You are on page 1of 392

‫قراءات في فقه القضاء‬

‫االنتخابي للمحكمة‬
‫اإلدارية‬

‫‪2020‬‬
‫إعداد‬
‫عبد الرزاق املختار‪ ،‬أستاذ تعليم عال بكلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة‪،‬جامعة سوسة‬
‫حســناء بــن ســليمان‪ ،‬رئيســة دائــرة ابتدائيــة ســابقا باملحكمــة اإلداريــة‪ ،‬وعضــو ســابق بمجلــس الهيئــة‬
‫العليــا املســتقلة لالنتخابــات‬
‫محمد اللطيف‪ ،‬رئيس دائرة ابتدائية باملحكمة اإلدارية‬
‫محمد الطيب الغزي‪ ،‬مستشار بالتعقيب باملحكمة اإلدارية‬
‫نعيمة بن عاقلة‪ ،‬رئيسة دائرة تعقيبية باملحكمة اإلدارية‬
‫الطاهر العلوي‪ ،‬رئيس دائرة استئناف ّية باملحكمة اإلدار ّية‬ ‫ّ‬
‫أنوار منصري‪ ،‬رئيسة دائرة ابتدائية باملحكمة اإلدارية‬
‫سليم املزوغي‪ ،‬رئيس دائرة ابتدائية باملحكمة اإلدارية‬
‫محمــد شــفيق صرصــار‪ ،‬أســتاذ تعليــم عــال بجامعــة تونــس املنــار والرئيــس الســابق للهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات‬
‫شويخة بوسكاية‪ ،‬رئيسة دائرة استئنافية باملحكمة اإلدارية‬
‫عماد الغابري‪ ،‬رئيس دائرة استئنافية باملحكمة اإلدارية‬
‫سمية ڤنبرة‪ ،‬رئيسة قسم استشاري باملحكمة اإلدارية‬
‫هدى التوزري‪ ،‬رئيسة دائرة ابتدائية باملحكمة اإلدارية‬

‫تنسيق التحرير واملراجعة‬


‫سمية ڤنبرة‪ ،‬خبيرة انتخابية ببرنامج األمم املتحدة اإلنمائي‬
‫لطفي بالل‪ ،‬خبير انتخابي ببرنامج األمم املتحدة اإلنمائي‬

‫ساهم في املراجعة‬
‫بهاء بكري‪ ،‬خبير انتخابي ببرنامج األمم املتحدة اإلنمائي‬

‫تصميم‬
‫إيناس الجزيري‪ ،‬مص ّممة ببرنامج األمم املتحدة اإلنمائي‬

‫برنامج االمم املتحدة االنمائي‬


‫مشروع املساعدة االنتخابية في تونس‬
‫يعقــد برنامــج االمــم املتحــدة شــراكات مــع مختلــف الشــعوب وعلــى جميــع مســتويات املجتمــع مــن اجــل تعزيــز قدرتهــا ملواجهــة‬
‫األزمــات والتكيــف معهــا‪ ،‬ويدفــع ويحافــظ علــى النمــو بهــدف تحســن نوعيــة الحيــاة للجميــع‪.‬‬
‫نحــن موجــودون فــي اكثــر مــن ‪ 170‬بلــدا وإقليمــا‪ ،‬ونعمــل على توفير منظور عاملــي ورؤية محلية ثاقبة لتمكني الشــعوب وبناء امم صامدة‪.‬‬
‫بدعم من‪:‬‬

‫‪Union eUropéenne‬‬
‫قراءات في فقه القضاء‬
‫االنتخابي للمحكمة‬
‫اإلدارية‬

‫‪2020‬‬
‫تنويه‪ :‬اآلراء الواردة بهذا املؤلف الجماعي يعبر عن موقف املؤلفني وال يعكس موقف برنامج األمم املتحدة اإلنمائي أو شركائه من القضايا املثارة‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪4‬‬

‫املحتويات‬

‫القاضــي االنتخابــي ورقابــة الدســتورية ‪6 ................................................‬‬


‫الرقابــة القضائيــة علــى العمليــة االنتخابيــة‪ :‬رؤى متقاطعــة بــن هيئــة االنتخابــات‬
‫والهيئات القضائية‪44 .......................................................................‬‬
‫قاضــي تجــاوز الســلطة واالنتخابــات ‪95 .................................................‬‬
‫النظــام اإلجرائــي لنـــزاعات الترشــح والنتائــج لالنتخابــات التشــريعية والرئاســية‬
‫أمام القضاء اإلداري ‪122 ..................................................................‬‬
‫النظــام القانونــي لتصحيــح مطالــب الترشــح علــى ضــوء فقــه قضــاء املحكمــة‬
‫االدارية ‪144 ..................................................................................‬‬
‫اإلثبــات أمــام القاضــي االنتخابــي ‪177 ...................................................‬‬
‫مبــدأ التناصــف فــي االنتخابــات بــن إقــرار النــص وتأويــل غيــر مســتقر فــي‬
‫النزاعــات االنتخابيــة ‪216 ..................................................................‬‬
‫‪5‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫املحتويات‬

‫القاضي اإلداري ونزاع الحمالت االنتخابية ‪253 .......................................‬‬


‫قــراءة فــي اإلشــكاليات القانونيــة املتربطــة بإلغــاء نتائــج االنتخابــات فــي القانــون‬
‫التونســي ‪272 ...............................................................................‬‬
‫رقابــة املحكمــة اإلداريــة علــى نتائــج االنتخابــات ‪291 .................................‬‬
‫تقنيات القاضي اإلداري االنتخابي في إلغاء النتائج ‪311 .................................‬‬
‫اإلشــهار السياســي علــى ضــوء فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة‪ :‬بــن عــدم وضــوح‬
‫القاعدة القانونية وصعوبات تطبيقها ‪326 ................................................‬‬
‫نزاعــات تركيــز املجالــس البلديــة بــن غمــوض النــص واجتهــاد القاضــي‬
‫اإلداري ‪356..................................................................................‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪6‬‬

‫القاضي االنتخابي ورقابة الدستورية‬

‫عبد الرزاق املختار‬


‫أستاذ تعليم عال بكلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة‪ ،‬جامعة سوسة‬

‫بــدءا قــد يبــدو ترابــط القاضــي االنتخابــي ورقابــة الدســتورية مســتهجنا ومســتغربا‪ ،‬فهــو‬
‫فــي مســتوى أول ربــط مســتهجن ـ بعــض الشــيء ـ باعتبــار طبيعــة القضــاء االنتخابــي‬
‫املســتندة علــى الظرفيــة والزمنيــة السياســية والقائمــة علــى الحســم الســريع وتلــك ســمتني‬
‫تســتم ّدان مــن دوريــة االنتخابــات ودورهــا التداولــي‪ ،1‬م ّمــا ال يتصـ ّور معــه تو ّلــي القاضــي‬
‫االنتخابــي رقابــة الدســتورية ونظــره فيهــا‪ ،‬كمــا يبــدو فــي مســتوى ثــان ترابــط القاضــي‬
‫االنتخابــي ورقابــة الدســتورية مســتغربا باعتبــار أن هــذا الشــكل مــن الرقابــة عــادة مــا‬
‫التصــق بالقاضــي الدســتوري بوصفــه القاضــي الطبيعــي للدســتورية‪.2‬‬
‫يدعمــه كمــا يجــد مــا ينفيــه فــي تاريخ ّيــة العالقــة بــن‬
‫ويجــد هــذا املوقــف املتحفــظ مــا ّ‬
‫القاضــي االنتخابــي ورقابــة الدســتورية‪ ،3‬لقــد كانــت مفــردات العالقــة بينهمــا رهينــة جملــة‬
‫ثــاث متغيــرات رئيســة أوالهــا طبيعــة النظــام السياســي القائــم وثانيهــا ماهيــة القاضــي‬
‫االنتخابــي املختــص وآخرهــا وجــود هيــكل رقابــة دســتورية مــن عدمــه‪ .‬ولقــد كان لتفاعــل‬

‫‪ .1‬وهــو مــا ذكــر بــه القاضــي االنتخابــي ممثــا فــي املحكمــة اإلداريــة بقولــه « يتحتــم علــى كل طالــب اعتــراض علــى‬
‫حكــم صــادر فــي املــادة االنتخابيــة أن يرفــع مطلبــه طبــق آجــال تأخــذ فــي االعتبــار طبيعــة النــزاع االنتخابــي وإجراءاتــه‬
‫التــي حصرهــا املشــرع فــي آجــال مختصــرة جـ ّدا نظــرا لخصوصيــة العمليــة االنتخابيــة املحاطــة بعــدة مراحــل محــددة‬
‫فــي الزمــن « مــح إدا ‪،‬اع ‪ ،‬عـــ ‪ 52303‬ـــدد‪ ،21/10/2011 ،‬م ‪ .‬د ‪ /‬رئيــس جمعيــة الدفــاع عــن حقــوق اإلنســان بتطاويــن‬
‫ومــن معــه ‪ ،‬فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة باملجلــس الوطنــي التأسيســي‪ ،‬املطبعــة الرســمية‬
‫للجمهوريــة التونســية ‪ ،2013‬ص ‪317‬‬
‫‪2. 10ème édition , Dalloz , p228, Favoreu (L) et autres" droit constitutionnel".‬‬

‫‪ .3‬وهــو موقــف يتأيــد مــن زاويــة املقاربــة املعتمــدة فــي هــذا املقــال والقائمــة أساســا علــى تاريخيــة العالقــة بــن القاضــي‬
‫االنتخابــي ومســألة رقابــة الدســتورية‪ ،‬وهــو مــن ثمــة موقــف مدعــو للتنســيب علــى ضــوء مســتقبل هــذه العالقــة املرتهــن‬
‫بقيــام املحكمــة الدســتورية‪ ،‬فالقانــون األساســي عــدد ‪ 50‬لســنة ‪ 2015‬املــؤرخ فــي ‪ 3‬ديســمبر ‪ 2015‬املتعلــق باملحكمــة‬
‫الدســتورية ســعى لتثبيــت معادلــة توفــق بــن الزمــن االنتخابــي ومراقبــة دســتورية القوانــن باعتبــار أن الفصــل ‪60‬‬
‫منــه أقــر خصوصيــة إجرائيــة فــي حالــة الدفــع بعــدم دســتورية قانــون انتخابــي فــورد بــه أنــه «فــي حالــة الدفــع بعــدم‬
‫دســتورية القوانــن املتع ّلقــة باالنتخابــات وأق ـ ّرت املحكمــة بعــدم دســتوريتها يتوقــف العمــل باألحــكام موضــوع الطعــن‬
‫فــي حــق الطاعــن دون ســواه بدايــة مــن تاريــخ صــدور قــرار املحكمــة الدســتورية‪ .‬ويتوقــف العمــل بأحــكام القانــون التــي‬
‫أقــرت املحكمــة عــدم دســتوريتها انطالقــا مــن االنتخابــات املواليــة‬
‫• تبــت املحكمــة الدســتورية فــي املطاعــن خــال ثالثــة أشــهر قابلــة للتمديــد لنفــس املــدة مــرة واحــدة‪ .‬ويق ّلــص األجــل‬
‫املذكــور بالفقــرة الســابقة إلــى خمســة أيــام فــي صــورة الدفــع بعــدم دســتورية تشــريع انتخابــي بمناســبة الطعــون‬
‫االنتخابيــة‪».‬‬
‫‪7‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫هــذه املتغ ّيــرات األثــر الواضــح علــى تطــور أوجــه العالقــة بــن عنصــري املعادلــة‪ ،‬التــي‬
‫شــهدت بهــذا املعنــى مرحلتــن رئيســيتني‪ ،‬حيــث لــم يكــن طرحهــا ممكنــا إال ضمــن‬
‫مترتّبــات الحــدث الثــوري الــذي عاشــته تونــس ذات ‪ 14‬جانفــي ‪.2011‬‬
‫ظــل نظــام تســ ّلطي كان النــزاع االنتخابــي مفتقــدا للصبغــة القضائيــة‬ ‫فقبلهــا وفــي ّ‬
‫والتوجــس غالبــا علــى مواقــف القضــاء مــن‬
‫ّ‬ ‫موجهــا ومش ـتّتا‪ 1‬كمــا كان التم ّنــع والتــر ّدد‬
‫ّ‬
‫رقابــة الدســتور ّية‪ 2‬وهــو مــا افتقــدت معــه عوامــل تفاعــل ممكــن ضمــن معادلــة القاضــي‬
‫االنتخابــي ـ رقابــة الدســتورية‪ ،‬لتتوفــر هــذه العوامــل الحقــا بعــد أن غــدا القاضــي اإلداري‬
‫ـ املشــهود لــه عمومــا بالجــرأة ـ قاضيــا انتخاب ّيــا بامتيــاز بعــد إســناد املحكمــة اإلداريــة‬
‫اختصــاص البــت فــي جانــب واســع مــن النــزاع االنتخابــي ‪ 3‬وهــو دور تكفــل القاضــي‬

‫‪ .1‬تميز النظــــام القانونــــي صلب املجلــــة االنتخابيــــة الصــــادرة بموجب القانــــون عــــدد ‪ 25‬لســــنة ‪ 1969‬املــــؤرخ فــــي‬
‫‪ 8‬أفريــــل ‪ 1969‬للنزاعــــات االنتخابيــــة بالضعــــف والتشــــتت وضعــف الحضــور القضائــي العتبــارات تخــص التح ّكــم‬
‫والتوجيــه السياســي فــي ظـ ّـل نظــام تســلطي‪ ،‬وهــو مــا صيــر فقــــه القضــــاء فــــي هــــذه املــــادة نــادرا وغيــر ذي إضافــة‬
‫نوعية بحيث أســندت النزاعــات املتعلقــة بالترســيم بقائمــات الناخبــني إلــى لجنــة إداريــة تســمى «لجنــة املراجعــة»‬
‫يمكــن الطعــن فــي مقرراتهــا اســتئنافيا لــدى املحكمــة االبتدائيــة وتعقيبهــا لــدى املحكمــة اإلداريــة‪ .‬فــي حــن كان‬
‫املجلــس الدســتوري يبــت فــي صحــة الترشــح لالنتخابــات الرئاســية ويعلــن عــن نتيجــة االنتخابــات‪ ،‬وينظــر فــي‬
‫الطعــون املقدمــة إليــه بمناسبتها‪ ،‬كمــا كان يبــت فــي الطعــون املتعلقــة بانتخــاب أعضــاء مجلــس النــواب وأعضــاء‬
‫مجلــــس املستشــــارين‪ .‬أمــــا بالنســــبة نزاعــــات االنتخابــــات البلديــــة فقــــد أســــند اختصــــاص فصلهــا إلــــى لجنــة‬
‫إداريــــة تســــمى "لجنــــة النزاعــــات ُ وتعــــد قراراتهــــا نهائيــة وغيــــر قابلــة لالســــتئناف‪ .‬وفي ظل هذا املناخ التسلطي‬
‫اتســـم إن فقــــه القضــــاء فــــي هــــذه املــــادة بالندرة بالنظــــر إلــى قلــــة النزاعــــات االنتخابية لكون املناخ االنتخابي كان‬
‫طــاردا بطبيعتــه للممارســات التنافســية‪.‬‬
‫‪ .2‬حــول ذلــك انظــر‪ :‬األزهــر بوعونــي «تأمــات فــي رقابــة دســتورية القوانــن» (مــن) «مجموعــة دراســات لذكــرى الحــارث‬
‫مزيــودات»‪ ،‬تونــس ‪ ،1994‬ص ‪ 71‬ومــا يليهــا‪.‬‬
‫‪ .3‬شــــهد القانــــون االنتخابــــي التونســــي تغييــــرات نوعيــــة غــداة التحــوالت السياســية والدســتورية الجوهريــة ســــنة‬
‫‪ 2011‬فبمناســــبة تنظيــــم انتخابــــات املجلــــس الوطنــــي التأسيســــي أصبحــت جميــــع النزاعــــات االنتخابيــــة مــــن‬
‫اختصــــاص القضــــاء وتمركز جلها لدي القضاء اإلداري‪ .‬فأســــند املرســــوم عــــدد ‪ 35‬املــــؤرخ فــــي ‪ 10‬مــــاي لســــنة‬
‫‪ 2011‬املتعلــــق بانتخــــاب املجلــــس الوطنــــي التأسيســــي املنقح واملتمم باملرســــوم عــــدد ‪ 72‬لسنة ‪ 2011‬املــــؤرخ فــــي‬
‫‪ 3‬أوت ‪ 2011‬إلــــى القضــــاء العدلــــي ‪ 2011‬اختصــــاص البــــت فــي نزاعــات الترســــيم بقائمــات الناخبـيـن والنزاعــات‬
‫املتعلقــة بالطــور االبتدائــي للترشــحات‪ ،‬فــي حــن أســند إلــى املحكمــة اإلداريــة اختصــاص البــت اســتئنافيا فــيها‬
‫والرقابــــة القضائيــــة ابتدائيــــا ونهائيــــا علــــى القــرارات املتعلقــة بترســيم القائمــات املترشــــحة املتخــذة مــن الهيئــة‬
‫العليــــا املســــتقلة لالنتخابــــات فــــي إطــــار مراقبــة الحملــة االنتخابيــة‪ ،‬كمــا أســــند إلــى الجلســة العامــة القضائيــة‬
‫للمحكمــــة اإلداريــــة مراقبــة النتائــــج األوليــة لالنتخابــات‪.‬‬
‫وبعــــد إصــــدار دســــتور ‪ 27‬جانفــــي ‪ 2014‬وبمناســــبة تنظيــــم االنتخابــــات التشــــريعية والرئاســــية لسنة ‪ 2014‬تــــم‬
‫إصــــدار قانــــون انتخابــــي جديــــد وهــــو القانــــون األساســــي عــــدد ‪ 16‬لســــنة ‪ 2014‬املــــؤرخ فــــي ‪ 26‬مــــاي ‪2014‬‬
‫املتعلــق باالنتخابــــات واالســــتفتاء‪ .‬وقــــد تــ ـ ّم إســــناد البــــت فــــي النزاعــــات املتعلقــــة بالترشــــحات لالنتخابــــات‬
‫التشــــريعية ابتدائيــــا إلــــى املحاكــــم العدليــــة فــــي حــن تعهــدت املحكمــــة اإلداريــة بالنظــر اســــتئنافيا فــي الطعــون‬
‫املوجهــــة ضــــدها‪ ،‬امــــا بالنســــبة لنزاعــــات االنتخابــــات الرئاســــية فقد أســند للدوائر االســتئنافية باملحكمة اإلدارية‬
‫اختصاص البــــت ابتدائيــــا فــــي الطعــــون املوجهــــة ضــــد قــــرارات الهيئــــة العليــــا املســــتقلة لالنتخابــــات ُ املتعلقــــة‬
‫بالترشــــح لالنتخابــــات الرئاســــية في حني أســــند اختصــــاص البــــت اســــتئنافيا إلــــى الجلســــة العامــــة القضائيــــة‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪8‬‬

‫اإلداري بــه فــي ظـ ّـل مشــهد لــم يتّضــح ولــم يتبلــور كفايــة فيمــا يتعلــق بمســألة رقابــة‬
‫الدســتور ّية م ّمــا كانــت معــه إمكانــات االجتهــاد القضائــي بشــأنها ممكنــة ومفتوحــة‪.‬‬
‫فــي هــذا الســياق تنزّلــت العالقــة (القاضــي االنتخابــي ـ رقابــة الدســتورية) ضمــن مســار‬
‫واملؤسســاتي واســتوعبت تح ّوالتــه وهــو مــا‬
‫ّ‬ ‫ـتوري‬
‫االنتقــال الديمقراطــي فــي بعديــه الدسـ ّ‬
‫ّ‬
‫تلخصــه هــذه الحيث ّيــة املقتطفــة مــن قــرار للمحكمــة اإلداريــة « وحيــث ال جــدال فــي أنّ‬
‫الثــورة التــي عرفتهــا البــاد أفــرزت مشــروع ّية جديــدة تجــد قوامهــا فــي القطــع نهائيــا‬
‫املؤسســات الدســتورية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وحــل‬ ‫مــع النظــام الســابق وإلغــاء دســتور غــرة جــوان ‪1959‬‬
‫التمثيليــة املنبثقــة عنــه وهــو مــا اســتوجب لجــوء الســلطة التنفيذيــة إلــى خيــار التنظيــم‬
‫املؤقــت للســلط العموميــة فــي انتظــار وضــع دســتور جديــد»‪ ،‬فضمــن ســياقات االنتقــال‬
‫الديمقراطــي وجــدت املحكمــة اإلداريــة نفســها معنيــة باملســاهمة فيهــا عبــر الــدور‬
‫جســرت‬ ‫االستشــاري واالختصــاص القضائــي بحيــث كانــت إحــدى املؤسســات التــي ّ‬
‫عمليــة االنتقــال بفقههــا االستشــاري وفقــه قضائهــا الــذي اســتبطن إكراهــات املرحلــة‬
‫وتبعاتهــا ومتطلباتهــا‪.1‬‬
‫ولــم يكــن ذلــك العامــل الوحيــد فقــد تأثــر موقــف القاضــي االنتخابــي مــن مســألة رقابــة‬
‫الدســتورية أيضــا بموقــف القاضــي اإلداري عمومــا مــن نفــس املســألة‪ ،‬حيــث لــم يقتصــر‬
‫تعبيــر املحكمــة اإلداريــة عــن موقفهــا مــن رقابــة الدســتورية بمناســبة نظرهــا فــي النــزاع‬
‫االنتخابــي فقــط بــل كان أيضا بمناســبة نزاعات مختلفة (نزاع مســؤولية‪ ،‬نــزاع جبائي‪.2)..‬‬
‫وضمــن هــذه املوجبــات تبلــور موقــف القاضــي االنتخابــي مــن الدفوعــات بعــدم الدســتورية‬
‫التــي أثيــرت أمامــه أساســا بمناســبة االنتخابــات الرئاســية ســنة ‪ 2014‬واالنتخابــات‬
‫البلديــة ســنة ‪ ،2018‬وهــو مــا يجيــز اســتعراضه ضمــن مســار تطــ ّوري مــن زاويتــي‬
‫االختصــاص واملبــادئ املقـ ّررة فــي األصــل‪ ،‬وذلــك ضمــن تقييــم اتجاهــات تفاعــل عناصــر‬

‫باملحكمــــة اإلداريــــة‪ .‬كمــــا اختصــــت الدوائــــر االســــتئنافية باملحكمــــة اإلداريــــة ابتدائيــــا بالبــت فــي نزاعــات نتائــج‬
‫لالنتخابــات التشــريعية والرئاســية فــي حــن أســــند اختصــــاص البــــت اســــتئنافيا للجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة‪.‬‬
‫وبهــــدف تنظيــــم االنتخابــــات البلديــــة واملحليــــة تــــم بمقتضــى القانــــون األساســي عــدد ‪ 7‬لســــنة ‪ 2017‬املــؤرخ فــي‬
‫‪ 14‬فيفــــري ‪ 2017‬تنقيــــح القانــــون األساســــي عــــدد ‪ 16‬لســــنة ‪ 2014‬والــــذي أســــند اختصــاص البــــت فــي نزاعــات‬
‫الترشــــحات إلــــى الدوائــر الجهويــة للمحكمــة اإلداريــة واســــتئنافيا إلــــى الدوائــر االســــتئنافية للمحكمــة اإلداريــة‪.‬‬
‫ملزيــد التفصيــل انظــر هــدى التــوزري وســمية قنبــرة « دليــل النزاعــات االنتخابيــة فــي تونــس »‪ ،‬إصــدارات برنامــج األمــم‬
‫املتحــدة اإلنمائــي‪ ،‬تونــس ‪ ،2017‬ص ‪ 9‬ومــا يليها‪.‬‬
‫‪ .1‬نــورة كريــدس «املحكمــة اإلداريــة فــي املرحلــة االنتقاليــة»‪ ،‬الجــزء األول (‪ 14‬جانفــي ‪ 2011‬ـ ‪ 27‬جانفــي ‪ ،)2014‬دار‬
‫الكتــاب ‪.2015‬‬
‫‪ .2‬ملزيــد التفصيــل حــول مختلــف هــذه الحــاالت التــي تعــرض فيهــا القاضــي اإلداري للدفــع بعــدم الدســتورية انظــر‪:‬‬
‫عصــام بلحســن «فــي مراقبــة املحكمــة اإلداريــة لدســتورية القوانــن عــن طريــق الدفــع»‪ ،‬مجلــة العلــوم القانونيــة‬
‫والسياســية‪ ،‬املجلــد ‪ ،09‬العــدد ‪ ،02‬ص ص‪ ،15 - 02 :‬جــوان ‪.2019‬‬
‫‪9‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫العالقــة (القاضــي االنتخابــي ـ رقابــة الدســتورية) وذلــك فــي مســتوى أول قصــد بيــان‬
‫أثرهــا املؤسســاتي أي تأثيرهــا علــى منظومــة املؤسســات وأساســا العالقــة بــن القاضــي‬
‫اإلداري والهيئــة الوقتيــة لرقابــة دســتورية القوانــن إضافــة الستشــراف شــروط اســتمرار‬
‫خاصــة إن كتــب‬
‫ّ‬ ‫املؤسســاتي‬
‫ّ‬ ‫العالقــة املذكــورة الحقــا مــن عدمــه فــي ظـ ّـل تطـ ّور املشــهد‬
‫للمحكمــة الدســتور ّية أن تر ّكــز‪ ،‬وفــي مســتوى ثــان قصــد تبيــن أثرهــا املوضوعــي‬
‫بإبــراز القيمــة املضافــة لفقــه القضــاء االنتخابــي املتصــل برقابــة دســتورية القوانــن‪.‬‬
‫لقــد تبلــور موقــف القاضــي االنتخابــي مــن مســألة مراقبــة دســتورية القوانــن مــن خــال‬
‫ثــاث قــرارات صــادرة عــن املحكمــة اإلداريــة فــي مــادة النــزاع االنتخابــي وقــد كان ذلــك‬
‫بعــد إنشــاء الهيئــة الوقتيــة ملراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن وإثــر إصــدار دســتور ‪27‬‬
‫جانفــي ‪.1 2014‬‬
‫فقبلهــا لــم تثــر مســألة رقابــة دســتورية القوانــن ألســباب معلومــة تتعلــق بتعليــق العمــل‬
‫بدســتور غــرة جــوان ‪ 1959‬وتســتند علــى منطــق الفتــرة االنتقاليــة كمــا تتع ّلــل بغمــوض‬
‫مســألة رقابــة الدســتورية فــي ظ ّلهــا‪ .‬وبنــاء علــى ذلــك وبمناســبة نزاعــات انتخابــات‬
‫املجلــس الوطنــي التأسيســي طــرح عنــوان مختلــف مــن عناويــن الرقابــة لــدى القضــاء‬
‫االنتخابــي هــو رقابــة املعاهدتيــة‪ 2‬وبمفــردات مختلفــة هــي املعاييــر الدوليــة فــي املــادة‬
‫االنتخابيــة‪ ،‬وهــو مــا بــدا طريقــا التفافيــا وبديــا منطقيــا ومالئمــا إلــى حــد مــا عــن تغييــب‬
‫رقابــة الدســتورية‪.3‬‬

‫‪ .1‬ورد بالفصــل ‪ 148‬ســابعا منــه «يحــدث املجلــس الوطنــي التأسيســي بقانــون أساســي‪ ،‬خــال األشــهر الثالثــة التــي‬
‫تلــي ختــم الدســتور‪ ،‬هيئــة وقتيــة تختــص بمراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن وتتك ـ ّون مــن‪ :‬ـ الرئيــس األول ملحكمــة‬
‫التعقيــب رئيســا ـ الرئيــس األول للمحكمــة اإلداريــة عضــوا ـ الرئيــس األول لدائــرة املحاســبات عضــوا ـ ثالثــة أعضــاء‬
‫مــن ذوي االختصــاص القانونــي يعينهــم تباعــا وبالتســاوي بينهــم كل مــن رئيــس املجلــس الوطنــي التأسيســي ورئيــس‬
‫الجمهوريــة ورئيــس الحكومة‪.‬وتعتبــر ســائر املحاكــم غيــر مخ ّولــة ملراقبــة دســتورية القوانني‪.‬تنتهــي مهــام الهيئــة بإرســاء‬
‫املحكمــة الدســتورية‪».‬‬
‫‪ .2‬رقابــة املعاهدتيــة هــي ال ّرقابــة التــي تســتند علــى علو ّيــة وأفضل ّيــة املعاهــدات الدول ّيــة فــي التطبيــق إزاء القوانــن‬
‫الداخليــة والتــي يمارســها القاضــي اإلداري بمناســبة مــا يعــرض علــى نظــره مــن مقــ ّررات ذات صلــة بمجــال مــن‬
‫مجــاالت انطباقهــا الســتحضار تنصيصاتهــا والتثبــت مــن احتــرام قواعــد القانــون الداخلــي ملقتضياتهــا وترجيحهــا‬
‫عنــد االقتضــاء‪ ،‬وهــو تعريــف يســتمد مــن فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة (قضيــة عــدد ‪ 72351‬بتاريــخ ‪ 42‬جــوان ‪،5002‬‬
‫الســيدة املدانــي ‪ /‬وزيــر الصحــة العموميــة‪ ،‬املجموعــة‪ ،‬ص‪.)06 .‬‬
‫‪« .3‬وحيــث لئــن أقــرت أحــكام االتفاقيــة (العهــد الدولــي للحقــوق املدنيــة والسياســية) الحــق لــكل مواطــن فــي الترشــح‬
‫إال أنهــا أجــازت للدولــة املصادقــة علــى االتفاقيــة الحـ ّد مــن هــذا الحــق بقيــود شــريطة أن تكــون معقولــة وحيــث أرســى‬
‫الفصــل ‪ 15‬مــن املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬شــرطا مانعــا الكتســاب صفــة مترشــح النتخابــات املجلــس الوطنــي‬
‫التأسيســي واملتعلــق بإقصــاء كل مــن تحمــل مســؤولية صلــب الحكومــة فــي عهــد الرئيــس الســابق باســتثناء مــن لــم ينتم‬
‫مــن أعضائهــا للتجمــع الدســتوري الديمقراطــي ومــن تحمــل مســؤولية فــي هيــاكل التجمــع الدســتوري الديمقراطــي فــي‬
‫عهــد الرئيــس الســابق‪ ،‬وكذلــك كل مــن ناشــد الرئيــس الســابق الترشــح ملــدة رئاســية جديــدة لســنة ‪ ...2014‬وحيــث أن‬
‫القيــد الــذي أقــره الفصــل ‪ 15‬ســالف الذكــر اقتصــر علــى البعــض وكان مبــررا بالقطــع مــع النظــام الســابق املبنــي علــى‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪10‬‬

‫هــذا مــا يثبــت أنّ تنــاول القاضــي االنتخابــي اإلداري ملســألة رقابــة دســتورية القوانــن‬
‫ع ّبــر دائمــا عــن تفاعــل ثابــت مــع الســياق التقعيــدي واملؤسســاتي املحيــط وتحوالتــه وهــو‬
‫مــا كان لــه أثــره الثابــت علــى بنيــة قراراتــه القضائيــة‪ ،‬والتــي تتمثــل فــي‪:‬‬
‫• الحكم عدد ‪ 6‬بتاريخ ‪ 10‬أكتوبر ‪ ،2014‬العادل العلمي ‪ /‬الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات‪.1‬‬
‫• حكــم ابتدائــي عــدد ‪ 059000002‬بتاريــخ ‪ 14‬مــارس ‪ ،2018‬قائمــة اإلتحــاد املدنــي ‪/‬‬
‫الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بسوســة‪.2‬‬
‫• حكــم ابتدائــي عــدد ‪ 20181015‬بتاريــخ ‪ 16‬مــارس ‪ ،2018‬منــذر امللـ ّوح بصفتــه رئيــس‬
‫قائمــة «بــاردو فــي عينينــا» ‪ /‬الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بتونــس ‪.3 2‬‬

‫ـي أول مــن بيــان‬ ‫إن قــراءة تأليف ّيــة جامعــة لجملــة هــذه القــرارات تم ّكــن فــي مســتوى إجرائـ ّ‬
‫‪4‬‬

‫املبــادئ املقــ ّررة بشــأن اختصــاص القاضــي االنتخابــي مــن مســألة مراقبــة دســتورية‬
‫القوانــن (الجــزء األول)‪ ،‬كمــا تســمح فــي مســتوى موضوعــي ثــان بعــرض املبــادئ التــي‬
‫ك ّرســها فقــه القضــاء االنتخابــي بشــأن موضوعــات الدفــع بعــدم الدســتور ّية والتــي تلقــي‬
‫الضــوء علــى عالقــة املــادة االنتخاب ّيــة بأهـ ّم مصادرهــا وهــو الدســتور (الجــزء الثانــي)‪.5‬‬

‫االســتبداد وتغييــب إرادة الشــعب والبقــاء غيــر املشــروع فــي الســلطة وتزويــر االنتخابــات وفــق مــا جــاء فــي ديباجــة‬
‫املرســوم املذكــور‪ ،‬األمــر الــذي يكــون معــه الفصــل املذكــور محترمــا للعهــد الدولــي املحتــج بــه‪ ،‬باعتبــار أن هــذا القيــد‬
‫لــم يتجــاوز نطــاق املعقــول« ‪ .‬مــح‪ ،‬إدا‪ ،‬اس‪ ،‬عــ‪28946‬ــــدد‪ ،2011/09/22 ،‬رئيســة قائمــة الوحــدة الوطنيــة بسوســة ‪ /‬الهيئة‬
‫الفرعيــة املســتقلة لالنتخابــات بسوســة‪ ،‬فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب املجلــس الوطنــي‬
‫التأسيســي‪ ،‬منشــورات املطبعــة الرســمية للجمهوريــة التونســية ‪.2013‬‬
‫‪ .1‬فقه قضاء املحكمة اإلدارية لسنة ‪ ،2014‬منشورات املطبعة الرسمية للجمهورية التونسية ‪ ،2014‬ص ‪.747‬‬
‫‪ .2‬غير منشور‪ ،‬أنظر امللحق‬
‫‪ .3‬غير منشور‪ ،‬أنظر امللحق‬
‫‪ .4‬وقــد اقتصرنــا علــى القــرارات الصــادرة فــي املــادة االنتخابيــة الصرفــة علــى معنــى القانــون املتعلــق باالنتخابــات‬
‫واالســتفتاء والتــي تهــم االنتخابــات التشــريعية والرئاســية والبلديــة‪ ،‬واســتثنينا بذلــك القــرارات الصــادرة بمناســبة‬
‫انتخــاب أعضــاء الهيــآت الدســتورية علــى شــاكلة الهيئــة العليــا االنتخابــات والتــي دفــع فيهــا بعــدم الدســتورية‬
‫(قــرار الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة عــدد ‪ 134854‬بتاريــخ ‪ 7‬نوفمبــر ‪ ،2013‬ســنية بــن عمــر ‪ /‬رئيــس‬
‫املجلــس الوطنــي التأسيســي بوصفــه رئيــس لجنــة فــرز الترشــحات لعضويــة الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات)‪.‬‬
‫‪5. MALIGNER B., Droit électoral, Paris, ellipses, 2007.‬‬
‫‪11‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫الجــزء األول‪ :‬املبــادئ املق ّررة بشــأن اختصــاص القاضي‬


‫االنتخابــي برقابة دســتورية القوانني‬

‫تبلــورت بمناســبة نظــر القاضــي االنتخابــي كقاضــي دفــع بالدســتورية جملــة مــن‬
‫املبــادئ التــي تهــم شــكل الرقابــة (الفقــرة األولــى) وأسســها (الفقــرة الثانيــة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬املبادئ املق ّررة بشأن شكل الرقابة‬


‫وتأصيل االختصاص‬
‫لقــد أقــ ّر القاضــي االنتخابــي بمناســبة رقابتــه الدســتورية جملــة مــن املبــادئ‬
‫بشــأن اختصاصــه بذلــك والتــي تهــ ّم طبيعــة وخصائــص وشــكل الرقابــة‪.‬‬

‫ـي يت ـ ّم عــن‬‫• فاختصــاص القاضــي االنتخابــي برقابــة الدســتور ّية هــو اختصــاص عرضـ ّ‬
‫طريــق الدفــع وليــس اختصاصــا أصليــا يتـ ّم عــن طريــق الدعوى‪ .‬وتعـ ّرف مراقبة الدســتورية‬
‫عــن طريــق الدفــع بأنّهــا املراقبــة التــي يمارســها القاضــي علــى دســتور ّية القوانــن بمناســبة‬
‫الدعــاوى التــي تعــرض عليــه وهــي دعــاوى ال تتع ّلــق مواضيعهــا برقابــة الدســتور ّية ذاتهــا‪،‬‬
‫ففــي موضــوع الحــال تثــار مســألة دســتور ّية القوانــن بصفــة اســتثنائ ّية وعلــى هامــش‬
‫املســائل املتّصلــة أساســا بالنــزاع االنتخابــي‪ ،‬إذ يطالــب أحــد أطــراف هــذا النــزاع بالتثبــت‬
‫مــن الســامة الدســتورية للقانــون املزمــع تطبيقــه والــذي عــادة مــا يكــون القانــون االنتخابــي‬
‫املنطبــق ويطلــب عــدم تطبيقــه فــي حــدود الدفوعــات بعــدم الدســتورية بالنســبة للقضيــة‬
‫املعروضــة علــى القاضــي‪ .1‬فــي هــذا املنحــى يعتبــر القاضــي اإلداري الــر ّد علــى الدفــع مــن‬
‫أوكــد واجباتــه فــ»لئــن كان دوره يتمثــل فــي التث ّبــت مــن مــدى حســن تطبيــق القانــون‪ ،‬فإ ّنــه‬
‫ـت بصفــة أصل ّيــة فــي مطابقــة القانــون للدســتور‪،‬‬ ‫مــن واجبــه فــي غيــاب محكمــة دســتور ّية تبـ ّ‬
‫النظــر فــي مــدى احتــرام النــص التشــريعي ملصــادر القانــون التــي تعلــوه واملتمثلــة فــي‬
‫الدســتور واملبــادئ األساس ـ ّية ذات القيمــة الدســتور ّية وكذلــك املعاهــدات النافــذة ليخلــص‬
‫عنــد االقتضــاء إلــى اســتبعاده ك ّلمــا ت ـ ّم الدفــع بذلــك أمامــه «‪« »2‬ولــذا فقــد تع ّيــن إقــرار‬

‫‪ .1‬عبد الفتاح عمر‪ ،‬الوجيز في القانون الدستوري‪ ،‬مركز الدراسات والبحوث والنشر‪ ،1987 ،‬ص ‪.245‬‬
‫محمــد رضــا بــن حمــاد «املبــادئ األساســية للقانــون الدســتوري واألنظمــة السياســية»‪ ،‬الطبعــة الثالثــة‪ ،‬مركــز النشــر‬
‫الجامعــي‪ ،2016 ،‬ص ‪ 268‬ومــا يليهــا‪.Favoreu (L) et autres « droit constitutionnel» ,op.cit , p219 et Svt .‬‬

‫‪ .2‬قــرار الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة عــدد ‪ 134854‬بتاريــخ ‪ 7‬نوفمبــر ‪ ،2013‬ســنية بــن عمــر ‪ /‬رئــس‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪12‬‬

‫اختصاص هذه املحكمة للنظر في الدستور ّية» ‪.1‬‬

‫هــذا موقــف يتأيــد بمــا ذهــب إليــه أحــد الباحثــن فــي القانــون مــن أن قاضــي الدفــع يجــد‬
‫فــي طبيعــة املرحلــة االنتقاليــة عناويــن اختصاصــه حتــى يتعهــد بمراقبــة دســتورية القوانني‬
‫بحيــث تكــون تقنيــة املراقبــة عــن طريق الدفــع ضرورة موضوعيــة باعتبار الوضــع االنتقالي‬
‫الدســتوري ثــم فــي انتظــار إرســاء املؤسســات الدائمــة في ظــل دســتور ‪ 2014‬وذلك لضمان‬
‫علويــة القاعــدة الدســتورية فــي جوهريتها‪ ،‬وباعتبار أن الدفع يغــدو تقنية متالئمة مع طبيعة‬
‫العمــل القضائــي فــي املرحلــة االنتقاليــة نظــرا ألن إرســاء حـ ّـل مغايــر يبقــى غيــر ممكن ألن‬
‫مســألة املراقبــة وشــكلها مــن الخيــارات االســتراتيجية الداخلــة فــي املهمــة التأسيســية فــي‬
‫مرحلــة التأســيس وهــي بعدهــا رهينــة تركيــز املؤسســة الدائمــة أي املحكمــة الدســتورية ‪.2‬‬

‫منطقــي لطبيعــة الرقابــة القائمــة علــى فكــرة الدفــع يغــدو هــذا‬


‫ّ‬ ‫وضمــن اســتتباع‬
‫الواجــب املتأ ّكــد املحمــول علــى القاضــي ـ كمــا عبــرت بــكل حســم الحيثيــات‬
‫ملحــة فــي ّ‬
‫ظــل غيــاب محكمــة دســتور ّية بــل وشــرطا شــكل ّيا‬ ‫املومــأ إليهــا ـ ضــرورة ّ‬
‫الزمــا إلعمــال الدفــع بالالدســتور ّية يرتهــن بــه قيامــا وتفعيــا‪ ،‬وإن كان ذلــك موقفــا‬
‫متجــه التنســيب إلــى حــ ّد مــا فالدفــع بالالدســتورية ممكــن حتّــى مــع وجــود‬
‫املحكمــة الدســتور ّية ولكنّــه يتحــ ّول إلــى مســألة توقيف ّيــة وليــس مســألة أوليــة بحيــث‬
‫يوقــف قاضــي الدفــع النظــر ويحيــل الدفــع علــى املحكمــة الدســتورية للبــت‪.3‬‬

‫املجلس الوطني التأسيسي بوصفه رئيس لجنة فرز الترشحات لعضوية الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات‬
‫‪ .1‬منذر املل ّوح بصفته رئيس قائمة «باردو في عينينا» ‪ /‬الهيئة الفرعية لالنتخابات بتونس ‪ ،2‬قرار مذكور سابقا‪.‬‬
‫‪ .2‬مــروان الديماســي «القضــاء بــن املجلــس القومــي التأسيســي واملجلــس الوطنــي التأسيســي‪ :‬بــن ضــرورة االحتــكام‬
‫ملفهــوم الحكامــة داخــل املرحلــة االنتقاليــة وحتميــة تثبيــت املفهــوم عنــد صياغــة البنيــة الدســتورية «(مــن)» فــي الثــورة‬
‫واالنتقــال والدســتور»‪ ،‬أحمــد السوســي (تحــت إشــراف)‪ ،‬منشــورات مجمــع األطــرش للكتــاب املختــص‪ ،‬تونــس ‪،2012‬‬
‫ص ‪ 196‬ومــا يليهــا‪.‬‬
‫‪ .3‬الفصــل ‪ 120‬مــن الدســتور «تختــص املحكمــة الدســتورية دون ســواها بمراقبــة دســتورية‪ ... :‬ـ القوانــن التــي تحيلهــا‬
‫عليهــا املحاكــم تبعــا للدفــع بعــدم الدســتورية بطلــب مــن أحــد الخصــوم فــي الحــاالت وطبقــا إلجــراءات التــي يقرهــا‬
‫القانــون»‬
‫الصــورة ضمــن القانــون عــدد ‪ 50‬لســنة ‪ 2015‬املــؤرخ فــي ‪ 3‬ديســمبر ‪ 2015‬املتعلــق باملحكمــة‬ ‫فصلــت هــذه ّ‬‫وقــد ّ‬
‫ينــص الفصــل ‪ 54‬منــه أنّ «للخصــوم فــي القضايــا املنشــورة فــي األصــل أمــام املحاكــم أن‬ ‫ّ‬ ‫الدســتورية حيــث‬
‫ينــص الفصــل ‪ 56‬أنّــه علــى «املحاكــم عنــد ال ّدفــع‬
‫ّ‬ ‫يدفعــوا بعــدم دســتور ّية القانــون املنطبــق علــى النــزاع‪ ».‬كمــا‬
‫أمامهــا بعــدم دســتور ّية القوانــن إحالــة املســألة فــورا علــى املحكمــة الدســتور ّية‪ ،‬وال يجــوز الطعــن فــي قــرار‬
‫اإلحالــة بــأي وجــه مــن أوجــه الطعــن ولــو بالتعقيــب‪ ».‬وتوجــب أحــكام الفصــل ‪ 58‬أن «يوقــف قــرار اإلحالــة‬
‫توصــل املحكمــة التــي أثيــر‬
‫النظــر فــي القض ّيــة األصل ّيــة وتعلــق اآلجــال ابتــداء مــن تاريــخ صــدوره إلــى حــن ّ‬
‫أمامهــا الدفــع بقــرار املحكمــة الدســتور ّية أو انقضــاء أجــل توصلهــا بقــرار املحكمــة الدســتورية دون وروده»‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫• واســتتباعا للنقطــة الســابقة ســيذهب القاضــي االنتخابــي فــي اتّجــاه اعتبــار الدفــع‬
‫بعــدم الدســتورية مــن متع ّلقــات النظــام العــام‪ ،‬وســيعمل هــذا املنطــق فــي قــرار االتحــاد‬
‫املدنــي ‪ /‬الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بسوســة‪ ،1‬ففــي عريضــة طعنهــا اكتفــت الجهــة‬
‫مســجلة‬
‫ّ‬ ‫ترشــحها لوجــود ّ‬
‫ترشــحات‬ ‫املدعيــة بقولهــا أنّ قــرار الهيئــة الفرع ّيــة رفــض ّ‬
‫بغيــر الدائــرة االنتخابيــة « جــاء مخالفــا للفصــل ‪ 34‬مــن الدســتور الــذي كــ ّرس حــقّ‬
‫نــص علــى أن القانــون هــو الــذي يحــ ّدد الضوابــط‬ ‫الترشــح والفصــل ‪ 49‬منــه الــذي ّ‬ ‫ّ‬
‫املتعلقــة بممارســة الحقــوق والحريــات بمــا ال ينــال مــن جوهرهــا »‪ ،‬وذلــك دون أي دفــع‬
‫صريــح بعــدم الدســتورية‪ ،‬لينبــري القاضــي االنتخابــي مــن تلقــاء نفســه باحثــا فــي‬
‫دســتور ّية الفصــل ‪ 49‬مكــرر مــن القانــون األساســي املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء‪،‬‬
‫ولع ّلــه قــ ّدر أنّــه ال يمكــن مجــاراة الطاعــن فــي مطعنــه فــي ربطــه املباشــر بــن القــرار‬
‫املطعــون فيــه والدســتور مــع تغييــب الســند القانونــي املباشــر للقــرار‪ ،‬فبعــد التذكيــر‬
‫بمقتضيــات الفصلــن ‪ 34‬و‪ 49‬مــن الدســتور أشــار القاضــي االنتخابــي ألحــكام الفصــل‬
‫‪ 49‬مكــرر مــن القانــون األساســي املتعلــق باالنتخابــات ولألمــر عــدد ‪ 1033‬املــؤرخ فــي ‪19‬‬
‫ســبتمبر ‪ 2017‬املتعلــق بضبــط عــدد أعضــاء املجالــس البلديــة فــي اقتضائهمــا الترشــح‬
‫فــي الدائــرة االنتخابيــة املســجل بهــا‪ ،‬ليســتخلص أ ّنــه «ولئــن كان الحــق فــي االنتخــاب‬
‫واالقتــراع والترشــح مكفــوال بالدســتور‪ ،‬فــإن ممارســته تخضــع للضوابــط العامــة‬
‫املحــددة بالنصــوص القانونيــة الجــاري بهــا العمــل‪ ،‬شــريطة أن ال تنــال هــذه الضوابــط‬
‫مــن جوهــر الحــق وأن تتناســب مــع موجباتهــا‪ .‬وحيــث أن شــرط تقديــم الترشــح فــي‬
‫الدائــرة االنتخابيــة املســجل بهــا ال يعطــل الحــق فــي الترشــح وهــو بذلــك ال يخــرق مبــدأ‬
‫التناســب وليــس مــن شــأنه أن ينــال مــن جوهــر الحــق فــي الترشــح املضمــون بالدســتور»‪.‬‬

‫غيــر أنّ هــذا املوقــف مــن القاضــي اإلداري املنتصــب فــي املــادة االنتخاب ّيــة يفتقــد‬
‫تأسيســا واضحــا وتأصيــا معلنــا وذلــك خالفــا ملوقفــه فــي أحــد القــرارات الصــادرة فــي‬
‫غيــر املــادة االنتخابيــة‪.2‬‬

‫‪ .1‬قرار مذكور سابقا‪ ،‬انظر امللحق‪.‬‬


‫‪ .2‬مــح ‪ ،‬إدا‪ ،‬الحكــم التعقيبــي عــدد ‪ 314524‬بتاريــخ ‪ 31‬مــاي ‪ 2016‬شــركة نيوتــاك ســتير ‪ /‬الصنــدوق الوطنــي للضمــان‬
‫االجتماعــي (غيــر منشــور) « وحيــث وفيمــا يتع ّلــق بالشــكل‪ ،‬ولئــن تمنــع إجــراءات التعقيــب إثــارة مطعــن قانونــي أل ّول‬
‫التمســك بعــدم دســتور ّية القانــون بوجــه الدفــع يعتبــر مــن متع ّلقــات النظــام العــام‪ ،‬ضــرورة‬
‫ّ‬ ‫مـ ّرة فــي هــذا الطــور‪ ،‬فــإنّ‬
‫أنّ الدســتور يحتـ ّـل املرتبــة األعلــى فــي هــرم القواعــد القانونيــة‪ ،‬ويشـ ّكل ركنــا أساسـ ّيا مــن أركان الجمهور ّيــة ومق ّومــا‬
‫جوهر ّيــا مــن مق ّومــات دولــة القانــون‪ ،‬األمــر الــذي يتّجــه معــه رفــض دفــع محامــي املع ّقــب ضـ ّده فــي هــذا الخصــوص »‪.‬‬
‫ـي ق ـ ّدم فيــه القاضــي اإلداري فــي املــادة الجبائيــة دفعــا علــى مبــدإ إجرائــي عــام‬ ‫وهــو تأويــل الفــت للقانــون اإلجرائـ ّ‬
‫مســتندا علــى مفهومــي الجمهوريــة ودولــة القانــون‪ ،‬وهــي موازنــة مهــزوزة ـ إلــى حــد مــا ـ تفتقــد لتعليــل أعمــق‬
‫وأصلــب باعتبــار أن حقــوق الدفــاع واملحاكمــة العادلــة التــي يقــوم عليهــا مبــدأ عــدم جــواز إثــارة مطعــن قانونــي‬
‫أل ّول م ـ ّرة لــدى التعقيــب هــي أيضــا عناويــن رئيســية ودســتورية لدولــة القانــون فــي بعديهــا الجوهــري واإلجرائــي‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪14‬‬

‫• غيــر أنّ أه ّميــة اختصــاص القاضــي االنتخابــي برقابــة الدســتورية عــن طريــق‬
‫الدفــع ال يحجــب محدود ّيتــه باعتبــار نتائــج ممارســته‪ ،‬بحيــث يتمثــل الهــدف مــن‬
‫هــذا الدفــع ويقتصــر علــى اســتبعاد تطبيــق القانــون الالدســتوري فــي الطعــن‬
‫املاثــل دون إلغــاءه كمــا تكــون حجيــة الحكــم القضائــي الصــادر نســبية مقصــورة‬
‫موجهــة للكافــة‪ ،‬وهــو مــا يحــد مــن أثــر إعــان القاضــي‬
‫علــى أطــراف النــزاع وغيــر ّ‬
‫االنتخابــي موقفــه مــن الدفوعــات الدســتورية وإن ال ينفيــه عنــه بشــكل كامــل حيــث‬
‫‪1‬‬
‫يكــون للقــرارات القضائيــة أثرهــا االعتبــاري وبعدهــا البيداغوجــي فــي كل األحــوال‪.‬‬
‫• إن اختصــاص القاضــي االنتخابــي العــارض فــي النظــر فــي الدفــع بعــدم الدســتور ّية‬
‫ال يطــرح تنافســا أو تماثــا أو تناقضــا مــع االختصــاص األصيــل للقاضــي اإلداري‬
‫‪2‬‬
‫كقاضــي الشــرعية ـ ومــن وراءه القاضــي االنتخابــي كقاضــي الشــرعية االنتخابيــة ـ‬
‫جامعهمــا فــي ذلــك مفهــوم الرقابــة كأحــد املفاهيــم الجوهريــة لدولــة القانــون القائمــة‬
‫علــى القانــون الديمقراطــي والرقابــة الشــاملة والنفــاذ الناجــز‪ ،‬ورابطهمــا فــي ذلــك‬
‫فــرض احتــرام القانــون فــي معنــاه الشــمولي عبــر ســبل إجرائيــة مختلفــة اختصاصــا‬
‫ّ‬
‫يســتدل عليهــا مــن الحيثيــة التاليــة الــواردة بقــرار‬ ‫ووســائل وســلطات‪ ،3‬وهــي معــان‬
‫منــذر امللــ ّوح ‪ /‬الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بتونــس ‪« 2‬وحيــث أنّ اســتبعاد القاضــي‬
‫البــت فــي دســتورية الشــرط التشــريعي املتم ّثــل فــي ضــرورة أن يكــون‬ ‫ّ‬ ‫اإلداري مــن‬
‫البــت‬
‫ّ‬ ‫مســجال فــي نفــس الدائــرة التــي سيترشــح بهــا رغــم عــدم ســابقية‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املترشــح‬
‫فيــه مــن قبــل القاضــي الدســتوري ســيؤول بالضــرورة إلــى غيــاب كل رقابــة قضائيــة‬
‫ترشــح األفــراد وهــو‬‫علــى ذلــك التضييــق رغــم مــا لــه مــن تبعــات تمــس مــن حريــة ّ‬
‫توجــه فقــه قضائــي يتوافــق ونزعــة متناميــة‬ ‫مــا تأبــاه مق ّومــات دولــة القانــون»‪ ،4‬وهــو ّ‬
‫داخــل فقــه القانــون العــام نحــو تقــارب ثابــت وحــدود ل ّينــة بــن الدعويــن خصوصــا‬
‫‪5‬‬
‫مــع تحــ ّوالت رئيســية نجمــت عــن دســترة فــروع القانــون بمــا فيهــا القانــون اإلداري‬

‫‪ .1‬وهــو مــا تذكــر بــه أحــكام القانــون عــدد ‪ 50‬لســنة ‪ 2015‬املــؤرخ فــي ‪ 3‬ديســمبر ‪ 2015‬املتعلــق باملحكمــة الدســتورية‬
‫فــي الفصــل ‪ 54‬ومــا يليــه‪.‬‬
‫‪ .2‬فالقاضــي االنتخابــي ال يســتجيب لطلــب إلغــاء أو تعديــل نتائــج االنتخابــات إ ّال متــى ثبــت لديــه اإلخــال بقواعــد‬
‫إجرائهــا وكان ذلــك اإلخــال مؤثــرا بصفــة حاســمة علــى مــا أفضــت إليــه (قــرار الجلســة العا ّمــة القضائيــة‬
‫باملحكمــة اإلداريــة عــدد ‪ 95‬بتاريــخ ‪ 7‬نوفمبــر ‪ 2011‬وقــرار الجلســة العا ّمــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة عــدد ‪36‬‬
‫بتاريــخ ‪ 7‬نوفمبــر ‪ 2011‬وقــرار الجلســة العا ّمــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة عــدد ‪ 98‬بتاريــخ ‪ 7‬نوفمبــر) ‪2011‬‬
‫‪ .3‬يراجع‪ :‬منتصر الوردي « املحكمة اإلدارية واملجلس الدستوري‪ :‬أي تفاعل في ظل دستور ‪1959‬؟ » (من) « دراسات مهداة‬
‫لألستاذ حافظ بن صالح » ‪ ،‬مخبر العلوم الدستورية واإلدارية واملالية ‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس ‪ 2018‬ص ‪ 265‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ .4‬قرار مذكور سابقا‪ ،‬انظر امللحق‪.‬‬
‫‪ .5‬مســعود الجندلــي « القاضــي اإلداري والحقــوق الدســتورية » (مــن) « الدســتور التونســي ‪ 1‬جــوان ‪ ،» 1959‬الجمعيــة‬
‫التونســية للقانــون الدســتوري‪ ،‬تونــس ‪ ،2010‬ص ‪.227‬‬
‫‪15‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬املبادئ املق ّررة بشأن أسس الرقابة‬


‫وتأسيس الرقابة‬

‫ـي برقابــة الدســتور ّية عــن طريــق الدفــع وإن ال يســتند‬


‫إنّ اختصــاص القاضــي االنتخابـ ّ‬
‫ـص فإ ّنــه يتضافــر فــي تأسيســه مــن جهــة أولــى تجــاوز ملوانــع (أ) ومــن جهــة ثانيــة‬
‫لنـ ّ‬
‫تأصيــل لدوافــع (ب)‪.‬‬

‫أ‪ .‬التأسيس عبر تجاوز املوانع‬

‫أســس القاضــي االنتخابــي اختصاصــه كقاضــي دفــع ضمــن جرأتــه علــى تجــاوز‬ ‫لقــد ّ‬
‫موانــع بعضهــا موانــع تقليد ّيــة وبعضهــا اآلخــر موانــع مســتج ّدة‪.‬‬
‫لقــد ترجــم إقــرار القاضــي االنتخابــي اختصاصــه برقابــة الدســتور ّية عــن طريــق الدفــع‬
‫تجــاوزا الفتــا لنظريــة القانــون الحاجــب‪ ،‬وهــو املانــع التقليــدي الــذي طاملــا اعتمــده‬
‫إداري إذا‬
‫ّ‬ ‫القاضــي اإلداري لنفــي اختصاصــه فــي النّظــر مباشــرة فــي دســتور ّية مق ـ ّرر‬
‫ـريعي مكتفيــا ضمــن هــذا التصـ ّور بمناســبة بســط‬ ‫ـص تشـ ّ‬ ‫مــا اســتند هــذا األخيــر إلــى نـ ّ‬
‫ـص دون أن يتجــاوز ذلــك‬ ‫رقابتــه علــى شــرع ّية ذلــك املقـ ّرر بمراقبــة مــدى احترامــه لهــذا النـ ّ‬
‫ـريعي للنصــوص الــذي تعلــوه درجــة بمــا فــي‬ ‫إلــى النّظــر فــي مــدى مطابقــة النــص التشـ ّ‬
‫اإلداري‬
‫ّ‬ ‫ـريعي جــاز للقاضــي‬ ‫ـص تشـ ّ‬ ‫ذلــك الدســتور‪ ،‬فــإن لــم تســتند تلــك القــرارات إلــى نـ ّ‬
‫أصــل القاضــي اإلداري هــذا‬ ‫ّ‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫وق‬ ‫مراقبــة مــدى مطابقــة القــرارات اإلدار ّيــة للدســتور‪.1‬‬
‫املانــع ضمــن أحــد املبــادئ الدســتور ّية الكبــرى «حيــث عمــا بمبــدأ الفصــل بــن الســلط‪،‬‬
‫فــإنّ رقابــة قاضــي تجــاوز الســلطة تقــف عنــد حـ ّد مراقبــة مشــروع ّية القــرارات الصــادرة‬
‫عــن الســلطة التنفيذيــة فــي إطــار املــادة اإلدار ّيــة‪ ،‬وبالتالــي فإ ّنــه ال محيــد عــن اإلعــراض‬
‫عمــا تذ ّرعــت بــه نائبــة العارضــة بخصــوص عــدم دســتور ّية مجلــة الصحافــة الصــادرة عن‬
‫الســلطة التشــريعية »‪ .2‬وهــو مــا يذكــر بموقــف القاضــي العدلــي حيــث اعتبــرت محكمــة‬
‫التعقيــب فــي قرارهــا املــؤرخ فــي ‪ 1‬جــوان ‪ 1988‬أنــه «ال يجــوز للقضــاء العــادي املكلــف‬
‫أساســا بتطبيــق القوانــن أن يتطــرق ملوضــوع دســتوريتها ألن ذلــك يــؤول بــه إلــى الحكــم‬
‫عليهــا األمــر الــذي يشــكل تجــاوزا لحــدود ســلطته‪ ...‬ويحمــل بــن طياتــه خطــر الوقــوف‬
‫فــي مزالــق االنحــراف باألمــر إلــى انتصــاب حكومــة القضــاة الذيــن قــد يدخلــون فــي‬

‫‪ .1‬قرار غرياني ‪ /‬وزير املالية في القضية عدد ‪ 18428‬بتاريخ ‪ 5‬نوفمبر ‪.2002‬‬


‫‪ .2‬قضية عدد ‪ 13285‬بتاريخ ‪ 23‬جوان ‪ ،2010‬جريدة البديل ‪ /‬وزير الداخلية‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪16‬‬

‫صــراع وتصــادم مــع اإلرادة القوميــة التــي أوكل التعبيــر عنهــا لنــواب الشــعب املنتخبــن‬
‫فضــا عــن كــون هــذا التصــادم ال شــيء يبــرره والســيما وأن الهيئــة القضائيــة خالفــا‬
‫للســلطة التشــريعية ال تســتمد نفوذهــا مــن االنتخــاب العــام » وهــو تأســيس تقليــدي فقــد‬
‫وجاهتــه نســبيا علــى ضــوء مــا لحــق مفهــوم الفصــل بــن الســلطات مــن تنســيب وتطويــر‪.1‬‬
‫ولــم يقتصــر القاضــي االنتخابــي علــى تجــاوز املوانــع التقليديــة بــل واجهتــه موانــع‬
‫نصــي‪،‬‬ ‫مســتج ّدة تض ّمنهــا دســتور ‪ 27‬جانفــي ‪ 2014‬وتتم ّثــل فــي مانــع هيكلـ ّ‬
‫ـي ومانــع ّ‬
‫نــص « يحــدث املجلــس الوطنــي‬ ‫ّ‬ ‫وقــد وردت فــي الفصــل ‪ 148‬ســابعا منــه حيــث‬
‫التأسيســي بقانــون أساســي‪ ،‬خــال األشــهر الثالثــة التــي تلــي ختــم الدســتور‪ ،‬هيئــة‬
‫وقتيــة تختــص بمراقبــة دســتورية مشــاريع القوانني‪...‬وتعتبــر ســائر املحاكــم غيــر‬
‫مخ ّولــة ملراقبــة دســتورية القوانــن‪ .‬تنتهــي مهــام الهيئــة بإرســاء املحكمــة الدســتورية»‬
‫وهــي صياغــة كأنمــا كان مقصدهــا إجابــة وتنبيــه مــن املش ـ ّرع علــى مــا كانــت املحكمــة‬
‫اإلداريــة ح ّيثــت بــه قــرار ‪ 7‬نوفمبــر ‪ 2013‬حينمــا أقــ ّرت أح ّقيتهــا برقابــة دســتورية‬
‫ظــل تزامــن غيــاب الدســتور مــع غيــاب هيــكل معنــي بهــا‪ ،2‬فص ّرحــت‬ ‫القوانــن فــي ّ‬
‫«لئــن كان دور القاضــي اإلداري يتمثــل فــي التث ّبــت مــن مــدى حســن تطبيــق القانــون‪،‬‬
‫ـت بصفــة أصل ّيــة فــي مطابقــة القانــون‬‫فإ ّنــه مــن واجبــه فــي غيــاب محكمــة دســتور ّية تبـ ّ‬
‫للدســتور‪ ،‬النظــر فــي مــدى احتــرام النــص التشــريعي ملصــادر القانــون التــي تعلــوه‬
‫واملتمثلــة فــي الدســتور واملبــادئ األساس ـ ّية ذات القيمــة الدســتور ّية وكذلــك املعاهــدات‬
‫‪3‬‬
‫النافــذة ليخلــص عنــد االقتضــاء إلــى اســتبعاده ك ّلمــا تــ ّم الدفــع بذلــك أمامــه»‬
‫إنّ أحــكام الفصــل ‪ 148‬املذكــور تطــرح تســاؤال بديه ّيــا ومشــروعا عــن الجــدوى مــن إعمــال‬
‫رقابــة دســتورية القوانــن عــن طريــق الدفــع فــي ظــل وجــود هيــكل رقابــة للدســتورية‬
‫النــص تحجيــرا واضحــا مــن ممارســتها؟‬ ‫ّ‬ ‫يمارســها بصفــة أصليــة ومــع تض ّمــن‬
‫ودفعــا بالطــرح إلــى مــداه تدعــو ـ نفــس هــذه األحــكام ـ للتســاؤل عمــا إن كان‬
‫اختصــاص القاضــي االنتخابــي برقابــة الدســتورية عــن طريــق الدفــع يمثــل خرقــا‬
‫للنــص الدســتوري وبالتالــي ممارســة مســتغربة ومســتنكرة مــن القاضــي االنتخابــي؟‬
‫االنتخابــي فــي «دائــرة االتهــام»‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫لعــل التخــ ّوف مــن هكــذا توصيــف يجعــل القاضــي‬

‫‪1. De Sabouret (D.Ch), (dir), " traité international de droit constitutionnel ", Dalloz, 2012 , p705et Svt.‬‬

‫‪ .2‬عصــام بلحســن « فــي مراقبــة املحكمــة اإلداريــة لدســتورية القوانــن »‪ ،‬األخبــار القانونيــة عــ‪188‬ـ‪189‬ــــدد‪ ،‬نوفمبــر‬
‫‪ ،2014‬ص ‪ 6‬ومــا يليهــا‪.‬‬
‫‪ .3‬ســنية بــن عمــر ‪ /‬رئيــس املجلــس الوطنــي التأسيســي بوصفــه رئيــس لجنــة فــرز الترشــحات لعضويــة الهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات‪ .‬قــرار مذكــور ســابق‪.‬‬
‫‪17‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫بخــرق الدســتور كان الدافــع وراء التفافــه علــى املانــع املذكــور عبــر مدخــل عــدم‬
‫البــت مــن الهيئــة الوقت ّيــة ملراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن عبــر قولــه فــي‬
‫ّ‬ ‫ســابق ّية‬
‫قــرار العلمــي الــذي مثــل باكــورة قراراتــه الصــادرة فــي املوضــوع وأ ّولهــا «وحيــث‬
‫املتمســك بهــا مــن قبــل املدعــي‪ ،‬ممــا‬
‫ّ‬ ‫لــم يســبق للهيئــة أن بتّــت فــي مســألة التزكيــات‬
‫يجــوز معــه بالتالــي لهــذه املحكمــة النظــر فيهــا»‪ ،1‬وهــو موقــف للقاضــي اإلداري يســتبطن‬
‫ملؤسســة مــا قائــم علــى تغليــب‬
‫ـي واملعطــى الوظيفــي ّ‬ ‫موازنــة معلنــة بــن املعطــى الهيكلـ ّ‬
‫ثانيهمــا فــا معنــى لوجــود الهيــكل وال عبــرة لــه دون أداء الوظيفــة‪ ،‬كمــا يســتبطن‬
‫نفــس املوقــف موازنــة غيــر معلنــة بــن مبــدأ الحــقّ فــي التقاضــي ومبــدأ االختصــاص‬
‫غ ّلــب فيــه أ ّولهمــا‪ ،‬وهــي فــي املجمــل قــراءة وظيف ّيــة بامتيــاز للنــص الدســتوري‪.‬‬

‫فــي نفــس القــرار الصــادر بتاريــخ ‪ 10‬أكتوبــر ‪ 2014‬يســتم ّر القاضــي اإلداري االنتخابــي‬
‫ـي فــي تأويلــه ألحــكام الفقــرة ‪ 7‬مــن الفصــل ‪ 148‬مــن‬ ‫ّ‬
‫التمشــي الوظيفـ ّ‬ ‫فــي إعمــال هــذا‬
‫ـت الهيئــة فــي الدفــع‬ ‫ـ‬
‫ّ ّ‬ ‫ب‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ـابق‬
‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـورة‬‫ـ‬ ‫ص‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫أي‬ ‫ـية‬
‫ـ‬ ‫العكس‬ ‫ـورة‬‫ـ‬ ‫الص‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫ف‬ ‫الدســتور وذلــك‬
‫حجيــة األمــر املقـ ّرر‬
‫املعــروض‪ .‬وقــد اســتند القاضــي ضمنيــا فــي هــذه الحالــة علــى مبــدأ ّ‬
‫مــن الهيئــة املســتم ّد مــن أحــكام الفصــل ‪ 21‬مــن القانــون عــدد ‪ 13‬لســنة ‪ 2014‬فــي‬
‫تنصيصــه أنّ «قــرارات الهيئــة ملزمــة لجميــع الســلطات»‪ .‬وهــو مــا صــرح بــه القاضــي‬
‫اإلداري بقولــه إن «التحجيــر ســالف الذكــر وإلزاميــة قــرارات القضــاء الدســتوري الوقتــي‬
‫ـت فــي الدســتورية‬ ‫ال يخصــان إ ّال الصــور التــي يكــون فيهــا القاضــي الدســتوري قــد بـ ّ‬
‫باعتبــاره القاضــي املختــص بصــورة أصليــة فــي مراقبــة دســتورية القوانــن» ‪ .‬وهــو مــا‬
‫‪2‬‬

‫يســتدل ضمنيــا مــن الحيث ّيــة التاليــة « وحيــث ســبق للهيئــة الوقتيــة ملراقبــة دســتورية‬ ‫ّ‬
‫مشــاريع القوانــن أن ب ّتــت فــي مــدى مطابقــة الفصــل ‪ 42‬مــن القانــون االنتخابــي للدســتور‬
‫فــي قرارهــا عــدد ‪ 4‬املــؤرخ فــي ‪ 14‬مــاي ‪ .2014‬وحيــث انتهــت الهيئــة إلــى أن شــرط تأمــن‬
‫مبلــغ عشــرة آالف دينــار الــذي لــم يذكــر فــي الفصــل ‪ 74‬مــن الدســتور القتصــاره علــى‬
‫التزكيــة مــن عــدد معــن مــن النــواب ال يعطــل الحــق فــي الترشــح لرئاســة الجمهوريــة‬
‫إذ يبقــى مبلغــا معقــوال وضامنــا لجديــة الترشــح وهــو بذلــك ال يخــرق مبــدأ التناســب‪،‬‬
‫وليــس مــن شــأنه أن ينــال مــن جوهــر الحــق كمــا اقتضــى ذلــك الفصــل ‪ 49‬مــن الدســتور‪.‬‬
‫وحيــث ترتيبــا علــى ذلــك فــا يجــوز للمحكمــة إعــادة النظــر فيمــا ب ّتــت فيــه الهيئــة الوقتيــة‬
‫ملراقبــة دســتورية القوانــن طبقــا ألحــكام الفقــرة ‪ 7‬مــن الفصــل ‪ 148‬مــن الدســتور وتع ّيــن‬
‫لذلــك رفــض هــذا املطعــن»‪ ،3‬غيــر أن املثيــر لالهتمــام أنّ القاضــي ورغــم إقــراره بســابقية‬

‫‪ .1‬عادل العلمي ‪ /‬الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات‪ ،‬قرار سابق الذكر‪ ،‬انظر املالحق‪.‬‬
‫‪ .2‬منــذر امللـ ّوح بصفتــه رئيــس قائمــة «بــاردو فــي عينينــا» ‪ /‬الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بتونــس ‪ ،2‬قــرار ســابق الذكــر‪،‬‬
‫انظــر املالحــق‪.‬‬
‫‪ .3‬عادل العلمي ‪ /‬الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات‪ ،‬قرار سابق الذكر‪ ،‬انظر املالحق‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪18‬‬

‫البــت فإنــه لــم يكتــف بمجــرد اإلشــارة لــرأي الهيئــة بــل ض ّمنــه بحيثياتــه وهــو مــا يضفــي‬
‫الحكمــي ويص ّيرهــا جــزءا مــن حكمــه‪ ،‬فهــل غلــب عليــه دور القاضــي‬ ‫ّ‬ ‫عليهــا الطابــع‬
‫الناطــق بالحكــم الفاصــل للنــزاع أم أراد تشــديدا وتأكيــدا علــى حجيــة قــرارات الهيئــة ؟‬

‫الوظيفــي مــن القاضــي االنتخابــي فــي تأويلــه ألحــكام الفقــرة‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التمشــي‬ ‫إنّ إعمــال‬
‫تخــص األحــكام‬
‫ّ‬ ‫أخــرى‬ ‫ــة‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫فرض‬ ‫بطــرح‬ ‫ــد‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫يتأ‬ ‫الدســتور‬ ‫مــن‬ ‫‪148‬‬ ‫الفصــل‬ ‫‪ 7‬مــن‬
‫التــي لــم تصــ ّرح الهيئــة بدســتور ّيتها وال بعــدم دســتور ّيتها ألنّهــا لــم تكــن محــلّ‬
‫طعــن مــن قبــل األطــراف املخــ ّول لهــا اللجــوء إلــى الهيئــة‪ ،‬ففــي هــذه الفرض ّيــة‬
‫ال تتصــ ّور مقبول ّيــة تحصــن تلــك األحــكام حيــث ال يمكــن مجابهــة القاضــي‬
‫فــي مثــل هــذه الحالــة بمقتضيــات الفصــل ‪ 21‬مــن القانــون املتعلــق بالهيئــة‪.1‬‬
‫ـي فــي إقــرار اختصاصــه بالنظــر برقابــة‬
‫مــن ث ّمــة يمكــن تكييــف موقــف القاضــي االنتخابـ ّ‬
‫دســتور ّية القوانــن عــن طــرق الدفــع بمعادلــة بــن الجرأة والحــذر وهو تكييف يمكن ســحبه‬
‫علــى مــا مارســه مــن جهــد تأصيلي وفعــل تأويلي وإنشــائي حينما ســعى لتأصيــل دوافعه‪.‬‬

‫ب‪ .‬التأسيس عبر تأصيل لدوافع‬

‫أصــل القاضــي االنتخابــي اختصاصــه بالنظــر فــي رقابــة الدســتور ّية عــن طريــق‬ ‫ّ‬
‫الدفــع صلــب مقاربــة وظيفيــة تــزاوج وظائــف القضــاء املضمنــة بالدســتور بجملــة مــن‬
‫املبــادئ الدســتورية الكبــرى‪ ،‬ليجعــل هــذا التأســيس الدســتوري مــن قاضــي الدفــع‬
‫حارســا ملبــدأ املشــروعية وحاميــا للحقــوق والحريــات وضامنــا لعلويــة الدســتور‪.‬‬
‫وهــو مــا تلخصــه دون إخــال الحيثيــة التاليــة «حيــث أنّ اســتبعاد القاضــي اإلداري مــن‬
‫ـجال‬ ‫ّ‬
‫املترشــح مسـ ّ‬ ‫ـت فــي دســتورية الشــرط التشــريعي املتم ّثــل فــي ضــرورة أن يكــون‬ ‫البـ ّ‬
‫ـت فيــه مــن قبــل القاضــي‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬ ‫الب‬ ‫ـابقية‬
‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـدم‬
‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـم‬
‫ـ‬ ‫رغ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫به‬ ‫ـح‬
‫ـ‬ ‫سيترش‬ ‫ـي‬
‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـرة‬
‫ـ‬ ‫الدائ‬ ‫ـس‬
‫ـ‬ ‫نف‬ ‫فــي‬
‫الدســتوري ســيؤول بالضــرورة إلــى غيــاب كل رقابــة قضائيــة علــى ذلــك التضييــق‬
‫ترشــح األفــراد وهــو مــا تأبــاه مق ّومــات دولــة‬‫رغــم مــا لــه مــن تبعــات تمــس منحريــة ّ‬
‫القانــون‪ ،2‬خاصــة وأنّ دســتور ‪ 27‬جانفــي ‪ 2014‬أوجــب علــى القاضــي صلــب الفصــل‬
‫أي انتهــاك أو تضييــق غيــر مبــ ّرر‪ ،‬كمــا أوجــب‬ ‫‪ 49‬منــه حمايــة الحقــوق والحريــات مــن ّ‬

‫‪ .1‬عصام بلحسن «في مراقبة املحكمة اإلدارية لدستورية القوانني عن طريق الدفع»‪ ،‬مقال سابق الذكر‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ .2‬لــم يتضمــن دســتور ‪ 2014‬مفهــوم دولــة القانــون وإن ك ـ ّرس مقوماتهــا‪ ،‬ولعــل هــذا يفســر الصيغــة املعتمــدة مــن‬
‫القاضــي االنتخابــي فــي القــرار أعــاه‬
‫‪19‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫عليــه الفصــل ‪ 102‬ضمــان علويــة الدســتور‪ .1‬وحيــث تأسيســا علــى مــا ســبق ذكــره‬
‫فقــد تع ّيــن إقــرار اختصــاص هــذه املحكمــة للنظــر فــي دســتور ّية التقييــد املذكــور‪».‬‬
‫واملعنــى متافــرا هــو أنّ دولــة القانــون هــي دولــة عل ـ ّو النــص الدســتوري قوامهــا مبــدأ‬
‫أي عمــل قانونــي مــن الرقابــة القضائ ّيــة لتناقــض ذلــك مــع‬ ‫املشــروع ّية وتأبــى تحصــن ّ‬
‫مقتضيــات دولــة القانــون‪ ،2‬وأن مبــدأ التناســب يفــرض املواءمــة بــن الحــق املؤصــل‬
‫دســتوريا وح ـ ّده التشــريعي‪ ،‬وأن علويــة الدســتور تســتدعي تقديــم أحــكام الدســتور إذا‬
‫مــا تعارضــت أحــكام الدســتور وأحــكام القانــون وذلــك بنــاء علــى قاعــدة تــد ّرج التشــريع‬
‫ومــا يحتّمــه منطقهــا مــن ســيادة التشــريع األعلــى علــى التشــريع األدنــى‪ .‬وهــو تأســيس‬
‫ــعي يفتــح البــاب علــى مصراعيــه ودون قيــود نســبيا ملمارســة‬ ‫وتوس ّ‬‫ّ‬ ‫متوســع‬
‫ّ‬ ‫جــريء‬
‫ال ّدفــع بعــدم الدســتورية مــن املتقاضــي ويجعــل مــن النظــر فيــه إلزامــا محمــوال علــى‬
‫محــل إجمــاع علــى ضــوء‬ ‫ّ‬ ‫القاضــي عمومــا‪ .‬وهــو موقــف ال يبــدو منطقــه ومنطق ّيتــه‬
‫وتوجســات جــزء مــن الساســة ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ّ‬ ‫تح ّفظــات جانــب مــن الفقــه وتــر ّدد جانــب مــن القضــاء‬
‫لقد تفاعل القاضي االنتخابي مع مسألة الدستورية ضمن منهجية تمزج جرأة في التعامل‬
‫وحــذرا وطرافــة فــي التأويــل فمــاذا عــن املبــادئ املوضوعيــة املقــررة فــي املــادة االنتخابيــة؟‬

‫‪ .1‬ينــص الفصــل ‪ 102‬مــن الدســتور كمــا ينــص الفصــل الثانــي مــن الدســتور «تونــس دولــة مدن ّيــة تقــوم علــى املواطنــة‬
‫وإرادة الشــعب وعلو ّيــة القانــون»‬
‫‪ 2‬عياض بن عاشور «دولة القانون‪ :‬نشأتها‪ ،‬سوابقها ومصيرها»‪ ،‬املجلة القانونية التونسية‪ ،1993 ،‬ص ‪.43‬‬
‫‪3. BERTEGI (B), "Le tribunal administratif, un apprenti sorcier en matière constitutionnelle" Revue Tunisienne‬‬
‫‪des Sciences Juridiques et Politiques, n°2, 2017, p.2.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪20‬‬

‫الجــزء الثانــي‪ :‬املبــادئ التــي ك ّرســها فقــه القضــاء‬


‫االنتخابــي بشــأن موضوعــات الدفــع بعــدم الدســتور ّية‬

‫مثــل الدفــع بعــدم الدســتورية مناســبة أمــام القاضــي االنتخابــي لبنــاء فقــه‬
‫قضــاء اســتند علــى مركز ّيــة الفصــل ‪ 49‬مــن الدســتور صلــب منظومــة الحقــوق‬
‫االنتخابيــة (الفقــرة األولــى)‪ ،‬وك ـ ّرس بموجبــه جملــة مــن املبادئالتــي تلقــي الضــوء‬
‫علــى عالقــة املــادة االنتخاب ّيــة بأه ـ ّم مصادرهــا وهــو الدســتور (الفقــرة الثانيــة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مركزية الفصل ‪ 49‬من الدستور‬

‫مثــل الفصــل ‪ 49‬مــن الدســتورالزمة تتكـ ّرر صلــب القــرارات الثــاث التــي تض ّمنــت دفعــا‬
‫بعــدم الدســتورية لــدى القاضــي االنتخابــي‪ ،‬ويعتبــر الفصــل املذكــور ميــزة تونســية فريــدة‬
‫صلــب التجــارب املقارنــة باعتبــار هندســته الداخليــة التــي تقــوم علــى رباعيــة مؤ ّداهــا‪ :‬أن‬
‫ـس من جوهــره‪ ،‬كما يتناســب ضرورة‬ ‫األصــل فــي الحقــوق الحريــة‪ ،‬وأن تقييــد الحــقّ ال يمـ ّ‬
‫ّ‬
‫مــع موجباتــه املرتبطــة بالدولــة الديمقراطيــة أساســا وذلك كلــه تحت العني الرقيبــة للقضاء‪.‬‬

‫فــي هــذا الســياق عـ ّد الفصــل املذكــور دســتورا للحريــات صلــب الدســتور حيــث يقتضــي‬
‫أ ّنــه «يح ـ ّدد القانــون الضوابــط املتعلقــة بالحقــوق والحريــات املضمونــة بهــذا الدســتور‬
‫وممارســتها بمــا ال ينــال مــن جوهرهــا‪ .‬وال توضــع هــذه الضوابــط إال لضــرورة تقتضيهــا‬
‫دولــة مدنيــة ديمقراطيــة وبهــدف حمايــة حقــوق الغير‪ ،‬أو ملقتضيــات األمن العــام‪ ،‬أو الدفاع‬
‫الوطني‪ ،‬أو الصحة العامة‪ ،‬أو اآلداب العام ‪ ،‬وذلك مع احترام التناسب بني هذه الضوابط‬
‫وموجباتهــا وتتك ّفــل الهيئــات القضائيــة بحمايــة الحقــوق والحريــات مــن أي انتهــاك‪».‬‬

‫ويتوجــه فــي تقديرنــا للقاضــي الدســتوري‬


‫ّ‬ ‫إنّ منطــق الفصــل ‪ 49‬مــن الدســتور ينصــرف‬
‫أساســا باعتبــار أن وضــع الضوابــط يعــود للمشــرع دون غيــره وأن معاينــة التناســب‬
‫ال يمكــن أن تــوكل بهــذا املعنــى إال لقاضــي الدســتورية‪ ،‬ســواء كان األخيــر قاضــي‬
‫أصــل بمناســبة النظــر فــي مشــاريع القوانــن أو قاضــي دفــع عنــد صيــرورة‬
‫املشــاريع قوانينــا‪ ،‬وهــو حــال القاضــي االنتخابــي عنــد الدفــع لديــه بالدســتورية‪.‬‬

‫لقــد ارتكــز منهــج القاضــي االنتخابــي فــي التعامــل مــع الفصــل ‪ 49‬مــن الدســتور علــى‬
‫ثنائيــة تجمــع بــن املوضوعــي والتقنــي‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫املوضوعــي مــن منهــج تعامــل القاضــي االنتخابــي مــع الفصــل ‪ 49‬مــن‬ ‫ّ‬ ‫فاملقــ ّوم‬
‫الدســتور هــو اعتبــاره الفصــل املذكــور مك ّونــا مــن مك ّونــات مرجعيــة الدســتورية أي‬
‫جــزءا مــن القواعــد املوضوع ّيــة التــي يعتمدهــا لتقديــر دســتور ّية نــص مــن عدمهــا‪،‬‬
‫وهــو مــا يســتفاد مــن التمشــي املعتمــد مــن القاضــي االنتخابــي فــي تحييثــه القــرارات‬
‫ذات الصلــة فبعــد التأكيــد علــى «‪ ...‬أنّ التثبــت مــن دســتورية شــرط ضــرورة أن يكــون‬
‫املترشــح مســجال فــي الدائــرة االنتخابيــة التــي سيترشــح بهــا يقتضــي الرجــوع إلــى‬
‫أحــكام الفصــل ‪ 49‬مــن الدســتور»وبعد التذكيــر بأحكامــه يمــ ّر القاضــي ليســتخلص‬
‫تقصــد بــه تصديــر‬‫جملــة مــن القواعــد املوضوع ّيــة املض ّمنــة بــه فــي أســلوب اســتدراكي ّ‬
‫ّ‬
‫الترشــح‬ ‫املبــادىء الناظمــة للحقــوق «وحيــث لئــن كان األصــل فــي ممارســة الحــق فــي‬
‫هــو الحريــة وأنّ التضييــق منهــا هــو االســتثناء وأنّ املش ـ ّرع‪ ،‬ومــن بعــده الهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات بمــا لهــا مــن ســلطة ترتيبيــة‪ ،‬يخضعــان إلــى رقابــة قضائيــة‬
‫تمت ـ ّد إلــى ح ـ ّد التث ّبــت مــن مــدى تناســب التدابيــر ال ّتــي تح ـ ّد مــن حريــة ممارســة حــق‬
‫الترشــح مــع الظــروف التــي ح ّفــت باتخاذهــا واألهــداف التــي ترمــي إلــى تحقيقهــا»‪.‬‬ ‫ّ‬

‫وهــو مــا يعنــي ـ رغــم مــا يبــدو فــي ظاهــر األمر ـ مــن أنّ الفصل املذكور ال يخلــو من الطابع‬
‫ـاري بمعنــى تو ّفــره علــى أدوات لتقديــر‬ ‫ـي واملعيـ ّ‬‫ـي وإن يغلــب عليــه الطابــع األداتـ ّ‬‫املوضوعـ ّ‬
‫الدســتور ّية مــن عدمهــا‪ ،‬وهــو مــا يحيــل علــى املق ـ ّوم الثانــي مــن منهــج تعامــل القاضــي‬
‫ـي بامتيــاز مفــاده االســتناد آلل ّيــة‬
‫االنتخابــي مــع الفصــل ‪ 49‬مــن الدســتور‪ ،‬وهــو مقـ ّوم تقنـ ّ‬
‫التناســب وفكــرة جوهــر الحــق املض ّمنتــن صلبــه كوســائل عمــل القاضــي الدســتوري‬
‫ـكل وضــوح مــن الحيثيــات‬ ‫الســتخالص وتب ّيــن الحــق ونطــق الحكــم‪ ،‬كمــا يمكــن تب ّينــه بـ ّ‬
‫ـجال فــي الدائــرة االنتخابيــة التــي‬ ‫ّ‬
‫املترشــح مسـ ّ‬ ‫التاليــة «وحيــث أنّ شــرط وجــوب أن يكــون‬
‫سيترشــح بهــا يعـ ّد شــرطا معقــوال وال يتعــارض ومقتضيــات الفصل ‪ 49‬من الدســتور طاملا‬ ‫ّ‬
‫الترشــحات وضمان جد ّيتها وحســن ســير العملية االنتخابية بالشــكل‬ ‫ّ‬ ‫أنّه يهدف إلى تنظيم‬
‫املترشــح لهــذه املســؤولية املحليــة عاملــا بمتطلبــات وتطلعــات مواطنــي‬ ‫ّ‬ ‫الــذي يجعــل مــن‬
‫الدائــرة املترشــح بهــا‪ .‬وحيــث‪ ،‬وخالفــا ملــا تمســك بــه املدعــي‪ ،‬فــإنّ الشــرط التشــريعي‬
‫ـجال فــي الدائــرة االنتخابيــة التــي سيترشــح بهــا‬ ‫املتعلــق بضــرورة أن يكــون الناخــب مسـ ّ‬
‫ال ينــال مــن جوهــر الحــق فــي الترشــح املنصــوص عليــه بالفصــل ‪ 34‬مــن الدســتور وال‬
‫يخـ ّـل بمبــدأ التناســب مــع موجبــات ضمــان أســس الدولــة املدنيــة الديمقراطيــة مــن جهــة‪،‬‬
‫ومتطلبــات حمايــة حقــوق الغيــر ومراعــاة مقتضيــات النظــام العــام مــن جهــة أخــرى‪».‬‬

‫إن قاضــي الدفــع يؤكــد بذلــك أن التناســب يقــوم علــى املعقوليــة بمعنــى أن تتناســب‬
‫التدابيــر أو الضوابــط ال ّتــي تحـ ّد مــن الحــقّ مــع الظــروف التــي ح ّفــت باتخاذهــا واألهــداف‬
‫التــي ترمــي إلــى تحقيقهــا وذلــك فــي عالقــة طرد ّيــة تحفــظ جوهــره وال ّ‬
‫تعطلــه مــن ذلــك‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪22‬‬

‫أنّ «‪ ...‬اشــتراط تزكيــة املترشــح لالنتخابــات الرئاســية مــن قبــل عشــرة آالف ناخــب‬
‫ليــس أمــرا تعجيزيــا وال يض ّيــق مــن حــق الترشــح املضمــون بالدســتور وال ينــال مــن‬
‫جوهــر حــق الترشــح لالنتخابــات املنصــوص عليــه بالفصــل ‪ 34‬منــه بــل إنّ الغايــة مــن‬
‫ّ‬
‫املترشــح لــه‪ .‬كمــا‬ ‫هــذا الشــرط هــي التأكيــد علــى ج ّديــة الترشــح وعلــى أهميــة املنصــب‬
‫أنّ عــدد املزكــن املطلــوب مناســب وال يــؤ ّدي إلــى اإلقصــاء املتع ّمــد لبعــض الراغبــن فــي‬
‫ّ‬
‫الترشــح باعتبــار أنّ القاعــدة الجمليــة للناخبــن املســجلني تفــوق الخمســة ماليــن ناخــب»‪.‬‬

‫بهــذا الشــكل يمــارس القاضــي االنتخابــي فــي إطــار بســط رقابتــه علــى الدســتورية‬
‫مــا يتيحــه لــه الفصــل ‪ 49‬مــن الدســتور مــن ســلطة واســعة يجســمها هــذا القاضــي‬
‫فــي منهــج اســتداللي ينطلــق مــن تقييــم جوهــر الحــق وينتهــي لتقديــر التناســب‪ ،‬حيــث‬
‫يكــون مدعــ ّوا إلــى إجــراء اختبــار علــى الضوابــط التشــريعية للحقــوق االنتخابيــة‬
‫للتث ّبــت مــا إن كانــت مالئمــة وضروريــة لتحقيــق األهــداف املرج ـ ّوة منهــا املرتبطــة فــي‬
‫عمومهــا بفكــرة الدولــة املدنيــة الديمقراطيــة وحمايــة حقــوق الغيــر ومراعــاة النظــام‬
‫العــام وفــي تخصيصهــا بحســن ســير العمليــة االنتخابيــة‪ ،‬وهــو مــا يقتضــي حيــال ذلــك‬
‫أن يكــون التقييــد معقــوال وفيــه أقــل ضــرر ممكــن للحــقّ بحيــث يبقــى جوهــره ـ أي‬
‫نواتــه الصلبــة واألوليــة ـ محفوظــا غيــر معطــل كمــا يســتمد دون لبــس مــن الحيثيــة‬
‫التاليــة «وحيــث أن شــرط تقديــم الترشــح فــي الدائــرة االنتخابيــة املســجل بهــا ال يعطــل‬
‫الحــق فــي الترشــح وهــو بذلــك ال يخــرق مبــدأ التناســب وليــس مــن شــأنه أن ينــال‬
‫مــن جوهــر الحــق فــي الترشــح املضمــون بالدســتور»‪ ،1‬واملعنــى أن ال يكــون التقييــد‬
‫موجبــا النتقــاص الحــق إلــى مــا يخـ ّـل بمعنــى الكرامــة اإلنســانية كمفهــوم جامــع ملنظومــة‬
‫الحقــوق لصيــق بهــا أي إلــى مــا ال يمكــن تبريــر انتهاكــه بــأي حــال مــن األحــوال‪ ،‬كمــا‬
‫يحفــظ العالقــة بــن الحــق والتقييــد واملبــدأ واالســتثناء بحيــث ال تنقلــب أو تعكــس‪.2‬‬

‫كل الحــاالت فقــد‬‫غيــر أن القاضــي االنتخابــي لــم يســتحضر هــذا املنهــج االســتداللي فــي ّ‬
‫اكتفــى فــي قــرار قائمــة اإلتحــاد املدنــي ‪ /‬الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بسوســة بتقريــر‬
‫‪3‬‬

‫الدســتور ّية والتســليم بهــا دون تدليــل علــى التناســب أو نظــر فــي معقول ّيــة الحــدود أو‬
‫بحــث فــي عــدم املســاس بجوهــر الحــق بقولــه «وحيــث لئــن كان الحــق فــي االنتخــاب‬
‫واالقتــراع والترشــح مكفــوال بالدســتور‪ ،‬فــإن ممارســته تخضــع للضوابــط العامــة‬
‫املحــددة بالنصــوص القانونيــة الجــاري بهــا العمــل‪ ،‬شــريطة أن ال تنــال هــذه الضوابــط‬

‫‪ .1‬قائمة «االتحاد املدني» ‪ /‬الهيئة الفرعية لالنتخابات بسوسة‪ ،‬قرار سابق الذكر‪ ،‬انظر املالحق‪.‬‬
‫‪ .2‬ملزيــد التفصيــل حــول فكــرة جوهــر الحــق‪ ،‬انظــر‪ :‬خالــد املاجــري «ضوابــط الحقــوق والحريــات‪ :‬تعليــق علــى الفصــل‬
‫‪ 49‬مــن الدســتور التونســي»‪ ،‬منشــورات املؤسســة الدوليــة الديمقراطيــة واالنتخابــات‪ ،‬تونــس ‪ ،2017‬ص ‪ 77‬ومــا يليهــا‬
‫‪ .3‬قائمة «االتحاد املدني» ‪ /‬الهيئة الفرعية لالنتخابات بسوسة‪ ،‬قرار سابق الذكر‪ ،‬انظر املالحق‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫مــن جوهــر الحــق وأن تتناســب مــع موجباتهــا‪ .‬وحيــث أن شــرط تقديــم الترشــح فــي‬
‫الدائــرة االنتخابيــة املســجل بهــا ال يعطــل الحــق فــي الترشــح وهــو بذلــك ال يخــرق مبــدأ‬
‫التناســب وليــس مــن شــأنه أن ينــال مــن جوهــر الحــق في الترشــح املضمــون بالدســتور»‪.1‬‬
‫إن الفصــل ‪ 94‬مــن الدســتور يضــع القاضــي صلــب عمليــة موازنــة دقيقــة جــدا تســتحضر‬
‫أبعــادا قانونيــة تلتصــق بالدســتور والقانــون االنتخابــي مــن جهــة وأبعــاد محيط ّيــة تع ّبــر‬
‫عــن معانــي العمليــة االنتخابيــة‪ ،‬بمــا يعكــس حــن تفعيلــه حيويــة القاعــدة القانونيــة فيمــا‬
‫يكيــف بالقانــون الحــي ‪ Le droit vivant‬كنتــاج عمليــة التأويــل الــذي يقــوم بهــا القاضــي‬
‫تمشــي فقــه قضائــي يســتحضر مــن جهــة العقالنيــة ‪La rationalité‬‬ ‫الدســتوري‪ .‬وهــو ّ‬
‫التقنــي والتــي ترتبــط بالثوابــت‬
‫ّ‬ ‫كإحــدى خصائــص النــص القانونــي علــى املســتوى‬
‫القانون ّيــة املع ّبــرة عــن الســامة القانونيــة واملنتجــة للثقــة القانونيــة‪ .‬كمــا يســتحضر هــذا‬
‫التمشــي فقــه القضائــي مــن جهــة أخــرى املعقوليــة ‪ La raison‬كقيمــة متحركــة منفتحــة‬ ‫ّ‬
‫علــى الســياق الخارجــي للنــص تهت ـ ّم بمــا يــراه عمــوم النــاس مقبــوال غيــر متعســف ‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫غيــر أن القاضــي االنتخابــي لــم يكتــف بتأكيــد مركزيــة الفصــل ‪ 49‬مــن الدســتور بــل‬
‫كانــت قراراتــه فرصــة لتكريــس جملــة مــن املبــادىء املتعلقــة باملــادة االنتخابيــة‪.‬‬

‫‪ .1‬وهــو نفــس التمشــي الــذي اعتمــده القاضــي االنتخابــي فــي تقديــره لدســتورية (قــرار الهيئــة العليــا لالنتخابــات عــدد‬
‫‪ 18‬لســنة ‪ )2014‬املتعلــق بالتزكيــة فــي القضيــة عــدد ‪ ،20192022‬نــزاع انتخابــي‪ ،‬ترشــحات االنتخابــات الرئاســية‪22 ،‬‬
‫تمســك‬
‫أوت ‪ ،2019‬محمــد األوســط العيــاري ‪ /‬الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات (غيــر منشــور) «وحيــث وخالفــا ملــا ّ‬
‫املترشــح مــن عشــرة أعضــاء مــن مجلــس‬ ‫ّ‬ ‫بــه الطاعــن‪ ،‬فــإنّ الفصــل ‪( 4‬جديــد) مــن قــرار الهيئــة («تشــترط تزكيــة‬
‫نــواب الشــعب‪ ،‬أو أربعــن مــن رؤســاء مجالــس الجماعــات املحليــة املنتخبــة أو عشــرة آالف ناخــب مرســم فــي ســجل‬
‫الناخبــن موزعــن علــى األقــل علــى عشــر دوائــر انتخابيــة تشــريعية‪ ،‬علــى أن ال يقـ ّـل عددهــم عــن خمســمائة ناخــب‬
‫بــكل دائــرة منهــا») كان مطابقــا ألحــكام الفصــل ‪ 74‬مــن الدســتور وألحــكام الفصــل ‪ 41‬مــن القانــون األساســي‬
‫عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬ســالف الذكــر‪ ،‬فضــا عــن أنّ تنظيــم انتخابــات ســابقة ألوانهــا ال يكــون مدعــاة لخــرق القانــون‬
‫طاملــا كان اإلجــراء املســتوجب ممكنــا وغيــر مســتحيل وهــو مــا ثبــت فــي صــورة الحــال مــن خــال حصــول العديــد‬
‫مــن املترشــحني لالنتخابــات الرئاســية الســابقة ألوانهــا علــى العــدد املطلــوب مــن التزكيــات فــي األجــل املحــ ّدد‪.‬‬
‫تمســكت بــه نائبــة الطاعــن‪،‬‬
‫وقــد تأ ّيــد ذلــك بموقــف الجلســة العا ّمــة القضائيــة فــي الطــور االســتئنافي‪« :‬وحيــث خالفــا ملــا ّ‬
‫فــإنّ الفصــل ‪( 4‬جديــد) مــن قــرار الهيئــة كان مطابقــا ألحــكام الفصــل ‪ 41‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪2014‬‬
‫ســالف الذكــر وألحــكام الفصــل ‪ 74‬مــن الدســتور‪ ،‬األمــر الــذي يجعــل الحكــم املنتقــد ســليم املبنــى القانونــي مــن هــذه‬
‫الناحيــة‪ ،».‬املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬قــرار الجلســة العامــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20193004‬بتاريــخ ‪ 30‬أوت ‪( .2019‬غيــر منشــور)‪.‬‬
‫‪ .2‬ملزيــد التفصيــل انظــر‪ :‬خالــد املاجــري «ضوابــط الحقــوق والحريــات‪ :‬تعليــق علــى الفصل ‪ 49‬من الدســتور التونســي»‪،‬‬
‫مرجــع ســابق الذكــر‪ ،‬ص ‪ 80‬ومــا يليها‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪24‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬املبادئ املك ّرسة‬

‫ثبــت القاضــي االنتخابــي بمناســبة نظــره فــي الدفوعــات بعــدم الدســتورية جملــة مــن‬
‫املبــادئ املتعلقــة باملــادة االنتخابيــة حيــث حســم دســتورية جملــة مــن الشــروط وذكــر‬
‫بجملــة مــن املبــادئ وو ّلــد أخــرى‪.‬‬

‫فقد حســم القاضي االنتخابي كما ســلف بيانه دســتورية شــرطي التزكية والضمان املالي‬
‫ّ‬
‫املترشــح‬ ‫ّ‬
‫املترشــح فــي الدائــرة االنتخابيــة‬ ‫فــي الترشــح للرئاســيات وكذلــك شــرط تســجيل‬
‫بهــا فــي االنتخابــات التشــريعية والبلديــة وذكــر القاضــي بمناســبة ب ّتــه فــي دســتورية هــذه‬
‫الشــروط كمــا ارتكــز علــى محوريــة حــق الترشــح باعتباره حقــا انتخابيا أصيــا وجوهريا‪.‬‬

‫كمــا أحــال القاضــي االنتخابــي بمناســبة نظــره فــي الدفوعــات بعــدم الدســتورية علــى‬
‫واألصــح ســرية االقتــراع ـ وضبــط نطاقــه كمــا‬
‫ّ‬ ‫مبــدأ ســرية االنتخابــات ـ أو باألحــرى‬
‫اســتند فــي ذات الحيثيــة علــى مبــدأ حريــة االنتخــاب «وحيــث وبخصــوص مــا تمســك‬
‫بــه امل ّدعــي مــن خــرق شــرط التزكيــات ملبــدأ ســرية االنتخابــات املض ّمــن بالدســتور فــإن‬
‫هــذا القــول مــردود عليــه لتع ّلــق هــذا املبــدأ حصريــا بيــوم االقتــراع فضــا عــن أنــه ال‬
‫‪1‬‬
‫شــيء يمنــع الناخــب داخــل الخلــوة مــن انتخــاب شــخص آخــر غيــر ذلــك الــذي ز ّكاه»‬

‫أصــل ضمن ّيــا‬‫ولــم يكــن القاضــي االنتخابــي مباشــرا فــي بعــض املبــادئ املذ ّكــر بهــا‪ ،‬فقــد ّ‬
‫لفكــرة التع ّدديــة بالقــول «أنّ عــدد املزكــن املطلــوب مناســب وال يــؤ ّدي إلى اإلقصــاء املتع ّمد‬
‫الترشــح باعتبــار أنّ القاعــدة الجمليــة للناخبــن املســجلني تفــوق‬ ‫ّ‬ ‫لبعــض الراغبــن فــي‬
‫الخمســة ماليــن ناخب» ‪.‬كمــا اســتبطن نفــس القاضــي مبدأ املســاواة بــن املواطنني حينما‬
‫‪2‬‬

‫فنّد طعن العارض بانتهاكه «حيث تمســك املســتأنف بأن الفصل ‪ 47‬من الدســتور لم يقتض‬
‫شــرط الضمــان املالــي وبــأن إضافــة هــذا الشــرط تقيـ ّد مــن حــق الترشــح املنصــوص عليــه‬
‫بالفصــل ‪ 43‬منــه كمــا أنــه يتعــارض مــع مبــدأ املســاواة فــي الحقــوق لحصــره حق الترشــح‬
‫فــي ميســوري الحــال وحيــث انتهــت الهيئــة إلــى أن شــرط تأمــن مبلــغ عشــرة آالف دينــار‬
‫الــذي لــم يذكــر فــي الفصــل ‪ 47‬مــن الدســتور القتصــاره علــى التزكيــة مــن عــدد معــن مــن‬
‫النــواب ال يعطــل الحــق فــي الترشــح لرئاســة الجمهوريــة إذ يبقــى مبلغــا معقــوال وضامنــا‬
‫لجديــة الترشــح»‪ .‬وهــو مــا ينتهــي بالقاضــي االنتخابــي إلــى تنســيب مبــدأ املســاواة‬
‫عبــر ترشــيده‪ ،‬غيــر أنــه ف ـ ّوت فرصــة واضحــة تو ّفــرت لبيــان مكانــة مبــدأ املســاواة مــن‬

‫‪ .1‬عادل العلمي ‪ /‬الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات‪ ،‬قرار سابق الذكر‪ ،‬انظر املالحق‪.‬‬
‫‪ .2‬نفس القرار‪.‬‬
‫‪25‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫الحقــوق االنتخابيــة باعتبــاره والحريــة املبدأيــن الناظمــن لــكل هــذه الكتلــة مــن الحقــوق‪.‬‬

‫ولــم يكتــف القاضــي االنتخابــي بالتذكيــر باملبــادئ ذات األســاس الدســتوري بــل و ّلــد‬
‫منهــا أخــرى كمبــدأ حســن ســير العمليــة االنتخابيــة وب ّيــن بعــض مقتضياتــه علــى شــاكلة‬
‫ارتبــاط املترشــح بالشــأن العــام للدائــرة املترشــح بهــا‪ ،‬وقــد كان ذلــك فــي تحليــل طريــف‬
‫يعكــس تماهــي القاضــي االنتخابــي مــع خصوصيــة املــادة االنتخابيــة وتطلعاتهــا‪ ،‬حيــث‬
‫أكــد أنــه «ولئــن كان الحــق فــي الترشــح لالنتخابــات حقــا دســتوريا فــإنّ ممارســته‬
‫تخضــع للشــروط العامــة املحــددة بالنصــوص التشــريعية والترتيبيــة الجــاري بهــا‬
‫العمــل طبقــا ملــا خ ّولــه الفصــل ‪ 43‬مــن الدســتور‪ .‬وحيــث أنّ شــرط وجــوب أن يكــون‬
‫ّ‬
‫سيترشــح بهــا يع ـ ّد شــرطا معقــوال وال‬ ‫ـجال فــي الدائــرة االنتخابيــة التــي‬ ‫ّ‬
‫املترشــح مسـ ّ‬
‫ّ‬
‫الترشــحات‬ ‫يتعــارض ومقتضيــات الفصــل ‪ 94‬مــن الدســتور طاملــا أ ّنــه يهــدف إلــى تنظيــم‬
‫ّ‬
‫املترشــح‬ ‫وضمــان جد ّيتهــا وحســن ســير العمليــة االنتخابيــة بالشــكل الــذي يجعــل مــن‬
‫لهــذه املســؤولية املحليــة عاملــا بمتطلبــات وتطلعــات مواطنــي الدائــرة املترشــح بهــا»‪.1‬‬

‫ولــم يقتصــر القاضــي االنتخابــي بمناســبة بتّــه فــي الدفوعــات بعــدم الدســتور ّية علــى‬
‫تقريــر جملــة مــن املبــادئ املتصلــة بالجانــب املوضوعــي للعمليــة االنتخابيــة بــل أقــ ّر‬
‫جملــة مــن املبــادئ املتصلــة بالجانــب التنظيمــي فــي إدارة االنتخابــات‪ 2‬فقــد ث ّبــت مبــدأ‬
‫أنّ ممارســة الحقــوق االنتخابيــة تخضــع للضوابــط العامــة املحـ ّددة بالنصــوص القانونيــة‬
‫الجــاري بهــا العمــل فــي مك ّونيهــا الرئيســن فــــ «لئــن كان الحــق فــي الترشــح لالنتخابــات‬
‫حقــا دســتوريا فــإنّ ممارســته تخضــع للشــروط العامــة املحــددة بالنصــوص التشــريعية‬
‫والترتيبيــة الجــاري بهــا العمــل طبقــا ملــا خ ّولــه الفصــل ‪ 43‬مــن الدســتور»‪ .‬وفــي هــذه‬
‫الحيثيــة إحالــة علــى القانــون والتراتيــب االنتخابيــة‪ ،‬ليضــع القاضــي االنتخابــي التراتيــب‬
‫االنتخابيــة فــي ســياقها مســتندا بوضــوح علــى مقتضيــات الدســتور فــي بابــه الســادس‬
‫املخصــص للهيــآت الدســتورية املســتقلة» وحيــث أوكل الفصــل ‪ 621‬مــن الدســتور إلــى‬
‫الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات إدارة االنتخابــات وتنظيمهــا واإلشــراف عليهــا فــي‬
‫جميــع مراحلهــا وضمــان ســامتها وأســند لهــا ســلطة ترتيبيــة فــي مجــال اختصاصهــا»‪.‬‬
‫ليخلــص القاضــي االنتخابــي مــن ثمــة لكونــه «إعمــاال لســلطتها الترتيبيــة وصالحياتهــا‬
‫الترشــحات‪ ،‬تولــت الهيئــة‪ ،‬بموجــب الفصــل ‪ 3‬مــن قرارهــا عــدد‬ ‫ّ‬ ‫فــي ضبــط تقديــم‬
‫‪ 01‬لســنة ‪ 7102‬املــؤرخ فــي ‪ 02‬جويليــة ‪ 7102‬واملتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح‬
‫لالنتخابــات البلديــة والجهويــة‪ ،‬التنصيــص علــى أ ّنــه «يشــترط فــي كل مترشــح لعضويــة‬

‫‪ .1‬نفس القرار‪.‬‬
‫‪ .2‬منــذر امللـ ّوح بصفتــه رئيــس قائمــة «بــاردو فــي عينينــا» ‪ /‬الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بتونــس ‪ ،2‬قــرار ســابق الذكــر‪،‬‬
‫انظــر املالحــق‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪26‬‬

‫املجالــس البلديــة أو الجهويــة‪ ،‬مــا يلــي‪ :‬أن يكــون ناخبــا تونســي الجنســية مســجال فــي‬
‫الدائــرة االنتخابيــة التــي يترشــح بهــا‪ .»...‬وهــو تحييــث ينــزل املبــادئ املتصلــة بالجانــب‬
‫التنظيمــي للعمليــة االنتخابيــة ضمــن «ســامة املســار االنتخابــي» املوكولــة دســتوريا‬
‫للهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ويجعــل مدارهــا االنتخابــات الشــفافة والنزيهــة‪.‬‬

‫ورغم ما يستمد من هذه املعاني من كشف عن أهمية الدور التأصيلي واإلنشائي للقاضي‬
‫االنتخابــي قاضــي الدفــع بالدســتورية فإنــه دور على دقته وحساســيته وجاذبيتــه‪ 1‬يبقى من‬
‫جهــة رهــن الظرفيــة التــي ص ّيرتــه كذلك ومن جهة أخــرى مرتهنا بقيام املحكمة الدســتورية‬
‫ـ التــي طــال ارتجاءهــا ـ والتــي ســتنزع عنــه النظــر فــي الدفــع ليكتفــي فقــط بإحالــة الدفــع‪.‬‬

‫‪ .1‬أحمــد صــواب وعصــام بلحســن «فــي انتظــار إرســاء املحكمــة الدســتورية املحكمــة اإلداريــة تنصــب نفســها كحــام‬
‫للدســتور»‪ ،‬األخبــار القانونيــة عــ‪232‬ـ‪233‬ــــدد‪ ،‬جانفــي ‪ ،2017‬ص ‪.6‬‬
‫معتــز القرقــوري «فــي أح ّقيــة القضــاء فــي مراقبــة دســتورية القوانــن عــن طريــق الدفــع»‪ ،‬جريــدة املغــرب ‪ 16‬أفريــل‬
‫‪ ،2014‬ص ‪.14‬‬
‫‪27‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫املالحق‬

‫‪-1-‬‬

‫حكم في مادة النزاع االنتخابي‬


‫ترشحات لالنتخابات الرئاسية باسم الشعب التونسي‬
‫أصدرت الدائرة اإلســتئنافية الخامســة باملحكمة اإلدارية الحكم التالي بيـــــــن‪:‬‬

‫املدعــي‪ :‬العــادل بــن الهــادي العلمــي‪ ،‬مقره بنهج بنــزرت عدد ‪ 02‬املرســى الغربية – تونس‪،‬‬
‫من جهـــة‪،‬‬ ‫ ‬
‫واملدّعــى عليهــا‪ :‬الهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات فــي شــخص ممثلهــا القانونــي‪،‬‬
‫مقرهــا ب ‪ 05‬نهــج جزيــرة ســردينيا‪ ،‬حدائــق البحيــرة – ‪ 1053‬تونــس‪،‬‬
‫من جهة أخرى‪.‬‬ ‫ ‬

‫واملرســمة‬
‫ّ‬ ‫بعــد اإلطــاع علــى عريضــة الدعــوى املق ّدمــة مــن امل ّدعــي املذكــور أعــاه‬
‫بكتابــة املحكمــة تحــت عــدد ‪ 300062014‬بتاريــخ ‪ 2‬أكتوبــر ‪ 2014‬طعنــا فــي القــرار الصــادر‬
‫عــن الهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات بتاريــخ ‪ 29‬ســبتمبر ‪ 2014‬والقاضــي برفــض‬
‫مطلــب ترشــحه لإلنتخابــات الرئاســية ليــوم ‪ 23‬نوفمبــر ‪ 2014‬لعــدم إدالئــه بالتزكيــات‬
‫املطلوبــة فــي نســختها الورقيــة واإللكترونيــة وفــق الصيغــة املح ـ ّددة مــن الهيئــة ولعــدم‬
‫اإلدالء بوصــل تأمــن الضمــان املالــي لــدى الخزينــة العامــة للجمهوريــة التونســية(‪.)...‬‬
‫وبعد اإلطالع علـى بق ّيـة األوراق املظروفـة بامللف‪.‬‬
‫وبعد اإلطالع على دستور الجمهورية التونسية‪.‬‬
‫وبعــد اإلطــاع علــى القانــون عــدد ‪ 40‬لســنة ‪ 1972‬املــؤرخ فــي ‪ 1‬جــوان ‪ 1972‬املتع ّلــق‬
‫باملحكمــة اإلداريــة كمــا ت ـ ّم تنقيحــه وإتمامــه بالنصــوص الالحقــة لــه وآخرهــا القانــون‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪28‬‬

‫األساســي عــدد ‪ 2‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 3‬جانفــي ‪.2011‬‬


‫وبعــد اإلطــاع علــى القانــون األساســي عــدد ‪ 23‬لســنة ‪ 2012‬املــؤرخ فــي ‪ 20‬ديســمبر‬
‫‪ 2012‬واملتع ّلــق بالهيئــة العليــا املســتق ّلة لإلنتخابــات مثلمــا ت ـ ّم تنقيحــه وإتمامــه بالقانــون‬
‫عــدد ‪ 44‬لســنة ‪ 2013‬املــؤرخ فــي ‪ 1‬نوفمبــر ‪ 2013‬والقانــون عــدد ‪ 52‬لســنة ‪ 2013‬املــؤرخ‬
‫فــي ‪ 28‬ديســمبر ‪.2013‬‬
‫وبعــد اإلطــاع علــى القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪ 26‬مــاي ‪2014‬‬
‫واملتع ّلــق باإلنتخابات واإلســتفتاء‪.‬‬
‫وبعــد اإلطــاع علــى القــرار عــدد ‪ 18‬لســنة ‪ 2014‬بتاريــخ ‪ 4‬أوت ‪ 2014‬واملتعلــق بقواعــد‬
‫وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات الرئاســية‪.‬‬
‫وبعــد االطــاع علــى مــا يفيــد اســتدعاء الطرفــن بالطريقــة القانون ّيــة لجلســة املرافعــة‬
‫املع ّينــة ليــوم ‪ 7‬أكتوبــر ‪ 2014‬وبهــا تــ ّم االســتماع إلــى املستشــارة املقــ ّررة الســيدة‬
‫ســمية الطرخانــي فــي تــاوة ملخــص مــن تقريرهــا الكتابــي وحضــر امل ّدعــي العــادل‬
‫بــن الهــادي العلمــي ورافــع علــى ضــوء عريضــة الدعــوى وطلــب إبطــال قــرار الهيئــة‬
‫ترشــحه وترســيمه فــي القائمــة النهائيــة للمترشــحني‬ ‫املطعــون فيــه والقاضــي برفــض ّ‬
‫لإلنتخابــات الرئاســية ‪ ،‬كمــا حضــرت ممثلــة رئيــس الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات‬
‫وق ّدمــت أصــل محضــر التبليــغ للــر ّد علــى عريضــة الدعــوى وف ّوضــت النظــر للمحكمــة‪.‬‬

‫حجزت القض ّية للمفاوضة والتصريح بالحكم لجلسة يوم ‪ 10‬أكتوبر ‪.2014‬‬

‫وبهـا وبعد املفـاوضة القـانون ّيـة ص ّرح بمـا يلـي‪:‬‬

‫من جهة الشكل‪:‬‬

‫حيــث ق ّدمــت الدعــوى م ّمــن لــه الصفــة واملصلحــة وفــي ميعادهــا القانونــي مســتوفية جميــع‬
‫موجباتهــا الشــكلية الجوهريــة لــذا تع ّيــن قبولهــا مــن هــذه الجهــة‪.‬‬

‫من جهة األصل‪:‬‬

‫عن املطعن املتعلق بعدم دستورية القانون االنتخابي‬

‫• فيما يتعلق بشرط التزكيات‬

‫حيــث تمســك امل ّدعــي بــأن اشــتراط تزكيــة املترشــح لالنتخابــات الرئاســية مــن قبــل عشــرة‬
‫آالف ناخــب يض ّيــق مــن حــق الترشــح املنصــوص عليــه بالفصلــن ‪ 34‬و‪ 74‬مــن الدســتور‪،‬‬
‫‪29‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫ذلــك أن هــذا العــدد تعجيــزي وال يمكــن اإلســتجابة لــه فــي ظــرف أربعــة أســابيع فضــا‬
‫عــن أنــه يتعــارض مــع مبــدأ ســرية االنتخابــات باعتبــار وأن هــذه العمليــة تعتبــر وكأنهــا‬
‫انتخابــات قبــل أوانهــا وتضــع املزكــي الــذي يشــهر اســمه للعمــوم فــي وضعيــة حرجــة‪.‬‬

‫وحيــث اقتضــى الفصــل ‪ 148‬مــن الدســتور فــي فقرتــه الســابعة أن‪« :‬يحــدث املجلــس‬
‫الوطنــي التأسيســي بقانــون أساســي خــال األشــهر الثالثــة التــي تلــي ختــم الدســتور‬
‫هيئــة وقتيــة تختــص بمراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن (‪ )...‬وتعتبــر ســائر املحاكــم غيــر‬
‫مخ ّولــة ملراقبــة دســتورية القوانــن»‪.‬‬

‫وحيــث لــم يســبق للهيئــة الوقتيــة ملراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن أن ب ّتــت فــي مســألة‬
‫التزكيــات املتمســك بهــا مــن قبــل املدعــي‪ ،‬مما يجــوز معه بالتالــي لهذه املحكمــة النظر فيها‪.‬‬

‫وحيــث اقتضــى الفصــل ‪ 43‬مــن الدســتور‪« :‬تشــترط تزكيــة املترشــح مــن قبــل عــدد مــن‬
‫أعضــاء مجلــس النــواب أو رؤســاء مجالــس الجماعــات املحليــة املنتخبــة أو الناخبــن‬
‫املرســمني حســبما يضبطــه القانــون االنتخابــي»‪.‬‬

‫وحيــث ولئــن اشــترط الدســتور تزكيــة املترشــح لالنتخابــات الرئاســية مــن قبــل الناخبــن‬
‫املرســمني إال أنــه لــم يضبــط العــدد الــازم مــن التزكيــات وأوكل هــذه املهمــة إلــى املشـ ّرع‪.‬‬
‫ّ‬

‫وحيــث اقتضــى الفصــل ‪ 41‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي‬
‫‪ 26‬مــاي ‪ 2014‬واملتعلــق باإلنتخابــات واإلســتفتاء أن‪« :‬تتــم تزكيــة املترشــح لإلنتخابــات‬
‫الرئاســية مــن عشــرة نــواب مــن مجلــس نــواب الشــعب أو مــن أربعــن مــن رؤســاء‬
‫مجالــس الجماعــات املحليــة املنتخبــة أو مــن عشــرة آالف مــن الناخبــن املرســمني‬
‫واملوزعــن علــى األقــل علــى عشــرة دوائــر انتخابيــة علــى أن ال يقــل عددهــم عــن‬
‫خمســمائة ناخــب بــكل دائــرة منهــا‪« .‬وأضــاف الفصــل ‪ 171‬مــن القانــون ســالف‬
‫الذكــر أنــه ‪« :‬خالفــا ملــا ورد بالفقــرة األولــى مــن الفصــل ‪ ،41‬تتــم تزكيــة املترشــح‬
‫لإلنتخابــات الرئاســية القادمــة مــن عشــرة أعضــاء مــن املجلــس الوطنــي التأسيســي‬
‫أو مــن عشــرة آالف مــن الناخبــن املرســمني واملوزعــن علــى األقــل علــى عشــر‬
‫ّ‬
‫بــكل دائــرة منهــا»‪.‬‬ ‫دوائــر انتخابيــة علــى أن ال يقــل عددهــم عــن خمســمائة نائــب‬

‫وحيــث أنّ التثبــت مــن دســتورية هذيــن الفصلــن يكــون بالرجــوع إلــى أحــكام‬
‫الفصــل ‪ 49‬مــن الدســتور الــذي اقتضــى أنّــه‪« :‬يحــ ّدد القانــون الضوابــط املتعلقــة‬
‫بالحقــوق والحريــات املضمونــة بهــذا الدســتور وممارســتها بمــا ال ينــال مــن‬
‫جوهرهــا‪ .‬وال توضــع هــذه الضوابــط إال لضــرورة تقتضيهــا دولــة مدنيــة ديمقراطيــة‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪30‬‬

‫وبهــدف حمايــة حقــوق الغيــر‪ ،‬أو ملقتضيــات األمــن العــام‪ ،‬أو الدفــاع الوطنــي‪ ،‬أو‬
‫الصحــة العامــة‪ ،‬أو اآلداب العــام‪ ،‬وذلــك مــع احتــرام التناســب بــن هــذه الضوابــط‬
‫وموجباتهــا وتتك ّفــل الهيئــات القضائيــة بحمايــة الحقــوق والحريــات مــن أي إنتهــاك‪».‬‬

‫وحيــث وخالفــا ملــا تمســك بــه املدعــي فــإن اشــتراط تزكيــة املترشــح لإلنتخابــات الرئاســية‬
‫مــن قبــل عشــرة آالف ناخــب ليــس أمــرا تعجيزيــا وال يض ّيــق مــن حــق الترشــح املضمــون‬
‫بالدســتور وال ينال من جوهر حق الترشــح لإلنتخابات املنصوص عليه بالفصل ‪ 34‬منه بل‬
‫ّ‬
‫املترشــح‬ ‫إن الغايــة مــن هــذا الشــرط هــي التأكيــد على جدية الترشــح وعلــى أهمية املنصب‬
‫لــه‪ .‬كمــا أنّ عــدد املزكــن املطلــوب مناســب وال يــؤ ّدي إلى اإلقصــاء املتع ّمد لبعــض الراغبني‬
‫الترشــح بإعتبار أنّ القاعدة الجملية للناخبني املســجلني تفوق الخمســة ماليني ناخب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫في‬

‫وحيــث وبخصــوص مــا تمســك بــه امل ّدعــي مــن خــرق شــرط التزكيــات ملبــدأ ســرية‬
‫االنتخابــات املض ّمــن بالدســتور فــإن هــذا القــول مــردود عليــه لتع ّلــق هــذا املبــدأ‬
‫حصريــا بيــوم االقتــراع فضــا عــن أنــه ال شــيء يمنــع الناخــب داخــل الخلــوة‬
‫مــن انتخــاب شــخص آخــر غيــر ذلــك الــذي ز ّكاه‪ ،‬وتع ّيــن لذلــك رفــض هــذا املطعــن‪.‬‬

‫• فيما يتعلق بشرط الضمان املالي‬

‫حيــث تمســك املســتأنف بــأن الفصــل ‪ 74‬مــن الدســتور لــم يقتــض شــرط الضمــان املالــي‬
‫وبــأن إضافــة هــذا الشــرط تقيـ ّد مــن حــق الترشــح املنصــوص عليــه بالفصــل ‪ 34‬منــه كمــا‬
‫أنــه يتعــارض مــع مبــدأ املســاواة فــي الحقــوق لحصــره حق الترشــح فــي ميســوري الحال‪.‬‬

‫وحيــث اقتضــى الفصــل ‪ 148‬مــن الدســتور فــي فقرتــه الســابعة أن‪« :‬يحــدث املجلــس‬
‫الوطنــي التأسيســي بقانــون أساســي خــال األشــهر الثالثــة التــي تلــي ختــم الدســتور‬
‫هيئــة وقتيــة تختــص بمراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن (‪ )...‬وتعتبــر ســائر املحاكــم غيــر‬
‫مخ ّولــة ملراقبــة دســتورية القوانــن»‪.‬‬

‫وحيــث ســبق للهيئــة الوقتيــة ملراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن أن ب ّتــت فــي مــدى مطابقة‬
‫الفصــل ‪ 42‬مــن القانــون اإلنتخابــي للدســتور فــي قرارهــا عدد ‪ 4‬املؤرخ فــي ‪ 14‬ماي ‪.2014‬‬

‫وحيــث انتهــت الهيئــة إلــى أن شــرط تأمــن مبلــغ عشــرة آالف دينــار الــذي لــم‬
‫يذكــر فــي الفصــل ‪ 74‬مــن الدســتور القتصــاره علــى التزكيــة مــن عــدد معــن‬
‫مــن النــواب ال يعطــل الحــق فــي الترشــح لرئاســة الجمهوريــة إذ يبقــى مبلغــا‬
‫معقــوال وضامنــا لجديــة الترشــح وهــو بذلــك ال يخــرق مبــدأ التناســب‪ ،‬وليــس‬
‫‪31‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫مــن شــأنه أن ينــال مــن جوهــر الحــق كمــا اقتضــى ذلــك الفصــل ‪ 49‬مــن الدســتور‪.‬‬

‫وحيــث ترتيبــا علــى ذلــك فــا يجــوز للمحكمــة إعــادة النظــر فيمــا ب ّتــت فيــه الهيئــة الوقتيــة‬
‫ملراقبــة دســتورية القوانــن طبقــا ألحــكام الفقــرة ‪ 7‬مــن الفصــل ‪ 148‬مــن الدســتور وتعــن‬
‫لذلــك رفــض هــذا املطعــن‪.‬‬

‫ولــهـذه األسـبـاب‪:‬‬
‫قضت املحكمـة‪:‬‬
‫أوال‪ :‬بقبول الدعوى شكال ورفضها أصال‪.‬‬
‫ّ‬

‫ثانيا‪ :‬بتوجيه نسخة من هذا الحكم إلى الطرفني‪.‬‬


‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪32‬‬

‫‪-2-‬‬

‫حكــم ابتدائــي عــدد ‪ 059000002‬فــي مــادة النــزاع‬


‫اإلنتخابــي بتاريــخ ‪ 14‬مــارس ‪ ،2018‬قائمــة اإلتحــاد‬
‫املدنــي ‪ /‬الهيئــة الفرعيــة لإلنتخابــات بسوســة‬

‫بعــد اإلطــاع علــى عريضــة الدعــوى املقدمــة مــن نائبــي املدعية واملرســمة بكتابــة املحكمة‬
‫بتاريــخ ‪ 05‬مــارس ‪ 2018‬واملتضمنــة أن من ّوبتهمــا تقدمــت بمطلب ترشــح لالنتخابات البلدية‬
‫للهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بسوســة بوصفهــا رئيســة قائمــة اإلتحــاد املدنــي املترشــحة‬
‫عــن الدائــرة االنتخابيــة لبلديــة سوســة مشــفوعة بجميــع املؤيــدات‪ ،‬وبتاريــخ ‪ 1‬مــارس ‪2018‬‬
‫تلقــت إعالمــا بقــرار صــادر عــن رئيــس الهيئــة الفرعيــة لالنتخابات بسوســة يقضي برفض‬
‫ترشــحها لوجــود مترشــحان فــي القائمــة األصلية غيــر مدرجتان بالســجل اإلنتخابي وهما‬
‫«ليلــى الســقا» و«خولــة بــن حمــودة» ومترشــحني آخريــن فــي القائمــة األصليــة مســجلني‬
‫بغيــر الدائــرة اإلنتخابيــة وهمــا «إيمــان بــن ســعد» و«رامــي بشــر» ولعــدم إمكانيــة تــدارك‬
‫النقــص الحاصــل بالقائمــة األصليــة جــراء اإلخــاالت املذكــورة أعــاه باإلعتمــاد علــى‬
‫القائمــة التكميليــة التــي تضــم امرأتــان فقــط‪ ،‬األمــر الــذي حــدى بهــا إلــى رفــع الدعــوى‬
‫املاثلــة طالبــة الحكــم بإلغــاء قــرار رفــض الترشــح الصــادر عــن الهيئــة الفرعيــة لالنتخابات‬
‫بسوســة والتصريــح بقبــول ترشــح قائمــة اإلتحــاد املدنــي إلنتخابــات بلديــة سوســة‪.‬‬
‫وبعــد اإلطــاع علـــى بق ّيـــة األوراق املظروفـــة بامللــف وعلــى مــا يفيــد اســتيفاء اجــراءات‬
‫التحقيــق فــي القضيــة‪.‬‬
‫اإلطالع على دستور الجمهورية التونسية املؤرخ في ‪ 27‬جانفي ‪.2014‬‬ ‫وبعد ّ‬
‫وبعــد االطــاع علــى القانــون عــدد ‪ 40‬لســنة ‪ 1972‬املــؤرخ فــي ‪ 1‬جــوان ‪1972‬‬
‫املتعلــق باملحكمــة اإلداريــة مثلمــا تــ ّم تنقيحــه وإتمامــه بالنصــوص الالحقــة لــه‬
‫وآخرهــا القانــون األساســي عــدد ‪ 2‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 3‬جانفــي ‪.2011‬‬
‫وعلــى القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪ 26‬مــاي ‪ 2014‬املتعلــق‬
‫باالنتخابــات واالســتفتاء كمــا تــ ّم تنقيحــه وإتمامــه بالقانــون األساســي عــدد ‪ 7‬لســنة‬
‫‪ 2017‬املــؤرخ فــي ‪ 14‬فيفــري ‪.2017‬‬
‫اإلطــاع علــى األمــر الحكومــي عــدد ‪ 1033‬لســنة ‪ 2017‬املــؤرخ فــي ‪ 19‬ســبتمبر‬ ‫وبعــد ّ‬
‫‪ 2017‬واملتعلــق بضبــط عــدد أعضــاء املجالــس البلديــة‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وبعــد ّ‬
‫اإلطــاع علــى قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد ‪ 7‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ‬
‫ّ‬
‫فــي ‪ 3‬جــوان ‪ 2014‬واملتعلــق بقواعــد واجــراءات تســجيل الناخبــن لإلنتخابات واإلســتفتاء‪.‬‬
‫وعلــى قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد ‪ 10‬لســنة ‪ 2017‬مــؤرخ فــي‬
‫‪ 20‬جويليــة ‪ 2017‬يتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات البلديــة والجهويــة‬
‫كمــا تــ ّم تنقيحــه وإتمامــه بالقــرار عــدد ‪ 1‬لســنة ‪ 2018‬املــؤرخ فــي ‪ 2‬جانفــي ‪.2018‬‬
‫وبعــد االطــاع علــى مــا يفيــد اســتدعاء الطرفــن بالطريقــة القانون ّيــة لجلســة املرافعــة‬
‫ملخصا‬ ‫املع ّينــة ليــوم ‪ 8‬مــارس ‪ ،2018‬وبهــا تلــت املستشــارة املق ّررة الســيدة ســندة األحمــر ّ‬
‫مــن تقريرهــا الكتابــي‪ ،‬وحضــر نائــب املدعيــة محمــد قحبيــش ورافــع علــى ضــوء عريضــة‬
‫الدعــوى طالبــا قبولهــا شــكال وفــي األصــل بإلغــاء القــرار املطعــون فيــه والتصريــح بقبــول‬
‫قائمــة اإلتحــاد املدنــي لإلنتخابــات البلديــة بسوســة‪ ...‬وحضــرت ممثلــة الهيئــة الفرعيــة‬
‫لالنتخابــات بسوســة وفوضــت النظــر للمحكمــة بخصــوص قبــول الدعــوى مــن الناحيــة‬
‫الشــكلية طالبــة رفضهــا أصــا باإلســتناد إلــى أن الدســتور كــرس حــق اإلقتــراع وأن هــذا‬
‫الحــق يمــارس حســب مــا يقتضيــه القانــون الــذي منــح الهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات‬
‫ســلطة ترتيبيــة لتنظيــم عمليــة اإلنتخابــات وأن الهيئــة وفــي إطــار ســلطتها الترتيبيــة‬
‫حــددت الدائــرة اإلنتخابيــة بالدائــرة البلديــة وأن األمــر عــدد ‪ 1033‬املــؤرخ فــي ‪ 19‬ســبتمبر‬
‫‪ 2017‬حــ ّدد الدوائــر اإلنتخابيــة واعتبــر أن كل بلديــة تم ّثــل دائــرة انتخابيــة‪ ،‬وأضافــت‬
‫أنــه تــ ّم فتــح بــاب التســجيل لإلنتخابــات وكان علــى املترشــحتني التثبــت مــن الدائــرة‬
‫اإلنتخابيــة املرســمتان بهــا وأنــه ال يمكــن قبــول تســجيل ناخبــن بالســجل اإلنتخابــي بعــد‬
‫انقضــاء آجــال الطعــون‪ ،‬وبالنســبة لألشــخاص املســجلني آليــا الذيــن مارســوا حقهــم‬
‫فــي اإلقتــراع فــي انتخابــات ‪ 2011‬الحظــت أنهــم غيــر مدرجــن بالســجل اإلنتخابــي‬
‫وعمــا بالقــرار عــدد ‪ 7‬الصــادر عــن الهيئــة املســتقلة لإلنتخابــات بتاريــخ ‪ 3‬جــوان ‪2014‬‬
‫يتع ّيــن علــى الراغــب منهــم فــي ممارســة حــق اقتــراع أن يبــادر بالتســجيل اإلرادي‪.‬‬

‫وإثر ذلك حجزت القض ّية للمفاوضة والتصريح بالحكم لجلسة يوم ‪ 14‬مارس ‪.2018‬‬

‫وبهـا وبعد املفـاوضة القـانون ّيـة ص ّرح بمـا يلـي‪:‬‬

‫من جهة الشكل‪:‬‬

‫حيــث قدمــت الدعــوى فــي ميعادهــا القانونــي ممــن لــه الصفــة واملصلحــة واســتوفت‬
‫جميــع مقوماتهــا الشــكلية الجوهريــة واتجــه لذلــك قبولهــا مــن هــذه الناحيــة‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪34‬‬

‫من جهة األصل‪:‬‬

‫عن املطعن املتعلق بمخالفة أحكام الفصلني ‪ 34‬و‪ 49‬من الدستور‪.‬‬

‫حيــث تمســك نائبــا املدعيــة بــأن القــرار املطعــون فيــه جــاء مخالفــا للفصــل ‪ 34‬مــن‬
‫ـص علــى أن القانــون هــو‬
‫الدســتور الــذي كــرس حــق الترشــح والفصــل ‪ 49‬منــه الــذي نـ ّ‬
‫الــذي يحـ ّدد الضوابــط املتعلقــة بممارســة الحقــوق والحريــات بمــا ال ينــال مــن جوهرهــا‪،‬‬
‫مؤكــدان أن املترشــحني «إيمــان بــن ســعد» و«رامــي بشــر» تتوفــر فيهمــا صفــة الناخــب‬
‫م ّمــا يجعــل القــرار املطعــون فيــه القاضــي برفــض ترشــحهما لكونهمــا مســجالن بغيــر‬
‫الدائــرة اإلنتخابيــة البلديــة املترشــحان بهــا مساســا بحــق الترشــح املضمــون بالدســتور‪.‬‬

‫وحيــث دفعــت الجهــة املدعــى عليهــا بــأن الدســتور كــ ّرس الحــق فــي الترشــح لــكل‬
‫مواطــن تونســي تتوفــر فيــه الشــروط القانونيــة املفروضــة لذلــك‪ ،‬إال أنــه أخضــع‬
‫ممارســة هــذا الحــق لضوابــط وضعــت لضــرورة تقتضيهــا دولــة مدنيــة ديمقراطيــة‬
‫وبهــدف حمايــة حقــوق الغيــر أو ملقتضيــات األمــن العــام (‪ ،)...‬معتبــرة علــى هــذا‬
‫األســاس أن تقديــم كل مــن إيمــان بــن ســعد ورامــي بشــر لترشــحهما ضمــن القائمــة‬
‫موضــوع قــرار الرفــض املطعــون فيــه‪ ،‬ولئــن كان ممارســة منهمــا لحقهمــا املشــروع‪،‬‬
‫إال أنــه مخالــف للمقتضيــات القانونيــة لشــرط الترشــح واملتمثلــة أساســا فــي‬
‫ضــرورة أن يكــون املترشــح مســجال بالدائــرة اإلنتخابيــة التــي قــدم فيهــا ترشــحه‪.‬‬

