Professional Documents
Culture Documents
قراءات في فقه القضاء الانتخابي للمحكمة الإدارية
قراءات في فقه القضاء الانتخابي للمحكمة الإدارية
االنتخابي للمحكمة
اإلدارية
2020
إعداد
عبد الرزاق املختار ،أستاذ تعليم عال بكلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة،جامعة سوسة
حســناء بــن ســليمان ،رئيســة دائــرة ابتدائيــة ســابقا باملحكمــة اإلداريــة ،وعضــو ســابق بمجلــس الهيئــة
العليــا املســتقلة لالنتخابــات
محمد اللطيف ،رئيس دائرة ابتدائية باملحكمة اإلدارية
محمد الطيب الغزي ،مستشار بالتعقيب باملحكمة اإلدارية
نعيمة بن عاقلة ،رئيسة دائرة تعقيبية باملحكمة اإلدارية
الطاهر العلوي ،رئيس دائرة استئناف ّية باملحكمة اإلدار ّية ّ
أنوار منصري ،رئيسة دائرة ابتدائية باملحكمة اإلدارية
سليم املزوغي ،رئيس دائرة ابتدائية باملحكمة اإلدارية
محمــد شــفيق صرصــار ،أســتاذ تعليــم عــال بجامعــة تونــس املنــار والرئيــس الســابق للهيئــة العليــا
املســتقلة لالنتخابــات
شويخة بوسكاية ،رئيسة دائرة استئنافية باملحكمة اإلدارية
عماد الغابري ،رئيس دائرة استئنافية باملحكمة اإلدارية
سمية ڤنبرة ،رئيسة قسم استشاري باملحكمة اإلدارية
هدى التوزري ،رئيسة دائرة ابتدائية باملحكمة اإلدارية
ساهم في املراجعة
بهاء بكري ،خبير انتخابي ببرنامج األمم املتحدة اإلنمائي
تصميم
إيناس الجزيري ،مص ّممة ببرنامج األمم املتحدة اإلنمائي
Union eUropéenne
قراءات في فقه القضاء
االنتخابي للمحكمة
اإلدارية
2020
تنويه :اآلراء الواردة بهذا املؤلف الجماعي يعبر عن موقف املؤلفني وال يعكس موقف برنامج األمم املتحدة اإلنمائي أو شركائه من القضايا املثارة.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 4
املحتويات
املحتويات
بــدءا قــد يبــدو ترابــط القاضــي االنتخابــي ورقابــة الدســتورية مســتهجنا ومســتغربا ،فهــو
فــي مســتوى أول ربــط مســتهجن ـ بعــض الشــيء ـ باعتبــار طبيعــة القضــاء االنتخابــي
املســتندة علــى الظرفيــة والزمنيــة السياســية والقائمــة علــى الحســم الســريع وتلــك ســمتني
تســتم ّدان مــن دوريــة االنتخابــات ودورهــا التداولــي ،1م ّمــا ال يتصـ ّور معــه تو ّلــي القاضــي
االنتخابــي رقابــة الدســتورية ونظــره فيهــا ،كمــا يبــدو فــي مســتوى ثــان ترابــط القاضــي
االنتخابــي ورقابــة الدســتورية مســتغربا باعتبــار أن هــذا الشــكل مــن الرقابــة عــادة مــا
التصــق بالقاضــي الدســتوري بوصفــه القاضــي الطبيعــي للدســتورية.2
يدعمــه كمــا يجــد مــا ينفيــه فــي تاريخ ّيــة العالقــة بــن
ويجــد هــذا املوقــف املتحفــظ مــا ّ
القاضــي االنتخابــي ورقابــة الدســتورية ،3لقــد كانــت مفــردات العالقــة بينهمــا رهينــة جملــة
ثــاث متغيــرات رئيســة أوالهــا طبيعــة النظــام السياســي القائــم وثانيهــا ماهيــة القاضــي
االنتخابــي املختــص وآخرهــا وجــود هيــكل رقابــة دســتورية مــن عدمــه .ولقــد كان لتفاعــل
.1وهــو مــا ذكــر بــه القاضــي االنتخابــي ممثــا فــي املحكمــة اإلداريــة بقولــه « يتحتــم علــى كل طالــب اعتــراض علــى
حكــم صــادر فــي املــادة االنتخابيــة أن يرفــع مطلبــه طبــق آجــال تأخــذ فــي االعتبــار طبيعــة النــزاع االنتخابــي وإجراءاتــه
التــي حصرهــا املشــرع فــي آجــال مختصــرة جـ ّدا نظــرا لخصوصيــة العمليــة االنتخابيــة املحاطــة بعــدة مراحــل محــددة
فــي الزمــن « مــح إدا ،اع ،عـــ 52303ـــدد ،21/10/2011 ،م .د /رئيــس جمعيــة الدفــاع عــن حقــوق اإلنســان بتطاويــن
ومــن معــه ،فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة باملجلــس الوطنــي التأسيســي ،املطبعــة الرســمية
للجمهوريــة التونســية ،2013ص 317
2. 10ème édition , Dalloz , p228, Favoreu (L) et autres" droit constitutionnel".
.3وهــو موقــف يتأيــد مــن زاويــة املقاربــة املعتمــدة فــي هــذا املقــال والقائمــة أساســا علــى تاريخيــة العالقــة بــن القاضــي
االنتخابــي ومســألة رقابــة الدســتورية ،وهــو مــن ثمــة موقــف مدعــو للتنســيب علــى ضــوء مســتقبل هــذه العالقــة املرتهــن
بقيــام املحكمــة الدســتورية ،فالقانــون األساســي عــدد 50لســنة 2015املــؤرخ فــي 3ديســمبر 2015املتعلــق باملحكمــة
الدســتورية ســعى لتثبيــت معادلــة توفــق بــن الزمــن االنتخابــي ومراقبــة دســتورية القوانــن باعتبــار أن الفصــل 60
منــه أقــر خصوصيــة إجرائيــة فــي حالــة الدفــع بعــدم دســتورية قانــون انتخابــي فــورد بــه أنــه «فــي حالــة الدفــع بعــدم
دســتورية القوانــن املتع ّلقــة باالنتخابــات وأق ـ ّرت املحكمــة بعــدم دســتوريتها يتوقــف العمــل باألحــكام موضــوع الطعــن
فــي حــق الطاعــن دون ســواه بدايــة مــن تاريــخ صــدور قــرار املحكمــة الدســتورية .ويتوقــف العمــل بأحــكام القانــون التــي
أقــرت املحكمــة عــدم دســتوريتها انطالقــا مــن االنتخابــات املواليــة
• تبــت املحكمــة الدســتورية فــي املطاعــن خــال ثالثــة أشــهر قابلــة للتمديــد لنفــس املــدة مــرة واحــدة .ويق ّلــص األجــل
املذكــور بالفقــرة الســابقة إلــى خمســة أيــام فــي صــورة الدفــع بعــدم دســتورية تشــريع انتخابــي بمناســبة الطعــون
االنتخابيــة».
7 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
هــذه املتغ ّيــرات األثــر الواضــح علــى تطــور أوجــه العالقــة بــن عنصــري املعادلــة ،التــي
شــهدت بهــذا املعنــى مرحلتــن رئيســيتني ،حيــث لــم يكــن طرحهــا ممكنــا إال ضمــن
مترتّبــات الحــدث الثــوري الــذي عاشــته تونــس ذات 14جانفــي .2011
ظــل نظــام تســ ّلطي كان النــزاع االنتخابــي مفتقــدا للصبغــة القضائيــة فقبلهــا وفــي ّ
والتوجــس غالبــا علــى مواقــف القضــاء مــن
ّ موجهــا ومش ـتّتا 1كمــا كان التم ّنــع والتــر ّدد
ّ
رقابــة الدســتور ّية 2وهــو مــا افتقــدت معــه عوامــل تفاعــل ممكــن ضمــن معادلــة القاضــي
االنتخابــي ـ رقابــة الدســتورية ،لتتوفــر هــذه العوامــل الحقــا بعــد أن غــدا القاضــي اإلداري
ـ املشــهود لــه عمومــا بالجــرأة ـ قاضيــا انتخاب ّيــا بامتيــاز بعــد إســناد املحكمــة اإلداريــة
اختصــاص البــت فــي جانــب واســع مــن النــزاع االنتخابــي 3وهــو دور تكفــل القاضــي
.1تميز النظــــام القانونــــي صلب املجلــــة االنتخابيــــة الصــــادرة بموجب القانــــون عــــدد 25لســــنة 1969املــــؤرخ فــــي
8أفريــــل 1969للنزاعــــات االنتخابيــــة بالضعــــف والتشــــتت وضعــف الحضــور القضائــي العتبــارات تخــص التح ّكــم
والتوجيــه السياســي فــي ظـ ّـل نظــام تســلطي ،وهــو مــا صيــر فقــــه القضــــاء فــــي هــــذه املــــادة نــادرا وغيــر ذي إضافــة
نوعية بحيث أســندت النزاعــات املتعلقــة بالترســيم بقائمــات الناخبــني إلــى لجنــة إداريــة تســمى «لجنــة املراجعــة»
يمكــن الطعــن فــي مقرراتهــا اســتئنافيا لــدى املحكمــة االبتدائيــة وتعقيبهــا لــدى املحكمــة اإلداريــة .فــي حــن كان
املجلــس الدســتوري يبــت فــي صحــة الترشــح لالنتخابــات الرئاســية ويعلــن عــن نتيجــة االنتخابــات ،وينظــر فــي
الطعــون املقدمــة إليــه بمناسبتها ،كمــا كان يبــت فــي الطعــون املتعلقــة بانتخــاب أعضــاء مجلــس النــواب وأعضــاء
مجلــــس املستشــــارين .أمــــا بالنســــبة نزاعــــات االنتخابــــات البلديــــة فقــــد أســــند اختصــــاص فصلهــا إلــــى لجنــة
إداريــــة تســــمى "لجنــــة النزاعــــات ُ وتعــــد قراراتهــــا نهائيــة وغيــــر قابلــة لالســــتئناف .وفي ظل هذا املناخ التسلطي
اتســـم إن فقــــه القضــــاء فــــي هــــذه املــــادة بالندرة بالنظــــر إلــى قلــــة النزاعــــات االنتخابية لكون املناخ االنتخابي كان
طــاردا بطبيعتــه للممارســات التنافســية.
.2حــول ذلــك انظــر :األزهــر بوعونــي «تأمــات فــي رقابــة دســتورية القوانــن» (مــن) «مجموعــة دراســات لذكــرى الحــارث
مزيــودات» ،تونــس ،1994ص 71ومــا يليهــا.
.3شــــهد القانــــون االنتخابــــي التونســــي تغييــــرات نوعيــــة غــداة التحــوالت السياســية والدســتورية الجوهريــة ســــنة
2011فبمناســــبة تنظيــــم انتخابــــات املجلــــس الوطنــــي التأسيســــي أصبحــت جميــــع النزاعــــات االنتخابيــــة مــــن
اختصــــاص القضــــاء وتمركز جلها لدي القضاء اإلداري .فأســــند املرســــوم عــــدد 35املــــؤرخ فــــي 10مــــاي لســــنة
2011املتعلــــق بانتخــــاب املجلــــس الوطنــــي التأسيســــي املنقح واملتمم باملرســــوم عــــدد 72لسنة 2011املــــؤرخ فــــي
3أوت 2011إلــــى القضــــاء العدلــــي 2011اختصــــاص البــــت فــي نزاعــات الترســــيم بقائمــات الناخبـيـن والنزاعــات
املتعلقــة بالطــور االبتدائــي للترشــحات ،فــي حــن أســند إلــى املحكمــة اإلداريــة اختصــاص البــت اســتئنافيا فــيها
والرقابــــة القضائيــــة ابتدائيــــا ونهائيــــا علــــى القــرارات املتعلقــة بترســيم القائمــات املترشــــحة املتخــذة مــن الهيئــة
العليــــا املســــتقلة لالنتخابــــات فــــي إطــــار مراقبــة الحملــة االنتخابيــة ،كمــا أســــند إلــى الجلســة العامــة القضائيــة
للمحكمــــة اإلداريــــة مراقبــة النتائــــج األوليــة لالنتخابــات.
وبعــــد إصــــدار دســــتور 27جانفــــي 2014وبمناســــبة تنظيــــم االنتخابــــات التشــــريعية والرئاســــية لسنة 2014تــــم
إصــــدار قانــــون انتخابــــي جديــــد وهــــو القانــــون األساســــي عــــدد 16لســــنة 2014املــــؤرخ فــــي 26مــــاي 2014
املتعلــق باالنتخابــــات واالســــتفتاء .وقــــد تــ ـ ّم إســــناد البــــت فــــي النزاعــــات املتعلقــــة بالترشــــحات لالنتخابــــات
التشــــريعية ابتدائيــــا إلــــى املحاكــــم العدليــــة فــــي حــن تعهــدت املحكمــــة اإلداريــة بالنظــر اســــتئنافيا فــي الطعــون
املوجهــــة ضــــدها ،امــــا بالنســــبة لنزاعــــات االنتخابــــات الرئاســــية فقد أســند للدوائر االســتئنافية باملحكمة اإلدارية
اختصاص البــــت ابتدائيــــا فــــي الطعــــون املوجهــــة ضــــد قــــرارات الهيئــــة العليــــا املســــتقلة لالنتخابــــات ُ املتعلقــــة
بالترشــــح لالنتخابــــات الرئاســــية في حني أســــند اختصــــاص البــــت اســــتئنافيا إلــــى الجلســــة العامــــة القضائيــــة
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 8
اإلداري بــه فــي ظـ ّـل مشــهد لــم يتّضــح ولــم يتبلــور كفايــة فيمــا يتعلــق بمســألة رقابــة
الدســتور ّية م ّمــا كانــت معــه إمكانــات االجتهــاد القضائــي بشــأنها ممكنــة ومفتوحــة.
فــي هــذا الســياق تنزّلــت العالقــة (القاضــي االنتخابــي ـ رقابــة الدســتورية) ضمــن مســار
واملؤسســاتي واســتوعبت تح ّوالتــه وهــو مــا
ّ ـتوري
االنتقــال الديمقراطــي فــي بعديــه الدسـ ّ
ّ
تلخصــه هــذه الحيث ّيــة املقتطفــة مــن قــرار للمحكمــة اإلداريــة « وحيــث ال جــدال فــي أنّ
الثــورة التــي عرفتهــا البــاد أفــرزت مشــروع ّية جديــدة تجــد قوامهــا فــي القطــع نهائيــا
املؤسســات الدســتورية ّ ّ
وحــل مــع النظــام الســابق وإلغــاء دســتور غــرة جــوان 1959
التمثيليــة املنبثقــة عنــه وهــو مــا اســتوجب لجــوء الســلطة التنفيذيــة إلــى خيــار التنظيــم
املؤقــت للســلط العموميــة فــي انتظــار وضــع دســتور جديــد» ،فضمــن ســياقات االنتقــال
الديمقراطــي وجــدت املحكمــة اإلداريــة نفســها معنيــة باملســاهمة فيهــا عبــر الــدور
جســرت االستشــاري واالختصــاص القضائــي بحيــث كانــت إحــدى املؤسســات التــي ّ
عمليــة االنتقــال بفقههــا االستشــاري وفقــه قضائهــا الــذي اســتبطن إكراهــات املرحلــة
وتبعاتهــا ومتطلباتهــا.1
ولــم يكــن ذلــك العامــل الوحيــد فقــد تأثــر موقــف القاضــي االنتخابــي مــن مســألة رقابــة
الدســتورية أيضــا بموقــف القاضــي اإلداري عمومــا مــن نفــس املســألة ،حيــث لــم يقتصــر
تعبيــر املحكمــة اإلداريــة عــن موقفهــا مــن رقابــة الدســتورية بمناســبة نظرهــا فــي النــزاع
االنتخابــي فقــط بــل كان أيضا بمناســبة نزاعات مختلفة (نزاع مســؤولية ،نــزاع جبائي.2)..
وضمــن هــذه املوجبــات تبلــور موقــف القاضــي االنتخابــي مــن الدفوعــات بعــدم الدســتورية
التــي أثيــرت أمامــه أساســا بمناســبة االنتخابــات الرئاســية ســنة 2014واالنتخابــات
البلديــة ســنة ،2018وهــو مــا يجيــز اســتعراضه ضمــن مســار تطــ ّوري مــن زاويتــي
االختصــاص واملبــادئ املقـ ّررة فــي األصــل ،وذلــك ضمــن تقييــم اتجاهــات تفاعــل عناصــر
باملحكمــــة اإلداريــــة .كمــــا اختصــــت الدوائــــر االســــتئنافية باملحكمــــة اإلداريــــة ابتدائيــــا بالبــت فــي نزاعــات نتائــج
لالنتخابــات التشــريعية والرئاســية فــي حــن أســــند اختصــــاص البــــت اســــتئنافيا للجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة.
وبهــــدف تنظيــــم االنتخابــــات البلديــــة واملحليــــة تــــم بمقتضــى القانــــون األساســي عــدد 7لســــنة 2017املــؤرخ فــي
14فيفــــري 2017تنقيــــح القانــــون األساســــي عــــدد 16لســــنة 2014والــــذي أســــند اختصــاص البــــت فــي نزاعــات
الترشــــحات إلــــى الدوائــر الجهويــة للمحكمــة اإلداريــة واســــتئنافيا إلــــى الدوائــر االســــتئنافية للمحكمــة اإلداريــة.
ملزيــد التفصيــل انظــر هــدى التــوزري وســمية قنبــرة « دليــل النزاعــات االنتخابيــة فــي تونــس » ،إصــدارات برنامــج األمــم
املتحــدة اإلنمائــي ،تونــس ،2017ص 9ومــا يليها.
.1نــورة كريــدس «املحكمــة اإلداريــة فــي املرحلــة االنتقاليــة» ،الجــزء األول ( 14جانفــي 2011ـ 27جانفــي ،)2014دار
الكتــاب .2015
.2ملزيــد التفصيــل حــول مختلــف هــذه الحــاالت التــي تعــرض فيهــا القاضــي اإلداري للدفــع بعــدم الدســتورية انظــر:
عصــام بلحســن «فــي مراقبــة املحكمــة اإلداريــة لدســتورية القوانــن عــن طريــق الدفــع» ،مجلــة العلــوم القانونيــة
والسياســية ،املجلــد ،09العــدد ،02ص ص ،15 - 02 :جــوان .2019
9 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
العالقــة (القاضــي االنتخابــي ـ رقابــة الدســتورية) وذلــك فــي مســتوى أول قصــد بيــان
أثرهــا املؤسســاتي أي تأثيرهــا علــى منظومــة املؤسســات وأساســا العالقــة بــن القاضــي
اإلداري والهيئــة الوقتيــة لرقابــة دســتورية القوانــن إضافــة الستشــراف شــروط اســتمرار
خاصــة إن كتــب
ّ املؤسســاتي
ّ العالقــة املذكــورة الحقــا مــن عدمــه فــي ظـ ّـل تطـ ّور املشــهد
للمحكمــة الدســتور ّية أن تر ّكــز ،وفــي مســتوى ثــان قصــد تبيــن أثرهــا املوضوعــي
بإبــراز القيمــة املضافــة لفقــه القضــاء االنتخابــي املتصــل برقابــة دســتورية القوانــن.
لقــد تبلــور موقــف القاضــي االنتخابــي مــن مســألة مراقبــة دســتورية القوانــن مــن خــال
ثــاث قــرارات صــادرة عــن املحكمــة اإلداريــة فــي مــادة النــزاع االنتخابــي وقــد كان ذلــك
بعــد إنشــاء الهيئــة الوقتيــة ملراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن وإثــر إصــدار دســتور 27
جانفــي .1 2014
فقبلهــا لــم تثــر مســألة رقابــة دســتورية القوانــن ألســباب معلومــة تتعلــق بتعليــق العمــل
بدســتور غــرة جــوان 1959وتســتند علــى منطــق الفتــرة االنتقاليــة كمــا تتع ّلــل بغمــوض
مســألة رقابــة الدســتورية فــي ظ ّلهــا .وبنــاء علــى ذلــك وبمناســبة نزاعــات انتخابــات
املجلــس الوطنــي التأسيســي طــرح عنــوان مختلــف مــن عناويــن الرقابــة لــدى القضــاء
االنتخابــي هــو رقابــة املعاهدتيــة 2وبمفــردات مختلفــة هــي املعاييــر الدوليــة فــي املــادة
االنتخابيــة ،وهــو مــا بــدا طريقــا التفافيــا وبديــا منطقيــا ومالئمــا إلــى حــد مــا عــن تغييــب
رقابــة الدســتورية.3
.1ورد بالفصــل 148ســابعا منــه «يحــدث املجلــس الوطنــي التأسيســي بقانــون أساســي ،خــال األشــهر الثالثــة التــي
تلــي ختــم الدســتور ،هيئــة وقتيــة تختــص بمراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن وتتك ـ ّون مــن :ـ الرئيــس األول ملحكمــة
التعقيــب رئيســا ـ الرئيــس األول للمحكمــة اإلداريــة عضــوا ـ الرئيــس األول لدائــرة املحاســبات عضــوا ـ ثالثــة أعضــاء
مــن ذوي االختصــاص القانونــي يعينهــم تباعــا وبالتســاوي بينهــم كل مــن رئيــس املجلــس الوطنــي التأسيســي ورئيــس
الجمهوريــة ورئيــس الحكومة.وتعتبــر ســائر املحاكــم غيــر مخ ّولــة ملراقبــة دســتورية القوانني.تنتهــي مهــام الهيئــة بإرســاء
املحكمــة الدســتورية».
.2رقابــة املعاهدتيــة هــي ال ّرقابــة التــي تســتند علــى علو ّيــة وأفضل ّيــة املعاهــدات الدول ّيــة فــي التطبيــق إزاء القوانــن
الداخليــة والتــي يمارســها القاضــي اإلداري بمناســبة مــا يعــرض علــى نظــره مــن مقــ ّررات ذات صلــة بمجــال مــن
مجــاالت انطباقهــا الســتحضار تنصيصاتهــا والتثبــت مــن احتــرام قواعــد القانــون الداخلــي ملقتضياتهــا وترجيحهــا
عنــد االقتضــاء ،وهــو تعريــف يســتمد مــن فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة (قضيــة عــدد 72351بتاريــخ 42جــوان ،5002
الســيدة املدانــي /وزيــر الصحــة العموميــة ،املجموعــة ،ص.)06 .
« .3وحيــث لئــن أقــرت أحــكام االتفاقيــة (العهــد الدولــي للحقــوق املدنيــة والسياســية) الحــق لــكل مواطــن فــي الترشــح
إال أنهــا أجــازت للدولــة املصادقــة علــى االتفاقيــة الحـ ّد مــن هــذا الحــق بقيــود شــريطة أن تكــون معقولــة وحيــث أرســى
الفصــل 15مــن املرســوم عــدد 35لســنة 2011شــرطا مانعــا الكتســاب صفــة مترشــح النتخابــات املجلــس الوطنــي
التأسيســي واملتعلــق بإقصــاء كل مــن تحمــل مســؤولية صلــب الحكومــة فــي عهــد الرئيــس الســابق باســتثناء مــن لــم ينتم
مــن أعضائهــا للتجمــع الدســتوري الديمقراطــي ومــن تحمــل مســؤولية فــي هيــاكل التجمــع الدســتوري الديمقراطــي فــي
عهــد الرئيــس الســابق ،وكذلــك كل مــن ناشــد الرئيــس الســابق الترشــح ملــدة رئاســية جديــدة لســنة ...2014وحيــث أن
القيــد الــذي أقــره الفصــل 15ســالف الذكــر اقتصــر علــى البعــض وكان مبــررا بالقطــع مــع النظــام الســابق املبنــي علــى
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 10
هــذا مــا يثبــت أنّ تنــاول القاضــي االنتخابــي اإلداري ملســألة رقابــة دســتورية القوانــن
ع ّبــر دائمــا عــن تفاعــل ثابــت مــع الســياق التقعيــدي واملؤسســاتي املحيــط وتحوالتــه وهــو
مــا كان لــه أثــره الثابــت علــى بنيــة قراراتــه القضائيــة ،والتــي تتمثــل فــي:
• الحكم عدد 6بتاريخ 10أكتوبر ،2014العادل العلمي /الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات.1
• حكــم ابتدائــي عــدد 059000002بتاريــخ 14مــارس ،2018قائمــة اإلتحــاد املدنــي /
الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بسوســة.2
• حكــم ابتدائــي عــدد 20181015بتاريــخ 16مــارس ،2018منــذر امللـ ّوح بصفتــه رئيــس
قائمــة «بــاردو فــي عينينــا» /الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بتونــس .3 2
ـي أول مــن بيــان إن قــراءة تأليف ّيــة جامعــة لجملــة هــذه القــرارات تم ّكــن فــي مســتوى إجرائـ ّ
4
املبــادئ املقــ ّررة بشــأن اختصــاص القاضــي االنتخابــي مــن مســألة مراقبــة دســتورية
القوانــن (الجــزء األول) ،كمــا تســمح فــي مســتوى موضوعــي ثــان بعــرض املبــادئ التــي
ك ّرســها فقــه القضــاء االنتخابــي بشــأن موضوعــات الدفــع بعــدم الدســتور ّية والتــي تلقــي
الضــوء علــى عالقــة املــادة االنتخاب ّيــة بأهـ ّم مصادرهــا وهــو الدســتور (الجــزء الثانــي).5
االســتبداد وتغييــب إرادة الشــعب والبقــاء غيــر املشــروع فــي الســلطة وتزويــر االنتخابــات وفــق مــا جــاء فــي ديباجــة
املرســوم املذكــور ،األمــر الــذي يكــون معــه الفصــل املذكــور محترمــا للعهــد الدولــي املحتــج بــه ،باعتبــار أن هــذا القيــد
لــم يتجــاوز نطــاق املعقــول« .مــح ،إدا ،اس ،عــ28946ــــدد ،2011/09/22 ،رئيســة قائمــة الوحــدة الوطنيــة بسوســة /الهيئة
الفرعيــة املســتقلة لالنتخابــات بسوســة ،فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب املجلــس الوطنــي
التأسيســي ،منشــورات املطبعــة الرســمية للجمهوريــة التونســية .2013
.1فقه قضاء املحكمة اإلدارية لسنة ،2014منشورات املطبعة الرسمية للجمهورية التونسية ،2014ص .747
.2غير منشور ،أنظر امللحق
.3غير منشور ،أنظر امللحق
.4وقــد اقتصرنــا علــى القــرارات الصــادرة فــي املــادة االنتخابيــة الصرفــة علــى معنــى القانــون املتعلــق باالنتخابــات
واالســتفتاء والتــي تهــم االنتخابــات التشــريعية والرئاســية والبلديــة ،واســتثنينا بذلــك القــرارات الصــادرة بمناســبة
انتخــاب أعضــاء الهيــآت الدســتورية علــى شــاكلة الهيئــة العليــا االنتخابــات والتــي دفــع فيهــا بعــدم الدســتورية
(قــرار الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة عــدد 134854بتاريــخ 7نوفمبــر ،2013ســنية بــن عمــر /رئيــس
املجلــس الوطنــي التأسيســي بوصفــه رئيــس لجنــة فــرز الترشــحات لعضويــة الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات).
5. MALIGNER B., Droit électoral, Paris, ellipses, 2007.
11 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
تبلــورت بمناســبة نظــر القاضــي االنتخابــي كقاضــي دفــع بالدســتورية جملــة مــن
املبــادئ التــي تهــم شــكل الرقابــة (الفقــرة األولــى) وأسســها (الفقــرة الثانيــة).
ـي يت ـ ّم عــن• فاختصــاص القاضــي االنتخابــي برقابــة الدســتور ّية هــو اختصــاص عرضـ ّ
طريــق الدفــع وليــس اختصاصــا أصليــا يتـ ّم عــن طريــق الدعوى .وتعـ ّرف مراقبة الدســتورية
عــن طريــق الدفــع بأنّهــا املراقبــة التــي يمارســها القاضــي علــى دســتور ّية القوانــن بمناســبة
الدعــاوى التــي تعــرض عليــه وهــي دعــاوى ال تتع ّلــق مواضيعهــا برقابــة الدســتور ّية ذاتهــا،
ففــي موضــوع الحــال تثــار مســألة دســتور ّية القوانــن بصفــة اســتثنائ ّية وعلــى هامــش
املســائل املتّصلــة أساســا بالنــزاع االنتخابــي ،إذ يطالــب أحــد أطــراف هــذا النــزاع بالتثبــت
مــن الســامة الدســتورية للقانــون املزمــع تطبيقــه والــذي عــادة مــا يكــون القانــون االنتخابــي
املنطبــق ويطلــب عــدم تطبيقــه فــي حــدود الدفوعــات بعــدم الدســتورية بالنســبة للقضيــة
املعروضــة علــى القاضــي .1فــي هــذا املنحــى يعتبــر القاضــي اإلداري الــر ّد علــى الدفــع مــن
أوكــد واجباتــه فــ»لئــن كان دوره يتمثــل فــي التث ّبــت مــن مــدى حســن تطبيــق القانــون ،فإ ّنــه
ـت بصفــة أصل ّيــة فــي مطابقــة القانــون للدســتور، مــن واجبــه فــي غيــاب محكمــة دســتور ّية تبـ ّ
النظــر فــي مــدى احتــرام النــص التشــريعي ملصــادر القانــون التــي تعلــوه واملتمثلــة فــي
الدســتور واملبــادئ األساس ـ ّية ذات القيمــة الدســتور ّية وكذلــك املعاهــدات النافــذة ليخلــص
عنــد االقتضــاء إلــى اســتبعاده ك ّلمــا ت ـ ّم الدفــع بذلــك أمامــه «« »2ولــذا فقــد تع ّيــن إقــرار
.1عبد الفتاح عمر ،الوجيز في القانون الدستوري ،مركز الدراسات والبحوث والنشر ،1987 ،ص .245
محمــد رضــا بــن حمــاد «املبــادئ األساســية للقانــون الدســتوري واألنظمــة السياســية» ،الطبعــة الثالثــة ،مركــز النشــر
الجامعــي ،2016 ،ص 268ومــا يليهــا.Favoreu (L) et autres « droit constitutionnel» ,op.cit , p219 et Svt .
.2قــرار الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة عــدد 134854بتاريــخ 7نوفمبــر ،2013ســنية بــن عمــر /رئــس
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 12
هــذا موقــف يتأيــد بمــا ذهــب إليــه أحــد الباحثــن فــي القانــون مــن أن قاضــي الدفــع يجــد
فــي طبيعــة املرحلــة االنتقاليــة عناويــن اختصاصــه حتــى يتعهــد بمراقبــة دســتورية القوانني
بحيــث تكــون تقنيــة املراقبــة عــن طريق الدفــع ضرورة موضوعيــة باعتبار الوضــع االنتقالي
الدســتوري ثــم فــي انتظــار إرســاء املؤسســات الدائمــة في ظــل دســتور 2014وذلك لضمان
علويــة القاعــدة الدســتورية فــي جوهريتها ،وباعتبار أن الدفع يغــدو تقنية متالئمة مع طبيعة
العمــل القضائــي فــي املرحلــة االنتقاليــة نظــرا ألن إرســاء حـ ّـل مغايــر يبقــى غيــر ممكن ألن
مســألة املراقبــة وشــكلها مــن الخيــارات االســتراتيجية الداخلــة فــي املهمــة التأسيســية فــي
مرحلــة التأســيس وهــي بعدهــا رهينــة تركيــز املؤسســة الدائمــة أي املحكمــة الدســتورية .2
املجلس الوطني التأسيسي بوصفه رئيس لجنة فرز الترشحات لعضوية الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات
.1منذر املل ّوح بصفته رئيس قائمة «باردو في عينينا» /الهيئة الفرعية لالنتخابات بتونس ،2قرار مذكور سابقا.
.2مــروان الديماســي «القضــاء بــن املجلــس القومــي التأسيســي واملجلــس الوطنــي التأسيســي :بــن ضــرورة االحتــكام
ملفهــوم الحكامــة داخــل املرحلــة االنتقاليــة وحتميــة تثبيــت املفهــوم عنــد صياغــة البنيــة الدســتورية «(مــن)» فــي الثــورة
واالنتقــال والدســتور» ،أحمــد السوســي (تحــت إشــراف) ،منشــورات مجمــع األطــرش للكتــاب املختــص ،تونــس ،2012
ص 196ومــا يليهــا.
.3الفصــل 120مــن الدســتور «تختــص املحكمــة الدســتورية دون ســواها بمراقبــة دســتورية ... :ـ القوانــن التــي تحيلهــا
عليهــا املحاكــم تبعــا للدفــع بعــدم الدســتورية بطلــب مــن أحــد الخصــوم فــي الحــاالت وطبقــا إلجــراءات التــي يقرهــا
القانــون»
الصــورة ضمــن القانــون عــدد 50لســنة 2015املــؤرخ فــي 3ديســمبر 2015املتعلــق باملحكمــة فصلــت هــذه ّوقــد ّ
ينــص الفصــل 54منــه أنّ «للخصــوم فــي القضايــا املنشــورة فــي األصــل أمــام املحاكــم أن ّ الدســتورية حيــث
ينــص الفصــل 56أنّــه علــى «املحاكــم عنــد ال ّدفــع
ّ يدفعــوا بعــدم دســتور ّية القانــون املنطبــق علــى النــزاع ».كمــا
أمامهــا بعــدم دســتور ّية القوانــن إحالــة املســألة فــورا علــى املحكمــة الدســتور ّية ،وال يجــوز الطعــن فــي قــرار
اإلحالــة بــأي وجــه مــن أوجــه الطعــن ولــو بالتعقيــب ».وتوجــب أحــكام الفصــل 58أن «يوقــف قــرار اإلحالــة
توصــل املحكمــة التــي أثيــر
النظــر فــي القض ّيــة األصل ّيــة وتعلــق اآلجــال ابتــداء مــن تاريــخ صــدوره إلــى حــن ّ
أمامهــا الدفــع بقــرار املحكمــة الدســتور ّية أو انقضــاء أجــل توصلهــا بقــرار املحكمــة الدســتورية دون وروده».
13 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
• واســتتباعا للنقطــة الســابقة ســيذهب القاضــي االنتخابــي فــي اتّجــاه اعتبــار الدفــع
بعــدم الدســتورية مــن متع ّلقــات النظــام العــام ،وســيعمل هــذا املنطــق فــي قــرار االتحــاد
املدنــي /الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بسوســة ،1ففــي عريضــة طعنهــا اكتفــت الجهــة
مســجلة
ّ ترشــحها لوجــود ّ
ترشــحات املدعيــة بقولهــا أنّ قــرار الهيئــة الفرع ّيــة رفــض ّ
بغيــر الدائــرة االنتخابيــة « جــاء مخالفــا للفصــل 34مــن الدســتور الــذي كــ ّرس حــقّ
نــص علــى أن القانــون هــو الــذي يحــ ّدد الضوابــط الترشــح والفصــل 49منــه الــذي ّ ّ
املتعلقــة بممارســة الحقــوق والحريــات بمــا ال ينــال مــن جوهرهــا » ،وذلــك دون أي دفــع
صريــح بعــدم الدســتورية ،لينبــري القاضــي االنتخابــي مــن تلقــاء نفســه باحثــا فــي
دســتور ّية الفصــل 49مكــرر مــن القانــون األساســي املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء،
ولع ّلــه قــ ّدر أنّــه ال يمكــن مجــاراة الطاعــن فــي مطعنــه فــي ربطــه املباشــر بــن القــرار
املطعــون فيــه والدســتور مــع تغييــب الســند القانونــي املباشــر للقــرار ،فبعــد التذكيــر
بمقتضيــات الفصلــن 34و 49مــن الدســتور أشــار القاضــي االنتخابــي ألحــكام الفصــل
49مكــرر مــن القانــون األساســي املتعلــق باالنتخابــات ولألمــر عــدد 1033املــؤرخ فــي 19
ســبتمبر 2017املتعلــق بضبــط عــدد أعضــاء املجالــس البلديــة فــي اقتضائهمــا الترشــح
فــي الدائــرة االنتخابيــة املســجل بهــا ،ليســتخلص أ ّنــه «ولئــن كان الحــق فــي االنتخــاب
واالقتــراع والترشــح مكفــوال بالدســتور ،فــإن ممارســته تخضــع للضوابــط العامــة
املحــددة بالنصــوص القانونيــة الجــاري بهــا العمــل ،شــريطة أن ال تنــال هــذه الضوابــط
مــن جوهــر الحــق وأن تتناســب مــع موجباتهــا .وحيــث أن شــرط تقديــم الترشــح فــي
الدائــرة االنتخابيــة املســجل بهــا ال يعطــل الحــق فــي الترشــح وهــو بذلــك ال يخــرق مبــدأ
التناســب وليــس مــن شــأنه أن ينــال مــن جوهــر الحــق فــي الترشــح املضمــون بالدســتور».
غيــر أنّ هــذا املوقــف مــن القاضــي اإلداري املنتصــب فــي املــادة االنتخاب ّيــة يفتقــد
تأسيســا واضحــا وتأصيــا معلنــا وذلــك خالفــا ملوقفــه فــي أحــد القــرارات الصــادرة فــي
غيــر املــادة االنتخابيــة.2
• غيــر أنّ أه ّميــة اختصــاص القاضــي االنتخابــي برقابــة الدســتورية عــن طريــق
الدفــع ال يحجــب محدود ّيتــه باعتبــار نتائــج ممارســته ،بحيــث يتمثــل الهــدف مــن
هــذا الدفــع ويقتصــر علــى اســتبعاد تطبيــق القانــون الالدســتوري فــي الطعــن
املاثــل دون إلغــاءه كمــا تكــون حجيــة الحكــم القضائــي الصــادر نســبية مقصــورة
موجهــة للكافــة ،وهــو مــا يحــد مــن أثــر إعــان القاضــي
علــى أطــراف النــزاع وغيــر ّ
االنتخابــي موقفــه مــن الدفوعــات الدســتورية وإن ال ينفيــه عنــه بشــكل كامــل حيــث
1
يكــون للقــرارات القضائيــة أثرهــا االعتبــاري وبعدهــا البيداغوجــي فــي كل األحــوال.
• إن اختصــاص القاضــي االنتخابــي العــارض فــي النظــر فــي الدفــع بعــدم الدســتور ّية
ال يطــرح تنافســا أو تماثــا أو تناقضــا مــع االختصــاص األصيــل للقاضــي اإلداري
2
كقاضــي الشــرعية ـ ومــن وراءه القاضــي االنتخابــي كقاضــي الشــرعية االنتخابيــة ـ
جامعهمــا فــي ذلــك مفهــوم الرقابــة كأحــد املفاهيــم الجوهريــة لدولــة القانــون القائمــة
علــى القانــون الديمقراطــي والرقابــة الشــاملة والنفــاذ الناجــز ،ورابطهمــا فــي ذلــك
فــرض احتــرام القانــون فــي معنــاه الشــمولي عبــر ســبل إجرائيــة مختلفــة اختصاصــا
ّ
يســتدل عليهــا مــن الحيثيــة التاليــة الــواردة بقــرار ووســائل وســلطات ،3وهــي معــان
منــذر امللــ ّوح /الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بتونــس « 2وحيــث أنّ اســتبعاد القاضــي
البــت فــي دســتورية الشــرط التشــريعي املتم ّثــل فــي ضــرورة أن يكــون ّ اإلداري مــن
البــت
ّ مســجال فــي نفــس الدائــرة التــي سيترشــح بهــا رغــم عــدم ســابقية
ّ ّ
املترشــح
فيــه مــن قبــل القاضــي الدســتوري ســيؤول بالضــرورة إلــى غيــاب كل رقابــة قضائيــة
ترشــح األفــراد وهــوعلــى ذلــك التضييــق رغــم مــا لــه مــن تبعــات تمــس مــن حريــة ّ
توجــه فقــه قضائــي يتوافــق ونزعــة متناميــة مــا تأبــاه مق ّومــات دولــة القانــون» ،4وهــو ّ
داخــل فقــه القانــون العــام نحــو تقــارب ثابــت وحــدود ل ّينــة بــن الدعويــن خصوصــا
5
مــع تحــ ّوالت رئيســية نجمــت عــن دســترة فــروع القانــون بمــا فيهــا القانــون اإلداري
.1وهــو مــا تذكــر بــه أحــكام القانــون عــدد 50لســنة 2015املــؤرخ فــي 3ديســمبر 2015املتعلــق باملحكمــة الدســتورية
فــي الفصــل 54ومــا يليــه.
.2فالقاضــي االنتخابــي ال يســتجيب لطلــب إلغــاء أو تعديــل نتائــج االنتخابــات إ ّال متــى ثبــت لديــه اإلخــال بقواعــد
إجرائهــا وكان ذلــك اإلخــال مؤثــرا بصفــة حاســمة علــى مــا أفضــت إليــه (قــرار الجلســة العا ّمــة القضائيــة
باملحكمــة اإلداريــة عــدد 95بتاريــخ 7نوفمبــر 2011وقــرار الجلســة العا ّمــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة عــدد 36
بتاريــخ 7نوفمبــر 2011وقــرار الجلســة العا ّمــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة عــدد 98بتاريــخ 7نوفمبــر) 2011
.3يراجع :منتصر الوردي « املحكمة اإلدارية واملجلس الدستوري :أي تفاعل في ظل دستور 1959؟ » (من) « دراسات مهداة
لألستاذ حافظ بن صالح » ،مخبر العلوم الدستورية واإلدارية واملالية ،مركز النشر الجامعي ،تونس 2018ص 265وما يليها.
.4قرار مذكور سابقا ،انظر امللحق.
.5مســعود الجندلــي « القاضــي اإلداري والحقــوق الدســتورية » (مــن) « الدســتور التونســي 1جــوان ،» 1959الجمعيــة
التونســية للقانــون الدســتوري ،تونــس ،2010ص .227
15 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
أســس القاضــي االنتخابــي اختصاصــه كقاضــي دفــع ضمــن جرأتــه علــى تجــاوز لقــد ّ
موانــع بعضهــا موانــع تقليد ّيــة وبعضهــا اآلخــر موانــع مســتج ّدة.
لقــد ترجــم إقــرار القاضــي االنتخابــي اختصاصــه برقابــة الدســتور ّية عــن طريــق الدفــع
تجــاوزا الفتــا لنظريــة القانــون الحاجــب ،وهــو املانــع التقليــدي الــذي طاملــا اعتمــده
إداري إذا
ّ القاضــي اإلداري لنفــي اختصاصــه فــي النّظــر مباشــرة فــي دســتور ّية مق ـ ّرر
ـريعي مكتفيــا ضمــن هــذا التصـ ّور بمناســبة بســط ـص تشـ ّ مــا اســتند هــذا األخيــر إلــى نـ ّ
ـص دون أن يتجــاوز ذلــك رقابتــه علــى شــرع ّية ذلــك املقـ ّرر بمراقبــة مــدى احترامــه لهــذا النـ ّ
ـريعي للنصــوص الــذي تعلــوه درجــة بمــا فــي إلــى النّظــر فــي مــدى مطابقــة النــص التشـ ّ
اإلداري
ّ ـريعي جــاز للقاضــي ـص تشـ ّ ذلــك الدســتور ،فــإن لــم تســتند تلــك القــرارات إلــى نـ ّ
أصــل القاضــي اإلداري هــذا ّ ـد
ـ وق مراقبــة مــدى مطابقــة القــرارات اإلدار ّيــة للدســتور.1
املانــع ضمــن أحــد املبــادئ الدســتور ّية الكبــرى «حيــث عمــا بمبــدأ الفصــل بــن الســلط،
فــإنّ رقابــة قاضــي تجــاوز الســلطة تقــف عنــد حـ ّد مراقبــة مشــروع ّية القــرارات الصــادرة
عــن الســلطة التنفيذيــة فــي إطــار املــادة اإلدار ّيــة ،وبالتالــي فإ ّنــه ال محيــد عــن اإلعــراض
عمــا تذ ّرعــت بــه نائبــة العارضــة بخصــوص عــدم دســتور ّية مجلــة الصحافــة الصــادرة عن
الســلطة التشــريعية » .2وهــو مــا يذكــر بموقــف القاضــي العدلــي حيــث اعتبــرت محكمــة
التعقيــب فــي قرارهــا املــؤرخ فــي 1جــوان 1988أنــه «ال يجــوز للقضــاء العــادي املكلــف
أساســا بتطبيــق القوانــن أن يتطــرق ملوضــوع دســتوريتها ألن ذلــك يــؤول بــه إلــى الحكــم
عليهــا األمــر الــذي يشــكل تجــاوزا لحــدود ســلطته ...ويحمــل بــن طياتــه خطــر الوقــوف
فــي مزالــق االنحــراف باألمــر إلــى انتصــاب حكومــة القضــاة الذيــن قــد يدخلــون فــي
صــراع وتصــادم مــع اإلرادة القوميــة التــي أوكل التعبيــر عنهــا لنــواب الشــعب املنتخبــن
فضــا عــن كــون هــذا التصــادم ال شــيء يبــرره والســيما وأن الهيئــة القضائيــة خالفــا
للســلطة التشــريعية ال تســتمد نفوذهــا مــن االنتخــاب العــام » وهــو تأســيس تقليــدي فقــد
وجاهتــه نســبيا علــى ضــوء مــا لحــق مفهــوم الفصــل بــن الســلطات مــن تنســيب وتطويــر.1
ولــم يقتصــر القاضــي االنتخابــي علــى تجــاوز املوانــع التقليديــة بــل واجهتــه موانــع
نصــي، مســتج ّدة تض ّمنهــا دســتور 27جانفــي 2014وتتم ّثــل فــي مانــع هيكلـ ّ
ـي ومانــع ّ
نــص « يحــدث املجلــس الوطنــي ّ وقــد وردت فــي الفصــل 148ســابعا منــه حيــث
التأسيســي بقانــون أساســي ،خــال األشــهر الثالثــة التــي تلــي ختــم الدســتور ،هيئــة
وقتيــة تختــص بمراقبــة دســتورية مشــاريع القوانني...وتعتبــر ســائر املحاكــم غيــر
مخ ّولــة ملراقبــة دســتورية القوانــن .تنتهــي مهــام الهيئــة بإرســاء املحكمــة الدســتورية»
وهــي صياغــة كأنمــا كان مقصدهــا إجابــة وتنبيــه مــن املش ـ ّرع علــى مــا كانــت املحكمــة
اإلداريــة ح ّيثــت بــه قــرار 7نوفمبــر 2013حينمــا أقــ ّرت أح ّقيتهــا برقابــة دســتورية
ظــل تزامــن غيــاب الدســتور مــع غيــاب هيــكل معنــي بهــا ،2فص ّرحــت القوانــن فــي ّ
«لئــن كان دور القاضــي اإلداري يتمثــل فــي التث ّبــت مــن مــدى حســن تطبيــق القانــون،
ـت بصفــة أصل ّيــة فــي مطابقــة القانــونفإ ّنــه مــن واجبــه فــي غيــاب محكمــة دســتور ّية تبـ ّ
للدســتور ،النظــر فــي مــدى احتــرام النــص التشــريعي ملصــادر القانــون التــي تعلــوه
واملتمثلــة فــي الدســتور واملبــادئ األساس ـ ّية ذات القيمــة الدســتور ّية وكذلــك املعاهــدات
3
النافــذة ليخلــص عنــد االقتضــاء إلــى اســتبعاده ك ّلمــا تــ ّم الدفــع بذلــك أمامــه»
إنّ أحــكام الفصــل 148املذكــور تطــرح تســاؤال بديه ّيــا ومشــروعا عــن الجــدوى مــن إعمــال
رقابــة دســتورية القوانــن عــن طريــق الدفــع فــي ظــل وجــود هيــكل رقابــة للدســتورية
النــص تحجيــرا واضحــا مــن ممارســتها؟ ّ يمارســها بصفــة أصليــة ومــع تض ّمــن
ودفعــا بالطــرح إلــى مــداه تدعــو ـ نفــس هــذه األحــكام ـ للتســاؤل عمــا إن كان
اختصــاص القاضــي االنتخابــي برقابــة الدســتورية عــن طريــق الدفــع يمثــل خرقــا
للنــص الدســتوري وبالتالــي ممارســة مســتغربة ومســتنكرة مــن القاضــي االنتخابــي؟
االنتخابــي فــي «دائــرة االتهــام»
ّ ّ
لعــل التخــ ّوف مــن هكــذا توصيــف يجعــل القاضــي
1. De Sabouret (D.Ch), (dir), " traité international de droit constitutionnel ", Dalloz, 2012 , p705et Svt.
.2عصــام بلحســن « فــي مراقبــة املحكمــة اإلداريــة لدســتورية القوانــن » ،األخبــار القانونيــة عــ188ـ189ــــدد ،نوفمبــر
،2014ص 6ومــا يليهــا.
.3ســنية بــن عمــر /رئيــس املجلــس الوطنــي التأسيســي بوصفــه رئيــس لجنــة فــرز الترشــحات لعضويــة الهيئــة العليــا
املســتقلة لالنتخابــات .قــرار مذكــور ســابق.
17 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
بخــرق الدســتور كان الدافــع وراء التفافــه علــى املانــع املذكــور عبــر مدخــل عــدم
البــت مــن الهيئــة الوقت ّيــة ملراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن عبــر قولــه فــي
ّ ســابق ّية
قــرار العلمــي الــذي مثــل باكــورة قراراتــه الصــادرة فــي املوضــوع وأ ّولهــا «وحيــث
املتمســك بهــا مــن قبــل املدعــي ،ممــا
ّ لــم يســبق للهيئــة أن بتّــت فــي مســألة التزكيــات
يجــوز معــه بالتالــي لهــذه املحكمــة النظــر فيهــا» ،1وهــو موقــف للقاضــي اإلداري يســتبطن
ملؤسســة مــا قائــم علــى تغليــب
ـي واملعطــى الوظيفــي ّ موازنــة معلنــة بــن املعطــى الهيكلـ ّ
ثانيهمــا فــا معنــى لوجــود الهيــكل وال عبــرة لــه دون أداء الوظيفــة ،كمــا يســتبطن
نفــس املوقــف موازنــة غيــر معلنــة بــن مبــدأ الحــقّ فــي التقاضــي ومبــدأ االختصــاص
غ ّلــب فيــه أ ّولهمــا ،وهــي فــي املجمــل قــراءة وظيف ّيــة بامتيــاز للنــص الدســتوري.
فــي نفــس القــرار الصــادر بتاريــخ 10أكتوبــر 2014يســتم ّر القاضــي اإلداري االنتخابــي
ـي فــي تأويلــه ألحــكام الفقــرة 7مــن الفصــل 148مــن ّ
التمشــي الوظيفـ ّ فــي إعمــال هــذا
ـت الهيئــة فــي الدفــع ـ
ّ ّ ب ة ي ـابق
ـ س ـورةـ ص ـي
ـ ف أي ـية
ـ العكس ـورةـ الص ـي
ـ ف الدســتور وذلــك
حجيــة األمــر املقـ ّرر
املعــروض .وقــد اســتند القاضــي ضمنيــا فــي هــذه الحالــة علــى مبــدأ ّ
مــن الهيئــة املســتم ّد مــن أحــكام الفصــل 21مــن القانــون عــدد 13لســنة 2014فــي
تنصيصــه أنّ «قــرارات الهيئــة ملزمــة لجميــع الســلطات» .وهــو مــا صــرح بــه القاضــي
اإلداري بقولــه إن «التحجيــر ســالف الذكــر وإلزاميــة قــرارات القضــاء الدســتوري الوقتــي
ـت فــي الدســتورية ال يخصــان إ ّال الصــور التــي يكــون فيهــا القاضــي الدســتوري قــد بـ ّ
باعتبــاره القاضــي املختــص بصــورة أصليــة فــي مراقبــة دســتورية القوانــن» .وهــو مــا
2
يســتدل ضمنيــا مــن الحيث ّيــة التاليــة « وحيــث ســبق للهيئــة الوقتيــة ملراقبــة دســتورية ّ
مشــاريع القوانــن أن ب ّتــت فــي مــدى مطابقــة الفصــل 42مــن القانــون االنتخابــي للدســتور
فــي قرارهــا عــدد 4املــؤرخ فــي 14مــاي .2014وحيــث انتهــت الهيئــة إلــى أن شــرط تأمــن
مبلــغ عشــرة آالف دينــار الــذي لــم يذكــر فــي الفصــل 74مــن الدســتور القتصــاره علــى
التزكيــة مــن عــدد معــن مــن النــواب ال يعطــل الحــق فــي الترشــح لرئاســة الجمهوريــة
إذ يبقــى مبلغــا معقــوال وضامنــا لجديــة الترشــح وهــو بذلــك ال يخــرق مبــدأ التناســب،
وليــس مــن شــأنه أن ينــال مــن جوهــر الحــق كمــا اقتضــى ذلــك الفصــل 49مــن الدســتور.
وحيــث ترتيبــا علــى ذلــك فــا يجــوز للمحكمــة إعــادة النظــر فيمــا ب ّتــت فيــه الهيئــة الوقتيــة
ملراقبــة دســتورية القوانــن طبقــا ألحــكام الفقــرة 7مــن الفصــل 148مــن الدســتور وتع ّيــن
لذلــك رفــض هــذا املطعــن» ،3غيــر أن املثيــر لالهتمــام أنّ القاضــي ورغــم إقــراره بســابقية
.1عادل العلمي /الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات ،قرار سابق الذكر ،انظر املالحق.
.2منــذر امللـ ّوح بصفتــه رئيــس قائمــة «بــاردو فــي عينينــا» /الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بتونــس ،2قــرار ســابق الذكــر،
انظــر املالحــق.
.3عادل العلمي /الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات ،قرار سابق الذكر ،انظر املالحق.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 18
البــت فإنــه لــم يكتــف بمجــرد اإلشــارة لــرأي الهيئــة بــل ض ّمنــه بحيثياتــه وهــو مــا يضفــي
الحكمــي ويص ّيرهــا جــزءا مــن حكمــه ،فهــل غلــب عليــه دور القاضــي ّ عليهــا الطابــع
الناطــق بالحكــم الفاصــل للنــزاع أم أراد تشــديدا وتأكيــدا علــى حجيــة قــرارات الهيئــة ؟
أصــل القاضــي االنتخابــي اختصاصــه بالنظــر فــي رقابــة الدســتور ّية عــن طريــق ّ
الدفــع صلــب مقاربــة وظيفيــة تــزاوج وظائــف القضــاء املضمنــة بالدســتور بجملــة مــن
املبــادئ الدســتورية الكبــرى ،ليجعــل هــذا التأســيس الدســتوري مــن قاضــي الدفــع
حارســا ملبــدأ املشــروعية وحاميــا للحقــوق والحريــات وضامنــا لعلويــة الدســتور.
وهــو مــا تلخصــه دون إخــال الحيثيــة التاليــة «حيــث أنّ اســتبعاد القاضــي اإلداري مــن
ـجال ّ
املترشــح مسـ ّ ـت فــي دســتورية الشــرط التشــريعي املتم ّثــل فــي ضــرورة أن يكــون البـ ّ
ـت فيــه مــن قبــل القاضــي ّ ـ الب ـابقية
ـ س ـدم
ـ ع ـم
ـ رغ ـا
ـ به ـح
ـ سيترش ـي
ـ الت ـرة
ـ الدائ ـس
ـ نف فــي
الدســتوري ســيؤول بالضــرورة إلــى غيــاب كل رقابــة قضائيــة علــى ذلــك التضييــق
ترشــح األفــراد وهــو مــا تأبــاه مق ّومــات دولــةرغــم مــا لــه مــن تبعــات تمــس منحريــة ّ
القانــون ،2خاصــة وأنّ دســتور 27جانفــي 2014أوجــب علــى القاضــي صلــب الفصــل
أي انتهــاك أو تضييــق غيــر مبــ ّرر ،كمــا أوجــب 49منــه حمايــة الحقــوق والحريــات مــن ّ
.1عصام بلحسن «في مراقبة املحكمة اإلدارية لدستورية القوانني عن طريق الدفع» ،مقال سابق الذكر ،ص .26
.2لــم يتضمــن دســتور 2014مفهــوم دولــة القانــون وإن ك ـ ّرس مقوماتهــا ،ولعــل هــذا يفســر الصيغــة املعتمــدة مــن
القاضــي االنتخابــي فــي القــرار أعــاه
19 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
عليــه الفصــل 102ضمــان علويــة الدســتور .1وحيــث تأسيســا علــى مــا ســبق ذكــره
فقــد تع ّيــن إقــرار اختصــاص هــذه املحكمــة للنظــر فــي دســتور ّية التقييــد املذكــور».
واملعنــى متافــرا هــو أنّ دولــة القانــون هــي دولــة عل ـ ّو النــص الدســتوري قوامهــا مبــدأ
أي عمــل قانونــي مــن الرقابــة القضائ ّيــة لتناقــض ذلــك مــع املشــروع ّية وتأبــى تحصــن ّ
مقتضيــات دولــة القانــون ،2وأن مبــدأ التناســب يفــرض املواءمــة بــن الحــق املؤصــل
دســتوريا وح ـ ّده التشــريعي ،وأن علويــة الدســتور تســتدعي تقديــم أحــكام الدســتور إذا
مــا تعارضــت أحــكام الدســتور وأحــكام القانــون وذلــك بنــاء علــى قاعــدة تــد ّرج التشــريع
ومــا يحتّمــه منطقهــا مــن ســيادة التشــريع األعلــى علــى التشــريع األدنــى .وهــو تأســيس
ــعي يفتــح البــاب علــى مصراعيــه ودون قيــود نســبيا ملمارســة وتوس ّّ متوســع
ّ جــريء
ال ّدفــع بعــدم الدســتورية مــن املتقاضــي ويجعــل مــن النظــر فيــه إلزامــا محمــوال علــى
محــل إجمــاع علــى ضــوء ّ القاضــي عمومــا .وهــو موقــف ال يبــدو منطقــه ومنطق ّيتــه
وتوجســات جــزء مــن الساســة .
3
ّ تح ّفظــات جانــب مــن الفقــه وتــر ّدد جانــب مــن القضــاء
لقد تفاعل القاضي االنتخابي مع مسألة الدستورية ضمن منهجية تمزج جرأة في التعامل
وحــذرا وطرافــة فــي التأويــل فمــاذا عــن املبــادئ املوضوعيــة املقــررة فــي املــادة االنتخابيــة؟
.1ينــص الفصــل 102مــن الدســتور كمــا ينــص الفصــل الثانــي مــن الدســتور «تونــس دولــة مدن ّيــة تقــوم علــى املواطنــة
وإرادة الشــعب وعلو ّيــة القانــون»
2عياض بن عاشور «دولة القانون :نشأتها ،سوابقها ومصيرها» ،املجلة القانونية التونسية ،1993 ،ص .43
3. BERTEGI (B), "Le tribunal administratif, un apprenti sorcier en matière constitutionnelle" Revue Tunisienne
des Sciences Juridiques et Politiques, n°2, 2017, p.2.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 20
مثــل الدفــع بعــدم الدســتورية مناســبة أمــام القاضــي االنتخابــي لبنــاء فقــه
قضــاء اســتند علــى مركز ّيــة الفصــل 49مــن الدســتور صلــب منظومــة الحقــوق
االنتخابيــة (الفقــرة األولــى) ،وك ـ ّرس بموجبــه جملــة مــن املبادئالتــي تلقــي الضــوء
علــى عالقــة املــادة االنتخاب ّيــة بأه ـ ّم مصادرهــا وهــو الدســتور (الفقــرة الثانيــة).
مثــل الفصــل 49مــن الدســتورالزمة تتكـ ّرر صلــب القــرارات الثــاث التــي تض ّمنــت دفعــا
بعــدم الدســتورية لــدى القاضــي االنتخابــي ،ويعتبــر الفصــل املذكــور ميــزة تونســية فريــدة
صلــب التجــارب املقارنــة باعتبــار هندســته الداخليــة التــي تقــوم علــى رباعيــة مؤ ّداهــا :أن
ـس من جوهــره ،كما يتناســب ضرورة األصــل فــي الحقــوق الحريــة ،وأن تقييــد الحــقّ ال يمـ ّ
ّ
مــع موجباتــه املرتبطــة بالدولــة الديمقراطيــة أساســا وذلك كلــه تحت العني الرقيبــة للقضاء.
فــي هــذا الســياق عـ ّد الفصــل املذكــور دســتورا للحريــات صلــب الدســتور حيــث يقتضــي
أ ّنــه «يح ـ ّدد القانــون الضوابــط املتعلقــة بالحقــوق والحريــات املضمونــة بهــذا الدســتور
وممارســتها بمــا ال ينــال مــن جوهرهــا .وال توضــع هــذه الضوابــط إال لضــرورة تقتضيهــا
دولــة مدنيــة ديمقراطيــة وبهــدف حمايــة حقــوق الغير ،أو ملقتضيــات األمن العــام ،أو الدفاع
الوطني ،أو الصحة العامة ،أو اآلداب العام ،وذلك مع احترام التناسب بني هذه الضوابط
وموجباتهــا وتتك ّفــل الهيئــات القضائيــة بحمايــة الحقــوق والحريــات مــن أي انتهــاك».
لقــد ارتكــز منهــج القاضــي االنتخابــي فــي التعامــل مــع الفصــل 49مــن الدســتور علــى
ثنائيــة تجمــع بــن املوضوعــي والتقنــي.
21 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
املوضوعــي مــن منهــج تعامــل القاضــي االنتخابــي مــع الفصــل 49مــن ّ فاملقــ ّوم
الدســتور هــو اعتبــاره الفصــل املذكــور مك ّونــا مــن مك ّونــات مرجعيــة الدســتورية أي
جــزءا مــن القواعــد املوضوع ّيــة التــي يعتمدهــا لتقديــر دســتور ّية نــص مــن عدمهــا،
وهــو مــا يســتفاد مــن التمشــي املعتمــد مــن القاضــي االنتخابــي فــي تحييثــه القــرارات
ذات الصلــة فبعــد التأكيــد علــى « ...أنّ التثبــت مــن دســتورية شــرط ضــرورة أن يكــون
املترشــح مســجال فــي الدائــرة االنتخابيــة التــي سيترشــح بهــا يقتضــي الرجــوع إلــى
أحــكام الفصــل 49مــن الدســتور»وبعد التذكيــر بأحكامــه يمــ ّر القاضــي ليســتخلص
تقصــد بــه تصديــرجملــة مــن القواعــد املوضوع ّيــة املض ّمنــة بــه فــي أســلوب اســتدراكي ّ
ّ
الترشــح املبــادىء الناظمــة للحقــوق «وحيــث لئــن كان األصــل فــي ممارســة الحــق فــي
هــو الحريــة وأنّ التضييــق منهــا هــو االســتثناء وأنّ املش ـ ّرع ،ومــن بعــده الهيئــة العليــا
املســتقلة لالنتخابــات بمــا لهــا مــن ســلطة ترتيبيــة ،يخضعــان إلــى رقابــة قضائيــة
تمت ـ ّد إلــى ح ـ ّد التث ّبــت مــن مــدى تناســب التدابيــر ال ّتــي تح ـ ّد مــن حريــة ممارســة حــق
الترشــح مــع الظــروف التــي ح ّفــت باتخاذهــا واألهــداف التــي ترمــي إلــى تحقيقهــا». ّ
وهــو مــا يعنــي ـ رغــم مــا يبــدو فــي ظاهــر األمر ـ مــن أنّ الفصل املذكور ال يخلــو من الطابع
ـاري بمعنــى تو ّفــره علــى أدوات لتقديــر ـي واملعيـ ّـي وإن يغلــب عليــه الطابــع األداتـ ّاملوضوعـ ّ
الدســتور ّية مــن عدمهــا ،وهــو مــا يحيــل علــى املق ـ ّوم الثانــي مــن منهــج تعامــل القاضــي
ـي بامتيــاز مفــاده االســتناد آلل ّيــة
االنتخابــي مــع الفصــل 49مــن الدســتور ،وهــو مقـ ّوم تقنـ ّ
التناســب وفكــرة جوهــر الحــق املض ّمنتــن صلبــه كوســائل عمــل القاضــي الدســتوري
ـكل وضــوح مــن الحيثيــات الســتخالص وتب ّيــن الحــق ونطــق الحكــم ،كمــا يمكــن تب ّينــه بـ ّ
ـجال فــي الدائــرة االنتخابيــة التــي ّ
املترشــح مسـ ّ التاليــة «وحيــث أنّ شــرط وجــوب أن يكــون
سيترشــح بهــا يعـ ّد شــرطا معقــوال وال يتعــارض ومقتضيــات الفصل 49من الدســتور طاملا ّ
الترشــحات وضمان جد ّيتها وحســن ســير العملية االنتخابية بالشــكل ّ أنّه يهدف إلى تنظيم
املترشــح لهــذه املســؤولية املحليــة عاملــا بمتطلبــات وتطلعــات مواطنــي ّ الــذي يجعــل مــن
الدائــرة املترشــح بهــا .وحيــث ،وخالفــا ملــا تمســك بــه املدعــي ،فــإنّ الشــرط التشــريعي
ـجال فــي الدائــرة االنتخابيــة التــي سيترشــح بهــا املتعلــق بضــرورة أن يكــون الناخــب مسـ ّ
ال ينــال مــن جوهــر الحــق فــي الترشــح املنصــوص عليــه بالفصــل 34مــن الدســتور وال
يخـ ّـل بمبــدأ التناســب مــع موجبــات ضمــان أســس الدولــة املدنيــة الديمقراطيــة مــن جهــة،
ومتطلبــات حمايــة حقــوق الغيــر ومراعــاة مقتضيــات النظــام العــام مــن جهــة أخــرى».
إن قاضــي الدفــع يؤكــد بذلــك أن التناســب يقــوم علــى املعقوليــة بمعنــى أن تتناســب
التدابيــر أو الضوابــط ال ّتــي تحـ ّد مــن الحــقّ مــع الظــروف التــي ح ّفــت باتخاذهــا واألهــداف
التــي ترمــي إلــى تحقيقهــا وذلــك فــي عالقــة طرد ّيــة تحفــظ جوهــره وال ّ
تعطلــه مــن ذلــك
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 22
أنّ « ...اشــتراط تزكيــة املترشــح لالنتخابــات الرئاســية مــن قبــل عشــرة آالف ناخــب
ليــس أمــرا تعجيزيــا وال يض ّيــق مــن حــق الترشــح املضمــون بالدســتور وال ينــال مــن
جوهــر حــق الترشــح لالنتخابــات املنصــوص عليــه بالفصــل 34منــه بــل إنّ الغايــة مــن
ّ
املترشــح لــه .كمــا هــذا الشــرط هــي التأكيــد علــى ج ّديــة الترشــح وعلــى أهميــة املنصــب
أنّ عــدد املزكــن املطلــوب مناســب وال يــؤ ّدي إلــى اإلقصــاء املتع ّمــد لبعــض الراغبــن فــي
ّ
الترشــح باعتبــار أنّ القاعــدة الجمليــة للناخبــن املســجلني تفــوق الخمســة ماليــن ناخــب».
بهــذا الشــكل يمــارس القاضــي االنتخابــي فــي إطــار بســط رقابتــه علــى الدســتورية
مــا يتيحــه لــه الفصــل 49مــن الدســتور مــن ســلطة واســعة يجســمها هــذا القاضــي
فــي منهــج اســتداللي ينطلــق مــن تقييــم جوهــر الحــق وينتهــي لتقديــر التناســب ،حيــث
يكــون مدعــ ّوا إلــى إجــراء اختبــار علــى الضوابــط التشــريعية للحقــوق االنتخابيــة
للتث ّبــت مــا إن كانــت مالئمــة وضروريــة لتحقيــق األهــداف املرج ـ ّوة منهــا املرتبطــة فــي
عمومهــا بفكــرة الدولــة املدنيــة الديمقراطيــة وحمايــة حقــوق الغيــر ومراعــاة النظــام
العــام وفــي تخصيصهــا بحســن ســير العمليــة االنتخابيــة ،وهــو مــا يقتضــي حيــال ذلــك
أن يكــون التقييــد معقــوال وفيــه أقــل ضــرر ممكــن للحــقّ بحيــث يبقــى جوهــره ـ أي
نواتــه الصلبــة واألوليــة ـ محفوظــا غيــر معطــل كمــا يســتمد دون لبــس مــن الحيثيــة
التاليــة «وحيــث أن شــرط تقديــم الترشــح فــي الدائــرة االنتخابيــة املســجل بهــا ال يعطــل
الحــق فــي الترشــح وهــو بذلــك ال يخــرق مبــدأ التناســب وليــس مــن شــأنه أن ينــال
مــن جوهــر الحــق فــي الترشــح املضمــون بالدســتور» ،1واملعنــى أن ال يكــون التقييــد
موجبــا النتقــاص الحــق إلــى مــا يخـ ّـل بمعنــى الكرامــة اإلنســانية كمفهــوم جامــع ملنظومــة
الحقــوق لصيــق بهــا أي إلــى مــا ال يمكــن تبريــر انتهاكــه بــأي حــال مــن األحــوال ،كمــا
يحفــظ العالقــة بــن الحــق والتقييــد واملبــدأ واالســتثناء بحيــث ال تنقلــب أو تعكــس.2
كل الحــاالت فقــدغيــر أن القاضــي االنتخابــي لــم يســتحضر هــذا املنهــج االســتداللي فــي ّ
اكتفــى فــي قــرار قائمــة اإلتحــاد املدنــي /الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بسوســة بتقريــر
3
الدســتور ّية والتســليم بهــا دون تدليــل علــى التناســب أو نظــر فــي معقول ّيــة الحــدود أو
بحــث فــي عــدم املســاس بجوهــر الحــق بقولــه «وحيــث لئــن كان الحــق فــي االنتخــاب
واالقتــراع والترشــح مكفــوال بالدســتور ،فــإن ممارســته تخضــع للضوابــط العامــة
املحــددة بالنصــوص القانونيــة الجــاري بهــا العمــل ،شــريطة أن ال تنــال هــذه الضوابــط
.1قائمة «االتحاد املدني» /الهيئة الفرعية لالنتخابات بسوسة ،قرار سابق الذكر ،انظر املالحق.
.2ملزيــد التفصيــل حــول فكــرة جوهــر الحــق ،انظــر :خالــد املاجــري «ضوابــط الحقــوق والحريــات :تعليــق علــى الفصــل
49مــن الدســتور التونســي» ،منشــورات املؤسســة الدوليــة الديمقراطيــة واالنتخابــات ،تونــس ،2017ص 77ومــا يليهــا
.3قائمة «االتحاد املدني» /الهيئة الفرعية لالنتخابات بسوسة ،قرار سابق الذكر ،انظر املالحق.
23 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
مــن جوهــر الحــق وأن تتناســب مــع موجباتهــا .وحيــث أن شــرط تقديــم الترشــح فــي
الدائــرة االنتخابيــة املســجل بهــا ال يعطــل الحــق فــي الترشــح وهــو بذلــك ال يخــرق مبــدأ
التناســب وليــس مــن شــأنه أن ينــال مــن جوهــر الحــق في الترشــح املضمــون بالدســتور».1
إن الفصــل 94مــن الدســتور يضــع القاضــي صلــب عمليــة موازنــة دقيقــة جــدا تســتحضر
أبعــادا قانونيــة تلتصــق بالدســتور والقانــون االنتخابــي مــن جهــة وأبعــاد محيط ّيــة تع ّبــر
عــن معانــي العمليــة االنتخابيــة ،بمــا يعكــس حــن تفعيلــه حيويــة القاعــدة القانونيــة فيمــا
يكيــف بالقانــون الحــي Le droit vivantكنتــاج عمليــة التأويــل الــذي يقــوم بهــا القاضــي
تمشــي فقــه قضائــي يســتحضر مــن جهــة العقالنيــة La rationalité الدســتوري .وهــو ّ
التقنــي والتــي ترتبــط بالثوابــت
ّ كإحــدى خصائــص النــص القانونــي علــى املســتوى
القانون ّيــة املع ّبــرة عــن الســامة القانونيــة واملنتجــة للثقــة القانونيــة .كمــا يســتحضر هــذا
التمشــي فقــه القضائــي مــن جهــة أخــرى املعقوليــة La raisonكقيمــة متحركــة منفتحــة ّ
علــى الســياق الخارجــي للنــص تهت ـ ّم بمــا يــراه عمــوم النــاس مقبــوال غيــر متعســف .
2
غيــر أن القاضــي االنتخابــي لــم يكتــف بتأكيــد مركزيــة الفصــل 49مــن الدســتور بــل
كانــت قراراتــه فرصــة لتكريــس جملــة مــن املبــادىء املتعلقــة باملــادة االنتخابيــة.
.1وهــو نفــس التمشــي الــذي اعتمــده القاضــي االنتخابــي فــي تقديــره لدســتورية (قــرار الهيئــة العليــا لالنتخابــات عــدد
18لســنة )2014املتعلــق بالتزكيــة فــي القضيــة عــدد ،20192022نــزاع انتخابــي ،ترشــحات االنتخابــات الرئاســية22 ،
تمســك
أوت ،2019محمــد األوســط العيــاري /الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات (غيــر منشــور) «وحيــث وخالفــا ملــا ّ
املترشــح مــن عشــرة أعضــاء مــن مجلــس ّ بــه الطاعــن ،فــإنّ الفصــل ( 4جديــد) مــن قــرار الهيئــة («تشــترط تزكيــة
نــواب الشــعب ،أو أربعــن مــن رؤســاء مجالــس الجماعــات املحليــة املنتخبــة أو عشــرة آالف ناخــب مرســم فــي ســجل
الناخبــن موزعــن علــى األقــل علــى عشــر دوائــر انتخابيــة تشــريعية ،علــى أن ال يقـ ّـل عددهــم عــن خمســمائة ناخــب
بــكل دائــرة منهــا») كان مطابقــا ألحــكام الفصــل 74مــن الدســتور وألحــكام الفصــل 41مــن القانــون األساســي
عــدد 16لســنة 2014ســالف الذكــر ،فضــا عــن أنّ تنظيــم انتخابــات ســابقة ألوانهــا ال يكــون مدعــاة لخــرق القانــون
طاملــا كان اإلجــراء املســتوجب ممكنــا وغيــر مســتحيل وهــو مــا ثبــت فــي صــورة الحــال مــن خــال حصــول العديــد
مــن املترشــحني لالنتخابــات الرئاســية الســابقة ألوانهــا علــى العــدد املطلــوب مــن التزكيــات فــي األجــل املحــ ّدد.
تمســكت بــه نائبــة الطاعــن،
وقــد تأ ّيــد ذلــك بموقــف الجلســة العا ّمــة القضائيــة فــي الطــور االســتئنافي« :وحيــث خالفــا ملــا ّ
فــإنّ الفصــل ( 4جديــد) مــن قــرار الهيئــة كان مطابقــا ألحــكام الفصــل 41مــن القانــون األساســي عــدد 16لســنة 2014
ســالف الذكــر وألحــكام الفصــل 74مــن الدســتور ،األمــر الــذي يجعــل الحكــم املنتقــد ســليم املبنــى القانونــي مــن هــذه
الناحيــة ،».املحكمــة اإلداريــة ،قــرار الجلســة العامــة فــي القضيــة عــدد 20193004بتاريــخ 30أوت ( .2019غيــر منشــور).
.2ملزيــد التفصيــل انظــر :خالــد املاجــري «ضوابــط الحقــوق والحريــات :تعليــق علــى الفصل 49من الدســتور التونســي»،
مرجــع ســابق الذكــر ،ص 80ومــا يليها.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 24
ثبــت القاضــي االنتخابــي بمناســبة نظــره فــي الدفوعــات بعــدم الدســتورية جملــة مــن
املبــادئ املتعلقــة باملــادة االنتخابيــة حيــث حســم دســتورية جملــة مــن الشــروط وذكــر
بجملــة مــن املبــادئ وو ّلــد أخــرى.
فقد حســم القاضي االنتخابي كما ســلف بيانه دســتورية شــرطي التزكية والضمان املالي
ّ
املترشــح ّ
املترشــح فــي الدائــرة االنتخابيــة فــي الترشــح للرئاســيات وكذلــك شــرط تســجيل
بهــا فــي االنتخابــات التشــريعية والبلديــة وذكــر القاضــي بمناســبة ب ّتــه فــي دســتورية هــذه
الشــروط كمــا ارتكــز علــى محوريــة حــق الترشــح باعتباره حقــا انتخابيا أصيــا وجوهريا.
كمــا أحــال القاضــي االنتخابــي بمناســبة نظــره فــي الدفوعــات بعــدم الدســتورية علــى
واألصــح ســرية االقتــراع ـ وضبــط نطاقــه كمــا
ّ مبــدأ ســرية االنتخابــات ـ أو باألحــرى
اســتند فــي ذات الحيثيــة علــى مبــدأ حريــة االنتخــاب «وحيــث وبخصــوص مــا تمســك
بــه امل ّدعــي مــن خــرق شــرط التزكيــات ملبــدأ ســرية االنتخابــات املض ّمــن بالدســتور فــإن
هــذا القــول مــردود عليــه لتع ّلــق هــذا املبــدأ حصريــا بيــوم االقتــراع فضــا عــن أنــه ال
1
شــيء يمنــع الناخــب داخــل الخلــوة مــن انتخــاب شــخص آخــر غيــر ذلــك الــذي ز ّكاه»
أصــل ضمن ّيــاولــم يكــن القاضــي االنتخابــي مباشــرا فــي بعــض املبــادئ املذ ّكــر بهــا ،فقــد ّ
لفكــرة التع ّدديــة بالقــول «أنّ عــدد املزكــن املطلــوب مناســب وال يــؤ ّدي إلى اإلقصــاء املتع ّمد
الترشــح باعتبــار أنّ القاعــدة الجمليــة للناخبــن املســجلني تفــوق ّ لبعــض الراغبــن فــي
الخمســة ماليــن ناخب» .كمــا اســتبطن نفــس القاضــي مبدأ املســاواة بــن املواطنني حينما
2
فنّد طعن العارض بانتهاكه «حيث تمســك املســتأنف بأن الفصل 47من الدســتور لم يقتض
شــرط الضمــان املالــي وبــأن إضافــة هــذا الشــرط تقيـ ّد مــن حــق الترشــح املنصــوص عليــه
بالفصــل 43منــه كمــا أنــه يتعــارض مــع مبــدأ املســاواة فــي الحقــوق لحصــره حق الترشــح
فــي ميســوري الحــال وحيــث انتهــت الهيئــة إلــى أن شــرط تأمــن مبلــغ عشــرة آالف دينــار
الــذي لــم يذكــر فــي الفصــل 47مــن الدســتور القتصــاره علــى التزكيــة مــن عــدد معــن مــن
النــواب ال يعطــل الحــق فــي الترشــح لرئاســة الجمهوريــة إذ يبقــى مبلغــا معقــوال وضامنــا
لجديــة الترشــح» .وهــو مــا ينتهــي بالقاضــي االنتخابــي إلــى تنســيب مبــدأ املســاواة
عبــر ترشــيده ،غيــر أنــه ف ـ ّوت فرصــة واضحــة تو ّفــرت لبيــان مكانــة مبــدأ املســاواة مــن
.1عادل العلمي /الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات ،قرار سابق الذكر ،انظر املالحق.
.2نفس القرار.
25 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
الحقــوق االنتخابيــة باعتبــاره والحريــة املبدأيــن الناظمــن لــكل هــذه الكتلــة مــن الحقــوق.
ولــم يكتــف القاضــي االنتخابــي بالتذكيــر باملبــادئ ذات األســاس الدســتوري بــل و ّلــد
منهــا أخــرى كمبــدأ حســن ســير العمليــة االنتخابيــة وب ّيــن بعــض مقتضياتــه علــى شــاكلة
ارتبــاط املترشــح بالشــأن العــام للدائــرة املترشــح بهــا ،وقــد كان ذلــك فــي تحليــل طريــف
يعكــس تماهــي القاضــي االنتخابــي مــع خصوصيــة املــادة االنتخابيــة وتطلعاتهــا ،حيــث
أكــد أنــه «ولئــن كان الحــق فــي الترشــح لالنتخابــات حقــا دســتوريا فــإنّ ممارســته
تخضــع للشــروط العامــة املحــددة بالنصــوص التشــريعية والترتيبيــة الجــاري بهــا
العمــل طبقــا ملــا خ ّولــه الفصــل 43مــن الدســتور .وحيــث أنّ شــرط وجــوب أن يكــون
ّ
سيترشــح بهــا يع ـ ّد شــرطا معقــوال وال ـجال فــي الدائــرة االنتخابيــة التــي ّ
املترشــح مسـ ّ
ّ
الترشــحات يتعــارض ومقتضيــات الفصــل 94مــن الدســتور طاملــا أ ّنــه يهــدف إلــى تنظيــم
ّ
املترشــح وضمــان جد ّيتهــا وحســن ســير العمليــة االنتخابيــة بالشــكل الــذي يجعــل مــن
لهــذه املســؤولية املحليــة عاملــا بمتطلبــات وتطلعــات مواطنــي الدائــرة املترشــح بهــا».1
ولــم يقتصــر القاضــي االنتخابــي بمناســبة بتّــه فــي الدفوعــات بعــدم الدســتور ّية علــى
تقريــر جملــة مــن املبــادئ املتصلــة بالجانــب املوضوعــي للعمليــة االنتخابيــة بــل أقــ ّر
جملــة مــن املبــادئ املتصلــة بالجانــب التنظيمــي فــي إدارة االنتخابــات 2فقــد ث ّبــت مبــدأ
أنّ ممارســة الحقــوق االنتخابيــة تخضــع للضوابــط العامــة املحـ ّددة بالنصــوص القانونيــة
الجــاري بهــا العمــل فــي مك ّونيهــا الرئيســن فــــ «لئــن كان الحــق فــي الترشــح لالنتخابــات
حقــا دســتوريا فــإنّ ممارســته تخضــع للشــروط العامــة املحــددة بالنصــوص التشــريعية
والترتيبيــة الجــاري بهــا العمــل طبقــا ملــا خ ّولــه الفصــل 43مــن الدســتور» .وفــي هــذه
الحيثيــة إحالــة علــى القانــون والتراتيــب االنتخابيــة ،ليضــع القاضــي االنتخابــي التراتيــب
االنتخابيــة فــي ســياقها مســتندا بوضــوح علــى مقتضيــات الدســتور فــي بابــه الســادس
املخصــص للهيــآت الدســتورية املســتقلة» وحيــث أوكل الفصــل 621مــن الدســتور إلــى
الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات إدارة االنتخابــات وتنظيمهــا واإلشــراف عليهــا فــي
جميــع مراحلهــا وضمــان ســامتها وأســند لهــا ســلطة ترتيبيــة فــي مجــال اختصاصهــا».
ليخلــص القاضــي االنتخابــي مــن ثمــة لكونــه «إعمــاال لســلطتها الترتيبيــة وصالحياتهــا
الترشــحات ،تولــت الهيئــة ،بموجــب الفصــل 3مــن قرارهــا عــدد ّ فــي ضبــط تقديــم
01لســنة 7102املــؤرخ فــي 02جويليــة 7102واملتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح
لالنتخابــات البلديــة والجهويــة ،التنصيــص علــى أ ّنــه «يشــترط فــي كل مترشــح لعضويــة
.1نفس القرار.
.2منــذر امللـ ّوح بصفتــه رئيــس قائمــة «بــاردو فــي عينينــا» /الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بتونــس ،2قــرار ســابق الذكــر،
انظــر املالحــق.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 26
املجالــس البلديــة أو الجهويــة ،مــا يلــي :أن يكــون ناخبــا تونســي الجنســية مســجال فــي
الدائــرة االنتخابيــة التــي يترشــح بهــا .»...وهــو تحييــث ينــزل املبــادئ املتصلــة بالجانــب
التنظيمــي للعمليــة االنتخابيــة ضمــن «ســامة املســار االنتخابــي» املوكولــة دســتوريا
للهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ويجعــل مدارهــا االنتخابــات الشــفافة والنزيهــة.
ورغم ما يستمد من هذه املعاني من كشف عن أهمية الدور التأصيلي واإلنشائي للقاضي
االنتخابــي قاضــي الدفــع بالدســتورية فإنــه دور على دقته وحساســيته وجاذبيتــه 1يبقى من
جهــة رهــن الظرفيــة التــي ص ّيرتــه كذلك ومن جهة أخــرى مرتهنا بقيام املحكمة الدســتورية
ـ التــي طــال ارتجاءهــا ـ والتــي ســتنزع عنــه النظــر فــي الدفــع ليكتفــي فقــط بإحالــة الدفــع.
.1أحمــد صــواب وعصــام بلحســن «فــي انتظــار إرســاء املحكمــة الدســتورية املحكمــة اإلداريــة تنصــب نفســها كحــام
للدســتور» ،األخبــار القانونيــة عــ232ـ233ــــدد ،جانفــي ،2017ص .6
معتــز القرقــوري «فــي أح ّقيــة القضــاء فــي مراقبــة دســتورية القوانــن عــن طريــق الدفــع» ،جريــدة املغــرب 16أفريــل
،2014ص .14
27 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
املالحق
-1-
املدعــي :العــادل بــن الهــادي العلمــي ،مقره بنهج بنــزرت عدد 02املرســى الغربية – تونس،
من جهـــة،
واملدّعــى عليهــا :الهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات فــي شــخص ممثلهــا القانونــي،
مقرهــا ب 05نهــج جزيــرة ســردينيا ،حدائــق البحيــرة – 1053تونــس،
من جهة أخرى.
واملرســمة
ّ بعــد اإلطــاع علــى عريضــة الدعــوى املق ّدمــة مــن امل ّدعــي املذكــور أعــاه
بكتابــة املحكمــة تحــت عــدد 300062014بتاريــخ 2أكتوبــر 2014طعنــا فــي القــرار الصــادر
عــن الهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات بتاريــخ 29ســبتمبر 2014والقاضــي برفــض
مطلــب ترشــحه لإلنتخابــات الرئاســية ليــوم 23نوفمبــر 2014لعــدم إدالئــه بالتزكيــات
املطلوبــة فــي نســختها الورقيــة واإللكترونيــة وفــق الصيغــة املح ـ ّددة مــن الهيئــة ولعــدم
اإلدالء بوصــل تأمــن الضمــان املالــي لــدى الخزينــة العامــة للجمهوريــة التونســية(.)...
وبعد اإلطالع علـى بق ّيـة األوراق املظروفـة بامللف.
وبعد اإلطالع على دستور الجمهورية التونسية.
وبعــد اإلطــاع علــى القانــون عــدد 40لســنة 1972املــؤرخ فــي 1جــوان 1972املتع ّلــق
باملحكمــة اإلداريــة كمــا ت ـ ّم تنقيحــه وإتمامــه بالنصــوص الالحقــة لــه وآخرهــا القانــون
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 28
حجزت القض ّية للمفاوضة والتصريح بالحكم لجلسة يوم 10أكتوبر .2014
حيــث ق ّدمــت الدعــوى م ّمــن لــه الصفــة واملصلحــة وفــي ميعادهــا القانونــي مســتوفية جميــع
موجباتهــا الشــكلية الجوهريــة لــذا تع ّيــن قبولهــا مــن هــذه الجهــة.
حيــث تمســك امل ّدعــي بــأن اشــتراط تزكيــة املترشــح لالنتخابــات الرئاســية مــن قبــل عشــرة
آالف ناخــب يض ّيــق مــن حــق الترشــح املنصــوص عليــه بالفصلــن 34و 74مــن الدســتور،
29 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
ذلــك أن هــذا العــدد تعجيــزي وال يمكــن اإلســتجابة لــه فــي ظــرف أربعــة أســابيع فضــا
عــن أنــه يتعــارض مــع مبــدأ ســرية االنتخابــات باعتبــار وأن هــذه العمليــة تعتبــر وكأنهــا
انتخابــات قبــل أوانهــا وتضــع املزكــي الــذي يشــهر اســمه للعمــوم فــي وضعيــة حرجــة.
وحيــث اقتضــى الفصــل 148مــن الدســتور فــي فقرتــه الســابعة أن« :يحــدث املجلــس
الوطنــي التأسيســي بقانــون أساســي خــال األشــهر الثالثــة التــي تلــي ختــم الدســتور
هيئــة وقتيــة تختــص بمراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن ( )...وتعتبــر ســائر املحاكــم غيــر
مخ ّولــة ملراقبــة دســتورية القوانــن».
وحيــث لــم يســبق للهيئــة الوقتيــة ملراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن أن ب ّتــت فــي مســألة
التزكيــات املتمســك بهــا مــن قبــل املدعــي ،مما يجــوز معه بالتالــي لهذه املحكمــة النظر فيها.
وحيــث اقتضــى الفصــل 43مــن الدســتور« :تشــترط تزكيــة املترشــح مــن قبــل عــدد مــن
أعضــاء مجلــس النــواب أو رؤســاء مجالــس الجماعــات املحليــة املنتخبــة أو الناخبــن
املرســمني حســبما يضبطــه القانــون االنتخابــي».
وحيــث ولئــن اشــترط الدســتور تزكيــة املترشــح لالنتخابــات الرئاســية مــن قبــل الناخبــن
املرســمني إال أنــه لــم يضبــط العــدد الــازم مــن التزكيــات وأوكل هــذه املهمــة إلــى املشـ ّرع.
ّ
وحيــث اقتضــى الفصــل 41مــن القانــون األساســي عــدد 16لســنة 2014املــؤرخ فــي
26مــاي 2014واملتعلــق باإلنتخابــات واإلســتفتاء أن« :تتــم تزكيــة املترشــح لإلنتخابــات
الرئاســية مــن عشــرة نــواب مــن مجلــس نــواب الشــعب أو مــن أربعــن مــن رؤســاء
مجالــس الجماعــات املحليــة املنتخبــة أو مــن عشــرة آالف مــن الناخبــن املرســمني
واملوزعــن علــى األقــل علــى عشــرة دوائــر انتخابيــة علــى أن ال يقــل عددهــم عــن
خمســمائة ناخــب بــكل دائــرة منهــا« .وأضــاف الفصــل 171مــن القانــون ســالف
الذكــر أنــه « :خالفــا ملــا ورد بالفقــرة األولــى مــن الفصــل ،41تتــم تزكيــة املترشــح
لإلنتخابــات الرئاســية القادمــة مــن عشــرة أعضــاء مــن املجلــس الوطنــي التأسيســي
أو مــن عشــرة آالف مــن الناخبــن املرســمني واملوزعــن علــى األقــل علــى عشــر
ّ
بــكل دائــرة منهــا». دوائــر انتخابيــة علــى أن ال يقــل عددهــم عــن خمســمائة نائــب
وحيــث أنّ التثبــت مــن دســتورية هذيــن الفصلــن يكــون بالرجــوع إلــى أحــكام
الفصــل 49مــن الدســتور الــذي اقتضــى أنّــه« :يحــ ّدد القانــون الضوابــط املتعلقــة
بالحقــوق والحريــات املضمونــة بهــذا الدســتور وممارســتها بمــا ال ينــال مــن
جوهرهــا .وال توضــع هــذه الضوابــط إال لضــرورة تقتضيهــا دولــة مدنيــة ديمقراطيــة
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 30
وبهــدف حمايــة حقــوق الغيــر ،أو ملقتضيــات األمــن العــام ،أو الدفــاع الوطنــي ،أو
الصحــة العامــة ،أو اآلداب العــام ،وذلــك مــع احتــرام التناســب بــن هــذه الضوابــط
وموجباتهــا وتتك ّفــل الهيئــات القضائيــة بحمايــة الحقــوق والحريــات مــن أي إنتهــاك».
وحيــث وخالفــا ملــا تمســك بــه املدعــي فــإن اشــتراط تزكيــة املترشــح لإلنتخابــات الرئاســية
مــن قبــل عشــرة آالف ناخــب ليــس أمــرا تعجيزيــا وال يض ّيــق مــن حــق الترشــح املضمــون
بالدســتور وال ينال من جوهر حق الترشــح لإلنتخابات املنصوص عليه بالفصل 34منه بل
ّ
املترشــح إن الغايــة مــن هــذا الشــرط هــي التأكيــد على جدية الترشــح وعلــى أهمية املنصب
لــه .كمــا أنّ عــدد املزكــن املطلــوب مناســب وال يــؤ ّدي إلى اإلقصــاء املتع ّمد لبعــض الراغبني
الترشــح بإعتبار أنّ القاعدة الجملية للناخبني املســجلني تفوق الخمســة ماليني ناخب. ّ في
وحيــث وبخصــوص مــا تمســك بــه امل ّدعــي مــن خــرق شــرط التزكيــات ملبــدأ ســرية
االنتخابــات املض ّمــن بالدســتور فــإن هــذا القــول مــردود عليــه لتع ّلــق هــذا املبــدأ
حصريــا بيــوم االقتــراع فضــا عــن أنــه ال شــيء يمنــع الناخــب داخــل الخلــوة
مــن انتخــاب شــخص آخــر غيــر ذلــك الــذي ز ّكاه ،وتع ّيــن لذلــك رفــض هــذا املطعــن.
حيــث تمســك املســتأنف بــأن الفصــل 74مــن الدســتور لــم يقتــض شــرط الضمــان املالــي
وبــأن إضافــة هــذا الشــرط تقيـ ّد مــن حــق الترشــح املنصــوص عليــه بالفصــل 34منــه كمــا
أنــه يتعــارض مــع مبــدأ املســاواة فــي الحقــوق لحصــره حق الترشــح فــي ميســوري الحال.
وحيــث اقتضــى الفصــل 148مــن الدســتور فــي فقرتــه الســابعة أن« :يحــدث املجلــس
الوطنــي التأسيســي بقانــون أساســي خــال األشــهر الثالثــة التــي تلــي ختــم الدســتور
هيئــة وقتيــة تختــص بمراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن ( )...وتعتبــر ســائر املحاكــم غيــر
مخ ّولــة ملراقبــة دســتورية القوانــن».
وحيــث ســبق للهيئــة الوقتيــة ملراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن أن ب ّتــت فــي مــدى مطابقة
الفصــل 42مــن القانــون اإلنتخابــي للدســتور فــي قرارهــا عدد 4املؤرخ فــي 14ماي .2014
وحيــث انتهــت الهيئــة إلــى أن شــرط تأمــن مبلــغ عشــرة آالف دينــار الــذي لــم
يذكــر فــي الفصــل 74مــن الدســتور القتصــاره علــى التزكيــة مــن عــدد معــن
مــن النــواب ال يعطــل الحــق فــي الترشــح لرئاســة الجمهوريــة إذ يبقــى مبلغــا
معقــوال وضامنــا لجديــة الترشــح وهــو بذلــك ال يخــرق مبــدأ التناســب ،وليــس
31 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
مــن شــأنه أن ينــال مــن جوهــر الحــق كمــا اقتضــى ذلــك الفصــل 49مــن الدســتور.
وحيــث ترتيبــا علــى ذلــك فــا يجــوز للمحكمــة إعــادة النظــر فيمــا ب ّتــت فيــه الهيئــة الوقتيــة
ملراقبــة دســتورية القوانــن طبقــا ألحــكام الفقــرة 7مــن الفصــل 148مــن الدســتور وتعــن
لذلــك رفــض هــذا املطعــن.
ولــهـذه األسـبـاب:
قضت املحكمـة:
أوال :بقبول الدعوى شكال ورفضها أصال.
ّ
-2-
بعــد اإلطــاع علــى عريضــة الدعــوى املقدمــة مــن نائبــي املدعية واملرســمة بكتابــة املحكمة
بتاريــخ 05مــارس 2018واملتضمنــة أن من ّوبتهمــا تقدمــت بمطلب ترشــح لالنتخابات البلدية
للهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بسوســة بوصفهــا رئيســة قائمــة اإلتحــاد املدنــي املترشــحة
عــن الدائــرة االنتخابيــة لبلديــة سوســة مشــفوعة بجميــع املؤيــدات ،وبتاريــخ 1مــارس 2018
تلقــت إعالمــا بقــرار صــادر عــن رئيــس الهيئــة الفرعيــة لالنتخابات بسوســة يقضي برفض
ترشــحها لوجــود مترشــحان فــي القائمــة األصلية غيــر مدرجتان بالســجل اإلنتخابي وهما
«ليلــى الســقا» و«خولــة بــن حمــودة» ومترشــحني آخريــن فــي القائمــة األصليــة مســجلني
بغيــر الدائــرة اإلنتخابيــة وهمــا «إيمــان بــن ســعد» و«رامــي بشــر» ولعــدم إمكانيــة تــدارك
النقــص الحاصــل بالقائمــة األصليــة جــراء اإلخــاالت املذكــورة أعــاه باإلعتمــاد علــى
القائمــة التكميليــة التــي تضــم امرأتــان فقــط ،األمــر الــذي حــدى بهــا إلــى رفــع الدعــوى
املاثلــة طالبــة الحكــم بإلغــاء قــرار رفــض الترشــح الصــادر عــن الهيئــة الفرعيــة لالنتخابات
بسوســة والتصريــح بقبــول ترشــح قائمــة اإلتحــاد املدنــي إلنتخابــات بلديــة سوســة.
وبعــد اإلطــاع علـــى بق ّيـــة األوراق املظروفـــة بامللــف وعلــى مــا يفيــد اســتيفاء اجــراءات
التحقيــق فــي القضيــة.
اإلطالع على دستور الجمهورية التونسية املؤرخ في 27جانفي .2014 وبعد ّ
وبعــد االطــاع علــى القانــون عــدد 40لســنة 1972املــؤرخ فــي 1جــوان 1972
املتعلــق باملحكمــة اإلداريــة مثلمــا تــ ّم تنقيحــه وإتمامــه بالنصــوص الالحقــة لــه
وآخرهــا القانــون األساســي عــدد 2لســنة 2011املــؤرخ فــي 3جانفــي .2011
وعلــى القانــون األساســي عــدد 16لســنة 2014املــؤرخ فــي 26مــاي 2014املتعلــق
باالنتخابــات واالســتفتاء كمــا تــ ّم تنقيحــه وإتمامــه بالقانــون األساســي عــدد 7لســنة
2017املــؤرخ فــي 14فيفــري .2017
اإلطــاع علــى األمــر الحكومــي عــدد 1033لســنة 2017املــؤرخ فــي 19ســبتمبر وبعــد ّ
2017واملتعلــق بضبــط عــدد أعضــاء املجالــس البلديــة.
33 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
وبعــد ّ
اإلطــاع علــى قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد 7لســنة 2014املــؤرخ
ّ
فــي 3جــوان 2014واملتعلــق بقواعــد واجــراءات تســجيل الناخبــن لإلنتخابات واإلســتفتاء.
وعلــى قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد 10لســنة 2017مــؤرخ فــي
20جويليــة 2017يتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات البلديــة والجهويــة
كمــا تــ ّم تنقيحــه وإتمامــه بالقــرار عــدد 1لســنة 2018املــؤرخ فــي 2جانفــي .2018
وبعــد االطــاع علــى مــا يفيــد اســتدعاء الطرفــن بالطريقــة القانون ّيــة لجلســة املرافعــة
ملخصا املع ّينــة ليــوم 8مــارس ،2018وبهــا تلــت املستشــارة املق ّررة الســيدة ســندة األحمــر ّ
مــن تقريرهــا الكتابــي ،وحضــر نائــب املدعيــة محمــد قحبيــش ورافــع علــى ضــوء عريضــة
الدعــوى طالبــا قبولهــا شــكال وفــي األصــل بإلغــاء القــرار املطعــون فيــه والتصريــح بقبــول
قائمــة اإلتحــاد املدنــي لإلنتخابــات البلديــة بسوســة ...وحضــرت ممثلــة الهيئــة الفرعيــة
لالنتخابــات بسوســة وفوضــت النظــر للمحكمــة بخصــوص قبــول الدعــوى مــن الناحيــة
الشــكلية طالبــة رفضهــا أصــا باإلســتناد إلــى أن الدســتور كــرس حــق اإلقتــراع وأن هــذا
الحــق يمــارس حســب مــا يقتضيــه القانــون الــذي منــح الهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات
ســلطة ترتيبيــة لتنظيــم عمليــة اإلنتخابــات وأن الهيئــة وفــي إطــار ســلطتها الترتيبيــة
حــددت الدائــرة اإلنتخابيــة بالدائــرة البلديــة وأن األمــر عــدد 1033املــؤرخ فــي 19ســبتمبر
2017حــ ّدد الدوائــر اإلنتخابيــة واعتبــر أن كل بلديــة تم ّثــل دائــرة انتخابيــة ،وأضافــت
أنــه تــ ّم فتــح بــاب التســجيل لإلنتخابــات وكان علــى املترشــحتني التثبــت مــن الدائــرة
اإلنتخابيــة املرســمتان بهــا وأنــه ال يمكــن قبــول تســجيل ناخبــن بالســجل اإلنتخابــي بعــد
انقضــاء آجــال الطعــون ،وبالنســبة لألشــخاص املســجلني آليــا الذيــن مارســوا حقهــم
فــي اإلقتــراع فــي انتخابــات 2011الحظــت أنهــم غيــر مدرجــن بالســجل اإلنتخابــي
وعمــا بالقــرار عــدد 7الصــادر عــن الهيئــة املســتقلة لإلنتخابــات بتاريــخ 3جــوان 2014
يتع ّيــن علــى الراغــب منهــم فــي ممارســة حــق اقتــراع أن يبــادر بالتســجيل اإلرادي.
وإثر ذلك حجزت القض ّية للمفاوضة والتصريح بالحكم لجلسة يوم 14مارس .2018
حيــث قدمــت الدعــوى فــي ميعادهــا القانونــي ممــن لــه الصفــة واملصلحــة واســتوفت
جميــع مقوماتهــا الشــكلية الجوهريــة واتجــه لذلــك قبولهــا مــن هــذه الناحيــة.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 34
حيــث تمســك نائبــا املدعيــة بــأن القــرار املطعــون فيــه جــاء مخالفــا للفصــل 34مــن
ـص علــى أن القانــون هــو
الدســتور الــذي كــرس حــق الترشــح والفصــل 49منــه الــذي نـ ّ
الــذي يحـ ّدد الضوابــط املتعلقــة بممارســة الحقــوق والحريــات بمــا ال ينــال مــن جوهرهــا،
مؤكــدان أن املترشــحني «إيمــان بــن ســعد» و«رامــي بشــر» تتوفــر فيهمــا صفــة الناخــب
م ّمــا يجعــل القــرار املطعــون فيــه القاضــي برفــض ترشــحهما لكونهمــا مســجالن بغيــر
الدائــرة اإلنتخابيــة البلديــة املترشــحان بهــا مساســا بحــق الترشــح املضمــون بالدســتور.
وحيــث دفعــت الجهــة املدعــى عليهــا بــأن الدســتور كــ ّرس الحــق فــي الترشــح لــكل
مواطــن تونســي تتوفــر فيــه الشــروط القانونيــة املفروضــة لذلــك ،إال أنــه أخضــع
ممارســة هــذا الحــق لضوابــط وضعــت لضــرورة تقتضيهــا دولــة مدنيــة ديمقراطيــة
وبهــدف حمايــة حقــوق الغيــر أو ملقتضيــات األمــن العــام ( ،)...معتبــرة علــى هــذا
األســاس أن تقديــم كل مــن إيمــان بــن ســعد ورامــي بشــر لترشــحهما ضمــن القائمــة
موضــوع قــرار الرفــض املطعــون فيــه ،ولئــن كان ممارســة منهمــا لحقهمــا املشــروع،
إال أنــه مخالــف للمقتضيــات القانونيــة لشــرط الترشــح واملتمثلــة أساســا فــي
ضــرورة أن يكــون املترشــح مســجال بالدائــرة اإلنتخابيــة التــي قــدم فيهــا ترشــحه.
وحيــث ينــص الفصــل 34مــن الدســتور علــى أن «حقــوق االنتخابــات واالقتــراع والترشــح
مضمونــة طبــق مــا يضبطــه القانــون».
ـص أحــكام الفصــل 49مــن الدســتور علــى مــا يلــي« :يحـ ّدد القانــون الضوابــط
وحيــث تنـ ّ
املتعلقــة بالحقــوق والحريــات املضمونــة بهــذا الدســتور وممارســتها بمــا ال ينــال مــن
جوهرهــا .وال توضــع هــذه الضوابــط إال لضــرورة تقتضيهــا دولــة مدنيــة ديمقراطيــة
وبهــدف حمايــة حقــوق الغيــر ،أو ملقتضيــات األمــن العــام ،أو الدفــاع الوطنــي ،أو
الصحــة العامــة ،أو اآلداب العامــة ،وذلــك مــع احتــرام التناســب بــن هــذه الضوابــط
وموجباتهــا .وتتكفــل الهيئــات القضائيــة بحمايــة الحقــوق والحريــات مــن أي انتهــاك».
وحيــث تقتضــي أحــكام الفصــل 49مكــرر مــن القانــون األساســي املتعلــق باالنتخابــات
واالســتفتاء أن «الترشــح لعضويــة املجالــس البلديــة أو الجهويــة حــق لــكل :ناخــب
تونســي الجنســية ( )...ويقــدم الترشــح فــي الدائــرة اإلنتخابيــة املســجل بهــا».
35 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
وحيــث ينــص األمــر عــدد 1033املــؤرخ فــي 19ســبتمبر 2017املتعلــق بضبــط عــدد
أعضــاء املجالــس البلديــة علــى أن« :تكــون كل بلديــة دائــرة انتخابيــة واحــدة».
وحيــث لئــن كان الحــق فــي اإلنتخــاب واإلقتــراع والترشــح مكفــوال بالدســتور،
فــإن ممارســته تخضــع للضوابــط العامــة املحــددة بالنصــوص القانونيــة
الجــاري بهــا العمــل ،شــريطة أن ال تنــال هــذه الضوابــط مــن جوهــر الحــق وأن
تتناســب مــع موجباتهــا.
وحيــث أن شــرط تقديــم الترشــح فــي الدائــرة اإلنتخابيــة املســجل بهــا ال
يعطــل الحــق فــي الترشــح وهــو بذلــك ال يخــرق مبــدأ التناســب وليــس
مــن شــأنه أن ينــال مــن جوهــر الحــق فــي الترشــح املضمــون بالدســتور.
وحيــث ثبــت مــن أوراق امللــف أن كل مــن املترشــحني إيمــان بــن ســعد ورامــي بشــر
مســجالن بالدائــرة اإلنتخابيــة لبلديــة حمــام سوســة ،وعليــه ،فــإن القــرار املطعــون
فيــه القاضــي برفــض ترشــحهما عــن الدائــرة اإلنتخابيــة لبلديــة سوســة لــم
يخالــف الفصلــن 34و 49مــن الدســتور ،بمــا يتجــه معــه رفــض املطعــن املاثــل)...( .
ولــهـذه األسـبـاب:
قضت املحكمـة:
أوال :بقبول الدعوى شكال ورفضها أصال.
ّ
-3-
اإلطــاع علــى عريضة الدعوى املق ّدمــة من امل ّدعي املذكور أعاله بتاريخ 7مارس 2018 بعــد ّ
الصــادر عــن
واملرســمة بكتابــة املحكمــة تحــت عــدد ،20181015طعنــا باإللغــاء فــي القــرار ّ
ّ
رئيس الهيئة الفرعية لالنتخابات بتونس 2بتاريخ 28فيفري 2018والقاضي برفض مطلب
ّ
ترشــح قائمــة «بــاردو فــي عينينــا» لالنتخابــات البلديــة بدائرة باردو باالســتناد إلــى ما يلي:
أو ًال :مخالفــة القانــون األساســي عــدد 16لســنة 2014املــؤ ّرخ فــي 26مــاي 2014املتع ّلــق
باالنتخابــات واالســتفتاء كمــا ت ـ ّم تنقيحــه وإتمامــه بمقتضــى القانــون األساســي عــدد 7
لســنة 2017املــؤ ّرخ فــي 14فيفــري 2017الــذي يوجــب علــى الهيئــة إعــام رئيــس القائمــة
أو ممثلهــا القانونــي بقــرار قبــول الترشــح أو رفضــه فــي أجــل أقصــاه 24ســاعة منــذ
ـأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا.
صــدوره وفــي حالــة رفــض مطلــب الترشــح يقــع اإلعــام بـ ّ
ثان ًيــا :عــدم إســتيفاء مطلــب املترشــحة عــدد 30نجــاة الطرابلســي لشــكلية اإلمضــاء
بإعتبــار أنّــه تــ ّم اســتيفاء هــذا الشــرط ضمــن الوثائــق التــي تــ ّم إيداعهــا لــدى الهيئــة
بمقتضــى محضــر تـ ّم تبليغــه للهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بتونــس 2بواســطة عــدل التنفيــذ
األســتاذ وليــد املعــاوي ودون أن تقــوم الهيئــة بإبــداء أي مالحظــة حول مضمــون املحضر.
ثالثــا :مخالفــة القــرار املطعــون فيــه ألحــكام الفصلــن 34و 49من الدســتور مشــيرا إلى أنّ
ّ
املترشــح مســجال فــي الدائــرة االنتخابية التي يترشــح بهــا ينال من حق إشــتراط أن يكــون
دســتوري ال يمكــن التضيــق منــه إ ّال بمقتضــى قانون وشــريطة عدم املســاس بجوهر الحق.
وبعــد اإلطــاع علـــى التقريــر املدلــى بــه مــن األســتاذة ســنية البلعابــي نائبــة الهيئــة الفرعية
لالنتخابــات بتونــس 2بتاريــخ 12مــارس 2018والــذي دفعــت مــن خاللــه برفــض الدعــوى
شــكال عمــا بمقتضيــات الفصــل 49ســابع عشــر مــن القانــون األساســي االنتخابــي
ذلــك أ ّنــه ت ـ ّم إعــام ممثــل القائمــة الخصيمــة بقــرار الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بتونــس
37 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
2املطعــون فيــه بتاريــخ 1مــارس 2018علــى العنــوان املضمــن بمطلــب الترشــح ببرقيــة إ ّال
أ ّنــه رفــع دعــواه بتاريــخ 7مــارس 2018م ّمــا يص ّيرهــا خــارج اآلجــال القانونيــة .ومــن جهــة
األصــل دفعــت الهيئــة برفــض الدعــوى مشــيرة إلــى أنّ القــرار املطعــون فيــه جــاء معلــا
مثلمــا يقتضــي ذلــك الفصــل 27مــن قــرار الهيئــة العليا املســتق ّلة لالنتخابات عدد 10لســنة
ّرشــح لإلنتخابــات البلدية 2017املــؤ ّرخ فــي 20جويليــة 2017املتع ّلــق بقواعــد وإجــراءات الت ّ
والجهويــة واســتند إلــى وجــود إخــاالت فــي مطلــب ّ
ترشــح القائمــة املدعيــة يعـ ّد مــن قبيــل
العيــوب التــي ال يجــوز فيهــا التصحيــح مطلقــا بصريــح الفصــل 21مــن قــرار الهيئــة العليا
املســتق ّلة لالنتخابــات عــدد 10لســنة 2017املــؤ ّرخ فــي 20جويليــة 2017املتع ّلــق بقواعــد
ّرشــح لإلنتخابــات البلديــة والجهويــة وتمثلــت اإلخــاالت املذكــورة فــي: وإجــراءات الت ّ
أوال :خلــو مطلــب الترشــح مــن أحــد التنصيصــات الوجوبيــة وهــو اإلمضــاء املعــرف
بــه للعضــوة عــدد 30بالقائمــة األصليــة نجــاة الطرابلســي خرقــا ملقتضيــات الفصــل
17مــن قــرار الهيئــة العليــا املســتق ّلة لالنتخابــات عــدد 10لســنة 2017املــؤ ّرخ فــي 20
جويليــة 2017املتع ّلــق بقواعــد وإجــراءات الت ّ
ّرشــح لالنتخابــات البلديــة والجهويــة.
ثانيــا :عــدم اســتيفاء عــدد مــن املترشــحني بالقائمــة األصليــة لشــروط الترشــح بمقولــة
أنّهــا تض ّمنــت خمســة مترشــحني مســجلني فــي دوائــر انتخابيــة أخــرى غيــر الدائــرة
املترشــح بهــا وهــم تباعــا املترشــحون عــدد 12نبيلــة عبــد ربــه وعــدد 14اينــاس الغربــي
وعــدد 16الهــام العرفــاوي وعــدد 19محمــد صالــح الهمامــي وعــدد 23رضــوان نهــدي
األمــر الــذي يشــ ّكل خرقــا ملقتضيــات الفصــل 3مــن قــرار الهيئــة العليــا املســتق ّلة
لالنتخابــات عــدد 10ســالف الذكــر عــاوة علــى أ ّنــه ســبق للعضــو عــدد 21مــن القائمــة
األصليــة محمــد العربــي الدريــدي الترشــح فــي قائمــة أخــرى بنفــس الدائــرة اإلنتخابيــة.
كمــا الحظــت الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات تونــس 2أنّ اإلخــاالت املذكــورة ال تقبــل
التصحيــح عمــا بالفصــل 21مــن قــرار الهيئــة عــدد 10املومــأ إليــه أعــاه وأنّ إضافــة
املدعــي للوثائــق الناقصــة بملــف ترشــح قائمتــه بواســطة عــدل تنفيــذ ال جــدوى منــه طاملــا
وردت خــارج اآلجــال القانونيــة وبغيــر طلــب الهيئــة كمــا ال طائــل مــن التنبيــه علــى املعنــي
باألمــر لــذات الســبب.
وبعد اإلطالع علـى بق ّيـة األوراق املظروفـة بامللف.
اإلطــاع علــى دســتور الجمهوريــة التونســية املــؤرخ فــي 27جانفــي 2014وخاصــة وبعــد ّ
الفصــول 34و 49و 102و 125و 126و 131و 133منــه.
وبعــد االطــاع علــى القانــون عــدد 40لســنة 1972املــؤرخ فــي 1جــوان 1972املتعلــق
باملحكمــة اإلداريــة مثلمــا ت ـ ّم تنقيحــه وإتمامــه بالنصــوص الالحقــة لــه وآخرهــا القانــون
األساســي عــدد 2لســنة 2011املــؤرخ فــي 3جانفــي .2011
اإلطــاع علــى القانــون أساســي عــدد 23لســنة 2012مــؤرخ فــي 20ديســمبر 2012 وبعــد ّ
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 38
يتعلــق بالهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات كمــا تــم تنقيحــه وإتمامــه بالقانــون األساســي
عــدد 44لســنة 2013املــؤرخ فــي 01نوفمبــر 2013وبالقانــون األساســي عــدد 52لســنة
2013املــؤرخ فــي 28ديســمبر .2013
وعلــى القانــون أساســي عــدد 14لســنة 2014مــؤرخ فــي 18أفريــل 2014واملتعلــق
بالهيئــة الوقتيــة ملراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن
وعلــى القانــون األساســي عــدد 16لســنة 2014املــؤرخ فــي 26مــاي 2014املتعلــق
باالنتخابــات واالســتفتاء كمــا تــ ّم تنقيحــه وإتمامــه بالقانــون األساســي عــدد 7لســنة
2017املــؤرخ فــي 14فيفــري .2017
اإلطــاع علــى األمــر الرئاســي عــدد 254لســنة 2017مــؤرخ فــي 19ديســمبر 2017 وبعــد ّ
يتعلــق بدعــوة الناخبــن لالنتخابــات البلديــة لســنة .2018
اإلطــاع علــى األمــر الحكومــي عــدد 1033لســنة 2017مــؤرخ فــي 19ســبتمبر وبعــد ّ
2017يتعلــق بضبــط عــدد أعضــاء املجالــس البلديــة.
اإلطــاع علــى قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد 5لســنة 2014 وبعــد ّ
املــؤرخ فــي 24أفريــل 2014واملتع ّلــق بضبــط النظــام الداخلــي للهيئــة العليــا املســتقلةّ
لالنتخابــات كمــا ت ـ ّم تنقيحــه بالقــرار عــدد 12لســنة 2014املــؤرخ فــي 16جويليــة .2014
وعلى قرار الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات عدد 5مؤرخ في 11أفريل 2017يتعلق بشروط
وإجــراءات إحــداث الهيئــات الفرعيــة لالنتخابــات وضبــط مشــموالتها وطــرق ســير عملهــا.
وعلــى قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد 6لســنة 2017بتاريــخ 11أفريــل
2017يتعلــق بقواعــد وإجــراءات تســجيل الناخبــن لالنتخابــات واالســتفتاء.
وعلــى قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد 10لســنة 2017مــؤرخ فــي 20
جويليــة 2017يتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات البلديــة والجهويــة كمــا ت ـ ّم
تنقيحــه وإتمامــه بالقــرار عــدد 1لســنة 2018املــؤرخ فــي 2جانفــي .2018
وعلــى قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد 12لســنة 2017مــؤ ّرخ فــي 30
ســبتمبر 2017يتعلــق بفتــح بــاب التســجيل لالنتخابــات واالســتفتاء.
وعلــى قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد 22لســنة 2017مــؤرخ فــي 18
ديســمبر 2017يتعلــق بروزنامــة االنتخابــات البلديــة لســنة .2018
وبعــد االطــاع علــى مــا يفيــد اســتدعاء الطرفــن بالطريقــة القانون ّيــة لجلســة املرافعــة
املع ّينــة ليــوم 12مــارس ،2018وبهــا ت ـ ّم اإلســتماع إلــى املستشــار املق ـ ّرر الســيد فــراس
ملخصــا مــن تقريــره الكتابــي ،وحضــر املدعــي منــذر امللــوح رئيــس الوكيــل فــي تــاوة ّ
وتمســك بتقديمــه ملطلــب املترشــحة عــدد 30الســيدة نجــاة ّ قائمــة «بــاردو فــي عينينــا»
الطرابلســي يــوم 22فيفــري 2018مســتوفيا لشــرط التعريــف باإلمضــاء وأقـ ّر فيمــا يتع ّلــق
باملترشــحني نبيلــة عبــد ربــه واينــاس الغربــي والهــام العرفــاوي ومحمــد صالــح الهمامــي
ورضــوان نهــدي بأنّهــم مســجلون بدوائــر إنتخابيــة أخــرى غيــر دائــرة تونــس 2ألنّ
الدســتور ال يمنــع ذلــك وأشــار رئيــس القائمــة بأ ّنــه لــم يتصــل بقــرار الهيئــة بــأي وســيلة
39 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
كانــت ،وحضــرت األســتاذة ســنية البلعابــي نائبــة الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات تونــس 2
وتمســكت بصفــة أصليــة برفــض الدعــوى شــكال لتقديمهــا خــارج اآلجــال ألنّ الهيئــة ّ
تولــت إعــام املمثــل القانونــي للقائمــة املدعيــة بقــرار رفــض ترشــحها يــوم 1مــارس
2018بمقتضــى برقيــة بريديــة وعبــر البريــد اإللكترونــي إ ّال أنّ القائــم بالدعــوى ّ
تأخــر
تمســكت احتياطيــا مــن جهــة األصــل برفــض فــي رفعهــا إلــى يــوم 7مــارس ،2018كمــا ّ
الدعــوى لعــدم جــواز تصحيــح اإلخــاالت التــي شــابت ّ
ترشــح القائمــة امل ّدعيــة ضــرورة
أنّ القائمــة التكميليــة املقدمــة ال تكفــي لتعويــض املترشــحني الذيــن اعتــرت ترشــحاتهم
اخــاالت ويســتحيل معــه للقائــم بالدعــوى تصحيــح تلــك اإلخــاالت فــي اآلجــال القانونيــة.
وإثر ذلك حجزت القض ّية للمفاوضة والتصريح بالحكم لجلسة يوم 16مارس .2018
حيــث دفعــت نائبــة الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات تونــس 2برفــض الدعــوى شــكال عمــا
بمقتضيــات الفصــل ( 49ســابع عشــر) مــن القانــون االنتخابــي لتو ّلــي هيئــة االنتخابــات
إعــام مم ّثــل القائمــة املدعيــة بقرارهــا بتاريــخ 1مــارس 2018علــى العنــوان املض ّمــن
بمطلــب الترشــح وبواســطة برقيــة م ّمــا يجعــل القيــام بدعــوى الحــال فــي 7مــارس 2018
واقعــا خــارج اآلجــال القانونيــة.
وحيــث أدلــت الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بنســخة مــن برقيــة تحمــل إســم املرســل
إليــه «منــذر امللــوح» وعنوانــه « 71نهــج الحــدادة بــاردو »2000تعلمــه فيهــا برفضهــا
مطلــب ّ
ترشــح قائمــة «بــاردو فــي عينينــا» لالنتخابــات البلديــة 2018عــن دائــرة بــاردو.
وحيــث نفــى املدعــي بجلســة املرافعــة اعالمــه بقــرار الهيئــة املطعــون فيــه بأي وســيلة كانت.
وحيــث اســتقر فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة علــى أن تكــون العبــرة فــي احتســاب
آجــال التقاضــي بتاريــخ نشــر املقــررات اإلداريــة أو اإلعــام بهــا دون تاريــخ
صدورهــا ويتمثــل اإلعــام الــذي يعتــ ّد بــه إلحتســاب آجــال الطعــن باإللغــاء فــي
اإلعــام الكامــل املتمثــل فــي مــ ّد املعنــي باألمــر بنســخة مــن القــرار املطعــون فيــه
وإذا تعــذر ذلــك فــإن آجــال الطعــن تســري مــن تاريــخ اإلعــام الكافــي املتمثــل فــي
إعــام املعنــي باألمــر بفحــوى القــرار وأســبابه بعــد صــدوره فــي صيغتــه النهائيــة.
وحيــث بالرجــوع إلــى أوراق قضيــة الحــال يتب ّيــن أنّ البرقيــة املحتـ ّـج بهــا لحصــول علــم
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 40
الطاعــن بقــرار رفــض مطلــب ترشــح قائمتــه وردت غيــر مؤرخــة ودون ختــم مصالــح البريــد
وغيــر ممضــاة األمــر الــذي ينــزع عنهــا ّ
كل حجيــة م ّمــا يســتوجب معــه عــدم إعتمادهــا.
وحيــث تكــون الدعــوى قــد قدمــت فــي اآلجــال القانونيــة ممــن لــه الصفــة واملصلحــة
واســتوفت جميــع مقوماتهــا الشــكلية األساســية ويتعــن قبولهــا مــن هــذه الناحيــة.
عــن املطعــن املتع ّلــق بمخالفــة القــرار املطعــون فيــه ألحــكام الفصلــن 34و49
مــن الدســتور:
حيــث ينعــى امل ّدعــي علــى القــرار املطعــون فيــه خــرق أحــكام الفصلــن 34و 49مــن
مســجال فــي الدائــرة االنتخابيــة
ّ الدســتور بمقولــة أنّ اشــتراط أن يكــون املترشــح
التــي سيترشــح بهــا فيــه مســاس بحــق الترشــح املضمــون دســتوريا والــذي
ال يمكــن التضييــق منــه إ ّال بمقتضــى قانــون وشــريطة عــدم املســاس بجوهــره.
وحيــث دفعــت الجهــة امل ّدعــى عليهــا بــأنّ القائمــة األصليــة خرقــت الفصــل 3مــن
قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد 10لســنة 2017واملتعلــق بقواعــد
وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات البلديــة والجهويــة بمقولــة أنّهــا تض ّمنــت خمســة
مترشــحني مســجلني فــي دوائــر انتخابيــة أخــرى غيــر الدائــرة املترشــح بهــا وهــم
تباعــا املترشــحون عــدد « 12نبيلــة عبــد ربــه» وعــدد « 14اينــاس الغربــي» وعــدد 16
«الهــام العرفــاوي» وعــدد « 19محمــد صالــح الهمامــي» وعــدد « 23رضــوان نهــدي».
وحيــث لــم ينــف امل ّدعــي تســجيل املترشــحني املومــأ إليهــم أعــاه بدوائــر انتخابيــة غيــر
بالتمســك بمخالفــة القانــون اإلنتخابــي املتض ّمــن لهــذا الشــرط
ّ دائــرة تونــس 2وإكتفــى
للفصلــن 34و 49مــن الدســتور.
وحيــث اقتضــى الفصــل 148مــن الدســتور فــي فقرتــه الســابعة أن «يحــدث املجلــس
الوطنــي التأسيســي بقانــون أساســي خــال الثالثــة أشــهر األولــى التــي تلــي ختــم
الدســتور هيئــة وقتيــة تختــص بمراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن ( )...وتعتبــر ســائر
املحاكــم غيــر مخولــة ملراقبــة دســتورية القوانــن».
41 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
وحيــث اقتضــى الفصــل 3مــن القانــون أساســي عــدد 14لســنة 2014مــؤرخ فــي 18أفريــل
2014واملتعلــق بالهيئــة الوقتيــة ملراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن علــى أنّــه «تتولــى
الهيئــة مراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن ...وتعتبــر ســائر املحاكــم غيــر مخولــة ملراقبــة
دســتورية القوانــن».
وحيــث اقتضــى الفصــل 21فقــرة أخيــرة مــن القانــون ســالف الذكــر أنّ «قــرارات الهيئــة
ملزمــة لجميــع الســلطات».
وحيــث أنّ التحجيــر ســالف الذكــر وإلزاميــة قــرارات القضــاء الدســتوري الوقتــي ال
يخصــان إ ّال الصــور التــي يكــون فيهــا القاضــي الدســتوري قــد ّ
بــت فــي الدســتورية
باعتبــاره القاضــي املختــص بصــورة أصليــة فــي مراقبــة دســتورية القوانــن.
وحيــث لــم يســبق للهيئــة الوقتيــة ملراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن املنتصبــة كقــاض
دســتوري أن بتّــت فــي مــدى دســتورية الشــرط املتع ّلــق بضــرورة أن يكــون املترشــح
ـجال فــي نفــس الدائــرة التــي سيترشــح بهــا واملنصــوص عليهــا بالفصــل ( 49مكــرر) مسـ ّ
مــن القانــون األساســي املتع ّلــق باالنتخابــات واالســتفتاء .كمــا أ ّنــه ال يمكــن لهــذه املحكمــة
ظــل عــدم تركيــز املحكمــة الدســتورية إيقــاف النظــر فــي النــزاع املاثــل وإحالــة فــي ّ
اإلشــكال الدســتوري عليهــا عمــا بأحــكام الفقــرة الرابعــة مــن الفصــل 124مــن الدســتور.
البــت فــي دســتورية الشــرط التشــريعي ّ وحيــث أنّ اســتبعاد القاضــي اإلداري مــن
ـجال فــي نفــس الدائــرة التــي سيترشــح بهــا ّ
املترشــح مسـ ّ املتم ّثــل فــي ضــرورة أن يكــون
البــت فيــه مــن قبــل القاضــي الدســتوري ســيؤول بالضــرورة إلــى ّ رغــم عــدم ســابقية
غيــاب كل رقابــة قضائيــة علــى ذلــك التضييــق رغــم مــا لــه مــن تبعــات تمــس مــن حريــة
ترشــح األفــراد وهــو مــا تأبــاه مق ّومــات دولــة القانــون ،خاصــة وأنّ دســتور 27جانفــي ّ
أي
ّ ـنـ م ـات
ـ والحري ـوق
ـ الحق ـة
ـ حماي ـه
ـ من 49 ـلـ الفص ـب
ـ صل ـي ـ القاض ـىـ عل ـب
ـ أوج 2014
انتهــاك أو تضييــق غيــر مب ـ ّرر ،كمــا أوجــب عليــه الفصــل 102ضمــان علويــة الدســتور.
وحيــث تأسيســا علــى مــا ســبق ذكــره فقــد تعــن اقــرار اختصــاص هــذه املحكمــة للنظــر
فــي دســتورية التقييــد املذكــور.
ّ
والترشــح ـص الفصــل 34مــن الدســتور علــى أنّ «حقــوق االنتخــاب واالقتــراع وحيــث ينـ ّ
مضمونــة طبــق مــا يضبطــه القانــون».
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 42
وحيــث ولئــن كان الحــق فــي الترشــح لالنتخابــات حقــا دســتوريا فــإنّ ممارســته تخضــع
للشــروط العامــة املحــددة بالنصــوص التشــريعية والترتيبيــة الجــاري بهــا العمــل طبقــا ملــا
خ ّولــه الفصــل 34مــن الدســتور.
ـص الفصــل ( 49مكــرر) مــن القانــون األساســي املتع ّلــق باالنتخابــات واالســتفتاء وحيــث ينـ ّ
علــى أنّ «الترشــح لعضويــة املجالــس البلديــة أو الجهويــة حــق لـ ّ
ـكل ...ويقــدم الترشــح فــي
الدائــرة االنتخابيــة املســجل بهــا».
وحيــث أوكل الفصــل 126مــن الدســتور إلــى الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات إدارة
االنتخابــات وتنظيمهــا واإلشــراف عليهــا فــي جميــع مراحلهــا وضمــان ســامتها وأســند
لهــا ســلطة ترتيبيــة فــي مجــال اختصاصهــا.
ّ
الترشــحات ،تولــت وحيــث اعمــاال لســلطتها الترتيبيــة وصالحياتهــا فــي ضبــط تقديــم
الهيئــة ،بموجــب الفصــل 3مــن قرارهــا عــدد 10لســنة 2017املــؤرخ فــي 20جويليــة
2017واملتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات البلديــة والجهويــة ،التنصيــص
علــى أنّــه «يشــترط فــي كل مترشــح لعضويــة املجالــس البلديــة أو الجهويــة ،مــا يلــي:
أن يكــون ناخبــا تونســي الجنســية مســجال فــي الدائــرة االنتخابيــة التــي يترشــح بهــا.»...
وحيــث أنّ التثبــت مــن دســتورية شــرط ضــرورة أن يكــون املترشــح مســجال فــي
الدائــرة االنتخابيــة التــي سيترشــح بهــا يقتضــي الرجــوع إلــى أحــكام الفصــل
49مــن الدســتور الــذي اقتضــى أنّــه «يحــ ّدد القانــون الضوابــط املتعلقــة بالحقــوق
والحريــات املضمونــة بهــذا الدســتور وممارســتها بمــا ال ينــال مــن جوهرهــا .وال
توضــع هــذه الضوابــط إ ّال لضــرورة تقتضيهــا دولــة مدنيــة ديمقراطيــة وبهــدف
حمايــة حقــوق الغيــر ،أو ملقتضيــات األمــن العــام ،أو الدفــاع الوطنــي ،أو الصحــة
العامــة ،أو اآلداب العامــة ،وذلــك مــع احتــرام التناســب بــن هــذه الضوابــط
وموجباتهــا .وتتك ّفــل الهيئــات القضائيــة بحمايــة الحقــوق والحريــات مــن أي انتهــاك».
ّ
الترشــح هــو الحريــة وأنّ وحيــث لئــن كان األصــل فــي ممارســة الحــق فــي
التضييــق منهــا هــو االســتثناء وأنّ املشــ ّرع ،ومــن بعــده الهيئــة العليــا املســتقلة
لالنتخابــات بمــا لهــا مــن ســلطة ترتيبيــة ،يخضعــان إلــى رقابــة قضائيــة تمتــ ّد
إلــى حــ ّد التث ّبــت مــن مــدى تناســب التدابيــر التّــي تحــ ّد مــن حريــة ممارســة حــق
ّ
الترشــح مــع الظــروف التــي ح ّفــت باتخاذهــا واألهــداف التــي ترمــي إلــى تحقيقهــا.
43 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
ّ
سيترشــح ـجال في الدائــرة االنتخابية التي ّ
املترشــح مسـ ّ وحيــث أنّ شــرط وجــوب أن يكــون
بهــا يع ـ ّد شــرطا معقــوال وال يتعــارض ومقتضيــات الفصــل 49مــن الدســتور طاملــا أ ّنــه
الترشــحات وضمــان جد ّيتهــا وحســن ســير العمليــة االنتخابية بالشــكل ّ يهــدف إلــى تنظيــم
ّ
املترشــح لهــذه املســؤولية املحليــة عاملــا بمتطلبــات وتطلعــات مواطنــي الــذي يجعــل مــن
الدائــرة املترشــح بهــا.
وحيــث ،وخالفــا ملــا تمســك بــه املدعــي ،فــإنّ الشــرط التشــريعي املتعلــق بضــرورة
مســجال فــي الدائــرة االنتخابيــة التــي سيترشــح بهــا ال ينــال مــن
ّ أن يكــون الناخــب
جوهــر الحــق فــي الترشــح املنصــوص عليــه بالفصــل 34مــن الدســتور وال يخــلّ
بمبــدأ التناســب مــع موجبــات ضمــان أســس الدولــة املدنيــة الديمقراطيــة مــن جهــة،
ومتطلبــات حمايــة حقــوق الغيــر ومراعــاة مقتضيــات النظــام العــام مــن جهــة أخــرى.
وحيث تعني بناء على ما سبق رفض املطعن املاثل كرفض الدعوى برمتها.
ولــهـذه األسـبـاب:
قضت املحكمـة إبتدائيا:
أوال :بقبول الدعوى شكال ورفضها أصال.
ّ
حسناء بن سليمان
قاضية /رئيسة دائرة سابقا باملحكمة اإلدارية
عضو سابق بمجلس الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات
تمثــل الرقابــة القضائيــة إحــدى ضمانــات نزاهــة وشــفافية العمليــة االنتخابيــة .وكمــا
شــهد تنظيــم االنتخابــات فــي تونــس منــذ 2011قطعــا مــع املاضــي فقــد شــهدت الرقابــة
القضائيــة علــى العمليــة االنتخابيــة أيضــا قطعــا مــع املاضــي.
وفقــا للمجلــة االنتخابيــة الجــاري بهــا العمــل قبــل 2011كانــت الطعــون فــي
املــادة االنتخابيــة منظمــة وفــق هيكلــة ال تخضــع ملقومــات املحاكمــة العادلــة ولــم
تكــن تســتقطب الطاعنــن أو تنيــر الباحثــن .1فلــم يكــن التقاضــي فــي املــادة
االنتخابيــة ذا شــعبية ولــم تخــول الحــاالت املعروضــة تطويــر املنظومــة االنتخابيــة.
وبعــد 2011تــم إصــدار املرســوم عــدد 35لســنة 2011املــؤرخ فــي 10مــاي 2011
املتعلــق بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي «قطعــا مــع النظــام الســابق املبنــي علــى
االســتبداد وتغييــب إرادة الشــعب بالبقــاء غيــر املشــروع فــي الســلطة وتزويــر االنتخابــات،
ووفــاء ملبــادئ ثــورة الشــعب التونســي الهادفــة إلــى إرســاء مشــروعية أساســها
الديمقراطيــة والحريــة واملســاواة والعدالــة االجتماعيــة والكرامــة والتعدديــة وحقــوق
اإلنســان والتــداول علــى الســلطة ،وانطالقــا مــن إرادة الشــعب التونســي فــي انتخــاب
مجلــس وطنــي تأسيســي يتو ّلــى وضــع دســتور جديــد للبــاد ،وباعتبــار أن القانــون
االنتخابــي الســابق لــم يكفــل انتخابــات ديمقراطيــة وتع ّدديــة وشــ ّفافة ونزيهــة».2
وتــم صلــب هــذا «القانــون االنتخابــي املؤقــت» التنصيــص علــى خضــوع مراحــل
.1وفقــا للمجلــة االنتخابيــة املصــادق عليهــا بالقانــون عــدد 25لســنة 1969املــؤرخ فــي 8أفريــل 1969كانــت الطعــون
عمومــا مــن اختصــاص لجــان ذات تركيبــة غيــر قضائيــة فــي أغلبيتهــا ومــن نظــر املجلــس الدســتوري الــذي تميــز بنقــد
حقوقــي كبيــر حــول تركيبتــه واســتقالليته .فقــد كانــت تســند للمجلــس الدســتوري اختصــاص النظــر فــي الطعــون فــي
مــادة الترشــحات والنتائــج لالنتخابــات الرئاســية واالنتخابــات التشــريعية وتحــدث طبقــا للفصــل 156لجنــة خاصــة
commission ad hocمكونــة مــن قــاض عدلــي وناخبــن يعينــون مــن الســلطة التنفيذيــة للنظــر فــي الطعــون فــي نتائــج
االنتخابــات البلديــة .يراجــع دليــل النزاعــات االنتخابيــة فــي تونــس الصــادر عــن برنامــج األمــم املتحــدة اإلنمائــي 2017
www.tn.undp.org › docs › Publications
.2تراجع ديباجة املرسوم عدد 35لسنة 2011
45 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
العمليــة االنتخابيــة إلــى الطعــن القضائــي .1وعلــى عكــس «العــزوف» عــن الطعــن قبــل
2011واجــه مشـ ّرعو مراســيم الفتــرة الالحقــة لجانفــي 2011هاجــس تضخــم املنازعــات
االنتخابيــة وحرصــوا علــى توضيــح إجــراءات الطعــون بإصــدار املرســوم عــدد 72
لســنة 2011املــؤرخ فــي 3أوت 2011املنقــح واملتمــم للمرســوم عــدد 35لســنة .2 2011
وبنــاء علــى التوصيــات املضمنــة بتقريــر انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي لســنة
ويرفــع الطعــن باالســتئناف بمقتضــى عريضــة كتابيــة يســلمها رئيــس القائمــة أو مــن يمثلــه أو رئيــس الهيئــة الفرعيــة
لالنتخابــات أو مــن يمثلــه إلــى كتابــة املحكمــة دون وجــوب االســتعانة بمحــام وتكــون مع ّللــة ومشــفوعة باملؤيــدات
وبمحضــر اإلعــام بالطعــن.
وعلــى كتابــة املحكمــة اإلداريــة ترســيم العريضــة وإحالتهــا فــورا إلــى الرئيــس األول الــذي يتولــى تعيينهــا حــاال لــدى
إحــدى الدوائــر االســتئنافية.
ويعــن رئيــس الدائــرة املتع ّهــدة بالقضيــة جلســة مرافعــة فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ ترســيم العريضــة
واســتدعاء األطــراف بــأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا لتقديــم ملحوظاتهــم.
وتتولــى الدائــرة املتع ّهــدة بالقضيــة صــرف القضيــة للمفاوضــة والتصريــح بالحكــم فــي أجــل قــدره يــوم واحــد مــن
تاريــخ جلســة املرافعــة .ولهــا أن تــأذن بالتنفيــذ علــى املســو ّدة.
وتعلم املحكمة األطراف بالحكم بأي وسيلة تترك أثرا كتابيا في أجل أقصاه يومان من تاريخ التصريح به.
ويكون حكم الدائرة االستئنافية باملحكمة اإلدارية باتّا وال يقبل أي وجه من أوجه الطعن ولو بالتعقيب.
ـت فــي اآلجــال املنصــوص عليهــا فــي هــذا الفصــل مــن قبــل الدائــرة االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة وفــي صــورة عــدم البـ ّ
مرســمة آليــا.
تعـ ّد القائمــة االنتخابيــة التــي تـ ّم رفــض مطلــب ترســيمها ّ
الفصل ( 47جديد):
تتولــى الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات مراقبــة احتــرام هــذه القواعــد ،وتتل ّقــى الطعــون املتعلقــة بعــدم احترامهــا.
وتتّخــذ عنــد االقتضــاء اإلجــراءات والتدابيــر الالزمــة لوضــع حـ ّد فــوري لــكل التجــاوزات قبــل نهايــة الحملــة االنتخابيــة.
وتتولــى إعــام األطــراف املعنيــة بتلــك اإلجــراءات والتدابيــر فــي أجــل قــدره يــوم واحــد مــن تاريــخ اتخاذهــا.
ويمكــن الطعــن فــي القــرارات التــي تتّخذهــا الهيئــة العليــا املســتق ّلة لالنتخابــات عمــا بأحــكام الفقــرة املتقدمــة أمــام
الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة.
وعلــى الطــرف الراغــب فــي ممارســة الطعــن باالســتئناف أن يوجــه إلــى خصمــه إعالمــا بالطعــن بواســطة عــدل تنفيــذ
مــع نظيــر مــن عريضــة الطعــن ومؤيداتهــا.
وترفــع عريضــة االســتئناف بمقتضــى عريضــة كتابيــة يســلمها رئيــس القائمــة أو املمثــل القانونــي للمؤسســة اإلعالميــة
املعنيــة أو مــن يمثلهمــا إلــى كتابــة املحكمــة فــي أجــل أقصــاه يومــان مــن تاريــخ اإلعــام بالقــرار املطعــون فيــه دون
وجــوب االســتعانة بمحــام .وتكــون العريضــة مع ّللــة ومشــفوعة باملؤيــدات وبنســخة مــن محضــر اإلعــام بالطعــن.
وتتولــى كتابــة املحكمــة اإلداريــة ترســيم العريضــة وإحالتهــا فــورا إلــى الرئيــس األول الــذي يتولــى تعيينهــا حــاال لــدى
إحــدى الدوائــر االســتئنافية.
ويتولــى رئيــس الدائــرة املتع ّهــدة بالقضيــة تعيــن جلســة مرافعــة فــي أجــل أقصــاه ســبعة أيــام مــن تاريــخ ترســيم
العريضــة واســتدعاء األطــراف بــأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا لتقديــم ملحوظاتهــم.
وتتولــى الدائــرة املتع ّهــدة بالقضيــة صــرف القضيــة للمفاوضــة والتصريــح بالحكــم فــي أجــل ثالثــة أيــام مــن تاريــخ
جلســة املرافعــة .ولهــا أن تــأذن بالتنفيــذ علــى املســو ّدة.
وتعلم املحكمة األطراف بالحكم بأي وسيلة تترك أثرا كتابيا في أجل قدره يومان من تاريخ التصريح به.
ويكون حكم الدائرة االستئنافية باملحكمة اإلدارية باتّا وال يقبل أي وجه من أوجه الطعن ولو بالتعقيب.
الفصل ( 72جديد):
يمكــن الطعــن أمــام الجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات فــي أجــل قــدره يومــان مــن
تاريــخ اإلعــان عنهــا.
وعلــى الطــرف الراغــب فــي ممارســة الطعــن فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات أن يوجــه إلــى الهيئــة العليــا املســتقلة
لالنتخابــات إعالمــا بالطعــن بواســطة عــدل تنفيــذ مــع نظيــر مــن عريضــة الطعــن ومؤيداتهــا.
ويرفــع الطعــن وجوبــا مــن قبــل رئيــس القائمــة أو مــن يمثلــه فــي خصــوص النتائــج األوليــة املصــرح بهــا بالدائــرة
مرســم لــدى التعقيــب وتكــون العريضــة مع ّللــة ومشــفوعة باملؤيــدات االنتخابيــة املرســم بهــا وذلــك بواســطة محــام ّ
وبنســخة مــن محضــر اإلعــام بالطعــن.
وعلــى كتابــة املحكمــة اإلداريــة ترســيم العريضــة وإحالتهــا فــورا إلــى الرئيــس األول الــذي يتولــى تعيينهــا حــاال لــدى
47 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
الجلسة العامة.
ويعــن الرئيــس األول جلســة مرافعــة فــي أجــل أقصــاه ســبعة أيــام مــن تاريــخ تقديــم الطعــن واســتدعاء األطــراف بــأي
وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا لتقديــم ملحوظاتهــم.
وتتولــى الجلســة العامــة حجــز القضيــة للمفاوضــة والتصريــح بالحكــم فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ جلســة
املرافعــة .ولهــا أن تــأذن بالتنفيــذ علــى املســو ّدة.
وتعلم املحكمة األطراف بالحكم بأي وسيلة تترك أثرا كتابيا في أجل أقصاه يومان من تاريخ التصريح به.
يكون قرار الجلسة العامة للمحكمة اإلدارية باتا وال يقبل أي وجه من أوجه الطعن.
.1القانــون األساســي عــدد 23لســنة 2012مــؤرخ فــي 20ديســمبر 2012املتعلــق بالهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات.
وقــد تــم تنقيحــه وإتمامــه بالقانــون األساســي عــدد 44لســنة 2013املــؤرخ فــي 1نوفمبــر 2013وبالقانــون األساســي
عــدد 52لســنة 2013املــؤرخ فــي 28ديســمبر .2013
.2ينــص الفصــل 126مــن الدســتور علــى أن «تتولــى هيئــة االنتخابــات وتســمى «الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات»
إدارة االنتخابــات واالســتفتاءات وتنظيمهــا واإلشــراف عليهــا فــي جميــع مراحلهــا وتضمــن ســامة املســار االنتخابــي
ونزاهتــه وشــفافيته وتصـ ّرح بالنتائــج»...
.3تم االقتراع في أول انتخابات تشريعية بتاريخ 26أكتوبر 2014وفي أول انتخابات رئاسية في 23نوفمبر .2014
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 48
وعلــى الرغــم مــن تراكــم التجربــة ســواء بالنســبة لهيئــة االنتخابــات أو ملختلــف الهيئــات
القضائيــة املتدخلــة فــي هــذا املجــال فقــد عرفــت تجربــة 2019عــددا مــن اإلشــكاليات
ممــا يتجــه معــه تقييمهــا مــن وجهتــي نظــر الهيئــة املشــرفة علــى العمليــة االنتخابيــة وبقيــة
الهيئــات القضائيــة املتعهــدة باملنازعــات ضــرورة أن نجاعــة الرقابــة تكمــن فــي تحقيــق
أهدافهــا مــن ناحيــة حمايــة العمليــة االنتخابيــة وضمــان الحقــوق األساســية املرتبطــة
باالقتــراع والترشــح وضمــان سالســة تنظيــم العمليــة االنتخابيــة ككل إذ أن االنتخابــات
تبقــى عمليــة تنافــس سياســي باألســاس قــد يضــر بأهدافهــا املتمثلــة فــي النقــاش العــام
حــول األفــكار والتوجهــات إغراقهــا فــي تعقيــدات اإلجــراءات القضائية ومراحلهــا الدقيقة.
ولتقييــم التجربــة مــن هــذا املنظــور فإنــه مــن املهــ ّم الوقــوف علــى خارطــة العالقــات
والتقاطعــات بــن هيئــة االنتخابــات ومختلــف الهيئــات القضائيــة مــن ناحيــة زمــن املســار
االنتخابــي (أوال) ومــن ناحيــة املســائل األساســية التــي طرحــت فــي إطــار املنازعــات
والرقابــة فــي املــادة االنتخابيــة (ثانيــا).
يعتبــر احتــرام مواعيــد الروزنامــة االنتخابيــة التــي يتــم ضبطهــا مــن الســلطة
املختصــة ( )1أحــد املعاييــر األساســية لتقييــم حســن إدارة العمليــة االنتخابيــة
ّ
فضــا عــن أهميــة احتــرام دوريــة االنتخابــات واســتكمال وتقييــم العمليــة
االنتخابيــة ( )2بعــد كل موعــد إلرســاء نظــام ديمقراطــي مســتدام وتحقيــق التــداول
الســلمي علــى الســلطة .ويؤثــر العمــل القضائــي وضوابطــه فــي املســتويني.
.1النقطــة 5مــن الفصــل 3مــن القانــون األساســي عــدد 23لســنة 2012املــؤرخ فــي 20ديســمبر 2012املتعلــق
بالهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات كمــا تــم تنقيحــه وإتمامــه بالقانــون األساســي عــدد 44لســنة 2013املــؤرخ فــي
1نوفمبــر 2013وبالقانــون األساســي عــدد 52لســنة 2013املــؤرخ فــي 28ديســمبر « 2013تتولــى الهيئــة العليــا
املســتقلة لالنتخابــات القيــام بجميــع العمليــات املرتبطــة بتنظيــم االنتخابــات واالســتفتاءات وإدارتهــا واإلشــراف
عليهــا طبقــا لهــذا القانــون وللتشــريع االنتخابــي وتقــوم فــي هــذا اإلطــار خاصــة بمــا يلــي - 5 ...« :وضــع روزنامــة
االنتخابــات واالســتفتاءات وإشــهارها وتنفيذهــا بمــا يتفــق مــع املــدد املقــررة بالدســتور والقانــون االنتخابــي»
.2املحكمــة اإلداريــة / 83 ،نــزاع انتخابــي بتاريــخ 7نوفمبــر « 2011القاضــي املتعهــد بالنظــر فــي النزاعــات املتعلقــة
بنتائــج االنتخابــات التــي تنــدرج فــي إطــار نزاعــات القضــاء الكامــل (يتمتــع) بصالحيــات واســعة»
.3املحكمة اإلدارية ،الدائرة االبتدائية ببنزرت 03900001بتاريخ 14مارس 2018
.4بمناســبة النظــر فــي نزاعــات الترشــح لالنتخابــات الرئاســية لســنة 2019أصــدرت إحــدى الدوائر االســتئنافية قرارات
تقضــي بـــ «قبــول الطعــن شــكال وأصــا وإلغــاء القــرار املطعــون فيــه وإلــزام الهيئــة املطعــون ض ّدهــا بإعــام الطاعــن
باإلخــاالت التــي شــابت قائمــة املزكــن ومطالبتــه بتداركهــا طبقــا ألحــكام الفصــل 41مــن القانــون االنتخابــي والفصــل
14مــن قرارهــا عــدد 18املتع ّلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات الرئاســية» املحكمــة اإلداريــة ،القضايــا عــدد
20192017و 20192018و 20192020بتاريــخ 22أوت 2019وهــو مــا يعتبــر تخليــا عــن ممارســة الصالحيــات الكاملــة
الراجعــة للقاضــي وفتحــا إلمكانيــة إصــدار قــرار جديــد مــن قبــل الهيئــة قــد يكــون معيبــا مــن حيــث شــرع ّيته ويمكــن
أن يتمســك املعنــي بالطعــن فيــه علــى طوريــن للتقاضــي وهــو مــا قــد يحــدث اضطرابــا فــي تنفيــذ الروزنامــة االنتخابيــة.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 50
مــن صبغتهــا الوجوبيــة أهميــة االنتخابــات وال الرغبــة فــي إنجــاح العمليــة االنتخابيــة».1
وتخضــع املنازعــات االنتخابيــة إلــى طوريــن للتقاضــي اعتمــادا علــى املبــدإ الدســتوري
للتقاضــي علــى درجتــن .2وبموجــب التنصيــص الصريــح بالقانــون فــإن القــرارات النهائية
الصــادرة بشــأنها ال تقبــل أي وجــه مــن أوجــه الطعــن األخــرى ولــو بالتعقيــب احترامــا
لتحديــد املــدد املضبوطــة صلــب الروزنامــة .وهــو مــا أ ّكدتــه املحكمــة اإلداريــة عبر قــرار من
الجلســة العامــة 3بعــد أن قبلــت إحــدى الدوائــر االســتئنافية مطلبــا فــي إعــادة النظــر فــي
إطــار الطعــون فــي القــرارات املرتبطــة بالترشــحات لالنتخابــات التشــريعية لســنة .4 2019
غيــر أن تنصيــص القانــون علــى أوجــه الطعــن «االنتخابــي» وفــق اإلجــراءات الخاصــة
التــي يضبطهــا القانــون األساســي عــدد 16لســنة ،2014ال يمنــع بقيــة أوجــه الطعــن
املوضوعــي فــي املقــررات اإلداريــة بمــا تبقــى معــه دعــوى تجــاوز الســلطة ومــا يرتبــط
بهــا مــن طلــب إيقــاف التنفيــذ جائــزا متــى قــ ّدر القضــاء تو ّفــر شــروطه العامــة.
وعلــى خــاف املوقــف بعــدم قبــول الطعــن بتجــاوز الســلطة فــي أمــر دعــوة الناخبــن،5
وإلــى فقــه قضــاء مســتقر يرفــض الطعــن بتجــاوز الســلطة فــي القــرارات التــي ال تم ّثــل
قــرارات منفصلــة عــن عمليــات يخــرج االختصــاص فيهــا عــن قاضــي تجــاوز الســلطة
(علــى غــرار النزاعــات الجبائيــة مثــا) فقــد انتهــت املحكمــة اإلداريــة فــي 2019إلــى
قبــول طلــب إيقــاف تنفيــذ (طلــب مرتبــط بدعــوى تجــاوز الســلطة) الروزنامــة االنتخابيــة.
وقــد تولــى أحــد املترشــحني لــدورة اإلعــادة لالنتخابــات الرئاســية تقديــم طلــب توقيــف
متمســكا بأنــه تــم النيــل مــن مبــدإ املســاواة وتكافــؤ الفــرص
ّ 1
روزنامــة الــدورة الثانيــة
بمقولــة أنــه كان موقوفــا فــي إطــار التحقيــق فــي قضيــة جزائيــة ولــم يتــم إطــاق ســراحه
إال بضعــة أيــام قبــل يــوم االقتــراع.
وقــد تــم البــت فــي املطلــب قبــل تاريــخ االقتــراع املحــدد ليــوم 13أكتوبــر 2019
وانتهــى إلــى الرفــض بنــاء علــى أن القانــون االنتخابــي هــو الــذي يحــدد تنظيــم دورة
اإلعــادة فــي أجــل أســبوعني مــن تاريــخ اإلعــان عــن النتائــج النهائيــة للــدورة األولــى.
كمــا تــم تقديــم مطالــب فــي إيقــاف تنفيــذ روزنامــة االنتخابــات البلديــة الجزئيــة فــي بعــض
البلديــات التــي اســتنفذت فيهــا القائمــات فــي حــدود ثلــث أعضــاء املجلــس املنتخــب
بنــاء علــى أن الترشــحات كان يجــب أن تق ـ ّدم فــي حــدود 6أعضــاء فقــط ال فــي جملــة
مقاعــد املجلــس البلــدي .وفــي قــراره بتاريــخ 9مــارس 2 2020قبــل القاضــي توقيــف
تنفيــذ روزنامــة انتخابــات بلديــة الفــوار الصــادرة بتاريــخ 17جانفــي 2020والتــي كانــت
قائمــة الترشــحات النهائيــة بخصوصهــا قــد أعلنــت يــوم 4مــارس .2020وبغــض النظــر
عــن املوقــف فــي أصــل اإلشــكال القانونــي بخصــوص االنتخابــات البلديــة الجزئيــة فــي
حالــة اســتنفاذ ثلــث أعضــاء املجلــس البلــدي ،فــإن توقيــف تنفيــذ روزنامــة االنتخابــات
يطــرح إشــكاال حقيقيــا فــي عالقــة الزمــن االنتخابــي بالزمــن القضائــي .ضــرورة أن
القــرار بتوقيــف التنفيــذ ينــص علــى إيقــاف الروزنامــة إلــى حــن البــت فــي القضيــة
األصليــة وهــو أجــل غيــر مح ـ ّدد ويمكــن أن يكــون بعــد ســنوات كاملــة بمــا مــن شــأنه
أن ينــال مــن جوهــر إجــراء االنتخابــات فــي آجــال محــددة وفقــا ملبــدإ الدوريــة.
وطبقــا للقانــون االنتخابــي يتح ـ ّدد االختصــاص القضائــي للنظــر فــي نزاعــات مــا قبــل
االقتــراع علــى النحــو التالــي:3
املحكمة املحكمة
أجل أجل الطعن
املختصة املختصة صنف الطعن
االستئناف ابتدائيا
استئنافيا ابتدائيا
ثالثة أيام املحاكم املحاكم االبتدائية ثالثة أيام من الطعن في القائمات
من تاريخ االستئنافية العدلية املختصة اإلعالم بقرار األولية للناخبني
العدلية املختصة اإلعالم بالحكم ترابيا واملحكمة الهيئة بخصوص
2
االبتدائي ترابيا 1
االبتدائية تونس االعتراض اإلداري
1بخصوص
التونسيني
بالخارج
ثالثة أيام من الدوائر املحكمة االبتدائية ثالثة أيام من تاريخ
تاريخ اإلعالم االستئنافية تشريعية العدلية املختصة اإلعالم بالقرار أو
4
للمحكمة اإلدارية بالحكم 3
التعليق ترابيا الطعن في
الجلسة العامة يومان من تاريخ يومان من تاريخ الدوائر قرارات
6
للمحكمة اإلدارية اإلعالم بالحكم اإلعالم بالقرار أو رئاسية االستئنافية قبول أو
5
باملحكمة اإلدارية التعليق رفض
ثالثة أيام من املحاكم اإلدارية املحاكم اإلدارية ثالثة أيام من تاريخ الترشحات
بلدية
تاريخ اإلعالم 9
االستئنافية اإلعالم بالقرار أو 7
االبتدائية
وجهوية
10
بالحكم 8
التعليق
وتتميــز هــذه اآلجــال بصبغتهــا املختصــرة 1مراعــاة لضغــط الزمــن فــي العمليــة االنتخابيــة
وهــو مــا تســمح بــه املبــادئ الدوليــة والقواعــد التوجيهيــة فــي مجــال االنتخابــات.2
ولئــن تبــدو اإلجــراءات املرتبطــة بالطعــون قبــل يــوم االقتــراع مضبوطــة بموجــب نــص
القانــون فإنهــا تطــرح فــي عالقتهــا بالروزنامــة االنتخابيــة عــددا مــن التعقيــدات.
فمــن جهــة أولــى علــى الروزنامــة االنتخابيــة أن تــوازن عنــد تحديــد املواعيــد التقديريــة 3
بــن اإلتاحــة الفعليــة لحقــوق االنتخــاب والترشــح واالقتــراع والحــق في محاكمــة عادلة من
ناحيــة وتناســق الروزنامــة وعــدم إثقالهــا بمــا ينــال مــن فعاليــة املشــاركة فــي االنتخابــات
كعمليــة سياســية مــن ناحيــة أخــرى .وتأخــذ الهيئــة فــي ذلــك بعــن االعتبــار ،ترابــط مراحل
العمليــة االنتخابيــة وأيــام العمــل ومواعيــد مختلــف العطل 4بما في ذلك العطل األســبوعية.
ويمكن تقديم مثالني على ذلك:
• يتعلــق املثــال األول بمــدى إمكانيــة اختيــار تاريــخ 8ســبتمبر كيــوم اقتــراع
لالنتخابــات الرئاســية الســابقة ألوانهــا فــي انتخابــات .2019إذ بــدا ذلــك التاريــخ
لعــدد مــن املتابعــن واملختصــن متاحــا بــل ومحبــذا الختصــار آجــل االنتخابــات
الرئاســية الســابقة ألوانهــا .غيــر أن إجــراء محــاكاة كاملــة للروزنامــة يب ّيــن أن ذلــك
املوعــد الــذي يقتضــي انطــاق الحملــة االنتخابيــة قبــل 13يومــا وفقــا للفصــل 49مــن
القانــون االنتخابــي أي يــوم 26أوت 2019كان ســيؤدي إلــى خلــل جســيم باعتبــار أن
.1ال تتجاوز آجال البت في املنازعات وفقا للقانون االنتخابي سبعة أيام من تاريخ جلسة املرافعة
.2تراجــع مثــا مدونــة حســن الســلوك فــي مجــال االنتخابــات ،الخطــوط التوجيهيــة والتقريــر التفســيري،
املعتمــدة مــن لجنــة البندقيــة (اللجنــة األوروبيــة للديمقراطيــة مــن خــال القانــون) فــي دورتهــا 52بتاريــخ
19 - 18أكتوبــر « 2002يجــب أن تكــون مســطرة الطعــن مختصــرة قــدر اإلمــكان ،خاصــة عندمــا يتعلــق
األمــر بالقــرارات املتخــذة قبــل االقتــراع ويتعــن فيمــا يخــص هــذه النقطــة تجنــب عقبتــن .مــن جهــة أن ال
تــؤدي مســطرة الطعــن إلــى تأخيــر املسلســل االنتخابــي ومــن جهــة ثانيــة ونظــرا النعــدام أثــر التعليــق أن ال
يتــم اتخــاذ قــرارات الطعــن بعــد االنتخابــات والحالــة هــذه أنــه كان باإلمــكان اتخاذهــا قبــل ذلــك ».ص 38
.3الفصــل 13فقــرة ثانيــة مــن القانــون االنتخابــي «وتضبــط الهيئــة آجــال وضــع قائمــات الناخبــن علــى ذمــة العمــوم
ومـ ّدة نشــرها وتعلــن عــن حلــول هــذه اآلجــال بواســطة وســائل اإلعــام املكتوبــة والســمعية واملرئيــة مــع الحــرص علــى
توفيــر مترجمــن مختصــن فــي لغــة اإلشــارة».
الفصــل 21فقــرة أولــى مــن القانــون االنتخابــي «يقــ ّدم مطلــب الترشــح لالنتخابــات التشــريعية إلــى الهيئــة
مــن قبــل رئيــس القائمــة املترشــحة أو أحــد أعضائهــا طبــق روزنامــة وإجــراءات تضبطهــا الهيئــة» والفصــل
43مــن القانــون االنتخابــي «تتولــى الهيئــة ضبــط روزنامــة الترشــحات (لالنتخابــات الرئاســية) وإجــراءات
تقديمهــا وقبولهــا والبــت فيهــا» الفصــل 49سادســا «يقــ ّدم مطلــب الترشــح لالنتخابــات البلديــة أو الجهويــة إلــى
الهيئــة مــن قبــل رئيــس القائمــة املترشــحة أو أحــد أعضائهــا طبــق روزنامــة وإجــراءات تضبطهــا الهيئــة».
