Professional Documents
Culture Documents
العربي
اللغة ،أي الشروع في ضرورة إعالن االنتماء للحداثة الشعرية ،و هذا من بين ما واد انفصاال
نس بيا بين الش اعر و الق ارئ 1على أن ه ذا االنفص ال الض روري ه و ال ذي س مح بممارس ة ح ق
رؤية شعرية مغايرة في الوجود ".
أم ا البداي ة الحقيقي ة للحداث ة هن اك ،فإنه ا ت ؤرخ بنهاي ة الس تينات ،و بداي ة الس بعينات من الق رن
الميالدي العش رين ،حيث " ش رع ثل ة من المفك رين المغارب ة في تحدي د و بحث أس ئلة مغ ايرة
ألسئلة الغرب فظهرت أعمال عبد اهلل العروي و عبد الكبير الخطيبي و محمد عابد الج ابري ،و
في ال وقت نفس ه أخ ذت بعض الطروح ات الثقافي ة ال تي تعي د ق راءة الواق ع الثق افي في عالقت ه
الجدلي ة المتش بكة م ع الواق ع السياس ي االجتم اعي تع بر عن تواج دها ،و ال ش ك أن تم يز ه ذه
2
المرحلة القبول و الرضا ،و الشروع في مغادرة الخطاب التعميمي.
و في الس بعينات من الق رن الميالدي انتش رت الحداث ة في المغ رب الع ربي ،و تلقفه ا كث ير من
الشباب الموجهين المخدوعين.
يق ول محم د ب نيس " :و تك ون الس بعينات ف ترة اتس اع و تن وع التج ارب الش عرية ،و هي األبع د
مغامرة ،تكاثر عدد الشعراء الشباب ،و انطلق البحث غن خصوصية القصيدة المغربية ضمن
القص يدة العربي ة بذائق ة نقدي ة م رة ،و باحتض ان دم وحي د م رة أخ رى ،هن ا أيض ا نلتقي بجي ل
يحتمي ب الرفض ،و األل ق ،و المه اوي الس حيقة ،لك أن ف ترة الس بعينات تح ولت إلى ن ار مقدس ة
توقدها الشبيبة في أعضاء الكلمات ،فتتآتى القصيدة بحثا مستمرا عن أشكال ال مستقر لها ،و ها
نحن اآلن نستطيع إدراك الحدث الذي حفرته قصيدة السبعينات في جسد الشعر المغربي الحديث
بعنق المساءلة و انتهاج طرائق غير مألوفة في التصورات الشعرية السائدة.
لهذا الجيل أنتمي ،و إحساسنا باالنضغاط بين التقليد الشعري العربي ،و عدم التمكن من حرية
3
اختراق الحلم الشعري هو ما وحد لغة التدمير فينا ".
1
?.محمد بن عبد العزيز بن أحمد العلي ،الحداثة في العالم العربي ،ص - 559
2
.المرجع السابق ،ص- 593 ?
3
?.نفسه ،ص - 561
42
الحداثة في المغرب الفصل الثاني:
العربي
و إن كان الحديث في ما سبق عن المغرب فان بقية بدول العالم العربيين كالجزائر و تونس لم
تسلم من تيار الحداثة ،و هذا ما يبينه محمد بنيس بقوله ”:و ال شك أن الشعر المغربي الحديث
يلتقي في ه ذا الوض ع م ع ش عر بل دان المغ رب الع ربي ،و م ا يمكن تس ميته بالمحي ط الش عري
الع ربي ،حيثم ا وج د في مش رق الع الم الع ربي أو مغرب ه ،و ه و وض ع تش رطه عوام ل
ثقافي ة/لغوي ة ،كم ا تش رطه عوام ل اجتماعي ة/تاريخي ة ،لم ينح من ه إال ش عراء ن ادرون ،و في
طليعتهم الشاعر التونسي الكبير أبي القاسم الشابي،
ثم تحدث عن بعض عوامل انتشارا للحداثة هناك قائال:
" إن ما أصبح عليه الوضع الشعري في مغرب السبعينات يكاد يكود قلبا لهذا القانون ،لما لعبه
الشعر المغربي باللغة الفرنسية ،و التفاعل الخصيب بين جيل السبعينات و الشعر اإلنساني في
جهات العالم األربع :عن طريق اللغة الفرنسية خصوصا ،و للمستوى الثقافي المتقدم لهذا الجيل
الذي حصل على مستوى علمي أرقى ،و إلتساع و عمق االتصال المباشر بين شعراء المشرق
كأدوس ين ،و محم د درويش ،و س عدي يوس ف ،و عب د الوه اب البي اتي و ش عراء المغ رب في
الفترة ذاتها ،هذه العوامل من بين العوامل المتشبكة التي أعطت للقصيدة فضاء حريتها ،و من
ثم كفت التجرب ة الش عرية ل دي ،كم ا ل دى أص دقائي عن أن تك ون محص ورة في وطني ة عمي اء
1
تخشى أفقها اإلنساني "
و يؤكد ذلك ،و يزيد عليه ،في موضع آخر فيقول :
" االلتقاء الثقافي و الفكري الذي كان قائم ا بين المغرب و المشرق كان بطيئ ا جدا ،و ال سيما
في عهد الحماي ة الفرنسية و اإلس بانية ....فمثال يذكر ش اكر الس ياب ال أعتقد انه عرف معرفة
حقيقية إال من بعد الستينات ،و حتى المجالت المتخصصة في الشعر الحر حتى بالنسبة للمش رق
لم تؤسس إال بعد الخمسينات ،و في المقدمة مجلة اآلداب ،و اعتقد 2أن هذه المجلة هي الرسول
1
?.محمد بن عبد العزيز بن أحمد العلي ،الحداثة في العالم العربي ،ص - 562
2
?.نفسه ،ص - 563
43
الحداثة في المغرب الفصل الثاني:
العربي
له ذا الش عر من المش رق إلى المغ رب ،دخلت المغ رب في الس تينات ،و لكنه ا لم تس تطع أن
تستقطب حولها من تستقطب من الشعراء و أن تبلغ فكرتها إلى هنا إال بعد الستينات"
و ك ذلك أف ادت الحداث ة في المغ رب من االتجاه ات الحداثي ة و الفلس فية الغربي ة مباش رة ،عن
طريق الترجمة و الهجرة و نحوها ،كما أشار إلى ذلك الحداثي المغربي محمد برادة.
