You are on page 1of 13

‫‪-1‬سياسة أمراء الموصل في العصر السلجوقي‬

‫من خالل كتاب مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي (ت ‪654‬هـ‪1256/‬م)‬


‫م‪ .‬د‪ .‬جنان عبد الخالق علي‬

‫جامعة الموصل ‪ /‬مركز دراسات الموصل‬

‫المقدمة‪:‬‬

‫عاش العالم اإلسالمي في أواخر (القرن الثالث للهجرة‪/‬التاسع للميالد) في حالة من الضعف والوهن‪ ،‬جعلته مقسماً إلى عدة دول‬
‫تسيطر على بعض المناطق الهامة في الشرق اإلسالمي‪ ،‬السيما أن الخالفة العباسية في بغداد بدأت تظهر عليها عالمات‬
‫الضعف منذ سيطرة العناصر الفارسية والتركية التي تقلدت المناصب الهامة في الدولة‪ ،‬فنتج عنها صراع بينها وبين العناصر‬
‫العربية بسبب تطلع كل منهما إلى السلطة‪ .‬وأفقد هذا الصراع الخالفة العباسية هيبتها في قلوب الناس وأضعف سلطتها المركزية‪،‬‬
‫فبدأ حكام الواليات في االستقالل بوالياتهم واالكتفاء بالوالء الرسمي للخليفة(‪ ،)1‬وأدى ذلك إلى قيام إمارات عربية شبه مستقلة عن‬
‫الخالفة العباسية كما حدث في مدينة الموصل‪ ،‬ومن هذه اإلمارات التي اتخذت من مدينة الموصل قاعدة لها الدولة الحمدانية‬
‫(‪380-292‬هـ‪990-905/‬م) ودولة بني عقيل (‪489-380‬هـ‪1095-990/‬م)‪ ،‬ثم أصبحت الموصل بعد سقوط دولة بني عقيل‬
‫على يد القائد السلجوقي قوام الدولة كربوقا سنة (‪489‬هـ‪1095/‬م) جزءا من الدولة السلجوقية وتوالى على حكمها عدد من األمراء‬
‫السالجقة‪ ،‬واستمر حكمهم حتى سنة (‪521‬هـ‪1027/‬م) عندما انتقل الحكم إلى عماد الدين زنكي مؤسس دولة األتابكة في‬
‫الموصل التي استمرت حتى سنة (‪631‬هـ‪1233/‬م)(‪.)2‬‬

‫ومن الكتب التي تحدثت عن السالجقة بشكل عام‪ ،‬وعن حكم والتهم للموصل بشكل خاص كتاب مرآة الزمان في تواريخ األعيان‪،‬‬
‫وهو يعد من المصادر التاريخية الحولية المهمة التي زودتنا بنصوص قيمة تتعلق بجوانب من سير السالطين السالجقة‪ ،‬والحروب‬
‫التي نشبت بين أفراد البيت السلجوقي الحاكم بعد وفاة جالل الدولة ملكشاه األول (‪485-465‬هـ‪1092-1072/‬م)‪ ،‬وكذلك عن‬
‫الحكام المعينين من قبل هؤالء السالطين على المدن التي سيطروا عليها‪ ،‬فضالً عن دور المقاومة السلجوقية للصليبيين وما قام‬
‫به الحكام المحليون وصوالً إلى الدولة الزنكية(‪ .)3‬ومؤلف هذا الكتاب هو سب ُ‬
‫ط ابن الجوزي‪ ،‬محدث وفقيه ومؤرخ وواعظ مشهور‪،‬‬

‫(‪ )1‬المستادي‪ ،‬ريهام‪( ،‬الدولة الخوارزمية ومواجهتها للزحف المغولي)‪ ،‬دورية كان التاريخية‪ ،‬السنة‪ ،2010 :‬ع‪ ،67-63/88‬والبحث نقالً عن المكتبة‬
‫االفتراضية العلمية العراقية على الموقع اإللكتروني‪:‬‬
‫‪www.ivsl.org‬‬
‫(‪ )2‬الجميلي‪ ،‬رشيد عبد هللا‪ ،‬إمارة الموصل في العصر السلجوقي (‪521-489‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،1‬مطبعة اوفسيت الحديثي‪( ،‬بغداد‪ ،)1980 :‬ص ‪5-4‬؛‬
‫والسالجقة هم من األقوام التركية التي كانت تقطن المنطقة الممتدة ما بين تركستان والصين‪ ،‬وسموا بذلك نسبة إلى سلجوق زعيمهم ومؤسس دولتهم‪.‬‬
‫ينظر‪ :‬الصائغ‪ ،‬سليمان‪ ،‬تاريخ الموصل‪ ،‬المطبعة السلفية‪( ،‬مصر‪.145/1 ،)1923 :‬‬
‫(‪ )3‬الجميلي‪ ،‬إمارة الموصل‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫ولد في بغداد سنة (‪581‬هـ‪1185/‬م) وتلقى علومه بها ثم انتقل إلى دمشق واستوطنها‪ ،‬وعمل فيها مدرساً وكاتباً وبقي بها إلى‬
‫أن توفي سنة (‪654‬هـ‪1256/‬م)(‪.)4‬‬

‫وقد أورد لنا سبط ابن الجوزي مادة تاريخية عن سياسة بعض األمراء السالجقة الذين حكموا الموصل في العصر السلجوقي في‬
‫الفترة الممتدة ما بين (‪521-489‬هـ‪1127-1095/‬م)‪ ،‬وهم قوام الدولة أبو سعيد كربوقا‪ ،‬شمس الدولة جكرمش‪ ،‬قلج أرسالن‪،‬‬
‫البرسقي‪ .‬كما أورد ما جرى‬
‫البرسقي‪ ،‬عز الدين مسعود بن أق سنقر ُ‬ ‫جأولي سّقاوة‪ ،‬مودود بن ألتونتكين‪ ،‬قسيم الدولة أق سنقر ُ‬
‫في هذه الفترة من أحداث سياسية في الموصل بما فيها دور السالطين السالجقة في تعيين هؤالء األمراء على الموصل‪ ،‬ومن ثم‬
‫الصراعات الداخلية بين األمراء أنفسهم‪ ،‬فضالً عن دور الموصل في مقاومة الغزو الصليبي‪ .‬وقد تحدث سبط ابن الجوزي عن‬
‫هؤالء األمراء أو الحكام في صفحات متفرقة من كتابه (مرآة الزمان)‪ ،‬وذلك حسب التسلسل الزمني لتاريخ الحوادث وكانت معلوماته‬
‫موجزة عنهم‪ ،‬ركز فيها على الجوانب السياسية والعسكرية‪.‬‬

‫وعلى ضوء ذلك تم تقسيم البحث إلى العديد من الفقرات وهي‪ :‬المقدمة‪ ،‬أوالً‪ :‬اسم سبط ابن الجوزي ونسبه ووالدته‪ .‬ثانياً‪ :‬نبذة‬
‫عن نشأته ورحالته العلمية‪ .‬ثالثاً‪ :‬المناصب التي توالها‪ .‬رابعاً‪ :‬وفاته‪ .‬خامساً‪ :‬مؤلفاته‪ .‬سادساً‪ :‬أمراء الموصل في العصر‬
‫السلجوقي كما وردت في كتاب مرآة الزمان‪ ،‬وهذه الفقرة ُقسمت بدورها إلى مواضيع عدة شملت‪:‬‬

‫األمراء السالجقة في الموصل وكيفية سيطرتهم عليها وعالقتهم بالسالطين السالجقة‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫جهاد أمراء الموصل ضد الصليبيين‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫أوالً‪ :‬اسم سبط ابن الجوزي ونسبه ووالدته‬

‫بن عبد هللا الحنفي التركي البغدادي ثم الدمشقي المشهور‬ ‫هو شمس الدين أبو المظفر يوسف بن حسام الدين بن قزاوغلي‬
‫(‪)5‬‬

‫بسبط ابن الجوزي‪ ،‬وأمه رابحة بنت الشيخ جمال الدين عبد الرحمن أبي الفرج بن الجوزي الواعظ(‪ ،)6‬وقد كان حسن الصورة(‪،)7‬‬
‫ونشأ فيها ورباه جده جمال الدين أبو الفرج بن الجوزي ثم انتقل إلى دمشق واستوطن‬ ‫ولد في بغداد سنة (‪581‬هـ‪1185/‬م)‬
‫(‪)8‬‬