.4يحـ ّدد األمــر عـــدد 317لســـنة 2011املــؤرخ فـــي 26مـــارس 2011ضبـــط أيـــام األعيــاد التــــي تخــــول عطلــــة ألعــوان
الدولــــة والجماعــــات املحلية واملؤسســات العموميــــة ذات الصبغــــة اإلدارية
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 54
تطبيــق آجــال املنازعــة بخصــوص الترشــحات لــم يكــن يخ ـ ّول تحديــد موعــد النتهائهــا
(باعتبــار طوريــن للتقاضــي طــور ابتدائــي وطــور اســتئنافي) واإلعــان عــن القائمــة
النهائيــة للمترشــحني إال بتاريــخ 29أوت 2019وهــو مــا كان ســيؤول إلــى إقــرار روزنامــة
انتخابيــة ال تحتــرم فعليــا حــق اللجــوء للقضــاء وفقــا للمبــدإ الدســتوري للتقاضــي
علــى درجتــن وتق ـ ّرر بدايــة الحملــة االنتخابيــة قبــل انقضــاء الطعــون فــي الترشــحات.
• أمــا املثــال الثانــي فيتعلــق بتحديــد فتــرة قبــول الترشــحات لالنتخابــات التشــريعية
لســنة 2019مــن 22جويليــة إلــى 29جويليــة .2019إذ تــم تحديــد آخــر أجــل لإلعــان عــن
القائمــات املقبولــة أوليــا يــوم 6أوت 2019بغايــة ضبــط أجــل تقديــم الطعــون القضائيــة
أيــام 7و 8و 9أوت 2019بمــا يوافــق ثالثــة أيــام عمــل تنتهــي بيــوم الجمعــة وهــو مــا
يم ّكــن مــن تفــادي تمطيــط الروزنامــة لــو وافــق آخــر يــوم لتقديــم الطعــون القضائيــة يــوم
عطلــة أســبوعية بالنظــر إلــى أن قواعــد احتســاب اآلجــال القضائيــة تقتضــي أنــه «إذا
1
وافـــق حلـــول األجل يـــوم عيـــد رســـمي اعتبـــر مكانـه اليـــوم الـذي يليـه ممـــا ليـس بعيـد»
وبانتهــاء أجــل تقديــم الطعــون يــوم الجمعــة أمكــن اعتبــار يومــي الســبت واألحــد ضمــن
األجــل األقصــى املحــدد بثالثــة أيــام لتعيــن جلســات املرافعــة ومــن ثمــة برمجــة تلــك
الجلســات فــي يــوم العمــل املوالــي مباشــرة.
ولــم يكــن علــى الهيئــة فــي 2014الســعي إلــى مراعــاة توافــق مواعيــد الروزنامــة مــع أيــام
العمــل فــي خصــوص اآلجــال القضائيــة باعتبــار أن القانــون عــدد 36لســنة 2014املــؤرخ
فــي 8جويليــة 2014املتعلــق بتحديــد مواعيــد أول انتخابــات تشــريعية ورئاســية بعــد
املصادقــة علــى الدســتور نــص صلــب الفصــل 5منــه علــى أنــه «باســتثناء أيــام األعيــاد
الوطنيــة والدينيــة ،تعتبــر كامــل أيــام األســبوع أيــام عمل وتحتســب فــي ع ّد اآلجــال املتعلقة
بالطعــون االنتخابيــة الــواردة فــي القانــون األساســي عــدد 16لســنة 2014املــؤرخ فــي 26
مــاي 2014املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء ،بالنســبة إلــى املحاكــم املتعهــدة بالنظــر فــي
مختلــف هــذه الطعــون واألطــراف املعنيــة بالنــزاع» .ولــم يت ـ ّم التنصيــص صلــب القانــون
االنتخابــي عــدد 16لســنة 2014علــى أي قاعــدة دائمــة تم ّكــن مــن اســتمرار هــذه الطريقــة
فــي عـ ّد اآلجــال املتعلقــة بالطعــون القضائيــة فــي العمليــة االنتخابيــة وهو ما يفســر أن املدة
القصــوى لطعــون الترشــحات املعتمــدة فــي روزنامــة االنتخابــات التشــريعية لســنة 2014
كانــت 18يومــا فــي حــن أنهــا بلغــت فــي 2019ورغــم العمل علــى اختصارها مـ ّدة 24يوما.
ولئــن كان تطبيــق القواعــد العاديــة الحتســاب اآلجــال القضائيــة يتــاءم ومنطــق ديمومــة
األحــكام القانونيــة وحصــر مجــاالت االســتثناء ،فــإن القانــون االنتخابــي كان فــي املقابــل
خاليــا مــن أحــكام لعــ ّد اآلجــال تتــاءم مــع الصبغــة االســتثنائية لالنتخابــات الجزئيــة
واالنتخابــات الســابقة ألوانهــا .وتبينــت الحاجــة امللحة لذلك بمناســبة االنتخابات الرئاســية
الســابقة ألوانهــا فــي .2019إذ أنــه ورغــم إشــارة الهيئة صلب تقرير االنتخابات التشــريعية
والرئاســية لســنة 2014بــأن «الفصــل ( 49أغفــل عــن) التنصيــص على احتســاب كامل أيام
األســبوع أيــام عمــل ضمــن اآلجــال املضيقــة .وقــد يــؤدي غيــاب مثــل هــذا التنصيــص إلــى
تجــاوز اآلجــال الدســتورية والقانونيــة إلجــراء االنتخابــات الســابقة ألوانهــا واالنتخابــات
الجزئيــة» 1فإنــه لــم يتــم تنقيــح القانــون األساســي عــدد 16لســنة 2014فــي هــذا االتجــاه.
وهــو مــا أ ّدى إلــى تجــاوز تقديــر أجــل التصريــح بالنتائــج النهائيــة لالنتخابــات الرئاســية
الســابقة ألوانهــا فــي صــورة تنظيــم دورة ثانيــة وفــق الروزنامــة املحــددة مــن الهيئــة فــي
25جويليــة 2019لألجــل الدســتوري املحــدد لتولــي الرئيــس املنتخــب مهامــه 2وكان ذلــك
راجعــا إلــى عــدم إمكانيــة اختصــار الهيئــة آلجــال التقاضــي ذات املرتبــة التشــريعية
واملرتبطــة بحــق التقاضــي وعــدم كفايــة اختصــار اآلجــال املخصصــة ملمارســة الهيئــة
الختصاصاتهــا 3لاللتــزام باملجــال الزمنــي املحــدد دســتوريا بتســعني يومــا مــن تاريــخ
معاينــة الشــغور النهائــي .وقــد تــم تفاعــا مــع موقــف الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات
تقديــم مقتــرح قانــون عرضــت مناقشــته أمــام اللجنــة املختصــة بمجلــس نــواب الشــعب
والجلســة العامــة واملصادقــة عليــه ليصــدر فــي 30أوت 2019إتمــام للقانــون االنتخابــي
(الفصــل 148مكــرر) يم ّكــن مــن اختصــار آجــال الطعــن فــي النتائــج األوليــة ومــن
احتســاب كامــل أيــام األســبوع أيــام عمــل فــي حالــة تنظيــم انتخابــات ســابقة ألوانهــا.
أمــا مــن جهــة ثانيــة فــإن االلتــزام بآجــال الطعن والبــت القضائــي واإلعالم باألحــكام خالل
املســار االنتخابــي يعتبــر ضمانة لحســن تنفيذ الروزنامة االنتخابيــة ضرورة أن عدم التقيد
باإلجــراءات واآلجــال املضبوطــة قــد يؤول إلــى انخرام املواعيد املخصصــة ملختلف املراحل
بالنظــر إلــى أن العمليــة االنتخابيــة تعتبــر عمليــة مركبــة وعلــى درجــة عاليــة مــن التعقيــد.
وكمثــال علــى ذلــك واســتنادا إلــى أن آخــر أجــل لإلعــام بالقــرارات املتعلقــة
بالترشــحات لالنتخابــات الرئاســية وتعليقهــا فــي 2019حــدد وفقــا للروزنامــة ليــوم
.1يراجع تقرير الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات حول االنتخابات التشريعية والرئاسية 2014ص 77
.2نــص الفصــل 84مــن الدســتور علــى أن يتولــى رئيــس مجلــس نــواب الشــعب فــي حالــة الشــغور النهائــي
ملنصــب رئيــس الجمهوريــة تلــك املهــام بصفــة مؤقتــة ألجــل أدنــاه 45يومــا وأقصــاه 90يومــا .فــي حــن أن
الروزنامــة املعلنــة بتاريــخ 25جويليــة 2019والتــي اعتمــدت أكثــر الفرضيــات اختصــارا قــدرت أجــل التصريــح
بالنتائــج النهائيــة للــدورة األولــى بعــد انقضــاء الطعــون فــي تاريــخ أقصــاه 21أكتوبــر 2019بمــا يجعــل الــدورة
األولــى تســتغرق 88يومــا ويــؤدي تنظيــم دورة ثانيــة إلــى امتــداد الرئاســة املؤقتــة إلــى مــا يزيــد عــن 137يومــا.
.3حــددت الروزنامــة الصــادرة بموجــب قــرار الهيئــة عــدد 20لســنة 2019املــؤرخ فــي 25جويليــة 2019
أجــل تقديــم الترشــحات مــن 2إلــى 9أوت وحــددت لــكل مــن عمليــات التصحيــح والبــت األولــي واإلعــان
عــن قائمــة املترشــحني املقبولــن أوليــا أجــا ال يتجــاوز يــوم 14أوت 2019مدرجــة بذلــك كال مــن عطلــة
عيــد األضحــى وعطلــة عيــد املــرأة ضمــن آجــال البــت الراجعــة للهيئــة بموجــب القانــون االنتخابــي.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 56
14أوت فقــد قــ ّدرت الهيئــة يومــي 15و 16أوت لتقديــم الطعــون ضــد قــرارات قبــول
ورفــض الترشــح وفقــا ملــا يقتضيــه الفصــل 46مــن القانــون االنتخابــي .1كمــا قــ ّدرت
يــوم 19أوت 2019كتاريــخ أقصــى للمرافعــة فــي الطــور االبتدائــي ويــوم 22أوت 2019
كأجــل أقصــى لإلعــام باألحــكام االبتدائيــة ويــوم 31أوت 2019كأجــل أقصــى لإلعــام
باألحــكام االســتئنافية اعتمــادا علــى مقتضيــات القانــون االنتخابــي والتــي تقتضــي
آجــاال مختصــرة فــي صــورة تنظيــم انتخابــات ســابقة ألوانهــا ال تتجــاوز خمســة أيــام
للبــت فــي الطــور االبتدائــي وخمســة أيــام للبــت فــي الطــور االســتئنافي .غيــر أنــه فــي
إحــدى القضايــا تــم تجــاوز األجــل األقصــى لتقديــم الطعــن كمــا أن األجــل األقصــى
للتصريــح باألحــكام االبتدائيــة واإلعــام بهــا قــد تــم تجــاوزه فــي قضايــا أخــرى.
ولــو أن تجــاوز آجــال القيــام ،بخطــإ مــن مقدمــي الطعــون ،يبقــى ذا أثــر محــدود علــى تنفيذ
الروزنامــة بالنظــر إلــى أن مآلــه الطبيعــي يكــون رفــض الدعــوى شــكال وهــو من ث ّمــة ال يؤ ّثر
علــى املســار االنتخابــي ،فــإن الخطــأ فــي آجــال اإلعــام مــن قبــل الهيئــة قــد يبقــي آجــال
الطعــن مفتوحــة .وقــد أقــر القاضــي االنتخابــي جــواز اعتمــاد البريــد االلكترونــي كوســيلة
قانونيــة تثبــت اإلعــام 2إال أنــه اشــترط أن يكــون ذلــك علــى العنــوان الصحيــح لضمــان
تسـ ّلمه .وفــي إحــدى الحــاالت في 2019أدى تســرب خطإ إلى العنــوان االلكتروني إلى عدم
اعتمــاد تاريــخ اإلعــام بمــا أبقــى أجــل القيــام مفتوحــا .ولوال أنّ مــآل الدعــوى كان الرفض
شــكال ألســباب أخــرى 3أل ّدى هــذا الخلــل إلــى آثــار ســلبية علــى مســار العمليــة االنتخابية.
وبشــأن اإلعــام باألحــكام االبتدائيــة فهــي ذات تأثيــر علــى قبــول الطعــن باالســتئناف.
إذ أن القاضــي ال يرفــض الطعــن شــكال إال متــى كان مقدمــا خــارج اآلجــال القانونيــة
.1الفصــل 46فقــرة أولــى« :يتــم الطعــن فــي قــرارات الهيئــة مــن قبــل املترشــحني أمــام الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة
اإلداريــة وذلــك فــي أجــل أقصــاه 48ســاعة مــن تاريــخ التعليــق أو اإلعــام.
.2يراجع الحكم الصادر بتاريخ 14مارس 2018في القضية عدد 2018 - 1014
«وحيــث أنّ البريــد اإللكترونــي يع ـ ّد مــن الوســائل التــي تتــرك أثــرا كتاب ّيــا علــى معنــى الفصــل 453مك ـ ّرر مــن مجلــة
اإللتزامــات والعقــود .وقــد دأبــت اإلدارة االنتخابيــة علــى اســتعماله ســواء لإلعــام بقراراتهــا أو ملطالبــة املترشــحني ممــن
اودعــوا لديهــا عنوانــا إلكترون ّيــا ،بتصحيــح إجراءاتهــم فــي أقصر اآلجال وذلك مراعــاة لترابط مراحــل العملية االنتخابية
وضــرورة احتــرام الرزنامــة املضبوطــة مســبقا باعتباره من املحددات األساســية لنزاهة وشــفافية ومصداقية االنتخابات.
وحيــث طاملــا ثبــت توجيــه املراســلة االلكترونيــة بنجــاح علــى العنــوان الصحيــح للم ّدعــي ،وهــو العنــوان الذي تولى بنفســه
تضمينــه بمطلــب ترشــح قائمتــه ،فــإنّ العبــرة تكــون بتاريــخ ذلــك التوجيــه الــذي يتطابــق ،اقتضــاء بالخصائــص التقنيــة
كل إثبــات جـ ّدي بخالفــه ،مــع وصولهــا للمرســل إليه املحـ ّدد عنوانه باإلرســالية .وليس للمراســلة االلكترونيــة وفــي غيــاب ّ
لهــذه الحكمــة ان تعتـ ّد بتاريــخ االطــاع الشــخصي للم ّدعــي علــى فحــوى املراســلة وان تأخّ ــر ذلــك االطــاع لعــدم تو ّفــر
الحــرص الــازم أو اإلرادة او التجهيــزات والتقنيــات املالئمــة مــن جهتــه أو مــن جهــة الشــركة التــي تعاقــد معهــا كمتق ّبــل
فهــو يتحمّــل املســؤولية الكاملــة عــن ذلــك التأخيــر ومــا قــد يــؤول إليــه مــن تفويــت لفرصــة العلــم بمــآل مطلــب الترشــح.».
.3يراجع الحكم الصادر بتاريخ 23أوت 2019في القضية عدد 2019 - 2038
57 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
بدايــة مــن تاريــخ ثابــت لإلعــام .وقــد ســبق أن انتهــى القاضــي االســتئنافي إلــى قبــول
1
الطعــن باالســتئناف فــي األحــكام الصــادرة فــي مــادة الترشــحات لالنتخابــات التشــريعية
أو الرئاســية 2لســنة 2014والتــي لــم تتــول املحاكــم االبتدائيــة إعــام األطــراف باألحــكام
الصــادرة فيهــا فــي اآلجــال التــي يقتضيهــا القانــون .أمــا فيمــا يتعلــق بآجــال البــت
مــن قبــل املحكمــة فــإن املشــرع وإن ضبــط أجــا مختصــرا فإنــه لــم يرتــب عــن تجــاوز
ذلــك األجــل جــزاء قانونيــا .وتبقــى بالتالــي املحكمــة متعهــدة بالنــزاع إلــى حــن الفصــل
فيــه .وفــي 2019حصــل أن تجــاوزت بعــض الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة فــي
الطــور االبتدائــي لنــزاع الترشــحات لالنتخابــات الرئاســية أجــل البــت املحــدد قانونــا
واألجــل األقصــى لإلعــام باألحــكام االبتدائيــة 3وأدى ذلــك إلــى القبــول شــكال للطعــون
االســتئنافية املقدمــة بعــد التاريــخ األقصــى املقــ ّدر بالروزنامــة االنتخابيــة وبرمجــة
جلســات مرافعــة فــي خصوصهــا يــوم 30أوت .2019ولــوال التفاعــل اإليجابــي لقضــاة
الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة مــن خــال التصريــح باألحــكام فــي
نفــس تاريــخ املرافعــة ،لــكان لذلــك التأخيــر أثــر جســيم علــى حســن تنفيــذ الروزنامــة
ســيما وقــد تــ ّم تحديــد موعــد انطــاق الحملــة االنتخابيــة فــي الخــارج ليــوم 31أوت
2019كمــا تمــت برمجــة انطــاق إجــراءات طباعــة بطاقــات التصويــت فــي التاريــخ ذاتــه.
علمــا وأنــه فــي حالــة ســابقة فــي ســنة 2014أدى تجــاوز أجــل اإلعــام بالحكــم مــن
قبــل محكمــة البدايــة 4إلــى بقــاء أجــل االســتئناف مفتوحــا ثــم عــدم إمكانيــة تنفيــذ حكــم
اســتئنافي بقبــول ترشــح املدعــي باعتبــار أن أوراق االقتــراع كانــت حينهــا قــد طبعــت.
وقــد اختــار املشــرع منــذ ســنة ،2011وعلــى خــاف بعــض التجــارب املقارنــة 5اعتمــاد
.1تراجــع األحــكام عــدد 201410064و 201410065و 201410066و 201410067الصــادرة عــن املحكمــة اإلداريــة بتاريــخ
20ســبتمبر .2014
.2يراجع الحكم عدد 201460007الصادر عن املحكمة اإلدارية بتاريخ 22أكتوبر 2014
.3فــي بعــض القضايــا تــ ّم ترســيم عريضــة الدعــوى يــوم 15أوت وتعيــن جلســة املرافعــة ليــوم 19أوت (راجــع
الحكمــن الصادريــن عــن الدائــرة االســتئنافية التاســعة فــي القضيتــن عــدد 20192011وعــدد 20192013بتاريــخ
21أوت ،)2019وفــي قضايــا أخــرى تــ ّم ترســيم العريضــة بكتابــة املحكمــة يــوم 16أوت وع ّينــت جلســة املرافعــة
الخاصــة بهــا ليــوم 20أوت (راجــع الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثامنــة فــي القضيــة عــدد 20192015
ّ
بتاريــخ 22أوت ،2019الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثامنــة فــي القضيــة عــدد 20192017بتاريــخ 22
أوت ،2019الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية السادســة فــي القضيــة عــدد 20192022بتاريــخ 22أوت 2019
.4يراجــع الحكــم الصــادر بتاريــخ 20ســبتمبر 2014تحــت عــدد 2014 - 10064والــذي اعتبــرت فيــه املحكمــة اإلداريــة
أن تقديــم مطلــب االســتئناف خمســة أيــام مــن تاريــخ صــدور الحكــم االبتدائــي يعـ ّد مق ّدمــا فــي اآلجــال فــي غيــاب مــا
يفيــد إعــام املســتأنف بالحكــم االبتدائــي.
آجــال مختصــرة للطعــون القضائيــة فــي النتائــج باعتبــار أن «القــرارات املتعلقــة بنتائــج
االقتــراع يجــب أن ال تأتــي متأخــرة خاصــة عندمــا يكــون املنــاخ السياســي مشــحونا .ممــا
يقتضــي فــي آن واحــد أن تكــون أجــال الطعــن قصيــرة وأن تكــون هيئــة الطعــن ملزمــة
بالبــت فــي أقــرب وقــت ممكــن» .1وقــد اعتمــد القانــون االنتخابــي أحكامــا موحــدة للطعــن
ـص الفصــل 148علــى أن تصـ ّرح الهيئــة فــي النتائــج صلــب الفصلــن 145و 146منــه ونـ ّ
توصلهــا بآخــر حكــم صــادر عــن ّ ـنـ م ـاعة
بالنتائــج النهائيــة لالنتخابــات فــي أجــل 48سـ
الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة .وتقتضــي تلــك األحــكام القانونيــة مــا يلــي:
ويكتســي اإلعــام باألحــكام املتعلقــة بالطعــون فــي النتائــج أثــرا بالغــا علــى تنفيــذ
الروزنامــة االنتخابيــة حــن يتعلــق األمــر بالــدور األول لالنتخابــات الرئاســية .إذ ينــص
الفصــل 112فقــرة أولــى مــن القانــون االنتخابــي علــى أن يتـ ّم «فــي صــورة عــدم حصــول
أي مــن املترشــحني علــى األغلبيــة املطلقــة مــن األصــوات املصـ ّرح بهــا فــي الــدورة األولــى
تنظــم دورة ثانيــة خــال األســبوعني التاليــن لإلعــان عــن النتائــج النهائيــة للــدورة
األولــى يتق ـ ّدم إليهــا املترشــحان املحــرزان علــى أكثــر عــدد مــن األصــوات فــي الــدورة
األولــى» .وفــي غيــر تلــك الصــورة فــإن االلتــزام بمقتضيــات الفصــل 148مــن قبــل املحكمــة
اإلداريــة يبقــى ذا أهميــة كبــرى لالطــاع علــى تعليــل األحــكام وإنجــاز مختلــف التقاريــر
porté à trois mois. Par ailleurs, dans les circonscriptions où le montant des dépenses électorales est
plafonné et où les candidats sont donc soumis au contrôle de la Commission nationale des comptes
de campagne et des financements politiques, le délai est prorogé afin de laisser à cette commission
le temps de statuer avant que le tribunal ne rende son jugement. Faute d’avoir statué dans les délais,
le tribunal administratif est dessaisi au profit du Conseil d’Etat (art. R. 117 et R. 121 du code électoral).
https://www.conseil-etat.fr/ressources/etudes-publications/dossiers-thematiques/le-juge-administratif-et-
le-droit-electoral
.1مدونــة حســن الســلوك فــي مجــال االنتخابــات ،املعتمــدة مــن اللجنــة األوروبيــة مــن خــال القانــون (لجنــة البندقيــة)
فــي دورتهــا 52بتاريــخ 18و 19أكتوبــر 2002
.2تنطبق نفس املالحظة السابقة عدد 17
.3الفصل 145جديد من القانون االنتخابي
.4تنطبق نفس املالحظة السابقة عدد 17
.5الفصل 146جديد من القانون االنتخابي
59 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
املرتبطــة بالعمليــة االنتخابيــة ســواء مــن قبــل املالحظــن أو مــن قبــل الهيئــة ذاتهــا .ويذكــر
أنــه بمناســبة انتخابــات 2019تــم فــي عــدد هــام مــن الحــاالت االقتصــار علــى توجيــه
تصريــح بمنطــوق األحــكام النهائيــة فــي األجــل املنصــوص عليــه بالفصــل 148مــن
القانــون االنتخابــي ولــم تتــم إحالــة نســخة مــن األحــكام إال بعــد أشــهر مــن ذلــك التاريــخ.1
لئــن تــم إخضــاع النزاعــات االنتخابيــة خــال املســار االنتخابــي آلجــال مختصــرة حتــى
تتــاءم ومراحــل العمليــة االنتخابيــة بمــا يحقــق فعاليــة اللجــوء إلــى القضــاء ،فــإن فتــرة
االنتخابــات ال تختــزل كل أنــواع القضايــا والرقابــة التــي جــاءت بهــا النصــوص القانونيــة.
مــن ذلــك أن التتبعــات الجزائيــة بنــاء علــى املخالفــات التــي تتــم معاينتهــا خــال مســار
انتخابــي مع ّيــن يمكــن أن تكــون مــن بــن العناصــر التــي يعتمدهــا قاضــي النتائــج لتقديــر
مــدى ثبــوت اإلخــاالت وتأثيرهــا علــى نتائــج الفائزيــن 2ولكنهــا ال تعتبــر ملزمــة إال بالبــت
فيهــا قضائيــا.
وبصــدور األحــكام الباتــة فــي خصــوص الجرائــم االنتخابيــة قــد تكــون الهيئــة أمــام
قــرارات باملنــع مــن االنتخــاب أو الترشــح فــي انتخابــات الحقــة.
فاالنتخــاب والترشــح مــن الحقــوق الدســتورية األساســية وال يمكــن الحــد منهــا إال وفــق
ينــص علــى أن« :يحــ ّدد القانــون الضوابــط
ّ ضوابــط الفصــل 49مــن الدســتور والــذي
املتعلقــة بالحقــوق والحريــات املضمونــة بهــذا الدســتور وممارســتها بمــا ال ينــال مــن
جوهرهــا .وال توضــع هــذه الضوابــط إال لضــرورة تقتضيهــا دولــة مدنيــة ديمقراطيــة
وبهــدف حمايــة حقــوق الغيــر ،أو ملقتضيــات األمــن العــام ،أو الدفــاع الوطنــي ،أو
الصحــة العامــة ،أو اآلداب العامــة ،وذلــك مــع احتــرام التناســب بــن هــذه الضوابــط
وموجباتهــا .وتتكفــل الهيئــات القضائيــة بحمايــة الحقــوق والحريــات مــن أي انتهــاك.»...
.1فيمــا يتعلــق بالطعــون االســتئنافية ضــد األحــكام الصــادرة فــي مــادة النتائــج األوليــة لالنتخابــات التشــريعية مثــا
كان عــدد القضايــا 36قضيــة وقــد تــم التصريــح بمنطــوق آخــر حكــم فــي 7نوفمبــر 2019فــي حــن تل ّقــت الهيئــة العليــا
املســتقلة لالنتخابــات (إلــى حــد األســبوع األول مــن شــهر جــوان )2020نســخا إداريــة مــن القــرارات االســتئنافية فــي
التواريــخ التاليــة 15 :نوفمبــر ( 2019قــرارا واحــدا) و 14مــاي 6( 2020قــرارات) و 18مــاي ( 2020قــرارا واحــدا) و27
مــاي 4( 2020قــرارات) و 1جــوان ( 2020قــرارا واحــدا) و 5جــوان ( 2020قــراران) ولــم تتلــق بقيــة القــرارات (إلــى حــد
التاريــخ املذكــور).
.2املحكمة اإلدارية 201450012بتاريخ 20نوفمبر 2014
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 60
وبالرجــوع إلــى القانــون االنتخابــي يتبــن أن جملــة العقوبــات التــي يترتــب عنهــا الحــد مــن
ّ
والترشــح تكــون بموجــب أحــكام قضائيــة باتــة. حــق االقتــراع
وباإلضافــة إلــى إقــرار أحــكام انتقاليــة 1تشــترط تقديــم مــا يفيــد إرجــاع قيمــة التمويــل
العمومــي وخــاص الخطايــا التــي ســلطت علــى املنتفعــن بالتســبقات بهــذا العنــوان
لــكل مــن ســبق لــه الترشــح فــي 2011و 2014لقبــول ملفــات ترشــحهم النتخابــات
الحقــة ،2أقــر القانــون االنتخابــي حــدودا لحــق االنتخــاب فــي صــورة صــدور عقوبــة
تكميليــة بموجــب حكــم قضائــي بــات علــى معنــى الفصــل 5مــن املجلــة الجزائيــة
نــص علــى الحــ ّد مــن حــقّ الترشــح والفــوز بعضويــة املجالــس تمنــع االقتــراع .كمــا ّ
فــي صــورة إقــرار الجهــات القضائيــة عــدم إيــداع الحســاب املالــي للحملــة أو تجــاوز
ســقف اإلنفــاق بأكثــر مــن 75فــي املائــة أو ثبــوت التمويــل األجنبــي للحملــة االنتخابيــة.
وترجــع للقاضــي الجزائــي صالحيــة إصــدار العقوبــات التكميليــة بموجــب ســلطته
التقديريــة أو املقيــدة ووفقــا لتنصيصــات فصــول املجلــة الجزائيــة.3
وتنــدرج فــي هــذا اإلطــار بصــورة خاصــة اإلدانــة مــن أجــل تزويــر التزكيــات للترشــح
لالنتخابــات الرئاســية إذ أن التزويــر يــؤدي عمــا بالفصــل 178مــن املجلــة الجزائيــة
ـص عليــه الفصــل إلــى الحكــم بعقوبــة تكميليــة باملنــع مــن االقتــراع ،4إضافــة إلــى مــا نـ ّ
166مــن القانــون االنتخابــي مــن إمكانيــة تســليط عقوبــة تكميليــة تقضــي بالحرمــان
مــن االقتــراع ملــدة ال تقــل عــن ســنتني وال تتعــدى ســت ســنوات علــى مرتكــب إحــدى
الجرائــم االنتخابيــة التــي ســلطت عليــه بمقتضاهــا عقوبــة بالســجن ملــدة ســنة أو أكثــر.
ووردت الجرائــم االنتخابيــة بالبــاب الســادس مــن القانــون االنتخابــي .وجــاء بالفصــول
مــن 149إلــى 165إمكانيــة تســليط عقوبــة بالســجن ملــدة ســنة أو أكثــر علــى مــن:
• يخالف الفصل ( 5 53استعمال املوارد العمومية في الحملة االنتخابية)
.1اعتمــد القانــون االنتخابــي ســنة 2011نظــام التســبقة بعنــوان منحــة عموميــة للمســاهمة فــي تمويــل الحملــة
االنتخابيــة وتــم فــي 2014تغييــر جزئــي لهــذا النظــام قبــل أن يصبــح نظامــا كليــا الســترجاع املصاريــف بالنســبة
للمنحــة العموميــة فــي .2017وباعتبــار أن عــددا ممــن تحصلــوا علــى تســبقة كمســاهمة عموميــة لتمويــل الحملــة
االنتخابيــة لــم يحققــوا الشــروط القانونيــة املســتوجبة للحصــول علــى املنحــة بالنظــر أساســا إلــى عــدم حصولهــم
علــى نســبة دنيــا مــن األصــوات تقــ ّدر ب % 3فإنهــم أصبحــوا مطالبــن بإرجــاع قيمــة التمويــل العمومــي.
.2الفصل 170جديد من القانون االنتخابي
.3تراجع مثال الفصول 62و 70و 85و 98و 100و 115و 124و 130و 137و 178و 184و 200من املجلة الجزائية
.4ينــص الفصــل 178مــن املجلــة الجزائيــة علــى أنــه «يتحتــم فــي كل الصــور املقــررة بهــذا القســم (القســم 16فــي
الــزور) الحكــم بالعقوبــات التكميليــة املقــررة بالفصــل »5
.5يقتضــي الفصــل 53مــن القانــون االنتخابــي مــا يلــي «يحجــر توزيــع وثائــق أو نشــر شــعارات أو خطابــات متعلقــة
61 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
بالدعايــة االنتخابيــة أو باالســتفتاء وذلــك مهمــا كان شــكلها أو طبيعتها باإلدارة واملؤسســات واملنشــآت العمومية من قبل
رئيــس اإلدارة أو األعــوان العاملــن بهــا أو منظوريهــا أو املوجوديــن بهــا .وينطبق هذا التحجير على املؤسســات الخاصة
غيــر املفتوحــة للعمــوم .ويحجــر اســتعمال الوســائل واملــوارد العموميــة لفائــدة قائمــة مترشــحة أو مترشــح أو حــزب»
.1يقتضــي الفصــل 56مــن القانــون االنتخابــي مــا يلــي «تحجــر كل دعايــة انتخابيــة أو متعلقــة باالســتفتاء تتضمــن
الدعــوة إلــى الكراهيــة والعنــف والتعصــب والتمييــز».
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 62
.1تعتمــد الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات تقريــرا حــول رصــد وســائل اإلعــام املكتوبــة وااللكترونيــة وتقريــرا
حــول متابعــة صفحــات التواصــل االجتماعــي إضافــة إلــى تلقيهــا تقاريــر الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي
والبصــري وإعالمهــا
.2تقتضــي الفقــرة 2مــن الفصــل 73مــن القانــون االنتخابــي «تعلــم الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي
والبصــري الهيئــة بجميــع الخروقــات املرتكبــة والقــرارات املتخــذة مــن قبلهــا طبــق أحــكام البــاب الثالــث
مــن املرســوم عــدد 116لســنة 2011املــؤرخ فــي 2نوفمبــر 2011فــي أجــل 24ســاعة مــن اتخاذهــا .وفــي
صــورة وجــود مخالفــة مــن قبــل املترشــحني ،تتخــذ الهيئــة القــرارات الالزمــة طبــق أحــكام هــذا القانــون».
.3تــم بموجــب مــداوالت 9أكتوبــر 2019فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات التشــريعية إلغــاء نتائــج أحــد املكاتــب
بالدائــرة الفرعيــة فرنســا 2نظــرا إلضافــة 49ورقــة بصنــدوق االقتــراع وبموجــب مــداوالت 14أكتوبــر
2019فــي النتائــج األوليــة للــدورة الثانيــة لالنتخابــات الرئاســية تــم إلغــاء نتائــج مكتــب االســكندرية لثبــوت
قبــول تصويــت بالوكالــة خالفــا للقواعــد القانونيــة وتــم اتخــاذ القــرار باإلحالــة علــى النيابــة العموميــة.
.4عــدم إثــارة التتبعــات قــد يــؤدي إلــى ســقوطه بالتقــادم إذ ينــص الفصــل 167مــن القانــون االنتخابــي علــى أنــه
"تســقط بالتقــادم الجرائــم املنصــوص عليهــا بهــذا القانــون إثــر انقضــاء ثــاث ســنوات مــن تاريــخ إعــان النتائــج
النهائيــة لالنتخابــات".
.5بالرجــوع إلــى التقريــر الخــاص بانتخابــات ســنة ( 2014ص )172يتبــن أنــه تض ّمــن اإلشــارة
إلــى قيــام الهيئــة بعــدد 848إحالــة علــى النيابــة العموميــة بخصــوص مخالفــات الحملــة لالنتخابــات
التشــريعية وســجلت مخالفــات فــي حــق املترشــحني لالنتخابــات الرئاســية تراوحــت بــن مخالفــة واحــدة
63 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
موضــع النقــد ويشــ ّكك فــي نجاعــة املنظومــة القانونيــة القائمــة وقدرتهــا علــى التتبــع
الفعلــي وزجــر املخالفــن للحـ ّد مــن الخروقــات واإلخــاالت .لذلــك فمــن الضــروري أن ال
يقــف دور الهيئــة عنــد اإلحالــة علــى النيابــة العموميــة أو إعــام املواطنــن خــال املســار
االنتخابــي بوجــوب التشــكي 1وأن يمتـ ّد إلــى التواصــل مــع املتابعــن والعمــوم بخصــوص
مــآل التتبعــات واســتخالص النتائــج منهــا باعتبــار أن املنــع مــن حــق االقتــراع يــؤدي
إلــى املنــع أيضــا مــن عــدد مــن الحقــوق فــي عالقــة بالعمليــة االنتخابيــة تكــون صفــة
الناخــب مســتوجبة فيهــا وذلــك علــى غــرار حــق الترشــح 2وعضويــة مجلــس الهيئــة العليــا
.6
املســتقلة لالنتخابــات 3وهيئاتهــا الفرعيــة 4وتمثيــل املترشــحني 5وعضويــة مكاتــب االقتــراع
لذلــك فإنــه مــن املتجــه إرســاء عالقــات تعــاون مؤسســاتي إيجابــي بــن الهيئــة
العليــا املســتقلة لالنتخابــات والســلطة القضائيــة بمــا فــي ذلــك خــارج الفتــرات
االنتخابيــة وااللتــزام صلــب سياســة جزائيــة واضحــة تح ّددهــا الــوزارة املكلفــة
بالعــدل بالحــد مــن آجــال البــت فــي كل القضايــا املرتبطــة بالجرائــم االنتخابيــة
أو التــي يمكــن أن تــؤول إلــى عقوبــات تكميليــة ذات عالقــة باالنتخابــات إضافــة إلــى
االلتــزام بإعــام هيئــة االنتخابــات بصــدور األحــكام فــي كل القضايــا التــي كانــت
فيهــا مصــدرا لإلحالــة وكل القضايــا املتعلقــة باملســار االنتخابــي بشــكل عــام.
ومــن جهــة أخــرى ينــص الفصــل 98مــن القانــون االنتخابــي علــى أنــه فــي صــورة
و 360مخالفــة فــي حــق كل مترشــح فــي الــدورة األولــى وفاقــت 250مخالفــة لــكل مترشــح فــي الــدورة
الثانيــة .وفــي انتخابــات 2019تمــت كذلــك اإلحالــة علــى النيابــة العموميــة بخصــوص عــدد مــن الجرائــم.
.1وضعــت الهيئــة ســواء فــي 2014أو فــي 2019علــى ذمــة املواطنــن خدمــة مهيكلــة عبــر الهاتــف الجــوال تمكنهــم
مــن االطــاع إن تــم إدراج أســمائهم ضمــن قائمــات املزكــن للمترشــحني لالنتخابــات الرئاســية وأصــدرت
بالغــات تعلــم فيهــا أن مــن يشــكك فــي إمضائــه الشــخصي يمكنــه التوجــه للقضــاء إلثــارة تتبــع جزائــي
.2يشترط للترشح توفر صفة الناخب طبقا للفصول 19و 40و 49مكرر من القانون االنتخابي
.3تراجــع املطــة األولــى مــن الفصــل 7مــن القانــون األساســي عــدد 23لســنة 2012املــؤرخ فــي 20ديســمبر
2012املتعلــق بالهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات كمــا تــم تنقيحــه وإتمامــه بالقانــون األساســي عــدد 44لســنة
2013املــؤرخ فــي 1نوفمبــر 2013وبالقانــون األساســي عــدد 52لســنة 2013املــؤرخ فــي 28ديســمبر .2013
.4تراجــع املطــة األولــى مــن الفصــل 4مــن القــرار عــدد 5املــؤرخ فــي 11أفريــل 2017املتعلــق بشــروط وإجــراءات
إحــداث الهيئــات الفرعيــة لالنتخابــات وضبــط مشــموالتها وطــرق ســير عملهــا.
.5تراجــع املطــة 2مــن الفصــل 5مــن القــرار عــدد 31لســنة 2014املــؤرخ فــي 6أكتوبــر 2014املتعلــق بضبــط شــروط
وإجــراءات اعتمــاد ممثلــي القائمــات املترشــحة واملترشــحني واألحــزاب كمــا تــم تنقيحــه بالقــرار عــدد 3لســنة 2017
املــؤرخ فــي 10أفريــل 2017
.6تراجــع املطــة األولــى مــن الفصــل 4مــن القــرار عــدد 19لســنة 2014املــؤرخ فــي 5أوت 2014املتعلــق بضبــط شــروط
وصيــغ تعيــن أعضــاء مكاتــب االقتــراع وطــرق تعويضهــم كمــا تــم تنقيحــه وإتمامــه بالقــرار عــدد 3لســنة 2018املــؤرخ
فــي 9جانفــي .2018
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 64
عــدم إيــداع الحســاب املالــي أو تجــاوز ســقف اإلنفــاق بأكثــر مــن 75فــي املائــة تس ـ ّلط
محكمــة املحاســبات إضافــة إلــى الخطيــة املاليــة عقوبــة بإســقاط كل عضــو مترشــح فــي
ينــص الفصــل 163مــن القانــون االنتخابــي علــى أنــه إذا ثبــت ملحكمــة ّ القائمــة .كمــا
تحصلــت علــى تمويــل أجنبــي للحملــة االنتخابيــة
ّ املحاســبات أن املترشــح أو القائمــة قــد
فإنهــا تقضــي إضافــة إلــى الخطيــة املاليــة بإســقاط عضويــة أعضــاء القائمــة باملجلــس
املنتخــب ويعاقــب املترشــح لرئاســة الجمهوريــة بالســجن ملــدة خمــس ســنوات .كمــا
يحــرم كل مــن تمــت إدانتــه بالحصــول علــى تمويــل أجنبــي لحملتــه االنتخابيــة مــن
الترشــح فــي االنتخابــات ملــدة خمــس ســنوات مــن تاريــخ صــدور الحكــم باإلدانــة.
وتكــ ّرس هــذه األحــكام الرقابــة الالحقــة علــى تمويــل الحمــات االنتخابيــة .ويرجــع
تطبيقهــا أساســا إلــى محكمــة املحاســبات مــن خــال اختصاصهــا الرقابــي
الــذي ينتهــي بتقديــم التقريــر العــام حــول تمويــل الحمــات االنتخابيــة ومــن خــال
اختصاصهــا القضائــي بمقاضــاة املعنيــن باملخالفــات التــي انتهــى إليهــا ذلــك التقريــر.1
وتنشــر محكمــة املحاســبات وفقــا للفصــل 97مــن القانــون االنتخابــي تقريــرا عامــا
يتضمــن نتائــج رقابتهــا علــى تمويــل الحملــة فــي أجــل أقصــاه ســتة أشــهر مــن تاريــخ
اإلعــان عــن النتائــج النهائيــة لالنتخابــات.
ويتضــح مــن تطــ ّور النصــوص القانونيــة املؤطــرة لالنتخابــات وخاصــة مــن مقارنــة
املرســوم عــدد 35لســنة 2011املتعلــق بانتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي والقانــون
االنتخابــي عــدد 16لســنة 2014أنّ املشــرع لــم يواصــل فــي منحــى الفصــل 72مــن
املرســوم عــدد 35لســنة 2011الــذي كان يق ـ ّر عقوبــة اإلســقاط للفائزيــن فــي حــال ثبــوت
التمويــل األجنبــي عنــد البــت فــي النتائــج األوليــة بموجــب قــرار مــن مجلــس الهيئــة العليــا
ـت فــي النتائــج األوليــة ،بثبــوت األثــر
املســتقلة لالنتخابــات واتجــه إلــى ربــط القــرار عنــد البـ ّ
الجوهــري والحاســم علــى النتائــج .وبنــاء علــى ذلــك التنقيــح أصبــح االختصــاص املبدئــي
للبــت فــي الخروقــات املرتبطــة بتمويــل الحمــات االنتخابيــة معقــودا ملحكمــة املحاســبات
بنــاء علــى تقديــم الوثائــق املحاســبية والقيــام بجملــة صالحيــات التحقيــق والتثبــت
واملواجهــة 2وذلــك بعــد اإلعــان عــن النتائــج النهائيــة وفــي اآلجــال التــي يحددهــا القانــون.3
« .1ال تقتصــر أعمــال الدائــرة فــي هــذا املجــال علــى مــا ورد بهــذا التقريــر وإنمــا تتبعــه أعمــال قضائيــة بهــدف
زجــر املخالفــات املتعلقــة خاصــة بعــدم إيــداع الحســابات وبتجــاوز ســقف اإلنفــاق االنتخابــي والصبغــة غيــر
االنتخابيــة للنفقــات فضــا عــن وضعيــات عــدم إرجــاع املنحــة العموميــة فــي الحــاالت املســتوجبة» تقريــر دائــرة
املحاســبات حــول نتائــج مراقبــة تمويــل الحملــة االنتخابيــة لعضويــة مجلــس نــواب الشــعب لســنة ،2014ص .5
.2الفصول من 91إلى 96من القانون االنتخابي
.3الفصــل 97مــن القانــون االنتخابــي "تقــوم محكمــة املحاســبات بإعــداد تقريــر عــام يتضمــن نتائــج رقابتهــا علــى تمويل
الحملــة فــي أجــل أقصــاه ســتة أشــهر مــن تاريــخ اإلعــان عــن النتائــج النهائيــة لالنتخابــات .وينشــر تقريــر محكمــة
65 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
وتطبيقــا لهــذا الخيــار التشــريعي ينتــج عــن ثبــوت التمويــل األجنبــي للحملة من خــال تقرير
محكمــة املحاســبات آثــار أساســية قــد تختلــف آجــال تح ّققهــا .وتتم ّثــل تلــك النتائــج فــي
إســقاط عضويــة القائمــات الفائــزة فــي املجالــس املنتخبــة وفــي تطبيــق عقوبــة الســجن ملــدة
خمــس ســنوات وإصــدار عقوبــة تكميليــة تقضــي بالحرمان من الترشــح ملدة خمس ســنوات.
وتنطبــق العقوبــة االنتخابيــة بإســقاط العضويــة مــن املجالــس املنتخبــة أيضــا
فــي حالتــي عــدم إيــداع الحســاب املالــي للحملــة فــي اآلجــال القانونيــة وتجــاوز
ســقف اإلنفــاق بنســبة 75فــي املائــة .وبعــد انقضــاء آجــال التقاضــي 1تصبــح
قــرارات اإلســقاط وتســليط الخطايــا املاليــة الصــادرة عــن محكمــة املحاســبات
نهائيــة وواجبــة التنفيــذ مــن قبــل الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ووزارة املاليــة.
وكان التقريــر حــول تمويــل الحملــة االنتخابيــة لالنتخابــات البلديــة قــد أوصــى ب»إفــراد
الجانــب القضائــي مــن رقابــة دائــرة املحاســبات املتعلــق بتمويــل الحملــة االنتخابيــة
بإجــراءات خاصــة بهــدف التقليــص فــي آجــال البــت فــي القضايــا وضمانــا ملبــادئ
املحاكمــة العادلــة 2 ».ذلــك أنــه عقــب االنتخابــات البلديــة لســنة 2018أصــدرت الدائــرة
تقريرهــا حــول تمويــل الحملــة االنتخابيــة منتهيــة إلــى أن عــدد 138قائمــة لــم تــودع
حســاباتها املاليــة فــي اآلجــال القانونيــة مــن بينهــا 84قائمــة فــازت بمقاعــد .وهــو مــا
مــن شــأنه أن يــؤدي إلــى العقوبــة بإســقاط عضويــة كل مــن ترشــح عــن تلــك القائمــات.
إال أنــه إلــى نهايــة شــهر جــوان 2020لــم تصــدر القــرارات النهائيــة بهــذا الشــأن.
ويعتبــر إســقاط العضويــة اســتنفاذا للقائمــة األصليــة علــى معنــى الفصــل 34والفصــل
49خامــس عشــر مــن القانــون االنتخابــي ويــؤدي إلــى تنظيــم انتخابــات جزئيــة فــي
املقعــد الشــاغر فــي مجلــس نــواب الشــعب وإلــى إعــادة انتخــاب املجلــس البلــدي أو
الجهــوي إذا فقــد ثلــث أعضائــه .ولئــن نــص القانــون االنتخابــي علــى أجــل تســعني
يومــا مــن تاريــخ معاينــة الشــغور إلجــراء االنتخابــات الجزئيــة فــإن الزمــن االنتخابــي
قــد يفــرض عــدم اللجــوء إلــى إجرائهــا وفــق مــا اقتضتــه الفقــرة األخيــرة مــن الفصــل
49ســادس عشــر والــذي اقتضــى أنــه «فــي كل الحــاالت ال يتــم تنظيــم انتخابــات
جزئيــة إذا كانــت املــدة املتبقيــة بــن معاينــة الشــغور أو حــل املجلــس أو انحاللــه
واملوعــد الــدوري لالنتخابــات البلديــة أو الجهويــة تســاوي أو تقــل عــن ســتة أشــهر».
ال جــدال فــي أن الهيئــة االنتخابيــة تتمتــع بصالحيات الوالية العامة علــى العملية االنتخابية
طبقــا للفصــل 126مــن الدســتور .غيــر أن تنظيــم وإدارة العمليــة االنتخابية يفــرض بطبيعته
بناءهــا لعالقــة مــع كافــة الســلط فــي الدولــة .ويتميــز القضــاء بصفتــه «ســلطة مســتقلة
1
تضمــن إقامــة العــدل وعلويــة الدســتور وســيادة القانــون وحمايــة الحقــوق والحريــات»
بموقــع خــاص فــي ضمــان نجاعــة وتطويــر إدارة العمليــة االنتخابيــة واإلشــراف عليهــا.
2
وعلــى الرغــم مــن الحــدود اإلجرائيــة التــي تم ّيــز الرقابــة القضائيــة في التشــريع التونســي
وعلــى الرغــم مــن التشــدد املطــرد فــي تطبيــق القضاء لتلــك اإلجــراءات 3فإن قــراءة األحكام
والقــرارات تم ّكــن مــن الوقــوف علــى الجوانــب األساســية التــي تــم تطويرهــا فــي ضــوء
هــذه الرقابــة ( )1ومــن بيــان نطــاق صالحيــات الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ( )2علــى
الرغــم مــن بعــض النقــاط التــي ظلــت تفتقــر لإلضــاءة الكافيــة مــن القاضــي االنتخابــي.
يترجــم حجــم املنازعــات القضائيــة التــي ترتكــز علــى إثــارة مطاعــن ترتبــط بــإدارة العمليــة
االنتخابيــة وتســييرها ومــدى تواترهــا مــن موعــد انتخابــي إلــى آخــر وطبيعــة املطاعــن
املثــارة صلبهــا مــدى تطــور إدارة العمليــة االنتخابيــة وتنظيمهــا.
وبمتابعــة األحــكام القضائيــة الصــادرة فــي هــذا املجــال وخاصــة منهــا األحــكام الصــادرة
عــن قاضــي الترشــحات وقاضــي النتائــج ،يتبــن تطــور تســيير العمليــة االنتخابيــة
وإدارتهــا بشــكل ثابــت منــذ .2011
ففــي الفتــرة التــي تميــزت بنقــص نســبي فــي مشــروعية وصالبــة املؤسســات فــي 2011
أقـ ّر القضــاء العديــد مــن التوجهــات التنظيميــة الصارمــة للهيئــة االنتخابيــة بمــا ســاهم فــي
تكريــس ســلطتها 1كمــا يبــدو جليــا بالرجــوع إلــى األحــكام الصــادرة بمناســبة انتخابــات
املجلــس الوطنــي التأسيســي فــي 2011أو تلــك الصــادرة بمناســبة انتخابــات ســنة 2014
أن عــددا هامــا منهــا قــد أثــار جملــة مــن املســائل التــي تــم توضيحهــا بمــا جعلهــا تظهــر
بصــورة أقــل تواتــرا فــي 2018و .2019وفــي املقابــل تع ّرضــت العديــد مــن القضايــا املتعلقة
باالنتخابــات البلديــة إلشــكاليات ترتبــط باألحــكام الجديــدة املض ّمنــة بالقانــون االنتخابــي
املنطبقــة علــى االنتخابــات املحليــة على غــرار التناصف األفقــي وتمثيل الشــباب بالقائمات.
مطــردة إلى غايــة انتخابــات 2019بما يبرز كمــا اســتمرت إثــارة عــدد مــن املســائل بصــورة ّ
ضــرورة اتخــاذ تدابيــر حاســمة مــن قبــل الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات لتطويرهــا.
ومــن أولــى املســائل التــي ســاهم القضــاء فــي إقــرار اعتمادهــا مــن قبــل الهيئــة العليــا
املســتقلة لالنتخابــات تلــك املرتبطــة بالرجــوع حصــرا إلــى قائمــات الناخبــن املضبوطــة
وفقــا للروزنامــة االنتخابيــة لتحديــد صفــة الناخــب .إذ وبعــد تف ّهــم بعــض الصعوبــات
العمليــة إلعــداد قائمــات الناخبــن فــي 20112اعتبــرت املحكمــة اإلداريــة فــي 2014
.1أقــ ّر القضــاء مثــا موقــف الهيئــة االنتخابيــة فــي تطبيــق توقيــت قبــول الترشــحات بكامــل الصرامــة .املحكمــة
اإلداريــة /29010 ،انتخابــي بتاريــخ 4أكتوبــر 2011
.2بــن القاضــي االنتخابــي فــي ( 2011املحكمــة اإلداريــة / 46نــزاع انتخابــي بتاريــخ 7نوفمبــر 2011أن "قبــول االقتــراع
بمجــرد اإلدالء بوثيقــة الهويــة ســواء كانــت جــواز الســفر أو بطاقــة التعريــف الوطنيــة كان لــه مبرراتــه العمليــة املرتبطــة
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 68
وخالفــا ملواقــف بعــض املحاكــم االبتدائيــة 1أن شــرط الترســيم فــي ســجل الناخبــن
الــذي تمســكه الهيئــة ال ينــال مــن جوهــر حــق االقتــراع 2ويجــب أن يتــم وفقــا للروزنامــة
املضبوطــة مــن الهيئــة 3وهــو ضــروري العتمــاد صفــة الناخــب .4وباعتبــار أن تحديــد صفــة
الناخــب علــى النحــو املذكــور يؤ ّثــر علــى جملــة اإلجــراءات والحقــوق الالحقــة وبالنظــر ملــا
أثــاره رفــض الهيئــة فــي 2014لترشــح الناخبــن املرســمني خــال فتــرة تمديــد تســجيل
الناخبــن مــن 5أوت إلــى 26أوت 2014مــن منازعــات متواتــرة وتضــارب فــي التأويــل
القانونــي فقــد نــص القــرار الترتيبــي عــدد 6لســنة 2017املــؤرخ فــي 11أفريــل 2017
املتعلــق بقواعــد وإجــراءات تســجيل الناخبــن لالنتخابــات واالســتفتاء فــي الفصــل 24
بصعوبة تجميع بيانات ومعطيات التونسيني بالخارج" في إشارة إلى الصبغة االستثنائية لذلك اإلجراء
.1يراجــع مثــا الحكــم الصــادر عــن املحكمــة االبتدائيــة بتونــس فــي القضيــة عــدد 7بتاريــخ 12ســبتمبر 2014والــذي
اســتند إلــى املرتبــة الدســتورية لحــق االنتخــاب بمــا يجعــل إجــراء الترســيم بصفتــه إجــراءا إداريــا غيــر حــري باملنــع
مــن االنتخــاب.
.2املحكمة اإلدارية 201410072بتاريخ 20سبتمبر 2014
.3املحكمــة اإلداريــة 201420009بتاريــخ 7نوفمبــر « 2014وحيــث أن العمليــة االنتخابيــة تحكمهــا روزنامــة تحــ ّدد
تاريــخ انطــاق مرحلــة تســجيل الناخبــن ونهايتــه وصــوال إلــى ضبــط الفتــرة باالنتخابيــة بالنســبة لالنتخابــات
التشــريعية والرئاســية .وحيــث ضبــط الفصــان 3جديــد و 4مكــرر مــن قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات
عــدد 14لســنة 2014املتعلــق بروزنامــة االنتخابــات ...آجــال عمليــة تســجيل الناخبــن التــي تبدأمــن يــوم...
وتنتهــي يــوم ...وحيــث ضبــط الفصــل 4جديــد مــدة االعتــراض عــن عــدم الترســيم بســجل الناخبــن وهــي أيــام 7
و 8و 9أوت 2014بالنســبة لفتــرة التســجيل األول وأيــام 2و 3و 4ســبتمبر 2014بالنســبة لفتــرة التســجيل الثانيــة.
وحيــث أن تفعيــل حــق االنتخــاب املضمــون قانونــا لــكل مواطــن يســتوجب أن يكــون مســجال بســجل الناخبــن
الكتســاب صفــة ناخــب طبــق أحــكام الفصــل 5مــن القانــون االنتخابــي .وحيــث خالفــا ملــا تمســك بــه املدعــي مــن
أن الهيئــة لــم تحــرك ســاكنا إزاء االعتراضــات املرفوعــة لديهــا مــن قبــل املتحصلــن علــى جــوازات ســفر جديــدة
فإنــه يتبــن مــن أوراق امللــف أن االعتــراض املتمســك بــه قــد تــ ّم بتاريــخ 10أكتوبــر 2014أي خــارج اآلجــال
القانونيــة املحــددة بالفصــل 4جديــد مــن القــرار عــدد 7ســالف الذكــر إذ تــم بعــد انطــاق الحملــة االنتخابيــة».
.4املحكمــة اإلداريــة 201410102بتاريــخ 22ســبتمبر « 2014وحيــث اشــترط الفصــل 19مــن القانــون األساســي عــدد 16
لســنة 2014أن تتوفــر صفــة الناخــب فــي كل مترشــح لالنتخابــات التشــريعية وقــد اقتضــى الفصــل 5مــن نفــس القانــون
أنــه «يعتبــر ناخبــا كل تونســية وتونســي مرســم فــي ســجل الناخبــن »...وحيــث أن ســجل الناخبــن هــو قاعــدة بيانــات
األشــخاص املؤهلــن للتصويــت فــي االنتخابــات واالســتفتاء تمســكها الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات وتضبطهــا
انطالقــا مــن آخــر تحيــن لهــا وفقــا ملقتضيــات الفصــل 7مــن نفــس القانــون .وحيــث أن إثبــات مــا يفيــد الترســيم بســجل
الناخبــن بتقديــم تصريــح علــى الشــرف بقيــام أحــد الناخبــن بممارســة الحــق االنتخابــي خــال انتخابــات املجلــس
الوطنــي التأسيســي لســنة 2011ال يقــوم مقــام اإلثبــات الكامــل خاصــة وأن هــذه االنتخابــات قــد مارســها غيــر املرســمني
بالقوائــم االنتخابيــة اســتثنائيا وهــو مــا يجعــل املمارســة الفعليــة للحــق االنتخابــي وعلى فرض التســليم بهــا ال تقوم حجة
علــى توفــر صفــة الناخــب طبقــا للفصــل 5مــن القانــون عــدد 16لســنة .2014وحيــث ومــن ناحيــة أخــرى فإنــه فضــا عــن
أن الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بــن عــروس أدلــت لــدى قاضــي البدايــة بوثيقــة تفيــد عــدم تســجيل املترشــحني بالقائمــة
يرســخ قناعــة القاضــي بخــاف املســتأنفة عــدد 4وعــدد 8بســجل الناخبــن فــإن املســتأنف لــم يــأت بمــا مــن شــأنه أن ّ
ذلــك ".يراجــع أيضــا املحكمــة اإلداريــة 20182011 ،بتاريــخ 2أفريــل 2018ويراجع املحكمة االبتدائيــة بالقصرين ،القضية
عــدد 12بتاريــخ 08أوت ،2019رئيــس القائمــة املســتقلة الشــباب يتحـ ّدى ضـ ّد /الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بالقصريــن.
69 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
منــه علــى أن يتــم غلــق عمليــة التســجيل شــهرين قبــل انطــاق فتــرة قبــول الترشــحات.
كمــا كان الختــاف االجتهــادات القضائيــة بخصــوص القائمــة التكميليــة للمترشــحني
وإجــراءات التصحيــح 1والتــي أق ّرهــا القانــون األساســي عــدد 16لســنة 2014
كشــرط مــن شــروط صحــة الترشــح أثــر مباشــر فــي تعديــل قــرار الهيئــة املــؤرخ
فــي 1أوت 2014املتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات التشــريعية
بموجــب القــرار عــدد 17لســنة 2019املــؤرخ فــي 14جــوان 2019والــذي نــص
صراحــة صلــب الفصــل 13جديــد منــه علــى أنّ النقــص فــي القائمــة التكميليــة بعــد
اســتعمالها لتصحيــح القائمــة األصليــة ال يــؤدي إلــى رفــض مطلــب الترشــح.
ومــن املســائل التــي تواتــر النظــر فيهــا مــن قبــل القاضــي االنتخابــي منــذ 2011هــي
مســألة التمثيليــة لقبــول الترشــح باســم حــزب معــن .إذ يشــترط القانــون عــدم جــواز
ترشــح قائمتــن عــن نفــس الحــزب .وقــد بــرزت اإلشــكالية فــي 2011مــن خــال تلقــي
العديــد مــن الهيئــات الفرعيــة لقائمتــن انتخابيتــن تحت تســمية حــزب حركــة الديمقراطيني
االشــتراكيني تبعــا لبــروز انقســامات داخــل الحــزب وتنــازع قيــادات مختلفــة علــى شــرعية
تمثيلــه .وقــد ب ّيــن القاضــي االنتخابــي منــذ ذلــك التاريــخ وعلــى غــرار مــا كرســه فقــه
القضــاء املقــارن 2أن حســم املنازعــات املتعلقــة بتمثيــل األحــزاب السياســية ليــس مــن
اختصــاص الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات .3وتمــت بلــورة هــذا املوقــف فــي القــرار عــدد 16
لســنة 2014املــؤرخ فــي 1أوت 2014املتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات
التشــريعية إذ نــص الفصــل 14فقــرة أخيــرة منــه علــى أنــه «فــي صــورة تنــازع أكثــر
مــن قائمــة حزبيــة علــى نفــس التســمية أو الرمــز بســبب نــزاع حــول رئاســة الحــزب
تســند التســمية للقائمــة املصــادق عليهــا مــن املســؤول األول للحــزب حســب البيانــات
املتوفــرة لــدى الجهــة اإلداريــة املختصــة بشــؤون األحــزاب »...وهــو نفــس املوقــف الــذي
تــم اعتمــاده أيضــا فــي االنتخابــات البلديــة والجهويــة بموجــب القــرار عــدد 10لســنة
2017املــؤرخ فــي 20جويليــة .2017وفــي 2019بمناســبة االنتخابــات البلديــة الجزئيــة
لبلديــة بــاردو واجهــت الهيئــة قصــورا فــي املعطيــات املقدمــة مــن املصالــح اإلداريــة املكلفــة
.1اعتبــر الحكــم الصــادر عــن املحكمــة اإلداريــة تحــت عــدد 201410067بتاريــخ 20ســبتمبر 2014مثــا أن
اســتعمال القائمــة التكميليــة لتصحيــح القائمــة األصليــة ال يــؤدي إلــى رفــض الترشــح .فــي املقابــل اعتبــر الحكــم
الصــادر تحــت عــدد 201410103بتاريــخ 22ســبتمبر 2014أن العبــرة لصحــة الترشــح أن تســتوفي القائمــة
التكميليــة فــي صيغتهــا النهائيــة بعــد البــت العــدد األدنــى املســتوجب قانونــا ورفضــت الترشــح تبعــا لذلــك.
CE, 13 décembre 1997, élections municipales de Marseille .2يراجع مثال
.3املحكمــة اإلداريــة / 28969نــزاع انتخابــي بتاريــخ 26ســبتمبر « 2011وحيــث كمــا ذهبــت إليــه الجهــة
املســتأنفة فــإن اســتناد الحكــم املطعــون فيــه عنــد إلغــاء قــرار الهيئــة القاضــي برفــض ترســيم قائمــة
املســتأنف ضــده إلــى أنهــا تمثــل الشــق الشــرعي لحركــة الديمقراطيــن االشــتراكيني ينطــوي علــى تجــاوز
الختصاصهــا لبتهــا فــي مســألة ال ترجــع إليهــا بالنظــر خاصــة أنهــا محــل نظــر املحكمــة االبتدائيــة بتونــس».
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 70
بشــؤون األحــزاب عــن بيــان املســؤول األول لحــزب نــداء تونــس بمــا حملهــا علــى رفــض
ترشــح قائمتــن مقدمتــن باســم الحــزب املذكــور وعقــب إقــرار املحكمــة اإلداريــة ذلــك
املوقــف 1راجعــت املصالــح اإلداريــة مراســاتها وبينــت املعطيــات املطلوبــة بوضــوح.
وبمتابعــة حجــم الطعــون بخصــوص تســمية ورمــز القائمــات يالحــظ تراجــع عددهــا
ترســخ املمارســة بهــذا الخصــوص والتطــ ّور اإليجابــي فــي منــذ 2011بمــا يبــرز ّ
التعامــل معهــا .واســتقر فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة علــى اعتبــار أن التشــابه
فــي التســمية والرمــز املحظــور بموجــب القانــون االنتخابــي هــو ذاك الــذي مــن
شــأنه أن يربــك الناخــب معتبــرا أن تقديــر إمكانيــة اإلربــاك يكــون بالرجــوع إلــى
العناصــر الثالثــة لضبــط هويــة القائمــة وهــي التســمية والرمــز والعــدد الرتبــي علــى
ورقــة االقتــراع 2منبهــا إلــى خطــورة هــذا اإلخــال حــن يــؤول إلــى إربــاك الناخــب.3
غيــر أنــه مــن املســائل التــي ظلــت تثيــر فــي كل موعــد انتخابــي عــددا كبيــرا مــن
املنازعــات القضائيــة والتــي يتجــه بالتالــي العمــل علــى تحســن تنظيــم العمليــة
االنتخابيــة فــي خصوصهــا هــي إدارة عمليــات االقتــراع بالخــارج والتزكيــات للترشــح
لالنتخابــات الرئاســية ومراقبــة الخروقــات لقواعــد الحملــة االنتخابيــة وفتــرة الصمــت.
وقــد كان للقاضــي االنتخابــي فــي مختلــف املواعيــد االنتخابيــة دور هــام فــي تنســيب
مــا يتمســك بــه األطــراف مــن إخــاالت ترتبــط بعمليــات االقتــراع بالخــارج مــن خــال
التثبــت مــن صحــة الوقائــع وتقديــر مــدى اكتســائها لصفــة اإلخــال وحقيقــة تأثيرهــا علــى
النتائــج .وأقــرت األحــكام الصــادرة املرتبــة الخاصــة ملحاضــر وتقاريــر الهيئــة إذ ب ّيــن
القاضــي االنتخابــي أنهــا خالفــا لعديــد الوســائل التــي يق ّدمهــا امل ّدعــون 4تعتبــر حججــا
2
رســمية يعتمــد مــا جــاء بهــا ويؤخــذ علــى الصحــة 1وق ّدمهــا علــى بقيــة وســائل اإلثبــات
علــى الرغــم مــن أنــه لــم يعتبرهــا الوســيلة الوحيــدة إلثبــات الوقائــع 3كمــا أقــر إمكانيــة
دحضهــا بتوافــر وتظافــر حجــج وقرائــن مخالفــة مــع التأكيــد علــى أهميــة إدراج التحفظات
علــى محاضــر االقتــراع والفــرز كبدايــة حجــة الســتبعاد مــا جــاء فيهــا 4واعتبــر أنــه مــن
املمكــن عــدم اعتمادهــا متــى لــم تتوفــر فيهــا الشــروط الشــكلية أو الجوهريــة املســتوجبة.5
إلى النتيجة املنشورة بجريدة املغرب ليوم 30أكتوبر 2014والتي ال تعتبر وثيقة رسمية يمكن االعتداد بها»...
.1ب ّيــن قاضــي النتائــج أنّ املعطيــات الــواردة بمحاضــر االقتــراع والفــرز وتجميــع النتائــج تتم ّتــع بقرينــة الشــرعية
باعتبــار أنّ «الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات منحهــا الدســتور فــي فصلــه 126ســلطة إدارة االنتخابــات
وتنظيمهــا واإلشــراف عليهــا فــي جميــع مراحلهــا وضمــان ســامة املســار االنتخابــي ونزاهتــه وشــفاف ّيته ولذلــك
فــإنّ أعمالهــا تتمتّــع بقرينــة الشــرعية التــي ال يمكــن دحضهــا إ ّال بحجــج ج ّديــة وثابتــة ومتظافــرة» املحكمــة
اإلداريــة ،الدائــرة االســتئنافية التاســعة ،عــدد 20194073بتاريــخ 22أكتوبــر ،2019رئيــس القائمــة املســتقلة
«بــن عــروس للجميــع» بالدائــرة االنتخابيــة بــن عــروس ضــ ّد /الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيســة
قائمــة حــزب قلــب تونــس ورئيســة قائمــة الحــزب الدســتوري الحــر ورئيــس قائمــة حــزب التيــار الديمقراطــي
ورئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة ورئيســة قائمــة ائتــاف الكرامــة ورئيســة قائمــة حــزب تحيــا تونــس ورئيــس
قائمــة حــزب حركــة الشــعب ورئيــس قائمــة حــزب اتحــاد الشــعب الجمهــوري بالدائــرة االنتخابيــة بــن عــروس
واعتبــر أنّ محاضــر الفــرز «تع ـ ّد وثائــق رســمية تتمتــع بقرينــة الصحــة وال يجــوز التشــكيك فيهــا دون اإلدالء بحجــج
مقنعــة أو علــى األقــل ببدايــة حجــة يمكــن أن تدفــع املحكمــة إلــى إعــادة النظــر فــي نتائــج االنتخابــات» املحكمــة
اإلداريــة ،الدائــرة االســتئنافية األولــى ،عــدد 20194068بتاريــخ 22أكتوبــر ،2019رئيســة قائمــة حــزب تحيــا تونــس
بالدائــرة االنتخابيــة صفاقــس 2ضــ ّد /الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة
ورئيــس قائمــة حــزب قلــب تونــس ورئيــس قائمــة ائتــاف الكرامــة ورئيــس قائمــة حــزب التيــار الديمقراطــي
ورئيــس قائمــة حــزب حركــة الشــعب ورئيــس قائمــة الحــزب الحــر الدســتوري بالدائــرة االنتخابيــة بصفاقــس 2
.2املحكمــة اإلداريــة 201450015بتاريــخ 20نوفمبــر « 2014ال يمكــن أن ترتقــي تقاريــر املالحظــن املحليــن والدوليــن
املحتــج بهــا بــأي حــال مــن األحــوال إلــى مرتبــة تقاريــر مراقبــي الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات املحلفــن طبــق
القوانــن والتراتيــب الجــاري بهــا العمــل»
.3املحكمــة اإلداريــة 201420042بتاريــخ 8نوفمبــر « 2014وحيــث خالفــا ملــا دفعــت بــه الهيئــة العليــا املســتقلة
لالنتخابــات فــإن إثبــات املخالفــات أو اإلخــاالت االنتخابيــة يكــون بجميــع وســائل اإلثبــات وليــس فقــط بالرجــوع
إلــى تقاريــر الهيئــة واملحاضــر التــي يحررهــا أعوانهــا املحلفــون» املحكمــة اإلداريــة 20183022 ،بتاريــخ 22مــاي 2018
.4املحكمــة اإلداريــة ،الدائــرة االســتئنافية األولــى ،عــدد 20194060بتاريــخ 22أكتوبــر ،2019رئيــس قائمــة
مســتقلون ألجــل تونــس بالدائــرة االنتخابيــة نابــل 2ضــ ّد /الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس
قائمــة حــزب قلــب تونــس بالدائــرة االنتخابيــة نابــل « 2وحيــث إنّ التجــاوزات التــي ي ّدعــي الطاعــن حصولهــا
بــأي تحفظــات إلــى
ّ أثنــاء عمليــة فــرز األصــوات لــم تكــن مؤ ّيــدة إذ لــم يتقــ ّدم مم ّثلــو القائمــة الطاعنــة
أي مالحظــات مــن طرفهــم فــي محاضــر الفــرز». رؤســاء مكاتــب االقتــراع والفــرز املعن ّيــة ولــم يتــ ّم تدويــن ّ
.5املحكمــة اإلداريــة 201420005 ،بتاريــخ 7نوفمبــر « 2014وحيــث ثبــت مــن أوراق امللــف أن جميــع محاضــر معاينــة
املخالفــات االنتخابيــة وردت منقوصــة مــن ختــم الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بدائــرة القصريــن بمــا هــو تنصيــص
وجوبــي اقتضــاه قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد 28لســنة 2014املذكــور أعاله...وحيــث والحالــة
مــا ذكــر فــإن محاضــر املعاينــات...ال تحــرز علــى حجيــة املحاضــر الرســمية وال تعــدو أن تكــون تبعــا لذلــك ســوى
بدايــة حجــة قابلــة للدحــض »...املحكمــة اإلداريــة 201450006 ،بتاريــخ 19نوفمبــر « 2014وحيــث ...أن املحاضــر التــي
يحررهــا أعــوان املراقبــة املحلفــون بتكليــف مــن هيئــة االنتخابــات فــي إطــار ممارســتهم لســلطة معاينــة املخالفــات
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 72
وعلــى الرغــم مــن أن مضمــون األحــكام الصــادرة والنقاشــات بــن األطــراف لــدى الهيئــات
1
املتعهــدة باملنازعــات تضــع علــى عاتــق الهيئــة مســؤولية تطويــر إدارة العمليــة االنتخابيــة
واتخــاذ القــرارات املســتوجبة خــال املســار االنتخابــي 2وتحســن جــودة الوثائــق
والتقاريــر الصــادرة عنهــا ونشــرها 3ودعــم النفــاذ إليهــا 4وعلــى الرغــم مــن أن املنازعــات
بخصــوص توفــر شــرط التزكيــات 5يمكــن أن تتطـ ّور فــي مضمونهــا 6وفــي طريقــة التعامــل
بخصوصهــا بــن الهيئــة والجهــات القضائيــة ،7فقــد بــرز أنّ املطاعــن املرتبطــة بعمليــات
االنتخابيــة ال تكــون صحيحــة وجديــرة باالعتمــاد إال إذا كانــت محــررة طبقــا للشــروط الشــكلية املســتوجبة قانونــا»
.1فيمــا يتعلــق بمــا تمســك بــه عــدد مــن املدعــن مــن صعوبــة املالحظــة فــي قاعــات التجميــع بســبب املســافة التــي
توجــد عليهــا األماكــن املخصصــة للمالحظــن بينــت املحكمــة أنــه "لئــن كان علــى هيئــة االنتخابــات اتخــاذ جميــع
االحتياطــات الضروريــة لتمكــن املراقبــن واملالحظــن مــن ممارســة رقابتهــم علــى عمليــات التجميــع والتثبــت مــن
عمليــات إعــادة العــد اليــدوي كأن تج ّهــز القاعــات بشاشــات عمالقــة أو أن تســمح لعــدد محــ ّدد مــن املراقبــن مــن
االقتــراب وذلــك عــن طريــق القرعــة أو بترشــيح مــن املراقبــن أنفســهم فإنــه لــم يثبــت بالنســبة لوضعيــة الحــال أن مــكان
وجــود املراقبــن قــد حــال دون ممارســتهم لدورهــم بدليــل تفطنهــم إلــى الخطــإ املــادي علــى مســتوى عــدد أصــوات
قائمــة ...واحتجاجهــم بخصوصــه وتوصلهــم إلــى تــدارك الخطــإ" ،املحكمــة اإلداريــة 201420019بتاريــخ 8نوفمبــر 2014
.2تم الدفع في منازعات نتائج االنتخابات الرئاســية لســنة 2019بعدم تدخّ ل الهيئة إليقاف املخالفات خالل الحملة على
الرغــم مــن تفشــي اإلشــهار السياســي بمــا أخــل بمبــدإ املســاواة وعــدم التدخــل إليقــاف التشــهير والتنكيــل باملترشــحني
.3تمــت مــن خــال املنازعــات فــي نتائــج االنتخابــات الرئاســية لســنة 2019تقديــم جملــة مــن املطاعــن تتعلــق بمخالفــة
الفصــل 2مــن قانــون الهيئــة الــذي يقتضــي أن تســهر على انتخابــات ديمقراطية حــرة وتعددية ونزيهة وشــفافة وأن يكون
لهــا واليــة عامــة علــى املســار االنتخابــي ووجــوب ضمــان شــروط النزاهــة والشــفافية طيلــة مراحــل العمليــة االنتخابيــة
• عــدم نشــر قــرار النتائــج واملــداوالت مفصلــة حــول ســير العمليــة وحــول مــا قــ ّدم للهيئــة مــن رصــد
للخروقــات مــن قبــل املجتمــع املدنــي والهيئــات األخــرى ومحاضــر مراقبيهــا بمــا ينــال مــن شــفافية العمليــة
• مــا عاينــه متابعــو املترشــح الزبيــدي ومالحظــو املجتمــع املدنــي ومــا أثبتتــه قــرارات الهيئــة العليــا لالتصــال
الســمعي والبصــري بخصــوص اإلشــهار السياســي فــي حــق املترشــحني الثانــي والثالــث فــي نتائــج التصويــت
مــن شــأنها أن تغيــر الترتيــب وتجعــل الطاعــن فــي املرتبــة الثانيــة بمــا يخــ ّول لــه املــرور للــدورة الثانيــة.
وطلــب علــى ذلــك األســاس إلــزام الهيئــة بتمكينه من كل محاضر مراقبيها ليتأكد من عــدم تأثيرها على النتائج .كما طالب
بوجوبيــة ترتيــب الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات آلثــار قانونيــة عــن قــرار الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي والبصري
الصــادر فــي 10ســبتمبر 2019بعقوبــة قنــاة نســمة التــي قامــت باإلشــهار السياســي لفائــدة املترشــح نبيــل القــروي.
.4اســتند أحــد الطعــون فــي / 101( 2011نــزاع انتخابــي بتاريــخ 5نوفمبــر )2011بنــاء علــى عــدم نشــر محاضــر
مكاتــب الفــرز وهــو مــا تــم تالفيــه فــي املواعيــد االنتخابيــة الالحقــة .وفــي 2014رفضــت الهيئــة م ـ ّد أحــد املترشــحني
لالنتخابــات الرئاســية بمحاضــر معاينــة املخالفــات املح ـ ّررة مــن أعــوان املراقبــة الراجعــن لهــا بمــا جعلــه يلجــأ إلــى
اســتصدار أذون قضائيــة للحصــول عليهــا وفــي 2019تولــت الهيئــة نشــر تلــك املحاضــر علــى موقعهــا االلكترونــي
غيــر أن ذلــك كان لفتــرة وجيــزة بالنظــر لعــدم توفــر نســخ مــن املحاضــر تســتجيب ملقتضيــات النشــر للعمــوم.
.5فــي 2019تعلــق عــدد 13طعنــا مــن جملــة 15فــي مــادة الترشــحات لالنتخابــات الرئاســية بشــرط التزكيــات وفــي
2014تع ّلــق 21طعنــا مــن جملــة 23طعنــا بهــذا الشــرط
.6في صورة اعتماد وسائل الكترونية للتزكية عوضا عن التزكية الورقية مثال
.7يقــدم املترشــحون لالنتخابــات الرئاســية قائمــة ورقيــة وقائمــة الكترونيــة فــي املزكــن يتــم التثبــت علــى أساســها.
وملراقبــة صحــة قــرار الهيئــة فــي رفــض الترشــحات قامــت الهيئــات القضائيــة فــي 2014إضافــة إلــى االطــاع علــى
73 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
االقتــراع والفــرز مالزمــة للعمليــة االنتخابيــة 1وأن املطاعــن املرتبطــة بالحملــة االنتخابيــة
تتأثــر بشــكل كبيــر باملنافســة السياســية 2وســتظل لذلــك وحســب منطــق األمــور مطروحــة
فــي كل املنازعــات االنتخابيــة .3لذلــك فإنــه مــن املهــم أن يكــون البنــاء فــي خصوصهــا
ســواء مــن جهــة الهيئــة االنتخابيــة أو مــن جهــة الهيئــات القضائيــة متماســكا وواضحــا.
ملفــات الترشــح بمعاينــة ملنظومــة التثبــت مــن التزكيــات فــي مقــر الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات وأقــرت فــي النهايــة
جميــع قــرارات الهيئــة .إال أنــه فــي 2019تعهــدت الدوائــر االســتئنافية فــي الطــور االبتدائــي بنــاء علــى امللفــات فحســب
وباعتبــار أنــه ال يتــم احتســاب األســماء الــواردة بالقائمــات الورقيــة ضمــن العــدد األدنــى املطلــوب فــي الحــاالت التاليــة:
• األسماء التي ال يقابلها أي إمضاء لعدم توفر ما يثبت إرادة التزكية
• األســماء التــي ال يقابلهــا عــدد بطاقــة تعريــف حقيقــي حســب منظومــة بطاقــات التعريــف الوطنيــة باعتبارهــا ال
تحيــل إلــى هويــة حقيقيــة لشــخص طبيعــي
• األســماء التــي ال تتطابــق مــع الهويــات (وفــق قاعــدة البيانــات الرســمية) املقابلــة لعــدد بطاقــة التعريــف الوطنيــة
املضمــن بقائمــة بالتزكيــات .وذلــك لعــدم ثبــوت توافــق االســم املضمــن مــع الهويــة الحقيقيــة لصاحــب اإلمضــاء
• األسماء املختلفة التي يقابلها نفس اإلمضاء
وأن ذلــك ال يتضــح مــن االطــاع الحصــري علــى ملفــات الترشــح فقــد آلــت الطعــون االبتدائيــة إلــى إلغــاء قــرارات الهيئــة
فــي 4قضايــا قبــل أن يتــم نقــض تلــك األحــكام وإقــرار قــرارات الهيئــة فــي الطــور االســتئنافي.
.1بخصــوص أعمــال التجميــع ومالحظتهــا تواتــر تضمــن عرائــض املدعــن مطاعــن تتعلــق باحتــواء الســبورات علــى
تشــطيبات وتحويــرات .وقــد بينــت املحكمــة اإلداريــة فــي إحــدى القضايا أن "نائب الطاعــن (أدلى) بمحضــر معاينة محرر
مــن قبــل العــدل املنفــذ األســتاذ ...تحــت عــدد ...فــي 29أكتوبــر 2014تض ّمــن أنــه عايــن بالقاعــة املغطــاة بأريانــة عــدد 4
ســبورات تشــتمل علــى كــم هائــل مــن التشــطيبات والبــرش واإلقحــام كمــا تولــى اســتعمال العديــد مــن األلــوان لتدويــن
النتائــج املتراصــة فــوق بعضهــا .وحيــث أن مــا تمــت معاينتــه علــى النحــو املبــن أعــاه يدخــل فــي طبيعــة أعمــال الفــرز
واإلحصــاء والعــد واملراجعــة وإصــاح األخطــاء وجمــع النتائــج" املحكمــة اإلداريــة 201420019بتاريــخ 8نوفمبــر 2014
.2فــي 2019بلــغ عــدد الطعــون االبتدائيــة فــي االنتخابــات التشــريعية 102طعنــا كان 66يتعلــق بحزبــي
النهضــة وقلــب تونــس .إذ تــم تقديــم 33طعنــا فــي كل الدوائــر االنتخابيــة مــن كل منهمــا ضــد نتائــج الثانــي
باالســتناد إلــى الخروقــات املرتكبــة فــي الحملــة بصــورة أساســية .وكانــت املخالفــات املتمســك بهــا فــي
الــدور األول أساســا بــن املتنافســن يوســف الشــاهد وعبــد الكريــم الزبيــدي وبنــاء علــى شــكايات متقابلــة.
.3خــال االنتخابــات التشــريعية 2019تمســك املدعــي فــي القضيــة عــدد 20194062بــأنّ عــدد األصــوات املعلــن
عنهــا بصفحــة التواصــل االجتماعــي التابعــة للهيئــة االنتخابيــة قــ ّدر بـــ 125صوتــا بعــد احتســاب % 35,8مــن
األصــوات وأصبــح مســاويا لـــ 76صوتــا إثــر االنتهــاء مــن احتســاب % 100مــن األصــوات وبعــدم تمكــن القائمــة
الطاعنــة مــن االطــاع علــى محاضــر الفــرز وفــي القضيــة عــدد 20194070تمــت إثــارة اإلخــاالت فــي عمليــات
الفــرز وتجميــع النتائــج م ّمــا انجــ ّر عنــه تضــارب بــن عــدد األصــوات املعلــن عنهــا بالنــدوة الصحفيــة واملنشــورة
باملوقــع اإللكترونــي للهيئــة االنتخابيــة وعــدد األصــوات املض ّمنــة بجــدول النتائــج األوليــة لالنتخابــات التشــريعية
• وخــال االنتخابــات الرئاســية دورة أولــى 2019تمســك عــدد مــن املدعــن بــأن عــدد الناخبــن املعلــن
عنــه بالنــدوة الصحفيــة ليــوم 15ســبتمبر 2019أقــل مــن العــدد النهائــي املصــرح بــه فــي 17ســبتمبر
2019واملضمــن بالقــرار املنشــور وأن عــدد األصــوات املصــرح بهــا فــي قــرار النتائــج األوليــة لفائــدة
املترشــح قيــس ســعيد مختلــف عــن العــدد الــذي تــم عرضــه علــى الشاشــة فــي النــدوة الصحفيــة
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 74
وفــي مجــال الحملــة وفــي مثــال أول ســاهم القضــاء منــذ 2011فــي تعريــف مفهــوم
اإلشــهار السياســي .1وميــزت املحكمــة اإلداريــة فــي 2014الحــاالت التــي تعتمــد أســاليب
3
وتقنيــات التســويق التجــاري عــن غيرهــا معتبــرة أن إكســاء حافلــة 2أو موكــب ســيارات
برقــم وشــعار الحــزب ال تتوفــر فيــه مقومــات اإلشــهار السياســي .كمــا اعتبــرت منــذ
2011أن قيــام قنــاة تلفزيــة بالدعايــة لفائــدة عــدد مــن القوائــم املترشــحة يعتبــر شــكال
مــن أشــكال التمويــل وصنفتــه كتمويــل أجنبــي بالنظــر إلــى أن القنــاة لــم تكــن وطنيــة.4
غير أن مفهوم اإلشــهار السياســي عن طريق وســائل االتصال الســمعي البصري ظل غير
واضــح مــن خــال األحــكام القضائيــة وكان محــل اختالف بــن الهيئات القضائية نفســها.
ففــي 2019طرحــت مســألة بــث قنــاة تلفزيــة وبصفــة متكــررة لومضــة إشــهارية
تظهــر فيهــا زوجــة رئيــس حــزب ترشــحت قائماتــه فــي 33دائــرة انتخابيــة وتدعــو
فيهــا الناخبــن للتصويــت كمــا طرحــت مســألة احتــكار أحــد املترشــحني للبــث
علــى قنــاة إذاعيــة يتولــى تقديــم برنامــج يومــي فيهــا ملــدة 3ســاعات و 19دقيقــة بمــا
بلــغ جملــة 67ســاعة و 19دقيقــة خــال فتــرة الحملــة لالنتخابــات التشــريعية.5
وتمثــل اإلشــكال األول فــي كيفيــة تعامــل القاضــي االنتخابــي مــع صالحيــات كل
مــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات والهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي البصــري.
إذ وعلــى الرغــم مــن أن قــرارات الهيئــة االنتخابيــة وتقاريرهــا املق ّدمــة صلــب امللفــات
القضائيــة قــد انبنــت علــى تكييــف وقــراءة خاصــة بهــا بنــاء علــى الوقائــع التــي أثبتتهــا
الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي البصــري وعلــى الرغــم مــن اختــاف تعريــف
اإلشــهار السياســي بــن كل مــن القانــون االنتخابــي 6واملرســوم عــدد 116لســنة
1 2011فــإن األحــكام القضائيــة الصــادرة لــم تنــن كلهــا علــى هــذا التمييــز 2فضــا
عــن أنّ عــددا منهــا وإن اعتمــد التمييــز بــن املجــال االنتخابــي واملجــال الســمعي
البصــري فقــد أجــاب بصــورة مطلقــة علــى تكييــف الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال
الســمعي البصــري دون إشــارة إلــى موقــف الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات.3
.1عـ ّرف الفصــل 2مــن املرســوم عــدد 116لســنة 2011املــؤرخ فــي 2نوفمبــر 2011واملتع ّلــق بحريــة االتصــال الســمعي
والبصــري وبإحــداث هيئــة عليــا مســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري االشــهار السياســي بأ ّنــه« :كل عمليــة إشــهار
تعتمــد أســاليب وتقنيــات التســويق التجــاري موجهــة للعمــوم تهــدف إلــى الترويــج لشــخص أو لفكــرة أو لبرنامــج أو
لحــزب أو منظمــة سياســية بواســطة قنــاة إذاعيــة أو تلفزيــة حيــث تخصــص للجهــة املعلنــة جــزءا مــن وقــت البــث
التلفــزي أو اإلذاعــي لتعــرض فيــه إعالنــات تســويق سياســي بمقابــل أو بــدون مقابــل مالــي مــن أجــل اســتمالة أكثــر مــا
يمكــن مــن املتلقــن إلــى تقبــل أفكارهــا أو قادتهــا أو حزبهــا أو قضاياهــا والتأثيــر علــى ســلوك واختيــارات الناخبــن».
.2املحكمــة اإلداريــة ،الدائــرة االســتئنافية الســابعة ،عــدد 20194085بتاريــخ 21أكتوبــر ،2019رئيــس قائمــة حــزب
حركــة النهضــة بالدائــرة االنتخابيــة بتطاويــن ضـ ّد /الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب قلــب تونــس
ـف أ ّنــه صــدر قــرار عــن الهيئــة العليــا لالتصــالبالدائــرة االنتخابيــة بتطاويــن «وحيــث تب ّيــن بالرجــوع إلــى أوراق امللـ ّ
الســمعي والبصــري بتاريــخ 8أكتوبــر 2019يقضــي بتســليط خطيــة ماليــة قدرهــا 320ألــف دينــار علــى قنــاة «نســمة»
واملحتــج بــه فــي الطعــن الراهــن أنّ قنــاة «نســمة»
ّ مــن أجــل اإلشــهار السياســي .وحيــث تض ّمــن القــرار املذكــور
التلفزيونيــة قامــت بتاريــخ 4أكتوبــر 2019بعــرض ومضــة تحسيســية تـ ّم إعــادة بثهــا 8مــرات دعــت فيهــا زوجــة املترشــح
لالنتخابــات الرئاســية نبيــل القــروي عمــوم الناخبــن للتصويــت فــي االنتخابــات التشــريعية واعتمــدت ترويجــا ودعايــة
وتوجهاتهــم وهــو مــا يعتبــر مــن قبيــل
ّ ّ
للمترشــحني وتوجيهــا للناخبــن ،الغــرض منــه التأثيــر علــى إرادتهــم غيــر مباشــرة
اإلشــهار السياســي ،كمــا تض ّمنــت الومضــة مــن حيــث الشــكل تقنيــات التســويق التجــاري .وحيــث أنّ قاضــي النتائــج
مؤتمــن علــى أصــوات الناخبــن وال يقضــي بإلغائهــا إ ّال إذا تب ّيــن لديــه أنّ املخالفــة جســيمة وفادحــة وكانــت مؤثــرة علــى
يتفحــص معاييــر القيــس املناســبة التــي تم ّكنــه بـ ّ
ـكل د ّقــة مــن ضبــط عــدد األصــوات التــي أصــوات الناخبــن ،وبعــد أن ّ
املتحصــل عليهــا املترشــح أو القائمــة
ّ فســدت بفعــل التأثيــر فيهــا ومــن ثـ ّم اســتئصالها مــن جملــة األصــوات الســليمة
املعنيــة حفاظــا علــى نزاهــة وســامة املســار االنتخابــي .وحيــث يقتضــي التثبــت مــن التأثيــر علــى الناخبــن بواســطة
وســائل اإلعــام الســمعية والبصريــة بالنظــر إلــى صبغتــه التقنيــة اإلدالء لقاضــي النتائــج أ ّوال بعناصــر قيــس موضوعيــة
بخصــوص املتابعــة وتصنيفهــا ورصــد مداهــا وضبــط كيفيــة تط ّورهــا وتحديــد نســبها علــى أن يبقــى تقديــر املحتــوى
واملضمــون االتصالــي للبرنامــج أو للومضــة بخصــوص اإلشــهار السياســي مــن عدمــه راجعــا لقاضــي االنتخابــي.
( )...وحيــث يقتضــي قيــس التأثيــر وضبــط مــداه الك ّمــي والجغرافــي فــي النــزاع الراهــن بيــان عــدد متابعــي قنــاة
«نســمة» فــي ف ـرات البــث العــادي وعددهــم فــي فتــرة االنتخابــات ،كاإلدالء بعــدد متابعــي الومضــة اإلشــهارية املشــار
إليهــا أعــاه فــي مختلــف فتــرات ب ّثهــا وتصنيــف مختلــف املعطيــات اإلحصائيــة املتع ّلقــة بهــا علــى مســتوى وطنــي
وعلــى مســتوى جهــوي ومح ّلــي .وحيــث وفــي غيــاب اإلدالء بعناصــر قيــس التأثيــر املشــار إليــه بخصــوص الومضــة
اإلشــهارية املذكــورة أمــام قاضــي النتائــج يكــون املطعــن املاثــل مج ـ ّردا وكاف للقضــاء برفضــه علــى هــذا األســاس»
.3املحكمــة اإلداريــة ،الدائــرة االســتئنافية الثامنــة ،عــدد 20194079بتاريــخ 22أكتوبــر ،2019رئيــس قائمــة
حــزب حركــة النهضــة بالدائــرة االنتخابيــة الثانيــة بنابــل ضــ ّد /الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة
حــزب قلــب تونــس بالدائــرة االنتخابيــة الثانيــة بنابــل «وحيــث اتّضــح بالرجــوع إلــى تقريــر الهيئــة العليــا املســتقلة
الخاصــة نســمة خطيــة ماليــة مــن أجــل العــود
ّ لالتصــال الســمعي والبصــري أنّهــا ســ ّلطت علــى القنــاة التلفز ّيــة
إلــى ارتــكاب مخالفــة اإلشــهار السياســي لفائــدة حــزب قلــب تونــس ،وذلــك خــال بــثّ ومضــة قبــل ســويعات مــن
حلــول فتــرة الصمــت االنتخابــي تظهــر فيهــا زوجــة رئيــس الحــزب وأحــد املســاندين الرئيســيني لــه وهــي تخاطــب
الناخبــن ،وقــد اعتبــرت الهيئــة املذكــورة أنّهــا اســتعملت فــي تلــك الومضــة «عبــارات مــن شــأنها توجيــه الناخبــن
والتأثيــر فــي توجهــات تصويتهــم» وك ّيفتهــا بكونهــا إشــهار سياســي .وحيــث ثبــت مــن محتــوى الومضــة املذكــورة
أنّهــا تحمــل عنــوان «األحــد 06أكتوبــر الشــعب ينتخــب» واقتصــرت علــى تحفيــز املواطنــن علــى ال ّذهــاب إلــى
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 76
أمــا اإلشــكال الثانــي فتعلــق بمــدى عالقــة املحتــوى بتكييــف اإلشــهار السياســي
وإن كان املضمــون «السياســي» شــرطا ضروريــا لذلــك التكييــف أم أنّ البــث املكثــف
بظهــور أحــد املترشــحني يمكــن أن يعتبــر إشــهارا سياســيا أيــا كان مضمــون الخطــاب.
وقــد اعتبــرت الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات بشــأن الومضــة التــي بثــت علــى لســان
زوجــة رئيــس الحــزب املترشــحة قائماتــه لالنتخابــات التشــريعية وبعــد الرجــوع إلــى
توقيــت بثهــا وظروفــه أنهــا ال تعتبــر إشــهارا سياســيا لغيــاب عنصــر التوجيــه املباشــر
فــي مضمــون الخطــاب وارتباطهــا أساســا بالدعــوة للمشــاركة فــي االنتخابــات بشــكل
عــام .واعتبــرت فــي املقابــل أن املــدة املفرطــة لظهــور رئيــس حــزب الرحمــة ورئيــس القائمــة
املترشــحة عــن ذلــك الحــزب فــي بن عروس خــال الحملــة االنتخابية بمعدل 3ســاعات و19
دق يوميــا طيلــة فتــرة الحملــة وفــي خــرق واضــح ملنــع املترشــحني مــن الظهــور اإلعالمــي
فــي غيــر الحصــص املخصصــة للحملــة االنتخابيــة 1يمثــل دعايــة غيــر مباشــرة وإشــهارا
سياســيا .وكان موقــف الهيئــة مســتندا إلــى أن وتيــرة البــث اإلذاعــي تعتبــر بحــد ذاتهــا
عنصــرا مــن عناصــر التســويق التجــاري وأن اســم املترشــح وصوتــه وأفــكاره وإن لــم
تبســط فــي عالقاتهــا املباشــرة باملجــال السياســي هــي مــن عناصــر التعريف به كمترشــح.
وإن ذهــب قاضــي النتائــج فــي نفــس اتجــاه الهيئــة بالنســبة للحالــة األولــى فقــد عارضهــا
ســواء فــي الطــور االبتدائــي أو الطــور االســئنافي بالنســبة للحالــة الثانيــة وجــاء فــي
حيثيــات املحكمــة «أنّ محتــوى تدخــات (رئيــس القائمــة املترشــحة) عبــر إذاعــة
القــرآن الكريــم طيلــة فتــرة الحملــة االنتخابيــة مثلمــا تــ ّم تفصيلهــا فــي تقريــر الهيئــة
املذكــورة ذاتهــا إنّمــا تع ّلــق بإعــادة بــثّ برامــج دينيــة قديمــة تنــاول فيهــا ســيرة الصحابــة
وخصالهــم باإلضافــة إلــى تخصيــص حصــص البــثّ املباشــر لتقديــم فتــاوى ر ّدا علــى
املوجهــة إلــى اإلذاعــة مــن املســتمعني حــول بعــض املســائل ذات الصبغــة ّ األســئلة
أي إشــهار ّ
الدينيــة ،وأنّ الحيــز الزمنــي الــذي اســتغرقه بــثّ كل تلــك البرامــج لــم يتض ّمــن ّ
لحــزب الرحمــة أو لرئيســه أو القائمــة املترشــحة عنــه بدائــرة بــن عــروس أو برنامجــه
الصفــة مــن أجــل االنتخابــي وال أيــة دعايــة مباشــرة أو غيــر مباشــرة لفائدتــه بهــذه ّ
اســتمالة أكثــر مــا يمكــن مــن املتل ّقــن والتأثيــر علــى ســلوك الناخبــن واختياراتهــم،
وال قيــام امل ّدعــي بحملــة انتخابيــة مضــا ّدة بالدعــوة إلــى إقصــاء بق ّيــة األحــزاب
السياســية ،كمــا لــم يثبــت أ ّنــه م ّكــن مســتمعي اإلذاعــة مــن االتصــال خــال تلــك البرامــج
ملســاندته أو مســاندة قائمتــه ،األمــر الــذي تنتفــي معــه مقومــات اإلشــهار السياســي
التصويــت فــي ذلــك اليــوم ،ولــم تتض ّمــن أ ّيــة دعــوة إلــى انتخــاب شــخص أو حــزب سياســي بعينــه ،وال تتو ّفــر
فيهــا بالتالــي مق ّومــات اإلشــهار السياســي علــى النحــو املب ّيــن أعــاه ،األمــر الــذي يتجــه معــه ر ّد هــذا املطعــن».
.1نــص علــى هــذا املنــع الفصــل 30مــن القــرار املشــترك بــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات والهئيــة العليــا
لالتصــال الســمعي البصــري.
77 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
املنســوب إليــه مثلمــا ح ّددهــا القانــون األساســي املتع ّلــق باالنتخابــات واالســتفتاء».1
وكان الحكــم االســتئنافي النهائــي فــي هــذه القضيــة والــذي انبنــى علــى تحليــل
مخالــف ملوقــف الهيئــة ومــا ضمنتــه صراحــة بقراراتهــا الترتيبيــة املحــدد الســترجاع
القائمــة املذكــورة للمقعــد الــذي فــازت بــه بعــد إســقاط نتائجهــا عنــد البــت األولــي.
وكمثــال ثــان كان للقاضــي االنتخابــي فــي 2019دور لتعريــف الثلــب فــي املجــال االنتخابي
وتمييــزه عــن املجادلــة السياســية التــي ال تعتبــر ممنوعــة خــال الحملــة االنتخابيــة .وجــاء
فــي حيثيــات املحكمــة (بخصــوص الطعــن املســتند إلــى أن عبــارة «اهلل غالــب مــا عندنــاش
مقرونــة» تعتبــر ثلبــا) مــا يلــي« :وحيــث أدرج القانــون االنتخابــي هتــك أعــراض املترشــحني
واملســاس مــن كرامتهــم والتع ـ ّدي عليهــم معنويــا ضمــن مصطلــح «الثلــب» الــذي أعطــاه
ال بذاتــه عــن املفهــوم املتعــارف عليــه فــي القانــون الجزائــي مراعــاة مفهومــا مســتق ّ
لخصوصيــة املــادة .وحيــث عـ ّرف الفصــل 2مــن القــرار املشــترك املؤرخ فــي 21أوت 2019
«كل ا ّدعــاء أو نســبة شــيء غيــر صحيــح بصــورة علنيــة مــن شــأنه أن ينــال «الثلــب» بأ ّنــه ّ
مــن شــرف أو اعتبــار شــخص مع ّيــن بشــرط أن يترتــب عــن ذلــك ضــرر شــخصي ومباشــر
ـاص باملــادة االنتخابيــة أنّه
للشــخص املســتهدف» .وحيــث يستشــف مــن ذلــك التعريــف الخـ ّ
اشــترط فــي اال ّدعــاء الــكاذب أن يلحــق ضــررا شــخصيا ومباشــرا للشــخص املســتهدف
بــه .وحيــث أنّ مــا ا ّدعــاه نائــب الطاعنــة ال يعـ ّد ثلبــا علــى معنــى األحــكام املذكــورة آنفــا».2
وقــد أيــدت الجلســة العامــة القضائيــة هــذا املوقــف مبينــة أنــه «خالفــا ملــا
تمســك بــه نائــب الطاعنــة فــإنّ هــذه العبــارات لــم تتض ّمــن صراحــة نســبة أمــر
ّ
أي
مــا إلــى مترشــح بعينــه وال ترتقــي بالتالــي إلــى درجــة املســاس بعــرض ّ
مترشــح أو كرامتــه وال تتعــ ّدى بذلــك حــدود التنافــس االنتخابــي املســموح بــه.3»...
وتجــدر اإلشــارة إلــى أن األخــذ بعــن االعتبــار ملــا تتضمنــه األحــكام القضائيــة مــن تحديــد
.1املحكمــة اإلداريــة ،الدائــرة االســتئنافية الثامنــة ،عــدد 20194053بتاريــخ 21أكتوبــر ،2019رئيــس قائمــة
حــزب الرحمــة بالدائــرة االنتخابيــة بــن عــروس ضــ ّد /الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات وقائمــة حــزب
حركــة الشــعب بالدائــرة االنتخابيــة بــن عــروس والهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري.
.2املحكمــة اإلداريــة ،الدائــرة االســتئنافية الثانيــة ،عــدد 20194034بتاريــخ 22أكتوبــر ،2019رئيســة قائمــة حــزب قلــب
تونــس عــن الدائــرة االنتخابيــة بتونــس 1ضـ ّد /الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة
عــن الدائــرة االنتخابيــة بتونــس .1
.3املحكمــة اإلداريــة ،الجلســة العامــة القضائيــة ،القــرار الصــادر فــي القضيــة عــدد 20195021بتاريــخ
04نوفمبــر ،2019رئيســة قائمــة حــزب قلــب تونــس عــن الدائــرة االنتخابيــة األولــى لواليــة تونــس ضــ ّد /الهيئــة
العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة عــن الدائــرة االنتخابيــة األولــى لواليــة تونــس).
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 78
تعمــل الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات فــي مجــال للمنافســة السياســية ويتّســم دورهــا
بأهميــة بالغــة لضمــان اســتقرار الدولــة مــن خــال التــداول الســلمي علــى الســلطة.
وباإلضافــة إلــى مــا يثيــره هــذا الــدور فــي حــد ذاتــه مــن صعوبــات فــإن املوقــع املســتجد
للهيئــة بإنشــائها بعــد 2011وإقرارهــا كهيئــة دائمــة بموجــب دســتور 27جانفــي 2014
يحيــط أداءهــا بتحديــات إضافيــة ملــا يفرضــه مــن تعامــل مــع بقيــة املؤسســات ومــن
انتظــارات مضاعفــة ملشــروعية فــي األداء بغايــة تحقيــق دور الهيئــة فــي دعــم الديمقراطية.2
وبالرجــوع إلــى مختلــف األحــكام والقــرارات القضائيــة يتبــن أنهــا ّ
وضحــت صالحيــات
الهيئــة مــن منظــور ذي أبعــاد مختلفــة إذ بينــت:
• أنّ للهيئــة واليــة عامــة إلدارة وتنظيــم االنتخابــات واإلشــراف عليهــا وهــو مــا يخــول
لهــا ســلطة ترتيبيــة فــي املجــال
• أنّ الهيئــة تلتــزم فــي ممارســة صالحياتهــا الترتيبيــة وغيــر الترتيبيــة بالقواعــد
الدســتورية وبمجــال القانــون وبالقواعــد القانونيــة العامــة
• أنّ الهيئــة تلتــزم بقواعــد فقــه القضــاء فــي ممارســة صالحيــات الرقابــة علــى
العمليــة االنتخابيــة وتط ّبــق شــروط إقــرار النتائــج أو تعديلهــا أو إلغائهــا طبقــا لذلــك.
وقــد كان للقضــاء دور فــي حســم املناقشــة بخصــوص إقــرار الســلطة الترتيبيــة للهيئــة
العليــا املســتقلة لالنتخابــات حــن اعتبــرت املحكمــة اإلداريــة منــذ أكتوبــر 2011وقبــل
صــدور دســتور 27جانفــي 3 2014أن للهيئــة ســلطة ترتيبيــة فــي مجــال اختصاصهــا.
.1تضمنــت األحــكام القضائيــة املتعلقــة بالطعــن فــي نتائــج االنتخابــات البلديــة مثــا أن مشــاركة األطفــال فــي
الحمــات االنتخابيــة ال يعتبــر ضــرورة اســتغالال لهــم وال يشــكل مخالفــة انتخابيــة (املحكمــة اإلداريــة20183001 ،
بتاريــخ 18مــاي )2018وأدى عــدم أخــذ املوقــف بعــن االعتبــار مــن قبــل الهيئــة إلــى إعــادة اتخــاذ نفــس املوقــف
مــن املحكمــة فــي ( 2019املحكمــة اإلداريــة ،الدائــرة االســتئنافية الرابعــة ،عــدد 20194039بتاريــخ 22أكتوبــر )2019
.2الفصــل 125مــن الدســتور «تعمــل الهيئــات الدســتورية املســتقلة علــى دعــم الديمقراطيــة وعلــى كافــة مؤسســات
الدولــة تيســير عملهــا»...
.3ينــص الفصــل 126مــن دســتور 27جانفــي 2014علــى مــا يلــي «تتولــى هيئــة االنتخابــات وتســمى
79 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
وكان ذلــك بمناســبة طلــب توقيــف التنفيــذ املقــ ّدم بتاريــخ 24ســبتمبر 2011مــن ممثــل
حــزب سياســي ضــد الفصــل 15مــن قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات الصــادر
بتاريــخ 3ســبتمبر 2011والقاضــي بمنــع املترشــحني مــن اإلشــهار السياســي .ومــن
بــن املطاعــن التــي اســتند إليهــا املطلــب خــرق أحــكام الفصــل 4مــن املرســوم عــدد 27
لســنة 2011املــؤرخ فــي 18أفريــل 2011املتعلــق بإحــداث هيئــة عليــا مســتقلة لالنتخابــات
بمقولــة أن القــرار يخــرج عــن صالحيــات الهيئــة املحــددة حصريــا بالفصــل 4مــن
املرســوم .وقــد انتهــت املحكمــة 1إلــى أن «الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات بوصفهــا
هيئــة عموميــة مســتقلة (تحتكــم) علــى ســلطة ترتيبيــة متخصصــة مكرســة لتطبيــق
القانــون ...وأن تحجيــر ...اســتعمال أســاليب اإلشــهار التجــاري لغايــة دعايــة انتخابيــة
لفائــدة املترشــحني ابتــداء مــن 12ســبتمبر 2011ينــدرج ضمــن مــا أوكل إليهــا مــن
مهمــة اإلعــداد النتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي واإلشــراف عليهــا ومراقبــة ملختلــف
العمليــات االنتخابيــة ســعيا لضمــان احتــرام مبــادئ الديمقراطيــة والنزاهــة والشــفافية».
كمــا أكــدت املحكمــة اإلداريــة فــي 2014ر ّدا علــى طلــب توقيــف تنفيــذ قــرار الهيئــة بتاريــخ
21نوفمبــر 2014والقاضــي بتحديــد توقيــت فتــح وغلــق مكاتــب االقتــراع فــي 57مركــزا
بثــاث دوائــر انتخابيــة أنّ «الســلطة الترتيبيــة التــي تتمتــع بهــا الهيئــة العليــا املســتقلة
لالنتخابــات وفــق مــا نــص عليهــا الفصــل 126مــن دســتور الجمهوريــة التونســية تخ ـ ّول
لهــا اتخــاذ اإلجــراءات الضروريــة بهــدف تأمــن حســن ســير العمليــة االنتخابيــة أخــذا
بعــن االعتبــار األســباب األمنيــة املتعلقــة بســامة الناخبــن واملكلفــن بتســيير مراكــز
االقتــراع والفــرز بالنظــر إلــى التهديــدات اإلرهابيــة التــي عاشــتها البــاد» 2وقــرن القاضــي
صالحيــات الســلطة الترتيبيــة بمجــال االختصــاص الراجــع للهيئــة العليــا املســتقلة
لالنتخابــات 3وباحتــرام املجــال التشــريعي وضوابــط ممارســة الحقــوق والحريــات.
وفيمــا يتعلــق بمجــال ممارســة الســلطة الترتيبيــة بينــت األحــكام القضائيــة أن ذلــك يجــب
أن يحتــرم مجــال القانــون .مــن ذلــك اعتبــر القاضــي اإلداري أن اشــتراط القــرار الترتيبــي
الصــادر عــن الهيئــة تقديــم بطاقــة الســوابق العدليــة للترشــح لالنتخابــات الرئاســية فــي
حــن أن القانــون االنتخابــي لــم ينــص علــى ذلــك يعتبــر تجــاوزا غيــر شــرعي ملجــال
الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات إدارة االنتخابــات واالســتفتاءات وتنظيمهــا واإلشــراف عليهــا فــي
جميــع مراحلهــا وتضمــن ســامة املســار االنتخابــي ونزاهتــه وشــفافيته وتصــرح بالنتائــج .تتمتــع الهيئــة
بالســلطة الترتيبيــة فــي مجــال اختصاصهــا .تتركــب الهيئــة مــن تســعة أعضــاء مســتقلني محايديــن مــن ذوي
الكفــاءة والنزاهــة يباشــرون مهامهــم لفتــرة واحــدة مدتهــا ســت ســنوات ويجــدد ثلــث أعضائهــا كل ســنتني».
.1املحكمة اإلدارية ،قرار في مادة توقيف التنفيذ عدد 413897بتاريخ 18أكتوبر .2011
.2املحكمة اإلدارية ،قرار في مادة توقيف التنفيذ عدد 417831بتاريخ 22نوفمبر 2014
.3املحكمة اإلدارية ،قرار في مادة توقيف التنفيذ عدد 417830بتاريخ 17ديسمبر 2014
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 80
الســلطة الترتيبيــة للهيئــة وتدخــا فــي مجــال القانــون باعتبــار أن شــروط الترشــح تع ـ ّد
مــن الحقــوق الدســتورية التــي ينظمهــا القانــون .1وفــي املقابــل بينــت املحكمــة اإلداريــة أن
شــرط التزكيــة 2إنمــا هــو شــرط جــاء بــه القانــون وهــو يتــاءم وأحــكام الدســتور الضامــن
لحــق الترشــح وأنــه يرجــع بالتالــي للهيئــة تنظيــم إجــراءات ذلــك الشــرط بموجــب مــا لهــا
مــن ســلطة ترتيبيــة .واعتبــرت فــي هــذا اإلطــار أنــه يحــق لهــا مراعــاة ملتطلبــات تنظيــم
العمليــة االنتخابيــة عــدم اقتضــاء التعريــف بإمضــاءات املزكــن 3كمــا اعتبــرت بمناســبة
االنتخابــات الرئاســية الســابقة ألوانهــا فــي 2019تطبيــق إجــراءات التزكيــة شــرعيا.4
وبخصــوص إجــراءات الترشــح لالنتخابــات التشــريعية اعتبــر القاضــي االســتئنافي
فــي ،2014حاســما بذلــك االختالفــات بــن املحاكــم االبتدائيــة ،5أن «اﺷﺘﺮاط أن ﻳﻜﻮن
اإلﻣﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﻄﻠﺐ اﻟﺘﺮﺷﺢ لالنتخابــات ﺣﻀﻮرﻳﺎ أﻣﺎم اﻟﻬﻴﺌﺔ أو ﻣﻌ ّﺮﻓﺎ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺻﻮرة
اﻟﺘﺨ ّﻠف ﻋﻦ اﻟﺤﻀﻮر ﻳﺘﻤﺎﺷﻰ ﻣﻊ اﻟﺼﺒﻐﺔ اإلرادﻳﺔ اﻟﺼﺮﻓﺔ ﻟﻠﺘﺮﺷﺢ ﻟﻼﻧﺘﺨﺎﺑﺎت اﻟﺘﻲ
ﺗﺴﺘﻮﺟﺐ أن ﺗﻜﻮن إرادة اﻟﺘﺮﺷﺢ واﺿﺤﺔ وﻻ ﻟﺒﺲ ﻓﻴﻬﺎ وذﻟﻚ ﺗﻔﺎدﻳﺎ ﻟﻘﺎﺋﻤﺎت اﻟﺘﺮﺷﺢ
اﻟﻮﻫﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ تتضمــن أﺳﻤﺎء أﻋﻀﺎء ﻻ رﻏﺒﺔ ﻟﻬﻢ أﺻﻼ ﻓﻲ اﻟﺘﺮﺷﺢ( .وأنــه)
.1املحكمة اإلدارية ،قرار في مادة توقيف التنفيذ عدد 417461بتاريخ 9سبتمبر 2014
ّ
املترشــح مــن عشــرة أعضــاء مــن مجلــس .2الفصــل ( 4جديــد) مــن القــرار عــدد 18لســنة « :2019تشــترط تزكيــة
نــواب الشــعب ،أو أربعــن مــن رؤســاء مجالــس الجماعــات املحليــة املنتخبــة أو عشــرة آالف ناخــب مرســم فــي ســجل
الناخبــن موزعــن علــى األقــل علــى عشــر دوائــر انتخابيــة تشــريعية ،علــى أن ال يقـ ّـل عددهــم عــن خمســمائة ناخــب
بــكل دائــرة منهــا».
.3اعتبــر القاضــي االنتخابــي أن القانــون منــح الهيئــة «ســلطة ترتيبيــة تخــ ّول لهــا تحديــد إجــراءات
التزكيــة والوســائل الضروريــة للتثبــت مــن قائمــة املزكــن» وأن عــدم اشــتراط التعريــف باإلمضــاء ال ينــال
مــن شــفافية االنتخابــات طاملــا أنــه يرجــع للهيئــة التثبــت مــن نزاهــة ومصداقيــة التزكيــات بالرجــوع إلــى
ســجل الناخبــن وأن األصــل فــي األمــور الصحــة .املحكمــة اإلداريــة 201430006بتاريــخ 10أكتوبــر 2014
تمســك بــه الطاعــن ،فــإنّ الفصــل ( 4جديــد) مــن قــرار الهيئــة كان مطابقــا ألحــكام الفصــل « .4وحيــث وخالفــا ملــا ّ
74مــن الدســتور وألحــكام الفصــل 41مــن القانــون األساســي عــدد 16لســنة 2014ســالف الذكــر ،فضــا عــن
أنّ تنظيــم انتخابــات ســابقة ألوانهــا ال يكــون مدعــاة لخــرق القانــون طاملــا كان اإلجــراء املســتوجب ممكنــا وغيــر
مســتحيل وهــو مــا ثبــت فــي صــورة الحــال مــن خــال حصــول العديــد مــن املترشــحني لالنتخابــات الرئاســية
الســابقة ألوانهــا علــى العــدد املطلــوب مــن التزكيــات فــي األجــل املحــ ّدد» ،املحكمــة اإلداريــة ،الدائــرة االســتئنافية
السادســة ،القضيــة عــدد 20192022بتاريــخ 22أوت .2019وقــد أ ّيــدت الجلســة العا ّمــة القضائيــة هــذا املوقــف
تمســكت بــه نائبــة الطاعــن ،فــإنّ الفصــل 4
فــي الطــور االســتئنافي مــن نفــس القض ّيــة قائلــة" :وحيــث خالفــا ملــا ّ
(جديــد) مــن قــرار الهيئــة كان مطابقــا ألحــكام الفصــل 41مــن القانــون األساســي عــدد 16لســنة 2014ســالف
الذكــر وألحــكام الفصــل 74مــن الدســتور ،األمــر الــذي يجعــل الحكــم املنتقــد ســليم املبنــى القانونــي مــن
هــذه الناحيــة ،».املحكمــة اإلداريــة ،قــرار الجلســة العامــة فــي القضيــة عــدد 20193004بتاريــخ 30أوت .2019
.5اعتبــرت املحكمــة االبتدائيــة باملهديــة (نــزاع انتخابــي 2014 / 01بتاريــخ 11ســبتمبر )2014واملحكمــة االبتدائيــة بتونس
(نــزاع انتخابــي 02و 03و 10لســنة 2014والحكــم عــدد 41987بتاريــخ 12ســبتمبر )2014أن اشــتراط التعريــف باإلمضاء
أو اإلمضــاء لــدى الهيئــة الفرعيــة مخالــف للقانــون فيمــا أقــرت املحكمــة االبتدائيــة بقبلــي بشــرعية رفــض الترشــح
بنــاء علــى خــرق التراتيــب املقــررة مــن الهيئــة فــي هــذا املجــال (نــزاع انتخابــي 2014 / 01بتاريــخ 10ســبتمبر )2014
81 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
ﻓﻀﻼ ﻋ ّﻤا ﺗﻤﺘﺎز ﺑﻪ اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ اﻟﻤﺴﺘﻘ ّﻠة ﻟﻼﻧﺘﺨﺎﺑﺎت ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺔ
ﺗﺮﺗﻴﺒﻴﺔ ﺗﺨ ّﻮل ﻟﻬﺎ ﺿﺒﻂ إﺟﺮاءات ﻭﺻﻴﻎ اﻟﺘﺮﺷﺢ ﻟﻼﻧﺘﺨﺎﺑﺎت ،فإنّهــا ﺑﺎﺷﺘﺮاﻃﻬﺎ
اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﺈﻣﻀﺎء أﻋﻀﺎء اﻟﻘﺎﺋﻤﺎت اﻟﻤﺘﺮﺷﺤﺔ ﻟﻼﻧﺘﺨﺎﺑﺎت إﻧّﻣﺎ ﻫﻲ ﺣ ّﺪدت ﺻﻴﻐﺔ
أي ﺷﺮط ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻢ ﻳﺄت ﺑﻪ القانــون».1
وإﺟﺮاءات ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻣﻄﺎﻟﺐ اﻟﺘﺮﺷﺢ وﻟﻢ ﺗﻀﻒ ّ
وبصــورة عامــة وبغــض النظــر عــن ممارســة الهيئــة لســلطتها الترتيبيــة مــارس
القضــاء دوره املنصــوص عليــه بالفصــل 102مــن الدســتور بشــأن أعمــال الهيئــة
مراقبــا مــدى التزامهــا بعلويــة الدســتور وســيادة القانــون وحمايــة الحقــوق والحريــات.
ومــن األمثلــة الهامــة علــى هــذه الرقابــة منــذ 2011كانــت الرقابــة علــى حــاالت رفــض
الترشــح بنــاء علــى تطبيــق الفصــل 15مــن املرســوم عــدد 35لســنة 2011املتض ّمــن
لحــاالت لإلقصــاء السياســي .2ويذكــر أن قــرارات الرفــض الصــادرة عــن الهيئــة العليــا
املســتقلة لالنتخابــات بنــاء علــى املنــع مــن الترشــح ملــن تح ّملــوا مســؤوليات فــي العهــد
الســابق ومــن ناشــدوا الرئيــس الســابق ملــدة رئاســية جديــدة كانــت محــل طعــن أمــام
قاضــي الترشــحات .وفــي إطــار الرقابــة علــى هــذه القــرارات تثبتــت املحكمــة اإلداريــة
مــن مــدى مطابقــة القيــود التــي تض ّمنهــا الفصــل 15مــن املرســوم عــدد 35لســنة 2011
للمعاهــدة الدوليــة للحقــوق املدنيــة والسياســية منتهيــة إلــى شــرعية إقــرار تلــك القيــود
طاملــا أنهــا تهــ ّم عــددا محــدودا مــن املواطنــن وأنهــا ترمــي إلــى القطــع مــع النظــام
الســابق ،3كمــا أنهــا مارســت الرقابــة علــى محتــوى القائمــة االســمية املعتمــدة مــن هيئــة
االنتخابــات بنــاء علــى مبــدإ حقــوق الدفــاع مبينــة أنــه «ال شــيئ يحــول دون االعتــراض
علــى قائمــة املناشــدين ســواء أمــام الهيئــة املعنيــة أو بمناســبة النــزاع القضائــي وذلــك
بالرغــم مــن عــدم نشــرها» 1وأن «الوثيقــة الصــادرة عــن الهيئــة العليــا لتحقيــق أهــداف
الثــورة واإلصــاح السياســي واالنتقــال الديمقراطــي واملتضمنــة أســماء املناشــدين ال
تعتبــر وثيقــة رســمية غيــر قابلــة ألي وجــه مــن أوجــه الدحــض ضــرورة أن واضعهــا هــي
هيئــة عموميــة مســتقلة غيــر معفــاة مــن كل رقابــة ...ومــن شــأن عــدم إخضــاع الوثيقــة...
املتضمنــة أســماء املناشــدين إلــى الرقابــة أن يــؤول فــي نهايــة املطــاف إلــى منحهــا ســلطة
مطلقــة وإعفــاء قراراتهــا مــن الخضــوع إلــى مبــدإ الشــرعية مــن جهــة والتقليــص مــن
حقــوق األفــراد فــي ممارســة حقهــم فــي االعتــراض عليهــا واإلدالء بوســائل دفاعهــم
ومقارعــة الحجــج التــي اســتندت إليهــا الهيئــة مــن جهــة أخــرى» .2ويذكــر أن ممارســة
تلــك الرقابــة قــد بينــت حــاالت لعــدم التطابــق بــن هويــة املترشــح والهويــة املضمنــة بقائمــة
املناشــدين إضافــة إلــى التشــابه فــي األســماء وعــدم دقــة البيانــات وهــو مــا ألغــت املحكمــة
علــى أساســه قــرار رفــض الترشــح متمســكة بالطابــع االســتثنائي لإلقصــاء مــن حريــة
ممارســة النشــاط السياســي 3بمــا يوجــب إثبــات حالــة املنــع وتأويلهــا تأويــا ضيقــا.
وفــي نفــس االتجــاه أقــرت املحكمــة اإلداريــة فــي 2014أنّ حــقّ الترشــح لالنتخابــات هــو
حــق دســتوري ضمنــه الفصــل 34مــن الدســتور وأنــه ال يمكــن بالتالــي التوســع أو القيــاس
فــي حــاالت منــع الترشــح املنصــوص عليهــا بالفصــل 20مــن القانــون االنتخابــي عــدد 16
لســنة 2014وعلــى نحــو مــا ذهــب إليــه القاضــي فــي 2011حــن رفــض التوســع فــي قائمــة
املســؤوليات صلــب حــزب التجمــع الســابق والتــي تمنــع مــن الترشــح فقــد رفــض فــي
2014اعتبــار رئاســة النيابــة الخصوصيــة إلحــدى البلديــات بمثابــة الوظائــف املنصــوص
عليهــا بالفصــل 20مــن القانــون االنتخابــي وأنهــا بذلــك تمنــع مــن الترشــح لالنتخابــات
التشــريعية إذ جــاء بحيثيــات املحكمــة أن «الفصــل 20مــن القانــون األساســي عــدد 16
لســنة 2014املــؤرخ فــي 26مــاي 2014املتعلــق باالنتخــاب واالســتفتاء (ح ـ ّدد) الناخبــن
الذيــن ال يمكنهــم الترشــح لعضويــة مجلــس نــواب الشــعب إال بعــد تقديــم اســتقالتهم أو
إحالتهــم علــى عــدم املباشــرة وهــم القضــاة ورؤســاء البعثــات واملراكــز الديبلوماســية
والقنصليــة والــوالة واملعتمــدون األول والكتــاب العامــون للواليــات واملعتمــدون والعمــد .و...
ّ
الترشــح علــى معنــى الفصــل 20 أن مهمــة رئيــس نيابــة خصوصيــة ال تعتبــر مــن موانــع
مــن القانــون عــدد 16لســنة 2014املذكــور أعــاه» .4وتــم فــي 2018اعتمــاد نفــس املوقــف
تطبيــق هــذا املبــدأ أن يثبــت تقصيــر الهيئــة أو مخالفتهــا لهــذا املبدأ .وحيــث أنّ تطبيق مبدأ
تكافــؤ الفــرص فــي املــادة االنتخابيــة يفتــرض أن يكــون املترشــحون فــي وضعيــة قانونيــة
متماثلــة .وحيــث أن حرمــان رئيــس حــزب قلــب تونــس مــن القيــام بالحملــة االنتخابيــة
لفائــدة حزبــه يعــود إلــى قــرار اإليقــاف التحفظــي الصــادر فــي حقــه عــن القضــاء العدلــي،
بمــا يجعــل عــدم تحقــق مبــدأ تكافــؤ الفــرص فــي هــذه الحالــة خارجــا عــن نطــاق الهيئــة
وعــن نطــاق بقيــة القائمــات الحزبيــة واملســتقلة املشــاركة فــي االنتخابــات التشــريعية،»1
وبنــاء علــى ذلــك أقــر القاضــي االنتخابــي النتائــج املصــرح بهــا مــن الهيئــة فــي االنتخابــات
الرئاســية .إذ أنهــا تخضــع فــي رقابتهــا على العمليــة االنتخابية والتصريــح بالنتائج ملبادئ
الحيــاد واملســاواة واســتمرارية املرفــق العــام وفــق قواعــد الشــفافية والنزاهــة والنجاعــة
واملساءلة 2غير أنها تخضع إضافة إلى ذلك لقواعد خاصة بالعملية االنتخابية كان للقضاء
قــول فيهــا وكان لطريقتــه فــي الرقابة بشــأنها دور في بيان صالحيــات الهيئة بخصوصها.
والرقابــة التــي تمارســها الهيئــة فــي فتــرة البــت األولــي تهدف إلــى التثبت من مــدى مطابقة
النتائــج التــي يفرزهــا الصنــدوق لــإرادة الحقيقيــة للناخبــن .وتتــم هــذه الرقابــة علــى
مستويني :بخصوص صحة عمليات االقتراع والع ّد والفرز والتجميع من ناحية وبخصوص
مــدى التــزام الفائزيــن بقواعــد الفتــرة االنتخابيــة وتمويلهــا مــن ناحيــة أخــرى .وقــد تض ّمن
القانــون االنتخابــي الفصلــن 142و 143يتعلــق كل منهمــا بأحــد مجــاالت هــذه الرقابــة.
ووفقا ألحكام الفصل 142من القانون االنتخابي 3أق ّر القاضي للهيئة بالصالحيات التالية:
• الرقابــة علــى قــرارات مكاتــب االقتــراع واملكاتــب املركزيــة ومراكــز الجمــع فــي مجــال
.1املحكمــة اإلداريــة ،الدائــرة االســتئنافية التاســعة ،عــدد 20194028بتاريــخ 22أكتوبــر ،2019رئيــس قائمــة حــزب «قلــب
تونــس» بالدائــرة االنتخابيــة بجندوبــة ضـ ّد /الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة
بالدائــرة االنتخابيــة بجندوبــة.
.2املبادئ املنصوص عليها بالفصل 15من الدستور.
.3الفصــل « 142تراقــب الهيئــة قــرارات مكاتــب االقتــراع واملكاتــب املركزيــة ومراكــز الجمــع فــي مجــال االقتــراع
والفــرز وتقــوم بالتحقيــق فــي أســباب عــدم التطابــق بــن عــدد أوراق التصويــت وعــدد املقترعــن وإصــاح األخطــاء
املاديــة والحســابية فــي محاضــر الفــرز إن وجــدت .وللهيئــة أن تعيــد الفــرز فــي مكتــب اقتــراع أو أكثــر ولهــى أن تلغــي
النتائــج فيــه أو فــي دائــرة انتخابيــة إذا تبــن لهــا وجــود إخــاالت جوهريــة وحاســمة شــابت عمليــة االقتــراع والفــرز.
وتعلــم الهيئــة النيابــة العموميــة عنــد االشــتباه فــي ارتــكاب مخالفــات أو جرائــم أثنــاء االنتخابــات أو االســتفتاء .إذا
كان مــن شــأن النتائــج امللغــاة التأثيــر علــى تحديــد املقاعــد الفائــزة فــي االنتخابــات التشــريعية والبلديــة والجهويــة أو
املترشــح الفائــز فــي االنتخابــات الرئاســية أو املترشــحني لــدورة اإلعــادة أو نتيجــة االســتفتاء تقــوم الهيئــة بإعــادة
االقتــراع أو االســتفتاء فــي الدوائــر االنتخابيــة التــي ألغيــت فيهــا النتائــج طبــق األحــكام الــواردة باألبــواب املتعلقــة
بالفتــرة االنتخابيــة واالقتــراع والفــرز وإعــان النتائــج وذلــك فــي مــدة ال تتجــاوز الثالثثــن يومــا املواليــة النقضــاء أجــل
الطعــن فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات واالســتفتاء أو لإلعــام باألحــكام الصــادرة عــن املحكمــة اإلداريــة العليــا .ال
تتــم إعــادة االقتــراع إال بــن القائمــات واملترشــحني واألحــزاب الذيــن ســبق لهــم املشــاركة فــي االنتخابــات واالســتفتاء».
85 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
.1الفصــل « 143تتثبــت الهيئــة مــن احتــرام الفائزيــن ألحــكام الفتــرة االنتخابيــة وتمويلهــا ويجــب أن تقــرر
إلغــاء نتائــج الفائزيــن بصفــة كليــة أو جزئيــة إذا تبــن لهــا أن مخالفتهــم لهــذه األحــكام أثــرت علــى نتائــج
االنتخابــات بصفــة جوهريــة وحاســمة وتكــون قراراتهــا معللــة وفــي هــذه الحالــة يقــع إعــادة احتســاب
نتائــج االنتخابــات التشــريعية أو البلديــة أو الجهويــة دون األخــذ بعــن االعتبــار األصــوات التــي تــم إلغاؤهــا
وفــي االنتخابــات الرئاســية يتــم االقتصــار علــى إعــادة ترتيــب املترشــحني دون إعــادة احتســاب النتائــج».
.2املحكمة اإلدارية / 46 ،نزاع النتخابي بتاريخ 7نوفمبر .2011
.3املحكمة اإلدارية 201420018 ،بتاريخ 8نوفمبر .2014
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 86
لهــا أهليــة إعــادة االحتســاب والتصحيــح .1وبينــت املحكمــة أنــه ال تعتمــد فــي النهايــة إال
املحاضــر فــي صيغتهــا الرســمية وبعــد مراقبتهــا وتصحيحهــا عنــد االقتضــاء 2وهــو مــا
تعتمــده الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عنــد البــت فــي النتائــج األوليــة وتق ـ ّدر مــدى
التأثيــر علــى النتائــج لعمليــات التصحيــح وكذلــك لقــرارات إلغــاء النتائــج فــي مكتــب
أوعــدة مكاتــب طبــق مــا يخ ّولــه الفصــل 142مــن القانــون االنتخابي .3ووفقــا للصالحيــات
التــي تخ ّولهــا الفقــرة 3مــن نفــس الفصــل 142ذهبــت الهيئــة فــي االنتخابــات البلديــة 2018
إلــى اتخــاذ «قــرار بإعــادة االقتــراع يــوم 27مــاي 2018فــي دائــرة املظيلــة بنــاء علــى مــا
رافــق عمليــة االقتــراع صبــاح يــوم 6مــاي 2018مــن أعمــال عنــف بمكتبــن فــي مركــز
االقتــراع بمدرســة حــي العمــال بمعتمديــة املظيلــة بســبب خطــإ تمثــل فــي أن رزم بطاقــات
االقتــراع التابعــة للمكتــب عــدد 1بمركــز اقتــراع مدرســة حــي النســيم غيــر مطابقــة
للدائــرة االنتخابيــة املظيلــة بــل هــي تتعلــق بدائــرة قفصــة» 4وقــد تــم إقــرار موقفهــا ضمنيــا
مــن قبــل املحكمــة مــن خــال رفــض الطعــن أصــا فــي النتائــج األوليــة بتلــك الدائــرة.5
وفــي خصــوص الطلبــات بإعــادة الفــرز والتــي تــم تقديمهــا مــن املترشــحني
فــي إطــار الدعــاوى القضائيــة ضــد النتائــج األوليــة بينــت املحكمــة أن «جمــع
نتائــج االقتــراع يكــون باالعتمــاد علــى محاضــر الفــرز املتعلقــة بمراكــز االقتــراع
الراجعــة للدائــرة االنتخابيــة وال يتــم اللجــوء إلــى إعــادة الفــرز املباشــر إال فــي
حالــة معاينــة تواتــر إخــاالت مــن شــأنها املســاس بســامة العمليــة االنتخابيــة.»6
.1يراجــع مثــا املحكمــة اإلداريــة 201420036 ،بتاريــخ 8نوفمبــر « 2014وحيــث تبــن للمحكمــة بعــد إعــادة التدقيــق
فــي محاضــر الفــرز املتعلقــة بمعتمديــة قرنباليــة واحتســاب األصــوات املســندة لــكل مــن حــزب حركــة النهضــة والجبهــة
الشــعبية أن حركــة النهضــة تحصلــت علــى 5088صــوت وليــس 5168صــوت مثلمــا يدعيــه نائبهــا فــي حــن صرحــت
الهيئــة بحصولهــا علــى 5044صــوت أي بنقــص قــدره 44صــوت فــي حــن تحصلــت الجبهــة الشــعبية علــى 841
صــوت أي بزيــادة قدرهــا 7أصــوات .وحيــث أن تطبيــق هــذه املعطيــات الجديــدة التــي ثبــت للمحكمــة بعــد إعــادة
احتســابها لألصــوات بمعتمديــة قرنباليــة ال يغيــر مــن النتائــج املصــرح بهــا فــي شــيء ضــرورة أن زيــادة 44صــوت
لحركــة النهضــة وحــذف 7أصـ�وات للجبهـ�ة الشـ�عبية ال يسـ�توعب كامـ�ل الفـ�رق فـ�ي األصـ�وات املقـ�در ب 107صوتــا».
.2املحكمة اإلدارية 20194070 ،بتاريخ 22أكتوبر .2019
.3تراجــع مــداوالت مجلــس الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات بتاريــخ 9أكتوبــر 2019بخصــوص النتائــج األوليــة
لالنتخابــات التشــريعية والتــي تــم بموجبهــا إلغــاء نتائــج أحــد املكاتــب بالهيئــة الفرعيــة فرنســا 2بالنظــر إلضافــة 49
ورقــة تصويــت فــي الصنــدوق وتراجــع مــداوالت مجلــس الهيئــة بتاريــخ 14أكتوبــر 2019بخصــوص النتائــج األوليــة
لالنتخابــات الرئاســية دورة ثانيــة والتــي تــم بموجبهــا إلغــاء نتائــج مكتــب االســكندرية لثبــوت قبــول االقتــراع بالوكالــة.
.4يراجع تقرير الهيئة بخصوص االنتخابات البلدية ص 319
.5تراجع القضية عدد 20183043
.6املحكمة اإلدارية 201420041 ،بتاريخ 8نوفمبر 2014
87 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
أمــا فيمــا يتعلــق باســتعمال صالحيــات الفصــل 143مــن القانــون االنتخابــي فإنــه جديــر
باملالحظــة أنــه يطــرح منــذ 2011وإلــى غايــة 2019العديــد مــن اإلشــكاليات مــن خــال
قــرارات الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات واألحــكام القضائيــة ذات العالقــة .1وقــد بــن
القاضــي االنتخابــي فــي حيثيــة مبدئيــة أنّ «الفصــل املذكــور أوجــب أن تكــون قــرارات
الهيئــة املتعلقــة بإلغــاء نتائــج الفائزيــن معللــة وهــي تخضــع فــي ذلــك لرقابــة القاضــي
اإلداري املنتصــب للنظــر فــي النزاعــات املتعلقــة بنتائــج االنتخابــات والــذي يبســط نظــره
ال فقــط علــى مــدى صحــة األســباب املســتند إليهــا مــن جهــة ســندها الواقعــي والقانونــي
2
بــل وكذلــك مــن جهــة مــدى تأثيرهــا الجوهــري والحاســم فــي نتائــج االنتخابــات».
وفــي ترجمــة ملوقفهــا بخصــوص الصبغــة االســتثنائية لتطبيــق هــذه الصالحيــات
وضــرورة اســتعمالها مــن الهيئــة بكامــل الحــذر بينــت املحكمــة اإلداريــة أن ســلطتها
فــي هــذا اإلطــار ال تعتبــر «ســلطة ملعاقبــة املخالفــن ضــرورة أنهــا (الهيئــة) ال تملــك
تحويــر إرادة الناخبــن بــل تكتفــي بالتصــدي إلــى املخالفــات التــي مــن شــأنها تشــويه
التعبيــر عــن هــذه اإلرادة حمايــة لوضوحهــا وقوتهــا وهــي فــي هــذا ال تنظــر إلــى فداحــة
اإلخــاالت وخطورتهــا إال بقــدر مــا ينجــر عــن ذلــك مــن تأثيــر علــى النتائــج» 3كمــا
أنهــا ال تأخــذ بعــن االعتبــار الصبغــة القصديــة أو غيــر القصديــة للمخالفــات .4وقــد
بــرزت فــي مختلــف املحطــات العديــد مــن اإلشــكاليات فــي اســتعمال هــذه الصالحيــات.
.1فــي 2011تولــى مجلــس الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات إلغــاء النتائــج املتحصــل عليهــا مــن
قائمــات العريضــة الشــعبية فــي 5دوائــر انتخابيــة وهــي تطاويــن وصفاقــس 1وجندوبــة والقصريــن
وســيدي بوزيــد بنــاء علــى اإلخــال بقواعــد التمويــل الخــاص للحملــة االنتخابيــة وتبعــا للطعــون
القضائيــة ألغــت املحكمــة اإلداريــة تلــك القــرارات وأقــرت النتائــج املتحصــل عليهــا مــن القائمــات.
وفــي االنتخابــات التشــريعية لســنة 2014اتخــذ مجلــس الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات قــرارا باإللغاء الجزئــي لنتائج
قائمــة حــزب حركــة نــداء تونــس بدائــرة القصريــن بحرمانهــا مــن املقعــد الثالــث املســند لهــا باعتبــار ثبــوت ارتكابهــا
ملخالفــات عديــدة مــن شــأنها التأثيــر بصفــة جوهريــة وحاســمة علــى فوزهــا بذلــك املقعد وإســناده للحــزب املوالــي لها في
الترتيــب وهــو حــزب التكتــل مــن أجــل العمــل والحريــات وبموجــب الطعن فــي النتائــج ألغت املحكمــة اإلدارية ذلــك القرار.
وفــي االنتخابــات التشــريعية لســنة 2019اتخــذت الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات قــرارا باإللغــاء
الجزئــي لنتائــج قائمــة عيــش تونســي صــوت التونســيني بالخــارج بدائــرة فرنســا 2بنــاء علــى اســتعمال
اإلشــهار علــى صفحــات التواصــل االجتماعــي وقــد تــم رفــض الطعــن املقــدم مــن القائمــة شــكال كمــا
اتخــذت قــرارا باإللغــاء الكلــي لنتائــج قائمــة حــزب الرحمــة بدائــرة بــن عــروس بنــاء علــى اســتعمال إذاعــة
القــرآن الكريــم فــي اإلشــهار السياســي والدعايــة املكثفــة وقــد ألغــت املحكمــة اإلداريــة ذلــك القــرار.
.2املحكمة اإلدارية 201450013بتاريخ 18نوفمبر 2014
.3املحكمة اإلدارية 201420005 ،بتاريخ 7نوفمبر 2014
.4املحكمة اإلدارية 201420019 ،بتاريخ 8نوفمبر 2014
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 88
وتبــرز أول إشــكالية بهــذا الشــأن فــي مســتوى صفــة الطعــن فــي النتائــج
األوليــة باعتبــار الدعــوى القضائيــة ضــد النتائــج األوليــة والتــي تمــارس وفقــا
للفصلــن 145و 146مــن القانــون االنتخابــي هــي التــي تمكــن مــن فتــح املناقشــة
بخصــوص ممارســة الهيئــة لصالحيــات الفصــل 143والتــي تؤهلهــا للتصريــح
باملصادقــة أو التعديــل أو عــدم املصادقــة علــى مــا أنتجــه الفــرز والعــد والتجميــع.
فالطعــن فــي النتائــج األوليــة غيــر مفتــوح لعمــوم الناخبــن ولــو كانــوا مجمعــن وهــو
مــا ال يخــول للقاضــي بســط رقابــة شــاملة ووفــق كامــل املعطيــات التــي طرحــت
أمــام هيئــة االنتخابــات ،وإنمــا يقتصــر نظــره علــى مــا قــ ّدم أمامــه مــن طعــون ممــن
لهــم الصفــة واملصلحــة للطعــن وبنــاء علــى املطاعــن املقدمــة .غيــر أن موقــف القاضــي
االنتخابــي بخصــوص توفــر شــرطي الصفــة واملصلحــة لــم يكــن مســتقرا .إذ اعتبــر
فــي 2014أن املصلحــة فــي الطعــن فــي نتائــج الــدور األول لالنتخابــات الرئاســية
ال تتوفــر إال فــي املترشــح الــذي يتمســك بالحــق فــي املــرور للــدور الثانــي أو يطلــب
التصريــح بفــوزه منــذ الــدورة األولــى 1فــي حــن لــم يعتمــد هــذا املعيــار فــي .2 2019
أمــا اإلشــكال الثانــي فيتعلــق بآليــات وصالحيــات الرقابــة علــى تمويــل الفتــرة االنتخابيــة
إذ يبــرز مــن فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة منــذ 2011ضــرورة بنــاء رقابــة الهيئــة فــي هــذا
املجــال علــى مســتندات ووثائــق ثابتــة 3وهــو موقــف وإن كان متماشــيا مــع حقــوق الدفــاع
وحمــل عــبء اإلثبــات علــى الهيئــة وفــق مــا انتهــى إليــه القاضــي االنتخابــي بصــورة
مســتقرة حــن أقــ ّر «أنّ إلغــاء النتائــج ال يكــون إ ّال متــى كانــت الحجــج املق ّدمــة قويــة
وثابتــة» 4فهــو يــؤول إلــى صعوبــة إلغــاء النتائــج األوليــة بنــاء علــى خــرق قواعــد التمويــل
.1يراجــع مثــا املحكمــة اإلداريــة 201440005 ،بتاريــخ 1ديســمبر « 2014وحيــث أن املصلحــة فــي الطعــن فــي
الــدور األول مــن االنتخابــات الرئاســية التــي لــم يفــض إلــى اإلعــان عــن فائــز تكــون مســتمدة إمــا مــن طلــب
التصريــح بأحقيــة الطاعــن فــي املشــاركة فــي الــدور الثانــي أو فــي أحقيتــه فــي اإلعــان عنــه كفائــز نهائــي»
.2يراجــع مثــا املحكمــة اإلداريــة ،عــدد 20194004بتاريــخ 23ســبتمبر « 2019وحيــث تعـ ّرف املصلحــة فــي القيــام بأنّهــا
املنفعــة التــي يرمــي القائــم بالدعــوى إلــى تحقيقهــا ماديــة كانــت أو معنويــة ويت ـ ّم تقديرهــا حالــة بحالــة وأخــذا بعــن
االعتبــار خصوصيــة النــزاع .وحيــث يستشــف مــن قــراءة الفصــل 145املذكــور أعــاه والــذي حـ ّدد وبصــورة جليــة صفة
كل مترشــح ،أنّ املصلحــة تكــون منصهــرة فــي الصفــة وأنّهــا الطاعــن فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات الرئاســية فــي ّ
تكتســب بمجــرد اكتســاب صفــة املترشــح ودون اشــتراط توفــر املنفعــة الذاتيــة واملباشــرة ،ويتأكــد هذا املقصــد من خالل
الفصــل 147الــذي ذهــب أبعــد مــن ذلــك بــأن منــح ّ
كل املترشــحني للــدورة األولــى إمكانيــة الطعن فــي نتائج الــدورة الثانية
مــن االنتخابــات الرئاســية ،لتكــون صفــة القيــام لــدى الطاعــن ثابتــة فــي قضيــة الحــال بمجــرد اكتســابه لصفــة املترشــح»
.3يراجــع مثــا املحكمــة اإلداريــة / 81نــزاع انتخابــي بتاريــخ 8نوفمبــر « 2011يخــ ّول للهيئــة املركزيــة
للهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات متــى ثبتــت لهــا مخالفــة القائمــة الفائــزة لألحــكام املتعلقــة بالتمويــل
بمــا لهــا مــن ســلطة تقديريــة تمارســها تحــت رقابــة قاضــي النتائــج أن تتولــى إلغــاء نتائجهــا وذلــك بعــد
التحقــق مــن إتيــان القائمــة املؤاخــذة لهــذه املخالفــة بصــورة ال يعتريهــا شــك أثنــاء فتــرة الحملــة االنتخابيــة»
.4املحكمــة اإلداريــة ،الجلســة العامــة القضائيــة ،عــدد 20195001بتاريــخ 30ســبتمبر - 2019املحكمــة اإلداريــة ،الجلســة
89 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
بالنظــر إلــى أن حســابات الحملــة ال يتــم إيداعهــا إال بتاريــخ الحــق للنتائــج النهائيــة .وهــو
يفســر منــح محكمــة املحاســبات بموجــب تنقيــح القانــون االنتخابــي فــي 2017 مــا قــد ّ
صالحيــات إســقاط عضويــة القائمــات الفائــزة فــي صــورة عــدم إيــداع حســاب الحملــة
فــي اآلجــال القانونيــة أو تجــاوز ســقف اإلنفــاق االنتخابــي أو ثبــوت التمويــل األجنبــي
بنــاء علــى املراقبــة الالحقــة املســتندية وامليدانيــة .1وقــد اعتبــر القاضــي االنتخابــي بنــاء
علــى ذلــك وبمناســبة نزاعــات االنتخابــات التشــريعية لســنة « 2019أن صالحيــات الهيئــة
العليــا املســتقلة لالنتخابــات تنحصــر فــي مراقبــة مــدى مخالفــة املترشــحني لقواعــد
ـص املشــرع محكمــة املحاســبات بمراقبــة وطــرق تمويــل الحملــة االنتخابيــة فــي حــن خـ ّ
تجــاوز ســقف اإلنفــاق االنتخابــي املحــدد قانونــا وذلــك فــي مرحلــة الحقــة للتصريــح
بالنتائــج النهائيــة لالنتخابــات وخولهــا إســقاط عضويــة املترشــحني علــى هــذا األســاس».2
وتبقــى مــن ثوابــت الرقابــة علــى النتائــج وفــق فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة التــي تأكــدت
فــي 2019أنّ للقاضــي «صالحيــات واســعة تمكــن(ه) مــن بســط رقابــة علــى جميــع املراحل
املكونــة للعمليــة االنتخابيــة مــن الترشــحات إلــى النتائــج مــرورا بالحملــة االنتخابيــة
ومراقبــة كل اإلخــاالت التــي مــن شــأنها التأثيــر علــى نزاهــة وشــفافية االنتخابــات» 3علــى
أنّ القاضــي ب ّيــن بشــكل واضــح فــي 2019أن ممارســة الهيئــة للصالحيــات املوكولــة لهــا
بموجــب القانــون تبقــى باإلضافــة إلــى ثبــوت الوقائــع وتكييفهــا باإلخــاالت ،والتعليــل
واالســتناد إلــى وقائــع ومحاضــر ثابتــة ومتوفــرة فــي أجــل البــت فــي النتائــج األوليــة
واملحــ ّدد بثالثــة أيــام 4مــن تاريــخ االقتــراع 5مرتبطــة بتو ّفــر عنصــر إســناد املخالفــات
إلــى مــن يتــم الطعــن فــي نتائجــه .1ففــي مســتندات طعنهــا فــي حكــم ابتدائــي عـ ّدل نتائــج
االنتخابــات فــي إحــدى الدوائــر االنتخابيــة التشــريعية بنــاء علــى مــا رآه القضــاة مــن
خــرق لقواعــد الصمــت أتــاه أحــد املنتســبني للقائمــة الفائــزة ،بينــت الهيئــة أن الشــخص
املعنــي ال ينتمــي فــي الحقيقــة لتلــك القائمــة بــل هــو مترشــح عــن قائمــة منافســة .وهــو
مــا جارتــه محكمــة االســتئناف .2كمــا كان اســتعمال املحكمــة لشــرط اإلســناد واضحــا
فــي رفــض الطعــون املوجهــة ضــد نتائــج حــزب حركــة النهضــة بنــاء علــى مــا نســبه لهــا
الطاعنــون مــن إشــهار سياســي علــى صفحــات ومواقــع التواصــل االجتماعــي 3ومــا نســبوه
مخالفــات تتعلــق بالفتــرة االنتخابيــة وتمويلهــا وأن هــذه املخالفــات أ ّثــرت بصفــة جوهريــة وحاســمة علــى نتائــج
ومســت مــن اإلرادة العامــة للناخبــن وثانيهمــا أن تبــن ذلــك فــي قرارهــا حتــى يتم ّكــن قاضــي النتائــجاالنتخابــات ّ
مــن تســليط رقابتــه علــى صحــة األســباب التــي اســتندت إليهــا وصحــة تأثيرهــا الجوهــري والحاســم علــى النتائــج
ضمانــا لنزاهــة االنتخابــات .وحيــث أنــه ضمانــا لنزاهــة االنتخابــات يجــب أن تكــون الهيئــة قــد حــ ّددت األســباب
ترســخت بــأن تلــك األســباب تب ـ ّرر فــي حــد ذاتهــا اتخــاه ممــا
التــي اســتندت إليهــا فــي قــرار اإللغــاء وأن قناعتهــا ّ
يحــول دون تقديمهــا بعــد اإلعــان عــن النتائــج ألســباب جديــدة تضمنتهــا محاضــر كانــت بحوزتهــا وتولــت تفحصهــا
واعتبــرت أنههــا إخــاالت غيــر مؤثــرة تأثيــرا جوهريــا وحاســما فــي نتائــج االنتخابــات ولــم تمــس مــن نزاهتهــا».
.1املحكمــة اإلداريــة 201420018 ،بتاريــخ 8نوفمبــر « 2014إن مــا تمســك بــه نائــب املدعــي مــن ورود إرســالية قصيــرة
علــى الهاتــف الجــوال ...ال ينهــض دليــا قاطعــا علــى نســبة رقــم الهاتــف الصــادرة منــه اإلرســالية ...إلــى حــزب»...
.2املحكمــة اإلداريــة 20195022 ،و 20195027بتاريــخ 4نوفمبــر « 2019وحيــث وخالفــا ملــا خلصــت إليــه محكمــة
البدايــة فإنــه ولئــن ورد بطالــع محضــر املعاينــة ســند الحكــم املطعــون فيــه ذكــر قائمــة حــزب نــداء تونــس إال أنــه
ثبــت مــن القــرار املتعلــق بالقبــول النهائــي ملطلــب الترشــح لالنتخابــات التشــريعية لســنة 2019املدلــى بــه لــدى هــذا
الطــور أن املدعــو ...الواقــع ذكــره باملحضــر واملدعــى ارتكابــه للمخالفــة ينتســب إلــى أعضــاء القائمــة األصليــة
للقائمــة املســتقلة املســماة ...واملترشــحة لالنتخابــات التشــريعية عــن دائــرة القصريــن املطعــون فــي نتائجهــا
وال ينتمــي لقائمــة حــزب نــداء تونــس التــي ترشــحت بدورهــا عــن نفــس الدائــرة االنتخابيــة وال يمكــن بالتالــي أن
يكــون مــا تضمنــه طالــع املحضــر املذكــور ســندا كافيــا فــي حــد ذاتــه لإلقــرار بــأن الفعــل املدعــى اقترافــه وعلــى
فــرض ثبوتــه ينســب إلــى قائمــة حــزب حركــة نــداء تونــس الطاعنــة والتــي فــازت باملقعــد األخيــر بالدائــرة املعنيــة».
تمســك محامــي الطاعــن بــأنّ حــزب حركــة النهضــة قــام بالدعايــة الخاصــة باالنتخابــات التشــريعية باملوقــع
« .3حيــث ّ
اإللكترونــي Tunisie Annonceوهــو مــا يخالــف مقتضيــات الفصــل 57مــن القانــون االنتخابــي وكذلــك الفصــل 8مــن
محجــرا تحجيــرا مطلقــا بالنســبة لالنتخابــات ّ قــرار الهيئــة عــدد 22لســنة )...( 2019ذلــك أنّ اإلشــهار السياســي
التشــريعية ( )...وحيــث يفتــرض علــى القائــم بالطعــن أن يدلــي للمحكمــة بالقــدر األدنــى مــن املعطيــات إلقامــة الدليــل
ولــو بصفــة أوليــة علــى إكتســاء إدعائــه طابعــا جديــا .وحيــث أدلــى نائــب امل ّدعــي بنســخة مــن مراســلة موجهــة مــن
املمثــل القانونــي لحــزب قلــب تونــس إلــى الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات يعلمهــا بموجبهــا بالخروقــات التــي
ارتكبهــا حــزب حركــة النهضــة علــى شــبكات التواصــل االجتماعــي والصفحــات االشــهارية املدعمــة والتمــس منهــا
التدخــل مــن اجــل اتخــاذ اإلجــراءات الالزمــة ،كمــا أدلــى بصــورة تحمــل شــعار النهضــة ويــد ممســكة بورقــة اقتــراع
واضعــة إياهــا بالصنــدوق ،و ُد ّون علــى الصــورة «انتخــب النهضــة بــش صوتــك مــا يمشــيش خســارة» دون بيانــات
أخــرى ،وبصــورة أخــرى غيــر واضحــة بتاتــا .وحيــث لئــن كان محمــوال علــى الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات
طبقــا للفصــل 71مــن القانــون االنتخابــي مراقبــة الحملــة مــن تلقــاء نفســها أو بطلــب مــن أي جهــة كانــت إ ّال أنّ
ظــل منقوصــا وال يرتقــي لبدايــة حجــة نظــرا لكــون املراســلة املتمســك بهــا ال مــا أدلــى بــه الطاعــن مــن مؤ ّيــدات ّ
تحمــل مــا يفيــد تبليغهــا إلــى الهيئــة ،فضــا عــن أنّ الصــور اإلشــهارية املدلــى بهــا ال ترتقــي لتكــون حجــة علــى
مخالفــة الحــزب امل ّدعــى عليــه لإلشــهار السياســي .وحيــث وعــاوة علــى ذلــك ،فــإنّ ركــن إســناد املخالفــة املذكــورة
تمســك بــه إلــى حــزب حركــة النهضــة وعلــى فــرض وجودهــا غيــر متوفــر ،واتجــه علــى هــذا األســاس ر ّد مــا ّ
91 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
لقائمــات حــزب قلــب تونــس بنــاء علــى الدعايــة املمارســة علــى القنــاة التلفزيــة نســمة.1
ويعتبــر هــذا املوقــف إضافــة للموقــف الذي اعتمــده القاضي في 2 2011مــن إمكانية اعتبار
الطاعــن بخصــوص اإلشــهار علــى املوقــع اإللكترونــي املشــار إليــه ،».املحكمــة اإلداريــة ،الدائــرة االســتئنافية
التاســعة ،عــدد 20194028بتاريــخ 22أكتوبــر ،2019رئيــس قائمــة حــزب «قلــب تونــس» بالدائــرة االنتخابيــة بجندوبــة
ضــ ّد /الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة بالدائــرة االنتخابيــة بجندوبــة.
راجــع أيضــا فــي نفــس االتجــاه :املحكمــة اإلداريــة ،الدائــرة االســتئنافية الخامســة ،عــدد 20194044بتاريــخ 22أكتوبــر
،2019رئيــس قائمــة حــزب قلــب تونــس بالدائــرة االنتخابيــة بباجــة ضـ ّد /الهيئــة العليا املســتقلة لالنتخابــات ورئيس قائمة
حــزب حركــة النهضــة بالدائــرة االنتخابيــة بباجــة؛ املحكمــة اإلداريــة ،الدائــرة االســتئنافية الســابعة ،عــدد 20194047
بتاريــخ 21أكتوبــر ،2019رئيســة قائمــة حــزب قلــب تونــس عــن الدائــرة االنتخابيــة بمدنــن ضـ ّد /الهيئــة العليــا املســتقلة
لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة عــن الدائــرة االنتخابيــة بمدنــن؛ املحكمــة اإلداريــة ،الدائرة االســتئنافية
الســابعة ،عــدد 20194048بتاريــخ 21أكتوبــر ،2019رئيــس قائمــة حــزب قلــب تونــس عــن الدائــرة االنتخابيــة بتطاويــن
ضــ ّد /الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة عــن الدائــرة االنتخابيــة بتطاويــن.
.1املحكمــة اإلداريــة ،الدائــرة االســتئنافية العاشــرة ،عــدد 20194094بتاريــخ 22أكتوبــر ،2019رئيــس قائمــة حــزب
حركــة النهضــة بالدائــرة االنتخابيــة سوســة ضـ ّد /الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب قلــب تونــس
بالدائــرة االنتخابيــة سوســة.
راجــع أيضــا :املحكمــة اإلداريــة ،الدائــرة االســتئنافية العاشــرة ،عــدد 20194102بتاريــخ 22أكتوبــر ،2019
رئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة بالدائــرة االنتخابيــة منوبــة ضــ ّد /الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات
ورئيــس قائمــة حــزب قلــب تونــس بالدائــرة االنتخابيــة منوبــة؛ املحكمــة اإلداريــة ،الدائــرة االســتئنافية العاشــرة،
عــدد 20194103بتاريــخ 22أكتوبــر ،2019رئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة بالدائــرة االنتخابيــة القصريــن
ضــ ّد /الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب قلــب تونــس بالدائــرة االنتخابيــة القصريــن.
عنــد نظرهــا فــي مطعــن تك ـ ّرر فــي جميــع تلــك القضايــا وهــو املطعــن املأخــوذ مــن قيــام حــزب قلــب تونــس باإلشــهار
السياســي لفائــدة قائماتــه عبــر القنــاة «نســمة» التلفزيــة والــذي حاولــت الجهــة الطاعنــة اثباتــه باالســتناد إلــى قــرارات
الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري والعقوبــات املاليــة التــي س ـ ّلطتها علــى القنــاة املذكــورة جــراء
ارتكابهــا املتك ـ ّرر ملخالفــة اإلشــهار السياســي .وقــد ب ّينــت املحكمــة «أنّ الخطيــة املاليــة التــي ت ـ ّم تســليطها علــى قنــاة
«نســمة» مــن قبــل الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي البصــري بســبب العود وذلك بســبب قيــام حزب قلب تونس باإلشــهار
السياســي ال ينهــض دليــا قاطعــا علــى ارتــكاب رئيــس قائمــة حــزب قلــب تونــس بدائــرة سوســة أو أحــد أعضائهــا
أي منهــم فــي تلــك الوســيلة االعالميــة أو ملخالفــة انتخابيــة وذلــك لغيــاب عنصــر اإلســناد ضــرورة أ ّنــه لــم يثبــت حضــور ّ
أي وســيلة أخــرى للدعايــة وللترويــج لشــخصه ولقائمتــه وللمشــروع التــي يتبنــاه خــارج الفتــرة والحيــز الزمنــي املســموح ّ
بهمــا فــي القانــون االنتخابــي .كمــا أضافــت املحكمــة فــي قض ّيــة أخــرى أنّ «» تســليط عقوبــات مــن الهيئة العليا املســتقلة
لالتصــال الســمعي والبصــري علــى عــدد مــن القنــوات التلفزيــة ال يعنــي ثبــوت عالقة تلك القنــوات بقائمات حزبيــة مع ّينة»
.2تراجــع مثــا القضيــة عــدد / 95نــزاع انتخابــي بتاريــخ 7نوفمبــر « 2011وحيــث يتبــن بالرجــوع إلــى أوراق
امللــف وخاصــة القــرص املضغــوط املصاحــب لعريضــة الدعــوى والــذي يتض ّمــن تســجيالت لبرامــج بثــت علــى قنــاة
«املســتقلة»األجنبية قيــام هــذه القنــاة باإلشــهار لفائــدة العريضــة الشــعبية للعدالــة والتنميــة وأنــه تــم اســتعمال
قنــاة املســتقلة للدعايــة لفائــدة القائمــات التابعــة لهــا أثنــاء الحملــة االنتخابيــة وبالتالــي تكــون تلــك القائمــات قــد
اســتفادت مــن الحملــة االنتخابيــة والبرامــج التــي بثتهــا قنــاة املســتقلة وهــو مــا يعــ ّد انتفاعــا بخدمــات إعالميــة
وإشــهارية خــال الحملــة االنتخابيــة ».وحيــث أن عــدم ظهــور رئيــس قائمــة العريضــة الشــعبية للحريــة والعدالــة
والتنميــة بقفصــة أو أحــد مــن أعضائهــا علــى القنــاة املذكــورة ال ينفــي وجــود رابطــة بــن القنــاة ممثلــة فــي
صاحبهــا والقائمــة املذكــورة خاصــة وأنهــا لــم تعلــن أن مــا يصــدر عــن القنــاة ال يعبــر إال عــن رأي صاحبهــا
وبالتالــي تعتبــر هــذه األخيــرة بمالزمتهــا الصمــت إزاء مــا يعــرض بقنــاة املســتقلة قــد قبلــت بقيــام هــذه األخيــرة
بالدعايــة االنتخابيــة لفائدتهــا وبذلــك تكــون باتخاذهــا موقفــا ســلبيا قــد ســاهمت فــي توظيــف القنــاة لفائدتهــا».
