You are on page 1of 32

‫األزمة المالية العالمية وآثارها على االقتصادات العربية‬

‫االقتصاد العراقي أنموذجًا‬


‫د‪.‬جواد كاظم البكري‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫قبل ظهور األموال الورقية في القرن التاسع الميالدي‪ ،‬لم يكن هناك من يمكنه أن يقلق‬
‫على ما سيحدث لألموال‪ ،‬فاألموال شيء معلوم له قيمة حقيقية‪ ،‬مثل العمالت الذهبية‪ ،‬ففي‬
‫ذلك الوقت‪ ،‬إذا اختفت أموالك فجأة‪ ،‬فال بد من سبب وراء ذلك‪ ،‬وهو أنك أنفقتها‪ ،‬أو سرقها‬
‫أحد منك‪ ،‬أو أضعتها‪.‬‬
‫ولكن في ه ذه األي ام‪ ،‬فهن اك الكث ير من األم ور ال تي له ا قيم ة مادي ة ولكن ال يمكن ك أن‬
‫تحملها بيدك‪ ،‬مثل استثمار أموالك في سوق األسهم‪ ،‬والتي يمكنك تتبعها‪ ،‬حيث ترتفع قيمة‬
‫هذه األموال‪ ،‬وربما تستطيع أن تبيعها بربح إن أردت عندما ترتفع قيمة تلك األسهم‪.‬‬
‫أن الهزات الحالية في النظام المالي للرأسمالية وحالة الركود االقتصادي لم تكن مفاجئة‬
‫للجمي ع‪ ،‬والى ذل ك ثم ة رأي يق ول أن األزم ة ك ان يمكن تص ورها وتوقعه ا تمام ا‪ ،‬ب ل وإ نه ا‬
‫ك انت في الواق ع نتيج ة ض منية وحتمي ة لتص رفات النخب ة السياس ية والمالي ة في الوالي ات‬
‫المتح دة‪ ،‬ففي ع ام ‪ 1992‬أص در االقتص ادي األم يركي ه اري فيجي م ع زميل ه جيرال د‬
‫سوانسون كتابًا بعنوان (اإلفالس) توقعا فيه مايحصل اليوم بالضبط‪.‬‬

‫إذن فنحن أمام أحداث غير مسبوقة في التاريخ الحديث‪ ،‬لكنها قابلة للتحكم والتوجيه‬
‫ويمكن التكهن بعواقبها‪ ،‬وهي في اعتقاد بعض الخبراء عملية يترتب عليها انكماش االقتصاد‬
‫األميركي بمقدار الثلث على وجه التقريب‪ ،‬وتقلص االقتصاد العالمي بنسبة ‪ ،%20‬مما يؤدي‬
‫إلى ازدي اد ش امل في البطال ة وتض خم كب ير في األعب اء االجتماعي ة على الميزاني ات واش تداد‬
‫التوترات االجتماعية على نطاق العالم‪.‬‬
‫ويمكن اإلشارة هنا إلى أن هناك ثمة وجهة نظر مفادها أن الواليات المتحدة تعمل عن‬
‫قص د على اس تثارة األزم ة المالي ة العالمي ة الراهن ة من اج ل القض اء على المنافس ة المحتمل ة‬
‫من جانب االقتصاديات النامية في الصين والهند وروسيا‪ ،‬فهل أن انهيار المنظومة المالية‬
‫العالمي ة يعت بر فعال نتيج ة عملي ة خط ط له ا مس بقا به دف الحف اظ على س يادة واش نطن على‬
‫العالم وتعزيزها؟ أم أنها احد مظاهر العمليات االقتصادية الموضوعية‪ ،‬إما األحاديث عن يد‬
‫أمريكا في كل مكان فنرى أنها ال تتجاوز إطار نظرية المؤامرة‪ ،‬وفي صفحات هذه الدراس ة‬
‫سنوضح ذلك جليًا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫هناك عبارة من الممكن أن تلخص ما ظهر اليوم من تجليات في ثنايا النظام الرأسمالي‬
‫وهي (ليس نقص الم ال هو س بب األزم ة‪ ،‬ب ل العكس تمام ا هو الص حيح‪ ،‬فاألزم ة هي التي‬
‫تسبب نقص المال)‪ ،‬فقد سبق لماركس أن أشار منذ وقت بعيد إلى أن حلم البرجوازية األمثل‬
‫هو تحقيق المال من المال‪ ،‬دون الحاجة إلى الدخول عبر مسلسل اإلنتاج المضني‪ ،‬وقد بدا‬
‫خالل المرحلة األخيرة أن الرأسمالية تمكنت من تحقيق هذه الفكرة (ما عدا الصين حيث كان‬
‫هناك تطور حقيقي لقوى اإلنتاج)‪ ،‬ففي الواليات المتحدة وبريطانيا وإ سبانيا وأيرلن دا والعديد‬
‫من البل دان األخ رى‪ ،‬اس تثمرت المص ارف تريليون ات ال دوالرات في المض اربات‪ ،‬وخاص ة‬
‫في قط اع الس كن‪ ،‬وك انت ه ذه هي القاع دة ال تي نمت على أساس ها أزم ة الره ون العقاري ة‬
‫العالية المخاطر‪ ،‬معممة لمبالغ ال يمكن تصورها من الرساميل الوهمية‪.‬‬

‫وم ع انتف اء الثق ة بتل ك األس واق‪ ،‬وبالنظ ام الم الي‪ ،‬ف إن الكث ير من المس تثمرين س يبيعون ب أي‬
‫سعر للحد من الخسارة‪ ،‬وهنا فإن قيمة استثمارك تكون قد تبخرت‪ ،‬وخالل هذه العملية فإنك‬
‫تفقد ثروتك‪ ،‬ولكن هل هذا يعني أن هناك بالضرورة من حصل على تلك األموال االفتراضية‬
‫التي كانت بحوزتك؟ بالطبع‪ ،‬ال‪ ،‬إذ ببساطة فإن قيمة األموال هنا تضاءلت‪ ،‬ومن كان يقوم‬
‫باالس تثمار والمض اربة خس روا ره انهم بع د أن خ اطروا‪ ،‬وهم اآلن يع انون ج راء تل ك‬
‫المخاطرة‪.‬‬

‫ه ذه المق امرات المالي ة غ ير المدروس ة انعكس ت س لبًا على االقتص اد الع المي بص ورة عام ة‪،‬‬
‫وبالطبع فأن االقتصاد العربي غير بعيد عن تلك المخاطر التي خلقتها األزمة المالية العالمي ة‪،‬‬
‫أم ا االقتص اد الع راقي فق د ظلت أغلب قطاعات ه بمن أى عن تل ك المخ اطر‪ ،‬ع دا قط اع النف ط‬
‫بالطبع والذي بدورة انعكست آثاره سلبًا على ميزانية الدولة‪ ،‬نتيجة النخفاض حجم التع امالت‬
‫المالي ة م ع الع الم الخ ارجي‪ ،‬وبخاص ًة األس هم‪ ،‬إذ ظ ل س وق الع راق لألوراق المالي ة غ ير‬
‫مرتبط بالعالم الخارجي عند قيام األزمة‪.‬‬
‫مشكلة البحث‪:‬‬
‫تكمن مشكلة البحث في أن األزمة المالية العالمية الراهنة كان لها العديد من اآلثار‬
‫السلبية‪ ،‬وربما االيجابية في أحيان قليلة‪ ،‬على االقتصادات العربية ومنها االقتصاد العراقي ومن‬
‫هذا المنطلق سنحاول في هذه البحث اإلجابة عن التساؤل اآلتي‪:‬‬
‫ماهي القطاعات االقتصادية التي تأثرت باألزمة المالية العالمية في االقتصادات العربية بصورة‬
‫عامة وفي االقتصاد العراقي بصورة خاصة؟ وماهي مديات هذا التأثير؟‬
‫فرضية البحث‪:‬‬
‫يسعى هذا البحث إلى اختبار الفرضيتين الرئيسيتين اآلتيتين ‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ .1‬أن األزمة المالية العالمية بدأت أزمة أميركية بحته‪ ،‬ومن ثم انتقلت إلى االقتصادات‬
‫العالمية بسرعة كبيرة‪ ،‬وكان لسلوك المصارف األميركية دور كبير في ظهور األزمة‬
‫المالية الحالية ومن ثم تطورها ووصولها إلى ما وصلت إليه اآلن‪.‬‬
‫‪ .2‬كان اكبر أثار األزمة المالية العالمية على قطاع النفط والميزانية العراقية‪ ،‬فيما‬
‫تراوحت اآلثار على بقية القطاعات بين سلبية وايجابية في بعض األحيان‪.‬‬
‫هدف البحث‪:‬‬
‫يهدف البحث إلى بيان اآلثار السلبية لألزمة المالية العالمية على االقتصادات العربية‬
‫بصورة عامة واالقتصاد العراقي على وجه الخصوص‪ ،‬فضًال عن التعرف على القطاعات‬
‫االقتصادية األكثر تأثرًا بها‪.‬‬
‫هيكلية البحث‬
‫ولكي يحقق البحث أهدافه تم تقسيمه إلى ‪:‬‬
‫أوًال‪ .‬ماهية األزمة المالية‪.‬‬
‫‪ .1‬مفهوم األزمة المالية‪.‬‬
‫‪ .2‬علم االقتصاد‪ ،‬ودراسة األزمة‪.‬‬
‫‪.3‬أنواع األزمات المالية‪.‬‬
‫ثانياً‪ .‬نشأة األزمة المالية العالمية‪.‬‬
‫‪ .1‬بوادر األزمة المالية العالمية – أزمة الرهن العقاري‪.‬‬
‫‪ .2‬االنتقال إلى أسواق المال‪.‬‬
‫‪ .3‬دور المصارف األميركية في تطور األزمة‪.‬‬
‫ثالثًا‪ .‬آثار األزمة المالية العالمية على اقتصادات الوطن العربي‪.‬‬
‫‪ .1‬آثار األزمة المالية العالمية على االقتصادات العربية بصورة عامة‪.‬‬
‫‪ .2‬آثار األزمة المالية العالمية على االقتصاد العراقي‪.‬‬
‫‪ ‬أسعار النفط‪.‬‬
‫‪ ‬أسواق المال‪.‬‬
‫‪ ‬االستثمارات‪.‬‬
‫‪ ‬سعر صرف الدينار العراقي‪.‬‬
‫‪ ‬قطاع المصارف‪.‬‬
‫رابعًا‪ .‬االستنتاجات‪:‬‬
‫خامسًا‪ .‬التوصيات‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫أوًال‪ .‬ماهية األزمة المالية‪:‬‬
‫‪ .1‬مفهوم األزمة المالية‪:‬‬

‫يختلط مفهوم األزمة بغيره من المفاهيم المرتبطة به‪ ،‬ومرد ذلك إلى تداخل بعض هذه‬
‫المفاهيم (الكارثة‪ ،‬المشكلة‪ ،‬الصراع‪ ،‬التهديد‪ ،‬النزاع‪ ،‬والحادث) مع مفهوم األزمة نظرًا‬
‫للتق ارب الش ديد حيث تش ترك جميعه ا في س مة أساس ية وهي الحاج ة إلى المواجه ة وإ لى‬
‫اإلدارة(‪.)1‬‬
‫فاألزمة في ضوء العناصر المتقدمة‪ ،‬تعرف أنها حدث كبير ال يمكن التنب ؤ به‪ ،‬ويؤدي‬
‫إلى خل ل وتهدي د للمص الح ويحتم ل أن يك ون ل ه نت ائج س لبية وأن مواجهت ه تتطلب إتخ اذ‬
‫قرارات سريعة في وقت ضيق وفي ظل محدودية المعلومات‪ ،‬وتتحدد عناصر األزمة ‪-‬‬
‫في ضوء هذا التعريف – في اآلتي(‪:)2‬‬
‫أ‪ .‬إنه ا ح دث مف اجئ‪ :‬إن أهم م ا يم يز األزم ة كونه ا تق ع بص ورة فجائي ة يص عب أحيان ًا أو‬
‫يستحيل توقعها‪ .‬ومما يزيد من صعوبة مواجهتها‪ ،‬وجوب اتخاذ قرار محدد وسريع‪،‬‬
‫وباإلمكانات المتاحة للسيطرة عليها وتدارك آثارها المستقبلية‪.‬‬
‫ب‪ .‬إنها تهدد مصلحة قومية‪ :‬بمعنى أن األزمة تؤثر على مصالح الدولة وكياناتها‪ ،‬وهو ما‬
‫يعني أن األزمة لها من الجسامة والخطورة التي تؤهلها لذلك‪.‬‬
‫ت‪ .‬إن مواجه ة األزم ة يتم في أض يق وقت وبإمكاني ات مح دودة‪ ،‬تقتض ي طبيع ة األزم ة‬
‫مواجهته ا في الح ال أي دون الحص ول على ال وقت الك افي المق رر في األص ل‬
‫لمواجهته ا‪ ،‬كم ا يقص د أيض ًا به ذا العنص ر أن يتم االعتم اد على اإلمكان ات الموج ودة‬
‫بالفعل وقت وقوع الحادث دون اللجوء لغيرها من اإلمكانات األخرى التي لن يسعف‬
‫الوقت لتلبيتها والحصول عليها‪.‬‬

‫‪ .2‬علم االقتصاد‪ ،‬ودراسة األزمة‪:‬‬


‫تكاد تكون األزمات صفة مالزمة لالقتصاد الرأسمالي‪ ،‬فقد أجمعت اغلب المدارس الفكرية‬
‫ال تي ظه رت في الع الم الرأس مالي على حقيق ة أساس ية‪ ،‬أال وهي أن النظ ام الرأس مالي مجب ول‬
‫على األزمات الدورية التي تنتابه بين مدة وأخرى‪ ،‬وهي تتمحور حول ميل معدل الربح إلى‬
‫االنخفاض باستمرار‪.‬‬

‫(?) د‪ .‬عباس رشدي العماري‪ ،‬إدارة األزمات في عالم متغ ير‪ ،‬مرك ز األه رام للترجم ة والنش ر‪،‬الق اهرة‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫الطبعة األولى‪ ،1993 ،‬ص‪.16‬‬


