Professional Documents
Culture Documents
المرض العقلي بين المعرفة العامية والمعرفة العلمية
المرض العقلي بين المعرفة العامية والمعرفة العلمية
خمرب البحوث النفسية واالجتماعية ،جامعة حيى فارس املدية (اجلزائر) mekarikarima@univ-medea.dz 1
2خمرب البحوث النفسية واالجتماعية ،جامعة حيى فارس املدية (اجلزائر)boudjatou@yahoo.fr ،
اتريخ النشر2023/6/10 : اتريخ القبول2023/1/22 : اتريخ االستالم2022/9/19 :
ملخص :يتناول هذا املقال موضوع املرض العقلي وفق مقاربة سوسيولوجية تسعى إىل فهم متثالت اجملتمع اجلزائري
هلذا املرض .فعلى الرغم من تطور املعرفة العلمية وتقدميها لتفسريات موضوعية حول املرض العقلي تبعا لألطر العلمية
واملنهجية إال أن تصورات الكثري من أفراد اجملتمع مازالت حتمل رواسب التفسريات اخلرافية (التقليدية) له .لذلك
حاولنا من خالل هذه املسامهة البحثية توضيح واقع متثالت األفراد للمرض العقلي والتعرف على املصادر املعرفية
لتلك التمثالت من منطلق مقاربة موضوع املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية.
وال شك أننا سنحاول االعتماد على مجلة من األليات املنهجية ملقاربة هذا املوضوع من خالل املنهج الوصفي
فيما يتصل بتقدمي قراءة تعريفية ملاهية كال من املرض العقلي واملعرفة العامية والعلمية ،كما سنوظف املنهج التحليلي
فيما يتصل مبسألة حمددات املرض العقلي يف ضوء املعرفة العامية واملعرفة العامية ونقاط التالقي املعريف حوله.
الكلمات املفتاحية :املرض العقلي؛ املعرفة؛ التمثالت؛ املعرفة العامية؛ املعرفة العلمية.
Abstract: This article is a sociological viewof mental illnesses, seeking to
understand society's take on these disorders. Even though, we've come a long
way in explaining mental illnesses scientifically and objectively according to
the mythological capacities of science, most of people's ideas about mental
health still contains a lot of mythical explanations. In this research we try
clarify people's views regarding mental illness through their resources, in a
comparison between scientific and public knowledge of this topic.
There is no doubt that will try to rely on number of systematic
mechanisms to approach this topic through the descriptive approach related
to providing an Introductory reding of what is both mental illness and
colloquial and scientific knowledge, as we will employ the analytical
approach in connection with the issue of mental illness in light of the
colloquial knowledge, colloquial knowledge and cognitive convergence
points around it.
;Keywords: Mental illness; Knowledge; Representation; Public Knowledge
Scientific Knowledge
__________________________________________
املؤلف املرسل :كرمية مكاري ،حممد بوجطو
115
كرمية مكاري ،حممد بوجطو
.1مقدمة :
لقد غدا موضوع المرض عامة من أبرز المواضيع التي شغلت البحث العلمي،
لكونه أحد الحواجز التي تتحدى وتهدد حياة اإلنسان وصحته الجسمية والنفسية والعقلية.
ويعد المرض العقلي أحد تلك األمراض التي يصعب تشخيصها ومعرفة مسبباتها.
.2اإلشكالية:
يعد المرض العقلي من بين تلك األمراض الذي يصعب تشخيصه ومعرفة مسبباته،
واألدهى من ذلك إرتباط نظرة اإلنسان لهذا المرض من خالل معتقداته وتصوراته من
األمد إلى يومنا هذا .مما جعلنا نطرح مشكلة بحثية لمعرفة هذه النظرة من خالل
المالحظة المستمرة والتواجد الشبه الدائم وسط أماكن يمثلها أشخاص مصابين بأمراض
عقلية يصعب تفسيرها لدى أفراد المجتمع بإرجاعها إلى عامل سببي واحد ،وإلن طبيعة
التفكير اإلجتماعي للمرض في حد ذاته مشكلة نفسية .واألدهى من ذلك هي تلك
التصورات الغيبية التي يفسر بعض الناس من خاللها هذا المرض على الرغم من بعدها
عن التأسيس العلمي ،فضال على كونها تصورات قديمة جدا تعود إلى قرون سحيقة.
وعلى الرغم من تعاقب الحضارات اإلنسانية ،وحدوث تطورات مبهرة في المجال
العلمي لكننا نالحظ اعتماد بعض الفئات على تفسير بعض الظواهر تبعا لمجموعة من
التصورات والتمثالت التي ورثوها عند القدماء ،وهذا مناجده متجسد بخصوص تفسير
المرض العقلي ،وهذا أحد األسباب المهمة التي دفعتنا إلى إعداد هذا المقال ويضاف
إلى ذلك تزايد حاالت المرض العقلي في السنوات األخيرة .مما يجعلنا أمام حتمية بحثية
116
املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية
لمحاولة التعرف عن أسبابه ،والعمل على اقتراح ما من شأنه التقليل من هذا المرض
في حدود الجانب االجتماعي الذي تدخل دراستنا فيه.
117
كرمية مكاري ،حممد بوجطو
عن أهميتهما .وهذا مما ٌيكسب موضوعنا أهميته وقيمته المعرفية ،السيما وأن المعرفة
كمصطلح واسع منعكس على مختلف القطاعات.