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 92
قرينــة اإلســناد متوفــرة كلمــا اجتمعــت عناصــر موضوعيــة لذلــك علــى غــرار اجتمــاع صفة
املترشح واملنشط واملساهم في القناة اإلعالمية أو صفة املترشح وصاحب أو مؤسس القناة.
ويتمثــل اإلشــكال األكبــر فــي اســتعمال صالحيــات الرقابــة املنصــوص عليهــا بالفصــل
143مــن القانــون االنتخابــي فــي ضبــط معاييــر تقديــر التأثيــر علــى النتائــج .فلئــن اســتقر
القضــاء علــى اعتمــاد هــذا املعيــار لتعديــل أو إلغــاء النتائــج ،1خالفــا للموقــف املعــزول
الــذي م ّثلــه الحكــم االبتدائــي (تــم نقضــه اســتئنافيا) الصــادر بمناســبة االنتخابــات
التشــريعية 2019فــي دائــرة أملانيــا ،2فــإن معاييــر التقديــر تبقــى صعبــة التحديــد.
ولئــن اعتمــد القاضــي منــذ 2011لتقديــر التأثيــر علــى النتائــج وســيلة الفارق فــي األصوات
املتحصــل عليهــا ،مــع تدقيــق املعيــار بحســب نــوع اإلخــال ومــدى انتشــاره وتواتــره،3
أو مــدى وضــع ح ـ ّد للمخالفــات ،4فــإن التحليــل املق ـ ّدم لــم يكــن بنفــس الصالبــة فــي كل
تمســك فيهــا الطاعــن مثــا بالخطــإ فــي رمــز القائمةالحــاالت .وإن كان بديهيــا فــي حــاالت ّ
التــي لــم تتحصــل إال علــى عــدد ضئيــل مــن األصــوات مقابــل اآلالف املســتوجبة للفــوز
بمقعــد أن عــدم وقــوع اإلخــال مــا كان ليــؤدي إلــى تغييــر النتائــج ،5فإنهــا لــم تكــن علــى
.1املحكمــة اإلداريــة / 95نــزاع انتخابــي 7نوفمبــر « 2011وحيــث أن القاضــي ال يســتجيب لطلــب إلغــاء أو تعديــل
نتائــج االنتخابــات إال متــى ثبــت لديــه اإلخــال بقواعــد إجرائهــا وكان ذلــك اإلخــال مؤثــرا بصفــة حاســمة علــى مــا
أفضــت إليــه ».املحكمــة اإلداريــة 201450018بتاريــخ 20نوفمبــر ،2014املحكمــة اإلداريــة 201450002و201450008
بتاريــخ 18نوفمبــر « 2014وحيــث عمــا بأحــكام الفصــل 143املشــار إليــه آنفــا اســتنادا إلــى مــا دأب عليــه فقــه قضــاء
مســت املخالفــات املنســوبة لهــم مــن نزاهــة االنتخابــات هــذه املحكمــة فإنــه ال يجــوز إلغــاء نتائــج الفائزيــن إال متــى ّ
وأخ ّلــت بالتالــي بــاإلرادة العامــة للناخبــن» املحكمــة اإلداريــة 20195022و 20195027بتاريــخ 4نوفمبــر .2019
.2املحكمــة اإلداريــة( ،الدائــرة االســتئنافية الثانيــة) ،عــدد 20194061بتاريــخ 22أكتوبــر )...(« ،2019وحيــث
وفــي ضــوء مــا ســبق بســطه ،يغــدو تشــ ّبث الهيئــة بتســمية املدعــو {ع .ك ...}.وهــو مــا يغنــي عــن البحــث فــي
مــدى اقتــراف الشــخص املذكــور لتجــاوزات خــال فتــرة إشــرافه علــى االنتخابــات موضــوع النــزاع ضــرورة أنّ
مجــ ّرد تواجــده علــى رأس الهيئــة الفرعيــة والحــال مــا ذكــر يعــ ّد كافيــا فــي حــ ّد ذاتــه للتشــكيك فــي ســامة تلــك
االنتخابــات ،األمــر الــذي يتّجــه معــه القضــاء باإللغــاء الك ّلــي للنتائــج األوليــة املصــ ّرح بهــا بدائــرة أملانيــا وإعــادة
االنتخابــات التشــريعية بهــا ،وذلــك دون حاجــة للخــوض فــي بقيــة املطاعــن الهادفــة إلــى تعديــل النتائــج املذكــورة».
.3يراجــع مثــا املحكمــة اإلداريــة « 201420017بتاريــخ 2نوفمبــر « 2014وحيــث لــم يتوفــر بامللــف مــا يفيــد تواتــر
املخالفــات وشــمولها لعــدد كبيــر مــن مكاتــب االقتــراع بدائــرة تونــس 2ممــا ينفــي تأثيرهــا علــى النتائــج املصـ ّرح بهــا».
.4يراجــع مثــا املحكمــة اإلداريــة 201420035بتاريــخ 2نوفمبــر « 2014وطاملــا لــم يتو ّفــر بامللــف مــا يفيــد تواتــر
املخالفــات وشــمولها لعــدد كبيــر مــن مكاتــب االقتــراع ...وأن تدخّ ــل رئيــس املكتــب بإخــراج األشــخاص الذيــن حاولــوا
اســتمالة الناخبــن وتوجيــه اختياراتهــم إلــى طــرف معــن ...يضــع ح ـ ّدا للمخالفــة املشــار إليهــا ويحــول دون تأثيرهــا
علــى نتائــج الدائــرة.»...
.5يراجــع مثــا املحكمــة اإلداريــة / 28نــزاع انتخابــي 3نوفمبــر « 2011وحيــث لئــن كان رمــز القائمــة مــن العناصــر
الهامــة لتمييزهــا عــن غيرهــا مــن القائمــات فــإن هنــاك عناصــر أخــرى بنفــس األهميــة كإســم القائمــة وعددهــا
الرتبــي ...و(حيــث) أن الضــرر الثابــت ...اقتصــر علــى الومضــة اإلشــهارية التــي تــم بثهــا علــى القنــاة الوطنيــة بالرمــز
القديــم .وحيــث أن اإلخــال املشــتكى منــه كان محــدودا فــي آثــاره وغيــر مؤثــر علــى نتيجــة القائمــة املدعيــة بدائــرة
93 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
القــدر الكافــي مــن الوضــوح فــي عــدد مــن الحــاالت األخــرى ومنهــا الحــاالت التــي انتهــت
فيهــا األحــكام فــي 2011إلــى ثبــوت الدعايــة التــي مارســتها قنــاة إعالميــة أجنبيــة لقائمــات
وضــح القاضــي االنتخابــي أن اعتمــاد الفــارق فــي األصــوات يكــون محـ ّددة .1وفــي ّ 2014
بالرجــوع إلــى العــدد الجملــي لألصــوات املتحصــل عليهــا مــن مختلــف املترشــحني أو
القائمــات عنــد فــرز األصــوات وذلــك فــي رفــض للموقــف الــذي اعتمدتــه الهيئــة إللغــاء
مقعــد مــن ثالثــة مقاعــد مســند بنــاء علــى النتائــج املتحصــل عليهــا مــن إحــدى القائمــات
بحجــم الفــارق الضئيــل فــي األصــوات بحســاب البقايــا بعــد توزيــع املقاعــد علــى أســاس
الحاصــل االنتخابــي .وتتمثــل وقائــع القضيــة فــي ثبــوت مخالفــة تعليــق معلقــات انتخابيــة
بســور املدرســة املخصصــة كمركــز اقتــراع مــن حــزب نداء تونس املترشــح فــي االنتخابات
التشــريعية بدائــرة القصريــن .وقــد أدت عمليــات فــرز األصــوات إلــى حصــول القائمــة
علــى 3مقاعــد .غيــر أن مجلــس الهيئــة قــرر إلغــاء مقعــد واحــد معتبــرا أن الفــارق فــي
األصــوات بــن بقايــا أصــوات نتائــج قائمــة الحــزب بعــد إســنادها مقعديــن علــى أســاس
الحاصــل االنتخابــي واألصــوات املتحصــل عليهــا مــن قائمــة حــزب التكتــل مــن أجــل
تحصــل علــى مقعــد كان ضئيــا ّ العمــل والحريــات والتــي ترتــب مباشــرة إثــر آخــر حــزب
ويبــرر إلغــاء املقعــد لحــزب نــداء تونــس وإســناده للحــزب املذكــور .وقــد اعتبــرت املحكمــة
أن «الهيئــة قــد خالفــت القاعــدة العامــة ...الواجــب اتباعهــا لتقديــر مــدى تأثيــر املخالفــات
املقترفــة علــى اإلرادة العامــة للناخبــن والتــي تقتضــي املقارنــة بــن العــدد الجملــي
لألصــوات لــكل القائمــات الــذي يعكــس تلــك اإلرادة ».وهــو املوقــف الــذي تمســكت بــه
الهيئــة فــي 2019فــي إحــدى القضايــا التــي تأســس الطعــن فيهــا علــى أن الفــارق بني عدد
األصــوات الباقيــة آلخــر قائمــة تحصلــت علــى مقعــد والقائمــة الطاعنــة كان صوتــا واحدا.2
وفــي ســعي إلضفــاء أكثــر دقــة علــى معاييــر تقديــر التأثيــر علــى النتائــج ب ّيــن القاضــي
«تفحــص معاييــر القيــس املناســبة التــيّ االنتخابــي فــي 2019أنــه يقــوم بذلــك بنــاء علــى
املنســتير ضــرورة أنهــا لــم تنــل ســوى املرتبــة 43بمجمــوع 607صوتــا فــي حــن آل املقعــد األخيــر بهــذه الدائــرة
إلــى حــزب ...الــذي حــاز املرتبــة السادســة بمجمــوع أصــوات قــ ّدر ب 5219صوتــا" املحكمــة اإلداريــة 201420040
بتاريــخ 8نوفمبــر « 2014إن شــراء صــوت ناخــب وحيــد ال يمكــن بحــال أن يؤثــر علــى نتائــج الدائــرة املذكــورة».
.1املحكمــة اإلداريــة / 95نــزاع انتخابــي 7نوفمبــر « 2011وحيــث ولئــن كان قيــام قنــاة املســتقلة بالدعايــة لفائــدة
العريضــة الشــعبية للحريــة والعدالــة والتنميــة ...فيــه خــرق للنصــوص الســابق ذكرهــا فــإن هــذا األمــر كان لــه تأثيــر
محــدود بالنظــر إلــى عــدد األصــوات املتحصــل عليهــا مــن قبــل العريضــة الشــعبية ...والبالــغ 6545وإلــى الفــارق
بينــه وبــن عــدد األصــوات التــي تحصلــت عليهــا آخــر قائمــة فــازت بمقعــد وعددهــا 3170وهــو (أي الفــارق)
3375إضافــة إلــى الفــارق بينــه وبــن عــدد األصــوات التــي تحصلــت عليهــا قائمــة املدعــي وعددهــا 2753الــذي ال
يمكــن أن يكــون ناتجــا عــن وســيلة وحيــدة مــن وســائل الدعايــة االنتخابيــة وعــي اإلشــهار عبــر قنــاة املســتقلة».
.2تراجــع مســتندات الطعــن فــي القضيــة عــدد 20144068الصــادر فيهــا الحكــم بتاريــخ 22أكتوبــر 2019حيــث أسســت
القائمــة املترشــحة عــن حــزب تحيــا تونــس بدائــرة صفاقــس 2طعنهــا إلثبــات التأثيــر علــى النتائــج علــى أن األصــوات
الباقيــة لقائمــة ائتــاف الكرامــة 4352صوتــا ومــا تحصلــت عليــه قائمــة حــزب تحيــا تونــس مــن أصــوات يبلــغ .4351
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 94
تمكنــه مــن ضبــط بــكل دقــة عــدد األصــوات التــي فســدت بفعــل التأثيــر فيهــا ومــن
ث ـ ّم اســتئصالها مــن جملــة األصــوات الســليمة املتحصــل عليهــا مــن قبــل املترشــح أو
القائمــة املعنيــة حتــى يحافــظ علــى نزاهــة وســامة االنتخابــات »1وانتهــى فــي القضيــة
املعروضــة واملتعلقــة بنتائــج الدائــرة االنتخابيــة بالقصريــن أن الفــارق بــن األصــوات
املتحصــل عليهــا مــن القائمــة املدعيــة (حركــة الشــعب) والقائمــة املطعــون فــي نتائجهــا
(حركــة نــداء تونــس) يبلــغ 103صوتــا وهــو فــارق ضئيــل يبــرر تعديــل النتائــج.
غيــر أن الهيئــة طعنــت فــي ذلــك الحكــم مبينــة فــي مســتنداتها أن الفــارق الضئيــل لتقديــر
ـجلة فــيالتأثيــر علــى النتائــج ال يأخــذ فــي املطلــق وإنمــا حالــة بحالــة وأن املخالفــة املسـ ّ
الصــورة املعروضــة لــم تكــن علــى فــرض ثبوتهــا لتؤثــر علــى 103ناخبــا بالنظــر إلــى
محدوديــة عــدد املقترعــن باملكتــب املعنــي ونســبة اإلقبــال الضعيفــة فــي توقيــت املخالفــة.2
وعلــى الرغــم مــن تطــور عمــل الهيئــة وفقــه القضــاء فــي مجــال تقديــر التأثيــر علــى
النتائــج والرقابــة علــى العمليــة االنتخابيــة عمومــا فقــد أدى االختــاف فــي التقديــر
فــي 2019إلــى اتخــاذ املحكمــة فــي الطــور االبتدائــي أربعــة قــرارات فــي إلغــاء رفــض
الترشــحات فــي االنتخابــات الرئاســية وقراريــن فــي إلغــاء النتائــج فــي االنتخابــات
التشــريعية ،وذلــك خالفــا ملوقــف الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات وتحــت نقــد إعالمــي
كبيــر ألعمالهــا قبــل أن تنقــض الجلســة العامــة القضائيــة األحــكام االبتدائيــة املذكــورة.
وهــو مــا يؤ ّكــد علــى الرغــم مــن اإلقــرار بحجيــة الشــيء املقضــي بــه ،3أهميــة تــوارد
معاييــر التقديــر بــن الهيئــة االنتخابيــة والقاضــي االنتخابــي حفاظــا علــى الظــروف
اإليجابيــة للمســار االنتخابــي وتحســبا ملــا يمكــن أن يــؤ ّدي لــه نقــض أعمــال الهيئــة
االنتخابيــة دون موجــب ثابــت مــن تهديــد ملبــدإ الثقــة فــي االنتخابــات والقبــول بالنتائــج.
«الشــعب هــو صاحــب الســيادة ومصــدر الســلطات ،يمارســها بواســطة ممثليــه املنتخبــن
أو عبــر اإلســتفتاء» ،هكــذا جــاء الحكــم العــام فــي مسـ ّ
ـتهل دســتور الجمهوريــة الثانيــة
فــي تونــس ضمــن فصلــه الثالــث ،ثــ ّم جــاء بعــد ذلــك التفصيــل بــأن أقــ ّر املشــرع
الدســتوري صلــب الفصــل 34أنّ «حقــوق اإلنتخــاب واإلقتــراع والترشــح مضمونــة
طبــق مــا يضبطــه القانــون» ،ثــ ّم يــأت فــي بــاب أهــ ّم ركائــز وموجبــات اإلنتخابــات
ليشــترط أن تكــون ســامة املســار اإلنتخابــي بجميــع أنواعــه رهينــة الشــفافية
والنزاهــة (الفصــل 126منــه) حتــى تكــون ممارســة الشــعب للســيادة حقيقيــة.
والســؤال الــذي يطــرح نفســه بعــد ضبــط القانــون ملوجبــات شــفافية اإلنتخابــات ونزاهتهــا
يتع ّلــق باملنظومــة القانونيــة لتلــك املوجبــات والهيــكل أو املؤسســة التــي ســتضمن تنفيذهــا
وإحترامها.
يمكــن تلخيــص األنظمــة القانونيــة املؤسســاتية لإلنتخابــات فــي العالــم فــي نموذجــن
أساســيني ،أ ّولهمــا يك ّلــف الحكومــات والســلطة التنفيذيــة بصفــة عامــة بــإدارة اإلنتخابــات
ومراقبتهــا عبــر إدارات مؤ ّقتــة وهــو النظــام الــذي كان معمــوال بــه قبــل الثــورة فــي
تونــس ،ولكــنّ ذلــك النمــوذج أثبــت فشــله علــى إعتبــار أنّــه يضــع أداة الســيادة ال
فــي يــد الشــعب وإنّمــا بــن أيــدي حاكميــه الذيــن لــن يكــون لهــم حتمــا الحيــاد فــي
إدارة اإلنتخابــات ،ألنّ الســلطة بطبيعتهــا تحمــل فــي ط ّياتهــا بــذرة اإلنحــراف بهــا.
أ ّما النموذج الثاني فقد أوكل لسلطات إنتخابية مستق ّلة ودائمة مسؤولية إدارة اإلنتخابات
وهــو النمــوذج الصاعــد اليــوم فــي مختلــف الــدول التــي أجــرت إصالحــات إنتخابيــة ،علــى
غــرار النظــام اإلنتخابــي التونســي بعــد الثــورة والــذي أوكل صلــب القســم األ ّول مــن الباب
الســادس منــه إلــى هيئــة دســتورية مســتق ّلة (الهيئــة العليــا الســتق ّلة لإلنتخابــات) مه ّمــة
تنظيــم ومراقبــة اإلنتخابــات بمختلــف أنواعهــا وح ّملهــا مســؤولية نزاهتهــا وشــفافيتها.
تعــ ّد الهيئــة مــن ضمــن مــا ُيطلــق عليــه فــي الفقــه وفقــه القضــاء مــن بــن الســلطات
اإلداريــة املســتق ّلة والتــي ع ّرفهــا مجلــس الدولــة الفرنســي فــي تقريــره العــام لســنة 2001
بثــاث عناصــر أساســية ،أ ّول عنصــر يتمثــل فــي أنّهــا ســلطة ،بمعنــى أنّ لهــا صالحيــات
الســلطة العامــة والتــي مــن أه ّمهــا ســلطة إتّخــاذ القــرارات اإلداريــة ،والعنصــر الثانــي
يتم ّثــل فــي إســتقالليتها العضويــة والوظيفيــة عــن باقــي الســلطات العموميــة والــذي
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 96
ألي ســلطة رئاســية أو إشــرافية مــن الجهــاز يتجســم مــن ناحيــة فــي عــدم خضوعهــا ّ ّ
التنفيــذي للدولــة ،ومــن ناحيــة أخــرى فــي تركيبتهــا الجماعيــة فضــا عــن إســتقالليتها
املاليــة واإلداريــة مــن حيــث املــوارد والوســائل ،أ ّمــا صبغتهــا اإلداريــة فتســتم ّدها مــن
وظائفهــا التــي تكــون بصفــة عامــة ذات صبغــة مرفقيــة ،فــإدارة اإلنتخابــات تعــ ّد مــن
أســمى تج ّليــات املصلحــة العامــة ،وأيضــا مــن نشــاطها بإســم الدولــة وعلــى مســؤوليتها.
فــإذا كانــت الســلطة بصفــة عامــة محمولــة علــى التجــاوز ،وكانــت الشــفافية والنزاهــة مــن
قواعــد املشــروعية القانونيــة ،وكان قاضــي تجــاوز الســلطة هــو الضامن إلحترام الشــرعية
القانونيــة ،تكــون النتيجــة الحتميــة والبديهيــة هــي أ ّنــه هــو القاضــي الطبيعــي ّ
لكل مــا يمكن
أن ينشــأ بمناســبة العملية اإلنتخابية من نزاعات منشــؤها إنتهاك للشــرعية ،ذلك أنّ دعوى
تجــاوز الســلطة تعتبــر طريــق القانــون العــام للطعــن في القــرارات اإلدارية بمعنــى أنّه يمكن
كل مقـ ّرر إداري وال يمكــن إســتثناؤها إ ّال بتنصيص قانوني صريح بأنّ القرار رفعهــا ضـ ّد ّ
اإلداري املعنــي ال يقبــل الطعــن بواســطتها ،بــل أكثــر مــن ذلــك فقــد إعتبرها مجلــس الدولة
1
الفرنســي مبــدأ مــن املبــادئ العامــة لإلجــراءات ضمــن قــراره الشــهير .2 Dame Lamotte
ولــم يتوانــى املشــرع الدســتوري التونســي بمناســبة صياغة دســتور الجمهوريــة الثانية في
التنصيــص صراحــة علــى دعــوى تجــاوز الســلطة تأكيــدا علــى أنّهــا «دعــوى الحــق العــام»
إن صـ ّـح التعبيــر فــي زجــر مخالفــة اإلدارة لقواعــد الشــرعية فجــاء بالفصــل 116منــه أ ّنــه:
«ﻳﺨﺘﺺ اﻟﻘﻀﺎﺀ اﻹدارﻱ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺗﺠﺎوﺯ اﻹدارﺓ ﺳﻠﻄﺘﻬﺎ ،وﻓﻲ اﻟﻨﺰاﻋﺎﺕ اﻹدارﻳﺔ.»...
قــد نتســاءل مــن صياغــة الفصــل املذكــور عــن الهــدف مــن التنصيــص علــى دعــوى
تجــاوز الســلطة ضمنــه والحــال أن عبــارة «النزاعــات اإلداريــة كانــت تغنــي عــن
ذلــك باعتبارهــا تشــمل جميــع املنازعــات اإلداريــة بكافــة فروعهــا ،لكــنّ املتأ ّمــل
فــي تاريــخ القضــاء اإلداري يــدرك بســرعة أنّ دســترة دعــوى تجــاوز الســلطة
ليســت مــن بــاب العبــث ،وإنّمــا ترجــع إلعتبــارات تاريخيــة وموضوعيــة وبراغماتيــة.
إنّ ذلــك التنصيــص الصريــح يأتــي تتويجــا ملســار تاريخــي يؤ ّكــد أه ّميــة دعــوى تجــاوز
الســلطة كســبيل قضائــي لــر ّد اإلعتبــار للشــرعية واملشــروعية القانونيــة وللقاضــي
املؤتمــن عليهمــا بدســترة ذلــك الســبيل القضائــي علــى النحــو الســالف بيانــه أعــاه،
وهــو تتويــج ال ّ
يتلخــص فــي مجـ ّرد تنصيــص وإنّمــا لــه تبعــات قانونيــة تجعــل فــي نفــس
الوقــت مــن دعــوى تجــاوز الســلطة ومــن إختصــاص النظــر فيهــا مــن درجــة دســتورية
بحيــث ال يمكــن إســتبعادها أو إســتثناؤها مــن إختصــاص جهــاز القضــاء اإلداري
1. Le recours pour excès de pouvoir dans tous ses états, par Yadh Ben Achour, in Mélanges Abdelfattah Amor.
2. «Un recours qui est ouvert même sans texte contre tout acte administratif, et qui a pour effet d’assurer,
conformément aux principes généraux du droit, le respect de la légalité» Décision du CE. Ass. Du 17 fév.
1950, Rec p.111.
97 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
بنصــوص تشــريعية ،1هــذا وإنّ التنصيــص علــى واليــة القضــاء اإلداري فــي مــادة
املوجهــة
ّ تجــاوز اإلدارة ســلطتها جــاء بصيغــة عامــة ال تقتصــر علــى دعــوى اإللغــاء
كل تجــاوز لــإدارة لســلطتها ســواء بخــرق ضــ ّد القــرار اإلداري فحســب وإنّمــا تهــ ّم ّ
القوانــن والتراتيــب النافــذة ،بفعــل إيجابــي أو بفعــل ســلبي ،وســواء كان الهــدف مــن
الدعــوى اإللغــاء أو التعويــض أو غيــره مــن الدعــاوى الراميــة إلــى التصــ ّدي لتجــاوز
اإلدارة لســلطتها ولــو بــاإلذن بالتعديــل والتوجيــه وحتــى الحلــول محـ ّـل اإلدارة أحيانــا.
فلمــاذا الحديــث عــن قاضــي تجــاوز الســلطة واإلنتخابــات وعــدم اإلقتصــار علــى القاضــي
اإلداري وكفى املؤمنني ش ّر القتال ،أليس قاضي تجاوز السلطة هو نفسه القاضي اإلداري
الــذي ينظــر فــي املنازعــات اإلداريــة بجميع فروعهــا بالتعويض واإللزام والتعديــل واإلذن...
إ ّنــه مــن املتفــق عليــه أن القضــاء اإلداري مصــدره األساســي فقــه وفقــه قضــاء ،وتاريــخ
وتوجهــات ومواقــف
ّ القانــون اإلداري املقــارن يشــهد بذلــك بإعتبــاره جــاء تتويجــا ملســارات
فقهيــة وفقــه قضائيــة ،وقــد جــرى الفقــه والقضاء علــى التفريق ،دون ســند قانونــي صريح،
بــن قضــاء اإللغــاء والقضــاء الكامــل ،وفــي الحقيقــة هما وجهــان لقاض واحد هــو القاضي
كل منهمــا وســلطاته.اإلداري ،ومــا التفرقــة إ ّال مــن حيــث إجــراءات وشــكليات تع ّهــد ّ
وعليــه فإنّــه ال وجــود فــي النصــوص القانونيــة لتفريــق بــن قاضــي تجــاوز الســلطة
صــح التعبيــر ،وإنّمــا يوجــد قضــاء تجــاوز الســلطة ّ والقاضــي «الكامــل» إن
والقضــاء الكامــل ،وفــي التعريــف القانونــي فــإنّ قضــاء تجــاوز الســلطة فــي مفهومــه
ركنــان أساســيان متالزمــان األول فــي مضمونــه الــذي يجعلــه قضــاء الرقابــة علــى
شــرعية األعمــال اإلداريــة مــن حيــث مــدى مطابقتهــا أو تالؤمهــا مــع القواعــد
القانونيــة واملبــادئ العامــة للقانــون ،والثانــي فــي غايتــه التــي ترمــي إلــى إلغــاء تلــك
األعمــال مــن أجــل تجاوزهــا للســلطة مــن حيــث مخالفــة اإلدارة لقواعــد الشــرعية.
أ ّمــا القضــاء الكامــل فيــرى الفقيــه « »René CHAPUSأ ّنــه باعتبــاره صنفــا مــن أصنــاف
القضــاء االداري يتّســم بعــدم التجانــس لتك ّونــه مــن القضــاء الكامــل العــادي والقضــاء
التفســيري والقضــاء الكامــل املوضوعــي.
هــذا ولئــن يمثــل مبــدأ الشــرعية قاســما مشــتركا بــن قضــاء تجــاوز الســلطة
والقضــاء الكامــل العــادي والقضــاء الكامــل املوضوعــي إال أنّ الغايــة مــن ّ
كل منهمــا
واآلثــار املت ّرتبــة عليهمــا مختلفــة ،فــإذا كان البحــث والتحقيــق فــي الشــرعية صلــب
القضــاء الكامــل العــادي يرمــي إلــى التثبــت مــن توفــر أركان املســؤولية اإلداريــة
.1رغــم أنّ عبــارة «تجــاوز الســلطة» تـ ّم التنصيــص عليهــا صلــب أحــكام الفصــل 57مــن دســتور غــرة جــوان 1959فــي
نســخته األصليــة ثـ ّم وقــع التخ ّلــي عنهــا بموجــب التنقيــح الدســتوري املــؤرخ فــي 8أفريــل .1976
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 98
التقصيريــة مــن خطــأ (عــدم شــرعية العمــل اإلداري املقــدوح فيــه) وضــرر وعالقــة
البــت فــي أح ّقيــة القائــم بالدعــوى فــي التعويــض النقــدي أو
ّ ســببية بينهمــا بغايــة
العينــي ،فــإنّ ركــن الشــرعية فــي قضــاء اإللغــاء مناطــه التدقيــق فــي شــرعية القــرار
االداري والتصريــح بعــدم شــرعيته والقضــاء بإلغائــه متــى تو ّفــرت أســباب ذلــك.
أ ّمــا القضــاء الكامــل املوضوعــي ،فإنّــه فضــا عــن اإلختــاف فــي مك ّونــات ركــن
الشــرعية فيــه بإعتبــاره ال يتع ّلــق فحســب بالقــرارات اإلداريــة وإنّمــا بجميــع األعمــال
اإلداريــة قانونيــة كانــت أو ماديــة ،يكــون الهــدف منــه ال فقــط النطــق بالحكــم بخصــوص
ّ
محــل مــدى شــرعية تلــك األعمــال وتقريــر مصيرهــا وإنّمــا أيضــا بتعديلهــا والحلــول
االدارة فيهــا بالحــذف أو بالزيــادة ،وهــو حــال النــزاع اإلنتخابــي الــذي هــو مــن
املختــص
ّ أبــرز متع ّهــدات القضــاء الكامــل املوضوعــي الــذي ال يكتفــي فيــه القاضــي
بالتصريــح بعــدم شــرعية األعمــال ذات العالقــة باإلنتخابــات وإنمــا يمتــ ّد إلــى إتخــاذ
جميــع اإلجــراءات الضروريــة لضمــان شــرعية العمليــة اإلنتخابيــة بجميــع مراحلهــا
ومــن ألفهــا إلــى يائهــا كاإلذن بإعــادة الفــرز وتعديــل النتائــج والغائهــا علــى إعتبــار
أنّ الغايــة منــه هــي تكريــس شــرعية وشــفافية العمليــة اإلنتخابيــة علــى إعتبــار أن
القاضــي اإلنتخابــي ضامــن لشــرعية اإلنتخابــات وديمقراطيتهــا علــى األقــل مــن
منظــور الفصــل 49مــن الدســتور التونســي ومــن منظــور أغلــب الدســاتير فــي العالــم.
وعلــى ذلــك األســاس ،فقــد جــرى الفقــه والقضــاء علــى إعتبــار أنّــه للقاضــي
اإلنتخابــي ســلطة الحلــول محــل الســلطة اإلداريــة الســاهرة علــى العمليــة اإلنتخابيــة
فيعــ ّدل أو يلغــي نتائــج اإلنتخابــات أو يــأذن بإعادتهــا عنــد اإلقتضــاء وهــو مــا
1
جعــل مــن الفقيــه «رونــي شــابو» يصــف القضــاء الكامــل بأنّــه «قضــاء الحلــول».
لكــنّ ركــن الشــرعية الــذي يم ّثــل القاســم املشــترك بــن القضاءيــن املوضوعيــن ،قضــاء
تجــاوز الســلطة وفــرع مــن القضــاء الكامــل ،تــرك فضــاءات لتنــازع اإلختصــاص بــن
القضاءيــن ،ذلــك أنّــه علــى الرغــم مــن أنّ املشــ ّرع ،التونســي أو املقــارن ،أســند كتلــة
إختصــاص للقاضــي اإلنتخابــي ،ســواء كان إداريــا بهيكلــه أو بموضــوع نظــره ،بــأن
رســم خطــوط إختصــاص القاضــي اإلنتخابــي فــي جميــع مراحــل النــزاع اإلنتخابــي بــدأ
بالقــرارات التنظيميــة التــي يصدرهــا الهيــكل العمومــي املســتأمن علــى العمليــة اإلنتخابيــة
ومــرورا بالترســيم بقائمــات الناخبــن وبالترشــح لإلنتخابــات ووصــوال إلــى التصريــح
بنتائــج العمليــة اإلنتخابيــة ومــا يمكــن أن ينشـــأ عنهــا مــن منازعــات ،فإ ّنــه وبخصــوص مــا
يمكــن أن يتخ ّلــل جميــع تلــك املراحــل مــن عمليــات لهــا عالقــة وثيقــة بالعمليــة اإلنتخابيــة
مــن حملــة إنتخابيــة وأعمــال إداريــة تنظيميــة فقــد بقيــت خطــوط اإلختصــاص غامضــة
1. Benjamin BALDOUS, Les pouvoirs du juge de pleine juridiction, thèse, Presse universitaire d’Aix – Marseille,
2000, préface de Jean- Paul NEGRIN, p.41.
99 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
وحــدوده غيــر واضحــة بــن مــا هــو مــن األعمــال املنفصلــة عــن العمليــة اإلنتخابيــة
الصرفــة ومــا هــو متّصــل بهــا.
وهنــا يطــرح الســؤال حــول مــا إذا كانــت شــمولية نظــر القاضــي الكامــل املوضوعــي
تدخــل القاضــي اإلداري بعبــاءة تجــاوز فــي مجــال النــزاع اإلنتخابــي تحــول دون ّ
الســلطة فــي املجــال ،ال س ـ ّيما فيمــا لــم يــرد فيــه تنصيــص صريــح علــى ســبيل طعــن
لــدى القاضــي اإلنتخابــي ،وحــول مــا إذا كانــت القــرارات اإلداريــة ذات العالقــة
باإلنتخابــات والتــي تنفصــل عــن العمليــة اإلنتخابيــة بمعناهــا الدقيــق يمكــن أن تكــون
محـ ّـل نظــر مــن قاضــي تجــاوز الســلطة ،رغــم أنّهــا قــد تكــون محـ ّـل رقابــة مــن القاضــي
اإلنتخابــي وحــول مــدى إمكانيــة تدخــل قاضــي تجــاوز الســلطة فــي مجــال األعمــال
املتصلــة بالعمليــة اإلنتخابيــة والتــي ال تنفصــل عنهــا ،واإلشــكال ليــس بنظــري فحســب
وإنّمــا هــو تطبيقــي باألســاس بالنظــر إلــى أنّ املواجهــة بــن شــمولية نظــر القاضــي
اإلنتخابــي ،كتج ّلــي مــن تج ّليــات القضــاء الكامــل املوضوعــي ،فــي النزاعــات اإلنتخابيــة
وشــمولية نظــر قاضــي تجــاوز الســلطة فــي نزاعــات تجــاوز الســلطة ،ليــس دون مبــرر
بالنظــر إلــى أنّ هــذا األخيــر هــو قاضــي الشــرعية بإمتيــاز وإعمــاال أيضــا ملبــدأ أنّــه
الوالــي علــى طريــق القانــون العــام للطعــن فــي املقــ ّررات اإلداريــة ،منتجــا لتنــازع
إختصــاص قــد يترتّــب عنــه تضــارب فــي املواقــف القضائيــة وحتّــى فــي األحــكام.
إنّ النظــام القضائــي للنزاعــات ذات العالقــة باإلنتخابــات ليــس متجانســا ،فمــن ناحيــة
هــو ال يتمظهــر فــي كتلــة إختصــاص مســندة لجهــاز قضائــي موحــد وال فــي إجــراءات
موحــدة ،بــل علــى العكــس مــن ذلــك ،فــإنّ القانــون األساســي عــدد 16لســنة
وطــرق طعــن ّ
2014املــؤرخ فــي 26مــاي 2014واملتعلــق باإلنتخابــات واإلســتفتاء مثلمــا تــ ّم تنقيحــه
بالقانــون األساســي عــدد 7لســنة 2017املــؤرخ فــي 14فيفــري 2017فــ ّرق فــي النظــم
القانونيــة للنزاعــات اإلنتخابيــة بــن نزاعــات الترســيم بســجالت الناخبــن ونزاعــات
الترشــح لإلنتخابــات ،بــل وفــ ّرق داخــل هــذه األخيــرة بــن اإلنتخابــات التشــريعية
والرئاســية واإلنتخابــات املحليــة والجهويــة ،وبــن نزاعــات النتائــج ومــا بعدهــا ،كمــا
ســكت عــن نزاعــات يمكــن أن تتخ ّلــل الفتــرة االنتخابيــةـ ،بمــا يطــرح عديــد اإلشــكاالت
بخصوصهــا ال ســيما فــي مــدى إمكانيــة تدخــل القاضــي اإلداري بعبــاءة تجــاوز الســلطة
فــي تلــك املراحــل بإعتبــاره القاضــي الطبيعــي للطعــون املتع ّلقــة بالقــرارات اإلداريــة.
ومــا يمكــن أن نالحظــه فــي هــذا الخصــوص هــو إعتمــاد الفقــه وفقــه القضــاء علــى
نظريــة القــرارات املنفصلــة والقــرارات املتصلــة 1حيــث ف ـ ّرق فــي مجــال النزاعــات ذات
العالقــة باإلنتخابــات بــن مــا هــو تنظيمــي ( )organisationnelيدخــل أو يمكــن أن يدخــل
1. La théorie des actes détachables dans le droit public français, par Bernard-Frank Macera, p.79 et s..
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 100
مبدئيــا ضمــن واليــة قاضــي تجــاوز الســلطة ومــا هــو تســييري وتنفيــذي يتعلــق بإجــراء
اإلنتخابــات ( )réalisationnelويخــرج مبدئيــا عــن مرجــع نظــر قاضــي تجــاوز الســلطة.
هــذا ومــا يمكــن إســتنتاجه مــن خــال النصــوص القانونيــة النافــذة فــي املجــال
والتوجهــات الفقهيــة والفقــه قضائيــة أنّ تحديــد املســكن القضائــي وجدرانــه اإلجرائيــةّ
كل ذلــك فــي مجــال النزاعــات ذات العالقــة والشــكلية وموقــع قاضــي تجــاوز الســلطة مــن ّ
باإلنتخابــات يرتبــط أساســا باإلطاريــن الزمانــي واملكانــي للمرحلــة ســواء تع ّلــق األمــر
باملرحلــة التحضيريــة لإلنتخابــات (البــاب األ ّول) أو بالعمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة (البــاب
الثانــي) أو بمرحلــة مــا بعــد تلــك اإلنتخابــات والتــي تكــون نتاجــا لهــا (البــاب الثالــث).
إنّ املرحلــة التحضيريــة للعمليــة اإلنتخابيــة تبــدأ مــن إصــدار النصــوص الترتيبيــة
ّ
بالســجل اإلنتخابــي واملترشــحني التــي ّ
تنظمهــا وتدعــو إليهــا وتمــ ّر بترســيم الناخبــن
بالقائمــات املعـ ّدة للغــرض وبالدعــوة لإلنتخــاب وبتنظيــم أطــر وقواعــد الحملــة اإلنتخابيــة.
إنّــه جديــر باإلشــارة فــي هــذا الصــدد أنّ مــا م ّيــز املســار القضائــي فــي املرحلــة
التحضيريــة هــو إســتثناء قاضــي تجــاوز الســلطة مــن بعــض املجــاالت بسياســة كتــل
ّ
الســجل اإلنتخابــي ،ألســباب تاريخيــة قــد اإلختصــاص ،ال ســ ّيما فــي مجــال نزاعــات
تجــد مبــررا لهــا فــي النظــام القانونــي املقــارن ولكنّهــا أســباب أكثــر منهــا عمليــة فــي
املنظومــة التونســية (القســم األ ّول) ولكــنّ ذلــك اإلســتثناء ال ينفــي مبــدأ الواليــة العامــة
لقاضــي تجــاوز الســلطة فــي العمليــة التحضيريــة لإلنتخابــات ســواء تع ّلــق األمــر بالطعــن
فــي القــرارات الترتيبيــة أو الفرديــة (القســم الثانــي).
1. Le juge des actes préparatoires à l’élection, Jacques ARRIGHI de CASANOVA-Conseiller d’Etat, in Nouveaux
cahiers du Conseil Constitutionnel N°41-Octobre 2013.
101 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
ّ
السجل األول :قاضي تجاوز السلطة ونزاعات
القسم ّ
اإلنتخابي وسياسة كتل اإلختصاص
جــاء بالفصــل 3مــن القانــون األساســي عــدد 23لســنة 2012املــؤرخ في 20ديســمبر 2012
واملتعلــق بالهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات مثلمــا تـ ّم تنقيحه وإتمامه بالقانون األساســي
عدد 44لسنة 2013املؤرخ في 01نوفمبر 2013أنّه« :تتو ّلى الهيئة العليا املستقلة لإلنتخابات
القيــام بجميــع العمليــات املرتبطــة بتنظيــم اإلنتخابــات واإلســتفتاءات وإدارتهــا واإلشــراف
عليهــا طبقــا لهــذا القانــون والتشــريع اإلنتخابــي وتقــوم فــي هــذا اإلطــار خاصــة بمــا يلــي:
- 1مسك سجل الناخبني وتحيينه بصفة مستمرة.
- 2ضبــط قائمــات الناخبــن الخاصــة بــكل انتخــاب أو اســتفتاء ومراجعتهــا عنــد
االقتضــاء وإشــهارها خاصــة علــى املوقــع اإللكترونــي الرســمي للهيئــة وفــي آجــال
يحددهــا القانــون االنتخابــي.
- 3السهر على ضمان حق االقتراع لكل ناخب.»...
ّ
ســجل إنّــه ال جــدال فــي أنّــه مــن بــن أهــ ّم القــرارات التحضيريــة لإلنتخابــات إعــداد
الناخبــن وترســيم الناخبــن ضمنــه علــى معنــى أحــكام الفصــول 7و 8و 9مــن القانــون
األساســي عــدد 23لســنة 2012ســالف الذكــر ،وهــي مــن بــن األعمــال اإلداريــة التنظيميــة
ـجل للناخبــن الــذي يقــوم علــى مبــدأ التســجيل التــي تقــوم بموجبهــا الهيئــة بمســك سـ ّ
اإلرادي بطلــب يق ّدمــه املواطــن تتو ّلــى الهيئــة دراســته وتــأذن بالترســيم أو برفــض
الترســيم أو بالتشــطيب بعــد التث ّبــت فــي توفــر شــروط الناخــب وفــي عــدم وجــود موانــع
تحــول دون ذلــك علــى معنــى مقتضيــات الفصــل 6مــن نفــس القانــون كوجــود حكــم
يقضــي بعقوبــة تكميليــة تقضــي بالحرمــان مــن حــق اإلنتخــاب أو حجــر لجنــون مطبــق.
وللمتأ ّمــل فــي طبيعــة مثــل هــذه األعمــال أن يســتخلص مــن الوهلــة األولى طبيعتهــا اإلدارية
الصرفــة وإنفصالهــا عــن العمليــة اإلنتخابيــة املحضــة ،بإعتبارهــا مــن ناحيــة تســبق
الفتــرة اإلنتخابيــة بروزنامــة تضبطهــا الهيئــة تتض ّمــن آجــال اإلعتــراض والتصحيــح ،ومــن
تتلخــص فــي عمليــة تنظيمييــة محضــة ،علــى أنّهــا ليســت فاقــدة لـ ّ
ـكل صلــة ناحيــة أخــرى ّ
بالعمليــة اإلنتخابيــة ويمكــن أن يكــون لهــا تأثيــر غيــر مباشــر علــى اإلقتــراع ونتائجــه.
املتفحــص للنظــام القانونــي لنزاعــات الترســيم بســجالت الناخبــن يتب ّيــن أ ّنــه رغــم
ّ إنّ
صبغتهــا اإلداريــة الصرفــة وبعدهــا الزمنــي عــن العمليــة اإلنتخابيــة فــي حــ ّد ذاتهــا،
فــإنّ املشــرع التونســي قــد أفردهــا بنظــام قضائــي غ ّيــر نظامهــا الطبيعــي بإعتبارهــا
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 102
تتعلــق بالطعــن فــي قــرارات إداريــة مكانهــا القضائــي الطبيعــي يكــون لــدى قاضــي
تجــاوز الســلطة ،بــل أكثــر مــن ذلــك فقــد أخرجهــا مــن عبــاءة القضــاء اإلداري حيــث
خصتهــا مقتضيــات الفصــول مــن 14إلــى 18مــن القانــون األساســي عــدد 23لســنة ّ
2012بإجــراءات طعــن لــدى جهــاز القضــاء العدلــي يمــ ّر عبــر املحكمــة اإلبتدائيــة
املختصــة ترابيــا وينتهــي فــي الدرجــة الثانيــة أمــام املحــاكام اإلســتئنافية العدليــة.
هــذا النظــام القضائــي لنزاعــات الترســيم بالسـ ّ
ـجل هــو فــي الحقيقــة مقتبــس مــن القانــون
املقــارن الــذي فــي فلســفته أنّ حــق اإلنتخــاب هــو مــن الحريــات والحقــوق األساســية وأنّ
القاضــي العدلــي هــو حامــي الحريــات والحقــوق األساســية ،1وهــو مبــدأ دســتوري ك ّرســه
الدســتور الفرنســي ضمــن الفصــل 66منــه ،وعلــى ذلــك األســاس فقــد أوكل الفصل 20من
البت في املنازعات املتع ّلقة بالترســيم أو بالتشــطيب
املجلة اإلنتخابية الفرنســية إختصاص ّ
ضمــن قائمــة الناخبــن املخـ ّول لهــم ممارســة حــق اإلنتخــاب إلــى جهــاز القضــاء العدلــي.
الت اإلنتخابيــةالبــت فــي نزاعــات الترســيم والتشــطيب بالســج ّ ّ إنّ إســناد إختصــاص
لجهــاز القضــاء العدلــي لئــن لــه مبـ ّرر تاريخــي ،فإ ّنــه ال يخلــو مــن التحفظــات والتداعيــات
ـجل اإلنتخابــي أو رفــض الترســيم أو التشــطيب علــى الســلبية ،ذلــك أنّ الترســيم بالسـ ّ
ـجل هــو مــن األعمــال اإلداريــة التــي تع ّبــر بإمتيــاز عــن اإلرادةالناخبــن مــن ذلــك السـ ّ
املنفــردة لــإدارة ممثلــة فــي إدارة عموميــة مركزيــة أو ال مركزيــة ،أو فــي هيئــة عموميــة
مســتق ّلة منحهــا القانــون صالحيــات الســلطة العامــة ،والصــادرة فــي إطــار تســيير
يتجســد فــي مرفــق اإلنتخابــات وهــي بالتالــي مــن األعمــال ّ مرفــق عمومــي بإمتيــاز
اإلداريــة التــي يجــب أن تخضــع لرقابــة الشــرعية تحــت غطــاء دعــوى تجــاوز الســلطة
بإعتبارهــا الوســيلة العامــة لضمــان إحتــرام الشــرعية ،كمــا أنّهــا تطــرح ع ـ ّدة إشــكاالت
والبــت فــي شــرعية القــرارات اإلداريــةّ بخصــوص تخويــل القاضــي العدلــي النظــر
واإلذن بتعطيلهــا بمــا يتنافــى مــع مبدـــأ الفصــل بــن الســلطات اإلداريــة والعدليــة ومــع
املقتضيــات الصريحــة للفصــل 3مــن القانــون األساســي عــدد 38لســنة 1996املــؤرخ فــي
3جــوان 1996واملتعلــق بتوزيــع اإلختصــاص بــن املحاكــم العدليــة واملحكمــة اإلداريــة
وإحــداث مجلــس لتنــازع اإلختصــاص والــذي جــاء بــه أ ّنــه «ليــس للمحاكــم العدليــة أن
ـأي وســيلة مــن
تنظــر فــي املطالــب الراميــة إلــى إلغــاء املق ـ ّررات اإلداريــة أو إلــى اإلذن بـ ّ
الوســائل التــي مــن شــانها تعطيــل عمــل اإلدارة أو تعطيــل ســير املرفــق العمومــي».
ـجل اإلنتخابــي نتيجة لقانونهــذا ولئــن جــاء تخويــل املحاكــم العدلية النظر في نزاعات السـ ّ
أساســي هــو قانــون اإلنتخابــات واإلســتفتاء املذكــور أعاله ،بما يعـ ّد تقييــدا للتحجير العام
املض ّمــن صلــب أحــكام الفصــل ،3فإ ّنــه ال يخلــو مــن التداعيات الســلبية على وحــدة النزاع
1. Les armes du juge judiciaire dans la protection des libertés fondamentales , Richards Desgeorces , en ligne
sur www.revuegeneraledudroit.eu
103 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
اإلنتخابــي ومــا يتم ّيــز بــه مــن تداخــل فــي مراحله ،لـ ّ
ـكل منها تأثيــر على األخــرى فقد ُيطرح
ـجل اإلنتخابي أمــام القاضي النــزاع بعــد إنقضــاء آجــال التداعــي بخصــوص نزاعات السـ ّ
اإلداري بمناســبة نظــره فــي نزاعــات النتائــج ،باعتبــاره القاضــي الطبيعــي لتلــك النزاعــات
فــي املنظومــة القانونيــة التونســية وهــو أيضــا صاحــب اإلختصــاص الغالــب فــي النتائــج
فــي القانــون املقــارن ،حــول مــدى شــرعية ترســيم ناخبــن بالســجل أو رفــض ترســيمهم.
ذلــك أنّــه لئــن كان مــن املســتق ّر عليــه فــي فقــه قضــاء مجلــس الدولــة واملجلــس
الدســتوري الفرنســيني أنّ القاضــي اإلداري ليــس قاضــي شــرعية الترســيمات
بالبــت
ّ والتشــطيبات بالســجل اإلنتخابــي ،1فقــد أقــ ّرا باختصــاص القضــاء اإلداري
فــي شــرعية قــرارات الترســيم بالســجل اإلنتخابــي وقــرارات تعديلهــا مــن ناحيــة
مــدى تأثيرهــا علــى شــفافية ونزاهــة اإلنتخابــات وشــرعية نتائجهــا 2ليعتبــرا أ ّنــه يكــون
هنالــك مســاس بنزاهــة وشــفافية االنتخابــات فقــط عندمــا تمــس عــدم شــرعية الترســيم
بالســجالت اإلنتخابيــة عــددا كبيــرا مــن الناخبــن بحيــث يكــون لهــا تأثيــر علــى النتائــج .3
ّ
الســجل لكــنّ إســتعادة القاضــي اإلداري إختصاصــه فــي بعــض جوانــب نزاعــات
اإلنتخابــي ،بمــا تكتســيه مــن صبغــة إداريــة صرفــة ،إقتصــر علــى عبــاءة القضــاء الكامــل
املوضوعــي وبصفــة غيــر مباشــرة بمناســبة نظــره فــي نزاعــات النتائــج ،فــي حــن حافــظ
عليهــا فــي مجــال األعمــال اإلداريــة التنظيميــة والتحضيريــة لإلنتخابــات بعبــاءة قاضــي
اإللغــاء إعمــاال للواليــة العامــة لهــذا األخيــر والتــي لــم تخــل مــن بعــض اإلســتثناءات.
لقــد جــاء بالفصــل 126مــن الدســتور التونســي أ ّنــه «تتو ّلــى هيئــة اإلنتخابــات وتس ـ ّمى»
الهيئــة العليــا املســتق ّلة لإلنتخابــات «إدارﺓ اإلﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ واإلﺳﺘﻔﺘﺎءاﺕ وﺗﻨﻈﻴﻤﻬﺎ ،واﻹﺷﺮاﻑ
ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺮاﺣﻠﻬﺎ» وح ّملهــا مســؤولية ضمــان «ﺳﻼﻣﺔ اﻟﻤﺴﺎﺭ اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﻲ وﻧﺰاﻫﺘﻪ
وﺷﻔﺎﻓ ّﻴﺘﻪ «والتصريح بنتائجه كما أوكل لها «اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺘﺮﺗﻴﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ إﺧﺘﺼﺎﺻﻬﺎ.»...
وفــي تفصيــل مهــام الهيئــة وتحديدهــا تض ّمــن بالفصــل 3مــن القانــون األساســي
1. CE 02 juin 1969 n° 78843- 74906 ; Conseil Constitutionnel 12 juillet 1978 n° 78-845.
ومــن بــن األعمــال التنظيميــة التــي تســهر الهيئــة ضبــط روزنامــة اإلنتخابــات وتوقيــت
فتــح وغلــق مراكــز اإلقتــراع التــي تكتســي صبغــة تنظيميــة الصرفــة والتــي تنفصــل عــن
العمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة وقــد قبــل فــي هــذا اإلطــار قاضــي التوقيــف التنفيــذ ،فــي إطار
نظــره كقاضــي فــردي ينظــر فــي املطالــب الراميــة إلــى توقيــف تنفيــذ القــرارات اإلداري
بالتــوازي مــع تقديــم دعــوى أصليــة فــي تجــاوز الســلطة ،النظــر فــي املطلــب املتعلــق
بتوقيــف تنفيــذ تحديــد مواقيــت فتــح وغلــق بعــض مراكــز اإلقتــراع وإنتهــى إلــى رفضــه
لعــدم وجاهتــه علــى معنــى أحــكام الفصــل 39مــن القانــون املتعلــق باملحكمــة اإلداريــة.1
هــذا وفــي سياســة توســعية ملجــال نظــر قاضــي تجــاوز الســلطة فــي املحكمــة
اإلداريــة التونســية فــي ميــدان النزاعــات اإلنتخابيــة ،قــ ّرر قاضــي توقيــف التنفيــذ
مثــا بخصــوص طلــب توقيــف تنفيــذ يتع ّلــق بقــرار الهيئــة تعويــض رئيــس مكتــب
إقتــراع ،رغــم إقــراره بإرتبــاط مثــل ذلــك القــرار بســير العمليــة اإلنتخابيــة ،أنّــه يعــ ّد
مــن «فئــة القــرارات الصــادرة فــي املــادة اإلداريــة علــى معنــى أحــكام الفصــل
3ويرجــع النظــر فيهــا لقاضــي تجــاوز الســلطة وتوقيــف تنفيــذه للرئيــس األول
للمحكمــة طاملــا أنّ قضــاء توقيــف التنفيــذ يعتبــر فرعــا مــن دعــوى تجــاوز الســلطة».2
يبــدو األمــر أكثــر وضوحــا ومحـ ّـل إجمــاع بخصــوص اإلختصــاص الحصــري لقاضــي
املوجهــة ض ـ ّد القــرارات الترتيبيــة التــي تصدرهــا اإلدارة
ّ تجــاوز الســلطة فــي الطعــون
أو الهيئــة العموميــة املســتق ّلة املك ّلفــة بتنظيــم اإلنتخابــات والســهر علــى حســن ســيرها
فــي إطــار التحضيــر لإلنتخابــات باعتبارهــا قــرارات منفصلــة عــن العمليــة اإلنتخابيــة
وتتعلــق بنصــوص عامــة تضبــط قواعــد ســير اإلنتخابــات وأطرهــا القانونيــة والفنّيــة
وقــد تع ـ ّرض فقــه القضــاء املقــارن لطعــون مــن هــذا النــوع مــن ذلــك الطعــن فــي أمــر
يتع ّلــق بضبــط شــروط تطبيــق القانــون األساســي الخــاص بتصويــت الفرنســيني
فــي الخــارج علــى اإلســتفتاء حيــث أقــ ّر مجلــس الدولــة بإختصاصــه فــي النظــر
فيــه بعبــاءة قاضــي تجــاوز الســلطة علــى الرغــم مــن أنّ الفصــل 60مــن الدســتور
قــد أوكل للمجلــس الدســتوري ضمــان شــرعية عمليــات اإلســتفتاء والتصريــح
ّ
ولعــل ذلــك املوقــف يؤ ّكــد الفصــل بــن األعمــال ذات العالقــة بســير عمليــة بنتائجهــا،
التصويــت الصرفــة وتلــك التــي تنفصــل عنهــا وتتعلــق بأعمــال إداريــة تنظيميــة.3
.1القرار الصادر عن الرئيس األول للمحكمة الإلدارية في القضية عدد 417831بتاريخ 22نوفمبر .2014
.2قرار توقيف التنفيذ عدد 4177006بتاريخ 21نوفمبر .2014
3. CE. Ass. 10 sept. 1992, aff. N° 140376, 140377, 140378, 140379,140416, 140417, 140832, publié au recueil
Lebon.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 106
لكــنّ اإلشــكال املطــروح بالنســبة ملثــل تلــك األعمــال التنظيميــة هــو مــدى إمكانيــة مناقشــتها
بعــد إجــراء اإلنتخابــات والتصريــح بالنتائــج ومــدى تأثيــر هــذا املوقــف أو ذاك علــى
شــرعية العمليــة اإلنتخابيــة فــي ح ـ ّد ذاتهــا ،وقــد ُطــرح اإلشــكال أمــام مجلــس الدولــة
الفرنســي بمناســبة عريضــة مــن جملــة مجموعــة عرائــض ترمــي إلــى إلغــاء جزئــي لبعــض
بنــود قــرار صــادر عــن املجلــس األعلــى لإلعــام الســمعي البصــري ،حيــث إعتبــر أ ّنــه
لئــن كان مــن الجائــز الطعــن باإللغــاء فــي مثــل تلــك القــرارات املنفصلــة عــن العمليــة
اإلنتخابيــة ،فإ ّنــه انطالقــا مــن التصريــح بالنتائــج تصبــح مثــل تلــك الطعــون حريــة بعــدم
القبــول ،فأقــ ّر بذلــك باإلختصــاص الحصــري لقاضــي تجــاوز الســلطة فــي القــرارات
التنظيميــة لإلنتخابــات والتــي تنفصــل عــن العمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة ،علــى أ ّنــه دون
نفــي ذلــك اإلختصــاص اعتبــر أنّ مثــل تلــك الطعــون ال تكــون مؤ ّديــة إلــى الخــوض فــي
موضــوع الطعــن ومآلهــا عــدم القبــول بعــد التصريــح بالنتائــج ،وفــي تحاليــل ملثــل ذلــك
املوقــف يكــون اإلعتبــار العملــي هــو الباعــث عليــه بإعتبــار مــا يمكــن أن يكــون لإللغــاء بعــد
التصريــح بالنتائــج مــن تداعيــات علــى شــرعية هــذه األخيــرة فــي مجملهــا ،مــن بــاب أنّ مــا
ُبنــي علــى باطــل فهــو باطــل ،بمــا يهـ ّدد إســتقرار وســامة العمليــة الديمقراطيــة بأكملهــا
بالنظــر إلــى عــدم إنقضــاء آجــال الطعــن فــي القــرارات التنظيميــة الســابقة لإلنتخــاب.1
أ ّمــا بالنســبة لبعــض القــرارات الفرديــة ذات الصبغــة التنظيميــة ،فقــد ُطــرح ّاإلشــكال
ّ
شــك أمــام املحكمــة اإلداريــة بخصــوص أعضــاء ورؤســاء مكاتــب اإلقتــراع ،وهــو ال
قــرار تنظيمــي لئــن لــه عالقــة باإلنتخابــات فإ ّنــه ينفصــل عــن العمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة
بمفهومهــا الض ّيــق ،حيــث تع ّلــق األمــر بدعــوى فــي إلغــاء قــرار تعويــض رئيــس مكتــب
إقتــراع إقترنــت بمطلــب فــي توقيــف التنفيــذ وقــد إعتبــرت املحكمــة عنــد بتّهــا فــي املطلــب
أ ّنــه« :لئــن كان قــرار الهيئــة العليــا املســتق ّلة لإلنتخابــات تعويــض رئيــس مكتــب إقتــراع
ينــدرج فــي إطــار تنظيــم الهيئــة لعالقتهــا مــع عــون مــن األعــوان التابعــن لهــا ،فإنّــه
يتن ـزّل أيضــا فــي إطــار تســيير العمليــة اإلنتخابيــة وضمــان نزاهتهــا وهــو مــا يجعلــه
تبعــا لذلــك مــن فئــة القــرارات الصــادرة فــي املــادة االداريــة علــى معنــى أحــكام الفصــل
3ويرجــع النظــر فيهــا لقاضــي تجــاوز الســلطة وتوقيــف تنفيــذه إلــى الرئيــس األول
للمحكمــة طاملــا أنّ قضــاء توقيــف التنفيــذ يعتبــر رعــا مــن دعــوى تجــاوز الســلطة».2
ولع ّلــه مــن الضــروري التدقيــق فيمــا ورد بعبــارات القــرار املذكــور مــن تع ّلــق قــرار
تعويــض رئيــس مكتــب إقتــراع بتســيير العمليــة اإلنتخابيــة وقــد كان مــن األجــدى
1. «Considérant qu’à compter de la proclamation… des résultats de l’élection…, la légalité des actes
administratifs détachable de la dite élection, si elle peut être contestée à l’appui d’un recours tendant à
l’annulation des opération électorales, n’est plus susceptible de faire l’objet d’un recours pour excès de
pouvoir…», CE 20 oct. 1989 , n°108130, in Legifrance.
.2القرار الصادر عن الرئيس األول للمحكمة اإلدارية في القضية عدد 417706بتاريخ 21نوفمبر .2014
107 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
إعتبــار املســألة تتع ّلــق بتنظيــم العمليــة اإلنتخابيــة بإعتبــار أن ســير العلميــة اإلنتخابيــة
يتع ّلــق باألســاس بعمليــة اإلقتــراع فــي ح ـ ّد ذاتهــا وذلــك للفصــل بــن مــا هــو تنظيمــي
يتع ّلــق بالتحضيــر للعمليــة اإلنتخابيــة ومــا هــو تســييري يهــ ّم ســير عمليــة اإلقتــراع.
ونفــس املوقــف اتبعتــه املحكمــة فيمــا يتع ّلــق باإلعتمــادات املمنوحــة للمالحظــن
املح ّليــن واألجانــب لإلنتخابــات وقــد تع ّرضــت املحكمــة فــي هــذا اإلطــار لطعــن
موجــه ضــ ّد قــرار هيئــة فرعيــة مســتق ّلة لإلنتخابــات يقضــي بســحب إعتمــاد مــن ّ
منظمــة وطنيــة وقــد انتهــى قاضــي توقيــف التنفيــذ بوصفــه ينظــر إســتعجاليا فــي
فــرع مــن دعــوى تجــاوز الســلطة إلــى القضــاء بتوقيــف تنفيــذ ذلــك القــرار بنــاء علــى
األســباب الج ّديــة التــي إنبنــى عليهــا مــن حيــث هضــم حقــوق الدفــاع وملــا يمكــن ان
ينتــج عــن تنفيــذه مــن آثــار يصعــب تداركهــا مــن حيــث شــموله لكامــل فــرع ّ
املنظمــة.1
إنّــه مــن بــن األعمــال اإلداريــة التــي أثــارت أيضــا إشــكاالت فــي مــدى قابليتهــا
للطعــن باإللغــاء مــن حيــث إتّصالهــا أو إنفصالهــا عــن العمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة،
القــرار الــذي يعلــن إنطــاق املرحلــة اإلنتخابيــة ،وهــو قــرار دعــوة الناخبــن
لإلنتخــاب ،إذ جــاء بالفصــل 101مــن القانــون األساســي عــدد 23لســنة 2012
املتعلــق باإلنتخابــات واإلســتفتاء أنّــه« :تتــ ّم دعــوة الناخبــن بأمــر رئاســي فــي
أجــل أدنــاه ثالثــة أشــهر قبــل يــوم اإلقتــراع بالنســبة لإلنتخابــات التشــريعية
والجهويــة والبلديــة والرئاســية ،وقبــل أجــل أدنــاه شــهران بالنســبة إلــى اإلســتفتاء».
إ ّنــه مــن الوهلــة األولــى يبــدو بديهيــا أن مثــل تلــك القــرارات اإلداريــة تعـ ّد مــن القــرارات
التنظيميــة التــي تنفصــل عــن العمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة والتــي تخضــع تبعــا لذلــك لواليــة
قاضــي تجــاوز الســلطة ،إ ّال أنّ املســألة تطــرح تســاؤلني أساســيني أ ّولهمــا فــي عالقــة
ـت فيه.بالنظــام القضائــي للنزاعــات اإلنتخابيــة وثانيهمــا مرتبــط بتاريــخ تقديــم الطعــن والبـ ّ
إن كان النظــام القضائــي للنزاعــات اإلنتخابيــة فــي املرحلــة التحضيريــة مــا بعــد
موحــدا بإعتبــاره يرجــع منــذ تلــك املرحلــة إلــىالدعــوة إلــى اإلنتخــاب فــي تونــس ّ
املحكمــة اإلداريــة إبتدائيــا وإســتئنافيا علــى معنــى أحــكام القانــون اإلنتخابــي بحيــث
لتدخــل جهــاز القضــاء العدلــي الــذي ينتهــي دوره بإنتهــاء مرحلــةلــم يعــد مــن مجــال ّ
ّ
الســجل اإلنتخابــي ســواء بعباءتــه املدنيــة أو الجزائيــة ،فإنّــه فــي القانــون نزاعــات
املقــارن يتم ّيــز املســكن القضائــي ( )le foyer juridictionnelللنزاعــات اإلنتخابيــة مــا
ـجل بإزدواجيــة وتداخــل فــي اإلختصاصــات بــن املجلــس الدســتوري بعــد مرحلــة السـ ّ
ومجلــس الدولــة بحســب املــادة اإلنتخابيــة (تشــريعية ورئاســية أو مح ّليــة.)...
.1القرار الصادر عن الرئيس األول للمحكمة اإلدارية في القضية عدد 417822بتاريخ 21نوفمبر .2014
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 108
وقــد ُطــرح إشــكال التنــازع فــي اإلختصاصــات بــن مجلــس الدولــة بعبــاءة قاضــي
تجــاوز الســلطة واملجلــس الدســتوري بإعتبــاره املختــص بالنظــر فــي النزاعــات
بالبــت فــي تلــك
ّ اإلنتخابيــة التشــريعية ،حــول متــى كان املجلــس الدســتوري مختصــا
املوجهــة
ّ الطعــون النزاعــات فهــل يتســنّى رغــم ذلــك للقاضــي اإلداري أن ينظــر فــي
ض ـ ّد القــرارات التحضيريــة لإلنتخابــات تبعــا لصبغتهــا التنظيميــة واإلداريــة الصرفــة،
وقــد كان جــواب مجلــس الدولــة الفرنســي فــي مرحلــة أولــى بالنفــي بالتحديــد فــي
خصــوص قــرار دعــوة الناخبــن لإلنتخــاب الــذي اعتبــره ال ينفصــل عــن العمليــة
اإلنتخابيــة التــي يرجــع النظــر فــي منازعاتهــا للقاضــي الدســتوري دون ســواه.1
وفــي مقابــل ذلــك ولســ ّد الفــراغ ،إحتفــظ املجلــس الدســتوري بصالحيــة الرقابــة
عــن طريــق الدفــع بمناســبة نظــره فــي نزاعــات مجريــات العمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة
مســتندا فــي ذلــك إلــى مــا يمكــن أن يكــون لفداحــة العيــب الــذي يصيــب مثــل تلــك
القــرارات التحضيريــة مــن تداعيــات علــى نجاعــة الرقابــة التــي يبســطها علــى
العمليــة اإلنتخابيــة بأكملهــا ومــن ث ّمــة علــى الســير العــادي للســلطات العموميــة.2
ثــ ّم وفــي مرحلــة ثانيــة اســتعاد القاضــي اإلداري الفرنســي إختصاصــه األصلــي
والتاريخــي فــي مــادة تجــاوز الســلطة بخصــوص القــرارات اإلداريــة التحضيريــة
لإلنتخابــات بــأن قبــل الطعــن ض ـ ّد األمــر املتعلــق بدعــوة الناخبــن لإلنتخــاب مــن بــاب
الجــدوى التــي تخ ـ ّول النظــر فــي القــرارات اإلداريــة التنظيميــة لإلنتخابــات فــي الوقــت
املناســب وقبــل املــرور إلــى املرحلــة اإلنتخابيــة الصرفــة مخافــة عواقــب عــدم الشــرعية
التــي يمكــن أن تصيــب مثــل تلــك القــرارات وتأثيــر ذلــك علــى العمليــة االنتخابيــة بأكملهــا.3
إنّــه لئــن كانــت املرحلــة التحضيريــة للعمليــة اإلنتخابيــة تكتســي فــي غالبهــا طابعــا
تنظيميــا ال يختلــف إثنــان فــي أ ّنــه تتخ ّللهــا قــرارات إداريــة صرفــة تخضــع مبدئيــا لرقابــة
قاضــي تجــاوز الســلطة فيمــا عــدا مــا ُأســند لغيــره بنــص خــاص قياســا علــى عبــارات
الفصــل 2مــن القانــون املتعلــق باملحكمــة اإلداريــة ،وتجســد الواليــة العامــة لقاضــي
تجــاوز الســلطة فــي مــادة مراقبــة شــرعية املقــ ّررات اإلداريــة وقــد طرحــت إشــكاالت
عــ ّدة علــى النحــو الســالف بيانــه أعــاه ،فمــا حــال األعمــال اإلداريــة التــي تتخ ّلــل
العمليــة اإلنتخابيــة بمعناهــا الض ّيــق مــن قبــول للترشــحات وحملــة إنتخابيــة وإقتــراع.
1. CE 20 déc. 1946, Gazalan, Rec. Lebon p.314, CE. 3 juin 1981, Delmas, Lebon p.24
2. Conseil Constitutionnel, Décision n° 82-2 ELEC des 16 et 20 avril 1982, Bernard et autres, Rec. P.109
3. CE. ASS. 12 mars 1993, Union nationale Ecologiste, Lebon p.67 ; sect. 26 mars 1993, Parti des travailleurs,
Lebon p.87
109 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
إنّ الح ـ ّد الفاصــل بــن األعمــال التحضيريــة لإلنتخابــات ومجريــات العمليــة اإلنتخابيــة
يتجســد فــي خيــط رفيــع يصعــب عمل ّيــا تحديــده ،علــى أ ّنــه يمكــن مــن الوجهــة النظريــة أن
ّ
نعتبــر أنّ مجريــات العمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة تنطلــق مــن تاريــخ فتــح بــاب الترشــحات
لإلنتخابــات لتنتهــي بالتصريــح بالنتائــج ،ذلــك أنّ تلــك العمل ّيــة فــي تعريفهــا تتمثــل
فــي إنتخــاب مترشــحني لإلنتخابــات ،ومــن الطبيعــي أن تنطلــق مجرياتهــا الفعليــة مــن
يــوم الترشــح لهــا ومــا يســتتبعها مــن تدخــل فاعلــن خــواص وعموميــن فيهــا ،ســواء
بالترشــح ومــا يســتوجبه مــن إجــراءات ومــا يليــه مــن حملــة إنتخابيــة بغايــة التعريــف
بتدخــل هيئــات عموميــة إداريــة مركزيــة أو ّ باملترشــحني وببرنامجهــم اإلنتخابــي ،أو
المركزيــة أو مســتق ّلة لتوفيــر منــاخ قانونــي ســليم يضمــن إجــراء اإلنتخابــات فــي كنــف
الشــرعية والنزاهــة والشــفافية ،لتنتهــي بعمليــة اإلقتــراع التــي هــي التتويــج األخيــر
لجميــع مجرياتهــا وباإلعــان عــن نتائجهــا بإعتبارهــا التكريــس األســمى للديمقراطيــة.
إنّ جميــع تلــك املجريــات يتخ ّللهــا كمــا قلنــا تداخــل لعــ ّدة هيــاكل عموميــة إداريــة
ومســتق ّلة بإعتمــاد وســائل مــن أبــرز تمظهراتهــا قــرارات إداريــة ســلطوية تكــون مبدئيــا
خاضعــة لرقابــة قاضــي تجــاوز الســلطة بإعتبــاره صاحــب الواليــة العامــة فــي الشــرعية،
نــص القانــون صراحــة علــى إســناد إختصــاص النظــر فيــه لقــاض آخــر مــا عــدا مــا ّ
كنزاعــات الترشــحات لإلنتخابــات ونتائــج تلــك اإلنتخابــات (القســم األ ّول) وفيمــا عــدا
مــا اســتثناه النــص صراحــة أو مــا ذهــب التوجــه الفقــه قضائــي إلــى اعتبــاره مــن
توابــع ذلــك االســتثناء ،فــإنّ قاضــي اإللغــاء يســتعيد إختصاصــه املبدئــي فــي املجــال
كالنزاعــات املتعلقــة بالقــرارات اإلداريــة املتعلقــة بالحملــة اإلنتخابيــة ســواء منهــا مــا
كان صــادرا عــن هيئــة اإلنتخابــات أو عــن هيئــة اإلتصــال الســمعي البصــري (القســم
الثانــي) وقــد يطــرح ذلــك التداخــل للقاضــي اإلداري فــي مجريــات العمليــة اإلنتخابيــة
بألبســة مختلفــة مــدى تأثيــر مــا ينتــج عــن نظــره بلبــاس علــى نظــره بلبــاس آخــر.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 110
البــت فــي
ّ تختلــف اإلتّجاهــات الفقــه قضائيــة بخصــوص اإلختصــاص القضائــي فــي
نزاعــات الترشــحات لإلنتخابــات ونتائجهــا بحســب النظــام الــذي تك ّرســه النصــوص
القانونيــة ففــي حــن كان اإلتّجــاه الغالــب فــي مجــال اإلنتخابــات التشــريعية والرئاســية
تدخــل القاضــي اإلداري بعبــاءة دعــوى تجــاوز الســلطة واملح ّليــة نحــو إقصــاء إمكانيــة ّ
ـص صريــح (.)2 ( )1بقــي املجــال مفتوحيــا خــارج تلــك االنتخابــات فيمــا لــم يســتثنيه نـ ّ
جــاء بالفصــل 46مــن القانــون اإلنتخابــي التونســي فــي بــاب نزاعــات الترشــح بالنســبة
لإلنتخابــات التشــريعية والرئاســية أنّــه« :يتــ ّم الطعــن فــي قــرارات الهيئــة مــن قبــل
ّ
املترشــحني أمــام الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة وذلــك فــي أجــل أقصــاه 48
ســاعة مــن تاريــخ التعليــق أو اإلعــام .
علــى الطــرف الراغــب فــي ممارســة الطعــن أن يوجــه إلــى الهيئــة واألطــراف املشــمولة
بالطعــن إعالمــا بــه بواســطة عــدل تنفيــذ يكــون مصحوبــا بنظيــر مــن العريضــة ومؤيداتهــا.
ُيرفــع الطعــن بموجــب عريضــة يتو ّلــى املترشــح أو مــن يمثلــه إيداعهــا بكتابــة املحكمــة،
دون وجــوب االســتعانة بمحــام .ويجــب أن تكــون العريضــة مع ّللــة ومصحوبــة باملؤيــدات
وبنســخة مــن القــرار املطعــون فيــه ومحضــر اإلعــام بالطعــن ،وإال رفــض طعنــه.
تتو ّلــى كتابــة املحكمــة حــال توصلهــا بالعريضــة ترســيمها وإحالتهــا فــورا إلــى الرئيــس
األول الــذي يتولــى تعيينهــا حــاال بإحــدى الدوائــر االســتئنافية.
ويتولــى رئيــس الدائــرة املتعهــدة تعيــن جلســة مرافعــة فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام
مــن تاريــخ ترســيم العريضــة واســتدعاء األطــراف بــأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا
والتنبيــه علــى الجهــة امل ّدعــى عليهــا لــإدالء بملحوظاتهــا الكتابيــة وبمــا يفيــد تبليــغ
111 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
نســخة منهــا إلــى الطــرف اآلخــر وذلــك فــي أجــل أقصــاه يومــان قبــل جلســة املرافعــة.
وتتولــى الدائــرة إثــر املرافعــة حجــز ملــف القضيــة للمفاوضــة والتصريــح بالحكــم فــي
أجــل ثالثــة أيــام.
وتأذن املحكمة بالتنفيذ على املسودة.
وتتولــى كتابــة املحكمــة إعــام األطــراف بالحكــم بــأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا وذلــك فــي
أجــل أقصــاه 48ســاعة مــن تاريــخ التصريــح».
كمــا نــص الفصــل 49ســابع عشــر فــي بــاب اإلنتخابــات املحليــة والجهويــة علــى أ ّنــه:
«يمكــن الطعــن فــي قــرارات الهيئــة فيمــا يتعلــق بالترشــحات مــن قبــل رئيــس القائمــة او
ممثلهــا القانونــي أو رؤســاء بقيــة القائمــات املترشــحة بنفــس الدائــرة اإلنتخابيــة أمــام
محاكــم إداريــة إبتدائيــة.
ويتــ ّم الطعــن فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ اإلعــام بالقــرار أو التعليــق
ويرفــع الطعــن بمقتضــى عريضــة كتابيــة مع ّللــة مصحوبــة باملؤ ّيــدات وبمــا يفيــد
تبليغهــا إلــى الهيئــة وإلــى األطــراف املشــمولة بالطعــن بواســطة عــدل تنفيــذ ...تتولــى
كتابــة املحكمــة اإلداريــة اإلبتدائيــة ترســيم العريضــة وإحالتهــا فــورا إلــى رئيــس
الدائــرة اإلبتدائيــة الــذي يع ّيــن مقــ ّررا يتو ّلــى التحقيــق فــي القضيــة تحــت إشــرافه.
يتولــى رئيــس الدائــرة املتعهــدة تعيــن جلســة مرافعــة فــي أجــل قــدره ثالثــة أيــام مــن
ـت الدائــرة فــي
تاريــخ تقديــم الطعــن وإســتدعاء األطــراف بأ ّيــة وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا .تبـ ّ
الدعــوى فــي أجــل أقصــاه ســتة أيــام مــن تاريــخ جلســة املراغفعــة ويتـ ّم إعــام األطــراف
بالحكــم فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أ ّيــام مــن تاريــخ صــدوره بأ ّيــة وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا»
كمــا جــاء بالفصــل 145مــن نفــس القانــون أ ّنــه« :يمكــن الطعــن أمــام املحاكــم اإلداريــة
اإلســتئنافية فــي النتائــج األ ّوليــة لإلنتخابــات واإلســتفتاء فــي اجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن
تاريــخ تعليقهــا بمق ـ ّرات الهيئــة.
يوجــه إلــى الهيئــة
وعلــى الطــرف الراغــب فــي ممارســة الطعــن فــي النتائــج األ ّوليــة أن ّ
إعالمــا بــه بواســطة عــدل تنفيــذ مــع نظيــر مــن العريضــة واملؤيــدات .و ُيرفــع الطعــن وجوبــا
بالنســبة لالنتخابــات التشــريعية مــن قبــل رئيــس القائمــة املترشــحة أو أحــد أعضائهــا
أو املمثــل القانونــي للحــزب فــي خصــوص النتائــج املصــ ّرح بهــا بالدائــرة االنتخابيــة
ّ
مترشــح ،وبالنســبة لالســتفتاء املترشــحني بها ،وبالنســبة لالنتخابات الرئاســية من قبل ّ
كل
كل ممثــل قانونــي لحــزب شــارك فيــه ،وذلــك بواســطة محــام لــدى التعقيــب. مــن قبــل ّ
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 112
يجــب أن يكــون مطلــب الطعــن مع ّلــا ويحتــوي علــى أســماء األطــراف ومق ّراتهــم وعلــى
عــرض موجــز للوقائــع.
ويكون مشفوعا باملؤيدات وبمحضر اإلعالم بالطعن.
يت ّم تمثيل الهيئة من قبل رئيسها ،ويمكنه تكليف من يم ّثله في الغرض.
تتولــى كتابــة املحكمــة اإلداريــة ترســيم العريضــة وإحالتهــا فــورا إلــى الرئيــس األول الــذي
يتولــى تعيينهــا حــاال لــدى إحــدى الدوائــر االســتئنافية.
ويتولــى رئيــس الدائــرة املتعهــدة تعيــن جلســة مرافعــة فــي أجــل قــدره ثالثة أيام مــن تاريخ
ـأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا لتقديــم ملحوظاتهــم.
تقديــم الطعــن واســتدعاء األطــراف بـ ّ
وتتولــى الدائــرة إثــر املرافعــة حجــز القضيــة للمفاوضــة والتصريــح بالحكــم فــي
أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ جلســة املرافعــة ،وتــأذن بالتنفيــذ علــى املســودة.
ـأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا فــي أجــل أقصــاه 48
وتعلــم املحكمــة األطــراف بالحكــم بـ ّ
ســاعة مــن تاريــخ التصريــح بــه».
إنّ املتأ ّمــل فــي جميــع األحــكام الســالف بيانهــا يتب ّيــن أنّــه وعلــى خــاف املنظومــة
القضائيــة املقارنــة للنزاعــات اإلنتخابيــة ،والتــي تتداخــل فيهــا عــ ّدة أجهــزة قضائيــة
مــن عدليــة وإداريــة ودســتورية ،فــإنّ املنظومــة القضائيــة الوطنيــة للنزاعــات
اإلنتخابيــة الخاصــة بالترشــحات والنتائــج تتم ّيــز بوحــدة الهيــكل القضائــي
بالبــت فيهــا حيــث ُأســند اإلختصــاص حصــرا لجهــاز القضــاء اإلداري. ّ املختــص
ّ
والقاضــي اإلداري فــي املنظومــة القانونيــة التونســية هــو نفســه الــذي ينظــر فــي
دعــاوى تجــاوز الســلطة وفــي دعــاوى القضــاء الكامــل بجانبيهــا الشــخصي
واملوضوعــي ،ولســائل أن يســأل مــا جــدوى طــرح مســألة دور قاضــي تجــاوز
الســلطة فــي هــذا املجــال إذا كان هــو نفــس القاضــي الــذي ينظــر فــي النــزاع؟
إنّ عباءتــي تجــاوز الســلطة والقضــاء الكامــل ،علــى عكــس مفهــوم العبــاءة فــي اللغــة ،هــي
ليســت مجـ ّرد مظهــر وإنّمــا هــي جملــة مــن اإلجــراءات والشــكليات والســلطات ،فإجــراءات
ـت فيهــا مختلفــة تمامــا عــن تلــك الخاصــة املنازعــات اإلنتخابيــة وشــكلياتها وآجــال البـ ّ
ميســرة
بدعــوى تجــاوز الســلطة ،فاألولــى محـ ّددة ومشـ ّددة ومختزلــة فــي حــن أنّ الثانيــة ّ
ومط ّولــة ،ذلــك أنّ دعــوى تجــاوز الســلطة رغــم أنّهــا ليســت قانونــا بالدعــوى الشــعب ّية
فإنّهــا واقعــا كذلــك فشــرط الصفــة فيهــا تكفــي املصلحــة لتوفــره وإنابــة املحامــي للقيــام
بهــا ليســت بالوجوبيــة وآجالهــا قــد تبقــى مفتوحــة مــا لــم يتـ ّم اإلعــام الشــخصي ومــا كان
الحــقّ مســتم ّرا ويجــوز تكــرار املطالبــة بــه وأغلــب إجراءاتهــا وشــكلياتها تقبــل التصحيــح.
113 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
أمــا مــن حيــث ســلطات القاضــي ،فــإنّ عبــاءة تجــاوز الســلطة تخ ّول لــه القيام بــدور قاضي
يوجه الدعوى ويح ّدد أطرافها وموضوعها التحقيــق فــي املــادة الجزائية بحيث أنّه هو الذي ّ
وهدفهــا علــى خــاف مــا هــو الشــأن بالنســبة للقاضــي اإلنتخابــي بعبــاءة القضــاء الكامــل
املوضوعــي الــذي يبقــى مق ّيــدا بشــكليات وإجــراءات الدعــوى املضبوطة قانونــا والتصحيح
فيــه إســتثنائي لك ّنــه فــي مقابــل ذلــك ال يقتصــر عنــد بتّه فــي الدعــوى على اإللغــاء واإلبطال
كمــا قاضــي تجــاوز الســلطة وإنّمــا لــه كذلــك التعديــل واإللــزام فــي الوقــت املناســب.
وعليــه فــإنّ إلبــاس القاضــي اإلداري فــي مجال املنازعــات اإلنتخابية عبــاءة القضاء الكامل
ـت بإعتبارها من املوضوعــي يبــدو فــي الحقيقــة محكومــا مــن ناحيــة ،بمقتضيات ســرعة البـ ّ
خصوصيات املادة اإلنتخابية ،ومن ناحية أخرى بما هو مخ ّول للمحكمة في مادة املنازعة
لتحل ّ
محل اإلدارة. ّ اإلنتخابيــة مــن ســلطات ال تقتصــر على اإللغاء وإنّما تمت ّد إلــى التعديل
إنّ املتأ ّمــل فــي فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي مجــال نزاعــات الترشــحات والنتائــج
املتعلقــة باإلنتخابــات التشــريعية والرئاســية واملح ّليــة يتب ّيــن أنّ املحكمــة التزمــت بمــا
أوجبتــه النصــوص الصريحــة مــن إفــراد تلــك النزاعــات بنظــام قانونــي خــاص (شــكلي
كل دعــوى فــي غــاف دعــوى تجــاوز الســلطة ســواء مــن وإجرائــي) يقــوم علــى رفــض ّ
حيــث الصفــة واملصلحــة فــي القيــام ،أو مــن حيــث شــكليات العريضــة كإمضائهــا
1
وإنابــة محــام فــي نزاعــات النتائــج وتبليــغ الطعــون واملذكــرات لألطــراف والتــي
يترتّــب عــن اإلخــال بهــا الرفــض شــكال او الســقوط 2وهــي شــكليات وإجــراءات
طعــن فــي أغلبهــا ال تقبــل التصحيــح علــى خــاف مــا هــو الشــأن بالنســبة لدعــوى
تجــاوز الســلطة التــي تقــوم علــى إجــراءات وشــكليات فــي أغلبهــا تقبــل التصحيــح.
إنّ مــا يجــب التأكيــد عليــه فــي هــذا اإلطــار أنّ القاضــي اإلنتخابــي فــي النظــام القانونــي
للمنازعــات اإلنتخابيــة فــي تونــس هــو نفســه قاضــي تجــاوز الســلطة الــذي ينظــر فــي
الدعــاوى الرامــي إلــى إلغــاء املقـ ّررات الصــادرة فــي املــادة اإلداريــة ولعـ ّـل ذلــك مــا ّ
يفســر
أنّ منطــوق الحكــم عندمــا يتع ّلــق بإخــاالت فــي عالقــة بشــكليات وإجــراءات القيــام فــي
مجــال نزاعــات الترشــح والنتائــج يكــون عــدم القبــول أو الرفــض شــكال وال يكــون أبدا عدم
اإلختصــاص علــى خــاف مــا هو الشــأن بالنســبة لفقه القضاء الفرنســي الــذي تكون عنده
.1القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة للمحكمــة اإلدارة فــي القضيــة عــدد / 58نــزاع إنتخابــي بتاريــخ
3نوفمبــر « :2011إنّــه خالفــا ملــا إقتضتــه احــكام الفصــل 72املذكــور أعــاه (مــن املرســوم عــدد 35لســنة 2011
املتعلــق بإنتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي) فــإنّ امل ّدعــي لــم تتو ّفــر فــي جانبــه صفــة القيــام بالطعــن فــي
املرســمة
ّ ـص بهــا القانــون وبصفــة حصريــة رئيــس القائمــة اإلنتحابيــة النتائــج األ ّوليــة لإلنتخابــات ،وهــي صفــة خـ ّ
بالدائــرة املطعــون فــي نتائجهــا أو مــن يم ّثلــه» ،الحكــم الصــادر بتاريــخ 20ســبتمبر 2014تحــت عــدد ...2014000
.2الحكــم اإلســتئنافي الصــادر بتاريــخ 17ســبتمبر 2014تحــت عــدد 201410006والحكــم اإلســتئنافي الصــادر بتاريــخ
7نوفمبــر 2014فــي القضيــة عــدد ...201420006
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 114
دعــوى تجــاوز الســلطة املرفوعــة أمــام القاضي اإلداري مآلها بالنســبة لإلنتخابــات الوطنية
(التشــريعية والرئاســية) عــدم اإلختصــاص الحكمــي وهــو أمــر مفهــوم بالنظــر إلــى أنّ تلــك
املــادة ترجــع بالنظــر إلــى املجلــس الدســتوري (الفصلــن 59و 60من الدســتور الفرنســي).1
إنّ هــذا املوقــف فــي فقــه القضــاء اإلداري مــن حيــث عــدم جــواز النظــر بعباءة دعــوى تجاوز
الســلطة فــي نزاعــات الترشــح لإلنتخابــات ونزاعــات نتائــج اإلنتخابــات ال شـ ّـك في أ ّنــه مب ّرر
بمــا تقتضيــه مــن ناحيــة ،قواعــد اإلختصــاص الحكمــي (فــي النظــام القانونــي للنزاعــات
اإلنتخابيــة فــي القانــون املقــارن) ومــن ناحيــة أخــرى ،بمــا تســتوجبه املنازعــة اإلنتخابيــة
ـت ومــن شــمولية فــي النظــر بغايــة ضمــان شــفافية العمليــة اإلنتخابيــة مــن ســرعة فــي البـ ّ
التدخــل فــي الوقــت ّ بإعتبارهــا التعبيــر األســمى عــن الديمقراطيــة مــن خــال توفيــر ســبل
املناســب وقبــل فــوات األوان ،مــن جهــة ،ومــن جهــة أخــرى للمحافظــة علــى اإلســتقرار
الــذي يحــول دون مناقشــة مــا فــات أجــل مناقشــته بعــد إكتمــال العمليــة اإلنتخابيــة.
ولكــن رغــم ذلــك يبقــى هــذا اإلتّجــاه يشــتكي مــن ع ـ ّدة ه ّنــات مــن بينهــا غيــاب الوســائل
ّ
بالتدخــل آنيــا ملــا يمكــن أن اإلســتعجالية املخ ّولــة لقاضــي تجــاوز الســلطة والتــي تســمح
تشــهده العمليــة مــن تجــاوزات ال تحتمــل اإلنتظــار ولــو لســاعات عــن طريــق مؤسســة
توقيــف التنفيــذ املك ّرســة صلــب أحــكام القانــون اإلداري (الفصــول 39و 40و 41من القانون
املتعلــق باملحكمــة اإلداريــة) والتــي هــي فــرع مــن دعــوى تجــاوز الســلطة وتخـ ّول للقاضــي
كل قــرار إداري يمكــن اإلداري الفــردي اإلذن حينيــا (ولــو علــى املســو ّدة) بتأجيــل تنفيــذ ّ
أن يتخ ّلــل العمليــة اإلنتخابيــة قــد يكــون لــه تأثيــر علــى نزاهتهــا وشــفافيتها وقــد يكــون
إنتظــار ّ
تدخــل القاضــي اإلنتخابــي فيهــا ولــو بعــد أ ّيــام معــدودات عقيمــا وعديــم الجــدوى.
إن كان هــذا حــال النزاعــات اإلنتخابيــة (ترشــحات ونتائــج) املســندة قصــرا لقاضــي
القضــاء الكامــل املوضوعــي فمــا هــو حــال غيرهــا مــن النزاعــات التــي لم يــرد بخصوصها
ـص يح ـ ّدد نظامهــا القضائــي.
نـ ّ
1. «Le rôle du conseil constitutionnel dans la préparation et la surveillance du processus électoral», Jean-
Pierre Camby, in Petites Affiches du 5 déc. 2012, n°243, p.18.
115 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
لتدخــل القاضــي اإلداري بعبــاءة دعــوى تجــاوز الســلطة فــي نزاعــات إنّ اإلتّجــاه الرافــض ّ
خصــه املشـ ّرع التونســيّ ـا
ـ م ـى
ـ عل ـورا
ـ مقص ـيـ بق ـج
ـ النتائ ـات ـ ونزاع الترشــح لإلنتخابــات
بالنزاعــات التشــريعية والرئاســية واملح ّليــة مــن أحــكام خاصــة تكــ ّرس نظامــا قانونيــا
وإجرائيــا وشــكليا خاصــا ،أ ّمــا فيمــا يتع ّلــق بمــا عــدا ذلــك مــن مــادة إنتخابيــة كإنتخابــات
املجالــس العلميــة ملؤسســات التعليــم العالــي والبحــث العلمــي وإنتخابــات املجلــس األعلــى
للقضــاء ،فقــد كان املوقــف يرســي الواليــة العامــة لقاضــي تجــاوز الســلطة فــي املطالــب
الراميــة إلــى إلغــاء القــرارات الصــادرة فــي املــادة اإلداريــة ولــو تع ّلقــت تلــك الطعــون
بالترشــح إلــى اإلنتخابــات وحتــى بنتائــج تلــك اإلنتخابــات ،مــن ذلــك مــا إنتهــت إليــه
املحكمــة بخصــوص الطعــن فــي قــرار التصريــح بنتائــج اإلنتخابــات ااملتع ّلقــة بإنتخــاب
مديــر قســم اللغــات بكليــة اآلداب والفنــون اإلنســانية بمنوبــة بعنــوان الســنة الجامعيــة
،2011 / 2010حيــث إنتهــت املحكمــة فــي جوابهــا علــى دفــع املكلــف العــام بنزاعــات
الدولــة بعــدم قبــول الدعــوى إلندراجهــا فــي إطــار القضــاء الكامــل املوضوعــي بــأنّ
قــرار التصريــح بنتائــج اإلنتخابــات تتوفــر فيــه مق ّومــات القــرار اإلداري القابــل للطعــن
باإللغــاء وقضــت علــى ذلــك اإلســاس برفــض الدفــع وإخــراج املكلــف العــام بنزاعــات
الدولــة مــن نطــاق املنازعــة .1وهــو نفــس املوقــف الــذي إعتمدتــه املحكمــة فيمــا يتع ّلــق
بنــزاع مطــروح عليهــا متع ّلــق بالطعــن فــي نتائــج إنتخابــات األعضــاء النــواب لقضــاة
الصنــف الثانــي باملجلــس األعلــى للقضــاء ،ذلــك أ ّنــه وبعــد إقرارهــا بــأنّ «اإلنتخابــات
تع ـ ّد مــن العمليــات املر ّكبــة التــي تفضــي إلــى نتائــج يت ـ ّم التصريــح بهــا» ،إعتبــرت أنّ
يتجســد فــي «قــرار إداري قابــل للطعــن فيــه بدعــوى تجــاوز الســلطة».2 ّ ذلــك التصريــح
وهــو نفــس املوقــف الــذي ك ّرســته الدائــرة االبتدائيــة للمحكمــة اإلداريــة بالقيــروان فــي
خصــوص الطعــن فــي نتائــج إنتخابــات مجلــس جامعــة القيــروان حيــث قضــت بتوقيــف
تنفيــذ قــرار التصريــح بتلــك النتائــج مــن أجــل أســباب ج ّديــة تتع ّلــق بظــروف إجــراء عمليــة
اإلقتــراع ،كمــا قضــت بإلغــاء قــرار التصريــح بنتائــج تلــك اإلنتخابــات لعــدم شــرعية
عمليــة اإلقتــراع.3
إ ّنــه مــن األكيــد أنّ قبــول النظــر فــي نتائــج اإلنتخابــات خــارج إطــار اإلنتخابــات التشــريعية
والرئاســية واملح ّليــة مــن قبــل املحكمــة بعبــاءة دعــوى تجــاوز الســلطة يأتــي مــن بــاب أ ّنــه
نفــس القاضــي الــذي ينظــر فــي مــادة القضــاء الكامــل ولنفــس الســبب الــذي مــن أجلــه
ت ـ ّم منــح القاضــي اإلداري ،بعبــاءة القضــاء الكامــل املوضوعــي ،إختصــاص النظــر فــي
نزاعــات الترشــحات والنتائــج ،وهــو عــدم وجــود آجــال مختصــرة ووســائل قانونيــة ناجعــة
وبالســرعة الكافيــة فلــو تـ ّم إعمــال شــكليات وإجــراءات نظــر القضــاء الكامــل بصفــة عامــة
لكانــت النتيجــة كارثيــة إلنعــدام الوســائل املســتعجلة التــي تحــول دون اآلثــار الوخيمة لعدم
تدخــل قاضــي تجاوز الســلطة شــرعية العمليــة اإلنتخابيــة ،وهــو نفــس اإلعتبــار الــذي يبـ ّرر ّ
فــي املرحلــة التــي تتخ ّلــل اإلنتخابــات التشــريعية والرئاســية واملحلية والتي يكــون لها تأثير
ّ
مؤ ّكــد علــى نزاهــة وشــفافية العمليــة اإلنتخابيــة وقــد يكــون لهــا تأثير علــى نتائــج اإلقتراع.
خصــص القانــون اإلنتخابــي التونســي القســم األ ّول مــن البــاب الرابــع لقواعــد تنظيــم ّ
الحملــة اإلنتخابيــة ومراقبتهــا الــذي تع ـ ّرض لقواعــد الحملــة ومبادئهــا وضوابطهــا وقــد
تع ّلــق الفــرع الثالــث منــه بمراقبــة الحملــة وخ ّولــت ضمنــه أحــكام الفصــل 71مــن القانــون
املذكــور للهيئــة العليــا املســتق ّلة لإلنتخابــات «إتّخــاذ التدابيــر واإلجــراءات الكفيــة بوضــع
ـض اإلجتماعــات حـ ّد فــوري للمخالفــات» لقواعــد الحملــة كحجــز اإلعالنــات واملع ّلقــات وفـ ّ
واإلســتعراضات واملواكــب والتج ّمعــات وخ ـ ّول لهــا اإلســتعانة فــي ذلــك بالق ـ ّوة العامــة،
كمــا أوكل لهــا الفصــل 73مــن نفــس القانــون رفــع التقاريــر بخصــوص املخالفــات علــى
مســتوى اإلعــام الســمعي والبصــري إلــى الهيئــة العليــا املســتق ّلة لإلتّصــال الســمعي
البصــري والتــي خ ّولهــا املرســوم عــدد 116لســنة 2011املــؤرخ فــي 2نوفمبــر 2011
أن تــأذن باإلجــراءات الضروريــة لوضــع ح ـ ّد للمخالفــات اإلعالميــة فــي هــذا املســتوى.
مــا مــن شـ ّـك فــي أنّ جميــع تلــك اإلجــراءات والتدابيــر املخـ ّول للهيئتــن إتّخاذهــا فــي إطــار
ضمــان إحتــرام قواعــد الحملــة االنتخابيــة هــي مــن وســائل الســلطة العامــة فــي أبــرز
تتجســد فــي قــرارات إداريــة ســلطو ّية ،وقــد أبــى املش ـ ّرع تخصيصهــا ّ تج ّلياتهــا والتــي
بنظــام تقاضــي خــاص علــى غــرار مــا هــو الشــأن بالنســبة لنزاعــات الترشــح والنتائــج،
117 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
بمــا يطــرح الســؤال حــول مــا إذا كان غيــاب ذلــك التخصيــص الصريــح يخــول لقاضــي
تجــاوز الســلطة النظــر فــي الطعــون املتعلقــة بإلغــاء تلــك التدابيــر أو توقيــف تنفيذهــا؟
إنّ اإلجابــة عــن هــذا الســؤال مرجعهــا املعيــار األساســي فــي الفصــل بــن مــا هــو
إنتخابــي محــض ومــا هــو تنظيمــي بالبحــث فــي مــدى إتصــال تلــك القــرارات بالعمليــة
اإلنتخابيــة أو إنفصالهــا عنهــا ،فــإذا إعتبرنــا أنهــا متصلــة بالعمليــة اإلنتخابيــة
تكــون الدعــاوى املرفوعــة فــي خصوصهــا أمــام قاضــي تجــاوز الســلطة حريــة بعــدم
القبــول بالنظــر إلــى أن النزاعــات املتعلقــة بالعمليــات اإلنتخابيــة إنمــا تتجــاوز نطــاق
قضــاء اإللغــاء ،طاملــا أنّ النظــر فيهــا يقتضــي عــدم التوقــف عنــد إلغائهــا وإنمــا يتطلــب
صالحيــات أوســع ال يمكــن أن تنــدرج إال فــي نطــاق القضــاء الكامــل املوضوعــي.
أ ّمــا اذا إعتبرنــا أن تلــك القــرارات منفصلــة عــن العمليــة اإلنتخابيــة فهــي تكــون تبعــا لذلــك
قابلــة للطعــن باإللغــاء ولتوقيــف التنفيذ.
إنّــه وبتطبيــق جملــة مــن املؤشــرات ( )faisceaux d’indicesســننتهي حتمــا إلــى إعتبــار
اإلجــراءات والتدابيــر التــي تــأذن بهــا الهيئتــان فــي إطــار فــرض إحتــرام قواعــد الحملــة
اإلنتخابيــة مــن قبيــل القــرارات اإلداريــة املنفصلــة عــن العمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة ،ذلــك
أنّهــا مــن ناحيــة أولــى تكتســي صبغــة تنظيميــة ،ومــن ناحيــة ثانيــة لهــا أثــر عقابــي ،ومــن
ناحيــة ثالثــة لــم يفردهــا النــص بنظــام طعــن إنتخابــي مخصــوص كمــا فعــل بالنســبة
ـجل اإلنتخابــي ونزاعــات الترشــح والنتائــج ،ولعـ ّـل هــذا املؤشــر األخيــر هــو لنزاعــات السـ ّ
تدخــل قاضــي تجــاوز الســلطة ،متــى ُطلــب منــه ذلــك بغــرض فــرض الــذي يجعــل مــن ّ
رقابتــه عليهــا ،ليــس باإلختيــار وإنّمــا هــي ضــرورة تفرضهــا مقتضيــات الشــرعية بصفــة
عامــة بغايــة تحقيــق شــفافية ونزاهــة العمليــة اإلنتخابيــة ،ومقتضيــات النجاعــة بصفــة
خاصــة ،ذلــك أنّ مــا أوكلــه قانــون املحكمــة اإلداريــة لقاضــي توقيــف التنفيــذ ،مــن ســرعة
ـت تســمح لــه بــاإلذن بتأجيــل التنفيــذ ولــو حينيــا وعلــى املســو ّدة ،ليــس متاحــا فــي البـ ّ
يتدخــل فــي املجــال إ ّال بمناســبة نظــره فــي نزاعــات النتائــج،
للقاضــي اإلنتخابــي الــذي لــن ّ
وعندهــا إ ّمــا أن يكــون الوقــت قــد فــات أو أن يــؤ ّدي األمــر إلــى نتائــج وخيمــة قــد تضــع فــي
امليــزان العمليــة اإلنتخابيــة بمجملهــا متــى ثبتــت عــدم شــرعية التدابيــر التــي أذنــت بهــا
الســلطة املختصــة فــي إطــار مراقبتهــا للحملــة وتأثيرهــا علــى شــفافية ونزاهــة النتائــج.
إ ّال أ ّنــه ال يفوتنــا أن نؤ ّكــد علــى أنّ هــذا الخيــار يطــرح هــو نفســه ع ـ ّدة إشــكاالت مــن
حيــث التداخــل فــي الرقابــة علــى الحملــة اإلنتخابيــة بــن قاضــي تجــاوز الســلطة والقاضي
اإلنتخابــي ومــا يمكــن أن يســتتبع ذلــك مــن مواقــف قــد تتالقــى وقــد تتباعــد ،ســواء فــي
املــدى القريــب بــن مــا أذن بــه قاضــي التوقيــف التنفيــذ بإجــراء تحفظــي ووقتــي ،أو فــي
املــدى البعيــد وبعــد مــدة زمنيــة مــن إســتكمال املســار اإلنتخابــي بصــدور أحــكام أصليــة
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 118
عــن قاضــي تجــاوز الســلطة إ ّمــا فــي مســائل لــم يتسـنّى للقاضــي اإلنتخابــي قــول كلمتــه
فيهــا لعــدم إثارتهــا أمامــه أو فــي مســائل ص ـ ّرح بموقفــه بخصوصهــا وإرتــأى قاضــي
تجــاوز الســلطة خالفــه.
ولع ّلــه جديــر باإلشــارة فــي هــذا الخصــوص املوقــف الــذي إتّبعتــه املحكمــة اإلداريــة
فــي قبــول الطعــن باإللغــاء فــي النزاعــات املتع ّلقــة بالحملــة اإلنتخابيــة قبــل التصريــح
بالنتائــج ،أ ّمــا بعدهــا فقــد كان املوقــف ،فــي إطــار ضمــان إســتقرار العمليــة اإلنتخابيــة
وتجنّــب التشــكيك فيهــا بعــد إنتهائهــا ،بختــم القضيــة إلنعــدام مــا يســتوجب النظــر
بمقولــة أنّ «الفصــل فــي القضيــة مقارنــة بتاريــخ اإلعــان عــن النتائــج النهائيــة
إلنتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي يجعــل الدعــوى غيــر ذات موضــوع».1
ويتج ّلــى هنــا أنّ اإلشــكال الحقيقــي ال يكمــن فــي تع ّهــد قاضــي تجــاوز الســلطة بالنــزاع
ـت فيــه بحكــم فــي األصــل وهــي معضلــة املتعلــق بالحملــة اإلنتخابيــة وإنّمــا فــي آجــال البـ ّ
املحكمــة اإلداريــة التــي ال تخفــى عــن أحــد والتــي تفرض علينا اليــوم اإلســراع باإلصالحات
الهيكليــة لوضــع حـ ّد لبــطء الفصــل فــي القضايــا ال سـ ّيما بإصــدار مجلــة القضــاء اإلداري.
وال ّ
أدل علــى ذلــك مــن أنّ عــدم وجــود ذلــك العائــق في املنظومــة القانونية للمنازعــات اإلدارية
فــي القانــون املقــارن جعــل مجلــس الدولــة الفرنســي يتع ّهــد بجلســته العامــة بنزاعــات تتعلقّ
بالحملــة اإلنتخابيــة مــن ذلــك الطعــن فــي قــرار رفــض التمكــن مــن وقــت تلفــزي بغــرض
ممارســة الحملــة االنتخابيــة فــي 5مــارس 1993إذ أقــ ّر بإختصاصــه فــي النظــر فيــه.2
إنّ هــذه اإلشــكاليات فــي تع ّهــد قاضــي تجاوز الســلطة بالنزاعات ذات العالقــة باإلنتخابات
وإعمالــه ملعيــار اإلنفصــال واإلتصــال بالعمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة لإلقــرار مــن عدمــه
بإختصاصــه لــم يكــن غائبــا حتــى بالنســبة للنزاعــات التــي تنشــأ بعــد إنتهــاء العلميــة
اإلنتخابيــة والتــي تكــون نتاجــا لهــا.
إنّ املقصــود بنزاعــات مرحلــة مــا بعــد اإلنتخابــات هــي النزاعــات التــي تنشــأ بعــد
التصريــح بالنتائــج والتــي تكــون أثــرا مباشــرا لهــا وليــس النزاعــات التــي تنشــأ زمنيــا
بعدهــا ولكــن تكــون لهــا عالقــة بمجرياتهــا والتــي تع ّرضنــا إليهــا فــي املحــاور الســابقة.
مــن أبــرز مــا يمكــن ذكــره فــي هــذا الســياق النزاعــات التــي تنشــأ بمناســبة تنصيــب
املجالــس النيابيــة وتوزيــع املهــام واملســؤوليات داخلهــا ،ســواء تع ّلــق األمــر بتكويــن
الكتــل واللجــان البرملانيــة أو بإنتخــاب رؤســاء املجالــس البلديــة ومســاعديهم وتوزيــع
اللجــان بــن أعضــاء تلــك املجالــس والتــي تحكمهــا قانونــا فــي جانــب قواعــد اإلنتخــاب
وفــي جانــب آخــر قواعــد التمثيــل النســبي التــي يجــب أن تعكــس إرادة الناخبــن.
لقــد أثيــر اإلشــكال بالنســبة لإلنتخابــات التشــريعية حــول تمثيــل األحــزاب والكتــل النيابيــة
داخــل البرملــان علــى إثــر إنتخابــات 2014بمناســبة طعــن لكتلــة العريضــة الشــعبية فــي
تمثيــل قائمتهــا وطلــب إحــال مــن يمثلهــا بمــن يليــه فــي القائمــة طبقــا للترتيــب املنصــوص
عليــه لــدى الهيئــة العليــا املســتق ّلة لإلنتخابــات وقــد إعتبــرت املحكمــة فــي معــرض ر ّدهــا
علــى دفــع بالصبغــة السياســية واإلنتخابيــة ملوضــوع املنازعــة بنفــي الصبغــة اإلنتخابيــة
عنــه وإقــرار الواليــة العامــة للقاضــي اإلداري علــى مثــل تلــك النزاعــات علــى معنــى
أحــكام الفصــل 2مــن القانــون املتع ّلــق باملحكمــة اإلداريــة وهــو مــا يفتــح البــاب بصفــة
غيــر مباشــرة إلمكانيــة تع ّهــد قاضــي تجــاوز الســلطة بذلــك الصنــف مــن املنازعــات التــي
ال تنفصــل تمامــا عــن اإلنتخابــات باعتبارهــا تأتــي نتاجــا لهــا ولكنّهــا تبقــى منفصلــة
عــن العمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة ومــن متع ّلقــات املســائل التنظيميــة التــي تليهــا.1
أ ّمــا بالنســبة لإلنتخابــات املح ّليــة فقــد ثــار الســؤال حــول النزاعــات املتع ّلقــة بإنتخــاب
رؤســاء املجالــس البلديــة ومســاعديهم وتوزيــع اللجــان البلديــة ،ومــا إســتق ّر عليــه
رأي املحكمــة اإلداريــة فــي هــذا الخصــوص هــو إنــكار إختصــاص قاضــي تجــاوز
كل مــا لــه عالقــة بالعمليــة اإلنتخابيــة فــي تطبيــق حرفــي ملقتضيــات الســلطة فــي ّ
كل مــا لــه عالقــة مباشــرة بهــا كإنتخــاب رؤســاء النــص بحيــث تــ ّم إســتبعاد ّ
املجالــس املحليــة ومســاعديهم واإلقتصــار علــى اإلقــرار بإختصاصــه فــي توزيــع
اللجــان وفقــا لقاعــدة التمثيــل النســبي املنصــوص عليهــا بالقانــون اإلنتخابــي.
.1الحكــم اإلبتدائــي الصــادر بتاريــخ 25مــارس 2014فــي القضيــة عــدد 125329وكذلــك الحكــم الصــادر بنفــس التاريــخ
فــي القضيــة عــدد 125334بخصــوص الســياحة الحزبية.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 120
وقــد إســتند موقــف املحكمــة فــي خصــوص إســتبعاد نظــر واليــة قاضــي تجــاوز
الســلطة وكمــا أســلفنا شــرحه إلــى تنصيــص قانونــي صريــح علــى إخضــاع
النزاعــات املتعلقــة بإنتخــاب رئيــس البلديــة ومســاعديه مــن طــرف أعضــاء املجلــس
البلــدي حيــث جــاء بالفصــل 246مــن مج ّلــة الجماعــات املحل ّيــة فــي فقرتــه األخيــرة
صحــة إنتخــاب الرئيــس واملســاعدين حســب الشــروط ّ أنّــه« :يمكــن الطعــن فــي
والصيــغ واآلجــال املعمــول بهــا فــي خصــوص اإلعتراضــات ضــ ّد إنتخــاب املجلــس
البلــدي أمــام القضــاء اإلداري وذلــك فــي أجــل 15يومــا مــن تاريــخ اإلنتخــاب».
وإعتبــرت املحكمــة أن عبــارات «الشــروط والصيــغ واآلجــال املعمــول بهــا فــي
خصــوص اإلعتراضــات ضــ ّد إنتخــاب املجلــس البلــدي» تشــمل أيضــا قواعــد
اإلختصــاص التــي ضبطهــا الفصــل 145مــن القانــون األساســي املتعلــق
باإلنتخابــات واإلســتفتاء الــذي أوكل إلــى القاضــي اإلنتخابــي ،مم ّثــا فــي املحاكــم
البــت فــي نزاعــات نتائــج اإلنتخابــات واإلســتفتاء.1»...
ّ اإلدار ّيــة اإلســتئنافية،
واإلعتبــار األساســي حســب رأينــا فــي هــذا املوقــف املتّبــع مــن املحكمــة ليــس النــص
الصريــح الــذي لــم يتعــ ّرض إلــى مســألة اإلختصــاص صلــب األحــكام الســالف
بيانهــا ،بــل إقتصــر فقــط علــى ذكــر الشــروط والصيــغ واآلجــال ،هــو مــ ّرة أخــرى
البــت فــي الدعــوى التــي تتم ّيــز فــي مجــال إجــراءات املنازعــة اإلنتخابيــة ّ آجــال
بالســرعة علــى خــاف مــا هــو الشــأن بالنســبة لدعــوى تجــاوز الســلطة التــي لئــن
يخــ ّول فرعهــا املتع ّلــق بتوقيــف التنفيــذ اإلذن آنيــا بتوقيــف التنفيــذ ،فــإنّ ذلــك
التوقيــف قــد ال يكفــي لحلحلــة النــزاع بــل وقــد يــؤ ّدي إلــى شـ ّـل عمــل املجالــس البلديــة
بمــا يقتضــي ســلطات أوســع للقاضــي اإلنتخابــي باإللغــاء والتعديــل والتصحيــح.
ـت فــي الدعــوى وإختصارهــا والتــي إ ّنــه ال يفوتنــا أن نذ ّكــر ختامــا بــأنّ مســألة آجــال البـ ّ
ال تعــود فــي الحقيقــة إلــى طبيعــة قضــاء تجــاوز الســلطة وإنّمــا وباألســاس إلــى مســائل
ـت املرتبطــة بتوفيــر الوســائل املاديــة والبشــرية الكفيلــة بضمــان أخــرى تتعلــق بســرعة البـ ّ
ذلــك وإلــى ضميــر القاضــي نفســه ،أ ّمــا عــن الســلطات فــإنّ الفقــه متّفــق علــى أنّ قاضــي
تجــاوز الســلطة لــم يعــد ذلــك القاضــي التاريخــي الــذي يقتصــر دوره علــى رفــض الطعــن
ض ـ ّد القــرارات اإلداريــة أو القضــاء بإلغائهــا دون زيــادة أو نقصــان ،2بــل أصبــح ينظــر
.1الحكــم النهائــي الصــادر عــن الدائــرة اإلســتئنافية الثامنــة باملحكمــة اإلداريــة بتاريــخ 16جويليــة 2018فــي
التوجــه الــذي إعتمدتــه الدوائــر اإلبتدائيــة للمحكمــة مــن ذلــك الحكــم اإلبتدائــي
ّ القضيــة عــدد 212499؛ وهــو نفــس
الصــادر عــن دائــرة سوســة بتاريــخ 17جويليــة 2018فــي القضيــة عــدد 05900007والحكــم اإلبتدائــي الفــردي
القاضــي بعــدم اإلختصــاص الصــادر عــن دائــرة القيــروان بتاريــخ 3مــارس 2020فــي القضيــة عــدد ...1310446
2. Existe-t-il toujours une distinction entre recours pour excès de pouvoir et recours de plein contentieux ?,
par vNocolas Rousseau, en Ligne le 25 janvier 2012
121 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
4. «Contentieux de la légalité appliqué à une situation juridique», Hélène Lepetit-Collin, Recherches sur le
plein contentieux objectif, 2011 LGDJ
.5عيــاض ابــن عاشــور ،القضــاء االداري وفقــه املرافعــات االداريــة ،الطبعــة الثالثــة مزيــدة ومحينــة ،مركــز النشــر
الجامعــي ،ص .278
« .6اتســاع ســلطة القاضــي مــن اســس القضــاء الكامــل املوضوعــي هــذا االقــرار مــن شــانه دفــع القــارئ
الــى االســتغراب اذ ال يخفــى ان العــادة فــي القضــاء االداري لــم تجــر علــى الجمــع بــن موضوعيــة
النــزاع واتســاع ســلطة القاضــي ضمــن صنــف واحــد مــن القضــاء» ،حليــم البرتاجــي :القضــاء الكامــل
املوضوعــي فــي تونــس ،جامعــة 7نوفمبــر بقرطــاج ،كليــة العلــم القانونيــة والسياســية واالجتماعيــة
بتونــس ،رســالة إلحــراز شــهادة ماجســتير الدراســات املعمقــة علــوم قانونيــة أساســية .2005 .ص.40.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 122
يشــمل النظــام اإلجرائــي للنزاعــات بوجــه عــام مختلــف مراحــل ســير الدعــوى بــدءا
باالختصــاص القضائــي ودرجاتــه وطــرق الطعــن فــي األحــكام فمــرورا بإجــراءات القيــام
واملوجبــات الشــكلية الوجوبيــة التــي يتعــن توافرهــا فــي عريضــة الطعــن ومذكــرات
الدفــاع ،فانتهــاء بضوابــط جلســة املرافعــة وإصــدار األحــكام ،وعلــى هــذا األســاس
يعــد النظــام اإلجرائــي وثيــق الصلــة بضمــان بممارســة حقــوق التقاضــي والدفــاع علــى
الوجــه األمثــل وهــو مــا يجعــل مــن املشــرع حريصــا علــى إيالئــه األهميــة الالزمــة مــن
جهــة إحــكام التنســيق بــن مختلــف مكوناتــه ووضــوح القواعــد املنظمــة لإلجــراءات.
واألصــل فــي النظــام اإلجرائــي للنزاعــات االنتخابيــة أن تتوافــر فيــه مــن بــاب أولــى وأحرى
تلــك املواصفــات خاصــة إذا مــا أخذنا بعــن االعتبار القواعد الصارمة التــي تحكم القانون
االنتخابــي وخاصــة منهــا قاعــدة التأويــل الضيــق ملقتضيــات القانــون املذكــور والتــي تحــد
مــن الســلطات املمنوحــة للقاضــي فــي هــذا الخصــوص ،غيــر أنــه بتفحــص أحــكام القانــون
األساســي عــدد 16لســنة 2014املــؤرخ فــي 26مــاي 2014املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء
املنظمــة لنـــزاعات الترشــحات والنتائــج لالنتخابــات التشــريعية والرئاســية يتبــن أن النظام
املذكــور يحتــاج إلــى مزيــد إحــكام التجانــس والتكامــل بــن مختلــف مكوناتــه فــي بعــض
املواضــع كمــا يفتقــد للدقــة املطلوبــة فــي جوانــب إجرائيــة يفتــرض فيهــا أن ال تكــون
محــل تأويــل قضائــي بالنظــر إلــى تداعياتهــا املباشــرة علــى الضمانــات األساســية
لحقــوق التقاضــي والدفــاع ،األمــر الــذي حــدا بالقاضــي اإلداري إلــى إعمــال مــا لــه
مــن ســلطات فــي تطبيــق وتأويــل املقتضيــات القانونيــة بغايــة رفــع الغمــوض وااللتبــاس.
ولئــن ســاهم تدخــل القاضــي اإلداري فــي ضمان حــد أدنى من القراءة املوحدة واملنســجمة
كمــا حســم التأويــل فــي عديــد املســائل اإلجرائيــة غيــر أن ذلك ليــس من شــأنه أن يغني عن
ضــرورة تدخــل تشــريعي علــى اعتبــار أن بعــض اإلشــكاالت تتعلــق بخيــارات املشــرع فــي
تنظيــم هــذه املنازعــات كمــا أن بعــض املســائل لــم يتــم توحيد املواقــف القضائية في شــأنها
وأخــرى لــم تقــع إثارتهــا أو مناقشــتها أمام الهيئات القضائية رغم مــا يكتنفها من غموض.
123 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
وفــي هــذا اإلطــار تتنـــزل هــذه املقالــة التــي ترمــي إلــى تســليط الضــوء علــى أهــم
مكامــن عــدم التجانــس والغمــوض فــي النظــام اإلجرائــي لنـــزاعات الترشــحات
والنتائــج لالنتخابــات التشــريعية والرئاســية وذلــك علــى مســتوى نظــام التقاضــي
( )Iوإجــراءات وشــكليات القيــام ( )IIعســى أن تكــون منطلــق التقييــم شــامل ملنطومــة
النـــزاعات االنتخابيــة يســتتبع بمراجعــة جذريــة للنظــام اإلجرائــي للطعــون بمــا يكفــل
الحــد األدنــى مــن الضمانــات األساســية ملمارســة حقــوق التقاضــي والدفــاع.
.Iنظام التقاضي
يعــد نظــام التقاضــي الركــن األســاس لضمــان ممارســة حقــوق التقاضــي والدفــاع
فالنظــام املذكــور يشــتمل علــى تحديــد الجهــاز القضائــي املختــص بالنظــر فــي الطعــون
وبيــان درجــات التقاضــي وضبــط طــرق الطعــن فــي األحــكام ،غيــر أنــه بالتمعــن فــي نظــام
التقاضــي املتعلــق بنـــزاعات الترشــح والنتائــج لالنتخابــات التشــريعية والرئاســية يتضــح
أن بعــض املســائل تحتــاج إلــى مراجعــة ومــن أوكدهــا االزدواجيــة القضائيــة فــي نزاعــات
الترشــح لالنتخابــات التشــريعية ( )1وتوزيــع اإلختصــاص بــن الهيئــات القضائيــة داخــل
جهــاز القضــاء اإلداري ( )2وطريــق الطعــن بالتمــاس إعــادة النظــر فــي األحــكام الباتة (.)3
حــدد املشــرع بمقتضــى القانــون األساســي عــدد 16لســنة 2014املــؤرخ فــي 26
مــاي 2014املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء الجهــاز القضائــي املختــص بالنظــر
فــي الطعــون املتعلقــة بالترشــحات والنتائــج لالنتخابــات التشــريعية والرئاســية إذ
أفــرد جهــاز القضــاء اإلداري بالنظــر فــي الطعــون املتعلقــة بالترشــحات لالنتخابــات
الرئاســية 1وتلــك الخاصــة بنتائــج االنتخابــات التشــريعية والرئاســية ،2فيمــا أســند
إلــى املحاكــم االبتدائيــة التابعــة إلــى جهــاز القضــاء العدلــي اختصــاص النظــر
وال جــدال فــي أن توحيــد نزاعــات الترشــح لالنتخابــات التشــريعية داخــل نفــس الجهــاز
القضائــي املختــص يتجــاوز حــدود االلتــزام بمقتضيات الدســتور إذ أن له عديــد املزايا لعل
مــن أهمهــا توحيد وتيســير إجــراءات التقاضي عالوة على إملام الدوائــر االبتدائية بالجهات
بفقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة وســهولة تأمــن عمليــة إحالــة امللفــات مــن الدوائــر بالجهــات
إلــى الدوائــر االســتئنافية وهــو ما أكدته املخرجات االيجابية لنـــزاعات الترشــح لالنتخابات
البلديــة التــي تصــدت لهــا الدوائــر املذكــورة مــن جهــة التزامهــا باآلجــال وجــودة األحــكام
الصــادرة عنهــا واللجــوء إلــى رقمنــة امللفــات االبتدائيــة وإحالتهــا إلــى املحكمــة بواســطة
البريــد االلكترونــي املؤمــن ممــا مكــن الدوائــر االســتئنافية مــن التحكــم فــي آجــال البــت.
كــرس املشــرع مبــدأ التقاضــي علــى درجتــن بخصــوص نزاعــات الترشــح والنتائــج
لالنتخابــات التشــريعية والرئاســية ،وهــو مبــدأ يهــدف أساســا إلــى فتــح املجــال أمــام
املتقاضــي إلعادة النظر فــي دعــواه مــن هيئــة قضائيــة مغايــرة لتلــك التــي فصلــت
الطعــن ابتدائيــا وهــو مــا يشــكل ضمانــة أساســية ملمارســة حقــوق التقاضــي والدفــاع.
وفــي هــذا الســياق حــري بنــا التذكيــر ،بــأن تكريــس مبــدأ التقاضــي علــى الدرجتــن
والتوســيع فــي مجالــه ليشــمل نزاعــات النتائــج 1لــم يكــن بمعــزل عــن أحــكام الدســتور
وخاصــة الفصــل 108منــه الــذي ينــص علــى أن «يضمــن القانــون التقاضــي علــى
درجتــن» ،غيــر أن تجســيم ذلــك املبــدأ علــى مســتوى توزيــع اإلختصــاص بــن الهيئــات
القضائيــة داخــل جهــاز القضــاء اإلداري لــم يكــن علــى قــدر كاف مــن التجانــس واإلحــكام.
فمــن جهــة أولــى ،خــص املشــرع الدوائــر االســتئنافية باملحكمــة اإلداريــة بالنظر فــي الطعون
املوجهــة ضــد األحــكام الصــادرة فــي مــادة نزاعــات الترشــحات لالنتخابــات التشــريعية
وأضفــى علــى األحــكام الصــادرة عنهــا الصبغــة بالباتــة ،2وذلــك دون األخــذ بعــن االعتبــار
إمكانيــة اختــاف االجتهــادات بــن الدوائــر االســتئنافية ومــا قــد يترتــب عــن ذلــك مــن
صــدور أحــكام يناقــض بعضهــا البعــض ذلــك أن االجتهــاد فــي نفــس املســألة قــد يــؤول
.1تجــدر اإلشــارة إلــى أن الفصــل 72مــن املرســوم عــدد 35لســنة 2011املــؤرخ فــي 10مــاي 2011املتعلــق
خــص الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة كدرجــة
ّ بانتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي قــد
وحيــدة للتقاضــي فــي شــأن نـــزاعات النتائــج املتعلقــة بانتخابــات أعضــاء املجلــس الوطنــي التأسيســي.
.2ينــص الفصــل 29مــن القانــون األساســي املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء علــى مــا يلــي« :ويكــون الحكــم باتــا وال
يقبــل أي وجــه مــن أوجــه الطعــن ولــو بالتعقيــب».
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 126
إلــى تبنــي مواقــف مختلفــة تنعكــس ســلبا أو إيجابــا علــى ممارســة الحــق فــي الترشــح.
ومــن جهــة ثانيــة ،أســند املشــرع إلــى الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة النظــر
فــي الطعــون املوجهــة ضــد األحــكام الصــادرة عــن الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة
فــي مــادة نزاعــات الترشــحات لالنتخابات الرئاســية ونزاعات نتائج االنتخابات التشــريعية
والرئاســية دون األخــذ بعــن االعتبــار خصوصيــة تركيبــة الجلســة العامــة القضائيــة طبــق
أحــكام الفصــل 20مــن القانــون عــدد 40لســنة 1972املــؤرخ فــي أول جــوان 1972واملتعلــق
باملحكمــة اإلداريــة والتــي تضــم فــي عضويتهــا رؤســاء الدوائــر اإلســتئنافية الذيــن عهــد
إليهــم النظــر فــي الطعــون املشــار إليهــا أعــاه كمحكمــة درجــة أولــى ،وبصــرف النظــر عــن
كــون املعطــى املذكــور ال تأثيــر لــه علــى الطعــون التــي تنصــب علــى مســائل واقعيــة خاصــة
بــكل قضيــة علــى حــدة إذ دأب جريــان عمــل الجلســة العامــة علــى التنحــى التلقائــي
للعضــو الــذي ســبق لــه النظــر فــي امللــف ،فــإنّ املســائل املتعلقــة بتأويــل أحــكام تشــريعية
مجــردة ذات صبغــة عامــة قــد تثيــر إشــكاال مــن زاويــة ســبق إفصــاح الدوائــر االســتئنافية
عــن مواقفهــا بخصوصهــا ويزيــد اإلشــكال تعقيــدا إذا مــا تباينــت االجتهــادات ،ففــي هــذه
الصــورة ال يجــوز قانونــا اســتبعاد كافــة رؤســاء الدوائــر االســتئنافية مــن تركيبــة الجلســة
العامــة القضائيــة ذلــك أنهــم يســتمدون عضويتهــم بصفتهــم تلــك مــن أحــكام الفصــل
20مــن قانــون املحكمــة اإلداريــة كمــا أن هــذا التوجــه قــد يــؤدي تطبيقــه مــن الناحيــة
العمليــة إلــى اختــال النصــاب املســتوجب النعقــاد الجلســة العامــة املذكــورة عــاوة علــى
أن نــزاع النتائــج يتســم بالتداخــل بــن املســائل الواقعيــة وتلــك القانونيــة بــل أن الصبغــة
الواقعيــة تعــد الســمة البــارزة للنـــزاع املذكــور فغالبيــة املطاعــن املثــارة تتعلــق بالتثبــت فــي
صحــة وتكييــف الوقائــع ونســبة املخالفــات االنتخابيــة إلــى مرتكبيهــا وإعــادة احتســاب
النتائــج ...وهــي مســائل تتعلــق بتقديــر وتكييــف الوقائــع واســتخالص النتائــج املترتبــة
عليــه طبــق النصــوص القانونيــة وهــو مــا يجعــل مــن وجــود رؤســاء الدوائــر االســتئنافية
ضمــن تركيبــة الجلســة العامــة مفيــدا فــي إثــراء النقــاش علــى اعتبــار أن املســائل الواقعيــة
تنــدرج فــي صميــم اختصاصهــم باعتبــار أن قاضــي االســتئناف يعــد قاضــي موضــوع.
أضفــى املشــرع الصبغــة الباتــة علــى األحــكام النهائيــة الصــادرة عــن الدوائــر االســتئنافية
للمحكمــة اإلداريــة فــي نزاعات الترشــح لالنتخابات التشــريعية وتلك الصادرة عن الجلســة
العامة القضائية في نزاعات الترشــح لالنتخابات الرئاســية ونزاعات النتائج وأكد املشــرع
1
بصريــح النــص أن تلــك األحــكام غيــر قابلــة ألي وجــه مــن أوجــه الطعــن ولــو بالتعقيــب.
ومــن املعلــوم أن ممارســة الطعــن بالتمــاس إعــادة النظــر ،الــذي يعــد طريــق طعــن
غيــر عــادي فــي األحــكام النهائيــة يقــدم إلــى املحكمــة ذاتهــا التــي أصــدرت الحكــم
املطعــون فيــه ،يجــب أن يكــون إمــا منصوصــا عليــه صراحــة بالنــص املتعلــق
بالنزاعــات االنتخابيــة مــع بيــان الشــروط واإلجــراءات والحــاالت التــي تفتــح الحــق
فــي ممارســته أو أن ال يكــون النــص الخــاص قــد أقصــى هــذا الصنــف مــن الطعــون
علــى نحــو يجــوز معــه االلتجــاء إلــى النــص العــام املنطبــق علــى النـــزاعات اإلداريــة.
ولئــن جــاءت أحــكام القانــون األساســي املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء صريحــة
فــي إقصــاء أي وجــه مــن أوجــه الطعــن بمــا فــي ذلــك طريــق الطعــن بالتمــاس إعــادة
النظــر ،وهــو مــا يفتــرض معــه أن ال تثيــر هــذه املســألة أي إشــكال علــى مســتوى التأويــل
القضائــي إال أن االجتهــادات القضائيــة مــا تــزال متناقضــة فــي هــذا الخصــوص:
املوقــف األول :جــواز قبــول الطعــن بالتمــاس إعــادة النظــر :وهــو اتجــاه أقرتــه
الدائــرة االســتئنافية العاشــرة باملحكمــة اإلداريــة إذ أكــدت علــى جــواز قبــول الطعــن
بالتمــاس إعــادة النظــر فــي الحكــم النهائــي الصــادر عنهــا فــي القضيــة عــدد 20192023
بتاريــخ 23أوت 1 2019املتعلــق بنـــزاع ترشــح لالنتخابــات التشــريعية وانتهــت املحكمــة
إلــى قبــول مطلــب إعــادة النظــر شــكال وأصــا ونقــض الحكــم االســتئنافي املطلــوب إعــادة
النظــر فيــه والقضــاء مــن جديــد بإلغــاء الحكــم االبتدائــي وإدراج القائمــة الطاعنــة ضمــن
القائمــات املقبــول ترشــحها لالنتخابــات التشــريعية وقــد أسســت الدائــرة موقفهــا علــى
شــهادة صــادرة عــن رئيــس الهيئــة الفرعيــة بتونــس 2تضمنــت إقــرارا بســهو الهيئــة
عــن تضمــن إمضــاء أحــد أعضــاء القائمــة بســجل اإلمضــاءات وقــدرت املحكمــة أن تلــك
الوثيقــة تنــدرج ضمــن الحالــة الثانيــة مــن حــاالت الطعــن بالتمــاس إعــادة النظــر املنصوص
عليهــا بالفصــل 77مــن قانــون املحكمــة اإلداريــة ،2غيــر أن هــذا املوقــف ال يمكــن أخــذه
بمعــزل عــن ظــروف ومالبســات القضيــة فالهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات لــم تتــول
اإلعــان عــن القائمــات املقبولــة نهائيــا كمــا لــم تدفــع أثنــاء النـــزاع بعــدم جــواز الطعــن
بالتمــاس إعــادة النظــر بــل فوضــت املحكمــة النظــر فــي قبــول الوثيقــة املدلــى بهــا مــن
طالــب إعــادة النظــر وحيــال تلــك املعطيــات انصــرف اجتهــاد املحكمــة إلــى قبــول النظــر في
الطعــن معاضــدة موقفهــا بعلويــة أحــكام الدســتور الضامنــة لحــق الترشــح ودور القاضــي
اإلداري فــي الحيلولــة دون النيــل مــن جوهــره ،ويعــد هــذا التوجــه اســتمرارا لفقــه قضــاء
الدوائــر االســتئنافية باملحكمــة فــي نــزاع الترشــح النتخــاب أعضــاء املجلــس الوطنــي
الـــتأسيسي التــي قبلــت إعــادة النظــر فــي األحــكام الباتــة الصــادرة عنهــا 1مــع اإلشــارة
إلــى أنّ صياغــة الفصــل 29مــن املرســوم عــدد 35لســنة 2011املــؤرخ فــي 10مــاي
2011املتعلــق بانتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي املنطبــق آنــذاك لــم تكــن علــى قــدر
الوضــوح الــذي اتســمت بــه الفصــول 30و 47و 146مــن القانــون األساســي لالنتخابــات
واالســتفتاء ذلــك أنهــا اكتفــت بإضفــاء الصبغــة الباتــة علــى أحــكام الدوائــر االســتئنافية
وهــو مــا يســتفاد منــه اســتبعاد الطعــن فيهــا بالتعقيــب وغيــره مــن األوجــه وذلــك دون
التنصيــص صراحــة علــى اســتبعاد أي وجــه مــن أوجــه الطعــن فيهــا ولــو بالتعقيــب.
والشــك فــإنّ هــذا التوجــه الــذي يعــد محمــودا مــن جهــة تحقيــق العدالــة وحمايــة
الحــق فــي الترشــح ال يخلــو مــن مخاطــر تأبـــيد النزاعــات االنتخابيــة مــع مــا يترتــب
علــى ذلــك مــن تأخيــر فــي إعــان القائمــات املقبولــة نهائيــا أو املترشــحني املقبولــن
نهائيــا أو نتائــج االنتخابــات ذلــك أن الرجــوع إلــى النــص العــام أي قانــون املحكمــة
اإلداريــة بخصــوص اإلجــراءات والشــروط والحــاالت املنظمــة للطعــن بالتمــاس إعــادة
النظــر ال يتماشــى وطبيعــة النزاعــات االنتخابيــة خاصــة مــن جهــة اآلجــال واإلجــراءات،
فالنــص العــام لــم يحــدد أجــا معينــا لتقديــم مطلــب فــي إعــادة النظــر أمــا بخصــوص
اإلجــراءات فهــي تلــك املقــررة للدعــاوى األصليــة املرفوعــة أمــام القضــاء اإلداري.
املوقــف الثانــي :عــدم جــواز قبول الطعن بالتماس إعــادة النظر :وهو االتجاه الذي
أقرتــه الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة بمناســبة نظرهــا فــي مطلب إعــادة نظر
في القرار الصادر عنها في القضية عدد 20195028بتاريخ 4نوفمبر 2019إذ اعتبرت أن
القــرارات الصــادرة عنهــا باتــة غيــر قابلة للطعن بالتعقيب وال بغيــره من األوجه بما في ذلك
التمــاس إعــادة النظــر فيهــا وانتهــت إلــى عدم قبــول املطلب املقــدم لها في هــذا الخصوص.
وقــد تأســس موقــف الجلســة العامــة القضائيــة علــى التقيــد باملقتضيــات الصريحــة
ألحــكام الفصــل 146مــن القانــون األساســي لالنتخابــات واالســتفتاء التــي تســتبعد أي
وجــه مــن أوجــه الطعــن ولــو بالتعقيــب فــي قــرارات الجلســة العامــة املذكــورة ،وهــو فــي
تقديرنــا موقــف مــن شــأنه أن يوحــد مســتقبال املواقــف القانونيــة فــي شــأن هــذه املســألة.
وتأسيســا علــى كل مــا ســبق بســطه ،يتضــح أن بعــض املســائل املتعلقــة بنظــام
التقاضــي الخــاص بنزاعــات الترشــح والنتائــج لالنتخابــات التشــريعية والرئاســية
.1الحكــم الصــادر فــي القضيــة عــدد 62175بتاريــخ 19أكتوبــر 2011والحكــم الصــادر فــي القضيــة عــدد 62176
بتاريــخ 11أكتوبــر .2011
129 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
تحتــاج فــي تقديرنــا إلــى إعــادة النظــر فيهــا علــى نحــو يكفــل ضمــان ممارســة
حقــوق التقاضــي والدفــاع علــى الوجــه األمثــل وهــو مــا يدفعنــا إلــى تقديــم مقترحــات
لخيــارات بديلــة مــن شــأنها تــدارك النقائــص املســجلة فــي خصــوص توزيــع
االختصــاص وضمــان توحيــد املواقــف القانونيــة وضمــان حياديــة الهيئــات القضائيــة:
توســيع آجــال تقديــم الطعــون ومذكــرات الدفــاع وآجــال البــت وهــو مــا يرفــع العديــد مــن
العقبــات أمــام ممارســة حقــوق التقاضــي والدفــاع كمــا أن الجلســة العامــة القضائيــة
باعتبارهــا الهيئــة األرفــع ضمــن جهــاز القضــاء اإلداري تتوافــر فيهــا كافــة املقومــات
مــن جهــة الخبــرة والحياديــة فهــي هيئــة جامعــة تضــم فــي تركيبتهــا أرفــع الوظائــف
والرتــب القضائيــة بجهــاز القضــاء اإلداري وتجمــع بــن قضــاة املوضــوع وقضــاة
القانــون وهــي مبــررات موضوعيــة باإلمــكان أن تبــرر اســتثناء هــذا الصنــف مــن مبــدأ
التقاضــي علــى درجتــن الواقــع إقــراره بموجــب أحــكام الفصــل 108مــن الدســتور.
وتجــدر اإلشــارة فــي هــذا الخصــوص إلــى أن أحــكام الفصــل 108مــن الدســتور لــم
تنـــزل مبــدأ التقاضــي علــى درجتــن بمثابــة القاعــدة امللزمــة التــي يتعــن التقيــد بهــا
فــي جميــع األحــوال بصــرف النظــر عــن مــا تقتضيــه خصوصيــة بعــض النـــزاعات
وضمانــات املحاكمــة العادلــة ومتطلبــات القضــاء الناجــز كمــا أنــه مــن املعلــوم أن
تأويــل أحــكام الدســتور يتــم كوحــدة منســجمة مــع مراعــاة قواعــد الترجيــح فــي حالــة
تنافــس الحقــوق ومــن ثمــة فــإن إعمــال مبــدأ التقاضــي علــى درجتــن ال يتــم بمعــزل
عــن مــدى ضمانــه ممارســة أفضــل لحقــوق التقاضــي والدفــاع التــي تعــد حقوقــا ذات
قيمــة دســتورية ،األمــر الــذي يضــع علــى كاهــل املشــرع فــي صــورة اعتمــاد خيــار درجــة
واحــدة فــي التقاضــي الحــرص علــى بيــان مزاياهــا التــي أتينــا علــى البعــض منهــا
وهــي مبــررات موضوعيــة باإلمــكان أن تؤســس إلــى اســتثناء هــذا الصنــف مــن مبــدأ
التقاضــي علــى درجتــن الواقــع إقــراره بموجــب أحــكام الفصــل 108مــن الدســتور.
تخضــع اإلجــراءات املنظمــة للنـــزاعات بوجــه عــام إلــى جملــة مــن املبــادئ العامــة
اإلجرائيــة التــي تهــدف إلــى ضمــان ممارســة حقــوق التقاضــي والدفــاع علــى الوجــه
األنســب ،ويعــد مبــدأ املواجهــة مــن أهــم املبــادئ العامــة املذكــورة باعتبــاره يرمــي
إلــى ضمــان مبــدأ «تكافــؤ الفــرص بــن الخصــوم» ()principe d’égalité des armes
ومــؤدى ذلــك املبــدأ هــو اإلقــرار بحــق أطــراف املنازعــة فــي اإلطــاع علــى كل الوثائــق
والحجــج والتقاريــر املقدمــة إلــى القاضــي وفــي الــر ّد عليهــا وذلــك فــي آجــال معقولــة.
ولئــن كان هــذا املبــدأ يتجســم فــي املنازعــات اإلداريــة فــي الطابــع التوجيهــي
واالســتقصائي لإلجــراءات وذلــك باالعتــراف للقاضــي اإلداري بــدور ايجابــي فــي
تحريــك الدعــوى ســواء فــي تحديــد أطــراف املنازعــة أو مطالبــة األطــراف بتصحيــح
إجــراءات القيــام أو تهيئــة وســائل اإلثبــات ،فــإنّ خصوصيــة النـــزاعات االنتخابيــة
مــن حيــث طبيعــة وأطــراف الخصومــة واآلجــال املختصــرة للبــت فيهــا وموجبــات
حيــاد القاضــي ،قــد ضيقــت فــي مــن ســلطات القاضــي بــأن حصــرت دور املحكمــة
فــي النـــزاع االنتخابــي فــي تعيــن جلســة املرافعــة واســتدعاء األطــراف وإعالمهــم
بالحكــم فيمــا يكــون محمــوال علــى القائــم ّ
بالطعــن واجــب تبليــغ عريضــة الطعــن
إلــى الهيئــة واألطــراف والتنبيــه عليهــم بــاإلدالء بملحوظاتهــم فــي األجــل القانونــي.
وعلــى هــذا األســاس ،اســتقر فقــه قضــاء املحكمــة علــى اعتمــاد تأويــل ضيــق
لألحــكام املنظمــة ملبــدأ املواجهــة وذلــك مــن خــال التأكيــد علــى «أنّ النــزاع
خاصــة وآجــال مقتضبــة ومبــادئ قانونيــة ّ اإلنتخابــي يخضــع إلــى إجــراءات
متم ّيــزة تحــول دون االســتئناس باملبــادئ اإلجرائيــة املوضوعــة ألصنــاف أخــرى
النــص ّ
املنظــم ّ منــاص للقاضــي االنتخابــي مــن التق ّيــد بعبــارة
ّ مــن النزاعــات وأنّــه ال
1
للنــزاع االنتخابــي وتســليط الجــزاء الــوارد فيــه متــى ثبــت لــه اإلخــال بمقتضياتــه».
وبالتمعــن فــي اإلجــراءات املنظمــة لنـــزاعات الترشــح والنتائــج لالنتخابــات
التشــريعية والرئاســية يتّضــح أن عديــد اإلجــراءات التــي علــى صلــة وثيقــة
بممارســة حقــوق التقاضــي والدفــاع لــم تكــن علــى قــدر مــن الوضــوح والدقــة
كمــا أن املواقــف القضائيــة فــي شــأن بعــض املســائل الجوهريــة لــم تكــن موحــدة
.1أقــرت الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة هــذا املبــدأ ألول مــرة فــي قرارهــا الصــادر فــي القضيــة
عــدد 2018201بتــــاريخ 15جانفــي 2018ثــم تواتــر فقــه قضائهــا فــي هــذا الخصــوص يراجــع كذلــك فــي نفــس
االتجــاه قــرار الجلســة العامــة القضائيــة الصــادر فــي القضيــة عــدد 20195004بتاريــخ 30ســبتمبر .2019
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 132
وســنتولى تباعــا التعــرض لهــذه املســائل بــدءا بمحضــر اإلعــام بالطعــن ( )1ثــم
تحديــد أطــراف املنازعــة ( )2وأخيــرا التقاريــر فــي الــرد علــى عريضــة الطعــن (.)3
وضــع املشــرع علــى كاهــل القائــم بالطعــن ســواء فــي نزاعــات الترشــح أو النتائــج واجــب
تبليــغ عريضــة الطعــن إلــى الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات وإلــى األطــراف املشــمولة
بالطعــن وســلط جــزاء رفــض الطعــن علــى اإلخــال باإلجــراء املذكــور 1وبالنظــر لكــون
محضــر اإلعــام بالطعــن يعــد إجــراء جوهريــا لضمــان انعقــاد النـــزاع بصــورة ســليمة
فقــد تســلطت الرقابــة القضائيــة علــى صيغــة املحضــر املذكــور (أ) وتنصيصاتــه الوجوبيــة
(ب) وتفصيــل املؤيــدات املرفقــة بعريضــة الطعــن (ج) وعــدم التطابــق بــن بيانــات املحضــر
وعريضــة الطعــن (د).
تباينــت مواقــف الدوائــر االســتئنافية فــي خصــوص صيغــة محضــر اإلعــام بالطعــن التــي
يتعــن اإلدالء بهــا وقــد أفضــى ذلــك إلى تأويــات متضاربة يمكن تبويبها فــي ثالثة مواقف:
املوقــف األول :العبــرة فــي ســامة إجــراءات التبليــغ ليســت بصيغــة وثيقــة محضــر
اإلعــام بالطعــن إن كان أصــل املحضــر أو النظيــر أو نســخة أو نســخة مطابقــة
لألصــل منــه وإنمــا فــي تحقــق جــواب األطــراف ذلــك أن القانــون األساســي املتعلــق
باالنتخابــات واالســتفتاء لــم يوجــب اإلدالء بمحضــر اإلعــام بالطعــن فــي صيغــة محــددة
علــى اعتبــار أن محاضــر اإلعــام بالطعــن أيــا كانــت صيغتهــا هــي حجــة رســمية
وهــي بذلــك محمولــة علــى الصحــة وال يمكــن الطعــن فيهــا إال بالزور.كمــا أنّ أحــكام
مجلــة املرافعــات املدنيــة والتجاريــة تعــد هــذه املســألة مــن متعلقــات الخصــوم وليــس
للمحكمــة أن تثيرهــا مــن تلقــاء نفســها وال أن ترتــب عليهــا جــزاء البطــان وعــاوة علــى
ذلــك فــإنّ اآلجــال املختصــرة لتقديــم الطعــون تعــد عقبــة رئيســية أمــام إدالء الطاعــن
بأصــل املحضــر ذلــك أنــه يتعــن علــى عــدل التنفيــذ اســتكمال اإلجــراءات الخاصــة
بتســجيل املحضــر بالقباضــة املاليــة والتــي قــد تتزامــن مــع أيــام العطــل الرســمية.
.1الفصول 29و 46و 47و 145و 146من القانون األساسي املتعلق باالنتخابات واالستـفتاء.
133 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
.1الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية األولــى باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 20194075بتاريــخ 22
أكتوبــر « 2019حيــث يســتفاد مــن أحــكام الفصلــن 145مــن القانــون االنتخابــي والفصــل 6مــن مجلــة املرافعــات
املدنيــة والتجاريــة أن عريضــة الطعــن يجــب أن تكــون مشــفوعة بمحضــر إعــام محــرر مــن عــدل تنفيــذ طبــق
الصيــغ والشــكليات املســتوجبة قانونــا يثبــت مــن خاللــه حصــول اإلعــام والتســليم حتــى يكــون جديــرا باالعتمــاد.
وحيــث تفريعــا علــى ذلــك تكــون املحكمــة ملزمــة بالتثبــت فــي ســامة إجــراءات وشــكليات الطعــن وتســليط الجــزاء
املســتوجب عــن اإلخــال بهــا مــا لــم يقــع تداركــه خــال أجــل القيــام .وحيــث يتبــن بتفحــص محضــر اإلعــام
بالطعــن املدلــى بــه مــن نائــب املدعيــة واملحــرر مــن عــدل التنفيــذ ( )...أن هــذا األخيــر توجــه إلــى مقــر الهيئــة العليــا
املســتقلة لالنتخابــات ومقــر حــزب قلــب تونــس وســلم إليهمــا نظيــرا مــن عريضــة الطعــن غيــر أن املحضــر لــم
يتضمــن إمضــاء مــن ســلم إليــه اإلعــام وختــم الجهتــن املدعــى عليهمــا علــى نحــو مــا يوجبــه الفصــل 6خامســا
مــن مجلــة املرافعــات املدنيــة والتجاريــة بمــا يجعلــه غيــر جديــر باالعتمــاد إلثبــات حصــول التبليــغ علــى املعنــــي
الــذي يقتضيــه الفصــل 145مــن القانــون االنتخابــي ،األمــر الــذي يترتــب عليــه وبصريــح النــص ،رفــض الطعــن
شــكال» .كمــا يراجــع فــي نفــس االتجــاه الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية السادســة باملحكمــة اإلداريــة فــي
القضيــة عــدد 20194092بتاريــخ 22أكتوبــر « 2019وحيــث أن الطاعــن لــم يرفــق عريضــة طعنــه بأصــل محضــر
تبليــغ عريضــة الطعــن الــذي يفيــد إمضــاء مــن تســلمها وهويتــه واقتصــر علــى إرفاقهــا بنظيــر مــن محضــر التبليــغ
غيــر مســتوف للتنصيصــات الوجوبيــة التــي اقتضاهــا الفصــان 6و 8مــن مجلــة املرافعــات املدنيــة والتجاريــة،
األمــر الــذي يصيــر إجــراء اإلعــام منقوصــا ومشــوبا بإخــاالت شــكلية تجعلــه غيــر حــري باالعتمــاد واتجــه
والحــال مــا ذكــر التصريــح برفــض الطعــن شــكال وفــق مــا توجبــه أحــكام الفصــل 145مــن القانــون االنتخابــي».
.2الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثانيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 20194076بتاريــخ 22
أكتوبــر « 2019وحيــث يخلــص ممــا ســبق أن إثبــات حصــول التبليــغ الســليم وفــق املقتضيــات القانونيــة يكــون مــن
خــال اإلدالء للمحكمــة بأصــل املحضــر املحــرر فــي الغــرض ضــرورة أن تســليم النظيــر يقتصــر علــى املتوجــه إليــه
وأن التحقــق مــن هويــة املتســلم وإمضائــه وختمــه أو وضــع عالمــة إبهامــه أو تســجيل امتناعــه عــن التســلم وذكــر
ســببه عنــد االقتضــاء ال يتــم إال بالرجــوع إلــى األصــل .»...كمــا يراجــع فــي نفــس االتجــاه الحكــم الصــادر عــن
الدائــرة االســتئنافية الرابعــة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 20194087بتاريــخ 22أكتوبــر « 2019وحيــث اقتصــر
الطاعــن علــى اإلدالء بنظيــر مــن محضــر تبليــغ عريضــة الطعــن فــي حــن أن العبــرة بأصــول املحاضــر ال بنظائرهــا».
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 134
شــكال وعلــى الرغــم مــن أهميــة املســألة مــن جهــة ممارســة الحــق فــي التقاضــي
فإنّــه لــم يتســن للجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة بمناســبة نظرهــا
كدرجــة ثانيــة فــي الطعــون املوجهــة ضــد أحــكام الدوائــر االســتنئنافية الصــادرة
فــي نزاعــات النتائــج التعــرض لهــذه املســألة وتوحيــد املواقــف القانونيــة فــي شــأنها.
تواتــر فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة علــى أن عــدم تضمــن محضــر اإلعــام بالطعــن
التنصيصــات الوجوبيــة يترتــب عليــه رفــض الطعــن شــكال ولــو تحقــق مبــدأ املواجهــة 1وقــد
بــررت املحكمــة هــذا التوجــه القضائــي بــأنّ «املشــرع حمــل القائــم بالطعــن واجــب ضمــان
حــق املواجهــة والدفــاع للطــرف املشــمول بالطعــن مــن خــال التنصيصــات التــي ينبغــي أن
2
يتضمنهــا محضــر اإلعــام قبــل إيداعه لدى كتابــة املحكمة تحت طائلة الرفض شــكال.»...
وقــد تســلطت الرقابــة القضائيــة خاصــة علــى التنصيــص الوجوبــي الــوارد بالفصلــن 145
و 146مــن القانــون األساســي املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء واملتعلــق «بـــالتنبية علــى
األطــراف بتقديــم ملحوظاتهــم مرفقــة بمــا يفيــد تبليغهــا لألطــراف فــي أجــل أقصــاه يــوم
جلســة املرافعــة» واتســمت هــذه الرقابــة باعتمــاد تأويــل صــارم لتلــك املقتضيــات 3إذ أكــدت
املحكمــة علــى وجــوب التقيــد حرفيــا بالصيغــة الــواردة بأحــكام القانــون االنتخابــي وأن
اإلغفــال عــن ذكــر بعــض مقتضياتهــا يــؤول إلــى رفــض الطعــن شــكال ،4وفــي املقابــل أجازت
املحكمــة إمكانيــة تــدارك اإلخــاالت الــواردة بمحضــر اإلعــام بالطعــن علــى أن يكــون
.1قــرار الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة الصــادر فــي القضيــة عــدد 20195004بتاريــخ 30ســبتمبر .2019
.2الحكم الصادر عن الدائرة االســتئنافية الثالثة باملحكمة اإلدارية في القضية عدد 20194008بتاريخ 17أكتوبر .2019
.3قــرار الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة الصــادر فــي القضيــة عــدد 20195028بتاريــخ 4نوفمبــر
« :2019إنّ عريضــة الطعــن املقدمــة فــي الطــور األول جــاءت خاليــة م ّمــا يفيــد التنبيــه علــى األطــراف بضــرورة
تقديــم ملحوظاتهــم مرفقــة بمــا يفيــد تبليغهــا لألطــراف فــي أجــل أقصــاه يــوم جلســة املرافعــة املع ّيــن مــن
املحكمــة ،ممــا يعــد إخــاال بشــكلية جوهريــة اســتوجبتها مقتضيــات الفصــل 145مــن القانــون االنتخابــي».
.4الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية التاســعة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 20194072بتاريــخ
22أكتوبــر « :2019وحيــث تبــن بالرجــوع إلــى أوراق امللــف أن نائــب املدعيــة أدلــى بمحضــر إعــام بالطعــن
توجــه بــه إلــى الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بجندوبــة منبهــا إياهــا بضــرورة تقديــم ملحوظاتهــا فــي أجــل أقصــاه
بــوم جلســة املرافعــة دون التنصيــص علــى ضــرورة أن تكــون تلــك امللحوظــات مرفقــة بمــا يفيــد تبليغهــا لألطــراف.
وحيــث ترتيبــا علــى مــا تقــدم يكــون إخــال املدعيــة بإجــراءات رفــع الدعــوى علــى النحــو املبــن أعــاه
إخــاال بإجــراء أساســي مــن إجــراءات الطعــن ممــا يجعــل الدعــوى املاثلــة محتلــة مــن الناحيــة الشــكلية».
135 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
ذلــك قبــل انقضــاء آجــال تقديــم الطعــون 1أي خــال أجــل الطعــن علــى اعتبــار أن القانــون
االنتخابــي حــدد يــوم جلســة املرافعــة كأقصــى أجــل لتقديــم الــردود املبلغــة مــن األطــراف.
لــم تتــول املحكمــة التعــرض لهــذه املســألة بصفــة تلقائيــة وترتيــب النتائــج املســتوجبة
بخصــوص اعتمــاد املؤيــدات أو اإلعــراض عنهــا وذلــك رغــم املســاس بصفــة جوهريــة
بحقــوق الدفــاع املخولــة للمطعــون ضــده إذ تكتفــي أغلــب محاضــر اإلعــام بالطعــن
باإلشــارة إلــى تبليــغ املطعــون ضــده نســخة مــن املؤيــدات دون تفصليهــا وإذا مــا أخذنــا
بعــن االعتبــار خصوصيــة هــذه املؤيــدات فــي نــزاع النتائــج ،التــي ال تقتصر علــى التقارير
الرســمية للهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات والهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي البصــري
واملجتمــع املدنــي والتــي غالبــا مــا يتــم وضعهــا علــى ذمــة العمــوم بمواقــع الــواب وإنمــا
تشــتمل كذلــك علــى الحجــج التــي كونهــا الطاعــن بنفســه أو تحصــل عليهــا مــن مصــادر
خاصــة علــى غــرار تســجيالت مســموعة ومرئيــة ،محاضــر عــدول إشــهاد فــي تلقــي
شــهادة شــهود ،دراســات مكاتــب فنيــة متخصصــة ،...فــإنّ عــدم تفصيــل املؤيــدات صلــب
محضــر اإلعــام بالطعــن ال يــؤول إلــى التســليم بتمكــن املطعــون ضــده مــن نســخة منهــا
حتــى يتســنى لــه مناقشــة مضمونهــا ومطابقــة محتواهــا والنســخ املرفقــة مــع عريضــة
الطعــن عنــد االقتضــاء .وقــد تسنـــى للجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلدارية بمناســبة
نظرهــا فــي القضيــة عــدد 20195011الصــادر فيهــا الحكــم بتاريــخ 4نوفمبــر 2019أن
اســتبعدت اعتمــاد قــرص ليــزري مدلــى بــه مــن الطاعــن يتضمــن تســجيالت صوتيــة
تتعلــق بمخالفــات انتخابيــة إذ تبــن بالرجــوع إلــى محضــر اإلعــام بالطعــن أن القــرص
املذكــور لــم يتــم تعــداده ضمــن املؤيــدات التــي تــم تمكــن املطعــون ضــده مــن نســخ منهــا.
.1قــرار الجلســة العامــة القضائيــة الصــادر فــي القضيــة عــدد 20195005بتاريــخ 30ســبتمبر « 2019وحيــث ثبــت
لهــذه املحكمــة ،وعلــى نحــو مــا انتهــت إليــه محكمــة البدايــة ،أنّ محضــر اإلعــام بالطعــن املدلــى بــه مــن الطاعــن
لــم يتض ّمــن التنبيــه علــى الهيئــة املطعــون ض ّدهــا بضــرورة تقديــم ملحوظاتهــا مرفقــة بمــا يفيــد تبليغهــا للطاعــن
فــي أجــل أقصــاه جلســة املرافعــة املعينــة مــن املحكمــة كمــا أن تــدارك اإلخــال املذكــور بموجــب محضــر التــدارك
املوجــه إلــى املطعــون ض ّدهــا بتاريــخ 20ســبتمبر 2019جــاء خــارج األجــل القانونــي املع ّيــن للطعــن» .كمــا يراجــع فــي
نفــس االتجــاه الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الســابعة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 20194001
بتاريــخ 23ســبتمبر « 2019وحيــث خالفــا ملــا تمســكت بــه نائبــة الطاعــن فــإن محضــر التــدارك املدلــى بــه مــن قبلهــا
بتاريــخ 20ســبتمبر 2019واملتضمــن أنــه وقــع الســهو عــن ذكــر صيغــة التنبيــه وأن منوبهــا يتــدارك ذلــك ويتولــى
التنبيــه علــى األطــراف بضــرورة تقديــم الجــواب فــي أجــل أقصــاه يــوم جلســة املرافعــة إنمــا يخضــع بالضــرورة
لنفــس الشــروط الشــكلية للمحضــر األصلــي املــراد تصحيحــه بمــا فــي ذلــك آجــال تبليغــه للمطعــون ضدهــا والتــي
تكــون بالضــرورة قبــل انقضــاء آجــال تقديــم الطعــون املحــددة بيومــن مــن تاريــخ تعليــق النتائــج األوليــة»...