‫(?) محمد صالح المنجد‪ ،‬األزمة المالية‪ ،‬مجموعة زاد للنشر‪ ،‬الرياض ‪ ،2008‬ص‪.82‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪4‬‬
‫ويمكن الق ول أن الخاص ية المم يزة في مج ال دراس ة األزم ات االقتص ادية هي االختالف‬
‫الجذري بين المدارس االقتصادية في تفسير أسباب األزمة وتحديد الحقل أو الطور الذي تندلع فيه‬
‫في عملية إعادة اإلنتاج الرأسمالية‪ ،‬وهنا يمكن تمييز اتجاهين أساسيين هما(‪:)3‬‬
‫‪ ‬االتجاه األول‪ :‬يعتبر أالزمات تعيق النشاطات الطبيعية في االقتصاد وبذلك فأنها بمثابة‬
‫خلل بنيوي‪ ،‬وقد كان أغلب االقتصاديين النيوكالسيك يؤمنون بهذا االتجاه‪.‬‬
‫االتجاه الثاني‪ :‬ينطلق هذا االتجاه في تفسيره األزمة من فكرة إن النظام االقتصادي يبدأ‬ ‫‪‬‬
‫في الحركة والنمو ولكن بصورة تقلبات دورية ارجع أسبابها إلى عاملين‪ ،‬األول‪ :‬ظهور‬
‫ابتكارات حديثة في مختلف مجاالت اإلنتاج‪ ،‬والثاني‪ :‬نشاط حركة االئتمان لتمويل هذه‬
‫االبتكارات وبذلك فأن حدوث األزمات االقتصادية في النظام الرأسمالي هو بمثابة نشاط‬
‫طبيعي‪.‬‬
‫أما األزمة المالية فال يوجد تعريف أو مفهوم محدد لها‪ ،‬لكن من المفاهيم المبسطة لمصطلح‬
‫األزمة المالية‪ ،‬هو أنها اضطراب حاد ومفاجئ في بعض التوازنات االقتصادية يتبعه انهيار في‬
‫عدد من المؤسسات المالية تمتد آثاره إلى القطاعات األخرى‪.‬‬
‫‪.3‬أنواع األزمات المالية(‪:)4‬‬
‫أ‪ -‬األزمات المصرفية‪ :‬تظهر األزمات المصرفية عندما يواجه بنك ما زيادة كبيرة ومفاجئة‬
‫فى طلب سحب الودائع‪ .‬فبما أن البنك يقوم بإقراض أو تشغيل معظم الودائع لديه ويحتفظ‬
‫بنس بة بس يطة لمواجه ة طلب ات الس حب الي ومي‪ ،‬فلن يس تطيع بطبيع ة الح ال االس تجابة‬
‫لطلبات المودعين إذا ما تخطت تلك النسبة‪ ،‬و بالتالى يحدث ما يسمى بـأزمة سيولة لدى‬
‫البنك‪ .‬وإ ذا حدثت مشكلة من هذا النوع وامتدت الى بنوك أخرى‪ ،‬فتسمى فى تلك الحالة‬
‫أزم ة مص رفية " ‪ ."Systematic Banking Crisis‬وعن دما يح دث العكس‪ ،‬أى تت وافر‬
‫الودائع لدى البن وك وترفض تلك البنوك منح القروض خوف ًا من عدم قدرتها على الوفاء‬
‫بطلب ات الس حب تح دث أزم ة فى اإلق راض‪ ،‬وه و م ا يس مى بـأزمة االئتم ان او ‪Credit‬‬
‫‪ .Crunch‬وقد حدث في التاريخ المالي للبنوك العديد من حاالت التعثر المالي مثل ما‬
‫حدث فى بريطانيا لبنك " ‪ "Overend & Gurney‬وما حدث في الواليات المتحدة عندما‬
‫انهار "بنك الواليات المتحدة ‪ "Bank of United States‬فى عام ‪ 1931‬وبنك "‪Bear‬‬
‫‪."Stearns‬‬

‫(?) ‪ .‬د‪ .‬جابر جاد عبد الرحمن‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬النقود‪ -‬االئتم ان والمص ارف‪-‬النظري ة‬ ‫‪3‬‬

‫العامة لألتمان‪-‬االزمات االقتصادية‪ -‬التجارة الداخلية والخارجية‪ ،‬مطبعة التفيض‪ ،‬بغداد‪ ،1948 ،‬ص‪.477‬‬
‫(?) للمزيد من المعلومات انظر‪ :‬د‪.‬جواد كاظم البك ري‪ ،‬فخ االقتص اد األم يركي‪ ،‬األزم ة لمالي ة العالمي ة‬ ‫‪4‬‬

‫‪ ،2008‬مركز حمورابي للبحوث والدراسات الستراتيجية‪ ،2008 ،‬ص ص ‪.18-16‬‬

‫‪5‬‬
‫أزمات العملة وأسعار الصرف‪ :‬تحدث عندما تتغير أسعار الصرف بسرعة بالغة بشكل‬ ‫ب‪-‬‬
‫يؤثر على قدرة العملة على آداء مهمتها كوسيط للتبادل أو مخزن للقيمة‪ ،‬لذلك تسمى هذه‬
‫األزمة أيض ًا بأزمة ميزان المدفوعات ‪ .Balance of Payments Crisis‬وتحدث‬
‫تل ك األزم ات ل دى اتخ اذ الس لطات النقدي ة ق رارًا بخفض س عر العمل ة نتيج ة عملي ات‬
‫المضاربة‪ ،‬قد تؤدى النهيار سعر تلك العملة‪ ،‬وهو شبيه بما حدث فى تايالند وكان السبب‬
‫المباشر فى اندالع األزمة المالية فى شرق آسيا عام ‪ .1997‬وعلى الرغم من أن قرار‬
‫تعويم أو خفض سعر صرف العملة الوطنية قد يبدو قرارًا تطوعي ًا من السلطة النقدية‪ ،‬اال‬
‫أنه فى أغلب الحاالت يكون قرارًا ضروريَا تتخذه فى حال وجود قصور فى ت دفقات رأس‬
‫الم ال األجن بى أو تزاي د فى الت دفقات الخارج ة‪ .‬بعض تل ك األزم ات له ا أث ر مح دود على‬
‫القط اع غ ير الم الي‪ ،‬أم ا البعض اآلخ ر فيلعب دورًا أساس يًا فى تب اطؤ النم و االقتص ادى‬
‫وحدوث االنكماش بل قد تصل الى درجة الكساد‪.‬‬
‫ت‪ -‬أزمات أسواق المال "حالة الفقاعات"‪ :‬تحدث العديد من األزمات في أسواق المال نتيجة م ا‬
‫يع رف اقتص اديًا بظ اهرة "الفقاع ة" "‪ ."bubble‬حيث تتك ون "الفقاع ة" عن دما يرتف ع س عر‬
‫األصول بشكل يتجاوز قيمتها العادلة‪ ،‬على نحو غير مبرر‪ .‬وهو ما يحدث عندما يكون‬
‫اله دف من ش راء األص ل – كاألس هم على س بيل المث ال – ه و ال ربح الن اتج عن ارتف اع‬
‫سعره وليس بسبب قدرة هذا األصل على توليد الدخل‪ .‬فى هذه الحالة يصبح انهيار أسعار‬
‫األصل مسألة وقت عندما يكون هناك اتجاهًا قويًا لبيع ذلك األصل فيبدأ سعره فى الهبوط‪،‬‬
‫ومن ثم تبدأ حاالت الذعر فى الظهور فتنهار األسعار ويمتد هذا األثر نحو أسعار األسهم‬
‫األخرى سواء في نفس القطاع أو القطاعات األخرى‪.‬‬
‫ثانياً‪ .‬نشأة األزمة المالية العالمية‪:‬‬
‫‪ .1‬بوادر األزمة المالية العالمية – أزمة الرهن العقاري‪:‬‬
‫في المصارف العقارية األميركية‪ ،‬والتي هي بالطبع عبارة عن شركات مساهمة‪،‬‬
‫هناك نوعان من القروض‪ ،‬األول هي القروض بضمانات ويتسم هذا النوع بانخفاض‬
‫س عر الفائ دة ال ذي يص ل إلى ‪ %6‬نتيج ة مض مونية اس ترجاعه‪ ،‬أم ا الن وع اآلخ ر فه و‬
‫القروض بدون ضمانات ويتسم بارتفاع سعر الفائدة إذ يصل إلى ‪ %14‬وذلك نتيجة‬
‫عدم تقديم الزبون لضمانات معينة السترجاعه‪ ،‬وقد ازداد النوع الثاني من القروض‬
‫بصورة كبيرة‪ ،‬ومع هبوط مستوى النشاط االقتصادي في الواليات المتحدة ابتداءًا من‬
‫عام ‪ 2006‬وصعودًا‪ ،‬وارتفاع نسب البطالة والتضخم فقد عجز اغلب المقترضين عن‬

‫‪6‬‬
‫الوفاء بما في ذمتهم من الديون‪ ،‬األمر الذي أدى إلى إعالن أربعة من أكبر مصارف‬
‫التسليف العقاري في الواليات المتحدة إفالسها(‪.)5‬‬
‫فاندلعت بذلك أزمة الرهن العقار ‪ Mortgage Crisis‬في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية في منتصف عام ‪ 2007‬حيث كان هناك ندرة في السيولة في أسواق االئتمان‬
‫واألجهزة المصرفية العالمية‪ ،‬إلى جانب بداية انكماش في قطاع العقارات‪،‬‬
‫والممارسات المرتفعة المخاطرة في اإلقراض واالقتراض‪ ،‬وقد ظهرت األزمة‬
‫بصورتها الحالية عندما انفجرت فقاعة سوق العقارات‪ ،‬والتي نتجت عن تسويق‬
‫العقارات لمحدودي الدخل في الواليات المتحدة بطريقة ملتوية وشروط تبدو سهلة‬
‫للوهلة األولى‪ ،‬ولكن بعقود كانت صياغتها بمثابة فخ لمحدودي الدخل فقد كانت في‬
‫مجملها التفاف علي القوانين الحكومية والحد االئتماني‪ ،‬حيث تضمنت العقود نصوصًا‬
‫تجعل القسط يرتفع مع طول المدة‪ ،‬وعند عدم السداد لمرة واحده تؤخذ فوائد القسط ‪3‬‬
‫أضعاف عن الشهر الذي لم يتم سداده‪ ،‬فضًال عن وجود بنود في العقود ترفع الفائدة‬
‫عند تغيرها من البنك الفيدرالي األمريكي‪ ،‬فيما يسمى بـالرهن العقاري ذو الفائدة القابلة‬
‫للتغيير ‪.Adjustable Rate Mortgages ARM‬‬
‫وقد شهدت السنوات السابقة لذلك تساهًال ملحوظًا في شروط االئتمان واتجاهًا‬
‫طويل المدى الرتفاع أسعار العقارات‪ ،‬حيث ارتفعت أسعار العقارات (بالتحديد السكنية‬
‫منها) بما يقرب ‪ %124‬خالل الفترة ‪ ،2006 -1997‬مما حفز الكثيرين على‬
‫االقتراض لتمويل شراء مساكنهم الخاصة‪ ،‬إذ ارتفع معدل التمليك السكنى في الواليات‬
‫المتحدة األمريكية من ‪ %64‬في ‪ 1996‬إلى ‪ %69.2‬في ‪ ،2004‬وفى ظل االرتفاع‬
‫العام ألسعار تلك العقارات أخذ كثير منهم في االقتراض بضمان قيمتها‪ ،‬التي لم تسدد‬
‫في األساس‪ ،‬وكان االعتماد في هذه القروض بشكل أساسي على قيمة العقار التي تتزايد‬
‫باستمرار في السوق كضمان‪.‬‬
‫وبعد فترة‪ ،‬وتحديدًا خالل عامي ‪ 2006‬و‪ 2007‬بدأت أسعار الفائدة في‬
‫االرتفاع أكثر من المتوقع مما أدى إلى تزايد التزامات محدودي الدخل حيث ارتفعت‬
‫أعباء قروض العقارات التي التزموا بها‪ ،‬باإلضافة إلى القروض التي تشكل قيمة‬
‫العقارات ضمانًا لها‪ ،‬فامتنع الكثيرون عن السداد بعد أن أرهقتهم األقساط المتزايدة‪،‬‬
‫وبدأت أسعار العقارات تنخفض بصورة كبيرة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪(?) Robert J. Shiller and Robert Pozen, Too Big to Save: How to Fix the U.S.‬‬
‫‪Financial System, Copyright In Excerpt for Publish, United States 2009, page 89.‬‬

‫‪7‬‬
‫والحتواء ذلك الوضع قامت البنوك وشركات العقار ببيع ديون المواطنين في‬
‫شكل سندات لمستثمرين عالميين بضمان العقارات‪ ،‬الذين لجأوا بدورهم‪ ،‬بعد أن تفاقمت‬
‫المشكلة‪ ،‬لشركات التأمين التي أوجدت من األزمة فرصه للربح بضمان العقارات فيما‬
‫لو امتنع محدودو الدخل عن السداد‪ ،‬فقامت بتصنيف سندات الديون لفئتين (أ) قابله‬
‫للسداد‪ ،‬و(ب) ال يمكن سدادها وبدأت شركات التأمين بأخذ أقساط التامين علي السندات‬
‫من هؤالء المستثمرين‪.‬‬
‫وفى ظل تلك الظروف قام البنك الفيدرالي األمريكي بخفض أسعار الفائدة حيث‬
‫قام في كانون ثاني ‪ 2008‬بخفض معدل فائدته الرئيسية ثالثة أرباع النقطة إلي ‪3.5‬‬
‫‪ %0‬وهو إجراء ذو حجم استثنائي‪ ،‬ثم تخفيضه تدريجيًا إلي ‪ %2‬بين كانون الثاني‬
‫ونيسان من ذات العام‪.‬‬
‫ولدى تفاقم األزمة وتوقف محدودي الدخل عن السداد‪ ،‬اضطرت الشركات‬
‫والبنوك لمحاولة بيع العقارات محل النزاع والتي رفض ساكنوها الخروج منها‪،‬‬
‫فعجزت قيمة العقار عن تغطية التزامات أيًا من البنوك أو شركات العقار أو التأمين‪،‬‬
‫مما أثر على السندات فطالب المستثمرون بحقوقهم عند شركات التأمين‪ ،‬فأعلنت أكبر‬
‫شركة تأمين في العالم (أيه آي جي ‪ )AIG‬عدم قدرتها على الوفاء بإلتزاماتها تجاه ‪64‬‬
‫مليون عميل تقريًبا مما دفع بالحكومة األمريكية إلى منحها مساعدة بقيمة ‪ 85‬مليار‬
‫دوالر مقابل امتالك ‪ %79.9‬من رأسمالها‪ ،‬ولحق بها كثير من المؤسسات المالية‬
‫األمريكية مثل مورجان ستانلي و جولدمان ساكس‪ ،‬وفى أيلول ‪ 2008‬أعلن بنك "‬
‫األخوة ليمان" ‪ "Lehman Brothers‬إفالسه(‪.)6‬‬
‫و قد ٌقدرت خسائر المؤسسات المالية حول العالم في تموز ‪ 2008‬بما يقرب‬
‫من ‪ 435‬مليار دوالر أمريكي‪ ،‬وشهدت البورصات في أغسطس ‪ 2007‬تدهورًا‬
‫شديدًا أمام مخاطر اتساع األزمة وتدخلت المصارف المركزية لدعم سوق السيولة‪.‬‬
‫ومن ذ ع ام ‪ 2000‬وعن د انفج ار م ا يس مى بفقاع ة االن ترنت أخ ذت قيم العق ارات‬
‫وبالتالي أسهم الشركات العقارية المسجلة بالبورصة باالرتفاع بصورة مستمرة في جميع‬
‫أنحاء العالم خاصة في الواليات المتحدة حتى بات شراء العقار أفضل أنواع االستثمار‬
‫في حين أن األنشطة األخرى بما فيها التكنولوجيا الحديثة معرضة للخسارة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ Financial Market Turmoil Perspective of a Practitioner, Traxis‬و‪(?) Amer Bisat‬‬
‫‪Partners, Beirut, 2008, page 24.‬‬

