You are on page 1of 29

‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫العربي‬

‫تأثر المغاربة بالحداثة المشرقية‪:‬‬


‫بدأ شعر النهضة الحديثة في المغرب نقال عن القصيدة المشرقية في موضوعاتها و في بنيتها و‬
‫لم تظهر القص يدة المغربي ة الحديث ة إال في الس تينات‪ ،‬ك ان الش عر قبل ذل ك محاول ة للخ روج من‬
‫الش كلية إلى االنفت اح على الحي اة الجدي دة ال تي غ يرت وج ه الع الم‪ ،‬و تف اعلت فيه ا التي ارات‬
‫االجتماعية و الثقافية و السياسية تفاعال حرك شعوبها و وجه األقالم توجيها جديدا يرفده العلم‪،‬‬
‫و تغذيه الصراعات النفسية و االجتماعية‪.‬‬
‫ك ان الش عر في مطل ع عه د النهض ة م دحا و رث اء و إخواني ات‪ ،‬كم ا ك ان ص ناعة لفظي ة و‬
‫عروضية أكثر مما كان معاناة و تعبيرا عن واقع نفسي و اجتماعي و عندما هبت ريح الثورة‬
‫االس تقاللية و ض اقت نف وس الن اس بالحماي ة و م ا رافقه ا من مض ايقات‪ ،‬واكب الش عر تل ك‬
‫الحرك ة‪ ،‬كم ا واكب مول د االس تقالل بعاطف ة عارم ة‪ ،‬فحي ا أبط ال االس تقالل و حي ا الشعب ال ذي‬
‫ناض ل و تحم ل الص عوبات في ص بر و ثب ات‪ ،‬و دع ا إلى الس ير في طري ق ال رقي العلمي و‬
‫‪1‬‬
‫التقدم الحضاري‪.‬‬
‫في المغرب العربي بدأت ممهدات الحداثة و مقدماتها على دعوات التجديد المتحرف في الثقافة‬
‫و الفك ر و األدب‪ ،‬و ق د ب رزت تل ك ال دعوات بش كل أوض ح من ذ س نة ‪ 1956‬مطالب ة بتح ديث‬
‫القضايا الفكرية و االجتماعية و األدبية و السياسية‪ ،‬ثائرة على القديم بأشكاله و مضامينه متأثرة‬
‫في ذل ك باالتجاه ات الباطل ة و المنحرف ة في أمريك ا و أوروب ا و روس يا‪ ،‬مفي دة من الحرك ات‬
‫الثورية في المشرق العربي‪ ،‬و قد مثل هذه الدعوات مجموعة من بالد المغرب أمث ال ‪ :‬أحمد‬
‫المجاطي‪ ،‬و محمد السرغيني‪ ،‬و محمد الخمار‪ ،‬و محمد الميموني‪ ،‬و أحمد الجوماري‪ ،‬و عبد‬
‫الكريم طبال‪ ،‬و غيره كثير‪.‬‬
‫يقول الحداثي المغربي محمد بنيس بأن ‪ " :‬المعرفة الشعرية لدى هذه المجموعة مكنتهم‪ ،‬رغم‬
‫تفاوتها من ترسيخ قصيدة مغربية نلمس فيها جرأة التجريب‪ ،‬و اقتحام الحدود‪ ،‬و افتتاح غرابة‬
‫‪1‬‬
‫?‪.‬حنا الفاخوري‪ ،‬تاريخ األدب في المغرب العربي ‪-‬‬
‫‪41‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫اللغة‪ ،‬أي الشروع في ضرورة إعالن االنتماء للحداثة الشعرية‪ ،‬و هذا من بين ما واد انفصاال‬
‫نس بيا بين الش اعر و الق ارئ‪ 1‬على أن ه ذا االنفص ال الض روري ه و ال ذي س مح بممارس ة ح ق‬
‫رؤية شعرية مغايرة في الوجود "‪.‬‬
‫أم ا البداي ة الحقيقي ة للحداث ة هن اك‪ ،‬فإنه ا ت ؤرخ بنهاي ة الس تينات‪ ،‬و بداي ة الس بعينات من الق رن‬
‫الميالدي العش رين‪ ،‬حيث " ش رع ثل ة من المفك رين المغارب ة في تحدي د و بحث أس ئلة مغ ايرة‬
‫ألسئلة الغرب فظهرت أعمال عبد اهلل العروي و عبد الكبير الخطيبي و محمد عابد الج ابري‪ ،‬و‬
‫في ال وقت نفس ه أخ ذت بعض الطروح ات الثقافي ة ال تي تعي د ق راءة الواق ع الثق افي في عالقت ه‬
‫الجدلي ة المتش بكة م ع الواق ع السياس ي االجتم اعي تع بر عن تواج دها ‪ ،‬و ال ش ك أن تم يز ه ذه‬
‫‪2‬‬
‫المرحلة القبول و الرضا‪ ،‬و الشروع في مغادرة الخطاب التعميمي‪.‬‬
‫و في الس بعينات من الق رن الميالدي انتش رت الحداث ة في المغ رب الع ربي‪ ،‬و تلقفه ا كث ير من‬
‫الشباب الموجهين المخدوعين‪.‬‬
‫يق ول محم د ب نيس‪ " :‬و تك ون الس بعينات ف ترة اتس اع و تن وع التج ارب الش عرية‪ ،‬و هي األبع د‬
‫مغامرة ‪ ،‬تكاثر عدد الشعراء الشباب‪ ،‬و انطلق البحث غن خصوصية القصيدة المغربية ضمن‬
‫القص يدة العربي ة بذائق ة نقدي ة م رة‪ ،‬و باحتض ان دم وحي د م رة أخ رى‪ ،‬هن ا أيض ا نلتقي بجي ل‬
‫يحتمي ب الرفض‪ ،‬و األل ق‪ ،‬و المه اوي الس حيقة‪ ،‬لك أن ف ترة الس بعينات تح ولت إلى ن ار مقدس ة‬
‫توقدها الشبيبة في أعضاء الكلمات‪ ،‬فتتآتى القصيدة بحثا مستمرا عن أشكال ال مستقر لها‪ ،‬و ها‬
‫نحن اآلن نستطيع إدراك الحدث الذي حفرته قصيدة السبعينات في جسد الشعر المغربي الحديث‬
‫بعنق المساءلة و انتهاج طرائق غير مألوفة في التصورات الشعرية السائدة‪.‬‬
‫لهذا الجيل أنتمي‪ ،‬و إحساسنا باالنضغاط بين التقليد الشعري العربي‪ ،‬و عدم التمكن من حرية‬
‫‪3‬‬
‫اختراق الحلم الشعري هو ما وحد لغة التدمير فينا "‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫?‪.‬محمد بن عبد العزيز بن أحمد العلي‪ ،‬الحداثة في العالم العربي‪ ،‬ص ‪- 559‬‬
‫‪2‬‬
‫‪.‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪- 593‬‬ ‫?‬

‫‪3‬‬
‫?‪.‬نفسه‪ ،‬ص ‪- 561‬‬
‫‪42‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫و إن كان الحديث في ما سبق عن المغرب فان بقية بدول العالم العربيين كالجزائر و تونس لم‬
‫تسلم من تيار الحداثة‪ ،‬و هذا ما يبينه محمد بنيس بقوله ‪ ”:‬و ال شك أن الشعر المغربي الحديث‬
‫يلتقي في ه ذا الوض ع م ع ش عر بل دان المغ رب الع ربي ‪ ،‬و م ا يمكن تس ميته بالمحي ط الش عري‬
‫الع ربي‪ ،‬حيثم ا وج د في مش رق الع الم الع ربي أو مغرب ه‪ ،‬و ه و وض ع تش رطه عوام ل‬
‫ثقافي ة‪/‬لغوي ة‪ ،‬كم ا تش رطه عوام ل اجتماعي ة‪/‬تاريخي ة‪ ،‬لم ينح من ه إال ش عراء ن ادرون‪ ،‬و في‬
‫طليعتهم الشاعر التونسي الكبير أبي القاسم الشابي‪،‬‬
‫ثم تحدث عن بعض عوامل انتشارا للحداثة هناك قائال‪:‬‬
‫" إن ما أصبح عليه الوضع الشعري في مغرب السبعينات يكاد يكود قلبا لهذا القانون‪ ،‬لما لعبه‬
‫الشعر المغربي باللغة الفرنسية‪ ،‬و التفاعل الخصيب بين جيل السبعينات و الشعر اإلنساني في‬
‫جهات العالم األربع‪ :‬عن طريق اللغة الفرنسية خصوصا‪ ،‬و للمستوى الثقافي المتقدم لهذا الجيل‬
‫الذي حصل على مستوى علمي أرقى‪ ،‬و إلتساع و عمق االتصال المباشر بين شعراء المشرق‬
‫كأدوس ين‪ ،‬و محم د درويش‪ ،‬و س عدي يوس ف‪ ،‬و عب د الوه اب البي اتي و ش عراء المغ رب في‬
‫الفترة ذاتها‪ ،‬هذه العوامل من بين العوامل المتشبكة التي أعطت للقصيدة فضاء حريتها‪ ،‬و من‬
‫ثم كفت التجرب ة الش عرية ل دي‪ ،‬كم ا ل دى أص دقائي عن أن تك ون محص ورة في وطني ة عمي اء‬
‫‪1‬‬
‫تخشى أفقها اإلنساني "‬
‫و يؤكد ذلك‪ ،‬و يزيد عليه ‪ ،‬في موضع آخر فيقول ‪:‬‬
‫" االلتقاء الثقافي و الفكري الذي كان قائم ا بين المغرب و المشرق كان بطيئ ا جدا‪ ،‬و ال سيما‬
‫في عهد الحماي ة الفرنسية و اإلس بانية‪ ....‬فمثال يذكر ش اكر الس ياب ال أعتقد انه عرف معرفة‬
‫حقيقية إال من بعد الستينات‪ ،‬و حتى المجالت المتخصصة في الشعر الحر حتى بالنسبة للمش رق‬
‫لم تؤسس إال بعد الخمسينات‪ ،‬و في المقدمة مجلة اآلداب‪ ،‬و اعتقد‪ 2‬أن هذه المجلة هي الرسول‬