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 136
تصــدت الدوائــر االســتئنافية باملحكمــة اإلداريــة إلشــكال عــدم تطابــق بــن بيانــات
محضــر اإلعــام بالطعــن ومطلــب الطعــن بمناســبة نظرهــا فــي نزاعــات النتائــج إذ
ينــص الفصــل 145مــن القانــون األساســي لالنتخابــات واالســتفتاء علــى أنــه «يجــب
أن يكــون مطلــب الطعــن معلــا ومحتويــا علــى أســماء األطــراف ومقراتهــم وعلــى عــرض
موجــز للوقائــع ويكــون مشــفوعا باملؤيــدات وبمحضــر اإلعــام بالطعــن »...ويســتتبع
ذلــك عمليــا إدراج البيانــات املتعلقــة خاصــة بأســماء األطــراف ومقراتهــم وصفاتهــم
علــى حــد الســواء بمطلــب الطعــن وكذلــك بمحضــر اإلعــام بالطعــن علــى اعتبــار أن
ذلــك مــن التنصيصــات الوجوبيــة التــي تتضمنهــا املحاضــر املحــررة مــن عــدول التنفيــذ
عمــا بأحــكام الفصــل 6مــن مجلــة املرافعــات املدنيــة والتجاريــة 1وقــد أفضــى ذلــك
فــي بعــض األحيــان إلــى تناقــض فــي بعــض املعطيــات املدرجــة بالوثيقتــن املذكورتــن.
ولئــن كان التضــارب بخصــوص بعــض البيانــات ال تأثيــر مباشــر لــه علــى حســن سيـــر
الخصومــة ،فــإن املعطيــات املتعلقــة خاصــة بأســماء األطــراف ومقراتهــم ال تتعلــق
فحســب بمصلحــة الخصــوم وإنمــا بحســن ســير التقاضــي أمــام املحكمــة التــي يقــع
علــى عاتقهــا اســتدعاء األطــراف إلــى جلســة املرافعــة عمــا بأحــكام الفصــل 145
املذكــور فــي أجــل ال يمكــن أن يتعــدى فــي جميــع األحــوال ثالثــة أيــام مــن تاريــخ تقديــم
الطعــن ،وهــو أجــل مختصــر ال يتيــح للمحكمــة التدقيــق فــي ملــف الطعــن الترجيــح بــن
الوثائــق املتضاربــة عنــد االقتضــاء كمــا أنّ عــدم اإلعتــراف بــدور ايجابــي للقاضــي
اإلداري فــي تحريــك الدعــوى واملوجبــات املشــددة للحيــاد التــي تفرضهــا النـــزاعات
االنتخابيــة ليــس مــن شــأنها أن تحمــل القاضــي علــى الحلــول محــل أطــراف املنازعــة
فــي توجيــه الدعــوى أو تصحيحهــا فــي اتجــاه مغايــر إلرادة أصحابهــا خاصــة وأن
املشــرع قــد كــرس وجوبيــة إنابــة محــام لــدى التعقيــب بخصــوص نزاعــات النتائــج.
وقــد أفصحــت الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة عــن موقفهــا فــي شــأن
هــذه املســألة ضمــن قراراهــا الصــادر فــي القضيــة عــدد 20195004بتاريــخ 30سبتمبـــر
.1ينص الفصل 6من م.م.م.ت على أنه «يجب أن تشتمل املحاضر التي يحررها العدول املنفذون على ما يأتي)...( - :
ثانيــا :اســم الطالــب ولقبــه ومهنتــه ومقــره املختــار وعــدد ترســيمه بالســجل التجــاري ومكانــه إن كان تاجــرا واســم
مــن يمثلــه إن وجــد ولقبــه ومهنتــه ومقــره ()...
رابعــا :اســم املوجــه إليــه اإلعــام ولقبــه ومهنتــه ومقــره وإن لــم يكــن لــه مقــر معلــوم وقــت اإلعــام فآخــر مقــر إقامــة
كان لــه وعنــد االقتضــاء عــدد ترســيمه بالســجل التجــاري ومكانــه.»...
137 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
2019وذلــك بــأن أكــدت علــى أنّ «دور املحكمــة فــي النـــزاع يقتصــر علــى تعيــن جلســة
املرافعــة واســتدعاء األطــراف املضمنــة أســمائهم ومقراتهــم بعريضــة الطعــن وإعالمهــم
بالحكــم» وهــو مــا يســتفاد منــه أن البيانــات املدرجــة بعريضــة الطعــن املتعلقــة بأســماء
األطــراف ومقراتهــم هــي التــي يتعــن علــى املحكمــة التقيــد بهــا فــي توجيــه االســتدعاء
إلــى جلســة املرافعــة دون غيرهــا مــن الوثائــق بمــا فــي ذلــك محضــر اإلعــام بالطعــن
وهــو نفــس املوقــف الــذي ذهبــت إليــه الدائــرة االســتئنافية األولــى التــي رجحــت علويــة
1
عريضــة الطعــن علــى محضــر اإلعــام بهــا فــي تحديــد األطــراف املشــمولة بالنـــزاع.
أمــا بخصــوص بقيــة البيانــات فقــد ذهبــت املحكمــة فــي تأويــل مــرن إذ اعتبــرت
أن األخطــاء املتســربة إلــى محضــر اإلعــام بالطعــن بخصــوص صفــة الطاعــن أو
املطعــون ضــده أو الدائــرة االنتخابيــة ال تعــدو إال مــن قبيــل األخطــاء املاديــة التــي ال
تأثيــر لهــا علــى املوجبــات الشــكلية للطعــن وهــو فــي تقديرنــا توجــه ســليم علــى
2
اعتبــار أن تلــك املعطيــات ليــس مــن شــأنها إحــداث أي تغييــر فــي أطــراف املنازعــة.
وبنــاء علــى مــا ســبق عرضــه بخصــوص اإلشــكاالت املثــارة فــي شــأن محضــر
اإلعــام بالطعــن فقــد بــات مــن الوجيــه تدخــل املشــرع لتوضيــح بعــض املســائل
بالنظــر إلــى تداعياتهــا علــى ممارســة حقــوق التقاضــي والدفــاع خاصــة فــي ظــل
اختــاف االجتهــادات القضائيــة وعــدم التوصــل إلــى توحيــد املواقــف القانونيــة.
وفــي هــذا الســياق تجــدر اإلشــارة إلــى أنّ املوازنــة بــن اآلجــال املختصــرة لتقديــم الطعون
.1الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية األولــى باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 73049102بتاريــخ 22أكتوبــر
« :9102وحيــث جــاء بعريضــة الدعــوى أن القائمــة املطعــون بهــا هــي ليليــا بالليــل بصفتهــا رئيســة قائمــة حــزب قلــب
تونــس بالدائــرة االنتخابيــة الثانيــة للتونســيني املقيمــن بفرنســا وأن الطعــن رفــع ضــد كل مــن الهيئــة العليــا املســتقلة
لالنتخابــات وناجــي الجمــل بصفتــه رئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضة عــن الدائــرة االنتخابيــة الثانية للتونســيني املقيمني
بفرنســا وتولــت املحكمــة تبعــا لذلــك اســتدعاء األطــراف إلــى جلســة املرافعــة بنــاء علــى البيانــات املضمنــة بالعريضــة.
وحيــث قــدم نائــب املدعيــة رفقــة عريضتــه محضــر إعــام بالطعــن ( )...موجــه إلــى كل مــن الهيئــة العليــا
املســتقلة لالنتخابــات والســيدة ونيســي بصفتهــا رئيســة قائمــة حــزب حركــة النهضــة عــن الدائــرة
االنتخابيــة األولــى للتونســيني املقيمــن بفرنســا ولــم يــدل بمحضــر إعــام موجــه إلــى املطعــون ضــده
الثانــي ناجــي الجمــل الــوارد فــي عريضــة الطعــن بصفتــه رئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة عــن الدائــرة
االنتخابيــة الثانيــة للتونســيني املقيمــن بفرنســا مخالفــا بذلــك أحــكام الفصــل 541مــن القانــون االنتخابــي».
.2الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثالثــة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 20194106بتاريــخ 22أكتوبــر
« :2019وحيــث يتضــح مــن مراجعــة ســرد الوقائــع بعريضــة الدعــوى أن مــا تضمنــه محضــر التبليــغ بشــأن عــدم التطابق
بــن الطاعــن والدائــرة االنتخابيــة املطعــون فــي نتائجهــا والتــي وردت تحــت تســمية «دائرة بــن عروس» عوضا عــن «دائرة
نابــل واحــد» يمثــل غلطــا ماديــا ال ينجــر عنــه بطــان إجــراءات القيــام» يراجــع فــي نفــس االتجــاه الحكــم الصــادر عــن
الدائــرة االســتئنافية العاشــرة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 20194082بتاريــخ 22أكتوبــر 2019وكذلــك الحكــم
الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الســابعة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 20194085بتاريــخ 21أكتوبــر .2019
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 138
وضمــان ســامة التبليــغ يمنــح املشــرع عديــد الخيــارات التــي يمكــن اعتمادهــا بخصــوص
صيغــة محضــر اإلعــام بالطعــن وذلــك إمــا باالكتفــاء بإتاحــة إرفــاق عريضــة الطعــن بــأي
صيغــة مــن صيــغ املحضــر علــى أن يتــم اإلدالء بأصــل املحضــر فــي أجــل أقصــاه يــوم
جلســة املرافعــة تحــت طائلــة رفــض الطعــن شــكال أو عــدم ترتيــب أي جــزاء بخصــوص
صيغــة املحضــر فــي صــورة تحقــق مبــدأ املواجهــة ،أمــا بخصــوص تــدارك اإلخــاالت
الــواردة بمحضــر اإلعــام بالطعــن فإنــه يكــون مــن املفيــد تقنــن مــا اســتقر عليه فقــه قضاء
املحكمــة اإلداريــة مــن جــواز التــدارك خــال أجــل الطعــن بمــا يفتــح املجال أمــام املتقاضني
لالســتفادة مــن تلــك اإلمكانيــة عنــد االقتضــاء ويؤمــن اســتقرار املواقــف القضائيــة،
هــذا وتجــدر اإلشــارة إلــى أهميــة إدراج وجوبيــة أن يتضمــن محضــر اإلعــام بالطعــن
تفصيــا للمؤيــدات املرفقــة بعريضــة الطعــن ضمانــا لحقــوق املطعــون ضــده فــي الدفــاع.
لئــن كان تحديــد أطــراف الـــخصومة فــي نزاعــات الترشــح ال يثيــر اشــكاالت جوهريــة علــى
اعتبــار أن النـــزاعات املذكــورة تصنــف فــي خانــة «اﻟﻘﻀﺎء اﻟﻜﺎﻣﻞ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ» إذ تتســلط
الرقابــة القضائيــة باألســاس علــى شــرعية قــرارات الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات
بقبــول أو رفــض مطلــب الترشــح ومــن ثمــة فــإن الطاعــن محمول علــى توجيه طعنــه إما ضد
الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات أو ضــد الهيئــة املذكــورة والقائمــة أو املترشــح املعنـــي
باألمــر عنــد االقتضــاء ،غيــر أن توجيــه الطعــن فــي نزاعــات النتائــج ال يتســم بنفــس القــدر
مــن الوضــوح فمــن املعلــوم أن النـــزاعات املذكــورة ترمــي إمــا لتعديــل النتائــج أو إلغائهــا
وإذا كانــت الحالــة األولــى تفتــرض بداهــة أن يوجــه الطاعــن طعنــه ضــد الهيئــة العليــا
املســتقلة لالنتخابــات والقائمــة (أو القائمــات) أو املترشــح (أو املترشــحني) الذيــن يــروم
تعديــل نتائجهــم ،فــإنّ تحديــد أطــراف املنازعــة فــي الحالــة الثانيــة باعتبارهــا تســتهدف
الغــاء نتائــج االنتخابــات إمــا جزئيــا أو كليــا ليــس باألمــر اليسيـــر خاصــة إذا مــا أخذنــا
بعــن االعتبــار غيــاب الطابــع التوجيهــي واالســتقصائي فــي اإلجــراءات املتعلق بالنـــزاعات
االنتخابيــة مــن ناحيــة واآلجــال املختصــرة لتقديــم الطعــون والبــت فيهــا مــن ناحيــة أخــرى.
وعلــى هــذا األســاس اعتمــدت املحكمــة مقاربــة براغماتيــة فــي تحديــد أطــراف
املنازعــة فمــن جهــة أولــى أكــدت املحكمــة أن توجيــه الطعــن محمــول علــى الطاعــن
وليــس للمحكمــة أن تحــل محلــه فــي تحديــد خصومــه وال أن تبــادر بإدخــال مــن
أهمــل توجيــه طعنــه ضدهــم ،غيــر أن ذلــك ليــس مــن شــأنه أن يشــكل حائــا
دونـــها وتســليط رقابتهــا علــى مــدى صحــة توجيــه الطعــن مــن جهــة األطــراف
املشــمولة وترتيــب الجــزاء املســتوجب متــى عاينــت إخــاالت فــي هــذا الشــأن.
139 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
وفــي هــذا الســياق ،أكــدت املحكمــة علــى أن تحديد أطــراف املنازعة في نزاعــات النتائج يتم
بتفحــص مضمــون عريضــة الطعــن مــن جهــة الوقائــع واملطاعــن والطلبــات ،فالطاعــن الــذي
ينســب مخالفات إلى قائمة أو مترشــح بعينه ســواء بصفة صريحة ،وعند االقتضاء بصفة
ضمنيــة إذا مــا توصلــت املحكمــة باعتمــاد مؤشــرات أو قرائــن قاطعــة إلــى تحديــد القائمــة
أو املترشــح املعنــي باألمــر ،فإ ّنــه يتعــن عليــه توجيــه طعنــه ضــد القائمــة أو املترشــح املعني
1
بصــرف النظــر عــن طبيعــة طلباتــه الراميــة إن كانــت راميــة إلــى تعديــل أو إلغــاء النتائــج.
ولئــن كان اتجــاه املحكمــة مبــررا بضمــان الحــق فــي الدفــاع إذ ال يســتقيم واقعــا وقانونــا
مراجعــة النتائــج أو إلغاؤهــا دون تمكــن املشــمولني بالطعــن مــن اإلفصــاح عــن وجهــة
نظرهــم وتقديــم دفوعاتهــم حيــال مــا ينســب إليهــم ،فإنــه مــن شــأنه أن يثيـــر اشــكاال
جوهريــا بخصــوص الطعــون الراميــة إلــى اإللغــاء الكلــي للنتائــج األوليــة لالنتخابــات
الرئاســية ،ضــرورة أن الطعــن فــي النتائــج املذكــورة يجــب أن يتســلط علــى النتائــج
فــي مجملهــا ووحدتهــا ذلــك أن مراكــز االقتــراع املوزعــة داخــل الجمهوريــة وخارجهــا
تشــكل دائــرة انتخابيــة واحــدة ،أي إلــى إعــادة إجــراء االنتخابــات ففــي هــذه الصــورة
هــل يكــون الطاعــن ملزمــا بتوجيــه طعنــه ضــد املترشــح الفائــز أو ضــد املترشــحني
الذيــن يتفوقــون عليــه فــي ترتيــب النتائــج أو ضــد كافــة املترشــحني املقبولــن نهائيــا.
وإذا مــا أخذنــا بعــن االعتبــار أنّ املطاعــن في صــورة الحال تنصب على خروقات جســيمة
نالــت مــن مصداقيــة وشــفافية العمليــة االنتخابيــة ككل وال يعــدو االستشــهاد بمخالفــات أو
تجاوزات تنسب إلى املترشحني إال من باب بيان تقصير الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات
فــي التصــدي لتلــك التجــاوزات وأن الطعــن ال يرمــي إلــى تعديــل نتائــج مترشــحني بعينهــم
بــل إلــى إعــادة إجــراء االنتخابــات ،فإ ّنــه يكــون مــن الوجيــه اقتصــار الطاعــن علــى توجيــه
الطعــن ضـ ّد الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات باعتبارهــا الجهــة املوكــول إليهــا «وضــع
.1قــرار الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة الصــادر فــي القضيــة عــدد 20195004بتاريــخ 30ســبتمبر
« 2019وحيــث يتبــن بالرجــوع إلــى أوراق امللــف االبتدائــي ( )...أنّ محضــر اإلعــام بالطعــن املحــرر مــن عــدل
التنفيــذ ( )...إقتصــر علــى إعــام الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات بالطعــن والحــال أنّ الطاعــن شــمل بطعنــه
املترشــحني نبيــل القــروي وعبــد الفتــاح مــورو »...وقــد اعتبــرت الجلســة العامــة أن ذلــك اإلخــال يجعــل مــن الطعــن
املقــدم فــي الطــور األول حريــا بالرفــض شــكال منتهيــة إلــى إقــرار حكــم املطعــون بأســانيده الجديــدة .ويراجــع
فــي نفــس االتجــاه الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية السادســة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد
20194066بتاريــخ 22أكتوبــر « 2019وحيــث أن أطــراف املنازعــة تحــدد بحســب املطاعــن الــواردة فــي العريضــة
وعلــى املحكمــة فــي جميــع األحــوال اســتنباط املترشــح الــذي تنســب إليــه املخالفــات مــن خــال عريضــة الطعــن.
وحيــث تمســك الطاعــن فــي عريضــة طعنــه بحصــول إخــاالت بمحيــط مركــزي اقتــراع كائنــن بمعتمديــة
بنــي خــداش تمثلــت فــي إقــدام عضــو مــن حركــة النهضــة علــى تحريــض املواطنــن أمــام مركــز االقتــراع
النتخــاب القائمــة رقــم 10وفــي منــع ممثلــي قائمتــه مــن حضــور عمليــة احتســاب األصــوات والفــرز.
وحيــث وجــه الطاعــن طعنــه إلــى الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات فحســب دون املترشــح أو املترشــحني
الذيــن يدعــي ارتكابهــم املخالفــات املتعلقــة بخــرق الصمــت االنتخابــي والنيــل مــن حريــة التصويــت وســريته
ســواء داخــل مراكــز االقتــراع أو خارجهــا او اســتفادتهم منــه ،وهــي قائمــة حــزب حركــة النهضــة».
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 140
1
آليــات التنظيــم واإلدارة والرقابــة الضامنــة لنزاهة االنتخابات واالســتفتاءات وشــفافيتها».
وقــد تصــدت الجلســة العامــة القضائيــة لهــذا اإلشــكال وانتهــت إلــى أنــه لئــن كانــت
طلبــات الطاعــن ترمــي إلــى إلغــاء نتائــج االنتخابــات كليــا ،فإنّــه يتبــن مــن ملــف
القضيــة أن املطاعــن والخروقــات تعلقــت بمترشــح بعينــه فــي حــن اكتفــى الطاعــن
بتوجيــه طعنــه ضــد الهيئــة وقــد ذهبــت املحكمــة فــي هــذا القــرار إلــى أن اســتجالء
املترشــح املنســوب إليــة ارتــكاب مخالفــات ال يتوقــف علــى املطاعــن الــواردة بعريضــة
الطعــن وإنمــا كذلــك بالرجــوع إلــى مرفقــات العريضــة ،منتهيــة علــى هــذا األســاس
2
إلــى نقــض الحكــم املطعــون فيــه والقضــاء مــن جديــد برفــض الطعــن شــكال.
رغــم حــرص املشــرع علــى ضمــان حــق املطعــون ضــده فــي الدفــاع مــن خــال
ضمــان تبليغــه بعريضــة الطعــن ومرفقاتهــا ،فــإن ممارســة هــذا الحــق قــد
واجــه بعــض الصعوبــات فيمــا يخــص األجــل املمنــوح للمطعــون ضــده لتقديــم
تقريــره فــي الــرد (أ) وكذلــك الصيــغ املســتوجبة فــي تبليــغ التقريــر املذكــور (ب).
ميــز املشــرع بــن نزاعــات الترشــح لالنتخابــات الرئاســية التــي يتعــن فــي شــأنها
تبليــغ الطــرف اآلخــر بنســخة منــه فــي أجــل أقصــاه 48ســاعة قبــل جلســة املرافعــة
علــى أن يتــم إيداعهــا باملحكمــة فــي أجــل أقصــاه يــوم جلســة املرافعــة 3وبيـــن
نزاعــات الترشــح لالنتخابــات التشــريعية 4ونزاعــات النتائــج والتــي حــدد جلســة
.1الفصل 3من القانون األساسي عدد 23لسنة 2012املؤرخ في 20ديسمبر 2012املتعلق بالهيئة العليا املستقلة لالنتخابات.
.2قــرار الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة الصــادر فــي القضيــة عــدد 20195003بتاريــخ 30ســبتمبر 2019
«وحيــث وطاملــا اقتصــر الطاعــن علــى توجيــه طعنــه إلــى الهيئــة دون توجيهــه إلــى املترشــح أو املترشــحني الــذي يدعــي
أنهــم اســتفادوا مــن اإلخــاالت والخروقــات فــإن الطعــن املاثــل يكــون مخالفــا ملقتضيــات الفصــل 145مــن القانــون
األساســي لالنتخابــات واالســتفتاء».
.3الفصل 46و 47من القانون األساسي لالنتخابات واالستفتاء.
.4لــم يحــدد الفصــل 29مــن القانــون األساســي لالنتخابــات واالســتفتاء أجــا محــدد للمطعــون ضــده لتقديــم تقريــره
فــي الــرد وتبليــغ نســخة منــه إلــى الطاعــن وهــو مــا يســتفاد منــه أن آخــر أجــل لذلــك يوافــق يــوم جلســة املرافعــة.
141 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
املرافعــة كآجــل أقصــى لتقديــم تقريــر فــي الــرد وتبليــغ نســخة منــه إلــى الطاعــن.
وعــاوة علــى التبايــن فــي اآلجــال املمنوحــة للمطعــون ضــده لتبليــغ تقريــره فــي الــرد
بــن نزاعــات الترشــح لالنتخابــات الرئاســية ونزاعــات الترشــح لالنتخابــات التشــريعية
ونزاعــات النتائــج والتــي مــن املستحســن توحيدهــا ،فــإنّ املالحــظ أن اآلجــال املمنوحــة
للمطعــون تتســع أو تتقلــص وفــق عاملــن أساســن األول يتعلــق بتاريــخ تبليغــه عريضــة
الطعــن والثانــي تاريــخ تعيــن جلســة املرافعــة وهــو العامــل األكثــر أهميــة إذ أن املشــرع
لــم يضــع أجــل محــددا لتعيــن جلســة املرافعــة وإنمــا منــح املحكمــة تقديــر ذلــك علــى
أن ال تتجــاوز فــي جميــع األحــوال أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ تقديــم الطعــن
وهــو مــا مــن شــأنه فــي حــال تعــن جلســة املرافعــة فــي أجــل أدنــى مــن األجــل املذكــور
التقليــص مــن األجــل املخــول للمطعــون ضــده إلعــداده تقريــره فــي الــرد وتبليــغ خصومــة
بذلــك التقريــر .وقــد حرصــت املحكمــة بمناســبة نظرهــا فــي نزاعــات الترشــح والنتائــج
النتخابــات التشــريعية والرئاســية لســنة 2019علــى اعتمــاد األجــل األقصــى فــي تعيــن
جلســة املرافعــة وكانــت الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة قــد تعرضــت لهــذه
املســألة فــي قرارهــا الصــادر بتاريــخ 4نوفمبــر 2019فــي القضيتــن عــدد 20195023
و 20195029والتــي دفــع فــي شــأنها نائــب املطعــون ضــده بــأنّ تبليــغ مذكــرة الطعــن
ت ـ ّم يــوم األحــد الــذي ال يحتســب فــي آجــال الطعــن وهــو مــا ض ّيــق مــن األجــل املمنــوح
إلــى منوبــه إلعــداد وســائل الدفــاع وقــد انتهــت املحكمــة بالتثبــت فــي تاريــخ تبليــغ
املطعــون ضــده بعريضــة الطعــن وتاريــخ تعيــن جلســة املرافعــة إلــى أ ّنــه «وخالفــا ملــا
دفــع بــه نائــب املطعــون ضــ ّده فــإنّ تبليــغ املطعــون ضــده مذكــرة الطعــن يــوم األحــد
املوافــق لــــ 27أكتوبــر 2019لــم يضيــق مــن األجــل املمنــوح لــه إلعــداد وســائل دفاعــه
وإنمــا مكنــه مــن يــوم إضافــي لتقديــم ملحوظاتــه فــي أجــل أقصــاه يــوم جلســة املرافعــة
املعينــة ليــوم 30أكتوبــر ،»2019هــذا وتجــدر اإلشــارة إلــى أن تأمــن ضمــان الحــد
األدنــي مــن األجــل املعقــول لفائــدة املطعــون ضــده لتقديــم تقريــره فــي الــرد يقتضــي
أن ال يتوقــف ذلــك علــى إرادة الطاعــن وإنمــا أن يتــم التنصيــص صراحــة علــى تعيــن
جلســة املرافعــة فــي أجــل ثالثــة مــن تاريــخ تقديــم الطعــن وهــو مــا يمنــح املطعــون ضــده
أجــا ال يقــل فــي جميــع األحــوال عــن ثالثــة أيــام وهــو نفــس األجــل املخــول للطاعــن
لتقديــم طعنــه فــي نزاعــات الترشــحات لالنتخابــات التشــريعية ونزاعــات النتائــج.
اســتقر فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة علــى أنــه يتعــن تبليــغ تقريــر الــرد إلــى جميــع
األطــراف املشــمولة بالطعــن ورتبــت الهيئــات القضائيــة عــن اإلخــال باإلجــراء املذكــور
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 142
جــزاء اإلعــراض عــن اعتمــاد التقريــر 1ويرمــي تكريــس هــذا اإلجــراء خاصــة إلــى ضمــان
الحــق فــي الدفــاع املخــول لبقيــة أطــراف القضيــة دون االقتصــار علــى الطاعــن فحســب.
أمــا بخصــوص صيغــة تبليــغ تقاريــر الــرد فقــد ذهبــت املحكمــة إلــى أن ذلــك يتــم «بــأي
وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا وذلــك احترامــا ملبــدأ املواجهــة وضمانــا لحــق الدفــاع» 2وقــد
اختلفــت اجتهــادات الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة فــي خصــوص مــدى جــواز
اعتمــاد نظيــر محضــر تبليــغ تقريــر فــي الــرد محــرر مــن عــدل التنفيــذ ففــي حــن أجــازت
بعــض الدوائــر اعتمــاد تلــك الصيغــة ذهبــت دوائــر أخــرى إلــى أنّ ذلــك يســتوجب أن
يتضمــن املحضــر املذكــور إمضــاء مــن ســلم إليــه اإلعــام علــى معنــى الفصــل 6مــن
مجلــة املرافعــات املدنيــة والتجاريــة 3أو اإلدالء بأصــل املحضــر 4وامتــدت رقابــة بعــض
الدوائــر علــى مضمــون املحضــر إذ تولــت اإلعــراض عــن اعتمــاد التقريــر فــي الــرد املدلــى
بــه «لخلــو محضــر التبليــغ مــن ذكــر عــدد بطاقــة اإلعــام بالبلــوغ املوجهــة إلــى نائــب
الطاعــن وإرفاقــه بنســخة منهــا طبقــا ألحــكام الفصــل 8مــن مجلــة املرافعــات املدنيــة
5
والتجاريــة بمــا يتعــذر معــه علــى املحكمــة التحقــق مــن توجيــه الرســالة إلــى هــذا األخيــر»
وقــد تسنـــى للجلســة العامــة القضائيــة التعــرض لهــذا اإلشــكال وأقــرت الجلســة العامــة
املذكــورة جــواز اعتمــاد نظيــر محضــر تبليــغ تقريــر فــي الــرد وقــد أسســت موقفهــا علــى
أن املشــرع لــم يحــدد صيغــة بعينهــا لتبليــغ تقريــر الــرد وإنمــا منــح املطعــون ضــده
كامــل الحريــة فــي اختيــار الوســيلة التــي يراهــا مناســبة فــي تبليــغ تقريــره فــي الــرد
شــريطة أن تســمح الوســيلة املعتمــدة مــن التثبــت مــن صحــة التبليــغ بمقــر املطعــون ضــده
أو عنوانــه االلكترونــي املعتمــد بعريضــة الطعــن ويكــون بذلــك املطعــون ضــده ملــا اعتمــد
التبليــغ بواســطة محضــر عــدل تنفيــذ قــد اعتمــد الوســيلة األكثــر وثوقيــة فــي إثبــات
.1الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية األولــى باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 20194068بتاريــخ 22أكتوبــر
« :2019وحيــث أدلــى كل مــن محامــي الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ومحامــي قائمــة حــزب قلــب تونــس بالدائــرة
االنتخابيــة بصفاقــس 2بتقريــر فــي الــرد علــى عريضــة الطعــن غيــر أنهمــا اقتصــرا علــى تبليغهمــا إلــى بعــض األطــراف
دون البقيــة خالفــا ألحــكام الفصــل 145مــن القانــون االنتخابــي التــي تقتضــي أن يتــم التبليــغ إلــى جميــع األطــراف
ويتجــه لذلــك عــدم اعتمــاد مــا جــاء فيهمــا مــن دفوعــات وطلبــات »...كمــا يراجــع فــي نفــس االتجــاه الحكــم الصــادر
عــن الدائــرة االســتئنافية العاشــرة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 20194025بتاريــخ 22أكتوبــر « :2019وحيــث
يســتخلص مــن أحــكام الفقــرة الرابعــة مــن الفصــل ( 145جديــد) أن كل مــن يــروم الــرد علــى الطعــن أن يبلــغ رده لجميــع
األطــراف املشــمولة بالطعــن وطاملــا لــم يــدل نائــب املطعــون ضــده األول بمــا يفيــد تبليــغ رده إلــى املطعــون ضــده الثانــي».
.2الحكم الصادر عن الدائرة االستئنافية الثانية باملحكمة اإلدارية في القضية عدد 20194034بتاريخ 22أكتوبر
.2019
.3الحكم الصادر عن الدائرة االستئنافية التاسعة باملحكمة اإلدارية في القضية عدد 20194028بتاريخ 22أكتوبر .2019
.4الحكم الصادر عن الدائرة االســتئنافية الرابعة باملحكمة اإلدارية في القضية عدد 20194040بتاريخ 22أكتوبر .2019
.5الحكم الصادر عن الدائرة االستئنافية الرابعة باملحكمة اإلدارية في القضية عدد 20194064بتاريخ 22أكتوبر .2019
143 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
حصــول التبليــغ بالنظــر للحجيــة التــي تكتســيها املحاضــر املحــررة مــن عــدول التنفيــذ.
وبنــاء علــى كل مــا ســبق تناولــه ،يتبــن أن عديــد الجوانــب املتعلــق بالنظــام اإلجرائــي
للطعــون املتعلقــة بنـــزاعات الترشــح والنتائــج لالنتخابــات التشــريعية والرئاســية تحتــاج
إلــى إعــادة النظــر فيهــا بمــا يكفــل ممارســة حــق التقاضــي والدفــاع علــى الوجــه األنســب
كمــا يتضــح ممــا تقــدم أن الحلــول القضائيــة لوحدهــا تظــل غيــر كافيــة فــي ظــل تضــارب
التأويــات فــي بعــض املســائل وعــدم التوصــل إلــى توحيــد املواقــف بشــأنها وهــو مــا
يربــك ســير التقاضــي وينــال مــن حقــوق املتقاضــي ،وقــد باتــت الحاجــة ملحــة اليــوم
إلــى تدخــل تشــريعي يرفــع الغمــوض عــن بعــض إجــراءات وشــكليات القيــام علــى
نحــو يؤمــن حــدا أدنــى مــن التناســق ويضمــن املوازنــة بــن االلتزامــات املحمولــة علــى
املتقاضــن واآلجــال املختصــرة لتقديــم الطعــون والبــت فيهــا علــى أنــه مــن الضــروري
أن يكــون منطلــق هــذا التدخــل التشــريعي تقنــن مــا تواتــر عليــه فقــه القضــاء اإلداري
بخصــوص بعــض املســائل ضمانــا الســتقرار املواقــف القانونيــة مــع الحــرص علــى
تشــريك الفاعلــن الرئيســن فــي منظومــة العدالــة وخاصــة جهــاز القضــاء اإلداري.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 144
أســس انتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي ســنة 2011لــوالدة فقــه قضــاء تونســي فــي
مجــال نزاعــات االنتخابــات ،تبلــور فيمــا بعــد بمناســبة االنتخابــات التشــريعية والرئاســية
ســنة 2014ومــن بعدهــا االنتخابــات البلديــة ســنة 2018وآخرهــا االنتخابــات الرئاســية
والتشــريعية ســنة .2019
وقــد اختصــت املحكمــة اإلداريــة بالنظــر فــي نزاعــات الترشــح لهــذه االنتخابــات
وكذلــك نزاعــات نتائجهــا ،باســتثناء مــا أســند ابتدائيــا إلــى القضــاء العدلــي
بخصــوص نــزاع الترشــح للمجلــس الوطنــي التأسيســي وكذلــك لالنتخابــات
التشــريعية ،ممــا تمخــض عنــه زاد فقــه قضائــي أســهم بشــكل بــارز فــي نشــأة
اختصــاص جديــد صلــب القانــون التونســي يضــاف إلــى بقيــة فروعــه األخــرى.
ويعــد النظــام القانونــي املتعلــق بتصحيــح مطالــب الترشــح لالنتخابــات مــن بــن مــا
أســهم القاضــي االنتخابــي فــي رســم معاملــه إذ تمثــل فــي جملــة مــن القواعــد التــي
يصــح وصفهــا باملتكاملــة وهــي تنقســم كمــا جــاءت بفقــه القضــاء إلــى قواعــد عامــة
تســري علــى كافــة االنتخابــات املذكــورة أعــاه وأخــرى خاصــة بحســب طبيعتهــا
أملتــه األحــكام التشــريعية والترتيبيــة املتعلقــة بهــا ،إال أن العمــل الراهــن لــن يعتمــد
هــذا التقســيم ضــرورة أن الهــدف منــه ليــس فقــط الوقــوف بشــكل نظــري بحــت
علــى هــذه القواعــد بــل وأيضــا تســهيل الولــوج إلــى األحــكام القضائيــة التــي
أرســتها بشــكل يســهل معــه استســاغها ويســمح بتناولهــا فــي مواضــع أخــرى.
لــذا ينقســم هــذا العمــل إلــى أربعــة أجــزاء تتعلــق بالنظــام القانونــي لتصحيــح مطلــب
الترشــح كمــا جــاء فــي انتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي ( )Iواالنتخابــات التشــريعية
( )IIوالرئاســية ( )IIIوأخيــرا البلديــة (.)IV
145 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
صمتــت أحــكام املرســوم عــدد 35لســنة 2011املــؤرخ فــي 10مــاي 2011املتعلــق بانتخــاب
املجلــس الوطنــي التأسيســي كمــا تــم تنقيحــه وإتمامــه باملرســوم عــدد 72لســنة 2011
املــؤرخ فــي 3أوت 2011عــن تصحيــح مطالــب الترشــح لهــذه االنتخابــات ،كمــا نســجت
علــى ذات النحــو القــرارات الصــادرة عــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات مثلمــا تــم
نشــرها بالرائــد الرســمي للجمهوريــة التونســية ،ممــا أتــاح للقاضــي االنتخابــي ،بمناســبة
الطعــن فــي الترشــح لهــذا االنتخــاب ،إعمــال محــض اجتهــاده ،فأقــر مــن ناحيــة جــواز
التصحيــح باالســتناد إلــى أن املرســوم عــدد 35لســنة 2011ال يمنعــه (أ) ،ورســم
مــن ناحيــة أخــرى قواعــد ممارســته أملتهــا ضــرورة التقيــد ،حينــا ،بعامــة القواعــد
االنتخابيــة والتــاؤم معهــا ،حينــا آخــر( ،ب) ،كمــا تبينــه األحــكام الصــادرة عــن الدوائــر
االســتئنافية باملحكمــة اإلداريــة بوصفهــا الهيئــات املعقــود لهــا النظــر فــي هــذه الطعــون
فــي طورهــا الثانــي عمــا بأحــكام الفصــل ( 29جديــد) مــن املرســوم عــدد 25لســنة .2011
أقــرا أن ال شــيء باملرســوم عــدد 35لســنة 2011يمنــع القائمــة 28919بتاريخ 2011 / 9 / 21
املترشــحة مــن تجــاوز بعــض النقائــص التــي شــابت مطلــب 2011 /10 / 2 29000
الترشــح أو إدخــال تعديــات عليــه علــى أن يتــم ذلــك خــال أجــال
تقديــم الترشــحات وكذلــك البــت فيهــا
أجمعــت علــى أنــه يجــوز للقائمــة خــال آجــال البــت فــي مطالــب 28919بتاريخ 2011 / 9 / 21
الترشــح ســحب الترشــحات التــي ال تتوفــر فيهــا الشــروط 2011 / 9 / 23 28941
املســتوجبة وتعويضهــا بأخــرى 2011 / 9 /24 28945
2011 / 9 /25 28961
2011 / 9 /26 28965
2011 / 9 / 28 28994
2011 / 10 / 4 29011
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 146
لــم يغفــل املشــرع صلــب قانونــه األساســي عــدد 16لســنة 2014املــؤرخ فــي 26
مــاي 2014املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء كمــا تــم تنقيحــه وإتمامــه بالقانــون
األساســي عــدد 7لســنة 2017املــؤرخ فــي 14فيفــري 2017والقانــون األساســي عــدد
76لســنة 2019املــؤرخ فــي 30أوت 2019عــن التنصيــص علــى تصحيــح مطالــب
الترشــح لالنتخابــات التشــريعية إال أن هــذا اإلقــرار التشــريعي لــم يقلــص مــن دور
قاضــي الترشــحات لهــذه االنتخابــات ســنة ( 2014أ) ثــم ســنة ( 2019ب) فــي ضبــط
النظــام القانونــي لهــذا اإلجــراء بــل خالفــا لذلــك تدعــم هــذا الــدور نتيجــة الصعوبــات
التــي أثارهــا تطبيــق األحــكام التشــريعية والترتيبيــة الصــادرة فــي الغــرض.
وعليــه صــدر عــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات بتاريــخ 1أوت 2014قرارهــا عــدد
16املتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات التشــريعية الــذي نــص بفصلــه
13علــى أنــه «يمكــن للهيئــة إعــام القائمــة املترشــحة لتصحيــح املطلــب أو اســتكماله.
وال يمكن خالل أجل البت في الترشحات طلب التصحيح أو االستكمال في الحاالت التالية:
• كل مطلب ال يتضمن العدد املشترط من املترشحني في القائمة األصلية والقائمة التكميلية،
• كل مطلــب ال يتضمــن أســماء املترشــحني وترتيبهــم داخــل القائمــة وإمضــاء املترشــحني
فــي القائمــة األصليــة والتكميليــة طبــق الشــروط املنصــوص عليهــا بالفصــل 8أعــاه،
• كل مطلــب ال يحتــرم مبــدأ التناصــف إال فــي حــدود مــا يحتمــه العــدد الفــردي للمقاعــد
املخصصــة لبعــض الدوائر،
• كل تصحيح أو استكمال يؤدي إلى استبدال مترشح من خارج القائمة التكميلية».
أثــار تطبيــق هــذه األحــكام ســنة 2014عــدة نزاعــات ،إذ بلــغ عــدد القضايــا املنشــورة
أمــام الدوائــر االســتئنافية باملحكمــة االداريــة ،عمــا بأحــكام الفصــل 29مــن
القانــون األساســي عــدد 16لســنة 39 ،2014قضيــة وهــو رقــم هــام مقارنــة بمجمــوع
القضايــا املعروضــة بمناســبة الطعــن فــي الترشــحات كمــا هــو مبــن بالجــدول التالــي:
املجموع عدد القضايا التي عدد القضايا التي عدد القضايا التي
تناولت موضوع خاضت في األصل لم تخض في األصل
تصحيح مطلب وتعلق موضوعها
الترشح بغير تصحيح مطلب
الترشح
111 39 47 25
ويمكــن توزيــع األحــكام الصــادرة فــي بــاب التصحيــح إلــى خمــس أقســام حســب املبــادئ
املقــررة بهــا وهــي تهــم مجــال التصحيــح مــن حيــث زمانــه وموضوعــه ( )1وصالحيــات
هيئــة االنتخابــات فــي الدعــوة إليــه ( )2وآثــار التصحيــح علــى القائمــة التكميليــة ()3
واالخــاالت والنقائــص التــي يجــوز تصحيحهــا ( )4والتــي ال يجــوز تصحيحهــا ()4
149 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
- 1ميــزت هــذه األحــكام بــن آجل تقديم مطالب عدد الحكم وتاريخه
الترشــح لالنتخابــات مــن جهــة وبــن أجل البت 201410003و 201410016بتاريخ 2014 / 9 / 17
فيهــا مــن جهــة أخــرى وضبطــت بنــاء عليــه
مــدى قبــول تصحيــح الخلــل الــذي شــابها: بتاريخ 2014 / 9 / 8 201410018
• فأقــرت أن التصحيــح أو االســتبدال أو 2014 / 9 / 18 201410024
االســتكمال يجــوز علــى إطالقــه خــال أجــل 2014 / 9 / 19 201410034
تقديــم الترشــحات، 2014 / 9 / 19 201410040
• كمــا أقــرت أن التصحيــح خــال أجــل 2014 / 9 / 15 201410079
البــت فــي الترشــحات ال يجــوز إال فــي 2014 / 9 / 22 201410100
حــدود مــا أقــره الفصــل 13مــن قــرار الهيئــة 2014 / 9 / 22 201410101
عــدد 16لســنة ،2014 2014 / 9 / 22 201410102
- 2كذلــك اســتقرت جميعهــا علــى أن حــاالت
عــدم التصحيــح املنصــوص عليــه بالفصــل 13
مــن القــرار عــدد 16جــاءت على وجــه الحصر
فجــاء علــى ســبيل املثــال بالحكــم عــدد 201410003و 201410016أنــه «وحيــث ثبــت
بالرجــوع إلــى مظروفــات امللــف خاصــة ســجل إيــداع الترشــحات الخــاص بالهيئــة
الفرعيــة لالنتخابــات بنابــل 2أن حــزب األمــان تقــدم بتاريــخ 29أوت 2014بترشــح تضمــن
قائمــة أصليــة بهــا 06مترشــحني وأخــرى تكميليــة بهــا مترشــحني اثنــن وقــد تضمــن
مطلــب الترشــح األصلــي فــي املرتبــة الثالثــة املترشــحة ‹م.ب.ز.ه› إال أنــه وفــي نفــس
التاريــخ وعلــى الســاعة 17:53:26تقدمــت رئيســة القائمــة ‹ح.م› بمكتــوب قصــد اســتبدال
املترشــحة عــدد 03باملترشــحة ‹ح.ن› ،وحيــث طاملــا أن االســتبدال تــم خــال فتــرة قبــول
الترشــحات وليــس خــال فتــرة البــت فيهــا فــإن قضــاء محكمــة البدايــة بإلغــاء قــرار الهيئــة
بنــاء علــى أحــكام الفصــل 13مــن القــرار عــدد 16فــي غيــر طريقــه واقعــا وقانونــا».
كمــا جــاء بالحكــم عــدد 201410024أنــه «وحيــث يتبــن بالرجــوع إلــى عريضــة الطعــن
االبتدائيــة أن املســتأنف اآلن طلــب إلغــاء قــرار رفــض الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات
بقفصــة ملطلــب ترشــح قائمتــه واعتبــار مطلــب الترشــح مقبــوال وتمكينــه مــن تصحيــح
األخطــاء املاديــة املتعلقــة بقاعــدة التنــاوب والصيغــة االلكترونيــة لرمــز القائمــة وإضافــة
وصــل خــاص الضريبــة الخاصــة باملترشــح عــدد 1كتمكينــه مــن مواصلــة العمليــة
االنتخابيــة .وحيــث يتبــن بالرجــوع إلــى الفصــل 13مــن القــرار عــدد 16لســنة ...2014
أن األســباب التــي تأســس عليهــا القــرار املطعــون فيــه قابلــة للتصحيــح ،وعندمــا لــم
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 150
تقــم الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بقفصــة بذلــك فــإن قرارهــا يكــون عرضــة لإللغــاء علــى
هــذا األســاس .وحيــث يتبــن بالرجــوع إلــى أوراق امللــف أن املســتأنف اآلن كان قــد
طلــب مــن املحكمــة االبتدائيــة إلغــاء قــرار الهيئــة القاضــي برفــض الترشــح وتصحيــح
األخطــاء القابلــة للتصحيــح بــأن أدلــى أمامهــا بجملــة مــن املؤيــدات التــي تتعلــق بالصيغــة
االلكترونيــة لرمــز القائمــة ووصــل خــاص الضريبــة علــى الدخــل للســنة الفارطــة
الخاصــة باملترشــح عــدد واحــد وقــدم كذلــك مــا يفيــد تصحيــح األخطــاء املاديــة التــي
شــابت قاعــدة التنــاوب .وحيــث وبنــاء عليــه يجــوز لهــذه املحكمــة بموجــب املفعــول
االنتقالــي لالســتئناف تصويــب الحكــم االبتدائــي مــن هــذه الناحيــة وذلــك بــاإلذن للهيئــة
الفرعيــة لالنتخابــات بترســيم قائمــة حــزب البنــاء الوطنــي بالدائــرة االنتخابيــة بقفصــة».
وجــاء أيضــا بالحكــم عــدد 201410101أنــه «وحيــث وعلى خــاف فترة قبول الترشــحات...
والتــي يجــوز فيهــا تغييــر املترشــحني ســواء تســلط االســتبدال علــى القائمــة االصليــة أو
علــى القائمــة التكميليــة وذلــك حتــى مــن خــارج القائمــة التكميليــة ،فإنــه تــم تقييــد عمليــات
التصحيح خالل فترة البت في الترشحات بمقتضى الفصل 13من القرار عدد 16سالف
الذكر .وحيث أن صيغة الحصر التي ورد عليها الفصل ...13تدل على أن املشــرع ضبط
اســتثنائيا الحــاالت التــي ال يجــوز فيهــا طلــب التصحيــح أو االســتكمال خالل فتــرة البت».
فجــاء ،بخصــوص وجــوب دعــوة الهيئــة لتصحيــح مطلــب الترشــح ،علــى ســبيل املثــال
بالحكــم عــدد 201410041بعــد اســتعراضه أحــكام الفصلــن 21مــن القانــون األساســي
عــدد 16لســنة 2014و 13مــن قــرار الهيئــة عــدد 16املــؤرخ فــي 1أوت 2014أنــه
«وحيــث أن إعــام القائمــة املترشــحة لالنتخابــات التشــريعية بوجــود خلــل يشــوب
مطلــب الترشــح أو نقائــص الحقــة بــه ومطالبتهــا بتداركهــا ينــدرج فــي إطــار الســلطة
التقديريــة التــي تمتــع بهــا هيئــة االنتخابــات فــي هــذا املجــال غيــر أن إعمــال هــذه
الســلطة التقديريــة يجــد حــده فــي واجــب التنبيــه ...بتصحيــح الخلــل وتــدارك النقائــص
كلمــا كان هــذا اإلجــراء جائــزا قانونــا ومجديــا واقعــا وذلــك ضمانــا لتكافــؤ الفــرص
بــن املترشــحني .وحيــث أن الوقــوف علــى جــدوى تولــي الهيئــة التنبيــه ...يقتضــي
النظــر فــي الخلــل الــذي شــاب القائمــة املترشــحة وإن كان قابــا للتــدارك مــن عدمــه».
فــي حــن جــاء بالحكــم عــدد 201410080بخصــوص عــدم وجوبيــة الدعــوة إلــى
التصحيــح أنــه «وحيــث ولئــن كان عــدم إدالء املســتأنف ضدهــا بوصــل تقديــم
التصريــح الســنوي بالضريبــة علــى الدخــل ...يعــد مــن النقائــص القابلــة للتــدارك
فإنــه ال يمكــن مجــاراة محكمــة البدايــة فــي موقفهــا ملــا اعتبــرت أن عــدم مطالبــة
املســتأنفة للمعنــي بتقديــم الوثيقــة املذكــورة خــال آجــال البــت فــي الترشــحات
مخالفــا للقانــون طاملــا أن ذلــك يبقــى مــن قبيــل الخيــارات املتاحــة للهيئــة».
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 152
وقــد جــاء فــي هــذا الســياق بالحكــم عــدد 201410103أنــه «وحيــث يخلــص مــن مقتضيــات
الفصــول املذكــورة أعــاه أنــه ...يجــب أن تتضمــن القائمــة التكميليــة علــى األقــل عضويــن
اثنــن مــع احتــرام مبــدأ التناصــف وذلــك فــي صيغتهــا النهائيــة التــي أضحــت عليهــا بعــد
البــت فــي مطلــب الترشــح .وحيــث أن دور القائمــة التكميليــة ال يقتصــر علــى تصحيــح
القائمــة األصليــة عنــد البــت فــي الترشــحات وإنمــا تســتمر الحاجــة إليهــا بعــد ذلــك
لتعويــض االنســحابات أو حــاالت الوفــاة التــي قــد تطــرأ بعــد البــت فــي الترشــحات».
فــي حــن جــاء بالحكــم عــدد 201410067أنــه «وحيــث ثبــت أن القائمــة التكميليــة لهــا صبغة
احتياطيــة باألســاس وبــأن العبــرة بالقائمــة األصليــة...و حيــث طاملــا أن مطلــب ترشــح
املســتأنف ضدهــا تضمــن عنــد تقديمــه قائمــة أصليــة وقائمــة تكميلية مســتجيبتني للشــروط
القانونيــة كمــا أن القائمــة األصليــة التــي تــم قبولهــا ...وردت خاليــة مــن أي خلــل فإنــه ال
مجــال إلقصــاء القائمــة املترشــحة ملجــرد إدراج العضويــن الوحيديــن للقائمــة التكميليــة
صلــب القائمــة األصليــة فــي إطــار إجــراء التصحيــح الــذي طــرأ علــى هــذه األخيــرة».
153 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
أقــر أن اســتبدال مترشــح بآخــر مــن صلــب القائمــة 201410034بتاريخ 2014 / 9 / 19
التكميليــة هــو مــن قبيــل التــدارك املســموح بــه
نظام االقتراع
الحكم عدد 201410028بتاريخ 2014 / 9 / 19
أقر أن عدم مراعاة شروط نظام االقتراع على القائمات املعتمد في االنتخابات التشريعية هو
من االخالالت التي ال يمكن تصحيحها
(لم يتضمن مطلب الترشح سوى مترشح وحيد مع غياب القائمة التكميلية)
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 154
التصريح بالترشح
االحكام ذات األعداد 201410012بتاريخ 2014 / 9 / 17و 201410033بتاريخ 2014 / 9 / 19
و 201410035بتاريخ 2014 / 9 / 19و 201410068بتاريخ 2014 / 9 / 20و 201410069بتاريخ 20
2014 / 9 /و 201410079بتاريخ 201410080 2014/ 9 / 15وبتاريخ 2014 / 9 / 20و201410081
بتاريخ 2014 / 9 / 20و 201410084بتاريخ 2014 / 9 / 20و 201410090بتاريخ 2014 / 9 / 20
و 201410098بتاريخ 2014 / 9 / 21
أقــرت أن الخلــل املتمثــل فــي عــدم احتــرام إجــراء التصريــح بالترشــح حســب الصيغــة
التــي يقتضيهــا القانــون إمــا بالحضــور لــدى الهيئــة واالمضــاء لديهــا أو التعريــف بإمضــاء
ذلــك التصريــح عــن التخلــف عنــد الحضــور هــو مــن االخاللــات غيــر القابلــة للتصحيــح.
الحكم عدد 201410050بتاريخ 2014 / 9 / 20
أقر أن التصريح على الشرف املعرف بإمضاء املترشحني واملقدم أمام املحكمة ال يعتد به
طاملا لم يثبت تقديمه أمام الهيئة قبل غلق باب الترشحات.
الحكم عدد 201410046بتاريخ 2014 / 9 / 20
أقر أن شرط اإلمضاء طبق الصيغة املستوجبة قانونا تسري على القائمة التكميلية وأن
اإلخالل به ال يقبل التصحيح بعد غلق باب الترشحات .
استجالب مترشحني من خارج القائمة
األحكام ذات األعداد 201410002بتاريخ 2014 / 9 / 17و 201410032بتاريخ 2014 / 9 / 19
و 201410089بتاريخ 2014 / 9 / 20و 201410102بتاريخ 2014 / 9 / 22
أقرت أن الفصل 13من قرار الهيئة عدد 16بتاريخ 1اوت 2014يمنع استجالب مترشح من
خارج القائمة التكميلية قصد تصحيح مطلب الترشح،
فجاء على سبيل املثال بالحكم عدد 201410002أنه «و حيث وخالل فترة البت في الترشحات،
فأنــه طاملــا ان تصحيــح الخلــل املتعلــق بانعــدام صفــة الناخــب لــدى املترشــحة عــدد 2بالقائمــة
التكميليــة يقتضــي بالضــرورة تعويضهــا بمترشــحة أخــرى مــن خــارج القائمــة فأنــه يغــدو غيــر
جائــز قانونــا أثنــاء البــت فــي الترشــحات علــى معنــى مقتضيــات الفصــل 13املشــار إليهــا».
155 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
إن الــدارس لألحــكام املومــأ إليهــا أعــاه مثلما تم بســط املبــادئ املقررة بها الصادرة ســنة
2014يلمــس بوضــوح االنســجام فيمــا بينها مــن ناحية وبينها وبني بقيــة مقتضيات القانون
االنتخابــي مــن ناحيــة أخــرى ،كمــا يلمــس خاصــة شــبه االجمــاع الــذي ميزهــا ممــا يجــوز
معــه الحديــث عــن نجــاح القضــاء فــي االطــاع بدوره في املســاهمة في نشــأة نظــام قانوني
يخــص تصحيــح مطالــب الترشــح لالنتخابــات التشــريعية واســتكمال أحــد أركان منظومــة
القانــون االنتخابــي طبــق املعايير االنتخابية املنصوص عليها بالقانون عدد 16لســنة .2014
تدخــل املشــرع ،بعــد إجــراء أول انتخابــات تشــريعية يسوســها القانــون األساســي عــدد
16لســنة 2014بــأن عــدل فــي بعضــه وهــو عمــل مــن شــأنه أن يقــرأ علــى أنــه تجســيم
تشــريعي لقواعــد فقــه قضائيــة أقــرت ســنة 2014تعلقــت خاصــة بالقائمــة التكميليــة،
فألغــى بمقتضــى القانــون األساســي عــدد 7لســنة 2017املــؤرخ فــي 14فيفــري 2017
أحــكام الفقــرة األخيــرة مــن الفصــل 21مــن القانــون االنتخابــي وعوضهــا باألحــكام
التاليــة التــي تنــص علــى أنــه «وتضبــط الهيئــة إجــراءات وحــاالت تصحيــح مطالب الترشــح
بمــا فــي ذلــك الحــاالت التــي يمكــن فيهــا التصحيــح باالعتمــاد علــى القائمــة التكميليــة»
وعلــى أســاس ذلــك تدخلــت الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات بــأن أصــدرت قرارهــا
عــدد 17لســنة 2019الــذي ألغــت فيــه أحــكام الفصــل 13مــن قرارهــا عــدد 16لســنة 2014
وعوضتهــا باألحــكام التاليــة التــي تنــص علــى أنــه «يمكــن للهيئــة الفرعيــة خــال أجــل
157 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
أمــا بخصــوص املبــادئ املقــررة باألحــكام الصــادرة بهــا القضايــا املتعلقــة بتصحيــح
مطالــب الترشــح فقــد اتصفــت بميزتــن هامــن :أولهمــا تماهيهــا مــع كافــة املبــادئ
املقــررة بفقــه قضــاء ســنة 2014وثانيهمــا إجماعهــا املطلــق حــول كل مــا نطقــت بــه.
وقــد تعلقــت هــذه املبــادئ بمجــال التصحيــح مــن حيــث زمانــه وموضوعــه ( )1وآثــار
التصحيــح علــى القائمــة التكميليــة ( )2والحــاالت غيــر القابلــة للتصحيــح ()3
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 158
توزعــت نزاعــات الترشــح لالنتخابــات الرئاســية ســنة 2014علــى نحــو كان لتصحيــح
مطالــب الترشــح نصيــب األســد فيهــا كمــا هــو مبــن أســفله.
وقــد تميــزت جميــع األحــكام الصــادرة فــي القضايــا املتعلقــة بتصحيــح مطالــب الترشــح
بإجماعهــا حــول املبــادئ التــي انتهــت إلــى إقرارهــا.
ويمكــن تقســيم هــذه املبــادئ إلــى فرعــن يتعلــق األول بالقواعــد املتعلقــة بشــرط التزكيــة
( ،)1وأمــا الثانــي فيتعلــق بكافــة الشــروط األخــرى ( )2للترشــح لالنتخابــات الرئاســية.
161 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
اختزلهــا قــرار الجلســة العامــة عــدد 201460006بتاريــخ 2014 / 10 / 22والحكــم املطعــون فيــه
بمقتضــاه عــدد 201430007بتاريــخ .2014 / 10 / 10
وهي :
.1أنه في غير صورة التزكية يمكن للهيئة أن تطلب استكمال املطلب أو وثائق توضيحية،
.2أنه يتعني االستجابة للطلب في أجل 24ساعة،
.3أن االعــام بطلــب التصحيــح يكــون بــأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا طبــق أحــكام الفصــل
17مــن قــرار الهيئــة عــدد 18لســنة .2014
فجــاء بالقــرار عــدد « 201460006وحيــث يخلــص مــن األحــكام ســالف بيانهــا أن املشــرع أجــاز
لهيئــة االنتخابــات اعتمــاد إحــدى هاتــه الوســائل إلعــام املترشــحني لالنتخابــات الرئاســية
باســتكمال مطالــب ترشــحهم او اإلدالء بوثائــق توضيحيــة»
كمــا جــاء بالحكــم عــدد 201430007أنــه «وحيــث أوجــب الفصــل 9مــن القــرار عــدد 18لســنة
›...2014أن يرفــق مطلــب الترشــح وجوبــا بالوثائــق التاليــة ...:
ـ نســخة ورقيــة والكترونيــة مــن قائمــة املزكــن ‹كمــا تضمــن الفصــل 16مــن نفــس القــرار أنــه
‹يمكــن للهيئــة أن تطلــب اســتكمال املطلــب أو وثائــق توضيحيــة وتعــن علــى املعني باألمــر القيام
بذلــك فــي أجــل أقصــاه 24ســاعة ›...وحيــث ثبــت أنــه هــذه األخيــرة (الهيئــة) بــادرت فــي نطــاق
مــا تخولــه لهــا مقتضيــات الفصــل 16املذكــور أعــاه بتوجيــه مراســلة الكترونيــة إلــى املدعــي
قصــد مطالبتــه باســتكمال ملــف ترشــحه وذلــك بــاالدالء بالوثيقــة االلكترونيــة لقائمــة املزكــن»
لــم يختلــف عــدد القضايــا املتعلقــة بتصحيــح مطلــب الترشــح لالنتخابــات الرئاســية
املرفوعــة ســنة 2019كثيــرا عــن تلــك املرفوعــة ســنة 2014فبلــغ عددهــا 9أمــام الدوائــر
االســتئنافية باملحكمــة االداريــة و 5أمــام الجلســة العامــة القضائيــة بهــا كمــا هــو مبــن
بالجــدول التالــي.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 164
اختزلهــا قــرار الجلســة العامــة عــدد 20193007بتاريــخ 2019 / 8 / 22الــذي أقــر أن اســتكمال
مطلــب الترشــح لالنتخابــات الرئاســية خــال أجــل البــت فــي الترشــحات ال يحمــل علــى إطالقــه
فجــاء بــه «وحيــث ان إمكانيــة مطالبــة الهيئــة ...املترشــح باســتكمال املطلــب أو بوثائــق
توضيحيـ�ة ليـ�س القصـ�د منـ�ه تـ�دارك النقـ�ص فـ�ي املرفقـ�ات أو التنصيصـ�ات الوجوبيـ�ة
وإنم�اـ اس�تـكمال املطل��ب بخص��وص ماــ تضمن��ه مـ�ن التنصيصــات واملرفقــات الوجوبيــة
الت��ي س��بق تضمينه��ا واالدالء بهـ�ا .وحيــث طاملــا ثبــت مــن أوراق امللــف أن املطعــون
ضــده لــم يرفــق ملــف ترشــحه بنســخة مــن بطاقــة التعريــف الوطنيــة أو جــواز ســفر
الوكيـ�ل املال��ي ولــم يتــدارك ذلــك النقــص خــال أجــل تاريــخ ختــم الترشــحات فــإن قــرار
رف�ضـ مطل�بـ ترش�حـه يغ��دو مس��تندا علــى أساــس س��ليم م��ن الواق��ع والقانــون».
وهـ�و م��ا يخال��ف مـ�ا سـ�بق وأن أقرتــه الجلســة العامــة بمقتضــى قرارهــا عــدد 201460006
بتاريــخ 2014 / 10 / 22
وتجــدر املالحظــة أن بنــاء نظــام قانونــي مــا ال يقــوم إال بتوفــر شــرط اســتقرار القواعــد
املكونــة لــه لــذا يعــود إلــى هيئــة االنتخابــات إعــادة صياغــة قرارهــا عــدد 18لســنة 2014
املــؤرخ فــي 4أوت 2014املتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات الرئاســية بما يتفق
مــع مقتضيــات القانــون األساســي عــدد 16لســنة 2014وبالوضــوح الــذي يســمح بتطبيقهــا
دون اختــاف حولهــا مــن كافــة املتداخلــن فــي االنتخابــات وخاصــة املترشــحني لهــا.
اكتســى تصحيــح مطالــب الترشــح لالنتخابــات البلديــة ســنة 2018موضعــا هامــا في نزاع
الترشــحات وذلــك مــن خــال عــدد الطعون التــي تعلقت به أمــام الدوائر االبتدائيــة باملحكمة
اإلداريــة ،ثــم الدوائــر االســتئنافية بهــا ،طبق الفصالن 49ثامن عشــر و 49تاســع عشــر من
القانــون األساســي عــدد 16لســنة ،2014كمــا تبينــه املعطيــات اإلحصائية املبينة أســفله (أ)
ومــن خــال مــا انتهــت إليــه األحــكام الصــادرة فــي الغــرض مــن قواعــد فقــه قضائيــة (ب).
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 166
تبــن الجــداول التاليــة عــدد القضايــا املرفوعــة واألحــكام الصــادرة فيهــا بحســب
توزعهــا بــن الهيئــات القضائيــة املختصــة ومــا تعلقــت بــه مــن قواعــد تفرعــت
إلــى عامــة وأخــرى خاصــة تعلقــت بالقائمــة التكميليــة وشــرط التناصــف.
وقــد توزعــت هــذه الطعــون بــن الدوائــر وبحســب القواعــد املقــررة باألحــكام الصــادرة
فيهــا كاآلتــي:
قواعد عامة
20181002الدائــرة الثانيــة بتاريــخ 2018 / 3 / 8و 20181001الدائــرة األولــى بتاريــخ 2018 / 3 / 9
و 04900002عــن الدائــرة الجهويــة بالــكاف بتاريــخ 2018 / 3 / 12و 6900002الدائــرة الجهويــة
باملنســتير بتاريــخ 2018 / 3 / 12و 6900003عــن نفــس الدائــرة بتاريــخ 2018 / 3 / 12
و 6900004عن نفس الدائرة بتاريخ 2018 / 4 / 12و 20181005عن الدائرة الخامسة
2018 / 3 / 13و 20181007عــن الدائــرة الســابعة بتاريــخ 2018 / 3 / 13و 20181008عــن الدائــرة
الثامنــة بتاريــخ 2018 / 3 / 13و 04900003عــن الدائــرة الجهويــة بالــكاف بتاريــخ 14/3/2018
و 03900004عــن الدائــرة الجهويــة ببنــزرت بتاريــخ 2018 / 3 / 14و 03900004عــن نفــس الدائــرة
بتاريــخ 2018 / 3 / 14و 20181012عــن الدائــرة الرابعــة عشــر بتاريــخ 2018 / 3 / 14و12900001
عــن الدائــرة الجهويــة بمدنــن بتاريــخ 2018 / 3 / 15و 20181015عــن الدائــرة األولــى بتاريــخ
2018 / 3 / 16و 11900002عن الدائرة الجهوية بالقصرين بتاريخ...
167 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
توزعــت الطعــون املرفوعــة أمــام الدوائــر االســتئنافية حســب القواعــد املقــررة باألحــكام
الصــادرة فيهــا كاآلتــي:
اعتنــى القانــون عــدد 16لســنة 2014املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء كمــا تــم تنقيحــه
وإتمامــه بمقتضــى القانــون األساســي عــدد 7لســنة 2017املــؤرخ فــي 14فيفــري 2017
بضبــط شــروط وإجــراء الترشــح لالنتخابــات البلديــة.
وفــي هــذا الســياق أقــر تصحيــح مطالــب الترشــح لهــذه االنتخابــات بــأن نــص بفصلــه
49سادســا علــى أن «يقــدم مطلــب الترشــح لالنتخابــات البلديــة أو الجهويــة إلــى الهيئــة
طبــق روزنامــة وإجــراءات تضبطهــا الهيئــة ...وتضبــط الهيئــة إجــراءات وحــاالت تصحيــح
مطالــب الترشــح بمــا فــي ذلــك الحــاالت التــي يمكن فيهــا التصحيــح باالعتماد علــى القائمة
التكميليــة «كمــا نــص بفصلــه 49تاســعا علــى أن « ...تقــدم الترشــحات لعضويــة املجالــس
169 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
البلديــة والجهويــة علــى أســاس مبــدأ التناصف بني النســاء والرجال وقاعــدة التناوب بينهم
داخــل القائمــة .وال تقبــل القائمــات التــي ال تحتــرم هــذه القاعــدة .كمــا تقــدم الترشــحات
لعضويــة املجالــس البلديــة والجهويــة علــى أســاس مبــدأ التناصــف بــن النســاء والرجــال
فــي رئاســة القائمــات الحزبيــة واالئتالفيــة التــي تترشــح فــي أكثــر مــن دائــرة انتخابيــة .وال
تقبــل قائمــات األحــزاب واالئتالفــات التــي ال تحتــرم هــذه القاعــدة فــي حدود عــدد القائمات
املخالفــة مــا لــم يقــع تصحيحهــا فــي اآلجــال القانونيــة التــي تحددهــا الهيئــة للتصحيــح
وفقــا لالجــراءات املبينــة بالفصــل 49سادســا مــن هــذا القانــون ،وفي حالة عــدم التصحيح
تضبــط الهيئــة القائمــات امللغــاة باعتمــاد األســبقية فــي تقديــم الترشــح .ويعتمــد فــي تحديد
األســبقية بتاريــخ تقديــم مطلــب الترشــح أو تحيينــه خــال فتــرة تقديــم مطالــب الترشــح».
وعليــه صــدر عــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات قرارهــا عــدد 10لســنة 2017املــؤرخ
فــي 20جوليــة 2017كمــا تــم تنقيحــه وإتمامــه بالقــرار عــدد 1لســنة 2018املــؤرخ فــي 2
جانفــي 2018الــذي خصــت فيــه تصحيــح مطالــب الترشــح لالنتخابــات البلديــة بالفصــول
21و 24و 26منــه .وقــد جــاء بالفصــل 21أنــه «يمكــن للهيئــة الفرعيــة خــال أجــل البــت
طلــب تصحيــح مطالــب الترشــح .وال يقبــل التصحيــح :ـ املطلــب الــذي ال يتضمــن العــدد
املشــترط مــن املترشــحني فــي القائمــة األصليــة والقائمــة التكميليــة ،ـ املطلــب الــذي ال
يتضمــن األســماء الكاملــة للمترشــحني وترتيبهــم وإمضاءاتهــم معرفــا عليهــا باإلمضــاء
فــي القائمــة املترشــحة طبــق الشــروط املنصــوص عليهــا أعــاه ،ـ املطلــب الــذي ال يحتــرم
مبــدأ التناصــف داخــل القائمــة األصليــة وفــي حــدود العــدد األدنــى املطلــوب فــي القائمــة
التكميليــة ،ـ املطلــب الــذي ال تتضمــن فيــه القائمــة التكميليــة مترشــحا أو مترشــحة علــى
األقــل ال يزيــد ســنة عــن 35ســنة يــوم تقديــم مطلــب الترشــح ،ـ كل حالــة تــؤدي إلــى نقــص
فــي العــدد املشــترط فــي املترشــحني فــي القائمــة األصليــة أو إلــى اســتبدال مترشــح مــن
خــارج القائمــة التكميليــة» ،كذلــك اقتضــى الفصــل 24مــن هــذا القــرار أن التصحيــح أو
التغييــر يكــون فــي أجــل أقصــاه 24ســاعة مــن تاريــخ اإلعــام كمــا اقتضــى فــي حالــة عــدم
احتــرام الناصــف فــي رئاســة القائمــات بفصلــه 26أن «تضبــط الهيئــة القائمــات امللغــاة
باعتمــاد األســبقية فــي تقديــم الترشــح بالنظــر إلــى تاريــخ وتوقيــت تقديــم مطلــب الترشــح
أو تحيينــه خــال فتــرة تقديــم مطالــب الترشــح طبــق مــا تــم تضمينــه بدفتــر الترشــحات».
وباالســتناد إلــى كل هــذه األحــكام وفــي مقدمتهــا أحــكام الدســتور وخاصــة فصولــه
34و 49أقــرت األحــكام املومــأ إليهــا أعــاه الصــادرة عــن الدوائــر االبتدائيــة
واالســتئنافية باملحكمــة االداريــة جملــة مــن القواعــد تســاعد فــي بنــاء نظــام قانونــي
خــاص بصحيــح مطالــب الترشــح النتخابــات البلديــة وأيضــا الجهويــة طاملــا أن هــذه
االنتخابــات تخضــع لنفــس األحــكام القانونيــة الخاضعــة لهــا االنتخابــات البلديــة.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 170
ويمكــن تصنيــف هــذه القواعــد إلــى قواعــد عامــة ( )1وأخــرى خاصــة تتعلــق بشــرط الســن
بالقائمــة التكميليــة ( )2وشــرط التناصــف فــي رئاســة القائمــات الحزبيــة واالئتالفيــة أو مــا
اصطلــح عليــه بالتناصــف األفقــي (.)3
تعريف التصحيح
ـ أجمعــت كافــة األحــكام الصــادرة عــن الدوائــر االبتدائيــة ثــم االســتئنافية علــى تعريــف
تصحيــح مطالــب الترشــح مــن خــال التمييــز بينــه وبــن التــدارك:
• فأقرت بأن التصحيح والتدارك هما صورتان مختلفتان من حيث الزمن واآلثار،
• واعتبــرت أن التــدارك يطــال كافــة اإلخــاالت التــي تشــوب مطالــب الترشــح
علــى شــرط أن يتــم خــال فتــرة تقديــم الترشــحات كمــا هــو منصــوص عليهــا
بروزنامــة االنتخابــات ،فــي حــن أن تصحيــح مطالــب الترشــح يســري علــى فتــرة
البــت فــي هــذه املطالــب ولكــن ال يمكنــه أن يطــال االخــاالت التــي اســتثنيت منــه.
تراجع األحكام االستئنافية عدد 20182012وعدد 20182013وعدد 20182020واألحكام االبتدائية
عدد 6900003وعدد 6900004وعدد 20181005وعدد 20181008وعدد 20181009وعدد .20181012
مجال التصحيح
ـ أجمعــت األحــكام املشــار إليهــا علــى أن تصحيــح مطالــب الترشــح هو األصل وأن ما اســتثني
منــه بمقتضــى الفقــرة الثانيــة من الفصل 21من قرار هيئة االنتخابات ســيق على وجه الحصر.
يراجــع األحــكام االســتئنافية عــدد 20182020و 20182025واألحــكام االبتدائيــة عــدد 20181005
وعــدد 20182007وعــدد 20181009وعــدد 04900003وعــدد 04900004
ـ أقــر الحكــم عــدد 20181008ثــم الحكــم االســتئنافي عــدد 20182013الــذي أيــده أن التــدارك
التلقائــي خــال أجــل البــت فــي مطلــب الترشــح ال يجــوز قبولــه كلمــا كان الخلــل غيــر قابــل
للتصحيــح علــى معنــى أحــكام الفقــرة الثانيــة مــن الفصــل 21مــن قــرار الهيئــة لســنة .2017
171 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
أســند املشــرع للقائمــة التكميليــة مكانــة هامــة فــي قبــول مطلــب الترشــح لالنتخابــات
البلديــة فجــاء بصريــح أحــكام الفصــل 2مــن قــرار الهيئــة عــدد 10لســنة 2017أنهــا
جــزء مــن القائمــة املترشــحة وذلــك نظــرا ملــا تهــدف إليــه مــن حمايــة القائمــة مــن عــدم
القبــول عــن طريــق تصحيــح القائمــة األصليــة وكذلــك مــن ضمــان العــدد املطلــوب بهــا مــن
املترشــحني إلــى تاريــخ االقتــراع عــن طريــق التصــدي للشــغور الــذي قــد يطــرأ عليهــا.
ولئــن أجمعــت األحــكام الصــادرة حــول القائمــة التكميليــة علــى وجــوب تقديمهــا
خــال أجــل تقديــم الترشــحات وكذلــك وجــوب توفــر الشــروط املطلوبــة فيهــا ،فإنهــا
اختلفــت حــول مــدى ضــرورة توفــر هــذه الشــروط بعــد اســتفاء دورهــا فــي تصحيــح
القائمــة األصليــة مــن جهــة ومــدى قبــول تصحيــح شــروطها مــن جهــة أخــرى.
معيار ضبط القائمات امللغاة بسبب عدم االستجابة لتصحيح الخلل املتعلق
بعدم احترام مبدأ التناصف األفقي
أقــرت كافــة األحــكام االبتدائيــة واالســتئنافية كمــا هــو مشــار إليهــا
أعــاه أن املعيــار إلســقاط القائمــة لعــدم احتــرام الحــزب أو االئتــاف املعيار الزمني
لقاعــدة التناصــف األفقــي هــو تاريــخ تقديــم مطلــب الترشــح أو تحيينــه.
أقــر الحكــم عــدد 20181003كمــا أيــده الحكــم االســتئنافي عــدد
20182006أن ضبــط عــدد القائمــات املقبولــة بنــاء علــى قاعــدة التناصــف املعيار العددي
األفقــي يقتضــي مراعــاة العــدد الفــردي.
أقــر الحكــم االســتئنافي عــدد 20182014أن عــدم تنصيــص الفصــل 26مــن قــرار الهيئــة عــدد
10لســنة 2017صراحــة علــى وجــوب تغييــر رئاســة القائمــة طبــق موجبــات مبــدأ التناصــف
األفقــي مــن شــأنه أن يســمح بالتهــرب عــن تطبيــق هــذا املبــدأ عــن طريــق تغييــر صبغــة القائمــة
مـ�ن حزبيـ�ة أو ائتالفيـ�ة إلـ�ى مسـ�تقلة مثلمـ�ا تبينـ�ه وقائـ�ع القضيـ�ة.
إن املتمعــن فــي القواعــد املقــررة لتصحيــح مطالــب الترشــح لالنتخابــات البلديــة
يلمــس بــكل وضــوح أن فقــه قضــاء املحكمــة االداريــة اســتقر علــى نفــس القواعــد
املقــررة بخصــوص تصحيــح مطالــب الترشــح لالنتخابــات البلديــة كلمــا تقاطعــت
األحــكام التشــريعية والترتيبيــة املتعلقــة بهمــا ،وهــو مــا مــن شــأنه أن يدفــع إلــى
إقامــة نظــام قانونــي واضــح املعالــم يســاعد علــى حســن ســير االنتخابــات.
كذلــك يلمــس مــن كافــة القواعــد التــي تــم بســطها املتعلقــة بمختلــف االنتخابــات أنهــا
تمثــل مصــدر هــام ينهــل منــه للــدرس وأيضــا للدفــع نحــو تخطــي مــا تثيــره القاعــدة
القانونيــة املجــردة مــن صعوبــات تطبيقيــة ،ممــا يســمح علــى وجــه الخصــوص
للهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات مــن االصطــاع بالــدور املعقــود لهــا بمقتضــى
القانــون األساســي عــدد 23لســنة 2012املــؤرخ فــي 20ديســمبر 2012املحــدث لهــا.
177 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
«ال تكــون للحــق أهميــة وجــدوى بالنســبة إلــى صاحبــه إال إذا كان قابــا لإلثبــات أمــام
القضــاء .والحــق الــذي ال يمكــن إثباتــه يعــد منعدمــا» .1فاإلثبــات هــو مفتــاح الوصــول إلــى
الحقيقــة وبدونــه يتالشــى الحــق ويضيــع.
وإذا كان هــذا االســتنتاج يميــز مختلــف أصنــاف النزاعــات وقائمــا أمــام جميــع
املحاكــم بأنواعهــا ،فــإن خطورتــه تبــرز بصفــة خاصــة فــي النــزاع االنتخابــي ألن
العجــز عــن اإلثبــات فيــه يمكــن أن يــؤول إلــى إقــرار نتائــج انتخابــات مختلــة فــي
مســتوى نزاهتهــا وصدقيتهــا ممــا قــد يمــس بمقومــات النظــام الديمقراطــي ولــو نســبيا.
واإلثبــات فــي الدعــوى هــو إقامــة الدليــل أمــام القاضــي املتعهــد بهــا علــى وجــود واقعــة
ماديــة أو عمــل قانونــي مــا وذلــك بهــدف إقناعــه بصحــة االدعــاء .وهــو بذلــك يعــد
شــكلية أساســية ال يتحقــق فــي غيابهــا يقــن القاضــي ويكــون مــآل الدعــوى الرفــض.
وإذا كان اختصاص النظر في النزاعات االنتخابية في النظام االنتخابي التونســي الحالي
موزّعا بني القضاء العدلي والقضاء اإلداري ،فإن األخير يستأثر بأغلبها 2وهو ما يبرر قصر
هذه الدراســة على املســائل املتعلقة باإلثبات أمام القاضي االنتخابي اإلداري دون ســواه.
واملالحــظ أن النــزاع االنتخابــي يصنــف عــادة ضمــن نزاعــات القضــاء الكامــل املوضوعــي
ألنــه يتعلــق بالنظــر فــي مســائل تهــم ال فقــط شــرعية القــرارات املتّخــذة مــن الهيئــة العليــا
الترشــح لالنتخابــات ،وإنمــا تهــ ّم أيضــا وأساســا ّ املســتق ّلة لالنتخابــات بخصــوص
نزاهــة االنتخابــات .3مــع اســتعمال القاضــي لصالحيــات واســعة تتجــاوز حــدود إلغــاء
القــرار غيــر الشــرعي إذ تخـ ّول لــه فــي نــزاع النتائــج «بســط رقابتــه علــى جميــع املراحــل
.1يراجع:
PACTET P., Essai d’une théorie de la preuve devant la juridiction administrative, Paris, éditions A. Pedone,
1952, p.4
.2عمــا بأحــكام القانــون األساســي عــدد 16لســنة 2014املــؤرخ فــي 26مــاي 2014واملتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء
كمــا تــم تنقيحــه وإتمامــه بالنصــوص الالحقــة ،يختــص القضــاء العدلــي بنزاعــات الترســيم بالقائمــات االنتخابيــة وينظــر
ابتدائيــا فــي نزاعــات الترشــح لالنتخابــات التشــريعية ،فيمــا ينظر القضاء اإلداري اســتئنافيا في هــذه النزاعات ويختص
بنزاعــات الترشــح لالنتخابــات الرئاســية ولالنتخابات البلديــة والجهوية وبنزاعات النتائج األولية لالنتخابات واالســتفتاء.
.3دليل النزاعات االنتخاب ّية في تونس ،برنامج األمم املتّحدة اإلنمائي ،تونس ،2019ص.224 .
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 178
املك ّونــة للعمليــة االنتخابيــة مــن الترشــحات إلــى النتائــج مــرورا بالحملــة االنتخابيــة
ومراقبــة كل اإلخــاالت التــي مــن شــأنها التأثيــر فــي نزاهــة وشــفافية االنتخابــات».1
وهــذه الرقابــة التــي يجريهــا القاضــي االنتخابــي يمكــن أن تفضــي إلــى الحكــم بإلغــاء
النتائــج األوليــة لالنتخابــات كليــا أو جزئيــا أو بتعديلهــا وإعــادة ترتيــب الفائزيــن فيهــا.
وهــذه الصالح ّيــات املمنوحــة للقاضــي االنتخابــي يتمتــع بهــا أيضــا بصفتــه
قاضيــا إداريــا .ومــن ثــم فــإنّ تع ّهــد هــذا األخيــر بالنــزاع االنتخابــي لــن يــؤول إلــى
تخليــه عــن ج ّبتــه األصل ّيــة ،وإنمــا يــوؤل إلــى التأثيــر فــي الدعــوى االنتخابيــة
لتصطبــغ ببعــض خصائــص إجــراءات النــزاع اإلداري عامــة ،وهــو مــا يمكــن
مالحظتــه فــي مســتوى نظــام اإلثبــات الــذي يط ّبقــه القاضــي املذكــور فــي إطــاره.
إال أن هــذا التأثيــر لــم يكــن ليتحقــق لــوال وجــود بعــض التشــابه بــن الدعويــن اإلدار ّيــة
واالنتخاب ّيــة .فإلــى جانــب وحــدة القاضــي املتع ّهــد بهمــا ،تشــترك هاتــان الدعويــان
كل منهمــا ،وهــي فــي النــزاع فــي وجــود ســلطة إداريــة كطــرف م ّدعــى عليــه قــار فــي ّ
االنتخابــي الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات املكلفــة بموجــب قانــون إحداثهــا
«بالســهر علــى ضمــان انتخابــات واســتفتاءات ديمقراطيــة وحــرة وتعدديــة ونزيهــة
وشــفافة» ،و«بالقيــام بجميــع العمليــات املرتبطــة بتنظيــم االنتخابــات واالســتفتاءات
وإدارتهــا واإلشــراف عليهــا .2»...وباالســتناد إلــى هــذه الغايــات والصالحيــات
تتدخــل الهيئــة املذكــورة فــي مختلــف مراحــل العمليــة االنتخابيــة ســواء باتخــاذ
قــرارات صريحــة أو ضمنيــة متصلــة بهــذه العمليــة أو برفــض التدخــل التخــاذ القــرار.
وإضافــة إلــى ذلــك فــإن إجــراءات املنازعــة االنتخابيــة مثــل املنازعــة اإلداريــة هــي إجــراءات
اســتقصائية وتخضــع ملبــدأ املواجهــة ،وهــي خاصيــات تؤثــر فــي نظــام اإلثبــات املعتمــد
فــي كليهمــا .فــإذا كانــت إجــراءات الدعــوى املدنيــة تتميــز بطابعهــا اإلتهامــي الــذي مــن
تبعاتــه وجــود نظــام قانونــي لإلثبــات يضبــط مبادئــه ووســائله وكيفيــة اســتعمالها ،3فــإن
املنظمــة إلجــراءات الدعــوى اإلداريــة عامــة وكذلــك الدعــوى االنتخابيــة لــم النّصــوص ّ
تتض ّمــن أحكامــا تتعلــق بنظــام اإلثبــات ،إذ أنّهــا تكتفــي بتحميــل املدعــي واجــب إرفــاق
عريضــة دعــواه أو طعنــه باملؤيــدات ،1وبضبــط بعــض الصالح ّيات االســتقصائ ّية للقاضي.2
النــص املنظــم لإلثبــات أمــام القاضــي االنتخابــي ينطــوي علــى ّ وإذا كان غيــاب
بعــض الســلبيات املتمثلــة فــي افتقــاد أطــراف النــزاع لقائمــة فــي الوســائل املخــ ّول
مفصلــة ومرتبــة ترتيبــا تفاضليــا حســب قيمتهــا لهــم اســتعمالها فــي اإلثبــات وتكــون ّ
اإلثباتيــة بمــا يم ّكنهــم مــن االســتناد إليهــا وإعــداد وســائل دفاعهــم فــي اإلبــان علــى
أساســها ،فإنــه ال يخلــو مــن إيجابيــات تتمثــل باألســاس فــي توفيــر نــوع مــن الحريــة
واملرونــة لألطــراف فــي اختيــار وســائل اإلثبــات األكثــر جــدوى إلقنــاع املحكمــة
بالطعــن فــي اختيــار الطــرف الــذي يتحمــل بصحــة إدعاءاتهــم ،وللقاضــي املتعهــد ّ
عــبء اإلثبــات وفــي مراقبــة وتقديــر مــدى حجيــة اإلثباتــات املق ّدمــة إليــه واالســتئناس
بنظــام اإلثبــات فــي القانــون املدنــي عنــد االقتضــاء .كمــا أنــه يفتــح للقاضــي ولألطــراف
علــى حــد الســواء إمكان ّيــة اعتمــاد الوســائل العلميــة والتقنيــة املســتجدة فــي اإلثبــات.
وقــد أكــدت املحكمــة اإلداريــة هــذه املرونــة فــي العديــد مــن األحــكام الصــادرة
عنهــا بالقــول أنّ «إثبــات املخالفــات أو اإلخــاالت االنتخابيــة يكــون بجميــع
وســائل اإلثبــات املمكنــة ...متــى اتســمت بالجديــة املطلوبــة ...ســواء كانــت كافيــة
بذاتهــا للحســم فــي النــزاع أو منطلقــا ألبحــاث اســتقصائية إضافيــة.3»...
وعمــا بمــا تقــ ّدم فــإنّ اإلثبــات فــي النــزاع االنتخابــي يكتســي أهميــة خاصــة بالنظــر
إلــى محتــواه ،باعتبــاره إثباتــا مزدوجــا يشــمل إقامــة الدليــل علــى اإلخــاالت االنتخابيــة
فــي حــد ذاتهــا وإثبــات تأثيرهــا علــى نتائــج االنتخابــات ،4وبالنّظــر إلــى أبعــاده وغاياتــه
إذ يهــدف إلــى ضمــان نزاهــة االنتخابــات وحمايــة عــدة مبــادئ مــن بينهــا خاصــة
حريــة وســرية االقتــراع والحــق فــي الترشــح لالنتخابــات واملســاواة بــن املترشــحني.
ولعـ ّـل هــذه األهميــة املؤكــدة لإلثبــات فــي النزاعــات االنتخابيــة وإســناد القاضــي اإلداري
اختصــاص النظــر فــي الجــزء األكبــر منهــا يبـ ّرران إفــراد هــذه املســألة بدراســة خاصــة
والتســاؤل فــي إطارهــا عــن مــدى وجــود خصائــص مميــزة لإلثبــات أمــام القاضــي
االنتخابــي وتحليلهــا إن وجــدت.
وفــي هــذا اإلطــار يتب ّيــن من خالل دراســة فقه قضاء املحكمة اإلدارية فــي النزاعات املتعلقة
.1الفصــل ( 36جديــد) مــن القانــون عــدد 40لســنة 1972املــؤرخ فــي 01جــوان 1972واملتعلــق باملحكمــة اإلداريــة،
والفصــول 27و 46و 49ســابع عشــر و( 145جديــد) مــن القانــون عــدد 16لســنة 2014املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء.
.2الفصل ( 44جديد) من القانون عدد 40لسنة 1972املؤرخ في 01جوان 1972سابق ال ّذكر.
.3الحكم عدد 201420027بتاريخ 08نوفمبر .2014
الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 317411بتاريــخ 30 .4تض ّمــن القــرار ّ
أكتوبــر ( 2018االنتخابــات البلديــة) أن «قاضــي النتائــج مســتأمن علــى أصــوات الناخبــن وال يقضــي بإلغائهــا إال
متــى كانــت الحجــج املقدمــة قويــة وثابتــة ومــن شــأن االخــاالت املحتــج بهــا التأثيــر بصــورة حاســمة فــي النتائــج».
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 180
باالنتخابــات أن اإلثبــات أمــام القاضــي االنتخابــي يتميــز بتحميــل امل ّدعــي عــبء اإلثبــات
وتشــريك الجهــة امل ّدعــى عليهــا فيــه (املبحث األول) وتع ّدد وســائله مع ضعــف الجدوى منها
(املبحــث الثانــي) وبصالحيــات واســعة للقاضي مــع محدود ّية إســتعمالها (املبحث الثالث).
إن اللجــوء إلــى القاضــي االنتخابــي للطعــن أمامــه فــي العمليــة االنتخابيــة أو فــي
القــرارات املتخــذة فــي مختلــف مراحلهــا يســتوجب مــن القائــم بالدعــوى إقناعــه
بصحــة إدعاءاتــه حتــى يتســنى لــه الحكــم لصالحــه ،فيغــدو املدعــي بذلــك الطــرف
األول الــذي يتح ّمــل عــبء اإلثبــات (الفقــرة األولــى) .غيــر أنّ القاضــي االنتخابــي
لــم يط ّبــق هــذه القاعــدة علــى إطالقهــا وإنّمــا ســعى إلــى اســتثناء لهــا ،وتبعــا
القتناعــه بثقــل العــبء املحمــول علــى املدعــي فــي هــذا الخصــوص إلــى التخفيــف
مــن ح ّدتهــا وقلــب عــبء اإلثبــات بتحميلــه للجهــة امل ّدعــى عليهــا (الفقــرة الثانيــة).
يعـ ّد هــذا املبــدأ مــن أهــم املبــادئ التي يقــوم عليها اإلثبــات أمام القاضــي االنتخابي
وتــ ّم تكريســه فــي عــدد هــام مــن األحــكام الصــادرة عنــه .وإذا كان هــذا املبــدأ
بهــذه األهميــة فإنــه يكــون مــن املجــدي توضيــح مفهومــه فــي ضــوء فقــه القضــاء
االنتخابــي وذلــك بالكشــف عــن أساســه ومب ّرره ( )Iقبــل تحديد محتــواه وآثاره (.)II
لقــد تب ّنــى القاضــي االنتخابــي املبــدأ املذكــور وجــرى علــى تطبيقــه فأضحــى بذلــك إحــدى
القواعــد العا ّمــة لإلثبــات فــي ال ّدعــوى االنتخاب ّية .وعلــى ال ّرغم من أنّ املبدأ ال يجد أساســه
فــي النصــوص املتع ّلقــة بهــذه ال ّدعــوى ( ،)1فــإنّ األخيــرة تعـ ّد مجــاال مالئمــا للعمــل به (.)2
181 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
إزاء غيــاب نــص عــام فــي النــزاع اإلداري وفــي النــزاع االنتخابــي يتعلــق بتنظيــم
عــبء اإلثبــات أمــام القاضــي االنتخابــي ،فــإنّ األخيــر ســعى إلــى ســ ّد هــذا
الفــراغ حتــى يتســنّى لــه البــت فــي املنازعــات التــي تعــرض أمامــه ،خاصــة وأنّ
تحديــد الطــرف املحمــول عليــه واجــب اإلثبــات يعــ ّد ركنــا جوهريــا فــي املنازعــة
االنتخابيــة التــي تقــوم أساســا علــى االدعــاء بعــدم ســامة العمليــة االنتخابيــة.
وقــد تب ّنــى القاضــي االنتخابــي القاعــدة املعمول بها فــي القانون املدني والتي تمثل أســاس
اإلثبــات أمــام القضــاء العــادي ومفادهــا أنّ مــن ي ّدعــي حقــا أمــام القاضــي عليــه إثباتــه.1
وعمــا بهــذه القاعــدة وضــع القاضــي االنتخابــي عــبء اإلثبــات فــي املــادة االنتخابيــة علــى
كاهــل امل ّدعــي ،وجــرى منــذ نزاعــات انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي لســنة 2011
علــى التذكيــر بهــا وإلــزام امل ّدعــن بالتق ّيــد بهــا .كمــا أ ّنــه ط ّبقهــا فــي مختلــف النزاعــات
االنتخابيــة التــي عرضــت عمــل أنظــاره ســواء تعلقــت باالنتخابــات التشــريعية أو الرئاســية
أو البلديــة .مــن ذلــك أ ّنــه أوجــب «علــى املدعــي أن يقــدم مؤيــدات تدعــم إ ّدعاءاتــه تطبيقــا
ألحــكام الفصــل 72مــن القانــون االنتخابــي» .2ثـ ّم أعــاد التذكيــر بهــذه القاعــدة فــي عــدد
الصــادرة عنــه ليجعــل منهــا مبــدأ عامــا فــي نزاعــات نتائــج االنتخابــات هــام مــن األحــكام ّ
مفــاده أن «عــبء إثبــات اإلخــاالت فــي املــادة االنتخابيــة محمــول علــى مــن ي ّدعيهــا».3
يفســر تطبيقهــا
إذا كانــت هــذه القاعــدة تجــد لهــا ســندا نصيــا فــي القانــون املدنــي ممــا ّ
بصرامــة فــي النزاعــات املدنيــة ،فــإن االســتناد إليهــا مــن القاضــي االنتخابــي ،يجــد
مبـ ّررا لــه فــي قرينــة ســامة العمليــات االنتخابيــة التــي تنتفــع بهــا الجهــة امل ّدعــى عليهــا
وهــي الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات باعتبارهــا «الضامنــة بصريــح الفصــل 126مــن
.1تجــد هــذه القاعــدة أساســها فــي الفصــل 420مــن مجلــة االلتزامــات والعقــود الــذي ينــص علــى أن «إثبــات االلتــزام
علــى القائــم به».
.2قرار الجلسة العامة القضائية عدد 96بتاريخ 08نوفمبر .2011
.3الحكم عدد 20183033بتاريخ 18ماي .2018
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 182
الدســتور لســامة املســار االنتخابــي ونزاهتــه وشــفافيته» ،1وهــو مــا يســتتبع القــول بــأن
ّ
كل مــا تتخــذه الهيئــة املذكــورة مــن قــرارات ومــا تقــوم بــه مــن أعمــال فــي إطــار تنظيمهــا
لالنتخابــات وإدارتهــا واإلشــراف عليهــا ،إنمــا يهــدف مبدئيــا إلــى تحقيــق تلــك الغايــة.
ومــن ث ـ ّم فــإن املدعــي الــذي يقــوم أمــام القاضــي االنتخابــي لالدعــاء بوجــود إخــاالت
شــابت االنتخابــات هــو الــذي يتحمــل عــبء دحــض تلــك القرينــة بتقديــم اإلثبــات علــى
وجــود اإلخــاالت املدعــى بهــا ،وهــو مــا أكدتــه املحكمــة اإلداريــة فــي عـ ّدة مناســبات ،إذ
اعتبــرت أنّ «عــدم تســجيل أي تحفــظ مــن امل ّدعــي علــى عمليــة الفــرز بمحضــر املكتــب
املركــزي ...يش ـ ّكل قرينــة علــى ســامة هــذه العمليــة لــم يفلــح امل ّدعــي فــي دحضهــا».2
التوصــل إلــى دحــض القرينــة املذكــورة مــن املدعــي ال يكفــي بذاتــه وإنّمــا يجــب
ّ علــى أن
أن يقتــرن بإثبــات تأثيــر اإلخــاالت الثابتــة علــى نتائــج االنتخابــات حتــى ال يكــون مــآل
دعــواه الرفــض.
يوجــب هــذا املبــدأ علــى كل مــن ي ّدعــي تضــ ّرره مــن قــرار صــادر عــن الهيئــة
العليــا املســتقلة لالنتخابــات أو عــن إحــدى هيئاتهــا الفرعيــة برفــض ترشــحه
لالنتخابــات أو تضــ ّرره مــن نتائــج االنتخابــات بســبب ارتــكاب أحــد منافســيه أو
عــدة منافســن لــه إخــاالت أ ّدت إلــى حرمانــه مــن الفــوز فيهــا ،إقامــة الدليــل أمــام
القاضــي االنتخابــي علــى إ ّدعاءاتــه .وقــد تســنّى للقاضــي االنتخابــي تطبيقــه فــي
مجــاالت مختلفــة مــن النزاعــات االنتخاب ّيــة ( ،)1ورتّــب عليــه اآلثــار املســتوجبة (.)2
التســجيل تتعلــق بشــروط الترشــح التــي يقــع عــبء إثباتهــا علــى كاهــل ّ
كل مترشــح.
تدخل فيه القاضي وأما بخصوص نزاعات نتائج االنتخابات ،فإنها تع ّد املجال األكبر الذي ّ
االنتخابــي لفــرض عــبء اإلثبــات بخصوصها على امل ّدعي .وقد شــمل ذلك إثبات اإلخالالت
أثنــاء الحملــة االنتخابيــة والصمــت االنتخابــي واإلخــاالت أثنــاء عمليــة االقتــراع والفــرز.
ففيمــا يتعلــق باإلخــاالت التــي تشــوب الحملــة والصمــت االنتخابــي ،تو ّلــى القاضــي
االنتخابــي تحميــل املدعــي واجــب إثبــات العديــد مــن اإلخــاالت مــن بينهــا بالخصــوص:
• إثبــات تبعيــة اإلذاعــة التــي قامــت بإجــراء عمليــة ســبر اآلراء للحــزب املطعــون
فــي نتائــج قائمتــه املترشــحة واســتفادة هــذه القائمــة مــن ذلــك دون ســواها.1
• إثبــات االعتــداء علــى أحــد أعــوان املراقبــة للحملــة االنتخابيــة ومحاولــة إرشــائه
بمبلــغ مالــي واالعتــداء اللفظــي واملــا ّدي علــى أحــد أعضــاء قائمــة الحــزب امل ّدعــي.2
• إثبــات إخــال الهيئــة العليــا املســتق ّلة لالنتخابــات بواجبهــا فــي مراقبــة تمويــل
الحملــة االنتخابيــة ومــدى تجــاوز الســقف الجملــي لإلنفــاق علــى الحملــة.3
• إثبــات ارتــكاب أحــد املترشــحني املنافســن ملخالفــة اإلشــهار السياســي وعــدم مراقبة
هيئــة االنتخابــات لهــا ،وإثبــات التشــهير اإلعالمــي باملدعــي مــن أحــد منافســيه.4
• إثبــات شــراء أصــوات الناخبــن مــن قائمــة منافســة واســتغالل األطفــال فــي أعمــال
الدعايــة االنتخابيــة وإثبــات مخالفــة اإلشــهار السياســي بســبب القيــام بجولــة دعائيــة
بواســطة موكــب مــن الســيارات.5
• إثبــات أنّ املقــاالت والصــور املنشــورة علــى مواقــع التواصــل االجتماعــي
قــد تــم إدراجهــا مــن قبــل الحــزب املنافــس خــال فتــرة الصمــت االنتخابــي.6
• إثبــات عــدم حيــاد أعضــاء مكتــب االقتــراع بســبب عالقــة القرابــة بينــه وبــن أحــد
املترشــحني بنفــس الدائــرة االنتخابيــة.7
إنّ التــزام امل ّدعــي بواجــب اإلثبــات املحمــول عليــه ونجاحــه فــي إثبــات صحــة املخالفــات
املدعــى بهــا ال يكفــي للحكــم لــه وفقــا لطلباتــه ألنــه مطالــب أيضــا بــأن يثبــت أنّ
املخالفــات الثابتــة قــد أثــرت بصفــة حاســمة وجوهريــة علــى نتائــج االنتخابــات.
غيــر أن مــا يالحــظ مــن خــال فقــه القضــاء االنتخابــي فــي هــذا الخصــوص هــو
عــدم تشــ ّدد القاضــي االنتخابــي فــي إلــزام امل ّدعــي بواجــب إثبــات التأثيــر علــى
نتائــج االنتخابــات ،ألن التح ّقــق منــه يخضــع للســلطة التقديريــة املطلقــة للقاضــي
ومــا يســتقر عليــه وجدانــه انطالقــا م ّمــا يتوافــر بامللــف مــن معطيــات موضوعيــة.
وملّــا كان اإلثبــات واجبــا محمــوال علــى املدعــي فــإن آثــاره علــى مــآل الدعــوى املرفوعــة أمام
القاضــي االنتخابــي هامــة .ففــي حالــة توصل املدعي إلى إثبات اإلخــال امل ّدعى به واقتناع
القاضــي بوجــوده وبتأثيــره الحاســم علــى نتائــج االنتخابــات ،فــإن األخيــر يقضــي بإلغــاء
تلــك النتائــج أو بتعديلهــا .7وأمــا إذا لــم يو ّفــق امل ّدعــي فــي إثبــات اإلخــال فــإن القاضــي
االنتخابــي يصـ ّرح بتجـ ّرد إ ّدعاءاتــه ويحكــم برفــض الدعــوى أصــا وهــو املآل الــذي انتهى
إليــه القاضــي االنتخابــي فــي أغلــب القضايــا املقبولــة شــكال ،1وهــو مــا يؤكــد أن اإلثبــات
يمثــل عبئــا ثقيــا علــى كاهــل امل ّدعــي جعــل القاضــي االنتخابــي يســعى إلى التخفيــف منه.
إنّ خصوصيــات النــزاع االنتخابــي وطبيعــة الــدور املوكــول إلى القاضــي االنتخابي
فــي إطــاره باعتبــاره آخــر جهــة تتدخــل ملراقبــة العمليــة االنتخابيــة وهــو الضامــن
األعلــى واالخيــر لنزاهــة االنتخابــات تخـ ّول لــه التح ّكــم فــي عمل ّيــة اإلثبــات أمامــه.
ويبــدو أن القاضــي املذكــور قــد تأكــد لديــه بعــد إقــراره مبــدأ «البينــة علــى املدعــي»
والعمــل بــه أنّ التطبيــق املتشــ ّدد لهــذا املبــدأ قــد يحــول دونــه والحكــم بصفــة
موضوعيــة فــي الدعــاوى املرفوعــة أمامــه بمــا ينــال مــن الواجــب املحمــول عليــه
فــي حمايــة العمليــة االنتخابيــة مــن االخــاالت املؤثــرة فــي نتائجهــا .لذلــك ســعى
إلــى التخفيــف مــن صرامــة املبــدأ املذكــور وذلــك بتوزيــع عــبء اإلثبــات علــى طرفــي
النــزاع بقصــد تخفيــف حملــه علــى املدعــي مســتندا فــي ذلــك إلــى عــدة أســباب
موضوعيــة ( )Iب ـ ّررت تشــريك الجهــة املدعــى عليهــا فــي تح ّمــل ذلــك العــبء (.)II
مــا دامــت الغايــة مــن ال ّرقابــة التــي يجريهــا القاضــي االنتخابــي علــى العمليــة
االنتخابيــة هــي تحصينهــا مــن الخروقــات املؤثــرة فــي نتائجهــا وضمــان نزاهتهــا
فــإنّ ذلــك يفــرض عليــه اعتمــاد نظــام إثبــات مــرن يأخــذ بعــن االعتبــار الصعوبــات
التــي يواجههــا كل طــرف فــي اإلثبــات ومــدى قدرتــه علــى توفيــر وســائل اإلثبــات
التــي يحتاجهــا القاضــي .ومــن ثــ ّم فــإن قيــام القاضــي املذكــور بتوزيــع اإلثبــات
بــن طرفــي الدعــوى لــم يكــن اعتباطيــا أو مبنيــا علــى مجــ ّرد اجتهــاد منــه وإنّمــا
كان مبــ ّررا بأســباب متع ّلقــة بــه ( )1وبأســباب أخــرى تعــود إلــى األطــراف (.)2
.1من ذلك ما قضت به إحدى الدوائر االستئنافية بموجب الحكم عدد 2014 / 20022بتاريخ 08نوفمبر .2014
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 186
إنّ أ ّول مبـ ّرر لتوزيــع عــبء اإلثبــات هــو غيــاب قاعــدة فــي القانــون اإلداري وفــي القانــون
االنتخابــي تح ّمــل امل ّدعــي ذلــك العــبء ألنّــه يمنــح القاضــي االنتخابــي ســلطة اختيــار
الطــرف الــذي يتح ّمــل ذلــك العــبء.
كمــا أنّ تبنــي القاضــي املذكــور قاعــدة «البينــة علــى مــن ا ّدعــى» وتطبيقهــا فــي النــزاع
االنتخابــي ،يم ّكنــه مــن التح ّكــم فــي عــبء اإلثبــات ويوفــر لــه الحريــة لتحميلــه علــى الطــرف
الــذي يــراه األقــدر علــى اإلدالء بوســائل اإلثبــات الضروريــة لتكويــن قناعتــه م ّمــا يســاعده
علــى التح ّقــق مــن نزاهــة العمل ّيــة االنتخاب ّيــة ومــدى شــرع ّية القــرارات املتّخــذة فــي إطارهــا.
وهــذه الحريــة التــي يتمتــع بهــا القاضــي تجعلــه غيــر مق ّيــد بتلــك القاعــدة وتخـ ّول لــه فــي
بعــض األحيــان وبحســب األحــوال إمــا تطبيقهــا أو التخفيــف منهــا أو عــدم تطبيقهــا مطلقــا.
وباإلضافــة إلــى ذلــك وطاملــا أنّ غايــة القاضــي االنتخابــي مــن ال ّرقابــة التــي يجريهــا
علــى االنتخابــات هــي ضمــان نزاهتهــا فإنــه يكــون مــن غيــر املنطقــي قصــر عــبء
اإلثبــات أمامــه علــى طــرف واحــد وهــو املدعــي الــذي تواجهــه فــي الكثيــر مــن
األحيــان صعوبــات حقيقيــة فــي الحصــول علــى األدلــة الالزمــة إلثبــات إدعاءاتــه،
الســعي إلــى تحصيــل ضــرورة أنّ تحقيــق تلــك الغايــة يســتوجب مــن القاضــي ّ
أكبــر قــدر مــن اإلثباتــات حتــى يتســنى لــه الفصــل فــي النــزاع املعــروض أمامــه.
تقــوم املنازعــة االنتخابيــة علــى عــدم التــوازن بــن أطرافهــا إذ تضــم امل ّدعــي مــن جهــة
والهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات التــي هــي الطــرف املدعــى عليــه األساســي 1مــن
جهــة أخــرى .ويتجلــى عــدم التــوازن فــي أنّ املدعــي املطالــب مبدئيــا باإلثبــات يفتقــر فــي
أغلــب الحــاالت إلــى عناصــر اإلثبــات الضروريــة إلقنــاع القاضــي بادعاءاتــه .وفــي املقابــل
تســتأثر هيئــة االنتخابــات املعفــاة مبدئ ّيــا مــن اإلثبــات باألدلــة واإلثباتــات ،ألنهــا تتح ّكــم
فــي كامــل املســار االنتخابــي واملســؤولة إداريــا عــن ضمــان نزاهــة االنتخابــات وتتح ـ ّوز
بالتالــي أغلــب وســائل االثبــات .ومــن ث ـ ّم فإنــه ليــس مــن مصلحتهــا تمكــن املدعــي مــن
عناصــر اإلثبــات التــي يمكــن أن تــؤدي إلــى الحكــم ضدهــا .األمــر الــذي ألــزم املدعــن
.1يمكــن أن تشــتمل املنازعــة كذلــك طرفــا آخــر أو أطــراف آخريــن مدعــي عليهــم وهــم فــي أغلــب األحيــان املترشــحون
املنافســون أو القائمــات املترشــحة املنافســة الذيــن اســتفادوا مــن مخالفــات انتخابيــة قامــوا بهــا أو كانــت النتائــج
األوليــة املصــرح بهــا لصالحهــم.
187 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
فــي بعــض الحــاالت باســتصدار إذن قضائــي ض ّدهــا بتمكينهــم مــن الوثائــق الضروريــة
وخاصــة منهــا محاضــر املخالفــات والحجــز املحــررة مــن الهيئــة الفرعية ّ إلثبــات إدعاءاتهــم
لالنتخابــات .1وهــذه الوضع ّيــة غيــر طبيعيــة ألنهــا تجعــل املدعــي يواجــه صعوبــات حقيقيــة
فــي اإلثبــات ،ويتعــن لذلــك تالفيهــا وتعديــل الكفــة بــن الطرفــن فــي تح ّمــل عــبء اإلثبــات.
وإلــى جانــب هــذه الصــورة التــي تتعلــق عــادة بالحــاالت التــي ترفــض فيهــا هيئــة
االنتخابــات اتخــاذ أي إجــراء بخصــوص اإلخــاالت التــي ينســبها املدعــي إلــى أحــد
منافســيه وترفــض تحميــل األخيــر تبعــات ذلــك عنــد التصريــح بالنتائــج األوليــة ،توجــد
صــورة أخــرى تتعلــق بحــاالت قيــام املدعــي بالطعــن فــي قــرار اتخذتــه هيئــة االنتخابــات
املتحصــل عليهــا أو إلغــاء نتائــج قائمتــه .وفــي مثــل هــذه
ّ ضــده كإلغــاء نتائجــه األ ّوليــة
الصــورة يســتحيل قيــام املدعــي باإلثبــات ألنّ تحميلــه هــذا العــبء ســيؤول إلــى إلزامــه
بإثبــات أمــر ســلبي يتمثــل فــي عــدم وجــود الوقائــع التــي تأســس عليهــا ذلــك القــرار .وفــي
تدخــل القاضــي االنتخابــي لتشــريك الهيئــة املذكــورة فــي اإلثبــات. الصــور ّ جميــع هــذه ّ
يقــوم توزيــع عــبء اإلثبــات بــن طرفــي النــزاع مــن قبــل القاضــي االنتخابــي علــى إعفــاء
املدعــي مــن تح ّمــل وزر إقامــة الدليــل علــى إدعاءاتــه إمــا جزئيــا وذلــك بتحميلــه فقــط
واجــب تقديــم حــد أدنــى مــن اإلثبــات أمــام القاضــي (أ) أو كليــا بتحميــل الجهــة املدعــى
عليهــا عــبء إثبــات وجــود الوقائــع التــي تأســس عليهــا قرارهــا الصــادر ضــد املدعــي (ب).
إن إعفــاء املدعــي جزئيــا مــن اإلثبــات ال يعنــي التخلــي عــن مبــدأ إلزامــه بإثبــات إدعاءاتــه،
ألنــه يظــل مطالبــا عنــد رفــع دعــواه أمــام القاضــي االنتخابــي بواجــب اإلثبــات ،وإنمــا
يعنــي تخفيــف هــذا العــبء عليــه وعــدم إلزامــه بتقديــم الحجــة كاملــة علــى مــا ي ّدعيــه،
وفــي هــذه الحالــة يكــون مطالبــا فقــط بــاإلدالء للمحكمــة بالحــد األدنــى مــن اإلثبــات.
وقــد جــرى القاضــي االنتخابــي فــي عدد هام من الدعاوى التــي نظرها على التأكيد على أنّ
املدعي مطالب بأن يؤيد دعواه بحد أدنى من األدلة أو بما يسميه في بعض أحكامه «بداية
حجــة» ،مــن ذلــك قضــاؤه بأنــه «مــن املفــروض على القائــم الطعــن أن يدلي للمحكمــة بالقدر
األدنــى مــن املعطيــات إلقامــة الدليــل ولــو بصفــة أوليــة علــى اكتســاء إدعائــه طابعــا جديا».1
ويتولــى القاضــي عنــد فحــص عريضــة الدعــوى ومرفقاتهــا التثبــت مــن مــدى
اســتيفاء املدعــي لهــذا الشــرط .وقــد عايــن فــي عــدد هــام مــن األحــكام الصــادرة
عنــه غيابــه بالقــول بــأن «ملــف الدعــوى خــا مــن أيــة حجــة أو بدايــة حجــة
تثبــت قيــام بعــض األحــزاب بتوزيــع مبالــغ ماليــة علــى الناخبــن 2»...أو بأنــه
«لــم تتوفــر فــي امللــف ولــو بدايــة حجــة علــى صحــة ادعــاءات العارضــة.3»...
واملالحــظ فــي هــذا الخصــوص أن بدايــة الحجــة تختلــف عــن الحجــة فــي النتائــج املترتبــة
علــى كل منهمــا .فتقديــم الحجــة أمــام القاضــي االنتخابــي يــؤول إلــى دحــض قرينــة نزاهــة
العمليــة االنتخابيــة ومــن ثــم إلــى إلغــاء نتائــج االنتخابــات متــى ثبــت تأثيــر اإلخــاالت
الثابتــة علــى تلــك النتائــج .فــي حــن أن اإلدالء ببدايــة حجــة يــؤدي إلــى إثــارة الشــك فــي
نزاهــة االنتخابــات لــدى القاضــي الــذي يتولــى الحقــا مقارعــة بدايــة الحجــة املعتمــدة
مــن قبلــه بعناصــر اإلثبــات التــي تدلــى بهــا إليــه الجهــة املدعــى عليهــا ســواء بصفــة
تلقائيــة أو بطلــب منــه ،وفــي حــال أعرضــت هــذه الجهــة عــن تقديــم الحجــة املعاكســة
أو كانــت حججهــا ال تكفــي إلثبــات عكــس مــا يدعيــه املدعــي ،فإنــه يقـ ّر بصحــة االدعــاء.
وأمــا إذا لــم يتضمــن ملــف الدعــوى مــا يفيــد وجــود بدايــة حجــة علــى اإلخــاالت
املدعــى بهــا فــإن القاضــي االنتخابــي ينتهــي إلــى رفــض الدعــوى أصــا ألن
«إمســاك امل ّدعــي عنــد تحريــر الدعــوى عــن تقديــم جملــة مــن املعطيــات األوليــة
واإلثباتــات الالزمــة علــى إتيــان قائمــة ...لهــذه املخالفــات مــن شــأنه أن يص ّيــر طعنــه
مجــردا» .4كمــا أنّ القاضــي يحكــم برفــض الدعــوى أصــا كلمــا تو ّفقــت الجهــة
املدعــى عليهــا دحــض مــا أدلــى بــه املدعــي إليــه مــن بدايــة حجــة .غيــر أن تشــريك
الجهــة املذكــورة فــي اإلثبــات ال يقتصــر علــى اإلدالء بالحجــج املعاكســة وإنمــا يمتــد
فــي كثيــر مــن األحيــان إلــى تحميلهــا عــبء اإلثبــات بصفــة كليــة عوضــا عــن املدعــي.
إن إلــزام الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات بواجــب اإلثبــات يتعلــق بجميــع الحــاالت
التــي تتخــذ فيهــا هــذه الهيئــة قــرارا فــي مواجهــة املدعــي كأن ترفــض تســليم رئيــس
القائمــة املترشــحة الوصــل النهائــي املتعلــق بالترشــح لالنتخابــات ،1أو تلغــي النتائــج
التــي تحصــل عليهــا فــي االنتخابــات كليــا أو جزئيــا بســبب مــا تعيبــه عليــه مــن القيــام
مثــا خــال الحملــة االنتخابيــة بخروقــات تعلقــت بتنظيمهــا أو بتمويلهــا 2أو فــي يــوم
الصمــت االنتخابــي أو يــوم االقتــراع أو االســتفادة منهــا .وفــي صــورة طعــن املدعــي
فــي ذلــك القــرار ،فإنهــا تكــون مطالبــة بالدفــاع عــن شــرعية قرارهــا بإثبــات صحــة
بــأي إثبــات فــي هــذا الخصــوص ألنّ الوقائــع التــي تنســبها إليــه .وال يطالــب امل ّدعــي ّ
ذلــك ســيؤول إلــى إلزامــه بإثبــات أمــر ســلبي وهــو مــا يأبــاه منطــق القانــون .وهــذا هــو
التمشــي الــذي انتهجــه القاضــي االنتخابــي الــذي أجــاب فــي أحــد أحكامــه عــن دفــع
الهيئــة أمامــه بتجــ ّرد الدعــوى بأنــه «خالفــا ملــا دفــع بــه نائــب الهيئــة املدعــى عليهــا،
وباعتبــار أن املدعــى عليهــا هــي التــي أســقطت قائمــة ...وأنّ قرارهــا القاضــي بذلــك مــا
كان ليصــدر لــوال توفــر كافــة العناصــر املاديــة والقانونيــة املســتوجبة لذلــك ،فــإن عــبء
إثبــات املخالفــة بكافــة أركانهــا يحمــل علــى الهيئــة ومــا علــى امل ّدعيــة إال دحضهــا.3»...
ومــن البديهــي أن هــذا اإللــزام املحمــول علــى هيئة االنتخابــات يترتب عنه نتيجتــان .فإما أن
تفشــل هــذه الهيئــة فــي إثبــات املخالفة املنســوبة إلــى املدعي ،وفي هذه الحالــة يكون قرارها
قائمــا علــى وقائــع غيــر موجودة ويحكم القاضي تبعا لذلك لصالح املدعي بإلغاء ذلك القرار
أو بتعديــل نتائــج االنتخابــات ،وهــو املوقــف الــذي تبنــاه فــي بعــض األحكام الصــادرة عنه.4
وأمــا النتيجــة الثانيــة فهــي أن تتو ّفــق هيئــة االنتخابــات في تقديــم األد ّلة على وجــود الوقائع
ســند القــرار الــذي اتخذتــه .وفــي هــذه الحالــة تتوفــر للمدعــي فرصــة دحــض اإلثباتــات
املقدمــة منهــا ،فــإذا وفــق فــي ذلــك فــإن القاضــي يحكــم بإلغــاء القــرار أو بتعديــل النتائــج.
مــن ذلــك أنــه خلــص بعــد التث ّبــت فــي الحجــج املعاكســة التــي ق ّدمهــا امل ّدعــي واملتمثلــة فــي
الســمعي والبصري تســجيالت صوت ّيــة ومقارنتهــا بمحتــوى تقريــر الهيئــة العليــا لالتّصال ّ
.1الحكــم االســتئنافي عــدد 28921بتاريــخ 21ســبتمبر 2011الــذي انتهــت فيــه املحكمــة إلــى أنــه علــى الهيئــة الفرعيــة
لالنتخابــات مدهــا بحجــج وقرائــن جديــة تفيــد أن املترشــح كان مــن املناشــدين.
.2قــرار الجلســة العامــة القضائيــة عــدد 79بتاريــخ 08نوفمبــر « 2011عــبء إثبــات مخالفــة قواعــد تمويــل الحملــة
االنتخابيــة يحمــل علــى الهيئــة املســتقلة لالنتخابــات».
.3قرار الجلسة العامة القضائية عدد 77بتاريخ 08نوفمبر 2011وكذلك قرارها عدد 80بتاريخ 08نوفمبر .2011
.4قرارات الجلسة العامة القضائ ّية عدد 79و 80و 81بتاريخ 08نوفمبر .2011
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 190
املقـ ّدم مــن هيئــة االنتخابــات امل ّدعــى عليهــا إلــى الحكــم بإلغــاء قــرار األخيــرة بإلغــاء نتائــج
إحــدى القائمــات املترشــحة وتعديــل نتائــج االنتخابــات بالدائــرة االنتخابيــة ألن «املخالفــات
التــي تبنتهــا الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات وأسســت عليهــا قرارهــا ...واملتعلقــة بقيام
املدعــي بصفتــه رئيســا لقائمــة ...باإلشــهار السياســي لــم تكــن مؤسســة علــى ســند ســليم
مــن الواقــع والقانــون ،1...وقــد تأ ّيــد هــذا الحكــم مــن قبــل الجلســة العامــة القضائيــة.2
وأمــا إذا عجــز امل ّدعــي عــن تقديــم الحجــة املعاكســة ،فــإن القاضــي يصــرح بثبــوت
املخالفــات املنســوبة إليــه ثــ ّم يراقــب مــدى تأثيرهــا علــى النتائــج ليقضــي برفــض
ال ّدعــوى أصــا إذا ثبــت التأثيــر أو باإللغــاء وتعديــل النتائــج إذا انتفــى ذلــك التأثيــر.
وباالســتناد إلــى جملــة مــا تــم تفصيلــه أعــاه يتج ّلــى أن القاضــي االنتخابــي لــم يكــن
متشــددا فــي تعاملــه مــع عــبء اإلثبــات إذ أنــه اختــار توزيعــه علــى أطــراف املنازعــة
وإشــراكهم فــي تحملــه مبديــا مــا يلــزم مــن املرونــة للتخفيــف مــن وطــأة ذلــك العــبء
ييســر حصولــه علــى عناصــر اإلثبــات الكفيلــة بجعــل املراقبــة التــيعلــى املدعــي بمــا ّ
يجريهــا علــى نزاهــة االنتخابــات أكثــر جــدوى .لكــن هــذه املرونــة التــي انتهجهــا القاضــي
االنتخابــي ال تقتصــر علــى توزيــع عــبء اإلثبــات وإنمــا تمتــد ايضــا إلــى وســائل
اإلثبــات املتــاح لألطــراف لالســتدالل بهــا رغــم أن آثــار هــذه املرونــة كانــت نســبية.
مــن خــال دراســة فقــه قضــاء املحكمــة اإلدارية في مــادة النزاعات االنتخابيــة يتب ّين
أن أطــراف املنازعــة قــد دأبــوا علــى اإلدالء أمــام القاضــي االنتخابــي بشــتى وســائل
اإلثبــات فــي ســبيل إقناعــه بصحــة ادعاءاتهــم ممــا يعنــي أن الوســائل املتاحــة لهــم
فــي اإلثبــات متعــددة (الفقــرة األولــى) .لكــن رغــم تعـ ّدد وســائل اإلثبــات املمكنــة فــإن
اســتعمالها مــن األطــراف واعتمادهــا مــن القاضــي ظــل محــدودا (الفقــرة الثانيــة).
إنّ تعـ ّدد وســائل اإلثبــات املتــاح لألطــراف اســتعمالها فــي املنازعة االنتخابية يجد أساســه
في مبدأ حرية اإلثبات الذي جرى القاضي االنتخابي على تطبيقه ( )IIلجد ّية مب ّرراته (.)I
لــم يكــن األخــذ بمبــدأ حريــة اإلثبــات فــي املنازعــة االنتخابيــة وليــد اجتهــاد شــخصي مــن
القاضــي االنتخابــي ودون أســاس يســنده وإنمــا يســتند إلــى عــدة أســباب تبــرره منهــا مــا
هــو نظــري ( )1ومنهــا مــا هــو عملــي (.)2
.1املبررات النظرية
يجــد هــذا املبــدأ مبـ ّرره األول فــي عدم تقنني عملية اإلثبات في النــزاع االنتخابي وغياب أي
ـص يضبــط قائمــة فــي وســائل اإلثبــات املتــاح اســتعمالها فيــه .وقــد ســمح ذلــك لألطــراف نـ ّ
بالبحــث عــن أيــة وســيلة تكفــل لهــم اقنــاع القاضــي بصحــة ادعاءاتهــم .ومــا دام القاضــي
االنتخابــي التونســي هــو فــي نفــس الوقــت قــاض إداري فــإن غياب الســند النصــي لإلثبات
يمكــن أن يجــد مرجعــا لــه فــي غيــاب ذلــك الســند فــي القضــاء اإلداري عا ّمــة .إ ّال أ ّنــه رغــم
جد ّيــة هــذا املبـ ّرر فــإنّ تقنــن اإلثبــات فــي مجلــة القضــاء اإلداري املرتقبــة وضبــط قائمــة
لوســائل اإلثبــات أمــام القاضــي اإلداري ذلــك لــن يــؤول فــي نظرنــا إلــى تخلــي القاضــي
االنتخابــي عــن تطبيــق مبــدأ حريــة اإلثبــات بالنّظــر إلــى خصوص ّيــات املنازعــة االنتخابيــة.
ومــن جهــة أخــرى يجــد هــذا املبــدأ مبرراتــه فــي طبيعــة املنازعــة االنتخابيــة التــي
تتســم بعــدم التــوازن بــن أطرافهــا ،إذ أنّ امل ّدعــى عليهــا وهــي الهيئــة العليــا املســتق ّلة
لالنتخابــات تع ـ ّد الطــرف األقــوى ألنّهــا تمتــاز بقرينــة شــرع ّية قراراتهــا وقرينــة نزاهــة
االنتخابــات التــي تنظمهــا وتشــرف عليهــا 1وتحــوز أه ـ ّم وســائل اإلثبــات ،م ّمــا يقتضــي
تمكــن الطــرف األضعــف فيهــا وهــو املترشــح لالنتخابــات ،مــن حريــة االحتجــاج بأيــة
.1يراجع:
MORIN Jacques Carl: «Le droit de la preuve et la pétition en contestation d’élection», Cahiers de Droit, n.
.1-2, 1979. P.157
www.erudit.org/fr/revues/cd1/1979-v20-n1-2-cd3741/042312ar.pdf
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 192
وســيلة ممكنــة إلثبــات ح ّقــه .كمــا يجــد املبــدأ مبــررا لــه فــي طبيعــة املصالــح التــي
يحميهــا القانــون االنتخابــي وهــي باألســاس ضمــان نزاهــة وشــفافية االنتخابــات أكثــر
مــن كونهــا مصالــح ذاتيــة صرفــة ،فضــا عــن الــدور اإليجابــي للقاضــي االنتخابــي
فــي ال ّنــزاع والــذي يمكنــه مــن البحــث عــن الحقيقــة وكشــفها بشــتى الوســائل املمكنــة.
للمبــدأ عــدة مبــررات عمليــة ومــن بينهــا خاصــة مــا يتعلــق بطبيعــة العمليــة االنتخابيــة
التــي تشــهد فــي أغلــب األحيــان ارتــكاب مخالفــات أو جرائــم انتخابيــة تتعلــق خاصــة
بالحملــة االنتخابيــة أو بالصمــت االنتخابــي أو باالقتــراع والفــرز أو بتمويــل الحملــة.
وبحكــم الطبيعــة الجزائيــة لتلــك املخالفــات فــإن األطــراف يواجهــون صعوبــات حقيقيــة فــي
إثباتهــا ،م ّمــا يقتضــي تمكينهــم مــن حريــة اإلثبــات التــي يط ّبقهــا عــادة القاضــي الجزائــي.
وباإلضافــة إلــى ذلــك فــإن املســار االنتخابــي هــو عمليــة مركبــة تشــمل العديــد مــن
املراحــل واإلجــراءات وأهمهــا الحملــة االنتخابيــة التــي تتعاضــد فــي تنظيمهــا والقيــام بهــا
أســاليب تقليديــة كاالجتماعــات واملواكــب وأخــرى حديثــة ومــن بينهــا الدعايــة بوســائل
اإلعــام الســمعية والبصريــة وااللكترونيــة ،1وهــو مــا يعنــي أن العمليــة االنتخابيــة منفتحــة
باســتمرار علــى التطــور التكنولوجــي ،ومــن ثـ ّم فــإنّ إقامــة الدليــل علــى حصــول خروقــات
فيهــا يســتوجب اللجــوء إلــى وســائل مســتجدة فــي اإلثبــات ،ممــا يجعلهــا تتعــارض مــع
ضبــط قائمــة حصريــة لتلــك الوســائل وتتــاءم أكثــر مــع تطبيــق مبــدأ حريــة اإلثبــات.
مــا يالحــظ مــن خــال فقــه القضــاء املتع ّلــق بالنزاعــات االنتخاب ّيــة هــو أنّ القاضــي
االنتخابــي دأب علــى تطبيــق مبــدأ حريــة اإلثبــات منــذ انتخابــات املجلــس الوطنــي
التأسيســي لســنة .2011وعمــا بمــا جــرى عليــه القضــاء فــإن املبــدأ املذكــور
يفيــد بــأن «إثبــات املخالفــات أو اإلخــاالت االنتخابيــة يكــون بجميــع وســائل
اإلثبــات املمكنــة» .2وأنّــه بنــاء علــى ذلــك «يمكــن للقاضــي اإلداري بوصفــه
يشــمل هــذا الصنــف مــن وســائل اإلثبــات كل وســيلة يصدرهــا أحــد أطــراف النــزاع
أو تكــ ّون بطلــب منــه ،ويتــم االدالء بهــا أمــام القاضــي املتعهــد قصــد تأكيــد أو نفــي
الوجــود املــادي للوقائــع واإلخــاالت املدعــى بهــا .ويمكــن تفصيــل أهــم وســائل
اإلثبــات التــي اعتمدهــا األطــراف فــي اإلثبــات أمــام القاضــي االنتخابــي كاآلتــي:
• التقاريــر ومحاضــر املعاينــات املحــررة مــن أعــوان املراقبــة املح ّلفــن التابعــن لهيئــة
االنتخابــات ،وهــي تعــد أبــرز الوســائل التــي يســتعملها األطراف فــي اإلثبات ملــا تتمتع به
مــن حجيــة باعتبــار أنّ محرريهــا لهــم صفــة مأمــور الضابطــة العدليــة .ويشــترط القاضي
االنتخابــي أن تكــون هــذه املحاضــر محـ ّررة وفقــا للشــروط الشــكلية املقـ ّررة قانونــا قبــل
تقديــر قيمتهــا اإلثباتيــة ،3ومــن بينهــا أن تتض ّمــن ختــم الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات.4
• التحفظــات التــي يتــم تدوينهــا بمحاضــر االقتــراع والفــرز أو تضمينهــا بمذكــرات
وإرفاقهــا بتلــك املحاضــر والصــادرة عــن املترشــحني أو ممثلــي القائمــات
املترشــحة أو املالحظــن طبقــا للفصلــن 124و 139مــن القانــون االنتخابــي ،وتتعلــق
باملخالفــات أو اإلخــاالت التــي تتــم معاينتهــا مــن قبلهــم خــال االقتــراع أو الفــرز.1
• شــهادات الشــهود قصــد إثبــات أو دحــض الوقائــع املنســوبة إلــى املدعــي ،وخاصــة
إثبــات حصــول خروقــات قبــل الحملــة االنتخابيــة أو أثناءهــا أو يــوم االقتــراع 2أو
خــال الفــرز ،أو إثبــات واقعــة قيــام الهيئــة الفرع ّيــة لالنتخابــات بمنــع أعضــاء القائمــة
التكميليــة مــن الدخــول إلــى مقــر الهيئــة .3وقــد اعتمــدت املحكمــة اإلدارية شــهادة صادرة
عــن رئيــس النيابــة الخصوصيــة إلحــدى البلديــات تفيــد بــأنّ مترشــحة لالنتخابــات
التشــريعية ع ّرفــت بإمضائهــا لــدى مكتــب التفويــض باإلمضــاء بالبلديــة كمترشــحة،
وقضــت املحكمــة علــى أساســها بإلغــاء قــرار رفــض ترشــح القائمــة التــي تنتمــي إليهــا.4
خاصــة معاينــة
ّ • محاضــر عــدول التنفيــذ 5وعــدول اإلشــهاد 6التــي يتــ ّم مــن خاللهــا
وتوثيــق املخالفــات االنتخابيــة .وقــد أقــر القاضــي االنتخابــي إمكانيــة االعتمــاد
عليهــا 7رافضــا دفــع هيئــة االنتخابــات بعــدم قبولهــا كحجــة بدعــوى أن رصــد
التجــاوزات االنتخابيــة هــو اختصــاص حصــري ألعوانهــا املحلفــن .8وهــي ذات
أهميــة كبيــرة فــي النــزاع االنتخابــي ألن بعــض وســائل اإلثبــات تتــم معاينــة
محتواهــا بواســطة تلــك املحاضــر قبــل اإلدالء بهــا إلــى القاضــي االنتخابــي
ومــن بينهــا خاصــة الوســائط واملواقــع االلكترونيــة والتســجيالت بأنواعهــا.9
• الصــور الفوتوغرافيــة واألقــراص املضغوطــة ،وقــد قبــل القاضــي االنتخابــي تقديــم
األطــراف صــورا فوتوغرافيــة إلثبــات وقائــع محــددة ،وأقـ ّر مثــا أن «موكــب الســيارات
الــذي أشــار إليــه الطاعــن واملرفــق بالصــور التــي أدلــى بهــا ال يعـ ّد مــن قبيــل اإلشــهار
السياســي» .1كمــا أنــه أقـ ّر إمكانيــة االســتدالل باألقــراص املضغوطــة إلثبــات املخالفــات،
وتتضمــن هــذه األقــراص إمــا تســجيالت بالصــوت تتعلــق مثــا بمحتــوى برامــج قدمهــا
رئيــس قائمــة مترشــحة عبــر إحــدى اإلذاعــات ،2أو تســجيالت بالصــوت والصــورة تتعلــق
ببرامــج ت ـ ّم ب ّثهــا علــى قنــاة تلفزيــة 3أو تســجيالت فيديــو تو ّثــق عمليــة انتخــاب رئيــس
بلديــة بجميــع مراحلهــا .4وت ـ ّم اســتعمال األقــراص املضغوطــة كذلــك إلثبــات اســتيفاء
أو عــدم اســتيفاء املترشــح لالنتخابــات الرئاســية لشــرط الحصــول علــى التزكيــات.5
• محاضــر الجلســات الرســمية ،وقــد قضــت املحكمــة اإلدار ّيــة بــأنّ محضــر جلســة
انتخــاب رئيــس البلديــة «املح ـ ّرر مــن الكاتــب العــام للبلديــة طبــق مــا اقتضــاه الفصــل
246مــن مجلــة الجماعــات املحليــة يعــد وثيقــة أساســية إلثبــات انعقــاد الجلســة».6
يمكــن لجهــات أخــرى غيــر أطــراف النــزاع أن تكــون مصــدرا لوســائل اإلثبــات
التــي يتولــى الطــرف املعنــي اإلدالء بهــا أمــام القاضــي االنتخابــي إلثبــات صحــة
إدعاءاتــه ،وعــادة مــا تكــون تلــك الجهــات معنيــة مباشــرة او بصــورة غيــر مباشــرة
بالعمليــة االنتخابيــة ،ويمكــن أن نذكــر مــن بــن هــذه الوســائل خاصــة مــا يلــي:
• األحــكام القضائيــة ،وتشــمل األحــكام الصــادرة عــن القاضــي الجزائــي بخصــوص
الجرائــم االنتخابيــة املرتكبــة مــن أحــد املترشــحني مباشــرة أو املرتكبــة مــن الغيــر
وينتفــع بهــا املترشــح والقاضيــة إمــا باإلدانــة أو بالبــراءة ،وفــي كلتــا الحالتــن ال يعتــد
بالحكــم إال متــى كان باتــا .كمــا تشــمل أيضــا األحــكام الباتــة الصــادرة عــن محكمــة
املحاســبات فــي حــاالت تجــاوز الســقف الجملــي لإلنفــاق علــى الحملــة االنتخابيــة.
• تقاريــر مالحظــي االنتخابــات ،وقــد اختلفــت مواقــف املحكمــة اإلداريــة بشــأنها.7
فلئــن اســتقر موقــف الدوائــر االســتئنافية علــى قبــول هــذه الوســيلة فــي اإلثبــات،1
فــإنّ موقــف الجلســة العامــة القضائيــة اتســم بعــدم الوضــوح ،فقــد انتهــت فــي قــرار
لهــا صــادر ســنة 2014إلــى عــدم االعتــراف بتلــك التقاريــر لإلثبــات ألنهــا «ال يمكــن
أن ترقــى بــأي حــال مــن األحــوال إلــى مرتبــة تقاريــر مراقبــي هيئــة االنتخابــات
املحلفــن ...وال يمكــن بالتالــي االحتــكام إليهــا فــي إثبــات أفعــال ج ّرمهــا القانــون
االنتخابــي ،2لكنهــا قبلــت ضمنيــا فــي قــرار آخــر هــذه الوســيلة ومارســت رقابتهــا
علــى حجيتهــا .3إال أنــه يبــدو أن املوقــف الســائد هــو أنّ تقاريــر مالحظــي االنتخابــات
تعــد مــن بــن وســائل اإلثبــات املمكنــة لكــن تقديــر حجيتهــا يرجــع للمحكمــة.
• التقاريــر والوثائــق الصــادرة عــن بعــض الهيئــات العموميــة املســتقلة ،وتتعلــق أساســا
وفــق مــا عــرض مــن نزاعــات علــى القاضــي االنتخابــي بهيئتــن عموميتــن ،أوالهمــا هــي
الهيئــة العليــا لتحقيــق أهــداف الثــورة واإلصــاح السياســي واالنتقــال الديمقراطــي التي
ضبطــت قائمــة املناشــدين .وقــد تــم االســتناد إلــى هــذه القائمــة مــن قبــل األطــراف إمــا
إلثبــات املناشــدة أو لنفيهــا .4وأمــا الهيئــة الثانيــة فهــي الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال
الســمعي والبصــري التــي تعـ ّد تقريــرا يتعلــق بالخروقــات املســجلة فــي تغطيــة الحملــة
االنتخابيــة فــي وســائل االتّصــال الســمعي والبصــري .وهــذا التقريــر يعـ ّد مؤيــدا هامــا
يســتند إليــه األطــراف لتأكيــد أو نفــي تلــك الخروقــات ومــن بينهــا اإلشــهار السياســي.5
إ ّال أنّ مــا تــم تعــداده أعــاه مــن وســائل إثبــات هــي مجــرد أمثلــة ممــا عــرض علــى
القاضــي االنتخابــي وال تقتصــر عليهــا إذ توجــد عــدة وســائل أخــرى يتــاح لألطــراف
املوجهــة إلــى الهيئــة العليــا املســتقلة
ّ اســتعمالها كأوراق التصويــت والشــكايات
لالنتخابــات والقصاصــات الصحفيــة فضــا عــن اإلقــرار وهــو ســيد األدلــة وغيرهــا.
والواضــح م ّمــا تقــدم ذكــره أن وســائل اإلثبــات فــي املنازعــة االنتخابيــة متعــددة
وأن تع ّددهــا يعــود باألســاس إلــى القاضــي االنتخابــي الــذي أخضعهــا ملبــدأ
حريــة اإلثبــات ،لكــن هــذا التعــ ّدد ال ينبغــي أن يحجــب محدود ّيــة الجــدوى منهــا.
إن اعتمــاد القاضــي االنتخابــي مبــدأ حريــة اإلثبــات وإقــراره إمكانيــة االســتدالل بــكل
وســائل اإلثبــات املمكنــة يــؤدي مبدئيــا إلــى إتاحــة الفرصــة لألطــراف لتقديــم الحجــج التــي
يرونهــا صالحــة إلقنــاع القاضــي بصحــة ادعاءاتهــم ومــن ث ـ ّم الحكــم لفائدتهــم .غيــر أن
واقــع النــزاع االنتخابــي يبــرز عكــس ذلــك إذ أن أغلــب القضايــا التــي قبلــت شــكال كان
مآلهــا الرفــض أصــا ،1وأن الســبب األساســي لهــذا الرفــض يعــود إلــى عــدم تقديــم أدلــة
اإلثبــات الالزمــة أو إلــى عــدم جديــة األدلــة املق ّدمــة ،وهــو مــا يســتتبع القــول بــأن الجــدوى
مــن وســائل اإلثبــات املعمــول بهــا أمــام القاضــي االنتخابــي محــدودة .ويمكــن تفســير
هــذه املحدوديــة باألســاس بأســباب راجعــة للهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات نتيجــة
تصرفهــا بحــذر فــي وســائل اإلثبــات التــي تتح ّوزهــا ( )Iوبأســباب أخــرى راجعــة للقاضــي
االنتخابــي نتيجــة التشــدد الــذي أبــداه فــي تقديــر القيمــة اإلثباتيــة لتلــك الوســائل (.)II
والصالح ّيــات
ّ تعــ ّد الهيئــة العليــا املســتق ّلة لالنتخابــات بحكــم املهــا ّم املك ّلفــة بهــا
الطــرف القــوي فــي املخ ّولــة لهــا بموجــب قانــون إحداثهــا والقانــون االنتخابــي ّ
املنازعــة االنتخابيــة ،م ّمــا يــؤ ّدي إلــى اختــال التــوازن بــن الطرفــن لفائدتهــا .وقــد
ازدادت حــ ّدة هــذا االختــال بســبب اســتئثار الهيئــة بأهــ ّم وســائل اإلثبــات املتع ّلقــة
بالعمليــة االنتخابيــة ( )1وتح ّفظهــا نســب ّيا عــن الوســائل التــي تســتأثر بهــا (.)2
إنّ الهيئة العليا املســتقلة لالنتخابات هيئة عمومية مســتقلة أســند إليها القانون األساســي
املتعلــق بإحداثهــا مهمــة الســهر علــى ضمــان انتخابــات واســتفتاءات ديمقراطيــة وحــرة
.1علــى ســبيل ال ّذكــر بالنســبة إلــى نزاعــات نتائــج االنتخابــات التشــريعية لســنة 2014فــي الطــور االبتدائــي تــم
الحكــم برفــض 25قضيــة أصــا مــن جملــة 33قضيــة .وبالنســبة إلــى نزاعــات نتائــج االنتخابــات التشــريعية
لســنة 2019تــم الحكــم نهائ ّيــا بالرفــض أصــا فــي 62قض ّيــة مــن بــن 63قض ّيــة قبــل فيهــا الطعــن شــكال.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 198
وتعدديــة ونزيهــة وشــفافة ،1وخـ ّول لهــا إلنجاز هذه املهمــة «القيام بجميــع العمليات املرتبطة
بتنظيــم االنتخابــات واالســتفتاءات وإدارتهــا واإلشــراف عليهــا» .2وفــي إطــار قيامهــا بهــذه
املهمــة تتمتــع الهيئــة بصالحيــات هامــة مــن بينهــا خاصة قبــول ملفات الترشــح لالنتخابات
والبــت فيهــا ومراقبــة الحمــات االنتخابيــة وتمويلهــا وفــرز األصوات واإلعالن عــن النتائج.
كمــا أجــاز لهــا القانــون االنتخابــي تكليــف أعوانهــا املحلفــن بمعاينــة املخالفــات ورفعهــا.3
ويتّضــح ممــا تقــ ّدم أن قيــام الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات بمهامهــا يم ّكنهــا
مــن تكويــن وســائل اإلثبــات ومســكها ،وتشــمل هــذه الوســائل خاصــة ملفــات
املترشــحني املقدمــة إليهــا واملحاضــر املتعلقــة بمراقبــة الحملــة االنتخابيــة فضــا
عــن محاضــر االقتــراع والفــرز ،وهــي تعــ ّد مــن أهــم وســائل اإلثبــات فــي النــزاع
االنتخابــي الــذي هــو باألســاس نــزاع ترشــحات ونتائــج وأهــم الخروقــات امل ّدعــى
بهــا فــي إطــاره تتعلــق بالحملــة االنتخابيــة والصمــت االنتخابــي واالقتــراع ،وهــو مــا
يجعــل الهيئــة املذكــورة تســتأثر بجــزء هــا ّم مــن وســائل اإلثبــات .غيــر أنّهــا تح ّوزهــا
بهــذه الوســائل يقتــرن فــي الواقــع ببعــض التح ّفــظ عــن توفيرهــا ملــن يحتاجهــا.
.2تح ّفظ الهيئة نسب ّيا عن وسائل اإلثبات التي تستأثر بها
إنّ ضمــان انتخابــات نزيهــة يســتوجب مــن الهيئــة ،باإلضافة إلى توفير كل الوســائل املادية
واللوجســتية الالزمــة لتنظيــم االنتخابــات وحســن إدارة العمليــة االنتخابيــة واإلشــراف
عليهــا ،4معاينــة املخالفــات االنتخابيــة مهمــا كانــت درجــة جســامتها ووضــع ح ـ ّد فــوري
لهــا ،5ثــم اتخــاذ اإلجــراء القانونــي الــازم بشــأنها .ومــن ثــم فــإن نزاهــة االنتخابــات ال
تعنــي غيــاب اإلخــاالت وإنمــا تعنــي التصـ ّدي لــكل إخــال بمــا يلــزم مــن إجــراءات .وتبعــا
لذلــك تكــون الهيئــة مطالبــة بالحــرص علــى الكشــف عــن كل الخروقــات وتمكــن كل ذي
مصلحــة والقاضــي االنتخابــي املتعهــد مــن أدلــة إثباتهــا ال احتكارهــا ومنــع الولــوج إليهــا.
ومــن خــال دراســة فقــه القضــاء االنتخابــي وواقــع املمارســة يتب ّيــن أن هيئــة االنتخابــات
.1الفصالن 1و 2من القانون األساسي عدد 23لسنة 2012املؤرخ في 20ديسمبر .2012
.2الفصل 3من القانون نفسه.
.3الفصل 72من القانون األساسي عدد 16لسنة 2014املتع ّلق باالنتخابات واالستفتاء.
ـص الفصــل 3مــن القانــون األساســي عــدد 23لســنة 2012املتع ّلــق بالهيئــة العليــا املســتق ّلة لالنتخابــات علــى أنّهــا .4نـ ّ
الضامنــة لنزاهــة االنتخابــات واالســتفتاءات وشــفاف ّيتها»... خاصــة « ...وضــع آل ّيــات التنظيــم واإلدارة والرقابــة ّ
ّ تتو ّلــى
.5الفصل 71من القانون األساسي عدد 16لسنة 2014املتع ّلق باالنتخابات واالستفتاء.
199 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
تتصـ ّرف فــي وســائل اإلثبــات التــي تســتأثر بهــا ببعــض التح ّفــظ الــذي يمكــن إبــراز أهــم
مظاهــره فــي اآلتي:
• رفــض الهيئــة تمكــن بعــض املترشــحني مــن ملفــات الترشــح لالنتخابــات املتعلقــة
بمنافســيهم ،م ّمــا يحــول دون تقديــم طعــون ض ّدهــم بنــاء علــى عــدم اســتيفائهم لشــروط
الترشــح ،وفــي صــورة مبادرتهــم بالطعــن فــإنّ مآلــه الرفــض لعــدم تقديــم حجــة أو بدايــة
حجــة علــى ا ّدعاءاتهــم.
• رفــض الهيئــة تمكــن أحــد املترشــحني مــن محاضــر املخالفــات وحجــز مع ّلقــات
انتخاب ّيــة املحــررة مــن الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات إال بنــاء علــى بنــاء علــى إذن علــى
عريضــة مــن القضــاء العدلــي.1
• عــدم إدالء الهيئــة إلــى املحكمــة اإلداريــة بمناســبة نــزاع انتخابــات املجلــس الوطنــي
التأسيســي لســنة 2011بنســخة الكترونيــة مــن قائمــة املناشــدين ،والحــال أن املحكمــة
مؤتمنــة علــى ســرية هــذه الوثيقــة.
• يتب ّيــن مــن خــال مختلــف النزاعــات االنتخابيــة التــي نظــرت فيهــا املحكمــة اإلداريــة
أن هيئــة االنتخابــات أبــدت تعاونــا مــع املحكمــة بخصــوص اإلثبــات ،ويتجلــى ذلــك
املوجهــة إليهــا .إال أنّ فــي اســتجابة الهيئــة لطلبــات اإلدالء بالوثائــق واملؤيــدات
هــذا التعــاون ال يبــدو كافيــا فــي نظرنــا ألن الهيئــة مطالبــة بعــدم انتظــار القاضــي
الطعــون االنتخابــي ليطالبهــا بتقديــم اإلثباتــات ،وإنمــا عليهــا املبــادرة تلقائيــا فــي كل ّ
وبحيــاد تــا ّم بــاإلدالء بمناســبة ردهــا علــى عريضــة الطعــن بــكل عناصــر اإلثبــات
املتو ّفــرة لديهــا فــي موضــوع الطعــن والتــي تســتأثر بهــا ،بمــا ي ّيســر الرقابــة
التــي يجريهــا القاضــي املذكــور علــى االنتخابــات ،ويم ّكنــه مــن ممارســة ســلطته
التقدير ّيــة فــي تقييــم الحجــج املق ّدمــة واعتمــاد العناصــر التــي لهــا قيمــة إثبات ّيــة.
يضــع القاضــي االنتخابــي فــي حســبانه عنــد تعاملــه مــع وســائل اإلثبــات املدلى بهــا أمامه
قرينــة ســامة املســار االنتخابــي وهــي قرينــة بســيطة تقبــل الدحــض بالحجــة املعاكســة.
كمــا أ ّنــه يلتــزم بهــا عمــا بقاعــدة «األصــل فــي األمــور الصحــة واملطابقــة للقانــون حتــى
يثبــت خالفــه» .2فكانــت تلــك القرينــة مرجعــا لــه فــي بعــض أحكامــه إذ صــ ّرح بــأنّ
أي تحفــظ طيلــة مراحــل العمليــة االنتخابيــة يقــوم قرينــة علــى ســامتها».1
«عــدم تقديــم ّ
وباالســتناد إلــى هــذه القرينــة ومــن منطلــق كونــه الضامــن لنزاهــة االنتخابات أقـ ّر القاضي
االنتخابي لنفســه ســلطة تقديرية واســعة في مراقبة وسائل اإلثبات وتقدير قيمتها اإلثباتية،
كمــا أنــه انتهــج موقفــا متشــددا فــي اعتماد الحجج املق ّدمــة إليه .وقد تأكد هذا التشــدد من
خــال اســتبعاد بعــض وســائل اإلثبــات ( )1وفــي تقدير القيمــة اإلثباتية لبقية الوســائل (.)2
يتو ّلــى القاضــي االنتخابــي عــادة فحــص كل الحجــج املق ّدمــة إليــه ويجــري رقابتــه عليهــا
لينتهــي إمــا إلــى قبــول مبــدأ االســتناد إليهــا أو إلــى رفــض اعتمادهــا.
واملالحــظ أن رفــض القاضــي اعتمــاد بعــض وســائل اإلثبات أساســه أنّ الحجــة املدلى بها
ال تصلــح أن تكــون حجــة وال حتــى بدايــة حجــة .ويمكــن باالطــاع علــى فقه قضــاء املحكمة
اإلداريــة املتعلــق بالنــزاع االنتخابــي ضبــط بعــض الحــاالت التــي رفــض فيهــا القاضــي
االنتخابــي اعتمــاد وســائل اإلثبــات علــى ســبيل الذكــر ال الحصــر وتفصيلهــا كاآلتــي:
• الوثائــق غيــر املترجمــة وغيــر املقــروءة ومجهولــة املصــدر :فقــد انتهــت إحــدى الدوائــر
االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة بخصــوص نســخة عقــد إســداء خدمــة بــن رئيــس حــزب
وشــركة دعايــة أجنبيــة أدلــت بهــا قائمــة حزبيــة منافســة لــه إلثبــات تجــاوز ســقف اإلنفاق
االنتخابــي ،إلــى أنّ «الوثيقــة املقدمــة ال ترتقــي إلــى مســتوى املؤ ّيــد القانونــي الــذي يمكــن
اعتمــاده ألنــه ال يســتجيب ملق ّومــات العقــود التــي يمكــن مجابهــة الغيــر بها» .2فيمــا انتهت
دائــرة اســتئنافية أخــرى بخصــوص نفــس الوثيقــة إلــى االلتفــات عنهــا ألنّهــا «مجــرد
نســخة غيــر مقــروءة لعقــد مكتــوب بلغــة أجنبيــة ولــم يكــن مصحوبــا بترجمة عربيــة له وأنّ
أي جهــة رســمية».3 مــا ض ّمــن عليهــا مــن مالحظــات باللغــة العربيــة غيــر منســوب إلــى ّ
• مذكــرات التحفظــات واملالحظــات :ال يعتــد بهــا القاضــي االنتخابــي إذا لــم تكــن مذيلــة
بإمضــاء رئيــس مكتــب االقتــراع ومســتوفية لبقيــة شــروطها الشــكلية املحـ ّددة قانونــا 4أو
إذا لــم تكــن مض ّمنــة بمحاضــر االقتــراع والفــرز أو مرفقــة بهــا .وافتقــاد تلــك املذكــرات
إنّ اعتمــاد مبــدأ حريــة اإلثبــات فــي النــزاع االنتخابــي وفتــح البــاب أمــام األطــراف إلقنــاع
القاضــي االنتخابــي بصحــة إدعاءاتهــم بمختلــف وســائل اإلثبــات املتاحــة لهــم يفتــرض
بالضــرورة أن يتولــى القاضــي بمــا لــه من ســلطة تقدير ّيــة النظر والتمحيص في كل وســيلة
إثبــات تقـ ّدم إليــه للتحقــق مــن مــدى قوتهــا اإلثباتيــة .وقــد دأب فــي كل الدعــاوى املقبولــة
شــكال والتــي عرضــت عليــه فــي إطارهــا وســائل إثبــات ،علــى إخضــاع هــذه الوســائل
لرقابــة صارمــة انتهــت فــي جــل الحــاالت إمــا إلــى نفــي حج ّيتهــا أو إعطائها حج ّية نســبية.
وقــد شــملت هــذه الرقابــة كذلــك وســائل اإلثبــات التــي اعتبرهــا القاضــي بدايــة حجــة.
تفحصهــا منهجيــة فأمــا بخصــوص بدايــة الحجــة ،فــإن القاضــي االنتخابــي يعتمــد فــي ّ
واضحــة إذ يشــترط اإلدالء ولــو ببدايــة حجــة .ثــم يضــع لهــا شــروطا شــكل ّية وأخــرى
موضوع ّيــة وأهمهــا الجديــة التــي تتوافــر متــى اســتوفت بدايــة الحجــة شــروطها
الشــكلية ،لينتهــي إلــى مراقبــة مــدى توافــر تلــك الشــروط .وتأسيســا علــى ذلــك اعتبــر
القاضــي مثــا أنّ «عــبء إثبــات اإلخــاالت املتعلقــة بعمليــة الفــرز محمولــة علــى
امل ّدعــي ألنّ معاينتهــا تتــ ّم يــوم الفــرز مــن طــرف ممثــل القائمــة أو الحــزب علــى أن
يتــم تدوينهــا بمحضــر الفــرز حتــى تكتســي طابــع الجديــة وتشــ ّكل بدايــة حجــة علــى
ذلــك ...وطاملــا أن محاضــر الفــرز لــم تتضمــن أي تحفــظ فــإنّ االدعــاء يكــون مج ـ ّردا».1
وأمــا بخصــوص الحجــج املدلــى بهــا ،فــإنّ القاضــي االنتخابــي يشــترط لألخــذ بهــا أن
يرجــح إدعــاءات امل ّدعــي بصــورة مؤكــدة وواضحــة وجد ّيــة .وهــو مــا يعنــي
تتض ّمــن مــا ّ
أنــه يراقــب بتشــدد محتــوى تلــك الحجــج علــى مســتوى شــكلياتها ومضمونهــا .ويمكــن أن
نذكــر كأمثلــة لذلــك مــا يلــي:
• أ ّكــد القاضــي االنتخابــي أن املحاضــر التــي يح ّررهــا أعــوان املراقبــة املحلفــون ال تكون
صحيحــة وجديــرة باالعتمــاد إال إذا كانــت محــررة طبقــا للشــروط الشــكلية املســتوجبة
قانونــا ،وأن تلــك املحاضــر ال تكتســي صبغــة نهائيــة وال تحــول دون رقابــة القاضــي علــى
صحــة مــا يقــع تضمينــه بهــا .2وقــد انتهــى تبعــا لهــذه الرقابة في إحــدى القضايــا إلى أنّ
«محضــر املعاينــة املحـ ّرر مــن أعوان املراقبة التابعني لهيئة االنتخابات ال يم ّثل حجة كافية
للتدليــل علــى الثبــوت املادي للواقعة امل ّدعى بها ...ألنّه ورد متّســما بالعمومية والغموض.3
• يقــ ّر القاضــي االنتخابــي لنفســه حــقّ تقديــر حجيــة األحــكام الجزائيــة ولــو
كانــت باتــة إذ يتث ّبــت مثــا فــي مــدى وجــود عالقــة بــن الشــخص املحكــوم ضــ ّده
والقائمــة املنافســة ومــدى انتفــاع األخيــرة باملخالفــة االنتخابيــة التــي ارتكبهــا.4
الصــادرة عــن الهيئــات• يســ ّلط القاضــي االنتخابــي رقابتــه أيضــا علــى التقاريــر ّ
تؤســس عليهــا هيئــة االنتخابــات قراراتهــا كمــا هــو العموم ّيــة املســتقلة التــي ّ
الشــأن مثــا بالنّســبة إلــى الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي والبصــري .وإذا كان
القاضــي االنتخابــي مق ّيــدا بمــا تتضمنــه هــذه التقاريــر مــن معطيــات فنيــة ،فــإن
التكييــف الــذي يــرد بهــا فــي عالقــة باملخالفــات االنتخابيــة يخضــع لرقابتــه ألنّ ذلــك
مــن اختصاصــه الحصــري .وقــد أكــد القاضــي فــي هــذا الخصــوص أنّ «تكييــف
الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي والبصــري للمخالفــات االنتخابيــة ال يق ّيــد القاضــي
االنتخابــي الــذي لــه صالحيــة بســط رقابتــه علــى مــدى صحــة ذلــك التكييــف».1
ويســتفاد م ّمــا تقــدم بســطه أن القاضــي االنتخابــي يمــارس رقابتــه علــى كل وســائل
اإلثبــات املق ّدمــة إليــه وال يعتــرف بالتالــي بوجــود وســائل ذات حجيــة وقيمــة إثباتيــة مطلقــة.
إال أن هــذا التشـ ّدد الــذي انتهجــه القاضــي االنتخابــي يقتــرن فــي أغلــب األحيــان بافتقــاد
الطاعنــن لوســائل اإلثبــات الالزمــة لعــدم تح ّوزهــم لهــا ،وهــو مــا يجعلهــم يواجهــون فــي
أغلــب األحيــان صعوبــات حقيقيــة فــي اإلثبــات .وللتقليــص مــن هــذه الصعوبــات دأب
القاضــي علــى التدخــل أثنــاء التحقيــق لتوجيــه األطــراف أو مســاعدتهم علــى اســتكمال
اإلثبــات بموجــب الســلطات االســتقصائ ّية املخ ّولــة إليــه فــي نطــاق املنازعــة االنتخاب ّيــة.
يباشــر القاضــي االنتخابــي النّظــر فــي الدعــاوى املرفوعــة بالتّحقيــق فيهــا .ويتم ّثــل
التحقيــق فــي مختلــف اإلجــراءات التــي يــأذن بهــا القاضــي لجعــل القض ّيــة
جاهــزة للفصــل فيهــا ،2م ّمــا يعنــي أنّــه يمــارس ســلطة البحــث واالســتقصاء
الزمــة إليضــاح الحقيقــة وتيســير الفصــل فــي النــزاع املطــروح لجمــع األدلــة ال ّ
وخاصــة منهــا ذات ّ تختــص بهــا النزاعــات اإلدار ّيــة
ّ أمامــه .وهــو يعــ ّد ميــزة
الصبغــة املوضوع ّيــة ،علــى خــاف النــزاع املدنــي الــذي يتح ّكــم فيــه األطــراف ّ
يختــص بنظــره
ّ فــي جاهزيــة القض ّيــة للحكــم .وطاملــا أنّ النــزاع االنتخابــي
القاضــي اإلداري فــإنّ إجــراءات النّظــر فيــه تعتمــد باألســاس علــى التّحقيــق.
واملالحــظ أنّ إجــراءات التحقيــق فــي املنازعــة االنتخاب ّيــة أمــام القاضــي اإلداري
كمــا هــو ّ
الشــأن بالنّســبة إلــى ســائر املنازعــات اإلدار ّيــة عامــة تقــوم باألســاس
علــى مبــدإ املواجهــة الــذي يوجــب إطــاع الخصــوم علــى مــا يقـ ّدم إلــى القاضــي
مــن وثائــق وأد ّلــة ،فضــا عــن كونهــا إجــراءات اســتقصائ ّية تخــ ّول للقاضــي
والتقصــي واإلذن بــكل إجــراء يــراه ضرور ّيــا لكشــف حقيقــة ّ ســلطة البحــث
االدعــاء أمامــه .غيــر أنّ القانــون االنتخابــي اكتفــى بتحميــل امل ّدعــي واجــب إعــام
الجهــة امل ّدعــى عليهــا بعريضــة ال ّدعــوى أو الطعــن واملؤ ّيــدات ،1ولــم يتض ّمــن
الســلطة االســتقصائ ّيةوخاصــة ّ
ّ النــص علــى هــذه املبــادئ العا ّمــة
ّ بالتالــي
للقاضــي االنتخابــي تــاركا املجــال لهــذا األخيــر إلعمــال صالح ّيــات التّحقيــق
املخ ّولــة لــه كقــاض إداري .وقــد تســنّى للقاضــي االنتخابــي التأكيــد علــى أنّــه
الصالحيــات بالقــول بأنّــه «ال شــيء يحــول ،مــن حيــث املبــدأ، يتمتّــع بهــذه ّ
دون نظــر القاضــي االنتخابــي فيمــا يقــ ّدم إليــه مــن تقاريــر ...ســواء كانــت
كافيــة بذاتهــا للحســم فــي النــزاع أو منطلقــا ألبحــاث اســتقصائية إضافيــة».2
ويبــرز هــذا املوقــف الــذي أبــداه القاضــي االنتخابــي أنّــه ال يمــارس هــذه
الســلطات مباشــرة وإنّمــا يشــترط أن يدلــي األطــراف أمامــه بحــ ّد أدنــى مــن
لتدخلــه خــال مرحلــة التّحقيــق للبحــث واالســتقصاء ّ اإلثبــات يكــون منطلقــا
حتّــى يتســنّى لــه تأكيــد اإلثباتــات املق ّدمــة إليــه أو نفيهــا .ونتيجــة لذلــك
يباشــر القاضــي االنتخابــي دورا إيجاب ّيــا فــي اإلثبــات خــال التحقيــق فــي
الدعــاوى املرفوعــة أمامــه مســتعمال ســلطاته االســتقصائ ّية الواســعة (الفقــرة
األولــى) ،لكــنّ اســتعماله لهــذه الســلطات كان محــدودا (الفقــرة الثانيــة).