وتأسيسا على ما سبق فإن المرض العقلي كمفهوم عام أو خاص يدخل ضمن
تلك المعارف التي تختلف بإختالف مصدرها لدى أفراد المجتمع .لذلك تسعى هذه
الدراسة إلى إعطاء مقاربة بعض الجوانب المفهومية من وجهة نظر سوسيولوجية حول
مسألة المعرفة ومحدداتها الثقافية واالجتماعية والعلمية للمرض العقلي .وعلى ضوء ما
سبق ،صيغت التساؤالت الدراسة على النحو االتي:
ماذا نعني بالمرض العقلي؟ وما المقصود بالمعرفة العامية والمعرفة العلمية؟
وماهي المستويات المحددة للنظرة العامية والنظرة العلمية للمرض العقلي؟ وفيما تتجلى
نقاط اإللتقاء بين المعرفتين؟
.3المحددات المفهومية للموضوع
1.3تعريف المرض العقلي:
يشار إلى المرض العقلي أو ما يصطلح عليه سيكوباتولوجيا "بالذهان" ،ويصيب
الشخصية كلها بالتفكك واالنحالل ،فتضطرب عالقة المريض مع البيئة وتتدهور عالقته
االجتماعية بصفة كلية .ألنه يمس الجانب العضوي لإلنسان وهو العقل .فهو" إضطراب
في شخصية الفرد بأسرها يتميز في صورة اختالل شديد في التفكير والقوى العقلية بوجه
عام كما يتميز باضطراب ملحوظ في الحياة االنفعالية وعجز شديد عن ضبط النفس
وهذا ما يمنعه من التوافق االجتماعي في مختلف صوره كالتوافق العائلي،
المهني والديني .ويحدث المرض العقلي في أي مرحلة في مراحل العمر ،وعادة يحدث
بعد سن المراهقة ،وفي معظم الحاالت يحدث بعد مروره بخبرة فاشلة في تعامله مع
بعض عناصر البيئة أو عندما يعجز عن حل بعض المشكالت " (سليمان،
،2017/2016صفحة .)65
وعرف المرض العقلي على أنه" اختالل الذهن بحيث تضطرب القوة العقلية لدى
المرء ،فيصاب بعجز شامل متواصل يحول دون تنبيه للحقيقة أو معرفته لألشياء من
حوله ،ويالزمه عادة اضطراب شديد في سلوك الفرد وشخصيته" (محمود،2006 ،
118
املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية
صفحة .)302فيمكن القول أن المرض العقلي هو ذلك المرض الذي يخرج فيه اإلنسان
المصاب عن وضعه الطبيعي المألوف إلى وضع مضطرب ،وهذا االضطراب يختلف
بدرجة الصدمة التي تعرض اليها.
2.3المعرفة
تعد المعرفة من مصطلحات أو المفاهيم التي تنسب إلى اإلنسان الواعي والمدرك
لألشياء حوله ،فهي تأخذ صفة االكتساب من منطلق تلك التفاعالت االجتماعية التي
تحدث داخل األنساق البيئية والثقافية ،كما انها ال تتكون من فراغ ،فتتشكل في نظام
متطور من المعتقدات ،الرموز ،األفكار ،الحقائق ،البيانات ...الخ .وتعرف المعرفة على
أنها "عبارة عن مجموعة من المعاني والمعتقدات واألحكام والمفاهيم والتصورات الفكرية
التي تتكون لدى اإلنسان نتيجة لمحاوالته المتكررة لفهم الظواهر واألشياء المحيطة به"
(وحيد ،2000 ،صفحة .)16ويعرفها ميشل فوكو على أنها" شبكة مفهومية تتضمن
كل األنماط المعرفية في حقبة زمنية معينة" (فوكو ،صفحة .)176
هنا يمكن القول أنها تلك المعرفة التي تشمل المعاني ،األفكار ،القصص ،المفاهيم
التي تنتجها العامة من الناس لتصبح فعال معرفة قائمة بذاته تخص المجتمع الذي
صنعها وتناقلها عبر األجيال.
تاريخيا ،تنسب المعرفة الغير العلمية بالمعرفة الميتافيزقية التي كانت تفسر
ظواهر الكون الطبيعة بقوى فوق الطبيعة .وفضال على ذلك نجد العالمة الطباطباي
119
كرمية مكاري ،حممد بوجطو
سمى المعرفة العامية بالمعرفة البديهية على أنها" ذات معيار ذاتي تكتسب من بداهة
العقل اإلنساني .كما يري بأنها تتأثر بأسباب مختلفة منها غيبة ،بيئة ،فردية ،اجتماعية
وثقافية .فهي تلك األفكار الشائعة اليومية العادية التي تتكرر يوميا وتكون تلقائيا مما
تأخذ صفة العامية أي المشتركة بين جماع ات البشر .كما تتضمن "األفكار العملية
الماضية التي حلت محلها أفكار علمية جديدة أثبتت المعاينة علمتيه " (الرفاعي،
،2017صفحة ،)321فتتسم لغتها بلغة الالعلم من خالل ما هو ظاهري وواقعي.
وعليه يمكن القول أنها تلك المعرفة التي تشمل المعاني ،األفكار ،القصص،
المفاهيم التي تنتجها العامة من الناس لتصبح فعال معرفة قائمة بذاته تخص المجتمع
الذي صنعها وتناقلها عبر األجيال.
وبناء على ذلك فإن خصائص المعرفة العلمية كثيرة ومتعددة ولكن تشترك كلها
في تميز العلم من الالعلم .فهي" تشتق طبيعتها من العلم كنسق إدراكي" (الزيبارى،
،2009صفحة .)5والمعرفة العلمية هي تلك المعرفة التي إكتسبها اإلنسان من خالل
محاوالته الدائمة للسيطرة على الطبيعة سواء كانت فيزيولوجية ،بيولوجية ،إجتماعية.