‫وحيــث ينــص الفصــل ‪ 34‬مــن الدســتور علــى أن «حقــوق االنتخابــات واالقتــراع والترشــح‬
‫مضمونــة طبــق مــا يضبطــه القانــون»‪.‬‬

‫ـص أحــكام الفصــل ‪ 49‬مــن الدســتور علــى مــا يلــي‪« :‬يحـ ّدد القانــون الضوابــط‬
‫وحيــث تنـ ّ‬
‫املتعلقــة بالحقــوق والحريــات املضمونــة بهــذا الدســتور وممارســتها بمــا ال ينــال مــن‬
‫جوهرهــا‪ .‬وال توضــع هــذه الضوابــط إال لضــرورة تقتضيهــا دولــة مدنيــة ديمقراطيــة‬
‫وبهــدف حمايــة حقــوق الغيــر‪ ،‬أو ملقتضيــات األمــن العــام‪ ،‬أو الدفــاع الوطنــي‪ ،‬أو‬
‫الصحــة العامــة‪ ،‬أو اآلداب العامــة‪ ،‬وذلــك مــع احتــرام التناســب بــن هــذه الضوابــط‬
‫وموجباتهــا‪ .‬وتتكفــل الهيئــات القضائيــة بحمايــة الحقــوق والحريــات مــن أي انتهــاك»‪.‬‬

‫وحيــث تقتضــي أحــكام الفصــل ‪ 49‬مكــرر مــن القانــون األساســي املتعلــق باالنتخابــات‬
‫واالســتفتاء أن «الترشــح لعضويــة املجالــس البلديــة أو الجهويــة حــق لــكل‪ :‬ناخــب‬
‫تونســي الجنســية (‪ )...‬ويقــدم الترشــح فــي الدائــرة اإلنتخابيــة املســجل بهــا»‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وحيــث ينــص األمــر عــدد ‪ 1033‬املــؤرخ فــي ‪ 19‬ســبتمبر ‪ 2017‬املتعلــق بضبــط عــدد‬
‫أعضــاء املجالــس البلديــة علــى أن‪« :‬تكــون كل بلديــة دائــرة انتخابيــة واحــدة»‪.‬‬

‫وحيــث لئــن كان الحــق فــي اإلنتخــاب واإلقتــراع والترشــح مكفــوال بالدســتور‪،‬‬
‫فــإن ممارســته تخضــع للضوابــط العامــة املحــددة بالنصــوص القانونيــة‬
‫الجــاري بهــا العمــل‪ ،‬شــريطة أن ال تنــال هــذه الضوابــط مــن جوهــر الحــق وأن‬
‫تتناســب مــع موجباتهــا‪.‬‬

‫وحيــث أن شــرط تقديــم الترشــح فــي الدائــرة اإلنتخابيــة املســجل بهــا ال‬
‫يعطــل الحــق فــي الترشــح وهــو بذلــك ال يخــرق مبــدأ التناســب وليــس‬
‫مــن شــأنه أن ينــال مــن جوهــر الحــق فــي الترشــح املضمــون بالدســتور‪.‬‬

‫وحيــث ثبــت مــن أوراق امللــف أن كل مــن املترشــحني إيمــان بــن ســعد ورامــي بشــر‬
‫مســجالن بالدائــرة اإلنتخابيــة لبلديــة حمــام سوســة‪ ،‬وعليــه‪ ،‬فــإن القــرار املطعــون‬
‫فيــه القاضــي برفــض ترشــحهما عــن الدائــرة اإلنتخابيــة لبلديــة سوســة لــم‬
‫يخالــف الفصلــن ‪ 34‬و‪ 49‬مــن الدســتور‪ ،‬بمــا يتجــه معــه رفــض املطعــن املاثــل‪)...( .‬‬

‫ولــهـذه األسـبـاب‪:‬‬
‫قضت املحكمـة‪:‬‬
‫أوال‪ :‬بقبول الدعوى شكال ورفضها أصال‪.‬‬
‫ّ‬

‫ثانيا‪ :‬بحمل املصارف القانونية على املدعي‪.‬‬


‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪36‬‬

‫‪-3-‬‬

‫حكــم ابتدائــي عــدد ‪ 20181015‬في مــادة النزاع اإلنتخابي‬


‫بتاريــخ ‪ 16‬مــارس ‪ ،2018‬منــذر امللـ ّـوح ‪ /‬الهيئــة الفرعيــة‬
‫لإلنتخابــات بتونس ‪2‬‬

‫اإلطــاع علــى عريضة الدعوى املق ّدمــة من امل ّدعي املذكور أعاله بتاريخ ‪ 7‬مارس ‪2018‬‬ ‫بعــد ّ‬
‫الصــادر عــن‬
‫واملرســمة بكتابــة املحكمــة تحــت عــدد ‪ ،20181015‬طعنــا باإللغــاء فــي القــرار ّ‬
‫ّ‬
‫رئيس الهيئة الفرعية لالنتخابات بتونس ‪ 2‬بتاريخ ‪ 28‬فيفري ‪ 2018‬والقاضي برفض مطلب‬
‫ّ‬
‫ترشــح قائمــة «بــاردو فــي عينينــا» لالنتخابــات البلديــة بدائرة باردو باالســتناد إلــى ما يلي‪:‬‬

‫أو ًال‪ :‬مخالفــة القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املــؤ ّرخ فــي ‪ 26‬مــاي ‪ 2014‬املتع ّلــق‬
‫باالنتخابــات واالســتفتاء كمــا ت ـ ّم تنقيحــه وإتمامــه بمقتضــى القانــون األساســي عــدد ‪7‬‬
‫لســنة ‪ 2017‬املــؤ ّرخ فــي ‪ 14‬فيفــري ‪ 2017‬الــذي يوجــب علــى الهيئــة إعــام رئيــس القائمــة‬
‫أو ممثلهــا القانونــي بقــرار قبــول الترشــح أو رفضــه فــي أجــل أقصــاه ‪ 24‬ســاعة منــذ‬
‫ـأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا‪.‬‬
‫صــدوره وفــي حالــة رفــض مطلــب الترشــح يقــع اإلعــام بـ ّ‬

‫ثان ًيــا‪ :‬عــدم إســتيفاء مطلــب املترشــحة عــدد ‪ 30‬نجــاة الطرابلســي لشــكلية اإلمضــاء‬
‫بإعتبــار أنّــه تــ ّم اســتيفاء هــذا الشــرط ضمــن الوثائــق التــي تــ ّم إيداعهــا لــدى الهيئــة‬
‫بمقتضــى محضــر تـ ّم تبليغــه للهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بتونــس ‪ 2‬بواســطة عــدل التنفيــذ‬
‫األســتاذ وليــد املعــاوي ودون أن تقــوم الهيئــة بإبــداء أي مالحظــة حول مضمــون املحضر‪.‬‬

‫ثالثــا‪ :‬مخالفــة القــرار املطعــون فيــه ألحــكام الفصلــن ‪ 34‬و‪ 49‬من الدســتور مشــيرا إلى أنّ‬
‫ّ‬
‫املترشــح مســجال فــي الدائــرة االنتخابية التي يترشــح بهــا ينال من حق‬ ‫إشــتراط أن يكــون‬
‫دســتوري ال يمكــن التضيــق منــه إ ّال بمقتضــى قانون وشــريطة عدم املســاس بجوهر الحق‪.‬‬

‫وبعــد اإلطــاع علـــى التقريــر املدلــى بــه مــن األســتاذة ســنية البلعابــي نائبــة الهيئــة الفرعية‬
‫لالنتخابــات بتونــس ‪ 2‬بتاريــخ ‪ 12‬مــارس ‪ 2018‬والــذي دفعــت مــن خاللــه برفــض الدعــوى‬
‫شــكال عمــا بمقتضيــات الفصــل ‪ 49‬ســابع عشــر مــن القانــون األساســي االنتخابــي‬
‫ذلــك أ ّنــه ت ـ ّم إعــام ممثــل القائمــة الخصيمــة بقــرار الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بتونــس‬
‫‪37‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ 2‬املطعــون فيــه بتاريــخ ‪ 1‬مــارس ‪ 2018‬علــى العنــوان املضمــن بمطلــب الترشــح ببرقيــة إ ّال‬
‫أ ّنــه رفــع دعــواه بتاريــخ ‪ 7‬مــارس ‪ 2018‬م ّمــا يص ّيرهــا خــارج اآلجــال القانونيــة ‪.‬ومــن جهــة‬
‫األصــل دفعــت الهيئــة برفــض الدعــوى مشــيرة إلــى أنّ القــرار املطعــون فيــه جــاء معلــا‬
‫مثلمــا يقتضــي ذلــك الفصــل ‪ 27‬مــن قــرار الهيئــة العليا املســتق ّلة لالنتخابات عدد ‪ 10‬لســنة‬
‫ّرشــح لإلنتخابــات البلدية‬ ‫‪ 2017‬املــؤ ّرخ فــي ‪ 20‬جويليــة ‪ 2017‬املتع ّلــق بقواعــد وإجــراءات الت ّ‬
‫والجهويــة واســتند إلــى وجــود إخــاالت فــي مطلــب ّ‬
‫ترشــح القائمــة املدعيــة يعـ ّد مــن قبيــل‬
‫العيــوب التــي ال يجــوز فيهــا التصحيــح مطلقــا بصريــح الفصــل ‪ 21‬مــن قــرار الهيئــة العليا‬
‫املســتق ّلة لالنتخابــات عــدد ‪ 10‬لســنة ‪ 2017‬املــؤ ّرخ فــي ‪ 20‬جويليــة ‪ 2017‬املتع ّلــق بقواعــد‬
‫ّرشــح لإلنتخابــات البلديــة والجهويــة وتمثلــت اإلخــاالت املذكــورة فــي‪:‬‬ ‫وإجــراءات الت ّ‬

‫أوال‪ :‬خلــو مطلــب الترشــح مــن أحــد التنصيصــات الوجوبيــة وهــو اإلمضــاء املعــرف‬
‫بــه للعضــوة عــدد ‪ 30‬بالقائمــة األصليــة نجــاة الطرابلســي خرقــا ملقتضيــات الفصــل‬
‫‪ 17‬مــن قــرار الهيئــة العليــا املســتق ّلة لالنتخابــات عــدد ‪ 10‬لســنة ‪ 2017‬املــؤ ّرخ فــي ‪20‬‬
‫جويليــة ‪ 2017‬املتع ّلــق بقواعــد وإجــراءات الت ّ‬
‫ّرشــح لالنتخابــات البلديــة والجهويــة‪.‬‬

‫ثانيــا‪ :‬عــدم اســتيفاء عــدد مــن املترشــحني بالقائمــة األصليــة لشــروط الترشــح بمقولــة‬
‫أنّهــا تض ّمنــت خمســة مترشــحني مســجلني فــي دوائــر انتخابيــة أخــرى غيــر الدائــرة‬
‫املترشــح بهــا وهــم تباعــا املترشــحون عــدد ‪ 12‬نبيلــة عبــد ربــه وعــدد ‪ 14‬اينــاس الغربــي‬
‫وعــدد ‪ 16‬الهــام العرفــاوي وعــدد ‪ 19‬محمــد صالــح الهمامــي وعــدد ‪ 23‬رضــوان نهــدي‬
‫األمــر الــذي يشــ ّكل خرقــا ملقتضيــات الفصــل ‪ 3‬مــن قــرار الهيئــة العليــا املســتق ّلة‬
‫لالنتخابــات عــدد ‪ 10‬ســالف الذكــر عــاوة علــى أ ّنــه ســبق للعضــو عــدد ‪ 21‬مــن القائمــة‬
‫األصليــة محمــد العربــي الدريــدي الترشــح فــي قائمــة أخــرى بنفــس الدائــرة اإلنتخابيــة‪.‬‬
‫كمــا الحظــت الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات تونــس ‪ 2‬أنّ اإلخــاالت املذكــورة ال تقبــل‬
‫التصحيــح عمــا بالفصــل ‪ 21‬مــن قــرار الهيئــة عــدد ‪ 10‬املومــأ إليــه أعــاه وأنّ إضافــة‬
‫املدعــي للوثائــق الناقصــة بملــف ترشــح قائمتــه بواســطة عــدل تنفيــذ ال جــدوى منــه طاملــا‬
‫وردت خــارج اآلجــال القانونيــة وبغيــر طلــب الهيئــة كمــا ال طائــل مــن التنبيــه علــى املعنــي‬
‫باألمــر لــذات الســبب‪.‬‬
‫وبعد اإلطالع علـى بق ّيـة األوراق املظروفـة بامللف‪.‬‬
‫اإلطــاع علــى دســتور الجمهوريــة التونســية املــؤرخ فــي ‪ 27‬جانفــي ‪ 2014‬وخاصــة‬ ‫وبعــد ّ‬
‫الفصــول ‪ 34‬و‪ 49‬و‪ 102‬و‪ 125‬و‪ 126‬و‪ 131‬و‪ 133‬منــه‪.‬‬
‫وبعــد االطــاع علــى القانــون عــدد ‪ 40‬لســنة ‪ 1972‬املــؤرخ فــي ‪ 1‬جــوان ‪ 1972‬املتعلــق‬
‫باملحكمــة اإلداريــة مثلمــا ت ـ ّم تنقيحــه وإتمامــه بالنصــوص الالحقــة لــه وآخرهــا القانــون‬
‫األساســي عــدد ‪ 2‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 3‬جانفــي ‪.2011‬‬
‫اإلطــاع علــى القانــون أساســي عــدد ‪ 23‬لســنة ‪ 2012‬مــؤرخ فــي ‪ 20‬ديســمبر ‪2012‬‬ ‫وبعــد ّ‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪38‬‬

‫يتعلــق بالهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات كمــا تــم تنقيحــه وإتمامــه بالقانــون األساســي‬
‫عــدد ‪ 44‬لســنة ‪ 2013‬املــؤرخ فــي ‪ 01‬نوفمبــر ‪ 2013‬وبالقانــون األساســي عــدد ‪ 52‬لســنة‬
‫‪ 2013‬املــؤرخ فــي ‪ 28‬ديســمبر ‪.2013‬‬
‫وعلــى القانــون أساســي عــدد ‪ 14‬لســنة ‪ 2014‬مــؤرخ فــي ‪ 18‬أفريــل ‪ 2014‬واملتعلــق‬
‫بالهيئــة الوقتيــة ملراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن‬
‫وعلــى القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪ 26‬مــاي ‪ 2014‬املتعلــق‬
‫باالنتخابــات واالســتفتاء كمــا تــ ّم تنقيحــه وإتمامــه بالقانــون األساســي عــدد ‪ 7‬لســنة‬
‫‪ 2017‬املــؤرخ فــي ‪ 14‬فيفــري ‪.2017‬‬
‫اإلطــاع علــى األمــر الرئاســي عــدد ‪ 254‬لســنة ‪ 2017‬مــؤرخ فــي ‪ 19‬ديســمبر ‪2017‬‬ ‫وبعــد ّ‬
‫يتعلــق بدعــوة الناخبــن لالنتخابــات البلديــة لســنة ‪.2018‬‬
‫اإلطــاع علــى األمــر الحكومــي عــدد ‪ 1033‬لســنة ‪ 2017‬مــؤرخ فــي ‪ 19‬ســبتمبر‬ ‫وبعــد ّ‬
‫‪ 2017‬يتعلــق بضبــط عــدد أعضــاء املجالــس البلديــة‪.‬‬
‫اإلطــاع علــى قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد ‪ 5‬لســنة ‪2014‬‬ ‫وبعــد ّ‬
‫املــؤرخ فــي ‪ 24‬أفريــل ‪ 2014‬واملتع ّلــق بضبــط النظــام الداخلــي للهيئــة العليــا املســتقلةّ‬
‫لالنتخابــات كمــا ت ـ ّم تنقيحــه بالقــرار عــدد ‪ 12‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪ 16‬جويليــة ‪.2014‬‬
‫وعلى قرار الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات عدد ‪ 5‬مؤرخ في ‪ 11‬أفريل ‪ 2017‬يتعلق بشروط‬
‫وإجــراءات إحــداث الهيئــات الفرعيــة لالنتخابــات وضبــط مشــموالتها وطــرق ســير عملهــا‪.‬‬
‫وعلــى قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد ‪ 6‬لســنة ‪ 2017‬بتاريــخ ‪ 11‬أفريــل‬
‫‪ 2017‬يتعلــق بقواعــد وإجــراءات تســجيل الناخبــن لالنتخابــات واالســتفتاء‪.‬‬
‫وعلــى قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد ‪ 10‬لســنة ‪ 2017‬مــؤرخ فــي ‪20‬‬
‫جويليــة ‪ 2017‬يتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات البلديــة والجهويــة كمــا ت ـ ّم‬
‫تنقيحــه وإتمامــه بالقــرار عــدد ‪ 1‬لســنة ‪ 2018‬املــؤرخ فــي ‪ 2‬جانفــي ‪.2018‬‬
‫وعلــى قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد ‪ 12‬لســنة ‪ 2017‬مــؤ ّرخ فــي ‪30‬‬
‫ســبتمبر ‪ 2017‬يتعلــق بفتــح بــاب التســجيل لالنتخابــات واالســتفتاء‪.‬‬
‫وعلــى قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد ‪ 22‬لســنة ‪ 2017‬مــؤرخ فــي ‪18‬‬
‫ديســمبر ‪ 2017‬يتعلــق بروزنامــة االنتخابــات البلديــة لســنة ‪.2018‬‬
‫وبعــد االطــاع علــى مــا يفيــد اســتدعاء الطرفــن بالطريقــة القانون ّيــة لجلســة املرافعــة‬
‫املع ّينــة ليــوم ‪ 12‬مــارس ‪ ،2018‬وبهــا ت ـ ّم اإلســتماع إلــى املستشــار املق ـ ّرر الســيد فــراس‬
‫ملخصــا مــن تقريــره الكتابــي‪ ،‬وحضــر املدعــي منــذر امللــوح رئيــس‬ ‫الوكيــل فــي تــاوة ّ‬
‫وتمســك بتقديمــه ملطلــب املترشــحة عــدد ‪ 30‬الســيدة نجــاة‬ ‫ّ‬ ‫قائمــة «بــاردو فــي عينينــا»‬
‫الطرابلســي يــوم ‪ 22‬فيفــري ‪ 2018‬مســتوفيا لشــرط التعريــف باإلمضــاء وأقـ ّر فيمــا يتع ّلــق‬
‫باملترشــحني نبيلــة عبــد ربــه واينــاس الغربــي والهــام العرفــاوي ومحمــد صالــح الهمامــي‬
‫ورضــوان نهــدي بأنّهــم مســجلون بدوائــر إنتخابيــة أخــرى غيــر دائــرة تونــس ‪ 2‬ألنّ‬
‫الدســتور ال يمنــع ذلــك وأشــار رئيــس القائمــة بأ ّنــه لــم يتصــل بقــرار الهيئــة بــأي وســيلة‬
‫‪39‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫كانــت‪ ،‬وحضــرت األســتاذة ســنية البلعابــي نائبــة الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات تونــس ‪2‬‬
‫وتمســكت بصفــة أصليــة برفــض الدعــوى شــكال لتقديمهــا خــارج اآلجــال ألنّ الهيئــة‬ ‫ّ‬
‫تولــت إعــام املمثــل القانونــي للقائمــة املدعيــة بقــرار رفــض ترشــحها يــوم ‪ 1‬مــارس‬
‫‪ 2018‬بمقتضــى برقيــة بريديــة وعبــر البريــد اإللكترونــي إ ّال أنّ القائــم بالدعــوى ّ‬
‫تأخــر‬
‫تمســكت احتياطيــا مــن جهــة األصــل برفــض‬ ‫فــي رفعهــا إلــى يــوم ‪ 7‬مــارس ‪ ،2018‬كمــا ّ‬
‫الدعــوى لعــدم جــواز تصحيــح اإلخــاالت التــي شــابت ّ‬
‫ترشــح القائمــة امل ّدعيــة ضــرورة‬
‫أنّ القائمــة التكميليــة املقدمــة ال تكفــي لتعويــض املترشــحني الذيــن اعتــرت ترشــحاتهم‬
‫اخــاالت ويســتحيل معــه للقائــم بالدعــوى تصحيــح تلــك اإلخــاالت فــي اآلجــال القانونيــة‪.‬‬

‫وإثر ذلك حجزت القض ّية للمفاوضة والتصريح بالحكم لجلسة يوم ‪ 16‬مارس ‪.2018‬‬

‫وبهـا وبعد املفـاوضة القـانون ّيـة ص ّرح بمـا يلـي‪:‬‬

‫من جهة الشكل‪:‬‬

‫حيــث دفعــت نائبــة الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات تونــس ‪ 2‬برفــض الدعــوى شــكال عمــا‬
‫بمقتضيــات الفصــل ‪( 49‬ســابع عشــر) مــن القانــون االنتخابــي لتو ّلــي هيئــة االنتخابــات‬
‫إعــام مم ّثــل القائمــة املدعيــة بقرارهــا بتاريــخ ‪ 1‬مــارس ‪ 2018‬علــى العنــوان املض ّمــن‬
‫بمطلــب الترشــح وبواســطة برقيــة م ّمــا يجعــل القيــام بدعــوى الحــال فــي ‪ 7‬مــارس ‪2018‬‬
‫واقعــا خــارج اآلجــال القانونيــة‪.‬‬

‫وحيــث أدلــت الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بنســخة مــن برقيــة تحمــل إســم املرســل‬
‫إليــه «منــذر امللــوح» وعنوانــه «‪ 71‬نهــج الحــدادة بــاردو ‪ »2000‬تعلمــه فيهــا برفضهــا‬
‫مطلــب ّ‬
‫ترشــح قائمــة «بــاردو فــي عينينــا» لالنتخابــات البلديــة ‪ 2018‬عــن دائــرة بــاردو‪.‬‬

‫وحيــث نفــى املدعــي بجلســة املرافعــة اعالمــه بقــرار الهيئــة املطعــون فيــه بأي وســيلة كانت‪.‬‬

‫وحيــث اســتقر فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة علــى أن تكــون العبــرة فــي احتســاب‬
‫آجــال التقاضــي بتاريــخ نشــر املقــررات اإلداريــة أو اإلعــام بهــا دون تاريــخ‬
‫صدورهــا ويتمثــل اإلعــام الــذي يعتــ ّد بــه إلحتســاب آجــال الطعــن باإللغــاء فــي‬
‫اإلعــام الكامــل املتمثــل فــي مــ ّد املعنــي باألمــر بنســخة مــن القــرار املطعــون فيــه‬
‫وإذا تعــذر ذلــك فــإن آجــال الطعــن تســري مــن تاريــخ اإلعــام الكافــي املتمثــل فــي‬
‫إعــام املعنــي باألمــر بفحــوى القــرار وأســبابه بعــد صــدوره فــي صيغتــه النهائيــة‪.‬‬
‫وحيــث بالرجــوع إلــى أوراق قضيــة الحــال يتب ّيــن أنّ البرقيــة املحتـ ّـج بهــا لحصــول علــم‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪40‬‬

‫الطاعــن بقــرار رفــض مطلــب ترشــح قائمتــه وردت غيــر مؤرخــة ودون ختــم مصالــح البريــد‬
‫وغيــر ممضــاة األمــر الــذي ينــزع عنهــا ّ‬
‫كل حجيــة م ّمــا يســتوجب معــه عــدم إعتمادهــا‪.‬‬

‫ـأي طريقــة تتــرك أثــرا فــإنّ‬


‫وحيــث طاملــا لــم يثبــت إعــام املدعــي بالقــرار املطعــون فيــه بـ ّ‬
‫قيامــه بالدعــوى فــي ‪ 7‬مــارس ‪ 2018‬يكــون فــي اآلجــال القانونيــة‪.‬‬

‫وحيــث تكــون الدعــوى قــد قدمــت فــي اآلجــال القانونيــة ممــن لــه الصفــة واملصلحــة‬
‫واســتوفت جميــع مقوماتهــا الشــكلية األساســية ويتعــن قبولهــا مــن هــذه الناحيــة‪.‬‬

‫من جهة األصل‪:‬‬

‫عــن املطعــن املتع ّلــق بمخالفــة القــرار املطعــون فيــه ألحــكام الفصلــن ‪ 34‬و‪49‬‬
‫مــن الدســتور‪:‬‬

‫حيــث ينعــى امل ّدعــي علــى القــرار املطعــون فيــه خــرق أحــكام الفصلــن ‪ 34‬و‪ 49‬مــن‬
‫مســجال فــي الدائــرة االنتخابيــة‬
‫ّ‬ ‫الدســتور بمقولــة أنّ اشــتراط أن يكــون املترشــح‬
‫التــي سيترشــح بهــا فيــه مســاس بحــق الترشــح املضمــون دســتوريا والــذي‬
‫ال يمكــن التضييــق منــه إ ّال بمقتضــى قانــون وشــريطة عــدم املســاس بجوهــره‪.‬‬

‫وحيــث دفعــت الجهــة امل ّدعــى عليهــا بــأنّ القائمــة األصليــة خرقــت الفصــل ‪ 3‬مــن‬
‫قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد ‪ 10‬لســنة ‪ 2017‬واملتعلــق بقواعــد‬
‫وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات البلديــة والجهويــة بمقولــة أنّهــا تض ّمنــت خمســة‬
‫مترشــحني مســجلني فــي دوائــر انتخابيــة أخــرى غيــر الدائــرة املترشــح بهــا وهــم‬
‫تباعــا املترشــحون عــدد ‪« 12‬نبيلــة عبــد ربــه» وعــدد ‪« 14‬اينــاس الغربــي» وعــدد ‪16‬‬
‫«الهــام العرفــاوي» وعــدد ‪« 19‬محمــد صالــح الهمامــي» وعــدد ‪« 23‬رضــوان نهــدي»‪.‬‬

‫وحيــث لــم ينــف امل ّدعــي تســجيل املترشــحني املومــأ إليهــم أعــاه بدوائــر انتخابيــة غيــر‬
‫بالتمســك بمخالفــة القانــون اإلنتخابــي املتض ّمــن لهــذا الشــرط‬
‫ّ‬ ‫دائــرة تونــس ‪ 2‬وإكتفــى‬
‫للفصلــن ‪ 34‬و‪ 49‬مــن الدســتور‪.‬‬

‫وحيــث اقتضــى الفصــل ‪ 148‬مــن الدســتور فــي فقرتــه الســابعة أن «يحــدث املجلــس‬
‫الوطنــي التأسيســي بقانــون أساســي خــال الثالثــة أشــهر األولــى التــي تلــي ختــم‬
‫الدســتور هيئــة وقتيــة تختــص بمراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن (‪ )...‬وتعتبــر ســائر‬
‫املحاكــم غيــر مخولــة ملراقبــة دســتورية القوانــن»‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وحيــث اقتضــى الفصــل ‪ 3‬مــن القانــون أساســي عــدد ‪ 14‬لســنة ‪ 2014‬مــؤرخ فــي ‪ 18‬أفريــل‬
‫‪ 2014‬واملتعلــق بالهيئــة الوقتيــة ملراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن علــى أنّــه «تتولــى‬
‫الهيئــة مراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن‪ ...‬وتعتبــر ســائر املحاكــم غيــر مخولــة ملراقبــة‬
‫دســتورية القوانــن»‪.‬‬

‫وحيــث اقتضــى الفصــل ‪ 21‬فقــرة أخيــرة مــن القانــون ســالف الذكــر أنّ «قــرارات الهيئــة‬
‫ملزمــة لجميــع الســلطات»‪.‬‬

‫وحيــث أنّ التحجيــر ســالف الذكــر وإلزاميــة قــرارات القضــاء الدســتوري الوقتــي ال‬
‫يخصــان إ ّال الصــور التــي يكــون فيهــا القاضــي الدســتوري قــد ّ‬
‫بــت فــي الدســتورية‬
‫باعتبــاره القاضــي املختــص بصــورة أصليــة فــي مراقبــة دســتورية القوانــن‪.‬‬

‫وحيــث لــم يســبق للهيئــة الوقتيــة ملراقبــة دســتورية مشــاريع القوانــن املنتصبــة كقــاض‬
‫دســتوري أن بتّــت فــي مــدى دســتورية الشــرط املتع ّلــق بضــرورة أن يكــون املترشــح‬
‫ـجال فــي نفــس الدائــرة التــي سيترشــح بهــا واملنصــوص عليهــا بالفصــل ‪( 49‬مكــرر)‬ ‫مسـ ّ‬
‫مــن القانــون األساســي املتع ّلــق باالنتخابــات واالســتفتاء‪ .‬كمــا أ ّنــه ال يمكــن لهــذه املحكمــة‬
‫ظــل عــدم تركيــز املحكمــة الدســتورية إيقــاف النظــر فــي النــزاع املاثــل وإحالــة‬ ‫فــي ّ‬
‫اإلشــكال الدســتوري عليهــا عمــا بأحــكام الفقــرة الرابعــة مــن الفصــل ‪ 124‬مــن الدســتور‪.‬‬

‫البــت فــي دســتورية الشــرط التشــريعي‬ ‫ّ‬ ‫وحيــث أنّ اســتبعاد القاضــي اإلداري مــن‬
‫ـجال فــي نفــس الدائــرة التــي سيترشــح بهــا‬ ‫ّ‬
‫املترشــح مسـ ّ‬ ‫املتم ّثــل فــي ضــرورة أن يكــون‬
‫البــت فيــه مــن قبــل القاضــي الدســتوري ســيؤول بالضــرورة إلــى‬ ‫ّ‬ ‫رغــم عــدم ســابقية‬
‫غيــاب كل رقابــة قضائيــة علــى ذلــك التضييــق رغــم مــا لــه مــن تبعــات تمــس مــن حريــة‬
‫ترشــح األفــراد وهــو مــا تأبــاه مق ّومــات دولــة القانــون‪ ،‬خاصــة وأنّ دســتور ‪ 27‬جانفــي‬ ‫ّ‬
‫أي‬
‫ّ‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـات‬
‫ـ‬ ‫والحري‬ ‫ـوق‬
‫ـ‬ ‫الحق‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫حماي‬ ‫ـه‬
‫ـ‬ ‫من‬ ‫‪49‬‬ ‫ـل‬‫ـ‬ ‫الفص‬ ‫ـب‬
‫ـ‬ ‫صل‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫القاض‬ ‫ـى‬‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـب‬
‫ـ‬ ‫أوج‬ ‫‪2014‬‬
‫انتهــاك أو تضييــق غيــر مب ـ ّرر‪ ،‬كمــا أوجــب عليــه الفصــل ‪ 102‬ضمــان علويــة الدســتور‪.‬‬

‫وحيــث تأسيســا علــى مــا ســبق ذكــره فقــد تعــن اقــرار اختصــاص هــذه املحكمــة للنظــر‬
‫فــي دســتورية التقييــد املذكــور‪.‬‬

‫ّ‬
‫والترشــح‬ ‫ـص الفصــل ‪ 34‬مــن الدســتور علــى أنّ «حقــوق االنتخــاب واالقتــراع‬ ‫وحيــث ينـ ّ‬
‫مضمونــة طبــق مــا يضبطــه القانــون»‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪42‬‬

‫وحيــث ولئــن كان الحــق فــي الترشــح لالنتخابــات حقــا دســتوريا فــإنّ ممارســته تخضــع‬
‫للشــروط العامــة املحــددة بالنصــوص التشــريعية والترتيبيــة الجــاري بهــا العمــل طبقــا ملــا‬
‫خ ّولــه الفصــل ‪ 34‬مــن الدســتور‪.‬‬

‫ـص الفصــل ‪( 49‬مكــرر) مــن القانــون األساســي املتع ّلــق باالنتخابــات واالســتفتاء‬ ‫وحيــث ينـ ّ‬
‫علــى أنّ «الترشــح لعضويــة املجالــس البلديــة أو الجهويــة حــق لـ ّ‬
‫ـكل‪ ...‬ويقــدم الترشــح فــي‬
‫الدائــرة االنتخابيــة املســجل بهــا»‪.‬‬

‫وحيــث أوكل الفصــل ‪ 126‬مــن الدســتور إلــى الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات إدارة‬
‫االنتخابــات وتنظيمهــا واإلشــراف عليهــا فــي جميــع مراحلهــا وضمــان ســامتها وأســند‬
‫لهــا ســلطة ترتيبيــة فــي مجــال اختصاصهــا‪.‬‬
‫ّ‬
‫الترشــحات‪ ،‬تولــت‬ ‫وحيــث اعمــاال لســلطتها الترتيبيــة وصالحياتهــا فــي ضبــط تقديــم‬
‫الهيئــة‪ ،‬بموجــب الفصــل ‪ 3‬مــن قرارهــا عــدد ‪ 10‬لســنة ‪ 2017‬املــؤرخ فــي ‪ 20‬جويليــة‬
‫‪ 2017‬واملتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات البلديــة والجهويــة‪ ،‬التنصيــص‬
‫علــى أنّــه «يشــترط فــي كل مترشــح لعضويــة املجالــس البلديــة أو الجهويــة‪ ،‬مــا يلــي‪:‬‬
‫أن يكــون ناخبــا تونســي الجنســية مســجال فــي الدائــرة االنتخابيــة التــي يترشــح بهــا‪.»...‬‬

‫وحيــث أنّ التثبــت مــن دســتورية شــرط ضــرورة أن يكــون املترشــح مســجال فــي‬
‫الدائــرة االنتخابيــة التــي سيترشــح بهــا يقتضــي الرجــوع إلــى أحــكام الفصــل‬
‫‪ 49‬مــن الدســتور الــذي اقتضــى أنّــه «يحــ ّدد القانــون الضوابــط املتعلقــة بالحقــوق‬
‫والحريــات املضمونــة بهــذا الدســتور وممارســتها بمــا ال ينــال مــن جوهرهــا‪ .‬وال‬
‫توضــع هــذه الضوابــط إ ّال لضــرورة تقتضيهــا دولــة مدنيــة ديمقراطيــة وبهــدف‬
‫حمايــة حقــوق الغيــر‪ ،‬أو ملقتضيــات األمــن العــام‪ ،‬أو الدفــاع الوطنــي‪ ،‬أو الصحــة‬
‫العامــة‪ ،‬أو اآلداب العامــة‪ ،‬وذلــك مــع احتــرام التناســب بــن هــذه الضوابــط‬
‫وموجباتهــا‪ .‬وتتك ّفــل الهيئــات القضائيــة بحمايــة الحقــوق والحريــات مــن أي انتهــاك»‪.‬‬

‫ّ‬
‫الترشــح هــو الحريــة وأنّ‬ ‫وحيــث لئــن كان األصــل فــي ممارســة الحــق فــي‬
‫التضييــق منهــا هــو االســتثناء وأنّ املشــ ّرع‪ ،‬ومــن بعــده الهيئــة العليــا املســتقلة‬
‫لالنتخابــات بمــا لهــا مــن ســلطة ترتيبيــة‪ ،‬يخضعــان إلــى رقابــة قضائيــة تمتــ ّد‬
‫إلــى حــ ّد التث ّبــت مــن مــدى تناســب التدابيــر التّــي تحــ ّد مــن حريــة ممارســة حــق‬
‫ّ‬
‫الترشــح مــع الظــروف التــي ح ّفــت باتخاذهــا واألهــداف التــي ترمــي إلــى تحقيقهــا‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫ّ‬
‫سيترشــح‬ ‫ـجال في الدائــرة االنتخابية التي‬ ‫ّ‬
‫املترشــح مسـ ّ‬ ‫وحيــث أنّ شــرط وجــوب أن يكــون‬
‫بهــا يع ـ ّد شــرطا معقــوال وال يتعــارض ومقتضيــات الفصــل ‪ 49‬مــن الدســتور طاملــا أ ّنــه‬
‫الترشــحات وضمــان جد ّيتهــا وحســن ســير العمليــة االنتخابية بالشــكل‬ ‫ّ‬ ‫يهــدف إلــى تنظيــم‬
‫ّ‬
‫املترشــح لهــذه املســؤولية املحليــة عاملــا بمتطلبــات وتطلعــات مواطنــي‬ ‫الــذي يجعــل مــن‬
‫الدائــرة املترشــح بهــا‪.‬‬

‫وحيــث‪ ،‬وخالفــا ملــا تمســك بــه املدعــي‪ ،‬فــإنّ الشــرط التشــريعي املتعلــق بضــرورة‬
‫مســجال فــي الدائــرة االنتخابيــة التــي سيترشــح بهــا ال ينــال مــن‬
‫ّ‬ ‫أن يكــون الناخــب‬
‫جوهــر الحــق فــي الترشــح املنصــوص عليــه بالفصــل ‪ 34‬مــن الدســتور وال يخــلّ‬
‫بمبــدأ التناســب مــع موجبــات ضمــان أســس الدولــة املدنيــة الديمقراطيــة مــن جهــة‪،‬‬
‫ومتطلبــات حمايــة حقــوق الغيــر ومراعــاة مقتضيــات النظــام العــام مــن جهــة أخــرى‪.‬‬

‫وحيث تعني بناء على ما سبق رفض املطعن املاثل كرفض الدعوى برمتها‪.‬‬

‫ولــهـذه األسـبـاب‪:‬‬
‫قضت املحكمـة إبتدائيا‪:‬‬
‫أوال‪ :‬بقبول الدعوى شكال ورفضها أصال‪.‬‬
‫ّ‬

‫ثانيا‪ :‬بحمل املصارف القانونية على املدعي‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬بتوجيه نسخة من هذا الحكم إلى الطرفني‪.‬‬


‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪44‬‬

‫الرقابة القضائية على العملية االنتخابية‪:‬‬


‫رؤى متقاطعة بني هيئة االنتخابات والهيئات القضائية‬

‫حسناء بن سليمان‬
‫قاضية ‪ /‬رئيسة دائرة سابقا باملحكمة اإلدارية‬
‫عضو سابق بمجلس الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات‬

‫تمثــل الرقابــة القضائيــة إحــدى ضمانــات نزاهــة وشــفافية العمليــة االنتخابيــة‪ .‬وكمــا‬
‫شــهد تنظيــم االنتخابــات فــي تونــس منــذ ‪ 2011‬قطعــا مــع املاضــي فقــد شــهدت الرقابــة‬
‫القضائيــة علــى العمليــة االنتخابيــة أيضــا قطعــا مــع املاضــي‪.‬‬
‫وفقــا للمجلــة االنتخابيــة الجــاري بهــا العمــل قبــل ‪ 2011‬كانــت الطعــون فــي‬
‫املــادة االنتخابيــة منظمــة وفــق هيكلــة ال تخضــع ملقومــات املحاكمــة العادلــة ولــم‬
‫تكــن تســتقطب الطاعنــن أو تنيــر الباحثــن‪ .1‬فلــم يكــن التقاضــي فــي املــادة‬
‫االنتخابيــة ذا شــعبية ولــم تخــول الحــاالت املعروضــة تطويــر املنظومــة االنتخابيــة‪.‬‬
‫وبعــد ‪ 2011‬تــم إصــدار املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 10‬مــاي ‪2011‬‬
‫املتعلــق بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي «قطعــا مــع النظــام الســابق املبنــي علــى‬
‫االســتبداد وتغييــب إرادة الشــعب بالبقــاء غيــر املشــروع فــي الســلطة وتزويــر االنتخابــات‪،‬‬
‫ووفــاء ملبــادئ ثــورة الشــعب التونســي الهادفــة إلــى إرســاء مشــروعية أساســها‬
‫الديمقراطيــة والحريــة واملســاواة والعدالــة االجتماعيــة والكرامــة والتعدديــة وحقــوق‬
‫اإلنســان والتــداول علــى الســلطة‪ ،‬وانطالقــا مــن إرادة الشــعب التونســي فــي انتخــاب‬
‫مجلــس وطنــي تأسيســي يتو ّلــى وضــع دســتور جديــد للبــاد‪ ،‬وباعتبــار أن القانــون‬
‫االنتخابــي الســابق لــم يكفــل انتخابــات ديمقراطيــة وتع ّدديــة وشــ ّفافة ونزيهــة»‪.2‬‬
‫وتــم صلــب هــذا «القانــون االنتخابــي املؤقــت» التنصيــص علــى خضــوع مراحــل‬

‫‪ .1‬وفقــا للمجلــة االنتخابيــة املصــادق عليهــا بالقانــون عــدد ‪ 25‬لســنة ‪ 1969‬املــؤرخ فــي ‪ 8‬أفريــل ‪ 1969‬كانــت الطعــون‬
‫عمومــا مــن اختصــاص لجــان ذات تركيبــة غيــر قضائيــة فــي أغلبيتهــا ومــن نظــر املجلــس الدســتوري الــذي تميــز بنقــد‬
‫حقوقــي كبيــر حــول تركيبتــه واســتقالليته‪ .‬فقــد كانــت تســند للمجلــس الدســتوري اختصــاص النظــر فــي الطعــون فــي‬
‫مــادة الترشــحات والنتائــج لالنتخابــات الرئاســية واالنتخابــات التشــريعية وتحــدث طبقــا للفصــل ‪ 156‬لجنــة خاصــة‬
‫‪ commission ad hoc‬مكونــة مــن قــاض عدلــي وناخبــن يعينــون مــن الســلطة التنفيذيــة للنظــر فــي الطعــون فــي نتائــج‬
‫االنتخابــات البلديــة‪ .‬يراجــع دليــل النزاعــات االنتخابيــة فــي تونــس الصــادر عــن برنامــج األمــم املتحــدة اإلنمائــي ‪2017‬‬
‫‪www.tn.undp.org › docs › Publications‬‬
‫‪ .2‬تراجع ديباجة املرسوم عدد ‪ 35‬لسنة ‪2011‬‬
‫‪45‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫العمليــة االنتخابيــة إلــى الطعــن القضائــي‪ .1‬وعلــى عكــس «العــزوف» عــن الطعــن قبــل‬
‫‪ 2011‬واجــه مشـ ّرعو مراســيم الفتــرة الالحقــة لجانفــي ‪ 2011‬هاجــس تضخــم املنازعــات‬
‫االنتخابيــة وحرصــوا علــى توضيــح إجــراءات الطعــون بإصــدار املرســوم عــدد ‪72‬‬
‫لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 3‬أوت ‪ 2011‬املنقــح واملتمــم للمرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪.2 2011‬‬

‫‪ .1‬تضمن املرسوم عدد ‪ 35‬لسنة ‪ 2011‬األحكام التالية‪:‬‬


‫الفصل ‪:14‬‬
‫يمكــن لألطــراف املعن ّيــة وللســلط اإلدار ّيــة اســتئناف قــرارات الهيئــة الفرع ّيــة لالنتخابــات أمــام املحكمــة االبتدائيــة‬
‫املختصــة ترابيــا فــي تركيبتهــا الثالثيــة وذلــك فــي أجــل خمســة أيــام مــن تاريــخ إعــام املعنيــن باألمــر بهــذا القــرار‪.‬‬ ‫ّ‬
‫تتولــى املحكمــة االبتدائيــة املتعهــدة باالســتئناف النظــر فــي القضيــة وفــق اإلجــراءات املنصــوص عليهــا بالفصــول ‪43‬‬
‫و‪ 46‬و‪ 47‬و‪ 48‬فقــرة أخيــرة و‪ 49‬و‪ 50‬مــن مجلــة املرافعــات املدنيــة والتجاريــة ويمكــن للمحكمــة أن تــأذن باملرافعــة حينــا‬
‫ودون لــزوم إلجــراءات أخــرى‪.‬‬
‫تبت املحكمة االبتدائ ّية في القض ّية خالل خمسة أيام من تاريخ تع ّهدها بها‪ ،‬ويكون القرار الصادر عنها باتا‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الفصل ‪:29‬‬
‫املختصــة ترابيــا فــي أجــل ال يتجــاوز‬
‫ّ‬ ‫يتــ ّم الطعــن فــي قــرار رفــض ترســيم قائمــة أمــام املحكمــة االبتدائيــة‬
‫وتبــت املحكمــة فــي الطعــن خــال خمســة أيــام مــن تاريــخ تع ّهدهــا بهــا‬ ‫ّ‬ ‫األربعــة أيــام مــن تاريــخ الرفــض‪.‬‬
‫وفــق اإلجــراءات املنصــوص عليهــا بالفصــل ‪ 14‬مــن هــذا املرســوم‪ .‬ويتــ ّم اســتئناف أحكامهــا فــي أجــل‬
‫تبــت فــي النــزاع فــي أجــل‬ ‫ّ‬ ‫ثمــان وأربعــن ســاعة‪ ،‬أمــام الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة اإلدار ّيــة‪ ،‬التــي‬
‫مبســطة‪ .‬وتكــون قراراتهــا فــي هــذه املــا ّدة باتــة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أربعــة أيــام مــن تاريــخ تقديــم الطعــن وفــق إجــراءات‬
‫الفصل ‪:47‬‬
‫تتولــى الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات مراقبــة احتــرام هــذه القواعــد‪ ،‬وتتلقــى الطعــون املتعلقــة بعــدم احترامهــا‪.‬‬
‫ـكل التجــاوزات قبــل نهايــة الحملــة االنتخابيــة‪.‬‬‫وتتّخــذ عنــد االقتضــاء اإلجــراءات والتدابيــر الالزمــة لوضــع حـ ّد فــوري لـ ّ‬
‫ويمكــن الطعــن فــي القــرارات التــي تتخذهــا الهيئــة العليــا املســتق ّلة لالنتخابــات فــي هــذا الشــأن أمــام الدوائــر‬
‫ـت فــي الطعــن حســب إجــراءات مبســطة فــي أجــل عشــرة أيــام مــن تاريــخ‬ ‫االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة والتــي تبـ ّ‬
‫تقديــم الطعــن‪ .‬وتكــون قراراتهــا باتــة‪.‬‬
‫الفصل ‪:72‬‬
‫يمكــن الطعــن أمــام الجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات‪ ،‬فــي أجــل ثمــان وأربعــن‬
‫ـت املحكمــة فــي أجــل خمســة أيــام مــن يــوم تع ّهدهــا بهــا‪ .‬ويكــون قرارهــا باتــا وال يقبــل‬ ‫ســاعة مــن اإلعــان عنهــا‪ .‬وتبـ ّ‬
‫أي وجــه مــن أوجــه الطعــن‪.‬‬
‫‪ .2‬تضمن املرسوم عدد ‪ 72‬لسنة ‪ 2011‬في مادة الطعون األحكام التالية‪:‬‬
‫الفصل ‪( 29‬جديد)‪:‬‬
‫ُيرفــع الطعــن فــي قــرار رفــض ترســيم قائمــة بمقتضــى عريضــة كتابيــة يســلمها رئيــس القائمــة أو مــن يمثلــه إلــى‬
‫كتابــة املحكمــة االبتدائيــة املختصــة ترابيــا وذلــك فــي أجــل ال يتجــاوز األربعــة أيــام مــن تاريــخ الرفــض‪ .‬وتبــت املحكمــة‬
‫فــي الطعــن خــال خمســة أيــام مــن تاريــخ تعهدهــا بالنظــر فــي القضيــة وفــق اإلجــراءات املنصــوص عليهــا بالفصــل‬
‫‪ 14‬مــن هــذا املرســوم‪.‬‬
‫وتختــص املحكمــة االبتدائيــة بتونــس بالنظــر فــي الطعــن فــي قــرارات الهيئــات الفرعيــة بالبعثــة الديبلوماســية أو‬ ‫ّ‬
‫القنصليــة القاضيــة برفــض ترســيم قائمــة‪.‬‬
‫ويتــم اســتئناف األحــكام الصــادرة عــن املحاكــم االبتدائيــة فــي أجــل أقصــاه يومــان مــن تاريــخ اإلعــام بهــا أمــام‬
‫الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة‪.‬‬
‫وعلــى الطــرف الراغــب فــي ممارســة الطعــن باالســتئناف أن يوجــه إلــى خصمــه إعالمــا بالطعــن بواســطة عــدل تنفيــذ‬
‫مــع نظيــر مــن عريضــة الطعــن ومؤيداتهــا‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪46‬‬

‫وبنــاء علــى التوصيــات املضمنــة بتقريــر انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي لســنة‬

‫ويرفــع الطعــن باالســتئناف بمقتضــى عريضــة كتابيــة يســلمها رئيــس القائمــة أو مــن يمثلــه أو رئيــس الهيئــة الفرعيــة‬
‫لالنتخابــات أو مــن يمثلــه إلــى كتابــة املحكمــة دون وجــوب االســتعانة بمحــام وتكــون مع ّللــة ومشــفوعة باملؤيــدات‬
‫وبمحضــر اإلعــام بالطعــن‪.‬‬
‫وعلــى كتابــة املحكمــة اإلداريــة ترســيم العريضــة وإحالتهــا فــورا إلــى الرئيــس األول الــذي يتولــى تعيينهــا حــاال لــدى‬
‫إحــدى الدوائــر االســتئنافية‪.‬‬
‫ويعــن رئيــس الدائــرة املتع ّهــدة بالقضيــة جلســة مرافعــة فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ ترســيم العريضــة‬
‫واســتدعاء األطــراف بــأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا لتقديــم ملحوظاتهــم‪.‬‬
‫وتتولــى الدائــرة املتع ّهــدة بالقضيــة صــرف القضيــة للمفاوضــة والتصريــح بالحكــم فــي أجــل قــدره يــوم واحــد مــن‬
‫تاريــخ جلســة املرافعــة‪ .‬ولهــا أن تــأذن بالتنفيــذ علــى املســو ّدة‪.‬‬
‫وتعلم املحكمة األطراف بالحكم بأي وسيلة تترك أثرا كتابيا في أجل أقصاه يومان من تاريخ التصريح به‪.‬‬
‫ويكون حكم الدائرة االستئنافية باملحكمة اإلدارية باتّا وال يقبل أي وجه من أوجه الطعن ولو بالتعقيب‪.‬‬
‫ـت فــي اآلجــال املنصــوص عليهــا فــي هــذا الفصــل مــن قبــل الدائــرة االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة‬ ‫وفــي صــورة عــدم البـ ّ‬
‫مرســمة آليــا‪.‬‬
‫تعـ ّد القائمــة االنتخابيــة التــي تـ ّم رفــض مطلــب ترســيمها ّ‬
‫الفصل ‪( 47‬جديد)‪:‬‬
‫تتولــى الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات مراقبــة احتــرام هــذه القواعــد‪ ،‬وتتل ّقــى الطعــون املتعلقــة بعــدم احترامهــا‪.‬‬
‫وتتّخــذ عنــد االقتضــاء اإلجــراءات والتدابيــر الالزمــة لوضــع حـ ّد فــوري لــكل التجــاوزات قبــل نهايــة الحملــة االنتخابيــة‪.‬‬
‫وتتولــى إعــام األطــراف املعنيــة بتلــك اإلجــراءات والتدابيــر فــي أجــل قــدره يــوم واحــد مــن تاريــخ اتخاذهــا‪.‬‬
‫ويمكــن الطعــن فــي القــرارات التــي تتّخذهــا الهيئــة العليــا املســتق ّلة لالنتخابــات عمــا بأحــكام الفقــرة املتقدمــة أمــام‬
‫الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة‪.‬‬
‫وعلــى الطــرف الراغــب فــي ممارســة الطعــن باالســتئناف أن يوجــه إلــى خصمــه إعالمــا بالطعــن بواســطة عــدل تنفيــذ‬
‫مــع نظيــر مــن عريضــة الطعــن ومؤيداتهــا‪.‬‬
‫وترفــع عريضــة االســتئناف بمقتضــى عريضــة كتابيــة يســلمها رئيــس القائمــة أو املمثــل القانونــي للمؤسســة اإلعالميــة‬
‫املعنيــة أو مــن يمثلهمــا إلــى كتابــة املحكمــة فــي أجــل أقصــاه يومــان مــن تاريــخ اإلعــام بالقــرار املطعــون فيــه دون‬
‫وجــوب االســتعانة بمحــام‪ .‬وتكــون العريضــة مع ّللــة ومشــفوعة باملؤيــدات وبنســخة مــن محضــر اإلعــام بالطعــن‪.‬‬
‫وتتولــى كتابــة املحكمــة اإلداريــة ترســيم العريضــة وإحالتهــا فــورا إلــى الرئيــس األول الــذي يتولــى تعيينهــا حــاال لــدى‬
‫إحــدى الدوائــر االســتئنافية‪.‬‬
‫ويتولــى رئيــس الدائــرة املتع ّهــدة بالقضيــة تعيــن جلســة مرافعــة فــي أجــل أقصــاه ســبعة أيــام مــن تاريــخ ترســيم‬
‫العريضــة واســتدعاء األطــراف بــأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا لتقديــم ملحوظاتهــم‪.‬‬
‫وتتولــى الدائــرة املتع ّهــدة بالقضيــة صــرف القضيــة للمفاوضــة والتصريــح بالحكــم فــي أجــل ثالثــة أيــام مــن تاريــخ‬
‫جلســة املرافعــة‪ .‬ولهــا أن تــأذن بالتنفيــذ علــى املســو ّدة‪.‬‬
‫وتعلم املحكمة األطراف بالحكم بأي وسيلة تترك أثرا كتابيا في أجل قدره يومان من تاريخ التصريح به‪.‬‬
‫ويكون حكم الدائرة االستئنافية باملحكمة اإلدارية باتّا وال يقبل أي وجه من أوجه الطعن ولو بالتعقيب‪.‬‬
‫الفصل ‪( 72‬جديد)‪:‬‬
‫يمكــن الطعــن أمــام الجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات فــي أجــل قــدره يومــان مــن‬
‫تاريــخ اإلعــان عنهــا‪.‬‬
‫وعلــى الطــرف الراغــب فــي ممارســة الطعــن فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات أن يوجــه إلــى الهيئــة العليــا املســتقلة‬
‫لالنتخابــات إعالمــا بالطعــن بواســطة عــدل تنفيــذ مــع نظيــر مــن عريضــة الطعــن ومؤيداتهــا‪.‬‬
‫ويرفــع الطعــن وجوبــا مــن قبــل رئيــس القائمــة أو مــن يمثلــه فــي خصــوص النتائــج األوليــة املصــرح بهــا بالدائــرة‬
‫مرســم لــدى التعقيــب وتكــون العريضــة مع ّللــة ومشــفوعة باملؤيــدات‬ ‫االنتخابيــة املرســم بهــا وذلــك بواســطة محــام ّ‬
‫وبنســخة مــن محضــر اإلعــام بالطعــن‪.‬‬
‫وعلــى كتابــة املحكمــة اإلداريــة ترســيم العريضــة وإحالتهــا فــورا إلــى الرئيــس األول الــذي يتولــى تعيينهــا حــاال لــدى‬
‫‪47‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ 2011‬عقــب االنتخابــات املجــراة بتاريــخ ‪ 23‬أكتوبــر ‪ ،2011‬تــم إحــداث «هيئــة عموميــة‬


‫مســتقلة ودائمــة تســمى «الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات» تتمتــع بالشــخصية‬
‫املعنويــة واالســتقالل اإلداري واملالــي‪ 1»...‬وتضمينهــا بالدســتور املصــادق عليــه‬
‫بتاريــخ ‪ 27‬جانفــي ‪ .2 2014‬وأشــرفت علــى أول انتخابــات تشــريعية ورئاســية‪ 3‬عقــب‬
‫ذلــك وفقــا ألحــكام الفصــل ‪ 148‬مــن الدســتور وبنــاء علــى القانــون األساســي‬
‫عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪ 26‬مــاي ‪ 2014‬واملتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء‪.‬‬
‫وتنزيــا للبــاب الســابع مــن الدســتور واملتعلــق بالســلطة املحليــة تــم تنقيــح وإتمــام‬
‫القانــون االنتخابــي فــي ‪ 14‬فيفــري ‪ 2017‬وإجــراء أول انتخابــات بلديــة فــي ‪ 26‬مــاي‬
‫‪ .2018‬وكان موعــد ‪ 2019‬أول موعــد دوري بنــاء علــى دســتور ‪ 27‬جانفــي ‪.2014‬‬
‫وم ّكنــت االنتخابــات التــي أجريــت فــي ســنة ‪( 2011‬انتخابــات املجلــس الوطنــي‬
‫التأسيســي) و‪( 2014‬أول انتخابــات تشــريعية ورئاســية بعــد دســتور ‪ 27‬جانفــي‬
‫‪ )2014‬و‪( 2018‬أول انتخابــات بلديــة بعــد دســتور ‪ 27‬جانفــي ‪ 2014‬و‪( 2019‬انتخابــات‬
‫تشــريعة دوريــة وانتخابــات رئاســية ســابقة ألوانهــا) إلــى جانــب مواعيــد انتخابــات‬
‫بلديــة جزئيــة بــن ســنتي ‪ 2019‬و‪ 2020‬مــن إرســاء قواعــد الرقابــة القضائيــة‬
‫ومــن بنــاء عالقــات حــوار مؤسســاتي بــن الهيئــة االنتخابيــة والســلطة القضائيــة‬
‫بغايــة ضمــان نزاهــة وشــفافية العمليــة االنتخابيــة وتكريــس الثقــة فــي نتائجهــا‪.‬‬
‫وكان للرقابــة القضائيــة دور فــي تطويــر إدارة العمليــة االنتخابية وترســيخ موقــع ودور الهيئة‬
‫االنتخابيــة علــى الرغــم مــن بعــض املواضــع التــي ال تــزال الــرؤى فــي خصوصهــا مختلفــة‬
‫وقاصــرة عــن إيجــاد منطقــة وضــوح تنيــر الناخبــن واملترشــحني واملتابعــن بشــكل عــام‪.‬‬

‫الجلسة العامة‪.‬‬
‫ويعــن الرئيــس األول جلســة مرافعــة فــي أجــل أقصــاه ســبعة أيــام مــن تاريــخ تقديــم الطعــن واســتدعاء األطــراف بــأي‬
‫وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا لتقديــم ملحوظاتهــم‪.‬‬
‫وتتولــى الجلســة العامــة حجــز القضيــة للمفاوضــة والتصريــح بالحكــم فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ جلســة‬
‫املرافعــة‪ .‬ولهــا أن تــأذن بالتنفيــذ علــى املســو ّدة‪.‬‬
‫وتعلم املحكمة األطراف بالحكم بأي وسيلة تترك أثرا كتابيا في أجل أقصاه يومان من تاريخ التصريح به‪.‬‬
‫يكون قرار الجلسة العامة للمحكمة اإلدارية باتا وال يقبل أي وجه من أوجه الطعن‪.‬‬
‫‪ .1‬القانــون األساســي عــدد ‪ 23‬لســنة ‪ 2012‬مــؤرخ فــي ‪ 20‬ديســمبر ‪ 2012‬املتعلــق بالهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات‪.‬‬
‫وقــد تــم تنقيحــه وإتمامــه بالقانــون األساســي عــدد ‪ 44‬لســنة ‪ 2013‬املــؤرخ فــي ‪ 1‬نوفمبــر ‪ 2013‬وبالقانــون األساســي‬
‫عــدد ‪ 52‬لســنة ‪ 2013‬املــؤرخ فــي ‪ 28‬ديســمبر ‪.2013‬‬
‫‪ .2‬ينــص الفصــل ‪ 126‬مــن الدســتور علــى أن «تتولــى هيئــة االنتخابــات وتســمى «الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات»‬
‫إدارة االنتخابــات واالســتفتاءات وتنظيمهــا واإلشــراف عليهــا فــي جميــع مراحلهــا وتضمــن ســامة املســار االنتخابــي‬
‫ونزاهتــه وشــفافيته وتصـ ّرح بالنتائــج‪»...‬‬
‫‪ .3‬تم االقتراع في أول انتخابات تشريعية بتاريخ ‪ 26‬أكتوبر ‪ 2014‬وفي أول انتخابات رئاسية في ‪ 23‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪48‬‬

‫وعلــى الرغــم مــن تراكــم التجربــة ســواء بالنســبة لهيئــة االنتخابــات أو ملختلــف الهيئــات‬
‫القضائيــة املتدخلــة فــي هــذا املجــال فقــد عرفــت تجربــة ‪ 2019‬عــددا مــن اإلشــكاليات‬
‫ممــا يتجــه معــه تقييمهــا مــن وجهتــي نظــر الهيئــة املشــرفة علــى العمليــة االنتخابيــة وبقيــة‬
‫الهيئــات القضائيــة املتعهــدة باملنازعــات ضــرورة أن نجاعــة الرقابــة تكمــن فــي تحقيــق‬
‫أهدافهــا مــن ناحيــة حمايــة العمليــة االنتخابيــة وضمــان الحقــوق األساســية املرتبطــة‬
‫باالقتــراع والترشــح وضمــان سالســة تنظيــم العمليــة االنتخابيــة ككل إذ أن االنتخابــات‬
‫تبقــى عمليــة تنافــس سياســي باألســاس قــد يضــر بأهدافهــا املتمثلــة فــي النقــاش العــام‬
‫حــول األفــكار والتوجهــات إغراقهــا فــي تعقيــدات اإلجــراءات القضائية ومراحلهــا الدقيقة‪.‬‬
‫ولتقييــم التجربــة مــن هــذا املنظــور فإنــه مــن املهــ ّم الوقــوف علــى خارطــة العالقــات‬
‫والتقاطعــات بــن هيئــة االنتخابــات ومختلــف الهيئــات القضائيــة مــن ناحيــة زمــن املســار‬
‫االنتخابــي (أوال) ومــن ناحيــة املســائل األساســية التــي طرحــت فــي إطــار املنازعــات‬
‫والرقابــة فــي املــادة االنتخابيــة (ثانيــا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الزمن االنتخابي والزمن القضائي‬

‫يعتبــر احتــرام مواعيــد الروزنامــة االنتخابيــة التــي يتــم ضبطهــا مــن الســلطة‬
‫املختصــة (‪ )1‬أحــد املعاييــر األساســية لتقييــم حســن إدارة العمليــة االنتخابيــة‬
‫ّ‬
‫فضــا عــن أهميــة احتــرام دوريــة االنتخابــات واســتكمال وتقييــم العمليــة‬
‫االنتخابيــة (‪ )2‬بعــد كل موعــد إلرســاء نظــام ديمقراطــي مســتدام وتحقيــق التــداول‬
‫الســلمي علــى الســلطة‪ .‬ويؤثــر العمــل القضائــي وضوابطــه فــي املســتويني‪.‬‬

‫‪ .1‬أثر اإلجراءات القضائية على ضبط وتنفيذ الروزنامة االنتخابية‬

‫ترجــع للهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات صالحيــة ضبــط روزنامــة االنتخابــات‬


‫واالســتفتاءات بموجــب مــا أوكلــه لهــا الدســتور مــن مهمــة إلدارة تلــك العمليــات وتنظيمهــا‬
‫واإلشــراف عليهــا فــي جميــع مراحلهــا‪ 1‬وبمقتضــى مــا نــص عليــه صراحــة القانــون‬

‫‪ .1‬الفصل ‪ 126‬من الدستور‬


‫‪49‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫األساسي عدد ‪ 23‬لسنة ‪.1 2012‬‬


‫وتعتمــد الهيئــة فــي ضبطهــا للروزنامــة االنتخابيــة مجمــوع املقتضيــات القانونيــة ومــا‬
‫تتضمنــه مــن آجــال ملزمــة كمــا تعتمــد آجــاال تقديريــة مراعــاة لضــرورة حســن ســير‬
‫العمليــة االنتخابيــة وتطبيــق مبــادئ اإلتاحــة بخصوصهــا‪.‬‬
‫وفتــح املشـ ّرع إمكانيــة الطعــن فــي مختلــف املراحــل خــال املســار االنتخابــي فــي آجــال‬
‫مختصــرة بغايــة ضمــان حقــوق التقاضــي وعدم املســاس بنجاعــة تنظيم االنتخابــات‪ .‬وأقر‬
‫‪2‬‬
‫فقــه القضــاء صالحيــات واســعة للقاضــي االنتخابــي تنــدرج فــي إطــار القضــاء الكامــل‬
‫وتم ّكــن مــن «بســط رقابــة علــى أعمــال الهيئة الســاهرة على حســن ســير العمليــة االنتخابية‬
‫فــي مختلــف مراحلهــا بمــا يضمــن نزاهــة االنتخابــات وشــفافيتها ومصداقيتهــا» ويقتضي‬
‫النظــر فيهــا «عــدم التوقــف عنــد إلغــاء القــرارات املعيبــة وإنمــا يتطلــب صالحيات أوســع»‪.3‬‬
‫وتم ّكــن صالحيــات القضــاء الكامــل املحكمــة مــن إصــدار القــرار املســتوجب بعــد إجــراء‬
‫الرقابــة علــى نحــو يكــون معــه قابــا للتنفيــذ مباشــرة مــن قبــل الهيئــة دون اتخــاذ قــرار‬
‫جديــد بمــا يح ـ ّد مــن خطــر ســوء التنفيــذ أو فتــح آجــال جديــدة للطعــن قــد تحــول دون‬
‫االلتــزام بالروزنامــة‪.4‬‬
‫وتكتســي آجــال القيــام أمــام املحاكــم صبغــة ملزمــة الرتباطهــا بالحــق فــي التقاضــي‬
‫املضمــون بموجــب الفصــل ‪ 108‬مــن الدســتور واملواثيــق الدوليــة‪ .‬وقــد اعتبــرت املحكمــة‬
‫اإلداريــة «أنّ آجــال القيــام لــدى القضــاء تع ـ ّد مــن متعلقــات النظــام العــام التــي ال تنــال‬

‫‪ .1‬النقطــة ‪ 5‬مــن الفصــل ‪ 3‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 23‬لســنة ‪ 2012‬املــؤرخ فــي ‪ 20‬ديســمبر ‪ 2012‬املتعلــق‬
‫بالهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات كمــا تــم تنقيحــه وإتمامــه بالقانــون األساســي عــدد ‪ 44‬لســنة ‪ 2013‬املــؤرخ فــي‬
‫‪ 1‬نوفمبــر ‪ 2013‬وبالقانــون األساســي عــدد ‪ 52‬لســنة ‪ 2013‬املــؤرخ فــي ‪ 28‬ديســمبر ‪« 2013‬تتولــى الهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات القيــام بجميــع العمليــات املرتبطــة بتنظيــم االنتخابــات واالســتفتاءات وإدارتهــا واإلشــراف‬
‫عليهــا طبقــا لهــذا القانــون وللتشــريع االنتخابــي وتقــوم فــي هــذا اإلطــار خاصــة بمــا يلــي‪ - 5 ...« :‬وضــع روزنامــة‬
‫االنتخابــات واالســتفتاءات وإشــهارها وتنفيذهــا بمــا يتفــق مــع املــدد املقــررة بالدســتور والقانــون االنتخابــي»‬
‫‪ .2‬املحكمــة اإلداريــة‪ / 83 ،‬نــزاع انتخابــي بتاريــخ ‪ 7‬نوفمبــر ‪« 2011‬القاضــي املتعهــد بالنظــر فــي النزاعــات املتعلقــة‬
‫بنتائــج االنتخابــات التــي تنــدرج فــي إطــار نزاعــات القضــاء الكامــل (يتمتــع) بصالحيــات واســعة»‬
‫‪ .3‬املحكمة اإلدارية‪ ،‬الدائرة االبتدائية ببنزرت ‪ 03900001‬بتاريخ ‪ 14‬مارس ‪2018‬‬
‫‪ .4‬بمناســبة النظــر فــي نزاعــات الترشــح لالنتخابــات الرئاســية لســنة ‪ 2019‬أصــدرت إحــدى الدوائر االســتئنافية قرارات‬
‫تقضــي بـــ «قبــول الطعــن شــكال وأصــا وإلغــاء القــرار املطعــون فيــه وإلــزام الهيئــة املطعــون ض ّدهــا بإعــام الطاعــن‬
‫باإلخــاالت التــي شــابت قائمــة املزكــن ومطالبتــه بتداركهــا طبقــا ألحــكام الفصــل ‪ 41‬مــن القانــون االنتخابــي والفصــل‬
‫‪ 14‬مــن قرارهــا عــدد ‪ 18‬املتع ّلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات الرئاســية» املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬القضايــا عــدد‬
‫‪ 20192017‬و‪ 20192018‬و‪ 20192020‬بتاريــخ ‪ 22‬أوت ‪ 2019‬وهــو مــا يعتبــر تخليــا عــن ممارســة الصالحيــات الكاملــة‬
‫الراجعــة للقاضــي وفتحــا إلمكانيــة إصــدار قــرار جديــد مــن قبــل الهيئــة قــد يكــون معيبــا مــن حيــث شــرع ّيته ويمكــن‬
‫أن يتمســك املعنــي بالطعــن فيــه علــى طوريــن للتقاضــي وهــو مــا قــد يحــدث اضطرابــا فــي تنفيــذ الروزنامــة االنتخابيــة‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪50‬‬

‫مــن صبغتهــا الوجوبيــة أهميــة االنتخابــات وال الرغبــة فــي إنجــاح العمليــة االنتخابيــة»‪.1‬‬
‫وتخضــع املنازعــات االنتخابيــة إلــى طوريــن للتقاضــي اعتمــادا علــى املبــدإ الدســتوري‬
‫للتقاضــي علــى درجتــن‪ .2‬وبموجــب التنصيــص الصريــح بالقانــون فــإن القــرارات النهائية‬
‫الصــادرة بشــأنها ال تقبــل أي وجــه مــن أوجــه الطعــن األخــرى ولــو بالتعقيــب احترامــا‬
‫لتحديــد املــدد املضبوطــة صلــب الروزنامــة‪ .‬وهــو مــا أ ّكدتــه املحكمــة اإلداريــة عبر قــرار من‬
‫الجلســة العامــة‪ 3‬بعــد أن قبلــت إحــدى الدوائــر االســتئنافية مطلبــا فــي إعــادة النظــر فــي‬
‫إطــار الطعــون فــي القــرارات املرتبطــة بالترشــحات لالنتخابــات التشــريعية لســنة ‪.4 2019‬‬
‫غيــر أن تنصيــص القانــون علــى أوجــه الطعــن «االنتخابــي» وفــق اإلجــراءات الخاصــة‬
‫التــي يضبطهــا القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ ،2014‬ال يمنــع بقيــة أوجــه الطعــن‬
‫املوضوعــي فــي املقــررات اإلداريــة بمــا تبقــى معــه دعــوى تجــاوز الســلطة ومــا يرتبــط‬
‫بهــا مــن طلــب إيقــاف التنفيــذ جائــزا متــى قــ ّدر القضــاء تو ّفــر شــروطه العامــة‪.‬‬
‫وعلــى خــاف املوقــف بعــدم قبــول الطعــن بتجــاوز الســلطة فــي أمــر دعــوة الناخبــن‪،5‬‬
‫وإلــى فقــه قضــاء مســتقر يرفــض الطعــن بتجــاوز الســلطة فــي القــرارات التــي ال تم ّثــل‬
‫قــرارات منفصلــة عــن عمليــات يخــرج االختصــاص فيهــا عــن قاضــي تجــاوز الســلطة‬
‫(علــى غــرار النزاعــات الجبائيــة مثــا) فقــد انتهــت املحكمــة اإلداريــة فــي ‪ 2019‬إلــى‬
‫قبــول طلــب إيقــاف تنفيــذ (طلــب مرتبــط بدعــوى تجــاوز الســلطة) الروزنامــة االنتخابيــة‪.‬‬

‫‪ .1‬املحكمة اإلدارية ‪ 20181014‬بتاريخ ‪ 14‬مارس ‪2018‬‬


‫«لــكل شــخص الحــق فــي محاكمــة عادلــة فــي أجــل معقــول‬‫ّ‬ ‫‪ .2‬يقتضــي الفصــل ‪ 108‬مــن الدســتور مــا يلــي‪:‬‬
‫واملتقاضــون متســاوون أمــام القضــاء‪ .‬حــق التقاضــي وحــق الدفــاع مضمونــان وييســر القانــون اللجــوء إلــى‬
‫القضــاء ويكفــل لغيــر القادريــن ماليــا اإلعانــة العدليــة‪ .‬ويضمــن القانــون التقاضــي علــى درجتــن‪ .‬جلســات املحاكــم‬
‫علنيــة إال إذا اقتضــى القانــون ســريتها وال يكــون التصريــح بالحكــم إال فــي جلســة علنيــة‪ ».‬وعلــى التنصيــص‬
‫صلــب القانــون االنتخابــي علــى عــدم قبــول األحــكام االســتئنافية ألي وجــوه مــن أوجــه الطعــن ولــو بالتعقيــب‪.‬‬
‫‪ .3‬املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الجلســة العامــة‪ ،‬قــرار فــي مــادة إعــادة النظــر عــدد ‪ 63195‬بتاريــخ ‪ 27‬ديســمبر ‪« 2019‬وحيــث أن‬
‫مطلــب إعــادة النظــر يكــون حريــا بعــدم القبــول طاملــا أن قــرارات الجلســة العامــة هــي قــرارات باتــة ال تقبــل أي وجــه‬
‫مــن أوجــه الطعــن ولــو بالتعقيــب وال غيــره»‪.‬‬
‫‪ .4‬املحكمة اإلدارية الدائرة االستئنافية العاشرة قرار في مادة إعادة النظر‪ ،‬عدد ‪ ،62194‬بتاريخ ‪ 31‬أوت ‪2019‬‬
‫ورغــم عــدم تأثيــر ذلــك القــرار علــى مواعيــد الروزنامــة بالنظــر إلــى صــدوره وأخــذه بعــن االعتبــار مــن الهيئــة‬
‫قبــل اإلعــان عــن القائمــات املقبولــة نهائيــا بتاريــخ ‪ 31‬أوت ‪ 2019‬فــإن قبــول الطعــن كان يمكــن أن يــؤدي علــى‬
‫خــاف ذلــك وأن يؤثــر علــى تنفيــذ الروزنامــة أو إلــى صــدور قــرار قضائــي غيــر قابــل للتنفيــذ مــن الهيئــة‪.‬‬
‫‪ .5‬يراجع مثال الحكم عدد ‪ 26760‬بتاريخ ‪ 15‬جويلية ‪ 2008‬بخصوص أمر دعوة الناخبني الستفتاء ‪ 26‬ماي ‪2002‬‬
‫‪51‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وقــد تولــى أحــد املترشــحني لــدورة اإلعــادة لالنتخابــات الرئاســية تقديــم طلــب توقيــف‬
‫متمســكا بأنــه تــم النيــل مــن مبــدإ املســاواة وتكافــؤ الفــرص‬
‫ّ‬ ‫‪1‬‬
‫روزنامــة الــدورة الثانيــة‬
‫بمقولــة أنــه كان موقوفــا فــي إطــار التحقيــق فــي قضيــة جزائيــة ولــم يتــم إطــاق ســراحه‬
‫إال بضعــة أيــام قبــل يــوم االقتــراع‪.‬‬
‫وقــد تــم البــت فــي املطلــب قبــل تاريــخ االقتــراع املحــدد ليــوم ‪ 13‬أكتوبــر ‪2019‬‬
‫وانتهــى إلــى الرفــض بنــاء علــى أن القانــون االنتخابــي هــو الــذي يحــدد تنظيــم دورة‬
‫اإلعــادة فــي أجــل أســبوعني مــن تاريــخ اإلعــان عــن النتائــج النهائيــة للــدورة األولــى‪.‬‬
‫كمــا تــم تقديــم مطالــب فــي إيقــاف تنفيــذ روزنامــة االنتخابــات البلديــة الجزئيــة فــي بعــض‬
‫البلديــات التــي اســتنفذت فيهــا القائمــات فــي حــدود ثلــث أعضــاء املجلــس املنتخــب‬
‫بنــاء علــى أن الترشــحات كان يجــب أن تق ـ ّدم فــي حــدود ‪ 6‬أعضــاء فقــط ال فــي جملــة‬
‫مقاعــد املجلــس البلــدي‪ .‬وفــي قــراره بتاريــخ ‪ 9‬مــارس ‪ 2 2020‬قبــل القاضــي توقيــف‬
‫تنفيــذ روزنامــة انتخابــات بلديــة الفــوار الصــادرة بتاريــخ ‪ 17‬جانفــي ‪ 2020‬والتــي كانــت‬
‫قائمــة الترشــحات النهائيــة بخصوصهــا قــد أعلنــت يــوم ‪ 4‬مــارس ‪ .2020‬وبغــض النظــر‬
‫عــن املوقــف فــي أصــل اإلشــكال القانونــي بخصــوص االنتخابــات البلديــة الجزئيــة فــي‬
‫حالــة اســتنفاذ ثلــث أعضــاء املجلــس البلــدي‪ ،‬فــإن توقيــف تنفيــذ روزنامــة االنتخابــات‬
‫يطــرح إشــكاال حقيقيــا فــي عالقــة الزمــن االنتخابــي بالزمــن القضائــي‪ .‬ضــرورة أن‬
‫القــرار بتوقيــف التنفيــذ ينــص علــى إيقــاف الروزنامــة إلــى حــن البــت فــي القضيــة‬
‫األصليــة وهــو أجــل غيــر مح ـ ّدد ويمكــن أن يكــون بعــد ســنوات كاملــة بمــا مــن شــأنه‬
‫أن ينــال مــن جوهــر إجــراء االنتخابــات فــي آجــال محــددة وفقــا ملبــدإ الدوريــة‪.‬‬
‫وطبقــا للقانــون االنتخابــي يتح ـ ّدد االختصــاص القضائــي للنظــر فــي نزاعــات مــا قبــل‬
‫االقتــراع علــى النحــو التالــي‪:3‬‬

‫‪ .1‬املحكمة اإلدارية‪ ،‬قرار توقيف تنفيذ عدد ‪ 4104158‬بتاريخ ‪ 11‬أكتوبر ‪.2019‬‬


‫‪ .2‬املحكمة اإلدارية‪ ،‬قرار توقيف تنفيذ عدد ‪ 4105076‬بتاريخ ‪ 9‬مارس ‪.2020‬‬
‫‪ .3‬مــع مراعــاة األجــال الخاصــة باالنتخابــات الجزئيــة واالنتخابــات الســابقة ألوانهــا وحالة وفــاة أحد املترشــحني للدورة‬
‫األولــى أو دورة اإلعــادة لالنتخابــات الرئاســية واملضبوطــة بالفصــل ‪ 49‬والفصــل ‪ 148‬مكــرر مــن القانــون االنتخابــي‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪52‬‬

‫املحكمة‬ ‫املحكمة‬
‫أجل‬ ‫أجل الطعن‬
‫املختصة‬ ‫املختصة‬ ‫صنف الطعن‬
‫االستئناف‬ ‫ابتدائيا‬
‫استئنافيا‬ ‫ابتدائيا‬
‫ثالثة أيام‬ ‫املحاكم‬ ‫املحاكم االبتدائية ثالثة أيام من‬ ‫الطعن في القائمات‬
‫من تاريخ‬ ‫االستئنافية‬ ‫العدلية املختصة اإلعالم بقرار‬ ‫األولية للناخبني‬
‫العدلية املختصة اإلعالم بالحكم‬ ‫ترابيا واملحكمة الهيئة بخصوص‬
‫‪2‬‬
‫االبتدائي‬ ‫ترابيا‬ ‫‪1‬‬
‫االبتدائية تونس االعتراض اإلداري‬
‫‪ 1‬بخصوص‬
‫التونسيني‬
‫بالخارج‬
‫ثالثة أيام من‬ ‫الدوائر‬ ‫املحكمة االبتدائية ثالثة أيام من تاريخ‬
‫تاريخ اإلعالم‬ ‫االستئنافية‬ ‫تشريعية العدلية املختصة اإلعالم بالقرار أو‬
‫‪4‬‬
‫للمحكمة اإلدارية بالحكم‬ ‫‪3‬‬
‫التعليق‬ ‫ترابيا‬ ‫الطعن في‬
‫الجلسة العامة يومان من تاريخ‬ ‫يومان من تاريخ‬ ‫الدوائر‬ ‫قرارات‬
‫‪6‬‬
‫للمحكمة اإلدارية اإلعالم بالحكم‬ ‫اإلعالم بالقرار أو‬ ‫رئاسية االستئنافية‬ ‫قبول أو‬
‫‪5‬‬
‫باملحكمة اإلدارية التعليق‬ ‫رفض‬
‫ثالثة أيام من‬ ‫املحاكم اإلدارية‬ ‫املحاكم اإلدارية ثالثة أيام من تاريخ‬ ‫الترشحات‬
‫بلدية‬
‫تاريخ اإلعالم‬ ‫‪9‬‬
‫االستئنافية‬ ‫اإلعالم بالقرار أو‬ ‫‪7‬‬
‫االبتدائية‬
‫وجهوية‬
‫‪10‬‬
‫بالحكم‬ ‫‪8‬‬
‫التعليق‬

‫‪ .1‬الفصل ‪ 16‬من القانون االنتخابي‬


‫‪ .2‬الفصل ‪ 18‬من القانون االنتخابي‬
‫‪ .3‬الفصل ‪ 27‬من القانون االنتخابي‬
‫‪ .4‬الفصل ‪ 29‬من القانون االنتخابي‬
‫‪ .5‬الفصل ‪ 46‬من القانون االنتخابي‬
‫‪ .6‬الفصل ‪ 47‬من القانون االنتخابي‬
‫‪ .7‬وفقــا للفصــل ‪ 174‬مكــرر فقــرة أولــى مــن القانــون االنتخابــي فإنــه «إلــى حــن صــدور القانــون املتعلــق بتنظيــم‬
‫القضــاء اإلداري واختصاصاتــه واإلجــراءات املتبعــة لديــه والنظــام األساســي الخــاص بقضاتــه وتولــي املحاكــم اإلداريــة‬
‫االبتدائيــة املنصــوص عليهــا بهــذا القانــون ملهامهــا تتعهــد دوائــر ابتدائيــة بالجهــات متفرعــة عــن املحكمــة اإلداريــة يتــم‬
‫إحداثهــا طبــق الفصــل ‪ 15‬جديــد مــن القانــون املتعلــق باملحكمــة اإلداريــة باالختصــاص املســند للمحاكــم املذكــورة‪».‬‬
‫‪ .8‬الفصل ‪ 49‬سابع عشر من القانون االنتخابي‬
‫‪ .9‬وفقــا للفصــل ‪ 174‬مكــرر فقــرة ثانيــة مــن القانــون االنتخابــي فإنــه وفــي أحــكام انتقاليــة «تتولــى كل مــن الجلســة‬
‫العامــة القضائيــة والدوائــر االســتئنافية باملحكمــة اإلداريــة االختصاصــات املوكولــة بموجــب هــذا القانــون لــكل مــن‬
‫املحكمــة اإلداريــة العليــا وللمحاكــم اإلداريــة االســتئنافية»‬
‫‪ .10‬الفصل ‪ 49‬تاسع عشر من القانون االنتخابي‬
‫‪53‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وتتميــز هــذه اآلجــال بصبغتهــا املختصــرة‪ 1‬مراعــاة لضغــط الزمــن فــي العمليــة االنتخابيــة‬
‫وهــو مــا تســمح بــه املبــادئ الدوليــة والقواعــد التوجيهيــة فــي مجــال االنتخابــات‪.2‬‬
‫ولئــن تبــدو اإلجــراءات املرتبطــة بالطعــون قبــل يــوم االقتــراع مضبوطــة بموجــب نــص‬
‫القانــون فإنهــا تطــرح فــي عالقتهــا بالروزنامــة االنتخابيــة عــددا مــن التعقيــدات‪.‬‬
‫فمــن جهــة أولــى علــى الروزنامــة االنتخابيــة أن تــوازن عنــد تحديــد املواعيــد التقديريــة ‪3‬‬
‫بــن اإلتاحــة الفعليــة لحقــوق االنتخــاب والترشــح واالقتــراع والحــق في محاكمــة عادلة من‬
‫ناحيــة وتناســق الروزنامــة وعــدم إثقالهــا بمــا ينــال مــن فعاليــة املشــاركة فــي االنتخابــات‬
‫كعمليــة سياســية مــن ناحيــة أخــرى‪ .‬وتأخــذ الهيئــة فــي ذلــك بعــن االعتبــار‪ ،‬ترابــط مراحل‬
‫العمليــة االنتخابيــة وأيــام العمــل ومواعيــد مختلــف العطل ‪ 4‬بما في ذلك العطل األســبوعية‪.‬‬
‫ويمكن تقديم مثالني على ذلك‪:‬‬
‫• يتعلــق املثــال األول بمــدى إمكانيــة اختيــار تاريــخ ‪ 8‬ســبتمبر كيــوم اقتــراع‬
‫لالنتخابــات الرئاســية الســابقة ألوانهــا فــي انتخابــات ‪ .2019‬إذ بــدا ذلــك التاريــخ‬
‫لعــدد مــن املتابعــن واملختصــن متاحــا بــل ومحبــذا الختصــار آجــل االنتخابــات‬
‫الرئاســية الســابقة ألوانهــا‪ .‬غيــر أن إجــراء محــاكاة كاملــة للروزنامــة يب ّيــن أن ذلــك‬
‫املوعــد الــذي يقتضــي انطــاق الحملــة االنتخابيــة قبــل ‪ 13‬يومــا وفقــا للفصــل ‪ 49‬مــن‬
‫القانــون االنتخابــي أي يــوم ‪ 26‬أوت ‪ 2019‬كان ســيؤدي إلــى خلــل جســيم باعتبــار أن‬

‫‪ .1‬ال تتجاوز آجال البت في املنازعات وفقا للقانون االنتخابي سبعة أيام من تاريخ جلسة املرافعة‬
‫‪ .2‬تراجــع مثــا مدونــة حســن الســلوك فــي مجــال االنتخابــات‪ ،‬الخطــوط التوجيهيــة والتقريــر التفســيري‪،‬‬
‫املعتمــدة مــن لجنــة البندقيــة (اللجنــة األوروبيــة للديمقراطيــة مــن خــال القانــون) فــي دورتهــا ‪ 52‬بتاريــخ‬
‫‪ 19 - 18‬أكتوبــر ‪« 2002‬يجــب أن تكــون مســطرة الطعــن مختصــرة قــدر اإلمــكان‪ ،‬خاصــة عندمــا يتعلــق‬
‫األمــر بالقــرارات املتخــذة قبــل االقتــراع ويتعــن فيمــا يخــص هــذه النقطــة تجنــب عقبتــن‪ .‬مــن جهــة أن ال‬
‫تــؤدي مســطرة الطعــن إلــى تأخيــر املسلســل االنتخابــي ومــن جهــة ثانيــة ونظــرا النعــدام أثــر التعليــق أن ال‬
‫يتــم اتخــاذ قــرارات الطعــن بعــد االنتخابــات والحالــة هــذه أنــه كان باإلمــكان اتخاذهــا قبــل ذلــك‪ ».‬ص ‪38‬‬
‫‪ .3‬الفصــل ‪ 13‬فقــرة ثانيــة مــن القانــون االنتخابــي «وتضبــط الهيئــة آجــال وضــع قائمــات الناخبــن علــى ذمــة العمــوم‬
‫ومـ ّدة نشــرها وتعلــن عــن حلــول هــذه اآلجــال بواســطة وســائل اإلعــام املكتوبــة والســمعية واملرئيــة مــع الحــرص علــى‬
‫توفيــر مترجمــن مختصــن فــي لغــة اإلشــارة‪».‬‬
‫الفصــل ‪ 21‬فقــرة أولــى مــن القانــون االنتخابــي «يقــ ّدم مطلــب الترشــح لالنتخابــات التشــريعية إلــى الهيئــة‬
‫مــن قبــل رئيــس القائمــة املترشــحة أو أحــد أعضائهــا طبــق روزنامــة وإجــراءات تضبطهــا الهيئــة» والفصــل‬
‫‪ 43‬مــن القانــون االنتخابــي «تتولــى الهيئــة ضبــط روزنامــة الترشــحات (لالنتخابــات الرئاســية) وإجــراءات‬
‫تقديمهــا وقبولهــا والبــت فيهــا» الفصــل ‪ 49‬سادســا «يقــ ّدم مطلــب الترشــح لالنتخابــات البلديــة أو الجهويــة إلــى‬
‫الهيئــة مــن قبــل رئيــس القائمــة املترشــحة أو أحــد أعضائهــا طبــق روزنامــة وإجــراءات تضبطهــا الهيئــة‪».‬‬
‫‪ .4‬يحـ ّدد األمــر عـــدد ‪ 317‬لســـنة ‪ 2011‬املــؤرخ فـــي ‪ 26‬مـــارس ‪ 2011‬ضبـــط أيـــام األعيــاد التــــي تخــــول عطلــــة ألعــوان‬
‫الدولــــة والجماعــــات املحلية واملؤسســات العموميــــة ذات الصبغــــة اإلدارية‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪54‬‬

‫تطبيــق آجــال املنازعــة بخصــوص الترشــحات لــم يكــن يخ ـ ّول تحديــد موعــد النتهائهــا‬
‫(باعتبــار طوريــن للتقاضــي طــور ابتدائــي وطــور اســتئنافي) واإلعــان عــن القائمــة‬
‫النهائيــة للمترشــحني إال بتاريــخ ‪ 29‬أوت ‪ 2019‬وهــو مــا كان ســيؤول إلــى إقــرار روزنامــة‬
‫انتخابيــة ال تحتــرم فعليــا حــق اللجــوء للقضــاء وفقــا للمبــدإ الدســتوري للتقاضــي‬
‫علــى درجتــن وتق ـ ّرر بدايــة الحملــة االنتخابيــة قبــل انقضــاء الطعــون فــي الترشــحات‪.‬‬
‫• أمــا املثــال الثانــي فيتعلــق بتحديــد فتــرة قبــول الترشــحات لالنتخابــات التشــريعية‬
‫لســنة ‪ 2019‬مــن ‪ 22‬جويليــة إلــى ‪ 29‬جويليــة ‪ .2019‬إذ تــم تحديــد آخــر أجــل لإلعــان عــن‬
‫القائمــات املقبولــة أوليــا يــوم ‪ 6‬أوت ‪ 2019‬بغايــة ضبــط أجــل تقديــم الطعــون القضائيــة‬
‫أيــام ‪ 7‬و‪ 8‬و‪ 9‬أوت ‪ 2019‬بمــا يوافــق ثالثــة أيــام عمــل تنتهــي بيــوم الجمعــة وهــو مــا‬
‫يم ّكــن مــن تفــادي تمطيــط الروزنامــة لــو وافــق آخــر يــوم لتقديــم الطعــون القضائيــة يــوم‬
‫عطلــة أســبوعية بالنظــر إلــى أن قواعــد احتســاب اآلجــال القضائيــة تقتضــي أنــه «إذا‬
‫‪1‬‬
‫وافـــق حلـــول األجل يـــوم عيـــد رســـمي اعتبـــر مكانـه اليـــوم الـذي يليـه ممـــا ليـس بعيـد»‬
‫وبانتهــاء أجــل تقديــم الطعــون يــوم الجمعــة أمكــن اعتبــار يومــي الســبت واألحــد ضمــن‬
‫األجــل األقصــى املحــدد بثالثــة أيــام لتعيــن جلســات املرافعــة ومــن ثمــة برمجــة تلــك‬
‫الجلســات فــي يــوم العمــل املوالــي مباشــرة‪.‬‬
‫ولــم يكــن علــى الهيئــة فــي ‪ 2014‬الســعي إلــى مراعــاة توافــق مواعيــد الروزنامــة مــع أيــام‬
‫العمــل فــي خصــوص اآلجــال القضائيــة باعتبــار أن القانــون عــدد ‪ 36‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ‬
‫فــي ‪ 8‬جويليــة ‪ 2014‬املتعلــق بتحديــد مواعيــد أول انتخابــات تشــريعية ورئاســية بعــد‬
‫املصادقــة علــى الدســتور نــص صلــب الفصــل ‪ 5‬منــه علــى أنــه «باســتثناء أيــام األعيــاد‬
‫الوطنيــة والدينيــة‪ ،‬تعتبــر كامــل أيــام األســبوع أيــام عمل وتحتســب فــي ع ّد اآلجــال املتعلقة‬
‫بالطعــون االنتخابيــة الــواردة فــي القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪26‬‬
‫مــاي ‪ 2014‬املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء‪ ،‬بالنســبة إلــى املحاكــم املتعهــدة بالنظــر فــي‬
‫مختلــف هــذه الطعــون واألطــراف املعنيــة بالنــزاع»‪ .‬ولــم يت ـ ّم التنصيــص صلــب القانــون‬
‫االنتخابــي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬علــى أي قاعــدة دائمــة تم ّكــن مــن اســتمرار هــذه الطريقــة‬
‫فــي عـ ّد اآلجــال املتعلقــة بالطعــون القضائيــة فــي العمليــة االنتخابيــة وهو ما يفســر أن املدة‬
‫القصــوى لطعــون الترشــحات املعتمــدة فــي روزنامــة االنتخابــات التشــريعية لســنة ‪2014‬‬
‫كانــت ‪ 18‬يومــا فــي حــن أنهــا بلغــت فــي ‪ 2019‬ورغــم العمل علــى اختصارها مـ ّدة ‪ 24‬يوما‪.‬‬
‫ولئــن كان تطبيــق القواعــد العاديــة الحتســاب اآلجــال القضائيــة يتــاءم ومنطــق ديمومــة‬
‫األحــكام القانونيــة وحصــر مجــاالت االســتثناء‪ ،‬فــإن القانــون االنتخابــي كان فــي املقابــل‬
‫خاليــا مــن أحــكام لعــ ّد اآلجــال تتــاءم مــع الصبغــة االســتثنائية لالنتخابــات الجزئيــة‬

‫‪ .1‬الفصل ‪ 143‬من مجلة االلتزامات والعقود‬


‫‪55‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫واالنتخابــات الســابقة ألوانهــا‪ .‬وتبينــت الحاجــة امللحة لذلك بمناســبة االنتخابات الرئاســية‬
‫الســابقة ألوانهــا فــي ‪ .2019‬إذ أنــه ورغــم إشــارة الهيئة صلب تقرير االنتخابات التشــريعية‬
‫والرئاســية لســنة ‪ 2014‬بــأن «الفصــل ‪( 49‬أغفــل عــن) التنصيــص على احتســاب كامل أيام‬
‫األســبوع أيــام عمــل ضمــن اآلجــال املضيقــة‪ .‬وقــد يــؤدي غيــاب مثــل هــذا التنصيــص إلــى‬
‫تجــاوز اآلجــال الدســتورية والقانونيــة إلجــراء االنتخابــات الســابقة ألوانهــا واالنتخابــات‬
‫الجزئيــة»‪ 1‬فإنــه لــم يتــم تنقيــح القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬فــي هــذا االتجــاه‪.‬‬
‫وهــو مــا أ ّدى إلــى تجــاوز تقديــر أجــل التصريــح بالنتائــج النهائيــة لالنتخابــات الرئاســية‬
‫الســابقة ألوانهــا فــي صــورة تنظيــم دورة ثانيــة وفــق الروزنامــة املحــددة مــن الهيئــة فــي‬
‫‪ 25‬جويليــة ‪ 2019‬لألجــل الدســتوري املحــدد لتولــي الرئيــس املنتخــب مهامــه ‪ 2‬وكان ذلــك‬
‫راجعــا إلــى عــدم إمكانيــة اختصــار الهيئــة آلجــال التقاضــي ذات املرتبــة التشــريعية‬
‫واملرتبطــة بحــق التقاضــي وعــدم كفايــة اختصــار اآلجــال املخصصــة ملمارســة الهيئــة‬
‫الختصاصاتهــا ‪ 3‬لاللتــزام باملجــال الزمنــي املحــدد دســتوريا بتســعني يومــا مــن تاريــخ‬
‫معاينــة الشــغور النهائــي‪ .‬وقــد تــم تفاعــا مــع موقــف الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات‬
‫تقديــم مقتــرح قانــون عرضــت مناقشــته أمــام اللجنــة املختصــة بمجلــس نــواب الشــعب‬
‫والجلســة العامــة واملصادقــة عليــه ليصــدر فــي ‪ 30‬أوت ‪ 2019‬إتمــام للقانــون االنتخابــي‬
‫(الفصــل ‪ 148‬مكــرر) يم ّكــن مــن اختصــار آجــال الطعــن فــي النتائــج األوليــة ومــن‬
‫احتســاب كامــل أيــام األســبوع أيــام عمــل فــي حالــة تنظيــم انتخابــات ســابقة ألوانهــا‪.‬‬
‫أمــا مــن جهــة ثانيــة فــإن االلتــزام بآجــال الطعن والبــت القضائــي واإلعالم باألحــكام خالل‬
‫املســار االنتخابــي يعتبــر ضمانة لحســن تنفيذ الروزنامة االنتخابيــة ضرورة أن عدم التقيد‬
‫باإلجــراءات واآلجــال املضبوطــة قــد يؤول إلــى انخرام املواعيد املخصصــة ملختلف املراحل‬
‫بالنظــر إلــى أن العمليــة االنتخابيــة تعتبــر عمليــة مركبــة وعلــى درجــة عاليــة مــن التعقيــد‪.‬‬
‫وكمثــال علــى ذلــك واســتنادا إلــى أن آخــر أجــل لإلعــام بالقــرارات املتعلقــة‬
‫بالترشــحات لالنتخابــات الرئاســية وتعليقهــا فــي ‪ 2019‬حــدد وفقــا للروزنامــة ليــوم‬

‫‪ .1‬يراجع تقرير الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات حول االنتخابات التشريعية والرئاسية ‪ 2014‬ص ‪77‬‬
‫‪ .2‬نــص الفصــل ‪ 84‬مــن الدســتور علــى أن يتولــى رئيــس مجلــس نــواب الشــعب فــي حالــة الشــغور النهائــي‬
‫ملنصــب رئيــس الجمهوريــة تلــك املهــام بصفــة مؤقتــة ألجــل أدنــاه ‪ 45‬يومــا وأقصــاه ‪ 90‬يومــا‪ .‬فــي حــن أن‬
‫الروزنامــة املعلنــة بتاريــخ ‪ 25‬جويليــة ‪ 2019‬والتــي اعتمــدت أكثــر الفرضيــات اختصــارا قــدرت أجــل التصريــح‬
‫بالنتائــج النهائيــة للــدورة األولــى بعــد انقضــاء الطعــون فــي تاريــخ أقصــاه ‪ 21‬أكتوبــر ‪ 2019‬بمــا يجعــل الــدورة‬
‫األولــى تســتغرق ‪ 88‬يومــا ويــؤدي تنظيــم دورة ثانيــة إلــى امتــداد الرئاســة املؤقتــة إلــى مــا يزيــد عــن ‪ 137‬يومــا‪.‬‬
‫‪ .3‬حــددت الروزنامــة الصــادرة بموجــب قــرار الهيئــة عــدد ‪ 20‬لســنة ‪ 2019‬املــؤرخ فــي ‪ 25‬جويليــة ‪2019‬‬
‫أجــل تقديــم الترشــحات مــن ‪ 2‬إلــى ‪ 9‬أوت وحــددت لــكل مــن عمليــات التصحيــح والبــت األولــي واإلعــان‬
‫عــن قائمــة املترشــحني املقبولــن أوليــا أجــا ال يتجــاوز يــوم ‪ 14‬أوت ‪ 2019‬مدرجــة بذلــك كال مــن عطلــة‬
‫عيــد األضحــى وعطلــة عيــد املــرأة ضمــن آجــال البــت الراجعــة للهيئــة بموجــب القانــون االنتخابــي‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪56‬‬

‫‪ 14‬أوت فقــد قــ ّدرت الهيئــة يومــي ‪ 15‬و‪ 16‬أوت لتقديــم الطعــون ضــد قــرارات قبــول‬
‫ورفــض الترشــح وفقــا ملــا يقتضيــه الفصــل ‪ 46‬مــن القانــون االنتخابــي‪ .1‬كمــا قــ ّدرت‬
‫يــوم ‪ 19‬أوت ‪ 2019‬كتاريــخ أقصــى للمرافعــة فــي الطــور االبتدائــي ويــوم ‪ 22‬أوت ‪2019‬‬
‫كأجــل أقصــى لإلعــام باألحــكام االبتدائيــة ويــوم ‪ 31‬أوت ‪ 2019‬كأجــل أقصــى لإلعــام‬
‫باألحــكام االســتئنافية اعتمــادا علــى مقتضيــات القانــون االنتخابــي والتــي تقتضــي‬
‫آجــاال مختصــرة فــي صــورة تنظيــم انتخابــات ســابقة ألوانهــا ال تتجــاوز خمســة أيــام‬
‫للبــت فــي الطــور االبتدائــي وخمســة أيــام للبــت فــي الطــور االســتئنافي‪ .‬غيــر أنــه فــي‬
‫إحــدى القضايــا تــم تجــاوز األجــل األقصــى لتقديــم الطعــن كمــا أن األجــل األقصــى‬
‫للتصريــح باألحــكام االبتدائيــة واإلعــام بهــا قــد تــم تجــاوزه فــي قضايــا أخــرى‪.‬‬
‫ولــو أن تجــاوز آجــال القيــام‪ ،‬بخطــإ مــن مقدمــي الطعــون‪ ،‬يبقــى ذا أثــر محــدود علــى تنفيذ‬
‫الروزنامــة بالنظــر إلــى أن مآلــه الطبيعــي يكــون رفــض الدعــوى شــكال وهــو من ث ّمــة ال يؤ ّثر‬
‫علــى املســار االنتخابــي‪ ،‬فــإن الخطــأ فــي آجــال اإلعــام مــن قبــل الهيئــة قــد يبقــي آجــال‬
‫الطعــن مفتوحــة‪ .‬وقــد أقــر القاضــي االنتخابــي جــواز اعتمــاد البريــد االلكترونــي كوســيلة‬
‫قانونيــة تثبــت اإلعــام‪ 2‬إال أنــه اشــترط أن يكــون ذلــك علــى العنــوان الصحيــح لضمــان‬
‫تسـ ّلمه‪ .‬وفــي إحــدى الحــاالت في ‪ 2019‬أدى تســرب خطإ إلى العنــوان االلكتروني إلى عدم‬
‫اعتمــاد تاريــخ اإلعــام بمــا أبقــى أجــل القيــام مفتوحــا‪ .‬ولوال أنّ مــآل الدعــوى كان الرفض‬
‫شــكال ألســباب أخــرى‪ 3‬أل ّدى هــذا الخلــل إلــى آثــار ســلبية علــى مســار العمليــة االنتخابية‪.‬‬
‫وبشــأن اإلعــام باألحــكام االبتدائيــة فهــي ذات تأثيــر علــى قبــول الطعــن باالســتئناف‪.‬‬
‫إذ أن القاضــي ال يرفــض الطعــن شــكال إال متــى كان مقدمــا خــارج اآلجــال القانونيــة‬

‫‪ .1‬الفصــل ‪ 46‬فقــرة أولــى‪« :‬يتــم الطعــن فــي قــرارات الهيئــة مــن قبــل املترشــحني أمــام الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة‬
‫اإلداريــة وذلــك فــي أجــل أقصــاه ‪ 48‬ســاعة مــن تاريــخ التعليــق أو اإلعــام‪.‬‬
‫‪ .2‬يراجع الحكم الصادر بتاريخ ‪ 14‬مارس ‪ 2018‬في القضية عدد ‪2018 - 1014‬‬
‫«وحيــث أنّ البريــد اإللكترونــي يع ـ ّد مــن الوســائل التــي تتــرك أثــرا كتاب ّيــا علــى معنــى الفصــل ‪ 453‬مك ـ ّرر مــن مجلــة‬
‫اإللتزامــات والعقــود‪ .‬وقــد دأبــت اإلدارة االنتخابيــة علــى اســتعماله ســواء لإلعــام بقراراتهــا أو ملطالبــة املترشــحني ممــن‬
‫اودعــوا لديهــا عنوانــا إلكترون ّيــا‪ ،‬بتصحيــح إجراءاتهــم فــي أقصر اآلجال وذلك مراعــاة لترابط مراحــل العملية االنتخابية‬
‫وضــرورة احتــرام الرزنامــة املضبوطــة مســبقا باعتباره من املحددات األساســية لنزاهة وشــفافية ومصداقية االنتخابات‪.‬‬
‫وحيــث طاملــا ثبــت توجيــه املراســلة االلكترونيــة بنجــاح علــى العنــوان الصحيــح للم ّدعــي‪ ،‬وهــو العنــوان الذي تولى بنفســه‬
‫تضمينــه بمطلــب ترشــح قائمتــه‪ ،‬فــإنّ العبــرة تكــون بتاريــخ ذلــك التوجيــه الــذي يتطابــق‪ ،‬اقتضــاء بالخصائــص التقنيــة‬
‫كل إثبــات جـ ّدي بخالفــه‪ ،‬مــع وصولهــا للمرســل إليه املحـ ّدد عنوانه باإلرســالية‪ .‬وليس‬ ‫للمراســلة االلكترونيــة وفــي غيــاب ّ‬
‫لهــذه الحكمــة ان تعتـ ّد بتاريــخ االطــاع الشــخصي للم ّدعــي علــى فحــوى املراســلة وان تأخّ ــر ذلــك االطــاع لعــدم تو ّفــر‬
‫الحــرص الــازم أو اإلرادة او التجهيــزات والتقنيــات املالئمــة مــن جهتــه أو مــن جهــة الشــركة التــي تعاقــد معهــا كمتق ّبــل‬
‫فهــو يتحمّــل املســؤولية الكاملــة عــن ذلــك التأخيــر ومــا قــد يــؤول إليــه مــن تفويــت لفرصــة العلــم بمــآل مطلــب الترشــح‪.».‬‬
‫‪ .3‬يراجع الحكم الصادر بتاريخ ‪ 23‬أوت ‪ 2019‬في القضية عدد ‪2019 - 2038‬‬
‫‪57‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫بدايــة مــن تاريــخ ثابــت لإلعــام‪ .‬وقــد ســبق أن انتهــى القاضــي االســتئنافي إلــى قبــول‬
‫‪1‬‬
‫الطعــن باالســتئناف فــي األحــكام الصــادرة فــي مــادة الترشــحات لالنتخابــات التشــريعية‬
‫أو الرئاســية‪ 2‬لســنة ‪ 2014‬والتــي لــم تتــول املحاكــم االبتدائيــة إعــام األطــراف باألحــكام‬
‫الصــادرة فيهــا فــي اآلجــال التــي يقتضيهــا القانــون‪ .‬أمــا فيمــا يتعلــق بآجــال البــت‬
‫مــن قبــل املحكمــة فــإن املشــرع وإن ضبــط أجــا مختصــرا فإنــه لــم يرتــب عــن تجــاوز‬
‫ذلــك األجــل جــزاء قانونيــا‪ .‬وتبقــى بالتالــي املحكمــة متعهــدة بالنــزاع إلــى حــن الفصــل‬
‫فيــه‪ .‬وفــي ‪ 2019‬حصــل أن تجــاوزت بعــض الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة فــي‬
‫الطــور االبتدائــي لنــزاع الترشــحات لالنتخابــات الرئاســية أجــل البــت املحــدد قانونــا‬
‫واألجــل األقصــى لإلعــام باألحــكام االبتدائيــة‪ 3‬وأدى ذلــك إلــى القبــول شــكال للطعــون‬
‫االســتئنافية املقدمــة بعــد التاريــخ األقصــى املقــ ّدر بالروزنامــة االنتخابيــة وبرمجــة‬
‫جلســات مرافعــة فــي خصوصهــا يــوم ‪ 30‬أوت ‪ .2019‬ولــوال التفاعــل اإليجابــي لقضــاة‬
‫الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة مــن خــال التصريــح باألحــكام فــي‬
‫نفــس تاريــخ املرافعــة‪ ،‬لــكان لذلــك التأخيــر أثــر جســيم علــى حســن تنفيــذ الروزنامــة‬
‫ســيما وقــد تــ ّم تحديــد موعــد انطــاق الحملــة االنتخابيــة فــي الخــارج ليــوم ‪ 31‬أوت‬
‫‪ 2019‬كمــا تمــت برمجــة انطــاق إجــراءات طباعــة بطاقــات التصويــت فــي التاريــخ ذاتــه‪.‬‬
‫علمــا وأنــه فــي حالــة ســابقة فــي ســنة ‪ 2014‬أدى تجــاوز أجــل اإلعــام بالحكــم مــن‬
‫قبــل محكمــة البدايــة‪ 4‬إلــى بقــاء أجــل االســتئناف مفتوحــا ثــم عــدم إمكانيــة تنفيــذ حكــم‬
‫اســتئنافي بقبــول ترشــح املدعــي باعتبــار أن أوراق االقتــراع كانــت حينهــا قــد طبعــت‪.‬‬
‫وقــد اختــار املشــرع منــذ ســنة ‪ ،2011‬وعلــى خــاف بعــض التجــارب املقارنــة‪ 5‬اعتمــاد‬

‫‪ .1‬تراجــع األحــكام عــدد ‪ 201410064‬و‪ 201410065‬و‪ 201410066‬و‪ 201410067‬الصــادرة عــن املحكمــة اإلداريــة بتاريــخ‬
‫‪ 20‬ســبتمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .2‬يراجع الحكم عدد ‪ 201460007‬الصادر عن املحكمة اإلدارية بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪2014‬‬
‫‪ .3‬فــي بعــض القضايــا تــ ّم ترســيم عريضــة الدعــوى يــوم ‪ 15‬أوت وتعيــن جلســة املرافعــة ليــوم ‪ 19‬أوت (راجــع‬
‫الحكمــن الصادريــن عــن الدائــرة االســتئنافية التاســعة فــي القضيتــن عــدد ‪ 20192011‬وعــدد ‪ 20192013‬بتاريــخ‬
‫‪ 21‬أوت ‪ ،)2019‬وفــي قضايــا أخــرى تــ ّم ترســيم العريضــة بكتابــة املحكمــة يــوم ‪ 16‬أوت وع ّينــت جلســة املرافعــة‬
‫الخاصــة بهــا ليــوم ‪ 20‬أوت (راجــع الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثامنــة فــي القضيــة عــدد ‪20192015‬‬
‫ّ‬
‫بتاريــخ ‪ 22‬أوت ‪ ،2019‬الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثامنــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20192017‬بتاريــخ ‪22‬‬
‫أوت ‪ ،2019‬الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية السادســة فــي القضيــة عــدد ‪ 20192022‬بتاريــخ ‪ 22‬أوت ‪2019‬‬
‫‪ .4‬يراجــع الحكــم الصــادر بتاريــخ ‪ 20‬ســبتمبر ‪ 2014‬تحــت عــدد ‪ 2014 - 10064‬والــذي اعتبــرت فيــه املحكمــة اإلداريــة‬
‫أن تقديــم مطلــب االســتئناف خمســة أيــام مــن تاريــخ صــدور الحكــم االبتدائــي يعـ ّد مق ّدمــا فــي اآلجــال فــي غيــاب مــا‬
‫يفيــد إعــام املســتأنف بالحكــم االبتدائــي‪.‬‬

‫‪ .5‬مثال القانون الفرنسي‬


‫‪"En principe, le tribunal administratif doit statuer dans un délai de deux mois sur les protestations‬‬
‫‪dont il est saisi en tant que juge électoral. Cependant, en cas de renouvellement général, ce délai est‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪58‬‬

‫آجــال مختصــرة للطعــون القضائيــة فــي النتائــج باعتبــار أن «القــرارات املتعلقــة بنتائــج‬
‫االقتــراع يجــب أن ال تأتــي متأخــرة خاصــة عندمــا يكــون املنــاخ السياســي مشــحونا‪ .‬ممــا‬
‫يقتضــي فــي آن واحــد أن تكــون أجــال الطعــن قصيــرة وأن تكــون هيئــة الطعــن ملزمــة‬
‫بالبــت فــي أقــرب وقــت ممكــن»‪ .1‬وقــد اعتمــد القانــون االنتخابــي أحكامــا موحــدة للطعــن‬
‫ـص الفصــل ‪ 148‬علــى أن تصـ ّرح الهيئــة‬ ‫فــي النتائــج صلــب الفصلــن ‪ 145‬و‪ 146‬منــه ونـ ّ‬
‫توصلهــا بآخــر حكــم صــادر عــن‬ ‫ّ‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـاعة‬
‫بالنتائــج النهائيــة لالنتخابــات فــي أجــل ‪ 48‬سـ‬
‫الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة‪ .‬وتقتضــي تلــك األحــكام القانونيــة مــا يلــي‪:‬‬

‫أجل االستئناف‬ ‫املحكمة املختصة‬ ‫أجل الطعن ابتدائيا‬ ‫املحكمة املختصة‬


‫استئنافيا‬ ‫ابتدائيا‬
‫ثالثة أيام من تاريخ‬ ‫املحكمة اإلدارية‬ ‫ثالثة أيام من تاريخ‬ ‫املحاكم اإلدارية‬ ‫الطعن في نتائج‬
‫‪5‬‬
‫اإلعالم بالحكم‬ ‫‪4‬‬
‫العليا‬ ‫تعليق النتائج بمقرات‬ ‫‪2‬‬
‫االستئنافية‬ ‫االنتخابات‬
‫‪3‬‬
‫الهيئة‬

‫ويكتســي اإلعــام باألحــكام املتعلقــة بالطعــون فــي النتائــج أثــرا بالغــا علــى تنفيــذ‬
‫الروزنامــة االنتخابيــة حــن يتعلــق األمــر بالــدور األول لالنتخابــات الرئاســية‪ .‬إذ ينــص‬
‫الفصــل ‪ 112‬فقــرة أولــى مــن القانــون االنتخابــي علــى أن يتـ ّم «فــي صــورة عــدم حصــول‬
‫أي مــن املترشــحني علــى األغلبيــة املطلقــة مــن األصــوات املصـ ّرح بهــا فــي الــدورة األولــى‬
‫تنظــم دورة ثانيــة خــال األســبوعني التاليــن لإلعــان عــن النتائــج النهائيــة للــدورة‬
‫األولــى يتق ـ ّدم إليهــا املترشــحان املحــرزان علــى أكثــر عــدد مــن األصــوات فــي الــدورة‬
‫األولــى»‪ .‬وفــي غيــر تلــك الصــورة فــإن االلتــزام بمقتضيــات الفصــل ‪ 148‬مــن قبــل املحكمــة‬
‫اإلداريــة يبقــى ذا أهميــة كبــرى لالطــاع علــى تعليــل األحــكام وإنجــاز مختلــف التقاريــر‬

‫‪porté à trois mois. Par ailleurs, dans les circonscriptions où le montant des dépenses électorales est‬‬
‫‪plafonné et où les candidats sont donc soumis au contrôle de la Commission nationale des comptes‬‬
‫‪de campagne et des financements politiques, le délai est prorogé afin de laisser à cette commission‬‬
‫‪le temps de statuer avant que le tribunal ne rende son jugement. Faute d’avoir statué dans les délais,‬‬
‫‪le tribunal administratif est dessaisi au profit du Conseil d’Etat (art. R. 117 et R. 121 du code électoral).‬‬
‫‪https://www.conseil-etat.fr/ressources/etudes-publications/dossiers-thematiques/le-juge-administratif-et-‬‬
‫‪le-droit-electoral‬‬

‫‪ .1‬مدونــة حســن الســلوك فــي مجــال االنتخابــات‪ ،‬املعتمــدة مــن اللجنــة األوروبيــة مــن خــال القانــون (لجنــة البندقيــة)‬
‫فــي دورتهــا ‪ 52‬بتاريــخ ‪ 18‬و‪ 19‬أكتوبــر ‪2002‬‬
‫‪ .2‬تنطبق نفس املالحظة السابقة عدد ‪17‬‬
‫‪ .3‬الفصل ‪ 145‬جديد من القانون االنتخابي‬
‫‪ .4‬تنطبق نفس املالحظة السابقة عدد ‪17‬‬
‫‪ .5‬الفصل ‪ 146‬جديد من القانون االنتخابي‬
‫‪59‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫املرتبطــة بالعمليــة االنتخابيــة ســواء مــن قبــل املالحظــن أو مــن قبــل الهيئــة ذاتهــا‪ .‬ويذكــر‬
‫أنــه بمناســبة انتخابــات ‪ 2019‬تــم فــي عــدد هــام مــن الحــاالت االقتصــار علــى توجيــه‬
‫تصريــح بمنطــوق األحــكام النهائيــة فــي األجــل املنصــوص عليــه بالفصــل ‪ 148‬مــن‬
‫القانــون االنتخابــي ولــم تتــم إحالــة نســخة مــن األحــكام إال بعــد أشــهر مــن ذلــك التاريــخ‪.1‬‬

‫‪ .2‬الرقابــة الالحقــة للمســار االنتخابــي وأثرهــا علــى العمليــة‬


‫االنتخابيــة فــي دوريتهــا‬

‫لئــن تــم إخضــاع النزاعــات االنتخابيــة خــال املســار االنتخابــي آلجــال مختصــرة حتــى‬
‫تتــاءم ومراحــل العمليــة االنتخابيــة بمــا يحقــق فعاليــة اللجــوء إلــى القضــاء‪ ،‬فــإن فتــرة‬
‫االنتخابــات ال تختــزل كل أنــواع القضايــا والرقابــة التــي جــاءت بهــا النصــوص القانونيــة‪.‬‬
‫مــن ذلــك أن التتبعــات الجزائيــة بنــاء علــى املخالفــات التــي تتــم معاينتهــا خــال مســار‬
‫انتخابــي مع ّيــن يمكــن أن تكــون مــن بــن العناصــر التــي يعتمدهــا قاضــي النتائــج لتقديــر‬
‫مــدى ثبــوت اإلخــاالت وتأثيرهــا علــى نتائــج الفائزيــن‪ 2‬ولكنهــا ال تعتبــر ملزمــة إال بالبــت‬
‫فيهــا قضائيــا‪.‬‬
‫وبصــدور األحــكام الباتــة فــي خصــوص الجرائــم االنتخابيــة قــد تكــون الهيئــة أمــام‬
‫قــرارات باملنــع مــن االنتخــاب أو الترشــح فــي انتخابــات الحقــة‪.‬‬
‫فاالنتخــاب والترشــح مــن الحقــوق الدســتورية األساســية وال يمكــن الحــد منهــا إال وفــق‬
‫ينــص علــى أن‪« :‬يحــ ّدد القانــون الضوابــط‬
‫ّ‬ ‫ضوابــط الفصــل ‪ 49‬مــن الدســتور والــذي‬
‫املتعلقــة بالحقــوق والحريــات املضمونــة بهــذا الدســتور وممارســتها بمــا ال ينــال مــن‬
‫جوهرهــا‪ .‬وال توضــع هــذه الضوابــط إال لضــرورة تقتضيهــا دولــة مدنيــة ديمقراطيــة‬
‫وبهــدف حمايــة حقــوق الغيــر‪ ،‬أو ملقتضيــات األمــن العــام‪ ،‬أو الدفــاع الوطنــي‪ ،‬أو‬
‫الصحــة العامــة‪ ،‬أو اآلداب العامــة‪ ،‬وذلــك مــع احتــرام التناســب بــن هــذه الضوابــط‬
‫وموجباتهــا‪ .‬وتتكفــل الهيئــات القضائيــة بحمايــة الحقــوق والحريــات مــن أي انتهــاك‪.»...‬‬

‫‪ .1‬فيمــا يتعلــق بالطعــون االســتئنافية ضــد األحــكام الصــادرة فــي مــادة النتائــج األوليــة لالنتخابــات التشــريعية مثــا‬
‫كان عــدد القضايــا ‪ 36‬قضيــة وقــد تــم التصريــح بمنطــوق آخــر حكــم فــي ‪ 7‬نوفمبــر ‪ 2019‬فــي حــن تل ّقــت الهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات (إلــى حــد األســبوع األول مــن شــهر جــوان ‪ )2020‬نســخا إداريــة مــن القــرارات االســتئنافية فــي‬
‫التواريــخ التاليــة‪ 15 :‬نوفمبــر ‪( 2019‬قــرارا واحــدا) و‪ 14‬مــاي ‪ 6( 2020‬قــرارات) و‪ 18‬مــاي ‪( 2020‬قــرارا واحــدا) و‪27‬‬
‫مــاي ‪ 4( 2020‬قــرارات) و‪ 1‬جــوان ‪( 2020‬قــرارا واحــدا) و‪ 5‬جــوان ‪( 2020‬قــراران) ولــم تتلــق بقيــة القــرارات (إلــى حــد‬
‫التاريــخ املذكــور)‪.‬‬
‫‪ .2‬املحكمة اإلدارية ‪ 201450012‬بتاريخ ‪ 20‬نوفمبر ‪2014‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪60‬‬

‫وبالرجــوع إلــى القانــون االنتخابــي يتبــن أن جملــة العقوبــات التــي يترتــب عنهــا الحــد مــن‬
‫ّ‬
‫والترشــح تكــون بموجــب أحــكام قضائيــة باتــة‪.‬‬ ‫حــق االقتــراع‬
‫وباإلضافــة إلــى إقــرار أحــكام انتقاليــة‪ 1‬تشــترط تقديــم مــا يفيــد إرجــاع قيمــة التمويــل‬
‫العمومــي وخــاص الخطايــا التــي ســلطت علــى املنتفعــن بالتســبقات بهــذا العنــوان‬
‫لــكل مــن ســبق لــه الترشــح فــي ‪ 2011‬و‪ 2014‬لقبــول ملفــات ترشــحهم النتخابــات‬
‫الحقــة‪ ،2‬أقــر القانــون االنتخابــي حــدودا لحــق االنتخــاب فــي صــورة صــدور عقوبــة‬
‫تكميليــة بموجــب حكــم قضائــي بــات علــى معنــى الفصــل ‪ 5‬مــن املجلــة الجزائيــة‬
‫نــص علــى الحــ ّد مــن حــقّ الترشــح والفــوز بعضويــة املجالــس‬ ‫تمنــع االقتــراع‪ .‬كمــا ّ‬
‫فــي صــورة إقــرار الجهــات القضائيــة عــدم إيــداع الحســاب املالــي للحملــة أو تجــاوز‬
‫ســقف اإلنفــاق بأكثــر مــن ‪ 75‬فــي املائــة أو ثبــوت التمويــل األجنبــي للحملــة االنتخابيــة‪.‬‬
‫وترجــع للقاضــي الجزائــي صالحيــة إصــدار العقوبــات التكميليــة بموجــب ســلطته‬
‫التقديريــة أو املقيــدة ووفقــا لتنصيصــات فصــول املجلــة الجزائيــة‪.3‬‬
‫وتنــدرج فــي هــذا اإلطــار بصــورة خاصــة اإلدانــة مــن أجــل تزويــر التزكيــات للترشــح‬
‫لالنتخابــات الرئاســية إذ أن التزويــر يــؤدي عمــا بالفصــل ‪ 178‬مــن املجلــة الجزائيــة‬
‫ـص عليــه الفصــل‬ ‫إلــى الحكــم بعقوبــة تكميليــة باملنــع مــن االقتــراع‪ ،4‬إضافــة إلــى مــا نـ ّ‬
‫‪ 166‬مــن القانــون االنتخابــي مــن إمكانيــة تســليط عقوبــة تكميليــة تقضــي بالحرمــان‬
‫مــن االقتــراع ملــدة ال تقــل عــن ســنتني وال تتعــدى ســت ســنوات علــى مرتكــب إحــدى‬
‫الجرائــم االنتخابيــة التــي ســلطت عليــه بمقتضاهــا عقوبــة بالســجن ملــدة ســنة أو أكثــر‪.‬‬
‫ووردت الجرائــم االنتخابيــة بالبــاب الســادس مــن القانــون االنتخابــي‪ .‬وجــاء بالفصــول‬
‫مــن ‪ 149‬إلــى ‪ 165‬إمكانيــة تســليط عقوبــة بالســجن ملــدة ســنة أو أكثــر علــى مــن‪:‬‬
‫• يخالف الفصل ‪( 5 53‬استعمال املوارد العمومية في الحملة االنتخابية)‬

‫‪ .1‬اعتمــد القانــون االنتخابــي ســنة ‪ 2011‬نظــام التســبقة بعنــوان منحــة عموميــة للمســاهمة فــي تمويــل الحملــة‬
‫االنتخابيــة وتــم فــي ‪ 2014‬تغييــر جزئــي لهــذا النظــام قبــل أن يصبــح نظامــا كليــا الســترجاع املصاريــف بالنســبة‬
‫للمنحــة العموميــة فــي ‪ .2017‬وباعتبــار أن عــددا ممــن تحصلــوا علــى تســبقة كمســاهمة عموميــة لتمويــل الحملــة‬
‫االنتخابيــة لــم يحققــوا الشــروط القانونيــة املســتوجبة للحصــول علــى املنحــة بالنظــر أساســا إلــى عــدم حصولهــم‬
‫علــى نســبة دنيــا مــن األصــوات تقــ ّدر ب ‪ % 3‬فإنهــم أصبحــوا مطالبــن بإرجــاع قيمــة التمويــل العمومــي‪.‬‬
‫‪ .2‬الفصل ‪ 170‬جديد من القانون االنتخابي‬

‫‪ .3‬تراجع مثال الفصول ‪ 62‬و‪ 70‬و‪ 85‬و‪ 98‬و‪ 100‬و‪ 115‬و‪ 124‬و‪ 130‬و‪ 137‬و‪ 178‬و‪ 184‬و‪ 200‬من املجلة الجزائية‬
‫‪ .4‬ينــص الفصــل ‪ 178‬مــن املجلــة الجزائيــة علــى أنــه «يتحتــم فــي كل الصــور املقــررة بهــذا القســم (القســم ‪ 16‬فــي‬
‫الــزور) الحكــم بالعقوبــات التكميليــة املقــررة بالفصــل ‪»5‬‬
‫‪ .5‬يقتضــي الفصــل ‪ 53‬مــن القانــون االنتخابــي مــا يلــي «يحجــر توزيــع وثائــق أو نشــر شــعارات أو خطابــات متعلقــة‬
‫‪61‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫والفصــل ‪( 1 56‬الدعــوة للكراهيــة والعنــف والتعصــب والتمييــز فــي الدعايــة االنتخابيــة)‬


‫مــن القانــون االنتخابي‬
‫• يتعمــد القيــام داخــل مركــز أو مكتــب اقتــراع أو بمحيطــه خــرق ســرية االقتــراع أو‬
‫املــس بنزاهتــه أو الحيلولــة دون إجــراء االقتــراع‬
‫• يقــوم باالعتــداء علــى أعضــاء مكاتــب االقتــراع أو الفارزيــن بالســب والقــذف او‬
‫التهديــد أثنــاء تأديتهــم لعملهــم أو بســببه ممــا ترتب عنــه تعليق عملية االقتــراع أو الفرز‬
‫• يتــم ضبطــه بصــدد تقديــم تبرعــات نقديــة أو عينيــة قصــد التأثيــر علــى الناخــب أو‬
‫اســتعمل نفــس الوســائل لحمــل الناخــب علــى اإلمســاك عــن التصويــت ســواء كان ذلــك‬
‫قبــل االقتــراع أو أثنــاءه أو بعــده‬
‫• تع ّمد عرقلة أي ناخب ملنعه من ممارسة حقه االنتخابي‬
‫• من قام بتسريب أوراق التصويت خارج مكتب االقتراع‬
‫• مــن اعتــدى علــى حريــة االقتــراع باســتعمال العنــف أو التهديــد بــه ســواء مباشــرة‬
‫علــى الناخــب أو علــى أقاربــه أو بالتهديــد بفقــدان وظيفتــه أو عــرض الناخــب فــي‬
‫شــخصه أو ممتلكاتــه إلــى ضــرر‬
‫• تعمد إحداث الفوضى والشغب داخل مكاتب االقتراع أو في محيطها أو أقدم بواسطة‬
‫تجمعــات أو مظاهــرات علــى إحــداث الفوضــى واالضطرابــات في ســير عمليــة االقتراع‬
‫• عضــو مكتــب اقتــراع أو أي مــن الفارزيــن قــام بتدليــس أوراق التصويــت أو محضــر‬
‫االقتــراع أو محضــر الفــرز أو أوراق تجميــع النتائــج أو تعمــد قــراءة ورقــة التصويــت‬
‫علــى غيــر حقيقتهــا أو بخــاف مــا ورد فيهــا‬
‫• اختلس أو أتلف أو حجز محاضر أو صناديق االقتراع أو أوراق التصويت‬
‫• عمــد إلــى كســر صنــدوق االقتــراع وإتــاف األوراق والوثائــق املضمنــة بــه أو إبــدال‬
‫األوراق والوثائــق التــي يحتويهــا بــأوراق تصويــت ووثائــق أخــرى أو بــأي أعمــال أخرى‬
‫ترمــي إلــى تغييــر أو محاولــة تغييــر نتيجــة االقتــراع والنيــل مــن ســرية التصويــت‬
‫• ّ‬
‫سخر أو استأجر أشخاصا قصد تهديد الناخبني أو اإلخالل بالنظام العام‬

‫بالدعايــة االنتخابيــة أو باالســتفتاء وذلــك مهمــا كان شــكلها أو طبيعتها باإلدارة واملؤسســات واملنشــآت العمومية من قبل‬
‫رئيــس اإلدارة أو األعــوان العاملــن بهــا أو منظوريهــا أو املوجوديــن بهــا‪ .‬وينطبق هذا التحجير على املؤسســات الخاصة‬
‫غيــر املفتوحــة للعمــوم‪ .‬ويحجــر اســتعمال الوســائل واملــوارد العموميــة لفائــدة قائمــة مترشــحة أو مترشــح أو حــزب»‬
‫‪ .1‬يقتضــي الفصــل ‪ 56‬مــن القانــون االنتخابــي مــا يلــي «تحجــر كل دعايــة انتخابيــة أو متعلقــة باالســتفتاء تتضمــن‬
‫الدعــوة إلــى الكراهيــة والعنــف والتعصــب والتمييــز»‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪62‬‬

‫• اقتحــم مكاتــب االقتــراع أو مراكــز الجمــع أو املكاتــب املركزيــة باســتعمال العنــف‬


‫لتعطيــل عمليــة االقتــراع أو الفــرز‪.‬‬
‫ويتـ ّم تت ّبــع هــذه الجرائــم بنــاء على املحاضر املحـ ّررة من قبل أعوان الرقابــة التابعني للهيئة‬
‫املتمتعــن بصفــة مأمــوري الضابطــة العدل ّيــة علــى معنــى أحــكام الفقــرة ‪ 6‬مــن الفصــل ‪10‬‬
‫‪1‬‬
‫مــن مج ّلــة اإلجــراءات الجزائ ّيــة أو بنــاء علــى مختلــف التقاريــر الرقابيــة للهيئــة االنتخابيــة‬
‫أو هيئــة االتصــال الســمعي والبصــري‪ 2‬أو مــداوالت مجلــس الهيئــة عمــا بأحــكام الفصــل‬
‫‪ 142‬مــن القانــون االنتخابــي‪ .3‬وتتولــى الهيئــة اإلحالــة علــى النيابــة العموميــة عمــا بأحــكام‬
‫الفصــل ‪ 29‬مــن مجلــة اإلجــراءات الجزائيــة والــذي ينــص علــى أنــه‪« :‬علــى ســائر الســلط‬
‫واملوظفــن العموميــن أن يخبــروا وكيــل الجمهوريــة بمــا اتصــل بعلمهــم مــن الجرائــم أثنــاء‬
‫مباشــرة وظائفهــم وأن ينهــوا إليــه جميــع اإلرشــادات واملحاضــر واألوراق املتعلقــة بهــا»‪.‬‬
‫الصــور التــي ال تنتهــي فيهــا الهيئــة إلــى وجــود‬
‫ويكتســي التتبــع أهميــة خاصــة‪ 4‬فــي ّ‬
‫أثــر جوهــري وحاســم لتلــك الجرائــم علــى نتائــج الفائزيــن علــى معنــى الفصــل ‪ 143‬مــن‬
‫القانــون االنتخابــي‪ .‬إذ أن عــدم اتخــاذ قــرار باإللغــاء الجزئــي أو الكلــي للنتائــج ال يجــب‬
‫أن يكــون مرادفــا لإلفــات مــن العقــاب‪.‬‬
‫ويــؤ ّدي عــدم اعتمــاد آليــات ناجعــة ملتابعــة املســار الجزائــي وإعــام الهيئــة ثــم الــرأي‬
‫العــام بمــآل تلــك القضايــا الجزائيــة‪ 5‬إلــى وضــع الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات‬

‫‪ .1‬تعتمــد الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات تقريــرا حــول رصــد وســائل اإلعــام املكتوبــة وااللكترونيــة وتقريــرا‬
‫حــول متابعــة صفحــات التواصــل االجتماعــي إضافــة إلــى تلقيهــا تقاريــر الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي‬
‫والبصــري وإعالمهــا‬
‫‪ .2‬تقتضــي الفقــرة ‪ 2‬مــن الفصــل ‪ 73‬مــن القانــون االنتخابــي «تعلــم الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي‬
‫والبصــري الهيئــة بجميــع الخروقــات املرتكبــة والقــرارات املتخــذة مــن قبلهــا طبــق أحــكام البــاب الثالــث‬
‫مــن املرســوم عــدد ‪ 116‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 2‬نوفمبــر ‪ 2011‬فــي أجــل ‪ 24‬ســاعة مــن اتخاذهــا‪ .‬وفــي‬
‫صــورة وجــود مخالفــة مــن قبــل املترشــحني‪ ،‬تتخــذ الهيئــة القــرارات الالزمــة طبــق أحــكام هــذا القانــون‪».‬‬
‫‪ .3‬تــم بموجــب مــداوالت ‪ 9‬أكتوبــر ‪ 2019‬فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات التشــريعية إلغــاء نتائــج أحــد املكاتــب‬
‫بالدائــرة الفرعيــة فرنســا ‪ 2‬نظــرا إلضافــة ‪ 49‬ورقــة بصنــدوق االقتــراع وبموجــب مــداوالت ‪ 14‬أكتوبــر‬
‫‪ 2019‬فــي النتائــج األوليــة للــدورة الثانيــة لالنتخابــات الرئاســية تــم إلغــاء نتائــج مكتــب االســكندرية لثبــوت‬
‫قبــول تصويــت بالوكالــة خالفــا للقواعــد القانونيــة وتــم اتخــاذ القــرار باإلحالــة علــى النيابــة العموميــة‪.‬‬
‫‪ .4‬عــدم إثــارة التتبعــات قــد يــؤدي إلــى ســقوطه بالتقــادم إذ ينــص الفصــل ‪ 167‬مــن القانــون االنتخابــي علــى أنــه‬
‫"تســقط بالتقــادم الجرائــم املنصــوص عليهــا بهــذا القانــون إثــر انقضــاء ثــاث ســنوات مــن تاريــخ إعــان النتائــج‬
‫النهائيــة لالنتخابــات"‪.‬‬
‫‪ .5‬بالرجــوع إلــى التقريــر الخــاص بانتخابــات ســنة ‪( 2014‬ص ‪ )172‬يتبــن أنــه تض ّمــن اإلشــارة‬
‫إلــى قيــام الهيئــة بعــدد ‪ 848‬إحالــة علــى النيابــة العموميــة بخصــوص مخالفــات الحملــة لالنتخابــات‬
‫التشــريعية وســجلت مخالفــات فــي حــق املترشــحني لالنتخابــات الرئاســية تراوحــت بــن مخالفــة واحــدة‬
‫‪63‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫موضــع النقــد ويشــ ّكك فــي نجاعــة املنظومــة القانونيــة القائمــة وقدرتهــا علــى التتبــع‬
‫الفعلــي وزجــر املخالفــن للحـ ّد مــن الخروقــات واإلخــاالت‪ .‬لذلــك فمــن الضــروري أن ال‬
‫يقــف دور الهيئــة عنــد اإلحالــة علــى النيابــة العموميــة أو إعــام املواطنــن خــال املســار‬
‫االنتخابــي بوجــوب التشــكي‪ 1‬وأن يمتـ ّد إلــى التواصــل مــع املتابعــن والعمــوم بخصــوص‬
‫مــآل التتبعــات واســتخالص النتائــج منهــا باعتبــار أن املنــع مــن حــق االقتــراع يــؤدي‬
‫إلــى املنــع أيضــا مــن عــدد مــن الحقــوق فــي عالقــة بالعمليــة االنتخابيــة تكــون صفــة‬
‫الناخــب مســتوجبة فيهــا وذلــك علــى غــرار حــق الترشــح‪ 2‬وعضويــة مجلــس الهيئــة العليــا‬
‫‪.6‬‬
‫املســتقلة لالنتخابــات‪ 3‬وهيئاتهــا الفرعيــة‪ 4‬وتمثيــل املترشــحني‪ 5‬وعضويــة مكاتــب االقتــراع‬
‫لذلــك فإنــه مــن املتجــه إرســاء عالقــات تعــاون مؤسســاتي إيجابــي بــن الهيئــة‬
‫العليــا املســتقلة لالنتخابــات والســلطة القضائيــة بمــا فــي ذلــك خــارج الفتــرات‬
‫االنتخابيــة وااللتــزام صلــب سياســة جزائيــة واضحــة تح ّددهــا الــوزارة املكلفــة‬
‫بالعــدل بالحــد مــن آجــال البــت فــي كل القضايــا املرتبطــة بالجرائــم االنتخابيــة‬
‫أو التــي يمكــن أن تــؤول إلــى عقوبــات تكميليــة ذات عالقــة باالنتخابــات إضافــة إلــى‬
‫االلتــزام بإعــام هيئــة االنتخابــات بصــدور األحــكام فــي كل القضايــا التــي كانــت‬
‫فيهــا مصــدرا لإلحالــة وكل القضايــا املتعلقــة باملســار االنتخابــي بشــكل عــام‪.‬‬
‫ومــن جهــة أخــرى ينــص الفصــل ‪ 98‬مــن القانــون االنتخابــي علــى أنــه فــي صــورة‬