يتب ّيــن مــن خــال دراســة فقــه القضــاء االنتخابــي للمحكمــة اإلدار ّيــة أنّ القاضــي
االنتخابــي حــن نظــره فــي ال ّدعــاوى والطعــون املرفوعــة أمامــه لــم يلتــزم الحيــاد
تجــاه أطــراف النــزاع وإنّمــا ّ
تدخــل أثنــاء التحقيــق قصــد البحــث عــن أدلــة االثبــات
( )1بآل ّيــات متع ـ ّددة (.)II
.1الفصــول 27و 29و 49ســابع عشــر و 49تاســع عشــر و( 145جديــد) و( 146جديــد) مــن القانــون األساســي عــدد 16
لســنة 2014املتع ّلــق باالنتخابــات واالســتفتاء
.2الحكم عدد 201420027بتاريخ 8نوفمبر ( 2014مذكور سابقا).
205 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
.Iدواعي ّ
تدخل القاضي االنتخابي في اإلثبات
يمارس القاضي االنتخابي دورا إيجاب ّيا في املنازعة االنتخاب ّية م ّكنه من التح ّكم في مرحلة
تدخله في مســألة إثبات التّحقيــق فــي ال ّدعــوى وتوجيــه عمل ّيــة اإلثبــات في نطاقهــا ،ولم يكن ّ
املخالفــات االنتخاب ّيــة وغيرهــا مفتقــدا لألســس التــي تبـ ّرره ،وإنّمــا كانــت لــه عـ ّدة مبــررات
منهــا مــا هــو متع ّلــق بصفــة كقــاض انتخابــي ( )1ومــا هــو مرتبــط بالدعــوى االنتخابيــة (.)2
إن تدخــل القاضــي االنتخابــي فــي البحــث عــن وســائل اإلثبــات يجــد مبرراتــه أوال في كونه
باألســاس قــاض إداري يتعهــد بالنزاعــات االنتخابيــة وفــق إلجــراءات التحقيــق املنظمــة
بموجــب القانــون املتعلــق باملحكمــة اإلداريــة ،وذلــك فــي غيــاب أيــة أحــكام تتعلــق بإجــراءات
التحقيــق فــي القانــون االنتخابــي .وقــد خـ ّول قانون املحكمة إلــى القاضي املتع ّهــد بالقض ّية
فــي إطــار التحقيــق فيهــا اإلذن بــكل «اإلجــراءات التــي مــن شــأنها أن تنيــر القضيــة
كاألبحــاث واالختبــارات والزيــارات والتثبتــات اإلداريــة» ومطالبة األطراف بــاإلدالء بوثائق.1
تدخل القاضــي االنتخابي في االثبات يبــرر باألمانة التي يحملها وباإلضافــة إلــى ذلــك فــإنّ ّ
عند تع ّهده بالدعوى االنتخابية ،إذ هو مســتأمن على أصوات الناخبني .وهذه األمانة تلزمه
بعــدم إلغــاء تلــك األصــوات «ملجـ ّرد شــكوك أو إشــاعات أو حتــى وقائــع بســيطة أو محدودة
أو متفرقــة» وبعــدم إلغــاء النتائــج «إال متــى كانــت الحجــج املق ّدمــة قويــة وثابتــة ومــن شــأن
املحتــج بهــا التأثيــر بصــورة حاســمة فــي النتائــج» .2ومــن ثـ ّم فــإنّ القاضي عليه
ّ اإلخــاالت
التحـ ّري وجمــع األدلــة الالزمــة للتحقــق مــن ماديــة الوقائــع وتأثيرهــا علــى إرادة الناخبــن.
كمــا أنّ جعــل القاضــي االنتخابــي اإلثبــات حــ ّرا ومتاحــا بجميــع وســائل االثبــات
املمكنــة ويســمح للم ّدعــي بــأن يكتفــي بتقديــم حــد أدنــى مــن اإلثبــات ،يترتّــب عليــه
بالضــرورة إلــزام الجهــة املدعــى عليهــا بــاإلدالء بالحجــج املعاكســة والتــزام القاضــي
ّ
بالتدخــل الســتكمال البحــث والتحقيــق للتأكــد مــن جد ّيــة اال ّدعــاء والحســم فــي النــزاع.
.1الفصــان 44و 45مــن القانــون عــدد 40لســنة 1972املــؤ ّرخ فــي 01جــوان 1972املن ّقــح واملت ّمــم بالقانــون األساســي
عــدد 39لســنة 1996املــؤ ّرخ فــي 03جــوان .1996
مــن خصائــص الدعــوى االنتخابيــة عــدم التــوازن بــن طرفيهــا فــي امتــاك وســائل االثبــات
ألنّ أهـ ّم وأغلــب األدلــة توجــد فــي حــوزة الهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات التــي يمكــن
أن تعمــد إلــى إخفــاء بعــض عناصــر اإلثبــات قصــد منــع املدعــي مــن الولــوج إليهــا
قصــد اإلبقــاء علــى قرينــة ســامة االنتخابــات قائمــة .فــا يجــد امل ّدعــي إ ّال القاضــي
املتع ّهــد مــاذا لــه ملســاعدته علــى تجميــع اإلثباتــات التــي لــم يســتطع الحصــول عليهــا.
كمــا أنّ االقتصــار علــى تبــادل املذ ّكــرات والتقاريــر بــن الطرفــن أثنــاء التحقيــق ال يكفــي
فــي أغلــب األحيــان لتوفيــر عناصــر اإلثبــات الضروريــة لتكويــن قناعــة القاضــي ،ويب ـ ّرر
بالتالــي ّ
تدخلــه فــي اإلثبــات.
وعــاوة علــى ذلــك فــإنّ الدعــوى االنتخابيــة تتم ّيــز بقصــر أجــال رفعهــا التــي تتــراوح بــن
48ســاعة و 3أيــام مــن تاريــخ اإلعــام بالقــرار أو التعليــق بخصــوص الترشــح لإلنتخابــات
وبــن يومــن و 3أيــام بخصــوص النتائــج األوليــة لالنتخابــات .1وهــذه اآلجــال ال تكفــي
األطــراف لتجميــع الحجــج أو الحجــج املعاكســة م ّمــا يســتدعي تدخــل القاضــي املتعهــد
ملطالبتهــم بإتمــام مــا نقــص مــن أدلــة.
وملّــا كان القاضــي االنتخابــي هــو املــاذ األخيــر للم ّدعــي املتض ـ ّرر فــي االنتخابــات ،فــإن
عــدم تدخلــه أثنــاء التحقيــق لتجميــع أدلــة االثبــات مــن شــأنه أن يــؤدي ال فقــط إلــى ضيــاع
حــق املتنافســن فــي تلــك االنتخابــات وإنمــا أيضــا إلــى إقــرار نتائــج انتخابــات معيبــة فــي
نزاهتهــا وفــي ذلــك خطــر علــى املجتمــع ككل وعلــى النظــام الديمقراطــي ،األمــر الــذي يغــدو
معــه إعمــال القاضــي املذكــور لســلطاته االســتقصائية ضروريــا ويتــم ذلــك بآليــات متن ّوعــة.
لئــن لــم ينظــم القانــون االنتخابــي الصالحيــات التــي يتمتــع بهــا القاضــي االنتخابــي فــي
إطــار التحقيــق ،فــإن القانــون املتعلــق باملحكمــة الــذي يســتأنس بأحكامــه القاضــي املذكور
ـص فــي فصليــه 44و 45علــى جملــة مــن إجــراءات التحقيــق التــي يتـ ّم اتخاذهــا للبحــث نـ ّ
عــن أدلــة االثبــات وهــي تشــمل اإلذن لألطــراف بتقديــم االثباتــات ( )1وقيــام القاضــي
.1الفصول 46و 49سابع عشر و( 145جديد) و 148مك ّرر من القانون األساسي عدد 16لسنة .2014
207 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
يعــ ّد هــذا االجــراء التحقيقــي أ ّول اإلجــراءات التــي يــأذن بهــا القاضــي االنتخابــي
وأهمهــا ملــا لهــا مــن تأثيــر علــى مــآل اإل ّدعــاء .وهــو يتمثــل فــي مطالبــة أحــد
أطــراف املنازعــة أو كليهمــا بــاإلدالء بوثائــق أو بتقديــم إيضاحــات كتابيــة أو
شــفاهية لتكويــن قناعــة القاضــي بخصــوص مســألة واقعيــة مطروحــة عليــه.
وتبــدو هــذه اآلليــة لتدخــل القاضــي االنتخابــي فــي اإلثبــات غيــر مكلفــة ألنهــا تتـ ّم بمجـ ّرد
توجــه مــن املحكمــة إلــى الطــرف املعنــي تتضمــن تحديــد الوثيقــة أو الوثائــق مراســلة ّ
املطلوبــة وضبــط األجــل األقصــى لــإدالء بهــا ،أو بمج ـ ّرد طلــب شــفاهي خــال جلســة
املرافعــة ويض ّمــن بمحضرهــا.
كمــا أن هــذه اآلليــة توفــر الســرعة الالزمــة التــي يقتضيهــا النــزاع االنتخابــي ألن
طلــب الوثائــق فــي إطــاره يتــم عــادة بواســطة «الفاكــس» أو «البريــد اإللكترونــي».
وتهــدف هــذه اآلليــة إلــى البحــث عــن الحقيقــة ومســاعدة امل ّدعــي فــي جمــع األدلــة
إلظهارهــا وهــي بالتالــي ال تــؤول إلــى إنشــاء وســائل اإلثبــات وإنمــا فقــط إلــى نقــل الحجــة
مــن الطــرف الــذي يتح ّوزهــا إلــى الطــرف اآلخــر الــذي يفتقدهــا وإلــى القاضــي املتعهــد.
وعــادة مــا يــأذن القاضــي االنتخابــي بمــ ّده ّ
بــكل وثيقــة لــم يــدل بهــا األطــراف بصفــة
تلقائيــة ويراهــا ضروريــة إمــا إلثبــات اال ّدعــاء أو لدحضــه .ومــن ذلــك مل ّفــات الترشــح
لالنتخابــات وقائمــات التزك ّيــات ،1ومحاضــر عمليــة فــرز األصــوات وأوراق التصويــت،2
والتقاريــر واملحاضــر املحـ ّررة مــن مراقبــي الهيئــة العليــا املســتق ّلة لالنتخابــات املحلفــن،
وقائمــات الناخبــن ،3والتقاريــر أو الوثائــق الصــادرة عــن الهيئــات املســتقلة املعن ّيــة
وخاصــة املتعلقــة
ّ بالعمل ّيــة االنتخاب ّيــة كالهيئــة العليــا لإلتصــال الســمعي والبصــري
منهــا بالخروقــات املرتكبــة مــن وســائل االتصــال املذكــورة خــال الحملــة االنتخابيــة.
.1الحكــم عــدد 20192025بتاريــخ 22أوت « :2019وحيــث وفــي إطــار مــا لهــذه املحكمــة مــن صالحيــات واســعة...
بــادرت ...بمطالبــة الهيئــة بإحالــة ملــف الترشــح لإلنتخابــات الرئاســية الخــاص بالطاعــن بمــا فــي ذلــك القائمــات
األصليــة للمزكــن».
.2الحكم عدد 20183030بتاريخ 22ماي .2018
.3الحكم االبتدائي عدد 05900002بتاريخ 14مارس .2018
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 208
ويــأذن القاضــي االنتخابــي بتقديــم األدلــة إ ّمــا حــال تعهــده بملــف القضيــة يــوم تقديــم
الطعــن ،1أو بمناســبة توجيــه االســتدعاء إلــى األطــراف للحضــور بجلســة املرافعــة أو قبــل
انعقــاد هــذه الجلســة أو خاللهــا أو حتــى أثنــاء املفاوضــة بموجــب حكــم تحضيــري.2
يطلــب األدلــة مــن األطــراف بموجــب إجــراء يمكــن لقاضــي اإلثبــات أن ال
بنفســه بالبحــث عــن تلــك األدلــة علــى عــن تحقيقــي وإنمــا يتولــى القيــام
وهنــا أيضــا ال ينشــئ القاضــي الحجــة وإنمــا املــكان أي فــي مــكان وجودهــا.
ينقــل محتواهــا إلــى الحكــم الــذي ســيصدره. يكشــفها ويعاينهــا مباشــرة ثــم
ويجد هذا التدخل من القاضي سندا له في الفصل 44من القانون املتعلق باملحكمة اإلدارية
الــذي أســند إليــه صالحيــة القيــام بــكل اإلجــراءات التــي يراهــا ضروريــة إلنــارة القضيــة.
ويبــدو لنــا أنّ هــذا التدخــل املباشــر هــو مــن صميــم عمــل القاضــي االنتخابــي الــذي
يقتضــي إجــراء دوره الرقابــي مباشــرة قبــل القيــام بــه بقاعــة الجلســة ،ويســتلزم
البحــث عــن أدلــة اإلثبــات فــي مــكان وجودهــا ماديــا عــوض انتظــار تقديمهــا إليــه مــن
أحــد األطــراف مــع مــا يمكــن أن يشــوبها مــن نقــص أو تحريــف .كمــا يم ّكــن القاضــي
مــن إصــدار حكمــه وهــو علــى يقــن تــام مــن محتــوى األدلــة وقيمتهــا اإلثباتيــة.
ومــن مزايــا إعمــال هــذه الصالحيــة مــن قبــل القاضــي االنتخابــي أنهــا تم ّكنــه فــي بعــض
الحــاالت مــن اســتكمال أدلــة اإلثبــات التــي لــم يتســنّ لــه الحصــول عليهــا بعــد املطالبــة بها
بموجــب إجــراء تحقيقــي إما بســبب تلـ ّدد الطرف املطالب بتقديمهــا أو لصعوبة قيامه بذلك.
وقــد ثبــت مــن تجربــة القاضــي االنتخابــي التونســي إلــى حــ ّد اآلن أنــه اســتعمل
فــي إطــار تدخلــه املباشــر فــي اإلثبــات إجــراء املعاينــة ،وبــ ّرر ذلــك بأنــه «فــي
إطــار مــا للقاضــي املتعهــد بالنظــر فــي النزاعــات املتعلقــة بنتائــج االنتخابــات
مــن صالحيــات واســعة ...فإنــه ال شــيء يحــول ...دون قيــام القاضــي االنتخابــي
بأبحــاث اســتقصائية كإجــراء معاينــة ميدانيــة للحســم فــي النــزاع.3»...
.1علــى ســبيل ال ّذكــر فــي القضيــة عــدد 20192026الصــادر فيهــا الحكــم بتاريــخ 22أوت 2019تمــت
مطالبــة هيئــة االنتخابــات بــاإلدالء بالجــدول التحصيلــي للتزكيــات فــي نفــس يــوم تقديــم عريضــة الطعــن.
.2قرار الجلسة العامة القضائية عدد 317411بتاريخ 30أكتوبر ( 2018مذكور سابقا).
.3الحكم عدد 20183030بتاريخ 22ماي .2018
209 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
فمناســبة نظــره فــي نزاعــات الترشــح لالنتخابــات الرئاســية لســنة 2014تو ّلــت
املحكمــة إجــراء معاينــات ميدانيــة بمكاتــب الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات
وذلــك قصــد «معاينــة منهجيــة التثبــت فــي التزكيــات واإلخــاالت املتعلقــة بهــا».1
كمــا تو ّلــى القاضــي االنتخابــي بمناســبة نظــره فــي نزاعات نتائــج االنتخابات البلدية لســنة
2018إجــراء معاينــة ألوراق التصويــت الراجعــة إلــى إحــدى الدوائــر االنتخابيــة واملحفوظــة
بصناديــق االقتــراع بمقـ ّر الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات قصــد التثبــت فــي األوراق امللغــاة.2
إ ّال أنّــه بالرغــم مــن أهميــة هــذه املعاينــات واملزايــا التــي توفرهــا فــإن اســتعمالها
مــن القاضــي االنتخابــي مثــل غيرهــا مــن إجــراءات التحقيــق يظــل محــدودا.
مــن خــال إلقــاء نظــرة شــاملة علــى األحــكام الصــادرة عــن املحكمــة اإلداريــة
فــي النزاعــات االنتخابيــة يمكــن أن نالحــظ أن القاضــي االنتخابــي لــم يذهــب
إلــى أبعــد مــدى فــي إعمــال ســلطاته االســتقصائية للبحــث عــن وســائل االثبــات
علــى ال ّرغــم مــن أنــه أقــ ّر لنفســه أوســع صالحيــات البحــث والتحقيــق ،وأنّ
القانــون املتعلــق باملحكمــة اإلداريــة م ّكنــه مــن إطــار قانونــي مالئــم للقيــام بذلــك،
الســلطات كان محــدودا وتشــوبه بعــض النقائــص إذ يتبــن أنّ إعمالــه لتلــك ّ
التــي يكــون مــن املجــدي تفصيــل مظاهرهــا ( )Iوالكشــف عــن أســبابها (.)II
بالرغــم مــن أن القاضــي االنتخابــي يط ّبــق نفــس إجــراءات التحقيــق املخ ّولــة
للقاضــي اإلداري وأنّ صالحياتــه االســتقصائية والتقريريــة تفــوق مــا لألخيــر
كل الصالحيــات مــن صالحيــات ،فــإن القاضــي اإلداري جــرى علــى اســتعمال ّ
التــي تمكنــه مــن تجميــع كل عناصــر االثبــات املتو ّفــرة ،علــى خــاف القاضــي
االنتخابــي الــذي لــم يســتغل علــى الوجــه األكمــل الصالحيــات املتاحــة لــه ســواء
منهــا املتعلقــة بتدخلــه غيــر املباشــر فــي اإلثبــات ( )1أو بتدخلــه املباشــر فيــه (.)2
إنّ التدخــل غيــر املباشــر للقاضــي االنتخابــي يت ـ ّم عبــر طلــب تقديــم أدلــة اإلثبــات مــن
األطــراف ،وهــو علــى أهميتــه تشــوبه بعــض النقائــص التــي قــد تؤثــر ســلبا علــى جــدواه
وعلــى نجاعــة االثبــات أمــام القاضــي املذكــور.
وتشــمل تلــك النقائــص مــن جهــة عــدم اعتمــاد بعــض وســائل التحقيــق مــن قبــل القاضــي
االنتخابــي وهــي أساســا ســماع األطــراف الــذي يتــ ّم خاصــة خــال جلســة املرافعــة.
فاملرافعــة فــي النــزاع االنتخابــي كمــا فــي النــزاع اإلداري تقتصــر فــي أغلــب األحيــان
علــى تمكــن األطــراف مــن تقديــم إيضاحــات شــفاهية فــي ضــوء مذكراتهــم وتقاريرهــم
الكتابيــة .وبالتّالــي فــإنّ القاضــي االنتخابــي ال يســتغل مــا يمكــن أن يوفــره ســماع
األطــراف مــن حجــج وأدلــة أو إيضاحــات شــفاه ّية تتع ّلــق بوقائــع أو مســائل محـ ّددة يمكــن
أن تفيــده فــي الحكــم فــي القض ّيــة دون الحاجــة إلــى مراســلتهم كتاب ّيــا وانتظــار ر ّدهــم.
وباإلضافــة إلــى ذلــك فقــد أهمــل القاضــي اعتماد االختبــارات في البحث عــن االثبات .وإذا
أمكــن تف ّهــم إعراضــه عــن هذه الوســيلة التّحقيق ّية بالنّظر إلى مســاوئها وأه ّمها البطء الذي
يتعــارض مــع خصوص ّيــات النزاع االنتخابي الذي يقتضي الســرعة ،فــإنّ هذا املوقف على
إطالقــه ســوف يحــرم القاضــي االنتخابــي من االســتئناس بال ّرأي الفنّي ألهــل الخبرة الذي
الصــادرة فيها حاجتــه إليه.1
افتقــده فــي بعــض القضايــا التــي نظرهــا وأعلــن فــي األحــكام ّ
كمــا تشــمل النّقائــص املالحظــة أه ـ ّم وســيلة تحقيــق يعتمدهــا القاضــي االنتخابــي وهــي
اإلذن لألطــراف بــاإلدالء بوثائــق أو إيضاحــات ،إذ يبــدو القاضــي املذكــور متش ـ ّددا فــي
الحجــة املق ّدمــة
ّ الحجــة أو بدايــة
ّ اســتعمالها الســتكمال اإلثبــات أل ّنــه يشــترط أن تكــون
ج ّديــة قبــل املبــادرة بــاإلذن بذلــك اإلجــراء التحقيقــي ،والحــال أ ّنــه مــن األجــدى أن يطالــب
هيئــة االنتخابــات منــذ توجيــه االســتدعاء لجلســة املرافعــة إليهــا بــأن ترفــق بر ّدهــا علــى
كل الوثائــق واألد ّلــة املتع ّلقــة بموضــوع القض ّيــة املعروضــة عليــه ،ثـ ّم يتو ّلــى عريضــة ّ
الطعــن ّ
علــى أساســها تقديــر مــدى جد ّيــة اال ّدعــاء وحتّــى التث ّبــت مــن وجــود خروقــات أخــرى
.1مــن ذلــك املعطيــات املتع ّلقــة بقيــس نســب املتابعــة واملشــاهدة واالســتماع لبرامــج منشــآت االتّصــال ّ
الســمعي
والبصــري :الحكــم عــدد 20194042بتاريــخ 22أكتوبــر .2019
211 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
بالطعــن .فالقاضــي االنتخابــي مــا يــزال شــابت العمل ّيــة االنتخاب ّيــة ولــم يثرهــا القائــم ّ
متمســكا بمنهجــه التقليــدي القائــم علــى رفــض املطالبــة بأدلــة اإلثبــات مــن الجهــة امل ّدعــى ّ
عليهــا مــا لــم تثبــت جد ّيــة اال ّدعــاء ،م ّمــا يــؤول فــي أغلــب األحيــان إلــى رفــض ال ّدعــوى
وخاصــة إذا اقتــرن هــذا املوقــف بعــدم ســعي القاضــي إلــى الت ّدخــل مباشــرة فــي اإلثبــات. ّ
ّ
التدخل املباشر .2حدود
التدخــل املباشــر للقاضــي االنتخابــي فــي البحــث عــن اإلثبــات إلــى حــ ّد ّ لقــد اقتصــر
اآلن علــى إجــراء املعاينــة املكتب ّيــة أو امليدان ّيــة بمقــ ّر الهيئــة الفرع ّيــة لالنتخابــات.
كمــا أنّــه لــم يســتعمل هــذه الوســيلة التحقيق ّيــة إ ّال مــ ّرات قليلــة ،وذلــك بمناســبة
نظــره فــي نزاعــات االنتخابــات الرئاســ ّية لســنة 2014للتث ّبــت فــي قائمــات التزكيــات.
لكنّــه تخ ّلــى عنهــا فــي النزاعــات االنتخاب ّيــة لســنة 2019واســتبدلها بمطالبــة هيئــة
االنتخابــات بــاالدالء بتلــك القائمــات إلــى املحكمــة .وحتّــى املعاينــة الوحيــدة التــي
أجراهــا بمناســبة نظــره فــي نزاعــات االنتخابــات البلد ّيــة لســنة 2018ألوراق التصويــت
بمقــ ّر الهيئــة الفرع ّيــة لالنتخابــات فإنّهــا لــم تكــن باختيــاره وإنّمــا نتيجــة إعالمــه
مــن الهيئــة بصعوبــة نقلهــا إلــى مقــ ّر املحكمــة وتأمينهــا بعــد أن طلــب جلبهــا إليهــا.1
ويبــدو بالتّالــي أنّ القاضــي االنتخابــي لــم يســع إلــى تأكيــد وتطويــر اســتعماله إلجــراء
املعاينــات فــي البحــث عــن أد ّلــة االثبــات م ّمــا أ ّدى إلــى التراجــع عنــه .إ ّال بال ّرغــم مــن
تدخلــه املحــدود فــي البحــث عــن اإلثبــات، تفســر ّ أنّ للقاضــي املذكــور أســبابه التــي ّ
إ ّال أنّ تراجعــه عــن اســتعمال ذلــك اإلجــراء لــن يــؤول إلــى التخ ّلــي عنــه نهائ ّيــا.
ّ
التدخل املحدود للقاضي االنتخابي .IIأسباب
التدخــل املحــدود للقاضــي االنتخابــي فــي البحــث عــن عناصــر اإلثبــات ّ مــن الثابــت أنّ
الســلطات االســتقصائ ّية ّ إلعمــال زمــة ّ
الال اإلرادة يفتقــد ال ّــه
ن أل منــه رغبــة ليــس وليــد
املكفولــة لــه بموجــب القانــون .غيــر أنّــه يواجــه عنــد تع ّهــده بالنّظــر فــي النزاعــات
تدخلــه ،بعضهــا يتع ّلــق بقصــر آجــال البــت فــي هــذه االنتخاب ّيــة عـ ّدة صعوبــات تحـ ّد مــن ّ
النزاعــات ( ،)1وبعضهــا اآلخــر يتع ّلــق بنقــص املــوارد البشــر ّية واملاد ّيــة املخ ّولــة إليــه (.)2
من ميزات املنازعة االنتخاب ّية قصر آجالها (أ) الذي تت ّرب عليه آثار سلب ّية على اإلثبات (ب).
إنّ هــذه اآلجــال املختصــرة تجعــل القاضــي االنتخابــي فــي ســباق مــع الوقــت منــذ ترســيم
عريضــة الطعــن بكتابــة املحكمــة ،كمــا تح ّد من قيامه بدوره كامال في تقديــر القيمة اإلثبات ّية
للحجــج املدلــى بهــا مــن األطــراف والبحــث عــن أد ّلــة اإلثبــات الناقصــة فــي ظــروف عاد ّيــة.
وح ّتــى علــى فــرض التســليم بــأنّ تلــك اآلجــال املختصــرة تكفــي القاضــي االنتخابــي للقيام
الطرف بتقديم حججه بمطالبة أحد أطراف املنازعة بتقديم أد ّلة اإلثبات ،فإنّها ال تسمح لذلك ّ
الطــرف اآلخــر في ّ
االطالع عليها ومناقشــتها. إذا كان ال يتح ّوزهــا وال تكفــي لضمــان حــقّ ّ
وعــاوة علــى ذلــك فــإن قصــر تلــك اآلجــال يص ّيــر قيــام القاضــي بإجــراء معاينــات ميدان ّيــة
.1الفصــول 49ثامــن عشــر و 49عشــرون و( 145جديــد) و( 146جديــد) و 147مــن القانــون األساســي عــدد 16لســنة
2014املتع ّلــق باالنتخابــات واالســتفتاء.
.2الفصل 148مك ّرر من القانون ذاته.
213 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
يشــكو القضــاء اإلداري عا ّمــة مــن ظــروف عمــل غيــر مالئمــة نتيجــة مظاهــر النقــص فــي
املــوارد واإلمكان ّيــات املوضوعــة علــى ذ ّمتــه ( )1م ّمــا يســتدعي العمــل علــى تحســينها (.)2
.1مظاهر النقص
ّ
الترشــحات لهــا نتيجــة إقــرار تتم ّيــز االنتخابــات فــي بالدنــا منــذ ســنة 2011بكثافــة
الترشــح بموجــب ال ّدســتور والقانــون االنتخابــي ،1مــن ذلــك أنّ عــدد املترشــحني ّ الحــق فــي
لالنتخابــات األخيــرة التــي تـ ّم تنظيمهــا ق ّدر بالعشــرات بالنّســبة إلى االنتخابات الرئاسـ ّية،
وقـ ّدر عددهــم بالنّســبة إلــى االنتخابــات التشــريع ّية والبلد ّية باآلالف ،2وهو مــا يعني إمكان ّية
الطعــن بكثافــة مــن املترشــحني أمــام القاضــي االنتخابــي فــي القــرارات املتع ّلقــة بالترشــح
لالنتخابــات أو فــي نتائجهــا م ّمــا قــد يؤول إلــى إغراق الهيئــات املتع ّهدة بالنــزاع االنتخابي
بالطعــون فــي ظـ ّـل مــا يشــكو منــه القضاء اإلداري عا ّمــة من صعوبة الظــروف املاد ّية للعمل. ّ
فاملــوارد البشــر ّية واملاد ّيــة وال ّلوجســت ّية املتو ّفــرة حاليــا للمحكمــة اإلدار ّيــة تعــ ّد
للبــت فــي عــدد كبيــر مــن الطعــون فــي اآلجــال املقــ ّررة وال للقيــام ّ غيــر كافيــة
وخاصــة القيــام باملعاينــات امليدان ّيــة
ّ بدورهــا التحقيقــي وجمــع أد ّلــة االثبــات
التــي تقتضــي التن ّقــل إلــى مقــ ّرات الهيئــات الفرع ّيــة لالنتخابــات بالجهــات.
كل النزاعات االنتخاب ّيــة التي نظرها وقــد واجــه القاضــي االنتخابــي صعوبــات حقيق ّية فــي ّ
تع ّلقــت باألســاس بعــدم تو ّفــر العــدد الكافــي مــن القضــاة واإلداريــن ،وقلــة اإلمكانيــات
ّ
اللوجســت ّية للتن ّقــل للقيــام بمعاينــات أو لتحويل ملفات الطعــون االبتدائ ّية من دوائر املحكمة
اإلداريــة بالجهــات إلــى ال ّدوائــر االســتئناف ّية بالســرعة املطلوبــة مــع ضمان ســامة الوثائق
.1الفصــل 34مــن دســتور 27جانفــي 2014والفصــول 19و 40و 49مكـ ّرر مــن القانــون األساســي عــدد 16لســنة 2014
املتع ّلــق باالنتخابــات واالســتفتاء .
.2فــي االنتخابــات الرئاسـ ّية لســنة 2019تـ ّم إيــداع 98ملــف ّ
ترشــح تـ ّم قبــول 26منهــا .وفــي االنتخابــات التشــريع ّية
ّ
املترشــحة 1581قائمــة قبلــت منهــا 1503قائمــة .وفــي االنتخابــات البلد ّيــة لســنة 2018 لســنة 2019بلــغ عــدد القائمــات
تـ ّم قبــول 2074قائمــة.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 214
املض ّمنــة بهــا أو للقيــام باإلعالمــات واالســتدعاءات لجلســات املرافعــة ومطالبــة األطــراف
بتقديــم الوثائــق واألد ّلــة لإلثبــات وغيرهــا من الصعوبات .ولوال أنّ عــدد الطعون التي رفعت
متوســطا م ّمــا م ّكنــه إلى حـ ّد ما من مجابهة تلــك الصعوبات ّ أمــام القاضــي االنتخابــي كان
بخصوصهــا ملــا اســتطاع القيــام بال ـ ّدور املطلــوب منــه ،ويتع ّيــن مــن أجــل ذلــك تذليلهــا.
.2الحلول املمكنة
إذا كان مــن املتــاح إيجــاد حـ ّـل مؤ ّقــت للصعوبــات املتّصلــة باملعاينــات امليدان ّيــة بتكليــف
أعضــاء ال ّدوائــر االبتدائ ّيــة للمحكمــة اإلدار ّيــة بالجهــات بالقيــام بهــا وتحريــر محاضــر
فيهــا ترســل إلــى ال ّدوائــر املتع ّهــدة ،فــإنّ هــذا الحـ ّـل ال يعفــي مــن واجــب تحســن ظــروف
املختــص بالنّظــر فــي الجــزء األهــ ّم مــن النــزاع االنتخابــي مــن
ّ عمــل القضــاء اإلداري
خــال تطويــر مــوارده البشــر ّية قضــاة وإداريــن مــن حيــث العــدد والتكويــن وتمكينــه
الزمــة حتّــى يتســنّى لــه ممارســة الســلطات مــن الوســائل املاد ّيــة واللوجســت ّية ال ّ
االســتقصائ ّية املمنوحــة لــه وإجــراء رقابــة كاملــة وف ّعالــة علــى العمل ّيــة االنتخاب ّيــة.
215 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
الخـاتمة
إنّ نظــام اإلثبــات أمــام القاضــي االنتخابــي فيــه مــن املزايــا واإليجاب ّيــات مــا يجعــل
الرقابــة التــي يجريهــا القاضــي املذكــور علــى العمل ّيــة االنتخاب ّيــة أكثــر نجاعــة وأه ّمها
املرونــة التــي ينطــوي عليهــا والتــي تبــرز فــي مســتوى توزيــع عــبء اإلثبــات علــى
األطــراف وعــدم تركــه فقــط علــى كاهــل امل ّدعــي ،وفــي مســتوى الح ّريــة املتروكــة
كل وســائل اإلثبــات الكفيلــة بتأييــد ا ّدعاءاتهــم وإقنــاع لألطــراف فــي ال ّلجــوء إلــى ّ
القاضــي املتع ّهــد بالنــزاع ،وحر ّيــة األخيــر فــي القيــام بإجــراءات التحقيــق التــي تكفــل
لــه املوازنــة بــن أد ّلــة اإلثبــات املق ّدمــة إليــه والحجــج املعاكســة املدفــوع بهــا أمامــه.
إ ّال أنّ هــذا النظــام مــع مرونتــه لــم يــؤ ّد إلــى رقابــة ناجعــة علــى املســار
االنتخابــي نتيجــة التشــ ّدد الــذي أبــداه القاضــي االنتخابــي فــي مراقبــة
الســعي إلــى القيمــة االثبات ّيــة لوســائل اإلثبــات املســتند إليهــا أمامــه وعــدم ّ
إعمــال كامــل الســلطات االســتقصائ ّية املتروكــة لــه .زد علــى ذلــك قصــر اآلجــال
املفروضــة عليــه والتــي أضحــت فــي املنازعــة االنتخاب ّيــة ســيفا مســ ّلطا عليــه،
الضغــط النّاجــم عــن واجــب وجعلتــه يواجــه بصعوبــة ضغــط الوقــت زيــادة علــى ّ
حمايــة أصــوات الناخبــن وقرينــة الســامة التــي تــازم العمل ّيــة االنتخاب ّيــة.
ولذلــك تبــرز الحاجــة إلــى تطويــر هــذا النظــام مــع مــا يتبــع ذلــك مــن تطويــر للرقابــة
الضامــن األخير التــي يجريهــا القاضــي االنتخابــي علــى العمل ّيــة االنتخاب ّيــة باعتبــاره ّ
لنزاهتهــا .ويســتوجب ذلــك تمكــن القاضــي االنتخابــي مــن جميــع الظــروف املالئمــة
وتدخــل املشــ ّرع لتحميــل الهيئــة العليــا املســتقلة ّ للقيــام بــدوره الرقابــي كامــا،
لالنتخابــات واجــب تقديــم كل عناصــر اإلثبــات التــي تســتأثر بهــا بمناســبة كل نــزاع
دون إجــراء رقابــة قبل ّيــة عليهــا علــى أن ترجــع ســلطة تقديــر حج ّيتهــا إلــى القاضــي
أي
ـت فيهــا .علــى أنّ ّ وحــده ،والتوســيع قــدر اإلمــكان فــي آجــال تقديــم ال ّدعــاوى والبـ ّ
نظــام ناجــع لإلثبــات أمــام القاضــي االنتخابــي يجــب أن تقتــرن فيــه حر ّيــة اإلثبــات
املخ ّولــة إلــى األطــراف بإعمــال القاضــي املذكــور لســلطة واســعة وفعل ّيــة فــي اإلثبــات.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 216
أنوار منصري
رئيسة دائرة ابتدائية باملحكمة اإلدارية
إذا كان للمشــرع دور أساســي فــي وضــع قواعــد االنتخابــات فــي جميــع املجــاالت وتوجيه
أحــكام القوانــن نحــو سياســة تشــريعية تنطــوي علــى تحقيــق أهــداف أمالهــا الدســتور أو
املعاهــدات الدوليــة التــي هــي مصــدر مــن مصــادر الشــرعية ،فــإن وقــع هــذه القواعــد فــي
املشــهد املنظــم لهــا ال يبــرز إال عبــر تأويــل فقــه قضائــي للجهــة القضائيــة التــي أوكل لهــا
القانون اختصاص النظر في النزاعات التي تنشــأ بمناســبة مختلف املســارات االنتخابية.
وألن النزاعــات االنتخابيــة جــزء ال يتجــزأ مــن البنــاء املؤسســاتي للدولــة باعتبارهــا مــن
يعطــي تأويــا للفاعلــن فــي مجــال االنتخابــات ملحتــوى النــص القانونــي اســتنادا إلــى
رؤيــة املشــرع ،كمــا أنّهــا عنــوان لألمــان القانونــي فــي صــورة توجــس مــن انتهــاك
للحقــوق والحريــات املضمونــة دســتوريا وقانونيــا وهــي بالطبــع لــب دور القضــاء
فــي جميــع املجــاالت مثلمــا اقتضــاه الفصــل 49مــن الدســتور وبصفــة خاصــة فــي
املجــال االنتخابــي باعتبــاره الضامــن لحــق االنتخــاب والترشــح والحــق فــي الحمــات
االنتخابيــة وواجــب احتــرام الصمــت االنتخابــي وحــق فــي االقتــراع والولــوج للقضــاء.
وبهــذا املفهــوم فــإن مجــرد التنصيــص علــى رقابــة العمليــة االنتخابيــة مــن القضــاء تُعــد
ضمانــة خاصــة إذا كان القضــاء املختــص بــه ضمانــات املحاكمــة العادلــة التــي تفتــرض
بداهــة االســتقالل ،ذلــك أنّــه مــن بــن ركائــز دولــة القانــون واملؤسســات أن تكــون كل
األعمــال والقــرارات خاضعــة لرقابــة جهــاز قضائــي مســتقل يضمــن إنفــاذ القانــون
وردع التجــاوزات .وبصــرف النظــر عــن الجهــة القضائيــة املختصــة ،فــإنّ إخضــاع
قــرارات إدارة االنتخابــات ســواء املتعلقــة بتنظيــم االنتخابــات أو االســتفتاءات وكذلــك
إخضــاع قراراتهــا املتعلقــة بجميــع مراحــل العمليــة اإلنتخابيــة ســواء كانــت رئاســية
أو تشــريعية أو جهويــة أو بلديــة أو أي عمليــة انتخابيــة أخــرى بمــا فــي ذلــك املجلــس
األعلــى للقضــاء بتونــس فيــه ضمانــة للناخبــن والناخبــات أصحــاب الســيادة .ويعــزز
القضــاء رقابــة شــرعية اإلنتخابــات ويضمــن قبــول الناخبــن واملترشــحني بنتائجهــا.1
وتعكــس املبــادئ الدســتورية توجــه الدولــة بخصــوص شــرعية املجالــس املنتخبــة ومراكــز
القــرار فــي الدولــة ،إذ يمكــن أن تكــون:
• نصوصــا ذكوريــة بامتيــاز ال تســمح إال للرجــال باالنتخــاب أو الترشــح للمناصــب
واملجالــس املنتخبــة.
• نصوصــا محايــدة ال يخصــص أي جنــس باإلقصــاء أو االمتيــاز ويتــرك للفــرد حريــة
االنتخــاب والترشــح ،وفــي األغلــب يعكــس الحياد توجها نحــو تكريس الواقــع االجتماعي
والثقافي في العمل السياســي وينتهي عادة بأغلبية ســاحقة للذكور على حســاب االناث.
• نصوصا قانونية يســعى من خاللها املشــرع إلى تعديل مشــهد سياســي أو مؤسســاتي
بضمــان تمثيليــة أوســع علــى مســتوى مراكــز القــرار مــن خــال اتخــاذ تدابيــر إيجابيــة
• نزاعــات إداريــة تتعلــق بمراجعــة قــرارات الهيئــة ومراقبــة مــدى احتــرام املتدخلــن فــي العمليــة اإلنتخابيــة للقانــون
وتكــون لهــا انعكاســات علــى نتائــج اإلنتخابــات :تســجيل الناخبــن ،الترشــح ،الحملــة اإلنتخابيــة ،النتائــج األوليــة...
• جرائــم انتخابيــة :تتعلــق باقتــراف أفعــال يج ّرمهــا القانــون اإلنتخابــي وهــي فــي األصــل مج ّرمــة بقوانــن عامــة،
إال أن ارتكابهــا بغايــة التأثيــر فــي حســن ســير العمليــة اإلنتخابيــة يجعلهــا بالضــرورة خاضعــة للعقوبــات الخاصــة
الــواردة بالقانــون اإلنتخابــي.
مــع اإلشــارة إلــى أنّ بعــض األفعــال غيــر الشــرعية قــد ترتكــب خــال املســار اإلنتخابــي ولهــا عالقــة باإلنتخابــات لكــن لم
يقــع إدراجهــا كجرائــم ،و ال يمكــن فــي إطــار دولــة القانــون أن تبقــى دون عقــاب فــي صــورة ثبوتهــا ،لــذا يتــم الرجــوع
بخصوصهــا إلــى القانــون العــام العــادي .
ويوزع اإلختصاص القضائي في املادة اإلنتخابية كما يلي:
القضاء اإلداري:
-أوكلــت لــه مهمــة النظــر فــي شــرعية القــرارات الترتيبيــة الصــادرة عــن إدارة اإلنتخابــات ،وذلــك بالطعــن فيهــا
باإللغــاء ،أو طلــب تأجيــل تنفيذهــا أو توقيــف تنفيذهــا حســب قانــون املحكمــة اإلداريــة .
-نزاعات انتخابية
.1النظــر اســتئنافيا فــي األحــكام الصــادرة عــن املحاكــم اإلبتدائيــة العدليــة واملتعلقــة بالترشــحات ملجلــس نــواب
الشــعب
.2النظرا ابتدائيا واستئنافيا في النزاعات املتعلقة بالترشحات للمجالس البلدية والجهوية
.3النظر في النزاعات املتعلقة بالترشح لإلنتخابات الرئاسية
.4النظر في النزاعات املتعلقة بالنتائج األولية لإلنتخابات
.5النظر ابتدائيا واستئنافيا بالنزاعات املتعلقة بالترشح والنتائج األولية إلنتخابات املجلس األعلى للقضاء
القضاء العدلي:
-النظر في النزاعات املتعلقة بتسجيل الناخبني والناخبات
-النظر ابتدائيا في نزاعات الترشح ملجلس نواب الشعب
ـص عليهــا القانــون اإلنتخابــي والتــي تســقط حســب الفصــل 167مــن القانــون -النظــر فــي الجرائــم اإلنتخابيــة التــي نـ ّ
اإلنتخابــي بالتقــادم إثــر انقضــاء ثــاث ســنوات مــن تاريــخ إعــان النتائــج النهائيــة لالنتخابــات.
-النظر في األفعال املتصلة باإلنتخابات والتي لم يج ّرمها القانون اإلنتخابي إال أنها تبقى تحت طائلة القانون
القضاء املالي:
يختــص بمراقبــة تمويــل الحملــة اإلنتخابيــة وتكــون رقابتــه عــادة بعــد التصريــح بالنتائــج النهائيــة غيــر أنّ مــا ينتهــي إليــه
مــن أحــكام قــد تــؤدي إلــى ســحب عضويــة مــن أحــد املترشــحني أو القائمــات املترشــحة .
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 218
لصالــح فئــة مــا ،وذلــك فــي إطــار تكريــس ملبــادئ دســتورية منها خاصــة تلــك القائمة على
الســعي نحــو إيجــاد ســبل لسـ ّد الفجــوة بــن النســاء والرجــال علــى مســتوى التمثيليــة
أو كذلــك لفئــات ال تجــد نفــاذا ســهال ملركــز القــرار مثــل الشــباب أو حاملــي اإلعاقــة.
وفــي هــذا االطــار كان خيــار املشــرع التونســي خاصــة بعــد ثــورة 17ديســمبر 2010
14 -جانفــي 2011منضويــا باألســاس تحــت التوجــه التعديلــي بغايــة ضمــان تمثيليــة
للنســاء فــي مختلــف مراكــز القــرار كلمــا تعلــق االمــر بالنفــاذ إليهــا عبــر آليــة االنتخابــات.
وكانــت أولــى إفــرازات هــذا التوجــه املرســوم عــدد 35لســنة 2011املــؤرخ فــي 10مــاي
2011واملتعلــق بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي الــذي أقــر فــي فصلــه 19مبــدأي
التناصــف والتنــاوب فــي القائمــة املترشــحة .وفــي املقابــل فــإن هــذا املبــدأ أضحــى لــه إطــار
قانونــي مؤســس (الجــزء األول) وتــم التعاطــي معــه عبــر الطعــون املوجــه علــى أساســه أمــام
املحكمــة اإلداريــة ســواء علــى مســتوى القائمــات وكذلــك االفــراد (الجــزء الثانــي) وانطلــق
مــن هــذه التجربــة للتناصــف العمــودي كآليــة أوليــة ،ليواجــه الحقــا تأويــا ملبــدأ التناصــف
االفقــي فــي االنتخابــات املحليــة (الجــزء الثالــث) التــي أفــرزت وجهــات نظــر مختلفــة مــن
القضــاء اإلداري ،لكــن فــي املقابــل كانــت النزاعــات علــى االفــراد بالنســبة للمجلــس
األعلــى للقضــاء معبــرة عــن إنفــاذ مبــدأ التناصــف بطريقــة ســطحية (الجــزء الرابــع).
ال خــاف فــي أن البنــاء املؤسســاتي فــي تونــس جعــل مــن مبــدأ املســاواة بــن الجنســن
مبــدأ دســتوريا منــذ ســنة ،1959ذلــك أ ّنــه لئــن لــم يتســن لنســاء تونــس انتخــاب أعضــاء
املجلــس القومــي التأسيســي ســنة ،1956إ ّال أنّــه وعلــى إثــر أول انتخابــات بلديــة
شــهدتها الجمهوريــة التونســية تـ ّم اإلعتــراف لهــن بالحــق فــي اإلنتخــاب بمقتضــى األمــر
العلــي املــؤرخ فــي 13مــارس 1957املتعلــق بقانــون البلديــات ،إلــى أن تمــت
دســترة حــق املــرأة فــي اإلنتخــاب والترشــح بمقتضــى دســتور غــرة جــوان .1959
219 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
وأقـ ّر الفصــل 6مــن دســتور 1959مبــدأ املســاواة بــن املواطنني أمام القانــون وكان الحافظ
لحــق املــرأة فــي اإلنتخــاب والترشــح والضامــن لعــدم إقصائهــا ،1ثــم صــدر دســتور 27
جانفــي 2014الــذي كان أكثــر تحــررا فــي إقــرار حقــوق النســاء ودعــم مكاســبها .فلــم
يكتــف بتخصيــص فصــل ي ّنــص علــى املســاواة فــي الدســتور بــل تــم التنصيــص علــى هــذا
املبــدأ فــي التوطئــة ،باعتبارهــا اإلطــار العــام املحـ ّدد لهويــة الدولــة ملــا اقتضــى أن» تضمــن
الدولــة علويــة القانــون واحتــرام الحريــات وحقــوق اإلنســان واســتقاللية القضاء واملســاواة
فــي الحقــوق والواجبــات بــن جميــع املواطنــن واملواطنــات والعــدل بــن الجهــات.»2
ـص الفصــل 21مــن دســتور 27جانفــي 2014علــى هــذا املبدأ ملــا أقـ ّر أن« :املواطنونكمــا نـ ّ
واملواطنــات متســاوون فــي الحقــوق والواجبــات ،وهــم ســواء أمــام القانون من غيــر تمييز.و
تضمــن الدولــة للمواطنــن واملواطنــات الحقــوق والحريــات الفرديــة والعا ّمــة ،وتهيــئ لهــم
أســباب العيــش الكريــم ».وبقــراءة لغويــة لهــذا الفصل يتب ّيــن أنّه اعتمد التأنيــث في صياغة
الفصــل ليؤكـ ّد علــى املســاواة بــن الجنســن مــن جهــة وكذلــك فــي تحميــل الدولــة التزامات
بضمــان التكافــؤ في الحقوق والحريات على أســاس املســاواة وخاصــة فيما يتعلق بالعيش
الكريــم الــذي يشــمل كل املجاالت بما فيهــا اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية والسياســية.
ويع ـ ّد هــذا التنصيــص الدســتوري علــى مبــدأ املســاواة ضمانــة مه ّمــة تحجــب عــن كل
متدخــل فــي املنظومــة القانونيــة أيــة محاولــة لتجــاوز هــذا املبــدأ أو خرقــه أو تعديلــه
باعتبــار أنّ كل النصــوص ســواء كانــت ذات صبغــة تشــريعية أو ترتيبيــة وجــب
أن تحترمــه بمــا يتيــح الفرصــة للنســاء فــي املشــاركة فــي املجــال العــام والتدخــل
مباشــرة فــي صنــع القــرار ورســم السياســات الوطنيــة واملحليــة واملؤسســاتية.
ويبقــى التنصيــص علــى مبــدأ املســاواة على أهميته ،غير كاف إذا لــم يت ّدعم بتدابير خاصة
تضمن تكريســه على مســتوى الواقع ،باعتبار أن إقرار هذا املبدأ بالنســبة لوضعيات غير
متماثلــة مــن شــأنه أن يفــرغ املبــدأ من محتواه ألنّ املــرأة في وضعية اجتماعيــة واقتصادية
وثقافيــة وسياســية ال تســمح لهــا بممارســة فعليــة لحقوقهــا ،لــذا كان ال بـ ّد مــن تمكينهــا
مــن خــال إقــرار تدابيــر وقت ّيــة لتفعيــل مبــدأ عــدم التمييــز بــن الجنســن وتعديــل املشــهد
املجتمعــي وبالتالــي التعجيــل باملســاواة فــي الحقــوق والواجبــات بــن النســاء والرجــال.
.1كان مبــدأ املســاواة املنصــوص عليــه فــي الدســتور أساســا بالنســبة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد
14232الصــادر فيهــا الحكــم بتاريــخ 10مــارس 1998لدحــض اإلدعــاء بــأنّ نجــاح العنصــر النســائي فــي
مناظــرة عــدول اإلشــهاد يخالــف الشــريعة اإلســام ّية لعــدم تســاوي شــهادة املــرأة والرجــل باعتبــار أنّ نجــاح
العنصــر النســائي فــي هــذه املناظــرة هــو مطابــق ملبــدأ املســاواة بــن الجنســن الــوارد بالفصــل 6مــن الدســتور .
.2تع ـ ّد التوطئــة جــزءا ال يتجــزأ مــن الدســتور وهــي حســب الفصــل 145منــه جــزء ال يتجــزأ مــن الدســتور وبالتالــي
مصــدرا مــن مصــادر الشــرعية التــي يمكــن اإلســتناد إليهــا للمطالبــة بحقــوق النســاء بنــاء علــى مــا ورد بالتوطئــة
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 220
وفــي هــذا اإلطــار يتنــزل مبــدأ تكافــؤ الفــرص بــن الجنســن 1الــذي ينبنــي علــى ضمــان
املشــاركة الكاملة واملتكافئة للنســاء في مواقع القرار باعتبار أنّها كفيلة بتحقيق اإلنصاف
واملســاواة الفعلية بني النســاء والرجال ،إذ أنّ تج ّذر الالمســاواة الواقعية والتســويق داخل
املجتمع إلى أنّ ذلك مشروع بحكم الجنس من شأنه أن يق ّوض قدرة النساء على ممارسة
حقوقهــن املكفولــة بالقانــون ويضمــن املســاواة بــن الجنســن ومــن ذلــك تكافــؤ الفــرص.2
ـص الدســتور فــي فصلــه 46أنــه« :تضمــن ال ّدولــة تكافــؤ الفــرص بــن ال ّرجــل واملــرأة ونـ ّ
فــي تح ّمــل مختلــف املســؤول ّيات وفــي جميــع املجــاالت» .ويترتــب عــن ذلــك اتخــاذ الدولــة
كل التدابيــر الالزمــة للتشــجيع علــى تواجــد املــرأة فــي مراكــز القــرار ،إمــا عــن طريــق
اإلنتخــاب أو عــن طريــق التعيــن مــن الســلطة السياســية أو اإلداريــة املختصــة .ويتدعــم
هــذا الفصــل بمــا جــاء بأحــكام الفصــل 34فــي فقرتــه األخيــرة ملــا أق ـ ّر صراحــة بــأن
«تعمــل الدولــة علــى ضمــان تمثيليــة املــرأة فــي املجالــس املنتخبــة» وبالتالــي فــإنّ وجــود
النســاء فــي املجالــس املنتخبــة أضحــى معطــى بديهيــا وجــب علــى املشــرع تكريســه
بصــرف النظــر عــن نســبة التمثيليــة املخصصــة لهــا .ويســتخلص مــن هــذا الفصــل أ ّنــه
كل املجالــس املنتخبــة سياســية كانــت علميــة وجــب أن يكــون هنــاك تمثيــل للنســاء فــي ّ
أو مهن ّيــة أو نقابيــة .وعلــى املشــرع التونســي إعتمــاد هــذا املبــدأ بإدراجــه بالقوانــن
املنظمــة ملختلــف القطاعــات 3مــع إتخــاذ التدابيــر الالزمــة للوصــول إلــى هــذه التمثيليــة.4
.1يتجلــى تكريــس مبــدأ تكافــؤ الفــرص مــن خــال إقــرار املحاصصــة (الكوتــا) علــى إختــاف أشــكالها .ويترتــب
عــن ذلــك توفيــر فــرص النجــاح للنســاء .يتمثــل هــذا اإلجــراء فــي وضــع نســبة محــددة أو عــدد محــدد مــن املقاعــد
فــي هيئــة منتخبــة ،أو فــي قائمــات إنتخابيــة ســواء كانــت حزبيــة أو مســتقلة ،وتخصــص هــذه الحصــة ملمثلــي مجموعــة
محــددة ،قــد تعــرف علــى أســاس سياســي أو قومــي أو عرقــي أو طائفــي أو لغــوي أو اجتماعــي أو جغرافــي أو غيرهــا.
ُيحـَّـدد بموجــب املحاصصــة حـ ّدا أدنــى لترشــيح أو تمثيــل النســاء بهــدف مســاعدتهن للتغلــب علــى املوانــع التــي تحــد
مــن مشــاركتهن وتمثيلهــن.
ال مــن أشــكال التدخــل اإليجابــي ،بهــدف مســاعدة النســاء للتغلــب علــى العوائــق التــي وتمثــل الكوتــا النســائية شــك ً
تحـ ّد مــن مشــاركتهن وتمثيلهــن فــي مواقــع صنــع القــرار ،كمــا يمكــن أن تعتمــد الكوتــا مقاربــة النــوع اإلجتماعــي لكــن
بــــــــــطريقة موضوعيــة ودون وضــع ح ـ ّد أدنــى ألحــد الجنســن بــل تقتصــر علــى أن يشــغل أحدهمــا نســبة معينــة.
.2انظر دليل مالحظة مكانة النساء في املسار االنتخابي التونسي :رابطة الناخبات التونسيات.
1. Voir www.idea.int/publications/wip/upload/chapter_04.pdf
rapport d’information : il faut sauver la parité , Michele André , délégations aux droits des femmes et à-
l’égalité des chances entre les hommes et femmes , N 552
Rapport d’information : Election des sénatrices et sénateurs : vers plus d’égalité , Laurence Cohen ,-
délégations aux droits des femmes N 533
حصــة أو نســبة معينــة للنســاء للفــوز .4مثــل اعتمــاد آليــة املحاصصــة (الكوتــا) واملتمثلــة فــي تخصيــص ّ
بهــا أو بتخصيــص عــدد مع ّيــن مــن املقاعــد للنســاء وذلــك بصــرف النظــر ع ّمــا ســتنتجه اإلنتخابــات التنافســية.
221 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
وفــي نفــس الفلســفة الداعمــة لتكافــؤ الفــرص تمــت دســترة مبــدأ التناصــف (50
%نســاء و % 50رجــال) فــي املجالــس كغايــة وهــدف تســعى الدولــة إلــى تحقيقــه ،إذ
جــاء بالفصــل 46أنــه« :تســعى ال ّدولــة إلــى تحقيــق التّناصــف بــن املــرأة وال ّرجــل فــي
املجالــس املنتخبــة ».وكانــت عبــارات الفصــل واضحــة وصريحــة وليســت الغايــة منــه
التناصــف فــي الترشــح لإلنتخابــات بــل تحقيــق التناصــف فــي املجالــس املنتخبــة.
ومــن خــال هــذا الفصــل فــإنّ الدولــة ولئــن كانــت غيــر ملزمــة بتحقيــق هــذه النتيجــة
حــا ّال ،إال أنّ إلتزامهــا يكمــن فــي اتخــاذ كل التدابيــر املمكنــة واملتاحــة والالزمــة لتحقيــق
هــذا الهــدف وكل تقصيــر مــن جانبهــا يكــون أساســا إلقــرار مســؤوليتها .وبخصــوص
إتخــاذ التدابيــر فــإنّ تقييــم جدواهــا يكــون حســب مــا يتــاح للدولــة مــن إمكانيــات.
إنّ املعاهــدات الدوليــة املصــادق عليهــا مــن الســلطة التشــريعية هــي حســب الفصــل
20مــن دســتور 2014أعلــى درجــة مــن القانــون وأقــل درجــة مــن الدســتور ،1لــذا فــإنّ
.1صادقت الدولة التونسية على أغلب االتفاقيات الدولية التي تخص حقوق اإلنسان للنساء نذكر منها:
- 1اتفاقيــة القضــاء علــى كل أشــكال التمييــز ضــد املــرأة لســنة 1979 :صادقــت الدولــة التونســية علــى
هــذه االتفاقيــة ســنة 1985م قبــل انعقــاد مؤتمــر نيروبــي (كينيــا) بمقتضــى القانــون عــدد 68املــؤرخ فــي 21
جويليــة 1985؛ لكــن بعــد أن قدمــت تحفظــات فيمــا يتعلــق بعــض الفصــول الخاصــة بالعائلــة ( 15و .)1تــم
رفــع هــذه التحفظــات بمقتضــى املرســوم عــدد 103لســنة 2011بتاريــخ 24أكتوبــر 2011يتعلــق بالترخيــص
فــي املصادقــة علــى ســحب بيــان وتحفظــات صــادرة عــن الحكومــة التونســية وملحقــة بالقانــون عــدد 68لســنة
1985املــؤرخ فــي 12جويليــة 1985املتعلــق باملصادقــة علــى اتفاقيــة القضــاء علــى جميــع أشــكال التمييــز
ضــد املــرأة املرســوم عــدد 103لســنة 2011بتاريــخ 24أكتوبــر 2011يتعلــق بالترخيــص فــي املصادقــة علــى
ســحب بيــان وتحفظــات صــادرة عــن الحكومــة التونســية وملحقــة بالقانــون عــدد 68لســنة 1985املــؤرخ
فــي 12جويليــة 1985املتعلــق باملصادقــة علــى اتفاقيــة القضــاء علــى جميــع أشــكال التمييــز ضــد املــرأة
- 2البروتوكول االختياري التفاقية مناهضة التمييز ضد النساء في :2008يعتبر توقيع تونس على اتفاقية مناهضة
التمييــز ضــد النســاء 1985والبروتوكــول االختيــاري لهــذه االتفاقيــة فــي 2008تعبيــرا عــن التزامهــا تجــاه املســاواة
كقيمــة إنســانية وقــد قدمــت التقاريــر التــي عرضتهــا تونــس علــى نظــر لجنــة متابعــة تطبيــق االتفاقيــة شــاهدا علــى
ـجل فــي مجــال تطبيــق مقتضيــات هــذه االتفاقيــات الدوليــة رغــم تحفــظ تونــس عــن بعــض البنــود خاصــة التقـ ّدم املسـ ّ
املتعلقــة بامليــراث ألن الدولــة تعتمــد الشــريعة االســامية فــي هــذا الخصــوص أما عن قانون الجنســية فقد تــم تعديله
- 3التفاقيــة بشــأن الحقــوق السياســية للنســاء :صادقــت الدولــة التونســية علــى هــذه االتفاقيــة بمقتضــى القانــون
41 - 67املــؤرخ فــي 21نوفمبــر .1967
- 4االتفاقيــة الخاصــة بجنســية املــرأة املتزوجــة :وصادقــت تونــس أيضـ ًا علــى هــذه االتفاقيــة بمقتضــى القانــون
41 - 67املــؤرخ فــي 21نوفمبــر .1967
5-االتفاقيــة املتعلقــة باملوافقــة علــى الــزواج وبإبــرام عقــود الــزواج وبتســجيل عقــود الــزواج :وصادقــت
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 222
املعاهــدات جــزء ال يتجــزأ مــن املنظومــة القانونيــة ،وبالتالــي تلــزم الدولــة التونســية وتحفــظ
بالتبعيــة حقــوق النســاء وتكــون أساســا ملطالبتهــن أمــام القضــاء بحقوقهــن.
وجــاء باملــادة األولــى لإلعــان العاملــي لحقــوق اإلنســان أنّــه« :يولــد النــاس أحــرارا
ومتســاوين فــي الكرامــة والحقــوق» ،كمــا اقتضــت املــادة الثانيــة أ ّنــه« :لــكل إنســان حــق
التمتــع بجميــع الحقــوق والحريــات املذكــورة فــي هــذا اإلعــان دونمــا تمييــز مــن أي نــوع».
ونصــت املــادة 3مــن العهــد الدولــي الخــاص بالحقــوق االقتصاديــة واالجتماعيــة والثقافيــة
أن« :الــدول األطــراف تتعهــد بضمــان مســاواة الذكــور واإلنــاث فــي حــق التمتــع بجميــع
الحقــوق االقتصاديــة واالجتماعيــة والثقافيــة املنصــوص عليهــا فــي هــذا العهــد».
أمــا العهــد الدولــي الخــاص بالحقــوق املدنيــة والسياســية فيقــر ّكســابقه مبــدأ املســاواة فــي
املــادة 3إذ اقتضــى أن «تتعهــد الــدول األطــراف فــي العهــد بكفالــة تســاوي الرجال والنســاء
فــي حــق التمتــع بجميــع الحقــوق املدنيــة والسياســية املنصــوص عليهــا فــي هــذا العهــد».
كمــا يترتــب عــن التــزام الدولــة التونســية بمــا ورد بأحــكام الفصــل 2مــن اتفاقيــة القضــاء
علــى كل أشــكال التمييــز ضــد املــرأة 1أن تنتهــج سياســة تســتهدف القضــاء علــى التمييــز
الدولــة التونســية أيضــ ًا علــى هــذه االتفاقيــة بمقتضــى القانــون 41 - 67املــؤرخ فــي 21نوفمبــر .1967
- 6االتفاقية الدولية حول عمل املرأة الليلي في .1957
- 7إتفاقيــة منظمــة العمــل الدوليــة حــول املســاواة فــي األجــور عنــد القيــام بنفــس العمــل بــن اليــد العاملــة النســائية
والرجاليــة :صادقــت تونــس علــى هــذه االتفاقيــة ســنة .1968
- 8االتفاقيــة الدوليــة للعمــل حــول املســاواة فــي املعاملــة ) الضمــان االجتماعــي( :صادقــت تونــس علــى هــذه
االتفاقيــة فــي .1967
املؤتمر العاملي املعني باملرأة املنعقد في بيجني خالل الفترة 4و 15سبتمبر 1995
- 1قــرار مجلــس األمــن باألمــم املتحــدة رقــم 1325حــول املــرأة والســام واألمــن فــي 31أكتوبــر 2000وهــو قــرار
ملــزم للجمهوريــة التونســية عمــا بالفصــل الســابع :فيمــا يتخــذ مــن األعمــال فــي حــاالت تهديــد الســلم واإلخــال
بــه ووقــوع العــدوان مــن ميثــاق األمــم املتحــدة.
- 2املــادة :2تشــجب الــدول األطــراف جميــع أشــكال التمييــز ضــد املــرأة ،وتتفــق علــى أن تنتهــج ،بــكل الوســائل
املناســبة ودون إبطــاء ،سياســة تســتهدف القضــاء علــى التمييــز ضــد املــرأة ،وتحقيقــا لذلــك تتعهــد بالقيــام بمــا يلــي:
(أ) إدمــاج مبــدأ املســاواة بــن الرجــل واملــرأة فــي دســاتيرها الوطنيــة أو تشــريعاتها املناســبة األخــرى ،إذا لــم
يكــن هــذا املبــدأ قــد أدمــج فيهــا حتــى اآلن ،وكفالــة التحقيــق العملــي لهــذا املبــدأ مــن خــال التشــريع وغيــره
مــن الوســائل املناســبة.
(ب) اتخــاذ املناســب مــن التدابيــر ،تشــريعية وغيــر تشــريعية ،بمــا فــي ذلــك مــا يناســب مــن جــزاءات ،لحظــر
كل تمييــز ضــد املــرأة،
(ج) فــرض حمايــة قانونيــة لحقــوق املــرأة علــى قــدم املســاواة مــع الرجــل ،وضمــان الحمايــة الفعالــة للمــرأة ،عــن
طريــق املحاكــم ذات االختصــاص واملؤسســات العامــة األخــرى فــي البلــد ،مــن أي عمــل تمييزي،
(د) االمتنــاع عــن مباشــرة أي عمــل تمييــزي أو ممارســة تمييزيــة ضــد املــرأة ،وكفالــة تصــرف الســلطات
واملؤسســات العامــة بمــا يتفــق وهــذا االلتــزام؛
(ه) اتخــاذ جميــع التدابيــر املناســبة للقضــاء علــى التمييــز ضــد املــرأة مــن جانــب أي شــخص أو منظمــة أو
223 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
ضــد املــرأة بمــا فــي ذلــك اتخــاذ تدابيــر لصالحهــا قصــد تكريــس املســاواة الفعليــة
وتجنــب كل ممارســة أو عمــل تمييــزي ضدهــا.
وأقرت كل املعاهدات الدولية مبدأ املساواة بني النساء والرجال باعتباره أساسا في التمتع
بحقوق اإلنسان ألن كل الحقوق الكونية يتمتع بها الجميع دون تمييز .وكانت املادة 21من
اإلعــان العاملــي لحقــوق اإلنســان ترجمــة لهــذه الفلســفة األمميــة التــي انخرطــت فيهــا جـ ّـل
الدول في العالم والذي أق ّر الحق للنســاء والرجال في املشــاركة في االنتخاب والترشــح.1
ـص فــي فصلــه 25علــى ضــرورة أ ّمــا العهــد الدولــي للحقــوق السياســية واملدنيــة ،فقــد نـ ّ
تجــاوز كل القيــود التــي تحــول دون مشــاركة النســاء فــي الشــأن العــام والتعبيــر الح ـ ّر
عــن إرادتهــن فــي اختيــار ممثليهــا فــي االنتخابــات وخاصــة فرصــة تقلدهــن لوظائــف
مؤثــرة فــي الشــأن العــام.2
• التدابيــر اإليجابيــة لصالــح النســاء :أقــرت إتفاقيــة مناهضــة كل أشــكال التمييــز
ضـ ّد املــرأة فــي فصلهــا 2هــذه التدابيــر االيجابيــة التــي تلْــزم الــدول املصادقــة عليهــا ومن
بينهــا تونــس ،بضــرورة اتخاذهــا لكــن وفــي املقابل تبقى هــذه التدابير وقت ّيــة ،ويبقى املعيار
املعتمــد للتخلــي عــن التدابيــر املؤقتــة هــو النجــاح فــي تكريــس املســاواة علــى مســتوى
الواقــع .وعلــى املســتوى السياســي جــاء الفصــل 7منهــا مك ّرســا لضــرورة املشــاركة
السياســية للنســاء مؤكــدا علــى ضــرورة اتخــاذ الدولــة جميــع التدابيــر أي كل مــا هــو
متــاح وليــس البعــض منهــا فقــط للقضــاء علــى التمييــز ضــد املــرأة فــي املجال السياســي.3
مؤسسة،
(و) اتخــاذ جميــع التدابيــر املناســبة ،بمــا فــي ذلــك التشــريعي منهــا ،لتغييــر أو إبطــال القائــم مــن القوانــن
واألنظمــة واألعــراف واملمارســات التــي تشــكل تمييــزا ضــد املــرأة.
(ي) إلغاء جميع األحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزا ضد املرأة.
- 1لــكل فــرد الحــق فــي االشــتراك فــي إدارة الشــؤون العامــة لبــاده إمــا مباشــرة وإمــا بواســطة ممثلــن يختــارون
اختيــار ًا حــر ًا.
- 2لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البالد.
- 3إن إرادة الشــعب هــي مصــدر ســلطة الحكومــة ،ويعبــر عــن هــذه اإلرادة بانتخابــات نزيهــة دوريــة تجــري علــى
أســاس االقتــراع الســري وعلــى قــدم املســاواة بــن الجميــع أو حســب أي إجــراء مماثــل يضمــن حريــة التصويــت.
.2يقتضــي هــذا الفصــل أن «يكــون لــكل مواطــن ،دون أي وجــه مــن وجــوه التمييــز املذكــور فــي املــادة ،2الحقــوق التالية،
التــي يجــب أن تتــاح لــه فرصــة التمتــع بهــا دون قيود غيــر معقولة:
أ .أن يشارك في إدارة الشؤون العامة ،إما مباشرة وإما بواسطة ممثلني يختارون في حرية،
ب .أن ينتخــب وينتخــب ،فــي انتخابــات نزيهــة تجــرى دوريــا باالقتــراع العــام وعلــى قــدم املســاواة بــن الناخبــن
وبالتصويــت الســري ،تضمــن التعبيــر الحــر عــن إرادة الناخبــن،
ج .أن تتاح له ،على قدم املساواة عموما مع سواه ،فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده».
ـص علــى أ ّنــه« :تتخــذ الــدول األطــراف جميــع التدابيــر املناســبة للقضــاء علــى التمييــز ضــد املــرأة فــي الحيــاة
.3عندمــا نـ ّ
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 224
كما جاء بـــإعالن ومنهاج عمل بيجني لسنة ،1995ضرورة تمكني املرأة ومشاركتها الكاملة
على قدم املســاواة في جميع جوانب حياة املجتمع ،بما في ذلك املشــاركة في عملية صنع
القــرار وبلــوغ مواقــع الســلطة ،1وهــي مســائل أساســية لتحقيق املســاواة والتنمية والســلم.
كمــا انخرطــت تونــس فــي إطــار االلتــزام الدولــي بتنفيــذ أهداف أجنــدات التنمية املســتدامة
2030 / 2016التــي تنــص فــي هدفهــا الخامــس علــى مبــدأ «تحقيــق املســاواة بــن الجنســن
وتمكــن كل النســاء والفتيــات كرافــد للقضــاء علــى الفقــر والتهميــش والتمييــز ودفــع
التنميــة الشــاملة».
السياسية والعامة للبلد ،وبوجه خاص تكفل للمرأة ،على قدم املساواة مع الرجل ،الحق في:
أ .التصويــت فــي جميــع االنتخابــات واالســتفتاءات العامــة ،واألهليــة لالنتخــاب لجميــع الهيئــات التــي ينتخــب
أعضاؤهــا باالقتــراع العــام،
ب .املشــاركة فــي صياغــة سياســة الحكومــة وفــى تنفيــذ هــذه السياســة ،وفــى شــغل الوظائــف العامــة ،وتأديــة
جميــع املهــام العامــة علــى جميــع املســتويات الحكوميــة،
ج .املشاركة في أية منظمات وجمعيات غير حكومية تهتم بالحياة العامة والسياسية للبلد.
.1أقــ ّر فــي هــذا الســياق «ضــرورة إلتــزام الحكومــات :بتحديــد هــدف التــوازن بــن الجنســن فــي
الهيئــات واللجــان الحكوميــة وفــي الكيانــات اإلداريــة العامــة وفــي النظــام القضائــي بمــا فــي ذلــك وضــع
أهــداف محــددة وتنفيــذ تدابيــر بمــا يحقــق زيــادة ملموســة فــي عــدد النســاء بغــرض الوصــول إلــي
متســاو بــن املــرأة والرجــل فــي كل املناصــب الحكوميــة واإلداريــة العامــة باتخــاذ تدابيــر إيجابيــة.
ٍ تمثيــل
225 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
واســتعمل القانــون اإلنتخابــي التأنيــث أو الجنــدرة علــى مســتوى بعــض الفصــول كمــا هــو
الشــأن بالنســبة للفصــل 5منــه ملــا اعتبــر أ ّنــه «يعـ ّد ناخبــا كل تونسـ ّية وتونســي مرســم
فــي ســجل الناخبــن (».)...
وحافــظ الفصــل 19علــى نفــس الصياغــة فيمــا يتّعلــق بالترشــح لعضويــة مجلــس
نــواب الشــعب مؤكــدا أنّــه حــق لــكل «ناخبــة أو ناخــب تونســي الجنســية
منــذ عشــر ســنوات علــى األقــل» .وفــي املقابــل فيمــا يتعلــق باإلنتخابــات البلديــة
والجهويــة لــم يتــم اعتمــاد التأنيــث إذ جــاء بالفصــل 49مكــرر أنّ «الترشــح
لعضويــة املجالــس البلديــة أو الجهويــة حــق لــكل ناخــب تونســي الجنســية».
تعتمــد اإلنتخابــات التشــريعية فــي تونــس علــى اإلقتــراع علــى القائمــات وليــس علــى
األفــراد ،أي أنّ الناخــب أوالناخبــة ال يختــار شــخص املترشــح مــن ضمــن قائمــة أو مــن
ضمــن قائمــات متعــددة بــل عليــه إختيــار قائمــة واحدة تتضمن عددا من املترشــحني مســاو
لعــدد املقاعــد بالدائــرة اإلنتخابيــة التــي أدلــى بهــا الناخــب أو الناخبــة بصوتــه/ا( ،وهي من
القائمــات املغلقــة التــي ليــس للناخــب/ة فيهــا أي خيــار ال علــى الترتيــب أو األشــخاص).1
تجــدر املالحظــة أنــه ســبق فــي انتخابــات 2011أن تـ ّم اعتمــاد مبــدأي التناصــف والتنــاوب
العمــودي فــي القائمــات اإلنتخابيــة املترشــحة وتلتــزم بمقتضــى هــذه القاعــدة القائمــات
بــأن يكــون عــدد النســاء مســاو لعــدد الرجــال علــى نفــس القائمــة باســتثناء القائمــات
التــي يكــون عــدد املقاعــد فيهــا فرديــا ،ويتــم ترتيبهــم بالتنــاوب بــن النســاء والرجــال.
وقــد م ّكنــت هــذه القاعــدة مــن تمثيليــة للنســاء بلغــت فــي البدايــة % 27وهــي نســبة أقل مما
هــو مأمــول وفــق املعاييــر الدوليــة ،إ ّال أن ّهــا تطــورت الحقــا بعــد اســتقالة عــدد مــن النــواب
الرجــال الذيــن ت ـ ّم تعويضهــم بالنســاء املترشــحات مباشــرة بعدهــم علــى نفــس القائمــة.
ويعـ ّد هــذا املبــدأ مــن ضمــن املكاســب التــي تحققــت للمــرأة فــي تونــس وكان لزامــا علــى
الدولــة حســب الفصــل 46من الدســتور تطويره ودعمه ،غيــر أنّ القانون اإلنتخابي الصادر
بمقتضى القانون عدد 16لســنة 2014لم يكن متماشــيا مع روح الدســتور وإكتفى بتكريس
نفس املبدأ دون اعتماد التناصف على مســتوى رؤســاء القائمات أو على األقل تدعيم مبدأ
التناصــف فــي الترشــح بضــرورة التنصيــص علــى تمثيل ّيــة للنســاء ال تقــل حســب املعاييــر
الدوليــة علــى % 30فــي املجالــس املنتخبــة ،2وبالتالــي فــإنّ الدولــة لــم تبــذل العنايــة الكافيــة.
.1ال شــيء يمنــع املشــرع فــي انتخابــات علــى االفــراد مــن اعتبار البطاقة ملغــاة اذا لم تحترم كوتا معينة في عدد النســاء
أو احتــرام ميــدأ التناصــف كمــا هــو الحــال فــي القانــون التونســي املتعلــق بانتخــاب أعضــاء املحلــس األعلــى للقضــاء.
.2علــى غــرار القانــون العضــوي رقــم 01 - 12املــؤرخ فــي 12جانفــي 2012الخــاص بنظــام اإلنتخــاب فــي الجزائــر
الــذي أقــ ّر فــي انتخابــات املجلــس الشــعبي الوطنــي نســبة % 30فــي هــذا املجلــس لصالــح النســاء ،فارتفعــت
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 226
وتجــدر املالحظــة أ ّنــه بالنســبة لإلنتخابــات التشــريعية لســنة 2014فــإن عــدد النســاء بلــغ
بفضــل قاعــدة التناصــف والتنــاوب 68إمــرأة أي نســبة % 31.3وهــي مــن أعلى النســب في
البرملانــات العربيــة وتعــززت هــذه النســبة بعــد تقلد نــواب من الرجال مناصــب في الحكومة
ليقــع تعويضهــم بنســاء ،ليصبــح هنــاك 139رجــا ( )% 64.9و 76امــرأة أي .% 35.19
أمــا بالنســبة لالنتخابــات التشــريعية لســنة ،2019فــإنّ عــدد النســاء لــم يتجــاوز 53امــرأة
أي نســبة .% 23كمــا أنّ الدولــة لــم تســع إلــى اتخــاذ التدابيــر الالزمــة قصــد تحقيــق
التناصــف االفقــي علــى مســتوى املجالــس التشــريعية ،إذ اقتضــى الفصــل 24مــن القانون
االنتخابــي عــدد 16لســنة « :2014أ ّنــه تقـ ّدم الترشــحات علــى أســاس مبــدأ التناصــف بــن
النســاء والرجــال وقاعــدة التنــاوب بينهــم داخــل القائمــة وال تقبــل القائمــة التــي ال تحتــرم
هــذا املبــدأ إال فــي حــدود مــا يحتّمــه العــدد الفــردي للمقاعــد املخصصــة لبعــض الدوائــر».
وعلــى الرغــم مــن أنّ الدســتور أقــر التــزام الدولــة بدعــم مكاســب املــرأة وتطويرهــا ،فــإنّ
الفصــل املذكــور لــم يدعــم التناصــف ،ولــم يكن مســايرا لروح الدســتور . 1غيــر أنّ اإلضافة
بالنســبة لالنتخابــات التشــريعية هــي التنصيــص الصريــح علــى أن القائمــة التــي ال تحتــرم
ـص فــي املرســوم مبــدأ التناصــف وقاعــدة التنــاوب ال تقبــل ،وهــو مــا تجــاوز ســكوت النـ ّ
عــدد 35لســنة 2011الــذي اكتفــى بالتنصيــص علــى املبدأيــن دون اســتخالص النتائــج
املترتبــة عــن مخالفتهمــا .وكان فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة هــو املوجــه للمشــرع ذلــك أ ّنــه
وفــي ســكوت النــص اعتبــر أ ّنــه ال يمكــن تصحيــح هــذا اإلجــراء باعتبــاره إجــراءا جوهريــا
إذ انتهــت إلــى أنّ :إســقاط القائمــة التــي لــم تحتــرم قاعــدة التناصــف والتنــاوب إجــراء
غيــر قابــل للتصحيــح وال يمكــن كذلــك االحتجــاج بالعــدد الفــردي للمقاعــد بالدائــرة.2
وفــي قــراءة متكاملــة متجانســة للقانــون اإلنتخابــي ،يبــدو أنّ املشــرع رغــم تبنــي مبــدأ
املســاواة لــم يك ـ ّرس اآلليــات الضامنــة والكفيلــة بتحقيــق مســاواة فعليــة علــى مســتوى
التمثيليــة فــي املجالــس املنتخبــة .اكتفــى القانــون االنتخابــي بإقــرار التناصــف والتنــاوب
فــي الترشــح الــذي جــاء بــه املرســوم عــدد 35لســنة 2011خــال الفتــرة اإلنتقاليــة
األولــى ،والحــال أنّ هــذا املبــدأ أضحــى مكســبا وجــب تطويــره فــي ظــل أحــكام الفصــل
نســبة النســاء مــن % 7.7خــال املــدة النيابيــة باملجلــس بــن 2012 - 2007إلــى % 31.6خــال انتخابــات 2012
.1تــم الطعــن فــي الفصــل 24مــن الدســتور أمــام الهيئــة الوقتيــة ملراقبــة دســتورية القوانــن لعــدم احترامــه للدســتور
وانتهــت فــي قرارهــا الصــادر فــي القضيــة عــــدد 02 / 2014بتاريخ 23ماي 2014إلى أنّ الفصــل على حالته ليس مخالفا
للدســتور وأ ّنــه يمكــن اعتمــاد التناصــف األفقــي «وحيــث اعتبــر أنّ قاعــدة التناوب بينهــم داخل القائمة أمــر ضروري وهو
تكريــس ملبــدأ التناصــف العمــودي دون أن يكــون ذلــك عائقا علــى االعتماد على التناصف األفقــي إن اقتضى األمر ذلك»،
.2اعتبرت املحكمة اإلدارية في حكمها االستئنافي الصادر في القضية عدد 28944الصادر بتاريخ 23سبتمبر . 2011
227 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
46مــن الدســتور 1ولــم يتخــذ املشــرع التدابيــر الكفيلــة بالوصــول إلــى التناصــف
علــى مســتوى املجالــس وذلــك مــن خــال إقــرار مبــدأ التناصــف األفقــي وذلــك علــى
مســتوى رؤســاء القائمــات خــال االنتخابــات التشــريعية لســنة 2014وكذلــك ســنة .2019
واقتصــر هــذا التدبيــر الخــاص علــى االنتخابــات املحليــة ال غيــر وتــم تكريســه عبــر
االنتخابــات البلديــة ،وانتهــت هــذه االنتخابــات إلــى تحقيــق نســبة 47باملائــة مــن النســاء
مستشــارات بلديــات وفــي املقابــل لــم يتجــاوز عــدد رئيســات البلديــات 20باملائــة.
مــا يتم ّيــز بــه القانــون عــدد 34لســنة 2016املــؤرخ فــي 28أفريــل 2016واملتعلــق باملجلــس
األعلــى للقضــاء أ ّنــه نقطــة التقــاء بــن مبــدأ اســتقالل القضــاء مــن جهــة ،ومبــدأ تكافــئ
الفــرص بــن الجنســن وتمثيليــة النســاء بهــذا املجلــس مــن جهــة أخــرى ،وعكــس القانــون
فلســفة تشــريعية دامجــة للمبدأيــن فــي توافــق تــام مــع املقاربــة الدســتورية القائمــة علــى
قــراءة توطئــة الدســتور وجميــع فصولــه قــراءة متكاملــة ومنســجمة .2ويســتخلص مــن
هــذا القانــون أ ّنــه تــم تفعيــل املبــادئ الدســتورية املكرســة ملبــدأ املســاواة بــن املواطنــن
واملواطنــات التــي وجــب أن تشــمل جميــع املجــاالت دون حصرهــا فــي مجالــس سياســية
أو مســائل نمط ّيــة (شــؤون املــرأة واألســرة واألطفــال واملســنني ،الصحــة اإلنجابيــة.)... ،
ويعــ ّد إقــرار تدابيــر إيجابيــة لصالــح النســاء فــي مجــال القضــاء رســالة مهمــة فــي
القطــع مــع ثقافــة اإلقصــاء فــي بعــض املجــاالت التــي كانــت حكــرا علــى الرجــال
ويفتــح الطريــق أمــام تمثيليــة أوســع للنســاء فــي كل املجالــس املنتخبــة مهمــا كان
مجــال اختصاصهــا ،عمــا بالقاعــدة األصوليــة بــأن مــن أمكنــه األكثــر أمكنــه األقــل.
وال يقتصــر الدفــع نحــو وصــول النســاء إلــى مراكــز صنــع القــرار فحســب علــى
املجــال السياســي علــى أهميتــه فــي رســم سياســات الدولــة وتوجهاتهــا ،بــل يجــب
أن تشــمل مقاربــة النــوع اإلجتماعــي 3جميــع املجــاالت فــي قطــع مــع الفكــر الــذي
.1الفصل 46تلتزم الدولة بحماية الحقوق املكتسبة للمرأة وتدعم مكاسبها وتعمل على تطويرها
.2وتعــ ّد التوطئــة جــزءا ال يتجــزأ مــن الدســتور وهــي حســب الفصــل 145جــزء ال يتجــزأ مــن الدســتور وبالتالــي
مصــدر مــن مصــادر الشــرعية التــي يمكــن اإلســتناد إليهــا للمطالبــة بحقــوق النســاء بنــاء علــى مــا ورد بالتوطئــة.
.3مقاربــة النــوع اإلجتماعــي أو الجنــدر هــي أداة تحليليــة تميــز بــن البعــد البيولوجــى والبعــد الثقافــى
والجنــدر كلمــة تعنــى نــوع الجنــس بصــرف النظــر عــن كونــه امــرأة أو رجــل وتســتخدم هــذه األليــة لداللــة علــى
أنّ الجنســن متســاويني فــي االصــل ولكــن تنبــع عــدم مســاواتهم مــن عوامــل اجتماعيــة واقتصاديــة مكتســبة.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 228
يعتبــر حقــوق النســاء مــن القضايــا الجانبيــة الخصوصيــة وهــي حكــر علــى النســاء
وليســت شــأنا حقوقيــا شــامال يمــس كل القطاعــات واملؤسســات دون اســتثناء.
ورأى البعــض أنّ تخصيــص النســاء بتدابيــر خاصــة فــي املجلــس األعلــى للقضــاء فــي
غيــر طريقــه ألنّ كفاءتهــن مكنّتهــن مــن ممارســة القضــاء دون تدابيــر إيجابيــة وبالتالــي
فهــي ليــس فــي حاجــة لذلــك ،غيــر أنّ هــذا الــرأي ال يتماشــى مــع تواجــد النســاء باملجلــس
األعلــى للقضــاء ألنّ هــذا األخيــر ال يتعلــق بممارســة مهنــة القضــاء أو غيرهــا مــن املهــن
القضائيــة األخــرى التــي تســتوجب تكوينــا أكاديميــا معينــا يتــوج بانتــداب أو انتمــاء إلــى
مهنــة بــل تتعلــق بــإدارة الشــأن القضائــي واتخــاذ قــرارات مصيريــة فــي مجــال القضــاء.
ومــن هــذا املنطلــق فــإنّ املســاهمة في أخــذ القرار تع ّد مــن بني املخرجات امله ّمــة التي تؤدي
علــى املــدى املتوســط والبعيــد إلــى تحقيــق مســاواة فعليــة .وتعمــل هــذه الثقافــة الدامجــة
والشــاملة على تمكني النســاء من أن يواكنب وضع كل السياســيات املتعلقة بالقضاء ويكن
قــادرات علــى الضغــط واملناصــرة والتمكــن مــن آليات الفعل السياســي على هذا املســتوى.
ويتّضــح أنّ الرهانــات املتعلقــة باملجلــس مــن حيــث التركيبــة وطــرق الوصــول إلــى مركــز
القــرار بــه قــد ض ّمــت خاصــة آليــة اإلنتخــاب كوســيلة للتواجــد باملجلــس وهي اآلليــة األكثر
تمثيليــة ألنّ أكثــر مــن 73.30باملائــة ( 33عضــوا وعضــوة مــن بــن )45مــن األعضــاء يعينون
عــن طريــق اإلنتخــاب وال يقتصــر االمــر علــى صنــف دون آخــر اذ يشــمل كل األصنــاف
(قضــاة ،محامــاة ،األســاتذة الجامعيــن ،الخبــراء املحاســبني ،عــدول التنفيذ) .أمــا القضاة
الذيــن يتــم تعيينهــم بصفتهــم ،فيغلــب عليهــم حاليا العنصــر الذكوري ( 12عضــو وعضوة).
يعتبــر قانــون املجلــس األعلــى للقضــاء مــن أولــى النصــوص التــي عرضــت علــى مجلــس
نــواب الشــعب وتضمنــت ممارســة مهمــة لترجمــة أحــكام الفصلــن 34و 46مــن الدســتور.
كانــت الســيناريوهات املقترحــة فــي هــذا املجــال هــي اعتمــاد املحاصصــة فــي النتائــج،
بمعنــى أن يقــع إمــا تفعيــل آليــة املقاعــد املحجــوزة لصالــح النســاء فــي املجلــس أو
اعتمــاد كوتــا للنســاء فــي املجلــس .وفــي هــذا اإلطــار لــم يكــن القانــون التونســي مجــرد
إقــرار لواقــع تواجــد النســاء فــي األصنــاف املعن ّيــة فــي املجلــس كمــا هــو الحــال مثــا
بالنســبة للقانــون املغربــي الــذي اعتمــد مبــدأ تمثيليــة النســاء القاضيــات مــن بــن
229 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
1
األعضــاء العشــرة املنتخبــن ،بمــا يتناســب مــع حضورهــن داخــل الســلك القضائــي
مثلمــا نــص علــى ذلــك الظهيــر الشــريف رقــم 1 - 16 - 40صــادر فــي 24مــارس 2016
املتعلــق بتنفيــذ القانــون التنظيمــي رقــم 100 - 13املتعلــق باملجلــس األعلــى للســلطة
القضائيــة .وتطبيقــا لهــذا املبــدأ اقتضــى الفصــل 23مــن القانــون املغربــي اعتمــاد
آليــة املقاعــد املخصصــة (املحجــوزة) للنســاء القاضيــات ،مــن بــن األعضــاء العشــرة
املنتخبــن ،بمــا يتناســب مــع حضورهــن داخــل الســلك القضائــي بالنســبة لــكل هيئــة.
وخالفــا لهــذا التوجــه ،اتجهــت فلســفة التشــريع التونســي نحــو جعــل القانــون قاطــرة نحــو
تغييــر الواقــع وذلــك بوضــع تحفيــز تشــريعي يعطــي للنســاء مكانــة فــي املجلس قــد تتجاوز
نســبة تواجدهــا فــي األصنــاف املعن ّيــة باإلنتخــاب فــي املجلــس وذلــك فــي إطــار التنافســية
اإلنتخابيــة .وبالتالــي ســعى إلــى وصولهــن إلــى مركــز القــرار غيــر املتناســب وحقيقــة
الواقــع باملهــن املعنيــة .2وعلــى هــذا األســاس تـ ّم إقــرار آليــة فريدة مــن نوعها فــي انتخابات
املجلــس وهــي التناصــف فــي بطاقــة اإلقتــراع .إذ جــاء بالفصــل 26مــن قانــون املجلــس
األعلــى للقضــاء الصــادر تحــت عــدد 34لســنة 2016أ ّنــه« :تعتبــر ملغــاة كل ورقــة غير مع ّدة
للغــرض أو تحتــوي أكثــر مــن العــدد املقــرر لــكل رتبــة أو صنــف ،أو ال تعبــر بوضــوح عــن
إرادة الناخــب ،أو تتعــارض مــع مبــادئ ســرية أو حرية االقتراع .كمــا تعتبر ملغاة كل ورقة
ال تحتــرم مبــدأ التناصــف فــي عــدد املترشــحني الذيــن يختارهــم الناخب لكل صنــف ،وذلك
فــي حــدود مــا يحتمــه العــدد الفــردي مــن املقاعــد املخصصــة لكل صنــف ورتبة ،ويســتثنى
.1الفصــل 6مــن القانــون املغربــي املتعلــق باملجلــس األعلــى للقضــاء :تطبيقــا ألحــكام الفصــل 115مــن الدســتور،
يتألــف املجلــس مــن:
-الرئيس األول ملحكمة النقض ،رئيسا منتدبا؛
-الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض؛
-رئيس الغرفة األولى بمحكمة النقض؛
-أربعة ممثلني لقضاة محاكم االستئناف ،ينتخبهم هؤالء القضاة من بينهم؛
-ستة ممثلني لقضاة محاكم أول درجة ،ينتخبهم هؤالء القضاة من بينهم؛
ويجــب ضمــان تمثيليــة النســاء القاضيــات مــن بــن األعضــاء العشــرة املنتخبــن ،بمــا يتناســب مــع حضورهــن داخــل
الســلك القضائــي ،وفــق مقتضيــات املادتــن 23و 45مــن هــذا القانــون التنظيمــي.
-الوسيط؛
-رئيس املجلس الوطني لحقوق اإلنسان؛
-خمــس شــخصيات يعينهــا امللــك ،مشــهود لهــا بالكفــاءة والتجــرد والنزاهــة ،والعطــاء املتميــز فــي ســبيل
اســتقالل القضــاء وســيادة القانــون ؛ مــن بينهــم عضــو يقترحــه األمــن العــام للمجلــس العلمــي األعلــى.
.2احصائيات .2016املصدر رابطة الناخبات التونسيات« :مالحظة انتخابات املجلس األعلى للقضاء»
نسبة النساء في القضاء ال تتجاوز 42باملائة
نسبة املحاميات في املحاماة ال تتجاوز 42 . 25باملائة
نسبة النساء في صنف عدول التنفيذ ال تتجاوز 25.99باملائة
نسبة النساء في الخبراء املحاسبني ال تتجاوز 12.79باملائة
نسبة النساء في أساتذة الجامعيني 67.79ال تتجاوز باملائة
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 230
مــن ذلــك الحــاالت التــي ال يترشــح فيهــا عــدد كاف مــن املترشــحني مــن أحــد الجنســن».
ويســتخلص مــن التنصيــص علــى مبــدأ التناصــف فــي اإلقتراع احتــرام للنص الدســتوري
الــذي ترجــم الســعي إلــى تحقيــق التناصــف فــي املجالــس املنتخبــة إلــى تدابيــر قانونيــة
وإجرائيــة الغايــة منهــا الوصــول إلــى تحقيــق املناصفــة .وقطــع هــذا القانــون مــع التأويــل
بــأن «الســعي» ال يعنــي اتخــاذ تدابيــر للوصــول إلــى النتيجــة علــى مســتوى الواقــع.
وحفـ ّز التنصيــص علــى التناصــف النســاء علــى الترشــح ألنّه وفــي كل الحــاالت الناخب(ة)
ملزم بالتصويت لهن ،ألنه ورغم التوجه الســلطة القضائية نحو تواجد محترم للنســاء غير
أنهــن بقــن علــى مســتوى القاعدة والعمل القضائي ال غيــر دون الوصول إلى مركز القرار.
يقتضــي تطبيــق مبــدأ التناصــف أن تكــون املقاعــد املتنافــس عليهــا مقعديــن أو أكثــر،
وبالتالــي إذا كان هنــاك تنافــس علــى مقعــد واحــد فــا مجــال إلعمــال التناصــف (مثــال
مقعــد وحيــد :عــدول التنفيــذ فــي القضــاء العدلــي واملدرســون الباحثــون فــي املاليــة
العموميــة والجبايــة برتبــة أســتاذ تعليــم عالــي وأســتاذ محاضــر فــي القضــاء املالــي).
ويفتــرض تطبيــق هــذا املبــدأ كذلــك وجــود ترشــحات مــن الجنســن ملقعديــن أو ثالثــة
بمعنــى أنّ القانــون ال يرتــب عــن عــدم ترشــح النســاء اإللغــاء ألنّ اإلنتخابــات علــى
األفــراد وليســت علــى القائمــات وهــي بالتالــي رهينــة إرادة األطــراف املعنيــة بالترشــح.
يقتضــي اعمــال املبــدأ وجــود عــدد كاف مــن أحــد الجنســن مــن ذلــك مثــا أنّ مجــرد
تقــدم مترشــح واحــد عــن أحــد الجنســن ســيفضي بالضــرورة إلــى فــوزه بمقعــد
.بمعنــى أنّ ترشــح امــرأة وحيــدة مــع أكثــر مــن مترشــح مــن الرجــال أوترشــح
رجــل وحيــد مــع عديــد املترشــحات مــن النســاء يمكــن معــه تطبيــق التناصــف.
231 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
تنفيــذا ألحــكام القانــون االنتخابــي تٌقــدم مطالــب الترشــح أمــام الهيئــة الفرعيــة
املســتقلة لإلنتخابــات مــن قبــل أحــد أعضــاء القائمــة 1ويجــب أن تحتــرم الشــروط
مثلمــا تضمنّهــا القانــون اإلنتخابــي واملتعلقــة بشــخص املترشــح ثــم بالقائمــة.
ّ
بــكل ويكــون مبــدأ التناصــف فــي إطــار قائمــة مغلقــة يكــون فيهــا عــدد املترشــحني
املخصصــة للدائــرة املعن ّيــة (يمكــن للهيئــة أن
ّ قائمــة مســاويا لعــدد املقاعــد
تضبــط كيفيــة التعويــض أوالتصحيــح) .وعلــى هــذا األســاس -يجــب أن تكــون القائمــة
املترشــحة محترمــة ملبــدأ التناصــف بــن النســاء والرجــال (نصفهــا نســاء
ونصفهــا رجــال ،لكــن يمكــن الحيــاد عــن هــذه القاعــدة إذا كان عــدد املقاعــد بالدائــرة
اإلنتخابيــة فرديــا ،مثــا 7يكــون الترتيــب 4نســاء و 3جــال أو العكــس) ويجــب خاصــة
اعتمــاد التنــاوب بــن املترشــحني واملترشــحات فــي الترتيــب أي إمــرأة /رجــل أو
العكــس .وفــي صــورة عــدم احتــرام هذيــن املبدأيــن يكــون مــآل القائمــة هــو الرفــض.
انتهــت املحكمــة عنــد التأســيس ملبــدأ التناصــف وإلزاميتــه فــي أحــكام مبدئيــة إلــى قــراءة
متجانســة بــن أحــكام القانون االنتخابي ودســتور 2014واستشــرفت الغايــة من وضع آلية
التناصــف فــي الترشــح باعتبارهــا تمكــن من الوصــول إلى مبتغى الفصل 46من الدســتور
وهــو التناصــف فــي املجالــس إذ جــاء بحيثياتهــا أنّ «الغايــة مــن إقــرار مبــدأ التناصف بني
املــرأة والرجــل صلــب الفصــل 46مــن الدســتور ال تتحقــق فــي ظــل نظــام اقتــراع يعتمــد
علــى التمثيــل النســبي ،إال بإعمــال قاعــدة التنــاوب عنــد ترتيــب املترشــحني ضمــن القائمــة
املترشحة .»1وزاوجت املحكمة بني الفصل 21من القانون االنتخابي والفصل 46املتضمن
أنّ « :تســعى ال ّدولــة إلــى تحقيــق التّناصــف بــن املــرأة وال ّرجــل فــي املجالــس املنتخبــة».
أمــا أحــكام الفصــل 34مــن الدســتور الــذي تضمــن صراحــة أن« :تعمــل الدولــة
علــى ضمــان تمثيليــة املــرأة فــي املجالــس املنتخبــة ».فلــم تكــن أساســا للمحكمــة
فــي اعتبــار مبــدأ التناصــف هــو االليــة القانونيــة لتحقيــق هــذا االلتــزام مــن الدولــة.
ولكــن تعاطــي املحكمــة مــع هــذه املســألة اتصــف فــي بداياتــه وخاصــة مــع انتخابــات 2011
بوجــود رؤيــة واضحــة بخصــوص عــدم قابليــة املبــدأ للتصحيــح واســتقر عليهــا الــرأي
فــي عديــد النزاعــات لكــن الحقــا وخاصــة ســنة 2018لــم يتــم تأكيــده .لــذا مــن الغريــب
ان تتجــه املحكمــة وفــي غيــاب نــص واضــح وصريــح ينــص علــى عــدم قابليــة شــرط
التناصــف للتصحيــح إلــى فرضــه كمــا كان الحــال بالنســبة للفصــل 19مــن املرســوم
عــدد 35لســنة 2011الــذي نــص علــى ضــرورة احتــرام التناصــف والتنــاوب فــي القائمــات
املترشــحة ،إ ّال أ ّنــه لــم ير ّتــب صراحــة علــى مخالفتــه أي جــزاء بصريــح النــص ،معتبــرة
فــي فقــه قضائهــا حينهــا أن شــرطي التنــاوب والتناصــف ليــس فقــط إلزاميــن بــل وأيضــا
غيــر قابلــن للتصحيــح باعتبارهمــا مبدأيــن جوهريــن مثلمــا أقــرت ذلــك فــي أحــكام
متعــددة .2وتــم تبنــي فقــه قضــاء املحكمــة مــن املشــرع إذ تــم التنصيــص عليــه صراحــة
بالقانــون وأيضــا بالقــرار الترتيبــي للهيئــة .علــى أن مبــدأ التناصــف غيــر قابــل للتصحيــح.
.1الحكم اســتئنافي عدد 20140056بتاريخ 20ســبتمبر 2014الهيئة الفرعية لالنتخابات القيروان /حزب تونس العزيزة
الحكم اســتئنافي عدد 20140057بتاريخ 20ســبتمبر 2014الهيئة الفرعية لالنتخابات القيروان /حزب العمل التونســي
.2الحكــم اســتئنافي عــدد 20140078بتاريــخ 20ســبتمبر 2014رئيــس قائمــة حــزب التكتــل بالدائــرة االنتخابيــة بباجــة
/الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بباجــة
الحكــم اســتئنافي عــدد 20140005بتاريــخ 17ســبتمبر 2014رئيــس قائمــة حــزب الريــادة بالعلــم والعمــل بالدائــرة
االنتخابيــة نابــل / 2الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات نابــل 2
233 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
وأصبــح فقــه القضــاء فــي هــذا املجــال مســتقرا الــذي اعتمدتــه املحكمــة اإلداريــة خــال
انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي 2011واالنتخابات التشــريعية 2014وانتخابــات .2019
ولكــن نجــد أن احــدى الدوائــر االســتئنافية انتهجــت تأويــا مخالفــا باســتبعاد مــا ورد
بصريــح النــص اتجهــت املحكمــة فــي احــدى أحكامهــا الصــادرة بمناســبة النظــر فــي
االنتخابــات البلديــة 1الــى اعتبــار أن مبــدأ التناصــف العمــودي قابــل للتصحيــح مؤسســة
حكمهــا علــى اعــاء الحــق فــي الترشــح كمبــدأ دســتوري علــى التناصــف الــذي نــص عليــه
القانــون معتبــرة أنــه مــن حــق املــرأة التــي عوضــت الرجــل فــي القائمــة يضمــن تعدديــة
الترشــح ،وكأن للقائمــة إمكانيــة ملخالفــة هــذا الشــرط واتجهــت مــن تلقــاء نفســها ودون
إثــارة مــن األطــراف إلــى النظــر فــي مــدى دســتورية القــرار الترتيبي للهيئــة العليا املســتقلة
لالنتخابــات وخاصــة الفصــل 21منــه 2املنظم للمســائل غير القابلة للتصحيــح .واعتبرت أنّ
هــذا الفصــل الــذي تضمــن أن مبــدأ التناصــف العمــودي غيــر قابــل للتصحيــح« :يتعــارض
مــع مقتضيــات الدســتور والقانــون باعتبارهــا تنــال بالخصــوص مــن حــق املــرأة والشــباب
فــي الترشــح لالنتخابــات ،ذلــك أنــه بــدل فــرض ترتيبهم وفق مــا يقتضيه القانــون عن طريق
قبــول مطالــب التصحيــح فهــي تنتهــي إلى عكس ذلك ،والحال أنه ال مانــع يحول دون ذلك».
ولئــن بــدى تأويــل املحكمــة فــي هــذا املجــال متماشــيا فــي الظاهــر مــع تمثيليــة النســاء
بتمكينهــن عنــد التغاضــي عــن احتــرام تمثليتهــن بالقائمــة مــن التصحيــح ،إال أنّــه
وفــي الواقــع ســيؤدي هــذا التغافــل عــن شــرط التناصــف العمــودي كشــرط غيــر قابــل
للتصحيــح إلــى التســاهل معــه وعــدم فرضــه كأولويــة للقائمــات املترشــحة واعتبــاره ثانويــا
مقارنــة بشــروط أخــرى ،لــذا فــإن فقــه القضــاء الســابق للمحكمــة يبــدو أكثــر تماهيــا
مــع الغايــة مــن فــرض التناصــف الــذي باعتبــاره شــرطا غيــر قابــل للتصحيــح يقصــي
كل قائمــة مترشــحة ال تؤمــن بهــذا املبــدأ وتجعــل مــن ضمــن أولوياتهــا عنــد إعــداد
.1انظــر القض ّيـــة عـــدد 20182001 .نــزاع انتخابــي .بتاريــخ 23مــارس 2018عبــد الحميــد طعــم اهلل /الهيئــة الفرعيــة
بســيدي بوزيــد
تبــت الهيئــات الفرعيــة فــي مطالــب الترشــح فــي أجــل أقصــاه ســبعة أيــام مــن ّ .2الفصــل 21ـ
البــت طلــب تصحيــح مطالــب الترشــح. ّ تاريــخ ختــم الترشــحات .ويمكــن للهيئــة الفرعيــة خــال أجــل
وال يقبل التصحيح:
ّ
املترشحني في القائمة األصل ّية والقائمة التكميل ّية، ـ املطلب الذي ال يتض ّمن العدد املشترط من
ّ
للمترشــحني وترتيبهــم وإمضاءاتهــم مع ّر ًفــا عليهــا باإلمضــاء فــي القائمــة ـ املطلــب الــذي ال يتض ّمــن األســماء الكاملــة
املترشــحة طبــق الشــروط املنصــوص عليهــا أعــاه،
ـ املطلــب الــذي ال يحتــرم مبــدأ التناصــف داخل القائمــة األصلية وفي حدود العدد األدنى املطلوب في القائمة التكميلية،
ـ املطلــب الــذي ال تتضمــن فيــه القائمــة التكميليــة مترشــحا أو مترشــحة علــى األقــل ال يزيــد سـنّه عــن 35ســنة يــوم
تقديــم مطلــب الترشــح،
ّ
مترشــح ـ كل حالــة تــؤ ّدي إلــى نقــص فــي العــدد املشــترط مــن املترشــحني فــي القائمــة األصليــة ،أو إلــى اســتبدال
مــن خــارج القائمــة التكميل ّيــة.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 234
القائمــة .فضــا عــن أن عــدم قابليتــه للتصحيــح ســيجعل مــن األحــزاب والقائمــات أكثــر
اســتقطابا للنســاء ،ولــن يقتصــر دورهــم علــى اســتجالبهن فقــط فــي املناســبات االنتخابية.
انتهــت املحكمــة إلــى ضــرورة تكريــس هذيــن الشــرطني ال فقــط فــي القائمــة
األصليــة بــل أيضــا فــي القائمــة التكميليــة إذ« :يؤخــذ مــن قــراءة الفصلــن ( 21و24
مــن القانــون اإلنتخابــي) وخاصــة فــي صيغــة الوجــوب التــي أوردهــا الفصــل 21
ومــن إحالتــه إلــى الفصــل 24إلــى القائمــة األصليــة والقائمــة التكميليــة تخضعــان
إلــى نفــس النظــام القانونــي وينطبــق علــى كلتيهمــا شــرطا التناصــف والتنــاوب.1
وتماهيــا مــع الفصــل 24مــن القانــون االنتخابــي الــذي أكد بصريــح عباراته علــى «أنّ تق ّدم
الترشــحات علــى أســاس مبــدأ التناصــف بــن النســاء والرجــال وقاعــدة التنــاوب بينهــم
داخــل القائمــة وال تقبــل القائمــة التــي ال تحتــرم هــذا املبــدأ إال فــي حــدود مــا يحتّمــه العــدد
الفــردي للمقاعــد املخصصــة لبعــض الدوائــر» .مارســت الهيئــة العليا املســتقلة لالنتخابات
لســلطتها الترتيبيــة فــي احتــرام تــام لــروح النــص وكذلــك لفقــة قضــاء املحكمــة وذلــك
فــي قرارهــا الصــادر تحــت عــدد 16لســنة 2014واملتعلــق بشــروط الترشــح لالنتخابــات
التشــريعية معتبــرة أنّ هذيــن الشــرطني غير قابل ْين للتصحيح ،بمعنــى أنّه في صورة إغفال
القائمــة عنهمــا وتقديــم ترشــحها دون احترامهمــا ســواء فــي القائمــة األصليــة أو التكميليــة
فــإنّ الهيئــة ال تكــون ملزمــة بالتنبيــه علــى القائمة في أجل 48ســاعة لكي تصحــح قائمتها.2
ومــن خــال مــا تــم بيانــه ،فــإنّ فتــح إمكانيــة التصحيــح بالتعامــل بمرونــة قــد
تــؤدي إلــى االســتخفاف بهــذا املبــدأي ويمكــن أن تجعــل مــن إمكانيــة االســتغناء
عنــه واردة الحقــا بدعــوى مثــا عــدم توفــر نســاء يمكنهــا الترشــح وحينهــا
نفتــح البــاب لالســتثناءات التــي قــد تــؤدي إلــى إفــراغ املبــدأ مــن جــدواه.
.1انظر الحكم االستئنافي 20140076بتاريخ 20سبتمبر 2014رئيس قائمة وفاء بسوسة /الهيئة الفرعية بسوسة
املترشحة لتصحيح املطلب أو استكماله. ّ .2جاء بالفصل 13أنه :ـ يمكن للهيئة الفرعية إعالم القائمة
الترشحات طلب التصحيح أو االستكمال في الحاالت التالية: ّ وال يمكن خالل أجل البت في
ّ
املترشحني في القائمة األصل ّية والقائمة التكميلية، ـ كل مطلب ال يتض ّمن العدد املشترط من
ّ
املترشــحني فــي القائمــة األصليــة ّ
املترشــحني وترتيبهــم داخــل القائمــة وإمضــاء ـ كل مطلــب ال يتض ّمــن أســماء
والتكميليــة طبــق الشــروط املنصــوص عليهــا بالفصــل 8أعــاه،
ـ كل مطلب ال يحترم مبدأ التناصف إال في حدود ما يحتّمه العدد الفردي للمقاعد املخصصة لبعض الدوائر،
ّ
مترشح من خارج القائمة التكميل ّية. ـ كل تصحيح أو استكمال يؤ ّدي إلى استبدال
235 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
وفــي هــذا االطار اســتندت املحكمة مباشــرة إلــى مزاوجة النص القانوني الــوارد بالفصلني
21و 24مــن القانــون االنتخابــي مــع القــرار الترتيبــي للهيئــة لتنهــي 1إلــى أنهــا مق ّيــدة بقــرار
الهيئــة الــذي« :ضبــط الفصــل 13مــن قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد 16
لســنة 2014بصفــة حصريــة الحــاالت التــي ال يجــوز فيهــا طلــب التصحيــح أو االســتكمال
خــال فتــرة البــت فــي الترشــحات بمــا فــي ذلــك خاصــة الخلــل املتعلــق بعدم احترام شــرط
التناصــف والتنــاوب »...إذ جــاء بالحكــم الصــادر فــي القضيــة عــدد 100024بتاريــخ 18
ســبتمبر 2014أن إمكانيــة التصحيــح واردة إســتنادا إلــى الفصــل 13مــن قــرار الهيئة عدد
16املــؤرخ فــي 1أوت 2014املتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لإلنتخابــات التشــريعية.
وتواصــل فقــه قضــاء املحكمــة فــي االغلــب فــي اســتقرار بخصــوص عــدم قابليــة
مبــدأ التناصــف للتصحيــح خــال انتخابــات 2019ملــا أقــ ّر فــي عديــد االحــكام
أنّ عــدم احتــرام مبــدأ التناصــف ال يمكــن تداركــه بعــد غلــق بــاب الترشــحات
باعتبــار أن الهيئــة ليســت مدعــوة لطلــب تصحيحــه علــى خــاف إخــاالت أخــرى.2
كان إلســهام املحكمــة اإلداريــة دور فــي تطويــر النــص القانونــي الــذي صــدر
رتــب صراحــة علــى عــدم احتــرام مبــدأي التناصــف والتنــاوب - ّ الحقــا والــذي
ال فقــط فــي القائمــة األصليــة بــل أيضــا فــي القائمــة التكميليــة -عــدم قبــول القائمــة.
وأقــ ّرت املحكمــة اإلداريــة إلزاميــة الشــرطني كذلــك فــي القائمــة التكميليــة وأقــرت فــي
هــذا املجــال توجــه الهيئــة الفرعيــة لإلنتخابــات بسوســة ملــا أســقطت قائمــة حركــة
«وفــاء» التــي لــم تحتــرم مبــدأ النتاصــف فــي القائمــة التكميليــة 3مؤكــدة علــى أنّــه:
.1الحكــم اســتئنافي عــدد 201410100بتاريــخ 22ســبتمبر 2014رئيــس قائمــة مســتقلة «أحبــك يــا شــعب» /الهيئــة
الفرعيــة لالنتخابــات بــن عــروس
.2انظر حكم استئنافي عدد 10078بتاريخ 20سبتمبر .2019حكم استئنافي عدد 2021بتاريخ 27اوت 2019
.3الحكــم اســتئنافي عــدد 0140076بتاريــخ 20ســبتمبر 2014رئيــس قائمــة حــزب وفــاء سوســة /الهيئــة الفرعيــة
لالنتخابــات سوســة
الحكم استئنافي عدد 20140103بتاريخ 22سبتمبر 2014رئيس قائمة حزب البناء والتمية إيطاليا /الهيئة العليا لالنتخابات
الحكم اســتئنافي عدد 20140089بتاريخ 20ســبتمبر 2014الهيئة الفرعية لالنتخابات تونس / 2رئيس قائمة الحزب التونســي
الحكــم اســتئنافي عــدد 20140042بتاريــخ 22ســبتمبر 2014الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات القصريــن /رئيــس قائمــة
حركــة الجمهوريــة
الحكــم اســتئنافي عــدد 20140003و 20140016بتاريــخ 17ســبتمبر 2014رئيســة قائمــة حــزب األمــان /قائمــة حركــة
نــداء تونــس دائــرة نابــل 2
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 236
«يستشــف مــن أحــكام القانــون االنتخابــي وخاصــة صيغــة الوجــوب الــواردة بالفصــل
21ومــن إحالتــه إلــى الفصــل 24أنّ القائمــة االصليــة والقائمــة التكميليــة تخضعــان
إلــى نفــس النظــام القانونــي وينطبــق علــى كلتيهمــا شــرط التناصــف والتنــاوب بــن
النســاء والرجــال علــى أســاس أنــه مبــدأ عــام يكــرس بصفــة صريحــة التســاوي بــن
الجنســن فــي املــادة االنتخابيــة ويكــون جــزاء عــدم احترامــه عــدم قبــول القائمــة
املترشــحة لالنتخابــات ».ومــن خــال هــذا الحكــم يتضــح أن القاضــي اعتمــد مبــدأ
التناصــف علــى إطالقيتــه ولــم يفــرق بــن الزاميتــه فــي القائمــة االصليــة أو التكميليــة.
وهــذا التوجــه الــوارد بالحكــم ســالف الذكــر لــم يكــن ذاتــه فــي القضيــة عــدد 201400067
بتاريخ 20سبتمبر 2014والتي ارتأت في قراءتها لذات الفصول سالفة الذكر أنّ « :القائمة
التكميليــة لهــا صبغــة احتياطيــة باألســاس وأن العبــرة بالقائمة االصليــة وبالتالي فإن لجوء
الهيئــة إلــى تصحيــح القائمــة التكميليــة ينــدرج صلــب صالحيتهــا املخولة لها وفــق الفصل
43مــن القانــون االنتخابــي وكذلــك الفقــرة األخيــرة مــن الفصــل 21مــن نفــس القانــون».
ويستشــف ممــا ســبق أن مســألة قابليــة مبــدأ التناصــف للتصحيــح ســواء علبــى مســتوى
القائمــة االصليــة أو التكميليــة لــم يكــن موحــدا رغــم ســعي الهيئــة إلــى إنــزال مقتضيــات
القانــون منــذ القــرار عــدد 16لســنة 2014املؤ ّرخ فــي 1أوت 2014املتع ّلق بقواعد وإجراءات
الترشــح لالنتخابــات التشــريعية .إلــى بالقــرار الترتيبــي للهيئــة العليا املســتق ّلة لالنتخابات
ّ
ّ
عدد 17لسنة 2019املؤ ّرخ في 14جوان 2019واملتعلق بتنقيح وإتمام القرار عدد 16لسنة
ّ
الترشــح لالنتخابات التشــريعية.1 2014املــؤ ّرخ فــي 1أوت 2014املتع ّلــق بقواعــد وإجراءات
أمــا فيمــا يتعلــق باالنتخابــات البلديــة فــإن الهيئــة اعتبــرت أنّ مبــدأ التناصــف
غيــر قابــل للتصحيــح بعــد غلــق بــاب الترشــحات وذلــك مثلمــا ورد بقرارهــا عــدد
الحكم استئنافي عدد 20140057بتاريخ 20سبتمبر 2014الهيئة الفرعية لالنتخابات القيروان /حزب العمل التونسي
.1جــاء بالفصــل ( 13جديــد) مــن قــرار الهيئــة العليــا املســتق ّلة لالنتخابــات عــدد 17لســنة 2019مــؤ ّرخ فــي 14جــوان
ّ
الترشــح 2019واملتع ّلــق بتنقيــح وإتمــام القــرار عــدد 16لســنة 2014املــؤ ّرخ فــي 1أوت 2014املتع ّلــق بقواعــد وإجــراءات
لالنتخابــات التشــريعية:
الترشح .وال َيق َب ُل التصحيح:
ّ البت طلب تصحيح مطالب يمكن للهيئة الفرع ّية خالل أجل ّ
ّ
املترشحني، ـ املطلب الذي ال يتض ّمن العدد األدنى املشترط من
للمترشــحني وإمضاءاتهــم وفــق أحــكام الفصــل 8أعــاه ،وذلــك فــي حــدود ّ ـ املطلــب الــذي ال يتض ّمــن األســماء الكاملــة
ّ
املترشــحني، العــدد األدنــى املشــترط من
ّ
املترشحني، ـ املطلب الذي ال يحترم مبدأ التناصف في حدود العدد األدنى املشترط من
ّ
مترشــح ّ
املترشــحني فــي القائمــة األصل ّيــة أو إلــى اســتبدال ـ كل حالــة تــؤ ّدي إلــى نقــص فــي العــدد املشــترط مــن
مــن خــارج القائمــة التكميل ّيــة.
ّ
املترشــحني باعتماد األســماء الــواردة في القائمــة األصل ّية والقائمــة التكميل ّية معا. و ُيحتســب العــدد األدنــى املُشــترط مــن
مطــة سادســة للفصــل 4ومطــة ســابعة للفصــل الفصــل 2ـ تُضــاف إلــى القــرار عــدد 16لســنة 2014املشــار إليــه أعــاه ّ
نصهــا:
5وفقــرة ثالثــة للفصــل 7فيمــا يلــي ّ
237 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد 10لســنة 2017مــؤرخ فــي 20
جويليــة 2017يتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات البلديــة والجهويــة.
ويســتخلص ممــا ســبق بيانــه أنــه وفــي الغالــب لعبــت املحكمــة اإلداريــة دورا أساســيا
مــع الفاعلــن فــي الشــأن االنتخابــي بتأكيدهــا علــى ضــرورة إقــرار األهــداف
الدســتورية وذلــك باعتمــاد دورهــا التوجيهــي التشــديد بخصــوص احتــرام هذيــن
املبدئــن ألهميتهمــا فــي تكريــس أحــكام الدســتور ضــرورة أن القــول بأنهمــا قابلــن
للتصحيــح مــن شــأنها أن يحيــل علــى رســالة ســلبية بالتغاضــي عنهمــا ربمــا الحقــا.
عــرف القانــون االنتخابــي تطــورا ملحوظــا فيمــا يتعلــق بتجســيد الســعي إلــى تحقيــق
التناصــف فــي املجالــس البلديــة والجهويــة (االنتخابــات املحليــة) مــن خــال إدراج مبــدأ
التناصــف األفقــي باإلضافــة إلــى التناصــف العمــودي وقاعــدة التنــاوب بــن الجنســن.
ويفــرض هــذا املبــدأ احتــرام التناصف على مســتوى رئاســة القائمات بالنســبة لألحزاب أو
القائمــات االئتالفيــة أو املســتقلة التــي تتقــدم فــي أكثــر من دائــرة إنتخابية بلديــة أو جهوية.
وجــاء بالفصــل الفصــل 49تاســعا مــن املجلــة االنتخابيــة أ ّنــه« :تقـ ّدم الترشــحات لعضويــة
املجالــس البلديــة والجهويــة علــى أســاس مبــدأ التناصــف بــن النســاء والرجــال وقاعــدة
التنــاوب بينهــم داخــل القائمــة.
وال تقبل القائمات التي ال تحترم هذه القاعدة.
كمــا تقـ ّدم الترشــحات لعضويــة املجالــس البلديــة والجهويــة علــى أســاس مبــدأ التناصــف
بــن النســاء والرجــال فــي رئاســة القائمــات الحزبيــة واالئتالفيــة التــي تترشــح فــي أكثــر
مــن دائــرة انتخابيــة.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 238
وال تقبــل قائمــات األحــزاب أو االئتالفــات التــي ال تحتــرم هــذه القاعــدة فــي
حــدود عــدد القائمــات املخالفــة مــا لــم يقــع تصحيحهــا فــي اآلجــال القانونيــة التــي
تحددهــا الهيئــة للتصحيــح وفقــا لإلجــراءات املبينــة بالفصــل 49سادســا من هــذا القانون.
وفــي حالــة عــدم التصحيــح تضبــط الهيئــة القائمــات امللغــاة باعتماد األســبقية
فــي تقديــم الترشــح .ويعتــد فــي تحديــد األســبقية بتاريــخ تقديــم مطلــب الترشــح أو
تحيينــه خــال فتــرة تقديــم مطالــب الترشــح».
ويســتنتج مــن الفصــل املذكــور أ ّنــه يترتــب عــن عــدم احتــرام التناصــف فــي القائمــات
إلغاؤهــا فــي حــدود القائمــات التــي لــم تحتــرم التناصــف األفقــي .فمثــا إن تقدمــت قائمــة
فــي 100دائــرة انتخابيــة وترأســت النســاء 40قائمــة انتخابيــة فيمــا تــرأس الرجــال 60
قائمــة انتخابيــة فإ ّنــه:
• يطلــب مــن القائمــة وفــق إجــراءات وآجــال تضبطهــا الهيئــة العليــا
املســتقلة لإلنتخابــات املعنيــة تصحيــح هــذا الخــرق ملبــدأ التناصــف األفقــي.
فــي صــورة عــدم تصحيــح اإلجــراء خــال األجــل املعنــي فــإنّ الهيئــة تلغــي القائمــات
فــي حــدود تلــك التــي لــم تحتــرم التناصــف أي وحســب املثــال ســابق الذكــر تلغــي 20
قائمــة متبقيــة ،ذلــك أ ّنــه تــم احتــرام التناصــف فــي حــدود 40قائمــة يترأســها نســاء و40
يترأســها رجــال .ويتــم اســقاط القائمــات حســب األســبقية فــي تقديــم الترشــح أو تحيينــه
أي أنــه مــن بــن 60قائمــة التــي يترأســها الرجــال يتــم اإلبقــاء علــى 40قائمــة التــي
ُرســمت أوال وفــق مطالــب الترشــح فــي الدوائــر االنتخابيــة الفرعيــة فيمــا تســقط القائمــات
الــــــــــــــــعشرين األخيــرة فــي الترتيــب الزمنــي .وإلنفــاذ هــذه القاعــدة نصــت الهيئــة
العليــا املســتقلة فــي قرارهــا عــدد 10الصــادر فــي 20جويليــة 2017فــي فصلــه 19أن
تمســك الهيئــة ســجال يتضمــن وجوبــا توقيــت تقديــم املطلــب بالســاعة والدقيقــة.
وعلــى خــاف التناصــف العمــودي الــذي ينجــر عــن عــدم احترامــه عــدم قبــول القائمــة،
فــإن القانــون قــد أقــ ّر إمكانيــة التصحيــح بالنســبة للتناصــف االفقــي وهــو تصحيــح
منطقــي لألســباب التاليــة:
• بالنســبة للتناصــف العمــودي ،فــإن احتــرام املبــدأ يرجــع للمترشــحني دون غيرهــم
فــي الدائــرة ،كمــا أنّ تقديــر احتــرام املبــدأ يرجــع إلــى الهيئــة الفرعيــة املختصــة ترابيــا.
• بالنســبة للتناصــف االفقــي ،فــإن تقييــم ومتابعــة احترامــه ال يتــم إال بعــد اســتنفاذ
قبــول القائمــات املترشــحة عــن نفــس الحــزب أو االئتــاف أو القائمــات املســتقلة،
وبصفتهــا تلــك يرجــع النظــر فيهــا ال إلــى الهيئــات الفرعيــة بــل إلــى الهيئــة املركزيــة
التــي تجتمــع لديهــا إحصائيــات علــى املســتوى الوطنــي ،وبالتالــي مــن املنطقــي أن
239 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
.1القضية عدد 20181003بتاريخ 9مارس 2018رئيس ائتالف االتحاد املدني تونس / 1الهيئة الفرعية لالنتخابات تونس 1
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 240
رجــال واعتبــرت أن هــذا االئتــاف يجــب أن يتحصــل علــى عــدد فــردي مــن القائمــات
لــذا تمــت إضافــة قائمــة يترأســها رجــل ليصبــح عــدد القائمــات املقبولــة 35واعتبــرت
الدوائــر االســتئنافية أن إقــرار العــدد الفــردي ال يتعــارض مــع إرادة املشــرع.1
بــرزت ممارســات فــي املجــال السياســي أخــذت بعــن االعتبــار وقــع مبــدأ التناصــف علــى
الفاعلــن السياســن مــن خــال متابعــة النزاعات املتعلقة بالترشــح على مســتوى االنتخابات
البلديــة ،إذ وجــد تطبيــق القاعــدة تصــد خاصــة مــن الرجــال ويرجــع ذلــك إلــى ســببني:
• أولهمــا أن القاعــدة االنتخابيــة لبعــض القائمــات ال تمكنهــا فــي أفضــل الحــاالت
مــن الفــوز بأكثــر مــن مقعــد وحيــد ســواء مــن خــال الحاصــل االنتخابــي أو
أفضــل البقايــا وبالتالــي يعمــل الرجــال املنضويــن تحــت هــذه القائمــة علــى
تصدرهــا لضمــان النجــاح فــي االنتخابــات والعضويــة باملجالــس البلديــة.
• ثانيهمــا هــو الرهــان السياســي الالحــق واملتمثــل باألســاس فــي أنّ الترشــح لرئاســة
البلديــات ال يجــوز إال لرؤســاء ورئيســات القائمــات ومــا يســتتبعه مــن امتيــازات اعتــاء
مركز القرار كرئيس لإلدارة وصالحية الضبط اإلداري واالختصاصات العمرانية التي
يمارســها ،فضــا عــن الراتــب الــذي يتحصل عليــه مقابل عمله كرئيس أو رئيســة بلدية.
وكانــت غايــة املشــرع مــن التناصــف األفقــي هــو تشــجيع الفاعليــن السياســيني علــى
الدفــع نحــو خلــق طبقــة سياســية يكــون للنســاء فيهــا مركــز قيــادة خاصــة بعــد أن
اقتــرن الترشــح للرئاســة البلديــة بتــرأس قائمــة .ورغــم املرونــة التــي اعتمدهــا املشــرع
لتــدارك األخــال بمبــدأ التناصــف االفقــي ،2فإنــه فــي االغلــب لــم يتــم اســتعمالها.
.1القضيــة عــدد 20182006بتاريــخ 26مــارس 2018الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات تونــس / 1رئيــس ائتــاف االتحــاد
املدنــي تونــس 1ورئيــس ائتــاف االتحــاد املدنــي منــزل تميــم ورئيــس ائتــاف االتحــاد املدنــي ســيدي بوزيــد والهيئــة
العليــا املســتقلة لالنتخابــات والهيئــة الفرعيــة نابــل 1
.2ذلــك أنــه يكفــي أن تقــوم القائمــة املخالفــة باســتبدال الثانيــة فــي القائمــة باألول ليتم احتــرام التناصــف االفقي ،خاصة
241 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
ويبقــى التح ّيــل علــى هــذه القاعــدة قائمــا باعتبــار أنّ رقابــة املحكمــة على املســار االنتخابي
تنتهــي بعــد نــزاع الترشــحات وفــي أفضــل الحــاالت بانتهــاء نزاعــات النتائــج .و مــن خــال
مالحظــة العمــل البلــدي يتضــح أنّ بعــض القائمــات أجبــرت رئيســة القائمــة علــى تقديــم
اســتقالتها علــى إثــر اإلعــان النهائــي عــن النتائــج فــي االنتخابــات البلديــة ،وتــم فــي
إطــار الفــراغ التشــريعي الــذي لــم يعالــج هــذه املســألة تعويضهــا بمــن يليهــا فــي القائمــة
وهــو بالضــرورة رجــل والحــال أنّ التطبيــق الســليم للمبــدأ والغايــة مــن إقــراره يكــون
بتعويــض املتخليــة أو املســتقيلة باملــرأة التــي تحتــل املرتبــة الثالثــة فــي القائمــة حتــى يتــم
ضمــان وصــول النســاء إلــى مراكــز القــرار وال يســلط كذلــك علــى النســاء عنــف سياســي
قائــم علــى أســاس التمييــز بــن الجنســن مثلمــا جــاء بالفصــل الثالــث مــن القانــون عــدد
58لســنة 2017املــؤرخ فــي 11أوت 2017املتعلــق بالقضــاء علــى العنــف ضــد املــرأة.
وفــي هــذا االطــار تــم التســويق إلــى أنّ هــذا التخلــي أو االســتقالة مشــروع ولــم يتــم
الطعــن أمــام املحكمــة اإلداريــة فــي هــذه االســتقاالت وتولــي الرجــل الــذي يلــي املســتقيلة
تقديــم ترشــحه لرئاســة البلديــة عوضــا عنهــا .ويبــدو أنــه وحتــى ان تــم الطعــن فــي
هــذا القــرار امــام املحكمــة اإلداريــة لرقابــة مــدى احتــرام هــذا اإلجــراء ملبــدأ التناصــف
وفــي غيــاب نــص صريــح فــي الغــرض ،فإنــه باإلمــكان ان تنتهــي املحكمــة إلــى أن:
• التناصــف يكــون عنــد الترشــح ال غيــر وأن التعويــض بمــن يلــي فــي قائمــة هــو مبــدأ
معمــول بــه وفــق التشــريع الجــاري بــه العمــل.
• التعويــض برجــل للترشــح لرئاســة القائمــة فيــه افــراغ ملبــدأ التناصــف مــن محتــواه
وغايتــه ،وذلــك إذا كان للقاضــي املتعهــد قــراءة جندريــة للغايــة مــن التناصــف االفقــي.
وعلــى الرغــم مــن أهميــة هــذه القاعــدة املتعلقــة بالتناصــف األفقــي يبقــى لألحــزاب
والقائمــات املســتقلة ح ّيــز مــن الســلطة التقديريــة قــد تــؤدي إلــى افتعــال قائمــات فــي
بعــض الدوائــر تترأســها نســاء والحــال أن ليــس لهــم فيهــا قاعــدة انتخابيــة مهمــة.
وشــهد املشــهد السياســي نوعــا مــن الســياحة داخــل ذات الحــزب أو القائمــة،
وذلــك بتغييــر صنــف القائمــة مــن حزبيــة إلــى مســتقلة أو العكــس ليتــم اإلفــات
وأنهــا لــن تكــون فــي حاجــة إلــى اســتجالب مترشــحني أو مترشــحات جــدد ألن القائمــة هــي فــي كل االنتخابــات البلديــة
تتكــون مــن أرقــام زوجيــة وليســت فرديــة( .ذلــك أنه في حالــة القائمة الفردية ســيتم في هذه الحالة ،عمــا بمبدأ التناصف
العمــودي وقاعــدة التنــاوب ،التخلــي عــن مترشــح مــن الرجــال أو تعويضــه بامــرأة ذا أصبحــت امــرأة علــى رأس قائمــة
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 242
مــن قاعــدة التناصــف االفقــي ،اذ رفــض العديــد مــن رؤســاء القائمــات مــن
الرجــال التنــازل عــن رئاســة القائمــة وخيــروا املحافظــة علــى نفــس أســماء
املترشــحني بافتعــال تصنيــف يكفــل لهــم عــدم الخضــوع إلــى هــذه القاعــدة.
ومــا يعــزز هــذا التوجــه أن نســبة تــرأس النســاء للقائمــات البلديــة لــم تتجــاوز رغــم أهميــة
هــذه القاعــدة 30باملائــة مــن مجمــوع القائمــات املترشــحة.
واختلفــت املعالجــة الفقــه قضائيــة ملســألة الســياحة مــن قائمــة حزبيــة إلى قائمة مســتقلة أو
العكــس بالعكــس واعتبــرت املحكمــة خــال الطــور االبتدائــي أن قيــام قائمــة حزبيــة ،تقدمت
بترشــح عــن دائــرة عقــارب وتــم رفضهــا لترأســها مــن قبــل رجــل عوضــا عــن امــرأة فقــام
رئيــس القائمــة الحزبيــة بتقديــم مطلــب فــي تغييــر صبغــة القائمــة مــن حزبيــة إلــى مســتقلة
دون أنّ يردفهــا بتصريــح جديــد ال يســتقيم ذلــك أن عليــه« :تقديــم مطلــب ممضــى مــن كافــة
1
املترشــحني يتضمــن مصادقتهــم علــى البيانــات الجديــدة وفقــا ملــا اقتضــاه القانــون».
وانتهــت إلــى أنّ قــرار الهيئــة الفرعيــة املطعــون فــي شــرع ّيته هــو مؤســس واقعــا وقانــون
طاملــا أنّ املمثــل القانونــي للمدعيــة لــم يتقــدم إلــى الهيئــة بتصريــح جديــد ممضــى مــن كافة
املترشحني يتضمن مصادقتهم على تغيير صبغة القائمة املترشحة من حزبية إلى مستقلة
وتغييــر تســميتها واقتصــر علــى تقديــم تصريــح ممضــى من طرفــه ،باعتبــار أن خالف ذلك
ســيؤدي إلــى االســتخفاف بهــذا املبــدأ والتشــجيع علــى اإلفالت من هــذه القاعدة بســهولة.
ولئــن غــاب عــن هــذا الحكــم معاينــة االلتفــاف حــول املبــدأ ،إال أنّ مــا انتهــى إليــه مــن
ضــرورة تقديــم تصريــح جديــد ممضــى مــن كافــة املترشــحني يتضمــن مصادقتهــم علــى
تغييــر صبغــة القائمــة املترشــحة مــن حزبيــة إلــى مســتقلة وتغييــر تســميتها القائمــة يعــد
مكســبا فقــه قضائــي لعــدم االســتهانة فــي بعــدم التصحيــح بوضــع امــرأة علــى رأس
القائمــة وتمســكه بترأســها ،اذ ال يمكــن مجــاراة مــن التفــوا حــول املبــدأ باعتمــاد املرونــة
باالكتفــاء فقــط بإبــدال الرمــز وتقديــم مطلــب فــي تغييــر الصبغــة دون اعتبــاره مطلبــا جديــدا
يســتوجب إعــادة احتــرام كل التنصيصــات املســتوجبة بالقانــون لتقديم هــذا املطلب الجديد.
وفــي املقابــل وعنــد اســتئناف هــذا الحكــم ارتــأت الدائــرة املتعهــدة فــي القضيــة عــدد
20182014بتاريــخ 2أفريــل 2018بــأنّ طلــب الهيئــة الفرعيــة مــن القائمــة التــي غ ّيــرت
صبغتهــا مــن حزبيــة إلــى مســتقلة بتقديــم تصريــح جديــد مــن قبــل« :اســتجالب شــرط
التعريــف باالمضــاء مــن كافــة املترشــحني املســتوجب عنــد إيــداع مطلــب الترشــح
.1انظــر القض ّيـــة عـــدد 2018 / 07900002 :نــزاع انتخابــي .بتاريــخ 14مــارس 2018القائمــة املســتقلة "مشــروعنا" /
الهيئــة الفرعيــة بصفاقــس
243 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
هــو اســتحداث لشــرط لــم ينــص عليــه صراحــة» الفصــل 49مــن القانــون االنتخابــي
والفصــل 26مــن قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد 10لســنة ».2017
وشــرعت املحكمــة فــي هــذا الطــور إلــى أن تحويــل صبغــة القائمــة هــو مخــرج للقائمــات
املترشــحة فــي إطــار التصحيــح الــذي فرضتــه الهيئــة علــى األحــزاب .تطبيقــا ملبــدأ
التناصــف االفقــي.
وهــذا التوجــه فــي الحقيقــة والقصــد الــذي أفتــى لألحــزاب بإمكانيــة الحفــاظ علــى ذات
املترشــحني الذيــن هــم فــي االغلــب مــن املنخرطــن فــي االحــزاب بمجــرد تقديــم رئيــس
القائمــة ملطلــب فــي تغييــر صبغــة القائمــة مــن حزبــي إلــى مســتقل فيــه اســتخفاف وتمييــع
ملبــدأ التناصــف االفقــي وتشــجيع لألحــزاب علــى خرقه .كمــا أن في هذه املرونــة خرق ملبدأ
جوهــري وهــو حريــة الناخــب في االقتــراع ،ضرورة أنّ الناخب الذي ينتخب قائمة مســتقلة
علــى أســاس مقاطعــة األحــزاب ســيجد نفســه فــي النهايــة مغــرر بــه نتيجــة هــذا التوجــه.
لئــن كان االختــاف فــي املواقــف الفقــه قضائيــة يشــكل مدعــاة للثــراء والتنــوع بخصــوص
عديــد املواقــف التــي جابهــت القاضــي/ة وتعاطــى مــع البعــض منهــا بصفــة مرنــة وأحيانــا
أخرى بصفة محافظة أو متشــددة من ذلك مثال تأويل مجال الحق في الدفاع أو شــكليات
القيــام ،إال أنــه يمكــن أن يتحــول هــذا التنــوع إلــى ضــرب ملبــدأ املســاواة أمــام القضــاء.
ومــن هــذا املنطلــق كان لزامــا علــى قضــاة وقاضيــات املحكمــة اإلداريــة قبــل تنــاول
مســألة التناصــف االفقــي وفــي وجــود فــراغ تشــريعي بخصــوص اإلجــراءات
املالئمــة إلنفــاذ هــذا املبــدأ ،تعميــق نظرهــم فيهــا وخاصــة أهدافــه حتــى ال يكــون
التأويــل االجرائــي للنــص القانونــي مدعــاة إلفــراغ التناصــف االفقــي مــن محتــواه.
واتضــح أنّــه عندمــا ُوضــع مبــدأ التناصــف االفقــي علــى محــك تجربــة فقــه القضــاء
اإلداري تبايــن تأويــل املبــدأ ال فقــط بعالقــة بمنتهــاه وغايتــه بــل امتــد إلــى اختــاف فــي
تأويــل ســلطات القاضــي االنتخابــي بــن مــن يــرى أنهــا تســمح بالحلــول محــل الهيئــة
وبالتالــي ال تقتصــر علــى اإللغــاء وبــن مــن يــرى أنهــا ســلطات محــدودة بطلبــات األطــراف
ال غيــر فضــا عــن أن هــذا املبــدأ فــرض علــى قاضــي البدايــة تجــاوز اختصاصــه الترابــي
والحكمــي باســتعمال آليــات تحقيــق لــم يؤيدهــا فــي الغالــب القاضــي االســتئنافي.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 244
ال خــاف فــي أن ادراج مبــدأ التناصــف االفقــي ســنة 2017كمبــدأ مســتجد لــم يرافقــه
مواءمــة لإلجــراءات القضائيــة املالزمــة ،إذ وجــدت محكمــة البدايــة نفســها فــي مواجهــة
معادلــة صعبــة وهــي أنّ إنفــاذ مبــدأ التناصــف االفقــي يقتضــي بداهــة توجيــه الدعــوى ضد
الهيئــة املركزيــة لالنتخابــات وليســت الهيئــات الفرعيــة ،خاصــة وأن الفصــل الفصــل 49
تاســعا أكــد علــى أنّ هــذه األخيــرة هــي التــي تطلــب التصحيــح بالنســبة لقائمــات األحــزاب
أو االئتالفــات التــي ال تحتــرم مبــدأ التناصــف فــي حــدود عــدد القائمــات املخالفــة مــا
لــم يقــع تصحيحهــا فــي اآلجــال القانونيــة التــي تحددهــا الهيئــة للتصحيــح وهــي التــي
تضبــط القائمــات امللغــاة باعتمــاد األســبقية فــي تقديــم الترشــح فــي حالــة عــدم التصحيــح.
وفــي املقابــل لــم يلجــأ املشــرع إلــى مالءمــة اإلجــراءات املتعلقــة بتفعيــل هــذا املبــدأ إذ
أن الفصــل 49ســابع عشــر 1أقــر اختصــاص الدوائــر الجهويــة بالنظــر فــي نزاعــات
الترشــح للقائمــات التــي تقدمــت بمجالهــم الترابــي مثلمــا ورد باألمــر عــدد 620لســنة
2017املــؤرخ فــي 25مــاي 2017واملتعلــق بإحــداث دوائــر ابتدائيــة متفرعــة عــن املحكمــة
اإلداريــة بالجهــات وضبــط اختصاصهــا الترابــي .ولــم يمتــد نظــر القاضــي إلــى غيرهــا
مــن القائمــات والحــال أن تنفيــذ مبــدأ التناصــف فــي صــورة قبــول طعــن احــدى القائمــات
التــي تــم اســتبعادها يقتضــي بالضــرورة اســتبعاد قائمــة تــم قبولهــا فــي دائــرة انتخابيــة
أخــرى ال ترجــع إلــى املحكمــة املتعهــدة بالنظــر .وفــي املقابــل فــإن اكتفــاء الدائــرة
املختصــة بالنــزاع عنــد قبــول طعــن القائمــة املترشــحة بدائرتهــا ســيكون مــن آثــاره
خــرق مبــدأ التناصــف األفقــي بإضافــة قائمــة جديــدة علــى العــدد املحتــرم للتناصــف.
واملالحــظ أن أغلــب الدوائــر الجهويــة كان لديهــا وعــي تــام بحــدود اختصاصهــا الترابــي
ولكــن رغــم ذلــك قامــت بإعــاء املبــدأ القانونــي املتعلــق بإنفــاذ مبــدأ التناصــف االفقــي
علــى مبــدأ االختصــاص الترابــي مبينــة أنّ تحديــد مرجــع النظــر الترابــي بموجــب االمــر
ســالف الذكــر« :ال يحــول دون بتهــا فــي مــدى احتــرام القائمــات املترشــحة ملبــدأ التناصــف
االفقــي باعتبــار أن هــذا االمــر يقــرر علــى املســتوى الوطنــي مــن طــرف الهيئــة العليــا
املســتقلة لإلنتخابــات وأن ســلطات الهيئــات الفرعيــة تبقــى مقيــدة بضــرورة اتبــاع قــرار
الهيئــة العليــا» 1مؤكــدا علــى أن االكتفــاء باالختصــاص الترابــي ســيؤدي إلــى تعقيــد
شــديد ملهمــة قاضــي النتائــج وســيؤدي إلــى اخــال خطيــر بمهمــة الرقابــة القضائيــة.2
وأمــام هــذه االكراهــات الراجعــة للغمــوض علــى املســتوى االجرائــي تعهــد قضــاة البدايــة
ســواء علــى املســتوى املركــزي أو الجهــوي بالنزاعــات التــي تــم فيهــا اســقاط قائمــات لعــدم
احترامها ملبدأ التناصف االفقي والتي كانت في جميع الحاالت على رأسها جميعا رجال.
وفــي املقابــل انتهــت ّ
جــل الدوائــر االســتئنافية إلــى أن تعهــد الدوائــر الجهويــة بنــزاع
الترشــحات يفتــرض «التقيــد بقواعــد مرجــع النظــر الترابي» معتبــرة أنّه ينجر عــن خرق هذه
القاعــدة «اربــاك العمليــة االنتخابيــة بمجملهــا» 3وأن تحــاوز الدائــرة االبتدائيــة الختصاصهــا
ال يســتقيم «مــن الناحيتــن القانونيــة والواقعيــة» وســيؤدي إلــى تضــارب االحــكام.
ويعتبــر هــذا التأويــل مــن قبــل محكمــة الدرجــة الثانيــة لفقــه قضــاء الدوائــر االبتدائيــة
قاصــرا خاصــة أنهــم قامــوا بإدخــال القائمــات املعنيــة باآلثــار املترتبــة عــن قضائهــم.
اعتمــدت بعــض الدوائــر الجهويــة نظــرة شــمولية ملبــدأ التناصــف االفقــي وخولــت
لنفســها انطالقــا مــن الغايــة مــن وراء إنفــاذه إلــى التلبــس بصالحيــات تضمــن مــن
جهــة مبــدأ التقاضــي علــى درجتــن بالنســبة للقائمــات املقبولــة والتــي يمكــن أن يتــم
املســاس مــن حقوقهــا فــي صــورة إعــادة ترتيــب القائمــات وفــق معيــار االســبقية.
كمــا تــم إدخــال الهيئــة العليــا لالنتخابــات علــى املســتوى املركــزي باعتبارهــا الجهــة التــي
تختــص واقعــا وقانونــا بتنفيــذ مبــدأ التناصــف االفقــي ألن حــدود تدخــل الهيئــات الفرعيــة
تقتصــر علــى قبــول القائمــات مــن عدمهــا ،وهــو مــا قامــت بــه علــى ســبيل املثــال الدائــرة
.1الحكــم االبتدائــي عــدد 03900005بتاريــخ 15مــارس 2018رئيــس قائمــة حركــة مشــروع تونــس اوتيــك /
الهيئــة الفرعيــة لإلنتخابــات بنــزرت – رئيــس قائمــة حركــة تونــس نابــل 2الهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات
.2الحكــم االبتدائــي عــدد 03900001بتاريــخ 14مــارس 2018رئيــس قائمــة الجبهــة الشــعبية باجــة /الهيئــة
الفرعيــة لإلنتخابــات بنــزرت – رئيــس قائمــة الجبهــة الشــعبية القصريــن الهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات
.3الحكــم اســتئنافي عــدد 20182010و 20182017بتاريــخ 2أفريــل 2018رئيــس قائمــة حــزب حركــة
مشــروع تونــس ســليمان /ا رئيــس قائمــة حــزب حركــة مشــروع تونــس أوتيــك لهيئــة الفرعيــة
لالنتخابــات بنــزرت والهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات :أقــرت املحكمــة الحكــم االبتدائــي فــي إلغــاء
قــرار الهيئــة بخصــوص القائمــة الطاعنــة ونقــض مــا قضــت بــه مــن تشــطيب علــى قائمــات أخــرى.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 246
االبتدائيــة ببنــزرت .1وهــذا التوجــه لــم يشــمل جميــع الدوائــر فــي الطــور االبتدائــي ،اذ
اختلــف التعاطــي فمنهــا مــن اكتفــى بطرفــي النــزاع أي القائمــة الطاعنــة والهيئــة الفرعيــة
لإلنتخابــات املعنيــة 2واقتصــر علــى حــدود الطلبــات املثــارة أمامهــا والراميــة إلــى إلغــاء
قــرار الهيئــة الفرعيــة القاضــي بإســقاط القائمــة الطاعنــة دون أن تمتــد رقابتهــا وســلطتها
إلــى القائمــة التــي تــم قبولهــا رغــم أن القائمــة الطاعنــة هــي األســبق فــي التســجيل.
وعلى مســتوى االســتئنافي اعتبرت احدى الدوائر أنّ عدم توجيه الطعن ضد الهيئة العليا
املســتقلة لالنتخابــات والقائمــات املعنيــة بالرفــض ال يعيــب القيــام أمــام الدائــرة االبتدائية.3
فيمــا اعتبــرت دوائــر أخرى أنّ إدخال الهيئة العليا املســتقلة لالنتخابات املركزية والقائمات
املعنيــة بالرفــض يعــد تعـ ٍـد علــى االختصــاص الترابــي للدائــرة املصــدرة للحكــم فــي املجال
االنتخابــي والتــي يقتصــر نظرهــا فحســب على القائمــة الراجعة إليها بالنظــر ترابيا ال غير.
خــال الطــور االبتدائــي لــم تكتــف بعــض الدوائــر املتعهــدة بإلغــاء قــرار الهيئــة
العليــا بإســقاط القائمــة الطاعنــة بــل تجاوزتــه إلــى ترتيــب األثــر القانونــي عــن قبــول
هــذه القائمــة بإســقاط القائمــة التــي تــم قبولهــا والتــي حلــت محلهــا الطاعنــة.
واعتبــرت أن لديهــا ســلطة واســعة مبينــة أن النظــر فــي النزاعــات االنتخابيــة ال يتوقــف
علــى االلغــاء فحســب بــل« :يتطلــب صالحيــات أوســع تخــول للقاضــي إعــادة النظــر فــي
صحــة الترشــح القائمــات املقبولــة ومــدى احترامهــا للشــروط واإلجــراءات املضمنــة
بالنصــوص القانونيــة التــي تنظــم العمليــة االنتخابيــة وإلغــاء ومراجعــة القائمــات
4
املترشــحة املصــرح بقبولهــا وبإعــادة ترتيبهــا أو حــذف البعــض منهــا عنــد االقتضــاء»
واتجــاه آخــر اكتفــى قاضــي البدايــة فــي أحــكام أخــرى إلــى االحتــكام إلــى معيــار
.1الحكــم االبتدائــي عــدد 03900005بتاريــخ 15مــارس 2018رئيــس قائمــة حركــة مشــروع تونــس اوتيــك /
الهيئــة الفرعيــة لإلنتخابــات بنــزرت – رئيــس قائمــة حركــة تونــس نابــل 2الهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات
.2الحكم االبتدائي عدد 201810003بتاريخ 9مارس 2018
.3الحكــم االســتئنافي عــدد 20182006بتاريــخ 26مــارس 2018الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات تونــس / 1رئيــس
ائتــاف االتحــاد املدنــي تونــس 1ورئيــس ائتــاف االتحــاد املدنــي منــزل تميــم ورئيــس ائتــاف االتحــاد املدنــي
ســيدي بوزيــد والهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات والهيئــة الفرعيــة نابــل ( 1إقــرار توجــه الدوائــر االبتدائيــة الجهويــة)
.4الحكــم االبتدائــي عــدد 03900005بتاريــخ 15مــارس 2018رئيــس قائمــة حركــة مشــروع تونــس اوتيــك /
الهيئــة الفرعيــة لإلنتخابــات بنــزرت – رئيــس قائمــة حركــة تونــس نابــل 2الهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات
247 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
االســبقية فــي الترشــح وأعــاد ترتيــب القائمــات املعنيــة ليستشــف منهــا فقــط أن
القائمــة الطاعنــة أمامــه مقبولــة ودون أن يواصــل النظــر فــي قائمــات أخــرى .ولئــن
كان تمشــي الدائــرة فــي هــذا املجــال فــي حــدود التعهــد املســموح بــه قانونــا إلــى
أن منتهاهــا هــو إضافــة قائمــة بإحــدى الدوائــر لالنتــاف املعنــي بدعــوى خــرق
مبــدأ التناصــف االفقــي غيــر أنهــا أدت مــن حيــث النتيجــة إلــى خرقــه ألن عــدد
القائمــات التــي يترأســها رجــال ســتفوق عــدد القائمــات التــي تترأســها نســاء.
وبخصــوص الطــور االســتئنافي كان التوجــه هــو الحــ ّد مــن صالحيــات القاضــي
االنتخابــي واعتبــار أنهــا ال تتجــاوز رقابــة شــرعية القــرارات الهيئــة وفــي حــدود الطلبــات
املثــارة مــن قبــل األطــراف بمــا ال يخــول لهــا الحكــم بأكثــر ممــا يطلبــه الخصــوم ،وهــذا
فــي إشــارة إلــى مــا انتهــى إليــه قاضــي البدايــة مــن إعــادة ترتيــب القائمــات املترشــحة
عــن نفــس الحــزب أو االئتــاف أو القائمــات املســتقلة وإســقاط قائمــات تــم قبولهــا.
ويعتبــر مــن الناحيــة العمليــة توجــه القاضــي إلــى اســقاط قائمــة مقبولــة وعــدم
تمثيلهــا فــي النــزاع وتمكينهــا مــن الدفــاع عــن نفســها خرقــا ملبــدأ التقاضــي
علــى درجتــن وكذلــك لألمــان القانونــي باعتبــار أن هــذه األخيــرة لــم تكــن لتطعــن
أمــام القضــاء ووضعيتهــا مســتقرة وهــي غيــر متضــررة مبدئيــا مــن اعمــال مبــدأ
التناصــف االفقــي ،خاصــة وأن قبولهــا قــد تحصــن بفــوات اجــال الطعــن فيهــا.
وفــي املقابــل فــإن االكتفــاء بحــدود املجــال الترابــي ســيؤدي كذلــك إلــى خــرق مبــدأ
التناصــف االفقــي خاصــة أن الوقــوف علــى عــدم شــرعية قــرار االســقاط يســتوجب
اســتبدال قائمــة بقائمــة أخــرى.
ولــم يجــاري الطــور الثانــي مــن نزاعــات الترشــح اجتهــاد قاضــي البدايــة فــي
العمــل علــى إنفــاذ مبــدأ التناصــف األفقــي وكل تداعياتــه علــى الحــزب أو
االئتــاف املعنــي بــه .ولئــن تــم االعتــراف للقاضــي االنتخابــي بســلطات إعــادة
الترتيــب والتثبــت مــن معيــار االســبقية فــي الترشــح ،اال أنــه لــم يكفــل لــه إمكانيــة
اســتخالص النتائــج وترتيــب االثــار القانونيــة بخصــوص قائمــات تــم قبــول ترشــحها.
واســتندت الدائــرة االســتئنافية املتعهــدة 1فــي ذلــك إلــى أن« :قاضــي الترشــحات يبقــى
مقيــدا مــن جهــة أولــى بطلبــات األطــراف وال يمكنــه القضــاء بأكثــر ممــا طلــب منــه ومــن
جهــة ثانيــة بحــدود اختصاصــه الترابــي ،...وذلــك ضمانــا لحســن ســير القضــاء وتفاديــا
.1الحكــم االســتئنافي عــدد 20182012بتاريــخ 2أفريــل 2018الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بباجــة /
رئيــس ائتــاف الجبهــة الشــعبية باجــة تونــس 1ورئيــس ائتــاف االتحــاد املدنــي منــزل تميــم ورئيــس
ائتــاف االتحــاد املدنــي ســيدي بوزيــد والهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات والهيئــة الفرعيــة نابــل 1
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 248
لصــدور أحــكام قضائيــة متضاربــة يصعــب تنفيذهــا ،هــذا عــاوة عــن انقضــاء أجــل الطعن
فــي ذلــك القــرار مــن القائمــات األخــرى املعنيــة بالترتيــب» واملثيــر لالنتبــاه أن الدائــرة
االســتئنافية املتعهــدة بحكــم ابتدائــي انتهــت إلــى نقــض حكــم البدايــة لكــن منطوقهــا أعــاد
القائمــة الطاعنــة ابتدائيــا إلــى القائمــات املقبولــة وهــي قائمــة باجــة ولــم يقبــل إســقاط
قائمــة الجبهــة الشــعبية بالقصريــن وأرجعهــا كذلــك إلــى الســباق االنتخابــي البلــدي.
ومــن خــال مــا انتهــى إليــه النــزاع االنتخابي في مرحلة الترشــح وأخذا بعــن االعتبار مآل
االحــكام النهائيــة ،يتبــن أنــه بقصــد او عــن غيــر قصــد قامت املحكمــة اإلدارية بخــرق مبدأ
التناصــف األفقــي وذلــك بإضافــة قائمــة يترأســها رجــل دون أن يتم تعويــض قائمة بأخرى،
مؤكديــن فــي هــذا املجــال على أنّ الخلل في احترام مبدأ التناصف الفقي ال تتحمله القائمة
الطاعنــة فــي قــرار رفــض ترشــحها كمــا أنهــا ال تتحمــل تبعــات عــدم شــرعية قــرار الهيئة.1
انتخابي الصادر فيها الحكم في 3نوفمبر 2016قصد إلغاء النتائج األول ّية النتخابات ّ نزاع
ّ
املجلــس األعلــى للقضــاء املصـ ّرح بهــا مــن قبــل الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات بتاريــخ
املالي.
ّ 24أكتوبــر ،2016وذلــك بصفــة جزئ ّيــة فيمــا يتعلــق بنتائج انتخابات مجلــس القضاء
واســتند املدعــون إلــى أنّ تطبيــق مبــدأ التّناصــف يتــ ّم فــي مرحلــة اختيــار املترشــح
ـكل صنــف ورتبــةاملخصصــة لـ ّ
ّ وليــس عنــد احتســاب النّتائــج وذلــك فــي حــدود املقاعــد
فــإذا كان عــدد املقاعــد ثالثــة فعلــى النّاخــب اختيــار رجلــن وامــرأة أو امرأتــن ورجــل
أو رجــل وامــرأة ،والحــال أنّ هــذا التّأويــل ال يمكــن اعتمــاده ملخالفتــه القانــون واملبــادئ
العا ّمــة لالنتخابــات .فضــا عــن أنّ التّناصــف املعتمــد ينطــوي علــى انتهــاك خطيــر للمبــادئ
املك ّرســة بال ّدســتور بفصلــه 34علــى غــرار تلــك املتع ّلقــة بحر ّيــة النّاخــب وباملســاواة بــن
ّ
املترشــحني والتــي تنــدرج ضمــن قائمــة املبــادئ الدول ّيــة فــي مــادة االنتخابــات وذلــك خالفــا
ـتوري وفــق الفصــل 34والتــي اقتضــت أن ّ
لقاعــدة التّناصــف التــي تمثــل مجـ ّرد هــدف دسـ ّ
«الفصــل – 34حقــوق االنتخابــات واالقتــراع والترشــح مضمونــة طبــق مــا يضبطــه القانون.
تعمــل الدولــة علــى ضمــان تمثيل ّيــة املــرأة فــي املجالــس املنتخبــة» ،وتبعــا لذلــك فإنّــه
بــأي شــكل مــن األشــكال مــن نطــاق املبــادئ املذكــورة. ال يمكــن للتناصــف أن يحــ ّد ّ
وجوابــا علــى هــذا املطعــن لــم تناقــش املحكمــة تأويلهــا ملبــدأ التناصــف مكتفيــة بالرجــوع
إلــى وقائــع القضيــة أ ّنــه تــم تســجيل ترشــح خمــس ( )5رجــال وامرأتــن ( )2للتنافــس علــى
مقعديــن عــن صنــف املحامــن وهــو فــي صــورة الحــال عــدد كاف يم ّكــن مــن تطبيــق مبــدأ
التناصــف وال يــؤول إلــى اســتبعاده بالنظــر إلــى عــدد املقاعــد املتنافــس عليهــا وإلــى عــدد
املترشــحني .ويســتخلص بصفــة ضمنيــة أنّ الدائــرة املتعهــدة تفتــرض ضــرورة وجــود عــدد
كاف أي أكثــر مــن مترشــحة مــع مقارنتهــا بعــدد الرجــال املترشــحني لضمــان كفايــة العدد.
كمــا لــم تجــب املحكمــة عــن جوهــر الطعــن الــذي أثيــر والــذي تعلــق بالتضــارب بــن املبــادئ
الدســتورية املتعلقــة بحريــة الناخــب واملســاواة بــن املترشــحني وإقــرار القانــون ملبــدأ
ـس مــن هذيــن املبدئــن.التناصــف الــذي أقــر تدابيــر فرضهــا علــى الناخــب أو الناخبــة تمـ ّ
وتعليقــا علــى مــا ســبق بيانــه ،فإ ّنــه لئــن أمكــن ،مــن الناحيــة النظريــة ،ملبــدأ التناصــف
أن يكــون ســببا فــي إقصــاء النســاء إذا كان هنــاك مترشــح وحيــد مــن الرجــال ،فإنّــه
ومــن الناحيــة الواقعيــة كان دائمــا املتمســكون بضــرورة اســتبعاد هــذا املبــدأ هــم مــن
املدعــن مــن جنــس الذكــور ،باعتبــار هــذا املبــدأ يعــد إكراهــا للناخــب الــذي ولئــن لــم
يؤمــن بــه فهــو مضطــر حتــى ال تلغــى بطاقتــه إلــى انتخــاب امــرأة مــن قائمــة املترشــحني.