‫‪8‬‬
‫وأقبل األميركيون أفرادًا وشركات على شراء العقارات بهدف السكن أو االستثمار‬
‫الطوي ل األج ل أو المض اربة‪ ،‬واتس عت التس هيالت العقاري ة إلى درج ة أن المص ارف‬
‫منحت قروضًا حتى لألفراد غير القادرين على سداد ديونهم بسبب دخولهم الضعيفة‪.‬‬
‫وانتفخت الفقاع ة العقاري ة ح تى وص لت إلى ذروته ا ف انفجرت في تم وز ع ام‬
‫‪ 2007‬حيث هبطت قيم ة العق ارات ولم يع د األف راد ق ادرين على س داد دي ونهم ح تى بع د‬
‫بي ع عق اراتهم المرهون ة‪ ،‬وفق د أك ثر من ملي وني أم يركي ملكيتهم العقاري ة وأص بحوا‬
‫مكبلين بااللتزام ات المالي ة طيل ة حي اتهم‪ ،‬ونتيج ة لتض رر المص ارف الدائن ة نتيج ة ع دم‬
‫س داد المقترض ين لقروض هم هبطت قيم أس همها في البورص ة وأعلنت ش ركات عقاري ة‬
‫عديدة عن إفالسها‪.‬‬
‫ولكن انهي ار القيم لم يتوق ف عن د العق ارات ب ل امت د إلى أس واق الم ال وجمي ع‬
‫القطاع ات األخ رى‪ ،‬ففي ع ام ‪ 2000‬لم يق د انفج ار فقاع ة اإلن ترنت بع د انتف اخ دام ع دة‬
‫سنوات إلى أزمة مالية شاملة أو إلى تخوف من حدوث كساد اقتصادي ألن من يشتري‬
‫جه از الكم بيوتر ال يه دف ع ادة االس تثمار أو المض اربة وال يحت اج إلى االق تراض بينم ا‬
‫انفق األفراد جميع مدخراتهم واقترضوا لشراء العقارات‪ ،‬وبناء على ذلك تختلف اآلثار‬
‫المالية واالقتصادية المترتبة عن هبوط أسعار العقار عن تلك المترتبة عن هبوط أسعار‬
‫الكم بيوتر اختالف ا كث يرا‪ ،‬وأدى انفج ار الفقاع ة العقاري ة إلى تراج ع االس تهالك الي ومي‬
‫وبالتالي إلى ظهور مالمح الكساد‪.‬‬
‫‪ .2‬االنتقال إلى أسواق المال‪:‬‬
‫ما لبث أن ظهرت آثار األزمة بأن شهد االقتصاد األمريكي انكماشًا ملحوظًا على‬
‫مدار عام ‪ ،2008‬ظهرت جلية في معدالت البطالة‪ ،‬حيث وصلت معدالت البطالة في‬
‫أيلول ‪ 2008‬الى ‪ %6.1‬وهو المعدل األعلى خالل خمس سنوات‪ ،‬حيث قام أصحاب‬
‫العمل باالستغناء عن ما يقرب من ‪ 605,000‬وظيفة منذ بداية الشهر األول من نفس‬
‫العام‪ ،‬وقد انعكست هذه الصورة السلبية على سوق األوراق المالية في صورة‬
‫انخفاضات حادة في أسعار األسهم والسندات‪.‬‬
‫ولكن كيف حصل هذا االنتقال من شركات العقارات (المصارف العقارية) إلى‬
‫القطاع ات االقتص ادية األخ رى؟ ولكي يتم اإلحاط ة به ذا الموض وع بص ورة جلي ة ن ورد‬
‫المثال األتي‪:‬‬
‫فل و كنت مالك ًا لمجموع ة من األس هم في أح دى الش ركات األميركي ة من غ ير‬
‫شركات العقارات التي أفلست‪ ،‬وذهبت إلى البورصة صباحًا ووجدت أن هناك مجموعة‬
‫من الشركات الكبرى قد أصبح سعر سهمها يساوي صفرًا (وهي الشركات التي أعلنت‬

‫‪9‬‬
‫إفالس ها) م اذا ك ان عس اك أن تفع ل في ه ذه الحال ة‪ ،‬من المؤك د أن ك س تتوقع انخفاض ات‬
‫أخ رى بأس عار األس هم‪ ،‬وس تقوم بع رض األس هم ال تي تمتلكه ا لل بيع خش يًة من انخف اض‬
‫قيمتها‪ ،‬ولكن هذا األمر ال ينطبق عليك فقط بل على مئات الماليين من األشخاص حاملي‬
‫األسهم‪ ،‬وبذلك أصبح عرض األسهم يفوق الطلب عليها بشكل كبير‪ ،‬األمر الذي أدى إلى‬
‫انخفاض أسعار األسهم في كل سوق األوراق المالية األميركية‪ ،‬وحدثت الكارثة في يوم‬
‫االثنين المصادف (‪ )15/9/2008‬الذي كان يوم ًا أسودًا في تاريخ االقتصاد األميركي‪،‬‬
‫ليصبح فيما بعد يومًا أسودًا في تاريخ االقتصاد العالمي أيضًا عندما انتقلت األزمة المالية‬
‫األميركية إلى االقتصاد العالمي برمته‪.‬‬
‫محصلة القول‪ ،‬انه وبعد هذه اللوحة الكئيبة ألحوال المال واالقتصاد األمريكي‬
‫يمكن إطالق تس مية (االث نين األس ود) كمص طلح جدي د يض اف إلى ق اموس اقتص اد‬
‫األزمات والكوارث ليحل محل ذلك اليوم األسود الذي يؤرخ االنهيار المدوي للبورصة‬
‫األميركي ة في ي وم (الخميس األس ود) المص ادف ‪ 24‬تش رين ث اني ‪ 1929‬وال ذي دش ن‬
‫األزم ة االقتص ادية الرأس مالية العالمي ة الك برى ال تي امت دت من ذ ذل ك الت اريخ وح تى‬
‫‪.1933‬‬
‫نحن إذن أمام أزمة عميقة‪ ،‬بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى‪ ،‬يواجهها النظام‬
‫الرأسمالي تتمظهر هذه المرة باالنهيار الذي حصل في النظام المالي الذي هو في الواقع‬
‫تعب ير عن أزم ة بنيوي ة عميق ة دفعت الكث ير من المحللين واالقتص اديين إلى التش بيه بين‬
‫ه ذه األزم ة وبين الكس اد الكب ير أي األزم ة االقتص ادية الرأس مالية العالمي ة الك برى (‬
‫‪.)1933 – 1929‬‬
‫إذن يمكن الق ول إّن األزم ة المالي ة العالمي ة الراهن ة تمث ل أك بر تهدي د راهن‬
‫ومحتمل الستقرار االقتصاد العالمي وللنظام الرأسمالي العالمي على وجه الخصوص‪،‬‬
‫فقد طالت هذه األزمة الجزء األعظم من شعوب وبلدان العالم بدرجات متفاوتة‪ ،‬علما أنها‬
‫تمثل القسم الظاهر من جبل الجليد العائم الذي يخفي أزمات حادة متفجرة‪ ،‬أو على طريق‬
‫االنفج ار‪ ،‬وق د ي ترتب عليه ا تغي ير جوهري في العالق ات الناظم ة لالقتص اد الع المي بين‬
‫مراكزه وإ طرافه وتؤثر على تناسبات القوى الناظمة له في الوقت الحاضر‪.‬‬
‫ويمكن الق ول هن ا أن ثم ة العدي د من الس مات المم يزة لألزم ة المالي ة العالمي ة‬
‫الراهن ة ال تي توض ح عمقه ا وحجم مخاطره ا وم ا تترك ه من تح ديات أيض ا‪ ،‬فمن أهم‬
‫سماتها حّد ة وعمق األزمة‪ ،‬إذ تشير الكثير من الدالئل على أن األزمة حادة وعميقة بكل‬
‫المق اييس ويكمن األم ر في حقيق ة أن ي وم (االث نين األس ود) ه ذا يس جل لحظ ة درامي ة‬
‫خط يرة للغاي ة في النظ ام الم الي األم ريكي والع المي فق د ته اوى‪ ،‬في ذل ك الي وم ك ل من‬

‫‪10‬‬
‫وحتى‬ ‫مصرف ‪ BROTHERS LEHMAN‬ومؤسسة ‪MERRIL LYNCH‬‬
‫نفهم عم ق ت أثير ه ذين المص رفين نحت اج إلى بعض التفاص يل اإلض افية‪ ،‬إذ ُتع د هات ان‬
‫المؤسس تان من أك بر العمالق ة الم اليين‪ ،‬فمثال يع د مص رف ‪BROTHERS‬‬
‫‪ ،LEHMAN‬رابع أكبر مؤسسة مالية استثمارية في الواليات المتحدة يبلغ عم ره ‪158‬‬
‫عاما‪ ،‬وكان هذا المصرف قد أشار‪ ،‬في بيان‪ ،‬إلى أن القيمة اإلجمالية لديونه بلغت ‪613‬‬
‫ملي ار دوالر ح تى ‪ 31‬أي ار الماض ي‪ ،‬ل ذا طلب من الجه ات المختص ة اتخ اذ إج راءات‬
‫طارئة لحمايته من االنهيار الت ام‪ ،‬وذلك وسط تصاعد ح ّد ة أزم ة السيولة التي يشهدها‪،‬‬
‫وج اءت خط وة المص رف بع د تعرض ه لخس ائر بلغت ملي ارات ال دوالرات نجمت عن‬
‫تعامالت ه في س وق اإلق راض العق اري في البالد‪ ،‬حيث س ّج ل في الرب ع األّو ل من الع ام‬
‫الجاري أعظم خسارة في تاريخه‪ ،‬بلغت ‪ 4‬مليارات دوالر‪ ،‬لترفع إجمالي الخسائر منذ‬
‫بداية عام ‪ 2008‬إلى ‪ 6.5‬مليارات دوالر(‪.)7‬‬
‫وق د تس بب إعالن إفالس مص رف ‪ BROTHERS LEHMAN‬مص حوبًا‬
‫بمخ اوف من إق دام المزي د من المص ارف على خط وات مماثل ة‪ ،‬بموج ة ذع ر قوي ة في‬
‫بورص ة وول س تريت‪ ،‬مما دفع المستثمرين إلى بيع األسهم في بداي ة التع امالت‪ ،‬األمر‬
‫الذي انعكس سلبًا على مؤشرات البورصة األميركية‪.‬‬
‫كم ا ت زامن م ع لج وء ‪ BROTHERS LEHMAN‬إلى اإلفالس‪ ،‬إعالن المص رف‬
‫االس تثماري الض خم‪ MERRIL LYNCH ،‬ال ذي ك ان ه و اآلخ ر يئن تحت وط أة‬
‫أزم ة االئتم ان الراهن ة‪ ،‬أّن ه واف ق على بي ع أص وله إلى‪،BANK OF AMERICA‬‬
‫بقيمة ‪ 50‬مليار دوالر وذلك في صفقة سينجم عنها نشوء أكبر شركة للخدمات المالية‬
‫في الع الم‪ ،‬من أج ل تجّنب اس تفحال أك ثر لألزم ة المالّي ة ال تي تعص ف بالبورص ات من‬
‫دون هوادة‪.‬‬
‫ومن جه ة أخ رى لم يكن ‪ MERRIL LYNCH‬الوحي د ال ذي ك ان مكش وفًا‬
‫انكشافًا فاضحًا على المصرف المفلس‪ ،‬فشركة التأمين األميركّي ة العمالقة ‪AIG،MER‬‬
‫‪ ،ICAN INTERNATIONAL‬ك انت معّر ض ة النعك اس مخ اطر‬ ‫‪GROUP‬‬
‫انهي ار ‪ LEHMAN BROTHERS‬عليه ا‪ ،‬وس عت إلى الحص ول على ق رض من‬
‫الفي درالي األم يركي‪ ،‬لمواجه ة إمك ان تقليص درجته ا في الس وق وإ مك ان انهي ار س عر‬
‫س همها‪ ،‬بع دما انخفض ت قيمت ه بنس بة ‪ 80‬في المائ ة‪ ،‬وبع دما أعلنت الش ركة عن نيته ا‬
‫إعادة جدولة ديونها المالية‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪(?) Financial Crisis Loans, International Monetary Found, March 2009.‬‬

‫‪11‬‬
‫وما يزيد من حجم الكارثة‪ ،‬هو أن انهيار هذه المؤسسات يترافق مع سحب كميات‬
‫ض خمة من الس يولة‪ ،‬األم ر ال ذي س يؤدي إلى تب اطؤ في االقتص اد‪ ،‬تتف اوت التوقع ات في‬
‫مدى تحوله إلى كساد على غرار أزمة الثالثينيات‪.‬‬
‫فض ًال عن ذلك‪ ،‬يتخوف المحللون من أن تؤدي تص فية أصول المصارف المفلس ة‬
‫إلى انهي ار قيم ة أص ول المؤسس ات األخ رى‪ ،‬وبالت الي تآك ل رس اميلها‪ ،‬وفق دانها ثق ة‬
‫العمالء بمالءمتها‪ ،‬ما سيدخل االقتصاد المعولم في حلقة مفرغة من االنهيارات‪.‬‬
‫ه ذا م ع العلم أن ع دد إجم الي المؤسس ات المالي ة الواقع ة تحت مظل ة الت أمين‬
‫الفيدرالي في الواليات المتحدة يصل إلى ‪ 1800‬مؤسسة‪ ،‬تمتلك حوالي (‪ )13‬تريليون‬
‫دوالر من األص ول‪ ،‬في حين يبل غ إجم الي ال دين الحك ومي األم يركي ‪ 9‬تريلي ون دوالر‪،‬‬
‫فيما بلغ عجز الموازنة ‪ 450‬مليار دوالر‪.)8(2006‬‬

‫‪ .3‬دور المصارف األميركية في تطور األزمة(‪:)9‬‬


‫كان لسلوك المصارف األميركية دور كبير في ظهور األزمة المالية الحالية ومن ثم‬
‫تطورها ووصولها إلى ما وصلت إليه اآلن‪ ،‬ولكي يمكننا توضيح هذا الدور ينبغي علينا‬
‫توضيح أمرين في غاية األهمية‪ ،‬األول هو ما يسمى (التزامات الدين المهيكل ‪CDO‬‬
‫‪ ollateralized debt obligations‬وعقود مبادلة الديون ‪CDS credit default‬‬
‫‪ )swap‬والثاني (اتفاقيتي بازل ‪ 1‬وبازل ‪.)2‬‬
‫أ‪ .‬التزامات الدين المهيكل ‪ CDO‬وعقود مبادلة الديون ‪:CDS‬‬
‫يدخل مصطلحي (‪ CDO‬و ‪ )CDS‬ضمن مصطلح مالي أعم يسمى التوريق المصرفي‬
‫‪ Securitization‬وهو أداة مالية حديثة بدأ بروزها كظاهرة بشكل خاص في الثمانينات من‬
‫هذا القرن في الواليات المتحدة األميركية‪ ،‬تساعد هذه األداة بقيام مؤسسة مالية بحشد‬
‫مجموعة من الديون المتجانسة والمضمونة كأصول‪ ،‬ووضعها في صورة دين واحد معزز‬
‫ائتمانيًا ثم عرضه على الجمهور من خالل منشأة متخصصة لالكتتاب في شكل أوراق مالية‬
‫ضمانا للتدفق المستمر للسيولة النقدية للبنك‪ ،‬لذلك يتمثل مصطلح التوريق أو (التسنيد) في‬
‫تحويل القروض إلى أوراق مالية قابلة للتداول ‪ Marketable Securities‬أي تحويل‬
‫الديون من المقرض األساسي إلى مقرضين آخرين‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪(?) Arthur Lyon Dahl, The Financial Crisis and Consumer Citizenship,‬‬
‫‪International Environment Forum, paper presented at the Sixth‬‬
‫‪9‬‬
‫‪(?) For more information see: International Conference of the Consumer‬‬
‫‪Citizenship Network Berlin, 23-24 March 2009‬‬