‫‪1‬‬
‫?‪.‬محمد بن عبد العزيز بن أحمد العلي‪ ،‬الحداثة في العالم العربي‪ ،‬ص ‪- 562‬‬
‫‪2‬‬
‫?‪.‬نفسه‪ ،‬ص ‪- 563‬‬
‫‪43‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫له ذا الش عر من المش رق إلى المغ رب‪ ،‬دخلت المغ رب في الس تينات‪ ،‬و لكنه ا لم تس تطع أن‬
‫تستقطب حولها من تستقطب من الشعراء و أن تبلغ فكرتها إلى هنا إال بعد الستينات"‬
‫و ك ذلك أف ادت الحداث ة في المغ رب من االتجاه ات الحداثي ة و الفلس فية الغربي ة مباش رة‪ ،‬عن‬
‫طريق الترجمة و الهجرة و نحوها‪ ،‬كما أشار إلى ذلك الحداثي المغربي محمد برادة‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫رمضان حمود حياته و آثاره ‪:‬‬


‫حمود رمضان ( حمود هو اسمه الشخصي كما يقول هو شخصيا‪ ،‬فيكون رمضان لقبا عائليا‬
‫على الرغم من اشتهاره لدى الناس تحت رمضان) بن سليمان بن بلقاسم‪ 1‬ولد يوم األحد العاشر‬
‫من رمضان عام ‪ 1324‬هـ الموافق للثامن و العشرين أكتوبر ‪ 1906‬بوادي ميزاب بغرداية في‬
‫الجن وب الجزائ ري‪ ،‬نش أ وس ط عائل ة متدين ة و محافظ ة‪ ،‬انتق ل م ع وال ده إلى غل يزان و ه و ابن‬
‫س ت س نين فتعلم به ا الق رآن الك ريم و مب ادئ اللغ تين العربي ة و الفرنس ية‪ ،2‬و في س ن السادس ة‬
‫عش ر انتق ل إلى ت ونس حيث درس النح و و األدب و المنط ق و العل وم اإلس المية لم دة ثالث‬
‫س نوات متنقال بين م دارس الس الم‪ ،‬المدرس ة القرآني ة األهلي ة و المدرس ة الخلدوني ة ثم ج امع‬
‫الزيتونة‪ ،‬و تعرض بعد عودته إلى الجزائر للسجن و بعد خروجه واصل تعليمه باالعتماد على‬
‫نفس ه من خالل مطالعت ه‪ 3‬و ق د اش تهر ب آراءه الثوري ة و بأفك اره النقدي ة الهام ة في األدب و‬
‫‪4‬‬
‫االجتماع‪ ،‬و له شعر يتراوح بين الجودة و غيرها‪.‬‬
‫و هو من الشعراء الذي ماتوا قبل سن الثالثين‪ ،‬فهو معدود من هذه الوجهة في طبقة الشعراء‬
‫قص يري األعم ار أمث ال طرف ة بن بولعي د ال ذي قت ل في س ن مبك رة‪ ،‬و أبي القاس م الش ابي ال ذي‬
‫م ني بم رض قات ل في ش بابه‪ ،‬و أبي تم ام الط ائي ال ذي لم يعم ر ه و أيض ا إال قليال‪ ،‬اختطفت ه ي د‬
‫‪5‬‬
‫المنون في الثالثة و العشرين من عمره في مسقط رأسه سنة ‪ 1929‬في جريدة الشهاب‪.‬‬

‫‪- 1‬عبد المالك مرتاص‪ ،‬معجم الشعراء الجزائريين في القرن العشرين‪ ،‬دار هومة ‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص ‪.414‬‬
‫‪- 2‬موسوعة الشعر الجزائري‪ ،‬مجموعة أساتذة من جامعة منتوري دار الهدى الجزائر‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪.435‬‬
‫‪3‬‬
‫?‪.‬رابح خدوسي‪ ،‬موسوعة العلماء و األدباء الجزائريين‪ ،‬دار الحضارة‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص ‪-154‬‬
‫‪4‬‬
‫?‪.‬محمد ناصر‪ ،‬رمضان حمود حياته و آثاره‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪،‬الجزائر‪- 1985 ،‬‬
‫‪-5‬عبد الملك مرتاض‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.414‬‬
‫‪45‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫أوردت جمعي ة اإلص الح نفي الش اعر حم ود في جري دة الش هاب هي أة جمعي ة اإلص الح بغرداي ة‬
‫ي وم ‪ 15‬ديس مبر ‪ 1929‬م‪ 6‬إلى الش عب الم يزابي المجي د إلى أدب اء الجزائ ر الك رام إلى آل‬
‫رمضان‪.‬‬
‫إن جمعي ة اإلص الح بغرداي ة تتق دم إليكم بمخض ل دموعه ا و أح ر عواطفه ا مش اركة إي اكم في‬
‫فاجع ة وف اة عض دها األمين و س اعدها الم تين المرح وم رمض ان حم ود معترف ة أنه ا فق دت من‬
‫ص فها أعظم عام ل مص لح في ال وطن‪ ،‬و أك بر غي ور ملي و أج ل رج ل من رج ال العف ة و‬
‫الفض يلة و الحس نى ‪ ،‬و أنه ا لخس ارة عظمى و نائب ة جلى ‪ ،‬إن ا هلل و إن ا إلي ه راجع ون‪ .‬ه ذا و‬
‫للفقي د المرح وم مزاي ا على األم ة و األدب كب يرة‪ ،‬و من يط الع كتاب ة "ب ذور الحي اة" يج د هن اك‬
‫األدب الجم و الحكمة البالغة و تتضح له عبقرية و فتوة فقيدنا العزيز و هكذا ال يفجعنا الدهر‬
‫إال في الكرام األعزة‪ ،‬نسأل اهلل لنا و لكم الصبر و السلوان و للمرحوم المغفرة و الرضوان في‬
‫فراديس عليين‪.‬‬
‫غرداية ‪ ،‬رئيس جمعية اإلصالح‪ ،‬سليمان ابن أبي نوح و كتبت عنه الجريدة في نفس العدد ‪:‬‬
‫وفاة األخ رمضان حمود‪:‬‬
‫نعت إلين ا ص يفتنا " اإلص الح إالع زاء نب أ وف اة ه ذا الش اعر النابغ ة و األديب الف تي و المص لح‬
‫الوطني‪ ،‬فوقع عليا ذلك النبأ الوقع المؤلم حتى كأنما بتر عضو من جسد هيأتنا و أظلم أمامنا‬
‫قس م عظيم من مس تقبل الجزائ ر كن ا أنارت ه على ج ده و علم ه و إخالص ه و أعظم المص ائب م ا‬
‫أث ر في مس تقبل األوط ان و اق دح الرزاي ا م ا اض عف ق وة األمم فنحن و الح زن يأخ ذ من ا مأخ ذ‬
‫نعزي فيه الملة و الوطن و األدب سائلين له الرحمة و الرضوان و آلله الصبر و السلوان‪.‬‬
‫جاء نعي وفاة الشاب الشاعر رمضان حمود في جريدة الشهاب على النحو التالي ‪:‬‬
‫فقيد األدب و النهوض ‪ :‬السيد رمضان حمود رحمه اهلل‪،‬‬

‫‪ -6‬جريدة الشهاب‪ ،‬م‪ ،5‬ج ‪ ،12‬شعبان ‪ 1348‬هــ‪ /‬جانفي ‪.1930‬‬


‫‪46‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫قد كان هذا الشاب األديب الناهض ركنا ركينا من أركان النهضة األدبية بالجزائر و لو أهملته‬
‫األي ام لك ان نابغته ا في األدب بمعن اه الص حيح‪ ،‬و أن فيم ا نش ره ل ه ”الش هاب “ في الس نوات‬
‫الماضية لدليال واضحا على ما نقول فموته مصاب قومي مؤلم‪ ،‬ترك فراغا عظيما في صف‬
‫الع املين للنه وض األدبي و ال رقي الفك ري ب المجتمع الجزائ ري‪ ،‬فل ذا ذكرن ا لق راء " الش هاب "‬
‫مختص ر ترجمت ه ف ه ذا القس م من مجلتهم ليكون وا كم ا عرف وا فيه ا أدب ه المنظ وم و المنث ور‬
‫عارفين بصورة مصغرة من ترجمة حياته‪.1‬‬
‫من قص ائده ال تي تع الج اإلص الح ال ديني ‪( :‬الق ديم و الجدي د) و (عالم نل وم ال دهر) و ع الج‬
‫اإلصالح الديني نثرا في كتابه (بذور الحياة) من أقواله فيه (ما قتل اإلسالم إال المس لمون‪ ،‬و ال‬
‫دفن ال دين إال الجام دون) ( ال دين ينه اكم عن إتب اع النفس و لكن ه ال ي أمركم بقتله ا و زجه ا في‬
‫‪2‬‬
‫زاوية الجمود و اليأس‪ ،‬ليس الدين معناه الموت كما يضنون و لكنه هو الحياة عينها )‪.‬‬
‫نشر مقاالت في مجلتي‪ :‬وادي ميزاب و الشهاب له مجموعة من القصائد و محاولة قصصية‬
‫‪3‬‬
‫عن حياته بعنوان "الفتى " ‪.‬‬