120
املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية
تجاربه الحياتية اليومية .فـقد كانت" المصدر األول في اكتساب وتراكم المعرفة البشرية
يوما بعد يوما ،حتى أصبحت هذه المعارف مسلمات واعتقادات راسخة أو حتى حقائق
حياتية مقدسة يتناقلها اإلنسان من جيل الى آخر" (شلش ،2006 ،صفحة .)142
الواقع ،أن المرض العقلي هو في حد ذاته ظاهرة معقدة ومركبة من ظواهر الحياة
اإلجتماعية .وليس بوسع اإلنسان دراستها على مستوى واحد وتحت صورة واحدة من
أجل كشف حقيقته .ومن هذا المنطلق ،فإن واقع المرض العقلي في مجتمعنا الحالي
صعب التشخيص للغاية ،مما يتطلب مجهودات لحصر معطيات حوله ،ألن طبيعة
فهممه يحتاج إلى تفسير يتجاوز البناء اإلجتماعي الثقافي للفرد ،فالمرض العقلي حدث
إجتماعي بدرجة أولى ألنه يظهر في مواقف إجتماعية وجذوره قائمة في بنية الجماعة
نفسها ،فال يمكن فهمه وتفسيره إال في اإلطار الثقافي الذي يظهر فيه ،خاصة وأن في
المجتمع الواحد تختلف الثقافة من فرد إلى آخر ومن جماعة إلى أخرى ومن مجتمع
إلى مجتمع آخر.
فمن البديهي أن اإلنسان يتشكل ضمن بيئة إجتماعية تؤهله لضمان حياته ضمن
ما يكتسبه من معارف ومكتسبات وخبرات وغيرها .وتلك المكتسبات تدخل ضمن ما
يسمى بالتمثالت اإلجتماعية .فهي عبارة منتوج معرفي مصدرها المجتمع ،واإلنسان منذ
القدم حاول تقديم تفسيرات للمرض وطرق عالجه من تلك التصورات المعرفية والثقافية
التي تشكل بذاتها رصيدا ثقافيا تراكم بدوره عبر األجيال .فالثقافة هنا لها أهمية كبيرة
في تحديد أنماط األمراض وتفسيرها وحتى في عالجها ،كما أنها تحكم تصرفات اإلنسان
من خالل المواجهة السلوكية ،فهي تتضمن مختلف صور السلوك اإلنساني في العادات
والتقاليد والمعتقدات والمعارف والمفاهيم وحتى التمثالت الشعبية .وهذه التمثالت التي
تخص المرض العقلي تؤثر بشكل كبير على إختيار أساليب العالج ودور الدين وتأثيراته
على صناعة تمثالت الفرد لقضايا المرض وطرق الوقاية وأساليب العالج.
121
كرمية مكاري ،حممد بوجطو
تحدد على حسب التفاوتات التعليمة وحتى الفئات االجتماعية .فقبل السير في تفكيك
الموضوع يمكنا البدء في البداية بأهم عنصر وهو الثقافة باعتبارها إنتاجا رمزيا من
المعاني ،الرموز ،األفكار ،السلوكات وغيرها .ولذلك ينبغي اإلطاحة بأهم أنواع المعرفة
المعنية بالدراسة من حيث أشكالها التي تفسر وتفهم المرض العقلي في الحياة المجتمعية
ونظامية الحياة اليومية للفرد.
ترتبط الرؤية المعرفية الخاصة بالمرض العقلي من بين المعارف األولية أو
الشائعة لدى العامة من الناس ،فتكونت في سياقها التاريخي معارف تم اكتسابها وتراكمت
عبر السيرورة التاريخية .فتشكلت في شكل معارف عادية ومهيأة من خالل أفكار وصور
ومعاني ورموز وتمثالت ...إلخ.
1.4المحدد المفهومي:
إن للمرض معنى ديني لدى أفراد المجتمع ،من خالل تلك المعرفة األولية التي
تربطه مباشرة باإلرادة اإللهية ،وهي من المسلمات الدائمة لدى عامة الناس ،وخاصة
في إستعمال المكتوب ".والذي يعني إدراك المرض كظاهرة عادية ال مفر منه ،لذلك
فهم يعتبرونه على أنه إبتالء وإمتحان من هللا سبحانه وتعالى واجهه بالصبر" (خلفة،
،2018-2017صفحة .)64فبالء المرض عالمة على محبة هللا ،كما جاء في كتاب
هللا تعالى " فعسى أن تكرهوا شيء وهو خير لكم" (سورة البقرة ،اية .)216فالدين هو
مؤطر للحياة اإلنسانية في جل جوانبها ،هنا ال بد أن يترك أثره تفسي ار وتأويال فيما
يصيب اإلنسان من علة أو مرض فنمط تصورهم الثقافي للمرض تمثل في وجود قوى
غيبة ال مرئية وهو هللا.
وبناءا على ذلك فإن إعطاء الصورة الكلية لهذا المرض بوصفه ظاهرة إجتماعي،
ألنه يصعب عليه إقامة حوار مع اآلخرين ،ولعجزه العقلي بعيد عن اإلتصال بالواقع
المادي واالجتماعي وال يدرك نفسه وال أقاربه .فكان ربطهم للمرض العقلي من زواية
المخ ،وهذا هو التعبير العام لدى العامة من الناس بربطهم المخ (العقل) بالمرض وهو
122
املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية
تفكير إجتماعي ال محال .فعندما يفكر الناس بالمرض العقلي كمرض ،فإنهم يقرنونه
بصورة عامة بكلمة الجنون .وهو مصطلح اجتماعي مصطنع متفق عليه ،من منطلق
أن الحياة االجتماعية ال تخلو من نظام التصورات لمختلف الظواهر التي يكتسبها األفراد
عبر مراحل حياتهم فتكون مشتركة لديهم وتعبر بنفس المنظور .يقول ميشل فوكو
الجنون يرسم صورة مألوفة في المشهد االجتماعي" (فوكو ،تاريخ الجنون في العصر
الكالسيكي ،2006 ،صفحة .)64
فالمعارف العامة تنطلق من المنظور الثقافي العامي للمجتمع من زاوية تلك
التفاصيل الدقيقة للحياة المجتمعة من جهة والحياة اليومية من جهة أخرى ،لتظهر في
شكل معرفة الثقافة العادية ألناس عاديين من خالل أفكارهم ،معانيهم ،رموزهم...الخ.