44
الحداثة في المغرب الفصل الثاني:
العربي
- 1عبد المالك مرتاص ،معجم الشعراء الجزائريين في القرن العشرين ،دار هومة ،الجزائر ،ص .414
- 2موسوعة الشعر الجزائري ،مجموعة أساتذة من جامعة منتوري دار الهدى الجزائر ،الجزء األول ،ص .435
3
?.رابح خدوسي ،موسوعة العلماء و األدباء الجزائريين ،دار الحضارة ،الجزائر ،ص -154
4
?.محمد ناصر ،رمضان حمود حياته و آثاره ،المؤسسة الوطنية للكتاب،الجزائر- 1985 ،
-5عبد الملك مرتاض ،نفس المرجع ،ص .414
45
الحداثة في المغرب الفصل الثاني:
العربي
أوردت جمعي ة اإلص الح نفي الش اعر حم ود في جري دة الش هاب هي أة جمعي ة اإلص الح بغرداي ة
ي وم 15ديس مبر 1929م 6إلى الش عب الم يزابي المجي د إلى أدب اء الجزائ ر الك رام إلى آل
رمضان.
إن جمعي ة اإلص الح بغرداي ة تتق دم إليكم بمخض ل دموعه ا و أح ر عواطفه ا مش اركة إي اكم في
فاجع ة وف اة عض دها األمين و س اعدها الم تين المرح وم رمض ان حم ود معترف ة أنه ا فق دت من
ص فها أعظم عام ل مص لح في ال وطن ،و أك بر غي ور ملي و أج ل رج ل من رج ال العف ة و
الفض يلة و الحس نى ،و أنه ا لخس ارة عظمى و نائب ة جلى ،إن ا هلل و إن ا إلي ه راجع ون .ه ذا و
للفقي د المرح وم مزاي ا على األم ة و األدب كب يرة ،و من يط الع كتاب ة "ب ذور الحي اة" يج د هن اك
األدب الجم و الحكمة البالغة و تتضح له عبقرية و فتوة فقيدنا العزيز و هكذا ال يفجعنا الدهر
إال في الكرام األعزة ،نسأل اهلل لنا و لكم الصبر و السلوان و للمرحوم المغفرة و الرضوان في
فراديس عليين.
غرداية ،رئيس جمعية اإلصالح ،سليمان ابن أبي نوح و كتبت عنه الجريدة في نفس العدد :
وفاة األخ رمضان حمود:
نعت إلين ا ص يفتنا " اإلص الح إالع زاء نب أ وف اة ه ذا الش اعر النابغ ة و األديب الف تي و المص لح
الوطني ،فوقع عليا ذلك النبأ الوقع المؤلم حتى كأنما بتر عضو من جسد هيأتنا و أظلم أمامنا
قس م عظيم من مس تقبل الجزائ ر كن ا أنارت ه على ج ده و علم ه و إخالص ه و أعظم المص ائب م ا
أث ر في مس تقبل األوط ان و اق دح الرزاي ا م ا اض عف ق وة األمم فنحن و الح زن يأخ ذ من ا مأخ ذ
نعزي فيه الملة و الوطن و األدب سائلين له الرحمة و الرضوان و آلله الصبر و السلوان.