‫و‪ 360‬مخالفــة فــي حــق كل مترشــح فــي الــدورة األولــى وفاقــت ‪ 250‬مخالفــة لــكل مترشــح فــي الــدورة‬
‫الثانيــة‪ .‬وفــي انتخابــات ‪ 2019‬تمــت كذلــك اإلحالــة علــى النيابــة العموميــة بخصــوص عــدد مــن الجرائــم‪.‬‬
‫‪ .1‬وضعــت الهيئــة ســواء فــي ‪ 2014‬أو فــي ‪ 2019‬علــى ذمــة املواطنــن خدمــة مهيكلــة عبــر الهاتــف الجــوال تمكنهــم‬
‫مــن االطــاع إن تــم إدراج أســمائهم ضمــن قائمــات املزكــن للمترشــحني لالنتخابــات الرئاســية وأصــدرت‬
‫بالغــات تعلــم فيهــا أن مــن يشــكك فــي إمضائــه الشــخصي يمكنــه التوجــه للقضــاء إلثــارة تتبــع جزائــي‬
‫‪ .2‬يشترط للترشح توفر صفة الناخب طبقا للفصول ‪ 19‬و‪ 40‬و‪ 49‬مكرر من القانون االنتخابي‬
‫‪ .3‬تراجــع املطــة األولــى مــن الفصــل ‪ 7‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 23‬لســنة ‪ 2012‬املــؤرخ فــي ‪ 20‬ديســمبر‬
‫‪ 2012‬املتعلــق بالهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات كمــا تــم تنقيحــه وإتمامــه بالقانــون األساســي عــدد ‪ 44‬لســنة‬
‫‪ 2013‬املــؤرخ فــي ‪ 1‬نوفمبــر ‪ 2013‬وبالقانــون األساســي عــدد ‪ 52‬لســنة ‪ 2013‬املــؤرخ فــي ‪ 28‬ديســمبر ‪.2013‬‬
‫‪ .4‬تراجــع املطــة األولــى مــن الفصــل ‪ 4‬مــن القــرار عــدد ‪ 5‬املــؤرخ فــي ‪ 11‬أفريــل ‪ 2017‬املتعلــق بشــروط وإجــراءات‬
‫إحــداث الهيئــات الفرعيــة لالنتخابــات وضبــط مشــموالتها وطــرق ســير عملهــا‪.‬‬
‫‪ .5‬تراجــع املطــة ‪ 2‬مــن الفصــل ‪ 5‬مــن القــرار عــدد ‪ 31‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪ 6‬أكتوبــر ‪ 2014‬املتعلــق بضبــط شــروط‬
‫وإجــراءات اعتمــاد ممثلــي القائمــات املترشــحة واملترشــحني واألحــزاب كمــا تــم تنقيحــه بالقــرار عــدد ‪ 3‬لســنة ‪2017‬‬
‫املــؤرخ فــي ‪ 10‬أفريــل ‪2017‬‬
‫‪ .6‬تراجــع املطــة األولــى مــن الفصــل ‪ 4‬مــن القــرار عــدد ‪ 19‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪ 5‬أوت ‪ 2014‬املتعلــق بضبــط شــروط‬
‫وصيــغ تعيــن أعضــاء مكاتــب االقتــراع وطــرق تعويضهــم كمــا تــم تنقيحــه وإتمامــه بالقــرار عــدد ‪ 3‬لســنة ‪ 2018‬املــؤرخ‬
‫فــي ‪ 9‬جانفــي ‪.2018‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪64‬‬

‫عــدم إيــداع الحســاب املالــي أو تجــاوز ســقف اإلنفــاق بأكثــر مــن ‪ 75‬فــي املائــة تس ـ ّلط‬
‫محكمــة املحاســبات إضافــة إلــى الخطيــة املاليــة عقوبــة بإســقاط كل عضــو مترشــح فــي‬
‫ينــص الفصــل ‪ 163‬مــن القانــون االنتخابــي علــى أنــه إذا ثبــت ملحكمــة‬ ‫ّ‬ ‫القائمــة‪ .‬كمــا‬
‫تحصلــت علــى تمويــل أجنبــي للحملــة االنتخابيــة‬
‫ّ‬ ‫املحاســبات أن املترشــح أو القائمــة قــد‬
‫فإنهــا تقضــي إضافــة إلــى الخطيــة املاليــة بإســقاط عضويــة أعضــاء القائمــة باملجلــس‬
‫املنتخــب ويعاقــب املترشــح لرئاســة الجمهوريــة بالســجن ملــدة خمــس ســنوات‪ .‬كمــا‬
‫يحــرم كل مــن تمــت إدانتــه بالحصــول علــى تمويــل أجنبــي لحملتــه االنتخابيــة مــن‬
‫الترشــح فــي االنتخابــات ملــدة خمــس ســنوات مــن تاريــخ صــدور الحكــم باإلدانــة‪.‬‬
‫وتكــ ّرس هــذه األحــكام الرقابــة الالحقــة علــى تمويــل الحمــات االنتخابيــة‪ .‬ويرجــع‬
‫تطبيقهــا أساســا إلــى محكمــة املحاســبات مــن خــال اختصاصهــا الرقابــي‬
‫الــذي ينتهــي بتقديــم التقريــر العــام حــول تمويــل الحمــات االنتخابيــة ومــن خــال‬
‫اختصاصهــا القضائــي بمقاضــاة املعنيــن باملخالفــات التــي انتهــى إليهــا ذلــك التقريــر‪.1‬‬
‫وتنشــر محكمــة املحاســبات وفقــا للفصــل ‪ 97‬مــن القانــون االنتخابــي تقريــرا عامــا‬
‫يتضمــن نتائــج رقابتهــا علــى تمويــل الحملــة فــي أجــل أقصــاه ســتة أشــهر مــن تاريــخ‬
‫اإلعــان عــن النتائــج النهائيــة لالنتخابــات‪.‬‬
‫ويتضــح مــن تطــ ّور النصــوص القانونيــة املؤطــرة لالنتخابــات وخاصــة مــن مقارنــة‬
‫املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬املتعلــق بانتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي والقانــون‬
‫االنتخابــي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬أنّ املشــرع لــم يواصــل فــي منحــى الفصــل ‪ 72‬مــن‬
‫املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬الــذي كان يق ـ ّر عقوبــة اإلســقاط للفائزيــن فــي حــال ثبــوت‬
‫التمويــل األجنبــي عنــد البــت فــي النتائــج األوليــة بموجــب قــرار مــن مجلــس الهيئــة العليــا‬
‫ـت فــي النتائــج األوليــة‪ ،‬بثبــوت األثــر‬
‫املســتقلة لالنتخابــات واتجــه إلــى ربــط القــرار عنــد البـ ّ‬
‫الجوهــري والحاســم علــى النتائــج‪ .‬وبنــاء علــى ذلــك التنقيــح أصبــح االختصــاص املبدئــي‬
‫للبــت فــي الخروقــات املرتبطــة بتمويــل الحمــات االنتخابيــة معقــودا ملحكمــة املحاســبات‬
‫بنــاء علــى تقديــم الوثائــق املحاســبية والقيــام بجملــة صالحيــات التحقيــق والتثبــت‬
‫واملواجهــة‪ 2‬وذلــك بعــد اإلعــان عــن النتائــج النهائيــة وفــي اآلجــال التــي يحددهــا القانــون‪.3‬‬

‫‪« .1‬ال تقتصــر أعمــال الدائــرة فــي هــذا املجــال علــى مــا ورد بهــذا التقريــر وإنمــا تتبعــه أعمــال قضائيــة بهــدف‬
‫زجــر املخالفــات املتعلقــة خاصــة بعــدم إيــداع الحســابات وبتجــاوز ســقف اإلنفــاق االنتخابــي والصبغــة غيــر‬
‫االنتخابيــة للنفقــات فضــا عــن وضعيــات عــدم إرجــاع املنحــة العموميــة فــي الحــاالت املســتوجبة» تقريــر دائــرة‬
‫املحاســبات حــول نتائــج مراقبــة تمويــل الحملــة االنتخابيــة لعضويــة مجلــس نــواب الشــعب لســنة ‪ ،2014‬ص ‪.5‬‬
‫‪ .2‬الفصول من ‪ 91‬إلى ‪ 96‬من القانون االنتخابي‬
‫‪ .3‬الفصــل ‪ 97‬مــن القانــون االنتخابــي "تقــوم محكمــة املحاســبات بإعــداد تقريــر عــام يتضمــن نتائــج رقابتهــا علــى تمويل‬
‫الحملــة فــي أجــل أقصــاه ســتة أشــهر مــن تاريــخ اإلعــان عــن النتائــج النهائيــة لالنتخابــات‪ .‬وينشــر تقريــر محكمــة‬
‫‪65‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وتطبيقــا لهــذا الخيــار التشــريعي ينتــج عــن ثبــوت التمويــل األجنبــي للحملة من خــال تقرير‬
‫محكمــة املحاســبات آثــار أساســية قــد تختلــف آجــال تح ّققهــا‪ .‬وتتم ّثــل تلــك النتائــج فــي‬
‫إســقاط عضويــة القائمــات الفائــزة فــي املجالــس املنتخبــة وفــي تطبيــق عقوبــة الســجن ملــدة‬
‫خمــس ســنوات وإصــدار عقوبــة تكميليــة تقضــي بالحرمان من الترشــح ملدة خمس ســنوات‪.‬‬
‫وتنطبــق العقوبــة االنتخابيــة بإســقاط العضويــة مــن املجالــس املنتخبــة أيضــا‬
‫فــي حالتــي عــدم إيــداع الحســاب املالــي للحملــة فــي اآلجــال القانونيــة وتجــاوز‬
‫ســقف اإلنفــاق بنســبة ‪ 75‬فــي املائــة‪ .‬وبعــد انقضــاء آجــال التقاضــي‪ 1‬تصبــح‬
‫قــرارات اإلســقاط وتســليط الخطايــا املاليــة الصــادرة عــن محكمــة املحاســبات‬
‫نهائيــة وواجبــة التنفيــذ مــن قبــل الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ووزارة املاليــة‪.‬‬
‫وكان التقريــر حــول تمويــل الحملــة االنتخابيــة لالنتخابــات البلديــة قــد أوصــى ب»إفــراد‬
‫الجانــب القضائــي مــن رقابــة دائــرة املحاســبات املتعلــق بتمويــل الحملــة االنتخابيــة‬
‫بإجــراءات خاصــة بهــدف التقليــص فــي آجــال البــت فــي القضايــا وضمانــا ملبــادئ‬
‫املحاكمــة العادلــة‪ 2 ».‬ذلــك أنــه عقــب االنتخابــات البلديــة لســنة ‪ 2018‬أصــدرت الدائــرة‬
‫تقريرهــا حــول تمويــل الحملــة االنتخابيــة منتهيــة إلــى أن عــدد ‪ 138‬قائمــة لــم تــودع‬
‫حســاباتها املاليــة فــي اآلجــال القانونيــة مــن بينهــا ‪ 84‬قائمــة فــازت بمقاعــد‪ .‬وهــو مــا‬
‫مــن شــأنه أن يــؤدي إلــى العقوبــة بإســقاط عضويــة كل مــن ترشــح عــن تلــك القائمــات‪.‬‬
‫إال أنــه إلــى نهايــة شــهر جــوان ‪ 2020‬لــم تصــدر القــرارات النهائيــة بهــذا الشــأن‪.‬‬
‫ويعتبــر إســقاط العضويــة اســتنفاذا للقائمــة األصليــة علــى معنــى الفصــل ‪ 34‬والفصــل‬
‫‪ 49‬خامــس عشــر مــن القانــون االنتخابــي ويــؤدي إلــى تنظيــم انتخابــات جزئيــة فــي‬
‫املقعــد الشــاغر فــي مجلــس نــواب الشــعب وإلــى إعــادة انتخــاب املجلــس البلــدي أو‬
‫الجهــوي إذا فقــد ثلــث أعضائــه‪ .‬ولئــن نــص القانــون االنتخابــي علــى أجــل تســعني‬
‫يومــا مــن تاريــخ معاينــة الشــغور إلجــراء االنتخابــات الجزئيــة فــإن الزمــن االنتخابــي‬
‫قــد يفــرض عــدم اللجــوء إلــى إجرائهــا وفــق مــا اقتضتــه الفقــرة األخيــرة مــن الفصــل‬
‫‪ 49‬ســادس عشــر والــذي اقتضــى أنــه «فــي كل الحــاالت ال يتــم تنظيــم انتخابــات‬
‫جزئيــة إذا كانــت املــدة املتبقيــة بــن معاينــة الشــغور أو حــل املجلــس أو انحاللــه‬
‫واملوعــد الــدوري لالنتخابــات البلديــة أو الجهويــة تســاوي أو تقــل عــن ســتة أشــهر»‪.‬‬

‫املحاسبات مباشرة بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وبموقعها االلكتروني‪".‬‬


‫‪ .1‬تتلخــص اإلجــراءات فــي االعتــراض فــي أجــل شــهرين بعــد توجيــه اإلعــام بنــاء علــى التقريــر الرقابــي ملحكمــة‬
‫املحاســبات واالســتئناف فــي أجــل ثالثــة أشــهر‪.‬‬
‫‪ .2‬تقرير دائرة املحاسبات حول نتائج مراقبة تمويل الحملة االنتخابية لعضوية املجالس البلدية ‪ ،2018‬ص ‪12‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪66‬‬

‫ثانيا‪ :‬الوالية العامة لهيئة االنتخابات وممارسة القضاء‬


‫لصالحيات الرقابة‬

‫ال جــدال فــي أن الهيئــة االنتخابيــة تتمتــع بصالحيات الوالية العامة علــى العملية االنتخابية‬
‫طبقــا للفصــل ‪ 126‬مــن الدســتور‪ .‬غيــر أن تنظيــم وإدارة العمليــة االنتخابية يفــرض بطبيعته‬
‫بناءهــا لعالقــة مــع كافــة الســلط فــي الدولــة‪ .‬ويتميــز القضــاء بصفتــه «ســلطة مســتقلة‬
‫‪1‬‬
‫تضمــن إقامــة العــدل وعلويــة الدســتور وســيادة القانــون وحمايــة الحقــوق والحريــات»‬
‫بموقــع خــاص فــي ضمــان نجاعــة وتطويــر إدارة العمليــة االنتخابيــة واإلشــراف عليهــا‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وعلــى الرغــم مــن الحــدود اإلجرائيــة التــي تم ّيــز الرقابــة القضائيــة في التشــريع التونســي‬
‫وعلــى الرغــم مــن التشــدد املطــرد فــي تطبيــق القضاء لتلــك اإلجــراءات‪ 3‬فإن قــراءة األحكام‬
‫والقــرارات تم ّكــن مــن الوقــوف علــى الجوانــب األساســية التــي تــم تطويرهــا فــي ضــوء‬

‫‪ .1‬الفقرة األولى من الفصل ‪ 102‬من الدستور‬


‫‪ .2‬يتميــز نظــام التقاضــي الــذي ضبطــه القانــون االنتخابــي بعديــد اإلجــراءات غيــر املألوفــة فــي مجــال املنازعــات‬
‫االنتخابيــة ومنهــا وجوبيــة إنابــة املحامــي واملحامــي لــدى التعقيــب فــي عــدد مــن النزاعــات وواجــب اإلعــام بالطعــن‬
‫عــن طريــق عــدل التنفيــذ وغيرهــا‪.‬‬
‫‪ .3‬علــى الرغــم مــن اإلقــرار مــن قبــل القاضــي االنتخابــي منــذ نزاعــات ســنة ‪ 2011‬بــأن اإلعــام بالطعــن عــن طريــق‬
‫عــدل التنفيــذ يعتبــر مــن متعلقــات النظــام العــام (مثــال القضيــة عــدد ‪/28964‬نــزاع انتخابــي الصــادر فيهــا الحكــم‬
‫بتاريــخ ‪ 25‬ســبتمبر ‪ )2011‬فقــد ظهــرت بــوادر مرونــة فــي تطبيقــه فــي بعــض األحــكام (مثــال‪ 1‬القضيــة عــدد ‪/28925‬‬
‫نــزاع انتخابــي الصــادر فيهــا الحكــم بتاريــخ ‪ 21‬ســبتمبر ‪ 2011‬حيــث اعتبــر القاضــي أن "الغايــة األساســية مــن‬
‫اقتضــاء توجيــه اإلعــام بالطعــن بواســطة عــدل تنفيــذ هــي التحقــق مــن تمكــن املســتأنف ضدهــا مــن االطــاع علــى‬
‫مســتندات االســتئناف والــرد علــى مــا تضمنتــه مــن مطاعــن وبالتالــي ممارســة حقهــا فــي الدفــاع عــن مصالحهــا‪.‬‬
‫وبالتالــي فــإن تقديــم تقريــر فــي الــر ّد علــى مســتندات االســتئناف يؤكــد أن املســتأنف ضدهــا قــد مارســت حقهــا‬
‫فــي الدفــاع وتكــون الغايــة األساســية مــن اإلعــام قــد تحققــت‪ .‬وتبعــا لذلــك يكــون اإلعــام بالطعــن بواســطة رســالة‬
‫مضمونــة الوصــول عديــم التأثيــر علــى إجــراءات القيــام" مثــال ‪ 2‬القضيــة عــدد ‪ 14‬بتاريــخ ‪ 10‬ســبتمبر ‪ 2014‬املحكمــة‬
‫االبتدائيــة بــن عــروس اعتبــرت أن إجــراءات اإلعــام بالطعــن تهــم مصلحــة الخصــوم‪ ،‬مثــال ‪ 3‬املحكمــة اإلداريــة‪،‬‬
‫الدائــرة االبتدائيــة بالــكاف (نزاعــات الترشــح لالنتخابــات البلديــة)‪ ،‬القضيــة عــدد ‪ 04900002‬بتاريــخ ‪ 12‬مــارس ‪:2018‬‬
‫أي جــزاء علــى عــدم التنبيــه علــى الجهــة املدعــى عليهــا بضــرورة تقديــم ملحوظاتهــا‬ ‫«وحيــث طاملــا أنّ املشــرع لــم ير ّتــب ّ‬
‫مرفقــة بمــا يفيــد تبليغهــا لألطــراف وبمــا أنّ الغايــة األساســية مــن اإلجــراء املذكــور قــد تح ّققــت بــأن تم ّكنــت الهيئــة‬
‫مــن الــر ّد علــى عريضــة الطعــن فــي األجــل األقصــى املحــ ّدد قانونــا‪ ،‬فإنّــه يتّجــه االعتــراض عــن الدفــع املاثــل»‪.‬‬
‫غيــر أن التوجــه العــام كان نحــو التشــ ّدد وانتهــى املوقــف إلــى التضييــق برفــض الدعــاوى شــكال فــي عــدد كبيــر‬
‫مــن الحــاالت (مثــال املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الدائــرة االســتئنافية التاســعة‪ ،‬عــدد ‪ 20194072‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪،2019‬‬
‫رئيســة القائمــة املســتقلة "اإلقــاع بجندوبــة" ضــ ّد‪ /‬الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات «وحيــث تب ّيــن بالرجــوع‬
‫توجــه بــه إلــى الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات‬ ‫إلــى أوراق امللــف أنّ نائــب امل ّدعيــة أدلــى بمحضــر إعــام بالطعــن ّ‬
‫بجندوبــة من ّبهــا إ ّياهــا بضــرورة تقديــم ملحوظاتهــا فــي أجــل أقصــاه يــوم جلســة املرافعــة‪ ،‬دون التنصيــص علــى‬
‫ضــرورة أن تكــون مرفقــة تلــك امللحوظــات بمــا يفيــد تبليغهــا لألطــراف‪ .‬وحيــث ترتيبــا علــى مــا تق ـ ّدم يكــون إخــال‬
‫امل ّدعيــة بإجــراءات رفــع الدعــوى علــى النحــو املب ّيــن أعــاه إخــاال بإجــراء أساســي مــن إجــراءات الطعــن‪».‬‬
‫‪67‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫هــذه الرقابــة (‪ )1‬ومــن بيــان نطــاق صالحيــات الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات (‪ )2‬علــى‬
‫الرغــم مــن بعــض النقــاط التــي ظلــت تفتقــر لإلضــاءة الكافيــة مــن القاضــي االنتخابــي‪.‬‬

‫‪ .1‬تطويــر قواعــد إدارة وتســيير العمليــة االنتخابيــة فــي ضــوء فقــه‬


‫القضــاء واألحــكام القضائيــة‬

‫يترجــم حجــم املنازعــات القضائيــة التــي ترتكــز علــى إثــارة مطاعــن ترتبــط بــإدارة العمليــة‬
‫االنتخابيــة وتســييرها ومــدى تواترهــا مــن موعــد انتخابــي إلــى آخــر وطبيعــة املطاعــن‬
‫املثــارة صلبهــا مــدى تطــور إدارة العمليــة االنتخابيــة وتنظيمهــا‪.‬‬
‫وبمتابعــة األحــكام القضائيــة الصــادرة فــي هــذا املجــال وخاصــة منهــا األحــكام الصــادرة‬
‫عــن قاضــي الترشــحات وقاضــي النتائــج‪ ،‬يتبــن تطــور تســيير العمليــة االنتخابيــة‬
‫وإدارتهــا بشــكل ثابــت منــذ ‪.2011‬‬
‫ففــي الفتــرة التــي تميــزت بنقــص نســبي فــي مشــروعية وصالبــة املؤسســات فــي ‪2011‬‬
‫أقـ ّر القضــاء العديــد مــن التوجهــات التنظيميــة الصارمــة للهيئــة االنتخابيــة بمــا ســاهم فــي‬
‫تكريــس ســلطتها‪ 1‬كمــا يبــدو جليــا بالرجــوع إلــى األحــكام الصــادرة بمناســبة انتخابــات‬
‫املجلــس الوطنــي التأسيســي فــي ‪ 2011‬أو تلــك الصــادرة بمناســبة انتخابــات ســنة ‪2014‬‬
‫أن عــددا هامــا منهــا قــد أثــار جملــة مــن املســائل التــي تــم توضيحهــا بمــا جعلهــا تظهــر‬
‫بصــورة أقــل تواتــرا فــي ‪ 2018‬و‪ .2019‬وفــي املقابــل تع ّرضــت العديــد مــن القضايــا املتعلقة‬
‫باالنتخابــات البلديــة إلشــكاليات ترتبــط باألحــكام الجديــدة املض ّمنــة بالقانــون االنتخابــي‬
‫املنطبقــة علــى االنتخابــات املحليــة على غــرار التناصف األفقــي وتمثيل الشــباب بالقائمات‪.‬‬
‫مطــردة إلى غايــة انتخابــات ‪ 2019‬بما يبرز‬ ‫كمــا اســتمرت إثــارة عــدد مــن املســائل بصــورة ّ‬
‫ضــرورة اتخــاذ تدابيــر حاســمة مــن قبــل الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات لتطويرهــا‪.‬‬
‫ومــن أولــى املســائل التــي ســاهم القضــاء فــي إقــرار اعتمادهــا مــن قبــل الهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات تلــك املرتبطــة بالرجــوع حصــرا إلــى قائمــات الناخبــن املضبوطــة‬
‫وفقــا للروزنامــة االنتخابيــة لتحديــد صفــة الناخــب‪ .‬إذ وبعــد تف ّهــم بعــض الصعوبــات‬
‫العمليــة إلعــداد قائمــات الناخبــن فــي ‪ 20112‬اعتبــرت املحكمــة اإلداريــة فــي ‪2014‬‬

‫‪ .1‬أقــ ّر القضــاء مثــا موقــف الهيئــة االنتخابيــة فــي تطبيــق توقيــت قبــول الترشــحات بكامــل الصرامــة‪ .‬املحكمــة‬
‫اإلداريــة‪ /29010 ،‬انتخابــي بتاريــخ ‪ 4‬أكتوبــر ‪2011‬‬
‫‪ .2‬بــن القاضــي االنتخابــي فــي ‪( 2011‬املحكمــة اإلداريــة ‪ / 46‬نــزاع انتخابــي بتاريــخ ‪ 7‬نوفمبــر ‪ 2011‬أن "قبــول االقتــراع‬
‫بمجــرد اإلدالء بوثيقــة الهويــة ســواء كانــت جــواز الســفر أو بطاقــة التعريــف الوطنيــة كان لــه مبرراتــه العمليــة املرتبطــة‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪68‬‬

‫وخالفــا ملواقــف بعــض املحاكــم االبتدائيــة‪ 1‬أن شــرط الترســيم فــي ســجل الناخبــن‬
‫الــذي تمســكه الهيئــة ال ينــال مــن جوهــر حــق االقتــراع‪ 2‬ويجــب أن يتــم وفقــا للروزنامــة‬
‫املضبوطــة مــن الهيئــة‪ 3‬وهــو ضــروري العتمــاد صفــة الناخــب‪ .4‬وباعتبــار أن تحديــد صفــة‬
‫الناخــب علــى النحــو املذكــور يؤ ّثــر علــى جملــة اإلجــراءات والحقــوق الالحقــة وبالنظــر ملــا‬
‫أثــاره رفــض الهيئــة فــي ‪ 2014‬لترشــح الناخبــن املرســمني خــال فتــرة تمديــد تســجيل‬
‫الناخبــن مــن ‪ 5‬أوت إلــى ‪ 26‬أوت ‪ 2014‬مــن منازعــات متواتــرة وتضــارب فــي التأويــل‬
‫القانونــي فقــد نــص القــرار الترتيبــي عــدد ‪ 6‬لســنة ‪ 2017‬املــؤرخ فــي ‪ 11‬أفريــل ‪2017‬‬
‫املتعلــق بقواعــد وإجــراءات تســجيل الناخبــن لالنتخابــات واالســتفتاء فــي الفصــل ‪24‬‬

‫بصعوبة تجميع بيانات ومعطيات التونسيني بالخارج" في إشارة إلى الصبغة االستثنائية لذلك اإلجراء‬
‫‪ .1‬يراجــع مثــا الحكــم الصــادر عــن املحكمــة االبتدائيــة بتونــس فــي القضيــة عــدد ‪ 7‬بتاريــخ ‪ 12‬ســبتمبر ‪ 2014‬والــذي‬
‫اســتند إلــى املرتبــة الدســتورية لحــق االنتخــاب بمــا يجعــل إجــراء الترســيم بصفتــه إجــراءا إداريــا غيــر حــري باملنــع‬
‫مــن االنتخــاب‪.‬‬
‫‪ .2‬املحكمة اإلدارية ‪ 201410072‬بتاريخ ‪ 20‬سبتمبر ‪2014‬‬
‫‪ .3‬املحكمــة اإلداريــة ‪ 201420009‬بتاريــخ ‪ 7‬نوفمبــر ‪« 2014‬وحيــث أن العمليــة االنتخابيــة تحكمهــا روزنامــة تحــ ّدد‬
‫تاريــخ انطــاق مرحلــة تســجيل الناخبــن ونهايتــه وصــوال إلــى ضبــط الفتــرة باالنتخابيــة بالنســبة لالنتخابــات‬
‫التشــريعية والرئاســية‪ .‬وحيــث ضبــط الفصــان ‪ 3‬جديــد و‪ 4‬مكــرر مــن قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات‬
‫عــدد ‪ 14‬لســنة ‪ 2014‬املتعلــق بروزنامــة االنتخابــات ‪ ...‬آجــال عمليــة تســجيل الناخبــن التــي تبدأمــن يــوم‪...‬‬
‫وتنتهــي يــوم‪ ...‬وحيــث ضبــط الفصــل ‪ 4‬جديــد مــدة االعتــراض عــن عــدم الترســيم بســجل الناخبــن وهــي أيــام ‪7‬‬
‫و‪ 8‬و‪ 9‬أوت ‪ 2014‬بالنســبة لفتــرة التســجيل األول وأيــام ‪ 2‬و‪ 3‬و‪ 4‬ســبتمبر ‪ 2014‬بالنســبة لفتــرة التســجيل الثانيــة‪.‬‬
‫وحيــث أن تفعيــل حــق االنتخــاب املضمــون قانونــا لــكل مواطــن يســتوجب أن يكــون مســجال بســجل الناخبــن‬
‫الكتســاب صفــة ناخــب طبــق أحــكام الفصــل ‪ 5‬مــن القانــون االنتخابــي‪ .‬وحيــث خالفــا ملــا تمســك بــه املدعــي مــن‬
‫أن الهيئــة لــم تحــرك ســاكنا إزاء االعتراضــات املرفوعــة لديهــا مــن قبــل املتحصلــن علــى جــوازات ســفر جديــدة‬
‫فإنــه يتبــن مــن أوراق امللــف أن االعتــراض املتمســك بــه قــد تــ ّم بتاريــخ ‪ 10‬أكتوبــر ‪ 2014‬أي خــارج اآلجــال‬
‫القانونيــة املحــددة بالفصــل ‪ 4‬جديــد مــن القــرار عــدد ‪ 7‬ســالف الذكــر إذ تــم بعــد انطــاق الحملــة االنتخابيــة‪».‬‬
‫‪ .4‬املحكمــة اإلداريــة ‪ 201410102‬بتاريــخ ‪ 22‬ســبتمبر ‪« 2014‬وحيــث اشــترط الفصــل ‪ 19‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪16‬‬
‫لســنة ‪ 2014‬أن تتوفــر صفــة الناخــب فــي كل مترشــح لالنتخابــات التشــريعية وقــد اقتضــى الفصــل ‪ 5‬مــن نفــس القانــون‬
‫أنــه «يعتبــر ناخبــا كل تونســية وتونســي مرســم فــي ســجل الناخبــن‪ »...‬وحيــث أن ســجل الناخبــن هــو قاعــدة بيانــات‬
‫األشــخاص املؤهلــن للتصويــت فــي االنتخابــات واالســتفتاء تمســكها الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات وتضبطهــا‬
‫انطالقــا مــن آخــر تحيــن لهــا وفقــا ملقتضيــات الفصــل ‪ 7‬مــن نفــس القانــون‪ .‬وحيــث أن إثبــات مــا يفيــد الترســيم بســجل‬
‫الناخبــن بتقديــم تصريــح علــى الشــرف بقيــام أحــد الناخبــن بممارســة الحــق االنتخابــي خــال انتخابــات املجلــس‬
‫الوطنــي التأسيســي لســنة ‪ 2011‬ال يقــوم مقــام اإلثبــات الكامــل خاصــة وأن هــذه االنتخابــات قــد مارســها غيــر املرســمني‬
‫بالقوائــم االنتخابيــة اســتثنائيا وهــو مــا يجعــل املمارســة الفعليــة للحــق االنتخابــي وعلى فرض التســليم بهــا ال تقوم حجة‬
‫علــى توفــر صفــة الناخــب طبقــا للفصــل ‪ 5‬مــن القانــون عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ .2014‬وحيــث ومــن ناحيــة أخــرى فإنــه فضــا عــن‬
‫أن الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بــن عــروس أدلــت لــدى قاضــي البدايــة بوثيقــة تفيــد عــدم تســجيل املترشــحني بالقائمــة‬
‫يرســخ قناعــة القاضــي بخــاف‬ ‫املســتأنفة عــدد ‪ 4‬وعــدد ‪ 8‬بســجل الناخبــن فــإن املســتأنف لــم يــأت بمــا مــن شــأنه أن ّ‬
‫ذلــك‪ ".‬يراجــع أيضــا املحكمــة اإلداريــة‪ 20182011 ،‬بتاريــخ ‪ 2‬أفريــل ‪ 2018‬ويراجع املحكمة االبتدائيــة بالقصرين‪ ،‬القضية‬
‫عــدد ‪ 12‬بتاريــخ ‪ 08‬أوت ‪ ،2019‬رئيــس القائمــة املســتقلة الشــباب يتحـ ّدى ضـ ّد ‪ /‬الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بالقصريــن‪.‬‬
‫‪69‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫منــه علــى أن يتــم غلــق عمليــة التســجيل شــهرين قبــل انطــاق فتــرة قبــول الترشــحات‪.‬‬
‫كمــا كان الختــاف االجتهــادات القضائيــة بخصــوص القائمــة التكميليــة للمترشــحني‬
‫وإجــراءات التصحيــح‪ 1‬والتــي أق ّرهــا القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪2014‬‬
‫كشــرط مــن شــروط صحــة الترشــح أثــر مباشــر فــي تعديــل قــرار الهيئــة املــؤرخ‬
‫فــي ‪ 1‬أوت ‪ 2014‬املتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات التشــريعية‬
‫بموجــب القــرار عــدد ‪ 17‬لســنة ‪ 2019‬املــؤرخ فــي ‪ 14‬جــوان ‪ 2019‬والــذي نــص‬
‫صراحــة صلــب الفصــل ‪ 13‬جديــد منــه علــى أنّ النقــص فــي القائمــة التكميليــة بعــد‬
‫اســتعمالها لتصحيــح القائمــة األصليــة ال يــؤدي إلــى رفــض مطلــب الترشــح‪.‬‬
‫ومــن املســائل التــي تواتــر النظــر فيهــا مــن قبــل القاضــي االنتخابــي منــذ ‪ 2011‬هــي‬
‫مســألة التمثيليــة لقبــول الترشــح باســم حــزب معــن‪ .‬إذ يشــترط القانــون عــدم جــواز‬
‫ترشــح قائمتــن عــن نفــس الحــزب‪ .‬وقــد بــرزت اإلشــكالية فــي ‪ 2011‬مــن خــال تلقــي‬
‫العديــد مــن الهيئــات الفرعيــة لقائمتــن انتخابيتــن تحت تســمية حــزب حركــة الديمقراطيني‬
‫االشــتراكيني تبعــا لبــروز انقســامات داخــل الحــزب وتنــازع قيــادات مختلفــة علــى شــرعية‬
‫تمثيلــه‪ .‬وقــد ب ّيــن القاضــي االنتخابــي منــذ ذلــك التاريــخ وعلــى غــرار مــا كرســه فقــه‬
‫القضــاء املقــارن‪ 2‬أن حســم املنازعــات املتعلقــة بتمثيــل األحــزاب السياســية ليــس مــن‬
‫اختصــاص الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات‪ .3‬وتمــت بلــورة هــذا املوقــف فــي القــرار عــدد ‪16‬‬
‫لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪ 1‬أوت ‪ 2014‬املتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات‬
‫التشــريعية إذ نــص الفصــل ‪ 14‬فقــرة أخيــرة منــه علــى أنــه «فــي صــورة تنــازع أكثــر‬
‫مــن قائمــة حزبيــة علــى نفــس التســمية أو الرمــز بســبب نــزاع حــول رئاســة الحــزب‬
‫تســند التســمية للقائمــة املصــادق عليهــا مــن املســؤول األول للحــزب حســب البيانــات‬
‫املتوفــرة لــدى الجهــة اإلداريــة املختصــة بشــؤون األحــزاب‪ »...‬وهــو نفــس املوقــف الــذي‬
‫تــم اعتمــاده أيضــا فــي االنتخابــات البلديــة والجهويــة بموجــب القــرار عــدد ‪ 10‬لســنة‬
‫‪ 2017‬املــؤرخ فــي ‪ 20‬جويليــة ‪ .2017‬وفــي ‪ 2019‬بمناســبة االنتخابــات البلديــة الجزئيــة‬
‫لبلديــة بــاردو واجهــت الهيئــة قصــورا فــي املعطيــات املقدمــة مــن املصالــح اإلداريــة املكلفــة‬

‫‪ .1‬اعتبــر الحكــم الصــادر عــن املحكمــة اإلداريــة تحــت عــدد ‪ 201410067‬بتاريــخ ‪ 20‬ســبتمبر ‪ 2014‬مثــا أن‬
‫اســتعمال القائمــة التكميليــة لتصحيــح القائمــة األصليــة ال يــؤدي إلــى رفــض الترشــح‪ .‬فــي املقابــل اعتبــر الحكــم‬
‫الصــادر تحــت عــدد ‪ 201410103‬بتاريــخ ‪ 22‬ســبتمبر ‪ 2014‬أن العبــرة لصحــة الترشــح أن تســتوفي القائمــة‬
‫التكميليــة فــي صيغتهــا النهائيــة بعــد البــت العــدد األدنــى املســتوجب قانونــا ورفضــت الترشــح تبعــا لذلــك‪.‬‬
‫‪CE, 13 décembre 1997, élections municipales de Marseille‬‬ ‫‪ .2‬يراجع مثال‬
‫‪ .3‬املحكمــة اإلداريــة ‪ / 28969‬نــزاع انتخابــي بتاريــخ ‪ 26‬ســبتمبر ‪« 2011‬وحيــث كمــا ذهبــت إليــه الجهــة‬
‫املســتأنفة فــإن اســتناد الحكــم املطعــون فيــه عنــد إلغــاء قــرار الهيئــة القاضــي برفــض ترســيم قائمــة‬
‫املســتأنف ضــده إلــى أنهــا تمثــل الشــق الشــرعي لحركــة الديمقراطيــن االشــتراكيني ينطــوي علــى تجــاوز‬
‫الختصاصهــا لبتهــا فــي مســألة ال ترجــع إليهــا بالنظــر خاصــة أنهــا محــل نظــر املحكمــة االبتدائيــة بتونــس‪».‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪70‬‬

‫بشــؤون األحــزاب عــن بيــان املســؤول األول لحــزب نــداء تونــس بمــا حملهــا علــى رفــض‬
‫ترشــح قائمتــن مقدمتــن باســم الحــزب املذكــور وعقــب إقــرار املحكمــة اإلداريــة ذلــك‬
‫املوقــف‪ 1‬راجعــت املصالــح اإلداريــة مراســاتها وبينــت املعطيــات املطلوبــة بوضــوح‪.‬‬
‫وبمتابعــة حجــم الطعــون بخصــوص تســمية ورمــز القائمــات يالحــظ تراجــع عددهــا‬
‫ترســخ املمارســة بهــذا الخصــوص والتطــ ّور اإليجابــي فــي‬ ‫منــذ ‪ 2011‬بمــا يبــرز ّ‬
‫التعامــل معهــا‪ .‬واســتقر فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة علــى اعتبــار أن التشــابه‬
‫فــي التســمية والرمــز املحظــور بموجــب القانــون االنتخابــي هــو ذاك الــذي مــن‬
‫شــأنه أن يربــك الناخــب معتبــرا أن تقديــر إمكانيــة اإلربــاك يكــون بالرجــوع إلــى‬
‫العناصــر الثالثــة لضبــط هويــة القائمــة وهــي التســمية والرمــز والعــدد الرتبــي علــى‬
‫ورقــة االقتــراع‪ 2‬منبهــا إلــى خطــورة هــذا اإلخــال حــن يــؤول إلــى إربــاك الناخــب‪.3‬‬
‫غيــر أنــه مــن املســائل التــي ظلــت تثيــر فــي كل موعــد انتخابــي عــددا كبيــرا مــن‬
‫املنازعــات القضائيــة والتــي يتجــه بالتالــي العمــل علــى تحســن تنظيــم العمليــة‬
‫االنتخابيــة فــي خصوصهــا هــي إدارة عمليــات االقتــراع بالخــارج والتزكيــات للترشــح‬
‫لالنتخابــات الرئاســية ومراقبــة الخروقــات لقواعــد الحملــة االنتخابيــة وفتــرة الصمــت‪.‬‬
‫وقــد كان للقاضــي االنتخابــي فــي مختلــف املواعيــد االنتخابيــة دور هــام فــي تنســيب‬
‫مــا يتمســك بــه األطــراف مــن إخــاالت ترتبــط بعمليــات االقتــراع بالخــارج مــن خــال‬
‫التثبــت مــن صحــة الوقائــع وتقديــر مــدى اكتســائها لصفــة اإلخــال وحقيقــة تأثيرهــا علــى‬
‫النتائــج‪ .‬وأقــرت األحــكام الصــادرة املرتبــة الخاصــة ملحاضــر وتقاريــر الهيئــة إذ ب ّيــن‬
‫القاضــي االنتخابــي أنهــا خالفــا لعديــد الوســائل التــي يق ّدمهــا امل ّدعــون‪ 4‬تعتبــر حججــا‬

‫‪ .1‬املحكمة اإلدارية ‪ 20192001‬بتاريخ ‪ 14‬جوان ‪ 2019‬و‪ 20192002‬بنفس التاريخ‬


‫‪ .2‬املحكمــة اإلداريــة ‪ 201450011‬بتاريــخ ‪ 19‬نوفمبــر ‪ - 2014‬املحكمــة اإلداريــة ‪ 201420008‬بتاريخ ‪ 7‬نوفمبر ‪« 2014‬وحيث‬
‫أن هويــة كل قائمــة مترشــحة تتحـ ّدد مــن خــال ثــاث عناصــر تتمثــل فــي اســم القائمــة وعددهــا الرتبــي بورقــة التصويت‬
‫ورمزهــا وهــي عناصــر تم ّكــن جميعهــا أو بعضهــا الناخــب مــن التعــرف علــى القائمــات التــي يريــد التصويــت لفائدتهــا‪».‬‬
‫‪ .3‬املحكمــة اإلداريــة‪ 20183034 ،‬بتاريــخ ‪ 23‬مــاي ‪ 2018‬ويراجــع أيضــا املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الحكــم االســتئنافي الصــادر‬
‫عــن الدائــرة االســتئنافية العاشــرة تحــت عــدد ‪ 20192019‬بتاريــخ ‪ 23‬أوت ‪ ،2019‬القائمــة املســتقلة التكتــل املدنــي‪/‬‬
‫قائمــة التكتــل الديمقراطــي مــن أجــل العمــل والحريــات والهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات باملنســتير «وجــود تشــابه بــن‬
‫تســميتي قائمتــن فــي نفــس الدائــرة االنتخابيــة ليــس مــن شــأنه أن يشــكل خلــا مســتوجبا للتصحيــح إ ّال فــي صــورة‬
‫كل قائمــة مترشــحة تتح ـ ّدد مــن ثالثــة عناصــر تتمثــل‬ ‫ثبــوت إمكانيــة تســببه فــي إربــاك الناخبــن‪ ،‬باعتبــار أنّ هويــة ّ‬
‫فــي اســم القائمــة وعددهــا الرتبــي بورقــة التصويــت ورمزهــا وهــي عناصــر تم ّكــن جميعهــا أو بعضهــا الناخــب مــن‬
‫التعــ ّرف علــى القائمــة التــي يريــد التصويــت لفائدتهــا‪ .‬وحيــث أنّ املعيــار األساســي لتقديــر خطــورة التشــابه بــن‬
‫تســميتي قائمتــن فــي نفــس الدائــرة االنتخابيــة يتم ّثــل تبعــا لذلــك فــي معرفــة مــدى مســاهمة ذلــك التشــابه فــي‬
‫ويعســر عليهــم عمليــة االختيــار بــن القائمتــن املعنيتــن»‬
‫ّ‬ ‫إربــاك الناخبــن علــى نحــو يع ّرضهــم للخلــط بــن التســميتني‬
‫‪ .4‬املحكمــة اإلداريــة ‪ 201420019‬بتاريــخ ‪ 8‬نوفمبــر ‪« 2014‬حيــث يتضــح بمراجعــة أوراق امللــف أن نائــب الطاعــن اســتند‬
‫‪71‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪2‬‬
‫رســمية يعتمــد مــا جــاء بهــا ويؤخــذ علــى الصحــة‪ 1‬وق ّدمهــا علــى بقيــة وســائل اإلثبــات‬
‫علــى الرغــم مــن أنــه لــم يعتبرهــا الوســيلة الوحيــدة إلثبــات الوقائــع‪ 3‬كمــا أقــر إمكانيــة‬
‫دحضهــا بتوافــر وتظافــر حجــج وقرائــن مخالفــة مــع التأكيــد علــى أهميــة إدراج التحفظات‬
‫علــى محاضــر االقتــراع والفــرز كبدايــة حجــة الســتبعاد مــا جــاء فيهــا‪ 4‬واعتبــر أنــه مــن‬
‫املمكــن عــدم اعتمادهــا متــى لــم تتوفــر فيهــا الشــروط الشــكلية أو الجوهريــة املســتوجبة‪.5‬‬

‫إلى النتيجة املنشورة بجريدة املغرب ليوم ‪ 30‬أكتوبر ‪ 2014‬والتي ال تعتبر وثيقة رسمية يمكن االعتداد بها‪»...‬‬
‫‪ .1‬ب ّيــن قاضــي النتائــج أنّ املعطيــات الــواردة بمحاضــر االقتــراع والفــرز وتجميــع النتائــج تتم ّتــع بقرينــة الشــرعية‬
‫باعتبــار أنّ «الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات منحهــا الدســتور فــي فصلــه ‪ 126‬ســلطة إدارة االنتخابــات‬
‫وتنظيمهــا واإلشــراف عليهــا فــي جميــع مراحلهــا وضمــان ســامة املســار االنتخابــي ونزاهتــه وشــفاف ّيته ولذلــك‬
‫فــإنّ أعمالهــا تتمتّــع بقرينــة الشــرعية التــي ال يمكــن دحضهــا إ ّال بحجــج ج ّديــة وثابتــة ومتظافــرة» املحكمــة‬
‫اإلداريــة‪ ،‬الدائــرة االســتئنافية التاســعة‪ ،‬عــدد ‪ 20194073‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪ ،2019‬رئيــس القائمــة املســتقلة‬
‫«بــن عــروس للجميــع» بالدائــرة االنتخابيــة بــن عــروس ضــ ّد ‪ /‬الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيســة‬
‫قائمــة حــزب قلــب تونــس ورئيســة قائمــة الحــزب الدســتوري الحــر ورئيــس قائمــة حــزب التيــار الديمقراطــي‬
‫ورئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة ورئيســة قائمــة ائتــاف الكرامــة ورئيســة قائمــة حــزب تحيــا تونــس ورئيــس‬
‫قائمــة حــزب حركــة الشــعب ورئيــس قائمــة حــزب اتحــاد الشــعب الجمهــوري بالدائــرة االنتخابيــة بــن عــروس‬
‫واعتبــر أنّ محاضــر الفــرز «تع ـ ّد وثائــق رســمية تتمتــع بقرينــة الصحــة وال يجــوز التشــكيك فيهــا دون اإلدالء بحجــج‬
‫مقنعــة أو علــى األقــل ببدايــة حجــة يمكــن أن تدفــع املحكمــة إلــى إعــادة النظــر فــي نتائــج االنتخابــات» املحكمــة‬
‫اإلداريــة‪ ،‬الدائــرة االســتئنافية األولــى‪ ،‬عــدد ‪ 20194068‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪ ،2019‬رئيســة قائمــة حــزب تحيــا تونــس‬
‫بالدائــرة االنتخابيــة صفاقــس ‪ 2‬ضــ ّد ‪ /‬الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة‬
‫ورئيــس قائمــة حــزب قلــب تونــس ورئيــس قائمــة ائتــاف الكرامــة ورئيــس قائمــة حــزب التيــار الديمقراطــي‬
‫ورئيــس قائمــة حــزب حركــة الشــعب ورئيــس قائمــة الحــزب الحــر الدســتوري بالدائــرة االنتخابيــة بصفاقــس ‪2‬‬
‫‪ .2‬املحكمــة اإلداريــة ‪ 201450015‬بتاريــخ ‪ 20‬نوفمبــر ‪« 2014‬ال يمكــن أن ترتقــي تقاريــر املالحظــن املحليــن والدوليــن‬
‫املحتــج بهــا بــأي حــال مــن األحــوال إلــى مرتبــة تقاريــر مراقبــي الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات املحلفــن طبــق‬
‫القوانــن والتراتيــب الجــاري بهــا العمــل»‬
‫‪ .3‬املحكمــة اإلداريــة ‪ 201420042‬بتاريــخ ‪ 8‬نوفمبــر ‪« 2014‬وحيــث خالفــا ملــا دفعــت بــه الهيئــة العليــا املســتقلة‬
‫لالنتخابــات فــإن إثبــات املخالفــات أو اإلخــاالت االنتخابيــة يكــون بجميــع وســائل اإلثبــات وليــس فقــط بالرجــوع‬
‫إلــى تقاريــر الهيئــة واملحاضــر التــي يحررهــا أعوانهــا املحلفــون» املحكمــة اإلداريــة‪ 20183022 ،‬بتاريــخ ‪ 22‬مــاي ‪2018‬‬
‫‪ .4‬املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الدائــرة االســتئنافية األولــى‪ ،‬عــدد ‪ 20194060‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪ ،2019‬رئيــس قائمــة‬
‫مســتقلون ألجــل تونــس بالدائــرة االنتخابيــة نابــل ‪ 2‬ضــ ّد ‪ /‬الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس‬
‫قائمــة حــزب قلــب تونــس بالدائــرة االنتخابيــة نابــل ‪« 2‬وحيــث إنّ التجــاوزات التــي ي ّدعــي الطاعــن حصولهــا‬
‫بــأي تحفظــات إلــى‬
‫ّ‬ ‫أثنــاء عمليــة فــرز األصــوات لــم تكــن مؤ ّيــدة إذ لــم يتقــ ّدم مم ّثلــو القائمــة الطاعنــة‬
‫أي مالحظــات مــن طرفهــم فــي محاضــر الفــرز‪».‬‬ ‫رؤســاء مكاتــب االقتــراع والفــرز املعن ّيــة ولــم يتــ ّم تدويــن ّ‬
‫‪ .5‬املحكمــة اإلداريــة‪ 201420005 ،‬بتاريــخ ‪ 7‬نوفمبــر ‪« 2014‬وحيــث ثبــت مــن أوراق امللــف أن جميــع محاضــر معاينــة‬
‫املخالفــات االنتخابيــة وردت منقوصــة مــن ختــم الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بدائــرة القصريــن بمــا هــو تنصيــص‬
‫وجوبــي اقتضــاه قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد ‪ 28‬لســنة ‪ 2014‬املذكــور أعاله‪...‬وحيــث والحالــة‬
‫مــا ذكــر فــإن محاضــر املعاينــات‪...‬ال تحــرز علــى حجيــة املحاضــر الرســمية وال تعــدو أن تكــون تبعــا لذلــك ســوى‬
‫بدايــة حجــة قابلــة للدحــض‪ »...‬املحكمــة اإلداريــة‪ 201450006 ،‬بتاريــخ ‪ 19‬نوفمبــر ‪« 2014‬وحيــث‪ ...‬أن املحاضــر التــي‬
‫يحررهــا أعــوان املراقبــة املحلفــون بتكليــف مــن هيئــة االنتخابــات فــي إطــار ممارســتهم لســلطة معاينــة املخالفــات‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪72‬‬

‫وعلــى الرغــم مــن أن مضمــون األحــكام الصــادرة والنقاشــات بــن األطــراف لــدى الهيئــات‬
‫‪1‬‬
‫املتعهــدة باملنازعــات تضــع علــى عاتــق الهيئــة مســؤولية تطويــر إدارة العمليــة االنتخابيــة‬
‫واتخــاذ القــرارات املســتوجبة خــال املســار االنتخابــي‪ 2‬وتحســن جــودة الوثائــق‬
‫والتقاريــر الصــادرة عنهــا ونشــرها‪ 3‬ودعــم النفــاذ إليهــا‪ 4‬وعلــى الرغــم مــن أن املنازعــات‬
‫بخصــوص توفــر شــرط التزكيــات‪ 5‬يمكــن أن تتطـ ّور فــي مضمونهــا‪ 6‬وفــي طريقــة التعامــل‬
‫بخصوصهــا بــن الهيئــة والجهــات القضائيــة‪ ،7‬فقــد بــرز أنّ املطاعــن املرتبطــة بعمليــات‬

‫االنتخابيــة ال تكــون صحيحــة وجديــرة باالعتمــاد إال إذا كانــت محــررة طبقــا للشــروط الشــكلية املســتوجبة قانونــا»‬
‫‪ .1‬فيمــا يتعلــق بمــا تمســك بــه عــدد مــن املدعــن مــن صعوبــة املالحظــة فــي قاعــات التجميــع بســبب املســافة التــي‬
‫توجــد عليهــا األماكــن املخصصــة للمالحظــن بينــت املحكمــة أنــه "لئــن كان علــى هيئــة االنتخابــات اتخــاذ جميــع‬
‫االحتياطــات الضروريــة لتمكــن املراقبــن واملالحظــن مــن ممارســة رقابتهــم علــى عمليــات التجميــع والتثبــت مــن‬
‫عمليــات إعــادة العــد اليــدوي كأن تج ّهــز القاعــات بشاشــات عمالقــة أو أن تســمح لعــدد محــ ّدد مــن املراقبــن مــن‬
‫االقتــراب وذلــك عــن طريــق القرعــة أو بترشــيح مــن املراقبــن أنفســهم فإنــه لــم يثبــت بالنســبة لوضعيــة الحــال أن مــكان‬
‫وجــود املراقبــن قــد حــال دون ممارســتهم لدورهــم بدليــل تفطنهــم إلــى الخطــإ املــادي علــى مســتوى عــدد أصــوات‬
‫قائمــة‪ ...‬واحتجاجهــم بخصوصــه وتوصلهــم إلــى تــدارك الخطــإ"‪ ،‬املحكمــة اإلداريــة ‪ 201420019‬بتاريــخ ‪ 8‬نوفمبــر ‪2014‬‬
‫‪ .2‬تم الدفع في منازعات نتائج االنتخابات الرئاســية لســنة ‪ 2019‬بعدم تدخّ ل الهيئة إليقاف املخالفات خالل الحملة على‬
‫الرغــم مــن تفشــي اإلشــهار السياســي بمــا أخــل بمبــدإ املســاواة وعــدم التدخــل إليقــاف التشــهير والتنكيــل باملترشــحني‬
‫‪ .3‬تمــت مــن خــال املنازعــات فــي نتائــج االنتخابــات الرئاســية لســنة ‪ 2019‬تقديــم جملــة مــن املطاعــن تتعلــق بمخالفــة‬
‫الفصــل ‪ 2‬مــن قانــون الهيئــة الــذي يقتضــي أن تســهر على انتخابــات ديمقراطية حــرة وتعددية ونزيهة وشــفافة وأن يكون‬
‫لهــا واليــة عامــة علــى املســار االنتخابــي ووجــوب ضمــان شــروط النزاهــة والشــفافية طيلــة مراحــل العمليــة االنتخابيــة‬
‫• عــدم نشــر قــرار النتائــج واملــداوالت مفصلــة حــول ســير العمليــة وحــول مــا قــ ّدم للهيئــة مــن رصــد‬
‫للخروقــات مــن قبــل املجتمــع املدنــي والهيئــات األخــرى ومحاضــر مراقبيهــا بمــا ينــال مــن شــفافية العمليــة‬
‫• مــا عاينــه متابعــو املترشــح الزبيــدي ومالحظــو املجتمــع املدنــي ومــا أثبتتــه قــرارات الهيئــة العليــا لالتصــال‬
‫الســمعي والبصــري بخصــوص اإلشــهار السياســي فــي حــق املترشــحني الثانــي والثالــث فــي نتائــج التصويــت‬
‫مــن شــأنها أن تغيــر الترتيــب وتجعــل الطاعــن فــي املرتبــة الثانيــة بمــا يخــ ّول لــه املــرور للــدورة الثانيــة‪.‬‬
‫وطلــب علــى ذلــك األســاس إلــزام الهيئــة بتمكينه من كل محاضر مراقبيها ليتأكد من عــدم تأثيرها على النتائج‪ .‬كما طالب‬
‫بوجوبيــة ترتيــب الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات آلثــار قانونيــة عــن قــرار الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي والبصري‬
‫الصــادر فــي ‪ 10‬ســبتمبر ‪ 2019‬بعقوبــة قنــاة نســمة التــي قامــت باإلشــهار السياســي لفائــدة املترشــح نبيــل القــروي‪.‬‬
‫‪ .4‬اســتند أحــد الطعــون فــي ‪ / 101( 2011‬نــزاع انتخابــي بتاريــخ ‪ 5‬نوفمبــر ‪ )2011‬بنــاء علــى عــدم نشــر محاضــر‬
‫مكاتــب الفــرز وهــو مــا تــم تالفيــه فــي املواعيــد االنتخابيــة الالحقــة‪ .‬وفــي ‪ 2014‬رفضــت الهيئــة م ـ ّد أحــد املترشــحني‬
‫لالنتخابــات الرئاســية بمحاضــر معاينــة املخالفــات املح ـ ّررة مــن أعــوان املراقبــة الراجعــن لهــا بمــا جعلــه يلجــأ إلــى‬
‫اســتصدار أذون قضائيــة للحصــول عليهــا وفــي ‪ 2019‬تولــت الهيئــة نشــر تلــك املحاضــر علــى موقعهــا االلكترونــي‬
‫غيــر أن ذلــك كان لفتــرة وجيــزة بالنظــر لعــدم توفــر نســخ مــن املحاضــر تســتجيب ملقتضيــات النشــر للعمــوم‪.‬‬
‫‪ .5‬فــي ‪ 2019‬تعلــق عــدد ‪ 13‬طعنــا مــن جملــة ‪ 15‬فــي مــادة الترشــحات لالنتخابــات الرئاســية بشــرط التزكيــات وفــي‬
‫‪ 2014‬تع ّلــق ‪ 21‬طعنــا مــن جملــة ‪ 23‬طعنــا بهــذا الشــرط‬
‫‪ .6‬في صورة اعتماد وسائل الكترونية للتزكية عوضا عن التزكية الورقية مثال‬
‫‪ .7‬يقــدم املترشــحون لالنتخابــات الرئاســية قائمــة ورقيــة وقائمــة الكترونيــة فــي املزكــن يتــم التثبــت علــى أساســها‪.‬‬
‫وملراقبــة صحــة قــرار الهيئــة فــي رفــض الترشــحات قامــت الهيئــات القضائيــة فــي ‪ 2014‬إضافــة إلــى االطــاع علــى‬
‫‪73‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫االقتــراع والفــرز مالزمــة للعمليــة االنتخابيــة‪ 1‬وأن املطاعــن املرتبطــة بالحملــة االنتخابيــة‬
‫تتأثــر بشــكل كبيــر باملنافســة السياســية‪ 2‬وســتظل لذلــك وحســب منطــق األمــور مطروحــة‬
‫فــي كل املنازعــات االنتخابيــة‪ .3‬لذلــك فإنــه مــن املهــم أن يكــون البنــاء فــي خصوصهــا‬
‫ســواء مــن جهــة الهيئــة االنتخابيــة أو مــن جهــة الهيئــات القضائيــة متماســكا وواضحــا‪.‬‬

‫ملفــات الترشــح بمعاينــة ملنظومــة التثبــت مــن التزكيــات فــي مقــر الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات وأقــرت فــي النهايــة‬
‫جميــع قــرارات الهيئــة‪ .‬إال أنــه فــي ‪ 2019‬تعهــدت الدوائــر االســتئنافية فــي الطــور االبتدائــي بنــاء علــى امللفــات فحســب‬
‫وباعتبــار أنــه ال يتــم احتســاب األســماء الــواردة بالقائمــات الورقيــة ضمــن العــدد األدنــى املطلــوب فــي الحــاالت التاليــة‪:‬‬
‫• األسماء التي ال يقابلها أي إمضاء لعدم توفر ما يثبت إرادة التزكية‬
‫• األســماء التــي ال يقابلهــا عــدد بطاقــة تعريــف حقيقــي حســب منظومــة بطاقــات التعريــف الوطنيــة باعتبارهــا ال‬
‫تحيــل إلــى هويــة حقيقيــة لشــخص طبيعــي‬
‫• األســماء التــي ال تتطابــق مــع الهويــات (وفــق قاعــدة البيانــات الرســمية) املقابلــة لعــدد بطاقــة التعريــف الوطنيــة‬
‫املضمــن بقائمــة بالتزكيــات‪ .‬وذلــك لعــدم ثبــوت توافــق االســم املضمــن مــع الهويــة الحقيقيــة لصاحــب اإلمضــاء‬
‫• األسماء املختلفة التي يقابلها نفس اإلمضاء‬
‫وأن ذلــك ال يتضــح مــن االطــاع الحصــري علــى ملفــات الترشــح فقــد آلــت الطعــون االبتدائيــة إلــى إلغــاء قــرارات الهيئــة‬
‫فــي ‪ 4‬قضايــا قبــل أن يتــم نقــض تلــك األحــكام وإقــرار قــرارات الهيئــة فــي الطــور االســتئنافي‪.‬‬
‫‪ .1‬بخصــوص أعمــال التجميــع ومالحظتهــا تواتــر تضمــن عرائــض املدعــن مطاعــن تتعلــق باحتــواء الســبورات علــى‬
‫تشــطيبات وتحويــرات‪ .‬وقــد بينــت املحكمــة اإلداريــة فــي إحــدى القضايا أن "نائب الطاعــن (أدلى) بمحضــر معاينة محرر‬
‫مــن قبــل العــدل املنفــذ األســتاذ‪ ...‬تحــت عــدد‪ ...‬فــي ‪ 29‬أكتوبــر ‪ 2014‬تض ّمــن أنــه عايــن بالقاعــة املغطــاة بأريانــة عــدد ‪4‬‬
‫ســبورات تشــتمل علــى كــم هائــل مــن التشــطيبات والبــرش واإلقحــام كمــا تولــى اســتعمال العديــد مــن األلــوان لتدويــن‬
‫النتائــج املتراصــة فــوق بعضهــا‪ .‬وحيــث أن مــا تمــت معاينتــه علــى النحــو املبــن أعــاه يدخــل فــي طبيعــة أعمــال الفــرز‬
‫واإلحصــاء والعــد واملراجعــة وإصــاح األخطــاء وجمــع النتائــج" املحكمــة اإلداريــة ‪ 201420019‬بتاريــخ ‪ 8‬نوفمبــر ‪2014‬‬
‫‪ .2‬فــي ‪ 2019‬بلــغ عــدد الطعــون االبتدائيــة فــي االنتخابــات التشــريعية ‪ 102‬طعنــا كان ‪ 66‬يتعلــق بحزبــي‬
‫النهضــة وقلــب تونــس‪ .‬إذ تــم تقديــم ‪ 33‬طعنــا فــي كل الدوائــر االنتخابيــة مــن كل منهمــا ضــد نتائــج الثانــي‬
‫باالســتناد إلــى الخروقــات املرتكبــة فــي الحملــة بصــورة أساســية‪ .‬وكانــت املخالفــات املتمســك بهــا فــي‬
‫الــدور األول أساســا بــن املتنافســن يوســف الشــاهد وعبــد الكريــم الزبيــدي وبنــاء علــى شــكايات متقابلــة‪.‬‬
‫‪ .3‬خــال االنتخابــات التشــريعية ‪ 2019‬تمســك املدعــي فــي القضيــة عــدد ‪ 20194062‬بــأنّ عــدد األصــوات املعلــن‬
‫عنهــا بصفحــة التواصــل االجتماعــي التابعــة للهيئــة االنتخابيــة قــ ّدر بـــ ‪ 125‬صوتــا بعــد احتســاب ‪ % 35,8‬مــن‬
‫األصــوات وأصبــح مســاويا لـــ ‪ 76‬صوتــا إثــر االنتهــاء مــن احتســاب ‪ % 100‬مــن األصــوات وبعــدم تمكــن القائمــة‬
‫الطاعنــة مــن االطــاع علــى محاضــر الفــرز وفــي القضيــة عــدد ‪ 20194070‬تمــت إثــارة اإلخــاالت فــي عمليــات‬
‫الفــرز وتجميــع النتائــج م ّمــا انجــ ّر عنــه تضــارب بــن عــدد األصــوات املعلــن عنهــا بالنــدوة الصحفيــة واملنشــورة‬
‫باملوقــع اإللكترونــي للهيئــة االنتخابيــة وعــدد األصــوات املض ّمنــة بجــدول النتائــج األوليــة لالنتخابــات التشــريعية‬
‫• وخــال االنتخابــات الرئاســية دورة أولــى ‪ 2019‬تمســك عــدد مــن املدعــن بــأن عــدد الناخبــن املعلــن‬
‫عنــه بالنــدوة الصحفيــة ليــوم ‪ 15‬ســبتمبر ‪ 2019‬أقــل مــن العــدد النهائــي املصــرح بــه فــي ‪ 17‬ســبتمبر‬
‫‪ 2019‬واملضمــن بالقــرار املنشــور وأن عــدد األصــوات املصــرح بهــا فــي قــرار النتائــج األوليــة لفائــدة‬
‫املترشــح قيــس ســعيد مختلــف عــن العــدد الــذي تــم عرضــه علــى الشاشــة فــي النــدوة الصحفيــة‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪74‬‬

‫وفــي مجــال الحملــة وفــي مثــال أول ســاهم القضــاء منــذ ‪ 2011‬فــي تعريــف مفهــوم‬
‫اإلشــهار السياســي‪ .1‬وميــزت املحكمــة اإلداريــة فــي ‪ 2014‬الحــاالت التــي تعتمــد أســاليب‬
‫‪3‬‬
‫وتقنيــات التســويق التجــاري عــن غيرهــا معتبــرة أن إكســاء حافلــة‪ 2‬أو موكــب ســيارات‬
‫برقــم وشــعار الحــزب ال تتوفــر فيــه مقومــات اإلشــهار السياســي‪ .‬كمــا اعتبــرت منــذ‬
‫‪ 2011‬أن قيــام قنــاة تلفزيــة بالدعايــة لفائــدة عــدد مــن القوائــم املترشــحة يعتبــر شــكال‬
‫مــن أشــكال التمويــل وصنفتــه كتمويــل أجنبــي بالنظــر إلــى أن القنــاة لــم تكــن وطنيــة‪.4‬‬
‫غير أن مفهوم اإلشــهار السياســي عن طريق وســائل االتصال الســمعي البصري ظل غير‬
‫واضــح مــن خــال األحــكام القضائيــة وكان محــل اختالف بــن الهيئات القضائية نفســها‪.‬‬
‫ففــي ‪ 2019‬طرحــت مســألة بــث قنــاة تلفزيــة وبصفــة متكــررة لومضــة إشــهارية‬
‫تظهــر فيهــا زوجــة رئيــس حــزب ترشــحت قائماتــه فــي ‪ 33‬دائــرة انتخابيــة وتدعــو‬
‫فيهــا الناخبــن للتصويــت كمــا طرحــت مســألة احتــكار أحــد املترشــحني للبــث‬
‫علــى قنــاة إذاعيــة يتولــى تقديــم برنامــج يومــي فيهــا ملــدة ‪ 3‬ســاعات و‪ 19‬دقيقــة بمــا‬
‫بلــغ جملــة ‪ 67‬ســاعة و‪ 19‬دقيقــة خــال فتــرة الحملــة لالنتخابــات التشــريعية‪.5‬‬
‫وتمثــل اإلشــكال األول فــي كيفيــة تعامــل القاضــي االنتخابــي مــع صالحيــات كل‬
‫مــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات والهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي البصــري‪.‬‬
‫إذ وعلــى الرغــم مــن أن قــرارات الهيئــة االنتخابيــة وتقاريرهــا املق ّدمــة صلــب امللفــات‬
‫القضائيــة قــد انبنــت علــى تكييــف وقــراءة خاصــة بهــا بنــاء علــى الوقائــع التــي أثبتتهــا‬
‫الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي البصــري وعلــى الرغــم مــن اختــاف تعريــف‬
‫اإلشــهار السياســي بــن كل مــن القانــون االنتخابــي‪ 6‬واملرســوم عــدد ‪ 116‬لســنة‬

‫‪ .1‬يراجع قرار توقيف التنفيذ عدد ‪ 413897‬بتاريخ ‪ 18‬أكتوبر ‪2011‬‬


‫‪ .2‬املحكمة اإلدارية‪ 201420036 ،‬بتاريخ ‪ 8‬نوفمبر ‪2014‬‬
‫‪ .3‬املحكمة اإلدارية‪ 20183001 ،‬بتاريخ ‪ 12‬ماي ‪2014‬‬
‫‪ .4‬املحكمــة اإلداريــة‪/32 ،‬نــزاع انتخابــي و‪ / 36‬نــزاع انتخابــي و‪ / 95‬نــزاع انتخابــي و‪ / 98‬نــزاع انتخابــي بتاريــخ ‪7‬‬
‫نوفمبــر ‪ 2011‬بخصــوص الدعايــة االنتخابيــة مــن قنــاة املســتقلة لفائــدة قائمــات العريضــة الشــعبية‬
‫‪ .5‬املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الدائــرة االســتئنافية الثامنــة‪ ،‬عــدد ‪ 20194053‬بتاريــخ ‪ 21‬أكتوبــر ‪ ،2019‬رئيــس قائمــة‬
‫حــزب الرحمــة بالدائــرة االنتخابيــة بــن عــروس ضــ ّد‪ /‬الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات وقائمــة حــزب‬
‫حركــة الشــعب بالدائــرة االنتخابيــة بــن عــروس والهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري‪.‬‬
‫‪ .6‬عــ ّرف املشــ ّرع اإلشــهار السياســي فــي الفصــل ‪ 3‬مــن القانــون االنتخابــي كاآلتــي‪« :‬هــو ّ‬
‫كل عمل ّيــة‬
‫إشــهار أو دعايــة بمقابــل مــادي أو مجانــا تعتمــد أســاليب وتقنيــات التســويق التجــاري‪ ،‬موجهــة للعمــوم‪،‬‬
‫وتهــدف إلــى الترويــج لشــخص أو ملوقــف أو لبرنامــج أو لحــزب سياســي‪ ،‬بغــرض اســتمالة الناخبــن أو‬
‫التأثيــر فــي ســلوكهم واختياراتهــم عبــر وســائل اإلعــام الســمع ّية أو البصر ّيــة أو املكتوبــة أو اإللكترون ّيــة‪،‬‬
‫أو عبــر وســائط إشــهار ّية ثابتــة أو متنقلــة‪ ،‬مركــزة باألماكــن أو الوســائل العموميــة أو الخاصــة»‪.‬‬
‫‪75‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ 1 2011‬فــإن األحــكام القضائيــة الصــادرة لــم تنــن كلهــا علــى هــذا التمييــز‪ 2‬فضــا‬
‫عــن أنّ عــددا منهــا وإن اعتمــد التمييــز بــن املجــال االنتخابــي واملجــال الســمعي‬
‫البصــري فقــد أجــاب بصــورة مطلقــة علــى تكييــف الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال‬
‫الســمعي البصــري دون إشــارة إلــى موقــف الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات‪.3‬‬

‫‪ .1‬عـ ّرف الفصــل ‪ 2‬مــن املرســوم عــدد ‪ 116‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 2‬نوفمبــر ‪ 2011‬واملتع ّلــق بحريــة االتصــال الســمعي‬
‫والبصــري وبإحــداث هيئــة عليــا مســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري االشــهار السياســي بأ ّنــه‪« :‬كل عمليــة إشــهار‬
‫تعتمــد أســاليب وتقنيــات التســويق التجــاري موجهــة للعمــوم تهــدف إلــى الترويــج لشــخص أو لفكــرة أو لبرنامــج أو‬
‫لحــزب أو منظمــة سياســية بواســطة قنــاة إذاعيــة أو تلفزيــة حيــث تخصــص للجهــة املعلنــة جــزءا مــن وقــت البــث‬
‫التلفــزي أو اإلذاعــي لتعــرض فيــه إعالنــات تســويق سياســي بمقابــل أو بــدون مقابــل مالــي مــن أجــل اســتمالة أكثــر مــا‬
‫يمكــن مــن املتلقــن إلــى تقبــل أفكارهــا أو قادتهــا أو حزبهــا أو قضاياهــا والتأثيــر علــى ســلوك واختيــارات الناخبــن»‪.‬‬
‫‪ .2‬املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الدائــرة االســتئنافية الســابعة‪ ،‬عــدد ‪ 20194085‬بتاريــخ ‪ 21‬أكتوبــر ‪ ،2019‬رئيــس قائمــة حــزب‬
‫حركــة النهضــة بالدائــرة االنتخابيــة بتطاويــن ضـ ّد‪ /‬الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب قلــب تونــس‬
‫ـف أ ّنــه صــدر قــرار عــن الهيئــة العليــا لالتصــال‬‫بالدائــرة االنتخابيــة بتطاويــن «وحيــث تب ّيــن بالرجــوع إلــى أوراق امللـ ّ‬
‫الســمعي والبصــري بتاريــخ ‪ 8‬أكتوبــر ‪ 2019‬يقضــي بتســليط خطيــة ماليــة قدرهــا ‪ 320‬ألــف دينــار علــى قنــاة «نســمة»‬
‫واملحتــج بــه فــي الطعــن الراهــن أنّ قنــاة «نســمة»‬
‫ّ‬ ‫مــن أجــل اإلشــهار السياســي‪ .‬وحيــث تض ّمــن القــرار املذكــور‬
‫التلفزيونيــة قامــت بتاريــخ ‪ 4‬أكتوبــر ‪ 2019‬بعــرض ومضــة تحسيســية تـ ّم إعــادة بثهــا ‪ 8‬مــرات دعــت فيهــا زوجــة املترشــح‬
‫لالنتخابــات الرئاســية نبيــل القــروي عمــوم الناخبــن للتصويــت فــي االنتخابــات التشــريعية واعتمــدت ترويجــا ودعايــة‬
‫وتوجهاتهــم وهــو مــا يعتبــر مــن قبيــل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫للمترشــحني وتوجيهــا للناخبــن‪ ،‬الغــرض منــه التأثيــر علــى إرادتهــم‬ ‫غيــر مباشــرة‬
‫اإلشــهار السياســي‪ ،‬كمــا تض ّمنــت الومضــة مــن حيــث الشــكل تقنيــات التســويق التجــاري‪ .‬وحيــث أنّ قاضــي النتائــج‬
‫مؤتمــن علــى أصــوات الناخبــن وال يقضــي بإلغائهــا إ ّال إذا تب ّيــن لديــه أنّ املخالفــة جســيمة وفادحــة وكانــت مؤثــرة علــى‬
‫يتفحــص معاييــر القيــس املناســبة التــي تم ّكنــه بـ ّ‬
‫ـكل د ّقــة مــن ضبــط عــدد األصــوات التــي‬ ‫أصــوات الناخبــن‪ ،‬وبعــد أن ّ‬
‫املتحصــل عليهــا املترشــح أو القائمــة‬
‫ّ‬ ‫فســدت بفعــل التأثيــر فيهــا ومــن ثـ ّم اســتئصالها مــن جملــة األصــوات الســليمة‬
‫املعنيــة حفاظــا علــى نزاهــة وســامة املســار االنتخابــي‪ .‬وحيــث يقتضــي التثبــت مــن التأثيــر علــى الناخبــن بواســطة‬
‫وســائل اإلعــام الســمعية والبصريــة بالنظــر إلــى صبغتــه التقنيــة اإلدالء لقاضــي النتائــج أ ّوال بعناصــر قيــس موضوعيــة‬
‫بخصــوص املتابعــة وتصنيفهــا ورصــد مداهــا وضبــط كيفيــة تط ّورهــا وتحديــد نســبها علــى أن يبقــى تقديــر املحتــوى‬
‫واملضمــون االتصالــي للبرنامــج أو للومضــة بخصــوص اإلشــهار السياســي مــن عدمــه راجعــا لقاضــي االنتخابــي‪.‬‬
‫(‪ )...‬وحيــث يقتضــي قيــس التأثيــر وضبــط مــداه الك ّمــي والجغرافــي فــي النــزاع الراهــن بيــان عــدد متابعــي قنــاة‬
‫«نســمة» فــي ف ـرات البــث العــادي وعددهــم فــي فتــرة االنتخابــات‪ ،‬كاإلدالء بعــدد متابعــي الومضــة اإلشــهارية املشــار‬
‫إليهــا أعــاه فــي مختلــف فتــرات ب ّثهــا وتصنيــف مختلــف املعطيــات اإلحصائيــة املتع ّلقــة بهــا علــى مســتوى وطنــي‬
‫وعلــى مســتوى جهــوي ومح ّلــي‪ .‬وحيــث وفــي غيــاب اإلدالء بعناصــر قيــس التأثيــر املشــار إليــه بخصــوص الومضــة‬
‫اإلشــهارية املذكــورة أمــام قاضــي النتائــج يكــون املطعــن املاثــل مج ـ ّردا وكاف للقضــاء برفضــه علــى هــذا األســاس»‬
‫‪ .3‬املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الدائــرة االســتئنافية الثامنــة‪ ،‬عــدد ‪ 20194079‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪ ،2019‬رئيــس قائمــة‬
‫حــزب حركــة النهضــة بالدائــرة االنتخابيــة الثانيــة بنابــل ضــ ّد‪ /‬الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة‬
‫حــزب قلــب تونــس بالدائــرة االنتخابيــة الثانيــة بنابــل «وحيــث اتّضــح بالرجــوع إلــى تقريــر الهيئــة العليــا املســتقلة‬
‫الخاصــة نســمة خطيــة ماليــة مــن أجــل العــود‬
‫ّ‬ ‫لالتصــال الســمعي والبصــري أنّهــا ســ ّلطت علــى القنــاة التلفز ّيــة‬
‫إلــى ارتــكاب مخالفــة اإلشــهار السياســي لفائــدة حــزب قلــب تونــس‪ ،‬وذلــك خــال بــثّ ومضــة قبــل ســويعات مــن‬
‫حلــول فتــرة الصمــت االنتخابــي تظهــر فيهــا زوجــة رئيــس الحــزب وأحــد املســاندين الرئيســيني لــه وهــي تخاطــب‬
‫الناخبــن‪ ،‬وقــد اعتبــرت الهيئــة املذكــورة أنّهــا اســتعملت فــي تلــك الومضــة «عبــارات مــن شــأنها توجيــه الناخبــن‬
‫والتأثيــر فــي توجهــات تصويتهــم» وك ّيفتهــا بكونهــا إشــهار سياســي‪ .‬وحيــث ثبــت مــن محتــوى الومضــة املذكــورة‬
‫أنّهــا تحمــل عنــوان «األحــد ‪ 06‬أكتوبــر الشــعب ينتخــب» واقتصــرت علــى تحفيــز املواطنــن علــى ال ّذهــاب إلــى‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪76‬‬

‫أمــا اإلشــكال الثانــي فتعلــق بمــدى عالقــة املحتــوى بتكييــف اإلشــهار السياســي‬
‫وإن كان املضمــون «السياســي» شــرطا ضروريــا لذلــك التكييــف أم أنّ البــث املكثــف‬
‫بظهــور أحــد املترشــحني يمكــن أن يعتبــر إشــهارا سياســيا أيــا كان مضمــون الخطــاب‪.‬‬
‫وقــد اعتبــرت الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات بشــأن الومضــة التــي بثــت علــى لســان‬
‫زوجــة رئيــس الحــزب املترشــحة قائماتــه لالنتخابــات التشــريعية وبعــد الرجــوع إلــى‬
‫توقيــت بثهــا وظروفــه أنهــا ال تعتبــر إشــهارا سياســيا لغيــاب عنصــر التوجيــه املباشــر‬
‫فــي مضمــون الخطــاب وارتباطهــا أساســا بالدعــوة للمشــاركة فــي االنتخابــات بشــكل‬
‫عــام‪ .‬واعتبــرت فــي املقابــل أن املــدة املفرطــة لظهــور رئيــس حــزب الرحمــة ورئيــس القائمــة‬
‫املترشــحة عــن ذلــك الحــزب فــي بن عروس خــال الحملــة االنتخابية بمعدل ‪ 3‬ســاعات و‪19‬‬
‫دق يوميــا طيلــة فتــرة الحملــة وفــي خــرق واضــح ملنــع املترشــحني مــن الظهــور اإلعالمــي‬
‫فــي غيــر الحصــص املخصصــة للحملــة االنتخابيــة‪ 1‬يمثــل دعايــة غيــر مباشــرة وإشــهارا‬
‫سياســيا‪ .‬وكان موقــف الهيئــة مســتندا إلــى أن وتيــرة البــث اإلذاعــي تعتبــر بحــد ذاتهــا‬
‫عنصــرا مــن عناصــر التســويق التجــاري وأن اســم املترشــح وصوتــه وأفــكاره وإن لــم‬
‫تبســط فــي عالقاتهــا املباشــرة باملجــال السياســي هــي مــن عناصــر التعريف به كمترشــح‪.‬‬
‫وإن ذهــب قاضــي النتائــج فــي نفــس اتجــاه الهيئــة بالنســبة للحالــة األولــى فقــد عارضهــا‬
‫ســواء فــي الطــور االبتدائــي أو الطــور االســئنافي بالنســبة للحالــة الثانيــة وجــاء فــي‬
‫حيثيــات املحكمــة «أنّ محتــوى تدخــات (رئيــس القائمــة املترشــحة) عبــر إذاعــة‬
‫القــرآن الكريــم طيلــة فتــرة الحملــة االنتخابيــة مثلمــا تــ ّم تفصيلهــا فــي تقريــر الهيئــة‬
‫املذكــورة ذاتهــا إنّمــا تع ّلــق بإعــادة بــثّ برامــج دينيــة قديمــة تنــاول فيهــا ســيرة الصحابــة‬
‫وخصالهــم باإلضافــة إلــى تخصيــص حصــص البــثّ املباشــر لتقديــم فتــاوى ر ّدا علــى‬
‫املوجهــة إلــى اإلذاعــة مــن املســتمعني حــول بعــض املســائل ذات الصبغــة‬ ‫ّ‬ ‫األســئلة‬
‫أي إشــهار‬ ‫ّ‬
‫الدينيــة‪ ،‬وأنّ الحيــز الزمنــي الــذي اســتغرقه بــثّ كل تلــك البرامــج لــم يتض ّمــن ّ‬
‫لحــزب الرحمــة أو لرئيســه أو القائمــة املترشــحة عنــه بدائــرة بــن عــروس أو برنامجــه‬
‫الصفــة مــن أجــل‬ ‫االنتخابــي وال أيــة دعايــة مباشــرة أو غيــر مباشــرة لفائدتــه بهــذه ّ‬
‫اســتمالة أكثــر مــا يمكــن مــن املتل ّقــن والتأثيــر علــى ســلوك الناخبــن واختياراتهــم‪،‬‬
‫وال قيــام امل ّدعــي بحملــة انتخابيــة مضــا ّدة بالدعــوة إلــى إقصــاء بق ّيــة األحــزاب‬
‫السياســية‪ ،‬كمــا لــم يثبــت أ ّنــه م ّكــن مســتمعي اإلذاعــة مــن االتصــال خــال تلــك البرامــج‬
‫ملســاندته أو مســاندة قائمتــه‪ ،‬األمــر الــذي تنتفــي معــه مقومــات اإلشــهار السياســي‬

‫التصويــت فــي ذلــك اليــوم‪ ،‬ولــم تتض ّمــن أ ّيــة دعــوة إلــى انتخــاب شــخص أو حــزب سياســي بعينــه‪ ،‬وال تتو ّفــر‬
‫فيهــا بالتالــي مق ّومــات اإلشــهار السياســي علــى النحــو املب ّيــن أعــاه‪ ،‬األمــر الــذي يتجــه معــه ر ّد هــذا املطعــن‪».‬‬
‫‪ .1‬نــص علــى هــذا املنــع الفصــل ‪ 30‬مــن القــرار املشــترك بــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات والهئيــة العليــا‬
‫لالتصــال الســمعي البصــري‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫املنســوب إليــه مثلمــا ح ّددهــا القانــون األساســي املتع ّلــق باالنتخابــات واالســتفتاء»‪.1‬‬
‫وكان الحكــم االســتئنافي النهائــي فــي هــذه القضيــة والــذي انبنــى علــى تحليــل‬
‫مخالــف ملوقــف الهيئــة ومــا ضمنتــه صراحــة بقراراتهــا الترتيبيــة املحــدد الســترجاع‬
‫القائمــة املذكــورة للمقعــد الــذي فــازت بــه بعــد إســقاط نتائجهــا عنــد البــت األولــي‪.‬‬
‫وكمثــال ثــان كان للقاضــي االنتخابــي فــي ‪ 2019‬دور لتعريــف الثلــب فــي املجــال االنتخابي‬
‫وتمييــزه عــن املجادلــة السياســية التــي ال تعتبــر ممنوعــة خــال الحملــة االنتخابيــة‪ .‬وجــاء‬
‫فــي حيثيــات املحكمــة (بخصــوص الطعــن املســتند إلــى أن عبــارة «اهلل غالــب مــا عندنــاش‬
‫مقرونــة» تعتبــر ثلبــا) مــا يلــي‪« :‬وحيــث أدرج القانــون االنتخابــي هتــك أعــراض املترشــحني‬
‫واملســاس مــن كرامتهــم والتع ـ ّدي عليهــم معنويــا ضمــن مصطلــح «الثلــب» الــذي أعطــاه‬
‫ال بذاتــه عــن املفهــوم املتعــارف عليــه فــي القانــون الجزائــي مراعــاة‬ ‫مفهومــا مســتق ّ‬
‫لخصوصيــة املــادة‪ .‬وحيــث عـ ّرف الفصــل ‪ 2‬مــن القــرار املشــترك املؤرخ فــي ‪ 21‬أوت ‪2019‬‬
‫«كل ا ّدعــاء أو نســبة شــيء غيــر صحيــح بصــورة علنيــة مــن شــأنه أن ينــال‬ ‫«الثلــب» بأ ّنــه ّ‬
‫مــن شــرف أو اعتبــار شــخص مع ّيــن بشــرط أن يترتــب عــن ذلــك ضــرر شــخصي ومباشــر‬
‫ـاص باملــادة االنتخابيــة أنّه‬
‫للشــخص املســتهدف»‪ .‬وحيــث يستشــف مــن ذلــك التعريــف الخـ ّ‬
‫اشــترط فــي اال ّدعــاء الــكاذب أن يلحــق ضــررا شــخصيا ومباشــرا للشــخص املســتهدف‬
‫بــه‪ .‬وحيــث أنّ مــا ا ّدعــاه نائــب الطاعنــة ال يعـ ّد ثلبــا علــى معنــى األحــكام املذكــورة آنفــا»‪.2‬‬
‫وقــد أيــدت الجلســة العامــة القضائيــة هــذا املوقــف مبينــة أنــه «خالفــا ملــا‬
‫تمســك بــه نائــب الطاعنــة فــإنّ هــذه العبــارات لــم تتض ّمــن صراحــة نســبة أمــر‬
‫ّ‬
‫أي‬
‫مــا إلــى مترشــح بعينــه وال ترتقــي بالتالــي إلــى درجــة املســاس بعــرض ّ‬
‫مترشــح أو كرامتــه وال تتعــ ّدى بذلــك حــدود التنافــس االنتخابــي املســموح بــه‪.3»...‬‬
‫وتجــدر اإلشــارة إلــى أن األخــذ بعــن االعتبــار ملــا تتضمنــه األحــكام القضائيــة مــن تحديــد‬

‫‪ .1‬املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الدائــرة االســتئنافية الثامنــة‪ ،‬عــدد ‪ 20194053‬بتاريــخ ‪ 21‬أكتوبــر ‪ ،2019‬رئيــس قائمــة‬
‫حــزب الرحمــة بالدائــرة االنتخابيــة بــن عــروس ضــ ّد‪ /‬الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات وقائمــة حــزب‬
‫حركــة الشــعب بالدائــرة االنتخابيــة بــن عــروس والهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري‪.‬‬
‫‪ .2‬املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الدائــرة االســتئنافية الثانيــة‪ ،‬عــدد ‪ 20194034‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪ ،2019‬رئيســة قائمــة حــزب قلــب‬
‫تونــس عــن الدائــرة االنتخابيــة بتونــس ‪ 1‬ضـ ّد ‪ /‬الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة‬
‫عــن الدائــرة االنتخابيــة بتونــس ‪.1‬‬
‫‪ .3‬املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الجلســة العامــة القضائيــة‪ ،‬القــرار الصــادر فــي القضيــة عــدد ‪ 20195021‬بتاريــخ‬
‫‪ 04‬نوفمبــر ‪ ،2019‬رئيســة قائمــة حــزب قلــب تونــس عــن الدائــرة االنتخابيــة األولــى لواليــة تونــس ضــ ّد ‪ /‬الهيئــة‬
‫العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة عــن الدائــرة االنتخابيــة األولــى لواليــة تونــس)‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪78‬‬

‫للمفاهيــم القانونيــة مــن شــأنه أن يســاهم فــي تحســن عمــل الهيئــة‪.1‬‬

‫‪ .2‬بيــان مجــال وضوابــط صالحيــات الهيئــة العليــا املســتقلة‬


‫لالنتخابــات وفــق األحــكام والقــرارات القضائيــة‬

‫تعمــل الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات فــي مجــال للمنافســة السياســية ويتّســم دورهــا‬
‫بأهميــة بالغــة لضمــان اســتقرار الدولــة مــن خــال التــداول الســلمي علــى الســلطة‪.‬‬
‫وباإلضافــة إلــى مــا يثيــره هــذا الــدور فــي حــد ذاتــه مــن صعوبــات فــإن املوقــع املســتجد‬
‫للهيئــة بإنشــائها بعــد ‪ 2011‬وإقرارهــا كهيئــة دائمــة بموجــب دســتور ‪ 27‬جانفــي ‪2014‬‬
‫يحيــط أداءهــا بتحديــات إضافيــة ملــا يفرضــه مــن تعامــل مــع بقيــة املؤسســات ومــن‬
‫انتظــارات مضاعفــة ملشــروعية فــي األداء بغايــة تحقيــق دور الهيئــة فــي دعــم الديمقراطية‪.2‬‬
‫وبالرجــوع إلــى مختلــف األحــكام والقــرارات القضائيــة يتبــن أنهــا ّ‬
‫وضحــت صالحيــات‬
‫الهيئــة مــن منظــور ذي أبعــاد مختلفــة إذ بينــت‪:‬‬
‫• أنّ للهيئــة واليــة عامــة إلدارة وتنظيــم االنتخابــات واإلشــراف عليهــا وهــو مــا يخــول‬
‫لهــا ســلطة ترتيبيــة فــي املجــال‬
‫• أنّ الهيئــة تلتــزم فــي ممارســة صالحياتهــا الترتيبيــة وغيــر الترتيبيــة بالقواعــد‬
‫الدســتورية وبمجــال القانــون وبالقواعــد القانونيــة العامــة‬
‫• أنّ الهيئــة تلتــزم بقواعــد فقــه القضــاء فــي ممارســة صالحيــات الرقابــة علــى‬
‫العمليــة االنتخابيــة وتط ّبــق شــروط إقــرار النتائــج أو تعديلهــا أو إلغائهــا طبقــا لذلــك‪.‬‬
‫وقــد كان للقضــاء دور فــي حســم املناقشــة بخصــوص إقــرار الســلطة الترتيبيــة للهيئــة‬
‫العليــا املســتقلة لالنتخابــات حــن اعتبــرت املحكمــة اإلداريــة منــذ أكتوبــر ‪ 2011‬وقبــل‬
‫صــدور دســتور ‪ 27‬جانفــي ‪ 3 2014‬أن للهيئــة ســلطة ترتيبيــة فــي مجــال اختصاصهــا‪.‬‬

‫‪ .1‬تضمنــت األحــكام القضائيــة املتعلقــة بالطعــن فــي نتائــج االنتخابــات البلديــة مثــا أن مشــاركة األطفــال فــي‬
‫الحمــات االنتخابيــة ال يعتبــر ضــرورة اســتغالال لهــم وال يشــكل مخالفــة انتخابيــة (املحكمــة اإلداريــة‪20183001 ،‬‬
‫بتاريــخ ‪ 18‬مــاي ‪ )2018‬وأدى عــدم أخــذ املوقــف بعــن االعتبــار مــن قبــل الهيئــة إلــى إعــادة اتخــاذ نفــس املوقــف‬
‫مــن املحكمــة فــي ‪( 2019‬املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الدائــرة االســتئنافية الرابعــة‪ ،‬عــدد ‪ 20194039‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪)2019‬‬
‫‪ .2‬الفصــل ‪ 125‬مــن الدســتور «تعمــل الهيئــات الدســتورية املســتقلة علــى دعــم الديمقراطيــة وعلــى كافــة مؤسســات‬
‫الدولــة تيســير عملهــا‪»...‬‬
‫‪ .3‬ينــص الفصــل ‪ 126‬مــن دســتور ‪ 27‬جانفــي ‪ 2014‬علــى مــا يلــي «تتولــى هيئــة االنتخابــات وتســمى‬
‫‪79‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وكان ذلــك بمناســبة طلــب توقيــف التنفيــذ املقــ ّدم بتاريــخ ‪ 24‬ســبتمبر ‪ 2011‬مــن ممثــل‬
‫حــزب سياســي ضــد الفصــل ‪ 15‬مــن قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات الصــادر‬
‫بتاريــخ ‪ 3‬ســبتمبر ‪ 2011‬والقاضــي بمنــع املترشــحني مــن اإلشــهار السياســي‪ .‬ومــن‬
‫بــن املطاعــن التــي اســتند إليهــا املطلــب خــرق أحــكام الفصــل ‪ 4‬مــن املرســوم عــدد ‪27‬‬
‫لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 18‬أفريــل ‪ 2011‬املتعلــق بإحــداث هيئــة عليــا مســتقلة لالنتخابــات‬
‫بمقولــة أن القــرار يخــرج عــن صالحيــات الهيئــة املحــددة حصريــا بالفصــل ‪ 4‬مــن‬
‫املرســوم‪ .‬وقــد انتهــت املحكمــة‪ 1‬إلــى أن «الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات بوصفهــا‬
‫هيئــة عموميــة مســتقلة (تحتكــم) علــى ســلطة ترتيبيــة متخصصــة مكرســة لتطبيــق‬
‫القانــون‪ ...‬وأن تحجيــر‪ ...‬اســتعمال أســاليب اإلشــهار التجــاري لغايــة دعايــة انتخابيــة‬
‫لفائــدة املترشــحني ابتــداء مــن ‪ 12‬ســبتمبر ‪ 2011‬ينــدرج ضمــن مــا أوكل إليهــا مــن‬
‫مهمــة اإلعــداد النتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي واإلشــراف عليهــا ومراقبــة ملختلــف‬
‫العمليــات االنتخابيــة ســعيا لضمــان احتــرام مبــادئ الديمقراطيــة والنزاهــة والشــفافية‪».‬‬
‫كمــا أكــدت املحكمــة اإلداريــة فــي ‪ 2014‬ر ّدا علــى طلــب توقيــف تنفيــذ قــرار الهيئــة بتاريــخ‬
‫‪ 21‬نوفمبــر ‪ 2014‬والقاضــي بتحديــد توقيــت فتــح وغلــق مكاتــب االقتــراع فــي ‪ 57‬مركــزا‬
‫بثــاث دوائــر انتخابيــة أنّ «الســلطة الترتيبيــة التــي تتمتــع بهــا الهيئــة العليــا املســتقلة‬
‫لالنتخابــات وفــق مــا نــص عليهــا الفصــل ‪ 126‬مــن دســتور الجمهوريــة التونســية تخ ـ ّول‬
‫لهــا اتخــاذ اإلجــراءات الضروريــة بهــدف تأمــن حســن ســير العمليــة االنتخابيــة أخــذا‬
‫بعــن االعتبــار األســباب األمنيــة املتعلقــة بســامة الناخبــن واملكلفــن بتســيير مراكــز‬
‫االقتــراع والفــرز بالنظــر إلــى التهديــدات اإلرهابيــة التــي عاشــتها البــاد»‪ 2‬وقــرن القاضــي‬
‫صالحيــات الســلطة الترتيبيــة بمجــال االختصــاص الراجــع للهيئــة العليــا املســتقلة‬
‫لالنتخابــات‪ 3‬وباحتــرام املجــال التشــريعي وضوابــط ممارســة الحقــوق والحريــات‪.‬‬
‫وفيمــا يتعلــق بمجــال ممارســة الســلطة الترتيبيــة بينــت األحــكام القضائيــة أن ذلــك يجــب‬
‫أن يحتــرم مجــال القانــون‪ .‬مــن ذلــك اعتبــر القاضــي اإلداري أن اشــتراط القــرار الترتيبــي‬
‫الصــادر عــن الهيئــة تقديــم بطاقــة الســوابق العدليــة للترشــح لالنتخابــات الرئاســية فــي‬
‫حــن أن القانــون االنتخابــي لــم ينــص علــى ذلــك يعتبــر تجــاوزا غيــر شــرعي ملجــال‬

‫الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات إدارة االنتخابــات واالســتفتاءات وتنظيمهــا واإلشــراف عليهــا فــي‬
‫جميــع مراحلهــا وتضمــن ســامة املســار االنتخابــي ونزاهتــه وشــفافيته وتصــرح بالنتائــج‪ .‬تتمتــع الهيئــة‬
‫بالســلطة الترتيبيــة فــي مجــال اختصاصهــا‪ .‬تتركــب الهيئــة مــن تســعة أعضــاء مســتقلني محايديــن مــن ذوي‬
‫الكفــاءة والنزاهــة يباشــرون مهامهــم لفتــرة واحــدة مدتهــا ســت ســنوات ويجــدد ثلــث أعضائهــا كل ســنتني‪».‬‬
‫‪ .1‬املحكمة اإلدارية‪ ،‬قرار في مادة توقيف التنفيذ عدد ‪ 413897‬بتاريخ ‪ 18‬أكتوبر ‪.2011‬‬
‫‪ .2‬املحكمة اإلدارية‪ ،‬قرار في مادة توقيف التنفيذ عدد ‪ 417831‬بتاريخ ‪ 22‬نوفمبر ‪2014‬‬
‫‪ .3‬املحكمة اإلدارية‪ ،‬قرار في مادة توقيف التنفيذ عدد ‪ 417830‬بتاريخ ‪ 17‬ديسمبر ‪2014‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪80‬‬

‫الســلطة الترتيبيــة للهيئــة وتدخــا فــي مجــال القانــون باعتبــار أن شــروط الترشــح تع ـ ّد‬
‫مــن الحقــوق الدســتورية التــي ينظمهــا القانــون‪ .1‬وفــي املقابــل بينــت املحكمــة اإلداريــة أن‬
‫شــرط التزكيــة‪ 2‬إنمــا هــو شــرط جــاء بــه القانــون وهــو يتــاءم وأحــكام الدســتور الضامــن‬
‫لحــق الترشــح وأنــه يرجــع بالتالــي للهيئــة تنظيــم إجــراءات ذلــك الشــرط بموجــب مــا لهــا‬
‫مــن ســلطة ترتيبيــة‪ .‬واعتبــرت فــي هــذا اإلطــار أنــه يحــق لهــا مراعــاة ملتطلبــات تنظيــم‬
‫العمليــة االنتخابيــة عــدم اقتضــاء التعريــف بإمضــاءات املزكــن‪ 3‬كمــا اعتبــرت بمناســبة‬
‫االنتخابــات الرئاســية الســابقة ألوانهــا فــي ‪ 2019‬تطبيــق إجــراءات التزكيــة شــرعيا‪.4‬‬
‫وبخصــوص إجــراءات الترشــح لالنتخابــات التشــريعية اعتبــر القاضــي االســتئنافي‬
‫فــي ‪ ،2014‬حاســما بذلــك االختالفــات بــن املحاكــم االبتدائيــة‪ ،5‬أن «اﺷﺘﺮاط أن ﻳﻜﻮن‬
‫اإلﻣﻀﺎء ﻋﻠﻰ ﻣﻄﻠﺐ اﻟﺘﺮﺷﺢ لالنتخابــات ﺣﻀﻮرﻳﺎ أﻣﺎم اﻟﻬﻴﺌﺔ أو ﻣﻌ ّﺮﻓﺎ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺻﻮرة‬
‫اﻟﺘﺨ ّﻠف ﻋﻦ اﻟﺤﻀﻮر ﻳﺘﻤﺎﺷﻰ ﻣﻊ اﻟﺼﺒﻐﺔ اإلرادﻳﺔ اﻟﺼﺮﻓﺔ ﻟﻠﺘﺮﺷﺢ ﻟﻼﻧﺘﺨﺎﺑﺎت اﻟﺘﻲ‬
‫ﺗﺴﺘﻮﺟﺐ أن ﺗﻜﻮن إرادة اﻟﺘﺮﺷﺢ واﺿﺤﺔ وﻻ ﻟﺒﺲ ﻓﻴﻬﺎ وذﻟﻚ ﺗﻔﺎدﻳﺎ ﻟﻘﺎﺋﻤﺎت اﻟﺘﺮﺷﺢ‬
‫اﻟﻮﻫﻤﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﻗﺪ تتضمــن أﺳﻤﺎء أﻋﻀﺎء ﻻ رﻏﺒﺔ ﻟﻬﻢ أﺻﻼ ﻓﻲ اﻟﺘﺮﺷﺢ‪( .‬وأنــه)‬

‫‪ .1‬املحكمة اإلدارية‪ ،‬قرار في مادة توقيف التنفيذ عدد ‪ 417461‬بتاريخ ‪ 9‬سبتمبر ‪2014‬‬
‫ّ‬
‫املترشــح مــن عشــرة أعضــاء مــن مجلــس‬ ‫‪ .2‬الفصــل ‪( 4‬جديــد) مــن القــرار عــدد ‪ 18‬لســنة ‪« :2019‬تشــترط تزكيــة‬
‫نــواب الشــعب‪ ،‬أو أربعــن مــن رؤســاء مجالــس الجماعــات املحليــة املنتخبــة أو عشــرة آالف ناخــب مرســم فــي ســجل‬
‫الناخبــن موزعــن علــى األقــل علــى عشــر دوائــر انتخابيــة تشــريعية‪ ،‬علــى أن ال يقـ ّـل عددهــم عــن خمســمائة ناخــب‬
‫بــكل دائــرة منهــا»‪.‬‬
‫‪ .3‬اعتبــر القاضــي االنتخابــي أن القانــون منــح الهيئــة «ســلطة ترتيبيــة تخــ ّول لهــا تحديــد إجــراءات‬
‫التزكيــة والوســائل الضروريــة للتثبــت مــن قائمــة املزكــن» وأن عــدم اشــتراط التعريــف باإلمضــاء ال ينــال‬
‫مــن شــفافية االنتخابــات طاملــا أنــه يرجــع للهيئــة التثبــت مــن نزاهــة ومصداقيــة التزكيــات بالرجــوع إلــى‬
‫ســجل الناخبــن وأن األصــل فــي األمــور الصحــة‪ .‬املحكمــة اإلداريــة ‪ 201430006‬بتاريــخ ‪ 10‬أكتوبــر ‪2014‬‬
‫تمســك بــه الطاعــن‪ ،‬فــإنّ الفصــل ‪( 4‬جديــد) مــن قــرار الهيئــة كان مطابقــا ألحــكام الفصــل‬ ‫‪« .4‬وحيــث وخالفــا ملــا ّ‬
‫‪ 74‬مــن الدســتور وألحــكام الفصــل ‪ 41‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬ســالف الذكــر‪ ،‬فضــا عــن‬
‫أنّ تنظيــم انتخابــات ســابقة ألوانهــا ال يكــون مدعــاة لخــرق القانــون طاملــا كان اإلجــراء املســتوجب ممكنــا وغيــر‬
‫مســتحيل وهــو مــا ثبــت فــي صــورة الحــال مــن خــال حصــول العديــد مــن املترشــحني لالنتخابــات الرئاســية‬
‫الســابقة ألوانهــا علــى العــدد املطلــوب مــن التزكيــات فــي األجــل املحــ ّدد»‪ ،‬املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الدائــرة االســتئنافية‬
‫السادســة‪ ،‬القضيــة عــدد ‪ 20192022‬بتاريــخ ‪ 22‬أوت ‪ .2019‬وقــد أ ّيــدت الجلســة العا ّمــة القضائيــة هــذا املوقــف‬
‫تمســكت بــه نائبــة الطاعــن‪ ،‬فــإنّ الفصــل ‪4‬‬
‫فــي الطــور االســتئنافي مــن نفــس القض ّيــة قائلــة‪" :‬وحيــث خالفــا ملــا ّ‬
‫(جديــد) مــن قــرار الهيئــة كان مطابقــا ألحــكام الفصــل ‪ 41‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬ســالف‬
‫الذكــر وألحــكام الفصــل ‪ 74‬مــن الدســتور‪ ،‬األمــر الــذي يجعــل الحكــم املنتقــد ســليم املبنــى القانونــي مــن‬
‫هــذه الناحيــة‪ ،».‬املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬قــرار الجلســة العامــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20193004‬بتاريــخ ‪ 30‬أوت ‪.2019‬‬
‫‪ .5‬اعتبــرت املحكمــة االبتدائيــة باملهديــة (نــزاع انتخابــي ‪ 2014 / 01‬بتاريــخ ‪ 11‬ســبتمبر ‪ )2014‬واملحكمــة االبتدائيــة بتونس‬
‫(نــزاع انتخابــي ‪ 02‬و‪ 03‬و‪ 10‬لســنة ‪ 2014‬والحكــم عــدد ‪ 41987‬بتاريــخ ‪ 12‬ســبتمبر ‪ )2014‬أن اشــتراط التعريــف باإلمضاء‬
‫أو اإلمضــاء لــدى الهيئــة الفرعيــة مخالــف للقانــون فيمــا أقــرت املحكمــة االبتدائيــة بقبلــي بشــرعية رفــض الترشــح‬
‫بنــاء علــى خــرق التراتيــب املقــررة مــن الهيئــة فــي هــذا املجــال (نــزاع انتخابــي ‪ 2014 / 01‬بتاريــخ ‪ 10‬ســبتمبر ‪)2014‬‬
‫‪81‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫ﻓﻀﻼ ﻋ ّﻤا ﺗﻤﺘﺎز ﺑﻪ اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ اﻟﻤﺴﺘﻘ ّﻠة ﻟﻼﻧﺘﺨﺎﺑﺎت ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻤﺠﺎل ﻣﻦ ﺳﻠﻄﺔ‬
‫ﺗﺮﺗﻴﺒﻴﺔ ﺗﺨ ّﻮل ﻟﻬﺎ ﺿﺒﻂ إﺟﺮاءات ﻭﺻﻴﻎ اﻟﺘﺮﺷﺢ ﻟﻼﻧﺘﺨﺎﺑﺎت‪ ،‬فإنّهــا ﺑﺎﺷﺘﺮاﻃﻬﺎ‬
‫اﻟﺘﻌﺮﻳﻒ ﺑﺈﻣﻀﺎء أﻋﻀﺎء اﻟﻘﺎﺋﻤﺎت اﻟﻤﺘﺮﺷﺤﺔ ﻟﻼﻧﺘﺨﺎﺑﺎت إﻧّﻣﺎ ﻫﻲ ﺣ ّﺪدت ﺻﻴﻐﺔ‬
‫أي ﺷﺮط ﺟﺪﻳﺪ ﻟﻢ ﻳﺄت ﺑﻪ القانــون»‪.1‬‬
‫وإﺟﺮاءات ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻣﻄﺎﻟﺐ اﻟﺘﺮﺷﺢ وﻟﻢ ﺗﻀﻒ ّ‬
‫وبصــورة عامــة وبغــض النظــر عــن ممارســة الهيئــة لســلطتها الترتيبيــة مــارس‬
‫القضــاء دوره املنصــوص عليــه بالفصــل ‪ 102‬مــن الدســتور بشــأن أعمــال الهيئــة‬
‫مراقبــا مــدى التزامهــا بعلويــة الدســتور وســيادة القانــون وحمايــة الحقــوق والحريــات‪.‬‬
‫ومــن األمثلــة الهامــة علــى هــذه الرقابــة منــذ ‪ 2011‬كانــت الرقابــة علــى حــاالت رفــض‬
‫الترشــح بنــاء علــى تطبيــق الفصــل ‪ 15‬مــن املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬املتض ّمــن‬
‫لحــاالت لإلقصــاء السياســي‪ .2‬ويذكــر أن قــرارات الرفــض الصــادرة عــن الهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات بنــاء علــى املنــع مــن الترشــح ملــن تح ّملــوا مســؤوليات فــي العهــد‬
‫الســابق ومــن ناشــدوا الرئيــس الســابق ملــدة رئاســية جديــدة كانــت محــل طعــن أمــام‬
‫قاضــي الترشــحات‪ .‬وفــي إطــار الرقابــة علــى هــذه القــرارات تثبتــت املحكمــة اإلداريــة‬
‫مــن مــدى مطابقــة القيــود التــي تض ّمنهــا الفصــل ‪ 15‬مــن املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪2011‬‬
‫للمعاهــدة الدوليــة للحقــوق املدنيــة والسياســية منتهيــة إلــى شــرعية إقــرار تلــك القيــود‬
‫طاملــا أنهــا تهــ ّم عــددا محــدودا مــن املواطنــن وأنهــا ترمــي إلــى القطــع مــع النظــام‬
‫الســابق‪ ،3‬كمــا أنهــا مارســت الرقابــة علــى محتــوى القائمــة االســمية املعتمــدة مــن هيئــة‬

‫‪ .1‬املحكمة اإلدارية ‪ 201410012‬بتاريخ ‪ 17‬سبتمبر ‪2014‬‬


‫‪ .2‬الفصــل ‪ 15‬مــن املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 10‬مــاي ‪ 2011‬يتعلــق بانتخــاب املجلــس الوطني الـــتأسيسي‬
‫ينــص علــى مــا يلــي‪:‬‬
‫الترشح لعضوية املجلس الوطني التأسيسي لكل‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫«يحقّ‬
‫• ناخب‪.‬‬
‫ترشحه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫األقل يوم تقديم ّ‬ ‫• بالغ من العمر ثالثا وعشرين سنة كاملة على‬
‫وال يمكن أن يترشح‪:‬‬
‫• كل مــن تح ّمــل مســؤولية صلــب الحكومــة فــي عهــد الرئيــس الســابق باســتثناء مــن لم ينتم مــن أعضائها إلــى التجمع‬
‫الدستوري الديمقراطي‪ ،‬ومن تحمل مسؤولية في هياكل التجمع الدستوري الديمقراطي في عهد الرئيس السابق‪ .‬وتح ّدد‬
‫املســؤوليات املعنيــة بأمــر باقتــراح مــن الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة واإلصالح السياســي واالنتقال الديمقراطي‪.‬‬
‫• مــن ناشــد الرئيــس الســابق الترشــح ملــدة رئاســية جديــدة لســنة ‪ .2014‬وتضبــط فــي ذلــك قائمــة‬
‫مــن قبــل الهيئــة العليــا لتحقيــق أهــداف الثــورة واإلصــاح السياســي واالنتقــال الديمقراطــي‪».‬‬
‫‪ .3‬املحكمــة اإلداريــة‪ / 28946 ،‬نــزاع انتخابــي بتاريــخ ‪ 22‬ســبتمبر ‪« 2011‬لئــن أق ـ ّرت أحــكام الفصــل ‪ 25‬مــن العهــد‬
‫الدولــي للحقــوق املدنيــة والسياســية املــؤرخ فــي ‪ 16‬ديســمبر ‪ 1966‬الحــق لــكل مواطــن فــي املشــاركة فــي إدارة الشــؤون‬
‫العامــة وأن ينتخــب وينتخــب فــي انتخابــات نزيهــة‪ ،‬فإنهــا أجــازت للدولــة التــي تصــادق علــى االتفاقيــة الحـ ّد مــن هــذا‬
‫الحــق بقيــود شــريطة أن تكــون معقولــة‪ .‬وبمــا أنّ القيــد الــذي أقــ ّره الفصــل ‪ 15‬مــن املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪2011‬‬
‫اقتصــر علــى البعــض وكان مبـ ّررا بالقطــع مــع النظــام الســابق املبنــي علــى االســتبداد وتغييــب إرادة الشــعب والبقــاء‬
‫غيــر املشــروع فــي الســلطة وتزويــر االنتخابــات وفــق مــا جــاء فــي ديباجــة املرســوم املذكــور فإنــه يكــون شــرعيا»‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪82‬‬

‫االنتخابــات بنــاء علــى مبــدإ حقــوق الدفــاع مبينــة أنــه «ال شــيئ يحــول دون االعتــراض‬
‫علــى قائمــة املناشــدين ســواء أمــام الهيئــة املعنيــة أو بمناســبة النــزاع القضائــي وذلــك‬
‫بالرغــم مــن عــدم نشــرها»‪ 1‬وأن «الوثيقــة الصــادرة عــن الهيئــة العليــا لتحقيــق أهــداف‬
‫الثــورة واإلصــاح السياســي واالنتقــال الديمقراطــي واملتضمنــة أســماء املناشــدين ال‬
‫تعتبــر وثيقــة رســمية غيــر قابلــة ألي وجــه مــن أوجــه الدحــض ضــرورة أن واضعهــا هــي‬
‫هيئــة عموميــة مســتقلة غيــر معفــاة مــن كل رقابــة‪ ...‬ومــن شــأن عــدم إخضــاع الوثيقــة‪...‬‬
‫املتضمنــة أســماء املناشــدين إلــى الرقابــة أن يــؤول فــي نهايــة املطــاف إلــى منحهــا ســلطة‬
‫مطلقــة وإعفــاء قراراتهــا مــن الخضــوع إلــى مبــدإ الشــرعية مــن جهــة والتقليــص مــن‬
‫حقــوق األفــراد فــي ممارســة حقهــم فــي االعتــراض عليهــا واإلدالء بوســائل دفاعهــم‬
‫ومقارعــة الحجــج التــي اســتندت إليهــا الهيئــة مــن جهــة أخــرى»‪ .2‬ويذكــر أن ممارســة‬
‫تلــك الرقابــة قــد بينــت حــاالت لعــدم التطابــق بــن هويــة املترشــح والهويــة املضمنــة بقائمــة‬
‫املناشــدين إضافــة إلــى التشــابه فــي األســماء وعــدم دقــة البيانــات وهــو مــا ألغــت املحكمــة‬
‫علــى أساســه قــرار رفــض الترشــح متمســكة بالطابــع االســتثنائي لإلقصــاء مــن حريــة‬
‫ممارســة النشــاط السياســي‪ 3‬بمــا يوجــب إثبــات حالــة املنــع وتأويلهــا تأويــا ضيقــا‪.‬‬
‫وفــي نفــس االتجــاه أقــرت املحكمــة اإلداريــة فــي ‪ 2014‬أنّ حــقّ الترشــح لالنتخابــات هــو‬
‫حــق دســتوري ضمنــه الفصــل ‪ 34‬مــن الدســتور وأنــه ال يمكــن بالتالــي التوســع أو القيــاس‬
‫فــي حــاالت منــع الترشــح املنصــوص عليهــا بالفصــل ‪ 20‬مــن القانــون االنتخابــي عــدد ‪16‬‬
‫لســنة ‪ 2014‬وعلــى نحــو مــا ذهــب إليــه القاضــي فــي ‪ 2011‬حــن رفــض التوســع فــي قائمــة‬
‫املســؤوليات صلــب حــزب التجمــع الســابق والتــي تمنــع مــن الترشــح فقــد رفــض فــي‬
‫‪ 2014‬اعتبــار رئاســة النيابــة الخصوصيــة إلحــدى البلديــات بمثابــة الوظائــف املنصــوص‬
‫عليهــا بالفصــل ‪ 20‬مــن القانــون االنتخابــي وأنهــا بذلــك تمنــع مــن الترشــح لالنتخابــات‬
‫التشــريعية إذ جــاء بحيثيــات املحكمــة أن «الفصــل ‪ 20‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪16‬‬
‫لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪ 26‬مــاي ‪ 2014‬املتعلــق باالنتخــاب واالســتفتاء (ح ـ ّدد) الناخبــن‬
‫الذيــن ال يمكنهــم الترشــح لعضويــة مجلــس نــواب الشــعب إال بعــد تقديــم اســتقالتهم أو‬
‫إحالتهــم علــى عــدم املباشــرة وهــم القضــاة ورؤســاء البعثــات واملراكــز الديبلوماســية‬
‫والقنصليــة والــوالة واملعتمــدون األول والكتــاب العامــون للواليــات واملعتمــدون والعمــد‪ .‬و‪...‬‬
‫ّ‬
‫الترشــح علــى معنــى الفصــل ‪20‬‬ ‫أن مهمــة رئيــس نيابــة خصوصيــة ال تعتبــر مــن موانــع‬
‫مــن القانــون عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املذكــور أعــاه»‪ .4‬وتــم فــي ‪ 2018‬اعتمــاد نفــس املوقــف‬

‫‪ .1‬املحكمة اإلدارية‪ / 28954 ،‬انتخابي بتاريخ ‪ 25‬سبتمبر ‪2011‬‬


‫‪ .2‬املحكمة اإلدارية‪ / 28946 ،‬انتخابي بتاريخ ‪ 22‬سبتمبر ‪2011‬‬
‫‪ .3‬املحكمة اإلدارية‪ / 28920 ،‬انتخابي بتاريخ ‪ 21‬سبتمبر ‪2011‬‬
‫‪ .4‬املحكمة اإلدارية‪ 201410093 ،‬بتاريخ ‪ 21‬سبتمبر ‪2014‬‬
‫‪83‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫عند تطبيق الفصل ‪ 49‬ثالثا املتعلق بموانع الترشح لالنتخابات البلدية‪.1‬‬


‫وفــي ‪ 2019‬تضمــن مشــروع تنقيــح القانــون االنتخابــي الــذي تمــت املصادقــة عليــه فــي‬
‫الجلســة العامــة ملجلــس نــواب الشــعب بتاريــخ ‪ 18‬جــوان ‪ 2019‬عــددا مــن موانــع الترشــح‬
‫لالنتخابــات الرئاســية والتشــريعية تتم ّثــل فــي‪:‬‬
‫اإلثنــي شــهرا‬
‫ْ‬ ‫• عــدم قبــول ترشــح مــن يتب ّيــن للهيئــة قيامــه أو اســتفادته خــال‬
‫التــي تســبق االنتخابــات بأعمــال تمنعهــا‪ - 2‬علــى األحــزاب السياســية أو مس ـ ّيريها ‪-‬‬
‫الفصــول ‪ 18‬و‪ 19‬و‪ 20‬مــن املرســوم عــدد ‪ 87‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 24‬ســبتمبر ‪2011‬‬
‫املتعلــق بتنظيــم األحــزاب السياســية‪.‬‬
‫• عــدم قبــول ترشــح مــن تبــن للهيئــة قيامــه أو اســتفادته مــن اإلشــهار السياســي كمــا‬
‫يعرفــه الفصــل ‪ 2‬مــن املرســوم عــدد ‪ 116‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 2‬نوفمبــر ‪.2011‬‬
‫• عــدم قبــول ترشــحات كل مــن يثبــت لــدى الهيئــة قيامــه بشــكل صريــح ومتكــرر‬
‫بخطــاب ال يحتــرم النظــام الديمقراطــي ومبــادئ الدســتور والتــداول الســلمي‬
‫علــى الســلطة ويهــدد النظــام الجمهــوري ودعائــم دولــة القانــون‪ ،‬أو يدعــو للعنــف‬
‫يمجــد ممارســات انتهــاك حقــوق االنســان‪.‬‬‫والتمييــز والتباغــض بــن املواطنــن‪ ،‬أو ّ‬
‫وتبعــا لعــدم ختــم القانــون لــم تعتمــد تلــك املوانــع فــي انتخابــات ‪ 2019‬فــي حــن كان‬
‫للقاضــي دور فــي بيــان حــدود واجبــات الهيئــة فــي ضمــان تكافــؤ الفــرص بــن املترشــحني‬
‫عقــب إيقــاف مترشــح لالنتخابــات الرئاســية فــي إطــار تتبعــات جزائيــة إذ بينــت املحكمــة‬
‫«أ ّنــه مــن واجبــات الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات الســهر علــى ضمــان تكافــؤ الفــرص‬
‫واملســاواة بــن كافــة املترشــحني لالنتخابــات وهــي مطالبــة بتوفيــر منــاخ يضمــن ذلــك فــي‬
‫إطــار مــا لهــا مــن ســلطات ومــا يخولــه لهــا القانــون وعلــى املترشــح املتضــرر مــن عــدم‬

‫‪ .1‬املحكمة اإلدارية‪ ،‬الدائرة االبتدائية بالقيروان ‪ 1390002‬بتاريخ ‪ 14‬مارس ‪2018‬‬


‫‪ .2‬األعمال املشمولة باملنع لنصوص الفصول املذكورة هي‪:‬‬
‫‪ .1‬تقديم أية امتيازات مالية أو عينية للمواطنني أو للمواطنات‪.‬‬
‫‪ .2‬قبــول تمويــل مباشــر أو غيــر مباشــر نقــدي أو عينــي صــادر عــن أيــة جهــة أجنبيــة‪( ،‬وكذلــك قبــول التبرعــات‬
‫والهبــات والوصايــا العينيــة والخدمــات املجانيــة مــن الجهــات األجنبيــة)‪،‬‬
‫‪ .3‬قبــول تمويــل مباشــر أو غيــر مباشــر مجهــول املصــدر (وكذلــك قبــول التبرعــات والهبــات والوصايــا العينيــة‬
‫والخدمــات املجانيــة مجهولــة املصــدر)‪.‬‬
‫‪ .4‬قبــول املســاعدات والتبرعــات والهبــات الصــادرة عــن الــذوات املعنويــة‪ ،‬خاصــة كانــت أو عموميــة باســتثناء‬
‫التمويــل املحمــول علــى ميزانيــة الدولــة (وكذلــك قبــول التبرعــات والهبــات والوصايــا العينيــة والخدمــات املجانيــة‬
‫الصــادرة عــن الــذوات املعنويــة)‪.‬‬
‫‪.5‬قبــول تبرعــات وهبــات ووصايــا صــادرة عــن أشــخاص طبيعيــن تتجــاوز قيمتهــا الســنوية ســتني ألــف (‪)60.000‬‬
‫دينــار بالنســبة إلــى كل مانــح (وكذلــك قبــول التبرعــات والهبــات والوصايــا العينيــة والخدمــات املجانيــة مــن شــخص‬
‫طبيعــي بمــا يتجــاوز القيمــة املذكــورة)‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪84‬‬

‫تطبيــق هــذا املبــدأ أن يثبــت تقصيــر الهيئــة أو مخالفتهــا لهــذا املبدأ‪ .‬وحيــث أنّ تطبيق مبدأ‬
‫تكافــؤ الفــرص فــي املــادة االنتخابيــة يفتــرض أن يكــون املترشــحون فــي وضعيــة قانونيــة‬
‫متماثلــة‪ .‬وحيــث أن حرمــان رئيــس حــزب قلــب تونــس مــن القيــام بالحملــة االنتخابيــة‬
‫لفائــدة حزبــه يعــود إلــى قــرار اإليقــاف التحفظــي الصــادر فــي حقــه عــن القضــاء العدلــي‪،‬‬
‫بمــا يجعــل عــدم تحقــق مبــدأ تكافــؤ الفــرص فــي هــذه الحالــة خارجــا عــن نطــاق الهيئــة‬
‫وعــن نطــاق بقيــة القائمــات الحزبيــة واملســتقلة املشــاركة فــي االنتخابــات التشــريعية‪،»1‬‬
‫وبنــاء علــى ذلــك أقــر القاضــي االنتخابــي النتائــج املصــرح بهــا مــن الهيئــة فــي االنتخابــات‬
‫الرئاســية‪ .‬إذ أنهــا تخضــع فــي رقابتهــا على العمليــة االنتخابية والتصريــح بالنتائج ملبادئ‬
‫الحيــاد واملســاواة واســتمرارية املرفــق العــام وفــق قواعــد الشــفافية والنزاهــة والنجاعــة‬
‫واملساءلة‪ 2‬غير أنها تخضع إضافة إلى ذلك لقواعد خاصة بالعملية االنتخابية كان للقضاء‬
‫قــول فيهــا وكان لطريقتــه فــي الرقابة بشــأنها دور في بيان صالحيــات الهيئة بخصوصها‪.‬‬
‫والرقابــة التــي تمارســها الهيئــة فــي فتــرة البــت األولــي تهدف إلــى التثبت من مــدى مطابقة‬
‫النتائــج التــي يفرزهــا الصنــدوق لــإرادة الحقيقيــة للناخبــن‪ .‬وتتــم هــذه الرقابــة علــى‬
‫مستويني‪ :‬بخصوص صحة عمليات االقتراع والع ّد والفرز والتجميع من ناحية وبخصوص‬
‫مــدى التــزام الفائزيــن بقواعــد الفتــرة االنتخابيــة وتمويلهــا مــن ناحيــة أخــرى‪ .‬وقــد تض ّمن‬
‫القانــون االنتخابــي الفصلــن ‪ 142‬و‪ 143‬يتعلــق كل منهمــا بأحــد مجــاالت هــذه الرقابــة‪.‬‬
‫ووفقا ألحكام الفصل ‪ 142‬من القانون االنتخابي‪ 3‬أق ّر القاضي للهيئة بالصالحيات التالية‪:‬‬
‫• الرقابــة علــى قــرارات مكاتــب االقتــراع واملكاتــب املركزيــة ومراكــز الجمــع فــي مجــال‬

‫‪ .1‬املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الدائــرة االســتئنافية التاســعة‪ ،‬عــدد ‪ 20194028‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪ ،2019‬رئيــس قائمــة حــزب «قلــب‬
‫تونــس» بالدائــرة االنتخابيــة بجندوبــة ضـ ّد ‪ /‬الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة‬
‫بالدائــرة االنتخابيــة بجندوبــة‪.‬‬
‫‪ .2‬املبادئ املنصوص عليها بالفصل ‪ 15‬من الدستور‪.‬‬
‫‪ .3‬الفصــل ‪« 142‬تراقــب الهيئــة قــرارات مكاتــب االقتــراع واملكاتــب املركزيــة ومراكــز الجمــع فــي مجــال االقتــراع‬
‫والفــرز وتقــوم بالتحقيــق فــي أســباب عــدم التطابــق بــن عــدد أوراق التصويــت وعــدد املقترعــن وإصــاح األخطــاء‬
‫املاديــة والحســابية فــي محاضــر الفــرز إن وجــدت‪ .‬وللهيئــة أن تعيــد الفــرز فــي مكتــب اقتــراع أو أكثــر ولهــى أن تلغــي‬
‫النتائــج فيــه أو فــي دائــرة انتخابيــة إذا تبــن لهــا وجــود إخــاالت جوهريــة وحاســمة شــابت عمليــة االقتــراع والفــرز‪.‬‬
‫وتعلــم الهيئــة النيابــة العموميــة عنــد االشــتباه فــي ارتــكاب مخالفــات أو جرائــم أثنــاء االنتخابــات أو االســتفتاء‪ .‬إذا‬
‫كان مــن شــأن النتائــج امللغــاة التأثيــر علــى تحديــد املقاعــد الفائــزة فــي االنتخابــات التشــريعية والبلديــة والجهويــة أو‬
‫املترشــح الفائــز فــي االنتخابــات الرئاســية أو املترشــحني لــدورة اإلعــادة أو نتيجــة االســتفتاء تقــوم الهيئــة بإعــادة‬
‫االقتــراع أو االســتفتاء فــي الدوائــر االنتخابيــة التــي ألغيــت فيهــا النتائــج طبــق األحــكام الــواردة باألبــواب املتعلقــة‬
‫بالفتــرة االنتخابيــة واالقتــراع والفــرز وإعــان النتائــج وذلــك فــي مــدة ال تتجــاوز الثالثثــن يومــا املواليــة النقضــاء أجــل‬
‫الطعــن فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات واالســتفتاء أو لإلعــام باألحــكام الصــادرة عــن املحكمــة اإلداريــة العليــا‪ .‬ال‬
‫تتــم إعــادة االقتــراع إال بــن القائمــات واملترشــحني واألحــزاب الذيــن ســبق لهــم املشــاركة فــي االنتخابــات واالســتفتاء‪».‬‬
‫‪85‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫االقتــراع والفــرز والتحقيــق فــي أســباب عــدم التطابــق‬


‫• إصالح األخطاء املادية والحسابية في محاضر الفرز‬
‫• إعادة الفرز عند االقتضاء‬
‫• إلغــاء نتائــج مكتــب أو أكثــر أو دائــرة انتخابيــة فــي صــورة ثبــوت إخــاالت جوهريــة‬
‫وحاســمة شــابت عمليــة االقتــراع والفــرز‬
‫• إعــادة االقتــراع أو االســتفتاء فــي الدائــرة االنتخابيــة املعنيــة فــي صــورة تأثيــر‬
‫النتائــج امللغــاة علــى تحديــد املقاعــد الفائــزة أو املترشــح الفائــز أو نتيجــة االســتفتاء‬
‫وطبقا للفصل ‪ 1 143‬تتولى الهيئة‪:‬‬
‫• التثبت من احترام الفائزين ألحكام الفترة االنتخابية وتمويلها‬
‫• تقــرر إلغــاء نتائــج الفائزيــن بصفــة كليــة أو جزئيــة إذا تبــن لهــا أن مخالفتهــم أثــرت‬
‫علــى نتائــج االنتخابــات بصفــة جوهريــة وحاســمة‬
‫• تقــوم بإعــادة احتســاب نتائــج االنتخابــات التشــريعية أو الجهويــة أو البلديــة دون‬
‫األخــذ بعــن االعتبــار األصــوات التــي تــم إلغاؤهــا وإعــادة ترتيــب املترشــحني فــي‬
‫االنتخابــات الرئاســية‪.‬‬
‫وبينــت املحكمــة منــذ ‪ 2011‬أن «محاضــر مكاتــب االقتــراع والفــرز تعـ ّد الوســيلة املكتوبــة‬
‫التــي يتســنى مــن خاللهــا التثبــت مــن نزاهــة العمليــة االنتخابيــة فــي مختلــف أطوارهــا‬
‫وهــي لذلــك تخضــع لجملــة القواعد والشــكليات التي يحددهــا (املرســوم) االنتخابي وكذلك‬
‫تلــك التــي تضبطهــا بقيــة النصــوص الترتيبيــة أو القواعــد واإلجــراءات العمليــة والنمــاذج‬
‫املقــررة مــن الهيئــة املكلفــة باإلشــراف علــى االنتخابــات»‪ .2‬وأقــر القاضــي االنتخابــي‬
‫أنــه يخـ ّول للمكتــب املركــزي املكلــف بجمــع نتائــج االقتــراع بــكل دائــرة انتخابيــة إدخــال‬
‫التعديــات الضروريــة علــى محاضــر الفــرز كلمــا شــابتها أخطــاء ماديــة أو حســابية‬
‫ويكــون ذلــك بالتشــطيب علــى املعطيــات الخاطئــة الــواردة بهــا وإدراج معطيــات صحيحــة‬
‫مح ّلهــا‪ 3‬وترجــع ملجلــس الهيئــة وللمحكمــة فــي إطــار صالحيــات القضــاء الكامــل املخولــة‬

‫‪ .1‬الفصــل ‪« 143‬تتثبــت الهيئــة مــن احتــرام الفائزيــن ألحــكام الفتــرة االنتخابيــة وتمويلهــا ويجــب أن تقــرر‬
‫إلغــاء نتائــج الفائزيــن بصفــة كليــة أو جزئيــة إذا تبــن لهــا أن مخالفتهــم لهــذه األحــكام أثــرت علــى نتائــج‬
‫االنتخابــات بصفــة جوهريــة وحاســمة وتكــون قراراتهــا معللــة وفــي هــذه الحالــة يقــع إعــادة احتســاب‬
‫نتائــج االنتخابــات التشــريعية أو البلديــة أو الجهويــة دون األخــذ بعــن االعتبــار األصــوات التــي تــم إلغاؤهــا‬
‫وفــي االنتخابــات الرئاســية يتــم االقتصــار علــى إعــادة ترتيــب املترشــحني دون إعــادة احتســاب النتائــج‪».‬‬
‫‪ .2‬املحكمة اإلدارية‪ / 46 ،‬نزاع النتخابي بتاريخ ‪ 7‬نوفمبر ‪.2011‬‬
‫‪ .3‬املحكمة اإلدارية‪ 201420018 ،‬بتاريخ ‪ 8‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪86‬‬

‫لهــا أهليــة إعــادة االحتســاب والتصحيــح‪ .1‬وبينــت املحكمــة أنــه ال تعتمــد فــي النهايــة إال‬
‫املحاضــر فــي صيغتهــا الرســمية وبعــد مراقبتهــا وتصحيحهــا عنــد االقتضــاء‪ 2‬وهــو مــا‬
‫تعتمــده الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عنــد البــت فــي النتائــج األوليــة وتق ـ ّدر مــدى‬
‫التأثيــر علــى النتائــج لعمليــات التصحيــح وكذلــك لقــرارات إلغــاء النتائــج فــي مكتــب‬
‫أوعــدة مكاتــب طبــق مــا يخ ّولــه الفصــل ‪ 142‬مــن القانــون االنتخابي‪ .3‬ووفقــا للصالحيــات‬
‫التــي تخ ّولهــا الفقــرة ‪ 3‬مــن نفــس الفصــل ‪ 142‬ذهبــت الهيئــة فــي االنتخابــات البلديــة ‪2018‬‬
‫إلــى اتخــاذ «قــرار بإعــادة االقتــراع يــوم ‪ 27‬مــاي ‪ 2018‬فــي دائــرة املظيلــة بنــاء علــى مــا‬
‫رافــق عمليــة االقتــراع صبــاح يــوم ‪ 6‬مــاي ‪ 2018‬مــن أعمــال عنــف بمكتبــن فــي مركــز‬
‫االقتــراع بمدرســة حــي العمــال بمعتمديــة املظيلــة بســبب خطــإ تمثــل فــي أن رزم بطاقــات‬
‫االقتــراع التابعــة للمكتــب عــدد ‪ 1‬بمركــز اقتــراع مدرســة حــي النســيم غيــر مطابقــة‬
‫للدائــرة االنتخابيــة املظيلــة بــل هــي تتعلــق بدائــرة قفصــة»‪ 4‬وقــد تــم إقــرار موقفهــا ضمنيــا‬
‫مــن قبــل املحكمــة مــن خــال رفــض الطعــن أصــا فــي النتائــج األوليــة بتلــك الدائــرة‪.5‬‬
‫وفــي خصــوص الطلبــات بإعــادة الفــرز والتــي تــم تقديمهــا مــن املترشــحني‬
‫فــي إطــار الدعــاوى القضائيــة ضــد النتائــج األوليــة بينــت املحكمــة أن «جمــع‬
‫نتائــج االقتــراع يكــون باالعتمــاد علــى محاضــر الفــرز املتعلقــة بمراكــز االقتــراع‬
‫الراجعــة للدائــرة االنتخابيــة وال يتــم اللجــوء إلــى إعــادة الفــرز املباشــر إال فــي‬
‫حالــة معاينــة تواتــر إخــاالت مــن شــأنها املســاس بســامة العمليــة االنتخابيــة‪.»6‬‬