وعليه الثقافة الشعبية هي" تعبير عفوي تلقائي عن مشاعرهم اليومية ،تخوفاتهم
أمالهم ضعفهم ،قوتهم" (خلفة ،2018-2017 ،صفحة ،)111لذلك تنصب معارفهم
لمعنى المرض هو فقدان الحياة معناها.
2.4المحدد السببي:
يعد التفكير الغيبي من بين أساليب التفكير الجمعي الذي يؤثر بشكل حتمي على
التفكير الفردي .فالمحيط الذي كان في ذهن أفراد المجتمع بشكل خاص كان قد تأثر بما
يسمى بالمعرفة الشائعة كاألرواح الشريرة ،السحر ،المس ،العين...الخ .كلها مؤشرات
تدخل ضمن معارف عامية تقيد ذهنية اإلنسان بمعارف قيلت منذ أزمنة بعيدة من قبل أناس.
وال مناص من القول أن معارف جاءت على شكل معرفة إجتماعية مأخوذة من
الواقع ،فتجلت في األبعاد الخاصة لهذا المرض ،ألنها تشكلت من المعايشة ،فترجمت
طبيعة تفكيرهم .فالمعرفة االجتماعية" :ال تتبلور من الفراغ بل من خالل البيئة والظروف
اإلجتماعية ،وأن مؤثراتها ال تخضع للمالحظة ألنها انغرست وعاشت في ذوات الفرد،
ومن ثم خرجت على شكل سلوك ومنطق" (عمر ،1991 ،صفحة .)135لذلك نجد
دور كايم في دراسته للطوطم فكانت استنتاجه أن الحياة االجتماعية تتأثر بالضمير
االجتماعي وتمنح المعني الكثير من الفئات أو التصنيفات المتداولة في المجتمع أفراد
123
كرمية مكاري ،حممد بوجطو
أو جماعة ،كذلك نجد مالك بن نبي في وصفه للثقافة على أنها محيط معين يتحرك
في حدود اإلنسان والعادات والتقاليد ...الخ.
ويشار إلى أن الحكايات تعبر عن الذاكرة الشعبية فهي تصنف ضمن المعرفة
السردية على حسب دونالد بولونكنهور) ،(Donald Polkinghormeحيث يتم سرد القصص
الحكايات من خالل عملية تفاعلية ،فهي عبارة عن نوع من المعرفة تشكلت عن طرق
األخبار أو النقل أو المعايشة .وترتبط الحكاية الشعبية بالتعبير الشفوي في المجتمع،
ولعل أجمل أنماط الحكاية الشعبية النمط المعزق في عالم من السحر والخيال يتضمن
عجائب في األنس والحيوان والطير وعجائب أخرى في الزمان والمكان" (حكيمة،2019 ،
صفحة .)319وهذه المعارف السردية تختزن موروثا غنيا من الحكايات والقصص
واألساطير عن الجن وهذا ما أدى في أن الجن نقطة مترسخة بشكل عام لدى العامة من
الناس ،وبناءا على هذه النقطة يمكن ربطها بالمعرفة الدينية ،هنا تكمن في أن المعرفة
كأمر غيبي وكل بالء له تفسيرات عنه اعتمادا على نصوص دينية .زيادة على ذلك،
فالحكايات عن الجن في المخيال الشعبي لها طابع أسطوري أكثر منه خرافي ،والفرق
يكمن في األسطوري يحمل جانبا من اإليمان واالعتقاد الراسخ ،بينما الخرافي ال يتعدى
كونه أحجية مسلمة ويتوارثها الناس ويتناقلونها فيما بينهم ،فالحكايات عن الجن لها
خصوصية كبيرة في مجتمعنا كونها تحكى في الجلسات العائلية على أنها وقائع حقيقية.
3.4المحدد العالجي:
124
املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية
الطب التقليدي وخاصة في حالة نجاح هذا األخير في عالج المرض .كما أن هناك
من تؤثر فيه المعتقدات بشكل مزدوج من حيث اللجوء إلى العالج الشعبي في حاالت
مرضية معينة .و"مثلما يختلفون في تفسيرهم ألسباب األمراض والشرور التي تلحق
االنسان ،فإن كثي ار من أفراد المجتمع المحلي يختلفون أيضا عن غيرهم فيما يتعلق
بالعالج" ،حيث "إعتاد هؤالء الناس على أنفسهم في عالج مرضاهم ،فهم يثقون في
أشخاص متخصصون من الرجال والنساء أشخاص خيرون يتمتعون باإللهام والبركة
وأصحاب االيدي الطبيبة ،وهذا في طريق أساليبهم الخاصة التي صادفت الكثير من
النجاح وصادقتها التجربة الميدانية تحت أساليب أساسها الرقية ،التمائم ،التعاويذ
واالحجبة وبركة االولياء" (عيشور واخرون ،2018 ،الصفحات .)22-21
وتعتبر الرقية هي بمثابة العالج المناسب لهذا المرض وكذلك فعالية القرآن
الكريم .ألن هذا النوع من العالج التقليدي له توسعات ،بحيث تلعب الثقافة الشعبية
دورها في دفع مختلف الشرائح إلى مثل هذه الممارسات انطالقا من خلفيات ثقافية
ومدى تجاوبه مع مختلف األمراض .فالرقية الشرعية مذكورة في القران الكريم وجاء بها
اإلسالم ،وذلك بقوله تعالى " وإذا صرفنا إليك نف ار من الجن يستمعون القران" (سورة
البقرة ،اية .)31وال سيما أن الرقية الشرعية نافعة وطاردة للجين والشياطين وحتى
أعمال السحر .ويذكر "هيلمان " Helmanأن عندما يتفق الفرد في ثقافة أو مجتمع
معين حول نماذج من األعراض والعالقات كذلك مصدرها ومعناها وعالجها ،فإن األمر
.
