You are on page 1of 282

‫‪Elmahad.free.

fr‬‬ ‫‪1‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫الملخص الفقهي الجزء الثاني‬

‫قسم المعامالت وغيرها‬


‫تلخيص‬

‫صالح بن فوزان بن عبداهلل آل فوزان‬


‫غفر اهلل له ولوالديه وجلميع املسلمني‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪2‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫كتاب البيوع‬

‫باب يف أحكام البيوع‬

‫وض‪%%‬ح اهلل يف كتاب‪%%‬ه الك‪%%‬رمي وبني الن‪%%‬يب ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم يف س‪%%‬نته املطه‪%%‬رة أحك‪%%‬ام املع‪%%‬امالت ; حلاج‪%%‬ة الن‪%%‬اس‬
‫إىل ذل ‪%%‬ك ‪ ,‬حلاجتهم إىل الغ ‪%%‬ذاء ال ‪%%‬ذي تق ‪%%‬وى ب ‪%%‬ه أب ‪%%‬داهنم ‪ ,‬وإىل املالبس واملس ‪%%‬اكن واملراكب وغريه ‪%%‬ا من ض ‪%%‬روريات‬
‫احلياة ومكمالهتا ‪.‬‬

‫َو َأَح َّل الَّل ُه اْلَبْي َع‬ ‫وال‪%%‬بيع ج‪%%‬ائز بالكت‪%%‬اب والس‪%%‬نة واإلمجاع والقي‪%%‬اس ‪ - :‬ق‪%%‬ال تع‪%%‬اىل ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫ِم‬
‫َلْيَس َعَلْيُك ْم ُج َناٌح َأْن َتْبَتُغوا َفْض اًل ْن َر ِّبُك ْم‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬

‫البيع‪%%‬ان باخلي‪%%‬ار م‪%%‬ا مل يتفرق‪%%‬ا ‪ ,‬فإن ص‪%%‬دقا وبين‪%%‬ا ب‪%%‬ورك هلم‪%%‬ا يف‬ ‫وق‪%%‬ال الن‪%%‬يب ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم ‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪.‬‬ ‫بيعهما ‪ ,‬وإن كذبا وكتما حمقت بركة بيعهما‬
‫وقد أمجع العلماء على ذلك يف اجلملة ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫وأم ‪%%‬ا القي ‪%%‬اس فمن ناحي ‪%%‬ة ‪ :‬أن حاج ‪%%‬ة الن ‪%%‬اس داعي ‪%%‬ة إىل وج ‪%%‬ود ال ‪%%‬بيع ; ألن حاج ‪%%‬ة اإلنس ‪%%‬ان تتعل ‪%%‬ق مبا يف ي ‪%%‬د‬ ‫‪-‬‬
‫ص‪%%‬احبه من مثن أو مثمن ‪ ,‬وه‪%%‬و ال يبذل ‪%%‬ه إال بع ‪%%‬وض ‪ ,‬فاقتضت احلكم ‪%%‬ة ج‪%%‬واز ال ‪%%‬بيع للوص‪%%‬ول إىل الغ ‪%%‬رض‬
‫املطلوب ‪.‬‬

‫وينعقد البيع بالص‪%‬يغة القولي‪%‬ة أو الص‪%‬يغة الفعلي‪%‬ة ‪ - .‬والص‪%‬يغة القولي‪%‬ة تتك‪%‬ون من ‪ :‬اإلجياب وه‪%‬و اللف‪%‬ظ الص‪%‬ادر‬
‫من البائع ‪ ,‬كأن يقول ‪ :‬بعت ‪ .‬والقبول وهو اللفظ الصادر من املشرتي ‪ ,‬كأن يقول ‪ :‬اشرتيت ‪.‬‬

‫والص‪%%‬يغة الفعلي‪%%‬ة هي املعاط‪%%‬اة ال‪%%‬يت تتك‪%%‬ون من األخ‪%%‬ذ واإلعط‪%%‬اء ‪ ,‬ك‪%%‬أن ي‪%%‬دفع إلي‪%%‬ه الس‪%%‬لعة ‪ ,‬في‪%%‬دفع ل‪%%‬ه مثنه‪%%‬ا‬ ‫‪-‬‬
‫املعتاد ‪.‬‬
‫وقد تكون الصيغة مركبة من القولية والفعلية ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫قال الشيخ تقي الدين رمحه اهلل ‪ " :‬بيع املعاطاة له صور ‪:‬‬

‫إح‪%%‬داها‪ :‬أن يص‪%%‬در من الب‪%%‬ائع إجياب لفظي فق‪%%‬ط ‪ ,‬ومن املش‪%%‬رتي أخ‪%%‬ذ ; كقول‪%%‬ه ‪ :‬خ‪%%‬ذ ه‪%%‬ذا الث‪%%‬وب ب‪%%‬دينار فيأخ‪%%‬ذه ‪,‬‬
‫وكذلك لو كان الثمن معينا ; مثل أن يقول ‪ :‬خذ هذا الثوب بثوبك فيأخذه ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬أن يصدر من املشرتي لفظ ‪ ,‬ومن البائع إعطاء ‪ ,‬سواء كان الثمن معينا أو مضمونا يف الذمة ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪3‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫الثالثة ‪ :‬أن ال يلفظ واحد منهما ‪ ,‬بل هناك عرف بوضع الثمن وأخذ املثمن " انتهى ‪.‬‬

‫باب يف أحكام البيوع (تابع)‬

‫ويش‪%%‬رتط لص‪%%‬حة ال‪%%‬بيع ش‪%%‬روط ‪ ,‬منه‪%%‬ا م‪%%‬ا يش‪%%‬رتط يف العاق‪%%‬دين ومنه‪%%‬ا م‪%%‬ا يش‪%%‬رتط يف املعق‪%%‬ود علي‪%%‬ه ‪ ,‬إذا فق‪%%‬د منه‪%%‬ا‬
‫شرط مل يصح البيع ‪ - :‬فيشرتط يف العاقدين ‪:‬‬

‫ِإاَّل َأْن َتُك وَن َجِتاَر ًة‬ ‫أوال ‪ :‬الرتاضي منهم‪%‬ا ‪ ,‬فال يص‪%‬ح ال‪%‬بيع إذا ك‪%‬ان أح‪%‬دمها مكره‪%‬ا بغ‪%‬ري ح‪%‬ق ; لقول‪%‬ه تع‪%‬اىل ‪:‬‬
‫ِم‬
‫رواه ابن حب ‪%%‬ان‬ ‫إمنا ال ‪%%‬بيع عن ت ‪%%‬راض‬ ‫َعْن َتَر اٍض ْنُك ْم‬
‫وق ‪%%‬ال الن ‪%%‬يب ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم ‪:‬‬
‫وابن ماجه وغريمها ‪ ,‬فإن كان اإلكراه حبق صح البيع ; كم‪%‬ا ل‪%‬و أكره‪%‬ه احلاكم على بي‪%‬ع م‪%‬ا ل‪%‬ه لوفاء دين‪%‬ه ‪ ,‬فإن ه‪%‬ذا‬
‫إكراه حبق ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬يشرتط يف كل من العاقدين أن يكون جائز التصرف ; بأن يكون حرا مكلفا رشيدا ‪ ,‬فال يصح ال‪%%‬بيع والش‪%%‬راء‬
‫من صيب وسفيه وجمنون ومملوك بغري إذن سيده ‪.‬‬

‫ثالث‪%%‬ا ‪ :‬يش‪%%‬رتط يف ك‪%%‬ل من العاق‪%%‬دين أن يك‪%%‬ون مالك‪%%‬ا للمعق‪%%‬ود علي‪%%‬ه أو قائم‪%%‬ا مق‪%%‬ام مالك‪%%‬ه ‪ ,‬لق‪%%‬ول الن‪%%‬يب ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه‬
‫رواه ابن ماجه والرتمذي وصححه ; أي ‪ :‬ال تبع ما‬ ‫ال تبع ما ليس عندك‬ ‫وسلم حلكيم بن حزام ‪:‬‬
‫ليس يف ملك ‪%%‬ك من األعي ‪%%‬ان ‪ .‬ق ‪%%‬ال ال ‪%%‬وزير ‪ " :‬اتفق ‪%%‬وا على أن ‪%%‬ه ال جيوز بي ‪%%‬ع م ‪%%‬ا ليس عن ‪%%‬ده وال يف ملك ‪%%‬ه ‪ ,‬مث ميضي‬
‫فيشرتيه له ‪ ,‬وأنه باطل " ‪.‬‬

‫ويشرتط يف املعقود عليه يف البيع‬ ‫‪-‬‬

‫أوال ‪ :‬أن يكون مما يباح االنتفاع به مطلقا ; فال يصح بيع ما حيرم االنتفاع به ; كاخلمر واخلنزير وآلة اللهو وامليت‪%%‬ة ;‬
‫متف‪%%‬ق علي‪%%‬ه ‪ ,‬وأليب داود ‪:‬‬ ‫إن اهلل ح‪%%‬رم بي‪%%‬ع امليت‪%%‬ة واخلم‪%%‬ر واألص‪%%‬نام‬ ‫لقول‪%%‬ه ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم ‪:‬‬
‫وال يص‪%%‬ح بي‪%%‬ع األده‪%%‬ان النجس‪%%‬ة وال‬ ‫ح‪%%‬رم اخلم‪%%‬ر ومثنه‪%%‬ا ‪ ,‬وح‪%%‬رم امليت‪%%‬ة ومثنه‪%%‬ا ‪ ,‬وح‪%%‬رم اخلنزير ومثن‪%%‬ه‬
‫ويف املتف‪%‬ق علي‪%‬ه ‪:‬‬ ‫إن اهلل إذا ح‪%‬رم ش‪%‬يئا ح‪%‬رم مثن‪%‬ه‬ ‫املتنجسة ; لقوله ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم ‪:‬‬
‫أرأيت ش‪%% %‬حوم امليت‪%% %‬ة فإهنا تطلى هبا الس‪%% %‬فن ‪ ,‬وت‪%% %‬دهن هبا اجلل‪%% %‬ود ‪ ,‬ويستص‪%% %‬بح هبا الن‪%% %‬اس ؟ فق‪%% %‬ال ‪ :‬ال ‪ ,‬ه‪%% %‬و ح‪%% %‬رام‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪4‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ثانيا ‪ :‬ويشرتط يف املعقود عليه يف البيع من مثن ومثمن أن يكون مقدورا على تسليمه ; ألن م‪%%‬ا ال يق‪%%‬در على تس‪%%‬ليمه‬
‫ش‪%%‬بيه باملع‪%%‬دوم ‪ ,‬فلم يص‪%%‬ح بيع‪%%‬ه ; فال يص‪%%‬ح بي‪%%‬ع عب‪%%‬د آب‪%%‬ق وال بي‪%%‬ع مجل ش‪%%‬ارد ‪ ,‬والط‪%%‬ري يف اهلواء ‪ ,‬وال بي‪%%‬ع مغص‪%%‬ومبن‬
‫غري غاصبه أو قادر على أخذه من الغاصب ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬يشرتط يف الثمن واملثمن أن يك‪%‬ون ك‪%‬ل منهم‪%‬ا معلوم‪%‬ا عن‪%‬د املتعاق‪%‬دين ‪ ,‬ألن اجلهال‪%‬ة غ‪%‬رر ‪ ,‬والغ‪%‬رر منهي عن‪%‬ه ;‬
‫فال يص‪%%‬ح ش‪%%‬راء م‪%%‬ا مل ي‪%%‬ره ‪ ,‬أو رآه وجهل‪%%‬ه ‪ ,‬وال بي‪%%‬ع محل يف بطن ولنب يف ض‪%%‬رع منف‪%%‬ردين ‪ ,‬وال يص‪%%‬ح بي‪%%‬ع املالمس‪%%‬ة‬
‫كأن يقول ‪ :‬أي ثوب ملسته فهو عليك بكذا ‪ ,‬وال بيع املنابذة ; كأن يق‪%‬ول ‪ :‬أي ث‪%‬وب نبذت‪%‬ه إيل ‪ -‬أي ‪ :‬طرحت‪%‬ه ‪-‬‬
‫" أن الن‪%‬يب ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم هنى عن املالمس‪%‬ة واملناب‪%‬ذة "‬ ‫فهو بكذا ‪ ,‬حلديث أيب هريرة رض‪%‬ي اهلل عن‪%‬ه ‪:‬‬
‫متفق عليه ‪ ,‬وال يصح بيع احلصاة ; كقوله ‪ :‬ارم هذه احلصاة فعلى أي ثوب وقعت فهو لك بكذا ‪.‬‬

‫باب يف بيان البيوع املنهي عنها‬

‫اهلل سبحانه أباح لعب‪%‬اده ال‪%‬بيع والش‪%‬راء ‪ ,‬م‪%‬ا مل ي‪%‬رتتب على ذل‪%‬ك تف‪%‬ويت ملا ه‪%‬و أنف‪%‬ع وأهم ; ك‪%‬أن ي‪%‬زاحم ذل‪%‬ك‬
‫أداء عبادة واجبة ‪ ,‬أو يرتتب على ذلك إضرار باآلخرين ‪.‬‬

‫َيا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا‬ ‫فال يصح البيع وال الشراء ممن تلزمه صالة اجلمعة بعد ندائها الث‪%‬اين ; لقول‪%‬ه تع‪%‬اىل ‪:‬‬
‫فق‪%%‬د هنى‬ ‫ِإَذا ُنوِدَي ِللَّصاَل ِة ِم ْن َيْو ِم اُجْلُم َعِة َفاْس َعْو ا ِإىَل ِذ ْك ِر الَّل ِه َو َذُر وا اْلَبْي َع َذِلُك ْم َخ ْيٌر َلُك ْم ِإْن ُكْنُتْم َتْع َلُم وَن‬
‫اهلل سبحانه وتعاىل عن البيع وقت النداء لصالة اجلمعة لئال يتخذ ذريعة إىل التشاغل بالتجارة عن حضورها ‪ ,‬وخص‬
‫البيع ألنه من أهم ما يشتغل ب‪%‬ه املرء من أس‪%‬باب املع‪%%‬اش ‪ ,‬والنهي يقتضي التح‪%‬رمي وع‪%‬دم ص‪%‬حة ال‪%‬بيع ‪ ,‬مث ق‪%‬ال تع‪%‬اىل ‪:‬‬
‫من‬ ‫يع ‪%% %‬ين ‪ :‬ال ‪%% %‬ذي ذك ‪%% %‬رت لكم من ت ‪%% %‬رك ال ‪%% %‬بيع وحضور اجلمع ‪%% %‬ة ‪,‬‬ ‫ِل‬
‫َخ ْيٌر َلُك ْم‬ ‫َذ ُك ْم‬
‫مصاحل أنفسكم ‪ ,‬وكذلك التشاغل بغري البيع عن الصالة حمرم ‪.‬‬ ‫ِإْن ُكْنُتْم َتْع َلُم وَن‬ ‫االشتغال بالبيع ‪,‬‬

‫وك ‪%%‬ذلك بقي ‪%%‬ة الص ‪%%‬لوات املفروض ‪%%‬ة ال جيوز التش ‪%%‬اغل عنه ‪%%‬ا ب ‪%%‬البيع والش ‪%%‬راء وغريمها بع ‪%%‬دما ين ‪%%‬ادى حلضورها يف‬
‫يِف ُبُيوٍت َأِذَن الَّل ُه َأْن ُتْر َفَع َو ُيْذ َك َر ِفيَه ا اُمْسُه ُيَس ِّبُح َلُه ِفيَه ا ِباْلُغُد ِّو َو اآْل َص اِل ِر َج اٌل اَل‬ ‫املساجد ‪ ,‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫ِل ِز‬ ‫َّل ِف ِه‬ ‫ِة‬ ‫ِة ِإ ِء‬ ‫ِذ ِر َّل ِه ِإ ِم‬ ‫ِه ِه‬
‫ُتْل ي ْم َجِتاَر ٌة َو اَل َبْيٌع َعْن ْك ال َو َق ا الَّص اَل َو يَت ا الَّز َك ا َخَياُفوَن َيْو ًم ا َتَتَق ُب ي‪ %‬اْلُقُل وُب َو اَأْلْبَص اُر َيْج َيُه ُم‬
‫اٍب‬ ‫ِب ِرْي ِح‬ ‫َن َم ا َعِم ُل وا َو َيِز ي ‪َ% % % % % % % % %‬د ُه ْم ِم ْن َفْض ِلِه َّل‬ ‫َّل‬
‫َو ال ُه َيْر ُز ُق َمْن َيَش اُء َغ َس‬ ‫ال ُه َأْح َس‬
‫وك‪%%‬ذلك ال يص‪%%‬ح بي‪%%‬ع الش‪%%‬يء على من يس‪%%‬تعني ب‪%%‬ه على معص‪%%‬ية اهلل ويس‪%%‬تخدمه فيم‪%%‬ا ح‪%%‬رم اهلل ‪ ,‬فال يص‪%%‬ح بي‪%%‬ع العص‪%%‬ري‬
‫وذلك إعانة على العدوان ‪.‬‬ ‫اَل ا ُنوا َلى اِإْلِمْث اْل ْد اِن‬ ‫على من يتخذه مخرا ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َو ُع َو‬ ‫َو َتَع َو َع‬

‫باب يف بيان البيوع املنهي عنها (تابع)‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪5‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وك ‪%%‬ذا ال جيوز وال يص ‪%%‬ح بي ‪%%‬ع س ‪%%‬الح يف وقت الفتن ‪%%‬ة بني املس ‪%%‬لمني ; لئال يقت ‪%%‬ل ب ‪%%‬ه مس ‪%%‬لم ‪ ,‬وك ‪%%‬ذا مجي ‪%%‬ع آالت‬
‫َو اَل َتَع اَو ُنوا َعَلى‬ ‫القتال ال جيوز بيعها يف مثل هذه احلالة ; ألنه صلى اهلل عليه وسلم هنى عن ذلك ‪ ,‬ولقول‪%‬ه ‪:‬‬
‫اِإْلِمْث اْل ْد اِن‬
‫َو ُع َو‬

‫ق ‪%%‬ال ابن القيم ‪ " :‬ق ‪%%‬د تظ ‪%%‬اهرت أدل ‪%%‬ة الش ‪%%‬رع على أن القص ‪%%‬ود يف العق ‪%%‬ود معت ‪%%‬ربة ‪ ,‬وأهنا ت ‪%%‬ؤثر يف ص ‪%%‬حة العق ‪%%‬د‬
‫وفس‪%%‬اده ‪ ,‬ويف حل‪%%‬ه وحرمت‪%%‬ه ‪ ,‬فالس‪%%‬الح يبيع‪%%‬ه الرج‪%%‬ل ملن يع‪%%‬رف أن‪%%‬ه يقت‪%%‬ل ب‪%%‬ه مس‪%%‬لما ح‪%%‬رام باط‪%%‬ل ; ملا في‪%%‬ه من اإلعان‪%%‬ة‬
‫على اإلمث والع‪%‬دوان ‪ ,‬وإذا باع‪%‬ه ملن يع‪%‬رف أن‪%‬ه جياه‪%‬د ب‪%‬ه يف س‪%‬بيل اهلل ‪ ,‬فه‪%‬و طاع‪%‬ة وقرب‪%‬ة ‪ ,‬وك‪%‬ذا ال جيوز بي‪%‬ع س‪%‬الح‬
‫ملن حياربون املسلمني أو يقطعون به الطريق ‪ ,‬ألنه إعانة على معصية " ‪.‬‬

‫وال جيوز بيع عبد مسلم لكافر إذا مل يعتق عليه ; ملا يف ذل‪%‬ك من الص‪%%‬غار وإذالل املس‪%‬لم للك‪%‬افر ‪ ,‬وق‪%‬د ق‪%‬ال اهلل‬
‫"‬ ‫وق‪%%‬ال الن‪%%‬يب ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم ‪:‬‬ ‫َو َلْن ْجَيَع َل الَّل ُه ِلْلَك اِفِر يَن َعَلى اْلُم ْؤ ِمِنَني َس ِبياًل‬ ‫تع‪%%‬اىل ‪:‬‬
‫اإلسالم يعلو وال يعلى عليه "‬

‫* وحيرم بيعه على بيع أخيه املسلم كأن يقول ملن اشرتى سلعة بعشرة ‪ :‬أن‪%‬ا أعطي‪%‬ك مثله‪%%‬ا بتس‪%%‬عة ‪ ,‬أو أعطي‪%‬ك‬
‫متف‪%%‬ق علي‪%‬ه‬ ‫" وال يبع بعضكم على بي‪%‬ع بعض "‬ ‫خريا منها بثمنها ‪ ,‬قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫متفق عليه ‪.‬‬ ‫" ال يبع الرجل على بيع أخيه "‬ ‫‪ ,‬وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫وكذا حيرم ش‪%‬راؤه على ش‪%‬رائه ‪ ,‬ك‪%‬أن يق‪%‬ول ملن ب‪%‬اع س‪%‬لعته بتس‪%‬عة ‪ :‬أش‪%‬رتيها من‪%‬ك بعش‪%‬رة ‪ .‬وكم حيص‪%‬ل الي‪%‬وم‬
‫يف أسواق املسلمني من أمثال هذه املعامالت احملرمة ‪ ,‬فيجب على املسلم اجتناب ذلك ‪ ,‬والنهي عنه ‪ ,‬وإنك‪%%‬اره على‬
‫من فعله ‪.‬‬

‫* ومن البيوع احملرمة ‪ :‬بيع احلاضر للبادي واحلاضر ‪ :‬هو املقيم يف املدن والقرى ‪ ,‬والبادي ‪ :‬القادم من البادي‪%%‬ة‬
‫قال ابن عباس رضي اهلل عن‪%%‬ه ‪ " :‬ال‬ ‫" ال يبع حاضر لباد "‬ ‫أو غريها ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫يك ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ون ل ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ه مسس ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ارا ( أي ‪ :‬دالال ) يتوس ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ط بني الب ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ائع واملش ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬رتي " ‪.‬‬
‫وكم ‪%%‬ا أن‪%% %‬ه ال جيوز‬ ‫" دع‪%% %‬وا الن‪%% %‬اس ي‪%% %‬رزق اهلل بعضهم من بعض "‬ ‫وق‪%% %‬ال ص‪%% %‬لى اهلل علي‪%% %‬ه وس‪%% %‬لم ‪:‬‬
‫للحاضر أن يتوىل بيع س‪%‬لعة الب‪%‬ادي ‪ ,‬ك‪%‬ذلك ال ينبغي ل‪%‬ه أن يش‪%‬رتي ل‪%‬ه ‪ .‬واملمن‪%‬وع ه‪%‬و أن ي‪%‬ذهب احلاض‪%‬ر إىل الب‪%‬ادي‬
‫ويقول له ‪ :‬أنا أبيع لك أو أشرتي لك ‪ .‬أما إذا جاء البادي للحاض‪%‬ر ‪ ,‬وطلب من‪%‬ه أن ي‪%‬بيع ل‪%‬ه أو يش‪%‬رتي ل‪%‬ه فال م‪%‬انع‬
‫من ذلك ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪6‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* ومن ال‪%%‬بيوع احملرم‪%%‬ة ‪ :‬بي‪%%‬ع العين‪%%‬ة وه‪%%‬و أن ي‪%%‬بيع س‪%%‬لعة على ش‪%%‬خص بثمن مؤج‪%%‬ل ‪ ,‬مث يش‪%%‬رتيها من‪%%‬ه بثمن ح‪%%‬ال‬
‫أقل من املؤجل ‪ ,‬كأن ي‪%‬بيع علي‪%‬ه س‪%‬يارة بعش‪%‬رين ألف‪%‬ا إىل أج‪%‬ل ‪ ,‬مث يش‪%‬رتيها من‪%‬ه خبمس‪%‬ة عش‪%‬ر ألف‪%‬ا حال‪%‬ة يس‪%‬لمها ل‪%‬ه ‪,‬‬
‫وتبقى العش‪%%‬رون األل‪%%‬ف يف ذمت‪%%‬ه إىل حل‪%%‬ول األج‪%%‬ل ; فيح‪%%‬رم ذل‪%%‬ك ألن‪%%‬ه حيل‪%%‬ة يتوص‪%%‬ل هبا إىل الرب‪%%‬ا ‪ ,‬فكأن‪%%‬ه ب‪%%‬اع دراهم‬
‫مؤجلة بدراهم حالة مع التفاضل ‪ ,‬وجعل السلعة حيلة فقط ‪.‬‬

‫إذا تب‪%%‬ايعتم بالعين‪%%‬ة ‪ ,‬وأخ‪%%‬ذمت أذن‪%%‬اب البق‪%%‬ر ‪ ,‬وت‪%%‬ركتم اجله‪%%‬اد ‪ ,‬س‪%%‬لط‬ ‫ق‪%%‬ال الن‪%%‬يب ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم ‪:‬‬
‫ي ‪%%‬أيت على‬ ‫وق ‪%%‬ال ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم ‪:‬‬ ‫اهلل عليكم ذال ‪ ,‬ال ينزع ‪%%‬ه منكم ح ‪%%‬ىت ترجع ‪%%‬وا إىل دينكم‬
‫الناس زمان يستحلون الربا بالبيع‬

‫باب يف أحكام الشروط يف البيع‬

‫الشروط يف البيع كثرية الوقوع ‪ ,‬وقد حيتاج املتبايعان أو أحدمها إىل ش‪%%‬رط أو أك‪%‬ثر ‪ ,‬فاقتضى ذل‪%%‬ك‬ ‫‪‬‬
‫البحث يف الشروط ‪ ,‬وبيان ما يصح ويلزم منها وما ال يصح ‪.‬‬
‫والفقهاء رمحهم اهلل يعرفون الشرط يف البيع بأنه إلزام أح‪%‬د املتعاق‪%‬دين اآلخ‪%‬ر بس‪%‬بب العق‪%‬د م‪%‬ا ل‪%‬ه في‪%‬ه‬ ‫‪‬‬
‫منفعة ‪ ,‬وال يعترب الشرط يف البيع عندهم س‪%‬اري املفع‪%‬ول إال إذا اش‪%‬رتط يف ص‪%‬لب العق‪%‬د ; فال يص‪%%‬ح‬
‫االشرتاط قبل العقد وال بعده ‪.‬‬
‫والش ‪%% % % % % % % % % % % % % % %‬روط يف ال ‪%% % % % % % % % % % % % % % %‬بيع تنقس ‪%% % % % % % % % % % % % % % %‬م إىل قس ‪%% % % % % % % % % % % % % % %‬مني ‪ :‬ص ‪%% % % % % % % % % % % % % % %‬حيحة وفاس ‪%% % % % % % % % % % % % % % %‬دة ‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫أوال ‪ :‬الش‪%%‬روط الص‪%%‬حيحة ‪ :‬وهي الش‪%%‬روط ال‪%%‬يت ال ختالف مقتضى العق‪%%‬د وه‪%%‬ذا القس‪%%‬م يل‪%%‬زم العم‪%%‬ل‬
‫وألن األصل‬ ‫" املسلمون على شروطهم "‬ ‫مبقتضاه ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫يف الشروط الصحة ‪ ,‬إال ما أبطله الشارع وهنى عنه ‪.‬والقسم الصحيح من الشروط نوعان ‪:‬‬

‫الن ‪%%‬وع األول ‪ :‬ش ‪%%‬رط ملص ‪%%‬لحة العق ‪%%‬د حبيث يتق ‪%%‬وى ب ‪%%‬ه العق ‪%%‬د ‪ ,‬وتع ‪%%‬ود مص ‪%%‬لحته على املش ‪%%‬رتط ; كاش ‪%%‬رتاط‬
‫التوثي‪%%‬ق ب‪%%‬الرهن ‪ ,‬أو اش‪%%‬رتاط الضامن ‪ ,‬وه‪%%‬ذا يطمئن الب‪%%‬ائع ‪ ,‬واش‪%%‬رتاط تأجي‪%%‬ل الثمن أو تأجي‪%%‬ل بعضه إىل م‪%%‬دة‬
‫معلومة ‪ ,‬وهذا يستفيد منه املشرتي ‪ ,‬فإذا ويف هبذا الشرط ‪ ,‬ل‪%‬زم ال‪%‬بيع ‪ ,‬وك‪%‬ذلك ل‪%‬و اش‪%‬رتط املش‪%‬رتي ص‪%‬فة يف‬
‫املبيع ‪ ,‬مث‪%‬ل كون‪%‬ه من الن‪%‬وع اجلي‪%‬د أو من الص‪%‬ناعة الفالني‪%‬ة أو اإلنت‪%‬اج الفالين ; ألن الرغب‪%‬ات ختتل‪%‬ف ب‪%‬اختالف‬
‫ذلك ‪ ,‬فإن أتى املبيع على الوص‪%‬ف املش‪%‬رتط ل‪%‬زم ال‪%‬بيع ‪ ,‬وإن اختل‪%‬ف عن‪%‬ه ; فللمش‪%‬رتي الفس‪%‬خ أو اإلمس‪%‬اك م‪%‬ع‬
‫تعويضه عن فقد الشرط ‪ ,‬حبيث يقوم املبيع مع تقدير وج‪%‬ود الص‪%‬فة املش‪%‬رتطة ‪ ,‬مث يق‪%‬وم م‪%‬ع فق‪%‬دها ‪ ,‬وي‪%‬دفع ل‪%‬ه‬
‫الفرق بني القيمتني إذا طلب ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪7‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫الن‪%‬وع الث‪%‬اين من الش‪%‬روط الص‪%‬حيحة يف ال‪%‬بيع ‪ :‬أن يش‪%‬رتط أح‪%‬د املتعاق‪%‬دين على اآلخ‪%‬ر ب‪%‬ذل منفع‪%‬ة مباح‪%‬ة يف‬
‫املبيع ; كأن يشرتط البائع سكىن الدار املبيعة مدة معينة ‪ ,‬أو أن حيم‪%‬ل على الداب‪%‬ة أو الس‪%‬يارة املبيع‪%‬ة إىل موض‪%‬ع‬
‫" أن الن‪%% %‬يب ص‪%% %‬لى اهلل علي‪%% %‬ه وس‪%% %‬لم ب‪%% %‬اع مجال واش‪%% %‬رتط ظه‪%% %‬ره إىل املدين‪%% %‬ة "‬ ‫معني ; ملا روى ج‪%% %‬ابر ‪:‬‬
‫متفق عليه ‪ ,‬فاحلديث يدل على جواز بيع الدابة مع استثناء ركوهبا إىل موضع معني ‪ ,‬ويق‪%%‬اس عليه‪%%‬ا‬
‫غريها ‪ ,‬وكذا لو اشرتط املشرتي على البائع بذل عمل يف املبيع ; كأن يشرتي منه حطبا ‪ ,‬ويشرتط عليه محله‬
‫إىل موضع معلوم ‪ ,‬أويشرتي منه ثوبا ‪ ,‬ويشرتط عليه خياطته ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الشروط الفاسدة ‪ :‬وهذا القسم أنواع ‪:‬‬

‫الن‪%‬وع األول ‪ :‬ش‪%‬رط فاس‪%‬د يبط‪%‬ل العق‪%‬د من أص‪%‬له ‪ ,‬ومثال‪%‬ه أن يش‪%‬رتط أح‪%‬دمها على اآلخ‪%‬ر عق‪%‬دا آخ‪%‬ر ‪ ,‬ك‪%‬أن يق‪%‬ول ‪:‬‬
‫بعت ‪%%‬ك ه ‪%%‬ذه الس ‪%%‬لعة بش ‪%%‬رط أن ت ‪%%‬ؤجرين دارك ‪ ,‬أو يق ‪%%‬ول ‪ :‬بعت ‪%%‬ك ه ‪%%‬ذه الس ‪%%‬لعة بش ‪%%‬رط أن تش ‪%%‬ركين مع ‪%%‬ك يف عمل ‪%%‬ك‬
‫الفالين أو يف بيت‪%%‬ك ‪ ,‬أو يق‪%%‬ول ‪ :‬بعت‪%%‬ك ه‪%%‬ذه الس‪%%‬لعة بك‪%%‬ذا بش‪%%‬رط أن تقرض‪%%‬ين مبل‪%%‬غ ك‪%%‬ذا من ال‪%%‬دراهم ; فه‪%%‬ذا الش‪%%‬رط‬
‫فاسد ‪ ,‬وهو يبطل العقد من أساسه ‪ ,‬لنهي النيب صلى اهلل عليه وس‪%‬لم عن بيع‪%‬تني يف بيع‪%‬ة وق‪%‬د فس‪%‬ر اإلم‪%%‬ام أمحد رمحه‬
‫اهلل احلديث مبا ذكرنا ‪.‬‬

‫النوع الثاين من الشروط الفاسدة يف البيع ‪ :‬ما يفسد يف نفسه ‪ ,‬وال يبطل البيع ; مثل أن يش‪%‬رتط املش‪%‬رتي على الب‪%‬ائع‬
‫أن‪%%‬ه إن خس‪%%‬ر يف الس‪%%‬لعة رده‪%%‬ا علي‪%%‬ه ‪ ,‬أو ش‪%%‬رط الب‪%%‬ائع على املش‪%%‬رتي أن ال ي‪%%‬بيع الس‪%%‬لعة وحنو ذل‪%%‬ك فه‪%%‬ذا ش‪%%‬رط فاس‪%%‬د ;‬
‫ألن‪%‬ه خيالف مقتضى العق‪%‬د ‪ ,‬ألن مقتضى ال‪%‬بيع أن يتص‪%‬رف املش‪%‬رتي يف الس‪%‬لعة تص‪%‬رفا مطلق‪%‬ا ‪ ,‬ولقول‪%‬ه ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه‬
‫متف ‪%%‬ق علي ‪%%‬ه ‪,‬‬ ‫" من اش ‪%%‬رتط ش ‪%%‬رطا ليس يف كت ‪%%‬اب اهلل فه ‪%%‬و باط ‪%%‬ل وإن ك ‪%%‬ان مائ ‪%%‬ة ش ‪%%‬رط "‬ ‫وس ‪%%‬لم ‪:‬‬
‫واملراد بكتاب اهلل هنا حكمه ; ليشمل ذلك سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫والبيع ال يبطل مع بطالن هذا الشرط ; ألن النيب ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم يف قص‪%‬ة بري‪%‬رة حينم‪%‬ا اش‪%‬رتط بائعه‪%‬ا‬
‫" إمنا ال‪%%‬والء ملن أعت‪%‬ق "‬ ‫والءها له إن أعتقت أبطل الشرط ‪ ,‬ومل يبطل العقد ‪ ,‬وقال صلى اهلل علي‪%‬ه وس‪%%‬لم ‪:‬‬

‫* إنه ينبغي للمسلم الذي يشتغل بالبيع والشراء أن يتعلم أحكام البيع وما يصح في‪%‬ه من الش‪%‬روط وم‪%‬ا ال يص‪%‬ح‬
‫; ح‪%%‬ىت يك‪%%‬ون على بص‪%%‬رية يف معاملت‪%%‬ه ‪ ,‬ولتنقط‪%%‬ع اخلص‪%%‬ومات واملنازع‪%%‬ات بني املس‪%%‬لمني ; فإن غالبه‪%%‬ا ينش‪%%‬أ من جه‪%%‬ل‬
‫املتبايعني أو أحدمها بأحكام البيع ‪ ,‬واشرتاطهم شروطا فاسدة ‪.‬‬

‫باب يف أحكام اخليار يف البيع‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪8‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* دين اإلس‪%‬الم دين مسح ش‪%‬امل ‪ ,‬ي‪%‬راعي املص‪%%‬احل والظ‪%‬روف ‪ ,‬ويرفع احلرج واملش‪%‬قة عن األم‪%‬ة ‪ ,‬ومن ذل‪%‬ك م‪%‬ا‬
‫ش‪%‬رعه يف ال‪%‬بيع من إعط‪%‬اء اخلي‪%‬ار للعاق‪%‬د ‪ ,‬لي‪%‬رتوى يف أم‪%‬ره وينظ‪%‬ر يف مص‪%%‬لحته من وراء تل‪%‬ك الص‪%%‬فقة ; فيق‪%‬دم على م‪%‬ا‬
‫يؤم ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ل من ورائ ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ه اخلري ‪ ,‬وحيجم وي ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬رتاجع عم ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ا ال ي ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬راه يف مص ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬لحته ‪.‬‬
‫* فاخليار يف البيع معناه طلب خري األمرين من اإلمضاء أو الفسخ‬

‫وهو مثانية أقسام ‪- :‬‬

‫أوال ‪ :‬خي‪%%‬ار اجمللس أي املك‪%%‬ان ال‪%%‬ذي ج‪%%‬رى في‪%%‬ه التب‪%%‬ايع ; فلك‪%%‬ل من املتب‪%%‬ايعني اخلي‪%%‬ار م‪%%‬ا دام‪%%‬ا يف اجمللس ‪ ,‬ودليل‪%%‬ه‬
‫" إذا تب‪%%‬ايع ال‪%%‬رجالن ; فك‪%%‬ل واح‪%%‬د منهم‪%%‬ا باخلي‪%%‬ار ‪ ,‬م‪%%‬ا مل يتفرق‪%%‬ا وكان‪%%‬ا مجيع‪%%‬ا "‬ ‫قول‪%%‬ه ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم ‪:‬‬
‫ق‪%%‬ال العالم‪%%‬ة ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬يف إثب‪%%‬ات الش‪%%‬ارع خي‪%%‬ار اجمللس يف ال‪%%‬بيع حكم‪%%‬ة ومص‪%%‬لحة للمتعاق‪%%‬دين ‪,‬‬
‫ِم‬
‫فإن العقد يق‪%%‬ع بغت‪%%‬ة من غ‪%%‬ري ت‪%%‬رو وال‬ ‫َعْن َتَر اٍض ْنُك ْم‬ ‫وليحصل متام الرضى الذي شرطه تعاىل بقوله ‪:‬‬
‫نظر يف القيم‪%‬ة ; فاقتضت حماس‪%‬ن ه‪%‬ذه الش‪%‬ريعة الكامل‪%‬ة أن جيع‪%‬ل للعق‪%‬د حرم‪%‬ا ي‪%‬رتوى في‪%‬ه املتبايع‪%‬ان ‪ ,‬ويعي‪%‬دان النظ‪%‬ر ‪,‬‬
‫ويس‪%%‬تدرك ك‪%%‬ل واح‪%%‬د منهم‪%%‬ا ‪ ,‬فلك‪%%‬ل من املتب‪%%‬ايعني اخلي‪%%‬ار مبوجب ه‪%%‬ذا احلديث الش‪%%‬ريف ; م‪%%‬ا مل يتفرق‪%%‬ا بأب‪%%‬داهنما من‬
‫مكان التبايع ‪ ,‬فإن أسقطا اخليار بأن تبايعا على أن ال خيار هلم‪%%‬ا أو أس‪%%‬قطه أح‪%‬دمها س‪%%‬قط ‪ ,‬ول‪%%‬زم ال‪%%‬بيع يف حقهم‪%%‬ا أو‬
‫ح ‪%%‬ق من أس ‪%%‬قطه منهم ‪%%‬ا مبج ‪%%‬رد العق ‪%%‬د ; ألن اخلي ‪%%‬ار ح ‪%%‬ق للعاق ‪%%‬د ‪ ,‬فيس ‪%%‬قط بإس ‪%%‬قاطه ولقول ‪%%‬ه ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم ‪:‬‬
‫وحيرم على أح ‪%%‬دمها أن يف ‪%%‬ارق أخ ‪%%‬اه بقص ‪%%‬د إس ‪%%‬قاط اخلي ‪%%‬ار ;‬ ‫م ‪%%‬ا مل يتفرق ‪%%‬ا أو خيري أح ‪%%‬دمها اآلخ ‪%%‬ر‬
‫وال حيل له أن يفارقه خشية أن يستقيله‬ ‫حلديث عمرو بن شعيب وفيه ‪:‬‬

‫ثانيا ‪ :‬خيار الشرط بأن يشرتط املتعاقدان اخليار يف صلب العقد أو بعد العقد يف مدة خيار اجمللس مدة معلوم‪%%‬ة‬
‫َّلِذ‬
‫َيا َأُّيَه ا ا يَن‬ ‫ولعموم قول‪%%‬ه تع‪%%‬اىل ‪:‬‬ ‫املسلمون على شروطهم‬ ‫; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫آ وا َأ ُفوا ِباْل ُقوِد‬
‫ُع‬ ‫َم ُن ْو‬

‫ويصح أن يشرتط املتبايعان اخليار ألحدمها دون اآلخر ; ألن احلق هلما ‪ ,‬فكيفما تراضيا جاز‪.‬‬

‫‪ -‬ثالثا ‪ :‬خيار الغنب إذا غنب يف ال‪%‬بيع غبن‪%‬ا خيرج عن الع‪%‬ادة ; فيخ‪%‬ري املغب‪%‬ون منهم‪%‬ا بني اإلمس‪%‬اك وال‪%‬رد ; لقول‪%‬ه‬
‫ال حيل م ‪%%‬ال‬ ‫ولقول ‪%%‬ه ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم ‪:‬‬ ‫ال ض ‪%%‬رر وال ض ‪%%‬رار‬ ‫ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم ‪:‬‬
‫واملغب‪%‬ون مل تطب نفس‪%‬ه ب‪%‬الغنب ‪ ,‬فإن ك‪%‬ان الغنب يس‪%‬ريا ق‪%‬د ج‪%‬رت ب‪%‬ه الع‪%‬ادة‬ ‫ام‪%‬رئ مس‪%‬لم إال بطيب‪%‬ة نفس من‪%‬ه‬
‫فال خيار ‪.‬‬

‫وخيار الغنب يثبت يف ثالث صور ‪:‬‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪9‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫الص‪%%‬ورة األوىل من ص‪%%‬ور خي‪%%‬ار الغنب ‪ :‬تلقي الركب‪%%‬ان ‪ ,‬واملراد هبم الق‪%%‬ادمون جللب س‪%%‬لعهم يف البل‪%%‬د ‪ ,‬فإذا تلق‪%%‬اهم ‪,‬‬
‫ال تلق‪%‬وا‬ ‫واشرتى منهم ‪ ,‬وتبني أنه قد غبنهم غبنا فاحشا ; فلهم اخلي‪%‬ار ‪ ,‬لق‪%‬ول الن‪%‬يب ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم ‪:‬‬
‫رواه مس ‪%%‬لم ; فنهى ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه‬ ‫اجللب ‪ ,‬فمن تلق ‪%%‬اه فاش ‪%%‬رتى من ‪%%‬ه ‪ ,‬فإذا أتى س ‪%%‬يده الس ‪%%‬وق فه ‪%%‬و باخلي ‪%%‬ار‬
‫وس‪%%‬لم عن تلقي اجللب خ‪%%‬ارج الس‪%%‬وق ال‪%%‬ذي تب‪%%‬اع في‪%%‬ه الس‪%%‬لع ‪ ,‬وأم‪%%‬ر أن‪%%‬ه إذا أتى الب‪%%‬ائع الس‪%%‬وق ال‪%%‬ذي تع‪%%‬رف في‪%%‬ه قيم‬
‫الس ‪%% % % % % % % % % % % % % % %‬لع ‪ ,‬وع‪%% % % % % % % % % % % % % % %‬رف ذل ‪%% % % % % % % % % % % % % % %‬ك فه ‪%% % % % % % % % % % % % % % %‬و باخلي ‪%% % % % % % % % % % % % % % %‬ار بني أن ميضي ال ‪%% % % % % % % % % % % % % % %‬بيع أو يفس ‪%% % % % % % % % % % % % % % %‬خ ‪.‬‬
‫ق‪%%‬ال ش‪%%‬يخ اإلس‪%%‬الم ابن تيمي‪%%‬ة رمحه اهلل ‪ " :‬أثبت الن‪%%‬يب ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم للركب‪%%‬ان اخلي‪%%‬ار إذا تلق‪%%‬وا ; ألن في‪%%‬ه ن‪%%‬وع‬
‫ت‪%%‬دليس وغش " ‪ .‬وق‪%%‬ال ابن القيم ‪ " :‬هنى عن ذل‪%%‬ك ; ملا في‪%%‬ه من تغري‪%%‬ر الب‪%%‬ائع ‪ ,‬فإن‪%%‬ه ال يع‪%%‬رف الس‪%%‬عر ‪ ,‬فيش‪%%‬رتي من‪%%‬ه‬
‫املشرتي بدون القيمة ‪ ,‬ولذلك أثبت له النيب صلى اهلل عليه وسلم اخليار إذا دخل السوق ‪ ,‬وال نزاع يف ثب‪%‬وت اخلي‪%‬ار‬
‫ل‪%%‬ه م‪%%‬ع الغنب ; فإن اجلالب إذا مل يع‪%%‬رف الس‪%%‬عر ك‪%%‬ان ج‪%%‬اهال بثمن املث‪%%‬ل ‪ ,‬فيك‪%%‬ون املش‪%%‬رتي غ‪%%‬اّر ا ل‪%%‬ه ‪ ,‬وك‪%%‬ذا الب‪%%‬ائع إذا‬
‫باعهم شيئا ; فلهم اخليار إذا هبطوا السوق ‪ ,‬وعلموا أهنم غبنوا غبنا خيرج عن العادة " انتهى ‪.‬‬

‫الص‪%%‬ورة الثاني‪%‬ة من ص‪%‬ور خي‪%‬ار الغنب ‪ :‬الغنب ال‪%%‬ذي يك‪%%‬ون س‪%%‬ببه زي‪%‬ادة الن‪%‬اجش يف مثن الس‪%%‬لعة ‪ ,‬والن‪%‬اجش ‪ :‬ه‪%‬و ال‪%%‬ذي‬
‫يزيد يف السلعة وهو ال يريد شراءها ‪ ,‬وإمنا يريد رفع مثنها على املشرتي ‪ ,‬وهذا عم‪%%‬ل حمرم ‪ ,‬ق‪%%‬د هنى عن‪%‬ه الن‪%‬يب ص‪%‬لى‬
‫ملا يف ذل‪%% %‬ك من تغري ‪%%‬ر املش ‪%%‬رتي وخديعت ‪%%‬ه ‪ ,‬فه ‪%%‬و يف مع‪%% %‬ىن‬ ‫وال تناجش‪%% %‬وا‬ ‫اهلل علي ‪%%‬ه وس‪%% %‬لم بقول‪%% %‬ه ‪:‬‬
‫الغش ‪ .‬ومن ص‪%% %‬ور النجش احملرم أن يق‪%% %‬ول ص‪%% %‬احب الس‪%% %‬لعة ‪ :‬أعطيت هبا ك‪%% %‬ذا وك‪%% %‬ذا وه‪%% %‬و ك‪%% %‬اذب ‪ ,‬أو يق‪%% %‬ول ‪:‬‬
‫اشرتيتها بكذا وهو كاذب ‪ .‬ومن صور النجش احملرم أن يقول ص‪%‬احب الس‪%‬لعة ‪ :‬ال أبيعه‪%‬ا إال بك‪%‬ذا أو ك‪%‬ذا ‪ ,‬ألج‪%‬ل‬
‫أن يأخذها املشرتي بقريب مما قال ‪ ,‬كأن يقول يف س‪%‬لعة مثنه‪%‬ا مخس‪%‬ة ‪ :‬أبيعه‪%‬ا بعش‪%‬رة ; ليأخ‪%‬ذها املش‪%‬رتي بق‪%‬ريب من‬
‫العشرة ‪.‬‬

‫الصورة الثالثة من صور الغنب الذي يثبت به اخليار ‪ :‬غنب املسرتسل ‪.‬‬

‫واملسرتس‪%‬ل ‪ :‬ه‪%‬و ال‪%‬ذي جيه‪%‬ل القيم‪%‬ة وال‬ ‫غنب املسرتسل ربا‬ ‫قال اإلمام ابن القيم ‪ " :‬ويف احلديث ‪:‬‬
‫حيسن أن يناقص يف الثمن ‪ ,‬بل يعتمد على صدق البائع لس‪%‬المة س‪%‬ريرته ‪ ,‬فإذا غنب غبن‪%‬ا فاحش‪%‬ا ; ثبت ل‪%‬ه اخلي‪%‬ار " ‪.‬‬
‫والغنب حمرم ; ملا في ‪%%‬ه من التغري ‪%%‬ر للمش ‪%%‬رتي ‪ .‬ومما جيري يف بعض أس ‪%%‬واق املس ‪%%‬لمني ‪ -‬وه ‪%%‬و حمرم ‪ -‬أن بعض الن ‪%%‬اس‬
‫حينما جيلب إىل السوق سلعة ‪ ,‬يتفق أهل السوق على ترك مساومتها ‪ ,‬ويعمدون واح‪%%‬دا منهم يس‪%%‬ومها من ص‪%%‬احبها‬
‫‪ ,‬فإذا مل جيد من يزي‪%%‬د علي‪%%‬ه ‪ ,‬اض‪%%‬طر لبيعه‪%%‬ا علي‪%%‬ه ب‪%%‬رخص ‪ ,‬مث اش‪%%‬رتك البقي‪%%‬ة م‪%%‬ع املش‪%%‬رتي ‪ ,‬وه‪%%‬ذا غنب وظلم حمرم ‪,‬‬
‫ويثبت لصاحب السلعة ‪ -‬إذا علم بذلك ‪ -‬اخلي‪%‬ار وس‪%‬حب س‪%‬لعته منهم ; فيجب على من يفع‪%‬ل مث‪%‬ل ه‪%‬ذا التغري‪%‬ر أن‬
‫يرتكه ويتوب منه ‪ ,‬وجيب على من علم ذلك أن ينكره على من يفعله ويبلغ املسئولني لردعهم عن ذلك ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪10‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫‪ -‬رابعا ‪ :‬خيار التدليس أي اخليار الذي يثبت بسبب التدليس ‪ ,‬والتدليس ‪ :‬هو إظهار السلعة املعيبة مبظهر‬
‫السليمة ‪ ,‬مأخوذ من الدلسة مبعىن ‪ :‬الظلمة ; كأن البائع بتدليسه صري املشرتي يف ظلمة ‪ ,‬فلم يتم إبصاره للسلعة ‪,‬‬
‫وهو نوعان ‪:‬‬
‫النوع األول ‪ :‬كتمان عيب السلعة ‪.‬‬
‫والنوع الثاين ‪ :‬أن يزوقها وينمقها مبا يزيد به مثنها ‪.‬‬

‫والتدليس حرام ‪ ,‬وتسوغ به الشريعة للمشرتي الرد ‪ ,‬ألنه إمنا بذل ماله يف املبيع بناء على الصفة اليت أظهرها‬
‫له البائع ‪ ,‬ولو علم أنه على خالفها ملا بذل ماله فيها ‪.‬‬
‫ومن أمثلة التدليس الواردة ‪ :‬تصرية الغنم والبقر واإلبل ‪ ,‬وهي حبس لبنها يف ضروعها عند عرضها للبيع ‪ ,‬فيظنها‬
‫ال تصروا اإلبل والغنم ‪ ,‬فمن ابتاعها فهو خبري‬ ‫املشرتي كثرية اللنب دائما ‪ ,‬قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫النظرين بعد أن حيلبها إن شاء أمسك ‪ ,‬وإن شاء ردها وصاعا من متر‬
‫ومن أمثلة التدليس تزويق البيوت املعيبة للتغرير باملشرتي واملستأجر ‪ ,‬وتزويق السيارات حىت تظهر مبظهر غري‬
‫املستعملة للتغرير باملشرتي ‪ ,‬وغري ذلك من أنواع التدليس ‪ .‬جيب على املسلم أن يصدق ويبني احلقيقة ‪ ,‬قال صلى‬
‫البيعان باخليار ما مل يتفرقا ‪ ,‬فإن صدقا وبينا بورك هلما يف بيعهما ‪ ,‬وإن كذبا وكتما‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فأخرب صلى اهلل عليه وسلم أن الصدق يف البيع والشراء من أسباب الربكة ‪ ,‬وأن‬ ‫حمقت بركة بيعهما‬
‫الكذب من أسباب حمق الربكة ‪ ,‬فالثمن وإن قل مع الصدق يبارك اهلل فيه ‪ ,‬وإن كثر الثمن مع الكذب فهو ممحوق‬
‫الربكة ال خري فيه ‪.‬‬

‫‪ -‬خامسا ‪ :‬خيار العيب أي اخليار الذي يثبت للمشرتي بسبب وجود عيب يف السلعة مل خيربه ب‪%‬ه الب‪%‬ائع أو مل‬
‫يعلم به البائع ‪ ,‬لكنه تبني أنه موجود يف السلعة قب‪%‬ل ال‪%‬بيع ‪ ,‬وض‪%‬ابط العيب ال‪%‬ذي يثبت ب‪%‬ه اخلي‪%‬ار ه‪%‬و م‪%‬ا تنقص بس‪%‬ببه‬
‫قيمة املبيع عادة أو تنقص به عينه ‪ ,‬وترج‪%‬ع معرفة ذل‪%‬ك إىل التج‪%‬ار املعت‪%‬ربين ‪ ,‬فم‪%‬ا ع‪%‬دوه عيب‪%‬ا ‪ ,‬ثبت اخلي‪%‬ار ب‪%‬ه ‪ ,‬وم‪%‬ا‬
‫مل يعدوه عيبا ينقص القيم‪%‬ة أو عني املبيع ‪ ,‬مل يعت‪%‬رب ‪ ,‬فإذا علم املش‪%‬رتي ب‪%‬العيب بع‪%‬د العق‪%‬د ‪ ,‬فل‪%‬ه اخلي‪%‬ار بني أن ميضي‬
‫ال‪%%‬بيع ويأخ‪%%‬ذ ع‪%%‬وض العيب ‪ ,‬وه‪%%‬و مق‪%%‬دار الف‪%%‬رق بني قيم‪%%‬ة املبيع ص‪%%‬حيحا وقيمت‪%%‬ه معيب‪%%‬ا ‪ ,‬وبني أن يفس‪%%‬خ ال‪%%‬بيع وي‪%%‬رد‬
‫السلعة ويسرتجع الثمن الذي دفعه للمشرتي ‪.‬‬

‫‪ -‬سادسا ‪ :‬ما يسمى خبيار التخبري بالثمن وهو ما إذا باع الس‪%‬لعة بثمنه‪%‬ا ال‪%‬ذي اش‪%‬رتاها ب‪%‬ه ‪ ,‬فأخربه مبق‪%‬داره ‪,‬‬
‫مث ت‪%%‬بني أن‪%%‬ه أخ‪%%‬رب خبالف احلقيق‪%%‬ة ‪ ,‬ك‪%%‬أن ت‪%%‬بني أن الثمن أك‪%%‬ثر أو أق‪%%‬ل مما أخ‪%%‬ربه ب‪%%‬ه ‪ ,‬أو ق‪%%‬ال ‪ :‬أش‪%%‬ركتك معي يف ه‪%%‬ذه‬
‫السلعة برأس مايل ‪ ,‬أو قال ‪ :‬بعتك هذه السلعة ب‪%‬ربح ك‪%‬ذا وك‪%‬ذا على رأس م‪%‬ايل فيه‪%‬ا ‪ ,‬أو ق‪%‬ال ‪ :‬بعت‪%‬ك ه‪%‬ذه الس‪%‬لعة‬
‫بنقص ك‪%‬ذا وك‪%‬ذا عم‪%‬ا اش‪%‬رتيتها ب‪%‬ه ; ففي ه‪%‬ذه الص‪%‬ور األرب‪%‬ع إذا ت‪%‬بني أن رأس املال خالف م‪%‬ا أخ‪%‬ربه ب‪%‬ه ; فل‪%‬ه اخلي‪%‬ار‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪11‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫بني اإلمس‪%%‬اك وال‪%%‬رد ‪ ,‬على ق‪%%‬ول يف املذهب ‪ ,‬والق‪%%‬ول الث‪%%‬اين ‪ :‬أن‪%%‬ه يف ه‪%%‬ذه احلال‪%%‬ة ال خي‪%%‬ار للمش‪%%‬رتي ‪ ,‬وجيري احلكم‬
‫على الثمن احلقيقي ‪ ,‬ويسقط عنه الزائد ‪ ,‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫س ‪%%‬ابعا ‪ :‬خي ‪%%‬ار يثبت إذا اختل ‪%%‬ف املتبايع ‪%%‬ان يف بعض األم ‪%%‬ور ‪ ,‬كم ‪%%‬ا إذا اختلف ‪%%‬ا يف مق ‪%%‬دار الثمن ‪ ,‬أو اختلف ‪%%‬ا يف عني‬
‫املبيع ‪ ,‬أو قدره ‪ ,‬أو اختلفا يف صفته ‪ ,‬وال بينة ألحدمها ‪ ,‬فحينئذ يتحالفان ‪ ,‬فيحلف كل منهما على م‪%%‬ا يدعي‪%%‬ه ‪ ,‬مث‬
‫بعد التحالف لكل منهما الفسخ إذا مل يرض بقول األخر ‪.‬‬

‫ثامن‪%‬ا ‪ :‬خي‪%‬ار يثبت للمش‪%%‬رتي إذا اش‪%%‬رتى ش‪%%‬يئا بن‪%‬اء على رؤي‪%‬ة س‪%%‬ابقة ‪ ,‬مث وج‪%‬ده ق‪%%‬د تغ‪%%‬ريت ص‪%‬فته ‪ ,‬فل‪%%‬ه اخلي‪%‬ار حينئ‪%‬ذ‬
‫بني إمضاء البيع وفسخه ‪ ,‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫باب يف أحكام التصرف يف البيع قبل قبضه واإلقالة‬

‫* نتناول يف هذا الباب إن شاء اهلل أحكام التصرف يف املبيع قبل قبضه ‪ -‬ما يصح وما ال يص‪%%‬ح ‪ -‬م‪%%‬ع بي‪%‬ان م‪%%‬ا‬
‫حيصل به قبض املبيع ويعد قبضا صحيحا ‪ ,‬وما ال يعد قبضا صحيحا ‪.‬‬

‫* اعلم أنه ال يصح التصرف يف املبيع قبل قبضه إذا كان مكيال أو موزونا أو معدودا أو مذروعا باتفاق األئمة‬
‫‪ ,‬وك‪%%‬ذا إذا ك‪%%‬ان غ‪%%‬ري ذل‪%%‬ك على الص‪%%‬حيح ال‪%%‬راجح من ق‪%%‬ويل العلم‪%%‬اء رمحهم اهلل ‪ ,‬لق‪%%‬ول الن‪%%‬يب ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم ‪:‬‬
‫ح‪%%‬ىت يقبضه‬ ‫متف‪%%‬ق علي‪%%‬ه ‪ ,‬ويف لف‪%%‬ظ ‪:‬‬ ‫من ابت‪%%‬اع طعام‪%%‬ا ‪ ,‬فال يبع‪%%‬ه ح‪%%‬ىت يس‪%%‬توفيه‬
‫وملسلم ‪ :‬حىت يكتاله ‪.‬‬

‫قال ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪ " :‬وال أحسب غريه إال مثل‪%‬ه " ‪ ,‬أي غ‪%‬ري الطع‪%‬ام ‪ ,‬ب‪%‬ل ورد ذل‪%‬ك ص‪%‬رحيا كم‪%‬ا‬
‫هنى أن‬ ‫وروى أب ‪%%‬و داود ‪:‬‬ ‫إذا اش ‪%%‬رتيت ش ‪%%‬يئا ‪ ,‬فال تبع ‪%%‬ه ح ‪%%‬ىت تقبضه‬ ‫روى اإلم ‪%%‬ام أمحد ‪:‬‬
‫تباع السلع حيث تبتاع حىت حيوزها التاجر إىل رحاهلم‬

‫ق‪%‬ال ش‪%‬يخ اإلس‪%‬الم ابن تيمي‪%‬ة وتلمي‪%‬ذه ابن القيم رمحهم‪%‬ا اهلل ‪ " :‬عل‪%‬ة النهي عن ال‪%‬بيع قب‪%‬ل القبض عج‪%‬ز املش‪%‬رتي‬
‫عن تسلمه ; ألن البائع قد يسلمه وقد ال يس‪%‬لمه ‪ ,‬ال س‪%‬يما إذا رأى املش‪%‬رتي ق‪%‬د ربح ‪ ,‬فإن‪%‬ه يس‪%‬عى يف رد ال‪%‬بيع ; إم‪%‬ا‬
‫جبحد أو احتيال على الفسخ ‪ ,‬وتأكد ذلك بالنهي عن ربح ما مل يضمن " انتهى ‪.‬‬

‫فيجب على املسلمني أن يتقيدوا بذلك ‪ ,‬فإذا اش‪%‬رتى املس‪%‬لم س‪%‬لعة ‪ ,‬مل يق‪%‬دم على التص‪%%‬رف فيه‪%‬ا ب‪%‬بيع أو غ‪%‬ريه‬
‫ح‪%%‬ىت يقبضها قبضا تام‪%%‬ا ‪ ,‬وه‪%%‬ذا مما يتس‪%%‬اهل في‪%%‬ه كث‪%%‬ري من الن‪%%‬اس أو يتجاهلون‪%%‬ه ‪ ,‬فيش‪%%‬رتون الس‪%%‬لع مث يبيعوهنا وهم مل‬
‫يقبضوها من البائع أصال أو قبضوها قبضا ناقص‪%‬ا ال يع‪%‬د قبضا ص‪%‬حيحا ‪ ,‬ك‪%‬أن يع‪%‬د األكي‪%‬اس أو الط‪%‬رود أو الص‪%‬ناديق‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪12‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وهي يف حمل البائع ‪ ,‬مث يذهب ويبيعها على آخر ‪ ,‬وهذا ال يعد قبضا ص‪%‬حيحا ‪ ,‬ي‪%‬رتتب علي‪%‬ة ج‪%‬واز تص‪%‬رف املش‪%‬رتي‬
‫فيها ‪.‬‬

‫* فإن قلت ‪ :‬م‪%%‬ا ه‪%%‬و القبض الص‪%%‬حيح ال‪%%‬ذي يس‪%%‬وغ للمش‪%%‬رتي التص‪%%‬رف يف الس‪%%‬لعة ؟ فاجلواب أن قبض الس‪%%‬لع‬
‫خيتل‪%%‬ف ب‪%%‬اختالف نوعيته‪%%‬ا ‪ ,‬وك‪%%‬ل ن‪%%‬وع ل‪%%‬ه قبض يناس‪%%‬به ‪ ,‬فإذا ك‪%%‬ان املبيع مكيال فقبضه بالكي‪%%‬ل ‪ ,‬وإن ك‪%%‬ان موزون‪%%‬ا‬
‫فقبضه ب‪%%‬الوزن ‪ ,‬وإن ك‪%%‬ان مع‪%%‬دودا فقبضه بالع‪%%‬د ‪ ,‬وإن ك‪%%‬ان م‪%%‬ذروعا فقبضه بال‪%%‬ذرع ‪ ,‬م‪%%‬ع حي‪%%‬ازة ه‪%%‬ذه األش‪%%‬ياء إىل‬
‫مك ‪%%‬ان املش ‪%%‬رتي ‪ ,‬وم ‪%%‬ا ك ‪%%‬ان كالثي ‪%%‬اب واحليوان ‪%%‬ات والس ‪%%‬يارات فقبضه بنقل ‪%%‬ه إىل مك ‪%%‬ان املش ‪%%‬رتي ‪ ,‬وإن ك ‪%%‬ان املبيع مما‬
‫يتناول بالي‪%‬د ك‪%‬اجلواهر والكتب وحنوه‪%‬ا فقبضه حيص‪%‬ل بتن‪%‬اول املش‪%‬رتي ل‪%‬ه بي‪%‬ده وحيازت‪%‬ه ‪ ,‬وإن ك‪%‬ان املبيع مما ال ميكن‬
‫نقله من مكانه ; كالبيوت واألراضي والثمر على رءوس الشجر ‪ ,‬فقبضه حيص‪%‬ل بالتخلي‪%‬ة ‪ ,‬ب‪%‬أن ميكن من‪%‬ه املش‪%‬رتي ‪,‬‬
‫وخيلى بينه وبينه ليتصرف فيه تصرف املالك ‪ ,‬وتسليم الدار وحنوها بأن يفتح له باهبا أو يسلمه مفتاحها ‪.‬‬

‫* وق ‪%%‬د م ‪%%‬ر من األح ‪%%‬اديث يف النهي عن التص ‪%%‬رف يف املبيع قب ‪%%‬ل قبضه املعت ‪%%‬رب ش ‪%%‬رعا ; ملا يف ذل ‪%%‬ك من املص ‪%%‬لحة‬
‫للمش‪%%‬رتي والب‪%%‬ائع ; من قط‪%%‬ع ال‪%%‬نزاع ‪ ,‬والس‪%%‬المة من اخلص‪%%‬ومات ال‪%%‬يت كث‪%%‬ريا م‪%%‬ا تنش‪%%‬ب بني الن‪%%‬اس بس‪%%‬بب تس‪%%‬اهلهم يف‬
‫القبض وع‪%%‬دم تفق‪%%‬د املش‪%%‬رتي للس‪%%‬لعة واس‪%%‬تيفائها بالوفاء والتم‪%%‬ام وانقط‪%%‬اع عه‪%%‬دة الب‪%%‬ائع هبا ‪ ,‬وه‪%%‬ذا أم‪%%‬ر ينبغي للمس‪%%‬لم‬
‫التقيد به وتطبيقه يف معاملته ‪.‬‬

‫* وكثري من الن‪%‬اس الي‪%‬وم يتس‪%‬اهلون يف قبض الس‪%‬لع ‪ ,‬ويتص‪%‬رفون فيه‪%‬ا قب‪%‬ل القبض الش‪%‬رعي ‪ ,‬فريتكبون م‪%‬ا هنى‬
‫عن‪%%‬ه الرس‪%%‬ول ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم ‪ ,‬فيقع‪%%‬ون يف اخلص‪%%‬ومات واملنازع‪%%‬ات ‪ ,‬أو يص‪%%‬ابون بالندام‪%%‬ة عن‪%%‬دما تنكش‪%%‬ف هلم‬
‫الس ‪%%‬لعة على حقيقته ‪%%‬ا وق ‪%%‬د تورط ‪%%‬وا فيه ‪%%‬ا ; فال يس ‪%%‬تطيعون اخلالص منه ‪%%‬ا إال مبرافع ‪%%‬ات وم ‪%%‬دافعات ‪ ,‬وهك ‪%%‬ذا ك ‪%%‬ل من‬
‫خالف أمر الرسول صلى اهلل عليه وسلم فال بد أن يندم ويقع يف احلرج ‪.‬‬

‫* ومما حث علي‪%%‬ه الرس‪%%‬ول ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم ورغب في‪%%‬ه ‪ :‬إقال‪%%‬ة أح‪%%‬د املتعاق‪%%‬دين لآلخ‪%%‬ر بفس‪%%‬خ ال‪%%‬بيع عن‪%%‬دما‬
‫من أقال مس‪%%‬لما‬ ‫يندم على العقد أو تزول حاجته بالسلعة أو يعسر بالثمن ‪ ,‬قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫واإلقال‪%%‬ة معناه‪%%‬ا ‪ :‬رفع العق‪%%‬د ‪ ,‬ورج‪%%‬وع ك‪%%‬ل من املتعاق‪%%‬دين مبا ك‪%%‬ان ل‪%%‬ه من غ‪%%‬ري‬ ‫أق‪%%‬ال اهلل عثرت‪%%‬ه ي‪%%‬وم القيام‪%%‬ة‬
‫زيادة وال نقص ‪ ,‬وهي من حق املسلم على أخيه املسلم عندما حيتاج إليه‪%%‬ا ‪ ,‬وهي من حس‪%%‬ن املعامل‪%%‬ة ‪ ,‬ومن مقتضى‬
‫األخوة اإلميانية ‪.‬‬

‫باب يف بيان الربا وحكمه‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪13‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* هذا املوضوع من أخطر املواضيع ‪ ,‬وهو موضوع الربا ال‪%‬ذي أمجعت الش‪%‬رائع على حترميه وتوع‪%‬د اهلل املتعام‪%‬ل‬
‫ِم‬ ‫ِذ‬ ‫ِذ‬
‫اَّل يَن َيْأُك ُلوَن الِّر َبا اَل َيُقوُموَن ِإاَّل َك َم ا َيُق وُم اَّل ي َيَتَخ َّبُطُه الَّش ْيَطاُن َن اْلَم ِّس‬ ‫به بأشد الوعيد ‪ :‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫فأخرب س‪%%‬بحانه أن ال‪%%‬ذين يتع‪%%‬املون بالرب‪%%‬ا ( ال يقوم‪%%‬ون ) أي من قب‪%%‬ورهم عن‪%%‬د البعث ( إال كم‪%%‬ا يق‪%%‬وم ال‪%%‬ذي‬
‫يتخبطه الشيطان من املس ) أي إال كما يقوم املصروع ح‪%‬ال ص‪%‬رعه ‪ ,‬وذل‪%‬ك لتضخم بط‪%‬وهنم بس‪%‬بب أكلهم الرب‪%‬ا يف‬
‫الدنيا ‪.‬‬

‫كما توعد اهلل سبحانه الذي يعود إىل أك‪%‬ل الرب‪%‬ا بع‪%‬د معرفة حترميه بأن‪%‬ه من أص‪%‬حاب الن‪%‬ار اخلال‪%‬دين فيه‪%‬ا ‪ ,‬ق‪%‬ال‬
‫َو َمْن َعاَد َفُأوَلِئَك َأْص َح اُب الَّناِر ُه ْم ِفيَه ا َخ اِلُد وَن‬ ‫تعاىل ‪:‬‬

‫أي ميح‪%‬ق برك‪%‬ة املال‬ ‫ْمَيَح ُق الَّل ُه الِّر َبا‬ ‫كما أخ‪%‬رب اهلل س‪%‬بحانه أن‪%‬ه ميح‪%‬ق برك‪%‬ة الرب‪%‬ا ‪ ,‬ق‪%‬ال تع‪%‬اىل ‪:‬‬
‫ال ‪%%‬ذي خالط ‪%%‬ه الرب ‪%%‬ا فمهم ‪%%‬ا ك ‪%%‬ثرت أم ‪%%‬وال املرايب وتضخمت فهي ممحوق ‪%%‬ة الربك ‪%%‬ة ال خ ‪%%‬ري فيه ‪%%‬ا ‪ ,‬وإمنا هي وب ‪%%‬ال على‬
‫ص ‪%%‬احبها ‪ ,‬تعب يف ال ‪%%‬دنيا وع ‪%%‬ذاب يف اآلخ ‪%%‬رة ‪ ,‬وال يس ‪%%‬تفيد منه ‪%%‬ا ‪ .‬وق ‪%%‬د وص ‪%%‬ف اهلل املرايب بأن ‪%%‬ه كف ‪%%‬ار أثيم ‪ ,‬ق ‪%%‬ال‬
‫فأخرب اهلل س‪%%‬بحانه أن‪%%‬ه ال حيب‬ ‫ْمَيَح ُق الَّل ُه الِّر َبا َو ُيْر يِب الَّص َد َقاِت َو الَّل ُه اَل ِحُي ُّب ُك َّل َك َّف اٍر َأِثيٍم‬ ‫تع‪%%‬اىل ‪:‬‬
‫املرايب ‪ ,‬وحرمان‪%%‬ه من حمب‪%%‬ة اهلل يس‪%%‬تلزم أن اهلل يبغضه وميقت‪%%‬ه ‪ ,‬وتس‪%%‬ميته َكّف ارا ‪ ,‬أي ‪ :‬مبالغ‪%%‬ا يف كف‪%%‬ر النعم‪%%‬ة ‪ ,‬وه‪%%‬و‬
‫الكفر الذي ال خيرج من امللة ; فهو كفار لنعمة اهلل ; ألن‪%‬ه ال ي‪%‬رحم الع‪%%‬اجز ‪ ,‬وال يس‪%%‬اعد الفق‪%%‬ري ‪ ,‬وال ينظ‪%%‬ر املعس‪%%‬ر ‪,‬‬
‫أو املراد أنه َكّف ار الكفَر املخرج من امللة إذا كان يستحل الرب‪%‬ا ‪ ,‬وق‪%‬د وص‪%‬فه اهلل يف ه‪%‬ذه اآلي‪%‬ة بأن‪%‬ه أثيم ; أي ‪ :‬مب‪%‬الغ‬
‫يف اإلمث ‪ ,‬منغمس يف األضرار املادية واخللقية ‪.‬‬

‫وق‪%%‬د أعلن اهلل احلرب من‪%%‬ه ومن رس‪%%‬وله على املرايب ألن‪%%‬ه ع‪%%‬دو هلم‪%%‬ا إن مل ي‪%%‬رتك الرب‪%%‬ا ‪ ,‬ووص‪%%‬فه بأن‪%%‬ه ظ‪%%‬امل ‪ ,‬ق‪%%‬ال‬
‫ٍب ِم‬ ‫ِمِن ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِق ِم‬ ‫َّلِذ‬
‫َيا َأُّيَه ا ا يَن آَم ُن وا اَّتُق وا الَّل َه َو َذُر وا َم ا َب َي َن الِّر َبا ْن ُكْنُتْم ُم ْؤ َني َف ْن ْمَل َتْف َعُل وا َفْأَذُنوا َحِبْر َن‬ ‫تعاىل ‪:‬‬
‫وإىل ج‪%%‬انب ه‪%%‬ذه الزواج‪%%‬ر القرآني‪%%‬ة عن‬ ‫الَّل ِه َو َرُس وِلِه َو ِإْن ُتْبُتْم َفَلُك ْم ُرُءوُس َأْم َو اِلُك ْم اَل َتْظِلُم وَن َو اَل ُتْظَلُم وَن‬
‫التعامل بالربا جاءت زواجر يف سنة الرس‪%‬ول ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم ; فق‪%‬د ع‪%‬ده الن‪%‬يب ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم من الكب‪%‬ائر‬
‫املوبق‪%%‬ة ; أي املهلك‪%%‬ة ‪ ,‬ولعن ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم آك‪%%‬ل الرب‪%%‬ا وموكل‪%%‬ه وش‪%%‬اهديه وكاتب‪%%‬ه ‪ ,‬كم‪%%‬ا أخ‪%%‬رب ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه‬
‫أن درمها واح ‪%%‬دا من الرب ‪%%‬ا أش ‪%%‬د من ثالث وثالثني زني ‪%%‬ة يف اإلس ‪%%‬الم ‪ ,‬أو س ‪%%‬ت وثالثني زني ‪%%‬ة‬ ‫وس ‪%%‬لم‬
‫أن الربا اثنان وسبعون بابا ‪ ,‬أدناها مثل إتيان الرجل أمه‬ ‫وأخرب‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬وحترمي الربا أشد من حترمي امليسر ‪ ,‬وهو القمار ‪ ,‬ألن املرايب ق‪%%‬د أخ‪%%‬ذ‬
‫فضال حمققا من حمتاج ‪ ,‬واملقامر قد حيصل له فضل وقد ال حيصل له فضل ; فالرب‪%‬ا ظلم حمق‪%%‬ق ‪ ,‬ألن في‪%‬ه تس‪%‬ليط الغ‪%‬ين‬
‫على الفقري ; خبالف القمار فإنه قد يأخذ فيه الفقري من الغين ‪ ,‬وقد يكون املتقامران متساويني يف الغىن والفق‪%%‬ر ; فه‪%%‬و‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪14‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وإن ك‪%%‬ان أكال للم‪%%‬ال بالباط‪%%‬ل ‪ ,‬وه‪%%‬و حمرم ; فليس في‪%%‬ه من ظلم احملت‪%%‬اج وض‪%%‬رره م‪%%‬ا يف الرب‪%%‬ا ‪ ,‬ومعل‪%%‬وم أن ظلم احملت‪%%‬اج‬
‫أعظم من ظلم غري احملتاج " انتهى ‪.‬‬

‫ِب ِم‬
‫َف ُظْلٍم َن‬ ‫وأكل الربا من صفات اليهود اليت استحقوا عليها اللعنة اخلالدة واملتواص‪%‬لة ‪ ,‬ق‪%%‬ال اهلل تع‪%%‬اىل ‪:‬‬
‫ِلِه‬ ‫ِذِه‬ ‫ِب ِه ِث‬ ‫ِه‬ ‫ٍت ِح‬ ‫ِه‬ ‫ِذ‬
‫اَّل يَن َه اُدوا َح َّر ْم َن ا َعَلْي ْم َطِّيَب ا ُأ َّلْت ُهَلْم َو ِبَص ِّد ْم َعْن َس يِل الَّل َك ًريا َو َأْخ ُم الِّر َب ا َو َقْد ُنُه وا َعْن ُه َو َأْك ْم‬
‫َأْم َو اَل الَّناِس ِباْلَباِط ِل َو َأْع َتْدَنا ِلْلَك اِفِر يَن ِم ْنُه ْم َعَذ اًبا َأِليًم ا‬

‫* واحلكم ‪%%‬ة يف حترمي الرب ‪%%‬ا ‪ :‬أن في ‪%%‬ه أكال ألم ‪%%‬وال الن ‪%%‬اس بغ ‪%%‬ري ح ‪%%‬ق ‪ ,‬ألن املرايب يأخ ‪%%‬ذ منهم الرب ‪%%‬ا من غ ‪%%‬ري أن‬
‫يستفيدوا شيئا يف مقابله ‪ ,‬وأن في‪%‬ه إض‪%‬رارا ب‪%‬الفقراء واحملت‪%‬اجني مبضاعفة ال‪%‬ديون عليهم عن‪%‬د عج‪%‬زهم عن تس‪%‬ديدها ‪,‬‬
‫وأن في‪%%‬ه قطع‪%%‬ا للمع‪%%‬روف بني الن‪%%‬اس ‪ ,‬وس‪%%‬دا لب‪%%‬اب الق‪%%‬رض احلس‪%%‬ن ‪ ,‬وفتح‪%%‬ا لب‪%%‬اب الق‪%%‬رض بالفائ‪%%‬دة ال‪%%‬يت تثق‪%%‬ل كاه‪%%‬ل‬
‫الفق‪%%‬ري ‪ ,‬وفي‪%%‬ه تعطي‪%%‬ل للمكاس‪%%‬ب والتج‪%%‬ارات واحلرف والص‪%%‬ناعات ال‪%%‬يت ال تنتظم مص‪%%‬احل الع‪%%‬امل إال هبا ‪ ,‬ألن املرايب إذا‬
‫حتصل على زيادة ماله بواسطة الربا ب‪%‬دون تعب ; فلن يلتمس طرق‪%‬ا أخ‪%‬رى للكس‪%‬ب الش‪%‬اق ‪ ,‬واهلل تع‪%‬اىل جع‪%‬ل طري‪%‬ق‬
‫تعام‪%%‬ل الن‪%%‬اس يف معايش‪%%‬هم قائم‪%%‬ا على أن تك‪%%‬ون اس‪%%‬تفادة ك‪%%‬ل واح‪%%‬د من اآلخ‪%%‬ر يف مقاب‪%%‬ل عم‪%%‬ل يق‪%%‬وم ب‪%%‬ه حنوه أو عني‬
‫يدفعها إليه ‪ ,‬والرب‪%‬ا خ‪%‬ال عن ذل‪%‬ك ; ألن‪%‬ه عب‪%‬ارة عن إعط‪%‬اء املال مضاعفا من ط‪%‬رف آلخ‪%‬ر ب‪%‬دون مقابل‪%‬ة من عني وال‬
‫عمل ‪.‬‬

‫* والرب‪%% % % % % % % % %‬ا يف اللغ‪%% % % % % % % % %‬ة معن‪%% % % % % % % % %‬اه الزي‪%% % % % % % % % %‬ادة ‪ ,‬وه‪%% % % % % % % % %‬و يف الش‪%% % % % % % % % %‬رع زي‪%% % % % % % % % %‬ادة يف أش‪%% % % % % % % % %‬ياء خمصوص‪%% % % % % % % % %‬ة ‪,‬‬
‫وينقسم إىل قسمني ‪ :‬ربا النسيئة ‪ ,‬وربا الفضل ‪.‬‬

‫* بي‪%%‬ان رب‪%%‬ا النس‪%%‬يئة ورب‪%%‬ا النس‪%%‬يئة م‪%%‬أخوذ من النسء ‪ ,‬وه‪%%‬و الت‪%%‬أخري ‪ ,‬وه‪%%‬و نوع‪%%‬ان ‪ :‬أح‪%%‬دمها ‪ :‬قلب ال‪%%‬دين على‬
‫املعسر ‪ ,‬وهذا هو أصل الرب‪%‬ا يف اجلاهلي‪%‬ة أن الرج‪%‬ل يك‪%‬ون ل‪%‬ه على الرج‪%‬ل املال املؤج‪%‬ل ‪ ,‬فإذا ح‪%‬ل األج‪%‬ل ; ق‪%‬ال ل‪%‬ه ‪:‬‬
‫أتقضي أم ت‪%%‬ريب ؟ فإن وفاه وإال زاد ه‪%%‬ذا يف األج‪%%‬ل وزاد ه‪%%‬ذا يف املال ‪ ,‬فيتضاعف املال يف ذم ‪%%‬ة املدين ‪ ,‬فح ‪%%‬رم اهلل‬
‫فإذا ح‪%‬ل ال‪%‬دين ‪ ,‬وك‪%‬ان الغ‪%‬رمي معس‪%‬را ‪ ,‬مل جيز أن‬ ‫ِإْن َك اَن ُذو ُع ٍة َفَنِظ ٌة ِإىَل َمْي ٍة‬ ‫ذلك بقوله ‪:‬‬
‫َس َر‬ ‫َر‬ ‫ْسَر‬ ‫َو‬
‫يقلب الدين عليه ‪ ,‬بل جيب إنظاره ‪ ,‬وإن كان موس‪%‬را ك‪%‬ان علي‪%‬ه الوفاء ; فال حاج‪%‬ة إىل زي‪%‬ادة ال‪%‬دين م‪%‬ع يس‪%‬ر املدين‬
‫وال م ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ع عس ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ره ‪.‬‬
‫النوع الثاين من ربا النسيئة ‪ :‬ما كان يف بيع كل جنسني اتفقا يف علة ربا الفضل مع تأثري قبضهما أو قبض أح‪%‬دمها ;‬
‫كبيع الذهب بالذهب ‪ ,‬والفضة بالفضة ‪ ,‬والرب ب‪%‬الرب ‪ ,‬والش‪%‬عري بالش‪%‬عري ‪ ,‬والتم‪%‬ر ب‪%‬التمر ‪ ,‬وامللح ب‪%‬امللح ‪ ,‬وك‪%‬ذا بي‪%‬ع‬
‫جنس جبنس من هذه املذكورات مؤجال ‪ ,‬وما شارك هذه األشياء يف العلة جيري جمراها وسيأيت بيان ذلك ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪15‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* بي‪%% % %‬ان رب‪%% % %‬ا الفضل ورب‪%% % %‬ا الفضل م‪%% % %‬أخوذ من الفضل ‪ ,‬وه‪%% % %‬و عب‪%% % %‬ارة عن الزي‪%% % %‬ادة يف أح‪%% % %‬د العوض‪%% % %‬ني ‪.‬‬
‫وق‪%%‬د نص الش‪%%‬ارع على حترميه يف س‪%%‬تة أش‪%%‬ياء هي ‪ :‬ال‪%%‬ذهب ‪ ,‬والفضة ‪ ,‬وال‪%%‬رب ‪ ,‬والش‪%%‬عري ‪ ,‬والتم‪%%‬ر ‪ ,‬وامللح ‪ ,‬فإذا بي‪%%‬ع‬
‫أح‪%%‬د ه‪%%‬ذه األش‪%%‬ياء جبنس‪%%‬ه ‪ ,‬ح‪%%‬رم التفاض‪%%‬ل بينهم‪%%‬ا ق‪%%‬وال واح‪%%‬دأ ; حلديث عب‪%%‬ادة بن الص‪%%‬امت رض‪%%‬ي اهلل عن‪%%‬ه مرفوع‪%%‬ا ‪:‬‬
‫" الذهب بالذهب ‪ ,‬والفضة بالفضة ‪ ,‬وال‪%‬رب ب‪%‬الرب ‪ ,‬والش‪%‬عري بالش‪%‬عري ‪ ,‬والتم‪%‬ر ب‪%‬التمر ‪ ,‬وامللح ب‪%‬امللح ; مثال‬
‫رواه اإلم‪%‬ام أمحد ومس‪%‬لم ‪ ,‬فدل احلديث على حترمي بي‪%‬ع ال‪%‬ذهب بال‪%‬ذهب جبمي‪%‬ع أنواع‪%‬ه من‬ ‫مبث‪%‬ل ‪ ,‬ي‪%‬دا بي‪%‬د "‬
‫مضروب وغريه ‪ ,‬وعن بيع الفضة بالفضة جبميع أنواعها ; إال مثال مبثل ‪ ,‬يدا بيد ‪ ,‬سواء بسواء ‪ ,‬وعن بيع ال‪%%‬رب ب‪%‬الرب‬
‫‪ ,‬والش‪%%‬عري بالش‪%%‬عري ‪ ,‬والتم‪%%‬ر ب‪%%‬التمر ; جبمي‪%%‬ع أنواعه‪%%‬ا ‪ ,‬وامللح ب‪%%‬امللح ; إال متس‪%%‬اوية ‪ ,‬مثال مبث‪%%‬ل ‪ ,‬س‪%%‬واء بس‪%%‬واء ‪ ,‬ي‪%%‬دا‬
‫بي ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬د ‪,‬‬
‫ويقاس على هذه األشياء الستة ما شاركها يف العلة ; فيحرم فيه التفاضل عند مجهور أهل العلم ; إال أهنم اختلف‪%%‬وا يف‬
‫حتديد العلة ‪ .‬والصحيح أن العلة يف النقدين الثمنية ‪ ,‬فيقاس عليهما كل ما جع‪%‬ل أمثان‪%‬ا ; ك‪%‬األوراق النقدي‪%‬ة املس‪%‬تعملة‬
‫يف هذه األزمنة ‪ ,‬فيحرم فيها التفاضل إذا بيع بعضها ببعض مع احتاد اجلنس بأن تكون صادرة من دولة واحدة ‪.‬‬

‫والصحيح أن العلة يف بقية األصناف الستة الرب والشعري والتمر وامللح هي الكيل أو الوزن ‪ ,‬مع كوهنا مطعومة‬
‫‪ ,‬فيتعدى احلكم إىل ما شاركوا يف تلك العلة مما يكال أو يوزن وهو مما يطعم ‪ ,‬فيحرم فيه ربا التفاضل ‪.‬‬

‫ق‪%%‬ال ش‪%%‬يخ اإلس‪%%‬الم ابن تيمي‪%‬ة رمحه اهلل ‪ " :‬والعل‪%%‬ة يف حترمي رب‪%‬ا الفضل الكي‪%‬ل أو ال‪%%‬وزن م‪%%‬ع الطعم ‪ ,‬وه‪%‬و رواي‪%‬ة‬
‫عن أمحد " انتهى ‪ .‬فعلى هذا ‪ ,‬كل ما شرك هذه األشياء الستة املنصوص عليها يف حتقق ه‪%‬ذه العل‪%%‬ة في‪%‬ه ‪ ,‬ب‪%‬أن يك‪%%‬ون‬
‫مكيال مطعوما أو موزونا مطعوما أو حتققت فيه علة الثمنية إن كان من النق‪%‬ود ‪ ,‬فإن‪%‬ه يدخل‪%‬ه الرب‪%‬ا ‪ :‬فإن انضاف إىل‬
‫ال‪%‬ذهب‬ ‫العل‪%‬ة احتاد اجلنس ; ك‪%‬بيع ب‪%‬ر ب‪%‬رب مثال ‪ ,‬ح‪%‬رم في‪%‬ه التفاض‪%‬ل والتأجي‪%‬ل ; لقول‪%‬ه ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم ‪:‬‬
‫بالذهب ‪ ,‬والفضة بالفضة ‪ ,‬وال‪%‬رب ب‪%‬الرب ‪ ,‬والش‪%‬عري بالش‪%‬عري ‪ ,‬والتم‪%‬ر ب‪%‬التمر ‪ ,‬وامللح ب‪%‬امللح مثال مبث‪%‬ل ي‪%‬دا بي‪%‬د‬
‫وإن احتدت العلة مع اختالف اجلنس ‪ ,‬كالرب بالشعري ; حرم فيه التأجيل ‪ ,‬وجاز في‪%%‬ه التفاض‪%%‬ل ; لقول‪%%‬ه ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه‬
‫رواه مس‪%%‬لم وأب‪%%‬و داود ‪,‬‬ ‫فإذا اختلفت ه‪%%‬ذه األش‪%%‬ياء فبيعوا كي‪%%‬ف ش‪%%‬ئتم إذا ك‪%%‬ان ي‪%%‬دا بي‪%%‬د‬ ‫وس‪%%‬لم ‪:‬‬
‫ومعىن قوله ‪ " :‬يدا بيد " ; أي حاال مقبوضا يف اجمللس قبل افرتاق أحدمها عن اآلخر ‪.‬‬

‫وإن اختلفت العلة واجلنس ; جاز األمران ‪ :‬التفاضل ‪ ,‬والتأجيل ; كالذهب بالرب ‪ ,‬والفضة بالشعري ‪ .‬مث لنعلم‬
‫ال‪%%‬ذهب‬ ‫أن‪%%‬ه ال جيوز بي‪%%‬ع مكي‪%%‬ل جبنس‪%%‬ه إال كيال وال م‪%%‬وزون جبنس‪%%‬ه إال وزن‪%%‬ا ; لقول‪%%‬ه ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم ‪:‬‬
‫بال‪%%‬ذهب وزن‪%%‬ا ب‪%%‬وزن ‪ ,‬والفضة بالفضة وزن‪%%‬ا ب‪%%‬وزن ‪ ,‬وال‪%%‬رب ب‪%%‬الرب كيال بكي‪%%‬ل ‪ ,‬والش‪%%‬عري بالش‪%%‬عري كيال بكي‪%%‬ل‬
‫وألن م‪%%‬ا خول‪%%‬ف في‪%%‬ه معي‪%%‬اره الش‪%%‬رعي ال يتحق‪%%‬ق في‪%%‬ه التس‪%%‬اوي ‪ ,‬فال جيوز بي‪%%‬ع مكي‪%%‬ل جبنس‪%%‬ه جزافا ‪ ,‬وال بي‪%%‬ع م‪%%‬وزون‬
‫جبنسه جزافا ; لعدم العلم بالتساوي ‪ ,‬واجلهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪16‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* مث إن تعريف الصرف‬

‫ه ‪%%‬و بي ‪%%‬ع نق ‪%%‬د بنق ‪%%‬د س ‪%%‬واء احتد اجلنس أو اختل ‪%%‬ف ‪ ,‬وس ‪%%‬واء ك ‪%%‬ان النق ‪%%‬د من ال ‪%%‬ذهب أو الفضة أو من األوراق‬
‫النقدية املتعامل هبا يف هذا الزمان ; فإهنا تأخذ حكم الذهب والفضة ; الشرتاكهما معا يف عل‪%%‬ة الرب‪%%‬ا ‪ ,‬وهي الثمني‪%%‬ة ‪.‬‬
‫‪ -‬فإذا بي‪%‬ع نق‪%‬د جبنس‪%‬ه ; ك‪%‬ذهب ب‪%‬ذهب ‪ ,‬أو فضة بفضة ‪ ,‬أو ورق نق‪%‬دي جبنس‪%‬ه ; ك‪%‬دوالر مبثل‪%‬ه ‪ ,‬أو دراهم ورقي‪%‬ة‬
‫سعودية مبثلها ; وجب حينئذ التساوي يف املقدار والتقابض يف اجمللس ‪.‬‬

‫‪ -‬وإن بي‪%%‬ع نق‪%%‬د بنق‪%%‬د من غ‪%%‬ري جنس‪%%‬ه ; ك‪%%‬دراهم س‪%%‬عودية ورقي‪%%‬ة ب‪%%‬دوالرات أمريكي‪%%‬ة مثال ‪ ,‬وك‪%%‬ذهب بفضة ;‬
‫وجب حينئ‪%%‬ذ ش‪%%‬يء واح‪%%‬د ‪ ,‬وه‪%%‬و احلل‪%%‬ول والتق‪%%‬ابض يف اجمللس ‪ ,‬وج‪%%‬از التفاض‪%%‬ل يف املق‪%%‬دار ‪ ,‬وك‪%%‬ذا إذا بي‪%%‬ع حلي من‬
‫ال‪%%‬ذهب ب‪%%‬دراهم فضة أو ب‪%%‬ورق نق‪%%‬دي ; وجب احلل‪%%‬ول والتق‪%%‬ابض يف اجمللس ‪ ,‬وك‪%%‬ذا إذا بي‪%%‬ع حلي من الفضة ب‪%%‬ذهب‬
‫مثال ‪.‬‬

‫‪ -‬أم ‪%%‬ا إذا بي ‪%%‬ع احللي من ال ‪%%‬ذهب أو الفضة حبلي أو نق ‪%%‬د من جنس ‪%%‬ه ; ك ‪%%‬أن يب ‪%%‬اع احللي من ال ‪%%‬ذهب ب ‪%%‬ذهب ‪,‬‬
‫واحللي من الفضة بفضة ; وجب األم‪%% % % % % % %‬ران ‪ :‬التس‪%% % % % % % %‬اوي يف ال‪%% % % % % % %‬وزن ‪ ,‬واحلل‪%% % % % % % %‬ول والتق‪%% % % % % % %‬ابض يف اجمللس ‪.‬‬
‫* وخط‪%%‬ر الرب‪%%‬ا عظيم ‪ ,‬وال ميكن التح‪%%‬رز من‪%%‬ه إال مبعرفة أحكام‪%%‬ه ‪ ,‬ومن مل يس‪%%‬تطع معرفته‪%%‬ا بنفس‪%%‬ه ; فعلي‪%%‬ه أن يس‪%%‬أل‬
‫أهل العلم عنها ‪ ,‬وال جيوز له أن يق‪%‬دم على معامل‪%‬ة إال بع‪%‬د تأك‪%‬ده من خلوه‪%‬ا من الرب‪%‬ا ; ليس‪%‬لم ب‪%‬ذلك دين‪%‬ه ‪ ,‬وينج‪%‬و‬
‫من ع‪%‬ذاب اهلل ال‪%‬ذي توع‪%‬د ب‪%‬ه املرابني ‪ ,‬وال جيوز تقلي‪%‬د الن‪%‬اس فيم‪%‬ا هم علي‪%‬ه من غ‪%‬ري بص‪%%‬رية ; خصوص‪%‬ا يف وقتن‪%‬ا ه‪%‬ذا‬
‫الذي كثر فيه عدم املباالة بنوعية املكاسب ‪ ,‬وقد أخ‪%‬رب الن‪%‬يب ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم أن‪%‬ه يف آخ‪%‬ر الزم‪%‬ان يك‪%‬ثر اس‪%‬تعمال‬
‫الربا ‪ ,‬ومن مل يأكله ‪ ,‬ناله من غباره ‪.‬‬

‫* ومن املعامالت الربوية املعاصرة قلب الدين على املعسر إذا حل ومل يكن عنده سداد ; زيد عليه الدين‬
‫بكميات ونسبة معينة حسب التأخري ‪ ,‬وهذا هو ربا اجلاهلية ‪ ,‬وهو حرام بإمجاع املسلمني ‪ ,‬وقال اهلل تعاىل فيه ‪:‬‬
‫ا َأُّي ا اَّلِذي آ ُنوا اَّتُقوا الَّل َذ وا ا ِق ِم الِّر ا ِإْن ُكْنُت ْؤ ِمِن َفِإْن ْف ُلوا َفْأَذُنوا ٍب ِم الَّلِه‬
‫َحِبْر َن‬ ‫ْم ُم َني ْمَل َت َع‬ ‫َه َو ُر َم َب َي َن َب‬ ‫َي َه َن َم‬
‫ففي‬ ‫َرُس وِلِه ِإْن ُتْبُت َفَلُك و َأْم اِلُك اَل َتْظِل وَن اَل ُتْظَل وَن ِإْن َك اَن ُذو ُع ٍة َفَنِظ ٌة ِإىَل َمْي ٍة‬
‫َسَر‬ ‫َر‬ ‫ْسَر‬ ‫ُم َو‬ ‫ُم َو‬ ‫ْم ْم ُرُء ُس َو ْم‬ ‫َو‬ ‫َو‬
‫هذه اآلية الكرمية مجلة هتديدات عن تعاطي هذا النوع من الربا ‪:‬‬

‫ِمِن‬
‫ِإْن ُكْنُتْم ُمْؤ َني‬ ‫وقال ‪:‬‬ ‫َيا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا‬ ‫أوال ‪ :‬أنه سبحانه نادى عباده باسم اإلميان ‪:‬‬
‫فدل على أن تعاطي الربا ال يليق باملؤمن ‪.‬‬

‫فدل على أن الذي يتعاطى الربا ال يتقي اهلل وال خيافه ‪.‬‬ ‫اَّتُقوا الَّلَه‬ ‫ثانيا ‪ :‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪17‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫أي ‪ :‬اتركوا ‪ ,‬وهذا أمر برتك الربا ‪ ,‬واألمر يفيد الوجوب‬ ‫َو َذُر وا َم ا َبِق َي ِم َن الِّر َبا‬ ‫ثالثا ‪ :‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫‪ ,‬فدل على أن من يتعاطى الربا قد عصى أمر اهلل ‪.‬‬

‫أي مل‬ ‫َفِإْن ْمَل َتْف َعُلوا‬


‫رابعا ‪ :‬أنه سبحانه أعلن احلرب على من مل يرتك التعامل بالربا ; فقال تعاىل ‪:‬‬
‫أي ‪ :‬اعلموا أنكم حتاربون اهلل ورسوله ‪.‬‬ ‫َفْأَذُنوا ٍب ِم الَّلِه وِلِه‬ ‫ترتكوا الربا ;‬
‫َحِبْر َن َو َرُس‬

‫َفَلُك ْم ُرُءوُس َأْم َو اِلُك ْم اَل َتْظِلُم وَن َو اَل ُتْظَلُم وَن‬ ‫خامسا ‪ :‬تسمية املرايب ظاملا ‪ ,‬وذلك يف قوله تعاىل ‪:‬‬

‫* ومن املعامالت الربوية ‪ :‬القرض بالفائ‪%‬دة ب‪%‬أن يقرض‪%‬ه ش‪%‬يئا ‪ ,‬بش‪%‬رط أن يوفي‪%‬ه أك‪%‬ثر من‪%‬ه ‪ ,‬أو ي‪%‬دفع إلي‪%‬ه مبلغ‪%‬ا‬
‫من املال على أن يوفيه أكثر منه بنسبة معينة ‪ ,‬كما هو املعمول ب‪%‬ه يف البن‪%‬وك ‪ ,‬وه‪%‬و رب‪%‬ا ص‪%‬ريح ‪ ,‬فالبنوك تق‪%‬وم بعق‪%‬د‬
‫ص‪%‬فقات الق‪%%‬روض بينه‪%%‬ا وبني ذوي احلاج‪%‬ات وأرب‪%‬اب التج‪%%‬ارات وأص‪%‬حاب املص‪%%‬انع واحلرف املختلف‪%%‬ة ‪ ,‬فت‪%‬دفع هلؤالء‬
‫مب ‪%%‬الغ من املال نظ ‪%%‬ري فائ ‪%%‬دة حمددة بنس ‪%%‬بة مئوي ‪%%‬ة ‪ ,‬وت ‪%%‬زداد ه ‪%%‬ذه النس ‪%%‬بة يف حال ‪%%‬ة الت ‪%%‬أخر عن الس ‪%%‬داد يف املوع ‪%%‬د احملدد ‪,‬‬
‫فيجتمع يف ذلك الربا بنوعيه ; ربا الفضل ‪ ,‬وربا النسيئة ‪.‬‬

‫* ومن املع‪%%‬امالت الربوي‪%‬ة م‪%%‬ا جيري يف البن‪%‬وك من اإلي‪%%‬داع بالفائ‪%‬دة ويف الودائ‪%‬ع الثابت‪%‬ة إىل أج‪%‬ل ‪ ,‬يتص‪%%‬رف فيه‪%%‬ا‬
‫البنك إىل متام األجل ‪ ,‬ويدفع لصاحبها فائدة ثابتة بنسبة معينة يف املائة ; كعشرة أو مخسة يف املائة ‪.‬‬

‫* ومن املعامالت الربوية بيع العينة‬

‫وه ‪%%‬و أن ي ‪%%‬بيع س ‪%%‬لعة بثمن مؤج ‪%%‬ل على ش ‪%%‬خص ‪ ,‬مث يع ‪%%‬ود ويش ‪%%‬رتيها من ‪%%‬ه بثمن ح ‪%%‬اّل أق ‪%%‬ل من الثمن املؤج ‪%%‬ل ‪,‬‬
‫ومسيت ه ‪%%‬ذه املعامل ‪%%‬ة بي ‪%%‬ع العين ‪%%‬ة ‪ ,‬ألن مش ‪%%‬رتي الس ‪%%‬لعة إىل أج ‪%%‬ل يأخ ‪%%‬ذ ب ‪%%‬دهلا عين ‪%%‬ا ; أي نق ‪%%‬دا حاض ‪%%‬را ‪ ,‬وال ‪%%‬بيع هبذه‬
‫الصورة إمنا هو حيلة للتوصل إىل الربا ‪ ,‬وقد جاء النهي عن ه‪%‬ذه املعامل‪%‬ة يف أح‪%‬اديث وآث‪%‬ار كث‪%‬رية ‪ ,‬منه‪%‬ا قول‪%‬ه ص‪%‬لى‬
‫إذا تب‪%%‬ايعتم بالعين‪%%‬ة ‪ ,‬وأخ‪%%‬ذمت أذن‪%%‬اب البق‪%%‬ر ‪ ,‬ورض‪%%‬يتم ب‪%%‬الزرع ‪ ,‬وت‪%%‬ركتم اجله‪%%‬اد ‪ ,‬س‪%%‬لط اهلل‬ ‫اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم ‪:‬‬
‫يأيت على‬ ‫رواه أبو داود ‪ ,‬وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬ ‫عليكم ذال ال ينزعه حىت ترجعوا إىل دينكم‬
‫الن ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬اس زم ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ان يس ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬تحلون الرب ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ا ب ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬البيع‬
‫* فاح‪%%‬ذروا من دخ‪%%‬ول الرب‪%%‬ا يف مع‪%%‬امالتكم ‪ ,‬واختالط‪%%‬ه ب‪%%‬أموالكم ‪ ,‬فإن أك‪%%‬ل الرب‪%%‬ا وتعاطي‪%%‬ه من أك‪%%‬رب الكب‪%%‬ائر ‪ ,‬وم‪%%‬ا‬
‫ظه‪%%‬ر الرب‪%%‬ا وال‪%%‬زىن يف ق‪%%‬وم إال ظه‪%%‬ر فيهم الفق‪%%‬ر واألم‪%%‬راض املستعص‪%%‬ية وظلم الس‪%%‬لطان ‪ ,‬والرب‪%%‬ا يهل‪%%‬ك األم‪%%‬وال وميح‪%%‬ق‬
‫الربكات ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪18‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* لقد شدد اهلل الوعيد على أكل الربا ‪ ,‬وجعل أكله من أفحش اخلبائث وأكرب الكبائر ‪ ,‬وبني عقوبة املرايب يف‬
‫ال‪%%‬دنيا واآلخ‪%%‬رة ‪ ,‬وأخ‪%%‬رب أن‪%%‬ه حمارب هلل ولرس‪%%‬وله ; فعقوبت‪%%‬ه يف ال‪%%‬دنيا أن‪%%‬ه ميح‪%%‬ق برك‪%%‬ة املال ويعرض‪%%‬ه للتل‪%%‬ف وال‪%%‬زوال ‪,‬‬
‫فكم تسمعون من تلف األموال العظيمة باحلريق والغرق والفيضان ‪ ,‬فيصبح أهلها فقراء بني الن‪%%‬اس ‪ ,‬وإن بقيت ه‪%%‬ذه‬
‫األم‪%%‬وال الربوي‪%%‬ة بأي‪%%‬دي أص‪%%‬حاهبا ‪ ,‬فهي ممحوق‪%%‬ة الربك‪%%‬ة ‪ ,‬ال ينتفع‪%%‬ون منه‪%%‬ا بش‪%%‬يء ‪ ,‬إمنا يقاس‪%%‬ون أتعاهبا ‪ ,‬ويتحمل‪%%‬ون‬
‫حساهبا ‪ ,‬ويصلون عذاهبا ‪ ,‬واملرايب مبغوض عند اهلل وعند خلقه ; ألن‪%‬ه يأخ‪%‬ذ وال يعطي ‪ ,‬جيم‪%‬ع ومين‪%‬ع ‪ ,‬ال ينف‪%‬ق وال‬
‫يتصدق ‪ ,‬شحيح جشع ‪ ,‬مجوع من‪%‬وع ‪ ,‬تنف‪%‬ر من‪%‬ه القل‪%‬وب ‪ ,‬وينب‪%‬ذه اجملتم‪%‬ع ; وه‪%‬ذه عقوب‪%‬ة عاجل‪%‬ة ‪ ,‬وعقوبت‪%‬ه اآلجل‪%‬ة‬
‫أشد وأبقى ; كما بينها اهلل يف كتاب‪%‬ه ‪ ,‬وم‪%‬ا ذاك إال ألن الرب‪%‬ا مكس‪%‬ب خ‪%‬بيث ‪ ,‬وس‪%‬حت ض‪%‬ار ‪ ,‬وك‪%‬ابوس ثقي‪%‬ل على‬
‫اجملتمعات البشرية ‪.‬‬

‫باب يف أحكام بيع األصول‬

‫* األصول هي‬

‫الدور واألراضي واألشجار ‪ ,‬وما يتبع تلك األصول إذا بيعت مما يتعلق هبا ; فيكون للمشرتي ‪ ,‬وما ال يتبعه‪%%‬ا‬
‫‪ ,‬فيبقى على ملك البائع ‪ ,‬ومعرفة ذلك ينحسم هبا ال‪%‬نزاع بني الط‪%‬رفني ‪ ,‬ويع‪%‬رف ك‪%‬ل م‪%‬ا ل‪%‬ه وم‪%‬ا علي‪%‬ه ‪ ,‬ألن دينن‪%‬ا مل‬
‫ي‪%%‬رتك ش‪%%‬يئا لن‪%%‬ا في‪%%‬ه مص‪%%‬لحة أو علين‪%%‬ا في‪%%‬ه مضرة إال بين‪%%‬ه ‪ ,‬فإذا طب‪%%‬ق ه‪%%‬ذا ال‪%%‬دين ونف‪%%‬ذت أحكام‪%%‬ه ; مل يب‪%%‬ق جمال لل‪%%‬نزاع‬
‫واخلصومات ‪ ,‬ومن ذلك ما حنن بصدد احلديث عنه ; فقد يبيع اإلنسان شيئا من ماله ‪ ,‬وه‪%‬ذا الش‪%‬يء يتعل‪%‬ق ب‪%‬ه تواب‪%‬ع‬
‫ومكمالت ومرافق ‪ ,‬أو يكون له مناء متصل أو منفصل ‪ ,‬فيقع اختالف بني املتب‪%%‬ايعني ‪ :‬أيهم‪%%‬ا يس‪%%‬تحق ه‪%%‬ذه التواب‪%%‬ع ;‬
‫وألجل احلكم بينهما يف هذا االختالف ; عقد الفقهاء رمحهم اهلل بابا يف الفقه اإلس‪%‬المي مسوه ‪ " :‬ب‪%‬اب بي‪%‬ع األص‪%‬ول‬
‫والثمار " ‪ ,‬بينوا فيه ذلك ‪.‬‬

‫* فإذا باع دارا ; مشل البيع بناءها وسقفها ‪ ,‬ألن ذلك كل‪%‬ه داخ‪%‬ل يف مس‪%‬مى ال‪%‬دار ‪ ,‬ومشل أيضا م‪%‬ا يتص‪%%‬ل هبا‬
‫مما هو من مصلحتها ; كاألبواب املنصوبة ‪ ,‬والسالمل ‪ ,‬والرفوف املسمرة هبا ‪ ,‬واآلليات املركبة فيها ‪ ,‬كالرافع‪%%‬ات ‪,‬‬
‫واألدوات الكهربائي‪%%‬ة ‪ ,‬والقنادي‪%%‬ل املعلق‪%%‬ة لإلض‪%%‬اءة ‪ ,‬وخزان‪%%‬ات املي‪%%‬اه املدفون‪%%‬ة يف األرض ‪ ,‬أو املثبت‪%%‬ة فوق الس‪%%‬طوح ‪,‬‬
‫واألن‪%%‬ابيب املم‪%%‬دة لتوزي‪%%‬ع املاء ‪ ,‬وأدوات التك‪%%‬ييف املثبت‪%%‬ة يف أماكنه‪%%‬ا لتك‪%%‬ييف اهلواء أو لتس‪%%‬خني املاء ‪ ,‬ويش‪%%‬مل ال‪%%‬بيع‬
‫أيضا م‪%%‬ا يف ال‪%%‬دار من أش‪%%‬جار وزراع‪%%‬ة ‪ ,‬وم‪%%‬ا أقيم فيه‪%%‬ا من مظالت ‪ ,‬ويش‪%%‬مل ال‪%%‬بيع أيضا م‪%%‬ا يف ب‪%%‬اطن أرض ال‪%%‬دار من‬
‫معدن جامد ‪.‬‬

‫أم‪%%‬ا م‪%%‬ا ك‪%%‬ان مودع‪%%‬ا يف ال‪%%‬دار وم‪%%‬ا ه‪%%‬و منفص‪%%‬ل عنه‪%%‬ا ; فال يش‪%%‬مله ال‪%%‬بيع ; كاألخش‪%%‬اب ‪ ,‬واحلب‪%%‬ال ‪ ,‬واألواين ‪,‬‬
‫والفرش املنفصلة ‪ ,‬وما دفن يف أرضها للحفظ ; كاحلجارة ‪ ,‬والكنوز ‪ ,‬وغريها ‪ ,‬فكل هذه األش‪%‬ياء ال يش‪%‬ملها ال‪%‬بيع‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪19‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫; ألهنا منفصلة عن الدار ; فال تدخل يف مسماها ; إال ما كان يتعلق مبصلحتها ‪ ,‬كاملفاتيح ‪ ,‬فإنه يتبعها ‪ ,‬ولو كان‬
‫منفصال عنها ‪.‬‬

‫* وإذا باع أرضا ‪ ,‬مشل البيع كل ما هو متصل هبا مما يستمر بقاؤه فيها ; كالغراس ‪ ,‬والبناء‪.‬‬

‫* وك‪%%‬ذا ل‪%%‬و ب‪%%‬اع بس‪%%‬تانا ; مشل ال‪%%‬بيع أرض‪%%‬ه ‪ ,‬وش‪%%‬جره ‪ ,‬وحيطان‪%%‬ه ‪ ,‬وم‪%%‬ا في‪%%‬ه من من‪%%‬ازل ‪ ,‬ول‪%%‬و ب‪%%‬اع أرض‪%%‬ا فيه‪%%‬ا‬
‫زرع ال حيص ‪%%‬د إال م ‪%%‬رة ‪ ,‬ك ‪%%‬الرب والش ‪%%‬عري ‪ ,‬فه ‪%%‬و للب ‪%%‬ائع ‪ ,‬وال يش ‪%%‬مله العق ‪%%‬د ‪ ,‬وإن ك ‪%%‬ان يف األرض املبيع ‪%%‬ة زرع جيز‬
‫م‪%%‬رارا ‪ ,‬ك‪%‬القث ‪ ,‬أو يلق‪%%‬ط م‪%%‬رارا ; كالقث‪%‬اء والباذجنان ‪ ,‬فإن أص‪%‬وله تك‪%%‬ون ملش‪%%‬رتي األرض تبع‪%%‬ا لألرض ‪ ,‬وأم‪%%‬ا اجلزة‬
‫واللقطة الظاهرتان عند البيع ‪ ,‬فإهنما تكونان للبائع ‪.‬‬

‫* وكل ما ذكر من هذا التفصيل فيما يتبع البائع وما يتبع املشرتي عند بيع األص‪%‬ول إذا مل يوج‪%‬د ش‪%‬رط بينهم‪%‬ا‬
‫‪ ,‬أم ‪%%‬ا إذا وج ‪%%‬د ش ‪%%‬رط يلح ‪%%‬ق ه ‪%%‬ذه األش ‪%%‬ياء بأح ‪%%‬دمها دون اآلخ ‪%%‬ر ; وجب العم ‪%%‬ل ب ‪%%‬ه ‪ ,‬لقول ‪%%‬ه ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم ‪:‬‬
‫املسلمون على شروطهم‬

‫من ابت‪%‬اع خنال بع‪%‬د‬ ‫* ومن باع خنال قد أّبر طلع‪%‬ه ‪ ,‬فثم‪%‬ره للب‪%‬ائع ‪ ,‬لق‪%‬ول الن‪%‬يب ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم ‪:‬‬
‫متف‪%‬ق علي‪%‬ه ‪ ,‬والت‪%‬أبري ه‪%‬و التلقيح ‪ ,‬ومث‪%‬ل النخ‪%‬ل يف ه‪%‬ذا‬ ‫أن تؤبر ‪ ,‬فثمرهتا للذي باعها إال أن يشرتطه املبت‪%‬اع‬
‫احلكم شجر العنب والتوت والرمان ‪ ,‬إذا بيع بعد ظه‪%‬ور مثره ; ك‪%‬ان مثره للب‪%‬ائع ‪ ,‬وم‪%‬ا قب‪%‬ل الت‪%‬أبري يف النخ‪%‬ل والظه‪%‬ور‬
‫يف العنب وحنوه يكون للمشرتي ; ملفهوم احلديث الشريف يف النخيل ‪ ,‬وقياس غريه عليه ‪.‬‬

‫* ومن هذا تفهم كمال هذه الشريعة اإلسالمية ‪ ,‬وحلها ملشاكل الناس ‪ ,‬وأهنا تعطي كل ذي حق حقه ; من‬
‫غري ظلم وال إضرار باآلخرين ; فما من مشكلة إال وضعت هلا حال كافيا ‪ ,‬مشتمال على املصلحة واحلكمة ‪ ,‬تشريع‬
‫من حكيم محي ‪%% % % % % % % % % % % %‬د ‪ ,‬يعلم مص ‪%% % % % % % % % % % % %‬احل عب ‪%% % % % % % % % % % % %‬اده وم ‪%% % % % % % % % % % % %‬ا يضرهم يف ك ‪%% % % % % % % % % % % %‬ل زم ‪%% % % % % % % % % % % %‬ان ومك ‪%% % % % % % % % % % % %‬ان ‪.‬‬
‫َي ا َأُّيَه ا اَّل ِذيَن آَم ُن وا َأِط يُع وا الَّل َه َو َأِط يُع وا الَّر ُس وَل َو ُأويِل اَأْلْم ِر ِم ْنُك ْم َف ِإْن‬ ‫وص ‪%%‬دق اهلل العظيم حيث يق ‪%%‬ول ‪:‬‬
‫فال‬ ‫َتَن اَزْعُتْم يِف َش ْي ٍء َفُر ُّدوُه ِإىَل الَّل ِه َو الَّر ُس وِل ِإْن ُكْنُتْم ُتْؤ ِم ُنوَن ِبالَّل ِه َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِر َذِلَك َخ ْيٌر َو َأْح َس ُن َتْأِو ياًل‬
‫حيسم النزاع بني الناس وحيقق املصاحل ويقنع النفوس املؤمنة ; إال حكم اهلل ورسوله ‪ ,‬أم‪%%‬ا أنظم‪%%‬ة البش‪%%‬ر ‪ ,‬فهي قاص‪%%‬رة‬
‫ِت‬
‫َو َلِو اَّتَبَع اَحْلُّق َأْه َو اَءُه ْم َلَف َس َد الَّس َم اَو اُت‬ ‫قصور البشر ‪ ,‬وتدخلها األهواء والنزعات ; كما قال اهلل تعاىل ‪:‬‬

‫َأَفُح ْك َم‬ ‫فتب ‪%%‬ا وبع ‪%%‬دا وس ‪%%‬حقا لعق ‪%%‬ول تس ‪%%‬تبدل حكم اهلل ورس ‪%%‬وله بق ‪%%‬وانني البش ‪%%‬ر ‪,‬‬ ‫َو اَأْلْر ُض َو َمْن ِفيِه َّن‬
‫نس‪%%‬أل اهلل أن ينص‪%%‬ر دين‪%%‬ه ‪ ,‬ويعلي كلمت‪%%‬ه ‪ ,‬وحيمي‬ ‫اَجْلاِهِلَّي ِة َيْبُغ وَن َو َمْن َأْح َس ُن ِم َن الَّل ِه ُح ْك ًم ا ِلَق ْو ٍم ُيوِقُن وَن‬
‫املسلمني من كيد أعدائهم ‪ ,‬إنه مسيع جميب ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪20‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫باب يف أحكام بيع الثمار‬

‫* املراد بالثم ‪%% % % % % % % % % % % % % %‬ار م ‪%% % % % % % % % % % % % % %‬ا على النخي ‪%% % % % % % % % % % % % %‬ل وغريه ‪%% % % % % % % % % % % % %‬ا من الثم ‪%% % % % % % % % % % % % % %‬ار املقص ‪%% % % % % % % % % % % % % %‬ودة لألك ‪%% % % % % % % % % % % % %‬ل ‪.‬‬
‫* إذا بيعت هذه الثمار دون أصوهلا ; فإنه ال يصح ذلك قبل بدو صالحها ; ألن النيب صلى اهلل عليه وس ‪%%‬لم‬
‫متفق عليه ; فنهى ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم الب‪%%‬ائع عن‬ ‫نهى عن بيع الثمار قبل بدو صالحها هنى البائع واملبتاع‬
‫بي‪%‬ع الثم‪%‬رة قب‪%‬ل ب‪%‬دو ص‪%‬الحها ; لئال يأك‪%‬ل املال بالباط‪%%‬ل ‪ ,‬وهنى املش‪%‬رتي ; ألن‪%‬ه يعني على أك‪%‬ل املال بالباط‪%%‬ل ‪ ,‬ويف "‬
‫الص‪%%‬حيحني " ‪ :‬أن الن‪%%‬يب ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم هنى عن بي‪%%‬ع الثم‪%%‬ار ح‪%%‬ىت تزه‪%%‬و ‪ .‬قي‪%%‬ل ‪ :‬وم‪%%‬ا زهوه‪%%‬ا ؟ ق‪%%‬ال ‪:‬‬
‫والنهي يف احلديثني يقتضي فساد املبيع وعدم صحته ‪.‬‬ ‫حتمار أو تصفار‬

‫أن رس‪%%‬ول اهلل ص‪%%‬لى اهلل‬ ‫* وك‪%%‬ذا ال جيوز بي‪%%‬ع ال‪%%‬زرع قب‪%%‬ل اش‪%%‬تداد حب‪%%‬ه ملا روى مس‪%%‬لم عن ابن عم‪%%‬ر ‪:‬‬
‫عليه وسلم هنى عن بي‪%‬ع النخ‪%‬ل ح‪%‬ىت يزه‪%‬و ‪ ,‬وعن بي‪%‬ع الس‪%‬نبل ح‪%‬ىت ي‪%‬بيض وي‪%‬أمن العاه‪%‬ة ; هنى الب‪%‬ائع واملش‪%‬رتي‬
‫فدل ه‪%%‬ذا احلديث على من‪%%‬ع بي‪%%‬ع ال‪%%‬زرع ح‪%%‬ىت يب‪%%‬دو ص‪%%‬الحه ‪ ,‬وب‪%%‬دو ص‪%%‬الحه أن ي‪%%‬بيض ويش‪%%‬تد وي‪%%‬أمن‬
‫العاهة ‪.‬‬

‫* واحلكم‪%%‬ة يف النهي عن بي‪%%‬ع الثم‪%%‬ر قب‪%%‬ل ب‪%%‬دو ص‪%%‬الحه وعن بي‪%%‬ع ال‪%%‬زرع قب‪%%‬ل اش‪%%‬تداد حب‪%%‬ه ‪ ,‬ألن‪%%‬ه يف تل‪%%‬ك الف‪%%‬رتة‬
‫أرأيت إن‬ ‫معرض لآلفات غالب‪%‬ا ‪ ,‬مع‪%‬رض للتل‪%‬ف ; كم‪%‬ا بنّي ذل‪%‬ك الن‪%‬يب ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم بقول‪%‬ه ‪:‬‬
‫ح‪%%‬ىت ي‪%%‬بيض وي‪%%‬أمن العاه‪%%‬ة‬ ‫وق‪%%‬ال يف الس‪%%‬نبل ‪:‬‬ ‫من‪%%‬ع اهلل الثم‪%%‬رة ; مب يأخ‪%%‬ذ أح‪%%‬دكم م‪%%‬ال أخي‪%%‬ه‬
‫والعاهة هي اآلفة اليت تصيبه فيفسد ‪ ,‬ويف ذلك رمة بالناس ‪ ,‬وحفظ ألم‪%%‬واهلم ‪ ,‬وقط‪%%‬ع لل‪%%‬نزاع ال‪%%‬ذي‬
‫قد يفضي إىل العداوة والبغضاء ‪.‬‬

‫أرأيت إن من‪%‬ع اهلل الثم‪%‬رة ; مب‬ ‫* ومن هنا ندرك حرمة م‪%‬ال املس‪%%‬لم ; فق‪%‬د ق‪%‬ال ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم ‪:‬‬
‫ففي ه‪%‬ذا تنبي‪%‬ه وزج‪%‬ر لل‪%‬ذين حيت‪%‬الون على الن‪%‬اس القتن‪%‬اص أم‪%‬واهلم بش‪%‬ىت‬ ‫يس‪%‬تحل أح‪%‬دكم م‪%‬ال أخي‪%‬ه ؟‬
‫احليل ; كما أن يف احلديث حثا للمسلم على حفظ ماله وعدم إضاعته ; حيث هنى النيب ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%%‬لم‬
‫املشرتي أن يشرتي الثمرة قبل بدو صالحها وغلبة السالمة عليها ‪ ,‬ألهنا لو تلفت وقد بذل فيها مال‪%%‬ه ; لضاع‬
‫علي ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ه ‪ ,‬وص ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬عب اس ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬رتجاعه من الب ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ائع أو تع ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ذر ‪.‬‬
‫كما نفهم من احلديث الشريف تعليق احلكم بالغالب ‪ ,‬ألن الغالب على الثمرة قبل بدو صالحها التل‪%%‬ف ; فال‬
‫جيوز بيعها ‪ ,‬والغالب عليها بعد بدو صالحها الس‪%‬المة ‪ ,‬فيج‪%‬وز بيعه‪%‬ا ‪ .‬ونأخ‪%‬ذ من احلديث أيضا أن‪%‬ه ال جيوز‬
‫لإلنسان أن خياطر مباله ويعرضه للضياع ‪ ,‬ولو عن طريق املعاوضة غري املأمونة العاقبة ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪21‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* وحيث علمن ‪%%‬ا مما س ‪%%‬بق أن ‪%%‬ه ال جيوز بي ‪%%‬ع الثم ‪%%‬رة قب ‪%%‬ل ب ‪%%‬دو ص ‪%%‬الحها ; فإمنا يع ‪%%‬ين ذل ‪%%‬ك إذا بيعت منف ‪%%‬ردة عن‬
‫أص‪%%‬وهلا بش‪%%‬رط البق‪%%‬اء ‪ ,‬أم‪%%‬ا إذا ك‪%%‬انت تابع‪%%‬ة ألص‪%%‬وهلا أو بغ‪%%‬ري ش‪%%‬رط البق‪%%‬اء ‪ ,‬فإن ذل‪%%‬ك جيوز ‪ ,‬وذل‪%%‬ك يف ثالث‬
‫صور ذكرها الفقهاء رمحهم اهلل ‪:‬‬

‫الصورة األوىل ‪ :‬إذا بيع الثمر قبل بدو صالحه بأصوله ; بأن يبيع الثمر مع الشجر ‪ ,‬فيصح ذلك ‪ ,‬ويدخل الثمر‬
‫تبعا ‪ ,‬وكذا إذا باع الزرع األخضر مع أرضه ; جاز ذلك ‪ ,‬ودخل الزرع األخضر تبعا ‪.‬‬

‫الصورة الثانية ‪ :‬إذا بيع الثمر قبل بدو صالحه أو الزرع األخضر ملالك األصل ; أي ‪ :‬مالك الشجر أو مالك‬
‫األرض ‪ ,‬جاز ذلك أيضا ; ألنه إذا باعهما ملالك األصل ‪ ,‬فقد حصل التسليم للمشرتي على الكمال مللكه األصل‬
‫والقرار ‪ ,‬فصح البيع ; على خالف يف هذه الصورة ; ألن بعض العلماء يرى أن هذه الصورة تدخل يف عموم النهي‬
‫عن بيع الثمر قبل بدو صالحه ‪.‬‬

‫الص‪%‬ورة الثالث‪%‬ة ‪ :‬بي‪%‬ع الثم‪%‬ر قب‪%‬ل ب‪%‬دو ص‪%‬الحه وال‪%‬زرع قب‪%‬ل اش‪%‬تداد حب‪%‬ه بش‪%‬رط القط‪%‬ع يف احلال ‪ ,‬وك‪%‬ان ميكن االنتف‪%‬اع‬
‫هبما إذا قطعا ‪ ,‬ألن املنع من البيع خلوف التلف وحدوث العاهة ‪ ,‬وهذا مأمون فيما يقطع يف احلال ‪ ,‬أما إذا مل ينتف‪%‬ع‬
‫هبم‪%%‬ا إذا قطع‪%%‬ا ‪ ,‬فإن‪%%‬ه ال يص‪%%‬ح بيعهم‪%%‬ا ‪ ,‬ألن ذل‪%%‬ك إفس‪%%‬اد وإض‪%%‬اعة للم‪%%‬ال ‪ ,‬وق‪%%‬د هنى الن‪%%‬يب ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم عن‬
‫إضاعة املال ‪.‬‬

‫* وجيوز على الصحيح من قويل العلماء بيع ما يتكرر أخذه كالقت والبقل والقثاء والباذجنان ‪ ,‬فيجوز بيع‬
‫لقطته وجزته احلاضرة واملستقبلة ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬الصحيح أن هذه مل تدخل يف هني النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬بل يصح‬
‫العقد على اللقطة املوجودة واللقطة املعدومة إىل أن تيبس املقثاة ‪ ,‬ألن احلاجة داعية إىل ذلك ‪ ,‬فيجوز بيع املقاثي‬
‫دون أصوهلا " ‪.‬‬
‫وقال العالمة ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬وإمنا هنى عن بيع الثمار اليت ميكن تأخري بيعها حىت يبدو صالحها ‪ ,‬فلم تدخل‬
‫املقاثي يف هنيه " انتهى ‪.‬‬

‫باب يف وضع اجلوائح‬

‫* اجلوائح مجع جائحة ‪ ,‬وهي اآلفة اليت تصيب الثمار فتهلكها ‪ ,‬مأخوذة من اجلوح وهو االستئصال ‪.‬‬
‫* فإذا بيعت الثمرة بعد بدو صالحها ‪ ,‬حيث جيوز بيعها عند ذلك ‪ ,‬فأصيبت بآفة مساوية أتلفتها ‪ ,‬واآلفة السماوية‬
‫هي ما ال صنع لآلدمي فيها ; كالريح ‪ ,‬واحلر ‪ ,‬والعطش ‪ ,‬واملطر ‪ ,‬والربد ‪ ,‬واجلراد ‪ .. .‬وحنو ذلك من اآلفات‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪22‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫القاهرة اليت تأيت على الثمار فتتلفها ‪ ,‬فإذا كانت هذه الثمرة التالفة قد بيعت ومل يتمكن املشرتي من أخذها حىت‬
‫أصيبت وتلفت ‪ ,‬فإن املشرتي يرجع على البائع ‪ ,‬ويسرتد منه الثمن الذي دفعه له ; حلديث جابر رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫رواه مسلم ‪ ,‬فدل هذا احلديث على أن الثمرة‬ ‫أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أمر بوضع اجلوائح‬
‫التالفة تكون من ملك البائع ‪ ,‬وأنه ال يستحق على املشرتي من مثنها شيئا ‪ ,‬فإن تلفت كلها ; رجع املشرتي بالثمن‬
‫كله ‪ ,‬وإن تلف بعضها ‪ ,‬رجع املشرتي على البائع فيما يقابله من الثمن ‪ ,‬لعموم احلديث ‪ ,‬وسواء كان البيع قبل‬
‫مب تأخذ مال أخيك بغري حق ؟‬ ‫بدو الصالح أو بعده ; لعموم احلديث ‪ ,‬ولقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫وإذا كان التالف يسريا ال ينضبط ; فإنه يفوت على املشرتي ‪ ,‬وال يكون من مسئولية البائع ; ألن هذا مما جرت به‬
‫العادة ‪ ,‬وال يسمى جائحة ‪ ,‬وال ميكن التحرز منه ‪ ,‬كما لو أكل منه الطري أو تساقط يف األرض وحنو ذلك ‪,‬‬
‫وحدده بعض العلماء مبا دون الثلث ‪ ,‬واألقرب أنه ال يتحدد بذلك ‪ ,‬بل يرجع فيه إىل العرف ; ألن التحديد حيتاج‬
‫إىل دليل ‪.‬‬
‫* وقد علل العلماء رمحهم اهلل تضمني البائع جائحة الثمرة بأن قبض الثمرة على رءوس الشجر بالتخلية قبض غري‬
‫تام ‪ ,‬فهو كما لو مل يقبضها ‪.‬‬
‫* هذا ما يتعلق بتلف الثمرة جبائحة مساوية ‪ ,‬أما إذا تلفت بفعل آدمي بنحو حريق ; فإنه حينئذ خيري املشرتي بني‬
‫فسخ البيع ومطالبة البائع مبا دفع من الثمن ويرجع البائع على املتلف فيطالبه بضمان ما أتلف ‪ ,‬وبني إمضاء البيع‬
‫ومطالبة املتلف ببدل ما أتلف ‪.‬‬
‫* وعالمة بدو الصالح يف غري النخل ‪ -‬أي ‪ :‬العالمة اليت يعرف هبا صالح الثمرة الذي علق عليه النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم جواز بيعها يف غري النخل ‪ -‬ختتلف باختالف الشجر ; فبدو الصالح يف العنب ‪ :‬أن يتموه حلوا ; لقول‬
‫رواه أمحد ورواته ثقات ‪ ,‬وعالمة‬ ‫هنى النيب صلى اهلل عليه وسلم عن بيع العنب حىت يسود‬ ‫أنس ‪:‬‬
‫بدو الصالح يف بقية الثمار كالتفاح والبطيخ والرمان واملشمش واخلوخ واجلوز وحنو ذلك ‪ :‬أن يبدو فيه النضج‬
‫متفق عليه ‪ ,‬ويف لفظ ‪:‬‬ ‫هنى عن بيع الثمرة حىت تطيب‬ ‫ويطيب أكله ; ألنه عليه الصالة والسالم‬
‫وبدو الصالح يف حنو قثاء أن يؤكل عادة ‪ ,‬وعالمة بدو الصالح يف احلب أن‬ ‫حىت يطيب أكلها‬
‫يشتد ويبيض ‪ ,‬ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم جعل اشتداد احلب غاية لصحة بيعه ‪.‬‬

‫باب فيما يتبع املبيع وما ال يتبعه‬

‫باب يف ما يتبع املبيع وما ال يتبعه هناك أشياء تدخل تبع املبيع ‪ ,‬فتكون للمشرتي ; ما مل يستثنها البائع ‪ ,‬من‬
‫ذلك ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪23‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* من باع عبدا أو دابة ‪ ,‬تبع املبيع ما على العبد من ثياب العادة ‪ ,‬وما على الدابة من اللجام واملقود والنعل ‪,‬‬
‫فيدخل ما ذكر يف مطلق البيع ; جلريان العادة به ‪ ,‬وما مل جتر العادة بتبعيته للمبيع ومل يكن من حاجة املبيع ‪ ,‬كمال‬
‫من باع عبدا وله مال ;‬ ‫العبد وما عليه من ثياب اجلمال ; فهذا ال يتبع املبيع ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه مسلم ; فدل على أن مال العبد ال يدخل معه يف البيع إذا بيع ‪,‬‬ ‫فماله لبائعه ; إال أن يشرتط املبتاع‬
‫ألن البيع إمنا يقع على العبد ‪ ,‬واملال زائد عنه ‪ ,‬فهو كما لو كان له عبدان ‪ ,‬فباع أحدمها ‪ ,‬وألن العبد وماله لسيده‬
‫‪ ,‬فإذا باع العبد ; بقي املال ‪.‬‬
‫إال أن‬ ‫* فإذا اشرتط املشرتي دخول املال الذي مع العبد يف البيع ‪ ,‬دخل ‪ ,‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫يشرتط املبتاع‬

‫باب يف أحكام السلم‬

‫* السلم أو السلف تعريفه‬


‫هو تعجيل الثمن ‪ ,‬وتأجيل املثمن ‪ ,‬ويعرفه الفقهاء رمحهم اهلل بأنه عقد على موصوف يف الذمة مؤجل بثمن‬
‫مقبوض يف جملس العقد ‪.‬‬
‫ِإ‬ ‫ِذ‬
‫َيا َأُّيَه ا اَّل يَن آَم ُنوا َذا َتَد اَيْنُتْم‬ ‫* وهذا النوع من التعامل جائز بالكتاب والسنة واإلمجاع ‪ - :‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫قال ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪ " :‬أشهد أن السلف املضمون إىل أجل‬ ‫ِبَد ْيٍن ِإىَل َأَج ٍل ُمَس ًّم ى َفاْك ُتُبوُه‬
‫مسمى قد أحله اهلل يف كتابه وأذن فيه " ‪ ,‬مث قرأ هذه اآلية ‪.‬‬
‫\‬ ‫‪ -‬وملا قدم صلى اهلل عليه وسلم املدينة وهم يسلفون يف الثمار السنة والسنتني والثالث ‪ ,‬قال ‪:‬‬
‫\‪AASSERVERHAFIZATA$IslamMFQHTak\Hits464.htm‬‬

‫( ويف‬ ‫‪AASSERVERHAFIZATA$IslamMFQHTak\Hits1251.htm‬من أسلف يف شيء‬


‫متفق عليه ‪ ,‬فدل هذا‬ ‫فليسلف يف كيل معلوم ووزن معلوم إىل أجل معلوم‬ ‫لفظ ‪ :‬يف مثر ) ;‬
‫احلديث على جواز السلم هبذه الشروط ‪.‬‬
‫‪ -‬وقد حكى ابن املنذر وغريه إمجاع العلماء على جوازه ‪ .‬وحاجة الناس داعية إليه ; ألن أحد املتعاقدين يرتفق‬
‫بتعجيل الثمن ‪ ,‬واآلخر يرتفق برخص املثمن ‪.‬‬
‫* ويشرتط لصحة السلم شروط خاصة زائدة على شروط البيع ‪:‬‬

‫الشرط األول ‪ :‬انضباط صفات السلعة املسلم فيها ; ألن ما ال ميكن ضبط صفاته خيتلف كثريا ‪ ,‬فيفضي إىل‬
‫املنازعة بني الطرفني ; فال يصح السلم فيما ختتلف صفاته ; كالبقول ‪ ,‬واجللود ‪ ,‬واألواين املختلفة ‪ ,‬واجلواهر ‪.‬‬
‫الشرط الثاين ‪ :‬ذكر جنس املسلم فيه ونوعه ‪ ,‬فاجلنس كالرب ‪ ,‬والنوع كالسلموين مثال ‪ ,‬وهو نوع من الرب ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪24‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫من أسلف يف‬ ‫الشرط الثالث ‪ :‬ذكر قدر املسلم فيه بكيل أو وزن أو ذرع ‪ ,‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫متفق عليه ‪ ,‬وألنه إذا جهل مقدار املسلم فيه ;‬ ‫شيء ; فليسلف يف كيل معلوم ووزن معلوم إىل أجل معلوم‬
‫تعذر االستيفاء ‪.‬‬
‫وقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫إىل أجل معلوم‬ ‫الشرط الرابع ‪ :‬ذكر أجل معلوم ‪ ,‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فدلت اآلية الكرمية واحلديث الشريف على اشرتاط التأجيل‬ ‫ِإَذا َتَد اَيْنُتْم ِبَد ْيٍن ِإىَل َأَج ٍل ُمَس ًّم ى َفاْك ُتُبوُه‬
‫يف السلم ‪ ,‬وحتديد األجل حبد يعلمه الطرفان ‪.‬‬
‫الشرط اخلامس ‪ :‬أن يوجد املسلم فيه غالبا يف وقت حلول أجله ; ليمكن تسليمه يف وقته ‪ ,‬فإن كان املسلم فيه ال‬
‫يوجد يف وقت احللول ; مل يصح السلم ; كما لو أسلم يف رطب وعنب إىل الشتاء ‪.‬‬
‫من‬ ‫الشرط السادس ‪ :‬أن يقبض الثمن تاما معلوم املقدار يف جملس العقد ‪ ,‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫احلديث ; أي ‪ :‬فليعط ‪ .‬قال اإلمام الشافعي رمحه اهلل ‪" :‬‬ ‫أسلف يف شيء ‪ ,‬فليسلف يف كيل معلوم ‪.. .‬‬
‫ألنه ال يقع اسم السلف فيه حىت يعطيه ما أسلفه قبل أن يفارق من أسلفه ‪ ,‬وألنه إذا مل يقبض الثمن يف اجمللس ‪,‬‬
‫صار بيع دين بدين ‪ ,‬وهذا ال جيوز " ‪.‬‬
‫الشرط السابع ‪ :‬أن يكون املسلم فيه غري معني ‪ ,‬بل يكون دينا يف الذمة ‪ ,‬فال يصح السلم يف دار وشجرة ‪ ,‬ألن‬
‫املعني قد يتلف قبل تسليمه ‪ ,‬فيفوت املقصود ‪ ,‬ويكون الوفاء وتسليم السلعة املسلم فيها يف مكان العقد إن كان‬
‫يصلح لذلك ‪ ,‬فإن كان ال يصلح ‪ ,‬كما لو عقدا يف بر أو حبر ‪ ,‬فال بد من ذكر مكان الوفاء ‪ ,‬وحيث تراضيا على‬
‫مكان التسليم ‪ ,‬جاز ذلك ‪ ,‬وإن اختلفا ; رجعنا إىل حمل العقد حيث كان يصلح لذلك كما سبق ‪.‬‬
‫* ومن أحكام املسلم أنه ال جيوز بيع السلعة املسلم فيها قبل قبضها لنهي النيب صلى اهلل عليه وسلم عن بيع الطعام‬
‫حىت يقبضه ‪ ,‬وال تصح احلوالة عليه ‪ ,‬ألن احلوالة ال تصح إال على دين مستقر ‪ ,‬والسلم عرضة للفسخ ‪.‬‬
‫* ومن أحكام السلم أنه إذا تعذر وجود املسلم فيه وقت حلوله ‪ ,‬كما لو أسلم يف مثرة ‪ ,‬فلم حتمل الشجر تلك‬
‫السنة ; فلرب السلم الصرب إىل أن يوجد املسلم فيه فيطالب به ‪ ,‬أو الفسخ ويطالب برأس ماله ; ألن العقد إذا زال‬
‫وجب رد الثمن ‪ ,‬فإن كان الثمن تالفا ; رد بدله إليه ‪ ,‬واهلل أعلم ‪ .‬وإباحة هذه املعاملة من يسر هذه الشريعة‬
‫اإلسالمية ومساحتها ; ألن يف هذه املعاملة تيسريا على الناس وحتقيقا ملصاحلهم ‪ ,‬مع خلوها من الربا وسائر‬
‫احملذورات ‪ ,‬قلله احلمد على تيسريه ‪.‬‬

‫باب يف أحكام القرض‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪25‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* القرض لغة ‪ :‬القطع ; ألن املقرض يقطع شيئا من ماله يعطيه للمقرتض ‪ ,‬وتعريفه شرعا ‪ :‬أنه دفع مال ملن‬
‫ينتفع به ويرد بدله ‪ .‬وهو من باب اإلرفاق ‪ ,‬وقد مساه النيب صلى اهلل عليه وسلم منيحة ; ألنه ينتفع به املقرتض ‪ ,‬مث‬
‫يعيده إىل املقرض ‪.‬‬
‫ما من مسلم يقرض مسلما قرضا‬ ‫* واإلقراض مستحب ‪ ,‬وفيه أجر عظيم ‪ ,‬قال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه ابن ماجه ‪ ,‬وقد قيل ‪ :‬إن القرض أفضل من الصدقة ; ألنه ال يقرتض‬ ‫مرتني ‪ ,‬إال كان كصدقة مرة‬
‫من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا ‪ ,‬نفس اهلل عنه كربة من‬ ‫إال حمتاج ‪ ,‬ويف احلديث الصحيح ‪:‬‬
‫فالقرض فعل معروف ‪ ,‬وفيه تفريج للضائقة عن املسلم ‪ ,‬وقضاء حلاجته ‪ .‬وليس‬ ‫كرب يوم القيامة‬
‫االقرتاض من املسألة املكروهة ; فقد اقرتض النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫* ويشرتط لصحة القرض أن يكون املقرض ممن يصح تربعه ; فال جيوز لويل اليتيم مثال أن يقرض من مال اليتيم ‪,‬‬
‫وكذلك يشرتط معرفة قدر املال املدفوع يف القرض ‪ ,‬ومعرفة صفته ; ليتمكن من رد بدله إىل صاحبه ‪ ,‬فالقرض‬
‫يصبح دينا يف ذمة املقرتض ‪ ,‬جيب عليه رده إىل صاحبه عندما يتمكن من ذلك ‪ ,‬من غري تأخري ‪.‬‬
‫* وحيرم على املقرض أن يشرتط على املقرتض زيادة يف القرض ; فقد أمجع العلماء على أنه إذا شرط عليه زيادة ‪,‬‬
‫فأخذها ‪ ,‬فهو ربا ; فما تفعله البنوك اليوم من اإلقراض بالفائدة ربا صريح ‪ ,‬سواء كان قرضا استهالكيا أو إمنائيا‬
‫كما يسمونه ‪ ,‬فال جيوز للمقرض ‪ -‬سواء كان بنكا أو فردا أو شركة ‪ -‬أن يأخذ زيادة يف القرض مشرتطة ‪ ,‬بأي‬
‫اسم مسى هذه الزيادة ‪ ,‬وسواء مسيت هذه الزيادة رحبا أو فائدة أو هدية أو سكن دار أو ركوب سيارة ‪ ,‬ما دام أن‬
‫كل قرض جر نفعا ;‬ ‫هذه الزيادة أو هذه اهلدية أو هذه املنفعة جاءت عن طريق املشارطة ‪ ,‬ويف احلديث ‪:‬‬
‫إذا أقرض أحدكم قرضا ; فأهدى إليه ‪ ,‬أو محله على‬ ‫ويف احلديث عن أنس مرفوعا ‪:‬‬ ‫فهو ربا‬
‫رواه ابن ماجه ‪ ,‬وله شواهد كثرية‬ ‫الدابة ‪ ,‬فال يركبها ‪ ,‬وال يقبله ; إال أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك‬
‫إذا كان لك على رجل حق ‪ ,‬فأهدى إليك‬ ‫‪ ,‬وقد ثبت عن عبد اهلل بن سالم رضي اهلل عنه ‪ ,‬أنه قال ‪" :‬‬
‫" ‪ ,‬وهذا له حكم الرفع ; فال جيوز ملقرض قبول هدية وال غريها من املنافع‬ ‫محل تنب ; فال تأخذه ; فإنه ربا‬
‫من املقرتض إذا كان هذا بسبب القرض ; للنهي عن ذلك ‪ ,‬وألن القرض إمنا هو عقد إرفاق باحملتاج ‪ ,‬وقربة إىل اهلل‬
‫‪ ,‬فإذا شرط فيه الزيادة أو حتراها وقصدها وتطلع إليها ; فقد أخرج القرض عن موضوعه الذي هو التقرب إىل اهلل‬
‫بدفع حاجة املقرتض إىل الربح من املقرتض ; فال يصري قرضا ‪ .‬فيجب على املسلم أن ينتبه لذلك وحيذر منه وخيلص‬
‫النية يف القرض ويف غريه من األعمال الصاحلة ‪ ,‬فإن القرض ليس القصد منه النماء احلسي ‪ ,‬وإمنا القصد منه النماء‬
‫املعنوي ‪ ,‬وهو التقرب إىل اهلل ; بدفع حاجة احملتاج ‪ ,‬واسرتجاع رأس املال ‪ ,‬فإذا كان هذا هو القصد يف القرض ;‬
‫فإن اهلل ينزل يف املال الربكة والنماء الطيب ‪.‬‬
‫* هذا ; وينبغي أن ُيعلم أن الزيادة املمنوع أخذها يف القرض هي الزيادة املشرتطة ; كأن يقول ‪ :‬أقرضك كذا وكذا‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪26‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫بشرط أن ترد علي املال بزيادة كذا وكذا ‪ ,‬أو أن تسكنين دارك أو دكانك ‪ ,‬أو هتدي إيل كذا وكذا ‪ ,‬أو ال يكون‬
‫هناك شرط ملفوظ به ‪ ,‬ولكن هناك قصد للزيادة وتطلع إليها ‪ ,‬فهذا هو املمنوع املنهي عنه ‪.‬‬
‫أما لو بذل املقرتض الزيادة من ذات نفسه وبدافع منه ‪ ,‬بدون اشرتاط من املقرض ‪ ,‬أو تطلع وقصد ‪ ,‬فال مانع من‬
‫أخذ الزيادة حينئذ ; ألن هذا يعترب من حسن القضاء ‪ ,‬وألن النيب صلى اهلل عليه وسلم استسلف بكرا فرد خريا‬
‫وهذا من مكارم األخالق احملمودة عرفا وشرعا ‪ ,‬وال يدخل‬ ‫خريكم أحسنكم قضاء‬ ‫منه ‪ ,‬وقال ‪:‬‬
‫يف القرض الذي جير نفعا ‪ ,‬ألنه مل يكن مشروطا يف القرض من املقِر ض وال متواطأ عليه ‪ ,‬وإمنا ذلك تربع من‬
‫املستقرض ‪ .‬وكذلك إذا بذل املقرتض للمقرض نفعا معتادا بينهما قبل القرض ; بأن كان من عادة املقرتض بذل‬
‫هذا النفع ‪ ,‬ومل يكن الدافع إليه هو القرض ‪ ,‬فال مانع من قبوله ‪ ,‬النتفاء احملذور ‪.‬‬
‫* مث إنه جيب على املقرتض االهتمام بأداء ما عليه من دين القرض ورده إىل صاحبه ; من غري مماطلة وال تأخري ;‬
‫َه ْل َجَز اُء اِإْل ْح َس اِن ِإاَّل اِإْل ْح َس اُن‬ ‫حينما يقدر على الوفاء ‪ ,‬لقول اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫* وبعض الناس يتساهل يف احلقوق عامة ‪ ,‬ويف شأن الديون خاصة ‪ ,‬وهذه خصلة ذميمة ‪ ,‬جعلت كثريا من الناس‬
‫حيجمون عن بذل القروض والتوسعة على احملتاجني ‪ ,‬مما قد يلجئ احملتاج إىل الذهاب إىل بنوك الربا والتعامل معها‬
‫مبا حرم اهلل ; ألنه ال جيد من يقرضه قرضا حسنا ‪ ,‬واملقرض ال جيد من يسدد له قرضه تسديدا حسنا ‪ ,‬حىت ضاع‬
‫املعروف بني الناس ‪.‬‬

‫باب يف أحكام الرهن‬

‫* الرهن لغة يراد به الثبوت والدوام ‪ ,‬يقال ‪ :‬ماء راهن ‪ ,‬أي ‪ :‬راكد ‪ .‬والرهن شرعا ‪ :‬توثقة دين بعني ميكن‬
‫استيفاؤه منها أو من مثنها ‪ ,‬أي ‪ :‬جعل عني مالية وثيقة بدين ‪.‬‬
‫* والرهن جائز بالكتاب والسنة واإلمجاع ‪.‬‬
‫َو ِإْن ُكْنُتْم َعَلى َس َف ٍر َو ْمَل ِجَت ُد وا َك اِتًبا َفِر َه اٌن َم ْق ُبوَض ٌة‬ ‫‪ -‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫‪ -‬وقد تويف النيب صلى اهلل عليه وسلم ودرعه مرهونة ‪.‬‬
‫‪ -‬وأمجع العلماء على جواز الرهن يف السفر ‪ ,‬واجلمهور أجازوه أيضا يف احلضر ‪.‬‬
‫* واحلكمة يف مشروعيته حفظ األموال والسالمة من الضياع ‪ .‬وقد أمر اهلل بتوثيق الدين بالكتاب ‪ ,‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫ِذ‬
‫َو ِإْن ُكْنُتْم َعَلى‬ ‫إىل قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫َيا َأُّيَه ا اَّل يَن آَم ُنوا ِإَذا َتَد اَيْنُتْم ِبَد ْيٍن ِإىَل َأَج ٍل ُمَس ًّم ى َفاْك ُتُبوُه‬
‫وهذا من رمحة اهلل بعباده ‪ ,‬حيث يرشدهم إىل ما فيه خريهم‬ ‫َس َف ٍر َو ْمَل ِجَت ُد وا َك اِتًبا َفِر َه اٌن َم ْق ُبوَض ٌة‬
‫* ويشرتط لصحة الرهن معرفة قدره وجنسه وصفته ‪ ,‬وأن يكون الراهن جائز التصرف ‪ ,‬مالكا للمرهون ‪ ,‬أو‬
‫مأذونا له فيه ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪27‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* وجيوز لإلنسان أن يرهن مال نفسه على دين غريه ‪.‬‬


‫* ويشرتط يف العني املرهونة أن تكون مما يصح بيعه ; ليتمكن من االستيفاء من الرهن ‪.‬‬

‫َو ِإْن ُكْنُتْم َعَلى َس َف ٍر َو ْمَل‬ ‫* ويصح اشرتاط الرهن يف صلب العقد ‪ ,‬ويصح بعد العقد ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫فجعله اهلل سبحانه بدال من الكتابة ‪ ,‬والكتابة إمنا تكون بعد وجوب احلق ‪.‬‬ ‫ِجَت ُد وا َك اِتًبا َفِر َه اٌن َم ْق ُبوَض ٌة‬
‫* والرهن يلزم من جانب الراهن فقط ; ألن احلظ فيه لغريه ‪ ,‬فلزم من جهته ‪ ,‬وال يلزم من جانب املرهتن ‪ ,‬فله‬
‫فسخه ‪ ,‬ألن احلظ فيه له وحده ‪.‬‬
‫* وجيوز أن يرهن نصيبه من عني مشرتكة بينه وبني غريه ; ألنه جيوز بيع نصيبه عند حلول الدين ‪ ,‬ويويف منه‬
‫الدين ‪ .‬وجيوز رهن املبيع على مثنه ; ألن مثنه دين يف الذمة ‪ ,‬واملبيع ملك للمشرتي ; فجاز رهنه به ‪ ,‬فإذا اشرتى‬
‫دارا أو سيارة مثال بثمن مؤجأل وحال مل يقبض ; فله رهنها حىت يسدد له الثمن ‪.‬‬
‫* وال ينفذ تصرف أحد الطرفني املرهتن أو الراهن يف العني املرهونة إال بإذن الطرف اآلخر ; ألنه إذا تصرف فيه‬
‫بغري إذنه ; فوت عليه حقه ; ألن تصرف الراهن يبطل حق املرهتن يف التوثيق ‪ ,‬وتصرف املرهتن تصرف يف ملك‬
‫غريه ‪.‬‬

‫* وأما االنتفاع بالرهن فحسبما يتفقان عليه ‪ :‬فإن اتفقا على تأجريه أو غريه ‪ ,‬جاز ‪ ,‬وإن مل يتفقا ; بقي‬
‫معطال حىت يفك الرهن ‪ .‬وميَّك ن الراهن من عمل ما فيه إصالح للرهن ‪ ,‬كسقي الشجر ‪ ,‬وتلقيحه ‪ ,‬ومداواته ‪,‬‬
‫ألن ذلك مصلحة للرهن ‪.‬‬
‫* ومناء الرهن املتصل كالسمن وتعلم الصنعة ‪ ,‬ومناؤه املنفصل كالولد والثمرة والصوف وكسبه ‪ :‬ملحق به ‪ ,‬يكون‬
‫رهنا معه ‪ ,‬ويباع معه لوفاء الدين ; وكذا سائر غالته ; ألهنا تابعة له ‪ ,‬وكذا لو ُج ين عليه ; فأرش اجلناية يلحق‬
‫بالرهن ; ألنه بدل جزء منه ‪.‬‬
‫* ومؤنة الرهن من طعامه وعلف الدواب وعمارته وغري ذلك على الراهن ; حلديث سعيد بن املسيب عن أيب هريرة‬
‫ال يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه ‪ ,‬له غنمه ‪ ,‬وعليه غرمه‬ ‫‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫رواه الشافعي والدارقطين ‪ ,‬وقال ‪ " :‬إسناده حسن صحيح " ‪ ,‬وألن الرهن ملك للراهن ; فكان عليه‬
‫نفقته ‪ .‬وعلى الراهن أيضا أجرة املخزن الذي يودع فيه املال املرهون وأجرة حراسته ; ألن ذلك يدخل ضمن‬
‫اإلنفاق عليه ‪ ,‬وكذا أجرة رعي املاشية املرهونة ‪.‬‬
‫* وإن تلف بعض الرهن وبقي بعضه ‪ ,‬فالباقي رهن جبميع الدين ‪ ,‬ألن الدين كله متعلق جبميع أجزاء الرهن ‪ ,‬فإذا‬
‫تلف البعض ; بقي البعض اآلخر رهنا جبميع الدين ‪.‬‬
‫* وإن وىف بعض الدين ‪ ,‬مل ينفك شيء من الرهن حىت يسدده كله ‪ ,‬فال ينفك منه شيء حىت يؤدي مجيع الدين ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪28‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* وإذا حل الدين الذي به رهن وجب على املدين تسديده كالدين الذي ال رهن به ; ألن هذا مقتضى العقد بينهما‬
‫ِذ ِمُت‬
‫فإن امتنع من الوفاء ; صار مماطال ‪ ,‬وحينئذ‬ ‫َفْلُيَؤ ِّد اَّل ي اْؤ َن َأَم اَنَتُه َو ْلَيَّتِق الَّلَه َر َّبُه‬ ‫‪ ,‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫جيربه احلاكم على وفاء الدين ‪ ,‬فإن امتنع ; حبسه وعزره حىت يويف ما عليه من الدين من عنده ‪ ,‬أو يبيع الرهن‬
‫ويسدد من قيمته ‪ ,‬فإن امتنع ‪ ,‬فإن احلاكم يبيع الرهن ‪ ,‬ويويف الدين من مثنه ‪ ,‬ألنه حق وجب على املدين ‪ ,‬فقام‬
‫احلاكم مقامه عند امتناعه ‪ ,‬وألن الرهن وثيقة للدين ليباع عند حلوله ‪ ,‬وإن فضل من مثنه شيء عن الدين ‪ ,‬فهو‬
‫ملالكه ‪ ,‬يرد عليه ‪ ,‬ألنه ماله ‪ ,‬وإن بقي من الدين شيء مل يغطه مثن الرهن ; فهو يف ذمة الراهن ‪ ,‬جيب عليه‬
‫تسديده ‪.‬‬