جاء نعي وفاة الشاب الشاعر رمضان حمود في جريدة الشهاب على النحو التالي :
فقيد األدب و النهوض :السيد رمضان حمود رحمه اهلل،
قد كان هذا الشاب األديب الناهض ركنا ركينا من أركان النهضة األدبية بالجزائر و لو أهملته
األي ام لك ان نابغته ا في األدب بمعن اه الص حيح ،و أن فيم ا نش ره ل ه ”الش هاب “ في الس نوات
الماضية لدليال واضحا على ما نقول فموته مصاب قومي مؤلم ،ترك فراغا عظيما في صف
الع املين للنه وض األدبي و ال رقي الفك ري ب المجتمع الجزائ ري ،فل ذا ذكرن ا لق راء " الش هاب "
مختص ر ترجمت ه ف ه ذا القس م من مجلتهم ليكون وا كم ا عرف وا فيه ا أدب ه المنظ وم و المنث ور
عارفين بصورة مصغرة من ترجمة حياته.1
من قص ائده ال تي تع الج اإلص الح ال ديني ( :الق ديم و الجدي د) و (عالم نل وم ال دهر) و ع الج
اإلصالح الديني نثرا في كتابه (بذور الحياة) من أقواله فيه (ما قتل اإلسالم إال المس لمون ،و ال
دفن ال دين إال الجام دون) ( ال دين ينه اكم عن إتب اع النفس و لكن ه ال ي أمركم بقتله ا و زجه ا في
2
زاوية الجمود و اليأس ،ليس الدين معناه الموت كما يضنون و لكنه هو الحياة عينها ).
نشر مقاالت في مجلتي :وادي ميزاب و الشهاب له مجموعة من القصائد و محاولة قصصية
3
عن حياته بعنوان "الفتى " .
- 1جريدة الشهاب ،الجزء الثاني ،المجلد السادس ،الفاتح شوال 1348 ،هـ/مارس ، 1930ص .107
- 2صالح خرفي ،الشعر الجزائري ،الشركة الوطنية للنشر و التوزيع ،الجزائر ص .42
-3رابح خدوسي ،موسوعة العلماء و األدباء الجزائريين ،ص .155
47
الحداثة في المغرب الفصل الثاني:
العربي
48
الحداثة في المغرب الفصل الثاني:
العربي
1
أيها العرب
دون هذا العناء موت زؤام أيها العرب والخطوب جسام
ممطرات كأنهن غمام أيها العرب والحوادث جاءت
متى النطق والسكوت حرام إن يكن للحياة فيكم طموح
إن قلبي بالعال مستهام ناولوني يدا بها أتسامى
ولها في سما البيان هيام إن نفسي إلى المكارم تصبو
تعبت في مرادها األجسام" "وإ ذا كانت النفوس كبارا
ليت شعري وهل تقوم النيام أنفخ الروح في القلوب بشعري
فلشعري في كل نفس ضرام أضرم النار إن أردت بشعري
هضم الحق واستحل ذمام أرسل الشعر للنظال إذا ما
-1جريدة الشهاب ،م ،5ج ،12شعبان ،1348جانفي ،1930ص .44
49
الحداثة في المغرب الفصل الثاني:
العربي
- 1عمر بن قينة ،في االدب الجزائري الحديث ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،ط ،2ص .79
51
الحداثة في المغرب الفصل الثاني:
العربي
اختص بها رمضان حمود في تاريخ الشعر الجزائري الحديث ،الذي لم يكن استأنف ممارسته
بعدا “.1
و قد نشر حمود رمضان سلسلة من مقاالته النقدية لواقع الشعر العربي بجريدة الشهاب 2ابتداء
من الث الث من ش هر فيف ري ع ام 1927و ه ذا الت اريخ لم ي أت عرض ا ،ففي ه ذا ال وقت ك انت
األم ة العربي ة بكامله ا تس تعد لتقلي د "احم د ش وقي " إم ارة الش عر الع ربي ،فج اءت آراء رمض ان
حم ود المناهض ة لك ل تقلي د ،و الداعي ة إلى ع دم اتخ اذ ال وزن و القافي ة ش رطا أساس يا في ك ل
قصيدة محال بذلك الصدق الفني محل الوزن و القافية.
و قد جاءت هذه المقاالت الواعية تعبيرا عن تصور جديد لمفهوم الشعر و رسالته ،مخالفا بذلك
قواع د و نظري ات الش عراء الكالس يكيين ،إن ه ذا التص ور الجدي د لمفه وم الش عر حم ل رمض ان
حمود على توجيه نقد قاس و مباشر لرائد المدرسة المحافظة و حامل لوائها في الوطن العربي
” أحمد شوقي “ على الرغم من اعترافه بمكانة أمير الشعراء في مسيرة الشعر العربي الحديث،
و هو الوحيد الذي تفطن إلى نقاط الضعف في شعره فبينها.
