Professional Documents
Culture Documents
أسرار حي أول
ƾƫƹǃřŠƘŞƐƫř
ºƷŠ1440
ƾƫƹǃř 1438
ƘŞƐƫř
ƭ 2018
ºƷ 1438
2017
ƭ 2017 أرسار حي أول :اسم الكتاب
jglH+ 7+
«H'glH+
رامي قطب. دjglH+ :التأليف 7+ :¨I
jglH+¨
رواية:الكتاب «H' g موضوع
lH+
ƾƫƹǃřŠƘŞƐƫř kN¨H+k0+}H+
ºƷ 1438 صفحات 104 :الصفحات
jglH+¨
¬2+bH+t+}2) عدد
:¨I ¢lH+
¹+L«
ƭ 2017 ملزمةkN¨H+k0+}H+
6.5 ngu :املالزم عدد
H+3b=
¬2+bH+t+}2)
7+ 14x20 ¹+L« ¢lH+
jglH+
:الكتاب
¡6ÒH+3b= مقاس
«H'glH+
ngu H+3b=
jglH+¨األوىل
:¨I الطبعةjglH+7gI
:عدد الطبعات
kN¨H+k0+}H+ ¡6ÒH+3b=
nghH+3b=
2018/26630jglH+7gI
¬2+bH+t+}2)¹+L« ¢lH+ :رقم اإليداع
ngu H+3b=
+bN)¹+ F5
278 - 625 - 1nghH+3b=
978 - 977 -jglH+7gI
¡6ÒH+3b= :الرتقيم الدويل
©HLbH+ «F}lH+
nghH+3b= +bN)¹+ F5
+bN)¹+ F5
©HLbH+ «F}lH+
©HLbH+ «F}lH+
ĎĘňĿíōĪœďŎøĿí ĎĘňĿíōĪœďŎøĿí
ĎĘňĿíōĪœďŎøĿí
ñȲº úùõ (ÏÄ J* /¸¿ðɎ. .Íû â»Ý âùöĀ darelbasheer@hotmail.com
¼öÄοò.J ñíùò.J ÎɋýØ¿ò.J â»Þò.DÎÝ darelbasheeralla@gmail.com
ñȲºبكلúùõ (ÏÄ
جزءJ*
منهȒýѸÈò.J أو/¸¿ðɎ.
ȗÎöò. .Íû
الكتاب
@ýöÒöò.J هذا â»Ýيمنع
طبع
ñāÅÒɁò.J âùöĀ :ȝ darelbasheer@hotmail.com
01152806533
÷õÿÞÊH7´ºĈ,DýíÈò.÷õ¸ûÎāæJ
¼öÄοò.J
ñȲº ،والرتمجة ñíùò.J
úùõ (ÏÄ،والنقل ÎɋýØ¿ò.J
،والتصوير
J* /¸¿ðɎ. â»Þò.DÎÝ
،الطبع
.Íû â»Ý طرق01012355714
âùöĀ darelbasheeralla@gmail.com
darelbasheer@hotmail.com
ȒýѸÈò.J @ýöÒöò.J ȗÎöò. ñāÅÒɁò.J :ȝ
elbasheer.marketing@gmail.com
،واحلاسويب
¼öÄοò.J ñíùò.J واملسموع
ÎɋýØ¿ò.J املرئي والتسجيلdarelbasheeralla@gmail.com
â»Þò.DÎÝ elbasheernashr@gmail.com
÷õÿÞÊH7´ºĈ,DýíÈò.÷õ¸ûÎāæJ
.الدار
ȒýѸÈò.J @منýöÒöò.J
بإذن خطيȗÎöò.
احلقوق إال وغريها من
ñāÅÒɁò.J :ȝ
01152806533
01152806533 - 01012355714
01012355714
01152806533
÷õÿÞÊH7´ºĈ,DýíÈò.÷õ¸ûÎāæJ
01012355714
أول حي
ƾƫƹǃřŠƘŞƐƫř
ºƷ 1438
أسرار
ƭ ّ
2017 قصصية مجموعة
jglH+ 7+
«H'glH+
تأليفjglH+¨ :¨I
kN¨H+k0+}H+
رامي قطب.د
¬2+bH+t+}2)¹+L« ¢lH+
ngu H+3b=
¡6ÒH+3b=
jglH+7gI
nghH+3b=
+bN)¹+ F5
©HLbH+ «F}lH+
ĎĘňĿíōĪœďŎøĿí
(إهداء)
حسه
حمافظا عىل ّ ً الرجل الذي كان يكتب كام يتك ّلم ،ويتك ّلم كام يكتب، إىل ّ
اً
كامل من الرجل املتواضع الذي أهلم اً
جيل الساخر وخواطره الذكيةّ ،
روحيا،
ًّ الك ّتاب ،وينفي عن نفسه الفضل ،الرجل الذي اعتربه قراؤه أ ًبا
ناصحا..
ً حقيقيا عطو ًفا داعماً
ًّ املقربون منه أ ًبا
واعتربه ّ
املفضل :د /أمحد خالد توفيق -رمحه اهلل.- إىل كاتبي ّ
7 أسرار حي أول
(مق ّدمة)
مرة
جيربوا احلياة الطبيعية ثانية ،باإلضافة إىل رؤية األصدقاء واألقارب ّ
أن ّْ
أخرى.
ِ
شبكات تقوية عىل اجلانبني رشكات االتصاالت بعمل
ُ وعىل الفور ،قامت
اخلاصة بتوفري بدائل ّ
للطاقة للجزء املفصول ّ لتقوية االتّصال ،وقامت الشرّ كات
األجانب الذين جاءوا للدّ راسة أو السياحة والتصوير.
ُ كثر
عن األرض ،كام َ
تم توصيل السلع مثل ّ
النظارات املكبرّ ة وأصابع الليزر ،كام ّ راجت ُ
بعض ّ
حبال غسيلٍ طويلة جدًّ ا بني بعض البنايات يف اجلانبني مستند ًة إىل بكرة
بحيث يمكن لأل ّمهات يف الشرّ فات تبادل األشياء بربطها إىل احلبل وتدوير
ال َب َكرة بموتور صغري حتى تصل إىل اجلانب اآلخر.
غسيلهن
ّ يقطن يف األدوار العلوية ّ
يغطني ّ السيدات الاليت
صارت بعض ّْ
املنشور غري ُم ْقتنعات ّ
بأن قطرات غسيل ال ّناس الذين يف األعىل من املستحيل
اخلاصة.
ّ غسيلهن ّ
ألن هلم جاذبيتهم ّ أن تؤذي
وبالطبع ،صار املجتمع مكشو ًفا بشكلٍ غري مسبوق ،فباستخدام املناظري
وأنت عىل سطح بيتك ،بل يف غرفتك َ أي ٍ
أحد أن يراك املكبرّ ة صار بإمكان ّ
أكثر انغال ًقا
أغلب الناس نتيج ًة لذلك َ
ُ إن تركت ال ّنافذ َة مفتوحة ،فبينام صار ْ
أكثر جرأ ًة ّ
وأقل ُ
البعض اآلخر َ والتزا ًما باآلداب العا ّمة داخل بيوهتم؛ صار
وليكن ما يكون.
ْ بمن يراقبهم اكرتا ًثا َ
بعض األحداث واحلوادث ُنق ُّ
ص يف ّ
ظل هذه األحوال اجلديدة ،وقعت ُ
َ
بعضها يف الصفحات اآلتية.
11 أسرار حي أول
(ثق بقلبك)
ْ
رأسه ونظر إىل أصحابه وقال: ّ
حك (جاك) َ
-ماذا سنفعل اآلن؟
قال (روكي):
اً
طويل ،أنا مل أعدْ أفهم. -لقد انتظرنا
كانت (ماجي) متدّ د جسمها عىل األرض باكي ًة منذ الصباح ،تساءلت:
أن شيئًا غري ًبا سيحدث ،كان يكن ينبغي ع ّ
يل أن أتركها ،كنت أشعر ّ -مل ْ
مهام حدث ،اآلن ال أدري أين هي! ولع ّلها غاضبة م ّني، ع ّ
يل أن ّ
أظل معها ْ
مرة أخرى.
وال تريدين ّ
مرة أخرى:
تدخل (جاك) ّ
ّ
كالب يف نظرهم ،ولك ّنها احلقيقة
ٌ ِ
كفاك بكا ًء يا (ماجي) ،فام نحن إلاّ -
نترصف بغرائزنا ُ
ونثق بقلوبنا. جمرد كالب ،لذلك ّ أيضا نحن ًّ
أول جتتمع ّ
كل يوم منذ حصل االنقالب حي ّ
الكالب املوجودة يف ّ
ُ كانت
ُ
رائحة أصحاهبم ،فال يدرون كيف يعودون احلي؛ حيث انقطعت عىل أطراف ّ
إليهم ،وال يفهمون شيئًا ممّا حدث.
مرة أخرى كام كانوا -حينئذ -قراب َة الثالثني مجُ تمعني ّ
لعل األرض ترجع ّ
كانت فيعودوا ألصحاهبم!
أسرار حي أول 12
َ
األرض وبيو ًتا عادية؟ -إ ًذا ،ملاذا حني ُ
أنظر إىل أعىل أرى
ر ّد (هنري):
تقدّ مت (جيسيكا) ببطء إىل احلا ّفة ،وجلست مقعي ًة وقد أدلت برأسها
ثم قالت:
السامء ّ اً
قليل لرتى ّ
-أعتقدُ أنّنا ينبغي علينا ّ
الذهاب إليهم أينام كانوا!
-لك ّننا ال نعرف أين ذهبوا ،رائح ُتهم قد انقطعت متا ًما عند هذه األطراف
املهجورة.
السامء مثلهم.
-أعني أن نذهب إىل ّ
صاحت (صويف) فرحة:
ْ
-إ ًذا ،فأنت تعتقدين ذلك ً
أيضا؟
أسرار حي أول 14
-ال أعرف ،ر ّبام ،أعني هّأنم بالتأكيد كانوا يف ذلك االتجّ اه ،ر ّبام ُهم ال
بأنم ال يزالون نستطيع رؤيتهم ،قلبي خيربين هّ
ُ يزالون هناك ،ونحن فقط ال
هناك.
أيضا خيربين بذلك ،ومل حيدث ّ
قط ْ
أن أخربين قلبي بيشء ومل -قلبي ً
حيدث.
قال (هنري):
اهلوة التي ستقعان فيها، ّ
األقل انظرا إىل تلك ّ -هل تريدان ْ
أن تقفزا؟ عىل
الساموية؟ ستموتان ميتة شنيعة! ِ
احلفرة ّ قرارا؟ أين هناية
هل تريان هلا ً
للتدخل بحزم:
ّ هنا ،عاد (جاك)
حر ،أ ّما أنا فمعكام دع َك م ّنا يا (هنري) إن كنت ال تصدّ ق قلبك َ
فأنت ّ ْ -
يا (صويف) و(جيسيكا) ،قلبي خيربين هّأنم عىل اجلانب اآلخر.