أصبح مرضا شعبيا وبهوية متكررة" (بومدين ،2006 ،صفحة )34
تعتبر المعرفة العلمية من بين أنواع المعرفة التي تعكس نماذج المعرفية للمرض
العقلي من أبعادها المتعلقة بالتنوع العلمي ،الثقافي وحتى االجتماعي .وقد تأثر المعارف
العلمية في ذهنية األفراد بمجرد اكتسابها .فإذا ما أخذنا نظرة أبعد في التفسير العلمي،
فأننا نجد أنفسنا أمام أوساط حقائق علمية ناتجة عن نقاش علمي محض ،مما يستلزم
125
كرمية مكاري ،حممد بوجطو
التفسير العقالني والمنطقي ،بحيث يفترض على أن أي مرض قد ينتج عن سبب واحد
محدد ،وفي حالة وجود هذا السبب تظهر الحالة المرضية أو هناك أسباب أخرى.
لقد برهن العلم على كونه قوة ثورية ذات قدرة هائلة خصوصا وأن "الطب المبنى
على العلم في البدء مضط ار لمحاربة الخرافات الشبيهة بتلك التي شجعت الناس على
االعتقاد بالسحر" (اندراسل ،2008 ،صفحة .)25ألن حياة اإلنسان البدائي كانت
تحيط بالمحرمات .فاستطاع العلم هنا أن يبدد هذه الخرافات البدائية األخرى .مع أن
العلم الحديث " لم يكن وليد انكباب على الخبرة والتجربة وإنصاف لمعطياتها ،بل جاء
وليد الرغبة العارمة في إعادة التفكير في تلك المعطيات وفي العالم ككل من منظار
رياضي ،قبلي أي ميتافزيقي" ).(Koyre, 2016, p. 328
فمع تقدم العلم وإطراد مسيرته يعتمد في األساس على" قدرة رجال الفكر وعباقرة
العلم على االيتان بتصورات جديدة ،وخلق أفكار واضحة ليعلموا بعد ذلك على تطبيقاتها
في شتى مناحي الحياة العلمية" (العمر ع ،1983 ،.صفحة .)12فبدأ الطب العلمي
الحديث ينظر إلى المرض على أنه نتيجة لبعض األسباب الوراثية والفيزيولوجية
والعضوية والوظيفية وغيرها من األسباب.
ومن البديهي هنا ،أن محاولة فهم الظاهرة المرضية لهذا المرض ومالبسته من
خالل المنظور العلمي ،ومدى معرفة تشخيصه وطرق عالجه وحتى مسبباته يكون على
حسب درجة التفسير العقالني أو التفكير العلمي من منطق األساليب القائمة عليه .إلن
"المرض العلمي البيولوجي هو غير المرض بالمفهوم الثقافي الذي يعني التعدد ،أي
يصعب أن تحدد تعريف واحد ولردود األفعال اتجاهه على اختالف الثقافات والمجتمعات
إلن إدراكات الناس حول المرض ومفهومه وطرق الوقاية منه إدراكات تحددها المعتقدات
.
الثقافية واأليديولوجية التي لها أثر عميق في تشكليها" (ذكار ،2016 ،صفحة )76
فهل هذا يعكس على عقالنية الفرد في تفسير األمور بطريقة علمية في ظل وجود
الخلفية الثقافية؟
126
املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية
1.5المحدد المفهومي:
إن المعرفة العلمية تحصر مفهوم المرض العقلي على أنه اختالل توازن الشخصية
اإلدراكية لإلنسان .فهنا يتم استخدام المصطلحات العلمية كإضطراب عقلي شديد ،تفككك
شامل في الشخصية ،فهذا يرجع إلى طبيعة المستوى التعليمي الخاص بهذه الفئات من
المجتمع ،هنا تظهر لنا نظرية بيار بورديو للرأسمال الثقافي في الثروات الرمزية التي
يكتسبها أفراد المجتمع تبعا لحقل الذين يكونون فيه ،كالطبيب على سبيل المثال.
وتجدر اإلشارة هنا أن "العالقة بين الطبيب والمريض مرتبطة إرتباط وثيقا
بانتمائهما إلى أنساق ثقافية مختلفة ،فالطبيب ينتمي إلى مرجع علمي وكوني والمريض
ينتمي إلى مرجع عامي ومحلي" (عبابو ،2011 ،صفحة .)85
وبطبيعة الحال أن أنماط التفكير هنا تكون مغايرة نظ ار للحقل الذي تشكلها سواء كان
بالتعليم أو التدريب أو التكوين(الطبيب) ،وهذا ما يجعل معارف التفسيرية للمرض العقلي
يختلف من مستوى تعليمي إلى آخر حسب نمط الحقل التعليمي والثقافي وحتى المهني.
2.5المحدد السببي:
إن فكرة معرفة أفراد المجتمع وفهمهم للمرض العقلي من الزاوية النفسية التي
ترجع في البداية باإلصابة المعنية لهذا المرض ،بحيث يكون حديث النشأة نسبيا ليتطور
شيئا فشيئا إلى حالة خطيرة وهي الجانب العقالني" .فاإلضطراب النفسي هو اضطراب
وظيفي في الشخصية ،نفسي المنشئ ،يبدو في صورة أعراض نفسية وجسمية مختلفة
توثر في سلوك الفرد ،فتعوق توافقه البيئي والنفسي ،وتعوقه عن ممارسة حياته السوية
في المجتمع الذي يعيش فيه" (أحمد ،2002 ،صفحة .)405إلن معرفهم لسبب حدوث
المرض العقلي هي المشاكل األسرية كالضغط األسري مثال ،فال تخلو أي حياة من
ضغوط مهما كانت صفتها.