‫(‪)9‬‬
‫فيها‪.‬‬

‫(‪ )4‬المرجع نفسه والصفحة‪.‬‬


‫(‪ )5‬قزادغلي‪ :‬بكسر القاف وسكون الزاي‪ ،‬لفظ تركي معناها (ابن البنت) أي السبط‪ .‬ينظر‪ :‬السالمي‪ ،‬أبو المعالي محمد بن رافع‪ ،‬تاريخ علماء بغداد‬
‫المسمى منتخب المختار‪ ،‬صححه وعلق حواشيه‪ :‬عباس العزاوي‪ ،‬ط‪ ،2‬الدار العربية للموسوعات‪( ،‬بيروت‪ ،)2000 :‬ص ‪.190‬‬
‫(‪ )6‬ابن كثير‪ ،‬عماد الدين اسماعيل بن عمر‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة المعارف‪( ،‬بيروت‪.194/13 ،)1977 :‬‬
‫(‪ )7‬ابن كثير‪ ،‬البداية والنهاية‪.194/13 ،‬‬
‫(‪ )8‬اليونيني‪ ،‬قطب الدين ابو الفتح موسى بن محمد بن أحمد‪ ،‬ذيل مرآة الزمان‪ ،‬ط‪ ،1‬دائرة المعارف العثمانية‪( ،‬حيدر اباد الدكن‪.42/1 ،)1954 :‬‬
‫(‪ ) 9‬الذهبي‪ ،‬شمس الدين ابو عبد هللا محمد بن أحمد‪ ،‬سير أعالم النبالء‪ ،‬تحقيق‪ :‬بشار عواد معروف ومحيي هالل سرحان‪ ،‬ط‪ ،11‬مؤسسة الرسالة‬
‫للطباعة والنشر‪( ،‬بيروت‪.296/23 ،)2001 :‬‬
‫ثانياً‪ :‬نبذة عن نشأته ورحالته العلمية‬

‫نشأ سبط ابن الجوزي في بغداد التي لم تكن في أوج نشاطها المعرفي في تلك الحقبة (القرن الرابع وحتى منتصف القرن الخامس‬
‫للهجرة‪/‬القرن العاشر ومنتصف القرن الحادي عشر للميالد)(‪ .)10‬بل كان فيها بقايا الحركة العلمية التي يتصدرها الكثير من‬
‫الشيوخ أبرزهم أبو الوقت عبد األول بن عيسى (ت ‪553‬هـ‪1158/‬م) في رواية الحديث وابن الطالية أحمد بن أبي غالب (ت‬
‫‪548‬هـ‪1153/‬م) في القراءات وأحمد بن عبد هللا الخشاب (ت ‪552‬هـ‪1157/‬م) في االدب والنحو(‪ .)11‬ومن بعدهم عبد هللا بن‬
‫منصور الباقالني (ت ‪593‬هـ‪1196/‬م) في القراءات أيضا‪ ،‬ويحيى بن سعيد الواسطي (ت ‪594‬هـ‪1197/‬م) في االدب واإلنشاء‪،‬‬
‫وأبو الفرج بن الجوزي (ت ‪597‬هـ‪1200/‬م) في الوعظ والتدريس(‪.)12‬‬

‫وكانت الخالفة العباسية في بغداد قد تنامت قوتها نسبياً في عهد الخليفة الناصر لدين هللا (‪622-575‬هـ‪1225-1179/‬م) الذي‬
‫"لم يجد ضيماً وال خرج عليه خارجي إال قمعه وال مخالف إال دفعه"(‪ .)13‬في ظل هذه البيئة الثقافية والسياسية كان ال بد لسبط‬
‫ابن الجوزي أن يتأثر بشيوخ عصره وأبرزهم جده ابن الجوزي(‪.)14‬‬

‫أما مجالس الوعظ التي كان يواظب سبط ابن الجوزي على حضورها في بغداد‪ ،‬فهي قد أخذت على نحو مؤكد حي اًز من وقته‪،‬‬
‫وقد انعكست تلك المجالس على طريقة تفكيره وطموحاته‪ ،‬ومما ال شك فيه أن مجالس وعظ جده ابن الجوزي لها الحصة الكبرى‬
‫من حضوره (‪.)15‬‬

‫وفضالً عن ذلك‪ ،‬اكتسابه العلم والمعرفة على يد الكثير من الشيوخ من بغداد ومن مدن أخرى زارها كالموصل ودمشق وحلب‪،‬‬
‫الوعاظ واالدباء والنحويين‪ .‬فمن‬
‫المحدثين و ّ‬
‫ومثل هؤالء الشيوخ مختلف العلوم والمعارف التي نبغ فيها‪ ،‬إذ كانوا من كبار القراء و ّ‬
‫شيوخه من بغداد المحدث ابو القاسم يحيى بن اسعد بن يحيى االزجي (ت ‪593‬هـ‪1196/‬م)(‪ .)16‬والمحدث ابو الفرج بن عبد‬
‫المنعم بن عبد الوهاب بن كليب (ت ‪596‬هـ‪1199/‬م)(‪ .)17‬والشيخ ابو محمد عبد هللا بن أحمد بن ابي المجد الحربي (ت‬
‫فمنهم‬ ‫‪598‬هـ‪1201/‬م)(‪ . )18‬أما شيوخه من الموصل التي رحل اليها في أواخر شهر المحرم من سنة (‪600‬هـ‪1203/‬م)‬
‫(‪)19‬‬

‫المحدث والخطيب ابو طاهر أحمد بن عبد هللا بن أحمد الطوسي‪ ،‬وقد سمع عليه سبط ابن الجوزي الحديث الشريف وكانت وفاة‬

‫(‪ )10‬آل فتاح‪ ،‬شكيب راشد بشير‪ ،‬سبط ابن الجوزي مؤرخاً للحروب الصليبية (دراسة في سيرته ونصوصه التاريخية)‪ ،‬اطروحة دكتوراه غير منشورة‪ ،‬كلية‬
‫اآلداب‪( ،‬جامعة الموصل‪ ،)2007 :‬ص ‪.36‬‬
‫(‪ )11‬ابن الجوزي‪ ،‬عبد الرحمن بن علي‪ ،‬مشيخة ابن الجوزي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪( ،‬اثينا‪ ،)1980 :‬ص ‪ 41‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )12‬سبط ابن الجوزي‪ ،‬يوسف بن قزاوغلي بن عبد هللا‪ ،‬مرآة الزمان في تاريخ األعيان‪ ،‬مطبعة دائرة المعارف العثمانية‪( ،‬حيدر آباد الدكن‪،)1951 :‬‬
‫‪.453/8‬‬
‫(‪ ) 13‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين بن عبد الرحمن‪ ،‬تاريخ الخلفاء‪ ،‬مطبعة منير‪( ،‬بغداد‪ ،)1982 :‬ص ‪.448‬‬
‫(‪ )14‬آل فتاح‪ ،‬سبط ابن الجوزي مؤرخاً للحروب الصليبية‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫(‪ )15‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫(‪ )16‬سبط ابن الجوزي‪ ،‬مرآة الزمان‪.455/8 ،‬‬
‫(‪ )17‬ابن كثير‪ ،‬البداية والنهاية‪.20/13 ،‬‬
‫(‪ )18‬الذهبي‪ ،‬سير اعالم النبالء‪.361/21 ،‬‬
‫(‪ )19‬سبط ابن الجوزي‪ ،‬مرآة الزمان‪.516/8 ،‬‬
‫والفقيه والمحدث ابو القاسم عبد المحسن بن عبد هللا بن أحمد الطوسي (ت‬ ‫(‪)20‬‬
‫ابي طاهر سنة (‪602‬هـ‪1205/‬م)‬
‫‪622‬هـ‪1225/‬م)(‪ .)21‬ثم استأنف سبط ابن الجوزي رحلته متجهاً إلى بالد الشام ومن المدن التي زارها دمشق التي رحل إليها‬
‫أيضا في سنة (‪600‬هـ‪1204/‬م)(‪ ،)22‬ومن شيوخها الذين تتلمذ عليهم وسمع منهم سبط ابن الجوزي في المحدث عمر بن محمد‬
‫بن معمر بن طبرزد (ت ‪607‬هـ‪1210/‬م) والمحدث اآلخر محمد بن أحمد بن محمد المقدسي (ت ‪607‬هـ‪1210/‬م)(‪.)23‬‬

‫فضالً عن ذلك فقد كان لسبط ابن الجوزي طالب علم تتلمذوا عليه وسمعوا منه الحديث الشريف والفقه والتفسير ومنهم موسى‬
‫بن ابراهيم بن يحيى الشقراوي (ت ‪70‬هـ‪1302/‬م)(‪ ،)24‬وعثمان بن محمد بن عثمان (ت ‪713‬هـ‪ ،)25()1313/‬ومحمد بن أحمد‬
‫بن ابي الهيجاء المعروف شمس الدين الصالحي (ت ‪726‬هـ‪1325/‬م)(‪.)26‬‬

‫الثر إذ يعد أحد علماء المسلمين المشهورين‪ ،‬فقد أشاد به العديد من المؤرخين الذين ترجموا له‪،‬‬
‫ونظ اًر لمكانته العلمية وعطائه ّ‬
‫فعلى سبيل المثال قال عنه الذهبي‪" :‬انتهت إليه رئاسة الوعظ وحسن التذكير ومعرفة التاريخ وكان حلو اإليراد لطيف الشمائل‬
‫مليح الهيئة وافر الحرمة له قبول زائد وسوق نافق بدمشق"(‪ .)27‬وقال عنه اليونيني‪" :‬وكان إماماً عالماً فاضالً منقطعاً عن الناس‬
‫والتردد إليهم متواضعاً لين الكلمة"(‪ .)28‬أما السالمي فيصفه بأنه كان "كيساً ظريفاً متواضعاً كثير المحفوظ‪.)29("...‬‬

