعلق بالهيئات التي تحاول إنقاذ النظام البائد ،إال إن ما يعنينا
هو أن «ترتيبات المؤازرة» التي تم إلغاؤها قد كان من المزمع تنفيذها
تحت شروط تضمنت تطبيق عدد من السياسات االقتصادية قام بصياغتها
صندوق النقد الدولي وكان سيدعي السيد وكيل المالية بالنيابة بأن
«الجهات المختصة» هي التي وضعتها .ويف هذا الخصوص يقول
الصندوق أن «الربنامج الذي ستدعمه ترتيبات المؤازرة يعترب امتدادا
لربنامج عام 1983وقد تمت صياغته يف إطار متوسط المدى للفرتة
. 1986/1985 – 1984/1983وهتدف السياسات االقتصادية
للربنامج إلى تقوية قاعدة اإلنتاج بغرض تشجيع إنتاج ووفرة السلع
الرئيسية للصادرات وسلع إحالل الواردات وإلى كبح جماح الطلب
المحلي بغرض احتواء نمو الواردات وتخفيف حدة الضغوط
التضخمية ،وإلى خلق بيئة اقتصادية مالئمة لتدفقات متزايدة لتحويالت
السودانيين العاملين بالخارج» .
59
(أ) سياسات يف مجال اإلنتاج :واشتملت على توجهات عامة
تتطلب :
أوال :يف مجال السياسة النقدية فقد تمت صياغة الربنامج المالي
هبدف تحقيق تدن ملحوظ يف معدل نمو عرض النقود دون تعارض مع
مقابلة االحتياجات التمويلية الفعلية لالقتصاد ( . . .حيث) «تنوي
السلطات تخفيض معدل نمو السيولة إلى %12خالل عام
. . 1985/84ويتوقع أن يؤدي مثل هذا التخفيض ومع توقع معدل
لنمو الناتج المحلي يبلغ %5لألعوام ، 1985/1984/1983إلى
انخفاض ملحوظ يف معدل ارتفاع األسعار . . .هذا ونسبة إلى أن
60
الربنامج سيغطي جزءا من عامين وأجزاء من موسمين زراعيين ،فقد عقد
العزم على تحديد سقوف ائتمانية للفرتات المنتهية يف 1984/9/30
وديسمرب 1984ومارس 1985خالل شهر يونيو 1984وهوالشهر
المحدد لمراجعة السياسة المالية يف السودان بواسطة بعثة من الصندوق
هذا وفيما يتعلق برتكيبة أسعار الفائدة ،ويف ظل القوانين اإلسالمية التي
قضت بعدم التعامل بسعر الفائدة يف العمليات المصرفية المحلية فإن
السلطات السودانية تعتقد أنه يمكن ابتداع بعض الرتتيبات التي من شأهنا
تحقيق نتائج مماثلة لتلك التي تتأيت من تغيير مستوى أسعار الفائدة .
وسيقوم موظفو الصندوق بمناقشة هذه الرتتيبات البديلة ومضامينها يف
شهر سبتمرب يف إطار مهمتهم التي هتدف إلى تقييم الربنامج» .
ثانيا :يف مجال المالية العامة أكد الربنامج على اتباع السياسة الهادفة
إلى تخفيض العجز يف ميزانية عام 1985/84إال أنه ألسباب تتعلق
بالفوضى التي كانت سائدة يف إعالن المؤسسات االقتصادية يف ذلك
الوقت ،من جراء إعالن ما سمي باإلجراءات االقتصادية اإلسالمية ،لم
يحدد الربنامج الهدف الكمي لتخفيض العجز كما لم يحدد اإلجراءات
التفصيلية التي يمكن أن يتأتى من خاللها هذا التخفيض حيث تركت هذه
المهام للبعثة مراجعة مسار االقتصاد (يوليو . )1984
61
(ج) السياسات المالية الخارجية :اشتملت على :
62
لرتتيبات المؤازرة لعام 1985/84أن تنفذ .ولعلنا لسنا يف حاجة إلى
مالحظة أن هذه السياسات ستمثل قاعدة المشاورات التي سينطلق منها
صندوق النقد الدولي يف تعامله مع الحكومة االنتقالية ووزير ماليتها الذي
يعترب الصندوق «مثله مثل أي بنك» يلجأ إليه العميل عند الحاجة .
()1
انظر علي (. )1984
63
-بلغ المتوسط السنوي للعجز الجاري يف ميزان المدفوعات للفرتة
1978 – 1970مبلغ 278,3مليون دوالر مقارنا بمتوسط سنوي للعجز
للفرتة 1983 – 1978بلغ 833,2مليون دوالر وكنسبة من الناتج
المحلي اإلجمالي ارتفع العجز الجاري من %4,7للفرتة األولى إلى
%10,6للفرتة الثانية .
ولعلنا لسنا يف حاجة إلى مالحظة أن هذه النتائج إن دلت على شيء
فإنما تدل على ما سبق وأن وصفناه بالفشل الذريع الئتالف الصندوق
64
والبنك الدولي يف إدارة االقتصاد السوداين خالل الفرتة – 1978
. 1985ليس ذلك فحسب وإنما كانت المؤسستان تأمالن يف االستمرار
يف سوء إدارة االقتصاد السوداين للفرتة 1995/94 – 1984/1983
على أساس عدد من االفرتاضات المتفائلة فيما يختص بأداء القطاعات
اإلنتاجية وفيما يتعلق بالبيئة االقتصادية العالمية وتوصل إلى نتيجة تقول
بإمكانية إعادة توازن االقتصاد يف ذلك العام .ويهمنا يف هذا المجال
مالحظة أهم مضامين هذه االفرتاضات التي يمكن تلخيصها على النحو
التالي :
65
(د) االستثمار األجنبي :يفرتض أن يزداد صايف االستثمار األجنبي
المباشر من 70مليون دوالر إلى 105ماليين دوالر سنويا بحلول عام
. 1990/1989
66
جدول رقم ()1
مستقبل االقتصاد السوداين1995/1994 – 1983/1982
(مليون دوالر باألسعار الجارية)
السنة
95/94 84/83 البند
االرتكازية
83/82
5091,6 1059,9 839,3 -1الصادرات
5598,6 2156,6 2042,5 -2الواردات
1522,9 403,5 ()142 -3صايف ميزان الموارد
805,9 440 430 -4صايف التحويالت الخاصة
()1224 ()1160,2 ()915,5 -5الميزان الجارى
620,9 334,9 305 -6التحويالت الرسمية (هبات)
358,1 22,9 320 -7صايف القروض متعددة الجهات
250,9 764 - -8تخفيض عبء الديون
25200 82,4 8385 -9الناتج المحلي اإلجمالي
4. 3 1,4 1,1 -10سعر الصرف (جنيه للدوالر)
2270,4 1082 802,3 -11خدمة الديون
44,6 102,1 95,6 -12نسبة خدمة الديون للصادرات
()%
-13نسبة عجز ميزان المدفوعات
4,9 14,1 10,9 للناتج المحلي اإلجمالي ()%
ملحوظة :األرقام بين األقواس سالبة .
67
ٍ
بخاف على أحد أن النتائج المقررة يف هذا الجدول ،وعلى ولعله ليس
الرغم من بطالن صحة عدد من االفرتاضات التي بنيت عليها ،ال تبشر
بمستقبل مشرق يف ظل سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي
ومن ثم فإن االتجاه نحو ابتداع سياسات جديدة تأخذ يف االعتبار ما تذخر
به البالد من إمكانيات ذاتية قد أصبح ضرورة ملحة .
68
على الرغم من هشاشة وتربيرية هذه الحجج دعنا نستعرض يف إيجاز
أهم اآلراء المشككة يف دور صندوق النقد الدولي يف البلدان النامية كما
لخصها توين كيليك الذي قام بالتعاون مع غراهام بيرد وجنيفر شاريلي
وماري سوتون بدراسة دور الصندوق يف البلدان النامية .وبالطبع ال
يمكن لالقتصاديين ،سودانيون أو غيرهم من المدافعين عن صندوق
النقد الدولي بالدفع بأن كيليك وزمالءه متحيزون ألي سبب أو آخر
إلجماع االقتصاديين السودانيين الذين يتهمون صندوق النقد الدولي
بالتسبب يف الخراب االقتصادي السوداين من جراء تطبيق سياساته خالل
فرتة السنوات الست السابقة .
تتلخص أهم آراء مجموعة الدراسة فيما أورده كيليك يف تبادل لآلراء
مع رئيس تحرير مجلة التمويل والتنمية التي تصدرها المؤسستان
الدوليتان ،يف عددها رقم 3المجلد رقم 21بتاريخ سبتمرب 1984
(ص . )36-21وقد قمنا بتلخيصه على النحو التالي :
69
الصندوق العامة لهم مؤقتا يف ظل ضمانات كافية ،ومن ثم إتاحة الفرص
لهم لتصحيح أخطاء التكييف يف موازين مدفوعاهتم دون اللجوء إلى
تدابير مدمرة لالزدهار الوطني أو الدولي .
يقول كيليك « :إن هنج التثبيت التقليدي لدى الصندوق ليس مناسبا
بالتحديد ألفقر البلدان النامية وهي التي يتعامل معها الصندوق اآلن ،
أساسا . .وأن السبب الرئيسي لكثير من ألوان العجز قد تغير تماما كما
تغير نوع البلدان التي تعاين االختالالت .فقد زاد تدهور شروط التبادل
وغيره من العوامل الخارجية من تفاقم وضع ميزان المدفوعات يف معظم
البلدان النامية المستوردة للنفط يف العقد الماضي وهي صعوبات زاد من
تعقيدها يف بعض األحيان أوجه الضعف الهيكلية الداخلية األصل ويف
ذات الوقت فقد ظل التحكم يف الطلب الداخلي جوهر برامج الصندوق ،
رغم أن محاوالت تكيف اختالل التوازن عن هذا الطريق كثيرا ما هددت
بأن تكون مدمرة لالزدهار الوطني .من حيث الناتج والعمالة والتنمية
70
فضال عن ذلك فإن من المسلم به عالميا – ومن جانب الصندوق أيضا –
أن التكييف الهيكلي الالزم يف هذه الظروف هو بالضرورة عملية طويلة
األجل ،ورغم هذا يواصل الصندوق استخدام برامج المؤازرة التقليدية
لعام واحد ،غير المصمم للمساعدة يف هذه المهمة طويلة األجل ،حتى
لو وضعت داخل نوع من اإلطار متوسط األجل» .
تتلخص أهم النتائج التي وصلت إليها الدراسة فيما يتعلق بتأثير برامج
الصندوق فيما يلي :
-لم تؤد برامج الصندوق إلى تدفقات أكرب كثيرا لراس المال من
مصادر أخرى إال يف بعض الحاالت ،ولم تكن هناك صلة
منتظمة بين الربامج والتحرير المستمر للتجارة والمدفوعات .
-لم تكن للربامج عموما آثار على تخفيف التضخم ،وإن كانت
هناك دالئل على أن مثل هذه اآلثار أصبحت أقوى يف السنوات
األخيرة وكان من الواضح أن كال من برامج المؤازرة
71
والتسهيالت الموسعة تتعرض الهنيارات عديدة إلى حد ما ،
وخاصة الربامج األخيرة .
أما فيما يتعلق بقيام الصندوق «بتسويق» سياساته بين األعضاء ،أي
فيما يتعلق بالحجة المدافعة عن الصندوق والتي تقول أن أعضاء
الصندوق عادة ما يلجأون إليه بمبادراهتم وأن موظفي الصندوق ال
يحملون حقائبهم مملوءة بوصفات اقتصادية يوزعها على األعضاء رغم
أنوفهم ،فتكفينا اإلشارة إلى قصة ائتالف الصندوق والبنك مع تنزانيا يف
1977والتي أوردهتا باير ( . . )1983وبإيجاز شديد تتلخص القصة يف
أن االحتياطات األجنبية لتنزانيا قد تراكمت يف عام 1977حتى بلغت ما
يعادل قيمة 5شهور من الواردات ،وقد كان نظام االستيراد السائد آنذاك
هو ما سمي بنظام «تحديد أو التحكم يف الواردات» الذي كان يتطلب أن
يتم االستيراد بواسطة ست مؤسسات عامة تشرف عليها مؤسسة التسويق
الداخلي .
72
تحت هذه الظروف يحكى أنه قد قام صندوق النقد الدولي والبنك
الدولي يف إطار المشاورات الروتينية السنوية بنصح تنزانيا بأن احتياطياهتا
من النقد ليست مرتفعة فقط وإنما قد تسبب حرجا لشركاء القطر من
مانحي العون . .وقد كانت الحجة أنه ليس من حق القطر الفقير اكتناز
االحتياطي وإنما يتعين عليه إنفاقه هبدف النمو السريع ،وعليه يجب
اغتنام هذه الفرصة لتحرير االستيراد من القيود الشديدة التي فرضت عليه
بواسطة التحكم الحكومي . .وتعرضت حكومة تنزانيا لضغوط من
الصندوق والبنك إللغاء نظام التحكم يف الواردات واتباع سياسة إصدار
الرخص المفتوحة وبعد عراك داخلي قامت الحكومة بالسماح لعدد من
المستوردين بطلب السلع خارج نطاق قنوات التحكم .وعلى الرغم من
أن (تحرير) االستيراد قد قصد منه تسهيل عملية استيراد مدخالت اإلنتاج
لقطاع الصناعة إال أنه ونتيجة لفقدان الحكومة للسيطرة على ميزانيات
النقد األجنبي ترتب على السياسة الجديدة أن صرفت مبالغ هائلة على
استيراد السلع الكمالية وتدهورت االحتياطات لتنزانيا من 2,4بليون
شلن تنزاين يف ديسمرب 1977إلى 224,3مليون شلن تنزاين بنهاية عام
، 1987أي أن االحتياطات قد تدنت مما كان معادال لقيمة واردات
خمسة أشهر إلى ما يعادل قيمة واردات عشرة أيام فقط . .
ولمعرفة مدى مغزوية هذه القصة دعنا نتذكر أن البنك الدولي وافق
على منح تنزانيا تسهيالت ائتمانية بمبلغ 15مليون دوالر يف أوائل عام
73
1977وأنه «توجد قرائن لألحوال تشير إلى وجود ارتباط بين هذه
التسهيالت وسياسة تحرير االستيراد» .
هذا وعلى أثر األزمة التي تفاقمت من جراء اتباع سياسات ائتالف
الصندوق والبنك ضد تنزانيا تطورت أقاويل كثيرة حول مؤامرة كانت قد
دبرت بواسطة المؤسستين إلحداث هذه األزمة بغرض السيطرة على
الحكومة التنزانية بعد وضعها تحت رحمتيهما .ومهما يكن من أمر هذه
األقاويل ومن أمر مصداقية (نظرية المؤامرة) فإن هذه القصة حقيقية تربز
بجالء أن الصندوق يقوم يف واقع الحال بتسويق سياساته الخرقاء يف إطار
المشاورات الدورية مع اللدول األعضاء .
-8مالحظات ختامية
استعرضت هذه الورقة أهم الربامج االقتصادية التي تبناها الحكم
البائد وأوردت عددا من الشواهد لدحض الزعم القائل بأن الجهات
المختصة يف وزارة المالية السودانية هي التي قامت بصياغة السياسات
االقتصادية خالل الفرتة 1984 – 1978وكذلك الزعم القائل بأن هذه
السياسات كانت (سليمة) من وجهة النظر السودانية .
74
خالل الفرتة 4 – 3فرباير 1983قال ممثل صندوق النقد الدولي يف
معرض استعراضه لرتتيبات برنامج المؤازرة لعام 1983أن «السلطات
السودانية قد نفذت بالفعل عددا من السياسات الهامة بما يف ذلك تخفيض
سعر الصرف الرسمي من تسعين قرشا للدوالر إلى 1,3جنيه سوداين
للدوالر ،وإجراءات مالية لتخفيض العجز يف الميزانية وإزالة الدعم من
البرتول ،وزيادة أسعار الفائدة وتخفيف حدة التحكم يف األسعار
وتحسين الحوافز لمزارعي القطن ،ومزيج من زيادة الرسوم الجمركية
وفرض قيود مؤقتة على التجارة الخارجية للحد من نمو المستوردات غير
الهامة» وهذا التصريح هو بمثابة الشهادة الصحية التي كثيرا ما نسمع عنها
وهي تقول ألعضاء النادي أن السودان كان صبيا مطيعا يف تنفيذه لسياساتنا
ومن ثم فعليكم معاملته برفق !!
وقال ممثل الصندوق يف بيانه أمام نادي باريس المنعقد خالل الفرتة 3
– 4مايو 1984يف معرض تبيانه ألهمية الفراغ من استنفار الموارد
الالزمة لسد الفجوة يف ميزان المدفوعات السوداين «إن ذلك مهم ليس
فقط لحماية سالمة الربنامج ،والذي تمت مناقشة أهم بنوده قبل بضعة
أشهر مضت ،وإنما أيضا لتمكين موظفي الصندوق من المضي قدما يف
مناقشة السياسات التي يجب أن تتبع خالل السنة المالية ، 1985/84
ويف إطار الرتتيبات الحالية ،مع السلطات السودانية» .ويف هذا التصريح
75
يطمئن ممثل الصندوق أعضاء النادي بأنه هو المسئول عن السياسات
االقتصادية يف السودان !!
()1
ثيرلول (غ .ت) .
76
وظروف البلدان النامية – يؤدي دورا مفيدا ،ويقدم خدمة ضرورية
ألعضائه ،ومن ثم لالقتصاد الدولي» !!
بمعنى آخر يقول السيد رئيس تحرير مجلة التمويل والتنمية أن
الصندوق سيظل يعمل على غرار هنجه السابق ولن يخفف من
مشروطيته وسوف لن ينظر يف أمر تمديد المدى الزمني لربامجه اإلقراضية
وسوف لن يتبع االسرتاتيجية البديلة التي تعنى بتحقيق أهدافه األولية من
(صيانة مستويات مرتفعة من العمالة والدخل الحقيقي وتنمية الموارد
اإلنتاجية لكل األعضاء) .كما يؤكد لنا السيد رئيس تحرير مجلة التمويل
والتنمية أن الصندوق يؤدي دورا مفيدا لالقتصاد الدولي .فإذا لم يكن
مثل هذا القول والذي جاء يف هناية تبادل لآلراء بين أشخاص مسئولين
قوال عقائديا ومتزمتا وجامدا ،فأي قول آخر يمكن أن يكون كذلك !!
77
78
الفصل الثالث
االقتصاد السوداين كحقل تجارب
صندوق النقد والجنيه السوداين
قدمت هذه الورقة لحلقة نقاش مركز الدراسات
79
80
-1مقدمة
يف كتابه بعنوان ال خير فينا إن لم نقلها ويف معرض حديثه عن قضية
الدين العام نعى إلينا الدكتور منصور خالد – أحد وزراء خارجية نميري
السابقين ،والمساعد السابق لرئيس الجمهورية للتنسيق – فشل
المحاوالت التي تمت يف السابق لجعل السودان نموذجا مثاليا إللغاء
قوانين الرقابة على النقد األجنبي .
القصة التي أوردها الدكتور تشير إلى مذكرة كان قد رفعها وزير المالية
يف ذلك الوقت حول إلغاء قوانين رقابة النقد « :تشير فيما تشير إلى
اتصال تم بين وزير المالية وكان برفقته يومها محافظ بنك السودان ووكيل
االقتصاد األخ فاروق المقبول وبين المسئولين يف صندوق النقد الدولي .
وكان الصندوق يومها يتحدث عما عرف بمقرتحات فيتيفين (الرئيس
السابق للصندوق) والتي يسعى من ورائها الختيار إحدى الدول النامية
كنموذج لتجربة إلغاء قوانين النقد ،على أن يقوم الصندوق بعوهنا المادي
والفني إلجراء هذه التجربة ،وقد هرع وزير الخزانة المصري وقتها
الدكتور عبد العزيز حجازي ُمقرتحا أن تكون مصر هي مسرح هذه
التجربة إال أن األمر لم يتحقق لمصر يف النهاية ...بيد أن الحوار بين
صندوق النقد ومصر والذي دام لقرابة العام قد حال دون النقاش الجاد
81
لعرض السودان .وبالرغم من هذا فقد ناقش الوفد السوداين الذي أشرنا
إليه األمر مع الصندوق(.. )1
يف مذكرته األولى هذه قام الصندوق بتخفيض الجنيه السوداين هبدف
تأمين تنافسية محاصيل الصادر السوداين حيث استخدمت النتائج األولية
لدارسة كان يقوم هبا نشاشيبي ،ثم نشرها فيما بعد ،مستخدما فيها
()1
خالد ( )1985ص. 393
82
منهجية تنافسية المحاصيل للتوصل إلى النتيجة القائلة بأن الجنيه
السوداين كان مقوما بأكثر مما تمليه تركيبة األسعار العالمية وتركيبة
التكاليف المحلية – وعليه فقد قام الصندوق بإجراء تجربته األولى يف
السودان باستخدام هذه المنهجية إلحداث التعديالت يف سعر الصرف .
يف القسم الثالث من هذه الورقة نقدم ،يف إيجاز شديد ،نقدا منهجيا
وتطبيقيا لمنهجية تنافسية المحاصل .
ما يهمنا يف هذه الورقة هو نتاج هذه التجربة يف إطار المعمل السوداين
لصندوق النقد الدولي .فبعد أن أدى تخفيض سعر الصرف يف عام
1978إلى عدد من التخفيضات المتعاقبة دون أن يؤدي ذلك إلى تحقيق
أي من األهداف التجميعية التقليدية المتعلقة بالتوازن الخارجي ،
وانطالقا من مفهوم إجراء التجارب المعملية تفتق ذهن الصندوق عن
طريقة أخرى إلجراء التعديالت .ولما كان الصندوق مؤسسة مهنية ذات
كفاءة عالية فقد قام بكتابة مذكرة سرية أخرى بعنوان (ربط الجنيه
السوداين بسلة من العمالت) تقول إشاعات األوساط الدبلوماسية أن
محررها هو النشاشيبي .
83
-سياسة سعر الصرف :ويحتوي هذا الجزء على جزءين فرعيين هما
«التجربة حديثة العهد» و«التعديالت المستقبلية لسعر الصرف» .
-آثار ربط الجنيه بسلة للعمالت :ويحتوي هذا الجزء على أربعة
أجزاء فرعية هي «التأثير على التجارة الخارجية» و«األثر يف عملية
التسعير» و«خدمات الديون» و«التأثير على سعر صرف السوق الحر» .
84
هذا وتجدر اإلشارة إلى أننا سنغض الطرف عن محتويات مالحق
المذكرة الثانية للصندوق ألهنا تعنى باإلرشادات الواجب اتباعها لتطبيق
السياسة المقرتحة وهي إشارات لم تعد هتمنا يف شيء بعد اهنيار دعائم
الحكم البائد ومن ثم انتفاء استمرار السودان كمعمل خاص لصندوق
()1
النقد الدولي !!
-مقدمة
-عدم التوازن الداخلي
-عالقة التكاليف باألسعار
-تعديل سعر الصرف
()1
لقد كان هذا ظننا عندما كتبت الورقة إال أن الحكومة االنتقالية قد قامت بتطبيق
نظام ربط الجنيه السوداين بسلة من العمالت كما أوصي الصندوق .
85
-الوقع على ميزان المدفوعات
-الوقع على «الرتكيز» والميزانية
-الوقع على تكاليف المعيشة
86
انخفض االدخار العام حتى أصبح سالبا على الرغم من الزيادة المتسارعة
يف اإليرادات الحكومية .وعزت المذكرة هذا التطور إلى ارتفاع
التحويالت من الحكومة المركزية إلى الحكومات المحلية من ناحية
وإلى الزيادة الملحوظة يف اإلنفاق الجاري على الخدمة المدنية والتدهور
الملحوظ يف الموقف المالي لعدد من المؤسسات العامة من ناحية أخرى
،مما نتج عنه ارتفاع يف عجز الميزانية الجارية من ثالثين مليون جنيه عام
1973/72إلى ما يفوق 150مليون جنيه عام . 1975/74ترتب على
هذا العجز أن اضطرت الحكومة والمؤسسات العامة للجوء المتزايد
لالستدانة من القطاع المصريف مما أدى إلى توسع شديد يف االئتمان
المحلي بلغ 99مليون جنيه عام « 1975/74واالقرتاض من الخارج
مما أدى إلى ارتفاع المديونية وزيادة ضغوط خدمات الديون حتى بلغت
نسبة يصعب مقابلتها من إيرادات الصادر» .ومن ثم فقد أدت السياسات
المالية والنقدية للحكومة خالل الفرتة 1975/74 – 1973/72إلى
تفاقم موجة ارتفاع األسعار بحيث أصبح معدل التضخم السائد يف
السودان أعلى من معدالت التضخم يف األقطار التي يتعامل معها تجاريا .
هذا ولقد شهدت الفرتة حتى 1976/75ارتفاعا شديدا يف تكلفة
العمالة .
87
ب -عدم التوازن الخارجي :
88
دعمه .باإلضافة إلى ذلك فإذا لم تتخذ خطوات عاجلة للحد من
الضغوط التضخمية حتى يتسنى معالجة الخلل يف ميزان المدفوعات يف
المدى المتوسط فسيصبح من العسير على السودان الحصول على
قروض خارجية مما سيكون له أثر سلبي يف برامج التنمية التي تعتمد
اعتمادا أساسيا على مثل هذه القروض» .
89
والحظت الدراسة أنه إذا ما تمت جباية رسوم تكلفة إنتاج الفول
والقمح والذرة فإن هذه المحاصيل لن تتمكن من المنافسة عالميا على
أساس سعر الصرف السائد لها (واحد جنيه = 2,5دوالر) بينما سيكون
القطن منافسا هامشيا .إال أنه إذا استمرت االتجاهات الصعودية يف تكلفة
اإلنتاج من ناحية ،وإذا لم تـتحسن التوقعات للطلب على القطن
وصاحبها انخفاض يف األسعار من ناحية أخرى ،فسيكون من الالزم
تخفيض سعر صرف الجنيه السوداين حتى تصبح زراعة القطن مجزية من
الناحية الربحية .
90
التخفيض المقرتح سيؤمن تنافسية أهم المحاصيل السودانية وسيخلق
فرصا كبيرة للتوسع يف الصناعات الزراعية ومن ثم سيوسع المقدرة
التصديرية .وتسارع المذكرة لتالحظ أنه «ألغراض االستفادة من الوقع
الكلي للتخفيض على تخصيص الموارد ال بد من ترك جهاز األسعار
ليعكس تكلفة اإلنتاج بحرية ،وباألخص ،ال بد من استبدال نظام
الشراكة يف التكلفة المعمول به يف مشروع الجزيرة بنظام فرض فئات للماء
واألرض لكل المحاصيل المروية» .
تنتقل المذكرة بعد ذلك لتعدد آثار تخفيض سعر الصرف وتتوصل إلى
النتائج التالية :
91
ب -يف المدى القصير يتوقع أن تتصف الواردات بمرونات
سعرية متدنية وذلك نسبة للقيود الكمية الممارسة التي خفضت
هذه الواردات إلى أدنى مستوياهتا ،إال أن التخفيض من شأنه
التخفيف التدريجي من وقع هذه القيود بحيث يتحدد حجم
الواردات عن طريق قوى السوق األمر الذي سيؤدي إلى
استخدام أكثر كفاءة لموارد النقد األجنبية الشحيحة باإلضافة
إلى ذلك فإن التكلفة المرتفة للواردات ستشجع تلك
المشروعات والوحدات اإلنتاجية التي تتسم بمحتوى استيراد
متدن كما ستحفز إنتاج السلع التي تحل محل الواردات .
92
النسبية على التجارة الخارجية التي سرتتفع قاعدة تقييمها بنسبة
. %44هذا ،وسيكون تأثير التخفيض على اإلنفاق الجاري
هامشيا لما تتسم به بنود هذا اإلنفاق من تدين محتواها
االستيرادي .
وفيما يختص بتأثير القيود الكمية على االستيراد فإن «ريع الندرة»
الذي كانت تجنيه تلك الفئات التي تتمكن من الحصول على تراخيص
استيراد سيتدين ،كما وأنه نسبة ألن تخفيض سعر الصرف سيؤدي إلى
ارتفاع إنتاج السلع التي تحل محل الواردات فإن الوقع اإلجمالي
للتخفيض سيتمثل يف ارتفاع أسعار المستهلكين بنسبة %7 – 6وهي نسبة
ستكون أدنى لسكان القطاع الريفي الذين يستهلكون سلعا ذات محتوى
استيرادي متدن ومن ثم فإن تأثير التخفيض يف تكاليف المعيشة سينحصر
يف القطاع الحضري فقط .
93
-3منهج تنافسية المحاصيل :فشل التجربة
األولى
يتضح من استعراض مذكرة الصندوق األولى يف القسم الثاين أعاله أن
صندوق النقد الدولي قد استند يف حجته القائلة بتخفيض سعر صرف
الجنيه السوداين يف عام 1978على النتائج األولى لدراسة قام بنشرها فما
بعد النشاشيبي ( . )1980واستخدم النشاشيبي يف دراسته ما يسمى
بمنهج تنافسية المحاصيل الذي يعتمد على استخالص تكلفة اإلنتاج
الفعلية لهذه المحاصيل بعد تعديل تكاليف اإلنتاج المحلية وأسعار
مدخالت اإلنتاج المستوردة لتأخذ يف االعتبار مختلف الضرائب
وسياسات الدعم وغيرها من أسباب التشوهات السعرية (من تحكم يف
األسعار واتباع األساليب االحتكارية) .أي بمعنى آخر يعتمد هذا المنهج
على تقدير التكاليف على أساس األسعار العالمية باعتبارها أفضل مؤشر
ألسعار السوق التنافسي .