‫‪- 1‬جريدة الشهاب‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬المجلد السادس‪ ،‬الفاتح شوال‪ 1348 ،‬هـ‪/‬مارس ‪ ، 1930‬ص ‪.107‬‬
‫‪ - 2‬صالح خرفي‪ ،‬الشعر الجزائري‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر و التوزيع‪ ،‬الجزائر ص ‪.42‬‬
‫‪ -3‬رابح خدوسي‪ ،‬موسوعة العلماء و األدباء الجزائريين‪ ،‬ص ‪.155‬‬
‫‪47‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫نماذج من شعره ‪:‬‬


‫عالم نلوم الدهر‬
‫عالم نلوم الدهر واهلل عادل * وننسب لأليام ما هو باطل‬
‫ونمأل وجه األرض رطبا ويابسا * بكاء وهل تجدي الدموع الهواطل‬
‫ونجزع للمكروه من كل حادث * وما ذاك إال ما َجَنْته األنامل‬
‫فلن يظلم اهلل العباد بحكمه * ولكن كفر المرء للمرء قاتل‬
‫ونزعم أنا مسلمون وديننا * تعيث به األهواء والكل ذاهل‬
‫ونبغي حياة العز والجهل دأبنا * وهل نال عزا في البسيطة جاهل‬
‫نسير وراء الناعقين تهالكا * لنحظى ببعض الشيء والشيء سافل‬
‫نرى قولهم حقا وصدقا وحجة * وإ ن جاء منهم تافه فهو كامل‬
‫نقلدهم كالببغاء تفرنجا * ولم نتبع ما قررته األوائل‬
‫إنا فرادى في المكارم والحجى * ولكن سدًا بيننا والفضائل‬

‫‪48‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫شباب على نهج الغواية سادر * وشيب عن اإلرشاد والنصح عادل‬


‫فكيف يقينا اهلل من سوء بطشه * وما هو عما يفعل العبد غافل‬
‫قبيح قبيح أن نسير مع الهوى * ضالل وقد قامت علينا الدالئل‬
‫قبيح علينا أن نرى في بطالة * وننبذ ثوب الجد والغير عامل‬
‫قبيح بني قومي السكوت وديننا * على عزة أنكرته األفاعل‬
‫قبيح عليكم أن تردوه خائبا * وفي الذكر أن اهلل للخلق قائل‬
‫فإن تنصروني إنني خير ناصر * وإ ن تخذلوني فالشقا والبالبل‬
‫أشتت شمل العابثين بحكمتي * وال يرتقي إال عبادي األماثل‬

‫‪1‬‬
‫أيها العرب‬
‫دون هذا العناء موت زؤام‬ ‫أيها العرب والخطوب جسام‬
‫ممطرات كأنهن غمام‬ ‫أيها العرب والحوادث جاءت‬
‫متى النطق والسكوت حرام‬ ‫إن يكن للحياة فيكم طموح‬
‫إن قلبي بالعال مستهام‬ ‫ناولوني يدا بها أتسامى‬
‫ولها في سما البيان هيام‬ ‫إن نفسي إلى المكارم تصبو‬
‫تعبت في مرادها األجسام"‬ ‫"وإ ذا كانت النفوس كبارا‬
‫ليت شعري وهل تقوم النيام‬ ‫أنفخ الروح في القلوب بشعري‬
‫فلشعري في كل نفس ضرام‬ ‫أضرم النار إن أردت بشعري‬
‫هضم الحق واستحل ذمام‬ ‫أرسل الشعر للنظال إذا ما‬
‫‪ -1‬جريدة الشهاب‪ ،‬م‪ ،5‬ج‪ ،12‬شعبان ‪ ،1348‬جانفي ‪ ،1930‬ص ‪.44‬‬
‫‪49‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫لم يقدر هداهم العالم‬ ‫ليت هل ينهض الكالم بقوم‬


‫نورا بها يزول الظالم‬ ‫رب إن الهدى هداك وآياتك‬
‫أكذا الدين أم كذا اإلسالم‬ ‫أيها العرب ما لكم في سبات‬
‫إن أمرتم فما عليكم سالم‬ ‫وقديما رأيتم الذل كفرا‬
‫فنشاط فيقظة فأمام‬ ‫أيها الناس سابقوا لخصال‬
‫إنما العلم فطنة واعتزام‬ ‫علموا االبن والبنات جميعا‬
‫كبدور تحفها األجرام‬ ‫علموهم وسيلة ليعيشوا‬
‫من أمور تسر منها اللئام‬ ‫إن شعبا كشعبنا ليس يرضى‬
‫من دروس وقد مضت أعوام‬ ‫ما استفدتم وغيركم في رباكم‬
‫فهو ليث وإ ن عليه ابتسام‬ ‫ال يغرنكم سكوت زمان‬
‫هدم النذل ما بنته الكرام‬ ‫كثرة الناس ال تفيد إذا ما‬
‫وكثير مع الخالف حطام‬ ‫فقليل مع الوئام كثير‬
‫وعالم النزاع وهو حرام‬ ‫فعالم الفراق والدين فرد‬
‫وثبات وعزمة ووئام‬ ‫لن تنيل المرام إال اتحاد‬
‫ال تلمني‬
‫‪1‬‬

‫لست أختار ما حييت سواها‬ ‫ال تلمني في حبها وهواها‬


‫إن روحي وما إليه فداها‬ ‫هي عيني ومهجتي وضميري‬
‫كوكبا ساطعا ببرج عالها‬ ‫إن عمري ضحية ألراها‬
‫وشقائي مسلم بشقاها‬ ‫فهنائي موكل برضاها‬
‫تنطوي األرض أم يخر سماها‬ ‫إن قلبي في عشقها ال يبالي‬
‫وقضى أن يرد روحي صداها‬ ‫قد قضى اهلل ان تكون كصوت‬

‫‪ -1‬صالح خرفي‪ ،‬الشعر الجزائري‪ ،‬الملحق الشعري‪ ،‬ص ‪.97-96‬‬


‫‪50‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫وصدود الحبيب نار وراها‬ ‫لم ُأنل حبيبي إال صدودا‬


‫كل ذبني في كون قلبي اصطفاها‬ ‫هجرتني من غير ذنب ولكن‬
‫في يد الوجد محرقا بلظاها‬ ‫قيدتني وخلفتني أسيرا‬
‫من وداعي تعلقي برداها‬ ‫فارقتني بال وداع وخافت‬
‫عذبت مهجتي بشحط نواها‬ ‫تركتني ولم تراعي هيامي‬
‫بشقائي دمت أبغي لقاها‬ ‫هكذا سنة المحبة تقضي‬
‫يحمل خطب هموم سواها‬ ‫إيه يا دهر فارَفَقن بقلب‬
‫أجد فيك حكمة وانتباها؟‬ ‫أيها الطائر! المحلق فوقي‬
‫يحمل السر للحبيب وجاها؟‬ ‫أترى هل تكون مني رسوال‬
‫حين تأتي ديارها وتراها‬ ‫بلغناها مقالة من صديق‬
‫يحفظ الود و العهود قصاها‬ ‫ان ذاك الكئيب مازال خال‬
‫وصاال يكون فيه رضاها‬ ‫أتمنى بأن أراها فما أحلى‬
‫بهام بين الضلوع رماها‬ ‫كاد حبي لها يبدد جسمي‬

‫مفهوم الشعر عنده ‪:‬‬


‫كانت أول بذرة بالتحديد على يد (رمضان حمود) بقصيدته (يا قلبي) التي نشرها في العدد (‬
‫‪ )96‬من جريدة (وادي ميزاب) في ‪.1 )10/08/1928‬‬
‫و لو تأملنا مقاالته التي نشرت تحت عنوان ‪”:‬حقيقة الشعر و فوائده “ فهي ‪” :‬ال تشكل سلسلة‬
‫المق االت الرفيع ة ال تي نش رها رمض ان حم ود تحت عن وان ”حقيق ة الش عر و فوائ ده “ العم ود‬
‫األساس ي للكت اب ”ب ذور الحي اة “ و حس ب ب ل و أيض ا التفض يل النظ ري لج وهر الرؤي ة ال تي‬