‫* ومن أحكام الرهن أن‪%‬ه إذا ك‪%‬ان حيوان‪%‬ا حيت‪%‬اج إىل نفق‪%‬ة وك‪%‬ان يف قبضة املرهتن ; فإن الش‪%‬ارع احلكيم رخص‬
‫ل‪%‬ه أن يركب‪%‬ه وينف‪%‬ق علي‪%‬ه إن ك‪%‬ان يص‪%‬لح للرك‪%‬وب ‪ ,‬وحيلب‪%‬ه وينف‪%‬ق علي‪%‬ه إن ك‪%‬ان يص‪%‬لح للحلب ‪ ,‬ق‪%‬ال الن‪%‬يب ص‪%‬لى اهلل‬
‫\\‪AASSERVERHAFIZATA$IslamMFQHTak\Hits472.htm‬‬ ‫علي ‪%% % % % % % % % % % % % % % %‬ه وس ‪%% % % % % % % % % % % % % % %‬لم ‪:‬‬
‫‪AASSERVERHAFIZATA$IslamMFQHTak\Hits1253.htm‬الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهون ‪%%‬ا‬
‫رواه البخ ‪%%‬اري ‪ ,‬أي ‪:‬‬ ‫‪ ,‬ولنب ال ‪%%‬در يش ‪%%‬رب بنفقت ‪%%‬ه إذا ك ‪%%‬ان مرهون ‪%%‬ا ‪ ,‬وعلى ال ‪%%‬ذي ي ‪%%‬ركب ويش ‪%%‬رب النفق ‪%%‬ة‬
‫وجيب على الذي يركب الظهر ويشرب اللنب النفقة يف مقابلة انتفاعه ‪ ,‬وما زاد عما يقابل النفقة من املنفع‪%%‬تني يك‪%%‬ون‬
‫ملالكه ‪.‬‬

‫ق‪%% %‬ال اإلم‪%% %‬ام ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬دل احلديث وقواع‪%% %‬د الش‪%% %‬ريعة وأص ‪%%‬وهلا على أن احلي ‪%%‬وان املره ‪%%‬ون حمرتم يف‬
‫نفس‪%%‬ه حلق اهلل تع‪%%‬اىل ‪ ,‬وللمال‪%%‬ك في‪%%‬ه ح‪%%‬ق املل‪%%‬ك ‪ ,‬وللم‪%%‬رهتن ح‪%%‬ق الوثيق‪%%‬ة ‪ ,‬فإذا ك‪%%‬ان بي‪%%‬ده ‪ ,‬فلم حيلب‪%%‬ه ‪ ,‬ذهب نفع‪%%‬ه‬
‫ب‪%‬اطال ‪ ,‬فك‪%‬ان مقتضى الع‪%‬دل والقي‪%‬اس ومص‪%‬لحة ال‪%‬راهن واملرهتن واحلي‪%‬وان أن يس‪%‬تويف املرهتن منفع‪%‬ة الرك‪%‬وب واحللب‬
‫ويع‪%%‬وض عنهم‪%%‬ا بالنفق‪%%‬ة ‪ ,‬فإذا اس‪%%‬توىف املرهتن منفعت‪%%‬ه ‪ ,‬وع‪%%‬وض عنه‪%%‬ا نفق‪%%‬ة ‪ ,‬ك‪%%‬ان يف ه‪%%‬ذا مجع بني املص‪%%‬لحتني وبني‬
‫احلقني " انتهى ‪.‬‬
‫ق ‪%% % % % %‬ال بعض الفقه ‪%% % % % %‬اء رمحهم اهلل ‪ :‬ال ‪%% % % % %‬رهن قس ‪%% % % % %‬مان ‪ :‬م ‪%% % % % %‬ا حيت ‪%% % % % %‬اج إىل مؤن ‪%% % % % %‬ة ‪ ,‬وم ‪%% % % % %‬ا ال حيت ‪%% % % % %‬اج إىل مؤن ‪%% % % % %‬ة ‪.‬‬
‫وم‪%%‬ا حيت‪%%‬اج إىل مؤن‪%%‬ة نوع‪%%‬ان ‪ :‬حي‪%%‬وان مرك‪%%‬وب وحمل‪%%‬وب ; تق‪%%‬دم حكم‪%%‬ه ‪ .‬وم‪%%‬ا ليس مبرك‪%%‬وب وال حمل‪%%‬وب ; كالعب‪%%‬د‬
‫واألم‪%%‬ة ; فه‪%%‬ذا الن‪%%‬وع ال جيوز للم‪%%‬رهتن أن ينتف‪%%‬ع ب‪%%‬ه إال ب‪%%‬إذن مالك‪%%‬ه ‪ ,‬فإذا أذن ل‪%%‬ه مالك‪%%‬ه أن ينف‪%%‬ق علي‪%%‬ه وينتف‪%%‬ع ب‪%%‬ه يف‬
‫مقابلة ذلك ‪ ,‬جاز ; ألنه نوع معاوضة ‪.‬‬

‫والقسم الثاين ‪ :‬ما ال حيتاج إىل مؤنة ‪ ,‬كالدار واملت‪%‬اع وحنوه ‪ ,‬وه‪%‬ذا الن‪%‬وع ال جيوز للم‪%‬رهتن أن ينتف‪%‬ع ب‪%‬ه ; إال‬
‫بإذن الراهن أيضا ; إال إن كان الرهن بدين قرض ; فال جيوز للمقرض أن ينتفع به كما سبق ‪ ,‬لئال يكون قرض‪%‬ا ج‪%‬ر‬
‫نفعا ‪ ,‬فيكون من الربا ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪29‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫باب يف أحكام الضمان‬

‫* ومن التوثيقات الشرعية للديون الضمان ‪ ,‬وهو مأخوذ من الضمن ; ألن ذمة الضامن صارت يف ضمن ذمة‬
‫املضمون عنه ‪ ,‬وقيل ‪ :‬مشتق من التضمن ‪ ,‬ألن ذمة الضامن تتضمن احلق املضمون ‪ ,‬وقيل ‪ :‬مشتق من الضم ;‬
‫لضم ذمة الضامن إىل ذمة املضمون عنه يف التزام احلق فيثبت احلق يف ذمتيهما مجيعا ‪.‬‬
‫* ومعىن الضمان شرعا ‪ :‬التزام ما وجب على غريه ‪ ,‬مع بقائه على مضمون عنه ‪ ,‬والتزام ما قد جيب أيضا ; كأن‬
‫يقول ‪ :‬ما أعطيت فالنا ; فهو علّي ‪.‬‬
‫ِعٍري ِبِه ِع‬ ‫ِبِه‬ ‫ِل‬
‫أي‬ ‫َو َمْن َج اَء ْمِحُل َب َو َأَنا َز يٌم‬ ‫* والضمان جائز بالكتاب والسنة واإلمجاع ‪ - :‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫‪ :‬ضامن ‪.‬‬
‫أي ‪ :‬ضامن ‪.‬‬ ‫الزعيم غارم‬ ‫‪ -‬وروى اإلمام الرتمذي مرفوعا ‪:‬‬
‫‪ -‬وقد أمجع العلماء على جواز الضمان يف اجلملة ‪ .‬واملصلحة تقتضي ذلك ‪ ,‬بل قد تدعو احلاجة والضرورة إليه ‪,‬‬
‫وهو من التعاون على الرب والتقوى ‪ ,‬ومن قضاء حاجة املسلم ‪ ,‬وتنفيس كربته ‪.‬‬
‫* ويشرتط لصحته أن يكون الضامن جائز التصرف ‪ ,‬ألنه حتمل مال ‪ ,‬فال يصح من صغري وال سفيه حمجور عليه ‪,‬‬
‫ويشرتط رضاه أيضا ‪ ,‬فإن أكره على الضمان ; مل يصح ; ألن الضمان تربع بالتزام احلق ‪ ,‬فاعترب له الرضى‬
‫كالتربع باألموال ‪.‬‬
‫* والضمان عقد إرفاق يقصد به نفع املضمون وإعانته ; فال جيوز أخذ العوض عليه ‪ ,‬وألن أخذ العوض على‬
‫الضمان يكون كالقرض الذي جر نفعا ; فالضامن يلزمه أداء الدين عن املضمون عند مطالبته بذلك ‪ ,‬فإذا أداه‬
‫للمضمون له ; فإنه سيسرتده من املضمون عنه على صفة القرض ‪ ,‬فيكون قرضا جر نفعا ‪ ,‬فيجب االبتعاد عن مثل‬
‫هذا ‪,‬‬
‫وأن يكون الضمان مقصودا به التعاون واإلرفاق ‪ ,‬ال االستغالل وإرهاق احملتاج ‪.‬‬
‫* ويصح الضمان بلفظ ‪ :‬أنا ضمني ‪ ,‬أو ‪ :‬أنا قبيل ‪ ,‬أو ‪ :‬أنا محيل ‪ ,‬أو ‪ :‬أنا زعيم ‪ ,‬وبلفظ ‪ :‬حتملت دينك ‪ ,‬أو ‪:‬‬
‫ضمنته ‪ ,‬أو ‪ :‬هو عندي ‪ ,‬وبكل لفظ يؤدي معىن الضمان ‪ ,‬ألن الشارع مل حيد ذلك بعبارة معينة ‪ ,‬فريجع فيه إىل‬
‫العرف ‪.‬‬
‫* ولصاحب احلق أن يطالب من شاء من الضامن أو املضمون ‪ ,‬ألن حقه ثابت يف ذمتهما ; فملك مطالبة من شاء‬
‫رواه أبو داود والرتمذي وحسنه ‪ ,‬والزعيم هو‬ ‫الزعيم غارم‬ ‫منهما ‪ ,‬ولقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫الضامن ‪ ,‬والغارم معناه الذي يؤدي شيئا لزمه ‪ ,‬وهذا قول اجلمهور ‪.‬‬
‫وذهب بعض العلماء إىل أن صاحب احلق ال جيوز له مطالبة الضامن ‪ ,‬إال إذا تعذرت مطالبة املضمون عنه ‪ ,‬ألن‬
‫الضمان فرع ‪ ,‬وال يصار إليه إال إذا تعذر األصل ‪ ,‬وألن الضمان توثيق للحق كالرهن ‪ ,‬والرهن ال يستوىف منه احلق‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪30‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫إال عند تعذر االستيفاء من الراهن ‪ ,‬وألن مطالبة الضامن مع وجود املضمون عنه ويسرته فيها استقباح من الناس ‪,‬‬
‫ألن املعهود عندهم أنه ال يطالب الضامن إال عند تعذر مطالبة املضمون عنه أو عجزه عن التسديد ‪ ,‬هذا هو‬
‫املتعارف عند الناس ‪ .‬هذا معىن ما ذكره اإلمام ابن القيم ‪ ,‬وقال ‪ " :‬هذا القول يف القوة كما ترى " ‪.‬‬

‫* ومن مسائل الضمان أن ذمة الضامن ال تربأ إال إذا برئت ذمة املضمون عنه من الدين بإبراء أو قضاء ‪ ,‬ألن‬
‫ذمة الضامن فرع عن ذمة املضمون وتبع هلا ‪ ,‬وألن الضمان وثيقة ‪ ,‬فإذا برئ األصل ‪ ,‬زالت الوثيقة ; كالرهن ‪.‬‬
‫* ومن مسائل الضمان أنه جيوز تعدد الضامنني فيجوز أن يضمن احلق اثنان فأكثر ‪ ,‬سواء ضمن كل واحد منهما‬
‫مجيعه أو جزءا منه ‪ ,‬وال يربأ أحد منهم ‪ -59-‬إال برباءة اآلخر ‪ ,‬ويربءون مجيعا برباءة املضمون عنه ‪.‬‬
‫* ومن مسائل الضمان أنه ال يشرتط يف صحته معرفة الضامن للمضمون عنه ‪ ,‬كأن يقول ‪ :‬من استدان منك ; فأنا‬
‫ضمني ‪ ,‬وال يشرتط معرفة الضامن للمضمون له ‪ ,‬ألنه ال يشرتط رضى املضمون له واملضمون عنه ; فال يشرتط‬
‫معرفتهما ‪.‬‬
‫ِل‬ ‫* ومن مسائل الضمان أنه يصح ضمان املعلوم وضمان اجملهول إذا كان يئول إىل العلم ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َو َمْن‬
‫ِعٍري ِبِه ِع‬ ‫ِبِه‬
‫ألن محل البعري غري معلوم ‪ ,‬لكنه يئول إىل العلم ‪ ,‬فدلت اآلية على جوازه ‪.‬‬ ‫َج اَء ْمِحُل َب َو َأَنا َز يٌم‬
‫* ومن مسائل الضمان أنه يصح ضمان عادة املبيع ‪ -‬والعهدة هي الدرك ‪ , -‬بأن يضمن الثمن إذا ظهر املبيع‬
‫مستحقا لغري البائع ‪.‬‬
‫* ومن مسائل الضمان أنه جيوز ضمان ما جيب على الشخص ‪ ,‬كأن يضمن ما يلزمه من دين وحنوه ‪.‬‬

‫باب يف أحكام الكفالة‬

‫* الكفالة هي التزام إحضار من عليه حق مايل لربه ‪ .‬فالعقد يف الكفالة واقع على بدن املكفول ‪ ,‬فتصح‬
‫الكفالة ببدن كل إنسان عليه حق مايل ; كالدين ‪ ,‬وال تصح الكفالة ببدن من عليه حد ‪ ,‬ألن الكفالة استيثاق ‪,‬‬
‫واحلدود مبناها على الدرء بالشبهات ; فال يدخل فيها االستيثاق ‪ ,‬وال تصح الكفالة ببدن من عليه قصاص ‪ ,‬ألنه ال‬
‫ميكن استيفاؤه من غري اجلاين ‪ ,‬وال جيوز استيفاؤه من الكفيل إذا تعذر عليه إحضار املكفول ‪.‬‬
‫* ويشرتط لصحة الكفالة أن تكون برضى الكفيل ‪ ,‬ألنه ال يلزمه احلق ابتداء إال برضاه ‪.‬‬

‫* ويربأ الكفيل مبوت املكفول املتعذر إحضاره ويربأ كذلك بتسليم املكفول نفسه لرب احلق يف حمل التسليم‬
‫وأجله ‪ ,‬ألنه أتى مبا يلزم الكفيل ‪ ,‬وإذا تعذر إحضار املكفول مع حياته أو غاب ومضى زمن ميكن إحضاره فيه ‪,‬‬
‫الزعيم غارم‬ ‫فإن الكفيل يضمن ما عليه من الدين ; لعموم قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫* ومن مسائل الكفالة أنه جيوز ضمان معرفة الشخص كما لو جاء إنسان ليستدين من إنسان ‪ ,‬فقال ‪ :‬أنا ال‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪31‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫أعرفك فال أعطيك ‪ .‬فقال شخص آخر ‪ :‬أنا أضمن لك معرفته ‪ ,‬أي ‪ :‬أعِّر فك من هو وأين هو ; فإنه يلزم‬
‫بإحضاره إذا غاب ‪ ,‬وال يكفي أن يذكر امسه ومكانه ‪ ,‬فإن عجز عن إحضاره مع حياته ‪ ,‬ضمن ما عليه ‪ ,‬ألنه هو‬
‫الذي دفع الدائن أن يعطيه ماله بتكفله ملعرفته ‪ ,‬فكأنه قال ‪ :‬ضمنت لك حضوره مىت أردت ‪ ,‬فصار ذلك كما لو‬
‫قال ‪ :‬تكفلت لك ببدنه ‪.‬‬

‫باب يف أحكام احلوالة‬

‫* احلوالة لغة مشتقة من التحول ; ألهنا حتول الدين من ذمة إىل ذمة أخرى ‪ ,‬ومن مث عرفها الفقهاء بأهنا نقل‬
‫دين من ذمة إىل ذمة أخرى ‪.‬‬
‫إذا أتبع أحدكم على مليء ; فليتبع‬ ‫* وهي ثابتة بدليل السنة واإلمجاع ‪ - :‬قال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫من أحيل حبقه على مليء ‪ ,‬فليحتل‬ ‫ويف لفظ ‪:‬‬
‫‪ -‬وقد حكى غري واحد من العلماء اإلمجاع على ثبوهتا ‪.‬‬
‫* وفيها إرفاق بني الناس ‪ ,‬وتسهيل لسبل معامالهتم ‪ ,‬وتسامح ‪ ,‬وتعاون على قضاء حاجاهتم ‪ ,‬وتسديد ديوهنم ‪,‬‬
‫وتوفري راحتهم ‪.‬‬
‫* وقد ظن بعض الناس أن احلوالة على غري وفق القياس ; ألهنا بيع دين بدين ‪ ,‬وبيع الدين بالدين ممنوع ‪ ,‬لكنه جاز‬
‫يف احلوالة على غري وفق القياس ‪ ,‬وقد رد هذا العالمة ابن القيم ‪ ,‬وبني أهنا جارية على وفق القياس ; ألهنا من جنس‬
‫إيفاء احلق ‪ ,‬المن جنس البيع ‪ .‬قال ‪ " :‬وإن كانت بيع دين بدين ‪ ,‬فلم ينه الشارع عن ذلك ‪ ,‬بل قواعد الشرع‬
‫تقتضي جوازه ‪ ,‬فإهنا اقتضت نقل الدين وحتويله من ذمة احمليل إىل ذمة احملال عليه " انتهى ‪.‬‬
‫* وال تصح احلوالة إال بشروط ‪:‬‬

‫الشرط األول ‪ :‬أن تكون على دين مستقر يف ذمة احملال عليه ; ألن مقتضاها إلزام احملال عليه بالدين ‪ ,‬وإذا كان هذا‬
‫الدين غري مستقر ; فهو عرضة للسقوط ; فال تثبت احلوالة عليه ; فال تصح احلوالة على مثن مبيع يف مدة اخليار ‪,‬‬
‫وال تصح احلوالة من االبن على أبيه إال برضاه ‪.‬‬

‫الشرط الثاين ‪ :‬اتفاق الدينني احملال به واحملال عليه ; أي ‪ :‬متاثلهما يف اجلنس ; كدراهم على دراهم ‪ ,‬ومتاثلهما يف‬
‫الوصف ; كأن حييل بدراهم مضروبة على دراهم مضروبة ‪ ,‬ونقود سعودية مثال على نقود سعودية مثلها ‪,‬‬
‫ومتاثلهما يف الوقت ‪ ,‬أي ‪ :‬يف احللول والتأجيل ‪ ,‬فلو كان أحد الدينني حاال واآلخر مؤجال ‪ ,‬أو أحدمها حيل بعد‬
‫شهر واآلخر حيل بعد شهرين ; مل تصح احلوالة ‪ ,‬ومتاثل الدينني يف املقدار ; فال تصح احلوالة مبائة مثال على تسعني‬
‫رياال ; ألهنا عقد إرفاق ; كالقرض ‪ ,‬فلو جاز التفاضل فيها ; خلرجت عن موضوعها ‪ -‬وهو اإلرفاق ‪ -‬إىل طلب‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪32‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫الزيادة هبا ‪ ,‬وهذا ال جيوز كما ال جيوز يف القرض ‪ ,‬لكن لو أحال ببعض ما عليه من الدين ‪ ,‬أو أحال على بعض ما‬
‫له من الدين ; جاز ذلك ‪ ,‬ويبقى الزائد حباله لصاحبه ‪.‬‬

‫الشرط الثالث ‪ :‬رضى احمليل ألن احلق عليه ‪ ,‬فال يلزمه أن يسدده عن طريق احلوالة ‪ ,‬وال يشرتط رضى احملال‬
‫عليه ; كما ال يشرتط أيضا رضى احملتال إذا أحيل على مليء غري مماطل ‪ ,‬بل جيرب على قبول احلوالة ‪ ,‬ومطالبة احملال‬
‫مطل الغين ظلم ‪ ,‬وإذا أتبع أحدكم على مليء ; فليتبع‬ ‫عليه حبقه ‪ ,‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫أي ‪ :‬ليقبل احلوالة ‪ ,‬واملليء هو‬ ‫من أحيل حبقه على مليء ‪ ,‬فليحتل‬ ‫متفق عليه ‪ ,‬ويف لفظ ‪:‬‬
‫القادر على الوفاء ‪ ,‬الذي ال يعرف مبماطلة ‪ ,‬فإن كان احملال عليه غري مليء ‪ ,‬مل يلزم احملال قبول احلوالة عليه ‪ ,‬ملا‬
‫يف ذلك من الضرر عليه ‪.‬‬
‫* وهبذه املناسبة ; فالنصيحة ملن عليهم حقوق للناس وعندهم املقدرة على تسديدها أن يبادروا بإبراء ذممهم بأدائها‬
‫ألصحاهبا أو ملن أحيل عليهم هبا ‪ ,‬وأن ال يلطخوا مسعتهم باملماطلة واملراوغة ; فكثريا ما نسمع التظلمات من‬
‫أصحاب احلقوق بسبب تأخري حقوقهم وتساهل املدينني بتسديدها من غري عذر شرعي ; كما أننا كثريا ما نسمع‬
‫مماطلة األغنياء بتسديد احلواالت املوجهة إليهم ‪ ,‬وإتعاب احملالني ‪ ,‬حىت أصبحت احلوالة شبحا خميفا ‪ ,‬ينفر منها‬
‫كثري من الناس ‪ ,‬بسبب ظلم الناس ‪.‬‬
‫* وإذا صحت احلوالة ; بأن اجتمعت شروطها املذكورة ‪ ,‬فإن احلق ينتقل هبا من ذمة احمليل إىل ذمة احملال عليه ‪,‬‬
‫وتربأ ذمة احمليل من هذا احلق ; ألن معناها حتويل احلق من ذمة إىل ذمة ‪ ,‬فال يسوغ للمحال أن يرجع إىل احمليل ;‬
‫ألن حقه انتقل إىل غريه ‪ ,‬فعليه أن يصرف وجهته ومطالبته إىل احملال عليه ‪ ,‬فيستويف منه أو يصطلح معه على أي‬
‫شكل من األشكال يف نوعية االستيفاء ‪ ,‬فاحلوالة الشرعية وفاء صحيح وطريق مشروع ‪ ,‬وفيها تيسري على الناس إذا‬
‫استغلت استغالال صحيحا واستعملت استعماال حسنا ومل يكن فيها خمادعة وال مراوغة ‪.‬‬

‫باب يف أحكام الوكالة‬

‫* الوكالة ‪ -‬بفتح الواو وكسرها ‪ : -‬التفويض ‪ ,‬تقول ‪ :‬وكلت أمري إىل اهلل ; أي ‪ :‬فوضته إليه ‪,‬‬
‫واصطالحا ‪ :‬استنابة جائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة ‪.‬‬
‫* وهي جائزة بالكتاب والسنة واإلمجاع ‪.‬‬
‫َقاَل اْجَعْليِن َعَلى َخَز اِئِن‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫َفا ُثوا َأ َد ُك ِب ِر ِقُك ِذِه ِإىَل اْل ِد يَنِة‬ ‫‪ -‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫َم‬ ‫ْبَع َح ْم َو ْم َه‬
‫َو اْلَعاِمِلَني َعَلْيَه ا‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫اَأْلْر ِض‬
‫‪ ,‬وأبا رافع يف تزوجه صلى اهلل عليه‬ ‫ووكل صلى اهلل عليه وسلم عروة بن اجلعد يف شراء الشاة‬ ‫‪-‬‬
‫وسلم ميمونة ‪ ,‬وكان يبعث عماله لقبض الزكاة ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪33‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫‪ -‬وذكر املوفق وغريه إمجاع األمة على جواز الوكالة يف اجلملة ‪ ,‬واحلاجة داعية إليها ‪ ,‬إذ ال ميكن كل أحد فعل ما‬
‫حيتاج إليه بنفسه ‪.‬‬
‫* ما تنعقد به الوكالة تنعقد الوكالة بكل قول يدل على اإلذن ; ك ‪ :‬افعل كذا ‪ ,‬أو ‪ :‬أذنت لك يف فعل كذا ‪.. .‬‬
‫ويصح القبول على الفور وعلى الرتاخي بكل قول أو فعل يدل على القبول ; ألن قبول وكالئه عليه الصالة والسالم‬
‫كان مرتاخيا عن توكيله إياهم ‪.‬‬
‫وتصح الوكالة مؤقتة ومعلقة بشرط ; كأن يقول ‪ :‬أنت وكيلي شهرا ‪ ,‬وكقوله ‪ :‬إذا متت إجارة داري ; فبعها ‪.‬‬
‫ويعترب تعيني الوكيل ; فال تنعقد بقوله ‪ :‬وكلت أحد هذين ‪ ,‬أو بتوكيل من ال يعرفه ‪.‬‬

‫* ما يصح التوكيل فيه يصح التوكيل يف كل ما تدخله النيابة من حقوق اآلدميني من العقود والفسوخ ;‬
‫فالعقود مثل البيع والشراء واإلجارة والقرض واملضاربة ‪ ,‬والفسوخ كالطالق واخللع والعتق واإلقالة ‪ ,‬وتصح‬
‫الوكالة يف كل ما تدخله النيابة من حقوق اهلل من العبادات ; كتفريق الصدقة ‪ ,‬وإخراج الزكاة ‪ ,‬والنذر ‪ ,‬والكفارة‬
‫‪ ,‬واحلج ‪ ,‬والعمرة ; لورود األدلة بذلك ‪ .‬وأما ما ال تدخله النيابة من حقوق اهلل تعاىل ‪ ,‬فال يصح التوكيل فيه ‪,‬‬
‫وهو العبادات البدنية ; كالصالة والصوم والطهارة من احلدث ; ألن ذلك يتعلق ببدن من هو عليه ‪.‬‬
‫واغد يا أنيس إىل امرأة هذا ‪,‬‬ ‫* وتصح الوكالة يف إثبات احلدود واستيفائها ‪ ,‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫متفق عليه ‪.‬‬ ‫فإن اعرتفت ‪ ,‬فارمجها‬
‫* وليس للوكيل أن يوكل فيما ُو ِّك ل فيه ‪ ,‬إال يف مسائل ‪ ,‬وهي ‪:‬‬

‫األوىل ‪ :‬إذا أجاز له املوكل ذلك ; بأن يقول ‪ :‬وِّك ل إذا شئت ‪ ,‬أو يقول ‪ :‬اصنع ما شئت ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬إذا كان العمل املوَّك ل فيه ال يتواله مثله ; لكونه من أشراف الناس املرتفعني عن مثل ذلك العمل ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬إذا عجز عن العمل الذي وكل فيه ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬إذا كان ال حيسن العمل الذي وكل فيه ‪ .‬ويف هذه األحوال ال جيوز له أن يوكل إال أمينا ; ألنه مل يؤذن له‬
‫يف توكيل من ليس بأمني ‪.‬‬

‫* والوكالة عقد جائز من الطرفني ‪ ,‬ألهنا من جهة املوكل إذن ‪ ,‬ومن جهة الوكيل بذل نفع ‪ ,‬وكالمها غري الزم ‪,‬‬
‫فلكل واحد منهما فسخها يف أي وقت شاء ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪34‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* مبطالت الوكالة تبطل الوكالة بفسخ أحدمها أو موته أو جنونه املطبق ; ألن الوكالة تعتمد احلياة والعقل ‪,‬‬
‫فإذا انتفيا ; انتفت صحتها ‪ ,‬وتبطل بعزل املوكل للوكيل ‪ ,‬وتبطل باحلجر على السفيه وكيال كان أو موكال ;‬
‫لزوال أهلية التصرف ‪.‬‬
‫* ما جيوز فيه التوكيل والتوكل ‪ :‬ومن له التصرف يف شيء ; فله التوكيل والتوكل فيه ‪ ,‬ومن ال يصح تصرفه‬
‫بنفسه ; فنائبه أوىل ‪ .‬ومن وكل يف بيع أو شراء ; مل يبع ومل يشرت من نفسه ‪ ,‬ألن العرف يف البيع بيع الرجل من‬
‫غريه ‪ ,‬وألنه تلحقه هتمة ‪ ,‬وكذا ال يصح بيعه وشراؤه من ولده ووالده وزوجته وسائر من ال تقبل شهادته له ‪ ,‬ألنه‬
‫متهم يف حقهم كتهمته يف حق نفسه ‪.‬‬
‫* ما يتعلق باملوكل وما يتعلق بالوكيل من التصرفات يتعلق باملوكل حقوق العقد من تسليم الثمن وقبض املبيع والرد‬
‫بالعيب وضمان الدرك ‪ ,‬والوكيل يف البيع يسلم املبيع وال يستلم الثمن بغري إذن املوكل أو قرينة تدل على اإلذن ;‬
‫كما لو باعه يف حمل يضيع فيه الثمن لو مل يقبضه ‪ ,‬والوكيل يف الشراء يسلم الثمن ; ألنه من تتمته وحقوقه ‪,‬‬
‫والوكيل يف اخلصومة ال يقبض ‪ ,‬والوكيل يف القبض خياصم ‪ ,‬ألنه ال يتوصل إليه إال هبا ‪.‬‬
‫* ما يلزم الوكيل ضمانه وما ال يلزمه ‪:‬‬
‫الوكيل أمني ال يضمن ما تلف بيده من غري تفريط وال تعد ‪ ,‬فإن فرط أو تعدى أو طلب منه املال فامتنع من دفعه‬
‫لغري عذر ‪ ,‬ضمن ‪ .‬ويقبل قول الوكيل فيما وكل فيه من بيع وإجارة أنه قبض الثمن واألجرة وتلفا بيده ‪ ,‬ويقبل‬
‫قوله يف قدر الثمن واألجرة ‪ ,‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫باب يف أحكام احلجر‬

‫* إن اإلسالم جاء حلفظ األموال وحفظ حقوق الناس ‪ ,‬ولذلك شرع احلجر على من يستحقه ‪ ,‬حفاظا على‬
‫أموال الناس وحقوقهم ‪.‬‬
‫َو َيُقوُلوَن ِح ْج ًر ا ْحَمُج وًر ا‬ ‫* واحلجر لغة املنع ‪ ,‬ومنه مسي احلرام حجرا ; ألنه ممنوع منه ‪ ,‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫أي ‪:‬‬ ‫َه يِف َذِلَك َقَسٌم ِلِذ ي ِح ْج ٍر‬ ‫أي ‪ :‬حراما حمرما ‪ ,‬ومسي أيضا العقل حجرا ‪ ,‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫ْل‬
‫عقل ‪ ,‬ألن العقل مينع صاحبه من تعاطي ما يقبح وتضر عاقبته ‪.‬‬
‫* ومعىن احلجر يف الشرع ‪ :‬منع إنسان من تصرفه يف ماله ‪.‬‬
‫َو اْبَتُلوا‬ ‫إىل قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫َو اَل ُتْؤ ُتوا الُّسَف َه اَء َأْم َو اَلُك ُم‬ ‫* ودليله من القرآن الكرمي ‪ :‬قوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِإ ِه‬ ‫ِم‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫فدلت اآليتان على احلجر على‬ ‫اْلَيَتاَم ى َح ىَّت َذا َبَلُغوا الِّنَك اَح َف ْن آَنْس ُتْم ْنُه ْم ُر ْشًد ا َفاْد َفُعوا َلْي ْم َأْم َو اُهَلْم‬
‫السفيه واليتيم يف ماله ; لئال يفسده ويضيعه ‪ ,‬وأنه ال يدفع إليه إال بعد حتقق رشده فيه ‪ .‬وقد حجر النيب صلى اهلل‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪35‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫عليه وسلم على بعض الصحابة ألجل قضاء ما عليه من الديون ‪.‬‬
‫* واحلجر نوعان ‪:‬‬

‫النوع األول ‪ :‬حجر على اإلنسان ألجل حظ غريه ‪ ,‬كاحلجر على املفلس حلظ الغرماء ‪ ,‬واحلجر على املريض‬
‫بالوصية مبا زاد على الثلث حلظ الورثة ‪.‬‬

‫النوع الثاين ‪ :‬حجر على اإلنسان ألجل مصلحته هو ; لئال يضيع ماله ويفسده ‪ ,‬كاحلجر على الصغري والسفيه‬
‫قيل ‪ :‬املراد األوالد والنساء ‪ ,‬فال يعطيهم‬ ‫َو اَل ُتْؤ ُتوا الُّسَف َه اَء َأْم َو اَلُك ُم‬ ‫واجملنون ; بدليل قوله تعاىل ‪:‬‬
‫ماله تبذيرا ‪ ,‬وقيل ‪ :‬املراد السفهاء والصغار واجملانني ‪ ,‬ال يعطون أمواهلم ; لئال يفسدوها ‪ ,‬وأضافها إىل‬
‫املخاطبني ; ألهنم الناظرون عليها واحلافظون هلا ‪.‬‬

‫* النوع األول ‪ :‬احلجر على اإلنسان حلظ غريه واملراد هنا احلجر على املفلس ‪ ,‬واملفلس هو من عليه دين‬
‫حال ال يتسع له ماله املوجود ‪ ,‬فيمنع من التصرف يف ماله ; لئال يضر بأصحاب الديون ‪ .‬أما املدين املعسر الذي ال‬
‫َو ِإْن َك اَن ُذو ُعْسَر ٍة َفَنِظ َر ٌة‬ ‫يقدر على وفاء شيء من دينه ; فإنه ال يطالب به ‪ ,‬وجيب إنظاره ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِإىَل َمْي ٍة‬
‫َسَر‬

‫من سره أن يظل‪%‬ه اهلل يف ظل‪%‬ه ‪ ,‬فلييس‪%‬ر على‬ ‫ويف فضل إنظار املعسر يقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫أم‪%%‬ا‬ ‫َو َأْن َتَص َّد ُقوا َخ ْيٌر َلُك ْم‬ ‫وأفضل من اإلنظ‪%%‬ار إب‪%%‬راء املعس‪%%‬ر من دين‪%%‬ه ‪ ,‬لقول‪%%‬ه تع‪%%‬اىل ‪:‬‬ ‫معس‪%%‬ر‬
‫من ل‪%%‬ه ق‪%%‬درة على وفاء دين‪%%‬ه ; فإن‪%%‬ه ال جيوز احلج‪%%‬ر علي‪%%‬ه ‪ ,‬لع‪%%‬دم احلاج‪%%‬ة إىل ذل‪%%‬ك ‪ ,‬لكن ي‪%%‬ؤمر بوفاء ديون‪%%‬ه إذا ط‪%%‬الب‬
‫أي ‪ :‬مط‪%%‬ل الق‪%%‬ادر على وفاء دين‪%%‬ه‬ ‫مط‪%%‬ل الغ‪%%‬ين ظلم‬ ‫الغرم‪%%‬اء ب‪%%‬ذلك ; لقول‪%%‬ه ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم ‪:‬‬
‫ظلم ; ألنه منع أداء ما وجب عليه أداؤه من حقوق الناس ‪ ,‬فإن امتن‪%‬ع من تس‪%%‬ديد ديون‪%‬ه ; فإن‪%‬ه يس‪%%‬جن ‪ .‬ق‪%%‬ال الش‪%%‬يخ‬
‫تقي ال ‪%%‬دين ابن تيمي‪%%‬ة رمحه اهلل ‪ " :‬ومن ك‪%%‬ان ق ‪%%‬ادرا على وفاء دين‪%%‬ه ‪ ,‬وامتن‪%%‬ع ‪ ,‬أج‪%%‬رب على وفائ‪%%‬ه بالضرب واحلبس ‪,‬‬
‫نص على ذلك األئمة من أصحاب مالك والشافعي وأمحد وغريهم " ‪ ,‬قال ‪ " :‬وال أعلم فيه نزاعا " انتهى ‪.‬‬

‫رواه أمحد وأب‪%%‬و‬ ‫يل الواج‪%%‬د ظلم حيل عرض‪%%‬ه وعقوبت‪%%‬ه‬ ‫وق‪%%‬د ق‪%%‬ال الن‪%%‬يب ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم ‪:‬‬
‫داود وغريمها ‪ ,‬وعرض‪%%‬ه ‪ :‬ش‪%%‬كواه ‪ ,‬وعقوبت‪%%‬ه ‪ :‬حبس‪%%‬ه ; فاملماط‪%%‬ل بقضاء م‪%%‬ا علي‪%%‬ه من احلق يس‪%%‬تحق العقوب‪%%‬ة ب‪%%‬احلبس‬
‫والتعزير ‪ ,‬ويكرر عليه ذلك حىت يويف ما عليه ‪ ,‬فإن أص‪%‬ر على املماطل‪%‬ة ‪ ,‬فإن احلاكم يت‪%‬دخل في‪%‬بيع مال‪%‬ه ويس‪%‬دد من‪%‬ه‬
‫ديون‪%%‬ه ‪ ,‬ألن احلاكم يق‪%%‬وم مق‪%%‬ام املمتن‪%%‬ع ‪ ,‬وألج‪%%‬ل إزال‪%%‬ة الضرر عن ال‪%%‬دائنني ‪ ,‬وق‪%%‬د ق‪%%‬ال الن‪%%‬يب ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم ‪:‬‬
‫ال ضرر وال ضرار‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪36‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ومما مر يتضح أن املدين له حالتان ‪:‬‬

‫احلال‪%%‬ة األوىل ‪ :‬أن يك‪%%‬ون ال‪%%‬دين م‪%%‬ؤجال علي‪%%‬ه ; فه‪%%‬ذا ال يط‪%%‬الب بال‪%%‬دين ح‪%%‬ىت حيل ‪ ,‬وال يلزم‪%%‬ه أداؤه قب‪%%‬ل حلول‪%%‬ه ‪ ,‬وإذا‬
‫كان ما لديه من احلال أقل مما علي‪%‬ه من ال‪%‬دين املؤج‪%‬ل ; فإن‪%‬ه ال حيج‪%‬ر علي‪%‬ه من أج‪%‬ل ذل‪%‬ك ‪ ,‬وال مين‪%‬ع من التص‪%%‬رف يف‬
‫ماله ‪.‬‬

‫احلالة الثانية ‪ :‬أن يكون الدين حاال‬

‫فللمدين حينئذ حالتان ‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬أن يكون مال‪%‬ه أك‪%‬ثر من ال‪%‬دين ال‪%‬ذي علي‪%‬ه ; فه‪%‬ذا ال حيج‪%‬ر علي‪%‬ه يف مال‪%‬ه ‪ ,‬ولكن ي‪%‬ؤمر بوفاء ال‪%‬دين إذا ط‪%%‬الب‬
‫بذلك دائن‪%‬ه ‪ ,‬فإن امتن‪%‬ع ; حبس وع‪%‬زر ح‪%‬ىت ي‪%‬ويف دين‪%‬ه ‪ ,‬فإن ص‪%‬رب على احلبس والتعزي‪%‬ر ‪ ,‬وامتن‪%‬ع من تس‪%‬ديد ال‪%‬دين ‪,‬‬
‫فإن احلاكم يتدخل ويويف دينه من ماله ويبيع ما حيتاج إىل بيع من أجل ذلك ‪.‬‬

‫والثانية ‪ :‬أن يكون ماله أقل مما علي‪%‬ه من ال‪%‬دين احلاِّل ; فه‪%‬ذا حُي ج‪%‬ر علي‪%‬ه التص‪%%‬رف يف مال‪%‬ه إذا ط‪%%‬الب غرم‪%‬اؤه ب‪%‬ذلك ;‬
‫أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حجر على معاذ‬ ‫لئال يضر هبم ; حلديث كعب بن مالك رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫رواه الدارقطين واحلاكم وصححه ‪ ,‬وقال ابن الصالح ‪ " :‬إن‪%‬ه ح‪%‬ديث ث‪%‬ابت " ‪ ,‬وإذا حج‪%%‬ر علي‪%‬ه‬ ‫وباع ماله‬
‫يف هذه احلالة ‪ ,‬فإنه يعلن عنه ‪ ,‬ويظهر للناس أنه حمجور عليه ; لئال يغرتوا به ويتعاملوا معه ‪ ,‬فتضيع أمواهلم " ‪.‬‬

‫ويتعلق باحلجر عليه أربعة أحكام ‪:‬‬

‫احلكم األول ‪ :‬أنه يتعلق حق الغرماء مبال‪%‬ه املوج‪%‬ود قب‪%‬ل احلج‪%‬ر ‪ ,‬ومبال‪%‬ه احلادث بع‪%‬د احلج‪%‬ر ; ب‪%‬إرث أو أرش جناي‪%‬ة أو‬
‫هبة أو وصية أو غري ذلك ‪ ,‬فيلحقه احلجر كاملوجود قبل احلجر ‪ ,‬فال ينفذ تصرف احملجور عليه يف ماله بع‪%%‬د احلج‪%%‬ر‬
‫بأي نوع من أنواع التصرف ‪ ,‬وال يصح إقراره ألحد على شيء من ماله ‪ ,‬ألن حق‪%%‬وق الغرم‪%%‬اء متعلق‪%%‬ة بأعيان‪%%‬ه ‪ ,‬فلم‬
‫يقبل اإلقرار عليه ‪ ,‬وحىت قبل احلجر عليه حيرم عليه التصرف يف ماله تصرفا يضر بغرمائه ‪.‬‬

‫ق‪%‬ال اإلم‪%‬ام ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬إذا اس‪%‬تغرقت ال‪%‬ديون مال‪%‬ه ‪ ,‬مل يص‪%%‬ح تربع‪%‬ه مبا يضر بأرب‪%‬اب ال‪%‬ديون ‪ ,‬س‪%‬واء حج‪%‬ر‬
‫علي‪%%‬ه احلاكم أو مل حيج‪%%‬ر علي‪%%‬ه ‪ ,‬ه‪%%‬ذا م‪%%‬ذهب مال‪%%‬ك واختي‪%%‬ار ش‪%%‬يخنا ( يري‪%%‬د ش‪%%‬يخ اإلس‪%%‬الم ابن تيمي‪%%‬ة رمحه اهلل ) " ‪,‬‬
‫ق‪%%‬ال ‪ " :‬وه‪%%‬و الص‪%%‬حيح ‪ ,‬وه‪%%‬و ال‪%%‬ذي ال يلي‪%%‬ق بأص‪%%‬ول املذهب غ‪%%‬ريه ‪ ,‬ب‪%%‬ل ه‪%%‬و مقتضى أص‪%%‬ول الش‪%%‬رع وقواع‪%%‬ده ‪ ,‬ألن‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪37‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫حق الغرماء قد تعل‪%‬ق مبال‪%‬ه ‪ ,‬وهلذا حيج‪%‬ر علي‪%‬ه احلاكم ‪ ,‬ول‪%‬وال تعل‪%‬ق ح‪%‬ق الغرم‪%‬اء مبال‪%‬ه ‪ ,‬مل يس‪%‬ع احلاكم احلج‪%‬ر علي‪%‬ه ‪,‬‬
‫فصار كاملريض مرض املوت ‪ ,‬ويف متكني هذا املدين من التربع إبطال حقوق الغرم‪%%‬اء ‪ ,‬والش‪%%‬ريعة ال ت‪%‬أيت مبث‪%%‬ل ه‪%‬ذا ;‬
‫فإمنا جاءت حبفظ حقوق أرباب احلقوق بكل طريق ‪ ,‬وسد الطريق املفضية إىل إضاعتها " انتهى كالمه رمحه اهلل ‪.‬‬

‫احلكم الثاين ‪ :‬أن من وجد عني ماله الذي باعه عليه أو أقرضه إياه أو أجره إياه قبل احلجر عليه ; فله أن يرجع به‬
‫ويسحبه من عند املفلس‬
‫متف‪%‬ق علي‪%‬ه ; وق‪%‬د‬ ‫من أدرك متاع‪%‬ه عن‪%‬د إنس‪%‬ان أفلس ‪ ,‬فه‪%‬و أح‪%‬ق ب‪%‬ه‬ ‫‪ ,‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫ذكر الفقهاء رمحهم اهلل أنه يشرتط لرجوع من وجد ماله عند املفلس احملجور عليه ستة شروط ‪:‬‬

‫الشرط األول‪ :‬كون املفلس حيا إىل أن يأخذ ماله منه ; ملا رواه أبو داود ; أنه صلى اهلل عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫فإن مات ; فصاحب املتاع أسوة الغرماء‬

‫الشرط الثاين‪ :‬بقاء مثنها كله يف ذمة املفلس ‪ ,‬فإن قبض صاحب املتاع شيئا من مثنه ‪ ,‬مل يستحق الرجوع به ‪.‬‬

‫الش‪%%‬رط الث‪%%‬الث‪ :‬بق‪%%‬اء العني كله‪%%‬ا يف مل‪%%‬ك املفلس ‪ ,‬فإن وج‪%%‬د بعضها فق‪%%‬ط ; مل يرج‪%%‬ع ب‪%%‬ه ; ألن‪%%‬ه مل جيد عني مال‪%%‬ه ‪,‬‬
‫وإمنا وجد بعضها ‪.‬‬

‫الشرط الرابع‪ :‬كون السلعة حباهلا ‪ ,‬مل يتغري شيء من صفاهتا ‪.‬‬

‫الشرط اخلامس‪ :‬كون السلعة مل يتعلق هبا حق الغري ; بأن ال يكون املفلس قد رهنها وحنو ذلك ‪.‬‬

‫الشرط السادس‪ :‬كون السلعة مل تزد زيادة متصلة كالسمن ‪ ,‬فإذا ت‪%‬وافرت ه‪%‬ذه الش‪%‬روط ‪ ,‬ج‪%‬از لص‪%‬احب الس‪%‬لعة أن‬
‫يسحبها إذا ظهر إفالس من هي عنده ‪ ,‬للحديث السابق ‪.‬‬

‫احلكم الثالث ‪ :‬انقطاع املطالبة عنه بعد احلج‪%‬ر علي‪%‬ه إىل أن ينف‪%‬ك عن‪%‬ه احلج‪%‬ر ‪ ,‬فمن باع‪%‬ه أو أقرض‪%‬ه ش‪%‬يئا خالل ه‪%‬ذه‬
‫الفرتة ‪ ,‬طالبه به بعد فك احلجر عنه ‪.‬‬

‫احلكم الرابع‪ :‬أن احلاكم يبيع ما له ‪ ,‬ويقسم مثنه بق‪%‬در دي‪%‬ون غرمائ‪%‬ه احلال‪%‬ة ; ألن ه‪%‬ذا ه‪%‬و املقص‪%‬ود من احلج‪%‬ر علي‪%‬ه ‪,‬‬
‫ويف ت‪%%‬أخري ذل‪%%‬ك مط‪%%‬ل وظلم هلم ‪ ,‬وي‪%%‬رتك احلاكم للمفلس م‪%%‬ا حيت‪%%‬اج إلي‪%%‬ه من مس‪%%‬كن ومؤن‪%%‬ة وحنو ذل‪%%‬ك ‪ ,‬أم‪%%‬ا ال‪%%‬دين‬
‫املؤج‪%%‬ل ; فال حيل ب‪%%‬اإلفالس ‪ ,‬وال ي‪%%‬زاحم ال‪%%‬ديون احلال‪%%‬ة ‪ ,‬ألن األج‪%%‬ل ح‪%%‬ق للمفلس ; فال يس‪%%‬قط ; كس‪%%‬ائر حقوق‪%%‬ه ‪,‬‬
‫ويبقى يف ذمة املفلس ‪ ,‬مث بعد توزيع ماله على أصحاب الديون احلالة ‪ ,‬فإن س‪%‬ددها ومل يب‪%‬ق منه‪%‬ا ش‪%‬يء ; انف‪%‬ك عن‪%‬ه‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪38‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫احلجر بال حكم حاكم ; لزوال موجبه ‪ ,‬وإن بقي عليه شيء من ديون‪%‬ه احلال‪%‬ة ; فإن‪%‬ه ال ينف‪%‬ك عن‪%‬ه احلج‪%‬ر ; إال حبكم‬
‫احلاكم ; ألنه هو الذي حكم باحلجر عليه ‪ ,‬فهو الذي حيكم بفك احلجر عنه ‪.‬‬

‫* النوع الثاين من أنواع احلجر ‪ :‬وهو احلجر على اإلنسان حلظ نفس‪%‬ه حبف‪%‬ظ مال‪%‬ه وتوفريه ل‪%‬ه ‪ ,‬ألن ه‪%‬ذا ال‪%‬دين‬
‫دين الرمحة ‪ ,‬الذي مل يرتك شيئا فيه مصلحة إال حث على تعاطيه ‪ ,‬وال شيئا فيه مضرة ‪ ,‬إال ح‪%%‬ذر من‪%%‬ه ‪ ,‬ومن ذل‪%%‬ك‬
‫أن‪%%‬ه أفس‪%%‬ح اجملال لإلنس‪%%‬ان ال‪%%‬ذي في‪%%‬ه أهلي‪%%‬ة للتص‪%%‬رف ومزاول‪%%‬ة التج‪%%‬ارة يف ح‪%%‬دود املب‪%%‬اح والكس‪%%‬ب الطيب ‪ ,‬ملا يف ذل‪%%‬ك‬
‫من املص ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬لحة ال ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬يت تع ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ود على الف ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬رد واجلماع ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ة ‪,‬‬
‫أما إذا كان اإلنسان غري مؤهل لطلب الكسب ومزاولة التجارة ; لصغر سنه أو سفهه أو فق‪%‬دان عقل‪%‬ه ; فإن اإلس‪%‬الم‬
‫مينعه من التصرف ‪ ,‬ويقيم عليه وصيا حيفظ له ماله وينمي‪%‬ه ‪ ,‬ح‪%‬ىت ي‪%‬زول عن‪%‬ه املانع ‪ ,‬مث يس‪%‬لم مال‪%‬ه موفورا إلي‪%‬ه ‪ .‬ق‪%‬ال‬
‫َو اْبَتُل وا اْلَيَت اَم ى‬ ‫إىل قول‪%%‬ه تع‪%%‬اىل ‪:‬‬ ‫َو اَل ُتْؤ ُتوا الُّس َف َه اَء َأْم َو اَلُك ُم اَّليِت َجَع َل الَّل ُه َلُك ْم ِقَياًم ا‬ ‫تع‪%%‬اىل ‪:‬‬
‫ِإ ِه‬ ‫ِم‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫ذلكم ه‪%‬و م‪%‬ا يس‪%‬مى ب‪%‬احلجر على اإلنس‪%‬ان‬ ‫َح ىَّت َذا َبَلُغوا الِّنَك اَح َف ْن آَنْس ُتْم ْنُه ْم ُر ْشًد ا َفاْد َفُعوا َلْي ْم َأْم َو اُهَلْم‬
‫حلظ نفسه ‪ ,‬ألن املصلحة يف ذلك تعود عليه ‪ .‬وهذا النوع من احلجر يعم الذمة واملال ; فال يتصرف من انطبق عليه‬
‫يف ماله ببيع وال تربع وال غريمها ‪ ,‬وال يتحمل يف ذمته دينا أو ضمانا أو كفالة وحنوها ‪ ,‬ألن ذل‪%‬ك يفضي إىل ض‪%‬ياع‬
‫أموال الناس ‪ .‬وال يصح تصرف غري السفهاء معهم ‪ ,‬ب‪%‬أن يعطيهم مال‪%‬ه بيع‪%‬ا أو قرض‪%‬ا أو وديع‪%‬ة أو عاري‪%‬ة ‪ ,‬ومن فع‪%‬ل‬
‫ذلك ‪ ,‬فإنه يسرتد ما أعطاهم إن وجده باقي‪%‬ا بعين‪%‬ه ‪ ,‬فإن تل‪%‬ف يف أي‪%‬ديهم أو أتلف‪%‬وه ‪ ,‬فإن‪%‬ه ي‪%‬ذهب ه‪%‬درا ‪ ,‬ال يل‪%‬زمهم‬
‫ضمانه ; ألنه فرط بتسليطهم عليه وتقدميه إليهم برضاه واختياره ‪ .‬أما لو تعدى احملجور عليه لصغر وحنوه على نفس‬
‫أو م ‪%%‬ال جبناي ‪%%‬ة ; فإن ‪%%‬ه يضمن ‪ ,‬ويتحم ‪%%‬ل م ‪%%‬ا ت ‪%%‬رتب على جنايت ‪%%‬ه من غرام ‪%%‬ة ; ألن اجملين علي ‪%%‬ه مل يف ‪%%‬رط ومل ي ‪%%‬أذن هلم‬
‫ب ‪%% % % % % % % % %‬ذلك ‪ ,‬والقاع ‪%% % % % % % % % %‬دة الفقهي ‪%% % % % % % % % %‬ة تق ‪%% % % % % % % % %‬ول ‪ :‬إن ض ‪%% % % % % % % % %‬مان اإلتالف يس ‪%% % % % % % % % %‬توي في ‪%% % % % % % % % %‬ه األه ‪%% % % % % % % % %‬ل وغ ‪%% % % % % % % % %‬ريه ‪.‬‬
‫قال العالمة ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬يضمن الصيب واجملنون والنائم ما أتلفوه من األموال ‪ ,‬وهذا من الشرائع العامة اليت‬
‫ال تتم مص ‪%%‬احل األم ‪%%‬ة إال هبا ‪ ,‬فل ‪%%‬و مل يضمنوا جناي ‪%%‬ات أي ‪%%‬ديهم ‪ ,‬ألتل ‪%%‬ف بعضهم أم ‪%%‬وال بعض ‪ ,‬وادعى اخلط ‪%%‬أ وع ‪%%‬دم‬
‫القصد " ‪.‬‬

‫* ويزول احلجر عن الصغري بأمرين ‪:‬‬

‫األمر األول ‪ :‬بلوغه سن الرشد ‪ :‬ويعرف ذلك بعالم‪%‬ات ‪ .‬األوىل ‪ :‬إنزال‪%‬ه املين يقظ‪%‬ة أو منام‪%‬ا ‪ ,‬ق‪%‬ال تع‪%‬اىل ‪:‬‬
‫واحللم هو أن يرى الطفل يف منامه ما ينزل به املين الدافق ‪.‬‬ ‫َو ِإَذا َبَلَغ اَأْلْطَف اُل ِم ْنُك ُم اُحْلُلَم َفْلَيْس َتْأِذُنوا‬

‫الثانية ‪ :‬إنبات الشعر اخلشن حول قبله ‪.‬‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪39‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫عرضت على الن‪%‬يب ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه‬ ‫الثالثة ‪ :‬بلوغه مخس عشرة سنة ‪ ,‬قال عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما ‪:‬‬
‫وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عش‪%‬رة س‪%‬نة فلم جيزين ‪ ,‬وعرض‪%‬ت علي‪%‬ه ي‪%‬وم اخلن‪%‬دق وأن‪%‬ا ابن مخس عش‪%‬رة س‪%‬نة فأج‪%‬ازين‬
‫متف ‪%%‬ق علي‪%%‬ه ‪ ,‬ومع ‪%%‬ىن أج‪%%‬ازين ‪ ,‬أي ‪ :‬أمضاين للخ ‪%%‬روج للقت‪%%‬ال ‪ ,‬فدل على أن بل ‪%%‬وغ مخس عش ‪%%‬رة س ‪%%‬نة من‬
‫الوالدة يكون بلوغا ‪ ,‬ويف رواية يف تعليل منعه يف العرضة األوىل ‪ " :‬قال ‪ :‬ومل يرين بلغت " ‪.‬‬

‫الرابع ‪%%‬ة ‪ :‬وتزي ‪%%‬د اجلاري ‪%%‬ة على ال ‪%%‬ذكر عالم ‪%%‬ة رابع ‪%%‬ة ت ‪%%‬دل على بلوغه ‪%%‬ا ‪ ,‬وهي احليض ; لقول ‪%%‬ه ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم ‪:‬‬
‫\\‪AASSERVERHAFIZATA$IslamMFQHTak\Hits73.htm‬‬

‫‪AASSERVERHAFIZATA$IslamMFQHTak\Hits1254.htm‬ال يقب‪%%‬ل اهلل ص‪%%‬الة ح‪%%‬ائض إال خبم ‪%%‬ار‬


‫رواه الرتم‪%%‬ذي وحس‪%%‬نه ‪ .‬األم‪%%‬ر الث‪%%‬اين م‪%%‬ع البل‪%%‬وغ ‪ :‬الرش‪%%‬د ‪ :‬وه‪%%‬و الص‪%%‬الح يف املال ; لقول‪%%‬ه تع‪%%‬اىل ‪:‬‬
‫ِإ ِه‬ ‫ِم‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫ويع ‪%%‬رف رش ‪%%‬ده ب ‪%%‬أن‬ ‫َو اْبَتُل وا اْلَيَت اَم ى َح ىَّت َذا َبَلُغ وا الِّنَك اَح َف ْن آَنْس ُتْم ْنُه ْم ُر ْش ًد ا َف اْد َفُعوا َلْي ْم َأْم َو اُهَلْم‬
‫ميتحن ‪ ,‬فيمنح ش‪%%‬يئا من التص‪%%‬رف ‪ ,‬فإذا تص‪%%‬رف م‪%%‬رارا ‪ ,‬فلم يغنب غبن‪%%‬ا فاحش‪%%‬ا ‪ ,‬ومل يب‪%%‬ذل مال‪%%‬ه يف ح‪%%‬رام أو فيم‪%%‬ا ال‬
‫فائدة فيه ; فهذا دليل على رشده ‪.‬‬

‫* ويزول احلجر عن اجملنون بأمرين‬

‫األول ‪ :‬زوال اجلنون ورجوع العقل إليه‬

‫والثاين ‪ :‬أن يكون رشيدا كما سبق يف حق الصغري إذا بلغ ‪.‬‬

‫وي‪%% % % % % % % % % % % % % %‬زول عن الس ‪%% % % % % % % % % % % % % %‬فيه ب‪%% % % % % % % % % % % % % %‬زوال الس ‪%% % % % % % % % % % % % % %‬فه واتص ‪%% % % % % % % % % % % % % %‬افه بالرش ‪%% % % % % % % % % % % % % %‬د يف تص ‪%% % % % % % % % % % % % % %‬رفاته املالي‪%% % % % % % % % % % % % % %‬ة ‪.‬‬
‫* ويت‪%%‬وىل م‪%%‬ال ك‪%%‬ل من ه‪%%‬ؤالء الثالث‪%%‬ة ‪ -‬الص‪%%‬يب واجملن‪%%‬ون والس‪%%‬فيه ‪ -‬ح‪%%‬ال احلج‪%%‬ر أب‪%%‬وه إذا ك‪%%‬ان ع‪%%‬دال رش‪%%‬يدا ; لكم‪%%‬ال‬
‫ش ‪%% % % % % % % % % %‬فقته ‪ ,‬مث من بع ‪%% % % % % % % % % %‬د األب وص ‪%% % % % % % % % % %‬يه ‪ ,‬ألن ‪%% % % % % % % % % %‬ه نائب ‪%% % % % % % % % % %‬ه ‪ ,‬فأش ‪%% % % % % % % % % %‬به وكيل ‪%% % % % % % % % % %‬ه يف ح ‪%% % % % % % % % % %‬ال احلي ‪%% % % % % % % % % %‬اة ‪.‬‬
‫اَل َتْق ُبوا َم اَل اْلَيِتيِم‬ ‫* وجيب على من يت‪%%‬وىل أم‪%%‬واهلم ممن ذك‪%%‬ر أن يتص‪%%‬رف هلم باألح‪%%‬ظ هلم ; لقول‪%%‬ه تع‪%%‬اىل ‪:‬‬
‫َو َر‬
‫ِإ ِب َّل ِه‬
‫أي ‪ :‬ال تتص‪%%‬رفوا يف م‪%‬ال الي‪%‬تيم إال مبا في‪%‬ه مص‪%%‬لحة وتنمي‪%‬ة ل‪%‬ه ‪ ,‬واآلي‪%‬ة الكرمية وإن ك‪%‬انت‬ ‫اَّل ا يِت َي َأْح َسُن‬
‫نص‪%% % % % % % % %‬ت على م‪%% % % % % % % %‬ال الي‪%% % % % % % % %‬تيم ; فإهنا تتن‪%% % % % % % % %‬اول م‪%% % % % % % % %‬ال الس‪%% % % % % % % %‬فيه واجملن‪%% % % % % % % %‬ون بالقي‪%% % % % % % % %‬اس على م‪%% % % % % % % %‬ال الي‪%% % % % % % % %‬تيم‪.‬‬
‫ِإ َّل ِذ‬
‫َّن ا يَن‬ ‫* وعلى ويل مال اليتيم وحنوه احملافظة عليه ‪ ,‬وعدم إمهاله واملخاطرة به أو أكله ظلما ‪ ,‬ق‪%%‬ال تع‪%%‬اىل ‪:‬‬
‫وق‪%%‬د وع‪%%‬ظ اهلل أولي‪%%‬اء اليت‪%%‬امى ب‪%%‬أن‬ ‫َي ْأُك ُلوَن َأْم َو اَل اْلَيَت اَم ى ُظْلًم ا ِإَمَّنا َي ْأُك ُلوَن يِف ُبُطوِهِنْم َن اًر ا َو َسَيْص َلْو َن َس ِعًريا‬
‫يت‪%%‬ذكروا حال‪%%‬ة أوالدهم ل‪%%‬و ك‪%%‬انوا حتت والي‪%%‬ة غ‪%%‬ريهم ; فكم‪%%‬ا حيب‪%%‬ون أن حيس‪%%‬ن إىل أوالدهم ; فليحس‪%%‬نوا هم إىل أوالد‬
‫َو ْلَيْخ َش اَّل ِذ يَن َل ْو َتَر ُك وا ِم ْن َخ ْلِف ِه ْم ُذِّر َّي ًة ِض َعاًفا‬ ‫غ‪%%‬ريهم من اليت‪%%‬امى إذا ك‪%%‬انوا حتت واليتهم ‪ ,‬ق ‪%%‬ال تع ‪%%‬اىل ‪:‬‬
‫وملا ك ‪%%‬ان ه ‪%%‬ؤالء ال يس ‪%%‬تطيعون حف ‪%%‬ظ أم ‪%%‬واهلم وتص ‪%%‬ريفها مبا‬ ‫َخ اُفوا َعَلْيِه ْم َفْلَيَّتُق وا الَّل َه َو ْلَيُقوُل وا َقْو اًل َس ِديًد ا‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪40‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ينميه‪%%‬ا هلم ‪ ,‬أق‪%%‬ام اهلل عليهم أولي‪%%‬اء يتول‪%%‬ون عنهم ذل‪%%‬ك ‪ ,‬وينظ‪%%‬رون يف مص‪%%‬احلهم ‪ ,‬وأعطى ه‪%%‬ؤالء األولي‪%%‬اء توجيه‪%%‬ات‬
‫يسريون عليها حال واليتهم على هؤالء ‪ ,‬فنهى األولياء عن إعطاء القصار أمواهلم ومتكينهم منها ‪ ,‬لئال يفس‪%%‬دوها أو‬
‫ي ضيعوها ‪.‬‬
‫َو اَل ُتْؤ ُت وا الُّس َف َه اَء َأْم َو اَلُك ُم اَّليِت َجَع َل الَّل ُه َلُك ْم ِقَياًم ا‬ ‫ق‪%% % % % % % % % % % %‬ال تع‪%% % % % % % % % % % %‬اىل ‪:‬‬
‫ق‪%%‬ال احلافظ ابن كث‪%%‬ري رمحه اهلل ‪ " :‬ينهى اهلل س‪%%‬بحانه وتع‪%%‬اىل عن متكني الس‪%%‬فهاء من التص‪%%‬رف يف األم‪%%‬وال ال‪%%‬يت جعله‪%%‬ا‬
‫اهلل للناس قياما ; أي ‪ :‬تقوم هبا معايشهم من التجارات وغريها ‪ ,‬ومن هنا يؤخذ احلجر على السفهاء " انتهى ‪.‬‬

‫وكما هنى اهلل عن متكني هؤالء القصار من أمواهلم ‪ ,‬وجعلها حتت والية أهل النظر واإلصالح ; فإنه س‪%%‬بحانه وتع‪%%‬اىل‬
‫َو اَل َتْق َر ُبوا َم اَل‬ ‫حيذر ه‪%%‬ؤالء األولي‪%%‬اء من التص‪%%‬رف فيه‪%%‬ا ; إال مبا يص‪%%‬لحها وينميه‪%%‬ا ‪ ,‬فيق‪%%‬ول س‪%%‬بحانه وتع‪%%‬اىل ‪:‬‬
‫ِه‬ ‫ِت‬
‫أي ‪ :‬ال تتصرفوا يف مال اليتيم إال مبا فيه غبطة ومصلحة لليتيم ‪.‬‬ ‫اْلَي يِم ِإاَّل ِباَّليِت َي َأْح َسُن َح ىَّت َيْبُلَغ َأُش َّد ُه‬

‫ِت ِإ ِب َّل ِه‬


‫َو اَل َتْق َر ُبوا َم اَل اْلَي يِم اَّل ا يِت َي َأْح َس ُن‬ ‫عن ابن عباس رضي اهلل عنهما ; قال ‪ " :‬ملا أنزل اهلل تع‪%%‬اىل قول‪%%‬ه ‪:‬‬
‫انطل ‪%%‬ق من ك ‪%%‬ان‬ ‫ِإَّن اَّل ِذ يَن َي ْأُك ُلوَن َأْم َو اَل اْلَيَت اَم ى ُظْلًم ا ِإَمَّنا َي ْأُك ُلوَن يِف ُبُط وِهِنْم َن اًر ا‬ ‫وقول ‪%%‬ه ‪:‬‬
‫عنده يتيم ‪ ,‬فعزل طعامه عن طعامه ‪ ,‬وش‪%‬رابه من ش‪%‬رابه ‪ ,‬فجع‪%‬ل يفضل الش‪%‬يء ‪ ,‬فيحبس ل‪%‬ه ح‪%‬ىت يأكل‪%‬ه أو يفس‪%‬د ‪,‬‬

‫َو َيْس َأُلوَنَك َعِن اْلَيَت اَم ى ُقْل‬ ‫فاشتد ذلك عليهم ‪ ,‬فذكروا ذلك لرسول اهلل ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم ‪ ,‬فأنزل اهلل ‪:‬‬
‫قال ‪ " :‬فخلطوا طعامهم بطعامهم ‪ ,‬وشراهبم بشراهبم " ‪.‬‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ ِل‬ ‫ِإ‬
‫ْص اَل ٌح ُهَلْم َخ ْيٌر َو ْن َخُتا ُطوُه ْم َف ْخ َو اُنُك ْم‬

‫* ومن اإلحسان يف أموال اليتامى إشغاهلا يف االجتار طلبا للربح والنمو ‪ ,‬فلوليه االجتار به ‪ ,‬وله دفعه ملن يتجر‬
‫به مضاربة ‪ ,‬ألن عائشة رضي اهلل عنها أبضعت مال حممد بن أيب بكر رضي اهلل عنهم ‪ ,‬وقال عمر رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫" اجتروا بأموال اليتامى ; كيال تأكلها الصدقة "‬
‫* كما أن ويل اليتيم ينفق عليه من ماله باملعروف ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬ويستحب إكرام اليتيم وإدخال السرور عليه ودفع اإلهانة عنه ; فجرب قلبه‬
‫من أعظم مصاحله " انتهى ‪.‬‬
‫* ولويل اليتيم شراء األضحية له من ماله إذا كان اليتيم موسرا ‪ ,‬ألنه يوم سرور وفرح ‪ ,‬ولوليه أيضا تعليمه باألجرة‬
‫من ماله ; ألن ذلك من مصاحله ‪.‬‬
‫* وإذا كان ويل اليتيم فقريا ; فله أن يأكل من مال اليتيم قدر أجرته لقاء ما يقدمه من خدمة ملاله ‪ ,‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫أي ‪ :‬ومن كان حمتاجا إىل النفقة وهو حيفظ مال اليتيم‬ ‫َك اَن َفِق ا ْل ْأُك ِباْل وِف‬
‫ًري َف َي ْل َم ْع ُر‬ ‫َو َمْن‬
‫ويتعاهده ‪ ( ,‬فليأكل ) منه ( باملعروف ) ‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن كثري ‪ " :‬نزلت يف وايل اليتيم الذي يقوم عليه ويصلحه إذا كان حمتاجا أن يأكل منه " ‪ ,‬وعن عائشة‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪41‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫َك اَن َفِق ا ْل ْأُك ِباْل وِف‬ ‫ِف‬ ‫ِن‬


‫ًري َف َي ْل َم ْع ُر‬ ‫َو َمْن َك اَن َغ ًّيا َفْلَيْس َتْع ْف َو َمْن‬ ‫قالت ‪ " :‬أنزلت هذه اآلية يف وايل اليتيم ‪:‬‬
‫بقدر قيامه عليه " ‪.‬‬
‫قال الفقهاء ‪ :‬له أن يأخذ أقل األمرين أجرة مثله أو قدر حاجته ‪ ,‬روي أن رجال جاء إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫كل باملعروف غري مسرف‬ ‫‪ ,‬فقال ‪ :‬إن عندي يتيما عنده مال وليس يل مال ; أآكل من ماله ؟ ; قال ‪:‬‬
‫أما ما زاد عن هذا احلد الذي رخص اهلل فيه ; فال جيوز أكله من مال اليتيم ; فقد توعد اهلل عليه بأشد‬

‫َو اَل َتْأُك ُلوا َأْم َو اُهَلْم‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫َو اَل َتْأُك ُلوَه ا ِإْس َر اًفا َو ِبَد اًر ا َأْن َيْك َبُر وا‬ ‫الوعيد ‪ ,‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫أي ‪ :‬إن أكلكم أمواهلم مع أموالكم إمث عظيم وخطأ كبري فاجتنبوه ‪ ,‬وقال‬ ‫ِإىَل َأْم َو اِلُك ْم ِإَّنُه َك اَن ُح وًبا َك ِبًريا‬
‫قال اإلمام‬ ‫ِإَّن اَّلِذ يَن َيْأُك ُلوَن َأْم َو اَل اْلَيَتاَم ى ُظْلًم ا ِإَمَّنا َيْأُك ُلوَن يِف ُبُطوِهِنْم َناًر ا َو َسَيْص َلْو َن َس ِعًريا‬ ‫تعاىل ‪:‬‬
‫ابن كثري ‪ " :‬أي ‪ :‬إذا أكلوا أموال اليتامى بال سبب ‪ ,‬فإمنا يأكلون نارا تتأجج يف بطوهنم يوم القيامة " ‪.‬‬
‫اجتنبوا السبع املوبقات ‪ .‬قيل‬ ‫ويف " الصحيحني " عن أيب هريرة ; أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫‪ :‬يا رسول اهلل ! وما هن ؟ قال ‪ :‬الشرك باهلل ‪ ,‬والسحر ‪ ,‬وقتل النفس اليت حرم اهلل إال باحلق ‪ ,‬وأكل الربا ‪ ,‬وأكل‬
‫مال اليتيم ‪ ,‬والتويل يوم الزحف ‪ ,‬وقذف احملصنات الغافالت املؤمنات‬
‫* مث إنه سبحانه أمر بدفع أموال اليتامى إليهم عندما يزول عنهم اليتم ويتأهلوا للتصرف فيها على السداد موفرة‬
‫ِإَذا َبَلُغوا الِّنَك اَح َفِإْن آَنْس ُتْم ِم ْنُه ْم ُر ْشًد ا‬ ‫وقال ‪:‬‬ ‫َو آُتوا اْلَيَتاَم ى َأْم َو اُهَلْم‬ ‫كاملة ‪ ,‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫َفِإَذا َدَفْع ُتْم ِإَلْيِه ْم َأْم َو اُهَلْم َفَأْش ِه ُد وا َعَلْيِه ْم َو َك َف ى ِبالَّلِه َح ِس يًبا‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫ِإ ِه‬
‫َفاْد َفُعوا َلْي ْم َأْم َو اُهَلْم‬
‫أي ‪ :‬وكفى باهلل حماسبا وشاهدا ورقيبا على األولياء يف حال نظرهم لأليتام وحال تسليمهم ألمواهلم هل‬
‫هي كاملة موفرة أو منقوصة مبخوسة ‪.‬‬

‫باب يف أحكام الصلح‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬


‫* الصلح يف اللغة ‪ :‬قطع املنازعة ‪ ,‬ومعناه يف الشرع ‪ :‬أنه معاقدة يتوصل هبا إىل إصالح بني متخاصمني ‪.‬‬
‫وهو من أكرب العقود فائدة ‪ ,‬ولذلك حسن فيه استعمال شيء من الكذب إذا دعت احلاجة إىل ذلك ‪.‬‬

‫َو الُّصْلُح َخ ْيٌر‬ ‫* والدليل على مشروعية الصلح ‪ :‬الكتاب ‪ ,‬والسنة ‪ ,‬واإلمجاع ‪ - :‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫َفَأْص ِلُح وا َبْيَنُه َم ا‬ ‫إىل قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫َو ِإْن َطاِئَفَتاِن ِم َن اْلُم ْؤ ِمِنَني اْقَتَتُلوا َفَأْص ِلُح وا َبْيَنُه َم ا‬ ‫وقال ‪:‬‬
‫يِف َك ِثٍري ِم ْجَن ا ِإاَّل َأ ِب َد َقٍة‬ ‫ِس ِط‬ ‫ِحُي‬ ‫ِس‬
‫ْن َو ُه ْم َمْن َم َر َص‬ ‫اَل َخ ْيَر‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫ِباْلَعْد ِل َو َأْق ُطوا ِإَّن الَّلَه ُّب اْلُم ْق َني‬
‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫َأْو َم ْع ُر وٍف َأْو ِإْص اَل ٍح َبَنْي الَّناِس َو َمْن َيْف َعْل َذِلَك اْبِتَغاَء َمْر َض اِة الَّلِه َفَس ْو َف ُنْؤ ِتيِه َأْج ًر ا َعِظ يًم ا‬
‫ِن‬ ‫ِل‬
‫َفاَّتُقوا الَّلَه َو َأْص ُح وا َذاَت َبْي ُك ْم‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪42‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫الصلح جائز بني املسلمني ; إال صلحا أحل حراما أو حرم حالال‬ ‫‪ -‬وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫صححه الرتمذي ‪ ,‬وكان صلى اهلل عليه وسلم يقوم باإلصالح بني الناس ‪.‬‬
‫* والصلح اجلائز هو العادل ‪ ,‬الذي أمر اهلل به ورسوله ‪ ,‬وهو ما يقصد به رضى اهلل تعاىل مث رضى اخلصمني ‪.‬‬
‫* وال بد أن يكون من يقوم باإلصالح بني الناس عاملا بالوقائع ‪ ,‬عارفا بالواجب ‪ ,‬قاصدا للعدل ‪ ,‬ودرجة املصلح‬
‫بني الناس أفضل من درجة الصائم القائم ‪ ,‬أما إذا خال الصلح من العدل ; صار ظلما وهضما للحق ‪ ,‬كأن يصلح‬
‫بني قادر ظامل وضعيف مظلوم مبا يرضى به القادر وميكنه من الظلم ويهضم به حق الضعيف وال ميكنه من أخذ حقه‬
‫‪,‬‬
‫والصلح إمنا يكون يف حقوق املخلوقني اليت لبعضهم على بعض مما يقبل اإلسقاط واملعاوضة ‪ ,‬أما حقوق اهلل تعاىل ‪,‬‬
‫كاحلدود والزكاة ; فال مدخل للصلح فيها ‪ ,‬ألن الصلح فيها هو أداؤها كاملة ‪.‬‬
‫* والصلح بني الناس يتناول مخسة أنواع ‪:‬‬

‫النوع األول ‪ :‬الصلح بني املسلمني وأهل احلرب‬

‫النوع الثاين ‪ :‬صلح بني أهل العدل وأهل البغي من املسلمني ‪.‬‬

‫النوع الثالث ‪ :‬صلح بني الزوجني إذا خيف الشقاق بينهما ‪.‬‬

‫النوع الرابع ‪ :‬إصالح بني متخاصمني يف غري املال‬

‫النوع اخلامس ‪ :‬إصالح بني متخاصمني يف األموال وهو املراد هنا ‪ ,‬وهذا النوع من الصلح ينقسم إىل قسمني ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬صلح عن إقرار ‪ ,‬والثاين ‪ :‬صلح عن إنكار ‪ - 1 .‬والصلح عن اإلقرار نوعان ‪ :‬نوع يقع على جنس احلق ‪,‬‬
‫ونوع يقع على غري جنسه ‪ - .‬فالذي يقع على جنسه مثل ما إذا أقر له بدين معلوم أو بعني مالية يف يده ‪ ,‬فصاحله‬
‫على أخذ بعض الدين وإسقاط بقيته ‪ ,‬أو على هبة بعض العني وأخذ البعض اآلخر ‪ .‬وهذا النوع من الصلح يصح‬
‫إذا مل يكن مشروطا يف اإلقرار ‪ ,‬كأن يقول من عليه احلق ‪ :‬أقر لك بشرط أن تعطيين أو تعوضين كذا ‪ ,‬أو يقول‬
‫صاحب احلق ‪ :‬أبرأتك أو وهبتك بشرط أن تعطيين كذا ‪ ,‬فإن كان هذا الصلح مشروطا على حنو ما ذكرنا ; مل‬
‫يصح ; ألن صاحب احلق له املطالبة جبميع احلق ‪ .‬ويشرتط لصحة هذا النوع من الصلح أيضا أن ال مينعه حقه بدونه‬
‫; ألن ذلك أكل ملال الغري بالباطل ‪ ,‬وهو حمرم ‪ ,‬وألن من عليه احلق جيب دفعه لصاحبه بدون قيد وال شرط ‪.‬‬
‫ويشرتط أيضا لصحة هذا النوع من الصلح أن يكون صاحب احلق ممن يصح تربعه ‪ ,‬فإن كان ممن ال يصح تربعه ‪,‬‬
‫مل يصح ‪ ,‬كما لو كان وليا ملال يتيم أو جمنون ; ألن هذا تربع ‪ ,‬وهو ال ميلكه ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪43‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫واحلاصل أنه جيوز املصاحلة عن احلق الثابت بشيء من جنسه ‪ ,‬شريطة أن ال ميتنع من عليه احلق من أدائه‬
‫بدون هذا الصلح ‪ ,‬وشريطة أن يكون صاحب احلق ممن يصح تربعه ‪ ,‬فإذا توفر ذلك ; جازت هذه املصاحلة ; ألهنا‬
‫تكون حينئذ من باب التربع ‪ ,‬واإلنسان ال مينع من إسقاط بعض حقه ‪ ,‬كما ال مينع من استيفائه كله ‪ ,‬وألن النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم كلم غرماء جابر رضي اهلل عنه ليضعوا عنه ‪.‬‬

‫‪ -‬والنوع الثاين من نوعي الصلح عن اإلقرار أن يصاحل عن احلق بغري جنسه ; كما لو اعرتف له بدين أو عني‬
‫‪ ,‬مث تصاحلا على أن يأخذ عن ذلك عوضا من غري جنسه ‪ ,‬فإن صاحله عن نقد بنقد آخر من جنسه ‪ ,‬فهذا صرف‬
‫جتري عليه أحكام الصرف ‪ ,‬وإن صاحل عن النقد بغري نقد ; اعترب ذلك بيعا جتري عليه أحكام البيع ‪ ,‬وإن صاحل عنه‬
‫مبنفعة كسكىن داره ; اعترب ذلك إجارة جتري عليها أحكام األجرة ‪ ,‬وإن صاحله عن غري النقد مبال آخر ; فهو‬
‫بيع ‪.‬‬
‫‪ - 2‬الصلح عن إنكار ‪ ,‬ومعناه أن يدعي شخص على آخر بعني له عنده ; أو بدين يف ذمته له ‪ ,‬فيسكت املدعى‬
‫عليه وهو جيهل املدعى به ‪ ,‬مث يصاحل املدعي عن دعواه مبال حاٍّل أو مؤجل ‪ ,‬فيصح الصلح يف هذه احلالة يف قول‬
‫الصلح جائز بني املسلمني ; إال صلحا حرم حالال ‪ ,‬أو أحل‬ ‫أكثر أهل العلم ; لقوله عليه الصالة والسالم ‪:‬‬
‫رواه أبو داود والرتمذي وقال ‪ " :‬حسن صحيح " ‪ ,‬وصححه احلاكم ‪ ,‬وقد كتب هبذا احلديث‬ ‫حراما‬
‫عمر إىل أيب موسى رضي اهلل عنهما ‪ ,‬فصلح االحتجاج به هلذه االعتبارات ‪.‬‬
‫وفائدة هذا النوع من الصلح للمدعى عليه أنه يفتدي به نفسه من الدعوى واليمني ‪ ,‬وفائدته للمدعي إراحته من‬
‫تكليف إقامة البينة وتفادي تأخري حقه الذي يدعيه ‪.‬‬
‫والصلح عن اإلنكار يكون يف حق املدعي يف حكم البيع ‪ ,‬ألنه يعتقده عوضا عن ماله ‪ ,‬فلزمه حكم اعتقاده ‪,‬‬
‫فكأن املدعى عليه اشرتاه منه ‪ ,‬فتدخله أحكام البيع من جهته ‪ ,‬كالرد بالعيب ‪ ,‬واألخذ بالشفعة إذا كان مما تدخله‬
‫الشفعة ‪.‬‬
‫وحكم هذا الصلح يف حق املدعى عليه أنه إبراء عن الدعوى ; ألنه دفع املال افتداء ليمينه وإزالة للضرر عنه وقطعا‬
‫للخصومة وصيانة لنفسه عن التبذل واملخاصمات ; ألن ذوي النفوس الشريفة يأنفون من ذلك ‪ ,‬ويصعب عليهم ‪,‬‬
‫فيدفعون املال لإلبراء من ذلك ‪ ,‬فلو وجد فيما صاحل به عيبا ; مل يستحق رده به ; وال يؤخذ بالشفعة ; ألنه ال‬
‫يعتقده عوضا عن شيء ‪ ,‬وإن كذب أحد املتصاحلني يف الصلح عن اإلنكار ‪ ,‬كأن يكذب املدعي ‪ ,‬فيدعي شيئا‬
‫يعلم أنه ليس له ‪ ,‬أو يكذب املنكر يف إنكاره ما ادعي به عليه ‪ ,‬وهو يعلم أنه عليه ‪ ,‬ويعلم بكذب نفسه يف إنكاره‬
‫‪ ,‬إذا حصل شيء من هذا الكذب من جانب املدعي أو املنكر ; فالصلح باطل يف حق الكاذب منهما باطنا ; ألنه‬
‫عامل باحلق ‪ ,‬قادر على إيصاله ملستحقه ‪ ,‬وغري معتقد أنه حمق يف تصرفه ‪ ,‬فما أخذه مبوجب هذا الصلح حرام‬

‫َو اَل َتْأُك ُلوا َأْم َو اَلُك ْم َبْيَنُك ْم‬ ‫عليه ; ألنه أخذه ظلما وعدوانا ‪ ,‬ال عوضا عن حق يعلمه ‪ ,‬وقد قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪44‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وإن كان هذا الصلح فيما يظهر للناس صحيح ‪ ,‬ألهنم ال يعلمون باطن احلال ‪ ,‬لكن ذلك ال يغري‬ ‫ِباْلَباِط ِل‬
‫من احلقيقة شيئا عند من ال خيفى عليه شيء يف األرض وال يف السماء ‪ ,‬فعلى املسلم أن يبتعد عن مثل هذا التصرف‬
‫السيئ واالحتيال الباطل ‪.‬‬
‫ومن مسائل الصلح عن اإلنكار أنه لو صاحل عن املنكر أجنيب بغري إذنه ‪ ,‬صح الصلح يف ذلك ‪ ,‬ألن األجنيب يقصد‬
‫بذلك إبراء املدعى عليه وقطع اخلصومة عنه ; فهو كما لو قضى عنه دينه ‪ ,‬لكن ال يطالبه بشيء مما دفع ; ألنه ال‬
‫يستحق الرجوع عليه به ; ألنه متربع ‪.‬‬
‫* ويصح الصلح عن احلق اجملهول سواء كان لكل منهما على اآلخر أو كان ألحدمها ‪ ,‬إذا كان هذا اجملهول يتعذر‬
‫علمه ‪ ,‬كحساب بينهما مضى عليه زمن طويل ‪ ,‬وال علم لكل منهما عما عليه لصاحبه ; لقول النيب صلى اهلل عليه‬
‫استهما ‪ ,‬وتواخيا احلق ‪ ,‬وليحلل أحدكما صاحبه‬ ‫وسلم لرجلني اختصما يف مواريث درست بينهما ‪:‬‬
‫رواه أبو داود وغريه ‪ ,‬وألنه إسقاط حق ‪ ,‬فصح يف اجملهول للحاجة ‪ ,‬ولئال يفضي إىل ضياع املال أو بقاء‬
‫شغل الذمة ‪ ,‬وأمره صلى اهلل عليه وسلم بتحليل كل منهما لصاحبه يدل على أخذ احليطة لرباءة الذمة وعلى عظم‬
‫حق املخلوق ‪.‬‬

‫* ويصح الصلح عن القصاص بالدية احملددة شرعا أو أقل أو أكثر ; وألن املال غري متعني ; فال يقع العوض‬
‫يف مقابلته ‪.‬‬
‫* وال يصح الصلح عن احلدود ألهنا شرعت للزجر ‪ ,‬وألهنا حق هلل تعاىل وحق للمجتمع ; فالصلح عنها يبطلها ‪,‬‬
‫وحيرم اجملتمع من فائدهتا ‪ ,‬ويفسح اجملال للمفسدين والعابثني ‪.‬‬

‫باب يف أحكام اجلوار والطرقات‬

‫تناول الفقهاء أحكام اجلوار وأحكام الطرقات ; ملا هلذا املوضوع من األمهية البالغة ‪:‬‬
‫* فقد تعرض مشاكل بني اجلريان جيب حلها وحسمها ‪ ,‬لئال تفضي إىل النزاع والعداوة ‪ ,‬وحلها يكون بطرق ‪:‬‬
‫‪ -‬منها ‪ :‬إجراء الصلح بينهم مبا حيقق العدل واملصلحة ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن ذلك ‪ :‬لو احتاج اجلار إىل إجراء املاء مع أرض جاره أو سطحه وتصاحلا على ذلك بعوض ‪ ,‬جاز هذا‬
‫الصلح ; لدعاء احلاجة إىل ذلك ‪ ,‬مث إن كان هذا العوض يف مقابل االنتفاع مع بقاء ملك صاحب األرض أو‬
‫السطح عليه ; فهذا العقد يعترب إجارة ‪ ,‬وإن كان مع زوال امللك ; اعترب بيعا ‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا احتاج اجلار إىل ممر يف ملك جاره ‪ ,‬وبذله له عن طريق البيع أو عن طريق الصلح ; جاز هذا ; لدعاء احلاجة‬
‫إليه ‪ ,‬وال ينبغي للمالك أن يستغل حاجة جاره فريهقه ببذل العوض أو ميتنع من استخدام هذا املمر فيحرج جاره‬
‫وحيول بينه وبني مصلحته ‪ ,‬وإذا امتد غصن من شجرته يف هواء جاره أو يف قرار ملكه ; وجب على مالك الغصن‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪45‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫إزالته ‪ :‬إما بقطعه أو ليه إىل ناحية أخرى ; ليخلي ملك الغري ‪ ,‬فإن أىب مالك الغصن أن يعمل شيئا من ذلك ;‬
‫فلصاحب اهلواء أو القرار أن يزيل ضرره بأحد هذه اإلجراءات ‪ ,‬ألنه مبنزلة الصائل ‪ ,‬فيدفعه بأسهل ما ميكن ‪ ,‬وإن‬
‫تصاحلا على بقاء الغصن ; جاز ذلك ‪ ,‬سواء كان بعوض على الصحيح ‪ ,‬أو على أن مثرته بينهما ‪ - .‬وحكم العرق‬
‫إذا حصل يف أرض اجلار حكم الغصن على ما مر بيانه ‪.‬‬
‫‪ -‬وال جيوز أن حيدث اإلنسان يف ملكه ما يضر جباره ‪ ,‬كحمام أو خمبز أو مطبخ أو مقهى يتعدى ضرره ‪ ,‬أو‬
‫مصنع يقلق جاره حركاته وأصواته ‪ ,‬أو فتح نوافذ تطل على بيت جاره ‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا كان بينه وبني جاره جدار مشرتك ‪ ,‬حرم أن يتصرف فيه بفتح طاق أو غرز وتد إال بإذنه ‪ ,‬وال جيوز له‬
‫وضع اخلشب على اجلدار املشرتك أو اخلاص باجلار إال عند الضرورة ‪ ,‬إذا مل ميكنه التسقيف إال به ‪ ,‬وكان اجلدار‬
‫يتحول وضع اخلشب ; فحينئذ ميكن من وضع اخلشب ; حلديث أيب هريرة رضي اهلل عنه يرفعه إىل النيب صلى اهلل‬
‫ال مينعن جار جاره أن يضع خشبه على جداره مث يقول أبو هريرة ‪ :‬ما يل أراكم عنها‬ ‫عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪ ,‬متفق عليه ‪,‬‬ ‫معرضني ؟ واهلل ألرمني هبا بني أكتافكم‬
‫فدل هذا احلديث على أنه ال جيوز للجار أن مينع جاره من وضع اخلشب يف جداره ‪ ,‬وجيربه احلاكم إذا امتنع ; ألنه‬
‫حق ثابت جلاره حبكم اجلوار ‪ .‬هذا بعض ما يتعلق باجلوار من أحكام ‪.‬‬
‫* أما ما يتعلق يف الطرقات ‪ - :‬فال جيوز مضايقة املسلمني يف طرقاهتم بل جيب إفساح الطريق ‪ ,‬وإماطة األذى‬
‫عنه ; ألن ذلك من اإلميان ; كما أخرب بذلك النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ -‬وال جيوز أن حيدث يف ملكه ما يضايق الطريق ; كأن يبين فوق الطرق سقفا مينع مرور الركبان واألمحال ‪ ,‬أو‬
‫يبين دكة للجلوس عليها ‪.‬‬
‫‪ -‬وال جيوز له أن يتخذ موقفا لدابته أو سيارته بطريق املارة ‪ ,‬ألن ذلك يضيق الطريق ‪ ,‬أو يسبب احلوادث ‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬ال جيوز ألحد أن خيرج شيئا يف طريق املسلمني من أجزاء البناء ‪ ,‬حىت إنه‬
‫ينهى عن جتصيص احلائط ; إال أن يدخل رب احلائط منه يف حده بقدر غلظه ‪ " .. .‬انتهى ‪.‬‬
‫‪ -‬ومينع يف الطريق الغرس والبناء واحلفر ووضع احلطب والذبح فيها وطرح القمامة والرماد وغري ذلك مما فيه ضرر‬
‫على املارة ‪ .‬وجيب على املسئولني عن تنظيم البلد من رجال البلديات منع هذه األشياء ‪ ,‬ومعاقبة املخالفني مبا‬
‫يردعهم ‪ ,‬وقد كثر التساهل يف هذا األمر املهم ‪ ,‬فصار كثري من الناس حيتجزون الطرقات ملصاحلهم اخلاصة ‪,‬‬
‫يوقفون فيها سياراهتم ‪ ,‬ويضعون فيها األحجار واحلديد واإلمسنت لبناياهتم ‪ ,‬وحيفرون فيها احلفر ‪ ,‬وغري ذلك ‪,‬‬
‫والبعض اآلخر من الناس يلقي األذى يف األسواق من الفضالت والنجاسات والقمامات ‪ ,‬غري مبالني مبضارة‬
‫َو اَّلِذ يَن ُيْؤ ُذوَن اْلُم ْؤ ِمِنَني َو اْلُم ْؤ ِم َناِت ِبَغِرْي َم ا‬ ‫املسلمني ‪ ,‬وهذا كله مما حرمه اهلل ورسوله ‪ ,‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫املسلم من سلم املسلمون‬ ‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬ ‫اْك َتَس ُبوا َفَق ِد اْح َتَم ُلوا ُبْه َتاًنا َو ِإًمْثا ُمِبيًنا‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪46‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫اإلميان بضع وسبعون شعبة ‪ :‬أعالها قول ‪ :‬ال إله إال‬ ‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬ ‫من لسانه ويده‬
‫إىل غري ذلك من األحاديث اليت حتث على‬ ‫اهلل ‪ ,‬وأدناها إماطة األذى عن الطريق ‪ ,‬واحلياء شعبة من اإلميان‬
‫احرتام حقوق املسلمني واالمتناع من أذيتهم ‪ ,‬ومن أعظم أذية املسلمني مضايقتهم يف طرقاهتم وإلقاء العراقيل فيها ‪.‬‬

‫باب يف أحكام الشفعة‬

‫* تعريف الشفعة لغة ‪ :‬الشفعة ‪ -‬بإسكان الفاء ‪ -‬مأخوذة من الشفع ‪ ,‬وهو الزوج ; ألن الشفيع بالشفعة‬
‫يضم الربيع إىل ملكه الذي كان منفردا ‪.‬‬
‫* والشفعة ثابتة بالسنة الصحيحة ‪ ,‬شرعها اهلل تعاىل سدا لذريعة املفسدة املتعلقة بالشركة ‪ .‬قال اإلمام العالمة ابن‬
‫القيم رمحه اهلل ‪ " :‬ومن حماسن الشريعة وعدهلا وقيامها مبصاحل العباد إتياهنا بالشفعة ; فإن حكمة الشارع اقتضت‬
‫رفع الضرر عن املكلفني مهما أمكن ‪ ,‬وملا كانت الشركة منشأ الضرر يف الغالب ; رفع هذا الضرر بالقسمة تارة‬
‫وبالشفعة تارة ‪ ,‬فإذا أراد بيع نصيبه وأخذ عوضه ; كان شريكه أحق به من األجنيب ‪ ,‬ويزول عنه ضرر الشركة ‪,‬‬
‫وال يتضرر البائع ; ألنه يصل إىل حقه من الثمن ‪ ,‬وكانت من أعظم العدل وأحسن األحكام املطابقة للعقول‬
‫والفطر ومصاحل العباد " ‪ .‬ومن هنا يعلم أن التحيل إلسقاط الشفعة مناقض هلذا املعىن الذي قصده الشارع ‪ ,‬ومضاد‬
‫له ‪.‬‬
‫* وكانت الشفعة معروفة عند العرب يف اجلاهلية ‪ ,‬كان الرجل إذا أراد بيع منزل أو حائطه ‪ ,‬أتاه اجلار والشريك‬
‫والصاحب إليه فيما باعه ‪ ,‬فيشفعه ‪ ,‬وجيعله أوىل رجل به ‪ ,‬فسميت الشفعة ‪ ,‬ومسي طالبها شافعا ‪.‬‬
‫* والشفعة يف عرف الفقهاء ‪ :‬استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه ممن انتقلت إليه بعوض مايل ‪ ,‬فيأخذ الشفيع‬
‫نصيب شريكه البائع بثمنه الذي استقر عليه العقد يف الباطن ‪.‬‬
‫* فيجب على املشرتي أن يسلم الشقص املشفوع فيه إىل الشافع بالثمن الذي تراضيا عليه يف الباطن ‪ ,‬ملا روى‬
‫أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قضى بالشفعة يف كل ما مل يقسم ‪,‬‬ ‫أمحد والبخاري عن جابر رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫ففي احلديث دليل على إثبات الشفعة للشريك وأهنا ال‬ ‫فإذا وقعت احلدود وصرفت الطرق ; فال شفعة‬
‫جتب إال يف األرض والعقار دون غريمها من العروض واألمتعة واحليوان وحنوها ‪ ,‬وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فدل احلديث على أنه ال حيل له أن يبيع حىت يعرض على‬ ‫ال حيل له أن يبيع حىت يؤذن شريكه‬
‫شريكه ‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪ " :‬حرم على الشريك أن يبيع نصيبه حىت يؤذن شريكه ‪ ,‬فإن باع ومل يؤذنه ‪ ,‬فهو أحق به ‪ ,‬وإن‬
‫أذن يف البيع وقال ‪ :‬ال غرض يل فيه ‪ ,‬مل يكن له الطلب بعد البيع ‪ ,‬وهذا مقتضى حكم الشرع ‪ ,‬وال معارض له‬
‫بوجه ‪ ,‬وهو الصواب املقطوع به " انتهى ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪47‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وهذا الذي قاله ابن القيم من أن الشفعة تسقط بإسقاط صاحبها هلا قبل البيع هو أحد القولني يف املسألة ‪,‬‬
‫والقول الثاين ‪ -‬وهو قول اجلمهور ‪ : -‬أهنا ال تسقط بذلك ‪ ,‬وال يكون جمرد اإلذن بالبيع مبطال هلا ‪ ,‬واهلل أعلم ‪.‬‬
‫* والشفعة حق شرعي ‪ ,‬جيب احرتامه ‪ ,‬وحيرم التحيل إلسقاطه ; ألن الشفعة شرعت لدفع الضرر عن الشريك ‪,‬‬
‫فإذا حتيل إلسقاطها ‪ ,‬حلقه الضرر ‪ ,‬وكان تعديا على حقه املشروع ‪ ,‬قال اإلمام أمحد رمحه اهلل ‪ " :‬ال جيوز شيء‬
‫ال ترتكبوا ما ارتكبت اليهود‬ ‫من احليل يف إبطاهلا وال إبطال حق مسلم " ‪ ,‬وقد قال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فتستحلوا حمارم اهلل بأدىن احليل‬
‫* ومن احليل اليت تفعل إلسقاط الشفعة أن يظهر أنه وهب نصيبه آلخر ‪ ,‬وهو يف احلقيقة قد باعه عليه ‪ ,‬ومن احليل‬
‫إلسقاط الشفعة أن يرفع الثمن يف الظاهر حىت ال يتمكن الشريك من دفعه ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ " :‬وما وجد من التصرفات ألجل االحتيال على إسقاط الشفعة ; فهو باطل ‪ ,‬وال تغري‬
‫حقائق العقود بتغري العبارة " انتهى ‪.‬‬
‫* وموضوع الشفعة هو األرض اليت مل جتر قسمتها ‪ ,‬ويتبعها ما فيها من غراس وبناء ‪ ,‬فإن جرت قسمة األرض ‪,‬‬
‫لكن بقي مرافق مشرتكة بني اجلريان ‪ ,‬كالطريق واملاء وحنو ذلك ; فالشفعة باقية يف أصح قويل العلماء ; ملفهوم قوله‬
‫إذ مفهومه أنه إذا وقعت‬ ‫فإذا وقعت احلدود وصرفت الطرق ; فال شفعة‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫احلدود ومل تصرف الطرق أن الشفعة باقية ‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪ " :‬وهو أصح األقوال يف شفعة اجلوار ‪ ,‬ومذهب أهل البصرة ‪ ,‬وأحد الوجهني يف مذهب أمحد ‪,‬‬
‫واختيار الشيخ " انتهى ‪.‬‬
‫وقال الشيخ تقي الدين ‪ " :‬تثبت شفعة اجلوار مع الشركة يف حق من حقوق امللك من طريق وماء وحنو ذلك ‪ ,‬نص‬
‫عليه أمحد ‪ ,‬واختاره ابن عقيل وأبو حممد وغريهم ‪ ,‬وقال احلارثي ‪ :‬هذا الذي يتعني املصري إليه ‪ ,‬وفيه مجع بني‬
‫األحاديث ‪ ,‬وذلك أن اجلوار ال يكون مقتضيا للشفعة إال مع احتاد الطريق وحنوه ; ألن شرعية الشفعة لدفع‬
‫الضرر ‪ ,‬والضرر إمنا حيصل يف األغلب مع املخالطة يف الشيء اململوك أو يف طريق وحنوه " انتهى ‪.‬‬
‫* والشفعة إمنا تثبت باملطالبة هبا فور علمه بالبيع ‪ ,‬فإن مل يطلبها وقت علمه بالبيع ‪ ,‬سقطت ‪ ,‬فإن مل يعلم بالبيع ‪,‬‬
‫فهو على شفعته ‪ ,‬ولو مضى عدة سنني ‪ .‬قال ابن هبرية ‪ " :‬اتفقوا على أنه إذا كان غائبا ; فله إذا قدم املطالبة‬
‫بالشفعة " ‪ .‬وتثبت الشفعة للشركاء على قدر ملكهم ; ألنه حق يستفاد بسبب امللك ‪ ,‬فكانت على قدر األمالك ‪,‬‬
‫فإن تنازل عنها أحد الشركاء ; أخذ اآلخر الكل ‪ ,‬أو ترك الكل ; ألن يف أخذ البعض إضرارا باملشرتي ‪ ,‬والضرر‬
‫ال يزال بالضرر ‪.‬‬

‫كتاب الشركات‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪48‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫باب يف أحكام الشراكة وأنواع الشركات‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫* موضوع الشركات ينبغي التعرف على أحكامه لكثرة التعامل به ; إذ ال يزال االشرتاك يف التجارة وغريها‬
‫مستمرا بني الناس ‪ ,‬وهو من باب التعاون على حتصيل املصاحل بتنمية األموال واستثمارها وتبادل اخلربات ‪.‬‬
‫* فالشركة يف التجارة وغريها مما جاءت جبوازه نصوص الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫واخللطاء هم الشركاء ‪ ,‬ومعىن ‪:‬‬ ‫َو ِإَّن َك ِثًريا ِم َن اُخْلَلَطاِء َلَيْبِغي َبْع ُضُه ْم َعَلى َبْع ٍض‬ ‫‪ -‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫يظلم بعضهم بعضا ‪ ,‬فدلت اآلية الكرمية على جواز الشركة ‪ ,‬واملنع من‬ ‫َلَيْبِغي َبْع ُضُه ْم َعَلى َبْع ٍض‬
‫ظلم الشريك لشريكه ‪.‬‬
‫قال اهلل تعاىل ‪ :‬أنا ثالث الشريكني‬ ‫‪ -‬والدليل من السنة على جواز الشركة قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫ما مل خين أحدمها صاحبه ‪,‬‬ ‫أي ‪ :‬معهما باحلفظ والرعاية واإلمداد وإنزال الربكة يف جتارهتما ;‬
‫أي ‪ :‬نزعت الربكة من جتارهتما ‪ ,‬ففي احلديث مشروعية الشركة واحلث‬ ‫فإذا خانه ; خرجت من بينهما‬
‫عليها مع عدم اخليانة ; ألن فيها التعاون ‪ ,‬واهلل يف عون العبد ما كان العبد يف عون أخيه ‪.‬‬
‫* وينبغي اختيار من ماله من حالل للمشاركة ‪ ,‬وجتنب من ماله من احلرام أو من املختلط باحلالل واحلرام ‪.‬‬
‫* وجتوز مشاركة املسلم للكافر بشرط أن ال ينفرد الكافر بالتصرف ‪ ,‬بل يكون بإشراف املسلم ; لئال يتعامل‬
‫الكافر بالربا أو احملرمات إذا انفرد عن إشراف املسلم ‪.‬‬
‫* والشركة تنقسم إىل قسمني ‪ :‬شركة أمالك وشركة عقود ‪.‬‬
‫‪ -‬فشركة األمالك هي اشرتاك يف استحقاق ‪ ,‬كاالشرتاك يف متلك عقار أو متلك مصنع أو متلك سيارات أو غري‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫‪ -‬وشركة العقود هي االشرتاك يف التصرف ‪ ,‬كاالشرتاك يف البيع أو الشراء أو التأجري أو غري ذلك ‪ ,‬وهي إما‬
‫اشرتاك يف مال وعمل أو اشرتاك يف عمل بدون مال ‪ ,‬وهي مخسة أنواع ‪:‬‬

‫النوع األول ‪ :‬أن يكون االشرتاك يف املال والعمل ‪ ,‬وهذا النوع يسمى شركة العنان ‪.‬‬

‫النوع الثاين ‪ :‬اشرتاك يف مال من جانب وعمل من جانب آخر ‪ ,‬وهذا ما يسمى باملضاربة ‪.‬‬

‫النوع الثالث ‪ :‬اشرتاك يف التحمل بالذمم دون مال ‪ ,‬وهذا ما يسمى بشركة الوجوه ‪.‬‬

‫النوع الرابع ‪ :‬اشرتاك فيما يكسبان بأبداهنما ‪ ,‬وهذا ما يسمى بشركة األبدان ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪49‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫النوع اخلامس ‪ :‬اشرتاك يف كل ما تقدم ‪ ,‬بأن يفوض أحدمها إىل اآلخر كل تصرف مايل وبدين ‪ ,‬فيشمل شركة‬
‫العنان واملضاربة والوجوه واألبدان ‪ ,‬ويسمى هذا النوع بشركة املفاوضة ‪.‬‬

‫هذا جممل أنواع الشركات ‪ ,‬ولنبينها بالتفصيل واحدة واحدة ; لداعي احلاجة إىل بياهنا ‪ ,‬فنقول ‪:‬‬

‫باب يف أحكام شركة العنان‬

‫* وهي بكسر العني ‪ ,‬مسيت بذلك لتساوي الشريكني يف املال والتصرف ; كالفارسني إذا سويا بني فرسيهما‬
‫وتساويا يف السري فكان عنانا فرسيهما سواء ‪ ,‬وذلك أن كل واحد من الشريكني يساوى اآلخر يف تقدميه ماله‬
‫وعمله يف الشركة ‪.‬‬
‫فحقيقة شركة العنان أن يشرتك شخصان فأكثر مباليهما ‪ ,‬حبيث يصريان ماال واحدا يعمالن فيه بيديهما ‪ ,‬أو يعمل‬
‫فيه أحدمها ويكون له من الربح أكثر من نصيب اآلخر ‪.‬‬
‫* وشركة العنان هبذا االعتبار املذكور جائزة باإلمجاع ; كما حكاه ابن املنذر رمحه اهلل ‪ ,‬وإمنا اختلف يف بعض‬
‫شروطها ‪.‬‬
‫* وينفذ تصرف كل من الشريكني يف مال الشركة حبكم امللك يف نصيبه والوكالة يف نصيب شريكه ; ألن لفظ‬
‫الشركة يغين عن اإلذن من كل منهما لآلخر ‪.‬‬
‫* واتفقوا على أنه جيوز أن يكون رأس مال الشركة من النقدين املضروبني ; ألن الناس يشرتكون هبما من زمن النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم إىل يومنا هذا من غري نكري ‪.‬‬
‫واختلفوا يف كون رأس املال يف شركة العنان من العروض ‪ ,‬فقال بعضهم ‪ :‬ال جيوز ; ألن قيمة أحد املالني قد تزيد‬
‫قبل بيعه وال تزيد قيمة املال اآلخر ‪ ,‬فيشارك أحدمها اآلخر يف مناء ماله ‪.‬‬
‫والقول الثاين جواز ذلك ‪ ,‬وهو الصحيح ‪ ,‬ألن مقصود الشركة تصرفهما يف املالني مجيعا ‪ ,‬وكون ربح املالني‬
‫بينهما ; وهو حاصل يف العروض كحصوله يف النقود ‪.‬‬
‫* ويشرتط لصحة شركة العنان أن يشرتطا لكل من الشريكني جزءا من الربح مشاعا معلوما كالثلث والربع ; ألن‬
‫الربح مشرتك بينهما ; فال يتميز نصيب كل منهما إال باالشرتاط والتحديد ‪ ,‬فلو كان نصيب كل منهما من الربح‬
‫جمهوال ‪ ,‬أو شرط ألحدمها ربح شيء معني من املال ‪ ,‬أو ربح وقت معني ‪ ,‬أو ربح سفرة معينة ; مل يصح يف مجيع‬
‫هذه الصور ; ألنه قد يربح املعني وحده ‪ ,‬وقد ال يربح ‪ ,‬وقد ال حيصل غري الدراهم املعينة ‪ ,‬وذلك يفضي إىل‬
‫النزاع وضياع تعب أحدمها دون اآلخر ‪ ,‬وذلك مما تنهى عنه الشريعة السمحة ; ألهنا جاءت بدقع الغرر والضرر ‪.‬‬

‫باب يف أحكام شركة املضاربة‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪50‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* شركة املضاربة مسيت بذلك أخذا من الضرب يف األرض ‪ ,‬وهو السفر للتجارة ‪ ,‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫أي ‪ :‬يطلبون رزق اهلل يف املتاجر واملكاسب ‪,‬‬ ‫آ وَن ْض ِر وَن يِف اَأْل ِض ُغوَن ِم َفْض ِل الَّلِه‬
‫ْن‬ ‫ْر َيْبَت‬ ‫َو َخ ُر َي ُب‬
‫ومعىن املضاربة شرعا ‪ :‬دفع مال معلوم ملن يتجر به ببعض رحبه ‪.‬‬
‫* وهذا النوع من التعامل جائز باإلمجاع ‪ ,‬وكان موجودا يف عصر النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬وأقره ‪ ,‬وروي عن‬
‫عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وغريهم ‪ ,‬ومل يعرف هلم خمالف من الصحابة رضي اهلل عن اجلميع ‪ ,‬واحلكمة‬
‫تقتضي جواز املضاربة باملال ; ألن الناس حباجة إليها ; ألن الدراهم والدنانري ال تنمو إال بالتقليب والتجارة ‪.‬‬
‫قال العالمة ابن القيم ‪ " :‬املضارب أمني وأجري ووكيل وشريك ‪ ,‬فأمني إذا قبض املال ‪ ,‬ووكيل إذا تصرف فيه ‪,‬‬
‫وأجري فيما يباشره بنفسه من العمل ‪ ,‬وشريك إذا ظهر فيه الربح ‪ ,‬ويشرتط لصحة املضاربة تقدير نصيب العامل ;‬
‫ألنه يستحقه بالشرط " ‪ .‬وقال ابن املنذر ‪ " :‬أمجع أهل العلم على أن للعامل أن يشرتط على رب املال ثلث الربح‬
‫أو نصفه أو ما جيمعان عليه بعد أن يكون ذلك معلوما جزءا من أجزاء ‪ ,‬فلو مسى له كل الربح أو دراهم معلومة أو‬
‫جزءا جمهوال ; فسدت " انتهى ‪.‬‬

‫* وتعيني مقدار نصيب العامل من الربح يرجع إليهما ‪ :‬فلو قال رب املال للعامل ‪ :‬اجتر به والربح بيننا ; صار‬
‫لكل منهما نصف الربح ; ألنه أضافه إليهما إضافة واحدة ال مرجح ألحدمها على اآلخر فيها ‪ ,‬فاقتضى ذلك‬
‫التسوية يف االستحقاق ‪ ,‬كما لو قال ‪ :‬هذه الدار بيين وبينك ; فإهنا تكون بينهما نصفني ‪ ,‬وإن قال رب املال‬
‫للعامل ‪ :‬اجتر به ويل ثالثة أرباع رحبه أو ثلثه ‪ ,‬أو قال له ‪ :‬اجتر به ولك ثالثة أرباع رحبه أو ثلثه صح ذلك ; ألنه‬
‫مىت علم نصيب أحدمها ; أخذه ‪ ,‬والباقي لآلخر ; ألن الربح مستحق هلما ‪ ,‬فإذا قدر نصيب أحدا منه ; فالباقي‬
‫لآلخر مبفهوم اللفظ ‪ ,‬وإن اختلفا ملن اجلزء املشروط ; فهو للعامل ‪ ,‬قليال كان أو كثريا ; ألنه يستحقه بالعمل ‪,‬‬
‫وهو يقل ويكثر ; فقد يشرتط له جزء قليل لسهولة العمل ‪ ,‬وقد يشرتط له جزء كثري لصعوبة العمل ‪ ,‬وقد خيتلف‬
‫التقدير الختالف العاملني يف احلذق وعدمه ‪ ,‬وإمنا تقدر حصة العامل بالشرط ; خبالف رب املال ; فإنه يستحقه‬
‫مباله ال بالشرط ‪.‬‬

‫* وإذا فسدت املضاربة فرحبها يكون لرب املال ; ألنه مناء ماله ‪ ,‬ويكون للعامل أجرة مثله ; ألنه إمنا يستحق‬
‫بالشرط ‪ ,‬وقد فسد الشرط تبعا لفساد املضاربة ‪.‬‬
‫* وتصح املضاربة مؤقتة بوقت حمدد بأن يقول رب املال ‪ :‬ضاربتك على هذه الدراهم ملدة سنة ‪.‬‬
‫وتصح املضاربة معلقة بشرط ; كأن يقول صاحب املال ‪ :‬إذا جاء شهر كذا ; فضارب هبذا املال ‪ ,‬أو يقول ‪ :‬إذا‬
‫قبضت مايل من زيد ; فهو معك مضاربة ; ألن املضاربة إذن يف التصرف ‪ ,‬فيجوز تعليقه على شرط مستقبل ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪51‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* وال جيوز للعامل أن يأخذ مضاربة من شخص آخر إذا كان ذلك يضر باملضارب األول إال بإذنه ‪ ,‬وذلك كأن‬
‫يكون املال الثاين كثريا يستوعب وقت العامل فيشغله عن التجارة مبال األول ‪ ,‬أو يكون مال املضارب األول كثريا‬
‫يستوعب وقته ومىت اشتغل عنه بغريه تعطلت بعض تصرفاته فيه ‪ ,‬فإن أذن األول ‪ ,‬أو مل يكن عليه ضرر ; جاز‬
‫للعامل أن يضارب آلخر ‪.‬‬
‫وإن ضارب العامل آلخر مع ضرر األول بدون إذنه ; فإن العامل يرد حصته من رحبه يف مضاربته مع الثاين يف‬
‫شركته مع املضارب األول ‪ ,‬فيدفع لرب املضاربة الثانية نصيبه من الربح ‪ ,‬ويؤخذ نصيب العامل ‪ ,‬ويضم لربح‬
‫املضاربة األوىل ‪ ,‬ويقسم بينه وبني صاحبها على ما شرطاه ; ألن منفعة العامل املبذولة يف املضاربة الثانية قد‬
‫استحقت يف املضاربة األوىل ‪.‬‬

‫* وال ينفق العامل من مال املضاربة ال لسفر وال لغريه ; إال إذا اشرتط على صاحب املال ذلك ; ألنه يعمل يف املال‬
‫جبزء من رحبه ; فال يستحق زيادة عليه إال بشرط ; إال أن يكون هناك عادة يف مثل هذا فيعمل هبا ‪.‬‬

‫* وال يقسم الربح يف املضاربة قبل إهناء العقد بينهما إال برتاضيهما ; ألن الربح وقاية لرأس املال ‪ ,‬وال يؤمن أن يقع‬
‫خسارة يف بعض املعاملة ‪ ,‬فتجرب من الربح ‪ ,‬وإذا قسم الربح مع بقاء عقد املضاربة ; مل يبق رصيد جيرب منه اخلسران‬
‫; فالربح وقاية لرأس املال ‪ ,‬ال يستحق العامل منه شيئا إال بعد كمال رأس املال ‪.‬‬
‫* والعامل أمني جيب عليه أن يتقي اهلل فيما ويل عليه ‪ ,‬ويقبل قوله فيما يدعيه من تلف أو خسران ‪ ,‬ويصدق فيما‬
‫يذكر أنه اشرتاه لنفسه ال للمضاربة أو اشرتاه للمضاربة ال لنفسه ; ألنه مؤمتن على ذلك ‪ ,‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫باب يف شركات الوجوه واألبدان واملفاوضة‬

‫أوال ‪ :‬شركة الوجوه ‪:‬‬


‫* شركة الوجوه هي أن يشرتك اثنان فأكثر فيما يشرتيان بذمتيهما ‪ ,‬وما رحبا فهو بينهما على ما شرطاه ‪ ,‬مسيت‬
‫بذلك ألهنا ليس هلا رأس مال ‪ ,‬وإمنا تبذل فيها الذمم واجلاه وثقة التجار هبما ‪ ,‬فيشرتيان ويبيعان بذلك ‪ ,‬ويقتسمان‬
‫املسلمون على شروطهم‬ ‫ما حيصل هلما من ربح على حسب الشرط ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫وهذا النوع من الشركة يشبه شركة العنان ‪ ,‬فأعطي حكمها‪.‬‬
‫* وكل واحد من الشريكني وكيل عن صاحبه وكفيل عنه بالثمن ; ألن مثل هذا النوع من الشركة على الوكالة‬
‫والكفالة ‪.‬‬
‫* ومقدار ما ميلكه كل واحد منهما من هذه الشركة على حسب الشرط ‪ ,‬من مناصفة ‪ ,‬أو أقل ‪ ,‬أو أكثر ‪.‬‬
‫ويتحمل كل واحد من اخلسارة على قدر ما ميلك يف الشركة ‪ ,‬فمن له نصف الشركة ; فعليه نصف اخلسارة ‪.. .‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪52‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وكذا ‪ .‬ويستحق كل من الشركاء من الربح على حسب الشرط من نصف أو ربع أو ثلث ; ألن أحدمها قد يكون‬
‫أوثق وأرغب عند التجار وأبصر بطرق التجارة من الشخص اآلخر ‪ ,‬وألن عمل كل منهما قد خيتلف عن عمل‬
‫اآلخر ‪ ,‬فيتطلع إىل زيادة نصيبه يف مقابل ذلك ‪ ,‬فريجع إىل الشرط اجلاري بينهما يف ذلك ‪.‬‬
‫* و لكل واحد من الشركاء يف شركة الوجوه من الصالحيات مثل ما للشركاء يف شركة العنان‬

‫ثانيا ‪ :‬شركة األبدان‬

‫* شركة األبدان هي أن يشرتك اثنان فأكثر فيما يكتسبان بأبداهنما ‪ ,‬مسيت بذلك ألن الشركاء بذلوا أبداهنم‬
‫يف األعمال لتحصيل املكاسب ‪ ,‬واشرتكوا فيما حيصلون عليه من كسب ‪.‬‬
‫* ودليل جواز هذا النوع من الشركة ما رواه أبو داود والنسائي وغريمها عن ابن مسعود رضي اهلل عنه ; قال ‪:‬‬
‫" اشرتكت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر ‪ ,‬فجاء سعد بأسريين ‪ ,‬ومل أجئ أنا وعمار بشيء "‬
‫قال أمحد ‪ " :‬أشرك بينهم النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬فدل هذا احلديث على صحة الشركة يف مكاسب‬
‫األبدان " ‪.‬‬
‫* وإذا مت االتفاق بينهم على ذلك ; فما تقبله أحدهم من عمل ; لزم بقية الشركاء فعله ‪ ,‬فيطالب كل واحد مبا‬
‫تقبله شريكه من أعمال ; ألن هذا هو مقتضاها ‪.‬‬

‫* وتصح شركة األبدان ولو اختلفت صنائع املشرتكني ; كخياط مع حداد ‪ .. .‬وهكذا ‪ ,‬ولكل واحد من الشركاء‬
‫أن يطالب بأجرة العمل الذي تقبله هو أو صاحبه ‪ ,‬وجيوز للمستأجر من أحدهم دفع األجرة إىل أي منهم ; ألن‬
‫كل واحد منهم كالوكيل عن اآلخر ‪ ,‬فما حيصل هلم من العمل أو األجرة ; فهو مشرتك بينهم ‪.‬‬
‫* وتصح شركة األبدان يف متلك املباحات كاالحتطاب ‪ ,‬ومجع الثمار املأخوذة من اجلبال ‪ ,‬واستخراج املعادن ‪.‬‬
‫* وإن مرض أحد شركاء األبدان ; فالكسب الذي حتصل عليه اآلخر بينهما ; ألن سعدا وعمارا وابن مسعود‬
‫اشرتكوا ‪ ,‬فجاء سعد بأسريين وأخفق اآلخران ‪ ,‬وشرك بينهم النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ .‬وإن طالب الصحيح‬
‫املريض بأن يقيم مقامه من يعمل ; لزمه ذلك ; ألهنما دخال على أن يعمال ‪ ,‬فإذا تعذر على أحدمها العمل بنفسه ;‬
‫لزمه أن يقيم مقامه من يعمل بدال عنه ‪ ,‬لتوفية العقد حقه ‪ ,‬فإن امتنع العاجز عن العمل من إقامة من يعمل بدله‬
‫بعد مطالبته بذلك ; فلشريكه أن يفسخ عقد الشركة ‪.‬‬
‫* وإن اشرتك أصحاب دواب أو سيارات على أن حيملوا عليها باألجرة ‪ ,‬وما حصلوا عليه فهو بينهم صح ذلك ;‬
‫ألنه نوع من االكتساب ‪ ,‬ويصح أيضا دفع دابة أو سيارة ملن يعمل عليها ‪ ,‬وما حتصل من كسب ; فهو بينهما ‪,‬‬
‫وإن اشرتك ثالثة من أحدهم دابة ومن اآلخر آلة ومن الثالث العمل على أن ما حتصل فهو بينهم ; صح ذلك ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪53‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وتصح شركة الداللني بينهم إذا كانوا يقومون بالنداء على بيع السلع وعرضها وإحضار الزبون ‪ ,‬وما حتصل ; فهو‬
‫بينهم‬

‫ثالثا ‪ :‬شركة املفاوضة‬

‫* وشركة املفاوضة هي أن يفوض كل من الشركاء إىل صاحبه كل تصرف مايل وبدين من أنواع الشركة ; فهي‬
‫اجلمع بني شركة العنان واملضاربة والوجوه واألبدان ‪ ,‬أو يشرتكون يف كل ما يثبت هلم وعليهم ‪.‬‬
‫* ويصح هذا النوع من الشركة ; ألنه جيمع أنواعا يصح كل منها منفردا فيصح إذا مجع مع غريه ‪.‬‬
‫* والربح يوزع يف هذه الشركة على ما شرطوا ‪ ,‬ويتحملون من اخلسارة على قدر ملك كل واحد منهم من‬
‫الشركة باحلساب ‪ .‬وهكذا شريعة اإلسالم وسعت دائرة االكتساب يف حدود املباح ‪ ,‬فأباحت لإلنسان أن يكتسب‬
‫منفردا ومشرتكا مع غريه ‪ ,‬وعاملت الناس حسب شروطهم ما مل تكن شروطا جائرة حمرمة ; مما به يعلم صالحية‬
‫هذه الشريعة لكل زمان ومكان ‪.‬‬
‫نسأل اهلل أن يرزقنا التمسك هبا والسري على هنجها ; إنه مسيع جميب ‪.‬‬

‫كتاب املزارعة واملساقاة واإلجارة‬

‫باب يف أحكام املزارعة واملساقاة‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫* املساقاة واملزارعة من مجلة األعمال اليت يزاوهلا الناس من قدمي الزمان ; حلاجتهم إليهما ‪ ,‬فقد يكون يف ملك‬
‫اإلنسان شجر ال يستطيع القيام عليه واستثماره ‪ ,‬أو تكون له أرض زراعية ال يستطيع العمل عليها واستغالهلا ‪,‬‬
‫وعند آخر القدرة على العمل وليس يف ملكه شجر وال أرض ‪ ,‬ومن مث أبيحت املزارعة واملساقاة ملصلحة الطرفني ‪,‬‬
‫وهكذا كل التعامل الشرعي قائم على العدل وحتقيق املصاحل ودفع املفاسد ‪.‬‬
‫* فاملساقاة عرفها الفقهاء ‪ :‬بأهنا دفع شجر مغروس أو شجر غري مغروس مع أرض إىل من يغرسه فيها ويقوم بسقيه‬
‫وما حيتاج إليه حىت يثمر ‪ ,‬ويكون للعامل جزء مشاع من مثر ذلك الشجر والباقي ملالكه ‪ .‬و املزارعة ‪ :‬دفع أرض‬
‫ملن يزرعها ‪ ,‬أو دفع أرض وحب ملن يزرعه فيها ويقوم عليه ‪ ,‬جبزء مشاع منه ‪ ,‬والباقي ملالك األرض وقد يكون‬
‫اجلزء املشروط يف املساقاة واملزارعة ملالك األرض أو الشجر والباقي للعامل‪.‬‬
‫* والدليل على جواز املساقاة واملزارعة حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما ‪ " :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫متفق عليه ‪ ,‬وروى مسلم ‪ " :‬أن النيب صلى اهلل‬ ‫عامل أهل خيرب بشطر ما خيرج منها من مثر أو زرع "‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪54‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫أي ‪:‬‬ ‫دفع إىل يهود خيرب خنلها وأرضها على أن يعملوها من أمواهلم وهلم شطر مثرها "‬ ‫عليه وسلم‬
‫دفع إىل أهل خيرب أرضها وخنلها مقامسة على‬ ‫نصفه ‪ ,‬وروى اإلمام أمحد ‪ " :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫فدل هذا احلديث على صحة املساقاة‬ ‫النصف "‬
‫قال اإلمام ابن القيم ‪ " :‬ويف قصة خيرب دليل على جواز املساقاة واملزارعة جبزء من الغلة من مثر أو زرع ; فإنه صلى‬
‫اهلل عليه وسلم عامل أهل خيرب ‪ ,‬واستمر على ذلك إىل حني وفاته ‪ ,‬ومل ينسخ ألبتة ‪ ,‬واستمر عمل اخللفاء‬
‫الراشدين عليه ‪ ,‬وليس من باب املؤاجرة ‪ ,‬بل من باب املشاركة ‪ ,‬وهو نظري املضاربة سواء " انتهى ‪.‬‬
‫وقال املوفق بن قدامة ‪ " :‬وهذا عمل به اخللفاء الراشدون مدة خالفتهم ‪ ,‬واشتهر ذلك ‪ ,‬فلم ينكر ‪ ,‬فكان إمجاعا ‪,‬‬
‫قال ‪ " :‬وال جيوز التعويل على ما خالف احلديث واإلمجاع ‪ ,‬وكثري من أهل النخيل والشجر يعجزون عن عمارته‬
‫وسقيه وال ميكنهم االستئجار عليه ‪ ,‬وكثري من الناس ال شجر هلم وحيتاجون إىل الثمر ; ففي جتويزها دفع احلاجتني‬
‫وحتصيل ملصلحة الفئتني " انتهى ‪.‬‬

‫* وقد ذكر الفقهاء رمحهم اهلل أنه يشرتط لصحة املساقاة أن يكون الشجر املساقى عليه له مثر يؤكل فال يصح على‬
‫شجر ال مثر له ‪ ,‬أو له مثر ال يؤكل ; ألن ذلك غري منصوص عليه ‪.‬‬
‫* ومن شروط صحة املساقاة تقدير نصيب العامل أو املالك جبزء معلوم مشاع من الثمرة ; كالثلث والربع ‪ ,‬سواء‬
‫قل اجلزء املشروط أو كثر ‪ ,‬فلو شرطا كل الثمرة ألحدمها ; مل يصح ; الختصاص أحدمها بالغلة ‪ ,‬أو شرطا آصعا‬
‫معلومة من الثمرة ; كعشرة آصع ‪ ,‬أو عشرين صاعا ; مل تصح ; ألنه قد ال حيصل إال ذلك ‪ ,‬فيختص به من شرط‬
‫له دون اآلخر ‪ ,‬وكذا لو شرط له يف املساقاة دراهم معينة ; مل تصح ; ألنه قد ال حيصل من الغلة ما يساويها ‪,‬‬
‫وكذا لو شرط ألحدمها مثرة شجرة معينة أو أشجار معينة ; مل تصح املساقاة ; ألنه قد ال حيصل من الشجر غري‬
‫تلك املعينة ‪ ,‬فيختص بالغلة أحدمها دون اآلخر ‪ ,‬أو ال حتمل تلك الشجرة أو األشجار املعينة ‪ ,‬فينحرم الشروط له‬
‫من الغلة ‪ ,‬وحيصل الغرر والضرر ‪.‬‬
‫* والصحيح الذي عليه اجلمهور أن املساقاة عقد الزم ال جيوز فسخها إال برضى اآلخر * ال بد من حتديد مدهتا ‪,‬‬
‫ولو طالت ‪ ,‬مع بقاء الشجر ‪.‬‬

‫* ويلزم العامل كل ما فيه صالح الثمرة ; من حرث ‪ ,‬وسقي ‪ ,‬وإزالة ما يضر الشجر والثمرة من األغصان ‪,‬‬
‫وتلقيح النخل ‪ ,‬وجتفيف الثمر ‪ ,‬وإصالح جماري املاء ‪ ,‬وتوزيعه على الشجر ‪.‬‬
‫* وعلى صاحب الشجر ما حيفظ األصل ‪ -‬وهو الشجر ‪ ; -‬كحفر البئر ‪ ,‬وبناء احليطان ‪ ,‬وتوفري املاء يف البئر ‪.. .‬‬
‫وحنو ذلك ‪ ,‬وعلى املالك كذلك حتصيل املواد اليت تقوي األشجار كالسماد وحنوه ‪ .‬وليس دفع احلب مع األرض‬
‫شرطا يف صحة املزارعة ‪ ,‬فلو دفع إليه األرض فقط ليزرعها العامل ببذر من عنده ; صح ذلك ; كما هو قول‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪55‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫مجاعة من الصحابة ‪ ,‬وعليه عمل الناس ‪ ,‬وألن الدليل الذي استفيد منه حكم املزارعة هو حديث معاملة النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ألهل خيرب بشطر ما خيرج منها ‪ ,‬ومل يرد يف هذا احلديث أن البذر على املسلمني ‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬والذين اشرتطوا البذر من رب األرض قاسوها على املضاربة ‪ ,‬وهذا القياس مع‬
‫أنه خمالف للسنة الصحيحة وأقوال الصحابة ‪ ,‬فهو من أفسد القياس ; فإن املال يف املضاربة يرجع إىل صاحبه ‪,‬‬
‫ويقسمان الربح ; فهذا نظري األرض يف املزارعة ‪ ,‬وأما البذر الذي ال يعود نظريه إىل صاحبه ‪ ,‬بل يذهب كما‬
‫يذهب نفع األرض ; فإحلاقه باألصل الذاهب أوىل من إحلاقه باألصل الباقي " انتهى ‪.‬‬

‫* واملزارعة مشتقة من الزرع ‪ ,‬وتسمى خمابرة ومواكرة ‪ ,‬والعامل فيها يسمى مزارعا وخمابرا ومواكرا ‪.‬‬
‫* والدليل على جوازها السنة املطهرة الصحيحة كما سبق ‪ ,‬واحلاجة داعية إىل جوازها ; ألن من الناس من ميلك‬
‫أرضا زراعية وال يستطيع العمل فيها ‪ ,‬ومن الناس من يستطيع العمل يف الزراعة وال ميلك أرضا زراعية ; فاقتضت‬
‫احلكمة التشريعية جواز املزارعة لينتفع الطرفان ‪ :‬هذا بأرضه ‪ ,‬وهذا بعمله ‪ ,‬وليحصل التعاون على حتصيل املصلحة‬
‫ودفع املضرة ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية يرمحه اهلل ‪ " :‬املزارعة أصل من اإلجارة ‪ ,‬الشرتاكهما يف املغنم واملغرم " ‪.‬‬
‫وقال اإلمام ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬هي أبعد عن الظلم والضرر من اإلجارة ; فإن أحدمها غامن وال بد ( يعين ‪ :‬يف‬
‫اإلجارة ) ‪,‬‬
‫وأما املزارعة ; فإن حصل الزرع ‪ ,‬اشرتكا فيه ‪ ,‬وإال اشرتكا يف احلرمان " ‪.‬‬
‫* ويشرتط لصحة املزارعة بيان مقدار ما للعامل أو لصاحب األرض من الغلة وأن يكون جزءا مشاعا منها ; كثلث‬
‫ما خيرج من األرض أو ربعه وحنو ذلك ; ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم عامل أهل خيرب بشطر ما خيرج منها ‪ ,‬وإذا‬
‫عرف نصيب أحدمها ; فالباقي يكون لآلخر ; ألن الغلة هلما ‪ ,‬فإذا عني نصيب أحدمها ; تبني نصيب اآلخر ‪ ,‬ولو‬
‫شرط ألحدمها آصعا معلومة كعشرة آصع أو زرع ناحية معينة من األرض والباقي لآلخر ; مل تصح ‪ ,‬أو اشرتط‬
‫صاحب األرض أن يأخذ مثل بذره ويقتسمان الباقي ‪ ,‬مل تصح املزارعة ; ألنه قد ال خيرج من األرض إال ذلك ‪,‬‬
‫" كراء األرض بالذهب والفضة‬ ‫فيختص به دون اآلخر ‪ ,‬وحلديث رافع بن خديج رضي اهلل عنه ‪ ,‬قال ‪:‬‬
‫ال بأس به ‪ ,‬كان الناس يؤاجرون على عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم على املاذيانات وإقبال اجلداول وأشياء‬
‫يعين ‪ :‬النيب صلى‬ ‫من الزرع ‪ ,‬فيهلك هذا ويسلم هذا ‪ ,‬ومل يكن للناس كراء إال هذا ; فلذلك زجر عنه "‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ ,‬وذلك ملا فيه من الضرر املؤدي إىل التشاجر وأكل أموال الناس بالباطل ‪ ,‬فدل احلديث على حترمي‬
‫املزارعة على ما يفضي إىل الضرر واجلهالة ويوجب املشاجرة بني الناس ‪.‬‬
‫قال ابن املنذر ‪ " :‬قد جاءت األخبار عن رافع بعلل تدل على أن النهي كان لتلك العلل ‪ ,‬وهي اليت كانوا يعتادوهنا‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪56‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫"‬ ‫كنا نكري األرض على أن لنا هذه وهلم هذه ‪ ,‬فرمبا أخرجت هذه ومل خترج هذه‬ ‫" ‪ ,‬قال ‪" :‬‬
‫انتهى ‪.‬‬

‫باب يف أحكام اإلجارة‬

‫* هذا العقد يتكرر يف حياة الناس يف خمتلف مصاحلهم وتعاملهم اليومي والشهري والسنوي ; فهو جدير بالتعرف‬
‫على أحكامه ; إذ ما من تعامل جيري بني الناس يف خمتلف األمكنة واألزمان ‪ ,‬إال وهو حمكوم بشريعة اإلسالم وفق‬
‫ضوابط شرعية ترعى املصاحل وترفع املضار ‪.‬‬
‫*‬ ‫َلْو ِش ْئَت اَل َخَّتْذ َت َعَلْيِه َأْج ًر ا‬ ‫* واإلجارة مشتقة من األجر ‪ ,‬وهو العوض ‪ ,‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫وهي شرعا ‪ :‬عقد على منفعة مباحة من عني معينة أو موصوفة يف الذمة مدة معلومة ‪ ,‬أو على عمل معلوم بعوض‬
‫معلوم ‪.‬‬
‫* وهذا التعريف مشتمل على غالب شروط صحة اإلجارة وأنواعها ‪ - :‬فقوهلم ‪ " :‬عقد على منفعة " ‪ :‬خيرج به‬
‫العقد على الرقبة ; فال يسمى إجارة ‪ ,‬وإمنا يسمى بيعا ‪ - .‬وقوهلم ‪ " :‬مباحة " ‪ :‬خيرج به العقد على املنفعة‬
‫احملرمة ; كالزىن ‪ - .‬وقوهلم ‪ " :‬معلومة " ‪ :‬خيرج به املنفعة اجملهولة ; فال يصح العقد عليها ‪ - .‬وقوهلم ‪ " :‬من عني‬
‫معينة أو موصوفة يف الذمة أو عمل معلوم " ‪ :‬يؤخذ منه أن اإلجارة على نوعني‬

‫النوع األول ‪ :‬أن تكون اإلجارة على منفعة عني معينة أو عني موصوفة ‪ :‬مثال املعينة ‪ :‬آجرتك هذه الدار ‪ ,‬ومثال‬
‫املوصوفة ‪ :‬آجرتك بعريا صفته كذا للحمل أو الركوب ‪.‬‬

‫النوع الثاين ‪ :‬أن تكون اإلجارة على أداء عمل معلوم ; كأن حيمله إىل موضع كذا ‪ ,‬أو يبين له جدارا ‪ - .‬وقوهلم ‪:‬‬
‫مدة معلومة " ; أي ‪ :‬يشرتط أن تكون اإلجارة على املنفعة ملدة حمددة ; كيوم أو شهر ‪.‬‬

‫‪ -‬وقوهلم ‪ " :‬بعوض معلوم " ; معناه ‪ :‬أنه ال بد أن يكون مقدار اإلجارة معلوما ‪ .‬وهبذا يتضح أن جممل‬
‫شروط صحة اإلجارة بنوعيها ‪ :‬أن يكون عقد اإلجارة على املنفعة ال على العني ‪ ,‬وأن تكون املنفعة مباحة ‪ ,‬وأن‬
‫تكون معلومة ‪ ,‬وإذا كانت اإلجارة على عني غري معينة ; فال بد أن تكون مما ينضبط بالوصف ‪ ,‬وأن تكون مدة‬
‫اإلجارة معلومة ‪ ,‬وأن يكون العوض يف اإلجارة معلوما أيضا‪.‬‬

‫َفِإْن َأْر َضْع َن َلُك ْم َفآُتوُه َّن ُأُج وَر ُه َّن‬ ‫* واإلجارة الصحيحة جائزة بالكتاب والسنة واإلمجاع ‪ - :‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫‪ -‬وقد استأجر النيب صلى اهلل عليه وسلم رجال‬ ‫َلْو ِش ْئَت اَل َخَّتْذ َت َعَلْيِه َأْج ًر ا‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬
‫يدله الطريق يف سفره للهجرة ‪ - .‬وقد حكى ابن املنذر اإلمجاع على جوازها ‪ ,‬واحلاجة تدعو إليها ; ألن احلاجة‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪57‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫إىل املنافع كاحلاجة إىل األعيان ‪.‬‬


‫* ويصح استئجار اآلدمي لعمل معلوم كخياطة ثوب ‪ ,‬وبناء جدار ‪ ,‬أو ليدله على طريق ; كما ثبت يف " صحيح‬
‫استأجر هو وأبو‬ ‫البخاري " عن عائشة رضي اهلل عنها يف حديث اهلجرة ‪ " :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫واخلريت هو املاهر بالداللة ‪.‬‬ ‫بكر رضي اهلل عنه عبد اهلل ابن أريقط الليثي ‪ ,‬وكان هاديا خريتا "‬
‫* وال جيوز تأجري الدور والدكاكني واحملالت للمعاصي كبيع اخلمر ‪ ,‬وبيع املواد احملرمة ; كبيع الدخان والتصوير ;‬
‫ألن ذلك إعانة على املعصية ‪.‬‬
‫* وجيوز للمستأجر أن يؤجر ما استأجره آلخر يقوم مقامه يف استيفاء املنفعة ألهنا مملوكة له ‪ ,‬فجاز له أن يستوفيها‬
‫بنفسه وبنائبه ‪ ,‬لكن بشرط أن يكون املستأجر الثاين مثل املستأجر األول يف استيفاء املنفعة أو دونه ‪ ,‬ال أكثر منه‬
‫ضررا ; كما لو استأجر دارا للسكىن ; جاز أن يؤجرها لغريه للسكىن أو دوهنا ‪ ,‬وال جيوز أن يؤجرها ملن جيعل فيها‬
‫مصنعا أو معمال ‪.‬‬

‫* وال تصح اإلجارة على أعمال العبادة والقربة كاحلج ‪ ,‬واألذان ; ألن هذه األعمال يتقرب هبا إىل اهلل ‪ ,‬وأخذ‬
‫األجرة عليها خيرجها عن ذلك ‪ ,‬وجيوز أخذ رزق من بيت املال على األعمال اليت يتعدى نفعها ; كاحلج واألذان‬
‫واإلمامة وتعليم القرآن والفقه والقضاء والفتيا ; ألن ذلك ليس معاوضة ‪ ,‬وإمنا هو إعانة على الطاعة ‪ ,‬وال خيرجه‬
‫ذلك عن كونه قربة ‪ ,‬وال خيل باإلخالص ‪ .‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬والفقهاء متفقون على الفرق‬
‫بني االستئجار على القرب وبني رزق أهلها ; فرزق املقاتلة والقضاة واملؤذنني واألئمة جائز بال نزاع ‪ ,‬وأما‬
‫االستئجار ; فال جيوز عند أكثرهم " ‪ ,‬وقال أيضا ‪ " :‬وما يؤخذ من بيت املال ; فليس عوضا وأجرة ‪ ,‬بل رزقا‬
‫لإلعانة على الطاعة ‪ ,‬فمن عمل منهم هلل ; أثيب ‪ ,‬وما يأخذه رزق لإلعانة على الطاعة "‪.‬‬

‫* ما يلزم كال من املؤجر واملستأجر‬

‫‪ -‬فيلزم املؤجر بذل كل ما يتمكن به املستأجر من االنتفاع باملؤجر ‪ ,‬كإصالح السيارة املؤجرة وهتيئتها‬
‫للحمل والسري ‪ ,‬وعمارة الدار املؤجرة وإصالح ما فسد من عمارهتا وهتيئة مرافقها لالنتفاع ‪ - .‬وعلى املستأجر‬
‫عندما ينتهي أن يزيل ما حصل بفعله ‪ - .‬و اإلجارة عقد الزم من الطرفني ‪ -‬املؤجر واملستأجر ‪ -‬ألهنا نوع من‬
‫البيع ‪ ,‬فأعطيت حكمه ‪ ,‬فليس ألحد الطرفني فسخها إال برضى اآلخر ; إال إذا ظهر عيب مل يعلم به املستأجر‬
‫حال العقد ; فله الفسخ ‪.‬‬
‫‪ -‬ويلزم املؤجر أن يسلم العني املؤجرة للمستأجر ‪ ,‬وميكنه من االنتفاع هبا ‪ ,‬فإن أخره شيئا ومنعه من االنتفاع به‬
‫كل املدة أو بعضها ; فال شيء له من األجرة ‪ ,‬أو ال يستحقها كاملة ; ألنه مل يسلم له ما تناوله عقد اإلجارة ‪ ,‬فلم‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪58‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫يستحق شيئا ‪ ,‬وإذا مكن املستأجر من االنتفاع ‪ ,‬لكنه تركه كل املدة أو بعضها ‪ ,‬فعليه مجيع األجرة ; ألن اإلجارة‬
‫عقد الزم ‪ ,‬فرتتب مقتضاها ‪ ,‬وهو ملك املؤجر األجرة ‪ ,‬وملك املستأجر املنافع‬

‫* وينفسخ عقد اإلجارة بأمور‬

‫أوال ‪ :‬إذا تلفت العني املؤجرة ‪ :‬كما لو أجره دوابه فماتت ‪ ,‬أو استأجر دارا فاهندمت ‪ ,‬أو اكرتى أرضا لزرع‬
‫فانقطع ماؤها ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬وتنفسخ اإلجارة أيضا بزوال الغرض الذي عقدت من أجله ; كما لو استأجر طبيبا ليداويه فربئ ; لتعذر‬
‫استيفاء العقود عليه ‪.‬‬

‫* ومن استؤجر لعمل شيء فمرض أقيم مقامه من ماله من يعمله نيابة عنه ‪ ,‬إال إذا اشرتط مباشرته العمل‬
‫بنفسه ; ألن املقصود قد ال حيصل بعمل غريه ; فال يلزم حينئذ املستأجر قبول عمل غريه ‪ ,‬لكن خيري حينئذ املستأجر‬
‫بني الصرب واالنتظار حىت يربأ األجري وبني الفسخ لتعذر وصوله إىل حقه ‪.‬‬
‫* واألجري على قسمني خاص ومشرتك ‪ :‬فاألجري اخلاص هو من استؤجر مدة معلومة يستحق نفعه يف مجعها ال‬
‫يشاركه فيها أحد ‪ ,‬واملشرتك هو من قدر نفعه بالعمل وال خيتص به واحد بل يتقبل أعماال جلماعة يف وقت واحد ‪.‬‬
‫‪ -‬فاألجري اخلاص ال يضمن ما جنت يده خطأ ; كما لو انكسرت اآللة اليت يعمل هبا ; ألنه نائب عن املالك ‪ ,‬فلم‬
‫يضمن ; كالوكيل ‪ ,‬وإن تعدى أو فرط ; ضمن ما تلف ‪ - .‬أما األجري املشرتك ; فإنه يضمن ما تلف بفعله ; ألنه‬
‫ال يستحق إال بالعمل ; فعمله مضمون عليه ‪ ,‬وما تولد عن املضمون فهو مضمون ‪.‬‬

‫* وجتب أجرة األجري بالعقد وال ميلك املطالبة هبا إال بعدما يسلم العمل الذي يف ذمته ‪ ,‬أو استيفاء املنفعة ‪,‬‬
‫أو تسليم العني املؤجرة ومضي املدة مع عدم املانع ; ألن األجري إمنا يويف أجره إذا قضى عمله أو ما يف حكمه ‪,‬‬
‫وألن األجرة عوض ; فال تستحق إال بتسليم املعوض ‪.‬‬
‫* هذا وجيب على األجري إتقان العمل وإمتامه ‪ ,‬وحيرم عليه الغش يف العمل واخليانة فيه ‪ ,‬كما جيب عليه أيضا‬
‫مواصلة العمل يف املدة اليت استؤجر فيها ‪ ,‬وال يفوت شيئا منها بغري عمل ‪ ,‬وأن يتقي اهلل يف أداء ما عليه ‪ ,‬وجيب‬
‫أعطوا األجري أجره قبل‬ ‫على املستأجر إعطاء أجرته كاملة عندما ينهي عمله ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫قال اهلل تعاىل ‪:‬‬ ‫فعن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ; قال ‪:‬‬ ‫أن جيف عرقه‬
‫ثالثة أنا خصمهم يوم القيامة ‪ ,‬ومن كنت خصمه ; خصمته ‪ :‬رجل أعطى يب مث غدر ‪ ,‬ورجل باع حرا فأكل‬
‫رواه البخاري وغريه ‪ .‬فعمل األجري‬ ‫مثنه ‪ ,‬ورجل استأجر أجريا ‪ ,‬فاستوىف منه العمل ‪ ,‬ومل يعطه أجره‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪59‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫أمانة يف ذمته ‪ ,‬جيب عليه مراعاهتا بإتقان العمل وإمتامه والنصح فيه ‪ ,‬وأجرة األجري دين يف ذمة املستأجر ‪ ,‬وحق‬
‫واجب عليه ‪ ,‬جيب عليه أداؤه من غري مماطلة وال نقص ‪.‬‬

‫باب يف أحكام السبق‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫* املسابقة ‪ :‬هي اجملاراة بني حيوان وغريه ‪ ,‬وكذا املسابقة بالسهام ‪.‬‬
‫ا ا َط ِم َّو ٍة‬ ‫ِع‬
‫قال‬ ‫َو َأ ُّدوا ُهَلْم َم ْس َت ْع ُتْم ْن ُق‬ ‫* وهي جائزة بالكتاب والسنة واإلمجاع ‪ - :‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫أي ‪:‬‬ ‫ِإَّنا َذَه ْبَنا َنْس َتِبُق‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫أال إن القوة الرمي‬ ‫النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫" ال سبق إال يف خف أو نصل أو‬ ‫نرتامى بالسهام أو نتجارى على األقدام ‪ - .‬وعن أيب هريرة مرفوعا ‪:‬‬
‫رواه اخلمسة ; فاحلديث دليل على جواز السباق على جعل‬ ‫حافر "‬
‫‪ -‬وقد حكى اإلمجاع على جوازه يف اجلملة غري واحد من أهل العلم ‪ .‬وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪" :‬‬
‫السباق باخليل والرمي بالنبل وحنوه من آالت احلرب مما أمر اهلل به ورسوله مما يعني على اجلهاد يف سبيل اهلل " ‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ " :‬السبق والصراع وحنومها طاعة إذا قصد به نصرة اإلسالم ‪ ,‬وأخذ السبق ( أي ‪ :‬العوض عليه ) أخذ‬
‫باحلق ‪ ,‬وجيوز اللعب مبا قد يكون فيه مصلحة بال مضرة ‪ ,‬ويكره لعبه بأرجوحة " ‪.‬‬
‫وقال الشيخ ‪ " :‬وما أهلى وشغل عما أمر اهلل به ‪ ,‬فهو منهي عنه ‪ ,‬وإن مل حيرم جنسه ; كالبيع ‪ ,‬والتجارة ‪ ,‬وأما‬
‫سائر ما يتلهى به البطالون من أنواع اللهو وسائر ضروب اللعب مها ال يستعان به يف حق شرعي ; فكله حرام "‬
‫انتهى ‪ .‬وقد اعتىن العلماء هبذا الباب ‪ ,‬ومسوه باب الفروسية ‪ ,‬وصنفوا فيه املصنفات املشهورة ‪.‬‬
‫* والفروسية أربعة أنواع ‪:‬‬

‫أحدها ‪ :‬ركوب اخليل والكر والفر هبا ‪.‬‬

‫والثاين ‪ :‬الرمي بالقوس واآلالت املستعملة يف كل زمان حبسبه ‪.‬‬

‫والثالث ‪ :‬املطاعنة بالرماح ‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬املداورة بالسيوف ‪ .‬ومن استكمل األنواع األربعة ; استكمل الفروسية ‪.‬‬

‫* وجيوز السباق على األقدام وسائر احليوانات واملراكب قال اإلمام القرطيب رمحه اهلل ‪ " :‬ال خالف يف جواز‬
‫املسابقة على اخليل وغريها من الدواب ‪ ,‬وعلى األقدام ‪ ,‬وكذا الرتامي بالسهام واستعمال األسلحة ; ملا يف ذلك من‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪60‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫التدرب على احلرب " انتهى ‪ .‬وقد سابق النيب صلى اهلل عليه وسلم عائشة رضي اهلل عنها ‪ ,‬وصارع ركانة‬
‫فصرعه ‪ ,‬وسابق سلمة بن األكوع رجال من األنصار بني يدي رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫ال‬ ‫* وال جتوز املسابقة على عوض إال يف املسابقة على اإلبل واخليل والسهام ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه اخلمسة عن أيب هريرة ; أي ‪ :‬ال جيوز أخذ اجلعل على السبق إال‬ ‫سبق إال يف نصل أو خف أو حافر‬
‫إذا كانت املسابقة على اإلبل أو اخليل أو السهام ; ألن تلك من آالت احلرب املأمور بتعلمها وإحكامها ‪ ,‬ومفهوم‬
‫احلديث أنه ال جيوز أخذ العوض عن املسابقة فيما سواها ‪ ,‬وقيل ‪ :‬إن احلديث حيتمل أن يراد به أن أحق ما بذل فيه‬
‫السبق هذه الثالثة ; لكمال نفعها وعموم مصلحتها ‪ ,‬فيدخل فيها كل مغالبة جائزة ينتفع هبا يف الدين ‪ ,‬لقصة‬
‫ركانة وأيب بكر‬
‫‪ .‬وقال اإلمام ابن القيم ‪ " :‬الرهان على ما فيه ظهور اإلسالم وداللته وبراهينه من أحق احلق وأوىل باجلواز من‬
‫الرهان على النضال وسبق اخليل " انتهى ‪.‬‬

‫* و يشرتط لصحة املسابقة مخسة شروط‬

‫الشرط األول‪ :‬تعيني املركوبني يف املسابقة بالرؤية ‪.‬‬

‫الشرط الثاين‪ :‬احتاد املركوبني يف النوع ‪ ,‬وتعيني الرماة ; ألن القصد معرفة حذقهم ومهارهتم يف الرمي ‪.‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬حتديد املسافة ‪ ,‬ليعلم السابق واملصيب ‪ ,‬وذلك بأن يكون البتدائها وهنايتها حد ال خيتلفان فيه ;‬
‫ألن الغرض معرفة األسبق ‪ ,‬وال حيصل إال بالتساوي يف الغاية‪.‬‬

‫الشرط الرابع‪ :‬أن يكون العوض معلوما مباحا ‪.‬‬

‫الشرط اخلامس‪ :‬اخلروج عن شبه القمار ‪ ,‬بأن يكون العوض من غري املتسابقني ‪ ,‬أو من أحدمها فقط ‪ ,‬فإن كان‬
‫العوض من املتسابقني ‪ ,‬فهو حمل خالف ‪ :‬هل جيوز ‪ ,‬أو ال جيوز إال مبحلل ‪ -‬وهو الدخيل الذي يكون شريكا يف‬
‫الربح بريئا من اخلسران ‪ , -‬واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل عدم اشرتاط احمللل ‪ ,‬وقال ‪ " :‬عدم احمللل أوىل‬
‫وأقرب إىل العدل من كون السبق من أحدمها ‪ ,‬وأبلغ يف حصول مقصود كل منهما ‪ ,‬وهو بيان عجز اآلخر ‪,‬‬
‫وأكل املال هبذا أكل حبق ‪ " .. .‬إىل أن قال ‪ " :‬وما علمت من الصحابة من اشرتط احمللل ‪ ,‬وإمنا هو معروف عن‬
‫سعيد بن املسيب ‪ ,‬وعنه تلقاه الناس " انتهى ‪.‬‬

‫* ومما سبق يتبني أن املسابقة املباحة على نوعني‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪61‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫النوع األول ‪ :‬ما يرتتب عليه مصلحة شرعية ; كالتدرب على اجلهاد ‪ ,‬والتدرب على مسائل العلم‪.‬‬

‫النوع الثاين ‪ :‬ما كان املقصود منه اللعب الذي ال مضرة فيه ‪ .‬فالنوع األول والذي جيوز أخذ العوض عليه بشروطه‬
‫السابقة‪.‬‬
‫والنوع الثاين مباح بشرط أن ال يشغل عن واجب أو يلهي عن ذكر اهلل وعن الصالة ‪ ,‬وهذا النوع ال جيوز أخذ‬
‫العوض عليه ‪ ,‬وقد توسع الناس اليوم يف هذا النوع األخري ‪ ,‬وأنفذوا فيه كثريا من األوقات واألموال ‪ ,‬وهو مما ال‬
‫فائدة للمسلمني فيه ‪ ,‬وال حول ال قوة إال باهلل ‪.‬‬

‫باب يف أحكام العارية‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫قد عرف الفقهاء رمحهم اهلل العارية بأهنا إباحة نفع عني يباح االنتفاع هبا وتبقى بعد استيفاء املنفعة لريدها إىل‬
‫مالكها ‪.‬‬
‫فخرج هبذا التعريف ما ال يباح االنتفاع به ‪ ,‬فال حتل إعارته ‪ ,‬وخرج به أيضا ما ال ميكن االنتفاع به إال مع تلف‬
‫عينه ; كاألطعمة واألشربة ‪.‬‬

‫والعارية مشروعة بالكتاب والسنة واإلمجاع ‪:‬‬


‫أي ‪ :‬املتاع يتعاطاه الناس بينهم ‪ ,‬فذم الذين مينعونه ممن حيتاج إىل‬ ‫َو ْمَيَنُعوَن اْلَم اُعوَن‬ ‫قال تعاىل ‪:‬‬
‫استعارته ‪ ,‬وقد استدل هبذه اآلية الكرمية من يرى وجوب اإلعارة ‪ ,‬وهو اختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل إذا‬
‫كان املالك غنيا ‪.‬‬
‫‪ -‬واستعار النيب صلى اهلل عليه وسلم فرسا أليب طلحة ‪ ,‬واستعار من صفوان بن أمية أدراعا ‪.‬‬

‫و بذل العارية للمحتاج إليها قربة ينال هبا املعري ثوابا جزيال ; ألهنا تدخل يف عموم التعاون على الرب والتقوى‬
‫‪.‬‬

‫ويشرتط لصحة اإلعارة أربعة شروط‬

‫أحدها ‪ :‬أهلية املعري للتربع ; ألن اإلعارة فيها نوع من التربع ; فال تصح من صغري وال جمنون وسفيه ‪.‬‬