علي أساس هذه التكاليف الفعلية يمكن احتساب صايف النقد األجنبي
الذي يتم الحصول عليه من تصدير السلعة المعنية ،أو الذي يتم توفيره
من عدم استيراد السلعة يف حالة سلع إحالل الواردات ،الذي يمكن
مقارنته بوحدة الموارد المحلية التي تستخدم يف إنتاج السلعة تحت
النظر .يعني ذلك أنه يمكن القيام بتقدير سعر صرف ضمني لكل
94
محصول يقارن النقد األجنبي الذي يتم توفيره بالموارد المحلية التي يتم
استخدامها يف اإلنتاج .وقد عرب النشاشيبي عن هذه العالقة بمؤشر أسماه
تنافسية المحصول أو السلعة ،أو ما يمكن أن نطلق عليه سعر صرف
المحصول أو السلعة ،وقد عرفه على النحو التالي :
(تنافسية المحصول) = (القيمة المضافة العالمية) × (سعر الصرف) ÷ (تكلفة عوامل اإلنتاج المحلية)
(بالعملة المحلية) (بالعملة المحلية) (بالدوالر)
95
جدول رقم ()1
تنافسية المحاصيل الزراعية السودانية :نتائج النشاشيبي
(دوالر للجنيه السوداين)
96
معادلة رقم (: )3
إذا كان سعر صرف المحصول أكرب من (أصغر من) سعر الصرف
السائد يتوجب زيادة سعر الصرف السائد (تخفيض سعر الصرف السائد)
أ -أن هنالك عالقة سببية بين تنافسية المحصول المعني وإنتاجيته
معربا عنها بالغلة الفدانية :ونسارع لنالحظ أن صياغة هذه الدالة تستند
على مذكرة الصندوق وعلى تحليل النشاشيبي باستخدام هذه الصياغة
يمكن الحصول على مرونة تنافسية المحصول المعني بالنسبة إلنتاجيته .
وقد قمنا بحساب هذه المرونات على أساس مقارنة النتائج المنشورة
لألعوام 1977/76و : 1981/80هذا وقد كانت المرونات على النحو
التالي :
97
القطن طويل التيلة ( ، )1,19القطن متوسط التيلة ( ، )2,5الفول
المروي ( ، )1الفول المطري ( ، )0,54السمسم (. )4,06
ب -إن دالة التنافسية معرفة على اإلنتاجية دالة لوغارثمية بمعنى أن
المرونات المحسوبة أعاله ستظل ثابتة خالل فرتة التحليل .وعلى الرغم
من أن هذا افرتاضا يمكن اعتباره متصلبا للغاية إال أنه ولعدم توفر
المعلومات ال يوجد افرتاض بديل مناسب .وعلى الرغم من تصلبه إال
أن افرتاضنا ال يعترب أكثر تصلبا من افرتاضات مذكرة الصندوق .
ج -إن سلع القطن والفول والسمسم تمثل أهم صادرات القطر ومن
ثم يمكن التوصل إلى سعر صرف الجنيه السوداين بتثقيل أسعار صرف
كل من هذه المحاصيل بنصيب المحصول يف حصيلة الصادرات
للسنوات المعنية .ويجدر بنا مالحظة أن هذا االفرتاض قد كان صحيحا
فيما قبل عام 1980م .إال أن الرتكيبة النسبية للصادرات السودانية قد
تغيرت جذريا بعد ذلك عندما بدأ األثر اإلسالمي يف الظهور بحيث
تساوي النصيب النسبي لصادرات الحبوب مع نصيب صادرات القطن
!! .
98
ولقد كان النتائج على النحو الذي يوضحه الجدول التالي :
جدول رقم ()2
منهجية تنافسية المحاصيل :أسعار الصرف المحصولية
(دوالر للجنيه السوداين)
83/82 82/81 81/80 80/79 79/78 78/77 البند
2,48 2,31 1,22 1,30 1,75 2,69 طويل القطن
التيلة
4,07 3,36 1,61 1,25 1,58 2,22 القطن متوسط
التيلة
1,77 1,50 1,50 2,21 1,75 2,46 الفول المروى
3,03 3,03 3,40 3,01 3,34 3,22 الفول المطرى
3,43 4,72 2,79 2,29 2,68 2,68 السمسم
2,92 2,05 2,16 1,56 1,94 2,66 الصرف سعر
المحصولي
المثقل
0,77 1,17 2,00 2,00 2,50 2,87 الصرف سعر
الرسمى
0,62 1,06 1,25 2,00 2,00 2,50 الصرف سعر
الفعلى
0,68 1,10 1,60 2,00 2,39 3,75 الصرف سعر
المثقل
المصدر :علي ()1985
99
دعنا نالحظ أنه فيما يتعلق بعام 1982/81م فقد احت ُِسب سعر
الصرف الرسمي بالتثقيل الزمني لألسعار 1,25دوالر للجنيه والذي كان
سائدا خالل الفرتة ( )1981/11/9 – 1981/6/8و 1,11دوالر
للجنيه والذي كان سائدا خالل الفرتة (– 1981/11/12
. )1982/8/30كذلك فيما يتعلق بعام 1982/81استخدم التثقيل
الزمني بالطريقة الموضحة أعاله باإلضافة إلى التثقيل النسبي خالل الفرتة
الثانية ،حيث احتسبت %75من حصيلة الصادرات على أساس سعر
0,9دوالر للجنيه .أما فيما يتعلق بعام 1983/82فقد تم التوصل إلى
المتوسط المثقل بحيث احتسبت %75من حصيلة الصادرات على
أساس السعر الرسمي بينما عوملت %25من حصيلة الصادرات على
أساس متوسط سعر صرف للسوق الحر بلغ 0,57دوالر للجنيه .
ليس من الصعوبة بمكان استخدام قانون اتخاذ القرار الذي لخصناه يف
المعادلة رقم ( )3للتأكد من صحة النتائج التالية :
أن سياسة تخفيض سعر صرف الجنيه السوداين خالل الفرتة – 1978
، 1983محكوما عليها بمنهجية تنافسية محاصيل الصادر السودانية التي
قال هبا الصندوق ،قد كانت سياسة خاطئة باستمرار إما (أ) ألن قرار
100
التخفيض قد كان صوابا إال أن نسبة التخفيض قد كانت خطأ ،أو (ب)
ألن قرار التخفيض كان خطأ ثم كانت نسبة التخفيض خطأ أيضا .
أن التطبيق الصارم لمنهجية التنافسية التي قال هبا الصندوق كان
يقتضي تعديل سعر الصرف بحيث تزداد قيمة الجنيه السوداين ابتدا ًء من
موسم . 1982/81
هذا ما كان من أمر الحكم على سياسة التخفيض بمعيار المنهجية التي
قال هبا الصندوق .وتجدر اإلشارة كذلك إلى أن حسين وثيرلول
( )1984قد قاما باختيار تطبيقي آخر لمضامين اإلطار الذي اقرتحه
الصندوق لتخفيض سعر صرف الجنيه السوداين وذلك عن طريق تقدير
دوال لعرض الصادرات باستخدام نماذج االقتصاد القياسي ،حيث قاما
101
بمفاضلة المعادلة رقم ( )1بالنسبة للزمن للحصول على الشروط
الواجب توفرها لنجاح سياسة التخفيض .وقد توصال إلى نتيجة مؤداها
أن « مرونة العرض المتدنية باإلضافة إلى مرونة مرتفعة لألسعار بالنسبة
لتخفيض سعر الصرف تؤدي إلى خسارة يف النقد األجنبي لكل وحدة من
الموارد المحلية المستخدمة يف إنتاج السلعة لكل سلع الصادر .وعلى
المستوى التجميعي يقدران تخفيضا لسعر الصرف بنسبة %1يؤدي إلى
فقدان للنقد األجنبي بنسبة %1.02لكل وحدة من الموارد المحلية
المستخدمة .ولقد سجل الفول أعلى خسارة لما يتسم به من ٍ
تدن يف
مرونة العرض وارتفاع لدرجة المرور العابر ٍ
تدن ( ص . )160 – 195
102
-4ربط الجنيه السوداين بسلة للعمالت
نحو تجربة ثانية للصندوق
كما سبق وذكرنا فسوف يهتم هذا القسم باستعراض محتويات مذكرة
صندوق النقد الدولي فيما يتعلق بتجربته الثانية يف مجال سعر الصرف ،
وذلك بغرض التوثيق من ناحية وحتى يتسنى لنا التعليق على هذه
المحتويات فيما بعد من ناحية ثانية .هذا وسنقوم باتباع التسلسل
األصلي لمذكرة الصندوق حسبما أوردنا يف المقدمة .
103
عدد من النتائج السلبية من أهمها االرتفاع الحاد يف أسعار المستوردات
(بما يف ذلك أسعار الواردات األساسية كالبرتول والقمح والسكر)
والمضاربة ،والتي فرضت تكلفة حقيقية على االقتصاد ،وبعض اآلثار
التوزيعية التي حابت المجموعات التي تعمل بالتجارة .وكنتيجة
لالرتفاع الهائل واآلين يف تكلفة المعيشة فقد اكتسبت تعديالت سعر
الصرف صفة «االنكشاف» التي أدت بدورها إلى إثارة المعارضة
السياسية مما جعل تنفيذ تعديالت الحقة يف سعر الصرف من الصعوبة
بمكان» .
104
من النقد األجنبي لألغراض األساسية وخدمات الديون المستحقة يف
آجالها المحدودة .ومن ثم ،فقد أدت موجة المضاربة إلى تفاقم حالة
عدم التوازن الخارجي ،وأدت أيضا إلى ارتفاع سعر صرف الدوالر يف
السوق الحر إلى مستويات ال يمكن تربيرها بقوى العرض والطلب» .
105
التنافسية ،هنالك عوامل أخرى ربما أشارت إلى الحاجة إلى هذا
التعديل ،فعلي أساس سعر الصرف الجاري يوجد هنالك طلب زائد
على النقد األجنب يف إطار السوق الرسمي ،خصوصا فيما يتعلق
بالواردات األساسية .وقد تمت مقابلة هذا الطلب الزائد من خالل
السوق الحر ،إال أن هذا قد تسبب يف اتساع الشقة بين سعري الصرف
الرسمي والحر مما أدى إلى تشوهات يف التجارة واإلنتاج .وإذا لم يتم
تضييق هذه الشقة من خالل ترشيد سياسة االستيراد والتشدد يف
السياسات النقدية والمالية ،فسيتحتم تعديل سعر الصرف الرسمى» .
يشتمل هذا الجزء من مذكرة صندوق النقد على جزءين فرعيين على
النحو التالي :
يقول صندوق النقد أنه «إذا ما قبلت الحجة القائلة بأنه سيتحتم تعديل
سعر الصرف الرسمي مع مرور الزمن فيبدو أن هنالك ثالث مزايا من
التغيير الدوري والمحدد النسبة لسعر الصرف يف مقابل التغيرات
المتباعدة كبيرة النسبة :فالتغيرات المحدودة ستعمل على هتدئة القضايا
السياسية واالجتماعية التي تثيرها التغييرات الكبيرة وعلى االرتفاع
التدريجي لألسعار وعلى تدين أربحية المضاربات .ويمكن أن يخفض
106
سعر الصرف بالنسبة للدوالر بطريقة دورية ،كما يمكن إجراء
التخفيضات عن طريق ربط الجنيه بسلة من العمالت .وإذا اتبع النهج
التدريجي لتخفيض سعر الصرف ،فإن االتفاق مع الصندوق فيما يتعلق
بسياسة سعر الصرف سيأخذ شكل تحقيق هدف محدد كميا لتخفيض
سعر الصرف الرسمي على مدى زمني معلوم .والعامل الحاسم يف نجاح
التخفيض التدريجي لقيمة العملة يف تحقيق أهدافه المرتجاة هو بقاء
الهدف الكمي لتخفيض سعر الصرف ،والذي يتم االتفاق عليه سرا ،
ُيتحفظ عليه بشدة .وإذا ما أصبحت األهداف الكمية هذه معلومات عامة
فسيؤدي هذا إلى فقدان بعض المكاسب من إدخال نظام الربط بسلة
العمالت ،كوسيلة لتخفيف المضاربة» .
107
سيصبح االتجاه العام للقيمة المتبادلة للجنيه السوداين واضحا مقارنة
بحالة الربط بسلة العمالت .ففي حالة (السلة) سيتذبذب سعر الصرف
تلقائيا باإلضافة إلى التغييرات التي تفرضها السياسة ،ومن ثم فإن
االتجاه العام لن يكون مفضوحا .ومن المتوقع أن تؤدي حالة عدم التيقن
فيما يتعلق بسلوك سعر الصرف يف المدى القصير التي سيفرزها اتباع
السياسة الجديدة ،إلى تدين القابلية للمضاربة حتى إذا قورنت بالوضع
السابق الذي يتسم بتغييرات كثيرة يف سعر الصرف .ومن ثم ستدخل
سياسة الربط بسلة العمالت عنصرا أكرب من المرونة يف سياسة سعر
الصرف .وسيكون من المفضل إدخال نظام السلة يف الوقت الحاضر
حيث ال توجد توقعات حول إجراء تخفيض يف سعر صرف العملة .هذا
وسوف يرتتب على التغيرات يف العمالت المضمنة يف السلة تغيرات يف
سعر صرف الجنيه السوداين مقابل الدوالر (كما تحددها تغيرات األوزان
بالنسبة لهذه العمالت) مما سيعود الجمهور على هذه التطورات قبيل أي
تغييرات مفروضة بواسطة السلطات والتي ربما تم فرضها يف وقت
الحق .وعندما يتم تقويم سعر الصرف الرسمي يف أوائل السنة المقبلة ،
وإذا ما ظهرت الحاجة إلى تخفيض سعر الصرف الرسمي ،فإنه يمكن
استخدام السلة لبلوغ هذا الهدف عن طريق تخفيضات طفيفة والتي
ستكون مغلفة جزئيا بواسطة التحركات التلقائية للدوالر مقابل العمالت
األخرى» .
108
مضامين اعتماد ربط الجنبه بسلة من العمالت :
-1التجارة الخارجية
109
ب -التسعير
يقول الصندوق أنه «من الواضح ،ومهما كان النظام السائد ألسعار
الصرف ،أنه لكي تحقق التغيرات يف سعر الصرف آثارها االقتصادية
المبتغاة فال بد من أن تنعكس هذه التغيرات بكاملها على تركيبات
التكاليف واألسعار .والتحول نحو اتباع سياسة ربط الجنيه بسلة من
العمالت سينطوي على تغيرات متكررة يف أسعار الصرف ،إما بسبب
تغيرات أسعار صرف عمالت السلة أو بسبب التعديل المفروض بواسطة
السلطات .وبينما ستمكن هذه التغيرات المتكررة يف أسعار الصرف من
تجنب االرتفاع الحاد يف األسعار المحلية والذي يتأتى من التعديالت
الرسمية لسعر الصرف يف فرتات متباعدة ،إال أنه ربما لم يكن من النافع
إحداث تغيرات متكررة يف األسعار المحلية على غرار تقلبات السلة .
فبينما يمكن تعديل سعر الصرف عدة مرات خالل السنة الواحدة لتحقيق
هدف محدد ،إال أن أسعار السلع المستوردة بواسطة القطاع العام
(كالقمح والبرتول) يمكن أن تتعدل بطريقة دورية فقط .ومثل هذا
التعديل يف األسعار ال بد وأن يأخذ يف االعتبار حقيقة أن الواردات عادة ما
تمول عن طريق استخدام تسهيالت ائتمانية متوسطة المدى ،تتم آجالها
بعد أن يكون سعر الصرف قد خفض ،بحيث تغطي التعديالت يف
األسعار المحلية التكاليف اإلضافية المرتتبة على سعر الصرف .وبالنسبة
للقمح والبرتول فإن التدفق النقدي للمؤسسات التجارية سيمكن من
110
استيعاب التكاليف اإلضافية لبضعة شهور لحين اسرتدادها بعد تعديل
واحد لألسعار .وتحت هذه الطريقة سوف لن يكون من الضروري رصد
مبالغ يف الميزانية لهذه السلع طالما سيتم تعديل أسعارها كل سنة بطريقة
تغطي التغيرات المرتاكمة يف سعر الصرف .فيما يتعلق بالعون السلعي ،
وللحد الذي يتم فيه بيع هذه السلع للقطاع الخاص ،فسيرتتب على ذلك
تدفق موارد إضافية للميزانية ستساعد يف تغطية الزيادة يف اإلنفاق
الحكومي التي ترتتب على التغير يف سعر الصرف» .
111
التحويالت) ،ومن ناحية أخرى ،وبسبب التوقعات باستمرار الطلب
الزائد يف السوق الرسمي فإن أي تخفيض يف السعر الرسمي سيغذي
توقعات الجمهور حول حدوث تخفيضات مقبلة يف السعر الرسمي ومن
ثم سيقوم المضاربون بشراء الدوالرات ،وسيرفع المستوردون من
مخزوناهتم ،وربما حجبت بعض التحويالت من التدفق إلى الداخل
لحين وصول سعر السوق إلى هضبة جديدة .ولما كانت هذه هي
التجربة مع التخفيضات السابقة فمن المحتمل تكرارها مع التخفيضات
يف إطار ربط الجنيه بسلة من العمالت ...وللحد من هذه الضغوط التي
تؤدي إلى عدم االستقرار والتي تفرزها عمليات المضاربة ال بد من
تقليل ،أو القضاء على الطلب الزائد يف السوق الرسمي ،مما يتطلب
تحويل الواردات التجارية للقمح والسكر إلى السوق الحر ،وكذلك
تحويل كل ما تبقى يف السوق الرسمي من المدفوعات غير المنظورة ،بما
يف ذلك تكاليف الشحن والتأمين المرتبطة بواردات العون السلعي ،إلى
السوق الحر .ويف نفس الوقت ،فإنه ال بد من تخفيض الطلب على النقد
األجنبي ألغراض االستيراد (والمدفوعات غير المنظورة األخرى) غير
الضروري يف السوق الحر وذلك عن طريق سياسات مالية ونقدية متشددة
وبتطبيق قيود االستيراد الواردة يف الربنامج .إنه من خالل القضاء على
الطلب الزائد على النقد األجنبي يف السوق الرسمي ومن خالل فرض
112
قيود على الطلب على النقد األجنبي يف السوق الحر سيكون من الممكن
تضييق الشقة بين السعرين .
113
تحقيق الهدف المعتمد ومن ثم يقرتح الصندوق اتباع منهج التعديل
المتكرر لسعر الصرف عوضا عن سياسة التعديل المتعاقب .
()1
انظر علي (. )1985( ، )1984
114
كذلك يجدر بنا ،ألغراض تبسيط النقاش ،مالحظة عدد من
المعطيات االقتصادية الهامة التي يتمحور حولها محتوى مذكرة
الصندوق :
()1
انظر خالد (غ .ت) فيما يتعلق بالمحاوالت التي تمت مع الصندوق لجعل
السودان مثاال يحتذى فيما يتعلق بإلغاء نظام الرقابة على النقد .
115
د -إن سياسة تحديد السقوف االئتمانية خالل الفرتة 1978
– 1984والذي أشرف عليها الصندوق ،قد سخرت عمدا
لخدمة ما يسمى بالقطاع الخاص(. )1
()1
بلغ إجمالي الديون غير المسرتدة من البنوك التجارية للقطاع الخاص بنهاية عام
1983حوالي 1,3بليون دوالر (انظر البنك الدولي ()1985
116
بعض اآلثار التوزيعية التي حابت المجموعات التي تعمل بالتجارة ...
وقد تسبب هذا يف تحويل للدخل من المستهلكين والمنتجين إلى التجار»
وعلى الرغم من حقيقة وقوع إعادة التوزيع هذه كمشاهدة تجريبية إال أن
الصندوق يقف متهما ،الستخدامه لها يف مذكرته بعدم األمانة العلمية
وذلك لعدد من األسباب البديهية أهمها ما يلي :
()1
انظر كيليك (. )1984
117
سيرتتب على تنفيذ سياسة التخفيض المتعاقب سينصب على عاتق
السكان الحضريين(. )1
إن الطبقات الطفيلية التي أفادت من إعادة توزيع الدخل نتيجة لتنفيذ
سياسة التخفيض المتعاقب لسعر الصرف هي طبقات عمل الصندوق إما
مباشرة أو غير مباشرة على صنعها ،من خالل تنفيذ سياساته .وعلى
دعمها عن طريق الجهاز المصريف .بمعنى آخر لقد قام الصندوق من
خالل تنفيذ سياساته بإعادة توزيع الدخل لصالح هذه الطبقات الطفيلية .
()1
كان تعليل الصندوق لهذه النتيجة هو مالحظة تدين المحتوى االستيرادي للوجبة
يف القطاع الريفي .
118
ولعله يمكننا ،بكرمنا السوداين المعروف ،تقدير الموقف الدقيق
للصندوق يف هذه الحالة :فالتنافسية معيار يتأثر بعدد من العوامل
االقتصادية كسعر الصرف ،وتكاليف المدخالت اإلنتاجية المستوردة
والمحلية واإلنتاجية .وعلى الرغم من أن معظم هذه العوامل االقتصادية
يتعرض للتغير مع الزمن إال أنه ال يتوقع أن يتم هذا التغير عدة مرات
خالل السنة الواحدة ،األمر الذي يوقع الصندوق ليس فقط يف حرج
تحليلي ،وإنما سيورده مورد عدم األمانة العلمية لسكوته يف مذكرته ،
عن تبيان إمكانية تضارب أهداف السياسة التي يوصي باتباعها .
119
حتى يتسنى له عندما تفشل سياساته ،إلقاء اللوم على الكوادر المهنية غير
الكفئة التي أنيط هبا تنفيذ السياسة أو على الحكومات الفاسدة التي قدر له
التعاون معها أو باالثنين معا .هذا ولقد سبق للصندوق بأن قال بمثل هذا
القول يف وجه الشواهد التجريبية المرتاكمة على فشل سياساته على
مستوى السودان وغيره من البلدان النامية .
أ -لن يكون هنالك أثر على الطريقة التي تتم هبا المعامالت
التجارية للقطاع الخاص الذي تعود على تذبذب سعر صرف
السوق الحر .
ب -لن يكون هنالك أثر على واردات الحكومة فيما عدا
الحاجة إلى تعديالت أكثر دورية يف األسعار المحلية لهذه
الواردات .
120
ويقيننا أنه يمكن للقارئ بقليل من التمعن اكتشاف هشاشة هذه
الحجج التي ال تستند على تحليل متماسك فيما يتعلق بمعطيات
االقتصاد السوداين .فالقول بأن تقلبات سعر الصرف مهما كان مصدرها
سوف لن تؤثر على حجم الواردات وإنما على أسعارها قول صحيح
لسبب بسيط هو تدين مرونة الواردات بالنسبة لسعر الصرف .وتدين
مرونة الواردات بالنسبة لسعر الصرف حجة يتم استخدامها للقول بخطل
سياسة التخفيض أيا كان نوعها .وال يعقل أن تستخدم للمفاضلة بين
سياسة معينة للتخفيض وأخرى .هذا من ناحية ومن ناحية أخرى وفيما
يتعلق بالصادرات فلعل الصندوق قرر أن يتمادى يف المكابرة باستخدامه
المتكرر للحجة الفاسدة المتعلقة بزيادة الحوافز للمنتجين يف قطاع
الصادر .فقد اعرتف الصندوق يف استهالل مذكرته باألثر التوزيعي
للتخفيض الذي كافأ التجار على حساب المنتجين !! فأي حوافز لمنتجي
الصادرات يا ترى ،يتمشدق هبا الصندوق خصوصا إذا علمنا أن المرونة
السعرية للصادرات تتسم بالتدين هي األخرى(. )1
التسعير :
()1
انظر حسين وثيرلول ( . )1984انظر حسين ()1985
121
-يمكن تعديل أسعار السلع المستوردة بواسطة القطاع العام (البرتول
والقمح) بطريقة دورية (كل عام مثال) عوضا عن تعديلها بطريقة متكررة
حسب تغيرات سعر الصرف .
يقيننا أن هذا النوع من التحليل يعكس ليس فقط تناقضا داخليا وإنما
أيضا مستوى جد متدن من عدم األمانة العلمية ،ويكفينا يف هذا
الخصوص مالحظة ما يلي :
122
أ -أنه لما كانت معظم سلع الوارد تستورد بواسطة القطاع الخاص
(شاكرين مجهودات الصندوق السابقة يف هذا المجال) فإن األسعار
المحلية ستتغير بطريقة متكررة مع تغير سعر الصرف ،رضي الصندوق
بذلك أم أبى .وذلك للعالقة التي تربط بين السعرين المحلي واألجنبي
خصوصا يف إطار القطاع الخاص الذي يقوم بتحميل كل التكاليف
اإلضافية للمستهلكين بطريقة تلقائية .هذا وقد تم تقدير العالقة السببية
بين األسعار المحلية وأسعار الواردات على النحو التالي(: )1
معدل التغير يف األسعار المحلية =
( 0,29معدل التغير يف اإلنتاجية) + ( 0,56 +معدل التغير يف األجور) 0,37
()6,11 ()1,6
( 0,48 +معدل التغير يف أسعار الواردات)
()3,36
()1
انظر حسين ()1985
()2
انظر حسين ()1985
123
( 0,7 +معدل التغير يف األسعار المحلية) 2,3- معدل التغير يف األجور =
()2,8
( 0,32 +السياسة الحكومية لألجور)
()1,64
ب -أنه إذا كانت المؤسسات العامة حسب اآلراء السابقة للصندوق
وخصوصا تلك المؤسسات التي تعمل يف مجال التجارة الخارجية تتسم
بعدم الكفاءة فكيف سيتسنى لتدفقاهتا النقدية امتصاص التكاليف
اإلضافية المتكررة التي سترتتب على التغير المتكرر لسعر الصرف ؟
والصندوق يف هذا التحليل يقع مرة أخرى يف فخ من صنع يديه :فإذا
كانت هذه المؤسسات ذات تدفقات نقدية كافية ألغراض سياسته
المقرتحة – يبقى السؤال لماذا قال بحلها من قبل ؟ أما إذا كانت هذه
المؤسسات غير كفئة ،فإن مقرتحاته ستتطلب إما رصدا لألموال يف
124
الميزانية لمقابلة التكاليف اإلضافية (زيادة اإلنفاق الحكومي) أو رفعا
لسقوف االئتمان لهذه المؤسسات (التوسع النقدي) أو االثنين معا ؟ .
هذا ما كان من أمر عدم األمانة العلمية وعدم التناسق الداخلي .
ويهمنا كذلك أن ننبه القارئ على أن الصندوق يف التحليل أعاله يظهر لنا
إصابته بمرض انفصام الشخصية :إذ إن التحليل قد ركز على سلعتين
يقوم باستيرادهما القطاع العام ليس ألهميتهما وإنما ألنه ،ومن الناحية
النظرية ،إذا ما كان استيراد جميع السلع يتم بواسطة هذا القطاع فمن
الممكن إجراء التحليل بطريقة أكثر سهولة ويسرا .كما يمكن التوصل
إلى نتائج أكثر وضوحا من وجهة نظر صياغة السياسات االقتصادية .أما
إجراء التحليل ومعظم السلع يتم استيرادها بواسطة القطاع الخاص
فسيؤدي إلى نتيجة واحدة هي االرتفاع المتكرر يف األسعار المحلية
للسلع المستوردة ومن ثم تفاقم حالة التضخم ،وهي نتائج ترتتب عادة
على سياسات الصندوق وال يود الصندوق التطرق إليها إمعانا يف عدم
األمانة العلمية !!
فيما يتعلق بتأثير التخفيض المستمر لسعر الصرف الرسمي على سوق
النقد األجنبي يالحظ أن أهم عوامل عدم االستقرار يف هذا السوق هي
وجود طلب زائد على موارد السوق الرسمي األمر الذي يتطلب :
125
أ -القضاء على هذا الطلب الزائد عن طريق تحويل كل ما تبقى من
معامالت تجارية يف السوق الرسمي إلى السوق الحر .
126
-6مالحظة ختامية
استعرضنا يف هذه الورقة الجهود المقدرة التي قام هبا صندوق النقد
الدولي الستغالل السودان كمعمل للتجارب يف مجال .سياسات سعر
الصرف .ولقد أوضحنا أنه حالما اكتشف الصندوق فشل تجربته
األولى ،قام مشكورا بالتحضير لتجربة ثانية حال دون تطبيقها حتى اآلن
اهنيار دعائم الحكم السابق وألن الصندوق مؤسسة عالمية محايدة ذات
كفاءة ومهنية متميزة فلم يقتصر تحضيره للتجربة الثانية على االعرتاف
صراحة بالفوضى االقتصادية التي نتجت عن التجربة األولى ،وإنما
استخدم هذه الفوضى كتربير أساسي إلجراء التجربة الثانية ،والتي تقول
بربط الجنيه السوداين بسلة للعمالت حتى يتسنى إجراء تعديالت متكررة
لسعر صرف الجنيه السوداين عوضا عن ربطه بالدوالر الذي ترتب عليه
إجراء تخفيضات متعاقبة على فرتات زمنية متباعدة .
127
مركز الدراسات والبحوث اإلنمائية بجامعة الخرطوم تفضل علينا األستاذ
برانسون ،على اعتبارنا من قاطني الغابات اإلفريقية ،بحكم أمريكية يف
شأن سوق النقد األجنبية يمكننا تلخيصها على النحو التالى(: )1
()1
لألفكار األساسية لهذا النموذج انظر برانسون وكاتسلي ()1982
128
تجدر اإلشارة إلى أن المستمعين للدرر األمريكية من قاطني الغابات
السودانية قد أبدوا بعض المالحظات المنهجية حول صالحية نموذج
برانسون للتطبيق يف ظروف السودان ،مما جعل الضيف العزيز يشعر
ببعض الحرج من عدم دبلوماسية المشاركين ،إال أنه كظم غيظه هذا
بإبداء استغرابه لوجود فئة قليلة من سكان غابات السودان تفهم يف أمور
االقتصاد !!
( )1حدثنا برانسون يف محاضرته بأنه يقوم حاليا بعدد من التجارب يف البلدان النامية بتمويل من البنك
الدولي !!