‫ثالثاً‪ :‬المناصب التي توالها‬

‫نظ اًر للمكانة العلمية التي كان يتمتع بها سبط ابن الجوزي‪ ،‬والمؤهالت التي كان يمتلكها‪ ،‬فقد تولى إلى جانب عقده مجالس‬
‫فوض‬‫الوعظ في الجامع األموي وجامع قاسيون‪ ،‬اإلفتاء والتدريس في عدد من مدارس دمشق‪ ،‬ففي سنة (‪615‬هـ‪1218/‬م) ّ‬
‫(‪)30‬‬

‫التي كان سكنه‬ ‫(‪)31‬‬


‫إليه الملك المعظم عيسى صاحب دمشق (‪624-615‬هـ‪1227-1218/‬م) التدريس في المدرسة البدرية‬
‫فيها(‪.)32‬وفي سنة (‪623‬هـ‪1226/‬م) فوض إليه الملك المعظم أيضا التدريس بالمدرسة الشبلية(‪ .)33‬وكذلك تولى التدريس بالمدرسة‬

‫(‪ )20‬اليونيني‪ ،‬ذيل مرآة الزمان‪.42/1 ،‬‬


‫(‪ )21‬المصدر نفسه الجزء والصفحة‬
‫(‪ )22‬ابن كثير‪.194/13 ،‬‬
‫(‪ )23‬اليونيني‪ ،‬ذيل مرآة الزمان‪.42/1 ،‬‬
‫(‪ )24‬ابن العماد الحنبلي‪ ،‬ابو الفالح عبد الحي‪ ،‬شذرات الذهب في اخبار من ذهب‪ ،‬تحقيق‪ :‬لجنة احياء التراث العربي‪ ،‬دار االفاق الجديد‪( ،‬بيروت‪:‬‬
‫د‪.‬ت)‪.7/6 ،‬‬
‫(‪ )25‬المصدر نفسه‪.32/6 ،‬‬
‫(‪ )26‬السالمي‪ ،‬تاريخ علماء بغداد‪ ،‬ص ‪.190‬‬
‫(‪ )27‬سير أعالم النبالء‪.296/23 ،‬‬
‫(‪ )28‬ذيل مرآة الزمان‪.43/1 ،‬‬
‫(‪ )29‬تاريخ علماء بغداد‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫(‪ )30‬الذهبي‪ ،‬سير أعالم النبالء‪.296/23 ،‬‬
‫(‪ )31‬المدرسة البدرية‪ :‬وهي مدرسة تقع قبالة المدرسة الشبلية على سفح جبل قاسيون بناها بدر الدين المعروف ببالل ابن الداية أحد أمراء نور الدين‬
‫محمود سنة (‪638‬هـ‪1240/‬م)‪ .‬النعيمي‪ ،‬عبد القادر بن محمد‪ ،‬الدارس في تاريخ المدارس‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪( ،‬بيروت‪.365/1 ،)1990 :‬‬
‫(‪ )32‬ابن كثير‪ ،‬البداية والنهاية‪.194/13 ،‬‬
‫(‪ )33‬اليونيني‪43/1 ،‬؛ والمدرسة الشبلية‪ :‬هي التي بناها شبل الدولة كافور سنة (‪616‬هـ‪1226/‬م) خادم حسام الدين بن محمد ابن أخت صالح الدين‬
‫وهي واقعة بسفح جبل قاسيون فوق جسر ثو ار من صالحية دمشق وهي غير المدرسة الشبلية الجوانية الواقعة وسط دمشق ولم تذكر المصادر سنة‬
‫العزية البرانية(‪ .)34‬وبالمدرسة العزية الحنفية(‪ .)35‬وفي سنة (‪645‬هـ‪1247/‬م) فوض إليه األمير عز الدين أيبك النظر في أوقافه‬
‫(‪)36‬‬
‫ومدارسه وابواب البر‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬مؤلفاته‬

‫كان لسبط ابن الجوزي مؤلفات عديدة في فنون مختلفة من العلم‪ ،‬كالتفسير والحديث النبوي الشريف والفقه والتاريخ والعقيدة‬
‫والسلوك‪ ،‬ومن هذه الكتب التي أّلفها‪:‬‬

‫خرجها ألمير المؤمنين المستعصم باهلل العباسي(‪.)37‬‬


‫‪.1‬األحاديث المستعصميات الثمانيات التي ّ‬
‫‪.2‬االنتصار إلمام أئمة األمصار‪ ،‬ويعني به اإلمام أبا حنيفة رحمه هللا تعالى‪ ،‬وهو كتاب مطبوع(‪.)38‬‬
‫‪.3‬إيثار اإلنصاف في آثار الخالف‪ ،‬وهو مجلد واحد(‪ ،)39‬وقد طبع بدار السالم بالقاهرة سنة ‪1987‬م بتحقيق ناصر العلي‬
‫الناصر الخليفي في مجلد واحد وله طبعة أخرى بدار الكتب العلمية في بيروت سنة ‪1998‬م بتحقيق سيد مهنى(‪.)40‬‬
‫‪ .4‬تذكرة خواص األمة بذكر خصائص األئمة‪ ،‬وهو في ذكر مناقب االمام علي بن أبي طالب (كرم هللا وجهه) وسائر األئمة وهو‬
‫كتاب مطبوع(‪.)41‬‬
‫‪.5‬تفسير كبير في تسعة وعشرين مجلداً(‪.)42‬‬
‫‪.6‬مرآة الزمان في تواريخ األعيان(‪ ،)43‬وهناك تسميات أخرى لهذا الكتاب وردت في المصادر التاريخية التي ترجمت لسبط ابن‬
‫و(مرآة الزمان في تاريخ األعيان)(‪ ،)45‬وكذلك سمي (مرآة الزمان في وفيات الفضالء‬ ‫(‪)44‬‬
‫الجوزي‪ ،‬فقد سمي (مرآة الزمان)‬
‫واألعيان)(‪ .)46‬وهو كتاب ضخم تجاوز عدد أجزائه العشرين جزءا(‪ .)47‬ويعزو سبط ابن الجوزي السبب في تسمية هذا الكتاب‬

‫بنائها‪ .‬ينظر‪ :‬ابن شداد‪ ،‬عز الدين أبو عبد هللا بن علي‪ ،‬األعالق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة‪ ،‬تحقيق‪ :‬سامي الدهان‪ ،‬المعهد الفرنسي‬
‫للدراسات العربية‪( ،‬دمشق‪ ،)1962 :‬ج‪2‬ق‪.227/1‬‬
‫(‪ )34‬المدرسة العزية البرانية‪ :‬وهي تقع فوق الوراقة بالشرف األعلى شمالي ميدان القصد خارج دمشق أنشأها عز الدين أيبك سنة (‪626‬هـ‪1228/‬م) أحد‬
‫مماليك الملك المعظم عيس وبلغ عنده مرتبة عالية‪ .‬ينظر‪ :‬ابن شداد‪ ،‬االعالق الخطيرة‪ ،‬ج‪2‬ق‪221/1‬؛ النعيمي‪ ،‬الدارس‪.423/1 ،‬‬
‫(‪ )35‬المدرسة العزية الحنفية‪ :‬وتعد من ضمن مدارس عز الدين ايبك وهي بالجامع االموي جوار مشهد علي ولم تكن كباقي مدارس عز الدين في‬
‫استقاللية بنايتها‪ .‬ينظر‪ :‬ابن شداد‪ ،‬االعالق الخطيرة‪ ،‬ج‪2‬ق‪.216/1‬‬
‫(‪ )36‬سبط ابن الجوزي‪ ،‬شمس الدين ابو المظف ر يوسف بن قزاوغلي وعلي بن عبد هللا‪ ،‬مرآة الزمان في تواريخ األعيان‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد بركات وكامل‬
‫الخراط وعمار ريحاوي‪ ،‬ط‪ ،1‬الرسالة العالمية‪( ،‬بيروت‪.173-172/22 ،)2013 :‬‬
‫(‪ ) 37‬برولكمان‪ ،‬كارل‪ ،‬تاريخ االدب العربي‪ ،‬ترجمة‪ :‬السيد يعقوب بكر‪ ،‬مراجعة رمضان عبد التواب‪ ،‬دار المعارف‪( ،‬القاهرة‪.347/1 ،)1967 :‬‬
‫(‪ )38‬حاجي خليفة‪ ،‬مصطفى بن عبدهللا‪ ،‬كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون‪،‬مكتبة المثنى‪( ،‬بغداد‪ :‬د‪ .‬ت)‪ ،‬مج ‪.172/1‬‬
‫(‪ )39‬السالمي‪ ،‬تاريخ علماء بغداد‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫(‪ )40‬سبط ابن الجوزي‪ ،‬مرآة الزمان‪.26/1 ،‬‬
‫(‪ )41‬المصدر نفسه والجزء والصفحة‪.‬‬
‫(‪ )42‬السالمي‪ ،‬تاريخ علماء بغداد‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫(‪ )43‬سبط ابن الجوزي‪ ،‬مرآة الزمان‪ /1 ،‬صفحة العنوان‪.‬‬
‫(‪ )44‬الذهبي‪ ،‬سير أعالم النبالء‪.296/23 ،‬‬
‫(‪ )45‬حاجي خليفة‪ ،‬كشف الظنون‪.1647/2 ،‬‬
‫(‪ )46‬السالمي ‪ ،‬تاريخ علماء بغداد‪ ،‬ص ‪.191‬‬
‫(‪ )47‬ابن كثير‪ ،‬البداية والنهاية‪.194/13 ،‬‬
‫بمرآة الزمان إلى قوله‪" :‬ليكون اسماً يوافق مسمى ولفظاً يطابق معنى"‪ .‬وبالفعل كان ما اراد‪ ،‬فالناظر في هذا الكتاب‪ ،‬كأنما ينظر‬
‫من خالل مرآة زمانية تعكس له مجريات أحداث األمم السالفة‪ ،‬ووقائع العصور الغابرة‪ ،‬فكأنه يراها رأي العين(‪.)48‬‬