‫‪ - 1‬عمر بن قينة‪ ،‬في االدب الجزائري الحديث‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط ‪ ،2‬ص ‪.79‬‬
‫‪51‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫اختص بها رمضان حمود في تاريخ الشعر الجزائري الحديث‪ ،‬الذي لم يكن استأنف ممارسته‬
‫بعدا “‪.1‬‬
‫و قد نشر حمود رمضان سلسلة من مقاالته النقدية لواقع الشعر العربي بجريدة الشهاب‪ 2‬ابتداء‬
‫من الث الث من ش هر فيف ري ع ام ‪ 1927‬و ه ذا الت اريخ لم ي أت عرض ا‪ ،‬ففي ه ذا ال وقت ك انت‬
‫األم ة العربي ة بكامله ا تس تعد لتقلي د "احم د ش وقي " إم ارة الش عر الع ربي‪ ،‬فج اءت آراء رمض ان‬
‫حم ود المناهض ة لك ل تقلي د‪ ،‬و الداعي ة إلى ع دم اتخ اذ ال وزن و القافي ة ش رطا أساس يا في ك ل‬
‫قصيدة محال بذلك الصدق الفني محل الوزن و القافية‪.‬‬
‫و قد جاءت هذه المقاالت الواعية تعبيرا عن تصور جديد لمفهوم الشعر و رسالته‪ ،‬مخالفا بذلك‬
‫قواع د و نظري ات الش عراء الكالس يكيين ‪ ،‬إن ه ذا التص ور الجدي د لمفه وم الش عر حم ل رمض ان‬
‫حمود على توجيه نقد قاس و مباشر لرائد المدرسة المحافظة و حامل لوائها في الوطن العربي‬
‫” أحمد شوقي “ على الرغم من اعترافه بمكانة أمير الشعراء في مسيرة الشعر العربي الحديث‪،‬‬
‫و هو الوحيد الذي تفطن إلى نقاط الضعف في شعره فبينها‪.‬‬
‫ان الشعر عند رمض ان حمود‪ " :‬تيار كهربائي مركزه الروح‪ ،‬و خيال لطيف تقذفه النفس‪ ،‬ال‬
‫دخل للوزن و القافية في ماهية و غاية أمرهما أنهما تحسينات لفظية اقتضاها الذوق و الجمال‬
‫في ال تركيب‪ ،‬ال في المع نى كالم اء ال يزي ده اإلن اء الجمي ل عذوب ة و ال ملوح ة‪ ،‬و إنم ا حفظ ا و‬
‫ص يانة من التالش ي و الس يالن‪ ،‬فعلى تل ك الس نة و ذل ك المج رى وض ع الع رب (دي وانهم) و هم‬
‫أجالف* أميون لم يدخلوا مدرسة‪ ،‬و لم يتلقوا حكمة‪ ،‬و لم يعرفوا وزنا وال قافية بعد أن قررها‬
‫الخلي ل و إنم ا ح اكوا بش عرهم أوزان ا تلقوه ا عن الطبيع ة المترنم ة و ك انت ص الحة الحت واء م ا‬
‫يختلج في ص دورهم النقي ة من عواط ف ك الحب و البغض‪ ،‬و الس رور و الح زن‪ ،‬و الحلم و‬
‫الغضب‪ ،‬فنسبوا و افتخروا و تحمسوا و ورثوا‪ ،‬و مدحوا و هجوا‪ ،‬و وص فوا و بك وا األطالل ‪،‬‬

‫‪ -1‬يوسف ناوري‪ ،‬الشعر الحديث في المغرب العربي‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،1‬دار توبقال‪ ،‬المغرب ‪ ،2006‬ص ‪.233‬‬
‫‪ - 2‬مجلة اصدرها االمام عبد الحميد بن باديس و مجموعة من المثقفين بقسنطينة‪ ،‬من ‪ 1925‬الى ‪.1939‬‬
‫‪52‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫و ل و أنهم قص دوا بالش عر ال وزن و القافي ة لم ا ق الوا في بداي ة ال دعوة المحمدي ة على ص احبها‬
‫أفض ل الص الة و أزكى التحي ات أن الق رآن ش عر‪ ،‬و أن ص احبه ش اعر مجن ون‪ ،‬م ع علمهم ان ه‬
‫كالم مرسل ال أثر للوزن فيه‪ ،‬و أن صاحبهم لم يسمع منه بيتا في سوق من أسواقهم و ال في‬
‫مجتم ع من مجتمع اتهم و ال تح دث عن ه اح د ب ذلك‪ ،‬و إنم ا ه و الكالم الم بين‪ ،‬و الق رآن الحكيم‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫تركهم في ريبهم يعمهون "‬
‫إن الشعر عند رمضان حمود تيار كهربائي و هذا ما جعله يتفق مع نزار قباني الذي يرى أن‬
‫‪2‬‬
‫الجملة الشعرية " تضرب كالبرق و تختفي كالبرق "‬
‫و حسب رمضان حمود " الشعر في بداية نشأته األولى و في أقدم عصوره لم يعرف هذا النوع‬
‫من الموسيقى الشعرية المتمثلة في الوزن و القافية "‬
‫‪3‬‬

‫و إنما كانوا العرب األميون عندئذ يحاكون شعرهم أوزانا تلقوها عن الطبيعة المترنمة و كانت‬
‫صالحة الحتواء ما يختلج في صدورهم النقية من العواطف‪.‬‬
‫لقد تمرد رمضان حمود على الشعرية العربية التقليدية‪ ،‬و تبرأ منها عندما نظر للشعر بأنه ‪:‬‬
‫"النط ق بالحقيق ة تل ك الحقيق ة العميق ة الن اطق به ا القلب “ ه ذه الش عرية ال تي ك انت تس تند إلى‬
‫مقاييس شكلية خارجية جاعلة منها محددا رئيسيا لماهية الشعر و الزمة من لوازمه الضرورية‬
‫ف أقر رمض ان حم ود أن ه الب د من االنطالق من مق اييس و مع ايير داخلي ة‪ ،‬ليص بح ذل ك الش عر‬
‫بروحه و جوهره ال بشكله المظهري الخارجي‪.‬‬
‫و لذلك نجد رمضان حمود حذر من األخذ نظرية األجناس األدبية الحتوائها على مقاييس شكلية‬
‫خارجية تحول للناقد الحكم على العمل األدبي دون التعامل المباشر معه‪ ،‬فيصبح النص الشعري‬

‫‪ -* 1‬جلف‪ :‬الجلف هو الرجل الغليظ الجافي الطبع‪ ،‬و جمعها أجالف‪.‬‬


‫?‪ -‬الشهاب‪ ،‬س‪2‬ع‪ :)03/02/1927(82 :‬ج‪ 2:‬الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،2001 ،1‬ص ‪.791-790‬‬
‫‪ - 2‬األعمال النثرية الكاملة‪ ،‬قصتي مع الشعر‪ ،‬نزار قباني‪ ،‬منشورات نزار قباني ‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪ ،7‬ط‪ ،1999 ،2‬ص ‪.384‬‬
‫‪ -3‬محمد الهادي بوطارن‪ ،‬رمضان حمود شاعر التقليد و التجديد‪ ،‬ط‪ ،1‬الجزائر ‪ ،2007‬ص ‪.304‬‬
‫‪53‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫عنده كل كالم موزون مقفى‪ ،‬حتى و إن كان خاليا من الروح الشعرية‪ ،‬و كذلك كل كالم مرسل‬
‫نثرا و أن كان خاليا من أي مستوى فني‪.‬‬
‫فحسب رمضان حمود يمكننا إيجاد الشعر في النثر‪ ،‬كما يمكن أن نجد النثر في الشعر‪ ،‬أن هذه‬
‫الرؤي ة هي ال تي جعلت من ه ح داثيا مم يزا يرك ز على الس ياق في تحدي د هوي ة النص داعي ا إلى‬
‫‪1‬‬
‫األخذ في االعتبار سلطة النص في تفسير العمل األدبي‪.‬‬
‫و يدلنا رمضان حمود على أن الحقيقة حقيقتان في هذا الوجود‪ ،‬حقيقة سطحية شكلية و بسيطة‪،‬‬
‫ت رى أن الفن انعك اس ط بيعي تلق ائي للواق ع‪ ،‬و حقيق ة عميق ة و هي تل ك الحقيق ة الش اعر به ا‬
‫القلب‪ ،‬و فيها قال حمود‪ " :‬إذ أن بيتا من الشعر صدق صاحب فيه‪ ،‬و نظرا إلى عصره يتأمل‬
‫و إنصاف و بحث دقيق خير من ألف مجلد من مجلدات التاريخ الحافلة بسرد وقائع ذلك العصر‬
‫سردا إذ أن العبرة باإلجادة ال باإلكثار "‪.2‬‬
‫و نظ را لك ون حم ود رمض ان رجال مت دينا محترم ا لتع اليم ال دين اإلس المي اخت ار عب ارة" و‬
‫الشاعر الصادق قريب جدا من الوحي " على خالف الكثير من النقاد الذين يرون أن ‪" :‬الشعر‬
‫وحي " فنج ده دقيق ا في عبارات ه متيقظ ا و حريص ا في ألفاظ ه فق د ك ان حم ود ” ثوري ا في جمي ع‬
‫‪3‬‬
‫آراءه و أفكاره إال على الدين "‬
‫و قد خاطب عبيد التقليد و أعداء االختراع من الشعراء بلسانهم الموزون فقال ساخرا‪:‬‬

‫"له شطٌر وَش ْطٌر ُهَو الَّص ْد ُر‬ ‫َعُج وٌز‬ ‫َأَتوا ِبَك َالٍم ال ُيَح ِّر ُك َس اِم عًا‬
‫ِم ٍم ِخ‬ ‫َك ْظٍم‬ ‫َو َقْد َح َش ُر وا َأْج َز اَءُه َتْح َت "َخ يَم ٍة "‬
‫َر ي ‪َ ،‬نا ٍر ‪َ ،‬ض َّم ُه الَقْب ُر‬ ‫َع‬
‫ِب ِف ٍة َّش ِّط ِذ‬ ‫َو ُز ِّين ِبالَو ْز ِن ‪ ،‬اَّلِذ ي َص اَر ُم ْقَتَفى‬
‫َقا َي لل َيْق ُفَها الَبْح ُر‬
‫ِح‬ ‫ِش‬ ‫وَقاُلوا وَضْع َنا الِش ْع َر ِللَّناِس َه اِد يًا‬
‫وَم ا ُهَو ْع ُر َس ا ٌر ‪َ .‬ال‪َ .‬و َال َنْثُر‬

‫‪ - 1‬النقد األدبي في المغرب العربي‪ ،‬محمد مصايف‪ ،‬نقال عن النهار‪ ،‬محمد علي الشعرة‪ ،‬عدد ‪ 19( ،1356‬يناير ‪ ،)1956‬ص ‪.5-4‬‬
‫‪ -2‬الشهاب‪ ،‬س‪ 2:‬ع‪ ،85:‬ص ‪.849‬‬
‫‪ -3‬محمد ناصر‪ :‬رمضان حمود حياته و آثاره‪ ،‬ط‪ ،2‬المؤسسة الوطنية للكتاب ‪ ،‬الجزائر‪ ،1985 ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪54‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫ِف‬ ‫ِبِه‬ ‫ِذ‬ ‫ِك‬


