You are on page 1of 20

‫اجمللد ‪ / 12‬الع ــدد‪ ،)2023( 01 :‬ص ‪134 -115‬‬ ‫جملـة البحوث الرتبوية والتعليمية‬

‫المرض العقلي بين المعرفة العامية والمعرفة العلمية‬


‫‪Mental Illnesse between Public Knowledge and Scientific knowledge‬‬
‫ط‪.‬د مكاري كرمية‪ ،1‬أ‪.‬حممد بوجطو‪2‬‬

‫خمرب البحوث النفسية واالجتماعية‪ ،‬جامعة حيى فارس املدية (اجلزائر) ‪mekarikarima@univ-medea.dz‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2‬خمرب البحوث النفسية واالجتماعية‪ ،‬جامعة حيى فارس املدية (اجلزائر)‪boudjatou@yahoo.fr ،‬‬
‫اتريخ النشر‪2023/6/10 :‬‬ ‫اتريخ القبول‪2023/1/22 :‬‬ ‫اتريخ االستالم‪2022/9/19 :‬‬

‫ملخص‪ :‬يتناول هذا املقال موضوع املرض العقلي وفق مقاربة سوسيولوجية تسعى إىل فهم متثالت اجملتمع اجلزائري‬
‫هلذا املرض‪ .‬فعلى الرغم من تطور املعرفة العلمية وتقدميها لتفسريات موضوعية حول املرض العقلي تبعا لألطر العلمية‬
‫واملنهجية إال أن تصورات الكثري من أفراد اجملتمع مازالت حتمل رواسب التفسريات اخلرافية (التقليدية) له‪ .‬لذلك‬
‫حاولنا من خالل هذه املسامهة البحثية توضيح واقع متثالت األفراد للمرض العقلي والتعرف على املصادر املعرفية‬
‫لتلك التمثالت من منطلق مقاربة موضوع املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية‪.‬‬
‫وال شك أننا سنحاول االعتماد على مجلة من األليات املنهجية ملقاربة هذا املوضوع من خالل املنهج الوصفي‬
‫فيما يتصل بتقدمي قراءة تعريفية ملاهية كال من املرض العقلي واملعرفة العامية والعلمية‪ ،‬كما سنوظف املنهج التحليلي‬
‫فيما يتصل مبسألة حمددات املرض العقلي يف ضوء املعرفة العامية واملعرفة العامية ونقاط التالقي املعريف حوله‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪ :‬املرض العقلي؛ املعرفة؛ التمثالت؛ املعرفة العامية؛ املعرفة العلمية‪.‬‬
‫‪Abstract: This article is a sociological viewof mental illnesses, seeking to‬‬
‫‪understand society's take on these disorders. Even though, we've come a long‬‬
‫‪way in explaining mental illnesses scientifically and objectively according to‬‬
‫‪the mythological capacities of science, most of people's ideas about mental‬‬
‫‪health still contains a lot of mythical explanations. In this research we try‬‬
‫‪clarify people's views regarding mental illness through their resources, in a‬‬
‫‪comparison between scientific and public knowledge of this topic.‬‬
‫‪There is no doubt that will try to rely on number of systematic‬‬
‫‪mechanisms to approach this topic through the descriptive approach related‬‬
‫‪to providing an Introductory reding of what is both mental illness and‬‬
‫‪colloquial and scientific knowledge, as we will employ the analytical‬‬
‫‪approach in connection with the issue of mental illness in light of the‬‬
‫‪colloquial knowledge, colloquial knowledge and cognitive convergence‬‬
‫‪points around it.‬‬
‫;‪Keywords: Mental illness; Knowledge; Representation; Public Knowledge‬‬
‫‪Scientific Knowledge‬‬
‫__________________________________________‬
‫املؤلف املرسل‪ :‬كرمية مكاري‪ ،‬حممد بوجطو‬

‫‪115‬‬
‫كرمية مكاري‪ ،‬حممد بوجطو‬

‫‪ .1‬مقدمة ‪:‬‬
‫لقد غدا موضوع المرض عامة من أبرز المواضيع التي شغلت البحث العلمي‪،‬‬
‫لكونه أحد الحواجز التي تتحدى وتهدد حياة اإلنسان وصحته الجسمية والنفسية والعقلية‪.‬‬
‫ويعد المرض العقلي أحد تلك األمراض التي يصعب تشخيصها ومعرفة مسبباتها‪.‬‬

‫والواقع أن المرض العقلي في مجتمعنا الحالي صعب التشخيص للغاية‪ ،‬مما‬


‫يتطلب مجهودات لحصر معطيات حوله‪ ،‬ألن طبيعة فهممه يحتاج إلى تفسير يتجاوز‬
‫البناء االجتماعي والثقافي للفرد‪ .‬فهو حدث اجتماعي بدرجة أولى‪ ،‬ألنه يظهر في مواقف‬
‫اجتماعية وجذوره قائمة في بنية الجماعة نفسها‪ ،‬فال يمكن تفسيره إال في اإلطار الثقافي‬
‫الذي يظهر فيه‪ ،‬خاصة وأن في المجتمع الواحد تختلف الثقافة من فرد إلى آخر ومن‬
‫جماعة إلى أخرى ومن مجتمع إلى مجتمع آخر‪.‬‬

‫‪ .2‬اإلشكالية‪:‬‬
‫يعد المرض العقلي من بين تلك األمراض الذي يصعب تشخيصه ومعرفة مسبباته‪،‬‬
‫واألدهى من ذلك إرتباط نظرة اإلنسان لهذا المرض من خالل معتقداته وتصوراته من‬
‫األمد إلى يومنا هذا‪ .‬مما جعلنا نطرح مشكلة بحثية لمعرفة هذه النظرة من خالل‬
‫المالحظة المستمرة والتواجد الشبه الدائم وسط أماكن يمثلها أشخاص مصابين بأمراض‬
‫عقلية يصعب تفسيرها لدى أفراد المجتمع بإرجاعها إلى عامل سببي واحد‪ ،‬وإلن طبيعة‬
‫التفكير اإلجتماعي للمرض في حد ذاته مشكلة نفسية‪ .‬واألدهى من ذلك هي تلك‬
‫التصورات الغيبية التي يفسر بعض الناس من خاللها هذا المرض على الرغم من بعدها‬
‫عن التأسيس العلمي‪ ،‬فضال على كونها تصورات قديمة جدا تعود إلى قرون سحيقة‪.‬‬
‫وعلى الرغم من تعاقب الحضارات اإلنسانية‪ ،‬وحدوث تطورات مبهرة في المجال‬
‫العلمي لكننا نالحظ اعتماد بعض الفئات على تفسير بعض الظواهر تبعا لمجموعة من‬
‫التصورات والتمثالت التي ورثوها عند القدماء‪ ،‬وهذا مناجده متجسد بخصوص تفسير‬
‫المرض العقلي‪ ،‬وهذا أحد األسباب المهمة التي دفعتنا إلى إعداد هذا المقال ويضاف‬
‫إلى ذلك تزايد حاالت المرض العقلي في السنوات األخيرة‪ .‬مما يجعلنا أمام حتمية بحثية‬

‫‪116‬‬
‫املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية‬

‫لمحاولة التعرف عن أسبابه‪ ،‬والعمل على اقتراح ما من شأنه التقليل من هذا المرض‬
‫في حدود الجانب االجتماعي الذي تدخل دراستنا فيه‪.‬‬