ونظرت إىل بقية الكالب ملقي ًة كلامهتا احلامسية:
ْ تراقصت (صويف)
ْ
إن العني قد ختطئ ،واألنف -يا إخويت ،عليكم أن تبحثوا يف قلوبكمّ ،
أيضا قد خيطئ ،صحيح أنّه نادر؛ لك ّنه احتامل ،أ ّما القلب فال ،اسألوا ً
أنفسكم ..هل تؤمنون ح ًّقا بوجود أصحابكم عىل اجلانب اآلخر؟ هل أن ُتم
مستعدّ ون للعبور إليهم ،أم ال؟
حواس الكالب فجأة ،وقد أصابتهم القشعريرة من صدق ّ انتبهت
ْ
شعر بتلك القشعريرة لك ّنه كان خائ ًفا ،وبدأ اآلخرون
كلامهتا ،حتى (هنري) َ
بصوت واحد ،والدموع ملء أعينهم. ٍ يف القيام واالجتاه إليها ،وال ّنباح
15 أسرار حي أول
قالت (صويف):
مجيعا إىل
مجيعا؛ لنقفز ً
هيا يا إخويت ً
هيا يا (جاك)ّ ،
-هيا يا (جيسيكا)ّ ،
ّ
رعونا ووعدْ ناهم بالوفاء ما حيينا ،إىل اجلانب
السامء ،إىل أصحابنا الذين ْ
ّ
اآلخر.
فقررت (جيسيكا) ٍ
لربهة من الوقتّ ، وقفوا ص ًّفا واحدً ا ومل ّ
يتحرك أحد
وتشجعهم فقفزت معتقد ًة هّأنا ستنزل ألسفل إىل ّ
السامء، ّ أن تستبق األمر،
حي ثان، ِ
حي ّأول إىل جاذبية األرض الطبيعية يف ّجاذبية ّ فإذا هبا خترج من
ألنم مل
لبقية الكالب عىل أنّه معجزة هّ
فسقطت إىل األعىل ،األمر الذي بدا ّ
بقية الكالب واحدً ا تلو اآلخر لريتفعوا إىل األعىل
يروا إىل أين وصلت! فقفز ّ
َ
رجف قل ُبه من روعة املنظر، ٍ
برسعة خارقة حتى مل يتبقّ إىل (هنري) الذي
قال لنفسه بصوت مرتفع وهو يبكي:
(سامح المتسامح)
أحب َمن حويل ،وال أمحل هلم ضغينة ،لذلك يقومون أحيا ًنا ّ إنّني
ري أنيّ
باستغاليل ،لك ّني أعذرهم ألنيّ لو كنت مكاهنم لر ّبام فعلت املثل ،غ َ
ال أفعل..
أقرب شخص يل ،شخصي ُته قوية ،عكيس متا ًما، ُ صديقي (سعد) هو
ّ
والكل ٍ
جملس يكون له الصوت األعىل، حيبه من حوله وأنا منهم ،إذا ك ّنا يف
ّ
ٌ
حمظوظ ألنه ريض بمصادقتي. ينصت يف اهتامم ،يف احلقيقة أنا
ال أعرف ما الذي دهاين -عىل عكس أغلب الناس -مل أختبئ يف املنزل
ٍ
لسبب أشجع قرار اتخّ ذته يف حيايت ك ّلها ،لك ّنه كان
َ يوم ال ّنيزك ،وكان هذا
بسيط وهو ّ
أن هؤالء القابعني يف البيوت ْ
إن د ّمر النيزك األرض فسيموتون
ً
أيضا ،فام فائدة االختباء طاملا ال يؤمنون باألمل؟
وتعجب (سعد) من فعيل،ّ سخر م ّني أصحايب وغضب م ّني ُ
بعضهم،
أي
مجيعا أين لن حيدث يل ّ وبكت ع ّ
يل أ ّمي ..لك ّني طمأنتهم ً ْ ّ
وحذرين أهيل
وأن النيزك لن يصطدم باألرض اً
أصل. يشءّ ،
فقدت فيه وعيي ،لقد كان عند أطراف احلي متا ًما.
ُ أخرب ُته باملكان الذي
بكل الطرق ،رافقته وهو جيلس هناك بقوة مثلها ّ ألن حيظى ّسعى ْ
قوة مثل ما أعطتني ،أخذ لعل طاق ًة ما تكون هنالك فتعطيه ّ
بالساعات ّ ّ
يتحسس عضالته ويغلق عينيه ويتن ّفس بعمقّ ،
لكن شيئًا مل حيدث ،لقد ّ
ٍ
بطريقة ما. كانت الطاقة وقت االرتطام فقط وتوزّ عت
قلت له:
وأي يشء تريده سأن ّفذه لك ّ
بكل -ال تقلق يا (سعد) ،أنت صاحبيّ ..
حب.
ّ
ٍ
بحزن عميق ..ملاذا اغتاظ م ّني؟ شعرت
ُ فنظر يل بغيظ وانرصف إىل بيته،
َ
أي شخص ،لك ّني عذرته لغضبه من عدم أن أخرسه كصديق يتم ّناه ّ خفت ْ
ُ
ْني ِله قويت ،و َمن ذا الذي ال يتم ّنى ّ
قوة مثل تلك! لك ّنه قاطعني عدّ ة أيام؛ ال
كالم وال سالم ،ويو ًما ما جاءين أحدُ أصحابه الذين كانوا يشاهدونني يف
حيبني ،وقال
وتعجب من صبرْ ي عليه ،قال إنّه يستغلني وال ّ
ّ عروضه تلك،
قوته جيدً ا ،وعرض ع ّ
يل أن يساعدين أن أصل ّ
يستغل ّ إن َمن هو مثيل ال بدّ أنّ
لكن (سعدً ا)
كالمه فوافقتّ ،
نقود أو نفوذ ،أغراين ُبقويت ملا شئت من قوة أو ٍ ّ
فورا ،فذهبت إليه يف سعادة ّ
لعل املياه اتّصل يب ذات ليلة وأخربين أنّه يريدين ً
تعود إىل جمارهيا ،فوجدته يتشاجر مع جا ِره الذي تشاجر معه قبل ال ّنيزك ومل
أستطع إنقاذه وقتها ،قال:
ْ
-أنقذين يا صديقي (سامح).
أسرار حي أول 20
قال بتوتر:
حر)
(سقوط ّ
ْ
إن كنتم تقرؤون هذه الرسالة فهذا يعني أنيّ قد رحلت بالفعل..
لكن أ ّمي امرأة
مرح ًبا ..أنا ..سيارة ،نعم سيارة ،ال أعرف شيئًا عن أيبّ ،
يابانية قو ّية ،وعىل الرغم من ذلك فقد ولدت يف إندونيسيا منذ ثالثة أعوام
لسبب ال أعرفه ،ورغم عمري القصري إلاّ أنيّ أجزم أنيّ قد رأيت يف حيايت ما
ٍ
الرؤوس.
تشيب له ّ
بعد والديت مبارشة ،سافرت رحل ًة طويلة عند قريب أ ّمي أو صديق عمل
يسمونه الوكيل ،حيث يتب ّناين أحدُ هم ويرعاين ،مليف مدينة طنطا املرصية ّ
شعرت
ُ يل ،وحني تس ّلمني أيب اجلديد
ريا؛ فقد هتافت ال ّناس ع ّ
أمكث عنده كث ً
ْ
بالزهو ملا كان يرمقني بانبهار ويراين نعمة.
ّ
بحب ،وكنت أعدّ ه صدي ًقا ال أ ًبا ،حيافظ
لن أكذب عليكم ،كان يعاملني ّ ْ
أعلم ِمن
بالسري ،فبينام كنت ُ عىل صيانتي الدّ ورية يف املوعد ،وال يرهقني ّ
آالف الكيلومرتات يف الشهر الواحد؛ كان صاحبي أهنن يمشني َ صديقايت ّ
وأن طنطا مدينة خاصة ّ ال يميش يب إلاّ نحو مخسة آالف كيلو يف عا ٍم كاملّ ،
صغرية.
اشرتى يل سرت ًة ّ
تغطي الكرايس واألريكة حتى حتافظ عليها.
ألي من أصدقائه خو ًفا
مثاليا ،حتى إنّه كان يرفض إعاريت ّ
كل يشء كان ًّ ّ
ٍ
بخدش صغري كا َد يبكي يل من ِ
سوء املعاملة ،وحني صدمتني سيار ٌة أخرى ع ّ
ألرجع كام كنت.
َ يل ،وسارع يف إصالح اخلدشمن احلزن ع ّ
23 أسرار حي أول
األمر َ
بعض الوقت إلصالحي وليستعيد ثقتَه يب ،ال أستطيع أن ُ استغرق
عدت إىل سابق عهدي ،فقد نزعوا بعض أحشائي واستبدلوا هبا ُ أقول إين
بدائل كور ّية وتايلندية ،أعني أنّني لست بالتأكيد عنرصية ،لكن ك ّلنا يعلم
مهام كانت جيدة ،لقد رصت -بشكلٍ ّ
أن هذه الصناعات ليست أصلية ْ
ما -كرجلٍ تكسرّ ت أسنانه فوضع أسنا ًنا فضية ،وفسدت كلي ُته فزرع كلي َة
شخص آخر ،وقام برتكيب جهاز داخل جسمه لتنظيم رضبات قلبه ،أعني ٍ
لست أنت ،وإن كانت معجزة
مهام كانت هذه األشياء جيدة فأنت تعلم أنك َ
ْ
ْ
أن حتيا من جديد.
بعد اإلصالح الكبري تغيرّ ت معاملته يل ،صحيح أنّه كان سعيدً ا بعوديت،
عرفت مكانتي اجلديدة عنده حني صدمتني سيارة أخرى ضخمة بعد ُ لك ّني
سيهتم يب ويعيد إصالحي
ّ شهرين من اإلصالح كانت صدمة قوية ،ظنن ُته
مرة أخرى ،لكني سمع ُته يقول لصديق له بال اكرتاث" :ما دامت متيش ّ
فلن أصلحها ،يكفيني ما أنفقت عليها ّأول
والصدمة غري مؤثرة يف عملها ْ
ّ
احلقيقية يل ،وليست صدمة السيارة.
ّ مرة" ،كانت هذه هي الصدمة
ّ
جمرد نزوة
رصت حزينة ،مل يعدْ يل كأب أو صديق ،بل رصت بالنسبة له ُّ
فقرر أن يستفيد يب إىل آخر ٍ
رمق علم أنّه لن يستطيع أن َ
ينال م ّني أكثر ممّا نالّ ، َ
دون أن ينفقَ عيل ً
قرشا واحدً ا لو استطاع.
أعتذر له ،ورغم
ُ أفهم طريقة تفكريه،
مربرا عنديُ ، ّ
كل ذلك كان له ً
كنت أنتظره حتت
ولكن بعد ذلك بشهرين آخرين ُ
ْ حزين لك ّني أرىض بحايل،
25 أسرار حي أول
(سارة)
ريا؛ اقرتب منها وسأهلا بلطف:
الطبيب هّأنا قد أفاقت أخ ً
ُ حني وجد
-ما اسمك يا صغرية؟
بتعجب..
أخذت الفتاة املمدّ دة عىل الرسير تتأ ّمل ما حوهلا ّ
-أين أنا؟
ِ -
أنت يف املستشفى ،لك ّنك بخري ،كانت صدمة خفيفة مل تؤ ّثر عليك إلاّ
ببعض الكدمات ،واآلن أخربيني ..ما اسمك؟
أنفاسها تتسارع..
البنت وقد بدا عليها الفزع ،وأخذت ُ
جلست ُ
-ال أعرف.
بدت عليه اجلدية: َ
سأل الطبيب وقد ْ
-هل تذكرين أين تسكنني؟
مرة أخرى أجابت:
ّ
-ال ..ال أذكر شيئًا.
َ -من أبوك؟ َمن أ ّمك؟ هل تذكرين أي يشء؟
البنت ترجتف ،ودموعها جتري عىل خدّ هيا بخوف:
بدأت ُ
ثم اصطدم
أذكر فقط أنيّ كنت أجري يف الشارع أبحث عن أ ّميّ ..