‫‪12‬‬
‫وعلى ذلك‪ ،‬تبدو القروض المصرفية وكأنها قروض مؤقتة أو معبرية ‪ Bridging‬أي‬
‫تنتقل القروض عبرها من صيغة القرض المصرفي إلى صيغة األوراق المالية‪ ،‬فباالعتماد‬
‫على الديون المصرفية القائمة‪ ،‬يمكن خلق أصول مالية جديدة‪ ،‬وتوفير تدفقات نقدية‪،‬‬
‫وتتلخص طريقة التوريق في الخطوات التالية‪:‬‬
‫‪ ‬تبيع المؤسسة المالية بعض أصولها المضمونة بسعر مخفض لمنشأة غرض إنشائها فقط‬
‫لشراء هذه األصول التي ترغب المؤسسة في توريقها وذلك حتى تخرج هذه األصول من‬
‫الذمة المالية للمؤسسة‪.‬‬
‫يتم نقل األصول بضماناتها والتي هي عبارة عن مديونية على مدينين للمؤسسة المالية‬ ‫‪‬‬
‫مضمونة برهن أو ملكية لدى المؤسسة المالية إلى المنشأة ذات اإلغراض الخاصة‪.‬‬
‫‪ ‬تصدر المنشأة ذات اإلغراض الخاصة وتسمى (المصدر) سندات بقيمة تعادل قيمة‬
‫الديون محل التوريق للحصول على السيولة عن طريق بيعها على المستثمرين‪.‬‬
‫تستخدم المنشأة ذات اإلغراض الخاصة السيولة المتحصلة من بيع السندات لسداد قيمة‬ ‫‪‬‬
‫األصول للمؤسسة المالية‪.‬‬
‫‪ ‬تكون الفوائد على هذه السندات متوافقة مع فوائد الديون األصلية‪.‬‬
‫‪ ‬أن عملية التوريق تخدم المؤسسات المالية الدائنة من حيث األتي‪:‬‬
‫‪ ‬توفر لها السيولة النقدية الكافية للدخول في عمليات تمويل جديدة‪.‬‬
‫التوسع في نشاطها‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫يساعد المؤسسة المالية على تحسين قوائمها المالية وذلك بالتحرر من قيود مبدأ كفاية‬ ‫‪‬‬
‫رأس المال ومخصصات الديون‪.‬‬
‫أن عملية التوريق تساعد المؤسسة المالية في تحويل األصول غير السائلة إلى أصول‬ ‫‪‬‬
‫سائلة يمكن إعادة توظيفها مرة أخرى‪.‬‬
‫تساعد في توزيع المخاطر االئتمانية على قاعدة عريضة من الدائنين‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أن تقنين عملية التوريق وإ يجاد سوق لها يخدم القطاعات التي تحتاج إلى تمويل طويل‬ ‫‪‬‬
‫األجل مثل تمويل الرهن العقاري وغيره من أنواع التمويل القائم على األصول حيث‬
‫يصبح منح التمويل من المؤسسة المالية بمثابة جسر للوصول إلى عملية التوريق وهذا‬
‫يشجع المؤسسات التمويلية على الدخول في عمليات التمويل طويلة األجل‪.‬‬
‫أن عملية التوريق تؤدي إلى توسيع السوق المالية وتنشيطها عبر تعبئة الموارد المالية‬ ‫‪‬‬
‫المختلفة وتنويع األدوات االستثمارية المعروضة فيها‪.‬‬
‫هذه هي فوائد عملية التوريق بالنسبة للمؤسسات المالية الدائنة ولكن ماهي اإلضرار التي‬
‫جلبتها على االقتصاد األميركي؟‬

‫‪13‬‬
‫إن أج زاء عملي ة التوري ق ال تي هي التزام ات ال دين المهيك ل ‪ CDO‬وعق ود مبادل ة‬
‫الديون ‪CDS‬تم استخدامها بصورة غير قانونية في المصارف العقارية األميركية‪ ،‬فعندما‬
‫تجمعت لدي مصارف العقارات األميركية محافظ كبيرة من الرهونات العقارية (‪،)CDO‬‬
‫فإنه ا لج أت إلي اس تخدام ه ذه المحاف ظ من الرهون ات العقاري ة إلص دار أوراق مالي ة جدي دة‬
‫يقترض بها من المؤسسات المالية األخرى بضمان هذه المحافظ‪ ،‬فكأن المصارف لم تكتف‬
‫ب اإلقراض األولي بض مان ه ذه العق ارات‪ ،‬ب ل أص درت موج ة ثاني ة من األص ول المالي ة‬
‫بض مان ه ذه الره ون العقاري ة‪ ،‬أو ماي دعى الـ(‪ )CDS‬وهن ا أص بحت العملي ة غ ير قانوني ة‪،‬‬
‫فالمصارف تقدم محافظها من الرهونات العقارية كضمان لالقتراض الجديد من السوق عن‬
‫طري ق إص دار أوراق مالي ة مض مونة بالمحفظ ة العقاري ة‪ ،‬وهك ذا ف إن العق ار الواح د يعطي‬
‫مالكه الحق في االقتراض من المصرف‪ ،‬ولكن المصرف يعيد استخدام نفس العقار ضمن‬
‫محفظ ة أك بر‪ ،‬لالق تراض بموجبه ا من جدي د من المؤسس ات المالي ة األخ رى‪ ،‬وه ذه هي‬
‫المشتقات المالية‪ ،‬وتستمر العملية في موجة بعد موجة‪ ،‬بحيث يولد العقار طبقات متتابعة من‬
‫اإلق راض بأس ماء المؤسس ات المالي ة واح دة بع د األخ رى‪ ،‬وهك ذا أدى ترك ز اإلق راض في‬
‫قطاع واحد‪ ،‬وهو قطاع العقارات‪ ،‬على زيادة المخاطر‪ ،‬فساعدت األدوات المالية الجديدة‬
‫(التوريق) على تفاقم هذا الخطر بزيادة أحجام اإلقراض موجة تلو الموجه(‪.)10‬‬
‫ًب ‪ .‬اتفاقيتي بازل ‪ 1‬وبازل ‪.2‬‬
‫من المع روف أن النظ ام المص رفي في االقتص اد المعاص ر ُيع د بمثاب ة القلب من الجس د‪،‬‬
‫وأن النقود ُتع ُّد بمثاب ة الدم الذي يضخه هذا القلب المصرفي في عروق‪ -‬أي أنشطة‪ -‬هذا‬
‫الجسد االقتصادي‪ ،‬ويتك َّو ن النظام المصرفي من‪ :‬البنك المركزي والمؤسسات النقدية؛ أي‬
‫المص ارف وش ركات الت أمين وس وق الم ال‪ ،‬ويق وم الفن المص رفي على المواءم ة بين‬
‫اعتب ارين متناقض ين‪ :‬الثق ة أو الس يولة من ناحي ة‪ ،‬والعائ د أو الربحي ة من ناحي ة أخ رى؛‬
‫فالمصرف كمشروع اقتصادي يتعَّين عليه أن يحقق ربًح ا ألصحابه المساهمين وكمشروع‬
‫اقتصادي من نوع خاص بحسب طبيعة نشاطه‪ ،‬وهي التعامل في االئتمان‪ ،‬يتعَّين عليه أن‬
‫يحافظ على حد معين من السيولة في أصوله حتى يكتسب ثقة المتعاملين معه بأنه يستطيع‬
‫أن يلبي طلباتهم بالدفع نقًد ا عند الطلب‪ ،‬أو بعد ترتيبات معينة‪.‬‬
‫وعلى ذل ك إذا رَّك ز المص رف على اعتب ار واح د من ه ذين االعتب ارين؛ فإن ه يفق د ش رط‬
‫وج وده في الس وق المص رفي‪ ،‬ف إذا وَّج ه ج ل م وارده المالي ة لمقابل ة اعتب ار الثق ة‪ -‬أي‬
‫السيولة‪ -‬فإن هذه السياسة ستكون على حساب االعتبار الثاني وهو الربحي ة‪ ،‬ومن ثم يص بح‬

‫‪10‬‬
‫‪(?) James V. DeLong, REGULATORS AND THE FINANCIAL CRISIS,‬‬
‫‪Convergence Law Institute, United States, April 14, 2008.‬‬

‫‪14‬‬
‫مش روًع ا غ ير م ربح ال م برر إًذ ا لوج وده‪ ،‬وإ ذا وظ ف ج ل م وارده في أص ول مثم رة؛ أي‬
‫مدَّر ة لعوائد مرتفعة نسبًّيا كاألوراق المالية طويلة األجل؛ أي األسهم والسندات والقروض‪،‬‬
‫سيكون ذلك على حساب السيولة‪ ،‬وبالتالي الثقة؛ حيث سيفقد ثقة عمالئه ألنه لن يستطيع أن‬
‫يستجيب لطلباتهم بالدفع نقًد ا‪ ،‬ومن ثم يفقد مبرر وجوده كمؤسسة نقدية‪..‬‬
‫وعليه يتأسس الفن المصرفي في أن يش ِّك ل البنك مجموع أصوله؛ بما يضمن له السيولة‬
‫الكافي ة م ع ال ربح المناس ب‪ ،‬وع ادًة م ا ت تراوح نس بة األص ول الس ائلة م ا بين (‪ )%30‬و(‬
‫‪ )%40‬من مجم وع األص ول الكلي ة للمص رف حس ب اتف اقيتي ب ازل ‪ 1‬وب ازل ‪ 2‬اللت ان‬
‫وضعتا أسس العمل المصرفي‪.‬‬
‫خالل السنوات القليل ة الس ابقة لعام ‪ ,1999‬قامت لجنة بازل للرقاب ة على البنوك بعمل‬
‫جاد إلصدار اتفاق بازل ‪ 2‬الخاص بمعيار كفاية رأس مال المصارف‪ ،‬وقد جاء هذا االتفاق‬
‫كرد فع ل على األزم ة المالي ة التي عص فت باألس واق األس يوية في األعوام ‪1998-1997‬‬
‫ال تي ك ان أح د أهم أس بابها ض عف الرقاب ة المص رفية على احتياط ات المص ارف الخاص ة‪،‬‬
‫األمر الذي أدى إلى ارتفاع درجة المخاطر‪.‬‬
‫فقد قامت اللجنة بدراسة أسباب األزمات المصرفية في كثير من الدول واتضح من تلك‬
‫الدراس ات أن أهم األس باب ال تي أدت إلى تل ك األزم ات هي ع دم إدارة المص ارف للمخ اطر‬
‫المص رفية ال تي تتع رض له ا وض عف الرقاب ة الداخلي ة والخارجي ة (الس لطات الرقابي ة‬
‫الوطني ة)‪ ,‬ل ذا ف إن االتف اق الجدي د رك ز على معالج ة تل ك األس باب لض مان ق وة المص ارف‪،‬‬
‫وخالل الف ترة ‪ 2003- 1999‬ق امت اللجن ة ب إجراء العدي د من التع ديالت على الطبع ة‬
‫األولى ال تي ص درت في ع ام ‪ 1999‬ح تى ص درت الطبع ة الثالث ة في نيس ان ‪ ،2003‬وق د‬
‫رك ز االتف اق الجدي د (ب ازل‪ )2‬على تقوي ة إط ار رأس الم ال الق انوني أو الرق ابي (‬
‫‪ )Regulatory Capital‬من خالل متطلب ات الح د األدنى ل رأس الم ال بحيث يك ون أك ثر‬
‫حساسية للمخاطر التي يتعرض لها البنك وفي الوقت نفسه تعطي حوافز للبنوك التي تدير‬
‫المخاطر التي تتعرض لها بصورة جيدة‪.‬‬
‫وق د أك دت اتف اقيتي ب ازل بص ورة كب يرة على الرقاب ة المص رفية إذ وجهت؛ أن ه في ح ال‬
‫تط بيق المب ادئ األساس ية للرقاب ة المص رفية الفّعال ة‪ ،‬ف إن ذل ك س وف يس اعد في تحقي ق‬
‫االس تقرار الم الي في البل د ال ذي يق وم بتطبيقه ا‪ ،‬وج اء المب دأ األول من االتفاقي ة بم ا نص ه‬
‫(يجب أن يتضمن نظام الرقابة المصرفية الفّع ال مسؤوليات وأهداف واضحة ومحددة لكل‬
‫هيئ ة تش ارك في الرقاب ة على المص ارف‪ ،‬وينبغي أن تمل ك ك ل من ه ذه الهيئ ات اس تقاللية‬
‫العم ل والم وارد الكافي ة‪ ،‬كم ا أن ه من الض روري وج ود إط ار ق انوني مناس ب‪ ،‬يتض من‬
‫تعليم ات تنفيذي ة تتعل ق ب ترخيص المؤسس ات المص رفية ورقابته ا المس تمرة وإ عط اء الجه ة‬

‫‪15‬‬
‫الرقابي ة ص الحيات ف رض االل تزام بالتعليم ات الرقابي ة ذات العالق ة بالس المة والحماي ة‬
‫المالي ة‪ ،‬كم ا أن ه ذه التعليم ات يجب أن تمنح الس لطة الرقابي ة والمراق بين الحماي ة القانوني ة‪،‬‬
‫والسماح بتبادل المعلومات بين الجهات الرقابية وحماية سرية هذه المعلومات)‪.‬‬
‫األزم ة ال تي يعيش ها الع الم اآلن بعام ة‪ ،‬وتعيش ها الوالي ات المتح دة األمريكي ة بخاص ة‪،‬‬
‫نجمت عن ع دم االل تزام‪ ،‬به ذه المتطلب ات من قب ل المص ارف‪ ،‬ومن إهم ال االحتي اطي‬
‫الفي درالي في القي ام بواجبات ه اإلش رافية والرقابي ة والتفتيش ية‪ ،‬ومن ثم وقعت األزم ة المالي ة‬
‫الح ادة‪ ،‬وال تي امت دت إلى ال دول األوروبي ة‪ ،‬ودول جن وب ش رق آس يا والياب ان والص ين ثم‬
‫ال دول النامي ة‪ ،‬تن ذر بكس اد ع المي كالكس اد الع المي العظيم في أواخ ر العش رينيات وأوائ ل‬
‫الثالثينيات من القرن الماضي‪.‬‬
‫َفَج رًي ا وراء أقص ى ربح وأس رعه‪ ،‬أف رطت المؤسس ات النقدي ة في تق ديم كٍّم ض خٍم للغاي ة‬
‫من القروض لألفراد‪ ،‬وبالذات في مجال الرهن العقاري‪ ،‬دونما دراسة دقيقة‪ ،‬ودونما اعتبار‬
‫للسيولة وكفاية رأس المال‪ ،‬مما أدى إلى تعثر الكثير من المقترضين عن السداد‪ ،‬في الوقت‬
‫ال ذي انخفض ت في ه أس عار العق ارات‪ ،‬ومن ثم غ رق المواطن ون في ال ديون‪ ،‬وأص بحت‬
‫المؤسس ات النقدي ة على مش ارف اإلفالس‪ ،‬وس اعد على ه ذا الوض ع الم أزوم أربع ة‬
‫عوامل‪:)11‬‬
‫(‬