‫فعميلة التمثيل عامة تكمن في تلك الخبرات والمعلومات الجديدة من العالم‬


‫الخارجي‪ ،‬ويضعها في مخطط منظم يمثل ما يعرفه من قبل ويتم باستمرار تعديل هذه‬
‫المخططات المنظمة عندما ال يتالءم مع معرفته‪ .‬فهو شكل من أشكال المعرفة‬
‫االجتماعية التي تمكننا من التفاعل اليومي وعندما يتحول هذا الواقع إلى تمثل‪ ،‬فإننا‬
‫نقوم ببنائه وإعادة بنائه بشكل أخر يختلف في شكله األصلي وتدخل في هذه السيرورة‬
‫األبعاد السيكولوجية واالبعاد االجتماعية‪ ،‬مما يجعل التمثالت تتخذ بعدا علميا‪ ،‬حيث‬
‫أنها تسهل التواصل وكذلك التحكم في المجال االجتماعي والمادي وكذلك اللغوي" (نجاة‪،‬‬
‫‪ .)2015/2014‬هنا يمكن القول أن التمثل هنا" هو عملية معالجة وتصنيف للمعلومات‬
‫الواقعية الجديدة بطريقة تصبح من خاللها متدخلة في هذا المخطط" (يوسف وموسى‪،‬‬
‫‪ ،2020‬صفحة ‪.)223‬‬
‫وبناء على ذلك فإن مصطلح التمثالت الذهنية هي نسخة وصورة متكررة أو مكررة‬
‫للصورة األصلية‪ ،‬ولكن في نفس الوقت نفسه يجب مالحظة أن الصورة الذهنية ليست‬
‫مجرد تقليدات أو نواتج عمليات المحاكاة ونسخ الواقع أو تقليده‪ ،‬وإنما تشمل على‬
‫مكونات الذاكرة وعمليا إعادة بناء وتركيب وإعادة تفسير ورموز كبدائل للموضوعات‬
‫والمشاعر واألفكار" (يوسف وموسى‪ ،2020 ،‬صفحة ‪ .)321‬وتفسي ار لذلك فإن‬
‫التمثالت تكون في بداية األمر عبارة عن أفكار فردية وجماعية‪ ،‬ثم تصبح تصورات‪.‬‬
‫وهذه التصورات تكون في أراء وصور ومعارف وأفكار ‪...‬الخ‪.‬‬
‫حيث أضحت مسألة المعرفة مشكلة التفكير لدى الفرد‪ ،‬وجزءا أساسيا من واقعه‪،‬‬
‫فمن غير الممكن أن التؤثر المعرفة العامية على حقيقة المرض العقلي كظاهرة‬
‫وكمرض‪ ،‬وال سيما عندما نتحدث عن المعرفة من حيث نسقها العامي أو العلمي‪ ،‬ناهيك‬
‫عن العالقة القوية التي تربط بين المعرفتين بهذا النوع من المرض‪ .‬ويضاف إلى هذا‬
‫عالقتنا بهاذتين المعرفتين‪ ،‬واللتان تدخالن ضمن اهتماماتنا البحثية‪ ،‬دون صرف النظر‬

‫‪117‬‬
‫كرمية مكاري‪ ،‬حممد بوجطو‬

‫عن أهميتهما‪ .‬وهذا مما ٌيكسب موضوعنا أهميته وقيمته المعرفية‪ ،‬السيما وأن المعرفة‬
‫كمصطلح واسع منعكس على مختلف القطاعات‪.‬‬

‫وتأسيسا على ما سبق فإن المرض العقلي كمفهوم عام أو خاص يدخل ضمن‬
‫تلك المعارف التي تختلف بإختالف مصدرها لدى أفراد المجتمع‪ .‬لذلك تسعى هذه‬
‫الدراسة إلى إعطاء مقاربة بعض الجوانب المفهومية من وجهة نظر سوسيولوجية حول‬
‫مسألة المعرفة ومحدداتها الثقافية واالجتماعية والعلمية للمرض العقلي‪ .‬وعلى ضوء ما‬
‫سبق‪ ،‬صيغت التساؤالت الدراسة على النحو االتي‪:‬‬

‫ماذا نعني بالمرض العقلي؟ وما المقصود بالمعرفة العامية والمعرفة العلمية؟‬
‫وماهي المستويات المحددة للنظرة العامية والنظرة العلمية للمرض العقلي؟ وفيما تتجلى‬
‫نقاط اإللتقاء بين المعرفتين؟‬
‫‪ .3‬المحددات المفهومية للموضوع‬
‫‪ 1.3‬تعريف المرض العقلي‪:‬‬
‫يشار إلى المرض العقلي أو ما يصطلح عليه سيكوباتولوجيا "بالذهان"‪ ،‬ويصيب‬
‫الشخصية كلها بالتفكك واالنحالل‪ ،‬فتضطرب عالقة المريض مع البيئة وتتدهور عالقته‬
‫االجتماعية بصفة كلية‪ .‬ألنه يمس الجانب العضوي لإلنسان وهو العقل‪ .‬فهو" إضطراب‬
‫في شخصية الفرد بأسرها يتميز في صورة اختالل شديد في التفكير والقوى العقلية بوجه‬
‫عام كما يتميز باضطراب ملحوظ في الحياة االنفعالية وعجز شديد عن ضبط النفس‬
‫وهذا ما يمنعه من التوافق االجتماعي في مختلف صوره كالتوافق العائلي‪،‬‬
‫المهني والديني‪ .‬ويحدث المرض العقلي في أي مرحلة في مراحل العمر‪ ،‬وعادة يحدث‬
‫بعد سن المراهقة‪ ،‬وفي معظم الحاالت يحدث بعد مروره بخبرة فاشلة في تعامله مع‬
‫بعض عناصر البيئة أو عندما يعجز عن حل بعض المشكالت " (سليمان‪،‬‬
‫‪ ،2017/2016‬صفحة ‪.)65‬‬
‫وعرف المرض العقلي على أنه" اختالل الذهن بحيث تضطرب القوة العقلية لدى‬
‫المرء‪ ،‬فيصاب بعجز شامل متواصل يحول دون تنبيه للحقيقة أو معرفته لألشياء من‬
‫حوله‪ ،‬ويالزمه عادة اضطراب شديد في سلوك الفرد وشخصيته" (محمود‪،2006 ،‬‬
‫‪118‬‬
‫املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية‬

‫صفحة ‪ .)302‬فيمكن القول أن المرض العقلي هو ذلك المرض الذي يخرج فيه اإلنسان‬
‫المصاب عن وضعه الطبيعي المألوف إلى وضع مضطرب‪ ،‬وهذا االضطراب يختلف‬
‫بدرجة الصدمة التي تعرض اليها‪.‬‬
‫‪ 2.3‬المعرفة‬
‫تعد المعرفة من مصطلحات أو المفاهيم التي تنسب إلى اإلنسان الواعي والمدرك‬
‫لألشياء حوله‪ ،‬فهي تأخذ صفة االكتساب من منطلق تلك التفاعالت االجتماعية التي‬
‫تحدث داخل األنساق البيئية والثقافية‪ ،‬كما انها ال تتكون من فراغ‪ ،‬فتتشكل في نظام‬
‫متطور من المعتقدات‪ ،‬الرموز‪ ،‬األفكار‪ ،‬الحقائق‪ ،‬البيانات‪ ...‬الخ‪ .‬وتعرف المعرفة على‬
‫أنها "عبارة عن مجموعة من المعاني والمعتقدات واألحكام والمفاهيم والتصورات الفكرية‬
‫التي تتكون لدى اإلنسان نتيجة لمحاوالته المتكررة لفهم الظواهر واألشياء المحيطة به"‬
‫(وحيد‪ ،2000 ،‬صفحة ‪ .)16‬ويعرفها ميشل فوكو على أنها" شبكة مفهومية تتضمن‬
‫كل األنماط المعرفية في حقبة زمنية معينة" (فوكو‪ ،‬صفحة ‪.)176‬‬
‫هنا يمكن القول أنها تلك المعرفة التي تشمل المعاني‪ ،‬األفكار‪ ،‬القصص‪ ،‬المفاهيم‬
‫التي تنتجها العامة من الناس لتصبح فعال معرفة قائمة بذاته تخص المجتمع الذي‬
‫صنعها وتناقلها عبر األجيال‪.‬‬

‫‪ .3.3‬تعريف المعرفة العامية والمعرفة العلمية‬

‫تصاحب المعرفة مفاهيم ومصطلحات المتداخلة معها بالرغم من توسيع الدراسات‬


‫حولها اال ان مجاالت التفريق بين مصطلحات تتحد حسب مجالها المرتبط بها‪ ،‬مع‬
‫العلم ان المعرفة في مفهومها العام هي تتضمن األفكار والمعلومات والبيانات والحقائق‪.‬‬
‫فلطالما كانت إشكالية المعرفة الموضوعية هاجسا لدى كل من المنشغلين في حقولها‪،‬‬
‫نظ ار الرتباطها بكل الحقول كالحقل العلمي‪ ،‬والحقل الثقافي‪ ،‬الديني‪ ،‬السياسي وغيرها‪.‬‬