ُ -
ذلك اليشء باألرض ،هذا ّ
كل ما ّ
أتذكر.
أسرار حي أول 28
-رائحتك جيدة.
-ال ّناس مل يعودوا يلقون بأشياء جيدة ،يبدو هّأنم اكتشفوا هّأنم حيتاجون
لكن ال ينبغي علينا أن نيأس؛ فليس لدينا ّ
حل آخر سوى تلك األشياءْ ،
ومرة ّ
كل عام تأتينا إحدى اجلمعيات اخلريية البحث واملزيد من البحثّ ،
بطعام ومالبس مستعملة مجيلة.
مرت عىل (سارة) وهي ّ
تفكر فيام ستصري إليه حياهتا ،هّإنا ال نسامت هادئة ّ
ٌ
ولكن هؤالء الصبية يبدونّ تذكر شيئًا عن حياهتا القديمة لتستطيع املقارنة،
ألنم ال يعرفون يف هذه احلياة إلاّ أنفسهم..
وحيبون بعضهم البعض؛ هّطيبني ّ
قالت ضاحكة:
لك ّنهم ً
أيضا يرونك كذلك..
قالت (سارة) بعد سكوت طويل:
-هل تظ ّنني ّ
أن أ ّمي هناك تبحث عني؟ ر ّبام تكون تلك املرأة أو تلك..
ور ّبام هي اآلن تبكي يف البيت بعدما فقدت األمل يف العثور ع ّ
يل!
-أنا مل أعرف أ ّمي قط ..ر ّبام هي اآلن مع أ ّمك تواسيها وتندم عىل تركها
يل صغرية يف امللجأ الذي هربت منه.
لكم ُتشبه (سارة) (هايدي) عىل اختالف ظروفهام واألسباب التي أ ّدت
ْ
هبام إىل ما ُهم فيه؛ كلتامها بدون ّأم أو ٍ
أب ،كلتامها ال تعرف أباها وال أ ّمها،
وحني أبرصتا تلك احلقيقة تعانقتا ورشعتا يف البكاء ..وما هي إلاّ دقائق
قليلة حتى نامتا نو ًما عمي ًقا.
وتعرفت إىل الشيخ الطيب الذي ّ وهكذا اندجمت (سارة) يف املجموعة،
أنكر عليها أن مل تنتظر يف املستشفى لع ّلها إن
قصتها ،فلماّ أخربته َ
سأهلا عن ّ
فعلت استطاعت أن جتدَ أهلها ،قالت هّإنا كانت خائفة ال تدري ما حيدث،
حي ثان ّ
لعل اسمها يكون يف أسامء املفقودين، فأخذها الشيخ إىل قسم رشطة ّ
ألنا ال تعرف اسمها احلقيقي ،فاضطروا ملكاملة أهل ريا هّ
وكان البحث عس ً
يتوصلوا إىل يشء عنها أبدً ا ،فقد تكون والدهتا قد ّ
كل مفقود عىل حدة ،ومل ّ
تو ّفيت حني حصل االنقالب أو ُفقدت هي األخرى.
مرة أخرى إىل املسجد بعد أن صار بيتَها الوحيد،وهكذا عادت (سارة) ّ
رصن أهلها ّ
وكل ما هلا يف هذه الدنيا. َ وإىل صوحيباهتا الاليت
33 أسرار حي أول
حترك ّ
كل يشء بعنف ،ال ندري هزة أرضية غريبة ّ ُ
ومنذ يومني حصلت ّ
هل درنا حول أنفسنا ح ًّقا أم هّأنا ختاريف الظالم؟
السقف ،ها أنا ذا أقرتب ،اعذروين ِ
إن انقطعت عن املهم أنّنا قد اقرتبنا من ّ
ّ
ريا وصلت ،يا
أوه آ ..امم ،أخ ً
ريا ،رأيس يؤملني ّالكالم فجأة ،إنيّ أقرتب أخ ً
ويسارا بسبب اهلواء ا ُملنعش ،اً
مهل ..أين الشمس؟ ً للروعة إنّني أمتايل يمينًا
ّ
املتشكك عىل حقّ ؟! أيب لكن ال يوجد شمس! هل كان ذاك
هناك ضوء ْ
وأ ّمي ما لكام؟ أصحايب؟ ّ
الكل مات!
أرضا ال سامء ،وأنظر حتت فأرى األرض التي خرجتأنظر فوقي فأرى ً
ُ
منها ،هل ماتت الشمس؟ إ ًذاَ ..
فم ْويت قريب.
نبات ياسمني ،نبت حدي ًثا وسيموت قري ًبا ،ما
أنا عصام عبد الفتاحُ ،
أن ّ
كل نبتة ياسمني ال بدّ أن يكون اسمها تتعجبون! وهل كنتم حتسبون ّ
لكم ّ
ياسمني؟!
أسرار حي أول 36
ومهس إليه:
َ دنا منه املحافظ
ٍ
موقف حرج ،وهذا الولد لديه وجهة نظر، -حممود ،لقد وضعتنا يف
جرب لن خترس شيئًا.
رياّ ،
وهذه الطريقة تنفع معي كث ً
ثم أعاد رضب حممود ك ًّفا ّ
بكف ،وأغلق مفتاح التشغيل وانتظر دقيقةّ ،
تعجب حممود ونظرمرة أخرى ،فإذا بصوت املحرك يبدأ يف العملّ ،فتحه ّ
مبال كأنّه كان ٍ
شطرية يف يده غري ٍ يف دهشة إىل ّ
الطفل ،وهو يقضم قضمة من
متأكدً ا من ال ّنتيجة!
بكل عني تدور برسعة خمتلفة ،فاليمنى ّ
تدل الساعة يف العمل فإذا ّ ِ
بدأت ّ
معا لتعرف الساعة ،واليرسى ّ
تدل عىل الدقيقة ،وعليك أن تقرأمها ً عىل ّ
ٍ
كامرأة الساعة تبدو
الوقت بالضبط ،وهاتان الرسعتان املختلفتان جتعالن ّ
مرة واحدة ّ
كل ساعة.. كل عني من عينيها باتجّ اه خمتلف إلاّ ّ
حوالء تنظر ّ
لوحات
ٌ يف نفس الوقت تفتح ال ّنافذتان ال ّلتان فوق العينني ليظهر يف اليمنى
مصغّ رة ّ
حلكام مرص بالترّ تيب ال ّتنازيل تدور إىل اليمني ،ويف النافذة اليرسى
ٍ
إشارة إىل لوحات لعلامء مرص وأعالمها ،تدور كذلك إىل اليمني يف
ٌ تظهر
أمهية اتّفاق العلم والسياسة ليحصل التقدّ م واإلصالح يف املجتمع.
قال حممود:
تم برجمتها بد ّقة واحرتافية عالية ،حتى هّأنا ّ
"إن هذه الساعة ذكية ،وقد ّ
يتدخل فيه أحد ص ّناعها
ّ يعتقد أن هلا شخصية مستق ّلة ،وتفكري مبتدع ال
الذين عاونوين.
أسرار حي أول 40
مميزات مرص من ّ
الذكاء والطيبة أحد التدخل أو إجبارها عىل يشء فهي متلك ّ
ٍ
صفات واألصالة واحلكمة والعلم ،ويف نفس الوقت مع األسف متلك
أخرى ليست جيدة كام عبرّ ت عنه النافذتان ال ّلتان فوق العني فكام هناك
حب السلطة "وطاملا وضعتها يف البيئة املناسبة ومل تؤ ّثر
حب احلكمة هناك ّ
ّ
عليها مؤثرات خارجية ّ
فإن اخلري دو ًما ينترص ،وهذا ما حدث!"
قاهلا حممود ّ
بكل فخر.
الساعة هلا عقل ،وفيها خري ورش ،وتفهم وتعي
إن ّ -إ ًذا ،فأنت تقول ّ
وتدخن احلشيشة!
ّ السجائر
وترشب ّ
لكن الباقي صحيح. -احلقيقة ّ
أن موضوع السجائر واحلشيشة هذا مبالغةّ ،
رأس املحافظ باألفكار ،وطلب من حممود االنرصاف ،وبقي وحيدً ا
دار ُ
يف مكتبه.
الساعة ،وأنشئوا
املختصني لتطوير ّ
ّ كل بضعة أشهر ،يأيت حممود وبعض ّ
صوتيا بحيث تستطيع أن تتك ّلم وحتاور الناس ..فأرسلت رشكة
ًّ هلا نظا ًما
وأقروا بأهنا
الساعة الذكيّ ،
"أبل" ورشكة "جوجل" مندوبني الختبار نظام ّ
وأي نظام متحدّ ث موجود حال ًيا باإلضافة إىل عبقرية
تطورا من سريي ّ
ً أكثر
برجمتها التي وصلت إىل حدّ ال يمكن تو ّقعه يقرب من الذي متناه مؤسسو
علم الذكاء االصطناعي.
ال يستطيعون قراء َة الشاشة الرقمية إلاّ بوسيط متع ّلم ،والذي كان يأخذ
خاصية الكالم صار األمر
ّ جنيها مقابل قراءة ّ
كل سطر .أ ّما اآلن بعد إضافة ً
سهل عىل ّ
كل أحد. اً
أن النظام الذي كانوا قد أنشئوه وبعد عدّ ة أشهر ،أعلن املسئولون ّ
الساعة صارت أكثر قدر ًة عىل تلبية رائعاّ ،
وأن ّ نجاحا ً
ً نجح
َ قبل النيزك
احتياجات الناس من ذي قبل بعد دخول اإليرادات األجنبية نتيجة الفرتة
املخصصة للزيارات؛ لذلك وبعد األحداث األخرية نحتاج أن نقوم بتطوير ّ
ريا يف مصلحة الطبقة الكادحة ،وهو ختصيص ٍ
وقت يصب أولاً وأخ ً
ّ آخر
إضايف للحجز العاجل لالستشارات النفسية واملالية واملظامل لقا َء د ْفع ٍ
مبلغ
أيضا يف إيراد الساعة ليعطى بعد ذلك للفقري. مايل مرتفع ،والذي سيدخل ً
قلق من تبعات هذا القرار ،فالوقت قد ضاق عىل الناس اعرتى الناس ٌ
بمجرد
ّ األول بام ال حيتمل تضيي ًقا آخر ..وهو ما حت ّقق
بالفعل بعد القرار ّ
الساعة إلاّ
حجزا ملقابلة ّ
ً بداية العمل هبذا القرار األخري ،فقد رصت ال جتد
بعد عدّ ة أسابيع ،أو ربام شهور -لو أردت احلجز يف املواسم التي يكون هبا
وألول
ّ ً
وأيضا- الساعة،
وتم عمل سور حول منطقة تواجد ّ ضغط أكربّ -
الساعة متا ًما يف غري أوقات عا ّمة الشعب املجانية إلضفاء تم تغطية ّ مرةّ -
ّ
مبلغ مايل أو عن طريق خصوصية عىل األغنياء والكرباء الذين يزوروهنا لقا َء ٍ
ّ
صحت الشائعات. بعض الوساطات لو ّ
أن األمر قد ساء جدًّ اّ ،
وأن األغنياء حتدّ ث أهل طنطا -فيام بينهمّ -
الساعة لالستشارات املالية واإلدارية حني تعوق يدفعون مالاً كث ً
ريا للقاء ّ
الساعة حلولاً عبقرية وف ًقا لربجمتها
أعامهلم االستثامرية مشاكل فتح ّلها ّ
أكثر بكثري ..وأين يذهب املال الذي يدفعونه؟
املتطورة ،فيعود عليهم بامل َ
ّ
ٍ
موعد الساعة إلاّ القليل ،هذا إن استطاعوا حجز
الفقراء كام هم ال تعطيهم ّ
معها!