‫‪ .1‬يراجــع مثــا املحكمــة اإلداريــة‪ 201420036 ،‬بتاريــخ ‪ 8‬نوفمبــر ‪« 2014‬وحيــث تبــن للمحكمــة بعــد إعــادة التدقيــق‬
‫فــي محاضــر الفــرز املتعلقــة بمعتمديــة قرنباليــة واحتســاب األصــوات املســندة لــكل مــن حــزب حركــة النهضــة والجبهــة‬
‫الشــعبية أن حركــة النهضــة تحصلــت علــى ‪ 5088‬صــوت وليــس ‪ 5168‬صــوت مثلمــا يدعيــه نائبهــا فــي حــن صرحــت‬
‫الهيئــة بحصولهــا علــى ‪ 5044‬صــوت أي بنقــص قــدره ‪ 44‬صــوت فــي حــن تحصلــت الجبهــة الشــعبية علــى ‪841‬‬
‫صــوت أي بزيــادة قدرهــا ‪ 7‬أصــوات‪ .‬وحيــث أن تطبيــق هــذه املعطيــات الجديــدة التــي ثبــت للمحكمــة بعــد إعــادة‬
‫احتســابها لألصــوات بمعتمديــة قرنباليــة ال يغيــر مــن النتائــج املصــرح بهــا فــي شــيء ضــرورة أن زيــادة ‪ 44‬صــوت‬
‫لحركــة النهضــة وحــذف ‪ 7‬أصـ�وات للجبهـ�ة الشـ�عبية ال يسـ�توعب كامـ�ل الفـ�رق فـ�ي األصـ�وات املقـ�در ب‪ 107‬صوتــا‪».‬‬
‫‪ .2‬املحكمة اإلدارية‪ 20194070 ،‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪.2019‬‬
‫‪ .3‬تراجــع مــداوالت مجلــس الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات بتاريــخ ‪ 9‬أكتوبــر ‪ 2019‬بخصــوص النتائــج األوليــة‬
‫لالنتخابــات التشــريعية والتــي تــم بموجبهــا إلغــاء نتائــج أحــد املكاتــب بالهيئــة الفرعيــة فرنســا ‪ 2‬بالنظــر إلضافــة ‪49‬‬
‫ورقــة تصويــت فــي الصنــدوق وتراجــع مــداوالت مجلــس الهيئــة بتاريــخ ‪ 14‬أكتوبــر ‪ 2019‬بخصــوص النتائــج األوليــة‬
‫لالنتخابــات الرئاســية دورة ثانيــة والتــي تــم بموجبهــا إلغــاء نتائــج مكتــب االســكندرية لثبــوت قبــول االقتــراع بالوكالــة‪.‬‬
‫‪ .4‬يراجع تقرير الهيئة بخصوص االنتخابات البلدية ص ‪319‬‬
‫‪ .5‬تراجع القضية عدد ‪20183043‬‬
‫‪ .6‬املحكمة اإلدارية‪ 201420041 ،‬بتاريخ ‪ 8‬نوفمبر ‪2014‬‬
‫‪87‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫أمــا فيمــا يتعلــق باســتعمال صالحيــات الفصــل ‪ 143‬مــن القانــون االنتخابــي فإنــه جديــر‬
‫باملالحظــة أنــه يطــرح منــذ ‪ 2011‬وإلــى غايــة ‪ 2019‬العديــد مــن اإلشــكاليات مــن خــال‬
‫قــرارات الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات واألحــكام القضائيــة ذات العالقــة‪ .1‬وقــد بــن‬
‫القاضــي االنتخابــي فــي حيثيــة مبدئيــة أنّ «الفصــل املذكــور أوجــب أن تكــون قــرارات‬
‫الهيئــة املتعلقــة بإلغــاء نتائــج الفائزيــن معللــة وهــي تخضــع فــي ذلــك لرقابــة القاضــي‬
‫اإلداري املنتصــب للنظــر فــي النزاعــات املتعلقــة بنتائــج االنتخابــات والــذي يبســط نظــره‬
‫ال فقــط علــى مــدى صحــة األســباب املســتند إليهــا مــن جهــة ســندها الواقعــي والقانونــي‬
‫‪2‬‬
‫بــل وكذلــك مــن جهــة مــدى تأثيرهــا الجوهــري والحاســم فــي نتائــج االنتخابــات‪».‬‬
‫وفــي ترجمــة ملوقفهــا بخصــوص الصبغــة االســتثنائية لتطبيــق هــذه الصالحيــات‬
‫وضــرورة اســتعمالها مــن الهيئــة بكامــل الحــذر بينــت املحكمــة اإلداريــة أن ســلطتها‬
‫فــي هــذا اإلطــار ال تعتبــر «ســلطة ملعاقبــة املخالفــن ضــرورة أنهــا (الهيئــة) ال تملــك‬
‫تحويــر إرادة الناخبــن بــل تكتفــي بالتصــدي إلــى املخالفــات التــي مــن شــأنها تشــويه‬
‫التعبيــر عــن هــذه اإلرادة حمايــة لوضوحهــا وقوتهــا وهــي فــي هــذا ال تنظــر إلــى فداحــة‬
‫اإلخــاالت وخطورتهــا إال بقــدر مــا ينجــر عــن ذلــك مــن تأثيــر علــى النتائــج»‪ 3‬كمــا‬
‫أنهــا ال تأخــذ بعــن االعتبــار الصبغــة القصديــة أو غيــر القصديــة للمخالفــات‪ .4‬وقــد‬
‫بــرزت فــي مختلــف املحطــات العديــد مــن اإلشــكاليات فــي اســتعمال هــذه الصالحيــات‪.‬‬

‫‪ .1‬فــي ‪ 2011‬تولــى مجلــس الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات إلغــاء النتائــج املتحصــل عليهــا مــن‬
‫قائمــات العريضــة الشــعبية فــي ‪ 5‬دوائــر انتخابيــة وهــي تطاويــن وصفاقــس ‪ 1‬وجندوبــة والقصريــن‬
‫وســيدي بوزيــد بنــاء علــى اإلخــال بقواعــد التمويــل الخــاص للحملــة االنتخابيــة وتبعــا للطعــون‬
‫القضائيــة ألغــت املحكمــة اإلداريــة تلــك القــرارات وأقــرت النتائــج املتحصــل عليهــا مــن القائمــات‪.‬‬
‫وفــي االنتخابــات التشــريعية لســنة ‪ 2014‬اتخــذ مجلــس الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات قــرارا باإللغاء الجزئــي لنتائج‬
‫قائمــة حــزب حركــة نــداء تونــس بدائــرة القصريــن بحرمانهــا مــن املقعــد الثالــث املســند لهــا باعتبــار ثبــوت ارتكابهــا‬
‫ملخالفــات عديــدة مــن شــأنها التأثيــر بصفــة جوهريــة وحاســمة علــى فوزهــا بذلــك املقعد وإســناده للحــزب املوالــي لها في‬
‫الترتيــب وهــو حــزب التكتــل مــن أجــل العمــل والحريــات وبموجــب الطعن فــي النتائــج ألغت املحكمــة اإلدارية ذلــك القرار‪.‬‬
‫وفــي االنتخابــات التشــريعية لســنة ‪ 2019‬اتخــذت الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات قــرارا باإللغــاء‬
‫الجزئــي لنتائــج قائمــة عيــش تونســي صــوت التونســيني بالخــارج بدائــرة فرنســا ‪ 2‬بنــاء علــى اســتعمال‬
‫اإلشــهار علــى صفحــات التواصــل االجتماعــي وقــد تــم رفــض الطعــن املقــدم مــن القائمــة شــكال كمــا‬
‫اتخــذت قــرارا باإللغــاء الكلــي لنتائــج قائمــة حــزب الرحمــة بدائــرة بــن عــروس بنــاء علــى اســتعمال إذاعــة‬
‫القــرآن الكريــم فــي اإلشــهار السياســي والدعايــة املكثفــة وقــد ألغــت املحكمــة اإلداريــة ذلــك القــرار‪.‬‬
‫‪ .2‬املحكمة اإلدارية ‪ 201450013‬بتاريخ ‪ 18‬نوفمبر ‪2014‬‬
‫‪ .3‬املحكمة اإلدارية‪ 201420005 ،‬بتاريخ ‪ 7‬نوفمبر ‪2014‬‬
‫‪ .4‬املحكمة اإلدارية‪ 201420019 ،‬بتاريخ ‪ 8‬نوفمبر ‪2014‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪88‬‬

‫وتبــرز أول إشــكالية بهــذا الشــأن فــي مســتوى صفــة الطعــن فــي النتائــج‬
‫األوليــة باعتبــار الدعــوى القضائيــة ضــد النتائــج األوليــة والتــي تمــارس وفقــا‬
‫للفصلــن ‪ 145‬و‪ 146‬مــن القانــون االنتخابــي هــي التــي تمكــن مــن فتــح املناقشــة‬
‫بخصــوص ممارســة الهيئــة لصالحيــات الفصــل ‪ 143‬والتــي تؤهلهــا للتصريــح‬
‫باملصادقــة أو التعديــل أو عــدم املصادقــة علــى مــا أنتجــه الفــرز والعــد والتجميــع‪.‬‬
‫فالطعــن فــي النتائــج األوليــة غيــر مفتــوح لعمــوم الناخبــن ولــو كانــوا مجمعــن وهــو‬
‫مــا ال يخــول للقاضــي بســط رقابــة شــاملة ووفــق كامــل املعطيــات التــي طرحــت‬
‫أمــام هيئــة االنتخابــات‪ ،‬وإنمــا يقتصــر نظــره علــى مــا قــ ّدم أمامــه مــن طعــون ممــن‬
‫لهــم الصفــة واملصلحــة للطعــن وبنــاء علــى املطاعــن املقدمــة‪ .‬غيــر أن موقــف القاضــي‬
‫االنتخابــي بخصــوص توفــر شــرطي الصفــة واملصلحــة لــم يكــن مســتقرا‪ .‬إذ اعتبــر‬
‫فــي ‪ 2014‬أن املصلحــة فــي الطعــن فــي نتائــج الــدور األول لالنتخابــات الرئاســية‬
‫ال تتوفــر إال فــي املترشــح الــذي يتمســك بالحــق فــي املــرور للــدور الثانــي أو يطلــب‬
‫التصريــح بفــوزه منــذ الــدورة األولــى‪ 1‬فــي حــن لــم يعتمــد هــذا املعيــار فــي ‪.2 2019‬‬
‫أمــا اإلشــكال الثانــي فيتعلــق بآليــات وصالحيــات الرقابــة علــى تمويــل الفتــرة االنتخابيــة‬
‫إذ يبــرز مــن فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة منــذ ‪ 2011‬ضــرورة بنــاء رقابــة الهيئــة فــي هــذا‬
‫املجــال علــى مســتندات ووثائــق ثابتــة‪ 3‬وهــو موقــف وإن كان متماشــيا مــع حقــوق الدفــاع‬
‫وحمــل عــبء اإلثبــات علــى الهيئــة وفــق مــا انتهــى إليــه القاضــي االنتخابــي بصــورة‬
‫مســتقرة حــن أقــ ّر «أنّ إلغــاء النتائــج ال يكــون إ ّال متــى كانــت الحجــج املق ّدمــة قويــة‬
‫وثابتــة»‪ 4‬فهــو يــؤول إلــى صعوبــة إلغــاء النتائــج األوليــة بنــاء علــى خــرق قواعــد التمويــل‬

‫‪ .1‬يراجــع مثــا املحكمــة اإلداريــة‪ 201440005 ،‬بتاريــخ ‪ 1‬ديســمبر ‪« 2014‬وحيــث أن املصلحــة فــي الطعــن فــي‬
‫الــدور األول مــن االنتخابــات الرئاســية التــي لــم يفــض إلــى اإلعــان عــن فائــز تكــون مســتمدة إمــا مــن طلــب‬
‫التصريــح بأحقيــة الطاعــن فــي املشــاركة فــي الــدور الثانــي أو فــي أحقيتــه فــي اإلعــان عنــه كفائــز نهائــي»‬
‫‪ .2‬يراجــع مثــا املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬عــدد ‪ 20194004‬بتاريــخ ‪ 23‬ســبتمبر ‪« 2019‬وحيــث تعـ ّرف املصلحــة فــي القيــام بأنّهــا‬
‫املنفعــة التــي يرمــي القائــم بالدعــوى إلــى تحقيقهــا ماديــة كانــت أو معنويــة ويت ـ ّم تقديرهــا حالــة بحالــة وأخــذا بعــن‬
‫االعتبــار خصوصيــة النــزاع‪ .‬وحيــث يستشــف مــن قــراءة الفصــل ‪ 145‬املذكــور أعــاه والــذي حـ ّدد وبصــورة جليــة صفة‬
‫كل مترشــح‪ ،‬أنّ املصلحــة تكــون منصهــرة فــي الصفــة وأنّهــا‬ ‫الطاعــن فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات الرئاســية فــي ّ‬
‫تكتســب بمجــرد اكتســاب صفــة املترشــح ودون اشــتراط توفــر املنفعــة الذاتيــة واملباشــرة‪ ،‬ويتأكــد هذا املقصــد من خالل‬
‫الفصــل ‪ 147‬الــذي ذهــب أبعــد مــن ذلــك بــأن منــح ّ‬
‫كل املترشــحني للــدورة األولــى إمكانيــة الطعن فــي نتائج الــدورة الثانية‬
‫مــن االنتخابــات الرئاســية‪ ،‬لتكــون صفــة القيــام لــدى الطاعــن ثابتــة فــي قضيــة الحــال بمجــرد اكتســابه لصفــة املترشــح»‬
‫‪ .3‬يراجــع مثــا املحكمــة اإلداريــة ‪ / 81‬نــزاع انتخابــي بتاريــخ ‪ 8‬نوفمبــر ‪« 2011‬يخــ ّول للهيئــة املركزيــة‬
‫للهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات متــى ثبتــت لهــا مخالفــة القائمــة الفائــزة لألحــكام املتعلقــة بالتمويــل‬
‫بمــا لهــا مــن ســلطة تقديريــة تمارســها تحــت رقابــة قاضــي النتائــج أن تتولــى إلغــاء نتائجهــا وذلــك بعــد‬
‫التحقــق مــن إتيــان القائمــة املؤاخــذة لهــذه املخالفــة بصــورة ال يعتريهــا شــك أثنــاء فتــرة الحملــة االنتخابيــة»‬
‫‪ .4‬املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الجلســة العامــة القضائيــة‪ ،‬عــدد ‪ 20195001‬بتاريــخ ‪ 30‬ســبتمبر ‪ - 2019‬املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الجلســة‬
‫‪89‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫بالنظــر إلــى أن حســابات الحملــة ال يتــم إيداعهــا إال بتاريــخ الحــق للنتائــج النهائيــة‪ .‬وهــو‬
‫يفســر منــح محكمــة املحاســبات بموجــب تنقيــح القانــون االنتخابــي فــي ‪2017‬‬ ‫مــا قــد ّ‬
‫صالحيــات إســقاط عضويــة القائمــات الفائــزة فــي صــورة عــدم إيــداع حســاب الحملــة‬
‫فــي اآلجــال القانونيــة أو تجــاوز ســقف اإلنفــاق االنتخابــي أو ثبــوت التمويــل األجنبــي‬
‫بنــاء علــى املراقبــة الالحقــة املســتندية وامليدانيــة‪ .1‬وقــد اعتبــر القاضــي االنتخابــي بنــاء‬
‫علــى ذلــك وبمناســبة نزاعــات االنتخابــات التشــريعية لســنة ‪« 2019‬أن صالحيــات الهيئــة‬
‫العليــا املســتقلة لالنتخابــات تنحصــر فــي مراقبــة مــدى مخالفــة املترشــحني لقواعــد‬
‫ـص املشــرع محكمــة املحاســبات بمراقبــة‬ ‫وطــرق تمويــل الحملــة االنتخابيــة فــي حــن خـ ّ‬
‫تجــاوز ســقف اإلنفــاق االنتخابــي املحــدد قانونــا وذلــك فــي مرحلــة الحقــة للتصريــح‬
‫بالنتائــج النهائيــة لالنتخابــات وخولهــا إســقاط عضويــة املترشــحني علــى هــذا األســاس»‪.2‬‬
‫وتبقــى مــن ثوابــت الرقابــة علــى النتائــج وفــق فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة التــي تأكــدت‬
‫فــي ‪ 2019‬أنّ للقاضــي «صالحيــات واســعة تمكــن(ه) مــن بســط رقابــة علــى جميــع املراحل‬
‫املكونــة للعمليــة االنتخابيــة مــن الترشــحات إلــى النتائــج مــرورا بالحملــة االنتخابيــة‬
‫ومراقبــة كل اإلخــاالت التــي مــن شــأنها التأثيــر علــى نزاهــة وشــفافية االنتخابــات»‪ 3‬علــى‬
‫أنّ القاضــي ب ّيــن بشــكل واضــح فــي ‪ 2019‬أن ممارســة الهيئــة للصالحيــات املوكولــة لهــا‬
‫بموجــب القانــون تبقــى باإلضافــة إلــى ثبــوت الوقائــع وتكييفهــا باإلخــاالت‪ ،‬والتعليــل‬
‫واالســتناد إلــى وقائــع ومحاضــر ثابتــة ومتوفــرة فــي أجــل البــت فــي النتائــج األوليــة‬
‫واملحــ ّدد بثالثــة أيــام‪ 4‬مــن تاريــخ االقتــراع‪ 5‬مرتبطــة بتو ّفــر عنصــر إســناد املخالفــات‬

‫العامة القضائية‪ ،‬عدد ‪ 20195002‬بتاريخ ‪ 30‬سبتمبر ‪.2019‬‬


‫‪ .1‬بمقتضــى تنقيــح وإتمــام القانــون االنتخابــي بموجــب القانــون األساســي عــدد ‪ 7‬لســنة ‪ 2017‬املــؤرخ فــي‬
‫‪ 14‬فيفــري ‪ 2017‬ينــص الفصــل ‪ 98‬مــن القانــون االنتخابــي «‪ ...‬فــي صــورة عــدم إيــداع الحســاب املالــي طبقــا‬
‫للفقــرة األولــى مــن هــذا الفصــل أو تجــاوز ســقف اإلنفــاق بأكثــر مــن ‪ % 75‬تســلط محكمــة املحاســبات عقوبــة‬
‫ماليــة تســاوي خمســة أضعــاف قيمــة املبلــغ املجــاوز للســقف وتصــرح بإســقاط عضويــة كل عضــو ّ‬
‫ترشــح عــن‬
‫تلــك القائمــات‪ »...‬وينــص الفصــل ‪ ...« 163‬ويفقــد أعضــاء القائمــة املتمتعــة بالتمويــل األجنبــي عضويتهــم باملجلــس‬
‫املنتخــب ويعاقــب املترشــح لرئاســة الجمهوريــة املتمتــع بالتمويــل األجنبــي بالســجن ملــدة خمــس ســنوات‪»...‬‬
‫‪ .2‬املحكمة اإلدارية‪ 20194078 ،‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪2019‬‬
‫‪ .3‬املحكمــة اإلداريــة‪ 201420034 ،‬بتاريــخ ‪ 8‬نوفمبــر ‪ 2014‬وســبق أن تــم اعتمــاد نفــس املوقــف فــي ‪ 2011‬كمــا تــم إقــراره‬
‫فــي ‪ 2018‬املحكمــة اإلداريــة‪ 20183025 ،‬بتاريــخ ‪ 22‬مــاي ‪2018‬‬
‫‪ .4‬الفصل ‪ 144‬من القانون االنتخابي‬
‫‪ .5‬املحكمــة اإلداريــة ‪ 201450002‬و‪ 201450008‬بتاريــخ ‪ 18‬نوفمبــر ‪« 2014‬وحيــث يتضــح مــن هــذه األحــكام (الفصــل‬
‫‪ )143‬أن املشــرع أوجــب علــى الهيئــة فــي أجــل أقصــاه األيــام الثالثــة التــي تلــي االقتــراع واالنتهــاء مــن الفــرز‪،‬‬
‫اإلعــان عــن نتائــج االنتخابــات التــي أفصحــت عنهــا صناديــق االقتــراع كمــا أســند لهــا عنــد االقتضــاء صالحيــة‬
‫إلغــاء نتائــج الفائزيــن الذيــن ارتكبــوا مخالفــات ألحــكام الفتــرة االنتخابيــة وتمويلهــا‪ .‬وحيــث ق ّيــد املشــرع صالحيــة‬
‫إلغــاء نتائــج الفائزيــن بشــرطني أساســيني أولهمــا ان يكــون ثبــت لــدى الهيئــة بصفــة قاطعــة ارتــكاب الفائزيــن‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪90‬‬

‫إلــى مــن يتــم الطعــن فــي نتائجــه‪ .1‬ففــي مســتندات طعنهــا فــي حكــم ابتدائــي عـ ّدل نتائــج‬
‫االنتخابــات فــي إحــدى الدوائــر االنتخابيــة التشــريعية بنــاء علــى مــا رآه القضــاة مــن‬
‫خــرق لقواعــد الصمــت أتــاه أحــد املنتســبني للقائمــة الفائــزة‪ ،‬بينــت الهيئــة أن الشــخص‬
‫املعنــي ال ينتمــي فــي الحقيقــة لتلــك القائمــة بــل هــو مترشــح عــن قائمــة منافســة‪ .‬وهــو‬
‫مــا جارتــه محكمــة االســتئناف‪ .2‬كمــا كان اســتعمال املحكمــة لشــرط اإلســناد واضحــا‬
‫فــي رفــض الطعــون املوجهــة ضــد نتائــج حــزب حركــة النهضــة بنــاء علــى مــا نســبه لهــا‬
‫الطاعنــون مــن إشــهار سياســي علــى صفحــات ومواقــع التواصــل االجتماعــي‪ 3‬ومــا نســبوه‬

‫مخالفــات تتعلــق بالفتــرة االنتخابيــة وتمويلهــا وأن هــذه املخالفــات أ ّثــرت بصفــة جوهريــة وحاســمة علــى نتائــج‬
‫ومســت مــن اإلرادة العامــة للناخبــن وثانيهمــا أن تبــن ذلــك فــي قرارهــا حتــى يتم ّكــن قاضــي النتائــج‬‫االنتخابــات ّ‬
‫مــن تســليط رقابتــه علــى صحــة األســباب التــي اســتندت إليهــا وصحــة تأثيرهــا الجوهــري والحاســم علــى النتائــج‬
‫ضمانــا لنزاهــة االنتخابــات‪ .‬وحيــث أنــه ضمانــا لنزاهــة االنتخابــات يجــب أن تكــون الهيئــة قــد حــ ّددت األســباب‬
‫ترســخت بــأن تلــك األســباب تب ـ ّرر فــي حــد ذاتهــا اتخــاه ممــا‬
‫التــي اســتندت إليهــا فــي قــرار اإللغــاء وأن قناعتهــا ّ‬
‫يحــول دون تقديمهــا بعــد اإلعــان عــن النتائــج ألســباب جديــدة تضمنتهــا محاضــر كانــت بحوزتهــا وتولــت تفحصهــا‬
‫واعتبــرت أنههــا إخــاالت غيــر مؤثــرة تأثيــرا جوهريــا وحاســما فــي نتائــج االنتخابــات ولــم تمــس مــن نزاهتهــا‪».‬‬
‫‪ .1‬املحكمــة اإلداريــة‪ 201420018 ،‬بتاريــخ ‪ 8‬نوفمبــر ‪« 2014‬إن مــا تمســك بــه نائــب املدعــي مــن ورود إرســالية قصيــرة‬
‫علــى الهاتــف الجــوال‪ ...‬ال ينهــض دليــا قاطعــا علــى نســبة رقــم الهاتــف الصــادرة منــه اإلرســالية‪ ...‬إلــى حــزب‪»...‬‬
‫‪ .2‬املحكمــة اإلداريــة‪ 20195022 ،‬و‪ 20195027‬بتاريــخ ‪ 4‬نوفمبــر ‪« 2019‬وحيــث وخالفــا ملــا خلصــت إليــه محكمــة‬
‫البدايــة فإنــه ولئــن ورد بطالــع محضــر املعاينــة ســند الحكــم املطعــون فيــه ذكــر قائمــة حــزب نــداء تونــس إال أنــه‬
‫ثبــت مــن القــرار املتعلــق بالقبــول النهائــي ملطلــب الترشــح لالنتخابــات التشــريعية لســنة ‪ 2019‬املدلــى بــه لــدى هــذا‬
‫الطــور أن املدعــو‪ ...‬الواقــع ذكــره باملحضــر واملدعــى ارتكابــه للمخالفــة ينتســب إلــى أعضــاء القائمــة األصليــة‬
‫للقائمــة املســتقلة املســماة‪ ...‬واملترشــحة لالنتخابــات التشــريعية عــن دائــرة القصريــن املطعــون فــي نتائجهــا‬
‫وال ينتمــي لقائمــة حــزب نــداء تونــس التــي ترشــحت بدورهــا عــن نفــس الدائــرة االنتخابيــة وال يمكــن بالتالــي أن‬
‫يكــون مــا تضمنــه طالــع املحضــر املذكــور ســندا كافيــا فــي حــد ذاتــه لإلقــرار بــأن الفعــل املدعــى اقترافــه وعلــى‬
‫فــرض ثبوتــه ينســب إلــى قائمــة حــزب حركــة نــداء تونــس الطاعنــة والتــي فــازت باملقعــد األخيــر بالدائــرة املعنيــة‪».‬‬
‫تمســك محامــي الطاعــن بــأنّ حــزب حركــة النهضــة قــام بالدعايــة الخاصــة باالنتخابــات التشــريعية باملوقــع‬
‫‪« .3‬حيــث ّ‬
‫اإللكترونــي ‪ Tunisie Annonce‬وهــو مــا يخالــف مقتضيــات الفصــل ‪ 57‬مــن القانــون االنتخابــي وكذلــك الفصــل ‪ 8‬مــن‬
‫محجــرا تحجيــرا مطلقــا بالنســبة لالنتخابــات‬ ‫ّ‬ ‫قــرار الهيئــة عــدد ‪ 22‬لســنة ‪ )...( 2019‬ذلــك أنّ اإلشــهار السياســي‬
‫التشــريعية (‪ )...‬وحيــث يفتــرض علــى القائــم بالطعــن أن يدلــي للمحكمــة بالقــدر األدنــى مــن املعطيــات إلقامــة الدليــل‬
‫ولــو بصفــة أوليــة علــى إكتســاء إدعائــه طابعــا جديــا‪ .‬وحيــث أدلــى نائــب امل ّدعــي بنســخة مــن مراســلة موجهــة مــن‬
‫املمثــل القانونــي لحــزب قلــب تونــس إلــى الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات يعلمهــا بموجبهــا بالخروقــات التــي‬
‫ارتكبهــا حــزب حركــة النهضــة علــى شــبكات التواصــل االجتماعــي والصفحــات االشــهارية املدعمــة والتمــس منهــا‬
‫التدخــل مــن اجــل اتخــاذ اإلجــراءات الالزمــة‪ ،‬كمــا أدلــى بصــورة تحمــل شــعار النهضــة ويــد ممســكة بورقــة اقتــراع‬
‫واضعــة إياهــا بالصنــدوق‪ ،‬و ُد ّون علــى الصــورة «انتخــب النهضــة بــش صوتــك مــا يمشــيش خســارة» دون بيانــات‬
‫أخــرى‪ ،‬وبصــورة أخــرى غيــر واضحــة بتاتــا‪ .‬وحيــث لئــن كان محمــوال علــى الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات‬
‫طبقــا للفصــل ‪ 71‬مــن القانــون االنتخابــي مراقبــة الحملــة مــن تلقــاء نفســها أو بطلــب مــن أي جهــة كانــت إ ّال أنّ‬
‫ظــل منقوصــا وال يرتقــي لبدايــة حجــة نظــرا لكــون املراســلة املتمســك بهــا ال‬ ‫مــا أدلــى بــه الطاعــن مــن مؤ ّيــدات ّ‬
‫تحمــل مــا يفيــد تبليغهــا إلــى الهيئــة‪ ،‬فضــا عــن أنّ الصــور اإلشــهارية املدلــى بهــا ال ترتقــي لتكــون حجــة علــى‬
‫مخالفــة الحــزب امل ّدعــى عليــه لإلشــهار السياســي‪ .‬وحيــث وعــاوة علــى ذلــك‪ ،‬فــإنّ ركــن إســناد املخالفــة املذكــورة‬
‫تمســك بــه‬ ‫إلــى حــزب حركــة النهضــة وعلــى فــرض وجودهــا غيــر متوفــر‪ ،‬واتجــه علــى هــذا األســاس ر ّد مــا ّ‬
‫‪91‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫لقائمــات حــزب قلــب تونــس بنــاء علــى الدعايــة املمارســة علــى القنــاة التلفزيــة نســمة‪.1‬‬
‫ويعتبــر هــذا املوقــف إضافــة للموقــف الذي اعتمــده القاضي في ‪ 2 2011‬مــن إمكانية اعتبار‬

‫الطاعــن بخصــوص اإلشــهار علــى املوقــع اإللكترونــي املشــار إليــه‪ ،».‬املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الدائــرة االســتئنافية‬
‫التاســعة‪ ،‬عــدد ‪ 20194028‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪ ،2019‬رئيــس قائمــة حــزب «قلــب تونــس» بالدائــرة االنتخابيــة بجندوبــة‬
‫ضــ ّد‪ /‬الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة بالدائــرة االنتخابيــة بجندوبــة‪.‬‬
‫راجــع أيضــا فــي نفــس االتجــاه‪ :‬املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الدائــرة االســتئنافية الخامســة‪ ،‬عــدد ‪ 20194044‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر‬
‫‪ ،2019‬رئيــس قائمــة حــزب قلــب تونــس بالدائــرة االنتخابيــة بباجــة ضـ ّد‪ /‬الهيئــة العليا املســتقلة لالنتخابــات ورئيس قائمة‬
‫حــزب حركــة النهضــة بالدائــرة االنتخابيــة بباجــة؛ املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الدائــرة االســتئنافية الســابعة‪ ،‬عــدد ‪20194047‬‬
‫بتاريــخ ‪ 21‬أكتوبــر ‪ ،2019‬رئيســة قائمــة حــزب قلــب تونــس عــن الدائــرة االنتخابيــة بمدنــن ضـ ّد ‪ /‬الهيئــة العليــا املســتقلة‬
‫لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة عــن الدائــرة االنتخابيــة بمدنــن؛ املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الدائرة االســتئنافية‬
‫الســابعة‪ ،‬عــدد ‪ 20194048‬بتاريــخ ‪ 21‬أكتوبــر ‪ ،2019‬رئيــس قائمــة حــزب قلــب تونــس عــن الدائــرة االنتخابيــة بتطاويــن‬
‫ضــ ّد ‪ /‬الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة عــن الدائــرة االنتخابيــة بتطاويــن‪.‬‬
‫‪ .1‬املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الدائــرة االســتئنافية العاشــرة‪ ،‬عــدد ‪ 20194094‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪ ،2019‬رئيــس قائمــة حــزب‬
‫حركــة النهضــة بالدائــرة االنتخابيــة سوســة ضـ ّد ‪ /‬الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب قلــب تونــس‬
‫بالدائــرة االنتخابيــة سوســة‪.‬‬
‫راجــع أيضــا‪ :‬املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الدائــرة االســتئنافية العاشــرة‪ ،‬عــدد ‪ 20194102‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪،2019‬‬
‫رئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة بالدائــرة االنتخابيــة منوبــة ضــ ّد ‪ /‬الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات‬
‫ورئيــس قائمــة حــزب قلــب تونــس بالدائــرة االنتخابيــة منوبــة؛ املحكمــة اإلداريــة‪ ،‬الدائــرة االســتئنافية العاشــرة‪،‬‬
‫عــدد ‪ 20194103‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪ ،2019‬رئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة بالدائــرة االنتخابيــة القصريــن‬
‫ضــ ّد ‪ /‬الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب قلــب تونــس بالدائــرة االنتخابيــة القصريــن‪.‬‬
‫عنــد نظرهــا فــي مطعــن تك ـ ّرر فــي جميــع تلــك القضايــا وهــو املطعــن املأخــوذ مــن قيــام حــزب قلــب تونــس باإلشــهار‬
‫السياســي لفائــدة قائماتــه عبــر القنــاة «نســمة» التلفزيــة والــذي حاولــت الجهــة الطاعنــة اثباتــه باالســتناد إلــى قــرارات‬
‫الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري والعقوبــات املاليــة التــي س ـ ّلطتها علــى القنــاة املذكــورة جــراء‬
‫ارتكابهــا املتك ـ ّرر ملخالفــة اإلشــهار السياســي‪ .‬وقــد ب ّينــت املحكمــة «أنّ الخطيــة املاليــة التــي ت ـ ّم تســليطها علــى قنــاة‬
‫«نســمة» مــن قبــل الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي البصــري بســبب العود وذلك بســبب قيــام حزب قلب تونس باإلشــهار‬
‫السياســي ال ينهــض دليــا قاطعــا علــى ارتــكاب رئيــس قائمــة حــزب قلــب تونــس بدائــرة سوســة أو أحــد أعضائهــا‬
‫أي منهــم فــي تلــك الوســيلة االعالميــة أو‬ ‫ملخالفــة انتخابيــة وذلــك لغيــاب عنصــر اإلســناد ضــرورة أ ّنــه لــم يثبــت حضــور ّ‬
‫أي وســيلة أخــرى للدعايــة وللترويــج لشــخصه ولقائمتــه وللمشــروع التــي يتبنــاه خــارج الفتــرة والحيــز الزمنــي املســموح‬ ‫ّ‬
‫بهمــا فــي القانــون االنتخابــي‪ .‬كمــا أضافــت املحكمــة فــي قض ّيــة أخــرى أنّ «» تســليط عقوبــات مــن الهيئة العليا املســتقلة‬
‫لالتصــال الســمعي والبصــري علــى عــدد مــن القنــوات التلفزيــة ال يعنــي ثبــوت عالقة تلك القنــوات بقائمات حزبيــة مع ّينة»‬
‫‪ .2‬تراجــع مثــا القضيــة عــدد ‪ / 95‬نــزاع انتخابــي بتاريــخ ‪ 7‬نوفمبــر ‪« 2011‬وحيــث يتبــن بالرجــوع إلــى أوراق‬
‫امللــف وخاصــة القــرص املضغــوط املصاحــب لعريضــة الدعــوى والــذي يتض ّمــن تســجيالت لبرامــج بثــت علــى قنــاة‬
‫«املســتقلة»األجنبية قيــام هــذه القنــاة باإلشــهار لفائــدة العريضــة الشــعبية للعدالــة والتنميــة وأنــه تــم اســتعمال‬
‫قنــاة املســتقلة للدعايــة لفائــدة القائمــات التابعــة لهــا أثنــاء الحملــة االنتخابيــة وبالتالــي تكــون تلــك القائمــات قــد‬
‫اســتفادت مــن الحملــة االنتخابيــة والبرامــج التــي بثتهــا قنــاة املســتقلة وهــو مــا يعــ ّد انتفاعــا بخدمــات إعالميــة‬
‫وإشــهارية خــال الحملــة االنتخابيــة‪ ».‬وحيــث أن عــدم ظهــور رئيــس قائمــة العريضــة الشــعبية للحريــة والعدالــة‬
‫والتنميــة بقفصــة أو أحــد مــن أعضائهــا علــى القنــاة املذكــورة ال ينفــي وجــود رابطــة بــن القنــاة ممثلــة فــي‬
‫صاحبهــا والقائمــة املذكــورة خاصــة وأنهــا لــم تعلــن أن مــا يصــدر عــن القنــاة ال يعبــر إال عــن رأي صاحبهــا‬
‫وبالتالــي تعتبــر هــذه األخيــرة بمالزمتهــا الصمــت إزاء مــا يعــرض بقنــاة املســتقلة قــد قبلــت بقيــام هــذه األخيــرة‬
‫بالدعايــة االنتخابيــة لفائدتهــا وبذلــك تكــون باتخاذهــا موقفــا ســلبيا قــد ســاهمت فــي توظيــف القنــاة لفائدتهــا‪».‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪92‬‬

‫قرينــة اإلســناد متوفــرة كلمــا اجتمعــت عناصــر موضوعيــة لذلــك علــى غــرار اجتمــاع صفة‬
‫املترشح واملنشط واملساهم في القناة اإلعالمية أو صفة املترشح وصاحب أو مؤسس القناة‪.‬‬
‫ويتمثــل اإلشــكال األكبــر فــي اســتعمال صالحيــات الرقابــة املنصــوص عليهــا بالفصــل‬
‫‪ 143‬مــن القانــون االنتخابــي فــي ضبــط معاييــر تقديــر التأثيــر علــى النتائــج‪ .‬فلئــن اســتقر‬
‫القضــاء علــى اعتمــاد هــذا املعيــار لتعديــل أو إلغــاء النتائــج‪ ،1‬خالفــا للموقــف املعــزول‬
‫الــذي م ّثلــه الحكــم االبتدائــي (تــم نقضــه اســتئنافيا) الصــادر بمناســبة االنتخابــات‬
‫التشــريعية ‪ 2019‬فــي دائــرة أملانيــا‪ ،2‬فــإن معاييــر التقديــر تبقــى صعبــة التحديــد‪.‬‬
‫ولئــن اعتمــد القاضــي منــذ ‪ 2011‬لتقديــر التأثيــر علــى النتائــج وســيلة الفارق فــي األصوات‬
‫املتحصــل عليهــا‪ ،‬مــع تدقيــق املعيــار بحســب نــوع اإلخــال ومــدى انتشــاره وتواتــره‪،3‬‬
‫أو مــدى وضــع ح ـ ّد للمخالفــات‪ ،4‬فــإن التحليــل املق ـ ّدم لــم يكــن بنفــس الصالبــة فــي كل‬
‫تمســك فيهــا الطاعــن مثــا بالخطــإ فــي رمــز القائمة‬‫الحــاالت‪ .‬وإن كان بديهيــا فــي حــاالت ّ‬
‫التــي لــم تتحصــل إال علــى عــدد ضئيــل مــن األصــوات مقابــل اآلالف املســتوجبة للفــوز‬
‫بمقعــد أن عــدم وقــوع اإلخــال مــا كان ليــؤدي إلــى تغييــر النتائــج‪ ،5‬فإنهــا لــم تكــن علــى‬

‫‪ .1‬املحكمــة اإلداريــة ‪ / 95‬نــزاع انتخابــي ‪ 7‬نوفمبــر ‪« 2011‬وحيــث أن القاضــي ال يســتجيب لطلــب إلغــاء أو تعديــل‬
‫نتائــج االنتخابــات إال متــى ثبــت لديــه اإلخــال بقواعــد إجرائهــا وكان ذلــك اإلخــال مؤثــرا بصفــة حاســمة علــى مــا‬
‫أفضــت إليــه‪ ».‬املحكمــة اإلداريــة ‪ 201450018‬بتاريــخ ‪ 20‬نوفمبــر ‪ ،2014‬املحكمــة اإلداريــة ‪ 201450002‬و‪201450008‬‬
‫بتاريــخ ‪ 18‬نوفمبــر ‪« 2014‬وحيــث عمــا بأحــكام الفصــل ‪ 143‬املشــار إليــه آنفــا اســتنادا إلــى مــا دأب عليــه فقــه قضــاء‬
‫مســت املخالفــات املنســوبة لهــم مــن نزاهــة االنتخابــات‬ ‫هــذه املحكمــة فإنــه ال يجــوز إلغــاء نتائــج الفائزيــن إال متــى ّ‬
‫وأخ ّلــت بالتالــي بــاإلرادة العامــة للناخبــن» املحكمــة اإلداريــة ‪ 20195022‬و‪ 20195027‬بتاريــخ ‪ 4‬نوفمبــر ‪.2019‬‬
‫‪ .2‬املحكمــة اإلداريــة‪( ،‬الدائــرة االســتئنافية الثانيــة)‪ ،‬عــدد ‪ 20194061‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪ )...(« ،2019‬وحيــث‬
‫وفــي ضــوء مــا ســبق بســطه‪ ،‬يغــدو تشــ ّبث الهيئــة بتســمية املدعــو {ع‪ .‬ك‪ ...}.‬وهــو مــا يغنــي عــن البحــث فــي‬
‫مــدى اقتــراف الشــخص املذكــور لتجــاوزات خــال فتــرة إشــرافه علــى االنتخابــات موضــوع النــزاع ضــرورة أنّ‬
‫مجــ ّرد تواجــده علــى رأس الهيئــة الفرعيــة والحــال مــا ذكــر يعــ ّد كافيــا فــي حــ ّد ذاتــه للتشــكيك فــي ســامة تلــك‬
‫االنتخابــات‪ ،‬األمــر الــذي يتّجــه معــه القضــاء باإللغــاء الك ّلــي للنتائــج األوليــة املصــ ّرح بهــا بدائــرة أملانيــا وإعــادة‬
‫االنتخابــات التشــريعية بهــا‪ ،‬وذلــك دون حاجــة للخــوض فــي بقيــة املطاعــن الهادفــة إلــى تعديــل النتائــج املذكــورة»‪.‬‬
‫‪ .3‬يراجــع مثــا املحكمــة اإلداريــة «‪ 201420017‬بتاريــخ ‪ 2‬نوفمبــر ‪« 2014‬وحيــث لــم يتوفــر بامللــف مــا يفيــد تواتــر‬
‫املخالفــات وشــمولها لعــدد كبيــر مــن مكاتــب االقتــراع بدائــرة تونــس ‪ 2‬ممــا ينفــي تأثيرهــا علــى النتائــج املصـ ّرح بهــا»‪.‬‬
‫‪ .4‬يراجــع مثــا املحكمــة اإلداريــة ‪ 201420035‬بتاريــخ ‪ 2‬نوفمبــر ‪« 2014‬وطاملــا لــم يتو ّفــر بامللــف مــا يفيــد تواتــر‬
‫املخالفــات وشــمولها لعــدد كبيــر مــن مكاتــب االقتــراع‪ ...‬وأن تدخّ ــل رئيــس املكتــب بإخــراج األشــخاص الذيــن حاولــوا‬
‫اســتمالة الناخبــن وتوجيــه اختياراتهــم إلــى طــرف معــن‪ ...‬يضــع ح ـ ّدا للمخالفــة املشــار إليهــا ويحــول دون تأثيرهــا‬
‫علــى نتائــج الدائــرة‪.»...‬‬
‫‪ .5‬يراجــع مثــا املحكمــة اإلداريــة ‪ / 28‬نــزاع انتخابــي ‪ 3‬نوفمبــر ‪« 2011‬وحيــث لئــن كان رمــز القائمــة مــن العناصــر‬
‫الهامــة لتمييزهــا عــن غيرهــا مــن القائمــات فــإن هنــاك عناصــر أخــرى بنفــس األهميــة كإســم القائمــة وعددهــا‬
‫الرتبــي‪ ...‬و(حيــث) أن الضــرر الثابــت‪ ...‬اقتصــر علــى الومضــة اإلشــهارية التــي تــم بثهــا علــى القنــاة الوطنيــة بالرمــز‬
‫القديــم‪ .‬وحيــث أن اإلخــال املشــتكى منــه كان محــدودا فــي آثــاره وغيــر مؤثــر علــى نتيجــة القائمــة املدعيــة بدائــرة‬
‫‪93‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫القــدر الكافــي مــن الوضــوح فــي عــدد مــن الحــاالت األخــرى ومنهــا الحــاالت التــي انتهــت‬
‫فيهــا األحــكام فــي ‪ 2011‬إلــى ثبــوت الدعايــة التــي مارســتها قنــاة إعالميــة أجنبيــة لقائمــات‬
‫وضــح القاضــي االنتخابــي أن اعتمــاد الفــارق فــي األصــوات يكــون‬ ‫محـ ّددة‪ .1‬وفــي ‪ّ 2014‬‬
‫بالرجــوع إلــى العــدد الجملــي لألصــوات املتحصــل عليهــا مــن مختلــف املترشــحني أو‬
‫القائمــات عنــد فــرز األصــوات وذلــك فــي رفــض للموقــف الــذي اعتمدتــه الهيئــة إللغــاء‬
‫مقعــد مــن ثالثــة مقاعــد مســند بنــاء علــى النتائــج املتحصــل عليهــا مــن إحــدى القائمــات‬
‫بحجــم الفــارق الضئيــل فــي األصــوات بحســاب البقايــا بعــد توزيــع املقاعــد علــى أســاس‬
‫الحاصــل االنتخابــي‪ .‬وتتمثــل وقائــع القضيــة فــي ثبــوت مخالفــة تعليــق معلقــات انتخابيــة‬
‫بســور املدرســة املخصصــة كمركــز اقتــراع مــن حــزب نداء تونس املترشــح فــي االنتخابات‬
‫التشــريعية بدائــرة القصريــن‪ .‬وقــد أدت عمليــات فــرز األصــوات إلــى حصــول القائمــة‬
‫علــى ‪ 3‬مقاعــد‪ .‬غيــر أن مجلــس الهيئــة قــرر إلغــاء مقعــد واحــد معتبــرا أن الفــارق فــي‬
‫األصــوات بــن بقايــا أصــوات نتائــج قائمــة الحــزب بعــد إســنادها مقعديــن علــى أســاس‬
‫الحاصــل االنتخابــي واألصــوات املتحصــل عليهــا مــن قائمــة حــزب التكتــل مــن أجــل‬
‫تحصــل علــى مقعــد كان ضئيــا‬ ‫ّ‬ ‫العمــل والحريــات والتــي ترتــب مباشــرة إثــر آخــر حــزب‬
‫ويبــرر إلغــاء املقعــد لحــزب نــداء تونــس وإســناده للحــزب املذكــور‪ .‬وقــد اعتبــرت املحكمــة‬
‫أن «الهيئــة قــد خالفــت القاعــدة العامــة‪ ...‬الواجــب اتباعهــا لتقديــر مــدى تأثيــر املخالفــات‬
‫املقترفــة علــى اإلرادة العامــة للناخبــن والتــي تقتضــي املقارنــة بــن العــدد الجملــي‬
‫لألصــوات لــكل القائمــات الــذي يعكــس تلــك اإلرادة‪ ».‬وهــو املوقــف الــذي تمســكت بــه‬
‫الهيئــة فــي ‪ 2019‬فــي إحــدى القضايــا التــي تأســس الطعــن فيهــا علــى أن الفــارق بني عدد‬
‫األصــوات الباقيــة آلخــر قائمــة تحصلــت علــى مقعــد والقائمــة الطاعنــة كان صوتــا واحدا‪.2‬‬
‫وفــي ســعي إلضفــاء أكثــر دقــة علــى معاييــر تقديــر التأثيــر علــى النتائــج ب ّيــن القاضــي‬
‫«تفحــص معاييــر القيــس املناســبة التــي‬‫ّ‬ ‫االنتخابــي فــي ‪ 2019‬أنــه يقــوم بذلــك بنــاء علــى‬

‫املنســتير ضــرورة أنهــا لــم تنــل ســوى املرتبــة ‪ 43‬بمجمــوع ‪ 607‬صوتــا فــي حــن آل املقعــد األخيــر بهــذه الدائــرة‬
‫إلــى حــزب‪ ...‬الــذي حــاز املرتبــة السادســة بمجمــوع أصــوات قــ ّدر ب ‪ 5219‬صوتــا" املحكمــة اإلداريــة ‪201420040‬‬
‫بتاريــخ ‪ 8‬نوفمبــر ‪« 2014‬إن شــراء صــوت ناخــب وحيــد ال يمكــن بحــال أن يؤثــر علــى نتائــج الدائــرة املذكــورة»‪.‬‬
‫‪ .1‬املحكمــة اإلداريــة ‪ / 95‬نــزاع انتخابــي ‪ 7‬نوفمبــر ‪« 2011‬وحيــث ولئــن كان قيــام قنــاة املســتقلة بالدعايــة لفائــدة‬
‫العريضــة الشــعبية للحريــة والعدالــة والتنميــة‪ ...‬فيــه خــرق للنصــوص الســابق ذكرهــا فــإن هــذا األمــر كان لــه تأثيــر‬
‫محــدود بالنظــر إلــى عــدد األصــوات املتحصــل عليهــا مــن قبــل العريضــة الشــعبية‪ ...‬والبالــغ ‪ 6545‬وإلــى الفــارق‬
‫بينــه وبــن عــدد األصــوات التــي تحصلــت عليهــا آخــر قائمــة فــازت بمقعــد وعددهــا ‪ 3170‬وهــو (أي الفــارق)‬
‫‪ 3375‬إضافــة إلــى الفــارق بينــه وبــن عــدد األصــوات التــي تحصلــت عليهــا قائمــة املدعــي وعددهــا ‪ 2753‬الــذي ال‬
‫يمكــن أن يكــون ناتجــا عــن وســيلة وحيــدة مــن وســائل الدعايــة االنتخابيــة وعــي اإلشــهار عبــر قنــاة املســتقلة‪».‬‬
‫‪ .2‬تراجــع مســتندات الطعــن فــي القضيــة عــدد ‪ 20144068‬الصــادر فيهــا الحكــم بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪ 2019‬حيــث أسســت‬
‫القائمــة املترشــحة عــن حــزب تحيــا تونــس بدائــرة صفاقــس ‪ 2‬طعنهــا إلثبــات التأثيــر علــى النتائــج علــى أن األصــوات‬
‫الباقيــة لقائمــة ائتــاف الكرامــة ‪ 4352‬صوتــا ومــا تحصلــت عليــه قائمــة حــزب تحيــا تونــس مــن أصــوات يبلــغ ‪.4351‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪94‬‬

‫تمكنــه مــن ضبــط بــكل دقــة عــدد األصــوات التــي فســدت بفعــل التأثيــر فيهــا ومــن‬
‫ث ـ ّم اســتئصالها مــن جملــة األصــوات الســليمة املتحصــل عليهــا مــن قبــل املترشــح أو‬
‫القائمــة املعنيــة حتــى يحافــظ علــى نزاهــة وســامة االنتخابــات‪ »1‬وانتهــى فــي القضيــة‬
‫املعروضــة واملتعلقــة بنتائــج الدائــرة االنتخابيــة بالقصريــن أن الفــارق بــن األصــوات‬
‫املتحصــل عليهــا مــن القائمــة املدعيــة (حركــة الشــعب) والقائمــة املطعــون فــي نتائجهــا‬
‫(حركــة نــداء تونــس) يبلــغ ‪ 103‬صوتــا وهــو فــارق ضئيــل يبــرر تعديــل النتائــج‪.‬‬
‫غيــر أن الهيئــة طعنــت فــي ذلــك الحكــم مبينــة فــي مســتنداتها أن الفــارق الضئيــل لتقديــر‬
‫ـجلة فــي‬‫التأثيــر علــى النتائــج ال يأخــذ فــي املطلــق وإنمــا حالــة بحالــة وأن املخالفــة املسـ ّ‬
‫الصــورة املعروضــة لــم تكــن علــى فــرض ثبوتهــا لتؤثــر علــى ‪ 103‬ناخبــا بالنظــر إلــى‬
‫محدوديــة عــدد املقترعــن باملكتــب املعنــي ونســبة اإلقبــال الضعيفــة فــي توقيــت املخالفــة‪.2‬‬
‫وعلــى الرغــم مــن تطــور عمــل الهيئــة وفقــه القضــاء فــي مجــال تقديــر التأثيــر علــى‬
‫النتائــج والرقابــة علــى العمليــة االنتخابيــة عمومــا فقــد أدى االختــاف فــي التقديــر‬
‫فــي ‪ 2019‬إلــى اتخــاذ املحكمــة فــي الطــور االبتدائــي أربعــة قــرارات فــي إلغــاء رفــض‬
‫الترشــحات فــي االنتخابــات الرئاســية وقراريــن فــي إلغــاء النتائــج فــي االنتخابــات‬
‫التشــريعية‪ ،‬وذلــك خالفــا ملوقــف الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات وتحــت نقــد إعالمــي‬
‫كبيــر ألعمالهــا قبــل أن تنقــض الجلســة العامــة القضائيــة األحــكام االبتدائيــة املذكــورة‪.‬‬
‫وهــو مــا يؤ ّكــد علــى الرغــم مــن اإلقــرار بحجيــة الشــيء املقضــي بــه‪ ،3‬أهميــة تــوارد‬
‫معاييــر التقديــر بــن الهيئــة االنتخابيــة والقاضــي االنتخابــي حفاظــا علــى الظــروف‬
‫اإليجابيــة للمســار االنتخابــي وتحســبا ملــا يمكــن أن يــؤ ّدي لــه نقــض أعمــال الهيئــة‬
‫االنتخابيــة دون موجــب ثابــت مــن تهديــد ملبــدإ الثقــة فــي االنتخابــات والقبــول بالنتائــج‪.‬‬

‫‪ .1‬املحكمة اإلدارية ‪ 20194069‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪.2019‬‬


‫تمســكت الهيئــة فــي مســتندات االســتئناف للحكــم االبتدائــي عــدد ‪ 20194069‬بــأن «وصــف عــدد ‪ 103‬صوتــا‬ ‫‪ّ .2‬‬
‫بالفــارق الضئيــل فــي صــورة الحــال ال يســتقيم‪ .‬فلــم يثبــت مــن خــال الوقائــع التواصــل بــن مقتــرف املخالفــة بخــرق‬
‫الصمــت االنتخابــي وعــدد كبيــر مــن الناخبــن بــل إن نســب التصويــت باملركــز بعــد الســاعة ‪ 13.00‬وإلــى حــدود‬
‫الســاعة ‪ 15.00‬بالنظــر إلــى أن املخالفــة حصلــت فــي الســاعة ‪ 14.20‬ال تشــير إلــى توافــد عــدد كبيــر مــن الناخبــن‬
‫وال يمكــن بنــاء عليهــا االنتهــاء إلــى أنــه فــي تلــك الفتــرة املحــدودة التــي تلــت الســاعة ‪ 14.20‬قــد تــم التأثيــر علــى عــدد‬
‫‪ 103‬مــن الناخبــن وتوجيــه إرادتهــم لعكــس مــا كانــت متجهــة لــه وإن اعتبــار محكمــة البدايــة عــدد ‪ 103‬مــن الناخبــن‬
‫عــددا ضئيــا يعتبــر مجانبــا للصــواب خاصــة وأن العــدد الجملــي للمســجلني باملركــز برمتــه ليــس عــددا كبيــرا‪».‬‬
‫‪ .3‬املحكمــة اإلداريــة ‪ 201420019‬بتاريــخ ‪ 8‬نوفمبــر ‪« 2014‬وحيــث وعمــا بمقتضيــات الفصــل ‪ 30‬مــن القانــون االنتخابــي‬
‫تكــون األحــكام الصــادرة عــن الدوائــر االســتئنافية فــي مــادة الترشــحات لالنتخابــات التشــريعية باتــة وال تقبــل الطعــن‬
‫ولــو بالتعقيــب‪ .‬وحيــث تبعــا لذلــك اكتســى الحكــم املشــار إليــه حجيــة الشــيء املقضــي بــه وغــدا ملزمــا للهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات‪».‬‬
‫‪95‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫قاضي تجاوز السلطة واالنتخابات‬

‫محمد اللط ّيف‬


‫ّ‬
‫رئيس دائرة ابتدائية باملحكمة اإلدارية‬

‫«الشــعب هــو صاحــب الســيادة ومصــدر الســلطات‪ ،‬يمارســها بواســطة ممثليــه املنتخبــن‬
‫أو عبــر اإلســتفتاء»‪ ،‬هكــذا جــاء الحكــم العــام فــي مسـ ّ‬
‫ـتهل دســتور الجمهوريــة الثانيــة‬
‫فــي تونــس ضمــن فصلــه الثالــث‪ ،‬ثــ ّم جــاء بعــد ذلــك التفصيــل بــأن أقــ ّر املشــرع‬
‫الدســتوري صلــب الفصــل ‪ 34‬أنّ «حقــوق اإلنتخــاب واإلقتــراع والترشــح مضمونــة‬
‫طبــق مــا يضبطــه القانــون»‪ ،‬ثــ ّم يــأت فــي بــاب أهــ ّم ركائــز وموجبــات اإلنتخابــات‬
‫ليشــترط أن تكــون ســامة املســار اإلنتخابــي بجميــع أنواعــه رهينــة الشــفافية‬
‫والنزاهــة (الفصــل ‪ 126‬منــه) حتــى تكــون ممارســة الشــعب للســيادة حقيقيــة‪.‬‬
‫والســؤال الــذي يطــرح نفســه بعــد ضبــط القانــون ملوجبــات شــفافية اإلنتخابــات ونزاهتهــا‬
‫يتع ّلــق باملنظومــة القانونيــة لتلــك املوجبــات والهيــكل أو املؤسســة التــي ســتضمن تنفيذهــا‬
‫وإحترامها‪.‬‬
‫يمكــن تلخيــص األنظمــة القانونيــة املؤسســاتية لإلنتخابــات فــي العالــم فــي نموذجــن‬
‫أساســيني‪ ،‬أ ّولهمــا يك ّلــف الحكومــات والســلطة التنفيذيــة بصفــة عامــة بــإدارة اإلنتخابــات‬
‫ومراقبتهــا عبــر إدارات مؤ ّقتــة وهــو النظــام الــذي كان معمــوال بــه قبــل الثــورة فــي‬
‫تونــس‪ ،‬ولكــنّ ذلــك النمــوذج أثبــت فشــله علــى إعتبــار أنّــه يضــع أداة الســيادة ال‬
‫فــي يــد الشــعب وإنّمــا بــن أيــدي حاكميــه الذيــن لــن يكــون لهــم حتمــا الحيــاد فــي‬
‫إدارة اإلنتخابــات‪ ،‬ألنّ الســلطة بطبيعتهــا تحمــل فــي ط ّياتهــا بــذرة اإلنحــراف بهــا‪.‬‬
‫أ ّما النموذج الثاني فقد أوكل لسلطات إنتخابية مستق ّلة ودائمة مسؤولية إدارة اإلنتخابات‬
‫وهــو النمــوذج الصاعــد اليــوم فــي مختلــف الــدول التــي أجــرت إصالحــات إنتخابيــة‪ ،‬علــى‬
‫غــرار النظــام اإلنتخابــي التونســي بعــد الثــورة والــذي أوكل صلــب القســم األ ّول مــن الباب‬
‫الســادس منــه إلــى هيئــة دســتورية مســتق ّلة (الهيئــة العليــا الســتق ّلة لإلنتخابــات) مه ّمــة‬
‫تنظيــم ومراقبــة اإلنتخابــات بمختلــف أنواعهــا وح ّملهــا مســؤولية نزاهتهــا وشــفافيتها‪.‬‬
‫تعــ ّد الهيئــة مــن ضمــن مــا ُيطلــق عليــه فــي الفقــه وفقــه القضــاء مــن بــن الســلطات‬
‫اإلداريــة املســتق ّلة والتــي ع ّرفهــا مجلــس الدولــة الفرنســي فــي تقريــره العــام لســنة ‪2001‬‬
‫بثــاث عناصــر أساســية‪ ،‬أ ّول عنصــر يتمثــل فــي أنّهــا ســلطة‪ ،‬بمعنــى أنّ لهــا صالحيــات‬
‫الســلطة العامــة والتــي مــن أه ّمهــا ســلطة إتّخــاذ القــرارات اإلداريــة‪ ،‬والعنصــر الثانــي‬
‫يتم ّثــل فــي إســتقالليتها العضويــة والوظيفيــة عــن باقــي الســلطات العموميــة والــذي‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪96‬‬

‫ألي ســلطة رئاســية أو إشــرافية مــن الجهــاز‬ ‫يتجســم مــن ناحيــة فــي عــدم خضوعهــا ّ‬ ‫ّ‬
‫التنفيــذي للدولــة‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى فــي تركيبتهــا الجماعيــة فضــا عــن إســتقالليتها‬
‫املاليــة واإلداريــة مــن حيــث املــوارد والوســائل‪ ،‬أ ّمــا صبغتهــا اإلداريــة فتســتم ّدها مــن‬
‫وظائفهــا التــي تكــون بصفــة عامــة ذات صبغــة مرفقيــة‪ ،‬فــإدارة اإلنتخابــات تعــ ّد مــن‬
‫أســمى تج ّليــات املصلحــة العامــة‪ ،‬وأيضــا مــن نشــاطها بإســم الدولــة وعلــى مســؤوليتها‪.‬‬
‫فــإذا كانــت الســلطة بصفــة عامــة محمولــة علــى التجــاوز‪ ،‬وكانــت الشــفافية والنزاهــة مــن‬
‫قواعــد املشــروعية القانونيــة‪ ،‬وكان قاضــي تجــاوز الســلطة هــو الضامن إلحترام الشــرعية‬
‫القانونيــة‪ ،‬تكــون النتيجــة الحتميــة والبديهيــة هــي أ ّنــه هــو القاضــي الطبيعــي ّ‬
‫لكل مــا يمكن‬
‫أن ينشــأ بمناســبة العملية اإلنتخابية من نزاعات منشــؤها إنتهاك للشــرعية‪ ،‬ذلك أنّ دعوى‬
‫تجــاوز الســلطة تعتبــر طريــق القانــون العــام للطعــن في القــرارات اإلدارية بمعنــى أنّه يمكن‬
‫كل مقـ ّرر إداري وال يمكــن إســتثناؤها إ ّال بتنصيص قانوني صريح بأنّ القرار‬ ‫رفعهــا ضـ ّد ّ‬
‫اإلداري املعنــي ال يقبــل الطعــن بواســطتها ‪ ،‬بــل أكثــر مــن ذلــك فقــد إعتبرها مجلــس الدولة‬
‫‪1‬‬

‫الفرنســي مبــدأ مــن املبــادئ العامــة لإلجــراءات ضمــن قــراره الشــهير ‪.2 Dame Lamotte‬‬
‫ولــم يتوانــى املشــرع الدســتوري التونســي بمناســبة صياغة دســتور الجمهوريــة الثانية في‬
‫التنصيــص صراحــة علــى دعــوى تجــاوز الســلطة تأكيــدا علــى أنّهــا «دعــوى الحــق العــام»‬
‫إن صـ ّـح التعبيــر فــي زجــر مخالفــة اإلدارة لقواعــد الشــرعية فجــاء بالفصــل ‪ 116‬منــه أ ّنــه‪:‬‬
‫«ﻳﺨﺘﺺ اﻟﻘﻀﺎﺀ اﻹدارﻱ ﺑﺎﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺗﺠﺎوﺯ اﻹدارﺓ ﺳﻠﻄﺘﻬﺎ‪ ،‬وﻓﻲ اﻟﻨﺰاﻋﺎﺕ اﻹدارﻳﺔ‪.»...‬‬
‫قــد نتســاءل مــن صياغــة الفصــل املذكــور عــن الهــدف مــن التنصيــص علــى دعــوى‬
‫تجــاوز الســلطة ضمنــه والحــال أن عبــارة «النزاعــات اإلداريــة كانــت تغنــي عــن‬
‫ذلــك باعتبارهــا تشــمل جميــع املنازعــات اإلداريــة بكافــة فروعهــا‪ ،‬لكــنّ املتأ ّمــل‬
‫فــي تاريــخ القضــاء اإلداري يــدرك بســرعة أنّ دســترة دعــوى تجــاوز الســلطة‬
‫ليســت مــن بــاب العبــث‪ ،‬وإنّمــا ترجــع إلعتبــارات تاريخيــة وموضوعيــة وبراغماتيــة‪.‬‬
‫إنّ ذلــك التنصيــص الصريــح يأتــي تتويجــا ملســار تاريخــي يؤ ّكــد أه ّميــة دعــوى تجــاوز‬
‫الســلطة كســبيل قضائــي لــر ّد اإلعتبــار للشــرعية واملشــروعية القانونيــة وللقاضــي‬
‫املؤتمــن عليهمــا بدســترة ذلــك الســبيل القضائــي علــى النحــو الســالف بيانــه أعــاه‪،‬‬
‫وهــو تتويــج ال ّ‬
‫يتلخــص فــي مجـ ّرد تنصيــص وإنّمــا لــه تبعــات قانونيــة تجعــل فــي نفــس‬
‫الوقــت مــن دعــوى تجــاوز الســلطة ومــن إختصــاص النظــر فيهــا مــن درجــة دســتورية‬
‫بحيــث ال يمكــن إســتبعادها أو إســتثناؤها مــن إختصــاص جهــاز القضــاء اإلداري‬
‫‪1. Le recours pour excès de pouvoir dans tous ses états, par Yadh Ben Achour, in Mélanges Abdelfattah Amor.‬‬

‫‪2. «Un recours qui est ouvert même sans texte contre tout acte administratif, et qui a pour effet d’assurer,‬‬
‫‪conformément aux principes généraux du droit, le respect de la légalité» Décision du CE. Ass. Du 17 fév.‬‬
‫‪1950, Rec p.111.‬‬
‫‪97‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫بنصــوص تشــريعية‪ ،1‬هــذا وإنّ التنصيــص علــى واليــة القضــاء اإلداري فــي مــادة‬
‫املوجهــة‬
‫ّ‬ ‫تجــاوز اإلدارة ســلطتها جــاء بصيغــة عامــة ال تقتصــر علــى دعــوى اإللغــاء‬
‫كل تجــاوز لــإدارة لســلطتها ســواء بخــرق‬ ‫ضــ ّد القــرار اإلداري فحســب وإنّمــا تهــ ّم ّ‬
‫القوانــن والتراتيــب النافــذة‪ ،‬بفعــل إيجابــي أو بفعــل ســلبي‪ ،‬وســواء كان الهــدف مــن‬
‫الدعــوى اإللغــاء أو التعويــض أو غيــره مــن الدعــاوى الراميــة إلــى التصــ ّدي لتجــاوز‬
‫اإلدارة لســلطتها ولــو بــاإلذن بالتعديــل والتوجيــه وحتــى الحلــول محـ ّـل اإلدارة أحيانــا‪.‬‬
‫فلمــاذا الحديــث عــن قاضــي تجــاوز الســلطة واإلنتخابــات وعــدم اإلقتصــار علــى القاضــي‬
‫اإلداري وكفى املؤمنني ش ّر القتال‪ ،‬أليس قاضي تجاوز السلطة هو نفسه القاضي اإلداري‬
‫الــذي ينظــر فــي املنازعــات اإلداريــة بجميع فروعهــا بالتعويض واإللزام والتعديــل واإلذن‪...‬‬
‫إ ّنــه مــن املتفــق عليــه أن القضــاء اإلداري مصــدره األساســي فقــه وفقــه قضــاء‪ ،‬وتاريــخ‬
‫وتوجهــات ومواقــف‬
‫ّ‬ ‫القانــون اإلداري املقــارن يشــهد بذلــك بإعتبــاره جــاء تتويجــا ملســارات‬
‫فقهيــة وفقــه قضائيــة‪ ،‬وقــد جــرى الفقــه والقضاء علــى التفريق‪ ،‬دون ســند قانونــي صريح‪،‬‬
‫بــن قضــاء اإللغــاء والقضــاء الكامــل‪ ،‬وفــي الحقيقــة هما وجهــان لقاض واحد هــو القاضي‬
‫كل منهمــا وســلطاته‪.‬‬‫اإلداري‪ ،‬ومــا التفرقــة إ ّال مــن حيــث إجــراءات وشــكليات تع ّهــد ّ‬
‫وعليــه فإنّــه ال وجــود فــي النصــوص القانونيــة لتفريــق بــن قاضــي تجــاوز الســلطة‬
‫صــح التعبيــر‪ ،‬وإنّمــا يوجــد قضــاء تجــاوز الســلطة‬ ‫ّ‬ ‫والقاضــي «الكامــل» إن‬
‫والقضــاء الكامــل‪ ،‬وفــي التعريــف القانونــي فــإنّ قضــاء تجــاوز الســلطة فــي مفهومــه‬
‫ركنــان أساســيان متالزمــان األول فــي مضمونــه الــذي يجعلــه قضــاء الرقابــة علــى‬
‫شــرعية األعمــال اإلداريــة مــن حيــث مــدى مطابقتهــا أو تالؤمهــا مــع القواعــد‬
‫القانونيــة واملبــادئ العامــة للقانــون‪ ،‬والثانــي فــي غايتــه التــي ترمــي إلــى إلغــاء تلــك‬
‫األعمــال مــن أجــل تجاوزهــا للســلطة مــن حيــث مخالفــة اإلدارة لقواعــد الشــرعية‪.‬‬
‫أ ّمــا القضــاء الكامــل فيــرى الفقيــه «‪ »René CHAPUS‬أ ّنــه باعتبــاره صنفــا مــن أصنــاف‬
‫القضــاء االداري يتّســم بعــدم التجانــس لتك ّونــه مــن القضــاء الكامــل العــادي والقضــاء‬
‫التفســيري والقضــاء الكامــل املوضوعــي‪.‬‬
‫هــذا ولئــن يمثــل مبــدأ الشــرعية قاســما مشــتركا بــن قضــاء تجــاوز الســلطة‬
‫والقضــاء الكامــل العــادي والقضــاء الكامــل املوضوعــي إال أنّ الغايــة مــن ّ‬
‫كل منهمــا‬
‫واآلثــار املت ّرتبــة عليهمــا مختلفــة‪ ،‬فــإذا كان البحــث والتحقيــق فــي الشــرعية صلــب‬
‫القضــاء الكامــل العــادي يرمــي إلــى التثبــت مــن توفــر أركان املســؤولية اإلداريــة‬

‫‪ .1‬رغــم أنّ عبــارة «تجــاوز الســلطة» تـ ّم التنصيــص عليهــا صلــب أحــكام الفصــل ‪ 57‬مــن دســتور غــرة جــوان ‪ 1959‬فــي‬
‫نســخته األصليــة ثـ ّم وقــع التخ ّلــي عنهــا بموجــب التنقيــح الدســتوري املــؤرخ فــي ‪ 8‬أفريــل ‪.1976‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪98‬‬

‫التقصيريــة مــن خطــأ (عــدم شــرعية العمــل اإلداري املقــدوح فيــه) وضــرر وعالقــة‬
‫البــت فــي أح ّقيــة القائــم بالدعــوى فــي التعويــض النقــدي أو‬
‫ّ‬ ‫ســببية بينهمــا بغايــة‬
‫العينــي‪ ،‬فــإنّ ركــن الشــرعية فــي قضــاء اإللغــاء مناطــه التدقيــق فــي شــرعية القــرار‬
‫االداري والتصريــح بعــدم شــرعيته والقضــاء بإلغائــه متــى تو ّفــرت أســباب ذلــك‪.‬‬
‫أ ّمــا القضــاء الكامــل املوضوعــي‪ ،‬فإنّــه فضــا عــن اإلختــاف فــي مك ّونــات ركــن‬
‫الشــرعية فيــه بإعتبــاره ال يتع ّلــق فحســب بالقــرارات اإلداريــة وإنّمــا بجميــع األعمــال‬
‫اإلداريــة قانونيــة كانــت أو ماديــة‪ ،‬يكــون الهــدف منــه ال فقــط النطــق بالحكــم بخصــوص‬
‫ّ‬
‫محــل‬ ‫مــدى شــرعية تلــك األعمــال وتقريــر مصيرهــا وإنّمــا أيضــا بتعديلهــا والحلــول‬
‫االدارة فيهــا بالحــذف أو بالزيــادة‪ ،‬وهــو حــال النــزاع اإلنتخابــي الــذي هــو مــن‬
‫املختــص‬
‫ّ‬ ‫أبــرز متع ّهــدات القضــاء الكامــل املوضوعــي الــذي ال يكتفــي فيــه القاضــي‬
‫بالتصريــح بعــدم شــرعية األعمــال ذات العالقــة باإلنتخابــات وإنمــا يمتــ ّد إلــى إتخــاذ‬
‫جميــع اإلجــراءات الضروريــة لضمــان شــرعية العمليــة اإلنتخابيــة بجميــع مراحلهــا‬
‫ومــن ألفهــا إلــى يائهــا كاإلذن بإعــادة الفــرز وتعديــل النتائــج والغائهــا علــى إعتبــار‬
‫أنّ الغايــة منــه هــي تكريــس شــرعية وشــفافية العمليــة اإلنتخابيــة علــى إعتبــار أن‬
‫القاضــي اإلنتخابــي ضامــن لشــرعية اإلنتخابــات وديمقراطيتهــا علــى األقــل مــن‬
‫منظــور الفصــل ‪ 49‬مــن الدســتور التونســي ومــن منظــور أغلــب الدســاتير فــي العالــم‪.‬‬
‫وعلــى ذلــك األســاس‪ ،‬فقــد جــرى الفقــه والقضــاء علــى إعتبــار أنّــه للقاضــي‬
‫اإلنتخابــي ســلطة الحلــول محــل الســلطة اإلداريــة الســاهرة علــى العمليــة اإلنتخابيــة‬
‫فيعــ ّدل أو يلغــي نتائــج اإلنتخابــات أو يــأذن بإعادتهــا عنــد اإلقتضــاء وهــو مــا‬
‫‪1‬‬
‫جعــل مــن الفقيــه «رونــي شــابو» يصــف القضــاء الكامــل بأنّــه «قضــاء الحلــول»‪.‬‬
‫لكــنّ ركــن الشــرعية الــذي يم ّثــل القاســم املشــترك بــن القضاءيــن املوضوعيــن‪ ،‬قضــاء‬
‫تجــاوز الســلطة وفــرع مــن القضــاء الكامــل‪ ،‬تــرك فضــاءات لتنــازع اإلختصــاص بــن‬
‫القضاءيــن‪ ،‬ذلــك أنّــه علــى الرغــم مــن أنّ املشــ ّرع‪ ،‬التونســي أو املقــارن‪ ،‬أســند كتلــة‬
‫إختصــاص للقاضــي اإلنتخابــي‪ ،‬ســواء كان إداريــا بهيكلــه أو بموضــوع نظــره‪ ،‬بــأن‬
‫رســم خطــوط إختصــاص القاضــي اإلنتخابــي فــي جميــع مراحــل النــزاع اإلنتخابــي بــدأ‬
‫بالقــرارات التنظيميــة التــي يصدرهــا الهيــكل العمومــي املســتأمن علــى العمليــة اإلنتخابيــة‬
‫ومــرورا بالترســيم بقائمــات الناخبــن وبالترشــح لإلنتخابــات ووصــوال إلــى التصريــح‬
‫بنتائــج العمليــة اإلنتخابيــة ومــا يمكــن أن ينشـــأ عنهــا مــن منازعــات‪ ،‬فإ ّنــه وبخصــوص مــا‬
‫يمكــن أن يتخ ّلــل جميــع تلــك املراحــل مــن عمليــات لهــا عالقــة وثيقــة بالعمليــة اإلنتخابيــة‬
‫مــن حملــة إنتخابيــة وأعمــال إداريــة تنظيميــة فقــد بقيــت خطــوط اإلختصــاص غامضــة‬

‫‪1. Benjamin BALDOUS, Les pouvoirs du juge de pleine juridiction, thèse, Presse universitaire d’Aix – Marseille,‬‬
‫‪2000, préface de Jean- Paul NEGRIN, p.41.‬‬
‫‪99‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وحــدوده غيــر واضحــة بــن مــا هــو مــن األعمــال املنفصلــة عــن العمليــة اإلنتخابيــة‬
‫الصرفــة ومــا هــو متّصــل بهــا‪.‬‬
‫وهنــا يطــرح الســؤال حــول مــا إذا كانــت شــمولية نظــر القاضــي الكامــل املوضوعــي‬
‫تدخــل القاضــي اإلداري بعبــاءة تجــاوز‬ ‫فــي مجــال النــزاع اإلنتخابــي تحــول دون ّ‬
‫الســلطة فــي املجــال‪ ،‬ال س ـ ّيما فيمــا لــم يــرد فيــه تنصيــص صريــح علــى ســبيل طعــن‬
‫لــدى القاضــي اإلنتخابــي‪ ،‬وحــول مــا إذا كانــت القــرارات اإلداريــة ذات العالقــة‬
‫باإلنتخابــات والتــي تنفصــل عــن العمليــة اإلنتخابيــة بمعناهــا الدقيــق يمكــن أن تكــون‬
‫محـ ّـل نظــر مــن قاضــي تجــاوز الســلطة‪ ،‬رغــم أنّهــا قــد تكــون محـ ّـل رقابــة مــن القاضــي‬
‫اإلنتخابــي وحــول مــدى إمكانيــة تدخــل قاضــي تجــاوز الســلطة فــي مجــال األعمــال‬
‫املتصلــة بالعمليــة اإلنتخابيــة والتــي ال تنفصــل عنهــا‪ ،‬واإلشــكال ليــس بنظــري فحســب‬
‫وإنّمــا هــو تطبيقــي باألســاس بالنظــر إلــى أنّ املواجهــة بــن شــمولية نظــر القاضــي‬
‫اإلنتخابــي‪ ،‬كتج ّلــي مــن تج ّليــات القضــاء الكامــل املوضوعــي‪ ،‬فــي النزاعــات اإلنتخابيــة‬
‫وشــمولية نظــر قاضــي تجــاوز الســلطة فــي نزاعــات تجــاوز الســلطة‪ ،‬ليــس دون مبــرر‬
‫بالنظــر إلــى أنّ هــذا األخيــر هــو قاضــي الشــرعية بإمتيــاز وإعمــاال أيضــا ملبــدأ أنّــه‬
‫الوالــي علــى طريــق القانــون العــام للطعــن فــي املقــ ّررات اإلداريــة‪ ،‬منتجــا لتنــازع‬
‫إختصــاص قــد يترتّــب عنــه تضــارب فــي املواقــف القضائيــة وحتّــى فــي األحــكام‪.‬‬
‫إنّ النظــام القضائــي للنزاعــات ذات العالقــة باإلنتخابــات ليــس متجانســا‪ ،‬فمــن ناحيــة‬
‫هــو ال يتمظهــر فــي كتلــة إختصــاص مســندة لجهــاز قضائــي موحــد وال فــي إجــراءات‬
‫موحــدة‪ ،‬بــل علــى العكــس مــن ذلــك‪ ،‬فــإنّ القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة‬
‫وطــرق طعــن ّ‬
‫‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪ 26‬مــاي ‪ 2014‬واملتعلــق باإلنتخابــات واإلســتفتاء مثلمــا تــ ّم تنقيحــه‬
‫بالقانــون األساســي عــدد ‪ 7‬لســنة ‪ 2017‬املــؤرخ فــي ‪ 14‬فيفــري ‪ 2017‬فــ ّرق فــي النظــم‬
‫القانونيــة للنزاعــات اإلنتخابيــة بــن نزاعــات الترســيم بســجالت الناخبــن ونزاعــات‬
‫الترشــح لإلنتخابــات‪ ،‬بــل وفــ ّرق داخــل هــذه األخيــرة بــن اإلنتخابــات التشــريعية‬
‫والرئاســية واإلنتخابــات املحليــة والجهويــة‪ ،‬وبــن نزاعــات النتائــج ومــا بعدهــا‪ ،‬كمــا‬
‫ســكت عــن نزاعــات يمكــن أن تتخ ّلــل الفتــرة االنتخابيــةـ‪ ،‬بمــا يطــرح عديــد اإلشــكاالت‬
‫بخصوصهــا ال ســيما فــي مــدى إمكانيــة تدخــل القاضــي اإلداري بعبــاءة تجــاوز الســلطة‬
‫فــي تلــك املراحــل بإعتبــاره القاضــي الطبيعــي للطعــون املتع ّلقــة بالقــرارات اإلداريــة‪.‬‬
‫ومــا يمكــن أن نالحظــه فــي هــذا الخصــوص هــو إعتمــاد الفقــه وفقــه القضــاء علــى‬
‫نظريــة القــرارات املنفصلــة والقــرارات املتصلــة‪ 1‬حيــث ف ـ ّرق فــي مجــال النزاعــات ذات‬
‫العالقــة باإلنتخابــات بــن مــا هــو تنظيمــي (‪ )organisationnel‬يدخــل أو يمكــن أن يدخــل‬

‫‪1. La théorie des actes détachables dans le droit public français, par Bernard-Frank Macera, p.79 et s..‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪100‬‬

‫مبدئيــا ضمــن واليــة قاضــي تجــاوز الســلطة ومــا هــو تســييري وتنفيــذي يتعلــق بإجــراء‬
‫اإلنتخابــات (‪ )réalisationnel‬ويخــرج مبدئيــا عــن مرجــع نظــر قاضــي تجــاوز الســلطة‪.‬‬
‫هــذا ومــا يمكــن إســتنتاجه مــن خــال النصــوص القانونيــة النافــذة فــي املجــال‬
‫والتوجهــات الفقهيــة والفقــه قضائيــة أنّ تحديــد املســكن القضائــي وجدرانــه اإلجرائيــة‬‫ّ‬
‫كل ذلــك فــي مجــال النزاعــات ذات العالقــة‬ ‫والشــكلية وموقــع قاضــي تجــاوز الســلطة مــن ّ‬
‫باإلنتخابــات يرتبــط أساســا باإلطاريــن الزمانــي واملكانــي للمرحلــة ســواء تع ّلــق األمــر‬
‫باملرحلــة التحضيريــة لإلنتخابــات (البــاب األ ّول) أو بالعمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة (البــاب‬
‫الثانــي) أو بمرحلــة مــا بعــد تلــك اإلنتخابــات والتــي تكــون نتاجــا لهــا (البــاب الثالــث)‪.‬‬

‫األول‪ :‬قاضي تجاوز السلطة واملرحلة التحضيرية‬


‫الباب ّ‬
‫‪1‬‬
‫التنظيمية لإلنتخابات‬

‫إنّ املرحلــة التحضيريــة للعمليــة اإلنتخابيــة تبــدأ مــن إصــدار النصــوص الترتيبيــة‬
‫ّ‬
‫بالســجل اإلنتخابــي واملترشــحني‬ ‫التــي ّ‬
‫تنظمهــا وتدعــو إليهــا وتمــ ّر بترســيم الناخبــن‬
‫بالقائمــات املعـ ّدة للغــرض وبالدعــوة لإلنتخــاب وبتنظيــم أطــر وقواعــد الحملــة اإلنتخابيــة‪.‬‬
‫إنّــه جديــر باإلشــارة فــي هــذا الصــدد أنّ مــا م ّيــز املســار القضائــي فــي املرحلــة‬
‫التحضيريــة هــو إســتثناء قاضــي تجــاوز الســلطة مــن بعــض املجــاالت بسياســة كتــل‬
‫ّ‬
‫الســجل اإلنتخابــي‪ ،‬ألســباب تاريخيــة قــد‬ ‫اإلختصــاص‪ ،‬ال ســ ّيما فــي مجــال نزاعــات‬
‫تجــد مبــررا لهــا فــي النظــام القانونــي املقــارن ولكنّهــا أســباب أكثــر منهــا عمليــة فــي‬
‫املنظومــة التونســية (القســم األ ّول) ولكــنّ ذلــك اإلســتثناء ال ينفــي مبــدأ الواليــة العامــة‬
‫لقاضــي تجــاوز الســلطة فــي العمليــة التحضيريــة لإلنتخابــات ســواء تع ّلــق األمــر بالطعــن‬
‫فــي القــرارات الترتيبيــة أو الفرديــة (القســم الثانــي)‪.‬‬

‫‪1. Le juge des actes préparatoires à l’élection, Jacques ARRIGHI de CASANOVA-Conseiller d’Etat, in Nouveaux‬‬
‫‪cahiers du Conseil Constitutionnel N°41-Octobre 2013.‬‬
‫‪101‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫ّ‬
‫السجل‬ ‫األول‪ :‬قاضي تجاوز السلطة ونزاعات‬
‫القسم ّ‬
‫اإلنتخابي وسياسة كتل اإلختصاص‬

‫جــاء بالفصــل ‪ 3‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 23‬لســنة ‪ 2012‬املــؤرخ في ‪ 20‬ديســمبر ‪2012‬‬
‫واملتعلــق بالهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات مثلمــا تـ ّم تنقيحه وإتمامه بالقانون األساســي‬
‫عدد ‪ 44‬لسنة ‪ 2013‬املؤرخ في ‪ 01‬نوفمبر ‪ 2013‬أنّه‪« :‬تتو ّلى الهيئة العليا املستقلة لإلنتخابات‬
‫القيــام بجميــع العمليــات املرتبطــة بتنظيــم اإلنتخابــات واإلســتفتاءات وإدارتهــا واإلشــراف‬
‫عليهــا طبقــا لهــذا القانــون والتشــريع اإلنتخابــي وتقــوم فــي هــذا اإلطــار خاصــة بمــا يلــي‪:‬‬
‫‪ - 1‬مسك سجل الناخبني وتحيينه بصفة مستمرة‪.‬‬
‫‪ - 2‬ضبــط قائمــات الناخبــن الخاصــة بــكل انتخــاب أو اســتفتاء ومراجعتهــا عنــد‬
‫االقتضــاء وإشــهارها خاصــة علــى املوقــع اإللكترونــي الرســمي للهيئــة وفــي آجــال‬
‫يحددهــا القانــون االنتخابــي‪.‬‬
‫‪ - 3‬السهر على ضمان حق االقتراع لكل ناخب‪.»...‬‬
‫ّ‬
‫ســجل‬ ‫إنّــه ال جــدال فــي أنّــه مــن بــن أهــ ّم القــرارات التحضيريــة لإلنتخابــات إعــداد‬
‫الناخبــن وترســيم الناخبــن ضمنــه علــى معنــى أحــكام الفصــول ‪ 7‬و‪ 8‬و‪ 9‬مــن القانــون‬
‫األساســي عــدد ‪ 23‬لســنة ‪ 2012‬ســالف الذكــر‪ ،‬وهــي مــن بــن األعمــال اإلداريــة التنظيميــة‬
‫ـجل للناخبــن الــذي يقــوم علــى مبــدأ التســجيل‬ ‫التــي تقــوم بموجبهــا الهيئــة بمســك سـ ّ‬
‫اإلرادي بطلــب يق ّدمــه املواطــن تتو ّلــى الهيئــة دراســته وتــأذن بالترســيم أو برفــض‬
‫الترســيم أو بالتشــطيب بعــد التث ّبــت فــي توفــر شــروط الناخــب وفــي عــدم وجــود موانــع‬
‫تحــول دون ذلــك علــى معنــى مقتضيــات الفصــل ‪ 6‬مــن نفــس القانــون كوجــود حكــم‬
‫يقضــي بعقوبــة تكميليــة تقضــي بالحرمــان مــن حــق اإلنتخــاب أو حجــر لجنــون مطبــق‪.‬‬
‫وللمتأ ّمــل فــي طبيعــة مثــل هــذه األعمــال أن يســتخلص مــن الوهلــة األولى طبيعتهــا اإلدارية‬
‫الصرفــة وإنفصالهــا عــن العمليــة اإلنتخابيــة املحضــة‪ ،‬بإعتبارهــا مــن ناحيــة تســبق‬
‫الفتــرة اإلنتخابيــة بروزنامــة تضبطهــا الهيئــة تتض ّمــن آجــال اإلعتــراض والتصحيــح‪ ،‬ومــن‬
‫تتلخــص فــي عمليــة تنظيمييــة محضــة‪ ،‬علــى أنّهــا ليســت فاقــدة لـ ّ‬
‫ـكل صلــة‬ ‫ناحيــة أخــرى ّ‬
‫بالعمليــة اإلنتخابيــة ويمكــن أن يكــون لهــا تأثيــر غيــر مباشــر علــى اإلقتــراع ونتائجــه‪.‬‬
‫املتفحــص للنظــام القانونــي لنزاعــات الترســيم بســجالت الناخبــن يتب ّيــن أ ّنــه رغــم‬
‫ّ‬ ‫إنّ‬
‫صبغتهــا اإلداريــة الصرفــة وبعدهــا الزمنــي عــن العمليــة اإلنتخابيــة فــي حــ ّد ذاتهــا‪،‬‬
‫فــإنّ املشــرع التونســي قــد أفردهــا بنظــام قضائــي غ ّيــر نظامهــا الطبيعــي بإعتبارهــا‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪102‬‬

‫تتعلــق بالطعــن فــي قــرارات إداريــة مكانهــا القضائــي الطبيعــي يكــون لــدى قاضــي‬
‫تجــاوز الســلطة‪ ،‬بــل أكثــر مــن ذلــك فقــد أخرجهــا مــن عبــاءة القضــاء اإلداري حيــث‬
‫خصتهــا مقتضيــات الفصــول مــن ‪ 14‬إلــى ‪ 18‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 23‬لســنة‬ ‫ّ‬
‫‪ 2012‬بإجــراءات طعــن لــدى جهــاز القضــاء العدلــي يمــ ّر عبــر املحكمــة اإلبتدائيــة‬
‫املختصــة ترابيــا وينتهــي فــي الدرجــة الثانيــة أمــام املحــاكام اإلســتئنافية العدليــة‪.‬‬
‫هــذا النظــام القضائــي لنزاعــات الترســيم بالسـ ّ‬
‫ـجل هــو فــي الحقيقــة مقتبــس مــن القانــون‬
‫املقــارن الــذي فــي فلســفته أنّ حــق اإلنتخــاب هــو مــن الحريــات والحقــوق األساســية وأنّ‬
‫القاضــي العدلــي هــو حامــي الحريــات والحقــوق األساســية‪ ،1‬وهــو مبــدأ دســتوري ك ّرســه‬
‫الدســتور الفرنســي ضمــن الفصــل ‪ 66‬منــه‪ ،‬وعلــى ذلــك األســاس فقــد أوكل الفصل ‪ 20‬من‬
‫البت في املنازعات املتع ّلقة بالترســيم أو بالتشــطيب‬
‫املجلة اإلنتخابية الفرنســية إختصاص ّ‬
‫ضمــن قائمــة الناخبــن املخـ ّول لهــم ممارســة حــق اإلنتخــاب إلــى جهــاز القضــاء العدلــي‪.‬‬
‫الت اإلنتخابيــة‬‫البــت فــي نزاعــات الترســيم والتشــطيب بالســج ّ‬ ‫ّ‬ ‫إنّ إســناد إختصــاص‬
‫لجهــاز القضــاء العدلــي لئــن لــه مبـ ّرر تاريخــي‪ ،‬فإ ّنــه ال يخلــو مــن التحفظــات والتداعيــات‬
‫ـجل اإلنتخابــي أو رفــض الترســيم أو التشــطيب علــى‬ ‫الســلبية‪ ،‬ذلــك أنّ الترســيم بالسـ ّ‬
‫ـجل هــو مــن األعمــال اإلداريــة التــي تع ّبــر بإمتيــاز عــن اإلرادة‬‫الناخبــن مــن ذلــك السـ ّ‬
‫املنفــردة لــإدارة ممثلــة فــي إدارة عموميــة مركزيــة أو ال مركزيــة‪ ،‬أو فــي هيئــة عموميــة‬
‫مســتق ّلة منحهــا القانــون صالحيــات الســلطة العامــة‪ ،‬والصــادرة فــي إطــار تســيير‬
‫يتجســد فــي مرفــق اإلنتخابــات وهــي بالتالــي مــن األعمــال‬ ‫ّ‬ ‫مرفــق عمومــي بإمتيــاز‬
‫اإلداريــة التــي يجــب أن تخضــع لرقابــة الشــرعية تحــت غطــاء دعــوى تجــاوز الســلطة‬
‫بإعتبارهــا الوســيلة العامــة لضمــان إحتــرام الشــرعية‪ ،‬كمــا أنّهــا تطــرح ع ـ ّدة إشــكاالت‬
‫والبــت فــي شــرعية القــرارات اإلداريــة‬‫ّ‬ ‫بخصــوص تخويــل القاضــي العدلــي النظــر‬
‫واإلذن بتعطيلهــا بمــا يتنافــى مــع مبدـــأ الفصــل بــن الســلطات اإلداريــة والعدليــة ومــع‬
‫املقتضيــات الصريحــة للفصــل ‪ 3‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 38‬لســنة ‪ 1996‬املــؤرخ فــي‬
‫‪ 3‬جــوان ‪ 1996‬واملتعلــق بتوزيــع اإلختصــاص بــن املحاكــم العدليــة واملحكمــة اإلداريــة‬
‫وإحــداث مجلــس لتنــازع اإلختصــاص والــذي جــاء بــه أ ّنــه «ليــس للمحاكــم العدليــة أن‬
‫ـأي وســيلة مــن‬
‫تنظــر فــي املطالــب الراميــة إلــى إلغــاء املق ـ ّررات اإلداريــة أو إلــى اإلذن بـ ّ‬
‫الوســائل التــي مــن شــانها تعطيــل عمــل اإلدارة أو تعطيــل ســير املرفــق العمومــي»‪.‬‬
‫ـجل اإلنتخابــي نتيجة لقانون‬‫هــذا ولئــن جــاء تخويــل املحاكــم العدلية النظر في نزاعات السـ ّ‬
‫أساســي هــو قانــون اإلنتخابــات واإلســتفتاء املذكــور أعاله‪ ،‬بما يعـ ّد تقييــدا للتحجير العام‬
‫املض ّمــن صلــب أحــكام الفصــل ‪ ،3‬فإ ّنــه ال يخلــو مــن التداعيات الســلبية على وحــدة النزاع‬

‫‪1. Les armes du juge judiciaire dans la protection des libertés fondamentales , Richards Desgeorces , en ligne‬‬
‫‪sur www.revuegeneraledudroit.eu‬‬
‫‪103‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫اإلنتخابــي ومــا يتم ّيــز بــه مــن تداخــل فــي مراحله‪ ،‬لـ ّ‬
‫ـكل منها تأثيــر على األخــرى فقد ُيطرح‬
‫ـجل اإلنتخابي أمــام القاضي‬ ‫النــزاع بعــد إنقضــاء آجــال التداعــي بخصــوص نزاعات السـ ّ‬
‫اإلداري بمناســبة نظــره فــي نزاعــات النتائــج‪ ،‬باعتبــاره القاضــي الطبيعــي لتلــك النزاعــات‬
‫فــي املنظومــة القانونيــة التونســية وهــو أيضــا صاحــب اإلختصــاص الغالــب فــي النتائــج‬
‫فــي القانــون املقــارن‪ ،‬حــول مــدى شــرعية ترســيم ناخبــن بالســجل أو رفــض ترســيمهم‪.‬‬
‫ذلــك أنّــه لئــن كان مــن املســتق ّر عليــه فــي فقــه قضــاء مجلــس الدولــة واملجلــس‬
‫الدســتوري الفرنســيني أنّ القاضــي اإلداري ليــس قاضــي شــرعية الترســيمات‬
‫بالبــت‬
‫ّ‬ ‫والتشــطيبات بالســجل اإلنتخابــي‪ ،1‬فقــد أقــ ّرا باختصــاص القضــاء اإلداري‬
‫فــي شــرعية قــرارات الترســيم بالســجل اإلنتخابــي وقــرارات تعديلهــا مــن ناحيــة‬
‫مــدى تأثيرهــا علــى شــفافية ونزاهــة اإلنتخابــات وشــرعية نتائجهــا‪ 2‬ليعتبــرا أ ّنــه يكــون‬
‫هنالــك مســاس بنزاهــة وشــفافية االنتخابــات فقــط عندمــا تمــس عــدم شــرعية الترســيم‬
‫بالســجالت اإلنتخابيــة عــددا كبيــرا مــن الناخبــن بحيــث يكــون لهــا تأثيــر علــى النتائــج ‪.3‬‬
‫ّ‬
‫الســجل‬ ‫لكــنّ إســتعادة القاضــي اإلداري إختصاصــه فــي بعــض جوانــب نزاعــات‬
‫اإلنتخابــي‪ ،‬بمــا تكتســيه مــن صبغــة إداريــة صرفــة‪ ،‬إقتصــر علــى عبــاءة القضــاء الكامــل‬
‫املوضوعــي وبصفــة غيــر مباشــرة بمناســبة نظــره فــي نزاعــات النتائــج‪ ،‬فــي حــن حافــظ‬
‫عليهــا فــي مجــال األعمــال اإلداريــة التنظيميــة والتحضيريــة لإلنتخابــات بعبــاءة قاضــي‬
‫اإللغــاء إعمــاال للواليــة العامــة لهــذا األخيــر والتــي لــم تخــل مــن بعــض اإلســتثناءات‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬قاضي تجاوز السلطة والتحضير للعملية‬


‫اإلنتخابية‪ :‬الوالية العامة وإستثناءاتها‬

‫لقــد جــاء بالفصــل ‪ 126‬مــن الدســتور التونســي أ ّنــه «تتو ّلــى هيئــة اإلنتخابــات وتس ـ ّمى»‬
‫الهيئــة العليــا املســتق ّلة لإلنتخابــات «إدارﺓ اإلﻧﺘﺨﺎﺑﺎﺕ واإلﺳﺘﻔﺘﺎءاﺕ وﺗﻨﻈﻴﻤﻬﺎ‪ ،‬واﻹﺷﺮاﻑ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺮاﺣﻠﻬﺎ» وح ّملهــا مســؤولية ضمــان «ﺳﻼﻣﺔ اﻟﻤﺴﺎﺭ اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﻲ وﻧﺰاﻫﺘﻪ‬
‫وﺷﻔﺎﻓ ّﻴﺘﻪ «والتصريح بنتائجه كما أوكل لها «اﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺘﺮﺗﻴﺒﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺎﻝ إﺧﺘﺼﺎﺻﻬﺎ‪.»...‬‬
‫وفــي تفصيــل مهــام الهيئــة وتحديدهــا تض ّمــن بالفصــل ‪ 3‬مــن القانــون األساســي‬

‫‪1. CE 02 juin 1969 n° 78843- 74906 ; Conseil Constitutionnel 12 juillet 1978 n° 78-845.‬‬

‫‪2. CE 27 mars 2009 n°321928 ; CE 20 déc. 2017 n° 409696.‬‬

‫‪3. CE 29 juillet 2002 n° 236.402 ;Conseil Constitutionnel 12 nov. 1981 n°81-902/918/933.‬‬


‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪104‬‬

‫عــدد ‪ 23‬لســنة ‪ 2012‬املــؤرخ فــي ‪ 20‬ديســمبر ‪ 2012‬واملتعلــق بالهيئــة العليــا املســتقلة‬


‫لإلنتخابــات مثلمــا ت ـ ّم تنقيحــه وإتمامــه بالقانــون األساســي عــدد ‪ 44‬لســنة ‪ 2013‬املــؤرخ‬
‫فــي ‪ 01‬نوفمبــر ‪ 2013‬أنّــه‪« :‬تتو ّلــى الهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات القيــام بجميــع‬
‫العمليــات املرتبطــة بتنظيــم اإلنتخابــات واإلســتفتاءات وإدارتهــا واإلشــراف عليهــا‬
‫طبقــا لهــذا القانــون والتشــريع اإلنتخابــي وتقــوم فــي هــذا اإلطــار خاصــة بمــا يلــي‪...:‬‬
‫‪ - 5‬وضــع روزنامــة اإلنتخابــات واالســتفتاءات وإشــهارها وتنفيذهــا بمــا يتفــق مــع املــدد‬
‫املقــررة بالدســتور والقانــون االنتخابــي‪.‬‬
‫‪ - 6‬قبول ملفات الترشح لالنتخابات والبت فيها وفقا ألحكام التشريع االنتخابي‪.‬‬
‫‪ - 7‬وضــع آليــات التنظيــم واإلدارة والرقابــة الضامنــة لنزاهــة االنتخابــات واالســتفتاءات‬
‫وشفافيتها‪.»...‬‬
‫إنّ جميــع تلــك املشــموالت تنــدرج فــي الجانــب التنظيمــي لإلنتخابــات وهــي محمولــة علــى‬
‫الهيئــة بمــا لهــا مــن ســلطة إصــدار التراتيــب ذات العالقــة بتنظيــم اإلنتخابــات علــى معنــى‬
‫وتتجســد فــي قــرارات ترتيبيــة وفرديــة تُصدرهــا‬‫ّ‬ ‫أحــكام الفصــل ‪ 126‬مــن الدســتور‪،‬‬
‫الهيئــة ال جــدال فــي أنّهــا تتوفــر علــى شــروط القــرار اإلداري القابــل للطعــن باإللغــاء‬
‫باعتبارهــا تع ّبــر عــن اإلرادة املنفــردة للهيئــة بمــا لهــا مــن صالحيــات الســلطة عامــة‬
‫تخ ـ ّول لهــا التأثيــر فــي املراكــز القانونيــة للمعنيــن بالقــرارات التــي تتخذهــا فــي مجــال‬
‫إختصاصهــا‪ ،‬وهــي بالتالــي مــن فئــة القــرارات اإلداريــة التــي تقبــل مبدئيــا الطعــن بدعــوى‬
‫تجــاوز الســلطة علــى معنــى أحــكام الفصــل ‪ 3‬مــن القانــون املتعلــق باملحكمــة اإلداريــة‪.‬‬
‫هــذا وقــد أصــدرت الهيئــة العديــد مــن القــرارات بمناســبة اإلنتخابــات التشــريعية‬
‫والرئاســية ســواء لســنة ‪ 2014‬أو لســنة ‪ ،2019‬كمــا أصــدرت قــرارات ترتيبيــة وفرديــة‬
‫بمناســبة بعــض اإلنتخابــات القطاعيــة التــي أوكل لهــا القانــون اإلشــراف عليهــا كإنتخابات‬
‫املجلــس األعلــى للقضــاء‪.‬‬
‫إ ّنــه ال جــدال فــي أنّ القــرارات التنظيميــة التــي تصدرها الهيئــة العليا املســتق ّلة لإلنتخابات‬
‫فــي إطــار تنظيــم اإلنتخابــات واإلســتفتاء والتــي تســبق املرحلــة اإلنتخابيــة هــي قــرارات‬
‫إداريــة منفصلــة عــن العمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة بإعتبارهــا لئــن ال تفتقــر ّ‬
‫لــكل صلــة‬
‫باإلنتخابــات ولهــا تأثيــر عليهــا‪ ،‬فإنّهــا تبقــى مــن األعمــال اإلداريــة التنظيميــة والتحضيريــة‬
‫والتــي يمكــن فصلهــا عنهــا وإخضاعهــا لرقابــة قاضــي تجــاوز الســلطة‪ ،‬ليــس مــن بــاب‬
‫تشــتيت النظــم القانونيــة للمنازعــات اإلنتخابيــة وإنّمــا مــن بــاب توســيع مجــال األعمــال‬
‫القابلــة لرقابــة الشــرعية مــن ناحيــة‪ ،‬وممــن بــاب نجاعــة تلــك الرقابــة مــن ناحيــة أخــرى‪.‬‬
‫‪105‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫ومــن بــن األعمــال التنظيميــة التــي تســهر الهيئــة ضبــط روزنامــة اإلنتخابــات وتوقيــت‬
‫فتــح وغلــق مراكــز اإلقتــراع التــي تكتســي صبغــة تنظيميــة الصرفــة والتــي تنفصــل عــن‬
‫العمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة وقــد قبــل فــي هــذا اإلطــار قاضــي التوقيــف التنفيــذ‪ ،‬فــي إطار‬
‫نظــره كقاضــي فــردي ينظــر فــي املطالــب الراميــة إلــى توقيــف تنفيــذ القــرارات اإلداري‬
‫بالتــوازي مــع تقديــم دعــوى أصليــة فــي تجــاوز الســلطة‪ ،‬النظــر فــي املطلــب املتعلــق‬
‫بتوقيــف تنفيــذ تحديــد مواقيــت فتــح وغلــق بعــض مراكــز اإلقتــراع وإنتهــى إلــى رفضــه‬
‫لعــدم وجاهتــه علــى معنــى أحــكام الفصــل ‪ 39‬مــن القانــون املتعلــق باملحكمــة اإلداريــة‪.1‬‬
‫هــذا وفــي سياســة توســعية ملجــال نظــر قاضــي تجــاوز الســلطة فــي املحكمــة‬
‫اإلداريــة التونســية فــي ميــدان النزاعــات اإلنتخابيــة‪ ،‬قــ ّرر قاضــي توقيــف التنفيــذ‬
‫مثــا بخصــوص طلــب توقيــف تنفيــذ يتع ّلــق بقــرار الهيئــة تعويــض رئيــس مكتــب‬
‫إقتــراع‪ ،‬رغــم إقــراره بإرتبــاط مثــل ذلــك القــرار بســير العمليــة اإلنتخابيــة‪ ،‬أنّــه يعــ ّد‬
‫مــن «فئــة القــرارات الصــادرة فــي املــادة اإلداريــة علــى معنــى أحــكام الفصــل‬
‫‪ 3‬ويرجــع النظــر فيهــا لقاضــي تجــاوز الســلطة وتوقيــف تنفيــذه للرئيــس األول‬
‫للمحكمــة طاملــا أنّ قضــاء توقيــف التنفيــذ يعتبــر فرعــا مــن دعــوى تجــاوز الســلطة»‪.2‬‬
‫يبــدو األمــر أكثــر وضوحــا ومحـ ّـل إجمــاع بخصــوص اإلختصــاص الحصــري لقاضــي‬
‫املوجهــة ض ـ ّد القــرارات الترتيبيــة التــي تصدرهــا اإلدارة‬
‫ّ‬ ‫تجــاوز الســلطة فــي الطعــون‬
‫أو الهيئــة العموميــة املســتق ّلة املك ّلفــة بتنظيــم اإلنتخابــات والســهر علــى حســن ســيرها‬
‫فــي إطــار التحضيــر لإلنتخابــات باعتبارهــا قــرارات منفصلــة عــن العمليــة اإلنتخابيــة‬
‫وتتعلــق بنصــوص عامــة تضبــط قواعــد ســير اإلنتخابــات وأطرهــا القانونيــة والفنّيــة‬
‫وقــد تع ـ ّرض فقــه القضــاء املقــارن لطعــون مــن هــذا النــوع مــن ذلــك الطعــن فــي أمــر‬
‫يتع ّلــق بضبــط شــروط تطبيــق القانــون األساســي الخــاص بتصويــت الفرنســيني‬
‫فــي الخــارج علــى اإلســتفتاء حيــث أقــ ّر مجلــس الدولــة بإختصاصــه فــي النظــر‬
‫فيــه بعبــاءة قاضــي تجــاوز الســلطة علــى الرغــم مــن أنّ الفصــل ‪ 60‬مــن الدســتور‬
‫قــد أوكل للمجلــس الدســتوري ضمــان شــرعية عمليــات اإلســتفتاء والتصريــح‬
‫ّ‬
‫ولعــل ذلــك املوقــف يؤ ّكــد الفصــل بــن األعمــال ذات العالقــة بســير عمليــة‬ ‫بنتائجهــا‪،‬‬
‫التصويــت الصرفــة وتلــك التــي تنفصــل عنهــا وتتعلــق بأعمــال إداريــة تنظيميــة‪.3‬‬

‫‪ .1‬القرار الصادر عن الرئيس األول للمحكمة الإلدارية في القضية عدد ‪ 417831‬بتاريخ ‪ 22‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .2‬قرار توقيف التنفيذ عدد ‪ 4177006‬بتاريخ ‪ 21‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪3. CE. Ass. 10 sept. 1992, aff. N° 140376, 140377, 140378, 140379,140416, 140417, 140832, publié au recueil‬‬
‫‪Lebon.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪106‬‬

‫لكــنّ اإلشــكال املطــروح بالنســبة ملثــل تلــك األعمــال التنظيميــة هــو مــدى إمكانيــة مناقشــتها‬
‫بعــد إجــراء اإلنتخابــات والتصريــح بالنتائــج ومــدى تأثيــر هــذا املوقــف أو ذاك علــى‬
‫شــرعية العمليــة اإلنتخابيــة فــي ح ـ ّد ذاتهــا‪ ،‬وقــد ُطــرح اإلشــكال أمــام مجلــس الدولــة‬
‫الفرنســي بمناســبة عريضــة مــن جملــة مجموعــة عرائــض ترمــي إلــى إلغــاء جزئــي لبعــض‬
‫بنــود قــرار صــادر عــن املجلــس األعلــى لإلعــام الســمعي البصــري‪ ،‬حيــث إعتبــر أ ّنــه‬
‫لئــن كان مــن الجائــز الطعــن باإللغــاء فــي مثــل تلــك القــرارات املنفصلــة عــن العمليــة‬
‫اإلنتخابيــة‪ ،‬فإ ّنــه انطالقــا مــن التصريــح بالنتائــج تصبــح مثــل تلــك الطعــون حريــة بعــدم‬
‫القبــول‪ ،‬فأقــ ّر بذلــك باإلختصــاص الحصــري لقاضــي تجــاوز الســلطة فــي القــرارات‬
‫التنظيميــة لإلنتخابــات والتــي تنفصــل عــن العمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة‪ ،‬علــى أ ّنــه دون‬
‫نفــي ذلــك اإلختصــاص اعتبــر أنّ مثــل تلــك الطعــون ال تكــون مؤ ّديــة إلــى الخــوض فــي‬
‫موضــوع الطعــن ومآلهــا عــدم القبــول بعــد التصريــح بالنتائــج‪ ،‬وفــي تحاليــل ملثــل ذلــك‬
‫املوقــف يكــون اإلعتبــار العملــي هــو الباعــث عليــه بإعتبــار مــا يمكــن أن يكــون لإللغــاء بعــد‬
‫التصريــح بالنتائــج مــن تداعيــات علــى شــرعية هــذه األخيــرة فــي مجملهــا‪ ،‬مــن بــاب أنّ مــا‬
‫ُبنــي علــى باطــل فهــو باطــل‪ ،‬بمــا يهـ ّدد إســتقرار وســامة العمليــة الديمقراطيــة بأكملهــا‬
‫بالنظــر إلــى عــدم إنقضــاء آجــال الطعــن فــي القــرارات التنظيميــة الســابقة لإلنتخــاب‪.1‬‬
‫أ ّمــا بالنســبة لبعــض القــرارات الفرديــة ذات الصبغــة التنظيميــة‪ ،‬فقــد ُطــرح ّاإلشــكال‬
‫ّ‬
‫شــك‬ ‫أمــام املحكمــة اإلداريــة بخصــوص أعضــاء ورؤســاء مكاتــب اإلقتــراع‪ ،‬وهــو ال‬
‫قــرار تنظيمــي لئــن لــه عالقــة باإلنتخابــات فإ ّنــه ينفصــل عــن العمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة‬
‫بمفهومهــا الض ّيــق‪ ،‬حيــث تع ّلــق األمــر بدعــوى فــي إلغــاء قــرار تعويــض رئيــس مكتــب‬
‫إقتــراع إقترنــت بمطلــب فــي توقيــف التنفيــذ وقــد إعتبــرت املحكمــة عنــد بتّهــا فــي املطلــب‬
‫أ ّنــه‪« :‬لئــن كان قــرار الهيئــة العليــا املســتق ّلة لإلنتخابــات تعويــض رئيــس مكتــب إقتــراع‬
‫ينــدرج فــي إطــار تنظيــم الهيئــة لعالقتهــا مــع عــون مــن األعــوان التابعــن لهــا‪ ،‬فإنّــه‬
‫يتن ـزّل أيضــا فــي إطــار تســيير العمليــة اإلنتخابيــة وضمــان نزاهتهــا وهــو مــا يجعلــه‬
‫تبعــا لذلــك مــن فئــة القــرارات الصــادرة فــي املــادة االداريــة علــى معنــى أحــكام الفصــل‬
‫‪ 3‬ويرجــع النظــر فيهــا لقاضــي تجــاوز الســلطة وتوقيــف تنفيــذه إلــى الرئيــس األول‬
‫للمحكمــة طاملــا أنّ قضــاء توقيــف التنفيــذ يعتبــر رعــا مــن دعــوى تجــاوز الســلطة»‪.2‬‬
‫ولع ّلــه مــن الضــروري التدقيــق فيمــا ورد بعبــارات القــرار املذكــور مــن تع ّلــق قــرار‬
‫تعويــض رئيــس مكتــب إقتــراع بتســيير العمليــة اإلنتخابيــة وقــد كان مــن األجــدى‬

‫‪1. «Considérant qu’à compter de la proclamation… des résultats de l’élection…, la légalité des actes‬‬
‫‪administratifs détachable de la dite élection, si elle peut être contestée à l’appui d’un recours tendant à‬‬
‫‪l’annulation des opération électorales, n’est plus susceptible de faire l’objet d’un recours pour excès de‬‬
‫‪pouvoir…», CE 20 oct. 1989 , n°108130, in Legifrance.‬‬

‫‪ .2‬القرار الصادر عن الرئيس األول للمحكمة اإلدارية في القضية عدد ‪ 417706‬بتاريخ ‪ 21‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪107‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫إعتبــار املســألة تتع ّلــق بتنظيــم العمليــة اإلنتخابيــة بإعتبــار أن ســير العلميــة اإلنتخابيــة‬
‫يتع ّلــق باألســاس بعمليــة اإلقتــراع فــي ح ـ ّد ذاتهــا وذلــك للفصــل بــن مــا هــو تنظيمــي‬
‫يتع ّلــق بالتحضيــر للعمليــة اإلنتخابيــة ومــا هــو تســييري يهــ ّم ســير عمليــة اإلقتــراع‪.‬‬
‫ونفــس املوقــف اتبعتــه املحكمــة فيمــا يتع ّلــق باإلعتمــادات املمنوحــة للمالحظــن‬
‫املح ّليــن واألجانــب لإلنتخابــات وقــد تع ّرضــت املحكمــة فــي هــذا اإلطــار لطعــن‬
‫موجــه ضــ ّد قــرار هيئــة فرعيــة مســتق ّلة لإلنتخابــات يقضــي بســحب إعتمــاد مــن‬ ‫ّ‬
‫منظمــة وطنيــة وقــد انتهــى قاضــي توقيــف التنفيــذ بوصفــه ينظــر إســتعجاليا فــي‬
‫فــرع مــن دعــوى تجــاوز الســلطة إلــى القضــاء بتوقيــف تنفيــذ ذلــك القــرار بنــاء علــى‬
‫األســباب الج ّديــة التــي إنبنــى عليهــا مــن حيــث هضــم حقــوق الدفــاع وملــا يمكــن ان‬
‫ينتــج عــن تنفيــذه مــن آثــار يصعــب تداركهــا مــن حيــث شــموله لكامــل فــرع ّ‬
‫املنظمــة‪.1‬‬
‫إنّــه مــن بــن األعمــال اإلداريــة التــي أثــارت أيضــا إشــكاالت فــي مــدى قابليتهــا‬
‫للطعــن باإللغــاء مــن حيــث إتّصالهــا أو إنفصالهــا عــن العمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة‪،‬‬
‫القــرار الــذي يعلــن إنطــاق املرحلــة اإلنتخابيــة‪ ،‬وهــو قــرار دعــوة الناخبــن‬
‫لإلنتخــاب‪ ،‬إذ جــاء بالفصــل ‪ 101‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 23‬لســنة ‪2012‬‬
‫املتعلــق باإلنتخابــات واإلســتفتاء أنّــه‪« :‬تتــ ّم دعــوة الناخبــن بأمــر رئاســي فــي‬
‫أجــل أدنــاه ثالثــة أشــهر قبــل يــوم اإلقتــراع بالنســبة لإلنتخابــات التشــريعية‬
‫والجهويــة والبلديــة والرئاســية‪ ،‬وقبــل أجــل أدنــاه شــهران بالنســبة إلــى اإلســتفتاء»‪.‬‬
‫إ ّنــه مــن الوهلــة األولــى يبــدو بديهيــا أن مثــل تلــك القــرارات اإلداريــة تعـ ّد مــن القــرارات‬
‫التنظيميــة التــي تنفصــل عــن العمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة والتــي تخضــع تبعــا لذلــك لواليــة‬
‫قاضــي تجــاوز الســلطة‪ ،‬إ ّال أنّ املســألة تطــرح تســاؤلني أساســيني أ ّولهمــا فــي عالقــة‬
‫ـت فيه‪.‬‬‫بالنظــام القضائــي للنزاعــات اإلنتخابيــة وثانيهمــا مرتبــط بتاريــخ تقديــم الطعــن والبـ ّ‬
‫إن كان النظــام القضائــي للنزاعــات اإلنتخابيــة فــي املرحلــة التحضيريــة مــا بعــد‬
‫موحــدا بإعتبــاره يرجــع منــذ تلــك املرحلــة إلــى‬‫الدعــوة إلــى اإلنتخــاب فــي تونــس ّ‬
‫املحكمــة اإلداريــة إبتدائيــا وإســتئنافيا علــى معنــى أحــكام القانــون اإلنتخابــي بحيــث‬
‫لتدخــل جهــاز القضــاء العدلــي الــذي ينتهــي دوره بإنتهــاء مرحلــة‬‫لــم يعــد مــن مجــال ّ‬
‫ّ‬
‫الســجل اإلنتخابــي ســواء بعباءتــه املدنيــة أو الجزائيــة‪ ،‬فإنّــه فــي القانــون‬ ‫نزاعــات‬
‫املقــارن يتم ّيــز املســكن القضائــي (‪ )le foyer juridictionnel‬للنزاعــات اإلنتخابيــة مــا‬
‫ـجل بإزدواجيــة وتداخــل فــي اإلختصاصــات بــن املجلــس الدســتوري‬ ‫بعــد مرحلــة السـ ّ‬
‫ومجلــس الدولــة بحســب املــادة اإلنتخابيــة (تشــريعية ورئاســية أو مح ّليــة‪.)...‬‬

‫‪ .1‬القرار الصادر عن الرئيس األول للمحكمة اإلدارية في القضية عدد ‪ 417822‬بتاريخ ‪ 21‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪108‬‬

‫وقــد ُطــرح إشــكال التنــازع فــي اإلختصاصــات بــن مجلــس الدولــة بعبــاءة قاضــي‬
‫تجــاوز الســلطة واملجلــس الدســتوري بإعتبــاره املختــص بالنظــر فــي النزاعــات‬
‫بالبــت فــي تلــك‬
‫ّ‬ ‫اإلنتخابيــة التشــريعية‪ ،‬حــول متــى كان املجلــس الدســتوري مختصــا‬
‫املوجهــة‬
‫ّ‬ ‫الطعــون‬ ‫النزاعــات فهــل يتســنّى رغــم ذلــك للقاضــي اإلداري أن ينظــر فــي‬
‫ض ـ ّد القــرارات التحضيريــة لإلنتخابــات تبعــا لصبغتهــا التنظيميــة واإلداريــة الصرفــة‪،‬‬
‫وقــد كان جــواب مجلــس الدولــة الفرنســي فــي مرحلــة أولــى بالنفــي بالتحديــد فــي‬
‫خصــوص قــرار دعــوة الناخبــن لإلنتخــاب الــذي اعتبــره ال ينفصــل عــن العمليــة‬
‫اإلنتخابيــة التــي يرجــع النظــر فــي منازعاتهــا للقاضــي الدســتوري دون ســواه‪.1‬‬
‫وفــي مقابــل ذلــك ولســ ّد الفــراغ‪ ،‬إحتفــظ املجلــس الدســتوري بصالحيــة الرقابــة‬
‫عــن طريــق الدفــع بمناســبة نظــره فــي نزاعــات مجريــات العمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة‬
‫مســتندا فــي ذلــك إلــى مــا يمكــن أن يكــون لفداحــة العيــب الــذي يصيــب مثــل تلــك‬
‫القــرارات التحضيريــة مــن تداعيــات علــى نجاعــة الرقابــة التــي يبســطها علــى‬
‫العمليــة اإلنتخابيــة بأكملهــا ومــن ث ّمــة علــى الســير العــادي للســلطات العموميــة‪.2‬‬
‫ثــ ّم وفــي مرحلــة ثانيــة اســتعاد القاضــي اإلداري الفرنســي إختصاصــه األصلــي‬
‫والتاريخــي فــي مــادة تجــاوز الســلطة بخصــوص القــرارات اإلداريــة التحضيريــة‬
‫لإلنتخابــات بــأن قبــل الطعــن ض ـ ّد األمــر املتعلــق بدعــوة الناخبــن لإلنتخــاب مــن بــاب‬
‫الجــدوى التــي تخ ـ ّول النظــر فــي القــرارات اإلداريــة التنظيميــة لإلنتخابــات فــي الوقــت‬
‫املناســب وقبــل املــرور إلــى املرحلــة اإلنتخابيــة الصرفــة مخافــة عواقــب عــدم الشــرعية‬
‫التــي يمكــن أن تصيــب مثــل تلــك القــرارات وتأثيــر ذلــك علــى العمليــة االنتخابيــة بأكملهــا‪.3‬‬
‫إنّــه لئــن كانــت املرحلــة التحضيريــة للعمليــة اإلنتخابيــة تكتســي فــي غالبهــا طابعــا‬
‫تنظيميــا ال يختلــف إثنــان فــي أ ّنــه تتخ ّللهــا قــرارات إداريــة صرفــة تخضــع مبدئيــا لرقابــة‬
‫قاضــي تجــاوز الســلطة فيمــا عــدا مــا ُأســند لغيــره بنــص خــاص قياســا علــى عبــارات‬
‫الفصــل ‪ 2‬مــن القانــون املتعلــق باملحكمــة اإلداريــة‪ ،‬وتجســد الواليــة العامــة لقاضــي‬
‫تجــاوز الســلطة فــي مــادة مراقبــة شــرعية املقــ ّررات اإلداريــة وقــد طرحــت إشــكاالت‬
‫عــ ّدة علــى النحــو الســالف بيانــه أعــاه‪ ،‬فمــا حــال األعمــال اإلداريــة التــي تتخ ّلــل‬
‫العمليــة اإلنتخابيــة بمعناهــا الض ّيــق مــن قبــول للترشــحات وحملــة إنتخابيــة وإقتــراع‪.‬‬

‫‪1. CE 20 déc. 1946, Gazalan, Rec. Lebon p.314, CE. 3 juin 1981, Delmas, Lebon p.24‬‬

‫‪2. Conseil Constitutionnel, Décision n° 82-2 ELEC des 16 et 20 avril 1982, Bernard et autres, Rec. P.109‬‬

‫‪3. CE. ASS. 12 mars 1993, Union nationale Ecologiste, Lebon p.67 ; sect. 26 mars 1993, Parti des travailleurs,‬‬
‫‪Lebon p.87‬‬
‫‪109‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫الباب الثاني‪ :‬قاضي تجاوز السلطة والنزاعات الناشئة‬


‫عن مجريات العملية اإلنتخابية‬

‫إنّ الح ـ ّد الفاصــل بــن األعمــال التحضيريــة لإلنتخابــات ومجريــات العمليــة اإلنتخابيــة‬
‫يتجســد فــي خيــط رفيــع يصعــب عمل ّيــا تحديــده‪ ،‬علــى أ ّنــه يمكــن مــن الوجهــة النظريــة أن‬
‫ّ‬
‫نعتبــر أنّ مجريــات العمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة تنطلــق مــن تاريــخ فتــح بــاب الترشــحات‬
‫لإلنتخابــات لتنتهــي بالتصريــح بالنتائــج‪ ،‬ذلــك أنّ تلــك العمل ّيــة فــي تعريفهــا تتمثــل‬
‫فــي إنتخــاب مترشــحني لإلنتخابــات‪ ،‬ومــن الطبيعــي أن تنطلــق مجرياتهــا الفعليــة مــن‬
‫يــوم الترشــح لهــا ومــا يســتتبعها مــن تدخــل فاعلــن خــواص وعموميــن فيهــا‪ ،‬ســواء‬
‫بالترشــح ومــا يســتوجبه مــن إجــراءات ومــا يليــه مــن حملــة إنتخابيــة بغايــة التعريــف‬
‫بتدخــل هيئــات عموميــة إداريــة مركزيــة أو‬ ‫ّ‬ ‫باملترشــحني وببرنامجهــم اإلنتخابــي‪ ،‬أو‬
‫المركزيــة أو مســتق ّلة لتوفيــر منــاخ قانونــي ســليم يضمــن إجــراء اإلنتخابــات فــي كنــف‬
‫الشــرعية والنزاهــة والشــفافية‪ ،‬لتنتهــي بعمليــة اإلقتــراع التــي هــي التتويــج األخيــر‬
‫لجميــع مجرياتهــا وباإلعــان عــن نتائجهــا بإعتبارهــا التكريــس األســمى للديمقراطيــة‪.‬‬
‫إنّ جميــع تلــك املجريــات يتخ ّللهــا كمــا قلنــا تداخــل لعــ ّدة هيــاكل عموميــة إداريــة‬
‫ومســتق ّلة بإعتمــاد وســائل مــن أبــرز تمظهراتهــا قــرارات إداريــة ســلطوية تكــون مبدئيــا‬
‫خاضعــة لرقابــة قاضــي تجــاوز الســلطة بإعتبــاره صاحــب الواليــة العامــة فــي الشــرعية‪،‬‬
‫نــص القانــون صراحــة علــى إســناد إختصــاص النظــر فيــه لقــاض آخــر‬ ‫مــا عــدا مــا ّ‬
‫كنزاعــات الترشــحات لإلنتخابــات ونتائــج تلــك اإلنتخابــات (القســم األ ّول) وفيمــا عــدا‬
‫مــا اســتثناه النــص صراحــة أو مــا ذهــب التوجــه الفقــه قضائــي إلــى اعتبــاره مــن‬
‫توابــع ذلــك االســتثناء‪ ،‬فــإنّ قاضــي اإللغــاء يســتعيد إختصاصــه املبدئــي فــي املجــال‬
‫كالنزاعــات املتعلقــة بالقــرارات اإلداريــة املتعلقــة بالحملــة اإلنتخابيــة ســواء منهــا مــا‬
‫كان صــادرا عــن هيئــة اإلنتخابــات أو عــن هيئــة اإلتصــال الســمعي البصــري (القســم‬
‫الثانــي) وقــد يطــرح ذلــك التداخــل للقاضــي اإلداري فــي مجريــات العمليــة اإلنتخابيــة‬
‫بألبســة مختلفــة مــدى تأثيــر مــا ينتــج عــن نظــره بلبــاس علــى نظــره بلبــاس آخــر‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪110‬‬

‫األول‪ :‬قاضي تجاوز السلطة‬


‫القسم ّ‬
‫ونزاعات الترشح والنتائج‬

‫البــت فــي‬
‫ّ‬ ‫تختلــف اإلتّجاهــات الفقــه قضائيــة بخصــوص اإلختصــاص القضائــي فــي‬
‫نزاعــات الترشــحات لإلنتخابــات ونتائجهــا بحســب النظــام الــذي تك ّرســه النصــوص‬
‫القانونيــة ففــي حــن كان اإلتّجــاه الغالــب فــي مجــال اإلنتخابــات التشــريعية والرئاســية‬
‫تدخــل القاضــي اإلداري بعبــاءة دعــوى تجــاوز الســلطة‬ ‫واملح ّليــة نحــو إقصــاء إمكانيــة ّ‬
‫ـص صريــح (‪.)2‬‬ ‫(‪ )1‬بقــي املجــال مفتوحيــا خــارج تلــك االنتخابــات فيمــا لــم يســتثنيه نـ ّ‬

‫أوال‪ :‬قاضي تجاوز السلطة ونزاعات الترشح لإلنتخابات‬‫ّ‬


‫نصيا من مجال نظر قاضي تجاوز السلطة‪:‬‬ ‫ونتائجها املستثناة ّ‬
‫النص واملب ّررات‬
‫ّ‬

‫جــاء بالفصــل ‪ 46‬مــن القانــون اإلنتخابــي التونســي فــي بــاب نزاعــات الترشــح بالنســبة‬
‫لإلنتخابــات التشــريعية والرئاســية أنّــه‪« :‬يتــ ّم الطعــن فــي قــرارات الهيئــة مــن قبــل‬
‫ّ‬
‫املترشــحني أمــام الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة وذلــك فــي أجــل أقصــاه ‪48‬‬
‫ســاعة مــن تاريــخ التعليــق أو اإلعــام ‪.‬‬
‫علــى الطــرف الراغــب فــي ممارســة الطعــن أن يوجــه إلــى الهيئــة واألطــراف املشــمولة‬
‫بالطعــن إعالمــا بــه بواســطة عــدل تنفيــذ يكــون مصحوبــا بنظيــر مــن العريضــة ومؤيداتهــا‪.‬‬
‫ُيرفــع الطعــن بموجــب عريضــة يتو ّلــى املترشــح أو مــن يمثلــه إيداعهــا بكتابــة املحكمــة‪،‬‬
‫دون وجــوب االســتعانة بمحــام‪ .‬ويجــب أن تكــون العريضــة مع ّللــة ومصحوبــة باملؤيــدات‬
‫وبنســخة مــن القــرار املطعــون فيــه ومحضــر اإلعــام بالطعــن‪ ،‬وإال رفــض طعنــه‪.‬‬
‫تتو ّلــى كتابــة املحكمــة حــال توصلهــا بالعريضــة ترســيمها وإحالتهــا فــورا إلــى الرئيــس‬
‫األول الــذي يتولــى تعيينهــا حــاال بإحــدى الدوائــر االســتئنافية‪.‬‬
‫ويتولــى رئيــس الدائــرة املتعهــدة تعيــن جلســة مرافعــة فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام‬
‫مــن تاريــخ ترســيم العريضــة واســتدعاء األطــراف بــأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا‬
‫والتنبيــه علــى الجهــة امل ّدعــى عليهــا لــإدالء بملحوظاتهــا الكتابيــة وبمــا يفيــد تبليــغ‬
‫‪111‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫نســخة منهــا إلــى الطــرف اآلخــر وذلــك فــي أجــل أقصــاه يومــان قبــل جلســة املرافعــة‪.‬‬
‫وتتولــى الدائــرة إثــر املرافعــة حجــز ملــف القضيــة للمفاوضــة والتصريــح بالحكــم فــي‬
‫أجــل ثالثــة أيــام‪.‬‬
‫وتأذن املحكمة بالتنفيذ على املسودة‪.‬‬
‫وتتولــى كتابــة املحكمــة إعــام األطــراف بالحكــم بــأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا وذلــك فــي‬
‫أجــل أقصــاه ‪ 48‬ســاعة مــن تاريــخ التصريــح»‪.‬‬
‫كمــا نــص الفصــل ‪ 49‬ســابع عشــر فــي بــاب اإلنتخابــات املحليــة والجهويــة علــى أ ّنــه‪:‬‬
‫«يمكــن الطعــن فــي قــرارات الهيئــة فيمــا يتعلــق بالترشــحات مــن قبــل رئيــس القائمــة او‬
‫ممثلهــا القانونــي أو رؤســاء بقيــة القائمــات املترشــحة بنفــس الدائــرة اإلنتخابيــة أمــام‬
‫محاكــم إداريــة إبتدائيــة‪.‬‬
‫ويتــ ّم الطعــن فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ اإلعــام بالقــرار أو التعليــق‬
‫ويرفــع الطعــن بمقتضــى عريضــة كتابيــة مع ّللــة مصحوبــة باملؤ ّيــدات وبمــا يفيــد‬
‫تبليغهــا إلــى الهيئــة وإلــى األطــراف املشــمولة بالطعــن بواســطة عــدل تنفيــذ‪ ...‬تتولــى‬
‫كتابــة املحكمــة اإلداريــة اإلبتدائيــة ترســيم العريضــة وإحالتهــا فــورا إلــى رئيــس‬
‫الدائــرة اإلبتدائيــة الــذي يع ّيــن مقــ ّررا يتو ّلــى التحقيــق فــي القضيــة تحــت إشــرافه‪.‬‬
‫يتولــى رئيــس الدائــرة املتعهــدة تعيــن جلســة مرافعــة فــي أجــل قــدره ثالثــة أيــام مــن‬
‫ـت الدائــرة فــي‬
‫تاريــخ تقديــم الطعــن وإســتدعاء األطــراف بأ ّيــة وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا‪ .‬تبـ ّ‬
‫الدعــوى فــي أجــل أقصــاه ســتة أيــام مــن تاريــخ جلســة املراغفعــة ويتـ ّم إعــام األطــراف‬
‫بالحكــم فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أ ّيــام مــن تاريــخ صــدوره بأ ّيــة وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا»‬
‫كمــا جــاء بالفصــل ‪ 145‬مــن نفــس القانــون أ ّنــه‪« :‬يمكــن الطعــن أمــام املحاكــم اإلداريــة‬
‫اإلســتئنافية فــي النتائــج األ ّوليــة لإلنتخابــات واإلســتفتاء فــي اجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن‬
‫تاريــخ تعليقهــا بمق ـ ّرات الهيئــة‪.‬‬
‫يوجــه إلــى الهيئــة‬
‫وعلــى الطــرف الراغــب فــي ممارســة الطعــن فــي النتائــج األ ّوليــة أن ّ‬
‫إعالمــا بــه بواســطة عــدل تنفيــذ مــع نظيــر مــن العريضــة واملؤيــدات‪ .‬و ُيرفــع الطعــن وجوبــا‬
‫بالنســبة لالنتخابــات التشــريعية مــن قبــل رئيــس القائمــة املترشــحة أو أحــد أعضائهــا‬
‫أو املمثــل القانونــي للحــزب فــي خصــوص النتائــج املصــ ّرح بهــا بالدائــرة االنتخابيــة‬
‫ّ‬
‫مترشــح‪ ،‬وبالنســبة لالســتفتاء‬ ‫املترشــحني بها‪ ،‬وبالنســبة لالنتخابات الرئاســية من قبل ّ‬
‫كل‬
‫كل ممثــل قانونــي لحــزب شــارك فيــه‪ ،‬وذلــك بواســطة محــام لــدى التعقيــب‪.‬‬ ‫مــن قبــل ّ‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪112‬‬

‫يجــب أن يكــون مطلــب الطعــن مع ّلــا ويحتــوي علــى أســماء األطــراف ومق ّراتهــم وعلــى‬
‫عــرض موجــز للوقائــع‪.‬‬
‫ويكون مشفوعا باملؤيدات وبمحضر اإلعالم بالطعن‪.‬‬
‫يت ّم تمثيل الهيئة من قبل رئيسها‪ ،‬ويمكنه تكليف من يم ّثله في الغرض‪.‬‬
‫تتولــى كتابــة املحكمــة اإلداريــة ترســيم العريضــة وإحالتهــا فــورا إلــى الرئيــس األول الــذي‬
‫يتولــى تعيينهــا حــاال لــدى إحــدى الدوائــر االســتئنافية‪.‬‬
‫ويتولــى رئيــس الدائــرة املتعهــدة تعيــن جلســة مرافعــة فــي أجــل قــدره ثالثة أيام مــن تاريخ‬
‫ـأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا لتقديــم ملحوظاتهــم‪.‬‬
‫تقديــم الطعــن واســتدعاء األطــراف بـ ّ‬
‫وتتولــى الدائــرة إثــر املرافعــة حجــز القضيــة للمفاوضــة والتصريــح بالحكــم فــي‬
‫أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ جلســة املرافعــة‪ ،‬وتــأذن بالتنفيــذ علــى املســودة‪.‬‬
‫ـأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا فــي أجــل أقصــاه ‪48‬‬
‫وتعلــم املحكمــة األطــراف بالحكــم بـ ّ‬
‫ســاعة مــن تاريــخ التصريــح بــه»‪.‬‬
‫إنّ املتأ ّمــل فــي جميــع األحــكام الســالف بيانهــا يتب ّيــن أنّــه وعلــى خــاف املنظومــة‬
‫القضائيــة املقارنــة للنزاعــات اإلنتخابيــة‪ ،‬والتــي تتداخــل فيهــا عــ ّدة أجهــزة قضائيــة‬
‫مــن عدليــة وإداريــة ودســتورية‪ ،‬فــإنّ املنظومــة القضائيــة الوطنيــة للنزاعــات‬
‫اإلنتخابيــة الخاصــة بالترشــحات والنتائــج تتم ّيــز بوحــدة الهيــكل القضائــي‬
‫بالبــت فيهــا حيــث ُأســند اإلختصــاص حصــرا لجهــاز القضــاء اإلداري‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املختــص‬
‫ّ‬
‫والقاضــي اإلداري فــي املنظومــة القانونيــة التونســية هــو نفســه الــذي ينظــر فــي‬
‫دعــاوى تجــاوز الســلطة وفــي دعــاوى القضــاء الكامــل بجانبيهــا الشــخصي‬
‫واملوضوعــي‪ ،‬ولســائل أن يســأل مــا جــدوى طــرح مســألة دور قاضــي تجــاوز‬
‫الســلطة فــي هــذا املجــال إذا كان هــو نفــس القاضــي الــذي ينظــر فــي النــزاع؟‬
‫إنّ عباءتــي تجــاوز الســلطة والقضــاء الكامــل‪ ،‬علــى عكــس مفهــوم العبــاءة فــي اللغــة‪ ،‬هــي‬
‫ليســت مجـ ّرد مظهــر وإنّمــا هــي جملــة مــن اإلجــراءات والشــكليات والســلطات‪ ،‬فإجــراءات‬
‫ـت فيهــا مختلفــة تمامــا عــن تلــك الخاصــة‬ ‫املنازعــات اإلنتخابيــة وشــكلياتها وآجــال البـ ّ‬
‫ميســرة‬
‫بدعــوى تجــاوز الســلطة‪ ،‬فاألولــى محـ ّددة ومشـ ّددة ومختزلــة فــي حــن أنّ الثانيــة ّ‬
‫ومط ّولــة‪ ،‬ذلــك أنّ دعــوى تجــاوز الســلطة رغــم أنّهــا ليســت قانونــا بالدعــوى الشــعب ّية‬
‫فإنّهــا واقعــا كذلــك فشــرط الصفــة فيهــا تكفــي املصلحــة لتوفــره وإنابــة املحامــي للقيــام‬
‫بهــا ليســت بالوجوبيــة وآجالهــا قــد تبقــى مفتوحــة مــا لــم يتـ ّم اإلعــام الشــخصي ومــا كان‬
‫الحــقّ مســتم ّرا ويجــوز تكــرار املطالبــة بــه وأغلــب إجراءاتهــا وشــكلياتها تقبــل التصحيــح‪.‬‬
‫‪113‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫أمــا مــن حيــث ســلطات القاضــي‪ ،‬فــإنّ عبــاءة تجــاوز الســلطة تخ ّول لــه القيام بــدور قاضي‬
‫يوجه الدعوى ويح ّدد أطرافها وموضوعها‬ ‫التحقيــق فــي املــادة الجزائية بحيث أنّه هو الذي ّ‬
‫وهدفهــا علــى خــاف مــا هــو الشــأن بالنســبة للقاضــي اإلنتخابــي بعبــاءة القضــاء الكامــل‬
‫املوضوعــي الــذي يبقــى مق ّيــدا بشــكليات وإجــراءات الدعــوى املضبوطة قانونــا والتصحيح‬
‫فيــه إســتثنائي لك ّنــه فــي مقابــل ذلــك ال يقتصــر عنــد بتّه فــي الدعــوى على اإللغــاء واإلبطال‬
‫كمــا قاضــي تجــاوز الســلطة وإنّمــا لــه كذلــك التعديــل واإللــزام فــي الوقــت املناســب‪.‬‬
‫وعليــه فــإنّ إلبــاس القاضــي اإلداري فــي مجال املنازعــات اإلنتخابية عبــاءة القضاء الكامل‬
‫ـت بإعتبارها من‬ ‫املوضوعــي يبــدو فــي الحقيقــة محكومــا مــن ناحيــة‪ ،‬بمقتضيات ســرعة البـ ّ‬
‫خصوصيات املادة اإلنتخابية‪ ،‬ومن ناحية أخرى بما هو مخ ّول للمحكمة في مادة املنازعة‬
‫لتحل ّ‬
‫محل اإلدارة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اإلنتخابيــة مــن ســلطات ال تقتصــر على اإللغاء وإنّما تمت ّد إلــى التعديل‬
‫إنّ املتأ ّمــل فــي فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي مجــال نزاعــات الترشــحات والنتائــج‬
‫املتعلقــة باإلنتخابــات التشــريعية والرئاســية واملح ّليــة يتب ّيــن أنّ املحكمــة التزمــت بمــا‬
‫أوجبتــه النصــوص الصريحــة مــن إفــراد تلــك النزاعــات بنظــام قانونــي خــاص (شــكلي‬
‫كل دعــوى فــي غــاف دعــوى تجــاوز الســلطة ســواء مــن‬ ‫وإجرائــي) يقــوم علــى رفــض ّ‬
‫حيــث الصفــة واملصلحــة فــي القيــام ‪ ،‬أو مــن حيــث شــكليات العريضــة كإمضائهــا‬
‫‪1‬‬