129
ولعلنا لسنا يف حاجة إلى مالحظة أن نظام الرقابة الكاملة على النقد
األجنبي سيتطلب إعادة النظر يف الرتكيبة المؤسسية لقطاع المصارف ،
بينما سيتطلب رفع سعر صرف الجنيه السوداين إجراء دراسة مهنية
متكاملة لتحديد الهوامش المقبولة اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا لمثل هذا
التعديل .ولما كانت هذه قضايا شائكة ال يمكن بحال تناولها يف عجالة
فسنقوم بدراستها يف ورقة مقبلة بإذن اهلل .
130
الفصل الرابع
صندوق النقد الدولى
والفوضى االقتصادية يف السودان
تجربة السوق األسود للنقد األجنبي
131
132
-1مقدمة
تعني هذه الورقة ببحث الطبيعة التوازنية لما يسمى بالسوق الحر للنقد
األجنبي ،أو ما نطلق عليه اسم السوق األسود الرسمي للنقد األجنبي .
133
ولقد أوضحنا رأينا يف خطل سياسة الصندوق هذه بمالحظتنا أن هذا
الربنامج قد هدف إلى خلق سوق محلي يف العمالت األجنبية وذلك من
خالل إلغاء القيود القانونية الخاصة بحيازة النقد األجنبي واالتجار فيه
وتحويله من وإلى داخل القطر .ولعل الدافع الواقعي لذلك قد كان
اعتقاد صندوق النقد بوجود سوق أسود ذي داللة ،وهو اعتقاد لم تكن
لتسنده الشواهد التجريبية آنذاك على أية حال .
هذا وقد تسبب خلق هذا السوق يف تفاقم الفوضى االقتصادية يف
السودان وقد اعرتف الصندوق بذلك كتابة ،إال أنه برغم اعرتافه هذا ال
يزال مصرا إصرارا طفوليا على االحتفاظ بدميته هذه يف إطار معمله
الخاص مبشرا يف كل وصفة باعها لمتخذي القرار االقتصادي (أو
باألحرى لمرتجمي بياناته للغة العربية) يف السودان بإمكانية توحيد أسعار
الصرف عن طريق تخفيض سعر الصرف الرسمي للجنيه السوداين .
ولعله من الصعوبة بمكان فهم هذا اإلصرار الطفولي إال يف إطار ما
سبق واهتمنا به صندوق النقد الدولي من عدم األمانة العلمية .فالصندوق
يعلم ،أو ربما لم يكن يعلم ،أن النتائج المقررة يف أدبيات تحديد سعر
الصرف كما استعرضتها كروقر ( )1983تقول اآليت :
134
يستمر كسعر صرف توازين .ويبقى السؤال بال إجابة إذا كان من
المفروض أن يقوم قطر صغير الحجم يواجه تقلبات يف شروط
تبادله التجارية بتثبيت السعر الحقيقي لصرف عملته عند متوسط
شروط التبادل ،أو ما إذا كان من المفروض عليه استخدام
السياسة المالية والنقدية للتعامل مع التغيرات يف شروط
التبادل ،أو ما إذا كان سعر الصرف يف حد ذاته يمثل أداة مثلى
(دياز – إليجاندرو )1976وحتى إذا كان سعر الصرف أداة
مثلى للسياسة االقتصادية ،فال يوجد دليل عن سلوك سعر
الصرف الحقيقي مع الزمن .
ب -إن السؤال فيما يتعلق بالمزيج األمثل بين تعديالت سعر
الصرف وازدياد تدفق الواردات كوسيلة للقضاء على ،أو على
أقل تقدير تقليل الفجوة بين األسعار المحلية والعالمية لسلع
الصادر والسلع المنافسة للواردات ،إن هذا السؤال لم يحسم
بعد ! (كروقر . )1983
ج -إن هناك إمكانية ألن يتسم السوق الحر للنقد األجنبي
بعدم االستقرار (بالك . )1976
135
مفادها أن ما يسمى بالسوق الحر للنقد األجنبي يف السودان يتصف بعدم
االستقرار ،ومن ثم فإن مختلف السياسات التي يطرحها الصندوق يف
هذا المجال ليس لها جدوي على أي مدى زمني يختاره المحلل .لتدعيم
هذه الحجة نقوم يف القسم الثاين من هذه الورقة باستعراض آخر النماذج
التي ظهرت يف األدبيات المتخصصة يف سوق النقد األجنبي حيث عرف
االستقرار يف السوق على أساس االتجاه العام ألسعار الصرف نحو
التوحيد «أي تعريف الصندوق» .ونقوم يف هذا القسم بربهان أن سوق
النقد األجنبي يف السودان غير مستقر هبذا المعنى .يف القسم الثالث من
الورقة نستعرض عددا من النتائج التطبيقية لدعم حجتنا .األولى تختص
باختبار أطروحة الصندوق حول توحيد أسعار الصرف .والثانية تعنى
باختبار أهم العوامل المحددة لسلوك سعر الصرف يف السوق األسود .
136
التاريخية والمؤسسية للذين يودون الرجوع إلى مثل هذه التفاصيل .
كذلك ال بد وأن ننوه إلى تعريف سعر الصرف الوارد يف هذه الورقة وهو
السعر المحلي للعملة األجنبية «جنيه للدوالر» ومن ثم فإن عبارة
تخفيض سعر الصرف تعني ارتفاع السعر المحلي للعملة األجنبية .
االفتراضات :
137
(ب) القطاع الخاص :
منتجو سلعة الصادر ملزمون قانونا ببيع سلعتهم للحكومة التي تقوم
بدورها بتسليم إيرادات النقد األجنبي للبنك المركزي .ويقوم البنك
المركزي ببيع النقد األجنبي ألغراض االستيراد .إال أن قوانين الرقابة
على النقد تحد من موارد النقد األجنبي المتاحة لالستيراد ،وتمنع منعا
باتا استخدام هذه الموارد ألغراض معامالت رأس المال .
138
(هـ) السوق األسود :
تتم مقابلة الطلب الزائد على النقد األجنبي يف سوق مواز أو ثانوي أو
أسود رسمي .وتتمثل مصادر النقد األجنبي لهذا السوق يف عائدات
هتريب سلعة الصادر .وتعني عدم قانونية عمليات التهريب وجود
تكاليف لهذه العمليات تنعكس يف عالوة سعرية .
ألغراض التحليل وفيما عدا سعر الصرف الرسمي ،تم توحيد جميع
األسعار لتصبح واحدة ،ومن ثم فإن سعر صرف السوق األسود يمثل
ليس فقط سعر بيع سلعة الصادر يف السوق األسود ،ولكن أيضا سعر بيع
السلعة المستوردة بالعملة المحلية .
139
(ح) دوال عرض النقد األجنبي
يعتمد الطلب على السلع المستوردة غير القابلة للتبادل على األسعار
النسبية معرفة على أهنا سعر السلعة غير القابلة للتبادل منسوبا إليها سعر
صرف السوق األسود ،بينما تم قياس اإلنتاج كمجموع إلنتاج السلعتين
مقومة باألسعار الثابتة .
النتائج :
يالحظ نواك أن وجود قيود كمية نافذة المفعول يف االقتصاد تؤدي إلى
أن تصبح االحتياطيات الدولية عامال خارجيا عن النموذج .وعليه
وباستخدام االفرتاضات «أ -ك» يمكننا التوصل إلى الشروط التوازنية
التالية يف كل األسواق :
140
معادة رقم ( )1السوق األسود :
141
إلى العالقة بين سعر الصرف الرسمي وسعر صرف السوق األسود .
ألغراض إجراء التحليل ،نالحظ أن نواك قد استخدم القيود التالية ،على
أشكال دوال االستيراد والتصدير :
أ -دالة االستيراد وهي دالة ُمعرفة على سعر الصرف الرسمي
منسوبا إلى سعر السلعة غير التبادلية ،بمعنى سعر نسبي بحيث
كلما ارتفع السعر النسبي كلما نقص الطلب على االستيراد؛
كذلك يعتمد االستيراد على إجمالي الناتج بحيث كلما ارتفع
الناتج ازداد الطلب على االستيراد .
142
باإلضافة إلى هذه القيود السلوكية على دوال االستيراد والتصدير ،
افرتض نواك أن يكون أثر التغيير يف سعر الصرف النسبي على الصادر
متساويا يف السوقين األسود والرسمي للصادر .
143
سيقوم بإجراء عملية التفاضل ألهمية استخدام االفرتاضات الخاصة
بتطبيع األسعار يف الفرتة االرتكازية وثبات االحتياطي يف تلك الفرتة
أيضا .
144
(هـ) السوق األسود :
تتم مقابلة الطلب الزائد على النقد األجنبي يف سوق مواز أو ثانوي أو
أسود رسمي .وتتمثل مصادر النقد األجنبي لهذا السوق يف تحويالت
المغرتبين .
يعتمد عرض النقد األجنبي يف السوق على سعر الصرف الرسمي ،
، Yبحيث يمكن أن تكون مرونة الصادرات لسعر الصرف الرسمي
مساوية للصفر ،بينما تعتمد تحويالت المغرتبين على نسبة السعر
الموازي للسعر الرسمي Xبطريقة مباشرة .
معادلة رقم ( )3االقتصاد ( :الجزء الواقع على يمين المعادلة رقم )3
= (عائد التصدير الرسمي) ( +تحويالت المغرتبين) – (التغير يف
االحتياطي)
145
ودون فقدان أي نوع من العمومية يف التحليل يمكننا كتابة المعادلة رقم
( )4على النحو التالي حيث استخدمنا افرتاض تطبيع األسعار ومن ثم
بسطنا عرض الدوال المستخدمة :
146
يالحظ أن مقام المعادة ( )5سالب حسب القيود المفروضة على
أشكال الدوال ومن ثم فإن العالقة بين سعري الصرف ستتحدد بعالمة
البسط .كذلك يالحظ أنه إذا ما كانت الصادرات ال تستجيب للتغيرات
يف سعر الصرف الرسمي فإن عالمة البسط ستكون سالبة أيضا ،مما يعني
أن تخفيض سعر الصرف الرسمي سيؤدي إلى تخفيض سعر الصرف يف
السوق األسود .
-3النتائج التطبيقية
نقدم يف هذا الجزء عددا من النتائج التطبيقية التي تحصلنا عليها فيما
يتعلق برتكيبة وأداء السوق األسود األجنبي يف السودان .
147
اختبار أطروحة الصندوق :
148
المعادلة رقم (:)7
سعر الصرف يف السوق األسود = 1,6067 + 0,0626سعر الصرف الرسمي
()7,546
149
يف اعتقادنا دورا أساسيا يف عدم االستقرار الديناميكي للسوق األسود
للنقد األجنبي يف السودان ،إال أننا قمنا باختبار أطروحة عدم االستقرار
الديناميكي هذه بتطبيق دالة الفروقات (انظر شيانج) )1974( ،وذلك
بتقدير دالة خطيبة على النحو الذي توضحه المعادلة رقم ( )8حيث
أخذت الفرتة على أساس أهنا أسبوع واحد وحيث استخدمنا متوسطات
األسعار األسبوعية للفرتة من 15يوليو 1981إلى 6فرباير . 1985
ولقد كانت نتيجة هذا التقدير على النحو التالي :
150
عدم االستقرار الديناميكي تتوفر يف السوق األسود للنقد األجنبي يف
السودان .
الستنباط أهم العوامل المؤثرة على سلوك سعر صرف السوق األسود
قام حسين ( )1985بصياغة األطروحات التي تقول بأن التغيرات يف هذا
السعر يمكن تفسيرها بواسطة التغيرات يف التسهيالت االئتمانية الممنوحة
بواسطة الجهاز المصريف للقطاع الخاص ،وكذلك بالتغيرات التي تطرأ
على الفارق بين السعر الرسمي وسعر السوق األسود .تفرتض هذه
األطروحة أن هذا الفارق يمكن أن يستخدم كمؤشر لتوقعات األفراد فيما
يتعلق بسياسة تخفيض السعر الرسمي للعملة .
151
حيث س ثابت وص وط معامالت تقدير .هذا وقد تم إجراء التقدير
اإلحصائي على خطوتين حيث تم التوصل إلى النتائج التالية باستخدام
مشاهدات شهرية للفرتة مايو – 1980فرباير : 1985
هذا وقد بلغ معامل التحديد لهذه المعادلة ، %86ويوضح العدد بين
األقواس قيمة ت – اإلحصائية والتي تدل على المغزوية اإلحصائية
للمعامل الذي تم تقديره .
لوغاريثم سعر الصرف يف السوق األسود = 0,24 معادلة رقم (: )11
( 0,82 +لوغاريثم التسهيالت االئتمانية للقطاع الخاص)
()7,7
( 0,23+لوغاريثم الفارق بين سعري الصرف)
()20,1
حيث بلغ معامل التحديد لهذه المعادلة ، %96وتوضح األعداد بين
األقواس قيمة ت اإلحصائية والتي تدل على المغزوية اإلحصائية
للمعامالت التي تم تقديرها .
152
وتوضح هذه النتائج أن التسهيالت االئتمانية الممنوحة للقطاع
الخاص بواسطة الجهاز المصريف تفسر %86من التغيرات يف سعر صرف
السوق األسود بينما يفسر المعامالن (التسهيالت االئتمانية والفارق
السعري) مجتمعان حوالي %96من التغيرات يف سعر الصرف .
153
منهجية ،وألغراض التدليل األولي على حجم السوق ،نود اإلشارة إلى
أن طريقة البيانات الرسمية للتجارة الخارجية تتطلب تقدير حجم السوق
باستخدام معادلة التعريف التالية :
كما نود أن نركز على صفة «الحد األدنى» لتقديرات الطلب على النقد
األجنبي هذه وذلك لتجاهلها للطلب على الدوالر ألغراض هتريب رأس
المال ،وأغراض االكتناز ،وأغراض المضاربة وكذلك أغراض السفر
السياحي وتجارة الشنطة .
154
كذلك يمكن للقارئ عقد مقارنة بين الحد األدنى لحجم السوق
األسود وحصيلة صادرات القطر .حيث سيتضح أن متوسط حجم
السوق األسود يساوي ضعف إجمالي حصيلة الصادرات .ولما كان أهم
مورد لعرض النقد األجنبي يف السوق األسود يتمثل يف تحويالت
السودانيين العاملين بالخارج فإن هذه المقارنة يجب أن تستخدم ال
لالستدالل على األهمية الحاسمة لهذا السوق يف حد ذاته ،كما يفعل
خرباء الصندوق ومن لف لفهم ،وإنما لالستدالل على األهمية الحاسمة
لمورد تحويالت المغرتبين .
155
جدول رقم ( : )1متوسط األرباح المتحققة لتجارة الدوالر
(مليون جنيه سوداين)
1984 1981 هامش الربح
(جنيه للدوالر)
22 16 0,2
55 40 0,05
110 80 0,10
ولعلنا لسنا يف حاجة إلى مالحظة أن هذه النتائج تكفي للتدليل على
األطروحة القائلة بأن تجارة العملة يف السوق األسود تدر أرباحا سهلة
وطائلة تفوق يف معدالهتا تلك األرباح التي يمكن أن تحققها الوحدات
اإلنتاجية يف االقتصاد .
156
(د) األثر على عملية اتخاذ القرارات االقتصادية .
هذا ولعلنا يف حاجة إلى التأكد مرة أخرى أنه وفيما يتعلق باآلثار (أ –
ج) فقد اعرتف الصندوق صراحة بوقعها السلبي على االقتصاد حيث
قال « :لقد كان لموجة المضاربة التي صاحبت تخفيضات عامي 1981
و 1982عدد من اآلثار االقتصادية الضارة .فحالما تأسست التوقعات
فيما يتعلق بتخفيض آت ،قام المصدرون باالحتفاظ بسلعهم للحصول
على غنائم مالية بالعملة المحلية ،ويف نفس الوقت قام عدد كبير من
التجار المحليين ببناء مخزوناهتم من سلع الصادر والوارد لنفس الهدف
وتمت مكافأهتم بارتفاع قيمة هذه السلع بالعملة المحلية بعد تنفيذ
تخفيض سعر العملة .وقد تسبب هذا يف تحويل للدخل من المستهلكين
والمنتجين إلى التجار .هذا وقد تطلبت نشاطات بناء المخزون السلعي
هذه تمويال إضافيا من البنوك والذي كان يمكن تدفقه يف مجاالت أكثر
إنتاجية يف االقتصاد ( ».انظر الفصل الثالث) .
157
العملة ،قضي التضخم بسرعة على التحسينات الوقتية التي تطرأ على
الحوافز» (البنك الدولي 1985ص. )29
فيما يتعلق باألثر السلبي على عملية توزيع الدخل ،فإن النتائج األولية
التي تحصلنا عليها والتي اعتمدت على المعلومات التجميعية للدخول يف
القطاعات اإلنتاجية والخدمية توضح أنه فيما بين 1977/76
و 1983/82كان النمو الحقيقي لدخل الفرد يف كل من قطاعات الزراعة
والخدمات والمواصالت سالبا بينما حقق دخل الفرد يف قطاع التجارة
أعلى معدل للنمو قدر بنحو %9,5سنويا تليه قطاعات التشييد (، )%6,4
والصناعة ( )%2,7والمرافق العامة ( . )%2,2هذا وتدل النتائج األولية
158
أن معامل جيني قد ارتفع من 0,3726يف عام 1977/76إلى 0,4217
يف عام . 1983/82ونسارع لنالحظ أيضا أن هذه النتائج ال بد لها من أن
تعامل على أساس أهنا تقديرات للحدود الدنيا .
أما فيما يتعلق باألثر على عملية اتخاذ القرارات االقتصادية فنزعم أن
تجربة السوق األسود للنقد األجنبي يف السودان قد أفرزت أنماطا من
السلوك على المستويين الفردي والمؤسسي كان لها آثارها يف سوء إدارة
االقتصاد التجميعي باإلضافة إلى بروز المضاربة كنشاط اقتصادي ،أدى
االهنيار المتواصل يف قيمة الجنيه السوداين يف السوق األسود ،وما نتج
عنه من ضغوط تضخمية إلى فقدان الثقة يف العملة المحلية مما دفع
أصحاب الثروات إلى استخدام الدوالر كحافظة لثرواهتم ،األمر الذي
تسبب يف ظهور نوع من الطلب الجديد على العملة الصعبة يف السوق
المحلي ألغراض االستثمار أو االكتناز .هذا من ناحية ومن ناحية أخرى
،والستمرار انخفاض سعر صرف العملة يف السوق األسود ومن ثم تأكيد
التوقعات بعيدة المدى فيما يتعلق بتفاقم أداء االقتصاد التجميعي ،ظهر
طلب أكثر حدة على الدوالر ألغراض استبدال األصول المحلية
(وخصوصا العقارية منها) بأصول يف الخارج مما أفرز موجات ال يستهان
هبا من هروب رؤوس األموال المحلية .كذلك تسببت التجربة السودانية
فيما يسمى بمجال حرية التعامل يف النقد األجنبي إلى استخدام
مجموعات المصالح الطفيلية لمقدراهتا على الضغط على القطاع
159
المصريف لالنحراف عن تقاليد السلوك المصريف وانخراطه يف تمويل
عمليات هذه المجموعات يف السوق األسود ،وربما كان لهذه
المجموعات أثر كبير للغاية يف مختلف القرارات التي اتخذت إلضعاف
هيمنة البنك المركزي على القطاع المصريف لخدمة هذه األغراض !
ويف إطار النتائج التطبيقية التي أوردناها واآلثار التي عددناها يمكن
صياغة أطروحة إضافية تقول بأن مجموعات المصالح الطفيلية التي نمت
واستشرت خالل فرتة إدارة صندوق النقد الدولي لالقتصاد السوداين ،لم
تقم فقط بتشويه عملية اتخاذ القرار االقتصادي يف السودان ،وإنما كانت
تمثل السند الدائم لكل ما بشر به الصندوق من سياسات اقتصادية يف
السودان وإن الصندوق كان يستخدمها لذات الغرض .
-5مالحظات ختامية
تقدمنا يف هذه الورقة باألطروحات القائلة بعدم استقرار السوق األسود
للنقد األجنبي يف السودان ،مستندين يف ذلك على تعديل طفيف لنموذج
نواك ( . )1984هذا وقد قمنا باختبار هذه األطروحة بالطرق اإلحصائية
ووجدنا تأييدا قويا لها ،كذلك قدم الجزء التطبيقي من الورقة النتائج
المتعلقة بأهم العوامل المؤثرة على سلوك سعر الصرف يف السوق
األسود وكذلك التقديرات الدنيا لحجم هذا السوق ومعدالت أربحيته .
160
استنادا على النتائج التطبيقية التي توصلنا إليها حاولنا يف الجزء الرابع
من الورقة استعراض اآلثار المرتتبة على االقتصاد التجميعي من جراء
أداء هذا السوق .ولقد توصلنا إلى أن هذه اآلثار يف مجاالت التضخم
وتخصيص الموارد وتوزيع الدخل واتخاذ القرارات االقتصادية قد كانت
سلبية للغاية وقد تميزت بالرتاكمية لتعضيد بعضها البعض مع مرور
الزمن .
161
ونسارع لنالحظ أن ما يأخذه الصندوق على مثل هذا النظام هو احتمال
تفشي ظاهرة الفساد يف أوساط الذين يقومون بتطبيق اإلجراءات واللوائح .غير
أنه رأينا وربما يوافقنا القارئ يف ذلك أن التجربة السودانية يف مجال حرية التعامل
بالنقد األجنبي ال توفر سندا لمقولة الصندوق هذه ،وأن التحليل النهائي
للشواهد التجريبية يف مجال الفساد واإلفساد ال بد أن يؤيد القول القائل بأن
تكلفة الفساد تحت وصفة الصندوق تعادل أضعاف تكلفة الفساد تحت نظام
الرقابة على النقد ،وهذه قضية تطبيقية يمكن حسمها باالحتكام إلى الشواهد
التجريبية التي ظهرت بوادرها يف المحاكمات الدائرة علينا منذ انتصار الشعب يف
أبريل . 1985
162
ملحق رقم ( : )1تطورات األحداث يف السوق األسود
163
األحداث /السياسات التاريخ
تحويل كل الصادرات ما عدا القطن وكل الواردات 1979/9/21
ما عدا األدوية والبرتول والسكر والقمح دقيق
القمح ،واللبن ومدخالت اإلنتاج الرزاعية من
السوق الرسمي إلى السوق الموازي .
تحويل صادرات القطن ومدخالت اإلنتاج 1981/6/8
المستوردة إلى السوق الموازي .
تقنين التعامل يف النقد األجنبي بمنح تراخيص 1981/7/15
الصرافات .
)1توحيد سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف 1981/11/19
الموازي .سعر الصرف الموحد يساوي 90قرشا
للدوالر .
)2تقويم %75من الصادرات ما عدا القطن وكل
صادرات القطن ،وواردات الحكومة على أساس
السعر الموحد .
)3تقويم ما تبقى من المعامالت التجارية
الخارجية على أساس السعر الحر .
تحديد أسعار صرف السوق الحر للشراء 1,13 1982/6/30
جنيه للدوالر والبيع 1,15جنيه للدوالر .
164
األحداث /السياسات التاريخ
إلغاء األسعار المحددة للسوق الحر . 1982/8/25
تخفيض سعر الصرف الرسمي من 90قرشا 1983/11/15
للدوالر إلى 1,3جنيه للدوالر .
ترخيص البنوك التجارية للتعامل بسعر السوق 1983/2/27
الحر . 1983/3/6
تطبيق سعر صرف السوق الحر على %25من
حصيلة الصادرات وذلك من خالل البنوك
التجارية .
سحب رخص الصرافات ورخص خمسة بنوك 1983/5/18
تجارية تعاملت بسعر السوق األسود .
إعادة ترخيص البنوك التجارية ،وتحديد سعر هناية مايو
موحد 1983للسوق األسود بواسطة اتحاد
المصارف مع بنك السودان .
إعادة ترخيص الصرافات يونيو 1983
)1تحديد سعر الصرف للبنوك التجارية عند 2,1 1984/10/21
جنيه للدوالر .
)2زيادة هامش «التجنيب» بسعر البنوك التجارية
من %25إلى %100لحصيلة معظم الصادرات
165
األحداث /السياسات التاريخ
فيما عدا القطن .
)3تحويل البنوك التجارية بنسبة %50من حصيلة
الصادرات لبنك السودان ( %100بالنسبة
للسمسم) .
تعليق عمليات السوق الحر . ديسمرب 1984
إعادة عمليات السوق الحر . يناير 1985
)1تخفيض سعر الصرف الرسمي من 1,3جنيه 1985/2/12
للدوالر إلى 1,5جنيه للدوالر .
)2تخفيض سعر صرف البنوك التجارية من 2,1
جنيه للدوالر إلى 2,5جنيه للدوالر .
)3إلغاء رخص الصرافات وإنشاء سوق حر للنقد
األجنبي فيما بين البنوك التجارية بسعر صرف 3,3
جنيه للدوالر .
ربط الجنيه السوداين بسلة من العمالت ،تحديد 1985/8/19
سعر الصرف إسبوعيا بواسطة بنك السودان .
166
ملحق رقم ()2
بعض سمات الرقابة على النقد األجنبي
تتم معظم المعامالت ،فيما عدا تلك المتعلقة بالقطن على أساس
سعر الصرف الفعال والبالغ 2,5دوالر للجنيه وهو عبارة عن تطبيق
ضرائب ومنح تبلغ 5,18قرشا للدوالر ( )%15على السعر الرسمي .
تقع مسئولية إدارة نظام الرقابة على النقد على بنك السودان ،
بمساعدة البنوك المصرح لها .
167
تقع مسئولية إصدار أرانيك التسجيل والرخص للصادرات والواردات
(فيما عدا الذهب) على وزارة التجارة والتموين .
يتم التصديق على تسديد فواتير الواردات وكل الدفعيات الخارجية يف
إطار ميزانية سنوية للنقد األجنبي .
168
الحسابات الموصدة التي تخص الذين يقطنون بالسودان يمكن
استخدام عوائدها يف داخل السودان لألغراض الشخصية وبحدود
تتحددها سلطات الرقابة على النقد .وفيما عدا تغذية هذه الحسابات
بالفائدة ،فإن اإليداعات والسحوبات تتطلب تصديقا من السلطات
المعنية .
169
170
الفصل الخامس
االقتصاد السوداين وصفاقة الصندوق
انهيار موقف السودان التفاوضي
171
172
-1مقدمة
استعرضنا يف الفصل الثاين من هذا الكتاب أهم الربامج التي تبناها
الحكم البائد ،وأوردنا عددا من الشواهد لدحض الزعم القائل بأن
الجهات المختصة يف وزارة المالية السودانية هي التي قامت بصياغة
السياسات االقتصادية خالل الفرتة ، 1985 – 1978وكذلك الزعم
القائل بأن هذه السياسات كانت سليمة من وجهة النظر السودانية .هذا
ولقد كان الدافع إلجراء ذلك التوثيق هو الخرب الذي أوردته جريدة األيام
يف عددها بتاريخ 1985/5/8الذي يقول بأن « وكيل االقتصاد بالنيابة
بوزارة المالية والتخطيط االقتصادي قد صرح لها بأن تبديد الموارد
االقتصادية المتاحة وتراكم الديون يف العهد البائد قد كان نتيجة لعدم
استشارة الجهات المختصة بالوزارة » .
173
مالحظة أن هذه السياسات ستمثل قاعدة المشاورات التي سينطلق منها
صندوق النقد الدولي يف تعامله مع الحكومة االنتقالية ووزير ماليتها الذي
يعترب الصندوق «مثله مثل أي بنك ،يلجأ إليه العميل عند الحاجة» .
وبعد مضي أربعة أشهر على تقديم محتوى الفصلين الثاين والثالث يف
شكل أوراق دورية يف إطار منتدى أكاديمي ،وموافقة وكيل االقتصاد
بالنيابة على نتائجنا بتعديل طفيف على التاريخ الذي استلم فيه الصندوق
زمام األمور االقتصادية التجميعية يف البالد ،تأكد حدسنا بأن الصندوق
سيظل ممسكا بزمام األمور االقتصادية يف البالد .فقد اندلعت خالل شهر
ديسمرب لجاجة كربى حول ما يسمى « بيان حكومة السودان حول
السياسات المالية واالقتصادية » فقد أوردت جريدة األيام يف عددها
الصادر بتاريخ 3ديسمرب 1985خربا يقول بأن مجلس الوزراء قد أمن يف
« اجتماعه أمس على استمرار تعاون السودان مع صندوق النقد الدولي يف
إطار بناء ينطلق من تقدير سليم وموضوعي للظروف االقتصادية
واالجتماعية للبالد ويف ضوء سياسات سودانية تطرح مستقبال للتفاوض
مع الصندوق » .وكان المجلس قد أبدى بعض المالحظات حول
السياسات المطروحة وذلك بعد نقاش مستفيض .هذا وقد تقرر إحالة
المذكرة والسياسات إلى اللجنة الوزارية للقطاع االقتصادي إلعادة النظر
فيها على ضوء المالحظات التي أبداها المجلس توطئة إلعداد الصيغة
المناسبة يف جولة المحادثات الجديدة مع صندوق النقد» .
174
على الرغم من الموقف المعتدل لمجلس وزراء االنتفاضة الذي أملته
ظروف األمر الواقع معرفا بالزيارة الميمونة التي قام هبا وزير مالية
االنتفاضة السابق لواشنطن يف 1985إال أن الكثير من المراقبين قد
اندهش لما بدر من السيد وزير مالية االنتفاضة حيال ما أبداه مجلس
الوزراء من « تحفظات حول السياسات المطروحة » و « إحالة المذكرة
والسياسات إلى اللجنة الوزارية للقطاع االقتصادي إلعادة النظر فيها »
واللجاجة الكربى مدونة بحذافيرها يف الصحف اليومية وال نود الخوض
فيها ،كذلك دونت الصحف اليومية اآلراء المختلفة للمراقبين ،وما
تمخضت عنه اللجاجة الكربى من استقالة وزير مالية االنتفاضة .
هتتم هذه الورقة بتوثيق هذه األحداث االقتصادية التي تمثل يف رأينا
أهم ركن من أركان نكسة انتفاضة أبريل .ولوضع األمور يف إطارها
التاريخي يجدر بنا مالحظة أن أحداث ديسمرب تمتد جذورها إلى يوليو
1985حيث كانت هنالك مذكرة مماثلة لمذكرة أكتوبر تم تضمين نواياها
يف خطاب الميزانية ولكنها لم تسلم لمجلس الوزراء للموافقة عليها .وأن
مذكرة يوليو قد كانت نتيجة للزيارة التي قام هبا السيد وزير مالية
االنتفاضة لواشنطن .