وكان تفاعل املحكمة مع هذا الطعن باالكتفاء بالنظر في شرعية القائمة املترشحة وتطابقها
مــع الفصــل 26مــن القانــون املتعلــق باملجلــس األعلــى للقضــاء قاصــرا مــن جهــة التعليــل.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 250
وفــي املقابــل انتهجــت الدائــرة الخامســة منحــى أكثــر انفتاحــا بمناســبة تعهدهــا فــي
القضيــة عــدد / 2016001نــزاع انتخابــي والتــي صــدر فيهــا الحكــم بتاريــخ 3نوفمبــر
2016بطلــب إلغــاء النّتائــج األوليــة النتخابــات مجالــس القضــاء العدلــي واإلداري
واملالــي عــن صنــف املحامــن لــدى التعقيــب املصــ ّرح بهــا بتاريــخ 24أكتوبــر .2016
واســتند املدعــون إلــى أنّ تطبيــق مبــدأ التناصــف فــي عــدد املترشــحني املخ ـ ّول للناخــب
اختيارهــم أ ّثــرت ســلبا علــى نتائــج االنتخابــات لعــدم تكافــؤ الفــرص بــن املترشــحني
ّ
واملترشــحات مــن املحامــن لــدى التعقيــب وخالفــت بذلــك مقتضيــات الفقــرة الثانيــة مــن
الفصــل 26مــن القانــون األساســي عــدد 34لســنة 2016املــؤرخ فــي 24أفريــل 2016
املتعلــق باملجلــس األعلــى للقضــاء التــي تكـ ّرس اســتثناء ملبــدأ التناصــف فــي حالــة عــدم
ّ
املترشــحات مــن ترشــح عــدد كاف مــن املترشــحني مــن أحــد الجنســن ذلــك أنّ عــدد ّ
املحامــن لــدى التعقيــب بالنســبة ملجلــس القضــاء العدلــي لــم يكــن كافيــا مقارنــة بعــدد
ّ
مترشــحا. املترشــحني مــن الصنــف ذاتــه إذ بلــغ عــدد املترشــحات 4مــن جملــة 19
وفــي تأســيس املحكمــة لقضائهــا لــم تناقــش إن كانــت ترشــحات النســاء كافيــة أو غيــر
ّ
املترشــحني كافيــة مقارنــة بترشــح الرجــال ،بــل اعتبــرت أن تأويــل عبــارة العــدد الكافي من
املنصــوص عليهــا بالفقــرة الثانيــة مــن الفصــل 26مــن القانــون املتعلــق باملجلــس األعلــى
للقضــاء يكــون فــي إطــار احتــرام أحــكام الفصلــن 34و 46مــن الدســتور التــي ك ّرســت
مبــدأ التناصــف وضمــان تمثيليــة املــرأة فــي املجالــس املنتخبــة ،ومــن ث ّمــة فــإنّ املقصــود
كل جنــس يســمح بتطبيــق مبــدأ التناصــف، املترشــحني مــن ّ
ّ بتلــك العبــارة أن يكــون عــدد
منتهيــة إلــى أنّ ترشــح امــرأة وحيــدة كاف إلعمــال التناصــف فــي مقعديــن أو أكثــر.
251 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
الخـاتمة
مــن خــال عــرض نزاعــات االنتخابــات ومبــدأ التناصــف تبــن أن املحكمــة اإلداريــة
لــم تكــن حاملــة لسياســة فقــه قضائيــة متجانســة حــول تطبيــق هــذا املبــدأ ،وأن تأويــل
النصــوص التــي أرســته ســواء ذات الصبغــة الدســتورية أو التشــريعية أوالترتيبيــة
لــم تحمــل تشــبعا مســبق بمقاربــة حقوقيــة معمقــة ملبــدأ املســاواة وتكافــئ الفــرص
بــن الجنســن .وبــرز هــذا النقــص فــي وجــود اختــاف ب ّيــن بــن الدرجــة األولــى مــن
التقاضــي التــي تتضمــن قضــاة وقاضيــات ممــن كانــوا أكثــر انفتاحــا بموجــب ربمــا
املشــاركة فــي ملتقيــات والنشــاط الجمعياتــي ،واالســتئناف الــذي تغلــب عليــه الفكــر
املحافــظ التقنــي الــذي يــؤول القاعــدة طبــق املعاييــر املتعــارف عليهــا فــي فقــه القضــاء فــي
مجــاالت تختلــف عــن تلــك املتعلقــة باالنتخابــات والتدابيــر اإليجابيــة التــي نصــت عليهــا.
وفــي هــذا االطــار ولتحقيــق الهــدف الدســتوري والوصــول إلــى مجالــس منتخبــة
ومتناصفــة مــن جهــة النتائــج وليــس فقــط الترشــح فإنــه مــن املتجــه أن يلعــب القضــاء
اإلداري دوره كقاطــرة للتغييــر ليــس فقــط فــي املقاربــة الحقوقيــة بــل خاصــة فــي اعتبــار
أن حقــوق النســاء هــي جــزء ال يتجــزأ مــن حقــوق االنســان ومــن املقاربــة الحقوقيــة.
ولتحقيــق هــذا الهــدف فإ ّنــه ال بــد مــن املبــادرة بإصالحــات علــى مســتوى املحكمــة اإلدارية
وكذلــك علــى مســتوى القوانــن الناظمــة وذلــك عبــر مــا يلي:
.1ضرورة تكوين قضاة وقاضيات املحكمة اإلدارية في مجال:
• القانون الدستوري
• الحقوق اإلنسانية للنساء مثلما تضبطها املعاهدات الدولية والقوانني الوطنية
• مقاربة النوع االجتماعي
.2ضرورة تنقيح إجراءات التقاضي أمام املحكمة اإلدارية وذلك بــــــ:
• إفــراد نــزاع الترشــحات حــول القائمــات بروزنامــة مســتقلة عــن روزنامــة التناصــف
ـس
االفقــي لفصــل املســارات ذلــك أن قبــول أو التشــطيب علــى قائمــة مــن شــأنه أن يمـ ّ
مــن بقيــة القائمــات املترشــحة عــن ذات الحــزب أو االئتــاف أو القائمــات املســتقلة .
1
.1تضمــن القانــون اإلنتخابــي البلــدي مبــادئ جديــدة لــم يتضمنهــا القانــون االنتخابــي التشــريعي
وذلــك بعالقــة بــإدراج مبــدأ التناصــف األفقــي الــذي لــم يكــن مضمنــا بالقانــون اإلنتخابــي لســنة 2014
.و لــم تأخــذ الهيئــة فــي روزنامتهــا االنتخابيــة بهــذا املعطــى املهــم فــي الرزنامــة رغــم أن القانــون
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 252
• التنصيــص صراحــة علــى أن النزاعــات املتعلقــة بالتناصــف االفقــي توجــه ضــد الهيئــة
العليــا املســتقلة لالنتخابــات دون غيرهــا
• اعتمــاد آليــة االدخــال لــكل القائمــات املعنيــة منــذ الطــور االبتدائــي وتمكينهــا مــن الحــق
فــي الدفاع
• إسناد اختصاص النظر في نزاعات التناصف االفقي إلى الدوائر االبتدائية بالعاصمة
• التنصيــص علــى أنــه فــي صــورة اســتقالة امــرأة رئيســة قائمــة مــن منصبهــا وقبــل
انتخــاب رئيــس البلديــة تعــوض بالثالثــة فــي القائمــة وليــس الرجــل الــذي يليهــا.
حملهــا مســؤولية إجــراء انتخابــات تحتــرم مبــدأ التناصــف األفقــي عنــد اإلعــان عــن النتائــج النهائيــة .
تبــن مــن خــال الرزنامــة املصــادق عليهــا أن الهيئــة قــد أدمجــت مراقبتهــا الحتــرام مبــدا التناصــف األفقــي فــي
نفــس الفتــرة التــي شــملت التثبــت مــن صحــة القائمــات والحــال أنّ التثبــت مــن احتــرام التناصــف األفقــي ال
يكــون إال بعــد التثبــت مــن صحــة القائمــات املترشــحة .و فــي محصلــة اإلعــان عــن النتائــج النهائيــة يتضــح أن
هنــاك قائمــات مترشــحة لــم تحتــرم مبــدأ التناصــف االفقــي ألنّ هنــاك قائمــات مترشــحة تــم إســقاطها مــن قبــل
الهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات ولــم يتــم احتســابها فــي مجمــوع القائمــات املقبولــة التــي ســيتم علــى أســاس
التثبــت مــن مــدى احترامهــا ملبــدأ التناصــف االفقــي ،وهــو مــا انجــر عنــه خــرق لهــذا املبــدأ أل ّنــه عنــد طعــن بعــض
القائمــات أمــام املحكمــة اإلداريــة فــي قــرارات رفــض تــم إرجاعهــم إلــى التنافــس فــي الدوائــر االنتخابيــة املعنيــة .
253 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
مــن بــن أهــم املراحــل التــي تمــر بهــا العمليــة االنتخابيــة 1هــي مرحلــة الحملــة
االنتخابيــة ،والتــي تقتضــي التــزام األطــراف املتدخلــة فيهــا بمبــادئ وقواعــد
أساســية تضمــن املســاواة وتكافــؤ الفــرص بــن املترشــحني والقائمــات
املترشــحة وتحــول دون التأثيــر علــى إرادة الناخبــن بأســاليب غيــر شــرعية.
ويقصــد بالحملــة االنتخابيــة «مجمــوع األنشــطة التــي يقــوم بهــا املترشــحون
والقائمــات املترشــحة أو مســاندوهم أو األحــزاب خــال الفتــرة املحــددة قانونــا
للتعريــف بالبرنامــج االنتخابــي باعتمــاد مختلــف وســائل الدعايــة واألســاليب
املتاحــة قانونــا قصــد حــث الناخبــن علــى التصويــت لفائدتهــم يــوم االقتــراع».2
وســائل الدعايــة هــذه التــي تُقــام بمناســبة الحمــات االنتخابيــة هــي عديــدة ومتنوعــة
يمكــن أن تتمثــل فــي تعليــق معلقــات ،توزيــع مناشــير أو برامــج ،عقــد اجتماعــات
عموميــة أو تنظيــم اســتعراضات أو مواكــب أو تجمعــات ،القيــام بأنشــطة إعالنيــة
بمختلــف وســائل اإلعــام وباملواقــع االلكترونيــة ووســائل التواصــل االجتماعــي،
3
توجيــه رســائل للعمــوم عبــر وســائط إلكترونيــة ،أو غيــر ذلــك مــن وســائل الدعايــة.
الحملــة االنتخابيــة بهــذا املعنــى تقــوم علــى مبــادئ عامــة جــاء بهــا القانــون
االنتخابــي ولكــن أيضــا علــى شــروط خاصــة تحكــم ّ
كل فئــة مــن وســائل الدعايــة.
.1تمــر العمليــة االنتخابيــة بأربعــة مراحــل ،أوال مرحلــة الترســيم بقائمــات الناخبــن والتــي تضبــط خاللهــا هيئــة
االنتخابــات قائمــات الناخبــن ،ثانيــا مرحلــة الترشــحات والتــي تبــت فيهــا الهيئــة فــي مطالــب الترشــح وتتخــذ قــرارات
بقبولهــا أو رفضهــا ،ثالثــا مرحلــة الحملــة االنتخابيــة والتــي تفتتــح قبــل يــوم االقتــراع باثنــن وعشــرين يومــا وتنتهــي
أربعــا وعشــرين ســاعة قبــل يــوم االقتــراع ويمــارس فيهــا املترشــحون والقائمــات املترشــحة أنشــطة دعائيــة للتعريــف
ببرنامجهــم االنتخابــي ،وأخيــرا مرحلــة النتائــج األوليــة لالنتخابــات والتــي تعلــن فيهــا الهيئــة عــن النتائــج بعــد التثبــت
مــن وجــود اخــاالت جوهريــة وحاســمة شــابت عمليــة االقتــراع والفــرز ومــن احتــرام الفائزين ألحــكام الفتــرة االنتخابية.
.2وهــو التعريــف الــوارد بالنقطــة الخامســة مــن الفصــل 3مــن القانــون عــدد 16لســنة 2014املــؤرخ
فــي 26مــاي 2014واملتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء كمــا تــم تنقيحــه بالقانــون األساســي عــدد 7لســنة
2017املــؤرخ فــي 14فيفــري 2017والقانــون األساســي عــدد 76لســنة 2019املــؤرخ فــي 30أوت .2019
.3قائمــة وســائل الدعايــة وردت بالفصــل 59مــن القانــون عــدد 16لســنة 2014املذكــور علــى ســبيل الذكــر ال الحصــر.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 254
أ ّمــا عــن املبــادئ العامــة للحملــة االنتخابيــة 1كقاســم مشــترك بــن جميــع وســائل الدعايــة
فتتمثــل أساســا فــي حيــاد اإلدارة ودور العبــادة ووســائل اإلعــام الوطنيــة ،شــفافية الحملة
مــن حيــث مصــادر تمويلهــا وطــرق صــرف األمــوال املرصــودة لهــا ،املســاواة وضمــان
تكافــؤ الفــرص بــن جميــع املترشــحني ،احتــرام الحرمــة الجســدية للمترشــحني والناخبــن،
احتــرام أعــراض وكرامــة املترشــحني والناخبــن ،عــدم املســاس بحرمــة الحيــاة الخاصــة
واملعطيــات الشــخصية للمترشــحني ،عــدم الدعــوة إلــى الكراهيــة والعنــف والتعصــب
والتمييــز ،وعــدم تضمــن الدعايــة االنتخابيــة ملعلومــات خاطئة من شــأنها تضليــل الناخبني.
وأ ّمــا عــن الشــروط الخاصــة بممارســة وســائل الدعايــة فتختلــف باختــاف تلــك الوســائل.2
ولضمــان احتــرام مبــادئ الحملــة االنتخابيــة وقواعدهــا املضبوطــة بالتشــريع االنتخابــي
كان البــد علــى الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات أن تتدخــل عبــر مســتويني اثنــن:
• أوال مــن خــال تنظيــم الحملــة وضبط قواعدهــا وإجراءاتها بمقتضى قــرارات ترتيبية،
وهــذا االختصــاص تســتمده مــن قانونهــا األساســي 3الــذي أوكل ملجلســها صالحيــة
«وضــع التراتيــب ال ّ
الزمــة لتنفيــذ التشــريع االنتخابــي وتنفيــذ املهــام املوكولــة للهيئــة»،4
• وثانيــا مــن خــال مراقبــة مــدى التــزام املترشــحني والقائمــات املترشــحة أو
.1وهــي املبــادئ التــي نــص عليهــا الفصــل 52مــن القانــون عــدد 16لســنة 2014املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء.
.2بالنســبة للمعلقــات االنتخابيــة ،تنظمهــا قواعــد خاصــة بهــا حيــث يجــب أن تحتــرم شــروطا شــكلية مــن حيــث
الحجــم واملحتــوى ويجــب التأشــير علــى نمــوذج منهــا مــن الهيئــة الفرعيــة املختصــة ترابيــا ويجــب تعليقهــا فــي
األماكــن مخصصــة للتعليــق -بالنســبة للتظاهــرات الجماهيريــة واملواكــب والتجمعــات ،تخضــع كذلــك لشــروط خاصــة
بهــا ،هــي حــرة مــن حيــث املبــدأ لكــن يجــب إعــام الهيئــة بهــا كتابيــا قبــل انعقادهــا بيومــن علــى األقــل ويجــب
علــى القائمــة املترشــحة تعيــن مكتــب اجتمــاع يتولــى حفــظ النظــام والحــرص علــى حســن ســير التظاهــرة ويتكــون
مــن شــخصني علــى األقــل يتوفــر فيهمــا صفــة الناخــب -الدعايــة فــي وســائل اإلعــام الوطنيــة ،تخضــع بدورهــا
إلــى شــروط خاصــة ،حيــث يمنــع عليهــا القيــام باإلشــهار السياســي أو بــث نتائــج ســبر اآلراء التــي لهــا صلــة
مباشــرة أو غيــر مباشــرة باالنتخابــات والدراســات والتعاليــق الصحفيــة الخاصــة بهــا أو اإلعــان عــن تخصيــص
رقــم هاتــف مجانــي أو مــوزع صوتــي أو مركــز نــداء لفائــدة مترشــح أو قائمــة مترشــحة أو حــزب ،ويتحتــم عليهــا
توزيــع الحصــص والبرامــج علــى القائمــات املترشــحة واملترشــحني علــى أســاس احتــرام مبــادئ التعدديــة واإلنصــاف
والشــفافية .الدعايــة فــي وســائل اإلعــام األجنبيــة ،تنظمهــا كذلــك ضوابــط خاصــة بهــا ذلــك أنّ اســتعمال وســائل
اإلعــام األجنبيــة هــي إمكانيــة مخولــة فقــط للقائمــات املترشــحة عــن الدوائــر االنتخابيــة فــي الخــارج دون ســواها
ويجــب علــى تلــك القائمــات أن تلتــزم بإعــام الهيئــة الفرعيــة بالتغطيــة اإلعالميــة التــي شــاركت فيهــا وم ّدهــا بنســخة
منهــا فــي أجــل ال يتجــاوز 48ســاعة -الدعايــة فــي املواقــع االلكترونيــة ووســائل التواصــل االجتماعــي تخضــع كذلــك
لشــروط خاصــة حيــث يتعــن علــى املترشــحني والقائمــات املترشــحة واألحــزاب مـ ّد الهيئــة بقائمــة فــي املواقــع والوســائط
االلكترونيــة وحســابات التواصــل االجتماعــي التابعــة لهــا املســتخدمة فــي الحملــة وذلــك قبــل انطــاق الحملــة.
.3القانــون األساســي عــدد 23لســنة 2012املــؤرخ فــي 20ديســمبر 2012واملتعلــق بالهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات
كمــا تــم تنقيحــه واتمامــه بالقانــون األساســي عــدد 44لســنة 2013املــؤرخ فــي 1نوفمبــر 2013وبالقانــون األساســي
عــدد 52لســنة 2013املــؤرخ فــي 28ديســمبر .2013
.4وهو ما نص عليه الفصل 19من القانون األساسي عدد 23لسنة 2012املذكور.
255 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
تُعــ ّرف الرقابــة عــن طريــق الدعــوى بأنهــا الطلــب الرامــي إلــى إلغــاء أو تعديــل
قــرار أو عقــد إداري ،وبهــذا املعنــى فــإن هــذه الرقابــة ال تخــول للقاضــي اإلداري
ســوى النظــر فــي شــرعية التراتيــب املنظمــة للحمــات االنتخابيــة (فقــرة أولــى) دون
التدابيــر املتخــذة لفــرض احتــرام مبادئهــا وقواعدهــا طبــق القانــون (فقــرة ثانيــة).
.1وهــو مــا نصــت عليــه النقطــة 13مــن الفصــل 3مــن القانــون األساســي عــدد 23لســنة 2012وكذلــك الفصــل 71مــن
القانــون األساســي عــدد 16لســنة 2014املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء.
.2ينــص الفصــل 17مــن القانــون عــدد 40لســنة 1972املتعلــق باملحكمــة االداريــة علــى أنــه تختــص الدوائــر
االبتدائيــة بالنظــر ابتدائيــا فــي دعــاوى تجــاوز الســلطة التــي ترفــع إللغــاء املقــررات الصــادرة فــي املــادة االداريــة.
.3ونعنــي بذلــك النزاعــات املتعلقــة بالترســيم بقائمــات الناخبــن والتــي ترجــع بالنظــر للمحاكــم
العدليــة املختصــة ترابيــا فــي طوريهــا االبتدائــي واالســتئنافي (الفصــول 16و 17و 18مــن القانــون
االنتخابــي) .والنزاعــات املتعلقــة بالترشــح لالنتخابــات التشــريعية والتــي ترجــع بالنظــر للمحاكــم
العدليــة املختصــة ترابيــا فــي طورهــا االبتدائــي فقــط (الفصلــن 27و 28مــن القانــون االنتخابــي).
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 256
باعتبارهــا الضامنــة النتخابــات نزيهــة وشــفافة والجهــة املخ ّولــة لوضــع التراتيــب ال ّ
الزمــة
لتنفيــذ التشــريع االنتخابــي ،1تتخــذ هيئــة االنتخابــات قــرارات ترتيبيــة لتنظيــم الحمــات
االنتخابيــة ،وقــد أصــدرت فــي هــذا اإلطــار ســتة قــرارات :قرار يتعلــق بضبط قواعــد تنظيم
الحملــة االنتخابيــة وإجراءاتهــا 2وآخــر يتعلــق بضبــط قواعــد تمويلهــا 3وأربعــة قــرارات
تتعلــق بالقواعــد التــي يتعــن علــى وســائل اإلعــام التقيــد بهــا خــال الحملــة االنتخابيــة
وبشــروط اســتعمال القائمــات املترشــحة واملترشــحني لوســائل اإلعالم الوطنيــة واألجنبية.4
هــذه التراتيــب التــي يتخذهــا مجلــس الهيئــة لتنظيــم الحمــات االنتخابيــة تنــدرج ضمــن
مــا يســمى بالقــرارات التحضيريــة لالنتخابــات 5وقــد نــص الفصــل 19مــن القانــون
األساســي املتعلــق بالهيئــة علــى أن تكــون تلــك التراتيــب «قابلــة للطعــن أمــام املحاكــم
املختصــة بحســب الشــروط واإلجــراءات التــي يضبطهــا القانــون».
وال ريــب فــي أنّ املقصــود باملحاكــم املختصــة حســب الفصــل املذكــور هــو القاضــي
اإلداري دون ســواه وذلــك لســببني علــى األقــل:
• أوال ألنّ األمــر يتعلــق بقــرارات عامــة مجــردة وملزمــة صــادرة عــن هيئــة عموميــة
.1ينــص الفصــل 19مــن القانــون املتعلــق بهيئــة االنتخابــات علــى أنــه «يتولــى مجلــس الهيئــة وضــع التراتيــب الالزمــة
لتنفيــذ التشــريع االنتخابــي»...
.2القــرار الترتيبــي عــدد 22لســنة 2019املــؤرخ فــي 22أوت 2019واملتعلــق بضبــط قواعــد تنظيــم الحملــة االنتخابيــة
وحملــة االســتفتاء وإجراءاتهــا .القــرار عــدد 20لســنة 2014املــؤرخ فــي 8أوت 2014واملتعلــق بضبــط قواعــد تمويــل
الحملــة االنتخابيــة واجراءاتــه وطرقــه كمــا تــم تنقيحــه واتمامــه بالقــرار عــدد 17املــؤرخ فــي 23أكتوبــر .2017
.3القــرار عــدد 20لســنة 2014املــؤرخ فــي 8أوت 2014واملتعلــق بضبــط قواعــد تمويــل الحملــة االنتخابيــة واجراءاتــه
وطرقــه كمــا تــم تنقيحــه واتمامــه بالقــرار عــدد 17املــؤرخ فــي 23أكتوبــر .2017
.4القــرار عــدد 8لســنة 2018املــؤرخ فــي 20فيفــري 2018واملتعلــق بضبــط القواعــد والشــروط التــي يتعــن
علــى وســائل االعــام التقيــد بهــا خــال الحملــة االنتخابيــة وحملــة االســتفتاء .القــرار املشــترك بــن الهيئــة العليــا
املســتقلة لالنتخابــات والهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي البصــري املــؤرخ فــي 21أوت 2019واملتعلــق
بضبــط القواعــد الخاصــة بتغطيــة الحملــة االنتخابيــة الرئاســية والتشــريعية بوســائل اإلعــام واالتصــال الســمعي
والبصــري واجراءاتهــا .القــرار املشــترك بــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات والهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال
الســمعي والبصــري املــؤرخ فــي 14فيفــري 2018واملتعلــق بضبــط القواعــد الخاصــة بتغطيــة الحملــة االنتخابيــة
البلديــة والجهويــة بوســائل االعــام واالتصــال الســمعي والبصــري واجراءاتهــا كمــا تــم تنقيحــه بالقــرار املشــترك
بينهمــا املــؤرخ فــي 18أفريــل .2018القــرار عــدد 27لســنة 2014املــؤرخ فــي 10ســبتمبر 2014واملتعلــق بضبــط
القواعــد الخاصــة باســتعمال القائمــات املترشــحة عــن الدوائــر االنتخابيــة فــي الخــارج لوســائل اإلعــام األجنبيــة.
»5. «Les actes préparatoires à l’élection
257 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
مســتقلة ،وهــي تحــوز بصفتهــا تلــك مواصفــات املقــررات اإلداريــة االنفراديــة مــن حيــث
أنهــا آحاديــة تنفيذيــة ومؤثــرة فــي املراكــز القانونيــة.1
• وثانيــا ألنّ لهــا عالقــة مباشــرة باالنتخابــات ،والخيــار الــذي ارتــآه املشــرع
التونســي هــو اســناد النــزاع االنتخابــي برمتــه إلــى املحكمــة اإلداريــة 2بمــا
فــي ذلــك املتعلــق باالنتخابــات التشــريعية والرئاســية بالرغــم مــن طبيعتهــا
السياســية التــي ال تتــاءم بالضــرورة مــع اختصــاص القاضــي اإلداري 3مثلمــا
رســم حــدوده دســتور 27جانفــي 4 2014والــذي ال يخــول لــه ســوى النظــر فــي
االنتخابــات ذات الصبغــة اإلداريــة علــى غــرار انتخابــات مجالــس األقســام العلميــة
وانتخابــات أعضــاء املجلــس األعلــى للقضــاء واالنتخابــات البلديــة والجهويــة.
وإذا كان القاضي اإلداري هو الذي يرجع إليه مراقبة التراتيب املنظمة للحمالت االنتخابية
فمــن هــو املقصــود بذلــك؟ هــل هــو قاضــي تجــاوز الســلطة املختــص بالنظــر فــي شــرعية
املقــررات اإلداريــة؟ أم هــو القاضــي االنتخابــي املنتصــب للبــت فــي الطعــون االنتخابيــة؟
تختلــف اإلجابــة علــى هــذا التســاؤل بمــدى اتصــال تلــك القــرارات بالعمليــة االنتخابيــة أو
بانفصالهــا عنهــا:
فــإذا اعتبرنــا أنهــا متصلــة بالعمليــة االنتخابيــة 5تكــون الدعــاوى املرفوعــة فــي خصوصهــا
أمــام قاضــي تجــاوز الســلطة حريــة بعــدم القبــول نظــرا ألن النزاعــات املتعلقــة
بالعمليــات االنتخابيــة تتجــاوز نطــاق قضــاء اإللغــاء ،باعتبــار أنّ النظــر فيهــا يقتضــي
عــدم التوقــف عنــد إلغائهــا وإنمــا يتطلــب صالحيــات أوســع ال يمكــن أن تنــدرج إال
.1أحاديــة بمعنــى أنهــا تع ّبــر عــن إرادة اإلدارة دون ســواها ،تنفيذيــة بمعنــى أنهــا قابلــة للتنفيــذ بذاتهــا دون
حاجــة التخــاذ إجــراء ثانــي أو اللجــوء إلــى ســلطة معينــة لتنفيذهــا وأخيــرا مؤثــرة فــي املراكــز القانونيــة
بمعنــى مغيــرة فــي الوضعيــة القانونيــة للمنظوريــن اإلداريــن ســواء باإللغــاء أو التعديــل أو التأييــد.
.2عدا بعض االستثناءات التي تؤكد املبدأ.
.3فهــل يمكــن أن نســتنتج مــن ذلــك عــدم دســتورية القانــون األساســي لالنتخابــات حــن اســند
للقاضــي االداري اختصــاص النظــر فــي النزاعــات املتعلقــة باالنتخابــات التشــريعية والرئاســية
؟ تبقــى املحكمــة الدســتورية املرتقــب احداثهــا هــي املخولــة لإلجابــة علــى هــذا التســاؤل.
.4ينــص الفصــل 116مــن الدســتور علــى أن « ...يختــص القضــاء اإلداري بالنظــر فــي تجــاوز االدارة ســلطتها وفــي
النزاعــات االداريــة ويمــارس وظيفــة استشــارية طبــق القانــون»...
.5إلــى حــدود الســنوات األولــى مــن القــرن العشــرين كانــت تعتبــر القــرارات املنظمــة لالنتخابــات فــي فقــه قضــاء
مجلــس الدولــة الفرنســي جــزءا ال يتجــزأ مــن العمليــة االنتخابيــة التــي ال ينــدرج النظــر فيهــا إال فــي إطــار القضــاء
الكامل.يراجــع حــول هــذه املســألة:
CHAPUS (R.), Droit Du Contentieux Administratif, Montchrestien, 13 éd, p. 702
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 258
فــي نطــاق القضــاء الكامــل املوضوعــي .1أ ّمــا إذا اعتبرنــا أنّ تلــك القــرارات منفصلــة
عــن العمليــة االنتخابيــة جــاز آنــذاك إقــرار اختصــاص قاضــي اإللغــاء بالنظــر فيهــا.
فــي هــذا اإلطــار اســتقر فقــه القضــاء املقــارن علــى اعتبــار أنّ القــرارات
الترتيبيــة املنظمــة لالنتخابــات التــي تتّصــف بصبغــة الــدوام واالســتمرارية وال
تســتنفذ آثارهــا بمجــرد التصريــح بنتائــج االنتخابــات إنمــا تنفصــل عــن العمليــة
االنتخابيــة ويجــوز الطعــن فيهــا أمــام قاضــي تجــاوز الســلطة 2حتــى ولــو تعلقــت
بانتخابــات سياســية يرجــع البــت فــي صحــة نتائجهــا إلــى القاضــي الدســتوري.3
ويجد ذلك تبريرا له في أنّ عدم النظر في شرعية تلك القرارات في تاريخ صدورها وتأجيل
النظــر فيهــا إلــى مرحلــة الطعــون فــي نتائــج لالنتخابــات يضعنــا أمــام احتمالــن ممكنــن:
تفحص شرعيتها من قبل • إ ّما أن تكون تلك القرارات شرعية وفي هذه الصورة سيؤدي ّ
القاضي االنتخابي بمناســبة الدفع أمامه بذلك إلى تشـ ّعب كبير لعمله وهو ما سيتســبب
فــي إخــال خطيــر بنجاعــة الرقابــة التــي يمارســها علــى النتائــج األوليــة لالنتخابــات.
• وإ ّمــا أن تكــون تلــك القــرارات غيــر شــرعية وفــي هــذه الصــورة ســتكون العمليــة
االنتخابيــة برمتهــا باطلــة ألنهــا ُبنيــت بالنهايــة علــى باطــل.
إنّ خطــورة اآلثــار التــي ســتترتب عــن التصريــح بعــدم شــرعية التراتيــب املنظمــة
لالنتخابــات بمــا فــي ذلــك تلــك املتعلقــة بالحملــة االنتخابيــة بعــد اإلعــان علــى
نتائجهــا األوليــة ومــا ســيؤدي إليــه مــن بطــان العمليــة االنتخابيــة برمتهــا هــي
4
التــي بــ ّررت هــذا التوجــه القضائــي والــذي ع ّبــر عنــه املجلــس الدســتوري الفرنســي
بحيثيــة مبدئيــة جــاء فيهــا أنّ «عــدم قبولــه الطعــن فــي تلــك القــرارات مــن شــأنه أن
اإللغاء le contentieux de l’annulation .1ينقسم النزاع اإلداري إلى فرعني :قضاء
والقضاء الكامل ،le plein contentieux ou le contentieux de pleine juridiction
أمــا قضــاء االلغــاء فهــو قضــاء موضوعــي يهــدف إلــى حمايــة الشــرعية القانونيــة وتكــون فيــه ســلطات القاضــي
محــدودة حيــث يكتفــي إ ّمــا بإلغــاء القــرار املطعــون فيــه أو برفــض الدعــوى وتقديــر شــرعية القــرار يكــون دائمــا فــي
تاريــخ اتخــاذه.
وأ ّما القضاء الكامل والذي ينقسم بدوره إلى قضاء كامل ذاتي
recours subjectif de plein contentieux
على غرار النزاعات املتعلقة باملسؤولية التعاقدية ،وقضاء كامل موضوعي
recours objectif de plein contentieux
علــى غــرار النزاعــات االنتخابيــة والــذ يتكــون فيــه صالحيــات القاضــي أوســع حيــث يمكــن أن يعــدل القــرار املطعــون
فيــه أو أن يعوضــه بقــرار جديــد أو أن يحكــم بالتعويــض.
2. CE, 22 octobre 1979, union démocratique du travail, p.384, AJ 1980, p.19.
3. CE, 12 mars 1993, union nat. Ecologique et parti pour la défense des animaux, p.67.AJ 1993, p. 336.
يــؤدي إلــى اخــال خطيــر بنجاعــة الرقابــة املجــراة علــى العمليــات االنتخابيــة
وبمــآل املســار االنتخابــي برمتــه وبالنهايــة بالســير العــادي للســلط العموميــة».1
مــن جهتهــا تســنى للمحكمــة اإلداريــة أن نظــرت فــي إشــكال كمثــل هــذا بمناســبة
انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي لســنة 2011حيــث طعــن حــزب االتحــاد
الوطنــي الحــر باإللغــاء أمامهــا فــي قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات املتعلــق
بضبــط قواعــد وإجــراءات الحملــة االنتخابيــة فــي مــا تضمنــه مــن منــع الدعايــة
االنتخابيــة فــي جميــع وســائل اإلعــام بمؤسســات اإلعــام العموميــة والخاصــة
فــي فتــرة مــا قبــل الحملــة .وأرفــق عريضــة طعنــه بمطلــب فــي توقيــف التنفيــذ.
كمــا طعــن حــزب الحركــة اإلصالحيــة التونســية فــي قــرار هيئــة االنتخابــات املتعلــق بضبط
القواعــد التــي يتعــن علــى وســائل اإلعــام الســمعية والبصريــة التقيــد بهــا خــال الحملــة
حجــره علــى وســائل اإلعــام الوطنيــة الخاصــة مــن اســتعمال أســاليب االنتخابيــة فيمــا ّ
اإلشــهار التجــاري لغايــة دعايــة انتخابيــة لفائــدة املترشــحني ،وطلــب كذلــك توقيــف تنفيــذه.
أ ّمــا عــن مطلــب توقيــف تنفيــذ قــرار ضبــط قواعــد الحملــة فقــد انتهــت رئاســة املحكمــة
إلــى رفضــه باالســتناد إلــى أنــه «ال ضــرر يصعــب تداركــه مــن تحجيــر محــدود للدعايــة
االنتخابيــة مــن حيــث الوســائل املســتعملة ولفتــرة وجيــزة» .2وهــو نفــس املوقــف الــذي
انتهــت إليــه فــي خصــوص طلــب توقيــف تنفيــذ قــرار الهيئــة القاضــي بضبــط القواعــد
التــي يتعــن علــى وســائل اإلعــام الســمعية والبصريــة التقيــد بهــا خــال الحملــة
االنتخابيــة ،معتبــرة أنّ «تحجيــر الهيئــة علــى وســائل اإلعــام الوطنيــة الخاصــة اســتعمال
أســاليب اإلشــهار التجــاري لغايــة دعايــة انتخابيــة لفائــدة املترشــحني ...ينــدرج ضمــن
مــا أوكل إليهــا مــن مهمــة اإلعــداد النتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي واإلشــراف
عليهــا ومراقبــة ملختلــف العمليــات االنتخابيــة ...وأنّ األســباب املســتند إليهــا ال تبــدو فــي
ظاهرهــا جديــة وأن مواصلــة تنفيــذ القــرار املنتقــد ليــس مــن شــأنه أن يتســبب للطالــب
فــي أضــرار يصعــب تداركهــا طاملــا أنــه بإمكانــه ممارســة وســائل دعايــة أخــرى غيــر تلــك
.1القــرار عــدد 413897الصــادر بتاريــخ 18أكتوبــر ،2011فقــه قضــاء املحكمــة االداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة
بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي ،منشــورات املطبعــة الرســمية للجمهوريــة التونســية ،2013ص .662
.2الحكــم الصــادر فــي القضيــة عــدد 124694والحكــم الصــادر فــي القضيــة عــدد 124821بتاريــخ 10جويليــة ،2014
غيــر منشــوين.
261 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
.1ينص الفصل 71من القانون األساســي عدد 16لســنة 2014على أنه «تتعهد الهيئة من تلقاء نفســها أو بطلب من أي
جهــة كانــت بمراقبــة احتــرام املترشــح أو القائمــة املترشــحة أو الحــزب ملبــادئ الحملــة والقواعــد واالجــراءات املنظمــة لها
وتتخــذ التدابيــر واالجــراءات الكفيلــة بوضــع حــد فــوري للمخالفــات ولهــا في ذلــك حجز االعالنــات االنتخابيــة أو املتعلقة
باالســتفتاء ويمكنهــا االســتعانة بالقــوة العامــة عنــد االقتضاء لفض االجتماعات واالســتعراضات واملواكــب والتجمعات».
.2وهــو مــا نــص عليــه الفصــل 31مــن قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد 22لســنة 2019
املــؤرخ فــي 22أوت 2019املتعلــق بضبــط قواعــد الحملــة االنتخابيــة وحملــة االســتفتاء وإجراءاتهــا.
.3إشهار سياسي -استعمال موارد الدولة -دعوة إلى الكراهية وإلى التعصب والتمييز...
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 262
مخالفــة اإلشــهار السياســي 1أو مخالفــة اســتعمل مــوارد الدولــة فــي الحملــة االنتخابيــة.2
بالنســبة لهــذه القــرارات الفرديــة ســواء كانــت صريحــة أو ضمنيــة ،تجــدر اإلشــارة
إلــى أنّ القانــون األساســي املتعلــق باالنتخابــات لــم ينظــم إجــراءات تقاضــي فــي
3
خصوصهــا وذلــك علــى خــاف املرســوم املتعلــق بانتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي
والــذي أجــاز إمكانيــة الطعــن فــي القــرارات التــي تتخذهــا الهيئــة لوضــع حــد فــوري
لتجــاوزات الحملــة االنتخابيــة وذلــك أمــام الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة.4
فــي املقابــل اكتفــت هيئــة االنتخابــات ضمــن قرارهــا الترتيبــي عــدد 22لســنة 2019بتنظيــم
تظ ّلم إداري أمام مجلسها للنظر في قرارات الهيئات الفرعية وتوحيد مواقفها املتضاربة.5
.1إنّ معيــار التمييــز بــن مــا هــو إعــام informationأو دعايــة متاحــة قانونــا ،propagande liciteوبــن مــا هــو إشــهار
publicitéليــس بديهيــا ،وأنّ الخيــط الفاصــل بــن املســألتني يبقــى رقيقــا ج ـ ّدا ويصعــب فــي بعــض الحــاالت تب ّينــه
ويمكــن فــي هــذا االطــار تقديــم مثالــن:
مثــال 1مأخــوذ مــن االنتخابــات الرئاســية لســنة :2014هنــاك أفعــال ك ّيفتهــا الهيئة على أنها من قبيل اإلشــهار السياســي
املق ّنــع متمثلــة فــي مــا عمــدت إليــه شــركة إشــهار خالل الفتــرة الفاصلة بــن اإلعالن عن نتائــج الدورة األولــى لالنتخابات
الرئاســية وقبــل انطــاق الحملــة االنتخابيــة للــدورة الثانيــة مــن نفــس االنتخابــات إلــى تركيــز معلقــات فــي العديــد مــن
الشــوارع الرئيســية للعاصمــة وضواحيهــا تضمنــت العبــارات التاليــة «الفقــر املؤقــت الوســخ املؤقــت والعنــف املؤقــت».
الهيئــة قــ ّدرت أنّ مثــل هــذه العبــارات تتضمــن إشــارة ضمنيــة إلــى العهــدة الرئاســية للمترشــح للــدور
الثانــي محمــد املنصــف املرزوقــي الــذي كان يوصــف آنــذاك باملؤقــت ومــا تميــزت بــه مــن فقــر ووســخ
وعنــف ،وتمثــل تبعــا لذلــك إشــهارا سياســيا مقنّعــا لفائــدة منافســه محمــد الباجــي قايــد السبســي الــذي،
بفــوزه فــي االنتخابــات ،ســيضع حــ ّدا لجميــع تلــك املظاهــر ،واتخــذت تبعــا لذلــك قــرارا بإزالــة املعلقــات
املذكــورة ،وهــو موقــف يع ّبــر عــن اجتهــاد معــن للهيئــة وقــد تســ ّبب فــي جــدل كبيــر بــن مؤ ّيــد ومعــارض.
مثــال 2مأخــوذ مــن االنتخابــات التشــريعية لســنة :2019الهيئــة ك ّيفــت مــا قامــت بــه إذاعــة القــرآن الكريــم مــن بــثّ
برامــج دين ّيــة وتقديــم فتــاوى حــول بعــض املســائل ذات الصبغــة الدين ّيــة ورفــع األذان بصــوت صاحــب اإلذاعــة الــذي
هــو فــي نفــس الوقــت رئيــس قائمــة حــزب الرحمــة املترشــحة بالدائــرة االنتخابيــة بــن عــروس علــى أنــه إشــهار سياســي،
وهــذا املوقــف تس ـ ّبب كذلــك فــي جــدل كبيــر باعتبــار أنّ اإلشــهار السياســي كمــا ع ّرفــه القانــون االنتخابــي هــو ّ
«كل
عمليــة دعايــة تعتمــد أســاليب التســويق التجــاري تهــدف إلــى الترويــج لشــخص أو لبرنامــج أو لحــزب سياســي بهــدف
اســتمالة الناخبــن ،»...فــي حــن أنّ بــثّ برامــج دينيــة ورفــع اآلذان ال ينــدرج ضمــن الترويــج لبرنامــج سياســي معــن.
.2اعتبرت الهيئة بمناســبة االنتخابات الرئاســية لســنة 2014أنّ الحماية األمنية التي تمتّع بها املترشــح محمد املنصف
املرزوقــي عنــد قيامــه بحملتــه االنتخابيــة ومــا اقتضتــه آنــذاك مــن التن ّقــل في كامل تــراب الجمهوريــة بمرافقــة أمنية كبيرة
وباســتعمال أســطول مــن الســيارات املصفحــة ،تُعتبــر مــن قبيل االســتعمال املتاح للمــوارد العمومية ،وذلــك بالنظر ملركزه
تعســفه في اســتعمال تلك املوارد ،وهذا املوقف تسـ ّبب كذلــك في جدل خاصة القانونــي مــن جهــة ،واعتبــارا ألنــه لــم يثبت ّ
وأنّ مســألة التعســف فــي اســتعمال الحــق مــن عدمــه تبقــى مــن املســائل الذاتيــة الخاضعــة ملطلــق االجتهــاد والتقديــر.
.3املرسوم عدد 35لسنة 2011املؤرخ في 10ماي .2011
.4يراجع الفصل 47منه.
.5جــاء بالفصــل 32مــن القــرار املذكــور أنــه "يمكــن التظلــم أمــام مجلــس الهيئــة بخصــوص القــرارات
املتعلقــة بالحملــة االنتخابيــة الصــادرة عــن الهيئــات الفرعيــة ويمكــن ملجلــس الهيئــة عنــد االقتضــاء وخاصــة
فــي صــورة التضــارب فــي املواقــف بــن الهيئــات الفرعيــة التعهــد تلقائيــا ملراجعــة هــذه القــرارات".
263 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
والســؤال املطــروح فــي هــذا اإلطــار هــو هــل يمكــن للمحكمــة اإلداريــة فــي
غيــاب نــص صريــح يخــول لهــا اختصــاص النظــر فــي الطعــون املوجهــة ضــ ّد
القــرارات الفرديــة املتخــذة فــي مجــال مراقبــة الحمــات االنتخابيــة أن تصــرح
بتوقيــف تنفيذهــا أو أن تــأذن اســتعجاليا بوضــع حــ ّد للتدابيــر املقــررة بموجبهــا.
فــي خصــوص الوســائل املجديــة التــي يمكــن للقاضــي اإلداري االســتعجالي أن يــأذن بها،
فــإن ذلــك يبقــى متوقفــا علــى توفــر ثالثة شــروط متالزمة هــي :أوال وجود حالة تأكــد ،وثانيا
أن ال تمــس الوســيلة املــأذون بهــا مــن القاضــي االســتعجالي مــن أصــل النزاع الــذي يمكن
أي قــرار إداري.1أن يتعهــد بــه قاضــي األصــل ،وثالثــا أن ال تعطــل الوســيلة املذكورة تنفيذ ّ
وتطبيقــا للشــروط املذكــورة ،فإنــه يتعــ ّذر علــى القاضــي اإلداري االســتعجالي أن
يــأذن بوضــع ح ـ ّد للتدابيــر املتخــذة مــن الهيئــة فــي إطــار مراقبــة الحمــات االنتخابيــة
ملســاس ذلــك بأصــل النــزاع مــن جهــة ولتعطيــل تنفيــذ قــرارات الهيئــة مــن جهــة أخــرى.
مؤسســة واألذون االســتعجالية مثلمــا وقــع تنظيمهــا
وهــذا يجعلنــا نتســاءل عــن جــدوى ّ
بقانــون املحكمــة اإلداريــة والتــي ح ّفهــا املشــرع بشــروط مجحفــة ض ّيقــت مــن مجــال ّ
تدخل
القاضــي االســتعجالي وجعلــت منهــا مؤسســة عاجــزة عــن أداء الوظيفــة التــي ُوجــدت
مــن أجلهــا واملتمثلــة فــي حمايــة الحقــوق وإيصالهــا إلــى أصحابهــا فــي وقــت وجيــز.
وســع مجــال ّ
تدخــل حــري بنــا أن نعــ ّرج علــى القانــون الفرنســي الــذي ّ
ّ وهنــا
القاضــي اإلداري االســتعجالي بــأن أقــر أنواعــا جديــدة مــن االســتعجالي،
2
.1ينــص الفصــل 81مــن قانــون املحكمــة اإلداريــة علــى أنــه "يمكــن فــي جميــع حــاالت التأكــد لرئيــس الدائــرة االبتدائيــة
أو االســتئنافية أن يــأذن اســتعجاليا باتخــاذ الوســائل الوقتيــة املجديــة بــدون مســاس باألصــل وبشــرط أ ّال يفضــي ذلــك
إلــى تعطيــل تنفيــذ أي قــرار إداري".
2. Loi n° 2000-597 du 30juin 2000 relative au référé devant les juridictions administratives et modifiant le
code de justice administrative.
.3ولعــل ذلــك مــا جعــل البعــض يتحــدث عــن حصــول تحـُّـول جوهــري فــي وظيفــة القضــاء اإلداري مــن قضــاء موضوعــي
حامــي للشــرعية القانونيــة إلــى قضــاء ذاتــي حامــي للحقــوق والحريات.
PETIT(J.), «Les armes du juge administratif dans la protection des libertés fondamentales», revue générale du
droit, www.reuegeneraledudroit.eu.
4. MALIGNER(B.), Les Procédures D’urgence et le Contentieux Pré- Electoral, mélange Jean Pierre Machelon,
p.686-703.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 264
واإلنصــاف وتكافــؤ الفــرص بــن املترشــحني أثنــاء الحمــات االنتخابيــة ويقــوم بوضــع ح ّد
للتجــاوزات التــي مــن شــأنها أن تمــس باملبــادئ املذكــورة فــي أجــل ال يتعــدى 48ســاعة.1
وهــذا أمــر مســتبعد بالنســبة لنظيــره التونســي الــذي يجــد نفســه مكبــا بشــروط مجحفــة
تحــول دون امكانيــة االذن بالوســائل املجديــة لضمــان احتــرام قواعــد ومبــادئ الحمــات
االنتخابيــة ،وهــو مــا يحتــم تدخــا تشــريعا عاجــا إلضفــاء مزيــد مــن الفاعليــة علــى عمــل
القاضــي اإلداري االســتعجالي وذلــك بتليــن شــروط قبــول املطالــب االســتعجالية مــن
جهــة ،وإقــرار أنــواع جديــدة مــن األذون االســتعجالية علــى غــرار اســتعجالي الحمــات
االنتخابيــة والــذي مــن شــأنه أن يمكنــه مــن وضع ح ّد فــوري أو تعديل اإلجــراءات والتدابير
املتخــذة مــن هيئــة االنتخابــات أو إلزامهــا باتخــاذ التدابيــر واإلجــراءات الضروريــة لفــرض
احتــرام قواعــد الحمــات االنتخابيــة طبــق التشــريع والتراتيــب الجــاري بهــا العمــل.
وإذا كانــت مؤسســة األذون االســتعجالية ال تفــي باملطلــوب علــى نحــو مــا ســلف بيانــه
فــإن مؤسســة توقيــف التنفيــذ ال تشــذ بدورهــا عــن هــذه القاعــدة ،ذلــك أنّ فقــه قضــاء
املحكمــة اإلداريــة مســتقر علــى أنّ القــرارات الفرديــة املتخــذة فــي إطــار العمليــات
االنتخابيــة هــي متصلــة بهــا وأنّ الدعــاوى املرفوعــة فــي خصوصهــا أمــام قاضــي
تجــاوز الســلطة تكــون حريــة بعــدم القبــول نظــرا ألن النزاعــات املتعلقــة بالعمليــات
االنتخابيــة تتجــاوز نطــاق قضــاء اإللغــاء وتنــدرج فــي إطــار القضــاء الكامــل ،وطاملــا
أنّ توقيــف التنفيــذ هــو فــرع مرتبــط بدعــوى تجــاوز الســلطة فــإن املطالــب الراميــة إلــى
توقيــف تنفيــذ التدابيــر املتخــذة مــن الهيئــة فــي مجــال مراقبــة الحمــات االنتخابيــة أو
تلــك التــي تحجــم عــن اتخاذهــا ،ســتعرف نفــس املــآل أي التصريــح بعــدم القبــول.2
إنّ عــدم تنظيــم التشــريع االنتخابــي النافــذ إلجــراءات تقاضــي فــي خصــوص التدابيــر
املتخــذة مــن الهيئــة فــي إطــار فــرض احتــرام قواعــد الحمــات االنتخابيــة مــن جهــة،
وعــدم نجاعــة القضــاء االســتعجالي مثلمــا وقــع تنظيمــه بقانــون املحكمــة اإلداريــة مــن
جهــة أخــرى ،يــؤول إلــى تحصــن مرحلــة هامــة مــن العمليــة االنتخابيــة مــن الرقابــة
عــن طريــق الدعــوى وال يتســنى ممارســة تلــك الرقابــة إ ّال بصفــة الحقــة وغيــر مباشــرة
بمناســبة بــت قاضــي النتائــج فــي الطعــون املتعلقــة بالنتائــج األوليــة لالنتخابــات.
.2يمكــن أن نقــرأ فــي القــرار الصــادر فــي مــادة توقيــف التنفيــذ فــي القضيــة عــدد 2100/41بتاريــخ 20جويليــة
،2006مــا يلــي" :حيــث يــروم الطالــب اإلذن بتوقيــف تنفيــذ القـرار الضمنــي برفــض إدراج اســمه ضمــن قامئــة املرتشــحني لالنتخابــات
املتعلقــة باختيــار مديــر قســم الهندســة الكهربائيــة باملعهــد العــايل للدراســات التكنولوجيــة بنابــل وحيــث طاملــا تعلــق مطلــب
توقيــف التنفيــذ الراهــن بقــرار ال ميكــن الطعــن فيــه عــن طريــق دعــوى تجــاوز الســلطة فمــن املتجــه الترصيــح بعــدم قبولــه".
265 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
نتيجــة لعــدم تنظيــم القانــون االنتخابــي إلجــراءات تقاضــي عــن طريــق الدعــوى
بخصــوص التدابيــر املتخــذة مــن الهيئــة لفــرض احتــرام قواعــد الحمــات االنتخابيــة
أو تلــك التــي تحجــم عــن اتخاذهــا يبقــى لقاضــي النتائــج امكانيــة مراقبتهــا بصفــة
غيــر مباشــرة عــن طريــق الدفــع 1بمناســبة نظــره فــي الطعــون املتعلقــة بالنتائــج
األوليــة لالنتخابــات ،وتتجلــى رقابتــه املذكــورة مــن خــال التثبــت مــن ماديــة
االخــاالت املرتكبــة خــال الحملــة االنتخابيــة وصحــة وجودهــا (فقــرة أولــى) ومــدى
تأثيــر تلــك االخــاالت فــي صــورة ثبوتهــا علــى نتائــج االنتخابــات (فقــرة ثانيــة).
أوجــب القانــون االنتخابــي علــى هيئــة االنتخابــات االعــان عــن النتائــج األوليــة
لالنتخابــات فــي الثالثــة أيــام التــي تلــي االقتــراع والفــرز ،2وأخضــع تلــك النتائــج
إلــى رقابــة املحكمــة االداريــة 3بحيــث ال تصبــح نتائــج االنتخابــات نهائيــة إ ّال بعــد
توصــل الهيئــة بآخــر حكــم صــادر عــن املحكمــة أو بعــد انقضــاء آجــل الطعــن.4
هــذا االختصــاص املســند لقاضــي النتائــج ملراقبــة نتائــج االنتخابــات األوليــة يخــول لــه
مراقبــة جميــع املراحــل املتعلقــة بالعمليــة االنتخابيــة بمــا فــي ذلــك فتــرة الحملــة ويفحــص
مــدى تأثيــر االخــاالت املســجلة علــى امتــداد تلــك املرحلــة فــي صحــة النتائج املعلــن عنها.
وقــد أكــدت الجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة هــذا املعنــى بمناســبة نظرهــا فــي نتائــج
انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي ،حيــث دفعــت الهيئــة بأنــه ال يجــوز التمســك أمــام
قاضــي النتائــج بمخالفــة قواعــد الحملــة االنتخابيــة بعــد انتهــاء فترتهــا ،إ ّال أنّ املحكمــة
ردت علــى هــذا الدفــع بالقــول «أنّ القاضــي املتعهــد بالنظــر فــي النزاعــات املتعلقــة بنتائــج
االنتخابــات التــي تنــدرج فــي إطــار نزاعــات القضــاء الكامــل يتمتــع بصالحيــات واســعة
.1يمثــل الدفــع بعــدم الشــرعية وســيلة قانونيــة تخــ ّول ألحــد أطــراف الدعــوى مطالبــة املحكمــة باســتبعاد تطبيــق
قــرار إدراي مــن املنازعــة املعروضــة علــى انظارهــا لعــدم شــرعيته دون أن يــؤدي ذلــك إلــى التصريــح بإلغائــه.
.2الفصل 144من القانون االنتخابي.
.3الفصول 145و 146من القانون االنتخابي.
.4الفصل 148من القانون االنتخابي.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 266
تمكنــه مــن بســط رقابتــه علــى جميــع املراحــل املكونــة للعمليــة االنتخابيــة ومراقبــة كل
االخــاالت التــي مــن شــأنها التأثيــر علــى نزاهــة وشــفافية االنتخابــات وال يمكــن اســتبعاد
رقابتــه فــي هــذا املجــال بمناســبة نظــره فــي الدعــاوى املتعلقــة بالنتائــج بدعوى وجــود طرق
طعــن خاصــة بتلــك املراحــل مــا لــم يثبــت صــدور حكــم نهائــي عــن املحكمــة املختصــة»1.
وفــي اطــار رقابتــه غيــر املباشــرة علــى مرحلــة الحملــة االنتخابيــة يتثبــت قاضــي النتائــج
مــن ماديــة االخــاالت املرتكبــة خــال تلــك الفتــرة وال يقــر بصحــة وجودهــا «ملجــرد شــكوك
أو إشــاعات أو حتــى وقائــع بســيطة أو محــدودة أو متفرقــة» وانمــا يجــب أن تكــون الحجــج
املقدمــة «قويــة وثابتــة ،2»...بــل أنــه «يجــب أن يثبــت لــدى الهيئــة بصفــة قاطعــة ارتــكاب
الفائزيــن مخالفــات تتعلــق بالفتــرة االنتخابيــة وتمويلهــا وأن تبــن ذلــك فــي قرارهــا حتــى
3
يتمكــن قاضــي النتائــج مــن تســليط رقابتــه علــى صحــة األســباب التــي اســتندت إليهــا».
تفحصــه للحجــج واملؤيــدات املعروضــة علــى أنظــاره يجــد قاضــي النتائــج نفســه
وعنــد ّ
أمــام ثالثــة فرضيــات ممكنــة ،إ ّمــا أن تكــون تلــك الحجــج غيــر ثابتــة ،أو أن تكــون
ثابتــة فــي غيــاب عنصــر االســناد ،أو أن تكــون ثابتــة مــع ثبــوت عنصــر االســناد.
- 1أ ّمــا عــن عــدم ثبــوت ماديــة االخــاالت ،فيســتخلصه قاضــي النتائــج ك ّلمــا أحجــم
الطاعــن عــن االدالء باملؤيــدات الالزمــة ،ومثــال ذلــك مــا انتهــت إليــه املحكمــة االداريــة
فــي نزاعــات انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي ،حيــث تمســك الطاعــن أمامهــا بــأن
الهيئــة خالفــت القانــون حــن توانــت عــن وضــع ح ـ ّد لتجــاوزات قائمــة مترشــحة بدائــرة
انتخابيــة بعــد أن تولــت اســتعمال قنــاة أجنبيــة فــي الدعايــة االنتخابيــة وبكلفــة تتجــاوز
الســقف االنتخابــي .إ ّال أنّ املحكمــة اعتبــرت أنّ «امســاك القائــم بالطعــن عنــد تحريــر
الدعــوى عــن تقديــم جملــة مــن املعطيــات األوليــة واالثباتــات الالزمــة علــى اتيــان القائمــة
املدعــى عليهــا بهــذه املخالفــات مــن شــأنه أن يصيــر الطعــن مجــردا وحريــا بالرفــض».4
.1القضيــة عــدد 48بتاريــخ 7نوفمبــر ،2011فقــه قضــاء املحكمــة االداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب
املجلــس الوطنــي التأسيســي ،منشــورات املطبعــة الرســمية للجمهوريــة التونســية ،2013الصفحــة .506.
.2الحكــم االســتئنافي الصــادر فــي القضيــة عدد 20042بتاريخ 8نوفمبر 2014فقــه قضاء املحكمة االدارية في النزاعات
املتعلقة باالنتخاب التشريعية والرئاسية لسنة :2014منشورات املطبعة الرسمية للجمهورية التونسية ،2016الصفحة .494
.3جلســة عامــة قضائيــة القــرار الصــادر فــي القضيتــن عــدد 201450002وعــدد 201450008بتاريــخ
18نوفمبــر ،2014فقــه قضــاء املحكمــة االداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة باالنتخابــات التشــريعية
والرئاســية لســنة :2014منشــورات املطبعــة الرســمية للجمهوريــة التونســية ،2016الصفحــة .616
.4القــرار عــدد 14الصــادر بتاريــخ 2نوفمبــر ،2011فقــه قضــاء املحكمــة االداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة
بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي ،منشــورات املطبعــة الرســمية للجمهوريــة التونســية ،2013الصفحــة .473.
267 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
وهــو نفــس املوقــف الــذي انتهــت إليــه بمناســبة االنتخابــات التشــريعية لســنة 2019حــن
اعتبــرت أنّ «الوثيقــة املدلــى بهــا مــن طــرف الطاعــن إلثبــات املخالفــة املزعومــة 1واملتمثلة في
نســخة مــن صــورة ضوئيــة ملوقــع الكترونــي دون تدعيمهــا بمحضــر معاينــة محــرر من قبل
عــدل منفــذ أو بتقريــر رســمي معد من أحــد املالحظني التابعني لهيئــة االنتخابات يجعلها ال
ترتقي إلى مرتبة الحجة التي يجوز للمحكمة اعتمادها والتي من شــأنها اثبات املخالفة».2
كمــا يســتخلص قاضــي النتائــج عــدم ثبــوت ماديــة االخــاالت ك ّلمــا وقــع االدالء أمامــه
بمؤيــدات ناقصــة االركان ،ففــي قضيــة عرضــت عليــه بمناســبة االنتخابــات التأسيســية
لســنة 2011أدلــت هيئــة االنتخابــات تأييــدا لقرارهــا القاضــي بإســقاط قائمــة مترشــحة
مــن أجــل االنتفــاع بتمويــل خــاص خــال الحملــة االنتخابيــة ،بدليــل الزيــارات امليدانيــة
للقوائــم املســتقلة والــذي تضمــن حصــول القائمــة املعنيــة علــى عــدد مــن املطويــات بقيمــة
ماليــة معينــة مــن طــرف شــخص ال ينتمــي إليهــا .املحكمــة وبعــد أن ذ ّكــرت بــأنّ عــبء
اثبــات املخالفــة بكامــل أركانهــا يحمــل علــى الهيئــة خلصــت إلــى أنــه «ولئــن ثبــت أن
املدعــي تســلم مجموعــة مــن املطويــات مــن قبــل شــخص ال ينتمــي إلــى القائمــة ّإل أنــه
ال شــيء يثبــت أنّ تلــك املطويــات تــم توزيعهــا خــال املــدة القانونيــة املخصصــة للحملــة
االنتخابيــة» 3وانتهــت تبعــا لذلــك إلــى الغــاء القــرار املنتقــد وتعديــل نتائــج االنتخابــات.
ماديــة االخــاالت ال تثبــت أيضــا حــن يقــع االدالء أمــام قاضــي النتائــج بمؤيــدات
لــم يتســنى لــه االطــاع علــى مضمونهــا ،مــن ذلــك مــا انتهــى إليــه مــن رفــض
الدعــوى الراميــة إلــى تعديــل نتائــج االنتخابيــات التشــريعية لســنة 2014بدائــرة
انتخابيــة اســتنادا إلــى أنــه «لــم يتســنى لــه بســط رقابتــه علــى القــرص املضغــوط
الــذي أدلــى بــه العــارض بعــد أن اســتحال فتحــه والتثبــت مــن محتــواه».4
- 2وأ ّمــا عــن ثبــوت الوقائــع فــي غيــاب عنصــر االســناد ،فمفــاده أنّ حصــول املخالفــة
االنتخابيــة ال يكفــي فــي حـ ّد ذاتــه بــل إنــه يتعــن نســبة تلــك املخالفــة إلــى القائمــة املطعــون
فــي نتائجهــا ،ومثــال ذلــك مــا انتهــت إليــه املحكمــة بمناســبة االنتخابــات التشــريعية لســنة
.1تعلــق األمــر بمخالفــة القيــام بالدعايــة االنتخابيــة علــى صفحــة اشــهارية مدعمــة عبــر شــبكة التواصــل االجتماعــي
(اشــهار سياســي).
.2الحكــم الصــادر فــي القضيــة عــدد 20194032بتاريــخ 22أكتوبــر ،2019حاتــم املليكــي بوصفــه رئيــس قائمــة
حــزب قلــب تونــس املترشــحة عــن الدائــرة االنتخابيــة الــكاف ضــد الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ومختــار
اللموشــي بوصفــه رئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة املترشــحة عــن نفــس الدائــرة االنتخابيــة ،غيــر منشــور.
.3القرار الصادر عن الجلسة العامة القضائية تحت عدد 80بتاريخ 8نوفمبر ،2011فقه قضاء املحكمة االدارية في النزاعات
املتعلقــة بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي ،منشــورات املطبعة الرســمية للجمهوريــة التونســية ،2013الصفحة .528.
.4الحكم االستئنافي الصادر في القضية عدد 201420034بتاريخ 8نوفمبر 2014فقه قضاء املحكمة االدارية في النزاعات
املتعلقة باالنتخاب التشريعية والرئاسية لسنة :2014منشورات املطبعة الرسمية للجمهورية التونسية ،2016الصفحة .392
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 268
2014مــن أنــه «ولئــن تمــت معاينــة مخالفــة تعليــق معلقــات والفتــات دعائيــة فــي اليــوم
املوافــق لفتــرة الصمــت االنتخابــي فإنــه لــم يثبــت مــن أوراق امللــف أن منتســبي الحــزب
املعنــي هــم الذيــن تولــوا تعليقهــا خــال فتــرة الصمــت املذكــورة» .1أو أنّ «مــا أدلــى
بــه املدعــي مــن محضــر معاينــة بخصــوص تولــي القائمــة ...توجيــه ارســاليات قصيــرة
تدعــو فيهــا املواطنــن للتصويــت لفائدتهــا خــال يــوم الصمــت االنتخابــي ال ينهــض
دليــا قاطعــا علــى نســبة رقــم الهاتــف الجــوال الصــادرة منــه االرســالية إلــى حــزب.2»...
ولــم تكتــف املحكمــة بعــدم األخــذ بمحاضــر املعاينــات التــي تفتقــر لعنصــر االســناد
واملدلــى بهــا مــن القائمــات الطاعنــة ،بــل اســتبعدت حتــى املحاضــر املحــررة مــن طــرف
أعــوان الرقابــة التابعــن لهيئــة االنتخابــات والتــي ال تتضمــن تحديــدا لهويــة األشــخاص
الذيــن قامــوا باملخالفــة االنتخابيــة معتبــرة أنّ «عــدم تحديــد األشــخاص القائمــن
باألفعــال وتأكيــد انتســابهم للقائمــة املترشــحة يحــول دون اعتمادهــا ،»3وفــي قضايــا
أخــرى ذهبــت إلــى أبعــد مــن ذلــك بــأن ط ّبقــت علــى املحاضــر املحــررة مــن أعــوان
الرقابــة التابعــن للهيئــة النظــام للقانونــي للفصــل 154مــن مجلــة االجــراءات الجزائيــة،
معتبــرة أنّ مــا يثبــت بتلــك املحاضــر مــن اســناد مخالفــة انتخابيــة مــا لحــزب أو لقائمــة
4
مترشــحة ال يعتــد بــه فــي صــورة ثبــوت مــا يخالفــه بالكتابــة أو بشــهادة الشــهود.
توجــه املحكمــة هــذا الــذي يجعــل مــن «عنصــر االســناد» ركنــا ال بديــل عنــه تفتقــد فــي
غيابــه املخالفــة االنتخابيــة ملقومــات وجودهــا قــد تأكــد وترســخ بمناســبة االنتخابــات
التشــريعية لســنة ،2019حيــث وقــع التمســك فــي عديــد القضايــا بقيــام أحــد األحــزاب
بالدعايــة االنتخابيــة بمواقــع إلكترونيــة وصفحــات اشــهارية مدعمــة عبــر شــبكات
التواصــل االجتماعــي وأنّ ذلــك يعتبــر اشــهارا سياســيا محجــرا بالقانــون االنتخابــي.
إ ّال أنّ املحكمــة وبعــد أن ذكــرت بالتعريــف التشــريعي لإلشــهار السياســي وأكــدت
علــى أنــه محجــر مــن حيــث املبــدأ خــال الفتــرة االنتخابيــة اعتبــرت أنّ «مــا أدلــى بــه
.1الحكم االستئنافي الصادر في القضية عدد 201420043بتاريخ 8نوفمبر 2014فقه قضاء املحكمة االدارية في النزاعات
املتعلقة باالنتخاب التشريعية والرئاسية لسنة :2014منشورات املطبعة الرسمية للجمهورية التونسية ،2016الصفحة .503
.2الحكم االستئنافي الصادر في القضية عدد 201420018بتاريخ 8نوفمبر 2014فقه قضاء املحكمة االدارية في النزاعات
املتعلقة باالنتخاب التشريعية والرئاسية لسنة :2014منشورات املطبعة الرسمية للجمهورية التونسية ،2016الصفحة .514
.3الحكــم االســتئنافي الصــادر فــي القضيــة عــدد 201420005بتاريــخ 7نوفمبــر 2014قــرار الجلســة العامــة القضائيــة
عــدد 201450002و 201450008بتاريــخ 18نوفمبــر ،2014فقــه قضــاء املحكمــة االداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة
باالنتخــاب التشــريعية والرئاســية لســنة :2014منشــورات املطبعــة الرســمية للجمهوريــة التونســية ،2016الصفحــة .474
.4قــرار الجلســة العامــة القضائيــة عــدد 201450002و 201450008بتاريــخ 18نوفمبــر ،2014فقــه قضــاء املحكمــة
االداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة باالنتخــاب التشــريعية والرئاســية لســنة :2014منشــورات املطبعــة الرســمية للجمهوريــة
التونســية ،2016الصفحــة .616
269 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
الطاعــن مــن حجــة متمثلــة فــي صــورة لصفحــة مــن موقــع الكترونــي تضمنــت شــعار
انتخــب الحــزب ...بــاش صوتــك مــا يمشــيش خســارة وعلــى فــرض أنــه يمثــل مخالفــة
انتخابيــة فــإن ركــن اســناد املخالفــة املذكــورة إلــى الحــزب املعنــي غيــر متوفــر».1
ويبقى موقف املحكمة في تقديرنا قابال للنقد لسببني على األقل:
• أولهمــا هــو أنّ عنصــر االســناد ال يتــاءم ال مــع طبيعــة املخالفــة االنتخابيــة وال مــع
املنهجيــة املتبعــة مــن القاضــي االنتخابــي القائمــة علــى ضمــان صدقيــة التصويــت
واحتــرام اإلرادة العامــة للناخبــن وهــذه الغايــة تتحقــق بالبحــث عــن املســتفيد مــن
املخالفــة االنتخابيــة ال عــن شــخص مرتكبهــا ،وال نجــد هــذا املعنــى إ ّال فــي حكــم
معــزول صــدر بمناســبة االنتخابــات التشــريعية لســنة 2019والــذي جــاء فيــه أنّ «عــدم
ثبــوت انتســاب مخالفــة اســتعمال موقــع إلكترونــي للدعايــة إلــى حركــة ...ال ينفــي أنهــا
اســتفادت مــن الدعايــة االنتخابيــة املذكــورة ال ســيما وأنهــا لــم تثبــت اعتراضهــا علــى
يــروج لفائدتهــا مــن شــعارات علــى املوقــع االلكترونــي وبالتالــي تعتبــر الحركــة بمالزمتها
الصمــت واتخاذهــا موقفــا ســلبيا ازاء مــا ينشــر لفائدتهــا قــد انتفعــت مــن توظيــف املوقع
املذكــور وهومــا يعــد انتفاعــا بخدمــات اعالميــة واشــهارية خــال الحملــة االنتخابيــة».2
• وثانيهمــا هــو أنّ أعــوان الرقابــة التابعــن لهيئــة االنتخابــات ال يمتلكــون ســلطة القــوة
العامــة حتــى تقــع مطالبتهــم بتحديــد هويــات مرتكبــي املخالفــات االنتخابيــة وتدويــن عــدد
بطاقــات تعريفهــم الوطنيــة ،فضــا عــن أ ّنــه ال يجــوز فــي تقديرنــا اخضــاع املحاضر التي
يحررونهــا إلــى النظــام القانونــي للفصل 154من مجلة االجراءات الجزائية ألنها ســتحوز
بهــذا املعنــى حجيــة إلــى حني نقضها إ ّما بالكتابة أو بشــهادة الشــهود على معنى الفصل
ـجع األحــزاب علــى شــراء ذمــم الشــهود وذلــك بحثهــم املذكــور ،وهــو مــا مــن شــأنه أن يشـ ّ
علــى التراجــع عــن أقوالهــم املضمنــة بمحاضــر أعــوان هيئــة االنتخابــات حتــى يتمكنــوا
مــن تغييــر مســار النــزاع املعــروض أمــام قاضــي النتائــج ،لذلــك يكــون مــن األجــدى
اعطــاء تلــك املحاضــر قيمــة قانونيــة معــززة ال يمكــن دحضهــا إ ّال بالطعــن فيهــا بالــزور.
- 3أخيــرا وبالنســبة للفرضيــة الثالثــة التــي قــد يجــد قاضــي النتائــج نفســه أمامهــا
فتتعلــق بثبــوت الوقائــع مــع ثبــوت عنصــر االســناد وفــي هــذه الصــورة يقــدر مــدى تأثيــر
ذلــك االخــال الثابــت واملنســوب إلــى قائمــة مــا علــى نتائــج فوزهــا.
.1الحكم الصادر في مادة نتائج االنتخابات التشريعية لسنة 2019بتاريخ 22أكتوبر ،2019غير منشور
.2الحكم الصادر في القضية عدد 20194023بتاريخ 22أكتوبر ،2019غير منشور.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 270
ال يقــرر إلغــاء نتائــج الفائزيــن فــي االنتخابــات لثبــوت املخالفــة االنتخابيــة
فــي جانبهــم وإنمــا يقــرر فقــط كلمــا آلــت املخالفــات املذكــورة إلــى تشــويه
ّ
ســطره التصويــت لهــا.1 اإلرادة العامــة للناخبــن والزيــغ بهــا عــن الخــط الــذي
ويســتخلص القاضــي االنتخابــي هــذه النتيجــة باالحتــكام إلــى معيــار أساســي
هــو معيــار الفــارق الجملــي بــن األصــوات ،ذلــك أنــه ال ينتهــي إلــى إلغــاء
النتائــج أو تعديلهــا إ ّال إذا ثبــت لديــة ارتــكاب مخالفــات مــن الفائــز أو مــن
مســانديه وكان فــارق األصــوات بينــه وبــن الــذي يليــه فــي الترتيــب ضئيــا.
ففــي انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي لســنة 2011لئــن ثبــت للمحكمــة مخالفــة
قائمــات مســتقلة ألحــكام الحملــة االنتخابيــة متمثلــة االنتفــاع بخدمــات اعالميــة وإشــهارية
وتوظيــف لقنــاة أجنبيــة وأن ذلــك يمثــل شــكال مــن أشــكال التمويــل األجنبــي غيــر املباشــر
املحجــر بالتشــريع النافــذ ،إ ّال أنهــا اعتبــرت أنّ املخالفــة املذكــورة «كان لهــا تأثيــر محــدود
بالنظــر إلــى الفــارق الكبيــر فــي األصــوات التــي تحصلــت عليــه تلــك القائمــات وبــن عــدد
األصــوات التــي تحصلــت عليهــا آخــر قائمــة فــازت بمقعــد» .2وفــي نفــس هــذا الســياق
اعتبــرت املحكمــة بمناســبة االنتخابــات التشــريعية لســنة 2014أنــه «بقطــع النظــر عــن
ثبــوت انتســاب مخالفــة توزيــع االمــوال علــى الناخبــن إلــى ...فــإن الواقعــة وان كانــت
جزائيــة ليــس لهــا تأثيــر حاســم علــى نتيجــة االنتخابــات بالدائــرة االنتخابيــة ...بالنظــر
إلــى الفــارق الكبيــر فــي عــدد األصــوات التــي تحصلــت عليهــا القائمــة ...والقائمــة»3...
أ ّمــا إذا كان فــارق األصــوات ضئيــا بــن القائمــة الفائــزة والقائمــة التــي تليهــا
فــي الترتيــب فــإن قاضــي النتائــج يصــرح آنــذاك بإلغــاء نتائــج فوزهــا وإعــادة
توزيــع املقاعــد فــي الدائــرة االنتخابيــة املعنيــة ،وهــو مــا انتهــت إليــه احــدى الدوائــر
االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة 4مــن تعديــل نتائــج االنتخابــات التشــريعية لســنة
1. GHEVONTIAN (R.), «La notion de sincérité du scrutin», Cahiers du Conseil Constitutionnel, n°13.
.2القضيــة عــدد 95بتاريــخ 7نوفمبــر ،2011فقــه قضــاء املحكمــة االداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب
املجلــس الوطنــي التأسيســي ،منشــورات املطبعــة الرســمية للجمهوريــة التونســية ،2013الصفحــة .451.
.3قرار الجلسة العامة القضائية عدد 201450012بتاريخ 20نوفمبر ،2014فقه قضاء املحكمة االدارية في النزاعات املتعلقة
باالنتخاب التشــريعية والرئاســية لســنة :2014منشــورات املطبعة الرســمية للجمهورية التونســية ،2016الصفحة ...639
.4الحكــم الصــادر فــي القضيــة عــدد 20194069بتاريــخ 22أكتوبــر ( 2019قائمــة حــزب حركــة الشــعب ض ـ ّد الهيئــة
271 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
1. Jean Giquel. Le contentieux des élections parlementaires en droit comparé, Aperçu. Les nouveaux cahiers
du Conseil Constitutionnel, N41, Oct 2013. p et suiv.
3.Article 41 de l’ordonnance du 7 novembre 1958 «Lorsqu'il fait droit à une requête, le Conseil peut, selon
273 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
الدولــة الــذي لجــأ إلــى تعديــل نتائــج االنتخابــات فــي االنتخابــات البلديــة والجهويــة.1
وقــد عــرف نــزاع النتائــج فــي تونــس تطـ ّورات متســارعة خــال العشــر ســنوات األخيــرة.
فإلــى حــدود ســنة ،2011كانــت املجلــة االنتخابيــة الصــادرة بمقتضــى القانــون عــدد 25
لســنة 1969مــؤرخ فــي 8أفريــل 1969رغــم التعديــات التــي عرفتهــا الحقــا ،محــدودة جـ ّدا
فــي تصورهــا لنــزاع النتائــج ،فبالنســبة لالنتخابــات البلديــة ،يمكــن ألي مواطــن «الطعــن
فــي 2العمليــات االنتخابيــة بالبطــان» ،أمــام لجنــة مع ّينــة تتكــون مــن قــاض وناخبــن اثنــن.
أمــا بالنســبة لالنتخابــات التشــريعية ،أوكلــت املجلــة االنتخابيــة فــي صيغتهــا األصليــة
النظــر فــي الطعــون االنتخابيــة إلــى مجلــس األمــة ،الــذي دأب فــي مفتتــح كل دورة نيابيــة
علــى انتخــاب «لجنــة تحقيــق النيابــات» ،وهــي لجنــة تتولــى التحقيــق فــي عــدم وجــود
اعتراضــات علــى النتائــج ،وقــد ســمح هــذا اإلجــراء مــرة وحيــدة باإلعــان عــن بطــان
االنتخابــات ســنة 1979فــي دائــرة القيــروان ،3ثــم مــع تعديــل الدســتور فــي 1جــوان ،2002
أصبــح النظــر فــي طعون نتائج االنتخابات التشــريعية من اختصاص املجلس الدســتوري.4
ولــم يكــن الحــال أفضــل بالنســبة لالنتخابــات الرئاســية ،إذ أن الرئاســة مــدى الحيــاة،
علقــت العمــل باالنتخابــات الرئاســية بــن ســنتي 1975و ،1987وأصبــح الطعــن فــي
النتائــج يقــع وفــق تعديــل القانــون االنتخابــي ســنة 2003أمــام املجلــس الدســتوري ،إال
أن طبيعــة النظــام الســلطوي ،واإلدارة غيــر املســتقلة وغيــر املحايــدة لالنتخابــات جعلــت
النزاعــات االنتخابيــة غيــر ذات جــدوى ،فقــد تــم الطعــن مــرة وحيــدة فــي انتخابــات
24أكتوبــر ،2004إذ طعــن مترشــح حركــة التجديــد فــي صحــة جميــع العمليــات
االنتخابيــة فــي كامــل تــراب الجمهوريــة ،وقــد تــم قبــول الطعــن شــكال ورفضــه أصــا.5
ويمكــن القــول إن املرســوم عــدد 35لســنة 2011مــؤرخ فــي 10مــاي 2011يتعلــق بانتخــاب
املجلــس الوطنــي الـــتأسيسي ح ّقــق قطيعــة فــي هــذا املســتوى ،فبالرغــم مــن أن هــذا
les cas, annuler l'élection contestée ou réformer la proclamation faite par la commission de recensement et
proclamer le candidat qui a été régulièrement élu.».
1. Laurent Touvet et Yves-Marie Doublet. Droit des élections. Paris : Economica 2014 ,p619.
املرســوم كان نصــا خاصــا بانتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي ،ممــا يجعــل منــه
ـص مؤقــت ،إال أنــه أرســى جملــة مــن القواعــد األساســية التــي م ّيزت نــزاع النتائج:
مجـ ّرد نـ ّ
فقــد نــص علــى اختصــاص الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات فــي التث ّبــت مــن احتــرام
الفائزيــن لألحــكام املتعلقــة بتمويــل الحملــة االنتخابيــة ،ويمكــن أن تقــ ّرر إلغــاء نتائــج
1
الفائزيــن إذا تب ّيــن لهــا أنهــم خالفــوا هــذه األحــكام.
وأق ّر اختصاصا حصريا للقاضي اإلداري في نزاع النتائج.
وتــ ّم التمييــز بــن النتائــج األوليــة لالنتخابــات والنتائــج النهائيــة التــي يتــم اعتمادهــا
ـت فــي جميــع الطعــون أو بعــد انقضــاء أجــال الطعــن إذا لــم تقــدم أي طعــون. بعــد البـ ّ
لكــن املرســوم عــدد 35لســنة ،2011نــص علــى أن الطعــن فــي النتائــج األوليــة يكــون
أمــام الجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة فــي أجــل ثمــان وأربعــن ســاعة مــن اإلعــان
وتبــت املحكمــة فــي أجــل خمســة أيــام مــن يــوم تع ّهدهــا بهــا .ويكــون قرارهــا
ّ عنهــا.
باتــا وال يقبــل أي وجــه مــن أوجــه الطعــن ،وقــد تــم التخلــي الحقــا عــن هــذا الخيــار
لتناقضــه مــع أحــكام دســتور 27جانفــي 2014املتعلقــة بمبــدأ التقاضــي علــى درجتــن.
وقــد تــم تنقيــح الفصــل 72مــن املرســوم بمقتضــى املرســوم عــدد 72لســنة 2011مــؤرخ
فــي 3أوت 2011يتعلــق بتنقيــح وإتمــام املرســوم عــدد 35لســنة 2011املــؤرخ فــي 10
مــاي 2011املتعلــق بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي .والــذي أدخــل تدقيقــات
فيمــا يتعلــق بإجــراءات الطعــن ،إذ أوجــب علــى الطــرف الراغــب فــي ممارســة الطعــن
يوجــه إلــى الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات
فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات أن ّ
إعالمــا بالطعــن بواســطة عــدل تنفيــذ مــع نظيــر مــن عريضــة الطعــن ومؤيداتهــا.
ويرفــع الطعــن وجوبــا مــن قبــل رئيــس القائمــة أو مــن يمثلــه فــي خصــوص النتائــج األوليــة
مرســم لــدى التعقيــب
املصــرح بهــا بالدائــرة االنتخابيــة املرســم بهــا وذلــك بواســطة محــام ّ
وتكــون العريضــة مع ّللــة ومشــفوعة باملؤيــدات وبنســخة مــن محضــر اإلعــام بالطعــن.
بــت املحكمــة فــي الدعــوى عشــرة أيــام بعــد أن كان خمســة أيــام فــي
وأصبــح أجــل ّ
املرســوم عــدد .35
وبعــد دخــول دســتور 27جانفــي 2014حيــز التنفيــذ ،جاء القانون األساســي عدد 16لســنة
2014مــؤرخ فــي 26مــاي 2014يتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء ،فأدخــل تعديــات علــى
نظــام نــزاع النتائــج ،بالنســبة النتخابــات التشــريعية والرئاســية ،ثــم ت ـ ّم تعديــل القانــون
.1الفصل 70من املرسوم عدد 35لسنة 2011مؤرخ في 10ماي 2011يتعلق بانتخاب املجلس الوطني الـتأسيسي.
275 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
األساســي فــي 14فيفــري 2017ليشــمل االنتخابــات املحليــة ،وكان التعديــل األخيــر فــي
ســنة ،2019والــذي تعلــق باختصــار آجــال الطعــون فــي حالــة االنتخابــات االســتثنائية.
موحد،
ويتم ّيــز اليــوم نــزاع النتائــج بجملة من الخصائص ،أولهــا خضوعه إلى نظام تقاض ّ
يعتمــد نفــس مرجــع النظــر القضائــي ،وبنفس اإلجــراءات ،بالنســبة لالنتخابات التشــريعية
والرئاســية واالســتفتاءات ،خالفــا لنزاعــات الترشــح .وقــد وردت األحــكام الخاصــة بنظــام
التقاضــي فــي مــادة النتائــج ضمــن الفصــول 146 ،145و 147مــن القانــون االنتخابــي.1
وبالرغم من أن اإلطار القانوني لنزاعات النتائج في تونس يعتبر متطورا ،إال أنه أثار عديد
التســاؤالت بخصوص مدى ضمانه لحق التقاضي من جهة ،وملدى تحقيقه لنزاهة النتائج.
فعلــى مــ ّر االنتخابــات املختلفــة التــي عرفتهــا تونــس ســواء ســنة 2011أو ،2014أو
2018أو ،2019كان عــدد الدعــاوى املرفوضــة شــكال مرتفعــا ،إذ بلــغ فــي بعــض
االنتخابــات أكثــر مــن نصــف الدعــاوى ،وبالرغــم مــن التجــاوزات التــي قــام بهــا
املترشــحون فــي مختلــف االنتخابــات ،لــم تقــر املحكمــة اإلداريــة مــا ذهبــت إليــه الهيئــة
العليــا املســتقلة لالنتخابــات مــن «اســقاط القائمــات الفائــزة» علــى أســاس مخالفتهــا
ألحــكام الحملــة االنتخابيــة ســواء فــي انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي 2أو فــي
انتخابــات ،3 2014أو انتخابــات 4 2019ممــا جعــل البعــض يشــكك فــي نجاعــة العدالــة
االنتخابيــة فــي تونــس فــي ضمــان حقــوق املترشــحني وفــي ضمــان نزاهــة االنتخابــات.
.1يراجــع فــي هــذا :نرجــس طاهــر .مجموعــة دراســات حــول فقــه القضــاء املتعلــق بنزاعــات االنتخابــات التشــريعية
والرئاســية لســنة ،2014تونــس :مــاي 2016
.2م.إ الجلســة العامــة عــدد 8 ،77نوفمبــر 2011قائمــة العريضــة الشــعبية للحريــة والعدالــة والتنميــة بدائــرة تطاويــن،
فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي
م.إ الجلســة العامــة عــدد 8 ،77نوفمبــر 2011قائمــة العريضــة الشــعبية للحريــة والعدالــة والتنميــة بدائــرة ســيدي بوزيــد،
فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي ،مرجــع ســابق ،ص .528
م.إ الجلســة العامــة عــدد 8 ،77نوفمبــر 2011قائمــة العريضــة الشــعبية للحريــة والعدالــة والتنميــة بدائــرة جندوبــة،
فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي ،مرجــع ســابق ،ص ،535
م.إ الجلســة العامــة عــدد 8 ،77نوفمبــر 2011قائمــة العريضــة الشــعبية للحريــة والعدالــة والتنميــة بدائــرة صفاقــس
،1فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي ،املطبعــة الرســمية
للجمهوريــة التونســية ،تونــس .2013ص .551
م.إ الجلســة العامــة عــدد 8 ،77نوفمبــر 2011قائمــة العريضــة الشــعبية للحريــة والعدالــة والتنميــة بدائــرة القصريــن،
فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي ،مرجــع ســابق ،ص .561
.3قرار الجلسة العامة القضائية عدد 2014 50002و 2014 50008بتاريخ 18نوفمبر 2014
.4قرار الجلسة العامة القضائية عدد 20195023و 20192029بتاريخ 4نوفمبر 2019
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 276
وهــذا مــا يدعــو اليــوم إلــى طــرح مجموعــة مــن التســاؤالت :هــل أن إجــراءات الرقابــة
تكــرس حــق املترشــحني فــي التقاضــي وفــق املعاييــر الدوليــة؟ وهــل أن طبيعــة
الرقابــة التــي يضطلــع بهــا القاضــي اإلداري يمكــن أن تضمــن نزاهــة االنتخابــات؟
أال يمثــل إقــرار حــق القاضــي فــي تعديــل أو إلغــاء النتائــج دون ابطــال العمليــة
االنتخابيــة اعتــداء علــى ســلطة الناخــب؟ وهــل أن مراكمــة التجربــة التــي بــدأت
ســنة 2011مــن شــأنها أن تبلــور نظامــا إجرائيــا مناســبا لالنتقــال الديمقراطــي؟
ويمكــن أن نوجــز مختلــف التســاؤالت فــي إشــكالية مركزيــة تتمثــل فــي هــل
أن نظــام نزاعــات النتائــج يســمح برقابــة ناجعــة لنزاهــة العمليــة االنتخابيــة؟
إن مراجعــة فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة بخصــوص مراقبــة نتائــج االنتخابــات
يبــرز مــن جانــب أول تشــديدا مفرطــا إلجــراءات الطعــن وهــو مــا قــد ينــال
مــن حــقّ التقاضــي (مبحــث ،)1وهــو يعكــس مــن جانــب آخــر تحفظــا كبيــرا
مــن القاضــي اإلداري فــي اســتعمال صالحيــة إلغــاء النتائــج (مبحــث .)2
إن التوفيــق بــن حــقّ التقاضــي علــى درجيتــن وبــن احتــرام اآلجــال الدســتورية املرتبطــة
بإعــان نتائــج االنتخابــات يقتضــي عقلنة لحقّ إثــارة الدعوى ،وتضييقا لآلجال واشــتراطا
لبعــض الشــكليات لتقديــم الدعــوى .لكــن هــذا ال يمكن أن يتم في غياب الوضوح والبســاطة
فــي األحــكام املتعلقــة بالفصــل فــي النزاعــات االنتخابيــة ،وفــي توفــر جملــة مــن الشــروط
املتعلقــة بحــق التقاضــي الناجــع ســواء مــن حيــث إتاحــة النفــاذ إلــى الطعــن أمــام القضاء،
ومــدى ضمــان حقــوق الدفــاع ،واآلجــال املعقولــة ،وســرعة الحســم والكلفــة املحــدودة.1
ولئــن كانــت للقواعــد التــي جــاء بهــا املرســوم عــدد 35لســنة 2011تأثيــرا فــي عــدد
الدعــاوى التــي رفضــت شــكال ،فــإن القانــون األساســي عــدد 16لســنة 2014كــرس مبــدأ
التقاضــي علــى درجتــن فــي نزاعــات النتائــج ،لكنــه ض ّيــق مــن حــق إثــارة الدعــوى وشــدد
فــي قواعــد تقديــم الدعــاوى ،وقــد أ ّثــر هــذا علــى عــدد الدعــاوى املقدمــة فــي انتخابــات
،2014وكذلــك علــى عــدد الدعــاوى املرفوضــة شــكال .لكــن هــذا لــم يمنــع املشــرع ســنة
2017بمناســبة تعديــل القانــون االنتخابــي مــن التشــديد أكثــر فــي قواعــد تقديــم الدعــاوى
ممــا أدى إلــى التضييــق مــن الحــق فــي التقاضــي وجعــل النظــام اإلجرائــي للطعــن فــي
.1يراجــع فــي هــذا خبســوس أورثكــو وأخــرون .العدالــة االنتخابيــة ،دليــل املؤسســة الدوليــة للديمقراطيــة واالنتخابــات،
ســتوكهولم ،2012ص .113
277 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
النتائــج ال يحقــق الهــدف مــن الرقابــة ،أال وهــو ضمــان نزاهــة االنتخابــات ،وذلــك ســواء فــي
مســتوى إقــرار حــق التقاضــي (فقــرة )1أو فــي مســتوى إجــراءات تقديــم الدعــوى (فقــرة .)2
لئــن نــص املرســوم عــدد 35لســنة 2011فــي فصلــه الفصــل :72علــى أنــه
«يمكــن الطعــن أمــام الجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة فــي النتائــج األوليــة
وتبــت املحكمــة
ّ لالنتخابــات ،فــي أجــل ثمــان وأربعــن ســاعة مــن اإلعــان عنهــا.
فــي أجــل خمســة أيــام مــن يــوم تع ّهدهــا بهــا .ويكــون قرارهــا باتــا وال يقبــل
أي وجــه مــن أوجــه الط ّعــن» ،دون أن يحصــر الحــقّ فــي الطعــن فــي النتائــج.
فــإن املرســوم مرســوم عــدد 72لســنة 2011مــؤرخ فــي 3أوت 2011يتعلــق
بتنقيــح وإتمــام املرســوم عــدد 35لســنة 2011املــؤرخ فــي 10مــاي 2011املتعلــق
بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي ،وبطلــب مــن القضــاة اإلداريــن ،ضيــق
مــن حــق إثــارة الدعــوى إذ جعلــه مقتصــرا علــى «رئيــس القائمــة أو مــن يمثلــه فــي
خصــوص النتائــج األوليــة املصــرح بهــا بالدائــرة االنتخابيــة املرســم بهــا».1
وجــاء القانــون األساســي عــدد 16لســنة 2014ليعيــد تحديــد حــق الطعــن فــي النتائــج
ـص فــي الفقــرة الثالثــة مــن الفصــل ( 145جديــد) علــى أنــه « ُيرفــع الطعــن
األوليــة ،فنـ ّ
وجوبــا بالنســبة لالنتخابــات التشــريعية والبلديــة والجهويــة مــن قبــل رئيــس
القائمــة املترشــحة أو أحــد أعضائهــا أو املمثــل القانونــي للحــزب فــي خصوص
النتائــج املصــ ّرح بهــا بالدائــرة االنتخابيــة املترشــحني بهــا .وبالنســبة إلــى
مترشــح وبالنســبة إلى االســتفتاء من قبل ّ
كل ّ االنتخابات الرئاســية من قبل ّ
كل
ممثــل قانونــي لحــزب شــارك فيــه ،ويكــون ذلــك بواســطة محــام لــدى التعقيــب».
وقــد ربــط الفصــل 145بــن صفــة الطعــن وصفــة املترشــح ،مــع الفــارق بــن االنتخابــات
التشــريعية والرئاســية فــي كــون صفــة القيــام فــي االنتخابــات الرئاســية ترتبــط باملترشــح
بذاتــه ،دون املمثــل القانونــي للحــزب ،أو االئتــاف االنتخابــي ،فــي حــن أنــه بالنســبة
لالنتخابــات التشــريعية والبلديــة والجهويــة وكلهــا انتخابــات علــى القائمــات ،يمكــن تقديــم
الطعــن مــن طــرف رئيــس القائمــة ،أو أحــد أعضاءهــا أو املمثــل القانونــي للحــزب .ولــم
يفتــح املشـ ّرع رغــم التوصيــات الصــادرة عــن منظمــات املجتمــع املدنــي وبعــض املنظمــات
الدوليــة لغيــر املعن ّيــن مباشــرة بنتائــج القائمــة ،إذ اقتــرح البعــض فتــح حــق الطعــن إلــى
كل مــن لــه مصلحــة فــي الطعــن بمــا فــي ذلــك الناخبــن ،1باعتبــار أن الغايــة مــن الطعــن
فــي النتائــج هــي ضمــان نزاهــة االنتخابــات وحمايــة اإلرادة الحقيقيــة للجســم االنتخابــي
وبالرغــم مــن وضــوح الفصــل 145فــي حصــر صفــة القيــام فــي املترشــحني النتخابــات
الرئاســية دون ســواهم ،فــإن هــذا لــم يمنــع أحــد األشــخاص الذيــن ال تتوفــر فيهــم صفــة
القيــام ،مــن الطعــن فــي نتائــج الدورة األولى ،ثم قــام بالطعن مجددا في الحكم االســتئنافي
أمــام الجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة .ورغــم عــدم جديــة الطعــن ،فــإن القاضــي اإلداري
قــام باحتــرام كامــل اإلجــراءات ليقـ ّر فــي الحكــم االســتئنافي عــدد 201440009بتاريــخ 1
ديســمبر « 2014أنــه حيــث يتبــن بالرجــوع إلــى قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابات...
أن املدعــي غيــر مــدرج ضمــن القائمــة النهائيــة للمترشــحني لالنتخابــات الرئاســية،
وحيــث طاملــا أن املدعــي لــم يترشــح لالنتخابــات الرئاســية املطعــون فــي نتائجهــا فــإن
الدعــوى املاثلــة تغــدو مقدمــة ممــن ليســت لهــم الصفــة ،وتع ّيــن بالتالــي رفضهــا شــكال».2
وقــام نفــس املدعــي ،بالطعــن فــي نتائــج الــدورة الثانيــة ،املجــراة فــي 21ديســمبر
،2014ولــم تتوقــف املحكمــة فــي حــدود انعــدام صفــة القيــام ،بــل أضافــت أنــه «ثبــت
أن املدعــي تولــى تقديــم عريضــة دعــواه ،دون أن يوجــه إلــى الهيئــة العليــا املســتقلة
لالنتخابــات اعالمــا بطعنــه بواســطة عــدل تنفيــذ مــع نظيــر مــن العريضــة واملؤيــدات
ودون أن يتولــى إنابــة محــام لــدى التعقيــب ...ممــا يتجــه معــه رفــض الدعــوى شــكال».3
وكان بإمــكان املدعــي الطعــن فــي الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية أمــام
الجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة ،عندهــا كان مــن املســتحيل اإلعــان عــن النتائــج
النهائيــة لالنتخابــات الرئاســية قبــل موفــى ســنة ،2014وفــي هــذا مخالفــة ألحــكام
الدســتور .وهــذا مــا يدعــو إلــى التفكيــر فــي إيجــاد اجــراء خــاص للتعامــل مــع
الدعــاوى غيــر الجديــة والتــي ال تحتــرم الحــ ّد األدنــى مــن الشــكليات واإلجــراءات.
يمــس مــن حــق التقاضــي ،إال أنــه مــن املهــم
ّ وبالرغــم مــن أن تقييــد حــق الطعــن ،قــد
العمــل علــى ضمــان جديــة الطعــون ،وقــد يكــون اســتكمال تنظيــم القضــاء اإلداري
واعتمــاد مجلــة للقضــاء اإلداري فرصــة للتفكيــر فــي األليــات املناســبة فــي هــذا املجــال.
مــن جانــب أخــر ،إذا كان القانــون االنتخابــي يســمح بترشــح القائمــات االئتالفيــة ،يكــون
.1يراجــع فــي هــذا التوصيــة عــدد 14فــي التقريــر النهائــي لبعثــة اإلتحــاد األوروبــي حــول انتخابــات املجلــس الوطنــي
التأسيســي ،ص 46
ّ
وجــل"/م.ب.ب.ح .2حكــم اســتئنافي 40009 2014بتاريــخ 1ديســمبر ،2014ع.م.م.ح ،رئيــس حــزب اهلل عــ ّز
وس.ق.س.وم.م.م.
.3حكــم اســتئنافي عــدد 80001 2014بتاريــخ 26ديســمبر ،2014ع.م.م.ح ،رئيــس حــزب اهلل عـ ّز ّ
وجل"/الهيئــة العليــا
املســتقلة لالنتخابــات فــي ش.م.ق.
279 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
مــن املنطقــي أن يســمح ملمثلــي االئتــاف علــى غــرار ممثلــي األحــزاب السياســية بحــق
الطعــن فــي نتائــج االنتخابــات الخاصــة بالدوائــر التــي ترشــحت فيهــا قائمــات االئتــاف.
أمــا بالنســبة لالنتخابــات الرئاســية ،فــإن تمييــز القاضــي االنتخابــي بــن صفــة القيــام
واملصلحــة للقيــام تكتســي أهميــة بالغــة ،فلئــن كان الفصــل 145فــي فقرتــه الثالثــة يخــول
«لــكل مترشــح «الطعــن فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات دون تمييــز بــن الــدور األول
والــدور الثانــي ،وأكــد الفصــل 147أنــه «ٍتفتــح الطعــون بالنســبة للــدورة الثانيــة مــن
ّ
للمترشــحني الذيــن شــاركوا فــي الــدورة األولــى» ،فــإن املحكمــة االنتخابــات الرئاســية
اإلداريــة اعتمــدت علــى املصلحــة فــي الطعــن فــي الــدور األول مــن االنتخابــات الرئاســية
الــذي لــم يفــض إلــى اإلعــان عــن فائــز ،لتقــر بــأن املصلحــة فــي الطعــن فــي هــذه
الحالــة «تكــون مســتمدة إ ّمــا مــن طلــب التصريــح بأحقيــة الطاعــن فــي املشــاركة فــي
الــدورة الثانيــة أو فــي أحقيتــه فــي اإلعــان عنــه كفائــز نهائــي» ،1وبذلــك قضــت بانتفــاء
مصلحــة القيــام للمترشــح فــي الــدورة الثانيــة حــن يطالــب باإللغــاء الجزئــي للنتائــج
ملج ـ ّرد التقليــص فــي فــارق األصــوات بينــه وبــن املترشــح الــذي يســبقه فــي الترتيــب.
وبالرغــم مــن أن تحديــد حــق الطعــن جــاء لضمــان جديــة الطعــون ،وتجنــب الطعــون غيــر
الواقعيــة التــي مــن شــأنها أثقــال كاهــل القاضــي االنتخابــي ،أو ارجــاء موعــد الــدور
الثانــي لالنتخابــات ،وقــد تــم اســتعمال حــق الطعــن فــي االنتخابــات الرئاســية لســنة 2014
ّ
املترشــحني بالرغــم مــن كونــه أحــد الفائزيــن فــي الــدور األول ،ال لشــيء إال مــن طــرف أحــد
لتفــادي تنظيــم الــدور الثانــي يــوم 14ديســمبر ،2014فبعــد تقديــم مجموعــة مــن الدعــاوى
إللغــاء نتائــج التصويــت ببعــض مراكــز التصويــت وقــد تــم رفــض الدعــاوى جميعهــا
مــن املحاكــم اإلداريــة اإلســتئنافية ،فقــام بالطعــن فــي األحــكام الصــادرة .وكان تأثيــر
الطعــون علــى تحديــد موعــد الــدور الثانــي محــددا إذ تــم تنظيمــه يــوم 21ديســمبر .2014
وقــد تكــ ّرر نفــس األمــر ،مــع االنتخابــات الرئاســية لســنة ،2019فقــد قــام بعــض
املترشــحني بالطعــن فــي نتائــج الــدور األول بالرغــم مــن حصولهــم علــى نســب متناهيــة
فــي الضعــف ،مــن ذلــك أن مترشــحني حصــل أحدهمــا علــى نســبة % 0.21مــن
األصــوات ،وتحصــل اآلخــر علــى نســبة ،% 0,11قامــا بالطعــن فــي الحكــم اإلســتئنافي
أمــام الجلســة العامــة القضائيــة ،وقــد يكــون ســبب قيامهمــا بالطعــن العمــل علــى تأجيــل
الــدور الثانــي للســماح ألحــد املترشــحني بمزيــد مــن الوقــت للقيــام بالحملــة االنتخابيــة.
على عكس فقه قضاء املحكمة اإلدارية في مادة اإللغاء والذي تم ّيز بنوع من املرونة تدعيما
للحــق فــي التقاضــي ،فــإن النظــام اإلجرائــي لنزاعــات النتائــج تميــز بالتعقيــد والصرامــة.
فبــدأ بصياغــة الفصلــن 145و 146جديديــن ،والذيــن يطرحــان مشــكال مــن ناحيــة جــودة
التشــريع ،إذ أن كل فصــل منهمــا يســتغرق أكثــر مــن 26ســطرا ،وصــوال إلــى اإلجــراءات
املعقــدة ،يتبــن وجــود تخــوف مــن كثرة الدعاوى والتي يمكن أن تنعكس ســلبا على معقولية
الروزنامــة االنتخابيــة ،وقــد تجعــل مــن الصعــب احترام اآلجــال الضيقة للنــزاع االنتخابي.
ففضــا علــى اآلجــال الضيقــة للطعــن ،والتــي تجعــل مــن العســير علــى املتقاضــن
اعــداد مؤيــدات الدعــوى بالشــكل املطلــوب ،فــإن اشــتراط ارفــاق عريضــة الدعــوى
ببعــض الوثائــق ،وإدراج بعــض التنصيصــات الوجوب ّيــة ضمــن محضــر التنبيــه
علــى الطــرف أو األطــراف فــي القضيــة ،ع ّقــد األمــر بالنســبة لبعــض املتقاضــن.
فبالنســبة للطعــن فــي النتائــج األوليــة لالنتخابات ،على الطرف الراغب في ممارســة الطعن:
• توجيه اعالم إلى الهيئة بواسطة عدل تنفيذ مع نظير من العريضة واملؤيدات.
• ُيرفــع الطعــن بموجــب عريضــة يحررهــا وجوبــا محــام لــدى التعقيــب ،ويتولــى
املترشــح أو مــن يمثلــه إيداعهــا بكتابــة املحكمــة ،ويجــب أن تكــون العريضــة
معللــة ومصحوبــة بنســخة رقميــة منهــا وباملؤيــدات وبنســخة مــن
القــرار املطعــون فيــه ومحضــر اإلعــام بالطعــن ،وإال ُرفــض طعنــه.
• يكــون مطلــب الطعــن مع ّلال ومحتو ًيا على أســماء األطراف ومق ّراتهم وعلى
عــرض موجــز للوقائع ويكون مشــفوعا باملؤيدات وبمحضــر اإلعالم بالطعن
وعلــى التنبيــه علــى األطــراف بضــرورة تقديــم ملحوظاتهــم مرفقــة بمــا يفيــد تبليغهــا
لألطــراف فــي أجــل أقصــاه يوم جلســة املرافعة املع ّين من املحكمة ،وإال رفض شــكال.
وتجــدر اإلشــارة إلــى أن النظــام اإلجرائــي عــرف منــذ ســنة 2011خمــس صيــغ
مختلفــة ،فبعــد الصيغــة األولــى التــي وردت فــي املرســوم عــدد 35لســنة ،2011جــاء
املرســوم عــدد 72لســنة 2011ليعــدل مــن بعــض العناصــر املتعلقــة بكيفيــة رفــع
الطعــن ،ومــن قواعــد االختصــاص الحكمــي ،ومــن اآلجــال .ثــم جــاء القانــون األساســي
عــدد 16لســنة ،2014ليعتمــد مبــدأ التقاضــي علــى درجتــن بالنســبة لــكل أصنــاف
النزاعــات االنتخابيــة ،ولينظــم النزاعــات االنتخابيــة الخاصــة بــكل مــن االنتخابــات
التشــريعية والرئاســية واالســتفتاءات .وجــاء القانــون األساســي عــدد 7لســنة ،2017
281 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
.1إبراهيم البرتاجي .قراءة في قرارات املحكمة اإلدارية ،مرجع سابق ،ص .13
.2يراجع في هذا :نرجس طاهر ،مرجع سابق ،ص .108
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 282
أمــا بالنســبة لالنتخابــات الرئاســيةُ ،ق ّدمــت 6طعــون فــي الطــور األول ُرفضــت كلهــا،
إذ ُرفضــت 3دعــاوى مــن حيــث الشــكل ،و ُرفضــت األخــرى مــن حيــث األصــل.
ويمكــن الوقــوف بشــكل خــاص عنــد الدعــوى املقدمــة مــن مترشــح حـ ّـل فــي املرتبــة الرابعة،
والتــي لــو تــم البــت فيهــا مــن حيــث األصــل ،كانــت ستســمح ببلــورة فقــه قضــاء خــاص
بتعديــل النتائــج فــي االنتخابــات الرئاســية .فقــد طلــب الطاعــن «القضــاء بنقــض قــرار
الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات واملتعلــق بنتائــج الــدورة األولــى لالنتخابــات الرئاســية
وتعديلهــا فــي اتجــاه التصريــح بإســقاط املترشــحني الثانــي والثالــث وإعــادة الترتيــب
وصعــود الطاعــن إلــى املرتبــة الثانيــة ومــن ثمــة التصريــح بكــون املترشــحني للــدور الثانــي
الســيد عبــد الكريــم الزبيــدي والســيد قيــس ســعيد» .إال أن املســائل الجوهريــة لــم يقــع
التطــرق إليهــا ،إذ ذكــرت املحكمــة بأنــه» حيــث اســتقر فقــه قضــاء هــذه املحكمــة علــى
أن النــزاع االنتخابــي يخضــع إلــى إجــراءات خاصــة وأجــال مقتضبــة ومبــادئ قانونيــة
متميــزة تحــول دون االســتئناس باملبــادئ اإلجرائيــة املوضوعــة ألصنــاف أخــرى مــن
النزاعــات ،وأنــه ال منــاص للقاضــي االنتخابــي مــن التقيــد بعبــارة النــص املنظــم للنــزاع
وتســليط الجــزاء الــوارد فيــه ...وحيــث أن إجــراءات الطعــن مــن متعلقــات النظــام العــام،
والتــي تثيرهــا املحكمــة مــن تلقــاء نفســها ،ولــو لــم يتمســك بهــا األطــراف .وحيــث يتبــن
مــن االطــاع علــى محضــر اإلعــام بالطعــن ...أنــه جــاء خاليــا مــن التنبيــه عليهــم بضرورة
تقديــم ملحوظاتهــم مرفقــة بمــا يفيــد تبليغهــا للطاعــن فــي أجــل أقصــاه جلســة املرافعــة
املعينــة مــن املحكمــة ،وهــو مــا يشــكل أخــاال بشــكلية جوهريــة ...وحيــث والحالــة علــى مــا
ذكــر ،يكــون الطعــن غيــر مســتوف إلجــراءات القيــام األساســية وحريــا بالرفــض شــكال».1
صحــة
يتم ّيــز قاضــي النتائــج ،عكــس قاضــي الترشــحات أو التســجيل بكونــه قاضــي ّ
االنتخابــات ونزاهتهــا أكثــر منــه قاضــي الشــرعية ،وهــو يتمتــع بصالحيــات واســعة
فــي مراقبتــه للنتائــج ،إذ يعتمــد فــي عملــه علــى مقاربــة واقعيــة وبراغماتيــة .فــا يكفــي
وجــود تجــاوز أو خــرق للقانــون ليلغــي القاضــي النتيجــة أو يقضــي بتعديلهــا بــل يجــب
وفــق مقتضيــات الفصــل ( 143جديــد) مــن القانــون األساســي عــدد 16لســنة ،2014
.1حكــم فــي مــادة نزاعــات النتائــج عبــد الكريــم الزبيدي/الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ،قضيــة عــدد ،20194002
بتاريــخ 23ســبتمبر 2019
283 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
مراقبــة عمــل الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات فــي» التث ّبــت مــن احتــرام الفائزيــن
ألحــكام الفتــرة االنتخابيــة وتمويلهــا» ،وفــي قرارهــا عنــد االقتضــاء بإلغــاء نتائــج
الفائزيــن بصفــة كليــة أو جزئيــة إذا تب ّيــن لهــا أن مخالفتهــم لهــذه األحــكام أ ّثــرت علــى
نتائــج االنتخابــات بصفــة جوهريــة وحاســمة .وال شــك أن الحديــث عــن ســلطة قاضــي
النتائــج فــي إلغــاء أو تعديــل النتائــج ،تطــرح إشــكاال يتعلــق بمشــروعية التصــرف فــي
أصــوات الناخبــن ،إذ كيــف للقاضــي أن يوفــق بــن ضــرورة ضمــان نزاهــة االنتخابــات،
واحتــرام خيــارات الناخبــن ،أو بتعبيــر آخــر ،كيــف يمكــن إعــادة احتســاب النتائــج،
والتصــرف فــي أصــوات الناخبــن علــى اعتبــار أن املترشــحني قامــوا بتجــاوزات؟
وقــد اســتقر فقــه املحكمــة اإلداريــة فــي النظــر فــي النتائــج علــى اشــتراط اثبــات
الخروقــات ضــد املترشــح أو القائمــة املطعــون ضدهــا مــن جهــة (فقــرة ،)1
وفــي إثبــات التأثيــر الجوهــري والحاســم للمخالفــات علــى النتائــج (فقــرة .)2
اعتمــد تمشــي القاضــي اإلداري فــي وضــع عبــئ اإلثبــات علــى الطاعــن ،وقــد
تشــدد فــي وضــع شــروط لقبــول الحجــج املقدمــة مــن املتقاضــن للطعــن فــي
النتائــج ،وقــد أدى هــذا املوقــف فــي أغلــب األحيــان إلــى تفــادي القاضــي
االنتخابــي الخــوض فــي مضمــون بعــض املطاعــن املثــارة مــن قبــل املتنافســن.
ولئــن كان موقــف قاضــي النتائــج ســنة ،2011مبــررا باعتبــار أن اإلطــار القانونــي
لالنتخابــات جــاء فــي وقــت متأخــر ،وأن عديــد التجــاوزات املثــارة كانــت قبــل انطــاق
الحملــة ،خاصــة أنــه ســنة 2011لــم يكــن هنــاك فتــرة مــا قبــل الحملــة ،ولــم يتــم
منــع اإلشــهار السياســي إال بمقتضــى املرســوم عــدد 116لســنة 2011مــؤرخ فــي 2
نوفمبــر 2011يتعلــق بحريــة االتصــال الســمعي والبصــري وبإحــداث هيئــة عليــا
مســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري ،فــإن الحفــاظ علــى نفــس التمشــي ســنة
،2014ليــس مــن شــأنه ضمــان نزاهــة االنتخابــات ،وال تدعيــم ثقافــة التنافــس النزيــه.
ففــي انتخابــات التشــريعية لســنة ،2014اعتبــرت املحكمــة فــي أحــد األحــكام
أنــه «وحيــث لئــن أدلــت نائبــة املدعيــة بقــرص مضغــوط إلثبــات املخالفــة املتمســك
بهــا فإنــه لــم يتســن للمحكمــة اعتمــاده الســتحالة االطــاع عليــه بســبب عــدم
وضــوح فحــواه ممــا يجعلــه ال يرقــى إلــى مرتبــة املؤيــدات التــي يســوغ للمحكمــة
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 284
تقديــر حجيتهــا األمــر الــذي يجعــل هــذا املطعــن مجــردا ومتعــن الرفــض».1
واعتبــرت املحكمــة فــي قــرار آخــر أنــه «( )...خالفــا ملــا دفعــت بــه الهيئــة العليــا املســتقلة
لالنتخاباتفــإن إثبــات املخالفــات أو اإلخــاالت االنتخابيــة تكــون بجميــع وســائل اإلثبــات
وليــس فقــط بالرجــوع إلــى تقاريــر الهيئــة واملحاضــر التــي يحررهــا أعوانهــا املحلفــون وال
شــيء يحــول مــن حيــث املبــدأ دون نظــر القاضــي االنتخابــي التونســي فيمــا يقــدم لــه مــن
تقاريــر هيــاكل ومنظمــات املجتمــع املدنــي التــي أصبحــت جــزءا مــن املشــهد االنتخابــي
التونســي متــى اتســمت بالجديــة املطلوبــة وتعلقــت بصــورة واضحــة بمســائل مثــارة فــي
النــزاع وتناولــت وقائــع ومعطيــات دقيقــة ومعينــة بالذات وســواء كانت كافية بذاتها للحســم
فــي النــزاع أو منطلقــا ألبحــاث اســتقصائية إضافيــة ...وحيــث لــم تتوفــر بامللــف ولــو بدايــة
حجــة علــى صحــة ادعــاءات العارضــة كمــا افتقــرت الوقائــع التــي تمســكت بها إلــى الدقة..
وحيــث أن عــبء إثبــات اإلخــاالت املتعلقــة بقواعــد االنتخابــات محمــول علــى مــن يدعيها».2
وذهبــت املحكمــة فــي حكــم صــادر ســنة 2019إلــى أنــه «وحيــث ال جــدال فــي أن مــا
حصــل يــوم االقتــراع 6أكتوبــر 2019بمدرســة البلــد بمعتمديــة فريانــة هــو مخالفــة
جســيمة للقانــون االنتخابــي تتعلــق بخــرق الصمــت االنتخابــي طبــق أحــكام الفصلــن
128و 69املشــار إليهمــا ...لكــن لإلقــرار بوجــود املخالفــات وتقديرهــا مــن قبــل القاضــي
االنتخابــي يتوقــف علــى تضمــن تلــك اإلخــاالت بمحاضــر مكاتــب ومراكــز االقتــراع
وتقديــم املؤيــدات لذلــك وإال تــم رفــض اعتمادهــا» .3وال يخفــى أن هــذه الحيثيــة تتضمــن
تضاربــا فــي املوقــف ،إذ أن القاضــي أقــر مــن جهــة بــأن املخالفــة جســيمة دون أن
يبــن األســاس الــذي تــم بنــاء عليــه تقديــر جســامة املخالفــة ،لكــن رغــم هــذا ق ـ ّرر عــدم
جــواز تقديــر املخالفــات إال متــى تــم تضمينهــا بمحاضــر مراكــز ومكاتــب اإلقتــراع.
واشــترط القاضــي اإلداري فــي قضايــا أخــرى قــدم فيهــا الطاعــن حججــا موثقــة،
شــروطا تتعلــق بجديــة وقــوة وســائل اإلثبــات بالرغــم مــن أنــه كمــا هــو معلــوم يصعــب
علــى املترشــحني أو ممثليهــم توثيقــا كامــا ملخالــف التجــاوزات فــي املــادة االنتخابيــة،
فقــد أكــد علــى أنــه «وحيــث ثبــت مــن أوراق امللــف أن األدلــة التــي تقــدم بهــا العــارض
واملتمثلــة فــي قــرص مضغــوط يتضمــن تســجيال للحديــث دار بــن ثالثــة ناخبــن تمــت
دعوتهــم للتصويــت للقائمــة مــا ،وكذلــك تســجيل بالصــورة والصــوت إلمــرأة أمــام مركــز
.1القضية عدد ،2014 20024بتاريخ 8نوفمبر 2014سنية /الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات
.2القضيــة عــدد 2014 20027بتاريــخ 8نوفمبــر :2014ســميرة /الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب
اإلتحــاد الوطنــي الحــر بدائــرة مدنني.
.3حكــم عــدد 20194069بتاريــخ 22أكتوبــر :2019رئيــس قائمــة حــزب حركــة الشــعب بالقصريــن /الهيئــة العليــا
املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب تونــس بدائــرة القصريــن:
285 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
االقتــراع تحمــل بيدهــا بلونــة حمــراء مزوقــة بشــعار أحــد األحــزاب دون ذكــر األماكــن
التــي حصلــت بهــا تلــك اإلخــاالت وتحديــد هويــة أصحابهــا وانتماءاتهــم الحزبيــة.
يجعــل هــذه االدعــاءات مجــردة ضــرورة أنــه مــن املفــروض علــى القائــم بالطعــن أن يدلــي
للمحكمــة بالقــدر األدنــى مــن املعطيــات إلقامــة الدليــل علــى اكتســاء ادعائــه طابعــا جديــا».
وحتــى فــي صــورة توثيــق التجــاوزات ،يقــع علــى الطاعــن عبــئ اثبــات العالقــة بــن مرتكــب
التجــاوز واملترشــح ،وهــذا قــد يكــون مســتحيال خاصــة مــع اللجــوء إلــى األطفــال فــي
الحمــات االنتخابيــة.
وفــي قضيــة أخــرى بمناســبة انتخابــات التشــريعية لســنة 2014اعتبــرت املحكمــة أنــه
بخصــوص مــا جــاء باملحضــر عــدد 0019582مــن معاينــة توزيــع نــداء تونــس لقصاصــات
داخــل مركــز االقتــراع القرقــارة حيــدرة تحمــل شــعار الحــزب فإن هــذه املعاينــة ولئن كانت
تؤكــد الثبــوت املــادي للمخالفــة االنتخابيــة فــإن عــدم تحديــد عــدد القصاصــات التــي تــم
توزيعهــا ومكانهــا والفتــرة التــي إســتغرقها التوزيــع وتحديــد مــا إذا تــم التصــدي للمخالفة
فــي نطــاق مــا يخولــه القانــون ألعــوان الهيئــة مــن صالحيــات ليــس مــن شــأنه التدليــل علــى
تأثيــر هــذه املخالفــة التــي حصلــت بمركــز االقتــراع املذكــور علــى نتائــج االنتخابــات».1
ولئــن عمــل بعــض املتقاضــن ومنهــم هيئــة االنتخابــات علــى توثيــق التجــاوزات
عبــر أعــوان محلفــن ،فــإن هــذا لــم يكــف التخــاذ قــرار فــي اتجــاه إلغــاء أو تعديــل
النتائــج ،وهــو مــا يطــرح تســاؤال بخصــوص اعمــال الصالحيــات االســتقصائية
مــن قبــل القاضــي االنتخابــي إذ أن التعلــل بعــدم إدالء األطــراف بالحجــج
الكافيــة يعلــق دور القاضــي االســتقصائي فــي هــذا الصنــف مــن النزاعــات
ويتعــارض مــع فقــه القضــاء املســتقر علــى كفايــة إدالء األطــراف ببدايــة حجــة.
تم ّيــز فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي نزاعــات النتائــج بتحفــظ كبيــر ،أو علــى حــد
تعبيــر القاضــي مــراد بــن مولــي بتهــرب القاضــي االنتخابــي وتخفيــه وراء مفهــوم
النزاهــة :يمثــل تخليــا منــه عــن وظيفــة رقابــة الشــرعية لفائــدة رقابــة النزاهــة.2...،
ففــي انتخابــات ،2011كان النقــص التشــريعي وراء عــدم معاقبــة التجــاوزات التــي ارتكبها
املترشــحون ســواء فــي تمويــل الحملــة أو فــي أنشــطة الحملــة.
.1حكم استئنافي عدد 201420005بتاريخ 7نوفمبر ,2014حركة نداء تونس /الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات.
.2براجع في هذا مراد بن مولي .مفهوم نزاهة االنتخابات ،تونس .2019
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 286
أمــا فــي االنتخابــات التشــريعية لســنة ،2014لئــن اجتهــدت هيئــة االنتخابــات اســتنادا إلــى
أحــكام الفصــل 143قديــم مــن القانــون االنتخابــي ،فــي اعتبــار أن املخالفــات التــي وقــع
ارتكابهــا مــن قائمــة مترشــحة والتــي تــم توثيقهــا فــي جملــة مــن محاضــر أعــوان الرقابــة،
كافيــة بتعددهــا وجســامتها للتأثيــر علــى فــوز قائمــة نــداء تونــس بالقصريــن باملقعــد الثالث
املســند إليهــا بموجــب أكبــر البقايــا نظــرا إلــى الفــارق الضئيــل فــي بقايــا األصــوات بينهــا
وبــن القائمــة التــي تليهــا مباشــرة فــي الترتيــب ( 134صوتــا) ،وانتهــت إلــى إلغــاء املقعــد
الثالــث لقائمــة حركــة نــداء تونــس وإســناده إلــى قائمــة التكتــل مــن أجــل العمــل والحريات.
فــإن املحكمــة اإلداريــة اعتبــرت أن ( )...محضــر املعاينــة ...تــم تحريــره مــن قبــل املراقبــن...
ولئــن تضمــن أن مــن قــام باملخالفــة هــو عضــو مكتــب نــداء تونــس إال أنــه لــم ينــص بدقة على
األفعــال التــي يرتكبهــا للتأثيــر علــى الناخبــن واقتصــر علــى وصفهــا القانونــي وهــو مــا ال
يتســنى معــه للمحكمــة مراقبــة مــدى صحــة الوصــف القانونــي املعتمــد نظــرا لغيــاب تدقيــق
األفعــال املاديــة .وترتيبــا علــى ذلــك وبالنظــر إلــى غيــاب ثبــوت الركــن املــادي للمخالفــة ،فإنــه
ال تثريــب علــى محكمــة البدايــة ملــا اســتبعدت املحضــر املذكــور القتصــاره علــى الوصــف
القانونــي لألفعــال املرتكبــة دون تحديدهــا ولكونــه ال يؤســس للثبــوت املــادي لألفعــال.
وحيــث أن الشــكاية املعــرف باإلمضــاء عليهــا بتاريــخ 31أكتوبــر 2014
واملتضمنــة تهديــد املتســاكنني وإجبارهــم تحــت التهديــد والوعيــد النتخــاب
حــزب معــن بقيــت معزولــة وغيــر مؤيــدة أو موثقــة بحجــج رســمية أو بشــهادات،
ممــا تكــون معــه محكمــة البدايــة محقــة فــي اعتبارهــا غيــر جديــرة االعتمــاد.
وحيــث وبخصــوص مذكــرات التحفظــات واملالحظــات ،فإنــه لئــن كانــت األفعــال املضمنــة
باملذكــرة عــدد 0082461واملتمثلــة فــي قيــام مالحــظ تابــع لحــزب حركــة نــداء تونــس
باإلشــهار لحزبــه داخــل القاعــة والتأثيــر علــى الناخبــن تشــكل مخالفــة ثابتــة ،غيــر أن
التدخــل الفــوري لرئيــس مكتــب االقتــراع وتصديــه ،وضــع حــدا لهــا وفــق مــا ضمــن
بمحضــر االقتــراع ممــا يجعــل تأثيرهــا منعدمــا أو محــدودا .وحيــث أن املخالفــات الثابتــة
فــي جانــب قائمــة حركــة نــداء تونــس بالقصريــن لــم تؤثــر بصفــة جوهريــة وحاســمة
فــي النتائــج املذكــورة بالنظــر إلــى الفــارق الشاســع بــن العــدد الجملــي لألصــوات
الــذي تحصلــت عليــه والعــدد الجملــي لألصــوات الــذي تحصلــت عليــه القائمــات املواليــة
لهــا فــي الترتيــب ،ذلــك أن عــدد األصــوات الجملــي الــذي تحصلــت عليــه بلــغ 28362
وكان عــدد األصــوات الــذي تحصلــت عليــه قائمــة حركــة النهضــة 23650 :وكان عــدد
األصــوات الــذي تحصلــت عليــه قائمــة الجبهــة الشــعبية 4591 :وكان عــدد األصــوات
الــذي تحصلــت عليــه قائمــة اإلتحــاد الوطنــي الحــر 3441 :وكان عــدد األصــوات الــذي
تحصلــت عليــه قائمــة حــزب املؤتمــر ،وهــي آخــر قائمــة فــازت ،كان ،2938بينمــا
تحصلــت عليــه قائمــة حــزب التكتــل مــن أجــل العمــل والحريــات علــى 2180صــوت.
287 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
وحيــث يكــون بنــاء علــى مــا تقــدم طلــب إلغــاء النتائــج بالدائــرة االنتخابيــة
بالقصريــن وإعــادة احتســابها دون اعتبــار نتائــج قائمــة حركــة نــداء تونــس فــي
غيــر طريقــه وتعــن لذلــك رفــض املطعــن املاثــل وإقــرار الحكــم املطعــون فيــه».1
إن املنهجيــة املعتمــدة مــن القاضــي االنتخابــي بخصــوص ضــرورة تقديــر تأثيــر
املخالفــات علــى النتائــج بصــورة إجماليــة قبــل توزيــع املقاعــد يتعــارض مــن جهــة
مــع خصوصيــة نظــام االقتــراع القائــم علــى نظــام النســبية مــع اعتمــاد أكبــر البقايــا،
ومــع قــراءة القاضــي االنتخابــي ألحــكام الفصــل 134مــن القانــون االنتخابــي مــع تقنيــة
األثــر املجــدي املعتمــدة لتقديــر تأثيــر املخالفــات املنســوبة للقائمــة الفائــزة علــى نزاهــة
االنتخابــات والــذي يقــوم علــى احتســاب الفــارق فــي األصــوات بــن القائمــة الطاعنــة
والقائمــة الفائــزة املطعــون فــي نتائجهــا والــذي يعــد املعيــار الحاســم الــذي عــادة مــا
يلجــئ إليــه القاضــي االنتخابــي بشــكل شــبه آلــي حتــي فــي غيــاب مــا يفيــد ثبــوت وجــود
مخالفــة انتخابيــة علــى النحــو املبــن أعــاه .فخصوصيــة التمثيــل النســبي مــع األخــذ
بأكبــر البقيــا تجعــل تأثيــر املخالفــات علــى النتائــج نســبيا ،إذ قــد يكــون الفــارق فــي
األصــوات التــي تحصلــت عليهــا قائمتــن فرقــا كبيــرا علــى مســتوى الدائــرة فيكــون تأثيــر
املخالفــة علــى أســناد املقاعــد علــى أســاس الحاصــل االنتخابــي غيــر مؤثــر ،لكــن الفــارق
فــي األصــوات بــن نفــس القائمتــن يكــون محــدد بالنســبة إلســناد مقعــد علــى أســاس
أكبــر البقايــا ،إذ يمكــن أن يكــون مجمــوع إحــدى القائمــات متقــارب مــع بقايــا قائمــة فائــزة
بمقعــد أو أكثــر علــى أســاس الحاصــل ،وهــو مــا يعني أن إســناد املقاعد في داخــل الدائرة
ال يخضــع إلــى نفــس القاعــدة العدديــة مــن األصــوات املصــرح بهــا بــن القائمــات
الفائــزة وحتــى بالنســبة إلــى مختلــف املقاعــد املســندة لــذات القائمــة داخــل نفــس الدائــرة.
فتقديــر الفــارق فــي األصــوات يتمثــل أساســا فــي تقديــر القاضــي ملــدى مســاهمة
املخالفــات املتمســك بهــا فــي الحصــول علــى النتائــج املســندة إلــى القائمــة الفائــزة والتــي
أفضــت إلــى حصولهــا علــى املقعــد املســند إليهــا ســواء بموجــب الحاصــل االنتخابــي أو
بموجــب أكبــر البقايــا وأن االنتهــاء إلــى إلغــاء نتائــج االنتخابــات األوليــة ال يتــم إال إذا مــا
تبــن للقاضــي االنتخابــي أن تأثيــر املخالفــات علــى أصــوات الناخبــن مأثــرة عنــد حذفهــا
مــن مجمــوع األصــوات املســندة للقائمــة الفائــزة واملخالفــة فــي الحصــول علــى مقعــد أو
عــدد مــن املقاعــد وفــي املقابــل .فــإن تبــن للقاضــي االنتخابــي أن حــذف األصــوات املســندة
للقائمــة الفائــزة واملشــوبة بعــدد مــن املخالفــات لــن يفضــي فــي كل الحــاالت إلــى حرمانهــا
مــن املقعــد أو املقاعــد املتحصــل عليهــا بالنظــر إلــى الفــارق الهــام فــي األصــوات الــذي
يفصلهــا عــن بالقائمــة التــي تليهــا فــي الترتيــب فــإن ذلــك ال يفضــي إلــى إلغــاء النتائــج.2
.1القضية عدد 20 ،2014 50013نوفمبر 2014وليد 1 /الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات و 2محمد
.2دليــل النزاعــات االنتخابيــة فــي تونــس ،نســخة مح ّينــة ومثــراة بقــراءة تأليفيــة ،البرنامــج اإلنمائــي لألمــم املتحــدة
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 288
وقــد جــاء تعديــل الفصــل 143للتوســيع مــن إمكانيــة الغــاء وتعديــل النتائــج عبــر
اعتمــاد اإللغــاء الجزئــي أو الكلــي ،لكــن هــذا لــم يغيــر مــن التوجــه الحــذر للمحكمــة.
ويبــرز الحــذر املفــرط للقاضــي اإلداري فــي الحكــم االســتئنافي بتاريــخ 21أكتوبــر
،2019بمناســبة قضيــة ســعيد الجزيــري ضــد الهيئــة العليــا لالنتخابــات ،إللغــاء قــرار
الهيئــة القاضــي باإللغــاء الكلــي لنتائــج قائمــة حــزب الرحمــة بالدائــرة االنتخابيــة بــن
عــروس ،والــذي اســتند علــى ارتــكاب املدعــي بصفتــه رئيــس قائمــة حــزب الرحمــة
«لإلشــهار السياســي املكثــف ،ولدعايــة انتخابيــة غيــر مباشــرة مكثفــة تمثلــت فــي
أخــذ الكلمــة فــي إذاعــة القــرآن الكريــم ملــدة 67ســاعة ،و 19دقيقــة ،خــال الحملــة
االنتخابيــة التشــريعية ،بمــا تضمــن ذلــك مــن الترويــج لبرنامجــه االنتخابــي ،وذلــك
بمعــدل 3ســاعات و 19دقيقــة يوميــا خــال كامــل الحملــة االنتخابيــة» .ورغــم أن أثبــات
املخالفــة الجســيمة اســتند إلــى تقريــر متخصــص مــن الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي
البصــري التــي أحالــت تقريرهــا وفــق مــا يضبطــه القانــون إلــى هيئــة االنتخابــات ،فــإن
القاضــي ذهــب إلــى أن «تكييــف الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري
للمخالفــات االنتخابيــة علــى النحــو الــوارد فــي تقريرهــا ال يقيــد القاضــي االنتخابــي،
الــذي لــه صالحيــة بســط رقابتــه علــى صحــة ذلــك التكييف..وحيــث إن تمكــن املدعــي
بصفتــه مترشــحا لالنتخابــات التشــريعية كمقــدم برامــج خــال الحملــة االنتخابيــة يع ـ ّد
مخالفــة تنســب إلــى اإلذاعــة املذكــورة ويعاقــب عليهــا وفقــا ألحــكام التشــريع املتعلــق
باالتصــال الســمعي والبصــري ،إال أن ذلــك ال يكــون مبــررا إللغــاء نتيجــة االنتخابــات
التــي تحصــل عليهــا إال متــى اقتــرن ظهــوره باإلشــهار السياســي والدعايــة االنتخابيــة
بصــورة ثابتــة وأدى إلــى التأثيــر علــى إرادة الناخبــن تأثيــرا حاســما وجوهريــا .وحيــث
يبــرز ممــا تقــدم أن املخالفــات التــي تبنتهــا الهيئــة وأسســت عليهــا قرارهــا املبــن أعــاه
واملتعلقــة بقيــام املدعــي ..باإلشــهار السياســي لــم تكــن مؤسســة علــى ســند ســليم».
إن هــذا الحكــم الــذي يقــود مــن جهــة إلــى نســف عمــل الهيئــات املكلفــة بتعديــل املشــهد
الســمعي والبصــري ،ويــؤدي إلــى اإلفــات مــن الجــزاء لــكل املخالفــات التــي ترتكــب مــن
أجــل التأثيــر علــى الناخبــن ،ال يمكــن أن يســاهم فــي مراكمــة ممارســات ترمــي إلــى
انتخابــات نزيهــة وحــرة وشــفافة.
كما أن توســيع الســلطة التقديرية للقاضي االنتخابي ،ســواء الســتبعاد محاضر أو تقارير
رســمية ،وتغليــب مقاربــة األثــر الحاســم عبــر تقاطــع معاييــر ذاتيــة ومعاييــر كميــة ،قــاد فــي
حصيلة النزاعات االنتخابية ملحدودية حاالت اإللغاء الكلي أو انعدامها ،واللجوء في مرات
محــدودة إلــى الغــاء جزئــي أو تحويــر النتائــج ،بمــا ال يــؤدي إلى تغييــر في النتيجــة العامة.
إن مراقبــة نتائــج االنتخابــات قــد تكتســي بعــدا جديــدا مــع إرســاء املحكمــة الدســتورية،
وقــد نظــم املشــرع فــي القانــون األساســي عــدد 50لســنة 2015مــؤرخ فــي 3ديســمبر
2015يتعلــق باملحكمــة الدســتورية ،الطعــن فــي دســتورية القوانــن االنتخابيــة .وراعــى
خصوصيــة املــادة االنتخابيــة ،فنــص علــى آجــال اســتثنائية للدفــع بعــدم الدســتورية فــي
املــادة االنتخابيــة ،ونــص علــى أثــار خاصــة لقــرار املحكمة الدســتورية في املــادة االنتخابية.
فبالنســبة لإلجراءات ،نص الفصل 60من القانون األساســي للمحكمة الدســتورية على أنه
«تبت املحكمة الدستورية في املطاعن خالل ثالثة أشهر قابلة للتمديد لنفس املدة مرة واحدة. ّ
ويق ّلــص األجــل املذكــور بالفقــرة الســابقة إلــى خمســة أيــام فــي صــورة الدفــع بعــدم
دســتورية تشــريع انتخابــي بمناســبة الطعــون االنتخابيــة».
أمــا بالنســبة آلثــار الحكــم «فــي حالــة الدفــع بعــدم دســتورية القوانــن املتع ّلقــة
باالنتخابــات وأقــ ّرت املحكمــة بعــدم دســتوريتها يتوقــف العمــل باألحــكام موضــوع
الطعــن فــي حــق الطاعــن دون ســواه بدايــة مــن تاريــخ صــدور قــرار املحكمــة الدســتورية.
ويتوقــف العمــل بأحــكام القانــون التــي أق ـ ّرت املحكمــة عــدم دســتوريتها انطالقــا
مــن االنتخابــات املواليــة.
ويثيــر العمــل برقابــة الدســتورية عــن طريــق الدفــع مالحظتــن ،األولــى ،كيف ســيكون تأثير
نظــر املحكمــة الدســتورية على اآلجــال القانونية وعلى الروزنامة االنتخابية خاصة بالنســبة
لالنتخابــات الســابقة ألوانهــا والتــي يجــب أن تجــرى فــي أجــل أقصــاه تســعون يومــا.
أمــا املالحظــة الثانيــة فتتعلــق بعقالنيــة الحــل الــذي يحصــر أثــر الحكــم بعــدم الدســتورية،
بالنسبة ألطراف وبالنسبة ألطراف يتوقف العمل باألحكام موضوع الطعن في حق الطاعن
دون سواه بداية من تاريخ صدور قرار املحكمة الدستورية ،وهذا يعني أن قاضي النتائج
سيســتأنف النظــر فــي الدعــوى ،لكــن لــن يطبــق النــص املحكــوم بعــدم دســتوريته بالنســبة
للطاعــن املعنــي بحكــم املحكمــة الدســتورية ،فــي حــن ســيطبقه بالنســبة لبقيــة األطــراف.
ولــن يتوقــف العمــل بالقانــون تجــاه الكافــة إال انطالقــا مــن االنتخابــات القادمــة ،ممــا
يعنــي أن علــى املشــرع العمــل علــى تنقيــح القانــون االنتخابــي فــي األثنــاء .ويمثــل
هــذا الحــل املتمثــل فــي التأثيــر اآلجــل لحكــم عــدم الدســتورية ،حــا عقالنيــا لتفــادي
إلغــاء االنتخابــات التــي جــرت علــى أســاس قانــون غيــر دســتوري خاصــة فــي الــدول
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 290
التــي تعيــش انتقــاال ديمقراطيــا ،ففــي بعــض الــدول ســارع القضــاء املختــص برقابــة
الدســتورية بإعــان عــدم دســتورية القانــون االنتخابــي ،وعلــى هــذا األســاس بطــان
االنتخابــات التــي جــرت علــى أساســه ،وهــو مــا أدى إلــى أزمــة سياســية حــادة.
خاتمة
إن دراســة نظــام إلغــاء النتائــج فــي القانــون التونســي ب ّيــن مــن جانــب أ ّول أن
اإلجــراءات التــي اســتقر عليهــا القانــون التونســي ال تخــدم حقيقــة حــق التقاضــي،
إذ وكأنهــا امتحــان قاتــل ال يســمح ألغلــب املتقاضــن بالوصــول إلــى ممارســة حقهــم
فــي التقاضــي ،وفــي الجانــب املقابــل ،وحتــى فــي صــورة نجــاح الطاعــن فــي اســتيفاء
الشــكليات الضروريــة للطعــن ،فــإن القاضــي اإلداري كان مبالغــا فــي الحــذر للحكــم
بإلغــاء أو بتعديــل النتائــج .فمــن جانــب أول لــم يعــد عبــئ اإلثبــات يعنــي بالنســبة
للطاعــن مجــرد تقديــم حجــج وإثباتــات عــن وقــوع الخروقات ،بــل إن القاضي يشــترط
أحيانــا بعــض الشــروط التــي تجعــل مــن اثبــات التجــاوزات التــي يمكــن أن تــؤدي إلى
إلغــاء النتائــج شــبه مســتحيل .وحتــى فــي صــورة وجــود محاضــر وتقاريــر رســمية،
يلجــأ القاضــي إلــى الحجــة املتمثلــة فــي غيــاب التأثيــر الحاســم.
إن فقــه القضــاء فــي دولــة الزالــت فــي العقــد األول مــن تحولهــا الديمقراطــي ،مــن
املفروض أن يكون أكثر صرامة في التعامل مع الغش االنتخابي ،ألن الشــعور بغياب
الجــزاء ال يمكــن إال أن يرســي ممارســات تتناقــض مــع مبــادئ النزاهــة االنتخابيــة.
وال شــك أن العمــل علــى مراجعــة نظــام التقاضــي يمثــل أحــد العناصــر األساســية
إلصــاح املنظومــة االنتخابيــة ،ويدفعنــا للتفكيــر فــي ضــرورة مراجعــة النمــوذج
le paradigmeالــذي تبنــاه القاضــي االنتخابــي ،خاصــة بالربــط بــن ضمــان النزاهــة
وطريقــة االقتــراع املعتمدة.
291 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
شويخة بوسكاية
رئيسة دائرة استئنافية باملحكمة اإلدارية
لئــن كان «التأســيس لنظــام رقابــة فعل ّيــة وناجعــة علــى أعمــال الســلطة التشــريعية مــن
شــأنه أن يم ّثــل ضمانــا حقيقيــا لعلويــة الدســتور» ،1فــإن تركيــز رقابــة مماثلــة علــى مســار
الســلط املك ّونــة لنظــام الحكــم مــن تشــريعية وتنفيذيــة وقضائيــة ومح ّل ّيــة
إرســاء مختلــف ّ
الســلط وأعمالهــا بقرينــة الشــرعية.
ّ ـكـ تل ـى
ـ لتحظ ـا
ـ توفره ـن
ـ ي
ّ يتع ـيـ الت ـسيم ّثــل أولــى األسـ
لذلــك تكتســي العمليــة االنتخابيــة أهميــة بالغــة باعتبارهــا «األداة التــي تتبعهــا
الديمقراطيــة الحديثــة ملــلء املقاعــد فــي املجلــس التشــريعي والســلطة القائمــة
والحكــم املح ّلــي واإلقليمــي» ،2إذ باالنتخــاب يختــار الشــعب صنــاع القــرار.
مــن هــذا املنطلــق ،كانــت إحاطــة املســار االنتخابــي بمختلف مراحلــه بأشــكال رقابية متعدد
ومتداخلــة فــي بعــض األحيــان خيــارا اتبعتــه أنظمــة عديــدة حــول العالــم .3أمــا مــن حيــث
أشــكال الرقابــة فقــد تكــون إداريــة يضطلــع بــه هيــكل معني ،4وقــد تكون قضائية ،تســند في
بعــض األنظمــة إلــى محاكــم انتخابيــة مختصــة تحــدث للغــرض ،أو إلــى محاكــم قائمــة كمــا
املؤس َســة ومن بعدها املشــرع إســناد اختصاص هــو الشــأن فــي تونــس ،اختــارت الســلطة ِ ّ
مراقبــة االنتخابــات إلــى الســلطة القضائية وتوزيعها بني القضــاء اإلداري والعدلي واملالي.
أجمــع الــرأي العــام القانونــي على أن اســناد اختصــاص البت في نزاعــات نتائج انتخابات
املجلــس الوطنــي التأسيســي بموجــب املرســوم عــدد 35لســنة 2011املــؤ ّرخ فــي 10مــاي
2011املتعلــق بانتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي املنقــح واملتمــم باملرســوم عــدد 72
.1عصام بنحسن ،املحكمة الدستورية ،مجلة القضاء والسياسة ،ص ،273الجزائر.2019 ،
.2رافــع بــن عاشــور ،املعجــم الدســتوري ،جامعــة قرطــاج ،كليــة العلــوم القانونيــة والسياســية واالجتماعيــة بتونــس،
ص .2011 ،14
.3تــم إقــرار الرقابــة علــى االنتخابــات فــي دســتور الواليــات املتحــدة األمريكيــة لســنة 1787ثــم فــي فرنســا ســنة 1791
وفــي ثالثينــات القــرن املاضــي فــي بعــض دول أوروبــا.
.4نصــت الفقــرة 5مــن دســتور 1جــوان 1959للجمهوريــة التونســية كمــا تــم تنقيحهــا بالقانــون الدســتوري
ّ
الترشــح ويعلــن صحــة
"يبــت املجلــس الدســتوري فــي ّّ عــدد 51لســنة 2002املــؤرخ فــي 1جــوان 2002علــى أن
عــن نتيجــة االنتخابــات وينظــر فــي ّ
الطعــون املق ّدمــة فــي هــذا الصــدد وفقــا ملــا يضبطــه القانــون االنتخابــي ".
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 292
لســنة 2011املــؤرخ فــي 3أوت ،2011إلــى املحكمــة اإلداريــة 1يع ـ ّد «اختيــارا مالئمــا».2
ويجــد هــذا اإلجمــاع ســنده فــي «محافظــة املحكمــة اإلداريــة علــى قــدر مــن املصداقيــة
فــي ظـ ّـل العهــد ّ
الســابق جعلهــا تتم ّتــع بثقــة واضعــي النّصــوص فــي الفتــرة االنتقاليــة».3
أمــا اليــوم ،وبمــرور مــا يناهــز العشــر ســنوات علــى تعهــد املحكمــة اإلداريــة بالنظــر
فــي النزاعــات املتعلقــة بنتائــج أ ّول انتخابــات ديمقراطيــة تعرفهــا البــاد ،4وبمراكمــة
التجــارب الالحقــة املتم ّثلــة فــي االنتخابــات التشــريعية والرئاســية لســنة 5 2014ثــم
7
االنتخابــات البلديــة لســنة ،6 2018وأخيــرا وليــس آخــرا االنتخابــات الرئاســية املبكــرة
واالنتخابــات التشــريعية 8لســنة ،2019فقــد قطــع اإلطــار التشــريعي وفقــه القضــاء
اإلداري فــي هــذه املــادة خطــوات هامــة تجعلــه حريــا بالدراســة والتمحيــص حتــى
نتعــرف علــى خصائــص النظــام اإلجرائــي للرقابــة القضائيــة علــى نتائــج االنتخابــات
( )Iوطبيعــة تلــك الرقابــة واآلليــات التــي تعتمدهــا ( )IIواآلثــار التــي تترتــب عنهــا (.)III
.1نــص الفصــل 72مــن املرســوم عــدد 35لســنة 2011فــي فقرتــه األولــى علــى أ ّنــه "يمكــن الطعــن أمــام الجلســة العامــة
للمحكمــة اإلداريــة فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات".
.2مليــاء الفتــوي بوقديــدة" ،رقابــة املحكمــة اإلداريــة علــى نتائــج انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي" ،مجلــة القانــون
والسياســة ،عــدد ،2014 ،2ص .166 - 143
.3عصــام بنحســن" ،النزاعــات املتعلقــة بانتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي" ،حوليــة فقــه القضــاء ،منشــورات
مدرســة الدكتــوراه بصفاقــس ،العــدد األول.2013 ،
.4تــم إجــراء انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي بتاريــخ 23أكتوبــر 2011تلقــت بمناســبتها الجلســة العامــة
للمحكمــة اإلداريــة ( )104طعنــا.
.5تــم إجــراء االنتخابــات التشــريعية لســنة 2014بتاريــخ 26أكتوبــر 2014وتلقــت املحكمــة بمناســبتها 44طعنــا أمــام
الدوائــر االســتئنافية ثــم 19طعنــا أمــام الجلســة العامــة ،فــي حــن أجريــت الــدورة األولــى لالنتخابــات الرئاســية
بعنــوان نفــس الســنة بتاريــخ 23نوفمبــر 2014وقدمــت بشــأنها 9طعــون أمــام الدوائــر االســتئنافية و 8طعــون أمــام
الجلســة العامــة ،وأجريــت الــدورة الثانيــة بتاريــخ 21ديســمبر 2014وقــدم بشــأنها طعنــان أمــام الدوائــر االســتئنافية.
.6أجريــت بتاريــخ 6مــاي 2018وقــدم بشــأن نتائجهــا 43طعنــا يهــم 28دائــرة بلديــة موزعــة بحســاب 31طعنــا أمــام
الدوائــر االســتئنافية و 12طعنــا أمــام الجلســة العامــة.
.7أجريــت الــدورة األولــى لالنتخابــات الرئاســية املبكــرة بتاريــخ 15ســبتمبر 2019وتلقــت املحكمــة بشــأنها 6طعــون
أمــام الدوائــر االســتئنافية و 5طعــون أمــام الجلســة العامــة فــي حــن لــم يقــدم أي طعــن فــي نتائــج الــدورة الثانيــة التــي
أجريــت بتاريــخ 13أكتوبــر .2019
.8أجريــت بتاريــخ 6أكتوبــر 2019وقــدم بشــأنه 102طعنــا أمــام الدوائــر االســتئنافية و 36طعنــا أمــام الجلســة العامــة.
293 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
تنــص الفقــرة األولــى مــن الفصــل 116مــن دســتور 27جانفــي 2014علــى أن " يتكــون القضــاء اإلداري ّ .1
مــن محكمــة إداريــة عليــا ،ومحاكــم إداريــة اســتئنافية ،ومحاكــم إداريــة ابتدائيــة .يختــص القضــاء اإلداري
بالنظــر فــي تجــاوز اإلدارة ســلطتها ،وفــي النزاعــات اإلداريــة ،ويمــارس وظيفــة استشــارية طبــق القانــون".
.2تختــص املحاكــم االبتدائيــة العدليــة بموجــب املرســوم عــدد 35لســنة 2011بالنظــر اســتئنافيا في الطعــون املوجهة ض ّد
قــرارات الهيئــات الفرعيــة لالنتخابــات فيمــا يتعلــق بنزاعــات الترســيم بســجالت الناخبــن كمــا تختــص املحاكــم ذاتهــا
بالنظــر ابتدائيــا فــي الطعــون املتعلقة بالترشــحات على أن تســتأنف أحكامها أمام الدوائر االســتئنافية باملحكمة اإلدارية.
.3ينــص الفصــل 20مــن القانــون عــدد 40لســنة 1972مــن املــؤرخ فــي 1جــوان 1972املتع ّلــق باملحكمــة اإلداريــة
كمــا ن ّقــح وتمــم بالنصــوص الالحقــة وآخرهــا القانــون األساســي عــدد 2لســنة 2011املــؤ ّرخ فــي 3جانفــي 2011
علــى أن "تتر ّكــب الجلســة العامــة القضائيــة مــن ال ّرئيــس األ ّول ورؤســاء الدوائــر التعقيبيــة واإلستشــارية
واإلســتئنافية ومستشــار عــن كل دائــرة تعقيبيــة يعينــه الرئيــس األول طبقــا للفصــل 14مــن هــذا القانــون"
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 294
شــانها التأثيــر علــى نزاهــة وشــفافية االنتخابــات» ،1فإ ّنــه كان مشــوبا بنقــص جوهــري
يتمثــل فــي تعهــد الجلســة العامــة بنزاعــات نتائــج انتخابــات 2011ابتدائيــا نهائيــا.
وقــد ســعى املشــرع إلــى تــدارك ذلــك النقــص الحقــا بإقــرار مبــدأ التّقاضــي علــى
درجتــن فيمــا يتع ّلــق بنزاعــات نتائــج االنتخابــات عنــد ســنّ القانــون األساســي عــدد
16لســنة 2014املــؤ ّرخ يف 26مــاي 2014املتع ّلــق باالنتخابــات واالســتفتاء املنقــح
واملتمــم بالقانــون األساســي عــدد 7لســنة 2017املــؤ ّرخ فــي 14فيفــري 2017والقانــون
األساســي عــدد 76لســنة 2019املــؤ ّرخ فــي 30أوت ،2019بإســناد تلــك النزاعــات علــى
اختــاف أصنافهــا ،ســواء تعلقــت باالنتخابــات الرئاســية أو التشــريعية أو املحليــة
أو االســتفتاء إلــى الدوائــر االســتئنافية اإلداريــة باملحكمــة اإلداريــة بمقتضــى الفقــرة
تنــص علــى أنّــه «يمكـــن الطعـــن
ّ األولــى مــن الفصــل 145مــن القانــون املذكــور التــي
أمـــام املحاكـــم اإلداريـــة اإلســـتئنافية فـــي النتائـــج األول ّيـــة لالنتخابـــات واالســـتفتاء فـــي
أجـــل أقصـــاه ثالثـــة أيـــام مـــن تاريـــخ تعليقهـــا بمقـــرات الهيئـــة» ،على أن يتم استئناف
أحــكام تلــك الدوائــر أمــام الجلســة العامــة القضائيــة طبقــا ألحــكام الفقــرة األولــى مــن
الصــادرة
الطعــن فــي األحــكام ّالفصــل 146مــن ذات القانــون التــي تقتضــي أ ّنــه «يمكــن ّ
ّ
املترشــحني املشــمولني بالحكــم عــن املحاكــم اإلداريــة االســتئنافية مــن الهيئــة أو مــن
أمــام املحكمــة اإلداريــة العليــا فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ اإلعــام بــه».2
ويجــدر التأكيــد فــي هــذا الصــدد أنّ اإلبقــاء علــى اختصــاص الجلســة العامــة
يمثــل ضمانــا لجديــة الرقابــة القضائيــة علــى نتائــج االنتخابــات وحيــاد الهيئــة
القضائيــة املكلفــة بتلــك الرقابــة باعتبــار تركيبتهــا املوســعة وعــدد أعضائهــا
وصفاتهــم 3بالرغــم مــن أن ســير املفاوضــات فيهــا قــد يكــون أمــرا شــاق ّا.
مــن جهــة أخــرى أســند الفصــل 246مــن القانــون األساســي عــدد 29لســنة 2018
املــؤرخ فــي 9مــاي 2018املتع ّلــق بمجلــة الجماعــات املحليــة إلــى الدوائــر االســتئنافية
للمحكمــة اإلدار ّيــة ثــم الجلســة العامــة القضائيــة اختصــاص البــت فــي نزاعــات تركيــز
.1القرار الصادر عن الجلسة العامة للمحكمة اإلدارية في القضية عدد 48بتاريخ 7نوفمبر .2011
.2تراعــى فــي ذلــك مقتضيــات الفصــل 174مكــرر مــن القانــون عــدد 16لســنة 2014الــواردة باألحــكام
ـص علــى أ ّنــه "إلــــى حــــن صــــدور القانــــون املتعلــــق بتنظيــــم القضــــاء اإلداري واختصاصاتـــه االنتقاليــة والتــي تنـ ّ
واإلجـــراءات املتبعـــة لديـــه والنظـــام األساســـي الخـــاص بقضاتـــه ،وتولـــّـي املحاكــم اإلداريــة االبتدائيــة املنصــوص
عليهــــا بهــــذا القانــــون مهامهــــا ،تتعهــــد دوائــــر ابتدائيــــة بالجهــــات متفرعــــة عــــن املحكمــــة اإلداريــة يتــــم
إحداثهــــا طبـــق الفصـــل ( 15جديـــد) مـــن القانـــون املتع ّلــق باملحكمــة اإلدار ّيــة ،باالختصــاص املســــند للمحاكــــم
املذكــــورة .وتتولــــى كل مــــن الجلســــة العامــــة القضائيــــة والدوائــــر اإلســتئنافية باملحكمــة اإلداريــة االختصاصــات
املوكولــة بموجـــب هـــذا القانـــون لـــكل مـــن املحكمــة اإلدار ّيــة العليــــا وللمحاكــــم اإلداريــة االســتئناف ّية".
.3بالنسبة النتخابات ،2019تض ّم الجلسة العامة القضائية للمحكمة اإلدارية 21عضوا يتوزعون كاألتي :الرئيس األول
للمحكمة اإلدارية و 6رؤســاء دوائر تعقيبية واستشــارية و 10رؤســاء دوائر اســتئنافية و 4مستشــارين بالدوائر التعقيبية.
295 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
املجالــس البلديــة .1وتطبيقــا لهــذا الفصــل يتعــن التمييــز بــن نزاعــات تركيــز املجالــس
البلديــة فــي جزئهــا املتع ّلــق بانتخــاب رئيــس املجلــس ومســاعديه والتــي تعـ ّد ذات صبغــة
انتخابيــة ،2والنزاعــات املتعلقــة بتعيــن رؤســاء اللجــان البلديــة والتــي تنــدرج ضمــن
الواليــة العامــة للقضــاء اإلداري فــي مــادة تجــاوز الســلطة وتخــرج عــن املــادة االنتخابيــة
الصــدد إذ بمقتضــى القانــون ،وهــو مــا أقــره فقــه قضــاء املحكمــة اإلدار ّيــة فــي هــذا ّ
انتهــى إلــى أنّ » اختصــاص ال ّدوائــر االســتئناف ّية فــي النّزاعــات املتع ّلقــة بتركيــز املجالــس
البلد ّيــة يعــ ّد اختصاصــا مســندا بموجــب الفصــل 246مــن مجلــة الجماعــات املحليــة»
الطعــون ال ّراميــة إلــى إلغــاء قــرارات تعيــن رؤســاء ال ّلجــان فــي حــن أنّ «النّظــر فــي ّ
البلد ّيــة ومق ّرريهــا يخــرج عــن اختصــاص ال ّدوائــر االســتئناف ّية باملحكمــة اإلدار ّيــة
ابتدائ ّيــا وينــدرج ضمــن الواليــة العا ّمــة الراجعــة لل ّدوائــر االبتدائ ّيــة بهــذه املحكمــة
علــى نحــو مــا ضبطهــا الفصــل 17املشــار إليــه وفــي حــدود مرجــع نظرهــا التّرابــي».3
بلــغ عــدد الطعــون التــي انتهــت املحكمــة فيهــا إلــى الرفــض ألســباب شــكلية حالــت دون
الخــوض فــي األصــل بمناســبة البــت فــي نزاعــات نتائــج انتخابــات املجلــس الوطنــي
التأسيســي 66طعنــا بنســبة تناهــز % 63,5مــن جملــة ّ
الطعــون املقدمــة ،ويمكــن أن
ُيبــ ّرر ذلــك بــأنّ تلــك االنتخابــات كانــت األولــى مــن نوعهــا التــي تعيشــها البــاد وأنّ
األطــراف املعنيــة بهــا مــن قائمــات مســتقلة وأحــزاب ومحامــن لــم يتســنى لهــم
التشــ ّبع باإلطــار القانونــي املنطبــق عليهــا والتعــ ّرف عليــه بالشــكل الكافــي .غيــر أنّ
تلــك النســبة ظ ّلــت مرتفعــة حتــى بمناســبة النظــر فــي آخــر اســتحقاق انتخابــي عرفتــه
البــاد خــال ســنة 2019إذ بلــغ عــدد الطعــون املرفوضــة شــكال فــي الطــور األول مــن
التقاضــي بخصــوص نتائــج النتخابــات التشــريعية ،علــى ســبيل الذكــر 40 ،طعنــا وهــو
مــا يمثــل نســبة ،% 39,2األمــر الــذي ال منــاص معــه مــن اإلقــرار بــأنّ قاضــي نتائــج
صحــة انتخــاب
ّ .1تنــص الفقــرة األخيــرة مــن الفصــل 246مــن املجلــة علــى أنّــه "يمكــن الطعــن فــي
الرئيــس واملســاعدين حســب الشــروط والصيــغ واآلجــال املعمــول بهــا فــي خصــوص االعتراضــات
ضــ ّد انتخابــات املجلــس البلــدي أمــام القضــاء اإلداري وذلــك فــي أجــل 15يومــا مــن تاريــخ االنتخــاب
" .2وحيــث أنّــه باإلســتناد إلــى مــا تقــ ّدم تتولــى الدوائــر االســتئنافية باملحكمــة اإلداريــة اختصــاص النّظــر فــي
نزاعــات انتخــاب املجلــس البلــدي ورئيســه ومســاعدي الرئيــس ،م ّمــا يتّجــه معــه رفــض املطعــن املاثــل" ،القــرار
الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 317411بتاريــخ 30أكتوبــر .2018
.3الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية السادســة فــي القضيــة عــدد 212482بتاريــخ 13جويليــة ( 2018نزاعــات
انتخــاب املجالــس بلديــة).
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 296
االنتخابــات يتعامــل بصرامــة وتشــدد عنــد مراقبــة شــكليات وإجــراءات القيــام ،وتجــد
هــذه الصرامــة تفســيرها فــي ســببني أساســيني أحدهمــا تشــريعي والثانــي واقعــي.
أ ّمــا الســبب التشــريعي فيتم ّثــل فــي دقــة األحــكام املتع ّلقــة بإجــراءات تقديــم الطعــون
املتع ّلقــة بنتائــج االنتخابــات واملضمنــة خاصــة بالفصــل 145مــن القانــون االنتخابــي فيمــا
يتعلــق بالطــور األول الــذي تتعهــد بــه الدوائــر االســتئنافية 1والفصــل 146فيمــا يتعلــق
بالطعــن باالســتئناف الــذي يقــ ّدم أمــام الجلســة العامــة .2إذ يتبــن بمطالعــة األحــكام
املذكــورة أنّ نيــة املشـ ّرع اتجهــت إلــى تحميــل األطــراف مســؤولية تهيئــة املنازعــة للفصــل.