هنا يكمن القول أن الفرد يكون عرضة للصدام النفسي بأشكاله المختلفة حسب
المبحوثين ،فهذا النوع من الحياة تجعل الفرد يعيش بداخله كراهية الذات أو محطما
ميؤسا ومكتئبا ،فتشكل في نفسه عقد الخوف والتهرب من الواقع .وهذا التعبير الذي
127
كرمية مكاري ،حممد بوجطو
نلمسه لدى ذهنيات حول الصحة النفسية للفرد ذات أهمية بالغة لكونها تشكل القاعدة
األولى لتهيئته ،لذلك قيل" أنها الوحدة االجتماعية األولى التي ينشأ فيها الطفل وهي
المسئول األول عن صحته الجسمية والنفسية " (مصطفى ،2011 ،صفحة .)18
وعليه فإن رؤياهم التفسيرية ألسباب حدوث المرض هي التي تكون في صراع
اإلنسان مع المجتمع وما يحمله من متاعب كاإلجرام والبيئة المحرومة...الخ.
3.5المحدد العالجي:
إن أصحاب السياق األكاديمي أو المهني المتخصص يستطيعون أن يصنفوا أنواع
المرض وحتى مسبباته الذي لم ينحصر على جانب واحد ،فهي تدخل ضمن ما يسمى
بالثقافة المهنية ألنها تقوم على مجموعة المعلومات والمهارات التي ال تتوفر لدى
االخرين من غير ارباب هذه المهنة كالطبيب مثال .هذا األخير يختلف مشروع عالجه
عن الفرد العادي لكونه تلقى تكوينا علميا .وهذا ما يفسر لنا أن العلم استطاع أن يفسروا
المرض العقلي بطريقة عقالنية نقدية لألمور ،وهذا ال يختلف ربما عن أصحاب
المستويات التعليمية أنهم يفضلون الطب الحديث ،حيث كان توجههم واضحا إلى هذا
النوع من الطب ،نظ ار لما كانت له نتائج حول تلك الوضعيات.
فالوعي التعليمي المكتسب من الحقل الخاص به سواء كان دينيا أو إجتماعيا أو
ثقافي أو مهنيا وغيرها من الحقول ،مما تنتج مجموعة من ذهنيات تكون مختلفة عن
العامة .وهنا يكون عامل مهم في تحديد العالج الخاص بهذا المرض فيؤثر ال محال
في تكوين خلفية ثقافية جديدة خاصة بتحديد وتشكيل كيفية التخلص من األلم ووصف
األعراض حسب طبيعة كل مرض .فأصبح الذهاب إلى الطبيب أم ار عاديا وضروريا.
128
املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية
الصحي وتقدم العلوم الطبية المختلفة لم يقض تماما على هذا الرصيد االعتقاد .فال
تزال قطاعات عريضة من المجتمع تستمد تصوراتها ومفاهيمها وتفسيراتها المختلفة
للمرض وأسلوب عالجه من هذا التراث الثقافي المتنوع ،فالتصورات الخاصة بفهم
المرض يؤثر بشكل كبير على اختيار أساليب العالج ،وهذا يؤثر في مختلف العناصر
الثقافية والدينية واالجتماعية والعلمية إلى الطرق المستعملة في عالج هذا النوع من
األمراض ومن تم إنتاج نمط إنتاجي نمط عالجي يتالءم وطبيعة التصورات التي ينتجها
األشخاص والجماعات االجتماعية حول مفهوم أي مرض من حيث األسباب والعالج.
لذلك" يجب أن يكون للمرض معنى حتى يطمح األشخاص إلى التحكم فيه ،والشيء
المطلوب أوال هو توضيح مفهوم المرض كحدث ،وأن األلم مثل المصيبة والموت يجب
أن نحدده ونفسره" ).(Toffol, 1993, p. 192
وعليه فالمرض عقلي مفهوم اجتماعي ،ألن الثقافة لها دور أساسي في تكوينه
ومعرفة عالجه .فال يخلو أي مجتمع من ممارسات ومعتقدات خاصة بهذا المرض
وكيفية عالجه ،ألنه في كثير من المجتمعات والثقافات اإلنسانية ترتبط فكرة المرض
والعالج ببعض المفهومات الثقافية كالدين والقيم والمعايير والعادات االجتماعية والثقافية
السائدة في نطاق هذه المجتمعات .مما يفسر لنا ذلك أن الثقافة المحلية السائدة تعتبر
مسئولة عن ظهور هذه الرؤى الثقافية للمرض ومنشئه .برغم من التقدم العلمي في
المجال الصحي ،فال تزال المجتمعات تعرف تنوعا في أساليب العالج بين ما هو تقليدي
وما هو حديث .ومن ثم لم يعد للطب الحديث فقط السيطرة على المرض وفهم سلوكيات
المريض ،خاصة بعد أن حظي موضوع الصحة والمرض اهتمام العلوم االجتماعية
والنفسية واألنثروبولوجي التي أثارت قضايا مهمة من بينها تأثير العوامل الثقافية
واالجتماعية والدينية على فهم وتفسير المرض وكذا اختيار أسلوب العالج المناسب له.
-الثقافة حقا لها أهمية كبيرة في تحديد أنماط األمراض وتفسيرها وحتى في طرق عالجها،
كما أنها تحكم في تصرفات اإلنسان من خالل المواجه السلوكية ،فهي تتضمن مختلف
129
كرمية مكاري ،حممد بوجطو
صور السلوك اإلنساني في العادات والتقاليد والمعتقدات والمعارف وحتى المفاهيم .كل
هذه النقاط تلعب دور كبير في تحديد حقيقة المرض ودالالته وحتى في طرق عالجه.