أسرار حي أول 44
الساعة حلاميتها
سمع املسئولون باألمر ففزعوا وأمروا الرشطة بمحارصة ّ
َ
الساعة بعد أن يفرغها من أمواهلا ّ
كل ري من وراء ّ
فقد كان بعضهم جيني الكث َ
ليلة إلاّ ّ
أقل القليل من املال ليس َ
رت اختالسه وال يمكن املخاطرة بإزالتها عىل
لكن قائد الرشطة الرشيف ا ّدعى املوافقة أيدي الثّائرين الشرّ اذم هؤالءّ ،
ثم فاجأ اجلميع بفتح الطريق للثّوار ألنه يعلم ّ
ليتمكن من الوصول للميدانّ ،
يتم منذ زمن بعيد ،وهو شخص ّ
مطلع عىل ّ
أن هذا األمر كان ال بدّ له أن ّ
الفساد الداخيل طوال الوقت.
فإنا مل
الساعة التي ارتفع حاجباها يف فزع ،هّ هجم ُ
أهل طنطا الشرّ فاء عىل ّ
تتصور أن حيدث هذا ،فأخذت بنظامها الصويت تنادي أصدقاءها ّ تكن أبدً ا
الراشني الذين طاملا نرصهتم ظلماً فاختبئوا ً
مجيعا ،ومل ير ّد أحد نداءها..
ِ
أطراف ٍ
مسرية ضخمة إىل أحد انتزعها الرجال من مكاهنا وانطلقوا هبا يف
حي ثان ،يف ترعة
فوقعت إىل األعىل إىل ّ
ْ ثم رموها وهي ترصخ
احلي املبتورة ّ
كبرية مهجورة.
لكن
الساعة وأرغموه عىل صناعة أخرى ْ ثم أتوا بمحمود صانع ّ ّ
فمثل ال يسمح هلا أبدً ا أن ّ
تفكر من تلقاء املرة اً
بمواصفات خاصة هذه ّ
نفسها ،بل تن ّفذ ما برجمت عليه فقط ..وأن تعينّ جلنة تراقب املال الداخل
لكل ال ّناس يف لوحة إلكرتونية ضخمة واخلارج ،وتكون األرقام معلنة ّ
أن توجد إمكانية مراجعة بحيث يتابعها الناس حلظ ًة بلحظة ..كذلك ْ
جمرد برنامج كتبه برش،
وآخرا ّ
ً األحكام التي تصدرها يف ال ّنزاعات ،فهي أولاً
وليست معصومة من اخلطأ!
أسرار حي أول 46
(يمناها)
استيقظت من نومها متثائب ًة فنادت أ ّمها دون أن تفتح عينها "أ ّمي كم
ٍ
بصوت أعىل "أ ّماه، فكررت الساعة؟" ..يبدو ّ
أن أ ّمها كانت بعيدة فلم تر ّدّ ،
"الساعة العارشة حسب ما
صوت من يدها ّ
ٌ كم الساعة اآلن؟" فأتاها
أرى".
هتيؤات ،أنا
مرة أخرى "ليست ّالصوت هادئًا من يدها اليمنى ّ
ُ جاءها
الساعة العارشة" نظرت إىل يدها لتجدها تتك ّلم ،سمعت الذي قلت ّ
إن ّ
نظرت
ْ جرت إليها لتجد يدَ ها تك ّلمها هي األخرى،
ْ رصاخ أ ّمها يف املطبخ
كل منهام إىل األخرى يف فزع ..ماذا حيدث؟! ٌّ
فرقت (يمنى) رع ًبا وهي تقبض يدَ ها يف جيبها حتاول إسكاتهَ ا اّ
لئل
أن اليد مل ْ
تقل شيئًا جديدً ا؛ بل يسمعها الرجل وأرسعت بامليش ،صحيح ّ
ٍ
بصوت كان هذا ما يدور بعقلها ك ّلام ّ
مرت ،لك ّنها ليست مستعدّ ة أن تقوله
نفسها املهالك..
عال وتور َد َ
حتب األطفال لكن تعاملها معهم
رسيعاّ ،
ً متر
أيامها يف احلضانة ّ
كانت ُ
جمرد سكرترية أو ّ
موظفة استقبال ال مدرسة ،لك ّنها تثرثر مع قليل ،فهي ّ
َ
مواقف طريفة وردو ًدا مفاجئة من األطفال املدرسات يف أثناء اليوم حيكنيَ هلا
أثناء التدريس.
خصوصا؟
ً -ال ّناس كلهم يتك ّلمون منذ أمس ،ملاذا شارع (حسان بن ثابت)
-ال أدري ،إهنا فضيحة ،لقد صارت يدي تتك ّلم يف مواقف حمرجة
فأضطر أن أقبض بشدّ ة حتى أكتم صوهتا.
ّ للغاية،
-أريد أن أرى.
امحر وجه (يمنى) وهي تفتح هلا يدَ ها أمامها ،كانت تعلم ّ
أن الناس ّ
ألنا
سيبدؤون بطلب رؤية يدها ،ونحو ذلك من الطلبات الغريبة ،ومل متانع هّ
ريا ّ
حمل اهتامم. ستكون أخ ً
-لقد تع ّلمت بعض احليل أمس الستفزازها ،فهي ال تتك ّلم طوال الوقت
شخصية ما ..راقبي هذا.
ّ ّ
كأن هلا
51 أسرار حي أول
ضاجر من يدها:
ٌ صدر صوت
-ح ًّقا؟ أهذا أفضل ما ّ
فكرت فيه جلعيل أتك ّلم؟
-طيب يا عاقلة!
ّ
ثم بدأ الناس يف الدخول ،فقبضت (يمنى) يدها كي ال جتذب إليها املزيدَ
ّ
من االنتباه مع قدوم اآلباء واملعلامت.
أي فكرة تلك التي تقولون هّإنا رائعة يا ث ّلة من املنافقني واألغبياء.
ّ -
أسرار حي أول 52
ثم تساءل:
نظر املدير إىل يدها باهتاممّ ،
َ
-هل تسكنني شارع (حسان بن ثابت) يا (يمنى)؟
-نعم!
-يا محقاء.
فرت ّد عليها:
ثم تع ّقب:
فتضحك (يمنى) ّ
-يا قبيحة.
...
أسرار حي أول 54
وقف (عبد اهلل إبراهيم سعد الوموي) يف قفص االتهّ ام يف حمكمة طنطا
رسا
اهلم الشديد حيمل ًّ
بحي أول ،وقد بدا عليه ّ
املوجودة يف شارع النادي ّ
اً
ثقيل عىل كاهله.
حقيقيا.
ًّ شخصا
ً إن الشاهد ليس -إحم ..حقيق ًة ّ
سيدي القايضّ ،
55 أسرار حي أول
َ
ضحك القايض يف استخفاف ،وخلع نظارته وأخذ ّ
حيك مقدم رأسه،
وهو يقول:
-هل فقدت عقلك يا عالء؟
اضطرب عالء وأخذت عينه ترمش برسعة مع ضحكات احلضور:
َ
ولكن هذه ستكون سابقة يا حرضة املدّ عي ،كيف ستستدعي يدً ا
ْ -
للشهادة؟
-صحيح هّأنا سابقة لك ّنها سابقة يف صالح القانون ،وروح القانون حت ّتم
علينا االستامع لشهادة اليد.
ثم قال: مرة أخرى ،فطرق القايض بمطرقته ّ
ومط شفتيه ّ ِ
علت اهلمهامت ّ
-فليكن!
توجه إىل املتهم بقوله:
ثم ّّ
الرباط يا بني ،خلصنا ودع اليدَ تقول ما لدهيا!
انزع هذا ّ
ْ -
هنا قبض (عبد اهلل الوموي) بشدّ ة عىل يديه ،وتك ّلم أخ ً
ريا بصوت
ضعيف قال:
-ال داعي لذلك ،سأعرتف باجلريمة ،لقد ..قتلت زوجتي ألين..
تشاجرت معها ،نعم تشاجرت معها ،وكان معي سكني رضبتها به حتى
ماتت.
ثم نظر إىل األرض كأنّه ووجهه يتق ّلص مع ّ
كل كلمةّ ، ُ قال هذه الكلامت
لكن املدّ عي قال يف حبور:
نادم عىل اجلريمة أو نادم عىل االعرتافّ ،
-أرجو تسجيل ذلك االعرتاف سيدي القايض.
ثم قال:
لتوهّ ، قليل ّ
يفكر يف ما سمعه ّ ثم جلس ،فسكت القايض اً
ّ
-أعتقد يا حرضة املدّ عي أنّك تريد استجواب اليد ،وأنّك تتعجب اآلن
فضل املتهم االعرتاف عىل أن تتك ّلم يده باحلقيقة!
ملاذا ّ
57 أسرار حي أول
-أ ّيتها اليد ،هل (عبد اهلل إبراهيم سعد الوموي) بريء؟
نعم بالطبع!
ْ -
مرة تقول
إن هذه اليد ال تصلح للشهادةّ ، -أرأيت سيادة القايض؟ ّ
مرة ّ
تؤكد قوهلا بثقة متناهية. ومرة مل يقتلهاّ ..
وكل ّ قتلهاّ ..
قال القايض:
-وكيف ذلك؟
-يا سيادة القايض يوجد شخصان بنفس االسم (عبد اهلل إبراهيم سعد
الوموي) أحدُ مها قتل زوجته واآلخر مل يفعل!
59 أسرار حي أول
قال (الوموي):
ِ
تسكت فحسب! -ملاذا ِ
قلت هذا يا غبية؟ ملاذا مل
قالت اليدُ ساخرة:
-ليس بيدي!
مرة أخرى ،فطرق القايض بمطرقتِه نافد الصرب..
ضجت قاعة املحكمة ّ
ّ
-الشّ خصان بنفس االسم الرباعي؟
-نعم يا سيدي!
-هل صاحبك هو القاتل أم الربيء؟
حبا شديدً ا.
حيب زوجته ًّ
طبعا يا سيدي ،لقد كان ّ
-هو الربيء ً
بدأ الدّ مع يرتقرق يف عني (الوموي) عند ذكر زوجته ،فأكملت اليد:
هتتم برتتيب البيت ّ
كل يوم، -صحيح هّأنا ال حتسن ال ّتنظيف لك ّنها ّ
زوجا وصحيح أهنا كثري ُة اإلمهال يف ح ّقه لك ّنها كانت تذكر أحيا ًنا ّ
أن هلا ً
لتهتم به ثالثة أيام يف الشّ هر عىل أقىص تقدير ،وصحيح أهنا...ّ
أن قبض (الوموي) يدَ ه بقوة صدرت من ِ
اليد مههامت مكتومة بعد ْ ْ
ليسكتها عن قول املزيد ،وتك ّلم هو:
حبي لزوجتي تتفوه برأهيا الشخيصّ ، -اعذرين أيهّ ا القايض فإهنا يدٌ محقاءّ ،
كان أكرب من أطباق ال جتيد تنظيفها أو انشغال ع ّني أحيا ًنا بأبنائي ،هّإنا قصة
حب قديمة؛ فهي ابنة خايل وأعرفها منذ كانت طفلة. ّ
أسرار حي أول 60
قال القايض:
ّ
وتكف عن إن أردت أن تسكت اليد فعليك أن جتيب عن ّ
كل األسئلة، ْ -
صمتك املعتاد؛ فهل أنت مستعدّ لذلك؟
ثم قال:
أطرق (الوموي) ّ
-نعم ،سأجيب عن أسئلتك.