‫يتضمنه‬
‫ّ‬ ‫مصنفات سبط ابن الجوزي وأشهرها‪ ،‬ومن المراجع المهمة التي ال غنى عنها لكل باحث‪ ،‬لما‬ ‫ّ‬ ‫ويعد هذا الكتاب من أهم‬
‫من أحداث موثقة وأخبار موسعة‪ .‬وهو من التواريخ اإلسالمية الحولية‪ ،‬إذ اتخذ فيه سرد األحداث منهجاً له ثم ألحق الوفيات في‬
‫تمتد من ذكر بدء الخليفة إلى أحداث‬ ‫السنة الواحدة‪ .‬لذلك هو موسوعة تاريخية كبيرة الشتماله على أحداث فترة زمنية طويلة‬
‫(‪)49‬‬

‫ووفيات سنة (‪654‬هـ‪1256/‬م)‪ ،‬وهي السنة التي توفي فيها سبط ابن الجوزي في الشهر األخير منها(‪.)50‬‬

‫وتنأول في أول مرآة الزمان أخبار الخليقة وفصوالً في التقاويم والزمن ومدة انقضاء العالم‪ ،‬فضالً عن جوانب الطبيعة من جغرافية‬
‫ومناخ وحركة النجوم والكواكب‪ ،‬مسترسالً في ذكر المالئكة والشياطين وأحوال اآلخرة وخلق آدم (‪ )‬وقصص األنبياء اآلخرين‬
‫من بعده‪ ،‬وصوالً إلى سيرة الرسول محمد (‪ .)51()‬وتتوالى بعد ذلك األحداث التي ذكرها سبط ابن الجوزي في كتابه وصوالً إلى‬
‫الفترة موضوع البحث الممتدة ما بين (‪521-489‬هـ)‪ .‬فقد أعطى سبط ابن الجوزي للسالجقة مساحات واسعة من كتابه‪ ،‬السيما‬
‫المقاومة السلجوقية للصليبيين وما قام به الحكام المحليون‪ ،‬كاألمراء السالجقة في مدينة الموصل من مقاومتهم للصليبيين وصوالً‬
‫إلى الدولة الزنكية(‪.)52‬‬

‫ونظ اًر ألهمية هذا الكتاب‪ ،‬فقد نال استحساناً وقبوالً من المؤرخين الذين كتبوا عن سبط ابن الجوزي‪ ،‬ومنهم على سبيل المثال‬
‫اليونيني الذي اختصر كتاب مرآة الزمان وسماه (ذيل مرآة الزمان)‪ ،‬ذكر بأن سبط ابن الجوزي "جمع فيه أشياء مليحة جداً وأودعه‬
‫كثي اًر من األحاديث الشريفة النبوية صلوات هللا وسالمه على قائلها‪-‬وجملة من أخبار الصالحين وقطعة كبيرة من األشعار‬
‫المستحسنة‪ .)53("...‬أما ابن كثير فوصفه بأنه من احسن التواريخ(‪ .)54‬وقد صدر لهذا الكتاب أكثر من طبعة‪ ،‬وآخرها الطبعة‬
‫التي أصدرتها دار الرسالة العالمية في دمشق سنة ‪ 2013‬مقسمة إلى ثالثة وعشرين جزءا‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬وفاته‬
‫بعد حياة حافلة بالعلم والوعظ والتدريس والتصنيف‪ ،‬وافت المنية سبط ابن الجوزي في دمشق ليلة الثالثاء في الحادي والعشرين‬
‫ودفن بتُربته بالجبل إلى‬
‫من شهر ذي الحجة سنة (‪654‬هـ‪1256/‬م) وهو الثالثة والسبعين من عمره في منزله بجبل قاسيون‪ُ ،‬‬
‫جانب زوجته وابنيه علي وابراهيم‪ ،‬وكانت جنازته مهيبة حافلة‪ ،‬حضرها خلق عظيم وفي مقدمتهم حاكم دمشق الملك الناصر‬
‫(‪)55‬‬
‫يوسف بن العزيز ومن دونه من األمراء‬

‫(‪ )48‬مرآة الزمان‪.7/1 ،‬‬


‫(‪ )49‬ال فتاح‪ ،‬سبط ابن الجوزي مؤرخ ًا‪ ،‬ص ‪.131‬‬
‫(‪ )50‬اليونيني‪ ،‬ذيل مرآة الزمان‪.42/1 ،‬‬
‫(‪ )51‬سبط ابن الجوزي‪ ،‬مرآة الزمان‪.185-50/1 ،‬‬
‫(‪ )52‬ال فتاح‪ ،‬سبط ابن الجوزي مؤرخاً‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫(‪ )53‬ذيل مرآة الزمان‪.41/1 ،‬‬
‫(‪ )54‬البداية والنهاية‪.194/13 ،‬‬
‫(‪ )55‬اليونيني‪ ،‬ذيل مرآة الزمان‪43-42/1 ،‬؛ ابن كثير‪ ،‬البداية والنهاية‪.194/13 ،‬‬
‫سادساً‪ :‬أمراء الموصل في العصر السلجوقي من خالل كتاب مرآة الزمان في تواريخ األعيان لسبط ابن الجوزي (ت‬
‫‪654‬هـ‪1256/‬م)‬

‫يمكن تقسيم المادة التاريخية التي وردت عند سبط ابن الجوزي في كتابه مرآة الزمان عن أمراء الموصل في العصر السلجوقي‬
‫على النحو اآلتي‪:‬‬

‫‪ -1‬األمراء السالجقة في مدينة الموصل وكيفية سيطرتهم عليها وعالقتهم بالسالطين السالجقة‪:‬‬

‫تطلع السالجقة لالستيالء على الموصل منذ أواخر النصف األول من القرن (الخامس للهجرة‪/‬الحادي عشر للميالد)‪ ،‬فقاموا بعدة‬
‫محاوالت استهدفت القضاء على حكم األمراء العرب من بني عقيل في الموصل‪ ،‬وإقليم الجزيرة الفراتية‪ ،‬ومما يذكر أن الدولة‬
‫العقيلية أشرفت على الزوال بعد تعاظم نفوذ السالجقة واستئثارهم بالسلطة دون الخلفاء‪ ،‬وكان مصرع مسلم بن قريش (‪-453‬‬
‫‪478‬هـ‪1085-1061/‬م) خالل المعركة التي دارت بينه وبين قتلمش السلجوقي (‪479-470‬هـ‪1086-1077/‬م) سنة‬
‫(‪478‬هـ‪1085/‬م) إيذاناً بنهاية حكم العقيليين في الموصل وإقليم الجزيرة‪ ،‬بسبب السياسة التي اتبعها أمراؤهم والتي أدت إلى‬
‫انقسامهم على أنفسهم وتحالفهم مع أمراء المدن المجاورة تحقيقاً للمزيد من المكاسب غير مبالين بالنتائج التي سوف تترتب على‬
‫هذه السياسة(‪ ،)56‬وبعد مقتل األمير إبراهيم بن قريش العقيلي (‪486-478‬هـ‪1193-1085/‬م) هو وعدد من األمراء على يد‬
‫الملك تاج الدولة تتش السلجوقي (‪488-470‬هـ‪1095-1077/‬م) وذلك سنة (‪486‬هـ‪1093/‬م)‪ ،‬لجأ بنو عقيل واألمير علي‬
‫بن مسلم (‪489-486‬هـ‪1095-1093/‬م) إلى السلطان بركياروق (‪498-472‬هـ‪1104-1079/‬م) إلعادة إمارة الموصل اليهم‪،‬‬
‫عه أخوه محمد بن شرف‬ ‫فوافق األخير على طلبهم وعادوا إلى الموصل‪ ،‬ولم يكد علي بن مسلم يستقر بإمارة الموصل حتى ناز ُ‬
‫الدولة مسلم بن قريش العقيلي وأعلن العصيان(‪ .)57‬وكان األخير قد استنصر باألمير كربوقا(‪ )58‬على أخيه علي بن مسلم العقيلي‬
‫صاحب الموصل‪ ،‬وكان كربوقا واخوه التونتاش قد التف حولهما الكثير من العساكر واستولوا على حران‪ ،‬وغدر كربوقا بمحمد بن‬
‫مسلم وقبض عليه وقتله‪ ،‬وسار كربوقا إلى الموصل(‪ ،)59‬وحاصرها مدة ولم يظفر منها بشيء‪ ،‬فسار عنها إلى بلد حيث غدر‬
‫بمحمد العقيلي وقتله‪ ،‬ثم عاد إلى الموصل وحاصرها حصا اًر شديداً حتى نفذت أقواتها‪ .‬فلما ضاق الحال بصاحبها علي بن مسلم‬
‫عد أول حاكم سلجوقي عليها وانقرضت دولة بني عقيل(‪.)60‬‬
‫فارقها إلى الحلة‪ ،‬ودخل كربوقا الموصل سنة (‪489‬هـ‪1095/‬م) وقد ّ‬
‫وأصبحت الموصل تحكم مباشرة من قبل السالجقة الذين كانوا يقطعونها ألحد األمراء المقدمين عندهم على أن يرتبط هؤالء‬
‫ارتباطاً مباش اًر بالسلطان السلجوقي فيخطبون باسمه ويخضعون ألوامره‪ ،‬ويوفون بكافة االلتزامات المترتبة على هذا اإلقطاع(‪.)61‬‬