‫الشرط الثاين ‪ :‬أهلية املستعري للتربع له ‪ ,‬بأن يصح منه القبول ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪62‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫الشرط الثالث ‪ :‬كون نفع العني املعارة مباحا ‪ ,‬فال تباح إعارة عبد مسلم لكافر وال صيد وحنوه حملرم ; لقوله‬
‫اَل ا ُنوا َلى اِإْلِمْث اْل ْد اِن‬ ‫تعاىل ‪:‬‬
‫َو ُع َو‬ ‫َو َتَع َو َع‬

‫الشرط الرابع ‪ :‬كون العني املعارة مما ميكن االنتفاع به مع بقائه كما سبق ‪.‬‬
‫* و للمعري اسرتجاع العارية مىت شاء إال إذا ترتب على ذلك اإلضرار باملستعري ; كما لو أذن له بشغله بشيء‬
‫يتضرر املستعري إذا اسرتجعت العارية ; كما لو أعاره سفينة حلمل متاعه ; فليس له الرجوع ما دامت يف البحر ‪,‬‬
‫وكما لو أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبه ; فليس له الرجوع يف احلائط ما دام عليه أطراف اخلشب ‪.‬‬
‫* وجيب على املستعري احملافظة على العارية أشد مما حيافظ على ماله ; لريدها سليمة إىل صاحبها ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫فدلت اآلية على وجوب رد األمانات ‪ ,‬ومنها العارية ‪,‬‬ ‫ِإَّن الَّلَه َيْأُمُر ُك ْم َأْن ُتَؤ ُّدوا اَأْلَم اَناِت ِإىَل َأْه ِلَه ا‬
‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬ ‫على اليد ما أخذت حىت تؤديه‬ ‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فدلت هذه النصوص على وجوب احملافظة على ما يؤمتن عليه اإلنسان وعلى‬ ‫أد األمانة إىل من ائتمنك‬
‫وجوب رده إىل صاحبه ساملا ‪ ,‬وتدخل يف هذا العموم العارية ; ألن املستعري مؤمتن عليها ; ومطلوبة منه ‪ ,‬وهو إمنا‬
‫أبيح له االنتفاع هبا يف حدود ما جرى به العرف ; فال جيوز له أن يسرف يف استعماهلا إسرافا يؤدي إىل تلفها ‪ ,‬وال‬

‫َه ْل َجَز اُء‬ ‫أن يستعملها فيما ال يصلح استعماهلا فيه ; ألن صاحبها مل يأذن له بذلك ‪ ,‬وقد قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫فإن استعملها يف غري ما استعريت له فتلفت ; وجب عليه ضماهنا ; لقوله صلى اهلل‬ ‫اِإْل ْح َس اِن ِإاَّل اِإْل ْح َس اُن‬
‫رواه اخلمسة ‪ ,‬وصححه احلاكم ; فدل على وجوب‬ ‫على اليد ما أخذت حىت تؤديه‬ ‫عليه وسلم ‪:‬‬
‫رد ما قبضه املرء وهو ملك لغريه ‪ ,‬وال يربأ إال مبصريه إىل مالكه أو من يقوم مقامه ‪ .‬وإن تلفت يف انتفاع هبا‬
‫باملعروف ; مل يضمنها املستعري ; ألن املعري قد أذن له يف هذا االستعمال ‪ ,‬وما ترتب على املأذون ; فهو غري‬
‫مضمون ‪.‬‬

‫وال جيوز للمستعري أن يعري العني املعارة ألن من أبيح له شيء ; مل جيز له أن يبيحه لغريه ; وألن يف ذلك‬
‫تعريضا هلا للتلف ‪.‬‬

‫هذا ; وقد اختلف العلماء يف ضمان املستعري للعارية إذا تلفت يف يده يف غري ما استعريت له فذهب مجاعة إىل‬
‫على اليد ما أخذت حىت‬ ‫وجوب ضماهنا عليه سواء تعدى أو مل يتعد ; لعموم قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫وذلك مثل ما لو ماتت الدابة أو احرتق الثوب أو سرقت العني املعارة ‪ ,‬وذهب مجاعة آخرون إىل‬ ‫تؤديه‬
‫عدم ضماهنا إذا مل يتعد ; ألهنا ال تضمن إال بالتعدي عليها ‪ ,‬ولعل هذا القول هو الراجح ; ألن املستعري قبضها‬
‫بإذن مالكها ‪ ,‬فكانت أمانة عنده كالوديعة ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪63‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫على أنه جيب على املستعري احملافظة على العارية واالهتمام هبا واملسارعة إىل ردها إىل صاحبها إذا انتهت‬
‫مهمته منها ‪ ,‬وأن ال يتساهل بشأهنا ‪ ,‬أو يعرضها للتلف ; ألهنا أمانة عنده ; وألن صاحبها أحسن إليه ‪ ,‬و‬
‫َه ْل َجَز اُء اِإْل ْح َس اِن ِإاَّل اِإْل ْح َس اُن‬

‫باب يف أحكام الغصب‬

‫الغصب لغة ‪ :‬أخذ الشيء ظلما ‪ ,‬ومعناه يف اصطالح الفقهاء ‪ :‬االستيالء على حق غريه قهرا بغري حق ‪.‬‬

‫والغصب‬ ‫َو اَل َتْأُك ُلوا َأْم َو اَلُك ْم َبْيَنُك ْم ِباْلَباِط ِل‬ ‫والغصب حمرم بإمجاع املسلمني ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام‬ ‫من أعظم أكل املال بالباطل ‪ ,‬ولقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫ال حيل مال امرئ مسلم إال بطيب نفسه‬ ‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫من اقتطع شربا‬ ‫واملال املغصوب قد يكون عقارا وقد يكون منقوال ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فيلزم الغاصب أن يتوب إىل اهلل عز وجل ‪ ,‬ويرد املغصوب إىل‬ ‫من األرض ظلما ; طوقه من سبع أرضني‬
‫من كانت عنده ألخيه مظلمة ; فليتحلل منه اليوم‬ ‫صاحبه ‪ ,‬ويطلب منه العفو ; قال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫قبل أن ال يكون دينار وال درهم ( يعين ‪ :‬يوم القيامة ) ‪ :‬إن كانت له حسنات ; أخذ من حسناته وأعطيت‬
‫أو كما‬ ‫للمظلوم ‪ ,‬وإن مل تكن له حسنات ; أخذ من سيئات املظلوم ‪ ,‬فطرحت عليه ‪ ,‬وطرح يف النار‬
‫قال صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬فإن كان املغصوب باقيا ; رده حباله ‪ ,‬وإن كان تالفا ; رد بدله ‪ .‬قال اإلمام املوفق ‪" :‬‬
‫أمجع العلماء على وجوب رد املغصوب إذا كان حباله مل يتغري " انتهى ‪.‬‬
‫وكذلك يلزمه رد املغصوب بزيادته ‪ ,‬سواء كانت متصلة أو منفصلة ; ألهنا مناء املغصوب ; فهي ملالكه كاألصل ‪.‬‬

‫وإن كان الغاصب قد بىن يف األرض املغصوبة أو غرس فيه‪%‬ا لزم‪%‬ه قل‪%‬ع البن‪%‬اء والغ‪%‬راس إذا طالب‪%‬ه املال‪%‬ك ب‪%‬ذلك ‪,‬‬
‫رواه الرتم‪%‬ذي وغ‪%‬ريه وحس‪%‬نه ‪ ,‬وإن ك‪%‬ان ذل‪%‬ك‬ ‫ليس لع‪%‬رق ظ‪%‬امل ح‪%‬ق‬ ‫لقول‪%‬ه ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم ‪:‬‬
‫ي‪%‬ؤثر على األرض ; لزم‪%%‬ه غرام‪%%‬ة نقص‪%%‬ها ‪ ,‬ويلزم‪%%‬ه أيضا إزال‪%%‬ة آث‪%‬ار الغ‪%%‬راس والبن‪%‬اء املتبقي‪%‬ة ‪ ,‬ح‪%‬ىت يس‪%%‬لم األرض ملالكه‪%%‬ا‬
‫سليمة ‪.‬‬

‫ويلزمه أيضا دفع أجرهتا منذ أن غصبها إىل أن سلمها ; أي ‪ :‬أجرة مثلها ; ألن‪%%‬ه من‪%%‬ع ص‪%%‬احبها من االنتف‪%%‬اع هبا‬
‫يف هذه املدة بغري حق ‪.‬‬

‫وإن غصب شيئا وحبسه حىت رخص سعره ضمن نقصه على الصحيح ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪64‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وإن خل‪%%‬ط املغص‪%%‬وب م‪%%‬ع غ‪%%‬ريه مما يتم‪%%‬يز ‪ -‬كحنط‪%%‬ة بش‪%%‬عري ‪ ; -‬ل‪%%‬زم الغاص‪%%‬ب ختليص‪%%‬ه ورده ‪ ,‬وإن خلط‪%%‬ه مبا ال‬
‫يتم‪%‬يز ‪ -‬كم‪%‬ا ل‪%‬و خل‪%‬ط حنط‪%‬ة مبثله‪%‬ا ‪ ; -‬لزم‪%‬ه رد مثل‪%‬ه كيال أو وزن‪%‬ا من غ‪%‬ري املخل‪%‬وط ‪ ,‬وإن خلط‪%‬ه بدون‪%‬ه أو أحس‪%‬ن‬
‫من‪%% %‬ه أو خلط‪%% %‬ه بغ‪%% %‬ري جنس‪%% %‬ه مما ال يتم‪%% %‬يز ; بي‪%% %‬ع املخل‪%% %‬وط ‪ ,‬وأعطي ك‪%% %‬ل منهم‪%% %‬ا ق‪%% %‬در حص‪%% %‬ته من الثمن ‪ ,‬وإن نقص‬
‫املغصوب يف هذه الصورة عن قيمته منفردا ‪ ,‬ضمن الغاصب نقصه ‪.‬‬

‫ومما ذك ‪%%‬روه يف ه ‪%%‬ذا الب ‪%%‬اب ق ‪%%‬وهلم ‪ " :‬واألي ‪%%‬دي املرتتب ‪%%‬ة على ي ‪%%‬د الغاص ‪%%‬ب كله ‪%%‬ا أي ‪%%‬دي ض ‪%%‬مان " ‪ :‬ومعن ‪%%‬اه أن‬
‫األيدي اليت ينتقل إليها املغصوب عن طريق الغاصب كلها تضمن املغصوب إذا تلف فيها ‪ ,‬وهذه األيدي عش‪%‬ر ‪ :‬ي‪%‬د‬
‫املش‪%%‬رتي وم‪%%‬ا يف معن‪%%‬اه ‪ ,‬وي‪%%‬د املس‪%%‬تأجر ‪ ,‬وي‪%%‬د الق‪%%‬ابض متلك‪%%‬ا بال ع‪%%‬وض كي‪%%‬د املتهب ‪ ,‬وي‪%%‬د الق‪%%‬ابض ملص‪%%‬لحة ال‪%%‬دافع‬
‫كالوكيل ‪ ,‬ويد املستعري ‪ ,‬ويد الغاصب ‪ ,‬ويد املتصرف يف املال كاملضارب ‪ ,‬ويد املتزوج للمغصوبة ‪ ,‬وي‪%‬د الق‪%‬ابض‬
‫تعويضا بغري بيع ‪ ,‬ويد املتلف للمغصوب نيابة عن غاصبه ‪ ,‬ويف كل هذه الصور ‪ :‬إذا علم الثاين حبقيق‪%%‬ة احلال ‪ ,‬وأن‬
‫الدافع إليه غاصب ; فقرار الضمان عليه ; لتعديه على ما يعلمه غري مأذون في‪%‬ه من مالك‪%‬ه ‪ ,‬وإن مل يعلم حبقيق‪%‬ة احلال‬
‫; فالضمان على الغاصب األول ‪.‬‬

‫وإذا كان املغصوب مما جرت العادة بتأجريه لزم الغاصب أجرة مثله مدة بقائه بيده ; ألن املنافع مال متقوم ‪,‬‬
‫فوجب ضماهنا كضمان العني ‪.‬‬
‫وكل تصرفات الغاصب احلكمية باطلة ‪ ,‬لعدم إذن املالك ‪.‬‬
‫وإن غصب شيئا ‪ ,‬وجهل صاحبه ‪ ,‬ومل يتمكن من رده إليه ; سلمه إىل احلاكم الذي يضعه يف موضعه الصحيح ‪,‬‬
‫أو تصدق به عن صاحبه ‪ ,‬وإذا تصدق به ; صار ثوابه لصاحبه ‪ ,‬وختلص منه الغاصب ‪.‬‬

‫وليس اغتص ‪%%‬اب األم ‪%%‬وال مقص ‪%%‬ورا على االس ‪%%‬تيالء عليه ‪%%‬ا ب ‪%%‬القوة ‪ ,‬ب ‪%%‬ل ذل ‪%%‬ك يش ‪%%‬مل االس ‪%%‬تيالء عليه ‪%%‬ا بطري ‪%%‬ق‬
‫اَل َتْأُك ُلوا َأْم اَلُك ْيَنُك ِباْل اِط ِل ُتْد ُلوا ا ِإىَل ا َّك اِم‬ ‫اخلصومة الباطلة واألميان الف‪%‬اجرة ‪ :‬ق‪%‬ال اهلل تع‪%‬اىل ‪:‬‬
‫َهِب ُحْل‬ ‫َو ْم َب ْم َب َو‬ ‫َو‬
‫ِب ِد ِه ِهِن‬ ‫ِإ ِذ‬ ‫ِلَتْأُك ُلوا َفِر يًق ا ِم ْن َأْم َو اِل الَّناِس ِباِإْلِمْث َو َأْنُتْم َتْع َلُم وَن‬
‫َّن اَّل يَن َيْش َتُر وَن َعْه الَّل َو َأَمْيا ْم‬ ‫وق‪%‬ال تع‪%‬اىل ‪:‬‬
‫ِل‬ ‫ِه‬ ‫ِق ِة‬ ‫ِإ ِه‬ ‫ِخ ِة‬ ‫ِئ‬ ‫ِل‬
‫َمَثًن ا َق ياًل ُأوَل َك اَل َخ اَل َق ُهَلْم يِف اآْل َر َو اَل ُيَك ِّلُم ُه ُم الَّل ُه َو اَل َيْنُظ ُر َلْي ْم َيْو َم اْل َياَم َو اَل ُيَز ِّك ي ْم َو ُهَلْم َع َذ اٌب َأ يٌم‬
‫فاألمر شديد واحلساب عسري ‪.‬‬

‫وق‪%‬ال ص‪%‬لى‬ ‫من غصب شربا من األرض طوق‪%‬ه من س‪%‬بع أرض‪%‬ني‬ ‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫من قضيت له حبق أخيه ; فال يأخذه ‪ ,‬فإمنا أقطع له قطعة من نار‬ ‫اهلل عليه وسلم ;‬

‫باب يف أحكام اإلتالفات‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪65‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫إن اهلل حرم االعتداء على أموال الناس وابتزازها بغري حق ‪ ,‬وشرع ضمان ما أتلف منها بغري حق ‪ ,‬ولو عن‬
‫طريق اخلطأ ‪.‬‬
‫فمن أتلف ماال لغريه وكان ذا املال حمرتما ‪ ,‬وأتلفه بغري إذن صاحبه ‪ ,‬فإنه جيب عليه ضمانه ‪ .‬قال اإلمام املوفق ‪" :‬‬
‫ال نعلم فيه خالفا ‪ ,‬وسواء يف ذلك العمد والسهو ‪ ,‬والتكليف وعدمه " ‪.‬‬
‫وكذا من تسبب يف إتالف مال كما لو فتح بابا فضاع ما كان مغلقا عليه ‪ ,‬أو حل وعاء فانساب ما يف الوعاء‬
‫وتلف ‪ ,‬ضمن ذلك‪.‬‬
‫وكذا لو حل رباط دابة أو قيدها فذهبت وضاعت ‪ ,‬ضمنها‪.‬‬
‫وكذا لو ربط دابة بطريق ضيق ‪ ,‬فنتج عن ذلك أن عثر هبا إنسان فتلف أو تضرر ‪ ,‬ضمنه ; ألنه قد تعدى بالربط‬
‫يف الطريق‪.‬‬
‫وكذا لو أوقف سيارة يف الطريق ‪ ,‬فنتج عن ذلك أن اصطدم هبا سيارة أخرى أو شخص ‪ ,‬فنجم عن ذلك ضرر ;‬
‫ضمنه ; ملا رواه الدراقطين وغريه ‪ :‬من وقف دابة يف سبيل املسلمني ‪ ,‬أو يف سوق من أسواقهم ‪ ,‬فوطئت بيد أو‬
‫رجل ; فهو ضامن ‪.‬‬
‫وكذا لو ترك يف الطريق طينا أو خشبة أو حجرا أو حفر فيه حفرة ‪ ,‬فرتتب على ذلك تلف املار أو تضرره ‪ ,‬أو‬
‫ألقى يف الطريق قشر بطيخ وحنوه ‪ ,‬أو أرسل فيه ماء فانزلق به إنسان فتلف أو تضرر ; ضمنه فاعل هذه األشياء يف‬
‫مجيع هذه الصور ‪ ,‬لتعديه بذلك‪ .‬وما أكثر ما جيري التساهل يف هذه األمور يف وقتنا ! وما أكثر ما حيفر يف الطريق‬
‫ويسد وتوضع فيه العراقيل ! وما أكثر األضرار النامجة عن تلك التصرفات دون حسيب أو رقيب ‪ ,‬حىت إن أحدهم‬
‫ليستويل على الشارع ‪ ,‬ويستعمله ألغراضه اخلاصة ‪ ,‬ويضايق املارة ‪ ,‬ويضر هبم ‪ ,‬وال يبايل مبا يلحقه من اإلمث من‬
‫جراء ذلك ‪.‬‬

‫ومن األمور املوجبة للضمان ما لو اقتىن كلبا عقورا فاعتدى على املارة وعقر أحدا فإنه يضمنه ; لتعديه باقتناء‬
‫هذا الكلب ‪.‬‬
‫وإن حفر بئرا يف فنائه ملصلحته ; ضمن ما تلف هبا ; ألنه يلزمه أن حيفظها مبا يصنع ضرر املارة ‪ ,‬فماذا تركها بدون‬
‫ذلك ; فهو متعد ‪.‬‬
‫وإذا كان له هبائم ‪ ,‬وجب عليه حفظها يف الليل من إفساد زروع الناس ‪ ,‬فإن تركها وأفسدت شيئا ‪ ,‬ضمنه ; ألن‬
‫على أهل األموال حفظها بالنهار ‪ ,‬وما أفسدت بالليل مضمون عليهم‬ ‫النيب صلى اهلل عليه وسلم قضى أن‬
‫رواه أمحد وأبو داود وابن ماجه ; فال يضمن صاحب البهيمة ما أتلفت بالنهار ; إال إن أرسلها صاحبها‬
‫بقرب ما تتلفه عادة‪.‬‬
‫قال اإلمام البغوي رمحه اهلل ‪ " :‬ذهب أهل العلم إىل أن ما أفسدت املاشية املرسلة بالنهار من مال الغري فال ضمان‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪66‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫على رهبا ‪ ,‬وما أفسدته بالليل ‪ ,‬ضمنه مالكها ; ألن يف العرف أن أصحاب احلوائط والبساتني حيفظوهنا بالنهار ‪,‬‬
‫وأصحاب املواشي حيفظوهنا بالليل ‪ ,‬فمن خالف هذه العادة ; كان خارجا عن العرف ‪ ,‬هذا إذا مل يكن مالك‬
‫الدابة معها ‪ ,‬فإن كان معها ; فعليه ضمان ما أفسدته " انتهى ‪.‬‬
‫َد ا َد ُس َلْي اَن ِإْذ ْحَيُك اِن يِف‬ ‫وقد ذكر اهلل قصة داود وسليمان وحكمهما يف ذلك ‪ ,‬فقال سبحانه ‪:‬‬
‫َم‬ ‫َو ُو َو َم‬
‫قال شيخ‬ ‫اَحْلْر ِث ِإْذ َنَف َشْت ِفيِه َغَنُم اْلَق ْو ِم َو ُك َّنا ُحِلْك ِم ِه ْم َش اِهِد يَن َفَف َّه ْم َناَه ا ُس َلْيَم اَن َو ُك اًّل آَتْيَنا ُح ْك ًم ا َو ِعْلًم ا‬
‫اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬صح بنص القرآن الثناء على سليمان بتفهيم الضمان باملثل ; فإن النفش رعي الغنم‬
‫ليال ‪ ,‬وكان ببستان عنب ‪ ,‬فحكم داود بقيمة املتلف ‪ ,‬فاعترب الغنم ‪ ,‬فوجدها بقدر القيمة ‪ ,‬فدفعها إىل أصحاب‬
‫احلرث ‪ ,‬وقضى سليمان بالضمان على أصحاب الغنم ‪ ,‬وأن يضمنوا ذلك باملثل ‪ ,‬بأن يعمروا البستان حىت يعود‬
‫كما كان ‪ ,‬ومل يضيع عليهم مغله من حني اإلتالف إىل حني العود ‪ ,‬بل أعطى أصحاب البستان ماشية أولئك ;‬
‫ليأخذوا من منائها بقدر مناء البستان ‪ ,‬فيستوفوا من مناء غنمه نظري ما فاهتم من مناء حرثهم ‪ ,‬واعترب الضمانني‬
‫فوجدمها سواء ‪ ,‬وهذا هو العلم الذي خصه اهلل به وأثىن عليه بإدراكه " انتهى ‪.‬‬

‫وإذا كانت البهيمة بيد راكب أو قائد أو سائق ; ضمن جنايتها مبقدمها ; كيدها وفمها ‪ ,‬ال ما جنت‬
‫رجل العجماء جبار‬ ‫ويف رواية أيب هريرة ‪:‬‬ ‫الرجل جبار‬ ‫مبؤخرها كرجلها ‪ ,‬حلديث ‪:‬‬
‫والعجماء البهيمة ‪ ,‬مسيت بذلك ألهنا ال تتكلم ‪ ,‬وجبار ‪ -‬بضم اجليم ‪ ; -‬أي ‪ :‬جناية البهائم هدر ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬كل هبيمة عجماء ‪ ,‬كالبقر والشاة وغريها ; فجناية البهائم غري مضمونة‬
‫إذا فعلت بنفسها ‪ ,‬كما لو انفلتت ممن هي يف يده وأفسدت ; فال ضمان على أحد ‪ ,‬ما مل تكن عقورا ‪ ,‬وال فرط‬
‫صاحبها يف حفظها يف الليل أو يف أسواق املسلمني وجمامعهم ‪ ,‬وكذا قال غري واحد ‪ :‬إنه إمنا يكون جبارا إذا كانت‬
‫منفلتة ذاهبة على وجهها ليس هلا قائد وال سائق ‪ ,‬إال الضارية " انتهى ‪.‬‬

‫وإذا صال عليه آدمي أو هبيمة ‪ ,‬ومل يندفع إال بالقتل ‪ ,‬فقتله ; فال ضمان عليه ; ألنه قتله دفاعا عن نفسه ‪,‬‬
‫ودفاعه عن نفسه جائز ‪ ,‬فلم يضمن ما ترتب عليه ; وألن قتله لدفع شره ; وألنه إذا قتله دفعا لشره ; كان الصائل‬
‫هو القاتل لنفسه ‪ .‬قال الشيخ تقي الدين ‪ " :‬عليه أن يدفع الصائل عليه ‪ ,‬فإن مل يندفع إال بالقتل ; كان له ذلك‬
‫باتفاق الفقهاء ‪.‬‬

‫و مما ال ضمان يف إتالفه آالت اللهو ‪ ,‬والصليب ‪ ,‬وأواين اخلمر ‪ ,‬وكتب الضالل واخلرافة واخلالعة واجملون ‪,‬‬
‫أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أمره أن يأخذ مدية ‪ ,‬مث خرج إىل أسواق املدينة‬ ‫ملا روى أمحد عن ابن عمر ‪:‬‬
‫‪ ,‬فدل احلديث على‬ ‫‪ ,‬وفيها زقاق اخلمر قد جلبت من الشام ‪ ,‬فشققت حبضرته ‪ ,‬وأمر أصحابه بذلك‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪67‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫طلب إتالفها وعدم ضماهنا ‪ ,‬لكن ال بد أن يكون إتالفها بأمر السلطة ورقابتها ; ضمانا للمصلحة ‪ ,‬ودفعا‬
‫للمفسدة ‪.‬‬

‫باب يف أحكام الوديعة‬

‫اإليداع ‪ :‬توكيل يف احلفظ تربعا ‪.‬‬


‫والوديعة لغة ‪ :‬من ودع الشيء إذا تركه ‪ ,‬مسيت بذلك ألهنا مرتوكة عند املودع ‪.‬‬
‫وهي شرعا ‪ :‬اسم للمال املودع عند من حيفظه بال عوض ‪.‬‬
‫و يشرتط لصحة اإليداع ما يعترب للتوكيل من البلوغ والعقل والرشد ; ألن اإليداع توكيل يف احلفظ ‪.‬‬

‫ويستحب قبول الوديعة ملن علم من نفسه أنه ثقة قادر على حفظها ألن يف ذلك ثوابا جزيال ; ملا يف احلديث‬
‫وحلاجة الناس إىل‬ ‫واهلل يف عون العبد ما كان العبد يف عون أخيه‬ ‫عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫ذلك ‪ ,‬أما من ال يعلم من نفسه القدرة على حفظها ; فيكره له قبوهلا ‪.‬‬

‫ومن أحكام الوديعة أهنا إذا تلفت عند املودع ومل يفرط ‪ ,‬فإنه ال يضمنها ‪ ,‬كما لو تلفت من بني ماله ; ألهنا‬
‫من‬ ‫أمانة ‪ ,‬واألمني ال يضمن إذا مل يتعد ‪ ,‬وورد يف حديث فيه ضعف أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫ليس علي املستودع غري‬ ‫رواه ابن ماجه ‪ ,‬ورواه الدارقطين بلفظ ‪:‬‬ ‫أودع وديعة ; فال ضمان عليه‬
‫وألن‬ ‫" ال ضمان على مؤمتن "‬ ‫واملغل ‪ :‬اخلائن ‪ ,‬ويف رواية بلفظ ‪:‬‬ ‫املغل ضمان‬
‫املستودع حيفظها تربعا ‪ ,‬فلو ضمن ‪ ,‬المتنع الناس من قبول الودائع ‪ ,‬فيرتتب على ذلك الضرر بالناس وتعطيل‬
‫املصلحة ‪ .‬أما املعتدي على الوديعة أو املفرط يف حفظها ; فإنه يضمنها إذا تلفت ; ألنه متلف ملال غريه ‪.‬‬
‫* ومن أحكام الوديعة أنه جيب على املودع حفظها يف حرز مثلها كما حيفظ ماله ; ألن اهلل تعاىل أمر بأدائها يف قوله‬
‫وال ميكن أداؤها إال حبفظها ; وألن املودع حينما قبل‬ ‫ِإَّن الَّلَه َيْأُمُر ُك ْم َأْن ُتَؤ ُّدوا اَأْلَم اَناِت ِإىَل َأْه ِلَه ا‬ ‫‪:‬‬
‫الوديعة ; فقد التزم حبفظها ‪ ,‬فيلزمه ما التزم به ‪.‬‬
‫* وإذا كانت الوديعة دابة ; لزم املودع إعالفها ‪ ,‬فلو قطع العلف عنها بغري أمر صاحبها ‪ ,‬فتلفت ; ضمنها ; ألن‬
‫إعالف الدابة مأمور به ‪ ,‬ومع كونه يضمنها ; فإنه يأمث أيضا برتكه إعالفها أو سقيها حىت ماتت ; ألنه جيب عليه‬
‫علفها وسقيها حلق اهلل تعاىل ; ألن هلا حرمة ‪.‬‬
‫* وجيوز للمودع أن يدفع الوديعة إىل من حيفظ ماله عادة ; كزوجته وعبده وخازنه وخادمه ‪ ,‬وإن تلفت عند أحد‬
‫من هؤالء من غري تعد وال تفريط ; مل يضمن ; ألن له أن يتوىل حفظها بنفسه أو من يقوم مقامه ‪ ,‬وكذا لو دفعها‬
‫إىل من حيفظ مال صاحبها ‪ ,‬برئ منها ; جلريان العادة بذلك ‪ .‬أما لو سلما إىل أجنيب منه ومن صاحبها ‪ ,‬فتلفت ;‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪68‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ضمنها املودع ; ألنه ليس له أن يودعها عند غريه من غري عذر ‪ ,‬إال إذا كان إيداعها عند األجنيب لعذر اضطره إىل‬
‫ذلك ‪ ,‬كما لو حضره املوت أو أراد سفرا وخياف عليها إذا أخذها معه ; فال حرج عليه يف ذلك ‪ ,‬وال يضمن إذا‬
‫تلفت ‪.‬‬
‫* وإن حصل خوف ‪ ,‬أو أراد املودع أن يسافر ‪ ,‬فإنه جيب عليه رد الوديعة إىل صاحبها أو وكيله ‪ ,‬فإن مل جيد‬
‫صاحبها وال وكيله ; فإنه حيملها معه يف السفر إذا كان ذلك أحفظ هلا ‪ ,‬فإن مل يكن السفر أحفظ هلا ; دفعها إىل‬
‫احلاكم ; ألن احلاكم يقوم مقام صاحبها عند غيبته ‪ ,‬فإن مل ميكن إيداعها عند احلاكم ; أودعها عند ثقة ; ألن النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ملا أراد أن يهاجر ; أودع الودائع اليت كانت عنده ألم أمين رضي اهلل عنها ‪ ,‬وأمر عليا أن‬
‫يردها إىل أهلها ‪ ,‬وكذا من حضره املوت وعنده ودائع للناس ‪ ,‬فإنه جيب عليه ردها إىل أصحاهبا ‪ ,‬فإن مل جيدهم ;‬
‫أودعها عند احلاكم أو عند ثقة ‪.‬‬

‫و التعدي على الوديعة يوجب ضماهنا إذا تلفت ‪ ,‬كما لو أودع دابة فركبها لغري علفها أو سقيها ‪ ,‬أو أودع‬
‫ثوبا فلبسه لغري خوف من عث ‪ ,‬وكما لو أودع دراهم يف حرز فأخرجها من حرزها ‪ ,‬أو كانت مشدودة فأزال‬
‫الشد عنها ‪ ,‬فإنه يضمن الوديعة إذا تلفت يف هذه احلاالت ; ألنه قد تعدى بتصرفه هذا ‪.‬‬

‫واملودع أمني تقبل قوله إذا ادعى أنه ردها إىل صاحبها أو من يقوم مقامه ‪ ,‬ويقبل قوله أيضا إذا ادعى أهنا‬
‫ِإَّن الَّلَه َيْأُمُر ُك ْم َأْن ُتَؤ ُّدوا‬ ‫تلفت من غري تفريطه مع ميينه ; ألنه أمني ; ألن اهلل تعاىل مساها أمانة بقوله ‪:‬‬
‫واألصل براءته إذا مل تقم قرينة على كذبه ‪ ,‬وكذا لو ادعى تلفها حبادث ظاهر كاحلريق ;‬ ‫اَأْلَم اَناِت ِإىَل َأْه ِلَه ا‬
‫فإنه ال يقبل قوله إال إذا أقام بينة على وجود ذلك احلادث ‪.‬‬
‫ولو طلب منه صاحب الوديعة ردها إليه ‪ ,‬فتأخر من غري عذر حىت تلفت ; ضمنها ; ألنه فعل حمرما بإمساكها بعد‬
‫طلب صاحبها هلا ‪ ,‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫أبواب إحياء املوات ومتلك املباحات‬

‫باب يف أحكام إحياء املوات‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫املوات ‪ -‬بفتح امليم والواو ‪ : -‬هو ما ال روح فيه ‪ ,‬واملراد به هنا األرض اليت ال مالك هلا ‪.‬‬
‫ويعرفه الفقهاء ‪ -‬رمحهم اهلل ‪ -‬بأنه األرض املنفكة عن االختصاصات وملك معصوم ‪.‬‬
‫فيخرج هبذا التعريف شيئان ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪69‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫األول‪ :‬ما جرى عليه ملك معصوم من مسلم وكافر بشراء أو عطية أو غريها ‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬ما تعلقت به مصلحة ملك املعصوم ; كالطرق ‪ ,‬واألفنية ‪ ,‬ومسيل املياه ‪ ,‬أو تعلقت به مصاحل العامر من‬
‫البلد ; كدفن املوتى وموضع القمامة والبقاع املرصدة لصالة العيدين واحملتطبات واملراعي ; فكل ذلك ال ميلك‬
‫باإلحياء ‪.‬‬

‫فإذا خلت األرض عن ملك معصوم واختصاصه ‪ ,‬وأحياها شخص ; ملكها ‪ ,‬حلديث جابر رضي اهلل عنه‬
‫رواه أمحد والرتمذي وصححه ‪ ,‬وورد مبعناه أحاديث ‪,‬‬ ‫من أحيا أرضا ميتة فهي له‬ ‫مرفوعا ‪:‬‬
‫وبعضها يف " صحيح البخاري " ‪.‬‬

‫وعامة فقهاء األمصار على أن املوات ميلك باإلحياء ‪ ,‬وإن اختلفوا يف شروطه ; إال موات احلرم وعرفات ;‬
‫فال ميلك باإلحياء ; ملا فيه من التضييق يف أداء املناسك ‪ ,‬واستيالئه على حمل الناس فيه سواء ‪.‬‬

‫وحيصل إحياء املوات بأمور‬

‫\‬ ‫األول ‪ :‬إذا أحاطه حبائط منيع مما جرت العادة به ; فقد أحياه ‪ ,‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫\‪AASSERVERHAFIZATA$IslamMFQHTak\Hits518.htm‬‬

‫‪AASSERVERHAFIZATA$IslamMFQHTak\Hits1255.htm‬من أحاط حائطا على أرض ‪ ,‬فهي‬


‫رواه أمحد وأبو داود عن جابر ‪ ,‬وصححه ابن اجلارود ‪ ,‬وعن مسرة مثله ‪ ,‬وهو يدل على أن التحويط‬ ‫له‬
‫على األرض مما يستحق به ملكها ‪ ,‬واملقدار املعترب ما يسمى حائطا يف اللغة ‪ ,‬أما لو أدار حول املوت أحجارا‬
‫وحنوها كرتاب أو جدار صغري ال مينع ما وراءه أو حفر حوهلا خندقا ; فإنه ال ميلكه بذلك ‪ ,‬لكن يكون أحق‬
‫بإحيائه من غريه ‪ ,‬وال جيوز له بيعه إال بإحيائه‪.‬‬

‫الثاين ‪ :‬إذا حفر يف األرض املوات بئرا ‪ ,‬فوصل إىل مائها ; فقد أحياها ‪ ,‬فإن حفر البئر ومل يصل إىل املاء ; مل‬
‫ميلكها بذلك ‪ ,‬وإمنا يكون أحق بإحيائها من غريه ; ألنه شرع يف إحيائها‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬إذا أوصل إىل األرض املوات ماء أجراه من عني أو هنر ‪ ,‬فقد أحياها بذلك ; ألن نفع املاء لألرض أكثر من‬
‫احلائط ‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬إذا حبس عن األرض املوات املاء الذي كان يغمرها وال تصلح معه للزراعة ‪ ,‬فحبسه عنها حىت أصبحت‬
‫صاحلة لذلك ‪ ,‬فقد أحياها ; ألن نفع األرض بذلك أكثر من نفع احلائط الذي ورد يف الدليل أنه ميلكها بإقامته‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪70‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫عليها ‪ .‬ومن العلماء من يرى أن إحياء املوات ال يقف عند هذه األمور ‪ ,‬بل يرجع فيه إىل العرف ; فما عده الناس‬
‫إحياء ; فإنه ميلك به األرض املوات ‪ ,‬واختار ذلك مجع من أئمة احلنابلة وغريهم ; ألن الشرع ورد بتعليق امللك‬
‫عليه ومل يبينه ‪ ,‬فوجب الرجوع إىل ما كان إحياء يف العرف ‪.‬‬

‫وإلمام املسلمني إقطاع األرض املوات ملن حيييها ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم أقطع بالل بن احلارث‬
‫العقيق ‪ ,‬وأقطع وائل بن حجر أرضا حبضرموت ‪ ,‬وأقطع عمر وعثمان ومجعا من الصحابة‬
‫لكن ال ميلكه مبجرد اإلقطاع حىت حيييه ‪ ,‬بل يكون أحق به من غريه ‪ ,‬فإن أحياه ; ملكه ‪ ,‬وإن عجز عن إحيائه ‪,‬‬
‫فلإلمام اسرتجاعه وإقطاعه لغريه ممن يقدر على إحيائه ; ألن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه اسرتجع اإلقطاعات من‬
‫الذين عجزوا عن إحيائها ‪.‬‬

‫ومن سبق إىل مباح غري األرض املوات كالصيد ‪ ,‬واحلطب ‪ ,‬فهو أحق به ‪.‬‬
‫وإذا كان مير بأمالك الناس ماء مباح ( أي ‪ :‬غري مملوك ) كماء النهر وماء الوادي ‪ ,‬فلألعلى أن يسقي منه وحيبس‬
‫املاء إىل الكعب مث يرسله لألسفل ممن يليه ‪ ,‬ويفعل الذي يليه كذلك مث يرسله ملن بعده ‪ .. .‬وهكذا ; لقول النيب‬
‫متفق عليه‪.‬‬ ‫اسق يا زبري ! مث احبس املاء حىت يصل إىل اجلدر‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫مث احبس املاء‬ ‫وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ‪ ,‬قال ‪ :‬نظرنا إىل قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فكان ذلك إىل الكعبني ‪ ,‬أي ‪ :‬قاسوا ما وقعت فيه القصة ‪ ,‬فوجدوه يبلغ الكعبني ‪,‬‬ ‫حىت يصل إىل اجلدر‬
‫فجعلوا ذلك معيارا الستحقاق األول فاألول ‪.‬‬
‫وروى أبو داود وغريه عن عمرو بن شعيب ‪ ,‬أنه صلى اهلل عليه وسلم قضى يف سيل مهزور ( واد باملدينة مشهور )‬
‫أن ميسك األعلى حىت يبلغ السيل الكعبني ‪ ,‬مث يرسل األعلى على األسفل‬ ‫‪:‬‬
‫أما إن كان املاء مملوكا ; فإنه يقسم بني املالك بقدر أمالكهم ‪ ,‬ويتصرف كل واحد يف حصته مبا شاء ‪.‬‬
‫وإلمام املسلمني أن حيمي مرعى ملواشي بيت مال املسلمني ‪ ,‬كخيل اجلهاد ‪ ,‬وإبل الصدقة ; ما مل يضرهم بالتضييق‬
‫أن النيب صلى اهلل عليه وسلم محى النقيع خليل املسلمني‬ ‫عليهم ; ملا روى ابن عمر رضي اهلل عنهما ‪:‬‬
‫فيجوز لإلمام أن حيمي العشب يف أرض املوات إلبل الصدقة وخيل اجملاهدين ونعم اجلزية والضوال إذا‬
‫احتاج إىل ذلك ومل يضيق على املسلمني ‪.‬‬

‫باب يف أحكام اجلعالة‬

‫وتسمى اجلعل واجلعيلة أيضا ‪ ,‬وهي ما يعطاه اإلنسان على أمر يفعله ; كأن يقول ‪ :‬من فعل كذا ; فله كذا‬
‫من املال ‪ ,‬بأن جيعل شيئا معلوما من املال ملن يعمل له عمال معلوما ‪ ,‬كبناء حائط ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪71‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ِعٍري ِبِه ِع‬ ‫ِبِه‬ ‫ِل‬


‫أي ‪ :‬ملن دل على سارق‬ ‫َو َمْن َج اَء ْمِحُل َب َو َأَنا َز يٌم‬ ‫ودليل جواز ذلك قوله تعاىل ‪:‬‬
‫صواع امللك محل بعري ‪ ,‬وهذا جعل ‪ ,‬فدلت اآلية على جواز اجلعالة ‪.‬‬
‫ودليلها من السنة حديث اللديغ ‪ ,‬وهو يف " الصحيحني " وغريمها من حديث أيب سعيد ‪ ,‬أهنم نزلوا على حي من‬
‫أحياء العرب ‪ ,‬فاستضافوهم ‪ ,‬فأبوا ‪ ,‬فلدغ سيد ذلك احلي ‪ ,‬فسعوا له بكل شيء ‪ ,‬فأتوهم ‪ ,‬فقالوا ‪ :‬هل عند‬
‫أحد منكم من شيء ; قال بعضهم ‪ :‬إين واهلل ألرقي ‪ ,‬ولكن واهلل لقد استضفناكم فلم تضيفونا ; فما أنا براق لكم‬
‫ِم‬ ‫ِل ِه‬
‫اَحْلْم ُد َّل َر ِّب اْلَعاَل َني‬ ‫حىت جتعلوا لنا جعال ‪ .‬فصاحلوهم على قطيع من غنم ‪ ,‬فانطلق ينفث عليه ويقرأ ‪:‬‬
‫فكأمنا نشط من عقال ‪ ,‬فأوفوهم جعلهم ‪ ,‬وقدموا على النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬فذكروا ذلك له ‪,‬‬
‫‪.‬‬ ‫أصبتم ‪ ,‬اقتسموا واجعلوا يل معكم سهما‬ ‫فقال ‪:‬‬

‫فمن عمل العمل الذي جعلت عليه اجلعالة بعد علمه هبا استحق اجلعل ; ألن العقد استقر بتمام العمل ‪ ,‬وإن‬
‫قام بالعمل مجاعة ; اقتسموا اجلعل الذي عليه بالسوية ; ألهنم اشرتكوا يف العمل الذي يستحق به العوض فاشرتكوا‬
‫يف العوض ‪ ,‬فإن عمل العمل قبل علمه مبا جعل عليه ‪ ,‬مل يستحق شيئا ; ألنه عمل غري مأذون فيه ‪ ,‬فلم يستحق به‬
‫عوضا ‪ ,‬وإن علم باجلعل يف أثناء العمل ; أخذ من اجلعل ما عمله بعد العلم ‪.‬‬

‫واجلعالة عقد جائز لكل من الطرفني فسخها فإن كان الفسخ من العامل ‪ ,‬مل يستحق شيئا من اجلعل ; ألنه‬
‫أسقط حق نفسه ‪ ,‬وإن كان الفسخ من اجلاعل ‪ ,‬وكان قبل الشروع يف العمل ‪ ,‬فللعامل أجرة مثل عمله ; ألنه‬
‫عمله بعوض مل يسلم له ‪.‬‬

‫واجلعالة ختالف اإلجارة يف مسائل‬


‫منها ‪ :‬أن اجلعالة ال يشرتط لصحتها العلم بالعمل اجملاعل عليه ; خبالف اإلجارة ; فإهنا يشرتط فيها أن يكون العمل‬
‫املؤاجر عليه معلوما ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن اجلعالة ال يشرتط فيها معرفة مدة العمل ‪ ,‬خبالف اإلجارة ‪ ,‬فإهنا يشرتط فيها أن تكون مدة العمل‬
‫معلومة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن اجلعالة جيوز فيها اجلمع بني العمل واملدة ‪ ,‬كأن يقول ‪ :‬من خاط هذا الثوب يف يوم ; فله كذا ‪ ,‬فإن‬
‫خاطه يف اليوم ‪ ,‬استحق اجلعل ‪ ,‬وإال ; فال ; خبالف اإلجارة ; فإهنا ال يصح فيها اجلمع بني العمل واملدة ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن العامل يف اجلعالة مل يلتزم العمل ; خبالف اإلجارة ‪ ,‬فإن العامل فيها قد التزم بالعمل ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن اجلعالة ال يشرتط فيها تعيني العامل ; خبالف اإلجارة ; فإهنا يشرتط فيها ذلك ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن اجلعالة عقد جائز لكل من الطرفني فسخها بدون إذن اآلخر ; خبالف اإلجارة ; فإهنا عقد الزم ‪ ,‬ال‬
‫جيوز ألحد الطرفني فسخها ; إال برضى اآلخر ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪72‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وقد ذكر الفقهاء رمحهم اهلل أن من عمل لغريه عمال بعري جعل وال إذن من صاحب العمل مل يستحق شيئا ;‬
‫ألنه بذل منفعة من غري عوض ‪ ,‬فلم يستحقه ‪ ,‬وألنه ال يلزم اإلنسان شيء مل يلتزمه ‪ ,‬إال أنه يستثىن من ذلك‬
‫شيئان ‪:‬‬

‫األول ‪ :‬إذا كان العامل قد أعد نفسه للعمل باألجرة كالدالل واحلمال وحنومها ; فإنه إذا عمل عمال بإذن يستحق‬
‫األجرة ‪ ,‬لداللة العرف على ذلك ‪ ,‬ومن مل يعد نفسه للعمل ‪ ,‬مل يستحق شيئا ‪ ,‬ولو أذن له ; إال بشرط‬

‫الثاين ‪ :‬من قام بتخليص متاع غريه من هلكة ; كإخراجه من البحر أو احلرق أو وجده يف مهلكة يذهب لو تركه ‪,‬‬
‫فله أجرة املثل ‪ ,‬وإن مل يأذن له ربه ; ألنه خيشى هالكه وتلفه على صاحبه ; وألن يف دفع األجرة ترغيبا يف مثل‬
‫هذا العمل ‪ ,‬وهو إنقاذ األموال من اهللكة‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬من استنقذ مال غريه من اهللكة ورده ; استحق أجرة املثل ‪ ,‬ولو بغري‬
‫شرط ‪ ,‬يف أصح القولني ‪ ,‬وهو منصوص أمحد وغريه "‬
‫‪ .‬وقال العالمة ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬فمن عمل يف مال غريه عمال بغري إذنه ليتوصل بذلك العمل إىل غريه أو فعله‬
‫حفظا ملال املالك وإحرازا له من الضياع ; فالصواب أنه يرجع عليه بأجرة عمله ‪ ,‬وقد نص عليه أمحد يف عدة‬
‫مواضع " انتهى ‪.‬‬

‫باب يف أحكام اللقطة‬

‫* اللقطة ‪ -‬بضم الالم وفتح القاف ‪ -‬هي مال ضل عن صاحبه غري حيوان ‪ ,‬وهذا الدين احلنيف جاء حبفظ‬
‫املال ورعايته ‪ ,‬وجاء باحرتام مال املسلم واحملافظة عليه ‪ ,‬ومن ذلك اللقطة ‪.‬‬
‫* فإذا ضل مال عن صاحبه ‪ ,‬فال خيلو من ثالث حاالت ‪:‬‬

‫احلالة األوىل ‪ :‬أن يكون مما ال تتبعه مهة أوساط الناس ; كالسوط ‪ ,‬والرغيف ‪ ,‬والثمرة ‪ ,‬والعصا ‪ ,‬فهذا ميلكه‬
‫رخص رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف العصا‬ ‫آخذه وينتفع به بال تعريف ; ملا روى جابر قال ‪:‬‬
‫رواه أبو داود‬ ‫والسوط واحلبل يلتقطه الرجل "‬

‫احلالة الثانية ‪ :‬أن يكون مما ميتنع من صغار السباع ‪ :‬إما لضخامته كاإلبل واخليل والبقر والبغال ‪ ,‬وإما لطريانه‬
‫كالطيور ‪ ,‬وإما لسرعة عدوها كالظباء ‪ ,‬وإما لدفعها عن نفسها بناهبا كالفهود ‪ ,‬فهذا القسم بأنواعه حيرم‬
‫" ما لك وهلا ؟ !‬ ‫التقاطه ‪ ,‬وال ميلكه آخذه بتعريفه ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ملا سئل عن ضالة اإلبل ‪:‬‬
‫"‬ ‫متفق عليه ‪ ,‬وقال عمر ‪:‬‬ ‫معا سقاؤها وحذاؤها ‪ ,‬ترد املاء ‪ ,‬وتأكل الشجر ‪ ,‬حىت جيدها رهبا "‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪73‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫أي ‪ :‬خمطئ ‪ ,‬وقد حكم صلى اهلل عليه وسلم يف هذا احلديث بأهنا ال‬ ‫من أخذ الضالة ; فهو ضال "‬
‫تلتقط ‪ ,‬بل ترتك ترد املاء وتأكل الشجر حىت يلقاها رهبا ‪ .‬ويلحق بذلك األدوات الكبرية ; كالقدر الضخمة‬
‫واخلشب واحلديد وما حيتفظ بنفسه وال يكاد يضيع وال ينتقل عن مكانه ‪ ,‬فيحرم أخذه كالضوال ‪ ,‬بل هو أوىل ‪.‬‬

‫احلالة الثالثة ‪ :‬أن يكون املال الضال من سائر األموال ; كالنقود واألمتعة وما ال ميتنع من صغار السباع ; كالغنم‬
‫والفصالن والعجول ‪ ,‬فهذا القسم إن أمن واجده نفسه عليه ; جاز له التقاطه ‪,‬‬

‫وهو ثالثة أنواع ‪:‬‬

‫النوع األول ‪ :‬حيوان مأكول ‪ ,‬كفصيل وشاة ودجاجة ‪ .. .‬فذا يلزم واجده إذا أخذه األحظ ملالكه من أمور‬
‫ثالثة ‪:‬‬

‫أحدها ‪ :‬أكله وعليه قيمته يف احلال ‪.‬‬

‫الثاين ‪ :‬بيعه واالحتفاظ بثمنه لصاحبه بعد معرفة أوصافه ‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬حفظه واإلنفاق عليه من ماله ‪ ,‬وال ميلكه ‪ ,‬ويرجع بنفقته على مالكه إذا جاء واستلمه ; ألنه صلى اهلل‬
‫متفق عليه ‪,‬‬ ‫خذها ; فإمنا هي لك أو ألخيك أو للذئب‬ ‫عليه وسلم ملا سئل عن الشاة ‪ ,‬قال ‪:‬‬
‫ومعناه ‪ :‬أنا ضعيفة ‪ ,‬معرضة للهالك ‪ ,‬مرتددة بني أن تأخذها أنت أو يأخذها غريك أو يأكلها الذئب ‪.‬‬
‫قال ابن القيم يف الكالم على هذا احلديث الشريف ‪ :‬فيه جواز التقاط الغنم ‪ ,‬وأن الشاة إذا مل يأت صاحبها ‪ ,‬فهي‬
‫ملك امللتقط ‪ ,‬فيخري بني أكلها يف احلال وعليه قيمتها ‪ ,‬وبني بيعها وحفظ مثنها ‪ ,‬وبني تركها واإلنفاق عليها من‬
‫ماله ‪ ,‬وأمجعوا على أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها امللتقط ; له أخذها‪.‬‬

‫النوع الثاين ‪ :‬ما خيشى فساده ‪ ,‬كبطيخ وفاكهة ‪ ,‬فيفعل امللتقط األحظ ملالكه من أكله ودفع قيمته ملالكه ‪ ,‬وبيعه‬
‫وحفظ مثنه حىت يأيت مالكه‪.‬‬

‫النوع الثالث ‪ :‬سائر األموال ما عدا القسمني السابقني ; كالنقود واألواين ‪ ,‬فيلزمه حفظ اجلميع أمانة بيده ‪,‬‬
‫والتعريف عليه يف جمامع الناس ‪.‬‬

‫* وال جيوز له أخذ اللقطة بأنواعها إال إذا أمن نفسه عليها وقوي على تعريف ما حيتاج إىل تعريف ‪ ,‬حلديث زيد بن‬
‫خالد اجلهين رضي اهلل عنه ‪ ,‬قال ‪ :‬سئل النيب صلى اهلل عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق ؟ فقال ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪74‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫اعرف وكاءها وعفاصها ‪ ,‬مث عرفها سنة ‪ ,‬فإن مل تعرف ; فاستنفقها ‪ ,‬ولتكن وديعة عندك ‪ ,‬فإن جاء طالبها يوما‬
‫وسأله عن الشاة ; فقال ‪ :‬فإمنا هي لك أو ألخيك أو للذئب " ‪ ,‬وسئل عن ضالة‬ ‫من الدهر ‪ ,‬فادفعها إليه‬
‫ما لك وهلا ؟ ! معها سقاؤها وحذاؤها ‪ ,‬ترد املاء ‪ ,‬وتأكل الشجر ‪ ,‬حىت جيدها رهبا "‬ ‫اإلبل ; فقال ‪:‬‬
‫متفق عليه ‪.‬‬

‫الوكاء ‪ :‬ما يربط به الوعاء‬ ‫اعرف وكاءها وعفاصها‬ ‫‪ -‬ومعىن قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫الذي تكون فيه النفقة ‪ .‬والعفاص ‪ :‬الوعاء الذي تكون فيه النفقة ‪.‬‬

‫أي ‪ :‬اذكرها للناس يف مكان‬ ‫مث عرفها سنة‬ ‫‪ -‬ومعىن قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫اجتماعهم من األسواق وأبواب املساجد واجملامع واحملافل ‪ " ,‬سنة " ‪ ,‬أي ‪ :‬مدة عام كامل ; ففي األسبوع األول‬
‫من التقاطها ينادى عليها كل يوم ; ألن جميء صاحبها يف ذلك األسبوع أحرى ‪ ,‬مث بعد األسبوع ينادى عليها‬
‫حسب عادة الناس يف ذلك‪.‬‬

‫اعرف وكاءها‬ ‫‪ -‬واحلديث يدل على وجوب التعريف باللقطة ويف قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫دليل على وجوب معرفة صفاهتا ‪ ,‬حىت إذا جاء صاحبها ووصفها وصفا مطابقا لتلك الصفات ;‬ ‫وعفاصها‬
‫دفعت إليه ‪ ,‬وإن اختلف وصفه هلا عن الواقع ; مل جيز دفعها إليه‪.‬‬

‫دليل على أن امللتقط ميلكها‬ ‫فإن مل تعرف ; فاستنفقها‬ ‫‪ -‬ويف قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫بعد احلول وبعد التعريف ‪ ,‬لكن ال يتصرف فيها قبل معرفة صفاهتا ; أي ‪ :‬حىت يعرف وعاءها ووكاءها وقدرها‬
‫وجنسها وصفتها ‪ ,‬فإن جاء صاحبها بعد احلول ‪ ,‬ووصفها مبا ينطبق على تلك األوصاف ‪ ,‬دفعها إليه ; لقوله صلى‬
‫فإن جاء طالبها يوما من الدهر ; فادفعها إليه‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫* وقد تبني مما سبق أنه يلزم حنو اللقطة أمور ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬إذا وجدها ‪ ,‬فال يقدم على أخذها إال إذا عرف من نفسه األمانة يف حفظها والقوة على تعريفها بالنداء عليها‬
‫حىت يعثر على صاحبها ‪ ,‬ومن ال يأمن نفسه عليها ‪ ,‬مل جيز له أخذها ‪ ,‬فإن أخذها ; فهو كغاصب ‪ ,‬ألنه أخذ مال‬
‫غريه على وجه ال جيوز له أخذه ‪ ,‬وملا يف أخذها حينئذ من تضييع مال غريه ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬ال بد له قبل أخذها من ضبط صفاهتا مبعرفة وعائها ووكائها وقدرها وجنسها وصنفها ‪ ,‬واملراد بوعائها‬
‫ظرفها الذي هي فيه كيسا كان أو خرقة ‪ ,‬واملراد بوكائها ما تشد به ; ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم أمر بذلك ‪,‬‬
‫واألمر يقتضي الوجوب‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪75‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ثالثا ‪ :‬ال بد من النداء عليها وتعريفا حوال كامال يف األسبوع األول كل يوم مث بعد ذلك ما جرت به العادة ‪,‬‬
‫ويقول يف التعريف مثال ‪ :‬من ضاع له شيء وحنو ذلك ‪ ,‬وتكون املناداة عليها يف جمامع الناس كاألسواق وعند‬
‫أبواب املساجد يف أوقات الصلوات ‪ ,‬وال ينادى عليها يف املساجد ; ألن املساجد مل تنب لذلك ; لقوله صلى اهلل‬
‫‪.‬‬ ‫من مسع رجال ينشد ضالة يف املسجد ‪ ,‬فليقل ‪ :‬ال ردها اهلل عليك‬ ‫عليه وسلم ‪:‬‬

‫رابعا ‪ :‬إذا جاء طالبها ‪ ,‬فوصفها مبا يطابق وصفها ; وجب دفعها إليه بال بينة وال ميني ; ألمره صلى اهلل عليه وسلم‬
‫بذلك ‪ ,‬ولقيام صفتها مقام البينة واليمني ‪ ,‬بل رمبا يكون وصفه هلا أظهر وأصدق من البينة واليمني ‪ ,‬ويدفع معها‬
‫مناءها املتصل واملنفصل ‪ ,‬أما إذا مل يقدر على وصفها ‪ ,‬فإهنا ال تدفع إليه ; ألهنا أمانة يف يده ‪ ,‬فلم جيز دفعها إىل‬
‫من مل يثبت أنه صاحبها‬

‫خامسا ‪ :‬إذا مل يأت صاحبها بعد تعريفها حوال كامال ; تكون ملكا لواجدها ‪ ,‬ولكن جيب عليه قبل التصرف فيها‬
‫ضبط صفاهتا ; حبيث لو جاء صاحبها يف أي وقت ‪ ,‬ووصفها ; ردها عليه إن كانت موجودة ‪ ,‬أو رد بدهلا إن مل‬
‫تكن موجودة ; ألن ملكه هلا مراعى يزول مبجيء صاحبها‪.‬‬

‫سادسا ‪ :‬واختلف العلماء يف لقطة احلرم ‪ :‬هل هي كلقطة احلل متلك بالتعريف بعد مضي احلول أو ال متلك مطلقا ؟‬
‫فبعضهم يرى أهنا متلك بذلك ; لعموم األحاديث ‪ ,‬وذهب الفريق اآلخر إىل أهنا ال متلك ‪ ,‬بل جيب تعريفها دائما ‪,‬‬
‫واختار هذا القول شيخ اإلسالم‬ ‫وال حتل لقطتها إال ملعرف‬ ‫وال ميلكها ; لقوله يف مكة املشرفة ‪:‬‬
‫ابن تيمية رمحه اهلل ; حيث قال ‪ " :‬ال متلك حبال ; للنهي عنها ‪ ,‬وجيب تعريفها أبدا " ‪ ,‬وهو ظاهر اخلرب يف النهي‬
‫عنها ‪.‬‬

‫من‬ ‫سابعا ‪ :‬من ترك حيوانا بفالة النقطاعه بعجزه عن املشي أو عجز صاحبه عنه ملكه آخذه ; خلرب ‪:‬‬
‫رواه أبو داود ; وألهنا تركت رغبة عنها‬ ‫وجد دابة قد عجز أهلها عنها ‪ ,‬فسيبوها ‪ ,‬فأخذها ; فهي له‬
‫فأشبهت سائر ما ترك رغبة عنه ‪ ,‬ومن أخذ نعله وحنوه من متاعه ووجد يف موضعه غريه ; فحكمه حكم اللقطة ‪,‬‬
‫ال ميلكه مبجرد وجوده ‪ ,‬بل ال بد من تعريفه ‪ ,‬وبعد تعريفه يأخذ منه قدر حقه ويتصدق بالباقي ‪.‬‬

‫ثامنا ‪ :‬إذا وجد الصيب والسفيه لقطة ‪ ,‬فأخذها فإن وليه يقوم مقامه بتعريفها ‪ ,‬ويلزمه أخذها منهما ; ألهنما ليسا‬
‫بأهل لألمانة واحلفظ ‪ ,‬فإن تركها يف يدمها ‪ ,‬فتلفت ‪ ,‬ضمنها ; ألنه مضيع هلا ‪ ,‬فإذا عرفها وليهما ‪ ,‬فلم تعرف ‪,‬‬
‫ومل يأت هلا أحد ; فهي هلما ملكا مراعى ; كما يف حق الكبري والعاقل ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪76‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫تاسعا ‪ :‬تاسعا ‪ :‬لو أخذها من موضع مث ردها فيه ; ضمنها ; ألهنا أمانة حصلت يف يده ; فلزمه حفظها كسائر‬
‫األمانات ‪ ,‬وتركها تضييع هلا ‪.‬‬

‫* تنبيه ‪ :‬من هدي اإلسالم يف شأن اللقطة تدرك عنايته باألموال وحفظها وعنايته حبرمة مال املسلم وحفاظه‬
‫عليه ‪ ,‬ويف اجلملة ندرك من ذلك كله حث اإلسالم على التعاون على اخلري ‪ ,‬نسأل اهلل سبحانه أن يثبتنا مجيعا على‬
‫اإلسالم ويتوفانا مسلمني ‪.‬‬

‫باب يف أحكام اللقيط‬

‫* أحكام اللقيط هلا عالقة كبرية بأحكام اللقطة ‪ ,‬إذ اللقطة ختتص باألموال الضائعة ‪ ,‬واللقيط هو اإلنسان‬
‫الضائع ‪ ,‬مما به يظهر مشول أحكام اإلسالم لكل متطلبات احلياة ‪ ,‬وسبقه يف كل جمال حيوي مفيد ‪ ,‬على حنو يفوق‬
‫ما تعارف عليه عامل اليوم من إقامة دور احلضانة واملالجئ للحفاظ على األيتام ومن ال عائل هلم من األطفال‬
‫والعجزة ‪ ,‬ومن ذلك عناية اإلسالم بأمر اللقيط ‪ ,‬وهو الطفل الذي يوجد منبوذا أو يضل عن أهله وال يعرف نسبه‬
‫يف احلالني ‪ .‬فيجب على من وجده على تلك احلال أن يأخذه وجوبا كفائيا ‪ ,‬إذا قام به من يكفي ‪ ,‬سقط اإلمث عن‬
‫َو َتَعاَو ُنوا َعَلى اْلِّرِب َو الَّتْق َو ى‬ ‫الباقني ‪ ,‬وإن تركه الكل ‪ ,‬أمثوا ‪ ,‬مع إمكان أخذهم له ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫فعموم اآلية يدل على وجوب أخذ اللقيط ; ألنه من التعاون على الرب والتقوى ; وألن يف أخذه إحياء لنفسه ‪,‬‬
‫فكان واجبا كإطعامه عند الضرورة وإجنائه من الغرق ‪.‬‬
‫* واللقيط حر يف مجيع األحكام ; ألن احلرية هي األصل ‪ ,‬والرق عارض ‪ ,‬فإذا مل يعلم ‪ ,‬فاألصل عدمه ‪ * .‬وما‬
‫وجد معه من املال أو وجد حوله ; فهو له ‪ ,‬عمال بالظاهر ; وألن يده عليه ‪ ,‬فينفق عليه منه ملتقطه باملعروف ‪,‬‬
‫لواليته عليه ‪ ,‬وإن مل يوجد معه شيء ; أنفق عليه من بيت املال ; لقول عمر رضي اهلل عنه للذي أخذ اللقيط ملا‬
‫ومعىن والؤه ‪ :‬واليته ‪ ,‬وقوله ‪ " :‬وعلينا‬ ‫اذهب ; فهو حر ‪ ,‬ولك والؤه ‪ ,‬وعلينا نفقته‬ ‫وجده ‪:‬‬
‫نفقته " ; يعين ‪ :‬من بيت مال املسلمني ‪ .‬ويف لفظ أن عمر رضي اهلل عنه قال ‪ " :‬وعلينا رضاعه " ; يعين ‪ :‬يف بيت‬
‫املال ; فال جيب على امللتقط اإلنفاق عليه وال رضاعه ‪ ,‬بل جيب ذلك يف بيت املال ‪ ,‬فإن تعذر ; وجبت نفقته على‬
‫وملا يف ترك اإلنفاق عليه من‬ ‫َو َتَعاَو ُنوا َعَلى اْلِّرِب َو الَّتْق َو ى‬ ‫من علم حباله من املسلمني ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫هالكه ; وألن اإلنفاق عليه من باب املواساة ‪ ,‬كقرى الضيف ‪.‬‬
‫* وحكمه من ناحية الدين ‪ ,‬أنه إن وجد يف دار اإلسالم أو يف بلد كفار يكثر فيها املسلمون ‪ ,‬فهو مسلم ‪ ,‬لقوله‬
‫وإن وجد يف بلد كفار خالصة ‪ ,‬أو يقل فيها‬ ‫كل مولود يولد على الفطرة‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫عدد املسلمني ‪ ,‬فهو كافر تبعا للدار ‪ .‬وحضانته تكون لواجده إذا كان أمينا ; ألن عمر رضي اهلل عنه أقر اللقيط يف‬
‫يد أيب مجيلة حني علم أنه رجل صاحل ‪ ,‬وقال ‪ " :‬لك والؤه " ; أي ‪ :‬واليته ‪ ,‬ولسبقه إليه ‪ ,‬فكان أوىل به ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪77‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* وينفق عليه واجده مما وجد معه من نقد أو غريه ; ألنه وليه ‪ ,‬وينفق عليه باملعروف ‪ * .‬فإن كان واجده ال يصلح‬
‫حلضانته ; لكونه فاسقا أو كافرا واللقيط مسلم ; مل يقر بيده ; النتفاء والية الفاسق ووالية الكافر على املسلم ;‬
‫ألنه يفتنه عن دينه ‪ .‬وكذلك ال تقر حضانته بيد واجده إذا كان بدويا يتنقل يف الواضع ; ألن يف ذلك إتعابا‬
‫للصيب ‪ ,‬فيؤخذ منه ويدفع إىل املستقر يف البلد ; ألن مقام الطفل يف احلضر أصلح له يف دينه ودنياه ‪ ,‬وأحرى للعثور‬
‫على أهله ومعرفة نسبه ‪.‬‬

‫و مرياث اللقيط إذا مات وديته إذا جين عليه مبا يوجب الدية يكونان لبيت املال إذا مل يكن له من يرثه من‬
‫ولده ‪ ,‬وإن كان له زوجة ; فلها الربع ‪ .‬ووليه يف القتل العمد العدوان اإلمام ; ألن املسلمني يرثونه ‪ ,‬واإلمام‬
‫ينوب عنهم ‪ ,‬فيخري بني القصاص والدية لبيت املال ; ألنه ويل من ال ويل له ‪ .‬وإن جين عليه فيما دون النفس عمدا‬
‫; انتظر بلوغه ورشده ليقتص عند ذلك أو يعفو ‪.‬‬

‫وإن أقر رجل أو أقرت امرأة بأن اللقيط ولده أو ولدها حلق به ; ألن يف ذلك مصلحة له باتصال نسبه ‪ ,‬وال‬
‫مضرة على غريه فيه ; بشرط أن ينفرد بادعائه نسبه ‪ ,‬وأن ميكن كونه منه ‪ ,‬وإن ادعاه مجاعة ; قدم ذو البينة ‪ ,‬وإن‬
‫مل يكن ألحد منهم بينة ‪ ,‬أو كانت هلم بينات متعارضة ‪ ,‬عرض معهم على القافة ‪ ,‬فمن أحلقته القافة به ‪ ,‬حلقه ;‬
‫لقضاء عمر رضي اهلل عنه بذلك مبحضر من الصحابة رضي اهلل عنهم ‪ ,‬والقافة قوم يعرفون األنساب بالشبه ‪,‬‬
‫ويكفي قائف واحد ‪ ,‬ويشرتط فيه أن يكون ذكرا عدال جمربا يف اإلصابة ‪.‬‬

‫باب يف أحكام الوقف‬

‫* الوقف هو حتبيس األصل وتسبيل املنفعة ‪ ,‬واملراد باألصل ‪ :‬ما ميكن االنتفاع به مع بقاء عينه كالدور‬
‫والدكاكني والبساتني وحنوها ‪ ,‬واملراد باملنفعة ‪ :‬الغلة الناجتة عن ذلك األصل كالثمرة واألجرة وسكىن الدار وحنوها‬
‫‪.‬‬

‫* وحكم الوقف أنه قربة مستحب يف اإلسالم ‪ ,‬والدليل على ذلك السنة الصحيحة ‪ - :‬ففي " الصحيحني "‬
‫‪ :‬أن عمر رضي اهلل عنه قال ‪ :‬يا رسول اهلل ! إين أصبت ماال خبيرب مل أصب قط ماال أنفس عندي منه ; فما تأمرين‬
‫" إن شئت حبست أصلها وتصدقت هبا ‪ ,‬غري أنه ال يباع أصلها وال يوهب وال يورث "‬ ‫فيه ; قال ‪:‬‬
‫فتصدق هبا عمر يف الفقراء وذوي القرىب والرقاب ويف سبيل اهلل وابن السبيل والضيف ‪.‬‬
‫إذا مات ابن آدم ‪ ,‬انقطع‬ ‫‪ -‬وروى مسلم يف " صحيحه " ‪ ,‬عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬أنه قال ‪:‬‬
‫عمله ; إال من ثالث ‪ :‬صدقة جارية ‪ ,‬أو علم ينتفع به من بعده ‪ ,‬أو ولد صاحل يدعو له‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪78‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫‪ -‬وقال القرطيب رمحه‬ ‫مل يكن أحد من أصحاب رسول اهلل ذو مقدرة إال وقف "‬ ‫‪ -‬وقال جابر ‪:‬‬
‫اهلل ‪ :‬وال خالف بني األئمة يف حتبيس القناطر واملساجد ‪ ,‬واختلفوا يف غري ذلك ‪.‬‬

‫* ويشرتط أن يكون الواقف جائز التصرف ‪ ,‬بأن يكون بالغا حرا رشيدا ; فال يصح الوقف من الصغري‬
‫والسفيه واململوك‬

‫* وينعقد الوقف بأحد أمرين‬

‫األول ‪ :‬القول الدال على الوقف ; كأن يقول ‪ :‬وقفت هذا املكان ‪ ,‬أو جعلته مسجدا ‪.‬‬

‫األمر الثاين ‪ :‬الفعل الدال على الوقف يف عرف الناس ‪ -‬كمن جعل داره مسجدا ‪ ,‬وأذن للناس يف الصالة فيه إذنا‬
‫عاما ‪ , -‬أو جعل أرضه مقربة ‪ ,‬وأذن للناس يف الدفن فيها‬

‫* وألفاظ التوقيف قسمان ‪:‬‬

‫القسم األول ‪ :‬ألفاظ صرحية ‪ ,‬كأن يقول ‪ :‬وقفت ‪ ,‬وحبست ‪ ,‬وسبلت ‪ ,‬ومسيت ‪ .. .‬هذه األلفاظ صرحية ; ألهنا‬
‫ال حتتمل غري الوقف ‪ ,‬فمىت أتى بصيغة منها ; صار وقفا ‪ ,‬من غري انضمام أمر زائد إليها ‪.‬‬

‫والقسم الثاين ‪ :‬ألفاظ كناية ; كأن يقول ‪ :‬تصدقت ‪ ,‬وحرمت ‪ ,‬وأبدت ‪ .. .‬مسيت كناية ألهنا حتتمل معىن الوقف‬
‫وغريه ‪ ,‬فمىت تلفظ بواحد من هذه األلفاظ ; اشرتط اقرتان نية الوقف معه ‪ ,‬أو اقرتان أحد األلفاظ الصرحية أو‬
‫الباقي من ألفاظ الكناية معه ‪ ,‬واقرتان األلفاظ الصرحية ; كأن يقول ‪ :‬تصدقت بكذا صدقة موقوفة أو حمبسة أو‬
‫مسبلة أو حمرمة أو مؤبدة ‪ ,‬واقرتان لفظ الكناية حبكم الوقف ; كأن يقول ‪ :‬تصدقت بكذا صدقة ال تباع وال‬
‫تورث ‪.‬‬

‫* ويشرتط لصحة الوقف شروط وهي ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬أن يكون الواقف جائز التصرف كما سبق ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أن يكون املوقوف مما ينتفع به انتفاعا مستمرا مع بقاء عينه ‪ ,‬فال يصح وقف ما ال يبقى بعد االنتفاع به ;‬
‫كالطعام ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪79‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ثالثا ‪ :‬أن يكون املوقوف معينا ; فال يصح وقف غري املعني ; كما لو قال ‪ :‬وقفت عبدا من عبيدي أو بيتا من بيويت‬
‫‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬أن يكون الوقف على بر ; ألن املقصود به التقرب إىل اهلل تعاىل ; كاملساجد والقناطر واملساكني والسقايات‬
‫وكتب العلم واألقارب ; فال يصح الوقف على غري جهة بر ‪ ,‬كالوقف على معابد الكفار ‪ ,‬وكتب الزندقة ‪,‬‬
‫والوقف على األضرحة لتنويرها أو تبخريها ‪ ,‬أو على سدنتها ; ألن ذلك إعانة على املعصية والشرك والكفر‬

‫خامسا ‪ :‬ويشرتط لصحة الوقف إذا كان على معني أن يكون ذلك املعني ميلك ملكا ثابتا ; ألن الوقف متليك ; فال‬
‫يصح على من ال ميلك ‪ ,‬كامليت واحليوان ‪.‬‬

‫سادسا ‪ :‬ويشرتط لصحة الوقف أن يكون منجزا ; فال يصح الوقف املؤقت وال املعلق ‪ ,‬إال إذا علقه على موته ;‬
‫صح ذلك ; كأن يقول إذا مت ; فبييت وقف على الفقراء ; ملا روى أبو داود ‪ " :‬أوصى عمر إن حدث به حدث ‪,‬‬
‫فإن مسعا ( أرض له ) صدقة ‪ , ,‬واشتهر ‪ ,‬ومل ينكر ‪ ,‬فكان إمجاعا ‪ ,‬ويكون الوقف املعلق على املوت من ثلث‬
‫املال ; ألنه يكون يف حكم الوصية ‪.‬‬

‫* ومن أحكام الوقف أنه جيب العمل بشرط الواقف إذا كان ال خيالف الشرع ‪ ,‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫وألن عمر رضي اهلل عنه وقف‬ ‫املسلمون على شروطهم ‪ ,‬إال شرطا أحل حراما أو حرم حالال‬
‫وقفا وشرط فيه شرطا ‪ ,‬ولو مل جيب اتباع شرطه ; مل يكن فيه فائدة ‪ ,‬فإذا شرط منه مقدارا معينا أو شرط تقدميا‬
‫لبعض املستحقني على بعض أو مجعهم أو اشرتط اعتبار وصف يف املستحق أو اشرتط عدمه أو شرط النظر على‬
‫الوقف وغري ذلك ; لزم العمل بشرطه ‪ ,‬ما مل خيالف كتابا وال سنة ‪ .‬فإن مل يشرتط شيئا ‪ ,‬استوى يف االستحقاق‬
‫الغين والفقري والذكر واألنثى من املوقوف عليهم ‪.‬‬

‫* وإذا مل يعني ناظرا للوقف ‪ ,‬أو عني شخصا ومات فالنظر يكون للموقوف عليه إن كان معينا ‪ ,‬وإن كان‬
‫الوقف على جهة كاملساجد ‪ ,‬أو من ال ميكن حصرهم كاملساكني ; فالنظر على الوقف للحاكم ‪ ,‬يتواله بنفسه ‪,‬‬
‫أو ينيب عنه من يتواله ‪.‬‬

‫* وجيب على الناظر أن يتقي اهلل وحيسن الوالية على الوقف ; ألن ذلك أمانة اؤمتن عليها ‪.‬‬

‫* وإذا وقف على أوالده استوى الذكور واإلناث يف االستحقاق ; ألنه شرك بينهم ‪ ,‬وإطالق التشريك‬
‫يقتضي االستواء يف االستحقاق ; كما لو أقر هلم بشيء ; فإن املقر به يكون بينهم بالسوية ; فكذلك إذا وقف‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪80‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫عليهم شيئا ‪ ,‬مث بعد أوالده لصلبه ينتقل الوقف إىل أوالد بنيه دون ولد بناته ; ألهنم من رجل آخر ‪ ,‬فينسبون إىل‬
‫ِد‬ ‫ِص‬
‫ومن العلماء من يرى دخوهلم يف‬ ‫ُيو يُك ُم الَّلُه يِف َأْو اَل ُك ْم‬ ‫آبائهم ‪ ,‬ولعدم دخوهلم يف قوله تعاىل ‪:‬‬
‫لفظ األوالد ; ألن البنات أوالده ; فأوالدهن أوالد أوالده حقيقة ‪ ,‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫ولو قال ‪ :‬وقف على أبنائي ‪ ,‬أو ‪ :‬بين فالن ‪ ,‬اختص الوقف بذكورهم ; ألن لفظ البنني وضع لذلك‬
‫إال أن يكون املوقوف عليهم قبيلة ‪ ,‬كبين هاشم وبين‬ ‫َأْم َلُه اْلَبَناُت َو َلُك ُم اْلَبُنوَن‬ ‫حقيقة ‪ ,‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫متيم ; فيدخل فيهم النساء ; ألن اسم القبيلة يشمل ذكرها وأنثاها ‪.‬‬

‫* لكن إذا وقف على مجاعة ميكن حصرهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم ‪ ,‬وإن مل ميكن حصرهم‬
‫واستيعاهبم ‪ ,‬كبين هاشم وبين متيم ‪ ,‬مل جيب تعميمهم ; ألنه غري ممكن ‪ ,‬وجاز االقتصار على بعضهم وتفضيل‬
‫بعضهم على بعض ‪.‬‬

‫ال يباع‬ ‫* والوقف من العقود الالزمة مبجرد القول ; فال جيوز فسخه ; لقوله عليه الصالة والسالم ‪:‬‬
‫قال الرتمذي ‪ " :‬العمل على هذا احلديث عند أهل العلم " ‪ .‬فال جيوز‬ ‫أصلها وال يوهب وال يورث‬
‫فسخه ; ألنه مؤبد ‪ ,‬وال يباع ‪ ,‬وال يناقل به ; إال أن تتعطل منافعه بالكلية ‪ ,‬كدار اهندمت ومل متكن عمارهتا من‬
‫ريع الوقف ‪ ,‬أو أرض زراعية خربت وعادت مواتا ومل ميكن عمارهتا حبيث ال يكون يف ريع الوقف ما يعمرها ;‬
‫فيباع الوقف الذي هذه حاله ‪ ,‬ويصرف مثنه يف مثله ; ألنه أقرب إىل مقصود الواقف ‪ ,‬فإن تعذر مثله كامال ‪,‬‬
‫صرف يف بعض مثله ‪ ,‬ويصري البديل وقفا مبجرد شرائه ‪.‬‬

‫* وإن كان الوقف مسجدا ‪ ,‬فتعطل ومل ينتفع به يف موضعه كأن خربت حملته ; فإنه يباع ويصرف مثنه يف‬
‫مسجد آخر ‪ ,‬وإذا كان على مسجد وقف زاد ريعه عن حاجته ; جاز صرف الزائد إىل مسجد آخر ; ألنه انتفاع‬
‫به يف جنس ما وقف له ‪ ,‬وجتوز الصدقة بالزائد من غلة الوقف على املسجد على املساكني ‪.‬‬

‫* وإذا وقف على معني ; كما لو قال ‪ :‬هذا وقف على زيد ‪ ,‬يعطى منه كل سنة مائة ‪ ,‬وكان يف ريع الوقف‬
‫فائض عن هذا القدر ; فإنه يتعني إرصاد الزائد ‪ ,‬وقال الشيخ تقي الدين رمحه اهلل ‪ " :‬إن علم أن ريعه يفضل‬
‫دائما ‪ ,‬وجب صرفه ; ألن بقاءه فساد له " ‪.‬‬

‫* وإذا وقف على مسجد ‪ ,‬فخرب ‪ ,‬وتعذر اإلنفاق عليه من الوقف صرف يف مثل من املساجد‬

‫باب يف أحكام اهلبة والعطية‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪81‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* اهلبة ‪ :‬هي التربع من جائز التصرف يف حياته لغريه مبال معلوم * وقد كان النيب صلى اهلل عليه وسلم يهدي‬
‫ويهدى إليه ‪ ,‬ويعطي ويعطى ; فاهلبة واهلدية من السنة املرغب فيها ملا يرتتب عليها من املصاحل ‪ ,‬قال ‪ :‬صلى اهلل‬
‫" كان رسول اهلل صلى‬ ‫وعن عائشة رضي اهلل عنها ; قالت ‪:‬‬ ‫هتادوا حتابوا‬ ‫عليه وسلم ‪:‬‬
‫هتادوا ; فإن اهلدية تسل‬ ‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬ ‫اهلل عليه وسلم يقبل اهلدية ويثيب عليها "‬
‫السخية‬

‫* وتلزم اهلبة إذا قبضها املوهوب له بإذن الواهب فليس له الرجوع فيها ‪ ,‬أما قبل القبض ; فله الرجوع ‪,‬‬
‫" أن أبا بكر حنلها جذاذ عشرين وسقا من ماله بالعالية ‪ ,‬فلما مرض‬ ‫بدليل حديث عائشة رضي اهلل عنها ‪:‬‬
‫; قال ‪ :‬يا بنية ! كنت حنلتك جذاذ عشرين وسقا ‪ ,‬ولو كنت حزتيه أو قبضتيه ; كان لك ; فإمنا هو اليوم مال‬
‫وارث ; فاقتسموه على كتاب اهلل تعاىل "‬

‫* وإن كانت اهلبة يف يد املتهب وديعة أو عارية ‪ ,‬فوهبها له ; فاستدامته هلا تكفي عن قبضها ابتداء ‪.‬‬

‫* وتصح به الدين ملن هو يف ذمته ‪ ,‬ويعترب ذلك إبراء له ‪ ,‬وجيوز هبة كل ما جيوز بيعه ‪.‬‬

‫* وال تصح اهلبة املعلقة على شرط مستقبل كأن يقول ‪ :‬إذا حصل كذا ; فقد وهبتك كذا ‪.‬‬

‫* وال تصح اهلبة مؤقتة ‪ ,‬كأن يقول ‪ :‬وهبتك كذا شهرا أو سنة ; ألهنا متليك للعني ‪ ,‬فال تقبل التوقيت ;‬
‫كالبيع ‪ ,‬لكن يستثىن من التعليق تعليق اهلبة باملوت ; كأن يقول ‪ :‬إذا مت ‪ ,‬فقد وهبتك كذا وكذا ‪ ,‬وتكون وصية‬
‫تأخذ أحكامها ‪.‬‬

‫* وال جيوز لإلنسان أن يهب لبعض أوالده ويرتك بعضهم أو يفضل بعضهم على بعض يف اهلبة بل جيب عليه‬
‫العدل بينهم ‪ ,‬بتسوية بعضهم ببعض ‪ ,‬حلديث النعمان بن بشري ‪ :‬أن أباه أتى به النيب صلى اهلل عليه وسلم ملا حنله‬
‫أكل ولدك حنلت مثل‬ ‫حنلة ليشهد عليها النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫متفق عليه ‪ ,‬فدل على‬ ‫هذا ؟ ‪ .‬فقال ‪ :‬ال ‪ .‬فقال ‪ " :‬أرجعه " ‪ .‬مث قال ‪ :‬اتقوا اهلل ‪ ,‬واعدلوا بني أوالدكم‬
‫وجوب العدل بني األوالد يف العطية ‪ ,‬وأهنا حترم الشهادة على ختصيص بعضهم أو تفضيله حتمال وأداء إن علم ذلك‬
‫‪.‬‬

‫* وإذا وهب اإلنسان هبة وقبضها املوهوب له ‪ ,‬حرم عليه الرجوع فيها وسحبها منه ‪ ,‬حلديث ابن عباس‬
‫فدل هذا على حترمي الرجوع يف اهلبة ;‬ ‫" العائد يف هبته كالكلب يقيء مث يعود يف قيئه "‬ ‫مرفوعا ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪82‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ال حيل‬ ‫إال ما استثناه الشارع ‪ ,‬وهو األب ; فله أن يرجع فيما وهبه لولده ‪ ,‬ولقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه اخلمسة وصححه الرتمذي ‪.‬‬ ‫للرجل أن يعطي العطية فريجع فيها ‪ ,‬إال الوالد فيما يعطي ولده‬

‫" إن‬ ‫* كما أن للوالد أن يأخذ وميتلك من مال ولده ما ال يضر الولد وال حيتاجه ; حلديث عائشة ‪:‬‬
‫رواه الرتمذي وحسنه ‪ ,‬ورواه غريه ‪ ,‬وله‬ ‫أطيب ما أكلتم من كسبكم ‪ ,‬وإن أوالدكم من كسبكم "‬
‫شواهد تدل مبجموعها على أن للوالد األخذ والتملك واألكل من مال ولده ما ال يضر الوالد وال يتعلق حباجته ‪ ,‬بل‬
‫يقتضي إباحة نفسه ألبيه كإباحة ماله ‪ ,‬فيجب‬ ‫أنت ومالك ألبيك‬ ‫إن قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫على الولد أن خيدم أباه بنفسه ‪ ,‬ويقضي له حوائجه ‪ .‬وليس للوالد أن يتملك من مال الولد ما يضره أو تتعلق به‬
‫وليس للولد مطالبة أبيه بدين وحنوه ;‬ ‫ال ضرر وال ضرار‬ ‫حاجته ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫ألن رجال جاء إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم بأبيه يقتضيه دينا عليه ‪ ,‬فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫َو ِباْلَو اِلَد ْيِن‬ ‫فدل على أنه ال حيق للولد مطالبة والده بالدين ‪ ,‬وقد قال اهلل تعاىل ‪:‬‬ ‫أنت ومالك ألبيك‬
‫فأمر سبحانه باإلحسان إىل الوالدين ‪ ,‬ومن اإلحسان إليهما عدم مطالبتهما باحلق الذي عليهما للولد‬ ‫ِإْح َس اًنا‬
‫‪ ,‬ما عدا النفقة الواجبة على الوالد ‪ ,‬فللولد مطالبته هبا ‪ ,‬لضرورة حفظ النفس إذا كان الولد يعجز عن الكسب ‪,‬‬
‫خذي ما يكفيك وولدك باملعروف‬ ‫ولقوله صلى اهلل عليه وسلم هلند ‪:‬‬

‫هتادوا ; فإن اهلدايا تذهب وحر‬ ‫* واهلدية تذهب احلقد وجتلب احملبة ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫الصدور‬

‫* وال ينبغي رد اهلدية وإن قلت ‪ ,‬وتسن اإلثابة عليها ; ألنه صلى اهلل عليه وسلم كان يقبل اهلدية ويثيب‬
‫عليها ‪ ,‬وذلك من حماسن الدين ‪ ,‬ومكارم الشيم ‪.‬‬

‫كتاب املواريث‬

‫باب يف تصرفات املريض املالية‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫* حالة الصحة ختتلف عن حالة املرض من حيث نفوذ تصرفات اإلنسان يف ماله يف حدود الشرع والرشد من‬
‫غري استدراك عليه ‪ ,‬والصدقة يف هذه احلالة أفضل من الصدقة يف حالة املرض وأعظم أجرا ‪ .‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪83‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ِم‬ ‫ٍب‬ ‫ِإ‬ ‫ِم‬ ‫ِف ِم‬


‫َو َأْن ُقوا ْن َم ا َر َز ْقَناُك ْم ْن َقْبِل َأْن َيْأَيِت َأَح َد ُك ُم اْلَمْو ُت َفَيُقوَل َر ِّب َلْو اَل َأَّخ ْر َتيِن ىَل َأَج ٍل َقِر ي َفَأَّصَّد َق َو َأُك ْن َن‬
‫الَّص اِحِلَني َو َلْن ُيَؤ ِّخ َر الَّلُه َنْف ًس ا ِإَذا َج اَء َأَج ُلَه ا َو الَّلُه َخ ِبٌري َمِبا َتْع َم ُلوَن‬

‫أن تصدق وأنت صحيح شحيح‬ ‫ويف " الصحيحني " ‪ :‬أن النيب ملا سئل ‪ :‬أي الصدقة أفضل ; قال ‪:‬‬
‫‪ ,‬تأمل الغىن ‪ ,‬وختشى الفقر ‪ ,‬وال متهل حىت إذا بلغت احللقوم ; قلت ‪ :‬لفالن كذا ‪ ,‬وقد كان لفالن‬

‫* واملرض ينقسم إىل قسمني ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬مرض غري خموف ‪ :‬أي ‪ :‬ال خياف منه املوت يف العادة ‪ ,‬كوجع ضرس وعني وصداع يسري ‪ ,‬فهذا القسم من‬
‫املرض يكون تصرف املريض فيه الزما كتصرف الصحيح ‪ ,‬وتصح عطيته من مجيع ماله ‪ ,‬ولو تطور إىل مرض‬
‫خموف ومات منه ‪ ,‬اعتبارا حباله حال العطية ; ألنه يف حال العطية يف حكم الصحيح‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬مرض خموف ‪ :‬مبعىن أنه يتوقع منه املوت عادة ; فإن تربعات املريض يف هذا املرض وعطاياه تنفذ من ثلثه ال‬
‫من رأس املال ‪ ,‬فإن كانت يف حدود الثلث فما دون ; نفذت ‪ ,‬وإن زادت عن ذلك ; فإهنا ال تنفذ ‪ ,‬إال بإجازة‬
‫إن اهلل تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة‬ ‫الورثة هلا بعد املوت ‪ ,‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه ابن ماجه والدارقطين ‪ ,‬فدل هذا احلديث وما ورد مبعناه على اإلذن بالتصرف يف ثلث‬ ‫يف أعمالكم‬
‫املال عند الوفاة ‪ ,‬وهو مذهب مجهور العلماء ‪ ,‬وألنه يف حال املرض املخوف يغلب موته به ‪ ,‬فكانت عطيته من‬
‫رأس املال جتحف بالوارث ‪ ,‬فردت إىل الثلث كالوصية‬

‫‪ .‬ومثل حالة املرض املخوف يف حكم التصرف املايل حالة اخلطر ‪ ,‬كمن وقع الوباء يف بلده ‪ ,‬أو كان بني‬
‫الصفني يف القتال ‪ ,‬أو كان يف جلة البحر عند هيجانه ; فإنه ال ينفذ تربعه يف تلك احلال فيما زاد على الثلث ‪ ,‬إال‬
‫بإجازة الورثة بعد املوت ‪ ,‬وال يصح تربعه يف تلك احلال ألخد ورثته بشيء ; إال بإجازة الورثة إن مات يف هذه‬
‫احلال ‪ ,‬فإن عويف من املرض املخوف ; نفذت عطاياه كلها ; لعدم املانع‪.‬‬

‫ومن كان مرضه مزمنا ‪ ,‬ومل يلزمه الفراش ‪ ,‬فتربعاته تصح من مجيع ماله كتربعات الصحيح ; ألنه ال خياف‬
‫منه تعجيل املوت ; فهو كاهلرم ‪ ,‬أما إن لزم من به مرض مزمن الفراش ; فهو كمن مرضه خموف ‪ ,‬ال تصح وصاياه‬
‫إال يف حدود الثلث ‪ ,‬ولغري الوارث ; إال إذا أجازها الورثة ; ألنه مريض مالزم للفراش ‪ ,‬خيشى عليه التلف‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪84‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* ويعترب مقدار الثلث عند موته ; ألنه وقت لزوم الوصايا ‪ ,‬ووقت استحقاقها ‪ ,‬فتنفذ الوصايا والعطايا من‬
‫ثلثه حينئذ ‪ ,‬فإن ضاق عنها ‪ ,‬قدمت العطايا على الوصايا ; ألهنا الزمة يف حق املريض ‪ ,‬فقدمت على الوصية ;‬
‫كالعطية يف حال الصحة ‪.‬‬

‫* وهناك فروق بني الوصية والعطية ; فقد قال الفقهاء رمحهم اهلل ‪ :‬إن الوصية تفارق العطية يف أربعة أشياء‬

‫أحدها ‪ :‬أنه يسوى بني املتقدم املتأخر يف الوصية ; ألهنا تربع بعد املوت ‪ ,‬يوجب دفعة واحدة ‪ ,‬أما العطية ; فيبدأ‬
‫باألول فاألول فيها ; ألهنا تقع الزمة يف حق املعطى‪.‬‬

‫الثاين ‪ :‬أن املعطي ال ميلك الرجوع يف العطية بعد قبضها ; خبالف الوصية ; فإن املوصي ميلك الرجوع فيها ; ألهنا‬
‫ال تلزم إال باملوت ‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬أن العطية يعترب القبول هلا عند وجودها ; ألهنا متلك يف احلال ; خبالف الوصية ; فإهنا متليك بعد املوت ;‬
‫فاعترب القبول عند وجوده ‪ ,‬فال حكم لقبوهلا قبل املوت‬

‫الرابع ‪ :‬أن العطية يثبت امللك فيها عند قبوهلا ; خبالف الوصية ‪ ,‬فإهنا ال متلك قبل املوت ; ألهنا متليك بعده ; فال‬
‫تتقدمه ‪.‬‬

‫باب يف أحكام الوصايا‬

‫* الوصية لغة مأخوذة من وصيت الشيء إذا وصلته ‪ ,‬مسيت بذلك ألهنا وصل ملا كان يف احلياة مبا بعد املوت‬
‫; ألن املوصي وصل بعض التصرف اجلائز له يف حياته ليستمر بعد موته ‪.‬‬

‫* والوصية يف اصطالح الفقهاء ‪ :‬هي األمر بالتصرف بعد املوت ‪ ,‬أو بعبارة أخرى ‪ :‬هي التربع باملال بعد‬
‫املوت ‪.‬‬

‫ِإ‬ ‫ِت‬
‫ُك َب َعَلْيُك ْم َذا َح َض َر‬ ‫* والدليل على مشروعيتها الكتاب والسنة واإلمجاع ‪ - .‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫ِق‬ ‫ِف‬ ‫ِص ِل ِل‬
‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫َأَح َد ُك ُم اْلَمْو ُت ِإْن َتَر َك َخ ْيًر ا اْلَو َّيُة ْلَو ا َد ْيِن َو اَأْلْقَر ِبَني ِباْلَم ْع ُر و َح ًّقا َعَلى اْلُم َّت َني‬
‫إن اهلل تصدق عليكم بثلث‬ ‫‪ -‬وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬ ‫ِم ْن َبْع ِد َو ِص َّيٍة ُيوِص ي َهِبا َأْو َدْيٍن‬
‫‪.‬‬ ‫أموالكم عند وفاتكم زيادة يف حسناتكم‬

‫‪ -‬وأمجع العلماء على جوازها ‪.‬‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪85‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* والوصية تارة تكون واجبة وتارة مستحبة ‪ -‬فتجب الوصية مبا له وما عليه من احلقوق اليت ليس فيها‬
‫ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي به يبيت ليلتني ;‬ ‫إثباتات لئال تضيع ‪ ,‬قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فإذا كان عنده ودائع للناس أو يف ذمته حقوق هلم ‪ ,‬وجب عليه أن يكتبها‬ ‫إال ووصيته مكتوبة عنده‬
‫ويبينها ‪.‬‬

‫‪ -‬وتكون الوصية مستحبة بأن يوصي بشيء من ماله يصرف يف سبل الرب واإلحسان ليصل إليه ثوابه بعد‬
‫وفاته ; فقد أذن له الشارع بالتصرف عند املوت بثلث املال ‪ ,‬وهذا من لطف اهلل بعباده ; لتكثري األعمال الصاحلة‬
‫هلم ‪.‬‬

‫* وتصح الوصية حىت من الصيب العاقل كما تصح منه الصالة ‪ ,‬وتثبت باإلشهاد وبالكتابة املعروفة خبط‬
‫املوصي‪.‬‬

‫* ومن أحكام الوصية أهنا جتوز حبدود ثلث املال فأقل ‪ ,‬وبعض العلماء يستحب أن ال تبلغ الثلث ; فقد ورد‬
‫عن أيب بكر الصديق وعلي بن أيب طالب وعبد اهلل بن عباس رضي اهلل عنهم ‪ - :‬فقد قال أبو بكر رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫َو اْع َلُم وا َأَمَّنا َغِنْم ُتْم ِم ْن َش ْي ٍء َفَأَّن‬ ‫يعين ‪ :‬يف قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫" رضيت مبا رضي اهلل به لنفسه "‬
‫ِل ِه‬
‫" ألن أوصي باخلمس أحب إيل من أوصي بالربع "‬ ‫‪ -‬وقال علي رضي اهلل عنه ‪:‬‬ ‫َّل ُمُخَس ُه‬
‫‪ -‬وقال ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪ " :‬لو أن الناس غضوا من الثلث إىل الربع ; فإن رسول اهلل صلى اهلل‬
‫الثلث ‪ ,‬والثلث كثري‬ ‫عليه وسلم قال ‪:‬‬

‫* وال جتوز الوصية بأكثر من الثلث ملن له وارث ; إال بإجازة الورثة ; ألن ما زاد على الثلث حق هلم ‪ ,‬فإذا‬
‫أجازوا الزيادة عليه ‪ ,‬صح ذلك ‪ ,‬وتعترب إجازهتم هلا بعد املوت ‪.‬‬

‫ال وصية لوارث‬ ‫* ومن أحكام الوصايا أهنا ال تصح ألحد من الورثة ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه أمحد وأبو داود والرتمذي وحسنه ‪ ,‬وله شواهد ‪ ,‬وقال الشيخ تقي الدين ‪ " :‬اتفقت األمة عليه " ‪,‬‬
‫وذكر الشافعي أنه متواتر ‪ ,‬فقال ‪ " :‬وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم باملغازي من قريش وغريهم‬
‫ويأثرونه عمن لقوه من‬ ‫ال وصية لوارث‬ ‫ال خيتلفون أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال عام الفتح ‪:‬‬
‫أهل العلم ; إال إذا أجاز الورثة الوصية للوارث ; فإمنا تصح ; ألن احلق هلم ‪ ,‬وتعترب صحة إجازهتم الوصية بالزيادة‬
‫على الثلث لغري الوارث وإجازهتم الوصية للوارث إذا كانت اإلجازة صادرة منهم يف مرض موت املوصي أو بعد‬
‫وفاته ‪" .. .‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪86‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* ومن أحكام الوصية أهنا إمنا تستحب يف حق من له مال كثري ووارثه غري حمتاج ‪ ,‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫واخلري هو املال الكثري عرفا ; فتكره وصية من‬ ‫ُك ِتَب َعَلْيُك ْم ِإَذا َح َض َر َأَح َد ُك ُم اْلَمْو ُت ِإْن َتَر َك َخ ْيًر ا اْلَو ِص َّيُة‬
‫ماله قليل ووارثه حمتاج ; ألنه يكون بذلك قد عدل عن أقاربه احملاويج إىل األجانب ‪ ,‬ولقوله صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وقال‬ ‫إنك أن تذر ورثتك أغنياء خري من أن تذرهم عالة يتكففون الناس‬ ‫لسعد بن أيب وقاص ‪:‬‬
‫الشعيب ‪ " :‬ما من مال أعظم أجرا من مال يرتكه الرجل لولده ويغنيهم به عن الناس " ‪ ,‬وقال علي لرجل ‪:‬‬
‫وكان كثري من أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم مل يوصوا ‪.‬‬ ‫" إمنا تركت شيئا يسريا ‪ ,‬فدعه لورثتك "‬

‫َغْيَر‬ ‫* وإذا كان قصد املوصي املضارة بالوارث ومضايقته فإن ذلك حيرم عليه ويأمث به ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫" إن الرجل ليعمل بطاعة اهلل ستني سنة ‪ ,‬مث حيضره املوت ‪ ,‬فيضار يف الوصية‬ ‫ويف احلديث ‪:‬‬ ‫ُمَض اٍّر‬
‫قال اإلمام‬ ‫" اإلضرار يف الوصية من الكبائر "‬ ‫وقال ابن عباس ‪:‬‬ ‫‪ ,‬فتجب له النار "‬
‫أي ‪ :‬يوصي حال كونه غري مضار لورثته بوجه من وجوه‬ ‫َغْيَر ُمَض اٍّر‬ ‫الشوكاين رمحه اهلل ‪ " :‬قوله ‪:‬‬
‫الضرار ‪ ,‬كأن يقر بشيء ليس عليه ‪ ,‬أو يوصي بوصية ال مقصد له فيها إال الضرار بالورثة ‪ ,‬أو يوصي لوارث‬
‫راجع إىل‬ ‫َغْيَر ُمَض اٍّر‬ ‫مطلقا أو لغريه بزيادة على الثلث ومل جتز الورثة ‪ ,‬وهذا القيد ‪ -‬أعين قوله ‪:‬‬
‫الوصية والدين املذكورين ; فهو قيد هلا ‪ ,‬فما صدر من اإلقرارات بالديون أو الوصايا املنهي عنها أو اليت ال مقصد‬
‫لصاحبها إال املضارة لورثته ‪ ,‬فهو باطل مردود ‪ ,‬ال ينفذ منه شيء ‪ ,‬ال الثلث وال دونه " انتهى كالم الشوكاين‬
‫رمحه اهلل ‪.‬‬

‫* ومن أحكام الوصايا جواز الوصية بكل املال ملن ال وارث له ; لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫وورد جواز ذلك عن ابن مسعود رضي‬ ‫إنك أن تذر ورثتك أغنياء خري من أن تذرهم عالة يتكففون الناس‬
‫اهلل عنه ‪ ,‬وقال به مجع من العلماء ; ألن املنع من الوصية مبا زاد عن الثلث ألجل حق الورثة ‪ ,‬فإذا عدموا ; زال‬
‫املانع ; ألنه مل يتعلق به حق وارث وال غرمي ; فأشبه ما لو تصدق مباله يف حال صحته‬
‫‪ .‬قال اإلمام ابن القيم ‪ " :‬الصحيح أن ذلك له ; ألنه إمنا منعه الشارع فيما زاد على الثلث إذا كان له ورثة ‪ ,‬فمن‬
‫ال وارث له ال يعرتض عليه فيما صنع يف ماله ‪ " .. .‬انتهى كالم ابن القيم ‪.‬‬

‫* ومن أحكام الوصايا أنه إذا مل يف ثلث مال املوصي هبا ومل جتز الورثة الزيادة على الثلث ‪ ,‬فإن النقص‬
‫يدخل على اجلميع بالقسط فيتحاصون ‪ ,‬وال فرق بني متقدمها ومتأخرها ; ألهنا كلها تربع بعد املوت ‪ ,‬فوجبت‬
‫دفعة واحدة ‪ ,‬تساوى أصحاهبا يف األصل وتفاوتوا يف املقدار ‪ ,‬فوجبت احملاصة ‪ ,‬كمسائل العول يف الفرائض إذا‬
‫زادت على أصل املسألة ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪87‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫مثال ذلك ‪ :‬لو أوصى لشخص مبائة لاير ‪ ,‬وآلخر مبائة لاير ‪ ,‬ولثالث خبمسني رياال ‪ ,‬ولرابع بثالثني رياال ‪,‬‬
‫وخلامس بعشرين رياال ‪ ,‬وثلث ماله مائة لاير فقط ‪ ,‬وجمموع الوصايا ثالث مائة لاير ‪ ,‬فإذا نسبت مبلغ الثلث إىل‬
‫مبلغ جمموع الوصايا ; بلغ ثلثه ‪ ,‬فيعطى كل واحد ثلث ما أوصى له به فقط ‪.‬‬

‫* ومن أحكام الوصايا أن االعتبار بصحتها وعدم صحتها حبالة املوت ‪ ,‬فلو أوصى لوارث ‪ ,‬فصار عند‬
‫املوت غري وارث كأخ حجب بابن جتدد ; صحت الوصية اعتبارا حبال املوت ; ألنه احلال الذي حيصل به االنتقال‬
‫إىل الوارث واملوصى له ‪ ,‬وبعكس ذلك ‪ ,‬لو أوصى لغري وارث ‪ ,‬فصار عند املوت وارثا ; فإهنا ال تصح الوصية ;‬
‫كما لو أوصى ألخيه مع وجود ابنه حال الوصية ‪ ,‬مث مات ابنه ‪ ,‬فإهنا تبطل الوصية إن مل جتزها الورثة ; ألن أخاه‬
‫صار عند املوت وارثا ‪.‬‬

‫ويرتتب على هذا احلكم أيضا أنه ال يصح قبول الوصية وال ميلك املوصى له العني املوصى هبا إال بعد موت‬
‫املوصي ; ألن ذلك وقت ثبوت حقه ‪ ,‬وال يصح القبول قبل موت املوصي ‪ .‬قال املوفق ‪ " :‬ال نعلم خالفا بني أهل‬
‫العلم يف أن اعتبار الوصية باملوت ‪ ,‬وإن كانت الوصية لغري معني كالفقراء كاملساكني أو من ال ميكن حصرهم كبين‬
‫متيم أو على مصلحة كاملساجد ; مل تفتقر إىل قبول ‪ ,‬ولزمت مبجرد املوت ‪ ,‬أما إذا كانت على معني ‪ ,‬فإهنا تلزم‬
‫بالقبول بعد املوت " ‪.‬‬

‫"‬ ‫* ومن أحكام الوصية أنه جيوز للموصي الرجوع فيها ونقضها أو الرجوع يف بعضها لقول عمر ‪:‬‬
‫وهذا متفق عليه بني أهل العلم ‪ ,‬فإذا قال ‪ :‬رجعت يف وصييت ‪ ,‬أو ‪:‬‬ ‫يغري الرجل ما شاء يف وصيته "‬
‫أبطلتها ‪ .. .‬وحنو ذلك ; بطلت ; ال سبق من أن االعتبار حبالة موت املوصي من حيث القبول ولزوم الوصية ;‬
‫فكذلك للموصي أن يرجع عنها يف حياته ‪ ,‬فلو قال ‪ :‬إن قدم زيد ; فله ما وصيت به لعمرو ‪ .‬فقدم زيد يف حياة‬
‫املوصي ; فالوصية له ‪ ,‬ويكون املوصي بذلك قد رجع عن الوصية لعمرو ‪ ,‬وإن مل يقدم زيد إال بعد وفاة املوصي ;‬
‫فالوصية لعمرو ; ألنه ملا مات املوصي قبل قدومه استقرت الوصية لألول وهو عمرو ‪.‬‬

‫* ومن أحكام الوصية أنه خيرج الواجب يف تركة امليت من الديون والواجبات الشرعية كالزكاة واحلج‬
‫ولقول‬ ‫ِم ْن َبْع ِد َو ِص َّيٍة ُيوِص ي َهِبا َأْو َدْيٍن‬ ‫والنذور والكفارات أوال ‪ ,‬وإن مل يوص به ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫علي رضي اهلل عنه ‪ :‬قضى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بالدين قبل الوصية ‪ ,‬رواه الرتمذي وأمحد وغريه ‪ ,‬فدل‬
‫فيبدأ‬ ‫" اقضوا اهلل ; فاهلل أحق بالوفاء "‬ ‫على تقدمي الدين على الوصية ‪ ,‬ويف " الصحيح " ‪:‬‬
‫بالدين ‪ ,‬مث الوصية ‪ ,‬مث اإلرث ; باإلمجاع ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪88‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫واحلكمة يف تقدمي ذكر الوصية على الدين يف اآلية الكرمية ‪ ,‬وإن كانت تتأخر عنه يف التنفيذ ‪ :‬أهنا ملا أشبهت‬
‫املرياث يف كوهنا بال عوض ; كان يف إخراجها مشقة على الوارث ‪ ,‬فقدمت يف الذكر ‪ ,‬حثا على إخراجها ‪,‬‬
‫واهتماما هبا ‪ ,‬وجيء بكلمة ( أو ) اليت للتسوية ‪ ,‬فيستويان يف االهتمام ‪ ,‬وإن كان الدين مقدما عليها ‪.‬‬

‫* ومن هنا ; فإن أمر الوصية مهم ‪ ,‬حيث نوه اهلل بشأهنا يف كتابه الكرمي ‪ ,‬وقدمها يف الذكر على غريها ;‬
‫اهتماما هبا ‪ ,‬وحثا على تنفيذها ‪ ,‬ما دامت تتمشى على الوجه املشروع ‪ ,‬وقد توعد اهلل من تساهل بشأهنا أو غري‬
‫ِذ‬ ‫ِمَس‬
‫َفَمْن َبَّد َلُه َبْع َد َم ا َعُه َفِإَمَّنا ِإُمْثُه َعَلى اَّل يَن ُيَبِّد ُلوَنُه ِإَّن الَّلَه‬ ‫فيها وبدل من غري مسوغ شرعي ‪ ,‬فقال سبحانه ‪:‬‬
‫قال اإلمام الشوكاين يف تفسريه ‪ " :‬والتبديل التغيري ‪ ,‬وهذا وعيد ملن غري الوصية املطابقة للحق‬ ‫ِمَس ِل‬
‫يٌع َع يٌم‬
‫اليت ال جنف فيها وال مضارة ‪ ,‬وأنه يبوء باإلمث ‪ ,‬وليس على املوصي من ذلك شيء ‪ ,‬فقد ختلص مما كان عليه‬
‫بالوصية به ‪ " .. .‬انتهى ‪.‬‬

‫* ومن أحكام الوصية صحتها لكل شخص يصح متلكه ‪ ,‬سواء كان مسلما أو كافرا ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫" هو وصية املسلم لليهودي والنصراين "‬ ‫قال حممد ابن احلنفية ‪:‬‬ ‫ِإاَّل َأْن َتْف َعُلوا ِإىَل َأْو ِلَياِئُك ْم َم ْع ُر وًفا‬
‫وقد كسا عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه أخا له وهو مشرك ‪ ,‬وأمساء وصلت أمها وهي راغبة عن‬
‫ِذ‬
‫اَل َيْنَه اُك ُم الَّلُه َعِن اَّل يَن ْمَل‬ ‫اإلسالم ‪ ,‬وصفية أم املؤمنني أوصت بثلثها ألخ هلا يهودي ‪ ,‬ولقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِس ِط‬ ‫ِحُي‬ ‫ِس‬ ‫ِم ِد‬ ‫ِت‬
‫ُيَق ا ُلوُك ْم يِف الِّديِن َو ْمَل ْخُيِر ُج وُك ْم ْن َياِر ُك ْم َأْن َتَبُّر وُه ْم َو ُتْق ُطوا ِإَلْيِه ْم ِإَّن الَّلَه ُّب اْلُم ْق َني‬

‫وإمنا تصح وصية املسلم للكافر املعني كما ورد ‪ ,‬وأما الكافر غري املعني ; فال تصح الوصية له ; كما لو‬
‫أوصى لليهود أو النصارى أو فقرائهم ‪ ,‬وكذا ال تصح الوصية للكافر املعني مبا ال جيوز متليكه إياه ومتكينه منه ‪,‬‬
‫كاملصحف ‪ ,‬والعبد املسلم ‪ ,‬أو السالح ‪.‬‬

‫وتصح الوصية حلمل حتقق وجوده قبل صدور الوصية ويعرف ذلك بأن تضعه أمه قبل متام ستة أشهر من‬
‫صدور الوصية إذا كان هلا زوج أو سيد ‪ ,‬أو تضعه ألقل من أربع سنني إن مل تكن ذات زوج أو سيد ; ألن مثل‬
‫هذا احلمل يرث ‪ ,‬فالوصية له تصح من باب أوىل ‪ ,‬وإن وضعته ميتا ‪ ,‬بطلت الوصية ‪.‬‬
‫وال تصح الوصية حلمل غري موجود حينها ‪ ,‬كما لو قال ‪ :‬أوصيت ملن حتمل به هذه املرأة ; ألهنا وصية ملعدوم ‪.‬‬

‫وإذا أوصى مببلغ كبري من املال حيج به عنه فإنه يصرف منه حجه بعد أخرى حىت ينفد ‪ ,‬وإن كان املبلغ قليال‬
‫; حج به من حيث بلغ ‪ ,‬وإن نص على أن املبلغ الكثري كله يصرف يف حجة واحدة ; صرف يف حجة واحدة ;‬
‫ألنه قصد بذلك نفع من حيج ‪ ,‬وال يصح حج الوصي أو الوارث عنه يف تلك الصور ; ألن املوصي قصد غري ما يف‬
‫الظاهر ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪89‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وال تصح الوصية ملن ال يصح متليكه ; كاجلين ‪ ,‬والبهيمة ‪ ,‬وامليت‬


‫وال تصح الوصية على جهة معصية ‪ :‬كالوصية للكنائس ومعابد الكفرة واملشركني ‪ ,‬وكالوصية لعمارة األضرحة‬
‫وإسراجها أو لسدنتها ‪ ,‬سواء كان املوصي مسلما أو كافرا‬
‫‪ .‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ " :‬لو حبس الذمي من مال نفسه شيئا على معابدهم ; مل جيز للمسلمني احلكم‬
‫بصحته ; ألنه ال جيوز هلم احلكم إال مبا أنزل اهلل ‪ ,‬ومما أنزل اهلل أن ال يتعاونوا على شيء من الكفر والفسوق‬
‫والعصيان ; فكيف يعاونون باحلبس على املواضع اليت يكفر فيها ؟ ! "‬

‫وال تصح الوصية على طباعة الكتب املنسوخة ‪ ,‬كالتوارة واإلجنيل ‪ ,‬أو طباعة الكتب املنحرفة ; ككتب‬
‫الزندقة واإلحلاد‬

‫ومن أحكام الوصية أنه يشرتط أن يكون املوصى به ماال أو منفعة مباحة‬
‫ولو كان مما يعجز يف تسليمه ; كالطري يف اهلواء ‪ ,‬واحلل الذي يف البطن ‪ ,‬واللنب الذي يف الضرع ‪ ,‬أو كان معدوما‬
‫; كما لو أوصى مبا حيمل حيوانه أو شجرته أبدا أو مدة معينة كسنة ‪ ,‬فإن حصل شيء من املعدوم ; فهو للموصى‬
‫له ‪ ,‬وإن مل حيصل شيء ; بطلت الوصية ; ألهنا مل تصادف حمال ‪.‬‬

‫وتصح الوصية باجملهول كما لو أوصى بعبد أو شاة ‪ ,‬ويعطى املوصى له حينئذ ما يقع عليه االسم حقيقة أو‬
‫عرفا ‪.‬‬

‫ومن أحكام الوصايا أنه ‪ :‬لو أوصى بثلث ماله ‪ ,‬فاستحدث ماال بعد الوصية دخل يف الوصية ; ألن الثلث إمنا‬
‫يعترب عند املوت يف املال املوجود حينه ‪.‬‬

‫ومن أحكام الوصايا أنه ‪ :‬لو أوصى لشخص بشيء معني من ماله ‪ ,‬فتلف ذلك املعني قبل موت املوصي أو‬
‫بعده ; بطلت الوصية ; لزوال حق املوصى له بتلف ما أوصي له به ‪.‬‬

‫ومن أحكام الوصايا أنه ‪ :‬إذا مل حيدد مقدار املوصى به ‪ ,‬كما لو أوصى بسهم من ماله فإنه يفسر بالسدس ;‬
‫ألن السهم يف كالم العرب هو السدس ‪ ,‬وبه قال علي وابن مسعود ; وألن السدس أقل سهم مفروض ‪ ,‬فتنصرف‬
‫الوصية إليه ‪ ,‬وإن أوصى بشيء من ماله ‪ ,‬ومل يبني مقداره ; فإن الوارث يعطي املوصى له ما شاء مما يتمول ; ألن‬
‫الشيء ال حد له يف اللغة وال يف الشرع ‪ ,‬فيصدق على أقل شيء يتمول ‪ ,‬وما ال يتمول ال حيصل به املقصود ‪ ,‬واهلل‬
‫أعلم ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪90‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫أحكام املوصى إليه ( الناظر على الوصية وغريها )‬

‫املوصى إليه ‪ :‬هو املأمور بالتصرف بعد املوت يف املال وغريه مما للموصي التصرف فيه حال احلياة ‪ ,‬وتدخله‬
‫النيابة ; ألن املوصى إليه نائب عن املوصي يف ذلك ‪.‬‬

‫ودخول املوصى إليه يف تلك النيابة وقبوله هلا مندوب إليه وقربة يثاب عليها ‪ ,‬لكن ذلك يشرع ملن عنده‬
‫وقوله‬ ‫َو َتَعاَو ُنوا َعَلى اْلِّرِب َو الَّتْق َو ى‬ ‫املقدرة على العمل وجيد من نفسه توفر األمانة ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ولفعل الصحابة رضي اهلل‬ ‫واهلل يف عون العبد ما دام العبد يف عون أخيه‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫عنهم ; فقد أوصى إىل الزبري رضي اهلل عنه مجاعة من الصحابة ‪ ,‬وأوصى أبو عبيدة إىل عمر رضي اهلل عنهما ‪,‬‬
‫وأوصى عمر إىل بنته حفصة رضي اهلل عنها مث إىل األكابر من ولده ‪ .‬أما من ال يقوى على القيام على الوصية ‪ ,‬أو‬
‫ال يأمر نفسه على حفظها ‪ ,‬فال جيوز له الدخول يف الوصاية ‪.‬‬

‫ويشرتط يف املوصى إليه أن يكون مسلما ; فال يصح اإليصاء إىل كافر‬
‫ويشرتط فيه أيضا أن يكون مكلفا ; فال يصح اإليصاء إىل صيب وال إىل جمنون ‪ ,‬وال إىل أبله ; ألن هؤالء ليسوا من‬
‫أمريكم‬ ‫أهل الوالية والتصرف ‪ ,‬لكن يصح تعليق اإليصاء إىل صيب ببلوغه ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫زيد ‪ ,‬فإن قتل ‪ ,‬فجعفر‬
‫ويصح اإليصاء إىل املرأة إذا كان فيها كفاءة للقيام بشئون الوصية ; ألن عمر رضي اهلل عنه أوصى إىل حفصة رضي‬
‫اهلل عنها ; وألن املرأة من أهل الشهادة ‪ ,‬فيصح اإليصاء إليها كالرجل ‪.‬‬

‫وتصح الوصية إىل من ال يقدر على مزاولة العمل لكن عنده تفكري سليم ‪ ,‬ويضم إليه قادرا أمينا يتعاون‬
‫معه ‪.‬‬

‫ويصح أن يوصي إىل أكثر من واحد ‪ ,‬سواء أوصى إليهم دفعة واحدة أو أوصى إليهم واحدا بعد واحد ‪ ,‬إذ‬
‫مل يعزل األول ‪.‬‬
‫وإذا أوصى إىل مجاعة فإهنم يشرتكون يف العمل ‪ ,‬وليس ألحدهم التصرف يف الوصية دون اآلخر ‪ ,‬وإن مات‬
‫أحدهم أو غاب ; أقام احلاكم مقامه من يصلح ‪.‬‬

‫ويصح قبول املوصى إليه الوصية يف حياة املوصي وبعد موته وله عزل نفسه مىت شاء يف حياة املوصي وبعد‬
‫موته ‪ ,‬وللموصي أيضا عزل املوصى إليه مىت شاء ; ألنه وكيل ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪91‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وال جيوز للموصى إليه أن يوصي إىل غريه ; إال أن جيعل ذلك إليه ; بأن يأذن له املوصي باإليصاء إىل غريه‬
‫مىت شاء ; كأن يقول ‪ :‬أذنت لك أن توصي إىل من شئت ‪.‬‬

‫ويشرتط لصحة اإليصاء أن يكون يف تصرف معلوم ليعلم املوصى إليه ما أوصي به إليه حىت يقوم حبفظه‬
‫والتصرف فيه ‪.‬‬
‫ويشرتط أيضا أن يكون التصرف املوصى به مما يصح للموصي فعله كقضاء دينه ‪ ,‬وتفرقة ثلثه ‪ ,‬والنظر‬
‫لصغاره ‪ .. .‬وحنو ذلك ; ألن املوصى إليه يتصرف باإلذن ‪ ,‬فلم جيز له التصرف إال فيما ميلكه املوصي ;‬
‫كالوكالة ; وألن املوصي أصل والوصي فرع ‪ ,‬وال ميلك الفرع ما ال ميلكه األصل ; فال تصح الوصية مبا ال ميلكه‬
‫املوصى ; كتوصية املرأة بالنظر يف حق أوالدها األصاغر ; ألنه ال والية عليهم لغري األب ‪.‬‬

‫وتتحدد الوصية مبا عينت فيه ; فمن وصى يف شيء ; مل يكن وصيا يف غريه ‪ ,‬فلو أوصى إىل شخص يف‬
‫قضاء ديونه ; مل يكن وصيا على أوالده ; ألن تصرفه يقتصر على ما أذن له فيه كالوكيل ‪.‬‬

‫وتصح وصية الكافر إىل مسلم إذا كانت تركته من املباح ‪ ,‬فإن كانت من احملرم كاخلمر واخلنزير ; مل‬
‫تصح ; ألن املسلم ال جيوز له أن يتوىل ذلك ‪.‬‬

‫وإن قال املوصي للموصى إليه ‪ :‬ضع ثلثي حيث شئت ; أو ‪ :‬تصدق به على من شئت مل جيز للوصي أن‬
‫يأخذ منه شيئا ; ألنه مل يأذن له بذلك ‪ ,‬وال جيوز له أيضا أن يعطيه لولده وورثته ; ألنه متهم يف حقهم ‪.‬‬

‫ومن أحكام الوصايا أن من مات مبكان ال حاكم فيه وال وصي كمن مات يف برية ; جاز لبعض من حضره‬
‫من املسلمني تويل تركته ‪ ,‬وعمل األصلح من بيع وغريه ; ألنه موضع ضرورة ‪ ,‬إذ يف تركه إتالف له ‪ ,‬وحفظه من‬
‫فروض الكفايات ‪ ,‬ويكفنه وجيهزه من تركته ‪.‬‬

‫باب يف أحكام املواريث‬

‫إن موضوع املواريث موضوع مهم وجدير بالعناية ‪ ,‬فقد حث النيب صلى اهلل عليه وسلم على تعلمه وتعليمه‬
‫تعلموا الفرائض ‪ ,‬وعلموها الناس ; فإهنا نصف‬ ‫يف أحاديث كثرية ‪ :‬منها ‪ :‬قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فإين امرؤ مقبوض‬ ‫رواه ابن ماجه ‪ ,‬ويف رواية ‪:‬‬ ‫العلم ‪ ,‬وهو ينسى ‪ ,‬وهو أول علم ينزع من أميت‬
‫رواه أمحد‬ ‫‪ ,‬وسن العلم سيقبض وتظهر الفنت ‪ ,‬حىت خيتلف اثنان يف الفريضة ‪ ,‬فال جيدان من يفصل بينهما‬
‫والرتمذي واحلاكم ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪92‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وقد وقع ما أخرب به صلى اهلل عليه وسلم ‪ ,‬فقد أمهل هذا العلم ونسي ; فال وجود لتعليمه يف املساجد إال نادرا ‪,‬‬
‫وال يف مدارس املسلمني إال يف بعض اجلهات التعليمية على شكل ضعيف ال يفي بالغرض وال يضمن بقاء هذا العلم‬
‫‪ .‬فيجب على املسلمني أن يهبوا إلحياء هذا العلم واحلفاظ عليه يف املساجد واملدارس واجلامعات ; فإهنم بأمس‬
‫احلاجة إليه ‪ ,‬وسيسألون عنه ‪.‬‬
‫العلم ثالثة ‪ ,‬وما سوى ذلك فضل ‪ :‬آية حمكمة ‪ ,‬وسنة قائمة ‪,‬‬ ‫وقد ثبت أنه صلى اهلل عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫وقال‬ ‫" تعلموا الفرائض ; فإهنا من دينكم "‬ ‫وعن عمر رضي اهلل عنه ‪:‬‬ ‫وفريضة عادلة‬
‫" من تعلم القرآن ; فليتعلم الفرائض "‬ ‫عبد اهلل ‪:‬‬
‫أن لإلنسان حالتني ‪:‬‬ ‫إهنا نصف العلم‬ ‫ومعىن قوله صلى اهلل عليه وسلم عن الفرائض ‪:‬‬
‫حالة حياة ‪ ,‬وحالة موت ‪ .‬ويف الفرائض معظم األحكام املتعلقة باملوت ‪ ,‬بينما يتعلق باقي العلم بأحكام احلياة ‪,‬‬
‫وقيل ‪ :‬صارت نصف العلم ; ألهنا حيتاج إليها الناس كلهم ‪ ,‬وقيل يف معناه غري ذلك ‪ ,‬واملهم أن يف ذلك توجيها‬
‫لالهتمام هبذا العلم ‪.‬‬

‫ويسمى هذا العلم بالفرائض ‪ ,‬مجع فريضة ‪ ,‬مأخوذ من الفرض ‪ ,‬وهو التقدير ; ألن أنصباء الورثة مقدرة ;‬
‫فالفريضة نصيب مقدر شرعا ملستحقه ‪ ,‬وعلم الفرائض هو العلم بقسمة املواريث من حيث فقه أحكامها ومعرفة‬
‫احلساب املوصل إىل قسمتها ‪.‬‬

‫ويتعلق برتكة امليت مخسة حقوق ‪ :‬فيبدأ مبؤنة ; جتهيزه من مثن كفن ومؤنة تغسيله وأجرة حفر قربه ‪ ,‬مث‬
‫تقضى منها ديونه ‪ ,‬سواء كانت هلل كالزكوات والكفارات والنذور واحلج الواجب أو كانت لآلدميني ‪ ,‬مث خترج‬
‫وصاياه ; بشرط أن تكون يف حدود الثلث فأقل ‪ ,‬مث يقسم الباقي بعد ذلك بني الورثة حسبما شرعه اهلل عز وجل ‪,‬‬
‫يقدم أصحاب الفروض ‪ ,‬فإن بقي شيء ‪ ,‬فهو للعصبة على ما سيأيت بيانه ‪.‬‬

‫ِت‬
‫ْلَك ُح ُد وُد‬ ‫وال جيوز تغيري املواريث عن وضعها الشرعي وذلك كفر باهلل عز وجل ‪ ,‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫ِظ‬ ‫ِل‬ ‫ِلِد ِف‬ ‫ِم ِت‬ ‫ٍت‬ ‫ِخ‬ ‫ِط‬ ‫ِه‬
‫الَّل َو َمْن ُي ِع الَّلَه َو َرُس وَلُه ُيْد ْلُه َج َّنا ْجَتِر ي ْن ْحَت َه ا اَأْلْنَه اُر َخ ا يَن يَه ا َو َذ َك اْلَف ْو ُز اْلَع يُم َو َمْن َيْع ِص الَّلَه‬
‫ِل ِف‬ ‫ِخ‬
‫قال اإلمام الشوكاين رمحه اهلل يف " تفسريه‬ ‫َو َرُس وَلُه َو َيَتَعَّد ُح ُد وَدُه ُيْد ْلُه َناًر ا َخ ا ًد ا يَه ا َو َلُه َعَذ اٌب ُمِه ٌني‬
‫" ‪ " :‬واإلشارة بقوله ‪ ( :‬تلك ) إىل األحكام املتقدمة ( يعىن ‪ :‬يف املواريث ) ‪ ,‬ومساها حدودا ‪ ,‬لكوهنا ال جتوز‬
‫ِط‬
‫يف قسمة املواريث وغريها من األحكام الشرعية‬ ‫َو َمْن ُي ِع الَّلَه َو َرُس وَلُه‬ ‫جماوزهتا وال حيل تعديها ‪,‬‬
‫ِم ِت‬ ‫ٍت‬ ‫ِخ‬
‫إىل أن قال ‪ " :‬وأخرج ابن ماجه عن‬ ‫ُيْد ْلُه َج َّنا ْجَتِر ي ْن ْحَت َه ا اَأْلْنَه اُر‬ ‫كما يفيده عموم اللفظ ;‬
‫من قطع مرياث وارثه ; قطع اهلل مرياثه من اجلنة يوم‬ ‫أنس ; قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫انتهى ‪ .‬فمن تصرف يف املواريث عن جمراها الشرعي ‪ ,‬فورث غري وارث ‪ ,‬أو حرم الوارث من كل‬ ‫القيامة‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪93‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫حقه أو بعضه ‪ ,‬أو ساوى بني الرجل واملرأة يف املرياث ; كما يف بعض األنظمة القانونية الكفرية ; خمالفا بذلك‬
‫حكم اهلل يف جعله للذكر مثل حظ األنثيني ; فهو كافر خملد يف النار والعياذ باهلل ‪ ,‬إال أن يتوب إىل اهلل قبل موته‬
‫‪ .‬إن أهل اجلاهلية كانوا حيرمون النساء والصغار من املرياث ‪ ,‬وجيعلونه للذكور الكبار الذين يركبون اخليل وحيملون‬
‫ِللِّر اِل َنِص ي َّمِما َك اْل اِل اِن اَأْل وَن ِللِّن اِء‬ ‫السالح ‪ ,‬فجاء اإلسالم بإبطال ذلك ‪ ,‬وقال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫ٌب َتَر َو َد َو ْقَر ُب َو َس‬ ‫َج‬
‫وهذا لدفع ما كانت عليه اجلاهلية من‬ ‫َنِص يٌب َّمِما َتَر َك اْلَو اِلَد اِن َو اَأْلْقَر ُبوَن َّمِما َقَّل ِم ْنُه َأْو َك ُثَر َنِص يًبا َم ْف ُر وًض ا‬
‫ُيوِص يُك الَّلُه يِف َأْو اَل ِد ُك ِللَّذ َك ِر ِم ْث َح ِّظ اُأْلْنَثَيِنْي‬ ‫عدم توريث النساء والصغار ‪ ,‬ويف قوله تعاىل ‪:‬‬
‫ُل‬ ‫ْم‬ ‫ُم‬
‫إبطال ملا عليه بعض اجلاهليات‬ ‫ِإْن َك اُنوا ِإْخ ًة ِر َج ااًل ِن ا َفِللَّذ َك ِر ِم ْث َح ِّظ اُأْلْنَثَيِنْي‬ ‫ويف قوله ‪:‬‬
‫ُل‬ ‫َو َس ًء‬ ‫َو‬ ‫َو‬
‫املعاصرة من تسوية املرأة بالرجل يف املرياث حمادة هلل ورسوله وتعديا حلدود اهلل ‪ ,‬فاجلاهلية القدمية منعت املرأة من‬
‫املرياث بالكلية ‪ ,‬واجلاهلية املعاصرة أعطتها ما ال تستحقه ‪ ,‬ودين اإلسالم أنصفها وأكرمها وأعطاها حقها الالئق‬
‫ُيِر يُد وَن َأْن ُيْطِف ُئوا ُنوَر الَّلِه ِبَأْفَو اِه ِه ْم َو َيْأىَب الَّلُه ِإاَّل َأْن ُيِتَّم‬ ‫هبا ‪ ,‬فقاتل اهلل الكفار واملنافقني وامللحدين الذين‬
‫ُنوَر ُه َو َلْو َك ِر َه اْلَك اِفُر وَن‬

‫باب يف أسباب اإلرث وبيان الورثة‬

‫أسباب اإلرث وبيان الورثة‬


‫اإلرث هو انتقال مال امليت إىل حي بعده حسبما شرعه اهلل ‪.‬‬
‫وله أسباب ثالثة ‪:‬‬

‫ُأوُلو اَأْلْر َح اِم َبْع ُضُه ْم َأْو ىَل ِبَبْع ٍض يِف‬ ‫أوهلا ‪ :‬الرحم ‪ :‬أي ‪ :‬القرابة ‪ ,‬وهم قرابة النسب ‪ ,‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫َو‬
‫سواء قربت القرابة من امليت أو بعدت ‪ ,‬إذا مل يكن دوهنا من حيجبها ‪ .‬وتشمل أصوال وفروعا‬ ‫ِكَتاِب الَّلِه‬

‫وحواشي ‪ :‬فاألصول هم اآلباء واألجداد وإن علوا مبحض الذكور ‪ ,‬والفروع هم األوالد وأوالد البنني وإن نزلوا ‪,‬‬
‫واحلواشي هم اإلخوة وبنوهم وإن نزلوا واألعمام وإن علوا وبنوهم وإن نزلوا ‪.‬‬

‫َو َلُك ْم‬ ‫والثاين ‪ :‬النكاح ‪ :‬وهو عقد الزوجية الصحيح ‪ ,‬ولو مل حيصل به وطء وال خلوة ; لعموم قوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِن‬
‫ويتوارث بعقد الزوجية الزوجان من‬ ‫َو ُهَلَّن الُّر ُبُع َّمِما َتَر ْك ُتْم‬ ‫إىل قوله ‪:‬‬ ‫ْصُف َم ا َتَر َك َأْز َو اُج ُك ْم‬
‫اجلانبني ; فكل منهما يرث اآلخر لآلية الكرمية ‪ ,‬ويتوارث به الزوجان أيضا يف عدة الطالق الرجعي ; ألن الرجعية‬
‫زوجة ‪ ,‬وقوهلم ‪ " :‬عقد الزوجية الصحيح " ‪ :‬خيرج به العقد غري الصحيح ; فال توارث بالنكاح الفاسد ; ألن‬
‫وجوده كعدمه‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪94‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫والثالث ‪ :‬والء العتاقة ; وهو عصوبة ‪ ,‬سببها نعمة املعتق على رقيقه بالعتق ‪ ,‬ويورث هبا من جانب واحد فقط ‪,‬‬
‫فاملعتق يرث عتيقه دون العكس ‪ ,‬وخيلف املعتق من بعده عصبته بالنفس دون العصبة بالغري أو مع الغري ‪ .‬والدليل‬
‫رواه ابن حبان يف "‬ ‫الوالء حلمة كلحمة النسب‬ ‫على التوريث بالوالء قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫صحيحه " واحلاكم وصححه ‪ ,‬فشبه الوالء بالنسب ‪ ,‬والنسب يورث به ; فكذا الوالء ‪ ,‬وهذا باإلمجاع ‪ ,‬ويف "‬
‫‪.‬‬ ‫إمنا الوالء ملن أعتق‬ ‫الصحيحني " أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪:‬‬

‫أقسام الورثة باعتبار اجلنس ‪:‬‬

‫الورثة ينقسمون باعتبار اجلنس إىل ذكور وإناث‬

‫والوارثون من الذكور عشرة‬

‫ُيوِص يُك ُم الَّلُه يِف َأْو اَل ِد ُك ْم ِللَّذ َك ِر ِم ْث َح ِّظ‬ ‫االبن وابنه وإن نزل مبحض الذكور ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ُل‬
‫ِإ ِئ‬ ‫اُأْلْنَثَيِنْي‬
‫َيا َبيِن ْس َر ا يَل‬ ‫َيا َبيِن آَدَم‬ ‫وابن االبن يعد ابنا ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َو َأِلَبَو ْيِه ِلُك ِّل َو اِح ٍد ِم ْنُه َم ا‬ ‫واألب وأبوه وإن عال مبحض الذكور ; كأيب األب وأيب اجلد ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫واجلد أب ‪ ,‬وقد أعطاه النيب صلى اهلل عليه وسلم السدس ‪.‬‬ ‫الُّسُد ُس‬
‫ْف ُتوَنَك ُقِل الَّل ْف ِتيُك يِف اْلَكاَل َلِة ِإِن‬ ‫واألخ مطلقا ‪ ,‬سواء كان شقيقا أو ألب أو ألم ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ُه ُي ْم‬ ‫َيْس َت‬
‫َم ا َتَر َك َو ُه َو َيِر ُثَه ا ِإْن ْمَل َيُك ْن َهَلا َو َلٌد‬ ‫ِن‬
‫اآلية ‪ ,‬فهذه يف اإلخوة‬ ‫اْم ُر ٌؤ َه َلَك َلْيَس َلُه َو َلٌد َو َلُه ُأْخٌت َفَلَه ا ْصُف‬
‫َك اَن َرُج ٌل ُيوَر ُث َك اَل َلًة َأِو اْم َر َأٌة َو َلُه َأٌخ َأْو ُأْخٌت َفِلُك ِّل َو اِح ٍد ِم ْنُه َم ا‬ ‫َو ِإْن‬ ‫لغري األم ‪ ,‬وقال يف اإلخوة ألم ‪:‬‬

‫الُّسُد ُس‬
‫وابن األخ لغري أم ‪ ,‬أما ابن األخ ألم ; فال يرث ; ألنه من ذوي األرحام ‪.‬‬
‫أحلقوا الفرائض بأهلها ; فما‬ ‫والعم لغري أم وابنه وإن نزل مبحض الذكور ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫بقي ; فألوىل رجل ذكر‬
‫ِن‬
‫َو َلُك ْم ْصُف َم ا َتَر َك َأْز َو اُج ُك ْم‬ ‫والزوج ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫الوالء حلمة كلحمة النسب‬ ‫والعاشر ذو الوالء ‪ ,‬وهو املعتق أو من حيل حمله ‪ ,‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫وإمنا الوالء ملن أعتق‬ ‫وقوله ‪:‬‬

‫والوارثات من النساء سبع‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪95‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ِد ِل َّذ ِر ِم‬ ‫َّل يِف‬ ‫ِص‬


‫ُيو يُك ُم ال ُه َأْو اَل ُك ْم ل َك ْثُل‬ ‫البنت وبنت االبن وإن نزل أبوها مبحض الذكور ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِح‬ ‫ِن‬
‫َح ِّظ اُأْلْنَثَيِنْي َفِإْن ُكَّن َس اًء َفْو َق اْثَنَتِنْي َفَلُه َّن ُثُلَثا َم ا َتَر َك َو ِإْن َك اَنْت َو ا َد ًة َفَلَه ا الِّنْصُف‬
‫ِه‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِه‬ ‫ِر‬ ‫ِإ‬
‫َف ْن ْمَل َيُك ْن َلُه َو َلٌد َو َو َثُه َأَبَو اُه َفُأِلِّم الُّثُلُث َف ْن َك اَن َلُه ْخ َو ٌة َفُأِلِّم الُّسُد ُس‬ ‫واألم واجلدة ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫رواه أبو داود ‪.‬‬ ‫" للجدة السدس إذا مل يكن دوهنا أم "‬ ‫وعن بريدة مرفوعا ‪:‬‬

‫َك اَن َرُج ٌل ُيوَر ُث َك اَل َلًة َأِو اْم َر َأٌة َو َلُه َأٌخ َأْو ُأْخٌت‬ ‫َو ِإْن‬ ‫واألخت مطلقا شقيقة أو ألب أو ألم ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َه َلَك َلْيَس َلُه َو َلٌد َو َلُه ُأْخٌت َفَلَه ا ِنْصُف َم ا َتَر َك‬ ‫ِإِن اْم ُر ٌؤ‬ ‫ولقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ِح ٍد ِم‬ ‫ِل‬
‫َف ُك ِّل َو ا ْنُه َم ا الُّسُد ُس‬
‫َفِإْن َك اَنَتا اْثَنَتِنْي َفَلُه َم ا الُّثُلَثاِن َّمِما َتَر َك‬ ‫إىل قوله ‪:‬‬
‫اآلية ‪.‬‬ ‫َو ُهَلَّن الُّر ُبُع َّمِما َتَر ْك ُتْم‬ ‫والزوجة ‪ ,‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫إمنا الوالء ملن أعتق‬ ‫واملعتقة ‪ ,‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫هذه مجلة الوارثني من الذكور واإلناث ‪ .‬وعند التفصيل يبلغ الرجال مخسة عشر وتبلغ اإلناث عشرا ‪,‬‬
‫ويعرف ذلك بالتأمل والرجوع إىل املصادر ‪ .‬واهلل تعاىل أعلم ‪.‬‬
‫أنواع الورثة باعتبار اإلرث ‪:‬‬
‫والورثة باعتبار اإلرث ثالثة أنواع نوع يرث بالفرض ‪ ,‬ونوع يرث بالتعصيب ‪ ,‬ونوع يرث لكونه من ذوي‬
‫األرحام ‪.‬‬
‫فصاحب الفرض ‪ :‬هو الذي يأخذ نصيبا مقدرا شرعا ال يزيد إال بالرد وال ينقص إال بالعول‬
‫والعصبة ‪ :‬هم الذين يرثون بال تقدير‬
‫وذوو األرحام هم الذين يرثون عند عدم أصحاب الفروض غري الزوجني وعدم العصبات ‪.‬‬

‫وذوو الفروض عشرة أصناف ‪:‬الزوجان ‪ ,‬واألبوان ‪ ,‬واجلد ‪ ,‬والبنات ‪ ,‬وبنات االبن ‪ ,‬واألخوات من كل‬
‫جهة ‪ ,‬واألخوة من األم ذكورا وإناثا ‪ ,‬ونتكلم على كل صنف من هؤالء بشيء من التفصيل ‪:‬‬

‫باب يف مرياث األزواج والزوجات‬

‫للزوج النصف مع عدم الولد وولد االبن ‪ ,‬والربع مع وجوب الولد أو ولد االبن ‪ :‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َو َلُك ْم ِنْصُف َم ا َتَر َك َأْز َو اُج ُك ْم ِإْن ْمَل َيُك ْن ُهَلَّن َو َلٌد َفِإْن َك اَن ُهَلَّن َو َلٌد َفَلُك ُم الُّر ُبُع َّمِما َتَر ْك َن ِم ْن َبْع ِد َو ِص َّيٍة ُيوِص َني َهِبا‬
‫َأْو َد ْيٍن‬

‫َو ُهَلَّن الُّر ُبُع َّمِما َتَر ْك ُتْم ِإْن ْمَل‬ ‫وللزوجة فأكثر الربع مع عدم الفرع الوارث ‪ ,‬والثمن مع وجوده ‪ :‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪96‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫َيُك ْن َلُك ْم َو َلٌد َفِإْن َك اَن َلُك ْم َو َلٌد َفَلُه َّن الُّثُمُن َّمِما َت ْك ُتْم ِم ْن َبْع ِد َو ِص َّيٍة ُتوُصوَن َهِبا َأْو َدْيٍن‬
‫َر‬
‫واملراد بالفرع الوارث أوالد امليت وأوالد بنيه ‪.‬‬

‫باب يف مرياث اآلباء واألجداد‬

‫اِح ٍد‬ ‫ِه ِل‬ ‫ولكل من األب واجلد ‪ :‬السدس فرضا مع ذكور الولد وولد االبن ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َو َأِلَبَو ْي ُك ِّل َو‬
‫ِم ْنُه َم ا الُّسُد ُس َّمِما َتَر َك ِإْن َك اَن َلُه َو َلٌد‬
‫َفِإْن ْمَل َيُك ْن َلُه َو َلٌد َو َو ِر َثُه َأَبَو اُه‬ ‫ويرث األب واجلد بالتعصيب مع عدم الولد وولد االبن ‪ ,‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫فأضاف املرياث إىل األبوين األب واألم ‪ ,‬وقدر نصيب األم ‪ ,‬ومل يقدر نصيب األب ‪ ,‬فكان له‬ ‫َفُأِلِّم ِه الُّثُلُث‬
‫الباقي تعصيبا ‪.‬‬

‫ويرث األب واجلد بالفرض والتعصيب معا مع إناث األوالد وأوالد البنني ‪ ,‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫أي ‪ :‬فألقرب رجل من امليت ‪ ,‬واألب هو‬ ‫أحلقوا الفرائض بأهلها ; فما بقي ; فألوىل رجل ذكر‬
‫أقرب ذكر بعد االبن وابنه ‪.‬‬

‫فتلخص أن لألب ثالث حاالت ‪:‬‬

‫احلالة األوىل ‪ :‬يرث فيها بالفرض فقط ‪ ,‬وذلك مع وجود ابن امليت لصلبه أو ابن ابنه وإن نزل ‪.‬‬

‫واحلالة الثانية ‪ :‬يرث فيها بالتعصيب فقط مع عدم الولد وولد االبن ‪.‬‬

‫واحلالة الثالثة ‪ :‬يرث فيها بالفرض والتعصيب معا مع وجود اإلناث من ولد امليت أو من ولد ابنه ‪.‬‬

‫واجلد مثل األب يف مثل هذه احلاالت ; لتناول النصوص له إذا عدم األب ‪.‬‬

‫ويزيد اجلد على األب حالة رابعة ‪ ,‬وهي ما إذا وجد معه إخوة أشقاء أو ألب ‪ ,‬فقد اختلف يف هذه احلالة ‪:‬‬
‫هل يكون فيها مثل األب حيجب اإلخوة أو ال حيجبهم ويشاركونه يف املرياث ويكون كواحد منهم يتقامسون املال‬
‫أو ما أبقت الفروض على كيفيات معروفة يف هذا الباب ; ألن اجلد واإلخوة تساووا يف اإلدالء باألب ; فاجلد‬
‫أبوه ‪ ,‬واإلخوة أبناؤه ‪ ,‬فيتساوون يف املرياث ; كما ذهب إىل ذلك مجاعة من الصحابة ; كعلي ‪ ,‬وابن مسعود ‪,‬‬
‫وزيد بن ثابت ‪ ,‬وهو قول اإلمام مالك والشافعي وصاحيب أيب حنيفة وأمحد يف املشهور عنه ‪ ,‬واستدلوا بأدلة‬
‫وتوجيهات وأقيسة كثرية مذكورة يف الكتب املطولة ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪97‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫والقول الثاين أن اجلد يسقط اإلخوة كما يسقطهم األب ‪ ,‬وذهب إىل ذلك أبو بكر الصديق وابن عباس وابن الزبري‬
‫‪ ,‬وروي عن عثمان وعائشة وأيب كعب وجابر وغريهم ‪ ,‬وهو قول اإلمام أيب حنيفة ‪ ,‬ورواية عن اإلمام أمحد ‪,‬‬
‫واختاره شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم والشيخ حممد بن عبد الوهاب رحم اهلل اجلميع ‪ ,‬وهلم أدلة كثرية ‪ ,‬وهذا‬
‫القول أقرب إىل الصواب من القول األول ‪ ,‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫باب يف مرياث األمهات‬

‫* لألم ثالث حاالت ‪:‬‬

‫احلالة األوىل ‪ :‬ترث فيها السدس ‪ ,‬وذلك مع وجود الفرع الوارث من أوالد امليت أو أوالد بنيه ‪ ,‬أو مع وجود‬
‫إىل‬ ‫َو َأِلَبَو ْيِه ِلُك ِّل َو اِح ٍد ِم ْنُه َم ا الُّسُد ُس َّمِما َتَر َك ِإْن َك اَن َلُه َو َلٌد‬ ‫اثنني فأكثر من اإلخوة ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِه‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫َف ْن َك اَن َلُه ْخ َو ٌة َفُأِلِّم الُّسُد ُس‬ ‫قوله تعاىل ‪:‬‬

‫احلالة الثانية ‪ :‬ترث فيها الثلث ‪ ,‬وذلك مع عدم الفرع الوارث من األوالد وأوالد البنني ‪ ,‬وعدم اجلمع من اإلخوة‬
‫ِه‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِه‬ ‫ِر‬ ‫ِإ‬
‫َف ْن ْمَل َيُك ْن َلُه َو َلٌد َو َو َثُه َأَبَو اُه َفُأِلِّم الُّثُلُث َف ْن َك اَن َلُه ْخ َو ٌة َفُأِلِّم الُّسُد ُس‬ ‫واألخوات ; لقوله تعاىل ‪:‬‬

‫احلالة الثالثة ‪ :‬ترث فيها ثلث الباقي إذا اجتمع زوج وأب وأم أو زوجة وأب وأم ‪ ,‬وتسمى هاتان املسألتان‬
‫بالعمريتني ; ألن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه قضى فيهما أن لألم ثلث الباقي بعد املوجود من الزوجني‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬وقوله أصوب ‪ ,‬ألن اهلل إمنا أعطى األم الثلث إذا ورثه أبواه ; يعين ‪:‬‬
‫والباقي بعد فرض الزوجني هو مرياث‬ ‫َفِإْن ْمَل َيُك ْن َلُه َو َلٌد َو َو ِر َثُه َأَبَو اُه َفُأِلِّم ِه الُّثُلُث‬ ‫يف قوله تعاىل ‪:‬‬
‫األبوين يقتسمانه كما اقتسما األصل وكما لو كان على امليت دين أو وصية فإهنما يقتسمان ما بقي أثالثا "‬
‫انتهى ‪.‬‬

‫باب يف مرياث اجلدة‬

‫* املراد باجلدة هنا اجلدة الصحيحة ‪ ,‬وهي كل جدة أدلت مبحض اإلناث ; كأم األم وأمهاهتا املدليات بإناث‬
‫خلص ; وكأم األب وكل جدة أدلت مبحض الذكور ; كأم أيب األب وأم أيب أيب األب ‪ ,‬أو أدلت بإناث إىل ذكور‬
‫‪ ,‬كأم أم األب وأم أم أم أيب األب ‪ ,‬أما اجلدة املدلية بذكور إىل إناث كأم أيب األم وأم أيب أم األب ; فهذه ال‬
‫ترث ; ألهنا من ذوي األرحام ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪98‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* فضابط اجلدة الوارثة هي من أدلت بإناث خلص أو بذكور خلص أو بإناث إىل ذكور ‪ ,‬وضابط اجلدة غري الوارثة‬
‫هي ‪ :‬من أدلت بذكور إىل إناث ‪ ,‬وبعبارة أخرى ‪ :‬من أدلت بذكر بني أنثيني هي إحدامها ‪.‬‬
‫* ودليل توريث اجلدة السنة واإلمجاع ‪:‬‬
‫‪ -‬فأما السنة ; فمنها حديث قبيصة بن ذؤيب ; قال ‪ " :‬جاءت اجلدة إىل أيب بكر ‪ ,‬فسألته مرياثها ‪ ,‬فقال ‪:‬‬
‫ما لك يف كتاب اهلل شيء ‪ ,‬وما علمت لك يف سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم شيئا ‪ ,‬فارجعي حىت‬
‫أسأل الناس ‪ .‬فسأل الناس ‪ ,‬فقال املغرية بن شعبة ‪ :‬حضرت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أعطاها السدس ‪ .‬فقال‬
‫قال ‪" :‬‬ ‫‪ :‬هل معك غريك ؟ فقام حممد بن مسلمة فقال مثل ما قال املغرية بن شعبة ‪ ,‬فأنفذه هلا أبو بكر "‬
‫ما لك يف كتاب اهلل شيء ‪ ,‬ولكن هو ذاك‬ ‫مث جاءت اجلدة األخرى إىل عمر ‪ ,‬فسألته مرياثها ‪ ,‬فقال ‪:‬‬
‫رواه اخلمسة إال النسائي وصححه‬ ‫السدس ‪ ,‬فإن اجتمعتما ; فهو بينكما ‪ ,‬وأيكما خلت فهو هلا "‬
‫الرتمذي ‪.‬‬

‫جعل للجدة السدس إذا مل يكن دوهنا أم "‬ ‫وعن بريدة ‪ " :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫رواه أبو داود وصححه ابن السكن وابن خزمية وابن اجلارود‬
‫فهذان احلديثان يفيدان استحقاق اجلدة السدس ‪ ,‬وهي ‪ -‬كما قال الصديق وعمر رضي اهلل عنهما ‪ -‬ليس هلا يف‬
‫كتاب اهلل شيء ; ألن األم املذكورة يف كتاب اهلل مقيدة بقيود توجب اختصاص احلكم باألم الدنيا ‪ ,‬فاجلدة وإن‬
‫مسيت أما ; مل تدخل يف لفظ األم املذكورة يف الفرائض ‪ ,‬وإن دخلت يف لفظ األمهات يف قوله تعاىل ‪:‬‬
‫ولكن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أعطاها السدس ; فثبت مرياثها إذا بالسنة ‪.‬‬ ‫ُح ِّر َم ْت َعَلْيُك ْم ُأَّم َه اُتُك ْم‬

‫وكذا ثبت مرياثها بإمجاع العلماء ; فال خالف بني أهل العلم يف توريث أم األم وأم األب ‪ ,‬واختلفوا فيما‬
‫عدامها ; فورث ابن عباس ومجاعة من العلماء اجلدات وإن كثرن إذا كن يف درجة واحدة ; إال من أدلت بأب غري‬
‫وارث ; كأم أيب األم ‪ ,‬وورث بعضهم ثالث جدات فقط هن أم األم وأم األب وأم اجلد أيب األب‬
‫* ويشرتط لتوريث اجلدة عدم وجود األم ; ألن اجلدة تديل هبا ‪ ,‬ومن أدىل بواسطة ; حجبته تلك الواسطة ‪ ,‬إال ما‬
‫استثين ‪ ,‬وهذا بإمجاع أهل العلم أن األم حتجب اجلدة من مجيع اجلهات ‪.‬‬
‫كيفية توريث اجلدات ‪:‬‬
‫* إذا انفردت واحدة من اجلدات ‪ ,‬ومل يكن دوهنا أم ; أخذت السدس كما سبق ‪ ,‬ليس هلا أكثر منه ‪ ,‬والقول بأن‬
‫هلا الثلث عند عدم الولد وعدم اجلمع من اإلخوة كاألم يف ذلك قول شاذ ال يعول عليه ‪.‬‬
‫* وإذا وجد مجع من اجلدات ‪ :‬فإن تساوين يف الدرجة ; فإهنن يشرتكن يف السدس ; ألن الصحابة شركوا بينهن ;‬
‫وألهنن ذوات عدد ‪ ,‬ال يشاركهن ذكر ‪ ,‬فاستوى كثريهن وواحدهتن كالزوجات ‪ ,‬ولعدم املرجح إلحداهن ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪99‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ومن قربت منهن إىل امليت ; فالسدس هلا وحدها ‪ ,‬سواء كانت من جهة األم أو من جهة األب ‪ ,‬وتسقط‬
‫البعدى ; ألهنن أمهات يرثن مرياثا واحدا ‪ ,‬فإذا اجتمعن مع اختالف الدرجة ‪ ,‬فاملرياث ألقرهبن ‪.‬‬
‫* وترث اجلدة أم األب مع وجود األب ‪ ,‬وترث اجلدة أم اجلد مع وجود اجلد ‪ ,‬وال تسقط مبن أدلت يف هذه‬
‫احلالة ; على خالف القاعدة ‪ :‬أن من أدىل بواسطة ; حجبته تلك الواسطة ; ملا روى ابن مسعود رضي اهلل عنه أنه‬
‫" إهنا أول جدة أطعمها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم سدسا مع ابنها وابنها حي‬ ‫قال يف اجلدة مع ابنها ‪:‬‬
‫رواه الرتمذي ‪ ,‬والعلة يف ذلك أهنا ال ترث مرياث من أدلت به حىت تسقط به إذا وجد‪.‬‬ ‫"‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬وقول من قال ‪ :‬من أدىل بشخص ; سقط به ‪ :‬باطل طردا‬
‫وعكسا ‪ ,‬باطل طردا بولد األم مع األم ‪ ,‬وعكسا بولد االبن مع عمهم وولد األخ مع عمهم وأمثال ذلك مما فيه‬
‫سقوط شخص بشخص مل يدل به ‪ ,‬وإمنا العلة أهنا ترث مرياثه ‪ ,‬فكل من ورث مرياث شخص ; سقط به إذا كان‬
‫أقرب منه ‪ ,‬واجلدات يقمن مقام األم فيسقطن هبا ‪ ,‬وإن مل يدلني هبا ‪ ,‬واهلل أعلم " ‪.‬‬