-إ ًذا ،ما ّ
قصتك أنت و(الوموي) اآلخر؟ وكيف تشابه اسمكام الرباعي؟
ً
منترشا بني السبب بسيط ،وهو أنّه منذ زمن بعيد كان زواج األقارب ّ -
تنزح إىل طنطا قبل والديت بمدّ ة ،فتجد ابن اخلال
عائلة (الوموي) من قبل أن َ
عمته
العم حيمالن لقب (الوموي) ..كان أيب (إبراهيم سعد) وكان ابن ّ وابن ّ
وأعز أصدقائه يدعى (إبراهيم سعد) ً
أيضا ،واالثنان كام ّنوهت مها من عائلة ّ
كل منهام ابنه نفس االسم (عبدأن يسمي ّ وقررا عىل سبيل التندّ ر ْ
(الوموي)ّ ،
اهلل)..
قرر لكن أيب ّ
معا يف شارع (احلكمة) ّ كنت و(عبد اهلل) صديقني نشأنا ً
ُ
السفر للعمل باخلليج ،فانقطعت عالقتي بـ(عبد اهلل) تقري ًبا ،وحتى حينام
واضحا يف صداقتنا ،كانت نظر ُته
ً فتورا
كنت أجد ً كنت أنزل يف اإلجازات ُ
إ ّيل ختتلف عن ذي قبل ،رغم أنيّ كنت أشتاق إليه بادئ األمر ،وأو ّد أن نعود
لكن ذلك الفتور باعد بيني وبينه عا ًما بعد عام.
صديقنيّ ،
وتعرفت عىل بعض األصحاب يف مدرستي الذين كانوا
درست باخلليج ّ
ُ
يرتادون املساجد لدروس العلم الشرّ عي ،فذهبت معهم وأحببت العلوم
فقررت دراستها يف الكلية.
وتفوقت فيهاّ ،
الرشعية ّ
61 أسرار حي أول
ٍ
أرض يف شارع قرر أيب العودة إىل مرص ،كان قد اشرتى قطعة
حينام ّ
واسعا من عدّ ة أدوار ،سكناه وبدأت
ً (حسان بن ثابت) وبنى عليها بي ًتا لنا
أخطب يف املسجد وأع ّلم الناس القرآن ..بينام كانت تصلني ُ َ
العمل بالدعوة
ٍ
لعصابة انضم
ّ ً
مسلكا خمتل ًفا متا ًما ،فقد األخبار عن (عبد اهلل) اآلخر أنّه اتخّ ذ
املواد املخدرة ويصاحب
تدرج يف انحرافه معهم إىل أن صار يبيع َّ
يف مثل عمره ّ
البلطجية.
انقطعت عالقتنا متا ًما ،إىل أن قامت ثورة يناير واشتدّ ت املواجهات بني
ْ
الشعب والبلطجية ،كانوا هيامجوننا يف الشّ وارع بالسيوف واألسلحة البيضاء
أشخاص معروفني ليس من مصلحتهم نجاح ٍ جتمع بأوامر من
كل ّ يف ّ
الثورة.
هياجا
ً ري يف شارع سعيد عائدً ا إىل بيتي ،وجدت
وذات يوم ،كنت أس ُ
وفر يف مواجهة مع البلطجية ،فجريت معهم خو ًفا
كر ّ والناس يف الشّ ارع بني ٍّ
وجريت يف أحد الشوارع اجلانبية ،وجدت الناس يدخلون بناي ًة
ُ من اإلصابة
وبمجرد إغالق الباب خلفنا عرفنا أنّا قد وقعنا يف ّ
فخ؛ فقد ّ فدخلت معهم
شخصا ،وبدأ البلطجية يرضبون
ً حورصنا داخل البناية وك ّنا أكثر من ثالثني
الباب من اخلارج ،ونحن يف فز ٍغ ،وبعضنا يبكي..
(هيا بنا إىل السطح) فصعد اجلميع برسعة ،ومكثت مع رجلني
قال رجل ّ
فتح الباب قدر اإلمكان حتى
نؤخر َ
وفتاة صغرية شجاعة يف املرحلة الثانوية ّ
يصعد اآلخرون إىل السطح ،كان البلطجية يدخلون سيوفهم بني فتحات
أسرار حي أول 62
أن ماتت زوجتي باملرض ،وبعدها بيومني مرة أخرى إىل ْ ومل أره ِمن حينها ّ
قتل (عبد اهلل) زوجته ..قيل يل إنّه كان يف ليلة ُس ْكر وخمدّ رات تشاجر فيها مع
وعيه أشار عليه زوجته فأخرج سكينَه وطعنها إىل ْ
أن ماتت ،وحني أفاق من ْ
لكن ساعدهبعض أصحابه أن يلصقها يب ..ال أدري كيف تالعب باألوراق ْ
اسمينا ووفاة زوجتي يف ٍ
وقت مقارب ..وأتاين وهدّ دين يف ْ عىل ذلك تشابه
بيتي إن نطقت كلم ًة عماّ حدث بال ّتعذيب إىل املوت.
63 أسرار حي أول
لك ّني مل َ
أخش ال ّتهديد بقدر ما شعرت أنيّ أنال جزائي لسكويت عنه ّأول
مرة حينام قتل تلك الفتاة الربيئة!
ّ
-لك ّنك قد ُب ْحت بالكثري بالفعل كأنّك ال تبايل!
-نعم ،لقد كانت يدي ستخربكم ّ
كل ما قلته بأ ّية حال ،أظ ّنني لن أنجو
لكن
من اهلالك إ ّما عىل أيديكم أو عىل يد (عبد اهلل الوموي) وأتباعهّ ،
ضمريي قد ارتاح.
صحة أن ّ
تتأكد النيابة من ّ -ال تقلق يا بني ،سنحميك جيدً ا ،لكن بعد ْ
املعلومات التي أدليت هبا.
والتفت إىل املدّ عي:
َ
-هل لديك سؤال آخر للمتهم أو الشاهد؟
-ال يا سيدي.
-إ ًذاُ ..رفعت اجللسة.
أسرار حي أول 64
(عم جورجي)
معطشة تعني مرح ًبا(جمَ َ ْر ُجو َبا) اجليم األوىل مرصية واجليم الثانية ّ
أحب أن أقدّ م نفيس حماولاً أن أبدو
بلغتي ..أنا جورجي من جورجيا ،هكذا ّ
سمجا ..ر ّبام لثقل لساين العريب.
ً ظري ًفا شيئًا ما ،أعرف أنيّ رغم ذلك أبدو
عمري مخسة وس ّتون ،أعيش يف مرص منذ أربعني عا ًما ،والسبب؟ السبب ّ
أن
فهم يريدوهنا بجانبهم
هذا كان رشط أهل (كرستينا) ليقبلوا زواجي منهاُ ،
يف طنطا كي يطمئ ّنوا عليها.
تعرفت عليها يف روسيا قبل ذلك بسنتني ،حيث كانت يف زيارة
كنت قد ّ
أدرس هناك ،وأحببتها بل ُت ّيمت هبا ،لذلك مل أتر ّدد يف قبول
ُ سياحية وكنت
وأن الشّ به بني مرص وجورجيا ٌ
كبري فكلتامها بلدٌ خاصة ّّ ذلك الرشط،
للسياح وكال الشّ عبني ً
أيضا متد ّين بطبعه حمب ّ سياحية عريقة ،وكال الشّ عبني ّ
ّ
أقفإن مررت من أمام كنيسة أن َ تدينًا ظاهر ًّيا عىل األغلب ،فعندنا ال بدّ ْ
كل كنيسةكنائس ُمتتالية أصليّ أمام ّ
َ مررت أمام ثالث
ُ وأصيل بيدي ،ولو
الركبة،
وسرتت ما فوق ّ
ْ غطت شعرها عىل حدة ،وإذا دخلت املرأة الكنيسة ّ
فإذا خرجت عادت سريتهَ ا األوىل ،لكن يف ال ّتطبيق العميل للدين فك ّلنا يف
اهلوى سواء.
كذلك مع األسف نتشابه يف ظاهرة ال ّتسول ،ولست أعني الفقر ،فالفقر
التسول
ّ لكن أعني هؤالء الذين حيرتفون
كل مكان؛ ْ ليس عي ًبا وهو موجود يف ّ
65 أسرار حي أول
ولو كانوا يمتلكون العقارات ،مل أصدّ ق حني وجدت هذا يف مرص ً
أيضا..
عجيب!
أيضا حينام وجدت املرص ّيني يقولون ّ
إن مرص مقربة الغزاة؛ فإنّنا تعجبت ًّ
أن (جورجيا) مقربة الغزاة نفس اليشء عن (جورجيا) ،وإن كنت أرى ّ نقول َ
أن الغزاة جاءوا وأكلوا ورشبوا ومرحوا وعاشوا حيا ًة مديدةّ ،
ثم بمعنى ّ
ماتوا فكانت مقربة هلم ،ال أدري عن مرص.
عدم وجود جليد ،الربودة قارصة يف شتاء
يميز مرص عن جورجيا ُ لكن ممّا ّ
ْ
أحببت مرص واحليا َة فيها مع (كرستينا) حتى تو ّفيت برسطان
ُ (تبلييس)،
تكن هناك فرصة
متأخ ًرا ،مل ْ َ
املرض ّ البنكرياس منذ عرشين عا ًما ،اكتشفنا
طويل ..لك ّني عانيت.اً للعالج فلم ِ
تعان
سهل ،وعوديت إىل جورجيا ليست مطروح ًة للنقاش ،فأنا رحي ُلها مل يكن اً
قررت املكث هنا ..كنت أريد أن أبقى يف طنطا بالقرب من (كرستينا)؛ لذلك ّ
أن بدأت هي تزورين ..نعم ال داعي للعجب فأنا ربها ّ
كل أحد ،إىل ْ أزور ق َ
أعلم جيدً ا أهنا ماتت لكن روحها صارت تزورين وتك ّلمني ،ربام يكون هذا ُ
بسبب ال ّنبيذ الذي أرشبه ،لكني جورجي ،واجلورجي ال يسكر بسهولة؛ فأنا
رصت أسمع ُ طفل عىل مائدة ّ
الطعام مع أيب وأ ّمي، أرشب ال ّنبيذ منذ كنت اً
صوتهَ ا وال أراها ،وبالطبع ال يسمع صوهتا غريي ،لك ّني ال أبايل أنا ٌ
شيخ
الطبيعي أن يقول من يراين أحدث نفيس يف الشّ ارع إنيّ جمنون، ومن ّكبريِ ،
أن يدعوافهم لن يستطيعوا انتزاعها م ّني إ ًذا ،فالناس يكرهون ْ
وهذا يرحيني ُ
لك شيئًا طي ًبا ولو فكرة يف خيالك.
أسرار حي أول 66
إن كان هذاألن حالتي النفسية صارت رائعةْ ، تتحسن ّّ بدأت حيايت
إن األمحق فقط هو كنت أقول لـ(كرستينا) ّ جنو ًنا فهنيئًا للمجانني ،طاملا ُ
فاملجنون يعيش يف ملكوته اخلاص ،وربام يكون ُ املجنون،
َمن يشفق عىل ْ
أسعدَ أهل األرض ونحن ال ندري ،ولك ّني كام قال (سلفادور دايل) ذات
أترصف
ّ مرة "الفرق بيني وبني املجنون أنّني لست جمنو ًنا" ،نعم صحيح أنيّ ّ
أحيا ًنا كاملجانني ،لك ّني أعي ذلك جيدً ا!