ان الشعر عند رمض ان حمود " :تيار كهربائي مركزه الروح ،و خيال لطيف تقذفه النفس ،ال
دخل للوزن و القافية في ماهية و غاية أمرهما أنهما تحسينات لفظية اقتضاها الذوق و الجمال
في ال تركيب ،ال في المع نى كالم اء ال يزي ده اإلن اء الجمي ل عذوب ة و ال ملوح ة ،و إنم ا حفظ ا و
ص يانة من التالش ي و الس يالن ،فعلى تل ك الس نة و ذل ك المج رى وض ع الع رب (دي وانهم) و هم
أجالف* أميون لم يدخلوا مدرسة ،و لم يتلقوا حكمة ،و لم يعرفوا وزنا وال قافية بعد أن قررها
الخلي ل و إنم ا ح اكوا بش عرهم أوزان ا تلقوه ا عن الطبيع ة المترنم ة و ك انت ص الحة الحت واء م ا
يختلج في ص دورهم النقي ة من عواط ف ك الحب و البغض ،و الس رور و الح زن ،و الحلم و
الغضب ،فنسبوا و افتخروا و تحمسوا و ورثوا ،و مدحوا و هجوا ،و وص فوا و بك وا األطالل ،
-1يوسف ناوري ،الشعر الحديث في المغرب العربي ،ج ،1ط ،1دار توبقال ،المغرب ،2006ص .233
- 2مجلة اصدرها االمام عبد الحميد بن باديس و مجموعة من المثقفين بقسنطينة ،من 1925الى .1939
52
الحداثة في المغرب الفصل الثاني:
العربي
و ل و أنهم قص دوا بالش عر ال وزن و القافي ة لم ا ق الوا في بداي ة ال دعوة المحمدي ة على ص احبها
أفض ل الص الة و أزكى التحي ات أن الق رآن ش عر ،و أن ص احبه ش اعر مجن ون ،م ع علمهم ان ه
كالم مرسل ال أثر للوزن فيه ،و أن صاحبهم لم يسمع منه بيتا في سوق من أسواقهم و ال في
مجتم ع من مجتمع اتهم و ال تح دث عن ه اح د ب ذلك ،و إنم ا ه و الكالم الم بين ،و الق رآن الحكيم،
1
تركهم في ريبهم يعمهون "
إن الشعر عند رمضان حمود تيار كهربائي و هذا ما جعله يتفق مع نزار قباني الذي يرى أن
2
الجملة الشعرية " تضرب كالبرق و تختفي كالبرق "
و حسب رمضان حمود " الشعر في بداية نشأته األولى و في أقدم عصوره لم يعرف هذا النوع
من الموسيقى الشعرية المتمثلة في الوزن و القافية "
3
و إنما كانوا العرب األميون عندئذ يحاكون شعرهم أوزانا تلقوها عن الطبيعة المترنمة و كانت
صالحة الحتواء ما يختلج في صدورهم النقية من العواطف.
لقد تمرد رمضان حمود على الشعرية العربية التقليدية ،و تبرأ منها عندما نظر للشعر بأنه :
"النط ق بالحقيق ة تل ك الحقيق ة العميق ة الن اطق به ا القلب “ ه ذه الش عرية ال تي ك انت تس تند إلى
مقاييس شكلية خارجية جاعلة منها محددا رئيسيا لماهية الشعر و الزمة من لوازمه الضرورية
ف أقر رمض ان حم ود أن ه الب د من االنطالق من مق اييس و مع ايير داخلي ة ،ليص بح ذل ك الش عر
بروحه و جوهره ال بشكله المظهري الخارجي.
و لذلك نجد رمضان حمود حذر من األخذ نظرية األجناس األدبية الحتوائها على مقاييس شكلية
خارجية تحول للناقد الحكم على العمل األدبي دون التعامل المباشر معه ،فيصبح النص الشعري
عنده كل كالم موزون مقفى ،حتى و إن كان خاليا من الروح الشعرية ،و كذلك كل كالم مرسل
نثرا و أن كان خاليا من أي مستوى فني.
فحسب رمضان حمود يمكننا إيجاد الشعر في النثر ،كما يمكن أن نجد النثر في الشعر ،أن هذه
الرؤي ة هي ال تي جعلت من ه ح داثيا مم يزا يرك ز على الس ياق في تحدي د هوي ة النص داعي ا إلى
1
األخذ في االعتبار سلطة النص في تفسير العمل األدبي.
و يدلنا رمضان حمود على أن الحقيقة حقيقتان في هذا الوجود ،حقيقة سطحية شكلية و بسيطة،
ت رى أن الفن انعك اس ط بيعي تلق ائي للواق ع ،و حقيق ة عميق ة و هي تل ك الحقيق ة الش اعر به ا
القلب ،و فيها قال حمود " :إذ أن بيتا من الشعر صدق صاحب فيه ،و نظرا إلى عصره يتأمل
و إنصاف و بحث دقيق خير من ألف مجلد من مجلدات التاريخ الحافلة بسرد وقائع ذلك العصر
سردا إذ أن العبرة باإلجادة ال باإلكثار ".2
و نظ را لك ون حم ود رمض ان رجال مت دينا محترم ا لتع اليم ال دين اإلس المي اخت ار عب ارة" و
الشاعر الصادق قريب جدا من الوحي " على خالف الكثير من النقاد الذين يرون أن " :الشعر
وحي " فنج ده دقيق ا في عبارات ه متيقظ ا و حريص ا في ألفاظ ه فق د ك ان حم ود ” ثوري ا في جمي ع
3
آراءه و أفكاره إال على الدين "
و قد خاطب عبيد التقليد و أعداء االختراع من الشعراء بلسانهم الموزون فقال ساخرا:
"له شطٌر وَش ْطٌر ُهَو الَّص ْد ُر َعُج وٌز َأَتوا ِبَك َالٍم ال ُيَح ِّر ُك َس اِم عًا
ِم ٍم ِخ َك ْظٍم َو َقْد َح َش ُر وا َأْج َز اَءُه َتْح َت "َخ يَم ٍة "
َر ي َ ،نا ٍر َ ،ض َّم ُه الَقْب ُر َع
ِب ِف ٍة َّش ِّط ِذ َو ُز ِّين ِبالَو ْز ِن ،اَّلِذ ي َص اَر ُم ْقَتَفى
َقا َي لل َيْق ُفَها الَبْح ُر
ِح ِش وَقاُلوا وَضْع َنا الِش ْع َر ِللَّناِس َه اِد يًا
وَم ا ُهَو ْع ُر َس ا ٌر َ .الَ .و َال َنْثُر
- 1النقد األدبي في المغرب العربي ،محمد مصايف ،نقال عن النهار ،محمد علي الشعرة ،عدد 19( ،1356يناير ،)1956ص .5-4
-2الشهاب ،س 2:ع ،85:ص .849
-3محمد ناصر :رمضان حمود حياته و آثاره ،ط ،2المؤسسة الوطنية للكتاب ،الجزائر ،1985 ،ص .21
54
الحداثة في المغرب الفصل الثاني:
العربي
الرأي السابق لحمود إال بالتجربة و الممارسة و من هنا يتضح إلى أي مدى يحتاج اإلنسان إلى
1
حواسه ،و خاصة حاستي السمع و البصر.