‫باب يف مرياث البنات‬

‫* البنت الواحدة تأخذ النصف بشرطني ‪:‬‬

‫الشرط األول‪ :‬انفرادها عمن يشاركها من أخواهتا‬

‫ِد ِل َّذ ِر ِم‬ ‫َّل يِف‬ ‫ِص‬


‫ُيو يُك ُم ال ُه َأْو اَل ُك ْم ل َك ْثُل‬ ‫والشرط الثاين‪ :‬انفرادها عمن يعصبها من إخوهتا‪.‬وذلك لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِح‬ ‫ِن‬
‫فقوله ‪:‬‬ ‫َح ِّظ اُأْلْنَثَيِنْي َفِإْن ُكَّن َس اًء َفْو َق اْثَنَتِنْي َفَلُه َّن ُثُلَثا َم ا َتَر َك َو ِإْن َك اَنْت َو ا َد ًة َفَلَه ا الِّنْصُف‬
‫ِل َّذ ِر ِم‬ ‫َو ِإْن َك اَنْت َو اِح َد ًة‬
‫ل َك ْثُل‬ ‫يؤخذ منه اشرتاط انفرادها عمن يشاركها من أخواهتا ‪ ,‬وقوله تعاىل ‪:‬‬
‫يؤخذ منه اشرتاط عدم املعصب‬ ‫َح ِّظ اُأْلْنَثَيِنْي‬

‫* وبنت االبن تأخذ النصف بثالثة شروط ‪:‬‬

‫الشرط األول‪ :‬عدم املعصب هلا ‪ ,‬وهو أخوها أو ابن عمها الذي يف درجتها ‪.‬‬

‫والشرط الثاين‪ :‬عدم املشارك هلا ; وهو أختها أو بنت عمها اليت يف درجتها ‪.‬‬

‫والشرط الثالث‪ :‬عدم الفرع الوارث الذي هو أعلى منها ‪,‬‬

‫* والبنات اثنتان فأكثر تأخذان الثلثني ‪ ,‬وذلك بشرطني ‪:‬‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪100‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫الشرط األول‪ :‬أن يكن اثنتني فأكثر ‪.‬‬

‫ِد‬ ‫ِص‬
‫ُيو يُك ُم الَّلُه يِف َأْو اَل ُك ْم‬ ‫والشرط الثاين‪ :‬عدم املعصب ‪ ,‬وهو ابن امليت لصلبه وذلك لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِل َّذ ِر ِم‬ ‫ِللَّذ َك ِر ِم ْثُل َح ِّظ اُأْلْنَثَيِنْي َفِإْن ُكَّن ِنَس اًء َفْو َق اْثَنَتِنْي َفَلُه َّن ُثُلَثا َم ا َتَر َك‬
‫ل َك ْثُل‬ ‫فاستفيد من قوله ‪:‬‬
‫ِن‬ ‫ِإ‬ ‫َح ِّظ اُأْلْنَثَيِنْي‬
‫َف ْن ُكَّن َس اًء‬ ‫اشرتاط عدم املعصب يف مرياث البنات الثلثني ‪ ,‬واستفيد من قوله تعاىل ‪:‬‬
‫اشرتاط كوهنن اثنتني فأكثر ‪.‬‬ ‫َف َق اْثَنَتِنْي‬
‫ْو‬

‫َف َق اْثَنَتِنْي‬
‫يف اآلية الكرمية ; إذ ظاهره أن البنتني ال يأخذن الثلثني ‪,‬‬ ‫* لكن قد أشكل لفظ ‪:‬‬
‫ْو‬
‫وإمنا تأخذه الثالث فأكثر ; كما هو مروي عن ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪ ,‬واجلمهور من أهل العلم على خالفه ‪,‬‬
‫وأن البنتني تأخذان الثلثني بدليل حديث جابر رضي اهلل عنه ; قال ‪ :‬جاءت امرأة سعد بن الربيع إىل رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم بابنتيها من سعد ‪ ,‬فقالت ‪ :‬يا رسول اهلل ! هاتان ابنتا سعد بن الربيع ‪ ,‬قتل أبومها معك يف‬
‫يقضي اهلل يف‬ ‫أحد شهيدا ‪ ,‬وإن عمهما أخذ ماهلما فلم يدع هلما ماال ‪ ,‬وال تنكحان إال مبال ‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫أعط ابنيت سعد الثلثني ‪ ,‬وأمهما‬ ‫فنزلت آية املرياث ‪ ,‬فأرسل رسول اهلل إىل عمهما ‪ ,‬فقال ‪:‬‬ ‫ذلك‬
‫رواه اخلمسة إال النسائي ‪ ,‬وحسنه الرتمذي ‪ ,‬وهو يدل على أن للبنتني الثلثني ‪,‬‬ ‫الثمن ‪ ,‬وما بقي فهو لك‬
‫َفِإْن ُكَّن ِن ا َف َق اْثَنَتِنْي‬ ‫وهو نص يف حمل النزاع ‪ ,‬وتفسري من النيب صلى اهلل عليه وسلم لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َس ًء ْو‬
‫وبيان ملعناها ‪ ,‬ال سيما وأن سبب نزوهلا قصة ابنيت سعد بن الربيع ‪ ,‬وسؤال أمهما عن‬ ‫َفَلُه َّن ُثُلَثا َم ا َتَر َك‬
‫َف َق اْثَنَتِنْي‬ ‫شأهنما ‪ ,‬وحني نزلت أرسل النيب صلى اهلل عليه وسلم إىل عمهما ‪ .‬وجياب عن لفظة "‬
‫ْو‬
‫اليت استدل هبا من رأى عدم توريث البنتني الثلثني حىت يكن ثالثا فأكثر بأجوبة ‪:‬‬

‫ُيوِص يُك الَّلُه يِف‬ ‫منها ‪ :‬أن هذا من باب مطابقة الكالم بعضه لبعض ; ألنه سبحانه وتعاىل قال ‪:‬‬
‫ُم‬
‫فالضمري يف ( كن ) جمموع‬ ‫َأْو اَل ِد ُك ْم ِللَّذ َك ِر ِم ْثُل َح ِّظ اُأْلْنَثَيِنْي َفِإْن ُكَّن ِنَس اًء َفْو َق اْثَنَتِنْي َفَلُه َّن ُثُلَثا َم ا َتَر َك‬
‫يطابق األوالد إن كان األوالد نساء ; فاجتمع يف اآلية الكرمية ثالثة أمور ‪:‬‬

‫لفظ ( األوالد ) وهو مجع ‪ ,‬وضمري ( كن ) وهو ضمري مجع ‪ ,‬و ( نساء ) وهو اسم مجع ; فناسب التعبري‬
‫بفرق اثنتني ‪.‬‬

‫ومن األجوبة عن هذا اإلشكال ‪ :‬أن اهلل تعاىل جعل للذكر مثل حظ األنثيني ‪ ,‬فإذا أخذ الذكر الثلثني واألنثى‬
‫الثلث ; علم قطعا أن حظ األنثيني الثلثان ; ألنه إذا كان للواحدة مع الذكر الثلث ; فألن يكون هلا مع األنثى الثلث‬
‫أوىل وأحرى ‪ ,‬وهذا من التنبيه باألدىن على األعلى ‪ ,‬فإذا كان سبحانه قد ذكر مرياث الواحدة نصا ومرياث الثنتني‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪101‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫تفيد أن الفرض ال يزيد بزيادة العدد ‪ ,‬حىت ولو كن فوق اثنتني ‪ ,‬واهلل‬ ‫َف َق اْثَنَتِنْي‬ ‫تنبيها ; فإن كلمة‬
‫ْو‬
‫أعلم ‪.‬‬

‫* وبنيت االبن مثل بنات الصلب يف استحقاقهن الثلثني ‪ ,‬سواء كانتا أختني أو بنيت عم متحاذيتني ; فتأخذان‬
‫الثلثني قياسا على بنيت الصلب ; ألن بنت االبن كالبنت ‪ ,‬لكن ال بد هلما من توفر ثالثة شروط ‪:‬‬

‫الشرط األول‪ :‬أن يكن اثنتني فأكثر ‪.‬‬

‫والشرط الثاين‪ :‬عدم املعصب ‪ ,‬وهو ابن االبن ‪ ,‬سواء كان أخا هلما أو كان ابن عم هلما يف درجتهما ‪.‬‬

‫الشرط الثالث ‪ :‬عدم الفرع الوارث الذي هو أعلى منهما من ابن صلب أو ابن ابن أو بنات صلب أو بنات ابن‬
‫واحدة فأكثر ‪ ,‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫باب يف مرياث األخوات الشقائق‬

‫* قد ذكر اهلل سبحانه وتعاىل مرياث األخوات الشقائق واألخوات ألب مع األخوة لغري أم واحدهتن‬
‫َيْس َتْف ُتوَنَك ُقِل الَّلُه ُيْف ِتيُك ْم يِف اْلَكاَل َلِة ِإِن اْم ُر ٌؤ َه َلَك َلْيَس َلُه َو َلٌد‬ ‫ومجاعتهن ‪ ,‬بقوله يف آخر سورة النساء ‪:‬‬
‫َو َلُه ُأْخٌت َفَلَه ا ِنْصُف َم ا َتَر َك َو ُه َو َيِر ُثَه ا ِإْن ْمَل َيُك ْن َهَلا َو َلٌد َفِإْن َك اَنَتا اْثَنَتِنْي َفَلُه َم ا الُّثُلَثاِن َّمِما َتَر َك َو ِإْن َك اُنوا ِإْخ َو ًة‬
‫وذكر مرياث األخوات ألم واحدة كانت أو أكثر مع األخوة ألم‬ ‫ِر َج ااًل ِن ا َفِللَّذ َك ِر ِم ْث َح ِّظ اُأْلْنَثَيِنْي‬
‫ُل‬ ‫َو َس ًء‬
‫َو ِإْن َك اَن َر ُج ٌل ُيوَر ُث َك اَل َلًة َأِو اْم َر َأٌة َو َلُه َأٌخ َأْو ُأْخٌت َفِلُك ِّل َو اِح ٍد ِم ْنُه َم ا الُّسُد ُس َفِإْن َك اُنوا‬ ‫بقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ُش َك ا يِف الُّثُلِث‬ ‫ِم ِل‬
‫يف أول السورة ‪.‬‬ ‫َأْك َثَر ْن َذ َك َفُه ْم َر ُء‬
‫* فاألخت الشقيقة تأخذ النصف بأربعة شروط‬

‫َو ِإْن َك اُنوا ِإْخ ًة ِر َج ااًل َو ِن اًء َفِللَّذ َك ِر‬ ‫الشرط األول‪ :‬عدم املعصب هلا ‪ ,‬وهو األخ الشقيق ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َس‬ ‫َو‬
‫ِم ْث َح ِّظ اُأْلْنَثَيِنْي‬
‫ُل‬

‫ِن‬
‫ِإ اْم ُر ٌؤ َه َلَك َلْيَس َلُه َو َلٌد َو َلُه ُأْخٌت‬ ‫الشرط الثاين‪ :‬عدم املشارك هلا ‪ ,‬وهو األخت الشقيقة ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َفَلَه ا ِنْصُف َم ا َتَر َك َو ُه َو َيِر ُثَه ا ِإْن ْمَل َيُك ْن َهَلا َو َلٌد َفِإْن َك اَنَتا اْثَنَتِنْي َفَلُه َم ا الُّثُلَثاِن َّمِما َتَر َك‬

‫الشرط الثالث‪ :‬عدم األصل من الذكور الوارثني ‪ ,‬واملراد به األب واجلد من قبل األب على الصحيح‪.‬‬

‫الشرط الرابع‪ :‬عدم الفرع الوارث ‪ ,‬وهو االبن وابن االبن وإن نزل ‪ ,‬والبنت وبنت االبن وإن نزل أبوها ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪102‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ودليل هذين الشرطني أن اإلخوة واألخوات إمنا يرثون يف مسألة الكاللة ‪ ,‬والكاللة هو من ال والد له وال ولد ‪.‬‬

‫واألخت ألب تأخذ النصف خبمسة شروط وهي الشروط األربعة السابقة يف حق األخت الشقيقة ‪ ,‬واخلامس‬
‫عدم األخ الشقيق واألخت الشقيقة ; ألن املوجود منهما أقوى منها ‪.‬‬
‫َفِإْن َك اَنَتا اْثَنَتِنْي َفَلُه َم ا الُّثُلَثاِن َّمِما َتَر َك‬ ‫‪ " -‬واألختان الشقيقتان فأكثر يأخذن الثلثني ‪ ,‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫وإمنا يأخذن الثلثني بأربعة شروط ‪:‬‬

‫َفِإْن َك اَنَتا اْثَنَتِنْي‬ ‫الشرط األول ‪ :‬أن يكن اثنتني فأكثر ‪ ,‬لآلية الكرمية ‪:‬‬

‫ِن‬ ‫ِإ ِر‬ ‫ِإ‬


‫َو ْن َك اُنوا ْخ َو ًة َج ااًل َو َس اًء‬ ‫الشرط الثاين ‪ :‬عدم املعصب هلما ‪ ,‬وهو األخ الشقيق فأكثر لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َفِللَّذ َك ِر ِم ْث َح ِّظ اُأْلْنَثَيِنْي‬
‫ُل‬

‫ِإِن اْم ُر ٌؤ َه َلَك َلْيَس َلُه َو َلٌد‬ ‫الشرط الثالث ‪ :‬عدم الفرع الوارث ‪ ,‬وهم األوالد وأوالد البنني ‪ ,‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫اآلية ‪.‬‬ ‫َو َلُه ُأْخٌت َفَلَه ا ِنْصُف َم ا َتَر َك‬

‫الشرط الرابع ‪ :‬عدم األصل من الذكور الوارث ‪ ,‬وهو األب باإلمجاع ‪ ,‬واجلد على الصحيح ‪.‬‬

‫ِإِن اْم ُر ٌؤ‬ ‫واألخوات ألب ثنتان فأكثر يأخذن الثلثني لإلمجاع على دخوهلن ‪ -‬يف عموم آية الكاللة ‪:‬‬
‫لكن ال يأخذن الثلثني إال إذا حتقق مخسة شروط ‪ :‬الشروط‬ ‫َه َلَك َلْيَس َلُه َو َلٌد َو َلُه ُأْخٌت َفَلَه ا ِنْصُف َم ا َتَر َك‬
‫األربعة السابقة يف الشقائق ‪ ,‬والشرط اخلامس ‪ :‬عدم األشقاء والشقائق ‪ ,‬فلو كان هناك من األشقاء ‪ ,‬واحدا كان‬
‫أو أكثر ‪ ,‬ذكرا كان أو أنثى مل ترث األخوات ألب الثلثني ‪ ,‬بل حيجنب بالذكر وبالشقيقتني إال إذا كان معهن من‬
‫يعصبهن ‪ ,‬وأما إذا كان الوجود شقيقة واحدة ‪ ,‬فإن لألخت أو األخوات ألب السدس تكملة الثلثني ‪.‬‬
‫وإذا وجد بنت واحدة وبنت ابن فأكثر ; فللبنت النصف ‪ ,‬ولبنت االبن فأكثر معها السدس ; تكملة الثلثني ‪,‬‬
‫لقضاء ابن مسعود رضي اهلل عنه بذلك ‪ ,‬وقوله ‪ " :‬إنه قضاء رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فيها ‪ ,‬رواه البخاري ‪,‬‬
‫َفِإْن ُكَّن ِنَس اًء َفْو َق‬ ‫وألنه قد اجتمع من بنات امليت أكثر من واحدة ‪ ,‬فكان هلن الثلثان ‪ ,‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫واختصت بنت الصلب بالنصف ألهنا أقرب ‪ ,‬فبقي لبنت االبن فأكثر السدس ;‬ ‫اْثَنَتِنْي َفَلُه َّن ُثُلَثا َم ا َتَر َك‬
‫تكملة الثلثني ‪ ,‬وذلك بعد توفر هذين الشرطني ‪:‬‬

‫الشرط األول ‪ :‬عدم املعصب هلا ‪ ,‬وهو ابن االبن املساوي ال يف الدرجة ‪ ,‬سواء كان أخا هلا أو ابن عم ‪.‬‬

‫الشرط الثاين ‪ :‬عدم الفرع الوارث الذي هو أعلى منها سوى صاحبة النصف ; فإهنا ال تأخذ السدس إال معها ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪103‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫واألخت ألب مع األخت الشقيقة تأخذ السدس تكملة الثلثني ‪ ,‬والدليل على ذلك إمجاع العلماء كما حكاه‬
‫غري واحد ‪ ,‬وقياسها على بنت االبن مع بنت الصلب ‪ ,‬لكن ال تأخذ األخت ألب السدس إال بشرطني ‪:‬‬

‫الشرط األول ‪ :‬أن تكون مع أخت شقيقة وارثة النصف فرضا ‪ ,‬فلو تعددت الشقيقات ‪ ,‬أسقطن األخت ألب ;‬
‫الستكماهلن الثلثني ‪.‬‬

‫الشرط الثاين ‪ :‬عدم املعصب هلا ‪ ,‬وهو أخوها ‪ ,‬فإن كان معها أخوها ‪ ,‬فالباقي بعد الشقيقة هلما تعصيبا للذكر مثل‬
‫حظ األنثيني ‪ ,‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫باب يف مرياث األخوات مع البنات ومرياث األخوة ألم ‪.‬‬

‫إذا وجد بنت فأكثر مع أخت شقيقة أو ألب فأكثر ‪ ,‬فإن املوجود من البنات واحدة فأكثر يأخذ نصيبه ‪ ,‬مث‬
‫إن مجهور العلماء من الصحابة والتابعني يرون أن األخوات من األبوين أو من األب يكن عصبة مع البنات ( وهو ما‬
‫يسمى لدى الفرضيني بالتعصيب مع الغري ) ‪ ,‬فيأخذن ما فضل عن نصيب املوجود من البنات أو بنات االبن ‪,‬‬
‫" أن أبا موسى سئل عن ابنة وبنت ابن وأخت ; فقال ‪ :‬لالبنة‬ ‫بدليل احلديث الذي رواه البخاري وغريه‬
‫النصف ‪ ,‬ولألخت النصف ‪ ,‬وقال للسائل ‪ :‬ائت ابن مسعود ‪ .‬فسئل ابن مسعود ‪ ,‬وأخرب بقول أيب موسى ‪,‬‬
‫فقال ‪ " :‬لقد ضللت إذا وما أنا من املهتدين ‪ ,‬أقضي فيها مبا قضى النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬للبنت النصف ‪,‬‬
‫ففي هذا احلديث داللة ظاهرة على أن األخت مع‬ ‫والبنة االبن السدس تكملة الثلثني ‪ ,‬وما بقي فلألخت "‬
‫البنت عصبة تأخذ الباقي بعد فرضها وفرض ابنة االبن ‪.‬‬

‫ويرث الواحد من األخوة ألم السدس سواء كان ذكرا أم أنثى ‪ ,‬ويرث االثنتني فأكثر منهم الثلث بينهم‬
‫ِل‬
‫َو ِإْن َك اَن َر ُج ٌل ُيوَر ُث َك اَل َلًة َأِو اْم َر َأٌة َو َلُه َأٌخ َأْو ُأْخٌت َف ُك ِّل‬ ‫بالسوية الذكر واألنثى سواء ‪ ,‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ُش َك ا يِف الُّثُلِث‬ ‫ِم ِل‬ ‫ِإ‬ ‫ِح ٍد ِم‬
‫َو ا ْنُه َم ا الُّسُد ُس َف ْن َك اُنوا َأْك َثَر ْن َذ َك َفُه ْم َر ُء‬

‫وقد أمجع العلماء على أن املراد باألخوة يف هذه اآلية الكرمية األخوة ألم ‪ ,‬وقرأها ابن مسعود وسعد بن أيب‬
‫وقاص ‪ ( :‬وله أخ أو أخت من أم ) ‪.‬‬
‫وقد ذكرهم اهلل تعاىل من غري تفضيل ‪ ,‬فاقتضى ذلك تسوية األنثى بالذكر قال اإلمام ابن القيم ‪ " :‬وهو القياس‬
‫الصحيح وامليزان املوافق لداللة القرآن وفهم أكابر الصحاب "‪.‬‬
‫يشرتط الستحقاق ولد األم السدس ثالث شروط‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪104‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫الشرط األول ‪ :‬عدم الفرع الوارث‬

‫الشرط الثاين ‪ :‬عدم األصل من الذكور الوارثني ‪.‬‬

‫الشرط الثالث ‪ :‬انفراده ‪.‬‬

‫ويشرتط الستحقاق األخوة ألم الثلث ثالثة شروط‬

‫الشرط األول ‪ :‬أن يكونوا اثنني فأكثر ; ذكرين كانوا أو أنثيني أو ذكر وأنثى أو أكثر من ذلك ‪.‬‬

‫الشرط الثاين ‪ :‬عدم الفرع الوارث من األوالد وأوالد البنني وإن نزلوا ‪.‬‬

‫الشرط الثالث ‪ :‬عدم األصل من الذكور الوارثني وهو األب واجلد من قبله ‪.‬‬

‫وخيتص األخوة ألم بأحكام مخسة‬

‫احلكم األول والثاين ‪ :‬أنه ال يفضل ذكرهم على أنثاهم يف املرياث اجتماعا وانفرادا ‪ ,‬لقوله تعاىل يف حالة االنفراد ‪:‬‬
‫ِح ٍد ِم‬ ‫ِل‬ ‫ِإ‬
‫وقوله تعاىل يف‬ ‫َو ْن َك اَن َرُج ٌل ُيوَر ُث َك اَل َلًة َأِو اْم َر َأٌة َو َلُه َأٌخ َأْو ُأْخٌت َف ُك ِّل َو ا ْنُه َم ا الُّسُد ُس‬
‫ُش َك ا يِف الُّثُلِث‬ ‫ِم ِل‬ ‫ِإ‬
‫َف ْن َك اُنوا َأْك َثَر ْن َذ َك َفُه ْم َر ُء‬ ‫حالة االجتماع ‪:‬‬
‫والكاللة يف قول اجلمهور ‪ :‬من ليس له ولد وال والد ‪ ,‬فشرط يف توريثهم عدم الولد والوالد ‪ ,‬والولد يشمل الذكر‬
‫ُش َك ا يِف الُّثُلِث‬ ‫ِم ِل‬ ‫ِإ‬
‫َف ْن َك اُنوا َأْك َثَر ْن َذ َك َفُه ْم َر ُء‬ ‫واألنثى ‪ ,‬والوالد يشمل األب واجلد ‪ ,‬ويف قوله تعاىل ‪:‬‬
‫دليل على عدم تفضيل ذكرهم على أنثاهم ألن اهلل سبحانه شرك بينهم يف االستحقاق ‪ ,‬والتشريك إذا‬
‫أطلق اقتضى املساواة ‪,‬‬

‫واحلكمة يف ذلك ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬أهنم يرثون بالرحم اجملردة ; فالقرابة اليت يرثون هبا قرابة أنثى فقط ‪ ,‬وهم فيها‬
‫سواء ; فال معىن لتفضيل ذكرهم على أنثاهم ; خبالف قرابة األب ‪.‬‬

‫احلكم الثالث ‪ :‬أن ذكرهم يديل بأنثى ويرث ; خبالف غريهم ; يف أنه إذا أدىل بأنثى ال يرث ; كابن البنت‬

‫احلكم الرابع ‪ :‬أهنم حيجبون من أدلوا به نقصانا ; أي ‪ :‬أن األم اليت أدلوا هبا حتجب هبم من الثلث إىل السدس ;‬
‫خبالف غريهم ; فإن املدىل به حيجب املديل ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪105‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫احلكم اخلامس ‪ :‬أهنم يرثون مع من أدلوا به ‪ ,‬فإهنم يرثون مع األم اليت أدلوا هبا ‪ ,‬وغريهم ال يرث مع من أدىل به ‪,‬‬
‫كابن االبن ‪ ,‬فإنه ال يرث مع االبن وهذا تشاركهم فيه اجلدة أم األب وأم اجلد ; فإهنا تديل بابنها وترث معه‬
‫والتحقيق أن الواسطة ال حتجب من أدىل هبا ‪ ,‬إال إذا كان خيلفها بأخذ نصيبها ‪ ,‬أما إذا كان ال يأخذ نصيبها ; فإهنا‬
‫ال حتجبه ; كما هو الشأن يف األخوة ألم ; فإهنم ال يأخذون نصيب األم عند عدمها ‪ ,‬واجلدة أم األب وأم اجلد ال‬
‫تأخذان نصيبها وإمنا يرثان باألمومة خلفا عن األم ‪ ,‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫باب يف التعصيب‬

‫" التعصيب لغة مصدر عصب يعصب تعصيبا فهو معصب ‪ ,‬مأخوذ من العصب ; يعين ‪ :‬الشد واإلحاطة‬
‫والتقوية ‪ ,‬ومنه العصائب ‪ ,‬وهي العمائم ‪.‬‬
‫والعصبة يف الفرائض ( مجع عاصب ) لفظ يطلق على الواحد ‪ ,‬فيقال ‪ :‬زيد عصبة ‪ ,‬ويطلق على اجلماعة ‪ ,‬وعصبة‬
‫الرجل قرابته من جهة أبيه ‪ ,‬مسوا عصبة ألهنم عصبوا به ; أي ‪ :‬أحاطوا به ‪ ,‬وكل شيء استدار حول شيء ‪ ,‬فقد‬
‫عصب به ; فاألب طرف ‪ ,‬واالبن طرف ‪ ,‬واألخ جانب ‪ ,‬والعم جانب ‪ ,‬وقيل ‪ :‬مسوا بذلك لتقوي بعضهم ببعض‬
‫‪ ,‬من العصب ‪ ,‬وهو الشد واملنع ; فبعضهم يشد بعضا ومينع من تطاول الغري عليه ‪.‬‬

‫والعاصب يف اصطالح الفرضيني هو من يرث بال تقدير ‪ ,‬ألنه إذا انفرد ; حاز مجيع املال ‪ ,‬وإذا كان مع‬
‫أحلقوا الفرائض بأهلها ‪ ,‬فما‬ ‫صاحب فرض ‪ ,‬أخذ ما بقي بعد الفرض ; لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫بقي فألوىل رجل ذكر‬

‫* وينقسم العصبة إىل ثالثة أقسام ‪:‬‬


‫عصبة بالنفس ‪ ,‬وعصبة بالغري وعصبة مع الغري ‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬العصبة بالنفس وهم اجملمع على إرثهم من الرجال إال الزوج واألخ من األم ‪ ,‬وهم أربعة عشر ‪ :‬االبن‬
‫‪ ,‬وابن االبن وإن نزل ‪ ,‬واألب ‪ ,‬واجلد من قبل األب وإن عال ‪ ,‬واألخ الشقيق ‪ ,‬واألخ ألب ‪ ,‬وابنامها وإن نزال ‪,‬‬
‫والعم الشقيق والعم ألب وإن علوا ‪ ,‬وابنامها وإن نزال ‪ ,‬واملعتق واملعتقة ‪.‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬العصبة بالغري وهم أربعة أصناف ‪:‬‬

‫األول‪ :‬البنت فأكثر مع االبن فأكثر ‪.‬‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪106‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫الثاين‪ :‬بنت االبن فأكثر مع ابن االبن فأكثر إذا كان يف درجتها ‪ ,‬سواء كان أخاها أو ابن عمها ‪ ,‬أو مع ابن االبن‬
‫ُيوِص يُك الَّلُه يِف‬ ‫الذي هو أنزل منها إذا احتاجت إليه ‪ .‬ودليل هذين الصنفني من العصبة بالغري قوله تعاىل ‪:‬‬
‫ُم‬
‫فهذه اآلية الكرمية تناولت األوالد وأوالد االبن ‪.‬‬ ‫َأْو اَل ِد ُك ِللَّذ َك ِر ِم ْث َح ِّظ اُأْلْنَثَيِنْي‬
‫ُل‬ ‫ْم‬

‫الثالث‪ :‬األخت الشقيقة فأكثر مع األخ الشقيق فأكثر ‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬األخت ألب فأكثر مع األخ ألب فأكثر ‪.‬‬

‫مثل حظ‬ ‫ِإْن َك اُنوا ِإْخ ًة ِر َج ااًل ِن ا َفِللَّذ َك ِر ِم ْث َح ِّظ اُأْلْنَثَيِنْي‬ ‫ودليل هذين الصنفني قوله تعاىل ‪:‬‬
‫ُل‬ ‫َو َس ًء‬ ‫َو‬ ‫َو‬
‫األنثيني ‪ ,‬فتناولت اآلية الكرمية ولد األبوين وولد األب فهؤالء األربعة من الذكور ‪ :‬االبن ‪ ,‬وابن االبن ‪ ,‬واألخ‬
‫الشقيق ‪ ,‬واألخ ألب ; ترث معهم أخواهتم عن طريق التعصيب هبم ‪ ,‬أما من عداهم من الذكور ; فال ترث‬
‫أخواهتم معهم شيئا ‪ ,‬وذلك كأبناء اإلخوة واألعمام وأبناء األعمام ‪.‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬العصبة مع الغري وهم صنفان ‪:‬‬

‫األول ‪ :‬األخت الشقيقة فأكثر مع البنت فأكثر أو بنت االبن فأكثر ‪.‬‬

‫الثاين ‪ :‬األخت ألب فأكثر مع البنت فأكثر أو بنت االبن فأكثر ‪ ,‬وهذا قول مجهور العلماء من الصحابة والتابعني‬
‫ومن بعدهم أن األخوات ألبوين أو ألب عصبة مع البنات أو بنات االبن ‪,‬ودليلهم ما رواه اجلماعة إال مسلما‬
‫أن أبا موسى رضي اهلل عنه سئل عن بنت وبنت ابن وأخت ; فقال ‪ :‬للبنت النصف ‪,‬‬ ‫والنسائي ‪:‬‬
‫ولألخت النصف ‪ .‬وقال للسائل ‪ :‬ائت ابن مسعود ‪ .‬فلما أتى ابن مسعود ‪ ,‬وأخربه بقول أىب موسى ; قال ‪ " :‬قد‬
‫ضللت إذا وما أنا من املهتدين ‪ ,‬أقضي فيها مبا قضى النيب ‪ :‬للبنت النصف ‪ ,‬والبنة االبن السدس تكملة الثلثني ‪,‬‬
‫وما بقي فلألخت "‬

‫َو ُه َو َيِر ُثَه ا ِإْن ْمَل َيُك ْن َهَلا َو َلٌد‬ ‫* هذا ‪ ,‬والعصبة بالنفس من انفرد منهم حاز مجيع املال لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫فورث يف هذه اآلية األخ مجيع مال أخته ‪ ,‬وينفرد العصبة بالنفس هبذا احلكم ‪ ,‬ويشاركون بقية العصبة يف‬
‫أحلقوا الفرائض‬ ‫أهنم إذا كانوا مع أصحاب الفروض يأخذون ما بقي ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫وإن مل يبق شيء بعد الفروض ; سقطوا ‪.‬‬ ‫بأهلها ; فما بقي فألوىل رجل ذكر‬
‫هذا وللعصبة جهات ست هي ‪ :‬جهة البنوة ‪ ,‬مث جهة األبوة ‪ ,‬مث جهة األخوة ‪ ,‬مث جهة بين األخوة ‪ ,‬مث جهة الوالء‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪107‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫‪ ,‬والوالء كما سبق هو عصوبة سببها نعمة العتق على رقيقه بالعتق ‪ ,‬ودليلها قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫إمنا الوالء ملن أعتق‬

‫وإذا اجتمع عاصبان فأكثر ‪ ,‬فلهم حاالت أربع‬

‫األوىل ‪ :‬أن يتحدا يف اجلهة والدرجة والقوة ‪ ,‬وحينئذ يشرتكان يف املرياث ; كاألبناء واإلخوة األشقاء واألعمام ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬أن خيتلفا يف اجلهة ‪ ,‬فيقدم يف املرياث األقوى جهة ; كاالبن واألب ‪ ,‬فيقدم االبن يف التعصيب على األب ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬أن يتحدا يف اجلهة وخيتلفا يف الدرجة ‪ ,‬كما لو اجتمع ابن وابن ابن ‪ ,‬فيقدم االبن على ابن االبن ; ألنه‬
‫أقرب درجة ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬أن يتحدا يف اجلهة والدرجة وخيتلفا يف القوة ; حبيث يكون أحدمها أقوى من اآلخر ‪ ,‬فيقدم األقوى ; كما‬
‫لو اجتمع أخ شقيق وأخ ألب فيقدم األخ الشقيق ; ألنه أقوى ‪ ,‬إلدالئه بأبوين ‪ ,‬واألخ ألب يديل باألب فقط ‪.‬‬

‫باب احلجب‬

‫ه‪%% %‬ذا الب‪%% %‬اب ل‪%% %‬ه أمهي‪%% %‬ة خاص‪%% %‬ة بني أب‪%% %‬واب املواريث ; ألن معرفة تفاص‪%% %‬يله ي‪%% %‬رتتب عليه‪%% %‬ا إيص‪%% %‬ال احلق‪%% %‬وق إىل‬
‫مس‪%%‬تحقيها ‪ ,‬وع‪%%‬دم املعرفة بأحك‪%%‬ام ه‪%%‬ذا الب‪%%‬اب ي‪%%‬رتتب عليه‪%%‬ا خط‪%%‬ورة عظيم‪%%‬ة ; ألن‪%%‬ه ق‪%%‬د يعطي املرياث ملن ال يس‪%%‬تحقه‬
‫شرعا وحيرم املستحق ‪ ,‬ومن هنا قال بعض العلماء ‪ :‬حيرم على من ال يعرف احلجب أن يفيت يف الفرائض ‪.‬‬

‫واحلجب لغة املنع ‪ ,‬يقال ‪ :‬حجب‪%‬ه ‪ :‬إذا منع‪%‬ه من ال‪%‬دخول ‪ ,‬واحلاجب لغ‪%‬ة الص‪%‬انع ‪ ,‬ومن‪%‬ه ح‪%‬اجب الس‪%‬لطان ‪,‬‬
‫ألنه مينع من الدخول عليه ‪.‬‬

‫وأم‪%%‬ا احلجب يف اص‪%%‬طالح الفرض‪%%‬يني فمعن‪%%‬اه ‪ :‬من‪%%‬ع من ق‪%%‬ام ب‪%%‬ه ‪ -‬س‪%%‬بب اإلرث من اإلرث بالكلي‪%%‬ة أو من أوفر‬
‫حظيه ‪.‬‬

‫* وينقسم احلجب يف الفرائض إىل قسمني ‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬حجب األوصاف ويكون فيمن اتصف بأحد موانع اإلرث الثالثة ‪ ,‬وهي ‪ :‬الرق ‪ ,‬أو القتل ‪ ,‬أو‬
‫اختالف الدين ‪ ,‬فمن اتصف بواحد من هذه األوصاف ; مل يرث ‪ ,‬ويكون وجوده كعدمه ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪108‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫القسم الثاين‪ :‬حجب األشخاص ‪ :‬وهو منع شخص معني من اإلرث بالكلية ‪ ,‬ويسمى حجب احلرمان أو منعه من‬
‫إرث أكثر إىل إرث أقل ‪ ,‬ويسمى حجب النقصان وسبب هذا احلجب بنوعيه وجود شخص أحق منه ‪ ,‬ولذلك‬
‫مسي حجب األشخاص ‪ ,‬وهو سبعة أنواع ‪ ,‬أربعة منها حتصل بسبب االزدحام ‪ ,‬وثالثة منها حتصل بسبب االنتقال‬
‫من فرض إىل فرض ‪ ,‬وهذه السبعة هي ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬انتقال من فرض إىل فرض أقل منه ; كانتقال الزوج من النصف إىل الربع مثال ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬انتقال من تعصيب إىل تعصيب أقل منه ; كانتقال األخت لغري أم من كوهنا عصبة مع الغري إىل كوهنا عصبة‬
‫بالغري‬

‫ثالثا ‪ :‬انتقال من فرض إىل تعصيب أقل منه ; كانتقال ذوات النصف منه إىل التعصيب بالغري ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬انتقال من تعصيب إىل فرض أقل منه ; كانتقال األب واجلد من اإلرث بالتعصيب إىل اإلرث بالفرض ‪.‬‬

‫خامسا ‪ :‬ازدحام يف فرض ; كازدحام الزوجات يف الربع والثمن مثال‬

‫سادسا ‪ :‬ازدحام يف تعصيب ; كازدحام العصبات يف املال أو فيما أبقت الفروض ‪.‬‬

‫سابعا ‪ :‬ازدحام بسبب العول ; كازدحام أصحاب " الفروض يف األصول اليت يدخلها العول ‪ ,‬فإن كل واحد منهم‬
‫يأخذ فرضه ناقصا بسبب العول ‪.‬‬

‫وللحجب قواعد يدور عليها ‪:‬‬

‫القاعدة األوىل‪ :‬أن من أدىل بواسطة حجبته تلك الواسطة وذلك كابن االبن مع االبن ‪ ,‬واجلدة مع األم ‪ ,‬واجلد مع‬
‫األب ‪ ,‬واألخوة مع األب ‪.‬‬

‫القاعدة الثانية‪ :‬أنه إذا اجتمع عاصبان فأكثر ; قدم األقدم جهة وذلك كاالبن مع األب أو مع اجلد ; فالتعصيب‬
‫يكون لالبن ; ألنه أقدم جهة ‪ ,‬وإن احتد املوجودان يف اجلهة ‪ ,‬قدم منهما األقرب إىل امليت ‪ ,‬كما لو اجتمع ابن‬
‫وابن ابن آخر ‪ ,‬أو اجتمع أخ شقيق وابن أخ شقيق آخر ‪ .. .‬وكذا ‪ ,‬فإن تساوى املوجودون يف اجلهة والقرب ;‬
‫قدم األقوى منهم ‪ ,‬كما لو اجتمع أخ شقيق وأخ ألب ; فإنه يقدم الشقيق لقوته ‪ ,‬لكونه يديل باألبوين ‪ ,‬واألخ‬
‫يدىل باألب فقط ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪109‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫القاعدة الثالثة‪ :‬وهي يف حجب احلرمان ‪ :‬أن األصول ال حيجبهم إال أصول ; فاجلد ال حيجبه إال األب أو اجلد الذي‬
‫هو أقرب منه ‪ ,‬واجلدة ال حيجبها إال األم أو اجلدة اليت هي أقرب منها ‪ ,‬والفروع ال حتجبهم إال فروع ; فابن االبن‬
‫ال حيجبه إال االبن أو ابن االبن الذي و أعلى منه ‪ ,‬واحلواشي وهم األخوة وبنوهم واألعمام وبنوهم حيجبهم أصول‬
‫وفروع وحواش ; فمثال األخوة ألب ‪ :‬يسقطون باالبن وابن االبن دان نزل ‪ ,‬وباألب ‪ ,‬وباجلد على الصحيح ‪,‬‬
‫وباألخ الشقيق ‪ ,‬واألخت الشقيقة إذا كانت عصبة مع الغري ‪ ,‬وهكذا جند أن األخ ألب حجب بأصول وفروع‬
‫وحواش ‪.‬‬

‫نعود فنقول ‪ :‬إن باب احلجب باب مهم جدا ‪ ,‬فيجب على من يفيت يف الفرائض أن يتقن قواعده ويتأمل يف‬
‫دقائقه ويطبقها على وقائع األحوال ; لئال خيطئ يف فتواه ‪ ,‬فيغري املواريث عن جمراها الشرعي ‪ ,‬وحيرم من يستحق ‪,‬‬
‫وبعطي من ال يستحق ‪ ,‬واهلل ويل التوفيق ‪.‬‬

‫باب توريث اإلخوة مع اجلد‬

‫قد أخذ أمحد والشافعي ومالك يف هذه املسألة مبذهب زيد بن ثابت رضي اهلل عنه كما أخذ به أبو يوسف‬
‫وحممد بن احلسن من احلنفية ومجع من أهل العلم ‪.‬‬
‫وحاصله أن األخوة إذا اجتمعوا مع اجلد ‪ :‬فإما أن يكونوا من األبوين فقط ‪ ,‬أو من األب فقط ‪ ,‬أو من جمموع‬
‫الصنفني ‪.‬‬
‫فإذا كان معه أحد الصنفني فقط ‪ ,‬فله معهم حالتان ‪:‬‬

‫احلالة األوىل ‪ :‬أن ال يكون معهم صاحب فرض ‪ :‬فله حينئذ معهم ثالث حاالت ‪:‬‬

‫احلالة األوىل‪ :‬أن تكون املقامسة أحظ له من ثلث املال ‪ ,‬وضابطها أن يكون األخوة أقل من مثليه ; بأن يكونوا مثال‬
‫ونصفا فما دون ذلك ‪ ,‬وذلك منحصر يف مخس صور ‪ :‬األوىل ‪ :‬جد وأخت ; فله يف هذه الصورة الثلثان الثانية ‪:‬‬
‫جد وأخ ; فله يف هذه الصورة نصف املال‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬جد وأختان ‪ ,‬فله يف هذه الصورة النصف كاليت قبلها ‪ ,‬وهو أكثر من الثلث ‪.‬‬
‫الرابعة ‪ :‬جد وثالث أخوات ; فله يف هذه الصورة اخلمسان ‪ ,‬و ما أكثرهن الثلث ‪ ,‬ألن العدد يف اجلامع للكسرين‬
‫مخسة عشر ; فثلثه مخسة ومخساه ستة ‪ ,‬وهي أكثر من اخلمسة بواحد ‪ .‬اخلامسة ‪ :‬جد وأخ وأخت ; فله يف هذه‬
‫الصورة مثل ما له يف اليت قبلها ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪110‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫احلالة الثانية‪ :‬أن تستوي له املقامسة وثلث املال ‪ ,‬وضابطها أن يكون اإلخوة مثليه ‪ ,‬وينحصر ذلك يف ثالث صور ‪:‬‬
‫األوىل ‪ :‬جد وأخوان الثانية ‪ :‬جد وأخ وأختان ‪ .‬الثالثة ‪ :‬جد وأربع أخوات ‪ .‬فيستوي له املقامسة والثلث يف تلك‬
‫الصور ‪ ,‬فإن قاسم ; أخذ ثلثا ‪ ,‬وإن مل يقاسم ; فكذلك ‪.‬‬
‫واختلف ‪ :‬هل يعرب حينئذ باملقامسة فيكون إرثه بالتعصيب ‪ ,‬أو يعرب بالثلث فيكون إرثه بالفرض ‪ ,‬أو خيري بني أن‬
‫يعرب باملقامسة أو بالثلث ; ورجح بعضهم التعبري بالثلث دون املقامسة ‪ ,‬ألن األخذ بالفرض إن أمكن أوىل ‪ ,‬لقوة‬
‫الفرض وتقدمي ذوي الفروض على العصبة ‪ ,‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫احلالة الثالثة‪ :‬أن يكون ثلث املال أحظ من املقامسة ‪ ,‬فيأخذه فرضا ‪ ,‬وضابطها أن يكونوا أكثر من مثليه ‪ ,‬وال‬
‫تنحصر صور هذه احلالة كما احنصرت صور احلالتني اللتني قبال ; فأقال جد وأخوان وأخت ‪ ,‬أو جد ومخس‬
‫أخوات ‪ .‬أو جد وأخ وثالث أخوات‪ ...‬إىل ما فوق ‪.‬‬

‫احلالة الثانية ‪ :‬أن يكون مع اجلد واإلخوة صاحب فرض ‪ :‬وله معهم حينئذ سبع حاالت ‪ ,‬وهي إمجاال ‪ :‬تعني‬
‫املقامسة ‪ ,‬تعني ثلث الباقي ‪ ,‬تعني سدس مجيع املال ‪ ,‬استواء املقامسة وثلث الباقي ‪ ,‬استواء املقامسة وسدس مجيع‬
‫املال ‪ ,‬استواء ثلث الباقي وسدس مجيع املال ‪ ,‬استواء املقامسة وسدس مجيع املال وثلث الباقي ‪ ,‬وتفصيلها كاآليت ‪:‬‬

‫فاحلالة األوىل‪ :‬أن تكون املقامسة أحظ له من ثلث الباقي ومن سدس املال ‪ ,‬ومثال ذلك ‪ :‬زوج وجد وأخ ‪ ,‬مما‬
‫كان فيه الفرض قدر النصف ‪ ,‬وكانت اإلخوة أقل من مثليه ‪.‬‬
‫ووجه تعني املقامسة يف ذلك أن الباقي بعد نصف الزوج النصف اآلخر على اجلد واألخ ‪ ,‬وال شك أن نصفه ‪ -‬وهو‬
‫الربع ‪ -‬أكثر حن ثلث الباقي ومن السدس ‪ ,‬لكن الباقي ال ينقسم على اجلد واألخ ‪ ,‬فيضرب اثنان يف أصل املسألة‬
‫اثنني تبلغ أربعة ‪ ,‬للزوج واحد يف اثنني باثنني ‪ ,‬وللجد واألخ واحد يف اثنني باثنني ‪ ,‬لكل واحد واحد ‪.‬‬
‫وهذه صورهتا ‪ :‬ز وج جد أخ‬

‫احلالة الثانية ‪ :‬أن يكون ثلث الباقي أحظ من املقامسة ومن السدس ومثال ذلك ‪ :‬أم وجد ومخسة أخوة ‪ ,‬مما كان‬
‫فيه الفرض دون النصف ‪ ,‬وكانت اإلخوة أكثر من مثليه ‪.‬ووجه تعني ثلث الباقي يف ذلك أن الباقي بعد سدس األم‬
‫مخسة على اجلد ومخسة األخوة ‪ ,‬وثلثها واحد وثلثان ‪ ,‬وال شك أن ذلك أكثر من املقامسة والسدس ‪ ,‬لكن الباقي‬
‫ليس له ثلث صحيح ‪ ,‬فتضرب الثالثة خمرج الثلث يف أصل املسألة ستة تبلغ مثانية عشر ‪ ,‬فلألم من أصلها واحد يف‬
‫ثالثة بثالثة وللجد ثلث الباقي مخسة ‪ ,‬يبقى عشرة على مخسة أخوة ‪ ,‬لكل واحد اثنان ‪.‬‬
‫وهذه صورهتا ‪:‬‬
‫‪18 3 \ 6‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪111‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫أم ‪3 1‬‬
‫جد ‪5 1 - 3 \ 2‬‬
‫‪ 5‬إخوة ‪2 \ 10 3 - 3 \ 1‬‬

‫احلالة الثالثة ‪ :‬أن يكون سدس املال أحظ له من املقامسة ومن ثلث الباقي ‪ ,‬ومثال ذلك ‪ :‬زوج وأم وجد وأخوان ‪,‬‬
‫مما كان فيه الفرض قدر الثلثني ‪ ,‬وكان اإلخوة أكثر من مثله بواحد ‪ ,‬ولو أنثى ‪.‬‬
‫ووجه تعني السدس يف ذلك أن الباقي بعد نصف الزوج وسدس األم اثنان على اجلد واألخوين ‪ ,‬وال شك أن‬
‫السدس أكثر من ثلث الباقي ومن املقامسة ‪ ,‬لكن يبقى واحد ال ينقسم على األخوين ‪ ,‬فيضرب اثنان عدد رءوسها‬
‫يف أصل املسألة ستة ; تبلغ اثين عشر ‪ ,‬للزوج من أصلها ثالثة يف اثنني بستة ‪ ,‬ولألم من أصلها واحد يف اثنني باثنني‬
‫‪ ,‬وللجد من أصلها واحد يف اثنني باثنني ‪ ,‬ولإلخوة من أصلها واحد يف اثنني باثنني ‪ ,‬لكل واحد واحد ‪.‬‬
‫وهذه صورهتا ‪:‬‬
‫‪12 2 \ 6‬‬
‫زوج ‪6 3‬‬
‫أم ‪2 1‬‬
‫جد ‪2 1‬‬
‫‪ 2‬أخوان ‪1 \ 2 1‬‬

‫احلالة الرابعة ‪ :‬أن تستوي له املقامسة وثلث الباقي ‪ ,‬ويكونان أحظ هن سدس املال ‪ ,‬ومثال ذلك ‪ :‬أم وجد وأخوان‬
‫‪ ,‬مما كان فيه الفرض دون النصف ‪ ,‬وكان األخوة مثليه ‪.‬‬
‫ووجه استواء املقامسة وثلث الباقي ‪ :‬أن الباقي بعد سدس األم مخسة على اجلد واألخوين ; فثلث الباقي واحد وثلثان‬
‫‪ ,‬وهو مساو للمقامسة ‪ ,‬لكن ال ثلث للباقي صحيح ‪ ,‬فتضرب ثالثة ‪ -‬وهي خمرج الثلث ‪ -‬يف أصل املسألة ستة ‪,‬‬
‫تبلغ مثانية عشر ‪ ,‬لألم من أصلها واحد يف ثالثة بثالثة ‪ ,‬يبقى مخسة عشر ‪ ,‬للجد مخسة باملقامسة ‪ ,‬أو لكوهنا ثلث‬
‫الباقي ‪ ,‬ولألخوة عشرة ‪ ,‬لكل واحد مخسة ‪.‬‬
‫وهذه صورهتا ‪:‬‬
‫‪18 6 \ 3‬‬
‫أم ‪3 1‬‬
‫‪ 3‬جد ‪5 1 3 \ 2‬‬
‫أخوان ‪5 \ 10 3 3 \ 1‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪112‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫احلالة اخلامسة‪ :‬أن تستوي له املقامسة وسدس املال ‪ ,‬ويكونان أحظ له من ثلث الباقي ‪ ,‬ومثال ذلك زوج وجدة‬
‫وجد وأخ ‪ ,‬مما كان فيه الفرض قدر الثلثني ‪ ,‬وكان املوجود من اإلخوة مثله ‪.‬‬
‫ووجه استواء املقامسة والسدس ‪ :‬أن الباقي بعد نصف الزوج وسدس اجلدة اثنان على اجلد واألخ ‪ ,‬فللجد واحد‬
‫باملقامسة أو لكونه السدس ‪ ,‬ولألخ واحد ‪.‬‬
‫وهذه صورهتا ‪ :‬زوج جدة جد أخ‬

‫احلالة السادسة‪ :‬أن يستوي له سدس املال وثلث الباقي ‪ ,‬ومثاله زوج وجد وثالثة إخوة ‪ ,‬مما كان فيه الفرض قدر‬
‫النصف ‪ ,‬وكانت اإلخوة أكثر من مثليه ‪.‬‬
‫ووجه استواء السدس وثلث الباقي أن الباقي بعد نصف الزوج النصف اآلخر على اجلد واإلخوة الثالثة ; فالسدس‬
‫قدر ثلث الباقي ‪ ,‬لكن ليس للباقي ثلث صحيح ‪ ,‬فتضرب خمرج الثلث ثالثة يف أصل املسألة ‪ -‬وهو اثنان ‪ -‬تبلغ‬
‫ستة ‪ ,‬للزوج من أصلها واحد يف ثالثة بثالثة ‪ ,‬يبقى ثالثة ‪ ,‬للجد منها واحد ‪ ,‬وهو ثلث الباقي ‪ ,‬ويساوي سدس‬
‫الكل ‪ ,‬ولإلخوة اثنان ورءوسهم ثالثة ال تنقسم وتباين ‪ ,‬فنضرب مصح املسألة ستة يف رءوس األخوة ثالثة ‪ ,‬فتبلغ‬
‫مثانية عشر ‪ ,‬للزوج منها ثالثة يف ثالثة بتسعة وللجد واحد يف ثالثة بثالثة ‪ ,‬ولإلخوة اثنان يف ثالثة بستة ‪ ,‬لكل‬
‫واحد اثنان ‪.‬‬
‫وهذه صورهتا ‪ :‬زوج جد ثالثة إخوة‬

‫احلالة السابعة‪ :‬أن تستوي له ثالثة األمور املقامسة وثلث الباقي وسدس املال ‪ ,‬مثال ذلك ‪ :‬زوج وجد وأخوان ‪ ,‬مما‬
‫كان الفرض فيه قدر النصف ‪ ,‬وكان اإلخوة مثليه ‪.‬‬
‫ووجه استواء األمور الثالثة ‪ :‬أن الباقي بعد نصف الزوج هو النصف اآلخر على اجلد واألخوين ; فثلث الباقي‬
‫واملقامسة والسدس متساوية ‪ ,‬لكن ال ثلث للباقي صحيح ‪ ,‬فتضرب خمرج الثلث ثالثة يف أصل املسألة اثنني ‪ ,‬تبلغ‬
‫ستة ‪ ,‬للزوج من أصلها واحد يف ثالثة بثالثة ‪ ,‬يبقى ثالثة ‪ ,‬للجد منها واحد بكل حال ‪ ,‬ويبقى اثنان لألخوين ‪,‬‬
‫لكل واحد واحد وهذه صورهتا ‪ :‬زوج جد أخوان‬

‫فائدة ‪:‬‬
‫للجد باعتبار ما يفضل عن الفرض وجودا وعدما أربعة أحوال‬

‫احلال األول ‪ :‬أن يفضل عن الفرض أكثر من السدس ‪ ,‬فللجد خري األمور الثالثة من املقامسة وثلث الباقي وسدس‬
‫املال ‪.‬‬

‫احلال الثاين ‪ :‬أن يبقى قدر السدس ‪ ,‬فهو للجد فرضا ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪113‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫احلال الثالث ‪ :‬أن يبقى دون السدس ; فيعال للجد بتمام السدس ‪.‬‬

‫احلال الرابع ‪ :‬أن ال يبقى شيء الستغراق الفروض مجيع املال ; فيعال بالسدس للجد‬
‫ويف هذه الثالثة األحوال تسقط األخوة ; إال األخت يف األكدرية ; كما يأيت ‪.‬‬

‫فائدة ‪:‬‬

‫يعطى اجلد ثلث الباقي يف بعض األحوال قياسا على األم يف العمريتني ألن كال منهما ل‪%%‬ه والدة ‪ ,‬وألن‪%%‬ه ل‪%%‬و مل يكن مث‬
‫ذو فرض ; أخ‪%‬ذ ثلث املال ‪ ,‬فإذا أخ‪%‬ذ ص‪%‬احب الف‪%‬رض فرض‪%‬ه ; أخ‪%‬ذ اجلد ثلث الب‪%‬اقي ‪ ,‬والب‪%‬اقي لإلخ‪%‬وة ‪ ,‬ومل يع‪%‬ط‬
‫اجلد الثلث كامال إلضراره باإلخوة ‪ ,‬ووجه إعطائه الس‪%‬دس أن‪%‬ه ال ينقص عن‪%‬ه م‪%‬ع الول‪%‬د ال‪%‬ذي ه‪%‬و أق‪%‬وى ; فم‪%‬ع غ‪%‬ريه‬
‫أوىل ‪.‬‬

‫باب يف املعادة‬

‫* ما تقدم من حبث اجلد واألخوة وما إذا كان معه أحد الص‪%‬نفني فق‪%‬ط ‪ .‬اإلخ‪%‬وة األش‪%‬قاء ‪ ,‬أو اإلخ‪%‬وة ألب ‪ ,‬أم‪%‬ا إذا‬
‫ك‪%%‬ان مع‪%%‬ه جمم‪%%‬وع الص‪%%‬نفني ‪ -‬أي " ‪ :‬إخ‪%%‬وة أش‪%%‬قاء وإخ‪%%‬وة ألب ; فإن اإلخ‪%%‬وة األش‪%%‬قاء يع‪%%‬ادون اجلد هبم إذا احت‪%%‬اجوا‬
‫إليهم ; فإذا أخ ‪%%‬ذ اجلد نص ‪%%‬يبه ; رج ‪%%‬ع األش ‪%%‬قاء على أوالد األب ‪ ,‬فأخ ‪%%‬ذوا م ‪%%‬ا بأي ‪%%‬ديهم ‪ ,‬وإن ك ‪%%‬ان املوج ‪%%‬ود ش ‪%%‬قيقة‬
‫واحدة ‪ ,‬أخذت كمال فرضها ‪ ,‬وما بقي ; فلولد األب ‪.‬‬

‫* فالشقيق يعد ولد األب على اجلد الحتادهم يف األخوة من األب وألن جهة األم يف الشقيق حمجوب‪%%‬ة باجلد ‪ ,‬في‪%%‬دخل‬
‫ول‪%%‬د األب مع‪%%‬ه يف حس‪%%‬اب القس‪%%‬مة على اجلد ‪ ,‬لينقص بس‪%%‬ببه عن املقامسة إىل الثلث أو إىل ثلث الب‪%%‬اقي أو إىل س‪%%‬دس‬
‫املال ‪.‬‬

‫* وأيضا إمنا ع‪%% %‬د أوالد األب‪%% %‬وين أوالد األب على اجلد ; ألهنم يقول‪%% %‬ون للج‪%% %‬د ‪ :‬منزلتن‪%% %‬ا وم‪%% %‬نزلتهم مع‪%% %‬ك واح‪%% %‬دة ‪,‬‬
‫في‪%%‬دخلون معن‪%%‬ا يف القس‪%%‬مة ‪ ,‬ونزامحك هبم ‪ .‬مث يقول‪%%‬ون ألوالد األب ‪ :‬أنتم ال ترث‪%%‬ون معن‪%%‬ا ‪ ,‬وإمنا أدخلن‪%%‬اكم معن‪%%‬ا يف‬
‫املقامسة ; حلجب اجلد ‪ ,‬فنأخ ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ذ م‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ا خيص‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % %‬كم ‪ ,‬ك ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % %‬أن مل يكن معن ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ا ج ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % %‬د ‪.‬‬
‫م‪%%‬ىت تك‪%%‬ون املع‪%%‬ادة ؟ إمنا تك‪%%‬ون املع‪%%‬ادة إذا ك‪%%‬ان ول‪%%‬د األب‪%%‬وين أق‪%%‬ل من مثلي اجلد ‪ ,‬وبقي بع‪%%‬د الف‪%%‬رض أك‪%%‬ثر من الرب‪%%‬ع ‪,‬‬
‫فإن كانوا مثليه فأكثر ; فال داعي للمعادة ‪.‬‬

‫صور املعادة ‪:‬‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪114‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫صور املعادة مثان وستون صورة ‪ ,‬ووجه حصرها يف هذا العدد أن مسائل املعادة ال بد فيه‪%%‬ا أن يك‪%%‬ون األش‪%‬قاء‬
‫دون املثلني ‪ ,‬وينحص‪%%‬ر م‪%%‬ا دون املثلني يف مخس ص‪%‬ور ‪ ,‬وهي‪ :‬ج‪%‬د وش‪%%‬قيقة ‪ ,‬ج‪%‬د وش‪%%‬قيقتان ‪ ,‬ج‪%‬د وثالث ش‪%%‬قائق ‪,‬‬
‫جد وشقيق ‪ ,‬جد وشقيق وشقيقة‪ .‬ويكون مع من ذكر يف هذه الصور اخلمس من األب من يكمل املثلني أو دوهنما‬

‫فيتصور مع الشقيقة مخس صور ‪ ,‬وهي ‪ :‬شقيقة وأخت ألب ‪ ,‬شقيقة وأختان ألب ‪ ,‬شقيقة وثالث أخوات‬
‫ألب ‪ ,‬شقيقة وأخ ألب ‪ ,‬شقيقة وأخ وأخت ألب ‪.‬‬
‫ويتصور مع الشقيقتني ثالث صور ‪ ,‬وهي ‪ :‬شقيقتان وأخت ألب شقيقتان وأختان ألب ‪ ,‬شقيقتان وأخ ألب ‪.‬‬
‫ويتصور مع الشقيق ثالث صور ‪ ,‬وهي ‪ :‬شقيق وأخت ألب ‪ ,‬شقيق وأختان ألب ‪ ,‬شقيق وأخ ألب ‪.‬‬
‫ويتصور مع ثالث الشقائق صورة واحدة ‪ ,‬وهي ‪ :‬ثالث شقائق وأخت ويتصور مع األخ الشقيق واألخت الشقيقة‬
‫صورة واحدة ‪ ,‬وهي ‪ :‬شقيق وشقيقة وأخت ألب ‪.‬‬
‫وجمموع هذه الصورة ثالث عشرة صورة ‪ .‬مث ال خيلو ‪ :‬إما إن ال يكون معهم صاحب فرض ‪ ,‬أو يكون ‪.‬‬

‫وعلى الثاين ; فالفرض إما ربع ‪ ,‬أو سدس ‪ ,‬أو ربع وسدس ‪ ,‬أو نصف ; فهذه مخس حاالت ‪ ,‬تضرب يف‬
‫الثالث عشرة صورة ‪ ,‬حيصل مخس وستون ‪.‬‬
‫والصورة السادسة والستون‪ :‬أن يكون مع اجلد واإلخوة صاحبا نصف وسدس كبنت وبنت ابن وجد وأخت ألب‬
‫والسابعة والستون أن يكون معهم أصحاب ثلثني كبنتني وجد وشقيقة وأخت ألب ‪.‬‬
‫والثامنة والستون أن يكون معهم صاحبا نصف ومثن ; كبنت وزوجة وجد ‪.‬‬

‫هل يتصور أن يأخذ اإلخوة ألب شيئا مع األشقاء يف صورة املعادة ؟‬


‫أما إذا كان يف األشقاء ذكر أو كانتا شقيقني فأكثر ; فال يتصور أن يبقى هلم شيء وإن كانت شقيقة واحدة فلها‬
‫إىل متام النصف ‪ ,‬فإن بقي شيء فهو لولد األب ‪.‬‬
‫فمن الصورة اليت يبقى فيها لولد األب شيء الزيديات األربع ‪ ,‬نسبة لزيد ; ألنه الذي حكم فيها بذلك ‪ ,‬وهي ‪:‬‬

‫العشرية وهي جد وشقيقة وأخ ألب ‪ ,‬فأصلها من مخسة عدد الرءوس ‪ ,‬وإمنا نسبت إىل العشرة لصحتها‬ ‫‪-1‬‬
‫منها ‪ ,‬ووجه صحتها من عشرة أن للشقيقة النصف وال نصف للخمسة صحيح ‪ ,‬فيضرب خمرج النصف‬
‫اثنان يف أصل املسألة مخسة تبلغ عشرة ‪ :‬للجد مخساها أربعة ‪ ,‬ولألخت نصفها وهذه صورهتا ‪ :‬جد‬
‫شقيقة أخ ألب‬
‫العشرينية نسبة إىل العشرين ; لصحتها منها ‪ ,‬وهي جد وشقيقة وأختان ألب ; فأصلها من مخسة عدد‬ ‫‪-2‬‬
‫الرءوس ; كاليت قبلها ‪ ,‬للجد منها سهمان باملقامسة ‪ ,‬وللشقيقة نصف املال ‪ ,‬وال نصف صحيح للخمسة‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪115‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫‪ ,‬فيضرب خمرج النصف اثنان يف أصل املسألة مخسة ; حيصل عشرة ‪ ,‬للجد من أصلها اثنان يف اثنني‬
‫بأربعة ‪ ,‬ولألخت النصف مخسة ‪ ,‬يبقى واحد لألختني ألب بينهما مناصفة ‪ ,‬وال ينقسم عليهن ‪,‬‬
‫فتضرب عدد رءوسهما اثنني يف مصح املسألة عشرة ‪ ,‬حيصل عشرون ‪ :‬للجد أربعة يف اثنني بثمانية ‪,‬‬
‫وللشقيقة مخسة يف اثنني بعشرة ‪ ,‬ولألختني ألب واحد يف اثنني باثنني ‪ ,‬لكل واحدة واحد ‪.‬‬
‫وهذه صورهتا ‪ :‬جد شقيقة أختان ألب ولك أن تقول يف هذه ‪ :‬أصلها من مخسة ‪ ,‬للجد منها اثنان‬
‫باملقامسة ‪ ,‬وللشقيقة النصف اثنان ونصف ‪ ,‬يبقى نصف لألختني ألب ‪ ,‬لكل واحدة ربع ‪ ,‬وخمرج الربع‬
‫من أربعة ‪ ,‬تضربه يف أصل املسألة مخسة ‪ ,‬بعشرين ‪ :‬للجد من أصلها اثنان يف أربعة بثمانية ‪ ,‬وللشقيقة‬
‫النصف عشرة ‪ ,‬ولألختني ألب اثنان لكل واحدة واحد ‪.‬‬
‫خمتصرة زيد وهي أم وجد وشقيقة وأخ وأخت ألب ‪ ,‬مسيت بذلك ألن تصحيحها من مائة ومثانية باعتبار‬ ‫‪-3‬‬
‫املقامسة ‪ ,‬وتصح باالختصار من أربعة ومخسني ‪ ,‬كان أصلها من ستة ‪ .‬لألم سدس واحد ‪ ,‬يبقى مخسة‬
‫على اجلد واإلخوة مقامسة ‪ ,‬ورؤوسهم ستة ال تنقسم ‪ ,‬فتضرب عدد الرءوس ستة يف أصل املسألة ستة ;‬
‫تبلغ ستة وثالثني ‪ :‬لألم من أصلها واحد يف ستة بستة ‪ ,‬والباقي مخسة يف ستة بثالثني ‪ ,‬للجد منها‬
‫باملقامسة عشرة ‪ ,‬يبقى عشرون للشقيقة نصف املال مثانية عشر ‪ ,‬يبقى اثنان على األخ واألخت ألب ‪,‬‬
‫ورؤوسهم ثالثة ال تنقسم وتباين ‪ ,‬فنضرب ثالثة يف ستة وثالثني ; تبلغ مائة ومثانية ‪ :‬لألم ستة يف ثالثة‬
‫بثمانية عشر ‪ ,‬وللجد عشرة يف ثالثة بثالثني ‪ ,‬وللشقيقة مثانية عشر يف ثالثة بأربعة ومخسني ‪ ,‬ولألخ‬
‫واألخت ألب اثنان يف ثالثة بستة ‪ ,‬لألخ أربعة ولألخت اثنان ‪ .‬مث ننظر فنجد بني األنصباء ومصح‬
‫املسألة توافقا بالنصف ‪ ,‬فرتجع املسألة إىل نصفها أربعة ومخسني ‪ ,‬ويرجع نصيب الشقيقة إىل نصفه سبعة‬
‫وعشرين ‪ ,‬ويرجع نصيب اجلد إىل نصفه مخسة عشر ‪ ,‬ونصيب األخ ألب إىل نصفه اثنني ‪ ,‬ونصيب‬
‫األخت ألب إىل نصفه واحد ‪.‬‬
‫وهذه صورهتا ‪ :‬أم جد أخت شقيقة أخ األب أخت األب‬
‫تسعينية زيد وهي أم وجد وشقيقة وأخوان وأخت ألب ‪ ,‬مسيت بذلك نسبة إىل التسعني ‪ ,‬لصحتها‬ ‫‪-4‬‬
‫منها ‪ ,‬ووجه صحتها من تسعني أن األحظ للجد هنا ثلث الباقي بعد سدس األم ‪ ,‬فيكون أصلها من مثانية‬
‫عشر إن اعترب ثلث الباقي مع السدس ‪ ,‬ويصح أن جيعل أصلها من ستة خمرج السدس ‪ :‬لألم واحد ‪,‬‬
‫يبقى مخسة ال ثلث هلا صحيح ‪ ,‬فيضرب خمرج الثلث ثالثة يف ستة بثمانية عشر ‪ :‬لألم أصلها السدس ‪,‬‬
‫واحد يف ثالثة بثالثة ‪ ,‬يبقى مخسة عشر ‪ ,‬للجد منها مخسة ‪ ,‬ثلث الباقي ‪ ,‬ولألخت الشقيقة نصف املال‬
‫تسعة ‪ ,‬يبقى واحد لإلخوة لألب ‪ ,‬غري منقسم ‪ ,‬فتضرب عدد رءوسهم مخسة يف أصل املسألة أو‬
‫مصحها مثانية عشر بتسعني ‪ ,‬ومنها تصح لألم ثالثة يف مخسة خبمسة عشر ‪ ,‬وللجد مخسة يف مخسة‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪116‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫خبمسة وعشرين ‪ ,‬ولألخت الشقيقة تسعة يف مخسة خبمسة وأربعني ‪ ,‬ولإلخوة ألب واحد يف مخسة‬
‫خبمسة ‪ ,‬لكل من األخوين اثنان ‪ ,‬ولألنثى واحد ‪.‬‬
‫وهذه صورهتا على الطريقتني ‪ :‬أم جد شقيقة أخوان أخت ألب أم جد شقيقة أخوان ألب أخت ألب‬
‫هذا ; وبقي ما يسمى حبساب املواريث ‪ ,‬وبتكون من باب احلساب وباب املناسخات وباب قسمة‬
‫الرتكات ‪ ,‬وهذا حمله كتب الفرائض ‪.‬‬

‫باب يف التوريث بالتقدير واالحتياط‬

‫ما سبق كله هو حديث عما إذا حتقق موت املورث وحتقق كذلك وجود الوارث عند موت املورث ‪ ,‬وهذا‬
‫واضح ال إشكال فيه ‪.‬‬
‫لكن هنا حاالت يلتبس فيها األمر ; فال تعرف حال املورث والوارث ; فقد يكون لبعض الورثة أحوال ترتدد بني‬
‫الوجود والعدم ‪ ,‬وذلك كاحلمل يف البطن والغرقى واهلدمى وحنوهم واملفقود ‪ ,‬وتردد بني كون الوارث ذكرا أو‬
‫كونه أنثى ‪ ,‬وذلك كاخلنثى املشكل واحلمل يف البطن ‪.‬‬
‫وبناء على هذا الرتدد يف تلك األحوال واألصناف من الورثة واملورثني ‪ ,‬أفردت بأبواب خاصة تسمى أبواب‬
‫التوريث بالتقدير واالحتياط ‪ ,‬وهي ‪:‬‬

‫باب اخلنثى املشكل ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫وباب احلمل ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وباب املفقود ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وباب الغرقى واهلدمى ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫باب يف مرياث اخلنثى‬

‫فاخلنثى مأخوذ من االخنناث ‪ ,‬وهو اللني والتكسر والتثين ‪ ,‬يقال ‪ :‬خنث فم السقاء ‪ :‬إذا كسره إىل خارج‬
‫وشرب منه ‪ .‬وهو يف اصطالح الفرضيني شخص له آلة رجل وآلة أنثى ‪ ,‬أو ليس له آلة أصال ‪.‬‬
‫واجلهات اليت ميكن وجوده فيها ‪ :‬البنوة ‪ ,‬واألخوة ‪ ,‬والعمومة ‪ ,‬والوالء ‪ ,‬إذ كل واحد من املذكورين ميكن كونه‬
‫ذكرا أو كونه أنثى ‪ .‬وال ميكن أن يكون اخلنثى املشكل أبا وال أما وال جدا وال جدة ; إذ لو كان كذلك ‪ ,‬التضح‬
‫أمره فلم يبق مشكال ‪ ,‬وال ميكن كذلك أن يكون اخلنثى املشكل زوجا وال زوجة ; ألنه ال يصح تزوجيه ما دام‬
‫مشكال ‪.‬‬
‫ا َأُّي ا الَّنا اَّتُقوا َّبُك اَّلِذ ي َلَق ُك ِم ْف ٍس اِح َد ٍة‬ ‫وقد خلق اهلل بين آدم ذكرا وإناثا ; كما قال تعاىل ‪:‬‬
‫َخ ْم ْن َن َو‬ ‫َر ُم‬ ‫َي َه ُس‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪117‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ِت‬ ‫ِل ِه‬ ‫ِث ِن‬ ‫ِم ِر‬ ‫ِم‬


‫َّل ُمْلُك الَّس َم اَو ا َو اَأْلْر ِض ْخَيُلُق‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬
‫َو َخ َلَق ْنَه ا َز ْو َجَه ا َو َبَّث ْنُه َم ا َج ااًل َك ًريا َو َس اًء‬
‫وقد بني سبحانه حكم كل واحد منهما ‪ ,‬ومل يبني‬ ‫ُّذ‬ ‫ِل‬ ‫ِإ‬ ‫ِل‬
‫َم ا َيَش اُء َيَه ُب َمْن َيَش اُء َناًثا َو َيَه ُب َمْن َيَش اُء ال ُك وَر‬
‫حكم من هو ذكر وأنثى ‪ ,‬فدل على أنه ال جيتمع الوصفان يف شخص واحد ‪ ,‬وكيف يتأتى ذلك وبينهما مضادة ؟‬
‫! وقد جعل سبحانه وتعاىل للتمييز بينهما عالمات مميزة ‪ ,‬ومع ذلك قد يقع االشتباه ; بأن يوجد للشخص آلة ذكر‬
‫وآلة أنثى ‪.‬‬
‫* وقد أمجع العلماء على أن اخلنثى يورث حبسب ما يظهر فيه من عالمات مميزة ‪ :‬فمثال ‪ :‬إن بال من حيث يبول‬
‫الرجل ‪ ,‬ورث مرياث رجل ‪ ,‬وإن بال من حيث تبول األنثى ; ورث مرياث أنثى ; ألن داللة البول على الذكورة‬
‫أو األنوثة من أوضح الدالالت وأعمها ; لوجودها من الصغري والكبري ; فبوله من إحدى اآللتني وحدا يدل على‬
‫أنه من أهلها ‪ ,‬وتكون اآللة اليت ال يبول منها مبنزلة العضو الزائد والعيب يف اخللقة ‪ ,‬فإن بال من اآللتني معا ‪ ,‬اعترب‬
‫األكثر منهما ‪ ,‬وإن كان يف ابتداء األمر يبول من آلة واحدة ‪ ,‬مث صار يبول من " اآللتني اعتربنا اآللة اليت أبتدأ‬
‫البول منها ‪ ,‬فإن استوت اآللتان يف خروج البول منهما وقتا وكمية ; فإنه ينتظر به إىل ظهور عالمة أخرى من‬
‫العالمات اليت تظهر عند البلوغ ‪ ,‬ويبقى مشكال إىل آنذاك ‪ ,‬لكنه يرجى اتضاح حاله عند البلوغ ‪.‬‬
‫والعالمات اليت توجد عند البلوغ منها ما هو خاص بالرجال كنبات الشارب ونبات اللحية وخروج املين من‬
‫ذكره ‪ ,‬فإذا تبني فيه واحدة من هذه العالمات ‪ ,‬فهو رجل ‪ ,‬ومنها عالمات ختتص بالنساء ‪ ,‬وهي احليض واحلبل‬
‫وتفلك الثديني ‪ ,‬فإذا تبني فيه عالمة من هذه العالمات ; فهو أنثى ‪.‬‬
‫* فإن مل يظهر فيه شيء من عالمات الرجال وال عالمات اإلناث عند البلوغ ; بقي مشكال ال يرجى اتضاح‬
‫حاله ‪ ,‬وللعلماء يف كيفية توريثه وتوريث من معه يف احلالتني مذاهب ‪ - :‬فمنهم من يرى أن اخلنثى املشكل يعامل‬
‫باألضر دون من معه ‪ ,‬فيعطى األقل من نصيبه إذا قدر ذكرا أو نصيبه إذا قدر أنثى ‪ ,‬وإن كان ال يرث يف أحد‬
‫التقديرين ‪ ,‬مل يعط شيئا ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن العلماء من يرى أنه يعامل اخلنثى ومن معه يف احلالتني باألضر ‪ ,‬ويوقف الباقي إىل اتضاح حال اخلنثى أو‬
‫اصطالح الورثة على اقتسامه ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن العلماء من يرى أن اخلنثى املشكل يعطى نصف نصيب ذكر وأنثى إن ورث هبما متفاضال ‪ ,‬وإن ورث‬
‫بأحد التقديرين دون اآلخر ; فله نصف التقدير الذي يرث به ‪ ,‬وهذا احلكم يعمل به سواء كان يرجى اتضاح حال‬
‫اخلنثى أو ال يرجى ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن العلماء من يرى التفصيل ‪ ,‬فإن كان يرجى اتضاح حال اخلنثى ; عومل هو ومن معه باألضر ‪ ,‬فيعطى هو‬
‫ومن معه املتيقن من مرياثه ‪ ,‬ويوقف الباقي إىل اتضاح حاله ‪ ,‬وإن كان ال يرجى اتضاح حاله ; فإن اخلنثى يعطى‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪118‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫نصف مرياث ذكر ونصف مرياث أنثى إن ورث بالتقديرين ‪ ,‬وإن ورث بأحد التقديرين ; أعطي نصف ما يستحقه‬
‫به ‪ .‬واهلل تعاىل أعلم ‪.‬‬

‫باب مرياث احلمل‬

‫قد يكون من مجلة الورثة محل ‪ ,‬ومعلوم حينئذ ما حيصل من اإلشكال الناشئ عن جهالة احلالة اليت يكون‬
‫عليها من حياة أو موت وتعدد وانفراد وأنوثة وذكورة ‪ ,‬واحلكم خيتلف غالبا باختالف تلك االحتماالت ‪ ,‬من هنا‬
‫اهتم العلماء رمحهم اهلل بشأنه ‪ ,‬فعقدوا له بابا خاصا يف كتب املواريث ‪.‬‬
‫واحلمل ما حيمل يف البطن من الولد ‪ ,‬واملراد به هنا ما يف بطن اآلدمية إذا تويف املورث وهي حامل به ‪ ,‬وكان يرث‬
‫أو حيجب بكل تقدير ‪ ,‬أو يرث أو حيجب يف بعض التقادير ‪ ,‬إذا انفصل حيا‪.‬‬
‫* واحلمل الذي يرث باإلمجاع هو الذي يتحقق فيه شرطان ‪:‬‬

‫الشرط األول ‪ :‬وجوده يف الرحم حني موت املورث ‪ ,‬ولو نطفة ‪.‬‬

‫إذا استهل املولود ورث‬ ‫الشرط الثاين ‪ :‬انفصاله حيا حياة مستقرة ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه أبو داود ‪ ,‬ونقل عن ابن حبان تصحيحه ‪ ,‬ومعىن استهالل املولود بكاؤه عند والدته برفع صوته ‪ ,‬وقيل ‪:‬‬
‫معىن االستهالل أن يوجد منه دليل احلياة من بكاء أو عطاس أو حركة ‪ ,‬وال خيتص ذلك بالبكاء ; فاالستهالل بعد‬
‫الوالدة دليل على انفصاله حيا حياة مستقرة ‪ ,‬وبه يتحقق الشرط الثاين ‪.‬‬

‫أما الشرط األول ‪ -‬وهو وجوده يف الرحم حني موت املورث ‪ , -‬فيستدل على حتققه بأن تلده يف املدة‬
‫احملددة للحمل ‪ ,‬وهلا أقل وهلا أكثر حبسب األحوال ‪ ,‬وذلك أن للحمل املولود بعد وفاة املورث ثالث حاالت ‪:‬‬

‫احلالة األوىل‪ :‬أن تلده حيا قبل مضي زمن أقل مدة احلمل من موت املورث ; ففي هذه احلالة يرث مطلقا ; ألن‬
‫حياته بعد الوالدة يف هذه املدة دليل على أنه كان موجدا قبل موت املورث ‪ ,‬وأقل مدة احلمل ستة أشهر بإمجاع‬
‫ِض‬ ‫ِل‬ ‫َو ْمَحُلُه َو ِفَص اُلُه َثاَل ُثوَن َش ْه ًر ا‬
‫َو اْلَو ا َد اُت ُيْر ْع َن‬ ‫مع قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫العلماء ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫فإذا طرح احلوالن ومها أربعة وعشرون شهرا من ثالثني شهرا ; بقي ستة أشهر ‪,‬‬ ‫َأْو اَل َدُه َّن َلِنْي َك اِم َلِنْي‬
‫َحْو‬
‫وهي أقل مدة احلمل –‬

‫احلالة الثانية‪ :‬أن تلده بعد مضي زمن أكثر مدة احلمل من موت املورث ; ففي هذه احلالة ال يرث ‪ ,‬ألن والدته بعد‬
‫هذه املدة تدل على حدوثه بعد موت املورث ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪119‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* وقد اختلف العلماء يف حتديد أكثر مدة احلمل على ثالثة أقوال ‪:‬‬
‫ال يبقى الولد يف بطن أهه‬ ‫األول ‪ :‬أن أكثر مدة احلمل سنتان ; لقول أم املؤمنني عائشة رضي اهلل عنها ‪:‬‬
‫ومثل هذا ال جمال لالجتهاد فيه ; فله حكم املرفوع إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫أكثرهن سنتني‬
‫الثاين ‪ :‬أن أكثر مدة احلمل أربع سنني ; ألن ما ال نص فيه يرجع فيه إىل الوجود ‪ ,‬وقد وجد بقاء احلمل يف بطن‬
‫أمه إىل أربع سنني ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن أكثر مدة احلمل مخس سنني ‪.‬‬

‫وأرجح األقوال ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬أن أكثر مدة احلمل أربع سنني ; ألنه مل يثب بالتحديد دليل ‪ ,‬فريجع فيه إىل الوجود‬
‫‪ ,‬وقد وجد أربع سنني ‪ ,‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫احلالة الثالثة ‪ :‬أن تلده فيما فوق ‪ ,‬احلد األدىن ملدة احلمل ودون احلد األعلى هلا ; ففي هذه احلالة ‪ :‬إن كانت حتت‬
‫زوج أو سيد يطؤها يف هذه املدة ; فإن احلمل ال يرث من امليت ‪ ,‬ألنه غري متحقق الوجود حني موت املورث ‪,‬‬
‫الحتمال أن يكون من وطء حادث بعد موت املورث ‪ ,‬وإن كانت ال توطأ يف هذه املدة لعدم الزوج أو السيد أو‬
‫غيبتهما أو تركهما الوطء عجزا أو امتناعا ; فإن احلمل يرث ; ألنه متحقق الوجود ‪.‬‬

‫* هذا وقد اتفق العلماء على أن املولود إذا استهل بعد والدته ‪ ,‬فقد حتققت والدته حيا حياة مستقرة ‪,‬‬
‫واختلفوا فيما سوى االستهالل ; كاحلركة والرضاع أو التنفس ‪ ,‬فمن العلماء من يقتصر على االستهالل وال يلحق‬
‫به غريه من هذه األمور ‪ ,‬ومنهم من يعمم فيلحق باالستهالل كل ما دل على حياة املولود ‪ ,‬وهذا هو الراجح ; ألن‬
‫االستهالل ال يقتصر تفسريه على الصراخ فقط ‪ ,‬بل يشمل احلركة وحنوا عند بعض العلماء ‪ ,‬وحىت لو اقتصر تفسري‬
‫االستهالل على الصوت والصراخ ; فإن ذلك ال مينع االستدالل بالعالمات األخرى واهلل أعلم ‪.‬‬

‫كيفية توريث احلمل إذا كان يف الورثة محل ‪ ,‬وطلبوا القسمة قبل وضعه ومعرفة حالته من حيث اإلرث‬
‫وعدمه ; فالذي ينبغي يف هذه احلالة االنتظار حىت يعرف مصري احلمل ‪ ,‬خروجا من اخلالف ‪ ,‬ولتكون القسمة مرة‬
‫واحدة ‪.‬‬
‫* فإن مل يرض الورثة بالتأخري واالنتظار إىل وضع احلمل ; فهل ميكنون من القسمة ; اختلف العلماء رمحهم اهلل يف‬
‫ذلك على قولني ‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬أهنم ال ميكنون وذلك ; للشك يف شأن احلمل ‪ ,‬وجهالة حالته ‪ ,‬وتعدد االحتماالت يف شأنه تعددا‬
‫يرتتب عليه اختالف كبري يف مقدار إرثه إلرث من معه ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪120‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫القول الثاين‪ :‬أن الورثة ميكنون من طلبهم ‪ ,‬وال جيربون على االنتظار ‪ ,‬ألن فيه إضرارا هبم ; إذ رمبا يكونون أو‬
‫يكون بعضم فقراء ‪ ,‬ومدة احلمل قد تطول ‪ ,‬واحلمل حيتاط له ‪ ,‬فيوقف له ما يضمن سالمة نصيبه ; فال داعي‬
‫للتأخري ‪.‬‬

‫وهذا والقول الراجح فيما يظهر ‪ ,‬لكن اختلف أصحاب هذا القول يف املقدار الذي يوقف له ‪ ,‬ألن احلمل يف‬
‫البطن ال يعلم حقيقته إال اهلل ‪ ,‬تتجاذبه احتماالت كثرية ‪ ,‬من حياته وموته ‪ ,‬وتعدده وانفراده ‪ ,‬وذكوريته‬
‫وأنوثيته ‪ ,‬وال شك أن هذه االحتماالت املتعددة تؤثر على مقدار إرثه وإرث من معه ; لذلك اختلفوا يف املقدار‬
‫الذي يوقف للحمل على أقوال ‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬أنه ال ضبط لعدد احلمل ; ألنه ال يعلم أكثر عدد ما حتمل به املرأة من األجنة ‪ ,‬لكن ينظر يف حالة‬
‫الورثة الذين يرثون مع احلمل ‪ ,‬فمن يرث يف بعض التقادير دون بعض ‪ ,‬أو كان نصيبه غري مقدر ; كالعاصب ;‬
‫فهذا ال يعطى شيئا ‪ ,‬ومن يرث يف مجيع التقادير متفاضال ; فإنه يعطى األنقص ‪ ,‬ومن ال خيتلف نصيبه يف مجيع‬
‫التقادير ; فإنه يعطى نصيبه كاهال ‪ ,‬مث يوقف الباقي بعد هذه االعتبارات ; إال أن ينكشف أمر احلمل‬

‫القول الثاين‪ :‬أنه يعامل احلمل باألحظ ‪ ,‬ويعامل الورثة معه باألضر ‪ ,‬فيوقف للحمل األكثر من مرياث ذكرين أو‬
‫أنثيني ‪ ,‬ويعطى الوارث معه اليقني من نصيبه ‪ ,‬فإذا ولد احلمل ‪ ,‬وتبني أمره ; أخذ من املوقوف ما يستحقه ورد‬
‫الباقي إن كان أكثر من نصيبه أو أخذه كامال إن كان قدر نصيبه ‪ ,‬وإن كان أنقص من نصيبه ; رجع على الورثة‬
‫مبا نقص‬

‫القول الثالث‪ :‬أنه يوقف للحمل حظ ابن واحد أو بنت واحدة أيهما أكثر ‪ ,‬ألن الغالب املعتاد أن ال تلد األنثى‬
‫أكثر من واحد يف بطن واحد ‪ ,‬فينبين احلكم على الغالب ‪ ,‬ويأخذ القاضي من الورثة كفيال بالزيادة على نصيب‬
‫الواحد ‪ ,‬ألن احلمل عاجز عن النظر لنفسه ‪ ,‬فينظر له القاضي احتياطا ‪.‬‬

‫والراجح من هذه األقوال ما كان فيه االحتياط أكثر ‪ ,‬وهو القول الثاين ; ألن والدة االثنني يف بطن واحد‬
‫كثرية الوقوع ‪ ,‬وما زاد على االثنني نادر ‪ ,‬وأخذ الكفيل كما يف القول الثالث قد يتعذر ‪ ,‬وحىت لو وجد الكفيل ;‬
‫فقد يعرتيه ما يعرتيه ‪ ,‬فيعجز عن التحمل ‪ ,‬فيضيع حق احلمل إذا تبني أكثر من واحد ‪.‬‬
‫فعلى القول املرجح جيعل للحمل ستة مقادير ‪ ,‬ألنه إما أن ينفصل حيا حياة مستقرة ‪ ,‬وإما أن ينفصل ميتا ‪ ,‬وإذا‬
‫انفصل حيا حياة مستقرة ‪ ,‬فإما أن يكون ذكرا فقط ‪ ,‬أو أنثى فقط ‪ ,‬أو ذكرا وأنثى ‪ ,‬أو ذكرين ‪ ,‬أو أنثيني ‪,‬‬
‫فهذه ستة مقادير ‪ ,‬جيعل لكل تقدير مسألة ‪ ,‬وجترى عليها العملية احلسابية ‪ ,‬وينظر يف أحوال الورثة ‪ :‬فمن كان‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪121‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫يرث يف مجيع املسائل متساويا ‪ ,‬أعطيته نصيبه كامال ‪ ,‬ومن كان يرث فيها متفاضال ; أعطيته األنقص ‪ ,‬ومن كان‬
‫يرث يف بعضها دون بعض ; مل تعطه شيئا ‪ ,‬ويوقف الباقي إىل أن يتضح حال احلمل كما سبق ‪ ,‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫باب يف مرياث املفقود‬

‫املفقود لغة اسم مفعول من فقد الشيء ‪ :‬إذا عدمه ‪ ,‬والفقد أن تطلب الشيء فال جتده ‪ ,‬واملراد باملفقود هنا‬
‫من انقطع خربه وجهل حاله ‪ ,‬فال يدرى أحي و أم ميت ‪ ,‬سواء كان سبب ذلك سفره أو حضوره قتاال أو‬
‫انكسار سفينة أو أسره يف أيدي أهل احلرب أو غري ذلك ‪.‬‬
‫وملا كان حال املفقود وقت فقده حمتمال مرتددا بني كونه موجودا أو معدوما ‪ ,‬ولكل حالة من احلالتني أحكام‬
‫ختصها ‪ :‬أحكام بالنسبة لزوجته ‪ ,‬وأحكام بالنسبة إلرثه من غريه وإرث غريه منه وإرث غريه معه ‪ ,‬ومل يرتجح‬
‫أحد االحتمالني على اآلخر ‪ ,‬كان ال بد من ضرب مدة يتأكد فيها من واقعه ‪ ,‬تكون فرصة للبحث عنه ‪ ,‬ويكون‬
‫مضيها بدون معرفة شيء عنه دليال على عدم وجوده ‪.‬‬
‫* وبناء على ذلك ; اتفق العلماء على ضرب تلك املدة ‪ ,‬لكن اختلفوا يف مقدارها على قولني ‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬أنه يرجع يف تقدير املدة إىل اجتهاد احلاكم ; ألن األصل حياة املفقود ‪ ,‬وال خيرج عن هذا األصل إال‬
‫بيقني أو ما يف حكمه ‪ ,‬وهذا قول اجلمهور ‪ ,‬سواء كان يغلب عليه السالمة أم اهلالك ‪ ,‬وسواء فقد قبل التسعني‬
‫من عمره أو بعدها ‪ ,‬فينتظر حىت تقوم بينة مبوته أو متضي مدة يغلب على الظن أنه ال يعيش فوقها ‪.‬‬

‫القول الثاين‪ :‬التفصيل ‪ ,‬وذلك أن للمفقود حالتني ‪:‬‬


‫األوىل ‪ :‬أن يكون الغالب عليه اهلالك ‪ ,‬كمن يفقد يف مهلكة ‪ ,‬أو بني الصفني ‪ ,‬أو من مركب غرق فسلم بعض‬
‫أهله وهلك بعض ‪ ,‬أو يفقد بني أهله ‪ ,‬كأن خيرج لصالة وحنوها ; فال يرجع فهذا ينتظر أربع سنني منذ فقد ; ألهنا‬
‫مدة يتكرر فيها تردد املسافرين والتجار ‪ ,‬فانقطاع خربه إىل هذه املدة يغلب على الظن أنه غري حي ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬أنه يكون الغالب على املفقود السالمة ; كمن سافر لتجارة أو سياحة أو طلب علم ‪ ,‬فخفي خربه ; فهذا‬
‫ينتظر تتمة تسعني سنة منذ ولد ‪ ,‬ألن الغالب أنه ال يعيش أكثر من هذا‬
‫والراجح هو القول األول ‪ ,‬وهو أنه يرجع يف حتديد مدة االنتظار املفقود إىل اجتهاد احلاكم ; ألن ذلك خيتلف‬
‫باختالف األوقات والبلدان واألشخاص ; ألنه يف زماننا توفرت وسائل اإلعالم واملواصالت ‪ ,‬حىت صار العامل كله‬
‫مبثابة البلد الواحد ‪ ,‬مما خيتلف احلال به عن الزمان السابق اختالفا كبريا كله فإذا مات مورث املفقود يف مدة‬
‫االنتظار املذكورة ‪ - :‬فإن مل يكن له وارث غري املفقود ; وقف مجيع ماله ‪ ,‬إىل أن يتضح األمر ‪ ,‬أو متضي املدة ‪.‬‬
‫‪ -‬وإن كان له ورثة غري املفقود ‪ ,‬فقد اختلف العلماء يف كيفية مسألتهم على أقوال ‪ ,‬أرجحها قول أكثر العلماء ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪122‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫أنه يعامل الورثة الذين مع املفقود باألضر ‪ ,‬فيعطى كل منهم إرثه املتيقن ‪ ,‬ويوقف الباقي ‪ ,‬وذلك بأن تقسم املسألة‬
‫على اعتبار املفقود حيا ‪ ,‬مث تقسم على اعتباره ميتا ‪ ,‬فإن كان يرث يف املسألتني متفاضال ; يعطى األنقص ‪ ,‬ومن‬
‫يرث فيهما متساويا يعطى نصيبه كامال ‪ ,‬ومن يرث يف إحدى املسألتني فقط ; ال يعطى شيئا ‪ ,‬ويوقف الباقي إىل‬
‫تبني أمر املفقود ‪.‬‬
‫هذا يف توريث املفقود من غريه ‪ ,‬وأما توريث غريه منه ‪ ,‬فإنه إذا مضت مدة انتظاره ‪ ,‬ومل يتبني أمره ‪ ,‬فإنه حيكم‬
‫مبوته ‪ ,‬ويقسم ماله اخلاص وما وقف له من مال مورثه على ورثته املوجودين حني احلكم مبوته ‪ ,‬دون من مات يف‬
‫مدة االنتظار ‪ ,‬ألن احلكم مبوت املفقود جاء متأخرا عن وفاة من مات يف مدة االنتظار ‪ ,‬ومن شرط اإلرث حياة‬
‫الوارث بعد موت املورث ‪.‬‬

‫باب يف مرياث الغرقى واهلدمى‬

‫* هذه املسألة كثرية الوقوع ‪ ,‬عظيمة اإلشكال ‪ ,‬أال وهي مسألة املوت اجلماعي ‪ ,‬الذي ميوت فيه مجاعة من‬
‫املتوارثني ‪ ,‬ال يعرف من السابق بالوفاة ليكون موروثا ومن املتأخر ليكون وارثا ‪ ,‬وكثريا ما يقع هذا يف هذا العصر‬
‫نتيجة حلوادث الطرق اليت يذهب فيها اجلماعات من الناس ‪ ,‬كحوادث السيارات والطائرات والقطارات ‪ ,‬وكذا‬
‫حوادث اهلدم واحلريق والغرق والقصف يف احلروب وغري ذلك ‪.‬‬
‫* فإذا حصل شيء من ذلك ; فال خيلو األمر من مخس حاالت ‪:‬‬

‫احلالة األوىل‪ :‬أن يعلم أن اجلماعة مات أفرادها مجيعا يف آن واحد مل يسبق أحدهم اآلخر ‪ ,‬ففي هذه احلالة ال‬
‫توارث بينهم باإلمجاع ‪ ,‬ألن من شرط اإلرث حتقق حياة الوارث بعد موت املورث ‪ ,‬وهذا الشرط مفقود هنا‬

‫احلالة الثانية ‪ :‬أن يعلم تأخر موت أحدهم بعينه عن موت اآلخر ومل ينس ‪ ,‬فاملتأخر يرث املتقدم باإلمجاع ; لتحقق‬
‫حياة الوارث بعد موت املورث ‪.‬‬

‫احلالة الثالثة ‪ :‬أن يعلم تأخر موت بعضهم عن موت البعض اآلخر من غري تعيني للمتقدم واملتأخر ‪.‬‬

‫احلالة الرابعة‪ :‬أن يعلم تأخر موت بعضهم عن موت البعض اآلخر بعينه ‪ ,‬لكن نسي ‪.‬‬

‫احلالة اخلامسة ‪ :‬أن جيهل واقع موهتم ; فال يدرى أماتوا مجيعا أم ماتوا متفاوتني ‪.‬‬

‫" ففي هذه األحوال الثالث األخرية جمال لالحتمال ومسرح لالجتهاد والنظر ‪ ,‬وقد اختلف العلماء رمحهم‬
‫اهلل فيها على قولني ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪123‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫القول األول ‪ :‬عدم التوارث يف هذه األحوال الثالث مجيعا ‪ ,‬وهي قول مجاعة من الصحابة ‪ ,‬منهم ‪ :‬أبو بكر‬
‫الصديق وزيد بن ثابت وابن عباس رضي اهلل عنهم ‪ ,‬وقال به األئمة الثالثة أبو حنيفة ومالك والشافعي ‪ ,‬وهو‬
‫ختريج يف مذهب أمحد ‪ ,‬ألن من شروط اإلرث حتقق حياة الوارث بعد موت املورث ‪ ,‬وهذا الشرط ليس مبتحقق‬
‫هنا ‪ ,‬بل ومشكوك فيه ‪ ,‬وال توريث مع الشك ‪ ,‬وألن قتلى وقعة اليمامة وقتلى وقعة صفني وقتلى احلرة مل يورث‬
‫بعضهم من بعض ‪.‬‬

‫القول الثاين ‪ :‬أنه يورث كل واحد من اآلخر ‪ ,‬وهو قول مجاعة من الصحابة رضي اهلل عنهم ; منهم عمر بن‬
‫اخلطاب وعلي رضي اهلل عنهما ‪ ,‬وهو ظاهر مذهب أمحد رمحه اهلل ‪ ,‬ووجه هذا القول أن حياة كل منهم كانت‬
‫ثابتة بيقني ‪ ,‬واألصل بقاؤها إىل ما بعد موت اآلخر ‪ ,‬وألن عمر رضي اهلل عنه ملا وقع الطاعون يف الشام جعل أهل‬
‫البيت ميوتون عن آخرهم ‪ ,‬فكتب بذلك إىل عمر ‪ ,‬فأمر أن يورثوا بعضهم من بعض‬
‫ويشرتط للتوريث أن ال خيتلف ورثة املوتى املشتبه يف ترتب موهتم ‪ ,‬فيدعي ورثة كل ميت تأخر موت مورثهم ‪,‬‬
‫وليس هناك بينة ; فإهنم حينئذ يتحالفون ‪ ,‬وال توارث ‪.‬‬
‫وكيفية التوريث على هذا القول ‪ :‬أن يورث كل واحد من تالد مال اآلخر ; أي ‪ :‬من ماله القدمي ; دون طريفه ‪,‬‬
‫أي ‪ :‬ماله اجلديد الذي ورثه ممن مات معه يف احلادث ‪ ,‬وذلك بأن تفرض أن أحدهم مات أوال ‪ ,‬فتقسم ماله القدمي‬
‫على ورثته األحياء ومن مات معه ‪ ,‬فصا حصل ملن مات معه من ماله هبذه القسمة ; قسمته بني ورثته األحياء فقط‬
‫‪ ,‬دون من مات معه ‪ ,‬لئال يرث مال نفسه ‪ ,‬مث تعكس العملية مع اآلخر ‪ ,‬فتفرضه مات أوال ‪ ,‬وتعمل معه ما‬
‫عملته مع األول ‪.‬‬

‫* والراجح يف هذه املسألة هو القول األول ‪ ,‬وهو عدم التوارث ; ألن اإلرث ال يثبت باالحتمال والشك ‪,‬‬
‫وواقع املوتى يف هذه املسألة جمهول ‪ ,‬واجملهول كاملعدوم ‪ ,‬وتقدم موت أحدهم يف هذه احلالة جمهول ; فهو‬
‫كاملعدوم ‪ ,‬وأيضا املرياث إمنا حصل للحي ليكون خليفة للميت ينتفع مباله بعده ‪ ,‬وهذا مفقود هنا ‪ ,‬مع ما يلزم‬
‫على القول بتوارثهم من التناقض ; ألن توريث أحدهم من صاحبه يقتضي أنه متأخر عنه بالوفاة ‪ ,‬وتوريث صاحبه‬
‫منه يقتضي أنه متقدم ‪ ,‬فيكون كل واحد منهما متقدما متأخرا ‪ ,‬فعلى هذا القول الراجح ‪ -‬وهو عدم التوارث ‪-‬‬
‫يكون مال كل منهم لورثته األحياء فقط دون من مات معه ‪ ,‬عمال باليقني ‪ ,‬وابتعادا عن االشتباه ‪ ,‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫باب يف التوريث بالرد‬

‫* الرد لغة ‪ :‬الصرف واإلرجاع ‪ ,‬يقال ‪ :‬رده ردا ‪ :‬أرجعه وصرفه ‪ ,‬واالرتداد الرجوع ‪ ,‬ومنه مسيت الردة ‪,‬‬
‫ألهنا رجوع عن الدين الصحيح ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪124‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* والرد يف اصطالح الفرضيني هو صرف الباقي من الرتكة عن فروض الورثة إذا مل يكن هناك عاصب يستحقه إىل‬
‫أصحاب الفروض بقدر فروضهم ‪.‬‬
‫* وذلك أن اهلل سبحانه قدر فروض الورثة بالنصف والربع والثمن والثلثني والثلث والسدس ‪ ,‬وبني كيفية توريث‬
‫أحلقوا الفرائض بأهلها ; فما بقي ; فألوىل‬ ‫العصبة من الذكور واإلناث ‪ ,‬وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فكان هذا احلديث الشريف مبينا للقرآن ومرتبا للورثة بنوعيهم ‪ :‬أصحاب الفروض‬ ‫رجل ذكر‬
‫والعصبات ‪ ,‬فإذا وجد أصحاب فروض وعصبة ‪ ,‬فاحلكم واضح ‪ ,‬ذلك بأن يعطى ذوو الفروض فروضهم ‪ ,‬وما‬
‫بقي بعدها يعطى للعصبة ‪ ,‬اآلن مل يبق شيء ; سقط العصبة ; عمال هبذا احلديث الشريف ‪ ,‬وإن وجد عصبة‬
‫فقط ; أخذوا املال بالتعصيب على عدد رءوسهم ‪.‬‬
‫" إمنا اإلشكال فيما إذا وجد أصحاب فروض ال تستغرق فروضهم الرتكة ‪ ,‬ومل يوجد عصبة يأخذون الباقي ;‬
‫فالباقي يف هذه احلالة يرد على أصحاب الفروض بقدر فروضهم ; غري الزوجني ‪ ,‬وذلك لألدلة اآلتية ‪:‬‬

‫َأ ىَل ِب ٍض يِف ِكَتاِب الَّلِه‬


‫وأصحاب الفروض من‬ ‫َو ُأوُلو اَأْلْر َح اِم َبْع ُضُه ْم ْو َبْع‬ ‫أوال ‪ :‬أوال ‪ :‬قوله تعاىل ‪:‬‬
‫ذوي أرحام امليت ‪ ,‬فهم أوىل مباله ‪ ,‬وأحق من غريهم ‪.‬‬

‫رواه البخاري ومسلم ‪ ,‬وهذا‬ ‫من ترك ماال ; فهو لورثته‬ ‫ثانيًا ‪ :‬قول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫عام يف مجيع املال الذي يرتكه امليت ‪ ,‬ومنه ما يبقى بعد الفروض ‪ ,‬فيكون أصحاب الفروض أحق به ; ألنه من مال‬
‫مورثهم ‪.‬‬

‫سعد بن أيب وقاص رضي اهلل عنه ‪ ,‬أنه قال للنيب وهو ملا جاءه يعوده من مرض‬ ‫ثالثا ‪ :‬جاء يف حديث‬
‫ومل ينكر عليه النيب صلى اهلل عليه وسلم حصر املرياث يف‬ ‫أصابه ‪ " :‬يا رسول اهلل ! ال يرثين إال ابنة يل "‬
‫بنته ‪ ,‬ولو كان ذلك خطأ ; مل يقره ; فدل احلديث على أن صاحب الفرض يأخذ ما بقي بعده فرضه إذا مل يكن‬
‫هناك عاصب ‪ ,‬وهذا هو الرد ‪.‬‬

‫* والذين يرد عليهم هم مجيع أصحاب الفروض ‪ ,‬ما عدا الزوجني ألن الزوجني قد يكونان من غري ذوي‬
‫َأ ىَل ِب ٍض يِف ِكَتاِب الَّلِه‬ ‫ُأوُلو اَأْل اِم‬ ‫األرحام ; فال يدخالن يف عموم قوله تعاىل ‪:‬‬
‫َبْع ُضُه ْم ْو َبْع‬ ‫ْر َح‬ ‫َو‬
‫عن عثمان رضي اهلل عنه ‪ ,‬أنه رد على‬ ‫* وقد اتفق أهل العلم على أنه ال يرد على الزوجني ; إال ما روي‬
‫وهذا حيتمل أنه أعطاه لسبب غري الرد ; ككونه عصبة أو ذا رحم ‪ ,‬فأعطاه من أجل ذلك ‪ ,‬ال من‬ ‫زوج‬
‫أجل الرد ‪ .‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫باب مرياث ذوي األرحام‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪125‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* ذوو األرحام يف اصطالح الفرضيني كل قريب ليس بذي فرض وال عصبة ‪ ,‬وهم على سبيل اإلمجال أربعة‬
‫أصناف ‪:‬‬

‫الصنف األول ‪ :‬من ينتمي إىل امليت ‪ ,‬وهم أوالد البنات وأوالد بنات البنني وإن نزلوا ‪.‬‬

‫الصنف الثاين ‪ :‬من ينتمي إليهم امليت ‪ ,‬وهم األجداد الساقطون واجلدات السواقط وإن علوا ‪.‬‬

‫الصنف الثالث ‪ :‬من ينتمي إىل أبوي امليت ‪ ,‬وهم أوالد األخوات وبنات اإلخوة وأوالد اإلخوة لألم ومن يديل هبم‬
‫وإن نزلوا ‪:‬‬

‫الصنف الرابع ‪ :‬من ينتمي إىل أجداد امليت وجداته ‪ ,‬وهم ‪ :‬األعمام لألم ‪ ,‬والعمات مطلقا ‪ ,‬وبنات األعمام مطلقا‬
‫‪ ,‬واخلؤولة مطلقا ‪ ,‬وإن تباعدوا ‪ ,‬وأوالدهم وإن نزلوا ‪.‬‬

‫* هذه أصنافهم على سبيل اإلمجال ‪ ,‬وهم يرثون إذا مل يوجد أحد من أصحاب الفروض غري الزوجني ‪ ,‬ومل‬
‫يوجد أحد من العصبة ‪ ,‬وذلك ألدلة ‪ ,‬منها ‪:‬‬

‫َأ ىَل ِب ٍض يِف ِكَتاِب الَّلِه‬


‫أي ‪ :‬بعضهم أحق مبرياث‬ ‫َو ُأوُلو اَأْلْر َح اِم َبْع ُضُه ْم ْو َبْع‬ ‫أوال ‪ :‬قوله تعاىل ‪:‬‬
‫البعض اآلخر يف حكم اهلل تعاىل‬

‫ِللِّر اِل َنِص ي َّمِما َك اْل اِلَد اِن اَأْل وَن ِللِّن اِء َنِص ي َّمِما َك اْل اِلَد اِن‬ ‫ثانيا ‪ :‬عموم قوله تعاىل ‪:‬‬
‫ٌب َتَر َو‬ ‫َو ْقَر ُب َو َس‬ ‫ٌب َتَر َو‬ ‫َج‬
‫فلفظ الرجال والنساء واألقربني يشمل ذوي األرحام ‪ ,‬ومن ادعى التخصيص ; فعليه الدليل ‪.‬‬ ‫َو اَأْلْقَر ُبوَن‬

‫رواه أمحد وأبو داود وابن‬ ‫اخلال وارث من ال وارث له‬ ‫ثالثا ‪ :‬قول الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫ماجه والرتمذي ‪ ,‬وقال ‪ " :‬حديث حسن ‪.‬‬
‫ووجه الداللة منه أنه جعل اخلال وارثا عند عدم الوارث بالفرض أو التعصيب ‪ ,‬وهو من ذوي األرحام ‪ ,‬فيلحق به‬
‫غريه منهم ‪.‬‬

‫هذه بعض أدلة من يرى توريث ذوي األرحام وهو مروي عن مجاعة من الصحابة ‪ ,‬منهم عمر وعلي رضي‬
‫اهلل عنهما ‪ ,‬وهو مهذب احلنابلة واحلنفية والوجه الثاين يف مذهب الشافعية إذا مل ينتظم بيت املال ‪.‬‬

‫* وقد اختلف القائلون بتوريث ذوي األرحام يف كيفية توريثهم على أقوال ‪ ,‬أشهرها قوالن ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪126‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫القول األول ‪ :‬أهنم يرثون بالتنزيل ; بأن ينزل كل واحد منهم منزلة من أدىل به ‪ ,‬فيجعل له نصيبه ; فأوالد البنات‬
‫وأوالد بنات البنني مبنزلة أمهاهتم ‪ ,‬والعم ألم والعمات مبنزلة األب ‪ ,‬واألخوال واخلاالت وأبو األم مبنزلة األم ‪,‬‬
‫وبنات اإلخوة وبنات بنيهم مبنزلة آبائهن ‪ .. .‬وهكذا ‪.‬‬

‫والقول الثاين‪ :‬أن توريث ذوي األرحام كتوريث العصبات ‪ ,‬فيقدم األقرب فاألقرب منهم ‪ ,‬واهلل تعاىل أعلم ‪.‬‬

‫باب يف مرياث املطلقة‬

‫َو َلُك ْم‬ ‫من املعلوم أن عقد الزوجية هو مما جعله اهلل سببا من أسباب اإلرث ‪ ,‬حيث يقول جل شأنه ‪:‬‬
‫ِم ِد ِص ٍة ِص‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫ِن‬
‫ْصُف َم ا َتَر َك َأْز َو اُج ُك ْم ْن ْمَل َيُك ْن ُهَلَّن َو َلٌد َف ْن َك اَن ُهَلَّن َو َلٌد َفَلُك ُم الُّر ُبُع َّمِما َتَر ْك َن ْن َبْع َو َّي ُيو َني َهِبا َأْو‬
‫َدْيٍن َو ُهَلَّن الُّر ُبُع َّمِما َتَر ْك ُتْم ِإْن ْمَل َيُك ْن َلُك ْم َو َلٌد َفِإْن َك اَن َلُك ْم َو َلٌد َفَلُه َّن الُّثُمُن َّمِما َتَر ْك ُتْم ِم ْن َبْع ِد َو ِص َّيٍة ُتوُصوَن َهِبا‬
‫َأْو َد ْيٍن‬
‫* فما دام عقد الزوجية باقيا فاإلرث باق ‪ ,‬ما مل يكن هناك مانع من موانع اإلرث ‪.‬‬
‫* وإذا حل عقد الزوجية بالطالق حال كامال ‪ -‬وهو ما يسمى بالطالق البائن ‪ -‬فإنه ينتفي اإلرث ‪ ,‬ألنه إذا عدم‬
‫السبب ; عدم املسبب ; إال أهنا قد تكون هناك مالبسات حول الطالق جتعله ال مينع اإلرث ‪ ,‬كما أنه إذا مل حيل‬
‫عقد النكاح بالطالق حال كامال ; فإن التوارث بني الزوجني ال ينتفي ‪ ,‬ما دامت يف العدة ‪ ,‬وهو ما يسمى‬
‫بالطالق الرجعي ‪ ,‬ولذا يعقد الفقهاء بابا يسمونه باب مرياث املطلقة‬
‫* فاملطلقات إمجاال ثالثة أنواع ‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬املطلقة الرجعية ‪ ,‬سواء حصل طالقها يف حال صحة املطلق أو مرضه ‪.‬‬

‫الثاين ‪ :‬املطلقة البائن ‪ ,‬اليت حصل طالقها يف حال صحة املطلق ‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬املطلقة البائن ‪ ,‬اليت حصل طالقها يف حال مرض موت املطلق ‪.‬‬

‫فاملطلقة الرجعية ترث باإلمجاع إذا مات املطلق ‪ ,‬وهي يف العدة ; ألهنا زوجة هلا ما للزوجات ما دامت يف العدة ‪.‬‬
‫* واملطلقة البائن يف حال الصحة ال ترث باإلمجاع ‪ ,‬النقطاع صلة الزوجية ; من غري هتمة تلحق الزوج يف ذلك ‪,‬‬
‫وكذا إذا حصل هذا الطالق يف مرض الزوج غري املخوف ‪.‬‬
‫* واملطلقة البائن يف مرض الزوج املخوف ‪ ,‬وهو غري متهم بقصد حرماهنا من املرياث ‪ ,‬ال ترث أيضا ‪.‬‬
‫* واملطلقة البائن يف مرض املوت املخوف ‪ ,‬إذا كان الزوج متهما فيه بقصد حرمان الزوجة من املرياث ; فإهنا ترث‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪127‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫يف العدة وبعدها ; ما مل تتزوج أو ترتد ‪.‬‬


‫أن عثمان رضي اهلل عنه قضى بتوريث زوجة‬ ‫" والدليل على توريث املطلقة طالقا بائنا يتهم فيه الزوج ‪:‬‬
‫واشتهر هذا القضاء بني الصحابة ‪,‬‬ ‫عبد الرمحن بن عوف رضي اهلل عنه ‪ ,‬وقد طلقها يف مرض موته فبتها‬
‫ومل ينكر ‪ ,‬مع قاعدة سد الذرائع ; ألن هذا املطلق قصد قصدا فاسدا يف املرياث ‪ ,‬فعومل بنقيض قصده ‪ ,‬وهذا‬
‫املعىن ال ينحصر يف زمن العدة حىت يقصر التوريث على زمن العدة ‪ ,‬واهلل أعلم ‪.‬‬
‫* ويتوارث الزوجان بعقد النكاح إذا مات أحدمها قبل الدخول واخللوة لعموم اآلية الكرمية ‪ ,‬وهي قوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِن‬
‫اآلية ‪ ,‬ألن عالقة‬ ‫َو ُهَلَّن الُّر ُبُع َّمِما َتَر ْك ُتْم‬ ‫إىل قوله ‪:‬‬ ‫َو َلُك ْم ْصُف َم ا َتَر َك َأْز َو اُج ُك ْم‬
‫الزوجية عالقة وثيقة وشريفة ‪ ,‬يرتتب عليها أحكام وتبىن عليها مصاحل عظيمة ‪ ,‬فجعل اهلل لكل منهما نصيبا من‬
‫مال اآلخر إذا مات ; كما جعل ألقربائه ‪ ,‬وهذا مما يؤكد على الزوجني أن ينظر كل منهما إىل اآلخر نظرة احرتام‬
‫وتوقري ‪.‬‬
‫وهذه هي أحكام اإلسالم ‪ ,‬كلها خري وبركة ‪ ,‬نسأل اهلل سبحانه وتعاىل أن يثبتنا عليه ومييتنا عليه ‪.‬‬

‫باب يف التوارث مع اختالف الدين‬

‫* اختالف الدين هو أن يكون املورث على ملة والوارث على ملة أخرى ‪.‬‬
‫* وحتت ذلك مسألتان‪:‬‬

‫املسألة األوىل‪ :‬إرث الكافر من املسلم وإرث املسلم من الكافر اختلف العلماء يف هذه املسألة على أربعة أقوال ‪:‬‬

‫القول األول ‪ :‬أنه ال توارث بني مسلم وكافر مطلقا ‪ ,‬وهو قول أكثر أهل العلم ‪ ,‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم‬
‫متفق عليه ‪.‬‬ ‫ال يرث املسلم الكافر ‪ ,‬وال الكافر املسلم‬

‫ال يرث املسلم النصراين ; إال أن‬ ‫القول الثاين ‪ :‬أنه ال توارث بني مسلم وكافر إال بالوالء ; حلديث ‪:‬‬
‫رواه الدارقطين ; فهو يدل على إرث املسلم لعتيقه النصراين ويقاس عليه العكس ‪ ,‬وهو‬ ‫يكون عبده أو أمته‬
‫إرث النصراين مثال لعتيقه املسلم ‪.‬‬

‫كل قسم قسم يف‬ ‫القول الثالث ‪ :‬أنه يرث الكافر من قريبه املسلم إذا أسلم قبل قسمة الرتكة ; حلديث ‪:‬‬
‫فاحلديث يدل على‬ ‫اجلاهلية ‪ ,‬فهو على ما قسم ‪ ,‬وكل قسم أدركه اإلسالم ; فإنه على ما قسم اإلسالم‬
‫أنه لو أسلم كافر قبل قسم مرياث مورثه املسلم ; ورث ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪128‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫اإلسالم يزيد وال ينقص‬ ‫القول الرابع ‪ :‬أنه يرث املسلم من الكافر دون العكس ; حلديث ‪:‬‬
‫وتوريث املسلم من الكافر زيادة ‪ ,‬وعدم توريثه منه نقص ‪ ,‬واحلديث يدل على أن اإلسالم جيلب الزيادة وال جيلب‬
‫النقص ‪.‬‬

‫والراجح ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬القول األول ‪ ,‬وهو عدم التوارث بني املسلم والكافر ; لصحة دليله وصراحته ; خبالف‬
‫بقية األقوال ; فإن أدلتها إما غري صحيحة وإما غري صرحية فال تعارض دليل القول األول ‪.‬‬

‫املسألة الثانية‪ :‬توارث الكفار بعضهم من بعض للكفار حالتني ‪:‬‬

‫احلالة األوىل‪ :‬أن يكونوا على دين واحد ; كاليهودي مثال مع اليهودي ‪ ,‬والنصراين مع النصراين ‪ ,‬ففي هذه احلالة‬
‫ال خالف يف إرث بعضهم من بعض‬

‫احلالة الثانية ‪ :‬أن ختتلف أدياهنم ; كاليهود مع النصارى أو اجملوس أو الوثنيني ; ففي هذه احلالة اختلف العلماء يف‬
‫حكم توريث بعضهم من بعض ‪ ,‬ومبىن االختالف هو هل الكفر ملة واحدة أو ملل متعددة ;‬

‫القول األول ‪ :‬وهو قول احلنفية والشافعية مع احتاد الدار ‪ ,‬ورواية يف مذهب احلنابلة ‪ ,‬وهو قول اجلمهور ‪ :‬أن‬
‫الكفر جبميع أشكاله واختالف حنله ملة واحدة ‪ ,‬فيتوارث الكفار بعضهم من بعض دون نظر إىل اختالف دياناهتم ;‬
‫لعموم النصوص يف توارث اآلباء واألبناء ; فال خيص من عمومها إال ما استثناه الشارع ‪ ,‬ولقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َو اَّلِذ يَن َك َف ُر وا َبْع ُضُه ْم َأْو ِلَياُء َبْع ٍض‬

‫القول الثاين ‪ :‬أن الكفر ثالث ملل ‪ ,‬فاليهودية ملة ‪ ,‬والنصرانية ملة ‪ ,‬وبقية الكفر ملة ; ألهنم جيمعهم أهنم ال كتاب‬
‫هلم ; فال يرث اليهودي من النصراين وال يرث أحدمها من الوثين ‪.‬‬

‫القول الثالث ‪ :‬أن الكفر ملل متعددة ‪ ,‬فال يرث أهل كل ملة من أهل امللة األخرى ; بدليل قول النيب صلى اهلل عليه‬
‫رواه أمحد وأبو داود والنسائي وابن ماجه ‪.‬‬ ‫ال يتوارث أهل ملتني شىت‬ ‫وسلم ‪:‬‬

‫ولعل هذا القول هو الراجح ; هلذا احلديث ‪ ,‬وهو نص يف حمل النزاع ‪ ,‬ولعدم التناصر بني أهل امللل ; فال توارث‬
‫بينهم ; كاملسلمني مع الكفار ‪ ,‬وألنه قد تعارض موجب اإلرث مع املانع من اإلرث وهو اختالف الدين ; ألن‬
‫اختالف الدين يوجب املباينة من كل وجه ‪ ,‬فقوي املانع ‪ ,‬ومنع موجب اإلرث ‪ ,‬فلم يعمل املوجب ‪ ,‬لقيام املانع ‪.‬‬
‫والذين يرون أن الكفر ملة واحدة يرون أن اختالف الدار مانع من توارث بعض الكفار من بعض ; لعدم التناصر‬
‫والتآزر بينهم ‪ ,‬وهذا املعىن موجود مع اختالف امللل ‪ ,‬فعلى هذا القول الذي يظهر لنا أن الراجح أنه ال يرث‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪129‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫النصراين مثال قريبه اليهودي أو قريبه اجملوسي أو الوثين ‪ ,‬وال يرث الوثين مثال قريبه اليهودي ‪ ,‬وإمنا يتوارث‬
‫النصارى فيما بينهم ‪ ,‬واليهود فيما بينهم ‪ ,‬واجملوس فيما بينهم ‪ ,‬وكذا بقيه امللل الكفرية ‪ .‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫باب يف حكم توريث القاتل‬

‫* قد تتوفر أسباب اإلرث ‪ ,‬ولكنه ال يتحقق ملانع عارض هذه األسباب فمنع من حتقق مقتضاها ‪.‬‬
‫ليس لقاتل مرياث‬ ‫* وموانع اإلرث كثرية ‪ ,‬منها قتل الوارث ملورثة ‪ ,‬وذلك لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫وألجل سد الذريعة ; ألن الوارث قد‬ ‫ال يرث القاتل شيئا‬ ‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫حيمله حب املال على قتل مورثه ألجل احلصول على ماله ‪ ,‬والقاعدة املعروفة أن من تعجل شيئا قبل أوانه ; عوقب‬
‫حبرمانه ‪.‬‬
‫* وحرمان القاتل من املرياث جممع عليه بني أهل العلم يف اجلملة ‪ ,‬إن اختلفوا يف حتديد نوعية القتل الذي منع من‬
‫اإلرث ‪ -‬والصحيح من مذهب الشافعي رمحه اهلل أن القاتل ال يرث حبال ‪ ,‬أيا كان نوع القتل ; لعموم قوله صلى‬
‫وألن القاتل حرم من املرياث لئال جيعل القتل ذريعة إىل‬ ‫ال يرث القاتل شيئا‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫استعمال املرياث ‪ ,‬فوجب أن حيرم بكل حال ; حلسم الباب ‪.‬‬
‫فعلى هذا ال يرث كل من له دخل يف القتل ‪ ,‬ولو كان حبق ‪ ,‬كاملقتص ‪ ,‬ومن حكم بالقتل ; كالقاضي ‪ ,‬وكذا‬
‫الشاهد ‪ ,‬وحىت لو كان القتل بغري قصد ; كالقتل الذي حيصل من نائم وجمنون وطفل ‪ ,‬وكذا لو كان القتل ناجتا‬
‫عن فعل مأذون فيه شرعا ‪ ,‬كاملؤدب واملداوي إذا ترتب على التأديب والعالج موت املؤدب واملعاجل ‪.‬‬
‫‪ -‬وذهب احلنابلة إىل أن القتل الذي مينع اإلرث هو القتل بغري حق ‪ ,‬وهو ما وجب ضمانه بقود أو دية أو كفارة ;‬
‫كالقتل العمد وشبه العمد واخلطأ وما جرى جمراه كالقتل بالسبب والقتل من الصيب واجملنون والنائم ‪ ,‬وما ليس‬
‫مبضمون بشيء مما ذكر ; فإنه ال مينع املرياث ; كالقتل قصاصا أو حدا أو دفعا عن النفس أو كان القاتل عادال‬
‫واملقتول باغيا أو كان القتل ناجتا عن فعل مأذون به شرعا ‪ ,‬كالتأديب والعالج ‪.‬‬
‫‪ -‬وكذا مذهب احلنفية ‪ ,‬إال أهنم اعتربوا القتل بالتسبب ال مينع املرياث ‪ ,‬كما لو حفر بئرا أو وضع حجرا يف‬
‫الطريق ‪ ,‬فانقتل بذلك مورثه ‪ ,‬وكذا القتل بغري قصد ال مينع املرياث ; كالقتل من الصيب واجملنون ‪.‬‬
‫‪ -‬وعند املالكية أن القاتل له حالتان ‪:‬‬

‫احلالة األوىل‪ :‬أن يكون قتل مورثه عمدا عدوانا ; ففي هذه احلالة ال يرث من مال مورثه وال من ديته ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪130‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫احلالة الثانية ‪ :‬أن يكون قتل مورثه خطأ ; ففي هذه احلالة يرث من ماله ‪ ,‬وال يرث من ديته ‪ ,‬ووجه توريثه من‬
‫املال عندهم يف هذه احلالة أنه مل يتعجله بالقتل ‪ ,‬ووجه كونه مل يرث من الدية ‪ ,‬ألهنا واجبة عليه ‪ ,‬وال معىن لكونه‬
‫يرث من شيء جيب عليه ‪.‬‬

‫وباستعراض هذه األقوال جند القول الوسط منها ‪ ,‬وهو أن القتل الذي يوجب الضمان على القاتل مينع املرياث ‪,‬‬
‫والقتل الذي ال يوجب الضمان على القاتل ال مينع املرياث ‪ ,‬كما قال به احلنابلة واحلنفية ‪ ,‬ألن ما أوجب الضمان‬
‫يكون القاتل فيه غري معذور ومتحمال ملسئوليته ‪ ,‬فيرتتب على ذلك حرمانه من املرياث ‪ ,‬وما ال يوجب الضمان‬
‫يكون القاتل معذورا فيه وغري متحمل ملسئوليته ; فال مينعه من املرياث ‪ ,‬ولو عملنا بقول الشافعية ‪ ,‬فجعلنا كل قتل‬
‫مينع املرياث ‪ ,‬لكان ذلك سببا لعدم إقامة احلدود الواجبة ولعدم استيفاء احلقوق كالقصاص وحنوه ‪.‬‬
‫خمصوص مبا إذا‬ ‫ليس للقاتل مرياث‬ ‫فعلى هذا يكون عموم قول الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫كان القتل بغري حق وغري مضمون ‪.‬‬

‫كتاب النكاح‬

‫باب يف أحكام النكاح‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫* هذا املوضوع له أمهية بالغة ‪ ,‬جعلت الفقهاء جيعلون له يف مصنفاهتم مكانا رحبا ‪ ,‬يفصلون فيه أحكامه ‪,‬‬
‫َفاْنِكُح وا َم ا‬‫ويوضحون فيه مقاصده وآثاره ; ألنه مشروع يف الكتاب والسنة واإلمجاع ‪ :‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫ِء‬
‫َو ُأِح َّل‬ ‫وملا ذكر النساء اليت حيرم التزوج منهن قال تعاىل ‪:‬‬ ‫ِم‬
‫َطاَب َلُك ْم َن الِّنَس ا َم ْثىَن َو ُثاَل َث َو ُرَباَع‬
‫ِفِح‬ ‫ِصِن‬ ‫ِل‬ ‫ِل‬
‫والنيب صلى اهلل عليه وسلم حث على الزواج‬ ‫َلُك ْم َم ا َو َر اَء َذ ُك ْم َأْن َتْبَتُغوا ِبَأْم َو ا ُك ْم ْحُم َني َغْيَر ُمَس ا َني‬
‫يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ; فليتزوج ; فإنه أغض للبصر ‪ ,‬وأحصن‬ ‫ورغب فيه ‪ ,‬فقال ‪:‬‬
‫تزوجوا ; فإين مكاثر بكم األمم يوم القيامة‬ ‫وقال عليه الصالة والسالم ‪:‬‬ ‫للفرج‬
‫النكاح يرتتب عليه مصاحل عظيمة ‪ -‬منها ‪ :‬بقاء النسل البشري ‪ ,‬وتكثري عدد املسلمني ‪ ,‬وإغاظة الكفار بإجناب‬
‫اجملاهدين يف سبيل اهلل واملدافعني عن دينه ‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها ‪ :‬إعفاف الفروج ‪ ,‬وإحصاهنا ‪ ,‬وصيانتها من االستمتاع احملرم الذي يفسد اجملتمعات البشرية ‪ -‬ومنها ‪:‬‬
‫الِّر َج اُل َقَّو اُموَن َعَلى الِّنَس اِء َمِبا َفَّض َل الَّلُه َبْع َض ُه ْم َعَلى‬ ‫قيام الزوج على املرأة بالرعاية واإلنفاق ; قال تعاىل ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪131‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ِهِل‬ ‫ِم‬
‫‪ -‬ومنها ‪ :‬حصول السكن واألنس بني الزوجني ‪ ,‬وحصول الراحة النفسية ;‬ ‫َبْع ٍض َو َمِبا َأْنَفُقوا ْن َأْم َو ا ْم‬
‫ُه َو اَّلِذ ي‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫َو ِم ْن آَياِتِه َأْن َخ َلَق َلُك ْم ِم ْن َأْنُف ِس ُك ْم َأْز َو اًج ا ِلَتْس ُك ُنوا‬ ‫قال تعاىل ‪:‬‬
‫‪ -‬ومنها ‪ :‬أنه محاية للمجتمعات البشرية من‬ ‫َخ َلَق ُك ْم ِم ْن َنْف ٍس َو اِح َد ٍة َو َجَعَل ِم ْنَه ا َز ْو َجَه ا ِلَيْس ُك َن ِإَلْيَه ا‬
‫الوقوع يف الفواحش اخللقية اليت هتدم األخالق وتقضي على الفضيلة ‪ -‬ومنها ‪ :‬حفظ األنساب ‪ ,‬وترابط القرابة‬
‫واألرحام بعضها ببعض ‪ ,‬وقيام األسر الشريفة اليت تسودها الرمحة والصلة والنصرة على احلق ‪ - -‬ومنها ‪ :‬الرتفع‬
‫ببين اإلنسان عن احلياة البهيمية إىل احلياة اإلنسانية الكرمية ‪.‬‬
‫‪ .. .‬إىل غري ذلك من املصاحل العظيمة اليت ترتتب على النكاح الشرعي الشريف النظيف القائم على كتاب اهلل وسنة‬
‫رسول ‪ * .‬والنكاح عقد شرعي يقتضي حل استمتاع كل من الزوجني باآلخر ‪ ,‬كما قال النيب صلى اهلل عليه‬
‫استوصوا بالنساء خريا ‪ ,‬فإهنن عوان عندكم ‪ ,‬استحللتم فروجهن بكلمة اهلل‬ ‫وسلم ‪:‬‬
‫فهو عقد يوجب على‬ ‫َو َأَخ ْذ َن ِم ْنُك ْم ِم يَثاًقا َغِليًظا‬ ‫" وعقد النكاح ميثاق بني الزوجني ‪ ,‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫ا َأُّي ا اَّلِذي آ وا َأ ُفوا ِباْل ُقوِد‬ ‫كل من الزوجني حنو اآلخر الوفاء مبقتضاه ; قال تعاىل ‪:‬‬
‫ُع‬ ‫َي َه َن َم ُن ْو‬
‫َفاْنِكُح وا َم ا‬ ‫* ويباح ملن عنده املقدرة واألمن من احليف أن يتزوج بأكثر من واحدة ; ‪ -257-‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫والعدل املطلوب هنا هو العدل‬ ‫َطاَب َلُك ْم ِم َن الِّنَس اِء َم ْثىَن َو ُثاَل َث َو ُرَباَع َفِإْن ِخ ْف ُتْم َأاَّل َتْع ِدُلوا َفَو اِح َد ًة‬
‫املستطاع ‪ ,‬وهو التسوية بني الزوجات يف النفقة والكسوة واملسكن واملبيت ‪.‬‬

‫* وإباحة تعدد الزوجات من حماسن هذه الشريعة وصالحيتها لكل زمان ومكان ; ملا فيه من املصاحل العظيمة‬
‫للرجال والنساء واجملتمعات ‪ - :‬ألنه من املعلوم كثرة عدد النساء عن عدد الرجال مع ما يعرتي الرجال من‬
‫األخطار اليت تقلل عددهم ‪ ,‬كأخطار احلروب واألسفار ‪ ,‬مما ينقرض معه كثرة الرجال ‪ ,‬ويتوفر به عدد النساء ‪,‬‬
‫فلو قصر الرجل على واحدة ‪ ,‬تعطل كثري من النساء ‪.‬‬
‫‪ -‬وكذلك معروف ما يعرتي املرأة من احليض والنفاس ‪ ,‬فلو منع الرجل من التزوج بأخرى ; ملرت عليه فرتات‬
‫كثرية حيرم فيها من املتعة واإلجناب ‪.‬‬
‫‪ -‬ومعروف أن االستمتاع باملرأة استمتاعا كامال ومثمرا ينتهي ببلوغها سن اليأس ‪ ,‬وهو بلوغ اخلمسني من عمرها‬
‫; خبالف الرجل ‪ ,‬فنه يستمر صالحيته لالستمتاع واإلجناب إىل سن اهلرم ‪ ,‬فلو قصر على واحدة ; لفات عليه خري‬
‫كثري ‪ ,‬وتعطل عنده منفعة اإلجناب والنسل ‪.‬‬
‫‪ -‬إضافة إىل أنه إذا كان من املعلوم أن عدد النساء يزيد على عدد الرجال يف غالب اجملتمعات البشرية ; فإن قصر‬
‫الرجل على امرأة واحدة يرتك كثريا من النساء ال عائل هلن ‪ ,‬وبالتايل يفضي هذا إىل الفساد اخللقي ‪ ,‬وضياع كثري‬
‫من النساء ‪ ,‬أو حرماهنن من متعة احلياة وزينتها ‪.‬‬
‫واحلكم البالغة يف إباحة تعدد الزوجات كثرية ; فقاتل اهلل من حياول سد هذا الطريق وتعطيل هذه املصاحل ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪132‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫والنكاح من حيث احلكم الشرعي على مخسة أنواع ‪ :‬تارة يكون واجبا ‪ ,‬وتارة يكون مستحبا ‪ ,‬وتارة‬
‫يكون حراما ‪ ,‬وتارة يكون مكروها ‪ - :‬فيكون النكاح واجبا على من خياف على نفسه الزنا إذا تركه ; ألنه طريق‬
‫إلعفاف نفسه من احلرام ‪ ,‬ويف هذه احلالة قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ ( :‬وإن احتاج اإلنسان إىل‬
‫النكاح ‪ ,‬وخاف العنت برتكه ‪ ,‬قدمه على احلج الواجب " ‪ .‬وقال غريه ‪ " :‬يكون له أفضل من احلج التطوع‬
‫والصالة والصوم التطوع ‪. ,‬‬
‫قالوا ‪ :‬وال فرق يف هذه احلالة بني القادر على اإلنفاق والعاجز عنه ‪ .‬قال الشيخ تقي الدين ‪ ( :‬ظاهر كالم أمحد‬
‫ِإْن ُك وُنوا َق ا ْغِنِه الَّل ِم َفْض ِلِه‬ ‫واألكثرين عدم اعتبار الطول ‪ ,‬ألن اهلل وعد عليه الغىن بقوله ‪:‬‬
‫ُف َر َء ُي ُم ُه ْن‬ ‫َي‬
‫وقد كان النيب يصبح وما عنده شيء ‪ ,‬وميسي وما عنده شيء ‪ ,‬وزوج رجال مل يقدر على خامت من حديد ) ‪.‬‬
‫‪ -‬ويستحب النكاح مع وجود الشهوة وعدم اخلوف من الزىن الشتماله على مصاحل كثرية للرجال والنساء ‪.‬‬
‫‪ -‬ويباح النكاح مع عدم الشهوة وامليل إليه ; كالعنني والكبري وقد يكون مكروها يف هذه احلالة ‪ ,‬ألنه يفوت على‬
‫املرأة الغرض الصحيح من النكاح ‪ ,‬وهو إعفافها ‪ ,‬ويضر هبا ‪.‬‬
‫‪ -‬وحيرم النكاح على املسلم إذا كان يف دار كفار حربيني ألن فيه تعريضا لذريته للخطر واستيالء الكفار عليهم ‪,‬‬
‫وألنه ال يأمن على زوجته منهم ‪.‬‬

‫ويسن نكاح املرأة الدينة ذات العفاف واألصل الطيب حلديث أيب هريرة رضي اهلل عنه ; أن النىب صلى اهلل‬
‫تنكح املرأة ألربع ‪ :‬ملاهلا وحلسبها ‪ ,‬وجلماهلا ‪ ,‬ولدينها ; فاظفر بذات الدين ‪ ,‬تربت‬ ‫عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫ال‬ ‫‪ ,‬متفق عليه وقد ورد النهي عن نكاح املرأة لغري دينها ; قال صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬ ‫يداك‬
‫‪.‬‬ ‫تنكحوا النساء حلسنهن فلعله يرديهن ‪ ,‬وال ملاهلن فلعله يطغيهن ‪ ,‬وانكحوهن للدين‬

‫فهال بك‪%‬را تالعبه‪%‬ا وتالعب‪%‬ك‬ ‫وقد حث النيب على اختيار البكر ‪ ,‬فقال جلابر رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫‪ ,‬متف‪%%‬ق علي‪%%‬ه ‪ ,‬وملا يف زواج البك‪%%‬ر من األلف‪%%‬ة التام‪%%‬ة ‪ ,‬حيث مل يس‪%%‬بق هلا ال‪%%‬تزوج مبن ق‪%%‬د يك‪%%‬ون قلبه‪%%‬ا متعلق‪%%‬ا ب‪%%‬ه ; فال‬
‫تكون حاجتها للزوج األخري تامة ‪.‬‬

‫ويسن اختيار الزوجة الولود أي ‪ :‬بأن تك‪%‬ون من نس‪%‬اء يع‪%‬رفن بك‪%‬ثرة األوالد ; حلديث أنس رض‪%‬ي اهلل عن‪%‬ه عن‬
‫تزوج‪%%‬وا ال‪%%‬ودود الول‪%%‬ود ; فإين مك‪%%‬اثر بكم األمم ي‪%%‬وم القيام‪%%‬ة‬ ‫الن‪%%‬يب ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم أن‪%%‬ه ق‪%%‬ال ‪:‬‬
‫رواه النسائي وغريه ‪ ,‬وجاء مبعناه أحاديث ‪.‬‬

‫وحكم ال‪%%‬تزوج خيتل‪%%‬ف ب‪%%‬اختالف ح‪%%‬ال الش‪%%‬خص وقدرت‪%%‬ه اجلس‪%%‬مية واملالي‪%%‬ة واس‪%%‬تعداده لتحم‪%%‬ل مس‪%%‬ئوليته ‪ :‬وق‪%%‬د‬
‫ي‪%‬ا معش‪%‬ر‬ ‫حث النيب الشباب على ال‪%‬زواج املبك‪%‬ر ألهنم أح‪%‬وج إلي‪%‬ه من غ‪%‬ريهم ; ق‪%‬ال ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم‪" :‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪133‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫الش‪%‬باب من اس‪%‬تطاع منكم الب‪%‬اءة ; فلي‪%‬تزوج ; فإن‪%‬ه أغض للبص‪%%‬ر وأحص‪%%‬ن للف‪%‬رج ‪ ,‬ومن مل يس‪%‬تطع ‪ ,‬فعلي‪%‬ه بالص‪%%‬وم ‪,‬‬
‫رواه البخاري ومسلم وغريمها ‪.‬‬ ‫فإنه له وجاء‬

‫والب ‪%%‬اءة ‪ :‬قي ‪%%‬ل ‪ :‬هي اجلم ‪%%‬اع ‪ ,‬وقي ‪%%‬ل ‪ :‬هي م ‪%%‬ؤن النك ‪%%‬اح ‪ ,‬وال تن ‪%%‬ايف بني الق ‪%%‬ولني ; ألن التق ‪%%‬دير من اس ‪%%‬تطاع‬
‫منكم اجلم‪%%‬اع لقدرت‪%%‬ه على م‪%%‬ؤن النك‪%%‬اح ‪ .‬وقول‪%%‬ه ‪ :‬أغض للبص‪%%‬ر ; أي ‪ :‬أدفع لعني املتزوج عن النظ‪%%‬ر إىل األجنبي‪%%‬ة ‪.‬‬
‫وقوله ‪ " :‬أحصن للفرج " ; أي ‪ :‬أشد منعا وحفظا ل‪%‬ه من الوق‪%‬وع يف الفاحش‪%‬ة ‪ ,‬مث ق‪%‬ال ‪ " :‬ومن مل يس‪%‬تطع ‪ ,‬أي ‪:‬‬
‫ال يق ‪%% % % % % % % %‬در على النك ‪%% % % % % % % %‬اح ومؤن ‪%% % % % % % % %‬ه ‪ ( .‬فعلي ‪%% % % % % % % %‬ه بالص ‪%% % % % % % % %‬وم " ; أي ‪ :‬يتخ ‪%% % % % % % % %‬ذ الص ‪%% % % % % % % %‬وم عالج ‪%% % % % % % % %‬ا ب ‪%% % % % % % % %‬ديال ‪.‬‬
‫" فإنه له وجاء ; أي ‪ :‬يدفع الشهوة وجينبه خطرها كما يقطع الوج‪%‬اء ‪ ,‬وه‪%‬و االختص‪%‬اء ‪ ,‬ألن الص‪%‬ائم بتقلي‪%‬ل الطع‪%‬ام‬
‫والشراب حيصل له انكسار الشهوة ‪ ,‬وحيصل له شعور خاص يف حال الصيام من خشية اهلل وتقواه ‪ ,‬كما ق‪%%‬ال تع‪%%‬اىل‬
‫ق‪%%‬ال تع‪%%‬اىل ‪:‬‬ ‫َيا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ُك ِتَب َعَلْيُك ُم الِّص َياُم َك َم ا ُك ِتَب َعَلى اَّلِذيَن ِم ْن َقْبِلُك ْم َلَعَّلُك ْم َتَّتُق وَن‬ ‫‪:‬‬
‫فأمر مبقاومة الشهوة واتقاء خطرها بأمرين مرتبني ‪:‬‬ ‫َو َأْن َتُصوُموا َخ ْيٌر َلُك ْم ِإْن ُكْنُتْم َتْع َلُم وَن‬

‫األمر األول ‪ :‬الزواج عند املقدرة عليه‬

‫والثاين ‪ :‬الصيام ملن مل يقدر على الزواج ; مما يدل على أنه ال جيوز لإلنسان أن يرتك نفسه يف مدارج اخلطر ‪.‬‬

‫ِحِل ِم ِع ِد‬ ‫ِم‬ ‫ِك‬


‫إىل قول‪%%‬ه تع‪%%‬اىل ‪:‬‬ ‫َو َأْن ُح وا اَأْلَي اَم ى ْنُك ْم َو الَّص ا َني ْن َب ا ُك ْم‬ ‫وه‪%%‬ذا كقول‪%%‬ه تع‪%%‬اىل ‪:‬‬
‫ْل ِف ِف اَّلِذ ي اَل ِجَي ُد وَن ِنَك ا ا ىَّت ْغِن الَّل ِم َفْض ِلِه‬
‫ًح َح ُي َيُه ُم ُه ْن‬ ‫َن‬ ‫َو َيْس َتْع‬

‫باب يف أحكام اخلطبة‬

‫إذا خطب أح ‪%%‬دكم ام ‪%%‬رأة ‪ ,‬فق ‪%%‬در أن ي ‪%%‬رى منه ‪%%‬ا بعض م ‪%%‬ا ي ‪%%‬دعوه إىل‬ ‫ق ‪%%‬ال علي ‪%%‬ه الص ‪%%‬الة والس ‪%%‬الم ‪:‬‬
‫انظ ‪%%‬ر إليه ‪%%‬ا ; فإن ‪%%‬ه أح ‪%%‬رى أن ي ‪%%‬ؤدم‬ ‫رواه أمحد وأب ‪%%‬و داود ‪ ,‬ويف ح ‪%%‬ديث آخ ‪%%‬ر ‪:‬‬ ‫نكاحه ‪%%‬ا ; فليفع ‪%%‬ل‬
‫فدل ذل‪%‬ك على اإلذن يف النظ‪%‬ر إىل م‪%‬ا يظه‪%‬ر من املخطوب‪%‬ة غالب‪%‬ا ‪ ,‬وأن يك‪%‬ون ذل‪%‬ك من غ‪%‬ري علمه‪%‬ا ‪,‬‬ ‫بينكما‬
‫ومن غري خلوة هبا ‪.‬‬

‫قال الفقه‪%‬اء ‪ :‬ويب‪%‬اح ملن أراد خطب‪%‬ة ام‪%‬رأة وغلب على ظن‪%‬ه إجابت‪%‬ه ‪ :‬نظ‪%‬ر م‪%‬ا يظه‪%‬ر غالب‪%‬ا ‪ ,‬بال خل‪%‬وة ‪ ,‬إن أمن‬
‫من الفتنة " انتهى ‪.‬‬

‫فدل ذلك‬ ‫فكنت أختبأ هلا ‪ ,‬حىت رأيت منها بعض ما دعاين إىل نكاحها‬ ‫ويف حديث جابر ‪:‬‬
‫على أنه ال خيلو هبا ‪ ,‬وال تكون هي عاملة بذلك ‪ ,‬وأنه ال ينظر منه‪%%‬ا إال م‪%%‬ا ج‪%‬رت الع‪%%‬ادة بظه‪%%‬وره من جس‪%%‬مها ‪ ,‬وأن‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪134‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ه ‪%%‬ذه الرخص ‪%%‬ة ختتص مبن غلب على ظن ‪%%‬ه إجابت ‪%%‬ه إىل تزوجه ‪%%‬ا ‪ ,‬فإن مل يتيس ‪%%‬ر ل ‪%%‬ه النظ ‪%%‬ر إليه ‪%%‬ا ; بعث إليه ‪%%‬ا ام ‪%%‬رأة ثق ‪%%‬ة‬
‫رواه‬ ‫أن الن ‪%%‬يب ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم بعث أم س ‪%%‬ليم تنظ ‪%%‬ر ام ‪%%‬رأة‬ ‫تتأمله ‪%%‬ا مث تص ‪%%‬فها ل ‪%%‬ه ‪ ,‬ملا روي ‪:‬‬
‫أمحد ‪.‬‬

‫ومن استش‪%%‬ري يف خ‪%‬اطب أو خمطوب‪%‬ة ; وجب علي‪%‬ه أن ي‪%‬ذكر م‪%%‬ا في‪%‬ه من مس‪%%‬اوئ وغريه‪%‬ا ‪ ,‬وال يك‪%%‬ون ذل‪%%‬ك من‬
‫الغيبة ‪.‬‬

‫ِف‬
‫َو اَل ُج َناَح َعَلْيُك ْم يَم ا َعَّرْض ُتْم‬ ‫وحيرم التصريح خبطبة املعتدة كقوله ‪ :‬أريد أن أتزوجك ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫فأب‪%%‬اح التع‪%%‬ريض يف خطب‪%%‬ة املعت‪%%‬دة ‪ ،‬وه‪%%‬و أن يق‪%%‬ول مثال ‪ :‬إين يف مثل‪%%‬ك ل‪%%‬راغب ‪ ،‬أو ‪ :‬ال‬ ‫ِب ِه ِم ِخ ْط ِة الِّن اِء‬
‫ْن َب َس‬
‫تفوتي‪%% %‬ين بنفس‪%% %‬ك ‪ ،‬فدل ذل‪%% %‬ك على حترمي التص‪%% %‬ريح ; كقول‪%% %‬ه ‪ :‬أري‪%% %‬د أن أتزوج ‪%%‬ك ; ألن التص‪%% %‬ريح ال حيتم‪%% %‬ل غ‪%% %‬ري‬
‫النكاح ; فال يؤمن أن حيملها احلرص على أن خترب بانقضاء عدهتا قبل انقضائها ‪.‬‬

‫ق ‪%%‬ال اإلم ‪%%‬ام ابن القيم ‪ :‬ح ‪%%‬رم خطب ‪%%‬ة املعت ‪%%‬دة ص ‪%%‬رحيا ‪ ،‬ح ‪%%‬ىت ح ‪%%‬رم ذل ‪%%‬ك يف ع ‪%%‬دة الوفاة ‪ ،‬وإن ك ‪%%‬ان املرج ‪%%‬ع يف‬
‫انقضائها ليس إىل املرأة ‪ ،‬فإن إباحة اخلطبة قد تكون ذريعة إىل استعجال املرأة باإلجابة ‪ ،‬والك‪%‬ذب يف انقضاء ع‪%‬دهتا‬
‫‪ ،‬وتباح خطبة املعتدة تصرحيا وتعريضا ملطلقها طالقا بائنا دون الثالث ; ألنه يباح له نكاحها يف عدهتا " ‪.‬‬

‫قال الشيخ تقي الدين ‪ " :‬يب‪%‬اح التص‪%%‬ريح والتع‪%‬ريض من ص‪%‬احب الع‪%‬دة فيه‪%‬ا إن ك‪%‬ان ممن حيل ل‪%‬ه ال‪%‬تزوج هبا يف‬
‫العدة " ‪.‬‬

‫* وحترم خطبت‪%%‬ه على خطب‪%%‬ة أخي‪%%‬ه املس‪%%‬لم ; فمن خطب ام‪%%‬رأة ‪ ،‬وأجيب إىل ذل‪%%‬ك ; ح‪%%‬رم على غ‪%%‬ريه خطبته‪%%‬ا ‪،‬‬
‫"‪،‬‬ ‫ال خيطب الرج ‪%%‬ل على خطب ‪%%‬ة أخي ‪%%‬ه ح ‪%%‬ىت ينكح أو ي ‪%%‬رتك‬ ‫ح ‪%%‬ىت ي ‪%%‬أذن ب ‪%%‬ذلك أو ي ‪%%‬رد ; لقول ‪%%‬ه ‪" :‬‬
‫"‬ ‫ال حيل للمؤمن أن خيطب على خطبة أخيه حىت ي‪%%‬ذر‬ ‫رواه البخاري والنسائي ‪ ،‬وروى مسلم ‪" :‬‬
‫" ‪ ،‬متف ‪%%‬ق علي ‪%%‬ه ‪ ،‬وللبخ ‪%%‬اري ‪" :‬‬ ‫ال خيطب أح ‪%%‬دكم على خطب ‪%%‬ة أخي ‪%%‬ه‬ ‫‪ ،‬ويف ح ‪%%‬ديث ابن عم ‪%%‬ر ‪" :‬‬
‫" ‪ ،‬فدلت ه‪%‬ذه األح‪%‬اديث‬ ‫ال خيطب الرجل على خطبة الرجل حىت يرتك اخلاطب قبله أو ي‪%‬أذن ل‪%‬ه‬
‫وما يف معناها على حترمي خطبة املسلم على خطبة أخيه ملا يف ذلك من اإلفساد على اخلاطب األول ‪ ،‬وإيق‪%%‬اع الع‪%%‬داوة‬
‫بني الن‪%%‬اس ‪ ،‬والتع‪%%‬دي على حق‪%%‬وقهم ‪ ،‬فإن رد اخلاطب األول ‪ ،‬أو أذن للخ‪%%‬اطب الث‪%%‬اين ‪ ،‬أو ت‪%%‬رك تل‪%%‬ك املرأة ; ج‪%%‬از‬
‫وهذا من حرمة املس‪%‬لم ‪ ،‬وحترمي التع‪%‬دي‬ ‫ال حىت يأذن أو يرتك‬ ‫للثاين أن خيطب تلك املرأة ; لقوله ‪:‬‬
‫عليه ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪135‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وبعض الناس ال يبايل بذلك ‪ ،‬فيقدم على خطبة املرأة ‪ ،‬وهو يعلم أن‪%‬ه مس‪%‬بوق إىل خطبته‪%‬ا ‪ ،‬وأهنا ق‪%‬د حص‪%‬لت‬
‫اإلجاب‪%%‬ة ‪ ،‬فيعت‪%%‬دي على ح‪%%‬ق أخي‪%%‬ه ‪ ،‬ويفس‪%%‬د م‪%%‬ا مت من خطبت‪%%‬ه ‪ ،‬وه‪%%‬ذا حمرم ش‪%%‬ديد التح‪%%‬رمي ‪ ،‬وح‪%%‬ري مبن أق‪%%‬دم على‬
‫خطب ‪%%‬ة ام ‪%%‬رأة وه ‪%%‬و مس ‪%%‬بوق إليه ‪%%‬ا م ‪%%‬ع إمثه الش ‪%%‬ديد أن ال يوفق وأن يع ‪%%‬اقب‪ .‬فعلى املس ‪%%‬لم أن يتنب ‪%%‬ه ل ‪%%‬ذلك ‪ ،‬وأن حيرتم‬
‫حقوق إخوانه املسلمني ; فإن حق املسلم على أخيه املسلم عظيم ; ال خيطب على خطبته ‪ ،‬وال ي‪%%‬بيع على بيع‪%%‬ه ‪ ،‬وال‬
‫يؤذيه بأي نوع من األذى ‪.‬‬

‫باب يف عقد النكاح وأركانه وشروطه‬

‫* يستحب عند إرادة عقد النكاح تقدمي خطبة قبله تسمى خطبة ابن مسعود ‪ ،‬خيطبها العاقد أو غريه من‬
‫إن احلمد هلل ‪ ،‬حنمده ‪ ،‬ونستعينه ‪ ،‬ونستغفره ‪ ،‬ونتوب إليه ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور‬ ‫احلاضرين ‪ ،‬ولفظها ‪:‬‬
‫أنفسنا وسيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده اهلل ; فال مضل له ‪ ،‬ومن يضلل ‪ ،‬فال هادي له ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل ‪،‬‬
‫رواه اخلمسة ‪ ،‬وحسنه الرتمذي ‪ ،‬ويقرأ بعد هذه اخلطبة ثالث آيات من‬ ‫وأشهد أن حممدا عبده ورسوله ‪،‬‬
‫كتاب اهلل ‪:‬‬

‫َيا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا اَّتُقوا الَّلَه َح َّق ُتَق اِتِه َو اَل ُمَتوُتَّن ِإاَّل َو َأْنُتْم ُمْس ِلُم وَن‬ ‫األوىل ‪ :‬قوله تعاىل ‪:‬‬
‫َي ا َأُّيَه ا الَّن اُس اَّتُق وا َر َّبُك ُم اَّل ِذ ي َخ َلَق ُك ْم ِم ْن َنْف ٍس َو اِح َد ٍة َو َخ َل َق ِم ْنَه ا َز ْو َجَه ا َو َبَّث‬ ‫الثاني ‪%%‬ة ‪ :‬قول ‪%%‬ه تع ‪%%‬اىل ‪:‬‬
‫ِم ْنُه َم ا ِر َج ااًل َك ِثًريا َو ِنَس اًء َو اَّتُقوا الَّلَه اَّلِذي َتَس اَءُلوَن ِبِه َو اَأْلْر َح اَم ِإَّن الَّلَه َك اَن َعَلْيُك ْم َر ِقيًبا‬
‫ِف‬ ‫ِل‬ ‫ِد‬ ‫ِذ‬
‫َي ا َأُّيَه ا اَّل يَن آَم ُن وا اَّتُق وا الَّل َه َو ُقوُل وا َقْو اًل َس يًد ا ُيْص ْح َلُك ْم َأْع َم اَلُك ْم َو َيْغ ْر َلُك ْم‬ ‫الثالث ‪%%‬ة ‪ :‬قول ‪%%‬ه تع ‪%%‬اىل ‪:‬‬
‫ُذُنوَبُك ْم َو َمْن ُيِط ِع الَّلَه َو َرُس وَلُه َفَقْد َفاَز َفْو ًز ا َعِظ يًم ا)‪javascript:DisplayAyaa(70,33‬‬