‫األول‪ :‬يتمثل في شبه غياب الرقابة من قبل السلطات النقدية على العمل المصرفي‪ ،‬خاص ًة‬
‫أن أك ثر من أربع ة أخم اس ه ذا العم ل ك ان يتم خ ارج بن ود الميزاني ة‪ ،‬وبالت الي ال يخض ع‬
‫رس ميًا للرقاب ة‪ ،‬رغم علم ه ذه الس لطات به ذه الحقيق ة‪ ،‬وعلي ه ك ان ذل ك أدعى أن تعم ل على‬
‫إخضاع هذا النشاط لرقابتها‪.‬‬
‫والث‪G‬اني‪ :‬ي تركز في المض اربات‪ ،‬أي المق امرة المحموم ة في وول س تريت‪ ،‬وال تي تتص اعد‬
‫بال ضابط وال رابط وال منطق‪ ،‬كلما تقَّلصت الثقة في السوق وفي االقتصاد‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬يدور حول انتشار استخدام أدوات مالية مبتكرة‪ ،‬وهي المشتقات (‪)CDO,CDS‬‬
‫أي المتاجرة في المخاطر‪ ،‬فقامت هذه األدوات على إعادة بيع القروض العقارية‪ ،‬وغيرها‬
‫من القروض‪ ،‬المشكوك فيها في شكل أوراق مالية‪ ،‬وتم تداول هذه األوراق‪ ،‬وتنطوي هذه‬
‫المعامالت بالطبع على محظورات‪ ،‬فهي بيع اإلنسان ما لم يملك‪ ،‬وبيع الدّين بالدّين‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬ينحص ر في فس اد اإلدارة العلي ا في كث ير من ه ذه المؤسس ات المالي ة الك برى‪ ،‬مم ا‬
‫جعله ا ال تهتم كث يرًا بالقواع د المص رفية ق در اهتمامه ا بالمرتب ات الخيالي ة والح وافز‬

‫‪11‬‬
‫‪(?) For more information see: Financial Crisis 2008, Weekly Global Economic‬‬
‫‪Overview, Prepared by USAID Economic Analysis and Data Services under‬‬
‫‪contract RAN-M-00-07-00004-00‬‬

‫‪16‬‬
‫التصاعدية التي كانت تتقاضاها‪ ،‬فمثًال بلغت مرتبات ومكافآت رئيس بنك ليمان براذرز (‬
‫‪ )486‬مليون دوالر عن عام ‪2007‬م‪.‬‬
‫ووصل النظام المصرفي األمريكي في النهاية إلى درجة من فقدان الثقة‪ ،‬أدت إلى حالة‬
‫التجم د االئتم اني‪ ،‬فال يوج د أي إق راض واق تراض بين المص ارف‪ ،‬وال يوج د أي إق راض‬
‫لقطاع األعمال أو المستهلكين‪ ،‬ومن ثم توجد حالة شلل يكاد يكون كامًال في التيارات النقدية‬
‫المحرك ة للتي ارات الحقيقي ة‪ ،‬أي للنش اط االقتص ادي العي ني‪ ،‬خاص ًة إذا أض فنا إلى ذل ك‬
‫اإلحج ام ش به الكام ل من المس تهلك األم ريكي عن اإلنف اق خوف ًا من واحتياًط ا للط وارئ في‬
‫المس تقبل‪ ،‬وهن ا تك ون بداي ة االنهي ار الكب ير‪ ،‬ليس في س وق الم ال فحس ب‪ ،‬وإ نم ا أيًض ا في‬
‫أساسيات االقتصاد‪.‬‬
‫ثالثًا‪ .‬آثار األزمة المالية العالمية على اقتصادات الوطن العربي‪:‬‬
‫‪ .1‬آثار األزمة المالية العالمية على االقتصادات العربية بصورة عامة‪:‬‬
‫انعكس ت األزم ة المالي ة األميركي ة على معظم اقتص ادات دول الع الم ح تى أنه ا أص بحت‬
‫تلقب باألزم ة المالي ة العالمي ة‪ ،‬وبم ا أن ال دول العربي ة ج زء من منظوم ة االقتص اد الع المي‬
‫فإنها تأثرت بهذه األزمة‪ ،‬وأن مدى تأثر الدول العربية أعتمد على حجم العالقات االقتصادية‬
‫المالي ة بين ال دول العربي ة والع الم الخ ارجي‪ ،‬فك ان األث ر المباش ر لألزم ة المالي ة على ال دول‬
‫العربية قليًال جدًا نتيجة محدودية انكشاف المنطقة للبنوك األوروبية واألميركية وشبه انغالق‬
‫النظم المالي ة باس تثناء دول الخليج الع ربي‪ ،‬بخاص ة اإلم ارات والس عودية وقط ر‪ ،‬وفى ه ذا‬
‫اإلط ار يمكنن ا تقس يم ال دول العربي ة إلى ثالث مجموع ات من حيث م دى تأثره ا باألزم ة‪،‬‬
‫وهي(‪:)12‬‬
‫‪ ‬المجموعة األولى‪ :‬هي ال دول العربي ة ذات درج ة االنفت اح االقتص ادي والم الي المرتفع ة‬
‫وتشمل دول مجلس التعاون الخليجي ولبنان‪.‬‬
‫‪ ‬المجموعة الثانية‪ :‬وهى الدول العربية ذات درجة االنفتاح المتوسطة أو فوق المتوسطة‬
‫ومنها مصر واألردن والعراق والمغرب العربي‪.‬‬
‫‪ ‬المجموعة الثالثة‪ :‬وهى الدول العربية ذات درجة االنفتاح المنخفضة ومنها السودان‪.‬‬
‫فبالنسبة للمجموعة األولى ف إن ص ادراتها تمثل نسبة كبيرة من الناتج المحلي‪ ،‬ويعتبر النفط‬
‫هو المص در ال رئيس لل دخل الوط ني إذ يوفر ‪ %80‬من عائ داتها‪ ،‬وق د ك ان من أهم نت ائج األزم ة‬
‫انخف اض أس عار النف ط العالمي ة نتيج ة النخف اض الطلب علي ة من قب ل ال دول الص ناعية الك برى‪،‬‬
‫وج اء ه ذا االنخفاض بس بب انخفاض الطلب على منتج ات تل ك ال دول وبالت الي إغالق الكث ير من‬

‫)) للمزي د من المعلوم ات أنظ ر‪ :‬نبي ل ن ايف ح اجي‪ ،‬فرص ة اإلنق اذ قائم ة‪ ،‬المرك ز الع ربي للدراس ات‬ ‫‪12‬‬

‫واالستشارات المالية والمصرفية‪،‬القاهرة‪،2009،‬ص‪.23‬‬

‫‪17‬‬
‫المص انع وخفض إنتاجي ة المص انع األخ رى‪ ،‬األم ر ال ذي أدى إلى تقلي ل طلب تل ك المص انع على‬
‫الطاقة‪ ،‬فنجد أن أسعار النفط انخفضت من حوالي ‪ 147‬دوالرا للبرميل في شهر تموز ‪2008‬‬
‫إلى أق ل من ‪ 40‬دوالرا للبرمي ل الواح د في نهاي ة ك انون أول من نفس الع ام‪ ،‬أي انخفض ت بنس بة‬
‫‪ ،%72‬ومما ال شك فيه أن هذا االنخفاض الحاد سيؤثر على وضع الموازنات العامة للسنوات‬
‫القادم ة وعلى مع دالت النم و االقتص ادي لتل ك البل دان‪ ،‬إذ اس تثمرت ال دول العربي ة النفطي ة في‬
‫األسواق المالية الغربية‪ ،‬وبخاصة في السوق األميركي أكثر من ‪ 400‬مليار دوالر في السنوات‬
‫األربع الماضية من فائض عوائد النفط(‪.)13‬‬
‫من ناحي ة أخ رى‪ ،‬يالح ظ أن النش اط الم الي ل دول الخليج الع ربي في الع الم الخ ارجي كب ير‪،‬‬
‫حيث تم اس تثمار ج زء ال يس تهان ب ه من عوائ د النف ط‪ ،‬وحيث يالح ظ أن دول الخليج أص بحت‬
‫تمتلك صناديق ثروات سيادية(*) تستثمر في الخ ارج خصوص ا في الوالي ات المتح دة وأوروب ا‪ ،‬إذ‬
‫تش ير بعض التقديرات إلى أن خس ائر ص ناديق الثروات الس يادية في الدول الناش ئة بم ا فيه ا دول‬
‫الخليج كبيرة‪ ،‬وتقدر االستثمارات العربية بالخارج بحوالي ‪ 2.4‬تريليون دوالر(‪.)14‬‬
‫ومم ا ال ش ك في ه أن هن اك بعض الص ناديق ال تي يمكن أن تك ون له ا اس تثمارات في بعض‬
‫المؤسس ات المالي ة المتع ثرة‪ ،‬وكم ا هو معلوم ف إن ه ذه االس تثمارات مملوك ة للحكومات واألف راد‬
‫ولكن معظمها يعود لدول الخليج وسوف تتأثر تلك االستثمارات بحسب الجهة التي يتم االستثمار‬
‫فيها‪ ،‬وكلما كانت تلك الجهة تتميز بدرجة عالية من المخاطر‪ ،‬فإن درجة التعرض إلى خسائر‬
‫تكون أكبر‪.‬‬
‫أما بالنسبة للبورصات فإن حالة الخوف والفزع هي التي أصابت المستثمرين في العالم كله‬
‫ابتداء من أميركا‪ ،‬حيث انهارت بورصة وول ستريت‪ ،‬مرورا بالبورصات في معظم دول العالم‬
‫ومنها إلى البورصات العربية وخصوصا الخليجية والمصرية‪.‬‬
‫وبالنسبة لألسواق والمؤسسات المالية العربية فليس من المرجح أن تواجه تغيرات جوهرية‬
‫في أنظمتها ذلك أنها متحوطة أصال بنسبة أكثر بكثير مما هو عليه الحال في الواليات المتحدة‬
‫لكن يتوق ع أن تح د من محافظه ا المالي ة المس تثمرة في البورص ات العالمي ة‪ ،‬وس تعود األس واق‬
‫المالية تدريجيا لتعكس مستوى أداء مؤسساتها المسجلة لكن التغيرات السعرية فيها ستكون بسيطة‬
‫جدًا‪ ،‬فعهد التغيرات السعرية الكبيرة اآلن توقف مع توقع خروج الكثير من المضاربين في ضوء‬
‫تدنى أرباح المضاربة كنتيجة‪ ،‬واتجاههم ألشكال أخرى من النشاطات الربحية‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫)?(‬
‫‪Impact of the International Financial Crisis on MENA Capital Markets, Forum‬‬
‫‪on the Current International Financial Crisis: Implications and Lessons for Arab‬‬
‫‪Region, Beirut, Lebanon, 2008, page 15.‬‬
‫( *) الصناديق السيادية هي األموال التي يحتفظ به ا القط اع الع ام (الدول ة) ويق وم بأس تثمارها في األس هم و‬
‫السندات‪ ،‬أو استخدامها وقت الحاجة‪.‬‬
‫‪ )?( 14‬نبيل نايف حاجي‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.25‬‬

‫‪18‬‬
‫أما في مجال المصارف‪ ،‬فأن اتجاه المصارف العربية كلها إلى التراجع ساحبة معها أسواق‬
‫المال العربية وخاصة في أسواق دول الخليج العربي‪ ،‬الذي شهدت مؤشراته سيطرة كاملة للون‬
‫األحم ر‪ ،‬وس ط خس ائر قاس ية س يطرت على قط اعي العقارات والمص ارف في مختلف األس واق‪،‬‬
‫وذلك مع استمرار القلق حول مصير بعض النشاطات االستثمارية التي تجمع هذين القطاعين في‬
‫ع دة دول في المنطق ة‪ ،‬وكنت اج لالزم ة فق د س حبت الكث ير من الص ناديق االس تثمارية األجنبي ة‬
‫أموالها من األسواق المالية العربية‪ ،‬أما لمواجهة األزمة هناك أو تحسبًا لما هو أسوأ‪ ،‬ولو توسع‬
‫هذا السحب مع توسع األزمة سيسبب كارثة ألسواق المال العربية‪ ،‬إذن االقتصاد العالمي يعمل‬
‫وفق نظرية األواني المستطرقة وال يوجد اقتصاد خارج العالم(‪.)15‬‬
‫أصبحت األزمة العالمية حديث الموظفين والشريحة المتوسطة الدخل في مدن الخليج‪ ،‬حيث‬
‫ي رحب أغلب ه ؤالء ب أي تغ ير في الوس ط الم الي ال دولي أو المحلى من ش أنه أن ي ؤثر في هب وط‬
‫أس عار العق ارات واإليج ارات ال تي ض اقوا به ا ذرع ا‪ ،‬وال ح ديث ه ذه األي ام في العدي د من ال دول‬
‫الخليجي ة إال عن األزم ة المالي ة العالمي ة‪ ،‬حيث ظه رت داخ ل الش ارع الخليجي مجموع ة من‬
‫األسئلة بعد وقوع هذه األزمة‪ ،‬بدءًا من تساءل كثير من المواطنين حول كيفية انعكاس هذه األزمة‬
‫عليهم من ناحي ة تك اليف الس لع ال تي ارتفعت في الف ترة األخ يرة بحج ة ارتف اع أس عار النف ط‬
‫والتض خم وارتفاع الطلب‪ ،‬وه ل سنش هد تراجع ا في أس عار العقارات بعد القفزات الالمعقول ة في‬
‫أسعارها خالل السنة الماضية‪ ،‬وهل ستعود أسعار مواد البناء لما كانت عليه في السابق‪.‬‬
‫إن ض بابية الص ورة ألقت بثقله ا على األس واق المالي ة الخليجي ة ال تي ت أثرت بش كل أك بر مم ا‬
‫تأثرت به األسواق المالية العالمية األخرى ولسبب مهم هو عدم توافر معلومات لدى المستثمر‬
‫تتيح له تقييم آثار هذه األزمة بشكل دقيق‪ ,‬وبالتالي شمل الهبوط جميع قطاعات األسواق المالية‬
‫الخليجية دون التفرقة بين المتأثر بشكل مباشر كالمصارف التجارية أو المتأثر بشكل غير مباشر‬
‫كالشركات الصناعية‪.‬‬
‫أم ا ت داعيات األزم ة المالي ة على األس واق المالي ة ل دول الخليج ف أن ال دول الخليجي ة ومص ر‬
‫وال تي تمتل ك أس واقًا مالي ة أك ثر انفتاح ًا على األس واق الدولي ة ق د ت أثرت به ذه األزم ة باعتب ار أن‬
‫عوائ د النف ط فيه ا تش كل المص در األساس ي لل دخل ومن المؤك د أن فوائض ها المالي ة س تتراجع بم ا‬
‫ينعكس على مش اريع التنمي ة فيه ا بحجم االس تثمارات العربي ة الكب يرة في األس واق المالي ة‬
‫األمريكية‪.‬‬
‫أن هن اك ثالث ة مص ادر لت أثر دول الخليج الع ربي وال دول العربي ة ذات االنفت اح االقتص ادي‬
‫العالي باألزمة‪ ،‬األول تأثر المؤسسات المالية التي تملك حيازات في سندات الرهن العقاري أو‬

‫‪15‬‬
‫)) د‪ .‬نبيل حشاد‪ ،‬األزمة المالية العالمية وانعكاساتها علي البنوك العربية‪ ،‬بحث مقدم إلي ندوة االتح اد الع ام‬
‫االتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبالد العربية‪ ،‬بيروت‪ ،2008 ،‬ص ‪.16‬‬