‫‪ 1.3.3‬تعريف المعرفة العامية‪:‬‬

‫تاريخيا‪ ،‬تنسب المعرفة الغير العلمية بالمعرفة الميتافيزقية التي كانت تفسر‬
‫ظواهر الكون الطبيعة بقوى فوق الطبيعة‪ .‬وفضال على ذلك نجد العالمة الطباطباي‬
‫‪119‬‬
‫كرمية مكاري‪ ،‬حممد بوجطو‬

‫سمى المعرفة العامية بالمعرفة البديهية على أنها" ذات معيار ذاتي تكتسب من بداهة‬
‫العقل اإلنساني‪ .‬كما يري بأنها تتأثر بأسباب مختلفة منها غيبة‪ ،‬بيئة‪ ،‬فردية‪ ،‬اجتماعية‬
‫وثقافية‪ .‬فهي تلك األفكار الشائعة اليومية العادية التي تتكرر يوميا وتكون تلقائيا مما‬
‫تأخذ صفة العامية أي المشتركة بين جماع ات البشر‪ .‬كما تتضمن "األفكار العملية‬
‫الماضية التي حلت محلها أفكار علمية جديدة أثبتت المعاينة علمتيه " (الرفاعي‪،‬‬
‫‪ ،2017‬صفحة ‪ ،)321‬فتتسم لغتها بلغة الالعلم من خالل ما هو ظاهري وواقعي‪.‬‬
‫وعليه يمكن القول أنها تلك المعرفة التي تشمل المعاني‪ ،‬األفكار‪ ،‬القصص‪،‬‬
‫المفاهيم التي تنتجها العامة من الناس لتصبح فعال معرفة قائمة بذاته تخص المجتمع‬
‫الذي صنعها وتناقلها عبر األجيال‪.‬‬

‫‪ 2.3.3‬تعريف المعرفة العلمية‪:‬‬


‫لقد شق العلم لنفسه طرقا مختلفا في فهم الطبيعة‪ ،‬إنه "طريق من يريد أن يشتغل‬
‫الطبيعة ويسيطر عليها‪ ،‬ال من يريد فهمها والتناغم معها" (الدين‪ ،2013 ،‬صفحة ‪.)91‬‬
‫والعلم بناء منظم من المعرفة‪ ،‬يبدأ بالواقع وينهي إلى تفسيره‪ ،‬ففهمه يكون بوصفه نشاطا‬
‫معرفيا‪ ،‬فهو بمثابة نشاط عقالني يمكن في تلك اإلشارات أو األساليب التي بواسطتها‬
‫يدرك به الشيء من منطلق التسبيب‪ ،‬التفسير‪ ،‬التأكيد‪ ،‬الرد والتجربة وغيرها‪ ،‬تدخل‬
‫ضمن أساسيات لبناء لغة العلم‪ ،‬من هنا يمكن القول أن هذه األساسيات هي التي تميز‬
‫بين المعارف في مستوياتها‪.‬‬

‫وبناء على ذلك فإن خصائص المعرفة العلمية كثيرة ومتعددة ولكن تشترك كلها‬
‫في تميز العلم من الالعلم‪ .‬فهي" تشتق طبيعتها من العلم كنسق إدراكي" (الزيبارى‪،‬‬
‫‪ ،2009‬صفحة ‪ .)5‬والمعرفة العلمية هي تلك المعرفة التي إكتسبها اإلنسان من خالل‬
‫محاوالته الدائمة للسيطرة على الطبيعة سواء كانت فيزيولوجية‪ ،‬بيولوجية‪ ،‬إجتماعية‪.‬‬

‫‪ 4.3‬بين المعرفة والمرض‬


‫يعتبر النقاش حول المعرفة والمرض العقلي نقاشا معرفيا الزم اإلنسان منذ القدم‪،‬‬
‫خصوصا في مالحظاته ومشاهدته لظواهر الطبيعية وحياته اليومية وحياة اآلخرين وكذلك‬

‫‪120‬‬
‫املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية‬

‫تجاربه الحياتية اليومية‪ .‬فـقد كانت" المصدر األول في اكتساب وتراكم المعرفة البشرية‬
‫يوما بعد يوما‪ ،‬حتى أصبحت هذه المعارف مسلمات واعتقادات راسخة أو حتى حقائق‬
‫حياتية مقدسة يتناقلها اإلنسان من جيل الى آخر" (شلش‪ ،2006 ،‬صفحة ‪.)142‬‬

‫الواقع‪ ،‬أن المرض العقلي هو في حد ذاته ظاهرة معقدة ومركبة من ظواهر الحياة‬
‫اإلجتماعية‪ .‬وليس بوسع اإلنسان دراستها على مستوى واحد وتحت صورة واحدة من‬
‫أجل كشف حقيقته‪ .‬ومن هذا المنطلق‪ ،‬فإن واقع المرض العقلي في مجتمعنا الحالي‬
‫صعب التشخيص للغاية‪ ،‬مما يتطلب مجهودات لحصر معطيات حوله‪ ،‬ألن طبيعة‬
‫فهممه يحتاج إلى تفسير يتجاوز البناء اإلجتماعي الثقافي للفرد‪ ،‬فالمرض العقلي حدث‬
‫إجتماعي بدرجة أولى ألنه يظهر في مواقف إجتماعية وجذوره قائمة في بنية الجماعة‬
‫نفسها‪ ،‬فال يمكن فهمه وتفسيره إال في اإلطار الثقافي الذي يظهر فيه‪ ،‬خاصة وأن في‬
‫المجتمع الواحد تختلف الثقافة من فرد إلى آخر ومن جماعة إلى أخرى ومن مجتمع‬
‫إلى مجتمع آخر‪.‬‬

‫فمن البديهي أن اإلنسان يتشكل ضمن بيئة إجتماعية تؤهله لضمان حياته ضمن‬
‫ما يكتسبه من معارف ومكتسبات وخبرات وغيرها‪ .‬وتلك المكتسبات تدخل ضمن ما‬
‫يسمى بالتمثالت اإلجتماعية‪ .‬فهي عبارة منتوج معرفي مصدرها المجتمع‪ ،‬واإلنسان منذ‬
‫القدم حاول تقديم تفسيرات للمرض وطرق عالجه من تلك التصورات المعرفية والثقافية‬
‫التي تشكل بذاتها رصيدا ثقافيا تراكم بدوره عبر األجيال‪ .‬فالثقافة هنا لها أهمية كبيرة‬
‫في تحديد أنماط األمراض وتفسيرها وحتى في عالجها‪ ،‬كما أنها تحكم تصرفات اإلنسان‬
‫من خالل المواجهة السلوكية‪ ،‬فهي تتضمن مختلف صور السلوك اإلنساني في العادات‬
‫والتقاليد والمعتقدات والمعارف والمفاهيم وحتى التمثالت الشعبية‪ .‬وهذه التمثالت التي‬
‫تخص المرض العقلي تؤثر بشكل كبير على إختيار أساليب العالج ودور الدين وتأثيراته‬
‫على صناعة تمثالت الفرد لقضايا المرض وطرق الوقاية وأساليب العالج‪.‬‬

‫ولكي نفهم حقيقة معينة من ناحيتها المعرفية يجب أن ندرسها في سياقها‬


‫االجتماعي (البيئي)‪ ،‬الثقافي والعلمي‪ ،‬ألن مسألة مجال المعرفة لدى أفراد المجتمع التي‬

‫‪121‬‬
‫كرمية مكاري‪ ،‬حممد بوجطو‬

‫تحدد على حسب التفاوتات التعليمة وحتى الفئات االجتماعية‪ .‬فقبل السير في تفكيك‬
‫الموضوع يمكنا البدء في البداية بأهم عنصر وهو الثقافة باعتبارها إنتاجا رمزيا من‬
‫المعاني‪ ،‬الرموز‪ ،‬األفكار‪ ،‬السلوكات وغيرها‪ .‬ولذلك ينبغي اإلطاحة بأهم أنواع المعرفة‬
‫المعنية بالدراسة من حيث أشكالها التي تفسر وتفهم المرض العقلي في الحياة المجتمعية‬
‫ونظامية الحياة اليومية للفرد‪.‬‬

‫‪ .4‬محددات المرض العقلي على ضوء المعرفة العامية‪:‬‬

‫ترتبط الرؤية المعرفية الخاصة بالمرض العقلي من بين المعارف األولية أو‬
‫الشائعة لدى العامة من الناس‪ ،‬فتكونت في سياقها التاريخي معارف تم اكتسابها وتراكمت‬
‫عبر السيرورة التاريخية‪ .‬فتشكلت في شكل معارف عادية ومهيأة من خالل أفكار وصور‬
‫ومعاني ورموز وتمثالت ‪...‬إلخ‪.‬‬

