You are on page 1of 10

‫إقفال الحساب البنكي بين النص القانوني والإجتهاد القضائي والممارسة‬

‫*فريش نور الدين‬


‫هسبريس‬

‫أضحى الحساب البنكي من بين الأساسيات باعتبار أن معظم المعاملات‬


‫تتم بواسطته؛ فقد كشف بنك المغرب‪ ،‬في تقريره السنوي حول الإشراف‬
‫البنكي لسنة ‪ ، 2017‬أن عدد الحسابات البنكية قد بلغ ‪ 26‬مليون حساب‪،‬‬
‫مسجلا بذلك ارتفاعا بمليوني حساب مقارنة مع سنة ‪ 2016‬التي عرفت‬
‫تسجيل ‪ 24‬مليون حساب‪ .‬وقد بلغ عدد الحسابات البنكية التي فتحت‬
‫لدى البنوك التشاركية المرخص لها بالمغرب ‪ 43‬ألف حساب‪ ،‬نهاية شهر‬
‫يونيو ‪.2018‬‬
‫ونظرا لهذا الارتفاع الحاصل في الحسابات البنكية‪ ،‬وما يرتبط بها من‬
‫مشاكل‪ ،‬فلا يجد الزبون بدا سوى اللجوء إلى بنك المغرب للتشكي من‬
‫ج ور بعض مؤسسات الائتمان‪ ،‬أو اللجوء إلى الوساطة البنكية‪ ،‬وأحيانا‬
‫اللجوء إلى القضاء للدفاع عن حقوقه‪ ،‬إذ تشكل المنازعات البنكية رقما‬
‫مهما من عدد القضايا المعروضة على المحاكم‪.‬‬
‫وتشكل النزاعات المتعلقة بإقفال الحساب البنكي حوالي ‪ %57‬من نسبة‬
‫الشكايات المتوصل بها م ن قبل المركز المغربي للوساطة البنكية‪ ،‬إذ إن‬
‫جل المشتكين توصلوا بإشعارات للأداء من طرف البنوك عن حسابات‬
‫بنكية لم تعرف أي حركية لسنوات كثيرة‪.‬‬
‫وقد أدى عدم وضوح المادة ‪ 503‬من مدونة التجارة‪ ،‬في صيغتها‬
‫القديمة‪ ،‬إلى تباين في كل من الممارسة البنكية والاجتهاد القضائي‪،‬‬
‫حيث برزت إشكالات كثيرة؛ لعل أبرزها إشكالية قفل الحساب بالاطلاع غير‬
‫المشغل منذ مدة‪ ،‬حينما يعمد الزبون إلى التوقف عن تشغيل هذا‬
‫الحساب‪ ،‬ويكون حسابه قد سجل رصيدا مدينا بذمته‪ ،‬دون تعبير صريح‬
‫من قبله عن إقفاله‪ ،‬فهل يمكن الاعتبار في هذه الحالة أن هذا تعبير‬
‫ضمني عن الرغبة في إقفال الحساب أم لا؟‪ ،‬كما طفت على السطح‬
‫إشكالية أخرى تتعلق بوضعية الفوائد بعد قفل الحساب‪ ،‬أضف إلى ذلك‬
‫إشكالية تحديد تاريخ قفل الحساب لما لهذا التاريخ من أهمية بالغة على‬
‫العديد من المستويات والتي سنبينها لاحقا‪ ،‬إضافة إلى احتساب أمد‬
‫التقادم‪.‬‬
‫وقد عرفت المادة ‪ 493‬من مدونة التجارة الحساب بالاطلاع على أنه‪..." :‬‬
‫عقد بمقتضاه يتفق البنك مع زبونه على تقييد ديونهما المتبادلة في‬
‫كشف وحيد على شكل أبواب دائنة ومدينة والتي بدمجها يمكن في كل‬
‫حين استخراج رصيد مؤقت لفائدة أحد الأطراف"؛ فتشغيل هذا الحساب‬
‫يتوقف على ضرورة تسجيل الديون فيه‪ ،‬وأن تكون هذه الديون متبادلة‪.‬‬
‫وقصد ملامسة الموضوع من جميع جوانبه‪ ،‬والإجابة عن جل الإشكالات‬