لم يكت ف رمض ان حم ود بم ا أس لفناه في نج اح التجرب ة الش عرية فجع ل الص دق الش عري ش رطا
أساسيا في نجاح العملية الشعرية فقال :
" فلس ت من ال ذين يكتب ون للتس لية أو ال ترويج عن النفس و ال من ال ذين يتل ذذون بالعب ارات
المنمق ة الرقيق ة ،و لك ني أكتب ألفي د و اس تفيد ،و اكتب ال ليق ال ان ه كتب ،ب ل ليق ول لي
2
ضميري :انك قمت بواجبك و أديت ما عليك فكن مطمئنا ".
إن قض ية الص دق الف ني تث ير قض ية أخ رى هي :العاطف ة ال تي يعتبره ا رمض ان حم ود رك يزة
أساسية ،و البد من حضورها في اي عمل شعري ناجح ،و هذا ما جعله يحذر األديب الناشئ
من التس لح و ال تزود ب النحو و الص رف :الع روض و البالغ ة ،و الم ادة اللغوي ة م ا لم تكن في
نفس ه رغب ة ش ديدة نح و التجرب ة الشعريةـ ،الن الش عر من وجه ة نظ ر رمض ان حم ود " ليس
بص ناعة أو بض اعة كم ا يقول ون و لكن ه اله ام وج داني و وحي ض مير بنح وك أو ص رفك أو
عروضك أو بالغتك أو بكثرة مادتك إذا لم تجد في نفسك وازعا نحوه و ميال إليه و تلذذا غريبا
روحانيا لسمعه يكاد ينسيك نعيم الدنيا و ما فيها فإنك أن فعلت و لم تراع هذه الشروط الالزمة
3
ضيعت وقتا نفيسا و عمرا ثمينا و جنيت خزيا و عارا ".
أن ه ذه الرؤي ة التنظيري ة للش عر من رمض ان حم ود ت رفض ش عر الص ناعة جمل ة و تفص يال ،
حيث كانت الشعرية العربية التقليدية تنحو منحا حسيا مرتكزة عل عنصر الشكل مما انتهى بها
إلى الصناعة و التكلف في قول الشعر.
و مفه وم الص ناعة في الش عر يق وم أساس ا على األخ ذ ب العلوم اللغوي ة و البالغي ة دون إعط اء
موهبة الشاعر حقها في التجربة الشعرية و هذا ما جعل حمود يثور على شعر الصناعة معيدا
-1محمد الهادي بوطارن :رمضان حمود شاعر التقليد و التجديد ،ص .307
-2محمد ناصر ،رمضان حمود حياته و آثاره ،ص .212
-الشهاب ،المرجع السابق ،ص .790 3
56
الحداثة في المغرب الفصل الثاني:
العربي
بذلك مفهوم الشعر إلى ذات الشاعر و وجداه معتبرا موهبة الشاعر الزمة ضرورية من لوازم
الشعر " ،و هذه النظرة من حمود للشعر على انه الهام و موهبة ال تمثل جديدا ،فقد تناوله ا النق د
الع ربي من ذ ظه ور الرومانس ية تحت اس م"النب وءة " في الش عر ،كم ا تناوله ا النق د الع ربي الق ديم
تحت اس م"عبق ر " أو" ش يطان الش عر " و لع ل م ا ش غل حم ود في ه ذه القض ية اعتباره ا مق ابال
1
لقضية الصنعة في األدب ،و التي تذهب ببعض األدباء أحيانا إلى االفتعال و التصنيع ".
و الموهب ة الش عرية حس ب رمض ان حم ود ليس ت نتيج ة من نت ائج التعليم أو الثقاف ة الش عرية ،و
إنما هي طاقة كامنة في ذات اإلنسان تولد أحيانا مع والدة بعض األشخاص ،و ال تظهر للوجود
إال بالتجربة أو التحاكك و الممارسة و أن التزود بزاد النحو و الصرف البالغة و العروض ال
يكفي لجعل اإلنسان شاعرا ما لم يكن يكتسب موهبة شعرية و إن افتقر لكل من العلوم و كان
موهوبا فان األمر ال يخفي شاعريته.