‫(‪ ) 56‬الجميلي‪ ،‬رشيد عبد هللا‪ ،‬الموصل في عهد السيطرة السلجوقية ‪521-489‬هـ‪1127-1095/‬م‪ ،‬موسوعة الموصل الحضارية‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتب‬
‫للطباعة والنشر‪( ،‬الموصل‪ ،)1992 ،‬مج‪.122/2‬‬
‫(‪ )57‬المرجع نفسه‪ ،‬مج‪.123-122/2‬‬
‫(‪ )58‬كربوقا‪ :‬هو ابو سعيد قوام الدولة كربوقا‪ ،‬كان من كبار مماليك السلطان ملكشاه وقد انحاز إلى جانب ولده بركياروق في نزاعه ضد عمه تتش‪ ،‬وقع‬
‫مع أخيه التونتاش في األسر‪ ،‬وبعد مصرع تتش تم االتّفاق بين بركياروق ورضوان بن تتش على إطالق سراحهما‪ .‬ينظر‪ :‬الجميلي‪ ،‬الموصل في عهد‬
‫السيطرة السلجوقية‪ ،‬موسوعة الموصل‪ ،‬مج‪.151/2‬‬
‫(‪ ) 59‬خليل‪ ،‬عماد الدين‪( ،‬قوام الدولة أبو سعيد كربوقا)‪ ،‬مجلة آداب الرافدين‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة الموصل‪( ،‬الموصل‪ ،)1974 ،‬ع‪.157/5‬‬
‫(‪ )60‬ابن كثير‪ ،‬البداية والنهاية‪195/12 ،‬؛ الصائغ‪ ،‬تاريخ الموصل‪.154/1 ،‬‬
‫(‪ )61‬الجميلي‪ ،‬إمارة الموصل‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫وبذلك توالى على الموصل عدد من األمراء السالجقة استمر حكمهم حتى سنة (‪521‬هـ‪1127/‬م)‪ ،‬إذ انتقل الحكم إلى عماد الدين‬
‫زنكي بن قسيم الدولة اقسنقر (‪541-521‬هـ‪1146-1127/‬م) مؤسس دولة األتابكة في الموصل(‪.)62‬‬

‫وأول أمير سلجوقي ذكره سبط ابن الجوزي في كتابه (مرآة الزمان) هو كربوقا حيث ورد ذكره في أحداث سنة (‪491‬هـ‪1097/‬م)‬
‫التي تتعلق بموقف هذا األمير من الجهاد ضد الصليبيين أو ما يسميهم سبط ابن الجوزي باإلفرنج(‪ ،)63‬وسيأتي الحديث الحق ًا‬
‫عن هذا الموضوع‪.‬‬

‫واألمير الثاني من أمراء الدولة السلجوقي هو شمس الدولة جكرمش الذي كان من القادة السالجقة‪ ،‬وأصبح حاكماً على الموصل‬
‫سنة (‪495‬هـ‪1101/‬م) واستمر في الحكم إلى سنة (‪500‬هـ‪1106/‬م)(‪ .)64‬ومن الجدير بالذكر ان سبط ابن الجوزي لم يشر إلى‬
‫(‪)65‬‬
‫اسمه بشكل صريح في أحداث سنة (‪497‬هـ‪1103/‬م) فيما يتعلق بالصلح الذي وقع بين اإلخوة بركياروق ومحمد وسنجر‬
‫أوالد السلطان السلجوقي ملكشاه(‪ ،)66‬على أن يكون لمحمد أرمينية وأذربيجان وديار بكر والجزيرة والموصل التي كان أميرها‬
‫السلجوقي في تلك السنة شمس الدولة جكرمش‪ ،‬أما سنجر فتكون له خراسان‪ ،‬ولبركياروق همذان وأصبهان والري وبغداد وأعمالها‪،‬‬
‫أما الخطبة في بغداد فتكون أيضا لإلخوة الثالثة بركياروق ومحمد وسنجر(‪.)67‬‬

‫غير أنه في موضع آخر وبالذات في سنة (‪500‬هـ) فإن سبط ابن الجوزي أشار إلى اسمه وهو جكرمش وأنه صاحب الموصل‬
‫أي أميرها‪ ،‬وأنه جمع ثروة كبيرة عندما تولى حكم الموصل ومع هذا فإنه كان ذا سيرة محمودة وعادالً في المعاملة مع الرعية‪.‬‬
‫ثم تحدث سبط ابن الجوزي عن عالقة جكرمش بالسلطان السلجوقي محمد شاه‪ ،‬وكيف أن األخير قام بعزل جكرمش عن الموصل‬
‫وأعمالها وأقطعها إلى األمير جأولي سقاوة سنة (‪500‬هـ)‪ ،‬والسبب في ذلك أن السلطان محمد كان قد ندب جأولي إلى قتال‬
‫االفرنج أو الصليبيين في الشام ودفعهم عن طرابلس‪ ،‬وكتب إلى سيف الدولة صدقة بن مزيد امير الحلة وإلى جكرمش يأمرهم‬
‫بتقديم المساعدة لجأولي وامداده بالرجال واالموال والخروج معه للجهاد‪ ،‬إال أن صاحب الموصل جكرمش رفض تقديم يد المساعدة‬
‫لجأولي وخرج لقتاله(‪ .)68‬فنزل جأولي قلعة السن(‪ )69‬ونهبها‪ ،‬ثم سار إلى جكرمش‪ ،‬وقاتله‪ ،‬فظفر به جأولي وقتله‪ ،‬واستباح عسكره‪،‬‬
‫وتمكن ابن جكرمش من الهروب إلى الموصل وكتب إلى قلج ارسالن بن ُق ُتلمش يستمد العون منه مقابل أن يسلم له الموصل‪،‬‬
‫ووافق قلج على ذلك‪ ،‬فسار في عسكر له‪ ،‬ووصل نصيبين ودخلها‪ ،‬وكذلك جاء جأولي إلى نصيبين‪ ،‬واقتتل الطرفان‪ ،‬ثم غادرها‬
‫جأولي إلى الخابور‪ ،‬وعندما علم أن قلج ارسالن يطارد عسكره‪ ،‬جاء إلى الرحبة ونزل اليها وتمكن من فتحها عنوة بمساعدة من‬
‫بعض اهلها المتواطئين معه‪ ،‬وقد حاول واليها محمد االستنجاد بقلج ارسالن غير انه لم يفلح‪ ،‬وتمكن جأولي من القبض عليه‬

‫(‪ )62‬الجميلي‪ ،‬الموصل في عهد السيطرة السلجوقية‪ ،‬موسوعة الموصل‪ ،‬مج‪.123/2‬‬