يف القسمين ( )2و ( )3من هذه الورقة نورد ترجمة كاملة لبياين يوليو
وأكتوبر حول السياسات المالية واالقتصادية لحكومة السودان ،
ونستعرض ما أسميناه بأطروحة اهنيار الموقف التفاوضي للسودان يف
175
القسم الرابع حيث نجري مقارنة سريعة لمحتوى البيانين .يف القسم
الخامس نوثق موقف الصندوق تجاه السودان من خالل استعراض
الرسائل التلكسية التي بعث هبا المدير التنفيذي بالنيابة لحكومة
السودان .بينما يف القسم السادس نتقدم ببعض المالحظات الختامية .
176
السياسات غير المالئمة .إذ لم تكن السياسات السابقة هتدف إلى تنمية
اإلمكانيات االقتصادية للقطر وإنما شجعت االستهالك واالستيراد
واالستدانة الداخلية والخارجية واالعتماد على المساعدات األجنبية .
هذا ولعدة سنوات عاشت البالد ،وباألخص الحكومة ،بمستوى فاق
سبل كسبها ،األمر الذي تسبب يف أن يتصف االقتصاد الذي ورثت
الحكومة الحالية بالتزامات ضخمة لخدمات الديون ،وبرتاكم متأخرات
السداد وبضغوط تضخمية محلية حادة» .
177
للديون حتى يتمكن من تشجيع اإلنعاش االقتصادي ،وتخفيض حدة
التضخم ،وإعادة ميزان المدفوعات لوضع يمكن الدفاع عنه على المدى
المتوسط .كما تدرك الحكومة أن المساعدات بالمقادير المطلوبة لن
تتدفق إال إذا أخذت الحكومة مبادرات شجاعة لمعالجة القضايا الشائكة
لالقتصاد السوداين .وهبذا الفهم تعتزم الحكومة تنفيذ أعمال جادة خالل
السنة المالية ( 1986/85والتي تبدأ يف 16سبتمير )1985من شأهنا
تشجيع النمو االقتصادي وإشاعة االستقرار المالي وإعادة األمور إلى
نصاهبا يف الحسابات الخارجية ولحين بداية العام المالي فإن عددا من
اإلجراءات العاجلة ،والتي ستذكر يف الفقرات 6و 8و 10ستوضع
موضع التنفيذ بغرض إيقاف التدهور يف االقتصاد» .
178
مجزية لمحصولي القطن والصمغ العربي ومحاصيل الصادر األخرى
سيتطلب اتباع سياسة مرنة لسعر الصرف .وستدعم هذه السياسة بجهود
ترمي إلى تحسين اإلنتاج وبإعطاء األفضلية لتوفير المدخالت األساسية
يف الوقت المناسب وبتوفير االئتمان الكايف لمقابلة االحتياجات الحقيقية
خالل دورات إنتاج وتوزيع كل المحاصيل .ويف نفس الوقت فإن
الحكومة ستخطو خطوة حاسمة الستعادة كل تكاليف الري يف المشاريع
الزراعية الكربى وذلك بتعديل فئات األرض والماء للمستويات
المالئمة» .
179
ربطت الفقرة الخامسة بين ما سمي بسياسات جانب العرض
وسياسات إدارة الطلب التجميعي فالحظت أن «وقع سياسات جانب
العرض سيكون تدريجيا خالل السنوات القادمة ،وسيعتمد بطبيعة الحال
على حجم المجهود الذي سيبذل يف استنفار الموارد المحلية ،وكذلك
توفر المساعدات األجنبية .وبالتالي فإن الحكومة ستقوم بتنفيذ سياسات
تصحيحية إلدارة الطلب التجميعي بغرض وقف التدهور يف االقتصاد،
وبغرض توفير البيئة المالئمة لتشجيع تدفق التمويل الخارجي».
هذا وست تخذ اإلجراءات األساسية لتحقيق هذا الهدف يف إطار ميزانية
عام 1986/1985حيث ستتبنى الحكومة وقتها إصالحات جذرية
إلعادة تركيبة الميزانية بغرض تضمين منابع إضافية لإليرادات وبغرض
التحكم الفعال يف المنصرفات قبل حلول السنة المالية الجديدة فقد
حدثت بداية للحد بطريقة ملحوظة من اقرتاض الحكومة من الجهاز
المصريف يف الشهرين المتبقيين من السنة المالية الحالية .نسبة للقيود
التشريعية والسياسية واإلدارية فإنه ليس واقعيا التوقع بأن تقوم الحكومة
بفرض ضرائب جديدة ولم يبق للتحضير للميزانية الجديدة سوى أسابيع
180
معدودة .عليه فإن الحد من االقرتاض المصريف يف الشهرين المتبقيين
سيتم تحقيقه بواسطة التحكم يف المصروفات ،واسرتداد المتأخرات ،
وتحسين جباية الضرائب .ولخدمة هذا الهدف فإن السلطات قد اتخذت
خطوات لتحسين التحكم يف المصروفات الذي كان سائدا والذي اتسم
بعدم االنضباط .وبالتحديد فقد صدر توجيه لكل الوحدات الحكومية
والوزارات ولبنك السودان يقول بأنه سوف لن تكون هنالك دفعيات إال
إذا كان للوحدة التي تزمع الصرف أموال كافية يف حساهبا .باإلضافة إلى
ذلك ،فإن الدفعيات ستتم فقط يف حالة تصديقات مالية صريحة يف إطار
الميزانية أو يف حالة تصديق خاص من وزير المالية .ويتوقع أن تؤدي هذه
اإلجراءات إلى خفض ملحوظ يف عمليات الصرف خارج الميزانية .هذا
وستتبع ضوابط المصروفات هذه مجهودات أكرب لتحصيل اإليرادات .
وباألخص فقد استطاعت الحكومة تحديد متأخرات ضخمة على القطاع
الخاص تتعلق بحصيلة بيع العون السلعي وقد اتخذت الخطوات
لتحصيلها .باإلضافة إلى ذلك ،تنوي الحكومة تحصيل ما تراكم خالل
السنة المالية من ضريبة اإلنتاج على األسمنت» .
أما الفقرة السابعة فقد اهتمت بالسياسات النقدية والمالية للسنة المالية
1986/1985والحظت أن «الجهد األكرب يف الحد من اعتماد الميزانية
على االقرتاض المحلي من البنوك سيبذل خالل السنة المالية القادمة .
ولهذا الغرض ،فإن الحكومة تعتزم تبني سياسات نقدية ومالية متشددة يف
181
عام 1986/1985لحصر التوسع النقدي لكل 12شهرا على المدى
17- 16يف المائة ،مما سيسمح بمقابلة االحتياجات االئتمانية الفعلية
للنشاطات اإلنتاجية يف القطاعين الخاص والعام وسيبقى مجال صايف
اقرتاض الحكومة من النظام المصريف يف حدود 150 – 100مليون جنيه
يف السنة .وتدرك الحكومة جيدا أن جهدا ملحوظا ال بد له من أن يبذل يف
مجال الميزانية للحد من صايف اقرتاض الحكومة من البنوك .ولهذا
الغرض فإن الميزانية القادمة ستتضمن خفضا محددا للمنصرفات ،
وتحكما ماليا متشددا وإصالحا أساسيا للنظام الضريبي سيتم تنفيذه
بمساعدة بعثة فنية من الصندوق .وسيهدف اإلصالح الضريبي ،والذي
سيغطي الضرائب المباشرة وغير المباشرة ،إلى زيادة تحصيل
اإليرادات ،وتشجيع النشاطات اإلنتاجية ،وإلى عدم تشجيع االستهالك
التفاخري كما سيهدف إلى تسهيل إدارة الضرائب» .
182
سرتسل أسبوعيا لبنك السودان .وسيقيم أداء سوق النقد الخاص بالبنوك
التجارية بطريقة منتظمة للتأكد من أن السعر يعكس أحوال العرض
والطلب يف السوق» .
واهتمت الفقرة التاسعة بنوايا الحكومة فيما يتعلق بإدارة الطلب يف
سوق النقد األجنبي فقدرت أن الحكومة «تتنظر يف أمر حوافز إضافية
لجذب التحويالت عن طريق سوق البنوك التجارية .ويف نفس الوقت ،
ونظرا لوجود طلب فائض للنقد األجنبي يف السوق ،فإن الحكومة
ستستمر يف الحد من الطلب من خالل تطبيق القوانين المالية التي تحكم
تراخيص االستيراد والمعامالت يف النقد األجنبي ،إال أنه سوف لن تكون
هنالك محاولة لزيادة التشدد فيها ،وتزمع الحكومة يف أغسطس /سبتمرب
مراجعة هذه القوانين بالتشاور مع الصندوق هبدف تحريرها» .
أما الفقرة العاشرة فقد اختصت بسعر الصرف الرسمي وقالت إنه فيما
يتعلق بالسوق الرسمي فإن الحكومة «ستقوم يف 31يونيو 1985بربط
الجنيه السوداين بسلة من العمالت هبدف تثبيت قيمته بالنسبة لعمالت
أهم شركاء السودان يف التجارة .بعد ذلك ،سيقوم بنك السودان
باإلعالن أسبوعيا عن قيمة الجنيه مقارنا بأهم العمالت كما سيقوم
بتعديل األسعار إذا احدث اختالف حده األقصى أكثر من 2يف المائة .
وسوف لن تنعكس التغيرات األسبوعية يف سعر الصرف الرسمي بطريقة
مباشرة على سعر الصرف المستخدم لحسابات الجمارك ،والتي سيتم
183
تعديلها بطريقة شبه سنوية ،وألعلى أسعار السلع األساسية التي تتحكم
فيه الحكومة ،والتي سيتم تعديلها مرة أو مرتين خالل السنة المالية
للتأكد من عدم ظهور إعانات يف الميزانية» .
أما الفقرة الثانية عشرة فقد اهتمت بمدلوالت السياسية المعلنة على
إجراءات صندوق النقد الدولي وأوضحت أن «الحكومة تعتقد أن تنفيذ
الخطوات المذكورة يف الفقرات الثامنة والعاشرة أعاله ،وتقويم مالءمة
هذه الخطوات بواسطة موظفي الصندوق يف األسبوع األول من
184
أغسطس ،سيجعل يف مقدور موظفي الصندوق ،بعد موافقة إدارة
الصندوق إعطاء تقرير إيجابي ألهم مانحي العون للسودان فيما يتعلق
بالخطوات التي اتخذت ونوايا الحكومة السودانية يف مجال السياسات .
ومن المؤمل أن هذا سييسر الحصول على العون المالي الذي يحتاجه
القطر لمتطلباته العاجلة واألساسية ،بما يف ذلك تسديد متأخرات
صندوق النقد الدولي .وإذا تم تسديد هذه المتأخرات أو إذا اتضح أهنا يف
الطريق إلى السداد ،فإن الحكومة ستتقدم بطلب لتزور بعثة من الصندوق
الخرطوم يف أغسطس /سبتمرب للوصول إلى تفاهم محدد حول
السياسات التي سيتم تبنيها يف عام 1986/1985والمتوافقة مع
األهداف والنوايا المضمنة يف هذا البيان .فيما بعد ،وشريطة تسديد كل
المتأخرات الخاصة بصندوق النقد الدولي ،فإن هذا التفاهم يمكن أن
يرتجم يف شكل خطاب نوايا يستخدم كأساس لرتتيبات مؤازرة من
صندوق النقد الدولي لمدة اثني عشر شهرا تبدأ يف سبتمير 1985لدعم
برنامج الحكومة للتكيف والتصديق المبدئي على هذه الرتتيبات بواسطة
مجلس المديرين التنفيذيين للصندوق سيمهد الطريق الجتماعات
المانحين والدائنين بغرض الحصول على مساعدات وإعفاءات ديون
إضافية لتغطية فجوة ميزان المدفوعات والتي بدورها ستجعل من
الممكن دخول ترتيبات المؤازرة حيز النفاذ» .
185
أما الفقرة الثالثة عشرة فقد اهتمت بعالقة السودان بالصندوق يف
المستقبل «فيما يتعلق بعالقة السودان المالية بالصندوق ،فإن الحكومة
تنوي تنظيمها والحفاظ على وقوفها على أرضية صلبة يف المستقبل .
يتطلب هذا قيام الحكومة بالقضاء الكامل على المتأخرات المالية
المستحقة للصندوق – والحكومة ملتزمة بذلك ،فقد أبدت بعض
الحكومات الصديقة استعدادا لمساعدة السودان يف القضاء على هذه
المتأخرات ،وعندما تتوفر هذه المساعدات ستقوم الحكومة بالتشاور مع
الصندوق والمانحين ،بعمل الرتتيبات لدفع هذه المبالغ مباشرة
للصندوق إذا كانت مثل هذه الرتتيبات مقبولة لألقطار المعنية .على
الرغم من ذلك ،فإنه من المعرتف به أن المسئولية الكاملة يف مقابلة هذه
المتأخرات تقع على السودان ،وأن الحكومة مستعدة الستخدام مواردها
الخاصة لهذا الغرض .كما تدرك السلطات أن المباحثات حول إمكانية
الحصول على ترتيبات للمؤازرة ال بد لها وأن ترجأ حتى سداد هذه
المتأخرات وخالل مثل هذه المباحثات ،سيتم التوصل إلى اتفاق مع
موظفي الصندوق حول األساليب التي من شأهنا ضمان توفر النقد
األجنبي لدفع مستحقات الصندوق حسب الجدول الزمني المقرر لها
طيلة مدة الربنامج .
186
-3بيان حكومة السودان حول السياسات
االقتصادية والمالية
يحمل هذا البيان تاريخ 31أكتوبر 1985ويقع يف أربع عشرة صفحة
ويحتوي على ثالث وعشرين فقرة .وقد تمت صياغته باللغة اإلنجليزية
وقدم لمجلس الوزراء الموقر بنفس اللغة حيث الحظ السيد وزير المالية
والتخطيط االقتصادي يف خطابه بتاريخ 17نوفمرب 1985والذي أرفق
معه البيان ما يلي « :أرجو أن أرفق صورة السياسات االقتصادية التي
توصلنا إليها مع صندوق النقد الدولي بعد مفاوضات مضنية استمرت منذ
شهر يونيو الماضي وانتهت بنهاية أكتوبر .. 1985وقد حرصت أن تكون
باللغة اإلنجليزية التي كتبت بها تفاديا ألخطاء الترجمة» .
187
يف الفقرة الثالثة حدد البيان اإلطار الزمني لمعالجة المشاكل
االقتصادية واحتياجات المعونة الالزمة فأوضح أن « الحكومة تدرك أن
التصدي لمشاكل البالد االقتصادية ممكن فقط يف إطار خطة للعمل
متوسطة المدى وأنه سيتطلب معونة خارجية ضخمة لعدد من السنوات .
وتوضح اإلسقاطات التي أجراها موظفو الصندوق والبنك الدولي أنه
وحتى إذا ما تم تنفيذ سياسات التكيف المالئمة بجدية وحتى إذا ما عادت
األحوال يف القطاع الزراعي إلى حالتها الطبيعية ،فإن التحسن يف وضع
المدفوعات الخارجية خالل السنوات الخمس أو الست القادمة سوف
لن يكون كافيا ليمكن السودان من تقليل اعتماده على العون المالي
الخارجي غير العادي .ويف الواقع ،وخالل هذه الفرتة ،فإن القطر
سيحتاج إلى دعم غير عادي من قبل مانحي العون والدائنين يف شكل
مساعدات وتخفيف عبء الديون بشروط مفرطة يف اليسر .وإدراكا من
الحكومة بأن الدعم الخارج سيتبع ،وال يسبق ،جهود التكيف
السودانية ،فإن الحكومة مصممة على تبني سياسات اقتصادية محلية
مالئمة على مدى عدد من السنوات» .
188
الحكومة مصممة على اتباع سياسات موائمة للنمو برتكيز خاص على
اإلجراءات التي من شأهنا تحسين استنفار واستغالل الموارد المحلية ،
وترشيد عمليات المؤسسات العامة ،وتقوية الحوافز لإلنتاج الزراعي
وخلق اإلطار المؤسسي المالئم لزيادة االستثمار واإلنتاج يف القطاع
الخاص» .
189
األخرى سيتم بالطريقة السائدة حالية وبالتشاور مع الصندوق والبنك
الدولي» .
وتناول البيان يف فقرته السابعة قضية الحوافز فأوضح أن جزءا هاما من
اسرتاتيجية الحكومة يف القطاع الزراعي يتمثل يف إعطاء حوافز سعرية
كافية للمنتجين ولهذا الغرض فقد قامت الحكومة يف أكتوبر بإعالن زيادة
بلغت %77يف أسعار شراء الصمغ العربي ،وإعالن زيادة األسعار الدنيا
للفول والسمسم بنسبة %15و %41على التوالي .وبحلول اليوم األول
من شهر ديسمرب ، 1985ستقوم الحكومة ،بالتشاور مع موظفي البنك
190
الدولي والصندوق ،بإعالن أسعار شراء القطن .باإلضافة إلى ذلك فإن
الحكومة ستقوم بزيادة فئات األرض والماء بنسبة %60بحلول اليوم
األول من ديسمرب 1985وذلك بغرض السعي الحثيث نحو تحقيق هدف
االسرتداد الكامل لتكلفة الري بالمشاريع الزراعية الكربى» .
191
بتجميع المعلومات يف الثالثين من نوفمرب 1985بالتعاون مع ومساعدة
موظفي الصندوق .فيما بعد ذلك ،ولكن قبل الخامس عشر من ديسمرب
، 1985تنوي الحكومة استنباط المجموعة األولى من السلع التي يمكن
تحريرها من إجراءات التحكم السعرية والربحية ،وذلك بالتشاور مع
موظفي الصندوق .وسيتم الفراغ من إزالة التحكم على أسعار وأرباح
هذه السلع يف اليوم الخامس من يناير . 1986فيما بعد ذلك ،ستحضر
قوائم سلعية ربع سنوية إلزالة اإلجراءات التحكمية عليها بغرض تحقيق
هدف اإلبقاء على قائمة تحكم محدودة من السلع الضرورية بنهاية
. 1986وللمنتجات التي يتحكم يف أسعارها ،فإن نظاما مرنا لتحديد
األسعار والتحكم يف األرباح سيستحدث على أساس تكلفة أكثر واقعية
لمدخالت اإلنتاج وعلى أساس ترشيد جهاز تكيف األسعار ،وذلك يف
15يناير . 1986ويف نفس الوقت تنوي الحكومة مراجعة نظام رخص
االستيراد لقطاع الخاص ،هبدف ترشيده بحيث تعطى األفضلية لمقابلة
االحتياجات األساسية لإلنتاج من استيراد مدخالت اإلنتاج ،والمواد
الخام ،وقطع الغيار .وخالل زيارات موظفي الصندوق للخرطوم فإن
سيتم التقويم المشرتك للتقدم الذي أحرز يف هذه المجاالت ويتم التوصل
للتفاهم حول الخطوات التي يجب اتخاذها يف هذا الشأن» .
192
شاملة لتحفيز االدخار ،وجذب تحويالت إضافية من السودانيين
العاملين بالخارج ،وتوجيه االستثمار يف قنوات المجاالت األكثر
إنتاجية ،ويف هذا الخصوص ،فإن العوامل األكثر أهمية تتمثل يف استقرار
اإلطار المؤسسي للنقود والتمويل وكفاية العائد على المدخرات ومالءمة
الرسوم على االقرتاض .وتعتزم الحكومة تناول هذه المشكلة خالل
السنة القادمة وذلك أوال من خالل إعادة االستقرار المؤسسي
والمصداقية المؤسسية ،وثانيا من خالل تنفيذ سياسات من شأهنا ضمان
استمرار عوائد حقيقية وموجبة لالستثمار واالدخار ورسوم حقيقية
وموجبة على االقرتاض .
193
ستهدف سياسة االئتمان إلى الحصر المتشدد لالئتمان لوحدات القطاع
العام والقطاع الخاص يف حدود االحتياجات اإلنتاجية والتجارية» .
194
تخليص السلع من الجمارك ،األمر الذي لم يكن يحدث حتى سبتمرب
. 1985ويتوقع أن يؤدي هذا االنضباط المالي الذي فرض إلى تقليل ،
إن لم نقل القضاء على المنصرفات التي ال تضمن صراحة يف الميزانية .
إال أنه وألغراض مقابلة االحتياجات الطارئة للوحدات اإلنفاقية ،فقد
خصصت ميزانية 1986/85احتياطيا يبلغ 280مليون جنيه سوداين ،
أي ما يعادل %12من إجمالي اإلنفاق (حيث عرف اإلنفاق اإلجمالي بأنه
ال يحتوي على دفعات الفائدة على القروض الخارجية وال على
االحتياطي المذكور)» .
اهتمت الفقرة الثانية عشرة باإليرادات حيث ذكرت أنه «باإلضافة إلى
الجهد الضخم لغرض االنضباط المالي على اإلنفاق ،فقد اتخذت
الحكومة إجراءات إضافية يف مجال اإليرادات يف سبتمرب 1985قدرت
عوائدها بنحو 230مليون حنيه خالل السنة المالية 1986/85وتشتمل
هذه اإلجراءات على إعادة العمل بالضرائب المباشرة التي ألغيت يف
سبتمرب 1984بما يف ذلك ضريبة أرباح األعمال ،لتجبى حاليا على
أساس جاري ،وضرائب الدخل الشخصي .كما تمت زيادة الضرائب
على المشروبات الغازية واألسمنت ،وتذاكر السفر الجوي ،وخدمات
الفنادق وأدخلت ضريبة جديدة على خدمات الهاتف والمواصالت
الالسلكية .هذا وقررت الحكومة اتخاذ إجراءات أخرى يف مجال
اإليرادات قبل حلول الخامس عشر من نوفمرب 1985للحصول على
195
حوالي 150مليون جنيه سوداين على أساس سنوي وذلك للتأكد من
الحصول على عائد يبلغ 9ماليين جنيه كحد أدنى فيما تبقى من السنة
المالية الجارية .وكما وضح يف الفقرة السابقة ،فإن الحكومة ستقوم
بزيادة فئات الماء واألرض يف األول من ديسمرب 1985للحصول على
عائد يبلغ 25مليون جنيه .يعادل إجمالي العائد من هذه اإلجراءات
اإلضافية نحو %2من الناتج المحلي اإلجمالي وحوالي ربع إيرادات عام
1986/85المقدرة دون الجهد اإلضايف المذكور» .
196
وفتح مجاالت مسارات جديدة الستنفار الموارد .وفيما يختص باستنفار
الموارد ،فإن الحكومة مازالت بصدد تقويم إمكانات اإليرادات يف أجزاء
أخرى من القطاع العام .ففي السابق لم تستغل طاقة خلق اإليرادات
بواسطة الحكومات اإلقليمية والمحلية وتقوم الحكومة حاليا بتقويم
الطاقة الكامنة لإليرادات على المستويين اإلقليمي والمحلي ،وإذا كان
من الضروري فستقوم بطلب للمعونة من الصندوق وبالمثل ،فهناك
مجال كبير يف وحدات القطاع العام للمساهمة يف الميزانية .واستنادا على
التقويم والدراسات التي ال تزال تجرى فإن الحكومة ستنفذ خالل أو قبل
السنة المالية ، 1987/86إجراءات الستنفار الموارد على المستويين
المحلي واإلقليمي ومن خالل وحدات القطاع العام» .
197
وتاريخ آخر سيحدد فيما بعد .وبغرض تنفيذ برنامج االئتمان للوحدات
العامة ،فستتبع السياسات الكفيلة بفرض االنضباط فيما يتعلق بتسديد
قروضها .أما بالنسبة للقطاع الخاص فستقوم الحكومة بالتأكد من مقابلة
احتياجاته الحقيقية المتوقعة يف حدود ما هو متاح من ائتمان مع التأكد من
التنفيذ الفعال لألسبقيات التي تصنعها الحكومة ،وباألخص ،فستتأكد
الحكومة من مقابلة احتياجات رأس المال العامل يف القطاع الصناعي
باإلضافة إلى تمويل الصادرات والواردات» .
198
وفيما يتعلق بسعر الصرف الرسمي « فإن الحكومة ملتزمة بمبدأ
المرونة .ويف هذا الخصوص فستعقد مراجعات دورية بين السلطات
السودانية وموظفي الصندوق وستنفذ االتفاقات التي يتم التوصل إليها
بطريقة حازمة وسريعة » .
199
والحدود الخاصة بطاقة السودان االستيعابية للعون السلعي .تفرتض
هذه الفجوة أن بنك السودان سيتخلى عن ممارساته الحالية بخصم
عقودات التصدير لتأمين الواردات ،األمر الذي سيتسبب يف خفض
عائدات الصادر بما يقدر بحوالي 77مليون دوالر يف عام . 1986/85
يتطلب سد الفجوة مزيجا من العون النقدي والسلعي وإعادة جدولة
الديون .هذا وتزمع الحكومة االتصال قريبا بالدائنين لبحث إعادة جدولة
التزامات الديون .وبالمثل ،فقد طلبت الحكومة اجتماعا ألهم مانحي
العون ودائني السودان للحصول على عون نقدي وسلعي لتغطية فجوة
ميزان المدفوعات» .
200
مراجعة يونيو . 1986باإلضافة إلى ذلك ،فسوف لن نؤخر أي سداد أو
تحويالت خاصة بالمعامالت العالمية فيما عدا تلك المتعلقة بخدمات
الديون التي تحل آجالها خالل فرتة سريان ترتيبات المؤازرة والتي
ذكرناها أعاله» .
201
« ستقوم الحكومة بمراجعة الحالة والسياسات االقتصادية مع موظفي
الصندوق يف فرباير ويونيو . 1986كذلك سترتجم األهداف االئتمانية
التأشيرية للفرتة المنتهية يف يونيو 1986إلى سقوف ائتمانية عند حلول
موعد المراجعة يف فرباير 1986كما ستحدد السقوف االئتمانية للفرتات
التالية عند حلول موعد المراجعة يف يونيو . 1986كما سيتم التوصل إلى
تفاهم حول ميزانية 1987/86مع موظفي الصندوق خالل مراجعة
يونيو » .
اهتمت الفقرة الثالثة والعشرون بتحديد الخطوات والتواريخ لتطور
عالقة السودان بالصندوق على النحو التالي «تعتقد حكومة السودان أن
تنفيذ الربنامج أعاله سيمكن موظفي وإدارة الصندوق من كتابة تقرير
إيجابي عن السودان ألهم مانحي العون والدائنين .ويؤمل أن يسهل ذلك
الحصول على المساعدات المالية المطلوبة الحتياجات القطر األساسية
والعاجلة ،بما يف ذلك سداد متأخرات الصندوق .وبعد سداد متأخرات
الصندوق ستقوم الحكومة بطلب للحصول على ترتيبات للمؤازرة لدعم
برنامج التكيف الذي اعتمدته الحكومة وذلك بمبلغ سيتم االتفاق عليه
مع مدير الصندوق .وعند الموافقة من حيث المبدأ على ترتيبات
المؤازرة بواسطة مجلس إدارة الصندوق سيتمهد الطريق الجتماعات
الدائنين ومانحي العون للحصول على عون إضايف وتخفيف للديون
بغرض تغطية فجوة ميزان المدفوعات ،األمر الذي سيجعل ترتيبات
202
المؤازرة سارية المفعول .ونظرا ألهمية العون اإلضايف وتخفيف الديون
للتطبيق الفعال للربنامج ،وذلك يف شكل مساعدة نقدية أوال لسداد
المتأخرات وعون سلعي ضخم لضمان تدفق الواردات األساسية ،فإننا
نأمل أن يبدي المجتمع الدولي ،بما يف ذلك الصندوق والبنك الدولي
وأهم المانحين والدائنين ،تجاوبا إيجابيا وسريعا لطلب المساعدة الذي
نتقدم به » .
203
السياسات المقرتحة قد بنيت على قراءة سودانية متأنية للحالة
االقتصادية يف السوادان .
د -أن المدى الزمني الذي حدد لهذه السياسات صراحة أو
ضمنيا ال يتوافق مع الفرتة االنتقالية برمتها أو ما تبقى منها ! .
204
ووجه التضارب المنطقي يتجلى بمالحظة أن الجهة التي قامت
بصياغة السياسات السابقة هي نفس الجهة التي قامت بصياغة السياسات
المضمنة يف البيانين تحت الدراسة وأنه ليس هنالك اختالف جوهري ،أو
حتى شكلي ،بين مجموعتي السياسات .وتأسيسا على ذلك ،وإذا ما
كانت السياسات التي اتبعها العهد البائد قد تسببت يف أن تورث الحكومة
االنتقالية هذه الرتكة االقتصادية المثقلة فكيف سيتسنى للحكومة التصدي
لألزمة االقتصادية باتباع نفس السياسات ؟ .
ويقيننا أن هذا التضارب المنطقي ،بغض النظر عما ينطوي عليه من
عدم أمانة علمية ،يكفي كسبب جوهري لرفض وصفة الصندوق جملة
وتفصيال .إال أنه وألسباب تتعلق بنا كسودانيين اشتهرنا بالحساسية
المفرطة تجاه المواقف المتشددة ،وكذلك لشهرتنا المتعلقة بالكرم
خصوصها فيما يتعلق بكل ما هو «خواجي» األصل ،فإننا سوف لن
نكتفي بإثبات هذا التناقض المنطقي وإنما سنورد شهادة شاهد من أهل
الصندوق لتعضيد موقف جبة الرفض البغيضة هذه ،دع عنك شهادة
الصندق نفسه .ففي آخر تقرير له عن االقتصاد السوداين توصل البنك
الدولي ( )1985إلى نتيجة مؤداها أنه «ويف عام ، 1984ولعدد من
األسباب ،فقد خرج برنامج إعادة اإلعمار عن الخط المرسوم له .