‫َو َك ٌب َو َتْم ِو يٌه َيُم وُت ال ْك ُر‬ ‫َو ل َّنُه َنْظٌم وَقْو ٌل ُم َبْع َثٌر‬
‫‪4‬‬

‫و الش عر حس ب رمض ان حم ود ال يس تطيع قول ه ‪ :‬إال من ت وفرت لدي ه خص ال ثالث و هي ‪:‬‬


‫‪2‬‬
‫الفكر الثاقب‪ ،‬العقل الصائب‪ ،‬و الذوق السليم‪.‬‬
‫و في تقديم ه لقص يدته "م وت الغ ريب آي ة في الب ؤس " ع ام ‪ 1928‬كتب ق ائال‪" :‬الش عر ه و‬
‫اإلحساس‪ ،‬الشعر هو الروح‪ ،‬الشعر هو القلب‪ ،‬الشعر هو الحياة اللذيذة و األليمة معا‪ ،‬و م ا ع دا‬
‫ذلك فليس من الشعر في شيء‪ ،‬الشعر سلوة البؤساء المنكوبين‪ ،‬و هو ميدان فسيح ترفرف فيه‬
‫أرواح النبالء م ع المالئك ة األب رار و لعل ك أيه ا األديب الك اتب "غ ير الش اعر" تعتق د بخالف‬
‫اعتق ادي و لعل ك ته ز أبي‪ ،‬و بغ روري و استرس الي في ع الم الخي ال‪ ،‬و نحن في ع الم الحقيق ة‬
‫‪3‬‬
‫المتحجرة "‪.‬‬
‫و لما تحدث عن العملية الشعرية قال حمود‪ " :‬الشعر كامن في أعماق نفس السكان كمون النار‬
‫في الحج ر يظه ر آث اره للخ ارج بالتحاك ك و الممارس ة‪ ،‬و ق د يش عر الع امي الجاه ل األمي و‬
‫يكه رب الس امع بش يطانيته و ي ترك أث را مبين ا في نفس ه و يح اول الع الم العروض ي مجارات ه فال‬
‫يفعل شيئا‪ ،‬سنة اهلل في نفوس عباده و هل تجد لسنة اهلل تبديال ؟ و ذلك إن األول يقطع النظر‬
‫عن لحن ه و تحريف ه‪ ،‬يرس ل كالم ه من نفس متق دة‪ ،‬و روح ملتهب‪ ،‬و قلب ممل وء إحساس ا و‬
‫شغورا‪ ،‬فيلقي رواجا كافيا في أسواق األفئدة و الصدور و الثاني ينمق كالمه تنميقا‪ ،‬و يزوره‬
‫تزوي را فيرس له م ع بري د التكل ف و الركاك ة في أتي كث وب ض م س بعين رقع ة مش كلة األل وان‪،‬‬
‫‪4‬‬
‫مختلفات‪ ،‬فهو ال يتجاوز األذان و ال يساوم بأبخس األثمان "‪.‬‬
‫" فمصدر الشعر إذن ‪ :‬النفس و ال روح و القلب‪ ،‬و مادته اإلحساس و الشغور‪ ،‬و هو ال يظهر‬
‫إلى الخ ارج إال في حال ة يقض ة الش عور و اإلحس اس و ه ذا األخ ير ال يتم ل دى الش اعر حس ب‬

‫‪ -4‬الشهاب‪ ،‬س‪:‬ع(‪ ،)03/02/1927( )82‬ص ‪.788‬‬


‫‪ -2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.789‬‬
‫‪ -3‬محمد ناصر ‪،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.173‬‬
‫‪ -4‬الشهاب‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.790‬‬
‫‪55‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫الرأي السابق لحمود إال بالتجربة و الممارسة و من هنا يتضح إلى أي مدى يحتاج اإلنسان إلى‬
‫‪1‬‬
‫حواسه‪ ،‬و خاصة حاستي السمع و البصر‪.‬‬
‫لم يكت ف رمض ان حم ود بم ا أس لفناه في نج اح التجرب ة الش عرية فجع ل الص دق الش عري ش رطا‬
‫أساسيا في نجاح العملية الشعرية فقال ‪:‬‬
‫" فلس ت من ال ذين يكتب ون للتس لية أو ال ترويج عن النفس و ال من ال ذين يتل ذذون بالعب ارات‬
‫المنمق ة الرقيق ة‪ ،‬و لك ني أكتب ألفي د و اس تفيد‪ ،‬و اكتب ال ليق ال ان ه كتب‪ ،‬ب ل ليق ول لي‬
‫‪2‬‬
‫ضميري ‪ :‬انك قمت بواجبك و أديت ما عليك فكن مطمئنا "‪.‬‬
‫إن قض ية الص دق الف ني تث ير قض ية أخ رى هي ‪ :‬العاطف ة ال تي يعتبره ا رمض ان حم ود رك يزة‬
‫أساسية‪ ،‬و البد من حضورها في اي عمل شعري ناجح‪ ،‬و هذا ما جعله يحذر األديب الناشئ‬
‫من التس لح و ال تزود ب النحو و الص رف‪ :‬الع روض و البالغ ة‪ ،‬و الم ادة اللغوي ة م ا لم تكن في‬
‫نفس ه رغب ة ش ديدة نح و التجرب ة الشعريةـ‪ ،‬الن الش عر من وجه ة نظ ر رمض ان حم ود " ليس‬
‫بص ناعة أو بض اعة كم ا يقول ون و لكن ه اله ام وج داني و وحي ض مير بنح وك أو ص رفك أو‬
‫عروضك أو بالغتك أو بكثرة مادتك إذا لم تجد في نفسك وازعا نحوه و ميال إليه و تلذذا غريبا‬
‫روحانيا لسمعه يكاد ينسيك نعيم الدنيا و ما فيها فإنك أن فعلت و لم تراع هذه الشروط الالزمة‬
‫‪3‬‬
‫ضيعت وقتا نفيسا و عمرا ثمينا و جنيت خزيا و عارا "‪.‬‬
‫أن ه ذه الرؤي ة التنظيري ة للش عر من رمض ان حم ود ت رفض ش عر الص ناعة جمل ة و تفص يال ‪،‬‬
‫حيث كانت الشعرية العربية التقليدية تنحو منحا حسيا مرتكزة عل عنصر الشكل مما انتهى بها‬
‫إلى الصناعة و التكلف في قول الشعر‪.‬‬
‫و مفه وم الص ناعة في الش عر يق وم أساس ا على األخ ذ ب العلوم اللغوي ة و البالغي ة دون إعط اء‬
‫موهبة الشاعر حقها في التجربة الشعرية و هذا ما جعل حمود يثور على شعر الصناعة معيدا‬
‫‪ -1‬محمد الهادي بوطارن‪ :‬رمضان حمود شاعر التقليد و التجديد‪ ،‬ص ‪.307‬‬
‫‪ -2‬محمد ناصر‪ ،‬رمضان حمود حياته و آثاره‪ ،‬ص ‪.212‬‬
‫‪ -‬الشهاب‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.790‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪56‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫بذلك مفهوم الشعر إلى ذات الشاعر و وجداه معتبرا موهبة الشاعر الزمة ضرورية من لوازم‬
‫الشعر‪ " ،‬و هذه النظرة من حمود للشعر على انه الهام و موهبة ال تمثل جديدا‪ ،‬فقد تناوله ا النق د‬
‫الع ربي من ذ ظه ور الرومانس ية تحت اس م"النب وءة " في الش عر‪ ،‬كم ا تناوله ا النق د الع ربي الق ديم‬
‫تحت اس م"عبق ر " أو" ش يطان الش عر " و لع ل م ا ش غل حم ود في ه ذه القض ية اعتباره ا مق ابال‬
‫‪1‬‬
‫لقضية الصنعة في األدب‪ ،‬و التي تذهب ببعض األدباء أحيانا إلى االفتعال و التصنيع "‪.‬‬
‫و الموهب ة الش عرية حس ب رمض ان حم ود ليس ت نتيج ة من نت ائج التعليم أو الثقاف ة الش عرية‪ ،‬و‬
‫إنما هي طاقة كامنة في ذات اإلنسان تولد أحيانا مع والدة بعض األشخاص‪ ،‬و ال تظهر للوجود‬
‫إال بالتجربة أو التحاكك و الممارسة و أن التزود بزاد النحو و الصرف البالغة و العروض ال‬
‫يكفي لجعل اإلنسان شاعرا ما لم يكن يكتسب موهبة شعرية و إن افتقر لكل من العلوم و كان‬
‫موهوبا فان األمر ال يخفي شاعريته‪.‬‬
‫" و إن ك ان الشعر ب المفهوم الذي قدمه حم ود فليس على الش اعر أن يجه د نفس ه في البحث عن‬
‫موض وعات ش عرية‪ ،‬أو حق ائق معين ة كم ا يق ول و إم ا يكتفي بتص وير م ا في نفس ه من ش عور‬
‫صادق أو ما يسميه وحي الضمير و الهام الوجدان "‪.‬‬
‫ان الش عر كم ا ينظ ر ل ه رمض ان حم ود اث ر من آث ار اإلله ام و الموهب ة‪ ،‬و ق د س لف تق ديمنا‬
‫تعريفات و مفاهيم رمضان حمود للشعر في شكل مقاطع نثرية أما شعرا فقد عرفه في قصيدة‬
‫يربط فيها بين الشعر و الطبيعة قائال ‪:‬‬
‫و من كل ما سلف نخلص إلى أن المفاهيم التنظيرية للشعر التي جاء بها رمضان حمود مف اهيم‬
‫تجديدية ال تختلف كثيرا عن المفاهيم الشعرية التي نجدها عند شعراء مدرسة الديوان أو شعراء‬
‫المهج ر األم ريكي‪ ،‬لنعلمهم من منب ع واح د ”الرومانس ية األوروبي ة “ و ق د ج اءت في ن وع من‬
‫الحماسة التي تتالشى مع الفضيلة و تستجيب للواقع‪ ،‬مغايرة بذلك المفاهيم التقليدية المحافظة‬
‫للشعر‪.‬‬