-إن المعارف العامية المرتبطة بالمعتقدات لها سلطة أمرية رمزية قوية التأثير في حياة
أفراد المجتمع من حيث معايشتها وممارساتها ،ألن هذه المعتقدات ال تزال راسخة في
فكر اإلنسان مهما كان مستوى تطوره الثقافي واالجتماعي ،حتى وإن كان لنا ذات
مستوى عالي في جميع المستويات .وهذا ما يظهر لنا في تلك القصص عن جانبها
الخرافي الشعبي المتوارث عن األجداد.
-إن خلفية الثقافية ألفراد المجتمع حول المرض العقلي كانت نتيجة لتلك القصص
والحكايات التي قد عاشوها أو سمعوا عنها ،فهي بمثابة تعبير عن الذاكرة اإلجتماعية
أو معرفة إجتماعية تعكس لهم الصورة العامة حول األشياء المحيطة بهم .فهي عبارة
عن دالالت ترتبط بثقافة المجتمع ومعتقداته .ومن هذا المنطلق تتشكل المعارف المتعلقة
بحكايات الثقافة الشعبية لدى اإلنسان مزيج من النظام المعرفي المتراكم التي ال يمكن
أن تعود فقط إلى المعلومات العلمية ،ألنها قد تكون مزيج بينها وبين الثقافة الشعبية.
-في هذا الصدد نجد أن نمط التفكير يتغير بحسب كل وضع إجتماعي ،فتلك المشاكل
التي تبتلي اإلنسان وتجعله على شكل مرض يصيبه ويعاني منه .لذلك إرتأينا أن نطرح
سؤال حول عالقة المرض العقلي بالحياة اإلجتماعية ،نظ ار لما تحمله من عواقب على
الفرد معاكسات الحياة القاسية والعالقات العاطفية ،المشاكل العائلية وغيرها.
-إن هناك إختالف معارف أفراد المجتمع حول العالج المناسب لهذا النوع من المرض
دليل على طبيعة االتجاه المعرفي الخاص بهم ،حيث ترتكز معارفهم حول دالالت
ثقافية" .فالفرد المتعلم أو المتمدرس قبل أن يكون ذلك ،عبارة عن حالة يعيش في بيئته
ومحيط اجتماعي يتأثر بهما من خالل مقومات وتنظم وأهداف األنماط المعيشة السائدة
فيها ،كما يؤثر فيهما بميول واتجاهات وإستعدادات ثقافية ،إقتصادية واجتماعية يكتسبها
ويتلقاها بطريقة ضمنية ،فتعطيه نوعا من الهابيتوس في إطار معين من خالله ينسب
إلى الجماعة االجتماعية التي ينتمي إليها" (مجيد ،2008-2007 ،صفحة .)23
بصرف النظر إلى إن المرض العقلي أصبح أكثر فهما وقبوال من قبل األسرة والقانون
130
املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية
والطب وحتى وسائل اإلعالم ،مما تتعدد أنماط الطرق العالجية بين من يفضل أسبقية
الرقية عن الذهاب إلى الطبيب ،وهناك من يفضل العالج يكون بالرقية والذهاب إلى
الطبيب النفساني ،إال هذا ال يمنع قوة األذكار الدينية فعالة في حماية اإلنسان.
وعليه إن عملية تصور المرض العقلي تحمل معاني كامنة لدى الفرد ،ألن"
عملية تصور المرض تحمل معاني كامنة في شخصية الفرد وفي نفس الوقت فإن هذه
العملية ليست فردية أو شخصية بقدر ماهي عملية تتأثر بعدة متغيرات اجتماعية وثقافية
وحتى دينية" (فيروز ،2021 ،صفحة .)21وأن اختيار العالج لدى الفرد يكون بحسب
ثقافة المرض التي اكتسبها كرأسمال أولى في الوسط الذي يعيش فيه من جهة والمعارف
المكتسبة من جهة أخرى.
.7خاتمة:
من خالل ما جاءت به ورقة بحثنا هذا المرتبط بمسألة المعرفة بين العلمية والعامة
المفسرة للمرض العقلي فإننا نستخلص مايلي:
-إن المجال البيئي الذي يشتغل عليه المجتمع ينتج معارف جديدة سواء كانت عامة أو
علمية وتظهر لنا من خالل أن المعرفة تتهكيل في مجالها االجتماعي والثقافي والعلمي.
ألن المعرفة تتمايز إجتماعيا حتى على مستوى المهن ،العائلة ،المستوى العلمي...الخ.
كما أن المعرفة تتشكل في تلك األفكار والخبرات والمهارات التي يمكن أن يحصل عليها
الفرد من إطارها االجتماعي بوسائل التحصيل كالتجربة ،المحاكاة والتلقين المباشر.
-إن حصول أفراد المجتمع للمعارف من درجات معينة ومن نوعية معينة ستجعل معارفهم
تختلف تبعا الختالف تجاربهم ومستوياتهم وميولهم الفكرية واإليديولوجية .مما يحاول
أفراد المجتمع أن يوظفها حسب الحقل الذي ينتمي إليه .وهذا التفسير السببي للمرض
العقلي لدى فئات من أفراد المجتمع كان على أسس التجربة االجتماعية المعاشة بعيدا
عن التفسير الغيبي ،هنا يمكن القول أن التجربة التعليمة أو المهنية الطبية استطاعت
إبعاد التمثالت الغيبية ،كما تعتبر التمثالت الخاصة بمسببات هذا المرض هي نماذج
معرفية وأشكال التعبير اإلجتماعية التي يحدد المجتمع معنى لها كالتعبير والشفاهة التي
تنتجها الذاكرة اإلجتماعية لدى الفرد.
131
كرمية مكاري ،حممد بوجطو
.8قائمة المراجع:
1.8المراجع باللغة العربية:
القران الكريم .1
أماني يوسف ،السيد محمد موسى .)2020( .التربية الخاصة .،مجلة كلية ببنها، .2
العدد.123
اندروديسكسون وايت .)2014( .بين الدين والعلم تاريخ الصراع بينهمت في القرون .3
الوسطى( .اسماعيل مظهر ،المترجمون) مصر :مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة.