‫‪ 1.4‬المحدد المفهومي‪:‬‬

‫إن للمرض معنى ديني لدى أفراد المجتمع‪ ،‬من خالل تلك المعرفة األولية التي‬
‫تربطه مباشرة باإلرادة اإللهية‪ ،‬وهي من المسلمات الدائمة لدى عامة الناس‪ ،‬وخاصة‬
‫في إستعمال المكتوب‪ ".‬والذي يعني إدراك المرض كظاهرة عادية ال مفر منه‪ ،‬لذلك‬
‫فهم يعتبرونه على أنه إبتالء وإمتحان من هللا سبحانه وتعالى واجهه بالصبر" (خلفة‪،‬‬
‫‪ ،2018-2017‬صفحة ‪ .)64‬فبالء المرض عالمة على محبة هللا‪ ،‬كما جاء في كتاب‬
‫هللا تعالى " فعسى أن تكرهوا شيء وهو خير لكم" (سورة البقرة‪ ،‬اية ‪ .)216‬فالدين هو‬
‫مؤطر للحياة اإلنسانية في جل جوانبها‪ ،‬هنا ال بد أن يترك أثره تفسي ار وتأويال فيما‬
‫يصيب اإلنسان من علة أو مرض فنمط تصورهم الثقافي للمرض تمثل في وجود قوى‬
‫غيبة ال مرئية وهو هللا‪.‬‬
‫وبناءا على ذلك فإن إعطاء الصورة الكلية لهذا المرض بوصفه ظاهرة إجتماعي‪،‬‬
‫ألنه يصعب عليه إقامة حوار مع اآلخرين‪ ،‬ولعجزه العقلي بعيد عن اإلتصال بالواقع‬
‫المادي واالجتماعي وال يدرك نفسه وال أقاربه‪ .‬فكان ربطهم للمرض العقلي من زواية‬
‫المخ‪ ،‬وهذا هو التعبير العام لدى العامة من الناس بربطهم المخ (العقل) بالمرض وهو‬
‫‪122‬‬
‫املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية‬

‫تفكير إجتماعي ال محال‪ .‬فعندما يفكر الناس بالمرض العقلي كمرض‪ ،‬فإنهم يقرنونه‬
‫بصورة عامة بكلمة الجنون‪ .‬وهو مصطلح اجتماعي مصطنع متفق عليه‪ ،‬من منطلق‬
‫أن الحياة االجتماعية ال تخلو من نظام التصورات لمختلف الظواهر التي يكتسبها األفراد‬
‫عبر مراحل حياتهم فتكون مشتركة لديهم وتعبر بنفس المنظور‪ .‬يقول ميشل فوكو‬
‫الجنون يرسم صورة مألوفة في المشهد االجتماعي" (فوكو‪ ،‬تاريخ الجنون في العصر‬
‫الكالسيكي‪ ،2006 ،‬صفحة ‪.)64‬‬
‫فالمعارف العامة تنطلق من المنظور الثقافي العامي للمجتمع من زاوية تلك‬
‫التفاصيل الدقيقة للحياة المجتمعة من جهة والحياة اليومية من جهة أخرى‪ ،‬لتظهر في‬
‫شكل معرفة الثقافة العادية ألناس عاديين من خالل أفكارهم‪ ،‬معانيهم‪ ،‬رموزهم‪...‬الخ‪.‬‬

‫وعليه الثقافة الشعبية هي" تعبير عفوي تلقائي عن مشاعرهم اليومية‪ ،‬تخوفاتهم‬
‫أمالهم ضعفهم‪ ،‬قوتهم" (خلفة‪ ،2018-2017 ،‬صفحة ‪ ،)111‬لذلك تنصب معارفهم‬
‫لمعنى المرض هو فقدان الحياة معناها‪.‬‬
‫‪ 2.4‬المحدد السببي‪:‬‬

‫يعد التفكير الغيبي من بين أساليب التفكير الجمعي الذي يؤثر بشكل حتمي على‬
‫التفكير الفردي‪ .‬فالمحيط الذي كان في ذهن أفراد المجتمع بشكل خاص كان قد تأثر بما‬
‫يسمى بالمعرفة الشائعة كاألرواح الشريرة‪ ،‬السحر‪ ،‬المس‪ ،‬العين‪...‬الخ‪ .‬كلها مؤشرات‬
‫تدخل ضمن معارف عامية تقيد ذهنية اإلنسان بمعارف قيلت منذ أزمنة بعيدة من قبل أناس‪.‬‬

‫وال مناص من القول أن معارف جاءت على شكل معرفة إجتماعية مأخوذة من‬
‫الواقع‪ ،‬فتجلت في األبعاد الخاصة لهذا المرض‪ ،‬ألنها تشكلت من المعايشة‪ ،‬فترجمت‬
‫طبيعة تفكيرهم‪ .‬فالمعرفة االجتماعية‪" :‬ال تتبلور من الفراغ بل من خالل البيئة والظروف‬
‫اإلجتماعية‪ ،‬وأن مؤثراتها ال تخضع للمالحظة ألنها انغرست وعاشت في ذوات الفرد‪،‬‬
‫ومن ثم خرجت على شكل سلوك ومنطق" (عمر‪ ،1991 ،‬صفحة ‪ .)135‬لذلك نجد‬
‫دور كايم في دراسته للطوطم فكانت استنتاجه أن الحياة االجتماعية تتأثر بالضمير‬
‫االجتماعي وتمنح المعني الكثير من الفئات أو التصنيفات المتداولة في المجتمع أفراد‬

‫‪123‬‬
‫كرمية مكاري‪ ،‬حممد بوجطو‬

‫أو جماعة‪ ،‬كذلك نجد مالك بن نبي في وصفه للثقافة على أنها محيط معين يتحرك‬
‫في حدود اإلنسان والعادات والتقاليد ‪...‬الخ‪.‬‬

‫ويشار إلى أن الحكايات تعبر عن الذاكرة الشعبية فهي تصنف ضمن المعرفة‬
‫السردية على حسب دونالد بولونكنهور)‪ ،(Donald Polkinghorme‬حيث يتم سرد القصص‬
‫الحكايات من خالل عملية تفاعلية‪ ،‬فهي عبارة عن نوع من المعرفة تشكلت عن طرق‬
‫األخبار أو النقل أو المعايشة‪ .‬وترتبط الحكاية الشعبية بالتعبير الشفوي في المجتمع‪،‬‬
‫ولعل أجمل أنماط الحكاية الشعبية النمط المعزق في عالم من السحر والخيال يتضمن‬
‫عجائب في األنس والحيوان والطير وعجائب أخرى في الزمان والمكان" (حكيمة‪،2019 ،‬‬
‫صفحة ‪ .)319‬وهذه المعارف السردية تختزن موروثا غنيا من الحكايات والقصص‬
‫واألساطير عن الجن وهذا ما أدى في أن الجن نقطة مترسخة بشكل عام لدى العامة من‬
‫الناس‪ ،‬وبناءا على هذه النقطة يمكن ربطها بالمعرفة الدينية‪ ،‬هنا تكمن في أن المعرفة‬
‫كأمر غيبي وكل بالء له تفسيرات عنه اعتمادا على نصوص دينية‪ .‬زيادة على ذلك‪،‬‬
‫فالحكايات عن الجن في المخيال الشعبي لها طابع أسطوري أكثر منه خرافي‪ ،‬والفرق‬
‫يكمن في األسطوري يحمل جانبا من اإليمان واالعتقاد الراسخ‪ ،‬بينما الخرافي ال يتعدى‬
‫كونه أحجية مسلمة ويتوارثها الناس ويتناقلونها فيما بينهم‪ ،‬فالحكايات عن الجن لها‬
‫خصوصية كبيرة في مجتمعنا كونها تحكى في الجلسات العائلية على أنها وقائع حقيقية‪.‬‬

‫كما أن هناك بعض المعارف الخاصة بالمعتقدات المنتشرة في مجتمعنا‪ ،‬والتي‬


‫ال يزال لها تأثير قوي في حياة اإلنسان‪ ،‬فمنها من تكون سببها العين الشريرة في إصابة‬
‫األفراد بأمراض قد تؤدي بهم إلى حد الوفاة‪ ،‬وهناك معتقد السحر الذي يسبب الخمول‬
‫وعدم السعي للحركة والعمل وأمور أخرى ذات البعد الغيبي‪.‬‬