" و إن ك ان الشعر ب المفهوم الذي قدمه حم ود فليس على الش اعر أن يجه د نفس ه في البحث عن
موض وعات ش عرية ،أو حق ائق معين ة كم ا يق ول و إم ا يكتفي بتص وير م ا في نفس ه من ش عور
صادق أو ما يسميه وحي الضمير و الهام الوجدان ".
ان الش عر كم ا ينظ ر ل ه رمض ان حم ود اث ر من آث ار اإلله ام و الموهب ة ،و ق د س لف تق ديمنا
تعريفات و مفاهيم رمضان حمود للشعر في شكل مقاطع نثرية أما شعرا فقد عرفه في قصيدة
يربط فيها بين الشعر و الطبيعة قائال :
و من كل ما سلف نخلص إلى أن المفاهيم التنظيرية للشعر التي جاء بها رمضان حمود مف اهيم
تجديدية ال تختلف كثيرا عن المفاهيم الشعرية التي نجدها عند شعراء مدرسة الديوان أو شعراء
المهج ر األم ريكي ،لنعلمهم من منب ع واح د ”الرومانس ية األوروبي ة “ و ق د ج اءت في ن وع من
الحماسة التي تتالشى مع الفضيلة و تستجيب للواقع ،مغايرة بذلك المفاهيم التقليدية المحافظة
للشعر.
" و الحقيق ة أن مفه وم الش عر عن د رمض ان حم ود...ليس مفهوم ا جدي دا لم يهت د إلي ه الش عراء و
النقاد قبلهم ،و إنما هو مفهوم عريق عبر عنه الشعراء و اهتم به قدماء النقاد ".
فك ان ب ذلك مفه وم رمض ان حم ود مخض ر م ا التقت في ه التي ارات األدبي ة العربي ة القديم ة م ع
التيارات األدبية الحديثة.
و لقد قام المفهوم التنظيري للشعر الذي جاء به حمود على :
.1الشعر مركزه الروح و ذات الشاعر و وجدانه.
.2يوجد الشعر في النثر كما يمكن أن يوجد النثر في الشعر.
.3اعتبر الوزن و القافية ليس شرطا أساسيا في تحديد ماهية القصيدة.
.4الشعر ما عبر عن كل ما يخالف النفس البشرية.
.5الصدق الفتي ركيزة أساسية في القصيدة الناجحة.
.6الموهبة الشعرية الزمة ضرورية في التجربة الشعرية.
و قد أفرزت أفكار رمضان حمود شعراء من الجيل الجديد و نذكر منهم خاصة :محمد البشير
العل وي ،أحم د س حنون و مب ارك جل واح ال ذين ك انوا ينظ رون للش عر في زاوي ة وجداني ة
رومانسية.
58
الحداثة في المغرب الفصل الثاني:
العربي
و تر له عبء الحياة ثقيال ،فحاول أن ينهض بالعبء و مسؤولية العيلة ،و لكنه أصيب بداء
تضخم القلب و هو في الثانية و العشرين من عمره فنهاه األطباء عن اإلره اق الفك ري فلم ينته،
و واصل عمله و في نفسه ثورة على الحياة ،و في قلبه تجهم قتال و راح يطلب االستشفاء في
أحضان الوحدة و الطبيعة فمن بالد الجريد1إلى زغوان إلى عين دراهم إلى المشروحة.
و في صيف 1934جمع ديوانه”أغاني الحياة “ و نوى أن يطبعه في مصر ،و لكن الداء اشتد
ب ه و ألزم ه الف راش ،فنق ل إلى المستش فى االيط الي بالعاص مة حيث ف ارق الحي اة في التاس ع من
شهر تشرين األول سنة 1934و نقل جثمانه إلى مسقط رأسه و دفن في الشابية.
شخصيتـه
ق ال محم د األمين الش ابي ش قيق الش اعر في وص ف ش قيقه " :نحي ف الجس م ،مدي د القام ة ،ق وي
البديه ة ،س ريع االنفع ال ،ح اد ال ذهن ،تكفك ف رق ة طبع ه من غ رب عاطف ة وح دة ذهن ه ،ي راه
أصدقاؤه" بشوشا ،كريما ،متأنقا ،طروبا بالمجالس ،األدب ،يحب الفكاهة األدبية " و يراه من لم
يخالطه حييا محتشما ،و يعرف منه هؤالء و أولئك صراحة حازمة قوية يبديها خاصة خلطائه
في غ ير م ا تح رج م تى اجتم ع بهم ،و يج اهر به ا العم وم في ش عره و في ن ثره ،و ك ان محب ا
لبالده ،ص ادق الوطني ة ،ي ؤمن بأن لق ادة الفك ر رسالة إنس انية سليمة حاول جه ده أن يحققه ا في
2
أثناء حياته القصيرة قوال و عمال.