براتر اندراسل .)2008( .أثر العلم في المجتمع( .صباح الصديق الدلموجي، .4
المترجمون) بيروت :مركز دراسات الوحدة العربية.
بومدين سليمان .)2006( .المعنى االجتماعي للمرض .مجلة العلوم .5
االنسانية(العدد.40-31 ،)20
حمدي مجيد .)2008-2007( .تحقيق حول جامعة الجزائر من خالل مورودها .6
والعالقات بين الحركات الداخلية للطلبة ووضعياتهم في العملية التعليمية .علم االجتماع.
الجزائر :جامعة الج ازئر .2
خلفي نجاة .)2015/2014( .تمثالت اإلطار المثقف للممارسات الطقوسية زيارة .7
األضرحة باألبيض سيدي الشيخ .علم االجتماع التغير الثقافي والهوية المحلية ،رسالة ماجستر:
جامعة سيدي بلعباس.
رحمة محمد عثمان( .يوليو .)2004 ,منهج ابن تميمة في العلم والمعرفة .مجلةدراسات .8
دعوية.221-201 ،1 ،
صولة فيروز .)2021( .المتغيرات االجتماعية لتصور المرض وأساليب عالجه. .9
(مراجعة نور الدين رسام ،المحرر) برلين ،المانيا :المركز العمراني بالمانيا.
.10طارق كمال .)2005( .االسرة ومشاكل الحياة العائلية .االسكندرية :مؤسسة شباب
جامعة االسكندرية.
.11طاهر حسو الزيبارى( .جويلية .)2009 ,دور العوامل االجتماعية في المعرفة العلمية
"بحث سوسيولوجي في علم االجتماع العلم" .مجلة بالد الرافدين(العدد.397-352 ،)53
.12عالم جامح ،انطوني غيدنز .)2003( .كيف تعيد العولمة تشكيل حياتنا( .عباس
كاضم ،المترجمون) بيروت :المركز الثقافي.
عبد هللا العمر .)1983( .ظاهرة العلم الحديث"دراسة تحليلية وتاريخية" (المجلد عالم .13
المعرفة .)69الكويت :المجلس الوطني للثقلفة والفنون واالداب.
132
املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية
على هاشم الموسوي( .بال تاريخ) .العقل في الموروث المعرفي االسالمي قراءات .14
معاصرة (المجلد .)1
.15عواد محمود .)2006( .معجم الطب النفسي والعقلي .االردن :دار اسامة المشرق
الثقافي .فاطمة حاج سليمان .)2017/2016( .فعالية العالج االسري النسقي في مساعدة
أسر المعاقين عقليا .أطروحة شهادة الدكتوراة ،علم النفس ،جامعة تلمسان .
فالح جعاز شلش .)2006( .االساليب الحديثة في نقل المعرفة العلمية .مجلة علوم .16
التربية الرياضية ،المجلد(5العدد.142 ،)2
.17قويس جمال الدين( .يوليو .)2013 ,المعرفة العلمية واألزمة "قراءة في البنية والتحول.
مجلة الكلمةدراسات وأبحاث ،المجلد(20العدد.108-88 ،)80
.18محمد بن خلفة .)2018-2017( .التصورات االجتماعية للمرض في الثقافة الشعبية
دراسة تحليلية امحتوى االمثال السعبية العربية المتداولة بمنطقة بسكرة .جامعة بسكرة.
محمد حسين الرفاعي .)2017( .االبستمولوجيا تفكير في المعرفة الحديثة .بيروت: .19
دار التنوير ومركز دراسات فلسفة الدين.
محمد عبابو .)2011( .سوسيولوجية الممارسة الطبية من منظورات اليوث براندسون. .20
مجلة أفاق سوسيولوجيا.98-85 ،
محمد كمال مصطفى .)2011( .ثقافة التقد المشكلة والحل .مصر :مؤسسةفريدريش .21
ابيريت.
.22محمود ذكار( .مارس .)2016 ,هرمينوطقيا المرض بين العلمي واالنتروبولوجي"مقاربة
جديدة في فهم المرض" .مجلة انتروبولوجيا ،العدد.89-71 ،2
معين خليل عمر .)1991( .علم االجتماع المعرفة .عمان :دار الشروق للنشر .23
والتوزيع "مطبعة جامعة الموصل ".
مكي الحسيني .)2017( .في العلم والمعرفة والفرق بينهما .مجلة مجتمع اللغة .24
العربية(المجلد.631-623 ،)90
منصور عبد المجيد سيد أحمد .)2002( .السلوك االنساني بين التفسير االسالمي .25
وألسس علم النفس المعاصر .االسكندرية،مصر :مكتبة االنجلو المصرية.
ميشل فوكو .)2006( .تاريخ الجنون في العصر الكالسيكي( .سعيدي بنكراد، .26
المترجمون) المغرب :المركز الثقافي العربي.
ميشل فوكو( .بال تاريخ) .حفريات المعرفة( .سالم يقوت ،المترجمون) المغرب :المركز .27
الثقافي العربي.
133
كرمية مكاري ،حممد بوجطو
ناديةسعيد عيشور واخرون .)2018( .الصحة في المجتمع الجزائري .مؤسسة راس .28
الجبل للنشر والتوزيع.
.29وشان حكيمة .)2019( .قراءة سوسيولوجية في مضامين الحكايات الشعبية .مجلة
دراسات في علوم االنسان والمجتمع ،المجلد(2العدد.325-311 ،)1
.30ويديري رجاء وحيد .)2000( .البحث العلمي اساسياته النظرية وممارساته العملية.
دمشق :دار الفكر.
134