‫‪ 3.4‬المحدد العالجي‪:‬‬

‫وبطبيعة الحال إن المعتقدات قد تكون لها دو ار مزدوجا حول الصحة والمرض‪،‬‬


‫فقد تعمل على تجنيد العالج التقليدي‪ ،‬واالعتماد على الطقوس الرمزية العالجية‬
‫المعتادة‪ ،‬وقد تعمل المعرفة المتشكلة من المعتقدات على تحفيز الناس لالعتماد على‬

‫‪124‬‬
‫املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية‬

‫الطب التقليدي وخاصة في حالة نجاح هذا األخير في عالج المرض‪ .‬كما أن هناك‬
‫من تؤثر فيه المعتقدات بشكل مزدوج من حيث اللجوء إلى العالج الشعبي في حاالت‬
‫مرضية معينة‪ .‬و"مثلما يختلفون في تفسيرهم ألسباب األمراض والشرور التي تلحق‬
‫االنسان‪ ،‬فإن كثي ار من أفراد المجتمع المحلي يختلفون أيضا عن غيرهم فيما يتعلق‬
‫بالعالج"‪ ،‬حيث "إعتاد هؤالء الناس على أنفسهم في عالج مرضاهم‪ ،‬فهم يثقون في‬
‫أشخاص متخصصون من الرجال والنساء أشخاص خيرون يتمتعون باإللهام والبركة‬
‫وأصحاب االيدي الطبيبة‪ ،‬وهذا في طريق أساليبهم الخاصة التي صادفت الكثير من‬
‫النجاح وصادقتها التجربة الميدانية تحت أساليب أساسها الرقية‪ ،‬التمائم‪ ،‬التعاويذ‬
‫واالحجبة وبركة االولياء" (عيشور واخرون‪ ،2018 ،‬الصفحات ‪.)22-21‬‬

‫وتعتبر الرقية هي بمثابة العالج المناسب لهذا المرض وكذلك فعالية القرآن‬
‫الكريم‪ .‬ألن هذا النوع من العالج التقليدي له توسعات‪ ،‬بحيث تلعب الثقافة الشعبية‬
‫دورها في دفع مختلف الشرائح إلى مثل هذه الممارسات انطالقا من خلفيات ثقافية‬
‫ومدى تجاوبه مع مختلف األمراض‪ .‬فالرقية الشرعية مذكورة في القران الكريم وجاء بها‬
‫اإلسالم‪ ،‬وذلك بقوله تعالى " وإذا صرفنا إليك نف ار من الجن يستمعون القران" (سورة‬
‫البقرة ‪ ،‬اية ‪ .)31‬وال سيما أن الرقية الشرعية نافعة وطاردة للجين والشياطين وحتى‬
‫أعمال السحر‪ .‬ويذكر "هيلمان ‪" Helman‬أن عندما يتفق الفرد في ثقافة أو مجتمع‬
‫معين حول نماذج من األعراض والعالقات كذلك مصدرها ومعناها وعالجها‪ ،‬فإن األمر‬
‫‪.‬‬
‫أصبح مرضا شعبيا وبهوية متكررة" (بومدين‪ ،2006 ،‬صفحة ‪)34‬‬

‫‪ .5‬محددات المرض العقلي على ضوء المعرفة العلمية‪:‬‬

‫تعتبر المعرفة العلمية من بين أنواع المعرفة التي تعكس نماذج المعرفية للمرض‬
‫العقلي من أبعادها المتعلقة بالتنوع العلمي‪ ،‬الثقافي وحتى االجتماعي‪ .‬وقد تأثر المعارف‬
‫العلمية في ذهنية األفراد بمجرد اكتسابها‪ .‬فإذا ما أخذنا نظرة أبعد في التفسير العلمي‪،‬‬
‫فأننا نجد أنفسنا أمام أوساط حقائق علمية ناتجة عن نقاش علمي محض‪ ،‬مما يستلزم‬

‫‪125‬‬
‫كرمية مكاري‪ ،‬حممد بوجطو‬

‫التفسير العقالني والمنطقي‪ ،‬بحيث يفترض على أن أي مرض قد ينتج عن سبب واحد‬
‫محدد‪ ،‬وفي حالة وجود هذا السبب تظهر الحالة المرضية أو هناك أسباب أخرى‪.‬‬

‫فما هي دالالت المعرفة العلمية في تفكيك حقيقة المرض العقلي؟‬

‫لقد برهن العلم على كونه قوة ثورية ذات قدرة هائلة خصوصا وأن "الطب المبنى‬
‫على العلم في البدء مضط ار لمحاربة الخرافات الشبيهة بتلك التي شجعت الناس على‬
‫االعتقاد بالسحر" (اندراسل‪ ،2008 ،‬صفحة ‪ .)25‬ألن حياة اإلنسان البدائي كانت‬
‫تحيط بالمحرمات‪ .‬فاستطاع العلم هنا أن يبدد هذه الخرافات البدائية األخرى‪ .‬مع أن‬
‫العلم الحديث " لم يكن وليد انكباب على الخبرة والتجربة وإنصاف لمعطياتها‪ ،‬بل جاء‬
‫وليد الرغبة العارمة في إعادة التفكير في تلك المعطيات وفي العالم ككل من منظار‬
‫رياضي‪ ،‬قبلي أي ميتافزيقي" )‪.(Koyre, 2016, p. 328‬‬

‫فمع تقدم العلم وإطراد مسيرته يعتمد في األساس على" قدرة رجال الفكر وعباقرة‬
‫العلم على االيتان بتصورات جديدة‪ ،‬وخلق أفكار واضحة ليعلموا بعد ذلك على تطبيقاتها‬
‫في شتى مناحي الحياة العلمية" (العمر ع‪ ،1983 ،.‬صفحة ‪ .)12‬فبدأ الطب العلمي‬
‫الحديث ينظر إلى المرض على أنه نتيجة لبعض األسباب الوراثية والفيزيولوجية‬
‫والعضوية والوظيفية وغيرها من األسباب‪.‬‬

‫ومن البديهي هنا‪ ،‬أن محاولة فهم الظاهرة المرضية لهذا المرض ومالبسته من‬
‫خالل المنظور العلمي‪ ،‬ومدى معرفة تشخيصه وطرق عالجه وحتى مسبباته يكون على‬
‫حسب درجة التفسير العقالني أو التفكير العلمي من منطق األساليب القائمة عليه‪ .‬إلن‬
‫"المرض العلمي البيولوجي هو غير المرض بالمفهوم الثقافي الذي يعني التعدد‪ ،‬أي‬
‫يصعب أن تحدد تعريف واحد ولردود األفعال اتجاهه على اختالف الثقافات والمجتمعات‬
‫إلن إدراكات الناس حول المرض ومفهومه وطرق الوقاية منه إدراكات تحددها المعتقدات‬
‫‪.‬‬
‫الثقافية واأليديولوجية التي لها أثر عميق في تشكليها" (ذكار‪ ،2016 ،‬صفحة ‪)76‬‬

‫فهل هذا يعكس على عقالنية الفرد في تفسير األمور بطريقة علمية في ظل وجود‬
‫الخلفية الثقافية؟‬
‫‪126‬‬
‫املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية‬

‫‪ 1.5‬المحدد المفهومي‪:‬‬
‫إن المعرفة العلمية تحصر مفهوم المرض العقلي على أنه اختالل توازن الشخصية‬
‫اإلدراكية لإلنسان‪ .‬فهنا يتم استخدام المصطلحات العلمية كإضطراب عقلي شديد‪ ،‬تفككك‬
‫شامل في الشخصية‪ ،‬فهذا يرجع إلى طبيعة المستوى التعليمي الخاص بهذه الفئات من‬
‫المجتمع‪ ،‬هنا تظهر لنا نظرية بيار بورديو للرأسمال الثقافي في الثروات الرمزية التي‬
‫يكتسبها أفراد المجتمع تبعا لحقل الذين يكونون فيه‪ ،‬كالطبيب على سبيل المثال‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة هنا أن "العالقة بين الطبيب والمريض مرتبطة إرتباط وثيقا‬
‫بانتمائهما إلى أنساق ثقافية مختلفة‪ ،‬فالطبيب ينتمي إلى مرجع علمي وكوني والمريض‬
‫ينتمي إلى مرجع عامي ومحلي" (عبابو‪ ،2011 ،‬صفحة ‪.)85‬‬