‫وإنابــة محــام فــي نزاعــات النتائــج وتبليــغ الطعــون واملذكــرات لألطــراف والتــي‬
‫يترتّــب عــن اإلخــال بهــا الرفــض شــكال او الســقوط ‪ 2‬وهــي شــكليات وإجــراءات‬
‫طعــن فــي أغلبهــا ال تقبــل التصحيــح علــى خــاف مــا هــو الشــأن بالنســبة لدعــوى‬
‫تجــاوز الســلطة التــي تقــوم علــى إجــراءات وشــكليات فــي أغلبهــا تقبــل التصحيــح‪.‬‬
‫إنّ مــا يجــب التأكيــد عليــه فــي هــذا اإلطــار أنّ القاضــي اإلنتخابــي فــي النظــام القانونــي‬
‫للمنازعــات اإلنتخابيــة فــي تونــس هــو نفســه قاضــي تجــاوز الســلطة الــذي ينظــر فــي‬
‫الدعــاوى الرامــي إلــى إلغــاء املقـ ّررات الصــادرة فــي املــادة اإلداريــة ولعـ ّـل ذلــك مــا ّ‬
‫يفســر‬
‫أنّ منطــوق الحكــم عندمــا يتع ّلــق بإخــاالت فــي عالقــة بشــكليات وإجــراءات القيــام فــي‬
‫مجــال نزاعــات الترشــح والنتائــج يكــون عــدم القبــول أو الرفــض شــكال وال يكــون أبدا عدم‬
‫اإلختصــاص علــى خــاف مــا هو الشــأن بالنســبة لفقه القضاء الفرنســي الــذي تكون عنده‬

‫‪ .1‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة للمحكمــة اإلدارة فــي القضيــة عــدد ‪ / 58‬نــزاع إنتخابــي بتاريــخ‬
‫‪ 3‬نوفمبــر ‪« :2011‬إنّــه خالفــا ملــا إقتضتــه احــكام الفصــل ‪ 72‬املذكــور أعــاه (مــن املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪2011‬‬
‫املتعلــق بإنتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي) فــإنّ امل ّدعــي لــم تتو ّفــر فــي جانبــه صفــة القيــام بالطعــن فــي‬
‫املرســمة‬
‫ّ‬ ‫ـص بهــا القانــون وبصفــة حصريــة رئيــس القائمــة اإلنتحابيــة‬ ‫النتائــج األ ّوليــة لإلنتخابــات‪ ،‬وهــي صفــة خـ ّ‬
‫بالدائــرة املطعــون فــي نتائجهــا أو مــن يم ّثلــه»‪ ،‬الحكــم الصــادر بتاريــخ ‪ 20‬ســبتمبر ‪ 2014‬تحــت عــدد ‪...2014000‬‬
‫‪ .2‬الحكــم اإلســتئنافي الصــادر بتاريــخ ‪ 17‬ســبتمبر ‪ 2014‬تحــت عــدد ‪ 201410006‬والحكــم اإلســتئنافي الصــادر بتاريــخ‬
‫‪ 7‬نوفمبــر ‪ 2014‬فــي القضيــة عــدد ‪...201420006‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪114‬‬

‫دعــوى تجــاوز الســلطة املرفوعــة أمــام القاضي اإلداري مآلها بالنســبة لإلنتخابــات الوطنية‬
‫(التشــريعية والرئاســية) عــدم اإلختصــاص الحكمــي وهــو أمــر مفهــوم بالنظــر إلــى أنّ تلــك‬
‫املــادة ترجــع بالنظــر إلــى املجلــس الدســتوري (الفصلــن ‪ 59‬و‪ 60‬من الدســتور الفرنســي)‪.1‬‬
‫إنّ هــذا املوقــف فــي فقــه القضــاء اإلداري مــن حيــث عــدم جــواز النظــر بعباءة دعــوى تجاوز‬
‫الســلطة فــي نزاعــات الترشــح لإلنتخابــات ونزاعــات نتائــج اإلنتخابــات ال شـ ّـك في أ ّنــه مب ّرر‬
‫بمــا تقتضيــه مــن ناحيــة‪ ،‬قواعــد اإلختصــاص الحكمــي (فــي النظــام القانونــي للنزاعــات‬
‫اإلنتخابيــة فــي القانــون املقــارن) ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬بمــا تســتوجبه املنازعــة اإلنتخابيــة‬
‫ـت ومــن شــمولية فــي النظــر بغايــة ضمــان شــفافية العمليــة اإلنتخابيــة‬ ‫مــن ســرعة فــي البـ ّ‬
‫التدخــل فــي الوقــت‬ ‫ّ‬ ‫بإعتبارهــا التعبيــر األســمى عــن الديمقراطيــة مــن خــال توفيــر ســبل‬
‫املناســب وقبــل فــوات األوان‪ ،‬مــن جهــة‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى للمحافظــة علــى اإلســتقرار‬
‫الــذي يحــول دون مناقشــة مــا فــات أجــل مناقشــته بعــد إكتمــال العمليــة اإلنتخابيــة‪.‬‬
‫ولكــن رغــم ذلــك يبقــى هــذا اإلتّجــاه يشــتكي مــن ع ـ ّدة ه ّنــات مــن بينهــا غيــاب الوســائل‬
‫ّ‬
‫بالتدخــل آنيــا ملــا يمكــن أن‬ ‫اإلســتعجالية املخ ّولــة لقاضــي تجــاوز الســلطة والتــي تســمح‬
‫تشــهده العمليــة مــن تجــاوزات ال تحتمــل اإلنتظــار ولــو لســاعات عــن طريــق مؤسســة‬
‫توقيــف التنفيــذ املك ّرســة صلــب أحــكام القانــون اإلداري (الفصــول ‪ 39‬و‪ 40‬و‪ 41‬من القانون‬
‫املتعلــق باملحكمــة اإلداريــة) والتــي هــي فــرع مــن دعــوى تجــاوز الســلطة وتخـ ّول للقاضــي‬
‫كل قــرار إداري يمكــن‬ ‫اإلداري الفــردي اإلذن حينيــا (ولــو علــى املســو ّدة) بتأجيــل تنفيــذ ّ‬
‫أن يتخ ّلــل العمليــة اإلنتخابيــة قــد يكــون لــه تأثيــر علــى نزاهتهــا وشــفافيتها وقــد يكــون‬
‫إنتظــار ّ‬
‫تدخــل القاضــي اإلنتخابــي فيهــا ولــو بعــد أ ّيــام معــدودات عقيمــا وعديــم الجــدوى‪.‬‬
‫إن كان هــذا حــال النزاعــات اإلنتخابيــة (ترشــحات ونتائــج) املســندة قصــرا لقاضــي‬
‫القضــاء الكامــل املوضوعــي فمــا هــو حــال غيرهــا مــن النزاعــات التــي لم يــرد بخصوصها‬
‫ـص يح ـ ّدد نظامهــا القضائــي‪.‬‬
‫نـ ّ‬

‫‪1. «Le rôle du conseil constitutionnel dans la préparation et la surveillance du processus électoral», Jean-‬‬
‫‪Pierre Camby, in Petites Affiches du 5 déc. 2012, n°243, p.18.‬‬
‫‪115‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫ثانيا‪ :‬قاضي تجاوز السلطة ونزاعات الترشحات والنتائج في‬


‫غير مجاالت اإلنتخابات التشريعية والرئاسية واملحلية‪:‬‬
‫غياب اإلستثناء ّ‬
‫يؤكد املبدأ‬

‫لتدخــل القاضــي اإلداري بعبــاءة دعــوى تجــاوز الســلطة فــي نزاعــات‬ ‫إنّ اإلتّجــاه الرافــض ّ‬
‫خصــه املشـ ّرع التونســي‬‫ّ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫عل‬ ‫ـورا‬
‫ـ‬ ‫مقص‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫بق‬ ‫ـج‬
‫ـ‬ ‫النتائ‬ ‫ـات‬ ‫ـ‬ ‫ونزاع‬ ‫الترشــح لإلنتخابــات‬
‫بالنزاعــات التشــريعية والرئاســية واملح ّليــة مــن أحــكام خاصــة تكــ ّرس نظامــا قانونيــا‬
‫وإجرائيــا وشــكليا خاصــا‪ ،‬أ ّمــا فيمــا يتع ّلــق بمــا عــدا ذلــك مــن مــادة إنتخابيــة كإنتخابــات‬
‫املجالــس العلميــة ملؤسســات التعليــم العالــي والبحــث العلمــي وإنتخابــات املجلــس األعلــى‬
‫للقضــاء‪ ،‬فقــد كان املوقــف يرســي الواليــة العامــة لقاضــي تجــاوز الســلطة فــي املطالــب‬
‫الراميــة إلــى إلغــاء القــرارات الصــادرة فــي املــادة اإلداريــة ولــو تع ّلقــت تلــك الطعــون‬
‫بالترشــح إلــى اإلنتخابــات وحتــى بنتائــج تلــك اإلنتخابــات‪ ،‬مــن ذلــك مــا إنتهــت إليــه‬
‫املحكمــة بخصــوص الطعــن فــي قــرار التصريــح بنتائــج اإلنتخابــات ااملتع ّلقــة بإنتخــاب‬
‫مديــر قســم اللغــات بكليــة اآلداب والفنــون اإلنســانية بمنوبــة بعنــوان الســنة الجامعيــة‬
‫‪ ،2011 / 2010‬حيــث إنتهــت املحكمــة فــي جوابهــا علــى دفــع املكلــف العــام بنزاعــات‬
‫الدولــة بعــدم قبــول الدعــوى إلندراجهــا فــي إطــار القضــاء الكامــل املوضوعــي بــأنّ‬
‫قــرار التصريــح بنتائــج اإلنتخابــات تتوفــر فيــه مق ّومــات القــرار اإلداري القابــل للطعــن‬
‫باإللغــاء وقضــت علــى ذلــك اإلســاس برفــض الدفــع وإخــراج املكلــف العــام بنزاعــات‬
‫الدولــة مــن نطــاق املنازعــة‪ .1‬وهــو نفــس املوقــف الــذي إعتمدتــه املحكمــة فيمــا يتع ّلــق‬
‫بنــزاع مطــروح عليهــا متع ّلــق بالطعــن فــي نتائــج إنتخابــات األعضــاء النــواب لقضــاة‬
‫الصنــف الثانــي باملجلــس األعلــى للقضــاء‪ ،‬ذلــك أ ّنــه وبعــد إقرارهــا بــأنّ «اإلنتخابــات‬
‫تع ـ ّد مــن العمليــات املر ّكبــة التــي تفضــي إلــى نتائــج يت ـ ّم التصريــح بهــا»‪ ،‬إعتبــرت أنّ‬
‫يتجســد فــي «قــرار إداري قابــل للطعــن فيــه بدعــوى تجــاوز الســلطة»‪.2‬‬ ‫ّ‬ ‫ذلــك التصريــح‬
‫وهــو نفــس املوقــف الــذي ك ّرســته الدائــرة االبتدائيــة للمحكمــة اإلداريــة بالقيــروان فــي‬
‫خصــوص الطعــن فــي نتائــج إنتخابــات مجلــس جامعــة القيــروان حيــث قضــت بتوقيــف‬
‫تنفيــذ قــرار التصريــح بتلــك النتائــج مــن أجــل أســباب ج ّديــة تتع ّلــق بظــروف إجــراء عمليــة‬
‫اإلقتــراع ‪ ،‬كمــا قضــت بإلغــاء قــرار التصريــح بنتائــج تلــك اإلنتخابــات لعــدم شــرعية‬
‫عمليــة اإلقتــراع‪.3‬‬

‫‪ .1‬الحكم اإلبتدائي الصادر بتاريخ ‪ 30‬ديسمبر ‪ 2014‬في القضية عدد ‪124510‬‬


‫‪ .2‬الحكم اإلبتدائي الصادر بتاريخ ‪ 30‬ديسمبر ‪ 2014‬في القضية عدد ‪.124510‬‬
‫‪ .3‬الحكم اإلبتدائي الصادر في القضية عدد ‪ 1310009‬بتاريخ ‪ 5‬ديسمبر ‪.2019‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪116‬‬

‫إ ّنــه مــن األكيــد أنّ قبــول النظــر فــي نتائــج اإلنتخابــات خــارج إطــار اإلنتخابــات التشــريعية‬
‫والرئاســية واملح ّليــة مــن قبــل املحكمــة بعبــاءة دعــوى تجــاوز الســلطة يأتــي مــن بــاب أ ّنــه‬
‫نفــس القاضــي الــذي ينظــر فــي مــادة القضــاء الكامــل ولنفــس الســبب الــذي مــن أجلــه‬
‫ت ـ ّم منــح القاضــي اإلداري‪ ،‬بعبــاءة القضــاء الكامــل املوضوعــي‪ ،‬إختصــاص النظــر فــي‬
‫نزاعــات الترشــحات والنتائــج‪ ،‬وهــو عــدم وجــود آجــال مختصــرة ووســائل قانونيــة ناجعــة‬
‫وبالســرعة الكافيــة فلــو تـ ّم إعمــال شــكليات وإجــراءات نظــر القضــاء الكامــل بصفــة عامــة‬
‫لكانــت النتيجــة كارثيــة إلنعــدام الوســائل املســتعجلة التــي تحــول دون اآلثــار الوخيمة لعدم‬
‫تدخــل قاضــي تجاوز الســلطة‬ ‫شــرعية العمليــة اإلنتخابيــة‪ ،‬وهــو نفــس اإلعتبــار الــذي يبـ ّرر ّ‬
‫فــي املرحلــة التــي تتخ ّلــل اإلنتخابــات التشــريعية والرئاســية واملحلية والتي يكــون لها تأثير‬
‫ّ‬
‫مؤ ّكــد علــى نزاهــة وشــفافية العمليــة اإلنتخابيــة وقــد يكــون لهــا تأثير علــى نتائــج اإلقتراع‪.‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬قاضي تجاوز السلطة ونزاعات الحملة‬


‫االنتخابية‪ :‬املبدأ واإلستثناء‬

‫خصــص القانــون اإلنتخابــي التونســي القســم األ ّول مــن البــاب الرابــع لقواعــد تنظيــم‬ ‫ّ‬
‫الحملــة اإلنتخابيــة ومراقبتهــا الــذي تع ـ ّرض لقواعــد الحملــة ومبادئهــا وضوابطهــا وقــد‬
‫تع ّلــق الفــرع الثالــث منــه بمراقبــة الحملــة وخ ّولــت ضمنــه أحــكام الفصــل ‪ 71‬مــن القانــون‬
‫املذكــور للهيئــة العليــا املســتق ّلة لإلنتخابــات «إتّخــاذ التدابيــر واإلجــراءات الكفيــة بوضــع‬
‫ـض اإلجتماعــات‬ ‫حـ ّد فــوري للمخالفــات» لقواعــد الحملــة كحجــز اإلعالنــات واملع ّلقــات وفـ ّ‬
‫واإلســتعراضات واملواكــب والتج ّمعــات وخ ـ ّول لهــا اإلســتعانة فــي ذلــك بالق ـ ّوة العامــة‪،‬‬
‫كمــا أوكل لهــا الفصــل ‪ 73‬مــن نفــس القانــون رفــع التقاريــر بخصــوص املخالفــات علــى‬
‫مســتوى اإلعــام الســمعي والبصــري إلــى الهيئــة العليــا املســتق ّلة لإلتّصــال الســمعي‬
‫البصــري والتــي خ ّولهــا املرســوم عــدد ‪ 116‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 2‬نوفمبــر ‪2011‬‬
‫أن تــأذن باإلجــراءات الضروريــة لوضــع ح ـ ّد للمخالفــات اإلعالميــة فــي هــذا املســتوى‪.‬‬
‫مــا مــن شـ ّـك فــي أنّ جميــع تلــك اإلجــراءات والتدابيــر املخـ ّول للهيئتــن إتّخاذهــا فــي إطــار‬
‫ضمــان إحتــرام قواعــد الحملــة االنتخابيــة هــي مــن وســائل الســلطة العامــة فــي أبــرز‬
‫تتجســد فــي قــرارات إداريــة ســلطو ّية‪ ،‬وقــد أبــى املش ـ ّرع تخصيصهــا‬ ‫ّ‬ ‫تج ّلياتهــا والتــي‬
‫بنظــام تقاضــي خــاص علــى غــرار مــا هــو الشــأن بالنســبة لنزاعــات الترشــح والنتائــج‪،‬‬
‫‪117‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫بمــا يطــرح الســؤال حــول مــا إذا كان غيــاب ذلــك التخصيــص الصريــح يخــول لقاضــي‬
‫تجــاوز الســلطة النظــر فــي الطعــون املتعلقــة بإلغــاء تلــك التدابيــر أو توقيــف تنفيذهــا؟‬
‫إنّ اإلجابــة عــن هــذا الســؤال مرجعهــا املعيــار األساســي فــي الفصــل بــن مــا هــو‬
‫إنتخابــي محــض ومــا هــو تنظيمــي بالبحــث فــي مــدى إتصــال تلــك القــرارات بالعمليــة‬
‫اإلنتخابيــة أو إنفصالهــا عنهــا‪ ،‬فــإذا إعتبرنــا أنهــا متصلــة بالعمليــة اإلنتخابيــة‬
‫تكــون الدعــاوى املرفوعــة فــي خصوصهــا أمــام قاضــي تجــاوز الســلطة حريــة بعــدم‬
‫القبــول بالنظــر إلــى أن النزاعــات املتعلقــة بالعمليــات اإلنتخابيــة إنمــا تتجــاوز نطــاق‬
‫قضــاء اإللغــاء‪ ،‬طاملــا أنّ النظــر فيهــا يقتضــي عــدم التوقــف عنــد إلغائهــا وإنمــا يتطلــب‬
‫صالحيــات أوســع ال يمكــن أن تنــدرج إال فــي نطــاق القضــاء الكامــل املوضوعــي‪.‬‬
‫أ ّمــا اذا إعتبرنــا أن تلــك القــرارات منفصلــة عــن العمليــة اإلنتخابيــة فهــي تكــون تبعــا لذلــك‬
‫قابلــة للطعــن باإللغــاء ولتوقيــف التنفيذ‪.‬‬
‫إنّــه وبتطبيــق جملــة مــن املؤشــرات (‪ )faisceaux d’indices‬ســننتهي حتمــا إلــى إعتبــار‬
‫اإلجــراءات والتدابيــر التــي تــأذن بهــا الهيئتــان فــي إطــار فــرض إحتــرام قواعــد الحملــة‬
‫اإلنتخابيــة مــن قبيــل القــرارات اإلداريــة املنفصلــة عــن العمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة‪ ،‬ذلــك‬
‫أنّهــا مــن ناحيــة أولــى تكتســي صبغــة تنظيميــة‪ ،‬ومــن ناحيــة ثانيــة لهــا أثــر عقابــي‪ ،‬ومــن‬
‫ناحيــة ثالثــة لــم يفردهــا النــص بنظــام طعــن إنتخابــي مخصــوص كمــا فعــل بالنســبة‬
‫ـجل اإلنتخابــي ونزاعــات الترشــح والنتائــج‪ ،‬ولعـ ّـل هــذا املؤشــر األخيــر هــو‬ ‫لنزاعــات السـ ّ‬
‫تدخــل قاضــي تجــاوز الســلطة‪ ،‬متــى ُطلــب منــه ذلــك بغــرض فــرض‬ ‫الــذي يجعــل مــن ّ‬
‫رقابتــه عليهــا‪ ،‬ليــس باإلختيــار وإنّمــا هــي ضــرورة تفرضهــا مقتضيــات الشــرعية بصفــة‬
‫عامــة بغايــة تحقيــق شــفافية ونزاهــة العمليــة اإلنتخابيــة‪ ،‬ومقتضيــات النجاعــة بصفــة‬
‫خاصــة‪ ،‬ذلــك أنّ مــا أوكلــه قانــون املحكمــة اإلداريــة لقاضــي توقيــف التنفيــذ‪ ،‬مــن ســرعة‬
‫ـت تســمح لــه بــاإلذن بتأجيــل التنفيــذ ولــو حينيــا وعلــى املســو ّدة‪ ،‬ليــس متاحــا‬ ‫فــي البـ ّ‬
‫يتدخــل فــي املجــال إ ّال بمناســبة نظــره فــي نزاعــات النتائــج‪،‬‬
‫للقاضــي اإلنتخابــي الــذي لــن ّ‬
‫وعندهــا إ ّمــا أن يكــون الوقــت قــد فــات أو أن يــؤ ّدي األمــر إلــى نتائــج وخيمــة قــد تضــع فــي‬
‫امليــزان العمليــة اإلنتخابيــة بمجملهــا متــى ثبتــت عــدم شــرعية التدابيــر التــي أذنــت بهــا‬
‫الســلطة املختصــة فــي إطــار مراقبتهــا للحملــة وتأثيرهــا علــى شــفافية ونزاهــة النتائــج‪.‬‬
‫إ ّال أ ّنــه ال يفوتنــا أن نؤ ّكــد علــى أنّ هــذا الخيــار يطــرح هــو نفســه ع ـ ّدة إشــكاالت مــن‬
‫حيــث التداخــل فــي الرقابــة علــى الحملــة اإلنتخابيــة بــن قاضــي تجــاوز الســلطة والقاضي‬
‫اإلنتخابــي ومــا يمكــن أن يســتتبع ذلــك مــن مواقــف قــد تتالقــى وقــد تتباعــد‪ ،‬ســواء فــي‬
‫املــدى القريــب بــن مــا أذن بــه قاضــي التوقيــف التنفيــذ بإجــراء تحفظــي ووقتــي‪ ،‬أو فــي‬
‫املــدى البعيــد وبعــد مــدة زمنيــة مــن إســتكمال املســار اإلنتخابــي بصــدور أحــكام أصليــة‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪118‬‬

‫عــن قاضــي تجــاوز الســلطة إ ّمــا فــي مســائل لــم يتسـنّى للقاضــي اإلنتخابــي قــول كلمتــه‬
‫فيهــا لعــدم إثارتهــا أمامــه أو فــي مســائل ص ـ ّرح بموقفــه بخصوصهــا وإرتــأى قاضــي‬
‫تجــاوز الســلطة خالفــه‪.‬‬
‫ولع ّلــه جديــر باإلشــارة فــي هــذا الخصــوص املوقــف الــذي إتّبعتــه املحكمــة اإلداريــة‬
‫فــي قبــول الطعــن باإللغــاء فــي النزاعــات املتع ّلقــة بالحملــة اإلنتخابيــة قبــل التصريــح‬
‫بالنتائــج‪ ،‬أ ّمــا بعدهــا فقــد كان املوقــف‪ ،‬فــي إطــار ضمــان إســتقرار العمليــة اإلنتخابيــة‬
‫وتجنّــب التشــكيك فيهــا بعــد إنتهائهــا‪ ،‬بختــم القضيــة إلنعــدام مــا يســتوجب النظــر‬
‫بمقولــة أنّ «الفصــل فــي القضيــة مقارنــة بتاريــخ اإلعــان عــن النتائــج النهائيــة‬
‫إلنتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي يجعــل الدعــوى غيــر ذات موضــوع»‪.1‬‬
‫ويتج ّلــى هنــا أنّ اإلشــكال الحقيقــي ال يكمــن فــي تع ّهــد قاضــي تجــاوز الســلطة بالنــزاع‬
‫ـت فيــه بحكــم فــي األصــل وهــي معضلــة‬ ‫املتعلــق بالحملــة اإلنتخابيــة وإنّمــا فــي آجــال البـ ّ‬
‫املحكمــة اإلداريــة التــي ال تخفــى عــن أحــد والتــي تفرض علينا اليــوم اإلســراع باإلصالحات‬
‫الهيكليــة لوضــع حـ ّد لبــطء الفصــل فــي القضايــا ال سـ ّيما بإصــدار مجلــة القضــاء اإلداري‪.‬‬
‫وال ّ‬
‫أدل علــى ذلــك مــن أنّ عــدم وجــود ذلــك العائــق في املنظومــة القانونية للمنازعــات اإلدارية‬
‫فــي القانــون املقــارن جعــل مجلــس الدولــة الفرنســي يتع ّهــد بجلســته العامــة بنزاعــات تتعلقّ‬
‫بالحملــة اإلنتخابيــة مــن ذلــك الطعــن فــي قــرار رفــض التمكــن مــن وقــت تلفــزي بغــرض‬
‫ممارســة الحملــة االنتخابيــة فــي ‪ 5‬مــارس ‪ 1993‬إذ أقــ ّر بإختصاصــه فــي النظــر فيــه‪.2‬‬
‫إنّ هــذه اإلشــكاليات فــي تع ّهــد قاضــي تجاوز الســلطة بالنزاعات ذات العالقــة باإلنتخابات‬
‫وإعمالــه ملعيــار اإلنفصــال واإلتصــال بالعمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة لإلقــرار مــن عدمــه‬
‫بإختصاصــه لــم يكــن غائبــا حتــى بالنســبة للنزاعــات التــي تنشــأ بعــد إنتهــاء العلميــة‬
‫اإلنتخابيــة والتــي تكــون نتاجــا لهــا‪.‬‬

‫‪ .1‬الحكم اإلبتدائي الصادر في القضية عدد ‪ 124694‬بتاريخ ‪ 10‬جويلية ‪2014‬‬


‫‪2. CE.Ass., 12 mars 1993, aff. n° 145858 et 145859.‬‬
‫‪119‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫الباب الثالث‪ :‬قاضي تجاوز السلطة ونزاعات مرحلة ما‬


‫بعد العملية اإلنتخابية‬

‫إنّ املقصــود بنزاعــات مرحلــة مــا بعــد اإلنتخابــات هــي النزاعــات التــي تنشــأ بعــد‬
‫التصريــح بالنتائــج والتــي تكــون أثــرا مباشــرا لهــا وليــس النزاعــات التــي تنشــأ زمنيــا‬
‫بعدهــا ولكــن تكــون لهــا عالقــة بمجرياتهــا والتــي تع ّرضنــا إليهــا فــي املحــاور الســابقة‪.‬‬
‫مــن أبــرز مــا يمكــن ذكــره فــي هــذا الســياق النزاعــات التــي تنشــأ بمناســبة تنصيــب‬
‫املجالــس النيابيــة وتوزيــع املهــام واملســؤوليات داخلهــا‪ ،‬ســواء تع ّلــق األمــر بتكويــن‬
‫الكتــل واللجــان البرملانيــة أو بإنتخــاب رؤســاء املجالــس البلديــة ومســاعديهم وتوزيــع‬
‫اللجــان بــن أعضــاء تلــك املجالــس والتــي تحكمهــا قانونــا فــي جانــب قواعــد اإلنتخــاب‬
‫وفــي جانــب آخــر قواعــد التمثيــل النســبي التــي يجــب أن تعكــس إرادة الناخبــن‪.‬‬
‫لقــد أثيــر اإلشــكال بالنســبة لإلنتخابــات التشــريعية حــول تمثيــل األحــزاب والكتــل النيابيــة‬
‫داخــل البرملــان علــى إثــر إنتخابــات ‪ 2014‬بمناســبة طعــن لكتلــة العريضــة الشــعبية فــي‬
‫تمثيــل قائمتهــا وطلــب إحــال مــن يمثلهــا بمــن يليــه فــي القائمــة طبقــا للترتيــب املنصــوص‬
‫عليــه لــدى الهيئــة العليــا املســتق ّلة لإلنتخابــات وقــد إعتبــرت املحكمــة فــي معــرض ر ّدهــا‬
‫علــى دفــع بالصبغــة السياســية واإلنتخابيــة ملوضــوع املنازعــة بنفــي الصبغــة اإلنتخابيــة‬
‫عنــه وإقــرار الواليــة العامــة للقاضــي اإلداري علــى مثــل تلــك النزاعــات علــى معنــى‬
‫أحــكام الفصــل ‪ 2‬مــن القانــون املتع ّلــق باملحكمــة اإلداريــة وهــو مــا يفتــح البــاب بصفــة‬
‫غيــر مباشــرة إلمكانيــة تع ّهــد قاضــي تجــاوز الســلطة بذلــك الصنــف مــن املنازعــات التــي‬
‫ال تنفصــل تمامــا عــن اإلنتخابــات باعتبارهــا تأتــي نتاجــا لهــا ولكنّهــا تبقــى منفصلــة‬
‫عــن العمليــة اإلنتخابيــة الصرفــة ومــن متع ّلقــات املســائل التنظيميــة التــي تليهــا‪.1‬‬
‫أ ّمــا بالنســبة لإلنتخابــات املح ّليــة فقــد ثــار الســؤال حــول النزاعــات املتع ّلقــة بإنتخــاب‬
‫رؤســاء املجالــس البلديــة ومســاعديهم وتوزيــع اللجــان البلديــة‪ ،‬ومــا إســتق ّر عليــه‬
‫رأي املحكمــة اإلداريــة فــي هــذا الخصــوص هــو إنــكار إختصــاص قاضــي تجــاوز‬
‫كل مــا لــه عالقــة بالعمليــة اإلنتخابيــة فــي تطبيــق حرفــي ملقتضيــات‬ ‫الســلطة فــي ّ‬
‫كل مــا لــه عالقــة مباشــرة بهــا كإنتخــاب رؤســاء‬ ‫النــص بحيــث تــ ّم إســتبعاد ّ‬
‫املجالــس املحليــة ومســاعديهم واإلقتصــار علــى اإلقــرار بإختصاصــه فــي توزيــع‬
‫اللجــان وفقــا لقاعــدة التمثيــل النســبي املنصــوص عليهــا بالقانــون اإلنتخابــي‪.‬‬

‫‪ .1‬الحكــم اإلبتدائــي الصــادر بتاريــخ ‪ 25‬مــارس ‪ 2014‬فــي القضيــة عــدد ‪ 125329‬وكذلــك الحكــم الصــادر بنفــس التاريــخ‬
‫فــي القضيــة عــدد ‪ 125334‬بخصــوص الســياحة الحزبية‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪120‬‬

‫وقــد إســتند موقــف املحكمــة فــي خصــوص إســتبعاد نظــر واليــة قاضــي تجــاوز‬
‫الســلطة وكمــا أســلفنا شــرحه إلــى تنصيــص قانونــي صريــح علــى إخضــاع‬
‫النزاعــات املتعلقــة بإنتخــاب رئيــس البلديــة ومســاعديه مــن طــرف أعضــاء املجلــس‬
‫البلــدي حيــث جــاء بالفصــل ‪ 246‬مــن مج ّلــة الجماعــات املحل ّيــة فــي فقرتــه األخيــرة‬
‫صحــة إنتخــاب الرئيــس واملســاعدين حســب الشــروط‬ ‫ّ‬ ‫أنّــه‪« :‬يمكــن الطعــن فــي‬
‫والصيــغ واآلجــال املعمــول بهــا فــي خصــوص اإلعتراضــات ضــ ّد إنتخــاب املجلــس‬
‫البلــدي أمــام القضــاء اإلداري وذلــك فــي أجــل ‪ 15‬يومــا مــن تاريــخ اإلنتخــاب»‪.‬‬
‫وإعتبــرت املحكمــة أن عبــارات «الشــروط والصيــغ واآلجــال املعمــول بهــا فــي‬
‫خصــوص اإلعتراضــات ضــ ّد إنتخــاب املجلــس البلــدي» تشــمل أيضــا قواعــد‬
‫اإلختصــاص التــي ضبطهــا الفصــل ‪ 145‬مــن القانــون األساســي املتعلــق‬
‫باإلنتخابــات واإلســتفتاء الــذي أوكل إلــى القاضــي اإلنتخابــي‪ ،‬مم ّثــا فــي املحاكــم‬
‫البــت فــي نزاعــات نتائــج اإلنتخابــات واإلســتفتاء‪.1»...‬‬
‫ّ‬ ‫اإلدار ّيــة اإلســتئنافية‪،‬‬
‫واإلعتبــار األساســي حســب رأينــا فــي هــذا املوقــف املتّبــع مــن املحكمــة ليــس النــص‬
‫الصريــح الــذي لــم يتعــ ّرض إلــى مســألة اإلختصــاص صلــب األحــكام الســالف‬
‫بيانهــا‪ ،‬بــل إقتصــر فقــط علــى ذكــر الشــروط والصيــغ واآلجــال‪ ،‬هــو مــ ّرة أخــرى‬
‫البــت فــي الدعــوى التــي تتم ّيــز فــي مجــال إجــراءات املنازعــة اإلنتخابيــة‬ ‫ّ‬ ‫آجــال‬
‫بالســرعة علــى خــاف مــا هــو الشــأن بالنســبة لدعــوى تجــاوز الســلطة التــي لئــن‬
‫يخــ ّول فرعهــا املتع ّلــق بتوقيــف التنفيــذ اإلذن آنيــا بتوقيــف التنفيــذ‪ ،‬فــإنّ ذلــك‬
‫التوقيــف قــد ال يكفــي لحلحلــة النــزاع بــل وقــد يــؤ ّدي إلــى شـ ّـل عمــل املجالــس البلديــة‬
‫بمــا يقتضــي ســلطات أوســع للقاضــي اإلنتخابــي باإللغــاء والتعديــل والتصحيــح‪.‬‬
‫ـت فــي الدعــوى وإختصارهــا والتــي‬ ‫إ ّنــه ال يفوتنــا أن نذ ّكــر ختامــا بــأنّ مســألة آجــال البـ ّ‬
‫ال تعــود فــي الحقيقــة إلــى طبيعــة قضــاء تجــاوز الســلطة وإنّمــا وباألســاس إلــى مســائل‬
‫ـت املرتبطــة بتوفيــر الوســائل املاديــة والبشــرية الكفيلــة بضمــان‬ ‫أخــرى تتعلــق بســرعة البـ ّ‬
‫ذلــك وإلــى ضميــر القاضــي نفســه‪ ،‬أ ّمــا عــن الســلطات فــإنّ الفقــه متّفــق علــى أنّ قاضــي‬
‫تجــاوز الســلطة لــم يعــد ذلــك القاضــي التاريخــي الــذي يقتصــر دوره علــى رفــض الطعــن‬
‫ض ـ ّد القــرارات اإلداريــة أو القضــاء بإلغائهــا دون زيــادة أو نقصــان‪ ،2‬بــل أصبــح ينظــر‬

‫‪ .1‬الحكــم النهائــي الصــادر عــن الدائــرة اإلســتئنافية الثامنــة باملحكمــة اإلداريــة بتاريــخ ‪ 16‬جويليــة ‪ 2018‬فــي‬
‫التوجــه الــذي إعتمدتــه الدوائــر اإلبتدائيــة للمحكمــة مــن ذلــك الحكــم اإلبتدائــي‬
‫ّ‬ ‫القضيــة عــدد ‪ 212499‬؛ وهــو نفــس‬
‫الصــادر عــن دائــرة سوســة بتاريــخ ‪ 17‬جويليــة ‪ 2018‬فــي القضيــة عــدد ‪ 05900007‬والحكــم اإلبتدائــي الفــردي‬
‫القاضــي بعــدم اإلختصــاص الصــادر عــن دائــرة القيــروان بتاريــخ ‪ 3‬مــارس ‪ 2020‬فــي القضيــة عــدد ‪...1310446‬‬
‫‪2. Existe-t-il toujours une distinction entre recours pour excès de pouvoir et recours de plein contentieux ?,‬‬
‫‪par vNocolas Rousseau, en Ligne le 25 janvier 2012‬‬
‫‪121‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫حتى في األعمال اإلدارية ذات العالقة بالعقود اإلدارية‪.1‬‬


‫توســعت وأصبــح بإمكانــه تصحيــح‬ ‫ثــ ّم إنّ صالحيــات قاضــي تجــاوز الســلطة ّ‬
‫الســند القانونــي للقــرار اإلداري املطعــون فيــه‪ 2‬وتصحيــح أســبابه ومســ ّبباته وتحديــد‬
‫أبعــاد اإللغــاء فــي املــكان والزمــن كمــا لــه أن يحــ ّدد ضمــن حكمــه النتائــج الواجــب‬
‫يتجســد‬
‫ّ‬ ‫إســتخالصها مــن اإللغــاء‪ ،3‬ثــ ّم إنّ القضــاء الكامــل املوضوعــي (والــذي‬
‫ضمــن القضــاء اإلنتخابــي) يعتبــر مــن تج ّليــات التقاطــع والتالقــي بــن قضــاء تجــاوز‬
‫الســلطة والقضــاء الكامــل بإعتبــاره ُيعــ ّرف علــى أنّــه قضــاء الشــرعية املنطبــق علــى‬
‫وضعيــة قانونيــة مخصوصــة يمــارس مــن خاللهــا القاضــي رقابــة الشــرعية علــى‬
‫وضعيــة قانونيــة مع ّينــة ويتم ّتــع بمناســبتها بجميــع الســلطات املخ ّولــة لقاضــي القضــاء‬
‫الكامــل‪ ،4‬فتتالقــى بذلــك الوســائل واألهــداف بــن القضاءيــن فهــل ينبــئ ذلــك بقــرب‬
‫إضمحــال التصــور التقليــدي لقضــاء تجــاوز الســلطة بإعتبــاره قضــاء اإللغــاء‪ 5‬ليحـ ّـل‬
‫مح ّلــه التص ـ ّور الحديــث الــذي مناطــه أ ّنــه قضــاء موضوعــي للشــرعية بمــا يســمح لــه‬
‫ال فقــط باإللغــاء وإنّمــا أيضــا بجميــع الوســائل الضامنــة لشــرعية األعمــال اإلداريــة‪.6‬‬

‫‪ .1‬البنود الترتيبية للعقود‪:‬‬


‫)‪(CE. Ass. 10 juillet 1996 Cayzeele‬‬
‫املوجهة ض ّد العقد نفسه‬
‫ّ‬ ‫وحتى في الطعون‬
‫)‪(CE. Sect. 26 juillet 1991, Commune de Sainte-Marie‬‬
‫‪ -‬قــرار توقيــف التنفيــذ الصــادر عــن الدائــرة اإلبتدائيــة للمحكمــة اإلداريــة بالقيــروان بتاريــخ ‪ 12‬فيفــري ‪ 2020‬فــي‬
‫القضيتــن عــدد ‪ 1320157‬و‪ 1320158‬والقاضــي بتوقيــف تنفيــذ إجــراءات لزمــة ســوق أســبوع ّية‪.‬‬
‫‪2. CE. 3 d éc. 2003, El Bahi‬‬

‫‪3. CE. 29 juin 2001 , Vassilikiotis‬‬

‫‪4. «Contentieux de la légalité appliqué à une situation juridique», Hélène Lepetit-Collin, Recherches sur le‬‬
‫‪plein contentieux objectif, 2011 LGDJ‬‬

‫‪ .5‬عيــاض ابــن عاشــور‪ ،‬القضــاء االداري وفقــه املرافعــات االداريــة‪ ،‬الطبعــة الثالثــة مزيــدة ومحينــة‪ ،‬مركــز النشــر‬
‫الجامعــي‪ ،‬ص ‪.278‬‬
‫‪« .6‬اتســاع ســلطة القاضــي مــن اســس القضــاء الكامــل املوضوعــي هــذا االقــرار مــن شــانه دفــع القــارئ‬
‫الــى االســتغراب اذ ال يخفــى ان العــادة فــي القضــاء االداري لــم تجــر علــى الجمــع بــن موضوعيــة‬
‫النــزاع واتســاع ســلطة القاضــي ضمــن صنــف واحــد مــن القضــاء»‪ ،‬حليــم البرتاجــي‪ :‬القضــاء الكامــل‬
‫املوضوعــي فــي تونــس‪ ،‬جامعــة ‪ 7‬نوفمبــر بقرطــاج‪ ،‬كليــة العلــم القانونيــة والسياســية واالجتماعيــة‬
‫بتونــس‪ ،‬رســالة إلحــراز شــهادة ماجســتير الدراســات املعمقــة علــوم قانونيــة أساســية‪ .2005 .‬ص‪.40.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪122‬‬

‫النظام اإلجرائي لنـزاعات الترشح والنتائج لالنتخابات‬


‫التشريعية والرئاسية أمام القضاء اإلداري‬
‫والضمانات األساسية لحقوق التقاضي والدفاع‬

‫محمد الطيب الغزي‬


‫مستشار بالتعقيب باملحكمة اإلدارية‬

‫يشــمل النظــام اإلجرائــي للنزاعــات بوجــه عــام مختلــف مراحــل ســير الدعــوى بــدءا‬
‫باالختصــاص القضائــي ودرجاتــه وطــرق الطعــن فــي األحــكام فمــرورا بإجــراءات القيــام‬
‫واملوجبــات الشــكلية الوجوبيــة التــي يتعــن توافرهــا فــي عريضــة الطعــن ومذكــرات‬
‫الدفــاع‪ ،‬فانتهــاء بضوابــط جلســة املرافعــة وإصــدار األحــكام‪ ،‬وعلــى هــذا األســاس‬
‫يعــد النظــام اإلجرائــي وثيــق الصلــة بضمــان بممارســة حقــوق التقاضــي والدفــاع علــى‬
‫الوجــه األمثــل وهــو مــا يجعــل مــن املشــرع حريصــا علــى إيالئــه األهميــة الالزمــة مــن‬
‫جهــة إحــكام التنســيق بــن مختلــف مكوناتــه ووضــوح القواعــد املنظمــة لإلجــراءات‪.‬‬
‫واألصــل فــي النظــام اإلجرائــي للنزاعــات االنتخابيــة أن تتوافــر فيــه مــن بــاب أولــى وأحرى‬
‫تلــك املواصفــات خاصــة إذا مــا أخذنا بعــن االعتبار القواعد الصارمة التــي تحكم القانون‬
‫االنتخابــي وخاصــة منهــا قاعــدة التأويــل الضيــق ملقتضيــات القانــون املذكــور والتــي تحــد‬
‫مــن الســلطات املمنوحــة للقاضــي فــي هــذا الخصــوص‪ ،‬غيــر أنــه بتفحــص أحــكام القانــون‬
‫األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪ 26‬مــاي ‪ 2014‬املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء‬
‫املنظمــة لنـــزاعات الترشــحات والنتائــج لالنتخابــات التشــريعية والرئاســية يتبــن أن النظام‬
‫املذكــور يحتــاج إلــى مزيــد إحــكام التجانــس والتكامــل بــن مختلــف مكوناتــه فــي بعــض‬
‫املواضــع كمــا يفتقــد للدقــة املطلوبــة فــي جوانــب إجرائيــة يفتــرض فيهــا أن ال تكــون‬
‫محــل تأويــل قضائــي بالنظــر إلــى تداعياتهــا املباشــرة علــى الضمانــات األساســية‬
‫لحقــوق التقاضــي والدفــاع‪ ،‬األمــر الــذي حــدا بالقاضــي اإلداري إلــى إعمــال مــا لــه‬
‫مــن ســلطات فــي تطبيــق وتأويــل املقتضيــات القانونيــة بغايــة رفــع الغمــوض وااللتبــاس‪.‬‬
‫ولئــن ســاهم تدخــل القاضــي اإلداري فــي ضمان حــد أدنى من القراءة املوحدة واملنســجمة‬
‫كمــا حســم التأويــل فــي عديــد املســائل اإلجرائيــة غيــر أن ذلك ليــس من شــأنه أن يغني عن‬
‫ضــرورة تدخــل تشــريعي علــى اعتبــار أن بعــض اإلشــكاالت تتعلــق بخيــارات املشــرع فــي‬
‫تنظيــم هــذه املنازعــات كمــا أن بعــض املســائل لــم يتــم توحيد املواقــف القضائية في شــأنها‬
‫وأخــرى لــم تقــع إثارتهــا أو مناقشــتها أمام الهيئات القضائية رغم مــا يكتنفها من غموض‪.‬‬
‫‪123‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وفــي هــذا اإلطــار تتنـــزل هــذه املقالــة التــي ترمــي إلــى تســليط الضــوء علــى أهــم‬
‫مكامــن عــدم التجانــس والغمــوض فــي النظــام اإلجرائــي لنـــزاعات الترشــحات‬
‫والنتائــج لالنتخابــات التشــريعية والرئاســية وذلــك علــى مســتوى نظــام التقاضــي‬
‫(‪ )I‬وإجــراءات وشــكليات القيــام (‪ )II‬عســى أن تكــون منطلــق التقييــم شــامل ملنطومــة‬
‫النـــزاعات االنتخابيــة يســتتبع بمراجعــة جذريــة للنظــام اإلجرائــي للطعــون بمــا يكفــل‬
‫الحــد األدنــى مــن الضمانــات األساســية ملمارســة حقــوق التقاضــي والدفــاع‪.‬‬

‫‪ .I‬نظام التقاضي‬

‫يعــد نظــام التقاضــي الركــن األســاس لضمــان ممارســة حقــوق التقاضــي والدفــاع‬
‫فالنظــام املذكــور يشــتمل علــى تحديــد الجهــاز القضائــي املختــص بالنظــر فــي الطعــون‬
‫وبيــان درجــات التقاضــي وضبــط طــرق الطعــن فــي األحــكام‪ ،‬غيــر أنــه بالتمعــن فــي نظــام‬
‫التقاضــي املتعلــق بنـــزاعات الترشــح والنتائــج لالنتخابــات التشــريعية والرئاســية يتضــح‬
‫أن بعــض املســائل تحتــاج إلــى مراجعــة ومــن أوكدهــا االزدواجيــة القضائيــة فــي نزاعــات‬
‫الترشــح لالنتخابــات التشــريعية (‪ )1‬وتوزيــع اإلختصــاص بــن الهيئــات القضائيــة داخــل‬
‫جهــاز القضــاء اإلداري (‪ )2‬وطريــق الطعــن بالتمــاس إعــادة النظــر فــي األحــكام الباتة (‪.)3‬‬

‫‪ .1‬االزدواجيــة القضائيــة فــي نزاعــات الترشــح لالنتخابــات‬


‫التشريعية‬

‫حــدد املشــرع بمقتضــى القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪26‬‬
‫مــاي ‪ 2014‬املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء الجهــاز القضائــي املختــص بالنظــر‬
‫فــي الطعــون املتعلقــة بالترشــحات والنتائــج لالنتخابــات التشــريعية والرئاســية إذ‬
‫أفــرد جهــاز القضــاء اإلداري بالنظــر فــي الطعــون املتعلقــة بالترشــحات لالنتخابــات‬
‫الرئاســية‪ 1‬وتلــك الخاصــة بنتائــج االنتخابــات التشــريعية والرئاســية‪ ،2‬فيمــا أســند‬
‫إلــى املحاكــم االبتدائيــة التابعــة إلــى جهــاز القضــاء العدلــي اختصــاص النظــر‬

‫‪ .1‬الفصول ‪ 46‬و‪ 47‬و‪ 49‬من القانون األساسي املتعلق باالنتخابات واالستفتاء‪.‬‬


‫‪ .2‬الفصلني ‪ 145‬و‪ 146‬من القانون األساسي املتعلق باالنتخابات واالستفتاء‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪124‬‬

‫فــي الطعــون املتعلقــة بالترشــحات لالنتخابــات التشــريعية ابتدائيــا‪ 1‬علــى أن يتــم‬


‫‪2‬‬
‫الطعــن فــي األحــكام الصــادرة عنهــا أمــام الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة‪.‬‬
‫وتع ـ ّد مركــزة جهــاز القضــاء اإلداري فــي تونــس العاصمــة العامــل الرئيســي فــي تبنـــي‬
‫املشــرع خيــار االزدواجيــة القضائيــة بخصوص نزاعات الترشــحات لالنتخابات التشــريعية‬
‫أســوة بمــا تــم إقــراره فــي شــأن نزاعــات الترشــحات املتعلقــة بانتخــاب أعضــاء املجلــس‬
‫الوطنــي التأسيســي‪ ،3‬ذلــك أن خيــار املشــرع الدســتوري اســتبعاد النـــزاعات االنتخابيــة‬
‫بوجــه عــام مــن مرجــع نظــر اختصــاص املحكمــة الدســتورية يــؤول بالتبعيــة إلــى إفــراد‬
‫جهــاز القضــاء اإلداري بالنظــر فــي تلــك النـــزاعات باعتبارهــا تنــدرج ضمــن النزاعــات‬
‫اإلداريــة التــي خــص الفصــل ‪ 116‬مــن الدســتور جهــاز القضــاء اإلداري بالنظــر فيهــا‪.‬‬
‫ولئــن كان هــذا التوجــه إبــان صــدور القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬مؤسســا‬
‫علــى اعتبــارات واقعيــة تتعلــق بعــدم اســتكمال إرســاء هيكليــة جهــاز القضــاء اإلداري‬
‫وهــو مــا ال يتماشــى وطبيعــة االنتخابــات التشــريعية التــي بحكــم التوزيــع الجغرافــي وفــق‬
‫تقســيم الدوائــر االنتخابيــة‪ 4‬وحجــم النزاعــات املرتبطــة بهــا تســتوجب أن يعهــد بالبــت‬
‫فيهــا ابتدائيــا إلــى محاكــم بالجهــات تقريبــا للقضــاء مــن املتقاضــي وتخفيفــا لألعبــاء‬
‫علــى الدوائــر املركزيــة وذلــك ضمانــا للفصــل فيهــا فــي اآلجــال املحــددة‪ ،‬إال أنّ مراجعــة‬
‫القانــون االنتخابــي الحقــا بموجــب القانــون األساســي عــدد ‪ 7‬لســنة ‪ 2017‬املــؤرخ فــي ‪14‬‬
‫فيفــري ‪ 2017‬وإســناد اختصــاص البــت فــي نزاعــات الترشــح لالنتخابــات البلديــة ابتدائيــا‬
‫إلــى املحاكــم اإلداريــة االبتدائيــة‪ ،‬علــى أن يعهــد باإلختصــاص املذكــور إلــى دوائــر‬
‫ابتدائيــة بالجهــات متفرعــة عــن املحكمــة اإلداريــة يتــم إحداثهــا طبــق الفصــل ‪ 15‬مــن‬
‫القانــون املتعلــق باملحكمــة اإلداريــة وذلــك إلــى حــن إرســاء املحاكــم املذكــورة‪ ،5‬أضحــى‬
‫يحتــم مراجعــة القانــون االنتخابــي فــي اتجــاه توحيــد نزاعــات الترشــح لالنتخابــات‬
‫التشــريعية ضمــن جهــاز القضــاء اإلداري خاصــة فــي ظــل إحــداث اثنتــي عشــرة (‪)12‬‬
‫دائــرة ابتدائيــة متفرعــة عــن املحكمــة اإلداريــة بالجهــات يغطــي نطاقهــا الترابــي كامــل‬
‫واليــات الجمهوريــة التونســية بمناســبة النظــر فــي نزاعــات الترشــح لالنتخابــات البلديــة‪.6‬‬

‫‪ .1‬الفصل ‪ 27‬من القانون األساسي املتعلق باالنتخابات واالستفتاء‪.‬‬


‫‪ .2‬الفصل ‪ 29‬من القانون األساسي املتعلق باالنتخابات واالستفتاء‪.‬‬
‫‪ .3‬الفصل ‪ 29‬من املرســوم عدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬املؤرخ في ‪ 10‬ماي ‪ 2011‬املتعلق بانتخابات املجلس الوطني التأسيســي‪.‬‬
‫‪ .4‬األمــر عــدد ‪ 1088‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 3‬أوت ‪ 2011‬املتعلــق بتقســيم الدوائــر االنتخابيــة وبضبــط عــدد املقاعــد‬
‫املخصصــة لهــا النتخابــات أعضــاء املجلــس الوطنــي التأسيســي‪.‬‬
‫‪ .5‬الفصليـن ‪ 49‬سابع عشر و‪ 174‬مكرر من القانون األساسي املتعلق باالنتخابات واالستفتاء‪.‬‬
‫‪ .6‬األمــر الحكومــي عــدد ‪ 620‬لســنة ‪ 2017‬املــؤرخ فــي ‪ 25‬مــاي ‪ 2017‬املتعلــق بإحــداث دوائــر ابتدائيــة متفرعــة عــن‬
‫املحكمــة اإلداريــة بالجهــات وبضبــط نطاقهــا الترابــي‪.‬‬
‫‪125‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وال جــدال فــي أن توحيــد نزاعــات الترشــح لالنتخابــات التشــريعية داخــل نفــس الجهــاز‬
‫القضائــي املختــص يتجــاوز حــدود االلتــزام بمقتضيات الدســتور إذ أن له عديــد املزايا لعل‬
‫مــن أهمهــا توحيد وتيســير إجــراءات التقاضي عالوة على إملام الدوائــر االبتدائية بالجهات‬
‫بفقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة وســهولة تأمــن عمليــة إحالــة امللفــات مــن الدوائــر بالجهــات‬
‫إلــى الدوائــر االســتئنافية وهــو ما أكدته املخرجات االيجابية لنـــزاعات الترشــح لالنتخابات‬
‫البلديــة التــي تصــدت لهــا الدوائــر املذكــورة مــن جهــة التزامهــا باآلجــال وجــودة األحــكام‬
‫الصــادرة عنهــا واللجــوء إلــى رقمنــة امللفــات االبتدائيــة وإحالتهــا إلــى املحكمــة بواســطة‬
‫البريــد االلكترونــي املؤمــن ممــا مكــن الدوائــر االســتئنافية مــن التحكــم فــي آجــال البــت‪.‬‬

‫‪ .2‬توزيــع االختصــاص بــن الهيئــات القضائيــة داخــل جهاز‬


‫القضاء اإلداري‬

‫كــرس املشــرع مبــدأ التقاضــي علــى درجتــن بخصــوص نزاعــات الترشــح والنتائــج‬
‫لالنتخابــات التشــريعية والرئاســية‪ ،‬وهــو مبــدأ يهــدف أساســا إلــى فتــح املجــال أمــام‬
‫املتقاضــي إلعادة النظر فــي دعــواه مــن هيئــة قضائيــة مغايــرة لتلــك التــي فصلــت‬
‫الطعــن ابتدائيــا وهــو مــا يشــكل ضمانــة أساســية ملمارســة حقــوق التقاضــي والدفــاع‪.‬‬
‫وفــي هــذا الســياق حــري بنــا التذكيــر‪ ،‬بــأن تكريــس مبــدأ التقاضــي علــى الدرجتــن‬
‫والتوســيع فــي مجالــه ليشــمل نزاعــات النتائــج‪ 1‬لــم يكــن بمعــزل عــن أحــكام الدســتور‬
‫وخاصــة الفصــل ‪ 108‬منــه الــذي ينــص علــى أن «يضمــن القانــون التقاضــي علــى‬
‫درجتــن»‪ ،‬غيــر أن تجســيم ذلــك املبــدأ علــى مســتوى توزيــع اإلختصــاص بــن الهيئــات‬
‫القضائيــة داخــل جهــاز القضــاء اإلداري لــم يكــن علــى قــدر كاف مــن التجانــس واإلحــكام‪.‬‬
‫فمــن جهــة أولــى‪ ،‬خــص املشــرع الدوائــر االســتئنافية باملحكمــة اإلداريــة بالنظر فــي الطعون‬
‫املوجهــة ضــد األحــكام الصــادرة فــي مــادة نزاعــات الترشــحات لالنتخابــات التشــريعية‬
‫وأضفــى علــى األحــكام الصــادرة عنهــا الصبغــة بالباتــة‪ ،2‬وذلــك دون األخــذ بعــن االعتبــار‬
‫إمكانيــة اختــاف االجتهــادات بــن الدوائــر االســتئنافية ومــا قــد يترتــب عــن ذلــك مــن‬
‫صــدور أحــكام يناقــض بعضهــا البعــض ذلــك أن االجتهــاد فــي نفــس املســألة قــد يــؤول‬

‫‪ .1‬تجــدر اإلشــارة إلــى أن الفصــل ‪ 72‬مــن املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 10‬مــاي ‪ 2011‬املتعلــق‬
‫خــص الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة كدرجــة‬
‫ّ‬ ‫بانتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي قــد‬
‫وحيــدة للتقاضــي فــي شــأن نـــزاعات النتائــج املتعلقــة بانتخابــات أعضــاء املجلــس الوطنــي التأسيســي‪.‬‬
‫‪ .2‬ينــص الفصــل ‪ 29‬مــن القانــون األساســي املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء علــى مــا يلــي‪« :‬ويكــون الحكــم باتــا وال‬
‫يقبــل أي وجــه مــن أوجــه الطعــن ولــو بالتعقيــب»‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪126‬‬

‫إلــى تبنــي مواقــف مختلفــة تنعكــس ســلبا أو إيجابــا علــى ممارســة الحــق فــي الترشــح‪.‬‬
‫ومــن جهــة ثانيــة‪ ،‬أســند املشــرع إلــى الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة النظــر‬
‫فــي الطعــون املوجهــة ضــد األحــكام الصــادرة عــن الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة‬
‫فــي مــادة نزاعــات الترشــحات لالنتخابات الرئاســية ونزاعات نتائج االنتخابات التشــريعية‬
‫والرئاســية دون األخــذ بعــن االعتبــار خصوصيــة تركيبــة الجلســة العامــة القضائيــة طبــق‬
‫أحــكام الفصــل ‪ 20‬مــن القانــون عــدد ‪ 40‬لســنة ‪ 1972‬املــؤرخ فــي أول جــوان ‪ 1972‬واملتعلــق‬
‫باملحكمــة اإلداريــة والتــي تضــم فــي عضويتهــا رؤســاء الدوائــر اإلســتئنافية الذيــن عهــد‬
‫إليهــم النظــر فــي الطعــون املشــار إليهــا أعــاه كمحكمــة درجــة أولــى‪ ،‬وبصــرف النظــر عــن‬
‫كــون املعطــى املذكــور ال تأثيــر لــه علــى الطعــون التــي تنصــب علــى مســائل واقعيــة خاصــة‬
‫بــكل قضيــة علــى حــدة إذ دأب جريــان عمــل الجلســة العامــة علــى التنحــى التلقائــي‬
‫للعضــو الــذي ســبق لــه النظــر فــي امللــف‪ ،‬فــإنّ املســائل املتعلقــة بتأويــل أحــكام تشــريعية‬
‫مجــردة ذات صبغــة عامــة قــد تثيــر إشــكاال مــن زاويــة ســبق إفصــاح الدوائــر االســتئنافية‬
‫عــن مواقفهــا بخصوصهــا ويزيــد اإلشــكال تعقيــدا إذا مــا تباينــت االجتهــادات‪ ،‬ففــي هــذه‬
‫الصــورة ال يجــوز قانونــا اســتبعاد كافــة رؤســاء الدوائــر االســتئنافية مــن تركيبــة الجلســة‬
‫العامــة القضائيــة ذلــك أنهــم يســتمدون عضويتهــم بصفتهــم تلــك مــن أحــكام الفصــل‬
‫‪ 20‬مــن قانــون املحكمــة اإلداريــة كمــا أن هــذا التوجــه قــد يــؤدي تطبيقــه مــن الناحيــة‬
‫العمليــة إلــى اختــال النصــاب املســتوجب النعقــاد الجلســة العامــة املذكــورة عــاوة علــى‬
‫أن نــزاع النتائــج يتســم بالتداخــل بــن املســائل الواقعيــة وتلــك القانونيــة بــل أن الصبغــة‬
‫الواقعيــة تعــد الســمة البــارزة للنـــزاع املذكــور فغالبيــة املطاعــن املثــارة تتعلــق بالتثبــت فــي‬
‫صحــة وتكييــف الوقائــع ونســبة املخالفــات االنتخابيــة إلــى مرتكبيهــا وإعــادة احتســاب‬
‫النتائــج‪ ...‬وهــي مســائل تتعلــق بتقديــر وتكييــف الوقائــع واســتخالص النتائــج املترتبــة‬
‫عليــه طبــق النصــوص القانونيــة وهــو مــا يجعــل مــن وجــود رؤســاء الدوائــر االســتئنافية‬
‫ضمــن تركيبــة الجلســة العامــة مفيــدا فــي إثــراء النقــاش علــى اعتبــار أن املســائل الواقعيــة‬
‫تنــدرج فــي صميــم اختصاصهــم باعتبــار أن قاضــي االســتئناف يعــد قاضــي موضــوع‪.‬‬

‫‪ .3‬طريق الطعن بالتماس إعادة النظر‬

‫أضفــى املشــرع الصبغــة الباتــة علــى األحــكام النهائيــة الصــادرة عــن الدوائــر االســتئنافية‬
‫للمحكمــة اإلداريــة فــي نزاعات الترشــح لالنتخابات التشــريعية وتلك الصادرة عن الجلســة‬
‫العامة القضائية في نزاعات الترشــح لالنتخابات الرئاســية ونزاعات النتائج وأكد املشــرع‬
‫‪1‬‬
‫بصريــح النــص أن تلــك األحــكام غيــر قابلــة ألي وجــه مــن أوجــه الطعــن ولــو بالتعقيــب‪.‬‬

‫‪ .1‬يراجع الفصول ‪ 30‬و‪ 47‬و‪ 146‬من القانون األساسي لالنتخابات واالستفتاء‪.‬‬


‫‪127‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫ومــن املعلــوم أن ممارســة الطعــن بالتمــاس إعــادة النظــر‪ ،‬الــذي يعــد طريــق طعــن‬
‫غيــر عــادي فــي األحــكام النهائيــة يقــدم إلــى املحكمــة ذاتهــا التــي أصــدرت الحكــم‬
‫املطعــون فيــه‪ ،‬يجــب أن يكــون إمــا منصوصــا عليــه صراحــة بالنــص املتعلــق‬
‫بالنزاعــات االنتخابيــة مــع بيــان الشــروط واإلجــراءات والحــاالت التــي تفتــح الحــق‬
‫فــي ممارســته أو أن ال يكــون النــص الخــاص قــد أقصــى هــذا الصنــف مــن الطعــون‬
‫علــى نحــو يجــوز معــه االلتجــاء إلــى النــص العــام املنطبــق علــى النـــزاعات اإلداريــة‪.‬‬
‫ولئــن جــاءت أحــكام القانــون األساســي املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء صريحــة‬
‫فــي إقصــاء أي وجــه مــن أوجــه الطعــن بمــا فــي ذلــك طريــق الطعــن بالتمــاس إعــادة‬
‫النظــر‪ ،‬وهــو مــا يفتــرض معــه أن ال تثيــر هــذه املســألة أي إشــكال علــى مســتوى التأويــل‬
‫القضائــي إال أن االجتهــادات القضائيــة مــا تــزال متناقضــة فــي هــذا الخصــوص‪:‬‬
‫املوقــف األول‪ :‬جــواز قبــول الطعــن بالتمــاس إعــادة النظــر‪ :‬وهــو اتجــاه أقرتــه‬
‫الدائــرة االســتئنافية العاشــرة باملحكمــة اإلداريــة إذ أكــدت علــى جــواز قبــول الطعــن‬
‫بالتمــاس إعــادة النظــر فــي الحكــم النهائــي الصــادر عنهــا فــي القضيــة عــدد ‪20192023‬‬
‫بتاريــخ ‪ 23‬أوت ‪ 1 2019‬املتعلــق بنـــزاع ترشــح لالنتخابــات التشــريعية وانتهــت املحكمــة‬
‫إلــى قبــول مطلــب إعــادة النظــر شــكال وأصــا ونقــض الحكــم االســتئنافي املطلــوب إعــادة‬
‫النظــر فيــه والقضــاء مــن جديــد بإلغــاء الحكــم االبتدائــي وإدراج القائمــة الطاعنــة ضمــن‬
‫القائمــات املقبــول ترشــحها لالنتخابــات التشــريعية وقــد أسســت الدائــرة موقفهــا علــى‬
‫شــهادة صــادرة عــن رئيــس الهيئــة الفرعيــة بتونــس ‪ 2‬تضمنــت إقــرارا بســهو الهيئــة‬
‫عــن تضمــن إمضــاء أحــد أعضــاء القائمــة بســجل اإلمضــاءات وقــدرت املحكمــة أن تلــك‬
‫الوثيقــة تنــدرج ضمــن الحالــة الثانيــة مــن حــاالت الطعــن بالتمــاس إعــادة النظــر املنصوص‬
‫عليهــا بالفصــل ‪ 77‬مــن قانــون املحكمــة اإلداريــة‪ ،2‬غيــر أن هــذا املوقــف ال يمكــن أخــذه‬
‫بمعــزل عــن ظــروف ومالبســات القضيــة فالهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات لــم تتــول‬
‫اإلعــان عــن القائمــات املقبولــة نهائيــا كمــا لــم تدفــع أثنــاء النـــزاع بعــدم جــواز الطعــن‬
‫بالتمــاس إعــادة النظــر بــل فوضــت املحكمــة النظــر فــي قبــول الوثيقــة املدلــى بهــا مــن‬

‫‪ .1‬الحكم الصادر في القضية عدد ‪ 62194‬بتاريخ ‪ 31‬أوت ‪.2019‬‬


‫‪ .2‬ينــص الفصــل ‪ 77‬مــن قانــون املحكمــة اإلداريــة علــى أنــه‪« :‬يمكــن القيــام بمطلــب إعــادة النظــر ضـ ّد األحــكام النهائيــة‬
‫الصــادرة حضور ّيــا علــى معنــى هــذا القانــون عــن إحــدى هيئــات املحكمــة وذلــك فــي الحــاالت التاليــة‪:‬‬
‫‪ -‬إن كان الحكم موضوع الطعن يعتمد على كتب مزو‬
‫‪ -‬إن وقع الحكم على طرف لم يتم ّكن من اإلستظهار في ال ّدعوى بب ّينة كانت ممنوعة عنه بفعل خصمه‪.‬‬
‫‪ -‬إن صــدر الحكــم دون احتــرام مقتضيــات هــذا القانــون املتع ّلقــة بتركيبــة الهيئــة التــي أصدرتــه أو بإجــراءات عقــد‬
‫بالصيــغ الوجوب ّيــة فــي أحكامهــا‪.‬‬
‫جلســتها أو ّ‬
‫‪ -‬إن صدر الحكم مشوبا بغلط مادي من شأنه أن يؤثر في وجه الفصـل في القـضية»‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪128‬‬

‫طالــب إعــادة النظــر وحيــال تلــك املعطيــات انصــرف اجتهــاد املحكمــة إلــى قبــول النظــر في‬
‫الطعــن معاضــدة موقفهــا بعلويــة أحــكام الدســتور الضامنــة لحــق الترشــح ودور القاضــي‬
‫اإلداري فــي الحيلولــة دون النيــل مــن جوهــره‪ ،‬ويعــد هــذا التوجــه اســتمرارا لفقــه قضــاء‬
‫الدوائــر االســتئنافية باملحكمــة فــي نــزاع الترشــح النتخــاب أعضــاء املجلــس الوطنــي‬
‫الـــتأسيسي التــي قبلــت إعــادة النظــر فــي األحــكام الباتــة الصــادرة عنهــا‪ 1‬مــع اإلشــارة‬
‫إلــى أنّ صياغــة الفصــل ‪ 29‬مــن املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 10‬مــاي‬
‫‪ 2011‬املتعلــق بانتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي املنطبــق آنــذاك لــم تكــن علــى قــدر‬
‫الوضــوح الــذي اتســمت بــه الفصــول ‪ 30‬و‪ 47‬و‪ 146‬مــن القانــون األساســي لالنتخابــات‬
‫واالســتفتاء ذلــك أنهــا اكتفــت بإضفــاء الصبغــة الباتــة علــى أحــكام الدوائــر االســتئنافية‬
‫وهــو مــا يســتفاد منــه اســتبعاد الطعــن فيهــا بالتعقيــب وغيــره مــن األوجــه وذلــك دون‬
‫التنصيــص صراحــة علــى اســتبعاد أي وجــه مــن أوجــه الطعــن فيهــا ولــو بالتعقيــب‪.‬‬
‫والشــك فــإنّ هــذا التوجــه الــذي يعــد محمــودا مــن جهــة تحقيــق العدالــة وحمايــة‬
‫الحــق فــي الترشــح ال يخلــو مــن مخاطــر تأبـــيد النزاعــات االنتخابيــة مــع مــا يترتــب‬
‫علــى ذلــك مــن تأخيــر فــي إعــان القائمــات املقبولــة نهائيــا أو املترشــحني املقبولــن‬
‫نهائيــا أو نتائــج االنتخابــات ذلــك أن الرجــوع إلــى النــص العــام أي قانــون املحكمــة‬
‫اإلداريــة بخصــوص اإلجــراءات والشــروط والحــاالت املنظمــة للطعــن بالتمــاس إعــادة‬
‫النظــر ال يتماشــى وطبيعــة النزاعــات االنتخابيــة خاصــة مــن جهــة اآلجــال واإلجــراءات‪،‬‬
‫فالنــص العــام لــم يحــدد أجــا معينــا لتقديــم مطلــب فــي إعــادة النظــر أمــا بخصــوص‬
‫اإلجــراءات فهــي تلــك املقــررة للدعــاوى األصليــة املرفوعــة أمــام القضــاء اإلداري‪.‬‬
‫املوقــف الثانــي‪ :‬عــدم جــواز قبول الطعن بالتماس إعــادة النظر‪ :‬وهو االتجاه الذي‬
‫أقرتــه الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة بمناســبة نظرهــا فــي مطلب إعــادة نظر‬
‫في القرار الصادر عنها في القضية عدد ‪ 20195028‬بتاريخ ‪ 4‬نوفمبر ‪ 2019‬إذ اعتبرت أن‬
‫القــرارات الصــادرة عنهــا باتــة غيــر قابلة للطعن بالتعقيب وال بغيــره من األوجه بما في ذلك‬
‫التمــاس إعــادة النظــر فيهــا وانتهــت إلــى عدم قبــول املطلب املقــدم لها في هــذا الخصوص‪.‬‬
‫وقــد تأســس موقــف الجلســة العامــة القضائيــة علــى التقيــد باملقتضيــات الصريحــة‬
‫ألحــكام الفصــل ‪ 146‬مــن القانــون األساســي لالنتخابــات واالســتفتاء التــي تســتبعد أي‬
‫وجــه مــن أوجــه الطعــن ولــو بالتعقيــب فــي قــرارات الجلســة العامــة املذكــورة‪ ،‬وهــو فــي‬
‫تقديرنــا موقــف مــن شــأنه أن يوحــد مســتقبال املواقــف القانونيــة فــي شــأن هــذه املســألة‪.‬‬
‫وتأسيســا علــى كل مــا ســبق بســطه‪ ،‬يتضــح أن بعــض املســائل املتعلقــة بنظــام‬
‫التقاضــي الخــاص بنزاعــات الترشــح والنتائــج لالنتخابــات التشــريعية والرئاســية‬

‫‪ .1‬الحكــم الصــادر فــي القضيــة عــدد ‪ 62175‬بتاريــخ ‪ 19‬أكتوبــر ‪ 2011‬والحكــم الصــادر فــي القضيــة عــدد ‪62176‬‬
‫بتاريــخ ‪ 11‬أكتوبــر ‪.2011‬‬
‫‪129‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫تحتــاج فــي تقديرنــا إلــى إعــادة النظــر فيهــا علــى نحــو يكفــل ضمــان ممارســة‬
‫حقــوق التقاضــي والدفــاع علــى الوجــه األمثــل وهــو مــا يدفعنــا إلــى تقديــم مقترحــات‬
‫لخيــارات بديلــة مــن شــأنها تــدارك النقائــص املســجلة فــي خصــوص توزيــع‬
‫االختصــاص وضمــان توحيــد املواقــف القانونيــة وضمــان حياديــة الهيئــات القضائيــة‪:‬‬

‫أوال‪ :‬بخصوص نزاعات الترشح‬


‫ّ‬
‫الخيــار األول‪ :‬إســناد الدوائــر االبتدائيــة للمحكمــة اإلداريــة املركزيــة منهــا‬
‫وبالجهــات اختصــاص النظــر فــي الطعــون املتعلقــة بالترشــحات لالنتخابــات‬
‫التشــريعية طبقــا لالختصــاص الترابــي وإســناد الدوائــر االبتدائيــة املركزيــة‬
‫اختصــاص النظــر فــي الطعــون املتعلقــة بالترشــحات لالنتخابــات الرئاســية كمحاكــم‬
‫درجــة أولــى علــى أن يتــم الطعــن فــي األحــكام الصــادرة عنهــا أمــام الجلســة‬
‫العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة بمــا يضمــن توحيــد النـــزاعات داخــل نفــس‬
‫الجهــاز القضائــي مــن ناحيــة ويؤمــن توحيــد املواقــف القانونيــة مــن ناحيــة أخــرى‪.‬‬
‫الخيــار الثانــي‪ :‬إســناد الدوائــر االبتدائيــة للمحكمــة اإلداريــة املركزيــة منهــا وبالجهــات‬
‫اختصــاص النظــر فــي الطعــون املتعلقــة بالترشــحات لالنتخابــات التشــريعية طبقــا‬
‫لالختصــاص الترابــي وإســناد الدوائــر االبتدائيــة املركزيــة اختصــاص النظــر فــي‬
‫الطعــون املتعلقــة بالترشــحات لالنتخابــات الرئاســية كمحاكــم درجــة أولــى علــى أن‬
‫يتــم الطعــن فــي األحــكام الصــادرة عنهــا أمــام الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة‬
‫مــع فتــح إمكانيــة الطعــن فــي األحــكام الصــادرة عــن هــذه الدوائــر أمــام الجلســة‬
‫العامــة القضائيــة فــي حــدود املســائل التــي تقتضــي توحيــد املواقــف القانونيــة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬بخصوص نزاعات النتائج‬


‫الخيــار األول‪ :‬إســناد الدوائــر االبتدائيــة للمحكمــة اإلداريــة املركزيــة منهــا‬
‫وبالجهــات اختصــاص النظــر فــي الطعــون املتعلقــة بنتائــج االنتخابــات التشــريعية‬
‫وإفــراد الدوائــر االبتدائيــة املركزيــة باختصــاص النظــر فــي الطعــون املتعلقــة‬
‫بنتائــج االنتخابــات الرئاســية كمحاكــم درجــة أولــى علــى أن يتــم الطعــن فــي‬
‫األحــكام الصــادرة عنهــا أمــام الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة‪.‬‬
‫الخيــار الثانــي‪ :‬إفــراد الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة بالنظــر فــي‬
‫الطعــون املتعلقــة بالنتائــج كدرجــة تقاضــي وحيــدة علــى نحــو مــا تــم إقــراره بخصــوص‬
‫نزاعــات نتائــج انتخــاب أعضــاء املجلــس الوطنــي التأسيســي ويتطلــب تبنـــي هــذا الخيــار‬
‫التأكيــد علــى أن حســن ســير النـــزاع يقتضــي اعتمــاد درجــة وحيــدة بمــا يمكــن مــن‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪130‬‬

‫توســيع آجــال تقديــم الطعــون ومذكــرات الدفــاع وآجــال البــت وهــو مــا يرفــع العديــد مــن‬
‫العقبــات أمــام ممارســة حقــوق التقاضــي والدفــاع كمــا أن الجلســة العامــة القضائيــة‬
‫باعتبارهــا الهيئــة األرفــع ضمــن جهــاز القضــاء اإلداري تتوافــر فيهــا كافــة املقومــات‬
‫مــن جهــة الخبــرة والحياديــة فهــي هيئــة جامعــة تضــم فــي تركيبتهــا أرفــع الوظائــف‬
‫والرتــب القضائيــة بجهــاز القضــاء اإلداري وتجمــع بــن قضــاة املوضــوع وقضــاة‬
‫القانــون وهــي مبــررات موضوعيــة باإلمــكان أن تبــرر اســتثناء هــذا الصنــف مــن مبــدأ‬
‫التقاضــي علــى درجتــن الواقــع إقــراره بموجــب أحــكام الفصــل ‪ 108‬مــن الدســتور‪.‬‬
‫وتجــدر اإلشــارة فــي هــذا الخصــوص إلــى أن أحــكام الفصــل ‪ 108‬مــن الدســتور لــم‬
‫تنـــزل مبــدأ التقاضــي علــى درجتــن بمثابــة القاعــدة امللزمــة التــي يتعــن التقيــد بهــا‬
‫فــي جميــع األحــوال بصــرف النظــر عــن مــا تقتضيــه خصوصيــة بعــض النـــزاعات‬
‫وضمانــات املحاكمــة العادلــة ومتطلبــات القضــاء الناجــز كمــا أنــه مــن املعلــوم أن‬
‫تأويــل أحــكام الدســتور يتــم كوحــدة منســجمة مــع مراعــاة قواعــد الترجيــح فــي حالــة‬
‫تنافــس الحقــوق ومــن ثمــة فــإن إعمــال مبــدأ التقاضــي علــى درجتــن ال يتــم بمعــزل‬
‫عــن مــدى ضمانــه ممارســة أفضــل لحقــوق التقاضــي والدفــاع التــي تعــد حقوقــا ذات‬
‫قيمــة دســتورية‪ ،‬األمــر الــذي يضــع علــى كاهــل املشــرع فــي صــورة اعتمــاد خيــار درجــة‬
‫واحــدة فــي التقاضــي الحــرص علــى بيــان مزاياهــا التــي أتينــا علــى البعــض منهــا‬
‫وهــي مبــررات موضوعيــة باإلمــكان أن تؤســس إلــى اســتثناء هــذا الصنــف مــن مبــدأ‬
‫التقاضــي علــى درجتــن الواقــع إقــراره بموجــب أحــكام الفصــل ‪ 108‬مــن الدســتور‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬بخصوص طريق الطعن بالتماس إعادة النظر‬


‫لئــن جــاءت النصــوص صريحــة فــي اســتبعاد أي وجــه مــن أوجــه الطعــن فــي األحــكام‬
‫والقــرارات الباتــة الصــادرة عــن الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة والدوائــر‬
‫االســتئنافية ولــو بالتعقيــب‪ ،‬فإنــه فــي صــورة املحافظــة علــى نظــام التقاضــي الحالــي فــإنّ‬
‫املوازنــة بــن فاعليــة الطعــن بالتمــاس إعــادة النظر في األحــكام الباتة الصــادرة عن الدوائر‬
‫االســتئنافية فــي مــادة نــزاع الترشــح مــن جهــة ضمــان عــدم النيــل مــن الحــق املذكــور‬
‫ومتطلبــات التقيــد بمتطلبات املســار االنتخابــي وخاصة االلتزام بالرزنامــة االنتخابية‪ ،‬يدفع‬
‫إمــا فــي اتجــاه تنظيــم الطعــن بالتمــاس إعــادة النظــر صلــب النص الخــاص املتعلق بنـــزاع‬
‫الترشــح مــع تقييــد ممارســته بشــروط وإجــراءات وآجــال خصوصيــة أو التنصيــص علــى‬
‫اســتبعاده صراحــة ممــا يكفــل توحيــد املواقف القضائيــة وهو في تقديرنا الخيار األنســب‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪.II‬إجراءات وشكليات القيام‬

‫تخضــع اإلجــراءات املنظمــة للنـــزاعات بوجــه عــام إلــى جملــة مــن املبــادئ العامــة‬
‫اإلجرائيــة التــي تهــدف إلــى ضمــان ممارســة حقــوق التقاضــي والدفــاع علــى الوجــه‬
‫األنســب‪ ،‬ويعــد مبــدأ املواجهــة مــن أهــم املبــادئ العامــة املذكــورة باعتبــاره يرمــي‬
‫إلــى ضمــان مبــدأ «تكافــؤ الفــرص بــن الخصــوم» (‪)principe d’égalité des armes‬‬
‫ومــؤدى ذلــك املبــدأ هــو اإلقــرار بحــق أطــراف املنازعــة فــي اإلطــاع علــى كل الوثائــق‬
‫والحجــج والتقاريــر املقدمــة إلــى القاضــي وفــي الــر ّد عليهــا وذلــك فــي آجــال معقولــة‪.‬‬
‫ولئــن كان هــذا املبــدأ يتجســم فــي املنازعــات اإلداريــة فــي الطابــع التوجيهــي‬
‫واالســتقصائي لإلجــراءات وذلــك باالعتــراف للقاضــي اإلداري بــدور ايجابــي فــي‬
‫تحريــك الدعــوى ســواء فــي تحديــد أطــراف املنازعــة أو مطالبــة األطــراف بتصحيــح‬
‫إجــراءات القيــام أو تهيئــة وســائل اإلثبــات‪ ،‬فــإنّ خصوصيــة النـــزاعات االنتخابيــة‬
‫مــن حيــث طبيعــة وأطــراف الخصومــة واآلجــال املختصــرة للبــت فيهــا وموجبــات‬
‫حيــاد القاضــي‪ ،‬قــد ضيقــت فــي مــن ســلطات القاضــي بــأن حصــرت دور املحكمــة‬
‫فــي النـــزاع االنتخابــي فــي تعيــن جلســة املرافعــة واســتدعاء األطــراف وإعالمهــم‬
‫بالحكــم فيمــا يكــون محمــوال علــى القائــم ّ‬
‫بالطعــن واجــب تبليــغ عريضــة الطعــن‬
‫إلــى الهيئــة واألطــراف والتنبيــه عليهــم بــاإلدالء بملحوظاتهــم فــي األجــل القانونــي‪.‬‬
‫وعلــى هــذا األســاس‪ ،‬اســتقر فقــه قضــاء املحكمــة علــى اعتمــاد تأويــل ضيــق‬
‫لألحــكام املنظمــة ملبــدأ املواجهــة وذلــك مــن خــال التأكيــد علــى «أنّ النــزاع‬
‫خاصــة وآجــال مقتضبــة ومبــادئ قانونيــة‬ ‫ّ‬ ‫اإلنتخابــي يخضــع إلــى إجــراءات‬
‫متم ّيــزة تحــول دون االســتئناس باملبــادئ اإلجرائيــة املوضوعــة ألصنــاف أخــرى‬
‫النــص ّ‬
‫املنظــم‬ ‫ّ‬ ‫منــاص للقاضــي االنتخابــي مــن التق ّيــد بعبــارة‬
‫ّ‬ ‫مــن النزاعــات وأنّــه ال‬
‫‪1‬‬
‫للنــزاع االنتخابــي وتســليط الجــزاء الــوارد فيــه متــى ثبــت لــه اإلخــال بمقتضياتــه»‪.‬‬
‫وبالتمعــن فــي اإلجــراءات املنظمــة لنـــزاعات الترشــح والنتائــج لالنتخابــات‬
‫التشــريعية والرئاســية يتّضــح أن عديــد اإلجــراءات التــي علــى صلــة وثيقــة‬
‫بممارســة حقــوق التقاضــي والدفــاع لــم تكــن علــى قــدر مــن الوضــوح والدقــة‬
‫كمــا أن املواقــف القضائيــة فــي شــأن بعــض املســائل الجوهريــة لــم تكــن موحــدة‬

‫‪ .1‬أقــرت الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة هــذا املبــدأ ألول مــرة فــي قرارهــا الصــادر فــي القضيــة‬
‫عــدد ‪ 2018201‬بتــــاريخ ‪ 15‬جانفــي ‪ 2018‬ثــم تواتــر فقــه قضائهــا فــي هــذا الخصــوص يراجــع كذلــك فــي نفــس‬
‫االتجــاه قــرار الجلســة العامــة القضائيــة الصــادر فــي القضيــة عــدد ‪ 20195004‬بتاريــخ ‪ 30‬ســبتمبر ‪.2019‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪132‬‬

‫وســنتولى تباعــا التعــرض لهــذه املســائل بــدءا بمحضــر اإلعــام بالطعــن (‪ )1‬ثــم‬
‫تحديــد أطــراف املنازعــة (‪ )2‬وأخيــرا التقاريــر فــي الــرد علــى عريضــة الطعــن (‪.)3‬‬

‫‪ .1‬محضر اإلعالم بالطعن‬

‫وضــع املشــرع علــى كاهــل القائــم بالطعــن ســواء فــي نزاعــات الترشــح أو النتائــج واجــب‬
‫تبليــغ عريضــة الطعــن إلــى الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات وإلــى األطــراف املشــمولة‬
‫بالطعــن وســلط جــزاء رفــض الطعــن علــى اإلخــال باإلجــراء املذكــور‪ 1‬وبالنظــر لكــون‬
‫محضــر اإلعــام بالطعــن يعــد إجــراء جوهريــا لضمــان انعقــاد النـــزاع بصــورة ســليمة‬
‫فقــد تســلطت الرقابــة القضائيــة علــى صيغــة املحضــر املذكــور (أ) وتنصيصاتــه الوجوبيــة‬
‫(ب) وتفصيــل املؤيــدات املرفقــة بعريضــة الطعــن (ج) وعــدم التطابــق بــن بيانــات املحضــر‬
‫وعريضــة الطعــن (د)‪.‬‬

‫أ‪ .‬صيغة محضر اإلعالم بالطعن‬

‫تباينــت مواقــف الدوائــر االســتئنافية فــي خصــوص صيغــة محضــر اإلعــام بالطعــن التــي‬
‫يتعــن اإلدالء بهــا وقــد أفضــى ذلــك إلى تأويــات متضاربة يمكن تبويبها فــي ثالثة مواقف‪:‬‬
‫املوقــف األول‪ :‬العبــرة فــي ســامة إجــراءات التبليــغ ليســت بصيغــة وثيقــة محضــر‬
‫اإلعــام بالطعــن إن كان أصــل املحضــر أو النظيــر أو نســخة أو نســخة مطابقــة‬
‫لألصــل منــه وإنمــا فــي تحقــق جــواب األطــراف ذلــك أن القانــون األساســي املتعلــق‬
‫باالنتخابــات واالســتفتاء لــم يوجــب اإلدالء بمحضــر اإلعــام بالطعــن فــي صيغــة محــددة‬
‫علــى اعتبــار أن محاضــر اإلعــام بالطعــن أيــا كانــت صيغتهــا هــي حجــة رســمية‬
‫وهــي بذلــك محمولــة علــى الصحــة وال يمكــن الطعــن فيهــا إال بالزور‪.‬كمــا أنّ أحــكام‬
‫مجلــة املرافعــات املدنيــة والتجاريــة تعــد هــذه املســألة مــن متعلقــات الخصــوم وليــس‬
‫للمحكمــة أن تثيرهــا مــن تلقــاء نفســها وال أن ترتــب عليهــا جــزاء البطــان وعــاوة علــى‬
‫ذلــك فــإنّ اآلجــال املختصــرة لتقديــم الطعــون تعــد عقبــة رئيســية أمــام إدالء الطاعــن‬
‫بأصــل املحضــر ذلــك أنــه يتعــن علــى عــدل التنفيــذ اســتكمال اإلجــراءات الخاصــة‬
‫بتســجيل املحضــر بالقباضــة املاليــة والتــي قــد تتزامــن مــع أيــام العطــل الرســمية‪.‬‬

‫‪ .1‬الفصول ‪ 29‬و‪ 46‬و‪ 47‬و‪ 145‬و‪ 146‬من القانون األساسي املتعلق باالنتخابات واالستـفتاء‪.‬‬
‫‪133‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫املوقــف الثانــي‪ :‬ذهبــت بعــض الدوائــر االســتئنافية إلــى أن العبــرة بتضمــن‬


‫املحضــر أيــا كانــت صيغتــه ولــو نســخة عاديــة عــن أصــل املحضــر إمضــاء‬
‫مــن ســلم إليــه اإلعــام وختمــه علــى نحــو مــا يقتضيــه الفصــل ‪ 6‬خامســا‬
‫مــن مجلــة املرافعــات املدنيــة والتجاريــة‪ 1‬وذلــك للتحقــق مــن حصــول التبليــغ‪.‬‬
‫املوقــف الثالــث‪ :‬ســامة إجــراءات التبليــغ تتوقــف علــى وجــوب إدالء الطاعــن بأصــل‬
‫محضــر اإلعــام بالطعــن وأن عــدم تــدارك ذلــك اإلخــال إلــى حــن ختــم املرافعــة فــي‬
‫القضيــة يترتــب عليــه رفــض الطعــن شــكال ولــو تحقــق مبــدأ املواجهــة بحضــور األطــراف‬
‫جلســة املرافعــة وتقديــم تقريــر فــي الــرد ويتأســس املوقــف املذكــور علــى أن نظيــر محضــر‬
‫اإلعــام بالطعــن ال يتوافــر فيــه شــروط التحقــق مــن هويــة املتســلم وإمضائــه وختمــه‬
‫أووضــع عالمــة إبهامــه أو تســجيل امتناعــه عــن التســلم وذكــر ســببه عنــد االقتضــاء علــى‬
‫‪2‬‬
‫معنــى أحــكام املطــة الخامســة مــن الفصــل ‪ 6‬مــن مجلــة املرافعــات املدنيــة والتجاريــة‪.‬‬
‫وقــد أفضــى تضــارب التأويــل بــن الدوائــر االســتئنافية فــي خصــوص صيغــة‬
‫محضــر اإلعــام بالطعــن فــي نزاعــات النتائــج إلــى قبــول طعــون ورفــض أخــرى‬

‫‪ .1‬الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية األولــى باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20194075‬بتاريــخ ‪22‬‬
‫أكتوبــر ‪« 2019‬حيــث يســتفاد مــن أحــكام الفصلــن ‪ 145‬مــن القانــون االنتخابــي والفصــل ‪ 6‬مــن مجلــة املرافعــات‬
‫املدنيــة والتجاريــة أن عريضــة الطعــن يجــب أن تكــون مشــفوعة بمحضــر إعــام محــرر مــن عــدل تنفيــذ طبــق‬
‫الصيــغ والشــكليات املســتوجبة قانونــا يثبــت مــن خاللــه حصــول اإلعــام والتســليم حتــى يكــون جديــرا باالعتمــاد‪.‬‬
‫وحيــث تفريعــا علــى ذلــك تكــون املحكمــة ملزمــة بالتثبــت فــي ســامة إجــراءات وشــكليات الطعــن وتســليط الجــزاء‬
‫املســتوجب عــن اإلخــال بهــا مــا لــم يقــع تداركــه خــال أجــل القيــام‪ .‬وحيــث يتبــن بتفحــص محضــر اإلعــام‬
‫بالطعــن املدلــى بــه مــن نائــب املدعيــة واملحــرر مــن عــدل التنفيــذ (‪ )...‬أن هــذا األخيــر توجــه إلــى مقــر الهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات ومقــر حــزب قلــب تونــس وســلم إليهمــا نظيــرا مــن عريضــة الطعــن غيــر أن املحضــر لــم‬
‫يتضمــن إمضــاء مــن ســلم إليــه اإلعــام وختــم الجهتــن املدعــى عليهمــا علــى نحــو مــا يوجبــه الفصــل ‪ 6‬خامســا‬
‫مــن مجلــة املرافعــات املدنيــة والتجاريــة بمــا يجعلــه غيــر جديــر باالعتمــاد إلثبــات حصــول التبليــغ علــى املعنــــي‬
‫الــذي يقتضيــه الفصــل ‪ 145‬مــن القانــون االنتخابــي‪ ،‬األمــر الــذي يترتــب عليــه وبصريــح النــص‪ ،‬رفــض الطعــن‬
‫شــكال»‪ .‬كمــا يراجــع فــي نفــس االتجــاه الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية السادســة باملحكمــة اإلداريــة فــي‬
‫القضيــة عــدد ‪ 20194092‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪« 2019‬وحيــث أن الطاعــن لــم يرفــق عريضــة طعنــه بأصــل محضــر‬
‫تبليــغ عريضــة الطعــن الــذي يفيــد إمضــاء مــن تســلمها وهويتــه واقتصــر علــى إرفاقهــا بنظيــر مــن محضــر التبليــغ‬
‫غيــر مســتوف للتنصيصــات الوجوبيــة التــي اقتضاهــا الفصــان ‪ 6‬و‪ 8‬مــن مجلــة املرافعــات املدنيــة والتجاريــة‪،‬‬
‫األمــر الــذي يصيــر إجــراء اإلعــام منقوصــا ومشــوبا بإخــاالت شــكلية تجعلــه غيــر حــري باالعتمــاد واتجــه‬
‫والحــال مــا ذكــر التصريــح برفــض الطعــن شــكال وفــق مــا توجبــه أحــكام الفصــل ‪ 145‬مــن القانــون االنتخابــي»‪.‬‬

‫‪ .2‬الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثانيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20194076‬بتاريــخ ‪22‬‬
‫أكتوبــر ‪« 2019‬وحيــث يخلــص ممــا ســبق أن إثبــات حصــول التبليــغ الســليم وفــق املقتضيــات القانونيــة يكــون مــن‬
‫خــال اإلدالء للمحكمــة بأصــل املحضــر املحــرر فــي الغــرض ضــرورة أن تســليم النظيــر يقتصــر علــى املتوجــه إليــه‬
‫وأن التحقــق مــن هويــة املتســلم وإمضائــه وختمــه أو وضــع عالمــة إبهامــه أو تســجيل امتناعــه عــن التســلم وذكــر‬
‫ســببه عنــد االقتضــاء ال يتــم إال بالرجــوع إلــى األصــل‪ .»...‬كمــا يراجــع فــي نفــس االتجــاه الحكــم الصــادر عــن‬
‫الدائــرة االســتئنافية الرابعــة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20194087‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪« 2019‬وحيــث اقتصــر‬
‫الطاعــن علــى اإلدالء بنظيــر مــن محضــر تبليــغ عريضــة الطعــن فــي حــن أن العبــرة بأصــول املحاضــر ال بنظائرهــا»‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪134‬‬

‫شــكال وعلــى الرغــم مــن أهميــة املســألة مــن جهــة ممارســة الحــق فــي التقاضــي‬
‫فإنّــه لــم يتســن للجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة بمناســبة نظرهــا‬
‫كدرجــة ثانيــة فــي الطعــون املوجهــة ضــد أحــكام الدوائــر االســتنئنافية الصــادرة‬
‫فــي نزاعــات النتائــج التعــرض لهــذه املســألة وتوحيــد املواقــف القانونيــة فــي شــأنها‪.‬‬

‫ب‪ .‬التنصيصات الوجوبية ملحضر اإلعالم بالطعن‬

‫تواتــر فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة علــى أن عــدم تضمــن محضــر اإلعــام بالطعــن‬
‫التنصيصــات الوجوبيــة يترتــب عليــه رفــض الطعــن شــكال ولــو تحقــق مبــدأ املواجهــة‪ 1‬وقــد‬
‫بــررت املحكمــة هــذا التوجــه القضائــي بــأنّ «املشــرع حمــل القائــم بالطعــن واجــب ضمــان‬
‫حــق املواجهــة والدفــاع للطــرف املشــمول بالطعــن مــن خــال التنصيصــات التــي ينبغــي أن‬
‫‪2‬‬
‫يتضمنهــا محضــر اإلعــام قبــل إيداعه لدى كتابــة املحكمة تحت طائلة الرفض شــكال‪.»...‬‬
‫وقــد تســلطت الرقابــة القضائيــة خاصــة علــى التنصيــص الوجوبــي الــوارد بالفصلــن ‪145‬‬
‫و‪ 146‬مــن القانــون األساســي املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء واملتعلــق «بـــالتنبية علــى‬
‫األطــراف بتقديــم ملحوظاتهــم مرفقــة بمــا يفيــد تبليغهــا لألطــراف فــي أجــل أقصــاه يــوم‬
‫جلســة املرافعــة» واتســمت هــذه الرقابــة باعتمــاد تأويــل صــارم لتلــك املقتضيــات‪ 3‬إذ أكــدت‬
‫املحكمــة علــى وجــوب التقيــد حرفيــا بالصيغــة الــواردة بأحــكام القانــون االنتخابــي وأن‬
‫اإلغفــال عــن ذكــر بعــض مقتضياتهــا يــؤول إلــى رفــض الطعــن شــكال‪ ،4‬وفــي املقابــل أجازت‬
‫املحكمــة إمكانيــة تــدارك اإلخــاالت الــواردة بمحضــر اإلعــام بالطعــن علــى أن يكــون‬

‫‪ .1‬قــرار الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة الصــادر فــي القضيــة عــدد ‪ 20195004‬بتاريــخ ‪ 30‬ســبتمبر ‪.2019‬‬
‫‪ .2‬الحكم الصادر عن الدائرة االســتئنافية الثالثة باملحكمة اإلدارية في القضية عدد ‪ 20194008‬بتاريخ ‪ 17‬أكتوبر ‪.2019‬‬
‫‪ .3‬قــرار الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة الصــادر فــي القضيــة عــدد ‪ 20195028‬بتاريــخ ‪ 4‬نوفمبــر‬
‫‪« :2019‬إنّ عريضــة الطعــن املقدمــة فــي الطــور األول جــاءت خاليــة م ّمــا يفيــد التنبيــه علــى األطــراف بضــرورة‬
‫تقديــم ملحوظاتهــم مرفقــة بمــا يفيــد تبليغهــا لألطــراف فــي أجــل أقصــاه يــوم جلســة املرافعــة املع ّيــن مــن‬
‫املحكمــة‪ ،‬ممــا يعــد إخــاال بشــكلية جوهريــة اســتوجبتها مقتضيــات الفصــل ‪ 145‬مــن القانــون االنتخابــي»‪.‬‬
‫‪ .4‬الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية التاســعة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20194072‬بتاريــخ‬
‫‪ 22‬أكتوبــر ‪« :2019‬وحيــث تبــن بالرجــوع إلــى أوراق امللــف أن نائــب املدعيــة أدلــى بمحضــر إعــام بالطعــن‬
‫توجــه بــه إلــى الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بجندوبــة منبهــا إياهــا بضــرورة تقديــم ملحوظاتهــا فــي أجــل أقصــاه‬
‫بــوم جلســة املرافعــة دون التنصيــص علــى ضــرورة أن تكــون تلــك امللحوظــات مرفقــة بمــا يفيــد تبليغهــا لألطــراف‪.‬‬
‫وحيــث ترتيبــا علــى مــا تقــدم يكــون إخــال املدعيــة بإجــراءات رفــع الدعــوى علــى النحــو املبــن أعــاه‬
‫إخــاال بإجــراء أساســي مــن إجــراءات الطعــن ممــا يجعــل الدعــوى املاثلــة محتلــة مــن الناحيــة الشــكلية»‪.‬‬
‫‪135‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫ذلــك قبــل انقضــاء آجــال تقديــم الطعــون‪ 1‬أي خــال أجــل الطعــن علــى اعتبــار أن القانــون‬
‫االنتخابــي حــدد يــوم جلســة املرافعــة كأقصــى أجــل لتقديــم الــردود املبلغــة مــن األطــراف‪.‬‬

‫ج‪ .‬تفصيل مؤيدات عريضة الطعن بمحضر اإلعالم بالطعن‬

‫لــم تتــول املحكمــة التعــرض لهــذه املســألة بصفــة تلقائيــة وترتيــب النتائــج املســتوجبة‬
‫بخصــوص اعتمــاد املؤيــدات أو اإلعــراض عنهــا وذلــك رغــم املســاس بصفــة جوهريــة‬
‫بحقــوق الدفــاع املخولــة للمطعــون ضــده إذ تكتفــي أغلــب محاضــر اإلعــام بالطعــن‬
‫باإلشــارة إلــى تبليــغ املطعــون ضــده نســخة مــن املؤيــدات دون تفصليهــا وإذا مــا أخذنــا‬
‫بعــن االعتبــار خصوصيــة هــذه املؤيــدات فــي نــزاع النتائــج‪ ،‬التــي ال تقتصر علــى التقارير‬
‫الرســمية للهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات والهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي البصــري‬
‫واملجتمــع املدنــي والتــي غالبــا مــا يتــم وضعهــا علــى ذمــة العمــوم بمواقــع الــواب وإنمــا‬
‫تشــتمل كذلــك علــى الحجــج التــي كونهــا الطاعــن بنفســه أو تحصــل عليهــا مــن مصــادر‬
‫خاصــة علــى غــرار تســجيالت مســموعة ومرئيــة‪ ،‬محاضــر عــدول إشــهاد فــي تلقــي‬
‫شــهادة شــهود‪ ،‬دراســات مكاتــب فنيــة متخصصــة‪ ،...‬فــإنّ عــدم تفصيــل املؤيــدات صلــب‬
‫محضــر اإلعــام بالطعــن ال يــؤول إلــى التســليم بتمكــن املطعــون ضــده مــن نســخة منهــا‬
‫حتــى يتســنى لــه مناقشــة مضمونهــا ومطابقــة محتواهــا والنســخ املرفقــة مــع عريضــة‬
‫الطعــن عنــد االقتضــاء‪ .‬وقــد تسنـــى للجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلدارية بمناســبة‬
‫نظرهــا فــي القضيــة عــدد ‪ 20195011‬الصــادر فيهــا الحكــم بتاريــخ ‪ 4‬نوفمبــر ‪ 2019‬أن‬
‫اســتبعدت اعتمــاد قــرص ليــزري مدلــى بــه مــن الطاعــن يتضمــن تســجيالت صوتيــة‬
‫تتعلــق بمخالفــات انتخابيــة إذ تبــن بالرجــوع إلــى محضــر اإلعــام بالطعــن أن القــرص‬
‫املذكــور لــم يتــم تعــداده ضمــن املؤيــدات التــي تــم تمكــن املطعــون ضــده مــن نســخ منهــا‪.‬‬

‫‪ .1‬قــرار الجلســة العامــة القضائيــة الصــادر فــي القضيــة عــدد ‪ 20195005‬بتاريــخ ‪ 30‬ســبتمبر ‪« 2019‬وحيــث ثبــت‬
‫لهــذه املحكمــة‪ ،‬وعلــى نحــو مــا انتهــت إليــه محكمــة البدايــة‪ ،‬أنّ محضــر اإلعــام بالطعــن املدلــى بــه مــن الطاعــن‬
‫لــم يتض ّمــن التنبيــه علــى الهيئــة املطعــون ض ّدهــا بضــرورة تقديــم ملحوظاتهــا مرفقــة بمــا يفيــد تبليغهــا للطاعــن‬
‫فــي أجــل أقصــاه جلســة املرافعــة املعينــة مــن املحكمــة كمــا أن تــدارك اإلخــال املذكــور بموجــب محضــر التــدارك‬
‫املوجــه إلــى املطعــون ض ّدهــا بتاريــخ ‪ 20‬ســبتمبر ‪ 2019‬جــاء خــارج األجــل القانونــي املع ّيــن للطعــن»‪ .‬كمــا يراجــع فــي‬
‫نفــس االتجــاه الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الســابعة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪20194001‬‬
‫بتاريــخ ‪ 23‬ســبتمبر ‪« 2019‬وحيــث خالفــا ملــا تمســكت بــه نائبــة الطاعــن فــإن محضــر التــدارك املدلــى بــه مــن قبلهــا‬
‫بتاريــخ ‪ 20‬ســبتمبر ‪ 2019‬واملتضمــن أنــه وقــع الســهو عــن ذكــر صيغــة التنبيــه وأن منوبهــا يتــدارك ذلــك ويتولــى‬
‫التنبيــه علــى األطــراف بضــرورة تقديــم الجــواب فــي أجــل أقصــاه يــوم جلســة املرافعــة إنمــا يخضــع بالضــرورة‬
‫لنفــس الشــروط الشــكلية للمحضــر األصلــي املــراد تصحيحــه بمــا فــي ذلــك آجــال تبليغــه للمطعــون ضدهــا والتــي‬
‫تكــون بالضــرورة قبــل انقضــاء آجــال تقديــم الطعــون املحــددة بيومــن مــن تاريــخ تعليــق النتائــج األوليــة‪»...‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪136‬‬

‫د‪ .‬عــدم التطابــق بــن بيانــات محضــر اإلعــام بالطعــن وعريضــة‬


‫ا لطعن‬

‫تصــدت الدوائــر االســتئنافية باملحكمــة اإلداريــة إلشــكال عــدم تطابــق بــن بيانــات‬
‫محضــر اإلعــام بالطعــن ومطلــب الطعــن بمناســبة نظرهــا فــي نزاعــات النتائــج إذ‬
‫ينــص الفصــل ‪ 145‬مــن القانــون األساســي لالنتخابــات واالســتفتاء علــى أنــه «يجــب‬
‫أن يكــون مطلــب الطعــن معلــا ومحتويــا علــى أســماء األطــراف ومقراتهــم وعلــى عــرض‬
‫موجــز للوقائــع ويكــون مشــفوعا باملؤيــدات وبمحضــر اإلعــام بالطعــن‪ »...‬ويســتتبع‬
‫ذلــك عمليــا إدراج البيانــات املتعلقــة خاصــة بأســماء األطــراف ومقراتهــم وصفاتهــم‬
‫علــى حــد الســواء بمطلــب الطعــن وكذلــك بمحضــر اإلعــام بالطعــن علــى اعتبــار أن‬
‫ذلــك مــن التنصيصــات الوجوبيــة التــي تتضمنهــا املحاضــر املحــررة مــن عــدول التنفيــذ‬
‫عمــا بأحــكام الفصــل ‪ 6‬مــن مجلــة املرافعــات املدنيــة والتجاريــة‪ 1‬وقــد أفضــى ذلــك‬
‫فــي بعــض األحيــان إلــى تناقــض فــي بعــض املعطيــات املدرجــة بالوثيقتــن املذكورتــن‪.‬‬
‫ولئــن كان التضــارب بخصــوص بعــض البيانــات ال تأثيــر مباشــر لــه علــى حســن سيـــر‬
‫الخصومــة‪ ،‬فــإن املعطيــات املتعلقــة خاصــة بأســماء األطــراف ومقراتهــم ال تتعلــق‬
‫فحســب بمصلحــة الخصــوم وإنمــا بحســن ســير التقاضــي أمــام املحكمــة التــي يقــع‬
‫علــى عاتقهــا اســتدعاء األطــراف إلــى جلســة املرافعــة عمــا بأحــكام الفصــل ‪145‬‬
‫املذكــور فــي أجــل ال يمكــن أن يتعــدى فــي جميــع األحــوال ثالثــة أيــام مــن تاريــخ تقديــم‬
‫الطعــن‪ ،‬وهــو أجــل مختصــر ال يتيــح للمحكمــة التدقيــق فــي ملــف الطعــن الترجيــح بــن‬
‫الوثائــق املتضاربــة عنــد االقتضــاء كمــا أنّ عــدم اإلعتــراف بــدور ايجابــي للقاضــي‬
‫اإلداري فــي تحريــك الدعــوى واملوجبــات املشــددة للحيــاد التــي تفرضهــا النـــزاعات‬
‫االنتخابيــة ليــس مــن شــأنها أن تحمــل القاضــي علــى الحلــول محــل أطــراف املنازعــة‬
‫فــي توجيــه الدعــوى أو تصحيحهــا فــي اتجــاه مغايــر إلرادة أصحابهــا خاصــة وأن‬
‫املشــرع قــد كــرس وجوبيــة إنابــة محــام لــدى التعقيــب بخصــوص نزاعــات النتائــج‪.‬‬
‫وقــد أفصحــت الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة عــن موقفهــا فــي شــأن‬
‫هــذه املســألة ضمــن قراراهــا الصــادر فــي القضيــة عــدد ‪ 20195004‬بتاريــخ ‪ 30‬سبتمبـــر‬

‫‪ .1‬ينص الفصل ‪ 6‬من م‪.‬م‪.‬م‪.‬ت على أنه «يجب أن تشتمل املحاضر التي يحررها العدول املنفذون على ما يأتي‪)...( - :‬‬
‫ثانيــا‪ :‬اســم الطالــب ولقبــه ومهنتــه ومقــره املختــار وعــدد ترســيمه بالســجل التجــاري ومكانــه إن كان تاجــرا واســم‬
‫مــن يمثلــه إن وجــد ولقبــه ومهنتــه ومقــره (‪)...‬‬
‫رابعــا‪ :‬اســم املوجــه إليــه اإلعــام ولقبــه ومهنتــه ومقــره وإن لــم يكــن لــه مقــر معلــوم وقــت اإلعــام فآخــر مقــر إقامــة‬
‫كان لــه وعنــد االقتضــاء عــدد ترســيمه بالســجل التجــاري ومكانــه‪.»...‬‬
‫‪137‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ 2019‬وذلــك بــأن أكــدت علــى أنّ «دور املحكمــة فــي النـــزاع يقتصــر علــى تعيــن جلســة‬
‫املرافعــة واســتدعاء األطــراف املضمنــة أســمائهم ومقراتهــم بعريضــة الطعــن وإعالمهــم‬
‫بالحكــم» وهــو مــا يســتفاد منــه أن البيانــات املدرجــة بعريضــة الطعــن املتعلقــة بأســماء‬
‫األطــراف ومقراتهــم هــي التــي يتعــن علــى املحكمــة التقيــد بهــا فــي توجيــه االســتدعاء‬
‫إلــى جلســة املرافعــة دون غيرهــا مــن الوثائــق بمــا فــي ذلــك محضــر اإلعــام بالطعــن‬
‫وهــو نفــس املوقــف الــذي ذهبــت إليــه الدائــرة االســتئنافية األولــى التــي رجحــت علويــة‬
‫‪1‬‬
‫عريضــة الطعــن علــى محضــر اإلعــام بهــا فــي تحديــد األطــراف املشــمولة بالنـــزاع‪.‬‬
‫أمــا بخصــوص بقيــة البيانــات فقــد ذهبــت املحكمــة فــي تأويــل مــرن إذ اعتبــرت‬
‫أن األخطــاء املتســربة إلــى محضــر اإلعــام بالطعــن بخصــوص صفــة الطاعــن أو‬
‫املطعــون ضــده أو الدائــرة االنتخابيــة ال تعــدو إال مــن قبيــل األخطــاء املاديــة التــي ال‬
‫تأثيــر لهــا علــى املوجبــات الشــكلية للطعــن وهــو فــي تقديرنــا توجــه ســليم علــى‬
‫‪2‬‬
‫اعتبــار أن تلــك املعطيــات ليــس مــن شــأنها إحــداث أي تغييــر فــي أطــراف املنازعــة‪.‬‬
‫وبنــاء علــى مــا ســبق عرضــه بخصــوص اإلشــكاالت املثــارة فــي شــأن محضــر‬
‫اإلعــام بالطعــن فقــد بــات مــن الوجيــه تدخــل املشــرع لتوضيــح بعــض املســائل‬
‫بالنظــر إلــى تداعياتهــا علــى ممارســة حقــوق التقاضــي والدفــاع خاصــة فــي ظــل‬
‫اختــاف االجتهــادات القضائيــة وعــدم التوصــل إلــى توحيــد املواقــف القانونيــة‪.‬‬
‫وفــي هــذا الســياق تجــدر اإلشــارة إلــى أنّ املوازنــة بــن اآلجــال املختصــرة لتقديــم الطعون‬

‫‪ .1‬الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية األولــى باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 73049102‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر‬
‫‪« :9102‬وحيــث جــاء بعريضــة الدعــوى أن القائمــة املطعــون بهــا هــي ليليــا بالليــل بصفتهــا رئيســة قائمــة حــزب قلــب‬
‫تونــس بالدائــرة االنتخابيــة الثانيــة للتونســيني املقيمــن بفرنســا وأن الطعــن رفــع ضــد كل مــن الهيئــة العليــا املســتقلة‬
‫لالنتخابــات وناجــي الجمــل بصفتــه رئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضة عــن الدائــرة االنتخابيــة الثانية للتونســيني املقيمني‬
‫بفرنســا وتولــت املحكمــة تبعــا لذلــك اســتدعاء األطــراف إلــى جلســة املرافعــة بنــاء علــى البيانــات املضمنــة بالعريضــة‪.‬‬
‫وحيــث قــدم نائــب املدعيــة رفقــة عريضتــه محضــر إعــام بالطعــن (‪ )...‬موجــه إلــى كل مــن الهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات والســيدة ونيســي بصفتهــا رئيســة قائمــة حــزب حركــة النهضــة عــن الدائــرة‬
‫االنتخابيــة األولــى للتونســيني املقيمــن بفرنســا ولــم يــدل بمحضــر إعــام موجــه إلــى املطعــون ضــده‬
‫الثانــي ناجــي الجمــل الــوارد فــي عريضــة الطعــن بصفتــه رئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة عــن الدائــرة‬
‫االنتخابيــة الثانيــة للتونســيني املقيمــن بفرنســا مخالفــا بذلــك أحــكام الفصــل ‪ 541‬مــن القانــون االنتخابــي»‪.‬‬
‫‪ .2‬الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثالثــة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20194106‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر‬
‫‪« :2019‬وحيــث يتضــح مــن مراجعــة ســرد الوقائــع بعريضــة الدعــوى أن مــا تضمنــه محضــر التبليــغ بشــأن عــدم التطابق‬
‫بــن الطاعــن والدائــرة االنتخابيــة املطعــون فــي نتائجهــا والتــي وردت تحــت تســمية «دائرة بــن عروس» عوضا عــن «دائرة‬
‫نابــل واحــد» يمثــل غلطــا ماديــا ال ينجــر عنــه بطــان إجــراءات القيــام» يراجــع فــي نفــس االتجــاه الحكــم الصــادر عــن‬
‫الدائــرة االســتئنافية العاشــرة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20194082‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪ 2019‬وكذلــك الحكــم‬
‫الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الســابعة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20194085‬بتاريــخ ‪ 21‬أكتوبــر ‪.2019‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪138‬‬

‫وضمــان ســامة التبليــغ يمنــح املشــرع عديــد الخيــارات التــي يمكــن اعتمادهــا بخصــوص‬
‫صيغــة محضــر اإلعــام بالطعــن وذلــك إمــا باالكتفــاء بإتاحــة إرفــاق عريضــة الطعــن بــأي‬
‫صيغــة مــن صيــغ املحضــر علــى أن يتــم اإلدالء بأصــل املحضــر فــي أجــل أقصــاه يــوم‬
‫جلســة املرافعــة تحــت طائلــة رفــض الطعــن شــكال أو عــدم ترتيــب أي جــزاء بخصــوص‬
‫صيغــة املحضــر فــي صــورة تحقــق مبــدأ املواجهــة‪ ،‬أمــا بخصــوص تــدارك اإلخــاالت‬
‫الــواردة بمحضــر اإلعــام بالطعــن فإنــه يكــون مــن املفيــد تقنــن مــا اســتقر عليه فقــه قضاء‬
‫املحكمــة اإلداريــة مــن جــواز التــدارك خــال أجــل الطعــن بمــا يفتــح املجال أمــام املتقاضني‬
‫لالســتفادة مــن تلــك اإلمكانيــة عنــد االقتضــاء ويؤمــن اســتقرار املواقــف القضائيــة‪،‬‬
‫هــذا وتجــدر اإلشــارة إلــى أهميــة إدراج وجوبيــة أن يتضمــن محضــر اإلعــام بالطعــن‬
‫تفصيــا للمؤيــدات املرفقــة بعريضــة الطعــن ضمانــا لحقــوق املطعــون ضــده فــي الدفــاع‪.‬‬

‫‪ .2‬تحديد أطراف املنازعة‬

‫لئــن كان تحديــد أطــراف الـــخصومة فــي نزاعــات الترشــح ال يثيــر اشــكاالت جوهريــة علــى‬
‫اعتبــار أن النـــزاعات املذكــورة تصنــف فــي خانــة «اﻟﻘﻀﺎء اﻟﻜﺎﻣﻞ اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﻲ» إذ تتســلط‬
‫الرقابــة القضائيــة باألســاس علــى شــرعية قــرارات الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات‬
‫بقبــول أو رفــض مطلــب الترشــح ومــن ثمــة فــإن الطاعــن محمول علــى توجيه طعنــه إما ضد‬
‫الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات أو ضــد الهيئــة املذكــورة والقائمــة أو املترشــح املعنـــي‬
‫باألمــر عنــد االقتضــاء‪ ،‬غيــر أن توجيــه الطعــن فــي نزاعــات النتائــج ال يتســم بنفــس القــدر‬
‫مــن الوضــوح فمــن املعلــوم أن النـــزاعات املذكــورة ترمــي إمــا لتعديــل النتائــج أو إلغائهــا‬
‫وإذا كانــت الحالــة األولــى تفتــرض بداهــة أن يوجــه الطاعــن طعنــه ضــد الهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات والقائمــة (أو القائمــات) أو املترشــح (أو املترشــحني) الذيــن يــروم‬
‫تعديــل نتائجهــم‪ ،‬فــإنّ تحديــد أطــراف املنازعــة فــي الحالــة الثانيــة باعتبارهــا تســتهدف‬
‫الغــاء نتائــج االنتخابــات إمــا جزئيــا أو كليــا ليــس باألمــر اليسيـــر خاصــة إذا مــا أخذنــا‬
‫بعــن االعتبــار غيــاب الطابــع التوجيهــي واالســتقصائي فــي اإلجــراءات املتعلق بالنـــزاعات‬
‫االنتخابيــة مــن ناحيــة واآلجــال املختصــرة لتقديــم الطعــون والبــت فيهــا مــن ناحيــة أخــرى‪.‬‬
‫وعلــى هــذا األســاس اعتمــدت املحكمــة مقاربــة براغماتيــة فــي تحديــد أطــراف‬
‫املنازعــة فمــن جهــة أولــى أكــدت املحكمــة أن توجيــه الطعــن محمــول علــى الطاعــن‬
‫وليــس للمحكمــة أن تحــل محلــه فــي تحديــد خصومــه وال أن تبــادر بإدخــال مــن‬
‫أهمــل توجيــه طعنــه ضدهــم‪ ،‬غيــر أن ذلــك ليــس مــن شــأنه أن يشــكل حائــا‬
‫دونـــها وتســليط رقابتهــا علــى مــدى صحــة توجيــه الطعــن مــن جهــة األطــراف‬
‫املشــمولة وترتيــب الجــزاء املســتوجب متــى عاينــت إخــاالت فــي هــذا الشــأن‪.‬‬
‫‪139‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وفــي هــذا الســياق‪ ،‬أكــدت املحكمــة علــى أن تحديد أطــراف املنازعة في نزاعــات النتائج يتم‬
‫بتفحــص مضمــون عريضــة الطعــن مــن جهــة الوقائــع واملطاعــن والطلبــات‪ ،‬فالطاعــن الــذي‬
‫ينســب مخالفات إلى قائمة أو مترشــح بعينه ســواء بصفة صريحة‪ ،‬وعند االقتضاء بصفة‬
‫ضمنيــة إذا مــا توصلــت املحكمــة باعتمــاد مؤشــرات أو قرائــن قاطعــة إلــى تحديــد القائمــة‬
‫أو املترشــح املعنــي باألمــر‪ ،‬فإ ّنــه يتعــن عليــه توجيــه طعنــه ضــد القائمــة أو املترشــح املعني‬
‫‪1‬‬
‫بصــرف النظــر عــن طبيعــة طلباتــه الراميــة إن كانــت راميــة إلــى تعديــل أو إلغــاء النتائــج‪.‬‬
‫ولئــن كان اتجــاه املحكمــة مبــررا بضمــان الحــق فــي الدفــاع إذ ال يســتقيم واقعــا وقانونــا‬
‫مراجعــة النتائــج أو إلغاؤهــا دون تمكــن املشــمولني بالطعــن مــن اإلفصــاح عــن وجهــة‬
‫نظرهــم وتقديــم دفوعاتهــم حيــال مــا ينســب إليهــم ‪ ،‬فإنــه مــن شــأنه أن يثيـــر اشــكاال‬
‫جوهريــا بخصــوص الطعــون الراميــة إلــى اإللغــاء الكلــي للنتائــج األوليــة لالنتخابــات‬
‫الرئاســية‪ ،‬ضــرورة أن الطعــن فــي النتائــج املذكــورة يجــب أن يتســلط علــى النتائــج‬
‫فــي مجملهــا ووحدتهــا ذلــك أن مراكــز االقتــراع املوزعــة داخــل الجمهوريــة وخارجهــا‬
‫تشــكل دائــرة انتخابيــة واحــدة‪ ،‬أي إلــى إعــادة إجــراء االنتخابــات ففــي هــذه الصــورة‬
‫هــل يكــون الطاعــن ملزمــا بتوجيــه طعنــه ضــد املترشــح الفائــز أو ضــد املترشــحني‬
‫الذيــن يتفوقــون عليــه فــي ترتيــب النتائــج أو ضــد كافــة املترشــحني املقبولــن نهائيــا‪.‬‬
‫وإذا مــا أخذنــا بعــن االعتبــار أنّ املطاعــن في صــورة الحال تنصب على خروقات جســيمة‬
‫نالــت مــن مصداقيــة وشــفافية العمليــة االنتخابيــة ككل وال يعــدو االستشــهاد بمخالفــات أو‬
‫تجاوزات تنسب إلى املترشحني إال من باب بيان تقصير الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات‬
‫فــي التصــدي لتلــك التجــاوزات وأن الطعــن ال يرمــي إلــى تعديــل نتائــج مترشــحني بعينهــم‬
‫بــل إلــى إعــادة إجــراء االنتخابــات‪ ،‬فإ ّنــه يكــون مــن الوجيــه اقتصــار الطاعــن علــى توجيــه‬
‫الطعــن ضـ ّد الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات باعتبارهــا الجهــة املوكــول إليهــا «وضــع‬

‫‪ .1‬قــرار الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة الصــادر فــي القضيــة عــدد ‪ 20195004‬بتاريــخ ‪ 30‬ســبتمبر‬
‫‪« 2019‬وحيــث يتبــن بالرجــوع إلــى أوراق امللــف االبتدائــي (‪ )...‬أنّ محضــر اإلعــام بالطعــن املحــرر مــن عــدل‬
‫التنفيــذ (‪ )...‬إقتصــر علــى إعــام الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات بالطعــن والحــال أنّ الطاعــن شــمل بطعنــه‬
‫املترشــحني نبيــل القــروي وعبــد الفتــاح مــورو ‪ »...‬وقــد اعتبــرت الجلســة العامــة أن ذلــك اإلخــال يجعــل مــن الطعــن‬
‫املقــدم فــي الطــور األول حريــا بالرفــض شــكال منتهيــة إلــى إقــرار حكــم املطعــون بأســانيده الجديــدة‪ .‬ويراجــع‬
‫فــي نفــس االتجــاه الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية السادســة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد‬
‫‪ 20194066‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪« 2019‬وحيــث أن أطــراف املنازعــة تحــدد بحســب املطاعــن الــواردة فــي العريضــة‬
‫وعلــى املحكمــة فــي جميــع األحــوال اســتنباط املترشــح الــذي تنســب إليــه املخالفــات مــن خــال عريضــة الطعــن‪.‬‬
‫وحيــث تمســك الطاعــن فــي عريضــة طعنــه بحصــول إخــاالت بمحيــط مركــزي اقتــراع كائنــن بمعتمديــة‬
‫بنــي خــداش تمثلــت فــي إقــدام عضــو مــن حركــة النهضــة علــى تحريــض املواطنــن أمــام مركــز االقتــراع‬
‫النتخــاب القائمــة رقــم ‪ 10‬وفــي منــع ممثلــي قائمتــه مــن حضــور عمليــة احتســاب األصــوات والفــرز‪.‬‬
‫وحيــث وجــه الطاعــن طعنــه إلــى الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات فحســب دون املترشــح أو املترشــحني‬
‫الذيــن يدعــي ارتكابهــم املخالفــات املتعلقــة بخــرق الصمــت االنتخابــي والنيــل مــن حريــة التصويــت وســريته‬
‫ســواء داخــل مراكــز االقتــراع أو خارجهــا او اســتفادتهم منــه‪ ،‬وهــي قائمــة حــزب حركــة النهضــة‪».‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪140‬‬

‫‪1‬‬
‫آليــات التنظيــم واإلدارة والرقابــة الضامنــة لنزاهة االنتخابات واالســتفتاءات وشــفافيتها»‪.‬‬
‫وقــد تصــدت الجلســة العامــة القضائيــة لهــذا اإلشــكال وانتهــت إلــى أنــه لئــن كانــت‬
‫طلبــات الطاعــن ترمــي إلــى إلغــاء نتائــج االنتخابــات كليــا‪ ،‬فإنّــه يتبــن مــن ملــف‬
‫القضيــة أن املطاعــن والخروقــات تعلقــت بمترشــح بعينــه فــي حــن اكتفــى الطاعــن‬
‫بتوجيــه طعنــه ضــد الهيئــة وقــد ذهبــت املحكمــة فــي هــذا القــرار إلــى أن اســتجالء‬
‫املترشــح املنســوب إليــة ارتــكاب مخالفــات ال يتوقــف علــى املطاعــن الــواردة بعريضــة‬
‫الطعــن وإنمــا كذلــك بالرجــوع إلــى مرفقــات العريضــة‪ ،‬منتهيــة علــى هــذا األســاس‬
‫‪2‬‬
‫إلــى نقــض الحكــم املطعــون فيــه والقضــاء مــن جديــد برفــض الطعــن شــكال‪.‬‬

‫‪ .3‬التقارير في الرد على عريضة الطعن‬

‫رغــم حــرص املشــرع علــى ضمــان حــق املطعــون ضــده فــي الدفــاع مــن خــال‬
‫ضمــان تبليغــه بعريضــة الطعــن ومرفقاتهــا‪ ،‬فــإن ممارســة هــذا الحــق قــد‬
‫واجــه بعــض الصعوبــات فيمــا يخــص األجــل املمنــوح للمطعــون ضــده لتقديــم‬
‫تقريــره فــي الــرد (أ) وكذلــك الصيــغ املســتوجبة فــي تبليــغ التقريــر املذكــور (ب)‪.‬‬

‫أ‪ .‬األجل املخول للمطعون ضده لتقديم تقرير في الرد‬

‫ميــز املشــرع بــن نزاعــات الترشــح لالنتخابــات الرئاســية التــي يتعــن فــي شــأنها‬
‫تبليــغ الطــرف اآلخــر بنســخة منــه فــي أجــل أقصــاه ‪ 48‬ســاعة قبــل جلســة املرافعــة‬
‫علــى أن يتــم إيداعهــا باملحكمــة فــي أجــل أقصــاه يــوم جلســة املرافعــة‪ 3‬وبيـــن‬
‫نزاعــات الترشــح لالنتخابــات التشــريعية‪ 4‬ونزاعــات النتائــج والتــي حــدد جلســة‬

‫‪ .1‬الفصل ‪ 3‬من القانون األساسي عدد ‪ 23‬لسنة ‪ 2012‬املؤرخ في ‪ 20‬ديسمبر ‪ 2012‬املتعلق بالهيئة العليا املستقلة لالنتخابات‪.‬‬
‫‪ .2‬قــرار الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة الصــادر فــي القضيــة عــدد ‪ 20195003‬بتاريــخ ‪ 30‬ســبتمبر ‪2019‬‬
‫«وحيــث وطاملــا اقتصــر الطاعــن علــى توجيــه طعنــه إلــى الهيئــة دون توجيهــه إلــى املترشــح أو املترشــحني الــذي يدعــي‬
‫أنهــم اســتفادوا مــن اإلخــاالت والخروقــات فــإن الطعــن املاثــل يكــون مخالفــا ملقتضيــات الفصــل ‪ 145‬مــن القانــون‬
‫األساســي لالنتخابــات واالســتفتاء»‪.‬‬
‫‪ .3‬الفصل ‪ 46‬و‪ 47‬من القانون األساسي لالنتخابات واالستفتاء‪.‬‬
‫‪ .4‬لــم يحــدد الفصــل ‪ 29‬مــن القانــون األساســي لالنتخابــات واالســتفتاء أجــا محــدد للمطعــون ضــده لتقديــم تقريــره‬
‫فــي الــرد وتبليــغ نســخة منــه إلــى الطاعــن وهــو مــا يســتفاد منــه أن آخــر أجــل لذلــك يوافــق يــوم جلســة املرافعــة‪.‬‬
‫‪141‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫املرافعــة كآجــل أقصــى لتقديــم تقريــر فــي الــرد وتبليــغ نســخة منــه إلــى الطاعــن‪.‬‬
‫وعــاوة علــى التبايــن فــي اآلجــال املمنوحــة للمطعــون ضــده لتبليــغ تقريــره فــي الــرد‬
‫بــن نزاعــات الترشــح لالنتخابــات الرئاســية ونزاعــات الترشــح لالنتخابــات التشــريعية‬
‫ونزاعــات النتائــج والتــي مــن املستحســن توحيدهــا‪ ،‬فــإنّ املالحــظ أن اآلجــال املمنوحــة‬
‫للمطعــون تتســع أو تتقلــص وفــق عاملــن أساســن األول يتعلــق بتاريــخ تبليغــه عريضــة‬
‫الطعــن والثانــي تاريــخ تعيــن جلســة املرافعــة وهــو العامــل األكثــر أهميــة إذ أن املشــرع‬
‫لــم يضــع أجــل محــددا لتعيــن جلســة املرافعــة وإنمــا منــح املحكمــة تقديــر ذلــك علــى‬
‫أن ال تتجــاوز فــي جميــع األحــوال أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ تقديــم الطعــن‬
‫وهــو مــا مــن شــأنه فــي حــال تعــن جلســة املرافعــة فــي أجــل أدنــى مــن األجــل املذكــور‬
‫التقليــص مــن األجــل املخــول للمطعــون ضــده إلعــداده تقريــره فــي الــرد وتبليــغ خصومــة‬
‫بذلــك التقريــر‪ .‬وقــد حرصــت املحكمــة بمناســبة نظرهــا فــي نزاعــات الترشــح والنتائــج‬
‫النتخابــات التشــريعية والرئاســية لســنة ‪ 2019‬علــى اعتمــاد األجــل األقصــى فــي تعيــن‬
‫جلســة املرافعــة وكانــت الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة قــد تعرضــت لهــذه‬
‫املســألة فــي قرارهــا الصــادر بتاريــخ ‪ 4‬نوفمبــر ‪ 2019‬فــي القضيتــن عــدد ‪20195023‬‬
‫و‪ 20195029‬والتــي دفــع فــي شــأنها نائــب املطعــون ضــده بــأنّ تبليــغ مذكــرة الطعــن‬
‫ت ـ ّم يــوم األحــد الــذي ال يحتســب فــي آجــال الطعــن وهــو مــا ض ّيــق مــن األجــل املمنــوح‬
‫إلــى منوبــه إلعــداد وســائل الدفــاع وقــد انتهــت املحكمــة بالتثبــت فــي تاريــخ تبليــغ‬
‫املطعــون ضــده بعريضــة الطعــن وتاريــخ تعيــن جلســة املرافعــة إلــى أ ّنــه «وخالفــا ملــا‬
‫دفــع بــه نائــب املطعــون ضــ ّده فــإنّ تبليــغ املطعــون ضــده مذكــرة الطعــن يــوم األحــد‬
‫املوافــق لــــ‪ 27‬أكتوبــر ‪ 2019‬لــم يضيــق مــن األجــل املمنــوح لــه إلعــداد وســائل دفاعــه‬
‫وإنمــا مكنــه مــن يــوم إضافــي لتقديــم ملحوظاتــه فــي أجــل أقصــاه يــوم جلســة املرافعــة‬
‫املعينــة ليــوم ‪ 30‬أكتوبــر ‪ ،»2019‬هــذا وتجــدر اإلشــارة إلــى أن تأمــن ضمــان الحــد‬
‫األدنــي مــن األجــل املعقــول لفائــدة املطعــون ضــده لتقديــم تقريــره فــي الــرد يقتضــي‬
‫أن ال يتوقــف ذلــك علــى إرادة الطاعــن وإنمــا أن يتــم التنصيــص صراحــة علــى تعيــن‬
‫جلســة املرافعــة فــي أجــل ثالثــة مــن تاريــخ تقديــم الطعــن وهــو مــا يمنــح املطعــون ضــده‬
‫أجــا ال يقــل فــي جميــع األحــوال عــن ثالثــة أيــام وهــو نفــس األجــل املخــول للطاعــن‬
‫لتقديــم طعنــه فــي نزاعــات الترشــحات لالنتخابــات التشــريعية ونزاعــات النتائــج‪.‬‬

‫ب‪ .‬تبليغ تقرير الرد‬

‫اســتقر فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة علــى أنــه يتعــن تبليــغ تقريــر الــرد إلــى جميــع‬
‫األطــراف املشــمولة بالطعــن ورتبــت الهيئــات القضائيــة عــن اإلخــال باإلجــراء املذكــور‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪142‬‬

‫جــزاء اإلعــراض عــن اعتمــاد التقريــر‪ 1‬ويرمــي تكريــس هــذا اإلجــراء خاصــة إلــى ضمــان‬
‫الحــق فــي الدفــاع املخــول لبقيــة أطــراف القضيــة دون االقتصــار علــى الطاعــن فحســب‪.‬‬
‫أمــا بخصــوص صيغــة تبليــغ تقاريــر الــرد فقــد ذهبــت املحكمــة إلــى أن ذلــك يتــم «بــأي‬
‫وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا وذلــك احترامــا ملبــدأ املواجهــة وضمانــا لحــق الدفــاع»‪ 2‬وقــد‬
‫اختلفــت اجتهــادات الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة فــي خصــوص مــدى جــواز‬
‫اعتمــاد نظيــر محضــر تبليــغ تقريــر فــي الــرد محــرر مــن عــدل التنفيــذ ففــي حــن أجــازت‬
‫بعــض الدوائــر اعتمــاد تلــك الصيغــة ذهبــت دوائــر أخــرى إلــى أنّ ذلــك يســتوجب أن‬
‫يتضمــن املحضــر املذكــور إمضــاء مــن ســلم إليــه اإلعــام علــى معنــى الفصــل ‪ 6‬مــن‬
‫مجلــة املرافعــات املدنيــة والتجاريــة‪ 3‬أو اإلدالء بأصــل املحضــر‪ 4‬وامتــدت رقابــة بعــض‬
‫الدوائــر علــى مضمــون املحضــر إذ تولــت اإلعــراض عــن اعتمــاد التقريــر فــي الــرد املدلــى‬
‫بــه «لخلــو محضــر التبليــغ مــن ذكــر عــدد بطاقــة اإلعــام بالبلــوغ املوجهــة إلــى نائــب‬
‫الطاعــن وإرفاقــه بنســخة منهــا طبقــا ألحــكام الفصــل ‪ 8‬مــن مجلــة املرافعــات املدنيــة‬
‫‪5‬‬
‫والتجاريــة بمــا يتعــذر معــه علــى املحكمــة التحقــق مــن توجيــه الرســالة إلــى هــذا األخيــر»‬
‫وقــد تسنـــى للجلســة العامــة القضائيــة التعــرض لهــذا اإلشــكال وأقــرت الجلســة العامــة‬
‫املذكــورة جــواز اعتمــاد نظيــر محضــر تبليــغ تقريــر فــي الــرد وقــد أسســت موقفهــا علــى‬
‫أن املشــرع لــم يحــدد صيغــة بعينهــا لتبليــغ تقريــر الــرد وإنمــا منــح املطعــون ضــده‬
‫كامــل الحريــة فــي اختيــار الوســيلة التــي يراهــا مناســبة فــي تبليــغ تقريــره فــي الــرد‬
‫شــريطة أن تســمح الوســيلة املعتمــدة مــن التثبــت مــن صحــة التبليــغ بمقــر املطعــون ضــده‬
‫أو عنوانــه االلكترونــي املعتمــد بعريضــة الطعــن ويكــون بذلــك املطعــون ضــده ملــا اعتمــد‬
‫التبليــغ بواســطة محضــر عــدل تنفيــذ قــد اعتمــد الوســيلة األكثــر وثوقيــة فــي إثبــات‬