بنــاء علــى ذلــك «جــرى عمــل املحكمــة علــى أن اإلجــراءات املنصــوص عليهــا أعــاه
ال تتعلــق بمصلحــة الخصــوم وإنمــا بحســن ســير التقاضــي لــدى قاضــي النتائــج
وبضمــان انعقــاد النــزاع بصــورة ســليمة األمــر الــذي يجعلهــا مــن متع ّلقــات النظــام
العــام والتــي يتع ّيــن علــى القاضــي تســليط جــزاء الرفــض شــكال علــى اإلخــال
بهــا» .3كمــا أكــدت املحكمــة صلــب عــدة أحــكام وقــرارات أنّ «النــزاع االنتخابــي
يخضــع إلــى إجــراءات خاصــة وآجــال مقتضبــة ومبــادئ قانونيــة متميــزة تحــول
دون االســتئناس باملبــادئ اإلجرائيــة العامــة التــي تســوس أصنافــا أخــرى مــن
ـص الفصــل 145مــن القانــون عــدد 16لســنة 2014علــى أ ّنــه " يمكــن الطعــن أمــام املحاكــم اإلداريــة االســتئنافية .1ينـ ّ
فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات واالســتفتاء فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ تعليقهــا بمقــرات الهيئــة .وعلــى
الطــرف الراغــب فــي ممارســة الطعــن فــي النتائــج األوليــة أن يوجــه إلــى الهيئــة إعالمــا بــه بواســطة عــدل تنفيــذ
مــع نظيــر مــن العريضــة واملؤيــدات .ويرفــع الطعــن وجوبــا بالنســبة لالنتخابــات التشــريعية والبلديــة والجهويــة
مــن قبــل رئيــس القائمــة املترشــحة أو أحــد أعضائهــا أو املمثــل القانونــي للحــزب فــي خصــوص النتائــج املصــ ّرح
بهــا بالدائــرة االنتخابيــة املترشــحني بهــا .وبالنســبة إلــى االنتخابــات الرئاســية مــن قبــل كل مترشــح وبالنســبة إلــى
االســتفتاء مــن قبــل كل ممثــل قانونــي لحــزب شــارك فيــه .ويكــون ذلــك بواســطة محــام لــدى التعقيــب .يجــب أن
يكــون مطلــب الطعــن معلــا ومحتويــا علــى أســماء األطــراف ومقراتهــم وعلــى عــرض موجــز للوقائــع ويكــون
مشــفوعا باملؤيــدات وبمحضــر اإلعــام بالطعــن وعلــى التنبيــه علــى األطــراف بضــرورة تقديــم ملحوظاتهــم مرفقــة
بمــا يفيــد تبليغهــا لألطــراف فــي أجــل أقصــاه يــوم جلســة املرافعــة املع ّيــن مــن املحكمــة ،وإال رفــض شــكال".
ينــص الفصــل 146مــن القانــون عــدد 16لســنة 2014علــى انّــه «يمكــن الطعــن فــي األحــكام الصــادرة عــن ّ .2
املحاكــم اإلداريــة االســتئنافية مــن الهيئــة أو املترشــحني املشــمولني بالحكــم أمــام املحكمــة اإلداريــة العليــا فــي
أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ اإلعــام بــه.و علــى الطــرف الراغــب فــي ممارســة الطعــن أن يوجــه إلــى الهيئــة
واألطــراف املشــمولة بالطعــن إعالمــا بــه بواســطة عــدل تنفيــذ مــع نظيــر مــن عريضــة الطعــن ومؤيداتهــا والتنبيــه
علــى األطــراف بضــرورة تقديــم ملحوظاتهــم مرفقــة بمــا يفيــد تبليغهــا لألطــراف األخــرى فــي أجــل أقصــاه جلســة
املرافعــة املعينــة مــن املحكمــة.و يرفــع الطعــن بموجــب عريضــة يتولــى املترشــح أو مــن يمثلــه أو القائمــة املترشــحة
أو مــن يمثلهــا إيداعهــا بكتابــة املحكمــة اإلداريــة العليــا ،وذلــك بواســطة محــام لــدى التعقيب.وتكــون العريضــة معللــة
ومصحوبــة بنســخة رقميــة منهــا وبنســخة مــن الحكــم املطعــون فيــه ومحضــر اإلعــام بالطعــن وإال ُرفــض طعنــه».
.3قــرار صــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي مــادة النــزاع االنتخابــي (نتائــج االنتخابــات
البلديــة) فــي القضــة عــدد 20184001بتاريــخ 5جــوان 2018
297 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
النزاعــات وتبعــا لذلــك يتع ّيــن علــى القاضــي االنتخابــي التقيــد بعبــارة النــص املنظــم
للنــزاع االنتخابــي وتســليط الجــزاء الــوارد فيــه متــى ثبــت لــه اإلخــال بمقتضياتــه».1
وقــد حصــر القاضــي اإلداري مجــال تدخلــه علــى املســتوى اإلجرائــي فــي نــزاع
النتائــج» فــي تعيــن جلســة املرافعــة واســتدعاء األطــراف وإعالمهــم بالحكــم
ويكــون بالتالــي واجــب تبليــغ عريضــة الطعــن إلــى الهيئــة واألطــراف والتنبيــه
عليهــم بــاإلدالء بملحوظاتهــم فــي األجــل القانونــي محمــوال علــى القائــم بالطعــن».2
كل هــذه الضوابــط التشــريعية أفضــت إلــى صــدور عــدة أحــكام تقضــي ّ
برفــض الطعــون شــكال مــن أجــل تقديمهــا خــارج اآلجــال القانونيــة أو إخاللهــا
3
بمبــدأ املواجهــة 4وشــروط التبليــغ 5أو شــرط إنابــة محــام 6أو بعــدم مــد املحكمــة
بنســخة رقميــة مــن عريضــة الطعــن 7ومــا إلــى ذلــك مــن الشــروط الشــكلية.
أ ّمــا الســبب الواقعــي والــذي ال يعــدو أن يكــون إ ّال أثــرا مباشــرا للنظــام اإلجرائــي الــذي
وضعــه املشــرع فيتمثــل فــي قصــر اآلجــال املمنوحــة للمحكمــة لتعيــن جلســة املرافعــة
والتصريــح بالحكــم وتوجيــه نســخة منــه إلــى األطراف .8ذلــك أنّ اآلجال املذكــورة ال تتجاوز
.1قــرار صــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي مــادة نزاعــات نتائــج االنتخابــات التشــريعية) فــي
القضيــة عــدد 20195028بتاريــخ 4نوفمبــر 2019
.2الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية السادســة باملحكمــة اإلداريــة فــي مــادة نزاعــات نتائــج االنتخابــات
التشــريعية فــي القضيــة عــدد 20194066بتاريــخ 22أكتوبــر 2019
.3القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي مــادة نزاعــات نتائــج االنتخابــات البلديــة فــي
القضيــة عــدد 20184002بتاريــخ 8جــوان .2018
.4القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي مــادة نزاعــات نتائــج االنتخابــات الرئاســية
فــي القضيــة عــدد 20195003بتاريــخ 30ســبتمبر .2019
.5القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي مــادة نزاعــات نتائــج االنتخابــات الرئاســية
فــي القضيــة عــدد 20195004بتاريــخ 30ســبتمبر .2019
.6القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي مــادة نزاعــات نتائــج االنتخابــات التشــريعية
فــي القضيــة عــدد 20195026بتاريــخ 4نوفمبــر .2019
.7القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي مــادة نزاعــات نتائــج االنتخابــات التشــريعية
فــي القضيــة عــدد 20195007بتاريــخ 4نوفمبــر .2019
ـص الفصــل 145مــن القانــون االنتخابــي علــى أن» تولــى كتابــة املحكمــة اإلداريــة االســتئنافية تـــــرسيم العريضــة .8ينـ ّ
وإحالتهــا فــورا إلــى رئيــس الدائــرة االســتئنافية الــذي يع ّيــن مقــررا يتولــى تحــت إشــرافه التحقيــق فــي القضية.ويتولــى
رئيــس الدائــرة املتعهــدة تعيــن جلســة مرافعــة فــي أجــل قــدره ثالثــة أيــام مــن تاريــخ تقديــم الطعــن واســتدعاء األطــراف
بــأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيا.وتتولــى الدائــرة إثــر املرافعــة حجــز القضيــة للمفاوضــة والتصريــح بالحكــم فــي أجــل
أقصــاه خمســة أيــام مــن تاريــخ جلســة املرافعــة ،وتــأذن بالتنفيــذ علــى املسودة.وتـــــــعلم املحكمــة األطــراف بالحكــم بــأي
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 298
11يومــا بالنســبة للطــور األول أمــام الدوائــر االســتئنافية و 13يومــا فــي الطور االســتئنافي
أمــام الجلســة العامــة كأجــل أقصــى يمت ـ ّد مــن تاريــخ تقديــم ّ
الطعــن إلــى تاريــخ توجيــه
الحكــم ،ويتق ّلــص هــذا األجــل إلــى 6أيــام إذا مــا تعلــق األمــر بانتخابــات رئاســية مب ّكــرة .
1
باإلضافــة إلــى هــذه اآلجــال املختصــرة ،مثلــت صعوبــة التك ّهــن بعــدد الطعــون التــي
يمكــن تلقيهــا ومحدوديــة اإلمكانيــات البشــرية وال ّلوجيســتية أســبابا متضافــرة للدفــع
الصــارم لألحــكام املتع ّلقــة باإلجــراءات اســتنادا إلــى
تمســك املحكمــة بالتطبيــق ّ نحــو ّ
خصوصيــة املــادة التــي تتطلــب حــ ّدا أدنــى مــن الج ّديــة التــي ال تتــاءم مــع الــدور
التقليــدي الــذي اعتــاد القاضــي اإلداري أن يضطلــع بــه فــي بقيــة النزاعــات واملتم ّثــل
فــي توجيــه ال ّدعــوى وتمكــن املتقاضــن مــن تــدارك اإلخــاالت التــي تعتــري شــكليات
القيــام وذلــك بالرغــم مــن الصبغــة املوضوعيــة التــي يكتســيها النــزاع االنتخابــي.
تتمثــل الرقابــة القضائيــة فــي عمليــة التثبــت التــي يسـ ّلطها القاضــي علــى أعمــال وقــرارات
املتدخلــن فــي ســير االنتخابــات ومــدى مطابقتهــا للقانــون والتراتيــب الجاريــة .وتختلــف ّ
هــذه الرقابــة عــن تلــك التــي تضطلــع بهــا اإلدارة االنتخابيــة فــي تونــس ،مجســمة فــي الهيئــة
العليــا املســتقلة لالنتخابــات ،2باعتبــار أنّ رقابــة الهيئــة هــي رقابــة تلقائيــة ووجوبية وشــاملة.
هــي رقابــة تلقائيــة باعتبــار أنّ ّ
تدخــل الهيئــة وتع ّهدهــا باإلخــاالت أو املخالفــات التــي
قــد تشــوب املســار االنتخابــي ال تتوقــف علــى مطالبــة طــرف آخــر بهــا ،إذ اعتبــرت
وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ التصريــح بــه .كمــا تقتضــي أحــكام الفصــل 146
أن «»تتولــى كتابــة املحكمــة حــال توصلهــا بالعريضــة ترســيمها وإحالتهــا فــورا إلــى الرئيــس األول للمحكمــة اإلداريــة
العليــا الــذي يتولــى تعيينهــا حــاال لــدى الهيئــة الحكميــة املعنيــة ليتــم التحقيــق فيهــا .ويع ّيــن الرئيــس األول جلســة
مرافعــة فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ تقديــم الطعــن واســتدعاء األطــراف بــأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا وذلــك
فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام قبــل جلســة املرافعــة .يتــم تمثيــل الهيئــة مــن قبــل رئيســها ويمكنــه تكليــف مــن يمثلــه فــي
الغــرض .وتتولــى الهيئــة الحكميــة املتعهــدة حجــز القضيــة للمفاوضــة والتصريــح بالحكــم فــي أجــل أقصــاه أســبوع
مــن تاريــخ جلســة املرافعــة ،وتــأذن بالتنفيــذ علــى املســودة .وتعلــم املحكمــة األطــراف بالحكــم بــأي وســيلة تتــرك أثــرا
كتابيــا فــي أجــل أقصــاه يومــان مــن تاريــخ التصريــح بــه .ويكــون القــرار باتــا وال يقبــل أي وجــه مــن أوجــه الطعــن
ولــو بالتعقيــب».
.1طبقا ألحكام الفصل 148مكرر من القانون االنتخابي كما نقح بالقانون عدد 76لسنة 2019املؤرخ في 30أوت .2019
.2كمــا نظمهــا القانــون األساســي عــدد 23لســنة 2012املــؤ ّرخ فــي 20ديســمبر 2012املتع ّلــق بالهيئــة العليــا املســتقلة
لالنتخابــات املنقــح واملتمــم بالقانــون األساســي عــدد 44لســنة 2013املــؤ ّرخ فــي 1نوفمبــر 2013والقانــون األساســي
عــدد 52لســنة 2013املــؤ ّرخ فــي 28ديســمبر .2013
299 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
املحكمــة أنّــه يحمــل علــى الهيئــة الســهر علــى تكافــؤ الفــرص وضمــان املســاواة
ّ
للمترشــحني العمــل املترشــحني لالنتخابــات وذاك بتوفيــر منــاخ يضمــن ّ بــن كا ّفــة
فــي نفــس الظــروف وبنفــس الحظــوظ .كمــا انّ هــذه الرقابــة تكتســي طابــع وجوبيــا
1
باعتبــار أنّ الهيئــة مكلفــة بموجــب الفصــل 126مــن الدســتور «بــإدارة االنتخابــات
واالســتفتاءات وتنظيمهــا ،واإلشــراف عليهــا فــي جميــع مراحلهــا» كمــا أنّهــا «تضمــن
ســامة املســار االنتخابــي ونزاهتــه وشــفاف ّيته ،وتصــ ّرح بالنتائــج» .2كمــا تتم ّيــز هــذه
تغطــي «جميــع العمليــات املرتبطــة بتنظيــم االنتخابــات الرقابــة بأنهــا شــاملة باعتبارهــا ّ
واالســتفتاء وإدارتهــا واإلشــراف عليهــا» .وتتمتــع الهيئــة لهــذا الغــرض بســلطة
3
يتولــى تنفيــذ السياســة االنتخابيــة.ّ ترتيبيــة فــي مجــال عملهــا وبجهــاز تنفيــذي
كل مراحــل فــي املقابــل ،فإ ّنــه ولئــن كان مــن املمكــن ،نظر ّيــا أن تشــمل الرقابــة القضائيــة ّ
العمليــة االنتخابيــة وأن يتو ّلــى القاضــي االنتخابــي تســليط رقابتــه عليهــا فــإنّ هــذه الرقابــة
قــد ال تكــون شــاملة ،فضــا عــن أنّهــا ليســت وجوب ّيــة ،وال يمكــن بــأي حــال مــن األحــوال
أن تكــون تلقائيــة وذلــك لســببني أساســن:
تدخــل القاضــي لتســليط رقابتــه ال يتــ ّم إ ّال بنــاء علــى تقديــم • الســبب األ ّول :إنّ ّ
ّ
املتدخلــة فــي العمليــة االنتخابيــة فــي إطــار حــق التقاضــي طعــن مــن أحــد األطــراف
املضمــون بموجــب الدســتور .
4
ّ
• الســبب الثانــي :يبقــى مــآل الطعــن متو ّقفــا علــى احتــرام املتقاضــن لشــكليات القيــام
مــن جهــة وعلــى جــدوى املطاعــن املثــارة أمــام القاضــي االنتخابــي وج ّديتهــا.
كل هــذه الحــدود ال يمكــن أن تق ّلــل مــن أهم ّيــة رقابــة القاضــي علــى نتائــجغيــر أن ّ
االنتخابــات التــي تبقــى رقابــة واســعة بالرغــم مــن الضوابــط املحيطــة بهــا ( )1وتعتمــد
آليــات مالئمــة لطبيعــة النــزاع (.)2
.1القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي مــادة نزاعــات نتائــج االنتخابــات التشــريعية
فــي القضيــة عــدد 20195018بتاريــخ 4نوفمبــر 2019
.2وقــد أورد الفصــل 3مــن القانــون عــدد 23لســنة 2012قائمــة للمهــام املوكولــة للهيئــة علــى ســبيل الذكــر ال الحصــر
ومنهــا وضــع آليــات التنظيــم واإلدارة والرقابــة الضامنــة لنزاهــة االنتخابــات واالســتفتاءات وشــفافيتها.
.3الفقرة األولى من الفصل 3من القانون عدد 23لسنة .2012
.4انظــر بخصــوص الحــق فــي التقاضــي فــي إطــار النــزاع االنتخابي الحكــم الصادر عن الدائرة االســتئنافية السادســة
ّ
الترشــحات لالنتخابــات الجزئيــة املجالــس البلديــة فــي القضيــة عــدد 20192001بتاريــخ 14جــوان .2019 فــي نزاعــات
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 300
لئــن أقــ ّر القاضــي االنتخابــي بمناســبة البــت فــي نزاعــات نتائــج انتخابــات املجلــس
الوطنــي التأسيســي ونزاعــات االنتخابــات التشــريعية والرئاســية لســنة 2014بــأنّ
رقابتــه علــى النتائــج هــي رقابــة دنيــا 1فــإن ذلــك يجــد ســنده فــي التعامــل التقليــدي
الــذي اعتــاد القاضــي انتهاجــه فــي مراقبــة اإلدارة كلمــا تمتعــت بســلطة تقديريــة فــي
مجــال تدخلهــا كمــا هــو الحــال بالنســبة للهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ،ذلــك أنّ
«وجــود رقابــة قضائيــة علــى أعمــال اإلدارة بصفــة عامــة وســلطتها التقدير ّيــة بصفــة
خاصــة يعتبــر املظهــر العملــي والف ّعــال لحمايــة املشــروعية» 2وهــي امله ّمــة األساســية
للقاضــي اإلداري .غيــر أنّ قاضــي النتائــج باملحكمــة اإلداريــة ســرعان مــا تــدارك
تكييفــه لطبيعــة الرقابــة التــي يمارســها ليؤ ّكــد بمناســبة البــت فــي نتائــج االنتخابــات
التشــريعية لســنة 2014علــى أنّــه «يمتــاز عنــد التع ّهــد بالنظــر فــي النزاعــات املتع ّلقــة
بنتائــج االنتخابــات بصالحيــات واســعة تم ّكنــه مــن بســط رقابتــه علــى جميــع املراحــل
املك ّونــة للعمل ّيــة االنتخابيــة مــن الترشــحات إلــى النتائــج مــرورا بالحملــة اإلنتخابيــة
كل اإلخــاالت التــي مــن شــأنها التأثيــر علــى نزاهــة وشــفافية االنتخابــات».3 ومراقبــة ّ
وتجــد ّد هــذ التأكيــد بمناســبة انتخابــات ســنة 2019مــن خــال اتســاع مجــال رقابــة
القاضــي مــن الناحيــة الزمنيــة لتشــمل كل اإلخــاالت املثــارة بشــأن الفتــرة اإلنتخابيــة
وعــدم االقتصــار علــى يــوم االقتــراع ،كمــا هــو الشــأن بالنســبة لعــدم التــوازن بــن
املترشــحة علــى مســتوى التغطيــة اإلعالميــة 4وحرمــان الحــزب مــن معاضــدة ّ القائمــات
6
رئيســه 5واإلخــال باملســاواة بــن املترشــحني والثلــب واملــس مــن كرامــة املترشــحني
.1مــن ذلــك مــا ورد بالحكــم عــدد 2014420042بتاريــخ 8نوفمبــر « 2014لئــن خــول القانــون االنتخابــي للهيئــة العليــا
املســتقلة لالنتخابــات ســلطة تقديــر مــدى تأثيــر املخالفــات ،علــى فــرض ثبوتهــا علــى النتائــج ،فــإن هــذه الســلطة
التقديريــة املمنوحــة للهيئــة تمــارس تحــت الرقابــة الدنيــا للقاضــي اإلداري املتعهــد بالنظــر فــي نزاعــات النتائــج".
.2ســامية نويــري ،الرقابــة القضائيــة علــى الســلطة التقديريــة لــإدارة ،مذ ّكــرة بحــث ،كليــة الحقــوق والعلــوم السياســية،
جامعــة العربــي بــن مهيــدي ،أم البواقــي ،الجزائــر.2013 - 2012 ،
.3حكم عدد 201420042بتاريخ 08نوفمبر .2014
.4الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثالثــة فــي القضيــة عــدد 20194024بتاريــخ 22أكتوبــر ( 2019نتائــج
االنتخابــات التشــريعية)
.5القــرار الصــادر عــن الجلســة العا ّمــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 20195016بتاريــخ 4نوفمبــر ( 2019نتائــج
االنتخابات التشــريعية).
.6القــرار الصــادر عــن الجلســة العا ّمــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 20195017بتاريــخ 4نوفمبــر ( 2019نتائــج
301 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
االنتخابات التشريعية).
.1القــرار الصــادر عــن الجلســة العا ّمــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيتتــن عــدد 20195023و 20195029بتاريــخ 4
نوفمبــر ( 2019نتائــج االنتخابــات التشــريعية).
.2حكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الخامســة فــي القضيــة عــدد 20194105بتاريــخ 22أكتوبــر ( 2019نتائــج
االنتخابــات التشــريعية)
.3القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 20195013بتاريــخ 4نوفمبــر
( 2019نتائــج االنتخابــات التشــريعية)
.4الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثالثــة فــي القضيــة عــدد 20194069بتاريــخ 22اكتوبــر ( 2019نتائــج
االنتخابــات التشــريعية).
.5القــرار الصــادر عــن الجلســة العا ّمــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 20195011بتاريــخ 4نوفمبــر ( 2019نتائــج
االنتخابات التشــريعية).
.6الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثانيــة فــي القضيــة عــدد 20194061بتاريــخ 22أكتوبــر ( 2019نتائــج
االنتخابــات التشــريعية)
ّ
الترشــحات لالنتخابــات الجزئيــة للمجالــس البلديــة .7الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية السادســة فــي نزاعــات
فــي القضيــة عــدد 20192001بتاريــخ 14جــوان .2019
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 302
إجرائهــا وكان ذلــك اإلخــال مؤثــرا بصفــة حاســمة علــى مــا أفضــت إليــه» ،1وتبلــور
هــذا املوقــف بشــكل واضــح بمناســبة انتخابــات 2014بقــول املحكمــة أنّ » «قاضــي
النتائــج مســتأمن علــى أصــوات الناخبــن وال يقضــي بإلغائهــا ملجــ ّرد شــكوك أو
إشــاعات أو حتــى وقائــع بســيطة أو محــدودة أو متف ّرقــة» 2ثــم بمناســبة االنتخابــات
البلديــة لســنة 3 2018وانتخابــات ســنة 4 2019باســتعمال نفــس العبــارات حرفيــا.
• الحفــاظ علــى نزاهــة االنتخابــات وشــرعيتها ،مــن خــال تســليط الرقابــة علــى مــدى
5
وتفحــص مــدى نزاهــة مصــادر تمويــل الحملــة االنتخابيــة ّ احتــرام حرمــة املترشــحني
إذ اعتبــرت املحكمــة أ ّنــه «يؤخــذ مــن مقتضيــات الفصــل 143مــن القانــون االنتخابــي
أنّ املشــ ّرع ق ّيــد صالحيــة إلغــاء نتائــج الفائزيــن بشــرطني أساســيني أ ّولهمــا أن
يكــون ثبــت لــدى الهيئــة بصفــة قاطعــة ارتــكاب الفائزيــن مخالفــات تتعلــق بالفتــرة
االنتخابيــة وتمويلهــا وأنّ هــذه املخالفــات أ ّثــرت بصفــة جوهريــة وحاســمة علــى نتائــج
ومســت مــن اإلرادة العامــة للناخبــن ،وثانيهمــا أن تب ّيــن ذلــك فــي قرارهــا
االنتخابــات ّ
حتــى يتم ّكــن قاضــي النتائــج مــن تســليط رقابتــه علــى صحــة األســباب التــي اســتندت
إليهــا وصحــة تأثيرهــا الجوهــري والحاســم علــى النتائــج ضمانــا لنزاهــة االنتخابــات.6
أســند املشــرع فيمــا يتعلــق بنزاعــات نتائــج االنتخابــات دورا رئيســيا ألطــراف
النــزاع فــي تهيئــة القضيــة للفصــل ،غيــر أنّ هــذا ال يحــول دون لجــوء قاضــي
النتائــج ،كلمــا اقتضــت مالبســات امللــف ذلــك ،إلــى إعمــال ســلطاته االســتقصائية
التــي تبقــى محــدودة بفعــل ضيــق الحيــز الزمنــي املتــاح للتصريــح بالحكــم.
.1قرار الجلسة العامة القضائية الصادر في القضية عدد 32بتاريخ 7نوفمبر .2011
.2الحكم إستئنافي عدد 201420042بتاريخ 08نوفمبر 2014
.3القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 37411بتاريــخ 30اكتوبــر 2011
(انتخــاب املجالــس البلدية)
.4الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الرابعــة فــي القضيــة عــدد 20194009بتاريــخ 17أكتوبــر ( 2019نتائــج
االنتخابــات التشــريعية"
.5الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثالثــة فــي القضيــة عــدد 20194096بتاريــخ 22أكتوبــر ( 2019نتائــج
االنتخابــات التشــريعية"
.6الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية السادســة فــي القضيــة عــدد 20194036بتاريــخ 22أكتوبــر ( 2019نتائــج
االنتخابــات التشــريعية)
303 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
أخــذا بعــن االعتبــار هــذا املعطــى ،دأب قاضــي النتائــج علــى التذكيــر بــأنّ قــرارات الهيئــة
املتعلقــة بإلغــاء نتائــج الفائزيــن يجــب أن تكــون مع ّللــة ،حتــى يتسـنّى لــه أن يبســط نظــره
ال فقــط علــى مــدى صحــة األســباب املســتند إليهــا مــن جهــة ســندها الواقعــي والقانونــي،
بــل وكذلــك مــن جهــة مــدى تأثيرهــا الجوهــري والحاســم فــي نتائــج اإلنتخابــات.1
لــذا ،ســواء تع ّلــق األمــر بانتخابــات تشــريعية او رئاســية او مح ّليــة ،ومنــذ ســنة
،2011ال يخلــو فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة مــن التصريــح بــأنّ القاضــي يتو ّلــى
وصحــة وجودهــا ثــ ّم يتو ّلــى
ّ فــي النزاعــات االنتخاب ّيــة التث ّبــت مــن ما ّديــة الوقائــع
تكييفهــا ثــ ّم تقديــر مــدى تأثيرهــا علــى النتائــج ونيلهــا مــن نزاهــة االنتخابــات،
وأن إلغــاء النتائــج ال يكــون ضروريــا إال متــى كانــت الحجــج املق ّدمــة قويــة
املحتــج بهــا التأثيــر بصــورة حاســمة فــي النتائــج.
ّ وثابتــة ومــن شــأن اإلخــاالت
ومــن هــذا املنطلــق تبــرز أهميــة الــدور الــذي يضطلــع بــه قاضــي النتائــج مــن خــال تســليط
رقابتــه علــى القــرارات التــي تتخذهــا الهيئــة إ ّمــا بإلغــاء نتائــج الفائزيــن بصفــة كليــة أو
جزئيــة وتقديرهــا للمخالفــات املرتكبــة مــن املترشــحني ولتأثيرهــا علــى نتائــج االنتخابــات
بصفــة جوهريــة وحاســمة أو علــى قراراتهــا الرافضــة إلدخــال تلــك التعديــات والتــي تتــم
عبــر التثبــت مــن الوجــود املــا ّدي للوقائــع ثـ ّم تكييفهــا قانونيــا وتقديــر تأثيرهــا علــى النتائج.
مــا مــن شـ ّـك أنّ معاينــة الوجــود املــا ّدي للوقائــع امل ّدعــى بتأثيرهــا علــى نتائــج االنتخابــات
يقتضــي اســتقراء فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فيمــا يتع ّلــق بعــبء اإلثبــات مــن جهــة
وبوســائل اإلثبــات مــن جهــة أخــرى.
وقــد ك ـ ّرس القاضــي اإلداري بمناســبة البــت فــي نزاعــات نتائــج االنتخابــات التشــريعية
والرئاســية لســنة 2014القاعــدة األصوليــة التــي مفادهــا أنّ الب ّينــة علــى مــن ا ّدعــى،
وفــي ذلــك تغليــب لصبغــة النــزاع االنتخابــي بمــا هــو جــزء مــن القضــاء الكامــل
وتقليــص مــن صبغتــه املوضوعيــة التــي تقتضــي إعمــال الوظيفــة االســتقصائية.
وتطبيقــا لهــذا املبــدأ اعتبــرت املحكمــة أنّ «عــبء إثبــات اإلخــاالت املتع ّلقــة بعمليــة الفــرز
محمولــة علــى امل ّدعــي باعتبــار أنّ معاينتهــا تتــ ّم يــوم الفــرز مــن طــرف ممثــل القائمــة
أو الحــزب علــى أن يت ـ ّم تدوينهــا بمحضــر الفــرز حتــى تكتســي طابــع الجد ّيــة وتش ـ ّكل
صحــة اإلدعــاء بخصــوص حجــة علــى ذلــك» ،2وأنّ «عــدم إدالء الطاعنــة بمــا يفيــد ّبدايــة ّ
حرمــان عــدد هــام مــن الناخبــن مــن ممارســة ح ّقهــم فــي التصويــت بالدائــرة املعنيــة
بالســجل االنتخابــي بالدائــرةكاإلدالء ببيانــات فــي أســمائهم وعددهــم ومــا يفيــد ترســيمهم ّ
املذكــورة ومــا يفيــد كذلــك منعهــم مــن التصويــت يــوم االقتــراع ،يجعــل مــن ادعائهــا مجـ ّردا
وفاقــدا لــكل دعامــة واقعيــة يمكــن للمحكمــة تفحصهــا وترتيــب اآلثــار القانونيــة عنهــا».1
التوجه ذاته بمناســبة
ّ وقــد اتبعــت الدوائــر االســتئنافية والجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة
ـت فــي النزاعــات املتع ّلقــة بانتخابــات ســنة 2019برفــض ا ّدعــاءات الطاعــن باعتبــاره «لم
البـ ّ
يفلــح فــي اإلتيــان بمــا يقــوم حجــة قانونيــة على وجود املخالفــة املدعى بها ضــرورة أنّ ملف
قضيــة الحــال ورد خاليــا مــن معاينــات قانونيــة ومــن محاضــر األعــوان املوكول لهــم معاينة
املخالفــات االنتخابيــة» ،2مؤ ّكــدة كذلــك أنّ «طلــب إعادة احتســاب األصــوات وتوزيع املقاعد
املترشــحة يقتضــي أن يتضمــن ملــف ال ّدعــوى حججــا جديــة ترســي قناعــة ّ علــى القائمــات
املحكمــة بوجــود إخــاالت فــي العمليــة االنتخابيــة وهــو مــا لــم يثبــت فــي قضيــة الحــال» .
3
ظــل موقــف قاضــي النتائــج منســجما مــع مــا اســتق ّر عليــه فقــه مــن جهــة أخــرىّ ،
القضــاء اإلداري بشــكل عــام مــن قبــول كل وســائل اإلثبــات املتاحــة بتأكيــده علــى أنّ
«إثبــات املخالفــات أو اإلخــاالت االنتخابيــة يكــون بجميــع وســائل اإلثبــات املمكنــة وليــس
فقــط بالرجــوع إلــى تقاريــر الهيئــة واملحاضــر التــي يح ّررهــا أعوانهــا املحلفــون ،وال
شــيء يحــول ،مــن حيــث املبــدأ ،دون نظــر القاضــي االنتخابــي فيمــا يقــ ّدم إليــه مــن
تقاريــر هيــاكل ومنظمــات املجتمــع املدنــي التــي أصبحــت جــزءا مــن املشــهد اإلنتخابــي
التونســي متــى اتســمت بالجديــة املطلوبــة وتعلقــت بصــورة واضحــة بمســائل مثــارة
فــي النــزاع الــذي بــن يديــه وتناولــت وقائــع ومعطيــات دقيقــة ســواء كانــت كافيــة
بذاتهــا للحســم فــي النــزاع أو منطلقــا ألبحــاث اســتقصائية إضافيــة وينســحب
هــذا الواجــب كذلــك علــى الهيئــة عنــد نظرهــا فــي الشــكاوى التــي تقــ ّدم إليهــا».4
وتجــدر اإلشــارة فــي هــذا الصــدد أ ّنــه بمناســبة انتخابــات ســنة ،2019ومــع اســتقرار
فقــه القضــاء بخصــوص قبــول كل وســائل اإلثبــات ،فقــد تعــددت املؤ ّيــدات التــي
ســعى األطــراف بواســطتها إلــى إثبــات ا ّدعاءاتهــم علــى غــرار التقاريــر الصــادرة
عــن هيئــة االتصــال الســمعي البصــري 5واألقــراص املضغوطــة املتضمنــة لتســجيالت
2
صوتيــة ومرئيــة 1واملحاضــر املحــررة مــن عــدول إشــهاد وأعــوان املراقبــة واملالحظــن
والصــور املأخــوذة مــن مواقــع التواصــل االجتماعــي 3والوثائــق املحــررة بلغــة أجنبيــة.4
غيــر أنــه مــع املرونــة الواضحــة فــي قبول مختلف وســائل اإلثبــات فقد اعتبــرت املحكمة في
املقابــل أنهــا تعتبــر قرائــن بســيطة قابلــة للدحــض بــأي وســيلة كانــت وال تكتســي الحجيــة
املطلوبة إال باستيفائها لعدة شروط .لذا ومواصلة للمنهجية املتبعة في الرقابة على الوقائع،
ســعى قاضــي النتائــج إلــى تكييفهــا قانونيــا .وتتمثــل عمليــة التكييــف فــي تحديــد الوصــف
القانونــي للوقائــع املدعــى بهــا وبيــان مــا إذا كانــت تمثــل إخــاالت أو مخالفــات انتخابيــة.
وقــد حــرص القاضــي اإلداري علــى التأكيــد علــى أنّــه ال يتق ّيــد البتــة بالتكييــف الــذي
تعتمــده الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات وال غيرهــا مــن الهيئــات اإلداريــة و ّانــه»
لئــن كانــت القــرارات الصــادرة عــن الهيئــات املســتقلة تتمتّــع بقرينــة الشــرعية ،إ ّال
أنّ ذلــك ال يتنافــى وخضوعهــا إلــى رقابــة القاضــي اإلداري فــي خصــوص تكييــف
مــا تض ّمنتــه مــن معطيــات ووقائــع»« 5وأنّ تكييــف الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال
الســمعي والبصــري للمخالفــات االنتخابيــة علــى النحــو الــوارد فــي تقريرهــا ال يق ّيــد
صحــة ذلــك التكييــف».6
القاضــي االنتخابــي الــذي لــه صالحيــة بســط رقابتــه علــى مــدى ّ
وقــد اعتبــرت الدوائــر االســتئنافية ،وجارتهــا فــي ذلــك الجلســة العامــة بخصــوص جريمــة
املترشــح أنّ «العبــارات املصـ ّرح بها ال تم ّثــل ثلبا باملعنى الــوارد بالفصل
ّ ـس مــن شــرف املـ ّ
3مــن القــرار املشــترك املبــن أعــاه إذ لــم تســتهدف النيــل مــن شــرف أو اعتبــار شــخص
مع ّيــن بذاتــه وهــي ال تعــدو أن تكــون ســوى مجرد إيحــاءات عامة لم يفلــح الطاعن في إثبات
مــدى عالقتهــا بشــخص الطاعــن بوصفــه رئيــس القائمــة املترشــحة عــن الدائــرة االنتخابية
بقبلــي وال أثرهــا املباشــر على النتائج املص ّرح بها على مســتوى الدائــرة االنتخابية املعنية،
ألي أســاس ســليم مــن الواقــع والقانــون».7 األمــر الــذي يغــدو معــه املطعــن املاثــل فاقــدا ّ
.1القرار الصادر عن الجلسة العامة القضائية للمحكمة اإلدارية في القضية عدد 20195015بتاريخ 4نوفمبر 2019
.2الحكم الصادر في القضية عدد .20194004
.3الحكم الصادر عن الدائرة االستئنافية الثامنة في القضية عدد 20194053بتاريخ 22أكتوبر 2019
.4الحكم الصادر عن الدائرة االستئنافية الثامنة في القضية عدد 20194053بتاريخ 22أكتوبر 2019
.5الحكم الصادر عن الدائرة االستئنافية الثامنة في القضية عدد 20194053بتاريخ 22أكتوبر 2019
.6الحكم الصادر عن الدائرة االستئنافية الثامنة في القضية عدد 20194053بتاريخ 22أكتوبر 2019
.7الحكم الصادر عن الدائرة االستئنافية السادسة في القضية عدد 20194035بتاريخ 22أكتوبر
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 306
أمــا بخصــوص جريمــة اإلشــهار السياســي فقــد انتهــت املحكمــة إلــى عــدم
تو ّفرهــا مســتندة فــي ذلــك إلــى أنّــه «بالرجــوع إلــى تقريــر وحــدة ال ّرصــد الــذي
الصوت ّيــة املصنّفــة
اســتند إلــى تقريــر الهيئــة يتب ّيــن أنّ مضمــون التســجيالت ّ
ّ
للمترشــح حســب املوضــوع لــم يتض ّمــن أ ّيــة إشــارة إلــى توظيــف برامــج لل ّدعايــة
أو حزبــه أو ال ّدعايــة املضــا ّدة شــأنه فــي ذلــك شــأن الومضــة اإلعالنيــة.1»...
توصــل القاضــي إلــى تكييــف الوقائــع ،فــي حــال ثبوتهــا ،علــى أنهــا إخــاالت
غيــر أنّ ّ
ومخالفــات للقانــون االنتخــاب ال ينعكــس بالضــرورة علــى ســامة العمل ّيــة االنتخابيــة
باعتبــار أن ذلــك يتوقــف علــى تقديــر القاضــي لتأثيرهــا الحاســم والجوهــري
علــى نتائــج االنتخابــات عمــا بمقتضيــات الفصــل 143مــن القانــون االنتخابــي.2
ال نجــد تعريفــا محــددا لشــرط التأثيــر الجوهــري ضمــن األحــكام الصــادرة عــن املحكمــة
الصــادرة فــي
اإلداريــة ،غيــر أنّ القاســم املشــترك بــن مختلــف األحــكام والقــرارات ّ
هــذا الشــأن يتمثــل فــي اعتمــاد القاضــي عنــد تقديــره لتأثيــر اإلخــاالت علــى النتائــج
علــى كل املعطيــات املســتمدة مــن املنــاخ العــام للعمليــة االنتخابيــة واســتدالله علــى
ـكل مــا يتوفــر لديــه مــن مالبســات ومؤشــرات ،واســتخالصه للنتائــج بـ ّ
ـكل حــذر. ذلــك بـ ّ
هــذا التعامــل الحــذر جعــل القاضــي يذ ّكرنــا فــي كل مناســبة انتخابيــة بأنــه ال
يقضــي بإلغــاء النتائــج االنتخابيــة إال إذا تضافــرت أمامــه قرائــن جد ّيــة ووقائــع ثابتــة
واملــس مــن نزاهــة العمليــة االنتخابيــة.
ّ ومتواتــرة تفيــد التأثيــر علــى إرادة الناخبــن
ولئــن كرســت املحكمــة اإلداريــة هــذا التوجــه بمناســبة البــت فــي النزاعــات املتعلقــة
بنتائــج االنتخابــات لســنة 2019فإنــه مــن املالحــظ أنّهــا ســعت إلــى إرســاء بعــض املعاييــر
املوضوعيــة والعلميــة التــي تعتمــد فــي تقديــر تأثيــر املخالفــة وذلــك حرصــا منهــا عــن تنزيــه
أحكامهــا ع ّمــا قــد ترمــى بــه مــن اعتباطيــة أو خطــإ فــي التقديــر ،مــن ذلــك مــا اتجهــت
إليــه املحكمــة مــن «أنّ تقديــر مــدى تأثيــر املخالفــة علــى اإلرادة الحقيق ّيــة للنّاخــب بواســطة
الســمعية والبصريــة واإللكترونيــة ال يقتصــر فقــط علــى التث ّبــت مــن معيــار وســائل اإلعــام ّ
األثــر املجــدي باحتســاب الفــارق فــي األصــوات املص ـ ّرح بهــا بــن القائمــات املتنافســة
تفحــص معاييــر تقنيــة للقيــس التــي تضبــط بد ّقــة عــدد األصــوات وإنّمــا يتعــ ّداه إلــى ّ
.1القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 20195023و 20192029بتاريــخ
4نوفمبــر 2019
.2ينــص الفصــل 143مــن القانــون عــدد 16لســنة 2014علــى أن " تتث ّبــت الهيئــة مــن احتــرام الفائزيــن ألحــكام الفتــرة
االنتخابيــة وتمويلهــا .ويجــب أن تق ـ ّرر إلغــاء نتائــج الفائزيــن بصفــة كليــة أو جزئيــة إذا تب ّيــن لهــا أن مخالفتهــم لهــذه
األحــكام أ ّثــرت علــى نتائــج االنتخابــات بصفــة جوهريــة وحاســمة وتكــون قراراتهــا معللــة .وفــي هــذه الحالــة يقــع
إعــادة احتســاب نتائــج االنتخابــات التشــريعية أو البلديــة أو الجهويــة دون األخــذ بعــن االعتبــار األصــوات التــي ت ـ ّم
إلغاؤهــا ،وفــي االنتخابــات الرئاســية يتــم االقتصــار علــى إعــادة ترتيــب املترشــحني دون إعــادة احتســاب النتائــج".
307 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
الســليمةالتــي فســدت بفعــل التّأثيــر فيهــا ومــن ث ـ ّم اســتئصالها مــن جملــة األصــوات ّ
ـي ...،وأ ّنــه
املتحصــل عليهــا فــي النتّائــج حفاظــا علــى نزاهــة وســامة املســار االنتخابـ ّ
ّ
وفــي غيــاب اإلدالء بعناصــر قيــس التّأثيــر املشــار إليهــا بخصــوص ال ّدعايــة اإلشــهار ّية
1
املتنــازع بشــأنها ،يكــون املطعــن املاثــل مج ـ ّردا ومتع ّيــن ال ّرفــض علــى ذلــك األســاس».
وعلــى صعيــد ثــان حســمت الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة االختــاف الــذي
طــرأ علــى مواقــف الدوائــر االســتئنافية بخصــوص عنصــر اإلســناد ومــا يتر ّتــب عنــه مــن
اعتــداد بهويــة الشــخص أو الجهــة املرتكبــة للمخالفــة عنــد تقديــر القاضــي لتأثيرهــا علــى
النتائــج 2بــأن انتهــت إلــى أنّ ثبــوت املخالفــة يســتوجب تو ّفــر ركن إســناد الفعــل املخالف إلى
شــخص مرتكبــه ونســبته إلــى القائمــة املخالفــة وأنّ العبــرة فــي قيــام املخالفــة تكــون به ّويــة
الشــخص املرتكــب للمخالفــة وثبــوت عالقتــه بالقائمــة املخالفــة وليــس بهويــة املنتفــع بهــا.3
اختــزل املشــرع الصالحيــات املخولة للهيئة العليا لالنتخابــات بخصوص نتائج االنتخابات
صلــب الفصــل 143مــن القانــون عــدد 46لســنة 2014بــأن م ّكنهــا مــن إلغــاء نتائــج الفائزين
بصفــة كليــة أو جزئيــة إذا تب ّيــن لهــا أن مخالفتهــم للقانــون أ ّثــرت علــى نتائــج االنتخابــات
بصفــة جوهريــة وحاســمة .وعمــا بقاعــدة «مــن يمكنــه األكثــر يمكنــه األقـ ّـل» فإ ّنــه طاملا كان
بإمــكان الهيئــة أن تتخــذ القــرار الخطيــر القاضــي بإلغــاء نتائــج االنتخابــات فإنــه مــن بــاب
أولــى وأحــرى أنــه بإمكانهــا تعديلهــا جزئيــا علــى النحــو الــذي تراهــا مطابقــا للقانــون.
وفــي هــذا الصــدد وكغيرهــا مــن القــرارات الصــادرة علــى امتــداد العمليــة االنتخابيــة،
تخضــع القــرارات الصــادرة عــن الهيئــة العليا املســتقلة لالنتخابات في إطــار تطبيق أحكام
الفصــل 143ســالف الذكــر بمناســبة التصريــح بالنتائــج إلــى رقابــة القاضــي االنتخابــي
وبالتحديــد قاضــي النتائــج الــذي اعتبــر منــذ انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي لســنة
2011أنّ ســلطاته الرقابيــة ال يمكــن أن تكــون ّ
أقــل امتــدادا مــن تلــك املمنوحــة للهيئــة.
.1الحكم الصادر عن الدائرة االستئنافية الثالثة في القضية عدد 20194024بتاريخ 22أكتوبر 2019
.2يعتبــر التوجــه األول أن املخالفــة يجــب ان ترتكــب مــن رئيــس القائمــة او أحــد اعضائهــا حتــى تكــون مؤثــرة ،مــن ذلــك
مــا انتهــى إليــه الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثالثــة فــي القضيــة عــدد 20194017بتاريــخ 18أكتوبــر ،2019
فــي حــن يعتبــر التوجــه الثانــي أنّ العبــرة فــي تأثيــر املخالفــة تكــون باالســتفادة منهــا بصــرف النظــر عــن مرتكبهــا كمــا
اتجــه إلــى ذلــك الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثالثــة فــي القضيــة عــدد 2019069بتاريــخ 22اكتوبــر .2019
.3القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 20195022و 20195027بتاريــخ
4نوفمبــر 2019
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 308
بنــاء علــى ذلــك ،واعتمــادا علــى فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة املتع ّلــق بنتائــج االنتخابــات
التشــريعية لســنة ،2019نتبــن أن آثــار الرقابــة التــي يســ ّلطها القاضــي علــى النتائــج
يمكــن ان تتبلــور فــي صــور ثــاث تتمثــل إ ّمــا فــي إلغــاء االنتخابــات برمتهــا واإلذن بإعــادة
إجرائهــا ( )1أو بإلغــاء قــرار الهيئــة القاضــي بســحب مقعــد مــن قائمــة مترشــحة وإســناده
إلــى قائمــة أخــرى ( )2أو بتعديــل نتائــج االنتخابــات املصـ ّرح بهــا بإعــادة توزيــع املقاعد (.)3
تعهــدت الدائــرة االســتئنافية الثانيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي إطــار النزاعــات املتع ّلقــة
الطاعنــة خاصــة إلــى خــرق بنتائــج االنتخابــات التشــريعية بطعــن تســتند صلبــه القائمــة ّ
الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات لواجــب الحيــاد عنــد تعيينهــا لرئيــس للهيئــة الفرع ّيــة
لالنتخابــات بأملانيــا .وفــي نطــاق مــا تتمتــع بــه املحكمــة مــن ســلطة فــي مراقبــة تقديــر
الهيئــة للخلــل الــذي شــاب العمليــة االنتخابيــة اعتبــرت الدائــرة أنّ «تشــ ّبث الهيئــة»
بتســمية رئيــس الهيئــة الفرعيــة املعنــي بالرغــم مــن ثبــوت خروجــه عــن الحيــاد وعــدم تق ّيــده
بالنزاهــة واالســتقالل ّية يم ّثــل خــرق واضحــا وصارخــا للمبــادئ الدســتور ّية وألحــكام
القانــون االنتخابــي لتأثيــره علــى نزاهــة العمل ّيــة االنتخاب ّيــة بر ّمتهــا وعلــى شــفاف ّية جميــع
النتائــج املصـ ّرح بهــا علــى نحــو يغنــي عــن البحــث فــي مــدى اقتــراف الشــخص املذكــور
لتجــاوزات خــال فتــرة إشــرافه علــى االنتخابــات موضــوع النــزاع وانتهــت بنــاء علــى
ا وإلغــاء قــرار الهيئــة العليــا املســتق ّلةال وأص ـ ً ذلــك إلــى التصريــح ب َق ُبــول ّ
الطعــن شــك ً
الصــادر بتاريــخ 9أكتوبــر 2019واملتع ّلــق بالتّصريــح بالنّتائــج األ ّول ّيــة لالنتخابــات ّ
لالنتخابــات التّشــريع ّية لســنة 2019كل ّيــا بخصــوص النّتائــج املص ـ ّرح بهــا عــن ال ّدائــرة
االنتخاب ّيــة بأملانيــا وإعــادة االنتخابــات بهــا.1
ولئــن انتهــت الجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة إلــى نقــض الحكــم املذكــور والقضــاء مــن
جديــد بقبــول الطعــن شــكال ورفضــه أصــا ،2فــإن ســندها فــي ذلــك لــم يكــن مؤاخــذة
محكمــة البدايــة مــن أجــل التوســع فــي ســلطاتها ،بــل إنهــا أقــرت خالفــا لذلــك أنّ قاضــي
النتائــج يتمتــع بســلطات واســعة تمكنــه مــن بســط رقابتــه علــى كامــل مراحــل العمليــة
االنتخابيــة ،إ ّال أنهــا اعتبــرت أنّ مــا قـ ّدم مــن مؤ ّيــدات إلــى املحكمــة ال ينهــض دليــا علــى
أنّ رئيــس الهيئــة الفرعيــة قــد أ ّثــر فــي إرادة الناخبــن او فــي نزاهــة العمليــة االنتخابيــة.
الصادر عن الدائرة االستئنافية الثانية باملحكمة اإلدارية في القض ّية عدد 20194061بتاريخ 22أكتوبر .2019
.1الحكم ّ
.2القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة في القضية عــدد 20195025بتاريــخ 4نوفمبر 2019
309 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
الصــورة الثانيــة التــي قــد تتجســم مــن خاللهــا صالحيــات قاضــي النتائــج تتمثــل فــي
إلغــاء قــرار الهيئــة جزئيــا فــي مــا انتهــى إليــه مــن إلغــاء لألصــوات التــي تحصلــت
عليهــا قائمــة مــا ومــا يترتــب عنــه مــن حرمانهــا مــن املقعــد أو املقاعــد املســتحقة بعنــوان
تلــك األصــوات علــى غــرار مــا انتهــت إليــه الدائــرة االســتئنافية الثامنــة باملحكمــة التــي
قضــت «بقبــول الدعــوى شــكال وفــي األصــل بإلغــاء القــرار املطعــون فيــه وتعديــل نتائــج
االنتخابــات التشــريعية لســنة 2019بالدائــرة االنتخابيــة الوحيــدة لواليــة بــن عــروس
وذلــك بإعــادة توزيــع املقاعــد علــى النحــو اآلتــي :قائمــة حركــة النهضــة بــن عــروس:
مقعــدان ( ،)2قائمــة قلــب تونــس :مقعــدان ( ،)2قائمــة الت ّيــار الديمقراطــي :مقعــد وحيــد
( ،)1قائمــة الحــزب الدســتوري الح ـ ّر :مقعــد وحيــد ( ،)1قائمــة ائتــاف الكرامــة :مقعــد
وحيــد ( ،)1قائمــة حــزب ال ّرحمــة :مقعــد وحيــد ( ،)1قائمــة حركــة تحيــا تونــس :مقعــد
وحيــد ( ،)1قائمــة االتحــاد الشــعبي الجمهــوري :مقعــد وحيــد ( ،1»)1وبذلــك قضــت
املحكمــة بإرجــاع املقعــد املحــذوف بموجــب قــرار الهيئــة إلــى حــزب الرحمــة ،وقــد تــم
إقــرار هــذا الحكــم مــن الجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة اســتنادا إلــى عــدم ثبــوت
املخالفــة املدعــى بهــا واملتمثلــة فــي اإلشــهار السياســي باســتعمال وســيلة إعــام خاصــة.2
الصــورة بنتائــج االنتخابــات التشــريعية بالدائــرة االنتخابيــة بالقصريــن، تع ّلقــت هــذه ّ
الطعــن شــكالًإذ انتهــت الدائــرة االســتئنافية الثالثــة 3باملحكمــة إلــى القضــاء «بقبــول ّ
وفــي األصــل بتعديــل نتائــج االنتخابــات التّشــريع ّية لســنة 2019بال ّدائــرة االنتخاب ّيــة
الوحيــدة لواليــة القصريــن ،وذلــك بإعــادة توزيــع املقاعــد علــى النّحــو التّالــي:
قائمــة حركــة النّهضــة مقعــد واحــد ( ،)1قائمــة قلــب تونــس مقعــد واحــد ( ،)1قائمــة
.1الحكم الصادر عن ال ّدائرة االســتئنافية الثامنة بال حكمة اإلدارية في القضية عدد 20194053بتاريخ 18أكتوبر 2019
.2القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 20195023و 20192029بتاريــخ
4نوفمبــر 2019
الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثالثــة باملحكمــة فــي القضيــة عــدد 20194069بتاريــخ 22أكتوبــر 2019
.3الحكــم ّ
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 310
الشــعبي الجمهــوري مقعــد واحــد ( ،)1قائمــة الوفــاء بالعهــد مقعــد واحــد االتّحــاد ّ
( ،)1قائمــة االمتيــاز مقعــد واحــد (،)1قائمــة الحــزب االشــتراكي ال ّدســتوري مقعــد
الشــعب مقعــدواحــد ( ،)1قائمــة حركــة تحيــا تونــس مقعــد واحــد ( ،)1قائمــة حركــة ّ
واحــد ( ،»)1غيــر أنّ الجلســة العامــة القضائيــة قــررت نقــض هــذا الحكــم وإقــرار
النتائــج األوليــة املعلنــة مــن قبــل الهيئــة العليــا لالنتخابــات 1باالســتناد إلــى عــدم توفــر
عنصــر االســناد فــي املخالفــة التــي اســتند إليهــا قاضــي البدايــة لتعديــل النتائــج.
ويتبــن ممــا ســبق أنّ قاضــي النتائــج قــد واصــل النهــج الــذي اتبعــه منــذ انتخابــات
املجلــس الوطنــي التأسيســي بإعمــال ّ
كل الصالحيــات املخولــة لــه غيــر أنّــه يراعــي
عنــد تع ّهــده بهــا خصوصيــة هــذه النزاعــات بالنظــر إلــى صبغتهــا وموضوعهــا وملــا
قــد يكــون لألحــكام الصــادرة بشــأنها مــن أثــر مباشــر علــى الحقــوق األساســية».2
.1القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 20195022و 20195027بتاريــخ
4نوفمبــر 2019
.2الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية السادســة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد 20192002بتاريــخ 14
جــوان ( .2019نزاعــات الترشــحات لالنتخابــات البلديــة الجزئيــة).
311 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
اختــار املشــرع التونســي بعــد الثــورة نظــام تســيير وضبــط ورقابــة إداريــة علــى
االنتخابــات بــأن احــدث هيئــة عموميــة مســتق ّلة اســند لهــا الواليــة العامــة علــى
املــادة االنتخابيــة ورفعهــا إلــى منزلــة دســتورية وهــي الهيئــة العليــا املســتقلة
لالنتخابــات (احــكام الفصــل 126مــن الدســتور) والتــي اشــرفت منــذ ســنة 2011
علــى جميــع املحطــات االنتخابيــة التأسيســية والتشــريعية والرئاســية والبلديــة.
غير أنّ خيار نظام الوالية االدارية املســتقلة على االنتخابات لم يكن دون ضمانات حتى ال
يتح ّول إلى نظام مركزية إدارية للشأن االنتخابي يذ ّكر بالتجربة الديكتاتورية السابقة والتي
كانــت تقــوم على اســناد االدارة الحكوميــة (وزارة الداخلية) الوالية العامة على االنتخابات.
وتعــ ّد الرقابــة القضائيــة اهــم الضمانــات علــى شــرعية اعمــال الهيئــة العليــا املســتقلة
لالنتخابــات فــي كل مــا يتعلــق باملــادة االنتخابيــة.
هــي رقابــة بحكــم طبيعــة الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات كشــخص قانونــي عــام
تخضــع فــي تصرفاتهــا وقراراتهــا لواليــة القضــاء االداري طبــق قواعــد االختصــاص
املحــ ّدد بالقانــون عــدد 40لســنة 1972املتعلــق باملحكمــة االداريــة (علــى غــرار
القــرارات الترتيبيــة الصــادرة عــن الهيئــة فــي مجــاالت تنظيــم وضبــط االنتخابــات).
وهــي كذلــك رقابــة تنــدرج فــي ســياق مفهــوم النــزاع االنتخابــي الــذي حــدده
القانــون االساســي عــدد 16لســنة 2014وضبــط اصنــاف االنتخابــات املعن ّيــة
برقابــة القضــاء( :التشــريعية والرئاســية والبلديــة واالســتفتاء) كمــا حــ ّدد
العمليــات املعن ّيــة بالطعــون االنتخابيــة لــدى القضــاء وهــي :نزاعــات الترســيم
بالســجل االنتخابــي ونزاعــات الترشــح لالنتخابــات ونزاعــات النتائــج االنتخابيــة.
كما أن املش ّرع اعتمد قاعدة توزيع النزاع االنتخابي بني مختلف أصناف القضاء:
• ففــي حــن أســند النــزاع املتعلــق بالترســيم فــي الســجل االنتخابــي للقضــاء العدلــي
علــى درجتــن بالنظــر إلــى حجــم هــذا النــزاع الــذي يتناســب مــع امتــداد القضــاء
العدلــي علــى كافــة االقليــم الوطنــي.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 312
• أســند املشــرع البــت فــي املخالفــات املتعلقــة بتمويــل الحمــات االنتخابيــة إلــى محكمة
املحاسبات ولها سلطة توقيع عقوبات مالية وحتى اسقاط عضوية بالقائمات املترشحة.
• واســند املشــرع فــي االخيــر للقضــاء االداري اختصــاص البــت فــي النزاعــات
املتع ّلقــة بالترشــحات وبالنتائــج االنتخابيــة.
مــا ينبغــي التأكيــد عليــه فــي هــذا املجــال هــو أنّ املنظومــة الرقابيــة علــى العمليــة االنتخابية
التــي جــاء بهــا املشــرع التونســي صلــب القانــون املذكــور تقــوم علــى ثــاث عناصــر مهمة:
• مــن جهــة اولــى :اســناد الســلطة االداريــة (الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات)
البــت
ّ صالحيــات الرقابــة املباشــرة علــى العمل ّيــة االنتخابيــة بواســطة
مباشــرة وعــن طريــق القــرارات االداريــة فــي املجــاالت املحــددة بالقانــون.
• ومــن جهــة ثانيــة :خضــوع القــرارات االداريــة الصــادرة فــي تلــك املجــاالت للرقابــة
القضائية عن طريق نظام طعن خاص على درجتني وطبق اجراءات وشكليات مضبوطة.
• ومــن جهــة ثالثــة :جعــل القــرارات االداريــة الصــادرة فــي املواضيــع املذكــورة
قــرارات وقتيــة إلــى حــن إنقضــاء طــور التقاضــي بخصوصهــا وانصياعهــا
بعــد ذلــك لحجيــة االحــكام الصــادرة امــا بتأييدهــا أو بتعديلهــا أو بابطالهــا.
فمــا يم ّيــز التعهــد القضائــي بالطعــون االنتخابيــة علــى نحــو مــا ضبطــه القانــون عــدد 16
لســنة 2014وبخاصــة لــدى القضــاء االداري:
• نظــام شــكالني صــارم فــي القيــام بالطعــن :ســواء بخصــوص تحديــد صاحــب
املصلحــة فــي القيــام بالطعــن أو االجــراءات املشــ ّددة الواجــب اتباعهــا فــي تكليــف
محــام او فــي اســتدعاء االطــراف أو فــي تحريــر العريضــة او بخصــوص اآلجــال املتبعــة
والتــي تتميــز باالختصــار والســرعة فــي البــت إلــى درجــة غيــر عاديــة (مثلمــا حــدث
فــي االنتخابــات الرئاســية الســابقة ألوانهــا وتزامــن الطعــون لديــه :تشــريعية ورئاســية).
• فــي مقابــل فــرض حياديــة جامــدة علــى القاضــي االداري االنتخابــي :فالقاضــي
االنتخابــي طبــق أحــكام القانــون عــدد 16لســنة 2014لــه وضــع ســلبي ســواء تجــاه
ســير اإلجــراءات فــا يمكنــه اللجــوء إلــى الوظيفــة التوجيهيــة التــي يتمتــع بهــا كقاضــي
شــرعية تمكنــه مــن تصحيــح اجــراءات القيــام واضفــاء املرونــة علــى التشــدد الشــكالني.
كمــا أنّ للقاضــي االنتخابــي وضــع ســلبي تجــاه مســألة االثبــات ودوره التحقيقــي الواســع
الــذي يباشــره عــادة فــي إطــار دعــاوى تجــاوز الســلطة إال أ ّنــه فــي إطــار النــزاع االنتخابــي
يبقــى ســير الدعــوى خاضعــا للقاعــدة العموميــة للقانــون« :البينــة علــى مــن إدعــى».
فــي هــذا الســياق ينــدرج نــزاع النتائــج االنتخابيــة الــذي يمثــل القاضــي االداري
صاحــب الواليــة العامــة علــى هــذا الصنــف مــن الطعــون فــي شــتى أنــواع االنتخابــات.
313 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
فبالنظــر إلــى أهميــة النتائــج االنتخابيــة التــي تعكــس إرادة الناخــب املعلنــة فــي خيــار
مرشــحيه لتولــي الوظائــف السياســية فــي الدولــة فــإن التعامــل معهــا يكــون علــى درجــة
مــن الحساســية.
• فاالعــان عــن النتائــج يفتــرض مقبوليتهــا مــن الكافــة حتــى يتــ ّم ختــم العمليــة
االنتخابيــة بتحقيــق اغراضهــا فــي تعيــن وتحديــد االشــخاص املؤهلــن لتولــي املقعــد
الرئاســي او النيابــي او البلــدي طيلــة الــدورات النيابيــة.
• غيــر أن االعــان عــن النتائــج ال يمثــل مجــرد عمليــة حســابية فــي الجمــع والطــرح
والقســمة وإنمــا هــو طــور تتولــى فيــه الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات التثبــت
االداري مــن ســامة وصحــة االصــوات املدلــى بهــا والتصريــح بنــاء علــى معطيــات
ووثائــق وتقاريــر بالنتائــج االوليــة ثــم فتــح املجــال امــام املعنيــن للطعــن فيهــا امــام
القضــاء االنتخابــي ليتــ ّم بعــد اســتنفاذ هــذا الطــور االعــان عــن النتائــج النهائيــة.
• وقــد أســند املشــرع كال مــن الجهــة االداريــة والجهــة القضائيــة صالحيــات وســلطات
فــي تعديــل والغــاء النتائــج االنتخابيــة:
فلئــن كانــت أحــكام الفصــول 142و 143مــن القانــون االنتخابــي صريحــة فــي تحديــد
ســلطات تعديــل والغــاء نتائــج االنتخابــات وضبــط شــروطها وبيــان اآلثــار املترتبــة عنهــا
وذلــك باســناد هــذه الصالحيــة للهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات فــإن أحــكام الفصل
145مــن نفــس القانــون التــي أســندت للقاضــي االداري واليــة عامــة علــى نزاعــات
النتائــج االنتخابيــة لــم تذكــر أي تفصيــل بخصــوص مباشــرة ذلــك االختصــاص.
إال أنّ ذلــك اليمنــع فــي قــراءة تناســقية للنصــوص املســندة لنفــس االختصــاص
إقــرار مبــدأ التــوازي فــي صيــغ مباشــرة ســلطات تعديــل وإلغــاء نتائــج االنتخابــات
للقاضــي االداري االنتخابــي .وهــو نفــس االســاس والســند القانونــي الــذي يعتمــده
واعتمــده القاضــي االداري وأقـ ّره لنفســه عنــد نظــره فــي مختلــف املحطــات االنتخابيــة.
املالحــظ فــي هــذا الخصــوص أن االطــار التشــريعي فــي مقابــل تقييــد اعمــال صالحيــات
التعديــل وااللغــاء للنتائــج بشــرط حصــول تأثيــر جوهــري مــن وراء االخــاالت
واملخالفــات املرتكبــة إال أنــه لــم يضبــط معاييــر لقيــاس التأثيــر علــى الناخبــن.
فمــن خــال رقابتــه علــى نتائــج مختلــف االنتخابــات بلــور القاضــي االداري االنتخابــي
معيــارا احصائيــا فــي رصــد التاثيــر (املبحــث االول) كمــا اعتمــد معيــارا منطقيــا
(وهوالتناســب) عنــد اللجــوء لاللغــاء (املبحــث الثانــي).
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 314
القابلية للقيس هو شــرط رياضي يحقق جانب كبير من املوضوعية ويراعي االســاس الذي
تقوم عليه العملية االنتخابية برمتها وهي حماية ارادة الناخبني من وراء ادالءهم باصواتهم.
والعمليــة االنتخابيــة خاضعــة للقيــس فــي جميــع مراحلهــا وبخصــوص كافــة مكوناتهــا.
فــا ينبغــي فــي هــذا الخصــوص اغفــال أن هــذا الجفــاف والتجــرد الــذي يوحــي بــه اعمــال
الجانــب االحصائــي الرياضــي يت ـ ّم بمعــزل عــن غايــة أساســية فــي القانــون االنتخابــي
وهــي «حرمــة صــوت الناخــب».
هــذه الحرمــة لصــوت الناخــب مــا فتــئ يذ ّكــر بهــا القاضــي االداري االنتخابــي فــي جـ ّـل
االحــكام لتمييــز وظيفتــه القضائيــة فــي الرقابــة علــى النتائــج وتمييزهــا عــن الوظيفــة
القضائيــة الشــكالنية فــي قضــاء الشــرعية.
فالقاضــي االداري تعامــل بــكل حــذر مــع اعمــال ســلطة الغــاء االصــوات منــذ
انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي :ففــي قــرار الجلســة العامــة القضائيــة
باملحكمــة االداريــة عــدد 98بتاريــخ 7نوفمبــر « :2011ال يســتجيب القاضــي االنتخابــي
لطلــب الغــاء أو تعديــل نتائــج االنتخابــات إال متــى ثبــت لديــه االخــال بقواعــد
اجراءهــا وكان ذلــك االخــال مؤثــرا بصفــة حاســمة علــى نتائــج االنتخابــات».
التوجــه بمناســبات انتخابــات ســنة 2014مــع إضافــة تخصيــص يتعلــق ّ وقــد أكــد هــذا
بحمايــة إرادة الناخبــن :فقــد جــاء مثــا بقــرار الجلســة العامــة القضائيــة 201450002
بتاريــخ 18نوفمبــر « :2014عمــا باحــكام الفصــل 143مــن القانــون االنتخابــي واســتنادا
إلــى مــا داب عليــه فقــه قضــاء هــذه املحكمــة فإنــه اليجــوز إلغــاء نتائــج الفائزيــن إال متــى
مســت املخالفــات املنســوبة لهــم مــن نزاهــة االنتخابــات واخ ّلــت بالتالــي بــاالرادة العامــة».
وفــي انتخابــات ســنة 2019طــ ّور القاضــي االنتخابــي هــذا االســاس لواليــة قاضــي
النتائــج نحــو مزيــد مــن التدقيــق وربطــه باملعيــار االحصائــي :فقــد جــاء بالحكــم
االســتئنافي عــدد 20194106بتاريــخ 22أكتوبــر « :2019إنّ قاضــي النتائــج مؤتمــن
علــى أصــوات الناخبــن وال يقضــي بالغاءهــا إال إذا تب ّيــن لديــه أنّ املخالفــة جســيمة
وفادحــة وكانــت مؤثــرة علــى أصــوات الناخبــن وبعــد أن يتفحــص معاييــر القيــس
املناســبة التــي تمكنــه بــكل دقــة مــن ضبــط عــدد االصــوات التــي فســدت بفعــل
املتحصــل
ّ التأثيــر فيهــا ومــن ثــ ّم اســتئصالها مــن جملــة االصــوات الســليمة
عليهــا املترشــح أو القائمــة املعنيــة حفاظــا علــى نزاهــة وســامة املســار االنتخابــي».
315 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
فاملعيــار االحصائــي يقــوم علــى ضبــط عــدد االصــوات التــي فســدت بفعــل التأثيــر فيهــا
بشــكل منــاف للضوابــط التــي يحددهــا القانــون االنتخابــي.
هــذا املعيــار العــددي كفيــل بــأن يحـ ّدد مــن خــال حجــم االصــوات الفاســدة مــدى جوهرية
املخالفــة ومــن ثمــة تغييــر النتيجــة املتحصــل عليها.
ولقــد بلــور القاضــي االنتخابــي مــن خــال املعيــار العــددي صنفــن مــن املقاييــس
لتحديــد مــدى التأثيــر فــي النتائــج االنتخابيــة :مقيــاس عــددي عــام مســتقل عــن
املخالفــة االنتخابيــة ويعتمــد االصــوات املتحصــل عليهــا (الفقــرة االولــى) ومقيــاس
احصائــي خــاص فــي املخالفــات املتعلقــة باالشــهار السياســي (الفقــرة الثانيــة).
اعتمــد القاضــي االنتخابــي لقيــاس التأثيــر قاعــدة الفــارق فــي االصــوات املتحصــل
عليهــا ومنهــج مقارنــة ك ّمــي للوصــول إلــى وجــود مخالفــة انتخابيــة أو نفيهــا.
وقــد اســتعمل القاضــي االنتخابــي هــذا املعيــار بطريقتــن :طريقــة اولــى ذات صبغــة
افتراضيــة وطريقــة ثانيــة ذات صبغــة تحقيقيــة.
وقد بدأ بتطبيق هذا املقياس العددي منذ انتخابات 2011للمجلس التأسيسي:
• ففــي الحكــم الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة تحــت عــدد 47بتاريــخ 7نوفمبــر
2011اعتمــد القاضــي االنتخابــي بخصــوص رصــد مخالفــة تتعلــق بتغييــر رمــز قائمــة
حــال دون تصويــت فئــة مــن الناخبــن .وقــد انتهــت املحكمــة إلــى أنــه « :لئــن كان
تغييــر الرمــز مــن «قلــة» إلــى «يــد مفتوحــة» مــن شــأنه أن يحــول دون تع ـ ّرف فئــة مــن
الناخبــن علــى القائمــة علــى النحــو املبــن أعــاه فــإن الفــارق بــن عــدد االصــوات التــي
تحصلــت عليهــا قائمــة «العدالــة واملصالحــة» والبالــغ ( )1007صوتــا وبــن عــدد االصوات
الراجــع آلخــر قائمــة فائــزة فــي االنتخابــات بدائــرة املنســتير والبالــغ ( )5219صوتــا
يــدل علــى أن االخــال الــذي اعتــرى الرمــز لــم يكــن لــه تأثيــر حاســم علــى النتائــج».
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 316
• كمــا تواصــل لجــوء القاضــي االنتخابــي لهــذا املقيــاس العــددي فــي بقيــة املحطــات
االنتخابيــة التشــريعية والبلديــة الالحقــة.)2019 - 2018 - 2014( .
هــذا املقيــاس يقــوم علــى قرينــة بــأنّ الفــارق الكبيــر بــن عــدد االصــوات املتحصــل عليهــا
بــن القائمــة الطاعنــة والقائمــة املطعــون فيهــا -و بصــرف النظــر عــن ثبــوت املخالفــة مــن
عدمهــا -يجعــل التأثيــر فــي االصــوات محــدود وال يغ ّيــر مــن النتائــج املتحصــل عليهــا.
وبالتالــي يعفــي القاضــي االنتخابــي مــن الخــوض فــي الوجود املــادي للمخالفــة االنتخابية.
جاء في الحكم االســتئنافي عدد 201420035املؤرخ في 2نوفمبر « :2014وحيث أن الفارق
الكبيــر فــي عــدد االصوات بني القائمــة املدعية والقائمة الفائزة يجعل من املخالفة املفترضة
غير مؤثرة على نتائج االنتخابات بصفة جوهرية وحاسمة على معنى أحكام الفصل ».143
فهــذه القرينــة فــي اعمــال مقيــاس عــدد االصــوات املتحصــل عليهــا ال تنفــي
حــدوث تأثيــر فــي االصــوات لكــن تعتبــر أنّ الفــارق فــي االصــوات ال يغ ّيــر مــن
النتيجــة املتحصــل عليهــا .وبالتالــي فمــن خــال فقــه القضــاء االنتخابــي فــي
هــذه املســألة هنالــك تمييــز بــن التأثيــر فــي االصــوات والتأثيــر فــي النتائــج.
غيــر انّ التســليم بهــذا املعطــى يبقــى غيــر كاف ويجعــل اعمــال هــذا املعيــار غيــر مكتمــل
طاملــا أنــه ال يحــدد بشــكل واضــح عــدد االصــوات التــي تـ ّم التأثيــر فيهــا ومقارنتهــا فــي
مرحلــة ثانيــة بالنتيجــة املتحصــل عليهــا.
فبالرجــوع الــى املثــال املتعلــق بالحالــة التــي نظــرت فيهــا املحكمــة فــي النــزاع
املتعلــق بتغييــر رمــز القائمــة فــي انتخابــات املجلــس التأسيســي بدائــرة املنســتير
املذكــورة اعــاه (الحكــم عــدد 47بتاريــخ 7نوفمبــر )2011فالــذي كان ينقــص هــو
بيــان أن عــدد الفئــة املعنيــة بالتصويــت للقائمــة وهــم االمنيــن املســجلني بالدائــرة
االنتخابيــة باملنســتير ال يتجــاوز عــدد معــن (اعطــاء العــدد بموجــب اجــراء تحقيــق)
وبالتالــي فــإن إضافتهــم لعــدد االصــوات املتحصــل عليهــا مــن القائمــة ومقارنتهــا
بالنتيجــة املتحصــل عليهــا بالدائــرة يعطــي فكــرة أوضــح فــي تطبيــق هــذا املقيــاس.
كمــا أنّ هــذا املعيــار احتــاج إلــى توضيــح مــن قبــل املحكمــة االداريــة بخصــوص املقصــود
بعــدد االصــوات املتحصــل عليهــا .فقــد جــاء فــي الحكــم االســتئنافي عــدد 201420005
بتاريــخ 7نوفمبــر « :2014وحيــث أن التطبيــق الســليم للفصــل 143مــن القانــون االنتخابــي
يقتضــي تقديــر جســامة التاثيــر علــى النتائــج بعــد إحصــاء عــدد االصــوات بالنســبة لــكل
القائمــات وقبــل توزيــع املقاعــد وبالنظــر للفــارق بــن عــدد االصــوات االجمالــي لــكل قائمــة
وليــس عــدد مــا تبقــى مــن االصــوات فــي مرحلــة توزيــع املقاعــد حســب بقايــا االصــوات».
317 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
وتجــدر االشــارة إلــى أنّ قيــاس الفــارق فــي االصــوات املتحصــل عليهــا كان
معيــارا الثبــات حصــول التأثيــر كلمــا كان ضئيــا بــن القائمــات املتنافســة .ففــي
الحكــم عــدد 20194069بتاريــخ 22اكتوبــر 2019اعتبــر القاضــي االنتخابــي أنــه:
«وحيــث مــن جهــة ثانيــة تب ّيــن أن الفــارق فــي عــدد االصــوات املتحصــل عليهــا بــن
القائمــة املدعيــة والقائمــة الفائــزة بالدائــرة االنتخابيــة بالقصريــن هــو 103صوتــا
وهــو فــارق ضئيــل ممــا يجعــل مــن املخالفــة مؤثــرة علــى النتائــج االنتخابيــة بصفــة
جوهريــة وحاســمة مثلمــا درج علــى اعمــال هــذا املعيــار قضــاء هــذه املحكمــة».
مــن جهــة أخــرى ط ّبــق القاضــي االنتخابــي معيــار الفــارق فــي االصــوات ومنهــج املقارنات
االحصائيــة فــي نطــاق اســلوب تحقيقي.
طــ ّور القاضــي االنتخابــي منهــج التقصــي فــي اثبــات التأثيــر فــي االصــوات مــن
خــال اعتمــاد احصــاء االصــوات وتغ ّيرهــا ومقارنتهــا مــن مركــز اقتــراع إلــى آخــر.
وقــد أ ّكــد القاضــي االنتخابــي أنّ املنهــج االحصائــي هــو آليــة لتأييــد ثبــوت املخالفــة
وحصــول التأثيــر بواســطتها مــن عدمــه.
فقــد جــاء فــي الحكــم عــدد 20194069املــؤرخ فــي 22أكتوبــر « :2019وحيــث يقتضــي
التقصــي فــي ثبــوت التأثيــر علــى أصــوات الناخبــن فــي وضعيــة الحــال إضافــة إلــى اقتناع
ّ
املحكمــة بثبــوت الواقعــة التــي حصلــت ...ولتدعيــم تلــك القناعــة فــي تو ّفــر معاييــر أخــرى
ترتبط:مــن جهــة اولــى بعــدد االصــوات املتحصــل عليهــا مــن القائمــة املطعــون ضدهــا علــى
مســتوى مركــز االقتــراع أيــن حصلــت املخالفــة ومقارنتهــا بعــدد االصــوات التــي تحصلــت
عليهــا نفــس القائمــة ببقيــة مركــز االقتــراع فــي الدائــرة االنتخابيــة ...ومــن جهــة ثانيــة
املتحصــل عليهــا بــن القائمــة (الفائــزة) والقائمــة (الطاعنــة).
ّ الفــارق فــي عــدد االصــوات
وحيــث ومــن جهــة أولــى يتبــن مــن خــال تحريــات املحكمــة بخصــوص نتائــج جميــع
مراكــز االقتــراع بمكاتبهــا بمعتمديــة فريانــة أن قائمــة حركــة نــداء تونــس تحصلــت علــى
أكبــر عــدد أصــوات فــي مدرســة «البلــد» وأعلــى نســبة تصويــت بهــا 345 -صوتــا مــن
مجمــوع 925االمــر الــذي يدعــم حصــول التاثيــر علــى النتيجــة فــي املركــز املذكــور».
وهكــذا نالحــظ أنّ القاضــي االنتخابــي يعمــل املعيــار االحصائــي بعــد التثبــت مــن ثبــوت
املخالفــة االنتخابيــة وبالتالــي فلجــوؤه للمعيــار االحصائــي كان مكمــا ومدعمــا لثبوتهــا.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 318
ففــي النــزاع املذكــور تأكــدت املحكمة أوال من خالل جملة من املؤيــدات والقرائن واملحاضر
علــى حصــول مخالفــة خــرق الصمــت االنتخابــي يــوم االقتــراع امــام مركــز اقتــراع بالقيام
بالدعاية لفائدة قائمة .ث ّم بعد ذلك تولت تدعيم حصول التأثير بواسطة املعيار االحصائي.
إلــى جانــب اســتعمال املعيــار االحصائــي بصفــة مســتقلة عــن املخالفــات االنتخابيــة تولــى
القاضــي اســتعماله فــي رصــد مخالفــات االشــهار السياســي.
وفــي هــذا الســياق ذ ّكــر القاضــي االنتخابــي باالطــار التشــريعي والترتيبــي الــذي يســمح
باللجوء لقياس نســب املشــاهدة والجهات املخ ّول لها ذلك .فأحكام الفصل 16من املرســوم
عــدد 116لســنة 2011وكذلــك أحــكام القــرار عــدد 1لســنة 2017املؤرخ فــي 12جوان 2017
الصــادر عــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي والبصري يمثالن الســند في ذلك.
وفــي عالقــة باثبــات التأثيــر فــي أصــوات الناخبــن بواســطة وســائل االعــام البصــري
والســمعي اعتبــرت املحكمــة فــي ذات الحكــم اعــاه أنّ ذلــك يختلــف باختــاف الطــرف
املعنــي باملوضــوع ســواء كانــت الهايــكا أو الهيئــة العليــا لالنتخابــات أو أحــد املترشــحني
لالنتخابــات »:وحيــث يكــون إثبــات وقيــس نســب املشــاهدة واالســتماع وغيرهــا ذات
العالقــة ممكــن ومتــاح ومحمــول علــى االطــراف املشــاركة فــي املســار االنتخابــي ســواء
الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي والبصــري فــي إطــار مباشــرة مهــام الرقابــة والضبــط
علــى وســائل االعــام الســمعية والبصريــة طبــق املرســوم عــدد 116لســنة 2011أو الهيئــة
العليــا املســتقلة لالنتخابــات فــي إطــار تأســيس قراراتهــا بإلغــاء النتائــج طبــق أحــكام
كل صاحــب مصلحــة مــن املترشــحني الفصــل 143مــن القانــون االنتخابــي أو علــى ّ
والقائمــات املشــاركة فــي االنتخابــات وذلــك فــي إطــار تكويــن حججهــا ومؤيداتهــا عنــد
الدفــع بتضررهــا مــن االشــهار السياســي بالتأثيــر علــى الناخبــن بواســطة وســائل
االعــام الســمعية والبصريــة وذلــك أمــام هيئــة االنتخابــات أو أمــام قاضــي النتائــج».
وقــد حــ ّدد قاضــي النتائــج مضمــون املعيــار االحصائــي فــي رصــد مخالفــة االشــهار
السياســي بمناســبة النظــر فــي الطعــون املوجهــة ضــد مرشــحي قائمات حزب قلــب تونس.
وقــد اســتند االدعــاء فــي هــذه القضايــا إلــى انتفــاع القائمــات املذكــورة باشــهار
سياســي عبــر ومضــة اشــهارية تــ ّم عرضهــا علــى قنــاة نســمة التلفزيونيــة بتاريــخ 4
أكتوبــر 2019تــ ّم اعــادة بثهــا 8مــرات دعــت فيهــا زوجــة املترشــح لالنتخابــات
الرئاســية نبيــل القــروي عمــوم الناخبــن للتصويــت فــي االنتخابــات التشــريعية
واعتمــدت ترويجــا ودعايــة غيــر مباشــرة للمترشــحني وتوجيهــا للناخبــن.
وقــد اعتمــد االدعــاء فــي الطعــون املذكــورة صــدور قــرار عــن الهايــكا بتاريــخ 8
أكتوبــر 2019يقضــي بتســليط خطيــة ماليــة قدرهــا 320ألــف دينــار علــى قنــاة
نســمة بخصــوص نفــس الومضــة االشــهارية مــن أجــل االشــهار السياســي.
فــكان موقــف القاضــي االنتخابــي فــي الحكــم عــدد 20194106أن اثبــات حصــول
مخالفــة االشــهار السياســي ال يكــون انطباع ّيــا ذاتيــا بــل موضوعيــا وبنــاء علــى
معاييــر علميــة لقيــس للتأثيــر إذ جــاء بالحكــم« :وحيــث يقتضــي قيــس التأثيــر وضبــط
مــداه الكمــي والجغرافــي فــي النــزاع الراهــن بيــان عــدد متابعــي قنــاة «نســمة» فــي
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 320
فتــرات البــث العــادي وعددهــم فــي فتــرة االنتخابــات كاالدالء بعــدد متابعــي الومضــة
االشــهارية املشــار إليهــا فــي مختلــف فتــرات بثهــا وتصنيــف مختلــف املعطيــات
االحصائيــة املتعلقــة بهــا علــى مســتوى وطنــي وعلــى مســتوى جهــوي ومحلــي».
وانتهــى القاضــي االنتخابــي فــي غيــاب االدالء بعناصــر قيــس التأثيــر املشــار إليهــا
بخصــوص الومضــة االشــهارية املذكــورة أمــام قاضــي النتائــج يكــون املطعــن فــي حصــول
مخالفــة االشــهار السياســي مجــردا ومتع ّيــن الرفــض.
وقــد ط ّبــق قاضــي النتائــج نفــس هــذا املعيــار العــددي بخصــوص مواقــع النــات والتواصل
االجتماعــي فــي الحكــم عــدد 20194024بتاريــخ 22أكتوبــر .2019
بلــور قاضــي النتائــج فــي إطــار رقابتــه علــى ســلطة االلغــاء جملــة مــن االســس
التــي تحــ ّدد اســتعمالها فــي اطرهــا الالزمــة وذلــك علــى ثــاث مســتويات:
أوال :يــكاد قاضــي النتائــج يذ ّكــر فــي جميــع االحــكام الصــادرة عنــه ّ
بمناســبة نظــره فــي الطعــون االنتخابيــة املندرجــة فــي هــذا الصنــف مــن
االنتخابــات أنّ التعامــل يكــون مــع إرادة الناخبــن الــذي هــو مؤتمــن عليهــا.
وبالتالــي فــإنّ اللجــوء إلــى هــذه الســلطة ينبغــي أن يكــون إســتثنائيا
ومحاطــا بجملــة مــن الضمانــات حمايــة لــارادة العامــة ولنزاهــة االنتخابــات.
فقاضــي النتائــج يذ ّكــر بــأنّ منــاط الرقابــة هــي املشــروعية االنتخابيــة القائمــة علــى القاعدة
الشــعبية والجســم االنتخابي.
جــاء بالحكــم االســتئنافي عــدد « :20194024وحيــث أنّ قاضــي النتائــج مؤتمــن علــى
أصــوات الناخبــن وال يقضــي بالغاءهــا إال متــى كانــت املخالفــة جســيمة وفادحــة ومــن
شــأنها التأثيــر بصفــة حاســمة وبشــكل واضــح ومباشــر علــى نتائــج االنتخابــات وهــو
الشــرط االساســي إللغاءهــا».
ثانيــا :يؤ ّكــد قاضــي النتائــج أنّ اســتعمال ســلطة االلغــاء ال ينبــغ أن يتحـ ّول إلــى إجــراء
«عقابــي انتقامــي» تجــاه املخالفــن لالنتخابــات مــن افــراد أو قائمات.مــن خــال التأكيــد
علــى خضــوع هــذه الســلطة إلــى الرقابــة القضائيــة وفــي الحــدود التــي تراعــي مــا قــد
يحــدث مــن تأثيــر علــى إرادة الناخبــن( .الحكــم عــدد 201420005بتاريــخ 7 :نوفمبــر )2014
ويمكــن فــي هــذا الخصــوص التذكيــر بمــا حصــل لقائمــات حــزب العريضــة الشــعبية التــي
فــازت فــي انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي والتي كان اعمال ســلطة االلغــاء تجاهها
والتعســف فــي اســتعمال هــذه الســلطة مــن جانــب هيئــة االنتخابــات.
ّ فيــه كثيــر مــن الغلـ ّو
وقــد ّ
تدخــل القاضــي االنتخابــي إلرجــاع الوضــع إلــى نصابــه وتغليــب منطــق الشــرعية
واملشــروعية االنتخابيــة.
ثالثــا :يؤكــد قاضــي النتائــج علــى تطبيــق قاعــدة اآلثــر النســبي فــي مفعــول التأثيــر فــي
االصــوات بواســطة املخالفــات الجوهريــة.
فالتأثيــر فــي اصــوات الناخبــن ينبغــي أن يراعــي التمييــز فــي نتائجــه بــن
املتحصــل عليهــا.
ّ االصــوات التــي فســدت بفعــل ذلــك التأثيــر واالصــوات الســليمة
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 322
فــإذا كانــت الهيئــة فــي لجوئهــا لســلطة االلغــاء فــي حــال ثبــوت املخالفــة الجوهريــة
ّ
الغــش املتحصــل عليهــا اعمــاال لقاعــدة أن
ّ تســعى إلــى محــو جميــع االصــوات
يفســد كل شــيء فــإن القاضــي االنتخابــي فــي املقابــل يســعى إلــى تحديــد أثــر
املخالفــة فــي االصــوات التــي فســدت فقــط مراعــاة وحمايــة الرادة الناخبــن الســليمة.
جــاء فــي الحكــم عــدد 20194106بتاريــخ 22أكتوبــر « :2019وحيــث أنّ قاضــي النتائــج
مؤتمــن علــى أصــوات الناخبــن وال يقضــي بإلغائهــا إال إذا تب ّيــن لديــه أنّ املخالفــة
جســيمة وفادحــة وكانــت مؤثــرة علــى أصــوات الناخبــن وبعــد أن يتفحــص معاييــر
بــكل دقــة مــن ضبــط عــدد االصــوات التــي فســدت ّ القيــس املناســبة التــي تمكنــه
فيهــا ومــن ثــم اســتئصالها مــن جملــة االصــوات الســليمة املتحصــل عليهــا مــن
قبــل املترشــح او القائمــة املعنيــة حفاظــا علــى نزاهــة وســامة املســار االنتخابــي».
التمشــي مــن شــأنه إلــى جانــب احتــرام إرادة االصــوات الســليمة ّ إن هــذا
التــي أســندت للقائمــة املخالفــة فإنّــه يضمــن كذلــك بعــض الحقــوق للقائمــات
املترشــحة (املخالفــة) بعــد االعــان عــن النتائــج النهائيــة وطــرح االصــوات امللغــاة.
فأحــكام الفصــل 78مــن القانــون االنتخابــي تق ّيــد االنتفــاع بالحصــول علــى منحــة التمويــل
العمومــي بالحصــول علــى عــدد أصــوات فــي الدائــرة االنتخابيــة ال يقـ ّـل عــن 3باملائــة.
وتطبيــق آليــة محــو جميــع االصــوات بفعــل املخالفــة قــد يــؤدي إلــى النــزول بعــدد االصوات
املتحصل عليها إلى دون ال 3باملائة وبالتالي الحرمان من نصاب االنتفاع بالتمويل العمومي. ّ
مــن خــال املنطلقــات واألســس املذكــورة أعــاه ح ـ ّدد القاضــي االنتخابــي ســلطة إلغــاء
النتائــج فــي االصــوات التــي فســدت وحذفهــا مــن إحصــاء االصــوات واســتئصالها مــن
إحصــاء االصــوات املتحصــل عليهــا.
لذلــك فــإنّ املنهــج املذكــور يوصــف بأنــه أقــرب للمضمــون «الجراحــي» .إذ حتــى
ّ
وســجل التعامــل الطبــي. العبــارات واملصطلحــات املســتعملة تدرجــه فــي منطــق
وقد مثل الحكم االستئنافي عدد 20194069املؤرخ في 22أكتوبر 2019سابقة قضائية في
التأسيس لتطبيق تقنيات االلغاء القضائي للنتائج التشريعية على مستوى دائرة إنتخابية.
323 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
وقــد ط ّبــق فيــه القاضــي االنتخابــي قاعــدة التناســب فــي اللجــوء إلــى تقنيــة االلغــاء بنــاء
علــى أحــكام الفصــل 49مــن الدســتور الــذي مثــل تأصيــل الســتعمال تلــك الســلطة علــى
اعتبــار نيلــه مــن حقــوق التصويــت.
جــاء فــي الحكــم املذكــور« :وحيــث إعمــاال لقاعدتــي الضــرورة والتناســب عنــد
النيــل مــن الحقــوق مثلمــا وردت بأحــكام الفصــل 49مــن الدســتور يكــون
جــزء االصــوات الواقــع؟؟ التأثيــر عليــه والقابــل للحــذف فــي حــدود الفــارق
بــن القائمــة االخيــرة فــي الترتيــب والقائمــة التــي تليهــا زائــد صــوت».
وهكذا تتجلى القاعدة املنطقية الذي تأســس عليها التناســب في إلغاء االصوات في صورة
الطعــن فــي نتيجــة القائمــة االخيــرة الفائــزة وهــي :حــذف عــدد االصــوات املتحصــل عليهــا
الــذي يمثــل الفــارق بــن القائمــة االخيــرة الفائــزة بمقعــد والقائمــة التــي تليهــا زائــد صوت.
ففــي الطعــن املضمــن بالحكــم االســتئنافي املذكور تحصلــت القائمة االخيــرة الفائزة بمقعد
بدائــرة القصريــن وهــي قائمــة حركــة نــداء تونــس علــى 2648صوتــا فــي حــن تحصلــت
قائمــة حركــة الشــعب التــي تليهــا فــي عــدد االصــوات املتحصــل عليهــا علــى 2545صوتــا.
فالنتيجــة املتحصــل عليهــا بــن القائمتــن أدت إلــى فــارق فــي االصــوات ب 103صــوت.
وقــد باشــرت املحكمــة ســلطة الغــاء االصــوات علــى النحــو التالــي« :وحيــث بثبــوت املخالفــة
املتحصل عليها لقائمة نداء تونس 104صوتا على ّ املؤثرة يكون طرح االصوات من النتيجة
النحــو الــذي يحــدث تعديــا جزئيــا فــي النتيجة املص ّرح بها على مســتوى دائــرة القصرين
بســحب املقعــد االخيــر الفائــز مــن حركــة نــداء تونــس وإســناده لحــزب حركــة الشــعب».
وتجــدر االشــارة إلــى أنــه لئــن تــ ّم نقــض الحكــم االســتئنافي فــإنّ أســباب النقــض
وأســانيده انبنــت علــى مطاعــن تتعلــق بثبــوت املخالفــة االنتخابيــة .وبالتالــي فــإنّ مــا
تضمنــه الحكــم املذكــور بخصــوص تقنيــات الغــاء النتائــج يبقــى ســابقة قضائيــة يمكــن
أن تؤســس إلجتهــاد قضائــي فــي ضبــط معاييــر ومقاييــس وضوابــط الســتعمال ســلطة
إلغــاء النتائــج مــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات أو مــن قبــل قاضــي النتائــج.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 324
الخالصة
لقــد أثبــت قاضــي النتائــج فــي مختلــف املحطــات االنتخابيــة وخاصة االخيــرة املجراة
البــت االســتثنائية وتحقــق
ّ فــي ســنة 2019أنّ دوره الرقابــي -حتــى ضمــن آجــال
تزامــن بــن صنفــن مــن االنتخابــات (تشــريعية ورئاســية) – ال يقتصــر علــى وضــع
أختــام علــى النتائــج املصــ ّرح بهــا مــن قبــل الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات.
فرغمــا عــن قصــور االطــار التشــريعي والترتيبــي لالنتخابــات فــي تونــس
بلــور القضــاء االداري االنتخابــي جملــة مــن االليــات القضائيــة لضمــان
رقابــة ناجعــة علــى املســار االنتخابــي تحقيقــا للغــرض الديمقراطــي فــي
ســم ّو االرادة الشــعبية ونزاهــة االنتخابــات ومقبوليــة نتائجهــا لــدى الكافــة.
غيــر أنّ هــذا االجتهــاد واملجهــود الــذي يقــوم بــه القاضــي االنتخابــي خاصــة
فــي طــور الرقابــة علــى النتائــج وعلــى اعمــال ســلطة االلغــاء أو التعديــل
عليهــا ينبغــي أن يم ّثــل ســبيال يهتــدي علــى ضــوءه املشــرع فــي إدخــال
التعديــات الالزمــة علــى النصــوص ذات العالقــة باملســار االنتخابــي.
فــي هــذا الســياق ينبغــي توفيــر االطــار املناســب لرقابــة قضائيــة ناجعــة مــن خــال
إدراج إلــزام قانونــي تجــاه جميــع املتداخلــن فــي الشــان االنتخابــي لتوفيــر املعطيــات
وخاصــة تشــريكه فــي الولــوج
ّ الالزمــة وفــي الوقــت املناســب للقاضــي االنتخابــي
لقاعــدة البيانــات الخاصــة بــاالدارة االنتخابيــة مــن دون ان يتوقف ذلــك على طلب منه.
كمــا يتّجــه إتمــام النصــوص التشــريعية والترتيبيــة املتعلقــة بتوفيــر االطــار
املالئــم لقيــاس ورصــد التفاعــل مــع وســائل االعــام ووســائط التواصــل الرقمــي.
ومهمــا يكــن مــن أمــر فــإنّ مبــدأ عــدم كمــال التشــريع فــي االملــام باملحدثــات التــي
تطــرأ وقــد تطــرأ علــى املســار االنتخابــي لــن يمنــع القاضــي االداري االنتخابــي فــي
اســتعمال ملكــة االنشــاء لديــه فــي إيجــاد الشــفرات القضائيــة لفـ ّـك وحـ ّـل االشــكاالت
القانونيــة املســتج ّدة.
325 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
التوصيات
ترتبــط الدعايــة االنتخابيــة ارتباطــا وثيقــا بممارســة حــق االنتخــاب واالقتــراع والترشــح
املكفولــة بالفصــل 34مــن الدســتور فمــن حــق املترشــح أن يســعى إلــى إقنــاع الناخــب
ببرنامجــه االنتخابــي وأفــكاره وآراءه كمــا يحــق للناخــب أن يطلــع علــى مختلــف
التوجهــات السياســية حتــى يتمكــن مــن ممارســة حقــه فــي االقتــراع واختيــار مــن
يم ّثلــه بصفــة ح ـ ّرة دون تأثيــر علــى إرادتــه وهــو مــا يعتبــر جوهــر العمليــة االنتخابيــة.
إ ّال أنّ الرغبــة املفرطــة فــي التأثيــر علــى إرادة الناخــب والتحكــم فــي نتيجــة االنتخابــات
أفضــت إلــى اســتعمال اإلشــهار والتســويق التجــاري للقيــام بالدعايــة السياســية
واالنتخابيــة وهــو مــا أصبــح يعــرف باإلشــهار السياســي ،ويقــول أحــد املختصــن فــي
العلــوم السياســية أ ّنــه مــن بــن أهــم االنتقــادات التــي توجــه عــادة إلــى اإلشــهار السياســي
أ ّنــه يعطــي قيمــة للصــورة أكثــر مــن مناقشــة مشــاكل املواطنــن وهــو مــا يجعلــه قــادرا على
التالعــب والتأثيــر فــي الجمهــور أكثــر مــن إنارته حــول الخيــارات التي يمكن أن يقــوم بها.1
وفــي إطــار حرصــه علــى حمايــة إرادة الناخــب مــن كل تأثيــر وضمانــا لنزاهــة
العمليــة االنتخابيــة كان توجــه املشــرع التونســي ،وخالفا لبعــض التجــارب
املقارنــة مثــل الواليــات املتحــدة األمريكيــة وبريطانيــا ،2نحــو تحجيــر االشــهار
السياســي مــن ناحيــة املبــدأ ومقابــل إجازتــه فــي بعــض الحــاالت االســتثنائية.
وقــد ظهــر مفهــوم اإلشــهار السياســي ألول مــرة فــي املنظومــة القانونيــة فــي تونــس
بمناســبة انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي لســنة ،2011إذ لــم تتضمــن املجلــة
االنتخابيــة لســنة 1969قواعــد تتعلــق باإلشــهار السياســي كمــا لــم يكــن منظمــا صلــب
املرســوم عــدد 35لســنة 2011املــؤرخ فــي 10مــاي 2011املتعلــق بانتخــاب املجلــس الوطني
الـــتأسيسي 1إنمــا بــرز األســاس القانونــي لتحجيــره مــع صــدور قــرار ترتيبــي عــن الهيئــة
العليــا املســتقلة لالنتخابــات ّ
ينظــم الحملــة االنتخابيــة وقــد ارتــأت الهيئــة فــي ذلــك الوقــت
حفاظــا علــى نزاهــة وشــفافية العمليــة االنتخابيــة منــع مــا أســمته بالدعايــة االنتخابيــة
وذلــك قبــل أيــام مــن بدايــة الحملــة االنتخابيــة 2بعــد أن عاينــت اســتعمال بعــض القائمــات
املترشــحة النتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي لوســائط اشــهارية وهــو مــا آل إلــى
طلــب توقيــف تنفيــذ القــرار املذكــور أمــام املحكمــة اإلداريــة إ ّال أنّ املحكمــة رفضــت توقيــف
تنفيــذه مؤسســة قرارهــا علــى تمتــع الهيئــة بســلطة ترتيبيــة فــي مجــال اختصاصهــا.
وقــد اســتعمل مصطلــح االشــهار السياســي ألول مــرة ضمــن املرســوم عــدد 116لســنة
2011املــؤرخ فــي 2نوفمبــر 2011املتعلــق بحريــة االتصــال الســمعي والبصــري وبإحــداث
هيئــة عليــا مســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري.
وكان االشــهار السياســي منطلقــا للعديــد مــن النزاعــات القضائيــة مثــل النــزاع املتعلــق
باســتعمال بعــض القائمــات االئتالفيــة املترشــحة النتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي
لقنــاة تلفزيــة قصــد الترويــج لقائماتهــا ومنــذ ذلــك الحــن بــدأ اإلشــهار السياســي يطــرح
العديــد مــن اإلشــكاالت القانونيــة فــي تونــس خاصــة فيمــا يتع ّلــق بتأثيــره علــى نزاهــة
العمليــة االنتخابيــة.
ومــع صــدور القانــون األساســي عــدد 16لســنة 2014املــؤرخ فــي 26مــاي 2014املتعلــق
باالنتخابــات واالســتفتاء 3وضــع املشــرع جملــة مــن القواعــد القانونيــة املنظمــة لإلشــهار
السياســي تمثلــت باألســاس فــي تحجيــر الفصــل 57مــن القانــون اإلشــهار السياســي فــي
جميــع الحــاالت خــال الفتــرة االنتخابيــة التــي تمتــد علــى فتــرة مــا قبــل الحملــة والحملــة
أي مــا يســاوي شــهرين وواحــد وعشــرون يومــا 4وهــو مــا يعـ ّد فتــرة قصيــرة نســبيا مقارنة
.1املرســوم عــدد 35لســنة 2011املــؤرخ فــي 10مــاي 2011املتعلــق بانتخــاب املجلــس الوطنــي الـــتأسيسي كمــا ت ـ ّم
تنقيحــه باملرســوم عــدد 72لســنة 2011املــؤرخ فــي 3أوت .2011
.2اقتضــي الفصــل 2مــن القــرار الصــادر عــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات املــؤرخ فــي 3
ســبتمبر 2011املتعلــق بضبــط قواعــد وإجــراءات الحملــة االنتخابيــة أنّــه «تمنــع الدعايــة االنتخابيــة
فــي جميــع وســائل اإلعــام بمؤسســات اإلعــام العموميــة والخاصــة ابتــداء مــن 12ســبتمبر .2011
وتعــد دعايــة انتخابيــة اســتعمال املترشــحني أو األحــزاب وســائل اإلعــام أو الوســائط اإلشــهارية الخاصــة
والعامــة بمقابــل مــادي أو مجانــا قبــل تاريــخ انطــاق الحملــة االنتخابيــة لعــرض برامجهــم االنتخابيــة
أو تقديــم بعــض املترشــحني لفائــدة العمــوم ».وقــد انطلقــت الحملــة االنتخابيــة يــوم 1أكتوبــر .2011
.3كمــا تــم تنقيحــه واتمامــه بالقانــون األساســي عــدد 7لســنة 2017املــؤرخ فــي 14فيفــري 2017والقانــون األساســي
عــدد 76لســنة 2019املــؤرخ فــي 30أوت .2019
.4ينــص الفصــل 50فقــرة أولــى (جديــدة) مــن القانــون أساســي عــدد 7لســنة 2017مــؤرخ فــي 14
فيفــري 2017املتعلــق بتنقيــح وإتمــام القانــون األساســي عــدد 16لســنة 2014املــؤرخ فــي 26مــاي 2014
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 328
بالقانــون االنتخابــي الفرنســي الــذي حجــر االشــهار السياســي قبــل ســتة أشــهر مــن يــوم
االقتــراع ،واســتثنى املشــرع صراحــة مــن التحجيــر قيــام الصحــف الحزبيــة بإعالنــات
اشــهار لفائــدة الحــزب أو قائماتــه ومرشــحيه واســتعمال املترشــحني فــي االنتخابــات
الرئاســية وســائط إشــهارية .كمــا س ـ ّلط املشــرع عقوبــة علــى مخالفــة قواعــد االشــهار
نــص الفصــل مــن 154مــن القانــون االنتخابــي أنّ كل مخالفــة ألحــكام السياســي إذ ّ
الفصــل 57مــن القانــون يترتــب عنهــا خطيــة ماليــة مــن 5آالف إلــى 10آالف دينــار.
اليــوم وبعــد قرابــة عشــر ســنوات علــى تحجيــر االشــهار السياســي فــي االنتخابــات
فــي تونــس حــري بنــا أن نقــوم بتقييــم هــذه الخيــارات التشــريعية والتوجهــات
الفقــه قضائيــة فــي هــذا الخصــوص ،وفــي هــذا اإلطــار يمكــن أن نتســاءل إلــى
أي مــدى اتســمت القواعــد املنظمــة لإلشــهار السياســي بالنجاعــة الالزمــة التــي
مــن شــأنها أن تضمــن تحقيــق الهــدف األساســي مــن وضعهــا واملتمثــل فــي
ضمــان صدقيــة نتائــج االنتخابــات وتبــ ّرر املحافظــة علــى تلــك القواعــد أو تعديلهــا؟
فــي العمــوم يمكــن تقييــم نجاعــة القاعــدة القانونيــة مــن زاويتــن أوال مــن حيــث
وضــوح األحــكام املنظمــة لهــا ضــرورة أنّ مبــدأ وضــوح القاعــدة القانونيــة مــن بــن
أهــم املبــادئ القانونيــة التــي تضمــن نجاعــة القاعــدة القانونيــة وثانيــا مــن حيــث
القــدرة علــى تطبيقهــا وانفاذهــا علــى أرض الواقــع ذلــك أنّ غمــوض القاعــدة القانونيــة
مــن شــأنه أن يــؤدي إلــى صعوبــة تطبيقهــا وهنــا يأتــي هنــا دور االجتهــاد الفقــه
قضائــي لتوضيــح نيــة املشــ ّرع وضمــان حســن تطبيــق القاعــدة القانونيــة ونجاعتهــا.1
مــن خــال فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي املــا ّدة االنتخابيــة وخاصــة نزاعــات
االنتخابــات التشــريعية والرئاســية لســنة 2019يمكــن أن نالحــظ عــدم وضــوح علــى
مســتوى مفهــوم اإلشــهار السياســي (املبحــث األول) وهــو مــا أفضــى إلــى صعوبــة
علــى مســتوى انفــاذ وتطبيــق قاعــدة تحجيــر االشــهار السياســي (املبحــث الثانــي).
املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء أنّــه "تفتتــح الحملــة االنتخابيــة أو حملــة االســتفتاء قبــل يــوم االقتــراع
باثنــن وعشــرين يومــا ،وتســبقها مرحلــة مــا قبــل الحملــة االنتخابيــة أو مــا قبــل حملــة االســتفتاء ،وتمتــد
إلــى شــهرين" .وقبــل تنقيــح القانــون االنتخابــي ســنة ،2017امتــدت فتــرة مــا قبــل الحملــة إلــى 3شــهور.
1. "L’efficacité des normes Réflexions sur l’émergence d’un nouvel impératif juridique" Frédéric RouviLLois
Politologue Professeur agrégé de droit public à l’université Paris-V, Working Paper, Novembre 2006,
Fondation pour l’innovation politique.
329 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
يرتبــط مصطلــح االشــهار بامليــدان التجــاري ،وللبحــث فــي مفهــوم االشــهار فــي
القانــون التونســي يجــب الرجــوع إلــى القانــون عــدد 22لســنة 1971املــؤرخ فــي 25
نــص الفصــل األولمــاي 1971املتعلــق بتنظيــم مهنــة عــون االشــهار التجــاري الــذي ّ
أ ّنــه « يعتبــر إعالنــا اشــهاريا علــى معنــى هــذا القانــون العمــل الــذي يتوجــه بواســطته
معلــن إلــى العمــوم عــن طريــق املســتندات االشــهارية ســواء مباشــرة أو بواســطة عــون
اشــهار للتعريــف بمؤسســته أو منتوجاتــه او خدماتــه قصــد تنميــة مبيعاتــه أو خدماتــه».
كمــا يعــ ّرف الفصــل 35مــن القانــون عــدد 40لســنة 1998املــؤرخ فــي 2جــوان 1998
املتعلــق بطــرق البيــع واالشــهار التجــاري االشــهار بأنّــه» تعتبــر إشــهارا علــى معنــى
هــذا القانــون كل عمليــة اتصــال تهــدف بصفــة مباشــرة أو غيــر مباشــرة إلــى تنميــة
بيــع منتوجــات أو إســداء خدمــات مهمــا كان املــكان أو وســائل االتصــال املعتمــدة».
وقــد تولــى املشــرع التونســي تنزيــل هــذا التعريــف فــي املــادة االنتخابيــة وقد بــرز مصطلح
االشــهار السياســي ألول مــرة فــي الفصــل 2مــن املرســوم عــدد 116لســنة 2011املــؤرخ
فــي 2نوفمبــر 2011واملتعلــق بحريــة االتصــال الســمعي والبصــري وبإحــداث هيئــة عليــا
مســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري الــذي عرّفــه بأنّه «كل عملية إشــهار تعتمد أســاليب
وتقنيــات التســويق التجــاري موجهــة للعمــوم تهــدف إلــى الترويــج لشــخص أو لفكــرة أو
لبرنامج أو لحزب أو منظمة سياســية بواســطة قناة إذاعية أو تلفزية حيث تخصص للجهة
املعلنــة جــزءا مــن وقــت البــث التلفــزي أو اإلذاعــي لتعــرض فيــه إعالنــات تســويق سياســي
بمقابــل أو بــدون مقابــل مالــي مــن أجــل اســتمالة أكثــر مــا يمكــن مــن املتلقــن إلــى تقبــل
أفكارهــا أو قادتهــا أو حزبهــا أو قضاياهــا والتأثيــر علــى ســلوك واختيــارات الناخبــن».
وقــد اعتمــد املشــرع علــى نفــس التعريــف تقريبــا ضمــن الفصــل 2مــن القانــون
ـص بأ ّنــه « ّ
كل عمليــة إشهـــــار أو دعايــــــــة بمقابــل مـــادي أو مجــــانا االنتخابــي الــذي نـ ّ
تعتمــــد أســاليب وتقنيــات التسويــــق التجــــــاري ،موجهــــة للعمـــــوم ،وتهـــــــــــــدف
إلــى الترويــج لشــخص أو ملوقــف أو لبرنـــــامج أو لحــزب سياســــــــي ،بغــرض
استمالــــــــة الناخبيــــــــن أو التأثيــــر فــي ســلوكهم واختياراتهــم عبــر وسائــــــل
اإلعـــــــــــام السمعيــــــة أو البصريــة أو املكتوبــة أو اإللكترونيــة ،أو عبــر وســائط
إشــهارية ثابتــة أو متنقلــة ،مركــزة باألماكــن أو الوســائل العموميــة أو الخاصــة».1
.1كما اعتمد القرار عدد 1لسنة 2018املؤرخ في 15فيفري 2018املتعلق بالقواعد السلوكية لإلشهار في وسائل االتصال
الســمعي والبصــري تعريفــا لإلشــهار السياســي يطابــق تقريبــا نفــس التعريــف الــوارد باملرســوم عــدد 116لســنة .2011
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 330
وبمقارنة هذا التعريف بتعريف االشهار التجاري يالحظ أنّ املشرع ولئن اعتمد تعريفا يبدو
مفصــا إ ّال أنــه بقي متســما بعدم الوضوح وذلك بســبب تنوع وتطور تقنيات للوهلــة األولــى ّ
وأســاليب التســويق التجــاري املســتعملة فــي االشــهار السياســي مــن جهة (الفقــرة األولى)
فضــا عــن عــدم وضــوح مضمــون االشــهار السياســي مــن جهــة أخــرى (الفقــرة الثانيــة).
يمثــل اســتعمال أســاليب وتقنيــات التســويق التجــاري أهــم مك ـ ّون مــن مكونــات تعريــف
االشــهار السياســي ،فــكل دعايــة انتخابيــة يســتعمل فيهــا آليــات التســويق التجــاري
يمكــن أن تك ّيــف علــى أنهــا اشــهار سياســي ،ولئــن نــص علــى القانــون االنتخابــي
صراحــة علــى أنّ االشــهار السياســي يعتمــد أســاليب وتقنيــات التســويق التجــاري
إ ّال أنّ هــذا التعريــف ال يــزال غيــر دقيــق وواضــح س ـ ّيما فــي ظــل مــا تشــهده تقنيــات
التســويق التجــاري مــن تنــوع وتطــور خاصــة مــع اســتعمال االشــهار االلكترونــي.
وملحاولــة حصــر هــذه التقنيــات يمكــن الرجــوع إلــى القانــون عــدد 22لســنة
1971املــؤرخ فــي 25مــاي 1971املتعلــق بتنظيــم مهنــة عــون االشــهار التجــاري
نــص فــي الفصــل 2منــه أنّــه «تعتبــر خاصــة مســتندات اشــهارية: ّ الــذي
)1الصحافة.
)2السينما.
)3اإلذاعة والتلفزة.
)4املعلقات املطبوعة أو الضوئية القارة أو املتحركة.
)5الالفتات القارة او املتحركة أو امللتصقة بعربات عمومية أو خاصة.
)6جميــع أدوات النهــوض بالبيوعــات كرســائل االشــهار وقائمــات البضائــع
والنشــريات فــي شــكل أســفار عاديــة أو مطبوعــة.
)7كل األدوات ذات النفــع الحاملــة إلعــام اشــهاري واملوزعــة مجانــا مــن طــرف
التاجــر علــى حرفائــه.
)8املســابقات واأللعــاب التــي ال يقــدم فيهــا املشــاركون مســاهمة ماليــة خاصــة غيــر
اشــتراء كميــة مــن منتوجــات املعلــن.
331 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
يعـ ّد االشــهار السياســي عبــر وسائــــــل اإلعـــــــــــام مــن أهــم أســاليب االشــهار وذلــك
بالنظــر إلــى التأثيــر الكبيــر ملختلــف وســائل االعــام السمعيــــــة أو البصريــة أو املكتوبــة
أو اإللكترونيــة علــى الناخبــن.
• االشهار السياسي عبر وسائل االعالم السمعية والبصرية
حــري بالتذكيــر فــي البدايــة أنّ تحجيــر االشــهار السياســي عبــر وســائل االعــام
الســمعية والبصريــة ال يقتصــر علــى فتــرة االنتخابــات إنّمــا يعــ ّد قاعــدة عا ّمــة تلــزم
جميــع منشــآت االعــام الســمعي والبصــري ،وقــد ك ّرســها املرســوم عــدد 116لســنة
«يحجــر علــى كافــة منشــآت اإلعــام الســمعي ّ ينــص الفصــل 45منــه أنّــه
ّ 2011إذ
والبصــري بــث برامــج أو إعالنــات أو ومضــات إشــهار لفائــدة حــزب سياســي أو
قائمــات مترشــحني ،بمقابــل أو مجانــا .وتعاقــب كل مخالفــة لهــذا التحجيــر بخطيــة
ماليــة يكــون مقدارهــا مســاويا للمبلــغ املتحصــل عليــه مقابــل البــث علــى أن ال تقــل
فــي كل الحــاالت عــن عشــرة آالف دينــار ،وتضاعــف الخطيــة فــي صــورة العــود».
كمــا ينــص الفصــل - 5مطــة 14مــن كــراس الشــروط املتعلق بالحصول علــى إجازة احداث
واســتغالل قنــاة تلفزيــة خاصــة على ضــرورة التزام صاحب اإلجازة بعدم اســتعمال القناة
التلفزيــة لغــرض الدعايــة أو التســويق لصورتــه الخاصــة أو لصــورة غيــره أو لحــزب مــا.
وبمقارنــة تعريــف االشــهار السياســي الــوارد باملرســوم 116يتبــن أنــه يتقاطــع مــع
التعريــف املعتمــد فــي القانــون االنتخابــي إ ّال أنــه اعتمــد مصطلحــات تقنيــة وأكثــر وضوحا
تمثلــت فــي التنصيــص ضمــن الفصــل 2علــى تخصيــص جــزء مــن وقــت البــث اإلذاعــي أو
التلفــزي لعــرض إعالنــات تســويق سياســي كمــا أشــار ضمــن الفصــل 45املذكــور أعــاه
إلــى بعــض أشــكال االشــهار السياســي مثــل بــث برامــج أو إعالنــات أو ومضــات اشــهار
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 332
ولــو أنــه لــم يوضــح بدقــة مختلــف األشــكال التــي يمكــن أن يأخذهــا التســويق السياســي.1
وفــي إطــار ســعيها إلــى تنظيــم االشــهار فــي وســائل االعــام الســمعية والبصريــة أصــدرت
الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي البصــري القــرار عدد 1لســنة 2018املؤرخ فــي 15فيفري
2018املتعلــق بالقواعــد الســلوكية لإلشــهار فــي وســائل االتصــال الســمعي والبصــري
الــذي نــص الفصــل 2نقطــة 8منــه أ ّنــه يمنــع اإلشــهار السياســي ويحجــر علــى األحــزاب
السياســية رعايــة برامــج إذاعيــة وتلفزيــة .وتتمثــل أهميــة هــذا القــرار فــي أ ّنــه عـ ّدد أشــكال
3
االتصــال التجــاري فــي وســائل االتصــال الســمعي والبصــري مــن رعايــة 2ووضــع منتــج
واالشــهار عبــر تقاســم الشاشــة 4والتســويق عبــر الشاشــة 5والربورتــاج االشــهاري ،6وهــو
مــا يمكــن أن يســهل تطبيــق أحــكام االشــهار السياســي مــن طــرف القاضــي االنتخابــي.
ويطــرح االشــهار السياســي عبــر وســائل االعــام إشــكاليات أخــرى نذكــر مــن بينهــا
التمييــز بينــه وبــن التغطيــة اإلعالميــة واشــكالية مــا يســمى بالتشــهير اإلعالمــي أو مــا
يســمى باإلشــهار الســلبي.
وبخصــوص التمييــز بــن االشــهار السياســي والتغطيــة اإلعالميــة فإنّــه يتجــه التأكيــد
علــى أنّ التغطيــة اإلعالميــة ال تعتبــر دعايــة انتخابيــة ومــن بــاب أولــى وأحــرى اشــهارا
سياســيا طاملــا أنهــا محكومــة بجملــة مــن الضوابــط التــي وضعهــا القانــون االنتخابــي
واملتمثلــة الحــق فــي النفــاذ إلــى وســائل االتصــال الســمعي والبصــري لــكل املجموعــات
.1للتعــرف علــى املقصــود مــن «وقــت البــث فــي الحملــة االنتخابيــة» يمكــن الرجــوع إلــى دليــل الحملــة
االنتخابيــة الصــادر عــن املجلــس األعلــى للســمعي والبصــري واللجنــة الوطنيــة لإلعالميــة والحريــات بفرنســا.
« Le temps d’antenne comprend, par exemple, les éditoriaux, revues de presse, commentaires
politiques, débats entre experts et journalistes, reportages et analyses journalistiques. Ces propos, qui
participent incontestablement de la formation de l’opinion politique des citoyens, sont également soumis
au principe d’équité. » Le guide de la Campagnes électorales : tout savoir sur les règles CSA et CNIL .
.2الرعايــة هــي كل مســاهمة فــي شــكل مــادي أو غيــره مــن قبــل مؤسســة عموميــة أو خاصــة فــي تمويــل خدمــات
أو برامــج وســائل اإلعــام الســمعي والبصــري بهــدف الترويــج الســمها أو عالمتهــا أو صورتهــا أو أنشــطتها.
.3وضــع منتــج :هــو أن تتــم اإلشــارة لــه مــن خــال هــذه العالمــة ويتمثــل فــي وضــع منتــوج أو
خدمــات أو إشــارة لهــذا املنتــوج أو لخدمــات أو لعالمــة ضمــن برنامــج بمقابــل مالــي أو غيــره.
.4اإلشــهار عبــر تقاســم الشاشــة هــو كل عمليــة اتصــال تجــاري تبــث بالتــوازي مــع بــث برنامــج تلفــزي مــن خــال
تقاســم فضــاء الشاشــة.
.5التســوق عبــر الشاشــة هــو عمليــة تســويقية مباشــرة عــن طريــق التلفــزة فــي شــكل برامــج تهــدف إلــى البيــع عــن بعــد
ملنتوجــات أو خدمــات بمقابــل مــادي أو غيــره.
.6الربورتــاج اإلشــهاري هــو إشــهار يتخــذ شــكل مضمــون صحفــي يهــدف إلــى تمريــر معلومــات ونصائــح تثمــن
املنتــوج أو الخدمــة أو العالمــة.
333 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
السياســية خــال مرحلــة مــا قبــل الحملــة االنتخابيــة ،وحــق النفــاذ إلــى وســائل االتصــال
الســمعي والبصــري علــى أســاس اإلنصــاف بــن جميــع املترشــحني أو القائمــات
املترشــحة أو األحــزاب خــال الحملــة االنتخابيــة ،فضــا عــن حريــة وســائل االعــام
بتغطيــة الحملــة شــريطة االلتــزام بالحيــاد واملســاواة وتكافــئ الفــرص بــن املترشــحني.
وقــد اقتضــت الفقــرة الثانيــة مــن الفصــل 7مــن القــرار الصــادر عــن الهيئــة العليــا
املســتقلة لالنتخابــات عــدد 8لســنة 2018املــؤرخ فــي 20فيفــري 2018واملتعلــق
بضبــط القواعــد والشــروط التــي يتعــن علــى وســائل االعــام التقيــد بهــا خــال
الحملــة االنتخابيــة وحملــة االســتفتاء أنّــه» يحجــر علــى وســائل االعــام بــث أو نشــر
كل تغطيــة إعالميــة تــؤدي إلــى أي شــكل مــن أشــكال الدعايــة للقائمــات املترشــحة أو
املترشــحني أو األحــزاب ســواء كانــت مباشــرة أو غيــر مباشــرة ،إيجابيــة أو ســلبية».
إ ّال أنّ التغطيــة اإلعالميــة يمكــن أن تطــرح إشــكاال مــن حيــث تكييــف االفــراط فــي
التغطيــة اإلعالميــة أو عــدم التــوازن فــي التغطيــة اإلعالميــة مــن طــرف وســيلة
اعــام لفائــدة حــزب أو مترشــح او قائمــة مترشــحة علــى حســاب متنافســن
آخرين،هــل يمكــن أن يعتبــر اشــهارا سياســيا علــى معنــى القانــون االنتخابــي؟
وبالرجــوع إلــى فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة نتبــن أنّ التغطيــة االعالميــة يمكــن
أن تتســم فــي بعــض الحــاالت بعــدم التــوازن أو تفــاوت كبيــر فــي التغطيــة إ ّال
أنّ ذلــك ال يــؤدي بالضــرورة وفــق القاضــي االنتخابــي إلــى االخــال بمبــدأ
املســاواة وتكافــئ الفــرص خــال تغطيــة الحملــة االنتخابيــة إذا مــا تبــن فــي
املقابــل تمتــع الحــزب املنافــس بنفــس االمتيــاز فــي وســيلة إعالميــة أخــرى 1أو إذا
تع ّلــق االفــراط فــي التغطيــة بالحــزب مقابــل ضعــف التغطيــة بالنســبة لقائماتــه .2
إلــى جانــب مســألة التغطيــة اإلعالميــة ،طــرح اســتعمال وســائل االعــام فــي الحملــة
االنتخابيــة لالنتخابــات الرئاســية لســنة 2019إشــكالية أخــرى تمثلــت فــي التشــهير
االعالمــي ذلــك أنّ االشــهار السياســي يمكــن أن يكــون ســلبيا أو مضادا ،وهــو مــا أشــار
لــه الفصــل 29مــن القــرار املشــترك الصــادر عــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات
والهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي والبصــري املــؤرخ فــي 21أوت 2019كمــا تضمــن
الفصــل 9مــن نفــس القــرار أن تلتــزم وســائل االعــام بتمكــن كل مترشــح تعــرض
للتشــويه أو الثلــب مــن حــق الــر ّد ومــن التصحيــح إن وردت فــي شــأنه معلومــات
خاطئــة مــن شــأنها تضليــل الناخبــن ،ويتــم ذلــك فــي أجــل ال يتجــاوز 24ســاعة مــن
تاريــخ إيــداع املعنــي باألمــر لطلــب كتابــي فــي الغــرض لــدى وســيلة االعــام املعنيــة،
وقــد انتهــت املحكمــة اإلداريــة بهــذا الخصــوص أ ّنــه» وحيــث يتبــن مــن فحــوى املطعــن
الراهــن أنّ نائــب الطاعــن لــم يعــرض وقائــع محــددة ومدعمــة بأدلــة قاطعــة فيمــا ادعــاه
بخصــوص تعــرض من ّوبــه إلــى التشــهير االعالمــي الــذي نــال شــخصه وكرامتــه وحرمتــه،
وهــو مــا حــال دون بســط املحكمــة لرقابتهــا وإعمالهــا للنصــوص املنطبقــة ،فضــا عــن
أنــه لــم ينســب للهيئــة املطعــون ض ّدهــا أي إخــال فــي هــذا املجــال القتصــار مآخــذه
علــى عــدم تدخــل الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي والبصــري حيــال االنتهــاكات
امل ّدعــى بهــا م ّمــا يجعــل مطعنــه مجــ ّردا وحريــا بالرفــض علــى هــذا األســاس».1
إلــى جانــب االشــهار السياســي عبــر وســائل االعــام الســمعية والبصريــة ،يمكــن أن
يكــون االشــهار السياســي عبــر وســائل االعــام املكتوبــة أو االلكترونيــة.
• االشهار السياسي عبر وسائل االعالم املكتوبة أو االلكترونية
أوكل الفصــل 13مــن القــرار عــدد 8لســنة 2018املــؤرخ فــي 20فيفــري 2018واملتعلــق
بضبــط القواعــد والشــروط التــي يتعــن علــى وســائل االعــام التقيــد بهــا خــال الحملــة
االنتخابيــة وحملــة االســتفتاء إلــى الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات مراقبة تغطية وســائل
االعــام املكتوبــة وااللكترونيــة للحملــة بصفــة تلقائيــة أو بنــاء علــى شــكايات تق ـ ّدم إليهــا.
ـص املشــرع الصحــف الحزبيــة بنظــام قانونــي خــاص حيــث خ ـ ّول وفــي هــذا اإلطــار خـ ّ
للصحــف الحزبيــة القيــام بالدعايــة خــال الحملــة االنتخابيــة فــي شــكل إعالنــات إشــهار
لفائــدة الحــزب التــي هــي ناطقــة باســمه واملترشــحني أو القائمــات املترشــحة باســم
الحــزب فقــط ويشــترط فــي هــذه الحالــة أن يتــم تقديــم اإلشــهار بشــكل بــارز يميــزه عــن
بقيــة األخبــار واملقــاالت ،وأن تســبقه أو تعقبــه عبــارة «إشــهار» أو «إعــان» أو «بــاغ»،
فــي حــن تبقــى الصحــف الغيــر حزبيــة مشــمولة بقاعــدة تحجيــر االشــهار السياســي.
وقــد وضعــت الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات وحــدة لرصــد املخالفــات عبــر وســائل
االعــام املكتوبــة وااللكترونيــة.
ـص القانــون االنتخابــي كذلــك علــى منــع اســتعمال الوســائط االشــهارية الثابتــة أو
لقــد نـ ّ
ّ ّ
املتنقلة ،املركزة باألماكن أو الوســائل العمومية أو الخاصة ،إال أنّه مكن اســتثناء املترشــح
فــي االنتخابــات الرئاســية مــن اســتعمال وســائط إشــهارية ،وفــق شــروط تضبطهــا الهيئــة.
وقد وضعت الهيئة العليا املســتقلة لالنتخابات ضوابط الســتعمال املترشــح في االنتخابات
ـص الفصــل 25مــن الرئاســية الوســائط اإلشــهارية الثابتــة أو املتنقلــة أو اإللكترونيــة إذ نـ ّ
قــرار الهيئــة العليــا املســتق ّلة لالنتخابــات عــدد 22لســنة 2019مــؤ ّرخ فــي 22أوت 2019
املتعلــق بضبــط قواعــد تنظيــم الحملــة االنتخابيــة وحملــة االســتفتاء وإجراءاتهــا علــى عــدم
اســتعمال علــم الجمهوريــة التونسـ ّية أو شــعارها ،ومـ ّد الهيئــة بالبيانات املتعلقة بالوســائط
اإلشــهارية املزمــع اســتعمالها ،مثــل حجمهــا وأماكــن تثبيتهــا أو جوالنهــا ،أو عناوينهــا
اإللكترونيــة ،وإزالــة تلــك الوســائط ،أو إيقــاف العمــل بهــا ،قبــل انطــاق فتــرة الصمــت.
كمــا اشــترط بالنســبة إلــى الوســائط اإلشــهارية الثابتــة احتــرام أحــكام القانــون عــدد 12
لســنة 2009املــؤرخ فــي 2مــارس 2009واملتع ّلــق باإلشــهار بامللــك العمومــي للطرقــات
وباألمــاك العقاريــة املجــاورة لــه التابعــة لألشــخاص ،واألمــر عــدد 261لســنة 2010
املــؤ ّرخ فــي 15فيفــري 2010واملتع ّلــق بضبــط شــروط وإجــراءات الترخيــص فــي اإلشــهار
بامللــك العمومــي للطرقــات وباألمــاك العقاريــة املجــاورة لــه التابعــة لألشــخاص ،كمــا
حجــر علــى الغيــر اســتعمال الوســائط اإلشــهارية لفائــدة املترشــحني بمقابــل أو دونــه. ّ
وجديــر بالذكــر أنــه بمناســبة إحــدى القضايــا املطروحــة علــى املحكمــة اإلداريــة ســنة
وضــح القاضــي االنتخابــي املقصــود مــن الوســائط االشــهارية علــى معنــى ّ 2014
القانــون االنتخابــي وم ّيــز بــن االشــهار السياســي والدعايــة االنتخابيــة معتبــرا مثــا
أنّ إكســاء حافلــة بوضــع رقــم القائمــة املترشــحة وشــعار الحــزب املترشــحة باســمه
ال تتوفــر فيــه مقومــات االشــهار السياســي املع ـ ّرف قانونــا وبــأنّ تلــك الحافلــة ال تعــدو
أن تكــون ســوى إحــدى وســائل الدعايــة املســموح بهــا علــى معنــى الفصــل 59مــن
القانــون االنتخابــي .1ومــا يالحــظ انّــه ولئــن تعتبــر الالفتــات القــارة أو املتحركــة او
امللتصقــة بعربــات عموميــة أو خاصــة مــن بــن وســائل االشــهار طبقــا للقانــون عــدد
22لســنة 1971املــؤرخ فــي 25مــاي 1971إ ّال أنّ هــذا لــم يمنــع املحكمــة اإلداريــة
مــن تكييفهــا كدعايــة االنتخابيــة رغــم اســتعمال وســائل التســويق التجــاري،
يمكــن أن يستشــف م ّمــا تقــ ّدم أنّ بعــض وســائل التســويق التجــاري مثــل املنشــورات
واألقــام والدفاتــر وغيرهــا مــن األدوات املوزعــة مجانــا مــن طــرف املترشــحني علــى
الناخبــن يمكــن أن يكــون اســتعمالها فــي الدعايــة االنتخابيــة مقبــوال إذا مــا كان الهــدف
منهــا التعريــف باملترشــح أو القائمــة مــن خــال اإلشــارة إلــى البرنامــج االنتخابــي ورمــز
القائمــة أو شــعار الحــزب واســمه وصــورة املترشــح والرقــم علــى ورقــة التصويــت .فضــا
عــن ذلــك فــإنّ الســماح باســتعمال الوســائط االشــهارية فــي االنتخابــات الرئاســية دون
التشــريعية كمــا هــو الحــال فــي القانــون االنتخابــي ال يجــد مب ـ ّررا منطقيــا لــه وهــو مــا
يســتوجب إعــادة تقييــم هــذه األحــكام إمــا مــن خــال منــع الوســائط االشــهارية فــي جميــع
االنتخابــات إذا مــا كان اســتعمالها يــؤدي إلــى التأثيــر املفــرط علــى الناخــب وهــو مــا مــن
شــأنه التأثيــر علــى نزاهــة االنتخابــات فــي كل الحــاالت أو مــن خالل الســماح باســتعمالها
فــي جميــع االنتخابــات ولكــن مــع الحــرص علــى وضــع ضوابــط تضمــن املســاواة وتكافــئ
الفــرص عنــد اســتعمالها وتشــديد الرقابــة لضمــان احتســابها ضمــن النفقــات االنتخابيــة.
• االشــهار السياســي االلكترونــي :االشــهار السياســي علــى املواقــع االلكترونية
وعلــى شــبكات التواصــل االجتماعي
لقــد مثــل االشــهار السياســي عبــر وســائط الكترونيــة مثــل االشــهار السياســي علــى
املواقــع االلكترونيــة وعلــى شــبكات التواصــل االجتماعــي أهــم وســائل الدعايــة وهــو مــا
م ّثــل أســلوبا جديــدا للدعايــة االنتخابيــة.
تجدر اإلشــارة إلى أنّ تخصيص موقع الكتروني أو صفحة رســمية على شــكات التواصل
االجتماعــي مــن قبــل مترشــح أو قائمــة مترشــحة للدعايــة االنتخابيــة وولوج الناخــب إراديا
إلــى املوقــع االلكترونــي أو الصفحــة الخاصــة بحــزب أو مترشــح أو قائمــة مترشــحة ال
يعـ ّد فــي حـ ّد ذاتــه تســويقا تجاريــا إنمــا يدخــل فــي بــاب الدعايــة االنتخابيــة املشــروعة.
إ ّال أنّ اســتعمال بعــض أســاليب التســويق االلكترونــي مثــل القيــام بعمليــة إشــهار املواقــع
باإلعالنــات حتــى تصــل إلى الصفحة األولى في محركات البحث األخرى 1واشــهار املواقع
بالســيو 2والقيــام بمــا يســمى البــاك لينــك للموقع ونشــره في املواقــع األخــرى واملنتديات أو
طريقــة “ ”Guest Postوالتــي تتمثــل فــي التواصــل مــع مواقــع فــي نفس مجــال وتكتب مقا ًال
عــن موقعــك أو خدماتــك وتدفــع لهــذا املوقــع مقابــل نشــره لهــذا املقــال الــذي يحتــوي علــى
رابــط يشــير إلــى املوقــع وغيرهــا ،كل هــذه الوســائل واألســاليب االلكترونيــة الحديثــة تمثــل
وســائل تســويق يمنــع اســتعمالها فــي الدعايــة أثنــاء الفتــرة االنتخابيــة ضــرورة أنهــا تؤثــر
بصفــة كبيــرة علــى إرادة الناخــب ممــا يمكــن يمــس مــن نزاهــة العمليــة االنتخابيــة ككل.3
أمــا بخصــوص اســتعمال وســائل التواصــل االجتماعــي فإنــه مــن املعلــوم أنّ ماليــن
بشــكل يومــي (فيــس بــوك ،تويتــر،
ٍ املســتخدمني يــزورون مواقع التواصــل االجتماعي
انســتجرام ،ســناب شــات ،يوتيــوب) وهــو مــا يعنــي أن هــذه املنصــات يمكــن أن تمثــل
وســيلة ناجعــة لجــذب الناخبــن إلــى موقــع الحــزب أو املترشــح أو القائمــة والتســويق لهــا.
.3تقريــر حــول مراقبــة الحمــات االنتخابيــة علــى وســائل التواصــل االجتماعــي االنتخابــات التشــريعية والرئاســية
2019جمعيــة عتيــد واملنظمــة الدوليــة للتقريــر عــن الديمقراطيــة.
337 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
هــذا فضــا عــن وجــود بعــض األدوات األخــرى التــي تمكــن مــن إدارة عــدة حســابات
مختلفــة علــى املنصــات االجتماعيــة وتعمــل علــى نشــر املنشــورات فــي مواعيــد محــددة
1
وتســهل مــن مهمــة ربــط املوقــع بشــبكات التواصــل االجتماعــي وتعــود بالتقاريــر التــي
تعكــس أداء املوقــع.
وفــي هــذا اإلطــار تجــدر اإلشــارة إلــى أنّ شــركة «فايســبوك» مثــا وفــي اطــار
الحــرص علــى احتــرام مبــدأ الشــفافية وعــدم التدخــل فــي االنتخابــات توفــر مكتبــة
إعالنــات 2تشــمل سـ ً
ـجل لجميــع املنشــورات السياســية املروجــة الســابقة والحاليــة لــكل
صفحــة مــع إمكانيــة أن يقــدم تقري ـ ًرا مفصـ ًـا مت ًاحــا للعمــوم يســمح ألي شــخص مــن
«استكشــاف وفلتــرة وتنزيــل بيانــات اإلعالنــات ذات الصلــة بالقضايــا االجتماعيــة
واالنتخابــات والسياســة ،واالطــاع علــى إجمالــي املبالــغ التــي تــم إنفاقهــا ،وحجــم
اإلنفــاق حســب معلنــن محدديــن وبيانــات اإلنفــاق حســب املوقــع الجغرافــي ،إ ّال أنّــه
علــى مــا يبــدو فــإنّ هــذه الخدمــة غيــر متوفــرة بصفــة مناســبة بالنســبة لتونــس.3
ـص الفصل 68منه أنّه «تســري وبالرجــوع إلــى القانــون االنتخابــي وفــي هــذا الخصوص نـ ّ
كافــة املبــادئ املنظمــة للحملــة علــى أي وســيلة إعــام إلكترونــي وأي رســالة موجهــة للعموم
عبر وســائط إلكترونية تهدف للدعاية االنتخابية أو املتعلقة باالســتفتاء .وتســري أيض ًا على
املواقــع االلكترونيــة الرســمية ملنشــآت االتصــال الســمعي والبصــري وتقــوم الهيئــة العليــا
املســتقلة لالتصال الســمعي والبصري بمراقبة ذلك ».وهو ما يشــابه ما نصت عليه املجلة
االنتخابيــة الفرنســية 4وقــد اشــترطت الهيئــة بالنســبة إلــى الوســائط اإلشــهارية اإللكترونية
مـ ّد الهيئــة بمــا ُيثبــت تح ّمــل املترشــح لنفقــات دعــم الصفحــات اإللكترونيــة أو الترويــج لها.
يالحــظ مــن خــال هــذ األحــكام أنّ املشــرع وكذلــك التراتيــب الصــادرة عــن الهيئــة لــم
تــول هــذه التقنيــات اإللكترونيــة لإلشــهار السياســي األهميــة الالزمــة ،خاصــة حــن
يتعلــق األمــر بحمــات منظمــة وممنهجهــة علــى وســائل التواصــل االجتماعــي تشــمل
العديــد مــن الصفحــات حتــى غيــر السياســية منهــا فــي نفــس الوقــت وهــو مــا طــرح
العديــد مــن التســاؤالت ،فــي االنتخابــات التشــريعية والرئاســية لســنة ،2019حــول
.3انظــر التقريــر حــول مراقبــة الحمــات االنتخابيــة علــى وســائل التواصــل االجتماعــي االنتخابــات التشــريعية
والرئاســية ،2019جمعيــة عتيــد واملنظمــة الدوليــة للتقريــر عــن الديمقراطيــة.
4. Article L48-1du code électoral français " Les interdictions et restrictions prévues par le présent
code en matière de propagande électorale sont applicables à tout message ayant le caractère de
propagande électorale diffusé par tout moyen de communication au public par voie électronique ".
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 338
مــدى تمكــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات مــن مراقبــة هــذه التقنيــات الجديــدة
لإلشــهار السياســي ومــدى قــدرة القاضــي االنتخابــي علــى تطويــر فقــه قضائــه
تحجــر
للتــاؤم معهــا .وهــو يتطلــب ادراج أحــكام جديــدة ضمــن القانــون االنتخابــي ّ
بصفــة صريحــة هــذه املمارســات وتم ّكــن الهيئــة مــن إحــكام الســيطرة علــى هــذا النــوع
مــن االشــهار السياســي ،فضــا علــى ضــرورة ســعي الهيئــة ملراقبــة مواقــع التواصــل
االجتماعــي إلثبــات وقــوع املخالفــة أوال واتخــاذ التدابيــر الالزمــة مــع الشــركات
املعنيــة لحــذف الصفحــة عنــد االقتضــاء لوضــع حــ ّد لهــذا االشــهار السياســي.
إلــى جانــب اعتمــاد أســاليب وتقنيــات التســويق التجــاري فقــد ع ـ ّرف املشــرع االشــهار
السياســي خاصــة مــن خــال مضمونــه أو الهــدف منــه إذ ب ّيــن أ ّنــه يهـــــــــــــدف إلــى
الترويــج لشــخص أو ملوقــف أو لبرنـــــامج أو لحــزب سياســــــــي ،بغــرض استمالــــــــة
الناخبيــــــــن أو التأثيــــر فــي ســلوكهم واختياراتهــم.
مــا يالحــظ مــن خــال هــذا التعريــف أنــه لــم ينصــص صراحــة علــى إمكانيــة أن يكــون
االشــهار السياســي غيــر مباشــر أو املقنــع ( )1وهــو مــا حــدا بالقاضــي االنتخابــي إلــى
اعتمــاد تأويــل مضيــق ملضمــون االشــهار السياســي(.)2
بالرجــوع إلــى تعريــف االشــهار السياســي فــي القانــون االنتخابــي يتبــن أنــه لــم ينــص
صراحة على أن االشــهار السياســي يمكن أن يكون بصفة غير مباشــرة وذلك على خالف
تعريــف اإلشــهار التجــاري إذ يعــرف الفصــل 35مــن القانــون عــدد 40لســن 1998املــؤرخ
فــي 2جــوان 1998املتعلــق بطــرق البيــع واالشــهار التجــاري االشــهار بأ ّنــه» تعتبر إشــهارا
علــى معنــى هــذا القانــون كل عمليــة اتصــال تهــدف بصفــة مباشــرة أو غيــر مباشــرة إلــى
تنميــة بيــع منتوجــات أو إســداء خدمــات مهمــا كان املــكان أو وســائل االتصــال املعتمــدة».
وبالرجــوع إلــى القــرار املــؤرخ فــي 3ســبتمبر 2011املتعلــق بضبــط قواعــد وإجــراءات
الحملــة االنتخابيــة يتبــن أنــه تع ـ ّرض إلــى الدعايــة االنتخابيــة املقنعــة واالشــهار املقنــع
نــص الفصــل 4علــى أنــه تعــ ّد دعايــة انتخابيــة مقنّعــة تمريــر قائمــة مترشــحة أو إذ ّ
339 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
مترشــح بصــورة متواتــرة مرتــن أو أكثــر فــي اليــوم الواحــد عبــر قنــاة تلفزيــة أو إذاعيــة
وذلــك ســواء ضمــن البرامــج الحواريــة ذات املضمــون السياســي أو ضمــن املســاحات
املخصصــة ملتابعــة نشــاط األحــزاب والفعاليــات السياســية أو أثنــاء النشــرات اإلخباريــة.ّ
كمــا اقتضــى الفصــل 5منــه أنــه يحجــر علــى وســائل اإلعــام العموميــة أو الخاصــة
اللجــوء إلــى اإلشــهار املقنــع خــال الحملــة االنتخابيــة أو خــال الفتــرة املمت ـ ّدة بــن 12
ســبتمبر وتاريــخ انطــاق الحملــة وذلــك مــن خــال التســويق لحــزب معــن أو ملترشــح.
وإنّ اعتمــاد املشــرع هــذا التوجــه املتمثــل فــي عــدم التنصيــص علــى االشــهار
السياســي غيــر املباشــر أو املقنــع فتــح البــاب أمــا التأويــل واالجتهــاد حــول انــدراج
بعــض املمارســات ضمــن االشــهار السياســي خاصــة فيمــا يتعلــق باإلشــهار
السياســي عبــر وســائل االعــام مثــل الظهــور املفــرط ملترشــحني فــي وســائل
االعــام للحديــث عــن مضمــون غيــر انتخابــي أو االشــهار السياســي للحــزب.
ويذكــر فــي هــذا اإلطــار أنــه بمناســبة االنتخابــات الرئاســية لســنة 2014عمــدت شــركة
إشــهار خــال الفتــرة الفاصلــة بــن اإلعــان عــن نتائــج الــدورة األولــى لالنتخابــات
الرئاســية وقبــل انطــاق الحملــة االنتخابيــة للــدورة الثانيــة من نفــس االنتخابــات إلى تركيز
معلقــات فــي العديــد مــن الشــوارع الرئيســية للعاصمــة وضواحيهــا تضمنــت العبــارات
التاليــة «الفقــر املؤقــت الوســخ املؤقــت والعنــف املؤقــت» .وقــد الهيئــة قـ ّدرت أنّ مثــل هــذه
العبــارات تتضمــن إشــارة ضمنيــة إلــى املترشــح للــدور الثانــي وتمثــل تبعــا لذلــك إشــهارا
سياســيا واتخــذت تبعــا لذلــك قــرارا بإزالــة املعلقــات املذكــورة ،كمــا يالحــظ أنّ الهيئــة
العليــا لالتصــال الســمعي والبصــري وفــي إطــار ممارســتها لصالحياتهــا الرقابيــة علــى
وســائل االعــام الســمعية والبصريــة اعتمــدت تأويــا موســعا لإلشــهار السياســي ومثــال
ذلــك أنهــا اســتندت فــي بعــض فــي قراراتهــا إلــى أنّ ثبــوت ارتــكاب مترشــح بصفتــه
رئيــس قائمــة حزبيــة لإلشــهار السياســي املكثــف «ولدعايــة انتخابيــة غيــر مباشــرة مكثفة»
تمثلــت فــي أخــذ الكلمــة فــي إذاعــة ملــدة 67ســاعة و 16دقيقــة خــال الحملــة االنتخابيــة
التشــريعية يتضمــن دعايــة انتخابيــة غيــر مباشــرة ويضمــن الترويــج لبرنامجــه االنتخابي.1
.1الحكــم االســتئنافي عــدد 20194017بتاريــخ 18أكتوبــر « 2019وحيــث يتبــن بالرجــوع إلــى قــرار الهيئــة العليــا
املســتقلة لالنتخابــات املــؤرخ فــي 9أكتوبــر 2019والقاضــي باإللغــاء الكلــي لنتائــج قائمــة حــزب ...فــي دائــرة بــن
عــروس االنتخابيــة أنــه اتخــذ باالســتناد إلــى ثبــوت ارتــكاب املترشــح ...بصفتــه رئيــس قائمــة حــزب ...املترشــحة
فــي تلــك الدائــرة لإلشــهار السياســي املكثــف ولدعايــة انتخابيــة غيــر مباشــرة مكثفــة تمثلــت فــي أخــذ الكلمــة فــي
إذاعــة القــران الكريــم ملــدة 67ســاعة و 16دقيقــة خــال الحملــة االنتخابيــة التشــريعية بمــا تضمــن ذلــك مــن ترويــج
لبرنامجــه االنتخابــي وذلــك بمعــ ّدل 3ســاعات و 19دقيقــة يوميــا خــال كامــل فتــرة الحملــة االنتخابيــة وفــق مــا
تضمنــه تقريــر الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي البصــري املتعلــق بالخروقــات الجســيمة املســجلة فــي تغطيــة الحملــة
االنتخابيــة مــن قبــل إذاعــة ...وتقريرهــا املتعلــق برصــد مخالفــات ضوابــط الصمــت االنتخابــي لالنتخابــات التشــريعية
ليومــي 5و 6أكتوبــر 2019وتقريرهــا املتعلــق بمــدة البــث ومــدة أخــذ الكلمــة فــي إذاعــة ...خــال الحملــة االنتخابيــة».
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 340
كمــا أصــدرت الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي البصــري قــرارات بمعاقبــة أحــد
املؤسســات اإلعالميــة مــن أجــل بــث روبورتاجــات تتضمــن دعايــة وتســويقا لصــورة
صاحبهــا 1وهــو مــا يوضــح مفهــوم االشــهار بالنســبة لهــذه الهيئــة التعديليــة ،إ ّال أنّ
قاضــي النتائــج لــم يســاير هــذا التوجــه واعتمــد تأويــا مضيقــا لإلشــهار السياســي.
اعتمــد القاضــي االنتخابــي مفهومــا ما ّديــا لإلشــهار السياســي وهــو مــا يتماشــى
والتعريــف املنصــوص عليــه بالقانــون االنتخابــي إذ اعتبــر أنّ «الدعايــة املحجــرة...
تتمثــل فــي كل نشــاط يهــدف للتعريــف بالحــزب وحــثّ الناخبــن علــى التصويــت لــه».2
وباالطــاع علــى فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة يتبــن أنّ القاضــي االنتخابــي اعتمــد
تأويــا مضيقــا ملضمــون االشــهار السياســي فــي العديــد مــن الحــاالت ومــن بينهــا:
• توجيــه الدعــوة إلــى عمــوم الناخبــن لح ّثهــم للذهــاب إلــى صناديــق االقتــراع ال يع ـ ّد
إشــهارا سياســيا:
وعلــى هــذا األســاس اعتبــرت املحكمــة أنّ توجيــه الدعــوة إلــى عمــوم الناخبــن لح ّثهــم
للذهــاب إلــى صناديــق االقتــراع ال يعــ ّد إشــهارا سياســيا طاملــا لــم يتضمــن توجيهــا
للناخبــن للتصويــت لفائــدة املترشــح أو القائمــة الحــزب املترشــحة «وحيــث أنــه
بالتثبــت فــي مضمــون الومضــة التحسيســية التــي قامــت بهــا زوجــة رئيــس حــزب...
فــي 4أكتوبــر 2019أي قبــل يــوم الصمــت املوافــق ليــوم 5أكتوبــر 2019واملضمنــة
بقــرار هيئــة االتصــال الســمعي البصــري املنشــور بموقعهــا الرســمي ،يتبــن أنهــا
دعــوة موجهــة إلــى عمــوم الناخبــن لح ّثهــم للذهــاب إلــى صناديــق االقتــراع ولــم تكــن
موجهــة لهــم للتصويــت لفائــدة قائمــة الحــزب املترشــحة بالدائــرة االنتخابيــة بالقيــروان».3
.1قرار مجلــس الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري عــدد 2020 18بتاريــخ 24جــوان ،2020تســليط
خطيــة ماليــة ضــد القنــاة التلفزيــة الخاصــة “ ”...قدرهــا أربعــون ألــف دينــار ( 40.000د) مــن أجل تواصــل بــث تقاريــر
تتضمــن دعايــة وتســويقا لصــورة صاحبهــا ...،كمــا قــرر املجلــس عــدم إعــادة بــث هــذه املضامــن أو اســتغالل جــزء
منهـ�ا وسـ�حبها مـ�ن املوقـ�ع اإللكترونـ�ي الرسـ�مي للقنـ�اة ومـ�ن جميع صفحـ�ات التواصـ�ل االجتماعـ�ي التابعـ�ة لهـ�ا.
• عــدم حضــور عضــو القائمــة فــي وســيلة اإلعــام للدعايــة لشــخصه ولقائمته واملشــروع
الــذي يتبنــاه ينفــي عنــه القيام بإشــهار سياســي.
وقــد اســتندت املحكمــة إلــى عــدم ثبــوت حضــور املترشــح أو عضــو القائمــة بنفســه فــي
االعــام «وحيــث أنّ العقــاب املالــي الــذي تــم تســليطه علــى قنــاة « »...مــن قبــل الهيئــة
العليــا لالتصــال الســمعي البصــري بســبب العــود فــي قيــام حــزب ...باإلشــهار السياســي
ال يقــوم دليــا علــى ارتــكاب رئيــس قائمــة ...بدائــرة القيــروان أو أحــد أعضائهــا ملخالفــة
انتخابيــة وذلــك لغيــاب عنصــر االســناد ضــرورة أنّــه لــم يثبــت حضــور أي منهــم فــي
تلــك الوســيلة اإلعالميــة أو أي وســيلة أخــرى للدعايــة لشــخصه ولقائمتــه واملشــروع
الــذي يتبنــاه خــارج الفتــرة والحيــز الزمنــي املســموح بهمــا فــي القانــون االنتخابــي».1
• ظهــور منشــط مترشــح لالنتخابــات بصفــة مكثفــة فــي وســيلة إعالميــة ال يمثــل اشــهارا
سياســيا إ ّال إذا كان محتــوى تدخالتــه دعايــة انتخابيــة.
إلــى جانــب مــا تميــز بــه مفهــوم االشــهار السياســي مــن عــدم وضــوح فقــد بــرزت صعوبــة
علــى مســتوى تطبيــق القواعــد القانونيــة املتعلقــة بــه.
إنّ ضمــان نجاعــة القاعــدة القانونيــة ال يرتبــط فقــط بوضوحهــا ودقتهــا إنما يرتبــط ارتباطا
وثيقــا بكيفيــة تطبيــق القاعــدة القانونيــة وهــو أمــر موكــول للهيــاكل العموميــة املكلفــة قانونــا
بذلــك وهــي باألســاس فــي موضــوع الحــال الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات املكلفــة
بالســهر علــى حســن ســير كل العمليــة االنتخابيــة والهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي فيمــا
يتعلــق باإلشــهار السياســي فــي وســائل االعــام ولكــن ضمــان تطبيــق القاعــدة القانونيــة
مرتبــط أيضــا بالقاضــي االنتخابــي الذي يمثل الضمان األساســي لحســن تطبيــق القانون.
وفــي هــذا الصــدد جــرى فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة علــى أنّ الصالحيــة املخولــة
للهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات فــي إلغــاء نتائــج الفائزيــن ســواء بصفــة كليــة
أو جزئيــة تســتوجب ثبــوت ارتكابهــم ملخالفــات تتعلــق بالفتــرة االنتخابيــة ومــن
بينهــا االشــهار السياســي أو تمويــل الحملــة االنتخابيــة وتأثيــر هــذه املخالفــات
جــرى عمــل القاضــي االنتخابــي علــى التثبــت مــن ماد ّيــة االختــاالت امل ّدعــى بهــا وصحــة
وجودهــا وذلــك قبــل أن يتولــى تكييفهــا وتقديــر مــدى تأثيرهــا علــى نتائــج االنتخابــات.2
لقــد بــرز مــن خــال فقــه قضــاء املحكمة اإلداريــة الصــادر بمناســبة االنتخابات التشــريعية
والرئاســية لســنة 2019وجــود صعوبــات علــى مســتوى اثبــات ارتــكاب مخالفــة االشــهار
السياســي فــي بعــض الحــاالت ذلــك أنّ اثبــات مخالفــة االشــهار السياســي وكغيرهــا مــن
املخالفــات النتخابيــة يتطلــب فــي مرحلــة أولــى اثبــات صحــة الوقائــع التــي تأسســت عليهــا
املخالفــة ( )1ثــم تكييــف تلــك الوقائــع الثابتــة على انها إشــهار سياســي على معنــى القانون
االنتخابي )2( .وأخيرا إثبات اســناد االشــهار السياســي لقائمة مترشــحة أو مترشــح (.)3
إنّ اثبــات ارتــكاب مخالفــة االشــهار السياســي يســتوجب بصفــة أوليــة إحــكام
مراقبــة الحملــة االنتخابيــة التــي يقــوم بهــا األحــزاب واملترشــحون أو القائمــات
املترشــحة بهــدف تكويــن وســائل اثبــات لهــا حجيــة يمكــن علــى أساســها اثبــات
صحــة الوقائــع التــي ســتكون أساســا لتســليط لعقوبــات القانونيــة علــى املخالفــن.
وتتميــز الرقابــة علــى مخالفــة أحــكام االشــهار السياســي بكــون الهيئــة العليــا لالتصــال
الســمعي البصــري هــي املختصــة بمراقبــة االشــهار السياســي عبــر وســائل االعــام فــي
حــن تختــص الهيئــة العليا املســتقلة لالنتخابات بمراقبة االشــهار السياســي عبر الوســائط
االشــهارية ،وهــو مــا حــدى بالهيئــة العليا املســتقلة لالنتخابات إلى الر ّد فــي بعض القضايا
علــى املطعــن املتعلــق بعــدم اتخاذهــا لإلجــراءات القانونيــة الالزمــة بــأنّ إختصــاص مراقبة
وســائل االعالم وتســليط العقوبات عليها يرجع للهيئة العليا لالتصال الســمعي والبصري.1
إ ّال أنّ هــذه الرقابــة تطــرح كذلــك بعــض الصعوبــات األخــرى علــى مســتوى مراقبتهــا
واثبــات ارتــكاب املخالفــات مثــل اإلشــهار السياســي االلكترونــي إذ يتضــح باالطــاع
علــى بعــض األحــكام وجــود صعوبــة فــي مراقبــة واثبــات مخالفــة االشــهار السياســي
االلكترونــي فقــد اعتبــرت املحكمــة فــي إحــدى أحكامهــا أنّ توجيــه مراســلة للهيئــة للفــت
نظرهــا الرتــكاب اشــهار سياســي علــى موقــع الكترونــي ال يكفــي إلقامــة الدليــل علــى جدية
وجههــا حــزب ...إلــى الهيئــة العليا املســتقلة لالنتخابات االدعــاء «وحيــث أنّ املراســلة التــي ّ
بتاريــخ 3أكتوبــر 2019للفــت نظرهــا إلــى املخالفــة املذكــورة أعــاه ال تكفــي إلقامــة الدليــل
علــى جديــة هــذا االدعــاء كمــا أنّ نائــب امل ّدعــي أدلــى أيضــا بصــورة لصفحــة مــن موقــع
الكترونــي تضمنــت شــعار «انتخــب ...بــاش صوتــك مــا يمشــيش خســارة «دون ذكــر
عنــوان املوقــع اإللكترونــي الــذي وردت بــه أو تاريــخ نشــره أو تحديــد هويــة ناشــرها ومــدى
ارتباطهــا رســميا بالحــزب املطعــون فــي قائمتــه أو مــدى تأثيرهــا علــى إرادة الناخبــن
بالدائــرة االنتخابيــة الثانيــة لواليــة بــن عــروس بمــا يجعــل ادعاءاتــه مجــ ّردة وفاقــدة
لإلثباتــات الالزمــة ،ويكــون مــا تمســك نائــب امل ّدعــي بخــرق الهيئــة لألحــكام املتعلقــة
باإلشــهار السياســي فــي غيــر طريقــه ،ويتّجــه لــذاك رفــض هــذا الفــرع مــن املطعــن».2
صحــة الوقائــع التــي تأسســت عليهــا مخالفــة االشــهار السياســي ال تكفــي إنّ اثبــات ّ
فــي حـ ّد ذاتهــا إلثبــات ارتــكاب مخالفــة االشــهار السياســي إذ يجــب تكييفهــا علــى ـــأنها
اشــهار سياســي علــى معنــى القانــون االنتخابــي.
مــا يالحــظ مــن خــال األحــكام املنظمــة للدعايــة بوســائل االعــام 1أنّهــا تلــزم وســيلة
االعــام بتحجيــر االشــهار السياســي تلــزم الوســيلة اإلعالميــة دون بيــان تأثيرهــا علــى
نتائــج املترشــح ،وهــو مــا قــد يبــدو مــن املفارقــات وقــد آل األمــر فــي بعــض الحــاالت
إلــى صــدور عقوبــة ض ـ ّد املؤسســة اإلعالميــة بســبب قيامهــا بإشــهار سياســي دون أن
تتخــذ الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات قــرارا بإلغــاء نتيجــة املترشــح املعنــي وذلــك بنــاء
علــى الســلطة التقديريــة التــي تتمتــع بهــا فــي مجــال تقديــر التأثيــر الحاســم والجوهــري
علــى النتائــج أو دون أن ينتهــي القاضــي االنتخابــي إلــى تكييفــه كإشــهار سياســي.
وقــد انتهــت املحكمــة االداريــة إلــى أنّ «تكييــف الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال
الســمعي والبصــري للمخالفــات االنتخابيــة علــى النحــو الــوارد بتقريرهــا ال يقيــد
القاضــي االنتخابــي الــذي لــه صالحيــة بســط رقابتــه علــى مــدى صحــة ذلــك التكييــف».2
وقــد ذ ّكــر القاضــي االنتخابــي فــي إحــدى القضايــا بــأنّ القــرارات الصــادرة عــن
الهيئــات املســتقلة تتمتــع بقرينــة الشــرعية ،إ ّال أنّ ذلــك ال يتنافــى وخضوعهــا إلــى رقابــة
القاضــي اإلداري فــي خصــوص تكييــف مــا تضمنتــه مــن معطيــات ووقائــع 3وهــو مــا
يحيلنــا إلــى التســاؤل حــول تأثيــر رقابــة الشــرعية التــي يمارســها القاضــي اإلداري
علــى طبيعــة الرقابــة التــي يمارســها القاضــي االنتخابــي فــي املــادّة االنتخابيــة.