أختيل شكل (كرستينا) وهي تتك ّلم ،وهي تضحك، مع الوقت ،بدأت ّ
كاألم لطفلها قبل أن ينام ،رغم هّأنا مل تكن تفعل ذلك قبل
ّ وهي تغني يل اً
ليل
عانيت من الوحدة املطلقة يف
ُ أنجب منها؛ لذلك
ْ موهتا ،من سوء ّ
احلظ أنيّ مل
أذكرهم بحزهنم عليها.هذا البلد ،وأقرباؤها ال يريدون رؤيتي ألين ّ
تشبه متثال (أم اجلورجيني )Mother Georgia كانت (كرستينا) يف خيايل ُ
املوجود يف تبلييس عاصمة بلدي ،وهو متثال من األملونيوم طوله عرشون
زي أهل البلد ،ومتسك يف إحدى يدهيا وعا ًء رتا عىل هيئة امرأة تلبس ّ م ً
ريا عن الكرم مع الضيوف ،ويف اليد األخرى متسك سي ًفا ضخماً للنبيذ تعب ً
املموج وشامة لألعداء ..وهكذا صارت كرستينا بالنسبة إ ّيل ،بشعرها ّ
البني ّ
عىل وجنتها اليمنى ،تعطي ابتسامتها قوة وأما ًنا ملَن تبتسم له.
ثم أعود إىل بيتي فتعودمكان تأيت معي (كرستينا) تؤنسنيّ ، ٍ ك ّلام أذهب إىل
األول، بناية قديمة يف شارع البحر بالقرب من (صيدناوي) يف الطابق ّ معي يف ٍ
كل ليلة إىل الفجر ،وال أنام إلاّ حني يغلبني النعاس.
نتسامر يف الشرّ فة ّ
ملّا شاهدت معها يف ال ّتلفاز أخبار ال ّنيزك فزعت ،لك ّنها طمأنتني وقالت
املرة فقط كنت قل ًقا اً
فعل ،هل هّإنا ستحميني كام تفعل دائماً ،لك ّني يف تلك ّ
67 أسرار حي أول
ّ
قل حبي لك يا (كرستينا) ،أم أنيّ مل أرشب ما يكفي من النبيذ؟ إنيّ خائف يا
(كرستينا) ال تغضبي م ّني!
لكن (كرستينا) مل تغضب م ّني ،بل أخذت تغ ّني يل بصوهتا الدافئ أغنية
ّ
جورجية قديمة كانت تغ ّنيها يل أ ّميّ ،
بالطبع ّ
فإن (كرستينا) احلقيقية مل تكن
تعرف تلك األغنية.
ال بأس ّ
بكل ذلك ال بأس ،تظ ّنونني جمنو ًنا ّ
يتخيل األشياء ،إممم ..نعم
ظننت أنيّ جمنون ،لكن..
ُ الظن ،وأنا نفيس
أعرتف بأنيّ ساعدتكم عىل هذا ّ
بم تفسرّ ون إ ًذا ما حدث بعد اصطدام ال ّنيزك؟ أولاً لقد َصدَ قت
لكن َ
محت مجيعا رغم ّ
كل ال ّتوقعات العاملية ،ومحتني؛ بل ْ (كرستينا) كام رأيتم ً
كوكب األرض بأكمله من ّ
رش النيزك!
وجيزة من االصطدام يف ٍ
ليلة باردة ،كنت ٍ األهم :بعد مدّ ة
ّ ثان ًيا وهذا هو
أجلس معها يف الشرّ فة ،ورأينا شا ًّبا يشبه مدْ مني املخدرات جيلس قري ًبا م ّنا
ثم جرى ُمرتع ًبا بشكلٍ
حي ثان يقرأ كتا ًبا ما ،وفجأة بدأ يضطرب ّ عىل حا ّفة ّ
تتحركان برسعة، ّ غريب ،ضحكت م ْنه وأنا أك ّلم كرستينا فوجدت عينيها
خفت منها؛ فهي ملُ وصوهتا يتحرشج وحتدث حركات غريبة كاملخابيل،
بدأت ختيلها كانت دائماً كام ّ
أحب وأمت ّنى فقط ال تأيت تفعل هذا أبدً ا معي مذ ُ
أي كلمة ،ورفعت
قامت من دون ّ
ثم ْ ترصفات شا ّذة كهذه ،لكنها هدأت ّ
بأ ّية ّ
تسمرت مكاين، األطباق الفارغة ِمن عىل املنضدة ،وذهبت هبا إىل ْ
املطبخ ،هنا ّ
ٍ
لشخص خيايل أن يفعل أشياء ماد ّية؟ ما هذا؟ كيف يمكن
أسرار حي أول 68
جئت إىل هنا؟ َمن أنت يا رجل؟ هل هذا مقلب َ -من هذه؟ اً
مهل كيف ُ
آخر من إخويت؟
قالت بضيق:
-قلت لك إنيّ لست (كرستينا) تلك ،لقد خرجت إىل الشارع أحاول
تتبعني وهو يلقي نكا ًتا سمجة َ
حدث يل ،فرآين رجل أمحقّ ، أن أعرف ماذا
فالتفت إليه بغضب ،وأمسكت
ّ ّ
ويتهكم عىل مالبيس، ويقول كلامت قبيحة
أسرار حي أول 70
ثم مل
ثم أخرجت سيفي وطعن ُته بهّ ،
وسبب ُتهّ ،
ْ عنقه ورفعته عال ًيا عن األرض،
فاضطررت للمجيء إىل هنا.
ُ أد ِر أين أذهب وأنا يف هذا اجلسد قد ُحبست،
َ
والسيف من أث ِر الدماء وأنا أرتعد من قامت إىل املطبخ تغسل يدهيا
غضب مكتوم ،وقالت وهي ٌ نظرت إ ّيل وقد بدا عىل مالحمها
ْ ثم
اخلوفّ ،
ّ
تصك أسناهنا:
مرة أخرى حتى ال ُأحلقك به. -فال ْ
تقل يل (كرستينا) ّ
ّ
وأفكر يف طريقة قررت أن أصمت
هذه ليست (كرستينا) بال ّتأكيدّ ..
مرة أخرى ٍ
ساعات طويلة حتى خرجت ّ للتخ ّلص من هذا املأزق ،فانتظرت
أهم أشيائي يف حقيبتي ،وأخذت وثيق َة سفري وهربت
من البيت ..وضعت ّ
ماتت منذ عرشين
ْ من املنزل ..أنا (جورجي) من جورجيا و(كرستينا) قد
سنة ،ولن تستفيد شيئًا من مكثي بجوارها يف مرص ،حان الوقت ألعود إىل
أحب مرص بال ّتأكيد ،لكن موضوع العفاريت هذا
ّ مرة أخرى ،إين
بلدي ّ
يعني..
71 أسرار حي أول
(مبسوط)
-اسمك مبسوطة؟
-مبسوط يا (حسام) باشا ،مبسوط الشبح.
-هل أنت مسرتجلة يا امرأة؟
لكن يديه اغتاظ مبسوط ،و ّد لو يبطش بذلك ّ
الضابط ويسحقه بني يديهّ ،
مكبلتان باألصفاد ..فكتم َ
غيظه بصعوبة وقال بصوته الغليظ:
-أنا رجل يا باشا ولست امرأة.
ٍ
علبة ملقاة بإمهال عىل الضابط العرشيني سيجار ًة رخيصة من أشعل ّ
بنية الشعر ،عىل مكتبه ،وأخذ يتأ ّمل تلك املرأة التي أمامه ،سمراء البرشة ّ
للتو من
كأنا خرجت ّ مالبس عجيبة هّ
َ ٌ
شامة جريئة ،ترتدي وجنتها اليمنى
ُ
احلوادث الغريبة ٍ
ملكة رومانية قديمة ..كانت تأتيه عرض مرسحي يف دور
لكن ما أثار سخطه ح ًّقا هّأنم
من بعد اصطدام ال ّنيزك ،ومل تكن هذه أعجبهاْ ،
كأنا خارقة للطبيعة ،لك ّنهري من القضايا التي تبدو هّريا لكث ٍ
ال جيدون تفس ً
وأن ال وجود للخوارق ها هنا.أن هذا غري صحيحْ ، يعرف ّ
-فسرّ يل إ ًذا ما ُ
سبب هيئتك هذه؟
تعرفت
اجلن من ْنوعي عىل الفجوة األرضية يو ًما بعد يومّ ،
بدأ يتوافد ّ
مرة يف حيايت ،مل أبحث عن عىل الكثري منهم ،وبدأ األمر يسري جيدً ا ّ
ألول ّ
هبم بعد ما حدث وما فعلوه معي ..واستطعت ال ّتواصل
أهتم ْ
إخويت ومل ّ
َ
حدث يل يف الفرتة املاضية ريا مع خطيبتي الغاضبة م ّني ،ورشحت هلا ماأخ ً
ٍ
موعد جديد للزواج ،ومل أعبأ بدعوة عائلتي تلك ريا واتّفقنا عىل
فتفهمت أخ ً
ّ
املرة.
ّ
رجل جيلس عىل أرض شارعوجدت اً
ُ وبينام أميش سعيدً ا يف تلك اخلالة
صحيح
ٌ قررت أن أل ّقنه ً
درسا؛ البحر و ِر ْجاله تتد ّليان يف الفجوة ..يا جلرأته! ّ
اقرتبت منه ..رأيت برشته
ُ أين مل أفزع البرش منذ ٍ
زمن بعيد ،لك ّنها متعة أفتقدُ ها
البنية حتت اإلضاءة اخلافتة ،ووجهه امليلء باحلبوب وحلية قصرية حمدّ دة ،كأنّام
وينظر حوله كأنّه ينتظر
ُ خطها عىل وجهه بقلمه ،كان يمسك كتا ًباطفل قد ٌّ
أختبط يفحدث فجأة وجدتني ّ َ لكن شيئًا غري ًبا قد
فهممت بإخافته ّ
ُ شيئًا ما،
أن ذلك األمحق كان يقرأ تعويذ ًة أ ّثرت عيل، املكان ال أدري ما حيدث ،يبدو ّ
َ
وسقط م ْنه ُ
الرجل قوة غريبة جتذبني وتدفعني ،زجمرت ففزع كانت هناك ّ
جيلس
ُ ً
عجوزا أختبط وجدت اً
رجل الكتاب وقام جيري ،خرجت من اخلالة ّ
دفعا تطل عىل شارع البحر ويك ّلم الفراغ ،فدفعتني تلك ّ
القوة ً ٍ
رشفة ّ يف
جتسدت أمامه يف صورة هذه املرأة التي تراين يف هيئتها.
جتاهه ،وفجأة ّ
يف البدءّ ،
كأن عقيل مل يكن معي ،وجدتني أقوم بتلقائية ألرفع األطباق
املوضوعة عىل املنضدة وأغسلها يف املطبخ ،كأنيّ أسكن هذا البيت منذ زمن،
الرجل شيئًا غري ًبا؛ قال إنيّ من صنع خياله ،واسمي (كرستينا)،
حتى قال يل ّ
75 أسرار حي أول
قديمة ال يعرف أخي كيف يرفعها ع ّني ،لك ّنه قبل أن ينرصف رآكم وأنتم
لكن جسدي البرشي كان أضعف بالطبعّ ، متسكون يب ،حاولت أن أقاومكم ّ
ممّا يعتمد عليه.