‫‪ .1‬الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية األولــى باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20194068‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر‬
‫‪« :2019‬وحيــث أدلــى كل مــن محامــي الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ومحامــي قائمــة حــزب قلــب تونــس بالدائــرة‬
‫االنتخابيــة بصفاقــس ‪ 2‬بتقريــر فــي الــرد علــى عريضــة الطعــن غيــر أنهمــا اقتصــرا علــى تبليغهمــا إلــى بعــض األطــراف‬
‫دون البقيــة خالفــا ألحــكام الفصــل ‪ 145‬مــن القانــون االنتخابــي التــي تقتضــي أن يتــم التبليــغ إلــى جميــع األطــراف‬
‫ويتجــه لذلــك عــدم اعتمــاد مــا جــاء فيهمــا مــن دفوعــات وطلبــات‪ »...‬كمــا يراجــع فــي نفــس االتجــاه الحكــم الصــادر‬
‫عــن الدائــرة االســتئنافية العاشــرة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20194025‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪« :2019‬وحيــث‬
‫يســتخلص مــن أحــكام الفقــرة الرابعــة مــن الفصــل ‪( 145‬جديــد) أن كل مــن يــروم الــرد علــى الطعــن أن يبلــغ رده لجميــع‬
‫األطــراف املشــمولة بالطعــن وطاملــا لــم يــدل نائــب املطعــون ضــده األول بمــا يفيــد تبليــغ رده إلــى املطعــون ضــده الثانــي»‪.‬‬
‫‪ .2‬الحكم الصادر عن الدائرة االستئنافية الثانية باملحكمة اإلدارية في القضية عدد ‪ 20194034‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر‬
‫‪.2019‬‬
‫‪ .3‬الحكم الصادر عن الدائرة االستئنافية التاسعة باملحكمة اإلدارية في القضية عدد ‪ 20194028‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪.2019‬‬
‫‪ .4‬الحكم الصادر عن الدائرة االســتئنافية الرابعة باملحكمة اإلدارية في القضية عدد ‪ 20194040‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪.2019‬‬
‫‪ .5‬الحكم الصادر عن الدائرة االستئنافية الرابعة باملحكمة اإلدارية في القضية عدد ‪ 20194064‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪.2019‬‬
‫‪143‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫حصــول التبليــغ بالنظــر للحجيــة التــي تكتســيها املحاضــر املحــررة مــن عــدول التنفيــذ‪.‬‬
‫وبنــاء علــى كل مــا ســبق تناولــه‪ ،‬يتبــن أن عديــد الجوانــب املتعلــق بالنظــام اإلجرائــي‬
‫للطعــون املتعلقــة بنـــزاعات الترشــح والنتائــج لالنتخابــات التشــريعية والرئاســية تحتــاج‬
‫إلــى إعــادة النظــر فيهــا بمــا يكفــل ممارســة حــق التقاضــي والدفــاع علــى الوجــه األنســب‬
‫كمــا يتضــح ممــا تقــدم أن الحلــول القضائيــة لوحدهــا تظــل غيــر كافيــة فــي ظــل تضــارب‬
‫التأويــات فــي بعــض املســائل وعــدم التوصــل إلــى توحيــد املواقــف بشــأنها وهــو مــا‬
‫يربــك ســير التقاضــي وينــال مــن حقــوق املتقاضــي‪ ،‬وقــد باتــت الحاجــة ملحــة اليــوم‬
‫إلــى تدخــل تشــريعي يرفــع الغمــوض عــن بعــض إجــراءات وشــكليات القيــام علــى‬
‫نحــو يؤمــن حــدا أدنــى مــن التناســق ويضمــن املوازنــة بــن االلتزامــات املحمولــة علــى‬
‫املتقاضــن واآلجــال املختصــرة لتقديــم الطعــون والبــت فيهــا علــى أنــه مــن الضــروري‬
‫أن يكــون منطلــق هــذا التدخــل التشــريعي تقنــن مــا تواتــر عليــه فقــه القضــاء اإلداري‬
‫بخصــوص بعــض املســائل ضمانــا الســتقرار املواقــف القانونيــة مــع الحــرص علــى‬
‫تشــريك الفاعلــن الرئيســن فــي منظومــة العدالــة وخاصــة جهــاز القضــاء اإلداري‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪144‬‬

‫النظام القانوني لتصحيح مطالب الترشح على ضوء فقه‬


‫قضاء املحكمة االدارية‬
‫نعيمة بن عاقلة‬
‫رئيسة دائرة تعقيبية باملحكمة االدارية‬

‫أســس انتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي ســنة ‪ 2011‬لــوالدة فقــه قضــاء تونســي فــي‬
‫مجــال نزاعــات االنتخابــات‪ ،‬تبلــور فيمــا بعــد بمناســبة االنتخابــات التشــريعية والرئاســية‬
‫ســنة ‪ 2014‬ومــن بعدهــا االنتخابــات البلديــة ســنة ‪ 2018‬وآخرهــا االنتخابــات الرئاســية‬
‫والتشــريعية ســنة ‪.2019‬‬
‫وقــد اختصــت املحكمــة اإلداريــة بالنظــر فــي نزاعــات الترشــح لهــذه االنتخابــات‬
‫وكذلــك نزاعــات نتائجهــا‪ ،‬باســتثناء مــا أســند ابتدائيــا إلــى القضــاء العدلــي‬
‫بخصــوص نــزاع الترشــح للمجلــس الوطنــي التأسيســي وكذلــك لالنتخابــات‬
‫التشــريعية‪ ،‬ممــا تمخــض عنــه زاد فقــه قضائــي أســهم بشــكل بــارز فــي نشــأة‬
‫اختصــاص جديــد صلــب القانــون التونســي يضــاف إلــى بقيــة فروعــه األخــرى‪.‬‬
‫ويعــد النظــام القانونــي املتعلــق بتصحيــح مطالــب الترشــح لالنتخابــات مــن بــن مــا‬
‫أســهم القاضــي االنتخابــي فــي رســم معاملــه إذ تمثــل فــي جملــة مــن القواعــد التــي‬
‫يصــح وصفهــا باملتكاملــة وهــي تنقســم كمــا جــاءت بفقــه القضــاء إلــى قواعــد عامــة‬
‫تســري علــى كافــة االنتخابــات املذكــورة أعــاه وأخــرى خاصــة بحســب طبيعتهــا‬
‫أملتــه األحــكام التشــريعية والترتيبيــة املتعلقــة بهــا‪ ،‬إال أن العمــل الراهــن لــن يعتمــد‬
‫هــذا التقســيم ضــرورة أن الهــدف منــه ليــس فقــط الوقــوف بشــكل نظــري بحــت‬
‫علــى هــذه القواعــد بــل وأيضــا تســهيل الولــوج إلــى األحــكام القضائيــة التــي‬
‫أرســتها بشــكل يســهل معــه استســاغها ويســمح بتناولهــا فــي مواضــع أخــرى‪.‬‬
‫لــذا ينقســم هــذا العمــل إلــى أربعــة أجــزاء تتعلــق بالنظــام القانونــي لتصحيــح مطلــب‬
‫الترشــح كمــا جــاء فــي انتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي (‪ )I‬واالنتخابــات التشــريعية‬
‫(‪ )II‬والرئاســية (‪ )III‬وأخيــرا البلديــة (‪.)IV‬‬
‫‪145‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ .I‬النظــام القانونــي لتصحيــح مطالــب الترشــح النتخــاب‬


‫املجلــس الوطنــي التأسيســي‬

‫صمتــت أحــكام املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 10‬مــاي ‪ 2011‬املتعلــق بانتخــاب‬
‫املجلــس الوطنــي التأسيســي كمــا تــم تنقيحــه وإتمامــه باملرســوم عــدد ‪ 72‬لســنة ‪2011‬‬
‫املــؤرخ فــي ‪ 3‬أوت ‪ 2011‬عــن تصحيــح مطالــب الترشــح لهــذه االنتخابــات‪ ،‬كمــا نســجت‬
‫علــى ذات النحــو القــرارات الصــادرة عــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات مثلمــا تــم‬
‫نشــرها بالرائــد الرســمي للجمهوريــة التونســية‪ ،‬ممــا أتــاح للقاضــي االنتخابــي‪ ،‬بمناســبة‬
‫الطعــن فــي الترشــح لهــذا االنتخــاب‪ ،‬إعمــال محــض اجتهــاده‪ ،‬فأقــر مــن ناحيــة جــواز‬
‫التصحيــح باالســتناد إلــى أن املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬ال يمنعــه (أ)‪ ،‬ورســم‬
‫مــن ناحيــة أخــرى قواعــد ممارســته أملتهــا ضــرورة التقيــد‪ ،‬حينــا‪ ،‬بعامــة القواعــد‬
‫االنتخابيــة والتــاؤم معهــا‪ ،‬حينــا آخــر‪( ،‬ب)‪ ،‬كمــا تبينــه األحــكام الصــادرة عــن الدوائــر‬
‫االســتئنافية باملحكمــة اإلداريــة بوصفهــا الهيئــات املعقــود لهــا النظــر فــي هــذه الطعــون‬
‫فــي طورهــا الثانــي عمــا بأحــكام الفصــل ‪( 29‬جديــد) مــن املرســوم عــدد ‪ 25‬لســنة ‪.2011‬‬

‫أ‪ .‬إقرار التصحيح‬

‫املبدأ‬ ‫عدد الحكم وتاريخه‬

‫أقــرا أن ال شــيء باملرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬يمنــع القائمــة‬ ‫‪ 28919‬بتاريخ ‪2011 / 9 / 21‬‬
‫املترشــحة مــن تجــاوز بعــض النقائــص التــي شــابت مطلــب‬ ‫‪2011 /10 / 2‬‬ ‫‪29000‬‬
‫الترشــح أو إدخــال تعديــات عليــه علــى أن يتــم ذلــك خــال أجــال‬
‫تقديــم الترشــحات وكذلــك البــت فيهــا‬

‫أجمعــت علــى أنــه يجــوز للقائمــة خــال آجــال البــت فــي مطالــب‬ ‫‪ 28919‬بتاريخ ‪2011 / 9 / 21‬‬
‫الترشــح ســحب الترشــحات التــي ال تتوفــر فيهــا الشــروط‬ ‫‪2011 / 9 / 23‬‬ ‫‪28941‬‬
‫املســتوجبة وتعويضهــا بأخــرى‬ ‫‪2011 / 9 /24‬‬ ‫‪28945‬‬
‫‪2011 / 9 /25‬‬ ‫‪28961‬‬
‫‪2011 / 9 /26‬‬ ‫‪28965‬‬
‫‪2011 / 9 / 28‬‬ ‫‪28994‬‬
‫‪2011 / 10 / 4‬‬ ‫‪29011‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪146‬‬

‫ب‪ .‬قواعد التصحيح‬

‫املبدأ‬ ‫عدد الحكم وتاريخه‬


‫من حيث زمانه‪:‬‬ ‫‪ 28974‬بتاريخ ‪26/9/2011‬‬

‫أقــر أنــه ال يجــوز تصحيــح العــدد املســتوجب مــن‬


‫املترشــحني بالقائمــة بعــد البــت فــي مطالــب الترشــح‬
‫من حيث صالحيات هيئة االنتخابات‪:‬‬ ‫‪ 28944‬بتاريخ ‪23/9/2011‬‬

‫أقــر أن الفصــل ‪ 4‬مــن املرســوم عــدد ‪ 72‬لســنة ‪1102‬‬


‫املــؤرخ فــي ‪ 81‬أفريــل ‪ 1102‬املتعلــق بإحــداث الهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات لــم يعلــق علــى كاهــل هــذه األخيــرة‬
‫واجــب الدعــوة لتصحيــح الخلــل الــذي شــاب مطلــب‬
‫الترشــح واملتمثــل فــي عــدم احتــرام قاعــدة التنــاوب ‪.‬‬
‫أجمعــت علــى أن الدليــل اإلجرائــي الصــادر عــن هيئــة‬ ‫‪ 28945‬بتاريخ ‪2011 / 9 / 24‬‬
‫االنتخابــات حــول تقديــم وســحب مطالــب الترشــحات‬ ‫‪2011 / 9 / 25‬‬ ‫‪28959‬‬
‫للمجلــس الوطنــي التأسيســي هــو مــن قبيــل القــرارات‬ ‫‪2011 / 9 / 28‬‬ ‫‪28992‬‬
‫التــي تصدرهــا اإلدارة وتكــون ملزمــة باتباعهــا وتجابــه بمــا‬ ‫‪2011 / 9 / 28‬‬ ‫‪28994‬‬
‫تضمنتــه مــن مقتضيــات تهــم تصحيــح مطالــب الترشــح‪.‬‬ ‫‪2011 / 10 / 2‬‬ ‫‪29000‬‬
‫أقــر أن الواجــب املحمــول علــى هيئــة االنتخابــات فــي‬ ‫‪ 28903‬بتاريخ ‪2011 / 9 / 19‬‬
‫دعــوة القائمــة إلــى تصحيــح مطلــب ترشــحها ســواء‬
‫خــال أجــل تقديــم املطلــب أو البــت فيــه ال يســري إال‬
‫فــي صــورة تعلــق الدعــوة باســتكمال وثيقــة أو تنصيــص‪،‬‬
‫أقــر أن التأشــير علــى التصريــح بالترشــح فــي‬
‫صيغتــه القانونيــة هــو مــن الوثائــق التــي يحمــل‬
‫علــى هيئــة االنتخابــات الدعــوة إلــى تصحيحهــا‪.‬‬
‫أقــرت أن شــرط الســن هــو مــن الشــروط الجوهريــة املتعلقــة‬ ‫‪ 28903‬بتاريخ ‪19/9/2011‬‬
‫بمطالــب الترشــح بمــا يجعــل الهيئــة غيــر محمولــة علــى‬ ‫‪20/9/2011‬‬ ‫‪28906‬‬
‫واجــب الدعــوة إلــى تصحيحــه‬ ‫‪24/9/2011‬‬ ‫‪28945‬‬
‫‪28/9/2011‬‬ ‫‪28994‬‬
‫‪147‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ .II‬النظــام القانونــي لتصحيــح مطالــب الترشــح لالنتخابــات‬


‫التشــريعية‬

‫لــم يغفــل املشــرع صلــب قانونــه األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪26‬‬
‫مــاي ‪ 2014‬املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء كمــا تــم تنقيحــه وإتمامــه بالقانــون‬
‫األساســي عــدد ‪ 7‬لســنة ‪ 2017‬املــؤرخ فــي ‪ 14‬فيفــري ‪ 2017‬والقانــون األساســي عــدد‬
‫‪ 76‬لســنة ‪ 2019‬املــؤرخ فــي ‪ 30‬أوت ‪ 2019‬عــن التنصيــص علــى تصحيــح مطالــب‬
‫الترشــح لالنتخابــات التشــريعية إال أن هــذا اإلقــرار التشــريعي لــم يقلــص مــن دور‬
‫قاضــي الترشــحات لهــذه االنتخابــات ســنة ‪( 2014‬أ) ثــم ســنة ‪( 2019‬ب) فــي ضبــط‬
‫النظــام القانونــي لهــذا اإلجــراء بــل خالفــا لذلــك تدعــم هــذا الــدور نتيجــة الصعوبــات‬
‫التــي أثارهــا تطبيــق األحــكام التشــريعية والترتيبيــة الصــادرة فــي الغــرض‪.‬‬

‫أ‪ .‬تصحيح مطالب الترشح في فقه قضاء سنة ‪2014‬‬

‫اقتضــى الفصــل ‪ 21‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬فــي صيغتــه‬


‫األصليــة ســارية املفعــول بمناســبة انتخابــات ســنة ‪ 2014‬أن «يقــدم مطلــب الترشــح‬
‫لالنتخابــات التشــريعية إلــى الهيئــة‪ ،...‬طبــق رزنامــة وإجــراءات تضبطهــا الهيئــة‪.‬‬
‫ويتضمن مطلب الترشح ومرفقاته وجوبا‪:‬‬
‫• أسماء املترشحني وترتيبهم داخل القائمة‪،‬‬
‫• تصريحا ممضى من كافة املترشحني‪،‬‬
‫• نسخة من بطاقة التعريف الوطنية أو جوازات السفر‪،‬‬
‫• تسمية القائمة‪،‬‬
‫• رمز الحزب أو القائمة االئتالفية أو املستقلة‪،‬‬
‫• تعيني ممثل عن القائمة من بني املترشحني‪،‬‬
‫• قائمــة تكميليــة ال يقــل عــدد املترشــحني فيهــا عــن اثنــن وال يزيــد فــي كل األحــوال عــن‬
‫عــدد املترشــحني فــي القائمــة األصليــة‪ ،‬مــع مراعــاة أحــكام الفصــول ‪ 24‬و‪،25‬‬
‫• ما يفيد القيام بالتصريح السنوي بالضريبة على الدخل للسنة املنقضية‪.‬‬
‫وتسلم الهيئة وصال مقابل مطلب الترشح‪.‬‬
‫وتضبط الهيئة إجراءات وحاالت تصحيح مطالب الترشح‪».‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪148‬‬

‫وعليــه صــدر عــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات بتاريــخ ‪ 1‬أوت ‪ 2014‬قرارهــا عــدد‬
‫‪ 16‬املتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات التشــريعية الــذي نــص بفصلــه‬
‫‪ 13‬علــى أنــه «يمكــن للهيئــة إعــام القائمــة املترشــحة لتصحيــح املطلــب أو اســتكماله‪.‬‬
‫وال يمكن خالل أجل البت في الترشحات طلب التصحيح أو االستكمال في الحاالت التالية‪:‬‬
‫• كل مطلب ال يتضمن العدد املشترط من املترشحني في القائمة األصلية والقائمة التكميلية‪،‬‬
‫• كل مطلــب ال يتضمــن أســماء املترشــحني وترتيبهــم داخــل القائمــة وإمضــاء املترشــحني‬
‫فــي القائمــة األصليــة والتكميليــة طبــق الشــروط املنصــوص عليهــا بالفصــل ‪ 8‬أعــاه‪،‬‬
‫• كل مطلــب ال يحتــرم مبــدأ التناصــف إال فــي حــدود مــا يحتمــه العــدد الفــردي للمقاعــد‬
‫املخصصــة لبعــض الدوائر‪،‬‬
‫• كل تصحيح أو استكمال يؤدي إلى استبدال مترشح من خارج القائمة التكميلية‪».‬‬
‫أثــار تطبيــق هــذه األحــكام ســنة ‪ 2014‬عــدة نزاعــات‪ ،‬إذ بلــغ عــدد القضايــا املنشــورة‬
‫أمــام الدوائــر االســتئنافية باملحكمــة االداريــة‪ ،‬عمــا بأحــكام الفصــل ‪ 29‬مــن‬
‫القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 39 ،2014‬قضيــة وهــو رقــم هــام مقارنــة بمجمــوع‬
‫القضايــا املعروضــة بمناســبة الطعــن فــي الترشــحات كمــا هــو مبــن بالجــدول التالــي‪:‬‬

‫املجموع‬ ‫عدد القضايا التي‬ ‫عدد القضايا التي‬ ‫عدد القضايا التي‬
‫تناولت موضوع‬ ‫خاضت في األصل‬ ‫لم تخض في األصل‬
‫تصحيح مطلب‬ ‫وتعلق موضوعها‬
‫الترشح‬ ‫بغير تصحيح مطلب‬
‫الترشح‬
‫‪111‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪47‬‬ ‫‪25‬‬

‫ويمكــن توزيــع األحــكام الصــادرة فــي بــاب التصحيــح إلــى خمــس أقســام حســب املبــادئ‬
‫املقــررة بهــا وهــي تهــم مجــال التصحيــح مــن حيــث زمانــه وموضوعــه (‪ )1‬وصالحيــات‬
‫هيئــة االنتخابــات فــي الدعــوة إليــه (‪ )2‬وآثــار التصحيــح علــى القائمــة التكميليــة (‪)3‬‬
‫واالخــاالت والنقائــص التــي يجــوز تصحيحهــا (‪ )4‬والتــي ال يجــوز تصحيحهــا (‪)4‬‬
‫‪149‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ .1‬مجال التصحيح من حيث زمانه وموضوعه‬

‫‪ - 1‬ميــزت هــذه األحــكام بــن آجل تقديم مطالب‬ ‫عدد الحكم وتاريخه‬
‫الترشــح لالنتخابــات مــن جهــة وبــن أجل البت‬ ‫‪ 201410003‬و‪ 201410016‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 17‬‬
‫فيهــا مــن جهــة أخــرى وضبطــت بنــاء عليــه‬
‫مــدى قبــول تصحيــح الخلــل الــذي شــابها‪:‬‬ ‫بتاريخ ‪2014 / 9 / 8‬‬ ‫‪201410018‬‬
‫• فأقــرت أن التصحيــح أو االســتبدال أو‬ ‫‪2014 / 9 / 18‬‬ ‫‪201410024‬‬
‫االســتكمال يجــوز علــى إطالقــه خــال أجــل‬ ‫‪2014 / 9 / 19‬‬ ‫‪201410034‬‬
‫تقديــم الترشــحات‪،‬‬ ‫‪2014 / 9 / 19‬‬ ‫‪201410040‬‬
‫• كمــا أقــرت أن التصحيــح خــال أجــل‬ ‫‪2014 / 9 / 15‬‬ ‫‪201410079‬‬
‫البــت فــي الترشــحات ال يجــوز إال فــي‬ ‫‪2014 / 9 / 22‬‬ ‫‪201410100‬‬
‫حــدود مــا أقــره الفصــل ‪ 13‬مــن قــرار الهيئــة‬ ‫‪2014 / 9 / 22‬‬ ‫‪201410101‬‬
‫عــدد ‪ 16‬لســنة ‪،2014‬‬ ‫‪2014 / 9 / 22‬‬ ‫‪201410102‬‬
‫‪ - 2‬كذلــك اســتقرت جميعهــا علــى أن حــاالت‬
‫عــدم التصحيــح املنصــوص عليــه بالفصــل ‪13‬‬
‫مــن القــرار عــدد ‪ 16‬جــاءت على وجــه الحصر‬

‫فجــاء علــى ســبيل املثــال بالحكــم عــدد ‪ 201410003‬و‪ 201410016‬أنــه «وحيــث ثبــت‬
‫بالرجــوع إلــى مظروفــات امللــف خاصــة ســجل إيــداع الترشــحات الخــاص بالهيئــة‬
‫الفرعيــة لالنتخابــات بنابــل ‪ 2‬أن حــزب األمــان تقــدم بتاريــخ ‪ 29‬أوت ‪ 2014‬بترشــح تضمــن‬
‫قائمــة أصليــة بهــا ‪ 06‬مترشــحني وأخــرى تكميليــة بهــا مترشــحني اثنــن وقــد تضمــن‬
‫مطلــب الترشــح األصلــي فــي املرتبــة الثالثــة املترشــحة ‹م‪.‬ب‪.‬ز‪.‬ه› إال أنــه وفــي نفــس‬
‫التاريــخ وعلــى الســاعة ‪ 17:53:26‬تقدمــت رئيســة القائمــة ‹ح‪.‬م› بمكتــوب قصــد اســتبدال‬
‫املترشــحة عــدد ‪ 03‬باملترشــحة ‹ح‪.‬ن›‪ ،‬وحيــث طاملــا أن االســتبدال تــم خــال فتــرة قبــول‬
‫الترشــحات وليــس خــال فتــرة البــت فيهــا فــإن قضــاء محكمــة البدايــة بإلغــاء قــرار الهيئــة‬
‫بنــاء علــى أحــكام الفصــل ‪ 13‬مــن القــرار عــدد ‪ 16‬فــي غيــر طريقــه واقعــا وقانونــا»‪.‬‬
‫كمــا جــاء بالحكــم عــدد ‪ 201410024‬أنــه «وحيــث يتبــن بالرجــوع إلــى عريضــة الطعــن‬
‫االبتدائيــة أن املســتأنف اآلن طلــب إلغــاء قــرار رفــض الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات‬
‫بقفصــة ملطلــب ترشــح قائمتــه واعتبــار مطلــب الترشــح مقبــوال وتمكينــه مــن تصحيــح‬
‫األخطــاء املاديــة املتعلقــة بقاعــدة التنــاوب والصيغــة االلكترونيــة لرمــز القائمــة وإضافــة‬
‫وصــل خــاص الضريبــة الخاصــة باملترشــح عــدد ‪ 1‬كتمكينــه مــن مواصلــة العمليــة‬
‫االنتخابيــة‪ .‬وحيــث يتبــن بالرجــوع إلــى الفصــل ‪ 13‬مــن القــرار عــدد ‪ 16‬لســنة ‪...2014‬‬
‫أن األســباب التــي تأســس عليهــا القــرار املطعــون فيــه قابلــة للتصحيــح‪ ،‬وعندمــا لــم‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪150‬‬

‫تقــم الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بقفصــة بذلــك فــإن قرارهــا يكــون عرضــة لإللغــاء علــى‬
‫هــذا األســاس‪ .‬وحيــث يتبــن بالرجــوع إلــى أوراق امللــف أن املســتأنف اآلن كان قــد‬
‫طلــب مــن املحكمــة االبتدائيــة إلغــاء قــرار الهيئــة القاضــي برفــض الترشــح وتصحيــح‬
‫األخطــاء القابلــة للتصحيــح بــأن أدلــى أمامهــا بجملــة مــن املؤيــدات التــي تتعلــق بالصيغــة‬
‫االلكترونيــة لرمــز القائمــة ووصــل خــاص الضريبــة علــى الدخــل للســنة الفارطــة‬
‫الخاصــة باملترشــح عــدد واحــد وقــدم كذلــك مــا يفيــد تصحيــح األخطــاء املاديــة التــي‬
‫شــابت قاعــدة التنــاوب‪ .‬وحيــث وبنــاء عليــه يجــوز لهــذه املحكمــة بموجــب املفعــول‬
‫االنتقالــي لالســتئناف تصويــب الحكــم االبتدائــي مــن هــذه الناحيــة وذلــك بــاإلذن للهيئــة‬
‫الفرعيــة لالنتخابــات بترســيم قائمــة حــزب البنــاء الوطنــي بالدائــرة االنتخابيــة بقفصــة‪».‬‬
‫وجــاء أيضــا بالحكــم عــدد ‪ 201410101‬أنــه «وحيــث وعلى خــاف فترة قبول الترشــحات‪...‬‬
‫والتــي يجــوز فيهــا تغييــر املترشــحني ســواء تســلط االســتبدال علــى القائمــة االصليــة أو‬
‫علــى القائمــة التكميليــة وذلــك حتــى مــن خــارج القائمــة التكميليــة‪ ،‬فإنــه تــم تقييــد عمليــات‬
‫التصحيح خالل فترة البت في الترشحات بمقتضى الفصل ‪ 13‬من القرار عدد ‪ 16‬سالف‬
‫الذكر‪ .‬وحيث أن صيغة الحصر التي ورد عليها الفصل ‪ ...13‬تدل على أن املشــرع ضبط‬
‫اســتثنائيا الحــاالت التــي ال يجــوز فيهــا طلــب التصحيــح أو االســتكمال خالل فتــرة البت‪».‬‬

‫‪ .2‬صالحية هيئة االنتخابات في الدعوة إلى التصحيح‬

‫عدد الحكم وتاريخه‬


‫أقــرت أنــه يحمــل علــى هيئــة االنتخابــات‬ ‫‪2014 / 9 / 19‬‬ ‫بتاريخ‬ ‫‪201410029‬‬
‫واجــب الدعــوة إلــى تصحيــح مطلــب‬ ‫‪2014 / 9 / 19‬‬ ‫بتاريخ‬ ‫‪201410033‬‬
‫الترشــح كلمــا كان الخلــل الــذي شــابه‬ ‫‪2014 / 9 / 14‬‬ ‫بتاريخ‬ ‫‪201410041‬‬
‫ال ينــدرج فــي خانــة الحــاالت التــي ال‬ ‫‪2014 / 9 / 18‬‬ ‫بتاريخ‬ ‫‪201410024‬‬
‫تقبــل التصحيــح خــال أجــل البــت فــي‬
‫الترشــحات ‪ ،‬كمــا جــاء بهــا الفصــل ‪13‬‬
‫مــن قــرار الهيئــة عــدد ‪ 16‬لســنة ‪2014‬‬
‫انتهــى إلــى أن إخــال هيئــة االنتخابــات‬
‫بواجــب الدعــوة إلــى تصحيــح املطلــب‬
‫كمــا هــو محمــول عليهــا يجيــز للمحكمــة‬
‫قبــول التصحيــح بمناســبة عرضــه عليهــا‬
‫أقــر علــى خــاف األحــكام املشــار إليهــا‬ ‫‪ 201410080‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 20‬‬
‫أعــاه‪ ،‬أن الدعــوة إلــى صحيــح مطلــب‬
‫الترشــح تبقــى مجــرد إمكانيــة متاحــة لهيئــة‬
‫االنتخابــات وال ترتقــي إلــى مرتبــة االلــزام‪.‬‬
‫‪151‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫فجــاء‪ ،‬بخصــوص وجــوب دعــوة الهيئــة لتصحيــح مطلــب الترشــح‪ ،‬علــى ســبيل املثــال‬
‫بالحكــم عــدد ‪ 201410041‬بعــد اســتعراضه أحــكام الفصلــن ‪ 21‬مــن القانــون األساســي‬
‫عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬و‪ 13‬مــن قــرار الهيئــة عــدد ‪ 16‬املــؤرخ فــي ‪ 1‬أوت ‪ 2014‬أنــه‬
‫«وحيــث أن إعــام القائمــة املترشــحة لالنتخابــات التشــريعية بوجــود خلــل يشــوب‬
‫مطلــب الترشــح أو نقائــص الحقــة بــه ومطالبتهــا بتداركهــا ينــدرج فــي إطــار الســلطة‬
‫التقديريــة التــي تمتــع بهــا هيئــة االنتخابــات فــي هــذا املجــال غيــر أن إعمــال هــذه‬
‫الســلطة التقديريــة يجــد حــده فــي واجــب التنبيــه‪ ...‬بتصحيــح الخلــل وتــدارك النقائــص‬
‫كلمــا كان هــذا اإلجــراء جائــزا قانونــا ومجديــا واقعــا وذلــك ضمانــا لتكافــؤ الفــرص‬
‫بــن املترشــحني ‪ .‬وحيــث أن الوقــوف علــى جــدوى تولــي الهيئــة التنبيــه‪ ...‬يقتضــي‬
‫النظــر فــي الخلــل الــذي شــاب القائمــة املترشــحة وإن كان قابــا للتــدارك مــن عدمــه‪».‬‬
‫فــي حــن جــاء بالحكــم عــدد ‪ 201410080‬بخصــوص عــدم وجوبيــة الدعــوة إلــى‬
‫التصحيــح أنــه «وحيــث ولئــن كان عــدم إدالء املســتأنف ضدهــا بوصــل تقديــم‬
‫التصريــح الســنوي بالضريبــة علــى الدخــل‪ ...‬يعــد مــن النقائــص القابلــة للتــدارك‬
‫فإنــه ال يمكــن مجــاراة محكمــة البدايــة فــي موقفهــا ملــا اعتبــرت أن عــدم مطالبــة‬
‫املســتأنفة للمعنــي بتقديــم الوثيقــة املذكــورة خــال آجــال البــت فــي الترشــحات‬
‫مخالفــا للقانــون طاملــا أن ذلــك يبقــى مــن قبيــل الخيــارات املتاحــة للهيئــة‪».‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪152‬‬

‫‪ .3‬آثار التصحيح على القائمة التكميلية‬

‫عدد الحكم وتاريخه‬


‫أقــرت أنــه يجــب أن تســتوفي القائمــة‬ ‫‪ 201410003‬و‪ 210410016‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 17‬‬
‫التكميليــة الشــروط القانونيــة املســتوجبة‬
‫وذلــك فــي صيغتهــا النهائيــة التــي أضحــت‬ ‫‪ 201410054‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 20‬‬
‫عليهــا بعــد البــت فــي مطلــب الترشــح‬
‫‪ 201410103‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 22‬‬
‫ضــرورة أن الهــدف مــن القائمــة التكميليــة ال‬
‫يتمثــل فقــط فــي تصحيــح القائمــة األصليــة‬ ‫‪ 201410018‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 18‬‬
‫بــل وكذلــك فــي ســد الشــغور الــذي قــد يطــرأ‬
‫عليهــا بعــد البــت فــي الترشــحات‬ ‫‪ 201410042‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 20‬‬
‫أقــرت فــي نفــس ســياق األحــكام ســالف‬ ‫‪ 201410047‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 20‬‬
‫اإلشارة إليها أن موانع التصحيح املنصوص‬
‫عليهــا بالفصــل ‪ 13‬مــن قــرار الهيئــة عــدد ‪16‬‬ ‫‪ 201410054‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 20‬‬
‫بتاريــخ ‪ 1‬أوت ‪ 2014‬تســري علــى القائمــة‬
‫التكميليــة مثلهــا مثــل القائمــة األصليــة‬ ‫‪ 201410101‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 22‬‬

‫أقــرت‪ ،‬خالفــا لبقيــة األحــكام الصــادرة فــي‬ ‫‪ 201410064‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 18‬‬


‫موضــوع القائمــة التكميليــة‪ ،‬أن دور هــذه‬
‫القائمــة ينحصــر فــي تصحيــح القائمــة‬ ‫‪ 201410066‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 20‬‬
‫األصلية وال تســري عليها الشروط املستوجبة‬
‫‪ 201410067‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 20‬‬
‫إال فــي تاريــخ تقديــم مطلــب الترشــح‬

‫وقــد جــاء فــي هــذا الســياق بالحكــم عــدد ‪ 201410103‬أنــه «وحيــث يخلــص مــن مقتضيــات‬
‫الفصــول املذكــورة أعــاه أنــه‪ ...‬يجــب أن تتضمــن القائمــة التكميليــة علــى األقــل عضويــن‬
‫اثنــن مــع احتــرام مبــدأ التناصــف وذلــك فــي صيغتهــا النهائيــة التــي أضحــت عليهــا بعــد‬
‫البــت فــي مطلــب الترشــح‪ .‬وحيــث أن دور القائمــة التكميليــة ال يقتصــر علــى تصحيــح‬
‫القائمــة األصليــة عنــد البــت فــي الترشــحات وإنمــا تســتمر الحاجــة إليهــا بعــد ذلــك‬
‫لتعويــض االنســحابات أو حــاالت الوفــاة التــي قــد تطــرأ بعــد البــت فــي الترشــحات‪».‬‬
‫فــي حــن جــاء بالحكــم عــدد ‪ 201410067‬أنــه «وحيــث ثبــت أن القائمــة التكميليــة لهــا صبغة‬
‫احتياطيــة باألســاس وبــأن العبــرة بالقائمــة األصليــة‪...‬و حيــث طاملــا أن مطلــب ترشــح‬
‫املســتأنف ضدهــا تضمــن عنــد تقديمــه قائمــة أصليــة وقائمــة تكميلية مســتجيبتني للشــروط‬
‫القانونيــة كمــا أن القائمــة األصليــة التــي تــم قبولهــا ‪...‬وردت خاليــة مــن أي خلــل فإنــه ال‬
‫مجــال إلقصــاء القائمــة املترشــحة ملجــرد إدراج العضويــن الوحيديــن للقائمــة التكميليــة‬
‫صلــب القائمــة األصليــة فــي إطــار إجــراء التصحيــح الــذي طــرأ علــى هــذه األخيــرة‪».‬‬
‫‪153‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ .4‬االخــاالت والنقائــص التــي يجــوز تصحيحهــا خــال أجــل البــت‬


‫فــي الترشــحات‬

‫عدد الحكم وتاريخه‬


‫أقــرت أن عــدم االدالء بوصــل تقديــم التصريــح‬ ‫‪2014 / 9 / 18‬‬ ‫بتاريخ‬ ‫‪201410015‬‬
‫الســنوي بالضريبــة علــى الدخــل يعــد مــن النقائــص‬ ‫‪2014 / 9 / 19‬‬ ‫بتاريخ‬ ‫‪201410029‬‬
‫القابلــة للتصحيــح خــال أجــل البــت ســواء تلقائيــا‬ ‫‪2014 / 9 / 20‬‬ ‫بتاريخ‬ ‫‪201410080‬‬
‫أو بطلــب مــن الهيئــة‬ ‫‪2014 / 9 / 22‬‬ ‫بتاريخ‬ ‫‪201410100‬‬

‫أقــر أن مخالفــة رمــز القائمــة للمواصفــات املطلوبــة‬ ‫‪ 201410024‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 18‬‬


‫فــي صيغتــه االلكترونيــة هــو مــن االخــاالت التــي‬
‫يجــوز تداركهــا‬
‫أقــر جــواز تــدارك الخلــل املتعلــق بقاعــدة التنــاوب‬
‫مــن داخــل القائمــة باعتبــار أنــه ال يعــدو أن يكــون‬
‫فــي هــذه الحالــة ســوى خطــأ مــادي‬

‫أقــر أن اســتبدال مترشــح بآخــر مــن صلــب القائمــة‬ ‫‪ 201410034‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 19‬‬
‫التكميليــة هــو مــن قبيــل التــدارك املســموح بــه‬

‫‪ .5‬االخــاالت والنقائــص التــي ال يجــوز تصحيحهــا خــال أجــل البــت‬


‫فــي مطالــب الترشــح‬

‫نظام االقتراع‬
‫الحكم عدد ‪ 201410028‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 19‬‬
‫أقر أن عدم مراعاة شروط نظام االقتراع على القائمات املعتمد في االنتخابات التشريعية هو‬
‫من االخالالت التي ال يمكن تصحيحها‬
‫(لم يتضمن مطلب الترشح سوى مترشح وحيد مع غياب القائمة التكميلية)‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪154‬‬

‫التصريح بالترشح‬
‫االحكام ذات األعداد ‪ 201410012‬بتاريخ ‪ 2014 / 9 / 17‬و‪ 201410033‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 19‬‬
‫و‪ 201410035‬بتاريخ ‪ 2014 / 9 / 19‬و‪ 201410068‬بتاريخ ‪ 2014 / 9 / 20‬و‪ 201410069‬بتاريخ ‪20‬‬
‫‪ 2014 / 9 /‬و‪ 201410079‬بتاريخ ‪ 201410080 2014/ 9 / 15‬وبتاريخ ‪ 2014 / 9 / 20‬و‪201410081‬‬
‫بتاريخ ‪ 2014 / 9 / 20‬و‪ 201410084‬بتاريخ ‪ 2014 / 9 / 20‬و‪ 201410090‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 20‬‬
‫و‪ 201410098‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 21‬‬
‫أقــرت أن الخلــل املتمثــل فــي عــدم احتــرام إجــراء التصريــح بالترشــح حســب الصيغــة‬
‫التــي يقتضيهــا القانــون إمــا بالحضــور لــدى الهيئــة واالمضــاء لديهــا أو التعريــف بإمضــاء‬
‫ذلــك التصريــح عــن التخلــف عنــد الحضــور هــو مــن االخاللــات غيــر القابلــة للتصحيــح‪.‬‬
‫الحكم عدد ‪ 201410050‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 20‬‬
‫أقر أن التصريح على الشرف املعرف بإمضاء املترشحني واملقدم أمام املحكمة ال يعتد به‬
‫طاملا لم يثبت تقديمه أمام الهيئة قبل غلق باب الترشحات‪.‬‬
‫الحكم عدد ‪ 201410046‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 20‬‬
‫أقر أن شرط اإلمضاء طبق الصيغة املستوجبة قانونا تسري على القائمة التكميلية وأن‬
‫اإلخالل به ال يقبل التصحيح بعد غلق باب الترشحات ‪.‬‬
‫استجالب مترشحني من خارج القائمة‬
‫األحكام ذات األعداد ‪ 201410002‬بتاريخ ‪ 2014 / 9 / 17‬و‪ 201410032‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 19‬‬
‫و‪ 201410089‬بتاريخ ‪ 2014 / 9 / 20‬و‪ 201410102‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 22‬‬
‫أقرت أن الفصل ‪ 13‬من قرار الهيئة عدد ‪ 16‬بتاريخ ‪ 1‬اوت ‪ 2014‬يمنع استجالب مترشح من‬
‫خارج القائمة التكميلية قصد تصحيح مطلب الترشح‪،‬‬
‫فجاء على سبيل املثال بالحكم عدد ‪ 201410002‬أنه «و حيث وخالل فترة البت في الترشحات‪،‬‬
‫فأنــه طاملــا ان تصحيــح الخلــل املتعلــق بانعــدام صفــة الناخــب لــدى املترشــحة عــدد ‪ 2‬بالقائمــة‬
‫التكميليــة يقتضــي بالضــرورة تعويضهــا بمترشــحة أخــرى مــن خــارج القائمــة فأنــه يغــدو غيــر‬
‫جائــز قانونــا أثنــاء البــت فــي الترشــحات علــى معنــى مقتضيــات الفصــل ‪ 13‬املشــار إليهــا‪».‬‬
‫‪155‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫عدم تطابق عدد املترشحني مع عدد املقاعد بالدائرة‬


‫الحكمان عدد ‪ 201410083‬بتاريخ ‪ 2014 / 9 / 20‬وعدد ‪ 201410108‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 23‬‬
‫أقرا أن عدم تطابق عدد املترشحني بالقائمة األصلية مع عدد املقاعد املخصص للدائرة‬
‫االنتخابية هو خلل غير قابل للتصحيح من خارج القائمة التكميلية‪،‬‬
‫أقرا أيضا أن عدم تقديم القائمة التكميلية يمثل خلال ال يقبل التصحيح ‪.‬‬
‫فجــاء بالحكــم عــدد ‪ 201410108‬أنــه «وحيــث‪ ...‬ثبــت فــي املقابــل لهــذه املحكمــة‬
‫أن القائمــة املترشــحة لــم تقــدم قائمــة أصليــة مســتوفيه لعــدد مــن املترشــحني‬
‫يســاوي عــدد املقاعــد الراجعــة للدائــرة االنتخابيــة بــن عــروس فصــا عــن عــدم‬
‫االدالء بقائمــة تكميليــة قبــل فــوات األجــل املحــدد لقبــول الترشــحات لالنتخابــات‬
‫التشــريعية وعــدم قابليــة هذيــن الشــرطني للتصحيــح بعــد فــوات األجــل املذكــور‪».‬‬
‫القائمة التكميلية‬
‫الحكمان عدد ‪ 201410047‬بتاريخ ‪ 2014/ 9 / 20‬وعدد ‪ 201410101‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 22‬‬
‫أقــرا أن العــدد األدنــى مــن املترشــحني بالقائمــة التكميليــة شــرط يالزمهــا حتــى بعــد اعتمادهــا‬
‫فــي تصحيــح القائمــة األصليــة وأن هــذا العــدد األدنــى ال يمكــن تصحيحــه إذ يــؤول إلــى‬
‫اســتجالب مترشــحني مــن خارجهــا‪.‬‬
‫فنــص الحكــم عــدد ‪ 201410101‬علــى أنــه «وحيــث أن صيغــة الحصــر التــي ورد عليهــا‬
‫الفصــل ‪ 13‬املذكــور أعــاه تــدل علــى أن املشــرع ضبــط اســتثنائيا الحــاالت التــي ال‬
‫يجــوز فيهــا طلــب التصحيــح أو االســتكمال خــال فتــرة البــت فــي الترشــحات بمــا‬
‫فــي ذلــك خاصــة حالــة النقــص فــي عــدد األعضــاء املترشــحني بالقائمــة التكميليــة‪».‬‬
‫الحكم عدد ‪ 201410018‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 18‬‬
‫انتهى إلى أن عدم إرفاق مطلب الترشح بقائمة تكميلية يعد من االخالالت التي ال تقبل‬
‫التصحيح ولو تقائيا ‪ ،‬خالل أجل البت في الترشحات‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪156‬‬

‫مبدأ التناصف وقاعدة التناوب‬


‫الحكم عدد ‪ 201410078‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 20‬‬
‫أقــر أن االخــال بمبــدأ التناصــف غيــر قابــل للتــدارك والتصحيــح خــال أجــل البــت فــي‬
‫الترشــحات‪ ،‬فجــاء بــه أنــه «وحيــث ثبــت مــن ملــف القضيــة أن الهيئــة‪ ...‬عنــد البــت فــي مطلــب‬
‫ترشــح املســتأنفة حذفــت املترشــحة رقــم ‪ ...4‬مــن القائمــة األصليــة كمــا حذفــت املترشــحة رقــم‬
‫‪ ...3‬مــن القائمــة التكميليــة فأصبحــت تحتــوي علــى رجلــن وهــو مــا حــال دون اللجــوء إليهــا‬
‫لتعويــض املترشــحة التــي تــم حذفهــا من القائمة األصليــة وحيث أضحت بذلــك القائمة األصلية‬
‫مخلــة بمبــدأ التناصــف وهــو مــن االخــاالت التــي ال يجــوز تداركها بعــد غلق باب الترشــحات‪».‬‬
‫الحكم عدد ‪ 201410054‬بتاريخ ‪2014 / 9 / 20‬‬
‫أقر أن االخالل بمبدأ التناصف بالقائمة التكميلية ال يجوز تصحيحه بوصفه شرطا يالزمها‬
‫حتى من بعد تصحيحها للقائمة األصلية‪.‬‬

‫إن الــدارس لألحــكام املومــأ إليهــا أعــاه مثلما تم بســط املبــادئ املقررة بها الصادرة ســنة‬
‫‪ 2014‬يلمــس بوضــوح االنســجام فيمــا بينها مــن ناحية وبينها وبني بقيــة مقتضيات القانون‬
‫االنتخابــي مــن ناحيــة أخــرى ‪ ،‬كمــا يلمــس خاصــة شــبه االجمــاع الــذي ميزهــا ممــا يجــوز‬
‫معــه الحديــث عــن نجــاح القضــاء فــي االطــاع بدوره في املســاهمة في نشــأة نظــام قانوني‬
‫يخــص تصحيــح مطالــب الترشــح لالنتخابــات التشــريعية واســتكمال أحــد أركان منظومــة‬
‫القانــون االنتخابــي طبــق املعايير االنتخابية املنصوص عليها بالقانون عدد ‪ 16‬لســنة ‪.2014‬‬

‫ب‪ .‬تصحيح مطالب الترشح في فقه قضاء سنة ‪2019‬‬

‫تدخــل املشــرع‪ ،‬بعــد إجــراء أول انتخابــات تشــريعية يسوســها القانــون األساســي عــدد‬
‫‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬بــأن عــدل فــي بعضــه وهــو عمــل مــن شــأنه أن يقــرأ علــى أنــه تجســيم‬
‫تشــريعي لقواعــد فقــه قضائيــة أقــرت ســنة ‪ 2014‬تعلقــت خاصــة بالقائمــة التكميليــة‪،‬‬
‫فألغــى بمقتضــى القانــون األساســي عــدد ‪ 7‬لســنة ‪ 2017‬املــؤرخ فــي ‪ 14‬فيفــري ‪2017‬‬
‫أحــكام الفقــرة األخيــرة مــن الفصــل ‪ 21‬مــن القانــون االنتخابــي وعوضهــا باألحــكام‬
‫التاليــة التــي تنــص علــى أنــه «وتضبــط الهيئــة إجــراءات وحــاالت تصحيــح مطالب الترشــح‬
‫بمــا فــي ذلــك الحــاالت التــي يمكــن فيهــا التصحيــح باالعتمــاد علــى القائمــة التكميليــة»‬
‫وعلــى أســاس ذلــك تدخلــت الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات بــأن أصــدرت قرارهــا‬
‫عــدد ‪ 17‬لســنة ‪ 2019‬الــذي ألغــت فيــه أحــكام الفصــل ‪ 13‬مــن قرارهــا عــدد ‪ 16‬لســنة ‪2014‬‬
‫وعوضتهــا باألحــكام التاليــة التــي تنــص علــى أنــه «يمكــن للهيئــة الفرعيــة خــال أجــل‬
‫‪157‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫البــت طلــب تصحيــح مطالــب الترشــح‪.‬‬


‫وال يقبل التصحيح‪:‬‬
‫• املطلب الذي ال يتضمن العدد األدنى املشترط من املترشحني‪،‬‬
‫• املطلــب الــذي ال يتضمــن األســماء الكاملــة للمترشــحني وإمضاءاتهــم وفــق‬
‫الفصــل ‪ 8‬أعــاه وذلــك فــي حــدود العــدد األدنــى املشــترط مــن املترشــحني‪،‬‬
‫• املطلب الذي ال يحترم مبدأ التناصف في حدود العدد األدنى املشترط من املترشحني‪،‬‬
‫• كل حالــة تــؤدي إلــى نقــص فــي العــدد املشــترط مــن املترشــحني فــي القائمــة األصليــة‬
‫أو إلــى اســتبدال مترشــح مــن خــارج القائمــة التكميليــة‪.‬‬
‫ويحتســب العــدد األدنــى املشــترط مــن املترشــحني باعتمــاد األســماء الــواردة فــي القائمــة‬
‫األصليــة والقائمــة التكميليــة معــا‪».‬‬
‫ويالحــظ كذلــك‪ ،‬إلــى جانــب هــذا التدخــل التشــريعي‪ ،‬أن عــدد القضايــا املتعلقــة بتصحيــح‬
‫مطالــب الترشــح لالنتخابــات التشــريعية ســنة ‪ ،2019‬ولئــن حــاز علــى نصيــب األســد مــن‬
‫مجمــوع القضايــا املرفوعــة فــي مــادة الترشــحات‪ ،‬فقــد تقلــص بشــكل ملحــوظ مقارنــة‬
‫بســنة ‪ .2014‬وهــو أمــر محمــود إذا مــا اقتصــر مــرده علــى مــا أنتجــه فقه قضاء ســنة ‪2014‬‬
‫مــن تمكــن املترشــحني مــن الوقــوف علــى القواعــد املتعلقــة بممارســة حقهــم فــي الترشــح‪.‬‬
‫وقد توزعت القضايا املنشورة أمام الدوائر االستئنافية باملحكمة االدارية على النحو التالي‪:‬‬

‫املجموع‬ ‫عدد القضايا‬ ‫عدد القضايا‬ ‫عدد القضايا‬


‫التي خاضت في‬ ‫التي خاضت في‬ ‫التي لم تصدر في‬
‫غير موضوع‬ ‫موضوع تصحيح‬ ‫االصل‬
‫التصحيح‬ ‫مطالب الترشح‬
‫‪8‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪4‬‬

‫أمــا بخصــوص املبــادئ املقــررة باألحــكام الصــادرة بهــا القضايــا املتعلقــة بتصحيــح‬
‫مطالــب الترشــح فقــد اتصفــت بميزتــن هامــن‪ :‬أولهمــا تماهيهــا مــع كافــة املبــادئ‬
‫املقــررة بفقــه قضــاء ســنة ‪ 2014‬وثانيهمــا إجماعهــا املطلــق حــول كل مــا نطقــت بــه‪.‬‬
‫وقــد تعلقــت هــذه املبــادئ بمجــال التصحيــح مــن حيــث زمانــه وموضوعــه (‪ )1‬وآثــار‬
‫التصحيــح علــى القائمــة التكميليــة (‪ )2‬والحــاالت غيــر القابلــة للتصحيــح (‪)3‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪158‬‬

‫‪ .1‬مجال التصحيح من حيث زمانه وموضوعه‬

‫عدد الحكم وتاريخه‬

‫أقــرت جميعهــا أن تصحيــح مطالــب الترشــح يجــوز علــى‬


‫إطالقــه خــال أجــل تقديــم الترشــحات فــي حــن أن‬ ‫‪ 20192008‬بتاريخ ‪21/8/2019‬‬
‫تصحيحهـ�ا خـلال أجـ�ل البـ�ت فيهـ�ا يخضـ�ع إلـ�ى موجبـ�ات‬
‫الفصــل ‪ 13‬مــن القــرار عــدد ‪ 16‬لهيئــة االنتخابــات‪.‬‬
‫‪ 20192021‬بتاريخ ‪23/8/2019‬‬
‫فجــاء علــى ســبيل املثــال بالحكــم عــدد ‪ 20192027‬أنــه‬
‫«وحيــث ينــص الفصــل ‪ 13‬مــن قــرار الهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ ...2014‬مثلمــا‬ ‫‪ 20192023‬بتاريخ ‪23/8/2019‬‬
‫تــم تنقيح��ه وإتمامــه بالقــرار عــدد ‪ 17‬لســنة ‪...2019‬‬
‫وحيــث ثبــت مــن أوراق امللــف أن املســتأنفة قدمــت قائمــة‬
‫تتضمــن عــدد ‪ 10‬أعضــاء بالقائمــة األصليــة وهــو العــدد‬ ‫‪ 20192029‬بتاريخ ‪27/8/2019‬‬
‫املســتوجب قانونــا‪ ...‬غيــر أن املترشــح عــدد ‪ 3‬بالقائمــة‬
‫التكميليــة ورد إمضــاؤه مجــردا‪ ...‬كمــا أن العضــو عــدد‬
‫‪ 2‬بالقائمــة التكميليــة لــم يمــض علــى مطلــب الترشــح‬ ‫‪ 20192030‬بتاريخ ‪27/8/2019‬‬
‫فضــا عــن عــدم وجــود اســتمارة الترشــح املتعلقــة‬
‫بالعضــوة عــدد ‪ 1‬ممــا‪ ...‬يجعــل مطلــب القائمــة املســتأنفة‬
‫غيــر مســتوف لشــرط العــدد األدنــى مــن املترشــحني‬ ‫‪ 20192037‬بتاريخ ‪26/9/2019‬‬
‫ف��ي القائم��ة التكميليـ�ة واملحــدد بمترشــحني اثنــن علــى‬
‫األقــل‪ ...‬وحيــث أن الخلــل الــذي شــاب مطلــب الترشــح‪...‬‬
‫غيــر قابــل للتصحيــح فــي أجــل البــت فــي الترشــحات»‬
‫‪159‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ .2‬آثار التصحيح على القائمة التكميلية‬

‫عدد الحكم وتاريخه‬

‫أجمعــت علــى انســحاب كافــة شــروط الترشــح‬ ‫‪ 20192008‬بتاريخ ‪2019 / 8 / 21‬‬


‫علــى القائمــة التكميليــة فــي صيغتهــا النهائيــة‬
‫وكذلــك انســحاب كافــة شــروط التصحيــح عليهــا‪.‬‬
‫‪ 20192021‬بتاريخ ‪2019 / 8 / 23‬‬
‫فجــاء علــى ســبيب املثــال بالحكــم عــدد ‪20192021‬‬
‫أنــه «وحيــث اقتضــى الفصــل ‪ 21‬مــن القانــون‬ ‫‪ 20192023‬بتاريخ ‪2019 / 8 / 23‬‬
‫االنتخابــي‪ ...‬وحيــث ينــص الفصــل ‪ 24‬مــن القانــون‬
‫ذاتــه‪ ...‬وحيــث يستشــف مــن خــال هــذه األحــكام‬
‫أن القائمــة األصليــة والقائمــة التكميليــة تخضعــان‬ ‫‪ 20192029‬بتاريخ ‪2019 / 8 / 27‬‬
‫لنفــس النظــام القانونــي‪ ...‬وحيــث يتبــن بالرجــوع‬
‫إلــى مطلــب ترشــح قائمــة املســتأنف أن القائمــة‬ ‫‪ 20192030‬بتاريخ ‪2019 / 8 / 27‬‬
‫التكميليــة‪ ...‬تجاهلــت قاعــدة التناصــف والتنــاوب‬
‫بمــا يجعــل مطلــب الترشــح حريــا بالرفــض‪».‬‬
‫‪ 20192037‬بتاريخ ‪2019 / 8 / 30‬‬

‫‪ .3‬الحاالت غير القابلة للتصحيح‬

‫عدد الحكم وتاريخه‬


‫‪ 20192008‬بتاريخ ‪21/8/2019‬‬
‫أكــدت جميعهــا علــى أن عــدم إمضــاء املترشــحني‬
‫أو إمضاءهــم خــاف الصيــغ القانونيــة هــي مــن‬ ‫‪ 20192021‬بتاريخ ‪23/8/2019‬‬
‫الحــاالت التــي ال يمكــن تصحيحهــا خــال أجــل‬ ‫‪ 20192023‬بتاريخ ‪23/8/2019‬‬
‫البــت فــي الترشــحات‪.‬‬
‫‪ 20192030‬بتاريخ ‪27/8/2019‬‬
‫‪ 20142037‬بتاريخ ‪26/9/2019‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪160‬‬

‫‪ .III‬النظــام القانونــي لتصحيــح مطالــب الترشــح االنتخابــات‬


‫الرئاســية‬

‫تميــزت األحــكام املتعلقــة بتصحيــح مطالــب الترشــح لالنتخابــات الرئاســية ســنة‬


‫‪ 2014‬بإجماعهــا املطلــق حــول املبــادئ املقــررة فــي هــذا الخصــوص (أ)‪ ،‬إال أن‬
‫مســار هــذه املبــادئ بمناســبة انتخابــات ســنة ‪( 2019‬ب) ال يســمح بالحديــث عــن‬
‫اكتمــال تركيــز النظــام القانونــي لتصحيــح مطالــب الترشــح لالنتخابــات الرئاســية‪.‬‬

‫أ‪ .‬تصحيح مطالب الترشح في فقه قضاء سنة ‪2014‬‬

‫توزعــت نزاعــات الترشــح لالنتخابــات الرئاســية ســنة ‪ 2014‬علــى نحــو كان لتصحيــح‬
‫مطالــب الترشــح نصيــب األســد فيهــا كمــا هــو مبــن أســفله‪.‬‬

‫عدد القضايا‬ ‫عدد القضايا‬ ‫عدد القضايا‬ ‫الهيئة‬


‫التي لم‬ ‫التي تناولت‬ ‫التي لم‬ ‫القضائية‬
‫املجموع‬ ‫تتناول‬ ‫التصحيح‬ ‫تخض في‬
‫التصحيح‬ ‫األصل‬
‫الدوائر‬
‫‪23‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪8‬‬ ‫االستئنافية‬
‫الجلسة العامة‬
‫‪15‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪3‬‬ ‫القضائية‬

‫وقــد تميــزت جميــع األحــكام الصــادرة فــي القضايــا املتعلقــة بتصحيــح مطالــب الترشــح‬
‫بإجماعهــا حــول املبــادئ التــي انتهــت إلــى إقرارهــا‪.‬‬
‫ويمكــن تقســيم هــذه املبــادئ إلــى فرعــن يتعلــق األول بالقواعــد املتعلقــة بشــرط التزكيــة‬
‫(‪ ،)1‬وأمــا الثانــي فيتعلــق بكافــة الشــروط األخــرى (‪ )2‬للترشــح لالنتخابــات الرئاســية‪.‬‬
‫‪161‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ .1‬املبادئ املتعلقة بشرط التزكية‬

‫احتساب العدد املستوجب للتزكيات‬


‫األحكام الصادرة عن الدوائر االستئنافية باملحكمة االدارية وهي ذات العدد ‪201430005‬‬
‫بتاريخ ‪ 8/10/2014‬ومن ‪ 210430007‬إلى ‪ 201430013‬كلها بتاريخ ‪ 10/10/2014‬و‪20143017‬‬
‫بتاريخ ‪ 9/10/2014‬ومن ‪ 201430018‬إلى ‪ 201430020‬بتاريخ ‪،2/10/2014‬‬
‫األحكام الصادرة عن الجلسة العامة القضائية بهذه املحكمة وهي ذات العدد ‪201460001‬‬
‫و‪ 201460003‬و‪ 201460004‬بتاريخ ‪ 2014 / 10 / 17‬و‪ 201460006‬و‪ 20146008‬و‪201460009‬‬
‫بتاريخ ‪ 2014 /22/10‬و‪ 201460013‬و‪ 201460014‬و‪ 4060015‬بتاريخ ‪.2014 / 10 / 24‬‬
‫‪ .1‬أقــرت جميعهــا أن عــدم تقديــم املترشــح لالنتخابــات الرئاســية للعــدد األدنــى‬
‫املســتوجب للتزكيــة‪ ،‬علــى معنــى الفصــل ‪ 41‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة‬
‫‪ 2014‬املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء‪ ،‬ال يجيــز الحــق فــي تصحيــح هــذا الشــرط‬
‫املتعلــق بالترشــح لالنتخابــات الرئاســية خــال أجــل البــت فــي مطلــب الترشــح لهــا‪،‬‬
‫‪ .2‬أجمعــت علــى أن احتســاب العــدد األدنــى املســتوجب فــي التزكيــة يكــون باعتمــاد‬
‫تلــك الــواردة بالقائمــة املصاحبــة ملطلــب الترشــح والتــي اســتوفت التنصيــص‬
‫الوجوبــي املتعلــق باالســم الكامــل وعــدد بطاقــة التعريــف الوطنيــة واإلمضــاء‪،‬‬
‫طبــق أحــكام الفصــل ‪ 14‬مــن قــرار هيئــة االنتخابــات عــدد ‪ 18‬لســنة ‪،2014‬‬
‫‪ .3‬كمــا أجمعــت علــى أن تصحيــح التزكيــة ال يســري إال علــى تلــك التــي ســبق إســنادها‬
‫ملترشــح آخــر أو تلــك الصــادرة عــن غيــر املســجلني بســجل الناخبــن‪.‬‬
‫عد آجال التصحيح‬
‫قرار الجلسة العامة عدد ‪ 201460015‬بتاريخ ‪2014 / 10 / 24‬‬
‫أقر أن احتساب أجل التصحيح يكون بالساعات‪ ،‬طبق ما نص عليه الفصل ‪ 41‬من القانون‬
‫‪ 16‬لسنة ‪2014‬‬
‫فجــاء بــه «وحيــث‪ ...‬يقــع احتســاب أجــل تــدارك االخــاالت بالتزكيــات املنصــوص‬
‫عليــه بالفصــل ‪ 41‬املذك�وـر بالس�اـعات والدقائــق إذ نــص الفصــل املذكــور صراحــة‬
‫علــى أجــل ‪ 48‬ساــعة م��ن تاريخــ االع�لام ‪ ،‬وأنــه بالقيــاس مــع الفصــل ‪ 140‬مــن مجلــة‬
‫االلتزام��ات والعقــود الــذي يقتضــي أن ‘يــوم ابتــداء عــد مــدة األجــل ال يكــون معــدودا‬
‫منــه‘ ال ينطلــق عــد آجــال التنبيــه مــن ســاعة االعــام بــل مــن الســاعة التــي تليــه»‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪162‬‬

‫توزيع التزكيات على العدد املستوجب من الدوائر االنتخابية‬


‫الحكم عدد ‪ 201430017‬بتاريخ ‪2014 / 10 / 9‬‬
‫أقر أن عدم استجابة التزكيات لشرط توزيعها على الدوائر االنتخابية طبق الصيغة‬
‫املستوجبة قانونا ال يقبل التصحيح‪.‬‬
‫فجــاء بــه «وحيــث ثبــت مــن أوراق امللــف أن الهيئــة وجهــت إلــى املدعــي برقيــة بتاريــخ‬
‫‪ 24‬ســبتمبر ‪ 2014‬دعتــه بمقتضاهــا إلــى اســتكمال ملــف ترشــحه وذلــك بمدهــا بنســخة‬
‫إلكترونيــة مــن قائمــة املزكــن كمــا وجهــت إليــه إعالمــا بتاريــخ ‪ 27‬ســبتمبر ‪ 2014‬مرفقــا‬
‫بجــدول بيانــي يتضمــن االخــاالت التــي شــابت التزكيــات املرفقــة بمطلــب الترشــح ومنحتــه‬
‫أجــل ‪ 48‬ســاعة للتصحيــح‪ ...‬و بنــاء عليــه قــدم املترشــح ثــاث قائمــات تكميليــة بتاريــخ‬
‫‪ 25‬و‪ 26‬و‪ 29‬ســبتمبر ‪ ،2014‬وحيــث يتضــح مــن الجــدول البيانــي املرفــق بقــرار الهيئــة‬
‫الصــادر بتاريــخ ‪ 29‬ســبتمبر ‪ 2014‬أن مجمــوع التزكيــات التــي تثبتــت منهــا الهيئــة بلــغ‬
‫‪ 27743‬وهــو عــدد يتطابــق مــع مــا تضمنتــه األقــراص الليزريــة املدلــى بهــا مــن قبــل املدعــي‬
‫وأن التزكيــات املذكــورة توزعــت علــى ‪ 12‬دائــرة انتخابيــة وقــد اعتبــرت الهيئــة ان ‪11509‬‬
‫مــن املزكــن تتوفــر فيهــم الشــروط املســتوجبة قانونــا لســامة التزكيــة إال أن هــذا العــدد لــم‬
‫يكــن موزعــا علــى عشــر دوائــر انتخابيــة ال يقــل عــدد الناخبــن فــي كل منهــا عــن ‪ 500‬ناخــب‬
‫ذلــك أن عــدد الدوائــر التــي اســتوفت هــذا الشــرط بلــغ تســعا فقــط‪ .‬وحيــث أسســت الهيئــة‬
‫قرارهــا املطعــون فيــه علــى عــدم توفــر شــرط توزيــع الناخبــن علــى عشــر دوائــر انتخابيــة‬
‫علــى أن ال يقــل عددهــم مــن خمســمائة ناخــب بــكل دائــرة منهــا وأن املدعــي لــم يــدل بمــا‬
‫ينهــض دليــا علــى خــاف ذلــك وحيــث تكــون الدعــوى فــي ضــوء مــا تقــدم حريــة بالرفــض‪».‬‬
‫‪163‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ .2‬املبادئ املتعلقة بتصحيح مطلب الترشح في غير صورة التزكية‬

‫اختزلهــا قــرار الجلســة العامــة عــدد ‪ 201460006‬بتاريــخ ‪ 2014 / 10 / 22‬والحكــم املطعــون فيــه‬
‫بمقتضــاه عــدد ‪ 201430007‬بتاريــخ ‪.2014 / 10 / 10‬‬
‫وهي ‪:‬‬
‫‪ .1‬أنه في غير صورة التزكية يمكن للهيئة أن تطلب استكمال املطلب أو وثائق توضيحية‪،‬‬
‫‪ .2‬أنه يتعني االستجابة للطلب في أجل ‪ 24‬ساعة‪،‬‬
‫‪ .3‬أن االعــام بطلــب التصحيــح يكــون بــأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا طبــق أحــكام الفصــل‬
‫‪ 17‬مــن قــرار الهيئــة عــدد ‪ 18‬لســنة ‪.2014‬‬
‫فجــاء بالقــرار عــدد ‪« 201460006‬وحيــث يخلــص مــن األحــكام ســالف بيانهــا أن املشــرع أجــاز‬
‫لهيئــة االنتخابــات اعتمــاد إحــدى هاتــه الوســائل إلعــام املترشــحني لالنتخابــات الرئاســية‬
‫باســتكمال مطالــب ترشــحهم او اإلدالء بوثائــق توضيحيــة»‬
‫كمــا جــاء بالحكــم عــدد ‪ 201430007‬أنــه «وحيــث أوجــب الفصــل ‪ 9‬مــن القــرار عــدد ‪ 18‬لســنة‬
‫‪ ›...2014‬أن يرفــق مطلــب الترشــح وجوبــا بالوثائــق التاليــة ‪...:‬‬
‫ـ نســخة ورقيــة والكترونيــة مــن قائمــة املزكــن ‹كمــا تضمــن الفصــل ‪ 16‬مــن نفــس القــرار أنــه‬
‫‹يمكــن للهيئــة أن تطلــب اســتكمال املطلــب أو وثائــق توضيحيــة وتعــن علــى املعني باألمــر القيام‬
‫بذلــك فــي أجــل أقصــاه ‪ 24‬ســاعة‪ ›...‬وحيــث ثبــت أنــه هــذه األخيــرة (الهيئــة) بــادرت فــي نطــاق‬
‫مــا تخولــه لهــا مقتضيــات الفصــل ‪ 16‬املذكــور أعــاه بتوجيــه مراســلة الكترونيــة إلــى املدعــي‬
‫قصــد مطالبتــه باســتكمال ملــف ترشــحه وذلــك بــاالدالء بالوثيقــة االلكترونيــة لقائمــة املزكــن»‬

‫ب‪ .‬تصحيح مطالب الترشــح للرئاســية في فقه قضاء ســنة ‪2019‬‬

‫لــم يختلــف عــدد القضايــا املتعلقــة بتصحيــح مطلــب الترشــح لالنتخابــات الرئاســية‬
‫املرفوعــة ســنة ‪ 2019‬كثيــرا عــن تلــك املرفوعــة ســنة ‪ 2014‬فبلــغ عددهــا ‪ 9‬أمــام الدوائــر‬
‫االســتئنافية باملحكمــة االداريــة و‪ 5‬أمــام الجلســة العامــة القضائيــة بهــا كمــا هــو مبــن‬
‫بالجــدول التالــي‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪164‬‬

‫عدد القضايا‬ ‫عدد القضايا‬


‫عدد القضايا‬
‫التي لم‬ ‫التي لم‬ ‫الهيئة‬
‫املجموع‬ ‫التي تناولت‬
‫تتناول‬ ‫تخض في‬ ‫القضائية‬
‫التصحيح‬
‫التصحيح‬ ‫األصل‬
‫الدوائر‬
‫‪15‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪4‬‬ ‫االستئنافية‬
‫الجلسة العامة‬
‫‪8‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪2‬‬ ‫القضائية‬

‫وتوزعــت املبــادئ املقــررة باألحــكام والقــرارات الصــادرة بخصــوص تصحيــح مطالــب‬


‫الترشح بني تلك املتعلقة بشرط التزكية (‪ )1‬وبني ما تعلق بغيرها من الشروط األخرى (‪.)2‬‬

‫‪ .1‬املبادئ املتعلقة بشرط التزكية‬

‫احتساب العدد املستوجب للتزكيات‬


‫أقــرت جميــع األحــكام الصــادرة عــن الدوائــر االســتئنافية‪ ،‬باســتثناء الحكــم عــدد‬
‫‪ 20192031‬بتاريــخ ‪ ،2019 / 8 / 22‬وهــي ذات األعــداد ‪ 20192017‬و‪ 20192018‬و‪20192020‬‬
‫و‪ 20192022‬و‪ 20192024‬و‪ 20192025‬و‪ 20192026‬و‪ 20192028‬كلهــا بتاريــخ ‪:2019 / 8 / 22‬‬
‫• أن العدد املضمن بقائمة التزكية هو العدد األدنى املشترط‪،‬‬
‫• أنــه تبعــا عليــه تكــون هيئة االنتخابــات محمولة على طلب تصحيح كافــة التزكيات املضمنة‬
‫بهــذه القائمــة والتــي ال تســتجيب للشــروط بما في ذلــك التنصيصات الوجوبيــة املتعلقة بها‪.‬‬
‫فخالفــت بذلــك مــا أقــره فقــه قضــاء ســنة ‪ 2014‬بخصــوص احتســاب التزكيــات ومــا يترتــب‬
‫عنــه مــن جــواز تصحيحهــا مــن عدمــه‪.‬‬
‫احتساب العدد املستوجب للتزكيات‬
‫إال أن الجلســة العامــة القضائيــة أجمعــت خالفــا لهــذه األحــكام بمقتضــى قراراتهــا الصــادرة‬
‫ذات األعــداد ‪ 20193001‬و‪ 20193003‬و‪ 20193004‬و‪ 20193007‬و‪ 20193008‬كلهــا بتاريــخ‬
‫‪ 2019 / 8 / 30‬على‪:‬‬
‫‪ .1‬أن احتســاب العــدد األدنــى املســتوجب فــي التزكيــات يكــون باعتمــاد تلــك‬
‫الــواردة بالقائمــة املصاحبــة ملطلــب الترشــح والتــي اســتوفت التنصيــص‬
‫الوجوبــي املتعلــق باالســم الكامــل وعــدد بطاقــة التعريــف الوطنيــة واإلمضــاء‪،‬‬
‫‪ .2‬أن تصحيــح التزكيــة ال يســري إال علــى تلــك التــي ســبق إســنادها ملترشــح آخــر أو تلــك‬
‫الصــادرة عــن غيــر املســجلني بســجل الناخبــن‪.‬‬
‫‪165‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ .2‬املبادئ املتعلقة بتصحيح مطلب الترشح في غير صورة التزكية‬

‫اختزلهــا قــرار الجلســة العامــة عــدد ‪ 20193007‬بتاريــخ ‪ 2019 / 8 / 22‬الــذي أقــر أن اســتكمال‬
‫مطلــب الترشــح لالنتخابــات الرئاســية خــال أجــل البــت فــي الترشــحات ال يحمــل علــى إطالقــه‬
‫فجــاء بــه «وحيــث ان إمكانيــة مطالبــة الهيئــة‪ ...‬املترشــح باســتكمال املطلــب أو بوثائــق‬
‫توضيحيـ�ة ليـ�س القصـ�د منـ�ه تـ�دارك النقـ�ص فـ�ي املرفقـ�ات أو التنصيصـ�ات الوجوبيـ�ة‬
‫وإنم�اـ اس�تـكمال املطل��ب بخص��وص ماــ تضمن��ه مـ�ن التنصيصــات واملرفقــات الوجوبيــة‬
‫الت��ي س��بق تضمينه��ا واالدالء بهـ�ا‪ .‬وحيــث طاملــا ثبــت مــن أوراق امللــف أن املطعــون‬
‫ضــده لــم يرفــق ملــف ترشــحه بنســخة مــن بطاقــة التعريــف الوطنيــة أو جــواز ســفر‬
‫الوكيـ�ل املال��ي ولــم يتــدارك ذلــك النقــص خــال أجــل تاريــخ ختــم الترشــحات فــإن قــرار‬
‫رف�ضـ مطل�بـ ترش�حـه يغ��دو مس��تندا علــى أساــس س��ليم م��ن الواق��ع والقانــون‪».‬‬
‫وهـ�و م��ا يخال��ف مـ�ا سـ�بق وأن أقرتــه الجلســة العامــة بمقتضــى قرارهــا عــدد ‪201460006‬‬
‫بتاريــخ ‪2014 / 10 / 22‬‬

‫وتجــدر املالحظــة أن بنــاء نظــام قانونــي مــا ال يقــوم إال بتوفــر شــرط اســتقرار القواعــد‬
‫املكونــة لــه لــذا يعــود إلــى هيئــة االنتخابــات إعــادة صياغــة قرارهــا عــدد ‪ 18‬لســنة ‪2014‬‬
‫املــؤرخ فــي ‪ 4‬أوت ‪ 2014‬املتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات الرئاســية بما يتفق‬
‫مــع مقتضيــات القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬وبالوضــوح الــذي يســمح بتطبيقهــا‬
‫دون اختــاف حولهــا مــن كافــة املتداخلــن فــي االنتخابــات وخاصــة املترشــحني لهــا‪.‬‬

‫‪ .IV‬النظام القانوني لتصحيح مطالب الترشح االنتخابات‬


‫البلدية‬

‫اكتســى تصحيــح مطالــب الترشــح لالنتخابــات البلديــة ســنة ‪ 2018‬موضعــا هامــا في نزاع‬
‫الترشــحات وذلــك مــن خــال عــدد الطعون التــي تعلقت به أمــام الدوائر االبتدائيــة باملحكمة‬
‫اإلداريــة‪ ،‬ثــم الدوائــر االســتئنافية بهــا‪ ،‬طبق الفصالن ‪ 49‬ثامن عشــر و‪ 49‬تاســع عشــر من‬
‫القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ ،2014‬كمــا تبينــه املعطيــات اإلحصائية املبينة أســفله (أ)‬
‫ومــن خــال مــا انتهــت إليــه األحــكام الصــادرة فــي الغــرض مــن قواعــد فقــه قضائيــة (ب)‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪166‬‬

‫أ‪ .‬املعطيات االحصائية‬

‫تبــن الجــداول التاليــة عــدد القضايــا املرفوعــة واألحــكام الصــادرة فيهــا بحســب‬
‫توزعهــا بــن الهيئــات القضائيــة املختصــة ومــا تعلقــت بــه مــن قواعــد تفرعــت‬
‫إلــى عامــة وأخــرى خاصــة تعلقــت بالقائمــة التكميليــة وشــرط التناصــف‪.‬‬

‫‪ .1‬الطعون أمام الدوائر االبتدائية‬

‫املجموع‬ ‫الطعون التي‬ ‫الطعون التي‬ ‫الطعون التي لم‬


‫خاضت في غيره‬ ‫خاضت في‬ ‫تخض في األصل‬
‫التصحيح‬
‫‪68‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪28‬‬

‫وقــد توزعــت هــذه الطعــون بــن الدوائــر وبحســب القواعــد املقــررة باألحــكام الصــادرة‬
‫فيهــا كاآلتــي‪:‬‬

‫قواعد عامة‬
‫‪ 20181002‬الدائــرة الثانيــة بتاريــخ ‪ 2018 / 3 / 8‬و‪ 20181001‬الدائــرة األولــى بتاريــخ ‪2018 / 3 / 9‬‬
‫و‪ 04900002‬عــن الدائــرة الجهويــة بالــكاف بتاريــخ ‪ 2018 / 3 / 12‬و‪ 6900002‬الدائــرة الجهويــة‬
‫باملنســتير بتاريــخ ‪ 2018 / 3 / 12‬و‪ 6900003‬عــن نفــس الدائــرة بتاريــخ ‪2018 / 3 / 12‬‬
‫و‪ 6900004‬عن نفس الدائرة بتاريخ ‪ 2018 / 4 / 12‬و‪ 20181005‬عن الدائرة الخامسة‬
‫‪ 2018 / 3 / 13‬و‪ 20181007‬عــن الدائــرة الســابعة بتاريــخ ‪ 2018 / 3 / 13‬و‪ 20181008‬عــن الدائــرة‬
‫الثامنــة بتاريــخ ‪ 2018 / 3 / 13‬و‪ 04900003‬عــن الدائــرة الجهويــة بالــكاف بتاريــخ ‪14/3/2018‬‬
‫و‪ 03900004‬عــن الدائــرة الجهويــة ببنــزرت بتاريــخ ‪ 2018 / 3 / 14‬و‪ 03900004‬عــن نفــس الدائــرة‬
‫بتاريــخ ‪ 2018 / 3 / 14‬و‪ 20181012‬عــن الدائــرة الرابعــة عشــر بتاريــخ ‪ 2018 / 3 / 14‬و‪12900001‬‬
‫عــن الدائــرة الجهويــة بمدنــن بتاريــخ ‪ 2018 / 3 / 15‬و‪ 20181015‬عــن الدائــرة األولــى بتاريــخ‬
‫‪ 2018 / 3 / 16‬و‪ 11900002‬عن الدائرة الجهوية بالقصرين بتاريخ‪...‬‬
‫‪167‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫قواعد تعلقت بشرط السن بالقائمة التكميلية‬


‫‪ 12100004‬عــن الدائــرة الجهويــة بســيدي بوزيــد بتاريــخ ‪ 2018 / 3 / 7‬و‪ 6900004‬عــن الدائــرة‬
‫الجهويــة باملنســتير بتاريــخ ‪ 2018 / 4 / 12‬و‪ 6900005‬عــن نفــس الدائــرة بنفــس التاريــخ‬
‫و‪ 20181009‬عــن الدائــرة التاســعة بتاريــخ ‪ 2018 / 3 / 12‬و‪ 20181010‬عــن الدائــرة العاشــرة‬
‫بتاريــخ ‪ 13/3/2018‬و‪ 07900007‬عــن الدائــرة الجهويــة بصفاقــس بتاريــخ ‪2018 / 3 / 14‬‬
‫و‪ 09900001‬عــن الدائــرة الجهويــة بقابــس بتاريــخ ‪2018 / 3 / 14‬‬
‫قواعد تعلقت بشرط التناصف األفقي‬
‫‪ 12100005‬عــن الدائــرة لجهويــة بســيدي بوزيــد بتاريــخ ‪ 2018 / 3 / 7‬و‪ 20181003‬عــن الدائــرة‬
‫الثالثــة بتاريــخ ‪ 9/3/2018‬و‪ 20181004‬عــن الدائــرة الرابعــة بتاريــخ ‪ 13/3/2018‬و‪20181013‬‬
‫عــن الدائــرة الثالثــة عشــر بتاريــخ ‪ 2018 / 3 / 13‬و‪ 07900002‬عــن الدائــرة الجهويــة بصفاقــس‬
‫بتاريــخ ‪ 2018 / 3 / 14‬و‪ 03900001‬عــن الدائــرة الجهويــة ببنــزرت بتاريــخ ‪2018 / 3 / 14‬‬
‫و‪ 03900005‬عــن نفــس الدائــرة بتاريــخ ‪2018 / 3 / 15‬‬

‫‪ .2‬الطعون أمام الدوائر االستئنافية‬

‫املجموع‬ ‫الطعون التي‬ ‫الطعون التي‬ ‫الطعون التي لم‬


‫خاضت في غيره‬ ‫خاضت في‬ ‫تخض في األصل‬
‫التصحيح‬
‫‪25‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪5‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪168‬‬

‫توزعــت الطعــون املرفوعــة أمــام الدوائــر االســتئنافية حســب القواعــد املقــررة باألحــكام‬
‫الصــادرة فيهــا كاآلتــي‪:‬‬

‫القواعد املتعلقة بشرط‬ ‫القواعد املتعلقة بشرط‬ ‫القواعد العامة‬


‫التناصف األفقي‬ ‫السن بالقائمة التكميلية‬
‫‪20182002‬‬ ‫‪20182001‬‬ ‫‪20182008‬‬
‫بتاريخ ‪2018 / 3 / 26‬‬ ‫بتاريخ ‪2018 / 3 / 23‬‬ ‫بتاريخ ‪2018 / 3 / 26‬‬
‫‪20182006‬‬ ‫‪20182005‬‬ ‫‪20182009‬‬
‫بتاريخ ‪2018 / 3 / 26‬‬ ‫بتاريخ ‪2018 / 3 / 26‬‬ ‫بتاريخ ‪2018 / 3 / 26‬‬
‫‪ 20182010‬و‪20182017‬‬ ‫‪20182019‬‬ ‫‪20182013‬‬
‫بتاريخ ‪2018 / 4 / 2‬‬ ‫بتاريخ ‪2018 / 3 / 30‬‬ ‫بتاريخ ‪2018 / 4 / 2‬‬
‫‪20182012‬‬ ‫‪20182025‬‬ ‫‪20182020‬‬
‫بتاريخ ‪2018 / 4 / 2‬‬ ‫بتاريخ ‪2018 / 4 / 2‬‬ ‫بتاريخ ‪2018 / 4 / 2‬‬
‫‪20182014‬‬
‫بتاريخ ‪2018 / 4 / 2‬‬
‫‪20182022‬‬
‫بتاريخ ‪2018 / 3 / 28‬‬

‫ب‪ .‬املبادئ املقررة‬

‫اعتنــى القانــون عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء كمــا تــم تنقيحــه‬
‫وإتمامــه بمقتضــى القانــون األساســي عــدد ‪ 7‬لســنة ‪ 2017‬املــؤرخ فــي ‪ 14‬فيفــري ‪2017‬‬
‫بضبــط شــروط وإجــراء الترشــح لالنتخابــات البلديــة‪.‬‬
‫وفــي هــذا الســياق أقــر تصحيــح مطالــب الترشــح لهــذه االنتخابــات بــأن نــص بفصلــه‬
‫‪ 49‬سادســا علــى أن «يقــدم مطلــب الترشــح لالنتخابــات البلديــة أو الجهويــة إلــى الهيئــة‬
‫طبــق روزنامــة وإجــراءات تضبطهــا الهيئــة‪ ...‬وتضبــط الهيئــة إجــراءات وحــاالت تصحيــح‬
‫مطالــب الترشــح بمــا فــي ذلــك الحــاالت التــي يمكن فيهــا التصحيــح باالعتماد علــى القائمة‬
‫التكميليــة «كمــا نــص بفصلــه ‪ 49‬تاســعا علــى أن «‪ ...‬تقــدم الترشــحات لعضويــة املجالــس‬
‫‪169‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫البلديــة والجهويــة علــى أســاس مبــدأ التناصف بني النســاء والرجال وقاعــدة التناوب بينهم‬
‫داخــل القائمــة‪ .‬وال تقبــل القائمــات التــي ال تحتــرم هــذه القاعــدة‪ .‬كمــا تقــدم الترشــحات‬
‫لعضويــة املجالــس البلديــة والجهويــة علــى أســاس مبــدأ التناصــف بــن النســاء والرجــال‬
‫فــي رئاســة القائمــات الحزبيــة واالئتالفيــة التــي تترشــح فــي أكثــر مــن دائــرة انتخابيــة‪ .‬وال‬
‫تقبــل قائمــات األحــزاب واالئتالفــات التــي ال تحتــرم هــذه القاعــدة فــي حدود عــدد القائمات‬
‫املخالفــة مــا لــم يقــع تصحيحهــا فــي اآلجــال القانونيــة التــي تحددهــا الهيئــة للتصحيــح‬
‫وفقــا لالجــراءات املبينــة بالفصــل ‪ 49‬سادســا مــن هــذا القانــون‪ ،‬وفي حالة عــدم التصحيح‬
‫تضبــط الهيئــة القائمــات امللغــاة باعتمــاد األســبقية فــي تقديــم الترشــح‪ .‬ويعتمــد فــي تحديد‬
‫األســبقية بتاريــخ تقديــم مطلــب الترشــح أو تحيينــه خــال فتــرة تقديــم مطالــب الترشــح‪».‬‬
‫وعليــه صــدر عــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات قرارهــا عــدد ‪ 10‬لســنة ‪ 2017‬املــؤرخ‬
‫فــي ‪ 20‬جوليــة ‪ 2017‬كمــا تــم تنقيحــه وإتمامــه بالقــرار عــدد ‪ 1‬لســنة ‪ 2018‬املــؤرخ فــي ‪2‬‬
‫جانفــي ‪ 2018‬الــذي خصــت فيــه تصحيــح مطالــب الترشــح لالنتخابــات البلديــة بالفصــول‬
‫‪ 21‬و‪ 24‬و‪ 26‬منــه‪ .‬وقــد جــاء بالفصــل ‪ 21‬أنــه «يمكــن للهيئــة الفرعيــة خــال أجــل البــت‬
‫طلــب تصحيــح مطالــب الترشــح‪ .‬وال يقبــل التصحيــح ‪ :‬ـ املطلــب الــذي ال يتضمــن العــدد‬
‫املشــترط مــن املترشــحني فــي القائمــة األصليــة والقائمــة التكميليــة ‪،‬ـ املطلــب الــذي ال‬
‫يتضمــن األســماء الكاملــة للمترشــحني وترتيبهــم وإمضاءاتهــم معرفــا عليهــا باإلمضــاء‬
‫فــي القائمــة املترشــحة طبــق الشــروط املنصــوص عليهــا أعــاه‪ ،‬ـ املطلــب الــذي ال يحتــرم‬
‫مبــدأ التناصــف داخــل القائمــة األصليــة وفــي حــدود العــدد األدنــى املطلــوب فــي القائمــة‬
‫التكميليــة‪ ،‬ـ املطلــب الــذي ال تتضمــن فيــه القائمــة التكميليــة مترشــحا أو مترشــحة علــى‬
‫األقــل ال يزيــد ســنة عــن ‪ 35‬ســنة يــوم تقديــم مطلــب الترشــح‪ ،‬ـ كل حالــة تــؤدي إلــى نقــص‬
‫فــي العــدد املشــترط فــي املترشــحني فــي القائمــة األصليــة أو إلــى اســتبدال مترشــح مــن‬
‫خــارج القائمــة التكميليــة»‪ ،‬كذلــك اقتضــى الفصــل ‪ 24‬مــن هــذا القــرار أن التصحيــح أو‬
‫التغييــر يكــون فــي أجــل أقصــاه ‪ 24‬ســاعة مــن تاريــخ اإلعــام كمــا اقتضــى فــي حالــة عــدم‬
‫احتــرام الناصــف فــي رئاســة القائمــات بفصلــه ‪ 26‬أن «تضبــط الهيئــة القائمــات امللغــاة‬
‫باعتمــاد األســبقية فــي تقديــم الترشــح بالنظــر إلــى تاريــخ وتوقيــت تقديــم مطلــب الترشــح‬
‫أو تحيينــه خــال فتــرة تقديــم مطالــب الترشــح طبــق مــا تــم تضمينــه بدفتــر الترشــحات‪».‬‬
‫وباالســتناد إلــى كل هــذه األحــكام وفــي مقدمتهــا أحــكام الدســتور وخاصــة فصولــه‬
‫‪ 34‬و‪ 49‬أقــرت األحــكام املومــأ إليهــا أعــاه الصــادرة عــن الدوائــر االبتدائيــة‬
‫واالســتئنافية باملحكمــة االداريــة جملــة مــن القواعــد تســاعد فــي بنــاء نظــام قانونــي‬
‫خــاص بصحيــح مطالــب الترشــح النتخابــات البلديــة وأيضــا الجهويــة طاملــا أن هــذه‬
‫االنتخابــات تخضــع لنفــس األحــكام القانونيــة الخاضعــة لهــا االنتخابــات البلديــة‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪170‬‬

‫ويمكــن تصنيــف هــذه القواعــد إلــى قواعــد عامــة (‪ )1‬وأخــرى خاصــة تتعلــق بشــرط الســن‬
‫بالقائمــة التكميليــة (‪ )2‬وشــرط التناصــف فــي رئاســة القائمــات الحزبيــة واالئتالفيــة أو مــا‬
‫اصطلــح عليــه بالتناصــف األفقــي (‪.)3‬‬

‫‪ .1‬القواعد العامة املتعلقة بتصحيح مطالب الترشح‬


‫لالنتخابات البلدية‬

‫تعريف التصحيح‬
‫ـ أجمعــت كافــة األحــكام الصــادرة عــن الدوائــر االبتدائيــة ثــم االســتئنافية علــى تعريــف‬
‫تصحيــح مطالــب الترشــح مــن خــال التمييــز بينــه وبــن التــدارك‪:‬‬
‫• فأقرت بأن التصحيح والتدارك هما صورتان مختلفتان من حيث الزمن واآلثار‪،‬‬
‫• واعتبــرت أن التــدارك يطــال كافــة اإلخــاالت التــي تشــوب مطالــب الترشــح‬
‫علــى شــرط أن يتــم خــال فتــرة تقديــم الترشــحات كمــا هــو منصــوص عليهــا‬
‫بروزنامــة االنتخابــات‪ ،‬فــي حــن أن تصحيــح مطالــب الترشــح يســري علــى فتــرة‬
‫البــت فــي هــذه املطالــب ولكــن ال يمكنــه أن يطــال االخــاالت التــي اســتثنيت منــه‪.‬‬
‫تراجع األحكام االستئنافية عدد ‪ 20182012‬وعدد ‪ 20182013‬وعدد ‪ 20182020‬واألحكام االبتدائية‬
‫عدد ‪ 6900003‬وعدد ‪ 6900004‬وعدد ‪ 20181005‬وعدد ‪ 20181008‬وعدد ‪ 20181009‬وعدد ‪.20181012‬‬
‫مجال التصحيح‬
‫ـ أجمعــت األحــكام املشــار إليهــا علــى أن تصحيــح مطالــب الترشــح هو األصل وأن ما اســتثني‬
‫منــه بمقتضــى الفقــرة الثانيــة من الفصل ‪ 21‬من قرار هيئة االنتخابات ســيق على وجه الحصر‪.‬‬
‫يراجــع األحــكام االســتئنافية عــدد ‪ 20182020‬و‪ 20182025‬واألحــكام االبتدائيــة عــدد ‪20181005‬‬
‫وعــدد ‪ 20182007‬وعــدد ‪ 20181009‬وعــدد ‪ 04900003‬وعــدد ‪04900004‬‬
‫ـ أقــر الحكــم عــدد ‪ 20181008‬ثــم الحكــم االســتئنافي عــدد ‪ 20182013‬الــذي أيــده أن التــدارك‬
‫التلقائــي خــال أجــل البــت فــي مطلــب الترشــح ال يجــوز قبولــه كلمــا كان الخلــل غيــر قابــل‬
‫للتصحيــح علــى معنــى أحــكام الفقــرة الثانيــة مــن الفصــل ‪ 21‬مــن قــرار الهيئــة لســنة ‪.2017‬‬
‫‪171‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫سلطة هيئة االنتخابات وقاضي الترشحات في تصحيح مطالب الترشح‬


‫اتنتهــت األحــكام الصــادرة فــي الغــرض‪ ،‬وهــي االســتئنافية عــدد ‪ 20182012‬وعــدد ‪20182020‬‬
‫واالبتدائيــة عــدد ‪ 6900003‬وعــدد ‪ 20181007‬وعــدد ‪ 20181011‬وعــدد ‪ 20181012‬وعــدد‬
‫‪ 04900003‬إلــى أنــه‪:‬‬
‫ـ أنــه يحمــل علــى الهيئــة واجــب دعــوة القائمــة املترشــحة إلــى تصحيــح مطلبهــا كلمــا‬
‫كان هنالــك موجــب للتصحيــح ضــرورة أنهــا ال تتمتــع بســلطة تقديريــة فــي ذلــك وإنمــا‬
‫هــي مقيــدة بأحــكام الفقــرة الثانيــة مــن الفصــل ‪ 21‬مــن قرارهــا عــدد ‪ 10‬لســنة ‪2017‬‬
‫ـ كمــا أنــه يعــود للمحكمــة واجــب االســتجابة للتصحيــح املعــروض عليهــا عنــد إحجــام الهيئــة‬
‫عــن واجــب دعــوة القائمــة املترشــحة لتصحيحــه مطلبهــا كمــا هــو محمــول عليهــا قانونــا‪.‬‬

‫الحاالت غير القابلة للتصحيح‬


‫الحكم ‪20181002‬‬ ‫ـ عــدد املترشــحني بالقائمــة‬
‫األصليــة ال يتطابــق مــع عــدد‬
‫املقاعــد بالدائــرة مــع عــدم‬
‫تقديــم قائمــة تكميليــة‪،‬‬
‫األحكام ‪20181001‬‬ ‫ـ عدد املترشحني بالقائمة‬
‫و‪ 20181005‬و‪2018108‬‬ ‫التكميلية غير كاف لتعويض‬ ‫استجالب من خارج القائمة‬
‫و‪ 12900001‬و‪20182008‬‬ ‫املترشحني بالقائمة األصلية‪،‬‬
‫و‪20182009‬‬
‫الحكم ‪20182013‬‬ ‫ـ عدد االناث بالقائمة‬
‫التكميلية ال يسمح بتصحيح‬
‫القائمة األصلية‪.‬‬
‫أقــرت جميــع األحــكام‬
‫الصــادرة فــي الغــرض أن‬
‫األحكام ‪20181015‬‬ ‫عــدم التعريــف باإلمضــاء‬
‫اإلمضاء غير املعرف به‬
‫و‪ 1190002‬و‪6900002‬‬ ‫ملطلــب الترشــح ال يقبــل‬
‫التصحيــح خــال أجــل البت‪،‬‬
‫بعــد غلــق بــاب الترشــحات‬
‫أقــر الحكــم عــدد ‪ 12900001‬قــرار الهيئــة القاضــي برفــض‬
‫االخالل بمبدأ التناصف‬
‫ترشــح القائمــة علــى أســاس اســتحالة تصحيــح مطلــب‬
‫وقاعدة التناوب‬
‫الترشــح دون االخــال بمبــدأ التناصــف وقاعــدة التنــاوب‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪172‬‬

‫‪ .2‬القواعد الخاصة بالقائمة التكميلية‬

‫أســند املشــرع للقائمــة التكميليــة مكانــة هامــة فــي قبــول مطلــب الترشــح لالنتخابــات‬
‫البلديــة فجــاء بصريــح أحــكام الفصــل ‪ 2‬مــن قــرار الهيئــة عــدد ‪ 10‬لســنة ‪ 2017‬أنهــا‬
‫جــزء مــن القائمــة املترشــحة وذلــك نظــرا ملــا تهــدف إليــه مــن حمايــة القائمــة مــن عــدم‬
‫القبــول عــن طريــق تصحيــح القائمــة األصليــة وكذلــك مــن ضمــان العــدد املطلــوب بهــا مــن‬
‫املترشــحني إلــى تاريــخ االقتــراع عــن طريــق التصــدي للشــغور الــذي قــد يطــرأ عليهــا‪.‬‬
‫ولئــن أجمعــت األحــكام الصــادرة حــول القائمــة التكميليــة علــى وجــوب تقديمهــا‬
‫خــال أجــل تقديــم الترشــحات وكذلــك وجــوب توفــر الشــروط املطلوبــة فيهــا‪ ،‬فإنهــا‬
‫اختلفــت حــول مــدى ضــرورة توفــر هــذه الشــروط بعــد اســتفاء دورهــا فــي تصحيــح‬
‫القائمــة األصليــة مــن جهــة ومــدى قبــول تصحيــح شــروطها مــن جهــة أخــرى‪.‬‬

‫شروط القائمة التكميلية‬


‫• اتفقــت كافــة األحــكام االبتدائيــة حــول وجــوب توفــر القائمــة التكميليــة وأيضــا اســتفائها‬
‫للشــروط املطلوبــة فيهــا‪،‬‬
‫• إال أنها اختلفت حول تاريخ تقدير توفر هذه الشروط‪.‬‬
‫فــي حــن انتهــى الحكمــن عــدد ‪03900003‬‬ ‫فأقــرت غالبيــة هــذه األحــكام أن الغايــة مــن‬
‫وعــدد ‪ 03900004‬إلــى أن العبــرة فــي تقديــر‬ ‫القائمــة التكميليــة هــي تصحيــح القائمــة‬
‫الشــروط املســتوجبة فــي القائمــة التكميليــة‬ ‫األصليــة والتحســب أيضــا لحــاالت الشــغور‬
‫يكــون فــي تاريــخ تقديــم مطلــب الترشــح‪.‬‬ ‫التــي قــد تطــرأ عليهــا بعــد البــت فــي‬
‫الترشــحات وانتهــت إلــى وجــوب توفــر هــذه‬
‫الشــروط حتــى بعــد اســتيفاء دورهــا فــي‬
‫تصحيــح القائمــة األصليــة كمــا جــاء ذلــك‬
‫صراحــة باألحــكام عــدد ‪ 07900007‬وعــدد‬
‫‪ 4900003‬وعــدد ‪ 4900002‬وعــدد ‪.6900004‬‬
‫أمــا فيمــا يتعلــق باألحــكام االســتئنافية فقــد اتفقــت جميعهــا علــى أن دور القائمــة‬
‫التكميلي��ة يس��تمر إلــى م��ا بع��د تصحيحــ القائمــة األصليـ�ة وأن الشــروط املقــررة لهــا‬
‫تس��ري عليهـ�ا فــي صيغتهــا النهائيــة بعــد اســتيفاء دورهــا فــي تصحيــح القائمــة‬
‫األصليـ�ة وهـ�و مـ�ا جـ�اء باألحـ�كام عـ�دد ‪ 20182019‬وعــدد ‪ 20182020‬وعـ�دد ‪.20182025‬‬
‫‪173‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫تصحيح القائمة التكميلية‬


‫يتضــح مــن األحــكام الصــادرة فــي هــذا الصــدد أنهــا حامــت حــول مســألة وحيــدة وهــي‬
‫اختــال شــرط الســن بالقائمــة التكميليــة ومــدى االعتمــاد علــى القائمــة األصلية فــي تصحيحه‪.‬‬
‫• فقضــت كافــة األحــكام االبتدائيــة بعــدم جــواز تصحيــح هــذا الخلــل بنــاء علــى مــا ينــص عليــه‬
‫الفصــل ‪ 21‬مــن قــرار هيئــة االنتخابــات عــدد ‪ 10‬لســنة ‪ 2017‬مــن أنــه «ال يقبــل التصحيــح‪...:‬‬
‫ـ املطلــب الــذي ال تتضمــن فيــه القائمــة التكميليــة مترشــحا أو مترشــحة علــى األقــل ال يزيــد‬
‫ســنه عــن ‪ 35‬ســنة يــوم تقديــم مطلــب الترشــح‪».‬‬
‫• في حني اختلفت األحكام االستئنافية‪:‬‬
‫• أقــر الحكــم االســتئنافي عــدد ‪ 20182019‬بتاريــخ ‪ 30‬مــارس ‪2018‬‬ ‫عدم جواز‬
‫عــدم جــواز االعتمــاد علــى القائمــة األصليــة لتصحيــح االخــال الــوارد‬ ‫التصحيح‬
‫بالقائمــة التكميليــة اســتنادا إلــى مــا نــص عليــه الفصــل ‪ 21‬مــن قــرار‬
‫الهيئــة عــدد ‪ 10‬لســنة ‪2017‬‬
‫تصحيح القائمة التكميلية‬
‫‪ -‬أقــر الحكــم عــدد ‪ 20182001‬أنــه يجــوز تصحيــح القائمــة التكميليــة‬ ‫قبــول تصحيــح‬
‫باالعتمــاد علــى القائمــة األصليــة طاملــا توفــر بهــا مــا يفــوق العــدد‬ ‫القائمــة التكميليــة‬
‫األدنــى املطلــوب مــن املترشــحني الذيــن ال يزيــد منهــم عــن ‪ 35‬ســنة‬ ‫باالعتمــاد علــى‬
‫فــي تاريــخ تقديــم مطلــب الترشــح وقــد اســتند هــذا الحكــم إلــى‪:‬‬ ‫القائمــة األصليــة‬
‫• أحــكام الفصلــن ‪ 34‬و‪ 49‬مــن الدســتور فيمــا قضــت بــه مــن أن‬
‫القانــون يضمــن حــق الترشــح لالنتخابــات وعــدم التضييــق فيــه بمــا‬
‫ينــال مــن جوهــره‪،‬‬
‫• أحــكام الفقــرة األخيــرة مــن الفصــل ‪ 49‬سادســا مــن القانــون‬
‫األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬التــي لــم تنــص علــى تكليــف هيئــة‬
‫االنتخابــات بضبــط حــاالت عــدم التصحيــح بــل أوكلــت إليهــا ضبــط‬
‫حاالتــه بمــا وجــب معــه أخــذ هــذه األحــكام علــى إطالقهــا فيمــا‬
‫أقرتــه مــن جــواز التصحيــح عــدا مــا اســتثني بموجــب هــذا القانــون‪.‬‬
‫وانتهــى هــذا الحكــم إلــى قــراءة الفصــل ‪ 21‬مــن القــرار عــدد ‪ 10‬لســنة‬
‫‪ ( 2017‬الــذي تحصــن بفعــل عــدم الطعــن فيــه ) بشــكل ال يتعــارض‬
‫مــع األحــكام املومــأ إليهــا وهــي أن الحــاالت املنصــوص عليهــا بطالــع‬
‫الفصــل ‪ 21‬مــن قــرار الهيئــة عــدد ‪ 10‬لســنة ‪ 2017‬ال تكــون غيــر قابلــة‬
‫للتصحيــح إال فــي صــورة وحيــدة وهــي صــورة وجــوب اللجــوء إلــى‬
‫خــارج القائمــة املترشــحة أي خــارج القائمــة األصليــة أو التكميليــة‪.‬‬
‫‪ -‬وقــد اســتند الحكــم عــدد ‪ 20182025‬فــي أن األصــل هــو التصحيــح‬
‫تكريســا للحــق فــي الترشــح وأن تأويــل االســتثناءات الــواردة بالفصــل‬
‫‪ 21‬مــن القــرار عــدد ‪ 10‬لســنة ‪ 2017‬تكــون فــي أضيــق الحــدود‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪174‬‬

‫‪ .3‬القواعد الخاصة بالتناصف بني النساء الرجال في رئاسة‬


‫القائمات الحزبية واالئتالفية‬

‫معيار ضبط القائمات امللغاة بسبب عدم االستجابة لتصحيح الخلل املتعلق‬
‫بعدم احترام مبدأ التناصف األفقي‬
‫أقــرت كافــة األحــكام االبتدائيــة واالســتئنافية كمــا هــو مشــار إليهــا‬
‫أعــاه أن املعيــار إلســقاط القائمــة لعــدم احتــرام الحــزب أو االئتــاف‬ ‫املعيار الزمني‬
‫لقاعــدة التناصــف األفقــي هــو تاريــخ تقديــم مطلــب الترشــح أو تحيينــه‪.‬‬
‫أقــر الحكــم عــدد ‪ 20181003‬كمــا أيــده الحكــم االســتئنافي عــدد‬
‫‪ 20182006‬أن ضبــط عــدد القائمــات املقبولــة بنــاء علــى قاعــدة التناصــف‬ ‫املعيار العددي‬
‫األفقــي يقتضــي مراعــاة العــدد الفــردي‪.‬‬

‫اآلثار املترتبة عن عدم الدعوة إلى تصحيح شرط التناصف األفقي‬


‫أقــر الحكــم االســتئنافي عــدد ‪ 20182022‬أن القائمــة املعنيــة بالتصحيــح‪ ،‬عمال بمبــدأ التناصف‬
‫األفقــي‪ ،‬ال تتحمــل وزر عــدم دعوتهــا مــن قبــل الهيئــة ‪ ،‬لتصحيــح الخلــل املترتــب عــن عــدم‬
‫احتــرام املبــدأ املذكــور‪ ،‬فجــاء بــه «وحيــث ولئــن كانــت الغايــة مــن قــرار الهيئــة املطعــون فيــه‬
‫تحقيــق مبــدأ التناصــف األفقــي فــي رئاســة قائمــات حــزب ‹حركــة مشــروع تونــس› فــإن ســعي‬
‫الهيئــة إلــى تكريــس ذلــك املبــدأ بإلغــاء القائمــة املســتأنفة دون تمكينهــا مــن التصحيــح ينــال‬
‫مــن حــق الترشــح بالتضييــق فيــه واملســاس بجوهــر ممارســته وحيــث ترتيبــا علــى مــا ســبق‬
‫بيانــه وطاملــا ثبــت مــن اوراق امللــف أن اإلخــال بمبــدأ التناصــف األفقــي‪ ...‬لــم يكــن مأتــاه‬
‫تنكــر الحــزب لاللتــزام املحمــول عليــه‪ ...‬فــإن الحكــم املطعــون فيــه يكــون قــد جانــب الصــواب‬
‫ملــا قضــى بإلغــاء القائمــة املســتأنفة مرجحــا مبــدأ التناصــف علــى الحــق فــي الترشــح‪.‬‬
‫‪175‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫سلطة قاضي الترشحات في إعادة ترتيب القائمات‬


‫* أقــرت كافــة األحــكام االبتدائيــة وكذلــك االســتئنافية أن النظــر فــي الطعــون املوجهــة مــن‬
‫القائمــات املرفوضــة الخاللهــا بقاعــدة التناصــف األفقــي يقتضــي مــن قاضــي الترشــحات‬
‫إعــادة الترتيــب والتثبــت مــن معيــار األســبقية‪،‬‬
‫* وانتهــت‪ ،‬باســتثناء الحكــم االبتدائــي عــدد ‪ ،03900001‬إلــى أن إعــادة ترتيــب القائمــات ال‬
‫يخــول لــه تجــاوز اختصاصــه الترابــي والقضــاء بأكثــر ممــا طلبــه الخصــوم‪،‬‬
‫فجــاء علــى بالحكــم االســتئنافي عــدد ‪ 20182010‬و‪« 20182017‬وحيــث أن القاضــي االنتخابــي‬
‫املنتصــب للنظــر فــي مــادة الترشــحات يمــارس رقابة شــرعية على قــرارات الهيئــة ‪...‬بخصوص‬
‫قبــول أو رفــض ترشــح القائمــات االنتخابيــة فــي حــدود طلبــات الخصــوم املقدمــة فــي الدعــوى‬
‫بمــا ال يخــول لــه الحكــم بأكثــر ممــا طلــب منــه ‪...‬و حيــث وفضــا عــن ذلــك ‪ ،‬فإنــه يتجــه‬
‫ترجيــح حــق الترشــح املكفــول بالفصــل ‪ 34‬مــن الدســتور علــى مســألة التناصــف األفقــي»‪،‬‬
‫كمــا جــاء بالحكــم االســتئنافي عــدد ‪« 20182012‬وحيــث ولئــن كان النظــر فــي الطعــون‬
‫املوجهــة مــن القائمــات املرفوضــة إلخاللهــا بقاعــدة التناصــف األفقــي يقتضــي مــن‬
‫قاضــي الترشــحات إعــادة الترتيــب والتثبــت مــن معيــار األســبقية فــي الترشــح‬
‫للتوصــل إلــى قبولهــا مــن عدمــه فــإن ذلــك ال يخــول لــه اســتخالص النتائــج وترتيــب‬
‫اآلثــار القانونيــة بخصــوص قائمــات تــم قبــول ترشــحها والتصريــح بإســقاطها»‪.‬‬

‫أوجه تصحيح االخالل بمبدأ التناصف األفقي‬


‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪176‬‬

‫أقــر الحكــم االســتئنافي عــدد ‪ 20182014‬أن عــدم تنصيــص الفصــل ‪ 26‬مــن قــرار الهيئــة عــدد‬
‫‪ 10‬لســنة ‪ 2017‬صراحــة علــى وجــوب تغييــر رئاســة القائمــة طبــق موجبــات مبــدأ التناصــف‬
‫األفقــي مــن شــأنه أن يســمح بالتهــرب عــن تطبيــق هــذا املبــدأ عــن طريــق تغييــر صبغــة القائمــة‬
‫مـ�ن حزبيـ�ة أو ائتالفيـ�ة إلـ�ى مسـ�تقلة مثلمـ�ا تبينـ�ه وقائـ�ع القضيـ�ة‪.‬‬

‫إن املتمعــن فــي القواعــد املقــررة لتصحيــح مطالــب الترشــح لالنتخابــات البلديــة‬
‫يلمــس بــكل وضــوح أن فقــه قضــاء املحكمــة االداريــة اســتقر علــى نفــس القواعــد‬
‫املقــررة بخصــوص تصحيــح مطالــب الترشــح لالنتخابــات البلديــة كلمــا تقاطعــت‬
‫األحــكام التشــريعية والترتيبيــة املتعلقــة بهمــا‪ ،‬وهــو مــا مــن شــأنه أن يدفــع إلــى‬
‫إقامــة نظــام قانونــي واضــح املعالــم يســاعد علــى حســن ســير االنتخابــات‪.‬‬
‫كذلــك يلمــس مــن كافــة القواعــد التــي تــم بســطها املتعلقــة بمختلــف االنتخابــات أنهــا‬
‫تمثــل مصــدر هــام ينهــل منــه للــدرس وأيضــا للدفــع نحــو تخطــي مــا تثيــره القاعــدة‬
‫القانونيــة املجــردة مــن صعوبــات تطبيقيــة‪ ،‬ممــا يســمح علــى وجــه الخصــوص‬
‫للهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات مــن االصطــاع بالــدور املعقــود لهــا بمقتضــى‬
‫القانــون األساســي عــدد ‪ 23‬لســنة ‪ 2012‬املــؤرخ فــي ‪ 20‬ديســمبر ‪ 2012‬املحــدث لهــا‪.‬‬
‫‪177‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫اإلثبات أمام القاضي االنتخابي‬


‫ّ‬
‫الطاهـر العلـوي‬
‫رئيس دائرة استئناف ّية باملحكمة اإلدار ّية‬

‫«ال تكــون للحــق أهميــة وجــدوى بالنســبة إلــى صاحبــه إال إذا كان قابــا لإلثبــات أمــام‬
‫القضــاء‪ .‬والحــق الــذي ال يمكــن إثباتــه يعــد منعدمــا»‪ .1‬فاإلثبــات هــو مفتــاح الوصــول إلــى‬
‫الحقيقــة وبدونــه يتالشــى الحــق ويضيــع‪.‬‬
‫وإذا كان هــذا االســتنتاج يميــز مختلــف أصنــاف النزاعــات وقائمــا أمــام جميــع‬
‫املحاكــم بأنواعهــا‪ ،‬فــإن خطورتــه تبــرز بصفــة خاصــة فــي النــزاع االنتخابــي ألن‬
‫العجــز عــن اإلثبــات فيــه يمكــن أن يــؤول إلــى إقــرار نتائــج انتخابــات مختلــة فــي‬
‫مســتوى نزاهتهــا وصدقيتهــا ممــا قــد يمــس بمقومــات النظــام الديمقراطــي ولــو نســبيا‪.‬‬
‫واإلثبــات فــي الدعــوى هــو إقامــة الدليــل أمــام القاضــي املتعهــد بهــا علــى وجــود واقعــة‬
‫ماديــة أو عمــل قانونــي مــا وذلــك بهــدف إقناعــه بصحــة االدعــاء‪ .‬وهــو بذلــك يعــد‬
‫شــكلية أساســية ال يتحقــق فــي غيابهــا يقــن القاضــي ويكــون مــآل الدعــوى الرفــض‪.‬‬
‫وإذا كان اختصاص النظر في النزاعات االنتخابية في النظام االنتخابي التونســي الحالي‬
‫موزّعا بني القضاء العدلي والقضاء اإلداري‪ ،‬فإن األخير يستأثر بأغلبها‪ 2‬وهو ما يبرر قصر‬
‫هذه الدراســة على املســائل املتعلقة باإلثبات أمام القاضي االنتخابي اإلداري دون ســواه‪.‬‬
‫واملالحــظ أن النــزاع االنتخابــي يصنــف عــادة ضمــن نزاعــات القضــاء الكامــل املوضوعــي‬
‫ألنــه يتعلــق بالنظــر فــي مســائل تهــم ال فقــط شــرعية القــرارات املتّخــذة مــن الهيئــة العليــا‬
‫الترشــح لالنتخابــات‪ ،‬وإنمــا تهــ ّم أيضــا وأساســا‬ ‫ّ‬ ‫املســتق ّلة لالنتخابــات بخصــوص‬
‫نزاهــة االنتخابــات‪ .3‬مــع اســتعمال القاضــي لصالحيــات واســعة تتجــاوز حــدود إلغــاء‬
‫القــرار غيــر الشــرعي إذ تخـ ّول لــه فــي نــزاع النتائــج «بســط رقابتــه علــى جميــع املراحــل‬

‫‪ .1‬يراجع‪:‬‬
‫‪PACTET P., Essai d’une théorie de la preuve devant la juridiction administrative, Paris, éditions A. Pedone,‬‬
‫‪1952, p.4‬‬

‫‪ .2‬عمــا بأحــكام القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪ 26‬مــاي ‪ 2014‬واملتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء‬
‫كمــا تــم تنقيحــه وإتمامــه بالنصــوص الالحقــة‪ ،‬يختــص القضــاء العدلــي بنزاعــات الترســيم بالقائمــات االنتخابيــة وينظــر‬
‫ابتدائيــا فــي نزاعــات الترشــح لالنتخابــات التشــريعية‪ ،‬فيمــا ينظر القضاء اإلداري اســتئنافيا في هــذه النزاعات ويختص‬
‫بنزاعــات الترشــح لالنتخابــات الرئاســية ولالنتخابات البلديــة والجهوية وبنزاعات النتائج األولية لالنتخابات واالســتفتاء‪.‬‬
‫‪ .3‬دليل النزاعات االنتخاب ّية في تونس‪ ،‬برنامج األمم املتّحدة اإلنمائي‪ ،‬تونس ‪ ،2019‬ص‪.224 .‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪178‬‬

‫املك ّونــة للعمليــة االنتخابيــة مــن الترشــحات إلــى النتائــج مــرورا بالحملــة االنتخابيــة‬
‫ومراقبــة كل اإلخــاالت التــي مــن شــأنها التأثيــر فــي نزاهــة وشــفافية االنتخابــات»‪.1‬‬
‫وهــذه الرقابــة التــي يجريهــا القاضــي االنتخابــي يمكــن أن تفضــي إلــى الحكــم بإلغــاء‬
‫النتائــج األوليــة لالنتخابــات كليــا أو جزئيــا أو بتعديلهــا وإعــادة ترتيــب الفائزيــن فيهــا‪.‬‬
‫وهــذه الصالح ّيــات املمنوحــة للقاضــي االنتخابــي يتمتــع بهــا أيضــا بصفتــه‬
‫قاضيــا إداريــا‪ .‬ومــن ثــم فــإنّ تع ّهــد هــذا األخيــر بالنــزاع االنتخابــي لــن يــؤول إلــى‬
‫تخليــه عــن ج ّبتــه األصل ّيــة‪ ،‬وإنمــا يــوؤل إلــى التأثيــر فــي الدعــوى االنتخابيــة‬
‫لتصطبــغ ببعــض خصائــص إجــراءات النــزاع اإلداري عامــة‪ ،‬وهــو مــا يمكــن‬
‫مالحظتــه فــي مســتوى نظــام اإلثبــات الــذي يط ّبقــه القاضــي املذكــور فــي إطــاره‪.‬‬
‫إال أن هــذا التأثيــر لــم يكــن ليتحقــق لــوال وجــود بعــض التشــابه بــن الدعويــن اإلدار ّيــة‬
‫واالنتخاب ّيــة‪ .‬فإلــى جانــب وحــدة القاضــي املتع ّهــد بهمــا‪ ،‬تشــترك هاتــان الدعويــان‬
‫كل منهمــا‪ ،‬وهــي فــي النــزاع‬ ‫فــي وجــود ســلطة إداريــة كطــرف م ّدعــى عليــه قــار فــي ّ‬
‫االنتخابــي الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات املكلفــة بموجــب قانــون إحداثهــا‬
‫«بالســهر علــى ضمــان انتخابــات واســتفتاءات ديمقراطيــة وحــرة وتعدديــة ونزيهــة‬
‫وشــفافة»‪ ،‬و«بالقيــام بجميــع العمليــات املرتبطــة بتنظيــم االنتخابــات واالســتفتاءات‬
‫وإدارتهــا واإلشــراف عليهــا ‪ .2»...‬وباالســتناد إلــى هــذه الغايــات والصالحيــات‬
‫تتدخــل الهيئــة املذكــورة فــي مختلــف مراحــل العمليــة االنتخابيــة ســواء باتخــاذ‬
‫قــرارات صريحــة أو ضمنيــة متصلــة بهــذه العمليــة أو برفــض التدخــل التخــاذ القــرار‪.‬‬
‫وإضافــة إلــى ذلــك فــإن إجــراءات املنازعــة االنتخابيــة مثــل املنازعــة اإلداريــة هــي إجــراءات‬
‫اســتقصائية وتخضــع ملبــدأ املواجهــة‪ ،‬وهــي خاصيــات تؤثــر فــي نظــام اإلثبــات املعتمــد‬
‫فــي كليهمــا‪ .‬فــإذا كانــت إجــراءات الدعــوى املدنيــة تتميــز بطابعهــا اإلتهامــي الــذي مــن‬
‫تبعاتــه وجــود نظــام قانونــي لإلثبــات يضبــط مبادئــه ووســائله وكيفيــة اســتعمالها‪ ،3‬فــإن‬
‫املنظمــة إلجــراءات الدعــوى اإلداريــة عامــة وكذلــك الدعــوى االنتخابيــة لــم‬ ‫النّصــوص ّ‬
‫تتض ّمــن أحكامــا تتعلــق بنظــام اإلثبــات‪ ،‬إذ أنّهــا تكتفــي بتحميــل املدعــي واجــب إرفــاق‬

‫‪ .1‬الحكم عدد ‪ 201420042‬الصادر عن املحكمة اإلدارية بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬


‫‪ .2‬الفصــان ‪ 2‬و‪ 3‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 23‬لســنة ‪ 2012‬املــؤرخ فــي ‪ 20‬ديســمبر ‪ 2012‬واملتعلــق بالهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات كمــا تــم تنقيحــه وإتمامــه بالنصــوص الالحقــة‪.‬‬
‫‪ .3‬تراجع مجلة االلتزامات والعقود ومجلة املرافعات املدنية والتجارية‪.‬‬
‫‪179‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫عريضــة دعــواه أو طعنــه باملؤيــدات‪ ،1‬وبضبــط بعــض الصالح ّيات االســتقصائ ّية للقاضي‪.2‬‬
‫النــص املنظــم لإلثبــات أمــام القاضــي االنتخابــي ينطــوي علــى‬ ‫ّ‬ ‫وإذا كان غيــاب‬
‫بعــض الســلبيات املتمثلــة فــي افتقــاد أطــراف النــزاع لقائمــة فــي الوســائل املخــ ّول‬
‫مفصلــة ومرتبــة ترتيبــا تفاضليــا حســب قيمتهــا‬ ‫لهــم اســتعمالها فــي اإلثبــات وتكــون ّ‬
‫اإلثباتيــة بمــا يم ّكنهــم مــن االســتناد إليهــا وإعــداد وســائل دفاعهــم فــي اإلبــان علــى‬
‫أساســها‪ ،‬فإنــه ال يخلــو مــن إيجابيــات تتمثــل باألســاس فــي توفيــر نــوع مــن الحريــة‬
‫واملرونــة لألطــراف فــي اختيــار وســائل اإلثبــات األكثــر جــدوى إلقنــاع املحكمــة‬
‫بالطعــن فــي اختيــار الطــرف الــذي يتحمــل‬ ‫بصحــة إدعاءاتهــم‪ ،‬وللقاضــي املتعهــد ّ‬
‫عــبء اإلثبــات وفــي مراقبــة وتقديــر مــدى حجيــة اإلثباتــات املق ّدمــة إليــه واالســتئناس‬
‫بنظــام اإلثبــات فــي القانــون املدنــي عنــد االقتضــاء‪ .‬كمــا أنــه يفتــح للقاضــي ولألطــراف‬
‫علــى حــد الســواء إمكان ّيــة اعتمــاد الوســائل العلميــة والتقنيــة املســتجدة فــي اإلثبــات‪.‬‬
‫وقــد أكــدت املحكمــة اإلداريــة هــذه املرونــة فــي العديــد مــن األحــكام الصــادرة‬
‫عنهــا بالقــول أنّ «إثبــات املخالفــات أو اإلخــاالت االنتخابيــة يكــون بجميــع‬
‫وســائل اإلثبــات املمكنــة‪ ...‬متــى اتســمت بالجديــة املطلوبــة‪ ...‬ســواء كانــت كافيــة‬
‫بذاتهــا للحســم فــي النــزاع أو منطلقــا ألبحــاث اســتقصائية إضافيــة‪.3»...‬‬
‫وعمــا بمــا تقــ ّدم فــإنّ اإلثبــات فــي النــزاع االنتخابــي يكتســي أهميــة خاصــة بالنظــر‬
‫إلــى محتــواه‪ ،‬باعتبــاره إثباتــا مزدوجــا يشــمل إقامــة الدليــل علــى اإلخــاالت االنتخابيــة‬
‫فــي حــد ذاتهــا وإثبــات تأثيرهــا علــى نتائــج االنتخابــات‪ ،4‬وبالنّظــر إلــى أبعــاده وغاياتــه‬
‫إذ يهــدف إلــى ضمــان نزاهــة االنتخابــات وحمايــة عــدة مبــادئ مــن بينهــا خاصــة‬
‫حريــة وســرية االقتــراع والحــق فــي الترشــح لالنتخابــات واملســاواة بــن املترشــحني‪.‬‬
‫ولعـ ّـل هــذه األهميــة املؤكــدة لإلثبــات فــي النزاعــات االنتخابيــة وإســناد القاضــي اإلداري‬
‫اختصــاص النظــر فــي الجــزء األكبــر منهــا يبـ ّرران إفــراد هــذه املســألة بدراســة خاصــة‬
‫والتســاؤل فــي إطارهــا عــن مــدى وجــود خصائــص مميــزة لإلثبــات أمــام القاضــي‬
‫االنتخابــي وتحليلهــا إن وجــدت‪.‬‬
‫وفــي هــذا اإلطــار يتب ّيــن من خالل دراســة فقه قضاء املحكمة اإلدارية فــي النزاعات املتعلقة‬

‫‪ .1‬الفصــل ‪( 36‬جديــد) مــن القانــون عــدد ‪ 40‬لســنة ‪ 1972‬املــؤرخ فــي ‪ 01‬جــوان ‪ 1972‬واملتعلــق باملحكمــة اإلداريــة‪،‬‬
‫والفصــول ‪ 27‬و‪ 46‬و‪ 49‬ســابع عشــر و‪( 145‬جديــد) مــن القانــون عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء‪.‬‬
‫‪ .2‬الفصل ‪( 44‬جديد) من القانون عدد ‪ 40‬لسنة ‪ 1972‬املؤرخ في ‪ 01‬جوان ‪ 1972‬سابق ال ّذكر‪.‬‬
‫‪ .3‬الحكم عدد ‪ 201420027‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 317411‬بتاريــخ ‪30‬‬ ‫‪ .4‬تض ّمــن القــرار ّ‬
‫أكتوبــر ‪( 2018‬االنتخابــات البلديــة) أن «قاضــي النتائــج مســتأمن علــى أصــوات الناخبــن وال يقضــي بإلغائهــا إال‬
‫متــى كانــت الحجــج املقدمــة قويــة وثابتــة ومــن شــأن االخــاالت املحتــج بهــا التأثيــر بصــورة حاســمة فــي النتائــج»‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪180‬‬

‫باالنتخابــات أن اإلثبــات أمــام القاضــي االنتخابــي يتميــز بتحميــل امل ّدعــي عــبء اإلثبــات‬
‫وتشــريك الجهــة امل ّدعــى عليهــا فيــه (املبحث األول) وتع ّدد وســائله مع ضعــف الجدوى منها‬
‫(املبحــث الثانــي) وبصالحيــات واســعة للقاضي مــع محدود ّية إســتعمالها (املبحث الثالث)‪.‬‬

‫املبحــث األول‪ :‬تحميــل امل ّدعــي عــبء اإلثبــات مع تشــريك‬


‫الجهــة امل ّدعــى عليهــا فيه‬

‫إن اللجــوء إلــى القاضــي االنتخابــي للطعــن أمامــه فــي العمليــة االنتخابيــة أو فــي‬
‫القــرارات املتخــذة فــي مختلــف مراحلهــا يســتوجب مــن القائــم بالدعــوى إقناعــه‬
‫بصحــة إدعاءاتــه حتــى يتســنى لــه الحكــم لصالحــه‪ ،‬فيغــدو املدعــي بذلــك الطــرف‬
‫األول الــذي يتح ّمــل عــبء اإلثبــات (الفقــرة األولــى)‪ .‬غيــر أنّ القاضــي االنتخابــي‬
‫لــم يط ّبــق هــذه القاعــدة علــى إطالقهــا وإنّمــا ســعى إلــى اســتثناء لهــا‪ ،‬وتبعــا‬
‫القتناعــه بثقــل العــبء املحمــول علــى املدعــي فــي هــذا الخصــوص إلــى التخفيــف‬
‫مــن ح ّدتهــا وقلــب عــبء اإلثبــات بتحميلــه للجهــة امل ّدعــى عليهــا (الفقــرة الثانيــة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مبدأ تحميل املدّعي عبء اإلثبات‬

‫يعـ ّد هــذا املبــدأ مــن أهــم املبــادئ التي يقــوم عليها اإلثبــات أمام القاضــي االنتخابي‬
‫وتــ ّم تكريســه فــي عــدد هــام مــن األحــكام الصــادرة عنــه‪ .‬وإذا كان هــذا املبــدأ‬
‫بهــذه األهميــة فإنــه يكــون مــن املجــدي توضيــح مفهومــه فــي ضــوء فقــه القضــاء‬
‫االنتخابــي وذلــك بالكشــف عــن أساســه ومب ّرره (‪ )I‬قبــل تحديد محتــواه وآثاره (‪.)II‬‬

‫‪ .I‬أساس املبدأ ومبرراته‬

‫لقــد تب ّنــى القاضــي االنتخابــي املبــدأ املذكــور وجــرى علــى تطبيقــه فأضحــى بذلــك إحــدى‬
‫القواعــد العا ّمــة لإلثبــات فــي ال ّدعــوى االنتخاب ّية‪ .‬وعلــى ال ّرغم من أنّ املبدأ ال يجد أساســه‬
‫فــي النصــوص املتع ّلقــة بهــذه ال ّدعــوى (‪ ،)1‬فــإنّ األخيــرة تعـ ّد مجــاال مالئمــا للعمــل به (‪.)2‬‬
‫‪181‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ .1‬أصل املبدأ وتب ّنيه في النزاع االنتخابي‬

‫إزاء غيــاب نــص عــام فــي النــزاع اإلداري وفــي النــزاع االنتخابــي يتعلــق بتنظيــم‬
‫عــبء اإلثبــات أمــام القاضــي االنتخابــي‪ ،‬فــإنّ األخيــر ســعى إلــى ســ ّد هــذا‬
‫الفــراغ حتــى يتســنّى لــه البــت فــي املنازعــات التــي تعــرض أمامــه‪ ،‬خاصــة وأنّ‬
‫تحديــد الطــرف املحمــول عليــه واجــب اإلثبــات يعــ ّد ركنــا جوهريــا فــي املنازعــة‬
‫االنتخابيــة التــي تقــوم أساســا علــى االدعــاء بعــدم ســامة العمليــة االنتخابيــة‪.‬‬
‫وقــد تب ّنــى القاضــي االنتخابــي القاعــدة املعمول بها فــي القانون املدني والتي تمثل أســاس‬
‫اإلثبــات أمــام القضــاء العــادي ومفادهــا أنّ مــن ي ّدعــي حقــا أمــام القاضــي عليــه إثباتــه‪.1‬‬
‫وعمــا بهــذه القاعــدة وضــع القاضــي االنتخابــي عــبء اإلثبــات فــي املــادة االنتخابيــة علــى‬
‫كاهــل امل ّدعــي‪ ،‬وجــرى منــذ نزاعــات انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي لســنة ‪2011‬‬
‫علــى التذكيــر بهــا وإلــزام امل ّدعــن بالتق ّيــد بهــا‪ .‬كمــا أ ّنــه ط ّبقهــا فــي مختلــف النزاعــات‬
‫االنتخابيــة التــي عرضــت عمــل أنظــاره ســواء تعلقــت باالنتخابــات التشــريعية أو الرئاســية‬
‫أو البلديــة‪ .‬مــن ذلــك أ ّنــه أوجــب «علــى املدعــي أن يقــدم مؤيــدات تدعــم إ ّدعاءاتــه تطبيقــا‬
‫ألحــكام الفصــل ‪ 72‬مــن القانــون االنتخابــي»‪ .2‬ثـ ّم أعــاد التذكيــر بهــذه القاعــدة فــي عــدد‬
‫الصــادرة عنــه ليجعــل منهــا مبــدأ عامــا فــي نزاعــات نتائــج االنتخابــات‬ ‫هــام مــن األحــكام ّ‬
‫مفــاده أن «عــبء إثبــات اإلخــاالت فــي املــادة االنتخابيــة محمــول علــى مــن ي ّدعيهــا»‪.3‬‬

‫‪ .2‬مب ّرر تب ّني املبدأ‬

‫يفســر تطبيقهــا‬
‫إذا كانــت هــذه القاعــدة تجــد لهــا ســندا نصيــا فــي القانــون املدنــي ممــا ّ‬
‫بصرامــة فــي النزاعــات املدنيــة‪ ،‬فــإن االســتناد إليهــا مــن القاضــي االنتخابــي‪ ،‬يجــد‬
‫مبـ ّررا لــه فــي قرينــة ســامة العمليــات االنتخابيــة التــي تنتفــع بهــا الجهــة امل ّدعــى عليهــا‬
‫وهــي الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات باعتبارهــا «الضامنــة بصريــح الفصــل ‪ 126‬مــن‬

‫‪ .1‬تجــد هــذه القاعــدة أساســها فــي الفصــل ‪ 420‬مــن مجلــة االلتزامــات والعقــود الــذي ينــص علــى أن «إثبــات االلتــزام‬
‫علــى القائــم به»‪.‬‬
‫‪ .2‬قرار الجلسة العامة القضائية عدد ‪ 96‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2011‬‬
‫‪ .3‬الحكم عدد ‪ 20183033‬بتاريخ ‪ 18‬ماي ‪.2018‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪182‬‬

‫الدســتور لســامة املســار االنتخابــي ونزاهتــه وشــفافيته»‪ ،1‬وهــو مــا يســتتبع القــول بــأن‬
‫ّ‬
‫كل مــا تتخــذه الهيئــة املذكــورة مــن قــرارات ومــا تقــوم بــه مــن أعمــال فــي إطــار تنظيمهــا‬
‫لالنتخابــات وإدارتهــا واإلشــراف عليهــا‪ ،‬إنمــا يهــدف مبدئيــا إلــى تحقيــق تلــك الغايــة‪.‬‬
‫ومــن ث ـ ّم فــإن املدعــي الــذي يقــوم أمــام القاضــي االنتخابــي لالدعــاء بوجــود إخــاالت‬
‫شــابت االنتخابــات هــو الــذي يتحمــل عــبء دحــض تلــك القرينــة بتقديــم اإلثبــات علــى‬
‫وجــود اإلخــاالت املدعــى بهــا‪ ،‬وهــو مــا أكدتــه املحكمــة اإلداريــة فــي عـ ّدة مناســبات‪ ،‬إذ‬
‫اعتبــرت أنّ «عــدم تســجيل أي تحفــظ مــن امل ّدعــي علــى عمليــة الفــرز بمحضــر املكتــب‬
‫املركــزي‪ ...‬يش ـ ّكل قرينــة علــى ســامة هــذه العمليــة لــم يفلــح امل ّدعــي فــي دحضهــا»‪.2‬‬
‫التوصــل إلــى دحــض القرينــة املذكــورة مــن املدعــي ال يكفــي بذاتــه وإنّمــا يجــب‬
‫ّ‬ ‫علــى أن‬
‫أن يقتــرن بإثبــات تأثيــر اإلخــاالت الثابتــة علــى نتائــج االنتخابــات حتــى ال يكــون مــآل‬
‫دعــواه الرفــض‪.‬‬

‫‪ .II‬محتوى املبدأ وآثاره‬

‫يوجــب هــذا املبــدأ علــى كل مــن ي ّدعــي تضــ ّرره مــن قــرار صــادر عــن الهيئــة‬
‫العليــا املســتقلة لالنتخابــات أو عــن إحــدى هيئاتهــا الفرعيــة برفــض ترشــحه‬
‫لالنتخابــات أو تضــ ّرره مــن نتائــج االنتخابــات بســبب ارتــكاب أحــد منافســيه أو‬
‫عــدة منافســن لــه إخــاالت أ ّدت إلــى حرمانــه مــن الفــوز فيهــا‪ ،‬إقامــة الدليــل أمــام‬
‫القاضــي االنتخابــي علــى إ ّدعاءاتــه‪ .‬وقــد تســنّى للقاضــي االنتخابــي تطبيقــه فــي‬
‫مجــاالت مختلفــة مــن النزاعــات االنتخاب ّيــة (‪ ،)1‬ورتّــب عليــه اآلثــار املســتوجبة (‪.)2‬‬

‫‪ .1‬مجاالت تطبيق املبدأ‬

‫بخصــوص نزاعــات الترشــح لالنتخابــات ألــزم القاضــي االنتخابــي املترشــح‬


‫الــذي تــم رفــض ترشــحه مــن أجــل عــدم التســجيل بقائمــة الناخبــن بإثبــات إدراج‬
‫إســمه بتلــك القائمــة بمقولــة أنّ «عــبء إثبــات التســجيل بقائمــات الناخبــن محمــول‬
‫علــى كل مترشــح لالنتخابــات وعلــى القائمــة املترشــحة»‪ ،3‬وذلــك ألن هــذه مســألة‬

‫‪ .1‬قرار الجلسة العامة القضائية عدد ‪ 201450005‬بتاريخ ‪ 09‬نوفمبر ‪.2014‬‬


‫‪ .2‬الحكم عدد ‪ 201420041‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .3‬الحكــم االســتئنافي عــدد ‪ 20182011‬بتاريــخ ‪ 02‬أفريــل ‪( 2018‬انتخابــات بلديــة) والحكــم االســتئنافي عــدد ‪201410086‬‬
‫بتاريــخ ‪ 20‬ســبتمبر ‪( 2014‬انتخابــات تشــريعية)‪.‬‬
‫‪183‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫التســجيل تتعلــق بشــروط الترشــح التــي يقــع عــبء إثباتهــا علــى كاهــل ّ‬
‫كل مترشــح‪.‬‬
‫تدخل فيه القاضي‬ ‫وأما بخصوص نزاعات نتائج االنتخابات‪ ،‬فإنها تع ّد املجال األكبر الذي ّ‬
‫االنتخابــي لفــرض عــبء اإلثبــات بخصوصها على امل ّدعي‪ .‬وقد شــمل ذلك إثبات اإلخالالت‬
‫أثنــاء الحملــة االنتخابيــة والصمــت االنتخابــي واإلخــاالت أثنــاء عمليــة االقتــراع والفــرز‪.‬‬
‫ففيمــا يتعلــق باإلخــاالت التــي تشــوب الحملــة والصمــت االنتخابــي‪ ،‬تو ّلــى القاضــي‬
‫االنتخابــي تحميــل املدعــي واجــب إثبــات العديــد مــن اإلخــاالت مــن بينهــا بالخصــوص‪:‬‬
‫• إثبــات تبعيــة اإلذاعــة التــي قامــت بإجــراء عمليــة ســبر اآلراء للحــزب املطعــون‬
‫فــي نتائــج قائمتــه املترشــحة واســتفادة هــذه القائمــة مــن ذلــك دون ســواها‪.1‬‬
‫• إثبــات االعتــداء علــى أحــد أعــوان املراقبــة للحملــة االنتخابيــة ومحاولــة إرشــائه‬
‫بمبلــغ مالــي واالعتــداء اللفظــي واملــا ّدي علــى أحــد أعضــاء قائمــة الحــزب امل ّدعــي‪.2‬‬
‫• إثبــات إخــال الهيئــة العليــا املســتق ّلة لالنتخابــات بواجبهــا فــي مراقبــة تمويــل‬
‫الحملــة االنتخابيــة ومــدى تجــاوز الســقف الجملــي لإلنفــاق علــى الحملــة‪.3‬‬
‫• إثبــات ارتــكاب أحــد املترشــحني املنافســن ملخالفــة اإلشــهار السياســي وعــدم مراقبة‬
‫هيئــة االنتخابــات لهــا‪ ،‬وإثبــات التشــهير اإلعالمــي باملدعــي مــن أحــد منافســيه‪.4‬‬
‫• إثبــات شــراء أصــوات الناخبــن مــن قائمــة منافســة واســتغالل األطفــال فــي أعمــال‬
‫الدعايــة االنتخابيــة وإثبــات مخالفــة اإلشــهار السياســي بســبب القيــام بجولــة دعائيــة‬
‫بواســطة موكــب مــن الســيارات‪.5‬‬
‫• إثبــات أنّ املقــاالت والصــور املنشــورة علــى مواقــع التواصــل االجتماعــي‬
‫قــد تــم إدراجهــا مــن قبــل الحــزب املنافــس خــال فتــرة الصمــت االنتخابــي‪.6‬‬
‫• إثبــات عــدم حيــاد أعضــاء مكتــب االقتــراع بســبب عالقــة القرابــة بينــه وبــن أحــد‬
‫املترشــحني بنفــس الدائــرة االنتخابيــة‪.7‬‬