وتتصف األزمة المالية الجديدة بالحدة لدرجة أنه ال يمكن التصدي
لحلها بالوصفات االقتصادية التقليدية وإعادة جدولة الديون .فلقد فقد
205
القطر األهلية االئتمانية إال فيما يتعلق بأشكال العون المفرطة يف يسر
شروطها ،وقد أصبح القطر غير قادر يف حقيقة األمر على تحمل شروط
تسهيالت صندوق النقد الدولي .هذا وقد أصبح الوقت ملحا للعثور
على حلول جديدة وتأسيس مناهج منتظمة للتعامل مع األزمة
االقتصادية» ص 19من مقدمة التقرير) .
ويف نفس التقرير يالحظ البنك الدولي أيضا أنه «ومنذ 1978فقد كان
تخفيض سعر صرف الجنيه السوداين جزءا هاما من وصفة سياسات
اإلنعاش .ولقد كان الغرض من تخفيض سعر الصرف هو القضاء على
التسعير المرتفع للعملة الذي خلق انحيازا ضد الصادرات ولصالح
االستيراد وسمح بمستويات وهمية االرتفاع لالستهالك الخاص ،
خصوصا يف المراكز الحضرية .ولسوء الطالع ،فقد فشلت المكاسب
المؤقتة التي تتحقق يف مجال الحوافز» (ص. )29
206
النزعاج الممثلين المقيمين للصندوق من أبناء السودان وسببا يف استقالة
وزير مالية االنتفاضة ؟ .
ومهما يكن من أمر هذه المالحظات فإننا نزعم بأن مقارنة محتويات
بيان يوليو بمحتويات بيان أكتوبر ال بد لها وأن تكون كافية إليضاح تدهور
الموقف التفاوضي للسودان مع صندوق النقد الدولي .وألغراض
تسهيل هذه المقارنة يمكننا أخذ عدد الفقرات كمؤشر سطحي للموقف
التفاوضي للسودان وعليه يمكن التأكد من صحة ما يلي :
207
ز -عالقة السودان بالصندوق :فقرتان يف كل بيان .
رغما عن سطحية مؤشر عدد الفقرات إال أنه يكفي للتدليل على
مستوى التفاصيل التي انتقل إليها الصندوق يف تحديد السياسات والتدقيق
يف الربامج الزمنية لتطبيقها .فعلى سبيل المثال يمكن للقارئ الرجوع إلى
الفقرة الخاصة بإزالة التحكم على األسعار والهوامش الربحية ومقارنتها
يف البيانين حيث سيتضح أن بيان يوليو قد تحدث عن خطوات يجب
اتخاذها إلزالة الرقابة على األسعار والهوامش الربحية ،بينما فصل بيان
أكتوبر الربنامج الزمني التخاذ هذه الخطوات وتحديد السلع بواسطة
موظفي الصندوق ! كذلك الحال بالنسبة للفقرات الخاصة بسياسة سعر
الصرف حيث سيالحظ القارئ أن الصندوق قد حاور من خالل أربع
فقرات يف بيان يوليو لإلفصاح عن نواياه الحقيقية يف هذا المجال ،بينما
اكتفى فقط بفقرة مقتضبة يف بيان أكتوبر تطالب بإعطائه شيكا على بياض
لتخفيض السعر الرسمي متى ما شاء على أن تطبق توصياته بسرعة
وحسم .كذلك يمكن للقارئ مقارنة ما ورد يف بيان يوليو عن اتخاذ
208
خطوات لالستعادة الكاملة لتكاليف الري يف المشروعات المروية الكبيرة
مع التحديد القاطع الستعادة هذه التكاليف من خالل زيادة فئات الماء
واألرض بنسبة %60كما ورد يف بيان أكتوبر .
ويقيننا أنه بإمكان القارئ القيام بمثل هذه المقارنات بين محتويات
البيانين ليتأكد من وجود الشواهد التجريبية التي تسند أطروحتنا القائلة
باهنيار الموقف التفاوضي للسودان خالل الفرتة التي تمتد بين قيام أول
وزير مالية لالنتفاضة بزيارته الميمونة لواشنطن وبين تاريخ استقالته .
هذا ويذكر أن السيد وزير مالية االنتفاضة كان قد استقال بعد أن فرغت
اللجنة االقتصادية الوزارية من تسليم تقريرها الخاص ببيان أكتوبر ،فماذا
قالت اللجنة ؟ جاء يف تقرير اللجنة وكتقييم عام لبيان أكتوبر أن توجيهات
السياسات «ال تخرج عن القالب التقليدي للسياسات االنكماشية التي
طرحت من قبل والتي تركز على خفض اإلنفاق ،تعديل سعر الصرف ،
إطالق حرية األسعار ،إزالة الدعم وفرض المزيد من الضرائب ،تغطية
عجز الميزانية ،تسديد الديون ..إال أن غالبية السياسات المطروحة
تشكل مبادئ عامة ينبغي قبولها ...وترى اللجنة أن معظم بنود الورقة
يمكن الموافقة عليها » .أما فيما يتعلق ببعض البنود فقد أوضحت اللجنة
وجهات النظر حولها واقرتحت مناقشتها مع إدارة الصندوق .وعلى
ضوء ما أسفرت عنه مشاورات اللجنة مع مندوب الصندوق ومع الخرباء
السودانيين خلصت اللجنة إلى أن التوصل إلى اتفاق مع الصندوق ال
209
ينبغي أن يكون متعسرا « ،خاصة وأن مندوب الصندوق قد أوضح بأهنم
ال يؤمنون بجدوى فرض سياسة ال توافق عليها الجهة المعنية» .
210
د -تعديل الفقرة الحادية والعشرين والمتعلقة بعدم اللجوء
للقروض غير الميسرة « ترى اللجنة أنه ال بد من االستثناء يف
حالة الضرورة القصوى أو المشاريع ذات العائد السريع وذات
الجدوى االقتصادية » .
« وهي مواد ترمي إلى ترك الباب مفتوحا لتخفيض قيمة الجنيه
السوداين وهو إجراء اتفق الخرباء بل والمؤسسات الدولية على أنه يؤدي
إلى نتائج سلبية .وبخالف ما ذكر للمجلس فقد أكد مندوب الصندوق
أن الفهم المتفق عليه هو إعادة النظر يف سعر الصرف وارده ستكون محل
211
بحث يف مارس – أبريل .وليس من رأي اللجنة الحفاظ على السياسة
المالية والتي ُأقرت بناء على طلب الصندوق قبل شهور بل ترى تعديلها
بتطبيق نظام الرقابة على سعر الصرف » .
هذا وبعد أن وافق مجلس الوزراء الموقر على تقرير اللجنة وبعد
استقالة وزير المالية السابق تلقت اللجنة رسالة تلكسية من رتشارد
أيرب ،المدير التنفيذي للصندوق بالنيابة بتاريخ 23ديسمرب 1985
يقول فيها أنه و « بشيء من االستغراب وبكثير من األسف فقد وجدت أن
المقرتحات تغير جذريا طبيعة برنامج السياسات والذي كان من المتوقع
أن يبدأ يف استعادة الظروف المالئمة للنمو المؤزر يف السودان » .
212
من التهديد والوعيد .فقد بعث السيد جاك دي الروزيير ،المدير العام
لصندوق النقد الدولي برسالة تلكسية للدكتور الجزولي دفع اهلل رئيس
الوزراء االنتقالي بتاريخ 4ديسمرب 1985احتوت على ما يلي :
«بناء على التفاهم الذي تم بين وزير ماليتكم وموظفي الصندوق حول
برنامج السياسات االقتصادية الذي كانت ستنفذه حكومتكم ،فقد قمت
بشرح الموقف لمانحي العون للسودان ولدائني السودان فيما يتعلق
بمتطلبات العون االقتصادي العالمي لتمويل ميزان المدفوعات السوداين
ولدعم الربنامج االقتصادي الذي كان يزمع تنفيذه .هذا ولقد كنت على
اتصال دائم بموظفي الصندوق فيما يختص بتطورات تنفيذ السياسات
بواسطة السلطات السودانية كما كنت متفائال بنتائج إيجابية الجتماعات
مجلس وزرائكم يف األول والثاين من ديسمرب . 1985استنادا على كل
ذلك ،فقد دعوت الجتماع غير رسمي يف يوم 1985/12/3للمديرين
التفيذيين الممثلين ألهم مانحي العون ودائني السودان وذلك لحثهم مرة
أخرى الستنفار المساعدات الخارجية الالزمة ،بما يف ذلك ما هو
مطلوب لمساعدة السودان لتطبيع عالقاته المالية مع الصندوق .ومن ثم
فقد اندهشت قبيل انعقاد هذا االجتماع عندما علمت بأن مجلس
وزرائكم لم يتب َّن برنامج السياسات المطروح وأن التفاهم الذي تم بين
وزير ماليتكم وموظفي الصندوق قد أصبح يف حالة من البلبلة .ولم يكن
لي خيار سوى أن أخطر المديرين بالنتائج المخيبة لآلمال التي توصل
213
إليها مجلس وزرائكم .إنه اعتقادي الجازم بأن برنامج السياسات الذي
اقرتحه وزير ماليتكم يخدم أغراض السودان وأن تنفيذه ذو أهمية حاسمة
للتعامل مع المشاكل االقتصادية والمالية الخطيرة التي يواجهها بلدكم .
إن أي تأخير أو تعديل يف تنفيذ هذه السياسات سيؤدي إلى تفاقم الحالة
الخطيرة كما سيرتتب عليه تخريب لجهود استنفار المساعدات األجنبية
للسودان .ولقد طلب مني المديرون التنفيذيون الممثلون ألهم مانحي
العون للسودان ولدائني السودان أن أخطركم بقلقهم الشديد حول ما
وصلت إليه األحداث ولقد ركزوا على أن التدهور المستمر للموقف
المالي للسودان مع الصندوق متمثال يف تراكم وتشعب المتأخرات ،
سيكون له تأثير سلبي خطير ومباشر على كل األعضاء بما يف ذلك دائني
السودان والدول النامية األخرى التي تجاهد يف سبيل القضاء على مشاكل
اقتصادية شبيهة بتلك التي يواجهها السودان .هذا ويشاركني المديرون
التنفيذيون الرأي بأن برنامج السياسات الذي قدم لمجلس وزارئكم
ضروري للبدء بمصداقية يف معالجة المشاكل االقتصادية المعقدة يف
السودان .ولهذه األسباب فسيكون من المساعد إن أعادت حكومتكم
النظر يف قرار مجلس الوزراء .وسأكون سعيدا لتوجيه العاملين معي
لمساعدة سيادتكم أو وزير ماليتكم بأي طريقة كانت بما يف ذلك زيارة
السودان .وال بد لي من أن أضيف أن المجلس التنفيذي للصندوق
سيجتمع يف الثاين من يناير 1986ليتخذ قرارا يتعلق بمتأخرات السودان
214
على الصندوق .إن عدم إحراز تقدم يف تنفيذ السياسات ويف تسديد
المتأخرات للصندوق سيكون له يف رأيي وقع خطير على نتائج هذا
االجتماع» .
ج -هتديد موظف عام لدولة ذات سيادة باستعداء دول أخرى
ذات سيادة لحجب العون عنها !!
215
أ -أسعار شراء القطن وفئات الماء واألرض :
216
تخفيض معدل التوسع النقدي من خالل تبني سياسات مالية ونقدية
حذرة .يف نفس الوقت ،فإن على السياسات تأكيد ضمان مقابلة
االحتياجات الحقيقية للقطاعات اإلنتاجية يف االقتصاد .هذا وقد اهتدى
تحديد األهداف لعرض النقود هبذه االعتبارات ،كما أخذ يف االعتبار
عوامل من شأهنا زيادة االحتياجات لالئتمان مثل توقعات المحصول .
أما فيما يتعلق بلجوء الحكومة لالقرتاض المصريف فإن األهداف قد
أسست على تقديرات الميزانية كما حضرهتا وزارة المالية .فإذا شعرت
السلطات السودانية اآلن بأن المبالغ التي رصدت يف الميزانية للدفاع
واألمن لم تكن واقعية ،فإن ذلك سيتطلب إجراءات إضافية لمقابلة هذه
المصروفات الكبيرة .وربما تذكر أن إجراءات إضافية كانت قد طلبت
سلفا لمقابلة قصور الضرائب وقد قدرت المبالغ المطلوبة بنحو 140
مليون جنيه سوداين للسنة المالية الحالية .وعلى ضوء الضغوط
التضخمية ،فلن يكون من الحصافة زيادة اقرتاض الحكومة من البنك
فوق ما توصل إليه يف بيان أكتوبر .
217
المشروعات االقتصادية والمالية ذات الكفاءة يمكن القيام به باستغالل
المبالغ التي وفرها عدد من الدائنين ومانحي العون » .
« لقد كان مخيبا لآلمال قراءة أن مجلس الوزراء ربما أخذ إجراءات
من شأهنا تكثيف الرقابة على النقد يف السودان .إن مثل هذه اإلجراءات
ال بد لها من إفراز المزيد من التشوهات يف االقتصاد ،معوقة بذلك
النشاط االقتصادي المحلي .إن التحرير التدريجي لقوانين النقد األجنبي
مصاحبة بمرونة لها معناها يف تحديد أسعار صرف السوق الرسمي
218
وسوق البنوك ،يعترب حاسما لتشجيع الصادرات واإلنتاج الذي يحل
محل الواردات وتشجيع تدفقات أكرب من التحويالت الخاصة ».
219
ألشياء أخرى .إال أنه ومهما يكن من أمر فقد تأجل اتخاذ قرار إعالن
عدم أهلية السودان لتسهيالت صندوق النقد الدولي يف اجتماع مجلس
المديرين التفيذيين الذي عقد يف 3يناير . 1986وقد أوفد الصندوق بعثة
ميدانية للتفاوض مع اللجنة الوزارية حول النقاط التي أثارهتا .وقد تركت
البعثة قبيل رجوعها لواشنطن لتسليم تقريرها انطباعا غير مشجع لدى
السلطات السودانية ،مما حدا بالسيد وزير المالية الجديد القيام بزيارة
لواشنطن لتهيئة الجو المناسب التخاذ قرار يف صالح السودان عند انعقاد
مجلس المديرين التنفيذيين بتاريخ 3فرباير . 1986
220
البنك خالل ربع السنة 275مليون جنيه سوداين ،وهو مبلغ
يفوق ما خطط للسنة المالية بأكملها ( 200مليون جنيه) .
الميزانية :
221
اقرتحت السلطات اتخاذ إجراءات من شأهنا ،وحسب حساباهتا ،أن
تعود بمبلغ 140مليون جنيه سوداين .وللموظفين تحفظات فيما يخص
المدى العملي لهذه اإلجراءات وإذا ما كان مرغوبا فيه وإذا ما كان
بإمكاهنا إفراز اإليرادات الالزمة .وأكثر أهمية هو أن هذه اإلجراءات ال
تعود بما هو مطلوب يف هذه المرحلة .
تمت زيادة فئات الماء واألرض بنسبة %30مقارنة بنسبة %60كان قد
أوصى هبا موظفو الصندوق والبنك وحواهما بيان أكتوبر .إن الزيادة
بنسبة %30تعني انخفاض القيمة الحقيقية لفئات الماء واألرض .وقد
أوضحت السلطات التزامها بمبدأ االستعادة الكاملة للتكاليف ولكنها
أوضحت صعوبة تغيير الفئات بعد إعالهنا .
222
سعر الصرف :
ومهما يكن من أمر رأينا القائل بأن تقرير بعثة الصندوق لمجلس
المديرين التنفيذيين يؤكد مرة أخرى صفة الصفاقة المؤسسية إال أنه وبناء
على هذا التقرير تم اتخاذ قرار إعالن عدم أهلية السودان لتسهيالت
الصندوق .
223
وللتأكد من صحة ما ذهبنا إليه نورد فيما يلي نص الرسالة التلكسية
التي بعث هبا السيد رتشارد أيرب المدير العام بالنيابة للسيد وزير المالية
الجديد بتاريخ 8فرباير . 1986تقول الرسالة :
224
األخيرة للصندوق .كذلك أخذ المديرون التنفيذيون علما باإلجراءات
المالية وتنظيم سوق البنوك التجارية للنقد األجنبي .إال أن هذه
اإلجراءات قد اعتربت قاصرة بشدة عن برنامج التكيف الشامل الذي
يحتاج إليه للتغلب على الصعوبات االقتصادية الملحة التي يعاين منها
السودان والذي يساعد يف استنفار الدعم من مانحي العون والدائنين .
وأود على المستوى الشخصي ،أن أؤكد لك ولزمالئك يف الحكومة عزم
الصندوق المستمر لمساعدة السودان يف صياغة وتنفيذ السياسات
االقتصادية ولدعمكم يف استنفار الموارد العالمية لدعم مثل هذا الجهد
التكيفي .وعليه فأود أن أؤكد كما يود المجلس التنفيذي أيضا ،أنه ال
يتوجب اعتبار قرار الثالث من يناير 1986بمثابة هناية رغبة الصندوق يف
مساعدة السودان أو تقليل الحاجة للتعاون المستمر بين الصندوق
والسودان .بالعكس من ذلك تماما ،إنما يجب اعتباره مؤشرا إللحاح
وأهمية تكثيف هذا التعاون هبدف إيجاد الطرق والوسائل لمعالجة
المسائل االقتصادية والمالية الشائكة التي يعاين منها السودان واستنفار
الموارد والدعم العالمي الكايف لمساعدة السودان يف مقابلة التزاماته نحو
الصندوق ومقابلة احتياجاته األساسية من النقد األجنبي .ويقف
الصندوق مستعدا لتقديم أي عون فني ترغب السلطات السودانية يف طلبه
يف هذا الخصوص .
225
إهنا رغبتي الصادقة أن تعمل الحكومة السودانية مع الصندوق سويا
لصياغة مجموعة شاملة من السياسات التي من شأهنا استعادة األرضية
لنمو مؤزر يف السودان وبعد سداد المتأخرات للصندوق فإن مجموعة
السياسات هذه يمكن أن تشكل أساسا لرتتيبات مؤازرة وسيمكننا التفاهم
حول مجموعات السياسات من رفع تقرير إيجابي للمجلس التنفيذي
ولدائني السودان الرئيسيين ومانحي العون له » .
-6مالحظات ختامية
تقدمنا يف هذه الورقة بتوثيق لألحداث االقتصادية التي قادت إلى اهنيار
الموقف التفاوضي للسودان يف مقابلة صندوق النقد الدولي بعد انتفاضة
الشعب السوداين يف أبريل . 1985هذا وقد تتبعنا هذا االهنيار من خالل
الوثائق الرسمية هبدف إتاحة الفرصة للباحيثن لقراءة مضامين هذه
األحداث بطريقة مستقلة من ناحية ،وهبدف إثباهتا للتاريخ من ناحية
أخرى .
226
مالحظة عدم موائمة هذه السياسات للظروف االقتصادية التي يمر هبا
السودان وإنما أيضا يف مالحظة عدم األمانة العلمية التي يتصف هبا تحليل
موظفي الصندوق للظواهر االقتصادية يف السودان .
أخيرا نود أن ننبه القارئ إلى أهمية مضاهاة محتوى برقية الصندوق
لوزير المالية الجديد الدكتور سيد أحمد طيفور ،بتصريحات الوزير
للصحافة السودانية فيما يتعلق بالتهاين التي تلقاها من الصندوق
بخصوص اإلجراءات االقتصادية التي أعلن عنها والحكم على السيد
الوزير الجديد إن كان قد سار يف طريق التبعية لمؤسسة يتسم سلوكها
بالصفاقة !!
227
228
الفصل السادس
حول التوازن الداخلي لالقتصاد السوداين
229
230
-1مقدمة
بعد استالم صندوق النقد الدولي لزمام األمور االقتصادية التجميعية
يف السودان يف عام ، 1978أصبح الفلكلور االقتصادي المتداول حول ما
يسمى بعدم التوازن الداخلي لالقتصاد السوداين يتلخص يف مالحظة
انخفاض نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي اإلجمالي ،وارتفاع نسبة
اإلنفاق الحكومي ومن ثم ازدياد نسبة العجز يف الميزانية إلى الناتج
المحلي اإلجمالي .
231
اإلجراءات الالزمة لزيادة مساهمة المؤسسات العامة والتي تتمثل يف إلزام
الهيئات والمؤسسات العامة بدفع نصيب الحكومة من األرباح والفائدة
على رؤوس األموال المستثمرة وسداد أقساط القروض وفقا لالتفاقيات
الفرعية ،وأموال المعاشات وسداد المبالغ الخاصة بالمقابل المحلي
للقروض السلعية ،ودفع متأخرات رسوم مياه الري المستحقة على
المؤسسات الزراعية والمقدرة بحوالي 47مليون جنيه (أمانة تنسيق
)1985ص . ) 16 – 15
()1
صندوق النقد العربي (. )1985
232
ب -إعادة اإليرادت من ضريبة األعمال إلى مستوياهتا
السابقة – بمعنى أنه قد شوهد انخفاض يف إيرادات هذه الضريبة
وبمضمون أن اإليرادات السابقة كانت ذات مستويات مثلى .
ولعلنا لسان يف حاجة إلى مالحظة فراغ محتوى مثل هذه
التوصية من ناحية التغلب على ما يسمى بعدم التوازن الداخلي
والذي كان يتسم به االقتصاد قبل انخفاض إيرادات ضريبة
األعمال .
233
اإليرادات (حتى نعتمد على قدراتنا الذاتية يف تمويل برامجنا لإلنعاش
االقتصادي)(. )1
هتدف هذه الورقة إلى استعراض عدد من النتائج األولية فيما يتعلق
ببعض األساليب التي كان يمكن أن تتبع لزيادة اإليرادات بواسطة وزارة
مالية االنتفاضة بغية التغلب على ما يسمى بعدم التوازن الداخلي .
ونسارع لنالحظ أن األرقام التي حصلنا عليها يف هذه الورقة تمثل حدودا
دنيا للموارد التي يمكن أن تصبح متاحة لالقتصاد الوطني إذا أراد متخذو
القرار االقتصادي استخدام بعض من المصداقية السياسية التي ما زال
جزء منها متبق لديهم .
ونسارع لننبه القارئ إلى أن النتائج التي سنقررها فيما بعد تعتمد
افرتاض ثبات المصروفات الحكومية عند حدودها المقدرة يف الميزانية
على الرغم من قناعتنا بأنه يمكن خفض اإلنفاق الحكومي يف إطار الدول
غير الرخوة .ولعلنا ال نكون بحاجة لمالحظة أن مثل هذا االفرتاض
يقوي من حجتنا القائلة بالطبيعة السرابية لما يسمى باختالل التوازن
الداخلي يف السودان .
()1
وزارة المالية والتخطيط االقتصادي ( ، )1985خطاب السيد وزير المالية
والتخطيط االقتصادي عن مشروع الميزانية العامة وميزانية التنمية للعام المالي
1986/1985ص . 3
234
يف الجزء الثاين من الورقة نستعرض حجم العجز الداخلي كما ورد يف
خطاب ميزانية االنتفاضة ونوضح أن السيد وزير مالية االنتفاضة قد أخطأ
يف تقديره للعجز .يف القسمين الثالث والرابع نورد حساباتنا للحد األدنى
من الموارد التي كان يمكن أن تكون متاحة لالقتصاد السوداين خالل
السنة االنتقالية ،بينما يف الجزء الخامس نوضح تأثير هذه الموارد على
التوازن الداخلي .يف القسم السادس نتقدم بمالحظات ختامية .
()1
خطاب الميزانية ص (. )5
235
العام المالي السابق أي بزيادة تبلغ حوالي 4بليون جنيه سوداين
وبنسبة زيادة تعادل . )1(%189
هذا وقد توصل السيد وزير مالية االنتفاضة من هذه األرقام التجميعية
للنتيجة القائلة «إن هذه الصورة كافية لبيان عمق األزمة االقتصادية التي
نعانيها ومدى الخلل يف التوازن الداخلي .إن مصادرنا الذاتية تغطي فقط
%22من إنفاقنا بينما تسهم المصادر الخارجية بنسبة %60يف تمويل
اإلنفاق ...ورغم الجهد الذي بذل لست سعيدا بالصورة التي عليها
الوضع وعليه فقد وجهت بأال تعترب إجازة الميزانية هي هناية المطاف إنما
بداية عمل خالق مستمر . »)4(..
ومهما يكن من أمر رأي القارئ يف توجيهات السيد وزير المالية دعنا
نقرر أن السيد وزير المالية ،وألسباب لم يفصح عنها ،قد وقع يف عدة
أخطاء فيما يتعلق بالنتائج التي توصل إليها والخاصة بعمق األزمة
()1
خطاب الميزانية ص (. )5
()2
خطاب الميزانية ص (. )9
()3
خطاب الميزانية ص (. )14
()4
خطاب الميزانية ص (. )14
236
االقتصادية السودانية ومدى الخلل يف التوازن الداخلي والتي استند يف
التوصل إليها على ما قرره من زيادة إجمالي اإلنفاق العام وحجم هذا
اإلنفاق مقارنا باإليرادات التي يتوقع أن تتحقق خالل الفرتة االنتقالية .
237
جدول رقم ()1
الميزانية يف العهد البائد
()1985( – )1981
(مليون جنيه سوداين)
1405هـ 84/83 83/82 82/81 البند
1584 1470,0 1288,1 891,3 1-1اإليرادات
- 1246,8 1071,0 736,8 2-1الضريبية
- 223,2 217,1 154,5 3-1غير الضريبية
3110 2288,0 1953,6 1467,7 -2النفقات :
1900 1300,0 1194,3 971,1 1-2الجارية
490 493,0 410,5 306,4 2-2اإلنمائية
57 53,0 31,4 31,9 3-2االستثمارات
663 442,0 317,4 158,3 4-2خارج
الميزانية
()1526 ()818,0 ()665,5 ()576,4 -3العجز الكلي
المصدر :أمانة التنسيق ( ، )1985ملحق رقم (. )7
ملحوظات :
( )1األرقام للسنوات الميالدية أرقام فعلية أولية ،بينما األرقام للعام 1405هـ هي
تقديرات .
( )2بدأت السنة المالية الهجرية يف . 1984/9/16
يوضح هذا الجدول أن متوسط نسبة الزيادة السنوية يف إجمالي اإلنفاق
العام خال السنوات الثالث األخيرة من الحكم الذي أبادته االنتفاضة قد
238
بلغ %26مما يدعو للتساؤل عن األسباب التي أدت إلى أن تبلغ نسبة
الزيادة يف اإلنفاق العام بعد االنتفاضة سبعة أمثالها من تلك التي سادت يف
ميزانيات الحكم البائد ؟ وإذا درجت العادة على النظر إلى نسبة الزيادة
المرتفعة يف اإلنفاق العام على أهنا تعكس تدهورا يف أحد مؤشرات اإلدارة
االقتصادية ،فهل يعني ذلك أن االنتفاضة من هذا الجانب قد جرت وباال
على السودان ؟
239
آجالها خالل السنة والتي تم أخذها يف االعتبار حيث رصد لها مبلغ
1203مليون جنيه بالطريقة العادية يف الميزانية الجارية .
إذا كان ما ذهبنا إليه من أن السيد الوزير قد رصد مبلغ 3,4بليون جنيه
سوداين لتسديد المستحقات المرتاكمة على السودان بنهاية عام 1984
صحيحا ،فإن السيد الوزير يكون قد ارتكب خطأ فنيا ال يسمح لطالب
السنوات االبتدائية بأية كلية اقتصاد بارتكابه .والخطأ ببساطة يتلخص يف
الخلط بين مفهوم (التدفق) ومفهوم (الكمية الثابتة) .فبينما الميزانية
ومختلف بنودها بما يف ذلك المستحقات التي ستحل آجالها خالل السنة
المعنية ،هي تدفقات نجد أن المستحقات المرتاكمة بنهاية العام (كمية
ثابتة) .وكما هو متعارف عليه ال يمكن جمع التدفقات مع الكميات
الثابتة .ويبقى السؤال ،لماذا خلط السيد الوزير وأجهزته الفنية بين هذين
المفهومين يف ميزانية االنتفاضة !!
240
وعلى افرتاض أن ما توصلنا إليه يمثل حقيقة العجز الداخلي يبقى
السؤال هل كان بإمكان حكومة االنتفاضة العمل على بلوغ التوازن
الداخلي بابتداع أساليب غير تقليدية للحصول على إيرادات من مصادر
محلية ؟ واإلجابة على هذا السؤال يف رأينا هي باإليجاب كما سنوضح
يف القسمين التاليين !!
241
ج -العائد البديل :سيفرتض أن يسود سعر الفائدة الذي
يقرتض به القطاع الخاص من القطاع المصريف كمعدل عائد
للثروة المرتاكمة خالل سنوات الدراسة .
حيث يبين الرقم بين األقواس قيمة ت – اإلحصائية وحيث بلغ معامل
التحديد . %72,5ولعلنا لسنا يف حاجة إلى التعليق على المغزوية
اإلحصائية لمعامل (التسهيالت المقدمة) وال على القيمة المرتفعة نسبيا
242
لمعامل التحديد والذي يعني أن %72,5من التغيرات يف الضمانات
المقدمة يمكن تفسيره بواسطة التسهيالت المقدمة كعامل مستقل .
أما فيما يتعلق باالفرتاض (ج) فتجدر اإلشارة إلى أننا قد قصدنا منه
محاولة تقدير المستويات الدنيا من الدخول التي يمكن أن يحصل عليه
القطاع الخاص نتيجة استخدامه للتسهيالت المصرفية الممنوحة يف
مختلف مجاالت النشاط االقتصادي .و«المستويات الدنيا من الدخول»
تعني ضمنيا أن ما يحصل عليه القطاع الخاص من دخل مرتتب على
243
التسهيالت المصرفية يفوق تكلفة هذه التسهيالت .أألمر الذي إذا لم
يكن صحيحا لتعذر علينا مشاهدة القطاع الخاص وهو يقوم باالستالف
من القطاع المصريف .ومن ثم وباستخدام فكرة «العائد البديل» ،وهي
فكرة متعارف عليها يف التحليل االقتصادي ،فقد افرتضنا أن يكون أدنى
مستوى من الدخل المتحقق للقطاع الخاص مساويا لتكلفة االقرتاض من
القطاع المصريف ،حيث استخدمنا سعر فائدة يبلغ %13,5للفرتة 1975
– 1982م و %17,5لبقية سنوات الدراسة .