‫‪ -1‬محمد الهادي بوطارن‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.308‬‬


‫‪57‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫" و الحقيق ة أن مفه وم الش عر عن د رمض ان حم ود‪...‬ليس مفهوم ا جدي دا لم يهت د إلي ه الش عراء و‬
‫النقاد قبلهم‪ ،‬و إنما هو مفهوم عريق عبر عنه الشعراء و اهتم به قدماء النقاد "‪.‬‬
‫فك ان ب ذلك مفه وم رمض ان حم ود مخض ر م ا التقت في ه التي ارات األدبي ة العربي ة القديم ة م ع‬
‫التيارات األدبية الحديثة‪.‬‬
‫و لقد قام المفهوم التنظيري للشعر الذي جاء به حمود على ‪:‬‬
‫‪ .1‬الشعر مركزه الروح و ذات الشاعر و وجدانه‪.‬‬
‫‪ .2‬يوجد الشعر في النثر كما يمكن أن يوجد النثر في الشعر‪.‬‬
‫‪ .3‬اعتبر الوزن و القافية ليس شرطا أساسيا في تحديد ماهية القصيدة‪.‬‬
‫‪ .4‬الشعر ما عبر عن كل ما يخالف النفس البشرية‪.‬‬
‫‪ .5‬الصدق الفتي ركيزة أساسية في القصيدة الناجحة‪.‬‬
‫‪ .6‬الموهبة الشعرية الزمة ضرورية في التجربة الشعرية‪.‬‬
‫و قد أفرزت أفكار رمضان حمود شعراء من الجيل الجديد و نذكر منهم خاصة ‪ :‬محمد البشير‬
‫العل وي‪ ،‬أحم د س حنون و مب ارك جل واح ال ذين ك انوا ينظ رون للش عر في زاوي ة وجداني ة‬
‫رومانسية‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫أبو القاسم الشابي‪:‬‬


‫حياتـــــــه ‪:‬‬
‫هو أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم الشابي‪ ،‬ولد في الشابية احد ضواحي توزر سنة ‪1909‬‬
‫م‪ ،‬و توزر عاصمة الواحات التونسية في الجنوب‪ ،‬تمتاز بجمال أجواءها‪ ،‬و روعة مشاهدها‬
‫الطبيعية تحيط بها غابات النخيل و البرتقال‪ ،‬و يلفها الصفاء في زحمة الجريد و هيمنة الرمال‪،‬‬
‫في هذه البيئة الفريدة أبصر الشابي النور‪ ،‬في ظل أب واسع الثقافة أعطى ابن ه من روح ه و من‬
‫قلبه و لقنه مبادئ الصالح و غذى فيه ميله إلى الخير‪ ،‬و وجهه شطر المعرفة و الفضيلة‪.‬‬
‫قال الشابي متحدثا عن أبيه‪ " :‬إنه أفهمني معاني الرحمة و الحنان‪ ،‬و علمني أن الحق خير ما‬
‫‪1‬‬
‫في هذا العالم و أقدس ما في هذا الوجود "‪.‬‬
‫لم يمكث الشابي في مسقط رأسه إال قليال‪ ،‬فقد اضطر أن ينتقل مع آبيه القاضي من مكان إلى‬
‫مك ان‪ ،‬و ان يض رب في ال ديار التونس ية من بيئ ة إلى بيئ ة و في س نة ‪ 1920‬التح ق بج امع‬
‫الزيتونة‪ ،‬فأتقن القرآن و العربية و تمرس باألدب‪ ،‬و كان له ميل شديد إلى المطالعة‪ ،‬فحصل‬
‫به ا و بنش اطه ثقاف ة واس عة جم ع فيه ا بين ال تراث الع ربي الق ديم و معطي ات الفك ر الح ديث و‬
‫األدب الحديث‪ ،‬و غذى مواهبه بأدب النهضة في مصر و لبنان و العراق و سوريا و المهجر‬
‫كما وقد ظهر نبوغه الشعري و هو في الخامسة عشر من عمره و على اثر تخرجه من جامع‬
‫الزيتونة التحق بكلية الحقوق التونسية و كان تخرجه منه سنة ‪ 1930‬في هذه األثناء توفي والده‬

‫‪ ? -1‬حنا الفاخوري‪ ،‬تاريخ األدب في المغرب العربي‪ ،‬ص ‪.548‬‬


‫‪59‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫و تر له عبء الحياة ثقيال ‪ ،‬فحاول أن ينهض بالعبء و مسؤولية العيلة‪ ،‬و لكنه أصيب بداء‬
‫تضخم القلب و هو في الثانية و العشرين من عمره فنهاه األطباء عن اإلره اق الفك ري فلم ينته‪،‬‬
‫و واصل عمله و في نفسه ثورة على الحياة‪ ،‬و في قلبه تجهم قتال و راح يطلب االستشفاء في‬
‫أحضان الوحدة و الطبيعة فمن بالد الجريد‪1‬إلى زغوان إلى عين دراهم إلى المشروحة‪.‬‬
‫و في صيف ‪ 1934‬جمع ديوانه”أغاني الحياة “ و نوى أن يطبعه في مصر‪ ،‬و لكن الداء اشتد‬
‫ب ه و ألزم ه الف راش‪ ،‬فنق ل إلى المستش فى االيط الي بالعاص مة حيث ف ارق الحي اة في التاس ع من‬
‫شهر تشرين األول سنة ‪ 1934‬و نقل جثمانه إلى مسقط رأسه و دفن في الشابية‪.‬‬

‫شخصيتـه‬
‫ق ال محم د األمين الش ابي ش قيق الش اعر في وص ف ش قيقه ‪ " :‬نحي ف الجس م‪ ،‬مدي د القام ة‪ ،‬ق وي‬
‫البديه ة‪ ،‬س ريع االنفع ال‪ ،‬ح اد ال ذهن‪ ،‬تكفك ف رق ة طبع ه من غ رب عاطف ة وح دة ذهن ه‪ ،‬ي راه‬
‫أصدقاؤه" بشوشا‪ ،‬كريما‪ ،‬متأنقا‪ ،‬طروبا بالمجالس‪ ،‬األدب‪ ،‬يحب الفكاهة األدبية " و يراه من لم‬
‫يخالطه حييا محتشما‪ ،‬و يعرف منه هؤالء و أولئك صراحة حازمة قوية يبديها خاصة خلطائه‬
‫في غ ير م ا تح رج م تى اجتم ع بهم‪ ،‬و يج اهر به ا العم وم في ش عره و في ن ثره‪ ،‬و ك ان محب ا‬
‫لبالده‪ ،‬ص ادق الوطني ة‪ ،‬ي ؤمن بأن لق ادة الفك ر رسالة إنس انية سليمة حاول جه ده أن يحققه ا في‬
‫‪2‬‬
‫أثناء حياته القصيرة قوال و عمال‪.‬‬
‫قال الشيخ ابن عاشور‪ " :‬وجد الشابي مع شعر جبران خير رائد له في هذا الطريق و مساعد‬
‫على س لوكه‪ ،‬فتعل ق ب ه ح تى تخ رج على منهج ه‪ ،‬و ام تزج بروح ه‪ ،‬ف أتى بالت أمالت العجيب ة‬
‫العميق ة في العواط ف اإلنس انية و أس رارها‪ ،‬و الوج ود و حق ائق ه و اظه ر التالقي المتحق ق في‬

‫‪ ? -1‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.550‬‬


‫‪2‬‬
‫‪.‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪- 550‬‬ ‫?‬

‫‪60‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫ذات ه بين الحي اة المودع ة و الم وت المتوق ع فم زج الحي اة ب الموت و ركب من مزيجه ا وح دة‬
‫الوجود "‪.‬‬

‫آثـــــــاره‬
‫مات الشابي في نحو الخامسة و العشرين من العمر‪ ،‬و مع ذلك فقد ترك لنا ديوانا جمعه هو‬
‫بنفس ه و نش ره ش قيقه بع د وفات ه و عنوان ه ‪" :‬أغ اني الحي اة " كم ا ت رك كتيب ا بعن وان ‪ " :‬الخي ال‬
‫الشعري عند العرب " و آثارا أخرى ال تزال مخطوطة أما "أما الخيال الشعري عند العرب "‬
‫فهو في األصل محاضرة ألقاها الشاعر باسم "النادي األدبي " في قاعة الخلدونية‪ ،‬تم نشرها سنة‬
‫‪ 1929‬في كتيب‪ 1‬من ‪ 141‬صفحة‪ ،‬و جعلها في سبعة أقسام ‪:‬‬
‫الخيال و أقسامه‪.‬‬
‫‪ .1‬الخيال الشعري و األساطير العربية‪.‬‬
‫‪ .2‬الخيال الشعري و الطبيعة‪.‬‬
‫‪ .3‬الخيال الشعري و المرأة‪.‬‬
‫‪ .4‬الخيال الشعري و القصة‪.‬‬
‫‪ .5‬فكرة عن األدب العربي‪.‬‬
‫‪ .6‬الروح العربية‪.‬‬
‫و الكت اب في مض مونه أدب مق ارن ق ارن في ه الش اعر م ا بين الخي ال الش عري عن د الع رب و‬
‫الخيال الشعري عند األوروبيين‪ ،‬و قد أثارت دراسته عاصفة هو جاء من النقد و ال سيما في‬
‫ص فوف المتزم تين و الرجع يين إذ رأوا في الكت اب تط اوال على األدب الع ربي‪ ،‬و ليس هنال ك‬
‫تطاول و ال تحامل‪ ،‬و إنما هنالك تقدير للماضي و آراءه جريئة في سبيل التطور و السير في‬