‫‪19‬‬
‫تس تثمر في عق ود التزام ات ال دين المهيك ل ‪ CDO‬المرتب ط بتل ك الس ندات أو في عق ود مبادل ة‬
‫ال ديون ‪ ،CDS‬والث اني ه و الخس ائر الناتج ة عن إدارة االس تثمارات بواس طة المص ارف‬
‫االستثمارية األمريكية المتأثرة من األزمة‪ ،‬أما الثالث فعن طريق تأثر الوضع االئتماني في دول‬
‫الخليج‪ ,‬الذي يتمثل في شح السيولة وارتفاع تكلفة االقتراض‪.‬‬
‫فيما يتعلق باألثر األول وهو الخسائر الناتجة عن الحيازة المباشرة لسندات الرهن العقاري أو‬
‫مشتقاتها فقد أعلن سابقًا أن البنكين المتأثرين جراء ذلك هما‪ :‬بنك الخليج الدولي ‪ GIB‬الذي خسر‬
‫ما يقارب ‪ 750‬مليون دوالر من استثماراته في سندات الرهن العقاري ما استدعى رفع رأسماله‬
‫بتمويل من مؤسسة النقد السعودي‪ ،‬والمؤسسة العربية المصرفية ‪ ABC‬التي تجاوزت خسائرها‬
‫‪ 500‬مليون دوالر‪.‬‬
‫أم ا المص ارف والبن وك االس تثمارية األخ رى فلم تعلن تعرض ها لخس ائر من ج راء أزم ة‬
‫االئتم ان العالمي ة أو على األق ل لم تفص ح عن احتم االت تعرض ها لخس ائر‪ ،‬ولكن ارتب اط البن وك‬
‫والمص ارف الخليجي ة بالمص ارف العالمي ة‪ ,‬خصوص ًا في الوالي ات المتح دة‪ ،‬يجع ل من الص عب‬
‫التس ليم ب أن هن اك أث رًا مح دودًا على اس تثمارات البن وك الخليجي ة‪ ،‬ال تي ت تركز بش كل كب ير في‬
‫الوالي ات المتح دة‪ ،‬إذ ترتب ط البن وك الخليجي ة ع ادة ب البنوك االس تثمارية األمريكي ة باتفاقي ات‬
‫الستثمار فوائضها المالية‪ ،‬مما يعنى أن إفالس بنك استثماري مثل ليمان برذرز سيترك ال محالة‬
‫أثرًا في البنوك الخليجية التي تتعامل معه‪.‬‬
‫لذلك فإن كان أثر االستثمار المباشر في سندات الرهن العقاري أو في مشتقاته محدودًا بالنظر‬
‫إلى الطبيعة المعقدة لتلك األصول االستثمارية‪ ،‬التي لم تشجع المصرفيين الخليجيين على اقتنائها‪،‬‬
‫فإن ارتباط البنوك الخليجية باتفاقيات استثمارية مع صناديق االستثمار األمريكية سينتج عنه بال‬
‫ش ك خس ائر له ذه البن وك‪ ،‬إذ إن طبيع ة االتفاقي ات م ع الص ناديق االس تثمارية تح دد مس توى‬
‫المخاطرة وال تحدد عادة نوع األصل المستثمر فيه‪.‬‬
‫ل ذا فليس مس تغربًا أن تفاج أ بعض البن وك الخليجي ة بتحقيقه ا خس ائر ج راء اس تثمارات في‬
‫ص ناديق اس تثمارية أمريكي ة‪ ،‬فق د أعلن بن ك أبوظ بى التج اري في وقت س ابق أن ه باش ر باتخ اذ‬
‫إجراءات قانونية في نيويورك‪ ،‬السترداد بعض خسائر استثماراته في الصناديق االستثمارية في‬
‫الواليات المتحدة‪ ،‬مدعيا أنه لم يتم اإلفصاح حسب األصول عن المخاطر المحيطة باالستثمار‪ ،‬م ا‬
‫يعطى فك رة عن ض بابية الص ورة المتعلق ة بتل ك االس تثمارات ح تى ل دى المختص ين في ه ذه‬
‫الصناعة‪.‬‬
‫وأخيرًا وفيما يتعلق باألثر األخير المشار إليه ظهرت بوادر أزمة ائتمان خليجية بدأت في‬
‫دبي‪ ،‬حيث أعلن البنك المركزي اإلماراتي أنه نظرًا لتراجع مستوى السيولة المتوافرة في السوق‬

‫‪20‬‬
‫لتموي ل المش اريع اإلنش ائية الجدي دة في الدول ة‪ ،‬فإن ه ق ام بتوف ير ‪ 50‬ملي ار درهم إم اراتي كوس يلة‬
‫تمويل متاحة للبنوك اإلماراتية لالستفادة منها(‪.)16‬‬
‫ومن ناحية أخرى ف أن العامل النفسي يؤدي دورًا كبيرًا في هذا المجال وهو ما نطلق عليه‬
‫(التوقعات)‪ ،‬وهو أنه عند إفالس أو انهيار مؤسسة مالية بسبب وضعها السيئ فإن الذعر يصيب‬
‫الم ودعين في المؤسس ات المالي ة األخ رى‪ ،‬ال تي يك ون الوض ع الم الي لمعظمه ا جي دا‪ ،‬ومن ثم‬
‫يلج أون إلى س حب ودائعهم‪ ،‬وبالت الي ف إن س حب الودائ ع بص ورة مفاجئ ة ي ؤدى إلى انهي ار تل ك‬
‫المؤسس ات المالي ة ح تى ل و ك ان وض عها جي دا وس ليما‪ ،‬ويمكن أن يك ون ه ذا العام ل من أك بر‬
‫العوامل التي أدت إلى زيادة حدة األزمة في األسواق الخليجية‪.‬‬
‫وفي ك انون األول ‪ 2008‬ك ان س وق دبي ق د س جل أعلى نس بة انخف اض فق د انخفض مؤش ره‬
‫بمعدل ‪ ،%67.87‬فيما سجل سوق األوراق المالية السعودية انخفاض ًا بمعدل ‪ ،%58.72‬وجاء‬
‫في المرتبة الثالثة سوق قطر لألوراق المالية بمعدل انخفاض مقداره ‪ ،%40.55‬أما أقل األسواق‬
‫الخليجية خسارًة فقد كانت سوق البحرين التي سجلت خسارة بمعدل ‪ %29.77‬وكما هو موضح‬
‫في الشكل البياني اآلتي‪:‬‬
‫شكل بياني ‪-1-‬‬
‫‪8002‬‬ ‫نسبة انخفاض مؤشر االسواق العربية في نهاية عام‬

‫سوق دبي‬ ‫‪%78.76‬‬


‫‪-‬‬

‫سوق السعودية‬ ‫‪%27.85‬‬


‫‪-‬‬

‫سوق قطر‬ ‫‪%55.04‬‬


‫‪-‬‬

‫سوق ابو ظبي‬ ‫‪%22.04‬‬


‫‪-‬‬

‫سوق الكويت‬ ‫‪%90.93‬‬


‫‪-‬‬

‫سوق عمان‬ ‫‪%72.33‬‬


‫‪-‬‬

‫سوق البحرين‬ ‫‪%77.92‬‬


‫‪-‬‬

‫‪%00.0‬‬ ‫‪%00.01‬‬ ‫‪%00.02‬‬ ‫‪%00.03‬‬ ‫‪%00.04‬‬ ‫‪%00.05‬‬ ‫‪%00.06‬‬ ‫‪%00.07‬‬

‫المصدر‪ :‬الشكل من إعداد الباحث استنادًا إلى بيانات‪ :‬بيت االستثمار العالمي ‪ ،Global‬الكويت‬
‫‪.2008‬‬

‫وبالنس بة لالس تثمارات الخليجي ة‪ ،‬فهي ليس ت جميعه ا عرض ة للض ياع ب ل ج زء منه ا‪،‬‬
‫فحسب تقديرات لتقرير مجلة األوبزيرفر (لن يتجاوز حجم الخسارة للصناديق العربية واآلسيوية‬
‫أكثر من ‪ 4‬مليارات دوالر)‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫)) نقال عن صحيفة االقتصادية السعودية في ‪.28/12/2008‬‬

‫‪21‬‬
‫ومن الص ناديق العربي ة ال تي تعرض ت للخس ائر هيئ ة اس تثمار أب و ظ بي وهيئ ة اس تثمار‬
‫قطر‪ ،‬وكالهما دول تنعم بمصادر دخل من النفط والغاز عوضتهما عن هذه الخسائر‪.‬‬
‫وتعت بر دبي من أك ثر حكوم ات اإلم ارات المس تدينة في المنطق ة نتيج ة التوس ع الكب ير‬
‫لمدين ة دبي في األع وام الماض ية‪ ،‬وانع دام مص ادر ال دخل األخ رى إذ زادت نس بة ال دين في دبي‬
‫‪ %42‬إلى الن اتج المحلي اإلجم الي في ع ام ‪ ،2007‬بالمقارن ة م ع أبوظ بى حيث نس بة ال دين إلى‬
‫الن اتج المحلي اإلجم الي ال تتع دى ‪ %3‬والس عودية ‪ %6‬والك ويت ‪ %10‬والبح رين ‪%23‬‬
‫وقطر ‪ %13‬وبهذا فإن ديون دبي ستكون قد ازدادت نتيجة لألزمة بحوالي ‪ 50‬مليار دوالر‪،‬‬
‫مما يعني أن شّح اإلقراض وهدوء سوق العقارات سيؤديان معًا إلى زيادة محدودية السيولة‪.‬‬
‫أم ا األردن‪ ،‬فهي من ال دول المس توردة وغ ير المص درة للنف ط‪ ،‬وب ذلك س تتأثر ايجابي ًا‬
‫بانخف اض أس عار النف ط‪ ،‬وت دفق الودائ ع إليه ا ألنه ا من ال دول األك ثر تحوط ًا وجم ودا في مج ال‬
‫السياس ة النقدي ة وألن ارتف اع س عر ال دوالر س يمكنها من اإلنت اج بكل ف أق ل نتيج ة ارتب اط عملته ا‬
‫بالدوالر الذي يواجه موجة صعود بالنسبة للعمالت الصعبة األخرى المنافسة كاليورو‪.‬‬
‫وستكون األردن أكثر جذبًا لالستثمارات الباحثة عن وعاء أمين لمدخراتها سيعتمد هذا‬
‫التوق ع على م دى س رعة وكف اءة الق ائمين على إدارة االقتص اد في األردن ب اإلعالن عن م يزات‬
‫السوق األردنية والترويج لها عربيًا وخليجيًا‪.‬‬
‫أم ا االقتص اد المص ري فق د ش هد تراجع ًا قليًال في الم يزان الج اري ال يتع دى نس بة ‪%1‬‬
‫كونه ا دول ة مص درة وس تتأثر بالكس اد الع المي وتراج ع االس تثمارات األجنبي ة المباش رة ودخ ل‬
‫الس ياحة وقن اة الس ويس نتيج ة ال تراجع في النش اط االقتص ادي في أوروب ا‪ ,‬وعلى ال رغم من ذل ك‬
‫فإن النظرة إلى االقتصاد المصري ستبقى إيجابية مع بعض التحفظ حيث ستشهد أيض ًا تباطؤًا في‬
‫ح واالت الع املين وال تي ال تش ّك ل ج زءًا كب يرًا من الن اتج المحلي اإلجم الي على ال رغم من كونه ا‬
‫أكبر دولة متلقية لتحويالت العاملين في الخارج‪.‬‬
‫أم ا اليمن وس ورية فش هدت مزيج ًا من اآلث ار لألزم ة العالمي ة ك ون كال ال دولتين دوال‬
‫مص درة للنف ط تعتم د على إنتاج ه كمص در دخ ل رئيس ي‪ ،‬بينم ا ال يغطي ه ذا المص در حاجاته ا‬
‫األساسية وفي الوقت ذاته سيستفيد مستهلكو هذه الدول من تراجع األسعار عالميا‪.‬‬
‫وب ذلك ف أن ت أثير األزم ة على ال دول النفطي ة الغني ة ك ان أك بر من تأثيره ا على ال دول غ ير‬
‫النفطي ة‪ ،‬فق د ص نف البعض ال دول النفطي ة بأنه ا أح د أك بر الخاس رين عالمي ًا ج راء ه ذه األزم ة‪،‬‬
‫فتتمثل الخسارة في األمور اآلتية‪:‬‬
‫‪ ‬تعرض ها للخس ارة المالي ة ج راء اس تثمار أمواله ا في المؤسس ات المالي ة األمريكي ة وق د‬
‫قدرت بعض اإلحصائيات الخسائر التي لحقت بدول الخليج جراء األزمة الراهنة بح والي‬