‫المرتبطة به‪ ،‬فإننا ارتأينا معالجته من خلال زاويتين‪ ،‬نخصص أولاهما‬
‫لقفل الحساب البنكي قبل تعديل المادة ‪ 503‬من مدونة التجارة‪،‬‬
‫وثانيتهما بعد تعديل هذه الأخيرة‪ ،‬مع رصد للاجتهاد القضائي بهذا‬
‫الخصوص‪.‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬قفل الحساب البنكي قبل تعديل المادة ‪ 503‬من مدونة‬
‫التجارة‪.‬‬
‫سنتطرق من خلال هذا المطلب إلى إشكاليتين جوهريتين‪ ،‬وتتعلق‬
‫أولاهما بوضعية الفوائد بعد قفل الحساب بالاطلاع (فقرة أولى)‪ ،‬فيما‬
‫نخصص ثان يتهما لإشكالية تحديد تاريخ توقف الحساب لما لهذا الأخير من‬
‫أثر على احتساب أمد التقادم‪.‬‬
‫الفقرة الأولى‪ :‬وضعية الفوائد بعد قفل الحساب بالاطلاع‪:‬‬
‫قصد ملامسة جل الإشكالات التي يطرحها قفل الحساب بالاطلاع‬
‫وطبيعة الفوائد الناتجة عن ذلك‪ ،‬سنتطرق لإشكالية تطبيق الفوائد‬
‫الاتفاقية (أولا)‪ ،‬ثم إشكالية تطبيق الفوائد القانونية (ثانيا)‪.‬‬
‫أولا‪ :‬إشكالية تطبيق الفوائد الاتفاقية‪:‬‬
‫بالرجوع للمادة ‪ 504‬من مدونة التجارة نجدها تنص على أنه‪" :‬عند إقفال‬
‫الحساب تمنح مدة لتصفيته وبانتهائها يتحدد الرصيد النهائي"‪.‬‬
‫وما يستشف من خلال هذه المادة أنه بمجرد إقفال الحساب بالاطلاع يتم‬
‫الاندماج الفوري والتلقائي للديون المتبادلة المسجلة في الحساب‪ ،‬لكي‬
‫يتم تحديد الرصيد النهائي الذي يكون لفائدة أحد الطرفين في مواجهة‬
‫الآخر‪ ،‬وهذا يستلزم الامتناع عن تقييد أي دين جديد في هذا الحساب‪.‬‬
‫وبناء عليه لا يمكن لصاحبه أن يجري أية عملية جديدة‪ ،‬ولا أن يسحب‬
‫شيكات‪ ،‬كما لا يمكن للبنك أن يستمر في تقييد مصاريف مسك الحساب‬
‫في مديونيته؛ فقفل الحساب الذي وضع حدا لتقديم الخدمات البنكية لا‬
‫يؤدي إلى تجديد الدين وإنما إلى إنهاء العقد بين الطرفين‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫الرصيد الذي أسفرت عنه تصفيته يعتبر دينا عاديا مستحق الأداء‪.‬‬
‫وجدير بالبيان أنه إذا كان تاريخ سريان الفوائد الاتفاقية لا يطرح إشكالات‬
‫تذكر من الناحية العملية‪ ،‬فإن تاريخ انتهاء العمل بهذه الأخيرة هو ما‬
‫شكل أبرز نقاط الخلاف بين الممارسة البنكية والعمل القضائي؛ فإذا‬
‫كانت البنوك تعمد إل ى احتساب الفوائد الاتفاقية على الرصيد المدين‬
‫بعد تاريخ حصر الحسابات‪ ،‬فإن القضاء كان له رأي غير ذلك‪ ،‬مفاده كون‬
‫الفوائد مرتبطة بالحساب وجودا وعدما‪ ،‬وأنها تعتبر أثرا من آثاره‪ ،‬إذ‬
‫يستفيد البنك من هذه الفوائد طيلة اشتغال الحساب وبمجرد إقفاله‬
‫واستخراج الرصيد الن هائي يمنع عليه الاستمرار في حسابها على هذا‬