حريق بدأت تدخل من حتت الباب ،فنظر الضابط إىل ٍ ُ
رائحة كانت
متوج ًها نحو
ّ يبتسم وهو ُ
يقف هبدوء ُ خاصة حينام رآهّ (مبسوط) بقلق،
ِ
خلت الغرفة ممّن عدامها بعد انرصاف العسكري. الباب ،وقد
الضجة التي تسمعها باخلارج بسبب جميء ّ -لذلك يا باشا؛ ّ
فإن تلك
ّ
سنظل إخويت ،صحيح هّأنم يسخرون م ّني دو ًما ،لكن يبدو أنّنا يف واقع األمر
عائلة واحدة.
قال ّ
الضابط مضطر ًبا:
-أنت تكذب ،فقد قلت بنفسك ّ
إن اجلن يدخلون من األبواب املفتوحة
والباب مغلق!
ُ فقط ،فكيف سيدخلون هنا
ّ
األقل طاملا أنا -صحيح هّإنم ال يستطيعون فتح الباب لك ّني أستطيع عىل
اسمح يل أن أفتح الباب ،ونصيحة م ّني ..اقفز
ْ ِ
اجلسد البرشي ،لذلك يف هذا
حيب احلرائق ،ورائحة
فإن أخي (زوبعة) ّ من النافذة حتى لو كرست رج ُلك ّ
تدل عىل أنّه لن يرتك قسم الرشطة إلاّ رما ًدا.
الدخان املتصاعدة ّ
أسرار حي أول 78
(إبراهيم القرشي)
يغلب إبراهيم القريش ،أقول لك هذا عن ثقة ..أرأيت ذلك
ُ -ال أحد
الضابط وما حدث له؟ َمن كان ليصدّ ق ذلك؟
صحيح أنيّ لست كأخي الدكتور ،وال كام كان يريد أيب ،وال ما مت ّنته يل
استطعت السيطرة يف طريق انحرايف.
ُ أ ّمي ،لك ّنني
خرجت بعد انتهاء مدّ ة عقوبتي هائماً عىل وجهي ال يشء صار مثلام كان..
ُ
كل زبائني الذي كنت أبيعهم ما يريدون من بضاعة؛ باعوين شبكتي اهنارتّ ،
حي
ربيب احلبس ..آه من غدْ ر األصحاب ،حتى أرض ّ ملّا عرفوا أنيّ رصت َ
حلي ثان! أال يوجد يشء ثابت يف هذه الدنيا!؟
ّأول صارت سام ًء ّ
إن االنتقام من ضابط كان مزحة ،فامذا بيدي أن أفعل؟ هل يف احلقيقةّ ،
مرة أخرى ،لذلك لتوي من السجن وال أريد العودة ّ أقتله؟ لقد خرجت ّ
نسيت عىل
ُ بمجرد أن استنشقت اهلوا َء البارد ال ّنظيف خارج سجن طنطا ّ
رأيت الكتاب ..تعرف كيف الفور ..متشّ يت إىل حمطة القطار سعيدً ا ،وهناك ُ
السفيل" نسخة قديمة "اجلن ّ
ّ ينترش باعة الكتب يف تلك املنطقة ،كان بعنوان
فقلت لنفيس ر ّبام أجد
ُ متهرئة تص ّفحتها وجدت بعض ال ّتعويذات املكتوبة؛ ّ
ِ
فيها شيئًا لالنتقام من الضابط الذي باعني؛ فاشرتي ُتها بخمسة جنيهات
قلت للبائع (أعطني كتاب ال ّتعاويذ) فقال بسخرية: آخر ما جيبيُ .. كانت َ
حقيقيا عن حتضري اجلن).
ًّ (إنا رواية وليست كتا ًباهّ
الروايات ً
أيضا تعتمد عىل حقائق! -وما الفارق؟ ّ
وقفزت إىل صفحات التعاويذ ،قال الكاتب يف ُ بنه ٍم شديد،
القصة َ
قرأت ّ ُ
تعمدت كتابتها كام هي ألنيّ (إن ّ
كل التعاويذ املذكورة حقيقية ،وإنّام ّ اهلامش ّ
يستطيع قراءهتا عىل ال ّنحو الصحيح ،فال خوف من ذكرها، َ أعلم ّ
أن أحدً ا لن
أي تعويذة) ..النطق إ ًذا هو املشكلة.فبدون ال ّنطق الصحيح لن تعمل ّ
اجلن الذي ٍ
خالء الستدعاء ّ كانت ال ّتعويذة تتط ّلب تالوهتا عند أرض
حي ثان حني
السامء يف ّ
يسكنها فخطر ببايل احلفرة الكبرية التي رأي ُتها يف ّ
أسرار حي أول 82
عربت
ُ حي ّأول الطائر؛ لذلك خرجت من السجن ،والتي هي مكان ّ
حي ثان ،ومتشّ يت إليها ..مل أد ِر أين أجلس حتديدً ا ،كان شارعاألنابيب إىل ّ
الرئيس كام كان يف السابق ،متشّ يت حتى فارغا تقري ًبا فلم ِ
يعد الشّ ارع ّ البحر ً
عجوزا جيلس يف رشفة أحد املنازل يك ّلم نفسه ،قلت لعليّ أجلس قري ًبا
ً رأيت
أستأنس بوجوده حتى إذا خرج ج ّني اً
فعل ال أكون وحدي متا ًما. ُ منه
فشعرت بقشعريرة ،يبدو أنّني ال زلت أخاف
ُ جلست عىل شفا احلفرة
ُ
الكتاب وبدأت أقرأ ال ّتعويذة فلم حيدث يشء ،بدأت أغيرّ
َ الظالم ،فتحت
فجربتفمرة ..وال يشء حيدث ،شعرت باخليبة ّ مرة ّالشّ كل وطريقة النطق ّ
ِ
كنفحة هواء قوية، اجلو
شعرت بيشء يف ّ
ُ ثم
وأضم وأكرسّ ،
ّ أفتح
مرة أخرية؛ ُّ
فقمت عىل الفور أجري بأقىصُ الرعب،ثم سمعت زجمرة غاضبة فتملكني ّ ّ
ٍ
رسعة وقد سقط م ّني الكتاب امللعون يف احلفرةًّ ..تبا لذلك الكاتب ،أكان
جيب أن ينقل ال ّتعويذة احلقيقية؟!
حريق بقسم ٍ ولكن ..سمعت بعدَ ذلك عن ْ ال ّليايل التالية كانت مرعب ًة
منظرا خمي ًفا مل ْ
يكن حري ًقا عاد ًّيا ً ذهبت ألرى بنفيس ..كان ُ رشطة حي ثان،
بالتأكيد لقد كان ِمن عمل الشياطني ،والذي ّأكد يل هذا أنيّ رأيت ذلك
حول القسم يف مالبس املرشّ دين، َ الضابط الذي أردت االنتقام م ْنه حيوم ّ
ويصيح (ابعدْ ع ّني يا مبسوط ،ال تقرب يل يا زوبعة).
83 أسرار حي أول
(الكاتب ّ
الشهير) ُ
الكاتب املخرضم (أمحد إسامعيل) جييب أسئل َة احلضور يف املؤمتر
ُ جلس
الصحفي بأسلوبه ال ّلطيف ورسعة بدهيته ،جتاعيد وج ِهه الطولية يف وجنتيه ّ
كل كلمة ينطقها ،ووجهه األمحر والعرضية يف جبهته تتق ّلص وتنفرج مع ّ
ّ
ٌّ
ريايض هو كام يبدو عىل جسده ر ّبام يامرس اجلري والسباحة توه ًجا،
يزداد ّ
ونظارته العريضة تربز من شعره نائم إىل اليسارّ ،
لكي يبقي ذهنَه صاف ًياُ ،
فوق أنفه.
كانت رواي ُته األخرية التي نرشها منذ عام أو يزيد ال تلقى اهتام ًما إلاّ من
كعادة كتبه ..لطاملا سخط من عدم اهتامم ِ قرائه الشباب واملراهقني طائفة ّ
نوعا مهماًّ من األدب،كأنم ال يرونه عىل اإلطالق ،رغم أنّه يكتب ً ال ّنقاد به هّ
لكن األدباء لطاملا انشغلوا بام
وهو أدب اخليال العلمي وأدب الفانتازياّ ،
يب
يعدّ ونه أدب (الكبار) أو األدب (العميق) احلائز عىل اجلوائز القادمة من د ّ
مجهور عريض يغنيه
ٌ لكن (أمحد إسامعيل) كان له
ذوات آالف الدوالراتّ ،
عن مثل هذا.
إ ًذا ،فام ّ
رس االهتامم املفاجئ به اآلن؟ ملاذا جيلس أمامه ّ
كل هؤالء ال ّنقاد
إن عنوان روايته السابقة والصحافيون فجأة؟ ستعرف اإلجابة حني أقول لك ّ ّ
بكل يشء حي أول)! هل يبدو لك هذا مألو ًفا؟ نعم إنّه قد ّ
تنبأ ّ كان (انقالب ّ
قبل أن حيدث بعا ٍم كامل! قبل أن يرى العلامء ال ّنيزك بل ر ّبام قبل أن يعرف
قادم إىل األرض!! فكيف عرف؟! النيزك نفسه أنّه ٌ
أسرار حي أول 84
بعد أن بدّ ل مالبسه شغّ ل حاسوبه وفتح بريدَ ه اإللكرتوين ليتأ ّمل الرسالة
مرة أخرى ..رسالة قد أتته قبل ال ّنيزك بعام ونصف ،يقول كاتبها إنّه أرسلها
ّ
إليه من املايض!
ال مشكلة ،ر ّبام مزحة من أحد ا ُملعجبني ،تأتيه رسائل كثرية كهذه بني
يتخيلون أنفسهم شخصيات خيالية ..واحلقيقة ّ
أن احلني واحلني ،أشخاص ّ
مصدر إهلام يف كث ٍ
ري من األحيان لكتاباته. َ ألنا تكون
هذه الرسائل تعج ُبه هّ
كانت الرسالة تقول:
"الكاتب الكبري /أمحد إسامعيل
قرائك بالطبع،
أعرفك بنفيس ،أنا (عمرو هاين) ُمربمج كمبيوتر ،وأحد ّ
ّ
أمت ّنى أن تتعامل مع رسالتي عىل حممل اجلدّ ..
أسرار حي أول 86
ُ
سأحتفظ باخلادم يعمل حلسايب واجهتني مشكلتان؛ األوىل هي كيف
طوال هذه املدّ ة ،والثانية هي أنيّ ال بدّ أن أكتب الربنامج اً
كامل يف يوم واحد؟
السابق ملا كتبت ،وهذا يعني
ونمت استيقظت يف اليوم ّ
ُ ألنيّ ك ّلام ُ
كتبت شيئًا
كل ما كتبت ْ
كأن مل يكن! أن ّ ّ
(عمرو هاني)
ُ
خالصة عم ٍر طويل إخويت ،أنصتوا إ ّيل من فضلكم؛ فام سأقوله اآلن هو
خربة وحكمة ..أعلم أنّكم تنظرون إ ّيل كأمحق قصري القامة ّ
لكن حيايت أكرب
من ذلك بكث ٍ
ري ..صدّ قوين.