‫‪1‬‬
‫‪.‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪-151‬‬ ‫?‬

‫‪61‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫ركب الحض ارة الجدي دة‪ ،‬و ق د اس تطاع الش ابي أن ي رد على خص ومه و يفحمهم بحج ة قوي ة و‬
‫منطق سليم‪.‬‬
‫و أما ديوانه "أغاني الحياة " فهو يقع في ‪ 285‬صفحة كبيرة‪ ،‬طبع للم رة األولى س نة ‪ ،1955‬ثم‬
‫قامت الدار التونسية للنشر فطبعته طبعة ثانية سنة ‪ 1966‬و أضافت إليه سبع قصائد للشاعر لم‬
‫تنش ر ل ه في الطبع ة األولى‪ ،‬و ق د وردت القص ائد في ه ذا ال ديوان مرتب ة بحس ب ت اريخ نظم‬
‫الشاعر لها و حسب " تقييدات‪...‬بخط أبي القاسم أسفل القصائد في مسودته "‪.‬‬

‫نماذج من شعره ‪:‬‬


‫تحت الغصون‬
‫َه ُهنا في خمائل الغاِب ‪َ ،‬تْح ت الَّز ان والِّسندياِن ‪ ،‬والْز يتون‬
‫أنِت ْأشهى مَن الحياةِ وأْب هى من جماِل الَّطبيعةِ الميموِن‬
‫ما أرَّق الّش باَب ‪ ،‬في جسمِك الغِّض و في جيدِك الَبديِع ‪ ،‬الَّثميِن !‬
‫وأدّق الجماَل في طرِفك الَّساهي‪،‬وفي ثغِر ِك الجميِل ‪ ،‬الَح زين!‬
‫وألَّذ الحياةَ حيَن تغّنيــن َفُأْص ِغ ي لصوِتِك المحُز وِن‬
‫وأرى ُر وَح ِك الجميلةَ ِع ْطرًاضايعًا في حالوة الَّتلحيِن !‬
‫َقْد َتَغ َّنْي ِت منُذ حيِن بصوت ناعٍم ‪ ،‬حالٍم ‪ ،‬شجٍّي حنوِن‬
‫َنَغ مًا كالَح ياةِ عذبًا عميقًا في حناٍن ‪ ،‬ورقةٍ وحنيِن‬
‫فإذا الكون قطعةٌ من نشيد علوِّي ‪ ،‬منّغٍم موزوِن‬

‫‪62‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫َفِلَم ْن كنِت ُتنشدين؟ فقالْت للضياِء الَبنفسجِّي الحزيِن‬


‫للّض باب الموّر د‪ ،‬المتالشي كخياالت حالٍم ‪ ،‬مفتوِن‬
‫للمساِء المطِّل لَّش َفق الّس السْح ر األسى‪ ،‬وسْح ر السكوِن‬
‫للعبير الذي يرفرف في األفِق ويفنى‪ ،‬مثَل المنى‪ ،‬في سكوِن »‬
‫لَألغاني التي ُيرِّد ُد ها الّر اعي بمزماره الّص غيِر ‪ ،‬األميِن‬
‫وبنى الَّليُل والّر بيُع حواليـنا َحَياةَ الهوى‪ ،‬وروَح الحنيِن‬
‫ويوِّش ي الوجوَد بالسحر‪ ،‬واألحالم والزهر‪ ،‬والَّش ذى‪ ،‬و الُّلحوِن‬
‫للحياةِ التي تغّني حواَلَّي ‪،‬على الَّس ْهِل ‪ ،‬و الُّر بى والُح ُز وِن‬
‫للينابيِع ‪ ،‬للعصافير‪ ،‬للظّل لهذا الّثرى‪ ،‬لتلَك الغصوِن‬
‫للَّنسيِم الذي يضِّم ُخ أحالمي بعطر األقاح والليموِن‬
‫للَج مال الذي يفيُض على ألشواق قلب الَم شحوِن‬
‫َي‬
‫للّز مان الذي يوِّش ح أّيامي ِبَض وِء المنى وظِّل الُّش جوِن‬
‫للشباب السكران‪ ،‬لألمِل المعبوِد ‪،‬لليأِس ‪ ،‬لألسى‪ ،‬للُم نوِن‬
‫َفَتنَّهْد ُت ‪ُ ،‬ثَّم ُقْلُت ‪« :‬وقلبي َم ْن يغّنيه؟ َم ْن ُيبيد ُش جوني؟‬
‫قالت‪:‬الُح ُّب ثم غّنْت لقلبي ُقَبًال عبقريةَ التلحيِن‬
‫قبًال‪ ،‬عَّلمْت فؤادي األغاني‪،‬وأنارْت لُه َظالَم السنيِن‬
‫قبًال‪َ ،‬ترقُص السعادةُ والحُّب على لحِنها الَع ميِق الّر صيِن‬
‫وأفقنا‪ ،‬فقلُت كالحالم المسحور‪ :‬قولي‪َ ،‬تَك َّلمي‪َ ،‬خ ِّبريني‬
‫أُّي دنيا مسحورة‪ ،‬أي رؤياطاَلَع ْتني في ضوء هذي الُعيوِن‬
‫زمٌر من مالئِك المِأل األعلى يغّنون في ُح ُنِّو َح نوِن‬
‫وصبايا رواقٌص ‪ ،‬يتراشْق بزهر الُّتفاِح والَياسميِن‬
‫في فضاٍء ‪ُ ،‬مَو َّر ٍد ‪ ،‬حالٍم ساٍه أطافْت به عذارى الُفنوِن‬
‫‪63‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫وجحيٍم َتُؤ ُّج َتْح َت فراِد يـكأحالِم شاعٍر َم جنوِن ؟‬


‫«أُّي خمٍر مؤَّج ٍج ولهيٍبُم سكٍر ؟ أّي نشوة‪ ،‬وجنوِن ؟‬
‫أي خمٍر رشفُت ‪ ،‬بل أّي ناٍر في شفاٍه ‪ ،‬بديعةِ الَّتْك ويِن‬
‫واسمعي الغاَب ‪،‬فهو قيتارةُ الكونأي إثٍم مقَّدٍس ‪ ،‬قد لبسنا‬
‫ُبْر َد ُه في مسائنا الميموِن ؟فَبَد ا طيُف بسمةٍ ‪ ،‬ساحٌر عذٌب ‪،‬‬
‫على َثغِر ها‪ ،‬قوُّي الفتوِنوأجابْت ‪ -‬وكّلها فتنةٌ ُتغوي‪،‬‬

‫وُتغري بالحِّب ‪ ،‬بْل بالجنوِن كُّل زهِر َيُض وُع منه أريٌج‬
‫من بُخ وِر الّر بيِع ‪َ ،‬ج ُّم الُفتوِنونجوُم السماء فيه شموٌع‬
‫َأْو َقَد ْتها للُح ِّب ُر وُح القروِنطَّهري يا شقيقةَ الروِح َثْغ ري‬
‫بلهيِب الحياةِ ‪َ ،‬ب ْل قِّبلينيقِّبليني‪َ ،‬و َأْس ِك ري ثغرَي الَّصا‬
‫مت وقلبي‪ ،‬وِف تنتي‪ ،‬وجنونيعَّلني أستطيُع َأْن أتغّنى‬
‫لجمال الّد جى بَو حي الُعيوِنآه ما أجمَل الَّظالَم ! وأقوى‬
‫وحيه في ُفؤادي الَم ْفتوِن أنظري الليَل فهو في حّلة‬
‫ظـالم يمشي على الُّذ رى والُح ُز وِنواسمعي الغاب‪،‬فهو قيثارةُ الكوِن‬
‫تغّني لحبنا الميموِنإن ِس ْح َر الَّض باب‪ ،‬والّليِل ‪ ،‬والَغ اِب ‪،‬‬
‫بعيُد المدى‪ ،‬قوُّي الُفتوِن وجماُل الّظالم يعبُق باألحالِم والحّب ‪ ...‬فابسمي‪ ،‬والثميِن ‪...‬‬
‫آه‪ :‬ما أعَذ َب الغراَم ! وأحلىَر َّنةَ الَلثِم في خشوع الَس كوِن‬
‫َو َس ِك ْر نا هناك‪ ..‬في عالم األحـبة تحَت الَّسماء‪ ،‬تحَت الُغصوِن ‪.‬‬
‫وتوارى الوجوُد عّنا بما في ـوغْب نا في عاَلم َم ْفتوِن‬
‫‪1‬‬
‫ونسينا الحياة‪ ،‬والموَت ‪ ،‬والُّسكون وما فيه ِم ْن ُم ّنة وَم نوِن‬