244
هذا االفرتاض فقد قمنا باستخدام متوسط مثقل لسعر ضريبة أرباح
األعمال بلغ . %60
245
سنة التراكـــــم ديون لم ديون سنة
1984 1983 1982 1981 1980 1979 1978 1977 تسدد االستحقاق مستحقة
211,9 180,4 153,5 1,2 119,2 105,0 92,5 81,5 71,8 199,4 1976
(مليون جنيه سوداين)
259,2 220,6 187,8 165,5 145,8 128,4 113,2 - 99,7 218,5 1977
250,5 213,2 181,4 159,8 140,8 124,1 - - 109,3 250,9 1978
253,0 215,4 183,5 161,7 142,2 - - - 125,5 312,1 1979
246
277,6 236,3 201,1 177,2 - - - - 156,1 195,0 1980
309,5 263,4 224,2 - - - - - 197,5 541,8 1981
جدول رقم ( )2مصفوفة تراكم ثروة القطاع الخاص
.374 218,3 - - - - - - 270,9 712,8 1982
418,8 - - - - - - - 356,4 944,0 1983
ألغراض الحصول على تقديرات للدخول المتحققة من التسهيالت
المصرفية سوف نقوم باستخدام التعريف التالي :
247
جدول رقم ()3
الدخول الدنيا للقطاع الخاص المترتبة على التسهيالت المصرفية
()1984- 1975
(مليون جنيه سوادين)
248
يوضح الجدول رقم ( )3عددا من النتائج التقريبية يمكن تلخيصها
على النحو التالي :
ثانيا :أن الديون التي لم تسدد قد بلغت يف حدها األدنى نحو 1,4
بليون جنيه سوداين .
ثالثا :أن الديون التي لم تسدد قد أدت إلى أن ترتاكم لدى القطاع
الخاص خالل الفرتة تحت الدراسة ثروة تقدر يف حدها األدنى بنحو 2,4
بليون جنيه سوداين .
رابعا :أن الدخل المرتتب على تراكم ثروة القطاع الخاص من جراء
عدم سداد الديون المستحقة للقطاع المصريف قد بلغ يف حده األدنى 967
مليون جنيه سوداين .
يبدو أننا لسنا يف حاجة إلى اإلشارة إلى ضخامة هذه األموال التي
تراكمت لدى القطاع الخاص دون أي مربر اقتصادي أو تنموي أو
أخالقي أو ديني ،وهو أمر ال يعنينا يف هذه الورقة على أية حال على
الرغم من أنه يمثل أحد المؤشرات الهامة ألزمة اإلدارة االقتصادية يف
البالد والتي سبق وأن أشرنا إليها يف عدة بحوث .وما يعنينا من أمر هذه
249
النتائج يف إطار التوازن الداخلي لالقتصاد السوداين هو الناظر إلى الدخول
البديلة التي حققها هذا القطاع ومعاملتها من وجهة نظر المالية العامة
معاملة الدخول التي يتم توليدها يف القطاعات األخرى .
باستخدام االفرتاض (د) وهو الذي يقول بأن القطاع الخاص قد منح
حقا إلهيا يف استالب ثروة الوطن وبتطبيق السعر المثقل للضريبة الذي
يمكن أن يطبق على الدخول البديلة التي تحققت للقطاع الخاص ،
يمكننا التوصل إلى أن إجمالي اإليرادات الحكومية المرتاكمة التي يمكن
أن تصبح متاحة لالقتصاد الوطني سيبلغ يف حده األدنى حوالي 580
مليون جنيه سوداين .
250
التجارية لما أصبح يعرف فيما بعد (بالصرافات) ..هذا ولقد كان قرار
تقنين السوق األسود نتيجة حتمية للسياسة التي تم إعالهنا يف إطار برنامج
إصالح السياسات المتعلقة بالنقد األجنبي والتجارة الخارجية ،هذا
ويقدر عدد المكاتب التي مارست أعمال الصرافة فيما بين يوليو 1981
ومارس ، 1983حسبما ورد يف خطاب الميزانية لعام ، 1984/1983
بخمسة وثالثين مكتبا ،واحدا منها يف بورتسودان وما تبقى بالخرطوم .
ومهما يكن من أمر رأينا يف طبيعة السوق األسود للنقد األجنبي يف
السودان ويف مراحل تطوره خالل الفرتة ، 1985 – 1979ويف المشاكل
التي سببها على مستوى االقتصاد التجميعي خالل نفس الفرتة ،وهي
قضايا هامة وملحة تناولنا بعضها يف مكان آخر ،يهمنا يف هذا القسم تقديم
بعض النتائج التي توصلنا إليها فيما يتعلق بالحدود الدنيا للموارد العامة
التي يمكن أن تصبح متاحة لالقتصاد الوطني ألغراض التوازن الداخلي .
ونبادر لنالحظ أنه لما كان من المتفق عليه عموما أن أهم مورد لتدفق
النقد األجنبي هو ما يسمى (بالسوق الحر) فإن تقديراتنا للموارد التي
يمكن أن تصبح متاحة لالقتصاد الوطني يف المعامالت التي تتم يف إطار
السوق الحر ستعتمد اعتمادا أساسيا على تقديرات حجم التعامل النقدي
يف هذا السوق .وعلى هذا األساس فقد اعتمدنا بدورنا على عدد من
النتائج التطبيقية التي قررهتا أدبيات الهجرة السودانية للخارج والتي يمكن
تلخيصها فيما يلي :
251
أ -عدد المهاجرين وتوزيعهم :يوضح الجدول رقم ( )4حجم
وتطور أعداد المهاجرين العاملين بالدول العربية خالل فرتة – 1978
1984الذي اعتمدنا عليه يف إجراء تقديراتنا .
جدول رقم ()4
حجم وتطور أعداد العاملين السودانيين يف الدول العربية
()1984 / 1978
(باأللف)
1984 1983 1982 1981 1980 1979 1978 الدولة
150 155 150 127 125 115 90 السعودية
7 6 5 4 3 3 3 الكويت
13 14 13 12 10 8 6 اإلمارات
80 69 63 64 46 39 34 أخرى
250 244 231 207 184 165 133 المجموع
المصدر :بتصرف من جالل الدين ( )1985جدول رقم ( )1ص. 2
ب – متوسط التحويالت للفرد :على اساس تقديرات جالل الدين
( )1985يعتقد بأن متوسط التحويل بالنسبة للفرد قد كان لعام
1984/1983على النحو التالي (بالدوالر) :السعودية (، )6392
اإلمارات ( 10ألف) ،الكويت ( ، )3600هذا وقد قمنا بتقدير متوسط
مثقل لبقية الدول العربية بلغ (. )6553
252
ج -قنوات التحويل :تتفق تقديرات جالل الدين ( )1985فيما يتعلق
بالقنوات التي من خاللها ترسل التحويالت للسودان مع تلك التي توصل
إليها الغول ( )1982حيث توصل األول إلى أن %24من التحويالت
تنساب من خالل القنوات الرسمية ( %15بنوك سودانية و %9بنوك
أجنبية) بينما %76تتدفق من خالل القنوات غير الرسمية ،بينما يوضح
الثاين أن نسبة التحويالت من خالل القنوات الرسمية تبلغ %22,7ونسبة
لعدم مغزوية الفرق بين النتيجتين فإننا سنستخدم نتائج جالل الدين فيما
يلي من حسابات .
253
على أساس هذه النتائج التطبيقية يمكننا تقدير الحجم الكلي
للتحويالت بافرتاض ثبات متوسط التحويل للفرد خالل الفرتة – 1981
1984على نحو ما يوضحه الجدول رقم (. )6
على أساس هذه األرقام وبافرتاض أن متوسط الفجوة بين سعري البيع
والشراء للدوالر قد كان ثابتا عند أربعة قروش للدوالر الواحد ،هو
254
افرتاض حد أدنى يمكننا حساب الدخل اإلجمالي للصرافات خالل
السنوات تحت الدراسة ،كما يمكننا أيضا حساب الضرائب التي كان
يمكن أن تجبى من هذا النشاط االقتصادي المقنن .ويوضح الجدول
رقم ( )7نتائج هذه الحسابات .
ولعلنا لسنا يف حاجة إلى التعليق على الضخامة النسبية للدخول التي
تولدت لدى هذه المكاتب والتي مهما كانت تركيبتها المؤسسية وصيغتها
القانونية فإن عدد الذين يمتلكون أسهمها ال بد أن يكون محدودا مقارنة
بباقي األنشطة االقتصادية يف االقتصاد القومي .كما لعلنا لسنا يف حاجة
255
إلى التعليق على اإليراد الضريبي الذي ال بد له وأن يرتتب على مثل هذا
النشاط المنظم المقنن بواسطة الدولة ،وهي تقديرات للحد األدنى على
أية حال .
256
جدول رقم ()8
إمكانية التوازن الداخلي
تمثيل الحد األدنى
(مليون جنيه سوداين)
الميزانية المعدلة الميزانية األصلية البند
(الحد األدنى)
2154 1347 -1اإليرادات :
- - 1-1الضريبية
- - 2-1غير الضريبية
807 - 3-1اسرتداد حقوق الشعب
2750 2750 -2النفقات :
2034 2034 2-1الجارية
716 716 2-2اإلنمائية
()596 ()1403 -3العجز :
المصدر :خطاب الميزانية والتقديرات الواردة يف القسمين ( )3و()4
أعاله .
257
عن األموال العامة التي ال تزال على عاتق كثير من األفراد والجماعات
والشركات يف القطاع الخاص ،دع عنك حقيقة األموال التي قمنا
بتقديرها على أساس الحد األقصى والتي تبلغ 3,4بليون جنيه سوداين
مما يعني أنه كان باستطاعة الحكومة تحويل عجز الميزانية البالغ 1,4
بليون جنيه سوداين إلى فائض يبلغ 1,1بليون جنيه سوداين .
-6مالحظات ختامية
استعرضنا يف هذه الورقة قضية التوازن الداخلي لالقتصاد السوداين يف
إطار ما أسماه السيد وزير مالية االنتفاضة «بعمق األزمة االقتصادية التي
نعانيها ومدى الخلل يف التوازن الداخلي» ،هذا وقد أوضحنا أن استنتاج
السيد الوزير قد انبنى على قراءة خاطئة للمعلومات االقتصادية المتاحة
له ،وربما عن قصد !! .
258
االنتفاضة استخدام مصداقيتها السياسية السرتاداد حقوق الشعب التي
تراكمت لدى القطاع الخاص .ولقد أوضحت هذه التقديرات إمكانية
إعادة التوازن الداخلي سواء أكان ذلك بتخفيض العجز المقدر يف
الميزانية بنسبة %58أو بالقضاء عليه تماما وتحقيق فائض يف عمليات
الحكومة .
يقيننا أنه توجد مصادر أخرى غير المصادر التي ذكرناها كان يمكن
لحكومة االنتفاضة االستفادة منها يف تدبير أحوالها المالية إذا أرادت
استغالل المصداقية السياسية التي كانت تتمتع هبا خالل األيام األولى من
تكوينها .إال أنه وألسباب لم تنكشف بعد اختار وزير المالية االنغالق يف
إسار األساليب التقليدية الستنفار الموارد بعد أن توصل إلى قناعة عدم
وجود بدائل حقيقية للحلول التي طرحها عليه صندوق النقد الدولي أو
من لف لفه .
259
260
الفصل السابع
حول التوازن الخارجي لالقتصاد السوداين
استنفار وتبديد الموارد
261
262
-1مقدمة
تعنى هذه الورقة باستعراض النتائج التي توصل إليها البنك الدولي
فيما يتعلق باستنفار واستغالل الموارد يف السودان خالل فرتة السبعينات
وأوائل الثمانينات ،كما تعنى بتقديم تقديرات بديلة لحسابات البنك
الدولي ومن ثم تلقي شكوكا حول قراءة البنك للمعطيات االقتصادية يف
السودان ،وكذلك تلقي شكوكا حول النتائج التي توصل إليها .
هذا ولقد سبق لنا أن أوضحنا أنه يف اقتصاد تلعب فيه التحويالت دورا
محوريا يتوجب توخي الحذر يف صياغة العالقات االقتصادية التجميعية
سواء أكانت هذه العالقة تعريفية أم سلوكية ،كما أوضحنا أن تعريف
الدخل المتاح ،يف مثل هذا االقتصاد ،منظورا إليه على أساس التجميع
263
من مستوى األفراد ال بد له وأن يعكس الدور الذي تلعبه التحويالت .
(علي . )1986 ،
يف القسم الرابع نتقدم ببعض المالحظات الختامية حيث نحاول الربط
بين النتائج التي توصل إليها البنك وبين السياسات وأنماط السلوك
االقتصادي الذي كان سائدا خالل الفرتة تحت الدراسة ونتهم البنك
الدولي بتواطئه لرتسيخ مثل أنماط السلوك هذه .
Mاستنفار الموارد
Eاستغالل الموارد
Yالناتج المحلي اإلجمالي
264
Cاالستهالك
Iإجمالي االستثمار
Bصايف االقرتاض الخارجي
Rصايف التحويالت الخارجية
Fصايف حقوق خدمات عوامل اإلنتاج
Mgاستنفار الموارد في القطاع العام
Egاستغالل الموارد يف القطاع العام
Mpاستنفار الموارد يف القطاع الخاص
Epاستغالل الموارد يف القطاع الخاص
(M = F + I +C = R + B + Y = E )1
265
جدول رقم ()1
استنفار واستغالل الموارد الوطنية يف السودان
(مليون جنيه سوداين)
على أساس هذه الحسابات توصل البند الدولي للنتائج التالية :
266
ج -إن معظم التوسع يف الموارد التي تم استنفارها قد استغل
تمويل التوسع يف االستهالك حيث يالحظ النمو المتواضع
لصايف حقوق الخدمات الخارجية مقارنا بالنمو المتسارع
لالقرتاض الخارجي .
267
(Ep = Up + Ep + Ip + Cp = Rp + Bp + Yp = Mp )3
أ -إن الحجم الكلي للقطاع العام معرفا بالموارد التي تستنفر
أو تستغل كنسبة من الناتج المحلي اإلجمالي قد ارتفع من %21
268
عام 1971/70إلى %32,6عام 1975/74ثم انخفض بعد
ذلك إلى %32,1يف كل من األعوام 1979/78و 1983/82
ثم إلى %22يف عام . 1984/1983
فيما يتعلق بالقطاع الخاص وعلى أساس المعادلة التعريفية رقم ()3
وبطرح الجدول رقم ( )2من الجدول رقم ( )1توصل البنك الدولي إلى
الجدول رقم ( )3الذي يلخص استنفار الموارد واستغاللها بواسطة
القطاع الخاص .
269
جدول رقم ()3
استنفار واستغالل الموارد بواسطة القطاع الخاص
(مليون جنيه سوداين)
270
ب -مثل االستهالك الخاص أهم بنود استغالل هذه الموارد
حيث ارتفعت نسبته للدخل المحلي اإلجمالي من %69عام
1971/1970إلى %89عام . 1984/1983
ولعلنا لسنا بحاجة إلى مالحظة أن من شأن هذه التحفظات تغيير ما
توصل إليه البنك من استنتاجات تغييرا جذريا ومن ثم فإن من شأهنا أيضا
إثارة الشكوك حول النوايا الحقيقية التي تكمن وراء القراءة المعوجة
271
لمعطيات االقتصاد السوداين خصوصا فيما يتعلق بالموارد المالية التي تم
هتريبها خارج البالد !!
-3تبديد الموارد
ألغراض الوصول إلى تقديرات مستقلة قمنا بتعديل المعادلة التعريفية
رقم ( )1الستنفار واستغالل الموارد على النحو التالي :
(K + F + I + C = R1 + B + I )1
لقد سبق لنا مالحظة أن هنالك الكثير من الغرر الذي يحيط بأعداد
السودانيين العاملين بالخارج وأن التقديرات يف هذا المجال تختلف من
272
مؤلف إلى آخر .هذا وقد توصل حمد ( ، )1986بعد استعراض
لألدبيات المتخصصة ،إلى تعديل تقديرات جالل الدين ( )1985بحيث
أوضح أن معامل تدين التقديرات يبلغ نحو 1,4بمعنى أنه يتوجب زيادة
تقديرات جالل الدين هبذا المعامل ،وهي النتيجة التي قمنا باعتمادها يف
هذه الورقة .
()1
اعتمدنا هذا التقدير األعلى نسبيا مقارنة بالتقدير المستخدم يف الفصل السادس
وذلك بعد ظهور نتائج شكري (. )1985
273
الضمني الذي استخدمه البنك للتحويالت الرسمية بينما استخدمنا السعر
التشجيعي لتحويالت المغرتبين للفرتة 1980 – 1977ومتوسط سعر
صرف السوق األسود لسنوات الفرتة 1984 – 1980لبقية التحويالت .
274
جدول رقم ()4
استنفار وتبديد الموارد يف السودان 1984/77
(مليون جنيه سوداين)
/83 /82 /81 /80 /79 /78 /77 البند
84 83 82 81 80 79 78
-1استنفار الموارد
9981 8407 664 5024 3998 3162 2883 1-1الناتج المحلي
اإلجمالي
1025 1020 1113 554 381 212 172 2-1االقرتاض
الخارجي
6122 4630 3275 2264 1676 1126 837 3-1التحويالت
17128 14057 11052 7842 6055 4500 3892 -2إجمالي الموارد
-3استغالل الموارد
9855 8388 6883 4941 3863 3023 2700 1-3االستهالك
1382 1290 1033 764 598 431 414 2-3االستثمار
373 259 173 67 41 32 18 3-3خدمات عوامل
اإلنتاج
5518 4120 2963 2070 1553 1014 760 4-3هتريب األموال
2,17 1,69 1,26 0,98 0,80 0,60 0,57 -4سعر الصرف
(جنيه للدوالر)
2497 2382 2279 2029 1849 1584 1246 -5هتريب األموال
(مليون دوالر)
275
باستخدام المعلومات الموضحة يف الجدول يمكننا التوصل إلى
اآليت :
276
الموارد المالية المتاحة لالقتصاد قد ارتفعت من %19,5عام 1978/77
إلى %32,2عام 1984/83حيث بلغ متوسط النسبة للفرتة تحت
الدراسة . %26,1
277
الموارد المتاحة بمعنى استبعاد هتريب رؤوس األموال من إجمالي
الموارد المتاحة .هذا وقد كانت نتائج التقدير على النحو التالي :
ويتضح من هذه النتائج خطأ ما توصل إليه البنك الدولي ،إذ توضح
المعادلة رقم ( )4أن االنزحاف لدالة االستهالك يؤشر يف اتجاه رفع الميل
الحدي لالدخار وليس العكس ،بينما توضح العادلة رقم ( )5أن دالة
االستهالك معرفة على صايف الموارد المتاحة لالقتصاد لم يطرأ عليها تغير
هيكلي يذكر إذ استمر الميل الحدي لالدخار يف حدود %16ويكمن
السبب يف خطأ تحليل البنك الدولي ،فيما يبدو يف تجاهل هتريب رؤوس
األموال إلى الخارج وهو جزء مهدر من االدخار بعد أن تمت عملية
االدخار نفسها(. )1
()1
لمقارنة الميل الحدي لالستهالك راجع محمد وفضل اهلل (. )1985
278
-4مالحظات ختامية
تقدمنا يف هذه الورقة بتقديرات بديلة لتلك التي توصل إليها البنك
الدولي ( )1985فيما يتعلق باستنفار واستخدام الموارد يف السودان ،
حيث أوضحنا أن جملة الموارد التي كانت متاحة لالقتصاد السوداين
خالل الفرتة 1984/1983 – 1978/1977قد بلغت 65بليون جنيه
سوداين وليس 47بليون جنيه سوداين كما قدرها البنك الدولي .هذا وقد
عزينا هذا الفرق لفشل البنك يف األخذ بعين االعتبار تدفقات تحويالت
المغرتبين من خالل القنوات غير الرسمية .
وعلى أساس حساباته توصل البنك الدولي إلى تقييم مؤداه أنه
«وبشكل عام فقد كان نمط استغالل الموارد غير مالئم وكانت العوائد
على االستثمار متدنية للغاية مما ال يشكل تربيرا العتماد السودان على
االقرتاض الخارجي الحدي ذي التكاليف المرتفعة .وقد كان هذا
االعتماد على االقرتاض الخارجي مرتبطا ارتباطا وثيقا باالرتفاع يف ميل
القطاع الخاص لالستهالك ،األمر الذي أدى أن تخفض الحكومة
استهالك القطاع العام من خالل تخفيض األجور الحقيقية .إال أن
تخفيض األجور الحقيقية كان شديد الحدة بحيث تسببت المستويات
المتدنية لمواهي موظفي الحكومة المدنية يف تعويق مقدرة الحكومة على
االستغالل الكفء للموارد اإلضافية التي اقرتضتها من الخارج» (البنك
الدولي ( )1985ص . )14
279
وتمثل هذه القراءة يف رأينا جزء ًا يسيرا من الحقيقة ،إذ بعدم التعرض
لتهريب األموال فقد غاب على البنك الدولي استنباط عنصر القصد يف
السياسات التي أدت إلى إهدار الموارد التي كانت متاحة لالقتصاد
السودان .وكما نوهنا من قبل يف مقاالت أخرى يمكن اعتبار الفساد أهم
أركان هذه السياسات ،األمر الذي مكن عددا محدودا من األفراد من
تبديد ليس فقط ما تم اقرتاضه من الخارج وإنما أيضا ما تم تحويله
بواسطة المغرتبين السودانيين .هذا وقد تجسد الفساد يف مختلف
الممارسات االقتصادية خصوصا تلك المتعلقة باستخدام موارد القطاع
المصريف لتمويل عمليات هروب رؤوس األموال ،وذلك تحت مظلة ما
سمي بسياسة تحرير التعامل يف النقد األجنبي .هذا ولقد وفرت
المحاكمات الدائرة علينا هذه األيام أسانيد متعددة لمقولة سيادة الفساد
يف أنماط السلوك االقتصادية التي كانت سائدة خالل الفرتة تحت
الدراسة .
ويهمنا أخيرا الرتكيز على مالحظة أن تفشي ظاهرة الفساد خالل الفرتة
المعنية قد سندهتا ودعمتها المؤسسات الدولية المانحة للعون خصوصا
صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ،باإلضافة لبعض مانحي العون من
الدول الغربية ،األمر الذي يوقع البنك الدولي يف تناقض داخلي مثله يف
ذلك مثل الصندوق .فقد حاججت هذه المؤسسات والدول بأهمية
الدور الذي يجب أن يتاح للقطاع الخاص يف عملية التنمية ،ومن ثم
280
أرغمت الحكومة على ابتداع مختلف األساليب لمنح األفراد الخواص
نصيبا يف العقودات المربمة لتنفيذ مختلف المشروعات التنموية (التي
أثبتت فشلها فيما بعد بالرغم من إشراف البنك الدولي على تصمميها
وإرساء عطاءاهتا وتنفيذها) من ناحية ،كما أرغمت الحكومة على غض
الطرف عن سوء سلوك القطاع الخاص فيما يتعلق بتعامله مع القطاع
المصريف والتهرب من دفع الضرائب المستحقة عليه من ناحية أخرى ،
ومن ثم فإن مشاهدة جنوح القطاع الخاص إلى االستهالك غير المربر
كان يجب أن يفهم كنتيجة حتمية للسياسات االقتصادية التي ساعد البنك
الدولي على تنفيذها يف السودان ،وال يزال يحاول تنفيذها على مستوى
القارة اإلفريقية .
281
282
الفصل الثامن
اكتمال الحلقة :
التبعية واالنبطاح االقتصادي
283
284
-1خلفية
بعد استالم الحكومة المنتخبة لمهام أعمالها يف مايو 1986قامت
بعثة من صندوق النقد الدولي بزيارة البالد بغرض مناقشة محتوى
مجموعة متكاملة من سياسات اإلصالح االقتصادي وهبدف تقديم
مساعدات فنية للحكومة الجديدة إذا كانت هنالك حاجة ،ويف إطار
المشاورات التي عقدت هبذه المناسبة أوضحت الحكومة المنتخبة لبعثة
الصندوق رغبتها يف صياغة برامج مستقلة تستند على اإلجماع االقتصادي
الذي تم التوصل إليه يف المؤتمر االقتصادي القومي ،ومن ثم طلب من
الصندوق تقديم مساعدات فنية فيما يتعلق بالمعلومات الضرورية
لصياغة مثل هذه الربامج .
285
المسبق لبذل مثل هذه المبادرة هو صياغة وتنفيذ برنامج شامل وذي أبعاد
مرتامية لإلصالح االقتصادي يف إطار زمني متوسط المدى (صندوق النقد
الدولي . )1987
286
اآلن فقد أدخلنا إجراءات معينة لتحفيز الصادر بمعاملته بسعر العملة
الحرة والتوحيد يف السعر نتوقع أن يتم يف هناية مدة اإلصالح المتوسط
التي حددناها بأربعة أعوام» !! .تجدر اإلشارة إلى أن هذا هو موقف
الحكومة السودانية كما عربت عنه للصندوق يف مشاورات المادة الرابعة
التي جرت يف نوفمرب ( 1986انظر الملحق . )1
287
الرغم من أن الوثيقة قد عرضت على مجلس المديرين التنفيذيين
للصندوق يف الثامن من أغسطس وبارك محتوياهتا ،وعلى الرغم من أن
حكومة السودان قد وقعت عليها يف أغسطس إال أنه قد تم التكتم عليها
داخل السودان بطريقة كان من المتوجب أن يكافأ عليها السيد وزير
المالية !!
يف يوم السبت الموافق 3أكتوبر أعلن الدكتور بشير عمر وزير مالية
الحكومة المنتخبة تفاصيل االتفاق الذي وقعته الحكومة مع صندوق
النقد الدولي .هذا وكان السيد الوزير قد وصل البالد فجأة بعد أن قطع
زيارته لواشنطن والتي كان يحضر فيها االجتماعات السنوية المشرتكة
للصندوق والبنك الدولي !!!!
هذا وتوضح القراءة المتأنية لما جاء يف صحيفة األيام أن السيد الوزير
قد حاول جهد طاقته أن يستعرض تفاصيل الربنامج بطريقة منهجية ،وإن
جانبه التوفيق يف ذلك ،كما حاول اإليحاء بوجود إيجابيات يف االتفاق
288
وذلك بالرتكيز على وعود تدفقات العون المستقبلية ،األمر الذي أوقعه
يف عدد من الشراك كان هو يف غنى عنها !!!!
289
يف القسم الثاين من هذه الورقة نورد ترجمة كاملة لما يسمى بربنامج
العمل ونتناوله بالتعليق يف القسم الثالث ،ونختتم ببعض المالحظات
الختامية يف القسم الرابع .
290
من الزمان ،وتم استهالك رأس المال ،وانخفض االدخار القومي
بحدة ،وأصبح تمويل االستثمار الثابت يتم عن طريق التدفق الصايف
للموارد من الخارج واللجوء لالستدانة من البنوك المحلية .كذلك تم
إهمال األوضاع المالية للحكومة وعمليات المؤسسات العامة للحد
الذي استخدمت فيه التسهيالت المصرفية من البنوك لتمويل جزء متزايد
من النفقات الجارية يف الميزانية وخسارات المؤسسات .ويف القطاع
الخارجين تراكم على القطر ديون خارجية بما يعادل 10باليين دوالر
أمريكي ،بما يف ذلك متأخرات بلغت 6. 2باليين دوالر أمريكين األمر
الذي ترتب عليه سيادة حالة للمدفوعات الخارجية غاية يف الحرج» .
291
وضغوط تضخمية قوية ،كما وأنه لم يتمكن من مقابلة التزاماته الخارجية
بالكامل .وهبدف معالجة هذه المشاكل المستمرة ،فقد عزمت الحكومة
على زيادة جهودها يف مجالي تشجيع العرض وحصر الطلب .وسيهتدي
تكثيف هذه الجهود بخطة إنعاش اقتصادي متوسطة المدى ،يتوقع
الفراغ من إعدادها بنهاية عام ، 1987تتمثل أهم أهدافها فيما يلي :
292
ويف جانب العرض ،تم تنفيذ سياسة تمويل واردات مدخالت اإلنتاج
الضرورية من الموارد الذاتية للقطاع الخاص ،كما تم رفع الحماية عن
عدد من المصانع غير الكفئة .باإلضافة إلى هذا ،سيتم اتباع سياسات
أخرى للسنة المالية الحالية من شأهنا الحفاظ على الحوافز السعرية
الممنوحة للزراعة وتخفيف حدة القيود الحالية على اإلنتاج الصناعي
وتحسين كفاءة عمليات المؤسسات العامة وابتدار خطة عمل شاملة
لتشجيع القطاع الخاص لالدخار واالستثمار .وكما كان عليه حال
السياسات يف العام الماضي ،تنوي الحكومة ضمان استمرار التشجيع
الكامل لإلنتاج الزراعي خالل موسم ، 1988/87وعليه ستستمر
الحكومة يف سياستها المتعلقة بإعالن أسعار الشراء للقطن والصمغ
العربي واألسعار الدنيا للذرة والسمسم والفول ،بمستويات مقبولة
لتحفيز المزارعين يف القطاع المروي ،ستحافظ الحكومة على نظام
الحوافز الذي يشجع اللقيط المبكر للقطن ،كما سرتاجع العالقات
المالية بين المزارعين والمشاريع الزراعية بغرض زيادة حصيلة فئات
الماء واألرض يف اتجاه تحقيق هدف االستعادة الكاملة للتكاليف يف
المشاريع الزراعية الكربى » .