‫وبطبيعة الحال أن أنماط التفكير هنا تكون مغايرة نظ ار للحقل الذي تشكلها سواء كان‬
‫بالتعليم أو التدريب أو التكوين(الطبيب)‪ ،‬وهذا ما يجعل معارف التفسيرية للمرض العقلي‬
‫يختلف من مستوى تعليمي إلى آخر حسب نمط الحقل التعليمي والثقافي وحتى المهني‪.‬‬

‫‪ 2.5‬المحدد السببي‪:‬‬
‫إن فكرة معرفة أفراد المجتمع وفهمهم للمرض العقلي من الزاوية النفسية التي‬
‫ترجع في البداية باإلصابة المعنية لهذا المرض‪ ،‬بحيث يكون حديث النشأة نسبيا ليتطور‬
‫شيئا فشيئا إلى حالة خطيرة وهي الجانب العقالني‪" .‬فاإلضطراب النفسي هو اضطراب‬
‫وظيفي في الشخصية‪ ،‬نفسي المنشئ‪ ،‬يبدو في صورة أعراض نفسية وجسمية مختلفة‬
‫توثر في سلوك الفرد‪ ،‬فتعوق توافقه البيئي والنفسي‪ ،‬وتعوقه عن ممارسة حياته السوية‬
‫في المجتمع الذي يعيش فيه" (أحمد‪ ،2002 ،‬صفحة ‪ .)405‬إلن معرفهم لسبب حدوث‬
‫المرض العقلي هي المشاكل األسرية كالضغط األسري مثال‪ ،‬فال تخلو أي حياة من‬
‫ضغوط مهما كانت صفتها‪.‬‬
‫هنا يكمن القول أن الفرد يكون عرضة للصدام النفسي بأشكاله المختلفة حسب‬
‫المبحوثين‪ ،‬فهذا النوع من الحياة تجعل الفرد يعيش بداخله كراهية الذات أو محطما‬
‫ميؤسا ومكتئبا‪ ،‬فتشكل في نفسه عقد الخوف والتهرب من الواقع‪ .‬وهذا التعبير الذي‬

‫‪127‬‬
‫كرمية مكاري‪ ،‬حممد بوجطو‬

‫نلمسه لدى ذهنيات حول الصحة النفسية للفرد ذات أهمية بالغة لكونها تشكل القاعدة‬
‫األولى لتهيئته‪ ،‬لذلك قيل" أنها الوحدة االجتماعية األولى التي ينشأ فيها الطفل وهي‬
‫المسئول األول عن صحته الجسمية والنفسية " (مصطفى‪ ،2011 ،‬صفحة ‪.)18‬‬
‫وعليه فإن رؤياهم التفسيرية ألسباب حدوث المرض هي التي تكون في صراع‬
‫اإلنسان مع المجتمع وما يحمله من متاعب كاإلجرام والبيئة المحرومة‪...‬الخ‪.‬‬

‫‪ 3.5‬المحدد العالجي‪:‬‬
‫إن أصحاب السياق األكاديمي أو المهني المتخصص يستطيعون أن يصنفوا أنواع‬
‫المرض وحتى مسبباته الذي لم ينحصر على جانب واحد‪ ،‬فهي تدخل ضمن ما يسمى‬
‫بالثقافة المهنية ألنها تقوم على مجموعة المعلومات والمهارات التي ال تتوفر لدى‬
‫االخرين من غير ارباب هذه المهنة كالطبيب مثال‪ .‬هذا األخير يختلف مشروع عالجه‬
‫عن الفرد العادي لكونه تلقى تكوينا علميا‪ .‬وهذا ما يفسر لنا أن العلم استطاع أن يفسروا‬
‫المرض العقلي بطريقة عقالنية نقدية لألمور‪ ،‬وهذا ال يختلف ربما عن أصحاب‬
‫المستويات التعليمية أنهم يفضلون الطب الحديث‪ ،‬حيث كان توجههم واضحا إلى هذا‬
‫النوع من الطب‪ ،‬نظ ار لما كانت له نتائج حول تلك الوضعيات‪.‬‬

‫فالوعي التعليمي المكتسب من الحقل الخاص به سواء كان دينيا أو إجتماعيا أو‬
‫ثقافي أو مهنيا وغيرها من الحقول‪ ،‬مما تنتج مجموعة من ذهنيات تكون مختلفة عن‬
‫العامة‪ .‬وهنا يكون عامل مهم في تحديد العالج الخاص بهذا المرض فيؤثر ال محال‬
‫في تكوين خلفية ثقافية جديدة خاصة بتحديد وتشكيل كيفية التخلص من األلم ووصف‬
‫األعراض حسب طبيعة كل مرض‪ .‬فأصبح الذهاب إلى الطبيب أم ار عاديا وضروريا‪.‬‬

‫‪ .6‬نقاط التالقي المعرفي حول المرض العقلي‬


‫لقد حاول اإلنسان منذ ِ‬
‫القدم تفسير الظواهر واألحداث التي تحيط به في اإلطار‬
‫البيئي (االجتماعي والثقافي) الذي يعيش فيه‪ ،‬واستمد تصوراته المعرفية والثقافية حول‬
‫االضطراب وأسلوب عالجه من مصادر ثقافية‪ ،‬وصار هذا الرصيد االعتقادي يؤدي‬
‫وظائف عديدة في مواجهة األمراض‪ .‬والواقع أن التقدم العلمي الراهن وانتشار الوعي‬

‫‪128‬‬
‫املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية‬

‫الصحي وتقدم العلوم الطبية المختلفة لم يقض تماما على هذا الرصيد االعتقاد‪ .‬فال‬
‫تزال قطاعات عريضة من المجتمع تستمد تصوراتها ومفاهيمها وتفسيراتها المختلفة‬
‫للمرض وأسلوب عالجه من هذا التراث الثقافي المتنوع‪ ،‬فالتصورات الخاصة بفهم‬
‫المرض يؤثر بشكل كبير على اختيار أساليب العالج‪ ،‬وهذا يؤثر في مختلف العناصر‬
‫الثقافية والدينية واالجتماعية والعلمية إلى الطرق المستعملة في عالج هذا النوع من‬
‫األمراض ومن تم إنتاج نمط إنتاجي نمط عالجي يتالءم وطبيعة التصورات التي ينتجها‬
‫األشخاص والجماعات االجتماعية حول مفهوم أي مرض من حيث األسباب والعالج‪.‬‬
‫لذلك" يجب أن يكون للمرض معنى حتى يطمح األشخاص إلى التحكم فيه‪ ،‬والشيء‬
‫المطلوب أوال هو توضيح مفهوم المرض كحدث‪ ،‬وأن األلم مثل المصيبة والموت يجب‬
‫أن نحدده ونفسره" )‪.(Toffol, 1993, p. 192‬‬
‫وعليه فالمرض عقلي مفهوم اجتماعي‪ ،‬ألن الثقافة لها دور أساسي في تكوينه‬
‫ومعرفة عالجه‪ .‬فال يخلو أي مجتمع من ممارسات ومعتقدات خاصة بهذا المرض‬
‫وكيفية عالجه‪ ،‬ألنه في كثير من المجتمعات والثقافات اإلنسانية ترتبط فكرة المرض‬
‫والعالج ببعض المفهومات الثقافية كالدين والقيم والمعايير والعادات االجتماعية والثقافية‬
‫السائدة في نطاق هذه المجتمعات‪ .‬مما يفسر لنا ذلك أن الثقافة المحلية السائدة تعتبر‬
‫مسئولة عن ظهور هذه الرؤى الثقافية للمرض ومنشئه‪ .‬برغم من التقدم العلمي في‬
‫المجال الصحي‪ ،‬فال تزال المجتمعات تعرف تنوعا في أساليب العالج بين ما هو تقليدي‬
‫وما هو حديث‪ .‬ومن ثم لم يعد للطب الحديث فقط السيطرة على المرض وفهم سلوكيات‬
‫المريض‪ ،‬خاصة بعد أن حظي موضوع الصحة والمرض اهتمام العلوم االجتماعية‬
‫والنفسية واألنثروبولوجي التي أثارت قضايا مهمة من بينها تأثير العوامل الثقافية‬
‫واالجتماعية والدينية على فهم وتفسير المرض وكذا اختيار أسلوب العالج المناسب له‪.‬‬