‫‪ -1‬حنا الفاخوري‪ ،‬تاريخ األدب في المغرب العربي‪ ،‬ص ‪.582‬‬


‫‪64‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫مراحل شعر الشابي‪:‬‬


‫لشعر الشابي مراحل من حيث الروح و الوحي و تجلى فيها نزعاته الكبرى‪ ،‬و مطارح إلهامه‬
‫الشعري‪ ،‬و محطات اختالجاته النفسية و العاطفية‪ ،‬و هذه المراحل ليست في الديوان واضحة‬
‫المع الم‪ ،‬بين ة الح دود‪ ،‬إنه ا متداخل ة ت داخال زمني ا و إن ك انت في موض وعها و فنه ا ذات ص يغة‬
‫خاصة‪ ،‬و ذات امتدادات و آفاق خاصة‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫أ‪ .‬مرحلة األدب األندلسي و المهجري‪ :‬عندما تفتحت قريحة الشاعر رابح بجاوي األندلسيين في‬
‫طري ق نظمهم و في أس اليب تص ورهم للحي اة‪ ،‬ثم في نهج الزخرف ة و التنمي ق‪ ،‬ح تى لك أن ش عر‬
‫من شعرهم‪ ،‬و صياغتهم‪ ،‬قال يصف جميال و يصف حاله معه‪:‬‬
‫بالـبهــا قــد ت ـقــرط ـقــا‬ ‫رب ظـبي علـقـته‬
‫غداالقلب مملقا‬ ‫ثم من وصله الجميل‬
‫مادها الريق لورقـى‬ ‫سـحــر اللــب طرفه‬
‫والشفا لوترفقا‬ ‫أوصــب الصــب صده‬
‫مـوثقا ليس مطلقـا‬ ‫صــار مــلقــى ب ـحــبه‬
‫انه شعر من يتلمس الطريق‪ ،‬و يستقي الوحي من تصنيعات األندلسيين‪ ،‬و لكن هذا التلمس لم يم‬
‫ط ويال‪ ،‬فق د ت رامت إلي ه أخب ار أدب اء المهج ر‪ ،‬ف اطلع على آث ارهم وال س يما آث ار ج بران خلي ل‬
‫جبران‪ ،‬و فعلت في نفسه ثورتهم االجتماعية‪ ،‬و تطلعاتهم المستقبلية‪ ،‬و حرك أوتار‪ 1‬شاعريته‬
‫أس لوبهم الجدي د في الكتاب ة و الش عر‪ ،‬ف أراد أن ينهج منهجهم في التوعي ة‪ ،‬و أراد أن يس لك‬
‫مسلكهم في األدب‪ ،‬فنزع نزعة صوفية و فتح نوافذ نفسه على اإلنسانية المعذبة‪ ،‬و راح يهاجم‬
‫المجتم ع المتحج ر‪ ،‬و ي دعو إلى التجدي د في الحي اة‪ ،‬و إلى تط وير وس ائلها في ع زم ال يقب ل‬
‫التردد‪ ،‬و في استبسال نبر ال يوقف انطالقه التشدد به قال ‪:‬‬
‫تقضي الحياة بناه اليأس والوجل‬ ‫ضعف العزيمة لحد في سكينته‬
‫يخر دون مداها اليأس والوجل‬ ‫وفي العزيمة قوات مسخرة‬
‫من القنوط وذا يسعى به األمل‬ ‫والناس شخصان‪ :‬ذا يسعى به قدم‬
‫وذا إلى المجد والدنيا له خول‬ ‫هذا إلى الموت واألجداث ساخرة‬
‫و إلى جانب هذا التأثير الهجري نجد تأثير آخر كان له في شعر الشابي أصداء بعيدة إال و هو‬
‫ش عر الرومانطقي ة األوروبي ة الحاف ل ب األلم و القل ق و ال ذكريات و الح نين‪ ،‬المت دفق حزن ا و‬

‫‪ -1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.552‬‬


‫‪66‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫فرحا‪ ،‬الغارق في خضم من التأمل ‪ ...‬و إننا في هذه المرحلة من حياة الشابي الشعرية نلمس‬
‫نفسا شجية العواطف‪ ،‬تحاول أن تجمع ما بين العصف الجبراني و اللين الرومانطيقي‪.‬‬
‫و ه ا ه و ذا الش ابي م ع ألف رد دي موس يه يجع ل من ال دموع دواء للحي اة يطه ر جوانبه ا من ك ل‬
‫غش‪:‬‬
‫وخّلها وسبيلها‬ ‫طهر كلومك بالدموع‬
‫حقيرها و جليلها‬ ‫إن المدامع ال تضيع‬
‫و هك ذا ينطل ق الش اعر في مع اني الكآب ة و الح زن انطالق ا ال ح د ل ه‪ ،‬و ي ذهب في تفهم الحي اة‬
‫م ذاهب مختلف ة تعتلج فيه ا الث ورة و الي أس‪ ،‬و األم ل و األلم‪ ،‬و ه و أب دى عمي ق النظ رة‪ ،‬بعي د‬
‫الرؤيا‪ ،‬وافر اإلنسانية‪ ،‬فياض القريحة‪...1‬‬
‫ب‪ .‬مرحلة المواجهة مع الموت ‪:‬‬
‫توفي والد الشاعر‪ ،‬فكانت الوفاة هذه صدمة عنيفة هزت كيانه‪ ،‬و هكذا في أوائل تشرين األول‬
‫من سنة ‪ 1929‬نظم الشابي قصيدته الشهيرة " يا موت " و صدرها بقوله ‪ " :‬هي صرخة من‬
‫ص رخات نفس ي الممل وءة ب األحزان و ال ذكريات‪ ،‬و ش ظية من ش ظايا ه ذا القلب المحطم على‬
‫صخور الحياة‪ ،‬قلتها في أيام األسى التي تلت نكبتي بوفاة الوالد" رحمه اهلل "‪ ،‬و منذ ذلك الحين‬
‫تبدلت حياة الشاعر و ساءت حاله الصحية‪ ،‬و شعر بثق ل العبء العيلي‪ ،‬و راح األلم يذيب نفسه‬
‫و قلب ه‪ ،‬و الم رض ينهش آمال ه‪ ،‬و في أج واء الي أس و الش قاء و العزل ة راح ينظم أجم ل ش عره‬
‫في وصف الطبيعة و سحر الوجود ‪.‬‬
‫لقد مات والده و اسودت الدنيا في عينيه‪ ،‬و تمزق صدره لوعة و أسى‪ ،‬و خارت قواه‪ ،‬و كاد‬
‫اليأس يخنقه ‪:‬‬
‫وقصْم َت باألرزاِء َظْهري‬ ‫يا موُت ! قد مَّز قَت صدري‬
‫أْذ َر ُع ُك َّل َو ْع ِر‬ ‫َو َقَس ْو َت إذ أبقيتني في الَك ْو ن‬

‫‪ -1‬حنا الفاخوري‪ ،‬تاريخ األدب في المغرب العربي‪ ،‬ص ‪.553‬‬


‫‪67‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫ومْن إليه أُبُّث سّر ي‬ ‫وفجعتني فيَم ن أحُّب‬


‫مني و قد مزقت صدري‬ ‫يا موُت ! إذا تبتغي‬
‫أئن منفردا بإصري‬ ‫و تركتني في الكائنات‬
‫أقول ‪" :‬أين تراه قبري ؟! "‬ ‫و أجوب صحراء الحياة‬
‫ثم إنه يتوجه إلى اهلل راغبا فأكتناه معنى الوجود‪ ،‬و ال يجد إال في الطليعة ما يطبب آالمه ‪:‬‬
‫ألقضي الَحَياَة وحدي بيأِس‬ ‫إَّنني ذاهٌب إلى الغاِب يا شعبي‬
‫في صميم الغاباِت َأدفُن بؤسي‬ ‫إَّنني ذاهٌب إلى الغاِب عِّلي‬
‫بأهل لخمرتي ولكأسي‬ ‫ثم أنساك ما استطعت فما أنت‬
‫وُأفِض ي لها بأشواِق نفسي‬ ‫سوف َأتلو على الُّطيور َأناشيدي‬
‫أَّن مجَد الُّنفوِس َيْقَظُة ِح ِّس‬ ‫َفْهي تدري معنى الَحَياة وتدري‬
‫وُألقي إلى الُو ُج وِد بيأسي‬ ‫ثَّم أقضي هناَك في ظلمِة الَّليل‬
‫َتُخ ُّط الَّسيوُل ُح ْفَر َة رمسي‬ ‫ثَّم تحَت الّص َنْو َبر الَّناضر الحلو‬
‫ويشدو الَّنسيُم فوقي بهمِس‬ ‫ُّل ُّط‬
‫وتَظ ال يوُر تلغو على َقْب ِر َي‬
‫كما ُك َّن في َغ َض اَر ِة َأمسي‬ ‫وتظُّل الُفصوُل تمشي حواَلَّي‬

‫ج‪ .‬مرحلة المأساة و الفاجعة ‪ :‬اشتد ألم الشاعر‪ ،‬و اشتدت عليه وطأة الداء‪ ،‬و أحس بأن‬
‫النهاية ق د اقتربت فراح يتبرم‪ ،،‬و راح يتسخط الوجود‪ ،‬و يستغيث بالموت عله يزيحه من‬
‫شقائه‪ ،‬و شعره في هذه المرحلة شعر النضوج الصاخب‪ ،‬و شعر االندفاق الوجودي الذي هز‬
‫‪1‬‬
‫كيان الوجود‪.‬‬
‫"ثم ماذا؟ هذا أنا‪ :‬صرُت في الدنيا‬
‫بعيًد ا عـن لهوه ــا وِغ ناَهــا‬

‫‪ -1‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.554‬‬


‫‪68‬‬
‫الحداثة في المغرب‬ ‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫العربي‬

‫"في ظالم الفنــاء‪ ,‬أدفـُن أّيـامي‬


‫وال أس ــتطيُع ح ـّتى بكاَهــا‬
‫"وزهو الحياة تهِو ي‪ ,‬بصمـٍت‬
‫ُر‬
‫ُم ْح ِز ٍن ‪ُ ,‬م ضجـٍر ‪ ,‬عـلى قدمَّيــا‬
‫"َج ّف سحُر الحياة‪ ,‬يـا قلبَي الباكي‬
‫فهَّيا‪ُ ,‬نَج ـِّر ِب المــوت‪ ..‬هَّيـا‬

‫‪69‬‬

You might also like