‫وأما أركان عقد النكاح‬

‫فهي ثالثة ‪:‬‬

‫الركن األول ‪ :‬وجود الزوجني اخلاليني من املوانع اليت متنع صحة النكاح ; بأن ال تك‪%%‬ون املرأة مثال من الل‪%%‬وايت حيرمن‬
‫على هذا الرجل بنسب أو رضاع أو عدة أو غري ذلك ‪ ،‬وال يكون الرجل مثال كافرا واملرأة مس‪%‬لمة ‪ .. .‬وغ‪%‬ري ذل‪%‬ك‬
‫من املوانع الشرعية اليت سنبينها إن شاء اهلل ‪.‬‬
‫ال‪%%‬ركن الث‪%%‬اين ‪ :‬حص‪%%‬ول اإلجياب ‪ ،‬وه‪%%‬و اللف‪%%‬ظ الص‪%%‬ادر من ال‪%%‬وىل أو من يق‪%%‬وم مقام‪%%‬ه ; ب‪%%‬أن يق‪%%‬ول لل‪%%‬زوج ‪ :‬زوجت‪%%‬ك‬
‫فالنة أو أنكحتكها ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪136‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫الركن الثالث ‪ :‬حصول القبول ‪ ،‬وه‪%‬و اللف‪%‬ظ الص‪%‬ادر من ال‪%‬زوج أو من يق‪%‬وم مقام‪%‬ه ; ب‪%‬أن يق‪%‬ول ‪ :‬قبلت ه‪%‬ذا النك‪%‬اح‬
‫أو هذا التزويج ‪.‬‬
‫واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم أن النكاح ينعقد بكل لفظ يدل عليه ‪ ،‬وال يقتصر على لفظ‬
‫اإلنكاح والتزويج‬
‫* ووجهة نظر من قصره على لفظ اإلنكاح والتزويج ‪ :‬أهنما اللفظان اللذان ورد هبما القرآن ; كقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِم‬ ‫ِك‬ ‫َفَلَّم ا َقَض ى َز ْيٌد ِم ْنَه ا َو َطًر ا َز َّو ْج َناَك َه ا‬
‫َو اَل َتْن ُح وا َم ا َنَك َح آَباُؤ ُك ْم َن‬ ‫وكقوله تعاىل ‪:‬‬
‫لكن ذلك يف الواقع ال يعين احلصر يف هذين اللفظني ‪ .‬واهلل أعلم ‪.‬‬ ‫الِّن اِء‬
‫َس‬
‫* وينعقد النكاح من أخرس بكتابة أو إشارة مفهوهة‬
‫* وإذا حصل اإلجياب والقبول ; انعقد النكاح ‪ ،‬ولو كان املتلفظ هازال مل يقصد معناه حقيقة ; لقوله ‪:‬‬
‫" ‪ ،‬رواه الرتمذي ‪.‬‬ ‫ثالث هزهلن جد ‪ ،‬وجدهن جد ‪ :‬الطالق ‪ ،‬والنكاح ‪ ،‬والرجعة‬

‫وأما شروط صحة النكاح‬

‫فهي أربعة ‪:‬‬

‫الشرط األول ‪ :‬تعيني كل من الزوجني ‪ ،‬فال يكفي أن يقول ‪ :‬زوجتك بنيت ‪ :‬إذا كان له عدة بنات ‪ ،‬أو يقول ‪:‬‬
‫زوجتها ابنك ‪ ،‬وله عدة أبناء ‪ ،‬وحيصل التعيني باإلشارة إىل املتزوج ‪ ،‬أو تسميته ‪ ،‬أو وصفه مبا يتميز به‪.‬‬
‫ال‬ ‫الشرط الثاين ‪ :‬رضا ك‪%‬ل من ال‪%‬زوجني ب‪%‬اآلخر ‪ ،‬فال يص‪%‬ح إن أك‪%‬ره أح‪%‬دمها علي‪%‬ه ; حلديث أيب هري‪%‬رة ‪" :‬‬
‫متف‪%%‬ق علي‪%‬ه ; إال الص‪%%‬غري منهم‪%%‬ا ال‪%%‬ذي مل يبل‪%%‬غ واملعت‪%‬وه ;‬ ‫تنكح األمي ح‪%‬ىت تس‪%%‬تأمر ‪ ،‬وال البك‪%%‬ر ح‪%‬ىت تس‪%%‬تأذن "‬
‫فلوليه أن يزوجه بغري إذنه ‪.‬‬
‫" ‪ ،‬رواه اخلمسة إال النسائي‬ ‫ال نكاح إال بويل‬ ‫الشرط الثالث ‪ :‬أن يعقد على املرأة وليها ; لقوله ‪:‬‬
‫‪ ،‬فل‪%%‬و زوجت املرأة نفس‪%%‬ها ب‪%%‬دون وليه‪%%‬ا فنكاحه‪%%‬ا باط‪%%‬ل ; ألن ذل‪%%‬ك ذريع‪%%‬ة إىل ال‪%%‬زىن ‪ ،‬وألن املرأة قاص‪%%‬رة النظ‪%%‬ر عن‬
‫ِم‬ ‫ِك‬
‫وق‪%‬ال‬ ‫َو َأْن ُح وا اَأْلَياَم ى ْنُك ْم‬ ‫اختيار األصلح هلا ‪ ،‬واهلل تعاىل خاطب األولياء بالنكاح ‪ ،‬فق‪%‬ال تع‪%‬اىل ‪:‬‬
‫وغري ذلك من اآليات ‪.‬‬ ‫َفاَل َتْع ُضُلوُه َّن‬ ‫تعاىل ‪:‬‬
‫وويل املرأة هو ‪ :‬أبوها ‪ ،‬مث وصيه فيه‪%%‬ا ‪ ،‬مث ج‪%‬دها ألب وإن عال ‪ ،‬مث ابنه‪%%‬ا ‪ ،‬مث بن‪%‬وه وإن نزل‪%%‬وا ‪ ،‬مث أخوه‪%‬ا ألب‪%%‬وين ‪،‬‬
‫مث أخوه ‪%%‬ا ألب ‪ ،‬مث بنومها ‪ ،‬مث عمه ‪%%‬ا ألب ‪%%‬وين ‪ ،‬مث عمه ‪%%‬ا ألب ‪ ،‬مث بنومها ‪ ،‬مث أق ‪%%‬رب عص ‪%%‬بتها نس ‪%%‬با ; ك ‪%%‬اإلرث ‪ ،‬مث‬
‫املعتق ‪ ،‬مث احلاكم ‪.‬‬
‫ال نكاح إال بويل وشاهدي عدل‬ ‫الشرط الرابع ‪ :‬الشهادة على عقد النكاح حلديث جابر مرفوعا ‪" :‬‬
‫" ; فال يصح إال بشاهدين عدلني ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪137‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫قال الرتمذي ‪ :‬العمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النيب ومن بعدهم من التابعني وغريهم ; قالوا ‪ :‬ال نكاح إال‬
‫بشهود ‪ ،‬ومل خيتلف يف ذلك من مضى منهم ; إال قوم من املتأخرين من أهل العلم ‪.‬‬

‫باب الكفاءة يف النكاح‬

‫باب الكفاءة يف النكاح الكفاءة لغة ‪ :‬املساواة واملماثلة ‪ ،‬واملراد هبا هنا املساواة بني الزوجني يف مخسة‬
‫أشياء ‪:‬‬

‫أحدها ‪ :‬الدين ; فال يكون الفاجر والفاسق كفء العفيفة العدل ; ألنه مردود الشهادة والرواية ‪ ،‬وذلك نقص يف‬
‫إنسانيته ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬املنصب ‪ ،‬وهو النسب ; فال يكون العجمي ‪ -‬وهو من ليس من العرب ‪ -‬كفء العربية ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬احلرية ; فال يكون العبد وال املبعض كفء احلرة ; ألنه منقوص بالرق ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬الصناعة ; فال يكون صاحب صناعة دنيئة كاحلجام واحلائك كفء بنت من هو صاحب صناعة جليلة‬
‫كالتاجر ‪.‬‬
‫اخلامس ‪ :‬اليسار باملال حبسب ما جيب هلا من املهر والنفقة ; فال يكون املعسر كفء املوسرة ‪ ،‬ألن عليها ضررا يف‬
‫إعساره ; إلخالله بنفقتها ‪.‬‬
‫* فإذا اختل‪%%‬ف أح‪%%‬د ال‪%%‬زوجني عن اآلخ‪%%‬ر يف واح‪%%‬د من ه‪%%‬ذه األم‪%%‬ور اخلمس‪%%‬ة ‪ ،‬فق‪%%‬د انتفت الكف‪%%‬اءة ‪ ،‬وذل‪%%‬ك ال‬
‫ألم ‪%%‬ر الن ‪%%‬يب فاطم ‪%%‬ة بنت قيس أن تنكح‬ ‫ي ‪%%‬ؤثر على ص ‪%%‬حة النك ‪%%‬اح ; ألن الكف ‪%%‬اءة ليس ‪%%‬ت ش ‪%%‬رطا يف ص ‪%%‬حته ;‬
‫متف‪%‬ق علي‪%‬ه ‪ ،‬ولكن تك‪%‬ون الكف‪%‬اءة ش‪%‬رطا لل‪%‬زوم النك‪%‬اح فق‪%‬ط ; فل‪%‬و زوجت‬ ‫أسامة بن زي‪%‬د ‪ ،‬فنكحه‪%‬ا ب‪%‬أمره‬
‫امرأة بغري كفئها فلمن مل يرض بذلك من املرأة أو أوليائها فسخ النكاح ‪ ،‬ألن رجال زوج بنته من ابن أخيه لريفع هبا‬
‫خسيسته ‪ ،‬فجعل النيب هلا اخليار ‪ ،‬وبعض العلماء يرى أن الكفاءة شرط لصحة النكاح ‪ ،‬وهو رواية عن أمحد ‪.‬‬

‫ق‪%%‬ال الش‪%%‬يخ تقي ال‪%%‬دين ‪ :‬ال‪%%‬ذي يقتضيه كالم أمحد أن الرج‪%%‬ل إذا ت‪%%‬بني ل‪%%‬ه أن‪%%‬ه ليس بكفء ‪ ; ،‬فرق بينهم‪%%‬ا ‪،‬‬
‫وأن ‪%%‬ه ليس لل ‪%%‬ويل أن ي ‪%%‬زوج املرأة من غ ‪%%‬ري كفء ‪ ،‬وال لل ‪%%‬زوج أن ي ‪%%‬تزوج ‪ ،‬وال للم ‪%%‬رأة أن تفع ‪%%‬ل ذل ‪%%‬ك ‪ ،‬وأن الكف ‪%%‬اءة‬
‫ليست مبنزلة األمور املالية مثل مهر املرأة ‪ :‬إن أحبت املرأة واألولياء طلبوه وإال تركوه ‪ ،‬ولكنه أم‪%‬ر ينبغي هلم اعتب‪%‬اره‬
‫" انتهى ‪.‬‬

‫باب يف احملرمات يف النكاح‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪138‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫احملرم ‪%%‬ات يف النك ‪%%‬اح قس ‪%%‬مان ‪ :‬القس ‪%%‬م األول ‪ :‬الاليت حيرمن حترميا مؤب ‪%%‬دا ‪ :‬وهن أرب ‪%%‬ع عش ‪%%‬رة ‪ :‬س ‪%%‬بع حيرمن‬
‫اآليتني ‪.‬‬ ‫َو اَل َتْنِكُح وا‬ ‫بالنسب ‪ ،‬وسبع حيرمن بالسبب ‪ ،‬وهن املذكورات يف قوله تعاىل ‪:‬‬

‫ُح ِّر َم ْت َعَلْيُك ْم ُأَّم َه اُتُك ْم‬ ‫أوال ‪ :‬الاليت حيرمن بالنسب ‪ :‬وبياهنن كما يلي ‪ - :‬األم واجلدة ; لقوله تعاىل ‪:‬‬

‫َو َبَناُتُك ْم‬ ‫‪ -‬والبنت ‪ ،‬وبنت االبن ‪ ،‬وبنت البنت ‪ ،‬وبنت بنت االبن ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫‪ -‬وبنت األخت وبنت ابنه‬ ‫َو َأَخ َو اُتُك ْم‬ ‫‪ -‬واألخت ; شقيقة كانت ‪ ،‬أو ألب ‪ ،‬أو ألم ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫‪ -‬وبنت األخ وبنت بنت األخ وبنت ابنه ; لقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫َنا اُأْل ِت‬ ‫وبنت بنته ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َو َب ُت ْخ‬
‫َو َعَّم اُتُك ْم َو َخ ااَل ُتُك ْم‬ ‫‪ -‬والعمة واخلالة ; لقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫َو َبَناُت اَأْلِخ‬
‫ثانيًا ‪ :‬الاليت حيرمن بالسبب ‪ :‬وبياهنن كما يلي ‪ - :‬املالعنة على املالعن ; ملا روى اجلوزجاين عن سهل بن سعد ‪،‬‬
‫" قال املوفق ‪ :‬ال نعلم أحدا‬ ‫مضت السنة يف املتالعنني أن يفرق بينهما مث ال جيتمعان أبدا‬ ‫قال ‪" :‬‬
‫قال خبالف ذلك ‪.‬‬
‫‪ -‬وحيرم بالرضاع ما حيرم بالنسب من األقسام السابقة ‪ ،‬فكل امرأة حرمت بالنسب من األقسام السابقة ; حرم‬
‫ُأَّم اُتُك الاَّل يِت َأ َنُك َأ اُتُك ِم الَّر ا ِة‬ ‫مثلها بالرضاع ; كاألمهات واألخوات ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ْر َضْع ْم َو َخ َو ْم َن َض َع‬ ‫َو َه ُم‬
‫متفق عليه ‪.‬‬ ‫حيرم من الرضاع ما حيرم من النسب‬ ‫وقال النيب ‪:‬‬
‫اَل ْنِك وا ا َنَك آ اُؤ ُك ِم الِّن اِء‬ ‫‪ -‬وحترم بالعقد زوجة أبيه وزوجة جده ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َو َت ُح َم َح َب ْم َن َس‬
‫ِب‬ ‫ِئ ِئ ِذ ِم‬
‫َو َح اَل ُل َأْبَنا ُك ُم اَّل يَن ْن َأْص اَل ُك ْم‬ ‫‪ -‬وحترم زوجة ابنه وإن نزل ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِن ِئ‬
‫َو ُأَّم َه اُت َس ا ُك ْم‬ ‫‪ -‬وحترم عليه أم زوجته وجداهتا مبجرد العقد ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِم‬ ‫ِئ‬
‫َو َرَبا ُبُك ُم الاَّل يِت يِف ُحُج وِر ُك ْم ْن‬ ‫‪ -‬وحترم بنت الزوجة وبنات أوالدها إذا دخل باألم ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِهِب‬ ‫ِهِب ِإ‬ ‫ِن ِئ‬
‫َس ا ُك ُم الاَّل يِت َدَخ ْلُتْم َّن َف ْن ْمَل َتُك وُنوا َدَخ ْلُتْم َّن َفاَل ُج َناَح َعَلْيُك ْم‬
‫هذا ; ويناسب أن نقرأ اآلية الكرمية متصلة بعد أن بينا ما ذكر فيها من أنواع احملرمات من النساء يف النكاح قال‬
‫ااَل ُتُك َنا اَأْلِخ َنا اُأْل ِت‬
‫َو َب ُت ْخ‬ ‫ُح ِّر َم ْت َعَلْيُك ْم ُأَّم َه اُتُك ْم َو َبَناُتُك ْم َو َأَخ َو اُتُك ْم َو َعَّم اُتُك ْم َو َخ ْم َو َب ُت‬ ‫تعاىل ‪:‬‬
‫ِر ِم ِن ِئ‬ ‫ُأَّم َه اُتُك الاَّل يِت َأْر َضْع َنُك ْم َأَخ اُتُك ْم ِم الَّر َض اَعِة ُأَّمَه اُت ِن اِئُك ْم َرَباِئُبُك الاَّل يِت يِف‬
‫ُحُج و ُك ْم ْن َس ا ُك ُم‬ ‫ُم‬ ‫َو‬ ‫َس‬ ‫َو‬ ‫َن‬ ‫َو َو‬ ‫ُم‬ ‫َو‬
‫ِئ ِئ ِذ ِم‬ ‫ِهِب‬ ‫ِهِب‬
‫الاَّل يِت َدَخ ْلُتْم َّن َفِإْن ْمَل َتُك وُنوا َدَخ ْلُتْم َّن َفاَل ُج َناَح َعَلْيُك ْم َو َح اَل ُل َأْبَنا ُك ُم اَّل يَن ْن َأْص اَل ِبُك ْم َو َأْن ْجَتَم ُعوا َبَنْي‬
‫اُأْلْخ َتِنْي ِإاَّل َم ا َقْد َس َلَف ِإَّن الَّلَه َك اَن َغُف وًر ا َر ِح يًم ا‬

‫القسم الثاين ‪ :‬ما كان حترميه منهن مؤقتا ‪ :‬وهو نوعان ‪:‬‬

‫َأْن ْجَت ُعوا َبَنْي اُأْلْخ َتِنْي‬ ‫النوع األول ‪ :‬ما حيرم من أجل اجلمع ‪ - :‬فيحرم اجلمع بني األختني لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َو َم‬
‫ال جتمعوا بني املرأة وعمتها وال بني‬ ‫وكذا حيرم اجلمع بني املرأة وعمتها وبني املرأة وخالتها لقوله ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪139‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫إنكم إذا‬ ‫متفق عليه ‪ ،‬وقد بني احلكمة يف ذلك حني قال عليه الصالة والسالم ‪:‬‬ ‫املرأة وخالتها‬
‫" ‪ ،‬وذلك ملا يكون بني الضرائر من الغرية ‪ ،‬فإذا كانت إحدامها من أقارب‬ ‫فعلتم ذلك ; قطعتم أرحامكم‬
‫األخرى ‪ ،‬حصلت القطيعة بينهما ‪ ،‬فإذا طلقت املرأة وانتهت عدهتا ; حلت أختها وعمتها وخالتها ; النتفاء‬
‫ِء‬ ‫ِم‬ ‫ِك‬
‫َفاْن ُح وا َم ا َطاَب َلُك ْم َن الِّنَس ا َم ْثىَن‬ ‫احملذور ‪ - .‬وال جيوز أن جيمع بني أكثر من أربع نسوة لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫وقد أمر النيب من حتته أكثر من أربع ملا أسلم أن يفارق ما زاد عن أربع ‪.‬‬ ‫َو ُثاَل َث َو ُرَباَع‬
‫َو اَل َتْع ِز ُموا ُعْق َد َة‬ ‫النوع الثاين ‪ :‬ما كان حترميه لعارض يزول ‪ - :‬فيحرم تزوج املعتدة من الغري لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِك‬
‫ومن احلكمة يف ذلك أنه ال يؤمن أن تكون حامال ‪ ،‬فيفضي ذلك إىل‬ ‫الِّنَكاِح َح ىَّت َيْبُلَغ اْل َتاُب َأَج َلُه‬
‫اختالط املياه واشتباه األنساب ‪.‬‬
‫َو الَّز اِنَيُة اَل َيْنِكُحَه ا ِإاَّل‬ ‫‪ -‬وحيرم تزوج الزانية إذا علم زناها حىت تتوب وتنقضي عدهتا ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِمِن‬ ‫ِل‬ ‫ٍن‬
‫َز ا َأْو ُمْش ِر ٌك َو ُح ِّر َم َذ َك َعَلى اْلُم ْؤ َني‬

‫‪ -‬وحيرم على الرجل أن يتزوج من طلقها ثالثا حىت يطأها زوج غريه بنكاح صحيح ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِك‬ ‫ِحَت ِم‬ ‫يعين ‪ :‬الثالثة ‪،‬‬ ‫َفِإْن َطَّلَق َه ا‬ ‫إىل قوله ‪:‬‬ ‫الَّطاَل ُق َّرَتاِن‬
‫َفاَل ُّل َلُه ْن َبْع ُد َح ىَّت َتْن َح‬ ‫َم‬
‫‪ -‬وحيرم تزوج احملرمة حىت حتل من إحرامها ‪.‬‬ ‫َز ْو ًج ا َغْيَر ُه‬

‫ال ينكح احملرم وال ينكح وال‬ ‫وكذا ال جيوز للمحرم أن يعقد النكاح على امرأة وهو حمرم لقوله ‪:‬‬
‫رواه اجلماعة إال البخاري ‪.‬‬ ‫خيطب‬

‫َو اَل ُتْنِكُح وا اْلُم ْش ِر ِكَني َح ىَّت ُيْؤ ِم ُنوا‬ ‫‪ -‬وال حيل أن يتزوج كافر امرأة مسلمة لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫وقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫َو اَل َتْنِكُح وا اْلُم ْش ِر َك اِت َح ىَّت ُيْؤ ِم َّن‬ ‫‪ -‬وال يتزوج املسلم امرأة كافرة لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫إال احلرة الكتابية ‪ ،‬فيجوز للمسلم أن يتزوجها ; لقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫َو اَل ْمُتِس ُك وا ِبِعَص ِم اْلَك اِفِر‬
‫َو‬
‫ِل‬ ‫ِك ِم‬ ‫ِم ِذ‬
‫يعين ‪ :‬حل لكم ‪ ،‬وتكون هذه اآلية خمصصة لعموم اآليتني‬ ‫َو اْلُم ْحَص َناُت َن اَّل يَن ُأوُتوا اْل َتاَب ْن َقْب ُك ْم‬
‫السابقتني يف حترمي نكاح الكافرات على املسلمني وقد أمجع أهل العلم على ذلك ‪.‬‬

‫وحيرم على احلر املس‪%%‬لم أن ي‪%%‬تزوج األم‪%%‬ة املس‪%%‬لمة ; ألن ذل‪%%‬ك يفضي إىل اس‪%%‬رتقاق أوالده منه‪%%‬ا ‪ ،‬إال إذا خ‪%%‬اف‬
‫على نفس‪%%‬ه من ال‪%%‬زىن ‪ ،‬ومل يق‪%%‬در على مه‪%%‬ر احلرة أو مثن األم‪%%‬ة ‪ ،‬فيج‪%%‬وز ل‪%%‬ه حينئ‪%%‬ذ ت‪%%‬زوج األم‪%%‬ة املس‪%%‬لمة لقول‪%%‬ه تع‪%%‬اىل ‪:‬‬
‫اِتُك اْل ِم َن اِت‬ ‫ِت‬ ‫ِت‬
‫َو َمْن ْمَل َيْس َتِط ْع ِم ْنُك ْم َط ْو اًل َأْن َيْنِكَح اْلُم ْحَص َنا اْلُم ْؤ ِم َن ا َفِم ْن َم ا َم َلَك ْت َأَمْياُنُك ْم ِم ْن َفَتَي ُم ُم ْؤ‬
‫ِم‬ ‫ِش‬ ‫ِل‬ ‫َذ ِل‬
‫َي اْلَعَنَت ْنُك ْم‬ ‫َك َمْن َخ‬ ‫إىل قول ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ه ‪:‬‬
‫وحيرم على العبد أن يتزوج سيدته لإلمجاع ‪ ،‬وألنه يتناىف كوهنا سيدته مع كونه زوجها ‪ ،‬ألن لكل منهما أحكاما ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪140‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وحيرم على الس ‪%%‬يد أن ي ‪%%‬تزوج مملوكت ‪%%‬ه ألن عق ‪%%‬د املل ‪%%‬ك أق ‪%%‬وى من عق ‪%%‬د النك ‪%%‬اح ‪ ،‬وال جيتم ‪%%‬ع عق ‪%%‬د م ‪%%‬ع م ‪%%‬ا ه ‪%%‬و‬
‫أضعف منه ‪.‬‬

‫والوطء مبلك اليمني حكمه حكم الوطء يف العقد فيما سبق إىل أمد ‪ ،‬فمن حرم وطؤها بعقد كاملعتدة‬
‫واحملرمة والزانية واملطلقة ثالثا ; حرم وطؤها مبلك اليمني ; ألن العقد إذا حرم لكونه طريقا إىل الوطء ‪ ،‬فألن حيرم‬
‫الوطء من باب أوىل ‪.‬‬

‫باب يف الشروط يف النكاح‬

‫املراد بالشروط يف النكاح ما يشرطه أحد الزوجني يف العقد على اآلخر مما له فيه مصلحة ‪ ،‬وحملها ما ك‪%%‬ان يف‬
‫العقد أو اتفقا عليه قبله ‪ ،‬وهي تنقسم إىل قسمني ‪ :‬صحيح ‪ ،‬وفاسد ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬الشروط الصحيحة يف النكاح‬

‫ومن الصحيح عند األكثرين إذا شرطت عليه طالق ضرهتا ألن هلا يف ذلك فائدة ‪ ،‬وق‪%‬ال البعض اآلخ‪%‬ر من‬ ‫‪-‬‬
‫هنى أن تش‪%%‬رتط طالق أخته‪%%‬ا لتكف‪%%‬أ م‪%%‬ا يف ص‪%%‬حفتها‬ ‫العلم‪%%‬اء بع‪%%‬دم ص‪%%‬حة ه‪%%‬ذا الش‪%%‬رط ; ألن الن‪%%‬يب‬
‫والنهي يقتضي الفساد ‪.‬‬
‫ومن الشروط الصحيحة يف النكاح إذا شرطت عليه أن ال يتسرى أو ال يتزوج عليها فإن وىف ‪ ،‬وإال فلها‬ ‫‪-‬‬
‫إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج‬ ‫الفسخ ‪ ،‬حلديث ‪" :‬‬
‫‪ -‬وكذا لو شرطت عليه أن ال خيرجها من دارها أو بالدها صح هذا الشرط ‪ ،‬ومل يكن له إخراجها إال‬
‫بإذهنا ‪.‬‬

‫‪ -‬وكذا لو شرطت أن ال يفرق بينها وبني أوالدها أو أبويها صح هذا الشرط ‪ ،‬فإن خالفه ‪ ،‬فلها الفسخ ‪.‬‬
‫‪ -‬ولو شرطت زيادة يف مهرها ‪ ،‬أو كونه من نقد معني صح الشرط ‪ ،‬وكان الزما ‪ ،‬جيب عليه الوفاء به ‪،‬‬
‫وهلا الفسخ بعدمه ‪ ،‬وخيارها يف ذلك على الرتاخي ‪ ،‬فتفسخ مىت شاءت ; ما مل يوجد منها ما يدل على‬
‫رضاها مع علمها مبخالفته ملا شرطته عليه ; فحينئذ يسقط خيارها ‪.‬‬
‫قال عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه للذي قضى عليه بلزوم ما شرطته عليه زوجته فقال الرجل ‪ :‬إذا‬
‫املؤمنون على شروطهم‬ ‫وحلديث ‪:‬‬ ‫يطلقننا ‪ .‬فقال عمر ‪ :‬مقاطع احلقوق عند الشروط‬

‫قال العالمة ابن القيم ‪ " :‬جيب الوفاء هبذه الشروط اليت هي أحق أن يوفيها ‪ ،‬وهو مقتضى الشرع والعقل‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪141‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫والقياس الصحيح ‪ ،‬فإن املرأة مل ترض ببذل بضعها للزوج إال على هذا الشرط ‪ ،‬ولو مل جيب الوفاء به ; مل‬
‫يكن العقد عن تراض ‪ ،‬وكان إلزاما مبا مل تلتزمه ومبا مل يلزمها اهلل به ورسوله ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الشروط الفاسدة يف النكاح‬

‫والشروط الفاسدة يف النكاح نوعان ‪:‬‬


‫ا ) شروط فاسدة تبطل العقد ‪ ، :‬وهي أنواع ثالثة ‪:‬‬

‫األول ‪ :‬نكاح الشغار وهو أن يزوجه موليته بشرط أن يزوجه اآلخر موليته وال مهر بينهما ‪ ،‬مسي شغارا من الشغور‬
‫وهو اخللو من العوض ‪ ،‬وقيل ‪ :‬مسي شغارا من شغر الكلب إذا رفع رجله ليبول ‪ ،‬شبه قبحه بقبح بول الكلب ‪،‬‬
‫وهذا النوع جعل فيه امرأة بدل امرأة ‪ ،‬وقد أمجعوا على حترميه ‪ ،‬وهو باطل ‪ ،‬جيب التفريق فيه ‪ ،‬سواء كان مصرحا‬
‫والشغار أن يزوج‬ ‫أن النيب هنى عن الشغار‬ ‫فيه بنفي املهر أو مسكوتا عنه ‪ ،‬حلديث ابن عمر ‪:‬‬
‫الرجل ابنته على أن يزوجه اآلخر ابنته وليس بينهما صداق ‪ ،‬متفق عليه ‪.‬‬
‫وقال الشيخ تقي الدين ‪ " :‬وفصل اخلطاب أن اهلل حرم نكاح الشغار ألن الويل جيب عليه أن يزوج موليته إذا‬
‫خطبها كفء ‪ ،‬ونظره هلا نظر مصلحة ال نظر شهوة ‪ ،‬والصداق حق هلا ال له ‪ ،‬وليس للويل وال لألب أن يزوجها‬
‫إال ملصلحتها ‪ ،‬وليس له أن يزوجها لغرضه ال ملصلحتها ‪ ،‬ومبثل هذا تسقط واليته ‪ ،‬ومىت كان غرضه أن يعاوض‬
‫فرجها بفرج األخرى ; مل ينظر يف مصلحتها ‪ ،‬وصار كمن زوجها على مال له ال هلا ‪ ،‬وكالمها ال جيوز ‪ ،‬وعلى‬
‫هذا ; لو مسى صداقا حيلة واملقصود املشاغرة ; مل جيز ; كما نص عليه أمحد ; ألن مقصوده أن يزوجها بتزوجه‬
‫األخرى ‪ ،‬والشرع بني أنه ال يقع هذا إال لغرض الويل ال ملصلحة املرأة ‪ ،‬سواء مسي مع ذلك صداقا أو مل يسم ;‬
‫كما قاله معاوية وغريه ‪ ،‬وأمحد جوزه مع الصداق املقصود دون احليلة ; مراعاة ملصلحة املرأة يف الصداق انتهى ‪.‬‬
‫فإذا مسي لكل واحدة منهما مهر مستقل كامل ‪ ،‬بال حيلة ‪ ،‬مع أخذ موافقة املرأتني ; صح ذلك ‪ ،‬النتفاء الضرر ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬نكاح احمللل وهو أن يتزوجها بشرط أنه مىت حللها لألول ‪ ،‬طلقها ‪ ،‬أو نوى التحليل بال شرط يذكر يف‬
‫أال‬ ‫العقد ‪ ،‬أو اتفقا عليه قبل العقد ‪ ،‬ففي مجيع هذه األحوال يبطل النكاح ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه ابن‬ ‫أخربكم بالتيس املستعار ؟ ‪ ،‬قالوا ‪ :‬بلى يا رسول اهلل ! قال ‪ :‬هو احمللل ‪ ،‬لعن اهلل احمللل واحمللل له‬
‫ماجه واحلاكم وغريه ‪.‬‬

‫إذا علق عقد النكاح على شرط مستقبل كأن ; يقول ‪ :‬زوجتك إذا جاء رأس الشهر ‪ ،‬أو ‪ :‬إن رضيت أمها ‪ ،‬فال‬
‫ينعقد النكاح مع ذلك ; ألن النكاح عقد معاوضة ‪ ،‬فلم يصح تعليقه على شرط ‪.‬‬
‫وكذا لو زوجه إىل مدة ‪ ،‬كما لو قال ‪ :‬زوجتك وإذا جاء غد ‪ ،‬فطلقها أو قال ‪ :‬زوجتها شهرا أو سنة ‪ ،‬بطل هذا‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪142‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫النكاح املؤقت وهو نكاح املتعة ‪.‬‬


‫قال الشيخ تقي الدين ‪ " :‬الروايات املستفيضة املتواترة متواطئة على أن اهلل تعاىل حرم املتعة بعد إحالهلا " ‪.‬‬
‫وقال القرطيب ‪ " :‬الروايات كلها متفقة على أن زمن إباحة املتعة مل يطل ‪ ،‬وأنه حرم ‪ ،‬مث أمجع السلف واخللف على‬
‫حترميها ; إال من ال يلتفت إليه من الروافض‬

‫شروط فاسدة ال تفسد النكاح‬

‫‪ -‬لو شرط يف عقد النكاح إسقاط حق من حقوق املرأة كأن شرط أن ال مهر هلا ‪ ،‬أو ال نفقة ‪ ،‬أو شرط أن‬
‫يقسم هلا أقل من ضرهتا ; فإنه يف هذه األحوال يفسد الشرط ويصع النكاح ‪ ،‬ألن ذلك الشرط يعود إىل معىن زائد‬
‫يف العقد ‪ ،‬ال يلزم ذكره ‪ ،‬وال يضر اجلهل به ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن ذلك أنه إذا شرطها مسلمة ‪ ،‬فبانت كتابية ‪ ،‬فالنكاح صحيح ‪ ،‬وله خيار الفسخ ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن ذلك أنه إذا شرطها بكرا أو مجيلة أو ذات نسب ‪ ،‬فبانت خبالف ما اشرتط فله الفسخ ‪ ،‬لفوات شرطه ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن ذلك أنه إذا تزوج امرأة على أهنا حرة ‪ ،‬فتبني أهنا أمة فإن كان ممن ال حيل له تزوج اإلماء ‪ ،‬فرق بينهما ‪،‬‬
‫وإن كان ممن حيل له ذلك ; فله اخليار ‪.‬‬
‫‪ -‬وكذا لو تزوجت املرأة رجال حرا ‪ ،‬فبان عبدا فلها اخليار ‪ ،‬وإن عتقت أمة حتت عبد ; فلها اخليار ; ألن‬
‫كما رواه البخاري وغريه ‪.‬‬ ‫بريرة ملا عتقت حتت عبد ‪ ،‬اختارت مفارقته‬

‫باب يف العيوب يف النكاح‬

‫هناك عيوب تثبت اخليار يف النكاح ‪:‬‬


‫فمنها ‪ - :‬أن من وجدت زوجها ال يقدر على الوطء لكونه عنينا أو مقطوع الذكر فلها الفسخ ‪ ،‬وإن ادعت أنه‬
‫عنني ‪ ،‬فأقر بذلك ‪ ،‬أجل سنة ‪ ،‬فإن وطئ فيها ‪ ،‬وإال ‪ ،‬فلها الفسخ ‪.‬‬
‫‪ -‬وإن وجد الرجل يف زوجته عيبا مينع الوطء ; كالرتق وال ميكن زواله ‪ ،‬فله الفسخ ‪.‬‬
‫‪ -‬وكذا من وجد منهما يف اآلخر عيبا مشرتكا ; كالباسور ‪ ،‬واجلنون ‪ ،‬والربص ‪ ،‬واجلذام ‪ ،‬وقرع الرأس ‪ ،‬وخبر‬
‫الفم فله اخليار ; ملا يف ذلك من النفرة ‪.‬‬
‫قال العالمة ابن القيم ‪ " . :‬كل عيب ينفر أحد الزوجني من اآلخر ‪ ،‬وال حيصل به مقصود النكاح ‪ ،‬يوجب‬
‫اخليار ‪ ،‬وإنه أوىل من البيع " انتهى ‪.‬‬
‫‪ -‬ولو حدث بأحد الزوجني عيب بعد العقد فلآلخر اخليار ‪ .‬ويثبت اخليار ملن مل يرض بالعيب من الزوجني ‪،‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪143‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ولوكان به عيب مثله أو مغاير له ; ألن اإلنسان ال يأنف من عيب نفسه ‪ ،‬ومن رضي منهما بعيب اآلخر ; بأن قال‬
‫‪ :‬رضيت به ‪ ،‬أو وجد منه دليل الرضى ‪ ،‬مع علمه بالعيب ; فال خيار له بعد ذلك ‪.‬‬

‫وحيث يثبت ألحدمها اخليار ; فإنه ال يتم إال عند احلاكم ; ألنه حيتاج إىل اجتهاد ونظر ‪ ،‬فيفسخه احلاكم‬
‫بطلب من له اخليار ‪ ،‬أو يأذن ملن له اخليار فيفسخ ‪.‬‬
‫وإن مت الفسخ قبل الدخول ‪ ،‬فال مهر هلا ; ألن الفسخ إن كان منها ; فقد جاءت الفرقة من قبلها ‪ ،‬و إن كان‬
‫منه ; فقد دلست عليه العيب ‪ ،‬فكان الفسخ بسببها ‪.‬‬
‫وإن كان الفسخ بعد الدخول ‪ ،‬فلها املهر املسمى يف العقد ‪ ،‬ألنه وجب بالعقد ‪ ،‬واستقر بالدخول ; فال يسقط ‪.‬‬

‫وال يصح تزويج الصغرية واجملنونة واململوكة مبن فيه عيب يرد به النكاح ألن وليهن ال ينظر هلن إال مبا فيه‬
‫احلظ واملصلحة هلن ‪ ،‬وإن مل يعلم وليهن بالعيب ; فسخ النكاح إذا علم ; إزالة للضرر عنهن ‪.‬‬
‫وإذا رضيت الكبرية العاقلة جمبوبا أو عنينا مل مينعها وليها ‪ ،‬ألن احلق يف الوطء هلا دون غريها ‪.‬‬
‫وإن رضيت بالتزوج من جمنون وجمذوم وأبرص فلوليها منعها منه ; ألن يف ذلك ضررا خيشى تعديه إىل الولد ‪ ،‬وفيه‬
‫منغصة على أهلها ‪.‬‬

‫باب يف أنكحة الكفار‬

‫املراد بالكفار أهل الكتاب وغريهم كاجملوس والوثنيني واملراد ما يقرون عليه من أنكحتهم لو أسلموا أو‬
‫ترافعوا إلينا حال كفرهم ‪.‬‬
‫فنكاح الكفار حكمه حكم نكاح املسلمني يف الصحة ووقوع الطالق والظهار ‪ .‬واإليالء ووجوب النفقة والقسم ‪.‬‬
‫وحيرم عليهم من النساء ما حيرم على املسلمني ‪ ،‬فقد جاء يف القرآن الكرمي إضافة املرأة إىل الكافر يف قوله تعاىل ‪:‬‬
‫فأضاف املرأة إىل الكافر ‪ ،‬واإلضافة تقتضي‬ ‫اْم َر َأَة ِفْر َعْو َن‬ ‫و‬ ‫اْم َأُتُه َّمَحاَلَة اَحْلَطِب‬
‫َو َر‬
‫زوجية صحيحة ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬الصواب أن أنكحتهم احملرمة يف اإلسالم حرام مطلقا ‪ ،‬إذا مل يسلموا ;‬
‫عوقبوا عليها ‪ ،‬وإن أسلموا ; عفي هلم عنها ; لعدم اعتقادهم حترميها ‪ ،‬وأما الصحة والفساد ; فالصواب أهنا‬
‫صحيحة من وجه فاسدة من وجه ‪ ،‬فإن أريد بالصحة إباحة التصرف ; فإمنا يباح هلم بشرط اإلسالم ‪ ،‬وإن أريد‬
‫نفوذه وترتب أحكام الزوجية عليه من حصول احلل به للمطلق ثالثا ووقوع الطالق فيه وثبوت اإلحصان به ;‬
‫فصحيح " انتهى ‪.‬‬
‫ومن أحكام أنكحة الكفار أهنم يقرون على فاسدها بشرطني ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪144‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫الشرط األول ‪ :‬إذا اعتقدوا صحتها يف شرعهم ‪ ،‬وما ال يعتقدون حله ; ال يقرون عليه ; ألنه ليس من دينهم ‪.‬‬

‫َو َأِن اْح ُك ْم َبْيَنُه ْم َمِبا َأْنَز َل‬ ‫الشرط الثاين ‪ :‬أن ال يرتافعوا إلينا ‪ ،‬فإن ترافعوا ; مل نقرهم عليه ; لقوله تعاىل ‪:‬‬

‫الَّلُه‬

‫أن النيب صلى‬ ‫فإذا اعتقدوا صحة نكاحهم يف شرعهم ‪ ،‬ومل يرتافعوا إلينا ; مل نتعرض هلم ; بدليل‬
‫مع علمه أهنم يستبيحون‬ ‫اهلل عليه وسلم أخذ اجلزية من جموس هجر ‪ ،‬ومل يعرتض عليهم يف أنكحتهم‬
‫حمارمهم ‪ ،‬وأسلم خلق كثري يف زمن النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فأقرهم على أنكحتهم ‪ ،‬ومل يكشف عن كيفيتها ‪.‬‬
‫وإن أتونا قبل عقد نكاحهم ; عقدناه على حكم ديننا ; بإجياب وقبول وويل وشاهدي عدل منا ; قال تعاىل ‪:‬‬
‫ِباْلِق ِط‬ ‫ِإ‬
‫َو ْن َح َك ْم َت َفاْح ُك ْم َبْيَنُه ْم ْس‬
‫أما إن أتونا بعد عقد النكاح فيما بينهم ‪ ،‬فإننا ال نتعرض لكيفية صدوره * وكذلك إذا أسلم الزوجان على نكاح ;‬
‫فإننا ال نتعرض لكيفية صدوره وتوفر شروطه فيما سبق ‪ ،‬لكننا ننظر فيه وقت الرتافع أو وقت إسالمهم ‪ ،‬فإن‬
‫كانت الزوجة تباح يف هذا الوقت لعدم املوانع الشرعية ‪ ،‬أقرا على نكاحهما ‪ ،‬ألن ابتداء النكاح حينئذ ال مانع‬
‫منه ; فال مانع من استدامته ‪ ،‬وإن كانت الزوجة يف هذا الوقت الذي ترافعا أو أسلما فيه ال يباح ابتداء العقد له‬
‫عليها ; فرق بينهما ‪ ،‬ألن منع ابتداء العقد مينع من استدامته ‪ ،‬وإن كان املهر الذي مسي هلا يف حال الكفر‬
‫صحيحا ; أخذته ‪ ،‬ألنه وجب بالعقد ‪ ،‬وال مانع من استيفائها له ‪ ،‬وإن كان فاسدا ‪ -‬كاخلمر واخلنزير ‪ : -‬فإن‬
‫كانت قبضته ; فقد استقر ‪ ،‬وليس هلا غريه ‪ ،‬ألهنا قبضته حبكم الشرك ‪ ،‬فربئت ذمة من هو عليه منه ‪ ،‬وألن يف‬
‫التعرض له مشقة وتنفري عن اإلسالم ‪ ،‬فيعفى عنه كما عفي عن غريه من األعمال الكفرية ‪ ،‬وإن مل تكن قد قبضت‬
‫املهر الفاسد ; فإنه يفرض هلا مهر املثل ‪ ،‬وإن كانت قد قبضت بعض املهر الفاسد ومل تقبض بقيته ; فإنه جيب هلا‬
‫قسط الباقي من مهر املثل ‪ ،‬وإن مل يسم هلا مهر أصال ; فإنه يفرض هلا مهر املثل ; خللو النكاح من تسمية املهر ‪.‬‬

‫* وإذا أسلم الزوجان معا بأن تلفظا باإلسالم دفعة واحدة ; فإمنا يبقيان على نكاحهما ألنه مل يوجد منهما اختالف‬
‫دين ‪ ،‬وإن أسلم زوج كتابية ‪ ،‬ومل تسلم هي بقيا على نكاحهما ; ألن للمسلم أن يتزوج الكتابية ابتداء ‪،‬‬
‫فاستدامته لنكاحها من باب أوىل ‪.‬‬
‫َفاَل َتْر ِج ُعوُه َّن ِإىَل اْلُك َّفاِر اَل ُه َّن‬ ‫* وإن أسلمت كافرة حتت كافر قبل الدخول بطل النكاح ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫وليس هلا شيء من املهر ‪ ،‬جمليء الفرقة من قبلها ‪.‬‬ ‫ِح ٌّل ُهَلْم َو اَل ُه ْم ِحَي ُّلوَن ُهَلَّن‬
‫َو اَل ْمُتِس ُك وا ِبِعَص ِم اْلَك اِفِر‬ ‫* وإن أسلم زوج غري كتابية قبل الدخول بطل النكاح ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َو‬
‫وعليه نصف املهر ; جمليء الفرقة من قبله ‪ " .‬وإن أسلم أحد الزوجني غري الكتابيني أو أسلمت كافرة حتت كافر‬
‫بعد الدخول وقف األمر على انقضاء العدة ‪ ،‬فإن أسلم اآلخر فيها ; دام النكاح ‪ ،‬وإن مل يسلم فيها ‪ ،‬تبني أن‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪145‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫النكاح قد انفسخ منذ أسلم األول ‪.‬‬


‫* ومن أسلم وحتته أكثر من أربع وأسلمن ‪ ،‬أو كن كتابيات اختار منهم أربعا ; ألن قيس بن احلارث أسلم وحتته‬
‫وقاله أيضا لغريه ‪ ،‬واهلل أعلم ‪.‬‬ ‫اخرت منهن أربعا‬ ‫مثان نسوة ‪ ،‬فقال له النيب ‪: 3‬‬

‫باب يف الصداق يف النكاح‬

‫الصداق مأخوذ من الصدق ‪ ،‬ألنه يشعر برغبة الزوج يف الزوجة ‪ ،‬وهو عوض يسمى يف عقد النكاح أو بعده‬
‫‪ " .‬أما حكمه ‪ ،‬فهو واجب ‪ ،‬ودليله الكتاب والسنة واإلمجاع ‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫َو آُتوا الِّنَس اَء َص ُد َقاِهِتَّن ْحِنَلًة َفِإْن ِط َنْب َلُك ْم َعْن َش ْي ٍء ِم ْنُه َنْف ًس ا َفُكُلوُه َه ِنيًئا َم ِر يًئا‬ ‫‪ -‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫التمس ولو خامتا من حديد‬ ‫ولفعله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فلم يكن خيلي النكاح من صداق ‪ ،‬وقال ‪:‬‬

‫‪ -‬وأمجع أهل العلم على مشروعيته ‪ " .‬أما مقداره ; فال يتقدر أقله وال أكثره حبد معني ; فكل ما صح أن يكون‬
‫مثنا أو أجرة ; صح أن يكون صداقا ‪ ،‬وإن قل أو كثر ; إال أنه ينبغي االقتداء بالنيب صلى اهلل عليه وسلم فيه ‪ ،‬بأن‬
‫يكون يف حدود أربعمائة درهم ‪ ،‬وهي صداق بنات النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬الصداق املقدم إذا كثر وهو قادر على ذلك ; مل يكره ; إال أن يقرتن‬
‫بذلك ما يوجب الكراهة من معىن املباهاة وحنو ذلك ‪ ،‬فأما إن كان عاجزا عن ذلك ‪ ،‬كره ‪ ،‬بل حيرم إذا مل يتوصل‬
‫إليه إال مبسألة أو غريها من الوجوه احملرمة ‪ ،‬فأما إن كثر ‪ ،‬وهو مؤخر يف ذمته ‪ ،‬فينبغي أن يكره ; ملا فيه من‬
‫تعريض نفسه لشغل الذمة " انتهى كالمه ‪.‬‬
‫واخلالصة أن كثرة الصداق ال تكره إذا مل تبلغ حد املباهاة واإلسراف ‪ ،‬ومل تثقل كاهل الزوج ; حبيث حتوجه إىل‬
‫االستعانة بغريه عن طريق املسألة وحنوها ‪ ،‬ومل تشغل ذمته بالدين ‪ ،‬وهي ضوابط قيمة تكفل املصلحة وتدفع‬
‫املضرة ‪.‬‬
‫ويتبني من خالل ما سبق أن ما وصل إليه الناس يف قضية املهور من املغاالة الباهظة اليت ال يراعى فيها جانب الزوج‬
‫الفقري واليت أصبحت صعبة املرتقى يف طريق الزواج ; أن هذه املغاالة ال شك يف كراهتها أو حترميها ‪ ،‬خصوصا وأنه‬
‫يكون إىل جانبها تكاليف أخرى ; من شراء األقمشة الغالية الثمن ‪ ،‬واملصاغات الباهظة ‪ ،‬واحلفالت والوالئم‬
‫املشتملة على اإلسراف والتبذير وإهدار األطعمة واللحوم يف غري مصلحة تعود إىل الزوجني ; ال شك أن كل ذلك‬
‫من اآلصار واألغالل والتقاليد السيئة اليت جيب حماربتها والقضاء عليها وتنقية طريق الزواج من عراقيلها ‪.‬‬
‫رواه أمحد والبيهقي‬ ‫أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة‬ ‫ويف حديث عائشة رضي اهلل عنها مرفوعا ‪:‬‬
‫واحلاكم وغريهم ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪146‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫أال ال تغالوا يف صدق النساء ‪ ،‬فإنه لو كان مكرمة يف الدنيا أو‬ ‫وقال عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫تقوى عند اهلل ‪ ،‬كان أوالكم هبا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ما أصدق رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم امرأة‬
‫من نسائه ‪ ،‬وال أصدقت امرأة من بناته ‪ ،‬أكثر من اثنيت عشرة أوقية ‪ ،‬وإن الرجل ليغلي بصدقة امرأته حىت يكون هلا‬
‫أخرجه النسائي وأبو داود ‪.‬‬ ‫عداوة يف قلبه ‪ ،‬وحىت يقول ‪ :‬كلفت فيك علق القربة‬
‫ومنه تعلم أن كثرة الصداق قد تكون سببا يف بغض الزوج لزوجته حينما يتذكر ضخامة صداقها ‪ ،‬وهلذا كان أعظم‬
‫النساء بركة أيسرهن مؤنة ; كما يف حديث عائشة ‪ ،‬فتيسري الصداق يسبب الربكة يف الزوجة ويزرع هلا احملبة يف‬
‫قلب الزوج ‪.‬‬

‫* واحلكمة يف مشروعية الصداق أن فيه معاوضة عن االستمتاع ‪ ،‬وفيه تعزيز جلانب الزوجة وتقدير ملكانتها يف حق‬
‫الزوج ‪.‬‬
‫* وتستحب تسميته الصداق ‪ ،‬وحتديده يف العقد ‪ ،‬لقطع النزاع ‪ .‬وجيوز أن يسمى وحيدد بعد العقد ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫فدلت اآلية على أن فرض‬ ‫اَل ُج َناَح َعَلْيُك ْم ِإْن َطَّلْق ُتُم الِّنَس اَء َم ا ْمَل َمَتُّس وُه َّن َأْو َتْف ِر ُضوا ُهَلَّن َفِر يَض ًة‬
‫الصداق قد يتأخر عن العقد ‪.‬‬
‫وأما نوعية الصداق فكما يفهم أن كل ما جاز أن يكون مثنا يف بيع أو أجرة يف إجارة وقيمة لشيء ; جاز أن يكون‬
‫صداقا ‪ ،‬سواء كان من عني أو دين معجل أو مؤجل أو منفعة معلومة ‪ ،‬وهذا مما يدل على أنه مطلوب تيسري‬
‫الصداق ‪ ،‬وحسب الظروف واألحوال ‪ ،‬تيسري الزواج الذي يتعلق به مصاحل عظيمة لألفراد واجملتمعات ‪.‬‬

‫وهذه بعض املسائل اهلامة اليت تتعلق بالصداق ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬أن الصداق ملك للمرأة ليس لوليها منه شيء ; إال ما مسحت به له عن طيب نفس ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫وألبيها خاصة أن يأخذ من صداقها ‪ ،‬ولو مل تأذن ; ما ال يضرها وال حتتاج إليه ;‬ ‫َو آُتوا الِّنَس اَء َص ُد َقاِهِتَّن‬
‫أنت ومالك ألبيك‬ ‫لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫ثانيا ‪ :‬يبدأ متلك املرأة لصداقها من العقد كما يف البيع ‪ ،‬ويتقرر كامال بالوطء ‪ ،‬أو اخللوة هبا ‪ ،‬ومبوت أحدمها‪.‬‬

‫ِم‬ ‫ِإ‬
‫َو ْن َطَّلْق ُتُم وُه َّن ْن‬ ‫ثالثا ‪ :‬إذا طلقها قبل الدخول أو اخللوة ‪ ،‬وقد مسى هلا صداقا فلها نصفه ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِن‬
‫أي ‪ :‬لكم وهلن ‪ ،‬فاقتضى أن النصف له والنصف‬ ‫َقْبِل َأْن َمَتُّس وُه َّن َو َقْد َفَر ْضُتْم ُهَلَّن َفِر يَض ًة َف ْصُف َم ا َفَر ْضُتْم‬
‫ِإاَّل‬ ‫هلا مبجرد الطالق ‪ ،‬وأيهما عفا لصاحبه عن نصيبه منه وهو جائز التصرف ; صح عفوه ; لقوله تعاىل ‪:‬‬

‫َو َأْن َتْع ُفوا َأْقَر ُب‬ ‫مث رغب يف العفو ; فقال تعاىل ‪:‬‬ ‫َأْن َيْع ُف وَن َأْو َيْع ُف َو اَّلِذ ي ِبَيِدِه ُعْق َد ُة الِّنَكاِح‬
‫أي ‪ :‬ال ينس الزوجان التفضل من كل واحد منهما على اآلخر ‪ ،‬ومن‬ ‫ِل‬
‫لَّتْق َو ى َو اَل َتْنَسُو ا اْلَفْض َل َبْيَنُك ْم‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪147‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫مجلة ذلك أن تتفضل املرأة بالعفو عن النصف ‪ ،‬أو يتفضل الرجل عليها بإكمال املهر ‪ ،‬وهو إرشاد للرجال والنساء‬
‫من األزواج إىل ترك التقصي من بعضهم على بعض واملساحمة فيما ألحدمها على اآلخر ; للوصلة اليت قد وقعت‬
‫بينهما ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬كل ما قبض بسبب النكاح ككسوة ألبيها أو أخيها فهو من املهر‬

‫خامسا ‪ :‬إذا أصدقها ماال مغصوبا أو حمرما صح النكاح ‪ ،‬ووجب هلا مهر املثل بدل الصداق احملرم ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬إذا عقد النكاح ومل جيعل للمرأة مهرا صح النكاح ‪ ،‬ويسمى ذلك بالتفويض ‪ ،‬ويقدر هلا مهر املثل ; لقوله‬
‫أي ‪ :‬أو ما مل تفرضوا‬ ‫اَل ُج َناَح َعَلْيُك ْم ِإْن َطَّلْق ُتُم الِّنَس اَء َم ا ْمَل َمَتُّس وُه َّن َأْو َتْف ِر ُضوا ُهَلَّن َفِر يَض ًة‬ ‫تعاىل ‪:‬‬
‫هلن فريضة ‪ ،‬وحلديث ابن مسعود يف رجل تزوج امرأة ومل يفرض هلا صداقا ومل يدخل هبا حىت مات ‪ ،‬فقال رضي‬
‫وقال ‪:‬‬ ‫هلا صداق نسائها ‪ ،‬ال وكس وال شطط ‪ ،‬وعليها العدة ‪ ،‬وهلا املرياث‬ ‫اهلل عنه ‪:‬‬
‫رواه الرتمذي وغريه وصححه ‪.‬‬ ‫قضى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف بروع بنت واشق مبثل ما قضيت‬
‫وقد يكون التفويض ملقدار املهر معناه أن يزوجها على ما يشاء أحدمها أو أجنيب ‪ ،‬فيصح العقد يف هذه احلالة ‪،‬‬
‫ويقدر هلا مهر املثل ‪ ،‬والذي يقدر مهر املثل هو احلاكم ‪ ،‬فيقدره مبهر مثلها من نسائها ; أي ‪ :‬قرابتها ممن مياثلها ;‬
‫كأمها وخالتا وعمتا ‪ ،‬فيعترب احلاكم مبن يساويها منهن القرىب فالقرىب يف مال ومجال وعقل وأدب وسن وبكارة‬
‫وثيوبة ‪ .. .‬فإن مل يكن هلا أقارب ‪ ،‬ففيمن يشبهها من نساء بلدها ‪.‬‬
‫اَل ُج َناَح َعَلْيُك ْم ِإْن‬ ‫وإن فارقها قبل الدخول بطالق فلها املتعة بقدر يسر زوجها وعسره ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َلى اْل ْق ِرِت َقَد ا ا ِباْل وِف‬ ‫ِس‬
‫ُر ُه َم َت ًع َم ْع ُر‬ ‫َطَّلْق ُتُم الِّنَس اَء َم ا ْمَل َمَتُّس وُه َّن َأْو َتْف ِر ُضوا ُهَلَّن َفِر يَض ًة َو َم ِّتُعوُه َّن َعَلى اْلُم و ِع َقَد ُر ُه َو َع ُم‬
‫واألمر يقتضي الوجوب ‪ ،‬وأداء الواجب إحسان ‪.‬‬ ‫ِس ِن‬
‫َح ًّقا َعَلى اْلُم ْح َني‬
‫وإن كانت املفارقة مبوت أحدمها قبل الدخول ; تقرر هلا مهر املثل ‪ ،‬وورثه اآلخر ; ألن ترك تسميته الصداق ال‬
‫يقدح يف صحة النكاح ‪ ،‬وحلديث ابن مسعود الذي سبق ذكره ‪.‬‬
‫إن‬ ‫وإذا حصل الدخول أو اخللوة ; تقرر هلا مهر املثل ; ملا روى أمحد وغريه من قضاء اخللفاء الراشدين ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫من أغلق بابا أو أرخى سرتا ‪ ،‬فقد وجب املهر‬
‫وإن حصلت الفرقة من قبلها قبل الدخول فليس هلا شيء ; كما لو ارتدت أو فسخت النكاح بسبب وجود عيب‬
‫يف الزوج ‪.‬‬

‫سابعا ‪ :‬للمرأة قبل الدخول منع نفسها حىت تقبض صداقها احلال ألهنا لو سلمت نفسها ‪ ،‬مث أرادت الرتاجع حىت‬
‫تقبضه ; مل ميكنها ذلك ‪ ،‬فإن كان الصداق مؤجال ; فليس هلا منع نفسها ; ألهنا رضيت بتأخريه ‪ ،‬وكذا لو سلمت‬
‫نفسها ‪ ،‬مث أرادت االمتناع حىت تقبض صداقها فليس هلا ذلك ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪148‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫باب يف وليمة العرس‬

‫* أصل الوليمة متام الشيء واجتماعه ‪ ،‬يقال ‪ :‬أومل الرجل ‪ :‬إذا اجتمع عقله وخلقه ‪ .‬مث نقل هذا املعىن إىل‬
‫تسمية طعام العرس به ; الجتماع الرجل واملرأة بسبب الزواج ‪ ،‬وال يقال لغري طعام العرس وليمة من حيث اللغة‬
‫وعرف الفقهاء ‪ .‬وهناك أطعمة تصنع ملناسبات كثرية ‪ ،‬لكل منها اسم خاص ‪.‬‬
‫* وحكم وليمة العرس أهنا سنة باتفاق أهل العلم ‪ ،‬وقال بعضهم بوجوهبا ‪ ،‬ألمره صلى اهلل عليه وسلم هبا ‪،‬‬
‫ولوجوب إجابة الدعوة إليها ; فقد قال النيب صلى اهلل عليه وسلم لعبد الرمحن بن عوف رضي اهلل عنه حني أخربه‬
‫وأومل النيب صلى اهلل عليه وسلم على زوجاته‬ ‫متفق عليه ‪،‬‬ ‫أومل ولو بشاة‬ ‫أنه تزوج ‪:‬‬
‫زينب وصفية وميمونة بنت احلارث‬
‫ووقت إقامة وليمة العرس موسع ‪ ،‬يبدأ من عقد النكاح ‪ ،‬إىل انتهاء أيام العرس ‪.‬‬
‫* ومقدار وليمة العرس قال بعض الفقهاء ‪ :‬إنه ال ينقص عن شاة ‪ ،‬واألوىل الزيادة عليها ; ملفهوم حديث عبد‬
‫هذا مع تيسر ذلك ‪ ،‬وإال ; فبحسب املقدرة ‪.‬‬ ‫أومل ولو بشاة‬ ‫الرمحن بن عوف ‪:‬‬
‫أومل النيب صلى اهلل عليه وسلم على صفية حبيس ‪ ،‬وهو الدقيق والسمن واألقط ‪ ،‬خيلط بعضها‬ ‫وقد‬
‫فدل ذلك على إجزاء الوليمة بغري ذبح الشاة ‪.‬‬ ‫ببعض ‪ ،‬ووضعه على نطع صغري‬

‫* وال جيوز اإلسراف يف وليمة العرس كما يفعل اآلن من ذبح األغنام الكثرية واإلبل وتكثري الطعام على وجه‬
‫البذخ واإلسراف مث ال تؤكل ‪ ،‬بل يكون مآل تلك األطعمة واللحوم إلقاؤها يف الزباالت وإهدارها ; فهذا مما تنهى‬
‫عنه الشريعة ‪ ،‬وال تستسيغه العقول السليمة ‪ ،‬وخيشى على فاعله ومن رضي به من العقوبة وزوال النعمة ‪ ،‬إضافة‬
‫إىل ما يصحب تلك الوالئم الفخمة من أشر وبطر واجتماعات ال تسلم يف الغالب من املنكرات ‪ ،‬وقد تقام هذه‬
‫الوالئم يف الفنادق ‪ ،‬وحيصل فيها من تساهل النساء بالسرت واالحتشام واختالط الرجال هبن ما خيشى من عواقبه‬
‫الوخيمة ‪ ،‬وقد يتخلل تلك االحتفاالت أغان ومزامري ‪ ،‬وجيلب هلا املطربون الفسقة واملصورون الظلمة الذين‬
‫يصورون النساء ويصورون العريسني ‪ ،‬وهتدر يف هذه احلفالت أموال كثرية من غري فائدة ‪ ،‬بل على سبيل الفساد‬
‫ٍة‬ ‫ِم‬
‫َو َك ْم َأْه َلْك َنا ْن َقْر َي‬ ‫واإلفساد ‪ ،‬فليتق اهلل من يعملون هذه األعمال ‪ ،‬وليخشوا من عقوبته ; قال تعاىل ‪:‬‬
‫ِف‬ ‫ِحُي‬ ‫َبِط َر ْت َم ِعيَش َتَه ا‬
‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫َو ُك ُلوا َو اْش َر ُبوا َو اَل ُتْس ِر ُفوا ِإَّنُه اَل ُّب اْلُمْس ِر َني‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬
‫ِس ِد‬ ‫يِف‬ ‫ِم ِر ِق ِه‬
‫واآليات يف هذا كثرية معلومة ‪.‬‬ ‫ُك ُلوا َو اْش َر ُبوا ْن ْز الَّل َو اَل َتْع َثْو ا اَأْلْر ِض ُمْف يَن‬

‫وجيب على من دعي حلضور وليمة العرس أن جييب الدعوة إذا توفرت فيها هذه الشروط‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪149‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫الشرط األول ‪ :‬أن تكون هي الوليمة األوىل ‪ ،‬فإن تكرر إقامة الوالئم هلذه املناسبة ; مل جيب عليه حضور ما زاد‬
‫الوليمة أول يوم حق ‪ ،‬والثاين معروف ‪ ،‬والثالث رياء ومسعة‬ ‫على األول ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه أبو داود وغريه ‪.‬‬
‫وقال الشيخ تقي الدين ‪ " :‬حيرم األكل والذبح الزائد على املعتاد يف بقية األيام ‪ ،‬ولو العادة فعله ‪ ،‬أو لتفريح أهله ‪،‬‬
‫ويعزر إن عاد " ‪.‬‬

‫الشرط الثاين ‪ :‬أن يكون الداعي مسلما ‪.‬‬

‫الشرط الثالث ‪ :‬أن يكون الداعي من غري العصاة اجملاهرين باملعصية الذين جيب هجرهم ‪.‬‬

‫الشرط الرابع ‪ :‬أن يعينه الداعي بالدعوة وخيصه ‪ ،‬بأن ال تكون الدعوة عامة ‪.‬‬

‫الشرط اخلامس ‪ :‬أن ال يكون يف الوليمة منكر ; كخمر وأغان ومزامري ومطربني ; كما حيصل يف بعض الوالئم يف‬
‫هذا الوقت ‪.‬‬

‫شر الطعام طعام‬ ‫فإذا توافرت هذه الشروط ‪ ،‬وجبت إجابة الدعوة ‪ ،‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه مسلم ‪.‬‬ ‫الوليمة ‪ ،‬مينعها من يأتيها ‪ ،‬ويدعى إليها من يأباها ‪ ،‬ومن ال جيب ; فقد عصى اهلل ورسوله‬

‫أعلنوا النكاح‬ ‫ويسن إعالن النكاح ‪ -‬أي ‪ :‬إظهاره وإشاعته ‪ ، -‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه ابن ماجه ‪.‬‬ ‫أظهروا النكاح‬ ‫ويف لفظ ‪:‬‬

‫فصل ما بني احلالل واحلرام الصوت‬ ‫ويسن الضرب عليه بالدف ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه النسائي وأمحد والرتمذي وحسنه ‪.‬‬ ‫والدف يف النكاح‬

‫باب يف عشرة النساء‬

‫يراد بالعشرة لغة ‪ :‬االجتماع واملخالطة ‪ ،‬فيقال لكل مجاعة ‪ :‬عشرة ومعشر ‪.‬‬
‫واملراد هبا هنا ما يكون بني الزوجني من األلفة واالنضمام ; ألنه يلزم كال من الزوجني معاشرة اآلخر باملعروف ;‬
‫وقال‬ ‫اِش و َّن ِباْل وِف‬ ‫فال مياطله حبقه ‪ ،‬وال يتكره لبذله ‪ ،‬وال يتبعه أذى ومنة ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َو َع ُر ُه َم ْع ُر‬
‫خريكم خريكم‬ ‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬ ‫َّن ِم ْث اَّلِذ ي َل ِه َّن ِباْل وِف‬ ‫تعاىل ‪:‬‬
‫َم ْع ُر‬ ‫َع ْي‬ ‫َو ُهَل ُل‬
‫لو كنت آمرا أحدا أن يسجد ألحد ‪ ،‬ألمرت املرأة أن تسجد‬ ‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬ ‫ألهله‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪150‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫إذا باتت املرأة هاجرة فراش زوجها ‪،‬‬ ‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬ ‫لزوجها ‪ ،‬لعظم حقه عليها‬
‫لعنتها املالئكة حىت تصبح‬
‫َو ِباْلَو اِلَد ْيِن ِإْح َس اًنا‬ ‫ويسن لكل من الزوجني حتسني اخللق لصاحبه ‪ ،‬والرفق به وحتمل أذاه ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫قيل ‪ :‬هو كل واحد من الزوجني ‪ ،‬وقال النيب صلى اهلل عليه‬ ‫الَّص اِح ِب ِباَجْلْنِب‬ ‫إىل قوله ‪:‬‬
‫َو‬
‫استوصوا بالنساء خريا ; فإهنن عوان عندكم‬ ‫وسلم ‪:‬‬
‫َو َعاِش ُر وُه َّن ِباْلَم ْع ُر وِف َفِإْن َك ِر ْهُتُم وُه َّن‬ ‫وينبغي للزوج إمساك زوجته حىت مع كراهته هلا لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫رمبا رزق‬ ‫قال ابن عباس يف معىن اآلية الكرمية ‪:‬‬ ‫َفَعَس ى َأْن َتْك َر ُه وا َش ْيًئا َو ْجَيَعَل الَّلُه ِفيِه َخ ْيًر ا َك ِثًريا‬
‫ال يفرك مؤمن مؤمنة ‪ ،‬إن سخط‬ ‫‪ ،‬ويف احلديث الصحيح ‪:‬‬ ‫منا ولدا ‪ ،‬فجعل اهلل فيه خريا كثريا‬
‫‪ -‬منها خلقا ; رضي منها آخر‬

‫وحيرم مطل كل واحد من الزوجني مبا يلزمه للزوج اآلخر وكراهته لبذله ‪.‬‬
‫وإذا مت العقد ; لزم تسليم الزوجة اليت يوطأ مثلها إذا طلب الزوج تسليمها يف بيته ; إال إذا شرطت عليه يف العقد‬
‫بقاءها يف دارها أو بلدها ‪.‬‬
‫ألنه صلى اهلل عليه وسلم وأصحابه كانوا يسافرون‬ ‫* وللزوج أن يسافر هبا سفرا ال معصية فيه وال خطر‬
‫لكن غالب األسفار املتعارف عليها يف هذا الزمان هي األسفار إىل البالد اخلارجية الكافرة وبالد‬ ‫بنسائهم‬
‫اإلباحية والفساد ; فال جيوز السفر إىل هذه البالد جملرد النزهة والتفرج ; ملا يف ذلك من اخلطر الشديد على الدين‬
‫واألخالق ‪ ،‬وجيب على املرأة وعلى أوليائها االمتناع من سفرها مع زوجها هلذه البالد ‪.‬‬
‫وما تعورف عليه يف هذا الزمان لدى كثري من املرتفني من الشباب وذوي الثروة من السفر صبيحة الزواج إىل البالد‬
‫اخلارجية الكافرة إلمضاء شهر العسل كما يسمونه ‪ ،‬وهو يف الواقع شهر السم ; ألنه شهر حمرم ‪ ،‬يؤدي إىل شرور‬
‫كثرية ; من خلع احلجاب ‪ ،‬والتزيي بزي الكفار ‪ ،‬ومشاهدة أفعال الكفار وتقاليدهم السخيفة ‪ ،‬وزيارة أمكنة اللهو‬
‫‪ ،‬حىت ترجع املرأة متأثرة بتلك األخالق الرذيلة ‪ ،‬زاهدة بأخالق جمتمعها املسلم ‪ ،‬فإن هذا السفر حرام شديد‬
‫التحرمي ‪ ،‬جيب األخذ على يد مرتكبيه ‪ ،‬ومنعهم منه ‪ ،‬وجيب على أولياء املرأة منعها من ذلك السفر ‪ ،‬وختليصها‬
‫من هذا الزوج املستهرت ; ألهنا أمانة يف أعناقهم ‪ ،‬ولو رضيت هي به ; فإهنا قاصرة النظر لنفسها ‪ ،‬وما جعل الويل‬
‫فيما عليها إال ملنعها من مثل ذلك ‪.‬‬

‫َو َيْس َأُلوَنَك َعِن اْلَم ِح يِض ُقْل ُه َو َأًذى‬ ‫* وحيرم على الزوج وطء زوجته حال حيضها لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َفاْعَتِز ُلوا الِّنَس اَء يِف اْلَم ِح يِض َو اَل َتْق َر ُبوُه َّن َح ىَّت َيْطُه ْر َن َفِإَذا َتَطَّه ْر َن َفْأُتوُه َّن ِم ْن َحْيُث َأَم َر ُك ُم الَّلُه ِإَّن الَّلَه ِحُي ُّب‬
‫ِب ِحُي‬
‫الَّتَّو ا َني َو ُّب اْلُم َتَطِّه ِر يَن‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪151‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* وللزوج إجبار زوجته على إزالة وسخ ‪ ،‬وأخذ ما تعافه النفس من شعر جيوز أخذه وظفر ‪ ،‬ومنعها من كل ما له‬
‫رائحة كريهة ألن ذلك ينفره عنها ‪.‬‬
‫* وجيربها على غسل جناسة وأداء واجب كالصلوات اخلمس ‪ ،‬فلو امتنعت عن أدائها ; ألزمها بذلك وأدهبا ‪ ،‬فإن‬
‫صلت ‪ ،‬وإال حرمت عليه اإلقامة معها ‪ ،‬وكذا عليه إجبارها على ترك احملرمات واجتناهبا ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َيا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ُقوا‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫الِّر َج اُل َقَّو اُموَن َعَلى الِّنَس اِء َمِبا َفَّض الَّلُه َبْع َض ُه ْم َعَلى َبْع ٍض‬
‫َل‬
‫َأْنُف َس ُك ْم َو َأْه ِليُك ْم َناًر ا َو ُقوُدَه ا الَّناُس َو اِحْلَج اَر ُة َعَلْيَه ا َم اَل ِئَك ٌة ِغاَل ٌظ ِش َد اٌد اَل َيْعُصوَن الَّلَه َم ا َأَم َر ُه ْم َو َيْف َعُلوَن َم ا‬
‫وأثىن اهلل على نبيه إمساعيل عليه‬ ‫َو ْأُمْر َأْه َلَك ِبالَّصاَل ِة َو اْص َطْرِب َعَلْيَه ا‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫ُيْؤ َم ُر وَن‬
‫اْذُك يِف اْلِك اِب ِإ اِعي ِإَّن َك اَن اِد َق اْل ِد َك اَن واًل َنِبًّيا َك اَن ْأ َأ َل ِبالَّصاَل ِة‬ ‫السالم بقوله ‪:‬‬
‫َو َي ُمُر ْه ُه‬ ‫َو ْع َو َرُس‬ ‫َص‬ ‫َت َمْس َل ُه‬ ‫َو ْر‬
‫الَّز َك اِة‬
‫َو‬

‫فالزوج مسئول عن زوجته وهو مسرتعى عليها ‪ ،‬ومسئول عن رعيته ‪ .‬خصوصا وأهنا تريب أوالده ‪ ،‬وترأس‬
‫أسرته ‪ ،‬فإذا فسدت أخالقها ‪ ،‬واختل دينها ‪ ،‬أفسدت عليه أوالده وأهل بيته ‪.‬‬
‫فعلى املسلمني أن يتقوا اهلل يف نسائهم ‪ ،‬ويتفقدوا تصرفاهتن ‪ ،‬وقد قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫استوصوا بالنساء خريا‬
‫ويلزم الزوج أن يبيت عند زوجته إذا كانت حرة ليلة من أربع ليال إن طلبت منه ذلك ; ألن أكثر ما ميكن أن‬
‫جيمع معها من النساء ثالث مثال ‪ ،‬وألن كعب بن سوار قضى بذلك عند عمر بن اخلطاب واشتهر ومل ينكر ‪ ،‬هذا‬
‫رأي بعض الفقهاء هذا دليله وتعليله ‪ ،‬لكن يف هذا االستدالل والتعليل عند الشيخ تقي الدين نظر ; حيث يرى أن‬
‫التزوج بأربع ال يقتضي أنه إذا تزوج بواحدة فقط يكون حال االنفراد كحال االجتماع ‪ .‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫* ويلزم الزوج الوطء إذا قدر عليه كل ثلث سنة مرة إذا طلبت الزوجة ذلك ; ألن اهلل تعاىل قدر ذلك يف‬
‫أربعة أشهر يف حق املؤيل ; فكذلك يف حق غريه ‪ ،‬واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية وجوبه بقدر كفاية الزوجة ما مل‬
‫يضره أو يشغله عن طلب معيشة من غري تقدير مبدة ‪.‬‬

‫وإن سافر الزوج فوق نصف سنة ‪ ،‬وطلبت الزوجة قدومه لزمه ذلك ; إال يف سفر حج واجب أو غزو‬
‫واجب أو كان ال يقدر على القدوم ‪ ،‬فإن أىب القدوم من غري عذر مينعه ‪ ،‬وطلبت الزوجة التفريق بينهما ‪ ،‬فرق‬
‫بينهما احلاكم بعد مراسلته ; ألنه ترك حقا عليه تتضرر الزوجة برتكه ‪.‬‬
‫وقال الشيخ تقي الدين ‪ " :‬وحصول الضرر للزوجة برتك الوطء مقتض للفسخ بكل حال ‪ ،‬سواء كان بقصد من‬
‫الزوج أو بغري قصد ‪ ،‬ولو مع قدرته أو عجزه ; كالنفقة وأوىل " ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪152‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وحيرم على كل من الزوجني التحدث مبا جيري بينهما من أمور االستمتاع فقد روى مسلم أن النيب صلى اهلل‬
‫شر الناس منزلة عند اهلل يوم القيامة الرجل يفضي إىل املرأة وتفضي إليه ‪ ،‬فينشر سرها‬ ‫عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫فدل ذلك على حترمي إفشاء الزوجني ما جيري بينهما من أمور االستمتاع من قول أو فعل ‪.‬‬ ‫وتنشر سره‬
‫* وللزوج منع زوجته من اخلروج من منزله لغري حاجة ضرورية ; فال يرتكها تذهب حيث شاءت ‪ ،‬وحيرم عليها‬
‫اخلروج بال إذنه لغري ضرورة ‪ ،‬ويستحب للزوج أن يأذن هلا باخلروج لتمرض حمرمها كأخيها وعمها ملا يف ذلك من‬
‫صلة الرحم ‪.‬‬
‫* وليس له أن مينعها من زيارة أبويها هلا يف بيته ‪ ،‬إال إذا خاف منهما ضررا بإفسادها عليه بسبب زيارهتما هلا ; فله‬
‫منعهما حينئذ من زيارهتا ‪.‬‬
‫وله منعها من تأجري نفسها والتحاقها بالوظائف ; ألنه يقوم بكفايتها ‪ ،‬وألن ذلك يفوت عليه حقه عليها ‪ ،‬ويعطل‬
‫تربيتها ألوالدها ‪ ،‬ويعرضها للخطر اخللقي ‪ ،‬خصوصا يف هذا الزمان ‪ ،‬الذي قل فيه احلياء واالحتشام ‪ ،‬وكثر فيه‬
‫دعاة السوء واإلجرام ‪ ،‬وصارت النساء ختالط الرجال يف املكاتب وجماالت األعمال ‪ ،‬ورمبا حتصل اخللوة احملرمة ;‬
‫فاخلطر شديد ‪ ،‬واالبتعاد عنه واجب أكيد ‪.‬‬
‫* وله منعها من إرضاع ولدها من غريه إال لضرورة وال يلزم الزوجة طاعة أبويها إذا طلبا منها فراق زوجها وال‬
‫طاعتهما يف زيارهتا هلا إذا كان زوجها ال يرضى بذلك ‪ ،‬بل طاعة زوجها أحق ‪.‬‬
‫أن عمة حصني أتت النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ " :‬أذات زوج أنت‬ ‫وقد روى اإلمام أمحد وغريه‬
‫" ; قالت ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬انظري أين أنت منه ; فإمنا هو جنتك ونارك‬

‫* وجيب على الزوج إذا كان له أكثر من زوجة أن يساوي بينهن يف القسم بتوزيع الزمن بينهن ; لقوله‬
‫َفاَل ِمَتيُلوا ُك َّل اْل ِل َتَذ و ا َك اْل َّلَق ِة‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫اِش و َّن ِباْل وِف‬ ‫تعاىل ‪:‬‬
‫َم ْي َف ُر َه ُم َع‬ ‫َو َع ُر ُه َم ْع ُر‬
‫ومتييزه لبعضهن عن بعض ميل يدع األخرى كاملعلقة ‪ ،‬وعماد القسم الليل واملبيت ; ألن الليل يأوي فيه اإلنسان‬
‫إىل منزله ‪ ،‬ويسكن إىل أهله ‪ ،‬وينام على فراشه مع زوجته عادة ‪ ،‬ومن معاشه يف الليل كاحلارس وحنوه ; فإنه يقسم‬
‫بني نسائه يف النهار ‪ ،‬ويكون النهار يف حقه كالليل يف حق غريه ‪.‬‬
‫ويقسم للحائض والنفساء من زوجاته واملريضة ألن القصد السكن واألنس ‪ ،‬وذلك حيصل مببيته عندها ‪ ،‬ولو مل يطأ‬
‫‪ ،‬وليس له أن يقدم بعضهن على بعض يف بداية القسم ‪ ،‬إال بالقرعة ‪ ،‬أو برضاهن بذلك ‪ ،‬ألن البداءة هبا دون‬
‫غريها تفضيل هلا ‪ ،‬والتسوية بينهن واجبة ‪ ،‬وليس له أن يسافر بإحداهن إال بقرعة أو برضاهن ; ألنه صلى اهلل عليه‬
‫كان إذا أراد السفر ; أقرع بني نسائه ‪ ،‬فمن خرج سهمها ‪ ،‬خرج هبا معه‬ ‫وسلم ‪:‬‬

‫باب ما يسقط نفقة الزوجة وقسمها‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪153‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫* املرأة إذا سافرت بال إذن زوجها أو سافرت بإذنه حلاجتها اخلاصة هبا فإنه يسقط حقها عليه من قسم ونفقة‬
‫; ألهنا إن كان سفرها بغري إذنه ; فهي عاصية كالناشز ‪ ،‬وإن كان سفرها بإذنه حلاجتها اخلاصة ; فقد تعذر على‬
‫زوجها االستمتاع هبا لسبب من جهتها ‪.‬‬
‫* ومن ذلك أنه لو أرادها أن تسافر معه ‪ ،‬فأبت ذلك فال نفقة هلا ; ألهنا عاصية بذلك ‪.‬‬
‫* ومن ذلك أهنا إن امتنعت من املبيت معه يف فراشه سقط حقها عليه من النفقة والقسم أيضا ; ألهنا بذلك تكون‬
‫عاصية كالناشز ‪.‬‬
‫وحيرم على الزوج أن يدخل على زوجة من زوجاته يف ليلة ليست هلا إال لضرورة ‪ ،‬وكذا يف هنارها ; إال حلاجة ‪.‬‬

‫ومن وهبت قسمها لضرهتا بإذن الزوج أو وهبته للزوج فجعله لزوجة أخرى جاز ذلك ; ألن احلق يف ذلك‬
‫وهبت سودة رضي اهلل عنها قسمها لعائشة رضي اهلل عنها ‪ ،‬فكان النيب‬ ‫هلما ‪ ،‬وقد رضيا بتلك اهلبة ‪ ،‬وقد‬
‫وإذا رجعت الواهبة وطالبت بقسمها ; قسم هلا الزوج يف املستقبل ‪.‬‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم يقسم هلا يومني‬
‫وجيوز للزوجة أن تسامح زوجها عن حقها يف القسم والنفقة ليمسكها وتبقى يف عصمته ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِل‬ ‫ِه‬ ‫ِإ‬ ‫ِم ِل‬ ‫ِإِن‬
‫قالت‬ ‫َو اْم َر َأٌة َخ اَفْت ْن َبْع َه ا ُنُش وًز ا َأْو ْع َر اًض ا َفاَل ُج َناَح َعَلْي َم ا َأْن ُيْص َح ا َبْيَنُه َم ا ُصْلًح ا َو الُّصْلُح َخ ْيٌر‬
‫هي املرأة تكون عند الرجل ‪ ،‬ال يستكثر منها ‪ ،‬فرييد طالقها ‪ ،‬تقول ‪ :‬أمسكين‬ ‫عائشة رضي اهلل عنها ‪:‬‬
‫وسودة حني أسنت وخشيت أن يفارقها‬ ‫‪،‬‬ ‫وال تطلقين ‪ ،‬وأنت يف حل من النفقة علي والقسم‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قالت ‪ :‬يومي لعائشة رضي اهلل عنها‬

‫* ومن تزوج بكرا ومعه غريها ; أقام عندها سبعا مث دار على نسائه بعد السبع ‪ ،‬وال حيتسب عليها تلك‬
‫السبع ‪ ،‬وإن تزوج ثيبا ; أقام عندها ثالثة ‪ ،‬مث دار على نسائه ‪ ،‬وال حيتسب عليها تلك الثالث ; حلديث أيب قالبة‬
‫من السنة إذا تزوج البكر على الثيب ‪ ،‬أقام عندها سبعا وقسم ‪ ،‬وإذا تزوج الثيب‬ ‫عن أنس رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫قال أبو قالبة ‪ :‬لو شئت لقلت ‪ :‬إن أنسا رفعه إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬ ‫; أقام عندها ثالثا مث قسم‬
‫رواه الشيخان ‪.‬‬

‫* وإن أحبت الثيب أن يقيم عندها سبعا ‪ ،‬فعل ‪ ،‬وقضى مثلهن للبواقي من ضراهتا ‪ ،‬مث بعد ذلك يبتدئ‬
‫أم سلمة رضي اهلل عنها ‪ ،‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم ملا‬ ‫القسم عليهن ليلة ليلة ‪ ،‬وذلك حلديث‬
‫تزوجها ‪ ،‬أقام عندها ثالثة أيام ‪ ،‬وقال ‪ :‬إنه ليس بك هوان على أهلك ‪ ،‬فإن شئت ‪ ،‬سبعت لك ‪ ،‬وإن سبعت لك‬
‫رواه أمحد ومسلم وغريمها ‪.‬‬ ‫‪ ،‬سبعت لنسائي‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪154‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ومما يتعلق هبذا املوضوع مبحث النشوز ‪ ،‬وهو معصية الزوجة لزوجها فيما جيب عليها له مأخوذ من النشز ‪،‬‬
‫وهو ما ارتفع من األرض ‪ ،‬فكأهنا ارتفعت وتعالت عما فرض عليها من املعاشرة باملعروف ‪.‬‬
‫وحيرم على الزوجة فعل ذلك من غري مربر ‪ ،‬فإذا ظهر للزوج من زوجته شيء من عالمات النشوز كأن ال جتيبه إىل‬
‫االستمتاع ‪ ،‬أو تتثاقل إذا طلبها ‪ ،‬فإنه عند ذلك يعظها وخيوفها باهلل ويذكرها حبقه عليها وما عليها من اإلمث إذا‬
‫خالفته ‪ ،‬فإن أصرت على النشوز بعد الوعظ فإنه يهجرها يف املضجع بأن يرتك مضاجعتها وال يكلمها مدة ثالثة‬
‫الاَّل يِت‬
‫أيام ‪ ،‬فإن أصرت بعد اهلجر ; فإنه يضرهبا ضربا غري مربح ( أي ‪ :‬غري شديد ) ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َو‬
‫وإذا ادعى كل من الزوجني ظلم اآلخر له ‪،‬‬ ‫َخَتاُفوَن ُنُش وَز ُه َّن َفِعُظوُه َّن َو اْه ُج ُر وُه َّن يِف اْلَم َض اِج ِع َو اْض ِر ُبوُه َّن‬
‫وتعذر اإلصالح بينهما فإن احلاكم يبعث حكمني عدلني من أهلهما ‪ ،‬ألن األقارب أخرب بالعلل الباطنة وأقرب إىل‬
‫َو ِإْن ِخ ْف ُتْم ِش َق اَق َبْيِنِه َم ا َفاْبَعُثوا‬ ‫األمانة والنظر يف املصلحة ‪ ،‬وعليهما أن ينويا اإلصالح ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫واحلكمان‬ ‫َح َك ًم ا ِم ْن َأْه ِلِه َو َح َك ًم ا ِم ْن َأْه ِلَه ا ِإْن ُيِر يَد ا ِإْص اَل ًح ا ُيَو ِّفِق الَّلُه َبْيَنُه َم ا ِإَّن الَّلَه َك اَن َعِليًم ا َخ ِبًريا‬
‫يفعالن األصلح من مجع وتفريق بعوض أو بدون عوض ‪ ،‬وما انتهيا إليه ; عمل به ; حال لإلشكال ‪ .‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫كتاب الطالق‬

‫باب يف أحكام اخللع‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫اخللع فراق الزوج لزوجته بعوض بألفاظ خمصوصة ‪ ،‬مسي بذلك ألن املرأة ختلع نفسها من الزوج كما ختلع‬
‫ُه َّن ِلَباٌس َلُك ْم َو َأْنُتْم ِلَباٌس ُهَلَّن‬ ‫اللباس ; ألن كال من الزوجني لباس لآلخر ; قال تعاىل ‪:‬‬
‫فمن املعلوم أن الزواج ترابط بني الزوجني وتعاشر باملعروف ‪ ،‬ينتج عنه بناء أسرة وإنشاء جيل ; قال تعاىل ‪:‬‬
‫فإذا مل يتحقق هذا‬ ‫َو ِم ْن آَياِتِه َأْن َخ َلَق َلُك ْم ِم ْن َأْنُف ِس ُك ْم َأْز َو اًج ا ِلَتْس ُك ُنوا ِإَلْيَه ا َو َجَعَل َبْيَنُك ْم َم َو َّدًة َو َر َمْحًة‬
‫املعىن من الزواج ; حبيث مل توجد املودة من الطرفني ‪ ،‬أو مل توجد من الزوج وحده ; ساءت العشرة ‪ ،‬وتعسر‬
‫َفِإ اٌك َمِب وٍف َأ َت ِر ي ِبِإ اٍن‬ ‫العالج ; فإن الزوج مأمور بتسريح الزوجة بإحسان ; قال تعاىل ‪:‬‬
‫ْو ْس ٌح ْح َس‬ ‫ْم َس ْع ُر‬
‫وأما إذا وجدت‬ ‫َو ِإْن َيَتَفَّرَقا ُيْغِن الَّلُه ُك اًّل ِم ْن َسَعِتِه َو َك اَن الَّلُه َو اِس ًعا َح ِكيًم ا‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬
‫احملبة من جانب الزوج ‪ ،‬ومل توجد من جانب الزوجة ; بأن كرهت خلق زوجها ‪ ،‬أو كرهت خلقه ‪ ،‬أو كرهت‬
‫نقص دينه ‪ ،‬أو خافت إمثا برتك حقه ; فإنه يف هذه احلالة يباح هلا أن تطلب فراقه على عوض تبذله له تفتدي به‬
‫ِبِه‬ ‫ِف‬ ‫ِه‬ ‫ِق‬ ‫ِخ‬
‫أي ‪ :‬إذا علم‬ ‫َفِإْن ْف ُتْم َأاَّل ُي يَم ا ُح ُد وَد الَّل َفاَل ُج َناَح َعَلْيِه َم ا يَم ا اْفَتَدْت‬ ‫نفسها ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫الزوج أو الزوجة أهنما إذا بقيا على الزوجية ال يؤدي كل واحد منما الواجب عليه حنو اآلخر ‪ ،‬فيحصل من جراء‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪155‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ذلك أن يعتدي الزوج على زوجته ‪ ،‬أو ختاف املرأة أن تعصي زوجها ; فال حرج على الزوجة أن تفتدي نفسها من‬
‫الزوج بعوض ‪ ،‬وال حرج على الزوج يف أخذ ذلك العوض ‪ ،‬وخيلي سبيلها ‪.‬‬
‫وحكمة ذلك أن الزوجة تتخلص من زوجها على وجه ال رجعة فيه ‪ ،‬ففيه حل عادل لالثنني ‪ ،‬ويسن للزوج أن‬
‫جييبها حينئذ ‪ ،‬وإن كان الزوج حيبها ; استحب هلا أن تصرب وال تفتدي منه ‪.‬‬
‫واخللع مباح إذا توفر سببه الذي أشارت إليه اآلية الكرمية ‪ ،‬وهو خوف الزوجني إذا بقيا على النكاح أن ال يقيما‬
‫حدود اهلل ‪ ،‬وإذا مل يكن هناك حاجة للخلع ; فإنه يكره ‪ ،‬وعند بعض العلماء أنه حيرم يف هذه احلال ; لقوله صلى‬
‫رواه‬ ‫أميا امرأة سألت زوجها الطالق من غري ما بأس ; فحرام عليها رائحة اجلنة‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫اخلمسة إال النسائي ‪.‬‬
‫اخللع الذي جاءت به السنة أن تكون املرأة مبغضة للرجل ‪ ،‬فتفتدي نفسها منه‬ ‫قال الشيخ تقي الدين ‪:‬‬
‫كاألسري‬
‫وإن كان الزوج ال حيبها ‪ ،‬ولكنه ميسكها لغرض أن متل وتفتدي منه ; فإنه يكون بذلك ظاملا هلا ‪ ،‬وحيرم عليه أخذ‬
‫أي ‪ :‬ال‬ ‫َو اَل َتْع ُضُلوُه َّن ِلَتْذ َه ُبوا ِبَبْع ِض َم ا آَتْيُتُم وُه َّن‬ ‫العوض منها ‪ ،‬وال يصح اخللع ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫تضاروهن يف العشرة لترتك بعض ما أصدقت أو كله أو ترتك حقا من حقوقها اليت هلا على زوجها ; إال إذا كان‬
‫عضله هلا يف تلك احلال لكوهنا غري عفيفة من الزنا ‪ ،‬ففعل ذلك ليسرتجع منها الصداق الذي أعطاها ‪ ،‬جاز له ذلك‬
‫هذا يف الرجل‬ ‫ِإاَّل َأْن ْأِت ِبَف اِح َش ٍة ِّيَنٍة‬
‫قال ابن عباس يف معىن اآلية ‪:‬‬ ‫; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ُمَب‬ ‫َي َني‬
‫تكون له املرأة ‪ ،‬وهو كاره لصحبتها ‪ ،‬وال علمه مهر ‪ ،‬فيضرها لتفتدي به ‪ ،‬فنهى تعاىل عن ذلك ‪ ،‬مث قال ‪:‬‬
‫يعين ‪ :‬الزنا ; فله أن يسرتجع منها الصداق الذي أعطاها ‪ ،‬ويضاجرها حىت ترتكه‬ ‫ِإاَّل َأْن ْأِت ِبَف اِح َش ٍة ِّيَنٍة‬
‫ُمَب‬ ‫َي َني‬
‫له ‪ ،‬وخيالعها‬

‫والدليل على جواز املخالعة عند حصول السبب املسوغ هلا الكتاب والسنة واإلمجاع ‪.‬‬
‫ِه‬ ‫ِق‬ ‫ِإ ِخ‬
‫َف ْن ْف ُتْم َأاَّل ُي يَم ا ُح ُد وَد الَّل َفاَل ُج َناَح‬ ‫‪ -‬أما الكتاب ; فاآلية اليت أسلفنا تالوهتا ‪ ،‬وهي قوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِبِه‬ ‫ِف‬
‫َعَلْيِه َم ا يَم ا اْفَتَدْت‬
‫أن امرأة ثابت بن قيس رضي اهلل عنه قالت ‪ :‬يا رسول اهلل ! ما أعيب عليه‬ ‫‪ -‬وأما السنة ; ففي الصحيح‬
‫( أي ‪ :‬كفران العشري املنهي عنه والتقصري فيما جيب له‬ ‫من دين وال خلق ‪ ،‬ولكن أكره الكفر يف اإلسالم‬
‫أتردين عليه حديقته ؟ ‪ .‬قالت ‪ :‬نعم ‪.‬‬ ‫بسبب شدة البغض له ) ‪ .‬فقال هلا الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه البخاري ‪.‬‬ ‫فأمرها بردها ‪ ،‬وأمره بفراقها‬
‫‪ -‬وأما اإلمجاع ; فقد قال ابن عبد الرب ‪ " :‬ال نعلم أحدا خالف يف ذلك إال املزين ; فإنه زعم أن اآلية منسوخة‬
‫َو ِإْن َأَر ْد ُمُت اْس ِتْبَد اَل َز ْو ٍج َم َك اَن َز ْو ٍج َو آَتْيُتْم ِإْح َد اُه َّن ِقْنَطاًر ا َفاَل َتْأُخ ُذ وا ِم ْنُه َش ْيًئا‬ ‫بقوله تعاىل ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪156‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ويشرتط لصحة اخللع بذل عوض ممن يصح تربعه ‪ ،‬وأن يكون صادرا من زوج يصح طالقه ‪ ،‬وأن ال يعضلها‬
‫بغري حق حىت تبذله ‪ ،‬وأن يكون بلفظ اخللع ‪ ،‬أما إن كان بلفظ الطالق ‪ ،‬أو بلفظ كناية الطالق مع نيته ; فهو‬
‫طالق ‪ ،‬وال ميلك رجعتها ‪ ،‬لكن له أن يتزوجها بعقد جديد ‪ ،‬ولو مل تنكح زوجا غريه ‪ ،‬إذا مل يسبقه من عدد‬
‫الطالق ما يصري به ثالثا ‪ ،‬أما إن وقع بلفظ اخللع أو الفسخ أو الفداء ‪ ،‬ومل ينوه طالقا ; كان فسخا ‪ ،‬ال ينقص به‬
‫مث قال‬ ‫الَّطاَل ُق َّرَتاِن‬ ‫عدد الطالق ‪ ،‬ورد ذلك عن ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪ ،‬واحتج بقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َم‬
‫َفِإْن َطَّلَق َه ا َفاَل ِحَت ُّل َلُه ِم ْن َبْع ُد َح ىَّت‬ ‫ِبِه‬ ‫ِف‬
‫مث قال تعاىل ‪:‬‬ ‫َفاَل ُج َناَح َعَلْيِه َم ا يَم ا اْفَتَدْت‬ ‫تعاىل ‪:‬‬
‫فذكر تطليقتني ‪ ،‬مث ذكر اخللع ‪ ،‬مث ذكر تطليقة بعده ‪ ،‬فلو كان اخللع طالقا ; لكان رابعا‬ ‫ِك‬
‫َتْن َح َز ْو ًج ا َغْيَر ُه‬
‫‪ ،‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫باب يف أحكام الطالق‬

‫الطالق يف اللغة التخلية ‪ ،‬يقال ‪ :‬طلقت الناقة ‪ :‬إذا سرحت حيث شاءت ‪ .‬ومعناه شرعا ‪ :‬حل قيد النكاح‬
‫أو بعضه ‪.‬‬
‫وأما حكمه ; فهو خيتلف باختالف الظروف واألحوال ‪ ،‬تارة يكون مباحا ‪ ،‬وتارة يكون مكروها ‪ ،‬وتارة يكون‬
‫مستحبا ‪ ،‬وتارة يكون واجبا ‪ ،‬وتارة يكون حراما ‪ ،‬فتأيت عليه األحكام اخلمسة ‪.‬‬
‫‪ -‬فيكون مباحا إذا احتاج إليه الزوج ; لسوء خلق املرأة ‪ ،‬والتضرر هبا ‪ ،‬مع عدم حصول الغرض من الزواج مع‬
‫البقاء عليه ‪.‬‬
‫‪ -‬ويكره الطالق إذا كان لغري حاجة بأن كانت حال الزوجني مستقيمة ‪ ،‬وعند بعض األئمة حيرم يف هذه احلال ;‬
‫رواه أبو داود وابن ماجه ‪ ،‬ورجاله ثقات ‪ ،‬فسماه النيب‬ ‫أبغض احلالل إىل اهلل الطالق‬ ‫حلديث ‪:‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم يف هذا احلديث حالال ‪ ،‬مع كونه مبغوضا عند اهلل ‪ ،‬فدل على كراهته يف تلك احلال مع إباحته‬
‫‪ ،‬ووجه كراهته أن فيه إزالة للنكاح املشتمل على املصاحل املطلوبة شرعا ‪.‬‬
‫‪ -‬ويستحب الطالق يف حال احلاجة إليه حبيث يكون يف البقاء على الزوجية ضرر على الزوجة ; كما يف حال‬
‫الشقاق بينها وبني الزوج ‪ ،‬ويف حال كراهتها له ; فإن يف بقاء النكاح مع هذه احلال ضرر على الزوجة ‪ ،‬والنيب‬
‫ال ضرر وال ضرار‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫‪ -‬وجيب الطالق على الزوج إذا كانت الزوجة غري مستقيمة يف دينها ; كما إذا كانت ترتك الصالة أو تؤخرها عن‬
‫وقتها ‪ ،‬ومل يستطع تقوميها ‪ ،‬أو كانت غري نزيهة يف عرضها ; فيجب عليه طالقها يف تلك احلال على أصح‬
‫القولني ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬إذا كانت تزين ; مل يكن له أن ميسكها على تلك احلال ‪ ،‬وإال ; كان ديوثا‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪157‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫"‪.‬‬
‫وكذا إذا كان الزوج غري مستقيم يف دينه ; وجب على الزوجة طلب الطالق منه ‪ ،‬أو مفارقته خبلع وفدية ‪ ،‬وال‬
‫تبقى معه وهو مضيع لدينه ‪.‬‬
‫وكذا جيب على الزوج الطالق إذا آىل من زوجته ; بأن حلف على ترك وطئها ‪ ،‬ومضت عليه أربعة أشهر ‪ ،‬وأىب‬
‫أن يطأها ويكفر عن ميينه ‪ ،‬بل استمر على االمتناع عن وطئها ; فإنه حينئذ جيب عليه طالقها ‪ ،‬وجيرب عليه ; لقوله‬
‫ِلَّلِذيَن ُيْؤ ُلوَن ِم ْن ِنَس اِئِه ْم َتَر ُّبُص َأْر َبَعِة َأْش ُه ٍر َفِإْن َفاُءوا َفِإَّن الَّلَه َغُف وٌر َر ِح يٌم َو ِإْن َعَزُموا الَّطاَل َق َفِإَّن‬ ‫تعاىل ‪:‬‬
‫ِمَس ِل‬
‫الَّلَه يٌع َع يٌم‬
‫‪ -‬وحيرم الطالق على الزوج يف حال حيض الزوجة ونفاسا ويف طهر وطئها فيه ومل يتبني محلها ‪ ،‬وكذا إذا طلقا‬
‫ثالثا ‪ ،‬ويأيت بيان هذا إن شاء اهلل ‪.‬‬

‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫الَّطاَل ُق َّرَتاِن‬ ‫ودليل مشروعية الطالق الكتاب والسنة واإلمجاع ‪ - .‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫َم‬
‫َيا َأُّيَه ا الَّنُّيِب ِإَذا َطَّلْق ُتُم الِّنَس اَء َفَطِّلُقوُه َّن ِلِعَّد ِهِتَّن‬
‫رواه ابن ماجه والدارقطين ‪،‬‬ ‫إمنا الطالق ملن أخذ بالساق‬ ‫‪ -‬وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫ولغريه من األحاديث ‪.‬‬
‫‪ -‬وقد حكى اإلمجاع على مشروعية الطالق غري واحد من أهل العلم ‪.‬‬
‫واحلكمة فيه ظاهرة ‪ ،‬وهو من حماسن هذا الدين اإلسالمي العظيم ; فإن فيه حال للمشكلة الزوجية عند احلاجة‬
‫َو ِإْن َيَتَفَّرَقا ُيْغِن الَّلُه ُك اًّل‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫َفِإ اٌك َمِب وٍف َأ َت ِر ي ِبِإ اٍن‬ ‫إليه ; قال تعاىل ‪:‬‬
‫ْو ْس ٌح ْح َس‬ ‫ْم َس ْع ُر‬
‫ِم ْن َسَعِتِه َو َك اَن الَّلُه َو اِس ًعا َح ِكيًم ا‬
‫فإذا مل يكن هناك مصلحة يف البقاء على الزوجية ‪ ،‬أو حصل الضرر على الزوجة يف البقاء مع الرجل ‪ ،‬أو كان‬
‫أحدمها فاسد األخالق غري مستقيم يف دينه ; ففي الطالق فرج وخمرج ‪.‬‬
‫وكم تعاين اجملتمعات اليت متنع الطالق من الويالت واملفاسد واالنتحارات وفساد األسر ; فاإلسالم العظيم أباح‬
‫الطالق ووضع له ضوابط حتقق هبا املصلحة وتندفع هبا املفسدة شأنه يف كل تشريعاته العظيمة املشتملة على املصاحل‬
‫العاجلة واآلجلة ‪ ،‬فاحلمد هلل على فضله وإحسانه ‪.‬‬

‫وأما من يصح منه إيقاع الطالق فهو الزوج املميز املختار الذي يعقله ‪ ،‬أو وكيله ; لقوله صلى اهلل عليه‬
‫إمنا الطالق ملن أخذ بالساق‬ ‫وسلم ‪:‬‬
‫‪ -‬وأما من زال عقله وهو معذور يف ذلك ; كاجملنون ‪ ،‬واملغمى عليه ‪ ،‬والنائم ‪ ،‬ومن أصابه مرض أزال شعوره ;‬
‫كالربسام ‪ ،‬ومن أكره على شرب مسكر ‪ ،‬أو أخذ بنجا وحنوه لتداو ; فكل هؤالء ال يقع طالقهم إذا تلفظوا به يف‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪158‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫كل الطالق جائز ; إال طالق‬ ‫حال زوال العقل بسبب من هذه األسباب ; لقول علي رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫ذكره البخاري يف " صحيحه " ‪ ،‬وألن العقل هو مناط األحكام ‪.‬‬ ‫املعتوه‬
‫‪ -‬وأما إن زال عقله بتعاطيه مسكرا ‪ ،‬وكان ذلك باختياره ‪ ،‬مث طلق يف هذه احلال ; ففي وقوع طالقه خالف بني‬
‫أهل العلم على قولني ‪ :‬أحدمها ‪ :‬أنه يقع ‪ ،‬وهو قول األئمة األربعة ومجع من أهل العلم ‪.‬‬
‫ال طالق وال عتاق‬ ‫‪ -‬وإن أكره على الطالق ظلما ‪ ،‬فطلق لرفع اإلكراه والظلم ; مل يقع طالقه ; حلديث ‪:‬‬
‫ِب ِه ِم‬
‫َمْن َك َف َر الَّل ْن‬ ‫رواه أمحد وأبو داود وابن ماجه ‪ ،‬واإلغالق ‪ :‬اإلكراه ‪ ،‬ولقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫يف إغالق‬
‫والكفر أعظم من الطالق ‪ ،‬وقد عفي عن املكره عليه ;‬ ‫ِد ِإَمياِنِه ِإاَّل ُأْك ِر ْل ْط ِئٌّن ِباِإْل َمياِن‬
‫َمْن َه َو َق ُبُه ُم َم‬ ‫َبْع‬
‫فالطالق من باب أوىل ‪ ،‬فإن كان اإلكراه على الطالق حبق كاملؤيل إذا أىب الفيئة ; وقع طالقه ‪.‬‬

‫‪ -‬ويقع الطالق من الغضبان الذي يتصور ما يقول ‪ ،‬أما الغضبان الذي أخذه الغضب ‪ ،‬فلم يدر ما يقول ;‬
‫فإنه ال يقع طالقه ‪.‬‬

‫‪ -‬ويقع الطالق من اهلازل ; ألنه قصد التكلم به ‪ ،‬وإن مل يقصد إيقاعه ‪ .‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫باب يف الطالق السين والطالق البدعي‬

‫الطالق السين هو الطالق الذي وقع على الوجه املشروع الذي شرعه اهلل ورسوله ‪ ،‬وذلك بأن يطلقا طلقة‬
‫واحدة يف طهر مل جيامعها فيه ويرتكها حىت تنقضي عدهتا ; فهذا طالق سين من جهة العدد ; حبيث إنه طلقها‬
‫واحدة مث تركها حىت انقضت عدهتا ‪ ،‬وسين من جهة الوقت ; حيث إنه طلقها يف طهر مل يصبها فيه ; لقوله‬
‫قال ابن مسعود رضي اهلل عنه يف معىن اآلية‬ ‫َيا َأُّيَه ا الَّنُّيِب ِإَذا َطَّلْق ُتُم الِّنَس اَء َفَطِّلُقوُه َّن ِلِعَّد ِهِتَّن‬ ‫تعاىل ‪:‬‬
‫لو أن الناس أخذوا مبا أمر اهلل به‬ ‫الكرمية ‪ " :‬يعين ‪ :‬طاهرات من غري مجاع " ‪ ،‬وقال علي رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫من الطالق ; ما أتبع رجل نفسه امرأة أبدا ; يطلقها تطليقة ‪ ،‬مث يدعها ما بينها وبني أن حتيض ثالثا ‪ ،‬فإن شاء ;‬
‫يعين ‪ :‬ما دامت يف العدة ‪ ،‬وذلك أن اهلل أعطى املطلق فرصة يتمكن فيها من مراجعة زوجته إذا‬ ‫راجعها‬
‫ندم على طالقها ‪ ،‬وهو مل يستغرق ما له من عدد الطالق ‪ ،‬وهي ال تزال يف العدة ‪ ،‬فإذا استنفد ما له من عدد‬
‫الطالق ; فقد أغلق عن نفسه باب الرجعة ‪.‬‬

‫والطالق البدعي هو الذي يوقعه صاحبه على الوجه احملرم ‪ ،‬وذلك بأن يطلقها ثالثا بلفظ واحد ‪ ،‬أو يطلقها‬
‫وهي حائض أو نفساء ‪ ،‬أو يطلقها يف طهر وطئها فيه ومل يتبني محلها ‪ ،‬والنوع األول يسمى بدعيا يف العدد ‪،‬‬
‫والنوع الثاين بدعي يف الوقت ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪159‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫يعين ‪:‬‬ ‫َفِإْن َطَّلَق َه ا‬ ‫‪ -‬والبدعي يف العدد حيرمها عليه حىت تنكح زوجا غريه ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِك‬ ‫ِحَت ِم‬
‫َفاَل ُّل َلُه ْن َبْع ُد َح ىَّت َتْن َح َز ْو ًج ا َغْيَر ُه‬ ‫الثالثة ;‬

‫أنه طلق‬ ‫‪ -‬والبدعي يف الوقت يستحب له أن يراجعها منه ; حلديث ابن عمر رضي اهلل عنهما ‪:‬‬
‫رواه اجلماعة ‪ ،‬وإذا راجعها ; وجب عليه‬ ‫امرأته وهي حائض ‪ ،‬فأمره النيب صلى اهلل عليه وسلم مبراجعتها‬
‫إمساكها حىت تطهر ‪ ،‬مث إن شاء طلقها ‪.‬‬

‫الَّطاَل ُق َّرَتاِن‬ ‫وحيرم على الزوج أن يطلق طالقا بدعيا ‪ ،‬سواء يف العدد أو الوقت ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َم‬
‫َيا َأُّيَه ا الَّنُّيِب ِإَذا َطَّلْق ُتُم الِّنَس اَء َفَطِّلُقوُه َّن ِلِعَّد ِهِتَّن‬ ‫ولقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫َفِإ اٌك َمِب وٍف َأ َت ِر ي ِبِإ اٍن‬
‫ْو ْس ٌح ْح َس‬ ‫ْم َس ْع ُر‬
‫أي ‪ :‬طاهرات من غري مجاع ‪ ،‬وملا بلغ النيب صلى اهلل عليه وسلم أن رجال طلق امرأته ثالثا ; قال ‪:‬‬
‫إذا أيت برجل طلق ثالثا ‪ ،‬أوجعه‬ ‫وكان عمر‬ ‫أيلعب بكتاب اهلل وأنا بني أظهركم ؟ !‬
‫وملا ذكر للنيب صلى اهلل عليه وسلم أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض ; تغيظ ‪ ،‬وأمره مبراجعتها ‪.‬‬ ‫ضربا‬
‫كل ذلك مما يدل على وجوب التقيد بأحكام الطالق عددا ووقتا ‪ ،‬وجتنب الطالق احملرم يف العدد أو الوقت ‪،‬‬
‫ولكن كثريا من الرجال ال يفقهون ذلك ‪ ،‬أو ال يهتمون به ‪ ،‬فيقعون يف احلرج والندامة ‪ ،‬ويلتمسون بعد ذلك‬
‫املخارج مما وقعوا فيه ‪ ،‬وحيرجون املفتني ‪ ،‬وكل ذلك من جراء التالعب بكتاب اهلل ‪.‬‬
‫وبعض الرجال جيعل الطالق سالحا يهدد به زوجته إذا أراد إلزامها بشيء أو منعها من شيء ‪ ،‬وبعضهم جيعله حمل‬
‫اليمني يف تعامله وحمادثته مع الناس ; فليتق اهلل هؤالء ‪ ،‬ويبعدوا عن ألسنتهم التفوه بالطالق ; إال عند احلاجة إليه ‪،‬‬
‫ويف وقته وعدده احملددين ‪.‬‬

‫وألفاظ الطالق تنقسم إىل قسمني ‪:‬‬

‫القسم األول ‪ :‬ألفاظ صرحية ‪ :‬وهي األلفاظ املوضوعة له ‪ ،‬اليت ال حتتمل غريه ‪ ،‬وهي لفظ الطالق وما تصرف‬
‫منه ; من فعل ماض ; ك ( طلقتك ) ‪ ،‬واسم فاعل ; ك ( أنت طالق ) ‪ ،‬واسم املفعول ‪ ،‬كأن يقول ‪ ( :‬أنت مطلقة‬
‫) ; دون املضارع واألمر ; مثل ‪ ( :‬تطلقني ) و ( اطلقي ) ‪ ،‬واسم الفاعل من الرباعي ; ك ( أنت مطلقة ) ; فال‬
‫يقع هبذه األلفاظ الثالثة طالق ; ألهنا ال تدل على اإليقاع ‪.‬‬

‫القسم الثاين ‪ :‬ألفاظ كنائية ‪ :‬وهي األلفاظ اليت حتتمل الطالق وغريه ‪ ،‬كأن يقول هلا ‪ :‬أنت خلية وبرية وبائن ‪،‬‬
‫وأنت حرة ‪ ،‬أو ‪ :‬اخرجي واحلقي بأهلك ‪ . . .‬وما أشبه ذلك‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪160‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫والفرق بني األلفاظ الصرحية وألفاظ الكناية يف الطالق أن الصرحية يقع هبا الطالق ‪ ،‬ولو مل ينوه ‪ ،‬سواء كان‬
‫ثالث جدهن جد وهزهلن جد ‪ :‬النكاح ‪ ،‬والطالق‬ ‫جادا أو هازال أو مازحا ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه اخلمسة إال النسائي ‪ .‬وأما الكناية ; فال يقع هبا طالق ; إال إذا نواه نية مقارنة للفظه ; ألن‬ ‫‪ ،‬والرجعة‬
‫هذه األلفاظ حتتمل الطالق وغريه من املعاين ; فال تتعني للطالق إال بنيته ‪ ،‬فإذا مل ينو هبا الطالق ; مل يقع ; إال يف‬
‫ثالث حاالت ‪:‬‬

‫األوىل ‪ :‬إذا تلفظ بالكناية يف حال خصومة بينه وبني زوجته ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬إذا تلفظ هبا يف حال غضب ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬إذا تلفظ هبا يف جواب سؤاهلا له الطالق ‪.‬‬

‫ففي هذه األحوال يقع بالكناية طالق ‪ ،‬ولو قال ‪ :‬مل أنوه ; ألن القرينة تدل على أنه نواه ; فال يصدق‬
‫بقوله ‪ :‬مل أنوه ‪ .‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫وجيوز للزوج أن يوكل من يطلق عنه سواء كان الوكيل أجنبيا أو كانت الزوجة ; فيجوز أن يوكلها فيه ‪،‬‬
‫وجيعل أمرها بيدها ‪ ،‬فيقوم الوكيل مقامه يف الصريح والكناية ولعدد ‪ ،‬ما مل حيدد له حدا فيه ‪.‬‬
‫وال يقع الطالق منه وال من وكيله إال بالتلفظ به فلو نواه بقلبه ; مل يقع ‪ ،‬حىت يتلفظ وحيرك لسانه به ; لقوله صلى‬
‫فال يقع الطالق‬ ‫إن اهلل جتاوز عن أميت ما حدثت به أنفسها ما مل تعمل أو تتكلم‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫إال بالتلفظ به ; إال يف حالتني ‪:‬‬

‫احلالة األوىل ‪ :‬إذا كتب صريح الطالق كتابة تقرأ ‪ ،‬ونواه ; وقع ‪ ،‬وإن مل ينوه ; فعلى قولني ‪ ،‬والذي عليه األكثر‬
‫أنه يقع ‪.‬‬

‫احلالة الثانية ‪ :‬اليت يقع فيها الطالق بدون تلفظ إشارة األخرس بالطالق إذا كانت مفهومة ‪.‬‬

‫وأما عدد الطالق فيعترب بالرجال حرية ورًّقا ال بالنساء ; ألن اهلل خاطب به الرجال خاصة ‪ ،‬كما قال تعاىل ‪:‬‬
‫َو ِإَذا َطَّلْق ُتُم الِّنَس اَء َفَبَلْغَن َأَج َلُه َّن‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫َيا َأُّيَه ا الَّنُّيِب ِإَذا َطَّلْق ُتُم الِّنَس اَء َفَطِّلُقوُه َّن ِلِعَّد ِهِتَّن‬
‫فيملك احلر ثالث تطليقات‬ ‫إمنا الطالق ملن أخذ بالساق‬ ‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪ ،‬وإن كان حتته أمة ‪ ،‬وميلك العبد تطليقتني ‪ ،‬وإن كان حتته حرة ; ففي حال حرية الزوجني ميلك الزوج ثالثا بال‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪161‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫خالف ‪ ،‬ويف حال رق الزوجني ميلك الزوج طلقتني بال خالف ‪ ،‬وإمنا اخلالف فيما إذا كان أحد الزوجني حرا‬
‫واآلخر رقيقا ‪ ،‬والصحيح أن االعتبار حبالة الزوج حرية ورقا كما سبق ; ألن الطالق حق للزوج ; فاعترب به ‪.‬‬

‫وجيوز االستثناء يف الطالق ويراد به إخراج بعض اجلملة بلفظ ( إال ) أو ما يقوم مقامها ‪ ،‬واالستثناء هنا إما‬
‫أن يكون من عدد الطلقات ; كأن يقول ‪ :‬أنت طالق ثالثا إال واحدة ‪ ،‬وإما أن يكون من عدد املطلقات ; كأن‬
‫يقول ‪ :‬نسائي طوالق إال فاطمة مثال ‪ ،‬وعلى كل يشرتط لصحته يف احلالتني أن يكون املستثىن مقدار نصف املستثىن‬
‫منه فأقل ‪ ،‬فإن كان املستثىن أكثر من نصف املستثىن منه ; كما لو قال ‪ :‬أنت طالق ثالثا إال اثنتني ; مل يصح ‪،‬‬
‫ويشرتط أيضا التلفظ باالستثناء إذا كان موضوعه الطلقات ‪ ،‬فلو قال ‪ :‬أنت طالق ثالثا ‪ ،‬ونوى ‪ :‬إال واحدة ;‬
‫وقعت الثالث ; ألن العدد نص فيما يتناوله ; فال يرتفع بالنية ; ألنه أقوى منها ‪ ،‬وجيوز االستثناء بالنية من النساء ‪،‬‬
‫فلو قال ‪ :‬نسائي طوالق ‪ ،‬ونوى ‪ :‬إال فالنة ; صح االستثناء ; فال تطلق من نوى استثناءها ‪ ،‬ألن لفظة ( نسائي )‬
‫تصلح للكل وللبعض ; فله ما نوى ‪.‬‬

‫وجيوز تعليق الطالق بالشروط ومعناه ‪ :‬ترتيبه على شيء حاصل أو غري حاصل ب ( إن ) أو إحدى‬
‫أخواهتا ; كأن يقول ‪ :‬إن دخلت الدار ; فأنت طالق ; فقد رتب وقوع الطالق على حصول الشرط ‪ ،‬وهو دخول‬
‫الدار ‪ ،‬وهذا هو التعليق ‪.‬‬
‫وال يصح التعليق إال من زوج ; فلو قال ‪ :‬إن تزوجت فالنة ; فهي طالق ‪ ،‬مث تزوجها ; مل يقع ; ألنه حني التعليق‬
‫ال نذر البن آدم فيما ال ميلك ‪ ،‬وال‬ ‫ليس زوجا هلا ; حلديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا ‪:‬‬
‫رواه أمحد وأبو داود والرتمذي وحسنه ‪ ،‬واهلل تعاىل يقول ‪:‬‬ ‫عتق فيما ال ميلك ‪ ،‬وال طالق فيما ال ميلك‬
‫فدلت اآلية واحلديث على أنه ال يقع الطالق‬ ‫َيا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِإَذا َنَك ْح ُتُم اْلُم ْؤ ِم َناِت َّمُث َطَّلْق ُتُم وُه َّن‬
‫على األجنبية وهذا باإلمجاع إذا كان منجزا ‪ ،‬وعلى قول اجلمهور إذا كان معلقا على تزوجها وحنوه ‪.‬‬

‫فإذا علق الطالق على شرط ; مل تطلق قبل وجوده ‪ ،‬وإذا حصل شك يف الطالق ‪ ،‬ويراد به الشك يف وجود‬
‫لفظه أو الشك يف عدده أو الشك يف حصول شرطه ‪:‬‬
‫‪ -‬فأما إن شك يف وجود الطالق منه فإن زوجته ال تطلق مبجرد ذلك ; ألن النكاح متيقن ; فال يزول بالشك ‪.‬‬
‫‪ -‬وإن شك يف حصول الشرط الذي علق عليه الطالق كأن يقول ‪ :‬إذا دخلت الدار ‪ ،‬فأنت طالق ‪ .‬مث يشك يف‬
‫أهنا دخلتها ; فإهنا ال تطلق مبجرد الشك ملا سبق ‪.‬‬
‫‪ -‬وإن تيقن وجود الطالق منه ‪ ،‬وشك يف عدده مل يلزمه إال واحدة ; ألهنا متيقنة ‪ ،‬وما زاد عليها مشكوك فيه ‪،‬‬
‫واليقني ال يزول بالشك ‪ ،‬وهذه قاعدة عامة نافعة يف كل األحكام ‪ ،‬وهي مأخوذة من قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫ومن قوله ملن كان على طهارة متيقنة وأشكل عليه حصول‬ ‫دع ما يريبك إىل ما ال يريبك‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪162‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وغريمها من األحاديث ‪.‬‬ ‫ال ينصرف حىت يسمع صوتا أو جيد رحيا‬ ‫الناقض ‪:‬‬
‫وهذا مما يدل على مساحة هذه الشريعة وكماهلا ; فاحلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬

‫باب يف الرجعة‬

‫الرجعة إعادة مطلقة غري بائن إىل ما كانت عليه بغري عقد ‪.‬‬

‫ودليلها ‪ :‬الكتاب ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬وإمجاع أهل العلم ‪.‬‬


‫وقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫َو ُبُعوَلُتُه َّن َأَح ُّق ِبَر ِّدِه َّن يِف َذِلَك ِإْن َأَر اُدوا ِإْص اَل ًح ا‬ ‫‪ -‬أما الكتاب ; ففي قوله تعاىل ‪:‬‬
‫َفِإَذا َبَلْغَن َأَج َلُه َّن‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫الَّطاَل ُق َّرَتاِن َفِإ اٌك َمِب وٍف َأ َت ِر ي ِبِإ اٍن‬
‫ْو ْس ٌح ْح َس‬ ‫ْم َس ْع ُر‬ ‫َم‬
‫َفَأ ِس ُك و َّن َمِب وٍف َأ َفاِر ُقو َّن َمِب وٍف‬
‫ُه ْع ُر‬ ‫ْو‬ ‫ْم ُه ْع ُر‬
‫وطلق النيب صلى‬ ‫مره فلرياجعها‬ ‫‪ -‬وأما السنة ; ففي قوله صلى اهلل عليه وسلم يف قضية ابن عمر ‪:‬‬
‫اهلل عليه وسلم حفصة مث راجعها ‪.‬‬
‫‪ -‬وأما اإلمجاع ; فقال ابن املنذر ‪ " :‬أمجع أهل العلم على أن احلر إذا طلق دون الثالث والعبد إن طلق دون اثنتني ;‬
‫أن هلما الرجعة يف العدة " ‪.‬‬

‫واحلكمة يف ذلك إعطاء الزوج الفرصة ليرتوى ويستدرك إذا ندم على الطالق وأراد استئناف العشرة مع‬
‫زوجته ‪ ،‬فيجد الباب مفتوحا أمامه ‪ ،‬وهذا من رمحة اهلل بعباده ‪.‬‬

‫وأما شروط صحة الرجعة فهي ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬أن يكون الطالق دون ما ميلك من العدد ; بأن طلق حر دون الثالث ‪ ،‬وعبد دون اثنتني ‪ ،‬فإن استوىف ما‬
‫ميلك من الطالق ; مل حتل له حىت تنكح زوجا غريه ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أن تكون املطلقة مدخوال هبا ‪ ،‬فإن طلقها قبل الدخول ‪ ،‬فليس له رجعة ; ألهنا ال عدة عليها ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ا َأُّي ا اَّلِذي آ ُنوا ِإَذا َنَك اْل ِم َناِت َّمُث َطَّلْق و َّن ِم ِل َأْن َمَتُّس و َّن َف ا َلُك َل ِه َّن ِم ِعَّد ٍة‬
‫ُه َم ْم َع ْي ْن‬ ‫ُتُم ُه ْن َقْب‬ ‫ْح ُتُم ُم ْؤ‬ ‫َي َه َن َم‬
‫َتْع َتُّدوَنَه ا‬

‫ثالثا ‪ :‬أن يكون الطالق بال عوض ‪ ،‬فإن كان على عوض ; مل حتل له إال بعقد جديد برضاها ; ألهنا مل تبذل‬
‫العوض إال لتفتدي نفسها منه ‪ ،‬وال حيصل مقصودها مع ثبوت الرجعة ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪163‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫رابعا ‪ :‬أن يكون النكاح صحيحا ‪ ،‬أما إن طلق يف نكاح فاسد ‪ ،‬فليس له رجعة ; ألهنا تبني بالطالق‪.‬‬

‫ِل‬ ‫ِه‬
‫أي ‪ :‬أوىل‬ ‫َو ُبُعوَلُتُه َّن َأَح ُّق ِبَر ِّد َّن يِف َذ َك‬ ‫خامسا ‪ :‬أن تكون الرجعة يف العدة ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫برجعتهن يف حالة العدة ‪.‬‬

‫سادسا ‪ :‬أن تكون الرجعة منجزة ; فال تصح معلقة ; كما لو قال ‪ :‬إذا حصل كذا ; فقد راجعتك ‪.‬‬

‫وهل يشرتط أن يقصد الزوجان بالرجعة اإلصالح ؟‬


‫ِإْن َأَر اُدوا ِإْص اَل ًح ا‬ ‫قال بعض العلماء ‪ :‬يشرتط ذلك ; ألن اهلل يقول ‪:‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ " :‬ال ميكن من الرجعة إال من أراد إصالحا وإمساكا مبعروف " ‪.‬‬
‫وقال البعض اآلخر ‪ :‬ال يشرتط ذلك ; ألن اآلية إمنا تدل على التحضيض على اإلصالح ‪ ،‬واملنع من اإلضرار ‪ ،‬ال‬
‫على اشرتاط ذلك ‪ ،‬والقول األول أظهر ‪ .‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫وحتصل الرجعة بلفظ ( راجعت امرأيت ) ‪ ،‬وحنو ذلك ; مثل ‪ :‬رددهتا ‪ ،‬أمسكتها ‪ ،‬أعدهتا ‪ . . .‬وما أشبه‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫وحتصل الرجعة أيضا بوطئها إذا نوى به الرجعة على الصحيح ‪.‬‬
‫َعْد ٍل‬
‫َو َأْش ِه ُد وا َذَو ْي‬ ‫وإذا راجعا ; فإنه يسن أن يشهد على ذلك ‪ ،‬وقيل ‪ :‬جيب اإلشهاد ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫وهو رواية عن اإلمام أمحد ‪ ،‬وقال الشيخ تقي الدين ‪ " :‬ال تصح الرجعة مع الكتمان حبال " ‪.‬‬ ‫ِم‬
‫ْنُك ْم‬

‫واملطلقة الرجعية زوجة ما دامت يف العدة ‪ ،‬هلا ما للزوجات من نفقة وكسوة ومسكن ‪ ،‬وعليها ما على‬
‫الزوجة من لزوم املسكن ‪ ،‬وتتزين له لعله يراجعها ‪ ،‬ويرث كل منهما صاحبه إذا مات يف العدة ‪ ،‬وله السفر‬
‫واخللوة هبا ‪ ،‬وله وطؤها ‪.‬‬

‫وينتهي وقت الرجعة بانتهاء العدة ‪ ،‬فإذا طهرت الرجعية من احليضة الثالثة ; مل حتل له ; إال بنكاح جديد‬
‫ِل‬ ‫ِه‬
‫أي ‪ :‬يف العدة ; فمفهوم‬ ‫َو ُبُعوَلُتُه َّن َأَح ُّق ِبَر ِّد َّن يِف َذ َك‬ ‫بويل وشاهدي عدل ; ملفهوم قوله تعاىل ‪:‬‬
‫اآلية أهنا إذا فرغت عدهتا ; مل تبح ; إال بعقد جديد بشرطه ‪ ،‬وإذا راجعها يف العدة رجعة صحيحة مستوفية‬
‫لشروطها ; مل ميلك من الطالق إال ما بقي من عدده ‪.‬‬

‫وإذا استوىف ما ميلك من الطالق ; حرمت عليه ; حىت يطأها زوج غريه بنكاح صحيح ; فيشرتط حللها‬
‫لألول ثالثة شروط ‪ :‬أن تنكع زوجا غريه ‪ ،‬وأن يكون النكاح صحيحا ‪ ،‬وأن يطأها الزوج الثاين يف الفرج ; لقوله‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪164‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫َفِإْن َطَّلَق َه ا َفاَل ِحَت ُّل َلُه ِم ْن َبْع ُد َح ىَّت َتْنِكَح َز ْو ًج ا َغْيَر ُه َفِإْن َطَّلَق َه ا َفاَل ُج َناَح َعَلْيِه َم ا َأْن َيَتَر اَجَعا ِإْن‬ ‫تعاىل ‪:‬‬
‫َظَّنا َأْن ِق ي ا ُد و الَّلِه‬
‫ُي َم ُح َد‬

‫قال العالمة ابن القيم ‪ " :‬وإباحتها له بعد زوج من أعظم النعم ‪ ،‬وكانت شريعة التوراة ما مل تتزوج ‪،‬‬
‫وشريعة اإلجنيل املنع من الطالق ألبتة ‪ ،‬وشريعتنا أكمل وأقوم مبصاحل العباد ‪ ،‬فأباح له أربعا ‪ ،‬وأن يتسرى مبا شاء ‪،‬‬
‫وملكه أن يفارقها ‪ ،‬فإن تاقت نفسه إليها ; وجد السبيل إىل ردها ‪ ،‬فإذا طلقها الثالثة ; مل يبق له عليها سبيل بردها‬
‫إال بعد نكاح ثان رغبة " انتهى ‪ .‬أي ‪ :‬ال بد أن يكون نكاح الثاين هلا نكاح رغبة فيها ‪ ،‬ال نكاح حيلة يقصد به‬
‫حتليها لألول ‪ ،‬وإال كان تيسا مستعارا ‪ ،‬كما مساه النيب ‪ ،‬ونكاحه باطل ‪ ،‬ال حتل به لألول ‪ .‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫باب يف أحكام اإليالء‬

‫اإليالء هو احللف ‪ ،‬مصدر إىل يؤيل إيالء ‪ ،‬واأللية اليمني ‪ ،‬يقال ‪ :‬آىل من امرأته إيالء ‪ :‬إذا حلف أن ال‬
‫جيامعها ‪،‬‬
‫ومن مث عرفه الفقهاء بأنه ‪ :‬حلف زوج ميكنه الوطء باهلل أو صفة من صفاته على ترك وطء زوجته يف قبلها أبدا أو‬
‫أكثر من أربعة أشهر ‪.‬‬
‫ومن هذا التعريف ميكننا أن نستخلص أن اإليالء ال يتم إال بتوفر شروط مخسة ‪:‬‬

‫األول ‪ :‬أن يكون من زوج ميكنه الوطء ‪.‬‬

‫الثاين ‪ :‬أن حيلف باهلل أو بصفة من صفاته ال بطالق أو عتق أو نذر ‪،‬‬

‫الثالث ‪ :‬أن حيلف على ترك الوطء يف القبل ‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬أن حيلف على ترك الوطء أكثر من أربعة أشهر ‪.‬‬

‫اخلامس ‪ :‬أن تكون الزوجة ممن ميكن وطؤها ‪.‬‬

‫فإذا توافرت هذه الشروط ; صار مؤليا ‪ ،‬يلزمه حكم اإليالء ‪ ،‬وإن اختل واحد منها ; مل يكن مؤليا ‪.‬‬
‫ِلَّلِذيَن ُيْؤ ُلوَن ِم ْن ِنَس اِئِه ْم َتَر ُّبُص َأْر َبَعِة َأْش ُه ٍر َفِإْن َفاُءوا َفِإَّن الَّلَه َغُف وٌر َر ِح يٌم َو ِإْن‬ ‫ودليل اإليالء قوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِمَس ِل‬ ‫ِإ‬
‫أي ‪ :‬لألزواج الذين حيلفون على ترك وطء زوجاهتم مهلة أربعة أشهر ‪،‬‬ ‫َعَزُموا الَّطاَل َق َف َّن الَّلَه يٌع َع يٌم‬
‫فإن وطئوا زوجاهتم وكفروا عن أمياهنم ; فإن اهلل يغفر هلم ما حصل منهم ‪ ،‬وإن مضت هذه املدة وهم مصرون‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪165‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫على ترك وطء زوجاهتم ; فإهنم يوقفون ويؤمرون بوطء زوجاهتم والتكفري عن أمياهنم ‪ ،‬فإن أبوا ; أمروا بالطالق‬
‫بعد مطالبة املرأة ‪.‬‬
‫وهذا إبطال ملا كانوا عليه يف اجلاهلية من إطالة مدة اإليالء ‪ ،‬ويف هذا التشريع احلكيم العادل إزالة للضرر عن املرأة‬
‫وإزاحة للظلم عنها ‪.‬‬

‫واإليالء حمرم يف اإلسالم ألنه ميني على ترك واجب وينعقد اإليالء من كل زوج يصح طالقه سواء كان‬
‫مسلما أو كافرا أو حرا أو عبدا ‪ ،‬وسواء كان بالغا أو مميزا ويطالب بعد البلوغ ‪ ،‬ومن الغضبان واملريض الذي‬
‫يرجى برؤه ; لعموم اآلية الكرمية ‪ ،‬وحىت من الزوجة اليت مل يدخل هبا ; لعموم اآلية ‪.‬‬

‫وال ينعقد اإليالء من زوج جمنون ومغمى عليه لعدم تصورمها ملا يقوالن ; فالقصد معدوم منهما ‪.‬‬
‫وال ينعقد اإليالء من زوج عاجز عن الوطء عجزا حسيا كاجملبوب واملشلول ; ألن االمتناع عن الوطء يف حقهما‬
‫ليس بسبب اليمني ‪.‬‬
‫فإذا قال لزوجته ‪ :‬واهلل ال أطؤك أبدا ‪ ،‬أو عني مدة تزيد على أربعة أشهر ‪ ،‬أو غياه بشيء ال يتوقع حصوله قبل‬
‫أربعة أشهر كنزول عيسى وخروج الدجال ; فهو مول يف كل هذه الصور ‪ ،‬وكذا لو غياه بفعل حمرما أو تركها‬
‫واجبا ; كقوله ‪ :‬واهلل ال أطؤك حىت ترتكي الصالة ‪ ،‬أو تشريب اخلمر ; فهو مول ; ألنه علقه مبمنوع شرعا أشبه‬
‫املمنوع حسا ‪.‬‬

‫ِلَّلِذيَن ُيْؤ ُلوَن ِم ْن ِن اِئِه ْم َت ُّبُص َأْر َبَعِة َأْش ُه ٍر‬ ‫ويف كل هذه األحوال تضرب مدة اإليالء ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َر‬ ‫َس‬
‫إذا مضى أربعة أشهر ممن حلف على مدة تزيد عليها ; فهو‬ ‫ويف الصحيح عن ابن عمر ; قال ‪:‬‬
‫وذكره البخاري عن بضعة عشر صحابيا ‪ ،‬وقال‬ ‫مول ‪ ،‬يوقف حىت يطلق ‪ ،‬وال يقع به الطالق حىت يطلق‬
‫أدركت بضعة عشر من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬كلهم يوقفون‬ ‫سليمان بن يسار ‪:‬‬
‫وهو مذهب مجاهري العلماء ; كما أنه ظاهر اآلية الكرمية ‪.‬‬ ‫املويل‬

‫فإذا مضى أربعة أشهر من ميينه ‪ -‬وال حتتسب منها أيام عذرها ‪ ، -‬فإذا مضت ‪:‬‬
‫‪ -‬فإن حصل منه وطء لزوجته ; فقد فاء ; ألن الفيئة هي اجلماع ‪ ،‬وقد أتى به ‪ ،‬قال ابن املنذر ‪ " :‬أمجع كل من‬
‫حنفظ عنه أن الفيء اجلماع " ‪ ،‬وأصل الفيء الرجوع إىل فعل ما تركه ‪ ،‬وبذلك حتصل املرأة على حقها منه ‪.‬‬
‫‪ -‬وأما إن أىب أن يطأ من آىل منها بعد مضي املدة املذكورة فإن احلاكم يأمره بالطالق إن طلبت املرأة ذلك منه ;‬
‫ِمَس ِل‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫أي ‪ :‬إن مل يفئ ‪ ،‬بل عزم وحقق إيقاع‬ ‫َو ْن َعَزُموا الَّطاَل َق َف َّن الَّلَه يٌع َع يٌم‬ ‫لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫الطالق ; وقع ‪ ،‬فإن أىب أن يفيء وأىب أن يطلق ; فإن احلاكم يطلق عليه أو يفسخ ; ألنه يقوم مقام املؤيل عند‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪166‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫امتناعه ‪ ،‬والطالق تدخله النيابة ‪.‬‬


‫وقد أحلق الفقهاء باملؤيل يف هذه األحكام من ترك وطء زوجته إضرارا هبا بال ميني أكثر من أربعة أشهر وهو غري‬
‫معذور وكذا أحلقوا باملؤيل من ظاهر من زوجته ومل يكفر واستمر على ذلك أكثر من أربعة أشهر ; ألن كال من‬
‫هذين تارك لوطء زوجته إضرارا هبا ‪ ،‬فأشبها املؤيل ‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم ‪.‬‬

‫قالوا ‪ :‬وإن انقضت مدة اإليالء ‪ ،‬وبأحد الزوجني عذر مينع اجلماع أمر الزوج أن يفيء بلسانه ‪ ،‬فيقول ‪:‬‬
‫مىت قدرت ; جامعتك ; ألن القصد بالفيئة ترك ما قصده من اإلضرار هبا ‪ ،‬واعتذاره يدل على ترك اإلضرار ‪ ،‬مث‬
‫مىت قدر ; وطئ أو طلق ; لزوال عجزه الذي أخر من أجله ‪.‬‬

‫باب يف أحكام الظهار‬

‫الظهار يراد به هنا أن يقول الرجل لزوجته إذا أراد االمتناع من االستمتاع هبا ‪ :‬أنت علي كظهر أمي ‪ ،‬أو‬
‫أخيت ‪ ،‬أو من حترم عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة ; فمىت شبه زوجته مبن حترم عليه أو ببعضها ; ظاهر منها ‪.‬‬
‫اَّلِذ يَن ُيَظاِه ُر وَن ِم ْنُك ْم ِم ْن ِنَس اِئِه ْم َم ا ُه َّن ُأَّم َه اِهِتْم ِإْن ُأَّم َه اُتُه ْم ِإاَّل الاَّل ِئي‬ ‫وحكمه أنه حمرم ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫أي ‪ :‬يقولون كالما فاحشا باطال ‪ ،‬ال يعرف يف الشرع ‪ ،‬بل‬ ‫َو َلْد َنُه ْم َو ِإَّنُه ْم َلَيُقوُلوَن ُمْنَك ًر ا ِم َن اْلَق ْو ِل َو ُز وًر ا‬
‫هو كذب حبت ‪ ،‬وحرام حمض ‪ ،‬وقول منكر ‪ ،‬وذلك ألن املظاهر حيرم على نفسه ما مل حيرمه اهلل عليه ‪ ،‬وجيعل‬
‫زوجته يف ذلك مثل أمه ‪ ،‬وهي ليست كذلك ‪.‬‬
‫وكان الظهار طالقا يف اجلاهلية ‪ ،‬فلما جاء اإلسالم ; أنكره ‪ ،‬واعتربه ميينا مكفرة ; فيحرم على املظاهر واملظاهر‬
‫َّلِذ‬
‫َو ا يَن‬ ‫منها استمتاع كل منهما باآلخر قبل أن يكفر الزوج يف ظهاره جبماع ودواعيه ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫اآليات ‪ ،‬وقال النيب صلى اهلل‬ ‫ُيَظاِه ُر وَن ِم ْن ِنَس اِئِه ْم َّمُث َيُعوُدوَن ِلَم ا َقاُلوا َفَتْح ِر يُر َر َقَبٍة ِم ْن َقْبِل َأْن َيَتَم اَّس ا‬
‫صححه الرتمذي ‪.‬‬ ‫ال تقرهبا حىت تفعل ما أمرك اهلل به‬ ‫عليه وسلم للمظاهر ‪:‬‬
‫َفَتْح ِر يُر َر َقَبٍة ِم ْن َقْبِل َأْن‬ ‫فيلزم املظاهر إذا عزم على وطء املظاهر منها أن خيرج الكفارة قبله ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫فدلت‬ ‫َيَتَم اَّس ا َذِلُك ْم ُتوَعُظوَن ِبِه َو الَّلُه َمِبا َتْع َم ُلوَن َخ ِبٌري َفَمْن ْمَل ِجَي ْد َفِص َياُم َش ْه َر ْيِن ُمَتَتاِبَعِنْي ِم ْن َقْبِل َأْن َيَتَم اَّس ا‬
‫اآليتان الكرميتان على وجوب كفارة الظهار بوطء املظاهر منها وأنه يلزم إخراجها قبل الوطء عند العزم عليه ‪ ،‬وأن‬
‫حترمي زوجته عليه باق حىت يكفر ‪ ،‬وهذا قول أكثر أهل العلم ‪.‬‬

‫وكفارة الظهار جتب على الرتتيب عتق رقبة ‪ ،‬فإن مل جيد الوقبة أو مل جيد مثنها ; صيام شهرين متتابعني ‪ ،‬فإن‬
‫َو اَّلِذ يَن ُيَظاِه ُر وَن ِم ْن ِنَس اِئِه ْم َّمُث َيُعوُدوَن‬ ‫مل يستطع الصيام ملرض وحنوه ; أطعم ستني مسكينا ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِلَم ا َقاُلوا َفَتْح ِر يُر َر َقَبٍة ِم ْن َقْبِل َأْن َيَتَم اَّس ا َذِلُك ْم ُتوَعُظوَن ِبِه َو الَّلُه َمِبا َتْع َم ُلوَن َخ ِبٌري َفَمْن ْمَل ِجَي ْد َفِص َياُم َش ْه َر ْيِن‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪167‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ُمَتَتاِبَعِنْي ِم ْن َقْبِل َأْن َيَتَم اَّس ا َفَمْن ْمَل َيْس َتِط ْع َفِإْطَعاُم ِس ِّتَني ِم ْس ِكيًنا‬
‫بأن يقول أحدهم المرأته ‪ :‬أنت علي كظهر أمي وحنوه ‪.‬‬ ‫ِه ِم ِن ِئِه‬
‫َّمُث‬ ‫ُيَظا ُر وَن ْن َس ا ْم‬ ‫ومعىن ‪:‬‬
‫َفَتْح ِر يُر َر َقَبٍة ِم ْن َقْبِل َأْن‬ ‫أي ‪ :‬يريدون أن جيامعوا زوجاهتم الاليت ظاهروا منهن ‪.‬‬ ‫َيُعوُدوَن ِلَم ا َقاُلوا‬
‫أي ‪ :‬جيب عليهم أن يكفروا قبل اجلماع بتحرير رقبة من الرق إذا كان ميلكها أو يقدر على شرائها‬ ‫َيَتَم اَّس ا‬
‫بثمن فاضل عن كفايته وكفاية من ميونه ‪.‬‬

‫َت ْؤ ِم ًنا َطًأ َت ِر ي ٍة‬ ‫ويشرتط يف الرقبة أن تكون مؤمنة ; لقوله تعاىل يف كفارة القتل ‪:‬‬
‫َو َمْن َق َل ُم َخ َف ْح ُر َر َقَب‬
‫فيقاس عليها كفارة الظهار ‪ ،‬ومحال للمطلق على املقيد ‪ ،‬ويشرتط يف الرقبة أيضا أن تكون سليمة من‬ ‫ْؤ ِم َنٍة‬
‫ُم‬
‫العيوب اليت تضر بالعمل ضررا بينا ; ألن املقصود بالعتق متليك الرقيق منافعه ‪ ،‬ومتكينه من التصرف لنفسه ‪ ،‬وال‬
‫حيصل هذا مع ما يضر بالعمل ضررا بينا ; كالعمى وشلل اليد أو الرجل وحنو ذلك ‪.‬‬
‫ويشرتط لصحة التكفري بالصوم ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬أن ال يقدر على العتق ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أن يصوم شهرين متتابعني ‪ ،‬بأن ال يفصل بني أيام الصيام وبني الشهرين إال بصوم واجب ; كصوم رمضان ‪،‬‬
‫أو إفطار واجب ; كاإلفطار للعيد وأيام التشريق ‪ ،‬أو اإلفطار لعذر يبيحه ; كالسفر واملرض ; فاإلفطار يف هذه‬
‫األحوال ال يقطع التتابع ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬أن ينوي الصيام من الليل عن الكفارة ‪.‬‬

‫وإن كفر باإلطعام ; اشرتط لصحة ذلك ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬أن ال يقدر على الصيام ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬أن يكون املسكني املطعم مسلما حرا جيوز دفع الزكاة إليه ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬أن يكون مقدار ما يدفع لكل مسكني ال ينقص عن مد من الرب ونصف صاع من غريه ‪.‬‬

‫إمنا األعمال بالنيات ‪ ،‬وإمنا لكل امرئ‬ ‫ويشرتط لصحة التكفري عموما النية ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫ما نوى‬
‫والدليل من السنة املطهرة مع دليل القرآن على كفارة الظهار وترتيبها على هذا النمط ما روت خولة بنت مالك بن‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪168‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ظاهر مين أوس بن الصامت ‪ ،‬فجئت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أشكو‬ ‫ثعلبة رضي اهلل عنها ; قالت ‪:‬‬
‫إليه ‪ ،‬ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم جيادلين فيه ويقول ‪ :‬اتقي اهلل ; فإنه ابن عمك ‪ .‬فما برح حىت نزل القرآن ‪:‬‬
‫فقال ‪ :‬يعتق رقبة ‪ .‬فقالت ‪ :‬ال جيد ‪ .‬فقال ‪ :‬فيصوم‬ ‫َقْد ِمَس َع الَّلُه َقْو َل اَّليِت َجُتاِدُلَك يِف َز ْو ِج َه ا‬
‫شهرين متتابعني ‪ .‬قالت ‪ :‬يا رسول اهلل ! إنه شيخ كبري ; ما به من صيام ‪ .‬قال ‪ :‬فليطعم ستني مسكينا ‪ .‬قالت ‪:‬‬
‫ما عنده من شيء يتصدق به ‪ .‬قال ‪ :‬فإين سأعينه بعرق من متر ‪ .‬قالت ‪ :‬يا رسول اهلل ! فإين سأعينه بعرق آخر ‪.‬‬
‫والعرق ستون صاعا ‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬قد أحسنت ‪ ،‬اذهيب فأطعمي هبا عنه ستني مسكينا وارجعي إىل ابن عمك‬
‫رواه أبو داود ‪.‬‬
‫هذا ديننا العظيم ‪ ،‬فيه حل لكل مشكلة ‪ ،‬ومن ذلك املشاكل الزوجية ; فها هو حيل مشكلة الظهار ‪ ،‬وهي مشكلة‬
‫كانت مستعصية يف أيام اجلاهلية ‪ ،‬حبيث مل جيدوا هلا حال إال الفراق بني الزوجني وتشتيت األسرة ; فما أعظمه من‬
‫دين !‬
‫مث جنده يف إجياب الكفارة راعى ظروف الزوج ‪ ،‬وشرع لكل حالة ما يناسبها مما يستطيع الزوج فعله ; من عتق ‪،‬‬
‫إىل صيام ‪ ،‬إىل إطعام ; فلله احلمد ‪.‬‬

‫باب يف أحكام اللعان‬

‫إن اهلل سبحانه حرم القذف ( وهو رمي الربيء بفعل الفاحشة ) ‪ ،‬وتوعد عليه بأشد الوعيد ‪ ،‬فقال تعاىل ‪:‬‬
‫ِإَّن اَّلِذ يَن َيْر ُموَن اْلُم ْحَص َناِت اْلَغاِفاَل ِت اْلُم ْؤ ِم َناِت ُلِعُنوا يِف الُّد ْنَيا َو اآْل ِخ َر ِة َو ُهَلْم َعَذ اٌب َعِظ يٌم َيْو َم َتْش َه ُد‬
‫ِد‬ ‫ِئٍذ‬ ‫ِد‬ ‫ِس‬
‫َعَلْيِه ْم َأْل َنُتُه ْم َو َأْي يِه ْم َو َأْر ُج ُلُه ْم َمِبا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن َيْو َم ُيَو ِّفيِه ُم الَّلُه يَنُه ُم اَحْلَّق َو َيْع َلُم وَن َأَّن الَّلَه ُه َو اَحْلُّق اْلُم ِبُني‬

‫وأوجب جلد القاذف إذا مل يستطع إقامة البينة بأربعة شهود يشهدون بصحة ما قال مثانني جلدة ‪ ،‬وأن يعترب فاسقا‬
‫ِب ِة‬ ‫ِت‬ ‫َّلِذ‬
‫َو ا يَن َيْر ُموَن اْلُم ْحَص َنا َّمُث ْمَل َيْأُتوا َأْر َبَع ُش َه َد اَء‬ ‫ال تقبل شهادته ; إال إن تاب وأصلح ; قال تعاىل ‪:‬‬
‫َفاْج ِلُد وُه ْم َمَثاِنَني َج ْلَد ًة َو اَل َتْق َبُلوا ُهَلْم َش َه اَدًة َأَبًد ا َو ُأوَلِئَك ُه ُم اْلَف اِس ُقوَن ِإاَّل اَّلِذيَن َتاُبوا ِم ْن َبْع ِد َذِلَك َو َأْص َلُح وا َفِإَّن‬
‫ِح‬
‫الَّلَه َغُف وٌر َر يٌم‬
‫هذا إذا قذف غري زوجته ; فإنه تتخذ معه هذه اإلجراءات الصارمة ‪ ،‬أما إذا قذف زوجته بالزىن ; فله حل آخر ‪،‬‬
‫وذلك بأن يعتاض عن هذه اإلجراءات مبا يسمى باللعان ‪ ،‬وهو شهادات مؤكدات بأميان من اجلانبني ‪ ،‬مقرونة بلعنة‬
‫وغضب ; كما يأيت بيانه ‪.‬‬
‫فإذا قذف رجل امرأته بالزىن ‪ ،‬ومل يستطع إقامة البينة فله إسقاط حد القذف عنه باملالعنة ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِدِق‬ ‫ٍت ِه ِم‬ ‫ِدِه‬ ‫ِذ‬
‫َو اَّل يَن َيْر ُموَن َأْز َو اَجُه ْم َو ْمَل َيُك ْن ُهَلْم ُش َه َد اُء ِإاَّل َأْنُفُس ُه ْم َفَش َه اَدُة َأَح ْم َأْر َبُع َش َه اَد ا ِبالَّل ِإَّنُه َل َن الَّص ا َني‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪169‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ِذ‬ ‫ٍت ِه ِم‬ ‫ِذ‬ ‫ِم‬ ‫ِه ِه‬ ‫ِم‬


‫َو اَخْلا َس ُة َأَّن َلْع َنَة الَّل َعَلْي ِإْن َك اَن َن اْلَك ا ِبَني َو َيْد َر ُأ َعْنَه ا اْلَعَذ اَب َأْن َتْش َه َد َأْر َبَع َش َه اَد ا ِبالَّل ِإَّنُه َل َن اْلَك ا ِبَني‬
‫ِدِق‬ ‫ِم‬ ‫ِه‬ ‫ِم‬
‫َو اَخْلا َس َة َأَّن َغَض َب الَّل َعَلْيَه ا ِإْن َك اَن َن الَّص ا َني‬
‫فيقول الزوج أربع مرات ‪ :‬أشهد باهلل لقد زنت زوجيت هذه ‪ ،‬ويشري إليها إن كانت حاضرة ‪ ،‬ويسميها إن كانت‬
‫غائبة مبا تتميز به ‪ ،‬ويزيد يف الشهادة اخلامسة أن لعنة اهلل عليه إن كان من الكاذبني ‪ .‬مث تقول هي أربع مرات ‪:‬‬
‫أشهد باهلل لقد كذب فيما رماين به من الزنا ‪ ،‬مث تقول يف اخلامسة ‪ :‬وأن غضب اهلل عليها إن كان من الصادقني ‪.‬‬
‫وخصت بالغضب ألن املغضوب عليه هو الذي يعرف احلق وجيحده ‪.‬‬

‫ويشرتط لصحة اللعان أن يكون بني زوجني مكلفني ‪ ،‬وأن يقذفها بزىن ‪ ،‬وأن تكذبه يف ذلك ويستمر‬
‫تكذيبها له إىل انقضاء اللعان ‪ ،‬وأن يتم حبكم حاكم ‪.‬‬
‫فإذا مت اللعان على الصفة اليت ذكرنا مستوفيا لشروط صحته ; فإنه يرتتب عليه ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬سقوط حد القذف عن الزوج ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬ثبوت الفرقة بينهما وحترميها عليه حترميا مؤبدا ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬ينتفي عنه نسب ولدها إن نفاه يف اللعان ; بأن قال ‪ :‬ليس هذا الولد مين ‪.‬‬

‫وحيتاج الزوج إىل اللعان إذا رأى امرأته تزين ومل ميكنه إقامة البينة ‪ ،‬أو قامت عنده قرائن قوية على ممارستها‬
‫الزنا ‪ ،‬كما لو رأى رجال يعرف بالفجور يدخل عليها ‪.‬‬

‫واحلكمة يف مشروعية اللعان للزوج ألن العار يلحقه بزناها ‪ ،‬ويفسد فراشه ‪ ،‬ولئال يلحقه ولد غريه ‪ ،‬وهو ال‬
‫ميكنه إقامة البينة عليها يف الغالب ‪ ،‬وهي ال تقر جبرميتها ‪ ،‬وقوله غري مقبول عليها ‪ ،‬فلم يبق سوى حتالفهما بأغلظ‬
‫األميان ; فكان يف تشريع اللعان حال ملشكلته ‪ ،‬وإزالة للحرج عنه ‪.‬‬

‫وملا مل يكن له شاهد إال نفسه ; مكنت املرأة أن تعارض أميانه بأميان مكررة مثله تدرأ هبا احلد عنها ‪ ،‬وإن‬
‫نكل عن األميان ; وجب عليه حد القذف ‪ ،‬وإن نكلت هي بعد حلفه ; صارت أميانه مع نكوهلا بينة قوية ال‬
‫معارض هلا ‪.‬‬

‫قال العالمة ابن القيم ‪ " :‬وهو الذي يقوم عليه الدليل ‪ ،‬ومذهب مالك والشافعي وأمحد وغريهم احلكم‬
‫حبدها إذا نكلت ‪ ،‬وهو الصحيح ‪ ،‬ويدل عليه القرآن ‪ ،‬وجزم به الشيخ وغريه " انتهى ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪170‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫أنه ملا‬ ‫والدليل من السنة على مشروعية اللعان عند احلاجة إليه ما اتفق عليه الشيخان عن ابن عمر ;‬
‫سئل عن املتالعنني ‪ :‬أيفرق بينهما ؟ قال ‪ " :‬سبحان اهلل ! نعم ‪ ،‬إن أول من سئل عن ذلك فالن بن فالن ; قال ‪:‬‬
‫يا رسول اهلل ! أرأيت لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة ; كيف يصنع ؟ إن تكلم ; تكلم بأمر عظيم ‪ ،‬وإن سكت‬
‫; سكت على مثل ذلك " ‪ .‬قال ‪ " :‬فسكت النيب صلى اهلل عليه وسلم فلم جيبه ‪ ،‬وملا كان بعد ذلك ‪ ،‬أتاه فقال ‪:‬‬
‫ِذ‬
‫َو اَّل يَن َيْر ُموَن َأْز َو اَجُه ْم‬ ‫إن الذي سألتك عنه ابتليت به ‪ .‬فأنزل اهلل عز وجل هذه اآليات يف سورة النور ‪:‬‬
‫فتالهن عليه ‪ ،‬ووعظه ‪ ،‬وذكره ‪ ،‬وأخربه أن عذاب الدنيا أهون من عذاب اآلخرة ‪ ،‬فقال ‪ :‬ال والذي‬
‫بعثك باحلق نبيا ; ما كذبت عليها ‪ .‬مث دعاها ‪ ،‬ووعظها ‪ ،‬وأخربها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب اآلخرة ‪،‬‬
‫قالت ‪ :‬ال والذي بعثك باحلق نبيا ; إنه لكاذب ‪ .‬فبدأ بالرجل ‪ ،‬فشهد أربع شهادات باهلل إنه ملن الصادقني‬
‫واخلامسة أن لعنة اهلل إن كان من الكاذبني ‪ ،‬مث ثىن باملرأة ‪ ،‬فشهدت أربع شهادات باهلل إنه ملن الكاذبني واخلامسة‬
‫أن غضب اهلل عليها إن كان من الصادقني ‪ ،‬مث فرق بينهما‬