‫‪ .1‬الحكم عدد ‪ 20183023‬بتاريخ ‪ 22‬ماي ‪.2018‬‬


‫‪ .2‬نفس الحكم السابق‪.‬‬
‫‪ .3‬الحكم عدد ‪ 20194006‬بتاريخ ‪ 23‬سبتمبر ‪.2019‬‬
‫‪ .4‬نفس الحكم السابق‪.‬‬
‫‪ .5‬الحكم عدد ‪ 20183001‬بتاريخ ‪ 18‬ماي ‪.2018‬‬
‫‪ .6‬الحكم عدد ‪ 20183023‬بتاريخ ‪ 18‬ماي ‪.2018‬‬
‫‪ .7‬الحكم عدد ‪ 20183016‬بتاريخ ‪ 22‬ماي ‪.2018‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪184‬‬

‫• إثبات حصول ارتباك للناخبني في التمييز بني قائمتني مترشحتني‪.1‬‬


‫• إثبات حرمان عدد هام من الناخبني من ممارسة حقهم في التصويت بالدائرة املعنية‪.2‬‬
‫• إثبات اإلخالالت املتعلقة بعملية فرز األصوات‪.3‬‬
‫• إثبات عدم التطابق بني نتائج مراكز التجميع ونتائج جميع مراكز ومكاتب االقتراع‪.4‬‬
‫• إثبات حصول خطأ في احتساب األصوات‪.5‬‬
‫• إثبات املخالفة املتعلقة بعدم تعليق محضر الفرز أمام مكتب االقتراع‪.6‬‬

‫‪ .2‬آثار تطبيق املبدأ‬

‫إنّ التــزام امل ّدعــي بواجــب اإلثبــات املحمــول عليــه ونجاحــه فــي إثبــات صحــة املخالفــات‬
‫املدعــى بهــا ال يكفــي للحكــم لــه وفقــا لطلباتــه ألنــه مطالــب أيضــا بــأن يثبــت أنّ‬
‫املخالفــات الثابتــة قــد أثــرت بصفــة حاســمة وجوهريــة علــى نتائــج االنتخابــات‪.‬‬
‫غيــر أن مــا يالحــظ مــن خــال فقــه القضــاء االنتخابــي فــي هــذا الخصــوص هــو‬
‫عــدم تشــ ّدد القاضــي االنتخابــي فــي إلــزام امل ّدعــي بواجــب إثبــات التأثيــر علــى‬
‫نتائــج االنتخابــات‪ ،‬ألن التح ّقــق منــه يخضــع للســلطة التقديريــة املطلقــة للقاضــي‬
‫ومــا يســتقر عليــه وجدانــه انطالقــا م ّمــا يتوافــر بامللــف مــن معطيــات موضوعيــة‪.‬‬
‫وملّــا كان اإلثبــات واجبــا محمــوال علــى املدعــي فــإن آثــاره علــى مــآل الدعــوى املرفوعــة أمام‬
‫القاضــي االنتخابــي هامــة‪ .‬ففــي حالــة توصل املدعي إلى إثبات اإلخــال امل ّدعى به واقتناع‬
‫القاضــي بوجــوده وبتأثيــره الحاســم علــى نتائــج االنتخابــات‪ ،‬فــإن األخيــر يقضــي بإلغــاء‬
‫تلــك النتائــج أو بتعديلهــا‪ .7‬وأمــا إذا لــم يو ّفــق امل ّدعــي فــي إثبــات اإلخــال فــإن القاضــي‬

‫‪ .1‬الحكم عدد ‪ 201420037‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬


‫‪ .2‬قرار الجلسة العامة القضائ ّية عدد ‪ 50016/2014‬بتاريخ ‪ 20‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .3‬الحكم عدد ‪ 201420009‬بتاريخ ‪ 07‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .4‬الحكم عدد ‪ 201420029‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .5‬الحكم عدد ‪ 201420014‬بتاريخ ‪ 20‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .6‬الحكم عدد ‪ 201420034‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .7‬مــن ذلــك قضــاء إحــدى الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة بتعديــل نتائــج االنتخابــات التشــريعية‬
‫لســنة ‪ 2019‬بالدائــرة االنتخابيــة لواليــة بــن عــروس بموجــب الحكــم عــدد ‪ 2019 / 4053‬بتاريــخ ‪ 21‬أكتوبــر ‪.2019‬‬
‫‪185‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫االنتخابــي يصـ ّرح بتجـ ّرد إ ّدعاءاتــه ويحكــم برفــض الدعــوى أصــا وهــو املآل الــذي انتهى‬
‫إليــه القاضــي االنتخابــي فــي أغلــب القضايــا املقبولــة شــكال‪ ،1‬وهــو مــا يؤكــد أن اإلثبــات‬
‫يمثــل عبئــا ثقيــا علــى كاهــل امل ّدعــي جعــل القاضــي االنتخابــي يســعى إلى التخفيــف منه‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬توزيع عبء اإلثبات بني طرفي النزاع‬

‫إنّ خصوصيــات النــزاع االنتخابــي وطبيعــة الــدور املوكــول إلى القاضــي االنتخابي‬
‫فــي إطــاره باعتبــاره آخــر جهــة تتدخــل ملراقبــة العمليــة االنتخابيــة وهــو الضامــن‬
‫األعلــى واالخيــر لنزاهــة االنتخابــات تخـ ّول لــه التح ّكــم فــي عمل ّيــة اإلثبــات أمامــه‪.‬‬
‫ويبــدو أن القاضــي املذكــور قــد تأكــد لديــه بعــد إقــراره مبــدأ «البينــة علــى املدعــي»‬
‫والعمــل بــه أنّ التطبيــق املتشــ ّدد لهــذا املبــدأ قــد يحــول دونــه والحكــم بصفــة‬
‫موضوعيــة فــي الدعــاوى املرفوعــة أمامــه بمــا ينــال مــن الواجــب املحمــول عليــه‬
‫فــي حمايــة العمليــة االنتخابيــة مــن االخــاالت املؤثــرة فــي نتائجهــا‪ .‬لذلــك ســعى‬
‫إلــى التخفيــف مــن صرامــة املبــدأ املذكــور وذلــك بتوزيــع عــبء اإلثبــات علــى طرفــي‬
‫النــزاع بقصــد تخفيــف حملــه علــى املدعــي مســتندا فــي ذلــك إلــى عــدة أســباب‬
‫موضوعيــة (‪ )I‬ب ـ ّررت تشــريك الجهــة املدعــى عليهــا فــي تح ّمــل ذلــك العــبء (‪.)II‬‬

‫‪ .I‬مبررات توزيع عبء اإلثبات‬

‫مــا دامــت الغايــة مــن ال ّرقابــة التــي يجريهــا القاضــي االنتخابــي علــى العمليــة‬
‫االنتخابيــة هــي تحصينهــا مــن الخروقــات املؤثــرة فــي نتائجهــا وضمــان نزاهتهــا‬
‫فــإنّ ذلــك يفــرض عليــه اعتمــاد نظــام إثبــات مــرن يأخــذ بعــن االعتبــار الصعوبــات‬
‫التــي يواجههــا كل طــرف فــي اإلثبــات ومــدى قدرتــه علــى توفيــر وســائل اإلثبــات‬
‫التــي يحتاجهــا القاضــي‪ .‬ومــن ثــ ّم فــإن قيــام القاضــي املذكــور بتوزيــع اإلثبــات‬
‫بــن طرفــي الدعــوى لــم يكــن اعتباطيــا أو مبنيــا علــى مجــ ّرد اجتهــاد منــه وإنّمــا‬
‫كان مبــ ّررا بأســباب متع ّلقــة بــه (‪ )1‬وبأســباب أخــرى تعــود إلــى األطــراف (‪.)2‬‬

‫‪ .1‬من ذلك ما قضت به إحدى الدوائر االستئنافية بموجب الحكم عدد ‪ 2014 / 20022‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪186‬‬

‫‪ .1‬املب ّررات املتعلقة بالقاضي االنتخابي‬

‫إنّ أ ّول مبـ ّرر لتوزيــع عــبء اإلثبــات هــو غيــاب قاعــدة فــي القانــون اإلداري وفــي القانــون‬
‫االنتخابــي تح ّمــل امل ّدعــي ذلــك العــبء ألنّــه يمنــح القاضــي االنتخابــي ســلطة اختيــار‬
‫الطــرف الــذي يتح ّمــل ذلــك العــبء‪.‬‬
‫كمــا أنّ تبنــي القاضــي املذكــور قاعــدة «البينــة علــى مــن ا ّدعــى» وتطبيقهــا فــي النــزاع‬
‫االنتخابــي‪ ،‬يم ّكنــه مــن التح ّكــم فــي عــبء اإلثبــات ويوفــر لــه الحريــة لتحميلــه علــى الطــرف‬
‫الــذي يــراه األقــدر علــى اإلدالء بوســائل اإلثبــات الضروريــة لتكويــن قناعتــه م ّمــا يســاعده‬
‫علــى التح ّقــق مــن نزاهــة العمل ّيــة االنتخاب ّيــة ومــدى شــرع ّية القــرارات املتّخــذة فــي إطارهــا‪.‬‬
‫وهــذه الحريــة التــي يتمتــع بهــا القاضــي تجعلــه غيــر مق ّيــد بتلــك القاعــدة وتخـ ّول لــه فــي‬
‫بعــض األحيــان وبحســب األحــوال إمــا تطبيقهــا أو التخفيــف منهــا أو عــدم تطبيقهــا مطلقــا‪.‬‬
‫وباإلضافــة إلــى ذلــك وطاملــا أنّ غايــة القاضــي االنتخابــي مــن ال ّرقابــة التــي يجريهــا‬
‫علــى االنتخابــات هــي ضمــان نزاهتهــا فإنــه يكــون مــن غيــر املنطقــي قصــر عــبء‬
‫اإلثبــات أمامــه علــى طــرف واحــد وهــو املدعــي الــذي تواجهــه فــي الكثيــر مــن‬
‫األحيــان صعوبــات حقيقيــة فــي الحصــول علــى األدلــة الالزمــة إلثبــات إدعاءاتــه‪،‬‬
‫الســعي إلــى تحصيــل‬ ‫ضــرورة أنّ تحقيــق تلــك الغايــة يســتوجب مــن القاضــي ّ‬
‫أكبــر قــدر مــن اإلثباتــات حتــى يتســنى لــه الفصــل فــي النــزاع املعــروض أمامــه‪.‬‬

‫‪ .2‬املب ّررات املتعلقة باألطراف‬

‫تقــوم املنازعــة االنتخابيــة علــى عــدم التــوازن بــن أطرافهــا إذ تضــم امل ّدعــي مــن جهــة‬
‫والهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات التــي هــي الطــرف املدعــى عليــه األساســي‪ 1‬مــن‬
‫جهــة أخــرى‪ .‬ويتجلــى عــدم التــوازن فــي أنّ املدعــي املطالــب مبدئيــا باإلثبــات يفتقــر فــي‬
‫أغلــب الحــاالت إلــى عناصــر اإلثبــات الضروريــة إلقنــاع القاضــي بادعاءاتــه‪ .‬وفــي املقابــل‬
‫تســتأثر هيئــة االنتخابــات املعفــاة مبدئ ّيــا مــن اإلثبــات باألدلــة واإلثباتــات‪ ،‬ألنهــا تتح ّكــم‬
‫فــي كامــل املســار االنتخابــي واملســؤولة إداريــا عــن ضمــان نزاهــة االنتخابــات وتتح ـ ّوز‬
‫بالتالــي أغلــب وســائل االثبــات‪ .‬ومــن ث ـ ّم فإنــه ليــس مــن مصلحتهــا تمكــن املدعــي مــن‬
‫عناصــر اإلثبــات التــي يمكــن أن تــؤدي إلــى الحكــم ضدهــا‪ .‬األمــر الــذي ألــزم املدعــن‬

‫‪ .1‬يمكــن أن تشــتمل املنازعــة كذلــك طرفــا آخــر أو أطــراف آخريــن مدعــي عليهــم وهــم فــي أغلــب األحيــان املترشــحون‬
‫املنافســون أو القائمــات املترشــحة املنافســة الذيــن اســتفادوا مــن مخالفــات انتخابيــة قامــوا بهــا أو كانــت النتائــج‬
‫األوليــة املصــرح بهــا لصالحهــم‪.‬‬
‫‪187‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫فــي بعــض الحــاالت باســتصدار إذن قضائــي ض ّدهــا بتمكينهــم مــن الوثائــق الضروريــة‬
‫وخاصــة منهــا محاضــر املخالفــات والحجــز املحــررة مــن الهيئــة الفرعية‬ ‫ّ‬ ‫إلثبــات إدعاءاتهــم‬
‫لالنتخابــات‪ .1‬وهــذه الوضع ّيــة غيــر طبيعيــة ألنهــا تجعــل املدعــي يواجــه صعوبــات حقيقيــة‬
‫فــي اإلثبــات‪ ،‬ويتعــن لذلــك تالفيهــا وتعديــل الكفــة بــن الطرفــن فــي تح ّمــل عــبء اإلثبــات‪.‬‬
‫وإلــى جانــب هــذه الصــورة التــي تتعلــق عــادة بالحــاالت التــي ترفــض فيهــا هيئــة‬
‫االنتخابــات اتخــاذ أي إجــراء بخصــوص اإلخــاالت التــي ينســبها املدعــي إلــى أحــد‬
‫منافســيه وترفــض تحميــل األخيــر تبعــات ذلــك عنــد التصريــح بالنتائــج األوليــة‪ ،‬توجــد‬
‫صــورة أخــرى تتعلــق بحــاالت قيــام املدعــي بالطعــن فــي قــرار اتخذتــه هيئــة االنتخابــات‬
‫املتحصــل عليهــا أو إلغــاء نتائــج قائمتــه‪ .‬وفــي مثــل هــذه‬
‫ّ‬ ‫ضــده كإلغــاء نتائجــه األ ّوليــة‬
‫الصــورة يســتحيل قيــام املدعــي باإلثبــات ألنّ تحميلــه هــذا العــبء ســيؤول إلــى إلزامــه‬
‫بإثبــات أمــر ســلبي يتمثــل فــي عــدم وجــود الوقائــع التــي تأســس عليهــا ذلــك القــرار‪ .‬وفــي‬
‫تدخــل القاضــي االنتخابــي لتشــريك الهيئــة املذكــورة فــي اإلثبــات‪.‬‬ ‫الصــور ّ‬ ‫جميــع هــذه ّ‬

‫‪ .II‬مظاهر توزيع عبء اإلثبات‬

‫يقــوم توزيــع عــبء اإلثبــات بــن طرفــي النــزاع مــن قبــل القاضــي االنتخابــي علــى إعفــاء‬
‫املدعــي مــن تح ّمــل وزر إقامــة الدليــل علــى إدعاءاتــه إمــا جزئيــا وذلــك بتحميلــه فقــط‬
‫واجــب تقديــم حــد أدنــى مــن اإلثبــات أمــام القاضــي (أ) أو كليــا بتحميــل الجهــة املدعــى‬
‫عليهــا عــبء إثبــات وجــود الوقائــع التــي تأســس عليهــا قرارهــا الصــادر ضــد املدعــي (ب)‪.‬‬

‫‪ .1‬االكتفاء بإلزام املدعي بتقديم حد أدنى من اإلثبات‬

‫إن إعفــاء املدعــي جزئيــا مــن اإلثبــات ال يعنــي التخلــي عــن مبــدأ إلزامــه بإثبــات إدعاءاتــه‪،‬‬
‫ألنــه يظــل مطالبــا عنــد رفــع دعــواه أمــام القاضــي االنتخابــي بواجــب اإلثبــات‪ ،‬وإنمــا‬
‫يعنــي تخفيــف هــذا العــبء عليــه وعــدم إلزامــه بتقديــم الحجــة كاملــة علــى مــا ي ّدعيــه‪،‬‬
‫وفــي هــذه الحالــة يكــون مطالبــا فقــط بــاإلدالء للمحكمــة بالحــد األدنــى مــن اإلثبــات‪.‬‬
‫وقــد جــرى القاضــي االنتخابــي فــي عدد هام من الدعاوى التــي نظرها على التأكيد على أنّ‬
‫املدعي مطالب بأن يؤيد دعواه بحد أدنى من األدلة أو بما يسميه في بعض أحكامه «بداية‬
‫حجــة»‪ ،‬مــن ذلــك قضــاؤه بأنــه «مــن املفــروض على القائــم الطعــن أن يدلي للمحكمــة بالقدر‬

‫‪ .1‬الحكم عدد ‪ 201420012‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬


‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪188‬‬

‫األدنــى مــن املعطيــات إلقامــة الدليــل ولــو بصفــة أوليــة علــى اكتســاء إدعائــه طابعــا جديا»‪.1‬‬
‫ويتولــى القاضــي عنــد فحــص عريضــة الدعــوى ومرفقاتهــا التثبــت مــن مــدى‬
‫اســتيفاء املدعــي لهــذا الشــرط‪ .‬وقــد عايــن فــي عــدد هــام مــن األحــكام الصــادرة‬
‫عنــه غيابــه بالقــول بــأن «ملــف الدعــوى خــا مــن أيــة حجــة أو بدايــة حجــة‬
‫تثبــت قيــام بعــض األحــزاب بتوزيــع مبالــغ ماليــة علــى الناخبــن‪ 2»...‬أو بأنــه‬
‫«لــم تتوفــر فــي امللــف ولــو بدايــة حجــة علــى صحــة ادعــاءات العارضــة‪.3»...‬‬
‫واملالحــظ فــي هــذا الخصــوص أن بدايــة الحجــة تختلــف عــن الحجــة فــي النتائــج املترتبــة‬
‫علــى كل منهمــا‪ .‬فتقديــم الحجــة أمــام القاضــي االنتخابــي يــؤول إلــى دحــض قرينــة نزاهــة‬
‫العمليــة االنتخابيــة ومــن ثــم إلــى إلغــاء نتائــج االنتخابــات متــى ثبــت تأثيــر اإلخــاالت‬
‫الثابتــة علــى تلــك النتائــج‪ .‬فــي حــن أن اإلدالء ببدايــة حجــة يــؤدي إلــى إثــارة الشــك فــي‬
‫نزاهــة االنتخابــات لــدى القاضــي الــذي يتولــى الحقــا مقارعــة بدايــة الحجــة املعتمــدة‬
‫مــن قبلــه بعناصــر اإلثبــات التــي تدلــى بهــا إليــه الجهــة املدعــى عليهــا ســواء بصفــة‬
‫تلقائيــة أو بطلــب منــه‪ ،‬وفــي حــال أعرضــت هــذه الجهــة عــن تقديــم الحجــة املعاكســة‬
‫أو كانــت حججهــا ال تكفــي إلثبــات عكــس مــا يدعيــه املدعــي‪ ،‬فإنــه يقـ ّر بصحــة االدعــاء‪.‬‬
‫وأمــا إذا لــم يتضمــن ملــف الدعــوى مــا يفيــد وجــود بدايــة حجــة علــى اإلخــاالت‬
‫املدعــى بهــا فــإن القاضــي االنتخابــي ينتهــي إلــى رفــض الدعــوى أصــا ألن‬
‫«إمســاك امل ّدعــي عنــد تحريــر الدعــوى عــن تقديــم جملــة مــن املعطيــات األوليــة‬
‫واإلثباتــات الالزمــة علــى إتيــان قائمــة‪ ...‬لهــذه املخالفــات مــن شــأنه أن يص ّيــر طعنــه‬
‫مجــردا»‪ .4‬كمــا أنّ القاضــي يحكــم برفــض الدعــوى أصــا كلمــا تو ّفقــت الجهــة‬
‫املدعــى عليهــا دحــض مــا أدلــى بــه املدعــي إليــه مــن بدايــة حجــة‪ .‬غيــر أن تشــريك‬
‫الجهــة املذكــورة فــي اإلثبــات ال يقتصــر علــى اإلدالء بالحجــج املعاكســة وإنمــا يمتــد‬
‫فــي كثيــر مــن األحيــان إلــى تحميلهــا عــبء اإلثبــات بصفــة كليــة عوضــا عــن املدعــي‪.‬‬

‫‪ .1‬الحكم عدد ‪ 201420022‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪ 2014‬والحكم عدد ‪ 201420039‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬


‫‪ .2‬قرار الجلسة العامة القضائية عدد ‪ 201450006‬بتاريخ ‪ 19‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .3‬الحكم عدد ‪ 201420027‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .4‬قرار الجلسة العامة القضائية عدد ‪ 11‬بتاريخ ‪ 02‬نوفمبر ‪.2011‬‬
‫‪189‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ .2‬تحميل الجهة املدعى عليها عبء اإلثبات‬

‫إن إلــزام الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات بواجــب اإلثبــات يتعلــق بجميــع الحــاالت‬
‫التــي تتخــذ فيهــا هــذه الهيئــة قــرارا فــي مواجهــة املدعــي كأن ترفــض تســليم رئيــس‬
‫القائمــة املترشــحة الوصــل النهائــي املتعلــق بالترشــح لالنتخابــات‪ ،1‬أو تلغــي النتائــج‬
‫التــي تحصــل عليهــا فــي االنتخابــات كليــا أو جزئيــا بســبب مــا تعيبــه عليــه مــن القيــام‬
‫مثــا خــال الحملــة االنتخابيــة بخروقــات تعلقــت بتنظيمهــا أو بتمويلهــا‪ 2‬أو فــي يــوم‬
‫الصمــت االنتخابــي أو يــوم االقتــراع أو االســتفادة منهــا‪ .‬وفــي صــورة طعــن املدعــي‬
‫فــي ذلــك القــرار‪ ،‬فإنهــا تكــون مطالبــة بالدفــاع عــن شــرعية قرارهــا بإثبــات صحــة‬
‫بــأي إثبــات فــي هــذا الخصــوص ألنّ‬ ‫الوقائــع التــي تنســبها إليــه‪ .‬وال يطالــب امل ّدعــي ّ‬
‫ذلــك ســيؤول إلــى إلزامــه بإثبــات أمــر ســلبي وهــو مــا يأبــاه منطــق القانــون‪ .‬وهــذا هــو‬
‫التمشــي الــذي انتهجــه القاضــي االنتخابــي الــذي أجــاب فــي أحــد أحكامــه عــن دفــع‬
‫الهيئــة أمامــه بتجــ ّرد الدعــوى بأنــه «خالفــا ملــا دفــع بــه نائــب الهيئــة املدعــى عليهــا‪،‬‬
‫وباعتبــار أن املدعــى عليهــا هــي التــي أســقطت قائمــة‪ ...‬وأنّ قرارهــا القاضــي بذلــك مــا‬
‫كان ليصــدر لــوال توفــر كافــة العناصــر املاديــة والقانونيــة املســتوجبة لذلــك‪ ،‬فــإن عــبء‬
‫إثبــات املخالفــة بكافــة أركانهــا يحمــل علــى الهيئــة ومــا علــى امل ّدعيــة إال دحضهــا‪.3»...‬‬
‫ومــن البديهــي أن هــذا اإللــزام املحمــول علــى هيئة االنتخابــات يترتب عنه نتيجتــان‪ .‬فإما أن‬
‫تفشــل هــذه الهيئــة فــي إثبــات املخالفة املنســوبة إلــى املدعي‪ ،‬وفي هذه الحالــة يكون قرارها‬
‫قائمــا علــى وقائــع غيــر موجودة ويحكم القاضي تبعا لذلك لصالح املدعي بإلغاء ذلك القرار‬
‫أو بتعديــل نتائــج االنتخابــات‪ ،‬وهــو املوقــف الــذي تبنــاه فــي بعــض األحكام الصــادرة عنه‪.4‬‬
‫وأمــا النتيجــة الثانيــة فهــي أن تتو ّفــق هيئــة االنتخابــات في تقديــم األد ّلة على وجــود الوقائع‬
‫ســند القــرار الــذي اتخذتــه‪ .‬وفــي هــذه الحالــة تتوفــر للمدعــي فرصــة دحــض اإلثباتــات‬
‫املقدمــة منهــا‪ ،‬فــإذا وفــق فــي ذلــك فــإن القاضــي يحكــم بإلغــاء القــرار أو بتعديــل النتائــج‪.‬‬
‫مــن ذلــك أنــه خلــص بعــد التث ّبــت فــي الحجــج املعاكســة التــي ق ّدمهــا امل ّدعــي واملتمثلــة فــي‬
‫الســمعي والبصري‬ ‫تســجيالت صوت ّيــة ومقارنتهــا بمحتــوى تقريــر الهيئــة العليــا لالتّصال ّ‬

‫‪ .1‬الحكــم االســتئنافي عــدد ‪ 28921‬بتاريــخ ‪ 21‬ســبتمبر ‪ 2011‬الــذي انتهــت فيــه املحكمــة إلــى أنــه علــى الهيئــة الفرعيــة‬
‫لالنتخابــات مدهــا بحجــج وقرائــن جديــة تفيــد أن املترشــح كان مــن املناشــدين‪.‬‬
‫‪ .2‬قــرار الجلســة العامــة القضائيــة عــدد ‪ 79‬بتاريــخ ‪ 08‬نوفمبــر ‪« 2011‬عــبء إثبــات مخالفــة قواعــد تمويــل الحملــة‬
‫االنتخابيــة يحمــل علــى الهيئــة املســتقلة لالنتخابــات»‪.‬‬
‫‪ .3‬قرار الجلسة العامة القضائية عدد ‪ 77‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪ 2011‬وكذلك قرارها عدد ‪ 80‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2011‬‬
‫‪ .4‬قرارات الجلسة العامة القضائ ّية عدد ‪ 79‬و‪ 80‬و‪ 81‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2011‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪190‬‬

‫املقـ ّدم مــن هيئــة االنتخابــات امل ّدعــى عليهــا إلــى الحكــم بإلغــاء قــرار األخيــرة بإلغــاء نتائــج‬
‫إحــدى القائمــات املترشــحة وتعديــل نتائــج االنتخابــات بالدائــرة االنتخابيــة ألن «املخالفــات‬
‫التــي تبنتهــا الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات وأسســت عليهــا قرارهــا‪ ...‬واملتعلقــة بقيام‬
‫املدعــي بصفتــه رئيســا لقائمــة‪ ...‬باإلشــهار السياســي لــم تكــن مؤسســة علــى ســند ســليم‬
‫مــن الواقــع والقانــون‪ ،1...‬وقــد تأ ّيــد هــذا الحكــم مــن قبــل الجلســة العامــة القضائيــة‪.2‬‬
‫وأمــا إذا عجــز امل ّدعــي عــن تقديــم الحجــة املعاكســة‪ ،‬فــإن القاضــي يصــرح بثبــوت‬
‫املخالفــات املنســوبة إليــه ثــ ّم يراقــب مــدى تأثيرهــا علــى النتائــج ليقضــي برفــض‬
‫ال ّدعــوى أصــا إذا ثبــت التأثيــر أو باإللغــاء وتعديــل النتائــج إذا انتفــى ذلــك التأثيــر‪.‬‬
‫وباالســتناد إلــى جملــة مــا تــم تفصيلــه أعــاه يتج ّلــى أن القاضــي االنتخابــي لــم يكــن‬
‫متشــددا فــي تعاملــه مــع عــبء اإلثبــات إذ أنــه اختــار توزيعــه علــى أطــراف املنازعــة‬
‫وإشــراكهم فــي تحملــه مبديــا مــا يلــزم مــن املرونــة للتخفيــف مــن وطــأة ذلــك العــبء‬
‫ييســر حصولــه علــى عناصــر اإلثبــات الكفيلــة بجعــل املراقبــة التــي‬‫علــى املدعــي بمــا ّ‬
‫يجريهــا علــى نزاهــة االنتخابــات أكثــر جــدوى‪ .‬لكــن هــذه املرونــة التــي انتهجهــا القاضــي‬
‫االنتخابــي ال تقتصــر علــى توزيــع عــبء اإلثبــات وإنمــا تمتــد ايضــا إلــى وســائل‬
‫اإلثبــات املتــاح لألطــراف لالســتدالل بهــا رغــم أن آثــار هــذه املرونــة كانــت نســبية‪.‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬وسائل إثبات متع ّددة‬


‫ّ‬
‫لكن جدواها ضعيفة‬

‫مــن خــال دراســة فقــه قضــاء املحكمــة اإلدارية في مــادة النزاعات االنتخابيــة يتب ّين‬
‫أن أطــراف املنازعــة قــد دأبــوا علــى اإلدالء أمــام القاضــي االنتخابــي بشــتى وســائل‬
‫اإلثبــات فــي ســبيل إقناعــه بصحــة ادعاءاتهــم ممــا يعنــي أن الوســائل املتاحــة لهــم‬
‫فــي اإلثبــات متعــددة (الفقــرة األولــى)‪ .‬لكــن رغــم تعـ ّدد وســائل اإلثبــات املمكنــة فــإن‬
‫اســتعمالها مــن األطــراف واعتمادهــا مــن القاضــي ظــل محــدودا (الفقــرة الثانيــة)‪.‬‬

‫‪ .1‬الحكم عدد ‪ 20194053‬بتاريخ ‪ 21‬أكتوبر ‪.2019‬‬


‫‪ .2‬القرار عدد ‪ 20195023‬و‪ 20195029‬بتاريخ ‪ 04‬نوفمبر ‪.2019‬‬
‫‪191‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تعدّد وسائل اإلثبات املتاحة‬

‫إنّ تعـ ّدد وســائل اإلثبــات املتــاح لألطــراف اســتعمالها فــي املنازعة االنتخابية يجد أساســه‬
‫في مبدأ حرية اإلثبات الذي جرى القاضي االنتخابي على تطبيقه (‪ )II‬لجد ّية مب ّرراته (‪.)I‬‬

‫‪ .I‬مب ّررات األخذ بمبدأ حرية اإلثبات‬

‫لــم يكــن األخــذ بمبــدأ حريــة اإلثبــات فــي املنازعــة االنتخابيــة وليــد اجتهــاد شــخصي مــن‬
‫القاضــي االنتخابــي ودون أســاس يســنده وإنمــا يســتند إلــى عــدة أســباب تبــرره منهــا مــا‬
‫هــو نظــري (‪ )1‬ومنهــا مــا هــو عملــي (‪.)2‬‬

‫‪ .1‬املبررات النظرية‬

‫يجــد هــذا املبــدأ مبـ ّرره األول فــي عدم تقنني عملية اإلثبات في النــزاع االنتخابي وغياب أي‬
‫ـص يضبــط قائمــة فــي وســائل اإلثبــات املتــاح اســتعمالها فيــه‪ .‬وقــد ســمح ذلــك لألطــراف‬ ‫نـ ّ‬
‫بالبحــث عــن أيــة وســيلة تكفــل لهــم اقنــاع القاضــي بصحــة ادعاءاتهــم‪ .‬ومــا دام القاضــي‬
‫االنتخابــي التونســي هــو فــي نفــس الوقــت قــاض إداري فــإن غياب الســند النصــي لإلثبات‬
‫يمكــن أن يجــد مرجعــا لــه فــي غيــاب ذلــك الســند فــي القضــاء اإلداري عا ّمــة‪ .‬إ ّال أ ّنــه رغــم‬
‫جد ّيــة هــذا املبـ ّرر فــإنّ تقنــن اإلثبــات فــي مجلــة القضــاء اإلداري املرتقبــة وضبــط قائمــة‬
‫لوســائل اإلثبــات أمــام القاضــي اإلداري ذلــك لــن يــؤول فــي نظرنــا إلــى تخلــي القاضــي‬
‫االنتخابــي عــن تطبيــق مبــدأ حريــة اإلثبــات بالنّظــر إلــى خصوص ّيــات املنازعــة االنتخابيــة‪.‬‬
‫ومــن جهــة أخــرى يجــد هــذا املبــدأ مبرراتــه فــي طبيعــة املنازعــة االنتخابيــة التــي‬
‫تتســم بعــدم التــوازن بــن أطرافهــا‪ ،‬إذ أنّ امل ّدعــى عليهــا وهــي الهيئــة العليــا املســتق ّلة‬
‫لالنتخابــات تع ـ ّد الطــرف األقــوى ألنّهــا تمتــاز بقرينــة شــرع ّية قراراتهــا وقرينــة نزاهــة‬
‫االنتخابــات التــي تنظمهــا وتشــرف عليهــا‪ 1‬وتحــوز أه ـ ّم وســائل اإلثبــات‪ ،‬م ّمــا يقتضــي‬
‫تمكــن الطــرف األضعــف فيهــا وهــو املترشــح لالنتخابــات‪ ،‬مــن حريــة االحتجــاج بأيــة‬

‫‪ .1‬يراجع‪:‬‬
‫‪MORIN Jacques Carl: «Le droit de la preuve et la pétition en contestation d’élection», Cahiers de Droit, n.‬‬
‫‪.1-2, 1979. P.157‬‬
‫‪www.erudit.org/fr/revues/cd1/1979-v20-n1-2-cd3741/042312ar.pdf‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪192‬‬

‫وســيلة ممكنــة إلثبــات ح ّقــه‪ .‬كمــا يجــد املبــدأ مبــررا لــه فــي طبيعــة املصالــح التــي‬
‫يحميهــا القانــون االنتخابــي وهــي باألســاس ضمــان نزاهــة وشــفافية االنتخابــات أكثــر‬
‫مــن كونهــا مصالــح ذاتيــة صرفــة‪ ،‬فضــا عــن الــدور اإليجابــي للقاضــي االنتخابــي‬
‫فــي ال ّنــزاع والــذي يمكنــه مــن البحــث عــن الحقيقــة وكشــفها بشــتى الوســائل املمكنــة‪.‬‬

‫‪ .2‬املب ّررات العملية‬

‫للمبــدأ عــدة مبــررات عمليــة ومــن بينهــا خاصــة مــا يتعلــق بطبيعــة العمليــة االنتخابيــة‬
‫التــي تشــهد فــي أغلــب األحيــان ارتــكاب مخالفــات أو جرائــم انتخابيــة تتعلــق خاصــة‬
‫بالحملــة االنتخابيــة أو بالصمــت االنتخابــي أو باالقتــراع والفــرز أو بتمويــل الحملــة‪.‬‬
‫وبحكــم الطبيعــة الجزائيــة لتلــك املخالفــات فــإن األطــراف يواجهــون صعوبــات حقيقيــة فــي‬
‫إثباتهــا‪ ،‬م ّمــا يقتضــي تمكينهــم مــن حريــة اإلثبــات التــي يط ّبقهــا عــادة القاضــي الجزائــي‪.‬‬
‫وباإلضافــة إلــى ذلــك فــإن املســار االنتخابــي هــو عمليــة مركبــة تشــمل العديــد مــن‬
‫املراحــل واإلجــراءات وأهمهــا الحملــة االنتخابيــة التــي تتعاضــد فــي تنظيمهــا والقيــام بهــا‬
‫أســاليب تقليديــة كاالجتماعــات واملواكــب وأخــرى حديثــة ومــن بينهــا الدعايــة بوســائل‬
‫اإلعــام الســمعية والبصريــة وااللكترونيــة‪ ،1‬وهــو مــا يعنــي أن العمليــة االنتخابيــة منفتحــة‬
‫باســتمرار علــى التطــور التكنولوجــي‪ ،‬ومــن ثـ ّم فــإنّ إقامــة الدليــل علــى حصــول خروقــات‬
‫فيهــا يســتوجب اللجــوء إلــى وســائل مســتجدة فــي اإلثبــات‪ ،‬ممــا يجعلهــا تتعــارض مــع‬
‫ضبــط قائمــة حصريــة لتلــك الوســائل وتتــاءم أكثــر مــع تطبيــق مبــدأ حريــة اإلثبــات‪.‬‬

‫‪ .II‬تطبيق مبدأ حرية اإلثبات‬

‫مــا يالحــظ مــن خــال فقــه القضــاء املتع ّلــق بالنزاعــات االنتخاب ّيــة هــو أنّ القاضــي‬
‫االنتخابــي دأب علــى تطبيــق مبــدأ حريــة اإلثبــات منــذ انتخابــات املجلــس الوطنــي‬
‫التأسيســي لســنة ‪ .2011‬وعمــا بمــا جــرى عليــه القضــاء فــإن املبــدأ املذكــور‬
‫يفيــد بــأن «إثبــات املخالفــات أو اإلخــاالت االنتخابيــة يكــون بجميــع وســائل‬
‫اإلثبــات املمكنــة»‪ .2‬وأنّــه بنــاء علــى ذلــك «يمكــن للقاضــي اإلداري بوصفــه‬

‫‪ .1‬الفصل ‪ 59‬من القانون عدد ‪ 16‬لسنة ‪ 2014‬املتع ّلق باالنتخابات واالستفتاء‪.‬‬


‫‪ .2‬الحكم عدد ‪ 201420027‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪193‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫القاضــي االنتخابــي اعتمــاد كل وســيلة تثبــت حصــول التجــاوزات االنتخابيــة‪.1»...‬‬


‫وعمــا بهــذا املبــدأ‪ ،‬وإذا اســتثنينا اليمــن الحاســمة التــي ال يجــوز توجيههــا ضــد اإلدارة‬
‫ممثلــة فــي الهيئــة العليــا املســتق ّلة لالنتخابــات وموظفيهــا أمــام القاضــي االنتخابــي‬
‫العتبــارات تتعلــق بالنظــام العــام واملصلحــة العامــة التــي هــي غايــة تصرفــات اإلدارة‪ ،‬فإنــه‬
‫يجــوز لألطــراف االســتدالل بــكل الوســائل املمكنــة فــي اإلثبــات‪ ،‬ويمنــع علــى القاضــي‬
‫املذكــور اســتبعاد أي وســيلة إثبــات وعــدم قبولهــا وإنمــا يمكنه فقــط تقدير قيمتهــا اإلثباتية‪.‬‬
‫ويبــرز مــن مطالعــة فقــه القضــاء االنتخابــي للمحكمــة اإلدار ّيــة أنّهــا قبلــت اإلثبات بواســطة‬
‫عــدد معتبــر مــن الوســائل‪ 2‬بعضهــا يجــد مصــدرا لــه فــي أطــراف النــزاع (‪ )1‬وبعضهــا‬
‫اآلخــر صــادر عــن جهــات أخــرى (‪.)2‬‬

‫‪ .1‬وسائل اإلثبات الصادرة عن األطراف‬

‫يشــمل هــذا الصنــف مــن وســائل اإلثبــات كل وســيلة يصدرهــا أحــد أطــراف النــزاع‬
‫أو تكــ ّون بطلــب منــه‪ ،‬ويتــم االدالء بهــا أمــام القاضــي املتعهــد قصــد تأكيــد أو نفــي‬
‫الوجــود املــادي للوقائــع واإلخــاالت املدعــى بهــا‪ .‬ويمكــن تفصيــل أهــم وســائل‬
‫اإلثبــات التــي اعتمدهــا األطــراف فــي اإلثبــات أمــام القاضــي االنتخابــي كاآلتــي‪:‬‬
‫• التقاريــر ومحاضــر املعاينــات املحــررة مــن أعــوان املراقبــة املح ّلفــن التابعــن لهيئــة‬
‫االنتخابــات‪ ،‬وهــي تعــد أبــرز الوســائل التــي يســتعملها األطراف فــي اإلثبات ملــا تتمتع به‬
‫مــن حجيــة باعتبــار أنّ محرريهــا لهــم صفــة مأمــور الضابطــة العدليــة‪ .‬ويشــترط القاضي‬
‫االنتخابــي أن تكــون هــذه املحاضــر محـ ّررة وفقــا للشــروط الشــكلية املقـ ّررة قانونــا قبــل‬
‫تقديــر قيمتهــا اإلثباتيــة‪ ،3‬ومــن بينهــا أن تتض ّمــن ختــم الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات‪.4‬‬
‫• التحفظــات التــي يتــم تدوينهــا بمحاضــر االقتــراع والفــرز أو تضمينهــا بمذكــرات‬
‫وإرفاقهــا بتلــك املحاضــر والصــادرة عــن املترشــحني أو ممثلــي القائمــات‬
‫املترشــحة أو املالحظــن طبقــا للفصلــن ‪ 124‬و‪ 139‬مــن القانــون االنتخابــي‪ ،‬وتتعلــق‬

‫‪ .1‬الحكم عدد ‪ 201420038‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬


‫‪ .2‬بخصوص أهم وسائل االثبات التي اعتمدها قاضي النتائج في سنة ‪ 2014‬يراجع‪:‬‬
‫نرجــس طاهــر‪« :‬دراســة حــول فقــه القضــاء املتع ّلــق بنزاعــات نتائــج االنتخابــات التشــريع ّية والرئاس ـ ّية لســنة ‪،»2014‬‬
‫املؤسســة ال ّدول ّيــة للنظــم االنتخاب ّيــة‪ ،‬فيفــري ‪ ،2016‬ص‪.33 .‬‬
‫ّ‬
‫‪ .3‬قرار الجلسة العامة القضائية عدد ‪ 201450006‬بتاريخ ‪ 19‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .4‬الحكم عدد ‪ 201420005‬بتاريخ ‪ 07‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪194‬‬

‫باملخالفــات أو اإلخــاالت التــي تتــم معاينتهــا مــن قبلهــم خــال االقتــراع أو الفــرز‪.1‬‬
‫• شــهادات الشــهود قصــد إثبــات أو دحــض الوقائــع املنســوبة إلــى املدعــي‪ ،‬وخاصــة‬
‫إثبــات حصــول خروقــات قبــل الحملــة االنتخابيــة أو أثناءهــا أو يــوم االقتــراع‪ 2‬أو‬
‫خــال الفــرز‪ ،‬أو إثبــات واقعــة قيــام الهيئــة الفرع ّيــة لالنتخابــات بمنــع أعضــاء القائمــة‬
‫التكميليــة مــن الدخــول إلــى مقــر الهيئــة‪ .3‬وقــد اعتمــدت املحكمــة اإلدارية شــهادة صادرة‬
‫عــن رئيــس النيابــة الخصوصيــة إلحــدى البلديــات تفيــد بــأنّ مترشــحة لالنتخابــات‬
‫التشــريعية ع ّرفــت بإمضائهــا لــدى مكتــب التفويــض باإلمضــاء بالبلديــة كمترشــحة‪،‬‬
‫وقضــت املحكمــة علــى أساســها بإلغــاء قــرار رفــض ترشــح القائمــة التــي تنتمــي إليهــا‪.4‬‬
‫خاصــة معاينــة‬
‫ّ‬ ‫• محاضــر عــدول التنفيــذ‪ 5‬وعــدول اإلشــهاد‪ 6‬التــي يتــ ّم مــن خاللهــا‬
‫وتوثيــق املخالفــات االنتخابيــة‪ .‬وقــد أقــر القاضــي االنتخابــي إمكانيــة االعتمــاد‬
‫عليهــا‪ 7‬رافضــا دفــع هيئــة االنتخابــات بعــدم قبولهــا كحجــة بدعــوى أن رصــد‬
‫التجــاوزات االنتخابيــة هــو اختصــاص حصــري ألعوانهــا املحلفــن‪ .8‬وهــي ذات‬
‫أهميــة كبيــرة فــي النــزاع االنتخابــي ألن بعــض وســائل اإلثبــات تتــم معاينــة‬
‫محتواهــا بواســطة تلــك املحاضــر قبــل اإلدالء بهــا إلــى القاضــي االنتخابــي‬
‫ومــن بينهــا خاصــة الوســائط واملواقــع االلكترونيــة والتســجيالت بأنواعهــا‪.9‬‬
‫• الصــور الفوتوغرافيــة واألقــراص املضغوطــة‪ ،‬وقــد قبــل القاضــي االنتخابــي تقديــم‬
‫األطــراف صــورا فوتوغرافيــة إلثبــات وقائــع محــددة‪ ،‬وأقـ ّر مثــا أن «موكــب الســيارات‬
‫الــذي أشــار إليــه الطاعــن واملرفــق بالصــور التــي أدلــى بهــا ال يعـ ّد مــن قبيــل اإلشــهار‬

‫‪ .1‬الحكم عدد ‪ 201420013‬وعدد ‪ 201420032‬وعدد ‪ 201420033‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬


‫بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .2‬الحكم عدد ‪ 201420005‬بتاريخ ‪ 07‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .3‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20192030‬بتاريخ ‪ 27‬أوت ‪.2019‬‬
‫‪ .4‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 201410043‬بتاريخ ‪ 20‬سبتمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .5‬الحكم عدد ‪ 201420035‬بتاريخ ‪ 02‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .6‬الحكم عدد ‪ 201420042‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .7‬الحكــم االســتئنافي عــدد ‪ 2023/2019‬بتاريــخ ‪ 23‬أوت ‪« 2019‬تعــ ّد مســألة إثبــات حضــور عضــو القائمــة‪ ...‬مــن‬
‫املســائل الواقعيــة التــي يجــوز إثباتهــا بشــتى الوســائل مــن ذلــك املعاينــات التــي يجريهــا عــدول التنفيــذ»‪.‬‬
‫‪ .8‬الحكم عدد ‪ 201420038‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .9‬الحكم عدد ‪ 20194035‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪( 2019‬معاينة قرص مضغوط)‪.‬‬
‫الحكــم عــدد ‪ 20194004‬بتاريــخ ‪ 23‬ســبتمبر ‪( 2019‬معاينــة صفحــة مفتوحــة علــى موقع التواصل االجتماعي «فيســبوك»)‪.‬‬
‫‪195‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫السياســي»‪ .1‬كمــا أنــه أقـ ّر إمكانيــة االســتدالل باألقــراص املضغوطــة إلثبــات املخالفــات‪،‬‬
‫وتتضمــن هــذه األقــراص إمــا تســجيالت بالصــوت تتعلــق مثــا بمحتــوى برامــج قدمهــا‬
‫رئيــس قائمــة مترشــحة عبــر إحــدى اإلذاعــات‪ ،2‬أو تســجيالت بالصــوت والصــورة تتعلــق‬
‫ببرامــج ت ـ ّم ب ّثهــا علــى قنــاة تلفزيــة‪ 3‬أو تســجيالت فيديــو تو ّثــق عمليــة انتخــاب رئيــس‬
‫بلديــة بجميــع مراحلهــا‪ .4‬وت ـ ّم اســتعمال األقــراص املضغوطــة كذلــك إلثبــات اســتيفاء‬
‫أو عــدم اســتيفاء املترشــح لالنتخابــات الرئاســية لشــرط الحصــول علــى التزكيــات‪.5‬‬
‫• محاضــر الجلســات الرســمية‪ ،‬وقــد قضــت املحكمــة اإلدار ّيــة بــأنّ محضــر جلســة‬
‫انتخــاب رئيــس البلديــة «املح ـ ّرر مــن الكاتــب العــام للبلديــة طبــق مــا اقتضــاه الفصــل‬
‫‪ 246‬مــن مجلــة الجماعــات املحليــة يعــد وثيقــة أساســية إلثبــات انعقــاد الجلســة»‪.6‬‬

‫‪ .2‬وسائل اإلثبات الصادرة عن جهات أخرى‬

‫يمكــن لجهــات أخــرى غيــر أطــراف النــزاع أن تكــون مصــدرا لوســائل اإلثبــات‬
‫التــي يتولــى الطــرف املعنــي اإلدالء بهــا أمــام القاضــي االنتخابــي إلثبــات صحــة‬
‫إدعاءاتــه‪ ،‬وعــادة مــا تكــون تلــك الجهــات معنيــة مباشــرة او بصــورة غيــر مباشــرة‬
‫بالعمليــة االنتخابيــة‪ ،‬ويمكــن أن نذكــر مــن بــن هــذه الوســائل خاصــة مــا يلــي‪:‬‬
‫• األحــكام القضائيــة‪ ،‬وتشــمل األحــكام الصــادرة عــن القاضــي الجزائــي بخصــوص‬
‫الجرائــم االنتخابيــة املرتكبــة مــن أحــد املترشــحني مباشــرة أو املرتكبــة مــن الغيــر‬
‫وينتفــع بهــا املترشــح والقاضيــة إمــا باإلدانــة أو بالبــراءة‪ ،‬وفــي كلتــا الحالتــن ال يعتــد‬
‫بالحكــم إال متــى كان باتــا‪ .‬كمــا تشــمل أيضــا األحــكام الباتــة الصــادرة عــن محكمــة‬
‫املحاســبات فــي حــاالت تجــاوز الســقف الجملــي لإلنفــاق علــى الحملــة االنتخابيــة‪.‬‬
‫• تقاريــر مالحظــي االنتخابــات‪ ،‬وقــد اختلفــت مواقــف املحكمــة اإلداريــة بشــأنها‪.7‬‬

‫‪ .1‬الحكم عدد ‪ 20183001‬بتاريخ ‪ 18‬ماي ‪.2018‬‬


‫‪ .2‬الحكم عدد ‪ 20194053‬بتاريخ ‪ 21‬أكتوبر ‪( 2019‬مذكور سابقا)‪.‬‬
‫‪ .3‬قرار الجلسة العامة عدد ‪ 32‬بتاريخ ‪ 07‬نوفمبر ‪.2011‬‬
‫‪ .4‬قرار الجلسة العامة القضائية عدد ‪ 317411‬بتاريخ ‪ 30‬أكتوبر ‪( 2018‬مذكور سابقا)‪.‬‬
‫‪ .5‬الحكم عدد ‪ 20192017‬بتاريخ ‪ 22‬أوت ‪.2019‬‬
‫‪ .6‬قرار الجلسة العامة القضائ ّية عدد ‪ 317411‬بتاريخ ‪ 30‬أكتوبر ‪( 2018‬مذكور سابقا)‪.‬‬
‫‪ .7‬نرجــس طاهــر‪« :‬دراســة حــول فقــه القضــاء املتع ّلــق بنزاعــات نتائــج االنتخابــات التشــريع ّية والرئاسـ ّية لســنة ‪،»2014‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪196‬‬

‫فلئــن اســتقر موقــف الدوائــر االســتئنافية علــى قبــول هــذه الوســيلة فــي اإلثبــات‪،1‬‬
‫فــإنّ موقــف الجلســة العامــة القضائيــة اتســم بعــدم الوضــوح‪ ،‬فقــد انتهــت فــي قــرار‬
‫لهــا صــادر ســنة ‪ 2014‬إلــى عــدم االعتــراف بتلــك التقاريــر لإلثبــات ألنهــا «ال يمكــن‬
‫أن ترقــى بــأي حــال مــن األحــوال إلــى مرتبــة تقاريــر مراقبــي هيئــة االنتخابــات‬
‫املحلفــن‪ ...‬وال يمكــن بالتالــي االحتــكام إليهــا فــي إثبــات أفعــال ج ّرمهــا القانــون‬
‫االنتخابــي‪ ،2‬لكنهــا قبلــت ضمنيــا فــي قــرار آخــر هــذه الوســيلة ومارســت رقابتهــا‬
‫علــى حجيتهــا‪ .3‬إال أنــه يبــدو أن املوقــف الســائد هــو أنّ تقاريــر مالحظــي االنتخابــات‬
‫تعــد مــن بــن وســائل اإلثبــات املمكنــة لكــن تقديــر حجيتهــا يرجــع للمحكمــة‪.‬‬
‫• التقاريــر والوثائــق الصــادرة عــن بعــض الهيئــات العموميــة املســتقلة‪ ،‬وتتعلــق أساســا‬
‫وفــق مــا عــرض مــن نزاعــات علــى القاضــي االنتخابــي بهيئتــن عموميتــن‪ ،‬أوالهمــا هــي‬
‫الهيئــة العليــا لتحقيــق أهــداف الثــورة واإلصــاح السياســي واالنتقــال الديمقراطــي التي‬
‫ضبطــت قائمــة املناشــدين‪ .‬وقــد تــم االســتناد إلــى هــذه القائمــة مــن قبــل األطــراف إمــا‬
‫إلثبــات املناشــدة أو لنفيهــا‪ .4‬وأمــا الهيئــة الثانيــة فهــي الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال‬
‫الســمعي والبصــري التــي تعـ ّد تقريــرا يتعلــق بالخروقــات املســجلة فــي تغطيــة الحملــة‬
‫االنتخابيــة فــي وســائل االتّصــال الســمعي والبصــري‪ .‬وهــذا التقريــر يعـ ّد مؤيــدا هامــا‬
‫يســتند إليــه األطــراف لتأكيــد أو نفــي تلــك الخروقــات ومــن بينهــا اإلشــهار السياســي‪.5‬‬
‫إ ّال أنّ مــا تــم تعــداده أعــاه مــن وســائل إثبــات هــي مجــرد أمثلــة ممــا عــرض علــى‬
‫القاضــي االنتخابــي وال تقتصــر عليهــا إذ توجــد عــدة وســائل أخــرى يتــاح لألطــراف‬
‫املوجهــة إلــى الهيئــة العليــا املســتقلة‬
‫ّ‬ ‫اســتعمالها كأوراق التصويــت والشــكايات‬
‫لالنتخابــات والقصاصــات الصحفيــة فضــا عــن اإلقــرار وهــو ســيد األدلــة وغيرهــا‪.‬‬
‫والواضــح م ّمــا تقــدم ذكــره أن وســائل اإلثبــات فــي املنازعــة االنتخابيــة متعــددة‬
‫وأن تع ّددهــا يعــود باألســاس إلــى القاضــي االنتخابــي الــذي أخضعهــا ملبــدأ‬
‫حريــة اإلثبــات‪ ،‬لكــن هــذا التعــ ّدد ال ينبغــي أن يحجــب محدود ّيــة الجــدوى منهــا‪.‬‬

‫مذكور سابقا‪ ،‬ص‪.36 .‬‬


‫‪ .1‬الحكم عدد ‪ 201420015‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .2‬قرار الجلسة العامة القضائ ّية عدد ‪ 201450015‬بتاريخ ‪ 20‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .3‬قرار الجلسة العامة القضائ ّية عدد ‪ 201450018‬بتاريخ ‪ 20‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .4‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 28946‬بتاريخ ‪ 22‬سبتمبر ‪.2011‬‬
‫‪ .5‬الحكم عدد ‪ 20194017‬بتاريخ ‪ 18‬أكتوبر ‪.2019‬‬
‫‪197‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬ضعف الجدوى من وسائل اإلثبات املتاحة‬

‫إن اعتمــاد القاضــي االنتخابــي مبــدأ حريــة اإلثبــات وإقــراره إمكانيــة االســتدالل بــكل‬
‫وســائل اإلثبــات املمكنــة يــؤدي مبدئيــا إلــى إتاحــة الفرصــة لألطــراف لتقديــم الحجــج التــي‬
‫يرونهــا صالحــة إلقنــاع القاضــي بصحــة ادعاءاتهــم ومــن ث ـ ّم الحكــم لفائدتهــم‪ .‬غيــر أن‬
‫واقــع النــزاع االنتخابــي يبــرز عكــس ذلــك إذ أن أغلــب القضايــا التــي قبلــت شــكال كان‬
‫مآلهــا الرفــض أصــا‪ ،1‬وأن الســبب األساســي لهــذا الرفــض يعــود إلــى عــدم تقديــم أدلــة‬
‫اإلثبــات الالزمــة أو إلــى عــدم جديــة األدلــة املق ّدمــة‪ ،‬وهــو مــا يســتتبع القــول بــأن الجــدوى‬
‫مــن وســائل اإلثبــات املعمــول بهــا أمــام القاضــي االنتخابــي محــدودة‪ .‬ويمكــن تفســير‬
‫هــذه املحدوديــة باألســاس بأســباب راجعــة للهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات نتيجــة‬
‫تصرفهــا بحــذر فــي وســائل اإلثبــات التــي تتح ّوزهــا (‪ )I‬وبأســباب أخــرى راجعــة للقاضــي‬
‫االنتخابــي نتيجــة التشــدد الــذي أبــداه فــي تقديــر القيمــة اإلثباتيــة لتلــك الوســائل (‪.)II‬‬

‫‪ .I‬تصــ ّرف هيئــة االنتخابــات بحــذر فــي وســائل اإلثبــات التــي‬


‫تســتأثر بهــا‬

‫والصالح ّيــات‬
‫ّ‬ ‫تعــ ّد الهيئــة العليــا املســتق ّلة لالنتخابــات بحكــم املهــا ّم املك ّلفــة بهــا‬
‫الطــرف القــوي فــي‬ ‫املخ ّولــة لهــا بموجــب قانــون إحداثهــا والقانــون االنتخابــي ّ‬
‫املنازعــة االنتخابيــة‪ ،‬م ّمــا يــؤ ّدي إلــى اختــال التــوازن بــن الطرفــن لفائدتهــا‪ .‬وقــد‬
‫ازدادت حــ ّدة هــذا االختــال بســبب اســتئثار الهيئــة بأهــ ّم وســائل اإلثبــات املتع ّلقــة‬
‫بالعمليــة االنتخابيــة (‪ )1‬وتح ّفظهــا نســب ّيا عــن الوســائل التــي تســتأثر بهــا (‪.)2‬‬

‫‪ .1‬استئثار الهيئة بأه ّم وسائل اإلثبات‬

‫إنّ الهيئة العليا املســتقلة لالنتخابات هيئة عمومية مســتقلة أســند إليها القانون األساســي‬
‫املتعلــق بإحداثهــا مهمــة الســهر علــى ضمــان انتخابــات واســتفتاءات ديمقراطيــة وحــرة‬

‫‪ .1‬علــى ســبيل ال ّذكــر بالنســبة إلــى نزاعــات نتائــج االنتخابــات التشــريعية لســنة ‪ 2014‬فــي الطــور االبتدائــي تــم‬
‫الحكــم برفــض ‪ 25‬قضيــة أصــا مــن جملــة ‪ 33‬قضيــة‪ .‬وبالنســبة إلــى نزاعــات نتائــج االنتخابــات التشــريعية‬
‫لســنة ‪ 2019‬تــم الحكــم نهائ ّيــا بالرفــض أصــا فــي ‪ 62‬قض ّيــة مــن بــن ‪ 63‬قض ّيــة قبــل فيهــا الطعــن شــكال‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪198‬‬

‫وتعدديــة ونزيهــة وشــفافة‪ ،1‬وخـ ّول لهــا إلنجاز هذه املهمــة «القيام بجميــع العمليات املرتبطة‬
‫بتنظيــم االنتخابــات واالســتفتاءات وإدارتهــا واإلشــراف عليهــا»‪ .2‬وفــي إطــار قيامهــا بهــذه‬
‫املهمــة تتمتــع الهيئــة بصالحيــات هامــة مــن بينهــا خاصة قبــول ملفات الترشــح لالنتخابات‬
‫والبــت فيهــا ومراقبــة الحمــات االنتخابيــة وتمويلهــا وفــرز األصوات واإلعالن عــن النتائج‪.‬‬
‫كمــا أجــاز لهــا القانــون االنتخابــي تكليــف أعوانهــا املحلفــن بمعاينــة املخالفــات ورفعهــا‪.3‬‬
‫ويتّضــح ممــا تقــ ّدم أن قيــام الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات بمهامهــا يم ّكنهــا‬
‫مــن تكويــن وســائل اإلثبــات ومســكها‪ ،‬وتشــمل هــذه الوســائل خاصــة ملفــات‬
‫املترشــحني املقدمــة إليهــا واملحاضــر املتعلقــة بمراقبــة الحملــة االنتخابيــة فضــا‬
‫عــن محاضــر االقتــراع والفــرز‪ ،‬وهــي تعــ ّد مــن أهــم وســائل اإلثبــات فــي النــزاع‬
‫االنتخابــي الــذي هــو باألســاس نــزاع ترشــحات ونتائــج وأهــم الخروقــات امل ّدعــى‬
‫بهــا فــي إطــاره تتعلــق بالحملــة االنتخابيــة والصمــت االنتخابــي واالقتــراع‪ ،‬وهــو مــا‬
‫يجعــل الهيئــة املذكــورة تســتأثر بجــزء هــا ّم مــن وســائل اإلثبــات‪ .‬غيــر أنّهــا تح ّوزهــا‬
‫بهــذه الوســائل يقتــرن فــي الواقــع ببعــض التح ّفــظ عــن توفيرهــا ملــن يحتاجهــا‪.‬‬

‫‪ .2‬تح ّفظ الهيئة نسب ّيا عن وسائل اإلثبات التي تستأثر بها‬

‫إنّ ضمــان انتخابــات نزيهــة يســتوجب مــن الهيئــة‪ ،‬باإلضافة إلى توفير كل الوســائل املادية‬
‫واللوجســتية الالزمــة لتنظيــم االنتخابــات وحســن إدارة العمليــة االنتخابيــة واإلشــراف‬
‫عليهــا‪ ،4‬معاينــة املخالفــات االنتخابيــة مهمــا كانــت درجــة جســامتها ووضــع ح ـ ّد فــوري‬
‫لهــا‪ ،5‬ثــم اتخــاذ اإلجــراء القانونــي الــازم بشــأنها‪ .‬ومــن ثــم فــإن نزاهــة االنتخابــات ال‬
‫تعنــي غيــاب اإلخــاالت وإنمــا تعنــي التصـ ّدي لــكل إخــال بمــا يلــزم مــن إجــراءات‪ .‬وتبعــا‬
‫لذلــك تكــون الهيئــة مطالبــة بالحــرص علــى الكشــف عــن كل الخروقــات وتمكــن كل ذي‬
‫مصلحــة والقاضــي االنتخابــي املتعهــد مــن أدلــة إثباتهــا ال احتكارهــا ومنــع الولــوج إليهــا‪.‬‬
‫ومــن خــال دراســة فقــه القضــاء االنتخابــي وواقــع املمارســة يتب ّيــن أن هيئــة االنتخابــات‬

‫‪ .1‬الفصالن ‪ 1‬و‪ 2‬من القانون األساسي عدد ‪ 23‬لسنة ‪ 2012‬املؤرخ في ‪ 20‬ديسمبر ‪.2012‬‬
‫‪ .2‬الفصل ‪ 3‬من القانون نفسه‪.‬‬
‫‪ .3‬الفصل ‪ 72‬من القانون األساسي عدد ‪ 16‬لسنة ‪ 2014‬املتع ّلق باالنتخابات واالستفتاء‪.‬‬
‫ـص الفصــل ‪ 3‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 23‬لســنة ‪ 2012‬املتع ّلــق بالهيئــة العليــا املســتق ّلة لالنتخابــات علــى أنّهــا‬ ‫‪ .4‬نـ ّ‬
‫الضامنــة لنزاهــة االنتخابــات واالســتفتاءات وشــفاف ّيتها‪»...‬‬ ‫خاصــة «‪ ...‬وضــع آل ّيــات التنظيــم واإلدارة والرقابــة ّ‬
‫ّ‬ ‫تتو ّلــى‬
‫‪ .5‬الفصل ‪ 71‬من القانون األساسي عدد ‪ 16‬لسنة ‪ 2014‬املتع ّلق باالنتخابات واالستفتاء‪.‬‬
‫‪199‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫تتصـ ّرف فــي وســائل اإلثبــات التــي تســتأثر بهــا ببعــض التح ّفــظ الــذي يمكــن إبــراز أهــم‬
‫مظاهــره فــي اآلتي‪:‬‬
‫• رفــض الهيئــة تمكــن بعــض املترشــحني مــن ملفــات الترشــح لالنتخابــات املتعلقــة‬
‫بمنافســيهم‪ ،‬م ّمــا يحــول دون تقديــم طعــون ض ّدهــم بنــاء علــى عــدم اســتيفائهم لشــروط‬
‫الترشــح‪ ،‬وفــي صــورة مبادرتهــم بالطعــن فــإنّ مآلــه الرفــض لعــدم تقديــم حجــة أو بدايــة‬
‫حجــة علــى ا ّدعاءاتهــم‪.‬‬
‫• رفــض الهيئــة تمكــن أحــد املترشــحني مــن محاضــر املخالفــات وحجــز مع ّلقــات‬
‫انتخاب ّيــة املحــررة مــن الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات إال بنــاء علــى بنــاء علــى إذن علــى‬
‫عريضــة مــن القضــاء العدلــي‪.1‬‬
‫• عــدم إدالء الهيئــة إلــى املحكمــة اإلداريــة بمناســبة نــزاع انتخابــات املجلــس الوطنــي‬
‫التأسيســي لســنة ‪ 2011‬بنســخة الكترونيــة مــن قائمــة املناشــدين‪ ،‬والحــال أن املحكمــة‬
‫مؤتمنــة علــى ســرية هــذه الوثيقــة‪.‬‬
‫• يتب ّيــن مــن خــال مختلــف النزاعــات االنتخابيــة التــي نظــرت فيهــا املحكمــة اإلداريــة‬
‫أن هيئــة االنتخابــات أبــدت تعاونــا مــع املحكمــة بخصــوص اإلثبــات‪ ،‬ويتجلــى ذلــك‬
‫املوجهــة إليهــا‪ .‬إال أن‬‫ّ‬ ‫فــي اســتجابة الهيئــة لطلبــات اإلدالء بالوثائــق واملؤيــدات‬
‫هــذا التعــاون ال يبــدو كافيــا فــي نظرنــا ألن الهيئــة مطالبــة بعــدم انتظــار القاضــي‬
‫الطعــون‬ ‫االنتخابــي ليطالبهــا بتقديــم اإلثباتــات‪ ،‬وإنمــا عليهــا املبــادرة تلقائيــا فــي كل ّ‬
‫وبحيــاد تــا ّم بــاإلدالء بمناســبة ردهــا علــى عريضــة الطعــن بــكل عناصــر اإلثبــات‬
‫املتو ّفــرة لديهــا فــي موضــوع الطعــن والتــي تســتأثر بهــا‪ ،‬بمــا ي ّيســر الرقابــة‬
‫التــي يجريهــا القاضــي املذكــور علــى االنتخابــات‪ ،‬ويم ّكنــه مــن ممارســة ســلطته‬
‫التقدير ّيــة فــي تقييــم الحجــج املق ّدمــة واعتمــاد العناصــر التــي لهــا قيمــة إثبات ّيــة‪.‬‬

‫‪ .II‬تشدد القاضي االنتخابي في اعتماد وسائل اإلثبات‬

‫يضــع القاضــي االنتخابــي فــي حســبانه عنــد تعاملــه مــع وســائل اإلثبــات املدلى بهــا أمامه‬
‫قرينــة ســامة املســار االنتخابــي وهــي قرينــة بســيطة تقبــل الدحــض بالحجــة املعاكســة‪.‬‬
‫كمــا أ ّنــه يلتــزم بهــا عمــا بقاعــدة «األصــل فــي األمــور الصحــة واملطابقــة للقانــون حتــى‬
‫يثبــت خالفــه»‪ .2‬فكانــت تلــك القرينــة مرجعــا لــه فــي بعــض أحكامــه إذ صــ ّرح بــأنّ‬

‫‪ .1‬الحكم عدد ‪ 201420012‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬


‫‪ .2‬الفصل ‪ 559‬من مجلة االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪200‬‬

‫أي تحفــظ طيلــة مراحــل العمليــة االنتخابيــة يقــوم قرينــة علــى ســامتها»‪.1‬‬
‫«عــدم تقديــم ّ‬
‫وباالســتناد إلــى هــذه القرينــة ومــن منطلــق كونــه الضامــن لنزاهــة االنتخابات أقـ ّر القاضي‬
‫االنتخابي لنفســه ســلطة تقديرية واســعة في مراقبة وسائل اإلثبات وتقدير قيمتها اإلثباتية‪،‬‬
‫كمــا أنــه انتهــج موقفــا متشــددا فــي اعتماد الحجج املق ّدمــة إليه‪ .‬وقد تأكد هذا التشــدد من‬
‫خــال اســتبعاد بعــض وســائل اإلثبــات (‪ )1‬وفــي تقدير القيمــة اإلثباتية لبقية الوســائل (‪.)2‬‬

‫‪ .1‬استبعاد بعض وسائل اإلثبات‬

‫يتو ّلــى القاضــي االنتخابــي عــادة فحــص كل الحجــج املق ّدمــة إليــه ويجــري رقابتــه عليهــا‬
‫لينتهــي إمــا إلــى قبــول مبــدأ االســتناد إليهــا أو إلــى رفــض اعتمادهــا‪.‬‬
‫واملالحــظ أن رفــض القاضــي اعتمــاد بعــض وســائل اإلثبات أساســه أنّ الحجــة املدلى بها‬
‫ال تصلــح أن تكــون حجــة وال حتــى بدايــة حجــة‪ .‬ويمكــن باالطــاع علــى فقه قضــاء املحكمة‬
‫اإلداريــة املتعلــق بالنــزاع االنتخابــي ضبــط بعــض الحــاالت التــي رفــض فيهــا القاضــي‬
‫االنتخابــي اعتمــاد وســائل اإلثبــات علــى ســبيل الذكــر ال الحصــر وتفصيلهــا كاآلتــي‪:‬‬
‫• الوثائــق غيــر املترجمــة وغيــر املقــروءة ومجهولــة املصــدر‪ :‬فقــد انتهــت إحــدى الدوائــر‬
‫االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة بخصــوص نســخة عقــد إســداء خدمــة بــن رئيــس حــزب‬
‫وشــركة دعايــة أجنبيــة أدلــت بهــا قائمــة حزبيــة منافســة لــه إلثبــات تجــاوز ســقف اإلنفاق‬
‫االنتخابــي‪ ،‬إلــى أنّ «الوثيقــة املقدمــة ال ترتقــي إلــى مســتوى املؤ ّيــد القانونــي الــذي يمكــن‬
‫اعتمــاده ألنــه ال يســتجيب ملق ّومــات العقــود التــي يمكــن مجابهــة الغيــر بها»‪ .2‬فيمــا انتهت‬
‫دائــرة اســتئنافية أخــرى بخصــوص نفــس الوثيقــة إلــى االلتفــات عنهــا ألنّهــا «مجــرد‬
‫نســخة غيــر مقــروءة لعقــد مكتــوب بلغــة أجنبيــة ولــم يكــن مصحوبــا بترجمة عربيــة له وأنّ‬
‫أي جهــة رســمية»‪.3‬‬ ‫مــا ض ّمــن عليهــا مــن مالحظــات باللغــة العربيــة غيــر منســوب إلــى ّ‬
‫• مذكــرات التحفظــات واملالحظــات‪ :‬ال يعتــد بهــا القاضــي االنتخابــي إذا لــم تكــن مذيلــة‬
‫بإمضــاء رئيــس مكتــب االقتــراع ومســتوفية لبقيــة شــروطها الشــكلية املحـ ّددة قانونــا‪ 4‬أو‬
‫إذا لــم تكــن مض ّمنــة بمحاضــر االقتــراع والفــرز أو مرفقــة بهــا‪ .‬وافتقــاد تلــك املذكــرات‬

‫‪ .1‬الحكم عدد ‪ 201420036‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬


‫‪ .2‬الحكم عدد ‪ 20194082‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪.2019‬‬
‫‪ .3‬الحكم عدد ‪ 20194083‬بتاريخ ‪ 21‬أكتوبر ‪.2019‬‬
‫‪ .4‬الحكم عدد ‪ 201420022‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪201‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫لهــذه الشــروط يجعــل القاضــي ال يعتمدهــا حتــى كبدايــة حجــة‪.1‬‬


‫• الحجــة التــي يك ّونهــا امل ّدعــي لنفســه‪ :‬ومــن ذلــك مذكرة التجــاوزات غير املعـ ّرف بإمضاء‬
‫مح ّرريهــا‪ 2‬وكذلــك االكتفــاء بمجــرد شــكاية رفعهــا امل ّدعــي إلــى هيئــة االنتخابــات‪.3‬‬
‫• اعتبــر القاضــي االنتخابــي فــي موقــف غيــر مســتق ّر أن تقاريــر املالحظــن الدوليــن‬
‫واملحليــن ال يمكــن االحتــكام إليهــا فــي إثبــات أفعــال ج ّرمهــا القانــون االنتخابــي‪.4‬‬
‫‪5‬‬
‫• اســتبعد القاضــي االنتخابــي فــي بعــض األحيــان األحــكام الجزائية غير الباتــة باإلدانة‬
‫والحال أنّه يمكنه اعتمادها كبداية حجة الســتحالة تقديم حكم بات في النزاع االنتخابي‬
‫بســبب طــول أمــد البــت في الدعــاوى الجزائية وقصر آجال النظر فــي املنازعة االنتخابية‪.‬‬
‫وأمــا بخصــوص األحــكام غيــر الباتــة القاضيــة بالبــراءة فإنهــا ال تســتبعد إال‬
‫إذا ثبــت مــن امللــف أنهــا مــا تــزال محــل طعــن أمــام املحكمــة األعلــى درجــة‪.‬‬
‫• كمــا اســتبعد القاضــي أيضــا املحاضــر املحــررة مــن عــدول التنفيــذ والتــي‬
‫يقتصــر فيهــا العــدل علــى تدويــن مــا رواه امل ّدعــي دون أن يعايــن بنفســه الواقعــة‪.6‬‬

‫‪ .2‬التشدّد في تقدير القيمة اإلثباتية للوسائل املقبولة‬

‫إنّ اعتمــاد مبــدأ حريــة اإلثبــات فــي النــزاع االنتخابــي وفتــح البــاب أمــام األطــراف إلقنــاع‬
‫القاضــي االنتخابــي بصحــة إدعاءاتهــم بمختلــف وســائل اإلثبــات املتاحــة لهــم يفتــرض‬
‫بالضــرورة أن يتولــى القاضــي بمــا لــه من ســلطة تقدير ّيــة النظر والتمحيص في كل وســيلة‬
‫إثبــات تقـ ّدم إليــه للتحقــق مــن مــدى قوتهــا اإلثباتيــة‪ .‬وقــد دأب فــي كل الدعــاوى املقبولــة‬
‫شــكال والتــي عرضــت عليــه فــي إطارهــا وســائل إثبــات‪ ،‬علــى إخضــاع هــذه الوســائل‬
‫لرقابــة صارمــة انتهــت فــي جــل الحــاالت إمــا إلــى نفــي حج ّيتهــا أو إعطائها حج ّية نســبية‪.‬‬
‫وقــد شــملت هــذه الرقابــة كذلــك وســائل اإلثبــات التــي اعتبرهــا القاضــي بدايــة حجــة‪.‬‬

‫‪ .1‬الحكم عدد ‪ 201420009‬بتاريخ ‪ 07‬نوفمبر ‪.2014‬‬


‫‪ .2‬الحكم عدد ‪ 201450006‬بتاريخ ‪ 19‬نوفمبر ‪.2019‬‬
‫‪ .3‬الحكم عدد ‪ 20183001‬بتاريخ ‪ 18‬ماي ‪ 2018‬والحكم عدد ‪ 20194035‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪.2019‬‬
‫‪ .4‬قرار الجلسة العامة القضائية عدد ‪ 201450015‬بتاريخ ‪ 20‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .5‬الحكم عدد ‪ 201420011‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .6‬الحكم عدد ‪ 201420038‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪202‬‬

‫تفحصهــا منهجيــة‬ ‫فأمــا بخصــوص بدايــة الحجــة‪ ،‬فــإن القاضــي االنتخابــي يعتمــد فــي ّ‬
‫واضحــة إذ يشــترط اإلدالء ولــو ببدايــة حجــة‪ .‬ثــم يضــع لهــا شــروطا شــكل ّية وأخــرى‬
‫موضوع ّيــة وأهمهــا الجديــة التــي تتوافــر متــى اســتوفت بدايــة الحجــة شــروطها‬
‫الشــكلية‪ ،‬لينتهــي إلــى مراقبــة مــدى توافــر تلــك الشــروط‪ .‬وتأسيســا علــى ذلــك اعتبــر‬
‫القاضــي مثــا أنّ «عــبء إثبــات اإلخــاالت املتعلقــة بعمليــة الفــرز محمولــة علــى‬
‫امل ّدعــي ألنّ معاينتهــا تتــ ّم يــوم الفــرز مــن طــرف ممثــل القائمــة أو الحــزب علــى أن‬
‫يتــم تدوينهــا بمحضــر الفــرز حتــى تكتســي طابــع الجديــة وتشــ ّكل بدايــة حجــة علــى‬
‫ذلــك‪ ...‬وطاملــا أن محاضــر الفــرز لــم تتضمــن أي تحفــظ فــإنّ االدعــاء يكــون مج ـ ّردا»‪.1‬‬
‫وأمــا بخصــوص الحجــج املدلــى بهــا‪ ،‬فــإنّ القاضــي االنتخابــي يشــترط لألخــذ بهــا أن‬
‫يرجــح إدعــاءات امل ّدعــي بصــورة مؤكــدة وواضحــة وجد ّيــة‪ .‬وهــو مــا يعنــي‬
‫تتض ّمــن مــا ّ‬
‫أنــه يراقــب بتشــدد محتــوى تلــك الحجــج علــى مســتوى شــكلياتها ومضمونهــا‪ .‬ويمكــن أن‬
‫نذكــر كأمثلــة لذلــك مــا يلــي‪:‬‬
‫• أ ّكــد القاضــي االنتخابــي أن املحاضــر التــي يح ّررهــا أعــوان املراقبــة املحلفــون ال تكون‬
‫صحيحــة وجديــرة باالعتمــاد إال إذا كانــت محــررة طبقــا للشــروط الشــكلية املســتوجبة‬
‫قانونــا‪ ،‬وأن تلــك املحاضــر ال تكتســي صبغــة نهائيــة وال تحــول دون رقابــة القاضــي علــى‬
‫صحــة مــا يقــع تضمينــه بهــا‪ .2‬وقــد انتهــى تبعــا لهــذه الرقابة في إحــدى القضايــا إلى أنّ‬
‫«محضــر املعاينــة املحـ ّرر مــن أعوان املراقبة التابعني لهيئة االنتخابات ال يم ّثل حجة كافية‬
‫للتدليــل علــى الثبــوت املادي للواقعة امل ّدعى بها‪ ...‬ألنّه ورد متّســما بالعمومية والغموض‪.3‬‬
‫• يقــ ّر القاضــي االنتخابــي لنفســه حــقّ تقديــر حجيــة األحــكام الجزائيــة ولــو‬
‫كانــت باتــة إذ يتث ّبــت مثــا فــي مــدى وجــود عالقــة بــن الشــخص املحكــوم ضــ ّده‬
‫والقائمــة املنافســة ومــدى انتفــاع األخيــرة باملخالفــة االنتخابيــة التــي ارتكبهــا‪.4‬‬
‫الصــادرة عــن الهيئــات‬‫• يســ ّلط القاضــي االنتخابــي رقابتــه أيضــا علــى التقاريــر ّ‬
‫تؤســس عليهــا هيئــة االنتخابــات قراراتهــا كمــا هــو‬ ‫العموم ّيــة املســتقلة التــي ّ‬
‫الشــأن مثــا بالنّســبة إلــى الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي والبصــري‪ .‬وإذا كان‬
‫القاضــي االنتخابــي مق ّيــدا بمــا تتضمنــه هــذه التقاريــر مــن معطيــات فنيــة‪ ،‬فــإن‬
‫التكييــف الــذي يــرد بهــا فــي عالقــة باملخالفــات االنتخابيــة يخضــع لرقابتــه ألنّ ذلــك‬

‫‪ .1‬الحكم عدد ‪ 201420009‬بتاريخ ‪ 07‬نوفمبر ‪.2014‬‬


‫‪ .2‬قرار الجلسة العامة القضائية عدد ‪ 201450006‬بتاريخ ‪ 19‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪ .3‬قرار الجلسة العامة القضائية عدد ‪ 20195022‬و‪ 20195027‬بتاريخ ‪ 04‬نوفمبر ‪.2019‬‬
‫‪ .4‬قرار الجلسة العامة عدد ‪ 201450012‬بتاريخ ‪ 20‬نوفمبر ‪.2014‬‬
‫‪203‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫مــن اختصاصــه الحصــري‪ .‬وقــد أكــد القاضــي فــي هــذا الخصــوص أنّ «تكييــف‬
‫الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي والبصــري للمخالفــات االنتخابيــة ال يق ّيــد القاضــي‬
‫االنتخابــي الــذي لــه صالحيــة بســط رقابتــه علــى مــدى صحــة ذلــك التكييــف»‪.1‬‬
‫ويســتفاد م ّمــا تقــدم بســطه أن القاضــي االنتخابــي يمــارس رقابتــه علــى كل وســائل‬
‫اإلثبــات املق ّدمــة إليــه وال يعتــرف بالتالــي بوجــود وســائل ذات حجيــة وقيمــة إثباتيــة مطلقــة‪.‬‬
‫إال أن هــذا التشـ ّدد الــذي انتهجــه القاضــي االنتخابــي يقتــرن فــي أغلــب األحيــان بافتقــاد‬
‫الطاعنــن لوســائل اإلثبــات الالزمــة لعــدم تح ّوزهــم لهــا‪ ،‬وهــو مــا يجعلهــم يواجهــون فــي‬
‫أغلــب األحيــان صعوبــات حقيقيــة فــي اإلثبــات‪ .‬وللتقليــص مــن هــذه الصعوبــات دأب‬
‫القاضــي علــى التدخــل أثنــاء التحقيــق لتوجيــه األطــراف أو مســاعدتهم علــى اســتكمال‬
‫اإلثبــات بموجــب الســلطات االســتقصائ ّية املخ ّولــة إليــه فــي نطــاق املنازعــة االنتخاب ّيــة‪.‬‬

‫املبحــث الثالــث‪ :‬ســلطات اســتقصائ ّية واســعة للقاضــي‬


‫االنتخابــي لكــن إعمالهــا محــدود‬

‫يباشــر القاضــي االنتخابــي النّظــر فــي الدعــاوى املرفوعــة بالتّحقيــق فيهــا‪ .‬ويتم ّثــل‬
‫التحقيــق فــي مختلــف اإلجــراءات التــي يــأذن بهــا القاضــي لجعــل القض ّيــة‬
‫جاهــزة للفصــل فيهــا‪ ،2‬م ّمــا يعنــي أنّــه يمــارس ســلطة البحــث واالســتقصاء‬
‫الزمــة إليضــاح الحقيقــة وتيســير الفصــل فــي النــزاع املطــروح‬ ‫لجمــع األدلــة ال ّ‬
‫وخاصــة منهــا ذات‬ ‫ّ‬ ‫تختــص بهــا النزاعــات اإلدار ّيــة‬
‫ّ‬ ‫أمامــه‪ .‬وهــو يعــ ّد ميــزة‬
‫الصبغــة املوضوع ّيــة‪ ،‬علــى خــاف النــزاع املدنــي الــذي يتح ّكــم فيــه األطــراف‬ ‫ّ‬
‫يختــص بنظــره‬
‫ّ‬ ‫فــي جاهزيــة القض ّيــة للحكــم‪ .‬وطاملــا أنّ النــزاع االنتخابــي‬
‫القاضــي اإلداري فــإنّ إجــراءات النّظــر فيــه تعتمــد باألســاس علــى التّحقيــق‪.‬‬
‫واملالحــظ أنّ إجــراءات التحقيــق فــي املنازعــة االنتخاب ّيــة أمــام القاضــي اإلداري‬
‫كمــا هــو ّ‬
‫الشــأن بالنّســبة إلــى ســائر املنازعــات اإلدار ّيــة عامــة تقــوم باألســاس‬
‫علــى مبــدإ املواجهــة الــذي يوجــب إطــاع الخصــوم علــى مــا يقـ ّدم إلــى القاضــي‬

‫‪ .1‬الحكم عدد ‪ 20194053‬بتاريخ ‪ 21‬أكتوبر ‪( 2019‬مذكور سابقا)‪.‬‬


‫‪1. CHAPUS R., Droit du contentieux administratif, Editions Montchrestien, Paris 2006, p.811‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪204‬‬

‫مــن وثائــق وأد ّلــة‪ ،‬فضــا عــن كونهــا إجــراءات اســتقصائ ّية تخــ ّول للقاضــي‬
‫والتقصــي واإلذن بــكل إجــراء يــراه ضرور ّيــا لكشــف حقيقــة‬ ‫ّ‬ ‫ســلطة البحــث‬
‫االدعــاء أمامــه‪ .‬غيــر أنّ القانــون االنتخابــي اكتفــى بتحميــل امل ّدعــي واجــب إعــام‬
‫الجهــة امل ّدعــى عليهــا بعريضــة ال ّدعــوى أو الطعــن واملؤ ّيــدات‪ ،1‬ولــم يتض ّمــن‬
‫الســلطة االســتقصائ ّية‬‫وخاصــة ّ‬
‫ّ‬ ‫النــص علــى هــذه املبــادئ العا ّمــة‬
‫ّ‬ ‫بالتالــي‬
‫للقاضــي االنتخابــي تــاركا املجــال لهــذا األخيــر إلعمــال صالح ّيــات التّحقيــق‬
‫املخ ّولــة لــه كقــاض إداري‪ .‬وقــد تســنّى للقاضــي االنتخابــي التأكيــد علــى أنّــه‬
‫الصالحيــات بالقــول بأنّــه «ال شــيء يحــول‪ ،‬مــن حيــث املبــدأ‪،‬‬ ‫يتمتّــع بهــذه ّ‬
‫دون نظــر القاضــي االنتخابــي فيمــا يقــ ّدم إليــه مــن تقاريــر‪ ...‬ســواء كانــت‬
‫كافيــة بذاتهــا للحســم فــي النــزاع أو منطلقــا ألبحــاث اســتقصائية إضافيــة»‪.2‬‬
‫ويبــرز هــذا املوقــف الــذي أبــداه القاضــي االنتخابــي أنّــه ال يمــارس هــذه‬
‫الســلطات مباشــرة وإنّمــا يشــترط أن يدلــي األطــراف أمامــه بحــ ّد أدنــى مــن‬
‫لتدخلــه خــال مرحلــة التّحقيــق للبحــث واالســتقصاء‬ ‫ّ‬ ‫اإلثبــات يكــون منطلقــا‬
‫حتّــى يتســنّى لــه تأكيــد اإلثباتــات املق ّدمــة إليــه أو نفيهــا‪ .‬ونتيجــة لذلــك‬
‫يباشــر القاضــي االنتخابــي دورا إيجاب ّيــا فــي اإلثبــات خــال التحقيــق فــي‬
‫الدعــاوى املرفوعــة أمامــه مســتعمال ســلطاته االســتقصائ ّية الواســعة (الفقــرة‬
‫األولــى)‪ ،‬لكــنّ اســتعماله لهــذه الســلطات كان محــدودا (الفقــرة الثانيــة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬الدّور اإليجابي للقاضي االنتخابي‬


‫في اإلثبات‬

‫يتب ّيــن مــن خــال دراســة فقــه القضــاء االنتخابــي للمحكمــة اإلدار ّيــة أنّ القاضــي‬
‫االنتخابــي حــن نظــره فــي ال ّدعــاوى والطعــون املرفوعــة أمامــه لــم يلتــزم الحيــاد‬
‫تجــاه أطــراف النــزاع وإنّمــا ّ‬
‫تدخــل أثنــاء التحقيــق قصــد البحــث عــن أدلــة االثبــات‬
‫(‪ )1‬بآل ّيــات متع ـ ّددة (‪.)II‬‬

‫‪ .1‬الفصــول ‪ 27‬و‪ 29‬و‪ 49‬ســابع عشــر و‪ 49‬تاســع عشــر و‪( 145‬جديــد) و‪( 146‬جديــد) مــن القانــون األساســي عــدد ‪16‬‬
‫لســنة ‪ 2014‬املتع ّلــق باالنتخابــات واالســتفتاء‬
‫‪ .2‬الحكم عدد ‪ 201420027‬بتاريخ ‪ 8‬نوفمبر ‪( 2014‬مذكور سابقا)‪.‬‬
‫‪205‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ .I‬دواعي ّ‬
‫تدخل القاضي االنتخابي في اإلثبات‬

‫يمارس القاضي االنتخابي دورا إيجاب ّيا في املنازعة االنتخاب ّية م ّكنه من التح ّكم في مرحلة‬
‫تدخله في مســألة إثبات‬ ‫التّحقيــق فــي ال ّدعــوى وتوجيــه عمل ّيــة اإلثبــات في نطاقهــا‪ ،‬ولم يكن ّ‬
‫املخالفــات االنتخاب ّيــة وغيرهــا مفتقــدا لألســس التــي تبـ ّرره‪ ،‬وإنّمــا كانــت لــه عـ ّدة مبــررات‬
‫منهــا مــا هــو متع ّلــق بصفــة كقــاض انتخابــي (‪ )1‬ومــا هــو مرتبــط بالدعــوى االنتخابيــة (‪.)2‬‬

‫‪ .1‬املبررات املتعلقة بالقاضي االنتخابي‬

‫إن تدخــل القاضــي االنتخابــي فــي البحــث عــن وســائل اإلثبــات يجــد مبرراتــه أوال في كونه‬
‫باألســاس قــاض إداري يتعهــد بالنزاعــات االنتخابيــة وفــق إلجــراءات التحقيــق املنظمــة‬
‫بموجــب القانــون املتعلــق باملحكمــة اإلداريــة‪ ،‬وذلــك فــي غيــاب أيــة أحــكام تتعلــق بإجــراءات‬
‫التحقيــق فــي القانــون االنتخابــي‪ .‬وقــد خـ ّول قانون املحكمة إلــى القاضي املتع ّهــد بالقض ّية‬
‫فــي إطــار التحقيــق فيهــا اإلذن بــكل «اإلجــراءات التــي مــن شــأنها أن تنيــر القضيــة‬
‫كاألبحــاث واالختبــارات والزيــارات والتثبتــات اإلداريــة» ومطالبة األطراف بــاإلدالء بوثائق‪.1‬‬
‫تدخل القاضــي االنتخابي في االثبات يبــرر باألمانة التي يحملها‬ ‫وباإلضافــة إلــى ذلــك فــإنّ ّ‬
‫عند تع ّهده بالدعوى االنتخابية‪ ،‬إذ هو مســتأمن على أصوات الناخبني‪ .‬وهذه األمانة تلزمه‬
‫بعــدم إلغــاء تلــك األصــوات «ملجـ ّرد شــكوك أو إشــاعات أو حتــى وقائــع بســيطة أو محدودة‬
‫أو متفرقــة» وبعــدم إلغــاء النتائــج «إال متــى كانــت الحجــج املق ّدمــة قويــة وثابتــة ومــن شــأن‬
‫املحتــج بهــا التأثيــر بصــورة حاســمة فــي النتائــج»‪ .2‬ومــن ثـ ّم فــإنّ القاضي عليه‬
‫ّ‬ ‫اإلخــاالت‬
‫التحـ ّري وجمــع األدلــة الالزمــة للتحقــق مــن ماديــة الوقائــع وتأثيرهــا علــى إرادة الناخبــن‪.‬‬
‫كمــا أنّ جعــل القاضــي االنتخابــي اإلثبــات حــ ّرا ومتاحــا بجميــع وســائل االثبــات‬
‫املمكنــة ويســمح للم ّدعــي بــأن يكتفــي بتقديــم حــد أدنــى مــن اإلثبــات‪ ،‬يترتّــب عليــه‬
‫بالضــرورة إلــزام الجهــة املدعــى عليهــا بــاإلدالء بالحجــج املعاكســة والتــزام القاضــي‬
‫ّ‬
‫بالتدخــل الســتكمال البحــث والتحقيــق للتأكــد مــن جد ّيــة اال ّدعــاء والحســم فــي النــزاع‪.‬‬

‫‪ .1‬الفصــان ‪ 44‬و‪ 45‬مــن القانــون عــدد ‪ 40‬لســنة ‪ 1972‬املــؤ ّرخ فــي ‪ 01‬جــوان ‪ 1972‬املن ّقــح واملت ّمــم بالقانــون األساســي‬
‫عــدد ‪ 39‬لســنة ‪ 1996‬املــؤ ّرخ فــي ‪ 03‬جــوان ‪.1996‬‬

‫‪ .2‬قرار الجلسة العامة القضائية عدد ‪ 201450018‬بتاريخ ‪ 20‬نوفمبر ‪( 2014‬مذكور سابقا)‪.‬‬


‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪206‬‬

‫‪ .2‬املب ّررات املتعلقة بالدعوى االنتخابية‬

‫مــن خصائــص الدعــوى االنتخابيــة عــدم التــوازن بــن طرفيهــا فــي امتــاك وســائل االثبــات‬
‫ألنّ أهـ ّم وأغلــب األدلــة توجــد فــي حــوزة الهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات التــي يمكــن‬
‫أن تعمــد إلــى إخفــاء بعــض عناصــر اإلثبــات قصــد منــع املدعــي مــن الولــوج إليهــا‬
‫قصــد اإلبقــاء علــى قرينــة ســامة االنتخابــات قائمــة‪ .‬فــا يجــد امل ّدعــي إ ّال القاضــي‬
‫املتع ّهــد مــاذا لــه ملســاعدته علــى تجميــع اإلثباتــات التــي لــم يســتطع الحصــول عليهــا‪.‬‬
‫كمــا أنّ االقتصــار علــى تبــادل املذ ّكــرات والتقاريــر بــن الطرفــن أثنــاء التحقيــق ال يكفــي‬
‫فــي أغلــب األحيــان لتوفيــر عناصــر اإلثبــات الضروريــة لتكويــن قناعــة القاضــي‪ ،‬ويب ـ ّرر‬
‫بالتالــي ّ‬
‫تدخلــه فــي اإلثبــات‪.‬‬
‫وعــاوة علــى ذلــك فــإنّ الدعــوى االنتخابيــة تتم ّيــز بقصــر أجــال رفعهــا التــي تتــراوح بــن‬
‫‪ 48‬ســاعة و‪ 3‬أيــام مــن تاريــخ اإلعــام بالقــرار أو التعليــق بخصــوص الترشــح لإلنتخابــات‬
‫وبــن يومــن و‪ 3‬أيــام بخصــوص النتائــج األوليــة لالنتخابــات‪ .1‬وهــذه اآلجــال ال تكفــي‬
‫األطــراف لتجميــع الحجــج أو الحجــج املعاكســة م ّمــا يســتدعي تدخــل القاضــي املتعهــد‬
‫ملطالبتهــم بإتمــام مــا نقــص مــن أدلــة‪.‬‬
‫وملّــا كان القاضــي االنتخابــي هــو املــاذ األخيــر للم ّدعــي املتض ـ ّرر فــي االنتخابــات‪ ،‬فــإن‬
‫عــدم تدخلــه أثنــاء التحقيــق لتجميــع أدلــة االثبــات مــن شــأنه أن يــؤدي ال فقــط إلــى ضيــاع‬
‫حــق املتنافســن فــي تلــك االنتخابــات وإنمــا أيضــا إلــى إقــرار نتائــج انتخابــات معيبــة فــي‬
‫نزاهتهــا وفــي ذلــك خطــر علــى املجتمــع ككل وعلــى النظــام الديمقراطــي‪ ،‬األمــر الــذي يغــدو‬
‫معــه إعمــال القاضــي املذكــور لســلطاته االســتقصائية ضروريــا ويتــم ذلــك بآليــات متن ّوعــة‪.‬‬

‫‪ .II‬آليات تدخل القاض االنتخابي في اإلثبات‬

‫لئــن لــم ينظــم القانــون االنتخابــي الصالحيــات التــي يتمتــع بهــا القاضــي االنتخابــي فــي‬
‫إطــار التحقيــق‪ ،‬فــإن القانــون املتعلــق باملحكمــة الــذي يســتأنس بأحكامــه القاضــي املذكور‬
‫ـص فــي فصليــه ‪ 44‬و‪ 45‬علــى جملــة مــن إجــراءات التحقيــق التــي يتـ ّم اتخاذهــا للبحــث‬ ‫نـ ّ‬
‫عــن أدلــة االثبــات وهــي تشــمل اإلذن لألطــراف بتقديــم االثباتــات (‪ )1‬وقيــام القاضــي‬

‫‪ .1‬الفصول ‪ 46‬و‪ 49‬سابع عشر و‪( 145‬جديد) و‪ 148‬مك ّرر من القانون األساسي عدد ‪ 16‬لسنة ‪.2014‬‬
‫‪207‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫بنفســه بالبحــث عــن االثباتــات (‪.)2‬‬

‫‪ .1‬اإلذن لألطراف بتقديم أدلة اإلثبات‬

‫يعــ ّد هــذا االجــراء التحقيقــي أ ّول اإلجــراءات التــي يــأذن بهــا القاضــي االنتخابــي‬
‫وأهمهــا ملــا لهــا مــن تأثيــر علــى مــآل اإل ّدعــاء‪ .‬وهــو يتمثــل فــي مطالبــة أحــد‬
‫أطــراف املنازعــة أو كليهمــا بــاإلدالء بوثائــق أو بتقديــم إيضاحــات كتابيــة أو‬
‫شــفاهية لتكويــن قناعــة القاضــي بخصــوص مســألة واقعيــة مطروحــة عليــه‪.‬‬
‫وتبــدو هــذه اآلليــة لتدخــل القاضــي االنتخابــي فــي اإلثبــات غيــر مكلفــة ألنهــا تتـ ّم بمجـ ّرد‬
‫توجــه مــن املحكمــة إلــى الطــرف املعنــي تتضمــن تحديــد الوثيقــة أو الوثائــق‬ ‫مراســلة ّ‬
‫املطلوبــة وضبــط األجــل األقصــى لــإدالء بهــا‪ ،‬أو بمج ـ ّرد طلــب شــفاهي خــال جلســة‬
‫املرافعــة ويض ّمــن بمحضرهــا‪.‬‬
‫كمــا أن هــذه اآلليــة توفــر الســرعة الالزمــة التــي يقتضيهــا النــزاع االنتخابــي ألن‬
‫طلــب الوثائــق فــي إطــاره يتــم عــادة بواســطة «الفاكــس» أو «البريــد اإللكترونــي»‪.‬‬
‫وتهــدف هــذه اآلليــة إلــى البحــث عــن الحقيقــة ومســاعدة امل ّدعــي فــي جمــع األدلــة‬
‫إلظهارهــا وهــي بالتالــي ال تــؤول إلــى إنشــاء وســائل اإلثبــات وإنمــا فقــط إلــى نقــل الحجــة‬
‫مــن الطــرف الــذي يتح ّوزهــا إلــى الطــرف اآلخــر الــذي يفتقدهــا وإلــى القاضــي املتعهــد‪.‬‬
‫وعــادة مــا يــأذن القاضــي االنتخابــي بمــ ّده ّ‬
‫بــكل وثيقــة لــم يــدل بهــا األطــراف بصفــة‬
‫تلقائيــة ويراهــا ضروريــة إمــا إلثبــات اال ّدعــاء أو لدحضــه‪ .‬ومــن ذلــك مل ّفــات الترشــح‬
‫لالنتخابــات وقائمــات التزك ّيــات‪ ،1‬ومحاضــر عمليــة فــرز األصــوات وأوراق التصويــت‪،2‬‬
‫والتقاريــر واملحاضــر املحـ ّررة مــن مراقبــي الهيئــة العليــا املســتق ّلة لالنتخابــات املحلفــن‪،‬‬
‫وقائمــات الناخبــن‪ ،3‬والتقاريــر أو الوثائــق الصــادرة عــن الهيئــات املســتقلة املعن ّيــة‬
‫وخاصــة املتعلقــة‬
‫ّ‬ ‫بالعمل ّيــة االنتخاب ّيــة كالهيئــة العليــا لإلتصــال الســمعي والبصــري‬
‫منهــا بالخروقــات املرتكبــة مــن وســائل االتصــال املذكــورة خــال الحملــة االنتخابيــة‪.‬‬

‫‪ .1‬الحكــم عــدد ‪ 20192025‬بتاريــخ ‪ 22‬أوت ‪« :2019‬وحيــث وفــي إطــار مــا لهــذه املحكمــة مــن صالحيــات واســعة‪...‬‬
‫بــادرت‪ ...‬بمطالبــة الهيئــة بإحالــة ملــف الترشــح لإلنتخابــات الرئاســية الخــاص بالطاعــن بمــا فــي ذلــك القائمــات‬
‫األصليــة للمزكــن»‪.‬‬
‫‪ .2‬الحكم عدد ‪ 20183030‬بتاريخ ‪ 22‬ماي ‪.2018‬‬
‫‪ .3‬الحكم االبتدائي عدد ‪ 05900002‬بتاريخ ‪ 14‬مارس ‪.2018‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪208‬‬

‫ويــأذن القاضــي االنتخابــي بتقديــم األدلــة إ ّمــا حــال تعهــده بملــف القضيــة يــوم تقديــم‬
‫الطعــن‪ ،1‬أو بمناســبة توجيــه االســتدعاء إلــى األطــراف للحضــور بجلســة املرافعــة أو قبــل‬
‫انعقــاد هــذه الجلســة أو خاللهــا أو حتــى أثنــاء املفاوضــة بموجــب حكــم تحضيــري‪.2‬‬

‫‪ .2‬قيام القاضي بنفسه بالبحث عن اإلثبات‬

‫يطلــب األدلــة مــن األطــراف بموجــب إجــراء‬ ‫يمكــن لقاضــي اإلثبــات أن ال‬
‫بنفســه بالبحــث عــن تلــك األدلــة علــى عــن‬ ‫تحقيقــي وإنمــا يتولــى القيــام‬
‫وهنــا أيضــا ال ينشــئ القاضــي الحجــة وإنمــا‬ ‫املــكان أي فــي مــكان وجودهــا‪.‬‬
‫ينقــل محتواهــا إلــى الحكــم الــذي ســيصدره‪.‬‬ ‫يكشــفها ويعاينهــا مباشــرة ثــم‬
‫ويجد هذا التدخل من القاضي سندا له في الفصل ‪ 44‬من القانون املتعلق باملحكمة اإلدارية‬
‫الــذي أســند إليــه صالحيــة القيــام بــكل اإلجــراءات التــي يراهــا ضروريــة إلنــارة القضيــة‪.‬‬
‫ويبــدو لنــا أنّ هــذا التدخــل املباشــر هــو مــن صميــم عمــل القاضــي االنتخابــي الــذي‬
‫يقتضــي إجــراء دوره الرقابــي مباشــرة قبــل القيــام بــه بقاعــة الجلســة‪ ،‬ويســتلزم‬
‫البحــث عــن أدلــة اإلثبــات فــي مــكان وجودهــا ماديــا عــوض انتظــار تقديمهــا إليــه مــن‬
‫أحــد األطــراف مــع مــا يمكــن أن يشــوبها مــن نقــص أو تحريــف‪ .‬كمــا يم ّكــن القاضــي‬
‫مــن إصــدار حكمــه وهــو علــى يقــن تــام مــن محتــوى األدلــة وقيمتهــا اإلثباتيــة‪.‬‬
‫ومــن مزايــا إعمــال هــذه الصالحيــة مــن قبــل القاضــي االنتخابــي أنهــا تم ّكنــه فــي بعــض‬
‫الحــاالت مــن اســتكمال أدلــة اإلثبــات التــي لــم يتســنّ لــه الحصــول عليهــا بعــد املطالبــة بها‬
‫بموجــب إجــراء تحقيقــي إما بســبب تلـ ّدد الطرف املطالب بتقديمهــا أو لصعوبة قيامه بذلك‪.‬‬
‫وقــد ثبــت مــن تجربــة القاضــي االنتخابــي التونســي إلــى حــ ّد اآلن أنــه اســتعمل‬
‫فــي إطــار تدخلــه املباشــر فــي اإلثبــات إجــراء املعاينــة‪ ،‬وبــ ّرر ذلــك بأنــه «فــي‬
‫إطــار مــا للقاضــي املتعهــد بالنظــر فــي النزاعــات املتعلقــة بنتائــج االنتخابــات‬
‫مــن صالحيــات واســعة‪ ...‬فإنــه ال شــيء يحــول‪ ...‬دون قيــام القاضــي االنتخابــي‬
‫بأبحــاث اســتقصائية كإجــراء معاينــة ميدانيــة للحســم فــي النــزاع‪.3»...‬‬

‫‪ .1‬علــى ســبيل ال ّذكــر فــي القضيــة عــدد ‪ 20192026‬الصــادر فيهــا الحكــم بتاريــخ ‪ 22‬أوت ‪ 2019‬تمــت‬
‫مطالبــة هيئــة االنتخابــات بــاإلدالء بالجــدول التحصيلــي للتزكيــات فــي نفــس يــوم تقديــم عريضــة الطعــن‪.‬‬
‫‪ .2‬قرار الجلسة العامة القضائية عدد ‪ 317411‬بتاريخ ‪ 30‬أكتوبر ‪( 2018‬مذكور سابقا)‪.‬‬
‫‪ .3‬الحكم عدد ‪ 20183030‬بتاريخ ‪ 22‬ماي ‪.2018‬‬
‫‪209‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫فمناســبة نظــره فــي نزاعــات الترشــح لالنتخابــات الرئاســية لســنة ‪ 2014‬تو ّلــت‬
‫املحكمــة إجــراء معاينــات ميدانيــة بمكاتــب الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات‬
‫وذلــك قصــد «معاينــة منهجيــة التثبــت فــي التزكيــات واإلخــاالت املتعلقــة بهــا»‪.1‬‬
‫كمــا تو ّلــى القاضــي االنتخابــي بمناســبة نظــره فــي نزاعات نتائــج االنتخابات البلدية لســنة‬
‫‪ 2018‬إجــراء معاينــة ألوراق التصويــت الراجعــة إلــى إحــدى الدوائــر االنتخابيــة واملحفوظــة‬
‫بصناديــق االقتــراع بمقـ ّر الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات قصــد التثبــت فــي األوراق امللغــاة‪.2‬‬
‫إ ّال أنّــه بالرغــم مــن أهميــة هــذه املعاينــات واملزايــا التــي توفرهــا فــإن اســتعمالها‬
‫مــن القاضــي االنتخابــي مثــل غيرهــا مــن إجــراءات التحقيــق يظــل محــدودا‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬حدود استعمال القاضي االنتخابي‬


‫لسلطاته االستقصائية‬

‫مــن خــال إلقــاء نظــرة شــاملة علــى األحــكام الصــادرة عــن املحكمــة اإلداريــة‬
‫فــي النزاعــات االنتخابيــة يمكــن أن نالحــظ أن القاضــي االنتخابــي لــم يذهــب‬
‫إلــى أبعــد مــدى فــي إعمــال ســلطاته االســتقصائية للبحــث عــن وســائل االثبــات‬
‫علــى ال ّرغــم مــن أنــه أقــ ّر لنفســه أوســع صالحيــات البحــث والتحقيــق‪ ،‬وأنّ‬
‫القانــون املتعلــق باملحكمــة اإلداريــة م ّكنــه مــن إطــار قانونــي مالئــم للقيــام بذلــك‪،‬‬
‫الســلطات كان محــدودا وتشــوبه بعــض النقائــص‬ ‫إذ يتبــن أنّ إعمالــه لتلــك ّ‬
‫التــي يكــون مــن املجــدي تفصيــل مظاهرهــا (‪ )I‬والكشــف عــن أســبابها (‪.)II‬‬

‫‪ .I‬مظاهر التدخل املحدود للقاضي االنتخابي في اإلثبات‬

‫بالرغــم مــن أن القاضــي االنتخابــي يط ّبــق نفــس إجــراءات التحقيــق املخ ّولــة‬
‫للقاضــي اإلداري وأنّ صالحياتــه االســتقصائية والتقريريــة تفــوق مــا لألخيــر‬
‫كل الصالحيــات‬ ‫مــن صالحيــات‪ ،‬فــإن القاضــي اإلداري جــرى علــى اســتعمال ّ‬

‫‪ .1‬الحكم عدد ‪ 201430007‬بتاريخ ‪ 10‬أكتوبر ‪.2014‬‬


‫‪ .2‬الحكم عدد ‪ 20183030‬بتاريخ ‪ 22‬ماي ‪( 2018‬مذكور سابقا)‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪210‬‬

‫التــي تمكنــه مــن تجميــع كل عناصــر االثبــات املتو ّفــرة‪ ،‬علــى خــاف القاضــي‬
‫االنتخابــي الــذي لــم يســتغل علــى الوجــه األكمــل الصالحيــات املتاحــة لــه ســواء‬
‫منهــا املتعلقــة بتدخلــه غيــر املباشــر فــي اإلثبــات (‪ )1‬أو بتدخلــه املباشــر فيــه (‪.)2‬‬

‫‪ .1‬حدود التدخل غير املباشر‬

‫إنّ التدخــل غيــر املباشــر للقاضــي االنتخابــي يت ـ ّم عبــر طلــب تقديــم أدلــة اإلثبــات مــن‬
‫األطــراف‪ ،‬وهــو علــى أهميتــه تشــوبه بعــض النقائــص التــي قــد تؤثــر ســلبا علــى جــدواه‬
‫وعلــى نجاعــة االثبــات أمــام القاضــي املذكــور‪.‬‬
‫وتشــمل تلــك النقائــص مــن جهــة عــدم اعتمــاد بعــض وســائل التحقيــق مــن قبــل القاضــي‬
‫االنتخابــي وهــي أساســا ســماع األطــراف الــذي يتــ ّم خاصــة خــال جلســة املرافعــة‪.‬‬
‫فاملرافعــة فــي النــزاع االنتخابــي كمــا فــي النــزاع اإلداري تقتصــر فــي أغلــب األحيــان‬
‫علــى تمكــن األطــراف مــن تقديــم إيضاحــات شــفاهية فــي ضــوء مذكراتهــم وتقاريرهــم‬
‫الكتابيــة‪ .‬وبالتّالــي فــإنّ القاضــي االنتخابــي ال يســتغل مــا يمكــن أن يوفــره ســماع‬
‫األطــراف مــن حجــج وأدلــة أو إيضاحــات شــفاه ّية تتع ّلــق بوقائــع أو مســائل محـ ّددة يمكــن‬
‫أن تفيــده فــي الحكــم فــي القض ّيــة دون الحاجــة إلــى مراســلتهم كتاب ّيــا وانتظــار ر ّدهــم‪.‬‬
‫وباإلضافــة إلــى ذلــك فقــد أهمــل القاضــي اعتماد االختبــارات في البحث عــن االثبات‪ .‬وإذا‬
‫أمكــن تف ّهــم إعراضــه عــن هذه الوســيلة التّحقيق ّية بالنّظر إلى مســاوئها وأه ّمها البطء الذي‬
‫يتعــارض مــع خصوص ّيــات النزاع االنتخابي الذي يقتضي الســرعة‪ ،‬فــإنّ هذا املوقف على‬
‫إطالقــه ســوف يحــرم القاضــي االنتخابــي من االســتئناس بال ّرأي الفنّي ألهــل الخبرة الذي‬
‫الصــادرة فيها حاجتــه إليه‪.1‬‬
‫افتقــده فــي بعــض القضايــا التــي نظرهــا وأعلــن فــي األحــكام ّ‬
‫كمــا تشــمل النّقائــص املالحظــة أه ـ ّم وســيلة تحقيــق يعتمدهــا القاضــي االنتخابــي وهــي‬
‫اإلذن لألطــراف بــاإلدالء بوثائــق أو إيضاحــات‪ ،‬إذ يبــدو القاضــي املذكــور متش ـ ّددا فــي‬
‫الحجــة املق ّدمــة‬
‫ّ‬ ‫الحجــة أو بدايــة‬
‫ّ‬ ‫اســتعمالها الســتكمال اإلثبــات أل ّنــه يشــترط أن تكــون‬
‫ج ّديــة قبــل املبــادرة بــاإلذن بذلــك اإلجــراء التحقيقــي‪ ،‬والحــال أ ّنــه مــن األجــدى أن يطالــب‬
‫هيئــة االنتخابــات منــذ توجيــه االســتدعاء لجلســة املرافعــة إليهــا بــأن ترفــق بر ّدهــا علــى‬
‫كل الوثائــق واألد ّلــة املتع ّلقــة بموضــوع القض ّيــة املعروضــة عليــه‪ ،‬ثـ ّم يتو ّلــى‬ ‫عريضــة ّ‬
‫الطعــن ّ‬
‫علــى أساســها تقديــر مــدى جد ّيــة اال ّدعــاء وحتّــى التث ّبــت مــن وجــود خروقــات أخــرى‬

‫‪ .1‬مــن ذلــك املعطيــات املتع ّلقــة بقيــس نســب املتابعــة واملشــاهدة واالســتماع لبرامــج منشــآت االتّصــال ّ‬
‫الســمعي‬
‫والبصــري‪ :‬الحكــم عــدد ‪ 20194042‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪.2019‬‬
‫‪211‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫بالطعــن‪ .‬فالقاضــي االنتخابــي مــا يــزال‬ ‫شــابت العمل ّيــة االنتخاب ّيــة ولــم يثرهــا القائــم ّ‬
‫متمســكا بمنهجــه التقليــدي القائــم علــى رفــض املطالبــة بأدلــة اإلثبــات مــن الجهــة امل ّدعــى‬ ‫ّ‬
‫عليهــا مــا لــم تثبــت جد ّيــة اال ّدعــاء‪ ،‬م ّمــا يــؤول فــي أغلــب األحيــان إلــى رفــض ال ّدعــوى‬
‫وخاصــة إذا اقتــرن هــذا املوقــف بعــدم ســعي القاضــي إلــى الت ّدخــل مباشــرة فــي اإلثبــات‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ّ‬
‫التدخل املباشر‬ ‫‪ .2‬حدود‬

‫التدخــل املباشــر للقاضــي االنتخابــي فــي البحــث عــن اإلثبــات إلــى حــ ّد‬ ‫ّ‬ ‫لقــد اقتصــر‬
‫اآلن علــى إجــراء املعاينــة املكتب ّيــة أو امليدان ّيــة بمقــ ّر الهيئــة الفرع ّيــة لالنتخابــات‪.‬‬
‫كمــا أنّــه لــم يســتعمل هــذه الوســيلة التحقيق ّيــة إ ّال مــ ّرات قليلــة‪ ،‬وذلــك بمناســبة‬
‫نظــره فــي نزاعــات االنتخابــات الرئاســ ّية لســنة ‪ 2014‬للتث ّبــت فــي قائمــات التزكيــات‪.‬‬
‫لكنّــه تخ ّلــى عنهــا فــي النزاعــات االنتخاب ّيــة لســنة ‪ 2019‬واســتبدلها بمطالبــة هيئــة‬
‫االنتخابــات بــاالدالء بتلــك القائمــات إلــى املحكمــة‪ .‬وحتّــى املعاينــة الوحيــدة التــي‬
‫أجراهــا بمناســبة نظــره فــي نزاعــات االنتخابــات البلد ّيــة لســنة ‪ 2018‬ألوراق التصويــت‬
‫بمقــ ّر الهيئــة الفرع ّيــة لالنتخابــات فإنّهــا لــم تكــن باختيــاره وإنّمــا نتيجــة إعالمــه‬
‫مــن الهيئــة بصعوبــة نقلهــا إلــى مقــ ّر املحكمــة وتأمينهــا بعــد أن طلــب جلبهــا إليهــا‪.1‬‬
‫ويبــدو بالتّالــي أنّ القاضــي االنتخابــي لــم يســع إلــى تأكيــد وتطويــر اســتعماله إلجــراء‬
‫املعاينــات فــي البحــث عــن أد ّلــة االثبــات م ّمــا أ ّدى إلــى التراجــع عنــه‪ .‬إ ّال بال ّرغــم مــن‬
‫تدخلــه املحــدود فــي البحــث عــن اإلثبــات‪،‬‬ ‫تفســر ّ‬ ‫أنّ للقاضــي املذكــور أســبابه التــي ّ‬
‫إ ّال أنّ تراجعــه عــن اســتعمال ذلــك اإلجــراء لــن يــؤول إلــى التخ ّلــي عنــه نهائ ّيــا‪.‬‬

‫ّ‬
‫التدخل املحدود للقاضي االنتخابي‬ ‫‪ .II‬أسباب‬

‫التدخــل املحــدود للقاضــي االنتخابــي فــي البحــث عــن عناصــر اإلثبــات‬ ‫ّ‬ ‫مــن الثابــت أنّ‬
‫الســلطات االســتقصائ ّية‬ ‫ّ‬ ‫إلعمــال‬ ‫زمــة‬ ‫ّ‬
‫ال‬‫ال‬ ‫اإلرادة‬ ‫يفتقــد‬ ‫ال‬ ‫ّــه‬
‫ن‬ ‫أل‬ ‫منــه‬ ‫رغبــة‬ ‫ليــس وليــد‬
‫املكفولــة لــه بموجــب القانــون‪ .‬غيــر أنّــه يواجــه عنــد تع ّهــده بالنّظــر فــي النزاعــات‬
‫تدخلــه‪ ،‬بعضهــا يتع ّلــق بقصــر آجــال البــت فــي هــذه‬ ‫االنتخاب ّيــة عـ ّدة صعوبــات تحـ ّد مــن ّ‬
‫النزاعــات (‪ ،)1‬وبعضهــا اآلخــر يتع ّلــق بنقــص املــوارد البشــر ّية واملاد ّيــة املخ ّولــة إليــه (‪.)2‬‬

‫‪ .1‬الحكم عدد ‪ 20183030‬بتاريخ ‪ 22‬ماي ‪( 2018‬مذكور سابقا)‪.‬‬


‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪212‬‬

‫‪ .1‬قصر آجال البت في ّ‬


‫الطعون‬

‫من ميزات املنازعة االنتخاب ّية قصر آجالها (أ) الذي تت ّرب عليه آثار سلب ّية على اإلثبات (ب)‪.‬‬

‫أ‪ .‬اختصار اآلجال‬

‫للبــت فــي الطعــون االنتخاب ّيــة وألــزم‬


‫ّ‬ ‫لقــد وضــع القانــون االنتخابــي آجــاال مختصــرة‬
‫القاضــي االنتخابــي بالتق ّيــد بهــا فأضحــى األخيــر قاضيــا اســتعجال ّيا بامتيــاز‪ .‬مــن ذلــك‬
‫أنّ األجــل األقصــى املخـ ّول للقاضــي املتع ّهــد بالنــزاع االنتخابــي ابتدائ ّيــا لتعيــن جلســة‬
‫املرافعــة ال يتجــاوز ثالثــة أ ّيــام‪ ،‬وأنّ األجــل األقصــى للمفاوضــة والتّصريــح بالحكــم‬
‫الترشــح لالنتخابــات وبخمســة أ ّيــام فــي نزاعــات نتائــج‬‫ّ‬ ‫مح ـ ّدد بس ـتّة أ ّيــام فــي نزاعــات‬
‫الطــور االســتئنافي فــإنّ اآلجــال القصوى املق ّررة تســاوي سـتّة أ ّيام‬ ‫االنتخابــات‪ .‬وأ ّمــا فــي ّ‬
‫ّ‬
‫الترشــح وثالثــة أ ّيــام فــي نزاعــات النتائــج‪ ،‬فــي حــن‬ ‫لتعيــن جلســة املرافعــة فــي نزاعــات‬
‫أنّهــا محـ ّددة علــى التّوالــي بخمســة أ ّيــام وأســبوع للمفاوضــة والتّصريــح بالحكــم‪ .1‬وقــد‬
‫تـ ّم التقليــص مــن هــذه اآلجــال إلــى يومــن أو ثالثــة أ ّيــام فــي أقصــى الحــاالت بالنّســبة إلى‬
‫املنظمــة طبــق الفقــرة ‪ 3‬مــن الفصــل ‪ 75‬والفصــل ‪ 86‬مــن ال ّدســتور‪ .2‬وهــي تعـ ّد‬‫االنتخابــات ّ‬
‫آجــاال قصيــرة جـ ّدا ال تكفــي القاضــي املتع ّهــد بال ّنــزاع للقيــام بــدوره التحقيقــي كامــا‪.‬‬

‫ب‪ .‬آثاره على اإلثبات‬

‫إنّ هــذه اآلجــال املختصــرة تجعــل القاضــي االنتخابــي فــي ســباق مــع الوقــت منــذ ترســيم‬
‫عريضــة الطعــن بكتابــة املحكمــة‪ ،‬كمــا تح ّد من قيامه بدوره كامال في تقديــر القيمة اإلثبات ّية‬
‫للحجــج املدلــى بهــا مــن األطــراف والبحــث عــن أد ّلــة اإلثبــات الناقصــة فــي ظــروف عاد ّيــة‪.‬‬
‫وح ّتــى علــى فــرض التســليم بــأنّ تلــك اآلجــال املختصــرة تكفــي القاضــي االنتخابــي للقيام‬
‫الطرف بتقديم حججه‬ ‫بمطالبة أحد أطراف املنازعة بتقديم أد ّلة اإلثبات‪ ،‬فإنّها ال تسمح لذلك ّ‬
‫الطــرف اآلخــر في ّ‬
‫االطالع عليها ومناقشــتها‪.‬‬ ‫إذا كان ال يتح ّوزهــا وال تكفــي لضمــان حــقّ ّ‬
‫وعــاوة علــى ذلــك فــإن قصــر تلــك اآلجــال يص ّيــر قيــام القاضــي بإجــراء معاينــات ميدان ّيــة‬

‫‪ .1‬الفصــول ‪ 49‬ثامــن عشــر و‪ 49‬عشــرون و‪( 145‬جديــد) و‪( 146‬جديــد) و‪ 147‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة‬
‫‪ 2014‬املتع ّلــق باالنتخابــات واالســتفتاء‪.‬‬
‫‪ .2‬الفصل ‪ 148‬مك ّرر من القانون ذاته‪.‬‬
‫‪213‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وخاصــة إذا اقتــرن قصــر‬


‫ّ‬ ‫أو أعمــال تحقيــق إضاف ّيــة أمــرا صعبــا إن لــم يكــن مســتحيال‬
‫اآلجــال بنقــص املــوارد املوضوعــة علــى ذ ّمته ومباشــرته لعمله في ظروف عمــل غير مالئمة‪.‬‬

‫‪ .III‬نقص املوارد البشر ّية واملاد ّية‬

‫يشــكو القضــاء اإلداري عا ّمــة مــن ظــروف عمــل غيــر مالئمــة نتيجــة مظاهــر النقــص فــي‬
‫املــوارد واإلمكان ّيــات املوضوعــة علــى ذ ّمتــه (‪ )1‬م ّمــا يســتدعي العمــل علــى تحســينها (‪.)2‬‬

‫‪ .1‬مظاهر النقص‬

‫ّ‬
‫الترشــحات لهــا نتيجــة إقــرار‬ ‫تتم ّيــز االنتخابــات فــي بالدنــا منــذ ســنة ‪ 2011‬بكثافــة‬
‫الترشــح بموجــب ال ّدســتور والقانــون االنتخابــي‪ ،1‬مــن ذلــك أنّ عــدد املترشــحني‬ ‫ّ‬ ‫الحــق فــي‬
‫لالنتخابــات األخيــرة التــي تـ ّم تنظيمهــا ق ّدر بالعشــرات بالنّســبة إلى االنتخابات الرئاسـ ّية‪،‬‬
‫وقـ ّدر عددهــم بالنّســبة إلــى االنتخابــات التشــريع ّية والبلد ّية باآلالف‪ ،2‬وهو مــا يعني إمكان ّية‬
‫الطعــن بكثافــة مــن املترشــحني أمــام القاضــي االنتخابــي فــي القــرارات املتع ّلقــة بالترشــح‬
‫لالنتخابــات أو فــي نتائجهــا م ّمــا قــد يؤول إلــى إغراق الهيئــات املتع ّهدة بالنــزاع االنتخابي‬
‫بالطعــون فــي ظـ ّـل مــا يشــكو منــه القضاء اإلداري عا ّمــة من صعوبة الظــروف املاد ّية للعمل‪.‬‬ ‫ّ‬
‫فاملــوارد البشــر ّية واملاد ّيــة وال ّلوجســت ّية املتو ّفــرة حاليــا للمحكمــة اإلدار ّيــة تعــ ّد‬
‫للبــت فــي عــدد كبيــر مــن الطعــون فــي اآلجــال املقــ ّررة وال للقيــام‬ ‫ّ‬ ‫غيــر كافيــة‬
‫وخاصــة القيــام باملعاينــات امليدان ّيــة‬
‫ّ‬ ‫بدورهــا التحقيقــي وجمــع أد ّلــة االثبــات‬
‫التــي تقتضــي التن ّقــل إلــى مقــ ّرات الهيئــات الفرع ّيــة لالنتخابــات بالجهــات‪.‬‬
‫كل النزاعات االنتخاب ّيــة التي نظرها‬ ‫وقــد واجــه القاضــي االنتخابــي صعوبــات حقيق ّية فــي ّ‬
‫تع ّلقــت باألســاس بعــدم تو ّفــر العــدد الكافــي مــن القضــاة واإلداريــن‪ ،‬وقلــة اإلمكانيــات‬
‫ّ‬
‫اللوجســت ّية للتن ّقــل للقيــام بمعاينــات أو لتحويل ملفات الطعــون االبتدائ ّية من دوائر املحكمة‬
‫اإلداريــة بالجهــات إلــى ال ّدوائــر االســتئناف ّية بالســرعة املطلوبــة مــع ضمان ســامة الوثائق‬

‫‪ .1‬الفصــل ‪ 34‬مــن دســتور ‪ 27‬جانفــي ‪ 2014‬والفصــول ‪ 19‬و‪ 40‬و‪ 49‬مكـ ّرر مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪2014‬‬
‫املتع ّلــق باالنتخابــات واالســتفتاء ‪.‬‬
‫‪ .2‬فــي االنتخابــات الرئاسـ ّية لســنة ‪ 2019‬تـ ّم إيــداع ‪ 98‬ملــف ّ‬
‫ترشــح تـ ّم قبــول ‪ 26‬منهــا‪ .‬وفــي االنتخابــات التشــريع ّية‬
‫ّ‬
‫املترشــحة ‪ 1581‬قائمــة قبلــت منهــا ‪ 1503‬قائمــة‪ .‬وفــي االنتخابــات البلد ّيــة لســنة ‪2018‬‬ ‫لســنة ‪ 2019‬بلــغ عــدد القائمــات‬
‫تـ ّم قبــول ‪ 2074‬قائمــة‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪214‬‬

‫املض ّمنــة بهــا أو للقيــام باإلعالمــات واالســتدعاءات لجلســات املرافعــة ومطالبــة األطــراف‬
‫بتقديــم الوثائــق واألد ّلــة لإلثبــات وغيرهــا من الصعوبات‪ .‬ولوال أنّ عــدد الطعون التي رفعت‬
‫متوســطا م ّمــا م ّكنــه إلى حـ ّد ما من مجابهة تلــك الصعوبات‬ ‫ّ‬ ‫أمــام القاضــي االنتخابــي كان‬
‫بخصوصهــا ملــا اســتطاع القيــام بال ـ ّدور املطلــوب منــه‪ ،‬ويتع ّيــن مــن أجــل ذلــك تذليلهــا‪.‬‬

‫‪ .2‬الحلول املمكنة‬

‫إذا كان مــن املتــاح إيجــاد حـ ّـل مؤ ّقــت للصعوبــات املتّصلــة باملعاينــات امليدان ّيــة بتكليــف‬
‫أعضــاء ال ّدوائــر االبتدائ ّيــة للمحكمــة اإلدار ّيــة بالجهــات بالقيــام بهــا وتحريــر محاضــر‬
‫فيهــا ترســل إلــى ال ّدوائــر املتع ّهــدة‪ ،‬فــإنّ هــذا الحـ ّـل ال يعفــي مــن واجــب تحســن ظــروف‬
‫املختــص بالنّظــر فــي الجــزء األهــ ّم مــن النــزاع االنتخابــي مــن‬
‫ّ‬ ‫عمــل القضــاء اإلداري‬
‫خــال تطويــر مــوارده البشــر ّية قضــاة وإداريــن مــن حيــث العــدد والتكويــن وتمكينــه‬
‫الزمــة حتّــى يتســنّى لــه ممارســة الســلطات‬ ‫مــن الوســائل املاد ّيــة واللوجســت ّية ال ّ‬
‫االســتقصائ ّية املمنوحــة لــه وإجــراء رقابــة كاملــة وف ّعالــة علــى العمل ّيــة االنتخاب ّيــة‪.‬‬
‫‪215‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫الخـاتمة‬

‫إنّ نظــام اإلثبــات أمــام القاضــي االنتخابــي فيــه مــن املزايــا واإليجاب ّيــات مــا يجعــل‬
‫الرقابــة التــي يجريهــا القاضــي املذكــور علــى العمل ّيــة االنتخاب ّيــة أكثــر نجاعــة وأه ّمها‬
‫املرونــة التــي ينطــوي عليهــا والتــي تبــرز فــي مســتوى توزيــع عــبء اإلثبــات علــى‬
‫األطــراف وعــدم تركــه فقــط علــى كاهــل امل ّدعــي‪ ،‬وفــي مســتوى الح ّريــة املتروكــة‬
‫كل وســائل اإلثبــات الكفيلــة بتأييــد ا ّدعاءاتهــم وإقنــاع‬ ‫لألطــراف فــي ال ّلجــوء إلــى ّ‬
‫القاضــي املتع ّهــد بالنــزاع‪ ،‬وحر ّيــة األخيــر فــي القيــام بإجــراءات التحقيــق التــي تكفــل‬
‫لــه املوازنــة بــن أد ّلــة اإلثبــات املق ّدمــة إليــه والحجــج املعاكســة املدفــوع بهــا أمامــه‪.‬‬
‫إ ّال أنّ هــذا النظــام مــع مرونتــه لــم يــؤ ّد إلــى رقابــة ناجعــة علــى املســار‬
‫االنتخابــي نتيجــة التشــ ّدد الــذي أبــداه القاضــي االنتخابــي فــي مراقبــة‬
‫الســعي إلــى‬ ‫القيمــة االثبات ّيــة لوســائل اإلثبــات املســتند إليهــا أمامــه وعــدم ّ‬
‫إعمــال كامــل الســلطات االســتقصائ ّية املتروكــة لــه‪ .‬زد علــى ذلــك قصــر اآلجــال‬
‫املفروضــة عليــه والتــي أضحــت فــي املنازعــة االنتخاب ّيــة ســيفا مســ ّلطا عليــه‪،‬‬
‫الضغــط النّاجــم عــن واجــب‬ ‫وجعلتــه يواجــه بصعوبــة ضغــط الوقــت زيــادة علــى ّ‬
‫حمايــة أصــوات الناخبــن وقرينــة الســامة التــي تــازم العمل ّيــة االنتخاب ّيــة‪.‬‬
‫ولذلــك تبــرز الحاجــة إلــى تطويــر هــذا النظــام مــع مــا يتبــع ذلــك مــن تطويــر للرقابــة‬
‫الضامــن األخير‬ ‫التــي يجريهــا القاضــي االنتخابــي علــى العمل ّيــة االنتخاب ّيــة باعتبــاره ّ‬
‫لنزاهتهــا‪ .‬ويســتوجب ذلــك تمكــن القاضــي االنتخابــي مــن جميــع الظــروف املالئمــة‬
‫وتدخــل املشــ ّرع لتحميــل الهيئــة العليــا املســتقلة‬ ‫ّ‬ ‫للقيــام بــدوره الرقابــي كامــا‪،‬‬
‫لالنتخابــات واجــب تقديــم كل عناصــر اإلثبــات التــي تســتأثر بهــا بمناســبة كل نــزاع‬
‫دون إجــراء رقابــة قبل ّيــة عليهــا علــى أن ترجــع ســلطة تقديــر حج ّيتهــا إلــى القاضــي‬
‫أي‬
‫ـت فيهــا‪ .‬علــى أنّ ّ‬ ‫وحــده‪ ،‬والتوســيع قــدر اإلمــكان فــي آجــال تقديــم ال ّدعــاوى والبـ ّ‬
‫نظــام ناجــع لإلثبــات أمــام القاضــي االنتخابــي يجــب أن تقتــرن فيــه حر ّيــة اإلثبــات‬
‫املخ ّولــة إلــى األطــراف بإعمــال القاضــي املذكــور لســلطة واســعة وفعل ّيــة فــي اإلثبــات‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪216‬‬

‫مبدأ التناصف في االنتخابات بني إقرار النص وتأويل غير‬

‫مستقر في النزاعات االنتخابية‬

‫أنوار منصري‬
‫رئيسة دائرة ابتدائية باملحكمة اإلدارية‬

‫إذا كان للمشــرع دور أساســي فــي وضــع قواعــد االنتخابــات فــي جميــع املجــاالت وتوجيه‬
‫أحــكام القوانــن نحــو سياســة تشــريعية تنطــوي علــى تحقيــق أهــداف أمالهــا الدســتور أو‬
‫املعاهــدات الدوليــة التــي هــي مصــدر مــن مصــادر الشــرعية‪ ،‬فــإن وقــع هــذه القواعــد فــي‬
‫املشــهد املنظــم لهــا ال يبــرز إال عبــر تأويــل فقــه قضائــي للجهــة القضائيــة التــي أوكل لهــا‬
‫القانون اختصاص النظر في النزاعات التي تنشــأ بمناســبة مختلف املســارات االنتخابية‪.‬‬
‫وألن النزاعــات االنتخابيــة جــزء ال يتجــزأ مــن البنــاء املؤسســاتي للدولــة باعتبارهــا مــن‬
‫يعطــي تأويــا للفاعلــن فــي مجــال االنتخابــات ملحتــوى النــص القانونــي اســتنادا إلــى‬
‫رؤيــة املشــرع‪ ،‬كمــا أنّهــا عنــوان لألمــان القانونــي فــي صــورة توجــس مــن انتهــاك‬
‫للحقــوق والحريــات املضمونــة دســتوريا وقانونيــا وهــي بالطبــع لــب دور القضــاء‬
‫فــي جميــع املجــاالت مثلمــا اقتضــاه الفصــل ‪ 49‬مــن الدســتور وبصفــة خاصــة فــي‬
‫املجــال االنتخابــي باعتبــاره الضامــن لحــق االنتخــاب والترشــح والحــق فــي الحمــات‬
‫االنتخابيــة وواجــب احتــرام الصمــت االنتخابــي وحــق فــي االقتــراع والولــوج للقضــاء‪.‬‬
‫وبهــذا املفهــوم فــإن مجــرد التنصيــص علــى رقابــة العمليــة االنتخابيــة مــن القضــاء تُعــد‬
‫ضمانــة خاصــة إذا كان القضــاء املختــص بــه ضمانــات املحاكمــة العادلــة التــي تفتــرض‬
‫بداهــة االســتقالل‪ ،‬ذلــك أنّــه مــن بــن ركائــز دولــة القانــون واملؤسســات أن تكــون كل‬
‫األعمــال والقــرارات خاضعــة لرقابــة جهــاز قضائــي مســتقل يضمــن إنفــاذ القانــون‬
‫وردع التجــاوزات ‪ .‬وبصــرف النظــر عــن الجهــة القضائيــة املختصــة‪ ،‬فــإنّ إخضــاع‬
‫قــرارات إدارة االنتخابــات ســواء املتعلقــة بتنظيــم االنتخابــات أو االســتفتاءات وكذلــك‬
‫إخضــاع قراراتهــا املتعلقــة بجميــع مراحــل العمليــة اإلنتخابيــة ســواء كانــت رئاســية‬
‫أو تشــريعية أو جهويــة أو بلديــة أو أي عمليــة انتخابيــة أخــرى بمــا فــي ذلــك املجلــس‬
‫األعلــى للقضــاء بتونــس فيــه ضمانــة للناخبــن والناخبــات أصحــاب الســيادة‪ .‬ويعــزز‬
‫القضــاء رقابــة شــرعية اإلنتخابــات ويضمــن قبــول الناخبــن واملترشــحني بنتائجهــا‪.1‬‬