‫وعليه يمكن أن نستنتج أن المعرفة في شموليتها تتضمن معارف علمية وغير‬


‫علمية وذلك من خالل أن‪:‬‬

‫‪ -‬الثقافة حقا لها أهمية كبيرة في تحديد أنماط األمراض وتفسيرها وحتى في طرق عالجها‪،‬‬
‫كما أنها تحكم في تصرفات اإلنسان من خالل المواجه السلوكية‪ ،‬فهي تتضمن مختلف‬

‫‪129‬‬
‫كرمية مكاري‪ ،‬حممد بوجطو‬

‫صور السلوك اإلنساني في العادات والتقاليد والمعتقدات والمعارف وحتى المفاهيم‪ .‬كل‬
‫هذه النقاط تلعب دور كبير في تحديد حقيقة المرض ودالالته وحتى في طرق عالجه‪.‬‬

‫‪ -‬إن المعارف العامية المرتبطة بالمعتقدات لها سلطة أمرية رمزية قوية التأثير في حياة‬
‫أفراد المجتمع من حيث معايشتها وممارساتها‪ ،‬ألن هذه المعتقدات ال تزال راسخة في‬
‫فكر اإلنسان مهما كان مستوى تطوره الثقافي واالجتماعي‪ ،‬حتى وإن كان لنا ذات‬
‫مستوى عالي في جميع المستويات‪ .‬وهذا ما يظهر لنا في تلك القصص عن جانبها‬
‫الخرافي الشعبي المتوارث عن األجداد‪.‬‬

‫‪ -‬إن خلفية الثقافية ألفراد المجتمع حول المرض العقلي كانت نتيجة لتلك القصص‬
‫والحكايات التي قد عاشوها أو سمعوا عنها‪ ،‬فهي بمثابة تعبير عن الذاكرة اإلجتماعية‬
‫أو معرفة إجتماعية تعكس لهم الصورة العامة حول األشياء المحيطة بهم‪ .‬فهي عبارة‬
‫عن دالالت ترتبط بثقافة المجتمع ومعتقداته‪ .‬ومن هذا المنطلق تتشكل المعارف المتعلقة‬
‫بحكايات الثقافة الشعبية لدى اإلنسان مزيج من النظام المعرفي المتراكم التي ال يمكن‬
‫أن تعود فقط إلى المعلومات العلمية‪ ،‬ألنها قد تكون مزيج بينها وبين الثقافة الشعبية‪.‬‬
‫‪ -‬في هذا الصدد نجد أن نمط التفكير يتغير بحسب كل وضع إجتماعي‪ ،‬فتلك المشاكل‬
‫التي تبتلي اإلنسان وتجعله على شكل مرض يصيبه ويعاني منه‪ .‬لذلك إرتأينا أن نطرح‬
‫سؤال حول عالقة المرض العقلي بالحياة اإلجتماعية‪ ،‬نظ ار لما تحمله من عواقب على‬
‫الفرد معاكسات الحياة القاسية والعالقات العاطفية‪ ،‬المشاكل العائلية وغيرها‪.‬‬
‫‪ -‬إن هناك إختالف معارف أفراد المجتمع حول العالج المناسب لهذا النوع من المرض‬
‫دليل على طبيعة االتجاه المعرفي الخاص بهم‪ ،‬حيث ترتكز معارفهم حول دالالت‬
‫ثقافية‪" .‬فالفرد المتعلم أو المتمدرس قبل أن يكون ذلك‪ ،‬عبارة عن حالة يعيش في بيئته‬
‫ومحيط اجتماعي يتأثر بهما من خالل مقومات وتنظم وأهداف األنماط المعيشة السائدة‬
‫فيها‪ ،‬كما يؤثر فيهما بميول واتجاهات وإستعدادات ثقافية‪ ،‬إقتصادية واجتماعية يكتسبها‬
‫ويتلقاها بطريقة ضمنية‪ ،‬فتعطيه نوعا من الهابيتوس في إطار معين من خالله ينسب‬
‫إلى الجماعة االجتماعية التي ينتمي إليها" (مجيد‪ ،2008-2007 ،‬صفحة ‪.)23‬‬
‫بصرف النظر إلى إن المرض العقلي أصبح أكثر فهما وقبوال من قبل األسرة والقانون‬
‫‪130‬‬
‫املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية‬

‫والطب وحتى وسائل اإلعالم‪ ،‬مما تتعدد أنماط الطرق العالجية بين من يفضل أسبقية‬
‫الرقية عن الذهاب إلى الطبيب‪ ،‬وهناك من يفضل العالج يكون بالرقية والذهاب إلى‬
‫الطبيب النفساني‪ ،‬إال هذا ال يمنع قوة األذكار الدينية فعالة في حماية اإلنسان‪.‬‬
‫وعليه إن عملية تصور المرض العقلي تحمل معاني كامنة لدى الفرد‪ ،‬ألن"‬
‫عملية تصور المرض تحمل معاني كامنة في شخصية الفرد وفي نفس الوقت فإن هذه‬
‫العملية ليست فردية أو شخصية بقدر ماهي عملية تتأثر بعدة متغيرات اجتماعية وثقافية‬
‫وحتى دينية" (فيروز‪ ،2021 ،‬صفحة ‪ .)21‬وأن اختيار العالج لدى الفرد يكون بحسب‬
‫ثقافة المرض التي اكتسبها كرأسمال أولى في الوسط الذي يعيش فيه من جهة والمعارف‬
‫المكتسبة من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪.7‬خاتمة‪:‬‬
‫من خالل ما جاءت به ورقة بحثنا هذا المرتبط بمسألة المعرفة بين العلمية والعامة‬
‫المفسرة للمرض العقلي فإننا نستخلص مايلي‪:‬‬
‫‪-‬إن المجال البيئي الذي يشتغل عليه المجتمع ينتج معارف جديدة سواء كانت عامة أو‬
‫علمية وتظهر لنا من خالل أن المعرفة تتهكيل في مجالها االجتماعي والثقافي والعلمي‪.‬‬
‫ألن المعرفة تتمايز إجتماعيا حتى على مستوى المهن‪ ،‬العائلة‪ ،‬المستوى العلمي‪...‬الخ‪.‬‬
‫كما أن المعرفة تتشكل في تلك األفكار والخبرات والمهارات التي يمكن أن يحصل عليها‬
‫الفرد من إطارها االجتماعي بوسائل التحصيل كالتجربة‪ ،‬المحاكاة والتلقين المباشر‪.‬‬
‫‪-‬إن حصول أفراد المجتمع للمعارف من درجات معينة ومن نوعية معينة ستجعل معارفهم‬
‫تختلف تبعا الختالف تجاربهم ومستوياتهم وميولهم الفكرية واإليديولوجية‪ .‬مما يحاول‬
‫أفراد المجتمع أن يوظفها حسب الحقل الذي ينتمي إليه‪ .‬وهذا التفسير السببي للمرض‬
‫العقلي لدى فئات من أفراد المجتمع كان على أسس التجربة االجتماعية المعاشة بعيدا‬
‫عن التفسير الغيبي‪ ،‬هنا يمكن القول أن التجربة التعليمة أو المهنية الطبية استطاعت‬
‫إبعاد التمثالت الغيبية‪ ،‬كما تعتبر التمثالت الخاصة بمسببات هذا المرض هي نماذج‬
‫معرفية وأشكال التعبير اإلجتماعية التي يحدد المجتمع معنى لها كالتعبير والشفاهة التي‬
‫تنتجها الذاكرة اإلجتماعية لدى الفرد‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫كرمية مكاري‪ ،‬حممد بوجطو‬