‫الرصيد‪.‬‬
‫وما يكرس هذا الطرح قرار لمحكمة الاستئناف التجارية بفاس جاء ضمن‬
‫حيثياته‪" :‬رصيد الحساب بالاطلاع دين عادي تسري عليه الفوائد القانونية‬
‫لا الفوائد البنكية التي لم يقع الاتفاق على سريانها بعد قفل الحساب‬
‫طبق ما س ار عليه اجتهاد المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا)"؛ وهو‬
‫توجه أكدته المحكمة نفسها من خلال قرارها رقم "‪ "1478‬الصادر بتاريخ‬
‫‪ 2011/11/3‬في الملف عدد ‪ ،1/318‬والذي جاء فيه‪" :‬لا يستحق البنك‬
‫المقرض الفوائد الاتفاقية بعد قفل الحساب إلا إذا قام اتفاق صريح على‬
‫سريانها بعد قفله‪ ،‬ولا يستحق بعد القفل إلا الفوائد القانونية‪ .‬ويبدأ‬
‫سريانها ابتداء من تاريخ الحكم القاضي بها على اعتبار أن الحكم المذكور‬
‫هو من أنشأها"‪.‬‬
‫وما يستشف من فحوى القرارين أعلاه أنه في غياب اتفاق صريح بين‬
‫البنك وزبونه على سريان الفوائد حتى بعد قفل الحساب‪ ،‬فإن الفوائد‬
‫الاتفاقية تتوقف بحصر الحساب‪.‬‬
‫وقد كرس القضاء الفرنسي هذا التوجه‪ ،‬عندما وضعت محكمة النقض‬
‫الفرنسية حدا لخلاف أخذ أمدا طويلا بين محاكم الاستئناف حول سعر‬
‫الفائدة المطبق على الرصيد النهائي للحساب بالاطلاع‪ ،‬لتقر مبدأ قانونيا‬
‫مفاده أنه لا يمكن الحكم بالف وائد الاتفاقية بعد قفل الحساب بالاطلاع إلا‬
‫بوجود اتفاق صريح على ذلك‪.‬‬
‫كما أكدت محكمة الاستئناف التجارية بمراكش في أحد قراراتها التوجه‬
‫المشار إليه أعلاه‪ ،‬من خلال اعتبارها على أنه‪" :‬لا يمكن الحكم بالفوائد‬
‫البنكية والضريبة على القيمة المضافة الناتجة عنها إلا عند وجود اتفاق‬
‫الطرفين بسريانها حتى بعد قفل الحساب"؛ وهو توجه سارت عليه‬
‫المحاكم التجارية وباقي محاكم الاستئناف التجارية المغربية في عديد‬
‫من الأحكام والقرارات التي بلغت درجة من التواتر يمكن معها القول بأن‬
‫هناك استقرارا في العمل القضائي بخصوص هذه النقطة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إشكالية تطبيق الفوائد القانونية‪:‬‬
‫بمجرد ما يتم قفل أو حصر الحساب بالاطلاع يصبح الدين الناتج عن‬
‫ترصيده دينا عاديا ومستحقا في تاريخ حصره‪ ،‬ولا يمكن أن ينتج عنه أية‬
‫فوائد اتفاقية‪ ،‬وتسري عليه آنذاك الفوائد القانونية من تاريخ قفل‬
‫الحساب على اعتباره أنه تاريخ استحقاق الدين؛ وهو ما أكدته محكمة‬
‫النقض في أحد قراراتها حينما اعتبرت أنه‪" :‬تكون قد طبقت القانون‬
‫تطبيقا سليما المحكمة التي أصدرت حكما قضى بأداء المدعى عليهما‬
‫تضامنا لفائدة المدعية المبلغ المطلوب كأصل الدين مع الفوائد‬