األمر منذ رضب ذلك ال ّنيزك مدينة طنطا ،لقد رأيت ّ
كل يشء انقلب ُ بدأ
السامء كطبق بيض (أوملت) يطري من فوق طاسة أ ّمي يف حي ّأول إىل ّ ّ
استقر يف السامء بمعجزة
ّ مرة أخرى إىل الطاسة؛ بل
املطبخ ،غري أنّه مل يعدْ ّ
كل يشء وهو حيدث ،رأيت الناس ترتعب يف البيوت ،ورأيت فريدة ..رأيت ّ
النباتات متوت لعدم وصول الشمس إليها ،ورأيت كال ًبا ماتت ملّا ض ّلت عن
أصحاهبا ،وسيارة يابانية كنت قد صدمتها من قبل عن طريق اخلطأ ،رأيتها
حي ّأول إىل حي ثان ،ومات َمن فيها ،رأيت أشياء كثرية.
وقد وقعت من ّ
ٍ
بتجربة مل أخرب أحدً ا هبا ،أال وهي ّ
السباحة ثم اتخّ ذت ذلك القرار الغبي
ّ
حي ّأول وجاذبية حي ثان ،حسبت ّ
كل يشء اجلاذبيتني جاذبية ّ
ّ يف اهلواء بني
هتربت من حراسة أنابيب املواصالت وتس ّلقت األنابيب جيدً ا ،ويف ليلة ّ
وصلت إىل ارتفا ٍع معينّ يف
ُ متحم اًل برودة اجلو ،ومعي حبايل وأدوايت حتى
ّ
ٌ
مربوط باحلبل شديد بدأت ُ
أترك نفيس وأنا ٍ منتصف املسافة متا ًما ،وببطء
وقد كان ما كنت أتو ّقع ..لقد كانت منطقة انعدام جاذبية كأنيّ يف الفضاء،
أسرار حي أول 90
ّ
اختل مكاين؟! أشعر بدُ وار ،هل
ُ ال وزن يل أبدً ا ،متعة رائعة ،لك ّني بدأت
وحي ثان يتقاسامن ّخميّ ،
كل منهام جيذب أحدَ ّ حي ّأول أشعر بصداع ّ
كأن ّ
ِ
أنبوب املواصالت نصفي ّخمي إليه وجسدي كذلك ،حاولت ّ
الرجوع إىل
الصداع يشتدّ ح ّتى شعرت مل أستطع ،حاولت التع ّلق باحلبل مل أقدرّ ،
ظل ّ
ثم ال يشء.
برأيس ينفجرّ ..
كل ذكريات حيايتّ ..
كل استعدت فيها ّ
ُ ٍ
غيبوبة عميقة كأنيّ دخلت يف
وتذكرت أيب الذي توفيّ
ّ قرارايت اخلاطئة؛ رأيت أ ّمي التي ماتت منذ سنني،
ثم خرج
وقبلني ّ
بعد والديت بقليل ،كانت أ ّمي تقول إنّه رآين ومحلني عىل يده ّ
فامت عىل الفورّ ،
تذكرت ذنو ًبا أرسفت فيها من املستشفى فصدم ْته سيارة َ
ري من األشياء التي كانت دفينة ضيعتها يف كال ٍم فارغّ ..
تذكرت الكث َ ٍ
وأوقات ّ
عقيل منذ ٍ
أمد بعيد ،وبعد أن رأيت ّ
كل يشء استيقظت.
استيقظت يف بيتي ّ
كأن شيئًا مل حيدث ..ما هذا؟ كيف وصلت إىل هنا؟ يا ُ
كدت أفقد عقيل،
عدت إىل اليوم السابقُ ،ُ إخويت لقد حصلت معجز ٌة ،لقد
هل كنت أحلم؟ ر ّبام ..نعم بالتأكيد كان هذا حلماً ،لك ّنه حلم سخيف عىل
أ ّية حال ،وميلء بالتفاصيل الدقيقة بشكلٍ بشع ،أكره مثل هذه األحالم
املليئة بالتفاصيل ،إ ًذا سأقوم ال ّليلة بعمل جتربة ّ
السباحة يف اهلواء؟ برصاحة..
بالسهرة يف
انقبض قلبي من الفكرة بعد ما رأي ُته يف احللم؛ لذلك اكتفيت ّ
ثم نمت.
بيتي ّ
91 أسرار حي أول
أعود
ُ املرة أنّه مل يكن حلماً ؛ إنّني يا سادة وحني استيقظت ّ
تأكدت تلك ّ
بالزمن إىل الوراء! ال تسألني كيف؟! إنّني أعود وحسب ،ال بدّ ّ
أن هذا
بسبب النيزك لكن ال ّنيزك حدث وانتهى ومل أتأ ّثر حينها! إ ًذا ،فهي عىل
رواد الفضاء طاملا سبحوا يف ما لكن ّ ُ
منطقة انعدام اجلاذبية تلكّ .. األغلب
ونحن ال نعرف! كيف
ُ أي يشء ،أو ر ّبام حدث هلم
هو مثلها ومل حيدث هلم ّ
ستعرف ْ
إن عاد املرء إىل املايض؟ أين ستقابله وأنت يف مستقبله؟
مرسعا يف
ً وانطلقت
ُ الصدمة
نزلت ألرى موضع ّ ُ أو نحو ذلك ،ولعجلتي
مشواري ،وكنت أنوي بالفعل أن أعو َد لك ّني نسيت متا ًما ،لذلك اتخّ ذت
لن حيدث هبا
فمن يدري ..ر ّبام لو مل أصدمها ْ
املرة ومل أصدمهاَ ،
حذري هذه ّ
تسبب يف سقوطها فيام بعد ..إن كان اً
عطل. العطل الذي ّ
الشاب الذي صارت له قوى خارقة بعد ال ّنيزك ،رغم
ّ هناك ً
أيضا ذلك
تافه يف احلقيقة ،فقد كنت أعرفه قبل ذلك معرف ًة طفيفة ،وقد
أنّه شخص ٌ
التدخل فضرُ ب رض ًبا
ّ رأيته يف ِشجار قبل انْقالب ّ
حي ّأول وهو حياول
أي دو ٍر يف الشّ جار سوى ّ
ذل النفس، عني ًفا وسقط عىل األرض ،مل ْ
يكن له ّ
للمرة الثانية أشغل ُته بكالم جانبي وشدّ
مررت عىل ذلك الشجار ّ
ُ لذلك حني
تعجبه ّ
ألن معرفتنا سطحية ،وأراد أن يشارك يف الشّ جار وجذب ممّا أثار ّ
األمر
ُ املتشاجرين تصاحلا فلم يطلِ
َ لكن
دفاعا عن صاحبه إىل آخر حلظةّ ،
ً
رسيعا.
ً وانرصفت عنه
ال أنكر أنيّ أحيا ًنا ال أبايل ،فقط ال أبايل فال أغيرّ شيئًا أو ال أفعل شيئًا
إن كنت قدكل يوم أصغر س ًّنا حتى متى؟ ْ البتة ..عمري ينفدُ م ّني ،أصري ّ
ثم أختفي من الوجود
عشت ثالثني عا ًما فسأعود إىل اخللف ثالثني عا ًماّ ،
أسرار حي أول 94
وأرصت عىل أنيّ قدّ الطالق قد تشاجرنا ك ّنا يف الليلة السابقة ليوم ّ
جرحت كرامتها؛ لذلك وعدتهُ ا أنيّ سأط ّلقها يف الصباح وأر ّدها إىل أهلها
كام يفعل أبناء األصول.
لك ّني اآلن لن أفعل ،بل سأصاحلها وأعتذر إليها ..قلت هلا :هل لو
كنت ستشعرين بنفس الضيق؟ كانت الكلمة التي قلتها لك قاهلا أخوك ِ
بضع
متر ُ خيارا ،فام إن ّ
الطالق ليس ً نعم ،ستغضبني منه لك ّنه أخوك وقدركّ ،
ساعات أو أ ّيام عىل أكثر تقدير إلاّ وستنسيان ما كان ..فهل عالقتنا هشّ ة إىل
رصنا ّ
أقل من أن نكون أخوين؟ أ ّما عن الكلمة تلك الدرجة؟ إىل درجة أننا ْ
ِ
وأنت تعلمني ذلك جيدً ا، ٍ
قصد م ّني التي قلتها فقد خرجت رغماً عني دون
وها أنا أعتذر إليك.
95 أسرار حي أول
أكن أخادعكم يا معا إىل البويضة ..أرأيتم؟ مل ْ وها نحن قد وصلنا ً
ِ
قرارات حيايت جرأة ..ماذا لو أنيّ مل أغبياء ..أتعلمون! لعليّ اآلن سأتخّ ذ أكثر
صبيا؟ ترى هل كان أيب سيأيت وينرصف يف نفس
كنت بن ًتا ال ًّ
أكن أنا؟ ماذا لو ُ
ليحبني أكثر ويمكث أطول؟
السيارة؟ أم ترى كان ّ
وتصدمه ّ
ُ الرسعة
ُ
سأترككم تفعلوهنا ..فام الفائدة عىل أ ّية حال؟! أتعرفون،
أسرار حي أول 98
(سباحة في الفراغ)
-استيقظ
ثم
تعجب( ..أين أنا؟) ّ
نظر حوله يف ّ يتصبب عر ًقاَ ،
ّ قام عمرو من نومه
هِ
مكانا الطبيعي ،ورأس زوجته حني وجد أشيا َءه التي اعتاد تواجدُ ها يف
توقظه كالعادة ،عرف أنّه يف بيته يف شارع (طه احلكيم)(دعاء) فوق رأسه ُ
بمدينة (طنطا).
أنم بام فيه الكفاية. ِ
نصف ساعة ،مل ْ -أيقظيني بعد
متأخرا؛ لذلك ال تكفيك هذه الساعات القليلة.
ً -إنّك تعود ّ
كل يوم
-نعم ،ظروف العمل جتربين عىل ذلك ،ال بدّ من املرور عىل الكثري من
أمر عليها ّ
كل يوم، الصيدليات لتوريد األدوية املطلوبة ،وبعض الصيدليات ّّ
ِ
اعتدت عىل هذا. املفرتض أن تكوين قد
أنت باخلارج أخرج مع -إنّني قد اعتدت ال مشكلة عندي ،بينام َ
صديقايت وأذهب إىل ال ّنادي وأزور أ ّمي ،أنت الذي مل تعتدْ بعد ّ
كل هذه
متأخ ًرا.
السنني ،والزلت تستيقظ ّ
نصف ساعة فقط ،أحتاج أن أقوم ً
نشيطا. َ طيب ،دعيني أنام
ّ -
-هل ستعطيني نقو ًدا اليوم؟ ّأول الشهر!
نقود الشهر املايض؟ هذا كثري!
-هل انتهت ُ
99 أسرار حي أول
أمر بجوار الشقّ الذي نتج؛ فرأيت العديدَ من تلت موضوع النيزك ،كنت ّ
صيدليات شارع البحر مدمرة متا ًما وقد تركها أصحابهُ ا بعدما تل َف ْت معظم
ٍ
سليمة لدواء أ ّمي ،فجمعت األدوية ،لك ّني دخلت وأخذت أبحث عن علب
فعدت هبا إىل أ ّمي ،لك ّنها حني
ُ علب كاملة دون أن أدفع ً
قرشا واحدً ا، َ
عرش ٍ
وحتلم أحال ًما
ُ كأنا سليمة من مرضها
رأت أشياء يف منامها هّ
بدأت تأخذها ْ
مسكنقرصا؟ فهو ّ سعيدة غيرّ ت مزاجها متا ًما ،فقلت لنفيس َمل ال ّ
أجرب ً
جترب بنفسك ُ
وصفه ،ال بدّ أن ّ جربت رأيت ما ال يمكن عىل أ ّية حال ،وحني ّ
كل شخص يرى أشياء خمتلفة.ألن ّ ّ