‫باب يف أحكام حلوق النسب‬

‫وعدم حلوقه‬

‫إذا ولدت زوجة إنسان أو أمته مولودا ميكن كونه منه ; فإنه يلحقه نسبه ‪ ،‬ويكون ولدا له ‪ ،‬وذلك كأن‬
‫الولد للفراش‬ ‫تلده على فراشه ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫وإمكان كونه منه يف حاالت ‪:‬‬

‫احلالة األوىل ‪ :‬أن تكون يف عصمة زوجها ‪ ،‬وتلده بعد نصف سنة منذ أمكن وطؤه إياها واجتماعه هبا ‪ ،‬سواء كان‬
‫حاضرا أو غائبا ‪ ،‬وذلك لتحقق إمكان كونه منه ‪ ،‬ومل يوجد ما ينايف ذلك ‪.‬‬

‫احلالة الثانية ‪ :‬أن ال تكون يف عصمة زوجها ‪ ،‬وتلده لدون أربع سنني منذ أباهنا ‪ ،‬فيلحقه نسب املولود ; ألن أكثر‬
‫مدة احلمل أربع سنني ‪ ،‬فإذا ولدته لدون هذا احلد ; أمكن كونه ممن طلقها ‪ ،‬فيلحق به ‪.‬‬
‫ويشرتط إلحلاق الولد بالزوج أو املطلق يف هاتني احلالتني ‪ :‬أن يكون كل منهما ممن يولد ملثله ; بأن يكون قد بلغ‬
‫مروا أوالدكم بالصالة لسبع ‪ ،‬واضربوهم عليها لعشر ‪،‬‬ ‫عشر سنني فأكثر ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فأمره صلى اهلل عليه وسلم بالتفريق بني األوالد يف هذا السن دليل على إمكان‬ ‫وفرقوا بينم يف املضاجع‬
‫الوطء ‪ ،‬وهو سبب الوالدة ‪ ،‬فدل على أن ابن عشر سنني ميكن إحلاق النسب به ‪ ،‬وإن مل حيكم ببلوغه يف هذا‬
‫السن ; ألن احلكم بالبلوغ ال يتم إال بتحقق عالماته ‪ ،‬وإنا اكتفينا بإمكان الوطء منه إلحلاق النسب به ; حفظا‬
‫لنسب املولود واحتياطا له ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪171‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫احلالة الثالثة ‪ :‬إذا طلق زوجته طالقا رجعيا ‪ ،‬فتلد بعد مضي أربع سنني منذ طلقها ‪ ،‬وقبل انقضاء عدهتا ; فإنه‬
‫يلحقه نسب الولد ‪ ،‬وكذا لو ولدت مطلقته الرجعية قبل مضي أربع سنني من انقضاء عدهتا ; فإنه يلحق نسب‬
‫مولودا ‪ ،‬ألن الرجعية يف حكم الزوجات ; فأشبه ما بعد الطالق ما قبله ‪.‬‬

‫ومن األمور اليت يلحق السيد هبا مولود أمته ‪ :‬أن يعرتف شخص بأنه قد وطئ أمته ‪ ،‬أو تقوم البينة عليه‬
‫بذلك ‪ ،‬مث تلد هذه األمة لستة أشهر فأكثر من هذا الوطء الذي ثبت باعرتافه أو بالبينة ; فإنه يلحقه نسب هذا‬
‫الولد للفراش‬ ‫املولود ; ألهنا بذلك صارت فراشا له ‪ ،‬فتدخل يف عموم قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬أن يعرتف السيد بوطء أمته ‪ ،‬مث يبيعها أو يعتقها بعد اعرتافه بذلك ‪ ،‬وتلد لدون ستة أشهر من البيع أو‬
‫العتق هلا ‪ ،‬ويعيش املولود ; فإنه يلحقه نسبه ; ألنه أقل مدة احلمل ستة أشهر ‪ ،‬فإذا ولدت دوهنا ‪ ،‬وعاش‬
‫مولودها ; فإنه بذلك يعلم أهنا محلت به قبل أن يبيعها ‪ ،‬وهي حينذاك فراش له ‪ ،‬وقد قال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫" الولد للفراش "‬

‫وينتفي كون الولد من الزوج يف حالتني‬

‫احلالة األوىل ‪ :‬إذا ولدته لدون ستة أشهر منذ زواجها وعاش ; ألن هذه املدة ال ميكن أن حتمل وتلد فيها ‪ ،‬فتكون‬
‫حينئذ حامال به قبل أن يتزوجا ‪.‬‬

‫احلالة الثانية ‪ :‬إذا طلقا طالقا بائنا ‪ ،‬مث تلد بعد مضي أكثر من أربع سنني من طالقه هلا ; فإنه ال يلحقه نسب ذلك‬
‫املولود ; ألننا نعلم أنا محلت بعد ذلك النكاح ‪.‬‬

‫وال يلحق السيد نسب ولد أمته إذا ادعى أنه قد استربأها بعد وطئه هلا ; ألنه باستربائه هلا تيقن براءة رمحها‬
‫منه ‪ ،‬فيكون هذا املولود من غريه ‪ ،‬والقول قوله يف حصول االسترباء ‪ ،‬ألنه أمر خفي ال ميكن االطالع عليه إال‬
‫بعسر ومشقة ‪ ،‬لكن ال يقبل قوله يف ذلك ; إال إذا حلف عليه ; ألنه بذلك ينكر حق الولد يف النسب ; فال بد من‬
‫ميينه يف ادعاء االسترباء ‪.‬‬
‫وإذا حصل إشكال يف مولود ; فإنه يقدم الفراش على الشبه ; كأن يدعي سيد ولد أمته ‪ ،‬ويدعيه واطئ بشبهة ;‬
‫الولد للفراش‬ ‫فهو للسيد ‪ ،‬عمال بقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫آِل ِئِه‬
‫اْدُعوُه ْم َبا ْم‬ ‫ويتبع الولد يف النسب أباه ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ويتبع يف الدين خري أبويه دينا ‪ ،‬فلو تزوج نصراين وثنية ‪ ،‬أو بالعكس ; فيكون الولد تابعا للنصراين منهما ‪.‬‬
‫ويتبع الولد يف احلرية والرق أمه ; إال مع شرط أو غرر ‪.‬‬
‫من هذا العرض السريع ألحكام حلوق النسب يف ندرك حرص اإلسالم على حفظ األنساب ; ملا يرتتب على ذلك‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪172‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫َيا َأُّيَه ا الَّنا ِإَّنا َخ َلْق َناُك ْم ِم ْن َذَك ٍر‬ ‫من الصاحل ; لصلة األرحام والتوارث والوالية وغري ذلك ; قال تعاىل ‪:‬‬
‫ُس‬
‫ِل ِب‬ ‫ِإ‬ ‫ِع ِه‬ ‫ِإ‬ ‫ِئ ِل‬
‫فليس املقصود من‬ ‫َو ُأْنَثى َو َجَعْلَناُك ْم ُش ُعوًبا َو َقَبا َل َتَعاَر ُفوا َّن َأْك َر َم ُك ْم ْنَد الَّل َأْتَق اُك ْم َّن الَّلَه َع يٌم َخ ٌري‬
‫معرفة األنساب هو التفاخر واحلمية اجلاهلية ‪ ،‬وإمنا املقصود به التعاون والتواصل والرتاحم ‪.‬‬
‫وفق اهلل اجلميع ملا حيبه ويرضاه ‪.‬‬

‫باب يف أحكام العدة‬

‫أحكام العدة‬
‫من آثار الطالق العدة ‪ ،‬ويراد هبا الرتبص احملدود شرعا ‪.‬‬
‫ودليلها الكتاب والسنة واإلمجاع ‪:‬‬
‫َّب ِبَأ ُف ِس ِه َّن َثاَل َثَة وٍء‬
‫وقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ُقُر‬ ‫َو اْلُم َطَّلَق اُت َيَتَر ْص َن ْن‬ ‫‪ -‬فأما الكتاب ; فقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َو الاَّل ِئي َيِئْسَن ِم َن اْلَم ِح يِض ِم ْن ِنَس اِئُك ْم ِإِن اْر َتْبُتْم َفِعَّد ُتُه َّن َثاَل َثُة َأْش ُه ٍر َو الاَّل ِئي ْمَل ِحَيْض َن َو ُأواَل ُت اَأْلَمْحاِل َأَج ُلُه َّن َأْن‬
‫َّلِذ‬
‫َو ا يَن‬ ‫هذا بالنسبة للمفارقة يف احلياة ‪ ،‬وأما بالنسبة للوفاة ; فقد قال اهلل تعاىل فيها ‪:‬‬ ‫َيَض ْع َن ْمَحَلُه َّن‬
‫ُيَتَو َّفْو َن ِم ْنُك ْم َو َيَذ ُر وَن َأْز َو اًج ا َيَتَر َّبْص َن ِبَأْنُفِس ِه َّن َأْر َبَعَة َأْش ُه ٍر َو َعْش ًر ا‬
‫أمرت بريرة أن تعتد بثالث حيض‬ ‫‪ -‬والدليل من السنة حديث عائشة رضي اهلل عنها ; قالت ‪:‬‬
‫رواه ابن ماجه ‪ ،‬ولغريه من األحاديث ‪.‬‬

‫وأما احلكمة يف مشروعية العدة فهي استرباء رحم املرأة من احلمل ; لئال حيصل اختالط األنساب ‪ ،‬وكذلك‬
‫إتاحة الفرصة للزوج املطلق لرياجع إذا ندم وكان الطالق رجعيا ‪ ،‬ومن احلكمة أيضا تعظيم عقد النكاح ‪ ،‬وأن له‬
‫حرمة ‪ ،‬وتعظيم حق الزوج املطلق ‪ ،‬وفيها أيضا صيانة حق احلمل فيما لو كانت املفارقة حامال ‪ .‬وباجلملة ; فالعدة‬
‫حرمي للنكاح السابق ‪.‬‬

‫وأما من تلزمها العدة فالعدة تلزم كل امرأة فارقت زوجها بطالق أو خلع أو فسخ أو مات عنها ; بشرط أن‬
‫يكون الزوج املفارق هلا قد خال هبا وهي مطاوعة مع علمه هبا وقدرته على وطئها ‪ ،‬سواء كانت الزوجة حرة أو‬
‫أمة ‪ ،‬وسواء كانت بالغة أو صغرية يوطأ مثلها ‪.‬‬
‫َّلِذ‬
‫َيا َأُّيَه ا ا يَن‬ ‫وأما من فارقها زوجها حيا بطالق أو غريه قبل الدخول هبا ; فال عدة عليها ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ومعىن ‪" :‬‬ ‫آَم ُنوا ِإَذا َنَك ْح ُتُم اْلُم ْؤ ِم َناِت َّمُث َطَّلْق ُتُم وُه َّن ِم ْن َقْبِل َأْن َمَتُّس وُه َّن َفَم ا َلُك ْم َعَلْيِه َّن ِم ْن ِعَّد ٍة َتْع َتُّدوَنَه ا‬
‫تعتدوهنا " أي ‪ :‬حتصوهنا باألقراء أو األشهر ‪ ،‬ومعىن ‪ " :‬متسوهن " أي ‪ :‬جتامعوهن ; فدلت اآلية الكرمية على أنه‬
‫ال عدة على من طلقت قبل الدخول هبا ‪ ،‬وال خالف يف ذلك بني أهل العلم ‪ ،‬وذكر املؤمنات هنا من باب التغليب‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪173‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫; ألنه ال فرق بني الزوجات املؤمنات والكتابيات يف هذا احلكم باتفاق أهل العلم ‪.‬‬
‫َّلِذ‬
‫َو ا يَن‬ ‫أما املفارقة بالوفاة ; فتعتد مطلقا ‪ ،‬سواء كانت الوفاة قبل الدخول أو بعده ; لعموم قوله تعاىل ‪:‬‬
‫ومل يرد ما خيصصها ‪.‬‬ ‫ُيَتَو َّفْو َن ِم ْنُك ْم َو َيَذ ُر وَن َأْز َو اًج ا َيَتَر َّبْص َن ِبَأْنُفِس ِه َّن َأْر َبَعَة َأْش ُه ٍر َو َعْش ًر ا‬

‫وأما أنواع املعتدات فهن على سبيل اإلمجال ست ‪ :‬احلامل ‪ ،‬واملتوىف عنها زوجها من غري محل منه ‪ ،‬واحلائل‬
‫اليت حتيض وقد فورقت يف احلياة ‪ ،‬واحلائل اليت ال حتيض لصغر أو إياس وهي مفارقة يف احلياة ‪ ،‬ومن ارتفع حيضها‬
‫ومل تدر ما رفعه ‪ ،‬وامرأة املفقود ‪ ،‬وهاك بيان ذلك على التفصيل ‪.‬‬
‫َو ُأواَل ُت اَأْلَمْحاِل َأَج ُلُه َّن‬ ‫فاحلامل تعتد بوضع احلمل ; سواء كانت مفارقة يف احلياة أو باملوت ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫فدلت اآلية الكرمية على أن عدة احلامل تنتهي بوضع محلها ‪ ،‬سواء كانت متوىف عنها أو‬ ‫َأْن َيَض ْع َن ْمَحَلُه َّن‬
‫مفارقة يف احلياة ‪ ،‬وذهب بعض السلف إىل أن احلامل املتوىف عنها تعتد بأبعد األجلني ‪ ،‬لكن حصل االتفاق بعد‬
‫ذلك على انقضاء عدهتا بوضع احلمل ‪.‬‬
‫‪ -‬لكن ليس كل محل تنقضي بوضعه العدة ‪ ،‬وإمنا املراد احلمل الذي قد تبني فيه خلق إنسان ‪ ،‬فأما لو ألقت مضغة‬
‫مل تتبني فيها اخللقة ; فإهنا ال تنقضي هبا العدة ‪.‬‬
‫‪ -‬وكذلك يشرتط النقضاء العدة بوضع احلمل أن يلحق هذا احلمل بالزوج املفارق ‪ ،‬فإن مل يلحق هذا احلمل‬
‫الزوج املفارق ; لكون هذا الزوج ال يولد ملثله لصغره أو ملانع خلقي ‪ ،‬أو تكون قد ولدته لدون ستة أشهر منذ عقد‬
‫عليها وأمكن اجتماعه هبا وعاش هذا املولود ; فإهنا ال تنقضي عدهتا به منه ; لعدم حلوقه به ‪.‬‬
‫مع قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫َو ْمَحُلُه َو ِفَص اُلُه َثاَل ُثوَن َش ْه ًر ا‬ ‫‪ -‬وأقل مدة احلمل ستة أشهر ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫فإذا أسقطنا مدة الرضاع ‪ -‬وهي حوالن ; أي ‪ :‬أربعة وعشرون‬ ‫اْل اِلَد اُت ُي ِض ْع َأْو اَل َدُه َّن َلِنْي َك اِم َلِنْي‬
‫َحْو‬ ‫ْر َن‬ ‫َو َو‬
‫شهرا ‪ -‬من ثالثني شهرا ; يبقى ستة أشهر ‪ ،‬وهي أقل مدة احلمل وما دوهنا مل يوجد من يعيش لدوهنا ‪.‬‬
‫وأما أكثر مدة احلمل فموضع خالف بني أهل العلم ‪ ،‬والراجح أنه يرجع فيه إىل الوجود ‪ ،‬قال املوفق ابن قدامة ‪" :‬‬
‫ما ال نص فيه ; يرجع فيه إىل الوجود ‪ ،‬وقد وجد خلمس سنني وأكثر " ‪.‬‬
‫وغالب مدة احلمل تسعة أشهر ; ألن غالب النساء يلدن فيها ; فاعترب ذلك ‪.‬‬
‫‪ -‬هذا وللحمل حرمة يف الشريعة اإلسالمية ; فال جيوز االعتداء عليه واإلضرار به ‪ ،‬وإذا سقط ميتا بعدما نفخت‬
‫فيه الروح بسبب اجلناية عليه ; وجبت فيه الدية والكفارة ‪ ،‬وإذا وجب على احلامل حد شرعي من جلد أو رجم ;‬
‫أخر تنفيذ احلد على أمه حىت تلد ‪ ،‬وال جيوز ألمه أن تسقطه بشرب دواء وحنوه ‪.‬‬
‫كل ذلك مما يدل على مشول هذه الشريعة ‪ ،‬وأهنا تراعي حىت األجنة يف البطون ‪ ،‬وجتعل هلم حرمة ; فاحلمد هلل رب‬
‫العاملني على هذه الشريعة الكاملة العادلة ‪ ،‬ونسأله أن يرزقنا التمسك هبا والعمل بأحكامها ; خملصني له الدين ولو‬
‫كره الكافرون ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪174‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫واملتوىف عنها إذا كانت غري حامل ; تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام ‪ ،‬سواء كانت وفاته قبل الدخول هبا أو‬
‫ِم‬ ‫ِذ‬
‫َو اَّل يَن ُيَتَو َّفْو َن ْنُك ْم‬ ‫بعده ‪ ،‬وسواء كانت الزوجة ممن يوطأ مثلها أم ال ‪ ،‬وذلك لعموم قوله تعاىل ‪:‬‬
‫َو َيَذ ُر وَن َأْز َو اًج ا َيَتَر َّبْص َن ِبَأْنُف ِس ِه َّن َأْر َبَعَة َأْش ُه ٍر َو َعْش ًر ا‬

‫قال العالمة ابن القيم ‪ " :‬عدة الوفاة واجبة باملوت ‪ ،‬دخل أو مل يدخل هبا ; لعموم القرآن والسنة واتفاق‬
‫الناس ‪ ،‬وليس املقصود من عدة الوفاة استرباء الرحم ‪ ،‬وال هي تعبد حمض ; ألنه ليس يف الشريعة حكم واحد ‪ ،‬إال‬
‫وله معىن وحكمة يعقله من عقله وخيفى على من خفي عليه " انتهى‬

‫وقال الوزير وغريه ‪ :‬اتفقوا على أن عدة املتوىف عنها زوجها ما مل تكن حامال أربعة أشهر وعشر ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬

‫‪ -‬واألمة املتوىف عنها تعتد نصف هذه املدة املذكورة ; فعدهتا شهران ومخسة أيام بلياليها ; ألن الصحابة‬
‫رضي اهلل عنهم أمجعوا على تنصيف عدة األمة يف الطالق ; فكذا عدة املوت ‪.‬‬

‫قال املوفق ابن قدامة ‪ " :‬يف قول عامة أهل العلم ‪ ،‬منهم ‪ :‬مالك ‪ ،‬والشافعي ‪ ،‬وأصحاب الرأي " ‪ ،‬وقال يف‬
‫" املبدع " ‪ " :‬أمجع الصحابة على أن عدة األمة على النصف من عدة احلرة " ‪ ،‬وإال ; فظاهر اآلية العموم ‪.‬‬

‫هذا ; ولعدة الوفاة أحكام ختتص هبا‬

‫‪ -‬فمن أحكامها أنه جيب أن تعتد املتوىف عنها يف املنزل الذي مات زوجها وهي فيه ; فال جيوز هلا أن تتحول‬
‫اعتدي يف‬ ‫ويف لفظ ‪:‬‬ ‫امكثي يف بيتك‬ ‫عنه ‪ ،‬إال لعذر ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه أهل السنن‪.‬‬ ‫حيث أتاك اخلرب‬ ‫ويف لفظ ‪:‬‬ ‫البيت الذي أتاك فيه نعي زوجك‬

‫‪ -‬فإن اضطرت إىل التحول إىل بيت غريه ‪ :‬فإن خافت على نفسها من البقاء فيه أو حولت عنه قهرا أو كان‬
‫البيت مستأجرا وحوهلا مالكه أو طلب أكثر من أجرته ; فإهنا يف هذه األحوال تنتقل حيث شاءت دفعا للضرر ‪.‬‬

‫‪ -‬وجيوز للمعتدة من وفاة اخلروج من البيت حلاجتها يف النهار ‪ ،‬ال يف الليل ; ألن الليل مظنة الفساد ‪،‬‬
‫حتدثن عند إحداكن ‪ ،‬حىت إذا أردتن النوم ; فلتأت كل‬ ‫ولقوله صلى اهلل عليه وسلم للمعتدات من الوفاة ‪:‬‬
‫واحدة إىل بيتها‬

‫‪ -‬ومن أحكام عدة املتوىف عنها وجوب اإلحداد على املعتدة مدة العدة واإلحداد ‪ :‬اجتناهبا ما يدعو إىل‬
‫مجاعها ويرغب يف النظر إليها ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪175‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫قال اإلمام العالمة ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬هذا من متام حماسن هذه الشريعة وحكمتها ورعايتها على أكمل‬
‫الوجوه ‪ ،‬فإن اإلحداد على امليت من تعظيم مصيبة املوت اليت كان أهل اجلاهلية يبالغون فيها أعظم مبالغة ‪ ،‬ومتكث‬
‫املرأة يف أضيق بيت وأوحشه ‪ ،‬ال متس طيبا ‪ ،‬وال تدهن ‪ ،‬وال تغتسل ‪ . . .‬إىل غري ذلك مما هو تسخط على الرب‬
‫وأقداره ‪ ،‬فأبطل اهلل حبكمه سنة اجلاهلية ‪ ،‬وأبدلنا به الصرب واحلمد ‪ .‬وملا كانت مصيبة املوت ال بد أن حتدث‬
‫للمصاب من اجلزع واألمل واحلزن ما تتقاضاه الطباع ; مسح هلا احلكيم اخلبري يف اليسري من ذلك ( يعين ‪ :‬لغري‬
‫الزوجة ‪ ،‬وهو ثالثة أيام ) ; جتد هبا نوع راحة ‪ ،‬وتقضي هبا وطرا من احلزن ‪ ،‬وما زاد ; فمفسدته راجحة ‪ ،‬فمنع‬
‫منه ‪ .‬واملقصود أنه أباح هلن اإلحداد على موتاهن ثالثة أيام ‪ ،‬وأما اإلحداد على الزوج ; فإنه تابع للعدة بالشهور ‪،‬‬
‫وأما احلامل ; فإذا انقضى محلها ; سقط وجوب اإلحداد ‪ ،‬وذكر أنه يستمر إىل حني الوضع ; فإنه من توابع العدة ‪،‬‬
‫وهلذا قيد مبدهتا ‪ ،‬وهو حكم من أحكام العدة ‪ ،‬وواجب من واجباهتا ‪ ،‬فكان معها وجودا وعدها إىل أن قال ‪" :‬‬
‫وهو من مقتضياهتا ومكمالهتا ‪ ،‬وهي إمنا حتتاج إىل التزين لتتحبب إىل زوجها ‪ ،‬فإذا مات وهي مل تصل إىل آخر ;‬
‫اقتضى متام حق األول وتأكيد املنع من الثاين قبل بلوغ الكتاب أجله ‪ :‬أن متنع مما تصنعه النساء ألزواجهن ; مع ما‬
‫يف ذلك من سد الذريعة إىل طمعها يف الرجال وطمعهم فيها بالزينة " انتهى كالمه رمحه اهلل ‪.‬‬

‫فيجب على املعتدة من الوفاة يف هذا اإلحداد أن جتتنب عمل الزينة يف بدهنا بالتحسني باألصباغ واخلضاب‬
‫وحنوه ‪ ،‬وتتجنب لبس احللي بأنواعه ‪ ،‬وتتجنب الطيب بسائر أنواعه ‪ ،‬وهو كل ما يسمى طيبا ‪ ،‬وجتتنب الزينة يف‬
‫الثياب ; فال تلبس الثياب اليت فيها زينة ‪ ،‬وتقتصر على الثياب اليت ال زينة فيها ; فتجتنب كل ذلك مدة العدة ‪.‬‬

‫‪ -‬وليس لإلحداد لباس خاص ‪ ،‬فتلبس احملدة ما جرت عادتا بلبسه ‪ ،‬ما مل يكن فيه زينة ‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا خرجت من العدة ; مل يلزمها أن تفعل شيئا أو تقول شيئا ; كما يظنه بعض العوام ‪.‬‬

‫َو الاَّل ِئي َيِئْسَن ِم َن اْلَم ِح يِض ِم ْن ِنَس اِئُك ْم ِإِن اْر َتْبُتْم َفِعَّد ُتُه َّن‬ ‫وعدة اآليسة ثالثة أشهر ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫َثاَل َثُة َأْش ُه ٍر‬

‫َو اْلُم َطَّلَق اُت َيَتَر َّبْص َن‬ ‫واملطلقة إذا كانت حتيض ‪ ،‬ومل يكن فيها محل ; تعتد بثالث حيض لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫أي ‪ :‬واملطلقات ينتظرن بأنفسهن‬ ‫ِبَأْنُف ِس ِه َّن َثاَل َثَة ُقُر وٍء َو اَل ِحَي ُّل ُهَلَّن َأْن َيْك ُتْمَن َم ا َخ َلَق الَّلُه يِف َأْر َح اِم ِه َّن‬
‫ومتكث إحداهن بعد طالق زوجها " ثالثة قروء " أي ‪ :‬ثالث حيض ‪ ،‬مث بعد ذلك تتزوج إن شاءت ‪ ،‬وتفسري‬
‫األقراء باحليض مروي عن عمر وعلي وابن عباس رضي اهلل عنهم ‪ ،‬وألنه ورد تفسري األقراء باحليض يف لسان‬
‫فإذا أتى قرؤك ; فال تصلي‬ ‫الشرع ; ففي احلديث أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال للمستحاضة ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪176‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫‪ -‬وال بد أن تكون احليض كاملة ; فال تعتد حبيضة طلقت فيها ; فالطالق يف احليض يقع مع التحرمي ‪ ،‬لكن‬
‫ال تعتد بتلك احليضة اليت طلقت فيها ‪.‬‬

‫وألن هذا قول‬ ‫قرء األمة حيضتان‬ ‫‪ -‬وإن كانت املطلقة أمة ; اعتدت حبيضتني ; ملا روي ‪:‬‬
‫عمر وابنه وعلي بن أيب طالب ‪ ،‬ومل يعرف هلم خمالف من الصحابة ‪ ،‬ويكون ذلك خمصصا لعموم قوله تعاىل ‪:‬‬
‫َّب ِبَأ ُف ِس ِه َّن َثاَل َثَة وٍء‬
‫وكان القياس أن تكون عدهتا حيضة ونصف حيضة ‪،‬‬ ‫ُقُر‬ ‫َو اْلُم َطَّلَق اُت َيَتَر ْص َن ْن‬
‫لكن احليض ال يتبعض ‪ ،‬فصارت حيضتني ‪.‬‬

‫وأما املطلقة اآليسة من احليض لكربها والصغرية اليت مل حتض بعد ; فإهنا تعتد بثالثة أشهر ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِئ ِحَي‬ ‫ِع‬ ‫ِئ ِئ ِم ِح ِم ِن ِئ ِإِن‬
‫أي ‪:‬‬ ‫َو الاَّل ي َي ْسَن َن اْلَم يِض ْن َس ا ُك ْم اْر َتْبُتْم َف َّد ُتُه َّن َثاَل َثُة َأْش ُه ٍر َو الاَّل ي ْمَل ْض َن‬
‫والالئي مل حيضن من نسائكم فعدهتن ثالثة أشهر ‪.‬‬
‫قال اإلمام موفق الدين ابن قدامة وغريه ‪ " :‬أمجع أهل العلم على أن عدة احلرة اآليسة والصغرية اليت مل حتض ثالثة‬
‫أشهر " ‪.‬‬

‫ِئ‬
‫َو الاَّل ي ْمَل‬ ‫ومن بلغت ومل حتض ; اعتدت عدة اآليسة ‪ ،‬ثالثة أشهر ‪ ،‬لدخوهلا يف عموم قوله تعاىل ‪:‬‬
‫‪ ،‬وإن كانت املطلقة اآليسة أو الصغرية أم ولد ; فعدهتا شهران ; لقول عمر رضي اهلل عنه ‪:‬‬ ‫ِحَي‬
‫ْض َن‬
‫وذلك ألن األشهر بدل من القروء ‪ ،‬وذهب‬ ‫عدة أم الولد حيضتان ‪ ،‬ولو مل حتض ; كانت عدهتا شهرين‬
‫بعض العلماء إىل أن عدهتا شهر ونصف ; ألن عدة األمة نصف عدة احلرة ‪ ،‬وعدة احلرة اليت ال حتيض ثالثة أشهر ‪،‬‬
‫فتكون عدة األمة األيسة شهرا ونصف شهر ‪.‬‬

‫وأما املطلقة اليت كانت حتيض ‪ ،‬مث ارتفع حيضها ‪ ،‬وانقطع انقطاعا طارئا ال لكرب فهذه هلا حالتان ‪:‬‬

‫احلالة األوىل ‪ :‬أن ال تعلم السبب الذي منع حيضها ; فهذه عدهتا سنة ‪ :‬تسعة أشهر للحمل ‪ ،‬وثالثة أشهر للعدة‬
‫( أي ‪ :‬عدة اآليسة ) ‪.‬‬
‫قال اإلمام الشافعي رمحه اهلل ‪ " :‬هذا قضاء عمر بني املهاجرين واألنصار ‪ ،‬ال ينكره منهم منكر علمناه ‪ ،‬وألن‬
‫الغرض من العدة هو العلم برباءة رمحها من احلمل ‪ ،‬فإذا مضت تسعة األشهر ; دلت على براءة رمحها منه ‪ ،‬فتعتد‬
‫حينئذ عدة اآليسة ثالثة أشهر ‪ ،‬فيكون اجملموع اثين عشر شهرا ‪ ،‬وهبا حيصل العلم برباءة رمحها من احلمل واحليض‬
‫"‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪177‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫احلالة الثانية ‪ :‬أن تعلم السبب الذي به ارتفع حيضها ; كاملرض والرضاع وتناول الدواء الذي يرفع احليض ; فهذه‬
‫تنتظر زوال ذلك املانع ‪ ،‬فإن عاد احليض بعد زواله ; اعتدت به ‪ ،‬وإن زال املانع ومل يعد احليض ; فالصحيح أهنا‬
‫تعتد سنة كاليت ارتفع حيضها ومل تدر سبب رفعه ‪ ،‬واختاره شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ،‬وهو رواية عن اإلمام أمحد ‪.‬‬

‫وأما املستحاضة ‪ ،‬فلها حاالت ‪:‬‬

‫احلالة األوىل ‪ :‬أن تكون تعرف قدر أيام عادهتا قبل االستحاضة ‪ ،‬وتعرف وقتها ; فهذه تنقضي عدهتا مبضي املدة‬
‫اليت حيصل هلا هبا مقدار ثالث حيض حسب أيام عادهتا ‪.‬‬

‫احلالة الثانية ‪ :‬أن تنسى أيام عادهتا ‪ ،‬ولكن يكون دمها متميزا ; فهذه تعترب الدم املتميز حيضا تعتد به إن صلح أن‬
‫يكون حيضا ‪.‬‬

‫احلالة الثالثة ‪ :‬أن تنسى عادهتا وليس هلا متييز يعترب ; فهذه تعتد عدة اآليسة ثالثة أشهر ‪.‬‬

‫ومن األحكام املتعلقة بالعدة مسألة خطبة املعتدة فاملعتدة من وفاة واملعتدة البائن بطالق حير التصريح‬
‫خبطبتهما ; كقوله ‪ :‬أريد أن أتزوجك وحنوه ; دون التعريض ‪ ،‬كأن يقول هلا ‪ :‬إين يف مثلك لراغب ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫‪ ،‬ويباح للرجل أن خيطب من أباهنا دون الثالث‬ ‫اَل ا َل ُك ِفي ا َّر ِبِه ِم ِخ ْط ِة الِّن اِء‬
‫َو ُج َن َح َع ْي ْم َم َع ْضُتْم ْن َب َس‬
‫ومن طلقها طالقا رجعيا تصرحيا وتعريضا ; ألنه يباح له أن يتزوج من أباهنا دون الثالث ‪ ،‬وأن يراجع مطلقته‬
‫الرجعية ما دامت يف عدهتا ‪.‬‬

‫وأما زوجة املفقود ‪ -‬وهو من انقطع خربه ‪ ،‬فلم تعلم حياته وال موته ‪ ; -‬فتنتظر زوجته قدومه أو تبني خربه‬
‫يف مدة يضرهبا القاضي تكون كافية لالحتياط يف شأنه ‪ ،‬وتبقى يف عصمته يف تلك املدة ; ألن األصل حياته ‪ ،‬فإذا‬
‫متت مدة االنتظار املضروبة ; حكم بوفاته ‪ ،‬واعتدت زوجته عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام ‪ ،‬وقد حكم‬
‫الصحابة رضي اهلل عنهم بذلك ‪.‬‬

‫قال اإلمام ابن القيم ‪ " :‬حكم اخللفاء يف امرأة املفقود كما ثبت عن عمر ‪ ،‬وقال أمحد ‪ :‬ما يف نفسي شيء‬
‫منه ‪ ،‬مخسة من الصحابة أمروا أن ترتبص " ‪.‬‬

‫قال ابن القيم ‪ " :‬قول عمر هو أصح األقوال وأحراها بالقياس ‪ .‬وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ :‬هو الصواب‬
‫" انتهى ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪178‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫فإذا انتهت عدهتا ; حلت لألزواج ‪ ،‬وال تفتقر إىل طالق ويل زوجها بعد اعتدادها للوفاة ‪ ،‬فإن تزوجت ‪،‬‬
‫وقدم زوجها األول ; فالصحيح أنه خيري بني اسرتجاعها وبني إمضاء تزوجها من الثاين ‪ ،‬ويأخذ صداقه ‪ ،‬سواء كان‬
‫قدومه بعد دخول الزوج الثاين أو قبله ‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬الصواب يف امرأة املفقود مذهب عمر وغريه من الصحابة ‪ ،‬وهو‬
‫أهنا ترتبص أربع سنني ‪ ،‬مث تعتد للوفاة ‪ ،‬وجيوز هلا أن تتزوج بعد ذلك ‪ ،‬وهي زوجة الثاين ظاهرا وباطنا ‪ ،‬مث إذا‬
‫قدم زوجها األول بعد تزوجها ; خري بني امرأته وبني مهرها ‪ ،‬وال فرق بني ما قبل الدخول وبعده ‪ ،‬وهو ظاهر‬
‫مذهب أمحد " ‪ ،‬مث قال ‪ " :‬والتخيري فيه بني املرأة واملهر هو أعدل األقوال " انتهى ‪.‬‬

‫باب يف االسترباء‬

‫االسترباء هو تربص يقصد منه العلم برباءة رحم ملك ميني ‪ ،‬مأخوذ من الرباءة ‪ ،‬وهي التمييز والقطع ‪ .‬فمن‬
‫ملك أمة يوطأ مثلها ببيع أو هبة أو سيب أو غري ذلك ; حرم عليه وطؤها ومقدماته قبل استربائها ; لقوله صلى اهلل‬
‫رواه أمحد والرتمذي‬ ‫من كان يؤمن باهلل واليوم اآلخر ‪ ،‬فال يسقي ماءه زرع غريه‬ ‫عليه وسلم ‪:‬‬
‫ال توطأ حامل حىت تضع‬ ‫وأبو داود ‪ ،‬ويف حديث آخر رواه أبو داود ‪:‬‬
‫َو ُأواَل ُت اَأْلَمْحاِل َأَج ُلُه َّن َأْن َيَض ْع َن ْمَحَلُه َّن‬ ‫واسترباء األمة احلامل ينتهي بوضع احلمل ; لعموم قوله تعاىل ‪:‬‬

‫ال توطأ‬ ‫وغري احلامل إن كانت حتيض ‪ ،‬فاسترباؤها حبيضة ‪ ،‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم يف سيب أوطاس ‪:‬‬
‫رواه أمحد وأبو داود ; فدل هذا احلديث على وجوب‬ ‫حامل حىت تضع ‪ ،‬وال غري حامل حىت حتيض حيضة‬
‫استرباء األمة املسبية وغريها قبل وطئها ‪ ،‬ودل على بيان ما تستربأ به احلامل واحلائض من املسبيات‪.‬‬

‫وأما األمة اآليسة من احليض واألمة الصغرية ; فتستربآن مبضي شهر ; لقيام الشهر مقام احليضة يف العدة ‪.‬‬

‫من كان يؤمن باهلل واليوم‬ ‫واحلكمة يف استرباء األمة قبل وطئها يبينها قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فبني أن الغرض من االسترباء جتنب اختالط املياه واشتباه األنساب ‪.‬‬ ‫اآلخر ; فال يسقي ماءه زرع غريه‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫باب يف أحكام الرضاع‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪179‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ُأَّم اُتُك الاَّل يِت َأ َنُك َأ اُتُك ِم الَّر ا ِة‬ ‫قال تعاىل يف سياق بيان احملرمات من النساء ‪:‬‬
‫ْر َضْع ْم َو َخ َو ْم َن َض َع‬ ‫َو َه ُم‬

‫‪.‬وقوله‬ ‫حيرم من الرضاع ما حيرم من النسب‬ ‫ويف " الصحيحني " عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه اجلماعة ‪.‬‬ ‫حيرم من الرضاع ما حيرم من الوالدة‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫والرضاع لغة ‪ :‬مص اللنب من الثدي أو شربه ‪ ،‬وشرعا ‪ :‬هو مص من دون احلولني لبنا ثاب عن محل أو‬
‫ضربه أو حنوه ‪.‬‬
‫والرضاع حكمه حكم النسب يف النكاح واخللوة واحملرمية وجواز النظر على ما يأيت تفصيله ‪ .‬ولكن ال تثبت له‬
‫هذه األحكام إال بشرطني ‪:‬‬

‫أنزل يف القرآن ‪:‬‬ ‫الشرط األول ‪ :‬أن يكون مخس رضعات فأكثر حلديث عائشة رضي اهلل عنها ; قالت ‪:‬‬
‫عشر رضعات معلومات حيرمن ‪ ،‬فنسخ من ذلك مخس رضعات ‪ ،‬وصار إىل مخس رضعات معلومات حيرمن ‪،‬‬
‫رواه مسلم ‪ ،‬وهذا من نسخ التالوة دون احلكم ‪،‬‬ ‫فتويف رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم واألمر على ذلك‬
‫وهو مبني ملا أمجل يف اآلية واألحاديث يف موضوع الرضاع ‪.‬‬

‫اْل اِلَد اُت ُي ِض ْع َأْو اَل َدُه َّن َلِنْي‬ ‫الشرط الثاين ‪ :‬أن تكون مخس الرضعات يف احلولني ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َحْو‬ ‫ْر َن‬ ‫َو َو‬
‫فدلت هذه اآلية الكرمية على أن الرضاع املعترب ما كان يف احلولني ‪ ،‬ولقوله‬ ‫َك اِم َلِنْي ِلَمْن َأَر اَد َأْن ُيِتَّم الَّر َض اَعَة‬
‫قال الرتمذي ‪" :‬‬ ‫ال حيرمن الرضاع إال ما فتق األمعاء وكان قبل الفطام‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫حديث حسن صحيح " ‪ ،‬ومعناه أنه ال حيرم من الرضاع إال ما وصل إىل األمعاء ووسعها ; فال حيرم القليل الذي مل‬
‫ينفذ إليها ويوسعها ‪ ،‬وال حيرم إال ما كان قبل الفطام ; أي ‪ :‬ما كان يف زمن الصغر ‪ ،‬وقام مقام الغذاء ; فالذي‬
‫يثبت احلرمة حيث يكون الرضيع طفال يسد اللنب جوعه وينبت حلمه ‪ ،‬فيكون ذلك جزءا منه ‪.‬‬

‫وحد الرضعة أن ميتص الثدي مث يقطع امتصاصه لتنفس أو انتقال من ثدي آلخر أو لغري ذلك ; فيحتسب له‬
‫بذلك رضعة ‪ ،‬فإن عاد ; فرضعتان ‪ . . .‬وهكذا ; ولو يف جملس واحد ‪ ،‬وذلك ألن الشارع اعترب عدد الرضعات‬
‫ومل حيدد الرضعة ‪ ،‬فريجع يف حتديدها إىل العرف ‪.‬‬

‫ولو وصل اللنب إىل جوف الطفل بغري الرضاع فحكمه حكم الرضاع ; كما لو قطر يف فمه أو أنفه ‪ ،‬أو‬
‫شربه من إناء وحنوه ; أخذ ذلك حكم الرضاع ; ألنه حيصل به ما حيصل بالرضاع من التغذية ; بشرط أن حيصل‬
‫من ذلك مخس مرات ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪180‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وأما ما ينشره الرضاع من احلرمة فمىت أرضعت امرأة طفال دون احلولني مخس رضعات فأكثر ; صار املرتضع‬

‫َو ُأَّم َه اُتُك ُم‬ ‫ولدها يف حترمي نكاحها عليه ويف إباحة نظره إليها وخلوته هبا ‪ ،‬ويكون حمرما هلا ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫وال يكون ولدا هلا يف بقية األحكام ; فال جتب نفقتها عليه ‪ ،‬وال توارث بينهما ‪ ،‬وال يعقل‬ ‫الاَّل يِت َأْر َضْع َنُك ْم‬
‫عنها ‪ ،‬وال يكون وليا هلا ; ألن النسب أقوى من الرضاع ; فال يساويه إال فيما ورد فيه النص ‪ ،‬وهو التحرمي ‪ ،‬وما‬
‫يتفرع عليه من احملرمية واخللوة ‪.‬‬

‫ويصري املرتضع ولدا ملن ينسب لبنها إليه بسبب محلها منه ‪ ،‬أو بسبب وطئه هلا بنكاح أو شبهه ; للحوق‬
‫نسب احلمل به يف تلك األحوال ‪ ،‬والرضاع فرع عنه ‪ ،‬فيكون املرتضع ولدا له يف األحكام املذكورة يف حق‬
‫املرضعة فقط ‪ ،‬وهي حترمي النكاح وجواز النظر واخللوة واحملرمية دون بقية األحكام ‪.‬‬

‫وتكون حمارم من نسب إليه اللنب كآبائه وأوالده وأمهاته وأجداده وجداته وإخوته وأخواته وأوالدهم‬
‫وأعمامه وعماته وأخواله وخاالته يكونون حمارم للمرتضع ‪ ،‬وتكون حمارم املرضعة كآبائها وأوالدها وأمهاهتا‬
‫وأخواهتا وأعمامها وحنوهم حمارم للمرتضع ‪.‬‬

‫وكما تثبت احلرمة على املرتضع تنتشر كذلك على فروعه من أوالده وأوالد أوالده دون أصوله وحواشيه ;‬
‫فال تنتشر احلرمة على من هو أعلى منه من آبائه وأمهاته وأعمامه وعماته وأخواله وخاالته ‪ ،‬كما ال تنتشر إىل من‬
‫هو يف درجته من حواشيه وهم إخوانه وأخواته ‪.‬‬

‫ومن رضع من لنب امرأة موطوءة بعقد باطل أو بزنا صار ولدا للمرضعة فقط ; ألنه ملا مل تثبت األبوة من‬
‫النسب ‪ ،‬مل يثب من الرضاع ‪ ،‬وهو فرعها ‪.‬‬
‫ولنب البهيمة ال حيرم ‪ ،‬فلو ارتضع طفالن من هبيمة مل ينشر احلرمة بينهما ‪.‬‬
‫واختلف يف لنب املرأة إذا در هلا لنب بدون محل وبدون وطء تقدم ‪ ،‬ورضع منه طفل فقيل ‪ :‬ال ينشر احلرمة ; ألنه‬
‫ليس بلنب حقيقة ‪ ،‬بل رطوبة متولدة ‪ ،‬وألن اللنب ما أنشز العظم وأنبت اللحم ‪ ،‬وهذا ليس كذلك ‪ ،‬والقول‬
‫الثاين ‪ :‬أنه ينشر احلرمة ‪ ،‬واختاره املوفق وغريه ‪.‬‬
‫ويثبت الرضاع بشهادة امرأة مرضية يف دينها ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ‪ " :‬إذا كانت معروفة بالصدق ‪ ،‬وذكرت أهنا أرضعت طفال مخس رضعات ; قبل على‬
‫الصحيح ‪ ،‬ويثبت حكم الرضاع " انتهى ‪.‬‬
‫وإن شك يف وجود الرضاع ‪ ،‬أو شك يف كماله مخس رضعات ‪ ،‬وليس هناك بينة فال حترمي ; ألن األصل عدم‬
‫الرضاع ‪ ،‬واهلل أعلم ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪181‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫باب يف أحكام احلضانة‬

‫احلضانة مشتقة من احلضن ‪ ،‬وهو اجلنب ; ألن املريب يضم الطفل إىل حضنه ‪ ،‬واحلاضنة هي املربية ‪ .‬هذا‬
‫معناها لغة ‪.‬‬
‫وأما معناها شرعا ; فهي حفظ ‪ -‬صغري وحنوه عما يضره وتربيته بعمل مصاحله البدنية واملعنوية ‪.‬‬
‫واحلكمة فيها ظاهرة ‪ ،‬ذلك أن الصغري ومن يف حكمه ممن ال يعرف مصاحله كاجملنون واملعتوه حيتاج إىل من يتواله‬
‫وحيافظ عليه جبلب منافعه ودفع املضار عنه وتربيته الرتبية السليمة ‪،‬‬
‫وقد جاءت شريعتنا بتشريع احلضانة هلؤالء ; رمحة هبم ‪ ،‬ورعاية لشئوهنم ‪ ،‬وإحسانا إليهم ; ألهنم لو تركوا ;‬
‫لضاعوا وتضرروا ‪ ،‬وديننا دين الرمحة والتكافل واملواساة ‪ ،‬ينهى عن إضاعتهم ‪ ،‬ويوجب كفالتهم ‪ ،‬وهي حق‬
‫للمحضون على قرابته ‪ ،‬وحق للحاضن بتويل شئون قريبه كسائر الواليات ‪.‬‬
‫وهي جتب للحاضنني على الرتتيب ‪:‬‬
‫‪ -‬فأحق الناس باحلضانة األم ‪:‬‬
‫قال اإلمام موفق الدين بن قدامة رمحه اهلل ‪ " :‬إذا افرتق الزوجان وهلما ولد طفل أو معتوه ; فأمه أوىل الناس بكفالته‬
‫إذا كملت الشرائط فيها ‪ ،‬ذكرا كان أو أنثى ‪ ،‬وهو قول مالك وأصحاب الرأي ‪ ،‬وال نعلم أحدا خالفهم "‬
‫انتهى ‪.‬‬
‫‪ -‬فإذا تزوجت األم ; انتقلت احلضانة منها إىل غريها ‪ ،‬وسقط حقها فيها ; لقول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ملا‬
‫يا رسول اهلل ! إن ابين هذا كان بطين له وعاء ‪ ،‬وثديي له سقاء ‪ ،‬وحجري له‬ ‫جاءته امرأة ‪ ،‬فقالت ‪:‬‬
‫رواه أمحد وأبو داود‬ ‫حواء ‪ ،‬وإن أباه طلقين ‪ ،‬وأراد أن ينزعه مين ؟ فقال ‪ :‬ألنت أحق به ما مل تنكحي‬
‫واحلاكم وصححه ; فدل احلديث على أن األم أحق حبضانة ولدها إذا طلقها أبوه وأراد انتزاعه منها ‪ ،‬وأهنا إذا‬
‫تزوجت ; سقط حقها من احلضانة ‪.‬‬
‫وتقدمي األم يف حضانة ولدها ألهنا أشفق عليه وأقرب إليه ‪ ،‬وال يشاركها يف القرب إال أبوه ‪ ،‬وليس له مثل شفقتها‬
‫‪ ،‬وال يتوىل احلضانة بنفسه ‪ ،‬وإمنا يدفعه إىل امرأته ‪ ،‬وأمه أوىل به من امرأة أبيه ‪ ،‬وقال ابن عباس لرجل ‪:‬‬
‫" رحيها وفراشها وحجرها خري له منك حىت يشب وخيتار لنفسه "‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬األم أصلح من األب ; ألهنا أوثق بالصغري ‪ ،‬وأخرب بتغذيته ومحله وتنوميه‬
‫وتنويله ‪ ،‬وأخرب وأرحم به ‪ ،‬فهي أقدر وأخرب وأصرب يف هذا املوضع ; فتعينت يف حق الطفل غري املميز بالشرع "‬
‫انتهى ‪.‬‬
‫‪ -‬مث بعد سقوط حق األم للحضانة تنتقل إىل أمهاهتا جدات الطفل القرىب فالقرىب ; ألهنن يف معىن األم ; لتحقق‬
‫والدهتن وشفقتهن على احملضون أكمل من غريهن ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪182‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫‪ -‬مث بعد اجلدات الاليت من قبل األم تنتقل احلضانة إىل أيب الطفل ; ألنه أصل النسب ‪ ،‬وأقرب من غريه ‪ ،‬وأكمل‬
‫شفقة ; فقدم على غريه ‪.‬‬
‫‪ -‬مث بعد سقوط حق األب من احلضانة تنتقل إىل أمهات األب ‪ -‬أي ‪ :‬اجلدات من قبل األب القرىب فالقرىب ‪; -‬‬
‫ألهنن يدلني بعصبة قريبة ‪ ،‬وقدمن على اجلد ‪ ،‬ألن األنوثة مع التساوي توجب الرجحان ; كما قدمت األم على‬
‫األب ‪.‬‬
‫‪ -‬مث بعد سقوط حق اجلدات من قبل األب يف احلضانة تنتقل إىل اجلد من قبل األب ‪ ،‬األقرب فاألقرب ; ألنه يف‬
‫معىن أيب احملضون ‪ ،‬فينزل منزلته ‪.‬‬
‫‪ -‬مث بعد اجلد تنتقل احلضانة إىل أمهات اجلد القرىب فالقرىب ; ألهنن يدلني باجلد ‪ ،‬وملا فيهن من وصف الوالدة ;‬
‫فاحملضون بعض منهن ‪.‬‬
‫‪ -‬مث بعد أمهات اجلد تنتقل احلضانة إىل أخوات احملضون ; ألهنن يدلني بأبويه أو بأحدمها ‪ ،‬فتقدم األخت ألبوين‬
‫لقوة قرابتها ولتقدمها يف املرياث ‪ ،‬مث األخت ألم ; ألهنا تديل باألمومة ‪ ،‬واألم مقدمة على األب ‪ ،‬مث األخت‬
‫ألب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬األوىل تقدمي األخت ألب على األخت ألم ; ألن الوالية لألب ‪ ،‬وهي أقوى يف املرياث ‪ ،‬ألهنا‬
‫أقيمت فيه مقام األخت ألبوين عند عدمها ‪ ،‬وهذا وجيه ‪.‬‬
‫‪ -‬مث بعد األخوات تنتقل احلضانة إىل اخلاالت ; ألن اخلاالت يدلني باألم ‪ ،‬وملا يف " الصحيحني " ; أن النيب صلى‬
‫وتقدم خالة ألبوين ‪ ،‬مث خالة ألم ‪ ،‬مث خالة ألب ;‬ ‫اخلالة مبنزلة األم‬ ‫اهلل عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫كاألخوات ‪.‬‬
‫‪ -‬مث بعد اخلاالت تنتقل إىل العمات ; ألهنن يدلني باألب ‪ ،‬وهو مؤخر عن األم ‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬العمة أحق من اخلالة ‪ ،‬وكذا نساء األب أحق ‪ ،‬فيقدمن على نساء األم ;‬
‫ألن الوالية لألب ‪ ،‬وكذا أقاربه ‪ ،‬وإمنا قدمت األم على األب ألنه ال يقوم مقامها هنا أحد يف مصلحة الطفل ‪ ،‬وإمنا‬
‫قدم الشارع خالة بنت محزة على عمتها صفية ; ألن صفية مل تطلب ‪ ،‬وجعفر طلب نائبا عن خالتها ‪ ،‬فقضى هلا هبا‬
‫يف غيبتها " ‪.‬‬
‫وقال رمحه اهلل ‪ " :‬جمموع أصول الشريعة تقدمي أقارب األب على أقارب األم ‪ ،‬فمن قدمهن يف احلضانة ; فقد‬
‫خالف األصول والشريعة " انتهى ‪.‬‬
‫‪ -‬مث بعد العمات تنتقل احلضانة إىل بنات اإلخوة ‪.‬‬
‫‪ -‬مث بعدهن إىل بنات األخوات ‪.‬‬
‫‪ -‬مث بعد بنات اإلخوة وبنات األخوات تنتقل احلضانة إىل بنات األعمام ‪.‬‬
‫‪ -‬مث إىل بنات العمات ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪183‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫‪ -‬مث بعدهن تنتقل احلضانة لباقي العصبة األقرب فاألقرب ; اإلخوة مث بنوهم ‪ ،‬مث األعمام ‪ ،‬مث بنوهم ‪.‬‬
‫فإن كانت احملضونة أنثى ; اشرتط كون احلاضن من حمارمها ‪ ،‬فإن مل يكن حمرما هلا ; سلمها إىل ثقة خيتارها ‪.‬‬

‫باب يف موانع احلضانة‬

‫من موانع احلضانة الرق ; فال حضانة ملن فيه رق ‪ ،‬ولو قل ; ألن احلضانة والية ‪ ،‬والرقيق ليس من أهل‬
‫الوالية ‪ ،‬وألنه مشغول خبدمة سيده ‪ ،‬ومنافعه مملوكة لسيده ‪.‬‬
‫وال حضانة لفاسق ; ألنه ال يوثق به فيها ‪ ،‬ويف بقاء احملضون عنده ضرر عليه ; ألنه يسيء تربيته ‪ ،‬وينشئه على‬
‫طريقته ‪.‬‬
‫وال حضانة لكافر على مسلم ; ألنه أوىل بعدم االستحقاق من الفاسق ; ألن ضرره أكثر ; فإنه يفنت احملضون يف‬
‫دينه وخيرجه عن اإلسالم بتعليمه الكفر وتربيته عليه ‪.‬‬
‫أنت أحق به ما مل‬ ‫وال حضانة ملزوجة بأجنيب من حمضون ; لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم لوالدة الطفل ‪:‬‬
‫وألن الزوج ميلك منافعها ‪ ،‬ويستحق منعها من احلضانة ‪ ،‬واملراد باألجنيب هنا من ليس من‬ ‫تنكحي‬
‫عصبات احملضون ‪ ،‬فلو تزوجت بقريب حمضوهنا ; مل تسقط حضانتها ‪.‬‬
‫فإن زال أحد هذه املوانع ; بأن عتق الرقيق ‪ ،‬وتاب الفاسق ‪ ،‬وأسلم الكافر ‪ ،‬وطلقت املزوجة ; رجع من زال عنه‬
‫املانع من هؤالء إىل حقه يف احلضانة ; لوجود سببها ‪ ،‬مع انتفاء املانع منها ‪.‬‬
‫وإذا أراد أحد أبوي احملضون سفرا طويال ‪ ،‬ومل يقصد به املضارة ‪ ،‬إىل بلد بعيد ليسكنه ‪ ،‬وهو وطريقه آمنان ‪،‬‬
‫فاحلضانة تكون لألب ‪ ،‬سواء كان هو املسافر أو املقيم ; ألنه هو الذي يقوم بتأديب ولده واحملافظة عليه ‪ ،‬فإذا كان‬
‫بعيدا عنه ; مل يتمكن من ذلك ‪ ،‬وضاع الولد ‪.‬‬
‫وإن كان السفر إىل بلد قريب دون مسافة القصر لغرض السكىن فيه ; ‪ -354-‬فاحلضانة لألم ‪ ،‬سواء كانت هي‬
‫املسافرة أو املقيمة ; ألهنا أمت شفقة على احملضون ‪ ،‬وألنه ميكن ألبيه اإلشراف عليه يف تلك احلالة ‪.‬‬
‫أما إذا كان السفر حلاجة ‪ ،‬مث يرجع ‪ ،‬أو كان الطريق أو البلد املسافر إليه خموفني ; فإن احلضانة تكون للمقيم منهما‬
‫; ألن يف السفر باحملضون إضرارا به يف هاتني احلالتني ‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬لو أراد امل ضرار واالحتيال على إسقاط حضانة األم ‪ ،‬فسافر ليتبعه الولد ; فهذه‬
‫حيلة مناقضة ملا قصده الشارع ; فإنه جعل األم أحق بالولد من األب مع قرب الدار وإمكان اللقاء كل وقت ‪. . .‬‬
‫"‪.‬‬
‫إىل أن قال ‪ " :‬وأخرب ( يعين ‪ :‬النيب صلى اهلل عليه وسلم ) أن من فرق بني والدة وولدها ; فرق اهلل بينه وبني أحبته‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬ومنع أن تباع األم دون ولدها والولد دوهنا ‪ ،‬وإن كانا يف بلد واحد ‪ ،‬فكيف جيوز مع هذا التحيل‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪184‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫على التفريق بينها وبني ولدها تفريقا تعز معه رؤيته ولقاؤه ‪ ،‬ويعز عليها الصرب عنه وفقده ‪ ،‬هذا من أحمل احملال ‪ ،‬بل‬
‫أنت أحق‬ ‫قضاء اهلل ورسوله أحق ; أن الولد لألم ‪ ،‬سافر األب أو أقام ‪ ،‬والنيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫فكيف يقال ‪ :‬أنت أحق به ما مل يسافر األب ؟ وأين هذا يف كتاب اهلل أو يف سنة رسوله‬ ‫به ما مل تنكحي‬
‫صلى اهلل عليه وسلم أو فتاوى أصحابه أو القياس الصحيح ؟ فال نص وال قياس وال مصلحة " انتهى ‪.‬‬

‫ختيري الغالم بني أبويه‬

‫وأما ختيري الغالم بني أبويه فيحصل عند بلوغه السابعة من عمره ‪ ،‬فإذا بلغ سبع سنني وهو عاقل ; فإنه خيري‬
‫بني أبويه ‪ ،‬فيكون عند من اختار منهما ‪ ،‬قضى بذلك عمر وعلي رضي اهلل عنهما ‪ ،‬وروى الرتمذي وغريه من‬
‫جاءت امرأة إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقالت ‪ :‬إن زوجي‬ ‫حديث أيب هريرة رضي اهلل عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫يريد أن يذهب بابين ‪ .‬فقال ‪ :‬يا غالم ! هذا أبوك وهذه أمك ; فخذ بيد أيهما شئت ‪ .‬فأخذ بيد أمه ‪ ،‬فانطلقت به‬
‫فدل احلديث على أن الغالم إذا استغىن بنفسه ; ‪ -355-‬خيري بني أبويه ; فإنه إذا بلغ حدا يستطيع معه‬
‫أن يعرب عن نفسه ‪ ،‬فمال إىل أحد األبوين ; دل على أنه أرفق به وأشفق عليه ‪ ،‬فقدم لذلك ‪.‬‬
‫وال خيري إال بشرطني ‪:‬‬

‫أحدمها ‪ :‬أن يكون األبوان من أهل احلضانة ‪.‬‬

‫والثاين ‪ :‬أن يكون الغالم عاقال ‪ ،‬فإن كان معتوها ; بقي عند األم ; ألهنا أشفق عليه وأقوم مبصاحله ‪.‬‬

‫وإذا اختار الغالم العاقل أباه ; صار عنده ليال وهنارا ; ليحفظه ويعلمه ويؤدبه ‪ ،‬لكن ال مينعه من زيارة أمه ;‬
‫ألن منعه من ذلك تنشئة له على العقوق وقطيعة الرحم ‪ ،‬وإن اختار أمه ; صار عندها ليال وعند أبيه هنارا ; ليعلمه‬
‫ويؤدبه ‪ ،‬وإن مل خيرت واحدا منهما ; أقرع بينهما ; ألنه ال مزية ألحدمها على اآلخر إال بالقرعة ‪.‬‬
‫واألنثى إذا بلغت سبع سنني ; فإهنا تكون عند أبيها إىل أن يتسلمها زوجها ; ألنه أحفظ هلا وأحق بواليتها من غريه‬
‫‪ ،‬وال متنع األم من زيارهتا مع عدم احملذور ‪ ،‬فإن كان األب عاجزا عن حفظ البنت أو ال يبايل هبا لشغله أو قلة دينه‬
‫‪ ،‬واألم تصلح حلفظها ; فإهنا تكون عند أمها ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬وأمحد وأصحابه إمنا يقدمون األب إذا مل يكن عليها يف ذلك ضرر ‪ ،‬فلو‬
‫قدر أنه عاجز عن حفظها وصيانتها ‪ ،‬ويهملها الشتغاله عنها ‪ ،‬واألم قائمة حبفظها وصيانتها ; فإهنا تقدم يف هذه‬
‫احلال ‪ ،‬فمع وجود فساد أمرها مع أحدمها ; فاآلخر أوىل هبا بال ريب " ‪.‬‬
‫وقال رمحه اهلل ‪ " :‬وإذا قدر أن األب تزوج بضرة ‪ ،‬وهو يرتكها عند ضرة أمها ‪ ،‬ال تعمل مصلحتها ‪ ،‬بل تؤذيها‬
‫وتقصر يف مصلحتها ‪ ،‬وأمها تعمل مصلحتها وال تؤذيها ; فاحلضانة هنا لألم قطعا " انتهى ‪ ،‬واهلل أعلم ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪185‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫باب يف نفقة الزوجة‬

‫النفقات مجع نفقة ‪ ،‬وهي لغة ‪ :‬الدراهم وحنوها من األموال ‪ ،‬وشرعا ‪ :‬كفاية من ميؤنه باملعروف قوتا‬
‫وكسوة ومسكنا وتوابعها ‪.‬‬
‫وأول ما جيب على اإلنسان النفقة على زوجته ‪ . ،‬فيلزم الزوج نفقة زوجته قوتا وكسوة وسكىن مبا يصلح ملثلها ‪،‬‬
‫َّن ِم ْث اَّلِذ ي َل ِه َّن ِباْل وِف‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫ِتِه‬ ‫ٍة ِم‬ ‫ِل ِف‬
‫َم ْع ُر‬ ‫َع ْي‬ ‫َو ُهَل ُل‬ ‫ُيْن ْق ُذو َسَع ْن َسَع‬ ‫قال تعاىل ‪:‬‬
‫رواه مسلم وأبو‬ ‫وهلن عليكم رزقهن وكسوهتن باملعروف‬ ‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫داود ‪.‬‬
‫مجيع احلقوق‬ ‫َّن ِم ْث اَّلِذ ي َل ِه َّن ِباْل وِف‬ ‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬ويدخل يف‬
‫َم ْع ُر‬ ‫َع ْي‬ ‫َو ُهَل ُل‬
‫اليت للمرأة وعليها ‪ ،‬وأن مرد ذلك إىل ما يتعارفه الناس بينهم ‪ ،‬وجيعلونه معدودا ‪ ،‬ويتكرر " انتهى ‪.‬‬
‫ويعترب احلاكم تقدير نفقة الزوجة حبال الزوجني يسارا وإعسارا أو يسار أحدمها وإعسار اآلخر عند التنازع بينهما ‪:‬‬
‫فيفرض للموسرة حتت املوسر من النفقة قدر كفايتها مما تأكل املوسرة حتت املوسر يف حملهما ‪ ،‬ويفرض هلا من‬
‫الكسو ما يلبس مثلها من املوسرات بذلك البلد ‪ ،‬ومن الفرش واألثاث كذلك ما يليق مبثلها يف ذلك البلد ‪.‬‬
‫ويفرض للفقرية حتت الفقري من القوت والكسو والفرش واألثاث ما يليق مبثلها يف البلد ‪ .‬ويفرض للمتوسطة مع‬
‫املتوسط والغنية حتت الفقري والفقري حتت الغين ما بني احلد األعلى ‪ -‬وهو نفقة املوسرين ‪ -‬واحلد األدىن ‪ -‬وهو‬
‫نفقة الفقريين ‪ -‬حبسب العرف والعادة ‪ ،‬ألن ذلك هو الالئق حباهلما ‪.‬‬
‫وعلى الزوج مؤونة نظافة زوجته من دهن وسدر وصابون ومن ماء للشرب والطهارة والنظافة ‪.‬‬
‫وما ذكر هو ما إذا كانت الزوجة يف عصمته ‪،‬‬

‫أما إذا طلقها وصارت يف العدة ‪ :‬فإن كان طالقا رجعيا ; فإهنا جتب نفقتها عليه ما دامت يف العدة كالزوجة‬
‫ِل‬ ‫ِه‬
‫َو ُبُعوَلُتُه َّن َأَح ُّق ِبَر ِّد َّن يِف َذ َك‬ ‫; ألهنا زوجة ; بدليل قوله تعاىل ‪:‬‬
‫وأما املطلقة البائن بينونة كربى أو بينونة صغرى ; فال نفقة هلا وال سكىن ; ملا يف " الصحيحني " من حديث فاطمة‬
‫طلقها زوجها ألبتة ‪ ،‬فقال هلا النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬ال نفقة لك وال سكىن‬ ‫بنت قيس ‪:‬‬
‫قال العالمة ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬املطلقة البائن ال نفقة هلا وال سكىن بسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫الصحيحة ‪ ،‬بل املوافقة لكتاب اهلل ‪ ،‬وهي مقتضى القياس ‪ ،‬ومذهب فقاء احلديث " انتهى ‪.‬‬
‫َو ِإْن ُكَّن ُأواَل ِت ْمَحٍل َفَأْنِف ُقوا َعَلْيِه َّن َح ىَّت‬ ‫إال أن تكون املطلقة البائن حامال ; فلها النفقة ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِد‬ ‫ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِك‬
‫ولقوله صلى اهلل عليه‬ ‫َأْس ُنوُه َّن ْن َحْيُث َس َك ْنُتْم ْن ُو ْج ُك ْم‬ ‫وقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫َيَض ْع َن ْمَحَلُه َّن‬
‫وألن احلمل ولد للمطلق ‪ ،‬فلزمه‬ ‫ال نفقة لك ; إال أن تكوين حامال‬ ‫وسلم لفاطمة بنت قيس ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪186‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫اإلنفاق عليه ‪ ،‬وال ميكنه ذلك إال باإلنفاق على أمه ‪.‬‬
‫قال املوفق وغريه ‪ " :‬وهذا بإمجاع أهل العلم ‪ ،‬لكن اختلف العلماء هل النفقة للحمل أو للحامل من أجل احلمل‬
‫"‪.‬‬
‫ويتفرع على القولني أحكام كثرية موضعها كتب الفقه والقواعد الفقهية ‪.‬‬

‫وتسقط نفقة الزوجة عن زوجها بأسباب متعددة ‪:‬‬


‫‪ -‬منها ‪ :‬إذا حبست عنه ; سقطت نفقتها ; لفوات متكنه من االستمتاع هبا ‪ ،‬والنفقة إمنا جتب يف مقابل‬
‫االستمتاع ‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها ‪ :‬إذا نشزت عنه ; فإهنا تسقط نفقتها ‪ ،‬والنشوز هو معصيتها إياه فيما جيب عليها له ‪ ،‬كما لو امتنعت من‬
‫فراشه ‪ ،‬أو امتنعت من االنتقال معه إىل مسكن يليق هبا ‪ ،‬أو خرجت من منزله بغري إذنه ; فال نفقة هلا يف هذه‬
‫األحوال ; ألهنا تعترب ناشزا ‪ ،‬ال يتمكن من االستمتاع هبا والنفقة يف نظري متكينها من االستمتاع ‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها ‪ :‬لو سافرت حلاجتها ; فإهنا تسقط نفقتها ‪ ،‬ألهنا بذلك منعت نفسها منه بسبب ال من جهته ‪ ،‬فسقطت‬
‫نفقتها ‪.‬‬
‫واملرأة املتوىف عنها ال نفقة هلا من تركة الزوج ; ألن املال انتقل من الزوج إىل الورثة ‪ ،‬وال سبب لوجوب النفقة‬
‫عليها ‪ ،‬فتكون نفقتها على نفسها ‪ ،‬أو على من ميوهنا إذا كانت فقرية ‪.‬‬
‫وإن كانت املتوىف عنها حامال ; وجبت نفقتها يف حصة احلمل من الرتكة إن كان للمتوىف تركة ‪ ،‬وإال وجبت‬
‫نفقتها على وارث احلمل املوسر ‪.‬‬

‫وإذا اتفق الزوجان على دفع قيمة النفقة أو اتفقا على تعجيلها أو على تأخريها مدة طويلة أو قليلة جاز‬
‫ذلك ; ألن احلق هلما ‪ ،‬وإن اختلفا ; وجب دفع نفقه كل يوم من أوله جاهزة ‪ ،‬وإن اتفقا على دفعها حبا ; جاز‬
‫ذلك ; الحتياجه إىل كلفة ومؤنة ‪ ،‬فال يلزمها قبوله إال برضاها ‪.‬‬
‫وجتب هلا الكسوة كل عام من أوله ‪ ،‬فيعطيها كسوة السنة ‪ ،‬ومن غاب عن زوجته ومل يرتك هلا نفقة ‪ ،‬أو كان‬
‫حاضرا ومل ينفق عليها ; لزمته نفقة ما مضى ; ألنه حق جيب مع اليسار واإلعسار ‪ ،‬فلم يسقط مبضي الزمان ‪.‬‬

‫ويبدأ وقت وجوب نفقة الزوجة على زوجها من حني تسليم نفسها له ‪ ،‬فإن أعسر بالنفقة ; فلها فسخ‬
‫يف الرجل ال جيد ما ينفق على امرأته ‪ ،‬قال ‪ :‬يفرق بينهما‬ ‫نكاحا منه ; حلديث أيب هريرة مرفوعا ‪:‬‬
‫وليس اإلمساك مع‬ ‫َفِإ اٌك َمِب وٍف َأ َت ِر ي ِبِإ اٍن‬ ‫رواه الدارقطين ‪ ،‬ولقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ْو ْس ٌح ْح َس‬ ‫ْم َس ْع ُر‬
‫ترك النفقة إمساكا مبعروف ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪187‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وإن غاب زوج موسر ‪ ،‬ومل يدع المرأته نفقة ‪ ،‬وتعذر أخذها من ماله أو استدانتها عليه فلها الفسخ بإذن‬
‫احلاكم ‪ ،‬فإن قدرت على ماله ; أخذت قدر كفايتها ; ملا يف " الصحيحني " ‪ ،‬أنه صلى اهلل عليه وسلم قال هلند ‪:‬‬
‫ملا ذكرت له أن زوجها ال يعطيها ما يكفيها وولدها ‪.‬‬ ‫خذي ما يكفيك وولدك باملعروف‬
‫ومن هذا وغريه ندرك كمال هذه الشريعة ‪ ،‬وإعطاءها كل ذي حق حقه ‪ ،‬شأهنا يف كل تشريعاهتا احلكيمة ; فقبح‬
‫َأَفُح ْك َم اَجْلاِهِلَّيِة َيْبُغوَن َو َمْن َأْح َسُن ِم َن الَّلِه ُح ْك ًم ا‬ ‫اهلل قوما يعدلون عنها إىل غريها من القوانني الكفرية ‪،‬‬
‫ِلَق ْو ٍم ُيوِقُنوَن‬

‫باب يف نفقة األقارب واملماليك‬

‫املراد هنا بأقارب اإلنسان كل من يرثه بفرض أو تعصيب ‪ ،‬واملراد باملماليك ما حتت ملك اإلنسان من‬
‫األرقاء والبهائم ‪.‬‬
‫ويشرتط لوجوب اإلنفاق على القريب إذا كان من عمودي النسب ‪ ،‬وهم والدا املنفق وأجداده وإن علوا وأوالده‬
‫وإن نزلوا ‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون املنفق عليه منهم فقريا ال ميلك شيئا ‪ ،‬أو ال ميلك ما يكفيه ‪ ،‬وال يقدر على التكسب ‪.‬‬
‫‪ -‬وأن يكون املنفق غنيا ‪ ،‬عنده ما يفضل عن قوته وقوت زوجته ومملوكه ‪.‬‬
‫‪ -‬وأن يكون املنفق واملنفق عليه على دين واحد ‪.‬‬
‫وإن يكون املنفق عليه من غري أوالد املنفق وآبائه ; اشرتط زيادة على ذلك كون املنفق وارثا للمنفق عليه ‪.‬‬
‫ومن اإلحسان‬ ‫َو ِباْلَو اِلَد ْيِن ِإْح َس اًنا‬ ‫والدليل على وجوب نفقة الوالدين على ولدمها قوله تعاىل ‪:‬‬
‫اإلنفاق عليهما ‪ ،‬بل ذلك من أعظم اإلحسان إىل الوالدين ‪.‬‬
‫َلى اْل ُلوِد َل ِر ْز َّن ِك َّن ِباْل وِف‬ ‫والدليل على وجوب نفقة األوالد على أبيهم قوله تعاىل ‪:‬‬
‫َو َع َمْو ُه ُقُه َو ْسَو ُتُه َم ْع ُر‬
‫أي ‪ :‬وعلى املولود له ‪ ،‬وهو األب ‪ " .‬رزقهن " ; أي ‪ :‬طعام الوالدات ‪ " .‬وكسوهتن " ; أي ‪ :‬لباسهن ‪.‬‬
‫" باملعروف " ; أي ‪ :‬مبا جرت به عادة أمثاهلن يف بلدن على قدر امليسرة من غري إسراف وال إقتار ‪ ،‬وقد قال النيب‬
‫خذي ما يكفيك وولدك باملعروف‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫ِل‬
‫َو َعَلى اْلَو اِر ِث ِم ْثُل َذ َك‬ ‫والدليل على وجوب نفقة القريب الذي يرثه املنفق بفرض أو تعصيب قوله تعاىل ‪:‬‬
‫وألن بني املتوارثني قرابة تقتضي كون الوارث أحق مبال املوروث من سائر الناس ; فينبغي أن خيتص‬
‫بوجوب صلته بالنفقة دون غريه ممن ال يرث ‪.‬‬
‫ِل‬
‫أي ‪ :‬على وارث الولد غري والده ‪ -‬الذي‬ ‫َو َعَلى اْلَو اِر ِث ِم ْثُل َذ َك‬ ‫ويف هذه اآلية ‪ ،‬وهي قوله تعاىل ‪:‬‬
‫يكون حبيث لو مات هذا الولد وله مال ورثه ‪ -‬من اإلنفاق على الطفل مثل ما على والده من ذلك ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪188‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ِت‬
‫َو آ َذا اْلُقْر ىَب َح َّق ُه‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬
‫وغري ذلك من األدلة الدالة على وجوب نفقة األقارب احملتاجني على قريبهم الغين ‪.‬‬
‫أن رجال سأل النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬من أبر ؟ قال ‪ :‬أمك وأباك ‪ ،‬وأختك وأخاك‬ ‫وروى أبو داود ;‬
‫وابدأ مبن تعول ‪ :‬أمك وأباك ‪ ،‬وأختك‬ ‫وللنسائي وصححه احلاكم من حديث طارق احملاريب ‪:‬‬
‫ِت‬
‫َو آ َذا اْلُقْر ىَب َح َّق ُه‬ ‫وهذا احلديث يفسر قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫وأخاك ‪ ،‬مث أدناك أدناك‬
‫خذي ما يكفيك وولدك‬ ‫والوالد جتب عليه نفقة ولده كاملة ‪ ،‬ينفرد هبا ‪ ،‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم هلند ‪:‬‬
‫ِد‬
‫َو َعَلى اْلَمْو ُلو َلُه‬ ‫فدل هذا احلديث الشريف على انفراد األب بنفقة ابنه ‪ ،‬مع قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫باملعروف‬
‫فأوجب على األب‬ ‫َفِإْن َأْر َضْع َن َلُك ْم َفآُتوُه َّن ُأُج وَر ُه َّن‬ ‫وقوله ‪:‬‬ ‫ِر ْز َّن ِك َّن ِباْل وِف‬
‫ُقُه َو ْسَو ُتُه َم ْع ُر‬
‫نفقة الرضاع دون أمه ‪.‬‬
‫أما الفقري الذي له أقارب أغنياء ‪ ،‬وليس منهم األب ; فإهنم يشرتكون يف اإلنفاق عليه كل بقدر إرثه منه ; ألن اهلل‬
‫ِل‬
‫فوجب أن يرتتب مقدار النفقة على‬ ‫َو َعَلى اْلَو اِر ِث ِم ْثُل َذ َك‬ ‫تعاىل رتب النفقة على اإلرث ; بقوله ‪:‬‬
‫مقدار اإلرث ‪ ،‬فمن له جدة أو أخ شقيق مثال ; وجب على اجلدة سدس نفقته ‪ ،‬والباقي على الشقيق ; ألهنما‬
‫يرثانه كذلك ‪ ،‬وعلى هذا فقس ‪.‬‬

‫وأما نفقة املماليك من األرقاء والبهائم فإنه جيب على السيد نفقة رقيقه من قوت وكسوة وسكىن باملعروف ;‬
‫وللمملوك طعامه وكسوته باملعروف ‪ ،‬ال يكلف من العمل ما ال يطيق‬ ‫لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه الشافعي يف " مسنده " ‪ ،‬وروى مسلم يف " الصحيحني " من حديث أيب ذر رضي اهلل عنه عن النيب‬
‫" إخوانكم خولكم ‪ ،‬جعلهم اهلل حتت أيديكم ‪ ،‬فمن كان أخوه حتت يده‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ; أنه قال ‪:‬‬
‫َقْد َعِلْم َنا َم ا‬ ‫مع قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫; فليطعمه مما يأكل ‪ ،‬وليلبسه مما يلبس ‪ ،‬وال تكلفوهم ما يغلبهم "‬
‫ِج ِه‬ ‫ِه‬
‫ففي هذه النصوص دليل على وجوب نفقة الرقيق على‬ ‫َفَر ْضَنا َعَلْي ْم يِف َأْز َو ا ْم َو َم ا َم َلَك ْت َأَمْياُنُه ْم‬
‫مالكه ‪.‬‬
‫ِحِل ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِك‬
‫َو َأْن ُح وا اَأْلَياَم ى ْنُك ْم َو الَّص ا َني ْن‬ ‫وإن طلب الرقيق نكاحا ; زوجه سيده أو باعه ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫واألمر يقتضي الوجوب عند الطلب ‪.‬‬ ‫ِع ِد ِإ ِئ‬
‫َبا ُك ْم َو َم ا ُك ْم‬
‫وإن طلبته أمة ; خري سيدها بني وطئها أو تزوجيها أو بيعا ; إزالة للضرر عنها ‪.‬‬
‫عذبت امرأة يف‬ ‫وجيب على من ميلك هبيمة علفها وسقيها وما يصلحها ‪ ،‬لقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫متفق عليه‬ ‫هرة حبستها ‪ ،‬حىت ماتت جوعا ; فال هي أطعمتها ‪ ،‬وال هي أرسلتها تأكل من خشاش األرض‬
‫‪.‬‬
‫فدل هذا احلديث على وجوب النفقة على احليوان اململوك ألن السبب يف دخول تلك املرأة النار ترك اهلرة بدون‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪189‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫إنفاق ‪ ،‬وإذا كان هذا يف اهلرة ; فغريها من احليوانات اليت حتت ملكه من باب أوىل ‪.‬‬
‫وال جيوز ملالك البهيمة أن حيملها ما تعجز عنه ; ألن ذلك تعذيب هلا ‪.‬‬
‫ال ضرر وال ضرار‬ ‫وال جيوز له أن حيلب من لبنها ما يضر ولدها ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫وحيرم عليه لعن البهيمة وضرهبا يف وجهها وومسها فيه ‪ ،‬فإن عجز مالك البهيمة عن اإلنفاق عليها أجرب على بيعها‬
‫أو تأجريها أو ذحبها إن كانت مما تؤكل ; ألن بقاءها يف ملكه مع عدم اإلنفاق عليها ظلم ‪ ،‬والظلم جتب إزالته ‪.‬‬

‫كتاب القصاص واجلنايات‬

‫باب يف أحكام القتل وأنواعه‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫قد عرف فقهاؤنا رمحهم اهلل اجلنايات بأهنا مجع جناية ‪ ،‬وهي لغة التعدي على بدن أو مال أو عرض ‪.‬‬
‫وقد عقدوا للنوع األول منها ‪ -‬وهو التعدي على البدن ‪ -‬كتاب اجلنايات ‪ ،‬وعقدوا للنوع الثاين والثالث ‪ -‬ومها‬
‫التعدي على املال والعرض ‪ -‬كتاب احلدود ‪.‬‬
‫والتعدي على البدن هو ما يوجب قصاصا أو ماال أو كفارة ‪.‬‬
‫وقد أمجع املسلمون على حترمي القتل بغري حق ودليل ذلك من الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫َو اَل َتْق ُتُلوا الَّنْف َس اَّليِت َح َّر َم الَّلُه ِإاَّل ِباَحْلِّق‬ ‫‪ -‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫ال حيل دم امرئ مسلم إال بإحدى ثالث ‪ :‬الثيب الزاين ‪ ،‬والنفس‬ ‫‪ -‬وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه مسلم وغريه ‪ ،‬واألحاديث مبعناه كثرية ‪.‬‬ ‫بالنفس ‪ ،‬والتارك لدينه املفارق للجماعة‬
‫َو َمْن َيْق ُتْل ُمْؤ ِم ًنا ُمَتَعِّم ًد ا َفَجَز اُؤ ُه َجَه َّنُم َخ اِلًد ا ِفيَه ا‬ ‫فمن قتل مسلما عدوانا ; فقد توعده اهلل تعاىل بقوله ‪:‬‬
‫َو َغِض َب الَّلُه َعَلْيِه َو َلَعَنُه َو َأَعَّد َلُه َعَذ اًبا َعِظ يًم ا‬
‫وحكمه أنه فاسق ; الرتكابه كبرية من كبائر الذنوب ‪.‬‬
‫ِإَّن الَّلَه اَل َيْغِف ُر َأْن ُيْش َر َك ِبِه َو َيْغِف ُر َم ا ُدوَن‬ ‫وأمره إىل اهلل ‪ :‬إن شاء عذبه ‪ ،‬وإن شاء غفر له ‪ ،‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫فهو داخل حتت املشيئة ; ألن ذنبه دون الشرك ‪.‬‬ ‫ِل ِل‬
‫َذ َك َمْن َيَش اُء‬
‫ُقْل َيا ِعَباِد َي اَّلِذ يَن َأْس َر ُفوا َعَلى‬ ‫وهذا إذا مل يتب ‪ ،‬أما إذا تاب ; فتوبته مقبولة ; فقد قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫ِح‬ ‫ِمَج ِإ‬ ‫ِة َّلِه ِإ َّل ِف ُّذ‬ ‫ِم‬ ‫ِس ِه‬
‫َأْنُف ْم اَل َتْق َنُطوا ْن َر َمْح ال َّن ال َه َيْغ ُر ال ُنوَب يًعا َّنُه ُه َو اْلَغُف وُر الَّر يُم‬
‫لكن ال يسقط عنه حق املقتول يف اآلخرة مبجرد التوبة ‪ ،‬بل يأخذ املقتول من حسنات القاتل بقدر مظلمته ‪ ،‬أو‬
‫يعطيه اهلل من عنده ‪ ،‬وال يسقط حق املقتول بالقصاص ; ألن القصاص حق ألولياء املقتول ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪190‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫قال العالمة ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬التحقيق أن القتل تتعلق به ثالثة حقوق حق هلل ‪ ،‬وحق للمقتول ‪ ،‬وحق للويل ‪،‬‬
‫فإذا سلم القاتل نفسه طوعا للويل ندما وخوفا من اهلل ‪ ،‬وتاب توبة نصوحا ; سقط حق اهلل بالتوبة ‪ ،‬وحق األولياء‬
‫باستيفاء القصاص أو الصلح أو العفو ‪ ،‬وبقي حق املقتول ‪ ،‬يعوضه اهلل يوم القيامة عن عبده التائب ‪ ،‬ويصلح بينه‬
‫وبينه " ‪.‬‬

‫والقتل ينقسم إىل ثالثة أقسام عند أكثر أهل العلم ‪ ،‬وهي ‪ :‬القتل العمد ‪ ،‬والقتل شبه العمد ‪ ،‬والقتل اخلطأ ‪.‬‬
‫َو َم ا َك اَن ِلُم ْؤ ِم ٍن َأْن َيْق ُت ُمْؤ ِم ًنا ِإاَّل‬ ‫‪ -‬فأما العمد واخلطأ ; فقد ورد ذكرمها يف القرآن الكرمي ; قال تعاىل ‪:‬‬
‫َل‬
‫اآلية إىل قوله ‪:‬‬ ‫َخ َطًأ َو َمْن َقَتَل ُمْؤ ِم ًنا َخ َطًأ َفَتْح ِر يُر َر َقَبٍة ُمْؤ ِم َنٍة َو ِدَيٌة ُمَس َّلَم ٌة ِإىَل َأْه ِلِه ِإاَّل َأْن َيَّص َّد ُقوا‬
‫َو َمْن َيْق ُتْل ُمْؤ ِم ًنا ُمَتَعِّم ًد ا َفَجَز اُؤ ُه َجَه َّنُم َخ اِلًد ا ِفيَه ا َو َغِض َب الَّلُه َعَلْيِه َو َلَعَنُه َو َأَعَّد َلُه َعَذ اًبا َعِظ يًم ا‬
‫‪ -‬وأما شبه العمد ; فثبت يف السنة املطهرة ‪ ،‬كما يف حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ; أن النيب صلى اهلل‬
‫عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ‪ ،‬وال يقتل صاحبه ‪ ،‬وذلك أن ينزو الشيطان بني‬ ‫عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫رواه أمحد وأبو داود ‪.‬‬ ‫الناس ‪ ،‬فتكون دماء يف غري ضغينة وال محل سالح‬
‫أال إن قتيل اخلطأ شبه العمد قتيل‬ ‫وعن عبد اهلل بن عمرو ; أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫رواه اخلمسة إال الرتمذي ‪.‬‬ ‫السوط والعصا فيه مائة من اإلبل ‪ ،‬منها أربعون يف بطوهنا أوالدها‬

‫فالقتل العمد ‪ :‬هو أن يقصد من يعلمه آدميا معصوما فيقتله مبا يغلب على الظن موته به ‪.‬‬
‫فنأخذ من هذا التعريف أن القتل ال يكون عمدا إال إذا توفرت فيه هذه الشروط‬

‫الشرط األول ‪ :‬وجود القصد من القاتل ‪ ،‬وهي إرادة القتل ‪.‬‬

‫الشرط الثاين ‪ :‬أن يعلم أن الشخص الذي قصد قتله آدمي معصوم الدم ‪.‬‬

‫الشرط الثالث ‪ :‬أن تكون اآللة اليت قتله هبا مما يصلح للقتل عادة ‪ ،‬سواء كان حمددا أو غري حمدد ‪.‬‬

‫فإن اختل شرط من هذه الشروط ; مل يكن القتل عمدا ; ألن عدم القصد ال يوجب القود ‪ ،‬وحصول القتل‬
‫مبا ال يغلب على الظن موته به يكون اتفاقا لسبب أوجب املوت غريه ‪.‬‬
‫وللعمد تسع صور معلومة باالستقراء ‪:‬‬

‫إحداها ‪ :‬أن جيرحه مبا له نفوذ يف البدن ; كسكني وشوكة وحنو ذلك من احملددات ‪.‬قال املوفق ‪ " :‬ال اختالف فيه‬
‫بني العلماء فيما علمناه " ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪191‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫الثانية ‪ :‬أن يقتله مبثقل كبري كاحلجر وحنوه ‪ ،‬فإن كان احلجر صغريا ; فليس بعمد ; إال إن كان يف مقتل ‪ ،‬أو يف‬
‫حال ضعف قوة اجملين عليه من مرض أو صغر أو كرب أو حر أو برد وحنوه ‪ ،‬أو ردد ضربه باحلجر الصغري وحنوه‬
‫حىت مات ‪ ،‬ومثل قتله باملثقل لو ألقى عليه حائطا أو دهسه بسيارة أو ألقاه من مرتفع فمات ‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬أن يلقيه إىل حيوان مفرتس كأسد ‪ ،‬أو إىل حية ; ألنه إذا تعمد إلقاءه إىل هذه القواتل ; فقد تعمد قتله مبا‬
‫يقتل غالبا ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬أن يلقيه يف نار أو ماء يغرقه وال ميكنه التخلص منهما ‪.‬‬

‫اخلامسة‪ :‬أن خينقه حببل أو غريه أو يسد فمه وأنفه فيموت من ذلك ‪.‬‬

‫السادسة ‪ :‬أن حيبسه ومينع عنه الطعام والشراب فيموت من ذلك يف مدة ميوت فيها غالبا ‪ ،‬ويتعذر عليه الطلب ;‬
‫ألن هذا يقتل غالبا ‪.‬‬

‫السابعة ‪ :‬أن يقتله بسحر يقتل غالبا ‪ ،‬والساحر يعلم أن ذلك غالبا يقتل ‪.‬‬

‫الثامنة ‪ :‬أن يسقيه مسا ال يعلم به ‪ ،‬أو خيلطه بطعامه ‪ ،‬فيأكله جاهال بوجود السم فيه ‪.‬‬

‫التاسعة ‪ :‬أن يشهد عليه شهود مبا يوجب قتله من زنا أو ردة أو قتل ‪ ،‬فيقتل مث يرجع الشهود عن شهادهتم ‪،‬‬
‫ويقولون ‪ :‬تعمدنا قتله ‪ ،‬فيقتلون به ; ألهنم توصلوا إىل قتله مبا يقتل غالبا ‪.‬‬

‫وشبه العمد قد عرفه الفقهاء رمحهم اهلل بقوهلم ‪ " :‬هو أن يقصد جناية ال تقتل غالبا ‪ ،‬فيموت هبا اجملين‬
‫عليه ‪ ،‬سواء كان ذلك بقصد العدوان عليه ‪ ،‬أو ألجل تأديبه ‪ ،‬فيسرف يف ذلك ‪ ،‬ومسي هذا النوع من اجلنايات‬
‫شبه العمد ; ألن اجلاين قصد الفعل وأخطأ يف القتل " ‪.‬‬
‫قال ابن رشد ‪ " :‬من قصد ضرب رجل بعينه بآلة ال تقتل غالبا ; كان حكمه مرتددا بني العمد واخلطأ ‪ ،‬فشبهه‬
‫للعمد من جهة قصد ضربه ‪ ،‬وشبهه للخطأ من جهة ضربه مبا ال يقصد به القتل " انتهى ‪.‬‬
‫ومن أمثلة شبه العمد ما لو ضربه يف غري مقتل بسوط أو عصا صغري أو لكزه بيده أو لكمه يف غري مقتل فمات كان‬
‫ذلك شبه عمد ‪ ،‬جتب به الكفارة يف مال اجلاين ‪ ،‬وهي عتق رقبة ‪ ،‬فإن مل جيد ; صام شهرين متتابعني كما جيب يف‬
‫اقتتلت امرأتان من هذيل ‪ ،‬فرمت‬ ‫اخلطأ ‪ ،‬ووجبت الدية مغلظة يف مال عاقلة اجلاين ; حلديث أيب هريرة ‪:‬‬
‫إحدامها األخرى حبجر ‪ ،‬فقتلتها وما يف بطنها ‪ ،‬فقضى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بدية املرأة على عاقلتها‬
‫متفق عليه ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪192‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫فدل احلديث على عدم وجوب القصاص يف شبه العمد ‪ ،‬وعلى أن ديته تكون على عاقلة اجلاين ‪ ،‬ألنه قتل ال‬
‫يوجب قصاصا فكانت ديته على العاقلة كاخلطأ ‪.‬‬
‫قال ابن املنذر ‪ " :‬أمجع كل من حنفظ عنه من أهل العلم أهنا على العاقلة " ‪.‬‬
‫وقال املوفق وغريه ‪ " :‬ال نعلم خالفا أهنا على العاقلة ‪ " . . .‬انتهى ‪.‬‬

‫وأما قتل اخلطأ ; فقد عرفه الفقهاء بقوهلم ‪ :‬وهو أن يفعل ما له فعله ; مثل أن يرمي صيدا أو هدفا ‪ ،‬فيصيب‬
‫آدميا معصوما مل يقصده ‪ ،‬فيقتله أو يقتل مسلما يف صف كفار يظنه كافرا ‪.‬‬
‫وعمد الصيب واجملنون جيري جمرى اخلطأ ‪ ،‬ألهنما ليس هلما قصد ; فهما كاملكلف املخطئ ‪.‬‬
‫وجيري جمرى اخلطأ أيضا القتل بالتسبب ‪ ،‬كما لو حفر بئرا أو حفرة يف طريق ‪ ،‬أو أوقف فيه سيارة ‪ ،‬فتلف بسبب‬
‫ذلك إنسان‬
‫وجب بالقتل اخلطأ الكفارة يف مال القاتل ‪ ،‬وهي عتق رقبة مؤمنة ‪ ،‬فإن مل جيد الرقبة ‪ ،‬أو وجدها ومل يقدر على‬
‫مثنها ; صام شهرين متتابعني ‪ ،‬وجتب الدية على عاقلته ‪ ،‬وهم ذكور عصابته ‪.‬‬
‫َو َمْن َقَتَل ُمْؤ ِم ًنا‬ ‫ومن قتل مسلما يف صف كفار يظنه كافرا فإنه ال جيب فيه إال الكفارة فقط ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ْؤ ِم َت ِر ي ٍة‬ ‫ِم ٍم‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ ِلِه ِإ‬ ‫ٍة ِم ٍة ِد‬
‫َخ َطًأ َفَتْح ِر يُر َر َقَب ُمْؤ َن َو َيٌة ُمَس َّلَم ٌة ىَل َأْه اَّل َأْن َيَّص َّد ُقوا َف ْن َك اَن ْن َقْو َعُد ٍّو َلُك ْم َو ُه َو ُم ٌن َف ْح ُر َر َقَب‬
‫ُمْؤ ِم َنٍة َو ِإْن َك اَن ِم ْن َقْو ٍم َبْيَنُك ْم َو َبْيَنُه ْم ِم يَثاٌق َفِد َيٌة ُمَس َّلَم ٌة ِإىَل َأْه ِلِه َو ْحَتِر يُر َر َقَبٍة ُمْؤ ِم َنٍة َفَمْن ْمَل ِجَي ْد َفِص َياُم َش ْه َر ْيِن‬
‫ُمَتَتاِبَعِنْي َتْو َبًة ِم َن الَّلِه َو َك اَن الَّلُه َعِليًم ا َح ِكيًم ا‬
‫فجعل قتل اخلطأ على قسمني‬
‫‪ - :‬قسم فيه الكفارة على القاتل والدية على عاقلته ‪ ،‬وهو قتل املؤمن خطأ يف غري صف الكفار ‪ ،‬وفيما إذا كان‬
‫القتيل من قوم بيننا وبينهم عهد ‪.‬‬
‫‪ -‬وقسم جتب فيه الدية فقط ‪ ،‬وهو قتل املؤمن بني الكفار يظنه القاتل كافرا ‪.‬‬
‫ْؤ ِم َت ِر ي ٍة‬ ‫ِم ٍم‬ ‫ِإ‬
‫َف ْن َك اَن ْن َقْو َعُد ٍّو َلُك ْم َو ُه َو ُم ٌن َف ْح ُر َر َقَب‬ ‫قال اإلمام الشوكاين رمحه اهلل يف " فتح القدير " ‪:‬‬
‫أي ‪ :‬فإن كان املقتول من قوم عدو لكم ‪ ،‬وهم الكفار احلربيون ‪ ،‬وهذه مسألة املؤمن الذي يقتله‬ ‫ْؤ ِم َنٍة‬
‫ُم‬
‫املسلمون يف بالد الكفار الذين كان منهم ‪ ،‬مث أسلم ومل يهاجر ‪ ،‬وهم يظنون أنه مل يسلم ‪ ،‬وأنه باق على دين قومه‬
‫; فال دية على قاتله ‪ ،‬بل عليه حترير رقبة مؤمنة‬
‫واختلفوا يف وجه سقوط الدية ; فقيل ‪ :‬وجهه أن أولياء القتيل كفار ‪ ،‬ال حق هلم يف الدية ‪ ،‬وقيل ‪ :‬وجهه أن هذا‬
‫ِت ِم‬ ‫ِم‬ ‫ِج‬ ‫ِذ‬
‫َو اَّل يَن آَم ُنوا َو ْمَل ُيَه ا ُر وا َم ا َلُك ْم ْن َو اَل َي ِه ْم ْن‬ ‫الذي آمن ومل يهاجر حرمته قليلة ; لقول اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫وقال بعض أهل العلم ‪ :‬إن ديته واجبة لبيت املال ‪ " . . .‬انتهى ‪.‬‬ ‫ٍء‬
‫َش ْي‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬هذا يف املسلم الذي هو بني الكفار معذور كاألسري ‪ ،‬واملسلم الذي ال‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪193‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫متكنه اهلجرة واخلروج من صفهم ‪ ،‬فأما الذي يقف يف صف قتاهلم باختياره ; فال يضمن حبال ; ألنه عرض نفسه‬
‫للتلف بال عذر " ‪.‬‬
‫قضى رسول اهلل‬ ‫والدليل على وجوب دية قتل اخلطأ على عاقلة القاتل حديث أيب هريرة رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم يف جنني امرأة من بين حليان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ‪ ،‬مث إن املرأة اليت قضى عليها بالغرة‬
‫متفق‬ ‫توفيت ‪ ،‬فقضى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن مرياثها لزوجها وبنتيها ‪ ،‬وأن العقل على عصبتها‬
‫عليه ‪.‬‬
‫فدل احلديث على أن دية اخلطأ على العاقلة ‪ ،‬وقد أمجعوا على ذلك ‪.‬‬
‫واحلكمة يف ذلك ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬أن إجياب الدية يف مال املخطئ فيه ضرر عظيم من غري ذنب تعمده ‪ ،‬واخلطأ يكثر‬
‫وقوعه ; ففي حتميله ضمان خطئه إجحاف مباله ‪ ،‬وال بد من إجياب بدل للمقتول ; ألنه نفس حمرتمة ‪ ،‬ويف إهدار‬
‫دمه إضرار بورثته ‪ ،‬ال سيما عائلته ‪ ،‬فالشارع احلكيم أوجب على من عليهم مواالة القاتل ونصرته أن يعينوه على‬
‫ذلك ‪ ،‬وذلك كإجياب النفقات ‪ ،‬وفكاك األسري ‪ ،‬وألن العاقلة يرثون املعقول عنه لو مات يف اجلملة ; فهم‬
‫يتحملون عنه جنايته اخلطأ من قبيل ‪ " :‬الغنم بالغرم " ‪.‬‬
‫ومحل القاتل الكفارة ألمور ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬احرتام النفس الذاهبة ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬لكون القتل ال خيلو من تفريطه ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬لئال خيلو القاتل عن حتمل شيء ‪ ،‬حيث مل حيمل من الدية ‪.‬‬

‫فكان يف جعل الدية على العاقلة والكفارة على القاتل عدة حكم ومصاحل ‪ ،‬فسبحان احلكيم العليم ‪ ،‬الذي شرع‬
‫للناس ما يصلحهم وينفعهم يف دينهم ودنياهم ‪.‬‬
‫وال يدخل يف العاقلة الرقيق والفقري والصغري واجملنون واألنثى واملخالف لدين اجلاين ; ألن هؤالء ليسوا من أهل‬
‫النصرة واملواساة ‪.‬‬
‫وتؤجل دية اخلطأ على العاقلة ثالث سنني ‪ ،‬وجيتهد احلاكم يف حتميل كل منهم ما يستطيع ‪ ،‬ويبدأ باألقرب‬
‫فاألقرب ‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬ال تؤجل الدية على العاقلة إذا رأى اإلمام املصلحة يف ذلك ‪ " . . .‬انتهى‬
‫‪.‬‬

‫باب يف أحكام القصاص‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪194‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫َّلِذ‬
‫َيا َأُّيَه ا ا يَن‬ ‫أمجع العلماء على مشروعية القصاص يف القتل العمد إذا توفرت شروطه ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َو َك َتْبَنا‬ ‫وقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫آَم ُنوا ُك ِتَب َعَلْيُك ُم اْلِق َص اُص يِف اْلَق ْتَلى اُحْلُّر ِباُحْلِّر َو اْلَعْبُد ِباْلَعْبِد َو اُأْلْنَثى ِباُأْلْنَثى‬
‫وهذا يف شريعة التوراة ‪ ،‬وشرع من قبلنا شرع لنا ما مل يرد شرعنا خبالفه ‪،‬‬ ‫َعَلْيِه ْم ِفيَه ا َأَّن الَّنْف ِبالَّنْف ِس‬
‫َس‬
‫ِق‬
‫َو َلُك ْم يِف اْل َص اِص َحَياٌة َيا ُأويِل اَأْلْلَباِب َلَعَّلُك ْم َتَّتُقوَن‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬
‫قال اإلمام الشوكاين رمحه اهلل ‪ " :‬أي لكم يف هذا احلكم الذي شرعه اهلل لكم حياة ; ألن الرجل إذا علم أنه يقتل‬
‫قصاصا إذا قتل آخر ‪ ،‬كف عن القتل ‪ ،‬وانزجر عن التسرع إليه والوقوع فيه ‪ ،‬فيكون ذلك مبنزلة احلياة للنفوس‬
‫اإلنسانية ‪ ،‬وهذا نوع من البالغة بليغ ‪ ،‬وجنس من الفصاحة رفيع ; فإنه جعل القصاص الذي هو موت حياة‬
‫باعتبار ما يؤول إليه من ارتداع الناس عن قتل بعضهم بعضا ; إبقاء على أنفسهم ‪ ،‬واستدامة حلياهتم ‪ ،‬وجعل هذا‬
‫اخلطاب موجها إىل أويل األلباب ; ألهنم هم الذين ينظرون يف العواقب ‪ ،‬ويتحامون ما فيه الضرر اآلجل ‪ ،‬وأما من‬
‫كان مصابا باحلمق والطيش واخلفة ; فإنه ال ينظر عند ثورة غضبه وغليان مراجل طيشه إىل عاقبة ‪ ،‬وال يفكر يف‬
‫أمر مستقبل ; كما قال بعض فتاكهم ‪:‬‬

‫علي قضاء اهلل ما كان جالبا‬ ‫سأغسل عين العار بالسيف جالبا‬

‫أي ‪ :‬تتحامون القتل‬ ‫َلَعَّلُك ْم َتَّتُقوَن‬ ‫مث علل سبحانه هذا احلكم الذي شرعه لعباده بقوله ‪:‬‬
‫باحملافظة على القصاص ‪ ،‬فيكون ذلك سببا للتقوى ‪ " . . .‬انتهى ‪.‬‬

‫وجاءت السنة النبوية بأن ويل القصاص خيري بني استيفائه ‪ ،‬وبني العفو إىل أخذ الدية ‪ ،‬أو العفو جمانا ‪ ،‬وهو‬
‫من قتل له قتيل ; فهو‬ ‫أفضل ; فقد روى أبو هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ; أنه قال ‪:‬‬
‫ِف‬ ‫رواه اجلماعة إال الرتمذي ‪ ،‬وقال اهلل تعاىل ‪:‬‬ ‫خبري النظرين ‪ :‬إما أن يودى ‪ ،‬وإما أن يقاد‬
‫َفَمْن ُع َي‬
‫َل ِم َأِخ يِه َش َفاِّت اٌع ِباْل وِف َأ ا ِإَل ِه ِبِإ اٍن‬
‫َم ْع ُر َو َد ٌء ْي ْح َس‬ ‫ْي ٌء َب‬ ‫ُه ْن‬
‫فدلت اآلية الكرمية واحلديث على أن الويل خيري بني القصاص والدية ‪ ،‬فإن شاء ; اقتص ‪ ،‬وإن شاء ; أخذ الدية ‪،‬‬
‫ما عفا‬ ‫وحلديث أيب هريرة ‪:‬‬ ‫َو َأْن َتْع ُف وا َأْقَر ُب ِللَّتْق َو ى‬ ‫وعفوه جمانا أفضل ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫رواه أمحد ومسلم والرتمذي ‪.‬‬ ‫رجل عن مظلمة ; إال زاده اهلل هبا عزا‬
‫فالعفو عن القصاص أفضل ما مل يؤد ذلك إىل مفسدة ; فقد اختار شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل أن العفو ال‬
‫يصلح يف قتل الغيلة ; لتعذر االحرتاز منه ; كالقتل مكابرة ‪ ،‬وذكر القاضي وجها أن قاتل األئمة يقتل حدا ألن‬
‫فساده عام ‪ ،‬وذكر العالمة ابن القيم على قصة العرنيني ‪ " :‬أن قتل الغيلة يوجب قتل القاتل حدا ; فال يسقطه العفو‬
‫‪ ،‬وال تعترب فيه املكافأة ‪ ،‬وهو مذهب أهل املدينة ‪ ،‬وأحد الوجهني يف مذهب أمحد ‪ ،‬واختيار الشيخ ‪ ،‬وأفىت به‬
‫رمحه اهلل ‪ " . . .‬انتهى ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪195‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وال يستحق ويل القتيل القصاص إال بتوفر شروط أربعة ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬عصمة املقتول ; بأن ال يكون مهدر الدم ‪ ،‬ألن القصاص شرع حلقن الدماء ‪ ،‬ومهدر الدم غري حمقون ‪،‬‬
‫فلو قتل مسلم كافرا حربيا أو مرتدا قبل توبته أو قتل زانيا ; مل يضمنه بقصاص ‪ ،‬وال دية ‪ ،‬لكنه يعزر الفتياته على‬
‫احلاكم ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬أن يكون القاتل بالغا عاقال ‪ ،‬ألن القصاص عقوبة مغلظة ‪ ،‬ال جيوز إيقاعها على الصغري واجملنون ; لعدم‬
‫رفع القلم عن‬ ‫وجرد القصد منهما ‪ ،‬أو ألنه ليس هلما مقصود صحيح ‪ ،‬ولقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫قال اإلمام موفق الدين ابن‬ ‫ثالثة ‪ :‬عن النائم حىت يستيقظ ‪ ،‬وعن الصيب حىت يبلغ ‪ ،‬وعن اجملنون حىت يفيق‬
‫قدامة ‪ " :‬ال خالف بني أهل العلم يف أنه ال قصاص على صيب وال جمنون ‪ ،‬وكذلك كل زائل العقل بسبب يعذر‬
‫فيه ; كالنائم واملغمى عليه " ‪.‬‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬املكافأة بني املقتول وقاتله حال جنايته ; بأن يساويه يف الدين واحلرية والرق ; فال يكون القاتل‬
‫أفضل من املقتول بسالم أو حرية ‪:‬‬
‫رواه البخاري وأبو‬ ‫وال يقتل مسلم بكافر‬ ‫‪ -‬فال يقتل مسلم بكافر ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫داود ‪.‬‬
‫من السنة أن ال يقتل حر بعبد‬ ‫‪ -‬وال يقتل حر بعبد ; ملا رواه أمحد عن علي رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫وألن اجملين عليه إذا مل يكن مساويا للقاتل فيما ذكر ; كان أخذه به أخذا ألكثر من احلق ‪.‬‬
‫وال يؤثر التفاضل بني اجلاين واجملين عليه يف غري ما ذكر ‪ ،‬فيقتل اجلميل بالدميم ‪ ،‬والشريف بضده ‪ ،‬والكبري بالصغري‬
‫ِه ِف‬
‫َو َك َتْبَنا َعَلْي ْم يَه ا َأَّن الَّنْف َس‬ ‫‪ ،‬ويقتل الذكر باألنثى ‪ ،‬والصحيح باجملنون واملعتوه ; لعموم قوله تعاىل ‪:‬‬
‫اُحْلُّر ِباُحْلِّر‬ ‫وقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ِبالَّنْف ِس‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬عدم الوالدة ‪ ،‬بأن ال يكون املقتول ولدا للقاتل وال البنه وإن سفل ‪ ،‬وال لبنته وإن سفلت ; فال‬
‫ال يقتل والد بولده‬ ‫يقتل أحد األبوين وإن عال بالولد وإن سفل ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫قال ابن عبد الرب " هو حديث مشهور عند أهل العلم باحلجاز والعراق مستفيض عندهم ‪ . . .‬انتهى ‪.‬‬
‫وهبذا احلديث وحنوه ختص العمومات الواردة بوجوب القصاص ‪ ،‬وهو قول مجهور أهل العلم ‪.‬‬
‫وإمنا خص منه‬ ‫ُك ِتَب َعَلْيُك ُم اْلِق َص اُص يِف اْلَق ْتَلى‬ ‫ويقتل الولد بكل من األبوين ; لعموم قوله تعاىل ‪:‬‬
‫الوالد إذا قتل ولده بالدليل ‪.‬‬
‫فإذا توافرت هذه الشروط األربعة ; استحق أولياء القتيل القصاص ‪.‬‬

‫َو َلُك ْم يِف اْلِق َص اِص َحَياٌة‬ ‫وتشريع القصاص فيه رمحة بالناس وحفظ لدمائهم كما قال تعاىل ‪:‬‬
‫فتبا لقوم يقولون ‪ :‬إن القصاص وحشية وقسوة ‪ ،‬وهؤالء مل ينظروا إىل وحشية اجلاين حني إقدامه على قتل‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪196‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫الربيء ‪ ،‬وإقدامه على بث الرعب يف البلد ‪ ،‬وإقدامه على ترميل النساء وتيتيم األطفال وهدم البيوت ‪ ،‬هؤالء‬
‫ِم‬ ‫ِهِل ِة‬
‫َأَفُح ْك َم اَجْلا َّي َيْبُغوَن َو َمْن َأْح َسُن َن‬ ‫يرمحون املعتدي وال يرمحون الربيء ; فتبا لعقوهلم ‪ ،‬وتبا لقصورهم ‪،‬‬
‫الَّلِه ُح ْك ًم ا ِلَق ْو ٍم ُيوِقُنوَن‬
‫والقصاص هو فعل جمين عليه أو فعل وليه جبان مثل فعله أو شبهه ‪ ،‬وحكمته التشفي وبرد حرارة الغيظ ; فقد شرع‬
‫اهلل القصاص زجرا عن العدوان ‪ ،‬واستدراكا ملا يف النفوس ‪ ،‬وإذاقة للجاين ما أذاقه اجملين عليه ‪ ،‬وفيه بقاء وحياة‬
‫النوع اإلنساين ‪.‬‬
‫وكانت اجلاهلية تبالغ يف االنتقام ‪ ،‬وتأخذ يف اجلرمية غري اجملرم ‪ ،‬وهذا جور ال حيصل به املقصود ‪ ،‬بل هو زيادة فتنة‬
‫وإشاطة للدماء ‪ ،‬وقد جاء دين اإلسالم وشريعته الكاملة بتشريع القصاص وإيقاع العقاب باجلاين وحده ; فحصل‬
‫بذلك العدل والرمحة وحقن الدماء ‪.‬‬

‫وقد سبق بيان شرط وجوب القصاص ‪ ،‬لكن تلك الشروط ولو توفرت ووجب القصاص ; فإنه ال جيوز‬
‫تنفيذه ; إال بعد توفر شروط أخرى ذكرها الفقهاء رمحهم اهلل ‪ ،‬ومسوها ‪ :‬شروط استيفاء القصاص وهي ثالثة‬
‫شروط ‪:‬‬
‫الشرط األول ‪ :‬أن يكون مستحق القصاص مكلفا ; أي ‪ :‬بالغا عاقال ‪ ،‬فإن كان مستحق القصاص أو بعض‬
‫مستحقيه صبيا أو جمنونا ; مل يستوفه هلما وليهما ; ألن القصاص ملا فيه من التشفي واالنتقام ‪ ،‬وال حيصل ذلك‬
‫ملستحقه باستيفاء غريه ; فيجب االنتظار يف تنفيذ القصاص ‪ ،‬وحيبس اجلاين إىل حني بلوغ الصغري وإفاقة اجملنون من‬
‫مستحقيه ; ألن معاوية حبس هدبة بن خشرم يف قصاص ‪ ،‬حىت بلغ ابن القتيل ‪ ،‬وكان ذلك يف عصر الصحابة ‪،‬‬
‫فلم ينكر ‪ ،‬فكان إمجاعا من الصحابة الذين يف عصر معاوية ‪.‬‬
‫فإن احتاج الصغري أو اجملنون من أولياء القصاص إىل نفقة ; فلويل اجملنون فقط العفو إىل الدية ; ألن اجملنون ال يدري‬
‫مىت يزول خبالف الصيب ‪.‬‬
‫الشرط الثاين ‪ :‬اتفاق األولياء واملشرتكني يف القصاص على استيفائه ‪ ،‬وليس لبعضهم أن ينفرد به دون البعض اآلخر‬
‫‪ ،‬ألن االستيفاء حق مشرتك ‪ ،‬ال ميكن تبعيضه ‪ ،‬فإذا استوىف بعضهم ; كان مستوفيا حلق غريه بغري إذنه ‪ ،‬وال والية‬
‫عليه ‪.‬‬
‫وإن كان من بقي من الشركاء يف استحقاق القصاص غائبا أو صغريا أو جمنونا ‪ ،‬انتظر قدوم الغائب وبلوغ ‪.‬‬
‫الصغري وعقل اجملنون منهم ‪.‬‬
‫ومن مات من مستحقي القصاص ; قام وارثه مقامه ‪.‬‬
‫وإن عفا بعض املشرتكني يف استحقاق القصاص ; سقط القصاص ‪.‬‬
‫‪ -380 -‬ويشرتك يف استحقاق القصاص مجيع الورثة بالنسب والسبب ‪ :‬الرجال والنساء ‪ ،‬الكبار والصغار ‪ ،‬وقال‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪197‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫بعض العلماء ‪ :‬إن العفو خيتص بالعصبة فقط ‪ ،‬وهو قول اإلمام مالك ‪ ،‬ورواية عن اإلمام أمحد ‪ ،‬واختاره شيخ‬
‫اإلسالم ابن تيمية ‪.‬‬
‫َو َمْن ُقِتَل َم ْظُلوًم ا َفَقْد َجَعْلَنا‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬أن يؤمن االستيفاء أن يتعدى إىل غري اجلاين ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِلَو ِلِّيِه ُس ْلَطاًنا َفاَل ُيْس ِر ْف يِف اْلَقْتِل ِإَّنُه َك اَن َم ْنُصوًر ا‬
‫فإذا أفضى القصاص إىل التعدي ; فهو إسراف ‪ ،‬وقد دلت اآلية الكرمية على املنع منه ‪ ،‬فإذا وجب القصاص على‬
‫حامل أو من محلت بعد وجوب القصاص عليها ; مل تقتل حىت تضع ولدا ; ألن قتلها يتعدى إىل اجلنني ‪ ،‬وهو‬
‫مث بعد وضعه ‪ :‬إن وجد من يرضعه ; أعطي‬ ‫َو اَل َتِز ُر َو اِز َر ٌة ِو ْز َر ُأْخ َر ى‬ ‫بريء ‪ ،‬وقد قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫ملن يرضعه ‪ ،‬وقتلت ‪ :‬لزوال املانع من القصاص ‪ ،‬لقيام غريها مقامها يف إرضاع الولد ‪ ،‬وإن مل يوجد من يرضعه ;‬
‫إذا قتلت املرأة عمدا ‪ ،‬مل تقتل حىت تضع ما يف‬ ‫تركت حىت تفطمه حلولني ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫بطنها إن كانت حامال ‪ ،‬وحىت تكفل ولدها ‪ ،‬وإذا زنت ; مل ترجم حىت تضع ما يف بطنها إن كانت حامال ‪،‬‬
‫" ارجعي‬ ‫رواه ابن ماجه ‪ ،‬ولقوله صلى اهلل عليه وسلم للمرأة املقرة بالزنا ‪:‬‬ ‫وحىت تكفل ولدها‬
‫" ارجعي حىت ترضعيه "‬ ‫مث قال هلا ‪:‬‬ ‫حىت تضعي ما يف بطنك "‬
‫فدل احلديثان واآلية على تأخري القصاص من أجل احلمل ‪ ،‬وهو إمجاع ‪ ،‬وهذا يدل على كمال هذه الشريعة‬
‫وعدالتها ‪ ،‬حيث راعت حق األجنة يف البطون ; فلم جتز إحلاق الضرر هبم ‪ ،‬وراعت حق األطفال والضعفة ‪،‬‬
‫فدفعت عنهم الضرر ‪ ،‬وكفلت هلم ما يبقي عليهم حياهتم ; فلله احلمد على هذه الشريعة السمحاء الكاملة الشاملة‬
‫ملصاحل العباد ‪.‬‬
‫وإذا أريد تنفيذ القصاص ; فال بد أن يتم تنفيذه بإشراف اإلمام أو نائبه ; ليمنع اجلور يف تنفيذه ‪ ،‬ويلزم بالوجه‬
‫الشرعي يف ذلك ‪.‬‬
‫ويشرتط يف اآللة اليت ينفذ هبا القصاص أن تكون ماضية ; كسيف وسكني ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫إذا قتلتم ; فأحسنوا القتلة‬
‫ومينع استيفاء القصاص بآلة كالة ; ألن ذلك إسراف يف القتل ‪.‬‬
‫مث إن كان الويل حيسن االستيفاء على الوجه الشرعي ‪ ،‬وإال ; أمره احلاكم أن يوكل من يقتص له ‪.‬‬
‫َو ِإْن َعاَقْبُتْم َفَعاِقُبوا ِمِبْثِل َم ا‬ ‫والصحيح من قويل العلماء أنه يفعل باجلاين كما فعل باجملين عليه ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِه ِمِب‬ ‫وِق ُت ِبِه‬
‫والنيب صلى‬ ‫َفَم ِن اْعَتَد ى َعَلْيُك ْم َفاْعَتُد وا َعَلْي ْثِل َم ا اْعَتَد ى َعَلْيُك ْم‬ ‫وقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ُع ْب ْم‬
‫اهلل عليه وسلم أمر برض رأس يهودي لرضه رأس جارية من األنصار ‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬والكتاب وامليزان على أنه يفعل باجلاين كما فعل باجملين عليه ‪ ،‬كما فعل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وقد اتفق على ذلك الكتاب والسنة وآثار الصحابة ‪ " . . .‬انتهى ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪198‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫فعلى هذا ; لو قطع يديه ‪ ،‬مث قتله ; فعل به ذلك ‪ ،‬وإن قتله حبجر أو غرقه أو غري ذلك ; فعل به مثل ما فعل ‪ ،‬وإن‬
‫أراد ويل القصاص أن يقتص على ضرب عنقه بالسيف ; فله ذلك ‪ ،‬وهو أفضل ‪ ،‬وإن قتله مبحرم ; تعني قتله‬
‫بالسيف ‪ ،‬ومثل قتل السيف يف الوقت احلاضر قتله بإطالق الرصاص عليه ممن حيسن الرمي ‪.‬‬

‫باب يف القصاص يف األطراف‬

‫القصاص يف األطراف واجلروح ثابت بالكتاب والسنة واإلمجاع ‪:‬‬


‫َو َك َتْبَنا َعَلْيِه ْم ِفيَه ا َأَّن الَّنْف َس ِبالَّنْف ِس َو اْلَعَنْي ِباْلَعِنْي َو اَأْلْنَف ِباَأْلْنِف َو اُأْلُذَن ِباُأْلُذِن َو الِّس َّن‬ ‫‪ -‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫ِق‬
‫ِبالِّسِّن َو اُجْلُر وَح َص اٌص‬
‫كتاب اهلل القصاص‬ ‫‪ -‬ويف " الصحيحني " يف قصة كسر ثنية الربيع قال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فمن أقيد بأحد يف النفس ; أقيد به يف الطرف واجلروح إذا توفرت شروط القصاص السابقة ‪ ،‬وهي ‪ :‬العصمة ‪،‬‬
‫والتكليف ‪ ،‬واملكافأة ‪ ،‬وعدم الوالدة ‪ ،‬وذلك بأن يكون اجملين عليه معصوما ‪ ،‬واجلاين مكلفا ‪ ،‬ويكون اجملين عليه‬
‫مكافئا للجاين يف احلرية والرق ‪ ،‬ويكون اجلاين غري والد للمجين عليه ‪ ،‬ومن ال يقاد بأحد بالنفس ; ال يقاد به يف‬
‫الطرف واجلروح ‪ ،‬هذه هي القاعدة يف هذا الباب ‪.‬‬
‫وموجب القصاص يف األطراف واجلروح هو موجب القصاص يف النفس ‪ ،‬وهو العمد احملض ; فال قود يف اخلطأ وال‬
‫يف شبه العمد ‪ ،‬وجيري القصاص يف األطراف ‪ ،‬فتؤخذ العني بالعني ‪ ،‬واألنف باألنف ‪ ،‬واألذن باألذن ‪ ،‬واليد باليد‬
‫‪ ،‬والرجل بالرجل ; اليمىن باليمىن ‪ ،‬واليسرى باليسرى ‪ ،‬من كل ما ذكر ‪ ،‬ويكسر سن اجلاين بسن اجملين عليه‬
‫املماثلة هلا ‪ ،‬ويؤخذ اجلفن باجلفن ‪ ،‬األعلى باألعلى ‪ ،‬واألسفل باألسفل ‪ ،‬وتؤخذ الشفة بالشفة ; العليا بالعليا ‪،‬‬
‫وألن كال من اجلفن والشفة له حد ينتهي إليه ‪،‬‬ ‫ِق‬
‫َو اُجْلُر وَح َص اٌص‬ ‫والسفلى بالسلفي ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫وتؤخذ اإلصبع باإلصبع اليت متاثلها يف موضعها ويف امسها ‪ ،‬وتؤخذ الكف بالكف املماثلة ; اليمىن باليمىن ‪،‬‬
‫واليسرى باليسرى ‪ ،‬ويؤخذ الرفق مبثله ; األمين باألمين ‪ ،‬واأليسر باأليسر ; للمماثلة فيهما ‪ ،‬ويؤخذ الذكر‬
‫ِق‬
‫َو اُجْلُر وَح َص اٌص‬ ‫بالذكر ‪ ،‬ألن له حدا ينتهي إليه ‪ ،‬وميكن القصاص فيه من غري حيف ; لعموم قوله تعاىل ‪:‬‬

‫ويشرتط للقصاص يف الطرف ثالثة شروط‬

‫الشرط األول ‪ :‬األمن من احليف ‪ ،‬وذلك بأن يكون القطع من مفصل أو له حد ينتهي إليه ‪ ،‬فإن مل يكن كذلك ‪،‬‬
‫مل جيز القصاص ‪ ،‬فال قصاص يف جراحة ال تنتهي إىل حد ; كاجلائفة ‪ ،‬وهي اليت تصل إىل باطن اجلوف ; ألهنا ليس‬
‫هلا حد ينتهي القطع إليه ‪ ،‬وال قصاص يف كسر عظم غري سن ; ككسر الساق والفخذ والذراع ; لعدم إمكان‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪199‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫املماثلة ‪ ،‬أما كسر السن ; فيجري فيه القصاص ; بأن يربد سن اجلاين حىت يؤخذ منه قدر ما كسر من سن اجملين‬
‫عليه ‪.‬‬

‫الشرط الثاين ‪ :‬التماثل بني عضوي اجلاين واجملين عليه يف االسم واملوضع ; فال تؤخذ ميني بيسار وال يسار بيمني من‬
‫األيدي واألرجل واألعني واآلذان وحنوها ‪ ،‬ألن كل واحد منها خيتص باسم ‪ ،‬وله منفعة خاصة ; فال متاثل ‪ ،‬وال‬
‫تؤخذ خنصر ببنصر من األصابع ‪ ،‬لالختالف يف االسم ‪ ،‬وال يؤخذ عضو أصلي بعضو زائد ‪.‬‬

‫الشرط الثالث ‪ :‬استواء العضوين من اجلاين واجملين عليه يف الصحة والكمال ‪ ،‬فال يؤخذ يد أو رجل صحيحة بيد أو‬
‫رجل شالء ‪ ،‬وال تؤخذ يد أو رجل كاملة األصابع أو األظفار بناقصتها ‪ ،‬وال تؤخذ عني صحيحة بعني قائمة ‪،‬‬
‫وهي اليت بياضها وسوادها صافيان غري أهنا ال تبصر ; لعدم التساوي ‪ ،‬وال يؤخذ لسان ناطق بلسان أخرس ; لنقصه‬
‫‪ ،‬ويؤخذ العضو الناقص بالعضو الكامل ‪ ،‬فتؤخذ الشالء بالصحيحة ‪ ،‬وناقصة األصابع بكاملة األصابع ‪ ،‬ألن‬
‫املعيب من ذلك كالصحيح يف اخللقة ‪ ،‬وإمنا نقص يف الصفة ‪ ،‬وألن املقتص يأخذ بعض حقه ; فال حيف ‪ ،‬وإن شاء‬
‫أخذ الدية بدل القصاص ‪.‬‬

‫وأما القصاص يف اجلروح‬


‫‪ -‬فيقتص يف كل جرح ينتهي إىل عظم ; إلمكان االستيفاء فيه بال حيف وال زيادة ‪ ،‬وذلك كالشجة املوضحة يف‬
‫ِق‬
‫َو اُجْلُر وَح َص اٌص‬ ‫الرأس والوجه ‪ ،‬وكجرح العضد والساق والفخذ والقدم ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫‪ -‬وأما ما ال ينتهي إىل عظم ‪ ،‬فال جيوز القصاص فيه من اجلراحات ‪ ،‬سواء كانت شجة أو غريها ; كاجلائفة ‪،‬‬
‫وهي اليت تصل إىل باطن جوف ; كبطن وصدر وحنر ; لعدم األمن من احليف والزيادة ‪.‬‬
‫واملأمومة ‪ :‬هي الشجة‬ ‫ال قود يف املأمومة وال يف اجلائفة وال يف املنقلة‬ ‫روى ابن ماجه مرفوعا ‪:‬‬
‫اليت تصل إىل جلدة الدماغ ‪ ،‬واجلائفة ‪ :‬هي اليت تصل إىل باطن جوف ‪ ،‬واملنقلة ‪ :‬هي اليت تشم الرأس وتنقل‬
‫العظام ‪ .‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬القصاص يف اجلراح ثابت بالكتاب والسنة واإلمجاع بشرط‬
‫املساواة ‪ ،‬فإذا شجه ; فله شجه كذلك ‪ ،‬فإذا مل ميكن ; مثل أن يكسر عظما باطنا ‪ ،‬أو شجه دون املوضحة ; فال‬
‫يشرع القصاص ‪ ،‬بل جتب الدية ‪.‬‬
‫وأما القصاص يف الضربة بيده أو بعصا أو سوط وحنو ذلك ‪:‬‬
‫قال الشيخ ‪ :‬فقالت طائفة ‪ :‬ال قصاص فيه ‪ ،‬بل فيه التعزير ‪ ،‬واملأثور عند اخللفاء وغريهم من الصحابة والتابعني ‪:‬‬
‫أن القصاص مشروع يف ذلك ‪ ،‬وهو نص أمحد وغريه من الفقهاء ‪ ،‬وبذلك جاءت سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وهو الصواب ‪.‬‬
‫إين ما أرسل عمايل ليضربوا أبشاركم ‪ ،‬فوالذي نفسي بيده ; من فعل ; ألقصنه ‪ ،‬وقد رأيت‬ ‫قال عمر ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪200‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫رواه أمحد ‪ .‬ومعناه أن يضرب الوايل رعيته ضربا غري جائز‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقص من نفسه‬
‫‪ ،‬فأما الضرب املشروع ; فال قصاص فيه باإلمجاع " انتهى كالم الشيخ ‪.‬‬
‫وقال ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬قالت الشافعية واحلنفية واملالكية ومتأخرو األصحاب ‪ :‬ال قصاص يف اللطمة والضربة ‪،‬‬
‫وحكى بعضهم اإلمجاع ‪ ،‬وخرجوا عن حمض القياس وموجب النصوص وإمجاع الصحابة ‪ ،‬وقال تعاىل ‪:‬‬
‫فالواجب للملطوم أن يفعل باجلاين عليه كما فعل به ; فلطمة بلطمة ‪،‬‬ ‫ِإْن ا ُت اِق وا ِمِبْثِل ا وِق ُت ِبِه‬
‫َم ُع ْب ْم‬ ‫َو َع َقْب ْم َفَع ُب‬
‫وضربة بضربة ‪ ،‬يف حملها ‪ ،‬باآللة اليت لطمه هبا ‪ ،‬أو مثلها أقرب إىل املماثلة املأمور هبا حسا وشرعا من تعزير بغري‬
‫جنس اعتدائه وصفته ‪ ،‬وهذا هدي الرسول صلى اهلل عليه وسلم وخلفائه ‪ ،‬وحمض القياس ‪ ،‬ونصوص أمحد " انتهى‬
‫‪.‬‬

‫باب يف القصاص من اجلماعة للواحد‬

‫إذا اشرتك مجاعة يف قتل شخص عمدا عدوانا اقتص له منهم مجيعا ‪ ،‬وقتلوا به على الصحيح من قويل العلماء‬
‫إىل قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫َيا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ُك ِتَب َعَلْيُك ُم اْلِق َص اُص يِف اْلَق ْتَلى‬ ‫رمحهم اهلل ‪ ،‬لعموم قوله تعاىل ‪:‬‬
‫وإلمجاع الصحابة على ذلك ; فقد روى‬ ‫َو َلُك ْم يِف اْلِق َص اِص َحَياٌة َيا ُأويِل اَأْلْلَباِب َلَعَّلُك ْم َتَّتُقوَن‬
‫أن عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجال واحدا ‪ ،‬وقال‬ ‫سعيد بن املسيب ‪.‬‬
‫وثبت عن آخرين من الصحابة أيضا قتل‬ ‫رضي اهلل عنه ‪ " :‬لو متاأل عليه أهل صنعاء ; لقتلتهم به مجيعا "‬
‫اجلماعة بالواحد ‪ ،‬ومل يعرف هلم خمالف يف عصرهم ‪ ،‬فكان إمجاعا ‪.‬‬
‫قال اإلمام العالمة ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬اتفق الصحابة وعامة الفقهاء على قتل اجلميع بالواحد ‪ ،‬وإن كان أصل‬
‫القصاص مينع ذلك ; لئال يكون عدم القصاص ذريعة إىل التعاون على سفك الدماء " انتهى‬
‫وقال ابن رشد ‪ " :‬فإن مفهومه ( أي ‪ :‬القصاص ) ‪ :‬أن القتل إمنا شرع لينفي القتل كما نبه عليه القرآن ‪ ،‬فلو مل‬
‫تقتل اجلماعة بالواحد ; لتذرع الناس إىل القتل ; بأن يتعمدوا قتل الواحد باجلماعة ‪ ،‬وألن التشفي والزجر ال حيصل‬
‫إال بقتل الكل " انتهى ‪.‬‬

‫ويشرتط لقتل اجلماعة بالواحد أن يصلح فعل كل واحد منهم للقتل لو انفرد ‪ ،‬وذلك بأن يباشر اجلميع القتل‬
‫‪ ،‬ويكون فعل كل واحد منهم قاتال لو انفرد ‪.‬‬
‫فإن مل يصح فعل كل واحد منهم للقتل لو انفرد ‪ ،‬وكانوا قد متالئوا وتواطئوا على قتل اجملين عليه ; وجب القصاص‬
‫منهم مجيعا ; ألن غري املباشر صار ردئا للمباشر ‪.‬‬
‫ومن أكره شخصا على قتل آخر ‪ ،‬فقتله وجب القصاص على املكره واملكره إذا توفرت شروطه ; ألن القاتل قصد‬
‫استبقاء نفسه بقتل غريه ‪ ،‬واملكره تسبب إىل القتل مبا يفضي إليه غالبا ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪201‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ومن أمر صغريا أو جمنونا بقتل شخص ‪ ،‬فقتله وجب القصاص على اآلمر وحده ; ألن املأمور آلة لآلمر ‪ ،‬وال ميكن‬
‫إجياب القصاص عليه ‪ ،‬فوجب أن يكون على املتسبب به ‪.‬‬
‫وكذا إذا كان املأمور مكلفا ( أي ‪ :‬بالغا عاقال ) ‪ ،‬لكنه جيهل حترمي القتل ; كمن نشأ بغري بالد اإلسالم ‪ ،‬فيجب‬
‫القصاص على اآلمر ; لتعذره يف حق املأمور ; جلهله ‪ ،‬فيكون على املتسبب به ‪.‬‬
‫وأما إن كان املأمور بالغا عاقال ال جيهل التحرمي ; فإنه جيب القصاص عليه ; ملباشرته القتل بغري حق ‪ ،‬وقد قال النيب‬
‫سواء كان اآلمر سلطانا أو سيدا أو غري‬ ‫ال طاعة ملخلوق يف معصية اخلالق‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫ذلك ‪ ،‬ويكون على اآلمر يف هذه احلالة التعزير مبا يراه اإلمام ‪ ،‬ألنه ارتكب معصية ‪ ،‬ولريتدع عن ذلك ‪.‬‬
‫وإذا اشرتك اثنان يف قتل شخص عمدا عدوانا ‪ ،‬وكان أحدمها ال تتوفر فيه شروط وجوب القصاص ‪ ،‬واآلخر تتوفر‬
‫فيه ‪ ،‬وجب القصاص على من تتوفر فيه الشروط منهما ‪ ،‬ألنه شارك يف القتل العمد العدوان ‪ ،‬وامتنع القصاص يف‬
‫حق شريكه ملعىن فيه ‪ ،‬ال لقصور يف سبب القصاص ‪ ،‬فيجب على من ال مانع به منه ‪ ،‬ومن أمسك إنسانا آلخر‬
‫حىت قتله قتل القاتل وحبس املمسك حىت ميوت ‪.‬‬
‫وكما يقتص للواحد من اجلماعة يف النفس ; فإنه يقتص له منهم يف الطرف واجلراح ‪ ،‬فإذا قطع مجاعة طرفا أو‬
‫جرحوا جرحا يوجب القود ‪ ،‬ومل تتميز أفعال بعضهم عن بعض ‪ ،‬كما لو وضعوا حديدة على يد شخص ‪،‬‬
‫أنه شهد‬ ‫وحتاملوا عليها حىت انقطعت اليد ‪ ،‬فيجب قطع أيديهم مجيعا ; ملا روي عن علي رضي اهلل عنه ;‬
‫عنده شاهدان على رجل بسرقة ‪ ،‬فقطع يده ‪ ،‬مث جاءا بآخر ‪ ،‬وقاال ‪ :‬هذا السارق ‪ ،‬وأخطأنا يف األول ‪ .‬فرد‬
‫رواه البخاري‬ ‫شهادهتما على الثاين ‪ ،‬وغرمهما دية األول ‪ ،‬وقال ‪ :‬لو علمت أنكما تعهدمتا ; لقطعتكما‬
‫وغريه ‪ ،‬فدل على أن القصاص على كل منهما لو تعمدا ‪ ،‬وقياسا على قتل اجلماعة بالواحد ‪.‬‬

‫وسراية اجلناية على النفس وما دوهنا هلا حكم اجلناية ‪ ،‬ألهنا أثرها ‪ ،‬وأثر املضمون مضمون ‪ ،‬فلو قطع‬
‫إصبعا ‪ ،‬فتآكلت اإلصبع األخرى أو اليد وسقطت من مفصله ; وجب القود يف اليد ‪ ،‬وإن سرت اجلناية إىل‬
‫النفس ; فمات اجملين عليه وجب القصاص ‪.‬‬
‫أن رجال جرح رجال ‪ ،‬فأراد أن يستقيد ‪،‬‬ ‫وال جيوز أن يقتص يف عضو أو جرح قبل برئه ; حلديث جابر ‪:‬‬
‫رواه الدارقطين وغريه ‪ ،‬وذلك‬ ‫فنهى النيب صلى اهلل عليه وسلم أن يستقاد من اجلارح حىت يربأ اجملروح‬
‫ملصلحة اجملين عليه ; إذ قد تسري اجلناية إىل طرف آخر أو إىل النفس ; فال بد أن يعرف مدى هناية اجلناية ‪ ،‬فلو‬
‫اقتص قبل الربء ‪ ،‬مث سرت اجلناية بعد ذلك فال شيء له ; ألنه استعجل فبطل حقه ‪ ،‬وحلديث عمرو بن شعيب عن‬
‫أن رجال طعن رجال بقرن يف ركبته ‪ ،‬فجاء إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬أقدين ‪.‬‬ ‫أبيه عن جده ‪:‬‬
‫فقال ‪ :‬حىت تربأ ‪ .‬مث جاء إليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أقدين ‪ .‬فأقاده ‪ .‬مث جاء إليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول اهلل ! قد عرجت ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫هنيتك فعصيتين ‪ ،‬فأبعدك اهلل وبطل عرجك ‪ ،‬مث هنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن يقتص من جرح حىت يربأ‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪202‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫رواه أمحد والدارقطين ‪.‬‬ ‫منه صاحبه‬


‫وهبذا تعلم أيها املسلم حماسن الشريعة ‪ ،‬واشتماهلا على العدالة التامة والرمحة العامة ‪ ،‬وصدق اهلل العظيم ‪:‬‬
‫ِم ِل‬ ‫ِل ِل ِتِه‬ ‫ِص‬ ‫ِل‬
‫َو َّمَتْت َك َم ُة َر ِّبَك ْدًقا َو َعْد اًل اَل ُمَبِّد َل َك َم ا َو ُه َو الَّس يُع اْلَع يُم‬
‫ِبْئَس ِللَّظاِلِم َني َبَد اًل‬ ‫فتبا لقوم يستبدلون هبا غريها من أحكام الطاغوت والقوانني الوضعية الناقصة الظاملة ‪،‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬

‫باب يف أحكام الديات‬

‫الديات مجع دية ‪ ،‬وهي املال املودى إىل جمين عليه أو وليه بسبب جناية ‪ ،‬يقال ‪ :‬وديت القتيل ‪ :‬إذا أعطيت‬
‫ديته ‪ ،‬فالدية مصدر ودى ‪ ،‬واهلاء فيها بدل من الواو اليت حذفت ; مثل ‪ :‬عدة وصلة من الوعد والوصل ‪.‬‬
‫والدليل على وجوب الدية ‪ :‬الكتاب ‪ ،‬والسنة ‪ ،‬واإلمجاع ‪.‬‬
‫اآلية ‪.‬‬ ‫َت ْؤ ِم ًنا َطًأ َت ِر ي ٍة ْؤ ِم َنٍة ِد ٌة َّل ٌة ِإىَل َأ ِلِه‬ ‫‪ -‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫ْه‬ ‫َو َمْن َق َل ُم َخ َف ْح ُر َر َقَب ُم َو َي ُمَس َم‬
‫رواه‬ ‫من قتل له قتيل ; فهو خبري النظرين ‪ :‬إما أن يفدي ‪ ،‬وإما أن يقتل‬ ‫‪ -‬ويف احلديث الصحيح ‪:‬‬
‫اجلماعة ‪.‬‬
‫فتجب الدية على كل من أتلف إنسانا مبباشرة ; كما لو ضربه أو دهسه بسيارة ‪ ،‬أو قتله بتسبب ; كمن حفر بئرا‬
‫يف طريق أو وضع فيه حجرا فتلف بسبب ذلك إنسان ‪ ،‬سواء كان التالف مسلما أو ذميا أو مستأمنا أو مهادنا ;‬
‫ِم يَثاٌق َفِد ٌة َّل ٌة ِإىَل َأ ِلِه‬ ‫ِم ٍم‬ ‫ِإ‬
‫ْه‬ ‫َي ُمَس َم‬ ‫َو ْن َك اَن ْن َقْو َبْيَنُك ْم َو َبْيَنُه ْم‬ ‫لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫فإن كانت اجلناية اليت تلف بسببها اجملين عليه عمدا حمضا فإن الدية جتب كلها يف مال اجلاين حالة ‪ ،‬ألن األصل‬
‫يقتضي أن بدل املتلف جيب على متلفه ‪،‬‬
‫قال املوفق ابن قدامة ‪ " :‬أمجع أهل العلم على أن دية العمد جتب يف مال القاتل ال حتملها العاقلة ‪ ،‬وهذا يقتضيه‬
‫َو اَل َتِز ُر َو اِز َر ٌة ِو ْز َر ُأْخ َر ى‬
‫انتهى ‪.‬‬ ‫األصل ‪ ،‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫وإمنا خولف هذا األصل يف دية اخلطأ لكثرة اخلطأ ‪ ،‬فإن جنايات اخلطأ تكثر ‪ ،‬ودية اآلدمي كثرية ‪ ،‬فإجياهبا على‬
‫اجلاين يف ماله جيحف به ‪ ،‬فاقتضت احلكمة إجياهبا على العاقلة على سبيل املواساة للقاتل ختفيفا عنه ; ألنه معذور ‪،‬‬
‫والعامد ال عذر له ; فال يستحق التخفيف عنه ‪ ،‬وألنه قد وجب عليه القصاص ‪ ،‬فإذا عفي عنه ; فإنه يتحمل‬
‫الدية ; فداء عن نفسه ‪ ،‬وجتب عليه الدية حالة كسائر بدل املتلفات ‪.‬‬
‫* وأما دية القتل شبه العمد ودية القتل اخلطأ ‪ ،‬فإهنما يكونان على عاقلة القاتل ; حلديث أيب هريرة رضي اهلل عنه ;‬
‫اقتتلت امرأتان من هذيل ‪ ،‬فرمت إحدامها األخرى حبجر ‪ ،‬فقتلتها وما يف بطنها ‪ ،‬فقضى رسول اهلل‬ ‫قال ‪:‬‬
‫متفق عليه ‪ ،‬فدل احلديث على أن دية شبه العمد تتحملها‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم بدية املرأة على عاقلتها‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪203‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫عاقلة القاتل ‪.‬‬


‫وأما دية اخلطأ ; فقال ابن املنذر ‪ " :‬أمجع كل من حنفظ عنه من أهل العلم أهنا على العاقلة " ‪ ،‬وقال املوفق ‪ " :‬ال‬
‫نعلم خالفا أهنا على العاقلة " ‪ ،‬وكذا دية ما جيري جمرى اخلطأ ‪ ،‬كانقالب النائم على إنسان فيقتله ‪ ،‬وحفر البئر‬
‫تعديا فيقع فيها إنسان فيموت ‪.‬‬

‫وما ترتب على الفعل املأذون به شرعا من تلف ‪ ،‬فهو غري مضمون ; كما لو أدب الرجل ولده أو زوجته ‪،‬‬
‫أو أدب سلطان أحدا من رعيته ‪ ،‬ومل يسرف واحد من هؤالء يف التأديب ‪ ،‬ومات املؤدب مل جيب شيء على‬
‫املؤدب ; ألنه فعل ما له فعله شرعا ‪ ،‬ومل يتعد فيه ‪ ،‬فإن أسرف يف التأديب ‪ ،‬فزاد فوق املعتاد ‪ ،‬فتلف املؤدب ;‬
‫ضمنه ‪ ،‬لتعديه باإلسراف ‪.‬‬
‫* وإن كان التأديب المرأة حامل ‪ ،‬فأسقطت محلها بسببه وجب على املؤدب ضمان احلمل بغرة عبد أو أمة ; ملا يف‬
‫وهو قول أكثر أهل‬ ‫قضى يف إمالص املرأة بعبد أو أمة‬ ‫" الصحيحني " ‪ :‬أنه صلى اهلل عليه وسلم‬
‫العلم ‪.‬‬
‫* ومن أفزع حامال فأسقطت جنينها بسبب ذلك كما لو طلبها سلطان ‪ ،‬أو استعدى عليها رجل بالشرط ;‬
‫" أنه بعث إىل‬ ‫وجب ضمان اجلنني على من أفزعها ; هلالكه بسببه ; ملا روي عن عمر رضي اهلل عنه ;‬
‫امرأة مغيبة كان يدخل عليها ‪ ،‬فقالت ‪ :‬يا ويلها ! ما هلا ولعمر ؟ فبينما هي يف الطريق ‪ ،‬إذ فزعت ‪ ،‬فضرهبا الطلق‬
‫‪ ،‬فألقت ولدا ‪ ،‬فصاح صيحتني مث مات ‪ .‬فاستشار عمر ‪ -‬أصحاب النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فقال بعضهم ‪:‬‬
‫ليس عليك شيء ‪ .‬فقال علي ‪ :‬إن كانوا قالوا يف هواك ; فلم ينصحوا لك ‪ ،‬إن ديته عليك ; ألنك أفزعتها فألقته "‬

‫* ومن أمر شخصا مكلفا أن ينزل بئرا أو يصعد شجرة وحنوها ‪ ،‬ففعل ‪ ،‬وهلك بسبب نزوله أو صعوده مل‬
‫يضمنه اآلمر ‪ ،‬ألنه مل جين ومل يتعد عليه يف ذلك ‪.‬‬
‫فإن كان املأمور غري مكلف ; ضمنه اآلمر ; ألنه تسبب يف إتالفه ‪.‬‬
‫ولو استأجر شخصا لنزول البئر وصعود الشجرة ‪ ،‬فمات بسبب ذلك ; مل يضمنه املستأجر ‪ ،‬ألنه مل جين ومل يتعد ‪.‬‬
‫* ومن دعا من حيفر له بئرا بداره ‪ ،‬فمات هبدم مل يلقه عليه أحد فهو هدر ; لعدم التعدي عليه ‪.‬‬
‫ومن ذلك ندرك مدى اهتمام اإلسالم حبفظ األرواح وحقن دماء األبرياء ‪.‬‬
‫لكن يف وقتنا هذا كثر التهاون هبذه املسئولية على أيدي أولئك الذين يتهورون يف قيادة السيارات ‪ ،‬فيعرضون‬
‫أرواحهم وأرواح غريهم للهالك ‪ ،‬وكم هلك بسبب ذلك من األرواح الربيئة احملرمة ‪ ،‬فقد تذهب اجلماعة بأسرها‬
‫أو العائلة بأكملها على يد طائش متهور ال يقدر املسئولية وال ينظر يف العواقب ‪ ،‬وقد يكون السبب يف ذلك آباء‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪204‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫هؤالء األطفال املتهورين ‪ ،‬حني يشرتون هلم السيارات الفارهة ‪ ،‬ويسلموهنا هلم ‪ ،‬ليزهقوا هبا األرواح الربيئة ‪ ،‬إهنم‬
‫بذلك يسلموهنم سالحا فتاكا يعبثون به وحيصدون به األنفس ويرِّو عون به اآلمنني ‪.‬‬
‫فيجب على هؤالء أن يتقوا اهلل يف أوالدهم ويف أرواح املسلمني ‪ ،‬وجيب على والة األمور وفقهم اهلل أن يأخذوا‬
‫على يد اجلميع مبا يضمن سالمة اجلميع واستتباب األمن ; فإن اهلل يزع بالسلطان ما ال يزع بالقرآن ‪.‬‬

‫باب يف مقادير الديات‬

‫* مقادير ديات النفس ختتلف باعتبار اإلسالم واحلرية والذكورة واألنوثة وكون الشخص املقتول موجودا‬
‫للعيان أو محال يف البطن ‪.‬‬
‫* وأكثرها مقدار دية احلر املسلم ‪ ،‬حيث تبلغ ألف مثقال من الذهب ‪ ،‬أو اثين عشر ألف درهم من الدراهم‬
‫اإلسالمية اليت كل عشرة منها سبعة مثاقيل ‪ ،‬أو مائة من اإلبل ‪ ،‬أو مائيت بقرة ‪ ،‬أو ألفي شاة ; حلديث أيب داود عن‬
‫فرض رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف الدية على أهل اإلبل مائة من اإلبل ‪ ،‬وعلى‬ ‫جابر رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫أن رجال قتل ‪،‬‬ ‫وعن عكرمة عن ابن عباس ‪:‬‬ ‫أهل البقر مائيت بقرة ‪ ،‬وعلى أهل الشاء ألفي شاة‬
‫رواه أبو داود وابن ماجه ‪ ،‬ويف كتاب عمرو‬ ‫فجعل النيب صلى اهلل عليه وسلم ديته اثين عشر ألف درهم‬
‫رواه النسائي وغريه ‪.‬‬ ‫على أهل الذهب ألف دينار‬ ‫بن حزم ‪:‬‬
‫* قد اختلف أهل العلم ‪ ،‬هل هذه املذكورات أصول للدية ‪ ،‬حبيث إذا دفع من تلزمه واحدا منها ; يلزم الويل‬
‫قبوله ‪ ،‬سواء كان ويل اجلناية من أهل ذلك النوع أم ال ; ألنه أتى باألصل يف قضاء الواجب عليه ‪ .‬هذا قول مجاعة‬
‫من أهل العلم ‪.‬‬
‫يف النفس‬ ‫والقول الثاين أن األصل هو اإلبل فقط ‪ ،‬وهو قول جهور العلماء لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫أال إن يف قتيل عمد اخلطأ مائة من اإلبل‬ ‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬ ‫املؤمنة مائة من اإلبل‬
‫أن عمر قام خطيبا ‪ ،‬فقال ‪ ( :‬أال إن اإلبل قد غلت ; فقِّو م على أهل الذهب ألف‬ ‫وأليب داود‬
‫دينار ‪ ،‬وعلى أهل الورق اثين عشر ألفا ‪ ،‬وعلى أهل البقر مائيت بقرة ‪ ،‬وعلى أهل الشاء ألفي شاة ‪ ،‬وعلى أهل‬
‫وألن النيب صلى اهلل عليه وسلم غَّلظ يف اإلبل دية العمد ‪ ،‬وخفف هبا دية اخلطأ ‪ ،‬وأمجع‬ ‫احللل مائيت حلة )‬
‫على ذلك أهل العلم ; فهي األصل ‪.‬‬
‫وهذا القول هو الراجح ‪ ،‬وعليه ; فيكون ما عدا اإلبل من األصناف املذكورة يكون معتربا هبا من باب التقومي ‪.‬‬
‫* وتغلظ الدية يف قتل العمد وشبهه ‪ ،‬فتجعل املائة من اإلبل أرباعا ‪ :‬مخس وعشرون بنت خماض ‪ ،‬ومخس وعشرون‬
‫بنت لبون ‪ ،‬ومخس وعشرون حقة ‪ ،‬ومخس وعشرون جذعة ; ملا روى الزهري عن السائب بن يزيد ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫كانت الدية على عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أرباعا ‪ :‬مخسا وعشرين جذعة ‪ ،‬ومخسا وعشرين‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪205‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫فإن جاء باإلبل على هذا النمط ‪ ،‬لزم‬ ‫حقة ‪ ،‬ومخسا وعشرين بنت لبون ‪ ،‬ومخسا وعشرين بنت خماض‬
‫ويل اجلناية أخذها ‪ ،‬وإن شاء دفع قيمتها حسب ما تساوي هذه األصناف يف كل عصر حبسبه ‪.‬‬
‫* وتكون الدية يف اخلطأ خمففة ; حبيث جتعل املائة من اإلبل مخسة أنواع ‪ :‬عشرون بنت خماض ‪ ،‬وعشرون بنت‬
‫لبون ‪ ،‬وعشرون حقة ‪ ،‬وعشرون جذعة ‪ ،‬وعشرون من بين خماض ‪ ،‬هذه األصناف أو قيمتها حسب ما تساوي يف‬
‫كل عصر حبسبه ‪.‬‬
‫وبنت املخاض ما مت هلا سنة ‪ ،‬وبنت اللبون ما مت هلا سنتان ‪ ،‬واحلقة ما مت هلا ثالث سنوات ‪ ،‬واجلذعة ما مت ال أربع‬
‫سنني ‪.‬‬

‫* ودية احلر الكتايب سواء كان ذميا أو مستأمنا أو معاَه دا نصف دية املسلم ‪ ،‬حلديث عمرو بن شعيب عن‬
‫أن النىب صلى اهلل عليه وسلم قضى بأن عقل أهل الكتاب نصف عقل املسلمني‬ ‫أبيه عن جده ‪:‬‬
‫رواه أمحد وأبو داود وغريمها ‪.‬‬

‫* ودية اجملوسي الذمي أو املعاهد أو املستأمن ودية الوثين املعاهد أو املستأمن ‪ :‬مثامنائة درهم إسالمي ; ملا‬
‫وهو قول‬ ‫دية اجملوسي مثامنائة درهم‬ ‫روى ابن عدي عن عقبة بن عامر رضي اهلل عنه مرفوعا ‪:‬‬
‫أكثر أهل العلم ‪.‬‬

‫* ونساء أهل الكتاب واجملوس وعبدة األوثان على النصف من دية ذكراهنم ; كما أن دية نساء املسلمني على‬
‫النصف من دية ذكراهنم ‪.‬‬
‫قال ابن املنذر ‪ " :‬أمجع أهل العلم على أن دية املرأة نصف دية الرجل ‪ ،‬ويف كتاب عمرو بن حزم ‪ " :‬دية املرأة‬
‫على النصف من دية الرجل " ‪.‬‬
‫قال العالمة ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬ملا كانت املرأة أنقص من الرجل ‪ ،‬والرجل أنفع منها ‪ ،‬ويسد ما ال تسده املرأة‬
‫من املناصب الدينية والواليات وحفظ الثغور واجلهاد وعمارة األرض وعمل الصنائع اليت ال تتم مصاحل العامل إال‬
‫هبا ‪ ،‬والذب عن الدنيا والدين ; مل تكن قيمتهما مع ذلك متساوية ‪ ،‬وهي الدية ‪ ،‬فإن دية احلر جارية جمرى قيمة‬
‫العبد وغريه من األموال ; فاقتضت حكمة الشارع أن جعل قيمتها على النصف من قيمته ‪ ،‬لتفاوت ما بينهما " ‪.‬‬

‫* ويستوي الذكر واألنثى فيما يوجب دون ثلث الدية حلديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا ‪:‬‬
‫أخرجه النسائي ‪ ،‬وقال سعيد بن‬ ‫" عقل املرأة مثل عقل الرجل حىت تبلغ الثلث من ديته "‬
‫املسيب ‪ " :‬إنه السنة " ‪.‬‬
‫وقال اإلمام ابن القيم ‪ " :‬وإن خالف فيه أبو حنيفة والشافعي ومجاعة ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬هي على النصف يف القليل‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪206‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫والكثري ‪ ،‬ولكن السنة أوىل ‪ ،‬والفرق فيما دون الثلث وما زاد عليه ‪ ،‬أن ما دونه قليل ‪ ،‬فجربت مصيبة املرأة فيه‬
‫مبساواهتا للرجل ‪ ،‬وهلذا استوى اجلنني الذكر واألنثى يف الدية ; لقلة ديته ‪ ،‬وهي الغرة ‪ ،‬فنزل ما دون الثلث منزلة‬
‫اجلنني ‪ " . . .‬انتهى ‪.‬‬

‫* ودية القن قيمته ذكرا كان أو أنثى ‪ ،‬صغريا أو كبريا ‪ ،‬بالغة ما بلغت ‪ ،‬وهذا جممع عليه إذا كانت قيمته‬
‫دون دية احلر ‪ ،‬فإن بلغت دية احلر فأكثر ; فذهب أمحد يف املشهور عنه ومالك والشافعي وأبو يوسف إىل أن فيه‬
‫قيمته بالغة ما بلغت ‪.‬‬