‫القانونية من اليوم الموالي لوقف الحساب إلى غاية التنفيذ"‪.‬‬
‫وهو توجه سارت عليه المحكمة التجارية بمراكش في حكم لها جاء ضمن‬
‫حيثياته‪" :‬أنه بتوقف الحساب تتوقف جميع آثاره‪ ،‬بما فيها الفوائد البنكية‬
‫والضريبة على القيمة المضافة‪ ،‬ولا تستحق عنه سوى الفوائد القانونية‬
‫من اليوم الموالي لقفل الحساب إلى غاية الأداء"‪.‬‬
‫وبالرغم من وجود اتجاهات أخرى تقضي باستحقاق الفوائد القانونية من‬
‫تاريخ المطالبة القضائية وأخرى تذهب إلى اعتبار أنها تستحق من تاريخ‬
‫الحكم‪ ،‬فإننا نعتقد أن ما سارت عليه محكمة النقض يبقى هو الأقرب إلى‬
‫خصوصية الدين الناتج عن الحساب بالاطلاع؛ ذلك أن الفوائد القانونية إذا‬
‫كانت تعتبر تعويضا عن الضرر الناتج عن التأخير في تنفيذ الالتزام بإرجاع‬
‫مبلغ من النقود داخل الأجل المحدد‪ ،‬فإن الضرر المستوجب للتعويض قد‬
‫تحقق بتاريخ قفل الحساب‪ ،‬خاصة أنه قد يفصل وقت ليس بالهين بين‬
‫تاريخ قفل الحساب‪ ،‬الذي غالبا ما تحدده المحكمة بتاريخ آخر عملية تمت‬
‫في الحساب‪ ،‬وتاريخ المطالبة القضائية‪.‬‬
‫وإذا كان قفل الحساب يحرم البنك من الاستفادة من الفائدة بالسعر‬
‫البنكي فعلى الأقل يجب تمتيعه بالفوائد بالسعر القانوني لجبر الضرر‬
‫المفترض الناجم عن عدم الأداء‪ ،‬وأن الحكم بسريانها من تاريخ الطلب أو‬
‫تاريخ الحكم يعني حرمان البنك من أي فائدة عن دينه من تاريخ قفل‬
‫الحساب إلى غاية تاريخ المطالبة القضائية أو تاريخ الحكم؛ وهو ما من‬
‫شأنه تشجيع الزبون على وقف الأداء ما دام أنه سيستفيد‪ ،‬ولو لفترة‬
‫معينة‪ ،‬من توقف سريان الفوائد سواء أكانت اتفاقية أو قانونية‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬إشكالية تحديد تاريخ توقف الحساب‬
‫لقد تفرعت عن مبدأ سريان الفوائد الاتفاقية طيلة سريان الحساب إلى‬
‫غاية توقفه إشكالية أخرى تتعلق بتحديد تاريخ هذا التوقف لما لتحديد‬
‫هذا الأخير من أهمية كبيرة على عدة مستويات نذكرها كالآتي‪:‬‬
‫المستوى الأول‪ :‬الفوائد الاتفاقية يتم احتسابها إلى غاية قفل الحساب؛‬
‫المستوى الثاني‪ :‬الفوائد القانونية لا يتم احتسابها إلا بعد قفل الحساب؛‬
‫المستوى الثالث‪ :‬أنه يمكن احتساب الفائدتين معا – الاتفاقية والقانونية‬
‫– متى وجد اتفاق بين الطرفين على سريانها (الفائدة الاتفاقية) بعد قفل‬
‫الحساب؛‬
‫المستوى الرابع‪ :‬أن أمد التقادم ينطلق احتسابه من تاريخ قفل الحساب‪.‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬كان على القضاء الحسم في إشكال جوهري يتعلق بسلطة‬
‫المحكمة في مراقبة تاريخ حصر الحساب وتحديد تاريخ غير التاريخ‬