‫(‪ )63‬مرآة الزمان‪.491/19 ،‬‬
‫(‪ )64‬الجميلي‪ ،‬الموصل في عهد السيطرة السلجوقية‪ ،‬موسوعة الموصل‪ ،‬مج‪.123/2‬‬
‫(‪ )65‬مرآة الزمان‪.528/19 ،‬‬
‫(‪ )66‬األصفهاني‪ ،‬عماد الدين محمد بن محمد بن حامد األصفهاني‪ ،‬تاريخ دولة آل سلجوق‪ ،‬اختصار الشيخ اإلمام الفتح بن علي بن محمد البنداري‬
‫األصفهاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬لجنة احياء التراث العربي‪ ،‬ط‪ ،3‬دار اآلفاق الجديدة‪( ،‬بيروت‪ ،)1980 ،‬ص ‪.81‬‬
‫(‪ )67‬سبط ابن الجوزي‪ ،‬مرآة الزمان‪.528/19 ،‬‬
‫(‪ )68‬المصدر نفسه‪ ،‬تحقيق‪ :‬ابراهيم الزيبق‪.14/20 ،‬‬
‫(‪ )69‬السن‪ :‬هي مدينة على نهر دجلة فوق تكريت لها سور وجامع كبير وفيها أيضا كنائس وبيع للنصارى‪ .‬الحموي‪ ،‬شهاب الدين أبو عبد هللا ياقوت بن‬
‫حموي‪ ،‬معجم البلدان‪ ،‬دار صادر‪( ،‬بيروت‪ ،‬د‪.‬ت)‪ ،‬مج‪.268/3‬‬
‫وحبسه‪ .‬ثم غادر جأولي الرحبة إلى ماكسين يريد الموصل ومعه جنده‪ ،‬وقصدوا عسكر قلج والتقى الفريقان يوم الخميس في‬
‫التاسع من شهر شوال سنة (‪500‬هـ)‪ ،‬وكان من نتيجة هذه المعركة أن انهزم عسكر قلج‪ ،‬كما تمكن جأولي من االنقضاض على‬
‫قلج وضربه بالسيف عدة ضربات فلم تؤثر فيه‪ ،‬إال أنه سقط في الخابور فغرق ووجد بعد أيام ميتاً‪ .‬وبعد هذه المعركة رحل‬
‫جأولي إلى الموصل‪ ،‬ولما وصلها وجد ابن قلج ارسالن قد دخلها‪ ،‬فحاصرها‪ ،‬فسلموها اليه من دون قتال‪ ،‬وتمكن من القبض‬
‫وسيره إلى السلطان محمد‪ ،‬فلم يزل مقيماً عنده إلى سنة (‪503‬هـ‪1109/‬م) وبعد ذلك هرب إلى مملكة أبيه ببالد‬
‫على ابن قلج َّ‬
‫الروم(‪.)70‬‬

‫ومما يذكر أن االمير جأولي سقاوة استمر في حكمه للموصل إلى سنة (‪503‬هـ‪1109/‬م) وهذه السنة أصبح فيها األمير والقائد‬
‫العسكري شرف الدين موجود بن التونتكين السلجوقي حاكماً على الموصل بأمر من السلطان السلجوقي محمد بن ملكشاه‬
‫(‪)71‬‬

‫وطرد مودود جأولي من الموصل‪ .‬ومما تجدر اإلشارة اليه في هذا السياق أن سبط بن الجوزي لم يورد في كتابه (مرآة الزمان)‬
‫نصاً عن سبب عزل جأولي سقاوة وتولي مودود عوضاً عنه‪ ،‬إال أن سبط ابن الجوزي توسع في الحديث عن جهاد موجود ضد‬
‫الفرنج طوال مدة واليته للموصل فضالً عن ذكر حادثة اغتياله في دمشق سنة (‪507‬هـ‪1113/‬م) ولم يذكر اليوم والشهر واكتفى‬
‫بذكر السنة فقط‪ .‬وتتلخص هذه الحادثة بأن موجود توجه إلى دمشق لقضاء فصل الشتاء واالستعداد الستئناف الجهاد في فصل‬
‫الربيع؛ إال أنه لم يلبث أن لقي مصرعه بجامع دمشق‪ ،‬فبعد أن قضيت الصالة‪ ،‬خرج إلى صحن الجامع‪ ،‬ويده في يد صاحب‬
‫دمشق طغتكين (‪522-497‬هـ‪1128-1103/‬م)‪ ،‬فوثب عليه رجل من بين الناس "وضربه بخنجر أسفل سرته ضربتين إحداهما‬
‫ف وأُحرق"‪ ،‬وكان‬ ‫ِ‬
‫نفذت إلى خاصرته واألخرى إلى فخذه‪ ،‬والسيوف تأخذه من كل ناحية‪ ،‬وُقط َع رأسه ليعرف شخصه فما ُع ِر َ‬
‫مودود صائماً‪ ،‬فحمل إلى دار طغتكين واجتهد به ليفطر فلم يفعل وقال‪" :‬ال لقيت هللا إال صائماً‪ ،‬فمات من يومه"‪ .‬ودفن هناك‬
‫في دمشق‪ ،‬وبقى مدفوناً إلى شهر رمضان عندما بعثت زوجته وولده من الموصل من حمله في تابوت إلى الموصل فشيع ودفن‬
‫هناك(‪ .)72‬وفي هذا السياق لم يرد سبط ابن الجوزي إلصاق التهمة بطغتكين وقال إن ذلك "ليس بصحيح فإن طغتكين كان أحب‬
‫الناس اليه‪ ،‬وحزن عليه حزناً لم يحزن ه على أحد وشق ثوبه عليه وجلس في عزائه سبعة أيام وتصدق عنه بمال جزيل"(‪ .)73‬ومما‬
‫سبق يبدو أن سبط ابن الجوزي أورد لنا روايتين حول مقتل شرف الدين مودود‪.‬‬

‫الحاجب‬ ‫البرسقي‬
‫(‪)74‬‬
‫ولما بلغ السلطان محمد مصرع مودود؛ بادر إلى إقطاع الموصل والجزيرة الفراتية إلى أبي سعيد أق ُسنقر ُ‬
‫التركماني‪ ،‬الملقب بقسيم الدولة سيف الدين وهو قائد حاكم مسلم اشتهر بصالحه وعدله وكان حسن السيرة‪ ،‬وكما هو واضح من‬
‫اسمه فهو من قبائل االتراك من قبيلة تعرف باسم "ساب يو" وهي قبيلة تمتعت بمكانة رفيعة عند السالجقة االتراك(‪.)75‬‬

‫(‪ )70‬سبط ابن الجوزي‪ ،‬مرآة الزمان‪.16-14/20 ،‬‬


‫(‪ )71‬المصدر نفسه‪.37/20 ،‬‬
‫(‪ )72‬سبط ابن الجوزي‪ ،‬مرآة الزمان‪.75-74/20 ،‬‬
‫(‪ )73‬المصدر نفسه‪.75/20 ،‬‬
‫(‪ )74‬المصدر نفسه والجزء والصفحة‪.‬‬
‫(‪ )75‬ابن خلكان‪ ،‬أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر (ت ‪681‬هـ‪1282 /‬م)‪ :‬وفيات األعيان وأبناء أنباء الزمان‪ ،‬تقديم‪ :‬محمد عبد الرحمن‬
‫المرعشلي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار إحياء التراث العربي‪( ،‬بيروت‪.129/1 ،)1997 :‬‬
‫وفي هذا الشأن طلب السلطان محمد من األمير أق سنقر أن يتوافق هو واألمير عماد الدين زنكي وأن يتشاو ار في المصلحة‪،‬‬
‫وذلك لنهضته وشهامته(‪ .)76‬وفيما يخص بعالقة هذا األمير بالسالطين السالجقة‪ ،‬فقد ذكر سبط ابن الجوزي أنه في شهر ربيع‬
‫األول من سنة (‪514‬هـ‪1120 /‬م) قامت الحرب بين السلطان محمود (‪526-512‬هـ ‪1131-1118 /‬م) وأخيه مسعود‪ ،‬ولم‬
‫يشر سبط ابن الجوزي إلى سبب هذه الحرب‪ ،‬حيث كان مسعود هو المعتدي‪ ،‬وحاول السلطان محمود أن ينهي الخالف باللين‪،‬‬
‫إال أن مسعود رفض األتقيا بباب همذان‪ ،‬وبجهود من اق سنقر أنتهى الخالف بين الطرفين وطلب األمان لمسعود من أخيه‬
‫محمود ولبى طلبه األخير وبذلك انتهى الخالف بينهما بجهود أق سنقر(‪.)77‬‬

‫وأما عن مقتل أق سنقر‪ ،‬فقد ذكر سبط ابن الجوزي أنه في سنة (‪519‬هـ‪1125 /‬م) ُقتل أق سنقر‪ .‬ووصف سبط ابن الجوزي‬
‫كيفية قتله على يد نفر من الباطنية تنكروا بزي الصوفية وهو يصلي الجمعة مع العامة في المسجد الجامع بالموصل‪ ،‬وفي ذلك‬
‫قال‪" :‬فدخل يوم الجمعة جامع الموصل ليصلي فجاء إلى المقصورة وفيها جماعة من الصوفية لهم عادة يصلون فيها فما استرابهم‬
‫فدخل في الصالة وتأخر عن أصحابه فوثب عليه ثالثة في زي الصوفية فضربوه بالسكاكين فلم تعمل في جسده للدرع الذي كان‬
‫ووجهه وضربوه حتى قتلوه‪ ،"...‬وكان هذا األمير شجاعاً مقداماً عادالً ومحسناً في التعامل مع رعيته‪ ،‬فحزن‬
‫ُ‬ ‫عليه فضربوا رأسه‬
‫عليه الناس وأقاموا ابنه عز الدين مسعود خلفاً عنه في حكم الموصل(‪ ،)78‬غير أن واليته لم تستمر سوى عام واحد‪ ،‬وبوفاة عز‬
‫الدين مسعود ينتهي عصر األمراء السالجقة في الموصل(‪.)79‬‬