‫‪ .8‬قائمة المراجع‪:‬‬
‫‪ 1.8‬المراجع باللغة العربية‪:‬‬
‫القران الكريم‬ ‫‪.1‬‬
‫أماني يوسف‪ ،‬السيد محمد موسى‪ .)2020( .‬التربية الخاصة‪ .،‬مجلة كلية ببنها‪،‬‬ ‫‪.2‬‬
‫العدد‪.123‬‬
‫اندروديسكسون وايت‪ .)2014( .‬بين الدين والعلم تاريخ الصراع بينهمت في القرون‬ ‫‪.3‬‬
‫الوسطى‪( .‬اسماعيل مظهر‪ ،‬المترجمون) مصر‪ :‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪.‬‬
‫براتر اندراسل‪ .)2008( .‬أثر العلم في المجتمع‪( .‬صباح الصديق الدلموجي‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫المترجمون) بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪.‬‬
‫بومدين سليمان‪ .)2006( .‬المعنى االجتماعي للمرض‪ .‬مجلة العلوم‬ ‫‪.5‬‬
‫االنسانية(العدد‪.40-31 ،)20‬‬
‫حمدي مجيد‪ .)2008-2007( .‬تحقيق حول جامعة الجزائر من خالل مورودها‬ ‫‪.6‬‬
‫والعالقات بين الحركات الداخلية للطلبة ووضعياتهم في العملية التعليمية‪ .‬علم االجتماع‪.‬‬
‫الجزائر‪ :‬جامعة الج ازئر ‪.2‬‬
‫خلفي نجاة‪ .)2015/2014( .‬تمثالت اإلطار المثقف للممارسات الطقوسية زيارة‬ ‫‪.7‬‬
‫األضرحة باألبيض سيدي الشيخ‪ .‬علم االجتماع التغير الثقافي والهوية المحلية‪ ،‬رسالة ماجستر‪:‬‬
‫جامعة سيدي بلعباس‪.‬‬
‫رحمة محمد عثمان‪( .‬يوليو‪ .)2004 ,‬منهج ابن تميمة في العلم والمعرفة‪ .‬مجلةدراسات‬ ‫‪.8‬‬
‫دعوية‪.221-201 ،1 ،‬‬
‫صولة فيروز‪ .)2021( .‬المتغيرات االجتماعية لتصور المرض وأساليب عالجه‪.‬‬ ‫‪.9‬‬
‫(مراجعة نور الدين رسام‪ ،‬المحرر) برلين ‪،‬المانيا‪ :‬المركز العمراني بالمانيا‪.‬‬
‫‪ .10‬طارق كمال‪ .)2005( .‬االسرة ومشاكل الحياة العائلية‪ .‬االسكندرية‪ :‬مؤسسة شباب‬
‫جامعة االسكندرية‪.‬‬
‫‪ .11‬طاهر حسو الزيبارى‪( .‬جويلية‪ .)2009 ,‬دور العوامل االجتماعية في المعرفة العلمية‬
‫"بحث سوسيولوجي في علم االجتماع العلم"‪ .‬مجلة بالد الرافدين(العدد‪.397-352 ،)53‬‬
‫‪ .12‬عالم جامح‪ ،‬انطوني غيدنز‪ .)2003( .‬كيف تعيد العولمة تشكيل حياتنا‪( .‬عباس‬
‫كاضم‪ ،‬المترجمون) بيروت‪ :‬المركز الثقافي‪.‬‬
‫عبد هللا العمر‪ .)1983( .‬ظاهرة العلم الحديث"دراسة تحليلية وتاريخية" (المجلد عالم‬ ‫‪.13‬‬
‫المعرفة ‪ .)69‬الكويت‪ :‬المجلس الوطني للثقلفة والفنون واالداب‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫املرض العقلي بني املعرفة العامية واملعرفة العلمية‬

‫على هاشم الموسوي‪( .‬بال تاريخ)‪ .‬العقل في الموروث المعرفي االسالمي قراءات‬ ‫‪.14‬‬
‫معاصرة (المجلد ‪.)1‬‬
‫‪ .15‬عواد محمود‪ .)2006( .‬معجم الطب النفسي والعقلي‪ .‬االردن‪ :‬دار اسامة المشرق‬
‫الثقافي‪ .‬فاطمة حاج سليمان‪ .)2017/2016( .‬فعالية العالج االسري النسقي في مساعدة‬
‫أسر المعاقين عقليا‪ .‬أطروحة شهادة الدكتوراة‪ ،‬علم النفس‪ ،‬جامعة تلمسان ‪.‬‬
‫فالح جعاز شلش‪ .)2006( .‬االساليب الحديثة في نقل المعرفة العلمية‪ .‬مجلة علوم‬ ‫‪.16‬‬
‫التربية الرياضية‪ ،‬المجلد‪(5‬العدد‪.142 ،)2‬‬
‫‪ .17‬قويس جمال الدين‪( .‬يوليو‪ .)2013 ,‬المعرفة العلمية واألزمة "قراءة في البنية والتحول‪.‬‬
‫مجلة الكلمةدراسات وأبحاث‪ ،‬المجلد‪(20‬العدد‪.108-88 ،)80‬‬
‫‪ .18‬محمد بن خلفة‪ .)2018-2017( .‬التصورات االجتماعية للمرض في الثقافة الشعبية‬
‫دراسة تحليلية امحتوى االمثال السعبية العربية المتداولة بمنطقة بسكرة‪ .‬جامعة بسكرة‪.‬‬
‫محمد حسين الرفاعي‪ .)2017( .‬االبستمولوجيا تفكير في المعرفة الحديثة‪ .‬بيروت‪:‬‬ ‫‪.19‬‬
‫دار التنوير ومركز دراسات فلسفة الدين‪.‬‬
‫محمد عبابو‪ .)2011( .‬سوسيولوجية الممارسة الطبية من منظورات اليوث براندسون‪.‬‬ ‫‪.20‬‬
‫مجلة أفاق سوسيولوجيا‪.98-85 ،‬‬
‫محمد كمال مصطفى‪ .)2011( .‬ثقافة التقد المشكلة والحل‪ .‬مصر‪ :‬مؤسسةفريدريش‬ ‫‪.21‬‬
‫ابيريت‪.‬‬
‫‪ .22‬محمود ذكار‪( .‬مارس‪ .)2016 ,‬هرمينوطقيا المرض بين العلمي واالنتروبولوجي"مقاربة‬
‫جديدة في فهم المرض"‪ .‬مجلة انتروبولوجيا‪ ،‬العدد‪.89-71 ،2‬‬
‫معين خليل عمر‪ .)1991( .‬علم االجتماع المعرفة‪ .‬عمان‪ :‬دار الشروق للنشر‬ ‫‪.23‬‬
‫والتوزيع "مطبعة جامعة الموصل "‪.‬‬
‫مكي الحسيني‪ .)2017( .‬في العلم والمعرفة والفرق بينهما‪ .‬مجلة مجتمع اللغة‬ ‫‪.24‬‬
‫العربية(المجلد‪.631-623 ،)90‬‬
‫منصور عبد المجيد سيد أحمد‪ .)2002( .‬السلوك االنساني بين التفسير االسالمي‬ ‫‪.25‬‬
‫وألسس علم النفس المعاصر‪ .‬االسكندرية‪،‬مصر‪ :‬مكتبة االنجلو المصرية‪.‬‬
‫ميشل فوكو‪ .)2006( .‬تاريخ الجنون في العصر الكالسيكي‪( .‬سعيدي بنكراد‪،‬‬ ‫‪.26‬‬
‫المترجمون) المغرب‪ :‬المركز الثقافي العربي‪.‬‬
‫ميشل فوكو‪( .‬بال تاريخ)‪ .‬حفريات المعرفة‪( .‬سالم يقوت‪ ،‬المترجمون) المغرب‪ :‬المركز‬ ‫‪.27‬‬
‫الثقافي العربي‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫كرمية مكاري‪ ،‬حممد بوجطو‬

‫ناديةسعيد عيشور واخرون‪ .)2018( .‬الصحة في المجتمع الجزائري‪ .‬مؤسسة راس‬ ‫‪.28‬‬
‫الجبل للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ .29‬وشان حكيمة‪ .)2019( .‬قراءة سوسيولوجية في مضامين الحكايات الشعبية‪ .‬مجلة‬
‫دراسات في علوم االنسان والمجتمع‪ ،‬المجلد‪(2‬العدد‪.325-311 ،)1‬‬
‫‪ .30‬ويديري رجاء وحيد‪ .)2000( .‬البحث العلمي اساسياته النظرية وممارساته العملية‪.‬‬
‫دمشق‪ :‬دار الفكر‪.‬‬

‫‪ 2.8‬المراجع باللغة العربية‪:‬‬


‫‪1. Alexander. Koyre .)2016( .La Révolution Astronomique. Edition les Belles‬‬
‫‪Lettres .Edition les Belles Lettres.‬‬
‫‪2. Bagro. PH. De. Toffol .)1993( .Introduction aux Sciences Humaines en‬‬
‫‪médecine .Paris: Ediction Marketing.‬‬

‫‪134‬‬

You might also like