‫المحدد من قبل البنك‪ ،‬وخصوصا أمام الغموض الذي لف تنظيم قفل‬
‫الحساب البنكي في المادة ‪ 503‬من مدونة التجارة (قبل التعديل)‪ ،‬إذ إن‬
‫هذه الأخيرة لم تحدد شكلا معينا لهذا القفل‪ ،‬إلا إذا كانت المبادرة من‬
‫قبل البنك‪ ،‬أما الزبون فهو غير ملزم على الأقل من الناحية القانونية بإتباع‬
‫أي إجراء‪ .‬ومن جهة ثانية ما تمت ملاحظته من قبل المحاكم من خلال‬
‫الكشوف الحسابية التي تعزز بها البنوك مقالاتها الافتتاحية‪ ،‬إذ إن‬
‫العمليات الفعلية التي تمت في الحساب توقفت في تاريخ معين بينما‬
‫تستمر هذه الأخيرة مع ذلك في تشغيل الحساب بتقييد الفوائد البنكية‬
‫ورسملتها على رأس كل ثلاثة أشهر لفترة طويلة‪.‬‬
‫وقد أكد القضاء في مجموعة من القرارات أن تاريخ حصر الحساب هو‬
‫تاريخ التوقف الفعلي للعمليات الدائنية أو المدينية‪ ،‬وفي هذا التاريخ‬
‫يصبح هذا الرصيد مستحقا ويمكن المطالبة به قضاء‪ ،‬وابتداء منه كذلك‬
‫يسري أجل التقادم المسقط لدعوى الأداء؛ فقد جاء في قرار لمحكمة‬
‫النقض‪" :‬أن عدم تشغيل الحساب من طرف الزبون وتوقف التقييدات‬
‫فيه دال على تجميده وإغلاقه مما لا يسمح للبنك باحتساب الفوائد من‬
‫تاريخ تجميده"‪ ،‬وفي قرار آخر لمحكمة الاستئناف التجارية بمراكش أن‪:‬‬
‫"عدم تطعيم الحساب بالاطلاع بمدفوعات من الجانبين لمدة ليست‬
‫باليسيرة تعتبر دليلا على أنه أقفل فعليا"؛ في حين عبرت محكمة‬
‫الاستئناف التجارية بفاس عن ذلك بتأكيدها أن‪" :‬إنهاء الحساب قد يكون‬
‫ضمنيا يستخلص من إرادة طرفيه كما يمكن أن يكون صريحا‪ ،‬والمحكمة‬
‫تعتبره مقفولا عند آخر قطع له إذا لم تتبعه عملية جديدة ولم يرسل‬
‫البنك للزبون أي ميزان آخر"؛ وهو ما أكدته محاكم الاستئناف التجارية في‬
‫العديد من القرارات‪.‬‬
‫وهذا التوجه هو تطبيق للتعريف القانوني والفقهي للحساب بالاطلاع‬
‫الذي يشترط تبادل المدفوعات بين الطرفين‪ ،‬حيث إن هذا العنصر يعتبر‬
‫الركن الأساسي لاعتبار حساب ما حسابا بالاطلاع؛ فتسجيل الحساب‬
‫لعمليات من جهة واحدة يكيف على أنه إيداع نقود إذا كان الزبون هو‬
‫الذي يطعم الحساب لوحده‪ ،‬ويتخذ شكل اعتماد إذا كانت العمليات‬
‫المسجلة به من جهة البنك لوحده‪.‬‬
‫وتتضح الأهمية الكبيرة لحصر تاريخ قفل الحساب‪ ،‬في انعكاسها على‬
‫سريان احتساب أمد التقادم؛ فقد أكدت محكمة الاستئناف التجارية بفاس‬
‫في قرارها عدد "‪ ،"150‬الصادر بتاريخ ‪ 2012/1/24‬ملف عدد ‪،2011/805‬‬
‫أن‪" :‬أجل تقادم الدعوى المقدمة من طرف البنك والمستندة لحساب‬
‫الزبون بالاطلاع لا تسري إلا ابتداء من تاريخ تحديد الرصيد النهائي‬