‫‪22‬‬
‫‪ 2.2‬تريليون دوالر وهذا الرقم هو أكثر من ضعف ناتج دول الخليج المحلي البالغ ‪900‬‬
‫مليار دوالر‪.‬‬
‫‪ ‬ص رح األمين الع ام لمجلس الوح دة أالقتص اديه العربي ة أحم د ج ويلي بت اريخ ‪ 29‬تش رين‬
‫ثاني ‪ 2008‬ونشرته صحفية الحياة اللندنية بأن الخسارة المتوقعة لالقتصاد العربي نتيجة‬
‫أالزمه المالية العالمية تبلغ نحو ‪ 2.5‬تريليون دوالر أميركي‪.‬‬
‫أن الصناديق السيادية التابعة لدول الخليج والتي تتكون من عائدات النفط واالحتياطيات‬ ‫‪‬‬
‫النقدي ة األجنبي ة ق د خس رت وف ق بعض التق ديرات واإلحص ائيات م ا يق ارب ‪ 400‬ملي ار‬
‫دوالر بحس ب ص حيفة األكونومس ت الص ادرة بت اريخ ‪ 13‬تش رين أول ‪ ،2008‬وتمل ك‬
‫دول ة اإلم ارات العربي ة المتح دة أك بر ص ندوق س يادي في الع الم بمبل غ ق دره ‪ 968‬ملي ار‬
‫دوالر‪ ،‬والسعودية ‪ 370‬مليار‪ ،‬والكويت ‪ 264‬مليار‪ ،‬ولقطر وعمان والبحرين صناديق‬
‫س يادية بمب الغ أق ل من نظرائ ه‪ ،‬وتع ود خس ارة ه ذه الص ناديق إلى االس تثمارات في كث ير‬
‫من المؤسسات والبنوك األمريكية التي تعرض ت لألزم ة بصورة مباشرة‪ ،‬وكمثال على‬
‫ذل ك ف أن نس بة مس اهمة ص ندوق مرك ز أب و ظ بي لالس تثمار وص ندوق األجي ال القادم ة‬
‫الكوي تي في رأس م ال الش ركات األجنبي ة ه و ك اآلتي (مرك ز أب و ظ بي لالس تثمار ‪%16‬‬
‫من إيس تيرن أوروبي ان البريطاني ة‪ %4.9 ،‬من س تي غ روب األميركي ة‪ %9 ،‬من أبول و‬
‫مانجمنت األميركية‪ %3 ،‬من فيفالدي الفرنسية‪ %2 ،‬من ميدياسات اإليطالية‪ %3 ،‬من‬
‫سوني اليابانية)‪ ،‬أما صندوق األجيال القادمة فكانت نسب مساهمته كاآلتي (‪ %23.8‬من‬
‫فكتوري ا السويس رية‪ %6 ،‬من س تي غ روب األميركي ة‪ %7.2 ،‬من دايمل ر ميرس دس‬
‫األلمانية‪ %4.8 ،‬من بنك ميريل لنش األميركي(‪.)17‬‬
‫‪ ‬االنخفاض الحاد والمستمر في البورصات الخليجية مما كبد هذه األسواق خسائر قياسية‪،‬‬
‫فق د بلغت خس ارة األس واق الخليجي ة أك ثر من ‪ %17‬في ش هر أيل ول لوح ده واس تمرت‬
‫الخسارة في األشهر التي تلتها‪.‬‬
‫‪ ‬انخفاض أسعار النفط العالمية مما أدى إلى اختالل في التوازن االقتصادي وتقليل نسبة‬
‫النمو في الدول العربية بسبب انخفاض سعر النفط من ‪ %5‬إلى ‪ ،%3‬كما أن انخفاض‬
‫س عر برمي ل النف ط أث ر على ميزاني ات دول الخليج لع ام ‪ 2009‬وعلى الخط ط العش رية‬
‫له ذه ال دول ال تي بنته ا على توق ع أن يك ون الح د األدنى للبرمي ل ي تراوح بين ‪ 80‬و‪90‬‬
‫دوالر‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫)) أ‪.‬د‪ .‬رمضان الشراح‪ ،‬األزم ات المالي ة العالمي ة أس بابها – آثاره ا – انعكاس اتها على االس تثمار بدول ة‬
‫الكويت‪ ،‬اتحاد الشركات االستثمارية الكويتية‪ ،‬الكويت ‪ ،2008‬ص‪.19‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ ‬إن انخفاض سعر برميل النفط سيؤدي إلى تقلص النفقات الحكومية مما سيؤثر سلبًا على‬
‫شرائح كبيرة من المجتمع في مجاالت الصحة والتعليم والغذاء‪.‬‬
‫‪ ‬تعط ل وعرقل ة بعض من المش اريع الض خمة س يما في دول ة اإلم ارات العربي ة المتح دة‬
‫وكذا بقية دول الخليج والتي تقوم بها كبريات الشركات العقارية والشركات النفطية التي‬
‫تأثرت تأثرًا كبيرًا باألزمة حتى أن أسهمها قد فقدت أكثر من ربع قيمتها إلى اآلن‪ ،‬كما‬
‫أن ارتفاع أسعار مواد البناء أدى إلى زيادة باهظة في تكاليف المشاريع الجديدة‪.‬‬
‫‪ ‬اإلتاوات التي تفرضها الدول الكبرى على دول الخليج القاضية بضرورة تقديم المعونات‬
‫المستعجلة للدول الكبرى ومؤسساتها المالية المتعثرة‪ ،‬باعتبار هذه الدول مخزن ًا للنفط‬
‫والم ال وتمث ل ذل ك في الجول ة الخليجي ة ال تي ق ام به ا رئيس ال وزراء البريط اني بت اريخ‬
‫‪ 2/11/2008‬وزيارة نائب وزير المالية البريطاني التي سبقتها بتاريخ ‪،28/10/2008‬‬
‫وبسبب الضعف السياسي التي تعانيه الدول العربية وارتباطها سياسيًا واقتصاديًا بالغرب‬
‫فق د اس تجاب الحك ام وأص حاب الق رار له ذه الض غوط الغربي ة ح تى وص ل الح ال ببعض‬
‫المسؤولين الخليجيين بالتصريح قائلين "أن إنقاذ االقتصاد األمريكي يمثل دعم ًا لالقتصاد‬
‫المحلي" وال شك أن هذه اإلتاوات تلقي بكاهلها الثقيل على االقتصاد المحلي فبدل أن تقدم‬
‫هذه الحكومات األموال إلنقاذ مؤسساتها وشركاتها المتعثرة والتي تعاني من آثار األزمة‬
‫العالمية تقدمها هذه الدول للشركات األمريكية واألوروبية ودعمًا لالقتصاد الغربي‪.‬‬
‫أما تأثير األزمة المالية على بقية الدول العربية فهي وإ ن كانت أقل تأثرًا بسب عدم ولوج‬
‫هذه الدول في التجارة العالمية بسبب فقرها وضعفها االقتصادي فهي تشترك مع غيرها من‬
‫دول الخليج في بعض اآلثار وتفترق عنها في أمور‪ ،‬من هذه اآلثار اآلتي‪:‬‬
‫‪ o‬ارتفاع معدالت التضخم عن المستويات القياسية‪ ،‬خصوص ًا أسعار العقارات والمساكن‪،‬‬
‫بس بب التض خم المس تورد من الخ ارج‪ ،‬وانعكس ذل ك زي ادة في أس عار الم واد الغذائي ة‬
‫ومواد البناء‪.‬‬
‫‪ o‬خس ارة بعض ه ذه ال دول ال تي لحقت بص ناديقها الس يادية المتواض عة نس بة ل دول الخليج‬
‫كليبيا والجزائر وموريتانيا‪.‬‬
‫‪ o‬ض ياع أموال هذه الدول المس تثمرة في أمريكا وانعكاس ذلك على المواطن العادي في‬
‫راتب ه التقاع دي وفي مج االت الص حة والغ ذاء ال س يما وان ه ذه ال دول ال تمل ك مص درًا‬
‫ريعيًا يدر عليها األموال كدول الخليج التي تصدر النفط بل تستثمر هذه الدول من أموال‬
‫فقراء رعاياها الذين يكافحون من أجل تحصيل لقمة العيش‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ o‬توق ع ض عف المعون ات الخارجي ة من ال دول الغربي ة وص ندوق النق د والبن ك ال دوليين‪،‬‬
‫واعتم اد ع دد من ال دول العربي ة على ه ذه المعون ات كالمعون ات المقدم ة من الوالي ات‬
‫المتحدة األمريكية لكل من مصر واألردن وغيرهما‪.‬‬
‫‪ .2‬آثار األزمة المالية العالمية على االقتصاد العراقي‪:‬‬
‫ذهب العدي د من المحللين في بداي ة أي ام األزم ة المالي ة العالمي ة إلى أن االقتص اد‬
‫العراقي أبعد مايكون عن التأثر بتلك األزمة‪ ،‬وقد ساقوا العديد من المبررات لذلك‪ ،‬ولكن‬
‫الواقع العملي أثبت عدم صحة هذه التوقعات في ظل عالمية األزمة‪ ،‬فال يكاد يوجد بلدًا‬
‫في أرجاء المعمورة إال وتكون األزمة المالية قد أصابته بتأثير ما‪ ،‬وفي العراق سنتناول‬
‫هذه التأثيرات من خالل (أسعار النفط‪ ،‬أسواق المال‪،‬االستثمارات‪ ،‬سعر صرف الدينار‬
‫العراقي‪ ،‬الرصيد من العملة الصعبة‪ ،‬قطاع المصارف) وكاالتي‪:‬‬
‫‪ ‬أس عار النف ط‪ :‬يعتم د الع راق بنس بة ‪ %95‬في موازنت ه العام ة على اإلي رادات النفطي ة‪،‬‬
‫وب الرغم من التحوط ات الكب يرة ال تي ق امت به ا وزارة المالي ة العراقي ة في موازن ة ع ام‬
‫‪ 2008‬حين صُممت على أساس أن برميل النفط يعادل ‪ 57‬دوالرًا للبرميل الواحد‪ ،‬اال‬
‫أن س عر النف ط ق د انخفض إلى اق ل من ذل ك بكث ير ح تى وص ل إلى مس توى ‪ 40‬دوالر‬
‫للبرميل الواحد في كانون الثاني ‪ ،2009‬األمر الذي ترك أثرًا بين ًا على الموازنة الحالية‬
‫التي أعيد تصحيحها ألكثر من مرة مع انخفاض أسعار النفط‪ ..‬بمعنى أن الموازنة تتقلب‬
‫كلما تقلب العالم‪.‬‬
‫والموازنة العراقية شأنها شأن الموازنات الدولية األخرى تحتوي على كلف متغيرة يمكن‬
‫التحكم بحجمها‪ ،‬وكلف ثابتة اليمكن التحكم بها من مثل (الرواتب‪ ،‬األجور‪ ،‬المساعدات)‬
‫إضافة إلى تخصيصات البطاقة التموينية‪ ،‬وتكمن صعوبة األمر في هذا الباب‪.‬‬
‫وإيرادات النفط تدخل بنسبة ‪ %100‬إلى صندوق تنمية العراق ‪ DFI‬وتستقطع منها‬
‫‪ %5‬كتعويض ات ج راء ح رب الك ويت‪ ،‬وه ذه تعت بر ج زءًا من النفق ات‪ ..‬والموازن ة‬
‫العراقي ة مص ممة ك اآلتي‪ %60 :‬لتغطي ة النفق ات المحلي ة و‪ %30‬لتغطي ة اس تيرادات‬
‫الحكومة بالعملة األجنبية(‪ ،)18‬وتقوم وزارة المالي ة بك ل عملي ة تموي ل بال دينار الع راقي من‬
‫خالل تحوي ل موجوداته ا بالعمل ة األجنبي ة في ص ندوق تنمي ة الع راق (‪ )DFI‬إلى دين ار‬
‫عراقي‪ ،‬فتتم عملية تسوية إذ يتم أخذ الموجودات األجنبية ويتم إعطاء دينارًا عراقي ًا بدًال‬
‫منها‪ ،‬فيتحول الدوالر من حساب الميزاني ة (حساب وزارة المالية في ‪ )DFI‬إلى حساب‬
‫آخ ر ه و حس اب االحتياطي ات األجنبي ة ل دى الـ(‪ )DFI‬أيض ا‪ ..‬وبه ذه الطريق ة ‪ -‬لتغطي ة‬

‫(?) أ‪.‬د‪ .‬مظهر محمد صالح‪/‬تداعيات األزمة المالية على االقتصاد العراقي‪ /‬ندوة المعهد الع الي للدراس ات‬ ‫‪18‬‬

‫المحاسبية والمالية في جامعة بغداد وبالتعاون مع المؤسسة الوطنية للتنمية والتطوير‪ /‬بغداد‪.2008/‬‬

‫‪25‬‬
‫النفقات الداخلية ‪ -‬تراكمت هذه االحتياطيات الكبيرة‪ ..‬والسياسة النقدية بنيت على حجم‬
‫هذه االحتياطيات(‪.)19‬‬
‫ولكن األمر اآلن قد تغير‪ ،‬إذ أن االحتياطات المتراكمة سيتم استخدام جزء كبير منها‪،‬‬
‫أن لم يكن جميعها‪ ،‬في تمويل الموازنة لعام ‪ 2009‬التي كان من المقرر أن تكون بحدود‬
‫‪ 79‬مليار دوالر‪ ،‬ولكن انخفاض إيرادات النفط اضطر القائمين على السياسة المالية في‬
‫الع راق إلى اس تخدام تل ك االحتياط ات‪ ،‬وفي ه ذه الحال ة ف أن البن ك المرك زي الع راقي لن‬
‫يس تطيع القي ام بمه ام التموي ل كم ا يق وم ب ه اآلن ص ندوق الموازن ة‪ ،‬وعن دما يفق د ه ذا‬
‫الصندوق القدرة على التمويل والتأثير أو الحفاظ على قيمة الدينار العراقي‪ ،‬فان العملة‬
‫العراقية تفقد دعم الصندوق فتنخفض قيمتها وفقا لتأثيرات السوق‪.‬‬
‫‪ ‬أسواق المال‪ :‬من المعلوم إن البورصة العراقية المتمثلة بسوق العراق لألوراق المالي ة لم‬
‫تت أثر به ذه األزم ة إال بنس ب طفيف ة ج دًا بس بب محدودي ة حجم الت داول الكلي داخ ل ه ذه‬
‫الس وق أوال‪ ،‬وأن ع دد المس تثمرين األج انب في أس هم الس وق مح دود ج دًا أيض ًا‪ ،‬إض افة‬
‫إلى أن عدد المستثمرين في سوق العراق لألوراق المالية يعد قليال مقارنة بأي بورصة‬
‫في دول العالم‪ ،‬وقلة المستثمرين هنا يعود لعوامل منها قلة الوعي االستثماري وانخفاض‬
‫الدخل وعدم وجود سياسة إعالنية ناجحة تشجع على االستثمار‪.‬‬
‫من ج انب آخ ر ف أن س وق الع راق لألوراق المالي ة الزال غ ير مرتب ط الكتروني ًا‬
‫باألس واق العالمي ة‪ ،‬األم ر ال ذي جع ل المس تثمر الع راقي بعي د عن األس هم العالمي ة ال تي‬
‫تهاوت أسعارها‪ ،‬وُيعد هذا األمر أحد االيجابيات في هذه المرحلة‪.‬‬
‫‪ ‬االس تثمارات‪ :‬من الب ديهي أن تت أثر االس تثمارات الحكومي ة بفع ل انخف اض أس عار النف ط‬
‫حيث س تنخفض إي رادات الموازن ة العام ة وبالت الي س ينخفض المخص ص للموازن ة‬
‫االستثمارية‪ ..‬وهنالك ثمة عالقة بين االستثمارات الحكومية واالستثمارات الخاصة في‬
‫ح التين‪ :‬األولى أن التوس ع في االس تثمارات الحكومي ة في اقتص اديات البل دان مح دودة‬
‫الفرص س يؤدي إلى مزاحم ة االس تثمارات الخاص ة في ف رص يج د فيه ا القط اع الخ اص‬
‫جدوى أو ربحية اقتصادية‪ ..‬والثانية‪ :‬إن ضعف االستثمارات الحكومية في اقتصاديات‬
‫بحاجة إلى استثمارات في البنية التحتية سيؤدي إلى عزوف القطاع الخاص عن الدخول‬
‫في مج االت معين ة بس بب ض عف االس تثمار في البني ة التحتي ة‪ ..‬ونعتق د أن الحال ة الثاني ة‬
‫هي ال تي س تنطبق على االقتص اد الع راقي بحكم الت دهور الحاص ل وبحكم ك بر الفج وة‬
‫االستثمارية في االقتصاد العراقي‪.‬‬