‫‪ -2‬جهاد أمراء الموصل ضد الصليبيين‪:‬‬

‫تمتع األمراء السالجقة في هذه المرحلة بنفوذ واسع في الموصل وإقليم الجزيرة الفراتية‪ ،‬وكان موضع تقدير للمسلمين بسبب تزعمهم‬
‫لحركة الجهاد ضد الغزاة الصليبيين الذين اجتاحوا بالد الشام أواخر القرن (الخامس للهجرة‪ /‬الحادي عشر للميالد)‪ .‬ومارس حكام‬
‫الموصل في الفترة ما بين عامي (‪521-489‬هـ‪1127-1095 /‬م) دو اًر بار اًز في حركة هذا الجهاد‪ ،‬نظ اًر لطبيعة موقع الموصل‬
‫الحصين بعيداً عن األخطار المحتملة ألي هجوم صليبي من ناحية‪ ،‬ولكونهم يمثلون حلقة الوصل بين سالطين السالجقة‬
‫واإلمارات اإلسالمية في إقليم الجزيرة وشمال الشام من ناحية أخرى(‪.)80‬‬

‫ومن المواضيع المهمة التي تطرق لها سبط ابن الجوزي في كتابه مرآة الزمان حديثه عن حكام الموصل وجهادهم ضد الصليبيين‪،‬‬
‫إذ أشار إلى أنه في سنة (‪491‬هـ‪1097/‬م) اجتمع ملوك اإلسالم بالشام وهم رضوان حاكم حلب‪ ،‬وأخوه ُدقاق‪ ،‬وطغتكين حاكم‬
‫دمشق مع كربوقا حاكم الموصل لمنازلة الفرنج والتضييق عليهم في انطاكيا التي سيطروا عليها‪ ،‬غير أن المسلمين خسروا هذه‬
‫المعركة بسبب دهاء ومكر مقدم الفرنج صنجيل الذي رتب حيلة مع راهب لهم أدت إلى سقوط انطاكيا بيد الفرنج في هذه‬
‫السنة(‪.)81‬‬

‫(‪ )76‬سبط ابن الجوزي‪ ،‬مرآة الزمان‪.75/20 ،‬‬


‫(‪ )77‬المصدر نفسه‪ ،‬ج ‪ 8‬ق‪.90-89/1‬‬
‫(‪ )78‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ 8‬ق ‪117-116 /1‬‬
‫(‪ )79‬الجميلي‪ ،‬الموصل في عهد السيطرة السلجوقية‪ ،‬موسوعة الموصل‪ ،‬مج ‪.127/2‬‬
‫(‪ )80‬الجميلي‪ ،‬إمارة الموصل‪ ،‬ص ‪.197‬‬
‫(‪ )81‬مرآة الزمان‪.492-491/19 ،‬‬
‫أما جكرمش فلم يكن غافالً عن مخططات الغزاة وأهدافهم التوسعية‪ ،‬فقد اتفق مع ُسكمان بن أرتق حاكم ماردين في شهر شعبان‬
‫من سنة (‪497‬هـ‪ 1103 /‬م) على الرحيل إلى رأس العين عازمين على لقاء الفرنج وقتالهم‪ ،‬وقد انتصر المسلمين في هذه المعركة‬
‫وقتلوا من الجنود الصليبيين أعداداً كبيرة‪ .‬وفي ذلك قال سبط ابن الجوزي‪" :‬ونهض بيمند وطغتكري من أنطاكيا إلى الرها بالعساكر‬
‫لينجدا صاحبها وعرف المسلمون فساروا إلى قريب الرها فصادفوهم والتقوا‪ ،‬فنصر هللا المسلمين عليهم‪ ،‬فقتلوا منهم عشرة أالف‬
‫ما بين راجل وفارس‪ ،‬وانهزم بيمند وطغتكري في نفر يسير‪ ،‬فقويت قلوب المسلمين"(‪.)82‬‬

‫وفي عهد حاكم الموصل مودود بن ألتونتكين الذي كان رجالً عسكرياً بارعاً بعيد النظر‪ ،‬فقد أمضى مدة واليته للموصل في‬
‫النضال ضد الفرنج‪ .‬وقد أدرك ضعف إمارة الرها الصليبية وضرورة توحيد قوى العراق والجزيرة وبالد الشام لمقاومة الغزو‬
‫الصليبي(‪ .)83‬ففي سنة (‪503‬هـ‪1109 /‬م) قاد حملة لحصار الرها‪ ،‬وتوجه إلى حلب لحمايتها من تهديد الفرنج‪ ،‬وتمكن من‬
‫استحصال أمر من السلطان محمد بن ملكشاه بجمع قوى أمراء الجزيرة وغيرها‪ ،‬فاجتمع أمراء تبريز وهمذان وديار بكر وماردين‬
‫تحت قيادته سنة (‪504‬هـ‪1110 /‬م)‪ .‬وفي سنة (‪505‬هـ‪1111 /‬م) كرر الهجوم على الرها(‪.)84‬‬

‫أما في عهد األمير أق سنقر البرسقي‪ ،‬فقد كانت له صفحة مشرفة في جهاده ضد الصليبيين‪ .‬وقد أوضح سبط ابن الجوزي أنه‬
‫في سنة (‪510‬هـ‪ 1116 /‬م) ورد الخبر بأن بدران بن صنجيل حاكم طرابلس جمع وحشد وسار إلى البقاع‪ ،‬وكان البرسقي حاكم‬
‫الموصل قد وصل إلى دمشق لمساعدة األتابك طغتكين‪ ،‬فتلقاهُ األخير وهجما على الفرنج‪ ،‬فوضعوا فيهم السيف قتالً وأس اًر‪ ،‬وقتل‬
‫نحو ثالثة آالف مقاتل وهرب ابن صنجيل وغنم المسلمون خيلهم وسالحهم ورجعوا‪ ،‬ورجع البرسقي إلى الموصل‪ ،‬وقد استحكمت‬
‫المودة بينه وبين طغتكين(‪ .)85‬كذلك بين سبط ابن الجوزي كيفية تملك البرسقي لمدينة حلب سنة (‪518‬هـ‪1124 /‬م)‪ ،‬فأشار إلى‬
‫أن الفرنج عندما أجتمعوا ونزلوا على حلب وضايقوها‪ ،‬قلت األقوات عندهم وأشرفوا على الهالك‪ ،‬فأرسلوا إلى األمير أق سنقر‬
‫حاكم الموصل يطلبون منه النجدة إلنقاذهم ويشرحون له حالهم‪ ،‬فسار إليهم في شهر ذي الحجة من هذه السنة مع عسكره‪.‬‬
‫وعن دما علم الفرنج بذلك‪ ،‬ولوا منهزمين وتبعهم جند أق سنقر فقتلوهم وأسروا منهم‪ ،‬وفتح اهل حلب األبواب ألق سنقر وجيشه‪،‬‬
‫وفرحوا بقدومه فعدل فيهم وجلب إليهم األقوات فرخصت األسعار وطابت القلوب(‪.)86‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬

‫يعد كتاب (مرآة الزمان في تواريخ األعيان) من أهم مؤلفات سبط ابن الجوزي وأشهرها‪ ،‬لما يتضمنه من أحداث موثقة وأخبار‬
‫موسعة‪ ،‬وهو من التواريخ اإلسالمية الحولية‪ ،‬إذ اتخذ فيه سرد األحداث منهجاً له ثم ألحق الوفيات في السنة الواحدة‪ .‬لذلك‪ ،‬هو‬
‫موسوعة تاريخية كبيرة الشتماله على أحداث فترة زمنية طويلة تمتد من ذكر بدء الخليفة إلى أحداث ووفيات سنة‬
‫(‪654‬هـ‪1256/‬م)‪ .‬ومن بين المواضيع المهمة التي تنأولها سبط ابن الجوزي في كتابه (مرآة الزمان)‪ ،‬تاريخ السالجقة‪ ،‬فقد أعطى‬
‫لهم في كتابه مساحات واسعة‪ ،‬السيما المقاومة السلجوقية للصليبيين وما قام به الحكام المحليون‪ ،‬كاألمراء السالجقة في مدينة‬
‫الموصل من مقاومتهم للصليبيين وصوالً إلى الدولة الزنكية‪ ،‬فقد أشار إلى البعض من األمراء السالجقة الذين حكموا الموصل‬