قال الشيخ ابن عاشور " :وجد الشابي مع شعر جبران خير رائد له في هذا الطريق و مساعد
على س لوكه ،فتعل ق ب ه ح تى تخ رج على منهج ه ،و ام تزج بروح ه ،ف أتى بالت أمالت العجيب ة
العميق ة في العواط ف اإلنس انية و أس رارها ،و الوج ود و حق ائق ه و اظه ر التالقي المتحق ق في
60
الحداثة في المغرب الفصل الثاني:
العربي
ذات ه بين الحي اة المودع ة و الم وت المتوق ع فم زج الحي اة ب الموت و ركب من مزيجه ا وح دة
الوجود ".
آثـــــــاره
مات الشابي في نحو الخامسة و العشرين من العمر ،و مع ذلك فقد ترك لنا ديوانا جمعه هو
بنفس ه و نش ره ش قيقه بع د وفات ه و عنوان ه " :أغ اني الحي اة " كم ا ت رك كتيب ا بعن وان " :الخي ال
الشعري عند العرب " و آثارا أخرى ال تزال مخطوطة أما "أما الخيال الشعري عند العرب "
فهو في األصل محاضرة ألقاها الشاعر باسم "النادي األدبي " في قاعة الخلدونية ،تم نشرها سنة
1929في كتيب 1من 141صفحة ،و جعلها في سبعة أقسام :
الخيال و أقسامه.
.1الخيال الشعري و األساطير العربية.
.2الخيال الشعري و الطبيعة.
.3الخيال الشعري و المرأة.
.4الخيال الشعري و القصة.
.5فكرة عن األدب العربي.
.6الروح العربية.
و الكت اب في مض مونه أدب مق ارن ق ارن في ه الش اعر م ا بين الخي ال الش عري عن د الع رب و
الخيال الشعري عند األوروبيين ،و قد أثارت دراسته عاصفة هو جاء من النقد و ال سيما في
ص فوف المتزم تين و الرجع يين إذ رأوا في الكت اب تط اوال على األدب الع ربي ،و ليس هنال ك
تطاول و ال تحامل ،و إنما هنالك تقدير للماضي و آراءه جريئة في سبيل التطور و السير في
1
.المرجع نفسه ،ص -151 ?
61
الحداثة في المغرب الفصل الثاني:
العربي
ركب الحض ارة الجدي دة ،و ق د اس تطاع الش ابي أن ي رد على خص ومه و يفحمهم بحج ة قوي ة و
منطق سليم.
و أما ديوانه "أغاني الحياة " فهو يقع في 285صفحة كبيرة ،طبع للم رة األولى س نة ،1955ثم
قامت الدار التونسية للنشر فطبعته طبعة ثانية سنة 1966و أضافت إليه سبع قصائد للشاعر لم
تنش ر ل ه في الطبع ة األولى ،و ق د وردت القص ائد في ه ذا ال ديوان مرتب ة بحس ب ت اريخ نظم
الشاعر لها و حسب " تقييدات...بخط أبي القاسم أسفل القصائد في مسودته ".
62
الحداثة في المغرب الفصل الثاني:
العربي
وُتغري بالحِّب ،بْل بالجنوِن كُّل زهِر َيُض وُع منه أريٌج
من بُخ وِر الّر بيِع َ ،ج ُّم الُفتوِنونجوُم السماء فيه شموٌع
َأْو َقَد ْتها للُح ِّب ُر وُح القروِنطَّهري يا شقيقةَ الروِح َثْغ ري
بلهيِب الحياةِ َ ،ب ْل قِّبلينيقِّبلينيَ ،و َأْس ِك ري ثغرَي الَّصا
مت وقلبي ،وِف تنتي ،وجنونيعَّلني أستطيُع َأْن أتغّنى
لجمال الّد جى بَو حي الُعيوِنآه ما أجمَل الَّظالَم ! وأقوى
وحيه في ُفؤادي الَم ْفتوِن أنظري الليَل فهو في حّلة
ظـالم يمشي على الُّذ رى والُح ُز وِنواسمعي الغاب،فهو قيثارةُ الكوِن
تغّني لحبنا الميموِنإن ِس ْح َر الَّض باب ،والّليِل ،والَغ اِب ،
بعيُد المدى ،قوُّي الُفتوِن وجماُل الّظالم يعبُق باألحالِم والحّب ...فابسمي ،والثميِن ...
آه :ما أعَذ َب الغراَم ! وأحلىَر َّنةَ الَلثِم في خشوع الَس كوِن
َو َس ِك ْر نا هناك ..في عالم األحـبة تحَت الَّسماء ،تحَت الُغصوِن .