‫(? ) المصدر السابق نفسه‪.‬‬ ‫‪19‬‬

‫‪26‬‬
‫ونتوق ع أن تت أثر االس تثمارات المباش رة في االقتص اد الع راقي في ح التين‪ :‬انخفاض‬
‫االس تثمارات الحكومي ة س يؤدي إلى التب اطؤ في إنش اء الب نى التحتي ة‪ ..‬من ج انب آخ ر أن‬
‫الكث ير من المس تثمرين وخاص ة من ال دول ال تي ت أثرت بش كل مباش ر باألزم ة س يجدون‬
‫ص عوبة كب يرة في الحص ول على التموي ل‪ ..‬وهن ا ف أن الكث ير من المس تثمرين س يفكرون‬
‫جديا في التحول من االستثمار غير المباشر إلى االستثمار المباشر على اعتبار أن عملية‬
‫بناء الثقة في أسواق أمريكا وأوروبا سيحتاج لوقت ليس بالقصير‪ ..‬وهؤالء سيبحثون عن‬
‫دول واقتصادات غير متأثرة بدرجة مباشرة أو كبيرة باألزمة وقد يكون العراق واحدًا من‬
‫ه ذه ال دول‪ ،‬ولكن ذل ك يرتب ط بم دى تهيئ ة الظ روف واس تكمال البيئ ة التش ريعية المنظم ة‬
‫لقطاع األعمال مع زوال التوترات األمنية والسياسية‪ ..‬ويجب أن نستغل هذه األزمة فنعد‬
‫المناخ االستثماري المناسب الستقطاب المستثمرين‪.‬‬
‫‪ ‬سعر صرف الدينار العراقي‪ :‬إن سعر صرف الدينار العراقي وتحسن قيمته مشروط‬
‫بعاملين‪ ،‬األول هو توافر االحتياطيات األجنبية لدى البنك المركزي العراقي‪ ،‬والثاني‬
‫ه و انخف اض مس توى التض خم‪ ،‬إض افة إلى أن سياس ة س عر الص رف تواج ه متغ يرات‬
‫خارجي ة س ببها ارتف اع أس عار الم واد الغذائي ة والس لع األخ رى عالمي ا مم ا ي ؤدي إلى‬
‫تض خم مس تورد اليمكن معالجت ه اال بتحس ين قيم ة ال دينار الع راقي على وف ق ش روط‬
‫وأسس التبادل التجاري‪ ،‬وبما أن األزمة المالية العالمية أدت إلى انخفاض أسعار السلع‬
‫ال تي يق وم الع راق باس تيرادها األم ر ال ذي ي ؤدي إلى انخف اض مع دالت التض خم داخ ل‬
‫االقتصاد العراقي‪ ،‬أو تثبيتها على أقل تقدير‪ ،‬وهذا سينعكس ايجابي ًا على سعر صرف‬
‫الدينار العراقي‪.‬‬
‫‪ ‬الرص يد من العمل ة الص عبة‪ :‬يرتب ط رص يد الع راق من العمل ة الص عبة بتص دير النف ط‬
‫واس عاره بالدرج ة األس اس‪ ،‬ف إذا هبطت إي رادات النف ط ي ؤدي ذل ك إلى انخف اض رص يد‬
‫الدولة من العملة الصعبة‪ ،‬وهذا بالضبط ماحصل في العراق بعد انخفاض إيرادات النفط‬
‫بنس بة ‪ %72‬نتيج ة النخف اض أس عاره من ‪ 167‬دوالر في تم وز ‪ 2008‬إلى ‪ 40‬دوالر‬
‫في كانون أول ‪.2008‬‬
‫‪ ‬قط اع المص ارف‪ :‬وبش أن إمكاني ة وج ود اث ر محس وس لالزم ة العالمي ة ال تي تعص ف‬
‫ببنوك العالم على المصارف العراقية الحكومية واألهلية‪ ،‬فأن العراق يعد بعيدا نسبيا‬
‫من األزمة المالية التي تعصف بالنظام المالي الدولي من هذا الجانب لعدة أس باب‪ ،‬في‬
‫مقدمتها أن االحتياطيات الدولية للبنك المركزي العراقي ما زالت تدار بطريق ة بعيدة‬
‫عن المخ اطر وان اس تثمارها يتم ب أوراق مالي ة س يادية بعي دة عن مض اربات الس وق‬
‫الحالية‪ ،‬إضافة إلى أن انخفاض درجة االنفتاح (االنكشاف) االقتصادي بين المصارف‬

‫‪27‬‬
‫العراقية والمصارف العالمية يبقي تلك المصارف في منأى عن التأثيرات السلبية لتلك‬
‫األزمة‪.‬‬

‫رابعًا‪ .‬االستنتاجات‪:‬‬
‫أ‪ .‬إن حص ول األزم ات في االقتص اد الرأس مالي ه و من األم ور الطبيعي ة‪ ،‬إذ أن ه ذا‬
‫االقتص اد مجب ول على األزم ات‪ ،‬ولكن هن اك أزم ات ك برى تص ل إلى ح د (االنهي ار)‬
‫لقط اع أو أك ثر‪ ،‬وهن اك أزمات عميق ة ولكن الم دة الزمني ة التي تس تغرق وص ولها إلى‬
‫قم ة األزم ة (‪ )peak‬تك ون طويل ة ل ذا من الممكن ح رف اتجاهه ا‪ ،‬وهن اك أزم ات‬
‫قصيرة قد يستغرق حدوثها وزوالها أشهر معدودة‪.‬‬
‫ب‪ .‬إن اتجاه االقتصاد الرأسمالي نحو (الرأسمالية المالية) أي سيادة قطاع الخدمات على‬
‫القطاع ات االقتص ادية األخ رى‪ ،‬أدى إلى زي ادة ع دد األزم ات ال تي تعص ف ب ه‪،‬‬
‫وبخاص ة األزم ات المالي ة‪ ،‬وتق ارب م ددها‪ ،‬وعمقه ا‪ ،‬والس بب يع ود إلى أن القط اع‬
‫الم الي ه و أساس ا من القطاع ات الهش ة نتيج ة العتم اده على الم ال المع ّر ض للتذب ذب‪،‬‬
‫على عكس الرأسماليتين التجارية والصناعية‪.‬‬
‫جـ‪ .‬ك ان لس لوك القط اع المص رفي في الوالي ات المتح دة األميركي ة وابتع اده عن إتب اع‬
‫األحكام الدولية الخاصة بالنظام المصرفي التي أكدت عليها (اتفاقيتي بازل ‪ 1‬وبازل‬
‫‪ )2‬السبب الرئيس في حصول العديد من عمليات التالعب المالي‪ ،‬األمر الذي ك ان من‬
‫أهم األسباب لحصول األزمة المالية العالمية‪.‬‬
‫د‪ .‬ك ان انتق ال ع دوى األزم ة إلى االقتص ادات العالمي ة من األم ور المس لم به ا وغ ير‬
‫المفاجئة‪ ،‬بسبب اعتبار االقتصاد األميركي محور االقتصاد الرأسمالي‪ ،‬وان أية أزمة‬
‫تلحق بالمركز من الممكن انتقالها إلى األطراف بيسر‪.‬‬
‫هـ‪ .‬أن م دى ت أثر أي ة دول ة باألزم ة المالي ة العالمي ة يعتم د على حجم العالق ات االقتص ادية‬
‫المالية بين تلك الدولة والعالم الخارجي‪ ،‬فكانت بذلك آثار األزمة على العالم العربي‬
‫محدودة نتيجة محدودية انكشاف المنطقة العربية للبنوك األوروبية واألميركية وشبه‬
‫انغالق النظم المالي ة‪ ،‬باس تثناء دول الخليج الع ربي‪ ،‬بخاص ة اإلم ارات والس عودية‬
‫وقطر‪.‬‬
‫و‪ .‬لم يبتع د األث ر على الع راق عن طبيع ة اآلث ار ال تي س ببتها األزم ة على ال دول العربي ة‬
‫األخ رى‪ ،‬وك ان األث ر الس لبي األب رز في قط اع النف ط‪ ،‬وعلى الميزاني ة العراقي ة ال تي‬
‫تعتمد على إيرادات النفط بنسب مرتفعة‪.‬‬
‫خامسًا‪ .‬التوصيات‪:‬‬

‫‪28‬‬
‫أ‪ .‬عدم االنج رار‪ ،‬في ال وقت الحاض ر‪ ،‬إلى دعوات تط بيق الع راق لنظ ام اقتص اد الس وق‬
‫بصيغة مشابهه للصيغة المطبقة في النظم االقتصادية السائدة في البلدان الرأسمالية‪ ،‬بل‬
‫اللج وء إلى إش راك الدول ة إلى ج انب آلي ات الس وق‪ ،‬اذ ان ه ذا من ش أنه أن يخل ق ن وع‬
‫من الت وازن داخ ل االقتص اد‪ ،‬ألن االقتص اد الع راقي لن يس تطيع أن يعتم د على آلي ة‬
‫واح دة في ال وقت الحاض ر‪ ،‬وه ذه االم ر س بق وأن نب ه ل ه اقتص اديون كب ار ككي نز‬
‫وآخرون من بعده‪ ،‬ودعوا إلى زيادة اإلنفاق العام للدولة عن طريق المساهمة في خلق‬
‫مجاالت عمل فيما يتعلق بالتشغيل‪ ،‬اذ أن هذه المجاالت هي التي تتيح الفرص لتقليص‬
‫التضخم وزيادة فرص العمل والتقليل من أزمة الركود التي كانت تعاني منها البلدان‬
‫التي تمر بأزمات ‪.‬‬
‫ب‪ .‬إن الطبيع ة الريعي ة لالقتص اد الع راقي ال ذي يعتم د أساس ا على عوائ د الص ناعة‬
‫االس تخراجية للنف ط تش كل خلًال سيس تمر لع دة س نوات طالم ا بقى الهيك ل االقتص ادي‬
‫للدول ة بص يغته الحالي ة غ ير المتوازن ة‪ ،‬ل ذلك ت برز هن ا أهمي ة العناي ة بـ (اإلص الحات‬
‫االقتصادية) وتبني مناهج إنمائية مدروسة ذات طابع وطني شامل لتمكين العراق من‬
‫االنتقال من النظام االقتصادي الذي كان سائدًا زمن النظام السابق إلى اقتصاد السوق‬
‫عبر نمط اقتصادي مناسب لطبيعة االقتصاد العراقي باعتبارها مهمة جديرة باالهتمام‬
‫وإ حدى المفاصل الرئيسية للتغيير المنشود بعد زوال النظام السابق‪.‬‬
‫جـ‪ .‬العم ل بجدي ة من قب ل الق ائمين على السياس ة االقتص ادية في البالد على إيج اد أس اليب‬
‫لتنويع مصادر اإليرادات‪ ،‬فالزال االقتصاد العراقي اقتصاد أحادي الجانب يعتمد على‬
‫إي رادات النف ط بنس بة ‪ ،%95‬علي ه ف ان الحكوم ة الي وم م دعوه إلى التوس ع في دعم‬
‫القطاع ات االقتص ادية األخ رى مث ل قطاع ات الزراع ة والص ناعة والس ياحة من خالل‬
‫الدعم الحكومي لهذه القطاعات‪.‬‬
‫د‪ .‬العم ل على إص دار تش ريعات الغرض منه ا حماي ة المنتج الع راقي‪ ،‬إذ يالحظ أن حدود‬
‫الع راق ق د فتحت على مص راعيها أم ام المنتج ات األجنبي ة بع د س قوط النظ ام الس ابق‪،‬‬
‫وأص بح الع راق مج رد س وق الس تقبال الس لع‪ ،‬وإ ن ه ذه الظ اهرة انعكس ت س لبا على‬
‫المنتج العراقي الذي أصبح ال يقوى على منافسة المنتجات األجنبية من حيث األسعار‬
‫والج ودة‪ ،‬وللح د من ه ذه الظ اهرة ينبغي على الحكوم ة العراقي ة ف رض ض رائب على‬
‫السلع األجنبية بما ال يتنافى مع االتفاقات مع صندوق النقد الدولي‪.‬‬
‫هـ‪ .‬أن تب ادر وزارة النف ط بزي ادة الق درة التص ديرية للنف ط الخ ام الع راقي للتع ويض عن‬
‫انخف اض أس عار النف ط‪ ،‬إذ بقيت الق درة التص ديرية للع راق بمع دل ‪ 1.9‬ملي ون برمي ل‬

‫‪29‬‬
‫يومي ًا على ال رغم من التخصيص ات االس تثمارية الكب يرة ال تي تحص ل عليه ا وزارة‬
‫النفط‪ ،‬مع العلم إن هذا الرقم ال يتناسب مع مقدار االحتياطي العراقي المضمون‪.‬‬

‫المصادر‪:‬‬
‫أوًال‪ .‬المصادر العربية‪:‬‬
‫‪ .1‬د‪ .‬عباس رشدي العماري‪ ،‬إدارة األزمات في عالم متغير‪ ،‬مركز األهرام للترجمة‬
‫والنشر‪ ،‬الطبعة األولى‪.1993 ،‬‬
‫‪ .2‬محمد صالح المنجد‪ ،‬األزمة المالية‪ ،‬مجموعة زاد للنشر‪ ،‬الرياض ‪.2008‬‬

‫‪30‬‬
‫‪ .3‬د‪.‬جواد كاظم البكري‪ ،‬فخ االقتصاد األميركي‪ ،‬األزمة لمالية العالمية ‪،2008‬‬
‫مركز حمورابي للبحوث والدراسات الستراتيجية‪.2008 ،‬‬
‫‪ .4‬د‪ .‬نبيل حشاد‪ ،‬األزمة المالية العالمية وانعكاساتها علي البنوك العربية‪ ،‬بحث مقدم‬
‫إلي ندوة االتحاد العام االتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبالد‬
‫العربية‪ ،‬بيروت‪.2008 ،‬‬
‫‪ .5‬أ‪.‬د‪ .‬رمضان الشراح‪ ،‬األزمات المالية العالمية أسبابها – آثارها – انعكاساتها على‬
‫االستثمار بدولة الكويت‪ ،‬اتحاد الشركات االستثمارية الكويتية‪ ،‬الكويت ‪.2008‬‬
‫‪ .6‬د‪ .‬جابر جاد عبد الرحمن‪ ،‬االقتصاد السياسي‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬النقود‪ -‬االئتمان‬
‫والمصارف‪-‬النظرية العامة لألتمان‪-‬االزمات االقتصادية‪ -‬التجارة الداخلية‬
‫والخارجية‪ ،‬مطبعة التفيض‪ ،‬بغداد‪.1948 ،‬‬
‫‪ .7‬نبيل نايف حاجي‪ ،‬فرصة اإلنقاذ قائمة‪ ،‬المركز العربي للدراسات واالستشارات‬
‫المالية والمصرفية‪،‬القاهرة‪.2009،‬‬
‫‪ .8‬أ‪.‬د‪ .‬مظهر محمد صالح‪/‬تداعيات األزمة المالية على االقتصاد العراقي‪ /‬ندوة‬
‫المعهد العالي للدراسات المحاسبية والمالية في جامعة بغداد وبالتعاون مع المؤسسة‬
‫الوطنية للتنمية والتطوير‪ /‬بغداد‪.2008/‬‬
‫‪ .9‬صحيفة االقتصادية السعودية في ‪.28/12/2008‬‬
‫ثانيًا‪ .‬المصادر األجنبية‪:‬‬
‫‪10.‬‬ ‫‪Robert J. Shiller and Robert Pozen, Too Big to Save: How to Fix the‬‬
‫‪U.S. Financial System, Copyright In Excerpt for Publish, United‬‬
‫‪States 2009.‬‬
‫‪11.‬‬ ‫‪ Financial Market Turmoil Perspective of a Practitioner,‬و‪Amer Bisat‬‬
‫‪Traxis Partners, Beirut, 2008.‬‬
‫‪12.‬‬ ‫‪Impact of the International Financial Crisis on MENA Capital‬‬
‫‪Markets, Forum on the Current International Financial Crisis:‬‬
‫‪Implications and Lessons for Arab Region, Beirut, Lebanon, 2008.‬‬
‫‪13.‬‬ ‫‪Financial Crisis Loans, International Monetary Found, March 2009.‬‬
‫‪14.‬‬ ‫‪Arthur Lyon Dahl, The Financial Crisis and Consumer Citizenship,‬‬
‫‪International Environment Forum, paper presented at the Sixth‬‬
‫‪International Conference of the Consumer Citizenship Network‬‬
‫‪Berlin, 23-24 March 2009.‬‬
‫‪15.‬‬ ‫‪Financial Crisis 2008, Weekly Global Economic Overview, Prepared‬‬
‫‪by USAID Economic Analysis and Data Services under contract‬‬
‫‪RAN-M-00-07-00004-00‬‬
‫‪16.‬‬ ‫‪James V. DeLong, REGULATORS AND THE FINANCIAL‬‬
‫‪CRISIS, Convergence Law Institute, United States, April 14, 2008.‬‬

‫‪31‬‬
32

You might also like