293
البنك الدولي .سيركز برنامج إصالح المؤسسات العامة يف السنة
المالية ،على إعادة تعمير مؤسسات بعينها ،واالرتقاء بكفاءة اإلدراءة
وزيادة إنتاجية العمل ،وإدخال سياسات واقعية للتسعير ،واتباع النهج
التجاري يف اتخاذ القرارات داخل المؤسسات كذلك تعتزم الحكومة ،
خالل السنة ،اتخاذ قرارات تتعلق بمستقبل عدد من المؤسسات من
حيث االحتفاظ هبا أو إلغائها أو بيعها للقطاع الخاص حسب مقتضيات
الحال .وقبل حلول األول من يناير 1988تنوي الحكومة إعداد خطة
عمل شاملة ،لمناقشتها مع موظفي البنك الدولي ،تعنى بمعالجة
المشاكل الهيكلية للمؤسسات وباألخص ،زيادة كفاءاهتا اإلنتاجية حتى
يتسنى لها يف أول أمر خدمة الديون الموسمية والتسهيالت التي تتلقاها
من القطاع المصريف ،ولتتمكن من خلق فوائض يف هناية المطاف
ألغراض التكوين الصايف لرأس المال ،ولضمان عائد مقبول على
االستثمارات الحكومية» .
294
أوال :يف إطار خطة اإلنقاذ الرباعي ،تعتزم الحكومة خالل السنة
المالية الجارية ،اإلعالن عن سياسة متكاملة حول دور القطاع الخاص يف
السودان .وسيتضمن هذا اإلعالن ،كخطوة أولية ،إدخال مراجعة
شاملة للقوانين والضوابط التي تحكم االستثمار الخاص بغرض ضمان
توفر عوائد مرضية للمستثمرين ،ضمن أشياء أخرى .وستقوم الحكومة
أيضا بتوفير الدعم الهيكلي للقطاع الخاص بما يف ذلك تقوية مكتب
االستثمار .
295
من خالل ثالث وسائل أساسية :األولى هي إزالة كل أشكال عدم التيقن
المؤسس من خالل إدخال نظام «العائد التعويضي» والذي سيتحدد يف
ظله معدل العائد على أساس معدل التضخم والفئات العادية للعمليات
المصرفية .ولهذا الغرض فسيتم عرض مسودة القانون الخاصة بذلك
على الجمعية التأسيسية قبل األول من أكتوبر ، 1987وسيتم إدخال هذا
التغيير يف إطار النظام المصريف اإلسالمي السائد حاليا .الوسيلة الثانية ،
والتي ستستخدم بعد إحداث اإلصالح المؤسسي ،هي أن تراجع
الحكومة تركيبة الفئات على القروض والعائد على االدخار هبدف تشجيع
االدخار وضمان التوزيع األكفأ للموارد .أما الوسيلة الثالثة فتتمثل يف
نوايا الحكومة الرامية إلى التقليل التدريجي يف اإلجراءات اإلدارية التي
تتحكم يف توزيع االئتمان واستبدالها باألدوات التقليدية .إال أنه يف
الظروف الراهنة سيكون من الضروري االستمرار يف تحديد السقوف
االئتمانية للقطاع الخاص .
رابعا :لقد كان أحد أهم العوامل التي أثرت سلبا على أداء القطاع
الخاص يف الماضي هو تطبيق ضوابط على األسعار واألرباح حيث
حدت هذه الضوابط من الطاقة االستثمارية للقطاع وساعدت أيضا على
نمو اقتصاد مواز كبير الحجم .على الرغم من اعتقاد الحكومة أن
الظروف الراهنة توجب الحفاظ على ضوابط األسعار واألرباح لعدد من
السلع االسرتاتيجية والسلع الحساسة اجتماعيا ،إال أهنا قد بدأت تنفيذ
296
خطوات لتهدئة اآلثار السلبية لهذه الضوابط .فقد تبنت الحكومة خالل
السنة الجارية برنامجا يهدف إلى :أ) تحديد األسعار على أساس حساب
التكلفة الكاملة والواقعية لكل مدخالت اإلنتاج .ب) تحقيق عائد مجز
على رأس المال يأخذ يف االعتبار البيئية التصخمية .ج) اتخاذ قرارات
األسعار بطريقة سريعة» .
تناولت الفقرة السابعة قضية سعر الصرف « :يف الجانب الخارجي ،
فقد قررت الحكومة توحيد أسعار الصرف على مستوى يتوافق مع
الحاجة إلى تقوية حوافز اإلنتاج والتصدير .وسوف ينطبق السعر على
كل المعامالت التي تتم بالنقد األجنبي سواء كانت هذه المدفوعات أو
إيرادات ،كما وأنه كمبدأ عام سيسمح لمستوى األسعار يف التكيف
الكامل ليعكس التغييرات يف أسعار الصرف .إال أنه على المدى القصير
تعتزم الحكومة حماية أسعار بعض السلع الهامة وذلك هبدف تقوية
297
احتماالت القبول االجتماعي لتعديالت الصرف من ناحية وهتدئة الوضع
على تكلفة المعيشة وتكلفة اإلنتاج من ناحية أخرى .وعليه فإن أسعار
الخبز واألدوية والجازولين ومشتقاته سوف تظل كما هي .هذا وسوف
يضمن الدعم الناتجة للحفاظ على األسعار المحلية يف مستويات أقل من
تكلفة الوارد بحسابات سعر الصرف الجديد ،سوف يضمن هذا الدعم
يف الميزانية كما سوف يتم تمويله بموارد منها ( :انظر الجدول رقم . )1
أما الهدف على المدى الزمني المتوسط سيكون تعديل األسعار لتعكس
استعادة التكلفة كاملة بغرض التخفيض التدريجي ،واإلزالة يف هناية
المطاف ،لعبء دعم األسعار من الميزانية » .
298
سعر الصرف ،إلى زيادة ضغوط المطالبات بتعديل األجور والمواهي ،
فإن الحكومة تنوي تأجيل هذه االعتبارات لميزانية ، 1989/88كما
تنوي الحكومة حصر التكلفة اإلضافية للنقد األجنبي يف الميزانية وتكلفة
تعديل الحد األدنى لألجور إلى %10من المصروفات التي تم تقديرها يف
الميزانية األصلية (باستبعاد مدفوعات الفائدة على الديون الخارجية) .
أما الفقرة التاسعة فقد أوردت نوايا الحكومة فيما يتعلق بتقوية عملياهتا
المالية يف إطار زمني متوسط المدى حيث ستقوم الحكومة باتباع
سياسات من شأهنا «أوال زيادة نسبة اإليرادات للناتج المحلي اإلجمالي
هبدف تحقيق فائض يف الحساب الجاري .وثانيا التوسع يف برنامج
االستثمار العام بالتشاور مع البنك الدولي وثالثا تخفيض اعتماد الميزانية
على المساعدات الخارجية .ورابعا احتواء الحاجة إلى التمويل من
الجهاز المصريف يف حدود آمنة تمليها اعتبارات احتواء معدل التضخم يف
مستوى معقول» .
299
القطاع المصريف يف عام . 1988/87باإلضافة إلى ذلك ،فإن
االحتياجات اإلجمالية لالئتمان يف القطاع العام سوف تزداد ،إذ سوف
لن يستفيد قطاع القطن من انخفاض مخزونه كما حدث يف عام
1987/86عندما تم التخلص من كميات كبيرة .وعليه ،فيتوقع أن
تزداد التسهيالت االئتمانية الممنوحة للقطاع العام بحوالي 830مليون
جنيه سوداين مقارنة بحوالي 526مليون جنيه سوداين للعام السابق (انظر
الجدول رقم ( ، ) )3أما فيما يتعلق بعمليات بناء المخزونات السلعية
فإن الحكومة تؤكد عزمها على عدم تكرار تجربة تمويل الذرة والحبوب
الزيتية يف العام الحالي ،حيث تطلبت هذه العمليات لعام 1978/86
حوالي 870مليون جنيه سوداين .ويف حقيقة األمر ،فإن جزءا كبيرا من
مخزونات هذه السلع قد تم بيعة وسوف يتم شحنه يف الشهور القليلة
القادمة .باإلضافة إلى ذلك فإن الحكومة تعتزم اتخاذ الخطوات الالزمة
للسماح بمساهمة أكرب للقطاع الخاص يف تسويق المحاصيل ،وعليه فإن
التمويل االئتماين لقطاع المؤسسات سينخفض بحدة .كذلك تعتزم
الحكومة اتخاذ خطوات لضمان عدم استخدام االئتمان الممنوح للقطاع
الخاص ألغراض المضاربة .بالرغم من كل ذلك ،وألغراض ضمان
عدم تعويق نشاطات القطاع الخاص من جراء عدم وجود التمويل
الكايف ،فإن الحاجات الحقيقية لتمويل اإلنتاج والتجارة سيتم مقابلتها ،
األمر الذي سيعني اعتماد القطاع الخاص على تمويل مصريف يبلغ نحو
300
850مليون جنيه .هذه االعتبارات ،باإلضافة إلى اإلجراءات المالية
المذكورة أعاله ،ستسمح بتخفيض نمو السيولة المحلية إلى %23من
عرض النقود ابتداء من يونيو . »1987
301
الفقرات السابقة ،فإن مجموعة السياسات لعام 1988/87تشتمل على
تعديالت ذات مغزى يف سعر الصرف ،وزيادات يف عدد من األسعار
الرئيسية ذات الحساسية االجتماعية ،وزيادة محسوسة يف عبء الضرائب
انعكست يف الجهد الكبير لزيادة اإليرادات ،وحصر أكثر لإلنفاق
الحكومي الحقيقي ،وتخفيض ذو مغزى يف نمو السيولة المحلية .إن
تأثير هذه اإلجراءات الحاسمة والقاسية سيخترب حد التسامح لمواطنينا .
وبينما نحن مصممون على تأزير وتعضيد هذه اإلصالحات ،نود ضمان
إمدادات كافية من السلع التي ستزداد أسعارها على أقل تقدير قبيل تنفيذ
هذه الخطوات وذلك لتأكيد وفرة هذه السلع يف آن واحد مع تعديل
أسعارها .على ضوء حالة الندرة المحلية للسلع األساسية وعلى ضوء
هشاشة البيئة االجتماعية والسياسية السائدة ،سوف نتوقع جزءا من
الدعم العالمي حاال حتى يتسنى هتيئة الشروط المسبقة للنجاح ،وعدم
النكوص عن تنفيذ أسعار البنزين والسكر .ويف جانب اإلنتاج ،فإن
سياسات عام 1988/87ستتطلب ،ضمن أشياء أخرى ،توفير
مدخالت اإلنتاج ألهم السلع الزراعية والصناعية ،وتشجيع النشاطات
اإلنتاجية للقطاع الخاص من خالل سد النقص يف مدخالت اإلنتاج
المستوردة وتحسين الجو العام ،وإعادة إعمار األصول الرأسمالية يف
القطاع العام .وعليه نود أن نناقش مع المجموعة المانحة للعون توفير
التمويل الخارجي الالزم يف أقرب وقت ممكن حتى نتمكن من تحسين
302
استغالل الطاقة الصناعية ،وزيادة اإلنتاجية يف قطاع المؤسسات العامة ،
وضمان استمرارية نمو اإلنتاج الزراعي» .
استندت معظم المناقشات المعمقة التي دارت ،خالل شهر أكتوبر ،
حول ما سمي باالتفاق مع صندوق النقد الدولي على ما نشرته صحيفة
303
األيام بتاريخ 4أكتوبر ، 1987إذ لم تكن الوثيقة متاحة يف ذلك الوقت
لمعظم الذين اشرتكوا يف النقاش العام .
يف ندوة نشرت مداوالهتا بمجلة األشقاء بتاريخ 13أكتوبر تقدمنا بعدد
من المالحظات األولية حول االتفاق استندنا يف التوصل إليها على
المعلومات التي كانت متاحة يف ذلك الوقت عن طريق صحيفة األيام .
ولقد كانت هذه المالحظات تدور حول القضايا التالية والتي سنتبناها يف
تعليقنا الحالي :
304
من العهد المباد أن ننبطح أمام كل محسن ومتصدق ومساهم ومساعد
ومعين .هذا االنبطاح ال بد أن نضع له حد ...ألننا هبذا االنبطاح يف
الواقع نخلق ذهنية االتكال والتسول وهي ذهنية اآلن مخلوقة فينا ونحن
ينبغي أن نتخلص منها ..وسنلتزم نحن الحكومة أن نخرج هذه الشوكة
سنة ..سنة ..ونحن بصدد هذا المشروع الذي نرجو أن نتخلص به من
هذه الشوكة ...ونرجو أن نعمل معا بكل الوسائل للوصول لتلك الغاية
آملين أن نستخدم ما نستخدم اآلن من عون أجنبي إلهناء االتكال على
العون األجنبي يف المستقبل القريب إن شاء اهلل »..
305
%42,6يف شكل خدمات ديون إضافية و %1,4يف شكل تمويل صايف
إضايف للميزانية .
ومهما يكن من أمر الخطأ الفني يف محاولة تباهي وزير المالية ،وإذا
كانت نسبة االعتماد على كل «محسن ومتصدق ومساهم ومساعد
ومعين» هي أهم مؤشرات «االنبطاحية» حسب تعريف السيد رئيس
الوزراء ،فيصبح هذا االتفاق انبطاحيا .
306
اعرتافا صريحا لما يتوقف لسياسات الصندوق من آثار ،تقول الحكومة
المنتخبة :
ب -إن اآلثار التي سترتتب على هذه اإلجراءات ستخترب حد
التسامح عند المواطنين .
ج -إن السودان بلد يعاين من حالة ندرة يف السلع وهشاشة يف
الرتكية االجتماعية والسياسية .
ب -سودانية االتفاق :يف بيانه الذي نشر يف صحيفة األيام وتحت
عنوان فوائد عرب عام ونصف العام من المفاوضات ،ذكر السيد وزير
المالية أنه قد تم «تحديد المسائل التي نود الحصول عليها يف المفاوضات
307
مع الصندوق يف شكل نقاط محددة وتحديد الحد األدنى برؤية
سودانية» ،وهو أمر أصبح يعرف بمقرتح سودانية االتفاق .
ج -قيمة الجنيه السوداين :ذهب السيد وزير المالية إلى القول بأن
السودان قد قام بالتوصل إلى سعر الصرف الجديد والذي حدد بأربعة
308
جنيهات ونصف الجنيه للدوالر الواحد باتباع منهجية حساب التكلفة
الحقيقية لسلعة الصادر السودانية حتى الحدود ومقارنتها بسعر السلعة
لمعنية عالميا .وقال السيد الوزير أن هذه اإلجراء سوداين األصل وليس
من بنات أفكار صندوق النقد الدولي .كذلك ذهب السيد الوزير إلى
القول بأن الصندوق قد طالب بسعر صرف يبلغ خمسة جنيهات للدوالر
على اساس السعر السائد يف السوق السوداء وأن السودان قد أقنعه بأن
ذلك ليس واردا .
309
فيما يتعلق بسلوك متغيرات سوق النقد األجنبي( . )1بعد ذلك انتقل
الصندوق إلى محاولة ثالثة إلحداث التخفيضات وذلك عن طريق إدخال
نظام مزاد العملة إال أن هذه المحاولة لم يكتب لها التطبيق حتى اآلن .
وبعد ،عاد علينا وزير مالية الحكومة المنتخبة بحجة تنافسية الصادرات
التي عفا عليه الدهر حتى من وجهة نظر الصندوق وأصر على إلباسها
الثوب السوداين .والسؤال الذي طرحناه وال يزال يحتاج إلى إجابة هو :
لماذا ال تطلع الحكومة على التقارير المستوفاة لديها والتي تضم من بينها
كل التقارير السرية التي يكتبها الصندوق عن السودان ؟
هذا فيما يتعلق بما أورده السيد وزير المالية .ونعود اآلن إلى نص
الفقرة السابقة الخاصة بقضية سعر الصرف ونالحظ ما يلي :
()1
انظر الفصل الثالث .
310
ج -أن تخفيض سعر الصرف تصخمي يف أساسه وأن الدعم
الناشئ من الحفاظ على بعض أسعار السلع الضرورية سيضمن
يف الميزانية .
د -أن سياسة األسعار على المدى المتوسط ستهدف إلى ما
يسمى باالستعادة الكاملة للتكلفة وإزالة العبء المالي المرتتب
على دعم السلع من الميزانية .
311
وستتبنى الحكومة طريقة تعديل سعر صرف الصادرات من خالل تحويل
المعامالت من السوق الرسمي للسوق التحفيزي والتعامل مع تحويالت
المغرتبين بوسائل أخرى »..
كذلك عرب السيد رئيس الوزراء ،يف تصريحات صحفية أدلى هبا
لصحيفة الشرق األوسط ونقلتها صحيفة األيام الصادرة بتاريخ
، 1987/5/19عن هذا الموقف بمالحظته أن السودان قد استطاع
اسرتداد «ثقة كل الصناديق العربية واألجنبية فاستأنفت التعامل معنا ،أما
االتفاق مع صندوق النقد الدولي فيتوقف على تحديد سعر العملة وذلك
بعد إصرارنا على أن يكون اإلصالح بمشروعنا وليس بناء على خطة
البنك ..مطلوب منا توحيد سعر العملة وهذا يمكن أن يتم بعد أربع
سنوات ،أما اآلن فقد أدخلنا إجراءات معينة لتحفيز الصادر بمعاملته
بسعر العملة الحرة والتوحيد يف السعر نتوقع له أن يكون يف هناية مدة
اإلصالح المتوسط التي حددناها بأربعة أعوام» .
312
د -عملية التفاوض والمصداقية واإلعالم :
وهذه أمور وإن بدت منفصلة إال أهنا ترتكز جميعها على محور
المصداقية السياسية والفنية .فعلى سبيل المثال ،يف ندوة بجامعة
الجزيرة عقدت يف أغسطس 1985اقرتح الدكتور بشير عمر ،ولم يكن
وقتها وزيرا ،إنشاء ديوان للمفاوض العام وردد هذا االقرتاح يف سلسلة
الندوات التي اشرتك فيها بعد ذلك يف الخرطوم خصوصا فيما يتعلق ببيان
أكتوبر 1985حول السياسات المالية واالقتصادية لحكومة السودان .
يف بيانه الذي أذاع من خالله نبأ التوصل إلى اتفاق مع الصندوق قال
السيد الوزير أنه قد تم « تكوين وفد سوداين مفاوض يتسم بالتنسيق
والتعاون ووحدة الرؤية والغرض . »..هذا وقد سبق لنا وأن شرحنا
الظروف التي استعدت فيها الوكاالت المتخصصة بوزارة المالية إلجراء
المناقشات مع بعثة الصندوق ،وهي ظروف إن دلت على شيء إنما تدل
على أن الوفد السوداين قد تم تكوينه يف عجالة وارتجال .دع عنك
ظروف تكوين ما سمي باللجنة االستشارية والتي كان تكوينها قبل يوم
فقط من وصول بعثة الصندوق والذي إن دل على شيء إنما يدل على
محاولة إدارة االقتصاد عن طريقة «الفهلوة» إن لم نقل «الهرجلة» .ومهما
يكن من أمر أسلوب تكوين الوفد السوداين المفاوض ،إال انه ينبئ بأنه ال
يتوافق مع ما سبق للسيد الوزير وأن اقرتحه ،إذ تتضمن فكرة «الديوان»
خلق جهاز متخصص يعطي كل وقته ألمور التفاوض .وعلى أية حال ،
313
يبقى السؤال إذا توصل «الديوان الخاص» لوزير المالية التفاق مع
صندوق النقد الدولي مماثل إن لم يكن مطابقا التفاقات العهد البائد ،
ففيما إذن الهجوم المنهجي على ذلك العهد وعلى السيد وزير مالية
الحكومة االنتقالية ؟؟
ويف خصوص التفاوض ربما كان مفيدا مالحظة أن لجنة تقويم العالقة
مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ،والتي كوهنا السيد الوزير يف
يونيو 1986وسلمت تقريرها يف أغسطس من نفس العام ،كانت قد
أوصت بالتالي « :ترى اللجنة أنه ويف إطار وضع أسس جديدة للتعامل
مع المؤسسات الدولية ضرورة فريق يتسم بالثبات – من ذوي الدراية
العلمية والعملية من التنفيذيين واألكاديميين لإلعداد والتفاوض مع كل
المؤسسات الدولية اإلقليمية بما يف ذلك البنك الدولي وصندوق النقد
على أساس البدائل السودانية المقرتحة مع تأكيدها بأن هذا يشكل جزءا
هاما من تنفيذ تلك السياسات وتحقيق أهدافها ».
وبعد .فإن سلوك السيد الوزير فيما يتعلق بعملية التفاوض يدل على
فقدانه للمصداقية السياسية .وربما كان بمقدور السيد الوزير فقدان
المصداقية السياسية ،بحسبانه أكاديميا يف المقام األول ،إال أن مصداقيته
الفنية تعرضت لكثير من الشروخ أيضا .فقد أوردت صحيفة األيام يف
عددها الصادر يوم األربعاء 1987/10/17ما يلي « نفى مصدر باللجنة
المركزية لتوزيع األسمنت أية زيادات جديدة لسعر طن األسمنت
314
المعمول به اآلن وهو 502جنيه تلسيم المصنع و 550جنيها تسليم
الخرطوم .وقال إن ما أعلنه السيد وزير المالية من زيادة لسعر طن
األسمنت من 300إلى 400جنيه خاطئ وبني على معلومات غير
صحيحة خاصة أن السعر الحالي يفوق الزيادة بـ 102جنيه .فيما قال
السيد أمين بابكر مدير مكتب شركة األسمنت بالخرطوم أن الشركة لم
تتسلم أي إخطار يفيد بزيادة سعر طن األسمنت يف ذات الوقت الذي
يفوق فيه السعر الحالي لطن األسمنت ما أعلنه السيد وزير المالية » !!!
وداللة هذا التصريح واضحة فيما يتعلق بصحة المعلومات التي أدلى
هبا السيد الوزير عن اتفاقه وتشكك كذلك يف القاعدة المعلوماتية التي
استند عليها فريق التفاوض السوداين عندما دخل لقاعة المفاوضات مع
بعثة الصندوق .
315
عمليات األسواق التنافسية الحرة ..وإن الرأي العام ال يلم بالمشاكل
االقتصادية العويصة التي تواجه الحكومة الجديدة ومن ثم يعرتض على
اإلجراءات االقتصادية المطلوبة وذلك استنادا على اعتقاد مشوش أن
مستويات المعيشة يمكن المحافظة عليها من خالل الخطوات السياسية
والتحكم ..وعلى الرغم من أن هناك فتورا يف مجال التكيف وعلى الرغم
من وصول الحساسيات السياسية إلى مراق عليا ،فإنه ال ينبغي اللجوء
إلى إجراءات جزئية .على العكس من ذلك ،ينبغي على الحكومة إفهام
موطنيها بحجم وطبيعة المشاكل االقتصادية وينبغي عليها مواجهة
التكيف االقتصادي على طول الجبهة » .
316
التنفيذيين وأربعة من القطاع الخاص ،وأن هذه اللجنة قد قدمت تقريرها
للسيد الوزير يف أغسطس 1986على الرغم من استقالة رئيسها يف
منتصف الطريق وأن ذلك التقرير قد احتوى على مجموعة متكاملة من
السياسات البديلة ؟ وعلقنا على السؤال الربلماين بمالحظتنا أنه إذا كان
السيد رئيس الوزراء على علم بذلك التقرير وقال بعد ذلك بعدم وجود
بدائل فإهنا مصيبة ،وإذا لم يكن سيادته على علم بالتقرير ،وهي وثيقة
حكومية طبعت على نفقة دافع الضرائب السودين ،فالمصيبة أعظم !!
وفيما يتعلق بالتقرير الذي طبع على نفقة دافع الضرائب السوداين ،
فإن معلوماتنا الشخصية كأحد أعضاء هذه اللجنة تؤكد أن السيد وزير
المالية لم يكلف نفسه عناء مقابلة اللجنة لمناقشة تقريرها أو التفاكر معها
حول البدائل التي طرحتها أو التشاور حول بعض تفاصيل السياسات التي
اقرتحتها .على الرغم من كل هذا ،فقد أشاد السيد الوزير ،يف سلوك
متعال ،باللجنة يف معرض خطابه لمؤتمر إدارة االقتصاد الوطني حيث
الحظ « ..كما كنت قد كلفت بعض ذوي االختصاص لدراسة وتقييم
عالقتنا بالمؤسسات الدولية وتعاملنا مع العالم الخارجي ولقد اضطلعوا
بالتكيف بقدر ٍ
عال من الكفاءة والمسئولية وتوصياهتم محط االهتمام يف
سعينا يف مجال التعاون الخارجي والذي يتسم بقدر كبير من التعقيدات
التي تتطلب منهجا عليما يحقق المصلحة العامة بالطريقة المثلى ».
317
ويبدو أن اللجنة ،يف ضوء ما قال به السيد رئيس الوزراء من عدم
وجود بدائل سودانية ،فد استخدمت ألغراض تجميلية يف محالف
الخطابة السياسية السودانية !!
-3مالحظات ختامية
يتضح مما سبق أن االقتصاد السوداين ،على الرغم من تفجير انتفاضة
أبريل 1985وهتافات الجماهير السودانية أن « لن يحكمنا البنك الدولي
» ال يزال لم يربح مكانه الذي تبوأه خالل الفرتة 1985 – 1978فيما
يتعلق بعالقته مع المؤسسات الدولية سواء عرف المكان بسلوكيات
المسئولين أو محتويات الربامج أو االثنين معا .وعلى الرغم من االتفاق
العام الذي تبلور خالل المؤتمر االقتصادي القومي والذي أرسى عددا
من القواعد العامة لتناول قضية اإلصالح االقتصادي والتي شارك يف
صياغتها مجموعة األحزاب التي تناوبت على الحكم يف شكل ميثاق
اقتصادي ملزم ،فقد اختارت الحكومة الديمقراطية بعد طول تلكؤ أن
تسلك طريق واشنطن مفرغة بذلك الخيار الديمقراطي من محتواه
السياسي واالجتماعي .ليس ذلك فحسب ،وإنما تمادت الحكومة ،
مستغلة بذلك إمكانياهتا اإلعالمية بطريقة شمولية يف الدفاع عن الربامج
االقتصادية للمؤسسات الدولية تحت دعوى عدم وجود بدائل
سودانية !!
318
ولعله يحق لنا ،مستعينين يف ذلك بمزايا تحقق األحداث ،أن نخلص
إلى أن ما حدث يوم 30يونيو 1989من تغيير لنظام الحكم يمكن
تفسيره جزئيا بفشل الحكومة الديمقراطية يف التعامل مع األزمة
االقتصادية السودانية بل ويف مساهمتها ،عن وعي أو غير ذلك ،يف تفاقم
مؤشرات األزمة ومن ثم استمرار حالة التبعية واالنبطاح .
319
جدول رقم (: )1
السودان :عمليات الحكومة المركزية
(مليون جنيه سوداين)
1988/1987 1987/1986
السياسات المعدلة تقدير أولي
3225 2742 -1جملة اإليرادات
7288 5015 -2المصروفات (بدون الفوائد)
5285 3813 -1-2الجارية
1517 1202 -2-2التنموية
()4063 ()2273 -3العجز (بدون فائدة)
()18406 ()*474 -4خدمة الدين
()22468 ()2747 -5العجز (بما يف ذلك الفائدة)
-6التمويل :
20606 1222 1-6التمويل الخارجي :
726 509 -1-1-6عون المشروعات
**1119 713 -2-1-6عون نقدي وسلعي
-3-1-6عون نقدي وسلعي إضايف
18762 - وتخفيض الديون
932 - -2-6اإلجراءات المالية الجديدة
200 - -1-2-6عند ميعاد ميزانية 1988/87
***732 - -2-2-6اإلجراءات الجديدة المقرتحة
110 65 -3-6وحدات التمويل الذايت
820 1460 -4-6التمويل المحلي :
800 1460 -1-4-6االستدانة من النظام المصريف
20 - -2-4-6االستدانة من القطاع الخاص
320
-7كنسبة من الناتج المحلي اإلجمالي :
****9,8 9,4 -1-7اإليرادات
17,1 17,2 -2-7المصروفات
1,9 5,0 -3-7التمويل المحلي من النظام
المصريف
تنبيه :هذه ترجمة انتقائية ألهم محتويات الجدول رقم ( )1الوارد يف الوثيقة .ترقيم البنود ليس يف
األصل .
* على أساس نقدي .جملة المستحقات الواجب سدادها تبلغ 2052مليون جنيه سوداين .
** وعود قائمة كما يف 1987/7/22وال تشتمل على التزام السعودية حديث العهد .
*** حصيلة تسعة أشهر من اإلجراءات المقرتحة باستثناء تعديل سعر األسمنت .تعادل حصيلة
السنة من اإلجراءات المالية المقرتحة نحو %3من الناتج المحلي اإلجمالي .
**** بما يف ذلك اإلجراءات الجديدة .
321
جدول رقم ()2
السودان :اإلجراءات المالية التي ستطبق يف أو قبل األول من أكتوبر 1987
(مليون جنيه سوداين)(*)(**)
تقديرات حصيلة اإليرادات
9أشهر*** سنويا
56 66 -1رسم إنتاج جديد على األسمنت بفئة 100جنيه للطن
325 433 -2الزيادة يف رسوم الواردات :بالتوسع يف القاعدة الضريبية
الذي سيعقب تغيير سعر الصرف ،فإن تعديل الرسوم على
الواردات الخاضعة للضريبة سيمكن من الحصول على
اإليرادات الموضحة ،وهذا يعني ضمنيا أنه متوسط فئة
رسوم الوارد السائدة حاليا والبالغ %45سينخفض إلى %36
-3إجراءات ضرائبية جديدة تفرض على مستوى
10 13 الحكومات اإلقليمية على أشجار النخيل والمواشي واإلنتاج
الزراعي والعقارات .
-4متوسط زيادة يعادل 20قرشا يف سعر السكر على جملة
190 253 االستهالك المحلي .
103 137 -5زيادة أسعار البنزين السيوبر والعادي :
95 127 سعر البنزين العادي من 7,5إلى 9,5جنيه للجالون
8 10 سعر البنزين السيوبر من 8,5إلى 10,5جنيه
-6إجراءات يتم تحديدها يف االجتماعات السنوية للبنك
49 66 الدولي وصندوق النقد الدولي .