‫(‪ )82‬سبط ابن الجوزي مرآة الزمان‪.529/19 ،‬‬


‫(‪ )83‬الجلبي‪ ،‬موسوعة أعالم الموصل‪ ،‬مراجعة‪ :‬هاشم يحيى المالح‪ ،‬كلية الحدباء الجامعة‪( ،‬الموصل‪ ،)2004 :‬مج ‪.274/2‬‬
‫(‪ )84‬للمزيد من التفاصيل ينظر‪ :‬سبط ابن الجوزي‪ ،‬مرآة الزمان‪.48 ،45-43 ،38-37/20 ،‬‬
‫(‪ )85‬المصدر نفسه‪.95/20 ،‬‬
‫(‪ )86‬المصدر نفسه‪ ،‬ج‪ 8‬ق ‪.114-113 /1‬‬
‫وهم‪ :‬قوام الدولة أبو سعيد كربوقا‪ ،‬وشمس الدولة جكرمش‪ ،‬وقلج ارسالن‪ ،‬وجأولي سقاوة‪ ،‬ومودود بن التونتكين‪ ،‬واق سنقر‬
‫البرسقي‪ .‬وتميزت المادة التاريخية التي قدمها عن هؤالء األمراء باالختصار حيث ركز فيها على الجوانب السياسية والعسكرية‪،‬‬
‫ُ‬
‫إال أنها تميزت بكونها مادة متنوعة في مضامينها التاريخية تنأول فيها أمراء الموصل في العصر السلجوقي وكيفية سيطرتهم‬
‫على الموصل‪ ،‬عالقة أمراء الموصل بالسالطين السالجقة‪ ،‬ومن ثم جهاد هؤالء األمراء ضد الصليبيين‪.‬‬
‫المصادر والمراجع‬
‫أوالً‪ :‬المصادر‬
‫‪ -1‬األصفهاني‪ ،‬عماد الدين محمد بن محمد بن حامد (ت‪597‬هـ‪1200 /‬م)‪:‬‬
‫‪ -2‬تاريخ دولة آل سلجوق‪ ،‬اختصار الشيخ اإلمام الفتح بن علي بن محمد البنداري األصفهاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬لجنة إحياء التراث العربي‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫دار االفاق الجديدة‪( ،‬بيروت‪.)1980 :‬‬
‫‪ -3‬ابن الجوزي‪ ،‬ابو الفرج عبد الرحمن بن علي (ت ‪597‬هـ‪1200/‬م)‪:‬‬
‫‪ -4‬مشيخة ابن الجوزي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪( ،‬اثينا‪،)1980 :‬‬
‫‪ -5‬حاجي خليفة‪ ،‬مصطفى بن عبد هللا (ت ‪1067‬هـ‪1956/‬م)‪.‬‬
‫‪ -6‬كشف الظنون عن اسامي الكتب والفنون‪ ،‬مكتبة المثنى‪( ،‬بغداد‪ :‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -7‬الحموي‪ ،‬شهاب الدين ابي عبدهللا ياقوت بن عبدهللا (ت ‪626‬هـ‪1228 /‬م)‪:‬‬
‫‪ -8‬معجم البلدان‪ ،‬دار صادر‪( ،‬بيروت‪ :‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫ابن خلكان‪ ،‬أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر (ت ‪681‬هـ‪1282 /‬م)‪:‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ -10‬وفيات األعيان وأبناء أنباء الزمان‪ ،‬تقديم‪ :‬محمد عبد الرحمن المرعشلي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار إحياء التراث العربي‪( ،‬بيروت‪.)1997 :‬‬
‫‪ -11‬الذهبي‪ ،‬شمس الدين ابو عبد هللا محمد بن أحمد (ت ‪748‬هـ‪1348/‬م)‪:‬‬
‫‪ -12‬سير اعالم النبالء‪ ،‬جزء ‪ ،23‬تحقيق‪ :‬بشار عواد معروف ومحيي هالل سرحان‪ ،‬ط‪ ،11‬مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر‪( ،‬بيروت‪:‬‬
‫‪.)2001‬‬
‫‪ -13‬سبط ابن الجوزي‪ ،‬يوسف بن قزاوغلي بن عبد هللا (ت ‪654‬هـ‪1256/‬م)‪:‬‬
‫‪ -14‬مرآة الزمان في تاريخ األعيان‪ ،‬الجزء ‪ ،8‬مطبعة دائرة المعارف العثمانية‪( ،‬حيدر آباد الدكن‪1951 :‬م)‪.‬‬
‫‪ -15‬مرآة الزمان في تواريخ األعيان‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد بركات‪ ،‬كامل الخراط‪ ،‬عمار ريحاوي‪ ،‬محمد انس الخن‪ ،‬إبراهيم الزيبق‪ ،‬الجزء ‪ ،1‬الجزء‬
‫‪ ،19‬الجزء ‪ ،20‬ط‪ ،1‬دار الرسالة العالمية‪( ،‬بيروت‪.)2013 :‬‬
‫‪ -16‬السالمي‪ ،‬ابو المعالي محمد بن رافع (ت ‪774‬هـ‪1372/‬م)‪:‬‬
‫‪ -17‬تاريخ علماء بغداد المسمى منتخب المختار‪ ،‬صححه وعلق حواشيه‪ :‬عباس العزاوي‪ ،‬ط‪ ،2‬الدار العربية للموسوعات‪( ،‬بيروت‪:‬‬
‫‪.)2000‬‬
‫‪ -18‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرحمن (ت ‪911‬هـ‪1505/‬م)‪:‬‬
‫‪ -19‬تاريخ الخلفاء‪ ،‬مطبعة منير‪( ،‬بغداد‪.)1982 :‬‬
‫‪ -20‬ابن شداد‪ ،‬عز الدين ابو عبد هللا بن علي (ت ‪684‬هـ‪1285/‬م)‪:‬‬
‫‪ -21‬االعالق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة‪ ،‬الجزء ‪ ،2‬تحقيق‪ :‬سامي الدهان‪ ،‬المعهد الفرنسي للدراسات العربية‪( ،‬دمشق‪.)1962 :‬‬
‫‪ -22‬ابن العماد الحنبلي‪ ،‬ابو الفالح عبد الحي (ت ‪1089‬هـ‪1678/‬م)‪:‬‬
‫‪ -23‬شذرات الذهب في اخبار من ذهب‪ ،‬تحقيق‪ :‬لجنة احياء التراث العربي‪ ،‬دار االفاق الجديد‪( ،‬بيروت‪ :‬د‪.‬ت)‪.‬‬
‫‪ -24‬ابن كثير‪ ،‬عماد الدين اسماعيل بن عمر (ت ‪774‬هـ‪1372/‬م)‪:‬‬
‫‪ -25‬البداية والنهاية‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة المعارف‪( ،‬بيروت‪.)1977 :‬‬
‫‪ -26‬النعيمي‪ ،‬عبد القادر بن محمد (ت ‪927‬هـ‪1520/‬م)‪:‬‬
‫‪ -27‬الدارس في تاريخ المدارس‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪( ،‬بيروت‪.)1990 :‬‬
‫‪ -28‬اليونيني‪ ،‬قطب الدين ابو الفتح يوسف بن محمد (ت ‪726‬هـ‪1325/‬م)‪:‬‬
‫‪ -29‬ذيل مرآة الزمان‪ ،‬ط‪ ،1‬دائرة المعارف العثمانية‪( ،‬حيدر اباد الدكن‪1954 :‬‬
‫ثانياً‪ :‬المراجع‬
‫‪ -1‬بروكلمان‪ ،‬كارل‪:‬‬
‫تاريخ االدب العربي‪ ،‬ترجمة‪ :‬السيد يعقوب بكر‪ ،‬مراجعة‪ :‬رمضان عبد التواب‪ ،‬دار المعارف‪( ،‬القاهرة‪.)1967 :‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪ -3‬الجلبي‪ ،‬بسام إدريس‪:‬‬
‫‪ -4‬موسوعة أعالم الموصل‪ ،‬مراجعة‪ :‬هاشم يحيى المالح‪ ،‬كلية الحدباء الجامعة‪( ،‬الموصل‪)2004 :‬‬
‫‪ -5‬الجميلي‪ ،‬رشيد عبد هللا‪:‬‬
‫‪ -6‬إمارة الموصل في العصر السلجوقي (‪521-489‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،1‬مطبعة اوفسيت الحديثي‪( ،‬بغداد‪.)1980 :‬‬
‫‪ -7‬الموصل في عهد السيطرة السلجوقية ‪521-489‬هـ‪1127-1095 /‬م‪ ،‬موسوعة الموصل الحضارية‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الكتب للطباعة والنشر‪،‬‬
‫(الموصل‪.)1992 :‬‬
‫‪ -8‬الصائغ‪ ،‬سليمان‪:‬‬
‫تاريخ الموصل‪ ،‬المطبعة السلفية‪( ،‬مصر‪.)1923 :‬‬ ‫‪-9‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الرسائل واالطاريح الجامعية‬
‫‪ -1‬ال فتاح‪ ،‬شكيب راشد‪:‬‬
‫‪ -2‬سبط ابن الجوزي مؤرخاً للحروب الصليبية (دراسة في سيرته ونصوصه التاريخية)‪ ،‬أطروحة دكتوراه غير منشورة‪ ،‬كلية اآلداب‪( ،‬جامعة‬
‫الموصل‪)2007 :‬‬
‫رابعاً‪ :‬الدوريات‬
‫‪ -3‬خليل‪ ،‬عماد الدين‪:‬‬
‫(قوام الدولة أبو سعيد كربوقا)‪ ،‬مجلة آداب الرافدين‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة الموصل‪( ،‬الموصل‪ ،)1974 :‬العدد ‪.5‬‬ ‫‪-4‬‬
‫‪ -5‬المستادي‪ ،‬ريهام‪:‬‬

‫(الدولة الخوارزمية ومواجهتها للغزو المغولي)‪ ،) ،‬دورية كان التاريخية‪ ،‬السنة‪ ،2010 :‬العدد ‪ ،88‬والبحث نقالً عن المكتبة االفتراضية‬
‫العلمية العراقية على الموقع اإللكتروني‪www.ivsl.org :‬‬

You might also like