بالرجــوع إلــى فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة يتبــن أنّ تســليط الهيئــة العليــا لالتصــال
الســمعي والبصــري لعقوبــة علــى الوســيلة اإلعالميــة التــي رصــدت مخالفتهــا لألحــكام
املتعلقــة بتحجيــر االشــهار السياســي لــم يمثــل بالنســبة للمحكمــة وســيلة اثبــات كافيــة
لقيــام املترشــح أو القائمــة املترشــحة املعنيــة بذلــك بمخالفة االشــهار السياســي إذ اعتبرت
املحكمــة «وحيــث أنّ العقــاب املالــي الــذي تــم تســليطه علــى قنــاة « »...مــن قبــل الهيئــة
العليــا لالتصــال الســمعي البصــري بســبب العــود فــي قيــام حــزب ...باإلشــهار السياســي
ال يقــوم دليــا علــى ارتــكاب رئيــس حــزب ...بدائــرة القيــروان أو أحــد أعضائهــا ملخالفــة
.1منع الفصل 29من القرار املشــترك بني الهيئة العليا املســتقلة لالنتخابات والهيئة العليا املســتقلة لالتصال الســمعي
والبصــري املــؤرخ فــي 2أوت 2019واملتعلــق بضبــط القواعــد الخاصــة بتغطيــة الحملــة االنتخابيــة الرئاســية والتشــريعية
بوســائل اإلعالم واالتصال الســمعي والبصري وإجراءاتها ،توظيف املنشــآت اإلعالمية من قبل أصحابها أو املســاهمني
فيها أو من قبل ذوي العالقة الثابتة للدعاية املباشــرة أو غير املباشــرة للمترشــحني منهم أو للدعاية املضادة ملنافســيهم،
فــي حــن نـصّ الفصــل 30مــن نفــس القرار على التزام وســائل اإلعالم بمنع ظهور كل من ترشــح من املنشــطني ومحرري
األخبــار ومقدمــي البرامــج والصحفيــن واملســؤولني التابعــن لهــا ،صــورة أو صوتــا ،ببرامجهــا اإلذاعيــة والتلفزية خالل
املخصصــة للقائمــات املترشــحة .كمــا تلتــزم بعــدم تكليــف أعوانهــا الذيــن
ّ الحملــة االنتخابيــة ،وذلــك فــي غيــر املســاحات
يباشــرون مهامـ ًا تحرير ّيــة والذيــن ترشــحوا أو أعلنــوا ترشــحهم لالنتخابات بمهــام لها عالقة بالتغطيــة اإلعالمية للحملة.
.2الحكم االستئنافي عدد 20194053بتاريخ 21أكتوبر 2019
.3الحكم االستئنافي عدد 20194078بتاريخ 22أكتوبر 2019
345 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
انتخابيــة وذلــك لغيــاب عنصــر االســناد ضــرورة انّــه لــم يثبــت حضــور أي منهــم فــي
تلــك الوســيلة اإلعالميــة أو أي وســيلة أخــرى للدعايــة لشــخصه ولقائمتــه واملشــروع
الــذي يتبنــاه خــارج الفتــرة والحيــز الزمنــي املســموح بهمــا فــي القانــون االنتخابــي».1
كمــا اعتبــرت فــي قضيــة أخــرى أ ّنــه «وحيــث يتبــن باالطــاع علــى املخالفــات التــي تـ ّم على
أساســها تســليط العقوبــات املذكــورة أعــاه أنهــا ال ترمــي إلــى التأثيــر علــى إرادة الناخبني
بحثهــم علــى التصويــت لفائــدة القائمــة املطعــون فــي نتائجهــا وهــي ال تعـ ّد بالتالي اشــهارا
سياســيا وال تقــع تحــت طائلــة التحجيــر املنصــوص عليــه باألحــكام الســالفة الذكــر».2
ورغــم أنّ الفصــل 30مــن القــرار املشــترك بــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابات والهيئــة
العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري املــؤرخ فــي 2أوت 2019واملتعلــق بضبــط
القواعــد الخاصــة بتغطيــة الحملــة االنتخابيــة الرئاســية والتشــريعية بوســائل اإلعــام
نــص التــزام وســائل اإلعــام بمنــعواالتصــال الســمعي والبصــري وإجراءاتهــا علــى ّ
ظهــور كل مــن ترشــح مــن املنشــطني ومحــرري األخبــار ومقدمــي البرامــج والصحفيــن
واملســؤولني التابعــن لهــا ،صــورة أو صوتــا ،ببرامجهــا اإلذاعيــة والتلفزيــة خــال
املخصصــة للقائمــات املترشــحة. ّ الحملــة االنتخابيــة ،وذلــك فــي غيــر املســاحات
إ ّال أنّ املحكمــة اعتبــرت أنّ تمكــن امل ّدعــي بصفتــه مترشــحا لالنتخابــات التشــريعية
مــن الظهــور كمق ـ ّدم برامــج خــال الحملــة االنتخابيــة يع ـ ّد مخالفــة تنســب إلــى اإلذاعــة
املذكــورة ويعاقــب عليهــا وفقــا ألحــكام التشــريع املتعلــق باالتصــال الســمعي البصــري،
إ ّال أنّ ذلــك ال يكــون مبــررا إللغــاء نتيجــة االنتخابــات التــي تحصــل عليهــا إ ّال متــى اقتــرن
ظهــوره بالقيــام باإلشــهار السياســي والدعايــة االنتخابيــة بصــورة ثابتــة وأ ّدى ذلــك إلــى
التأثيــر علــى إرادة الناخبــن تأثيــرا حاســما وجوهريــا .3ومــا يمكــن أن يعــاب علــى املحكمــة
فــي هــذا الحكــم اعتبارهــا أنّ ظهــور مقــدم برامــج يع ـ ّد مخالفــة وفقــا للتشــريع املتعلــق
باالتصــال الســمعي البصــري فــي حــن أنّــه يعــ ّد مخالفــة كذلــك علــى معنــى القواعــد
الخاصــة بتغطيــة الحملــة االنتخابيــة الرئاســية والتشــريعية بوســائل اإلعــام واالتصــال
الســمعي والبصــري املنصــوص عليهــا بالفصــل 30املذكــورة أعــاه .وكأن باملحكمــة تعتبــر
املخالفــات املرتكبــة مــن وســائل االعــام منفصلــة وال تأثيــر لهــا علــى املخالفــات املرتكبــة
مــن املترشــحني بخصــوص الوقائــع ذاتهــا وهــو مــا يطــرح ســؤاال حــول الجــدوى مــن
منــع ظهــور مقــدم البرامــج املترشــح حتــى دون أن يكــون محتــوى تدخلــه دعايــة انتخابيــة
إن لــم يكــن خوفــا مــن تأثيــره علــى املشــاهد خاصــة إذا كان الظهــور بصفــة مكثفــة.
وفــي نفــس الســياق انتهــت الجلســة العامــة القضائيــة إلــى أنّــه «بتفحــص تقريــر
الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي والبصــري يتبــن أنّ هــذه األخيــرة اســتخلصت
ارتــكاب املطعــون ض ـ ّده مخالفــة االشــهار السياســي مــن خــال توظيــف البرامــج ذات
الصبغــة الدينيــة للترويــج إلــى خيــاره السياســي والدعايــة املضــادة دون بيــان الصلــة
بــن املخالفــة املرتكبــة مــن ناحيــة والترويــج لشــخص املطعــون ض ـ ّده أو خيــارات حزبــه
أو برنامجــه الحزبــي ومضمــون الدعايــة املضــادة واألطــراف املعنيــة بهــا مــن ناحيــة
أخــرى خاصــة وأنــه بالرجــوع إلــى تقريــر وحــدة الرصــد الــذي اســتند إليــه تقريــر
الهيئــة يتبــن أنّ مضمــون التســجيالت الصوتيــة املصنفــة حســب املوضــوع لــم تتضمــن
أيــة إشــارة إلــى توظيــف برامــج للدعايــة للمترشــح أو حزبــه أو الدعايــة املضــادة
شــأنه فــي ذلــك شــأن مضمــون الومضــة االعالنيــة التــي تــم بثهــا يومــي 5و 6أكتوبــر
2019بالتواتــر وملــدة 24مــرة طــوال الظهيــرة تحــت عنــوان «أيــن أنــت يــا شــعب».1
مــن خــال األمثلــة التــي تــم اســتعراضها أعــاه يمكــن أن نســتنتج أنّ تكييــف
الوقائــع الثابتــة علــى أنهــا إشــهار السياســي علــى معنــى القانــون االنتخابــي يخضــع
للســلطة تقديريــة للهيئــة العليــا املســتقلة للســمعي والبصــري والهيئــة العليــا املســتقلة
لالنتخابــات إ ّال أنّ التكييــف الــذي يلــزم جميــع األطــراف هــو التكييــف الــذي يقــوم
بــه القاضــي االنتخابــي عنــد ممارســته الرقابــة القضائيــة علــى كل هــذه العمليــة.
يمثــل اثبــات عنصــر االســناد أحــد اإلشــكاليات أو الصعوبــات التــي يطرحهــا االشــهار
السياســي فإلــى جانــب اثبــات الوقائــع وتكييفهــا علــى أنهــا اشــهار سياســي علــى معنــى
القانون االنتخابي فإنّه يجب اثبات أنّ هذا االشهار يسند إلى مترشح معني أو قائمة معينة.
وقــد بــرز هــذا الشــرط فــي فقــه القضــاء منــذ ســنة 2014إذ انتهــت املحكمــة إلــى رفــض
املطعــن بخصــوص تولــي قائمــة مترشــحة توجيــه ارســاليات قصيــرة تدعــو فيهــا املواطنــن
للتصويــت لفائدتهــا مســتندة إلــى «أنّ مــا تمســك بــه نائــب امل ّدعــي مــن ورود إرســالية
قصيــرة علــى الهاتــف الجــوال إلحــدى الناشــطات غيــر املنخرطــات بالحــزب مــن الهاتــف
الجــوال رقــم ،...ال ينهــض دليــا قاطعــا علــى نســبة رقــم الهاتــف الجــوال الصــادرة
منــه االرســالية إلــى الحــزب ممــا يجعــل ادعــاءه مجــ ّردا وفاقــدا لإلثباتــات الالزمــة».2
.1القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي نزاعــات نتائــج االنتخابــات التشــريعية فــي
القضيتــن عــدد 20195023و 20195929بتاريــخ 4نوفمبــر 2019
.2الحكم االستئنافي عدد 201420018بتاريخ 8نوفمبر 2014
347 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
وقــد انتهــت املحكمــة لعــدم ثبــوت ارتــكاب قائمــة إلشــهار سياســي عبــر وســائل
االعــام رغــم ثبــوت قيــام الحــزب الــذي ترشــحت باســمه بتلــك املخالفــة وذلــك
لغيــاب عنصــر االســناد ضــرورة انّــه لــم يثبــت حضــور أي منهــم فــي تلــك الوســيلة
اإلعالميــة أو أي وســيلة أخــرى للدعايــة لشــخصه ولقائمتــه واملشــروع الــذي
يتبنــاه خــارج الفتــرة والحيــز الزمنــي املســموح بهمــا فــي القانــون االنتخابــي.1
كما اعتبرت الجلســة العامة القضائية بمناســبة نزاع طرح عليها في نزاعات نتائج الدورة
األولــى لالنتخابــات الرئاســية أنــه « بالرجــوع إلــى محضــر معاينــة الصفحــة املفتوحة على
مواقــع التواصــل االجتماعــي تحــت اســم «شــباب تونــس» املدلــى بــه مــن الطاعــن واملحــرر
مــن عــدل التنفيــذ ،...أنهــا جــاءت بتاريــخ الحــق لإلعــان عــن النتائــج األوليــة لالنتخابــات
الرئاســية ،عــاوة علــى أنــه لــم يثبــت مــن مضمــون املعاينــة وجود عالقــة بني املطعــون ض ّده
الثانــي والصفحــة االلكترونيــة املحتــج بهــا ،بمــا يجعــل الحجــة املقدمــة واهيــة ومجـ ّردة».2
وقــد طرحــت علــى املحكمــة االداريــة بمناســبة الطــور االبتدائــي لالنتخابــات التشــريعية
واقعــة تمثــل فــي تمســك امل ّدعــن فــي ع ـ ّدة قضايــا متشــابهة مــن حيــث الوقائــع تمثلــت
فــي قيــام حــزب بالدعايــة االنتخابيــة بعديــد الصفحــات االلكترونيــة مثــل موقــع الكترونــي
معــروف وكذلــك بالصفحــات االشــهارية املدعمــة عبــر شــبكات التواصــل االجتماعــي
وهــو مــا يع ـ ّد وفــق الجهــات امل ّدعيــة مــن قبيــل االشــهار السياســي .وقــد دفعــت الهيئــة
العليــا املســتقلة لالنتخابــات فــي تلــك القضايــا بأنــه تـ ّم رصــد االشــهارات علــى صفحــات
التواصــل االجتماعــي واملوقــع االلكترونــي املذكــور وفــق مــا بينــه جــدول وحــدة الرصــد
التــي عاينــت تلــك املواقــع غيــر أنّ ركــن اســناد تلــك املخالفــة لحــزب ...لــم يتوفــر األمــر
الــذي ال يم ّكــن الهيئــة مــن إعمــال مقتضيــات الفصــل 143مــن القانــون االنتخابــي ال سـ ّيما
وأنّ جملــة اإلخــاالت املثــارة لــم تؤثــر علــى النتائــج كمــا أنّ الطاعن لــم يبني أوجــه تأثيرها.
ومــا يســترعي االنتبــاه فــي القضايــا املذكــورة وجــود بعــض االختــاف فــي املواقــف بــن
الدوائــر االســتئنافية ويمكــن تقســيمها إلــى موقفــن:
إذ اســتند املوقــف األول علــى ضــرورة اثبــات اســناد مخالفــة االشــهار السياســي،
حيــث اشــترطت الدائــرة الثامنــة فــي القضيــة عــدد 20194021تحديــد هويــة ناشــر
الصفحــة االلكترونيــة ومــدى ارتباطــه رســميا بالحــزب املطعــون فــي قائمتــه وهــو مــا
يطــرح إشــكالية اثبــات هويــة الناشــر علــى صفحــات التواصــل االجتماعــي ومــدى
قــدرة الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات واملترشــحني املتنافســن علــى كشــفها.
كمــا انتهــت الدائرتــان االســتئنافيتان التاســعة والعاشــرة فــي القضايــا عــدد 940251201
و 94026201و 20194027و 20194028و 94029201و 20194030إلى أنّ توجيه مراسلة للهيئة
يعلمها بموجبها بالخروقات التي ارتكبها حزب منافس على شــبكات التواصل االجتماعي
والصفحــات االشــهارية املدعمــة دون تقديــم مــا يفيــد توصــل الهيئــة بــه فــي تاريــخ ثابــت
وصــورة تجســم شــعار الحــزب املذكــور دون بيان املوقــع االلكتروني املســتخرجة منه يفتقر
لإلثباتــات الالزمــة علــى إتيــان الحــزب باملخالفــات املذكــورة وال يرتقــي إلى الحجــج الجدية
حتــى يتســنى للمحكمــة بســط رقابتهــا علــى املخالفــات وتقديــر مــدى تأثيرهــا علــى النتائج.
كمــا اتخــذت الدائــرة االســتئنافية الثانيــة والرابعــة نفــس التوجــه فــي القضايــا عــدد
20194032و 94033201و 20194039و 20194040و 20194043مــع إضافــة أن الجهــة املدعيــة
لــم تدعــم طلباتهــا بمحضــر معاينــة محــرر مــن قبــل عــدل منفــذ يختــص بوصفــه مأمــورا
عموميــا بالقيــام بأعمــال املعاينــة والتبليــغ والتنفيــذ املناطــة بعهدتــه قانونــا أو بتقريــر
رســمي مع ـ ّد مــن أحــد املالحظــن.2
أمــا الدائــرة االســتئنافية السادســة فقــد اعتبــرت فــي القضيتــن عــدد 20194035وعــدد
20194036واملتعلقــة بنفــس الوقائــع بــأنّ املراســلة املذكــورة تع ـ ّد مــن قبــل الحجــج التــي
كونهــا بنفســه ولخاصــة نفســه وال يمكــن االعتــداد بهــا فــي ظــل خلــو أوراق امللــف م ّمــا
صحتهــا ،كمــا أنّ الصــور مــن مقــاالت املســتخرجة مــن صفحــات الكترونيــة يدعــم ّ
غيــر ثابتــة املصــدر والتاريــخ وال شــيء بــأوراق امللــف يدعــم صدورهــا عــن صفحــات
رســمية لتكــون جديــرة باالعتمــاد مــن قبــل املحكمــة ،وال تتضمــن أي إشــارة دالــة علــى
نســبتها إلــى حــزب قائمــة حركــة النهضــة وقائمتــه املطعــون فــي نتائجهــا ورئيســتها
واألعضــاء املنتســبني إليهــا أو اثبــات االســتفادة منهــا وال يمكــن ان ترتقــي بالتالــي
إلــى الحجــج التــي مــن شــأنها ان تقطــع بثبــوت املخالفــة االنتخابيــة املدعــى ارتكابهــا.
ولئــن اختلفــت الدوائــر االســتئنافية املذكــورة أعــاه جزئيــا فــي تعليــل موقفهــا إ ّال أنّ
موحــدا مــن حيــث اشــتراط اثبــات عنصــر االســناد. املوقــف يبقــى ّ
أمــا املوقــف الثانــي وهــو املوقــف الــذي انتهــت إليــه الدائــرة االســتئنافية الثالثــة فــي
القضايــا عــدد 94023201و 20194024و 20194042فيتمثــل فــي أنّ «عــدم ثبــوت
انتســاب مخالفــة اســتعمال موقــع الكترونــي للدعايــة علــى النحــو املبــن أعــاه
إلــى حــزب حركــة النهضــة ،ال ينفــي عنهــا أنهــا اســتفادت مــن ال ّدعايــة االنتخابيــة
املذكــورة ،ال س ـ ّيما وأنهــا لــم تثبــت اعتراضهــا علــى مــا يــر ّوج لفائدتهــا مــن شــعارات
إنّ ارتــكاب مخالفــة االشــهار السياســي مــن طــرف حــزب أو مترشــح او قائمــة مترشــحة
علــى فــرض ثبوتهــا ال تكفــي فــي ح ـ ّد ذاتهــا للتأثيــر علــى نتائــج االنتخابــات إذ اشــترط
الفصــل 143مــن القانــون االنتخابــي أنّــه ﻳﻤﻜﻦ للهيئــة أن ﺗﻘ ّﺮر إﻟﻐﺎء ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﻔﺎﺋﺰﻳﻦ إذا
ﺗﺒﻴﻦ ﻟﻬﺎ أن ﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻬﻢ ﻟﻬﺬه اﻷﺣﻜﺎم أ ّﺛﺮت ﻋﻠﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت ﺑﺼﻔﺔ ﺟﻮﻫﺮﻳﺔ وﺣﺎﺳﻤﺔ.
وقــد اعتبــرت املحكمــة اإلداريــة أنّ تقديــر مــا ينجــ ّر عــن املخالفــات املتعلقــة بالعمليــة
االنتخابيــة مــن آثــار ومــدى انعــكاس ما يترتــب عنها على نتيجــة التصويت يعــود إلى تقدير
القاضــي الــذي يرجــع لــه وبحســب مــا تتوفــر لديــه من معطيــات وقرائــن اســتخالص اآلثار
القانونيــة منهــا والتــي يمكــن أن تطــال تعديــل النتائــج االنتخابيــة فــي صــورة التحقــق مــن
مــدى تأثيــر تلــك املخالفات وبشــكل حاســم علــى إرادة الناخــب وبالتبعية نتائــج التصويت.2
.1القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة فــي مــا ّدة نزاعــات الــدورة األولــى لالنتخابــات الرئاســية تحــت عــدد
20195001والقــرار عــدد 20195002بتاريــخ 30ســبتمبر .2019
.2الحكم االستئنافي عدد 20194078بتاريخ 22أكتوبر 2019
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 350
وأمــام مــا يســتوجه تقديــر التأثيــر الجوهــري والحاســم الرتــكاب مخالفــة االشــهار
السياســي علــى النتائــج حــرص القاضــي االنتخابــي علــى إعمــال معاييــر
موضوعيــة وهــو مــا حــدى بــه فــي بعــض الحــاالت إلــى البحــث عــن وســائل فنيــة
لقيــس تأثيــر االشــهار السياســي علــى الناخبــن ( )1كمــا طرحــت فــي بعــض
القضايــا صعوبــة مــن حيــث تقديــر تأثيــر االشــهار السياســي للحــزب علــى
نتيجــة بقيــة القائمــات املترشــحة عــن الحــزب فــي بقيــة الدوائــر االنتخابيــة (.)2
ال يختلــف تمشــي القاضــي االنتخابــي فــي تقدير تأثير االشــهار السياســي بصفة جوهرية
وحاســمة علــى نتائــج االنتخابــات عن التمشــي الذي يعتمده بالنســبة لتأثير بقيــة املخالفات
االنتخابية وهو ما يم ّر عبر توفر قرائن جدية وثابتة ومتواترة تفيد التأثير على إرادة الناخبني.
يعتبر قاضي النتائج في العديد من األحكام 1أنه مستأمن على أصوات الناخبني ومن هذا
املنطلق فإنه ال يقضي بإلغاء النتائج االنتخابية إ ّال إذا تضافرت أمامه قرائن جد ّية ووقائع
ـس مــن نزاهــة العمليــة االنتخابيــة.
ثابتــة ومتواتــرة تفيــد التأثيــر علــى إرادة الناخبــن واملـ ّ
كمــا أ ّكــدت الجلســة العامــة القضائيــة بمناســبة بتّهــا فــي نزاعــات االنتخابــات
الرئاســية لســنة 2019علــى نفــس املوقــف «وحيــث أنّ قاضــي النتائــج مســتأمن علــى
أصــوات الناخبــن وال يقضــي بإلغائهــا ملجــ ّرد شــكوك أو وقائــع بســيطة أو محــدودة
أو متفرقــة وأنّ إلغــاء النتائــج ال يكــون ضروريــا إ ّال متــى كانــت الحجــج املقدمــة قويــة
وثابتــة ومــن شــأن االختــاالت املحتــج بهــا التأثيــر بصفــة حاســمة فــي النتائــج.2
ولتقديــر تأثيــر املخالفــات االنتخابيــة علــى النتائــج كـ ّرس فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي
املــادة االنتخابيــة جملــة مــن املعاييــر تمثلــت بالخصــوص فــي معيار فــارق األصــوات وكذلك
أهميــة وخطــورة املخالفــة وذلــك مــن خــال التثبــت مــن امتدادهــا فــي الزمــان واملــكان،
وهــي نفــس املعاييــر التــي حــرص القاضــي االنتخابــي علــى تطبيقهــا فيمــا يتعلــق بمخالفــة
االشــهار السياســي إ ّال انــه واجــه بعــض الصعوبــات املرتبطــة بطبيعــة هــذه املخالفــة.
.1انظــر علــى ســبيل املثــال القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة فــي القضيــة عــدد 201450002وفــي القضيــة
عــدد 201450008بتاريــخ 18نوفمبــر . 2014
.2القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة فــي مــا ّدة نزاعــات الــدورة األولــى لالنتخابــات الرئاســية تحــت عــدد
20195001بتاريــخ 30ســبتمبر .2019
351 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
ومــن املالحــظ مــن خــال فقــه القضــاء أنّ معيــار الفــارق فــي األصــوات يبقــى
املعيــار الحاســم فــي العديــد مــن القضايــا ،إ ّال أنّــه وعلــى أهميتــه قــد يكــون قاصــرا
فــي بعــض الحــاالت عــن بيــان تأثيــر االشــهار السياســي علــى إرادة الناخــب ســ ّيما
مــع تأكيــد املختصــن علــى خطــورة االشــهار السياســي مــن حيــث التأثيــر علــى
الناخبــن مــن جهــة ومــن جهــة أخــرى اتجــاه قاضــي النتائــج إلــى إعمــال معيــار فــارق
األصــوات بصفــة تــكاد تكــون آليــة دون التركيــز علــى خطــورة املخالفــة ،فالفــارق
الكبيــر فــي األصــوات يمكــن أن يكــون نتيجــة لإلشــهار السياســي ،هــذا فضــا عــن
عــدم تحديــد القاضــي االنتخابــي نســبة ولــو تقريبيــة للفــارق املؤثــر فــي النتيجــة.
وقــد أدى الحــرص علــى إعمــال معاييــر موضوعيــة فــي بعــض الحــاالت إلى بحــث القاضي
عــن وســائل فنيــة لقيــس تأثيــر االشــهار السياســي عبر وســائل االعــام علــى الناخبني وقد
بــرزت مــن خــال فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة صعوبــات لقيــس تأثير االشــهار السياســي
عبر وســائل االعالم على الناخبني وهي صعوبة فنية لقيس نســبة املشــاهدة أو االســتماع.
وقــد اعتبــرت املحكمــة فــي الحكــم االســتئنافي عــدد 1 20194077بــأنّ قاضــي النتائــج
مؤتمــن علــى أصــوات الناخبــن وال يقضــي بإلغائهــا إ ّال إذا تبــن لديــه أنّ املخالفــة
يتفحــص معاييــرجســيمة فادحــة وكانــت مؤثــرة علــى أصــوات الناخبــن ،وبعــد أن ّ
القيــس املناســبة الــذي تمكنــه بــكل دقــة مــن ضبــط عــدد األصــوات التــي فســدت
بفعــل التأثيــر فيهــا ومــن ثــم اســتئصالها مــن جملــة األصــوات الســليمة املتحصــل
عليهــا املترشــح أو القائمــة املعنيــة حفاظــا علــى نزاهــة وســامة املســار االنتخابــي.
كمــا وضحــت املحكمــة أنّ التثبــت مــن التأثيــر علــى الناخبــن بواســطة وســائل االعــام
الســمعية والبصريــة يقتضــي بالنظــر إلــى صبغتــه التقنيــة االدالء لقاضــي النتائــج أوال
بعناصــر قيــس موضوعيــة بخصــوص املتابعــة وتصنيفهــا ورصــد مداهــا وضبــط كيفيــة
تطورهــا وتحديــد نســبتها علــى أن يبقــى تقديــر املحتــوى واملضمــون االتصالــي للبرنامــج
أو للومضــة بخصــوص االشــهار السياســي مــن عدمــه راجعــا للقاضــي االنتخابــي.
وقــد انتهــت املحكمــة فــي القضيــة املطروحــة أمامهــا إلــى اعتبــار املطعــن مجـ ّردا ورفــض
القضيــة اســتنادا إلــى غيــاب االدالء بعناصــر قيــس التأثيــر معتبــرة أنّــه «يقتضــي
قيــس التأثيــر وضبــط مــداه الكمــي والجغرافــي فــي النــزاع الراهــن بيــان عــدد متابعــي
قنــاة ...فــي فتــرات البــث العــادي وعددهــم فــي فتــرة االنتخابــات كاإلدالء بعــدد متابعــي
الومضــة االشــهارية املشــار إليهــا أعــاه فــي مختلــف فتــرات بث ّهــا وتصنيــف مختلــف
املعطيــات اإلحصائيــة املتعلقــة بهــا علــى مســتوى وطنــي وعلــى مســتوى جهــوي ومحلــي».
املرجــح أنّ هــذا التوجــه الفقــه قضائــي أفضــى أو سـ ّرع فــي إصــدار قرار عــن الهيئة
ّ ومــن
العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري عــدد 7لســنة 2020املــؤرخ فــي 13أفريــل
2020واملتعلــق بتنظيــم قيــاس نســب االســتماع واملشــاهدة فــي وســائل االتصــال الســمعي
البصــري .1وقــد تــم بمقتضــى القــرار املذكــور التنصيــص علــى إحــداث هيــكل مهنــي
يتكــون مــن لجنــة فنيــة تتحقــق مــن مــدى االلتــزام بتنفيــذ االختيــارات العامــة وتدقــق فــي
نجاعــة الحلــول التقنيــة وموثوقيتهــا ومــدى مالءمتهــا للمنهجيــة املعتمــدة ولجنــة األخالقيات
التــي تتعهــد بضمــان احتــرام شــركة القيــاس والهيــكل املهنــي التزاماتهمــا التعاقديــة
وﻷحــكام القــرار وكــراس الشــروط .وتتعهــد الشــركة التــي يتــم اختيارهــا بقيــاس متابعــة
البرامــج ملختلــف خدمــات اﻻتصــال الســمعي البصــري التــي تب ّثهــا وســائل اﻻتصــال
الســمعية البصريــة العموميــة والخاصــة فــي تونــس أو املوجهــة نحــو الجمهــور التونســي.
وحــري باإلشــارة كذلــك أنّ الفصـــل 21مــن القــرار املذكــور نــص علــى أنّ النتائــج
الصــادرة عــن منظومــة القيــاس املضبوطــة بهــذا القــرار تكتســي حجيــة النتائــج
املرجعيــة الحصريــة ،ويمكــن اعتمادهــا لــدى الســلطة القضائيــة والهيئــات
واملؤسســات ذات النظــر ،وهــي أحــكام ال يمكــن فــي تقديرنــا أن تكســب تلــك
النتائــج الحجيــة املطلوبــة أمــام القاضــي االنتخابــي لعــدم اكتســابها للقيمــة
االثباتيــة للحجــة الرســمية علــى معنــى الفصــل 442مــن مجلــة االلتزامــات والعقــود.
2
• تقدير مدى انتشار االشهار على شبكات التواصل االجتماعي
يتّســم تقديــر انتشــار االشــهار السياســي علــى شــبكات التواصــل االجتماعــي ببعــض
الخصوصيــة وذلــك بالنظــر لســرعة انتشــار املعلومــة علــى شــبكات التواصــل االجتماعــي
وقــد اعتبــر القاضــي االنتخابــي بهــذا الخصوص أ ّنــه «وحيث يقتضي قيــس التأثير وضبط
مـ�داه الكمـ�ي والجغرافـ�ي فـ�ي النـ�زاع املاثـ�ل بيـ�ان عـ�دد متابعـ�ي املوقـ�ع االلكترونـ�ي « �Tuni
» sie Annonceفــي فتــرات النشــر العــادي وعددهــم فــي فتــرة الحملــة االنتخابيــة ،كاإلدالء
بعــدد زوار املوقــع املذكــور فــي تاريــخ وضع الدعايــة االنتخابية وفي مختلف فترات نشــرها
وتصنيفهــم علــى مســتوى وطنــي وعلــى مســتوى جهــوي ومحلــي وقــد انتهــت املحكمــة إلــى
رفــض املطعــن املتعلــق باإلشــهار السياســي علــى املواقــع االلكترونيــة اســتنادا إلــى غيــاب
3
االدالء بعناصر قيس التأثير املشــار إليها بخصوص الدعاية االشــهارية املتنازع بشــأنها»
.1تجــدر اإلشــارة إلــى أنّ الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي والبصــري كانــت أصــدرت القــرار عـــــــــــدد 1لســنة 2017
املــؤرخ فــي 12جــوان 2017املتعلــق بضبــط املعاييــر ذات الطابــع القانونــي والتقنــي لقيــاس عــدد املتابعــن لبرامــج
منشــآت اﻻتصــال الســمعي والبصــري.
2. Municipales 2020 : la campagne électorale et l’utilisation d’Internet. Par Valérie Farrugia, Avocat. Site
village de la justice la communauté des métiers du droit, septembre 2019.
اعتمد القاضي االنتخابي الفرنســي لتقدير مدى انتشــار االشــهار على شــبكات التواصل
االجتماعــي علــى جملــة مــن القرائــن مثل عــدد أصدقاء متابعي مصــدر التدوينة وكذلك عدد
املــرات التــي تمــت فيهــا مشــاهدة التدوينــة 1وإن كانــت خاصــة أو مفتوحة للعمــوم 2وإمكانية
3
مشــاركتها مــع آخريــن علــى شــبكة التواصــل االجتماعــي وتاريــخ وتوقيــت نشــر التدوينــة.
لقد طرحت بمناســبة االنتخابات التشــريعية لســنة 2019إشــكالية تأثير االشــهار السياسي
للحــزب علــى نتيجــة بقيــة القائمــات املترشــحة عــن الحــزب فــي بقيــة الدوائــر االنتخابيــة.
وقــد اعتبــر قضــاة البدايــة أنّ اآلثــار القانونيــة التــي يمكــن أن تنجــر عــن مخالفــة االشــهار
السياســي فــي االنتخابــات التشــريعية إنّمــا تقتصــر علــى القائمــة املذكــورة وال تمتــ ّد
إلــى بقيــة القائمــات املترشــحة عــن الحــزب فــي بقيــة الدوائــر االنتخابيــة وقــد اســتندت
املحكمــة لتعليــل حكمهــا علــى أنّ قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات املتعلقــة باإللغاء
الكلــي لنتائــج قائمــة الرحمــة فــي دائــرة بــن عــروس اتخــذ باالســتناد إلــى ثبــوت ارتــكاب
املترشــح ...بصفتــه رئيــس قائمــة حــزب ...املترشــحة فــي تلــك الدائرة لإلشــهار السياســي
املكثــف ولدعايــة انتخابيــة غيــر مباشــرة مكثفــة مــن قبــل رئيــس الحــزب وأنّ اإلخــاالت
أسســت عليهــا الهيئــة قرارهــا تعلقــت بصفــة رئيــس القائمــة وليــس رئيــس الحــزب. التــي ّ
وأسست«وحيث يبرز م ّما تق ّدم أنّ االخالالت التي تبنّتها الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات ّ
عليهــا قرارهــا املبــن أعــاه تتع ّلــق بالســيد ...بصفتــه رئيســا لقائمــة حــزب ...املترشــحة
1. « ces publications, qui n’étaient accessibles qu’aux personnes ayant volontairement accompli une démarche
spécifique pour accéder au réseau dont s’agit, ont eu un écho significatif auprès de la population ; qu’il n’est
pas davantage établi que le bureau de vote a connu une affluence plus marquée dans l’après-midi qui a suivi la
publication des « selfies » ; que ces messages et les commentaires qui s’en sont suivis, dont le contenu était sans
lien réel avec le débat électoral » (TA Strasbourg, 20 mai 2014, Elect. Muni Vahl-les Faulquemont, req. n° 1401578).
2. En revanche, le Conseil d’Etat a annulé des élections municipales en raison de la création par un candidat et maire
sortant d’une page Facebook de statut « public » intitulée « Mairie d’Hermes » qui pouvait être confondue avec la
page officielle de la ville dénommée « Ville d’Hermes » (CE, 6 mai 2015, Elec. Mun. Hermes, req. n° 382518, Rec. T.).
3. « le requérant soutient que l’appel du maire de Fillinges, le 14 juin 2017, sur la page Facebook de la mairie, à
voter en faveur du candidat élu constitue une manœuvre de nature à avoir influencé le vote. Il résulte des pièces
versées au dossier que, pour regrettable qu’elle soit, cette diffusion de l’appel à voter en faveur du candidat
élu n’a pas revêtu un caractère massif et que, eu égard à l’écart de voix constaté, elle n’a pu altérer la sincérité
du scrutin. Dès lors, le grief doit être écarté. » (Cons. Constit., AN 3ème circ. Haute Savoie, n° 2017-5066).
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 354
فــي الدائــرة االنتخابيــة بــن عــروس الــذي ينســب إليــه القيــام بمخالفــات تتعلــق باإلشــهار
السياســي والدعايــة لشــخصه وللقائمــة التــي يرأســها فقــط ،ومــن ثــم فــإنّ االثــار القانونية
التــي يمكــن ان تنجــر عــن تلــك املخالفــات ،علــى فــرض ثبوتهــا ،إنّمــا تقتصــر علــى القائمــة
املذكــورة وال تمتـ ّد إلــى بقيــة القائمــات املترشــحة عــن الحــزب فــي بقيــة الدوائــر االنتخابية.
وحيــث عــاوة علــى ذلــك فــإنّ نائــب امل ّدعــي لــم يتمســك بارتــكاب قائمــة حــزب ...بالدائــرة
االنتخابيــة بأريانــة أو رئيســها ملخالفــة االشــهار السياســي أو أليــة مخالفــة أخــرى ،كمــا
لــم تتضمــن أوراق امللــف وجــود أيــة مخالفــة أخــرى بهــذا الخصــوص يمكــن نســبتها
إليهمــا فــي الدائــرة املذكــورة».1
وقــد أ ّيــدت الجلســة العامــة القضائيــة الحكــم االبتدائــي 2املذكــور إ ّال أنهــا اعتمــدت تعليــا
مختلفــا حــن اعتبــرت «أنّ نظــام االقتــراع لالنتخابــات التشــريعية قوامــه االقتــراع علــى
القائمــات وهــو مــا يفتــرض قيــام كل قائمــة مترشــحة بحملتهــا االنتخابيــة علــى حــدة بمــا
يقتضيــه ذلــك مــن تحملهــا تبعــات املخالفــات التــي قــد ترتكبهــا خــال الحملــة االنتخابيــة»
كمــا يالحــظ أنهــا فتحــت البــاب أمــام إمكانيــة تأثيــر االشــهار السياســي للحــزب علــى
القائمــة مقابــل وضــع شــروط إلثبــات تأثيــر االشــهار السياســي الــذي يقــوم بــه الحــزب
علــى نتائــج القائمــة «وحيــث وعلــى فــرض ثبــوت مــا نســب إلــى حــزب ...املترشــح فــي
الدائــرة االنتخابيــة بــن عــروس مــن ارتــكاب مخالفــات تتعلــق باإلشــهار السياســي فإ ّنــه ال
يعنــي بالضــرورة أنّــه كان مؤثــرا علــى نتيجــة بقيــة القائمــات املترشــحة عــن الحــزب فــي
بقيــة الدوائــر االنتخابيــة ومنهــا قائمــة الحــزب بأريانــة طاملــا لــم يفلــح الطاعــن فــي تقديــم
معطيــات دقيقــة ومؤيــدات قاطعــة وكافيــة تبــن تأثيــر االشــهار السياســي الــذي ي ّدعــي
ارتكابــه رئيــس حــزب ...فــي إرادة الناخبــن بالدائــرة االنتخابيــة بأريانــة كمــا لــم يــدل بأيــة
ادلــة يمكــن ان تدعــو علــى إعمــال املحكمــة ســلطات اســتقصائية إضافيــة في هــذا املجال».
وفــي الختــام وبالرجــوع إلــى فكــرة مــدى نجاعــة القواعــد املنظمــة لإلشــهار السياســي فــي
تونــس فإ ّنــه يمكــن القــول أنه مع عدم وضوح مفهوم االشــهار السياســي في بعض الحاالت
لألســباب التــي بيناهــا أعــاه وصعوبــة تطبيقهــا فــي حــاالت أخــرى فــإنّ تحقيــق النجاعــة
املطلوبــة يتطلــب مزيــد توضيــح مفهــوم االشــهار السياســي مــن خــال توســيعه ليشــمل
بصفــة صريحــة االشــهار السياســي غيــر املباشــر أو املقنــع واالشــهار الســلبي ،كالتمييــز
بصفــة واضحــة بــن وســائل الدعاية االنتخابية القانونية ووســائل االشــهار السياســي غير
القانونيــة ،مــع الحــرص علــى وضــع قواعــد خاصــة تتعلــق بتحجيــر الحمــات االلكترونيــة
املنظمــة لغايــات انتخابيــة وتفعيــل اآلليــات الالزمــة ملراقبتهــا وردعهــا كتعزيــز وســائل
اثبــات االشــهار السياســي وكيفيــة اســناده للجهــة املنتفعــة منــه ،وذلــك تحقيقــا للهــدف
األساســي املتمثــل فــي ضمــان انفــاذ قاعــدة تحجيــر االشــهار السياســي ضمانــا لنزاهــة
العمليــة االنتخابيــة وحتــى ال يكــون الناخــب ســلعة تبــاع وتشــري فــي ســوق االنتخابــات.
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 356
هدى التوزري
رئيسة دائرة ابتدائية باملحكمة اإلدارية
شــهدت تونــس أول انتخابــات بلديــة فــي عهــد الحمايــة ثــم بعــد االســتقالل صــدر
األمــر املــؤرخ فــي 4مــارس 1957املتعلــق بالقانــون األساســي للبلديــات ثــم القانــون
األساســي عــدد 33لســنة 1975وقــد تــم تنظيــم 13انتخابــات بلديــة آخرهــا كان ســنة
2010أي مباشــرة قبــل الثــورة .ولــم يكــن يشــهد انتخــاب املجالــس البلديــة وعملهــا
أي نزاعــات تذكــر وذلــك بالنظــر الــى ســيطرة نظــام الحــزب الواحــد وانتمــاء أعضــاء
املجلــس البلــدي فــي أغلــب األحيــان الــى الحــزب االشــتراكي الدســتوري ثــم الــى التجمــع
الدســتوري الديمقراطــي ،مــع بعــض االســتثناءات البســيطة ،1وســاهم فــي ذلــك نظــام
االقتــراع املكــرس بمقتضــى املجلــة االنتخابيــة .2ويرجــع عــدم اثــارة نزاعــات إلــى ســببني
أساســيني االنضبــاط الحزبــي فــي صلــب الحــزب األغلبــي الحاكــم ومنــاخ االســتبداد
الــذي كان ســائدا مــن جهــة ،ومــن جهــة أخــرى ضعــف نظــام النــزاع االنتخابــي.3
.1فــي االنتخابــات البلديــة لســنة 1995فــاز التجمــع الدســتوري الديمقراطــي ب 4084مقعــدا مــن جملــة 4090مقعــدا
وفــازت بعــض االحــزاب املعارضــة وقائمــة مســتقلة ب 6مقاعــد وكانــت هــذه االنتخابــات مــن األكثــر ديمقراطيــة فــي
تونــس قبــل . 2011
.2الفصــل 53مــن املجلــة االنتخابيــة "ينتخــب أعضــاء املجلــس البلــدي فــي دورة انتخابية واحدة باالقتــراع على القائمات
علــى أســاس التمثيــل النســبي مــع األفضليــة للقائمــة التــي تحصلت على أكثر األصوات .أعـــيد ترقـــيم الفصل بمقتضى
الفصــل الســادس مــن القانــون األساســي ( )1عــدد 58لســنة 2003املــؤرخ فــي 4أوت .2003يختــار الناخــب قائمــة
مــن بــن القائمــات املترشــحة دون تعويــض األســماء الــواردة بتلــك القائمــة ويضعهــا دون غيرهــا بالظــرف املعــد لذلــك"
.3البــاب الســابع النزاعــات حــول العمليــات االنتخابيــة الفصــل :155كل ناخــب وقــع ترســيمه بصفــة قانونيــة
بالقائمــات االنتخابيــة النهائيــة للبلديــة لــه الحــق فــي أن يطعــن فــي العمليــات االنتخابيــة بالبطــان .أعـــيد
ترقـــيم الفصــل بمقتضــى الفصــل الســادس مــن القانــون األساســي عــدد 58لســنة 2003املــؤرخ فــي 4أوت
.2003ويجــب أن تضمــن الشــكايات بتقريــر العمليــات االنتخابيــة أو أن تقــدم فــي ظــرف الثمانيــة أيــام املواليــة
للتصويــت إلــى مكاتــب البلديــات املعنيــة باألمــر أو إلــى مركــز الواليــة الكائنــة بدائرتهــا البلديــة وإال فإنهــا تلغــى.
الفصــل - 1 :156تحــال الشــكايات حــاال للبــت فيهــا علــى لجنــة النزاعــات املتركبــة مــن :ـ حاكــم يعينــه كاتــب الدولــة
للعــدل بصفــة رئيــس .ـ ناخبــن يعينــان بقــرار مــن كاتــب الدولــة للداخليــة باقتــراح مــن الوالــي بصفــة عضويــن .
صحــة انتخابهــمالفصــل :157تباشــر الســلطة املختصــة حــاال حســب الطــرق اإلداريــة إعــام األعضــاء املنــازع فــي ّ
بفحــوى الشــكاية املقدمــة فــي شــأنهم وتدعوهــم بــأن يدلــوا فــي ظــرف خمســة أيــام إلــى لجنــة النزاعــات بمــا
يعــن لهــم مــن مالحظــات .وتبــت لجنــة النزاعــات فــي الشــكايات فــي أجــل خمســة عشــر يومــا ابتــداء مــن تقديــم
القضيــة إليهــا ويقــع اســتدعاء العضــو الــذي نــوزع فــي انتخابــه والســلطة اإلداريــة بصفــة إجباريــة لــدى اللجنــة .
357 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
ولقــد ظــل هــذا الوضــع قائمــا ليتغيــر مــع أول انتخابــات بلديــة بعــد 2011والتــي
اجريــت يــوم 6مــاي 2018يليهــا صــدور مجلــة الجماعــات املحليــة بمقتضــى
القانــون األساســي عــدد 29لســنة 2018املــؤرخ فــي 9مــاي 2018املتعلــق
بالجماعــات املحليــة حيــث ارســى كل مــن القانــون االنتخابــي ومجلــة الجماعــات
املحليــة نظــام منازعــات لالنتخابــات املتعلقــة بانتخابــات املجلــس البلــدي.
والــى جانــب النزاعــات املتعلقــة بالــدورة االنتخابيــة مــن التســجيل الــى يــوم النتائــج والــذي
تــم تكريســه بمقتضــى القانــون االنتخابــي 1تضمنــت مجلــة الجماعــات االنتخابيــة فصــوال
تتعلــق بتنظيــم النزاعــات املتولــدة عــن املرحلــة التــي تلــي التصريــح بنتائــج االقتــراع العــام
النتخــاب أعضــاء املجالــس البلديــة وتتعلــق هــذه النزاعــات باألســاس بانتخابــات رئيــس
املجلــس البلــدي واملســاعدين وتشــكيل اللجــان البلديــة القــارة وتعيــن رؤســائها ومقرريها.
ولقــد اختلفــت اآلراء حــول تصنيــف هــذا النــوع مــن النزاعــات فقــد اعتبــرت الدائــرة
االســتئنافية الثانيــة أنهــا «نزاعــات انتخابــات املجالــس البلديــة» 2والدائــرة االبتدائيــة
العاشــرة قضــت بانهــا « مــادة نــزاع انتخــاب رؤســاء املجالــس البلديــة» 3أمــا الدائرتــان
الثالثــة والثامنــة فقــد صنفتهــا علــى أنهــا « مــادة نتائــج انتخابــات رؤســاء املجالــس البلديــة
ومســاعديهم» ،4فــي حــن لــم تصنفــه الدائــرة االبتدائية بقفصــة واكتفت بالقضــاء بانه حكم
5
ابتدائــي أمــا الجلســة العامــة القضائيــة فقــد اعتبــرت أنهــا « مــادة النــزاع االنتخابــي»
وفــي القانــون املقــارن ،فرنســا علــى ســبيل املثــال ،ال يتــم تصنيــف هــذه النزاعــات ال
مــن قبــل املحاكــم االداريــة 6وال مــن قبــل مجلــس الدولــة 7وتســتعمل االدارة عبــارة جلســة
التنصيــب ،8وقــد وردت عبــارة «تركيــز « املجلــس البلــدي بالفصــل 215مــن املجلــة 9ثــم
الفصــل 158قــرارات لجنــة النزاعــات نهائيــة وغيــر قابلــة لالســتئناف وهــي معفــاة مــن معاليــم التامبــر والتســجيل .
.1ســمية قنبــرة وهــدى التــوزري دليــل النزاعــات االنتخابيــة فــي تونــس ،2017برنامــج األمــم املتحــدة االنمائــي ،مشــروع
املســاعدة االنتخابيــة ،ص 14
.2حكم استئنافي عدد 212491بتاريخ 13جويلية 2018
.3حكم استئنافي عدد 212521بتاريخ 28سبتمبر 2018
.4الحكام االستئنافي عدد 22506بتاريخ 24سبتمبر 2018و 212479بتاريخ 16جويلية 2018
.5قرار عدد 317430بتاريخ 30أكتوبر 2018
6. Tribunal administratiif de Pau,n°1900522 du 11 avril 2019
« .9يصادق املجلس البلدي على نظامه الداخلي في أجل ال يتجاوز ثالثة أشهر من تركيزه»
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 358
بــرزت عبــارة «تركيــز املجالــس البلديــة» ألول مــرة فــي الوثيقــة التوضيحيــة الصــادرة عــن
وزارة الشــؤون املحليــة والبيئــة تحــت عنــوان «وثيقــة توضيحيــة حــول تركيــز املجالــس
البلديــة املنتخبــة (الجلســة االولــى)» فــي جــوان ،2018ونعتقــد أنــه يصــح اطــاق مصطلــح
نزاعــات تركيــز املجالــس البلديــة علــى املنازعــات التــي اثيــرت علــى اثــر انتخابــات
املجالــس البلديــة فــي 6مــاي 2018وذلــك بالنظــر الــى أنهــا االنتخابــات البلديــة األولــى
التــي أجريــت تطبيقــا لدســتور 24جانفــي 2014وللقانــون االنتخابــي ،وبعــد ذلــك وفــي
االنتخابــات القادمــة ســيحتمل اســتعمال هــذا املصطلــح نقاشــا ذلــك أن انتخــاب الرئيــس
واملســاعدين ال يتعلــق بالتركيــز ألنــه يمكــن فــي أي وقــت خالل املــدة النيابية اعــادة انتخاب
الرئيــس أو احــد املســاعدين ألي ســبب كاالســتقالة أو الوفــاة أو فقــدان أحــد الشــروط.
ونظــرا لهــذا التنــوع فــي تصنيــف هــذه النزاعــات تولــدت صعوبــة فــي تنــاول
موضــوع نزاعــات تركيــز املجالــس البلديــة لصعوبــة تجميــع األحــكام الصــادرة
فيهــا فباســتثناء األحــكام الصــادرة عــن الجلســة العامــة القضائيــة التــي
يســهل تجميعهــا لقلــة األحــكام الصــادرة عــن هــذه الهيئــة القضائيــة فــإن بقيــة
األحــكام الصــادرة عــن الدوائــر االبتدائيــة الجهويــة واملركزيــة وكذلــك الدوائــر
االســتئنافية غيــر مج ّمعــة علــى غــرار األحــكام الصــادرة فــي املــادة االنتخابيــة.
ان االشــكاالت التــي طرحــت بمناســبة االنتخابــات البلديــة األولــى بعــد دســتور
2014تمثــل ســابقة والحلــول التــي انبثقــت عنهــا تمثــل فقــه قضــاء تأسيســي ومــن
هــذا املنطلــق تأتــي اهميــة املوضــوع الــذي يتجــه دراســته بالتطــرق الــى النظــام
االجرائــي لنزاعــات الجلســة األولــى مــن خــال التعــرض فــي القســم األول إلــى
االشــكاليات املتعلقــة بالغمــوض فــي توزيــع االختصــاص الحكمــي ثــم االســتقرار
الــذي تميــز بــه فقــه القضــاء مــن الناحيــة االجرائيــة واملوضوعيــة .ثــم ســنتناول
النزاعــات املتعلقــة بتشــكيل اللجــان وتعيــن مقرريهــا مــن ناحيــة عــدم وضــوح
نظامهــا القانونــي وتميــز فقــه القضــاء املتعلــق بهــا فــي ارســاء القواعــد املوضوعيــة.
359 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
أفــردت مجلــة الجماعــات املحليــة الجلســة األولــى 1بنظــام قانونــي خــاص 2مــن حيــث
الجهــة الداعيــة للجلســة وأجــل الدعــوة وجــدول أعمــال هــذه الجلســة املحــدد بالقانــون.
ا ّال أن امللفــت لالنتبــاه هــو عــدم تنصيــص مجلــة الجماعــات املحليــة علــى أحــكام انتقاليــة
تتعلــق بتنظيــم الجلســة األولــى لالنتخابــات البلديــة األولــى بعــد الدســتور .فيمــا عــدى
الجهــة الداعيــة للجلســة األولــى وأجــل الدعــوة والتــي تــم تحديدهــا بمقتضــى الفصــل 175
ثالثــا مــن القانــون االنتخابــي ،3ولتالفــي هــذا الفــراغ تولــت وزارة الشــؤون املحليــة والبيئــة
اصــدار «وثيقــة توضيحيــة حــول تركيــز املجالــس البلديــة املنتخبــة»ّ 4إل أن هــذه الوثيقــة ال
يمكــن أن ترقــى إلــى مرتبــة األحــكام االنتقاليــة وتعتبــر وثيقــة توضيحيــة يمكــن للمجالــس
البلديــة مخالفتهــا ،وقــد قضــت الدائــرة االبتدائيــة للمحكمــة اإلداريــة بقابــس «بــان الوثيقــة
التوضيحيــة حــول تركيــز املجالــس البلديــة املنتخبــة الصــادرة فــي جــوان 2018عــن وزارة
الشــؤون املحليــة والبيئــة ،ال تعــدو أن تكــون ســوى وثيقــة ارشــادية ،ال تكتســي قــوة الزامية
تجــاه املجالــس البلديــة املنتخبــة وغيــر منصــوص عليهــا صلــب مجلــة الجماعــات املحليــة،
فضــا عــن أن اكســائها صبغــة الزاميــة يتعــارض مــع حريــة املجالــس فــي تدبيــر شــؤونها
طبــق التشــريع الجــاري بــه العمــل» 5وقــد ذهبــت الدائــرة االبتدائيــة بالــكاف الــى أبعــد مــن
ـص الفصــل 203مــن مجلــة الجماعــات املحليــة على أنه «يســير البلدية مجلس بلدي منتخب طبــق القانون االنتخابي. .1ينـ ّ
ينتخــب املجلــس البلــدي فــي أول اجتمــاع لــه مــن بــن اعضائــه رئيســا ومســاعدين مــع اعتبــار أحــكام الفصــل 7مــن
هــذا القانــون ووفقــا ألحــكام القانــون االنتخابــي».
وينــص الفصــل 117خامســا مــن القانــون االنتخابــي فقــرة 6علــى أنه « يترشــح رؤســاء القائمــات الفائزة فــي االنتخابات
ملنصــب رئيــس املجلــس البلــدي ...وذلــك فــي جلســته األولــى برئاســة أكبــر األعضــاء ســنا مــن دون املترشــحني.
ينتخــب رئيــس املجلــس مــن طــرف األعضــاء انتخابــا حــرا ،ســريا ،نزيهــا ،وشــفافا ،ويكــون رئيســا للمجلــس املترشــح
املتحصــل علــى األغلبيــة املطلقــة لألصــوات.
وفــي صــورة عــدم حصــول أي مــن املترشــحني علــى األغلبيــة املطلقــة تنظــم دورة ثانيــة ،يتقــدم لهــا املترشــحان
املتحصــان علــى الرتبــة االولــى والثانيــة حســب عــدد األصــوات املتحصــل عليهــا فــي الــدورة األولــى.
.2الفصــل 216مــن مجلــة الجماعــات املحليــة « تنعقــد الجلســة األولــى للمجلــس البلــدي املنتخــب فــي
أجــل ال يتجــاوز ثمانيــة أيــام عمــل مــن تاريــخ التصريــح بالنتائــج النهائيــة لإلنتخابــات مــن قبــل الهيئــة
العليــا املســتقلة لإلنتخابــات وذلــك بدعــوة مــن رئيــس املجلــس البلــدي املنقضيــة نيابتــه وعنــد التعــذر
مــن قبــل أكبــر أعضــاء املججلــس املنتخــب ســنا وينــص الفصــل 213علــى أن يــؤدي أعضــاء املجلــس
البلــدي القســم أثنــاء هــذه الجلســة وهــي كذلــك الجلســة التــي يتــم خاللهــا انتخــاب الرئيــس واملســاعدين
.3الفصــل 175ثالثــا مــن القانــون االنتخابــي «بالنســبة ألول انتخابــات بلديــة وجهويــة بعــد صــدور هــذا القانــون ،تتــم
دعــوة مــن قبــل والــي الجهــة ألول جلســة للمجلــس البلــدي أو الجهــوي املنتخــب وذلــك فــي أجــل أقصــاه 21يومــا مــن
تاريــخ اإلعــان عــن النتائــج النهائ ّيــة»
.4ولئن تعرضت هذه الوثيقة لبعض الجوانب العملية واللوجستية املتعلقة
.5حكــم ابتدائــي صــادر عــن الدائــرة االبتدائيــة للمحكمــة االداريــة بقابــس تحت عــدد 09100060بتاريــخ 27نوفمبر 2018
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 360
ذلــك بــان قضــت صراحــة باســتبعاد الوثيقــة فقــد جــاء فــي حكمهــا بانــه « مــن املســلم
بــه أن دور القاضــي يتمثــل فــي تطبيــق القاعــدة القانونيــة وتنزيــل حكمهــا علــى واقــع
الدعــوى ،بمــا يتجــه معــه اســتبعاد الوثيقــة التوضيحيــة التــي تمســك بهــا نائــب الجهــة
1
املدعــى عليهــا حــال كونهــا ال تكتســي أي قــوة الزاميــة وال تلــزم القاضــي وال تقيــده»
وقــد تميــز النظــام االجرائــي لنزاعــات الجلســة األولــى بالغمــوض فــي مســتوى اســناد
االختصــاص الحكمــي وهــو مــا ســنتعرض اليــه فــي الفقــرة األولــى مــن هــذا البــاب
مــع محاولــة لتقديــم حلــول لتجــاوز هــذا اإلشــكال ملــا يمثلــه مــن تأثيــر علــى حقــوق
املتقاضــن ثــم فــي الفقــرة الثانيــة ســنبني كيــف كرســت املحكمــة اإلداريــة فقــه قضائهــا
االنتخابــي بخصــوص القواعــد االجرائيــة واملوضوعيــة علــى نزاعــات الجلســة األولــى.
اقتضــت أحــكام الفصــل 245مــن مجلــة الجماعــات املحليــة أنــه «ينتخــب املجلــس البلــدي
رئيــس البلديــة ومســاعدي الرئيــس ،وذلــك لكامــل املــ ّدة فــي أول جلســة يعقدهــا بعــد
االعــان عــن النتائــج النهائيــة لالنتخابــات
ويحــدد املجلــس البلــدي عــدد مســاعدي الرئيــس ،علــى أ ّال يتجــاوز عددهــم األربعــة «كمــا
ينــص الفصــل 246فقــرة 2أنــه «ينتخــب الرئيــس ومســاعدوه مــن طــرف املجلــس البلــدي
باالقتــراع الســري وباألغلبيــة املطلقــة ألعضائــه مــع مراعــاة القانــون االنتخابــي وأحــكام
الفصــل 7مــن هــذا القانــون
يتــم اإلعــان عــن نتائــج انتخابــات الرئيــس واملســاعدين فــي ظــرف أربــع وعشــرين ســاعة
مــن تاريــخ اجرائهــا بواســطة التعليــق بمدخــل مقــر البلديــة وبــكل الوســائل األخــرى
يمكــن الطعــن فــي صحــة انتخــاب الرئيــس واملســاعدين حســب الشــروط والصيــغ واآلجال
واملعمــول بهــا فــي خصــوص االعتراضــات ضــد انتخــاب املجلــس البلــدي أمــام القضــاء
اإلداري وذلــك فــي أجــل 15يومــا مــن تاريــخ االنتخــاب»
ولئــن كانــت نيــة املشــرع واضحــة فــي اســناد كتلــة اختصــاص قضائــي فــي نزاعــات
.1حكم ابتدائي صادر عن دائرة الكاف حتت عدد 04100140بتاريخ 15مارس 2019
361 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
الجماعــات املحليــة الــى القضــاء االداري فانــه لــم يكــن واضحــا فــي تحديــد االختصــاص
الحكمــي وقــد تباينــت اآلراء عنــد نشــر النزاعات بخصــوص تأويل عبارة «القضــاء اإلداري».
وقضــى رئيــس الدائــرة االبتدائيــة بقابــس بمقتضــى الحكــم الفــردي «أن املقصــود
بالشــروط والصيــغ واآلجــال املعمــول بهــا فــي خصــوص االعتراضــات ضــ ّد انتخــاب
املجلــس البلــدي ،هــي القواعــد املعمــول بهــا عنــد الطعــن فــي نتائــج انتخابــات املجالــس
البلديــة ،ولــم يســتثن املشــرع مــن هــذه القواعــد ســوى آجــال رفــع الدعــوى ...وحيــث أن
املختصــة بالنظــر فــي الطعــن فــي صحــة انتخــاب الرئيــس ّ املش ـ ّرع عنــد تحديــد الجهــة
واملســاعدين ،إلــى القواعــد املعمــول بهــا بالنســبة لنزاعــات نتائــج االنتخابــات البليــة أمــام
القضــاء االداري ضمانــا لحســن ســير القضــاء ولوحــدة نــزاع النتائــج ...وحيــث تكــون
الدوائــر االســتئنافية باملحكمــة اإلداريــة هــي املختصــة بالبــت ابتدائيــا ضمــن جهــاز
القضــاء االداري بالبــت فــي نتائــج انتخــاب الرئيــس واملســاعدين علــى غــرار اختصاصهــا
بالبــت فــي نتائــج انتخــاب املجلــس البلــدي» 1ويثيــر هــذا الخيــار اشــكاليتني ،األولــى
2
مــدى وجاهــة الحكــم فــي القضيــة بمقتضــى حكــم فــردي طبقــا للفصــل ( 43جديــد)
مــن قانــون املحكمــة اإلداريــة ضــرورة أن الفصــل 43يتيــح لرئيــس الدائــرة الحكــم فــي
القضيــة بمقتضــى حكــم فــردي فــي حالــة عــدم االختصــاص «الواضــح» والحقيقــة أن
حالــة نزاعــات انتخــاب رئيــس البلديــة ومســاعديه ال تســتجيب لشــرط عــدم االختصــاص
الواضــح فهــي تطــرح امــام القضــاء ألول مــرة وال تتعلــق بتطبيــق فقــه قضــاء مســتقر
فــي مــادة ســبق أن تــم الحكــم فيهــا بعــدم االختصــاص ،ومــن جهــة أخــرى فــان
الفصــل 246مــن مجلــة الجماعــات املحليــة قابــل للتأويــل وهــو وليــس بالوضــوح الــذي
يمكــن الجــزم معــه بتحديــد الهيئــة الحكميــة ضمــن جهــاز القضــاء االداري املختصــة
بالبــت فــي النــزاع ،علــى ان ميــزة هــذا الحكــم تتمثــل 3فــي ســرعة البــت ضــرورة أن
.1حكــم ابتدائــي فــردي صــادر عــن رئيــس الدائــرة االبتدائيــة للمحكمــة اإلداريــة بقابــس تحــت عــدد 09100051بتاريــخ
26جــوان 2018
" .2إذا تبــن مــن عريضــة الدعــوى ومــن مؤيداتهــا أن الحــل القانونــي الــذي تتطلبــه القضيــة واضــح وإنهــا ال
تســتدعي التحقيــق يجــوز للمستشــار املقــرر إحالــة ملــف القضيــة مصحوبــا بتقريــره إلــى رئيــس الدائــرة الــذي يحيلــه
إلــى الرئيــس األول لتولــى اإلذن بتعيينهــا مباشــرة فــي جلســة املرافعــة دون ســبق عرضهــا علــى منــدوب الدولــة.
ويمكــن لرئيــس الدائــرة االبتدائيــة باملحكمــة اإلداريــة أن يقضــي مباشــرة فــي الدعــوى دون تحقيــق ودون ســابق مرافعــة
فــي الحــاالت التاليــة:
-التخلي عن القضية أو طرحها.
-عدم االختصاص الواضح.
-انعدام ما يستوجب النظر.
-عدم القبول أو الرفض شكال.
.3تجــدر االشــارة إلــى أن موقــف رئيــس دائــرة قابــس القاضــي بعــدم االختصــاص بمقتضــى حكــم فــردي فــي نزاعــات
انتخــاب رئيــس البلديــة ومســاعديه تدعــم بمقتضــى الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االبتدائيــة بقابــس بمقتضــى الحكــم
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 362
الدعــوى نشــرت يــوم 25جــوان 2018وتــم الحكــم فيهــا يــوم 26جــوان 2018ممــا يمكــن
األطــراف ،فــي حــال رغبــوا فــي ذلــك ،مــن اعــادة نشــر دعواهــم أمــام القاضــي املختــص.
نفــس املوقــف اتخذتــه رئيســة الدائــرة االبتدائيــة باملنســتير اذ قضــت بحكــم فــردي
بالتخلــي عــن النظــر فــي الدعــوى لعــدم االختصــاص 1ومــن ناحيــة أخــرى قبلــت رئيســة
الدائــرة االبتدائيــة االختصــاص فــي مــادة توقيــف التنفيــذ ورفضــت املطلــب املقــدم مــن
منظمــة أنــا يقــظ املتعلــق بطلــب تأجيــل وتوقيــف تنفيــذ «االعــان للعمــوم» الصــادر عــن
والــي املنســتير واملتعلــق بالدعــوة لعقــد الجلســة األولــى للمجلــس البلــدي املنتخــب ببلديــة
قصــر هــال يــوم 23جــوان 2018علــى الســاعة التاســعة صباحــا فــي جلســة مغلقــة
يقتصــر حضورهــا علــى أعضــاء املجلــس البلــدي الذيــن تــم التصريــح بفوزهــم ،2واملعلــوم
أن قضــاء توقيــف التنفيــذ هــو فــرع مــن األصــل وفــي مــادة تجــاوز الســلطة ،فــإذا قضــت
محكمــة املنســتير بــأن النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب رئيــس املجلــس البلــدي ومســاعديه
هــي مــن اختصــاص الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة ابتدائيــا واســتئنافيا مــن
اختصــاص الجلســة العامــة القضائيــة ،وان الجلســة العامــة القضائيــة صنفــت هــذه
النزاعــات بانهــا نزاعــات انتخابيــة ،أي ليســت نزاعــات تجــاوز ســلطة ،فتطبيقــا لهــذا
التمشــي يكــون قــرار الوالــي بدعــوة املجلــس البلــدي لالنعقــاد فــي جلســته األولــى جــزء
خاصةّ مــن عمليــة انتخــاب الرئيــس ومســاعديه وبالتالــي غيــر قابــل للطعــن بتوقــف التنفيــذ
أن الفصــل 175ثالثــا مــن القانــون االنتخابــي لــم ينــص علــى امكانيــة الطعــن بتوقيــف
التنفيــذ فــي قــرار الدعــوة الصــادر عــن الوالــي ،ويبقــى لــكل مــن لــه مصلحــة الطعــن
فــي القــرارات املنبثقــة عــن محضــر الجلســة عنــد انعقــاده أمــام الدائــرة االســتئناف ّية.
أمــا الدائــرة االبتدائيــة بسوســة فقــد تعهــدت بالنــزاع وقضــت بالتخلــي عــن النظــر
فــي الدعــوى مســتندة علــى أحــكام الفصــول 264مــن مجلــة الجماعــات املحليــة و145
(جديــد) و 174مكــرر مــن القانــون االنتخابــي اســتنادا إلــى أن «أنــه يســتفاد مــن
أحــكام الفقــرة األخيــرة مــن الفصــل 246مــن مجلــة الجماعــات املحليــة أن نيــة املشــرع
اتجهــت نحــو اســناد اختصــاص البــت فــي النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب رئيــس البلديــة
ومســاعديه إلــى جهــاز القضــاء اإلداري طبقــا للشــروط والصيــغ واآلجــال املعمــول
بهــا بخصــوص الطعــون فــي نتائــج انتخــاب املجالــس البلد ّيــة ،بمــا تكــون معــه واليــة
النظــر فيــه هــذه النزاعــات معقــودة ابتدائيــا لفائــدة الدوائــر االســتئناف ّية باملحكمــة
اإلداريــة واســتئنافيا لفائــدة الجلســة العامــة القضائ ّيــة وذلــك إلــى حــن إحــداث املحاكــم
اإلدار ّيــة االســتئناف ّية واملحكمــة اإلدار ّيــة العليــا عمــا بأحــكام الفصــول ( 145جديــد)
و( 146جديــد) و 174مكــرر مــن القانــون االساســي املتعلــق باالنتخــاب واالســتفتاء».1
ثــم قضــت الدائــرة االســتئنافية العاشــرة بانــه «يســتفاد مــن هــذه األحــكام ،2أنّ
املش ـ ّرع خــول للمتقاضــن إمكان ّيــة الطعــن فــي نتائــج انتخــاب رئيــس املجلــس البلــدي
ومســاعديه علــى أن يتــم ذلــك وفقــا للشــروط والصيــغ واآلجــال املعمــول بهــا ضــد
انتخــاب املجلــس البلــدي بمــا يحيلنــا علــى الفصــل 145جديــد مــن القانــون االنتخابــي...
وحيــث تبعــا لذلــك ،يتجلــى أنّ املشــرع أســند اختصــاص النظــر للطعــن فــي النتائــج
املتعلقــة بانتخــاب وتنصيــب رئيــس املجلــس البلــدي للدوائــر االســتئنافية» وانتهــت
الدائــرة الــى رفــض الدفــع املتعلــق بعــدم اختصــاص الدوائــر االســتئنافية مــن قبــل
املدعــى عليهمــا 3كمــا أقــرت الدوائــر االســتئنافية الثامنــة والثالثــة االختصــاص وذلــك
ببتهــا فــي أصــل النــزاع ضــرورة أنــه لــم يتــم الدفــع بعــدم االختصــاص أمامهــا.4
.1حكم ابتدائي صادر عن الدائرة االبتدائ ّية بسوسة تحت عدد 05900007بتاريخ 17جويلية 2018
.2يقصد الفقرة األخيرة من الفصل 246من مجلة الجماعات املحلية
.3حكم استئنافي صادر عن الدائرة االستئنافية العاشرة عدد 212521بتاريخ 28سبتمبر 2018
.4حكــم اســتئنافي صــادر عــن الدائــرة الثالثــة تحــت عــدد 212506بتاريــخ 24ســبتمبر 2018والحكــم الصــادر عــن
الدائــرة الثامنــة تحــت عــدد 212479بتاريــخ 16جويليــة 2018
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 364
وانفردت الدائرة االبتدائية الجهوية بقفصة بإقرار اختصاصها بالبت في نزاعات انتخاب
رئيــس البلديــة ومســاعديه 1وقــد أصبــح الحكــم باتــا ضــرورة أنــه لــم يتــم اســتئنافه .وإن لم
يتعــرض الحكــم الــى مســالة االختصــاص ألنــه لــم يتم الدفــع بعدم االختصــاص من أي من
األطــراف إ ّال أن تعهــد الدائــرة وبتهــا فــي أصــل النــزاع يعتبــر إقــرار منهــا باالختصــاص.
وامللفــت لالنتبــاه فــي فقــه قضــاء الدوائــر االســتئنافية والجلســة العامــة القضائيــة
املتعلــق بانتخــاب رئيــس البلديــة ومســاعديه هــو عــدم الوضــوح فــي تأويــل مقتضيــات
الفصلــن 246و 145جديــد مــن القانــون االنتخابــي ذلــك أنــه تــم االعتمــاد فــي اإلقــرار
باختصــاص الدوائــر االســتئنافية ابتدائيــا والجلســة العامــة اســتئنافيا علــى تأويــل
مفــاده أن املقصــود بالفصــل 246الــذي اقتضــى أن «يمكــن الطعــن فــي صحــة
انتخــاب الرئيــس واملســاعدين حســب الشــروط والصيــغ واآلجــال املعمــول بهــا فــي
خصــوص االعتراضــات ضــد انتخــاب املجلــس البلــدي أمــام القضــاء اإلداري» أن
املشــرع اســند االختصــاص املنصــوص عليــه بالفصــل 145مــن القانــون االنتخابــي
الــذي اقتضــى أنــه «يمكــن الطعــن أمــام املحاكــم اإلداريــة االســتئنافية فــي النتائــج
الوليــة لالنتخابــات واالســتفتاء» إلــى الدوائــر االســتئنافية بنفــس الصيــغ واالجــراءات.
ورغــم ان النــص لــم يذكــر االختصــاص صراحــة فــان الدوائــر االســتئنافية والجلســة
العامــة اعتبــرت أن عبــارات «الشــروط والصيــغ واآلجــال» تشــمل االختصــاص.
ولكــن رغــم ذلــك فإنــه لــم يتــم تطبيــق االجــراءات املنصــوص عليهــا بالفصــل 145
(جديــد) 2خاصــة فيمــا تعلــق باإلجــراءات أمــام الدائــرة وهــي مفارقــة أن يتــم اقــرار
االختصــاص اســتنادا إلــى تأويــل معــن لعبــارة «الصيــغ واالجــراءات» ثــم ال يتــم
احتــرام الصيــغ واالجــراءات املذكــورة واملســتوجب اتباعهــا صراحــة دون تأويــل.
فطبقــا للفقــرات 3و 4و 5مــن الفصــل ( 145جديــد) تتولــى كتابــة املحكمــة ترســيم
العريضــة واحالتهــا فــورا إلــى رئيــس الدائــرة االســتئنافية ،1ويتولــى رئيــس الدائــرة
تعيــن جلســة مرافعــة فــي أجــل قــدره ثالثــة أيــام والحــال أن الدائــرة االســتئنافية
العاشــرة التــي أقــرت االختصــاص بمقتضــى الحكــم عــدد 212521عينــت القضيــة
لجلســة مرافعــة فــي 24ســبتمبر 2018وصــدر الحكــم يــوم 28ســبتمبر 2018والحــال
أن الدعــوى قدمــت يــوم 20جويليــة 2018أي أن القضيــة حكــم فيهــا فــي الطــور األول
فــي أجــل 70يومــا والحــال أن األجــل األقصــى طبقــا للفصــل ( 145جديــد) هــو 8أيــام.
وقــد تــم اســتئناف الحكــم أمــام الجلســة العامــة يــوم 5أكتوبــر 2018فتــم تعينيهــا
فــي جلســة مرافعــة يــوم 11أكتوبــر 2018والحــال أنــه طبقــا الجــراءات الفصــل 146
(جديــد) كان مــن املســتوجب تعيــن جلســة املرافعــة يــوم 8اكتوبــر علــى أقصــى تقديــر
وتولــت الجلســة العامــة القضائيــة الحكــم فــي القضيــة يــوم 30أكتوبــر 2018والحــال
أن أقصــى أجــل للحكــم هــو يــوم 18أكتوبــر 2018تطبيقــا للفقــرة 6مــن الفصــل
( 146جديــد) مــن القانــون االنتخابــي .وعليــه فــان القضيــة بطوريهــا اســتغرقت
100يــوم أي ثالثــة أشــهر وعشــرة أيــام عوضــا عــن 21يومــا علــى أقصــى تقديــر.
أمــا فــي الحكــم الصــادر عــن الجلســة العامــة تحــت عــدد 317449بتاريــخ 13نوفمبــر
2018طعنــا فــي الحكــم االســتئنافي عــدد 212506بتاريــخ 28ســبتمبر ،2018تــم اســتئناف
الحكــم أمــام الجلســة العامــة فــي 29أكتوبــر 2018أي فــي أجــل شــهر مــن تاريــخ صــدور
الحكــم وعليــه فانــه امــا أن املحكمــة لــم تحتــرم اجــراء االعــام بالحكــم املنصــوص عليــه
فــي الفقــرة األخيــرة مــن الفصــل ( 145جديــد) مــن القانــون االنتخابــي واملحــدد بثالثــة
أيــام مــن تاريــخ صــدور الحكــم األمــر الــذي يعــد خرقــا مــن قبــل املحكمــة لإلجــراءات
القضائيــة أو ان االعــام تــم فــي اآلجــال وفــي هــذه الحالــة يكــون الطعــن باالســتئناف
أمــام الجلســة العامــة قــد تــم خــارج اآلجــال املحــددة بالفقــرة األولــى مــن الفصــل 146
(جديــد) بثالثــة أيــام مــن تاريــخ اإلعــام بالحكــم وبالتالــي كان علــى الجلســة العامــة
أن تقضــي برفــض الطعــن شــكال عوضــا عــن قبــول الطعــن شــكال ورفضــه أصــا.
وتتولــى الدائــرة إثــر املرافعــة حجــز القضيــة للمفاوضــة والتصريــح بالحكــم فــي أجــل أقصــاه خمســة أيــام مــن تاريــخ
جلســة املرافعــة ،وتــأذن بالتنفيــذ علــى املســودة.
.1يبقــى اجــراء احالــة القضيــة مــن قبــل الرئيــس األول إلــى الكتابــة والكتابــة الــى الدائــرة القضائيــة املتعهــدة اجــراء
داخليــا وغيــر معلــوم بــه مــن قبــل املتقاضــن رغــم تأثيــره علــى حقوقهــم فقــد يســتغرق تعيــن القضيــة فــي الدائــرة
أســابيع أو أشــهرا فــي بعــض األحيــان األمــر الــذي يكــون معــه ادراج مســألة ضبــط آجــال لتعيــن القضايــا مــع وجوبيــه
اعــام املتقاضــن بتاريــخ التعهيــد والدائــرة املتعهــد وكذلــك القضــاة ،ضمــن مجلــة القضــاء االداري ضروريــا ملــا
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 366
ويســتنتج مــن اســتعراض فقــه قضــاء الدوائــر االبتدائيــة واالســتئنافية والجلســة العامــة
القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي البــت فــي نزاعــات انتخــاب رئيــس املجلــس البلــدي
ومســاعديه أن اللبــس الــذي شــاب الفصــل 246مــن مجلــة الجماعــات املحليــة قــد
وخاصــة
ّ تعمــق بفعــل فقــه القضــاء الــذي لــم يســاهم فــي توضيــح القواعــد االجرائيــة
فيمــا تعلــق باالختصــاص الحكمــي األمــر الــذي شــكل خرقــا ملبــدأ املحاكمــة العادلــة
املكرســة بالفصــل 108مــن الدســتور وذلــك لتعارضــه مــع أهــم مكونــات املحاكمــة
العادلــة وهــو «تيســير اللجــوء إلــى القضــاء» فتشــعب االجــراءات وعــدم وضوحهــا
يضعــف مــن حقــوق املتقاضــن فــي الوصــول إلــى القضــاء ويؤثــر ســلبيا علــى مبــدأ
األمــان القانونــي 1كمــا يســاهم فــي خلــق حــاالت عــدم مســاواة بــن املتقاضــن.
ومــن مظاهــر هــذا التشــعب أن الكثيــر مــن النزاعــات التــي طرحــت بمناســبة تركيــز
املجالــس البلديــة كانــت تتعلــق فــي نفــس الوقــت بالطعــن فــي انتخــاب الرئيس واملســاعدين
وكذلــك تشــكيل اللجــان وتعيــن رؤســائها ومقرريهــا نظــرا لكونهــا تتــم فــي نفــس الجلســة
وبمقتضــى نفــس املحضــر ،ممــا أدى ببعــض األحــكام الــى الحكــم بعــدم االختصــاص فــي
جــزء منهــا بخصــوص نزاعــات الرئيــس واملســاعدين فــي الطــور االبتدائــي والحكــم فــي
األصــل بخصــوص فــرع النــزاع املتعلــق بالطعن تعيني رؤســاء اللجــان ومقرريهــا 2والعكس
تــم أمــام الدائــرة االســتئنافية التــي قضــت بعــدم اختصاصهــا فــي جــزء النــزاع املتعلــق
بالطعــن فــي تعيــن رؤســاء اللجــان ومقرريهــا وقضــت فــي أصــل الدعــوى بخصــوص
الطعــن فــي انتخــاب رئيــس املجلــس واملســاعدين ،وذهــب األمــر حــد الحكــم» بشــطب
القضيــة عــدد 212489مــن دفاتــر القضايــا االســتئنافية وإحالتهــا إلــى الرئيــس األول
للمحكمــة اإلداريــة لترســيمها بســجل املحكمــة الخــاص بالقضايــا االبتدائيــة باملحكمــة
اإلداريــة» 3اســتنادا إلــى أن اختصــاص الدوائــر االســتئنافية مســند بمقتضــى الفصــل
246الــذي لــم يتضمــن نزاعــات تشــكيل اللجــان وتعيــن املقرريــن والرؤســاء ،والغريــب أن
املدعــن فــي هــذه القضيــة قامــوا برفــع قضيــة أمــام الدائــرة االبتدائيــة للمحكمــة اإلداريــة
بالــكاف فــي 21ســبتمبر 2018أي بعــد 70يومــا 4مــن صــدور الحكــم االســتئنافي وقــد
تــم الدفــع باســبقية القيــام أمــام الدوائــر االســتئنافية ولــم تتــول املحكمــة اثــارة القيــام
خــارج اآلجــال والحــال ان آجــال القيــام مــن متعلقــات النظــام العــام .هــذا التشــتت فــي
نزاعــات تتعلــق بنفــس الجلســة غيــر مستســاغ ويمــس ســلبيا مــن مبــدا املحاكمــة العادلــة.
.2حكم ابتدائي صادر عن دائرة قابس تحت عدد 09100056بتاريخ 27نوفمبر 2018
.3حكم استئنافي عدد 212489بتاريخ 12جويلية . 2018
367 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
وأمــام هــذا اللبــس الكبيــر الــذي اعتــرى تأويــل الفصــل 246مــن مجلــة الجماعــات املحليــة
يتجــه تقديــم محاولــة لتأويلــه ،وفــي هــذا الســياق مــن املجــدي بيــان أن عبــارة «القضــاء
اإلداري» وردت ضمــن البــاب األول الكتــاب الثانــي فــي ثــاث مواضــع الفصــل 246و1266
و 2922وبالتمعــن فــي كل مــن الفصلــن 266و 292يتبــن أن التأويــل األقرب هو أن املقصود
بعبــارة «القضــاء اإلداري» هــو املحكمــة االداريــة االبتدائيــة ،ألنــه فــي حالــة الفصــل 266
يتعلــق األمــر بطعــن رئيــس البلديــة فــي قــرار الســلطة املركزيــة تنفيــذ القــرارات البلديــة
وفــي حالــة الفصــل 292يتعلــق األمــر بالنزاعــات املترتبــة عــن االنســحاب مــن مؤسســة
التعــاون بــن البلديــات وطاملــا ان «الجميــع» متفقــون علــى ان القاضــي اإلداري هــو
قاضــي الجماعــة املحليــة وأن القاضــي االبتدائــي هــو األقــرب إلــى الجماعــة املحليــة فــان
األقــرب هــو أن االختصــاص معقــود إلــى القاضــي االبتدائــي ،ولــكل ذلــك فمــن املنطقــي
أن يتــم تأويــل نفــس العبــارة بنفــس الطريقــة فــي الفصــول 246و 266و 292مــن املجلــة.
مــن جهــة اخــرى تعتبــر الدائــرة االبتدائيــة هــي القاضــي صاحــب االختصــاص
العــام 3أو الواليــة العامــة 4فــي القضــاء اإلداري ،علــى غــرار املحكمــة االبتدائيــة
فــي القضــاء العدلــي ،وعليــه يرجــع الــى الدائــرة االبتدائيــة كل النزاعــات اإلداريــة
التــي ال يتــم اســنادها صراحــة الــى هيئــة حكميــة معينــة فــي القضــاء اإلداري
ولهــذا الســبب فــإن عبــارة «القضــاء اإلداري» يقصــد بهــا املحكمــة االبتدائيــة.
باإلضافــة الــى ذلــك يجــب أن ال نغفــل عــن أن عبــارة «القضــاء اإلداري» هــي عبــارة
دســتورية ولذلــك فــإن كل تأويــل لهــا البــد أن يتطابــق مــع مــا قصــده الدســتور بهــا،
نــص الفصــل 116مــن الدســتور علــى أن «يتكــون القضــاء اإلداري مــن محكمــة وقــد ّ
إداريــة عليــا ،ومحاكــم إداريــة اســتئنافية ،ومحاكــم إداريــة ابتدائيــة .يختــص القضــاء
اإلداري بالنظــر فــي تجــاوز اإلدارة ســلطتها ،وفــي النزاعــات اإلداريــة ،ويمــارس
وظيفــة استشــارية طبــق القانــون» ،ويتبــن أن املقصــود بعبــارة القضــاء اإلداري فــي
الدســتور هــو املحكمــة اإلداريــة العليــا واملحاكــم اإلداريــة االســتئنافية واملحاكــم االداريــة
االبتدائيــة أي القضــاء اإلداري بأطــواره الثالثــة وعليــه كلمــا أســند اختصــاص «للقضــاء
اإلداري» فإنــه وتطبيقــا للدســتور تتــم ممارســة هــذا االختصــاص مــن قبــل املحاكــم
االداريــة االبتدائيــة ثــم املحاكــم االداريــة االســتئنافية ثــم املحكمــة اإلداريــة العليــا.
...« .1لرئيس البلدية الطعن في في رفض السلطة املركزية تنفيذ القرارات البلدية أمام القضاء اإلداري»
« .2تعرض النزاعات املتعلقة باالنسحاب وآثاره على القضاء اإلداري»
3. Juge de droit commun
.4حكــم اســتئنافي عــدد 212489بتاريــخ 12جويليــة « 2018وحيــث بنــاء عليــه تكــون الدوائــر االبتدائيــة باملحكمــة
أي نــزاع إداري» املختصــة فــي النــزاع املاثــل باعتبارهــا صاحبــة الواليــة العامــة بالنظــر ابتدائيــا فــي ّ
ّ اإلداريــة هــي
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 368
ثــم أنــه مــا مــن شــك أن عبارة «القضــاء االداري» اقتضــت تأويال من قبل الهيئــات الحكمية
املنتصبــة للحكــم فــي النزاعــات التــي طرحــت بمناســبة انتخــاب رئيــس البلديــة ومســاعديه
وان املنظومــة القانونيــة التشــريعية التونســية تضمنت بكل دقة قواعــد التأويل 1فقد اقتضى
الفصــل 532مــن مجلــة االلتزامــات والعقــود بــأن «نــص القانــون ال يحتمــل إال املعنــى
الــذي تقتضيــه عبارتــه بحســب وضــع اللغــة وعــرف االســتعمال ومــراد واضــع القانــون»
فبالنســبة لوضــع اللغــة اقتضــى الفصــل 533مــن مجلــة االلتزامــات والعقود أنــه «إذا كانت
عبــارة القانــون مطلقــة جــرت علــى إطالقهــا» وتطبيقــا لهــذه القاعــدة فقــد وردت عبــارة
«القضــاء اإلداري» مطلقــة ولــم يخــص القانــون هيئــة حكميــة ضمــن القضــاء اإلداري
وبالتالي فان التأويل الســليم يقتضي أن يســند االختصاص للقضاء اإلداري بكل أطواره.
أمــا بخصــوص «مــراد واضــع القانــون» فيتبــن بالرجــوع إلــى تقريــر اللجنــة التأسيســية
للقضــاء العدلــي واملالــي والدســتوري اجمــاع كل االطــراف الذيــن اســتمعت إليهــم اللجنــة
علــى ضــرورة إقــرار ال مركزيــة القضــاء اإلداري 2وقــد انتهت اللجنة التأسيســية في رؤيتها
للقضــاء اإلداري مــن الناحيــة الهيكليــة إلــى ضــرورة اعتمــاد هيكلــة هرميــة متكاملــة فقــد
«أجمعــت اللجنــة علــى اعتمــاد التقاضــي علــى درجتــن ضمــن تركيبــة ثالثيــة تضــم محاكم
ابتدائيــة ومحاكــم اســتئناف ومحكمــة عليــا كمــا تطــرق النقــاش إلــى ال مركزيــة القضــاء
اإلداري ووقــف النــواب علــى دورهــا فــي تقريــب القضــاء مــن املواطــن واســتعرضوا
فــي املقابــل مــا يمكــن أن تطرحــه مــن اشــكال بخصــوص تشــتيت النــزاع اإلداري».3
كمــا تبــن باالطــاع تقريــر اللجنــة التأسيســية للجماعــات العموميــة الجهويــة واملحليــة
أنهــا انتهــت إلــى ان ضمــان اســتقالل الجماعــات املحليــة يكــون عبــر اخــراج الرقابــة
الالحقــة ألعمالهــا مــن ســلطة االشــراف واســنادها إلــى «القضــاء اإلداري ...وهــذا يتطلــب
علــى مســتوى التطبيــق اعــادة هيكلــة القضــاء اإلداري وذلــك باحــداث فــروع للمحكمــة
اإلداريــة 4»...ومــن هنــا يبــرز أن املشــرع التأسيســي يقصــد بعبــارة القضــاء اإلداري عامــة
وفــي مــادة نزاعــات الجماعــات املحليــة علــى وجــه الخصــوص القضــاء اإلداري بــكل
أطــواره مشــددا علــى القاضــي االبتدائــي بصفتــه القاضــي األقــرب للجماعــة املحليــة.
ومــن جهــة «عــرف االســتعمال « ال يفوتنــا أن نبــن أن الفقــرة األخيــر مــن الفصــل 246مــن
.1مجلــة االلتزامــات والعقــود البــاب الثانــي فــي تفســير العقــود وبعــض القواعــد القانونيــة العامــة الفــرع الثانــي فــي
بعــض القواعــد العامــة تتعلــق بالقانــون الفصــول مــن 532إلــى 563
.2تقرير اللجنة التأسيسية للقضاء العدلي واإلداري واملالي والدستوري حول مشروع باب السلطة القضائية ،ص ص .12 - 9
.3تقرير اللجنة التأسيســية للقضاء العدلي واإلداري واملالي والدســتوري حول مشــروع باب الســلطة القضائية ص 27
.4تقرير للجنة للجماعات العمومية الجهوية واملحلية ص .15
369 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
وفــي فرنســا وتطبيقــا للفصــل املذكــور تمــارس املحاكــم اإلداريــة االبتدائيــة اختصــاص
البــت فــي نزاعــات انتخــاب رؤســاء املجلــس البلديــة ومســاعديهم .2كمــا تختــص املحاكــم
االداريــة االبتدائيــة فــي املغــرب بالبــت فــي نزاعــات انتخــاب رؤســاء املجالــس الحضريــة
والقرويــة طبقــا للمــادة 26مــن الظهير الشــريف عدد 41.90مطة أولــى« 3ويتوزع اختصاص
املحاكــم اإلداريــة فــي املنازعــات االنتخابيــة بــن مــا هــو صريــح منصــوص عليــه فــي مــادة
مــن قانــون عــدد 41.90ومــا هــو ضمنــي بالنظــر إلــى طبيعــة املــادة االنتخابيــة» .4وكذلــك
الشــأن فــي مصــر أيــن تختــص املحاكــم االداريــة االبتدائيــة «بالطعــون الخاصــة بانتخــاب
الهيئــات املحليــة طبــق نــص القانــون عــدد 47لســنة .1972وقــد عــددت املــادة 10مــن
القانــون اختصاصــات املحاكــم االداريــة علــى ســبيل الحصــر «كانــت املحكمــة االبتدائيــة
تختــص بالطعــون فــي انتخــاب الهيئــات املحليــة قبــل انشــاء مجلــس الدولــة فــي مصــر
وكانــت تفصــل فــي الطعــن علــى ســبيل االســتعجال بأحــكام غيــر قابلــة للطعــن فيهــا
1. Article L2122-13 L'élection du maire et des adjoints peut être arguée de nullité dans les
conditions, formes et délais prescrits pour les réclamations contre les élections du conseil municipal
2. Aux termes de l'article L. 2122-13 du code général des collectivités territoriales (CGCT), l'élection
du maire et des adjoints peut être contestée dans les mêmes conditions, formes et délais que l'élection
des conseillers municipaux. Les recours contre l'élection du maire et des adjoints peuvent ainsi être
formés par tout électeur de la commune ou toute personne éligible au conseil municipal soit par requête
déposée ou parvenue au tribunal administratif au plus tard à dix-huit heures le cinquième jour suivant
la proclamation des résultats, soit par consignation des moyens d'annulation au procès-verbal des
opérations électorales ou par requête déposée à la sous-préfecture ou à la préfecture au plus tard à dix-
huit heures le cinquième jour suivant la proclamation des résultats ; ce procès-verbal ou cette requête
doit être transmis par le préfet, dès sa réception, au greffe du tribunal administratif. L'article D. 2122-2 du
CGCT précise que le délai de cinq jours dans lequel l'élection du maire et des adjoints peut être arguée
)de nullité court à partir de vingt-quatre heures après l'élection (CE 21 février 2000, Blachère, n° 206581
.3في الطعون املرفوعة إلى املحاكم اإلدارية فيما يتعلق باالنتخابات املادة 26
تختص املحاكم اإلدارية :
• بالنظر ،بدال من املحاكم االبتدائية ،في الطعون املنصوص عليها في:
-الظهيــر الشــريف رقــم 1.59.161بتاريــخ 27مــن صفــر ( 1379فاتــح ســبتمبر )1959املتعلــق بانتخــاب مجالــس
الجماعــات الحضريــة والقرويــة ،وتحــل نتيجــة لذلــك عبــارة "املحكمــة اإلداريــة" وعبــارة "رئيــس املحكمــة اإلداريــة"،
محــل عبــارة " املحكمــة االبتدائيــة" وعبــارة "رئيــس املحكمــة االبتدائيــة " فــي الفصــول ( 13الفقــرة الثالثــة) و17
(الفقــرة السادســة) و( 19الفقــرة األخيــرة) و( 30الفقــرة الثانيــة) و 33و 34و 35و 37و 39مــن الظهيــر الشــريف املذكــور ؛
-الظهير الشريف رقم 1.63.273بتاريخ 22من ربيع اآلخر 12( 1383سبتمبـر )1963املتعلق بتنظيم العماالت واألقـاليم
ومجالســها ،وتحــل نتيجــة لذلــك عبــارة "املحكمــة اإلداريــة" وعبــارة "رئيــس املحكمــة اإلداريــة" محــل عبــارة "املحكمــة
االبتدائية" وعبارة "رئيس املحكمة االبتدائية" في الفصول 10و 21و 22و 27و 28و 29و 30من الظهير الشريف املذكور
.4محمــد قصــري ومحمــد األعــرج الطعــون االنتخابيــة بــن أحــكام التشــريع وقــرارات القضــاء املغربــي ،دار قرطبــة
للنشــر ،الــدار البيضــاء ،الطبعــة األولــى ،2007 ،ص 12
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 370
باملعارضــة وال باالســتئناف ،وفــي املقابــل قضــت املــادة 13مــن القانون رقم 47لســنة 1972
باختصــاص محكمــة القضــاء االداري بالفصــل فــي الطعــون االنتخابيــة بالهيئــات املحليــة،
واصبــح الختصــاص القضــاء اإلداري فائــدة عمليــة فــي النظــر بالطعــون املحليــة ...وطبقــا
لنــص املــادة األولــى مــن قانــون االدارة املحليــة لســنة 1979رقــم 43املقصــود بالهيئــات
ـخصية االعتباريــة وهــي املحليــة «هــي مجالــس ووحــدات الحكــم املحلــي التــي تتمتــع بالشـ ّ
املحافظــات واملراكــز واملــدن واألحيــاء والقرى»...والدعــوى هنــا هــي دعــوى قضــاء كامــل».1
ولتجــاوز هــذا الغمــوض التشــريعي الــذي لــم يتــم تجــاوزه او تالفيــه بفعــل االجتهــادات
القضائيــة فانــه مــن املجــدي تدخل املشــرع بتنقيح الفصل 246من مجلــة الجماعات املحلية
واســناد اختصــاص نزاعــات انتخاب الرئيس واملســاعدين صراحــة الى هيئة حكمية ضمن
القضــاء االداري ،وتجــدر االشــارة الــى انــه صــدرت توصيــة عــن امللتقى العلمــي املنظم من
قبــل الفــرع الجهــوي للمحامــن باملنســتير ومركــز التكويــن ودعــم الالمركزيــة وبمشــاركة
الفرعــن الجهويــن للمحامــن بــكل مــن املهديــة والقيــروان املنظــم فــي 24و 25جانفــي 2020
تحــت عنــوان «نزاعــات الجماعــات املحليــة» باســناد اختصــاص البــت فــي نزاعــات رئيــس
البلديــة ومســاعديه إلــى املحاكــم االداريــة االبتدائيــة .وهــو الخيــار األنســب واملتالئــم مــع
نصهــا املتجــه إلــى جعــل املحكمــة االداريــة روح مجلــة الجماعــات املحليــة واألقــرب إلــى ّ
االبتدائيــة هــي قاضــي الجماعــة املحل ّيــة لكونــه قاضــي املــادة االدار ّيــة األقــرب اليهــا ،وال
يجــب أن ننســى أن احــداث الدوائــر االبتدائيــة الجهويــة بمقتضــى األمــر الحكومــي عــدد
620لســنة 2017مــؤرخ فــي 25مــاي 2017املتعلــق بإحــداث دوائــر ابتدائيــة متفرعــة عــن
املحكمــة اإلداريــة بالجهــات وبضبــط نطاقهــا الترابــي ،بمناســبة االنتخابــات البلديــة األولــى
بعــد دســتور 2014لكــي يتصــدى للنزاعــات املتعلقــة بانتخــاب الجمعــات املحليــة وبســيرها.
ب .تكريــس فقــه قضــاء املحكمــة االداريــة فــي املــادة االنتخاب ّيــة على
نزاعات الجلســة األولى
إن املطلــع علــى فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي املــادة االنتخابيــة منــذ 2011مــرورا
بانتخابــات 2014يمكنــه أن يســتنتج أن األحــكام الصــادرة فــي هــذه املــادة تميزت بالتشــدد
والصرامــة فــي تطبيــق النظــام االجرائــي فــي النــزاع االنتخابــي وهــو النظــام الــذي تــم
تطبيقــه مــن قبــل الهيئــات الحكميــة فــي نزاعــات انتخــاب رئيــس البلديــة ومســاعديه.
.1شــتي صديــق محمــد ،القضــاء اإلداري وتنــازع اختصاصاتــه مــع القضــاء العــادي ،دراســة تحليليــة مقارنــة ،املركــز
القومــي لإلصــدرات القانونيــة ،القاهــرة ،الطبعــة األولــى ،2016 ،ص . 80
371 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
فقــد كرســت املحكمــة فقــه قضاءهــا املعلــق بوجوبيــة تبليــغ العريضــة فقضــت الدائــرة
االســتئنافية العاشــرة بمقتضــى حكمهــا عــدد 212484بتاريــخ 18جويليــة 2018إلــى
أنــه تطبيقــا للفصــل 145مــن القانــون االنتخابــي فانــه «يتعــن علــى القائــم بالطعــن أن
يبلــغ عريضــة الطعــن إلــى الهيئــة وإلــى جميــع األطــراف املشــمولة بالطعــن والتنبيــه
عليهــم بضــرورة االدالء بملحوظاتهــم فــي األجــل القانونــي وهــو إجــراء وجوبــي رتــب
املشــرع عــن مخالفتــه رفــض الطعــن شــكال »...وهــو نفــس املوقــف الــذي أجمعــت 1عليــه
الدوائــر االســتئنافية ســنة .2 2014كمــا حافظــت املحكمــة علــى نفــس املوقــف بخصــوص
تبيــغ التقاريــر فــي الــرد علــى عريضــة الدعــوى فقــد قضــت الجلســة العامــة القضائيــة
باإلعــراض عــن التقريــر املقــدم جلســة دون االدالء بمــا يفيــد تبليغــه لألطــراف.3
وبخصــوص انابــة املحامــي انتهــت الدائــرة االســتئنافية الثانيــة إلــى أن مــا اقتضــاه
الفصــل 145مــن القانــون االنتخابــي بخصــوص أن يقــدم الطعــن عــن طريــق
«محــام لــدى التعقيــب مــن االجــراءات األساســية التــي ينجــر عــن مخالفتهــا
خلــل فــي اجــراءات الطعــن يــؤول الــى رفضــه شــكال» 4وأن انابــة محامــي مرســم
لــدى االســتئناف يعــد خلــا وهــو املوقــف الــذي تــم اقــراره منــذ ســنة .5 2014
ومــن جهــة أخــرى تــم التأكيــد علــى أن تضمــن محضــر االعــام بالطعــن التنبيــه علــى
املدعــى عليــه بتقديــم ملحوظاتــه فــي أجــل أقصــاه يــوم جلســة املرافعــة «وحيــث اســتقر
فقــه القضــاء علــى أن النــزاع االنتخابــي يخضــع إلجــراءات خاصــة وآجــال مقتضبــة
ومبــادئ قانونيــة متميــزة تحــول دون االســتئناس باملبــادئ االجرائيــة املوضوعيــة
ألصنــاف أخــرى مــن النزاعــات ،وأنــه ال منــاص للقاضــي االنتخابــي مــن التقيــد بعبــارة
ـص املنظــم للنــزاع وتســليط الجــزاء الــوارد فيــه متــى تبــن لــه االخــال بمقتضياتــهالنـ ّ
ضــرورة أن اإلجــراءات املنصــوص عليهــا بالفصــل 146املشــار إليهــا أعــاه ال تتعلــق
بمصلحــة الخصــوم وإنمــا بحســن ســير التقاضــي وضمــان انعقــاد النــزاع بصــورة
ســليمة...وحيث تبــن مــن أوراق امللــف أن محضــر اإلعــام بالطعــن املدلــى بــه مــن
الطاعــن لــم يتضمــن التنبيــه علــى املطعــون ضــده بضــرورة تقديــم ملحوظاتــه مرفقــة
بمــا يفيــد تبليغهــا للطاعــن فــي أجــل أقصــاه جلســة املرافعــة املعينــة مــن املحكمــة فــي
.1دليل النزاعات االنتخابية في تونس ،سمية قنبرة وهدى التوزري ،برنامج األمم املتحدة االنمائي 2017 ،ص 78
.2نذكر على سبيل املثال األحكام عدد 201410019بتاريخ 18سبتمبر 2014و 20141006بتاريخ 17سبتمبر 2014
.3قرار عدد 317402بتاريخ 4أكتوبر . 2018
.4الحكم عدد 212491بتاريخ 13جويلية 2018
.5حكم استئنافي عدد 201420006بتاريخ 7نوفمبر 2014
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 372
مخالفــة للفصــل 146املبــن أعــاه ،األمــر الــذي يتعــن معــه رفــض الطعــن شــكال».1
ان هــذا االســتقرار فــي فقــه القضــاء املحكمــة اإلداريــة بخصــوص اجــراءات التقاضــي
فــي املــادة االنتخابيــة ايجابــي ذلــك أنــه يشــكل ضمانــة للمتقاضــن ويكــرس مبــدأ األمــان
القانونــي الــذي يعتبــر مــن املبــادئ العامــة للقانــون والــذي يهــدف إلــى جعــل املراكــز
القانونيــة واضحــة وغيــر معرضــة لتغييــر املفاجــئ وغيــر اآلمــن .ويمكــن التأكــد مــن ذلــك
مــن خــال النقــص الحاصــل فــي عــدد القضايــا املرفوضــة شــكال فــي الطــور االبتدائــي
أمــام الدوائــر االســتئنافية وكذلــك فــي الطــور االســتئنافي أمــام الجلســة العامــة.2
علــى أن فقــه القضــاء لــم يخل ،من الناحية االجرائية ،من بعض األحكام الفريدة على غرار
الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية األولــى والــذي خــاض مباشــرة فــي األصــل دون
البــت فــي صحــة قيــام الدعــوى مــن جهــة الشــكل وهو موقــف وحيــد ،وكان املنطــوق «رفض
الطعــن أصــا» 3ويبــدو أنــه ليــس خطــأ بــل أن الدائــرة تعمــدت عــدم التعــرض إلــى مقومات
الدعــوى مــن جهــة الشــكل والقضــاء مباشــرة فــي أصــل الدعــوى وهــو موقــف غيــر مفهوم،
كمــا تضمــن أحــد األحــكام ادراج الدفــع بعــدم االختصــاص الحكمــي دون الــرد عليــه. 4
أمــا مــن ناحيــة األصــل فقــد تميــز فقــه قضــاء الدوائر االســتئنافية بدقــة في تطبيــق القانون
وتأولــه مــع حــرص علــى تكريــس املبــادئ الهامــة التــي كرســها فقــه قضــاء املحكمــة فــي
املــادة االنتخابيــة فــي 2011و 2014وأهمهــا علــى اإلطــاق مبــدأ صدقيــة االقتــراع 5فقــد
قضــت الدائــرة االســتئنافية «بــأن القاضــي اإلداري املنتصــب للبــت فــي نزاعــات انتخــاب
رؤســاء البلديــات مســتأمن علــى أصــوات الناخبــن وال يقضــي بإلغــاء النتائــج االنتخابيــة
ـس مــن صحــة ونزاهــة إ ّال إذا تظافــرت أمامــه قرائــن جد ّيــة ووقائــع ثابتــة ومتواتــرة تفيــد املـ ّ
وشــفافية العمليــة االنتخاب ّيــة وأن مــا اســتند إليــه نائــب امل ّدعــن ال يخـ ّول إبطــال العمليــة
االنتخابيــة ناهيــك وأنّ رئيــس البلديــة املطعــون فــي نتائــج انتخابــه لــه شــرعية تســتمد
قوتهــا مــن إرادة الناخبــن وال تأثيــر ملــا تمســك بــه محامــي امل ّدعــن علــى صحــة العمليــة
االنتخابيــة ،األمــر الــذي يتجــه معــه رفــض املطعــن املاثــل كرفــض الدعــوى برمتهــا».6
وقــد قضــت الدائــرة االبتدائيــة بقفصــة بأنــه رغــم ثبــوت خــرق القانــون فــإن النتيجــة
كانــت صحيحــة لذلــك لــم تنتــه املحكمــة إلــى الغــاء نتيجــة انتخــاب مســاعد رئيــس
بلديــة اللــة 1حمايــة إلرادة الناخبــن كمــا قضــت الدائــرة االســتئنافية «بأنــه ولئــن
كان عــدم احتــرام مقتضيــات الفصــول املذكــورة يمثــل مخالفــة للقانــون فــإن ذلــك ال
يترتــب عنــه بالضــرورة وبصفــة آليــة التصريــح بإلغــاء قــرار التصريــح بفــوز الســيد ع
ع برئاســة املجلــس البلــدي ضــرورة أن أحــكام هــذه الفصــول لــم ترتــب جــزاء معينــا
منجــرا عــن هــذه املخالفــة والتــي لــم يثبــت أنــه ترتــب عنهــا مــن جهــة أخــرى أي تأثيــر
علــى ســير االنتخابــات أو علــى إرادة األعضــاء الذيــن شــاركوا فــي االقتــراع».2
كمــا قضــت الدائــرة االســتئنافية السادســة بــأن الفصــل 246مــن مجلــة الجماعــات
ينــص علــى صيغــة معينــة يترتــب عــن مخالفتهــا بطــان عمليــة االنتخــاب ّ املحليــة لــم
وعليــه قبلــت الترشــح لرئاســة املجلــس برفــع األيــدي وليــس بمطلــب كتابــي ،اعمــاال ملبــدأ
صدقيــة االقتــراع وحمايــة ارادة الناخبــن الــذي يقتضــي أنــه طاملــا ان ارادة الناخبــن
واضحــة ولــم يتــم تحريفهــا أو املــس منهــا فــا موجــب إللغــاء العمليــة االنتخابيــة.
كمــا تميــزت األحــكام بالجــرأة فلــم تقــف األحــكام عنــد إلغــاء محاضــر الجلســات بــل
تصــرف القاضــي كقاضــي نتائــج بصالحيــات كاملــة تســلطت علــى رقابــة كامــل العمليــة
االنتخابيــة ورتبــت كل اآلثــار الالزمــة لتكريــس إرادة الناخبــن .فقامت الدائرة االســتئنافية
بالغــاء جلســة انتخابيــة أجريــت بطريقــة غيــر شــرعية فجــاء بحكمهــا «وحيــث طاملــا ثبــت أن
الجلســة االنتخابيــة ليــوم 26جــوان 2018قــد أفضــت إلــى انتخــاب رئيــس لــم يتــم الطعــن
فــي شــرع ّيته طبقــا للفصــل 246مــن مجلــة الجماعــات املحل ّيــة ،أو تقديــم مــا يفيــد أنــه
تــم الغــاء تلــك االنتخابــات أو أن الرئيــس قــد تخلــى طبقــا للفصــل 247مــن نفــس املجلــة،
فــإن محضــر جلســة تنصيــب املجلــس البلــدي بتاريــخ 6جويليــة 2018ومــا تمخــض عنهــا
مــن قــرارات تكــون باطلــة وعلــى خــاف الصيــغ القانونيــة فضــا عــن تضمنهــا بيانــات
مخالفــة ملــا ورد بجلســة 26جــوان « 2018وقضــى الحكــم ببطــان محضــر الجلســة املــؤرخ
فــي 6و 8والقضــاء صراحــة بالتصريــح بفــوز «خ ف» بمنصــب رئيــس بلديــة الصخيــرة.3
وفــي نفــس االتجــاه قضــت كل مــن الدائــرة االســتئنافية الثالثــة والدائــرة االســتئنافية
الخامســة بإلــزام املجلــس البلــدي باجــراء دورة ثانيــة النتخــاب رئيــس البلديــة وحــددت
الدائــرة الثالثــة العضويــن الذيــن ســتجرى بينهمــا الــدور الثانــي وهمــا املترشــحان اللــذان
تحصــا علــى أكبــر عــدد مــن األصــوات ،ولعلــه كان مــن املجــدي إلــى جانــب ذلــك تحديــد
أجــل أقصــى تجــرى خــااله هــذه االنتخابــات حمايــة للمســار االنتخابــي وإلرادة الناخبني.
وقــد امتــدت جــرأة القاضــي إلــى التحقيــق أيضــا باعتمــاده وســائل إثبــات جديــدة
ومســتحدثة مثــل القــرص الليــزري كمــا أقــر بصحــة تصويــر العمليــة االنتخابيــة
طاملــا أن ال شــيء فــي القانــون يمنــع ذلــك ،1وســعت الدوائــر االســتئنافية إلــى القيــام
بأعمــال التحقيــق فطلبــت الدائــرة االســتئنافية الخامســة فــي اطــار التحقيــق بــأوراق
التصويــت بغــرض التثبــت مــن صحــة تكييــف أحــدى األوراق «كورقــة ملغــاة» ،2وفــي
نفــس الســياق قامــت الجلســة العامــة القضائيــة بإحالــة القــرص الليــزري إلــى األطــراف
تقصــي
ضمانــة لحــق الدفــاع وجــاء فــي قرارهــا أنــه « ثبــت لــدى هــذه املحكمــة عــدم ّ
اطــاع الطــرف املقابــل علــى مؤيــدات الطعــن قضــاة الطــور األول بخصــوص مــدى ّ
خاصــة تلــك التــي لهــا تأثيــر جوهــري علــى وجــه الفصــل ،وعمــا باملفعــول االنتقالــي
ّ
لالســتئناف تولــت الجلســة العامــة القضائيــة بموجــب حكــم تحضيــري إحالــة القــرص
الليــزري علــى الطاعنــن لالطــاع عليــه وابــداء ملحوظاتهــم بخصوصــه وهــو مــا
تــم بموجــب التقريريــن املدلــى بهمــا مــن نائبــي الطاعنــن بتاريــخ 22أكتوبــر .3»2018
علــى أن هــذا التميــز شــابته بعــض النقائــص الطفيفــة علــى غــرار قلــة الدقــة فــي
بعــض املصطلحــات علــى ســبيل املثــال مصطلــح «نســبة التصويــت» 4والحــال األمــر
يتعلــق باملترشــحني اللذيــن «تحصــا علــى أكبــر عــدد مــن األصــوات» واملعلــوم
أن هنــاك فرقــا بــن نســبة التصويــت وعــدد األصــوات ،لذلــك مــن املفيــد تكويــن
القضــاة علــى هــذا النــوع املســتجد مــن النزاعــات وكذلــك تنظيــم حلقــات نقــاش
بــن القضــاة بهــدف تنســيق املواقــف وتوحيــد اآلراء حــول املســائل الخالفيــة.
إن عــدم وضــوح االجــراءات القضائيــة وتشــعبها بمــا يمكــن أن يــؤدي إلــى تطبيــق مختلــف
مــن قبــل الهيئــات الحكميــة املتعهــدة بخصــوص االختصــاص وشــروط قبــول الدعــوى مــن
شــأنه االخــال بمبــادئ املحاكمــة العادلــة لــذا يجــب تالفــي هــذا اإلخــال ،بطــرق قانونيــة
وأخــرى شــبه قانونيــة.
وتتمثــل الطــرق القانونيــة فــي تدخــل املشــرع وذلــك بإدخــال التعديــات الضروريــة علــى
القانــون االنتخابــي ومجلــة الجماعــات املحليــة لتوضيــح االجــراءات بــكل دقــة ،وكذلــك مــن
قبــل القضــاة وذلــك بإعمــال اآلليــات القانونيــة لضمــان حســن تأويــل النصــوص القانونيــة.
.1نفس الحكم
.2الحكم عدد 212496
.3الجلسة العامة القضائية 30 317411أكتوبر . 2018
« .4وحيــث يســتفاد مــن األحــكام ســالفة الذكــر أن انتخــاب رئيــس املجلــس البلــدي يكــون باألغلبيــة
املطلقــة ألعضائــه وفــي صــورة عــدم حصــول أي مــن املترشــحني علــى األغلبيــة املطلوبــة يقــع اللجــوء إلــى
دورة ثانيــة بــن املترشــحني املتحصلــن علــى أعلــى نســبة تصويــت» الحكــم االســتئنافي عــدد 212496
375 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
أمــا الطــرق شــبه القانونيــة فتتمثــل فــي خلــق آليــات علميــة للتواصل بــن القضــاة والهيئات
الحكميــة لتتمكــن مــن التنســيق فيمــا بينها في أطر مؤسســاتية بغرض توحيــد فقه القضاء.
اقتضــى الفصــل 210مــن مجلــة الجماعــات املحلية «أن يشــكل املجلس البلــدي إثر تنصيبه
عــددا مالئمــا مــن اللجــان القــارة ال يقــل عددهــا عــن أربعة لجــان لدرس املســائل املعروضة
علــى املجلــس البلــدي» 1وتأتــي عمليــة تشــكيل اللجــان زمنيــا مباشــرة بعد انتخــاب الرئيس
واملســاعدين الــذي اقتضــت املجلــة أن يكــون وجوبــا خــال الجلســة األولــى واثــر تنصيــب
املجلــس يتــم املــرور إلــى تشــكيل اللجان وتعيــن رؤســائها ومقرريها ولم تتضمــن املجلة ما
يفيــد أن انتخــاب الرئيــس واملســاعدين وتشــكيل اللجــان يجــب أن يتــم خالل نفس الجلســة
بــل نصــت علــى ذلــك الوثيقــة التوضيحيــة الصــادرة عــن وزارة البيئــة والشــؤون املحليــة.
ولــم تتضمــن مجلــة الجمعــات املحليــة نظامــا اجرائيــا خاصــا لنزاعــات تشــكيل
اللجــان وتعيــن رؤســائها ومقرريهــا األمــر الــذي جعــل فقــه القضــاء يجتهــد لتجــاوز
هــذا الســكوت (أ) فضــا عــن اجتهــاد القاضــي االداري فــي ارســاء قواعــد موضوعيــة
لهــذا الصنــف مــن النزاعــات الــذي يثــار ألول مــرة أمــام القضــاء اإلداري (ب)
.1كمــا اقتضــى الفصــل 210أن تشــمل اللجــان وجوبــا املجــاالت املتعلقــة بالشــؤون املاليــة ومتابعــة
التصــرف ،والنظافــة والصحــة البيئــة ،وشــؤون املــرأة واألســرة ،األشــغال والتهيئــة العمرانيــة ،الشــؤون
اإلداريــة واســداء الخدمــات ،الفنــون والثقافــة والتربيــة والتعليــم ،الطفولــة والشــباب والرياضــة ،الشــؤون
االجتماعيــة والشــغل وفاقــدي الســند وحاملــي االعاقــة ،املســاواة وتكافــؤ الفــرص بــن الجنســن،
الديمقراطيــة التشــاركية والحوكمــة املفتوحــة ،اإلعــام والتواصــل والتقييــم ،التعــاون الالمركــزي،
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 376
فمــن حيــث املبــدأ اجمــاع الكافــة قضــاة ومتقاضــن علــى أن اختصــاص البــت فــي
النزاعــات املتعلقــة باللجــان البلديــة يعــود للقضــاء اإلداري فلــم تتــم اثــارة دفــع بعــدم
أي مــن الدعــاوى املرفوعــة 1ويعتبــر هــذا التمشــي أو التأويــل االختصــاص القضائــي فــي ّ
الضمنــي ســليما ومتطابقــا مــع الدســتور ذلــك أنــه حتــى لــو لــم يتــم اســناد هــذا النــوع
مــن النزاعــات إلــى القضــاء اإلداري فإنــه تطبيقــا للفصــل 116مــن الدســتور الــذي ينــص
علــى أن «يختــص القضــاء اإلداري بالنظــر فــي تجــاوز اإلدارة ســلطتها ،وفــي النزاعــات
اإلداريــة »...فــإن النزاعــات املتعلقــة باللجــان تعتبــر نزاعــات فــي «املــادة اإلداريــة» طاملــا
أن أحــد أطرافهــا جهــة إداريــة 2فضــا عــن تعلقهــا بصحــة انتخــاب أعضــاء منتخبــن
ضمــن هيــكل عمومــي وهــو املجلــس البلــدي .كمــا حصــل إجمــاع حــول الهيئــة الحكميــة
املختصــة صلــب القضــاء اإلداري بالبــت فــي هــذه النزاعــات وهــي الدائــرة االبتدائيــة
ويجــد هــذا التمشــي أو التأويــل أساســه فــي أن الدائــرة االبتدائيــة ،وكمــا ســبق أن
بينــاه ،هــي املحكمــة ذات االختصــاص العــام فــي القضــاء اإلداري واملختصــة بصفــة
طبيعيــة فــي كل النزاعــات فــي املــادة اإلداريــة والتــي ال يتــم اســنادها إلــى هيئــة حكميــة
معينــة صلــب القضــاء اإلداري ،فلــم تدفــع أي جهــة 3بعــدم اختصــاص الدائــرة االبتدائيــة.
وقــد ارتــأت الدائــرة االبتدائيــة األولــى إثــارة مســألة االختصــاص تلقائيــا وانتهــت
الــى اقــرار اختصاصهــا وهــو تمــش جديــد ومســتحدث فــي فقــه قضــاء املحكمــة
اإلداريــة الــذي جــرى علــى أن الهيئــات الحكميــة تثيــر مســألة االختصــاص
تلقائيــا عندمــا تنتهــي إلــى الحكــم بعــدم االختصــاص أمــا إذا انتهــت إلــى إقــرار
اختصاصهــا فإنــه ال يتــم ادراج مســألة االختصــاص بالحكــم ،رغــم أن البــت فــي
4
مســألة االختصــاص يمكــن أن يســتغرق مــن الهيئــة جهــدا كبيــرا للحســم فيــه.
.1ال توجــد احصائيــات تتعلــق بهــذا الصنــف مــن النزاعــات ولــم يتــم تجميعهــا فــي كتــاب خــاص بهــا علــى
غــرار األحــكام املتعلقــة بالنــزاع االنتخابــي لذلــك حاولنــا أن نقــوم بتجميــع أحــكام يمكــن أن تمثــل عينــات عــن
هــذا الصنــف مــن املنازعــات وتمكنــا مــن االطــاع علــى 25حكمــا صــادرا عــن الدوائــر الجهويــة بقابــس والــكاف
والقيــروان ونابــل وقفصــة ومدنــن وسوســة وبنــزرت واملنســتير وبعــض األحــكام الصــادرة عــن الدوائــر املركزيــة .
.2فــي كل األحــكام التــي اطلعنــا عليهــا كان املدعــى عليــه إمــا البلديــة أو رئيــس املجلــس البلــدي علــى الســبيل الذكــر
الحكــم الصــادر عــن بتاريــخ 15جويليــة 2019تحــت عــدد 04100212عــن دائــرة الــكاف الحكــم الصــادر عــن دائــرة
قابــس تحــت عــدد 09100233بتاريــخ 31ديســمبر 2019أو الحكــم الصــادر عــن دائــر قفصــة تحــت عــدد 08100202
بتاريــخ 31ديســمبر . 2019
.3في األحكام التي أمكننا اإلطالع عليها
.4الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االبتدائيــة األولــى تحــت عــدد 155754بتاريــخ 30أكتوبــر " 2018حيــث تهــدف
الدعــوى إلــى الطعــن فــي القــرار الصــادر عــن املجلــس البلــدي فــي جلســته املنعقــدة بتاريــخ 7جويليــة 2018
والقاضــي باملصادقــة علــى نتائــج الجلســة املذكــورة املتع ّلقــة بتوزيــع اللجــان وتعيــن رؤســائها ومقرريهــا...
بالطعــن فــي قــرارات املجالــس البلد ّيــةخاصــة تتع ّلــق ّ
ّ وحيــثُ لــم تتض ّمــن مج ّلــة الجماعــات املح ّليــة أ ّيــة أحــكام
املختصــة وال مــن جهــة االجــراءات املتّبعــة.
ّ املتع ّلقــة بتوزيــع اللجــان وتعيــن رؤســائها ومق ّرريهــا ال مــن جهــة املحكمــة
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 378
وأمــا مــن جهــة تكييــف الدعــوى او تصنيفهــا فــإن أغلبيــة الهيئــات الحكميــة 1أقــرت بأنهــا
مندرجــة فــي إطــار قضــاء تجــاوز الســلطة وأخضعتهــا إلجــراءات التقاضــي املنطبقــة علــى
2
دعــوى تجــاوز الســلطة املنصــوص عليهــا بقانــون املحكمــة اإلداريــة من شــكليات العريضة
5
والطــرح أو التخلــي عــن الدعــوى 3واآلجــال ،بتطبيق الفصل ( 37جديــد) في اإلعالم 4والعلم
واالجــراءات املتبعــة مــن قبــل الدائرة فــي التحقيق وختمه ومعطالته 6وفــي املرافعة والحكم.7
والحقيقــة أن النظــام اإلجرائــي لدعــوى لتجــاوز الســلطة ومــا يتصــف بــه مــن بــطء ال يتــاءم
مــع طبيعــة النزاعــات حــول تشــكيل اللجــان البلديــة لســبني .الســبب األول فــي عالقــة بنيــة
املشــرع فــي جعــل اللجــان أداة مســاعدة علــى اتخــاذ القــرار للمجلــس البلــدي 8فــي اتخــاذ
القــرارات فــي الجماعــة املحليــة ،ولذلــك أقــر املشــرع بضــرورة ســرعة تركيــز اللجــان
وا ّال ملــا اســتعمل عبــارة «إثــر تنصيبــه» ،لذلــك فــان اخضــاع هــذه النزاعــات إلــى نظــام
تنازعــي غيــر مضبــوط بآجــال ويمكــن أن يتجــاوز زمــن الفصــل فــي ملــف فــي الطــور
االبتدائــي املــدة النيابيــة للمجلــس البلــدي .أمــا الســبب الثانــي ففــي عالقــة بمــا اقتضــاه
الفصــل 212مــن اعتبــار اللجــان آليــة للديمقراطيــة التشــاركية 9ولذلــك فإنــه مــن املتعــن
الطعــون ال ّراميــة إلــى إلغــاء قــرارات املجالــس البلد ّيــة املتع ّلقــة بتوزيــع وحيــثُ يغــدو اختصــاص النظــر فــي ّ
اللجــان وتعيــن رؤســائها ومق ّرريهــا مندرجــا ضمــن الواليــة العا ّمــة الراجعــة لل ّدوائــر االبتدائ ّيــة التابعــة للمحكمــة
اإلداريــة علــى نحــو مــا ضبطــه الفصــل 17مــن قانــون غــرة جــوان 1972وفــي حــدود مرجــع نظرهــا التّرابــي.
وحيــثُ تأسيســا علــى مــا ســبق بســطه يتع ّيــن إقــرار اختصــاص ال ّدائــرة اإلبتدائيــة املتعهــدة بامللــف للنّظــر فــي الدعــوى
الراهنــة ابتدائ ّيا".
.1كل الدوائر االبتدائية الجهوية
.2الفصل ( 35جديد) من قانون املحكمة اإلدارية
.3الحكــم الصــادر عــن دائــرة قابــس تحــت عــدد 09100233بتاريــخ 31ديســمبر 2019حكــم صــادر عــن الدائــرة
االبتدائيــة بقفصــة تحــت عــدد 08100135بتاريــخ 30مــارس 2020
.4الحكم الصادر عن دائرة القيروان تحت 1310182بتاريخ 17أفريل 2019
.5حكــم دائــرة قفصــة عــدد 08100400بتاريــخ 4نوفمبــر « 2019وحيــث ثبــت مــن أوراق امللــف أن املدعــي علــى علــم
بالقــرارات املطعــون فيهــا واملتعلقــة بنتائــج تشــكيل وتوزيــع اللجــان البلديــة القــارة منــذ تاريــخ انعقــاد جلســة تركيــز
املجلــس البلــدي فــي 11جويليــة 2018والتــي تبــن أن امل ّدعــي تولــى افتتاحهــا مثلمــا هــو ثابــت مــن مضمــون محضــر
الجلســة وحضــر بهــا وأمضــى علــى محضرهــا ...وحيــث قدمــت الدعــوى املاثلــة فــي 19مــارس ،2019أي خــارج
اآلجــال القانونيــة للطعــن املقــررة بالفصــل ( 37جديــد) مــن قانــون املحكمــة االداريــة ممــا يتعــن معــه رفضهــا شــكال»
.6الفصول من ( 42جديد) إلى ( 49جديد)
.7الفصول ( 50جديد) إلى ( 58جديد)
.8الفقــرة الثانيــة مــن الفصــل 212مــن مجلــة الجماعــة املحليــة «تعــد اللجــان تقاريــر حــول املواضيــع التــي تتعهــد بهــا
أو التــي يعهــد بهــا إليهــا مــن قبــل املجلــس البلــدي أو رئيــس البلديــة»
.9الفقــرة الثالثــة مــن الفصــل " 212تعتمــد اللجــان آليــات الديمقراطيــة التشــاركية ،ويمكــن للجنــة أن تدعــو
379 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
ضمــان اســتقرار الوضــع القانــون لهــذه اللجــان وذلــك بفــض املنازعــات املتعلقــة بهــا فــي
آجــال مقتضبــة وقصيــرة حتــى يتســنى لهــذه الهيــاكل القيــام بدورهــا فــي ايصــال صــوت
املتســاكنني واملجتمــع املدنــي وهــو هــدف ال يتــاءم مــع اخضــاع هــذه النزاعــات للنظــام
العــادي لدعــوى تجــاوز الســلطة لألســباب املبينــة اعــاه واملتعلقــة بالخصــوص بطــول آجال
البــت فيهــا ومــا يمكــن أن يحدثــه مــن حالــة عــدم اســتقرار فــي عمــل املجلــس البلــدي.
وفضــا عــن عــدم تــاؤم هــذا التصنيــف مــع طبيعــة اللجــان فــإن هــذا التصنيــف ال
يــؤول الــى فــض املنازعــات مــن جهــة أن قاضــي تجــاوز الســلطة يقتصــر فــي أحكامــه
علــى التصريــح وفــي حالــة قبــول الدعــوى ،علــى الغــاء القــرار املطعــون فيــه .وذلــك ال
يحقــق النتيجــة املطلوبــة فــي نزاعــات اللجــان ألن الغــاء قــرار اســناد لجنــة بلديــة او
عــدم اســنادها الــى عضــو معــن كرئيــس أو كمقــرر 1ســينقل النــزاع بطريقــة أخــرى
إلــى املجلــس البلــدي كأن يتباطــأ رئيــس البلديــة فــي دعــوة املجلــس البلــدي لالنعقــاد
إلعــادة توزيــع اللجــان ممــا يســاهم فــي خلــق حالــة مــن عــدم االســتقرار داخــل املجلــس.
وقــد جــاءت محاولــة تجــاوز هــذا العائــق مــن الدائــرة االبتدائيــة األولــى والتــي
2
تولــت تصنيــف هــذا النــوع مــن النزاعــات ضمــن القضــاء الكامــل املوضوعــي
فقــد تضمــن الحكــم أن ينــدرج «الطعــن فــي القــرارات الصــادرة عــن املجالــس
البلديــة واملتعلقــة بتوزيــع اللجــان وتعيــن رؤســائها ومقرريهــا ضمــن دعــاوى
القضــاء الكامــل املوضوعــي 3التــي تســتوجب مــن املحكمــة اتبــاع إجــراءات
4
كل جــدوى»ســريعة ومســتعجلة حتــى ال تفقــد األحــكام الصــادرة بخصوصهــا ّ
واملعــروف أن امليــزة األساســية للقضــاء الكامــل املوضوعــي باملقارنــة مــع قضــاء تجــاوز
الســلطة تتمثــل فــي ســلطات القاضــي ،فــإذا كان قاضــي تجــاوز الســلطة يقــف عنــد الغــاء
للمشــاركة فــي أعمالهــا أعــوان الدولــة أو املؤسســات أو املنشــآت العموميــة مــن ذوي الخبــرة .ولهــا أن تدعــو
املتســاكنني أو مكونــات املجتمــع املدنــي أو األشــخاص الذيــن يمكــن أن يفيــدوا برأيهــم بحكــم نشــاطهم أو خبرتهــم"
.1حكــم ابتدائــي صــادر عــن دائــرة الــكاف تحــت عــدد 04100186بتاريــخ 15مــارس 2019والحكــم الصــادر عــن دائــرة
نابــل تحــت عــدد 021000098بتاريــخ 30جانفــي 2019
2. Plein contentieux objectif
3. Plein contentieux objectif est qu’y est avant tout en cause la légalité d’un acte administratif unilatéral ou
d’une opération administrative. Le juge y contrôle donc, comme en matière d’excès de pouvoir, la légalité d’un
acte administratif (d’où leur qualificatif de recours objectifs) mais il dispose alors de pouvoir plus étendus,
pouvant non seulement annuler l’acte litigieux mais aussi le réformer, le modifier et ainsi vider entièrement
le litige. S’interroger sur « l’élargissement du domaine du recours de plein contentieux par rapport à celui
du recours pour excès de pouvoir » n’a évidemment de sens qu’à propos des recours de plein contentieux
objectif. Portant sur des actes et des objets différents, le recours pour excès de pouvoir et les recours de plein
)contentieux subjectifs ne peuvent être substitués les uns aux autres (tout au plus peuvent-ils se superposer
القــرار املطعــون فيــه أو رفــض الدعــوى فانــه للقاضــي فــي القضــاء الكامــل املوضوعــي
ســلطة الغــاء القــرار وتعديلــه والــزام اإلدارة بالقيــام بعمــل اداري إلرجــاع حالــة الشــرعية.
ورغــم تصنيــف النــزاع مــن قبــل الدائــرة االبتدائيــة األولــى ضمــن نزاعــات القضــاء
الكامــل املوضوعــي ،وهــو التمشــي األســلم باملقارنــة مــع بقيــة الدوائــر االبتدائيــة ،ا ّال
أن الدائــرة اكتفــت بالحكــم «بقبــول الدعــوى شــكال وفــي األصــل بإلغــاء القــرار املطعــون
فيــه» فحكمــت كقاضــي تجــاوز الســلطة ولــم تســتعمل الدائــرة ســلطات القاضــي فــي
القضــاء الكامــل املوضوعــي بالــزام رئيــس البلديــة بالدعــوة للجلســة يتــم فيهــا تشــكيل
اللجــان البلديــة وتعــن رؤســائها ومقرريهــا وفــق قاعــدة التمثيــل النســبي فــي أجــل معــن.
إن تجــاوز هــذا الغمــوض واالشــكال الــذي يمكــن أن يمثــل عائقــا لعمــل الجماعــات
املحليــة يقتضــي تدخــل املشــرع بإدخــال تعديــل علــى الفصــل 211مــن مجلــة
خاصــة
ّ الجماعــات املحليــة أو بإضافــة فصــل جديــد يتــم فيــه تحديــد اجــراءات
بالبــت فــي نزاعــات اللجــان البلديــة علــى أن تتميــز هــذه االجــراءات بالســرعة والدقــة
بتحديــد مــن لــه الحــق فــي القيــام وشــكل العريضــة وإنابــة املحامــي والــزم األطــراف
باإلعــام بالطعــن واملذكــرات عــن طريــق عــدل منفــذ ،وغيرهــا مــن االجــراءات املقــررة
فــي املــادة االنتخابيــة بالنظــر الــى الطبيعــة االنتخابيــة لهــذا النــوع مــن النزاعــات.
كمــا يمكــن ان يتــم هــذا التعديــل بمناســبة اصــدار مجلــة القضــاء اإلداري.
تكمــن أهميــة األحــكام الصــادرة فــي النزاعــات املتعلقــة بتشــكيل اللجــان البلديــة
وتعيــن رؤســائها ومقرريهــا فــي أنهــا تمثــل منطلــق فقــه القضــاء فــي هــذه املــادة
بالنظــر الــى أنهــا املــرة األولــى التــي يطــرح فيهــا هــذا الصنــف مــن النزاعــات علــى
القاضــي اإلداري لذلــك فــان الخيــارات الفقــه قضائيــة التــي تــم ارســاؤها ســتكون
محــددة فــي املســتقبل فاألحــكام التــي ســتصدر فــي هــذه النزاعــات فــي االنتخابــات
البلديــة املقبلــة ســتوصف بانهــا امــا تأييــد لفقــه القضــاء أو تراجــع عنــه .واملطلــع علــى
األحــكام يتبــن ســمة جامعــة لهــا وهــي نضــج القاضــي اإلداري فــي التعامــل مــع املــادة
االنتخابيــة رغــم الصعوبــة املتمثلــة باألســاس فــي عــدم وضــوح القواعــد وحداثــة املــادة.
فقــد أجمعــت كل األحــكام علــى أن تعيــن رؤســاء ومقــرري اللجــان يتــم بطريقــة
381 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
التمثيــل النســبي واقصــاء اي طريقــة أخــرى بمــا فيهــا االنتخــاب رغــم أن أكثــر املجالــس
البلديــة اعتمــدت ،خطــأ ،طريقــة االنتخــاب فقــد قضــت الدائــرة االبتدائيــة بالــكاف
بانــه «اتجهــت ارادة املشــرع صلــب مجلــة الجماعــات املحليــة نحــو اعتمــاد قاعــدة
التمثيــل النســبي بوصفهــا اآلليــة الوحيــدة لتعيــن رؤســاء جميــع اللجــان ومقرريهــا
دون اســتثناء ،فانــه ال مجــال الســتبدالها بآليــات التصويــت أو االنتخــاب أو التوافــق،
ضــرورة أن اعتمــاد هــذه اآلليــات يتعــارض مــع مقتضيــات قاعــدة التمثيــل النســبي» .1
وفــي اطــار دورهــا البيداغوجــي التعليمــي لــم تكتــف املحكمــة بتطبيــق القاعــدة القانونيــة
الواضحــة والــواردة بالفصــل 211مــن مجلــة الجماعــات املحليــة بــل بينــت الغايــة مــن
اقــرار قاعــدة التمثيــل النســبي فقــد قضــت «أن الغايــة األساســية مــن اعمــال قاعــدة
التمثيــل النســبي هــي تحقيــق إرادة الناخــب والتــي يجــب أن تجســدها القائمــات الفائــزة
فــي االنتخابــات علــى مســتوى تركيبــة اللجــان داخــل املجلــس البلــدي ،على اعتبــار أن هذه
القاعــدة ســتفضي بالضــرورة إلــى تحصــل القائمــات علــى رئاســة وعضوية عــدد معني من
اللجــان طبقــا لعــدد املقاعــد التــي فــازت بهــا فــي االنتخابــات البلديــة» 2وفــي نفــس الســياق
قضــت املحكمــة بــأن «التصويــت أو االنتخــاب ال يضمنــان احتــرام قاعــدة التمثيــل النســبي
ويؤديــان إلــى هيمنــة األغلبيــة علــى املجلــس واقصــاء القائمــات األخــرى وذلــك إما مباشــرة
مــن خــال اســتبعادها مــن رئاســة الجــان أو بصــورة غيــر مباشــرة مــن خــال توزيــع
اللجــان حســب اختيــار هــذه األغلبيــة ،وهــو مــا يتعــارض مــع قاعــدة التمثيــل النســبي التــي
ترمــي فــي جوهرهــا إلــى ضمــان تمثيــل كافــة القائمــات املوجــودة باملجلــس ك ّمــا وكيفــا
بحســب حجمهــا االنتخابــي وفــي حــدود عــدد اللجــان التــي تــم تشــكيلها» .كمــا قضــت
الدائــرة االبتدائيــة باملنســتير بــأنّ «التصويــت او االنتخــاب ال يضمنــان احتــرام قاعــدة
التمثيــل النســبي املنصــوص عليهــا بالفصلــن 210و 211مــن مج ّلــة الجماعــات املحليــة
ويؤديــان إلــى هيمنــة األغلبيــة علــى املجلــس مــن خــال توزيــع اللجــان حســب اختيــار
هــذه األغلبيــة ،وهــو مــا يتعــارض مــع قاعــدة التمثيــل النســبي التــي ترمــي فــي جوهرهــا
3
إلــى ضمــان تمثيــل كافــة القائمــات املوجــودة باملجلــس طبــق مــا أفرزتــه االنتخابــات»
وفــي نفــس االتجــاه قضــى كل مــن رئيــس الدائــرة االبتدائيــة بسوســة «بــأن املشــرع
اعتمــد صراحــة آليــة التعيــن علــى أســاس قاعــدة التمثيــل النســبي فــي تســمية رؤســاء
اللجــان ومقرريهــا ،وعليــه يكــون لجــوء املجلــس البلــدي بأكــودة إلى آليــة االنتخــاب الختيار
رؤســاء اللجــان ومقرريهــا مخالفــا ألحــكام الفصلــن 210و 1»... 211وقضــى الرئيــس
األول للمحكمــة اإلداريــة بأنــه «يســتروح مــن خــال مراجعــة األحــكام التشــريعية...
أن رؤســاء اللجــان ومقرريهــا يتــم تعيينهــم مــن قبــل املجلــس البلــدي مــع مراعــاة
قاعــدة التمثيــل النســبي ملختلــف القائمــات الفائــزة ولــم تقتــض تلــك األحــكام اعتمــاد
االنتخــاب كآليــة يتــم بموجبهــا اســناد رئاســة اللجــان البلديــة مثلمــا تــم عنــد تنصيــب
2
اللجــان القــارة لبلديــة بومهــل البســاتني بمقتضــى القــرارات املطلــوب توقيــف تنفيذهــا»
كمــا تولــت املحكمــة التدخــل لتصحيــح خطــأ ورد ضمــن الوثيقــة التوضيحيــة الصــادرة
عــن وزارة الشــؤون املحليــة بخصــوص تعيــن رئيــس الجنــة املكلفــة باملاليــة والشــؤون
االقتصاديــة ومتابعــة التصــرف والتــي تضمنــت أنــه « يتــم اللجــوء عنــد االقتضــاء
النتخــاب رئيــس اللجنــة املكلفــة باملاليــة والشــؤون االقتصاديــة ومتابعــة التصــرف بنفــس
الطريقــة املعتمــدة النتخــاب رئيــس املجلــس البلــدي دون أن ينحصــر الترشــح لرئاســة
اللجنــة علــى رؤســاء القائمــات» ،ولــم يتضمــن الفصــل 3 210أي اســتثناء بخصــوص
الطريقــة املقــررة لتعيــن رئيــس لجنــة املاليــة عــدى عــدم امكانيــة الجمــع بينهــا وبــن
منصــب رئيــس املجلــس أو مســاعده األول ولــم يتــم التنصيــص علــى امكانيــة اجــراء
انتخــاب لتعيــن رئيــس لجنــة املاليــة وعلــى هــذا األســاس قضــت دائــرة قفصــة بــان
مجلــة الجماعــات املحليــة لــم تســتثن لجنــة املاليــة مــن التوزيــع علــى قاعــدة التمثيــل
النســبي «وأنّ اللجــوء إلــى التصويــت عنــد توزيــع اللجــان بمــا فيهــا لجنــة الشــؤون
املاليــة واالقتصاديــة ومتابعــة التصــرف يتعــارض مــع أحــكام الفصلــن 210و 211مــن
مجلــة الجماعــات املحليــة» 4وأن االســتثناء الوحيــد يتمثــل فــي عــدم امكانيــة الجمــع بــن
منصــب رئيــس املجلــس ومســاعده األول ورئيــس اللجنــة .5وفــي نفــس الســياق قضــت
.1قــرار توقيــف التنفيــذ الصــادر عــن رئيــس الدائــرة االبتدائيــة بسوســة تحــت عــدد 05200034بتاريــخ 28ســبتمبر 2018
.2قرار توقيف التنفيذ الصادر عن الرئيس األول للمحكمة اإلدارية تحت عدد 4102573بتاريخ 3أكتوبر 2018
.3الفقــرة 4واألخيــرة مــن الفصــل « 210باســتثناء حالــة عــدم وجــود قوائــم انتخابيــة أخــرى ،تســند رئاســة اللجنــة
املكلفــة باملاليــة والشــؤون االقتصاديــة ومتابعــة التصــرف إلــى أحــد أعضــاء املجلــس البلديــة مــن غيــر القائمــات التــي
تــم مــن ضمنهــا انتخــاب الرئيــس ومســاعده األول»
.4الحكم االبتدائي الصادر عن دائرة قابس تحت عدد 09100054بتاريخ 27نوفمبر 2018
.5جــاء بالحكــم االبتدائــي عــدد 08100042بتاريــخ 30ســبتمبر " 2019وحيــث أنّ املشــ ّرع تدخــل بصــورة
اســتثنائ ّية فــي تعيــن رئيــس لجنــة املال ّيــة والشــؤون االقتصاد ّيــة والتصــ ّرف مشــترطا أن تســند الجنــة املذكــورة
إلــى أحــد أعضــاء املجلــس البلــدي مــن غيــر القائمــات التــي تــ ّم مــن ضمنهــا انتخــاب الرئيــس ومســاعده األ ّول.
وحيــث ينــدرج إســناد رئاســة لجنــة الشــؤون املاليــة واإلقتصاديــة ومتابعــة التصــرف والشــؤون اإلداريــة الــى
قائمــة مــن غيــر القائمــات التــي تــ ّم مــن ضمنهــا انتخــاب الرئيــس مســاعه األول ،فــي إطــار خلــق تــوازن داخــل
املجلــس البلــدي وتوفيــر آليــة رقابــة داخليــة ،والحــد بالتالــي مــن هيمنــة إحــدى القائمــات علــى املجلــس البلــدي.
وحيــث اســتعمل املشــرع عبــارة "تســند رئاســة اللجنــة املكلفــة باملاليــة والشــؤون االقتصاديــة ومتابعــة التصــرف" صلــب
الفصــل 210املذكــور ،وهــو مــا يــؤول إلــى اســتبعاد آليــة التصويــت أو االنتخابــات بخصــوص تعيــن رئيــس لجنــة املاليــة
383 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
الدائــرة االبتدائيــة ببنــزرت بانــه وعلــى خــاف مــا تضمنتــه الوثيقــة التوضيحيــة مــن
إمكانيــة اللجــوء إلــى التصويــت فــي صــورة عــدم االتفــاق « يتحصــر اإلطــار القانــون
املنظــم لتكويــن اللجــان البلديــة القــارة وتوزيــع املســؤوليات صلبهــا فــي تاريــخ صــدور
القــرار املطعــون فيــه فــي أحــكام القانــون األساســي عــدد 29لســنة 2018املتعلــق بمجلــة
الجماعــات املحليــة والــذي علــى ضوئــه يتــم تقديــر شــرعية قــرارات تكويــن اللجــان البلديــة
القــارة علــى نحــو القــرار املطعــون فيــه دون غيــره ممــا يكــون قــد صــدر عــن اإلدارة مــن
مذكــرات يقتصــر دورهــا علــى تفســير النــص القانونــي ســالف الذكــر والتــي يعــرض
1
القاضــي عــن اعتمادهــا متــى تجــاوزت حــدود التفســير نحــو اســتحداث قواعــد جديــدة»
وتجــدر اإلشــارة إلــى أنــه ولئــن اجمعــت الهيئــات الحكمــة علــى وجوبيــة تطبيــق قاعــدة
التمثيــل النســبي عنــد تعيــن الرؤســاء واملقرريــن فــي اللجــان ،فقــد تبايــن املوقــف
بخصــوص طريقــة تطبيــق هــذه القاعــدة ذلــك أن الفصلــن 210و 211اقــرا القاعــدة دون
بيــان طريقــة اعتمادهــا ثــم تضمــن الفصــل 215فقــرة ثالثــة أن» يضبــط النظــام الداخلــي
طريقــة توزيــع املســؤوليات داخــل اللجــان وفقــا لقاعــدة التمثيــل النســبي» وعليــه وطاملــا
أن انتخابــات مــاي 2018كانــت االنتخابــات البلديــة األولــى لــم تكــن املجالــس البلديــة قــد
صوتــت علــى نظامهــا الداخلــي .وعلــى هــذا األســاس ذهبــت بعــض األحــكام فــي أنــه
ال يمكــن تشــكيل اللجــان وتعيــن رؤســائها ومقرريهــا اال عنــد التصويــت علــى النظــام
الداخلــي فقــد قضــت الدائــرة االبتدائيــة بنابــل بانــه» يبــرز مــن أوراق امللــف أن توزيــع
املســؤوليات داخــل اللجــان القــارة لبلديــة نابــل املجــرى خــال الجلســتني املنعقدتــن يــوم
26و 29جويليــة 2018لــم يتــم وفــق قاعــدة التمثيــل النســبي ...باعتبــار أن تطبيــق هــذه
القاعــدة يفتــرض وجــود نظــام داخلــي يبــن كيفيــة تجســيدها علــى أرض الواقــع حســب
عــدد املقاعــد التــي تحصلــت عليهــا كل قائمــة فائــزة فــي االنتخابــات البلديــة» 2بينمــا قضت
الدائــرة االبتدائيــة باملنســتير « بــأن عمليــة توزيــع اللجــان تتــم خــال الجلســة للمجلــس
البلــدي كمــا أن تركيــز اللجــان وتوزيــع املســؤوليات علــى أعضائهــا ال يســتوجب ضــرورة
املصادقــة علــى النظــام الداخلــي بمــا أن الفصــل 215املذكــور قــد منــح للمجالــس البلديــة
1
مــ ّدة 3أشــهر مــن تاريــخ تركيــزه كأجــل أقصــى للمصادقــة علــى نظامــه الداخلــي»
فــي حــن أن دائــرة قابــس فــي غيــاب نظــام داخلــي تصــدت إلــى هــذا الفــراغ بــأن
بينــت طريقــة تطبيــق قاعــدة التمثيــل النســبي فقضــت بــأن «تعيــن رؤســاء اللجــان
ومقرريهــا طبــق قاعــدة التمثيــل النســبي يقتضــي اعتمــاد التنــاوب مــع منــح األولويــة
فــي االختيــار إلــى القائمــة ذات التمثيــل النســبي األكبــر فــي تركيبــة املجلــس ثــم القائمــة
التــي تليهــا إلــى حــن اســتنفاذ كل قائمــة ممثلــة باملجلــس نصيبهــا مــن الرئاســات
ثــم مــن املقرريــن ،مــع مراعــاة أن يكــون رئيــس اللجنــة املكلفــة باملاليــة والشــؤون
االقتصاديــة مــن غيــر القائمــات التــي تـ ّم مــن ضمنهــا تعيــن الرئيــس ومســاعده األول». 2
وكان التميــز 3للدائــرة االبتدائيــة ببنــزرت التــي ذهبــت إلــى حــد احتســاب النســب
وتطبيــق قاعــدة التمثيــل النســبي بمقتضــى الحكــم فقــد قضــت بأنــه «أن قائمــة حركــة
النهضــة فــازت بســبعة مقاعــد باملجلــس البلــدي بــرأس الجبــل مــن أربعــة وعشــرين أي
بنســبة مئويــة قدرهــا % 29,16ممــا يجعــل أحقيتهــا فــي الحصــول علــى عــدد لجــان
قــارة بنســبة قدرهــا % 3,49992وان القائمــة املســتقلة رأس الجبــل متاعنــا الــكل فــازت
بخمســة مقاعــد أي نســبة مئويــة قدرهــا % 20,83ممــا يجعــل أحقيتهــا فــي الحصــول علــى
عــدد لجــان بنســبة % 2,49996وأنّ قائمــة حــراك تونــس اإلرادة فــازت بأربعــة مقاعــد أي
بنســبة مائويــة قدرهــا % 16,66وبأحقيــة فــي الحصــول عــدد لجــان بنســبة % 1,99وأنّ
قائمــة نــداء تونــس فــازت بثالثــة مقاعــد أي بنســبة مئويــة قدرهــا % 12,5وبأحقيــة فــي
الحصــول عــدد لجــان بنســبة ،% 1,5وأن قائمــة مشــروع تونــس فــازت بثالثــة مقاعــد
أي بنســبة مئويــة قدرهــا % 12,5وبأحقيــة فــي الحصــول علــى عــدد لجــان بنســبة 1,5
،%وأن قائمتــي آفــاق تونــس والجبهــة الشــعبية فازتــا بمقعــد لــكل واحــدة منهمــا أي
.1حكم ابتدائي صادر عن دائرة املنستير تحت عدد 6100095بتاريخ 27فيفري 2019
.2حكم ابتدائي صادر عن دائرة قابس تحت عدد 09100076بتاريخ 27نوفمبر 2018
.3جوابــا علــى نفــس املطعــن املتعلــق بعــدم احتــرام قاعــدة التمثيــل النســبي قضــت الدائــرة االبتدائيــة باملنســتير
بمقتضــى حكمهــا عــدد 6100094بتاريــخ 27فيفــري 2019بأنــه «حيــث يعيــب نائــب املدعيــة علــى الجهــة املدعــى عليهــا
عــدم احتــرام قاعــدة التمثيــل النســبي عنــد توزيــع اللجــان.
وحيــث دفــع رئيــس بلديــة ملولــش بأنــه تــم تعيــن اللجــان باحتــرام قاعــدة التمثيــل النســبي للقائمــات وبإجمــاع جميــع
الحاضريــن بجلســة 13جويليــة .2018
نص الفصل 210من مجلة الجماعات املحلية ... وحيث ّ
نص الفصل 211من مجلة الجماعات املحل ّية... وحيث ّ
وحيث أن املدعي لم يق ّدم ما يثبت ادعاءه مما يجعل املطعن الراهن مجردا واتجه لذلك رفضه»
385 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
بنســبة مئويــة قــدر % 4,16وبأحقيــة فــي الحصــول علــى عــدد لجــان بنســبة »% 0,4992
1
وقــد صــدر النظــام الداخلــي النموذجــي بمقتضــى األمــر الحكومــي عــدد 744لســنة 2018
ـص الفصــل 70منــه علــى أ ّنــه «يعــن املجلــس البلــدي رؤســاء املــؤرخ فــي 23أوت 2018ونـ ّ
اللجــان البلديــة القــارة بنــاء علــى قاعــدة التمثيــل النســبي .ويتــم اســناد رئاســة عــدد
مــن اللجــان حســب عــدد القائمــات املعنيــة بالتوزيــع مــع إعطــاء األولويــة فــي االختيــار
للقائمــة ذات التمثيــل النســبي األكبــر فــي تركيبــة املجلــس ثــم القائمــة التــي تليهــا إلــى
حــن اســتنفاذ عــدد ال ّلجــان املوزعــة .يتــم إجــراء دورات لتوزيــع اللجــان القــارة إلــى
حــن اســتنفاذ عــدد اللجــان القــارة املصــادق عليــه مــن قبــل املجلــس البلــدي واملنصــوص
عليــه بهــذا النظــام الداخلــي» .ويتبــن أن الفصــل 70مــن النظــام الداخلــي النموذجــي أكــد
صحــة التمشــي الــذي أقرتــه املحكمــة اإلداريــة مــن جهــة اســتبعاد واقصــاء أي طريقــة
أخــرى لتعيــن رؤســاء اللجــان ومقرريهــا علــى قاعــدة التمثيــل النســبي كمــا تبــن أن
مــا اقرتــه دائــرة قابــس مــن تأويــل بخصــوص طريقــة تطبيــق القاعــدة كان فــي طريقــه.
كمــا تولــى القاضــي اإلداري ســد الفــراغ التشــريعي املتولــد عــن صمــت النظــام
الداخلــي النموذجــي ازاء وضعيــة التســاوي فــي التمثيــل النســبي فقضــت الدائــرة
االبتدائيــة باملنســتير « بــأن قاعــدة التمثيــل النســبي تقتضــي مراعــاة التنــاوب عنــد
توزيــع اللجــان حتــى فــي صــورة التســاوي فــي عــدد املقاعــد وذلــك لضمــان تمثيليــة
ـي...
حقيق ّيــة لــكل قائمــة فائــزة فــي االنتخابــات بمــا يعكــس فعل ّيــا ارادة الناخــب املحلـ ّ
ويتبــن مــن قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ...ـــأن كال مــن قائمتــي طــوزة
والنهضــة تحصلــت علــى مقعــد واحــد فــي املجلــس البلــدي ّإال أن عــدد األصــوات
التــي تحصلــت عليهــا قائمــة طــوزة يفــوق عــدد األصــوات التــي تحصلــت عليهــا قائمــة
النهضــة ،ممــا يــؤول إلــى أحق ّيــة قائمــة طــوزة فــي الحصــول علــى اللجنــة الخامســة
2
خاصــة وأنــه لــم يثبــت مــن أوراق امللــف أن املدعــي تنــازل عــن رئاســة اللجنــة املذكــورة»
ّ
لكــن لــم يتعــرض النظــام الداخلــي ولــم ينظــم عــدة مســائل مــن شــأنها أن تثيــر نزاعــات
بمناســبة االنتخابــات البلديــة القادمــة علــى غــرار تحديــد العــدد األقصــى ألعضــاء اللجنــة
وطريقــة العضويــة والزمــن األقصــى الســتكمال تركيبــة اللجنــة وهــي مســائل تنبــه إليهــا
القاضــي اإلداري بمناســبة البــت فــي نزاعــات االنتخابــات البلدية األولى بعد دســتور 2014
فقــد قضــت الدائــرة االبتدائيــة بقابــس فــي هــذا الســياق بانــه «...ان اشــتراط املشــرع أن
تكــون تركيبــة اللجــان وفقــا للتمثيــل النســبي ...يقتضي ضــرورة ضبطها وتعيــن أعضائها
وفقــا للقاعــدة املذكــورة وذلــك بالتزامــن مــع تعيــن رؤســاء اللجــان ومقرريهــا وكل ذلــك اثــر
.1حكم صادر عن الدائرة االبتدائية ببنزرت تحت عدد 03100074بتاريخ 31ديسمبر 2018
.2حكم ابتدائي صادر عن دائرة املنستير تحت عدد 6100130بتاريخ 27فيفري 2019
قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية 386
تنصيــب املجلــس البلــدي طبقــا ألحــكام الفصــل 210فقــرة أولــى ...يــؤدي عــدم اســتكمال
تركيبــة اللجــان مباشــرة إثــر انتخــاب رؤســائها ومقرريهــا وتــرك العضويــة مفتوحــة إلــى
انخــرام قاعــدة التمثيــل النســبي التــي تقتضــي أن تكــون جميــع القائمــات ممثلــة فــي جميع
اللجــان بحســب حجمهــا داخــل املجلــس مثلمــا افرزتــه نتائــج االنتخابــات ...فــإن تعمــد
املجلــس البلــدي تــرك اللجــان البلديــة مفتوحــة ،دون ضبــط تركيبتهــا ودون تحديــد أجــل
لذلــك واكتفائــه بتعيــن رؤســاء اللجــان ومقرريهــا ،مــن شــأنه أن يــؤدي إلــى تعطيــل عملهــا
1
إمــا بســبب حضــور عــدد كبيــر مــن األعضــاء أو بســبب عــزوف األعضــاء عــن الحضــور»
كمــا لــم يتــم تحديــد مــن يقــوم بتعيــن ممثلــي القائمــة فــي اللجنــة فــي حــال تغيــب رئيــس
القائمــة أو تغيبــه مثــا فقــد نــص الفصــل 72مــن النظــام الداخلــي النموذجــي علــى أن
«يقــدم رئيــس كل قائمــة إلــى رئيــس املجلــس ممثلــي قائمتــه فــي اللجنــة املعنيــة» دون
التعــرض الــى الفرضيــة املشــار اليهــا وهــي مســألة بــت فيهــا القضــاء «ولئــن يتمتــع رئيــس
القائمــة بســلطة اختيــار مــن يمثلها على مســتوى رئاســة اللجــان أو مقرريهــا أو عضويتها،
فــإن ثبــوت مغــادرة رئيــس القائمــة لقاعــة الجلســة يمنــح هــذه الســلطة إلــى مــن يليــه فــي
2
ترتيــب القائمــة وذلــك تجنبــا لتعطيــل أعمــال املجلــس أو ارتهانــه لرغبــات بعــض أعضائــه»
الــى جانــب ذلــك لــم يتعــرض النظــام الداخلــي الــى تغييــر قاعــدة التمثيــل النســبي عنــد
اســتقالة بعــض أعضــاء املجلــس أو فقــدان أحــد أعضــاء اللجــان لشــرط عضويــة علــى
غــرار لجنــة املاليــة ،وقــد قضــت الدائــرة االبتدائيــة بقفصة في هذا الســياق بأنــه «ولئن كان
امل ّدعــي عنــد قيامــه بال ّدعــوى يســتجيب لشــروط تولــي خطــة رئيس لجنــة املاليــة إال أنه طاملا
ثبــت أنــه تــم انتخابــه رئيســا للمجلــس البلــدي بالقصــر فإنــه ال يمكنــه الجمــع بــن رئاســة
املجلس ورئاســة لجنة املالية تطبيقا للفصل 210من مجلة الجماعات املحلية».3وإلى جانب
النقائــص فــي النظــام الداخلــي النموذجــي ،أثــارت املصادقــة علــى النظام الداخلــي من قبل
املجالــس البلديــة عديــد النزاعــات أمــام القضــاء اإلداري والتــي تســتحق بدورها الدراســة.
وتجــدر االشــارة إلــى أن تدخــل رئيــس الحكومــة لتنقيــح األمــر عــدد 744لســنة 2018
املــؤرخ فــي 23أوت 2018املتعلــق بنظــام الداخلــي النموذجــي للمجالــس البلديــة علــى
ضــوء كل املســائل التــي تــم التفطــن اليهــا بعــد تطبيقــه مــن شــأنه أن يقلــص مــن
النزاعــات ويســهل عمــل املجالــس البلديــة كمــا أن تكويــن أعضــاء املجالــس البلديــة
بخصــوص تطبيــق األمــر املذكــور وتمكينهــم مــن اكتســاب املهــارات الالزمــة لتعديــل
األمــر أو إعــداد نظــام داخلــي خــاص بهــا واملصادقــة عليــه ســيمكن هــذه املجالــس مــن
.1حكم ابتدائي صادر عن دائرة قابس تحت عدد 09100060بتاريخ 27نوفمبر 2018
.2حكم ابتدائي صادر عن دائرة قابس تحت عدد 09100076بتاريخ 27نوفمبر 2018
.3حكم ابتدائي صادر عن الدائرة االبتدائية بقفصة تحت عدد 08100202بتاريخ 31ديسمبر 2019
387 قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية
امتــاك آليــة عمــل تحظــى بقــدر أكبــر مــن املقبوليــة وتســاهم فــي خلــق التوافــق داخلهــا.
إن التجربــة الفتيــة للســلطة املحل ّيــة 1فــي تونــس تســتحق التعمــق والدراســة مــن عــدة
جوانــب قانونيــة وسياســية وحتــى سيســيولوجية ويبقــى تنــاول املســألة بالــدرس مــن جهــة
عالقــة القاضــي اإلداري بالجماعــة املحليــة علــى درجــة عاليــة مــن األهميــة فالقاضــي
ويختــص
ّ اإلداري هــو قاضــي الجماعــة املحليــة بامتيــاز يواكــب انتخاباتهــا وتركيزهــا
بالرقابــة الالحقــة علــى أعمالهــا ،و»تُمــا َرس الرقابــة انطالقـ ًا مــن مبــدأ وحــدة الدولــة؛ إذ
تخضــع تلــك األخيــرة الجماعــات املح ّليــة إلــى الرقابــة كــي ال تتح ـ ّول اســتقالل ّيتها إلــى ِ
ـوح فــي الفصــل .14أمــا ٍ ـ بوض ـقـ املنط ـذا
ـ ه 2014 ـتور ـ دس ـى ـنّ يتب ـا.
ـ لوحدته ـد
ٍ ـ تهدي ـدر
ـ مص
ّ
الفصــل ،138فهــو يحـ ّد مــن طبيعــة الرقابــة التــي تخضــع لهــا الجماعــات املحليــة؛ حيــث
2
تخضــع للرقابــة الالحقــة فيمــا يتع ّلــق بشــرعية أعمالهــا ،ويقــوم بهــا القاضــي اإلداري»...
Union eUropéenne
2020