‫وجيب يف اجلنني ذكرا كان أو أنثى إذا سقط ميتا بسبب جناية على أمه عمدا أو خطأ غرة عبد أو أمة ‪،‬‬
‫قضى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف‬ ‫قيمتها مخس من اإلبل ; حلديث أيب هريرة رضي اهلل عنه ; قال ‪:‬‬
‫متفق عليه ‪.‬‬ ‫جنني امرأة من بين حليان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة‬
‫وتورث الغرة عنه ‪ ،‬كأنه سقط حيا ; ألهنا دية له ‪ ،‬وهو مذهب اجلمهور ‪ ،‬وتقدر الغرة خبمس من اإلبل ; أي ‪:‬‬
‫بعشر دية أمه ‪.‬‬

‫باب يف ديات األعضاء واملنافع‬

‫أوال ‪ :‬دية األعضاء‬


‫* قال بعض العلماء ‪ :‬يف اآلدمي مخسة وأربعون عضوا ‪ ،‬وهذه األعضاء منها ما يف اإلنسان منه شيء واحد ‪ ،‬ومنها‬
‫ما يف اإلنسان منه اثنان فأكثر ‪:‬‬
‫* فإذا تلف ما يف اإلنسان منه شيء واحد كاألنف واللسان والذكر ‪ ،‬ففيه دية تلك النفس اليت قطع منها على‬
‫التفصيل السابق ‪ ،‬سواء كان ذكرا أو أنثى ‪ ،‬حرا أو عبدا أو ذميا أو غريه ; ألن يف إتالف هذا العضو الذي مل خيلق‬
‫اهلل يف اإلنسان منه إال شيئا واحدا إذهاب منفعة اجلنس ; فهو كإذهاب النفس ‪ ،‬فوجبت فيه دية النفس ‪ ،‬وهذا حمل‬
‫ويف الذكر الدية ‪ ،‬ويف األنف إذا أوعب‬ ‫وفاق ‪ ،‬ويف حديث عمرو بن حزم أنه صلى اهلل عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫رواه أمحد والنسائي واللفظ له ‪ ،‬وصححه أمحد وابن حبان واحلاكم‬ ‫جدعا الدية ‪ ،‬ويف اللسان الدية‬
‫والبيهقي ‪.‬‬
‫* وما يف اإلنسان منه شيئان ; كالعينني ‪ ،‬واألذنني ‪ ،‬والشفتني ‪ ،‬والَّلْح يني ( ومها العظمان اللذان فيهما األسنان ) ‪،‬‬
‫وثديي املرأة وثندويت الرجل واليدين والرجلني واألنثيني ; يف إتالف االثنني مما ذكر الدية كاملة ‪ ،‬ويف إتالف‬
‫أحدمها نصفها ‪ ،‬ألن فيهما منفعة ومجاال ‪ ،‬وليس يف البدن غريمها من جنسهما ‪.‬‬
‫قال املوفق ‪ " :‬ال نعلم فيه خمالفا " ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪207‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ويف األنف إذا أوعب جدعا‬ ‫ويف كتاب عمرو بن حزم ‪ ،‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كتب له ‪:‬‬
‫الدية ‪ ،‬ويف اللسان الدية ‪ ،‬ويف الشفتني الدية ‪ ،‬ويف البيضتني الدية ‪ ،‬ويف الصلب الدية ‪ ،‬ويف العينني الدية ‪ ،‬ويف‬
‫الرجل الواحدة نصف الدية‬
‫قال ابن عبد الرب رمحه اهلل ‪ " :‬كتاب عمرو بن حزم معروف عند العلماء ‪ ،‬وما فيه متفق عليه ; إال قليال " ‪.‬‬
‫* وما يف اإلنسان منه ثالثة أشياء ‪ :‬إذا أتلفها مجيعا ; ففيها دية كاملة ‪ ،‬ويف الواحد منها ثلث الدية ‪ ،‬وذلك‬
‫كاألنف ; فإنه يشمل ثالثة أشياء هي ‪ :‬املنخران واحلاجز بينهما ‪ ،‬فتوزع الدية عليها كما توزع األصابع ‪.‬‬
‫* وما يف اإلنسان منه أربعة أشياء ; ففيها مجيعا إذا أتلفت دية كاملة ‪ ،‬ويف الواحد منها ربع الدية ‪ ،‬وذلك‬
‫كاألجفان األربعة ; ألن فيها مجاال ظاهرا ونفعا كامال ; حيث تكن العني ‪ ،‬وحتفظها من احلر والربد ‪ ،‬فوجبت فيها‬
‫الدية ‪ ،‬ويف بعضها بقدره ‪.‬‬
‫* ويف أصابع اليدين الدية كاملة ‪ ،‬وكذا أصابع الرجلني دية كاملة إذا قطعت مجيعا ‪ ،‬ويف كل أصبع عشر الدية ;‬
‫رواه الرتمذي‬ ‫دية أصابع اليدين والرجلني عشر من اإلبل لكل أصبع‬ ‫حلديث ابن عباس مرفوعا ‪:‬‬
‫فدل احلديثان‬ ‫هذه وهذه سواء ( يعين ‪ :‬اخلنصر واإلهبام )‬ ‫وصححه ‪ ،‬وللبخاري عنه مرفوعا ‪:‬‬
‫على وجوب الدية يف أصابع اليدين والرجلني ‪ ،‬وأن يف كل أصبع عشرها ‪.‬‬
‫* ويف كل أمنلة من أصابع اليدين والرجلني ثلث عشر الدية ; ألن يف كل إصبع ثالثة مفاصل ‪ ،‬فتقسم دية اإلصبع‬
‫على عددها ‪ ،‬كما قسمت دية اليد على األصابع بالسوية ‪ ،‬واإلهبام فيه مفصالن ‪ ،‬يف كل مفصل منهما نصف‬
‫عشر الدية ملا سبق ‪.‬‬
‫ويف السن مخس‬ ‫* ويف كل سن نصف عشر الدية ( مخس من اإلبل ) ; حلديث عمرو بن حزم مرفوعا ‪:‬‬
‫رواه النسائي ‪.‬‬ ‫من اإلبل‬
‫قال املوفق ‪ " :‬ال نعلم خالفا يف أن دية األسنان مخس مخس يف كل سن " ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬دية املنافع‬


‫* وأما املنافع ; فاملراد هبا منافع تلك األعضاء املذكورة ; كالسمع ‪ ،‬والبصر ‪ ،‬والشم ‪ ،‬والكالم ‪ ،‬واملشي ‪ ،‬فكل‬
‫عضو له منفعة خاصة ‪.‬‬
‫* ومن ذلك احلواس األربع ‪ ،‬وهي ‪ :‬السمع ‪ ،‬والبصر ‪ ،‬والشم ‪ ،‬والذوق ‪ ،‬ففي كل حاسة منها إذا ذهبت بسبب‬
‫اجلناية دية كاملة ‪.‬‬
‫قال ابن املنذر ‪ " :‬أمجع عوام أهل العلم على أن يف السمع الدية " ‪.‬‬
‫وقال املوفق ‪ " :‬ال خالف يف وجوب الدية بذهاب السمع " ‪.‬‬
‫" ويف املشام الدية "‬ ‫ويف كتاب عمرو بن حزم ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪208‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ولقضاء عمر رضي اهلل عنه يف رجل ضرب رجال فذهب مسعه وبصره ونكاحه وعقله بأربع ديات والرجل‬
‫وال يعرف له خمالف من الصحابة ‪.‬‬ ‫حي‬
‫* وجتب الدية كاملة يف إذهاب كل من الكالم والعقل واملشي واألكل والنكاح وعدم استمساك البول والغائط ;‬
‫ألن يف كل واحدة من هذه منفعة كبرية ‪ ،‬ليس يف البدن مثلها ‪.‬‬
‫* وجيب يف كل واحد من الشعور األربعة الدية كاملة ‪ ،‬وهي شعر الرأس وشعر اللحية وشعر احلاجبني وأهداب‬
‫العينني ‪ ،‬ويف احلاجب الواحد نصف الدية ‪ ،‬ويف اهلدب الواجب ربع الدية ; ألن الدية تتوزع عليها بعددها ‪.‬‬
‫ومن هنا نعلم ما للحية يف اإلسالم من احرتام وقيمة ‪ ،‬حيث أوجب يف إتالفها دية كاملة ‪ ،‬وذلك لعظيم منفعتها‬
‫ومجاهلا ووقارها ‪ ،‬وقد أمر النيب صلى اهلل عليه وسلم بتوفريها وإكرامها ‪ ،‬وهنى عن حلقها وقصها والتعدي عليها ;‬
‫فتبا لقوم حاربوها واعتدوا عليها حبلقها وإزالتها من وجوههم تشبها بالنساء وتشبها بالكفار واملنافقني وحتوال من‬
‫الرجولة والشهامة إىل امليوعة ‪ . . .‬وهكذا ‪.‬‬

‫حىت يرى حسنا ما ليس باحلسن‬ ‫يقضى على املرء يف أيام حمنته‬
‫فيجب على هؤالء أن يراجعوا رشدهم ‪ ،‬وحيكموا عقوهلم ‪ ،‬ويطيعوا رسوهلم صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ويوفروا حلاهم‬
‫اليت خلقها اهلل مجاال هلم وعالمة على رجولتهم ‪.‬‬

‫باب يف أحكام الشجاج وكسر العظام‬

‫الشجاج ‪ :‬مجع شجة ‪ ،‬وهي اجلرح يف الرأس والوجه خاصة ‪ ،‬مسيت بذلك من الشج ‪ ،‬وهو لغة ‪ :‬القطع ;‬
‫ألهنا تقطع اجللد ‪ ،‬فإن كان القطع يف غري الرأس والوجه ; مسى جرحا ال شجة ‪.‬‬

‫وتنقسم الشجة باعتبار تسميتها املنقولة عن العرب إىل عشرة أقسام ‪ ،‬كل قسم له اسم خاص وحكم‬
‫خاص ‪:‬‬

‫األوىل‪ :‬احلارصة ‪ :‬وهي اليت حترص اجللد ‪ ،‬أي ‪ :‬تشقه قليال وال تدميه ‪ ،‬وتسمى القاشرة ‪ ،‬أي ‪ :‬ألهنا تقشر اجللد ‪.‬‬

‫الثانية‪ :‬البازلة ‪ :‬وهي اليت يسيل منها الدم قليال ‪ ،‬وتسمى الدامعة ; تشبيها خبروج الدمع من العني ‪.‬‬

‫الثالثة‪ :‬الباضعة ‪ :‬وهي اليت تبضع اللحم ; أي ‪ :‬تشقه بعد اجللد ‪.‬‬

‫الرابعة‪ :‬املتالمحة ‪ :‬وهي الغائصة يف اللحم ‪ ،‬ولذلك اشتقت منه ‪.‬‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪209‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫اخلامسة‪ :‬السمحاق ‪ :‬وهي اليت تنفذ من اللحم ‪ ،‬وال يبقى بينها وبني العظم سوى جلدة رقيقة تسمى السمحاق ‪،‬‬
‫مسيت اجلراحة الواصلة إليها بامسها ‪ .‬وهذه اخلمس املذكورة من الشجاج ليس يف ديتها مبلغ مقدر من الشارع ‪،‬‬
‫فيقدر فيها حكومة ‪ ،‬جيتهد احلاكم يف تقديرها ‪.‬‬

‫ويف‬ ‫السادسة‪ :‬املوضحة ‪ :‬وهي اليت توضح العظم وتربزه ‪ ،‬وديتها مخسة أبعرة ; حلديث عمرو بن حزم ‪:‬‬
‫‪-‬‬ ‫املوضحة مخس من اإلبل‬

‫السابعة‪ :‬اهلامشة وهي اليت توضح العظم وهتشمه ; أي ‪ :‬تكسره ‪ ،‬وجيب فيها عشر من اإلبل ‪ ،‬يروى ذلك عن زيد‬
‫بن ثابت رضي اهلل عنه ‪ ،‬ومل يعرف له خمالف يف عصره من الصحابة ‪.‬‬

‫الثامنة‪ :‬املنقلة ‪ :‬وهي اليت توضح العظم وهتشمه وتنقل العظام حبيث حتتاج إىل مجع لتلتئم ‪ ،‬وجيب فيها مخس عشرة‬
‫ويف املنقلة مخس عشرة‬ ‫من اإلبل ‪ ،‬حلديث عمرو بن حزم الذي كتبه له النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫من اإلبل‬

‫التاسعة‪ :‬املأمومة ‪ :‬وهي اليت تصل إىل أم الدماغ ; أي ‪ :‬جلدة الدماغ ‪.‬‬

‫العاشرة‪ :‬الدامغة ‪ :‬وهي اليت خترق تلك اجللدة ‪.‬‬

‫ويف‬ ‫وجيب يف كل واحدة من هاتني الشجتني املأمومة والدامغة ثلث الدية ; حلديث عمرو بن حزم ‪:‬‬
‫والدامغة أبلغ منها ; فهي أوىل منها ‪ ،‬والغالب أن صاحبها ال يسلم ‪ ،‬ولذلك مل يرد‬ ‫املأمومة ثلث الدية‬
‫خبصوصها تقدير ‪-‬‬

‫ويف اجلائفة ثلث الدية‬ ‫ويف اجلراحة اجلائفة ثلث الدية ; ملا يف كتاب عمرو بن حزم ‪:‬‬

‫قال اإلمام املوفق ‪ " :‬وهو قول عامة أهل العلم ‪ ،‬منهم أهل املدينة وأهل الكوفة وأهل احلديث وأصحاب‬
‫الرأي " ‪.‬‬

‫واملراد باجلائفة ‪ :‬اجلراحة اليت تصل إىل باطن جوف بطن وظهر وصدر وحلق ومثانة ‪.‬‬

‫* وأما ما جيب يف كسر العظام‬


‫‪ -‬فيجب يف الضلع إذا جرب بعد كسر ; كما كان بعري ‪ ،‬وجيب يف كل واحدة من الرتقوتني بعري ; ملا روي عن عمر‬
‫والرتقوة هي العظم املستدير حول‬ ‫" يف الضلع مجل ‪ ،‬ويف الرتقوة مجل "‬ ‫رضي اهلل عنه ; أنه قال ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪210‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫العنق من النحر إىل الكتف ‪ ،‬ولكل إنسان ترقوتان ‪.‬‬


‫‪ -404 -‬وإن اجنرب الضلع أو الرتقوة بدون استقامة ‪ ،‬وجب يف ذلك حكومة‬
‫وجيب يف كسر الذراع ‪ ،‬وهو الساعد اجلامع لعظمي الزند والعضد ‪ ،‬إذا جرب مستقيما ‪ :‬بعريان ‪ ،‬كما جيب ذلك‬
‫أن عمرو بن‬ ‫أيضا يف كسر الفخذ وكسر الساق وكسر الزند ‪ ،‬ملا روى سعيد عن عمرو بن شعيب ‪:‬‬
‫العاص رضي اهلل عنه كتب إىل عمر يف أحد الزندين إذا كسر ; فكتب إليه عمر ‪ :‬أن فيه بعريين ‪ ،‬وإذا كسر‬
‫الزندان ‪ ،‬ففيهما أربعة من اإلبل ‪ ،‬ومل يظهر له خمالف من الصحابة ‪.‬‬
‫هذا ما ورد فيه التقدير من اجلراح والكسور ‪ ،‬وما عداه ‪ .‬من اجلرح وكسر العظام كخرز الصلب وعظم العانة ;‬
‫ففيه حكومة ‪،‬‬
‫واحلكومة معناها أن يقوم اجملين عليه كأنه عبد ال جناية به ‪ ،‬مث يقوم وهي به قد برئت ; فما نقص من القيمة ;‬
‫فللمجين عليه مثل نسبته من الدية ‪.‬‬
‫مثال ذلك ‪ :‬لو قدر أن قيمته لو كان عبدا سليما ستون ‪ ،‬وقيمته باجلناية مخسون ; ففيه سدس ديته ‪ ،‬ألن الناقص‬
‫بالتقومي واحد من ستة ‪ ،‬وهو سدس قيمته ‪ ،‬فيكون للمجين عليه سدس ديته ‪.‬‬
‫قال املوفق رمحه اهلل ‪ " :‬الصحيح أنه ال تقدير يف غري اخلمس ‪ :‬الضلع والرتقوتني والزندين ; ألن التقدير إمنا ثبت‬
‫بالتوقيف ‪ ،‬ومقتضى الدليل وجوب احلكومة يف هذه العظام الباطنة كلها يعين سوى هذه اخلمس لقضاء عمر ‪" .. .‬‬
‫‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫قال الفقهاء رمحهم اهلل ‪ :‬فإن كانت اجلراحة اليت تقدر فيها احلكومة يف حمل له مقدر يف الشرع ‪ ،‬وذلك كالشجة‬
‫اليت هي دون املوضحة ; فال جيوز أن يبلغ حبكومتها أرش املوضحة ; ألن اجلراحة لو كانت موضحة ; مل تزد‬
‫غرامتها على مخس من اإلبل ; فما دوهنا من باب أوىل ‪.‬‬
‫‪ -405-‬وإذا برئ اجملين عليه ‪ ،‬وعاد كما كان ; مل تنقصه اجلناية شيئا ; فإنه يقوم وقت جريان الدم ; ألنه البد يف‬
‫هذه احلالة من نقصه ‪ ،‬للخوف عليه ; ولتأثري اجلناية عليه حينئذ ‪.‬‬

‫باب يف كفارة القتل‬

‫الكفارة مسيت بذلك اشتقاقا من الكفر ‪ ،‬وهو السرت ‪ ،‬ألهنا تسرت الذنب‬
‫والدليل على وجوب كفارة القتل الكتاب والسنة واإلمجاع ‪.‬‬
‫إىل‬ ‫َو َمْن َقَتَل ُمْؤ ِم ًنا َخ َطًأ َفَتْح ِر يُر َر َقَبٍة ُمْؤ ِم َنٍة َو ِدَيٌة ُمَس َّلَم ٌة ِإىَل َأْه ِلِه ِإاَّل َأْن َيَّص َّد ُقوا‬ ‫‪ -‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫َفَمْن ْمَل ِجَي ْد َفِص َياُم َش ْه َر ْيِن ُمَتَتاِبَعِنْي َتْو َبًة ِم َن الَّلِه َو َك اَن الَّلُه َعِليًم ا َح ِكيًم ا‬ ‫قوله تعاىل ‪:‬‬
‫أعتقوا عنه ‪ ،‬يعتق اهلل بكل‬ ‫‪ -‬وروى أبو داود والنسائي ‪ ،‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال يف القاتل ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪211‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫عضو منه عضوا منه من النار‬


‫وإمنا جتب الكفارة يف قتل اخلطأ وشبه العمد ‪ ،‬وأما القتل العمد العدوان ‪ ،‬فال كفارة فيه ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ومل يذكر‬ ‫َو َمْن َيْق ُتْل ُمْؤ ِم ًنا ُمَتَعِّم ًد ا َفَجَز اُؤ ُه َجَه َّنُم َخ اِلًد ا ِفيَه ا َو َغِض َب الَّلُه َعَلْيِه َو َلَعَنُه َو َأَعَّد َلُه َعَذ اًبا َعِظ يًم ا‬
‫سويد بن الصامت قتل رجال ‪ ،‬فأوجب النيب صلى اهلل عليه وسلم عليه القود ‪ ،‬ومل‬ ‫فيه كفارة ; وروي أن‬
‫وعمرو بن أمية الضمري قتل رجلني عمدا ‪ ،‬فودامها النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪،‬‬ ‫يوجب كفارة ‪،‬‬
‫وألن الكفارة وجبت يف اخلطأ لتمحو إمثه ; لكونه ال خيلو من تفريط ; فال تلزم‬ ‫ومل يوجب عليه كفارة ‪،‬‬
‫يف موضع عظم اإلمث فيه ; حبيث ال يرتفع هبا ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬ال كفارة يف قتل العمد ‪ ،‬وال يف اليمني الغموس ‪ ،‬وليس ذلك ختفيفا عن‬
‫مرتكبها " ‪.‬‬
‫وذكر موفق الدين ابن قدامة وغريه ‪ " :‬أن القتل اخلطأ ال يوصف بتحرمي وال إباحة ; ألنه كقتل اجملنون ‪ ،‬لكن‬
‫النفس الذاهبة به معصومة حمرمة ‪ ،‬فلذلك وجبت الكفارة فيها ‪ .. .‬انتهى ‪.‬‬
‫ومعناه أن احلكمة يف تشريع الكفارة يف القتل اخلطأ ترجع إىل أمرين ‪:‬‬
‫األمر األول ‪ :‬أن اخلطأ ال خيلو من تفريط من القاتل ‪،‬‬
‫األمر الثاين ‪ :‬النظر إىل حرمة النفس الذاهبة به ‪.‬‬
‫وأما العمد ; فال جتب فيه الكفارة ; ألن إمثه ال يرتفع بالكفارة ; لعظمه وشدته ‪ ،‬لكن القاتل عمدا إذا تاب إىل اهلل‬
‫تعاىل ‪ ،‬ومكن من نفسه ; ليقتص منه ; فإن ذلك خيفف عنه اإلمث ‪ ،‬فيسقط عنه حق اهلل بالتوبة ‪ ،‬وحق األولياء‬
‫بالقصاص أو العفو عنه ‪ ،‬ويبقى حق القتيل يرضيه اهلل مبا شاء ‪ ،‬هذا معىن ما قرره العالمة ابن القيم يف كتابه "‬
‫اجلواب الكايف " ‪.‬‬
‫فمن قتل نفسا حمرمة ‪ ،‬ولو كان مملوكه ‪ ،‬أو كان كافرا معاهدا أو مستأمنا ‪ ،‬مولودا أو جنينا بأن ضرب بطن‬

‫َو َمْن َقَتَل‬ ‫حامل فألقت جنينا ميتا ‪ ،‬من قتل واحدا من هؤالء ; وجبت عليه الكفارة ‪ ،‬لعموم قوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِر‬ ‫ِم‬ ‫ِم ٍم‬ ‫ِإ‬ ‫ُمْؤ ِم ًنا َخ َطًأ َفَتْح ِر ي َر َقَبٍة ُمْؤ ِم َنٍة َو ِدَيٌة ُم َّلَم ٌة ِإىَل َأْه ِلِه ِإاَّل‬
‫َأْن َيَّص َّد ُقوا َف ْن َك اَن ْن َقْو َعُد ٍّو َلُك ْم َو ُه َو ُمْؤ ٌن َفَتْح يُر‬ ‫َس‬ ‫ُر‬
‫ِجَي ِص‬ ‫ٍة ِم ٍة‬ ‫ِلِه‬ ‫ِد‬ ‫ِم‬ ‫ِم ٍم‬ ‫ٍة ِم ٍة‬
‫َر َقَب ُمْؤ َن َو ِإْن َك اَن ْن َقْو َبْيَنُك ْم َو َبْيَنُه ْم يَثاٌق َف َيٌة ُمَس َّلَم ٌة ِإىَل َأْه َو ْحَتِر يُر َر َقَب ُمْؤ َن َفَمْن ْمَل ْد َف َياُم‬
‫َش ْه َر ْيِن ُمَتَتاِبَعِنْي َتْو َبًة ِم َن الَّلِه َو َك اَن الَّلُه َعِليًم ا َح ِكيًم ا‬
‫وسواء انفرد بقتل النفس أو شارك يف ذلك غريه ‪ ،‬وسواء كان القتل مبباشرة أو تسبب ; كمن حفر بئرا متعديا يف‬
‫حفرها ‪ ،‬أو نصب سكينا ‪ .. .‬وحنو ذلك من كل فعل نتج عنه وفاة شخص ‪.‬‬
‫قال املوفق ‪ " :‬يلزم كل واحد من شركائه كفارة ‪ ،‬هذا قول أكثر أهل العلم ‪ .‬منهم مالك والشافعي وأصحاب‬
‫الرأي " انتهى ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪212‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وجتب الكفارة على القاتل ‪ ،‬سواء كان كبريا أو صغريا أو جمنونا ‪ ،‬وسواء كان حرا أو عبدا ; لعموم اآلية ‪.‬‬
‫والكفارة عتق رقبة مؤمنة ‪ ،‬فإن مل جيد ; فصيام شهرين متتابعني ‪ ،‬وال جيزئ اإلطعام فيها ‪ ،‬فإذا مل يستطع الصوم ;‬
‫بقي يف ذمته ‪ ،‬وال جيزئ عنه اإلطعام ; ألنه تعاىل مل يذكره ‪ ،‬واألبدال يف الكفارات تتوقف على النص دون القياس‬
‫‪.‬‬
‫ويكفر العبد بالصوم ; ألنه ال مال له يعتق منه ‪.‬‬
‫وإن كان القاتل جمنونا أو صغريا ‪ ،‬كفر عنه وليه بعتق ; لعدم إمكان الصوم منهما ‪ ،‬وال تدخله النيابة ‪ ،‬وقد وجبت‬
‫الكفارة على كل منهما ; ألنه حق مايل يتعلق بالقتل أشبه الدية ‪ ،‬وألهنا عبادة مالية أشبهت الزكاة ‪.‬‬
‫وتتعدد الكفارة بتعدد القتل كتعدد الدية لتعدد القتل ‪ ،‬فلو قتل عدة أشخاص ; وجبت عليه عدة كفارات‬
‫بعددهم ‪.‬‬
‫وإن كان القتل مباحا ‪ -‬كقتل الباغي واملرتد والزاين احملصن واملقتول قصاصا أو حدا ‪ -‬أو ألجل الدفاع عن النفس‬
‫; فال كفارة يف ذلك كله ‪ ،‬لعدم حرمة املقتول ‪.‬‬
‫* تنبيه ‪ :‬أداء كفارة القتل مما يتساهل فيه بعض الناس اليوم ‪ ،‬خصوصا يف حوادث السيارات اليت تذهب فيها أنفس‬
‫كثرية ‪ ،‬فقد يستثقل من حتمل املسئولية يف ذلك الصيام ‪ ،‬وال سيما إذا تعددت عليه الكفارات ; فال يصوم ‪ ،‬وتبقى‬
‫ذمته مشغولة ‪ ،‬كما أن هناك ظاهرة أخرى ; وهي أن عاقلة القاتل ال تتحمل دية اخلطأ ‪ ،‬وإن حتمل أحد منهم شيئا‬
‫منها ; فإنه يظنه من باب التربع ‪ ،‬ولذلك نرى بعض من حصل منهم القتل اخلطأ يسألون الناس سداد الدية ‪ ،‬وهذا‬
‫تعطيل حلكم شرعي عظيم ‪ ،‬أدى إىل جهل الكثري به ‪ ،‬ورمبا يكون بعض املتسولني باسم تلك الغرامة متحيال ‪،‬‬
‫فيجب األخذ على يده وردعه ‪ -‬عن أكل املال بالباطل والتحيل بواسطة محل بعضهم صور صكوك غري شرعية وال‬
‫حقيقية ‪ ،‬وقد يكون مضى عليها حني طويل من الدهر ‪.‬‬

‫باب يف أحكام القسامة‬

‫القسامة لغة ‪ :‬اسم مصدر ‪ ،‬من قوهلم ‪ :‬أقسم إقساما وقسامة ‪ ،‬أي ‪ :‬حلف حلفا ‪ ،‬واملراد هبا هنا األميان ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬أميان مكررة يف دعوى قتل معصوم ‪.‬‬
‫وتشرع القسامة يف القتيل إذا وجد ومل يعلم قاتله واهتم به شخص ‪.‬‬
‫والدليل عليها السنة واإلمجاع ‪.‬‬
‫ففي " الصحيحني " عن سهل بن أيب حثمة ‪ ،‬أن عبد اهلل بن سهل وحميصة بن مسعود خرجا إىل خيرب ‪ ،‬فأتى حميصة‬
‫إىل عبد اهلل بن سهل وهو يتشحط يف دمه ‪ ،‬فأتى يهود ‪ ،‬فقال ‪ :‬أنتم قتلتموه ‪ .‬فقالوا ‪ :‬ال ‪ .‬فقال رسول اهلل صلى‬
‫تأتون بالبينة ؟‬ ‫ويف رواية ‪:‬‬ ‫" أحتلفون وتستحقون دم صاحبكم "‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪213‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫قالوا ‪ :‬ما لنا بينة ‪ .‬فقال ‪ " :‬أحتلفون " ; ‪ .‬قالوا ‪ :‬وكيف حنلف ومل نشهد ومل نر ؟ ! فقال ‪ " :‬تربئكم يهود‬
‫خبمسني ميينا ‪ .‬فقالوا ‪ :‬كيف نأخذ أميان قوم كفار ; فوداه مبائة من اإلبل‬
‫فدل ذلك على مشروعية القسامة ‪ ،‬وأهنا أصل من أصول الشرع ‪ ،‬مستقل بنفسه ‪ ،‬وقاعدة من قواعد األحكام ‪،‬‬
‫فتخصص هبا األدلة العامة ‪.‬‬

‫وأما شروط القسامة‬


‫‪ -‬فمن أمهها وجود اللوث ‪ ،‬وهو العداوة الظاهرة بني القتيل واملتهم بقتله ‪ ،‬كالقبائل اليت يطلب بعضها بعضا بالثأر‬
‫‪ ،‬وكل من بينه وبني املقتول ضغن يغلب على الظن أنه قتله من أجله ; فلألولياء حينئذ أن يقسموا على القاتل إذا‬
‫غلب على ظنهم أنه قتله ‪ ،‬وإن كانوا غائبني ‪.‬‬
‫واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل أن اللوث ال خيتص بالعداوة ‪ ،‬بل يتناول كل ما يغلب على الظن صحة‬
‫الدعوى ; كتفرق مجاعة عن قتيل وشهادة من ال يثبت القتل بشهادهتم ‪ .. .‬وحنو ذلك ‪.‬‬
‫قال أمحد ‪ " :‬أذهب إىل القسامة إذا كان مث لطخ ‪ ،‬وإذا كان مث سبب بني ‪ ،‬وإذا كان مث عداوة ‪ ،‬وإذا كان مثل‬
‫املدعى عليه يفعل مثل هذا " ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية معلقا على ذلك ‪ " :‬فذكر أمورا أربعة ‪ :‬اللطخ ‪ :‬وهو التكلم يف عرضه كالشهادة‬
‫املردودة ‪ ،‬والسبب البني كالتفرق عن قتيل ‪ ،‬والعداوة ‪ ،‬وكون املطلوب من املعروفني بالقتل ‪ ،‬وهذا هو الصواب‬
‫"‪.‬‬
‫وقال اإلمام ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬وهذا من أحسن االستشهاد ؟ فإنه اعتماد على ظاهر األمارات املغلبة على الظن‬
‫صدق املدعى ‪ ،‬فيجوز له أن حيلف بناء على ذلك ‪ ،‬وجيوز للحاكم ‪ -‬بل جيب عليه ‪ -‬أن يثبت له حق القصاص أو‬
‫الدية ‪ ،‬مع علمه أنه مل ير ومل يشهد ‪ " .. .‬انتهى ‪.‬‬
‫لكن ال ينبغي لألولياء أن حيلفوا إال بعد االستيثاق من غلبة الظن ‪ ،‬وينبغي للحاكم أن يعظهم ويعرفهم ما يف اليمني‬
‫الكاذبة من العقوبة ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن شروط القسامة ‪ :‬أن يكون املدعى عليه القتل فيها مكلفا ; فال يصح الدعوى فيها على صغري وال جمنون ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن شروطها إمكان القتل من املدعى عليه ‪ ،‬فإن مل ميكن منه القتل ; لبعده عن مكان احلادث وقت وقوعه ؟ مل‬
‫تسمع الدعوى عليه ‪.‬‬

‫* وصفة القسامة ‪ ،‬أهنا إذا توفرت شروط إقامتها ; يبدأ باملدعني ‪ ،‬فيحلفون مخسني ميينا توزع عليهم على‬
‫قدر إرثهم من القتيل ‪ :‬أن فالنا هو الذي قتله ‪ ،‬ويكون لك حبضور املدعى عليه ‪ .‬فإن أىب الورثة أن حيلفوا ‪ ،‬أو‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪214‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫امتنعوا من تكميل اخلمسني ميينا ؟ فإنه حيلف املدعى عليه مخسني ميينا إذا رضي واملدعون بأميانه ‪ ،‬فإذا حلف برئ ‪،‬‬
‫وإن مل يرض املدعون بتحليف املدعى عليه ‪.‬‬

‫فدى اإلمام القتيل بالدية من بيت املال ‪ ،‬ألن األنصار ملا امتنعوا من قبول أميان اليهود ؟ فدى النيب ‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم القتيل من بيت املال ‪ ،‬وألنه مل يبق سبيل إلثبات الدم على املدعى عليه ‪ ،‬فوجب الغرم من بيت املال‬
‫‪ ،‬لئال يضيع دم املعصوم هدرا بال مربر إلهداره ‪.‬‬

‫* وقد اختلف الفقهاء يف الذي يثبت يف القسامة إذا توفرت شروطها وحلف أولياء القتيل مخسني ميينا ‪،‬‬
‫والصحيح أهنا إذا توفرت شروط القصاص بعد توفر شروط القسامة ومتامها إمنا يثبت هبا القصاص على املدعى عليه‬
‫حيلف مخسون منكم على رجل منهم ‪ ،‬فيدفع إليكم برمته‬ ‫‪ ،‬لقول النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فتقوم القسامة مقام البينة ‪.‬‬ ‫" ويسلم إليكم "‬ ‫ويف لفظ ملسلم ‪:‬‬
‫قال العالمة ابن القيم رمحه اهلل عن ثبوت احلكم بالقسامة ‪ " :‬وليس إعطاء مبجرد الدعوى ‪ ،‬وإمنا هو بالدليل الظاهر‬
‫الذي يغلب على الظن صدقه ‪ ،‬فوق تغليب الشاهدين ‪ ،‬وهو اللوث والعداوة الظاهرة والقرينة الظاهرة ؟ فقوى‬
‫الشارع هذا السبب باستحالف مخسني من أولياء املقتول الذين يستحيل اتفاقهم كلهم على رمي الربيء بدم ليس‬
‫ال يعارض القسامة بوجه ; فإمنا نفى‬ ‫ولو يعطى أناس بدعواهم‬ ‫منه ‪ ،‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫اإلعطاء بدعوى جمردة ‪ .. .‬انتهى ‪.‬‬

‫قال الفقهاء رمحهم اهلل ‪ :‬ومن مات يف زمحة مجعة أو طواف فإنه تدفع ديته من بيت املال ; ملا روي عن عمر‬
‫" أنه قتل رجل يف زحام الناس بعرفة ‪ ،‬فجاء أهله إىل عمر ‪ ،‬فقال ‪ :‬بينتكم على قاتله ‪ .‬فقال علي‬ ‫وعلي ‪:‬‬
‫‪ :‬يا أمري املؤمنني ! ال يطل دم امرئ مسلم ‪ ،‬إن علمت قاتله ‪ ،‬وإال ; فأعط ديته من بيت املال‬

‫كتاب احلدود والتعزيرات‬

‫باب يف أحكام احلدود‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫احلدود مجع حد ‪ ،‬وهو لغة املنع ‪ ،‬وحدود اهلل تعاىل حمارمه اليت منع من ارتكاهبا وانتهاكها ‪.‬‬
‫واحلدود يف االصطالح الشرعي عقوبة مقدرة شرعا يف معصية لتمنع من الوقوع يف مثلها ‪.‬‬
‫واألصل يف مشروعيتها الكتاب والسنة واإلمجاع ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪215‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬احلدود صادرة عن رمحة اخللق وإرادة اإلحسان إليهم ‪ ،‬وهلذا ينبغي ملن‬
‫يعاقب الناس على ذنوهبم أن يقصد بذلك اإلحسان إليهم والرمحة هلم ; كما يقصد الوالد تأديب ولده ‪ ،‬وكما‬
‫يقصد الطبيب معاجلة املريض ‪ .. .‬انتهى ‪.‬‬

‫* واحلكمة يف تشريع احلدود أهنا شرعت زواجر للنفوس ونكاال وتطهريا ‪ ،‬فهي عقوبة مقدرة حلق اهلل تعاىل ‪،‬‬
‫مث ألجل مصلحة اجملتمع ; فاهلل تعاىل أوجبها على مرتكيب اجلرائم اليت تتقاضاها الطباع البشرية ; فهي من أعظم‬
‫مصاحل العباد يف املعاش واملعاد ; فال تتم سياسة امللك إال بزواجر عقوبات ألصحاب اجلرائم ‪ ،‬منها ينزجر العاصي‬
‫ويطمئن املطيع وتتحقق العدالة يف األرض ويأمن الناس على أرواحهم وأعراضهم وأمواهلم ‪ ،‬كما هو املشاهد يف‬
‫اجملتمعات اليت تقيم حدود اهلل ; فإنه يتحقق فيها من األمن واالستقرار وطيب العيش ما ال ينكره منكر ؟ خبالف‬
‫اجملتمعات اليت عطلت حدود اهلل ‪ ،‬وزعمت أهنا وحشية ‪ ،‬وأهنا ال تليق باحلضارة املعاصرة ‪ ،‬فحرمت جمتمعاهتا من‬
‫هذه العدالة اإلهلية ‪ ،‬ومن نعمة األمن واالستقرار ‪ ،‬وإن كانت متلك من األسلحة واألجهزة الدقيقة ما متلك ; فإن‬
‫ذلك ال يغين عنها شيئا ‪ ،‬حىت تقيم حدود اهلل اليت شرعها ملصاحل عباده ; فإن اجملتمعات البشرية ال حتكم باحلديد‬
‫واآللة فقط ‪ ،‬وإمنا حتكم بشريعة اهلل وحدوده ‪ ،‬وإمنا احلديد واألجهزة آلة لتنفيذ احلدود الشرعية ‪ ،‬إذا أحسن‬
‫استعماهلا ‪ ،‬وكيف يسمي هؤالء املنحرفون حدود اهلل اليت هي هدى ورمحة للعاملني ؟ ! كيف يسموهنا وحشية وال‬
‫يسمون عمل اجملرم املعتدي وحشية وهو يروع اآلمنني وجيين على األبرياء وخيلخل أمن اجملتمع ؟ ! إن هذا هو‬
‫الوحشية ‪ ،‬وإن الذي يشفق عليه أظلم منه وأشد منه وحشية ‪ ،‬ولكن إذا انتكست العقول وفسدت الفطر فإهنا ترى‬
‫احلق باطال والباطل حقا ؟ كما قال الشاعر ‪:‬‬

‫وينكر الفم طعم املاء من سقم‬ ‫قد تنكر العني ضوء الشمس من رمد‬

‫هذا ‪ ،‬وال جيوز تطبيق احلد على اجلاين ; إال إذا توفرت شروط تطبيقه وهي كما يلي ‪:‬‬

‫رفع القلم عن ثالثة ‪:‬‬ ‫الشرط األول ‪ :‬أن يكون مرتكب اجلرمية بالغا عاقال ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه أهل السنن وغريهم ‪ ،‬فإذا كانت العبادة‬ ‫الصغري حىت يبلغ ‪ ،‬واجملنون حىت يفيق ‪ ،‬والنائم حىت يستيقظ‬
‫ال جتب على هؤالء ; فاحلد أوىل بالسقوط ؟ لعدم التكليف ‪ ،‬وألنه يدرأ بالشبهة ‪.‬‬

‫الشرط الثاين ‪ :‬أن يكون مرتكب اجلرمية عاملا بالتحرمي ‪ ،‬فال حد على من جيهل التحرمي ; لقول عمر وعثمان وعلي‬
‫ومل يعلم هلم خمالف من الصحابة ‪ ،‬وقال املوفق‬ ‫" ال حد إال على من علمه "‬ ‫رضي اهلل عنهم ‪:‬‬
‫ابن قدامة ‪ " :‬هو قول عامة أهل العلم " ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪216‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫فإذا توفرت هذه الشروط يف مرتكب اجلرمية اليت يرتتب عليها احلد الشرعي ; فإنه يقيمه عليه اإلمام أو نائبه‬
‫ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم كان يقيم احلدود ‪ ،‬مث خلفاؤه من بعده كانوا يقيموهنا ‪ ،‬وقد وكل النيب صلى اهلل‬
‫" واغد يا أنيس إىل امرأة هذا ‪ ،‬فإن اعرتفت ; فارمجها "‬ ‫عليه وسلم من يقيم احلد نيابة عنه ; حيث قال ‪:‬‬
‫اذهبوا به فاقطعوه‬ ‫وأمر صلى اهلل عليه وسلم برجم ماعز ومل حيضره ‪ ،‬وقال يف سارق ‪:‬‬
‫وألن احلد حيتاج إىل اجتهاد ‪ ،‬وال يؤمن فيه احليف ‪ ،‬فوجب أن يتواله اإلمام أو نائبه ‪ ،‬ضمانا للعدالة يف تطبيقه ‪،‬‬
‫سواء كانت احلدود حلق اهلل تعاىل كحد الزىن أو كانت حلق اآلدمي كحد القذف ‪.‬‬
‫قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رمحه اهلل ‪ :‬احلدود اليت ليست لقوم معينني تسمى حدود اهلل وحقوق اهلل ; مثل‬
‫قطاع الطريق والسراق والزناة وحنوهم ‪ ،‬ومثل احلكم يف األموال السلطانية والوقوف والوصايا اليت ليست ملعني ;‬
‫فهذه من أهم أمور الواليات ‪ ،‬جيب على الوالة البحث عنها وإقامتها من غري دعوى أحد هبا ‪ ،‬وتقام الشهادة من‬
‫غري دعوى أحد هبا ‪ ،‬وجتب إقامتها على الشريف والوضيع والقوي والضعيف ‪ .. .‬انتهى ‪.‬‬
‫أن رسول اهلل صلى اهلل عليه‬ ‫وال جتوز إقامة احلد يف املسجد وإمنا تقام خارجه ; حلديث حكيم بن حزام ‪:‬‬
‫واملراد األشعار غري‬ ‫وسلم هنى أن يستقاد باملسجد ‪ ،‬وأن تنشد األشعار ‪ ،‬وأن تقام فيه احلدود ‪.. .‬‬
‫النزيهة ‪.‬‬

‫وحترم الشفاعة يف احلد بعد أن يبلغ السلطان ألجل إسقاطه وعدم إقامته ‪ ،‬وحيرم على أويل األمر قبول‬
‫من حالت شفاعته دون حد من حدود اهلل ; فقد ضاد اهلل‬ ‫الشفاعة يف ذلك ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فهال قبل أن تأتيين به‬ ‫وقال صلى اهلل عليه وسلم يف الذي أراد أن يعفو عن السارق ‪:‬‬ ‫يف أمره‬

‫ال حيل تعطيله ( أي ‪ :‬احلد ) ال بشفاعة وال هدية وال غريها ‪ ،‬وال‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪:‬‬
‫حتل الشفاعة فيه ‪ ،‬ومن عطله لذلك وهو قادر على إقامته ; فعليه لعنة اهلل‬
‫وقال رمحه اهلل ‪ " :‬وال جيوز أن يؤخذ من السارق والزاين والشارب وقاطع الطريق وحنوه مال يعطل به احلد ال لبيت‬
‫املال وال لغريه ‪ ،‬وهذا املال املأخوذ لتعطيل احلد سحت خبيث ‪ ،‬وإذا فعل ويل األمر ذلك مجع بني فسادين عظيمني‬
‫‪ :‬تعطيل احلد وأكل السحت وترك الواجب وفعل احملرم ‪ ،‬وأمجعوا على أن املال املأخوذ من الزاين والسارق‬
‫والشارب واحملارب وحنو ذلك لتعطيل احلد سحت خبيث ‪ ،‬وهو أكثر ما يوجد من إفساد أمور املسلمني ‪ ،‬وهو‬
‫سبب سقوط حرمة املتويل وسقوط قدره واحنالل أمره ‪ " .. .‬انتهى كالمه رمحه اهلل ‪.‬‬
‫فاجلرائم ال حيسمها ويقي اجملتمع من شرها إال إقامة احلدود الشرعية على مرتكبيها ‪ ،‬وأما أخذ الغرامة املالية منهم‬
‫وسجنهم وما أشبه ذلك من العقوبات الوضعية ‪ ،‬فهو ضياع وظلم وزيادة شر ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪217‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫قال فقهاؤنا رمحهم اهلل ‪ :‬إن اجلنايات اليت جتب فيها احلدود مخس هي ‪ :‬الزىن والسرقة ‪ ،‬وقطع الطريق ‪،‬‬
‫وشرب اخلمر ‪ ،‬والقدف ‪ ،‬وما عدا ذلك جيب فيه التعزير ; كما يأيت بيانه إن شاء اهلل ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬أشد اجللد يف احلدود جلد الزىن مث جلد القذف ‪ ،‬مث جلد الشرب ‪ ،‬مث جلد التعزير ; ألن اهلل تعاىل خص‬
‫وما دونه أخف منه يف العدد ; فال جيوز‬ ‫اَل َتْأ ْذ ُك ِهِب ا ْأَفٌة يِف ِديِن الَّلِه‬ ‫الزىن مبؤيد تأكيد ; لقوله‬
‫َو ُخ ْم َم َر‬
‫أن يزيد عليه يف الصفة ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬من مات يف حد ‪ ،‬فهو هدر ‪ ،‬وال شيء على من حده ‪ ،‬ألنه أتى به على الوجه املشروع بأمر اهلل تعاىل‬
‫وأمر رسوله صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫أما لو تعدى الوجه املشروع يف إقامة احلد ‪ ،‬مث تلف احملدود ; فإنه يضمنه بديته ‪ ،‬ألنه تلف بعدوانه ‪ ،‬فأشبه ما لو‬
‫ضربه يف غري احلد ‪.‬‬
‫بغري خالف نعلمه‬ ‫قال املوفق رمحه اهلل ‪:‬‬

‫باب يف حد الزىن‬

‫وقال الفقهاء رمحهم اهلل ‪ :‬وجيب يف إقامة حد الزىن حضور إمام أو نائبه ‪ ،‬وحضور طائفة من املؤمنني ; لقوله‬
‫ِمِن‬ ‫ِئ ِم‬
‫َو ْلَيْش َه ْد َعَذ اَبُه َم ا َطا َفٌة َن اْلُم ْؤ َني‬ ‫تعاىل ‪:‬‬
‫والزىن من أعظم اجلرائم ‪ ،‬وهو يتفاوت يف الشناعة واإلمث والقبح ; فالزىن بذات زوج والزىن بذات احملرم والزىن‬
‫حبليلة اجلار من أعظم أنواعه ‪.‬‬
‫وملا كان الزىن من أعظم اجلرائم وكبار املعاصي ; ملا فيه من اختالط األنساب الذي يبطل بسببه التعارف والتناصر‬
‫على احلق ‪ ،‬وفيه هالك احلرث والنسل ‪ ،‬ملا كان يشتمل على هذه اآلثار القبيحة ; رتب اهلل عليه هذا احلد الصارم ‪،‬‬
‫وهو رجم الزاين باحلجارة حىت ميوت أو جلده وتغريبه عن بلده ; ليحصل بذلك الردع عن ارتكابه ‪ ،‬إضافة إىل ما‬
‫َو اَل َتْق َر ُبوا‬ ‫ينشأ عنه من األمراض اليت تفتك باجملتمعات ‪ ،‬ولذلك هنى عنه الشارع أشد النهي ‪ ،‬فقال تعاىل ‪:‬‬
‫ورتب على ارتكابه تلك العقوبة املؤملة ‪.‬‬ ‫الِّز َنا ِإَّنُه َك اَن َفاِح َشًة َو َس اَء َس ِبياًل‬
‫وقد عرف الفقهاء رمحهم اهلل الزىن بأنه فعل الفاحشة يف قبل أو دبر ‪.‬‬
‫وقال ابن رشد ‪ " :‬هو كل وطء وقع على غري نكاح صحيح وال شبه نكاح وال ملك ميني ‪ ،‬وهذا متفق عليه يف‬
‫اجلملة من علماء اإلسالم ‪ ،‬وإن كانوا اختلفوا فيما هو شبهة يدرأ احلد أو ال ‪ " . .‬انتهى ‪.‬‬
‫فإذا كان الزاين حمصنا مكلفا ; رجم باحلجارة حىت ميوت ‪ ،‬رجال كان أو امرأة ‪ ،‬يف قول أهل العلم من الصحابة‬
‫والتابعني ومن بعدهم من علماء األمصار يف مجيع األعصار ‪ ،‬ومل خيالف يف ذلك إال اخلوارج ‪.‬‬
‫والرجم مع ذلك ثابت بسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم القولية والفعلية املتواترة ‪-‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪218‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وكان الرجم مذكورا يف القرآن الكرمي ‪ ،‬مث نسخ لفظه وبقي حكمه ‪ ،‬وذلك يف قوله تعاىل ‪ " :‬والشيخ والشيخة إذا‬
‫زنيا ‪ ،‬فارمجومها ألبتة نكاال من اهلل واهلل عزيز حكيم " ‪.‬‬
‫ومع ثبوت الرجم بالقرآن املنسوخ لفظه دون حكمه ‪ ،‬وبالسنة املتواترة واإلمجاع ; فقد جترأ اخلوارج ومن يف‬
‫حكمهم من بعض الكتاب املعاصرين إىل إنكار الرجم ; تبعا ألهوائهم ‪ ،‬وختطيا لألدلة الشرعية وإمجاع املسلمني ‪.‬‬
‫واحملصن الذي جيب رمجه إذا زىن هو من وطئ امرأته املسلمة أو الذمية بنكاح صحيح ومها بالغان عاقالن حران ‪،‬‬
‫فإن اختل شرط من هذه الشروط املذكورة يف أحد الزوجني ; فال إحصان ‪.‬‬
‫والشروط تتلخص يف اآليت ‪:‬‬

‫أن حيصل منه الوطء يف القبل ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫أن يكون الوطء يف نكاح صحيح ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫حصول الكمال يف كل منهما ; بأن يكون بالغا حرا عاقال ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫وخص الثيب بالرجم لكونه تزوج فعلم ما يقع به العفاف عن الفروج احملرمة ‪ ،‬واستغىن عنها ‪ ،‬وأحرز نفسه‬
‫عن التعرض حلد الزىن ‪ ،‬فزال عذره من مجيع الوجوه ‪ ،‬وكملت يف حقه النعمة ‪ ،‬ومن كملت يف حقه النعمة ‪،‬‬
‫فجنايته أفحش ; فهو أحق بزيادة العقوبة ‪.‬‬
‫الَّز اِنَيُة َو الَّز ايِن َفاْج ِلُد وا ُك َّل َو اِح ٍد ِم ْنُه َم ا‬ ‫وإذا زىن املكلف احلر غري احملصن ‪ ،‬جلد مائة جلدة ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫وخفف عنه عقوبة احملصن ‪ ،‬وهي القتل ‪ ،‬وصار إىل اجللد ; ملا حصل له من العذر ‪ ،‬فيحقن‬ ‫ِم اَئَة ْلَد ٍة‬
‫َج‬
‫َو اَل َتْأُخ ْذ ُك ْم‬ ‫دمه ‪ ،‬ويزجر عن الزىن بإيالم مجيع بدنه بأعلى أنواع اجللد ‪ ،‬وهو ضرب اجللد ‪ ،‬وقال تعاىل ‪:‬‬
‫ِإْن ُكْنُتْم ُتْؤ ِم ُنوَن ِبالَّلِه َو اْلَيْو ِم اآْل ِخ ِر‬ ‫أي ‪ :‬ال ترمحومها برتك إقامة احلد عليهما ‪،‬‬ ‫ِهِب ا ْأَفٌة يِف ِد يِن الَّلِه‬
‫َم َر‬
‫فإن اإلميان ليقتضي الصالبة يف الدين ‪ ،‬واالجتهاد يف إقامة أحكامه ‪.‬‬
‫وثبت مع اجللد تغريبه عاما بسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ; ملا روى الرتمذي وغريه ‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه‬
‫" البكر بالبكر جلد‬ ‫وسلم ضرب وغرب ‪ ،‬وأن أبا بكر ضرب وغرب ‪ ،‬وأن عمر ضرب وغرب ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫مائة وتغريب عام "‬
‫َفِإَذا ُأْح ِص َّن َفِإْن َأَتَنْي ِبَف اِح َش ٍة َفَعَلْيِه َّن‬ ‫وإذا كان الزاين مملوكا ; جلد مخسني جلدة ; لقوله تعاىل يف اإلماء ‪:‬‬
‫وال فرق بني الذكر واألنثى ‪ ،‬والعذاب املذكور يف القرآن الكرمي هو‬ ‫َناِت ِم اْل َذ اِب‬ ‫ِن‬
‫َن َع‬ ‫ْصُف َم ا َعَلى اْلُم ْحَص‬
‫اجللد ‪ ،‬والرجم وإن كان قد ذكر يف القرآن ‪ ،‬فإنه نسخ لفظه وتالوته وبقي حكمه ‪.‬‬
‫وال تغريب على الرقيق ; ألن يف ذلك إضرارا بسيده ‪ ،‬وألن السنة مل يرد فيها تغريب اململوك إذا زىن ; فقد قال‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪219‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫إذا زنت ‪ ،‬فاجلدوها ‪ ،‬مث إن زنت ; فاجلدوها "‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم يف األمة إذا مل حتصن ‪" :‬‬
‫ومل يذكر تغريبا ‪.‬‬

‫ادرءوا احلدود بالشبهات‬ ‫وال جيب احلد إال إذا خال الوطء من الشبهة لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فال حد على من وطئ امرأة يظنها زوجته ‪ ،‬أو وطئها بعقد باطل اعتقد صحته ‪ ،‬أو وطئ يف‬ ‫ما استطعتم‬
‫نكاح خمتلف فيه ‪ ،‬أو كان جيهل حترمي الزىن وهو قريب عهد باإلسالم أو نشأ يف بادية بعيدة عن دار اإلسالم ‪ ،‬أو‬
‫كانت املرأة مكرهة على الزىن ‪.‬‬
‫قال ابن املنذر ‪ " :‬أمجع كل من حنفظ عنه من أهل العلم أن احلدود تدرأ بالشبهات ‪ .. .‬انتهى ‪.‬‬

‫َو َلْيَس َعَلْيُك ْم‬ ‫وهذا من يسر هذه الشريعة ; ألن الشبهة تدل على عدم تعمده للجرمية ‪ ،‬واهلل تعاىل يقول ‪:‬‬
‫ُج َناٌح ِفيَم ا َأْخ َطْأْمُت ِبِه َو َلِكْن َم ا َتَعَّم َدْت ُقُلوُبُك ْم َو َك اَن الَّلُه َغُف وًر ا َر ِح يًم ا‬
‫ومن شروط وجوب إقامة احلد على الزاين ‪ :‬ثبوت وقوع الزىن منه ‪ ،‬وال يثبت إال بأحد أمرين ‪:‬‬

‫األمر األول ‪ :‬أن يقر به أربع مرات ‪ ،‬وذلك حلديث ماعز بن مالك رضي اهلل عنه فإنه اعرتف عند النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم أربع مرات ‪ :‬األوىل ‪ ،‬مث الثانية ‪ .. .‬ورده حىت أكمل أربع مرات ‪ ،‬فلو كان ما دوهنا يكفي ; ألقام احلد‬
‫عليه به ‪.‬‬
‫ويشرتط لصحة اإلقرار بالزىن أن يصرح حبقيقة الوطء ‪ ،‬وأن ال يرجع عن إقراره حىت يقام عليه احلد ‪ ،‬فلو مل يصرح‬
‫بذكر حقيقة الزىن ; مل حيد ; الحتمال أنه أفاد غريه مما ال يوجب احلد من االستمتاع احملرم ‪ ،‬وقد قال النيب صلى‬
‫قال ‪ :‬ال ‪.‬‬ ‫" لعلك قبلت ‪ ،‬أو غمزت "‬ ‫اهلل عليه وسلم ملاعز رضي اهلل عنه حينما أقر عنده ‪:‬‬
‫وكرر معه صلى اهلل عليه وسلم االستيضاح ‪ ،‬حىت زالت كل االحتماالت ‪ ،‬ولو رجع عن إقراره قبل إقامة احلد‬
‫عليه مل يقم عليه ‪ ،‬وذلك ملا ثبت من تقريره صلى اهلل عليه وسلم ماعزا وغريه مرة بعد مرة لعله يرجع ‪ ،‬ولقوله‬
‫فهال تركتموه ‪ ،‬لعله يتوب فيتوب اهلل عليه‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ملا هرب ‪:‬‬

‫ِه ِب ِة‬
‫وقوله‬ ‫َلْو اَل َج اُءوا َعَلْي َأْر َبَع ُش َه َد اَء‬ ‫األمر الثاين ‪ :‬أن يشهد به عليه أربعة شهود ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َفاْس َتْش ِه ُد وا َعَلْيِه َّن‬ ‫ِب ِة‬ ‫ِت‬ ‫َّلِذ‬
‫ولقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫َو ا يَن َيْر ُموَن اْلُم ْحَص َنا َّمُث ْمَل َيْأُتوا َأْر َبَع ُش َه َد اَء‬ ‫تعاىل ‪:‬‬
‫ِم‬
‫َأْر َبَعًة ْنُك ْم‬

‫ويشرتط لصحة شهادهتم عليه شروط ‪:‬‬

‫األول ‪ :‬أن يشهدوا عليه يف جملس واحد‪.‬‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪220‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫الثاين ‪ :‬أن يشهدوا عليه بزىن واحد ; أي ‪ :‬واقعة واحدة ‪.. .‬‬

‫الثالث ‪ :‬أن يصفوا الزىن مبا يدفع كل االحتماالت عن إرادة غريه من االستمتاع احملرم ; ألن الزىن قد يعرب به عما ال‬
‫يوجب احلد ‪ ،‬فال بد من تصرحيهم به لتنتفي الشبهة ‪.‬‬

‫الرابع ‪ :‬أن يكونوا رجاال عدوال ; فال تقبل فيه شهادة النساء وال شهادة الفساق ‪.‬‬

‫اخلامس ‪ :‬أن ال يكون فيهم من به مانع من عمى أو غريه ‪.. .‬‬

‫فإن اختل شرط من هذه الشروط ; وجب إقامة حد القذف عليهم ; ألهنم قذفة ‪ ،‬واهلل تعاىل يقول ‪:‬‬
‫َو اَّلِذ يَن َيْر ُموَن اْلُم ْحَص َناِت َّمُث ْمَل َيْأُتوا ِبَأْر َبَعِة ُش َه َد اَء َفاْج ِلُد وُه ْم َمَثاِنَني َج ْلَد ًة‬
‫وثبوت الزىن بالبينة املذكورة أو اإلقرار متفق عليه بني العلماء ‪ ،‬وقد اختلفوا هل يثبت بأمر ثالث ‪ ،‬وهو احلبل ‪،‬‬
‫كما لو محلت امرأة ال زوج هلا وال سيد ‪ :‬فقال بعضهم ‪ :‬ال يثبت بذلك حد ; ألنه حيتمل أنه من وطء إكراه أو‬
‫شبهة ‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬بل حتد بذلك إن مل تدع شبهة ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ " :‬وهذا هو املأثور عن اخللفاء الراشدين ; وهو األشبه باألصول الشرعية ‪ ،‬ومذهب‬
‫أهل املدينة ; فإن االحتماالت الباردة ال يلتفت إليها " ‪.‬‬
‫وقال ابن القيم ‪ " :‬وحكم عمر برجم احلامل بال زوج وال سيد وهو مذهب مالك ‪ ،‬وأصح الروايتني عن أمحد ‪،‬‬
‫اعتمادا على القرينة الظاهرة " ‪.‬‬

‫وكما جيب احلد بالزىن إذا توفرت شروط إقامته ‪ ،‬كذلك جيب احلد باللواط وهو فعل الفاحشة يف الدبر ‪،‬‬
‫وهو جرمية خبيثة ‪ ،‬وشذوذ قبيح خمالف للفطرة السليمة ‪.‬‬
‫َأَتْأُتوَن اْلَف اِح َشَة َم ا َس َبَق ُك ْم َهِبا ِم ْن َأَح ٍد ِم َن اْلَعاَلِم َني ِإَّنُك ْم َلَتْأُتوَن الِّر َج اَل َش ْه َو ًة‬ ‫قال اهلل تعاىل يف قوم لوط ‪:‬‬
‫وحترميه معلوم بالكتاب والسنة واإلمجاع ‪.‬‬ ‫ِم ْن ُدوِن الِّنَس اِء َبْل َأْنُتْم َقْو ٌم ُمْس ِر ُفوَن‬

‫وقد وصف اهلل اللوطية بأهنم ميارسون فاحشة مل يسبقهم إليها أحد يف العاملني ; فهم شذاذ يف العامل ‪،‬‬
‫ووصفتم بأهنم عادون ومسرفون وجمرمون ‪ ،‬وأحل هبم عقوبة مل ينزهلا بغريهم ‪ ،‬لقبح جرميتهم ; حيث خسف هبم‬
‫األرض ‪ ،‬وأمطر عليهم حجارة من سجيل ‪.‬‬
‫وقد لعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم الفاعل واملفعول به‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪221‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫‪ -‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬الصحيح الذي عليه الصحابة أنه يقتل االثنان ‪ :‬األعلى‬
‫واألسفل ‪ ،‬إن كانا حمصنني أو غري حمصنني " ‪ .‬قال ‪ " :‬ومل خيتلف الصحابة يف قتله ‪ ،‬وبعضهم يرى أنه يرفع على‬
‫أعلى جدار يف القرية ‪ ،‬ويلقى ‪ ،‬ويتبع باحلجارة ‪.‬‬
‫وقال املوفق ‪ " :‬وألنه ( أي ‪ :‬قتل اللوطي ) إمجاع الصحابة ; فإهنم أمجعوا على قتله ‪ ،‬وإمنا اختلفوا يف صفتها ‪.‬‬

‫ِه‬
‫َو َأْم َطْر َنا َعَلْي ْم‬ ‫وقال ابن رجب ‪ " :‬الصحيح قتله ‪ ،‬سواء كان حمصنا أو غري حمصن ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫وعن أمحد ‪ " :‬حده الرجم ‪ ،‬بكرا كان أو ثيبا " ‪ ،‬وهو قول مالك وغريه ‪ ،‬وأحد قويل‬ ‫ِح َج اَر ًة ِم ْن ِس ِّج يٍل‬
‫من وجدمتوه يعمل عمل قوم لوط ; فاقتلوا الفاعل واملفعول به‬ ‫الشافعي ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فارمجوا األعلى واألسفل‬ ‫رواه أبو داود ‪ ،‬ويف رواية ‪:‬‬

‫فأتوهن من حيث أمركم اهلل إن اهلل حيب‬ ‫ومن اللوطية إتيان الرجل زوجته يف دبرها ; قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫قال ابن عباس وجماهد وغري واحد " يعين ‪ :‬الفرج " ‪ .‬قال علي بن أيب طلحة عن‬ ‫التوابني وحيب املتطهرين‬
‫ِم‬
‫يقول ‪ :‬يف الفرج ‪ ،‬وال تعدوه إىل غريه ‪ ،‬فمن فعل شيئا‬ ‫َفْأُتوُه َّن ْن َحْيُث َأَم َر ُك ُم الَّلُه‬ ‫ابن عباس ‪:‬‬
‫من ذلك ; فقد اعتدى ‪.‬‬

‫ومثل هذا جيب أن يعاقب عقوبة رادعة ‪ ،‬فإن استمر على فعل هذه اجلرمية ; وجب على زوجته طلب‬
‫مفارقته واالبتعاد عنه ; ألنه نذل سافل ‪ ،‬ال يصلح هلا البقاء معه على هذه احلال ‪.‬‬

‫باب يف حد القذف‬

‫عرف الفقهاء رمحهم اهلل القذف بأنه الرمي بزىن أو لواط ‪ ،‬وهو يف األصل الرمي بقوة ‪ ،‬مث استعمل يف الرمي‬
‫بالزىن واللواط ‪.‬‬
‫وهو حمرم بالكتاب والسنة واإلمجاع ‪.‬‬

‫ِن‬ ‫ِل‬ ‫ِب ِة‬ ‫ِت‬ ‫ِذ‬


‫َو اَّل يَن َيْر ُموَن اْلُم ْحَص َنا َّمُث ْمَل َيْأُتوا َأْر َبَع ُش َه َد اَء َفاْج ُد وُه ْم َمَثا َني َج ْلَد ًة َو اَل َتْق َبُلوا ُهَلْم‬ ‫قال تعاىل ‪:‬‬
‫هذه عقوبة القاذف العاجلة يف الدنيا ‪ :‬اجللد ‪ ،‬ورد شهادته ‪ ،‬واعتباره‬ ‫َش َه اَدًة َأَبًد ا َو ُأوَلِئَك ُه ُم اْلَف اِس ُقوَن‬
‫ِإَّن اَّلِذ يَن َيْر ُموَن‬ ‫فاسقا ناقصا سافال إذا مل يثبت ما قال ‪ ،‬وأما عقوبته يف اآلخرة ; فقد بينها اهلل تعاىل بقوله‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪222‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ِد ِه‬ ‫ِه ِس‬ ‫ِظ‬ ‫ِخ ِة‬ ‫ِت ِف ِت ِم ِت ِع‬


‫اْلُم ْحَص َنا اْلَغا اَل اْلُم ْؤ َنا ُل ُنوا يِف الُّد ْنَيا َو اآْل َر َو ُهَلْم َعَذ اٌب َع يٌم َيْو َم َتْش َه ُد َعَلْي ْم َأْل َنُتُه ْم َو َأْي ي ْم‬
‫ِد‬ ‫ِئٍذ‬
‫َيْو َم ُيَو ِّفيِه ُم الَّلُه يَنُه ُم اَحْلَّق َو َيْع َلُم وَن َأَّن الَّلَه ُه َو اَحْلُّق اْلُم ِبُني‬ ‫َو َأْر ُج ُلُه ْم َمِبا َك اُنوا َيْع َم ُلوَن‬

‫وعد منها قذف احملصنات‬ ‫" اجتنبوا السبع املوبقات‬ ‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫الغافالت املؤمنات ‪.‬‬

‫وقد أمجع املسلمون على حترمي القذف ‪ ،‬وعدوه من الكبائر ‪.‬‬

‫وقد أوجب اهلل احلد الرادع على القاذف ‪ ،‬فإذا قذف املكلف املختار حمصنا بزىن أو لواط ‪ ،‬فإنه جيلد مثانني‬
‫َو اَّلِذ يَن َيْر ُموَن اْلُم ْحَص َناِت َّمُث ْمَل َيْأُتوا ِبَأْر َبَعِة ُش َه َد اَء َفاْج ِلُد وُه ْم َمَثاِنَني َج ْلَد ًة‬ ‫جلدة ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ومعىن اآلية الكرمية ‪ :‬إن الذين يقذفون بالزنا احملصنات احلرائر العفائف العاقالت ‪ ،‬مث مل يأت هؤالء القذفة بأربعة‬
‫شهداء على ما رموهن به ; فاجلدوهم مثانني جلدة ‪ ،‬وال فرق بني كون املقذوف ذكرا أو أنثى ‪ ،‬وإمنا خص النساء‬
‫بالذكر ; خلصوص الواقعة ‪ ،‬وألن قذف النساء أشنع وأغلب ‪.‬‬

‫وإمنا استحق القاذف هذه العقوبة صيانة ألعراض املسلمني عن التدنيس ‪ ،‬وألجل كف األلسن عن هذه‬
‫األلفاظ القذرة اليت تلطخ أعراض األبرياء ‪ ،‬وصيانة للمجتمع اإلسالمي عن شيوع الفاحشة فيه ‪.‬‬

‫واحملصن الذي جيب احلد بقذفه هو احلر املسلم العاقل العفيف الذي جيامع مثله ‪.‬‬

‫قال ابن رشد ‪ " :‬اتفقوا على أن من شروط املقذوف أن جيتمع فيه مخسة أوصاف ‪ :‬البلوغ ‪ ،‬واحلرية ‪،‬‬
‫والعفاف ‪ ،‬واإلسالم ‪ ،‬وأن يكون معه آلة الزىن ‪ ،‬فإن اخنرم من هذه األوصاف وصف ; مل جيب احلد " ‪.‬‬

‫وحد القذف حق للمقذوف ; يسقط بعفوه ‪ ،‬وال يقام إال بطلبه فإذا عفا املقذوف عن القاذف ; سقط احلد‬
‫عنه ‪ ،‬ولكنه يعزر مبا يردعه عن التمادي يف القذف احملرم املتوعد عليه باللعن والعذاب األليم ‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬ال حيد القاذف إال بالطلب إمجاعا " انتهى ‪.‬‬

‫ومن قذف غائبا مل حيد حىت حيضر املقذوف ويطالب أو تثبت مطالبته بذلك يف غيبته ‪.‬‬

‫وألفاظ القذف تنقسم إىل قسمني‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪223‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ألفاظ صرحية ال حتتمل غري القذف ; فال يقبل منه تفسريه لغري القذف ‪.‬‬
‫وألفاظ كنايات حتتل القذف وغريه ‪ ،‬فإذا فسرها بغري القذف ‪ ،‬قبل منه ‪.‬‬
‫فاأللفاظ الصرحية ‪ ،‬مثل قوله ‪ :‬يا زاين ! يا لوطي ! يا عاهر ! وكنايته مثل ‪ :‬يا قحبة ! يا فاجرة ! يا خبيثة ! فإذا‬
‫قال القاذف ‪ :‬أردت بالقحبة أهنا تتصنع للفجور ‪ ،‬أو قال ‪ :‬أردت بالفاجرة أهنا خمالفة لزوجها فيما جيب طاعته‬
‫فيه ‪ ،‬وأردت باخلبيثة أهنا خبيثة الطبع ; قبل منه هذا التفسري ‪ ،‬ومل جيب عليه حدة ألن لفظه حيتمل ‪ ،‬واحلدود تدرأ‬
‫بالشبهات ‪.‬‬

‫وإذا قذف مجاعة ال يتصور منهم الزىن أو قذف أهل بلد مل حيد ; وإمنا يعزر بذلك ; ألنه مقطوع بكذبه ‪،‬‬
‫فال عار عليهم بذلك ‪ ،‬وإمنا يعزر ألجل جتنب هذه األلفاظ القبيحة والشتائم البذيئة ‪ ،‬وذلك معصية جيب تأديبه‬
‫عليها ‪ ،‬ولو مل يطالبه أحد منهم ‪.‬‬

‫ومن قذف نبيا من األنبياء كفر ‪ ،‬ألن ذلك ردة عن اإلسالم ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬وقذف نساء النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬أي ‪ :‬كقذف النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم يف احلكم بردة القاذف " ‪.‬‬

‫وقال الشيخ يف القاذف إذا تاب قبل علم املقذوف هل تصح توبته األشبه أنه خيتلف باختالف الناس ‪ ،‬وقال‬
‫أكثر العلماء ‪ :‬إن علم به املقذوف ; مل تصح توبته ‪ ،‬وإال ; صحت ‪ ،‬ودعا له ‪ ،‬واستغفر ‪ " .. .‬انتهى ‪.‬‬

‫ومن هذا يتبني لنا خطر اللسان ‪ ،‬وما يرتتب على ألفاظه من مؤاخذات ‪ ،‬وقد قال النيب صلى اهلل عليه‬
‫َم ا‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬
‫وهل يكب الناس يف النار على وجوههم إال حصائد ألسنتهم‬ ‫وسلم ‪:‬‬
‫فيجب على اإلنسان أن حيفظ لسانه ‪ ،‬ويزن ألفاظه ‪ ،‬ويسدد أقواله ‪ ،‬قال‬ ‫َيْلِف ُظ ِم ْن َقْو ٍل ِإاَّل َلَد ْيِه َر ِقيٌب َعِتيٌد‬
‫َيا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا اَّتُقوا الَّلَه َو ُقوُلوا َقْو اًل َس ِديًد ا‬ ‫اهلل تعاىل ‪:‬‬

‫باب يف حد املسكر‬

‫املسكر ‪ :‬اسم فاعل من أسكر الشراب فهو مسكر ‪ ،‬إذا جعل صاحبه سكران ‪ ،‬والسكران خالف‬
‫الصاحي ‪ ،‬والسكر يف االصطالح هو اختالط العقل ‪.‬‬
‫‪ * -‬واخلمر حمرم بالكتاب والسنة واإلمجاع ‪:‬‬
‫ِل الَّش َطاِن‬ ‫ِم‬ ‫ِر‬ ‫ِس‬ ‫ِإ‬ ‫َّلِذ‬
‫ْي‬ ‫َيا َأُّيَه ا ا يَن آَم ُنوا َمَّنا اَخْلْم ُر َو اْلَم ْي ُر َو اَأْلْنَص اُب َو اَأْلْز اَل ُم ْج ٌس ْن َعَم‬ ‫‪ -‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫َفاْج َتِنُبوُه َلَعَّلُك ْم ُتْف ِلُح وَن ِإَمَّنا ُيِر يُد الَّش ْيَطاُن َأْن ُيوِقَع َبْيَنُك اْلَعَد اَو َة َو اْلَبْغَض اَء يِف اَخْلْم ِر َو اْلَم ْيِس ِر َو َيُصَّد ُك ْم َعْن ِذ ْك ِر‬
‫ُم‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪224‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫واخلمر كل ما خامر العقل أي غطاه من أي مادة كان ‪.‬‬ ‫الَّلِه َو َعِن الَّصاَل ِة َفَه ْل َأْنُتْم ُمْنَتُه وَن‬
‫\‬ ‫كل مسكر مخر ‪ ،‬وكل مخر حرام‬ ‫ويف الصحيحني وغريمها ‪:‬‬
‫\‪AASSERVERHAFIZATA$IslamMFQHTak\Hits691.htm‬‬

‫‪AASSERVERHAFIZATA$IslamMFQHTak\Hits1263.htm‬كل شراب أسكر فهو حرام‬


‫فكل شراب أسكر كثريه ; فقليله حرام ‪ ،‬وهو مخر ‪ ،‬من أي شيء كان ‪ ،‬سواء كان من عصري العنب أو‬
‫من غريه ‪.‬‬

‫فكل شيء يسرت العقل يسمى‬ ‫اخلمر ما خامر العقل‬ ‫قال عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫مخرا ; ألهنا مسيت بذلك ‪ ،‬ملخامرهتا للعقل ; أي ‪ :‬سرتها له ‪.‬‬
‫وهذا قول مجهور أهل اللغة ‪.‬‬
‫* قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬واحلشيشة جنسة يف األصح ‪ ،‬وهي حرام ‪ ،‬سواء سكر منها أم مل‬
‫يسكر ‪ ،‬واملسكر منها حرام باتفاق املسلمني ‪ ،‬وضررها من بعض الوجوه أعظم من ضرر اخلمر ‪ ،‬وظهورها يف‬
‫املائة السادسة " انتهى كالمه ‪.‬‬
‫وهذه احلشيشة وسائر املخدرات من أعظم ما يفتك اليوم بشباب املسلمني ‪ ،‬وهي أعظم سالح يصدره األعداء‬
‫ضدنا ‪ ،‬ويروجها املفسدون يف األرض من اليهود وعمالئهم ; ليفتكوا باملسلمني ‪ ،‬ويفسدوا شباهبم ‪ ،‬ويعطلوهم‬
‫عن االجتاه للعمل جملتمعاهتم واجلهاد لدينهم وصد عدوان املعتدين على شعوهبم وبالدهم ‪ ،‬حىت أصبح كثري من‬
‫شباب املسلمني خمدرين ‪ ،‬عالة على جمتمعهم ‪ ،‬أو يعيشون رهن السجون ‪ ،‬كل ذلك من آثار رواج تلك املخدرات‬
‫واملسكرات يف بالد املسلمني ; فال حول وال قوة ‪ .‬إال باهلل العلي العظيم ‪.‬‬

‫واخلمر حرام بأي حال ‪ ،‬ال جيوز شربه ‪ ،‬ال لذة وال لتداو وال لعطش وال غريه ‪:‬‬
‫رواه مسلم ‪.‬‬ ‫إنه ليس بدواء ‪ ،‬ولكنه داء‬ ‫أما حترمي التداوي باخلمر فلقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫إن اهلل مل جيعل شفاءكم فيما حرم عليكم‬ ‫وقال ابن مسعود رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫‪ -‬أما حترمي شربه لدفع العطش ; فألنه ال حيصل به ري ‪ ،‬بل فيه من احلرارة ما يزيد العطش ‪.‬‬

‫وإذا شرب املسلم مخرا أو شرب ما خلط به كالكولونيا وحنوها من األطياب اليت فيها كحول تسكر ‪ ،‬مىت‬
‫شرب املسلم شيئا من ذلك خمتارا عاملا أن كثريه يسكر ; فإنه جيب أن يقام عليه احلد ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه أبو داود وغريه ‪.‬‬ ‫من شرب اخلمر ‪ ،‬فاجلدوه‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪225‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ومقدار حد اخلمر مثانون جلدة ألن عمر استشار الناس يف حد اخلمر ‪ ،‬فقال عبد الرمحن بن عوف رضي اهلل‬
‫اجعله كأخف احلدود مثانني ‪ .‬فضرب عمر مثانني ‪ ،‬وكتب إىل خالد وأيب عبيدة يف الشام‬ ‫عنه ‪:‬‬
‫رواه الداراقطين وغريه وكان هذا مبحضر املهاجرين واألنصار رضي اهلل عنهم ‪ ،‬فلم ينكره أحد منهم ‪.‬‬

‫قال اإلمام ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬احلق أن عمر حد اخلمر حبد القذف ‪ ،‬وأقره الصحابة "‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬حد الشرب ثابت بالسنة وإمجاع املسلمني أربعون ‪ ،‬والزيادة يفعلها‬
‫اإلمام عند احلاجة إذا أدمن الناس اخلمر وكانوا ال يرتدعون بدوهنا " ‪.‬‬

‫وقال ‪ " :‬الصحيح أن الزيادة على األربعني إىل الثمانني ليست واجبة على اإلطالق ‪ ،‬وال حمرمة على اإلطالق‬
‫‪ ،‬بل يرجع فيها إىل اجتهاد اإلمام ‪ ،‬كما جوزنا له االجتهاد يف صفة الضرب فيه ‪ " .. .‬انتهى ‪.‬‬

‫ويثبت حد اخلمر بإقرار الشارب أو بشهادة عدلني ‪.‬‬


‫واختلف العلماء ‪ :‬هل يثبت حد اخلمر على من وجدت فيه رائحتها على قولني ‪ :‬فقيل ‪ :‬ال حيد بل يعزر ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫يقام عليه احلد إذا مل يدع شبهة ‪ ،‬وهو رواية عن أمحد وقول مالك واختيار الشيخ تقي الدين ابن تيمية رمحه اهلل ‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ‪ " :‬من قامت عليه شواهد احلال باجلناية كرائحة اخلمر أوىل بالعقوبة ممن قامت عليه‬
‫شهادة به أو إخباره عن نفسه اليت حتتمل الصدق والكذب ‪ ،‬وهذا متفق عليه بني الصحابة " ‪.‬‬

‫وقال ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬حكم عمر وابن مسعود بوجوب احلد برائحة اخلمر يف الرجل أو غريه ‪ ،‬ومل‬
‫يعلم هلما خمالف " ‪ .‬انتهى ‪.‬‬

‫ِق‬ ‫ِإ‬
‫َمَّنا ُيِر يُد الَّش ْيَطاُن َأْن ُيو َع‬ ‫وخطر اخلمر عظيم ‪ ،‬وهي مطية الشيطان اليت يركبها لإلضرار باملسلمني ;‬
‫َبْيَنُك ُم اْلَعَد اَو َة َو اْلَبْغَض اَء يِف اَخْلْم ِر َو اْلَم ْيِس ِر َو َيُصَّد ُك ْم َعْن ِذ ْك ِر الَّلِه َو َعِن الَّصاَل ِة َفَه ْل َأْنُتْم ُمْنَتُه وَن‬

‫لعن اهلل اخلمر ‪،‬‬ ‫واخلمر أم اخلبائث ‪ ،‬وقد لعن النيب صلى اهلل عليه وسلم فيها عشرة ‪ ،‬حيث قال ‪:‬‬
‫فيجب على‬ ‫وشارهبا ‪ ،‬وساقيها ‪ ،‬وبائعها ‪ ،‬ومبتاعها ‪ ،‬وعاصرها ‪ ،‬ومعتصرها ‪ ،‬وحاملها ‪ ،‬واحملمولة إليه‬
‫املسلمني أن يقفوا يف مقاومتها موقف احلزم والشجاعة ; حبسم مادهتا ‪ ،‬وعقوبة من يتعاطاها أو يروجها بالعقوبة‬
‫الرادعة ; فإهنا جتر إىل كل شر ‪ ،‬وتوقع يف كل رذيلة ‪ ،‬وتثبط عن كل خري ‪ ،‬كفى اهلل املسلمني شرها وخطرها ‪.‬‬

‫وقد ورد يف احلديث أن قوما يف آخر الزمان يستحلوهنا ‪ ،‬وقد يسموهنا بغري امسها ‪ ،‬ويشربوهنا ; فيجب على‬
‫املسلمني أن يكونوا حذرين متيقظني ألولئك األشرار ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪226‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫باب يف أحكام التعزير‬

‫التعزير لغة ‪ :‬املنع ‪ ،‬ويطلق التعزير ويراد به النصرة ; ألنه مينع املعادي من اإليذاء ‪ ،‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫يعين ‪ :‬النيب صلى اهلل عليه وسلم ويقال عزرته مبعىن وقرته ‪ ،‬ويقال عزرته مبعىن أدبته ‪.‬‬ ‫َو ُتَعِّز ُر وُه َو ُتَو ِّقُر وُه‬
‫فهو من األضداد ‪.‬‬

‫ومعىن التعزير يف االصطالح الفقهي التأديب ‪ ،‬مسى بذلك ألنه مينع مما ال جيوز فعله ‪ ،‬وألنه طريق إىل‬
‫التوقري ; ألن املعزر إذا امتنع بسببه من فعل ما ال ينبغي ; حصل له الوقار‬
‫‪ .‬وحكم التعزير يف اإلسالم أنه واجب يف فعل كل معصية ال حد فيها وال كفارة ; من فعل احملرمات ‪ ،‬وترك‬
‫الواجبات ‪ ،‬ويفعله ويل األمر إذا رأى املصلحة فيه ‪ ،‬ويرتكه إذا رأى املصلحة يف تركه ‪ ،‬وال حيتاج يف إقامة التعزير‬
‫إىل مطالبة ‪ ،‬فيعزر املعتدي ولو مل يطالب املعتدي عليه ‪ ،‬ومرجعه إىل اجتهاد احلاكم ; حيث كانت اجلرائم تتفاوت‬
‫يف الشدة والضعف والكثرة والقلة ‪.‬‬

‫والصحيح أنه ليس فيه حد معني ‪ ،‬لكن إذا كانت املعصية يف عقوبتها مقدر من الشارع كالزىن والسرقة ;‬
‫فال يبلغ بالتعزير احلد املقدر ‪.‬‬

‫وقد يصل التعزير إىل القتل إذا اقتضته املصلحة ‪ ،‬مثل قتل اجلاسوس ‪ ،‬وقتل املفرق جلماعة املسلمني ‪ ،‬والداعي‬
‫إىل غري كتاب اهلل وسنة ونبيه ‪ .. .‬وغري ذلك مما ال يندفع إال بالقتل ‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬وهذا أعدل األقوال ‪ ،‬وعليه دلت سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم وسنة اخللفاء الراشدين ‪ ،‬فقد أمر بضرب الذي أحلت له امرأته جاريتها مائة ‪ ،‬وأبو بكر وعمر أمرا بضرب‬
‫رجل وامرأة وجدا يف حلاف واحد مائة مائة ‪ ،‬وضرب عمر صبيغا ضربا كثريا ‪.‬‬

‫وقال الشيخ ‪ " :‬إذا كان املقصود دفع الفساد ‪ ،‬ومل يندفع إال بالقتل ‪ ،‬قتل ‪ ،‬وحينئذ ; فمن تكرر منه جنس‬
‫الفساد ‪ ،‬ومل يرتدع باحلدود املقدرة ‪ ،‬بل استمر على الفساد ‪ ،‬فهو كالصائل الذي ال يندفع إال بالقتل ‪ ،‬فيقتل " ‪.‬‬

‫وال حد ألقل التعزير ; لتفاوت اجلرائم بالشدة والضعف واختالف األحوال واألزمان ‪ ،‬فجعلت العقوبات‬
‫على بعض اجلرائم راجعة إىل اجتهاد احلاكم حبسب احلاجة واملصلحة ‪ ،‬وال خترج عما أمر اهلل به وهنى عنه ‪ ،‬وكما‬
‫يكون التعزير بالضرب يكون باحلبس والصفع والتوبيخ والعزل عن الوالية وحنو ذلك ‪...‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪227‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬وقد يكون التعزير بالنيل من عرضه ‪ .‬كيا ظامل ! يا معتدي !‬
‫وبإقامته من اجمللس ‪. .‬‬
‫ال جيلد أحد‬ ‫والذين أجازوا الزيادة يف التعزير على عشرة أسواط أجابوا عن قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫متفق عليه ‪ ،‬بأن املراد باحلد هنا املعصية ‪ ،‬ال العقوبات‬ ‫فوق عشرة أسواط ; إال يف حد من حدود اهلل‬
‫املقدرة يف الشرع ‪ ،‬بل املراد احملرمات ‪ ،‬وحدود اهلل حمارمه ‪ ،‬فيعزر حبسب املصلحة وعلى قدر اجلرمية ‪.‬‬

‫وال جيوز أن يكون التعزير بقطع عضو أو جبرح املعزر أو حلق حليته ‪ ،‬ملا يف ذلك من املثلة والتشويه ; كما ال‬
‫جيوز أن يعزر حبرام ; كسقيه مخرا ‪.‬‬

‫ومن عرف بأذية الناس وأذى ماهلم بعينه ; حبس حىت ميوت أو يتوب ‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬حيبس وجوبا ‪ ،‬ذكره غري واحد من الفقهاء ‪ ،‬وال ينبغي أن يكون فيه خالف ;‬
‫ألنه من نصيحة املسلمني وكف األذى عنهم ‪.‬‬
‫وقال ‪ " :‬العمل يف السلطنة بالسياسة هو احلزم ‪ ،‬فال خيلو منه إمام ‪ ،‬ما مل خيالف الشرع ‪ ،‬فإذا ظهرت أمارات‬
‫العدل ‪ ،‬وتبني وجهه بأي طريق ‪ ،‬فثم شرع اهلل ; فال يقال ‪ :‬إن السياسة العادلة خمالفة ملا نطق به الشرع ‪ ،‬بل‬
‫موافقة ملا جاء به ‪ ،‬بل جزء من أجزائه ‪ ،‬وحنن نسميها سياسة تبعا ملصطلحكم ‪ ،‬وإمنا هي شرع حق ‪ ،‬فقد حبس‬
‫صلى اهلل عليه وسلم يف التهمة ‪ ،‬وعاقب يف التهمة ملا ظهرت آثار الريبة ‪ ،‬فمن أطلق كال منهم وخلى سبيله ‪ ،‬لو‬
‫حلفه مع علمه باشتهاره بالفساد يف األرض ‪ .‬فقوله خمالف للسياسة الشرعية ‪ ،‬بل يعاقبون أهل التهم ‪ ،‬وال يقبلون‬
‫الدعوى اليت تكذهبا العادة والعرف ‪.‬‬

‫وقال الشيخ تقي الدين رمحه اهلل يف أهل الشعوذة ‪ " :‬يعزر الذي ميسك احلية ويدخل النار وحنوه " ‪.‬‬

‫ويعزر من ينتقص مسلما بأنه مسلماين ‪ ،‬ومن قال لذمي ‪ :‬يا حاج ! أو مسى من زار القبور واملشاهد حاجا ‪.‬‬
‫‪ ..‬وحنو ذلك ‪.‬‬

‫وإذا ظهر كذب املدعي مبا يؤذي به املدعى عليه ; عزر ‪ ،‬ويلزمه ما غرم بسببه ظلما ; لتسببه يف ظلمه بغري‬
‫حق ‪.‬‬

‫باب يف حد السرقة‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪228‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ِك‬ ‫ِم ِه‬ ‫ِد‬


‫َو الَّس اِر ُق َو الَّس اِر َقُة َفاْقَطُعوا َأْي َيُه َم ا َجَز اًء َمِبا َك َس َبا َنَك ااًل َن الَّل َو الَّلُه َعِز يٌز َح يٌم‬ ‫قال تعاىل ‪:‬‬

‫تقطع اليد يف ربع دينار فصاعدا‬ ‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫وأمجع املسلمون على وجوب قطع يد السارق يف اجلملة ‪.‬‬

‫والسارق عنصر فاسد يف اجملتمع ‪ ،‬إذا ترك ‪ ،‬سرى فساده يف جسم األمة ; فال بد من حسمه بتطبيق احلد‬
‫املناسب لردعه ‪ ،‬ومن مث شرع اهلل سبحانه وتعاىل قطع يده ‪ ،‬تلك اليد الظاملة اليت امتدت إىل ما ال جيوز هلا االمتداد‬
‫إليه ‪ ،‬تلك اليد اليت هتدم وال تبين ‪ ،‬تأخذ وال تعطي ‪.‬‬

‫والسرقة هي ‪ :‬أخذ مال على وجه االختفاء من مالكه أو نائبه ‪ ،‬إذا كان هذا اآلخذ ملتزما ألحكام‬
‫اإلسالم ‪ ،‬وكان املال املأخوذ بلغ النصاب ‪ ،‬وقد أخذه من حرز مثله ‪ ،‬وكان مالك املال املأخوذ معصوما ‪ ،‬وال‬
‫شبهة لآلخذ منه ‪.‬‬

‫فال بد أن يستجمع السارق واملسروق منه واملال املسروق وكيفية السرقة أوصافا حمددة تضمنها هذا التعريف‬
‫‪ ،‬مىت اختل وصف منها ‪ ،‬انتفى القطع ‪ ،‬وهذه األوصاف هي ‪:‬‬
‫أن يكون األخذ على وجه اخلفية ‪ ،‬فإن مل يكن على وجه اخلفية ; فال قطع ; كما لو انتهب املال على وجه الغلبة‬
‫والقهر على مرأى من الناس ‪ ،‬أو اغتصبه ; ألن صاحب املال حينئذ ميكنه طلب النجدة واألخذ على يد الغاشم‬
‫والغاصب ‪.‬‬

‫قال اإلمام ابن القيم ‪ " :‬إمنا قطع السارق دون املنتهب واملغتصب ألنه ال ميكن التحرز منه ‪ ،‬فإنه ينقب الدور‬
‫ويهتك احلرز ويكسر القفل ‪ ،‬فلو مل يشرع قطعه ; لسرق الناس بعضهم بعضا ‪ ،‬وعظم الضرر ‪ ،‬واشتدت احملنة‬
‫انتهى ‪.‬‬

‫وقال صاحب " اإلفصاح " ‪ :‬اتفقوا على أن املختلس واملنتهب والغاصب على عظم جنايتهم وآثامهم ال قطع‬
‫على واحد منهم ‪ ،‬ويسوغ كف عدوان هؤالء بالضرب والنكال والسجن الطويل والعقوبة الرادعة ‪.‬‬

‫ومن األوصاف اليت توجب القطع يف السرقة أن يكون املسروق ماال حمرتما ; ألن ما ليس مبال ال حرمة له ;‬
‫كآلة اللهو واخلمر واخلنزير وامليتة ‪ ،‬وما كان ماال ‪ ،‬لكنه غري حمرتم ‪ ،‬لكون مالكه كافرا حربيا ‪ ،‬فال قطع فيه ; ألن‬
‫الكافر احلريب حالل الدم واملال ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪229‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ومن األوصاف اليت جيب توافرها يف القطع يف السرقة ‪ :‬أن يكون املسروق نصابا ‪ ،‬وهو ثالثة دراهم إسالمية‬
‫‪ ،‬أو ربع دينار إسالمي ‪ ،‬أو ما يقابل أحدمها من النقود األخرى ‪ ،‬أو أقيام العروض املسروقة يف كل زمان حبسبه ‪،‬‬
‫رواه أمحد ومسلم وغريمها ‪،‬‬ ‫ال تقطع اليد إال يف ربع دينار فصاعدا‬ ‫لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫وكان ربع الدينار يومئذ ثالثة دراهم ‪.‬‬

‫ويف ختصيص القطع هبذا القدر حكمة ظاهرة ‪ ،‬فإن هذا القدر يكفي املقتصد يف يومه له وملن ميونه غالبا ;‬
‫فانظر كيف تقطع اليد يف سرقة ربع دينار مع أن ديتها لو جىن عليها مخس مائة دينار ‪ ،‬ألهنا ملا كانت أمينة كانت‬
‫مثينة ‪ ،‬وملا خانت هانت ‪ ،‬وهلذا ملا اعرتض بعض املالحدة ‪ -‬وهو املعري ‪ -‬بقوله ‪:‬‬

‫ما باهلا قطعت يف ربع دينار‬ ‫يد خبمس مئني عسجد وديت‬

‫أجابه بعض العلماء بقوله ‪:‬‬

‫ذل اخليانة فافهم حكمة الباري‬ ‫عز األمانة أغالها وأرخصها‬

‫ومن األوصاف اليت جيب توافرها للقطع يف السرقة ‪ :‬أن يأخذ املسروق من حرز ; وحرز املال ما العادة‬
‫حفظه فيه ; ألن احلرز معناه احلفظ ‪ ،‬واحلرز خيتلف باختالف األموال والبلدان وعدل السلطان وجوره وقوته‬
‫وضعفه ; فاألموال الثمينة حرزها يف الدور والدكاكني واألبنية احلصينة وراء األبواب واألغالق الوثيقة ‪ ،‬وما دون‬
‫ذلك حرزه حبسبه على عادة البلد ‪ ،‬فإن سرقه من غري حرز ‪ ،‬كما لو وجد بابا مفتوحا ‪ ،‬أو حرزا مهتوكا ‪ ،‬فأخذ‬
‫منه ; فال قطع عليه ‪.‬‬

‫وال بد أن تنتفي الشبهة عن السارق فيما أخذ ‪ ،‬فإن كان له شبهة يظنها تسوغ له األخذ ; مل يقطع ‪ ،‬لقوله‬
‫فال قطع عليه بسرقته من مال أبيه‬ ‫ادرءوا احلدود بالشبهات ما استطعتم‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫وال بسرقته من مال ولده ; ألن نفقة كل منهما جتب يف مال اآلخر ‪ ،‬وذلك شبهة تدرأ عنه احلد ‪ ،‬وهكذا كل من‬
‫له استحقاق يف مال ‪ ،‬فأخذ منه ; فال قطع عليه ‪ ،‬لكن حيرم عليه هذا الفعل ‪ ،‬ويؤدب عليه ‪ ،‬ويرد ما أخذ ‪.‬‬

‫وال بد مع توافر ما سبق من الصفات من ثبوت السرقة إما بشهادة عدلني يصفان كيفية السرقة وحرزها‬
‫وقدر املسروق وجنسه ; لتزول االحتماالت والشبهات ‪ ،‬وإما بإقرار السارق مرتني على نفسه بالسرقة ; ملا روى‬
‫ما إخالك سرقت قال ‪ :‬بلى ‪ .‬فأعاد‬ ‫أبو داود أنه صلى اهلل عليه وسلم أيت بلص قد اعرتف ‪ ،‬فقال له ‪:‬‬
‫عليه مرتني أو ثالثا ‪ ،‬فأمر به ‪ ،‬فقطع‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪230‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وال بد يف إقراره أن يصف السرقة ‪ ،‬ليندفع احتمال أنه يظن القطع فيما ال قطع فيه ‪ ،‬وليعلم توافر شروط أو‬
‫عدم توافرها ‪.‬‬
‫وال بد أن يطالب املسروق منه مباله ‪ ،‬فلو مل يطالب مل جيب القطع ألن املال يباح بإباحة صاحبه وبذله له ‪ ،‬فإذا مل‬
‫يطالب ; احتمل أنه مسح به له ‪ ،‬وذلك شبهة تدرأ احلد ‪.‬‬

‫وإذا وجب القطع لتكامل شروطه ; قطعت يده اليمىن لقراءة ابن مسعود يف قوله تعاىل فاقطعوا أمياهنما وحمل‬
‫القطع من مفصل الكف ألن اليد آلة السرقة فعوقب بإعدام آلتها واقتصر القطع على الكف ; ألن اليد إذا أطلقت‬
‫انصرفت إليه وبعد قطعها يعمل هلا ما حيسم الدم ويندمل به اجلرح من أنواع العالج املناسبة يف كل زمان حبسبه ‪.‬‬

‫باب يف حد قطاع الطريق‬

‫اهلل سبحانه يريد للمسلمني أن يسريوا يف أرضه آمنني ; لتبادل مصاحلهم ‪ ،‬وتنمية أمواهلم ‪ ،‬وصلة الرحم فيما‬
‫بينهم ‪ ،‬وتعاوهنم على الرب والتقوى ‪ ،‬وال سيما السفر إىل بيته العتيق ; ألداء شعرية احلج والعمرة ‪.‬‬

‫فمن أراد أن يعوق سريهم ‪ ،‬أو يسد طريقهم ‪ ،‬أو خيوفهم يف أسفارهم ‪ .‬فقد شرع له حدا رادعا ‪ ،‬يزيل هذا‬
‫ِإَمَّنا َجَز اُء اَّلِذ يَن َحُياِر ُبوَن الَّلَه َو َرُس وَلُه َو َيْسَعْو َن يِف اَأْلْر ِض‬ ‫العائق ‪ ،‬ومييط األذى عن الطريق ‪ ،‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫ِخ‬ ‫ِل‬ ‫ِم‬ ‫ِم ِخ ٍف‬ ‫ِد ِه‬
‫َفَس اًد ا َأْن ُيَق َّتُلوا َأْو ُيَص َّلُبوا َأْو ُتَق َّطَع َأْي ي ْم َو َأْر ُج ُلُه ْم ْن اَل َأْو ُيْنَف ْو ا َن اَأْلْر ِض َذ َك ُهَلْم ْز ٌي يِف الُّد ْنَيا َو ُهَلْم‬
‫ِح‬ ‫ِه‬ ‫ِد‬ ‫ِم‬ ‫ِظ ِإ ِذ‬ ‫ِخ ِة‬
‫يِف اآْل َر َعَذ اٌب َع يٌم اَّل اَّل يَن َتاُبوا ْن َقْبِل َأْن َتْق ُر وا َعَلْي ْم َفاْع َلُم وا َأَّن الَّلَه َغُف وٌر َر يٌم‬

‫واملراد باحملاربني الذين يسعون يف األرض فسادا ‪ :‬قطاع الطريق وهم الذين يعرضون للناس يف الصحراء أو‬
‫البنيان ‪ ،‬فيغصبوهنم املال جماهرة ال سرقة ‪.‬‬

‫ويشرتط لتطبيق احلد عليهم أن يبلغ ما أخذوه نصاب السرقة ‪ ،‬وأن يأخذوه من حرز ‪ ،‬بأن يأخذوا املال من‬
‫يد صاحبه وهو يف القافلة ‪ ،‬وأن يثبت قطعهم للطريق بإقرارهم أو بشهادة عدلني ‪.‬‬

‫وحدهم خيتلف باختالف جرائمهم ‪:‬‬


‫فمن قتل منهم وأخذ املال ; قتل حتما وصلب حىت يشتهر أمره ‪ ،‬وال جيوز العفو عنه بإمجاع العلماء ‪ .‬كما حكاه‬
‫ابن املنذر ‪.‬‬
‫ومن قتل ومل يأخذ املال ; قتل حتما ومل يصلب ‪.‬‬
‫ومن أخذ املال ‪ ،‬ومل يقتل ‪ .‬قطعت يده اليمىن ورجله اليسرى يف مقام واحد ‪ ،‬وحسمت عن النزيف ‪ ،‬مث خلي ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪231‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ومن أخاف السبيل فقط ‪ ،‬ومل يقتل ‪ ،‬ومل يأخذ ماال ; نفي من األرض ; بأن يشرد ; فال يرتك يأوي إىل بلد ‪ ،‬بل‬
‫يطارد ‪.‬‬

‫ِإَمَّنا َجَز اُء اَّلِذ يَن َحُياِر ُبوَن الَّلَه َو َرُس وَلُه َو َيْسَعْو َن‬ ‫فتختلف عقوبتهم باختالف جرائمهم ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫فهذه اآلية‬ ‫يِف اَأْلْر ِض َفَس اًد ا َأْن ُيَق َّتُلوا َأْو ُيَص َّلُبوا َأْو ُتَق َّطَع َأْيِديِه ْم َو َأْر ُج ُلُه ْم ِم ْن ِخ اَل ٍف َأْو ُيْنَف ْو ا ِم َن اَأْلْر ِض‬
‫نزلت يف قطاع الطريق عند أكثر السلف ‪ ،‬وهي األصل يف حكمهم ‪.‬‬

‫إذا قتلوا وأخذوا املال ; قتلوا وصلبوا ‪ ،‬وإذا قتلوا ومل يأخذوا املال‬ ‫قال ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪:‬‬
‫; قتلوا ومل يصلبوا ‪ ،‬وإذا أخذوا املال ومل يقتلوا ‪ ،‬قطعت أيديهم وأرجلهم من خالف ‪ ،‬واذا أخافوا السبيل ومل‬
‫رواه الشافعي ‪.‬‬ ‫يأخذوا ‪ -‬ماال ; نفوا من األرض‬

‫ولو قتل بعضهم ; ثبت حكم القتل عليهم مجيعا ‪ ،‬وإن قتل بعضهم وأخذ املال بعضهم ‪ .‬قتلوا مجيعا‬
‫وصلبوا ‪.‬‬

‫ومن تاب منهم قبل القدرة عليه ‪ ،‬سقط عنه ما كان واجبا هلل تعاىل من نفي عن البلد وقطع يد ورجل وحتتم‬
‫قتل ‪ ،‬وأخذ مبا لآلدميني من احلقوق من نفس وطرف ومال ; إال أن يعفى له عنها من مستحقيها ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِح‬ ‫ِه‬ ‫ِد‬ ‫ِم‬ ‫ِإ ِذ‬
‫اَّل اَّل يَن َتاُبوا ْن َقْبِل َأْن َتْق ُر وا َعَلْي ْم َفاْعَلُم وا َأَّن الَّلَه َغُف وٌر َر يٌم‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬اتفقوا على أن قاطع الطريق واللص وحنومها إذا رفعوا إىل ويل‬
‫األمر ‪ ،‬مث تابوا ‪ .‬بعد ذلك ; مل يسقط احلد عنهم ; بل جتب إقامته ‪ ،‬وإن تابوا ‪ ،‬وإن كانوا صادقني يف التوية ‪.‬‬

‫فاستثناء التوبة قبل القدرة عليهم فقط ‪ .‬فالتائب بعد القدرة عليه باق فيهن وجب عليه احلد ; للعموم‬
‫واملفهوم والتفصيل ‪ ،‬ولئال يتخذ ذريعة إىل تعطيل حدود اهلل ; إذ ال يعجز من وجب عليه احلد أن يظهر التوبة‬
‫ليتخلص من العقوبة ‪.‬‬

‫ومن صال على نفسه من يريد قتله أو صال على حرمته كأمه وبنته وأخته وزوجته من يريد هتك‬
‫أعراضهن ‪ ،‬أو صال على ماله من يريد أخذه أو إتالفه ; فله الدفع عن ذلك ‪ ،‬سواء كان الصائل آدميا أو هبيمة ‪،‬‬
‫فيدفعه بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه ; ألنه لو منع من الدفع ; ألدى ذلك إىل تلفه وأذاه يف نفسه وحرمته وماله ‪،‬‬
‫وألنه لو مل جيز ذلك ; لتسلط الناس بعضهم على بعض ‪ ،‬وإن مل يندفع الصائل إال بالقتل ‪ ،‬فله قتله ‪ ،‬وال ضمان‬
‫من أريد ماله‬ ‫عليه ; ألنه قتله لدفع شره ‪ ،‬وإن قتل املصول عليه ; فهو شهيدة لقوله عليه الصالة والسالم ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪232‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وروى مسلم وغريه عن أيب هريرة رضي اهلل عنه ; قال ‪ :‬جاء‬ ‫بغري حق ‪ ،‬فقاتل ‪ ،‬فقتل ; فهو شهيد‬
‫أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مايل ; قال ‪ :‬فال تعطه ‪ .‬قال ‪ :‬أرأيت إن‬ ‫رجل ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫قاتلين ; قال ‪ :‬قاتله ‪ .‬قال ‪ :‬أرأيت إن قتلين ; قال ‪ :‬فأنت شهيد ‪ .‬قال ‪ :‬أرأيت إن قتلته ; قال ‪ :‬هو يف النار‬

‫ِب ِد‬
‫َو اَل ُتْلُقوا َأْي يُك ْم‬ ‫وهذا الدفع عن نفسه وعن حرمته جيب عليه إذا مل يؤد إىل الفتنة ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِإىَل الَّت ُلَك ِة‬
‫ْه‬
‫ومعىن نصرته‬ ‫انصر أخاك ظاملا أو مظلما‬ ‫ويلزمه الدفع عن نفس غريه وعن حرمة غريه ; لقوله ‪:‬‬
‫إذا كان ظاملا منعه من الظلم ‪.‬‬

‫وإذا دخل لص يف منزل إنسان ; فحكمه حكم الصائل ; بأن يدفعه باألسهل فاألسهل ‪.‬‬
‫ومن نظر يف بيت رجل من خصاص باب أو نافذة أو من فوق سطح ; فله دفعه ومنعه من ذلك ‪ ،‬ولو أصاب عينه‬
‫من اطلع يف بيت ‪ ،‬ففقئت‬ ‫ففقأها ; فهي هدر ‪ ،‬وكذا لو طعنه بعود ‪ ،‬فأتلف عينه ; فهي هدر حلديث ‪:‬‬
‫عينه ; فال دية وال قصاص‬
‫وهذا حلرمة املسلم وحرمة ماله وعرضه وكرامته عند اهلل ‪.‬‬

‫وهذا هو عدل اإلسالم ‪ ،‬وحفاظه على سالمة اجملتمع ‪ ،‬وانتظام مصاحله ; لتعمر البالد ‪ ،‬ويأمن العباد ‪،‬‬
‫وتنتظم املواصالت بني األقطار ‪ ،‬فيسري الناس فيها ليايل وأياما آمنني ‪.‬‬
‫وال صالح للبشرية إال بتطبيق هذا التشريع احلكيم ‪ .‬فقد عجزت أنظمة األرض كلها وقواها املادية أن حتقق للناس‬
‫ِهِل ِة‬
‫َأَفُح ْك َم اَجْلا َّي َيْبُغوَن َو َمْن َأْح َسُن‬ ‫شيئا من األمن املنشود بدون تطبيق هذه الشريعة ‪ ،‬وصدق اهلل العظيم ‪:‬‬
‫ِم َن الَّلِه ُح ْك ًم ا ِلَق ْو ٍم ُيوِقُنوَن‬

‫باب يف قتال أهل البغي‬

‫َو ِإْن َطاِئَفَتاِن ِم َن اْلُم ْؤ ِمِنَني اْقَتَتُلوا َفَأْص ِلُح وا َبْيَنُه َم ا َفِإْن َبَغْت ِإْح َد اَمُها َعَلى اُأْلْخ َر ى‬ ‫قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫َفَق اِتُلوا اَّليِت َتْبِغي َح ىَّت َتِف يَء ِإىَل َأْم ِر الَّلِه َفِإْن َفاَءْت َفَأْص ِلُح وا َبْيَنُه َم ا ِباْلَعْد ِل َو َأْقِس ُطوا ِإَّن الَّلَه ِحُي ُّب اْلُم ْق ِس ِط َني ِإَمَّنا‬
‫فأوجب تعاىل يف هذه اآلية الكرمية على‬ ‫اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ِإْخ َو ٌة َفَأْص ِلُح وا َبَنْي َأَخ َو ْيُك ْم َو اَّتُقوا الَّلَه َلَعَّلُك ْم ُتْر ُمَحوَن‬
‫املؤمنني قتال الباغني إذا مل يقبلوا الصلح ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪233‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫من أتاكم ‪ ،‬وأمركم مجيع على رجل واحد ‪ ،‬يريد أن يفرق‬ ‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه مسلم ‪.‬‬ ‫مجاعتكم ; فاقتلوه‬
‫من خرج على أميت وهم مجيع ‪ ،‬فاضربوا عنقه بالسيف ‪ ،‬كائنا من كان‬ ‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه مسلم أيضا ‪.‬‬
‫وأمجع الصحابة على قتال الباغي ‪.‬‬

‫والبغي يف األصل معناه اجلور والظلم والعدول عن احلق ; فأهل البغي هم أهل اجلور والظلم والعدول عن‬
‫َو اْعَتِص ُم وا َحِبْبِل‬ ‫احلق وخمالفة ما عليه أئمة املسلمني ‪ ،‬ذلك أنه ال بد سليمان من مجاعة وإمام ‪ ،‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫ِم‬ ‫ِط‬ ‫ِط‬ ‫ِذ‬ ‫الَّلِه ِمَج يًعا َو اَل َتَفَّرُقوا‬
‫َيا َأُّيَه ا اَّل يَن آَم ُنوا َأ يُعوا الَّلَه َو َأ يُعوا الَّر ُس وَل َو ُأويِل اَأْلْم ِر ْنُك ْم‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬
‫أوصيكم بتقوى اهلل ‪ ،‬والسمع والطاعة ‪ ،‬وإن تأمر عليكم عبد‬ ‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫وهذا من الضروريات ; ألن بالناس حاجة إىل ذلك ; حلماية البيضة ‪ ،‬والذب عن احلوزة ‪ ،‬واقامة‬
‫احلدود ‪ ،‬واستيفاء احلقوق ‪ ،‬واألمر باملعروف ‪ ،‬والنهي عن املنكر ‪.. .‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬جيب أن يعرف أن والية أمر الناس من أعظم واجبات الدين ‪ ،‬بل ال‬
‫قيام للدين وال للدنيا إال هبا ; فإن بين آدم ال تتم مصاحلهم إال باجتماع اجلماعة بعضهم إىل بعض ‪ ،‬وال بد هلم عند‬
‫االجتماع من رأس ‪ ،‬وقد أوجبه الشارع يف االجتماع القليل العارض ; تنبيها بذلك على أنواع االجتماع " ‪-‬‬

‫وقال رمحه اهلل ‪ " :‬من املعلوم أن الناس ال يصلحون إال بوالة ‪ ،‬ولو توىل من الظلمة ‪ ،‬فهو خري هلم من‬
‫عدمهم ; كما يقال ‪ :‬سنة من إمام جائر خري من ليلة بال إمارة ‪ ، .. .‬انتهى ‪.‬‬

‫فإذا خرج على اإلمام قوم هلم شوكة ومنعة بتأويل مشتبه يريدون خلعه أو خمالفته وشق عصا الطاعة وتفريق‬
‫الكلمة ; فهم بغاة ظلمة ; فيجب على اإلمام أن يراسلهم فيسأهلم عما ينقمون عليه ‪ ،‬فإن ذكروا مظلمة ‪ ،‬أزاهلا ‪،‬‬
‫َفَأْص ِلُح وا َبْيَنُه َم ا‬ ‫وإن ادعوا شبهة ; كشفها ; لقوله تعاىل ‪:‬‬

‫واإلصالح إمنا يكون بذلك ‪ ،‬فإن كان ما ينقمون منه مما ال حيل فعله ‪ ،‬أزاله ‪ ،‬وإن كان حالال ‪ ،‬لكن التبس‬
‫عليهم ‪ ،‬فاعتقدوا أنه خمالف للحق ‪ ،‬بني هلم دليله ‪ ،‬وأظهر هلم وجهه ‪ ،‬فإن فاءوا ورجعوا إىل احلق والتزموا‬
‫َفَق اِتُلوا اَّليِت َتْبِغي‬ ‫الطاعة ; تركهم ‪ ،‬وإن مل يرجعوا ‪ ،‬قاتلهم وجوبا ‪ ،‬وعلى رعيته معونته ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫فيجب قتاهلم حىت يندفع شرهم ; وتطفأ فتنتهم ‪- .‬‬ ‫ىَّت َتِف ي ِإىَل َأ ِر الَّلِه‬
‫َء ْم‬ ‫َح‬

‫ويتجنب يف قتاهلم األمور التالية ‪:‬‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪234‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫باب يف قتال أهل البغي‬

‫َو ِإْن َطاِئَفَتاِن ِم َن اْلُم ْؤ ِمِنَني اْقَتَتُلوا َفَأْص ِلُح وا َبْيَنُه َم ا َفِإْن َبَغْت ِإْح َد اَمُها َعَلى اُأْلْخ َر ى‬ ‫قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫َفَق اِتُلوا اَّليِت َتْبِغي َح ىَّت َتِف يَء ِإىَل َأْم ِر الَّلِه َفِإْن َفاَءْت َفَأْص ِلُح وا َبْيَنُه َم ا ِباْلَعْد ِل َو َأْقِس ُطوا ِإَّن الَّلَه ِحُي ُّب اْلُم ْق ِس ِط َني ِإَمَّنا‬
‫فأوجب تعاىل يف هذه اآلية الكرمية على‬ ‫اْلُم ْؤ ِم ُنوَن ِإْخ َو ٌة َفَأْص ِلُح وا َبَنْي َأَخ َو ْيُك ْم َو اَّتُقوا الَّلَه َلَعَّلُك ْم ُتْر ُمَحوَن‬
‫املؤمنني قتال الباغني إذا مل يقبلوا الصلح ‪.‬‬

‫من أتاكم ‪ ،‬وأمركم مجيع على رجل واحد ‪ ،‬يريد أن يفرق‬ ‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه مسلم ‪.‬‬ ‫مجاعتكم ; فاقتلوه‬
‫من خرج على أميت وهم مجيع ‪ ،‬فاضربوا عنقه بالسيف ‪ ،‬كائنا من كان‬ ‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه مسلم أيضا ‪.‬‬
‫وأمجع الصحابة على قتال الباغي ‪.‬‬

‫والبغي يف األصل معناه اجلور والظلم والعدول عن احلق ; فأهل البغي هم أهل اجلور والظلم والعدول عن‬
‫َو اْعَتِص ُم وا َحِبْبِل‬ ‫احلق وخمالفة ما عليه أئمة املسلمني ‪ ،‬ذلك أنه ال بد سليمان من مجاعة وإمام ‪ ،‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫ِم‬ ‫ِط‬ ‫ِط‬ ‫ِذ‬ ‫الَّلِه ِمَج يًعا َو اَل َتَفَّرُقوا‬
‫َيا َأُّيَه ا اَّل يَن آَم ُنوا َأ يُعوا الَّلَه َو َأ يُعوا الَّر ُس وَل َو ُأويِل اَأْلْم ِر ْنُك ْم‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬
‫أوصيكم بتقوى اهلل ‪ ،‬والسمع والطاعة ‪ ،‬وإن تأمر عليكم عبد‬ ‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫وهذا من الضروريات ; ألن بالناس حاجة إىل ذلك ; حلماية البيضة ‪ ،‬والذب عن احلوزة ‪ ،‬واقامة‬
‫احلدود ‪ ،‬واستيفاء احلقوق ‪ ،‬واألمر باملعروف ‪ ،‬والنهي عن املنكر ‪.. .‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬جيب أن يعرف أن والية أمر الناس من أعظم واجبات الدين ‪ ،‬بل ال‬
‫قيام للدين وال للدنيا إال هبا ; فإن بين آدم ال تتم مصاحلهم إال باجتماع اجلماعة بعضهم إىل بعض ‪ ،‬وال بد هلم عند‬
‫االجتماع من رأس ‪ ،‬وقد أوجبه الشارع يف االجتماع القليل العارض ; تنبيها بذلك على أنواع االجتماع " ‪-‬‬

‫وقال رمحه اهلل ‪ " :‬من املعلوم أن الناس ال يصلحون إال بوالة ‪ ،‬ولو توىل من الظلمة ‪ ،‬فهو خري هلم من‬
‫عدمهم ; كما يقال ‪ :‬سنة من إمام جائر خري من ليلة بال إمارة ‪ ، .. .‬انتهى ‪.‬‬

‫فإذا خرج على اإلمام قوم هلم شوكة ومنعة بتأويل مشتبه يريدون خلعه أو خمالفته وشق عصا الطاعة وتفريق‬
‫الكلمة ; فهم بغاة ظلمة ; فيجب على اإلمام أن يراسلهم فيسأهلم عما ينقمون عليه ‪ ،‬فإن ذكروا مظلمة ‪ ،‬أزاهلا ‪،‬‬
‫َفَأْص ِلُح وا َبْيَنُه َم ا‬ ‫وإن ادعوا شبهة ; كشفها ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪235‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫واإلصالح إمنا يكون بذلك ‪ ،‬فإن كان ما ينقمون منه مما ال حيل فعله ‪ ،‬أزاله ‪ ،‬وإن كان حالال ‪ ،‬لكن التبس‬
‫عليهم ‪ ،‬فاعتقدوا أنه خمالف للحق ‪ ،‬بني هلم دليله ‪ ،‬وأظهر هلم وجهه ‪ ،‬فإن فاءوا ورجعوا إىل احلق والتزموا‬
‫َفَق اِتُلوا اَّليِت َتْبِغي‬ ‫الطاعة ; تركهم ‪ ،‬وإن مل يرجعوا ‪ ،‬قاتلهم وجوبا ‪ ،‬وعلى رعيته معونته ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫فيجب قتاهلم حىت يندفع شرهم ; وتطفأ فتنتهم ‪- .‬‬ ‫ىَّت َتِف ي ِإىَل َأ ِر الَّلِه‬
‫َء ْم‬ ‫َح‬

‫ويتجنب يف قتاهلم األمور التالية ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬حيرم قتاهلم مبا يعم ; كالقذائف املدمرة ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬حيرم قتل ذريتهم ومدبرهم وجرحيهم ومن ترك القتال منهم ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬من أسر منهم ; حبس حىت ختمد الفتنة ‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬ال تغنم أمواهلم ; ألهنا كأموال غريهم من املسلمني ‪ ،‬ال جيوز اغتنامها ; لبقاء ملكهم عليها ‪ ،‬وبعد انقضاء‬
‫القتال ومخود الفتنة من وجد منهم ماله بيد غريه ; أخذه ‪ ،‬وما تلف منه حال احلرب ; فهو هدر ‪ ،‬ومن قتل من‬
‫الفريقني يف احلرب غري مضمون ‪.‬‬

‫قال الزهري ‪ " :‬هاجت الفتنة وأصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم متوافرون ‪ ،‬فأمجعوا أنه ال يقاد أحد‬
‫‪ ،‬وال يؤخذ مال على تأويل القرآن ; إال ما وجد بعينه " انتهى ‪.‬‬
‫وقال يف اإلفصاح ‪ " :‬اتفقوا على أن ما يتلفه أهل العدل على أهل البغي ; فال ضمان فيه ‪ ،‬وما يتلفه أهل البغي‬
‫كذلك " ‪.‬‬

‫وإن اقتتلت طائفتان من املسلمني ‪ ،‬ومل تكن واحدة منهما يف طاعة اإلمام ‪ ،‬بل لعصبية بينهما ‪ ،‬أو طلب‬
‫رئاسة ‪ ،‬فهما ظاملتان ; ألن كال منهما باغية على األخرى ; حيث ال ميزة لواحدة منهما ‪ ،‬فتضمن كل واحدة‬
‫منهما ما أتلفته على األخرى ‪ ،‬وإن كانت إحدامها تقاتل بأمر اإلمام ‪ .‬فهي حمقة ‪ ،‬واألخرى باغية كما سبق ‪.‬‬

‫وإن أظهر قوم رأي اخلوارج كتكفري مرتكيب الكبرية ‪ ،‬واستحالل دماء املسلمني ‪ ،‬وسب الصحابة ; فإهنم‬
‫يكونون خوارج بغاة فسقة ‪ ،‬فإن أضافوا إىل ذلك اخلروج عن قبضة إمام املسلمني ; وجب قتاهلم ‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل يف اخلوارج ‪ " :‬أهل السنة متفقون على أهنم مبتدعة ‪ ،‬وأنه جيب قتاهلم‬
‫بالنصوص الصحيحة ‪ ،‬بل قد اتفق الصحابة على قتاهلم ‪ ،‬وال خالف بني علماء السنة أهنم يقاتلون مع أئمة العدل ‪،‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪236‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وهل يقاتلون مع أئمة اجلور ; نقل عن بعض أهل العلم أهنم يقاتلون ‪ ،‬وكذلك من نقض العهد من أهل الذمة ‪،‬‬
‫وهو قول اجلمهور ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬يغزى مع كل أمري برا كان أو فاجرا إذا كان الغزو الذي يفعله جائزا ‪ ،‬فإذا قاتل‬
‫الكفار أو املرتدين أو ناقضي العهد أو اخلوارج قتاال مشروعا ; قوتل معه ‪ ،‬وإن كان قتاال غري جائز ‪ ،‬مل يقاتل معه‬
‫" انتهى كالمه ‪.‬‬

‫وإن مل خيرج هؤالء الذين أظهروا رأي اخلوارج عن قبضة اإلمام ‪ ،‬ومل يشقوا عصا الطاعة ‪ ،‬مل يقاتلوا ‪،‬‬
‫وأجريت عليهم أحكام اإلسالم ‪ ،‬لكن جيب تعزيرهم ‪ ،‬واإلنكار عليهم ‪ ،‬وعدم متكينهم من إظهار رأيهم ونشر‬
‫بدعتهم بني املسلمني ‪.‬‬
‫هذا على القول بعدم تكفريهم ‪ ،‬كما عليه اجلمهور ‪ ،‬وأما من يرى كفر اخلوارج ‪ ،‬فإنه جيب عنده قتاهلم بكل حال‬
‫‪.‬‬

‫باب يف أحكام الردة‬

‫َو اَل َتْر َتُّدوا َعَلى‬ ‫املرتد يف اللغة ‪ :‬هو الراجع ‪ ،‬يقال ‪ :‬ارتد فهو مرتد ‪ :‬إذا رجع ‪ ،‬قال تعاىل ‪:‬‬

‫َأْد َباِر ُك ْم‬ ‫أي ‪ :‬ال ترجعوا ‪.‬‬


‫واملرتد يف االصطالح ‪ :‬هو الذي يكفر بعد إسالمه طوعا بنطق أو اعتقاد أو شك أو فعل ‪.‬‬

‫واملرتد له حكم يف الدنيا وحكم يف اآلخرة‬


‫وأمجع‬ ‫من بدل دينه فاقتلوه‬ ‫أما حكمه يف الدنيا ; فقد بينه الرسول صلى اهلل عليه وسلم بقوله ‪.‬‬
‫العلماء على ذلك ‪ ،‬وما يتبع ذلك من عزل زوجته عنه ومنعه من التصرف يف ماله قبل قتله ‪.‬‬
‫ِف‬ ‫ِد‬ ‫ِد‬
‫َو َمْن َيْر َت ْد ِم ْنُك ْم َعْن يِنِه َفَيُم ْت َو ُه َو َك ا ٌر َفُأوَلِئَك‬ ‫وأما حكمه يف اآلخرة ‪ .‬فقد بينه اهلل تعاىل بقوله ‪:‬‬
‫َح ِبَطْت َأْع َم اُهُلْم يِف الُّد ْنَيا َو اآْل ِخ َر ِة َو ُأوَلِئَك َأْص َح اُب الَّناِر ُه ْم ِفيَه ا َخ اِلُد وَن‬

‫والردة حتصل بارتكاب ناقض من نواقض اإلسالم ‪ ،‬سواء كان جادا أو هازال أو مستهزئا ; قال تعاىل ‪:‬‬
‫ِذ‬ ‫ِلِه‬ ‫ِه ِتِه‬ ‫ِئ‬
‫َو َل ْن َس َأْلَتُه ْم َلَيُقوُلَّن ِإَمَّنا ُك َّنا ُخَنوُض َو َنْلَعُب ُقْل َأِبالَّل َو آَيا َو َرُس و ُكْنُتْم َتْس َتْه ِز ُئوَن اَل َتْع َت ُر وا َقْد َك َف ْر ْمُت‬
‫ِإ ِن‬
‫َبْع َد َميا ُك ْم‬

‫ِب ِه ِم ِد ِإ ِنِه ِإ‬


‫َمْن َك َف َر الَّل ْن َبْع َميا اَّل َمْن‬ ‫أما املكره إذا نطق بسبب اإلكراه ; فإنه ال يرتد ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪.‬‬
‫ُأْك ِر ْل ْط ِئٌّن ِباِإْل َمياِن‬
‫َه َو َق ُبُه ُم َم‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪237‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ونواقض اإلسالم اليت حتصل هبا الردة كثرية ‪.‬‬


‫من أعظمها الشرك باهلل تعاىل ; فمن أشرك باهلل تعاىل ; بأن دعا غري اهلل من املوتى واألولياء والصاحلني ‪ ،‬أو ذبح‬
‫لقبورهم ‪ ،‬أو نذر هلا ‪ ،‬أو طلب الغوث واملدد من املوتى ; كما يفعل عباد القبور اليوم ‪ ،‬فقد ارتد عن دين‬
‫ِل ِل‬ ‫ِبِه ِف‬ ‫ِف‬ ‫ِإ‬
‫َّن الَّلَه اَل َيْغ ُر َأْن ُيْش َر َك َو َيْغ ُر َم ا ُدوَن َذ َك َمْن َيَش اُء‬ ‫اإلسالم ; قال تعاىل ‪:‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ " :‬من جعل بينه وبني اهلل وسائط يدعوهم ويسأهلم ويتوكل عليهم ; كفر إمجاعا‬
‫‪ .‬وكذلك من جحد بعض الرسل أو بعض الكتب اإلهلية ; فقد ارتد ; ألنه مكذب هلل ‪ ،‬جاحد لرسول من رسله أو‬
‫كتاب من كتبه ‪ .‬وكذلك من جحد املالئكة أو جحد البعث بعد املوت ; فقد كفر ; ألنه مكذب للكتاب والسنة‬
‫واإلمجاع ‪ .‬وكذلك من سب اهلل تعاىل أو سب نبيا من أنبيائه ; فقد كفر ‪ .‬وكذلك من ادعى النبوة ‪ ،‬أو صدق من‬
‫ِه‬ ‫ِك‬
‫َو َل ْن َرُس وَل الَّل َو َخ اَمَت‬ ‫يدعيها بعد النيب حممد صلى اهلل عليه وسلم ; فقد كفر ‪ ،‬ألنه مكذب لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ومن جحد حترمي الزىن ‪ ،‬أو جحد حترمي شيء من احملرمات الظاهرة اجملمع على حترميها كلحم اخلنزير‬ ‫الَّنِبِّيَني‬
‫واخلمر ‪ ،‬أو حرم شيئا جممعا على حله ; مما ال خالف يف حله ; كاملذكاة من هبيمة األنعام ; فقد كفر ‪ .‬وكذلك‬
‫بين اإلسالم على‬ ‫مىت جحد وجوب عبادة من العبادات اخلمس الواردة يف قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫مخس ‪ :‬شهادة أن ال إله إال اهلل وأن حممدا رسول اهلل ‪ ،‬وإقام الصالة ‪ ،‬وإيتاء الزكاة ‪ ،‬وصوم رمضان ‪ ،‬وحج بيت‬
‫ومن استهزأ بالدين ‪ ،‬أو امتهن القرآن الكرمي ‪ ،‬أو زعم أن القرآن نقص منه شيء ‪ ،‬أو كتم منه‬ ‫اهلل احلرام‬
‫شيء فال خالف يف كفره " ‪. .‬‬

‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬ومعلوم باالضطرار من دين اإلسالم وباتفاق مجيع املسلمني أن من‬
‫سوغ اتباع غري دين اإلسالم أو اتباع غري شريعة حممد صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فهو كافر ‪ ،‬وهو ككفر من آمن‬
‫ببعض الكتاب وكفر ببعض " ‪... .‬‬

‫وقال ‪ " :‬ومن سخر بوعد اهلل أو بوعيده ‪ ،‬أو مل يكفر من دان بغري اإلسالم كالنصارى ‪ ،‬أو شك يف كفرهم‬
‫‪ ،‬أو صحح مذهبهم ; كفر إمجاعا " ‪.‬‬
‫وقال ‪ " :‬من سب الصحابة أو أحدا منهم ‪ ،‬واقرتن بسبه دعوى أن عليا إله أو نيب ‪ ،‬وأن جربيل غلط ; فال شك يف‬
‫كفره " ; انتهى كالمه رمحه اهلل ‪.‬‬

‫ومن حكم القوانني الوضعية بدل الشريعة اإلسالمية ; يرى أهنا أصلح للناس من الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬أو اعتنق‬
‫فكرة الشيوعية أو القومية العربية بديال عن اإلسالم ‪ ،‬فال شك يف ردته ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪238‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وأنواع الردة كثرية ‪ ،‬مثل من ادعى علم الغيب ‪ . ،‬ومثل من مل يكفر املشركني أو يشك يف كفرهم أو‬
‫يصحح ما هم عليه ‪ ،‬ومثل من يعتقد أن هدي غري النيب صلى اهلل عليه وسلم أكمل من هديه ‪ ،‬أو أن حكم غري‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم أحسن من حكمه ‪ ،‬ومثل من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ومن‬
‫استهزأ بشيء من دين الرسول أو ثوابه أو عقابه ‪ ،‬وكذلك من ظاهر املشركني وأعاهنم على املسلمني ‪ ،‬ومن اعتقد‬
‫أن بعض الناس جيوز له اخلروج عن شريعة حممد صلى اهلل عليه وسلم ; كغالة الصوفية ‪ ،‬ومن أعرض عن دين اهلل‬
‫ال يتعلمه وال يعمل به ; كل هذه األمور من أسباب الردة ومن نواقض اإلسالم ‪.‬‬

‫قال الشيخ حممد بن عبد الوهاب رمحه اهلل ‪ " :‬وال فرق يف مجيع هذه النواقض بني اهلازل واجلاد واخلائف ;‬
‫إال املكره ‪ ،‬وكلها من أعظم ما يكون خطرا ‪ ،‬وأكثر ما يكون وقوعا ; فينبغي للمسلم أن حيذرها وخياف منها على‬
‫نفسه ‪ ،‬نعوذ باهلل من موجبات غضبه ‪ ،‬وأليم عقابه " ‪.‬‬

‫هذه مناذج من نواقض اإلسالم ‪ ،‬وهي أكثر مما ذكر بكثري ; فعليك أن تتعلمها وتعرفها ; لتحذر منها‬
‫يوشك‬ ‫وتتجنبها ; فإن من ال يعرف الشرك ; يوشك أن يقع فيه وقال عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫أن تنقض عرى اإلسالم عروة عروة إذا نشأ يف اإلسالم من ال يعرف اجلاهلية‬

‫وإين أنصحك أن تقرأ كتاب " اقتضاء الصراط املستقيم خمالفة أصحاب اجلحيم " لشيخ اإلسالم ابن تيمية ‪،‬‬
‫وكتاب " املسائل اليت خالف فيها رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أهل اجلاهلية " للشيخ حممد بن عبد الوهاب ‪،‬‬
‫وشرحها للعالمة العراقي حممود شكري األلوسي رمحه اهلل ‪.‬‬

‫فمن ارتد عن دين اإلسالم ; فإنه جيب أن يستتاب وميهل ثالثة أيام ‪ ،‬فإن تاب ‪ ،‬وإال قتل ; لقول عمر رضي‬
‫فهال حبستموه ثالثا ‪،‬‬ ‫اهلل عنه ملا بلغه أن رجال كفر بعد إسالمه فضربت عنقه قبل استتابته ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫فأطعمتموه كل يوم رغيفا ‪ ،‬واستتبتموه ; لعله يتوب أو يراجع أمر اهلل ‪ ،‬اللهم إين مل أحضر ومل أرض إذ بلغين‬
‫رواه مالك يف " املوطأ " ; وألن الردة ال تكون إال لشبهة ‪ ،‬وال تزول يف احلال ; فوجب أن ينتظر مدة‬
‫من بدل دينه ;‬ ‫يرتئي فيها ‪ ،‬وأما الدليل على وجوب قتله إذا مل يتب ; فقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه البخاري وأبو داود ‪.‬‬ ‫فاقتلوه‬

‫والذي يتوىل قتله هو اإلمام أو نائبه ; ألنه قتل حلق اهلل ‪ ،‬فكان إىل ويل األمر ‪.‬‬
‫واحلكمة يف وجوب قتل املرتد ‪ :‬أنه ملا عرف احلق وتركه ; صار مفسدا يف األرض ‪ ،‬ال يصلح للبقاء ; ألنه عضو‬
‫فاسد ‪ ،‬يضر اجملتمع ‪ ،‬ويسيء إىل الدين ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪239‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫أمرت أن أقاتل الناس حىت‬ ‫وحتصل توبة املرتد بإتيانه بالشهادتني ; لعموم قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫ومن كانت ردته بسبب‬ ‫يقولوا ‪ :‬ال إله إال اهلل ‪ .‬فإذا قالوها ‪ ،‬عصموا مين دماءهم وأمواهلم إال حبقها‬
‫جحوده لشيء من ضروريات الدين ‪ ،‬فتوبته مع إتيانه بالشهادتني إقراره مبا جحده ‪.‬‬

‫ومينع املرتد من التصرف يف ماله ‪ ،‬لتعلق حق الغري به ; كمال املفلس ‪ ،‬ويقضى ما عليه من ديون ‪ ،‬وينفق‬
‫عليه من ماله وعلى عياله مدة منعه من التصرف فيه ‪ ،‬فإن أسلم املرتد ; أخذ ماله ومكن من التصرف فيه لزوال‬
‫املانع ‪ ،‬وإن مات على ردته أو قتل مرتدا ‪ ،‬صار ماله فيئا لبيت مال املسلمني من حني موته ‪ ،‬ألنه ال وارث له ; فال‬
‫يرثه أحد من املسلمني ; ألن املسلم ال يرث الكافر ‪ ،‬وال يرثه أحد من الكفار ‪ ،‬ولو من أهل الدين الذي انتقل‬
‫ال يرث‬ ‫إليه ‪ ،‬ألنه ال يقر على ردته ‪ ،‬واملرتد ال يرث من كافر وال مسلم ‪ ،‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫املسلم الكافر وال الكافر املسلم‬

‫وقد اختلف العلماء رمحهم اهلل يف حكم قبول توبة من سب اهلل تعاىل أو سب رسوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فقال بعضهم ‪ :‬ال تقبل توبته يف أحكام الدنيا كرتك قتله وتوريثه والتوريث منه ‪ ،‬وإمنا يقتل على كل حال ; لعظم‬
‫ذنبه وفساد عقيدته واستخفافه باهلل تعاىل ‪.‬‬
‫ِل ِذ‬
‫ُقْل َّل يَن َك َف ُر وا ِإْن َيْنَتُه وا ُيْغَف ْر ُهَلْم َم ا َقْد َس َلَف‬ ‫والقول الثاين ‪ :‬أنه تقبل توبته ; لقوله تعاىل ‪:‬‬

‫وكذلك اختلف العلماء رمحهم اهلل يف قبول توبة من تكررت ردته ‪:‬‬
‫ِإ َّلِذ‬
‫َّن ا يَن‬ ‫فقال بعضهم ‪ :‬إهنا ال تقبل يف الدنيا ; فال بد من تنفيذ حكم املرتد فيه ‪ ،‬ولو تاب ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫آَم ُنوا َّمُث َك َف ُر وا َّمُث آَم ُنوا َّمُث َك َف ُر وا َّمُث اْز َد اُدوا ُكْف ًر ا ْمَل َيُك ِن الَّلُه ِلَيْغِف َر ُهَلْم َو اَل ِلَيْه ِد َيُه ْم َس ِبياًل‬
‫ِل ِذ‬
‫فاآلية عامة ‪،‬‬ ‫ُقْل َّل يَن َك َف ُر وا ِإْن َيْنَتُه وا ُيْغَف ْر ُهَلْم َم ا َقْد َس َلَف‬ ‫وقيل ‪ :‬تقبل توبته ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫تتناول بعمومها من تكررت ردته ‪.‬‬

‫كما اختلفوا يف قبول توبة الزنديق وهو املنافق ‪ .‬الذي يظهر اإلسالم وخيفي الكفر ‪:‬‬
‫ِإاَّل اَّلِذيَن َتاُبوا‬ ‫فقيل ‪ :‬ال تقبل توبته ; ألنه ال يبني منه ما يظهر رجوعه إىل اإلسالم ‪ ،‬واهلل تعاىل يقول ‪:‬‬
‫فإذا أظهر التوبة ‪ ،‬مل يزد على ما كان قبلها ‪ ،‬وهو إظهار اإلسالم وإخفاء الكفر ‪. .‬‬ ‫َو َأْص َلُح وا َو َبَّيُنوا‬
‫ِإَّن اْلُم َناِفِق َني يِف الَّد ْر ِك اَأْلْس َف ِل ِم َن الَّناِر َو َلْن ِجَت َد ُهَلْم َنِص ًريا ِإاَّل‬ ‫وقيل ‪ :‬تقبل توبة الزنديق ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫اَّلِذ يَن َتاُبوا َو َأْص َلُح وا َو اْعَتَص ُم وا ِبالَّلِه َو َأْخ َلُصوا ِديَنُه ْم ِلَّلِه َفُأوَلِئَك َمَع اْلُم ْؤ ِمِنَني َو َسْو َف ُيْؤ ِت الَّلُه اْلُم ْؤ ِمِنَني َأْج ًر ا‬
‫وألن النيب صلى اهلل عليه وسلم كف عن املنافقني مبا أظهروا من اإلسالم ‪.‬‬ ‫َعِظ يًم ا‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪240‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ومن الزنادقة ‪ :‬احللولية ‪ ،‬واإلباحية ‪ ،‬ومن يفضل متبوعه على حممد صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ومن يرى أنه إذا‬
‫حصلت له املعرفة ; سقط عنه األمر والنهي ‪ ،‬أو أنه إذا حصلت له املعرفة ‪ ،‬جاز له التدين بدين اليهود والنصارى‬
‫وأمثاهلم من الطوائف املارقة عن اإلسالم من غالة الصوفية وغريهم ‪.‬‬

‫كما اختلف العلماء رمحهم اهلل يف صحة إسالم الطفل املميز ووقوع الردة منه ; فقيل ‪ :‬حتصل منه الردة إذا‬
‫ارتكب شيئا من أسباهبا ‪ ،‬ألن من صح إسالمه ‪ ،‬صحت ردته ‪ ،‬واملميز يصح إسالمه ‪ ،‬فتصح ردته ‪ ،‬لكن ال يقتل‬
‫حىت يستتاب بعد البلوغ وميهل ثالثة أيام ‪ ،‬فمن تاب ; قبلت توبته ‪ ،‬وإن بقي على ردته ; قتل ‪.‬‬

‫وقد اختلفوا فيمن ترك الصالة هتاونا مع إقراره بوجوهبا ‪ ،‬والصحيح أنه يكفر ‪ ،‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫العهد الذي بيننا وبينهم‬ ‫وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬ ‫بني العبد وبني الكفر ترك الصالة‬
‫ِم‬
‫َم ا َس َلَكُك ْم يِف َس َق َر َقاُلوا ْمَل َنُك َن اْلُم َص ِّلَني‬ ‫ولقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫الصالة ‪ ،‬فمن تركها ‪ ،‬فقد كفر‬
‫فدلت اآلية الكرمية‬ ‫َفِإْن َتاُبوا َو َأَقاُموا الَّصاَل َة َو آَتُو ا الَّز َك اَة َفِإْخ َو اُنُك ْم يِف الِّديِن‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬
‫على أن من مل يقم الصالة ; فليس من إخواننا يف الدين ‪ ،‬ومل يقل ‪ :‬وأقروا بوجوب الصالة ‪ ،‬وإمنا قال ‪:‬‬
‫بين اإلسالم على مخس ‪ :‬شهادة أن ال إله إال اهلل‬ ‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬ ‫َو َأَقاُموا الَّصاَل َة‬
‫احلديث ‪ ،‬ومل يقل ‪ :‬واإلقرار بوجوب الصالة ‪ ،‬وإمنا قال ‪:‬‬ ‫وأن حممدا رسول اهلل ‪ ،‬وإقام الصالة ‪...‬‬
‫وإقام الصالة‬

‫وقد كثر اليوم التهاون بالصالة ‪ ،‬والتكاسل عنها ‪ ،‬واألمر خطري جدا ‪ ،‬فيجب على من يتهاون بالصالة أن‬
‫يتوب إىل اهلل ‪ ،‬وينقذ نفسه من النار ; فإن الصالة هي عمود اإلسالم ‪ ،‬وهي تنهى عن الفحشاء واآلثام‬

‫كتاب األطعمة‬

‫باب يف أحكام األطعمة‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫ملا كان الطعام يتغذى به جسم اإلنسان ‪ ،‬وينعكس أثره على أخالقه وسلوكه ; فاألطعمة الطيبة يكون أثرها‬
‫طيبا على اإلنسان ‪ ،‬واألطعمة اخلبيثة بضد ذلك ‪ ،‬ولذلك أمر اهلل العباد باألكل من الطيبات ‪ ،‬وهناهم عن اخلبائث ‪:‬‬

‫َيا َأُّيَه ا الَّناُس ُك ُلوا َّمِما يِف اَأْلْر ِض َح اَل اًل َطِّيًبا‬ ‫قال تعاىل ‪:‬‬
‫َيا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ُك ُلوا ِم ْن َطِّيَباِت َم ا َر َز ْقَناُك ْم َو اْش ُك ُر وا ِلَّلِه ِإْن ُكْنُتْم ِإَّياُه َتْع ُبُد وَن‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪241‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫َيا َأُّيَه ا الُّر ُس ُل ُك ُلوا ِم َن الَّطِّيَباِت َو اْع َم ُلوا َص اًحِلا‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬
‫ِلِع اِدِه الَّطِّي اِت ِم الِّرْز ِق‬ ‫ِز ِه َّل‬
‫ُقْل َمْن َح َّر َم يَنَة الَّل ا يِت َأْخ َرَج َب َو َب َن‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬

‫واألطعمة مجع طعام ‪ ،‬وهو ما يؤكل ويشرب ‪.‬‬


‫وغري ذلك من نصوص‬ ‫ُه َو اَّلِذ ي َخ َلَق َلُك ْم َم ا يِف اَأْلْر ِض ِمَج يًعا‬ ‫واألصل فيها احلل ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫الكتاب والسنة اليت تدل على أن األصل يف األطعمة احلل ‪ .‬إال ما استثين ‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ " :‬األصل فيها احلل ملسلم عمل صاحلا ‪ ،‬ألن اهلل تعاىل إمنا أحل الطيبات ملن‬
‫َلْيَس َعَلى اَّلِذيَن آَم ُنوا َو َعِم ُلوا الَّص اَحِلاِت ُج َناٌح ِفيَم ا‬ ‫يستعني هبا على طاعته ‪ ،‬ال على معصيته ‪ .‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫وهلذا ال جيوز أن يستعان باملباح على املعصية ; كمن يعطي اللحم واخلبز من يشرب عليه اخلمر‬ ‫َطِعُم وا‬
‫َّمُث َلُتْس َأُلَّن َيْو َم ِئٍذ َعِن‬ ‫ويستعني به على الفواحش ‪ ،‬ومن أكل الطيبات ومل يشكر ; فمذموم ‪ ،‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫أي ‪ :‬عن الشكر عليه انتهى ‪. .‬‬ ‫الَّنِعيِم‬

‫ِح‬
‫َيْس َأُلوَنَك َم اَذا ُأ َّل ُهَلْم ُقْل‬ ‫فاهلل تعاىل أباح لعباده املؤمنني الطيبات لكي ينتفعوا هبا ‪ ،‬وقال تعاىل ‪:‬‬
‫ِح‬
‫ُأ َّل َلُك ُم الَّطِّيَباُت‬

‫َو َقْد َفَّص َل َلُك ْم َم ا َح َّر َم‬ ‫وقد بني اهلل لعباده ما حرمه عليهم من املطاعم واملشارب ‪ ،‬قال تعاىل ‪:‬‬
‫فما مل يبني حترميه ‪ ،‬فهو حالل ; كما قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬ ‫َل ُك ِإاَّل ا اْض ُطِر ِإَل ِه‬
‫ْر ْمُت ْي‬ ‫َع ْي ْم َم‬
‫إن اهلل فرض فرائض ‪ .‬فال تضيعوها ‪ ،‬وحد حدودا ; فال تعتدوها ‪ ،‬وحرم أشياء ‪ ،‬فال تنتهكوها ‪ ،‬وسكت عن‬
‫قال النووي رمحه اهلل ‪ " :‬حديث حسن ‪ ،‬رواه الدارقطين‬ ‫أشياء رمحة لكم من غري نسيان ; فال تبحثوا عنها‬
‫وغريه ‪" .‬‬

‫فكل ما مل يبني اهلل وال رسوله حترميه من املطاعم واملشارب واملالبس ; فال جيوز حترميه ; فإن اهلل قد فصل لنا‬
‫ما حرم ; فما كان حراما فال بد أن يكون حترميه مفصال ; فكما أنه ال جيوز إباحة ما حرم اهلل ; فكذلك ال جيوز‬
‫حترمي ما عفا اهلل عنه ومل حيرمه ‪.‬‬

‫والقاعدة يف ذلك أن كل طعام طاهر ال مضرة فيه ‪ .‬فهو مباح ; خبالف الطعام النجس ‪ ،‬كامليتة ‪ ،‬والدم ‪،‬‬
‫والرجيع ‪ ،‬والبول ‪ ،‬واخلمر ‪ ،‬واحلشيشة ‪ ،‬واملتنجس ‪ ،‬وهو الذي خالط النجاسة ; فإنه حيرم ‪ ،‬ألنه خبيث مضر ‪،‬‬
‫اآلية ‪.‬‬ ‫ُح ِّر َم ْت َعَلْيُك اْلَم ْيَتُة َو الَّد ُم َو ْحَل اِخْلْنِز يِر‬ ‫لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ُم‬ ‫ُم‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪242‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫فأما امليتة ; فهي ما فارقته احلياة بدون ذكاة شرعية ‪ ،‬وحرمت ملا فيها من خبث التغذية ‪ ،‬والغاذي شبيه‬
‫باملغتذي ‪ ،‬ومن حماسن الشريعة حترميه ‪ ،‬فإن اضطر إليه ‪ .‬أبيح له ‪ ،‬وانتفى وجه اخلبث منه حال االضطرار ; ألنه‬
‫غري مستقل بنفسه يف احملل املغتذى به ‪ ،‬بل هو متولد من القابل والفاعل ‪ ،‬فإن ضرورته متنع قبول اخلبث الذي يف‬
‫املغتذى به ‪ ،‬فلم حتصل تلك املفسدة ‪ ،‬ألهنا مشروطة باالختيار الذي به يقبل احملل خبث التغذي ‪ ،‬فإذا زال االختيار‬
‫‪ .‬زال شرط القبول ‪ ،‬فلم حتصل املفسدة أصال ‪.‬‬

‫وأما الدم ; فاملراد به املسفوح منه ‪ ،‬وكان أهل اجلاهلية جيعلونه يف املباعر ‪ ،‬ويشوونه ‪ ،‬ويأكلونه ‪ ،‬فأما ما‬
‫يبقى يف خلل اللحم بعد الذبح وما يبقى يف العروق ; فمباح ‪ ،‬حىت لو مسه بيده فظهر عليها أو مسه بقطنة ; مل‬
‫ينجس‪ .‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬الصحيح أنه إمنا حيرم الدم املسفوح املصبوب املهراق ‪ ،‬فأما ما‬
‫يبقى يف عروق اللحم ; فلم حيرمه أحد من العلماء " انتهى ‪.‬‬

‫َو اَل ُتْلُقوا‬ ‫وال حيل من األطعمة ما فيه مضرة كالسم واخلمر واحلشيشة والدخان التبغ ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫فاآلية الكرمية تدل على حترمي أكل أو شرب كل ما فيه مضرة ‪ ،‬مع أدلة أخرى تدل‬ ‫ِبَأ ِد يُك ِإىَل الَّت ُلَك ِة‬
‫ْه‬ ‫ْي ْم‬
‫على حترمي األطعمة واألشربة الضارة للعقول واألبدان‬

‫واألطعمة املباحة على نوعني ‪ :‬حيوانات ونباتات كاحلبوب والثمار ‪ ،‬فيباح منها كل ما ال مضرة فيه ‪.‬‬
‫واحليوانات على نوعني ‪ :‬حيوانات تعيش يف الرب ‪ ،‬وحيوانات تعيش يف البحر ‪.‬‬
‫فحيوانات الرب مباحة ; إال أنواعا منها حرمها الشارع ‪.‬‬
‫أن النيب صلى اهلل عليه وسلم هنى يوم خيرب عن‬ ‫ومن ذلك ‪ :‬احلمر األهلية ; حلديث جابر رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫متفق عليه ‪.‬‬ ‫حلوم احلمر األهلية وأذن يف حلوم اخليل‬
‫قال ابن املنذر ‪ " :‬ال خالف بني أهل العلم اليوم يف حترميها "‪.‬‬

‫هنى‬ ‫وحرم من حيوانات الرب أيضا ما له ناب يفرتس به ; لقول أيب ثعلبة اخلشين رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫متفق عليه ‪ ،‬ويستثىن من ذلك الضبع ‪ ،‬فيحل‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع‬
‫أمرنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بأكل الضبع‬ ‫‪ ،‬حلديث جابر ‪:‬‬

‫قال العالمة ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬إمنا حرم ما له ناب من السباع العادية بطبعها كاألسد ‪ ،‬وأما الضبع ‪ ،‬فإمنا‬
‫فيها أحد الوصفني ‪ ،‬وهو كوهنا ذات ناب وليست من السباع العادية ‪ ،‬والسبع إمنا حرم ملا فيه من القوة السبعية‬
‫اليت تورث للمغتذي هبا شبها ‪ ،‬وال تعد الضبع من السباع العادية ‪ ،‬ال لغة وال عرفا ‪ " .. .‬انتهى ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪243‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫‪ -‬والطيور مباحة ; إال ما استثين ; فيحرم من الطري ما له خملب ‪ -‬يصيد به ‪ ،‬وهو الظفر الذي يصيد به‬
‫هنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن كل‬ ‫احليوانات ; كالعقاب والبازي والصقر ; لقول ابن عباس ‪:‬‬
‫رواه أبو داود وغريه ‪.‬‬ ‫ذي ناب من السباع ‪ ،‬وعن كل ذي خملب من الطيور‬

‫قال اإلمام ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬قد تواترت اآلثار عن النيب صلى اهلل عليه وسلم بالنهي عن كل ذي ناب‬
‫من السباع وكل ذي خملب من الطري ‪ ،‬وصحت صحة ال مطعن فيها من حديث علي وابن عباس وأيب هريرة " اه ‪.‬‬

‫وحيرم من الطيور أيضا ما يأكل اجليف كالنسر ‪ ،‬والرخم ‪ ،‬والغراب ‪ ،‬وذلك خلبث ما يتغذى به ‪.‬‬
‫وحيرم من احليوانات ما يستخبث كاحلية ‪ ،‬والفأرة ‪ ،‬واحلشرات ‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬أكل احليات والعقارب حرام جممع عليه ‪ ،‬فمن أكلها مستحال هلا ‪،‬‬
‫استتيب ‪ ،‬ومن اعتقد التحرمي وأكلها ‪ ،‬فهو فاسق عاص هلل ورسوله " ‪.‬‬
‫وحترم احلشرات ألهنا من اخلبائث ‪.‬‬
‫وحيرم من احليوانات أيضا ما تولد من مأكول وغريه ‪ ،‬كالبغل من اخليل واحلمر األهلية ; تغليبا جلانب التحرمي ‪.‬‬

‫وقد أمجل بعض العلماء ما حيرم من حيوانات الرب يف ستة أنواع هي ‪:‬‬

‫ما نص عليه بعينه ; كاحلمر األهلية ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫ما وضع له حد وضابط ; كما له ناب من السباع أو خملب من الطري ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ما يأكل اجليف ; كالرخم والغراب ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ما يستخبث ‪ ،‬كالفأرة واحلية ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫ما تولد من مأكول وغري مأكول ; كالبغل ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫ما أمر الشارع بقتله أو هنى عن قتله ; كالفواسق اخلمس واهلدهد والصرد ‪.‬‬ ‫‪-6‬‬

‫وما عدا ما ذكر من احليوانات والطيور ; فهو حالل على أصل اإلباحة ‪ ،‬كاخليل ‪ ،‬وهبيمة األنعام ‪ ،‬والدجاج‬
‫‪ ،‬واحلمر الوحشية ‪ ،‬والظباء ‪ ،‬والنعامة ‪ ،‬واألرنب ‪ ،‬وسائر الوحوش ; ألن ذلك كله مستطاب ‪ ،‬فيدخل يف قوله‬
‫ِح‬
‫ُأ َّل َلُك ُم الَّطِّيَباُت‬ ‫تعاىل ‪:‬‬

‫ويستثىن من ذلك اجلاللة من البقر واإلبل ‪ ،‬وهي اليت أكثر علفها النجاسة ‪ ،‬فيحرم كلها ; ملا روى أمحد وأبو‬
‫ومن حديث عمرو بن شعيب ‪:‬‬ ‫هنى عن أكل اجلاللة وألباهنا‬ ‫داود وغريمها من حديث ابن عمر ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪244‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وسواء يف ذلك هبيمة األنعام أو‬ ‫هنى عن حلوم احلمر األهلية ‪ ،‬وعن ركوب اجلاللة وكل حلمها‬
‫الدجاج وحنوه ‪ ،‬ولينها وبيضها جنس حىت حتبس ثالثا وتطعم الطاهر فقط ‪.‬‬

‫قال ابن القيم ‪ " :‬أمجع املسلمون على أن الدابة إذا علفت بالنجاسة مث حبست وعلفت الطاهرات ‪ ،‬حل لبنها‬
‫وحلمها ‪ ،‬وكذا الزرع والثمار ‪ :‬إذا سقيت باملاء النجس ‪ ،‬مث سقيت بالطاهر ; حلت ; الستحالة وصف اخلبيث‬
‫وتبدله بالطيب " انتهى ‪.‬‬

‫ويكره أكل بصل وثوم وحنومها مما له رائحة كريهة خصوصا عند حضور املساجد ; لقوله صلى اهلل عليه‬
‫من أكل من هذه الشجرة ‪ ،‬فال يقربن مصالنا‬ ‫وسلم ‪:‬‬

‫ومن اضطر إىل حمرم بأن خاف التلف إن مل يأكله غري السم ; حل له منه ما يسد رمقه ( أي ‪ :‬ميسك قوته‬
‫ومن اضطر إىل طعام غريه مع‬ ‫َف ِن اْض ُطَّر َغ اٍغ اَل اٍد َفاَل ِإ َل ِه‬ ‫وحيفظها ) ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫َمْث َع ْي‬ ‫ْيَر َب َو َع‬ ‫َم‬
‫عدم اضطرار ‪ .‬صاحب ذلك الطعام إليه ; لزم بدله له بقدر ما يسد رمقه بقيمته ‪. . .‬‬

‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬إن كان املضطر فقريا ‪ ،‬مل يلزمه عوض ; إذ إطعام اجلائع وكسوة‬
‫العاري فرض كفاية ‪ ،‬ويصريان فرض عني على املعني إذا مل يقم غريه به ‪ .‬اه ‪.‬‬