732 968 الجملة
322
* ال تشمل 20مليون جنيه كإيراد سيتم الحصول عليه بإصدار سندات حكومية للجمهور
هذا وسيتم إصدار سندات بمبلغ 5ماليين جنيه قبل . 1987/12/31
** التقديرات لألسمنت لمدة عشرة أشهر من 1987/9/1م .
*** التسعة أشهر للسنة المالية تبدأ يف 1987/10/1م .
323
جدول رقم ( )3السودان :التغيرات يف السيولة المحلية
1988/87 تقديرات التغيرات خالل الفترة
السياسات السياسات أولية
القائمة المعدلة 1987/86
(مليون جنيه سوداين)
3989 2144 2326 النقود وما شاهبها
()170 385 ()752 تأثير القطاع الخارجي
4759 1759 3078 التوسع يف االئتمان المحلي :
2058 800 1460 المطلوبات الصافية من الحكومة
919 829 528 المطلوبات من الوحدات العامة
499 578 317 المطلوبات من القطاع الخاص والبنوك المتخصصة
395 117 868 تمويل مخزون الذرة والحبوب الزيتية
170 ()565 109 حساب الصندوق
120 - ()202 صايف البنود األخرى
(كنسبة من التعريف العريض للنقود ببداية الفرتة)
44 23,4 34 النقود وما شاهبها(*)
324
* ال تتضمن تأثير التغيرات يف إعادة تقييم المقابل المحلي لإليداعات بالعملة األجنبية يف عام
. 1988/87
** بعد تصفية التغير يف البنود األخرى خالل الفترة .
325
جدول رقم (: )4
السودان :ميزان المدفوعات
(مليون جنيه سوداين)
1988/87 تقديرات أولية
السياسات السياسات 1987/86
القائمة المعدلة
326
( )3على أساس نقدي .االلتزامات الواجب سدادها (بما يف ذلك للصندوق) بلغت 1068مليون
دوالر أمريكي .
( )4حسبت على أساس خدمة الديون وااللتزامات المتعلقة بالتجارة كما قدرت يف الميزانية .
( )5بما يف ذلك صايف التدفق الخارجي لرأس المال .
( )6ال يشتمل على التغيرات يف حساب الصندوق .
( )7ال يشتمل على صايف التغيرات يف موقف الصندوق والتي تم أخذها يف االعتبار يف خدمة
الديون .
( )8عون قائم كما يف 1987/7/22م وال يشتمل على االلتزامات الحديثة للسعودية .
327
ملحق رقم ()1
لماذا تتفاوض الحكومة :نقاط التفاوض لعام 1986م
328
حدة .
(ب) جانب الطلب :
-1الميزانية (بليون عدم وجود فجوة تمويلية فجوة تمويلية متبقية (: )3,0
( )2,7إيرادات ( ، )2,3منصرفات إيرادات متبقية : جنيه سوداين)
الديون خدمات منصرفات ( ، )5,0خدمات (، )4,6
الديون الخارجية ( ، )0,5عون الخارجية ( ، )2,1عون أجنبي
أجنبي ( ، )2,8تمويل محلي (. )1,4
غير مصريف (. )0,07
-يفرتض هدف نمو عرض السياسات هتدف إلى : -2
-تخفيض معدل نمو عرض النقود االستخدام اإلنتاجي النقدية واالئتمانية :
للتسهيالت بواسطة القطاع النقود إلى %20
-تتوجيه االئتمان لمؤسسات العام والقضاء على ،أو حصر
القطاع العام لإلنتاج ومراقبة يف حدود 270مليون جنيه ،
استالف الحكومة من البنك تسديد التسهيالت الموسمية
-توجيه االئتمان للقطاع المركزي .يف الربع األول
المجاالت حدث توسع نقدي بمعدل . %8 نحو الخاص
اإلنتاجية واالستثمار وعدم -تدين طلب االئتمان بواسطة
تشجيع االكتناز والمضاربة .القطاع الخاص مما يعني أنه ال
رفع كفاءة عمليات التوسط بد للحكومة من اتباع سياسات
فرص توسيع إلى هتدف المالي .
االستثمار ..الخ .ماذا عن
إعادة العمل المصريف على
أساس سعر الفائدة ؟ والعائد
المدخرات على الحقيقي
329
والسيولة المفرطة لدى القطاع
المصريف .
(: )4,1 تمويلية ( : )0,9فجوة تمويلية فجوة -3ميزان
صادرات ) ، )0,6واردات صادرات ( ، )0,5واردات المدفوعات :
( ، )1,1( )0,3تحويالت (، )0,3 تحويالت ()1,6 (بليون دوالر)
خدمات ديون ( = )0,2فجوة خدمات ( = )3,7فجوة تمويلية
مساعدات (: )3,6 ( : )0,03متبقية متبقية تمويلية
( )0,9موعودة (. )0,5 موعودة مساعدات
مساعدات موعودة (. )0,9
الديون حددت الحكومة مبلغ - 207إدراك الصعوبات التي تواجه -4
مليون دوالر كخدمات للديون الحكومة . الخارجية :
وهو ما يعادل %36من -تحذير شديد اللهجة حول
عدم لياقة تحديد الدفعيات من الصادرات المتوقعة .
جانب واحد .
-تسوية العالقات المالية
ستكون يف صالحة السودان على
المدى القصير والبعيد إذ إن
زيادة المعونات يف ظل اعالقات
مضطربة سيكون من الصعوبة
بمكان .
-أهمية تسوية متأخرات
السودان على الصندوق .
-التزام قاطع بتوقيت تسوية
هذه المدخرات .
330
-يف إطار برنامج اإلنقاذ -ال بد من القضاء على -5أسعار الصرف :
أوضحت الحكومة أهنا تتفق من ازدواجية نظام سعر الصرف
حيث المبدأ مع أهداف توحيد وتوحيده على أساس سعر
ومرونة سعر الصرف إال أن هذه واقعي والحفاظ على نظام
مرن . أهداف اللمدى المتوسط .
-ليست الحكومة يف وضع -سترتتب نتائج وخيمة على
يمكنها من تحديد برنامج زمني االقتصاد يف حالة عدم اتخاذ
الخطوات الالزمة لتوحيد سعر لتحقيق توحيد سعر الصرف .
تنافسية لعدم -ليس هنالك استعداد إلحداث الصرف
على السودانية تعديل ذي مغزى يف سعر الصادرات
أساس األسعار الحالية . الصرف .
-تعديل سعر صرف الصادرات -تحفظات شديدة اللهجة حول
من خالل تحويل المعامالت سياسات الحكومة :تعددية
من السوق الرسمي للسوق أكثر يف أسعار الصرف ،خسائر
بالعملة المحلية ،عدم رشاد التحفيزي .
-التعامل مع تحويالت عملية توزيع الموارد ،تفاقم
ععدم توازن السوق الرسمي . المغرتبين بوسائل أخرى .
-حاجة لضمان مرونة سعر
الصرف التحفيزي والذي ظل
ثابتا لعدة شهور .
المصدر :تلخيص من صندوق النقد الدولي (. )1987
331
332
الفصل التاسع
خاتمة
حول السياسات البديلة
333
334
-1مقدمة
إذا كان ما ذهبنا إليه صحيحا من أن االقتصاد السوداين يعاين من حالة
فوضى اقتصادية سببتها مجموعة السياسات التي صاغها وأشرف على
تنفيذها صندوق النقد الدولي بالتعاون مع البنك الدولي ،فإن تلمس
الطريق القويم إلعادة العافية لالقتصاد السوداين ،أو ابتداع سياسات
بديلة لتلك التي تبشر هبا المؤسسات الدولية ،يصبح أمرا هينا نسبا على
الرغم من تحفظاتنا تجاه منهجية االقتصاد الناجع ،التي تستخدمها
المؤسسات الدولية وأدعياء االقتصاد(. )1
وبديهي إذا ما اتفقنا على رفض حالة التبعية المذلة التي فرضت علينا
من قبل ،أن يرتكز طريق اإلصالح على مفهوم «االعتماد على النفس»
صدقا وعمال ال شعارا أجوف يستخدم للنيل من جماهير الشعب
المنهكة .ويقيننا أن تحقيق سلوك اقتصادي يعتمد على النفس ممكن يف
السودان إذا ما وجدت المصداقية السياسية .ويستند هذا اليقين على
مالحظة أن األغلبية الساحقة من السكان سوف لن تخسر شيئا يف هناية
التحليل باعتمادها على نفسها ،إذ إهنا قد ظلت تفعل ذلك طوال
()1
االقتصاد الناجع ،ترجمة لكلمة « »Instant economicsوقد استخدمها
بروفسور سن ( ، )1986وتعني محاولة استخدام اقتصاد المراجع المدرسية
ألغراض صياغة السياسة االقتصادية ،ويراد بكلمة (ناجع) المقارنة مع القهوة
السريعة !!
335
السنوات الماضية على أية حال ،ومن ثم يبقى السؤال حول إمكانية تبني
هذا السلوك بواسطة األقلية ذات النفوذ االقتصادي واالجتماعي
والسياسي ؟ هذا من ناحية ،ومن ناحية أخرى فلعل الوقت قد أزف ألن
تتبنى األقلية المهيمنة أهمية السلوك على أساس االعتماد على النفس ،إذ
إنه إذا ما جاء الطوفان فإهنا ستكون الطبقة االجتماعية الوحيدة التي
ستخسر يف هناية المطاف مهما كرب حجم ما تراكم لديها من أصول مالية
وعينية .
()1
نقصد بتعبير «الدولة الرخوة» كل أشكال عدم االنضباط المجتمعي والتي تربز
336
الخصوص إلى أن المؤتمر االقتصادي القومي الذي انعقد خالل الفرتة 8
17-مارس 1986قد أمن على «أن أحد األسباب الرئيسية لتدهور أداء
االقتصاد السوداين يف الفرتة الماضية كان هو تدين أداء األجهزة التنفيذية
على مستوى الوزارات والمصالح والمؤسسات والهيئات العامة»
(المؤتمر االقتصادي القومي ، 1986ص. )72
337
بدائل متاحة للحكومة يمكن من خاللها استعادة التوازن لالقتصاد
السوداين .
338
المستثمرين يف الخارج لاللتفات لفرص االستثمار المتاحة يف السودان»
(عبد الوهاب ( )1982ص . )2- 1
وبعد إجراء عملية التقويم لبنك أبو ظبي الوطني (الذي زاول نشاطه
عام )1976وبنك االعتماد والتجارة ( ، )1976وبنك سيتي األمريكي
( . )1978وبنك عمان المحدود ( ، )1980وبنك حبيب الباكستاين
(( ، )1977وبنك فيصل اإلسالمي ( ، )1978والبنك العالمي السوداين
( ، )1978توصلت مذكرة بنك السودان إلى « أن البنوك األجنبية على
الرغم من أهنا قد ساهمت بقدر مناسب يف اآلونة األخيرة يف تمويل
واردات البالد من السلع االسرتاتيجية إال أهنا قد أغفلت لسبب أو آلخر
منذ بداية عملها المجاالت المحددة لها أصال لمزاولة نشاطاهتا
المصرفية ،أال وهي توجيه اهتمام خاص نحو مجاالت العمل المصريف
سواء يف تمويل التجارة الخارجية أو تمويل مشروعات التنمية مما ال تقوم
به البنوك الوطنية ولكن رغم ذلك اتجهت نحو التمويل التجاري
والتمويل قصير األجل وبصفة خاصة مجال الصادر ،األمر الذي يعني أن
تمويل هذه البنوك لالستيراد لم يتم من مواردها الذاتية وإنما من حصيلة
الصادر .الشيء الذي ال يخدم أغراض تخفيض الضغط على أرصدة
البالد من النقد األجنبي كما كان متوقعا ،وهذا يشير إلى عدم اضطالعها
بالدور الرئيسي المنوط هبا القيام به والتي استقدمت من أجله إلى
البالد »...
339
على الرغم من أهمية هذا التقييم فيجب أأل يفوت علينا أن بنك
السودان لم يكن يقوم وقتها بدراسة شاملة لآلثار السلبية لنشاطات هذه
البنوك وإنما اقتصرت دراسته التقييمية على اختبار مدى مطابقة نشاط
البنوك لشروط الرتخيص .إال إنه على الرغم من محدودية نطاق الدراسة
إال أن نتائجها تعضد ما ذهبنا إليه فيما يتعلق بالدور الهام الذي لعبه
القطاع المصريف يف إحداث الفوضى االقتصادية يف السودان(. )1
على أساس هذه النتائج التحليلية منها والتطبيقية ،يمكن اقرتاح ما
يلي :
()1
تقول األنباء أن لجنة التحقيق يف القطاع المصريف قد قامت بتسليم تقريرها
للجهات المسئولة وأنه يتوقع فتح بالغات ضد ثمانية من البنوك لتجاوزها
القانون ومخالفتها للوائح بنك السودان (جريدة األيام عدد 12022بتاريخ 3
يوليو . )1986
340
ج -فيما يتعلق بالتعامل مع البنوك :اتباع سياسة تسديد مستحقات
الضرائب عند االستفادة من التسهيالت المصرفية أو ما يمكن أن نطلق
عليه «الدفع عند االستالف»(. )1
وعلى الرغم من أننا ال نود الخوض يف تفاصيل ما تعنيه هذه
اإلجراءات بالنسبة لالقتصاد ،األمر الذي ربما تطلب استفاضة ليس هذا
مكاهنا ،إال أننا نود أن ننوه إلى أن مجموعة السياسات (أ – ج) سيكون
لها وقع إيجابي على المستوى التجميعي لالقتصاد خصوصا يف مجاالت
الحد من الفوضى االقتصادية ،تثبيت األسعار يف مختلف األسواق
وزيادة إيرادات الحكومة على التوالي .كما نود أن ننوه على أن هذه
السياسة ،على الرغم من استنباطها بطريقة مباشرة من نتائج تحليلية
وتطبيقية ،تتعارض مباشرة مع توجهات سياسات الصندوق يف مجال
القطاع المصريف التي تستند أساسا على تقديس ما يسمى بالقطاع
الخاص(. )2
()1
إذا كان نظام تسديد ضرائب الدخل يستند على مفهوم «الدفع عند الكسب»
« ، »PAYEفيمكن ابتداع نظام ضرائب إلرباح األعمال يستند على مفهوم
« ، »PAYBحيث Eتعني ، Earnو Bتعني . Borrow
()2
الحظ أن سياسة الدفع عند االستالف ،على الرغم من أن هدفها تقليل التهرب
من الضريبة وتعظيم إيرادات الحكومة ،يمكن أن تلقى قبوال عند الصندوق باعتبار
أن الهامش الذي سيتم استقطاعه عن طريق البنوك عند إتمام عملية التسهيالت يمكن
أن ينظر إليه كسعر فائدة فعال :إال أننا نسارع لننبه القارئ أنه ال يهمنا يف كثير أو قليل
341
ترشيد قطاع المعامالت الخارجية :
-أن خلق سوق للنقد األجنبي يف السودان كان خطأ مرده قراءة خاطئة
للمعطيات االقتصادية السودانية بواسطة الصندوق ،وإن كان الخطأ
متعمدا .
-أن المعامالت يف هذا السوق قد تم تمويلها بواسطة القطاع
المصريف .
-أن هذا السوق يتصف بعدم االستقرار الديناميكي .
-أن نظام سعر الصرف السائد حاليا ال يتوافق مع المرحلة التنموية
لالقتصاد .
على أساس هذه النتائج يمكن اقرتاح ما يلي :
أ -العودة إلى نظام متكامل للرقابة على النقد بحيث تقوم
الحكومة برفع سعر تبادل الجنيه السوداين مع الدوالر (بمعنى
استعادة المغاالة يف تسعير العملة المحلية) كخطوة أولى .
342
ج -تأسيس نظام للمعلومات عن أسعار الصادرات
والواردات لضبط هوامش التالعب بالفواتير وتطبيق الضوابط يف
(ب) أعاله على من يخالفون القانون .
هذا ونود أن ننوه إلى أن مثل هذا النظام ربما كان له وقع سلبي فيما
يتعلق بوفرة الواردات وتدفق أموال المغرتبين ،إال أننا نسارع لنالحظ أن
مثل هذا الوقع السلبي يتأتى يف حالة تبني تحليل مجتمعي يستند على
التسليم بأهمية االنفتاح وليس االعتقاد يف حتمية االعتماد على النفس ،
والقول باستمرارية النمط االستهالكي البذخي السائد وليس العمل على
توفير االحتياجات األساسية .كذلك سيتأتى مثل هذا الوقع السلبي يف
حالة تبني تحليل تجميعي يعتقد يف اسرتاتيجية التوجه نحو الخارج
وتشجيع الصادرات وتحرير المعامالت التجارية وسيادة النموذج
التنافسي واستعادة التوازن الخارجي .على الرغم من أن هذه كلها
مرتكزات تحليلية مقبولة إال أهنا تتعارض أساسا مع محاولة اإلصالح
االقتصادي الذي نحن بصدده والذي يهدف إلى إحداث تغيير ملموس يف
الوضع الراهن بما يف ذلك اإلطار التحليلي التقليدي .
343
مهما يكن من أمر ،فلقد برهن إسالم ( )1984على أن مثل هذا النظام
المقرتح يخدم أغراض التنمية يف الدول النامية بتكلفة اجتماعية أقل بكثير
من األنظمة التي عادة ما يتبناها صندوق النقد الدولي ومن يلفون لفه .
هذا وقد اعتمدت هذه التقديرات على مثالين فقط من أمثلة األرباح
التي تحققت يف االقتصاد ولم تطلها يد سلطات الضرائب ،عمدا كان
ذلك أو جهال .المثال األول يختص باألرباح التي تحققت للذين
استفادوا من التسهيالت المصرفية ،خصوصا أولئك الذين لم يقوموا
بتسديد ما عليهم من ديون لمصارف القطاع العام ،بينما المثال الثاين
يختص بمكاتب الصرافة التي مارست أعمالها طبقا لرتاخيص منحتها
إياها الحكومة .
344
على أساس هذه النتائج يمكن اقرتاح ما يلي :
345
متتابعة تبدأ بانخفاض األسعار يف سوق األصول العينية ،كالعقارات ،
يتبعه انخفاض يف األسعار يف أسواق السلع المعمرة وشبه المعمرة القابلة
للتخزين ،حيث يتوقع أن يقوم القطاع الخاص بعرض األصول التي
تراكمت لديه من جراء عدم تسديده للديون المستحقة عليه ،وكذلك
السلع المخزونة ،يف محاولة لمقابلة الضرائب المستحقة عليه !!
346
المراجع
إسالم ،ش « ، )1984( ،تخفيض سعر صرف العملة وسياسات التثبيت
والدول النامية :تحليل اقتصادي تجميعي»
مجلة اقتصاديات التنمية ،المجلد . 14
الدولي ،السودان ،مشاكل التكيف االقتصادي ( ،ثالثة البنك
أجزاء) ،تقرير رقم ، 6491واشنطن . (، )1987
الدولي ،تمويل التكيف مع النمو يف إفريقيا جنوب البنك
الصحراء ، 1990 – 1986واشنطن . (، )1986
الدولي ،آفاق إعادة تأهيل االقتصاد السوداين ،ثالثة البنك
أجزاء ،تقرير رقم ، 5496واشنطن . (، )1985
الدولي ،نحو تنمية مؤزرة :برنامج عمل مشترك إلفريقيا البنك
جنوبي الصحراء ،واشنطن (، )1984
والتوازنات التسعير سياسات البنك الدولي ( ، )1983السودان :
الهيكلية ،تقرير رقم ، 4528واشنطن
االقتصادي التقرير الختامي وتوصيات المؤتمر االقتصادي المؤتمر
القومي السوداين ،الخرطوم القومي ، )1986( ،
تقرير اللجنة الفنية بشأن عمليات مؤسسات أمانة التنسيق ()1985
التنمية العربية يف السودان ،الكويت .
«تنزانيا والبنك الدولي» مجلة العالم الثالث ربع باير ،ش ، )1983( ،
347
السنوية ،المجلد رقم ، 5العدد رقم . 4
فخ الديون الخارجية :صندوق النقد الدولي باير ،ش ، )1974( ،
والعالم الثالث ،مطبعة منثصلي ريفيو ،
نيويورك .
برانسون ،و ،كاتسلي « ،سالل العملة وأسعار الصرف الحقيقية
الفعلية» ،يف نظرية وتجارب التنمية االقتصادية ، ل . )1982( ،
قيرسوفتز وآخرين (تحرير) ،مطبعة جورج ألن
وانيون .
«خلفية حول المجموعة األخيرة من اإلجراءات براون ،ر ، )1985( ،
التقشفية التي فرضها نظام نميري :يونيو 1984
– مارس »1985ورقة عمل ،مركز الدراسات
والبحوث اإلنمائية .جامعة الخرطوم.
سياسات الصرف يف عالم األسعار العائمة يف بالك ،س ، )1976( ،
الدول المتخلفة ،سلسلة مقاالت يف التمويل
الدولي ،جامعة برينستون .
«قيود الصرف والمنهج النقدي لسعر الصرف» بليجر ،م )1987( ،
يف فرانكل ،ج ،وجنسون ،هـ ( ،محررين) ،
دراسات مختارة يف اقتصاديات سعر الصرف ،
مطبعة إديسون ويسلي .
االقتصاد التجميعي من وجهة نظر الهيكلية : تيلور ،ل . )1983( ،
نماذج قابلة للتطبيق يف العالم الثالث ،طابعو
348
الكتب األساسية ،نيويورك .
استعراض دراسة كيليك وأصحابه ،مذكرة ، ثيرلول ،أ ( ،غ .ت) .
جامعة كنت ،انجلرتا .
الدين ،م ،تحويالت السودانيين العاملين بالخارج ،كراسة جالل
دورية رقم ، 64مركز الدراسات واألبحاث (. )1985
اإلنمائية ،جامعة الخرطوم .
م ،ن ،حول تجربة السوق الحر للنقد األجنبي يف حسين ،
السودان ،ورقة نقاش ،جامعة الجزيرة . (، )1986
م ،ن ،المسببات الخارجية والمحلية للتضخم يف حسين ،
السودان ،ورقة قدمت الجتماع خرباء المعهد (، )1985
العربي للتخطيط ،الكويت .
م ،ن « ،اعتماد الصندوق لجانب العرض كمنهج حسين ،
وثيرلون ،أ ، )1984( ،لتخفيض سعر الصرف ،تقويم حالة السودان» ،
نشرة معهد أكسفورد لإلحصاء واالقتصاد .
حمد ،أ ،م « ، )1986( ،الهجرة المعاكسة :التحديات والحلول» ،
ورقة عمل قدمت للمؤتمر االقتصادي القومي –
الخرطوم .
ال خير فينا إن لم نقلها ،مطبعة جامعة خالد ،م (غ ،ت)
الخرطوم .
دياز – أليجاندرو ،ك ،أنظمة التجارة الخارجية والتنمية االقتصادية ،
مطبعة جامعة كولمبيا . ()1976
349
ج سلوك سعر الصرف يف إطار عدم قابلية العملة سيدو ، ديما
للتحويل ،مذكرة ،جامعة برنستون . (، )1980
أ « ،النظام الدولي وآليات التبعية :آليات التبعية يف الدين ، سعد
إطار الرأسمالية المتعدية للجنسيات» مركز (، )1986
دراسات الوحدة العربية ،لبنان .
أ «حول مقولة التبعية والتنمية االقتصادية العربية» الدين ، سعد
المستقبل العربي ،العدد السابع عشر . (، )1980
نظرية التبعية :إعادة تقييم نقدية ،فرانسس سيرز ،د ( ،محرر) ،
للطباعة ،لندن .
سن ،أ ،ك « ، )1986( ،الغذاء واالقتصاد واألهلية» نشرة العمل
الجاري ،جامعة األمم المتحدة المجلد رقم ، 9
العدد رقم . 3
دراسة عن السودانيين العاملين بالخارج ،معهد شكري ،ن ، )1985( ،
ماساتشوستس للتكنولوجيا ،الواليات المتحدة
األمريكية .
المناهج األساسية لالقتصاد الرياضي ،مطبعة شيانج ،أ ، )1974( ،
مجرو – هيل .
«السوق األسود للنقد األجنبي ،تدفق رؤوس شيخ ،م ، )1976( ،
األموال والتهريب» .
مجلة اقتصاديات التنمية .
صالح ،ع ،أ « 1986( ،نظرة كلية ألداء االقتصاد السوداين خالل الفترة
350
»1985/84 – 1971/70ورقة قدمت إلى – أ)
المؤتمر االقتصادي القومي ،الخرطوم .
أ « ،السياسة المالية والنقدية يف السودان :تجربة ع، صالح ،
الماضي ورؤية المستقبل» ،ورقة قدمت إلى (، )1986
مؤتمر سياسات االقتصاد الكلي ،الخرطوم .
«نحو تنمية مستقلة يف الوطن العربي» مركز صايغ ،ي )1986( ،
دراسات الوحدة العربية ،لبنان .
صندوق النقد الدولي « ،مذكرة حول ربط الجنيه السوداين بسلة من
العمالت» . (غ .ت)
صندوق النقد الدولي « ،مذكرة حول سعر صرف الجنيه السوداين
واإلجراءات المتصلة به» . (غ .ت) ،
صندوق النقد الدولي ،السودان :تقرير الموظفين لمشاورات المادة
الرابعة لعام ، 1986تقرير رقم س م / 87 / (، )1987
، 12واشنطن .
ح ،دراسة تقييمية لنشاط البنوك األجنبية والمشتركة الوهاب ، عبد
العاملة بالبالد ،بنك السودان ،الخرطوم . (، )1982
مالحظات استكشافية حول التحويالت وتمويل علي ،ع .ع (، )1986
التنمية ،المعهد العربي للتخطيط ،الكويت .
علي ،ع .ع ( – 1985نحو فهم أفضل لالستثمار المنتج لتحويالت
لضمان العربية المؤسسة المغتربين ، أ) ،
االستثمار ،الكويت .
351
علي ،ع .ع ( ،محرر) ،االقتصاد السوداين يف حالة تفكك ،مطبعة أثيكا ،
لندن . ( – 1985ب) ،
ع ،بعض جوانب االقتصاد السوداين ،مركز ع، علي ،
جامعة اإلنمائية ، والبحوث الدراسات (، ). 1984
الخرطوم .
تحديد سعر الصرف ،مسوحات كمربيدج ، كروقر ،أ )1983( ،
ألدبيات االقتصاد ،مطبعة جامعة كمربيدج
السعي إلى االستقرار االقتصادي ،مطبعة كيليك ،ت ( ،محرر) ،
هاينمان ،لندن .
الشعب ،وثائق مجلس الشعب ،دور االنعقاد الثالث ، مجلس
الجلسة رقم ، 11الخرطوم . (، )1980
محمد ،أ ،أ ،وفضل منهجية نمذجة لالستقراء ،مركز الدراسات
اهلل ،ب ،ع ، )1985( ،والبحوث اإلنمائية ،منوغراف رقم . 23
الدولية ،ما بعد المجاعة ،جنيفا . العمل منظمة
(، )1986
ميردال ،ق ، )1970( ،تحديات الفقر على مستوى العالم ،كتب
بانثيون ،نيويورك .
ك « ،جانب العرض كإطار لتعديل أسعار الصرف يف نشاشيبي ،
البلدان النامية :تجربة السودان» أوراق العاملين (، )1980
بصندوق النقد الدولي
352
د ،النجاح المحدود لسياسات صندوق النقد الدولي هانسهوم ،
والبنك الدولي يف السودان ،ورقة نقاش رقم ، 4 (، )1985
مجموعة البحث يف االقتصاد السوداين ،جامعة
بريمن ،ألمانيا .
353
354
الفهرس
355
-2المذكرة األولى لصندوق النقد الدولي 85 ...............................
-3منهج تنافسية المحاصيل :فشل التجربة األولى 94 ......................
-4ربط الجنيه السوداين بسلة للعمالت 103 ................................
-5حول محاولة التجربية الثانية للصندوق 113 .............................
-6مالحظة ختامية 127 ....................................................
الفصل الرابع صندوق النقد الدولى والفوضى االقتصادية يف السودان 131 ....
-1مقدمة 133 .............................................................
-2نموذج للسوق األسود 137 .............................................
-3النتائج التطبيقية 147 ....................................................
-4اآلثار التجميعية لتجربة السوق األسود 156 .............................
-5مالحظات ختامية 160 ..................................................
الفصل الخامس االقتصاد السوداين وصفاقة الصندوق 171 ...................
-1مقدمة 173 .............................................................
-2بيان السلطات السودانية حول السياسات االقتصادية 176 ................
-3بيان حكومة السودان حول السياسات االقتصادية والمالية 187 ..........
-4أطروحة اهنيار الموقف التفاوضي للسودان 203 .........................
-5الصندوق والصفاقة المؤسسية 212 .....................................
-6مالحظات ختامية 226 ..................................................
الفصل السادس حول التوازن الداخلي لالقتصاد السوداين 229 ...............
-1مقدمة 231 .............................................................
-2اإلنفاق الحكومي والعجز الداخلي 235 .................................
356
-3القطاع المصريف واسرتداد حقوق الدولة 241 ............................
-4موارد السوق األسود 250 ...............................................
-5إمكانية التوازن الداخلي 256 ............................................
-6مالحظات ختامية 258 ..................................................
الفصل السابع حول التوازن الخارجي لالقتصاد السوداين 261 ................
-1مقدمة 263 .............................................................
-2استنفار واستغالل الموارد :نتائج البنك الدولي 264 ....................
-3تبديد الموارد 272 ......................................................
-4مالحظات ختامية 279 ..................................................
الفصل الثامن اكتمال الحلقة :التبعية واالنبطاح االقتصادي 283 .............
-1خلفية 285 ..............................................................
-2محتوى برنامج العمل 290 ..............................................
-3مالحظات ختامية 318 ..................................................
الفصل التاسع خاتمة حول السياسات البديلة 333 ...........................
-1مقدمة 335 .............................................................
-2بعض السياسات البديلة 338 ............................................
المراجع 347 ...............................................................
الفهرس 355 ...............................................................
357