‫للحساب إما من طرف البنك أو بطلب من الزبون‪.‬‬
‫‪ -‬الاجتهاد القضائي قار على أن تار يخ حصر الحساب هو التاريخ الذي‬
‫يتوقف فيه عن إجراء دفعات متبادلة وبعده يتوجب على البنك القيام‬
‫بالإجراءات التنظيمية لتصفية الحساب والمطالبة بالدين داخل أجل‬
‫معقول‪.‬‬
‫‪ -‬الحساب بالاطلاع يعتبر عملا تجاريا بالنسبة للبنك‪ ،‬والرصيد النهائي‬
‫يخضع في تقادمه لأحكام المادة الخامسة من م ت ‪.‬‬
‫‪ -‬التقادم في الميدان التجاري مبني على استقرار المعاملات حسبما سار‬
‫عليه اجتهاد المجلس الأعلى عدد ‪ 594‬الصادر بتاريخ ‪ 2007/5/23‬في‬
‫الملف التجاري عدد ‪. 2006/1/3/893‬‬
‫‪ -‬الحساب الذي توقف قبل خمس سنوات من المطالبة يعد متقادما‬
‫والدعوى به سقطت" ‪.‬‬
‫كما جاء في قرار آخر صادر عن نفس المحكمة تحت رقم "‪ "1760‬بتاريخ‬
‫‪ 2011/12/20‬ملف عدد ‪ 2010/286‬أنه‪" :‬ابتداء من التاريخ الذي كان من‬
‫المتعين قفل الحساب الجاري له يحسب أجل التقادم المنصوص عليه‬
‫في المادة الخامسة من مدونة التجارة"‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬إقفال الحساب بالاطلاع بعد تعديل المادة ‪ 503‬من‬
‫مدونة التجارة‬
‫بالرجوع إلى المادة ‪ 505‬من مدونة التجارة‪ ،‬يتبين أنها لم تحدد المدة‬
‫التي يتعين مراعاتها بين مرحلة قفل الحساب وتصفيته‪ ،‬إذ كان يلجأ البنك‬
‫خلال فترة قفل التصفية إلى نقل حساب الزبون المفتوح لديه إلى حساب‬
‫من نوع آخر يسمى "حسا ب المنازعات" رغبة في استرداد مستحقاته‪ ،‬ولا‬
‫يلجأ إلى القفل النهائي للحساب والمطالبة القضائية إلا بعد فشل‬
‫الإجراءات الودية‪.‬‬
‫وفي هذه الحالة يلجأ البنك إلى تحويل الأقساط غير المؤداة من رأسمال‬
‫وفوائد إلى حسابات خاصة تسمى "حسابات الأداء" والتي على أساسها‬
‫يتم احت ساب الفوائد البنكية إلى غاية الأداء الفعلي للزبون مما يثير‬
‫التساؤل حول الفائدة المترتبة على هذا الحساب خلال هذه الفترة‪.‬‬
‫وإذا كان الزبون خلال هذه الفترة لا يستفيد من الخدمات التي يقدمها له‬
‫الحساب بالاطلاع أثناء تشغيله‪ ،‬وفي المقابل لا يمكن إلزامه بأداء الفوائد‬
‫الاتفاقية ما لم يوجد اتفاق على ذلك بينه وبين البنك؛ وهو مبدأ أقره‬
‫الاجتهاد القضائي كما بينا سابقا‪.‬‬
‫لكن المشرع‪ ،‬ورغبة منه في تلافي كل الإشكالات التي أثارها موضوع‬
‫قفل الحساب البنكي‪ ،‬كان حكيما من خلال الظهير الشريف رقم ‪1.14.142‬‬
‫الصادر بتاريخ ‪ 25‬من شوال ‪ 22( 1435‬غشت ‪ )2014‬بتنفيذ القانون رقم‬
‫‪ 134.12‬تنسخ وتعوض بمقتضاه أحكام المادة ‪ 503‬من القانون رقم‬