‫ومن اضطر إىل نفع مال الغري مع بقاء عينه كثياب لدفع برد ‪ ،‬أو حبل أو دلو الستقاء ماء ‪ ،‬وكقدر لطبخ ‪،‬‬
‫َو ْمَيَنُعوَن اْلَم اُعوَن‬ ‫وجب بذله له جمانا ‪ ،‬مم عدم حاجة صاحبه إليه ; ألن اهلل تعاىل ذم على منعه بقوله ‪:‬‬

‫املاعون هو ما يتعاطاه الناس بينهم ويتعاورونه من الفأس‬ ‫قال ابن عباس وابن مسعود وغريمها ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫والقدر والدلو وأشباه ذلك‬

‫ومن مر بثمر بستان يف شجره ‪ ،‬أو متساقط عنه ‪ ،‬وال حائط عليه ‪ ،‬وال ناظر ; فله األكل منه جمانا من غري‬
‫محل ‪ ،‬روي ذلك عن ابن عباس وأنس بن مالك وغريهم ‪ ،‬وليس له صعود شجرة ‪ ،‬وال رميها بشيء ‪ ،‬وال األكل‬
‫من مثر جمموع ; إال لضرورة ‪.‬‬
‫فتلخص أن للمار بالبستان أن يأكل من مثره بشروط ‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن يكون ال حائط عليه وليس عنده حارس ‪.‬‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪245‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫الثاين‪ :‬أن يكون الثمر على الشجر أو متساقطا عنه ال جمموعا ‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬أن ال حيتاج إىل صعود الشجر ‪ ،‬بل يتناوله من غري صعود ‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬أن ال حيمل معه منه شيء ‪.‬‬

‫اخلامس‪ :‬يشرتط عند اجلمهور أن يكون حمتاجا ‪.‬‬

‫فإن اختل شرط من هذه الشروط ; مل جيز له األكل ‪.‬‬

‫وجتب على املسلم ضيافة املسلم اجملتاز به يف القرى يوما وليلة ‪ ،‬أما املدن ; فال جتب فيها الضيافة ; ألنه جيد‬
‫فيها املطاعم والفنادق ; فال حيتاج إىل الضيافة ; خبالف القرى والبوادي ‪.‬‬

‫من كان يؤمن باهلل واليوم‬ ‫ودليل وجوب الضيافة يف احلالة املذكورة قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫متفق عليه ‪ ،‬فدل احلديث‬ ‫اآلخر ‪ ،‬فليكرم ضيفه ‪ .‬قالوا ‪ :‬وما جائزته يا رسول اهلل ; قال ‪ :‬يومه وليلته‬
‫إخل ‪ ،‬وتعليق اإلميان بإكرام الضيف يدل‬ ‫من كان يؤمن باهلل ‪...‬‬ ‫على وجوب الضيافة ; لقوله ‪:‬‬
‫إن نزلتم بقوم ‪ ،‬فأمروا لكم مبا ينبغي للضيف ; فاقبلوا ‪ ،‬وإن مل يفعلوا ;‬ ‫على وجوبه ‪ ،‬ويف الصحيحني ‪:‬‬
‫فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي له‬

‫وقصة إبراهيم اخلليل عليه السالم مع ضيفه وتقدميه العجل هلم تدل على أن الضيافة من دين إبراهيم ‪ ،‬وتدل‬
‫على أنه يقدم للضيف أكثر مما يأكل ‪ ،‬وهذا من حماسن هذا الدين ‪ ،‬ومن مكارم األخالق اليت ال تزال متواترة يف‬
‫ذريته ‪ ،‬حىت أكدها اإلسالم ‪ ،‬وحث عليها ‪ ،‬بل إن دين اإلسالم جعل البن السبيل حقا ضمن احلقوق العشرة‬
‫َو اْبِن الَّس ِبيِل‬ ‫إىل قوله ‪:‬‬ ‫َو اْع ُبُد وا الَّلَه َو اَل ُتْش ِر ُك وا ِبِه َش ْيًئا‬ ‫املذكورة يف قوله تعاىل ‪:‬‬
‫بل جعل له حقا يف الزكاة ضمن األصناف‬ ‫َفآِت َذا اْلُقْر ىَب َح َّق ُه َو اْلِم ْس ِكَني َو اْبَن الَّس ِبيِل‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬
‫الثمانية ‪ ،‬وابن السبيل هو املسافر املنقطع به ‪..‬‬

‫فلله احلمد على هذا الدين الكامل والتشريع احلكيم الذي هو هدى ورمحة ‪.‬‬

‫باب يف أحكام الذكاة‬

‫ملا كان من شرط حل احليوان الربي أن يكون مذكى الذكاة الشرعية ‪ ،‬وأن ما مل جتر عليه تلك الذكاة يكون‬
‫ميتة حراما ; كان حبث الذكاة ومعرفة ما يلزم هلا مهما جدا ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪246‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وقد عرفها الفقهاء رمحهم اهلل بأهنا ‪ :‬ذبح أو حنر احليوان املأكول الربي بقطع حلقومه ومريئه أو عقر املمتنع‬
‫منه ‪ ،‬مسيت بذلك أخذا من املعىن اللغوي ‪ ،‬إذ الذكاة يف اللغة إمتام الشيء ; ألن ذبح احليوان معناه إمتام زهوقه ‪،‬‬
‫ِإ‬
‫أي ‪ :‬أدركتموه وفيه حياة ‪،‬‬ ‫اَّل َم ا َذَّك ْيُتْم‬ ‫إىل قوله ‪:‬‬ ‫ُح ِّر َم ْت َعَلْيُك ُم اْلَم ْيَتُة‬ ‫قال تعاىل ‪:‬‬
‫فأمتمتم زهوقه ‪ ،‬مث استعمل ذلك يف الذبح ‪ ،‬سواء كان بعد إصابة سابقة ‪ ،‬أو ابتداء ‪.‬‬

‫وحكم الذكاة أهنا الزمة ‪ ،‬ال حيل شيء من احليوان املقدور عليه بدوهنا ; ألن غري املذكى يكون ميتة ‪ ،‬وقد‬
‫إال السمك‬ ‫ُح ِّر َم ْت َعَلْيُك ُم اْلَم ْيَتُة‬ ‫أمجع أهل العلم على أن امليتة حرام إال ملضطر ‪ ،‬وقال تعاىل ‪:‬‬
‫أحل لنا‬ ‫واجلراد وكل ما ال يعيش إال يف املاء ‪ ،‬فيحل بدون ذكاة ; حلل ميتته ‪ ،‬حلديث ابن عمر يرفعه ‪:‬‬
‫رواه أمحد وغريه ‪ ،‬وقال‬ ‫ميتتان ودمان ‪ :‬فأما امليتتان ‪ :‬احلوت واجلراد ‪ ،‬وأما الدمان ‪ :‬فالكبد والطحال‬
‫هو الطهور ماؤه احلل ميتته‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم يف البحر ‪:‬‬

‫ويشرتط للذكاة أربعة شروط‬

‫الشرط األول‪ :‬أهلية املذكي ‪ ،‬بأن يكون عاقال ‪ ،‬ذا دين مساوي ‪ ،‬من املسلمني أو أهل الكتاب ‪ ،‬فال يباح ما ذكاه‬
‫جمنون أو سكران أو طفل مل مييز ‪ ،‬ألنه ال يصح من هؤالء قصد التذكية ‪ ،‬لعدم العقلية فيهم ‪ ،‬وال حيل ما ذكاه‬
‫كافر وثين أو جموسي أو مرتد أو قبوري ممن ينادون املوتى ويلوذون باألضرحة ويطلبون من أصحاهبا املدد ‪ . .‬ألن‬
‫هذا شرك أكرب ‪.‬‬
‫ِك‬ ‫ِذ‬
‫َو َطَعاُم اَّل يَن ُأوُتوا اْل َتاَب‬ ‫وأما الكافر الكتايب ‪ ،‬وهو اليهودي أو النصراين ; فتحل ذبيحته ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫أي ‪ :‬ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى حل لكم أيها املسلمون ‪ ،‬وهذا بإمجاع املسلمني ;‬ ‫ِح‬
‫ٌّل َلُك ْم‬
‫" طعامهم ذبائحهم "‬ ‫قال اإلمام البخاري رمحه اهلل عن ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪:‬‬
‫ومفهوم اآلية الكرمية أن الكافر غري الكتايب ال حتل ذبيحته ‪ ،‬وهذا باإلمجاع ‪. .‬‬
‫واحلكمة يف إباحة ذبيحة الكافر الكتايب دون غريه من الكفار ‪ :‬أن أهل الكتاب يعتقدون حترمي الذبح لغري اهلل ‪،‬‬
‫وحترمي امليتات ; ملا جاءت به أنبياؤهم ‪ ،‬خبالف بقية الكفار ‪ ،‬فإهنم يذحبون لألصنام ويستحلون امليتات ‪.‬‬

‫الشرط الثاين‪ :‬توفر اآللة ‪ :‬فتباح الذكاة بكل حمدد ‪ .‬ينهر الدم حبده ‪ ،‬سواء كان من احلديد أو احلجر أو غري ذلك ‪،‬‬
‫متفق‬ ‫ما أهنر الدم ‪ ،‬فكل ‪ ،‬ليس السن والظفر‬ ‫ما عدا السن والظفر ; فال حيل الذبح هبما ; لقوله ‪:‬‬
‫عليه ‪.‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬هذا تنبيه على عدم التذكية بالعظام ‪ :‬إما لنجاسة بعضها ‪ ،‬أو لتنجيسها على‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪247‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫أي ‪ :‬ذلك عظم ‪ ،‬فال‬ ‫وسأحدثكم عن ذلك ‪ :‬أما السن ; فعظم‬ ‫مؤمين اجلن ‪ ،‬ومتام احلديث ‪:‬‬
‫أي ‪ :‬فسكني احلبشة ‪ ،‬فال حيل الذبح‬ ‫وأما الظفر ‪ ،‬فمدى احلبشة‬ ‫حيل الذبح به ‪ ،‬وقال ‪:‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬قطع احللقوم ‪ ،‬وهو جمرى النفس ‪ ،‬وقطع املريء ‪ ،‬وهو جمرى الطعام والشراب ‪ ،‬وأحد الودجني ‪،‬‬
‫ومها الوريدان ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ " :‬وتقطع املريء واحللقوم والودجان ‪ ،‬واألقوى أن قطع ثالثة من األربعة يبيح ‪،‬‬
‫سواء كان فيها احللقوم أو مل يكن ‪ ،‬فإن قطع الودجني أبلغ من قطع احللقوم وأبلغ يف إهنار الدم ‪" .‬‬
‫والسنة حنر إبل ‪ ،‬بأن يطعنها مبحدد يف لبتها ‪ ،‬وهي الوهدة اليت بني أصل العنق والصدر ‪ ،‬وذبح غريها يف حلقه ‪.‬‬
‫واحلكمة يف ختصيص الذكاة يف احملل املذكور ‪ ،‬ويف قطع هذه األشياء خاصة ‪ ،‬ألجل خروج الدم السيال ; ألن هذا‬
‫احملل جممع العروق ‪ ،‬وألن ذلك أسرع يف زهوق الروح ‪ ،‬فيكون أطيب للحم ‪ ،‬وأخف على احليوان ‪ ،‬وقد قال‬
‫إذا ذحبتم ذبيحة ; فأحسنوا الذحبة‬ ‫النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫وما عجز عن ذحبه يف احملل املذكورة لعدم التمكن منه ; كالصيد والنعم املتوحشة والواقعة يف بئر وحنوها ‪ ،‬تكون‬
‫ند بعري ‪ ،‬فأهوى إليه‬ ‫ذكاته جبرحه يف أي موضع من بدنه ‪ ،‬ويكفي ذلك يف ذكاته ; حلديث رافع قال ‪:‬‬
‫متفق عليه‬ ‫رجل بسهم ‪ ،‬فحبسه ‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬ما ند عليكم ; فاصنعوا به هكذا‬
‫‪ ،‬وروي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعائشة رضي اهلل عنهم ‪.‬‬
‫وما أصيب من احليوانات كاملنخنقة واملوقوذة واملرتدية والنطيحة وما أكل السبع ‪ ،‬إذا أدركت وفيها حياة مستقرة ‪،‬‬
‫َو اْلُم ْنَخ ِنَقُة َو اْلَمْو ُقوَذُة‬ ‫إىل قوله ‪:‬‬
‫ُح ِّر َم ْت َعَلْيُك ُم اْلَم ْيَتُة‬ ‫فذكيت ; حلت ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِإ‬ ‫ِط‬
‫أي ‪ :‬إال ما أدركتم وفيه حياة ‪ ،‬فذكيتموه ; فليس‬ ‫َو اْلُم َتَر ِّدَيُة َو الَّن يَح ُة َو َم ا َأَك َل الَّس ُبُع اَّل َم ا َذَّك ْيُتْم‬
‫مبحرم ‪ .‬واملنخنقة ‪ :‬هي اليت التف على عنقها حبل وحنوه فخنقها ‪ .‬واملوقوذة ‪ :‬هي اليت ضربت بشيء ثقيل ‪.‬‬
‫واملرتدية ‪ :‬هي اليت تسقط من شيء مرتفع ‪ .‬والنطيحة ‪ :‬هي اليت نطحها حيوان آخر برأسه ‪ .‬وما أكل السبع ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬افرتسه الذئب وحنوه ‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل يف الذكاة اجملزية يف هذه األنواع ‪ " :‬مىت ذبح ‪ ،‬فخرج الدم األمحر الذي‬
‫خيرج من املذكى يف العادة ‪ ،‬ليس هو دم امليتة ; فإنه حيل أكله ‪ ،‬ولو مع عدم حتركه بيد أو رجل أو طرف عني أو‬
‫مصع ذنب وحنو فلك يف األصح ‪ " .. .‬انتهى ‪. .‬‬

‫ِر‬
‫َو اَل َتْأُك ُلوا َّمِما ْمَل ُيْذ َك اْس ُم‬
‫الشرط الرابع‪ :‬أن يقول الذابح عند حركة يده بالذبح ‪ :‬بسم اهلل ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِف‬ ‫ِه ِه‬
‫الَّل َعَلْي َو ِإَّنُه َل ْس ٌق‬
‫قال اإلمام ابن القيم ‪ " :‬وال ريب أن ذكر اسم اهلل على الذبيحة يطيبها ويطرد الشيطان عن الذابح واملذبوح ‪ ،‬فإذا‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪248‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫أخل به ; البس الشيطان الذابح واملذبوح ‪ ،‬فأثر خبثا يف احليوان ‪ ،‬وكان صلى اهلل عليه وسلم إذا ذبح مسى ‪ ،‬فدلت‬
‫اآلية على أن الذبيحة ال حتل إذا مل يذكر اسم اهلل عليها ‪ ،‬وإن كان الذابح مسلما ‪ .. .‬انتهى ‪.‬‬
‫ويسن مع التسمية التكبري ‪.‬‬

‫وللذكاة آداب‬
‫وليحد أحدكم شفرته ‪ ،‬ولريح ذبيحته‬ ‫فيكره أن يذبح بآلة كالة ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫أمر أن حتد الشفار وأن توارى عن‬ ‫ويكره أن حيدها واحليوان يبصره ; ألن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫رواه أمحد ‪.‬‬ ‫البهائم‬
‫ويكره أن يوجه احليوان إىل غري القبلة ‪.‬‬
‫ويكره أن يكسر عنقه أو يسلخه قبل أن يربد ‪.‬‬

‫والسنة حنر اإلبل قائمة معقولة يدها اليسرى ‪ ،‬وذبح البقر والغنم مضجعة على جانبها األيسر ‪ .‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫باب يف أحكام الصيد‬

‫الصيد مصدر صاد يصيد صيدا ‪ ،‬وهو اقتناص حيوان حالل متوحش طبعا غري مقدور عليه ‪ ،‬ويطلق على‬
‫املصيد ‪ ،‬فيقال للحيوان ‪ :‬صيد ‪ ،‬تسمية للمفعول باسم الصدر ‪.‬‬
‫وحكم االصطياد ‪ :‬أنه إذا كان حلاجة اإلنسان ; فهو جائز من غري كراهة ‪ ،‬وأما إذا كان للهو واللعب ال ألجل‬
‫احلاجة ; فهو مكروه ‪ ،‬وإن ترتب عليه ظلم للناس باالعتداء على زروعهم وأمواهلم ‪ ،‬فهو حرام ‪.‬‬

‫والدليل على جوازه يف غري احلالة األخرية ‪:‬‬


‫َو َم ا َعَّلْم ُتْم ِم َن اَجْلَو اِر ِح ُمَك ِّلِبَني ُتَعِّلُم وَنُه َّن َّمِما‬ ‫وقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫َو ِإَذا َح َلْلُتْم َفاْص َطاُدوا‬ ‫قوله تعاىل ‪:‬‬
‫َّل ُك الَّل َفُكُلوا َّمِما َأ ْك َل ُك اْذُك وا ا الَّلِه َل ِه‬
‫ْم َس َن َع ْي ْم َو ُر ْس َم َع ْي‬ ‫َع َم ُم ُه‬
‫متفق‬ ‫إذا أرسلت كلبك املعلم ‪ ،‬وذكرت اسم اهلل عليه ‪ ،‬فكل‬ ‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫عليه ‪. .‬‬

‫والصيد بعد إصابته وإمساكه له حالتان‬

‫احلالة األوىل ‪ :‬أن يدرك وهو حي حياة مستقرة ; فهذا ال بد من ذكاته الذكاة الشرعية اليت سبق بياهنا ‪ ،‬وال حيل‬
‫باالصطياد ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪249‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫احلالة الثانية ‪ :‬أن يدرك مقتوال باالصطياد ‪ ،‬أو حيا حياة غري مستقرة ; ففي هذه احلالة يكون حالال إذا توفرت فيه‬
‫شروط‬

‫الشرط األول ‪ :‬أن يكون الصائد من أهل الذكاة ; أي ‪ :‬ممن حتل ذبيحته ‪ .‬ألن الصائد مبنزلة املذكي ‪ ،‬فيشرتط فيه‬
‫األهلية ‪ .‬بأن يكون عاقال مسلما أو كتابيا ; فال حيل ما صاده جمنون أو سكران ‪ ،‬لعدم العقلية ‪ ،‬وال ما صاده‬
‫جموسي أو وثين وحنوه من سائر الكفار ‪ ،‬كما ال حتل ذكاهتم ‪.‬‬

‫الشرط الثاين ‪ :‬اآللة ‪ ،‬وهي نوعان‬

‫األول ‪ :‬حمدد يشرتط فيه ما يشرتط يف آلة الذبح ‪ ،‬بأن ينهر الدم ‪ ،‬ويكون غري سن وظفر ‪ ،‬وأن جيرح الصيد حبده‬
‫ال بثقله ‪ ،‬فإذا كانت اآللة اليت قتل هبا الصيد غري حمددة ‪ ،‬كاحلصاة والعصا والفخ والشبكة وقطع احلديد ‪ ،‬فإنه ال‬
‫حيل ما قتل به من الصيد ; إال الرصاص الذي يطلق من البنادق اليوم ‪ ،‬فيحل ما قتل به من الصيد ; ألن فيه قوة‬
‫الدفع اليت خترق وتنهر الدم كاحملدد وأشد‬

‫الثاين ‪ :‬اجلارحة من الكالب والطيور اليت يصاد هبا ‪ ،‬فيباح ما قتلته من الصيد إن كانت معلمة ‪ ،‬سواء كانت مما‬
‫َّل‬ ‫ِب‬ ‫َّل ِم‬
‫َو َم ا َع ْم ُتْم َن اَجْلَو اِر ِح ُمَك ِّل َني ُتَعِّلُم وَنُه َّن َّمِما َع َم ُك ُم‬ ‫يصيد بنابه كالكلب أو مبخلبه كالطري ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫الَّل َفُكُلوا َّمِما َأ ْك َل ُك اْذُك وا ا الَّلِه َل ِه‬
‫ُتَعِّلُم وَنُه َّن َّمِما َعَّلَم ُك ُم الَّلُه‬ ‫ومعىن قوله ‪:‬‬
‫ْم َس َن َع ْي ْم َو ُر ْس َم َع ْي‬ ‫ُه‬
‫أي ‪ :‬تؤدبوهنن آداب أخذ الصيد من العلم الذي علمكم اهلل ‪ ،‬وتعليم اجلارح ‪ :‬أنه إذا أرسله ; اسرتسل ‪ ،‬وإذا‬
‫أشاله ‪ ،‬استشلى ‪ ،‬وإذا أخذ الصيد ; أمسكه على صاحبه حىت جييء إليه ‪ ،‬وال ميسكه لنفسه ‪.‬‬

‫إذا أرسلت كلبك املعلم ‪،‬‬ ‫الشرط الثالث ‪ :‬أن يرسل اآللة قاصدا للصيد ‪ ، .‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫متفق عليه ‪ ،‬فدل احلديث على أن إرسال اجلارحة مبنزلة الذبح ‪ ،‬فيشرتط له‬ ‫وذكرت اسم اهلل عليه ‪ ،‬فكل‬
‫القصد ‪ ،‬فلو سقطت اآللة من يده ‪ ،‬فقتلت صيدا ; مل حيل ; لعدم القصد منه ‪ ،‬وكذا لو اسرتسل الكلب من‬
‫نفسه ‪ ،‬فقتل صيدا ‪ ،‬مل حيل ; لعدم إرسال صاحبه له ‪ ،‬وعدم قصده ‪ ،‬ومن رمى صيدا ‪ ،‬فأصاب غريه ‪ ،‬بأن قتل‬
‫مجاعة من الصيود ‪ ،‬حل اجلميع ; لوجود القصد ‪.‬‬

‫َو اَل َتْأُك ُلوا َّمِما‬ ‫الشرط الرابع ‪ :‬التسمية عند إرسال السهم أو اجلارحة ; بأن يقول ‪ :‬بسم اهلل ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫وقال‬ ‫َفُكُلوا َّمِما َأ ْك َل ُك اْذُك وا ا الَّلِه َل ِه‬ ‫وقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ْذ َك ِر ا الَّلِه َل ِه‬
‫ْم َس َن َع ْي ْم َو ُر ْس َم َع ْي‬ ‫ْمَل ُي ْس ُم َع ْي‬
‫متفق عليه ‪-‬‬ ‫إذا أرسلت كلبك املعلم ‪ ،‬وذكرت اسم اهلل عليه ; فكل‬ ‫النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪250‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫فإن ترك التسمية ; مل حيل الصيد ‪ ،‬ملفهوم اآلية واألحاديث ‪.‬‬


‫ويسن أن يقول مع التسمية ‪ :‬اهلل أكرب ‪ ،‬كما يقال ذلك يف الذكاة ; ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم كان إذا ذبح ‪،‬‬
‫بسم اهلل ‪ ،‬واهلل أكرب‬ ‫يقول ‪:‬‬

‫تنبيهان ‪:‬‬

‫التنبيه األول ‪ :‬هناك حاالت حيرم فيها الصيد ‪:‬‬


‫فيحرم على احملرم قتل صيد الرب أو اصطياده واإلعانة على صيده بداللة أو إشارة أو غري ذلك ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِذ‬
‫َيا َأُّيَه ا اَّل يَن آَم ُنوا اَل َتْق ُتُلوا الَّص ْيَد َو َأْنُتْم ُح ُر ٌم‬
‫َو ُح ِّر َم َعَلْيُك ْم َصْيُد‬ ‫وحيرم عليه األكل مما صاده أو كان له تأثري يف اصطياده أو صيد من أجله ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫اْلَبِّر َم ا ُدْم ُتْم ُح ُر ًم ا‬
‫وكذلك هناك حمل حيرم فيه الصيد ‪ ،‬فيحرم قتل صيد احلرم على احملرم وغري احملرم باإلمجاع ‪ ،‬حلديث ابن عباس‬
‫إن هذا البلد حرمه اهلل يوم‬ ‫رضي اهلل عنهما ; قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يوم فتح مكة ‪:‬‬
‫خلق السماوات واألرض ‪ ،‬فهو حرام حبرمة اهلل إىل يوم القيامة ; ال يعضد شوكه ‪ ،‬وال خيتلى خاله ‪ ،‬وال ينفر‬
‫احلديث ‪.‬‬ ‫صيده ‪.. .‬‬

‫التنبيه الثاين ‪ :‬حيرم اقتناء الكلب لغري ما رخص فيه الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وهو أحد ثالثة أمور ‪ :‬إما‬
‫من اختذ كلبا ; إال كلب‬ ‫لصيد ‪ ،‬أو حلراسة ماشية ‪ ،‬أو حلراسة زرع ‪ ،‬قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫متفق عليه ‪. .‬‬ ‫ماشية أو صيد أو زرع ; انتقص من أجره كل يوم قرياط‬
‫وبعض الناس ال يباىل هبذا الوعيد ‪ ،‬فيقتين الكلب لغري هذه األغراض الثالثة اليت رخص فيها الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ; ألجل املفاخرة وتقليد الكفار ‪ ،‬وال يبايل بنقصان األجر الذي يرتتب على ذلك ‪ ،‬لكن لو كان ينقص يف‬
‫دنياه شيئا ; ملا صرب عليه ; فال حول وال قوة إال باهلل ‪.‬‬
‫وقد أخرب النيب صلى اهلل عليه وسلم أن املالئكة ال تدخل البيت الذي فيه الكلب ‪ ،‬والصورة ; فليتق املسلم ربه ‪،‬‬
‫وال يظلم نفسه بإيقاعها يف اإلمث وحرماهنا من األجر ‪ .‬واهلل املستعان ‪.‬‬

‫كتاب األميان والنذور‬

‫باب يف أحكام األميان‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪251‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫األميان مجع ميني ‪ ،‬واليمني ‪ :‬توكيد احلكم بذكر معظم على وجه خمصوص ‪ ،‬مسي بذلك أخذا من اليد‬
‫اليمىن ; ألن احلالف يعطي ميينه ويضرب على ميني صاحبه ; كما يف العهد واملعاقدة ‪.‬‬

‫واليمني اليت جتب هبا الكفارة هي اليمني اليت حيلف فيها باسم اهلل أو بصفة من صفاته ‪ ،‬كأن يقول ‪ :‬واهلل ‪،‬‬
‫أو ‪ :‬ووجه اهلل ‪ ،‬أو ‪ :‬وعظمته وكربيائه وجالله وعزته ورمحته ‪ ،‬أو ‪ :‬وعهده ‪ ،‬أو ‪ :‬وإرادته ‪ ،‬أو ‪ :‬بالقرآن ‪ ،‬أو ‪:‬‬
‫باملصحف ‪.‬‬

‫من كان حالفا ; فليحلف‬ ‫واحللف بغري اهلل تعاىل حمرم ‪ ،‬وهو شرك ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫وقال‬ ‫ومن حلف بغري اهلل ; فقد كفر أو أشرك‬ ‫متفق عليه ‪ ،‬وقال ‪:‬‬ ‫باهلل أو ليصمت‬
‫رواه أبو داود ‪.‬‬ ‫ليس منا من حلف باألمانة‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫فدلت هذه األحاديث على حترمي احللف بغري اهلل ‪ ،‬وأنه شرك ‪ ،‬كأن يقول ‪ :‬والنيب ‪ ،‬وحياتك ‪ ،‬واألمانة ‪،‬‬
‫والكعبة ‪ .. .‬وما أشبه ذلك ‪.‬‬

‫قال ابن عبد الرب ‪ :‬وهذا أمر جممع عليه ‪.‬‬


‫ألن أحلف باهلل كاذبا‬ ‫وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية ‪ " :‬حيرم احللف بغري اهلل ‪ ،‬وقال ابن مسعود ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫أحب إيل من أن أحلف بغريه صادقا‬
‫وقال الشيخ موجها كالم ابن مسعود هذا ‪ " :‬ألن حسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق ‪ ،‬وسيئة الكذب أسهل‬
‫من سيئة الشرك ‪ .. .‬انتهى ‪.‬‬

‫ويشرتط لوجوب الكفارة إذا حلف باهلل مث نقض اليمني ثالثة شروط ‪:‬‬

‫اَل‬ ‫الشرط األول‪ :‬أن تكون اليمني منعقدة ‪ ،‬بأن يقصد احلالف عقدها على أمر مستقبل ممكن قال اهلل تعاىل‬
‫فدلت اآلية على أن الكفارة ال جتب إال يف‬ ‫ُيَؤ اِخ ُذ ُك ُم الَّلُه ِبالَّلْغِو يِف َأَمْياِنُك ْم َو َلِكْن ُيَؤ اِخ ُذ ُك ْم َمِبا َعَّق ْد ْمُت اَأْلَمْياَن‬
‫األميان املنعقدة‬
‫وال يكون العقد إال يف املستقبل من الزمان دون املاضي ‪ .‬لعدم إمكان الرب واحلنث فيه ‪ ،‬لكن إذا حلف على أمر‬
‫ماض كاذبا متعمدا ‪ ،‬فهي اليمني الغموس ; ألهنا تغمسه يف اإلمث ‪ ،‬مث يف النار ‪ ،‬وال كفارة فيها ‪ ،‬ألهنا أعظم من أن‬
‫تكفر ‪ ،‬وهي من الكبائر ‪.‬‬
‫وإذا تلفظ باليمني بدون قصد هلا ; كما لو قال ‪ :‬ال واهلل ‪ ،‬وبلى واهلل وهو ال يقصد اليمني ‪ ،‬وإمنا جرى على لسانه‬
‫ِن‬ ‫ِب‬ ‫ِخ‬
‫اَل ُيَؤ ا ُذ ُك ُم الَّلُه الَّلْغِو يِف َأَمْيا ُك ْم‬ ‫هذا اللفظ بدون قصد ‪ ،‬فهو لغو ‪ ،‬ال كفارة فيه ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪252‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫اللغو يف اليمني كالم الرجل يف بيته‪ :‬ال واهلل‪ ،‬وبلى واهلل‬ ‫وحديث عائشة رضي اهلل عنها مرفوعا ‪:‬‬
‫رواه أبو داود ‪. .‬‬
‫وكذا لو حلف عن قصد يظن صدق نفسه فبان خبالفه‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ " :‬وكذا لو عقدها على زمن مستقبل ‪ ،‬ظانا صدقه ‪ ،‬فلم يكن كمن حلف على غريه‬
‫يظن أنه يطيعه فلم يفعل " انتهى ‪.‬‬

‫رفع عن‬ ‫الشرط الثاين ‪ :‬أن حيلف خمتارا ‪ ،‬فإن حلف مكرها مل تنعقد ميينه ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فدل على أن املكره على احللف معفو عنه ‪.‬‬ ‫أميت اخلطأ والنسيان وما استكرهوا عليه‬

‫الشرط الثالث‪ :‬أن حينث فيها ; بأن يفعل ما حلف على تركه ‪ ،‬أو يرتك ما حلف على فعله خمتارا ذاكرا ليمينه ‪،‬‬
‫عفي‬ ‫فإذا حنث ناسيا ليمينه أو مكرها فال كفارة عليه ; ألنه ال إمث عليه ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫ألميت اخلطأ والنسيان وما استكرهوا عليه‬

‫وإن استثىن يف ميينه كما لو قال ‪ :‬واهلل ألفعلن كذا إن شاء اهلل ; مل حينث يف ميينه إذا نقضها ‪ ،‬بشرط أن‬
‫من حلف فقال ‪ :‬إن شاء اهلل‬ ‫يقصد االستثناء متصال باليمني لفظا أو حكما ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه أمحد وغريه ‪ ،‬فإن مل يقصد االستثناء ‪ ،‬بل قصد بقوله ‪ :‬إن شاء اهلل ‪ :‬جمرد التربك هبذا‬ ‫‪ ،‬مل حينث‬
‫اللفظ ‪ ،‬ال التعليق ‪ ،‬أو مل يقل ‪ :‬إن شاء اهلل ‪ ،‬إال بعد مضي وقت انتهاء التلفظ باليمني ‪ .‬من غري عذر ‪ ،‬مل ينفعه‬
‫هذا االستثناء ‪ ،‬وقيل ‪ :‬ينفعه االستثناء ‪ ،‬وإن مل يرده إال بعد الفراغ من اليمني ‪ ،‬حىت لو قال له بعض احلاضرين ‪:‬‬
‫قل ‪ :‬إن شاء اهلل ‪ ،‬نفعه ‪ .‬قال شيخ اإلسالم ‪ " :‬وهو الصواب "‬

‫ونقض اليمني تارة يكون واجبا ‪ ،‬وتارة يكون حمرما ‪ ،‬وتارة يكون مباحا ‪:‬‬
‫فيجب نقض اليمني إذا حلف على ترك واجب ; كما لو حلف ال يصل رمحه ‪ ،‬أو حلف على فعل حمرم ; كما لو‬
‫حلف ليشربن مخرا ‪ ،‬فهنا جيب عليه أن ينقض ميينه ‪ ،‬ويكفر عنها ‪.‬‬

‫وقد حيرم نقض اليمني ; كما لو حلف على ترك حمرم أو فعل واجب ; فإنه جيب عليه الوفاء باليمني ‪ ،‬وال‬
‫جيوز له نقضها ‪.‬‬
‫ويباح نقض اليمني فيما إذا حلف على فعل مباح أو على تركه ‪.‬‬
‫ما حلفت على ميني ‪ ،‬فرأيت غريها خريا منها ‪ ،‬إال أتيت الذي هو خري ‪،‬‬ ‫قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫من حلف على ميني ‪ ،‬فرأى غريها خريا منها ‪،‬‬ ‫وقال عليه الصالة والسالم ‪:‬‬ ‫وكفرت عن مييين‬
‫فليأت الذي هو خري ‪ ،‬وليكفر عن ميينها‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪253‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ومن حرم على نفسه شيئا مباحا سوى زوجته كالطعام والشراب واللباس ; كما لو قال ‪ :‬ما أحل اهلل علي‬
‫حرام ‪ ،‬أو قال ‪ :‬هذا الطعام حرام علي ‪ ،‬فإنه ال حيرم عليه ; فله تناوله ‪ ،‬ويكون عليه كفارة ميني ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِج‬
‫َقْد َفَر َض الَّلُه‬ ‫إىل قوله تعاىل ‪:‬‬ ‫َيا َأُّيَه ا الَّنُّيِب َمِل َحُتِّر ُم َم ا َأَح َّل الَّلُه َلَك َتْبَتِغي َمْر َض اَة َأْز َو ا َك‬
‫ِحَت ِن‬
‫أي ‪ :‬التكفري عن حترمي احلالل ‪.‬‬ ‫َلُك ْم َّلَة َأَمْيا ُك ْم‬

‫أما لو حرم زوجته ; فإن ذلك يعترب ظهارا ‪ ،‬جتب فيه كفارة الظهار ‪ ،‬وال تكفي فيه كفارة اليمني ‪.‬‬

‫ومما جيب التنبيه عليه يف هذا الباب حكم احللف مبلة غري اإلسالم ; كما لو قال ‪ :‬هو يهودي أو نصراين إن‬
‫فعل كذا وكذا ! أو إن مل يفعله ! وهذا من األلفاظ البغيضة ; فهذا حمرم شديد التحرمي ‪ ،‬ملا يف " الصحيحني " ‪ ،‬أن‬
‫ويف‬ ‫من حلف على ملة غري اإلسالم كاذبا متعمدا ; فهو كما قال‬ ‫النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫من قال ‪ :‬إنه بريء من اإلسالم ‪ :‬فإن كان كاذبا ; فهو كما قال وإن كان صادقا ; مل‬ ‫رواية اإلمام أمحد ‪:‬‬
‫يعد إىل اإلسالم ساملا‬

‫نسأل اهلل العافية من مقالة السوء ‪ ،‬ونسأله أن يسدد أقوالنا وأفعالنا ونياتنا ; إنه قريب جميب ‪.‬‬

‫باب يف كفارة اليمني‬

‫من رمحة اهلل بعباده أن شرع هلم الكفارة اليت هبا حتلة اليمني ‪.‬‬
‫ِحَت ِن‬
‫َقْد َفَر َض الَّلُه َلُك ْم َّلَة َأَمْيا ُك ْم‬ ‫قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫إذا حلفت على ميني ‪ ،‬فرأيت غريها خريا منها ;‬ ‫ويف الصحيحني عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فأت الذي هو خري ‪ ،‬وكفر عن ميينك‬

‫وكفارة اليمني فيها ختيري وفيها ترتيب ‪ ،‬فيخري من لزمته بني إطعام عشرة مساكني لكل مسكني نصف صاع‬
‫من الطعام ‪ ،‬أو كسوة عشرة مساكني لكل واحد منهم ثوب جيزئه يف صالته ‪ ،‬أو عتق رقبة مؤمنة سليمة من‬
‫العيوب ‪ ،‬فمن مل جيد شيئا من هذه الثالثة املذكورة ; صام ثالثة أيام ‪.‬‬

‫فتبني هبذا التفصيل أن كفارة اليمني جتمع ختيريا وترتيبا ; ختيريا بني اإلطعام والكسوة والعتق ‪ ،‬وترتيبها بني‬
‫ذلك وبني الصيام ‪.‬‬

‫ِل‬ ‫ِع‬ ‫ِط‬ ‫ِك ِم‬ ‫ِإ‬


‫َفَك َّفاَر ُتُه ْطَعاُم َعَش َر ِة َم َس ا َني ْن َأْو َس َم ا ُتْط ُم وَن َأْه يُك ْم َأْو‬ ‫والدليل على هذا قول اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫ِجَي ْد َفِص ا َثاَل َثِة َأَّياٍم‬ ‫ٍة‬ ‫ِك‬
‫َي ُم‬ ‫ْسَو ُتُه ْم َأْو ْحَتِر يُر َر َقَب َفَمْن ْمَل‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪254‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ومعىن اآلية الكرمية إمجاال أن كفارة ما عقدمت من األميان إذا حنثتم فيها ‪ :‬إطعام عشرة مساكني من أوسط ما‬
‫تطعمون أهليكم ; أي ‪ :‬من خري وأمثل قوت عيالكم ‪ ،‬أو كسوهتم مما يصح أن يصلى فيه ‪ ،‬أو عتق رقبة ‪ ،‬واشرتط‬
‫اجلمهور كوهنا مؤمنة ‪ ،‬وقد بدأ سبحانه وتعاىل باألسهل فاألسهل ; فأي هذه اخلصال فعل ‪ ،‬أجزأ باإلمجاع ‪.‬‬

‫واشرتط اجلمهور يف صيام ثالثة األيام أن تكون متتابعة ‪ ،‬لقراءة عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه ‪ ( :‬فصيام‬
‫ثالثة أيام متتابعة ) ‪.‬‬

‫وهنا يغلط كثري من العوام ‪ ،‬فيظنون أهنم خمريون بني الصيام وبني بقية خصال الكفارة ‪ ،‬فيصومون ‪ ،‬مع‬
‫قدرهتم على اإلطعام أو الكسوة ‪ ،‬والصيام يف هذه احلالة ال جيزئهم وال يربئ ذمتهم من كفارة اليمني ; ألنه ال‬
‫جيزئ إال عند العجز عن اإلطعام أو الكسوة أو العتق ; فيجب التنبيه والتنبيه ملثل هذا األمر ‪.‬‬

‫وجيوز تقدمي الكفارة على احلنث ‪ ،‬وجيوز تأخريها عنه ‪ ،‬فإن قدمها ‪ ،‬كانت حمللة لليمني ‪ ،‬وإن أخرها ;‬
‫كانت مكفرة له ‪.‬‬

‫إذا حلفت‬ ‫والدليل على ذلك ما ثبت يف " الصحيحني " عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬أنه قال ‪:‬‬
‫فدل هذا احلديث على جواز‬ ‫على ميني ‪ ،‬فرأيت غريها خريا منها ; فأت الذي هو خري ‪ ،‬وكفر ‪ :‬عن ميينك‬
‫فدل هذا احلديث‬ ‫فكفر عن ميينك ‪ ،‬مث ائت الذي هو خري‬ ‫تأخري الكفارة عن احلنث ‪ ،‬وأليب داود‬
‫على جواز تقدمي الكفارة على احلنث ‪ ،‬فدلت األحاديث على جواز التقدمي والتأخري ‪.‬‬

‫ومن السنة ومن حق األخ على أخيه املسلم إبرار قسمه إذا أقسمه عليه ‪ ،‬فعن الرباء بن عازب رضي اهلل‬
‫أمرنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بسبع ‪ :‬أمرنا بعيادة املريض ‪ ،‬واتباع اجلنائز ‪ ،‬وتشميت‬ ‫عنه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫العاطس ‪ ،‬وإبرار القسم أو املقسم ‪ ،‬ونصر املظلوم ‪ ،‬وإجابة الداعي ‪ ،‬وإفشاء السالم‬

‫وإن كرر األميان قبل التكفري على فعل واحد موجبها واحد ‪ ،‬مث حنث فيها ; فعليه كفارة واحدة ‪.. .‬‬
‫وكذا لو حلف ميينا واحدة على عدة أشياء ; كما لو قال ‪ :‬واهلل ال آكل وال أشرب وال ألبس ‪ ،‬مث حنث يف أحد‬
‫من هذه األشياء ; فعليه كفارة واحدة ‪ ،‬واحنلت البقية ‪ ،‬ألهنا ميني واحدة ‪ .‬أما إذا حلف عدة أميان على عدة أفعال‬
‫مث حنث فيها ‪ ،‬فعليه كفارة لكل ميني ‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬من كرر أميانا قبل التكفري ; فروايات ‪ ،‬ثالثها ‪ -‬وهو الصحيح ‪: -‬‬
‫إن كانت على فعل ‪ ،‬فكفارة ‪ ،‬وإال ; فكفارات " انتهى ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪255‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وإن حلف ال يفعل شيئا ففعله ناسيا أو مكرها أو جاهال أنه احمللوف عليه مل حينث ‪ ،‬ومل جتب عليه كفارة ‪،‬‬
‫وألن فعل املكره غري منسوب إليه ‪ ،‬وقد رفع اهلل‬ ‫َر َّبَنا اَل ُتَؤ اِخ ْذ َنا ِإْن َنِس يَنا َأْو َأْخ َطْأَنا‬ ‫لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫عن هذه األمة اخلطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ‪.‬‬

‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬إذا حلف على إنسان قاصدا إكرامه ; ال حينث مطلقا ‪ ،‬إال إذا‬
‫كان قاصدا إلزامه ; فإنه حينث ‪ " ...‬انتهى ‪.‬‬

‫فأمر سبحانه حبفظ‬ ‫َو اْح َف ُظوا َأَمْياَنُك ْم‬ ‫تنبيه ‪ :‬يقول اهلل تعاىل بعدما ذكر كفارة اليمني ‪:‬‬
‫األميان ‪ ،‬ومعناه عدم املسارعة إىل اليمني ‪ ،‬أو املسارعة إىل احلنث فيها ‪ ،‬أو أهنا ال ترتك بدون كفارة ‪ ،‬وعلى كل ‪،‬‬
‫ففي اآلية الكرمية األمر باحرتام اليمني ‪ ،‬وعدم االستهانة هبا‬

‫ومما جيب التنبيه عليه أن بعض الناس إذا حلف ; حيتال على خمالفة اليمني ويظن أنه هبذه احليلة يسلم من تبعة‬
‫اليمني ‪.‬‬

‫وقد نبه اإلمام ابن القيم رمحه اهلل على ذلك بقوله ‪ " :‬ومن احليل الباطلة ‪ :‬لو حلف ال يأكل هذا الرغيف ‪،‬‬
‫أو ال يسكن يف الدار هذه السنة ‪ ،‬أو ال يأكل هذا الطعام ; قالوا ‪ :‬يأكل الرغيف ويدع منه لقمة واحدة ‪ ،‬ويسكن‬
‫السنة كلها إال يوما واحدا ‪ ،‬ويأكل الطعام كله إال القدر اليسري منه ولو أنه لقمة ‪ ،‬وهذه حيلة باطلة باردة ‪ ،‬ومىت‬
‫فعل ذلك ; فقد أتى حبقيقة احلنث ‪ ،‬وفعل نفس ما حلف عليه ‪ ،‬مث يلزم هذا املتحيل أن جيوز للمكلف كل ما هنى‬
‫الشارع عن مجلته ‪ ،‬فيفعله إال القدر اليسري منه ; فإن الرب واحلنث يف األميان نظري الطاعة واملعصية يف األمر والنهي ‪،‬‬
‫ولذلك ال يربأ إال بفعل احمللوف عليه مجيعه ال يفعل بعضه كما ال يكون مطيعا إال بفعله مجيعه ‪ ،‬وحينث بفعل بعضه‬
‫كما يعصي بفعل بعضه " انتهى ‪. .‬‬

‫ومن الناس من حيلف على عدم فعل شيء مث يوكل من يفعله بدال عنه وهذا من احليل اليت ال تربئ ذمته من‬
‫تبعة اليمني ; إال إذا كان قاصدا عدم مباشرة فعل الشيء بنفسه ; فله ما نوي ‪.‬‬

‫وعلى كل حال ; فشأن األميان شأن عظيم ‪ ،‬ال جيوز التساهل به ‪ ،‬وال االحتيال للتخلص من حكمه ‪.‬‬

‫باب يف أحكام النذر‬

‫النذر لغة ‪ :‬اإلجياب ‪ ،‬تقول ‪ :‬نذرت كذا ‪ :‬إذا أوجبته على نفسك ‪ .‬وتعريفه شرعا ‪ :‬إلزام مكلف خمتار‬
‫نفسه شيئا هلل تعاىل ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪256‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫والنذر نوع من أنواع العبادة ‪ ،‬ال جيوز صرفه لغري اهلل تعاىل ‪ ،‬فمن نذر لغري اهلل تعاىل من قرب أو ملك أو نيب أو‬
‫ويل ; فقد أشرك باهلل الشرك األكرب املخرج من امللة ; ألنه بذلك قد عبد غري اهلل ; فالذين ينذرون لقبور األولياء‬
‫والصاحلني اليوم قد أشركوا باهلل الشرك األكرب والعياذ باهلل ; فعليهم أن يتوبوا إىل اهلل ‪ ،‬وحيذروا من ذلك ‪ ،‬وينذروا‬
‫قومهم لعلهم حيذرون ‪.‬‬

‫وحكم النذر ابتداء أنه مكروه ‪ ،‬وقد حرمه طائفة من العلماء ‪ ،‬ملا روى ابن عمر رضي اهلل عنها ; أن النيب‬
‫قال‬ ‫إلنه ال يرد شيئا ‪ ،‬إلمنا يستخرج به من البخيل‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم هنى عن النذر ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫يف " املنتقى " ‪ " :‬رواه اجلماعة إال الرتمذي " ‪ ،‬وألن الناذر يلزم نفسه بشيء ال يلزمه يف أصل الشرع ‪ ،‬فيحرج‬
‫نفسه ويثقلها هبذا النذر ‪ ،‬وألنه مطلوب من املسلم فعل اخلري بدون نذر ‪.‬‬

‫ِم‬ ‫ٍة‬ ‫ِم‬


‫َو َم ا َأْنَفْق ُتْم ْن َنَفَق َأْو َنَذ ْر ْمُت ْن‬ ‫لكن إذا نذر فعل طاعة ‪ ،‬وجب عليه الوفاء بذلك ‪ :‬لقوله تعاىل ‪:‬‬

‫َنْذ ٍر َفِإَّن الَّلَه َيْع َلُم ُه‬


‫ُيوُفوَن ِبالَّنْذ ِر َو َخَياُفوَن َيْو ًم ا َك اَن َشُّر ُه ُمْس َتِط ًريا‬ ‫وقال تعاىل يف وصف األبرار ‪:‬‬

‫َو ْلُيوُفوا ُنُذ وَر ُه ْم‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬


‫من نذر أن يطيع اهلل ; فليطعه ‪ ،‬ومن نذر أن يعصي‬ ‫ويف الصحيح عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال ‪:‬‬
‫اهلل ; فال يعصه‬

‫وقال اإلمام ابن القيم ‪ " :‬امللتزم الطاعة هلل ال خيرج عن أربعة أقسام ‪ :‬إما أن تكون بيمني ‪ ،‬جمردة ‪ ،‬أو بنذر‬
‫الَّل َلِئ آَتاَنا ِم َفْض ِلِه‬ ‫َو ِم ْنُه ْم َمْن َعاَه َد‬ ‫جمرد ‪ ،‬أو بيمني مؤكدة بنذر ‪ ،‬أو بنذر مؤكد بيمني ; كقوله ‪:‬‬
‫ْن‬ ‫َه ْن‬
‫ِهِب‬ ‫ِن‬
‫وهو أوىل باللزوم من‬ ‫َفَأْع َق َبُه ْم َف اًقا يِف ُقُلو ْم‬ ‫فعليه أن يفي به ‪ ،‬وإال دخل يف قوله ‪:‬‬ ‫َلَنَّص َّد َقَّن‬
‫أن يقول ‪ :‬هلل علي كذا انتهى ‪.‬‬

‫وقد ذكر الفقهاء رمحهم اهلل أنه يشرتط النعقاد النذر أن يكون الناذر بالغا عاقال خمتارا ; لقوله صلى اهلل عليه‬
‫فدل‬ ‫رفع القلم عن ثالثة الصغري حىت يبلغ ‪ ،‬واجملنون حىت يفيق ‪ ،‬والنائم حىت يستيقظ‬ ‫وسلم ‪:‬‬
‫احلديث على أنه ال يلزم النذر من هؤالء ; لرفع القلم عنهم ‪.‬‬

‫ويصح النذر من الكافر إذا نذر عبادة ‪ ،‬ويلزمه الوفاء به إذا أسلم ; حلديث عمر رضي اهلل عنه ; قال ‪ :‬إين‬
‫أوف بنذرك‬ ‫نذرت يف اجلاهلية أن أعتكف ليلة ‪ .‬فقال له النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫والنذر الصحيح مخسة أقسام‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪257‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫أحدها‪ :‬النذر املطلق مثل أن يقول ‪ :‬هلل علي نذر ‪ ،‬ومل يسم شيئا ; فيلزمه كفارة ميني ‪ ،‬سواء كان مطلقا أو معلقا ;‬
‫كفارة النذر إذا مل يسم كفارة ميني‬ ‫ملا روى عقبة بن عامر قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه ابن ماجه والرتمذي ‪ ،‬وقال ‪ " :‬حسن صحيح غريب " ; فدل هذا احلديث على وجوب الكفارة إذا‬
‫مل يسم ما نذر هلل عز وجل ‪. .‬‬

‫الثاين‪ :‬نذر اللجاج والغضب وهو تعليق نذره بشرط يقصد املنع منه أو احلمل عليه أو التصديق أو التكذيب ; كما‬
‫لو قال ‪ :‬إن كلمتك ‪ ،‬أو ‪ :‬إن مل أخرب بك ‪ ،‬أو ‪ :‬إن مل يكن هذا اخلرب صحيحا ‪ ،‬أو ‪ :‬إن كان كذبا ‪ ،‬فعلي احلج‬
‫أو العتق ‪ .. .‬وحنو ذلك ; فهذا النذر خيري بني فعل ما نذره أو كفارة ميني ‪ ،‬حلديث عمران بن حصني ; قال ‪:‬‬
‫رواه‬ ‫ال نذر يف غضب وكفارته كفارة ميني "‬ ‫مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫سعيد يف سننه ‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬نذر املباح نذر املباح كما لو نذر أن يلبس ثوبه أو يركب دابته ‪ ،‬وخيري بني فعله وبني كفارة ميني إن مل‬
‫يفعله ; كالقسم الثاين ‪ ،‬واختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل أنه ال شيء عليه يف نذر املباح ; ملا روى اإلمام‬
‫بينما النيب صلى اهلل عليه وسلم خيطب ‪ ،‬إذا هو برجل قائم ‪ ،‬فسأل عنه ; فقالوا ‪ :‬أبو‬ ‫البحاري ‪:‬‬
‫إسرائيل ‪ ،‬نذر أن يقوم يف الشمس وال يستظل وال يتكلم وأن يصوم ‪ .‬فقال ‪ :‬مروه ; فليتكلم ‪ ،‬وليستطل ‪ ،‬وليقعد‬
‫‪ ،‬وليتم صومه‬

‫الرابع‪ :‬نذر املعصية كنذر شرب اخلمر وصوم أيام احليض ويوم النحر ; فال جيوز الوفاء هبذا النذر ; لقول النيب صلى‬
‫فدل هذا احلديث على أنه ال جيوز الوفاء بنذر‬ ‫من نذر أن يعصي اهلل ‪ ،‬فال يعصه‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫املعصية ; ألن املعصية ال تباح يف حال من األحوال ‪ ،‬ومن نذر املعصية النذر للقبور أو ألهل القبور ‪ ،‬وهو شرك‬
‫أكرب كما سبق ‪ ،‬ويكفر عن هذا النذر كفارة ميني عند بعض أهل العلم ‪ ،‬وهو مروي عن ابن مسعود وابن عباس‬
‫وعمران بن حصني ومسرة بن جندب رضي اهلل عنهم ‪ ،‬وذهب مجاعة من أهل العلم إىل عدم انعقاد نذر املعصية ‪،‬‬
‫وأنه ال يلزمه به كفارة ‪ ،‬وهو رواية عن أمحد ومذهب أيب حنيفة ومالك والشافعي ‪ ،‬واختاره شيخ اإلسالم ابن‬
‫تيمية ‪ ،‬وقال ‪ " :‬ومن أسرج قربا أو مقربة أو جبال أو شجرة أو نذر هلا أو لسكاهنا أو املضافني إىل ذلك املكان ; مل‬
‫جيز ‪ ،‬وال جيوز الوفاء به إمجاعا ‪ ،‬ويصرف يف املصاحل ; ما مل يعلم ربه ‪ " .. .‬انتهى ‪.‬‬

‫اخلامس‪ :‬نذر التربر ‪ :‬وهو نذر الطاعة كفعل الصالة والصيام واحلج وحنوه ‪ ،‬سواء كان مطلقا ( أي ‪ :‬غري معلق‬
‫على حصول شرط ) ; كما لو قال ‪ :‬هلل علي أن أصلي أو أصوم ‪ ، .. .‬أو معلقا على حصول شرط ‪ ،‬كقوله ‪ :‬إن‬
‫من‬ ‫شفى اهلل مريضي ; فلله علي كذا ‪ ،‬فإذا وجد الشرط ; لزمه الوفاء به ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪258‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ولقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫ُيوُفوَن ِبالَّنْذ ِر‬ ‫رواه البخاري ‪ ،‬ولقوله تعاىل ‪:‬‬ ‫نذر أن يطيع اهلل ; فليطعه‬
‫واهلل أعلم ‪.‬‬ ‫َو ْلُيوُفوا ُنُذ وَر ُه ْم‬

‫كتاب القضاء‬

‫باب يف أحكام القضاء يف اإلسالم‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬والواجب اختاذ والية القضاء دينا وقربة ; فإهنما من أفضل‬
‫القربات ‪ ،‬وإمنا فسد حال األكثر بطلب الرئاسة واملال هبا ‪ .. .‬انتهى ‪.‬‬

‫واألصل يف ذلك الكتاب والسنة واإلمجاع ‪:‬‬


‫َيا َد ا ُد ِإَّنا َجَعْلَناَك َخ ِليَفًة يِف‬ ‫ِن‬
‫َو َأ اْح ُك ْم َبْيَنُه ْم َمِبا َأْنَز َل الَّلُه‬
‫قال تعاىل ‪:‬‬ ‫قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫ُو‬
‫اَأْلْر ِض َفاْح ُك ْم َبَنْي الَّناِس ِباَحْلِّق‬
‫وقد تواله النيب صلى اهلل عليه وسلم بنفسه ‪ ،‬ونصب القضاة يف األقاليم اليت دخلت حتت احلكم اإلسالمي ‪،‬‬
‫وكذلك خلفاؤه من بعده ‪.‬‬
‫وأمجع املسلمون على نصب القضاة للفصل بني الناس ‪.‬‬

‫َفَق َض اُه َّن َس ْبَع َمَسا اٍت يِف َي َم ِنْي‬ ‫والقضاء يف اللغة معناه ‪ :‬إحكام الشيء والفراغ منه ; قال تعاىل ‪:‬‬
‫ْو‬ ‫َو‬
‫وله معان أخرى ‪ ،‬وأما معناه اصطالحا ‪ ،‬فهو تبيني احلكم الشرعي واإللزام به وفصل اخلصومات ‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل يف القاضي ‪ " :‬هو من جهة اإلثبات شاهد ‪ ،‬ومن جهة األمر والنهي‬
‫مفت ‪ ،‬ومن جهة اإللزام بذلك ذو سلطان ‪ " .. .‬انتهى ‪.‬‬

‫وحكم القضاء يف اإلسالم أنه فرض كفاية ‪ .‬ألن أمر الناس ال يستقيم‬
‫قال اإلمام أمحد ‪ " :‬ال بد للناس من حاكم لئال تذهب احلقوق " ‪.‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ " :‬قد أوجب النيب صلى اهلل عليه وسلم تأمري الواحد يف االجتماع القليل العارض يف‬
‫السفر ‪ ،‬وهو تنبيه على أنواع االجتماع ‪ .. .‬انتهى ‪.‬‬
‫وجيب على من يصلح للقضاء الدخول فيه إذا مل يوجد غريه ‪ ،‬وىف ذلك فضل عظيم ملن قوي عليه ‪ ،‬وفيه خطر‬
‫عظيم يف حق من مل يؤد احلق فيه ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪259‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وجيب على إمام املسلمني أن يعني القضاة حسب املصلحة اليت تدعو إىل ذلك ‪ ،‬لئال تضيع احلقوق ‪ ،‬وخيتار‬
‫أفصل من جيده علما وورعا ‪ ،‬ومن مل يعرف صالحيته ; سأل عنه ‪.‬‬

‫وجيب على القاضي أن جيتهد يف إقامة العدل بني الناس غاية ما ميكنه ‪ ،‬وال يلزمه ما يعجز عنه ‪ ،‬ويفرض له‬
‫ويل األمر من بيت املال ما يكفيه حىت يتفرغ للقيام بالقضاء ‪ ،‬وقد فرض اخللفاء الراشدون للقضاة من بيت املال ما‬
‫يكفيهم ‪.‬‬

‫وصالحيات القاضي يرجع فيها إىل العرف يف كل زمان حبسبه ‪.‬‬


‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬ما يستفيده بالوالية ( يعين ‪ :‬من الصالحيات ) ال حد له شرعا ‪ ،‬بل يتلقى‬
‫من األلفاظ واألحوال والعرف ‪ ،‬ألن كل ما مل حيدد شرعا ; حيمل على العرف ; كاحلرز والقبض " ‪ .‬قال ‪" :‬‬
‫ووالية األحكام جيوز تبعيضها ‪ ،‬وال جيب أن يكون عاملا يف غري واليته ; فإن منصب االجتهاد ينقسم ‪ ،‬حىت لو‬
‫واله املواريث ; مل جيب أن يعرف غري الفرائض والوصايا وما يتعلق بذلك ‪ ،‬وإن واله عقود األنكحة وفسخها ; مل‬
‫جيب أن يعرف إال ذلك ‪ ،‬وعلى هذا ; إذا قال ‪ :‬اقض فيما تعلم ; كما يقول ‪ :‬أفت فيما تعلم ; جاز ‪ ،‬ويسمى ما‬
‫ال يعلم خارجا عن واليته ‪ ،‬كما نقول يف احلاكم الذي ينزل على حكمه الكفار ويف احلكمني يف جزاء الصيد ‪.. .‬‬
‫" انتهى ‪.‬‬

‫ويف هذا الزمان قد اختذت وزارة العدل نظاما يسري عليه القضاة يف والياهتم ‪ ،‬وتتحدد به صالحياهتم ;‬
‫فيجب الرجوع إليه ‪ ،‬والتقيد به ; ألن يف ذلك ضبطا لألمور ‪ ،‬وحتديد الصالحيات ‪ ،‬وهو ال خيالف نصا من كتاب‬
‫اهلل وال من سنة رسول اهلل ; فيجب العمل به ‪.‬‬

‫ويشرتط فيمن يتوىل القضاء أن تتوفر فيه عشر صفات تعترب حسب اإلمكان ‪:‬‬
‫أن يكون مكلفا ‪ -‬أي ‪ :‬بالغا عاقال ‪ ; -‬ألن غري املكلف حتت والية غريه ; فال يكون واليا على غريه ;‬
‫ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة‬ ‫وأن يكون ذكرا ; لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫وأن يكون حرا ‪ ،‬ألن الرقيق مشغول حبقوق سيده ‪.‬‬
‫وأن يكون مسلما ‪ ،‬ألن اإلسالم شرط للعدالة ‪ ،‬وألن املطلوب إذالل الكافر ‪ ،‬ويف توليته القضاء رفعة واحرتام له ‪.‬‬
‫َيا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا ِإْن َج اَءُك ْم َفاِس ٌق ِبَنَبٍإ َفَتَبَّيُنوا‬ ‫وأن يكون عدال ; فال جتوز تولية الفاسق ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫وإذا كان ال يقبل خربه ; فعدم قبول حكمه من باب أوىل ‪.‬‬
‫وأن يكون مسيعا ‪ ،‬ألن األصم ال يسمع كالم اخلصمني ‪.‬‬
‫وأن يكون بصريا ‪ ،‬ألن األعمى ال يعرف املدعي من املدعى عليه ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪260‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ " :‬قياس املذهب جتوز واليته كما جتوز شهادته ; إذ ال يعوزه إال معرفة عني اخلصم ‪،‬‬
‫وال حيتاج إىل ذلك ‪ ،‬بل يقضي على موصوف كما قضى داود بني امللكني ‪ ،‬ويتوجه أن يصح مطلقا ‪ ،‬ويعرف‬
‫بأعيان الشهود واخلصم كما يعرف مبعاين كالمهم يف الرتمجة ‪ ،‬إذ معرفة كالمه وعينه سواء ‪ " .. .‬انتهى ‪.‬‬

‫ويشرتط يف القاضي أن يكون متكلما ; ألن األخرس ال ميكنه النطق باحلكم ‪ ،‬وال يفهم مجيع الناس إشارته ‪.‬‬
‫وأن يكون جمتهدا ; ولو يف مذهبه الذي يقلد فيه إماما من األئمة ; بأن يعرف القول الراجح فيه من املرجوح ‪.. .‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬وهذه الشروط تعترب حسب اإلمكان ‪ ،‬وجتب والية األمثل‬
‫فاألمثل ‪ ،‬وعلى هذا يدل كالم أمحد وغريه ‪ ،‬فيوىل األنفع من الفاسقني وأقلهما شرا ‪ ،‬وأعدل املقلدين وأعرفهما‬
‫بالتقليد " ‪.‬‬
‫قال صاحب " كتاب الفروع " ‪ " :‬وهو كما قال " ‪. .‬‬

‫وقال يف اإلنصاف يف تولية املقلد ‪ " :‬وعليه العمل من مدة طويلة ‪ ،‬وإال ‪ ،‬تعطلت أحكام الناس ‪. .‬‬

‫وذكر ابن القيم أن اجملتهد هو العامل بالكتاب والسنة ‪ ،‬وال ينايف اجتهاده تقليد غريه أحيانا ; فال جتد أحدا من‬
‫األئمة إال وهو مقلد من هو أعلم منه يف بعض األحكام ‪:‬‬

‫باب يف آداب القاضي‬

‫املراد باآلداب هنا األخالق اليت ينبغي له التخلق هبا ‪.‬‬


‫قال اإلمام أمحد رمحه اهلل ‪ " :‬حسن اخللق أن ال تغضب وال حتقد " ‪.‬‬
‫وقال اإلمام ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬احلاكم حمتاج إىل ثالثة أشياء ال يصح له احلكم إال هبا ‪ :‬معرفة األدلة ‪،‬‬
‫واألسباب ‪ ،‬والبينات ; فاألدلة تعرفه احلكم الشرعي الكلي ‪ ،‬واألسباب تعرفه ثبوته يف هذا احملل املعني أو انتفاءه‬
‫عنه ‪ ،‬والبينات تعرفه طريق احلكم عند التنازع ‪ ،‬ومىت أخطأ يف واحد من هذه الثالثة ‪ ،‬أخطأ يف احلكم " انتهى ‪.‬‬

‫وينبغي للقاضي أن يكون قويا من غري عنف ‪ ،‬لئال يطمع فيه الظامل ‪ ،‬وأن يكون لينا من غري ضعف ; لئال‬
‫يهابه صاحب احلق ‪.‬‬
‫قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬إن الوالية هلا ركنان ‪ :‬القوة واألمانة ‪ ،‬وينبغي للقاضي أن يكون حليما‬
‫; لئال يغضب من كالم اخلصم ‪ ،‬فيمنعه ذلك من احلكم ; فاحللم زينة العلم وهباؤه ومجاله ‪ ،‬وضده الطيش والعجلة‬
‫واحلدة والتسرع وعدم الثبات ‪ ،‬وينبغي له أن يكون ذا أناة ( أي ‪ :‬تؤدة وتأن ) ‪ ،‬لئال تؤدي عجلته إىل ما ال‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪261‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ينبغي ‪ ،‬وأن يكون ذا فطنة ; لئال خيدعه بعض اخلصم ‪ ،‬وأن يكون عفيفا ( أي ‪ :‬كافا نفسه عن احلرام ) ‪ ،‬وأن‬
‫يكون بصريا بأحكام من قبله من القضاة ‪ ،‬ويكون جملسه يف وسط البلد إذا ميكن ; ليستوي أهل البلد يف املضي‬
‫إليه ‪ ،‬وال بأس بالقضاء يف املسجد ‪ ،‬وقد جاء عن عمر وعثمان وعلي أهنم كانوا يقضون يف املسجد ‪ ،‬وجيب على‬
‫القاضي أن يعدل بني اخلصمني يف حلظه ولفظه وجملسه ودخوهلما عليه ‪ ،‬روى أبو داود عن ابن الزبري ; قال ‪:‬‬
‫فوجب أن يعدل‬ ‫قضى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أن اخلصمني يقعدان بني يدي احلاكم‬
‫بينهما يف جملسه ويف مالحظته هلما وكالمه هلما " ‪.‬‬

‫قال اإلمام ابن القيم ‪ " :‬هنى عن رفع أحد اخلصمني عن اآلخر ‪ ،‬وعن اإلقبال عليه ‪ ،‬وعن مشاورته والقيام له‬
‫دون خصمه ; لئال يكون ذريعة إىل انكسار قلب اآلخر وضعفه عن القيام حبجته وثقل لسانه هبا ‪ ،‬وال يتنكر‬
‫للخصوم ; ملا يف التنكر هلم من إضعاف نفوسهم وكسر قلوهبم وإخراس ألسنتهم عن التكلم حبججهم " ‪.‬‬

‫وحيرم على القاضي أن يسار أحد اخلصمني أو يلقنه حجته أو يضيفه أو يعلمه كيف يدعي ; إال أن يرتك ما‬
‫يلزمه يف الدعوى ‪.‬‬

‫وينبغي للقاضي أن حيضر جملسه الفقهاء ‪ ،‬وأن يشاورهم فيما يشكل عليه إن أمكن ‪ ،‬فاذا اتضح له احلكم ;‬
‫حكم به ‪ ،‬وإال ; أخره حىت يتضح ‪.‬‬
‫وحيرم على القاضي أن يقضي وهو غضبان غضبا كثريا ‪ ،‬ملا يف احلديث املتفق عليه ‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وألن الغضب يشوش عليه قلبه وذهنه ‪ ،‬ومينعه من‬ ‫ال يقضني حاكم بني اثنني وهو غضبان‬ ‫قال ‪:‬‬
‫كمال الفهم ‪ ،‬وحيول بينه وبني استيفاء النظر ‪ ،‬ويعمي عليه طريق العلم والقصد ‪.‬‬

‫ويقاس على الغضب كل ما يشوش الفكر ‪ ،‬كحالة اجلوع ‪ ،‬والعطش ‪ ،‬وشدة اهلم ‪ ،‬أو امللل ‪ ،‬أو النعاس ‪،‬‬
‫أو برد مؤمل ‪ ،‬أو حر مزعج ‪ ،‬أو يف حالة احتباس بول أو غائط ; ألن ذلك كله يشغل الفكر الذي يتوصل به إىل‬
‫إصابة احلق يف الغالب ; فهو يف معىن الغضب ‪.‬‬

‫لعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫وحيرم على احلاكم قبول رشوة ; حلديث ابن عمر ; قال ‪:‬‬
‫قال الرتمذي ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح ‪.‬‬ ‫الراشي واملرتشي‬

‫والرشوة نوعان ‪:‬‬

‫أحدمها‪ :‬أن يأخذ من أحد اخلصمني ليحكم له بالباطل ‪.‬‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪262‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫والثاين‪ :‬أن ميتنع من احلكم باحلق للمحق حىت يعطيه الرشوة ‪ ،‬وهذا من أعظم الظلم ‪.‬‬

‫وكذا حيرم على القاضي قبول هدية ممن مل يكن يهاديه قبل واليته القضاء ‪ ،‬يقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫رواه أمحد ‪ ،‬وألن قبول اهلدية ممن مل جتر عادته مبهاداته ذريعة إىل قضاء‬ ‫هدايا العمال غلول‬
‫حاجته ‪.‬‬

‫ويكره للقاضي تعاطي البيع والشراء إال بوكيل ال يعرف أنه له ; خشية احملاباة ; فإن احملاباة يف البيع والشراء‬
‫كاهلدية ‪.‬‬

‫وال حيكم القاضي لنفسه وال ملن ال تقبل شهادته له كوالده وولده وزوجته وال حيكم على عدوه ‪ ،‬لقيام‬
‫التهمة يف هذه األحوال ‪ ،‬ومىت عرضت قضية ختتص به أو ملن ال تقبل شهادته له ; أحاهلا إىل غريه ; فقد حاكم‬
‫عمر أبيا إىل زيد بن ثابت ‪ ،‬وحاكم علي رجال عراقيا إىل شريح ‪ ،‬وحاكم عثمان طلحة إىل جبري بن مطعم رضي‬
‫اهلل عنهم ‪.‬‬
‫ويستحب للقاضي أن يقدم النظر يف القضايا اليت تستدعي حالة أصحاهبا سرعة النظر فيها ‪ ،‬كقضايا املساجني ‪،‬‬
‫وقضايا القصار من األيتام واجملانني ‪ ،‬مث قضايا األوقاف والوصايا اليت ليس هلا ناظر ‪.‬‬

‫وال ينقض من أحكام القاضي إال ما خالف الكتاب والسنة ‪ ،‬أو خالف إمجاعا قطعيا ‪ ،‬فما كان كذلك ;‬
‫وجب نقضه ; ملخالفته الكتاب والسنة أو اإلمجاع ‪.‬‬

‫وهبذا االستعراض السريع آلداب القاضي ; يتبني عدالة القضاء يف اإلسالم ‪ ،‬وما يكون عليه القضاة من‬

‫َأَفُح ْك َم‬ ‫مستوى رفيع مما تعجز كل نظم األرض عن اإلتيان مبثله أو قريب منه ‪ ،‬وصدق اهلل العظيم ‪:‬‬
‫اَجْلاِهِلَّيِة َيْبُغوَن َو َمْن َأْح َسُن ِم َن الَّلِه ُح ْك ًم ا ِلَق ْو ٍم ُيوِقُنوَن‬
‫َبَّد ُلوا ِنْع َم َة الَّلِه ُكْف ًر ا‬ ‫فقبح اهلل قوما أعرضوا عن هذا احلكم الرباين واستبدلوه بالقانون الشيطاين ‪ ،‬وهؤالء قد‬
‫َأَح ُّلوا َقْو َمُه ْم َد اَر اْلَب اِر‬
‫َو‬ ‫َو‬

‫باب يف طريق احلكم وصفته‬

‫إذا حضر إىل القاضي خصمان ; أجلسهما بني يديه ‪ ،‬وقال ‪ :‬أيكما املدعي ; أو انتظر حىت يبدأ املدعي‬
‫بالكالم ‪ ،‬فإذا ادعى ; استمع دعواه ‪.‬‬
‫فإن جاءت على الوجه الصحيح ‪ .‬سأل القاضي املدعى عليه ‪ :‬ما موقفه حيال هذه الدعوى ؟‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪263‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫فإن أقر هبا ‪ .‬حكم عليه للمدعي هبذه الدعوى ‪.‬‬


‫وإن أنكر املدعى عليه هذه الدعوى ; قال القاضي للمدعي ‪ :‬إن كانت لك بينة فأحضرها ‪ .‬ألن على املدعي حينئذ‬
‫تصحيح دعواه ليحكم له هبا ‪ ،‬فإن أحضر بينة ; مسع القاضي شهادهتا وحكم هبا ‪.‬‬

‫وال حيكم القاضي بعلمه ; ألن ذلك يفضى إىل هتمته ‪.‬‬
‫قال العالمة ابن القيم ‪ " :‬ألن ذلك ذريعة إىل حكمه بالباطل ‪ ،‬ويقول ‪ :‬حكمت بعلمي " ‪.‬‬
‫قال ‪ " :‬وقد ثبت عن أيب بكر وعمر وعبد الرمحن بن عوف ومعاوية املنع من ذلك ‪ ،‬وال يعرف هلم يف الصحابة‬
‫خمالف ‪ ،‬ولقد كان سيد احلكام صلوات اهلل وسالمه عليه يعلم من املنافقني ما يبيح دماءهم وأمواهلم ‪ ،‬ويتحقق‬
‫ذلك ‪ ،‬وال حيكم فيهم بعلمه ‪ ،‬مع براءته عند اهلل ومالئكته وعباده من كل هتمة ‪.‬‬

‫قال ‪ " :‬ولكن جيوز له ( أي ‪ :‬القاضي ) احلكم مبا تواتر عنده وتضافرت به األخبار حبيث اشرتك يف العلم به‬
‫هو وغريه ‪ ،‬وجيوز له االعتماد على مساعه باالستفاضة ; ألهنا من أظهر البينات ‪ ،‬وال يتطرق إىل احلاكم هتمة إذا‬
‫استند إليها ; فحكمه هبا حكم حبجة ‪ ،‬ال مبجرد علمه الذي ال يشاركه فيه غريه انتهى ‪.‬‬

‫وإن قال املدعي ‪ :‬ما يل بينة ‪ ،‬أعلمه القاضي أن له اليمني على خصمه ; ملا روى مسلم وأبو داود ‪ :‬أن‬
‫رجلني اختصما إىل النىب صلى اهلل عليه وسلم حضرمي وكندي ‪ ،‬فقال احلضرمي ‪ :‬يا رسول اهلل ! إن هذا غلبين‬
‫على أرض يل ‪ .‬فقال الكندي ‪ :‬هي أرضى ويف يدي وليس له فيها حق ‪ .‬فقال النيب صلى اهلل عليه وسلم للحضرمي‬
‫ألك بينة ‪ .‬قال ‪ :‬ال ‪ .‬قال ‪ :‬فلك ميينه‬ ‫‪:‬‬

‫قال اإلمام ابن القيم ‪ " :‬وهذه قاعدة الشريعة املستمرة ‪ ،‬ألن اليمني إمنا كانت يف جانب املدعى عليه حيث‬
‫مل يرتجح املدعي بشيء غري الدعوى ‪ ،‬فيكون جانب املدعى عليه أوىل باليمني ; لقوته بأصل براءة الذمة ‪ ،‬فكان‬
‫هو أقوى املتداعيني باستصحاب األصل ‪ ،‬فكانت اليمني من جهته " انتهى‬

‫فإذا طلب املدعي حتلي ‪%% % % %‬ف املدعى علي ‪%% % % %‬ه ; حلف ‪%% % % %‬ه القاض ‪%% % % %‬ي وخلى س ‪%% % % %‬بيله ; ألن األص ‪%% % % %‬ل ب ‪%% % % %‬راءة ذمت ‪%% % % %‬ه ‪.‬‬
‫ولكن يش‪%%‬رتط لص‪%%‬حة ميني املدعى علي‪%%‬ه أن تك‪%%‬ون على ص‪%%‬فة جواب‪%%‬ه للم‪%%‬دعي ‪ ،‬وأن تك‪%%‬ون بع‪%%‬د أم‪%%‬ر احلاكم ل‪%%‬ه بطلب‬
‫املدعي حتليفه ; ألن احلق يف اليمني للمدعي ‪ ،‬فال تستوىف إال بطلبه ‪.‬‬

‫فإن نكل املدعى عليه عن اليمني وأىب أن حيلف ‪ ،‬قضي عليه بالنكول ‪ ،‬فإنه لوال صدق املدعي ‪ ،‬لدفع املدعى‬
‫عليه دعواه باليمني ‪ ،‬فلما نكل عنها ; كان نكوله قرينة ظاهرة دالة على صدق املدعي ‪ ،‬فقدمت على أصول براءة‬
‫الذمة ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪264‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫والقضاء بالنكول هو مذهب مجاعة من أهل العلم ‪ ،‬وقد قضى به عثمان رضي اهلل عنه ‪ ،‬وقال مجاعة من أهل‬
‫العلم ‪ :‬ترد اليمني على املدعى وال سيما إذا قوي جانبه ‪.‬‬

‫ق‪%%‬ال اإلم‪%%‬ام ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬ال‪%%‬ذي ج‪%‬اءت ب‪%‬ه الش‪%%‬ريعة أن اليمني تش‪%%‬رع من جه‪%%‬ة أق‪%%‬وى املت‪%‬داعيني ; فأي‬
‫اخلص ‪%%‬مني ت ‪%%‬رجح جانب ‪%%‬ه ; جعلت اليمني من جهت ‪%%‬ه ‪ ،‬وه ‪%%‬ذا م ‪%%‬ذهب اجلمه ‪%%‬ور كأه ‪%%‬ل املدين ‪%%‬ة وفقه ‪%%‬اء احلديث كأمحد‬
‫والشافعي ومالك وغريهم " ‪ ،‬وقال ‪ " :‬كما حكم به الصحابة وصوبه أمحد وغريه " ‪ ،‬وقال ‪ " :‬ما ه‪%‬و ببعي‪%‬د حيل‪%%‬ف‬
‫ويأخذ ‪ ،‬واختاره الشيخ " ‪.‬‬

‫وقال أبو عبيد ‪ " :‬رد اليمني له أصل يف الكتاب والسنة " ‪.‬‬

‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬ليس املنقول عن الصحابة يف النكول ورد اليمني مبختلف ‪ ،‬بل ه‪%%‬ذا‬
‫ل‪%%‬ه موض‪%%‬ع وه‪%%‬ذا ل‪%%‬ه موض‪%%‬ع ; فك‪%%‬ل موض‪%%‬ع أمكن املدعي معرفت‪%%‬ه والعلم ب‪%%‬ه ‪ ،‬فرد املدعى علي‪%%‬ه اليمني ; فإن‪%%‬ه إن حل‪%%‬ف‬
‫استحق ‪ ،‬وإن مل حيلف مل حيكم له بنكول املدعى عليه ‪ ،‬وهذه كحكومة عثمان بن عفان " ‪.‬‬

‫ق‪%% % % % % %‬ال ابن القيم ‪ " :‬وه‪%% % % % % %‬ذا ال‪%% % % % % %‬ذي اخت‪%% % % % % %‬اره ش‪%% % % % % %‬يخنا ه‪%% % % % % %‬و فص‪%% % % % % %‬ل ال‪%% % % % % %‬نزاع يف النك‪%% % % % % %‬ول ورد اليمني " ‪.‬‬
‫وقال ‪ " :‬إذا كان املدعى عليه منف‪%‬ردا مبعرفة احلال ‪ ،‬فإذا مل حيل‪%‬ف ; قضي علي‪%‬ه ‪ ،‬وأم‪%‬ا إذا ك‪%‬ان املدعي ه‪%‬و املنف‪%‬رد ‪،‬‬
‫رد علي‪%%‬ه ‪ ،‬فإذا مل حيل‪%%‬ف ; مل يقض ل‪%%‬ه بنك‪%%‬ول املدعى علي‪%%‬ه ‪ .‬فه‪%%‬ذا التحقي‪%%‬ق أحس‪%%‬ن م‪%%‬ا قي‪%%‬ل يف النك‪%%‬ول ورد اليمني "‬
‫انتهى ‪.‬‬

‫وإذا حل‪%%‬ف املنك‪%%‬ر وخلى احلاكم س‪%%‬بيله كم‪%%‬ا س‪%%‬بق ‪ ،‬مث أحضر املدعي بين‪%%‬ة بع‪%%‬د ذل‪%%‬ك ‪ ،‬فإن ك‪%%‬ان ق‪%%‬د س‪%%‬بق من‪%%‬ه‬
‫نفيه‪%%‬ا ‪ ،‬ب‪%‬أن ق‪%%‬ال ‪ :‬م‪%%‬ا يل بين‪%‬ة ; فإهنا ال تس‪%%‬مع بع‪%%‬د ذل‪%%‬ك ; ألن‪%‬ه مك‪%%‬ذب هلا بقول‪%%‬ه ‪ :‬م‪%%‬ا يل بين‪%‬ة ‪ ،‬وإن مل يكن نفاه‪%‬ا ;‬
‫مسعت ‪ ،‬وحكم هبا القاضي ‪.‬‬

‫وال تك‪%% %‬ون ميني املنك‪%% %‬ر مزيل‪%% %‬ة للح‪%% %‬ق ‪ ،‬ألن ال‪%% %‬دعوى ال تبط‪%% %‬ل باالس ‪%%‬تحالف ‪ ،‬وميني املنك ‪%%‬ر إمنا تك‪%% %‬ون مزيل‪%% %‬ة‬
‫للخصومة ال مزيلة للحق ‪ ،‬وكذا لو قال ‪ :‬ال أعلم يل بين‪%‬ة ‪ ،‬مث وج‪%‬دها ‪ ،‬فإهنا تس‪%%‬مع وحيكم هبا ; ألن‪%‬ه ليس مبك‪%%‬ذب‬
‫هلا ‪ ،‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫باب يف شروط صحة الدعوى‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪265‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ال تصح الدعوى إال حمررة ‪ ،‬فإن كانت بدين على ميت مثال ‪ ،‬ذكر موته ونوع الدين وقدره وكل املعلومات‬
‫وإمنا‬ ‫ال ‪%%‬يت هبا تتضح ال ‪%%‬دعوى ‪ ،‬ألن احلكم م ‪%%‬رتب عليه ‪%%‬ا ‪ ،‬ول ‪%%‬ذلك ق ‪%%‬ال رس ‪%%‬ول اهلل ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم ‪:‬‬
‫فدل احلديث على وجوب حترير الدعوى ‪ ،‬ليتبني للحاكم وجه احلكم ‪.‬‬ ‫أقضي على حنو ما أمسع‬

‫وال تصح الدعوى أيضا إال معلومة املدعى به ‪ ،‬فال تصح مبجهول ‪ ،‬بل ال بد أن تك‪%‬ون بش‪%‬يء معل‪%‬وم ‪ ،‬ليت‪%‬أتى‬
‫اإلل‪%%‬زام ب‪%%‬ه إذا ثبت ; إال ال‪%%‬دعوى مبا يص‪%%‬ح جمه‪%%‬وال ‪ ،‬كالوص‪%%‬ية بش‪%%‬يء من مال‪%%‬ه وعب‪%%‬د من عبي‪%%‬ده جعل‪%%‬ه مه‪%%‬را وحنوه ‪،‬‬
‫فتصح الدعوى مبثل هذا ‪ ،‬وإن كان جمهوال ‪.‬‬

‫وال بد أن يصرح بالدعوى ; فال يكفي قوله ‪ :‬يل عنده كذا ‪ ،‬حىت يقول ‪ :‬وأنا مطالب‪%%‬ه ب‪%%‬ه ‪ ،‬وال ب‪%%‬د أن يك‪%%‬ون‬
‫املدعى به حاال ; فال تصح الدعوى بدين مؤجل ; ألنه ال جيب الطلب به قبل حلوله ‪ ،‬وال حيبس عليه ‪.‬‬

‫ويشرتط لصحة الدعوى انفكاكها عما يكذهبا ; فال تصح الدعوى على إنس‪%‬ان أن‪%‬ه قت‪%‬ل أو س‪%‬رق من‪%‬ذ عش‪%‬رين‬
‫سنة وسنه أقل من ذلك ; ألن احلس يكذهبا ‪.‬‬

‫وإن ادعى عقد بيع أو إجارة ; اشرتط لصحة ال‪%‬دعوى ذك‪%‬ر ش‪%‬روط العق‪%‬د ; ألن الن‪%‬اس خيتلف‪%‬ون يف الش‪%‬روط ‪،‬‬
‫وقد ال يكون ذلك العقد صحيحا عند القاضي ‪.‬‬

‫وإن ادعى اإلرث ; فال بد من ذكر سببه ‪ ،‬ألن أسباب اإلرث ختتلف ; فالبد من تعيني السبب ‪.‬‬

‫ويعت‪%‬رب لص‪%%‬حة ال‪%%‬دعوى تع‪%%‬يني املدعى ب‪%‬ه إن ك‪%‬ان حاض‪%‬را يف اجمللس أو البل‪%%‬د ; ل‪%%‬يزول اللبس ‪ ،‬وإن ك‪%‬ان املدعى‬
‫به غائبا ; فال بد من وصفه مبا يصح به السلم ; بأن يذكر ما يضبطه من الصفات‪.‬‬

‫ٍل ِم‬ ‫ِه‬


‫وقول‪%%‬ه تع‪%%‬اىل ‪:‬‬ ‫َو َأْش ُد وا َذَو ْي َع ْد ْنُك ْم‬ ‫ويشرتط لصحة البينة عدالتها ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِإْن َج اَءُك ْم َفاِس ٌق ِبَنَب ٍإ َفَتَبَّيُن وا‬ ‫َن ِم الُّش اِء‬
‫واختل‪%‬ف الفقه‪%‬اء رمحهم‬ ‫وقول‪%‬ه تع‪%‬اىل ‪:‬‬ ‫َّمِمْن َتْر َض ْو َن َه َد‬
‫اهلل ‪ :‬هل ال بد من عدالة البينة ظاهرا وباطنا أو تكفي العدالة ظاهرا على قولني ‪ ،‬الراجح منهما اعتبار العدال‪%‬ة ظ‪%%‬اهرا‬
‫املسلمون عدول‬ ‫; لقبوله شهادة األعرايب ‪ ،‬ولقول عمر رضي اهلل عنه ‪:‬‬

‫وحيكم القاضي بالبينة العادلة ما مل يعلم خالفها ‪ ،‬فإن علم خالف ما شهدت به ‪ ،‬مل جيز له احلكم هبا " ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪266‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ومن جهل القاضي عدالته من الشهود ; سأل عنه ممن له به خربة باطنه بصحبة أو معاملة أو جوار ‪ ،‬قال عم‪%%‬ر‬
‫رض‪%%‬ي اهلل عن‪%%‬ه لرج‪%%‬ل زكى رجال عن‪%%‬ده ‪ :‬أنت ج‪%%‬اره ; ق‪%%‬ال ‪ :‬ال ‪ .‬ق‪%%‬ال ‪ :‬ص‪%%‬حبته يف الس‪%%‬فر ال‪%%‬ذي تظه‪%%‬ر في‪%%‬ه ج‪%%‬واهر‬
‫الرجال ; ‪ :‬قال ‪ :‬ال ‪ .‬قال ‪ :‬عاملته بالدينار والدرهم ; قال ‪ :‬ال ‪ .‬قال ‪ :‬لست تعرفه " ‪.‬‬

‫وإن تع‪%% % %‬ارض اجلرح والتع‪%% % %‬ديل يف الش‪%% % %‬اهد ق‪%% % %‬دم اجلرح ; ألن اجلارح مع‪%% % %‬ه زي‪%% % %‬ادة علم خفيت على املزكي ‪،‬‬
‫واجلارح خيرب عن أم ‪%%‬ر ب ‪%%‬اطن ‪ ،‬واملزكي خيرب عن أم ‪%%‬ر ظ ‪%%‬اهر فق ‪%%‬ط ‪ ،‬واجلارح مثبت ‪ ،‬واملزكي ن ‪%%‬اف ‪ ،‬واملثبت مق ‪%%‬دم‬
‫على النايف ‪.‬‬

‫وتع‪%%‬ديل اخلص‪%%‬م للبين‪%%‬ة وح‪%%‬ده أو تص‪%%‬ديقه هلا تع‪%%‬ديل ; ألن البحث عن ع‪%%‬دالتها حلق‪%%‬ه ‪ ،‬وألن إق‪%%‬راره بعدال‪%%‬ة البين‪%%‬ة‬
‫إقرار مبا يوجب احلق عليه خلصمه ‪ ،‬فيؤخذ بقراره ‪.‬‬

‫وإذا علم القاضي عدالة البينة ; حكم هبا ‪ ،‬ومل حيتج إىل التزكية ‪ ،‬وك‪%‬ذا ل‪%‬و علم ع‪%‬دم ع‪%‬دالتها ‪ ،‬مل حيكم هبا ‪،‬‬
‫وإن ارتاب يف الشهود ; سأهلم كيف حتملوا الشهادة ; وأين حتملوها ؟‬

‫ق ‪%%‬ال اإلم ‪%%‬ام ابن القيم ‪ " :‬وذل ‪%%‬ك واجب علي ‪%%‬ه م ‪%%‬ىت ع ‪%%‬دل عن ‪%%‬ه أمث وج ‪%%‬ار يف احلكم ‪ ،‬وش ‪%%‬هد رجالن عن ‪%%‬د علي‬
‫رضي اهلل عنه على رجل أنه سرق ‪ ،‬فاسرتاب منهما ‪ ،‬فأمرمها بقطع يده ‪ ،‬فهربا " ‪.‬‬

‫فينظ‪%%‬ر‬ ‫البين‪%%‬ة على املدعي‬ ‫وإن ج‪%%‬رح اخلص‪%%‬م الش‪%%‬هود ‪ ،‬كل‪%%‬ف إقام‪%%‬ة البين‪%%‬ة ب‪%%‬اجلرح ; حلديث ‪:‬‬
‫ثالث‪%% %‬ة أي‪%% %‬ام ‪ ،‬فإن مل ي‪%% %‬أت ببين‪%% %‬ة على اجلرح ‪ ،‬حكم علي‪%% %‬ه بالبين‪%% %‬ة ; ألن عج ‪%%‬زه عن إقام ‪%%‬ة البين ‪%%‬ة على اجلرح يف املدة‬
‫املذكورة دليل على عدم ما ادعاه ‪.‬‬

‫وإن جهل القاض‪%‬ي ح‪%‬ال البين‪%‬ة ; طلب من املدعي ت‪%‬زكيتهم ; لتثبت ع‪%‬دالتهم ‪ ،‬فيحكم مبا ش‪%‬هدوا ب‪%‬ه ‪ ،‬وال ب‪%‬د‬
‫يف تزكية الشخص من شاهدين يشهدان بعدالته ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يكفي يف التزكية شاهد واحد ‪.‬‬

‫وحيكم على الغ‪%%‬ائب مس‪%%‬افة قص‪%%‬ر إذا ثبت علي‪%%‬ه احلق ‪ ،‬ألن هن‪%%‬دا ق‪%%‬الت ‪ :‬ي‪%%‬ا رس‪%%‬ول اهلل ! إن أب‪%%‬ا س‪%%‬فيان رج‪%%‬ل‬
‫خ‪%‬ذي م‪%‬ا يكفي‪%‬ك وول‪%‬دك ب‪%‬املعروف‬ ‫شحيح ‪ ،‬وليس يعطي‪%‬ين من النفق‪%‬ة م‪%‬ا يكفي‪%‬ين وول‪%‬دي ‪ ،‬ق‪%‬ال ‪:‬‬
‫متفق عليه ‪ .‬فدل على صحة احلكم على الغائب ‪ ،‬مث إذا حضر الغائب ; فهو على حجته ; لزوال املانع ‪.‬‬

‫واحلكم بثبوت أصل احلق ال يبطل دعوى قضائه أو الرباءة منه وحنو ذلك مما يسقط ذلك احلق‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪267‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ويعت‪%%‬رب يف القضاء على الغ‪%%‬ائب أن يك‪%%‬ون يف غ‪%%‬ري حمل والي‪%%‬ة القاض‪%%‬ي ‪ ،‬أم‪%%‬ا ل‪%%‬و ك‪%%‬ان غائب‪%%‬ا يف حمل واليت‪%%‬ه ‪ ،‬وال‬
‫ح‪%%‬اكم في‪%%‬ه ; فإن القاض‪%%‬ي يكتب إىل من يص‪%%‬لح للقضاء ب‪%%‬احلكم بينهم‪%%‬ا ‪ ،‬فإن تع‪%%‬ذر ‪ ،‬فإىل من يص‪%%‬لح بينهم‪%%‬ا ‪ ،‬فإن‬
‫تعذر ‪ ،‬قال للمدعي ‪ :‬حقق دعواك ‪ ،‬فإن فعل ; أحضر خصمه ‪ ،‬وإن بعدت املسافة ‪.‬‬

‫وذكر اإلمام أمحد أن مذهب أهل املدينة أهنم يقضون على الغائب ‪ ،‬وقال ‪" :‬هذا مذهب حسن"‪.‬‬

‫قال الزركشي ‪ " :‬فلم ينكر أمحد مساع الدعوى وال البينة " ‪ ،‬وحكى قول أهل املدينة والعراق ‪ ،‬وكأنه عنده‬
‫حمل وفاق ‪.‬‬

‫وتسمع الدعوى أيضا على غري املكلف ‪ ،‬وحيكم هبا ; حلديث هند ‪ ،‬مث إذا كلف بعد احلكم عليه ; فهو على‬
‫حجته ‪.‬‬

‫باب يف القسمة بني الشركاء‬

‫دليل القسمة بني الشركاء من الكتاب والسنة واإلمجاع ‪:‬‬


‫ِق‬ ‫ِق‬
‫َو ِإَذا َح َض َر اْل ْسَم َة ُأوُلو اْلُقْر ىَب‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫َو َنِّبْئُه ْم َأَّن اْلَم اَء ْسَم ٌة َبْيَنُه ْم‬ ‫قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫اآلية ‪.‬‬
‫وكان صلى اهلل عليه وسلم يقسم الغنائم‪.‬‬ ‫الشفعة فيما مل يقسم‬ ‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫وذكر اإلمجاع عليها غري واحد مق العلماء ‪.‬‬


‫واحلاجة داعية إليها ; إذ ال سبيل إىل إعطاء ذوي احلقوق حقوقهم من الشيء املشرتك إال بالقسمة ‪.‬‬

‫والقسمة إفراز األنصباء بعضا عن بعض ‪.‬‬


‫وهي نوعان ‪ :‬قسمة تراض ‪ ،‬وقسمة إجبار‬

‫الن‪%%‬وع األول‪ :‬قس‪%%‬مة الرتاض‪%%‬ي هي ال‪%%‬يت ال ب‪%%‬د أن يتف‪%%‬ق عليه‪%%‬ا مجي‪%%‬ع الش‪%%‬ركاء ‪ ،‬وال جتوز ب‪%%‬دون رض‪%%‬اهم ‪ ،‬وهي ال‪%%‬يت ال‬
‫متكن إال حبصول ضرر ‪ ،‬ولو على بعض الش‪%‬ركاء ‪ ،‬أو ب‪%‬رد ع‪%‬وض من أح‪%‬د الش‪%‬ركاء على اآلخ‪%‬ر ‪ ،‬وتك‪%‬ون يف ال‪%‬دور‬
‫الصغار والدكاكني الضيقة واألرض املختلفة أجزاؤها بسبب بناء أو ش‪%‬جر يف بعضها أو ك‪%‬ون بعضها يتعل‪%‬ق ب‪%‬ه رغب‪%‬ة‬
‫ختصه دون البعض اآلخر ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪268‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ال ضرر وال ض‪%%‬رار‬ ‫فهذا النوع من املشرتك ال جتوز قسمته إال باتفاق الشركاء وتراضيهم ; لقوله ‪:‬‬
‫رواه أمحد وغريه ; فهو يدل بعمومه على عدم جواز قسم ما ال ينقسم إال بضرر إال بالرتاضي ‪.‬‬

‫وه‪%‬ذه القس‪%%‬مة تأخ‪%‬ذ حكم ال‪%%‬بيع ‪ ،‬ب‪%‬رد م‪%%‬ا في‪%‬ه عيب ‪ ،‬وي‪%‬دخلها خي‪%‬ار اجمللس والش‪%%‬رط وحنوه ‪ ،‬وال جيرب من امتن‪%‬ع من‬
‫قبوهلا من الشركاء ‪ ،‬لكن مىت طلب أحد الشركاء بيع هذا املشرتك ; أجرب املمتنع ‪ ،‬فإن أىب ; باع‪%‬ه احلاكم عليهم‪%‬ا ‪،‬‬
‫وقسم الثمن بينها على قدر حصصهما ‪.‬‬

‫وض‪%‬ابط الضرر ال‪%%‬ذي مين‪%‬ع ه‪%‬ذه القس‪%%‬مة ه‪%‬و نقص القيم‪%%‬ة بالقس‪%%‬مة ‪ ،‬س‪%%‬واء انتفع‪%%‬وا ب‪%‬ه مقس‪%%‬وما أم ال ; فال يعت‪%‬رب ض‪%‬رر‬
‫كوهنما ال ينتفعان به مقسوما ‪.‬‬

‫النوع الثاين ‪ :‬قسمة اإلجبار‬


‫وهى ما ال ضرر يف قسمته ‪ ،‬وال رد عوض يف قسمته ‪ ،‬مسيت بذلك ألن احلاكم جيرب املمتنع منهما إذا كملت‬
‫شروطها ‪ ،‬وذلك ‪ .‬كالقرية والبستان والدار الكبرية واألرض الواسعة والدكاكني الواسعة واملكيل واملوزون من‬
‫جنس واحد ‪.‬‬
‫ويشرتط إلجبار املمتنع من هذه القسمة ثالثة شروط‬
‫أن يثبت عند احلاكم ملك الشركاء ‪ ،‬وأن يثبت أن ال ضرر ‪ ،‬وأن يثبت إمكان تعديل السهام يف العني املقسمة من‬
‫غري شيء جيعل فيها ‪.‬‬
‫فإذا توافرت هذه الشروط ‪ ،‬وطلب أحد الشركاء القسمة ‪ ،‬أجرب شريكه اآلخر عليها ‪ ،‬وإن امتنع من القسمة مع‬
‫شريكه ; ألن القسمة تزيل الضرر احلاصل يف الشركة ‪ ،‬ومتكن كل واحد من التصرف يف نصيبه واالنتفاع به‬
‫بإحداث الغراس والبناء مما ال يتمكن منه مع بقاء الشركة ‪،‬‬
‫وإن كان أحد الشركاء غري مكلف ‪ ،‬قسم عنه وليه ‪ ،‬وإن كان غائبا ; قسم عنه احلاكم بطلب شريكه ‪.‬‬
‫وهذه القسمة يف احلقيقة إفراز حلق أحد الشريكني عن اآلخر ‪ ،‬وال تأخذ حكم البيع ; ألهنا ختالفه يف األحكام ‪. .‬‬

‫وجيوز للشركاء أن يتقامسوا بأنفسهم أو بقاسم ينصبونه هم أو يسألون احلاكم نصبه ‪.‬‬
‫وتعديل السهام يكون باألجزاء إن تساوى املقسوم كاملكيالت واملوزونات غري املختلفة ‪ ،‬وتعدل بالقيمة إن‬
‫اختلفت أجزاء املقسوم يف القسمة ‪ ،‬فيجعل السهم من الرديء أكثر من السهم من اجليد ‪ ،‬فإن مل ميكن التعديل‬
‫باألجزاء وال بالقيمة ‪ ،‬عدلت بالرد ; بأن جيعل ملن يأخذ الرديء أو القليل دراهم على من يأخذ اجليد أو األكثر ‪.‬‬

‫فإذا اقتسموا أو اقرتعوا ; لزمت القسمة ‪ ،‬ألن القاسم كاحلاكم ‪ ،‬والقرعة كحكم احلاكم ‪ ،‬يلزم العمل هبا ‪،‬‬
‫وكيف اقرتعوا باحلصى أو غريه ‪ ،‬جاز ‪ ،‬واألحوط القرعة بأن يكتب اسم كل شريك على رقعة ‪ ،‬مث جتمع وتلف‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪269‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫وتدفع إىل شخص مل حيضر ومل يرها ‪ ،‬ويؤمر بأن خيرج الرقاع ويضعها على األسهم ‪ ،‬فمن وجد امسه على سهم ;‬
‫فهو له ‪.‬‬
‫وإن خري أحدمها اآلخر ; لزمت القسمة برضاهم وتفرقهم ‪.‬‬

‫ومن ادعى غلطا فيما تقامساه ‪ .‬بأنفسهما وأشهدا على رضامها به ; مل يلتفت إليه ; ألنه رضي بالقسم على‬
‫الصورة اليت وقعت ‪ ،‬ورضاه بالزيادة يف نصيب شريكه يلزمه ‪.‬‬
‫ومن ادعى غلطا فيما قسمه قاسم حاكم أو قاسم نصباه ; قبل ببينة ‪ ،‬وإال ‪ ،‬حلف منكر له ; ألن األصل عدم ذلك‬
‫‪ ،‬فان أقام بينة على الغلط ; قبلت ونقضت القسمة ; ألن سكوته قد استند إىل ظاهر حال القاسم ‪ ،‬فإذا قامت البينة‬
‫بغلطه ; كان له الرجوع فيما غلط به ‪.‬‬

‫وإن ادعى كل من الشريكني شيئا أنه له ; حتالفا ‪ ،‬ونقضت القسمة ‪ ،‬ألن ذلك املدعى به مل خيرج عنهما ‪،‬‬
‫وال مرجح ألحدمها على اآلخر ‪.‬‬

‫ومن ظهر يف نصيبه عيب قد جهله ; خري بني الفسخ واإلمساك مع األرش ; ألن ظهور العيب يف نصيبه‬
‫نقص ‪ ،‬فيخري بني األرش والفسخ كاملشرتي ‪ ،‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫باب يف بيان الدعاوى والبينات‬

‫أي ‪ :‬يطلبون‬ ‫َو ُهَلْم َم ا َيَّد ُعوَن‬ ‫الدعاوى مجع دعوى ‪ ،‬وهي لغة الطلب ‪ ،‬قال اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫ويتمنون ‪.‬‬
‫والدعوى يف اصطالح الفقهاء ‪ :‬إضافة اإلنسان إىل نفسه استحقاق شيء يف يد غريه أو ذمته ‪.‬‬
‫والبينات مجع بينة ‪ ،‬وهى العالمة الواضحة ‪ ،‬وهي كل ما يبني احلق من شهيد أو ميني ‪.‬‬

‫قال العالمة ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬البينة يف الشرع اسم ملا يبني احلق ويظهر ‪ ،‬وقد نصب سبحانه على احلق‬
‫عالمات وأمارات تدل عليه وتبينه ‪ ،‬فمن أهدر العالمات واألمارات بالكلية ‪ ،‬فقد عطل كثريا من األحكام ‪ ،‬وضيع‬
‫كثريا من احلقوق ‪ .. .‬انتهى ‪.‬‬

‫والفرق بني املدعي واملدعى عليه أن املدعي هو الذي إذا سكت ترك ‪ ،‬فهو املطالب ‪ ،‬واملدعى عليه هو الذي‬
‫إذا سكت ‪ ،‬مل يرتك ; فهو املطالب ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪270‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ويشرتط لصحة الدعوى وصحة اإلنكار أن يكون من جائز التصرف ‪ ،‬وهو احلر املكلف الرشيد ‪.‬‬
‫وإذا تداعيا عينا بأن ادعى كل منهما أهنا له وهي بيد أحدمها ; فهي ملن هي بيده مع ميينه ‪.‬‬
‫ويسمى من كانت العني بيده منهما الداخل ‪ ،‬ويسمى من مل تكن العني بيده باخلارج ‪.‬‬

‫لو‬ ‫فإن أقام كل منهما بينته أن العني املدعى هبا له ‪ ،‬قضي هبا للخارج حلديث ابن عباس مرفوعا ‪:‬‬
‫رواه أمحد‬ ‫يعطى الناس بدعواهم ‪ .‬الدعى ناس دماء رجال وأمواهلم ‪ ،‬ولكن اليمني على املدعى عليه‬
‫رواه الرتمذي ‪،‬‬ ‫البينة على املدعي ‪ ،‬واليمني على من أنكر‬ ‫ومسلم ‪ ،‬ولقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫فدل احلديثان على أن البينة على املدعي ‪ ،‬فإذا أقامها ‪ ،‬قضي هبا له ‪ ،‬وأن اليمني على من أنكر إذا مل يكن مع‬
‫املدعي بينة ‪ ،‬وذهب أكثر أهل العلم يف هذه املسألة أن العني تكون ملن هي بيده ‪ ،‬وهو ما يسمى بالداخل ‪ ،‬وأن‬
‫احلديث حممول على ما إذا مل يكن مع من هي بيده بينة ‪ ،‬وإال ; فاليد مع بينته أقوى ‪ ،‬واألخذ بقول األكثر أوىل ‪.‬‬

‫وإن مل تكن العني اليت تداعياها بيد أحد ‪ ،‬وليس هناك ظاهر يعمل به وال بينة ألحدمها ; حتالفا ; بأن حيلف‬
‫كل واحد أنه ال حق لآلخر فيها ‪ ،‬وقسمت بينهما بالسوية ; الستوائهما يف الدعوى ‪ ،‬مع عدم املرجح ألحدمها ‪،‬‬
‫وإن دل الظاهر ألحدمها ‪ ،‬عمل به ‪.‬‬

‫فلو تنازع الزوجان يف قماش البيت وحنوه ‪ ،‬فما يصلح للرجل يكون للزوج ‪ ،‬وما يصلح للمرأة يكون‬
‫للزوجة ‪ ،‬وما يصلح لالثنني ‪ ،‬فلهما ‪.‬‬

‫باب يف الشهادات‬

‫الشهادة مشتقة من املشاهدة ; ألن الشاهد خيرب عما شاهده وعلمه ‪.‬‬
‫وهل يشرتط يف أداء الشهادة أن يكون ‪ ،‬ذلك بلفظ ‪ ( :‬أشهد ) أو ( شهدت ) ; هذا هو املشهور يف مذهب‬
‫احلنابلة ‪ .‬والقول الثاين ‪ -‬وهو رواية عن أحد وقول مجاعة من األئمة ‪ : -‬أن ذلك ال يلزم ‪ ،‬واختاره الشيخ تقي‬
‫الدين ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغريمها ‪.‬‬

‫قال الشيخ ‪ " :‬وال يشرتط يف أداء الشهادة لفظ ( أشهد ) ‪ ،‬وهو مقتضى قول أمحد وغريه ‪ ،‬وال أعلم نصا‬
‫خيالفه ‪ ،‬وال يعرف عن صحايب وال تابعي اشرتاط لفظ الشهادة " ‪.‬‬

‫وقال ابن القيم ‪ " :‬اإلخبار شهادة حمضة يف أصح األقوال ‪ ،‬وهو قول اجلمهور ‪ ،‬فإنه ال يشرتط يف صحة‬
‫الشهادة لفظ ‪ ( :‬أشهد ) ‪ ،‬بل مىت قال الشاهد ‪ :‬رأيت كيت وكيت ‪ ،‬أو ‪ :‬مسعت ‪ ،‬أو حنو ذلك ‪ ،‬كانت شهادة‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪271‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫منه ‪ ،‬وليس يف كتاب اهلل وال يف سنة رسوله صلى اهلل عليه وسلم موضع واحد يدل على اشرتاط لفظ الشهادة ‪،‬‬
‫وال عن رجل واحد من الصحابة ‪ ،‬وال قياس وال استنباط يقتضيه ‪ ،‬بل األدلة املتضافرة من الكتاب والسنة وأقوال‬
‫الصحابة ولغة العرب تنفي ذلك انتهى ‪.‬‬

‫وحتمل الشهادة يف غري حق اهلل تعاىل فرض كفاية إذا قام به من يكفي ; سقط عن بقية املسلمني ‪ ،‬حلصول‬
‫أي ‪:‬‬ ‫َو اَل َيْأَب الُّش َه َد اُء ِإَذا َم ا ُدُعوا‬ ‫الغرض ‪ ،‬وإن مل يوجد إال من يكفي ; تعني عليه ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫إذا دعوا لتحمل الشهادة ‪ ،‬فعليهم اإلجابة ‪ ،‬واآلية عامة يف الدعوة للتحمل واألداء ‪ ،‬وقال ابن عباس وغريه يف معىن‬
‫اآلية ‪ :‬املراد به التحمل للشهادة وإثباهتا عند احلاكم ‪ ،‬وألن احلاجة تدعو إىل ذلك إلثبات احلقوق والعقود ; فكان‬
‫واجبا كاألمر باملعروف والنهي عن املنكر ‪.‬‬

‫َو اَل َتْك ُتُم وا‬ ‫وأما أداء الشهادة ; فهو فرض عني على من حتملها مىت دعي إليها ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ومعىن اآلية الكرمية ‪ :‬إذا دعيتم إىل إقامة الشهادة ‪ ،‬فال ختفوها وال تغلوها‬ ‫الَّش َه اَدَة َو َمْن َيْك ُتْمَه ا َفِإَّنُه آٌمِث َقْلُبُه‬
‫أي ‪ :‬فاجر قلبه ‪ ،‬وهذا وعيد شديد مبسخ القلب ‪ ،‬وإمنا خصه ألنه‬ ‫َو َمْن َيْك ُتْمَه ا َفِإَّنُه آٌمِث َقْلُبُه‬ ‫‪،‬‬
‫موضع العلم بالشهادة ‪ ،‬فدلت اآلية الكرمية على فرضية أداء الشهادة عينا على من حتمل مىت دعي إليه ‪:‬‬

‫قال اإلمام العالمة ابن القيم ‪ " :‬التحمل واألداء حق يأمث برتكه " ‪ ،‬وقال ‪ " :‬قياس املذهب أن الشاهد إذا‬
‫كتم الشهادة باحلق ; ضمنه ‪ ،‬ألنه أمكنه ختليص حق صاحبه ‪ ،‬فلم يفعل ‪ ،‬فلزمه الضمان ; كما لو أمكنه ختليصه‬
‫من هلكة فلم يفعل ‪ " .. .‬انتهى ‪.‬‬

‫ويعترب لوجوب التحمل واألداء انتفاء الضرر عن الشاهد ‪ ،‬فإن كان يلحقه بذلك ضرر يف نفسه أو عوضه أو‬
‫ال ضرر‬ ‫وحلديث ‪:‬‬ ‫َو اَل ُيَض اَّر َك اِتٌب َو اَل َش ِه يٌد‬ ‫ماله أو أهله ; مل جيب عليه ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫واهلل أعلم ‪.‬‬ ‫وال ضرار‬

‫َو اَل‬ ‫وجيب على الشاهد أن يكون على علم مبا يشهد به فال حيل له أن يشهد إال مبا يعلم ; قال تعاىل ‪:‬‬
‫أي ‪ :‬يعلم ما شهد به‬ ‫ِإاَّل َمْن َش ِه َد ِباَحْلِّق َو ُه ْم َيْع َلُم وَن‬ ‫وقال تعاىل ‪:‬‬ ‫ِبِه ِع‬
‫َتْق ُف َم ا َلْيَس َلَك ْلٌم‬
‫على بصرية ويقني ‪ ،‬وقال ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪ :‬سئل النيب صلى اهلل عليه وسلم عن الشهادة ; فقال ‪:‬‬
‫رواه اخلالل يف جامعه ‪ ،‬وقال‬ ‫أترى الشمس ; قال ‪ :‬نعم ‪ .‬فقال ‪ :‬على مثلها فاشهد أو دع‬
‫البيهقي ‪ " :‬مل يرد من طريق يعتمد عليها " ‪ ،‬وقال ابن حجر ‪ " :‬ولكن معىن احلديث صحيح " ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪272‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫والعلم حيصل بأحد أمور ‪ :‬إما بسماع ‪ ،‬أو رؤية من مشهود عليه ‪ ،‬فيشهد مبا مسع أو رأى ‪ ،‬وإما بسماع‬
‫الشاهد عن طريق االستفاضة فيما يتعذر علمه بدوهنا غالبا كالنسب واملوت ‪ ،‬لكن ال يشهد باالستفاضة إال إذا‬
‫بلغته عن عدد يقع هبم العلم ‪.‬‬

‫ويشرتط فيمن تقبل شهادته ستة شروط‬

‫أحدها‪ :‬البلوغ ‪ :‬فال تقبل شهادة الصبيان إال فيما بينهم ‪.‬‬
‫قال العالمة ابن القيم ‪ " :‬عمل الصحابة وفقهاء املدينة بشهادة الصبيان على جتارح بعضهم بعضا ; فإن الرجال ال‬
‫حيضرون معهم ‪ ،‬ولو مل تقبل شهادهتم ; لضاعت احلقوق وتعطلت وأمهلت ‪ ،‬مع غلبة الظن أو القطع بصدقهم ‪،‬‬
‫وال سيما إذا جاءوا جمتمعني قبل تفرقهم إىل بيوهتم ‪ ،‬وتواطئوا على خرب واحد ‪ ،‬وفرقوا وقت األداء ‪ ،‬واتفقت‬
‫كلمتهم ‪ ،‬فإن الظن احلاصل حينئذ بشهادهتم أقوى بكثري من الظن احلاصل من شهادة رجلني ‪ ،‬وهذا مما ال ميكن‬
‫دفعه وجحده ‪ ) .. .‬انتهى ‪.‬‬

‫الثاين‪ :‬العقل ‪ :‬فال تقبل شهادة جمنون وال معتوه ‪ ،‬وتقبل الشهادة ممن خينق أحيانا إذا حتمل وأدى يف حال إفاقته ;‬
‫ألهنا شهادة من عاقل أشبه من مل جين ‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬الكالم ‪ :‬فال تقبل شهادة األخرس ‪ ،‬ولو فهمت إشارته ; ألن الشهادة يعترب فيها اليقني ‪ ،‬وإمنا اكتفي‬
‫بإشارة األخرس يف األحكام اخلاصة به كنكاحه وطالقه للضرورة ‪ ،‬لكن لو أدى األخرس الشهادة خبطه ; قبلت‬
‫لداللة اخلط على اللفظ ‪.‬‬

‫ٍل ِم‬ ‫ِه‬


‫فال تقبل شهادة الكافر إال على الوصية يف‬ ‫َو َأْش ُد وا َذَو ْي َعْد ْنُك ْم‬ ‫الرابع‪ :‬اإلسالم ‪ :‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِن‬ ‫ِذ‬
‫َيا َأُّيَه ا اَّل يَن آَم ُنوا َش َه اَدُة َبْي ُك ْم‬ ‫حال السفر ‪ ،‬فقبل شهادة كافرين عليها عند عدم غريمها ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِإَذا َح َض َر َأَح َد ُك ُم اْلَمْو ُت ِح َني اْلَو ِص َّيِة اْثَناِن َذَو ا َعْد ٍل ِم ْنُك ْم َأْو آَخ َر اِن ِم ْن َغِرْي ُك ْم ِإْن َأْنُتْم َض َر ْبُتْم يِف اَأْلْر ِض‬
‫اآلية ‪ ،‬وهذا ألجل الضرورة ‪.‬‬ ‫َفَأ ا ْتُك ِص ي ُة اْل ِت‬
‫َص َب ْم ُم َب َمْو‬

‫اخلامس‪ :‬احلفظ ‪ :‬فال تقبل شهادة املغفل واملعروف بكثرة السهو والغلط ; ألنه ال حتصل الثقة بقوله ‪ ،‬وال يغلب‬
‫على الظن صدقه ‪ ،‬الحتمال أن يكون ذلك من غلطه ‪ ،‬وتقبل شهادة من يقل منه السهو ‪ .‬والغلط ‪ ،‬ألن ذلك ال‬
‫يسلم منه أحد ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪273‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫السادس‪ :‬العدالة ‪ :‬وهي لغة االستقامة ‪ ،‬من العدل ‪ - ،‬وهو ضد اجلور ‪ ،‬والعدالة شرعا ‪ :‬استواء أحواله يف دينه ‪،‬‬
‫َن ِم الُّش اِء‬
‫وقوله‬ ‫َّمِمْن َتْر َض ْو َن َه َد‬ ‫واعتدال أقواله وأفعاله ‪ ،‬ودليل اشرتاط العدالة يف الشاهد قوله تعاىل ‪:‬‬
‫ٍل ِم‬ ‫ِه‬
‫وقد قال مجهور العلماء ‪ :‬إن العدالة صفة زائدة على اإلسالم ‪ ،‬وهي أن‬ ‫َو َأْش ُد وا َذَو ْي َعْد ْنُك ْم‬ ‫‪:‬‬
‫يكون ملتزما بالواجبات واملستحبات ‪ ،‬وجمتنبا للمحرمات واملكروهات ‪.‬‬
‫وقال شيح اإلسالم ابن تيمية " رمحه اهلل ‪ " :‬ورد شهادة من عرف بالكذب متفق عليها بني الفقهاء " ‪ ،‬وقال ‪" :‬‬
‫والعدل يف كل زمان ومكان وطائفة حبسبها ‪ ،‬فيكون الشهيد يف كل قوم من كان ذا عدل منهم ‪ ،‬وإن كان لو‬
‫كان يف غريهم ‪ ،‬لكان عدله على وجه آخر ‪ ،‬وهبذا ميكن احلكم بني الناس ‪ ،‬وإال ‪ ،‬لو اعترب يف شهود كل طائفة أن‬
‫ال يشهد عليهم إال من يكون قائما بأداء الواجبات وترك احملرمات ‪ ،‬كما كان الصحابة ; لبطلت الشهادات ‪ .‬كلها‬
‫أو غالبها " وقال ‪ " :‬يتوجه أن تقبل شهادة املعروفني بالصدق ‪ ،‬وإن مل يكونوا ملتزمني للحدود ‪ ،‬عندالضرورة ‪،‬‬
‫مثل ‪ :‬احلبس ‪ ،‬وحوادث البدو ‪ ،‬وأهل القرية الذين ال يوجد فيهم عدل " انتهى‬

‫قال الفقهاء رمحهم اهلل ‪ :‬ويعترب للعدالة شيئان ‪:‬‬

‫أحدمها‪ :‬أداء الفرائض ‪ -‬أي ‪ :‬الصلوات اخلمس واجلمعة بسننها الراتبة ; فال تقبل شهادة من داوم على ترك السنن‬
‫الرواتب والوتر ‪.‬‬
‫قال اإلمام أمحد رمحه اهلل فيمن يواظب على ترك سنة الصالة ‪ " :‬إنه رجل سوء ; ألنه باملداومة يكون راغبا عن‬
‫السنة ‪ ،‬وتلحقه التهمة " ‪.‬‬
‫وكما يعترب أداء الفرائض يعترب اجتناب احملارم ; بأن ال يأيت كبرية ‪ ،‬وال يدمن على صغرية ‪.‬‬
‫وقد هنى اهلل عن قبول شهادة القاذف ‪ ،‬وقيس عليه كل مرتكب لكبرية ‪ ،‬والكبرية ما فيه حد يف الدنيا أو وعيد يف‬
‫اآلخرة ; كأكل الربا ‪ ،‬وشهادة الزور ‪ ،‬والزنا ‪ ،‬والسرقة ‪ ،‬وشرب املسكر ‪ .. .‬وغري ذلك ; فال تقبل شهادة‬
‫الفاسق ‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬استعمال املروءة ‪ -‬أي ‪ :‬اإلنسانية ‪ ، -‬وهو فعل ما جيمله ويزينه ‪ ،‬كالسخاء ‪ ،‬وحسن اخللق ‪ ،‬وحسن‬
‫اجملاورة ‪ ،‬واجتناب ما يدنسه ويشينه عادة من األمور الدنيئة املزرية به ; كاملغين ‪ ،‬واملتمسخر ‪ ،‬وهو الذي يأيت مبا‬
‫يضحك الناس من قول أو فعل ‪.‬‬

‫قال الشيخ ‪ " :‬وحترم حماكاة الناس للضحك ‪ ،‬ويعزر هو ومن يأمره ; ألنه أذى " ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬وهذا يتناول التمثيليات اليوم ‪ ،‬وقد أصبح الغناء يف هذا الزمان من الفنون اليت يشجع أهلها ويشاد هبا ; فال‬
‫حول وال قوة إال باهلل ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪274‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ومىت زالت هذه املوانع من الشخص ‪ ،‬فبلغ الصيب ‪ ،‬وعقل اجملنون ‪ ،‬وأسلم الكافر ‪ ،‬وتاب الفاسق ; قبلت‬
‫شهاداهتم ; لعدم املانع من قبوهلا وتوفر الشروط ‪ ،‬واهلل أعلم ‪. .‬‬
‫وال تقبل شهادة عمودي النسب وهم اآلباء وإن علوا ‪ ،‬واألوالد وإن سفلوا بعضهم لبعض ; فال تقبل شهادة األب‬
‫البنه ‪ ،‬وال شهادة االبن ألبيه ‪ ،‬للتهمة يف ذلك ; بسبب قوة القرابة بينهما ‪.‬‬

‫وتقبل شهادة األخ ألخيه ‪ ،‬والصديق لصديقه ; لعموم اآليات ‪ ،‬وانتفاء التهمة ‪.‬‬
‫وال تقبل شهادة أحد الزوجني لصاحبه ; ألن كال منهما ينتفع مبال صاحبه ‪ ،‬ولقوة الوصلة بينهما مما يقوي التهمة ‪،‬‬
‫ُك وُنوا َقَّو اِم َني ِباْلِق ْس ِط ُش َه َد اَء ِلَّلِه َو َلْو َعَلى َأْنُفِس ُك ْم َأِو‬ ‫وتقبل الشهادة عليهم من هؤالء ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ِل‬
‫فلو شهد على أبيه أو ابنه أو زوجته أو شهدت عليه ; قبلت ‪.‬‬ ‫اْلَو ا َد ْيِن َو اَأْلْقَر ِبَني‬

‫وال تقبل شهادة من جير إىل نفسه نفعا بتلك الشهادة أو يدفع عنها هبا ضررا ‪.‬‬
‫وال تقبل شهادة عدو على عدوه ‪.‬‬

‫قال العالمة ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬منعت الشريعة من قبول شهادة العدو على عدوه ; لئال تتخذ ذريعة إىل‬
‫بلوغ غرضه من عدو بالشهادة الباطلة ‪ " .. .‬انتهى ‪.‬‬

‫وضابط العداوة املانعة من قبول الشهادة هنا أن من سره مساءة شخص أو غمه فرحه ‪ ،‬فهو عدوه ‪.‬‬
‫واملراد العداوة الدنيوية ‪ ،‬أما العداوة يف الدين ‪ ،‬فليست مانعة من قبول الشهادة ‪ ،‬فتقبل شهادة مسلم على كافر ‪،‬‬
‫وشهادة سين عل مبتدع ‪ ،‬ألن الدين مينع ارتكاب احملرم ‪.‬‬

‫وال تقبل شهادة من عرف بعصبية وإفراط يف محية لقبيلته ‪ ،‬حلصول التهمة يف ذلك ‪.‬‬

‫وأما عدد الشهود ; فهو خيتلف باختالف املشهود به ‪:‬‬


‫ِه ِب ِة‬
‫وألنه‬ ‫َلْو اَل َج اُءوا َعَلْي َأْر َبَع ُش َه َد اَء‬ ‫فال يقبل لثبوت الزىن واللواط إال أربعة رجال ; لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫مأمور فيه بالسرت ‪ ،‬وهلذا غلظ فيه النصاب ‪.‬‬
‫حىت تشهد ثالثة من ذوي‬ ‫ويقبل يف إثبات عسرة من عرف بالغىن وادعى أنه فقري ثالثة رجال ; حلديث ‪:‬‬
‫رواه مسلم ‪.‬‬ ‫احلجى من قومه لقد أصابت فالنا فاقة‬
‫ويقبل إلثبات بقية احلدود غري حد الزىن كحد القذف وحد املسكر والسرقة وقطع الطريق والقصاص رجالن ‪ ،‬وال‬
‫تقبل فيها شهادة النساء‬
‫وما ليس بعقوبة وال مال وال يقصد به املال ويطلع عليه الرجال غالبا ; كنكاح وطالق ورجعة ; يقبل فيها‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪275‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫رجالن ‪ ،‬واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رمحهما اهلل قبول شهادة النساء على الرجعة ; ألن‬
‫حضورهن عند الرجعة أيسر من حضورهن عند كتابة الوثائق ‪.‬‬
‫ويقبل يف املال وما يقصد به املال ‪ ،‬كالبيع ‪ ،‬واألجل ‪ ،‬واإلجارة ‪ .. .‬وحنو ذلك ; يقبل فيها رجالن ‪ ،‬أو رجل‬
‫ا َأَتاِن‬ ‫ِنْي‬ ‫ِم ِر ِل ِإ‬ ‫ِه‬ ‫ِه‬
‫َو اْس َتْش ُد وا َش يَد ْيِن ْن َج ا ُك ْم َف ْن ْمَل َيُك وَنا َر ُج َل َفَر ُج ٌل َو ْم َر‬ ‫وامرأتان ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫وسياق اآلية الكرمية يدل على اختصاص ذلك باألموال ‪-‬‬
‫قال العالمة ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬اتفق املسلمون على أنه يقبل يف األموال رجل وامرأتان ‪ ،‬وكذا توابعها من البيع‬
‫واألجل فيه واخليار فيه والرهن والوصية للمعني وهبته والوقف عليه وضمان املال وإتالفه ودعوى رق جمهول النسب‬
‫وتسمية املهر وتسمية عوض اخللع " انتهى ‪.‬‬
‫واحلكمة واهلل أعلم يف قبول شهادة املرأة يف املال ‪ ،‬أنه تكثر فيه املعاملة ‪ ،‬ويطلع عليه الرجال والنساء غالبا ‪ ،‬فوسع‬
‫الشرع يف باب ثبوته ‪.‬‬
‫وقد جعل سبحانه املرأة على النصف من الرجل يف عدة أحكام أحدها هذا ‪ ،‬والثاين يف املرياث ‪ ،‬والثالث يف الدية ‪،‬‬
‫والرابع يف العقيقة ‪ ،‬واخلامس يف العتق ‪.‬‬
‫أي تذكرها إن‬ ‫َأْن َتِض َّل ِإْح َد اَمُها َفُتَذ ِّك َر ِإْح َد اَمُها اُأْلْخ َر ى‬ ‫وقد بني سبحانه احلكمة ‪ :‬يف ذلك بقوله ‪:‬‬
‫ضلت ‪ ،‬وذلك لضعف العقل ; فال تقوم الواحدة مقام الرجل ‪ ،‬ويف منع قبوهلا بالكلية إضاعة لكثري من احلقوق‬
‫وتعطيل هلا ‪ ،‬فضم إليها يف الشهادة نظريهتا ; لتذكرها إذا نسيت ‪ ،‬فتقوم شهادة املرأتني مقام شهادة الرجل ‪.‬‬
‫إن رسول اهلل‬ ‫ويقبل أيضا يف املال وما يقصد به املال أيضا رجل واحد وميني املدعي ‪ ،‬لقول ابن عباس ‪:‬‬
‫" رواه أمحد وغريه ‪.‬‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم قضى باليمني مع الشاهد‬
‫قال اإلمام أمحد رمحه اهلل ‪ " :‬مضت السنة أنه يقضى باليمني مع الشاهد " ‪.‬‬
‫فإن املراد‬ ‫اليمني على املدعى عليه‬ ‫قال ابن القيم ‪ " :‬وال يعارض ذلك قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫به إذا مل يكن مع املدعي إال جمرد الدعوى ; فإنه ال يقضى له مبجرد الدعوى ‪ ،‬فأما إذا ترجح جانبه بشاهد أو لوث‬
‫أو غريه ‪ ،‬مل يقض له مبجرد دعواه ‪ ،‬بل بالشاهد اجملتمع من ترجيح جانبه ومن اليمني ‪ " .. .‬انتهى ‪.‬‬
‫‪ -‬وما ال يطلع عليه الرجال غالبا كعيوب النساء حتت الثياب والبكارة والثيوبة واحليض والوالدة والرضاع‬
‫أن النيب صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫واستهالل املولود وحنو ذلك يقبل فيه شهادة امرأة عدل ; حلديث حذيفة ‪:‬‬
‫رواه الدارقطين وغريه ‪ ،‬ويف إسناده مقال ‪ ،‬وقد قبل النيب صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫أجاز شهادة القابلة وحدها‬
‫شهادة املرأة الواحدة يف الرضاع كما يف الصحيحني ‪.‬‬

‫باب يف كتاب القاضي إىل القاضي‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪276‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫باب يف كتاب القاضي إىل القاضي والشهادة على الشهادة ورجوع الشهود‬
‫كتاب القاضي إىل القاضي قد تدعو احلاجة إليه ‪ ،‬فإن من له حق يف غري بلده ال ميكنه إثباته والطلب به إال عن‬
‫طريق إثباته عند قاضي ذلك البلد والكتابة بذلك إليه ‪ ،‬الستكمال بقية اإلجراءات احلكمية ; إذ يتعذر السفر‬
‫بالشهود ‪ ،‬ورمبا كانوا معروفني يف بلد دون بلد ‪ ،‬فيتعذر إثبات احلق بدون كتاب القاضي إىل قاض آخر ‪.‬‬

‫وقد أمجعت األمة على قبول كتاب القاضي إىل القاضي إلثبات احلقوق وتنفيذها ‪ ،‬وقد كتب سليمان عليه‬
‫السالم إىل بلقيس وكتب النيب حممد صلى اهلل عليه وسلم إىل النجاشي وإىل قيصر وإىل كسرى يدعوهم إىل اإلسالم‬
‫‪ ،‬وكاتب صلى اهلل عليه وسلم عماله وسعاته ‪ ،‬فدل ذلك على مشروعية العمل به ‪.‬‬

‫ويقبل يف كل حق ألدمي ‪ ،‬وال يقبل يف حدود اهلل ; كحد الزىن وشرب اخلمر ; ألن حقوق اهلل تعاىل مبنية‬
‫على السرت والدرء بالشبهات‬

‫وكتاب القاضي إىل القاضي على نوعني ‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬يكون فيما حكم به القاضي الكاتب لينفذه القاضي املكتوب إليه ‪ ،‬وهذا يقبل ‪ ،‬ولو كان كل من‬
‫الكاتب واملكتوب إليه يف بلد واحد ‪ ،‬ألن حكم احلاكم جيب إمضاؤه على كل حال ‪ ،‬وإال ‪ ،‬تعطلت األحكام ‪،‬‬
‫وكثرت اخلصومات ‪.‬‬

‫والنوع الثاين‪ :‬أن يكتب القاضي فيا ثبت عنده إىل قاض آخر ليحكم به ‪ ،‬ويشرتط لقبول هذا النوع أن يكون بني‬
‫الكاتب واملكتوب إليه مسافة قصر فأكثر ألنه نقل شهادة إىل املكتوب إليه ‪ ،‬فلم جيز مع القرب ‪.‬‬

‫وصورة الثبوت أن يقول ‪ :‬ثبت عندي أن لفالن على فالن كذا وكذا ‪.‬‬
‫والثبوت ليس حبكم ‪ ،‬بل خرب بالثبوت ‪.‬‬
‫قال الشيخ ‪ " :‬وجيوز نقله إىل مسافة قصر فأكثر ‪ ،‬ولو كان الذي ثبت عنده ال يرى جواز احلكم به ; ألن الذي‬
‫ثبت عنده ذلك الشيء خيرب بثبوت ذلك عنده ‪ ،‬وللحاكم الذي اتصل به ذلك الثبوت احلكم به إذا كان يرى حجته‬
‫‪ ،‬وجيوز أن يكون القاضي املكتوب إليه غري معني ‪ ،‬كأن يقول ‪ :‬إىل كل من يصل إليه كتايب من قضاة املسلمني ;‬
‫من غري تعيني ‪ ،‬ويلزم من وصل إليه قبوله ‪ ،‬ألنه كتاب حاكم من حمل واليته وصل إىل حاكم ‪ ،‬فلزم قبوله ‪ ،‬كما‬
‫لو كتب إىل معني ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪277‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ويشرتط لقبول كتاب القاضي إىل القاضي أن يشهد به القاضي الكاتب شاهدين عدلني يضبطان معناه وما‬
‫يتعلق به من احلكم ‪ .‬هذا قول ‪ ،‬والقول اآلخر ‪ :‬جيوز العمل بكتاب القاضي إىل القاضي إذا عرف خطه ‪ ،‬وإن مل‬
‫يشهد ‪ ،‬وهو رواية عن اإلمام أمحد ‪ ،‬ويف وقتنا هذا ميكن أن يكتفى خبتم احملكمة الرمسي عن اإلشهاد ‪.‬‬

‫قال اإلمام ابن القيم رمحه اهلل ‪ " :‬أمجع الصحابة على العمل بالكتاب ‪ ،‬وكذا اخللفاء بعدهم ‪ ،‬وليس اعتماد‬
‫الناس يف العلم إال على الكتب ‪ ،‬فإن مل يعمل مبا فيها ; تعطلت الشريعة " ‪.‬‬
‫وقال ‪ " :‬ومل يزل اخللفاء والقضاة واألمراء والعمال يعتمدون على كتب بعضهم لبعض ‪ ،‬وال يشهدون حاملها على‬
‫ما فيها ‪ ،‬وال يقرءونه عليه ‪ ،‬هذا عمل الناس من زمن نبيهم إىل اآلن " ‪.‬‬

‫قال ‪ " :‬والقصد حصول العلم بنسبة اخلط إىل كاتبه ‪ ،‬فإذا عرف وتيقن ; كان كنسبة اللفظ إليه ‪ ،‬وقد‬
‫جعل اهلل يف خط كل كاتب ما يتميز به عن خط غريه ; كتميز صورته وصورته ‪ ،‬والناس يشهدون شهادة وال‬
‫يسرتيبون فيها على أن هذا فيه خط فالن " ‪.‬‬
‫وقال الشيخ تقي الدين ‪ " :‬ومن عرف خطه ‪ .‬بقرار أو إنشاء أو عقد أو شهادة ‪ ،‬عمل به ‪ " .. .‬انتهى‪.‬‬

‫وأما الشهادة على الشهادة ; فهي أن يقول شخص آلخر ‪ :‬اشهد على شهاديت بكذا ‪ ،‬أو اشهد أين أشهد‬
‫بكذا ‪ ،‬وحنو ذلك ‪ ،‬ففيها معىن النيابة ‪ ،‬ويسمى الشاهد األصلي شاهد األصل ‪ ،‬والنائب عنه شاهد الفرع ‪.‬‬

‫قال أبو عبيد ‪ " :‬أمجعت العلماء من أهل احلجاز والعراق على إمضاء الشهادة على الشهادة هي األموال " ‪.‬‬
‫وسئل اإلمام أمحد عن الشهادة على الشهادة ; فقال ‪ " :‬هي جائرة " ‪.‬‬

‫وألن احلاجة داعية إليها ‪ ،‬ألهنا لو مل تقبل ‪ ،‬لتعطلت الشهادة على الوقوف وما يتأخر إثباته عند احلاكم أو‬
‫ماتت شهوده ‪ ،‬ويف ذلك ضرر على الناس ومشقة شديدة ; فوجب قبوهلا كشهادة األصل ‪.‬‬

‫ويشرتط لقبول الشهادة على الشهادة شروط ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أن يأذن شاهد األصل لشاهد الفرع ; ألهنا يف معين النيابة ‪ ،‬وال ينوب عنه إال بإذن ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬أن تكون فيما يقبل فيه كتاب القاضي إىل القاصي ‪ ،‬وهو حقوق اآلدميني دون حقوق اهلل تعاىل ‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬أن تتعذر شهادة األصلي مبوت أو مرض أو غيبة مسافة قصر أو خوف من سلطان أو غريه ‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬أن يستمر عذر شاهد األصل إىل احلكم ‪.‬‬


‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪278‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫خامسا‪ :‬دوام عدالة شاهد األصل وشاهد الفرع إىل صدور احلكم ‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬أن يعني شاهد الفرع شاهد األصل الذي حتمل عنه الشهادة ‪.‬‬

‫وأما الرجوع عن الشهادة ‪:‬‬


‫فإنه إذا رجع شهود املال بعد احلكم ‪ ،‬فإنه ال ينقض ; ألنه قد مت ‪ ،‬ووجب املشهود به للمشهود له ‪ ،‬ومها متهمان‬
‫بإرادة نقض احلكم ‪ ،‬فينفذ احلكم ‪ ،‬ويلزمهم الضمان ‪ ،‬بأن يضمنوا املال الذي شهدوا به ‪ ،‬ألهنم أخرجه من يد‬
‫مالكه بغري حق ‪ ،‬وحالوا بينه وبينه ‪.‬‬
‫وإن حكم القاضي بشاهد وميني ‪ ،‬مث رجع الشاهد ‪ ،‬غرم املال كله ‪ ،‬ألنه حجة للدعوى ‪ ،‬واليمني قول اخلصم ‪،‬‬
‫وقول اخلصم ليس مقبوال على خصمه ‪ ،‬وإمنا هو شرط للحكم ‪.‬‬
‫وإن رجع الشهود عن الشهادة قبل احلكم ; ألغي ‪ ،‬وال حكم وال ضمان ‪ ،‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫وأما الرجوع عن الشهادة ‪:‬‬


‫فإنه إذا رجع شهود املال بعد احلكم ‪ ،‬فإنه ال ينقض ; ألنه قد مت ‪ ،‬ووجب املشهود به للمشهود له ‪ ،‬ومها متهمان‬
‫بإرادة نقض احلكم ‪ ،‬فينفذ احلكم ‪ ،‬ويلزمهم الضمان ‪ ،‬بأن يضمنوا املال الذي شهدوا به ‪ ،‬ألهنم أخرجه من يد‬
‫مالكه بغري حق ‪ ،‬وحالوا بينه وبينه ‪.‬‬
‫وإن حكم القاضي بشاهد وميني ‪ ،‬مث رجع الشاهد ‪ ،‬غرم املال كله ‪ ،‬ألنه حجة للدعوى ‪ ،‬واليمني قول اخلصم ‪،‬‬
‫وقول اخلصم ليس مقبوال على خصمه ‪ ،‬وإمنا هو شرط للحكم ‪.‬‬
‫وإن رجع الشهود عن الشهادة قبل احلكم ; ألغي ‪ ،‬وال حكم وال ضمان ‪ ،‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫باب يف اليمني يف الدعاوى‬

‫واليمني على من أنكر‬ ‫اليمني من مجلة الطرق القضائية ‪ ،‬حيث قال ‪:‬‬
‫فاليمني من جانب املنكر إذا مل يكن للمدعي بينة ‪ ،‬وهي تقطع اخلصومة عند التنازع ‪ ،‬وال تقطع احلق ‪ ،‬فلو متكن‬
‫املدعي من إقامة البينة فيما بعد ; مكن من ذلك ‪ ،‬ومسعت بينته ‪ ،‬وحكم له هبا ‪ ،‬وكذا لو تراجع احلالف عن اليمني‬
‫بعدما حلف ‪ ،‬وأدى ما عليه من احلق ; قبل منه ذلك ‪ ،‬وحل للمدعى أخذه ‪. .‬‬

‫وجمال اليمني يف دعوى حقوق األدميني خاصة ‪ ،‬فهي اليت يستحلف فيها ‪ ،‬أما حقوق اهلل تعاىل ‪ ،‬فال‬
‫يستحلف فيها ‪ ،‬وذلك كالعبادات واحلدود ‪ ،‬فإذا قال ‪ :‬دفعت زكايت أو ما علي من كفارة أو نذر ; قبل منه ‪ ،‬ومل‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪279‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫يستحلف ‪ ،‬وكذا ال يستحلف منكر حلد عليه من حدود اهلل ‪ ،‬ألهنا يستحب سرتها ‪ ،‬وألنه لو أقر هبا ‪ ،‬مث رجع‬
‫عن إقراره ‪ ،‬قبل منه ‪ ،‬وخلي سبيله ‪ ،‬فلئال يستحلف مع عدم اإلقرار أوىل ‪.‬‬

‫وال يعتد باليمني يف دعوى حقوق األدميني إال إذا أمره هبا احلاكم بعد طلب املدعي ‪ ،‬ولكون على صفة‬
‫جوابه للمدعي ‪.‬‬
‫وال بد أن يكون أداؤها يف جملس احلاكم ‪.‬‬
‫وال تكون اليمني إال باهلل تعاىل ‪ ،‬ألن احللف بغري اهلل شرك ‪.‬‬
‫ويكفي فيها اإلتيان بلفظ اجلاللة يف اليمني ‪ ،‬فإذا قال ‪ :‬واهلل ; كفى ; ألن هذا القسم جاء يف كتاب اهلل تعاىل ;‬
‫َأ َش ا اٍت ِبالَّلِه‬ ‫ْق ِس اِن ِبالَّلِه‬ ‫ِهِن‬ ‫ِب ِه‬
‫ْر َبُع َه َد‬ ‫َفُي َم‬ ‫َو َأْقَسُم وا الَّل َج ْه َد َأَمْيا ْم‬ ‫مثل قوله تعاىل ‪:‬‬
‫وألن لفظ اجلاللة علم على اهلل تعاىل ‪ ،‬ال يسمى به غريه ‪.‬‬

‫وال تغلظ اليمني إال فيما له أمهية كربى ; كجناية ال توجب قودا أو عتقا ‪ ،‬فللحاكم تغليظها باللفظ ; كواهلل‬
‫‪ ،‬الذي ال إله غريه ‪ ،‬عامل الغيب والشهادة ‪ ،‬الطالب ‪ ،‬الغالب ‪ ،‬الضار ‪ ،‬النافع ‪ ،‬الذي يعلم خائنة األعني وما ختفي‬
‫الصدور ‪.‬‬

‫ومن توجه عليه حق جلماعة ‪ ،‬حلف لكل واحد ميينا ‪ ،‬ألن حق كل واحد منهم غري حق اآلخرة إال إذا‬
‫رضوا ميينا واحدة ‪ ،‬فيكتفى هبا ; ألن احلق هلم ‪ ،‬وقد رضوا بإسقاطه ‪.‬‬

‫باب يف أحكام اإلقرار‬

‫اإلقرار هو االعرتاف باحلق ‪ ،‬مأخوذ من املقر ‪ ،‬وهو املكان ‪ ،‬كأن املقر جيعل احلق يف موضعه ‪.‬‬
‫وهو إخبار عما يف نفس األمر من حق الغري ‪ ،‬ال إنشاء حلق جديد ‪.‬‬
‫قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رمحه اهلل ‪ " :‬التحقيق أن يقال ‪ :‬إن املخرب إن أخرب مبا على نفسه ; فهو مقر ‪ ،‬وإن‬
‫أخرب مبا على غريه لنفسه ‪ ،‬فهو مدع ‪ ،‬وإن أخرب مبا على غريه لغريه ‪ :‬فإن كان مؤمتنا عليه ; فهو خمرب ‪ ،‬وإال ‪ ،‬فهو‬
‫شاهد ; فالقاضي والوكيل والكاتب والوصي واملأذون له ‪ ،‬كل هؤالء ما أدوه مؤمتنون فيه ‪ ،‬فإخبارهم بعد العزل‬
‫ليس إقرارا ‪ ،‬وإمنا هو خرب حمض ‪ ،‬وليس اإلقرار بإنشاء ‪ ،‬وإمنا هو إظهار وإخبار ملا هو يف نفس األمر " انتهى ‪.‬‬

‫ويشرتط لصحة اإلقرار أن يكون املقر مكلفا ‪ ،‬فال يصح من صيب ‪ ،‬وال جمنون ونائم ‪ ،‬ويصح من الصغري‬
‫املأذون له يف التجارة يف حدود ما أذن له فيه ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪280‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ويشرتط أن يكون املقر قد أقر يف حالة اختياره ‪ ،‬فال يصح اإلقرار من مكره ; إال أن مير بغري ما أكره على‬
‫اإلقرار به ‪.‬‬

‫ويشرتط لصحة اإلقرار أيضا أن ال يكون املقر حمجورا عليه ‪ ،‬فال يصح من سفيه إقرار مبال‪.‬‬
‫ويشرتط أيضا أن ال يقر بشيء يف يد غريه أو حتت والية غريه ; كما لو أقر أجنيب على صغري أو على وقف يف والية‬
‫غريه أو اختصاصه ‪.‬‬

‫وإن ادعى املقر أنه أكره على اإلقرار ‪ ،‬ومل يقر باختياره ; قبل منه ذلك مع قرينة تدل على صدقه أو بينة على‬
‫دع ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬واه ‪.‬‬
‫ويص ‪%%‬ح إق ‪%%‬رار املريض مبال لغ ‪%%‬ري وارث ‪%%‬ه ; لع ‪%%‬دم التهم ‪%%‬ة ‪ ،‬وألن حال ‪%%‬ة املرض أق ‪%%‬رب إىل االحتي ‪%%‬اط لنفس ‪%%‬ه ملا ي ‪%%‬راد من ‪%%‬ه ‪.‬‬
‫وإن ادعى إنس‪%‬ان على ش‪%‬خص بش‪%‬يء ‪ ،‬فص‪%‬دقه املدعى علي‪%‬ه ‪ ،‬ص‪%‬ح تص‪%‬ديقه ‪ ،‬واعت‪%‬رب إق‪%‬رارا يؤاخ‪%‬ذ ب‪%‬ه ; لقول‪%‬ه ص‪%‬لى‬
‫ال عذر ملن أقر‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫ويصح اإلقرار بكل ما أدى معناه من األلفاظ كأن يقول ملن ادعى عليه ‪ :‬صدقت ‪ ،‬أو ‪ :‬نعم ‪ ،‬أو ‪ :‬أنا مقر‬
‫بذلك ‪.‬‬

‫ويصح استثناء النصف فأقل يف اإلقرار ; فلو قال ‪ :‬له علي عشرة إال مخسة ; لزمه مخس‪%%‬ة ‪ ،‬وق‪%%‬د ورد االس‪%%‬تئناء‬
‫واخت ‪%%‬ار كث ‪%%‬ري من‬ ‫َفَلِبَث ِفيِه ْم َأْل َف َس َنٍة ِإاَّل ْمَخِس َني َعاًم ا‬ ‫يف كت ‪%%‬اب اهلل ع ‪%%‬ز وج ‪%%‬ل ; ق ‪%%‬ال اهلل تع ‪%%‬اىل ‪:‬‬
‫العلماء جواز استثناء أكثر من النصف ‪.‬‬

‫ويش‪%%‬رتط لص‪%%‬حة االس‪%%‬تثناء يف اإلق‪%%‬رار أن يك‪%%‬ون متص‪%%‬ال باللف‪%%‬ظ ‪ ،‬فل‪%%‬و ق‪%%‬ال ‪ :‬ل‪%%‬ه علي مائ‪%%‬ة ‪ ،‬مث س‪%%‬كت س‪%%‬كوتا‬
‫ميكن‪%%‬ه الكالم في‪%%‬ه ‪ ،‬مث ق‪%%‬ال ‪ :‬زيوفا ‪ ،‬أو ‪ :‬مؤجل‪%%‬ة ; لزم‪%%‬ه مائ‪%%‬ة جي‪%%‬دة حال‪%%‬ة ‪ ،‬وم‪%%‬ا أتى ب‪%%‬ه بع‪%%‬د س‪%%‬كوته ال يلتفت إلي‪%%‬ه ;‬
‫ألنه يرفع به حقا قد لزمه ‪.‬‬

‫وإن ب ‪%%‬اع ش ‪%%‬يئا أو وهب ‪%%‬ه أو أعتق ‪%%‬ه ‪ ،‬مث أق ‪%%‬ر أن ذل ‪%%‬ك الش ‪%%‬يء ك ‪%%‬ان لغ ‪%%‬ريه ; مل يقب ‪%%‬ل من ‪%%‬ه ‪ ،‬ومل ينفس ‪%%‬خ ال ‪%%‬بيع وال‬
‫غريه ; ألنه إقرار على غريه ‪ ،‬ويلزمه غرامته للمقر له ; ألنه فوته عليه ‪.‬‬

‫ويص ‪%% % % % %‬ح اإلق ‪%% % % % %‬رار بالش ‪%% % % % %‬يء اجملم ‪%% % % % %‬ل وه ‪%% % % % %‬و م ‪%% % % % %‬ا احتم ‪%% % % % %‬ل أم ‪%% % % % %‬رين فأكثر على الس ‪%% % % % %‬واء عن ‪%% % % % %‬د املق ‪%% % % % %‬ر‬
‫فإذا قال إنسان ‪ :‬لفالن علي شيء ‪ ،‬أو ‪ :‬له علي كذا ‪ ،‬صح اإلقرار ‪ ،‬وقي‪%‬ل للمق‪%‬ر ‪ :‬فس‪%‬ره ‪ ،‬ليت‪%‬أتى إلزام‪%‬ه ب‪%‬ه ‪ ،‬فإن‬
‫أىب تفس ‪%%‬ريه ‪ ،‬حبس ح ‪%%‬ىت يفس ‪%%‬ره ‪ ،‬لوج ‪%%‬وب تفس ‪%%‬ريه علي ‪%%‬ه ; ألن ‪%%‬ه ح ‪%%‬ق علي ‪%%‬ه جيب علي ‪%%‬ه بيان ‪%%‬ه وأداؤه لص ‪%%‬احبه ‪ ،‬وإن‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪281‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫ق‪%%‬ال ‪ :‬ال علم يل مبا أق‪%%‬ررت ب‪%%‬ه ; حل‪%%‬ف وغ‪%%‬رم أق‪%%‬ل م‪%%‬ا يق‪%%‬ع علي‪%%‬ه االس‪%%‬م ‪ ،‬وإن م‪%%‬ات قب‪%%‬ل تفس‪%%‬ريه ; مل يؤاخ‪%%‬ذ وارث‪%%‬ه‬
‫بشيء ‪ ،‬وان خلف تركة ‪ ،‬الحتمال أن يكون املقر به غري مال ‪.‬‬

‫وإن قال ‪ :‬له علي ألف إال قليال ‪ ،‬محل االستثناء على ما دون النصف ‪.‬‬
‫وإن قال ‪ :‬له علي ما بني درهم ‪ .‬وعشرة ; لزمه مثانية ; ألن ذلك هو مقتضى لفظه ; ألن الثانية هي ما بني واحد‬
‫وعشرة ‪- .‬‬
‫وإن قال ‪ :‬له علي ما بني درهم إىل عشرة ; لزمه تسعة ‪ ،‬لعدم دخول الغاية يف املغىي ‪ ،‬وعند بعض العلماء أن الغاية‬
‫إن كانت من جنس املغىي ; دخلت ‪ ،‬وإال ‪ ،‬فال ‪.‬‬
‫وإن قال ‪ :‬له ما بني هذا احلائط إىل هذا احلائط ‪ ،‬مل يدخل احلائطان ; ألنه إمنا أقر مبا بينهما ‪.‬‬

‫وإن أق‪%%‬ر لش‪%%‬خص بش‪%%‬جرة أو بش‪%%‬جر ; مل يش‪%%‬مل إق‪%%‬راره األرض ال‪%%‬يت عليه‪%%‬ا ذل‪%%‬ك الش‪%%‬جر ; فال ميل‪%%‬ك الغ‪%%‬رس يف‬
‫مكاهنا ل ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % %‬و ذهبت ‪ ،‬وال ميل ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ك رب األرض قلعه ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % %‬ا ‪ ،‬ألن الظ ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % %‬اهر وض ‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % %‬عها حبق ‪.‬‬
‫أما لو أقر ببستان فإنه يشمل األشجار والبناء واألرض ; ألنه اسم للجميع ‪.‬‬

‫وإن قال ‪ :‬له علي متر يف جراب أو سكني يف قراب أو ثوب يف منديل ; فهو مقر باملظروف دون الظرف ‪،‬‬
‫وهكذا كل مقر بشيء جعله ظرفا أو مظروفا ; ألهنما شيئان متغايران ‪ ،‬ال يتناول األول منهما الثاين ‪ ،‬وألنه ال يلزم‬
‫أن يكون الظرف واملظروف لواحد ‪ ،‬واإلقرار ال يلزم مع االحتمال ‪.‬‬

‫وإن قال ‪ :‬هذا الشيء مشرتك بيين وبني فالن ; رجع يف بيان حصة الشريك إىل املقر ‪ ،‬وقيل ‪ :‬يكون بينهما‬
‫نصفني ‪ ،‬ألن هذا هو مقتضى القاعدة يف أن مطلق الشركة يقتضي التسوية بني املشرتكني ‪ ،‬ويؤيد ذلك قوله‬
‫ُش َك ا يِف الُّثُلِث‬ ‫تعاىل ‪:‬‬
‫َفُه ْم َر ُء‬

‫ُك وُنوا َّو اِم ِباْلِق ِط‬ ‫وجيب على من عنده حق اإلق‪%‬رار ب‪%‬ه إذا دعت احلاج‪%‬ة إىل ذل‪%‬ك ; لقول‪%‬ه تع‪%‬اىل ‪:‬‬
‫َق َني ْس‬
‫ِم‬ ‫ِه‬ ‫ِل ِذ‬ ‫ِس‬ ‫ِل ِه‬
‫َو ْلُيْم ِل اَّل ي َعَلْي اَحْلُّق َو ْلَيَّت ِق الَّل َه َر َّب ُه َو اَل َيْبَخ ْس ْن ُه‬ ‫وقول‪%%‬ه تع‪%%‬اىل ‪:‬‬ ‫ُش َه َد اَء َّل َو َل ْو َعَلى َأْنُف ُك ْم‬
‫َش ًئا َفِإْن َك اَن اَّلِذ ي َعَل ِه ا ُّق ِف ي ا َأ َض ِعيًف ا َأ اَل َتِط ي َأْن ِمُيَّل ُه ْل ِل ِلُّي ِباْل ْد ِل‬
‫َو َف ُيْم ْل َو ُه َع‬ ‫ْو َيْس ُع‬ ‫ْي َحْل َس ًه ْو‬ ‫ْي‬

‫قال املوفق يف " الكايف " ‪ " :‬واإلمالل هو اإلقرار ‪ ،‬واحلكم باإلقرار واجب ‪ ،‬لقول النىب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ولرجم النيب صلى اهلل عليه وسلم ماعزا‬ ‫واغد يا أنيس على امرأة هذا ‪ ،‬فإن اعرتفت ‪ ،‬فارمجها‬ ‫‪:‬‬
‫والغامدية بقرارهم ‪ ،‬وألنه إذا وجب احلكم بالبينة ; فألن جيب باإلقرار مع بعده عن الريبة من باب أوىل " ‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬
‫‪Elmahad.free.fr‬‬ ‫‪282‬‬ ‫النسي ـ ــم المكتبة اإلسالمية‬

‫مت االختص‪%%‬ار ‪ ،‬ونس‪%%‬أل اهلل أن يعف‪%%‬و عم‪%%‬ا حص‪%%‬ل في‪%%‬ه من اخلط‪%%‬أ والنقص ‪ ،‬وأن ينفعن‪%%‬ا والق‪%%‬راء الك‪%%‬رام مبا في‪%%‬ه من‬
‫الصواب ‪ ،‬وأن يوفق اجلميع للعلم النافع والعمل الصاحل ‪.‬‬

You might also like