وتوارى الوجوُد عّنا بما في ـوغْب نا في عاَلم َم ْفتوِن
1
ونسينا الحياة ،والموَت ،والُّسكون وما فيه ِم ْن ُم ّنة وَم نوِن
65
الحداثة في المغرب الفصل الثاني:
العربي
أ .مرحلة األدب األندلسي و المهجري :عندما تفتحت قريحة الشاعر رابح بجاوي األندلسيين في
طري ق نظمهم و في أس اليب تص ورهم للحي اة ،ثم في نهج الزخرف ة و التنمي ق ،ح تى لك أن ش عر
من شعرهم ،و صياغتهم ،قال يصف جميال و يصف حاله معه:
بالـبهــا قــد ت ـقــرط ـقــا رب ظـبي علـقـته
غداالقلب مملقا ثم من وصله الجميل
مادها الريق لورقـى سـحــر اللــب طرفه
والشفا لوترفقا أوصــب الصــب صده
مـوثقا ليس مطلقـا صــار مــلقــى ب ـحــبه
انه شعر من يتلمس الطريق ،و يستقي الوحي من تصنيعات األندلسيين ،و لكن هذا التلمس لم يم
ط ويال ،فق د ت رامت إلي ه أخب ار أدب اء المهج ر ،ف اطلع على آث ارهم وال س يما آث ار ج بران خلي ل
جبران ،و فعلت في نفسه ثورتهم االجتماعية ،و تطلعاتهم المستقبلية ،و حرك أوتار 1شاعريته
أس لوبهم الجدي د في الكتاب ة و الش عر ،ف أراد أن ينهج منهجهم في التوعي ة ،و أراد أن يس لك
مسلكهم في األدب ،فنزع نزعة صوفية و فتح نوافذ نفسه على اإلنسانية المعذبة ،و راح يهاجم
المجتم ع المتحج ر ،و ي دعو إلى التجدي د في الحي اة ،و إلى تط وير وس ائلها في ع زم ال يقب ل
التردد ،و في استبسال نبر ال يوقف انطالقه التشدد به قال :
تقضي الحياة بناه اليأس والوجل ضعف العزيمة لحد في سكينته
يخر دون مداها اليأس والوجل وفي العزيمة قوات مسخرة
من القنوط وذا يسعى به األمل والناس شخصان :ذا يسعى به قدم
وذا إلى المجد والدنيا له خول هذا إلى الموت واألجداث ساخرة
و إلى جانب هذا التأثير الهجري نجد تأثير آخر كان له في شعر الشابي أصداء بعيدة إال و هو
ش عر الرومانطقي ة األوروبي ة الحاف ل ب األلم و القل ق و ال ذكريات و الح نين ،المت دفق حزن ا و
فرحا ،الغارق في خضم من التأمل ...و إننا في هذه المرحلة من حياة الشابي الشعرية نلمس
نفسا شجية العواطف ،تحاول أن تجمع ما بين العصف الجبراني و اللين الرومانطيقي.
و ه ا ه و ذا الش ابي م ع ألف رد دي موس يه يجع ل من ال دموع دواء للحي اة يطه ر جوانبه ا من ك ل
غش:
وخّلها وسبيلها طهر كلومك بالدموع
حقيرها و جليلها إن المدامع ال تضيع
و هك ذا ينطل ق الش اعر في مع اني الكآب ة و الح زن انطالق ا ال ح د ل ه ،و ي ذهب في تفهم الحي اة
م ذاهب مختلف ة تعتلج فيه ا الث ورة و الي أس ،و األم ل و األلم ،و ه و أب دى عمي ق النظ رة ،بعي د
الرؤيا ،وافر اإلنسانية ،فياض القريحة...1
ب .مرحلة المواجهة مع الموت :
توفي والد الشاعر ،فكانت الوفاة هذه صدمة عنيفة هزت كيانه ،و هكذا في أوائل تشرين األول
من سنة 1929نظم الشابي قصيدته الشهيرة " يا موت " و صدرها بقوله " :هي صرخة من
ص رخات نفس ي الممل وءة ب األحزان و ال ذكريات ،و ش ظية من ش ظايا ه ذا القلب المحطم على
صخور الحياة ،قلتها في أيام األسى التي تلت نكبتي بوفاة الوالد" رحمه اهلل " ،و منذ ذلك الحين
تبدلت حياة الشاعر و ساءت حاله الصحية ،و شعر بثق ل العبء العيلي ،و راح األلم يذيب نفسه
و قلب ه ،و الم رض ينهش آمال ه ،و في أج واء الي أس و الش قاء و العزل ة راح ينظم أجم ل ش عره
في وصف الطبيعة و سحر الوجود .
لقد مات والده و اسودت الدنيا في عينيه ،و تمزق صدره لوعة و أسى ،و خارت قواه ،و كاد
اليأس يخنقه :
وقصْم َت باألرزاِء َظْهري يا موُت ! قد مَّز قَت صدري
أْذ َر ُع ُك َّل َو ْع ِر َو َقَس ْو َت إذ أبقيتني في الَك ْو ن
ج .مرحلة المأساة و الفاجعة :اشتد ألم الشاعر ،و اشتدت عليه وطأة الداء ،و أحس بأن
النهاية ق د اقتربت فراح يتبرم ،،و راح يتسخط الوجود ،و يستغيث بالموت عله يزيحه من
شقائه ،و شعره في هذه المرحلة شعر النضوج الصاخب ،و شعر االندفاق الوجودي الذي هز
1
كيان الوجود.
"ثم ماذا؟ هذا أنا :صرُت في الدنيا
بعيًد ا عـن لهوه ــا وِغ ناَهــا
69