‫‪ 15.95‬المتعلق بمدونة التجارة والذي شكل بكل أمانة طوق النجاة للعديد‬
‫من زبناء البنوك‪ ،‬لتلافيه لعيوب وثغرات المادة سالفة الذكر ‪ -‬قبل‬
‫التعديل ‪ -‬بنصه على أنه‪" :‬يوضع حد للحساب بالاطلاع بإرادة أي من‬
‫الطرفين‪ ،‬بدون إشعار سابق إذا كانت المبادرة من الزبون ومع مراعاة‬
‫الإشعار المنصوص عليه في الباب المتعلق بفتح الاعتماد إذا كانت‬
‫المبادرة من البنك؛ غير أنه وجب أن يوضع حد للحساب المدين بمبادرة‬
‫من البنك إذا توقف الزبون عن تشغيل حسابه مدة سنة من تاريخ آخر‬
‫عملية دائنة مقيدة به‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬يجب على البنك قبل قفل‬
‫الحساب‪ ،‬إشعار الزبون بذلك بواسطة رسالة مضمونة في آخر عنوان‬
‫يكون قد أدلى به لوكالته البنكية‪ .‬إذا لم يبادر الزبون داخل أجل ستين‬
‫يوما من تاريخ الإشعار بالتعبير عن نيته في الاحتفاظ بالحساب‪ ،‬يعتبر‬
‫هذا الأخير مقفلا بانقضاء هذا الأجل‪ .‬يقفل الحساب أيضا بالوفاة أو‬
‫انعدام الأهلية أو التسوية أو التصفية القضائية للزبون"‪.‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬فإن الزبون غير ملزم باتباع أي إجراء لقفل حسابه؛ غير أن‬
‫البنك ملزم قبل وضع الحد للحساب المدين والذي توقف صاحبه عن‬
‫تشغيله لمدة سنة من تاريخ آخر عملية دائنة مقيدة به إشعار الزبون‬
‫بواسطة رسالة مضمونة في آخر عنوان يكون قد أدلى به لوكالته البنكية‪،‬‬
‫فإذا تقاعس الزبون عن التعبير عن نيته في الاحتفاظ بحسابه داخل أجل‬
‫ستين يوما من تاريخ الإشعار‪ ،‬فإن حسابه يعتبر مقفلا بانقضاء هذا الأجل‪.‬‬
‫وقد بدأت مختلف المحاكم المختصة بتطبيق مقتضيات التعديل‪ ،‬إذ جاء‬
‫في قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء تحت رقم‬
‫‪ 5269‬ملف عدد ‪ 2015/8222/2217‬بتاريخ ‪ 2015/10/22‬ما يلي‪" :‬وحيث‬
‫إن القانون رقم ‪ 134-12‬المنشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 6290‬بتاريخ‬
‫‪ 2014/9/11‬نسخ وعدل مقتضيات أحكام المادة ‪ 503‬من القانون رقم‬
‫‪ 15-95‬المتعلق بمدونة التجارة والتي أصبحت تنص على ما يلي‪( :‬يوضع‬
‫حد للحساب بالاطلاع بإرادة أي من الطرفين‪ ،‬بدون إشعار سابق إذا كانت‬
‫المبادرة من الزبون ومع مراعاة الاشعار المنصوص عليه في الباب‬
‫المتعلق بفتح الاعتماد إذا كانت المبادرة من البنك)‪ ،‬وأضاف المشرع (أنه‬
‫يجب أن يوضع حد للحساب المدين بمبادرة من البنك إذا توقف الزبون‬
‫عن تشغيل حسابه مدة سنة من تاريخ آخر عملية دائنة مقيدة به)‪ ،‬وفي‬
‫هذه الحالة يجب على البنك قبل قفل الحساب إشعار الزبون بذلك‬
‫بواسطة رسالة مضمونة في آخر عنوان يكون قد أدلى به لوكالته‬
‫البنكية"‪.‬‬
‫لكن الملاحظ على مستوى الواقع العملي أن بعض البنوك ما زالت‬
‫تستغل جهل بعض زبنائها بهذه المقتضيات‪ ،‬فتشعرهم بضرورة الأداء عن‬
‫حسابات بنكية لم تعرف أي حركية لأكثر من سنة ودون سلوك لمسطرة‬
‫الإشعار المنصوص عليها في المادة سالفة الذكر‪.‬‬
‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬فمطالبة البنك لزبونه بأداء مبلغ معين بعد‬
‫توقفه عن تشغيل حسابه المدين لمدة سنة‪ ،‬تحتسب من تاريخ آخر عملية‬
‫دائنة مقيدة به‪ ،‬هي مطالبة غير قانونية‪ ،‬واستغلال لجهل بعض الزبناء‬
‫بالمقتضيات القانونية‪ ،‬إذ يتوج ب على البنك أن يقفل الحساب بعد القيام‬
‫بمسطرة الإشعار المنصوص عليها في هذه المادة مباشرة بعد تقاعس‬
‫الزبون عن الإجابة عن فحوى الإشعار المذكور؛ لكن نسجل أنه وفي حالات‬
‫كثيرة يؤدي الزبناء تلك المبالغ المطالب بها خوفا من المتابعات‬
‫القضائية في اعتقادهم‪ ،‬علما أنه من غير المتصور أن تبادر مؤسسة‬
‫بنكية إلى متابعة زبون لها عن الأداء بهذا الخصوص‪ ،‬وهي تعلم مسبقا‬
‫عدم قبول طلبها لعدم استيفائه للشروط الشكلية؛ لأنه لا وجود والحالة‬
‫هذه لعنصر المصلحة‪ ،‬والتي يشترط فيها أن تكون مبنية على أساس‬
‫قانوني‪ ،‬وهو الذي لا وجود له والحالة هاته ما دامت المؤسسة البنكية قد‬
‫خرقت القانون أصلا لعدم إغلاقها الحساب البنكي‪ ،‬على الرغم من توفر‬
‫الشروط القانونية لذلك‪.‬‬
‫ويمكن القول إن الرضوخ لمراسلات المؤسسات البنكية ‪ -‬وإن كان‬
‫البعض يفسرها على كونها بسبب اقتراف بنكيين لأخطاء خلال عملية‬
‫"إغلاق الحساب"‪ ،‬تتمثل في حذف الحساب من النظام المعلوماتي فقط‪،‬‬
‫فيما تظل الالتزامات المرتبطة به نشيطة ضمن النظام ذاته؛ وهو ما‬
‫يفسر استمرار توصل الزبون بخطابات التحصيل من البنك‪ ،-‬فإن أداء‬
‫المبالغ المطالب بها هو تنازل عن الحقوق‪ ،‬وفيه تشجيع لهذه الأخيرة في‬
‫الاستمرار في مثل تلك السلوكات المنافية للنص القانوني‪ ،‬وأكل لأموال‬
‫الناس بالباطل‪ ،‬وإن عدم استجابة الزبناء لتلك المراسلات لن يضرهم في‬
‫شيء‪.‬‬
‫وختاما‪ ،‬وإن كان لا يعذر أحد بجهله للقانون‪ ،‬فإننا نرى أن العديد من زبناء‬
‫المؤسسات البنكية ما زالوا يجهلون مقتضيات المادة ‪ 503‬من مدونة‬
‫التجارة في صيغتها الحالية‪ .‬لذلك‪ ،‬بات لزاما خلق برامج تحسيسية بهذا‬
‫الخصوص‪ .‬كما يتوجب على جمعيات حماية المستهلك أن تقوم بدورها‬
‫حد لممارسات تؤرق العديد من زبناء البنوك‪.‬‬‫بهذا الخصوص‪ ،‬ووضع ّ‬
‫باحث في قانون الأعمال*‬

You might also like