‫‪ .1‬وتنقسم املراقبة املتصلة بالعملية اإلنتخابية إلى جزئني‪:‬‬


‫‪217‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وتعكــس املبــادئ الدســتورية توجــه الدولــة بخصــوص شــرعية املجالــس املنتخبــة ومراكــز‬
‫القــرار فــي الدولــة‪ ،‬إذ يمكــن أن تكــون‪:‬‬
‫• نصوصــا ذكوريــة بامتيــاز ال تســمح إال للرجــال باالنتخــاب أو الترشــح للمناصــب‬
‫واملجالــس املنتخبــة‪.‬‬
‫• نصوصــا محايــدة ال يخصــص أي جنــس باإلقصــاء أو االمتيــاز ويتــرك للفــرد حريــة‬
‫االنتخــاب والترشــح‪ ،‬وفــي األغلــب يعكــس الحياد توجها نحــو تكريس الواقــع االجتماعي‬
‫والثقافي في العمل السياســي وينتهي عادة بأغلبية ســاحقة للذكور على حســاب االناث‪.‬‬
‫• نصوصا قانونية يســعى من خاللها املشــرع إلى تعديل مشــهد سياســي أو مؤسســاتي‬
‫بضمــان تمثيليــة أوســع علــى مســتوى مراكــز القــرار مــن خــال اتخــاذ تدابيــر إيجابيــة‬

‫• نزاعــات إداريــة تتعلــق بمراجعــة قــرارات الهيئــة ومراقبــة مــدى احتــرام املتدخلــن فــي العمليــة اإلنتخابيــة للقانــون‬
‫وتكــون لهــا انعكاســات علــى نتائــج اإلنتخابــات‪ :‬تســجيل الناخبــن ‪،‬الترشــح ‪،‬الحملــة اإلنتخابيــة‪ ،‬النتائــج األوليــة‪...‬‬
‫• جرائــم انتخابيــة‪ :‬تتعلــق باقتــراف أفعــال يج ّرمهــا القانــون اإلنتخابــي وهــي فــي األصــل مج ّرمــة بقوانــن عامــة‪،‬‬
‫إال أن ارتكابهــا بغايــة التأثيــر فــي حســن ســير العمليــة اإلنتخابيــة يجعلهــا بالضــرورة خاضعــة للعقوبــات الخاصــة‬
‫الــواردة بالقانــون اإلنتخابــي‪.‬‬

‫مــع اإلشــارة إلــى أنّ بعــض األفعــال غيــر الشــرعية قــد ترتكــب خــال املســار اإلنتخابــي ولهــا عالقــة باإلنتخابــات لكــن لم‬
‫يقــع إدراجهــا كجرائــم ‪،‬و ال يمكــن فــي إطــار دولــة القانــون أن تبقــى دون عقــاب فــي صــورة ثبوتهــا‪ ،‬لــذا يتــم الرجــوع‬
‫بخصوصهــا إلــى القانــون العــام العــادي ‪.‬‬
‫ويوزع اإلختصاص القضائي في املادة اإلنتخابية كما يلي‪:‬‬
‫القضاء اإلداري‪:‬‬
‫‪ -‬أوكلــت لــه مهمــة النظــر فــي شــرعية القــرارات الترتيبيــة الصــادرة عــن إدارة اإلنتخابــات‪ ،‬وذلــك بالطعــن فيهــا‬
‫باإللغــاء‪ ،‬أو طلــب تأجيــل تنفيذهــا أو توقيــف تنفيذهــا حســب قانــون املحكمــة اإلداريــة ‪.‬‬
‫‪ -‬نزاعات انتخابية‬
‫‪ .1‬النظــر اســتئنافيا فــي األحــكام الصــادرة عــن املحاكــم اإلبتدائيــة العدليــة واملتعلقــة بالترشــحات ملجلــس نــواب‬
‫الشــعب‬
‫‪ .2‬النظرا ابتدائيا واستئنافيا في النزاعات املتعلقة بالترشحات للمجالس البلدية والجهوية‬
‫‪ .3‬النظر في النزاعات املتعلقة بالترشح لإلنتخابات الرئاسية‬
‫‪ .4‬النظر في النزاعات املتعلقة بالنتائج األولية لإلنتخابات‬
‫‪ .5‬النظر ابتدائيا واستئنافيا بالنزاعات املتعلقة بالترشح والنتائج األولية إلنتخابات املجلس األعلى للقضاء‬
‫القضاء العدلي‪:‬‬
‫‪ -‬النظر في النزاعات املتعلقة بتسجيل الناخبني والناخبات‬
‫‪ -‬النظر ابتدائيا في نزاعات الترشح ملجلس نواب الشعب‬
‫ـص عليهــا القانــون اإلنتخابــي والتــي تســقط حســب الفصــل ‪ 167‬مــن القانــون‬ ‫‪ -‬النظــر فــي الجرائــم اإلنتخابيــة التــي نـ ّ‬
‫اإلنتخابــي بالتقــادم إثــر انقضــاء ثــاث ســنوات مــن تاريــخ إعــان النتائــج النهائيــة لالنتخابــات‪.‬‬
‫‪ -‬النظر في األفعال املتصلة باإلنتخابات والتي لم يج ّرمها القانون اإلنتخابي إال أنها تبقى تحت طائلة القانون‬
‫القضاء املالي‪:‬‬
‫يختــص بمراقبــة تمويــل الحملــة اإلنتخابيــة وتكــون رقابتــه عــادة بعــد التصريــح بالنتائــج النهائيــة غيــر أنّ مــا ينتهــي إليــه‬
‫مــن أحــكام قــد تــؤدي إلــى ســحب عضويــة مــن أحــد املترشــحني أو القائمــات املترشــحة ‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪218‬‬

‫لصالــح فئــة مــا‪ ،‬وذلــك فــي إطــار تكريــس ملبــادئ دســتورية منها خاصــة تلــك القائمة على‬
‫الســعي نحــو إيجــاد ســبل لسـ ّد الفجــوة بــن النســاء والرجــال علــى مســتوى التمثيليــة‬
‫أو كذلــك لفئــات ال تجــد نفــاذا ســهال ملركــز القــرار مثــل الشــباب أو حاملــي اإلعاقــة‪.‬‬
‫وفــي هــذا االطــار كان خيــار املشــرع التونســي خاصــة بعــد ثــورة ‪ 17‬ديســمبر ‪2010‬‬
‫‪ 14 -‬جانفــي ‪ 2011‬منضويــا باألســاس تحــت التوجــه التعديلــي بغايــة ضمــان تمثيليــة‬
‫للنســاء فــي مختلــف مراكــز القــرار كلمــا تعلــق االمــر بالنفــاذ إليهــا عبــر آليــة االنتخابــات‪.‬‬
‫وكانــت أولــى إفــرازات هــذا التوجــه املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 10‬مــاي‬
‫‪ 2011‬واملتعلــق بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي الــذي أقــر فــي فصلــه ‪ 19‬مبــدأي‬
‫التناصــف والتنــاوب فــي القائمــة املترشــحة‪ .‬وفــي املقابــل فــإن هــذا املبــدأ أضحــى لــه إطــار‬
‫قانونــي مؤســس (الجــزء األول) وتــم التعاطــي معــه عبــر الطعــون املوجــه علــى أساســه أمــام‬
‫املحكمــة اإلداريــة ســواء علــى مســتوى القائمــات وكذلــك االفــراد (الجــزء الثانــي) وانطلــق‬
‫مــن هــذه التجربــة للتناصــف العمــودي كآليــة أوليــة‪ ،‬ليواجــه الحقــا تأويــا ملبــدأ التناصــف‬
‫االفقــي فــي االنتخابــات املحليــة (الجــزء الثالــث) التــي أفــرزت وجهــات نظــر مختلفــة مــن‬
‫القضــاء اإلداري‪ ،‬لكــن فــي املقابــل كانــت النزاعــات علــى االفــراد بالنســبة للمجلــس‬
‫األعلــى للقضــاء معبــرة عــن إنفــاذ مبــدأ التناصــف بطريقــة ســطحية (الجــزء الرابــع)‪.‬‬

‫الجزء األول‪ :‬التأسيس القانوني ملبدأ التناصف‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التناصف مبدأ ذو مرتبة دستورية‬

‫ال خــاف فــي أن البنــاء املؤسســاتي فــي تونــس جعــل مــن مبــدأ املســاواة بــن الجنســن‬
‫مبــدأ دســتوريا منــذ ســنة ‪ ،1959‬ذلــك أ ّنــه لئــن لــم يتســن لنســاء تونــس انتخــاب أعضــاء‬
‫املجلــس القومــي التأسيســي ســنة ‪ ،1956‬إ ّال أنّــه وعلــى إثــر أول انتخابــات بلديــة‬
‫شــهدتها الجمهوريــة التونســية تـ ّم اإلعتــراف لهــن بالحــق فــي اإلنتخــاب بمقتضــى األمــر‬
‫العلــي املــؤرخ فــي ‪ 13‬مــارس ‪ 1957‬املتعلــق بقانــون البلديــات‪ ،‬إلــى أن تمــت‬
‫دســترة حــق املــرأة فــي اإلنتخــاب والترشــح بمقتضــى دســتور غــرة جــوان ‪.1959‬‬
‫‪219‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وأقـ ّر الفصــل ‪ 6‬مــن دســتور ‪ 1959‬مبــدأ املســاواة بــن املواطنني أمام القانــون وكان الحافظ‬
‫لحــق املــرأة فــي اإلنتخــاب والترشــح والضامــن لعــدم إقصائهــا‪ ،1‬ثــم صــدر دســتور ‪27‬‬
‫جانفــي ‪ 2014‬الــذي كان أكثــر تحــررا فــي إقــرار حقــوق النســاء ودعــم مكاســبها‪ .‬فلــم‬
‫يكتــف بتخصيــص فصــل ي ّنــص علــى املســاواة فــي الدســتور بــل تــم التنصيــص علــى هــذا‬
‫املبــدأ فــي التوطئــة‪ ،‬باعتبارهــا اإلطــار العــام املحـ ّدد لهويــة الدولــة ملــا اقتضــى أن» تضمــن‬
‫الدولــة علويــة القانــون واحتــرام الحريــات وحقــوق اإلنســان واســتقاللية القضاء واملســاواة‬
‫فــي الحقــوق والواجبــات بــن جميــع املواطنــن واملواطنــات والعــدل بــن الجهــات‪.»2‬‬
‫ـص الفصــل ‪ 21‬مــن دســتور ‪ 27‬جانفــي ‪ 2014‬علــى هــذا املبدأ ملــا أقـ ّر أن‪« :‬املواطنون‬‫كمــا نـ ّ‬
‫واملواطنــات متســاوون فــي الحقــوق والواجبــات‪ ،‬وهــم ســواء أمــام القانون من غيــر تمييز‪.‬و‬
‫تضمــن الدولــة للمواطنــن واملواطنــات الحقــوق والحريــات الفرديــة والعا ّمــة‪ ،‬وتهيــئ لهــم‬
‫أســباب العيــش الكريــم‪ ».‬وبقــراءة لغويــة لهــذا الفصل يتب ّيــن أنّه اعتمد التأنيــث في صياغة‬
‫الفصــل ليؤكـ ّد علــى املســاواة بــن الجنســن مــن جهــة وكذلــك فــي تحميــل الدولــة التزامات‬
‫بضمــان التكافــؤ في الحقوق والحريات على أســاس املســاواة وخاصــة فيما يتعلق بالعيش‬
‫الكريــم الــذي يشــمل كل املجاالت بما فيهــا اإلقتصادية واإلجتماعية والثقافية والسياســية‪.‬‬
‫ويع ـ ّد هــذا التنصيــص الدســتوري علــى مبــدأ املســاواة ضمانــة مه ّمــة تحجــب عــن كل‬
‫متدخــل فــي املنظومــة القانونيــة أيــة محاولــة لتجــاوز هــذا املبــدأ أو خرقــه أو تعديلــه‬
‫باعتبــار أنّ كل النصــوص ســواء كانــت ذات صبغــة تشــريعية أو ترتيبيــة وجــب‬
‫أن تحترمــه بمــا يتيــح الفرصــة للنســاء فــي املشــاركة فــي املجــال العــام والتدخــل‬
‫مباشــرة فــي صنــع القــرار ورســم السياســات الوطنيــة واملحليــة واملؤسســاتية‪.‬‬
‫ويبقــى التنصيــص علــى مبــدأ املســاواة على أهميته‪ ،‬غير كاف إذا لــم يت ّدعم بتدابير خاصة‬
‫تضمن تكريســه على مســتوى الواقع‪ ،‬باعتبار أن إقرار هذا املبدأ بالنســبة لوضعيات غير‬
‫متماثلــة مــن شــأنه أن يفــرغ املبــدأ من محتواه ألنّ املــرأة في وضعية اجتماعيــة واقتصادية‬
‫وثقافيــة وسياســية ال تســمح لهــا بممارســة فعليــة لحقوقهــا‪ ،‬لــذا كان ال بـ ّد مــن تمكينهــا‬
‫مــن خــال إقــرار تدابيــر وقت ّيــة لتفعيــل مبــدأ عــدم التمييــز بــن الجنســن وتعديــل املشــهد‬
‫املجتمعــي وبالتالــي التعجيــل باملســاواة فــي الحقــوق والواجبــات بــن النســاء والرجــال‪.‬‬

‫‪ .1‬كان مبــدأ املســاواة املنصــوص عليــه فــي الدســتور أساســا بالنســبة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد‬
‫‪ 14232‬الصــادر فيهــا الحكــم بتاريــخ ‪ 10‬مــارس ‪ 1998‬لدحــض اإلدعــاء بــأنّ نجــاح العنصــر النســائي فــي‬
‫مناظــرة عــدول اإلشــهاد يخالــف الشــريعة اإلســام ّية لعــدم تســاوي شــهادة املــرأة والرجــل باعتبــار أنّ نجــاح‬
‫العنصــر النســائي فــي هــذه املناظــرة هــو مطابــق ملبــدأ املســاواة بــن الجنســن الــوارد بالفصــل ‪ 6‬مــن الدســتور ‪.‬‬
‫‪ .2‬تع ـ ّد التوطئــة جــزءا ال يتجــزأ مــن الدســتور وهــي حســب الفصــل ‪ 145‬منــه جــزء ال يتجــزأ مــن الدســتور وبالتالــي‬
‫مصــدرا مــن مصــادر الشــرعية التــي يمكــن اإلســتناد إليهــا للمطالبــة بحقــوق النســاء بنــاء علــى مــا ورد بالتوطئــة‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪220‬‬

‫وفــي هــذا اإلطــار يتنــزل مبــدأ تكافــؤ الفــرص بــن الجنســن‪ 1‬الــذي ينبنــي علــى ضمــان‬
‫املشــاركة الكاملة واملتكافئة للنســاء في مواقع القرار باعتبار أنّها كفيلة بتحقيق اإلنصاف‬
‫واملســاواة الفعلية بني النســاء والرجال‪ ،‬إذ أنّ تج ّذر الالمســاواة الواقعية والتســويق داخل‬
‫املجتمع إلى أنّ ذلك مشروع بحكم الجنس من شأنه أن يق ّوض قدرة النساء على ممارسة‬
‫حقوقهــن املكفولــة بالقانــون ويضمــن املســاواة بــن الجنســن ومــن ذلــك تكافــؤ الفــرص‪.2‬‬
‫ـص الدســتور فــي فصلــه ‪ 46‬أنــه‪« :‬تضمــن ال ّدولــة تكافــؤ الفــرص بــن ال ّرجــل واملــرأة‬ ‫ونـ ّ‬
‫فــي تح ّمــل مختلــف املســؤول ّيات وفــي جميــع املجــاالت»‪ .‬ويترتــب عــن ذلــك اتخــاذ الدولــة‬
‫كل التدابيــر الالزمــة للتشــجيع علــى تواجــد املــرأة فــي مراكــز القــرار‪ ،‬إمــا عــن طريــق‬
‫اإلنتخــاب أو عــن طريــق التعيــن مــن الســلطة السياســية أو اإلداريــة املختصــة‪ .‬ويتدعــم‬
‫هــذا الفصــل بمــا جــاء بأحــكام الفصــل ‪ 34‬فــي فقرتــه األخيــرة ملــا أق ـ ّر صراحــة بــأن‬
‫«تعمــل الدولــة علــى ضمــان تمثيليــة املــرأة فــي املجالــس املنتخبــة» وبالتالــي فــإنّ وجــود‬
‫النســاء فــي املجالــس املنتخبــة أضحــى معطــى بديهيــا وجــب علــى املشــرع تكريســه‬
‫بصــرف النظــر عــن نســبة التمثيليــة املخصصــة لهــا‪ .‬ويســتخلص مــن هــذا الفصــل أ ّنــه‬
‫كل املجالــس املنتخبــة سياســية كانــت علميــة‬ ‫وجــب أن يكــون هنــاك تمثيــل للنســاء فــي ّ‬
‫أو مهن ّيــة أو نقابيــة‪ .‬وعلــى املشــرع التونســي إعتمــاد هــذا املبــدأ بإدراجــه بالقوانــن‬
‫املنظمــة ملختلــف القطاعــات‪ 3‬مــع إتخــاذ التدابيــر الالزمــة للوصــول إلــى هــذه التمثيليــة‪.4‬‬

‫‪ .1‬يتجلــى تكريــس مبــدأ تكافــؤ الفــرص مــن خــال إقــرار املحاصصــة (الكوتــا) علــى إختــاف أشــكالها ‪ .‬ويترتــب‬
‫عــن ذلــك توفيــر فــرص النجــاح للنســاء ‪ .‬يتمثــل هــذا اإلجــراء فــي وضــع نســبة محــددة أو عــدد محــدد مــن املقاعــد‬
‫فــي هيئــة منتخبــة‪ ،‬أو فــي قائمــات إنتخابيــة ســواء كانــت حزبيــة أو مســتقلة‪ ،‬وتخصــص هــذه الحصــة ملمثلــي مجموعــة‬
‫محــددة‪ ،‬قــد تعــرف علــى أســاس سياســي أو قومــي أو عرقــي أو طائفــي أو لغــوي أو اجتماعــي أو جغرافــي أو غيرهــا‪.‬‬
‫ُيحـَّـدد بموجــب املحاصصــة حـ ّدا أدنــى لترشــيح أو تمثيــل النســاء بهــدف مســاعدتهن للتغلــب علــى املوانــع التــي تحــد‬
‫مــن مشــاركتهن وتمثيلهــن‪.‬‬
‫ال مــن أشــكال التدخــل اإليجابــي‪ ،‬بهــدف مســاعدة النســاء للتغلــب علــى العوائــق التــي‬ ‫وتمثــل الكوتــا النســائية شــك ً‬
‫تحـ ّد مــن مشــاركتهن وتمثيلهــن فــي مواقــع صنــع القــرار‪ ،‬كمــا يمكــن أن تعتمــد الكوتــا مقاربــة النــوع اإلجتماعــي لكــن‬
‫بــــــــــطريقة موضوعيــة ودون وضــع ح ـ ّد أدنــى ألحــد الجنســن بــل تقتصــر علــى أن يشــغل أحدهمــا نســبة معينــة‪.‬‬
‫‪ .2‬انظر دليل مالحظة مكانة النساء في املسار االنتخابي التونسي‪ :‬رابطة الناخبات التونسيات‪.‬‬
‫‪1. Voir www.idea.int/publications/wip/upload/chapter_04.pdf‬‬
‫‪rapport d’information : il faut sauver la parité , Michele André , délégations aux droits des femmes et à-‬‬
‫‪l’égalité des chances entre les hommes et femmes , N 552‬‬
‫‪Rapport d’information : Election des sénatrices et sénateurs : vers plus d’égalité , Laurence Cohen ,-‬‬
‫‪délégations aux droits des femmes N 533‬‬

‫حصــة أو نســبة معينــة للنســاء للفــوز‬ ‫‪ .4‬مثــل اعتمــاد آليــة املحاصصــة (الكوتــا) واملتمثلــة فــي تخصيــص ّ‬
‫بهــا أو بتخصيــص عــدد مع ّيــن مــن املقاعــد للنســاء وذلــك بصــرف النظــر ع ّمــا ســتنتجه اإلنتخابــات التنافســية‪.‬‬
‫‪221‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وفــي نفــس الفلســفة الداعمــة لتكافــؤ الفــرص تمــت دســترة مبــدأ التناصــف (‪50‬‬
‫‪ %‬نســاء و‪ % 50‬رجــال) فــي املجالــس كغايــة وهــدف تســعى الدولــة إلــى تحقيقــه‪ ،‬إذ‬
‫جــاء بالفصــل ‪ 46‬أنــه‪« :‬تســعى ال ّدولــة إلــى تحقيــق التّناصــف بــن املــرأة وال ّرجــل فــي‬
‫املجالــس املنتخبــة‪ ».‬وكانــت عبــارات الفصــل واضحــة وصريحــة وليســت الغايــة منــه‬
‫التناصــف فــي الترشــح لإلنتخابــات بــل تحقيــق التناصــف فــي املجالــس املنتخبــة‪.‬‬
‫ومــن خــال هــذا الفصــل فــإنّ الدولــة ولئــن كانــت غيــر ملزمــة بتحقيــق هــذه النتيجــة‬
‫حــا ّال‪ ،‬إال أنّ إلتزامهــا يكمــن فــي اتخــاذ كل التدابيــر املمكنــة واملتاحــة والالزمــة لتحقيــق‬
‫هــذا الهــدف وكل تقصيــر مــن جانبهــا يكــون أساســا إلقــرار مســؤوليتها‪ .‬وبخصــوص‬
‫إتخــاذ التدابيــر فــإنّ تقييــم جدواهــا يكــون حســب مــا يتــاح للدولــة مــن إمكانيــات‪.‬‬

‫الفقــرة الثانيــة‪ :‬التكريــس املعاهدتــي للتدابيــر اإليجابيــة‬


‫وضمــان مبــدأ التناصــف‬

‫إنّ املعاهــدات الدوليــة املصــادق عليهــا مــن الســلطة التشــريعية هــي حســب الفصــل‬
‫‪ 20‬مــن دســتور ‪ 2014‬أعلــى درجــة مــن القانــون وأقــل درجــة مــن الدســتور‪ ،1‬لــذا فــإنّ‬

‫‪ .1‬صادقت الدولة التونسية على أغلب االتفاقيات الدولية التي تخص حقوق اإلنسان للنساء نذكر منها‪:‬‬
‫‪ - 1‬اتفاقيــة القضــاء علــى كل أشــكال التمييــز ضــد املــرأة لســنة‪ 1979 :‬صادقــت الدولــة التونســية علــى‬
‫هــذه االتفاقيــة ســنة ‪ 1985‬م قبــل انعقــاد مؤتمــر نيروبــي (كينيــا) بمقتضــى القانــون عــدد ‪ 68‬املــؤرخ فــي ‪21‬‬
‫جويليــة ‪1985‬؛ لكــن بعــد أن قدمــت تحفظــات فيمــا يتعلــق بعــض الفصــول الخاصــة بالعائلــة (‪ 15‬و‪ .)1‬تــم‬
‫رفــع هــذه التحفظــات بمقتضــى املرســوم عــدد ‪ 103‬لســنة ‪ 2011‬بتاريــخ ‪ 24‬أكتوبــر ‪ 2011‬يتعلــق بالترخيــص‬
‫فــي املصادقــة علــى ســحب بيــان وتحفظــات صــادرة عــن الحكومــة التونســية وملحقــة بالقانــون عــدد ‪ 68‬لســنة‬
‫‪ 1985‬املــؤرخ فــي ‪ 12‬جويليــة ‪ 1985‬املتعلــق باملصادقــة علــى اتفاقيــة القضــاء علــى جميــع أشــكال التمييــز‬
‫ضــد املــرأة املرســوم عــدد ‪ 103‬لســنة ‪ 2011‬بتاريــخ ‪ 24‬أكتوبــر ‪ 2011‬يتعلــق بالترخيــص فــي املصادقــة علــى‬
‫ســحب بيــان وتحفظــات صــادرة عــن الحكومــة التونســية وملحقــة بالقانــون عــدد ‪ 68‬لســنة ‪ 1985‬املــؤرخ‬
‫فــي ‪ 12‬جويليــة ‪ 1985‬املتعلــق باملصادقــة علــى اتفاقيــة القضــاء علــى جميــع أشــكال التمييــز ضــد املــرأة‬
‫‪ - 2‬البروتوكول االختياري التفاقية مناهضة التمييز ضد النساء في ‪ :2008‬يعتبر توقيع تونس على اتفاقية مناهضة‬
‫التمييــز ضــد النســاء ‪ 1985‬والبروتوكــول االختيــاري لهــذه االتفاقيــة فــي ‪ 2008‬تعبيــرا عــن التزامهــا تجــاه املســاواة‬
‫كقيمــة إنســانية وقــد قدمــت التقاريــر التــي عرضتهــا تونــس علــى نظــر لجنــة متابعــة تطبيــق االتفاقيــة شــاهدا علــى‬
‫ـجل فــي مجــال تطبيــق مقتضيــات هــذه االتفاقيــات الدوليــة رغــم تحفــظ تونــس عــن بعــض البنــود خاصــة‬ ‫التقـ ّدم املسـ ّ‬
‫املتعلقــة بامليــراث ألن الدولــة تعتمــد الشــريعة االســامية فــي هــذا الخصــوص أما عن قانون الجنســية فقد تــم تعديله‬
‫‪ - 3‬التفاقيــة بشــأن الحقــوق السياســية للنســاء ‪ :‬صادقــت الدولــة التونســية علــى هــذه االتفاقيــة بمقتضــى القانــون‬
‫‪ 41 - 67‬املــؤرخ فــي ‪ 21‬نوفمبــر ‪.1967‬‬
‫‪ - 4‬االتفاقيــة الخاصــة بجنســية املــرأة املتزوجــة ‪ :‬وصادقــت تونــس أيضـ ًا علــى هــذه االتفاقيــة بمقتضــى القانــون‬
‫‪ 41 - 67‬املــؤرخ فــي ‪ 21‬نوفمبــر ‪.1967‬‬
‫‪ 5-‬االتفاقيــة املتعلقــة باملوافقــة علــى الــزواج وبإبــرام عقــود الــزواج وبتســجيل عقــود الــزواج‪ :‬وصادقــت‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪222‬‬

‫املعاهــدات جــزء ال يتجــزأ مــن املنظومــة القانونيــة‪ ،‬وبالتالــي تلــزم الدولــة التونســية وتحفــظ‬
‫بالتبعيــة حقــوق النســاء وتكــون أساســا ملطالبتهــن أمــام القضــاء بحقوقهــن‪.‬‬
‫وجــاء باملــادة األولــى لإلعــان العاملــي لحقــوق اإلنســان أنّــه‪« :‬يولــد النــاس أحــرارا‬
‫ومتســاوين فــي الكرامــة والحقــوق»‪ ،‬كمــا اقتضــت املــادة الثانيــة أ ّنــه‪« :‬لــكل إنســان حــق‬
‫التمتــع بجميــع الحقــوق والحريــات املذكــورة فــي هــذا اإلعــان دونمــا تمييــز مــن أي نــوع‪».‬‬
‫ونصــت املــادة ‪ 3‬مــن العهــد الدولــي الخــاص بالحقــوق االقتصاديــة واالجتماعيــة والثقافيــة‬
‫أن‪« :‬الــدول األطــراف تتعهــد بضمــان مســاواة الذكــور واإلنــاث فــي حــق التمتــع بجميــع‬
‫الحقــوق االقتصاديــة واالجتماعيــة والثقافيــة املنصــوص عليهــا فــي هــذا العهــد‪».‬‬
‫أمــا العهــد الدولــي الخــاص بالحقــوق املدنيــة والسياســية فيقــر ّكســابقه مبــدأ املســاواة فــي‬
‫املــادة ‪ 3‬إذ اقتضــى أن «تتعهــد الــدول األطــراف فــي العهــد بكفالــة تســاوي الرجال والنســاء‬
‫فــي حــق التمتــع بجميــع الحقــوق املدنيــة والسياســية املنصــوص عليهــا فــي هــذا العهــد‪».‬‬
‫كمــا يترتــب عــن التــزام الدولــة التونســية بمــا ورد بأحــكام الفصــل ‪ 2‬مــن اتفاقيــة القضــاء‬
‫علــى كل أشــكال التمييــز ضــد املــرأة‪ 1‬أن تنتهــج سياســة تســتهدف القضــاء علــى التمييــز‬

‫الدولــة التونســية أيضــ ًا علــى هــذه االتفاقيــة بمقتضــى القانــون ‪ 41 - 67‬املــؤرخ فــي ‪ 21‬نوفمبــر ‪.1967‬‬
‫‪ - 6‬االتفاقية الدولية حول عمل املرأة الليلي في ‪.1957‬‬
‫‪ - 7‬إتفاقيــة منظمــة العمــل الدوليــة حــول املســاواة فــي األجــور عنــد القيــام بنفــس العمــل بــن اليــد العاملــة النســائية‬
‫والرجاليــة‪ :‬صادقــت تونــس علــى هــذه االتفاقيــة ســنة ‪.1968‬‬
‫‪ - 8‬االتفاقيــة الدوليــة للعمــل حــول املســاواة فــي املعاملــة ) الضمــان االجتماعــي‪( :‬صادقــت تونــس علــى هــذه‬
‫االتفاقيــة فــي ‪.1967‬‬
‫املؤتمر العاملي املعني باملرأة املنعقد في بيجني خالل الفترة ‪ 4‬و ‪ 15‬سبتمبر ‪1995‬‬
‫‪ - 1‬قــرار مجلــس األمــن باألمــم املتحــدة رقــم ‪ 1325‬حــول املــرأة والســام واألمــن فــي ‪ 31‬أكتوبــر ‪ 2000‬وهــو قــرار‬
‫ملــزم للجمهوريــة التونســية عمــا بالفصــل الســابع‪ :‬فيمــا يتخــذ مــن األعمــال فــي حــاالت تهديــد الســلم واإلخــال‬
‫بــه ووقــوع العــدوان مــن ميثــاق األمــم املتحــدة‪.‬‬
‫‪ - 2‬املــادة ‪ :2‬تشــجب الــدول األطــراف جميــع أشــكال التمييــز ضــد املــرأة‪ ،‬وتتفــق علــى أن تنتهــج‪ ،‬بــكل الوســائل‬
‫املناســبة ودون إبطــاء‪ ،‬سياســة تســتهدف القضــاء علــى التمييــز ضــد املــرأة‪ ،‬وتحقيقــا لذلــك تتعهــد بالقيــام بمــا يلــي‪:‬‬
‫(أ) إدمــاج مبــدأ املســاواة بــن الرجــل واملــرأة فــي دســاتيرها الوطنيــة أو تشــريعاتها املناســبة األخــرى‪ ،‬إذا لــم‬
‫يكــن هــذا املبــدأ قــد أدمــج فيهــا حتــى اآلن‪ ،‬وكفالــة التحقيــق العملــي لهــذا املبــدأ مــن خــال التشــريع وغيــره‬
‫مــن الوســائل املناســبة‪.‬‬
‫(ب) اتخــاذ املناســب مــن التدابيــر‪ ،‬تشــريعية وغيــر تشــريعية‪ ،‬بمــا فــي ذلــك مــا يناســب مــن جــزاءات‪ ،‬لحظــر‬
‫كل تمييــز ضــد املــرأة‪،‬‬
‫(ج) فــرض حمايــة قانونيــة لحقــوق املــرأة علــى قــدم املســاواة مــع الرجــل‪ ،‬وضمــان الحمايــة الفعالــة للمــرأة‪ ،‬عــن‬
‫طريــق املحاكــم ذات االختصــاص واملؤسســات العامــة األخــرى فــي البلــد‪ ،‬مــن أي عمــل تمييزي‪،‬‬
‫(د) االمتنــاع عــن مباشــرة أي عمــل تمييــزي أو ممارســة تمييزيــة ضــد املــرأة‪ ،‬وكفالــة تصــرف الســلطات‬
‫واملؤسســات العامــة بمــا يتفــق وهــذا االلتــزام؛‬
‫(ه) اتخــاذ جميــع التدابيــر املناســبة للقضــاء علــى التمييــز ضــد املــرأة مــن جانــب أي شــخص أو منظمــة أو‬
‫‪223‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫ضــد املــرأة بمــا فــي ذلــك اتخــاذ تدابيــر لصالحهــا قصــد تكريــس املســاواة الفعليــة‬
‫وتجنــب كل ممارســة أو عمــل تمييــزي ضدهــا‪.‬‬
‫وأقرت كل املعاهدات الدولية مبدأ املساواة بني النساء والرجال باعتباره أساسا في التمتع‬
‫بحقوق اإلنسان ألن كل الحقوق الكونية يتمتع بها الجميع دون تمييز‪ .‬وكانت املادة ‪ 21‬من‬
‫اإلعــان العاملــي لحقــوق اإلنســان ترجمــة لهــذه الفلســفة األمميــة التــي انخرطــت فيهــا جـ ّـل‬
‫الدول في العالم والذي أق ّر الحق للنســاء والرجال في املشــاركة في االنتخاب والترشــح‪.1‬‬
‫ـص فــي فصلــه ‪ 25‬علــى ضــرورة‬ ‫أ ّمــا العهــد الدولــي للحقــوق السياســية واملدنيــة‪ ،‬فقــد نـ ّ‬
‫تجــاوز كل القيــود التــي تحــول دون مشــاركة النســاء فــي الشــأن العــام والتعبيــر الح ـ ّر‬
‫عــن إرادتهــن فــي اختيــار ممثليهــا فــي االنتخابــات وخاصــة فرصــة تقلدهــن لوظائــف‬
‫مؤثــرة فــي الشــأن العــام‪.2‬‬
‫• التدابيــر اإليجابيــة لصالــح النســاء‪ :‬أقــرت إتفاقيــة مناهضــة كل أشــكال التمييــز‬
‫ضـ ّد املــرأة فــي فصلهــا ‪ 2‬هــذه التدابيــر االيجابيــة التــي تلْــزم الــدول املصادقــة عليهــا ومن‬
‫بينهــا تونــس‪ ،‬بضــرورة اتخاذهــا لكــن وفــي املقابل تبقى هــذه التدابير وقت ّيــة‪ ،‬ويبقى املعيار‬
‫املعتمــد للتخلــي عــن التدابيــر املؤقتــة هــو النجــاح فــي تكريــس املســاواة علــى مســتوى‬
‫الواقــع‪ .‬وعلــى املســتوى السياســي جــاء الفصــل ‪ 7‬منهــا مك ّرســا لضــرورة املشــاركة‬
‫السياســية للنســاء مؤكــدا علــى ضــرورة اتخــاذ الدولــة جميــع التدابيــر أي كل مــا هــو‬
‫متــاح وليــس البعــض منهــا فقــط للقضــاء علــى التمييــز ضــد املــرأة فــي املجال السياســي‪.3‬‬

‫مؤسسة‪،‬‬
‫(و) اتخــاذ جميــع التدابيــر املناســبة‪ ،‬بمــا فــي ذلــك التشــريعي منهــا‪ ،‬لتغييــر أو إبطــال القائــم مــن القوانــن‬
‫واألنظمــة واألعــراف واملمارســات التــي تشــكل تمييــزا ضــد املــرأة‪.‬‬
‫(ي) إلغاء جميع األحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزا ضد املرأة‪.‬‬
‫‪ - 1‬لــكل فــرد الحــق فــي االشــتراك فــي إدارة الشــؤون العامــة لبــاده إمــا مباشــرة وإمــا بواســطة ممثلــن يختــارون‬
‫اختيــار ًا حــر ًا‪.‬‬
‫‪ - 2‬لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البالد‪.‬‬
‫‪ - 3‬إن إرادة الشــعب هــي مصــدر ســلطة الحكومــة‪ ،‬ويعبــر عــن هــذه اإلرادة بانتخابــات نزيهــة دوريــة تجــري علــى‬
‫أســاس االقتــراع الســري وعلــى قــدم املســاواة بــن الجميــع أو حســب أي إجــراء مماثــل يضمــن حريــة التصويــت‪.‬‬
‫‪ .2‬يقتضــي هــذا الفصــل أن «يكــون لــكل مواطــن‪ ،‬دون أي وجــه مــن وجــوه التمييــز املذكــور فــي املــادة ‪ ،2‬الحقــوق التالية‪،‬‬
‫التــي يجــب أن تتــاح لــه فرصــة التمتــع بهــا دون قيود غيــر معقولة‪:‬‬
‫أ‪ .‬أن يشارك في إدارة الشؤون العامة‪ ،‬إما مباشرة وإما بواسطة ممثلني يختارون في حرية‪،‬‬
‫ب‪ .‬أن ينتخــب وينتخــب‪ ،‬فــي انتخابــات نزيهــة تجــرى دوريــا باالقتــراع العــام وعلــى قــدم املســاواة بــن الناخبــن‬
‫وبالتصويــت الســري‪ ،‬تضمــن التعبيــر الحــر عــن إرادة الناخبــن‪،‬‬
‫ج‪ .‬أن تتاح له‪ ،‬على قدم املساواة عموما مع سواه‪ ،‬فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده‪».‬‬
‫ـص علــى أ ّنــه‪« :‬تتخــذ الــدول األطــراف جميــع التدابيــر املناســبة للقضــاء علــى التمييــز ضــد املــرأة فــي الحيــاة‬
‫‪ .3‬عندمــا نـ ّ‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪224‬‬

‫كما جاء بـــإعالن ومنهاج عمل بيجني لسنة ‪ ،1995‬ضرورة تمكني املرأة ومشاركتها الكاملة‬
‫على قدم املســاواة في جميع جوانب حياة املجتمع‪ ،‬بما في ذلك املشــاركة في عملية صنع‬
‫القــرار وبلــوغ مواقــع الســلطة‪ ،1‬وهــي مســائل أساســية لتحقيق املســاواة والتنمية والســلم‪.‬‬
‫كمــا انخرطــت تونــس فــي إطــار االلتــزام الدولــي بتنفيــذ أهداف أجنــدات التنمية املســتدامة‬
‫‪ 2030 / 2016‬التــي تنــص فــي هدفهــا الخامــس علــى مبــدأ «تحقيــق املســاواة بــن الجنســن‬
‫وتمكــن كل النســاء والفتيــات كرافــد للقضــاء علــى الفقــر والتهميــش والتمييــز ودفــع‬
‫التنميــة الشــاملة‪».‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬القوانني االنتخابية آلية لتحقيق التناصف‬


‫كهدف الدستوري‬

‫‪ .I‬على مستوى القانون االنتخابي للمجالس السياسية املنتخبة‬

‫يتبــن بمراجعــة القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬مــؤرخ فــي ‪ 26‬مــاي‬


‫‪ 2014‬املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء مثلمــا تــم تنقيحــه وإتمامــه بالقانــون‬
‫األساســي عــدد ‪ 7‬لســنة ‪ 2017‬املــؤرخ فــي ‪ 14‬فيفــري ‪ 2017‬أنّــه مــن خــال‬
‫للنــص كان مبدئيــا وفيــا ملــا ورد بالدســتور واإلتفاقيــات‬ ‫ّ‬ ‫الصياغــة اللغويــة‬
‫الدوليــة بخصــوص إقــرار مبــدأ املســاواة لهذيــن النصــن األكثــر علويــة منــه‪.‬‬

‫السياسية والعامة للبلد‪ ،‬وبوجه خاص تكفل للمرأة‪ ،‬على قدم املساواة مع الرجل‪ ،‬الحق في‪:‬‬
‫أ‪ .‬التصويــت فــي جميــع االنتخابــات واالســتفتاءات العامــة‪ ،‬واألهليــة لالنتخــاب لجميــع الهيئــات التــي ينتخــب‬
‫أعضاؤهــا باالقتــراع العــام‪،‬‬
‫ب‪ .‬املشــاركة فــي صياغــة سياســة الحكومــة وفــى تنفيــذ هــذه السياســة‪ ،‬وفــى شــغل الوظائــف العامــة‪ ،‬وتأديــة‬
‫جميــع املهــام العامــة علــى جميــع املســتويات الحكوميــة‪،‬‬
‫ج‪ .‬املشاركة في أية منظمات وجمعيات غير حكومية تهتم بالحياة العامة والسياسية للبلد‪.‬‬
‫‪ .1‬أقــ ّر فــي هــذا الســياق «ضــرورة إلتــزام الحكومــات‪ :‬بتحديــد هــدف التــوازن بــن الجنســن فــي‬
‫الهيئــات واللجــان الحكوميــة وفــي الكيانــات اإلداريــة العامــة وفــي النظــام القضائــي بمــا فــي ذلــك وضــع‬
‫أهــداف محــددة وتنفيــذ تدابيــر بمــا يحقــق زيــادة ملموســة فــي عــدد النســاء بغــرض الوصــول إلــي‬
‫متســاو بــن املــرأة والرجــل فــي كل املناصــب الحكوميــة واإلداريــة العامــة باتخــاذ تدابيــر إيجابيــة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫تمثيــل‬
‫‪225‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫واســتعمل القانــون اإلنتخابــي التأنيــث أو الجنــدرة علــى مســتوى بعــض الفصــول كمــا هــو‬
‫الشــأن بالنســبة للفصــل ‪ 5‬منــه ملــا اعتبــر أ ّنــه «يعـ ّد ناخبــا كل تونسـ ّية وتونســي مرســم‬
‫فــي ســجل الناخبــن (‪».)...‬‬
‫وحافــظ الفصــل ‪ 19‬علــى نفــس الصياغــة فيمــا يتّعلــق بالترشــح لعضويــة مجلــس‬
‫نــواب الشــعب مؤكــدا أنّــه حــق لــكل «ناخبــة أو ناخــب تونســي الجنســية‬
‫منــذ عشــر ســنوات علــى األقــل»‪ .‬وفــي املقابــل فيمــا يتعلــق باإلنتخابــات البلديــة‬
‫والجهويــة لــم يتــم اعتمــاد التأنيــث إذ جــاء بالفصــل ‪ 49‬مكــرر أنّ «الترشــح‬
‫لعضويــة املجالــس البلديــة أو الجهويــة حــق لــكل ناخــب تونســي الجنســية‪».‬‬
‫تعتمــد اإلنتخابــات التشــريعية فــي تونــس علــى اإلقتــراع علــى القائمــات وليــس علــى‬
‫األفــراد‪ ،‬أي أنّ الناخــب أوالناخبــة ال يختــار شــخص املترشــح مــن ضمــن قائمــة أو مــن‬
‫ضمــن قائمــات متعــددة بــل عليــه إختيــار قائمــة واحدة تتضمن عددا من املترشــحني مســاو‬
‫لعــدد املقاعــد بالدائــرة اإلنتخابيــة التــي أدلــى بهــا الناخــب أو الناخبــة بصوتــه‪/‬ا‪( ،‬وهي من‬
‫القائمــات املغلقــة التــي ليــس للناخــب‪/‬ة فيهــا أي خيــار ال علــى الترتيــب أو األشــخاص)‪.1‬‬
‫تجــدر املالحظــة أنــه ســبق فــي انتخابــات ‪ 2011‬أن تـ ّم اعتمــاد مبــدأي التناصــف والتنــاوب‬
‫العمــودي فــي القائمــات اإلنتخابيــة املترشــحة وتلتــزم بمقتضــى هــذه القاعــدة القائمــات‬
‫بــأن يكــون عــدد النســاء مســاو لعــدد الرجــال علــى نفــس القائمــة باســتثناء القائمــات‬
‫التــي يكــون عــدد املقاعــد فيهــا فرديــا‪ ،‬ويتــم ترتيبهــم بالتنــاوب بــن النســاء والرجــال‪.‬‬
‫وقــد م ّكنــت هــذه القاعــدة مــن تمثيليــة للنســاء بلغــت فــي البدايــة ‪ % 27‬وهــي نســبة أقل مما‬
‫هــو مأمــول وفــق املعاييــر الدوليــة ‪،‬إ ّال أن ّهــا تطــورت الحقــا بعــد اســتقالة عــدد مــن النــواب‬
‫الرجــال الذيــن ت ـ ّم تعويضهــم بالنســاء املترشــحات مباشــرة بعدهــم علــى نفــس القائمــة‪.‬‬
‫ويعـ ّد هــذا املبــدأ مــن ضمــن املكاســب التــي تحققــت للمــرأة فــي تونــس وكان لزامــا علــى‬
‫الدولــة حســب الفصــل ‪ 46‬من الدســتور تطويره ودعمه ‪،‬غيــر أنّ القانون اإلنتخابي الصادر‬
‫بمقتضى القانون عدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬لم يكن متماشــيا مع روح الدســتور وإكتفى بتكريس‬
‫نفس املبدأ دون اعتماد التناصف على مســتوى رؤســاء القائمات أو على األقل تدعيم مبدأ‬
‫التناصــف فــي الترشــح بضــرورة التنصيــص علــى تمثيل ّيــة للنســاء ال تقــل حســب املعاييــر‬
‫الدوليــة علــى ‪ % 30‬فــي املجالــس املنتخبــة‪ ،2‬وبالتالــي فــإنّ الدولــة لــم تبــذل العنايــة الكافيــة‪.‬‬

‫‪ .1‬ال شــيء يمنــع املشــرع فــي انتخابــات علــى االفــراد مــن اعتبار البطاقة ملغــاة اذا لم تحترم كوتا معينة في عدد النســاء‬
‫أو احتــرام ميــدأ التناصــف كمــا هــو الحــال فــي القانــون التونســي املتعلــق بانتخــاب أعضــاء املحلــس األعلــى للقضــاء‪.‬‬
‫‪ .2‬علــى غــرار القانــون العضــوي رقــم ‪ 01 - 12‬املــؤرخ فــي ‪ 12‬جانفــي ‪ 2012‬الخــاص بنظــام اإلنتخــاب فــي الجزائــر‬
‫الــذي أقــ ّر فــي انتخابــات املجلــس الشــعبي الوطنــي نســبة ‪ % 30‬فــي هــذا املجلــس لصالــح النســاء‪ ،‬فارتفعــت‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪226‬‬

‫وتجــدر املالحظــة أ ّنــه بالنســبة لإلنتخابــات التشــريعية لســنة ‪ 2014‬فــإن عــدد النســاء بلــغ‬
‫بفضــل قاعــدة التناصــف والتنــاوب ‪ 68‬إمــرأة أي نســبة ‪ % 31.3‬وهــي مــن أعلى النســب في‬
‫البرملانــات العربيــة وتعــززت هــذه النســبة بعــد تقلد نــواب من الرجال مناصــب في الحكومة‬
‫ليقــع تعويضهــم بنســاء‪ ،‬ليصبــح هنــاك ‪ 139‬رجــا (‪ )% 64.9‬و‪ 76‬امــرأة أي ‪.% 35.19‬‬
‫أمــا بالنســبة لالنتخابــات التشــريعية لســنة ‪ ،2019‬فــإنّ عــدد النســاء لــم يتجــاوز ‪ 53‬امــرأة‬
‫أي نســبة ‪ .% 23‬كمــا أنّ الدولــة لــم تســع إلــى اتخــاذ التدابيــر الالزمــة قصــد تحقيــق‬
‫التناصــف االفقــي علــى مســتوى املجالــس التشــريعية ‪،‬إذ اقتضــى الفصــل ‪ 24‬مــن القانون‬
‫االنتخابــي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪« :2014‬أ ّنــه تقـ ّدم الترشــحات علــى أســاس مبــدأ التناصــف بــن‬
‫النســاء والرجــال وقاعــدة التنــاوب بينهــم داخــل القائمــة وال تقبــل القائمــة التــي ال تحتــرم‬
‫هــذا املبــدأ إال فــي حــدود مــا يحتّمــه العــدد الفــردي للمقاعــد املخصصــة لبعــض الدوائــر»‪.‬‬
‫وعلــى الرغــم مــن أنّ الدســتور أقــر التــزام الدولــة بدعــم مكاســب املــرأة وتطويرهــا ‪،‬فــإنّ‬
‫الفصــل املذكــور لــم يدعــم التناصــف‪ ،‬ولــم يكن مســايرا لروح الدســتور‪ . 1‬غيــر أنّ اإلضافة‬
‫بالنســبة لالنتخابــات التشــريعية هــي التنصيــص الصريــح علــى أن القائمــة التــي ال تحتــرم‬
‫ـص فــي املرســوم‬ ‫مبــدأ التناصــف وقاعــدة التنــاوب ال تقبــل‪ ،‬وهــو مــا تجــاوز ســكوت النـ ّ‬
‫عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬الــذي اكتفــى بالتنصيــص علــى املبدأيــن دون اســتخالص النتائــج‬
‫املترتبــة عــن مخالفتهمــا‪ .‬وكان فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة هــو املوجــه للمشــرع ذلــك أ ّنــه‬
‫وفــي ســكوت النــص اعتبــر أ ّنــه ال يمكــن تصحيــح هــذا اإلجــراء باعتبــاره إجــراءا جوهريــا‬
‫إذ انتهــت إلــى أنّ ‪ :‬إســقاط القائمــة التــي لــم تحتــرم قاعــدة التناصــف والتنــاوب إجــراء‬
‫غيــر قابــل للتصحيــح وال يمكــن كذلــك االحتجــاج بالعــدد الفــردي للمقاعــد بالدائــرة‪.2‬‬
‫وفــي قــراءة متكاملــة متجانســة للقانــون اإلنتخابــي‪ ،‬يبــدو أنّ املشــرع رغــم تبنــي مبــدأ‬
‫املســاواة لــم يك ـ ّرس اآلليــات الضامنــة والكفيلــة بتحقيــق مســاواة فعليــة علــى مســتوى‬
‫التمثيليــة فــي املجالــس املنتخبــة ‪ .‬اكتفــى القانــون االنتخابــي بإقــرار التناصــف والتنــاوب‬
‫فــي الترشــح الــذي جــاء بــه املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬خــال الفتــرة اإلنتقاليــة‬
‫األولــى‪ ،‬والحــال أنّ هــذا املبــدأ أضحــى مكســبا وجــب تطويــره فــي ظــل أحــكام الفصــل‬

‫نســبة النســاء مــن ‪ % 7.7‬خــال املــدة النيابيــة باملجلــس بــن ‪ 2012 - 2007‬إلــى ‪ % 31.6‬خــال انتخابــات ‪2012‬‬

‫‪ .1‬تــم الطعــن فــي الفصــل ‪ 24‬مــن الدســتور أمــام الهيئــة الوقتيــة ملراقبــة دســتورية القوانــن لعــدم احترامــه للدســتور‬
‫وانتهــت فــي قرارهــا الصــادر فــي القضيــة عــــدد ‪ 02 / 2014‬بتاريخ ‪ 23‬ماي ‪ 2014‬إلى أنّ الفصــل على حالته ليس مخالفا‬
‫للدســتور وأ ّنــه يمكــن اعتمــاد التناصــف األفقــي «وحيــث اعتبــر أنّ قاعــدة التناوب بينهــم داخل القائمة أمــر ضروري وهو‬
‫تكريــس ملبــدأ التناصــف العمــودي دون أن يكــون ذلــك عائقا علــى االعتماد على التناصف األفقــي إن اقتضى األمر ذلك‪»،‬‬
‫‪ .2‬اعتبرت املحكمة اإلدارية في حكمها االستئنافي الصادر في القضية عدد ‪ 28944‬الصادر بتاريخ ‪ 23‬سبتمبر ‪. 2011‬‬
‫‪227‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ 46‬مــن الدســتور‪ 1‬ولــم يتخــذ املشــرع التدابيــر الكفيلــة بالوصــول إلــى التناصــف‬
‫علــى مســتوى املجالــس وذلــك مــن خــال إقــرار مبــدأ التناصــف األفقــي وذلــك علــى‬
‫مســتوى رؤســاء القائمــات خــال االنتخابــات التشــريعية لســنة ‪ 2014‬وكذلــك ســنة ‪.2019‬‬
‫واقتصــر هــذا التدبيــر الخــاص علــى االنتخابــات املحليــة ال غيــر وتــم تكريســه عبــر‬
‫االنتخابــات البلديــة‪ ،‬وانتهــت هــذه االنتخابــات إلــى تحقيــق نســبة ‪ 47‬باملائــة مــن النســاء‬
‫مستشــارات بلديــات وفــي املقابــل لــم يتجــاوز عــدد رئيســات البلديــات ‪ 20‬باملائــة‪.‬‬

‫‪ .II‬في قانون املجلس األعلى للقضاء‬

‫مــا يتم ّيــز بــه القانــون عــدد ‪ 34‬لســنة ‪ 2016‬املــؤرخ فــي ‪ 28‬أفريــل ‪ 2016‬واملتعلــق باملجلــس‬
‫األعلــى للقضــاء أ ّنــه نقطــة التقــاء بــن مبــدأ اســتقالل القضــاء مــن جهــة ‪،‬ومبــدأ تكافــئ‬
‫الفــرص بــن الجنســن وتمثيليــة النســاء بهــذا املجلــس مــن جهــة أخــرى‪ ،‬وعكــس القانــون‬
‫فلســفة تشــريعية دامجــة للمبدأيــن فــي توافــق تــام مــع املقاربــة الدســتورية القائمــة علــى‬
‫قــراءة توطئــة الدســتور وجميــع فصولــه قــراءة متكاملــة ومنســجمة‪ .2‬ويســتخلص مــن‬
‫هــذا القانــون أ ّنــه تــم تفعيــل املبــادئ الدســتورية املكرســة ملبــدأ املســاواة بــن املواطنــن‬
‫واملواطنــات التــي وجــب أن تشــمل جميــع املجــاالت دون حصرهــا فــي مجالــس سياســية‬
‫أو مســائل نمط ّيــة (شــؤون املــرأة واألســرة واألطفــال واملســنني‪ ،‬الصحــة اإلنجابيــة‪.)... ،‬‬
‫ويعــ ّد إقــرار تدابيــر إيجابيــة لصالــح النســاء فــي مجــال القضــاء رســالة مهمــة فــي‬
‫القطــع مــع ثقافــة اإلقصــاء فــي بعــض املجــاالت التــي كانــت حكــرا علــى الرجــال‬
‫ويفتــح الطريــق أمــام تمثيليــة أوســع للنســاء فــي كل املجالــس املنتخبــة مهمــا كان‬
‫مجــال اختصاصهــا ‪،‬عمــا بالقاعــدة األصوليــة بــأن مــن أمكنــه األكثــر أمكنــه األقــل‪.‬‬
‫وال يقتصــر الدفــع نحــو وصــول النســاء إلــى مراكــز صنــع القــرار فحســب علــى‬
‫املجــال السياســي علــى أهميتــه فــي رســم سياســات الدولــة وتوجهاتهــا‪ ،‬بــل يجــب‬
‫أن تشــمل مقاربــة النــوع اإلجتماعــي‪ 3‬جميــع املجــاالت فــي قطــع مــع الفكــر الــذي‬

‫‪ .1‬الفصل ‪ 46‬تلتزم الدولة بحماية الحقوق املكتسبة للمرأة وتدعم مكاسبها وتعمل على تطويرها‬
‫‪ .2‬وتعــ ّد التوطئــة جــزءا ال يتجــزأ مــن الدســتور وهــي حســب الفصــل ‪ 145‬جــزء ال يتجــزأ مــن الدســتور وبالتالــي‬
‫مصــدر مــن مصــادر الشــرعية التــي يمكــن اإلســتناد إليهــا للمطالبــة بحقــوق النســاء بنــاء علــى مــا ورد بالتوطئــة‪.‬‬
‫‪ .3‬مقاربــة النــوع اإلجتماعــي أو الجنــدر هــي أداة تحليليــة تميــز بــن البعــد البيولوجــى والبعــد الثقافــى‬
‫والجنــدر كلمــة تعنــى نــوع الجنــس بصــرف النظــر عــن كونــه امــرأة أو رجــل وتســتخدم هــذه األليــة لداللــة علــى‬
‫أنّ الجنســن متســاويني فــي االصــل ولكــن تنبــع عــدم مســاواتهم مــن عوامــل اجتماعيــة واقتصاديــة مكتســبة‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪228‬‬

‫يعتبــر حقــوق النســاء مــن القضايــا الجانبيــة الخصوصيــة وهــي حكــر علــى النســاء‬
‫وليســت شــأنا حقوقيــا شــامال يمــس كل القطاعــات واملؤسســات دون اســتثناء‪.‬‬
‫ورأى البعــض أنّ تخصيــص النســاء بتدابيــر خاصــة فــي املجلــس األعلــى للقضــاء فــي‬
‫غيــر طريقــه ألنّ كفاءتهــن مكنّتهــن مــن ممارســة القضــاء دون تدابيــر إيجابيــة وبالتالــي‬
‫فهــي ليــس فــي حاجــة لذلــك‪ ،‬غيــر أنّ هــذا الــرأي ال يتماشــى مــع تواجــد النســاء باملجلــس‬
‫األعلــى للقضــاء ألنّ هــذا األخيــر ال يتعلــق بممارســة مهنــة القضــاء أو غيرهــا مــن املهــن‬
‫القضائيــة األخــرى التــي تســتوجب تكوينــا أكاديميــا معينــا يتــوج بانتــداب أو انتمــاء إلــى‬
‫مهنــة بــل تتعلــق بــإدارة الشــأن القضائــي واتخــاذ قــرارات مصيريــة فــي مجــال القضــاء‪.‬‬
‫ومــن هــذا املنطلــق فــإنّ املســاهمة في أخــذ القرار تع ّد مــن بني املخرجات امله ّمــة التي تؤدي‬
‫علــى املــدى املتوســط والبعيــد إلــى تحقيــق مســاواة فعليــة ‪.‬وتعمــل هــذه الثقافــة الدامجــة‬
‫والشــاملة على تمكني النســاء من أن يواكنب وضع كل السياســيات املتعلقة بالقضاء ويكن‬
‫قــادرات علــى الضغــط واملناصــرة والتمكــن مــن آليات الفعل السياســي على هذا املســتوى‪.‬‬
‫ويتّضــح أنّ الرهانــات املتعلقــة باملجلــس مــن حيــث التركيبــة وطــرق الوصــول إلــى مركــز‬
‫القــرار بــه قــد ض ّمــت خاصــة آليــة اإلنتخــاب كوســيلة للتواجــد باملجلــس وهي اآلليــة األكثر‬
‫تمثيليــة ألنّ أكثــر مــن ‪ 73.30‬باملائــة (‪ 33‬عضــوا وعضــوة مــن بــن ‪ )45‬مــن األعضــاء يعينون‬
‫عــن طريــق اإلنتخــاب وال يقتصــر االمــر علــى صنــف دون آخــر اذ يشــمل كل األصنــاف‬
‫(قضــاة‪ ،‬محامــاة‪ ،‬األســاتذة الجامعيــن‪ ،‬الخبــراء املحاســبني‪ ،‬عــدول التنفيذ)‪ .‬أمــا القضاة‬
‫الذيــن يتــم تعيينهــم بصفتهــم‪ ،‬فيغلــب عليهــم حاليا العنصــر الذكوري (‪ 12‬عضــو وعضوة)‪.‬‬
‫يعتبــر قانــون املجلــس األعلــى للقضــاء مــن أولــى النصــوص التــي عرضــت علــى مجلــس‬
‫نــواب الشــعب وتضمنــت ممارســة مهمــة لترجمــة أحــكام الفصلــن ‪ 34‬و‪ 46‬مــن الدســتور‪.‬‬

‫أ‪ .‬إقرار مبدأ التناصف في بطاقة اإلقتراع‬

‫كانــت الســيناريوهات املقترحــة فــي هــذا املجــال هــي اعتمــاد املحاصصــة فــي النتائــج‪،‬‬
‫بمعنــى أن يقــع إمــا تفعيــل آليــة املقاعــد املحجــوزة لصالــح النســاء فــي املجلــس أو‬
‫اعتمــاد كوتــا للنســاء فــي املجلــس‪ .‬وفــي هــذا اإلطــار لــم يكــن القانــون التونســي مجــرد‬
‫إقــرار لواقــع تواجــد النســاء فــي األصنــاف املعن ّيــة فــي املجلــس كمــا هــو الحــال مثــا‬
‫بالنســبة للقانــون املغربــي الــذي اعتمــد مبــدأ تمثيليــة النســاء القاضيــات مــن بــن‬
‫‪229‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪1‬‬
‫األعضــاء العشــرة املنتخبــن‪ ،‬بمــا يتناســب مــع حضورهــن داخــل الســلك القضائــي‬
‫مثلمــا نــص علــى ذلــك الظهيــر الشــريف رقــم ‪ 1 - 16 - 40‬صــادر فــي ‪ 24‬مــارس ‪2016‬‬
‫املتعلــق بتنفيــذ القانــون التنظيمــي رقــم ‪ 100 - 13‬املتعلــق باملجلــس األعلــى للســلطة‬
‫القضائيــة‪ .‬وتطبيقــا لهــذا املبــدأ اقتضــى الفصــل ‪ 23‬مــن القانــون املغربــي اعتمــاد‬
‫آليــة املقاعــد املخصصــة (املحجــوزة) للنســاء القاضيــات‪ ،‬مــن بــن األعضــاء العشــرة‬
‫املنتخبــن‪ ،‬بمــا يتناســب مــع حضورهــن داخــل الســلك القضائــي بالنســبة لــكل هيئــة‪.‬‬
‫وخالفــا لهــذا التوجــه ‪،‬اتجهــت فلســفة التشــريع التونســي نحــو جعــل القانــون قاطــرة نحــو‬
‫تغييــر الواقــع وذلــك بوضــع تحفيــز تشــريعي يعطــي للنســاء مكانــة فــي املجلس قــد تتجاوز‬
‫نســبة تواجدهــا فــي األصنــاف املعن ّيــة باإلنتخــاب فــي املجلــس وذلــك فــي إطــار التنافســية‬
‫اإلنتخابيــة‪ .‬وبالتالــي ســعى إلــى وصولهــن إلــى مركــز القــرار غيــر املتناســب وحقيقــة‬
‫الواقــع باملهــن املعنيــة‪ .2‬وعلــى هــذا األســاس تـ ّم إقــرار آليــة فريدة مــن نوعها فــي انتخابات‬
‫املجلــس وهــي التناصــف فــي بطاقــة اإلقتــراع ‪.‬إذ جــاء بالفصــل ‪ 26‬مــن قانــون املجلــس‬
‫األعلــى للقضــاء الصــادر تحــت عــدد ‪ 34‬لســنة ‪ 2016‬أ ّنــه‪« :‬تعتبــر ملغــاة كل ورقــة غير مع ّدة‬
‫للغــرض أو تحتــوي أكثــر مــن العــدد املقــرر لــكل رتبــة أو صنــف‪ ،‬أو ال تعبــر بوضــوح عــن‬
‫إرادة الناخــب‪ ،‬أو تتعــارض مــع مبــادئ ســرية أو حرية االقتراع‪ .‬كمــا تعتبر ملغاة كل ورقة‬
‫ال تحتــرم مبــدأ التناصــف فــي عــدد املترشــحني الذيــن يختارهــم الناخب لكل صنــف‪ ،‬وذلك‬
‫فــي حــدود مــا يحتمــه العــدد الفــردي مــن املقاعــد املخصصــة لكل صنــف ورتبة‪ ،‬ويســتثنى‬

‫‪ .1‬الفصــل ‪ 6‬مــن القانــون املغربــي املتعلــق باملجلــس األعلــى للقضــاء ‪ :‬تطبيقــا ألحــكام الفصــل ‪ 115‬مــن الدســتور‪،‬‬
‫يتألــف املجلــس مــن‪:‬‬
‫‪ -‬الرئيس األول ملحكمة النقض‪ ،‬رئيسا منتدبا؛‬
‫‪ -‬الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض؛‬
‫‪ -‬رئيس الغرفة األولى بمحكمة النقض؛‬
‫‪ -‬أربعة ممثلني لقضاة محاكم االستئناف‪ ،‬ينتخبهم هؤالء القضاة من بينهم؛‬
‫‪ -‬ستة ممثلني لقضاة محاكم أول درجة‪ ،‬ينتخبهم هؤالء القضاة من بينهم؛‬
‫ويجــب ضمــان تمثيليــة النســاء القاضيــات مــن بــن األعضــاء العشــرة املنتخبــن‪ ،‬بمــا يتناســب مــع حضورهــن داخــل‬
‫الســلك القضائــي‪ ،‬وفــق مقتضيــات املادتــن ‪ 23‬و‪ 45‬مــن هــذا القانــون التنظيمــي‪.‬‬
‫‪ -‬الوسيط؛‬
‫‪ -‬رئيس املجلس الوطني لحقوق اإلنسان؛‬
‫‪ -‬خمــس شــخصيات يعينهــا امللــك‪ ،‬مشــهود لهــا بالكفــاءة والتجــرد والنزاهــة‪ ،‬والعطــاء املتميــز فــي ســبيل‬
‫اســتقالل القضــاء وســيادة القانــون ؛ مــن بينهــم عضــو يقترحــه األمــن العــام للمجلــس العلمــي األعلــى‪.‬‬
‫‪ .2‬احصائيات ‪ .2016‬املصدر رابطة الناخبات التونسيات‪« :‬مالحظة انتخابات املجلس األعلى للقضاء»‬
‫نسبة النساء في القضاء ال تتجاوز ‪ 42‬باملائة‬
‫نسبة املحاميات في املحاماة ال تتجاوز ‪ 42 . 25‬باملائة‬
‫نسبة النساء في صنف عدول التنفيذ ال تتجاوز ‪ 25.99‬باملائة‬
‫نسبة النساء في الخبراء املحاسبني ال تتجاوز ‪ 12.79‬باملائة‬
‫نسبة النساء في أساتذة الجامعيني ‪ 67.79‬ال تتجاوز باملائة‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪230‬‬

‫مــن ذلــك الحــاالت التــي ال يترشــح فيهــا عــدد كاف مــن املترشــحني مــن أحــد الجنســن‪».‬‬
‫ويســتخلص مــن التنصيــص علــى مبــدأ التناصــف فــي اإلقتراع احتــرام للنص الدســتوري‬
‫الــذي ترجــم الســعي إلــى تحقيــق التناصــف فــي املجالــس املنتخبــة إلــى تدابيــر قانونيــة‬
‫وإجرائيــة الغايــة منهــا الوصــول إلــى تحقيــق املناصفــة‪ .‬وقطــع هــذا القانــون مــع التأويــل‬
‫بــأن «الســعي» ال يعنــي اتخــاذ تدابيــر للوصــول إلــى النتيجــة علــى مســتوى الواقــع‪.‬‬
‫وحفـ ّز التنصيــص علــى التناصــف النســاء علــى الترشــح ألنّه وفــي كل الحــاالت الناخب(ة)‬
‫ملزم بالتصويت لهن‪ ،‬ألنه ورغم التوجه الســلطة القضائية نحو تواجد محترم للنســاء غير‬
‫أنهــن بقــن علــى مســتوى القاعدة والعمل القضائي ال غيــر دون الوصول إلى مركز القرار‪.‬‬

‫ب‪ .‬كيفية تطبيق مبدأ التناصف‬

‫يقتضــي تطبيــق مبــدأ التناصــف أن تكــون املقاعــد املتنافــس عليهــا مقعديــن أو أكثــر‪،‬‬
‫وبالتالــي إذا كان هنــاك تنافــس علــى مقعــد واحــد فــا مجــال إلعمــال التناصــف (مثــال‬
‫مقعــد وحيــد‪ :‬عــدول التنفيــذ فــي القضــاء العدلــي واملدرســون الباحثــون فــي املاليــة‬
‫العموميــة والجبايــة برتبــة أســتاذ تعليــم عالــي وأســتاذ محاضــر فــي القضــاء املالــي)‪.‬‬
‫ويفتــرض تطبيــق هــذا املبــدأ كذلــك وجــود ترشــحات مــن الجنســن ملقعديــن أو ثالثــة‬
‫بمعنــى أنّ القانــون ال يرتــب عــن عــدم ترشــح النســاء اإللغــاء ألنّ اإلنتخابــات علــى‬
‫األفــراد وليســت علــى القائمــات وهــي بالتالــي رهينــة إرادة األطــراف املعنيــة بالترشــح‪.‬‬
‫يقتضــي اعمــال املبــدأ وجــود عــدد كاف مــن أحــد الجنســن مــن ذلــك مثــا أنّ مجــرد‬
‫تقــدم مترشــح واحــد عــن أحــد الجنســن ســيفضي بالضــرورة إلــى فــوزه بمقعــد‬
‫‪.‬بمعنــى أنّ ترشــح امــرأة وحيــدة مــع أكثــر مــن مترشــح مــن الرجــال أوترشــح‬
‫رجــل وحيــد مــع عديــد املترشــحات مــن النســاء يمكــن معــه تطبيــق التناصــف‪.‬‬
‫‪231‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫الجزء الثاني‪ :‬إنفاذ التناصف في النزاعات االنتخابية‬

‫الفقرة األولى‪ :‬التناصف في القائمات االصلية لالنتخاب‬


‫املجالس السياسية‬

‫تنفيــذا ألحــكام القانــون االنتخابــي تٌقــدم مطالــب الترشــح أمــام الهيئــة الفرعيــة‬
‫املســتقلة لإلنتخابــات مــن قبــل أحــد أعضــاء القائمــة‪ 1‬ويجــب أن تحتــرم الشــروط‬
‫مثلمــا تضمنّهــا القانــون اإلنتخابــي واملتعلقــة بشــخص املترشــح ثــم بالقائمــة‪.‬‬
‫ّ‬
‫بــكل‬ ‫ويكــون مبــدأ التناصــف فــي إطــار قائمــة مغلقــة يكــون فيهــا عــدد املترشــحني‬
‫املخصصــة للدائــرة املعن ّيــة (يمكــن للهيئــة أن‬
‫ّ‬ ‫قائمــة مســاويا لعــدد املقاعــد‬
‫تضبــط كيفيــة التعويــض أوالتصحيــح)‪ .‬وعلــى هــذا األســاس ‪-‬يجــب أن تكــون القائمــة‬
‫املترشــحة محترمــة ملبــدأ التناصــف بــن النســاء والرجــال (نصفهــا نســاء‬
‫ونصفهــا رجــال‪ ،‬لكــن يمكــن الحيــاد عــن هــذه القاعــدة إذا كان عــدد املقاعــد بالدائــرة‬
‫اإلنتخابيــة فرديــا‪ ،‬مثــا ‪ 7‬يكــون الترتيــب ‪ 4‬نســاء و‪ 3‬جــال أو العكــس) ويجــب خاصــة‬
‫اعتمــاد التنــاوب بــن املترشــحني واملترشــحات فــي الترتيــب أي إمــرأة ‪ /‬رجــل أو‬
‫العكــس‪ .‬وفــي صــورة عــدم احتــرام هذيــن املبدأيــن يكــون مــآل القائمــة هــو الرفــض‪.‬‬

‫‪ 1‬الفصل ‪ 21‬ـ يتضمن مطلب الترشح ومرفقاته وجوبا‪:‬‬


‫• أسماء املترشحني وترتيبهم داخل القائمة‪،‬‬
‫• تصريحا ممضى من كافة املترشحني‪،‬‬
‫• نسخة من بطاقات التعريف الوطنية أو جوازات السفر‪،‬‬
‫تسمية القائمة‪،‬‬
‫• رمز الحزب أو القائمة االئتالفية أو املستقلة‪،‬‬
‫• تعيني ممثل عن القائمة من بني املترشحني‪،‬‬
‫• قائمــة تكميليــة ال يقــل عــدد املترشــحني فيهــا عــن اثنــن‪ ،‬وال يزيــد فــي كل األحــوال عــن عــدد املترشــحني فــي القائمــة‬
‫األصليــة‪ ،‬مــع مراعــاة أحــكام الفصــول ‪ 24‬و‪،25‬‬
‫• ما يفيد القيام بالتصريح السنوي بالضريبة على الدخل للسنة املنقضية‪.‬‬
‫وتسلم الهيئة وصال مقابل مطلب الترشح‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪232‬‬

‫‪ .I‬نزاعــات الترشــح والتأصيــل الدســتوري ملبــدأ التناصــف بــن‬


‫اإللزاميــة والخيــار‬

‫انتهــت املحكمــة عنــد التأســيس ملبــدأ التناصــف وإلزاميتــه فــي أحــكام مبدئيــة إلــى قــراءة‬
‫متجانســة بــن أحــكام القانون االنتخابي ودســتور ‪ 2014‬واستشــرفت الغايــة من وضع آلية‬
‫التناصــف فــي الترشــح باعتبارهــا تمكــن من الوصــول إلى مبتغى الفصل ‪ 46‬من الدســتور‬
‫وهــو التناصــف فــي املجالــس إذ جــاء بحيثياتهــا أنّ «الغايــة مــن إقــرار مبــدأ التناصف بني‬
‫املــرأة والرجــل صلــب الفصــل ‪ 46‬مــن الدســتور ال تتحقــق فــي ظــل نظــام اقتــراع يعتمــد‬
‫علــى التمثيــل النســبي‪ ،‬إال بإعمــال قاعــدة التنــاوب عنــد ترتيــب املترشــحني ضمــن القائمــة‬
‫املترشحة‪ .»1‬وزاوجت املحكمة بني الفصل ‪ 21‬من القانون االنتخابي والفصل ‪ 46‬املتضمن‬
‫أنّ ‪« :‬تســعى ال ّدولــة إلــى تحقيــق التّناصــف بــن املــرأة وال ّرجــل فــي املجالــس املنتخبــة‪».‬‬
‫أمــا أحــكام الفصــل ‪ 34‬مــن الدســتور الــذي تضمــن صراحــة أن‪« :‬تعمــل الدولــة‬
‫علــى ضمــان تمثيليــة املــرأة فــي املجالــس املنتخبــة‪ ».‬فلــم تكــن أساســا للمحكمــة‬
‫فــي اعتبــار مبــدأ التناصــف هــو االليــة القانونيــة لتحقيــق هــذا االلتــزام مــن الدولــة‪.‬‬
‫ولكــن تعاطــي املحكمــة مــع هــذه املســألة اتصــف فــي بداياتــه وخاصــة مــع انتخابــات ‪2011‬‬
‫بوجــود رؤيــة واضحــة بخصــوص عــدم قابليــة املبــدأ للتصحيــح واســتقر عليهــا الــرأي‬
‫فــي عديــد النزاعــات لكــن الحقــا وخاصــة ســنة ‪ 2018‬لــم يتــم تأكيــده ‪.‬لــذا مــن الغريــب‬
‫ان تتجــه املحكمــة وفــي غيــاب نــص واضــح وصريــح ينــص علــى عــدم قابليــة شــرط‬
‫التناصــف للتصحيــح إلــى فرضــه كمــا كان الحــال بالنســبة للفصــل ‪ 19‬مــن املرســوم‬
‫عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬الــذي نــص علــى ضــرورة احتــرام التناصــف والتنــاوب فــي القائمــات‬
‫املترشــحة‪ ،‬إ ّال أ ّنــه لــم ير ّتــب صراحــة علــى مخالفتــه أي جــزاء بصريــح النــص‪ ،‬معتبــرة‬
‫فــي فقــه قضائهــا حينهــا أن شــرطي التنــاوب والتناصــف ليــس فقــط إلزاميــن بــل وأيضــا‬
‫غيــر قابلــن للتصحيــح باعتبارهمــا مبدأيــن جوهريــن مثلمــا أقــرت ذلــك فــي أحــكام‬
‫متعــددة‪ .2‬وتــم تبنــي فقــه قضــاء املحكمــة مــن املشــرع إذ تــم التنصيــص عليــه صراحــة‬
‫بالقانــون وأيضــا بالقــرار الترتيبــي للهيئــة ‪.‬علــى أن مبــدأ التناصــف غيــر قابــل للتصحيــح‪.‬‬

‫‪ .1‬الحكم اســتئنافي عدد ‪ 20140056‬بتاريخ ‪ 20‬ســبتمبر ‪ 2014‬الهيئة الفرعية لالنتخابات القيروان ‪ /‬حزب تونس العزيزة‬
‫الحكم اســتئنافي عدد ‪ 20140057‬بتاريخ ‪ 20‬ســبتمبر ‪ 2014‬الهيئة الفرعية لالنتخابات القيروان ‪ /‬حزب العمل التونســي‬
‫‪ .2‬الحكــم اســتئنافي عــدد ‪ 20140078‬بتاريــخ ‪ 20‬ســبتمبر ‪ 2014‬رئيــس قائمــة حــزب التكتــل بالدائــرة االنتخابيــة بباجــة‬
‫‪ /‬الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بباجــة‬
‫الحكــم اســتئنافي عــدد ‪ 20140005‬بتاريــخ ‪ 17‬ســبتمبر ‪ 2014‬رئيــس قائمــة حــزب الريــادة بالعلــم والعمــل بالدائــرة‬
‫االنتخابيــة نابــل ‪ / 2‬الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات نابــل ‪2‬‬
‫‪233‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وأصبــح فقــه القضــاء فــي هــذا املجــال مســتقرا الــذي اعتمدتــه املحكمــة اإلداريــة خــال‬
‫انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي ‪ 2011‬واالنتخابات التشــريعية ‪ 2014‬وانتخابــات ‪.2019‬‬
‫ولكــن نجــد أن احــدى الدوائــر االســتئنافية انتهجــت تأويــا مخالفــا باســتبعاد مــا ورد‬
‫بصريــح النــص اتجهــت املحكمــة فــي احــدى أحكامهــا الصــادرة بمناســبة النظــر فــي‬
‫االنتخابــات البلديــة‪ 1‬الــى اعتبــار أن مبــدأ التناصــف العمــودي قابــل للتصحيــح مؤسســة‬
‫حكمهــا علــى اعــاء الحــق فــي الترشــح كمبــدأ دســتوري علــى التناصــف الــذي نــص عليــه‬
‫القانــون معتبــرة أنــه مــن حــق املــرأة التــي عوضــت الرجــل فــي القائمــة يضمــن تعدديــة‬
‫الترشــح‪ ،‬وكأن للقائمــة إمكانيــة ملخالفــة هــذا الشــرط واتجهــت مــن تلقــاء نفســها ودون‬
‫إثــارة مــن األطــراف إلــى النظــر فــي مــدى دســتورية القــرار الترتيبي للهيئــة العليا املســتقلة‬
‫لالنتخابــات وخاصــة الفصــل ‪ 21‬منــه‪ 2‬املنظم للمســائل غير القابلة للتصحيــح‪ .‬واعتبرت أنّ‬
‫هــذا الفصــل الــذي تضمــن أن مبــدأ التناصــف العمــودي غيــر قابــل للتصحيــح‪« :‬يتعــارض‬
‫مــع مقتضيــات الدســتور والقانــون باعتبارهــا تنــال بالخصــوص مــن حــق املــرأة والشــباب‬
‫فــي الترشــح لالنتخابــات ‪،‬ذلــك أنــه بــدل فــرض ترتيبهم وفق مــا يقتضيه القانــون عن طريق‬
‫قبــول مطالــب التصحيــح فهــي تنتهــي إلى عكس ذلك‪ ،‬والحال أنه ال مانــع يحول دون ذلك‪».‬‬
‫ولئــن بــدى تأويــل املحكمــة فــي هــذا املجــال متماشــيا فــي الظاهــر مــع تمثيليــة النســاء‬
‫بتمكينهــن عنــد التغاضــي عــن احتــرام تمثليتهــن بالقائمــة مــن التصحيــح‪ ،‬إال أنّــه‬
‫وفــي الواقــع ســيؤدي هــذا التغافــل عــن شــرط التناصــف العمــودي كشــرط غيــر قابــل‬
‫للتصحيــح إلــى التســاهل معــه وعــدم فرضــه كأولويــة للقائمــات املترشــحة واعتبــاره ثانويــا‬
‫مقارنــة بشــروط أخــرى‪ ،‬لــذا فــإن فقــه القضــاء الســابق للمحكمــة يبــدو أكثــر تماهيــا‬
‫مــع الغايــة مــن فــرض التناصــف الــذي باعتبــاره شــرطا غيــر قابــل للتصحيــح يقصــي‬
‫كل قائمــة مترشــحة ال تؤمــن بهــذا املبــدأ وتجعــل مــن ضمــن أولوياتهــا عنــد إعــداد‬

‫‪ .1‬انظــر القض ّيـــة عـــدد‪ 20182001 .‬نــزاع انتخابــي‪ .‬بتاريــخ ‪ 23‬مــارس ‪ 2018‬عبــد الحميــد طعــم اهلل ‪ /‬الهيئــة الفرعيــة‬
‫بســيدي بوزيــد‬
‫تبــت الهيئــات الفرعيــة فــي مطالــب الترشــح فــي أجــل أقصــاه ســبعة أيــام مــن‬ ‫ّ‬ ‫‪ .2‬الفصــل ‪ 21‬ـ‬
‫البــت طلــب تصحيــح مطالــب الترشــح‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تاريــخ ختــم الترشــحات‪ .‬ويمكــن للهيئــة الفرعيــة خــال أجــل‬
‫وال يقبل التصحيح‪:‬‬
‫ّ‬
‫املترشحني في القائمة األصل ّية والقائمة التكميل ّية‪،‬‬ ‫ـ املطلب الذي ال يتض ّمن العدد املشترط من‬
‫ّ‬
‫للمترشــحني وترتيبهــم وإمضاءاتهــم مع ّر ًفــا عليهــا باإلمضــاء فــي القائمــة‬ ‫ـ املطلــب الــذي ال يتض ّمــن األســماء الكاملــة‬
‫املترشــحة طبــق الشــروط املنصــوص عليهــا أعــاه‪،‬‬
‫ـ املطلــب الــذي ال يحتــرم مبــدأ التناصــف داخل القائمــة األصلية وفي حدود العدد األدنى املطلوب في القائمة التكميلية‪،‬‬
‫ـ املطلــب الــذي ال تتضمــن فيــه القائمــة التكميليــة مترشــحا أو مترشــحة علــى األقــل ال يزيــد سـنّه عــن ‪ 35‬ســنة يــوم‬
‫تقديــم مطلــب الترشــح‪،‬‬
‫ّ‬
‫مترشــح‬ ‫ـ كل حالــة تــؤ ّدي إلــى نقــص فــي العــدد املشــترط مــن املترشــحني فــي القائمــة األصليــة‪ ،‬أو إلــى اســتبدال‬
‫مــن خــارج القائمــة التكميل ّيــة‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪234‬‬

‫القائمــة‪ .‬فضــا عــن أن عــدم قابليتــه للتصحيــح ســيجعل مــن األحــزاب والقائمــات أكثــر‬
‫اســتقطابا للنســاء‪ ،‬ولــن يقتصــر دورهــم علــى اســتجالبهن فقــط فــي املناســبات االنتخابية‪.‬‬

‫‪ .II‬نزاعات الترشح والتأصيل التشريعي والترتيبي ملبدأ التناصف‬

‫انتهــت املحكمــة إلــى ضــرورة تكريــس هذيــن الشــرطني ال فقــط فــي القائمــة‬
‫األصليــة بــل أيضــا فــي القائمــة التكميليــة إذ‪« :‬يؤخــذ مــن قــراءة الفصلــن (‪ 21‬و‪24‬‬
‫مــن القانــون اإلنتخابــي) وخاصــة فــي صيغــة الوجــوب التــي أوردهــا الفصــل ‪21‬‬
‫ومــن إحالتــه إلــى الفصــل ‪ 24‬إلــى القائمــة األصليــة والقائمــة التكميليــة تخضعــان‬
‫إلــى نفــس النظــام القانونــي وينطبــق علــى كلتيهمــا شــرطا التناصــف والتنــاوب‪.1‬‬
‫وتماهيــا مــع الفصــل ‪ 24‬مــن القانــون االنتخابــي الــذي أكد بصريــح عباراته علــى «أنّ تق ّدم‬
‫الترشــحات علــى أســاس مبــدأ التناصــف بــن النســاء والرجــال وقاعــدة التنــاوب بينهــم‬
‫داخــل القائمــة وال تقبــل القائمــة التــي ال تحتــرم هــذا املبــدأ إال فــي حــدود مــا يحتّمــه العــدد‬
‫الفــردي للمقاعــد املخصصــة لبعــض الدوائــر»‪ .‬مارســت الهيئــة العليا املســتقلة لالنتخابات‬
‫لســلطتها الترتيبيــة فــي احتــرام تــام لــروح النــص وكذلــك لفقــة قضــاء املحكمــة وذلــك‬
‫فــي قرارهــا الصــادر تحــت عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬واملتعلــق بشــروط الترشــح لالنتخابــات‬
‫التشــريعية معتبــرة أنّ هذيــن الشــرطني غير قابل ْين للتصحيح‪ ،‬بمعنــى أنّه في صورة إغفال‬
‫القائمــة عنهمــا وتقديــم ترشــحها دون احترامهمــا ســواء فــي القائمــة األصليــة أو التكميليــة‬
‫فــإنّ الهيئــة ال تكــون ملزمــة بالتنبيــه علــى القائمة في أجل ‪ 48‬ســاعة لكي تصحــح قائمتها‪.2‬‬
‫ومــن خــال مــا تــم بيانــه ‪،‬فــإنّ فتــح إمكانيــة التصحيــح بالتعامــل بمرونــة قــد‬
‫تــؤدي إلــى االســتخفاف بهــذا املبــدأي ويمكــن أن تجعــل مــن إمكانيــة االســتغناء‬
‫عنــه واردة الحقــا بدعــوى مثــا عــدم توفــر نســاء يمكنهــا الترشــح وحينهــا‬
‫نفتــح البــاب لالســتثناءات التــي قــد تــؤدي إلــى إفــراغ املبــدأ مــن جــدواه‪.‬‬

‫‪ .1‬انظر الحكم االستئنافي ‪ 20140076‬بتاريخ ‪ 20‬سبتمبر ‪ 2014‬رئيس قائمة وفاء بسوسة ‪ /‬الهيئة الفرعية بسوسة‬
‫املترشحة لتصحيح املطلب أو استكماله‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ .2‬جاء بالفصل ‪ 13‬أنه‪ :‬ـ يمكن للهيئة الفرعية إعالم القائمة‬
‫الترشحات طلب التصحيح أو االستكمال في الحاالت التالية‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫وال يمكن خالل أجل البت في‬
‫ّ‬
‫املترشحني في القائمة األصل ّية والقائمة التكميلية‪،‬‬ ‫ـ كل مطلب ال يتض ّمن العدد املشترط من‬
‫ّ‬
‫املترشــحني فــي القائمــة األصليــة‬ ‫ّ‬
‫املترشــحني وترتيبهــم داخــل القائمــة وإمضــاء‬ ‫ـ كل مطلــب ال يتض ّمــن أســماء‬
‫والتكميليــة طبــق الشــروط املنصــوص عليهــا بالفصــل ‪ 8‬أعــاه‪،‬‬
‫ـ كل مطلب ال يحترم مبدأ التناصف إال في حدود ما يحتّمه العدد الفردي للمقاعد املخصصة لبعض الدوائر‪،‬‬
‫ّ‬
‫مترشح من خارج القائمة التكميل ّية‪.‬‬ ‫ـ كل تصحيح أو استكمال يؤ ّدي إلى استبدال‬
‫‪235‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وفــي هــذا االطار اســتندت املحكمة مباشــرة إلــى مزاوجة النص القانوني الــوارد بالفصلني‬
‫‪ 21‬و‪ 24‬مــن القانــون االنتخابــي مــع القــرار الترتيبــي للهيئــة لتنهــي‪ 1‬إلــى أنهــا مق ّيــدة بقــرار‬
‫الهيئــة الــذي‪« :‬ضبــط الفصــل ‪ 13‬مــن قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد ‪16‬‬
‫لســنة ‪ 2014‬بصفــة حصريــة الحــاالت التــي ال يجــوز فيهــا طلــب التصحيــح أو االســتكمال‬
‫خــال فتــرة البــت فــي الترشــحات بمــا فــي ذلــك خاصــة الخلــل املتعلــق بعدم احترام شــرط‬
‫التناصــف والتنــاوب‪ »...‬إذ جــاء بالحكــم الصــادر فــي القضيــة عــدد ‪ 100024‬بتاريــخ ‪18‬‬
‫ســبتمبر ‪ 2014‬أن إمكانيــة التصحيــح واردة إســتنادا إلــى الفصــل ‪ 13‬مــن قــرار الهيئة عدد‬
‫‪ 16‬املــؤرخ فــي ‪ 1‬أوت ‪ 2014‬املتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لإلنتخابــات التشــريعية‪.‬‬
‫وتواصــل فقــه قضــاء املحكمــة فــي االغلــب فــي اســتقرار بخصــوص عــدم قابليــة‬
‫مبــدأ التناصــف للتصحيــح خــال انتخابــات ‪ 2019‬ملــا أقــ ّر فــي عديــد االحــكام‬
‫أنّ عــدم احتــرام مبــدأ التناصــف ال يمكــن تداركــه بعــد غلــق بــاب الترشــحات‬
‫باعتبــار أن الهيئــة ليســت مدعــوة لطلــب تصحيحــه علــى خــاف إخــاالت أخــرى‪.2‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مبدأ التناصف بخصوص القائمة التكميلية‬

‫كان إلســهام املحكمــة اإلداريــة دور فــي تطويــر النــص القانونــي الــذي صــدر‬
‫رتــب صراحــة علــى عــدم احتــرام مبــدأي التناصــف والتنــاوب ‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫الحقــا والــذي‬
‫ال فقــط فــي القائمــة األصليــة بــل أيضــا فــي القائمــة التكميليــة ‪ -‬عــدم قبــول القائمــة‪.‬‬
‫وأقــ ّرت املحكمــة اإلداريــة إلزاميــة الشــرطني كذلــك فــي القائمــة التكميليــة وأقــرت فــي‬
‫هــذا املجــال توجــه الهيئــة الفرعيــة لإلنتخابــات بسوســة ملــا أســقطت قائمــة حركــة‬
‫«وفــاء» التــي لــم تحتــرم مبــدأ النتاصــف فــي القائمــة التكميليــة‪ 3‬مؤكــدة علــى أنّــه‪:‬‬

‫‪ .1‬الحكــم اســتئنافي عــدد ‪ 201410100‬بتاريــخ ‪ 22‬ســبتمبر ‪ 2014‬رئيــس قائمــة مســتقلة «أحبــك يــا شــعب» ‪ /‬الهيئــة‬
‫الفرعيــة لالنتخابــات بــن عــروس‬
‫‪ .2‬انظر حكم استئنافي عدد ‪ 10078‬بتاريخ ‪ 20‬سبتمبر ‪.2019‬حكم استئنافي عدد ‪ 2021‬بتاريخ ‪ 27‬اوت ‪2019‬‬
‫‪ .3‬الحكــم اســتئنافي عــدد ‪ 0140076‬بتاريــخ ‪ 20‬ســبتمبر ‪ 2014‬رئيــس قائمــة حــزب وفــاء سوســة ‪ /‬الهيئــة الفرعيــة‬
‫لالنتخابــات سوســة‬
‫الحكم استئنافي عدد ‪ 20140103‬بتاريخ ‪ 22‬سبتمبر ‪ 2014‬رئيس قائمة حزب البناء والتمية إيطاليا ‪ /‬الهيئة العليا لالنتخابات‬
‫الحكم اســتئنافي عدد ‪ 20140089‬بتاريخ ‪ 20‬ســبتمبر ‪ 2014‬الهيئة الفرعية لالنتخابات تونس ‪ / 2‬رئيس قائمة الحزب التونســي‬
‫الحكــم اســتئنافي عــدد ‪ 20140042‬بتاريــخ ‪ 22‬ســبتمبر ‪ 2014‬الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات القصريــن ‪ /‬رئيــس قائمــة‬
‫حركــة الجمهوريــة‬
‫الحكــم اســتئنافي عــدد ‪ 20140003‬و‪ 20140016‬بتاريــخ ‪ 17‬ســبتمبر ‪ 2014‬رئيســة قائمــة حــزب األمــان ‪ /‬قائمــة حركــة‬
‫نــداء تونــس دائــرة نابــل ‪2‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪236‬‬

‫«يستشــف مــن أحــكام القانــون االنتخابــي وخاصــة صيغــة الوجــوب الــواردة بالفصــل‬
‫‪ 21‬ومــن إحالتــه إلــى الفصــل ‪ 24‬أنّ القائمــة االصليــة والقائمــة التكميليــة تخضعــان‬
‫إلــى نفــس النظــام القانونــي وينطبــق علــى كلتيهمــا شــرط التناصــف والتنــاوب بــن‬
‫النســاء والرجــال علــى أســاس أنــه مبــدأ عــام يكــرس بصفــة صريحــة التســاوي بــن‬
‫الجنســن فــي املــادة االنتخابيــة ويكــون جــزاء عــدم احترامــه عــدم قبــول القائمــة‬
‫املترشــحة لالنتخابــات‪ ».‬ومــن خــال هــذا الحكــم يتضــح أن القاضــي اعتمــد مبــدأ‬
‫التناصــف علــى إطالقيتــه ولــم يفــرق بــن الزاميتــه فــي القائمــة االصليــة أو التكميليــة‪.‬‬
‫وهــذا التوجــه الــوارد بالحكــم ســالف الذكــر لــم يكــن ذاتــه فــي القضيــة عــدد ‪201400067‬‬
‫بتاريخ ‪ 20‬سبتمبر ‪ 2014‬والتي ارتأت في قراءتها لذات الفصول سالفة الذكر أنّ ‪« :‬القائمة‬
‫التكميليــة لهــا صبغــة احتياطيــة باألســاس وأن العبــرة بالقائمة االصليــة وبالتالي فإن لجوء‬
‫الهيئــة إلــى تصحيــح القائمــة التكميليــة ينــدرج صلــب صالحيتهــا املخولة لها وفــق الفصل‬
‫‪ 43‬مــن القانــون االنتخابــي وكذلــك الفقــرة األخيــرة مــن الفصــل ‪ 21‬مــن نفــس القانــون‪».‬‬
‫ويستشــف ممــا ســبق أن مســألة قابليــة مبــدأ التناصــف للتصحيــح ســواء علبــى مســتوى‬
‫القائمــة االصليــة أو التكميليــة لــم يكــن موحــدا رغــم ســعي الهيئــة إلــى إنــزال مقتضيــات‬
‫القانــون منــذ القــرار عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املؤ ّرخ فــي ‪ 1‬أوت ‪ 2014‬املتع ّلق بقواعد وإجراءات‬
‫الترشــح لالنتخابــات التشــريعية‪ .‬إلــى بالقــرار الترتيبــي للهيئــة العليا املســتق ّلة لالنتخابات‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫عدد ‪ 17‬لسنة ‪ 2019‬املؤ ّرخ في ‪ 14‬جوان ‪ 2019‬واملتعلق بتنقيح وإتمام القرار عدد ‪ 16‬لسنة‬
‫ّ‬
‫الترشــح لالنتخابات التشــريعية‪.1‬‬ ‫‪ 2014‬املــؤ ّرخ فــي ‪ 1‬أوت ‪ 2014‬املتع ّلــق بقواعــد وإجراءات‬
‫أمــا فيمــا يتعلــق باالنتخابــات البلديــة فــإن الهيئــة اعتبــرت أنّ مبــدأ التناصــف‬
‫غيــر قابــل للتصحيــح بعــد غلــق بــاب الترشــحات وذلــك مثلمــا ورد بقرارهــا عــدد‬

‫الحكم استئنافي عدد ‪ 20140057‬بتاريخ ‪ 20‬سبتمبر ‪ 2014‬الهيئة الفرعية لالنتخابات القيروان ‪ /‬حزب العمل التونسي‬
‫‪ .1‬جــاء بالفصــل ‪( 13‬جديــد) مــن قــرار الهيئــة العليــا املســتق ّلة لالنتخابــات عــدد ‪ 17‬لســنة ‪ 2019‬مــؤ ّرخ فــي ‪ 14‬جــوان‬
‫ّ‬
‫الترشــح‬ ‫‪ 2019‬واملتع ّلــق بتنقيــح وإتمــام القــرار عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املــؤ ّرخ فــي ‪ 1‬أوت ‪ 2014‬املتع ّلــق بقواعــد وإجــراءات‬
‫لالنتخابــات التشــريعية‪:‬‬
‫الترشح‪ .‬وال َيق َب ُل التصحيح‪:‬‬
‫ّ‬ ‫البت طلب تصحيح مطالب‬ ‫يمكن للهيئة الفرع ّية خالل أجل ّ‬
‫ّ‬
‫املترشحني‪،‬‬ ‫ـ املطلب الذي ال يتض ّمن العدد األدنى املشترط من‬
‫للمترشــحني وإمضاءاتهــم وفــق أحــكام الفصــل ‪ 8‬أعــاه‪ ،‬وذلــك فــي حــدود‬ ‫ّ‬ ‫ـ املطلــب الــذي ال يتض ّمــن األســماء الكاملــة‬
‫ّ‬
‫املترشــحني‪،‬‬ ‫العــدد األدنــى املشــترط من‬
‫ّ‬
‫املترشحني‪،‬‬ ‫ـ املطلب الذي ال يحترم مبدأ التناصف في حدود العدد األدنى املشترط من‬
‫ّ‬
‫مترشــح‬ ‫ّ‬
‫املترشــحني فــي القائمــة األصل ّيــة أو إلــى اســتبدال‬ ‫ـ كل حالــة تــؤ ّدي إلــى نقــص فــي العــدد املشــترط مــن‬
‫مــن خــارج القائمــة التكميل ّيــة‪.‬‬
‫ّ‬
‫املترشــحني باعتماد األســماء الــواردة في القائمــة األصل ّية والقائمــة التكميل ّية معا‪.‬‬ ‫و ُيحتســب العــدد األدنــى املُشــترط مــن‬
‫مطــة سادســة للفصــل ‪ 4‬ومطــة ســابعة للفصــل‬ ‫الفصــل ‪ 2‬ـ تُضــاف إلــى القــرار عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املشــار إليــه أعــاه ّ‬
‫نصهــا‪:‬‬
‫‪ 5‬وفقــرة ثالثــة للفصــل ‪ 7‬فيمــا يلــي ّ‬
‫‪237‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد ‪ 10‬لســنة ‪ 2017‬مــؤرخ فــي ‪20‬‬
‫جويليــة ‪ 2017‬يتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات البلديــة والجهويــة‪.‬‬
‫ويســتخلص ممــا ســبق بيانــه أنــه وفــي الغالــب لعبــت املحكمــة اإلداريــة دورا أساســيا‬
‫مــع الفاعلــن فــي الشــأن االنتخابــي بتأكيدهــا علــى ضــرورة إقــرار األهــداف‬
‫الدســتورية وذلــك باعتمــاد دورهــا التوجيهــي التشــديد بخصــوص احتــرام هذيــن‬
‫املبدئــن ألهميتهمــا فــي تكريــس أحــكام الدســتور ضــرورة أن القــول بأنهمــا قابلــن‬
‫للتصحيــح مــن شــأنها أن يحيــل علــى رســالة ســلبية بالتغاضــي عنهمــا ربمــا الحقــا‪.‬‬

‫الجزء الثالث‪ :‬التناصف االفقي بني الهدف الدستوري‬


‫والتطبيق الفقه قضائي‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مفهوم التناصف االفقي في االنتخابات املحلية‬

‫عــرف القانــون االنتخابــي تطــورا ملحوظــا فيمــا يتعلــق بتجســيد الســعي إلــى تحقيــق‬
‫التناصــف فــي املجالــس البلديــة والجهويــة (االنتخابــات املحليــة) مــن خــال إدراج مبــدأ‬
‫التناصــف األفقــي باإلضافــة إلــى التناصــف العمــودي وقاعــدة التنــاوب بــن الجنســن‪.‬‬
‫ويفــرض هــذا املبــدأ احتــرام التناصف على مســتوى رئاســة القائمات بالنســبة لألحزاب أو‬
‫القائمــات االئتالفيــة أو املســتقلة التــي تتقــدم فــي أكثــر من دائــرة إنتخابية بلديــة أو جهوية‪.‬‬
‫وجــاء بالفصــل الفصــل ‪ 49‬تاســعا مــن املجلــة االنتخابيــة أ ّنــه‪« :‬تقـ ّدم الترشــحات لعضويــة‬
‫املجالــس البلديــة والجهويــة علــى أســاس مبــدأ التناصــف بــن النســاء والرجــال وقاعــدة‬
‫التنــاوب بينهــم داخــل القائمــة‪.‬‬
‫وال تقبل القائمات التي ال تحترم هذه القاعدة‪.‬‬
‫كمــا تقـ ّدم الترشــحات لعضويــة املجالــس البلديــة والجهويــة علــى أســاس مبــدأ التناصــف‬
‫بــن النســاء والرجــال فــي رئاســة القائمــات الحزبيــة واالئتالفيــة التــي تترشــح فــي أكثــر‬
‫مــن دائــرة انتخابيــة‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪238‬‬

‫وال تقبــل قائمــات األحــزاب أو االئتالفــات التــي ال تحتــرم هــذه القاعــدة فــي‬
‫حــدود عــدد القائمــات املخالفــة مــا لــم يقــع تصحيحهــا فــي اآلجــال القانونيــة التــي‬
‫تحددهــا الهيئــة للتصحيــح وفقــا لإلجــراءات املبينــة بالفصــل ‪ 49‬سادســا من هــذا القانون‪.‬‬
‫وفــي حالــة عــدم التصحيــح تضبــط الهيئــة القائمــات امللغــاة باعتماد األســبقية‬
‫فــي تقديــم الترشــح‪ .‬ويعتــد فــي تحديــد األســبقية بتاريــخ تقديــم مطلــب الترشــح أو‬
‫تحيينــه خــال فتــرة تقديــم مطالــب الترشــح»‪.‬‬
‫ويســتنتج مــن الفصــل املذكــور أ ّنــه يترتــب عــن عــدم احتــرام التناصــف فــي القائمــات‬
‫إلغاؤهــا فــي حــدود القائمــات التــي لــم تحتــرم التناصــف األفقــي‪ .‬فمثــا إن تقدمــت قائمــة‬
‫فــي ‪ 100‬دائــرة انتخابيــة وترأســت النســاء ‪ 40‬قائمــة انتخابيــة فيمــا تــرأس الرجــال ‪60‬‬
‫قائمــة انتخابيــة فإ ّنــه‪:‬‬
‫• يطلــب مــن القائمــة وفــق إجــراءات وآجــال تضبطهــا الهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لإلنتخابــات املعنيــة تصحيــح هــذا الخــرق ملبــدأ التناصــف األفقــي‪.‬‬
‫فــي صــورة عــدم تصحيــح اإلجــراء خــال األجــل املعنــي فــإنّ الهيئــة تلغــي القائمــات‬
‫فــي حــدود تلــك التــي لــم تحتــرم التناصــف أي وحســب املثــال ســابق الذكــر تلغــي ‪20‬‬
‫قائمــة متبقيــة‪ ،‬ذلــك أ ّنــه تــم احتــرام التناصــف فــي حــدود ‪ 40‬قائمــة يترأســها نســاء و‪40‬‬
‫يترأســها رجــال‪ .‬ويتــم اســقاط القائمــات حســب األســبقية فــي تقديــم الترشــح أو تحيينــه‬
‫أي أنــه مــن بــن ‪ 60‬قائمــة التــي يترأســها الرجــال يتــم اإلبقــاء علــى ‪ 40‬قائمــة التــي‬
‫ُرســمت أوال وفــق مطالــب الترشــح فــي الدوائــر االنتخابيــة الفرعيــة فيمــا تســقط القائمــات‬
‫الــــــــــــــــعشرين األخيــرة فــي الترتيــب الزمنــي ‪ .‬وإلنفــاذ هــذه القاعــدة نصــت الهيئــة‬
‫العليــا املســتقلة فــي قرارهــا عــدد ‪ 10‬الصــادر فــي ‪ 20‬جويليــة ‪ 2017‬فــي فصلــه ‪ 19‬أن‬
‫تمســك الهيئــة ســجال يتضمــن وجوبــا توقيــت تقديــم املطلــب بالســاعة والدقيقــة‪.‬‬
‫وعلــى خــاف التناصــف العمــودي الــذي ينجــر عــن عــدم احترامــه عــدم قبــول القائمــة‪،‬‬
‫فــإن القانــون قــد أقــ ّر إمكانيــة التصحيــح بالنســبة للتناصــف االفقــي وهــو تصحيــح‬
‫منطقــي لألســباب التاليــة‪:‬‬
‫• بالنســبة للتناصــف العمــودي‪ ،‬فــإن احتــرام املبــدأ يرجــع للمترشــحني دون غيرهــم‬
‫فــي الدائــرة‪ ،‬كمــا أنّ تقديــر احتــرام املبــدأ يرجــع إلــى الهيئــة الفرعيــة املختصــة ترابيــا‪.‬‬
‫• بالنســبة للتناصــف االفقــي ‪،‬فــإن تقييــم ومتابعــة احترامــه ال يتــم إال بعــد اســتنفاذ‬
‫قبــول القائمــات املترشــحة عــن نفــس الحــزب أو االئتــاف أو القائمــات املســتقلة‪،‬‬
‫وبصفتهــا تلــك يرجــع النظــر فيهــا ال إلــى الهيئــات الفرعيــة بــل إلــى الهيئــة املركزيــة‬
‫التــي تجتمــع لديهــا إحصائيــات علــى املســتوى الوطنــي‪ ،‬وبالتالــي مــن املنطقــي أن‬
‫‪239‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫يكــون التناصــف االفقــي الحقــا الســتكمال كل اإلجــراءات املتعلقــة بالقبــول املبدئــي‬


‫للقائمــات حتــى يتــم اعتمادهــا فــي إحصــاء احتــرام مبــدأ التناصــف االفقــي‪ .‬ولئــن‬
‫كان مــن املنطقــي أن يكــون الحــزب أو االئتــاف أو القائمــة املســتقلة تمتلــك هــذه‬
‫االحصائيــات اذ أنهــا تبقــى رهينــة قبولهــا مــن طــرف الهيئــات الفرعيــة املختصــة‪.‬‬
‫• معيــار إســقاط القائمــات التــي لــم تحتــرم مبــدأ التناصــف وهــي االســبقية فــي‬
‫تقديــم القائمــات ويتــم تجميعهــا ومقارنتهــا علــى املســتوى املركــزي‪ ،‬لــذا فــإن مركزيــة‬
‫التجميــع واملتابعــة والتقييــم تجعــل بالضــرورة مــن الحســم فــي احتــرام هــذا املبــدأ‬
‫ال يكــون إال بصفــة مــا بعديــة والحقــة الســتكمال بقيــة الشــروط املتعلقــة باملترشــح‪/‬ة‬
‫والقائمــة ‪.‬وعلــى هــذا األســاس تقــدم الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات بطلــب‬
‫تصحيــح مــن ممثلــي القائمــات املخالفــة للتناصــف االفقــي قصــد احترامــه فــي أجــل‬
‫التصحيــح وذلــك علــى خــاف التناصــف العمــودي الــذي هــو غيــر قابــل للتصحيــح‪.‬‬

‫التناصــف االفقــي والعــدد الفردي للقائمات املترشــحة‪ :‬اعتبــرت املحكمة أن احترام‬


‫قاعــدة التناصــف االفقــي وجــب أن تنطلــق مــن عــدد القائمــات املقدمــة أمــام الهيئــة فــي‬
‫كل الدوائــر االنتخابيــة البلديــة‪ ،‬وان تطبيــق هــذه القاعــدة يقتضــي احتــرام العــدد الفــردي‬
‫الــذي يمكــن القائمــات فــي بعــض الحــاالت مــن أن يتجــاوز تطبيــق مبــدأ التناصــف االفقي‪.‬‬
‫وخالفــا للقانــون االنتخابــي الــذي لــم يتطــرق إلــى منطلــق احتســاب املطالــب املقدمــة‬
‫مــن القائمــات املترشــحة وعددهــا تاريــخ تقديــم القائمــات‪ ،‬فــإن القــرار الترتيبــي‬
‫الصــادر عــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد ‪ 10‬لســنة ‪ 2017‬مــؤرخ فــي ‪20‬‬
‫جويليــة ‪ 2017‬واملتعلــق بقواعــد وإجــراءات الترشــح لالنتخابــات البلديــة والجهويــة‬
‫فــي فصلــه ‪ 8‬أنّ ‪« :‬تُقــ ّدم علــى أســاس التناصــف بــن النســاء والرجــال فــي رئاســة‬
‫القائمــات التــي تترشــح فــي أكثــر مــن دائــرة انتخابيــة بالنســبة إلــى القائمــات املنتميــة‬
‫لنفــس الحــزب أو االئتــاف‪ ،‬مــع مراعــاة العــدد الفــردي للقائمــات املترشــحة‪».‬‬
‫ولــم تثــر هــذه املســألة أمــام القضــاء أي تحفــظ أو دفــع بمــدى مالئمتهــا للنــص القانونــي‪،‬‬
‫وكان االتجــاه فــي تطبيــق هــذه القاعــدة باإلضافــة إلــى العــدد املنتاصــف للقائمــات‬
‫دائمــا هــو إضافــة قائمــة يترأســها رجــل‪ ،1‬وتــم إلغــاء قــرار الهيئــات الفرعيــة التــي‬
‫تعتمــد عــددا متســاو بــن القائمــات التــي تترأســها النســاء والقائمــات التــي يترأســها‬
‫الرجــال بإضافــة قائمــة إضافيــة يترأســها رجــل فمثــا اعتبــرت املحكمــة أن تقديــم‬
‫ائتــاف لــــــــــــــــــ ‪ 37‬قائمــة علــى املســتوى الوطنــي يجــب أن ال ينتهــي بالهيئــة إلبــى‬
‫الوقــوف علــى ‪ 34‬قائمــة فقــط بحســاب ‪ 17‬قائمــة يترأســها نســاء وكذلــك ‪ 17‬يترأســها‬

‫‪ .1‬القضية عدد ‪ 20181003‬بتاريخ ‪ 9‬مارس ‪ 2018‬رئيس ائتالف االتحاد املدني تونس‪ / 1‬الهيئة الفرعية لالنتخابات تونس ‪1‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪240‬‬

‫رجــال واعتبــرت أن هــذا االئتــاف يجــب أن يتحصــل علــى عــدد فــردي مــن القائمــات‬
‫لــذا تمــت إضافــة قائمــة يترأســها رجــل ليصبــح عــدد القائمــات املقبولــة ‪ 35‬واعتبــرت‬
‫الدوائــر االســتئنافية أن إقــرار العــدد الفــردي ال يتعــارض مــع إرادة املشــرع‪.1‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مبدأ التناصف االفقي بني إقرار القانون‬


‫وتح ّيل القائمات املترشحة في االنتخابات البلدية‬

‫‪ .I‬التخلــي عــن رئاســة القائمــات بعــد اإلعــان عــن النتائــج النهائيــة‬


‫وغيــاب نزاعــات فــي الغرض‬

‫بــرزت ممارســات فــي املجــال السياســي أخــذت بعــن االعتبــار وقــع مبــدأ التناصــف علــى‬
‫الفاعلــن السياســن مــن خــال متابعــة النزاعات املتعلقة بالترشــح على مســتوى االنتخابات‬
‫البلديــة‪ ،‬إذ وجــد تطبيــق القاعــدة تصــد خاصــة مــن الرجــال ويرجــع ذلــك إلــى ســببني‪:‬‬
‫• أولهمــا أن القاعــدة االنتخابيــة لبعــض القائمــات ال تمكنهــا فــي أفضــل الحــاالت‬
‫مــن الفــوز بأكثــر مــن مقعــد وحيــد ســواء مــن خــال الحاصــل االنتخابــي أو‬
‫أفضــل البقايــا وبالتالــي يعمــل الرجــال املنضويــن تحــت هــذه القائمــة علــى‬
‫تصدرهــا لضمــان النجــاح فــي االنتخابــات والعضويــة باملجالــس البلديــة‪.‬‬
‫• ثانيهمــا هــو الرهــان السياســي الالحــق واملتمثــل باألســاس فــي أنّ الترشــح لرئاســة‬
‫البلديــات ال يجــوز إال لرؤســاء ورئيســات القائمــات ومــا يســتتبعه مــن امتيــازات اعتــاء‬
‫مركز القرار كرئيس لإلدارة وصالحية الضبط اإلداري واالختصاصات العمرانية التي‬
‫يمارســها‪ ،‬فضــا عــن الراتــب الــذي يتحصل عليــه مقابل عمله كرئيس أو رئيســة بلدية‪.‬‬
‫وكانــت غايــة املشــرع مــن التناصــف األفقــي هــو تشــجيع الفاعليــن السياســيني علــى‬
‫الدفــع نحــو خلــق طبقــة سياســية يكــون للنســاء فيهــا مركــز قيــادة خاصــة بعــد أن‬
‫اقتــرن الترشــح للرئاســة البلديــة بتــرأس قائمــة‪ .‬ورغــم املرونــة التــي اعتمدهــا املشــرع‬
‫لتــدارك األخــال بمبــدأ التناصــف االفقــي‪ ،2‬فإنــه فــي االغلــب لــم يتــم اســتعمالها‪.‬‬

‫‪ .1‬القضيــة عــدد ‪ 20182006‬بتاريــخ ‪ 26‬مــارس ‪ 2018‬الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات تونــس ‪ / 1‬رئيــس ائتــاف االتحــاد‬
‫املدنــي تونــس ‪ 1‬ورئيــس ائتــاف االتحــاد املدنــي منــزل تميــم ورئيــس ائتــاف االتحــاد املدنــي ســيدي بوزيــد والهيئــة‬
‫العليــا املســتقلة لالنتخابــات والهيئــة الفرعيــة نابــل ‪1‬‬
‫‪ .2‬ذلــك أنــه يكفــي أن تقــوم القائمــة املخالفــة باســتبدال الثانيــة فــي القائمــة باألول ليتم احتــرام التناصــف االفقي‪ ،‬خاصة‬
‫‪241‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫ويبقــى التح ّيــل علــى هــذه القاعــدة قائمــا باعتبــار أنّ رقابــة املحكمــة على املســار االنتخابي‬
‫تنتهــي بعــد نــزاع الترشــحات وفــي أفضــل الحــاالت بانتهــاء نزاعــات النتائــج ‪.‬و مــن خــال‬
‫مالحظــة العمــل البلــدي يتضــح أنّ بعــض القائمــات أجبــرت رئيســة القائمــة علــى تقديــم‬
‫اســتقالتها علــى إثــر اإلعــان النهائــي عــن النتائــج فــي االنتخابــات البلديــة‪ ،‬وتــم فــي‬
‫إطــار الفــراغ التشــريعي الــذي لــم يعالــج هــذه املســألة تعويضهــا بمــن يليهــا فــي القائمــة‬
‫وهــو بالضــرورة رجــل والحــال أنّ التطبيــق الســليم للمبــدأ والغايــة مــن إقــراره يكــون‬
‫بتعويــض املتخليــة أو املســتقيلة باملــرأة التــي تحتــل املرتبــة الثالثــة فــي القائمــة حتــى يتــم‬
‫ضمــان وصــول النســاء إلــى مراكــز القــرار وال يســلط كذلــك علــى النســاء عنــف سياســي‬
‫قائــم علــى أســاس التمييــز بــن الجنســن مثلمــا جــاء بالفصــل الثالــث مــن القانــون عــدد‬
‫‪ 58‬لســنة ‪ 2017‬املــؤرخ فــي ‪ 11‬أوت ‪ 2017‬املتعلــق بالقضــاء علــى العنــف ضــد املــرأة‪.‬‬
‫وفــي هــذا االطــار تــم التســويق إلــى أنّ هــذا التخلــي أو االســتقالة مشــروع ولــم يتــم‬
‫الطعــن أمــام املحكمــة اإلداريــة فــي هــذه االســتقاالت وتولــي الرجــل الــذي يلــي املســتقيلة‬
‫تقديــم ترشــحه لرئاســة البلديــة عوضــا عنهــا ‪ .‬ويبــدو أنــه وحتــى ان تــم الطعــن فــي‬
‫هــذا القــرار امــام املحكمــة اإلداريــة لرقابــة مــدى احتــرام هــذا اإلجــراء ملبــدأ التناصــف‬
‫وفــي غيــاب نــص صريــح فــي الغــرض‪ ،‬فإنــه باإلمــكان ان تنتهــي املحكمــة إلــى أن‪:‬‬
‫• التناصــف يكــون عنــد الترشــح ال غيــر وأن التعويــض بمــن يلــي فــي قائمــة هــو مبــدأ‬
‫معمــول بــه وفــق التشــريع الجــاري بــه العمــل‪.‬‬
‫• التعويــض برجــل للترشــح لرئاســة القائمــة فيــه افــراغ ملبــدأ التناصــف مــن محتــواه‬
‫وغايتــه‪ ،‬وذلــك إذا كان للقاضــي املتعهــد قــراءة جندريــة للغايــة مــن التناصــف االفقــي‪.‬‬

‫‪ .II‬السياحة داخل القائمات األولية املترشحة من صنف إلى آخر‬

‫وعلــى الرغــم مــن أهميــة هــذه القاعــدة املتعلقــة بالتناصــف األفقــي يبقــى لألحــزاب‬
‫والقائمــات املســتقلة ح ّيــز مــن الســلطة التقديريــة قــد تــؤدي إلــى افتعــال قائمــات فــي‬
‫بعــض الدوائــر تترأســها نســاء والحــال أن ليــس لهــم فيهــا قاعــدة انتخابيــة مهمــة‪.‬‬
‫وشــهد املشــهد السياســي نوعــا مــن الســياحة داخــل ذات الحــزب أو القائمــة‪،‬‬
‫وذلــك بتغييــر صنــف القائمــة مــن حزبيــة إلــى مســتقلة أو العكــس ليتــم اإلفــات‬

‫وأنهــا لــن تكــون فــي حاجــة إلــى اســتجالب مترشــحني أو مترشــحات جــدد ألن القائمــة هــي فــي كل االنتخابــات البلديــة‬
‫تتكــون مــن أرقــام زوجيــة وليســت فرديــة‪( .‬ذلــك أنه في حالــة القائمة الفردية ســيتم في هذه الحالة‪ ،‬عمــا بمبدأ التناصف‬
‫العمــودي وقاعــدة التنــاوب‪ ،‬التخلــي عــن مترشــح مــن الرجــال أو تعويضــه بامــرأة ذا أصبحــت امــرأة علــى رأس قائمــة‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪242‬‬

‫مــن قاعــدة التناصــف االفقــي‪ ،‬اذ رفــض العديــد مــن رؤســاء القائمــات مــن‬
‫الرجــال التنــازل عــن رئاســة القائمــة وخيــروا املحافظــة علــى نفــس أســماء‬
‫املترشــحني بافتعــال تصنيــف يكفــل لهــم عــدم الخضــوع إلــى هــذه القاعــدة‪.‬‬
‫ومــا يعــزز هــذا التوجــه أن نســبة تــرأس النســاء للقائمــات البلديــة لــم تتجــاوز رغــم أهميــة‬
‫هــذه القاعــدة ‪ 30‬باملائــة مــن مجمــوع القائمــات املترشــحة‪.‬‬
‫واختلفــت املعالجــة الفقــه قضائيــة ملســألة الســياحة مــن قائمــة حزبيــة إلى قائمة مســتقلة أو‬
‫العكــس بالعكــس واعتبــرت املحكمــة خــال الطــور االبتدائــي أن قيــام قائمــة حزبيــة‪ ،‬تقدمت‬
‫بترشــح عــن دائــرة عقــارب وتــم رفضهــا لترأســها مــن قبــل رجــل عوضــا عــن امــرأة فقــام‬
‫رئيــس القائمــة الحزبيــة بتقديــم مطلــب فــي تغييــر صبغــة القائمــة مــن حزبيــة إلــى مســتقلة‬
‫دون أنّ يردفهــا بتصريــح جديــد ال يســتقيم ذلــك أن عليــه‪« :‬تقديــم مطلــب ممضــى مــن كافــة‬
‫‪1‬‬
‫املترشــحني يتضمــن مصادقتهــم علــى البيانــات الجديــدة وفقــا ملــا اقتضــاه القانــون‪».‬‬
‫وانتهــت إلــى أنّ قــرار الهيئــة الفرعيــة املطعــون فــي شــرع ّيته هــو مؤســس واقعــا وقانــون‬
‫طاملــا أنّ املمثــل القانونــي للمدعيــة لــم يتقــدم إلــى الهيئــة بتصريــح جديــد ممضــى مــن كافة‬
‫املترشحني يتضمن مصادقتهم على تغيير صبغة القائمة املترشحة من حزبية إلى مستقلة‬
‫وتغييــر تســميتها واقتصــر علــى تقديــم تصريــح ممضــى من طرفــه‪ ،‬باعتبــار أن خالف ذلك‬
‫ســيؤدي إلــى االســتخفاف بهــذا املبــدأ والتشــجيع علــى اإلفالت من هــذه القاعدة بســهولة‪.‬‬
‫ولئــن غــاب عــن هــذا الحكــم معاينــة االلتفــاف حــول املبــدأ‪ ،‬إال أنّ مــا انتهــى إليــه مــن‬
‫ضــرورة تقديــم تصريــح جديــد ممضــى مــن كافــة املترشــحني يتضمــن مصادقتهــم علــى‬
‫تغييــر صبغــة القائمــة املترشــحة مــن حزبيــة إلــى مســتقلة وتغييــر تســميتها القائمــة يعــد‬
‫مكســبا فقــه قضائــي لعــدم االســتهانة فــي بعــدم التصحيــح بوضــع امــرأة علــى رأس‬
‫القائمــة وتمســكه بترأســها‪ ،‬اذ ال يمكــن مجــاراة مــن التفــوا حــول املبــدأ باعتمــاد املرونــة‬
‫باالكتفــاء فقــط بإبــدال الرمــز وتقديــم مطلــب فــي تغييــر الصبغــة دون اعتبــاره مطلبــا جديــدا‬
‫يســتوجب إعــادة احتــرام كل التنصيصــات املســتوجبة بالقانــون لتقديم هــذا املطلب الجديد‪.‬‬
‫وفــي املقابــل وعنــد اســتئناف هــذا الحكــم ارتــأت الدائــرة املتعهــدة فــي القضيــة عــدد‬
‫‪ 20182014‬بتاريــخ ‪ 2‬أفريــل ‪ 2018‬بــأنّ طلــب الهيئــة الفرعيــة مــن القائمــة التــي غ ّيــرت‬
‫صبغتهــا مــن حزبيــة إلــى مســتقلة بتقديــم تصريــح جديــد مــن قبــل‪« :‬اســتجالب شــرط‬
‫التعريــف باالمضــاء مــن كافــة املترشــحني املســتوجب عنــد إيــداع مطلــب الترشــح‬

‫‪ .1‬انظــر القض ّيـــة عـــدد‪ 2018 / 07900002 :‬نــزاع انتخابــي‪ .‬بتاريــخ ‪ 14‬مــارس ‪ 2018‬القائمــة املســتقلة "مشــروعنا" ‪/‬‬
‫الهيئــة الفرعيــة بصفاقــس‬
‫‪243‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫هــو اســتحداث لشــرط لــم ينــص عليــه صراحــة» الفصــل ‪ 49‬مــن القانــون االنتخابــي‬
‫والفصــل ‪ 26‬مــن قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد ‪ 10‬لســنة ‪».2017‬‬
‫وشــرعت املحكمــة فــي هــذا الطــور إلــى أن تحويــل صبغــة القائمــة هــو مخــرج للقائمــات‬
‫املترشــحة فــي إطــار التصحيــح الــذي فرضتــه الهيئــة علــى األحــزاب‪ .‬تطبيقــا ملبــدأ‬
‫التناصــف االفقــي‪.‬‬
‫وهــذا التوجــه فــي الحقيقــة والقصــد الــذي أفتــى لألحــزاب بإمكانيــة الحفــاظ علــى ذات‬
‫املترشــحني الذيــن هــم فــي االغلــب مــن املنخرطــن فــي االحــزاب بمجــرد تقديــم رئيــس‬
‫القائمــة ملطلــب فــي تغييــر صبغــة القائمــة مــن حزبــي إلــى مســتقل فيــه اســتخفاف وتمييــع‬
‫ملبــدأ التناصــف االفقــي وتشــجيع لألحــزاب علــى خرقه‪ .‬كمــا أن في هذه املرونــة خرق ملبدأ‬
‫جوهــري وهــو حريــة الناخــب في االقتــراع ‪،‬ضرورة أنّ الناخب الذي ينتخب قائمة مســتقلة‬
‫علــى أســاس مقاطعــة األحــزاب ســيجد نفســه فــي النهايــة مغــرر بــه نتيجــة هــذا التوجــه‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬عدم تناسق في القراءات بني الطور االبتدائي‬


‫والطور االستئنافي في تأويل مبدأ التناصف االفقي‬

‫لئــن كان االختــاف فــي املواقــف الفقــه قضائيــة يشــكل مدعــاة للثــراء والتنــوع بخصــوص‬
‫عديــد املواقــف التــي جابهــت القاضــي‪/‬ة وتعاطــى مــع البعــض منهــا بصفــة مرنــة وأحيانــا‬
‫أخرى بصفة محافظة أو متشــددة من ذلك مثال تأويل مجال الحق في الدفاع أو شــكليات‬
‫القيــام‪ ،‬إال أنــه يمكــن أن يتحــول هــذا التنــوع إلــى ضــرب ملبــدأ املســاواة أمــام القضــاء‪.‬‬
‫ومــن هــذا املنطلــق كان لزامــا علــى قضــاة وقاضيــات املحكمــة اإلداريــة قبــل تنــاول‬
‫مســألة التناصــف االفقــي وفــي وجــود فــراغ تشــريعي بخصــوص اإلجــراءات‬
‫املالئمــة إلنفــاذ هــذا املبــدأ‪ ،‬تعميــق نظرهــم فيهــا وخاصــة أهدافــه حتــى ال يكــون‬
‫التأويــل االجرائــي للنــص القانونــي مدعــاة إلفــراغ التناصــف االفقــي مــن محتــواه‪.‬‬
‫واتضــح أنّــه عندمــا ُوضــع مبــدأ التناصــف االفقــي علــى محــك تجربــة فقــه القضــاء‬
‫اإلداري تبايــن تأويــل املبــدأ ال فقــط بعالقــة بمنتهــاه وغايتــه بــل امتــد إلــى اختــاف فــي‬
‫تأويــل ســلطات القاضــي االنتخابــي بــن مــن يــرى أنهــا تســمح بالحلــول محــل الهيئــة‬
‫وبالتالــي ال تقتصــر علــى اإللغــاء وبــن مــن يــرى أنهــا ســلطات محــدودة بطلبــات األطــراف‬
‫ال غيــر فضــا عــن أن هــذا املبــدأ فــرض علــى قاضــي البدايــة تجــاوز اختصاصــه الترابــي‬
‫والحكمــي باســتعمال آليــات تحقيــق لــم يؤيدهــا فــي الغالــب القاضــي االســتئنافي‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪244‬‬

‫‪ .I‬تناقض على مستوى تأويل قواعد االختصاص الترابي‬

‫ال خــاف فــي أن ادراج مبــدأ التناصــف االفقــي ســنة ‪ 2017‬كمبــدأ مســتجد لــم يرافقــه‬
‫مواءمــة لإلجــراءات القضائيــة املالزمــة ‪،‬إذ وجــدت محكمــة البدايــة نفســها فــي مواجهــة‬
‫معادلــة صعبــة وهــي أنّ إنفــاذ مبــدأ التناصــف االفقــي يقتضــي بداهــة توجيــه الدعــوى ضد‬
‫الهيئــة املركزيــة لالنتخابــات وليســت الهيئــات الفرعيــة‪ ،‬خاصــة وأن الفصــل الفصــل ‪49‬‬
‫تاســعا أكــد علــى أنّ هــذه األخيــرة هــي التــي تطلــب التصحيــح بالنســبة لقائمــات األحــزاب‬
‫أو االئتالفــات التــي ال تحتــرم مبــدأ التناصــف فــي حــدود عــدد القائمــات املخالفــة مــا‬
‫لــم يقــع تصحيحهــا فــي اآلجــال القانونيــة التــي تحددهــا الهيئــة للتصحيــح وهــي التــي‬
‫تضبــط القائمــات امللغــاة باعتمــاد األســبقية فــي تقديــم الترشــح فــي حالــة عــدم التصحيــح‪.‬‬
‫وفــي املقابــل لــم يلجــأ املشــرع إلــى مالءمــة اإلجــراءات املتعلقــة بتفعيــل هــذا املبــدأ إذ‬
‫أن الفصــل ‪ 49‬ســابع عشــر‪ 1‬أقــر اختصــاص الدوائــر الجهويــة بالنظــر فــي نزاعــات‬
‫الترشــح للقائمــات التــي تقدمــت بمجالهــم الترابــي مثلمــا ورد باألمــر عــدد ‪ 620‬لســنة‬
‫‪ 2017‬املــؤرخ فــي ‪ 25‬مــاي ‪ 2017‬واملتعلــق بإحــداث دوائــر ابتدائيــة متفرعــة عــن املحكمــة‬
‫اإلداريــة بالجهــات وضبــط اختصاصهــا الترابــي‪ .‬ولــم يمتــد نظــر القاضــي إلــى غيرهــا‬
‫مــن القائمــات والحــال أن تنفيــذ مبــدأ التناصــف فــي صــورة قبــول طعــن احــدى القائمــات‬
‫التــي تــم اســتبعادها يقتضــي بالضــرورة اســتبعاد قائمــة تــم قبولهــا فــي دائــرة انتخابيــة‬
‫أخــرى ال ترجــع إلــى املحكمــة املتعهــدة بالنظــر ‪ .‬وفــي املقابــل فــإن اكتفــاء الدائــرة‬
‫املختصــة بالنــزاع عنــد قبــول طعــن القائمــة املترشــحة بدائرتهــا ســيكون مــن آثــاره‬
‫خــرق مبــدأ التناصــف األفقــي بإضافــة قائمــة جديــدة علــى العــدد املحتــرم للتناصــف‪.‬‬
‫واملالحــظ أن أغلــب الدوائــر الجهويــة كان لديهــا وعــي تــام بحــدود اختصاصهــا الترابــي‬
‫ولكــن رغــم ذلــك قامــت بإعــاء املبــدأ القانونــي املتعلــق بإنفــاذ مبــدأ التناصــف االفقــي‬
‫علــى مبــدأ االختصــاص الترابــي مبينــة أنّ تحديــد مرجــع النظــر الترابــي بموجــب االمــر‬
‫ســالف الذكــر‪« :‬ال يحــول دون بتهــا فــي مــدى احتــرام القائمــات املترشــحة ملبــدأ التناصــف‬
‫االفقــي باعتبــار أن هــذا االمــر يقــرر علــى املســتوى الوطنــي مــن طــرف الهيئــة العليــا‬

‫‪ .1‬الفصل ‪ 49‬سابع عشر‪:‬‬


‫يمكــن الطعــن فــي قــرارات الهيئــة فيمــا يتعلــق بالترشــحات مــن قبــل رئيــس القائمــة أو ممثلهــا‬
‫القانونــي أو رؤســاء بقيــة القائمــات املترشــحة بنفــس الدائــرة االنتخابيــة أمــام محاكــم إداريــة ابتدائيــة‪.‬‬
‫ويتــم الطعــن فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ اإلعــام بالقــرار أو التعليــق ويرفــع الطعــن بمقتضــى‬
‫عريضــة كتابيــة معللــة مصحوبــة باملؤيــدات وبمــا يفيــد تبليغهــا إلــى الهيئــة واألطــراف املشــمولة بالطعــن‬
‫بواســطة عــدل تنفيــذ ويجــب أن يتضمــن محضــر التبليــغ مــا يفيــد التنبيــه علــى املعنيــن بــه بضــرورة تقديــم‬
‫ملحوظاتهــم مرفقــة بمــا يفيــد تبليغهــا لألطــراف فــي أجــل أقصــاه يــوم جلســة املرافعــة املعينــة مــن املحكمــة‪.‬‬
‫وال تكون إنابة املحامي وجوبية‪.‬‬
‫‪245‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫املســتقلة لإلنتخابــات وأن ســلطات الهيئــات الفرعيــة تبقــى مقيــدة بضــرورة اتبــاع قــرار‬
‫الهيئــة العليــا»‪ 1‬مؤكــدا علــى أن االكتفــاء باالختصــاص الترابــي ســيؤدي إلــى تعقيــد‬
‫شــديد ملهمــة قاضــي النتائــج وســيؤدي إلــى اخــال خطيــر بمهمــة الرقابــة القضائيــة‪.2‬‬
‫وأمــام هــذه االكراهــات الراجعــة للغمــوض علــى املســتوى االجرائــي تعهــد قضــاة البدايــة‬
‫ســواء علــى املســتوى املركــزي أو الجهــوي بالنزاعــات التــي تــم فيهــا اســقاط قائمــات لعــدم‬
‫احترامها ملبدأ التناصف االفقي والتي كانت في جميع الحاالت على رأسها جميعا رجال‪.‬‬
‫وفــي املقابــل انتهــت ّ‬
‫جــل الدوائــر االســتئنافية إلــى أن تعهــد الدوائــر الجهويــة بنــزاع‬
‫الترشــحات يفتــرض «التقيــد بقواعــد مرجــع النظــر الترابي» معتبــرة أنّه ينجر عــن خرق هذه‬
‫القاعــدة «اربــاك العمليــة االنتخابيــة بمجملهــا»‪ 3‬وأن تحــاوز الدائــرة االبتدائيــة الختصاصهــا‬
‫ال يســتقيم «مــن الناحيتــن القانونيــة والواقعيــة» وســيؤدي إلــى تضــارب االحــكام‪.‬‬
‫ويعتبــر هــذا التأويــل مــن قبــل محكمــة الدرجــة الثانيــة لفقــه قضــاء الدوائــر االبتدائيــة‬
‫قاصــرا خاصــة أنهــم قامــوا بإدخــال القائمــات املعنيــة باآلثــار املترتبــة عــن قضائهــم‪.‬‬

‫‪ .II‬اختالف بخصوص مسألة االدخال والتقاضي على درجتني‬

‫اعتمــدت بعــض الدوائــر الجهويــة نظــرة شــمولية ملبــدأ التناصــف االفقــي وخولــت‬
‫لنفســها انطالقــا مــن الغايــة مــن وراء إنفــاذه إلــى التلبــس بصالحيــات تضمــن مــن‬
‫جهــة مبــدأ التقاضــي علــى درجتــن بالنســبة للقائمــات املقبولــة والتــي يمكــن أن يتــم‬
‫املســاس مــن حقوقهــا فــي صــورة إعــادة ترتيــب القائمــات وفــق معيــار االســبقية‪.‬‬
‫كمــا تــم إدخــال الهيئــة العليــا لالنتخابــات علــى املســتوى املركــزي باعتبارهــا الجهــة التــي‬
‫تختــص واقعــا وقانونــا بتنفيــذ مبــدأ التناصــف االفقــي ألن حــدود تدخــل الهيئــات الفرعيــة‬
‫تقتصــر علــى قبــول القائمــات مــن عدمهــا‪ ،‬وهــو مــا قامــت بــه علــى ســبيل املثــال الدائــرة‬

‫‪ .1‬الحكــم االبتدائــي عــدد ‪ 03900005‬بتاريــخ ‪ 15‬مــارس ‪ 2018‬رئيــس قائمــة حركــة مشــروع تونــس اوتيــك ‪/‬‬
‫الهيئــة الفرعيــة لإلنتخابــات بنــزرت – رئيــس قائمــة حركــة تونــس نابــل ‪ 2‬الهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات‬
‫‪ .2‬الحكــم االبتدائــي عــدد ‪ 03900001‬بتاريــخ ‪ 14‬مــارس ‪ 2018‬رئيــس قائمــة الجبهــة الشــعبية باجــة ‪ /‬الهيئــة‬
‫الفرعيــة لإلنتخابــات بنــزرت – رئيــس قائمــة الجبهــة الشــعبية القصريــن الهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات‬
‫‪ .3‬الحكــم اســتئنافي عــدد ‪ 20182010‬و‪ 20182017‬بتاريــخ ‪ 2‬أفريــل ‪ 2018‬رئيــس قائمــة حــزب حركــة‬
‫مشــروع تونــس ســليمان ‪ /‬ا رئيــس قائمــة حــزب حركــة مشــروع تونــس أوتيــك لهيئــة الفرعيــة‬
‫لالنتخابــات بنــزرت والهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات‪ :‬أقــرت املحكمــة الحكــم االبتدائــي فــي إلغــاء‬
‫قــرار الهيئــة بخصــوص القائمــة الطاعنــة ونقــض مــا قضــت بــه مــن تشــطيب علــى قائمــات أخــرى‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪246‬‬

‫االبتدائيــة ببنــزرت‪ .1‬وهــذا التوجــه لــم يشــمل جميــع الدوائــر فــي الطــور االبتدائــي‪ ،‬اذ‬
‫اختلــف التعاطــي فمنهــا مــن اكتفــى بطرفــي النــزاع أي القائمــة الطاعنــة والهيئــة الفرعيــة‬
‫لإلنتخابــات املعنيــة‪ 2‬واقتصــر علــى حــدود الطلبــات املثــارة أمامهــا والراميــة إلــى إلغــاء‬
‫قــرار الهيئــة الفرعيــة القاضــي بإســقاط القائمــة الطاعنــة دون أن تمتــد رقابتهــا وســلطتها‬
‫إلــى القائمــة التــي تــم قبولهــا رغــم أن القائمــة الطاعنــة هــي األســبق فــي التســجيل‪.‬‬
‫وعلى مســتوى االســتئنافي اعتبرت احدى الدوائر أنّ عدم توجيه الطعن ضد الهيئة العليا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات والقائمــات املعنيــة بالرفــض ال يعيــب القيــام أمــام الدائــرة االبتدائية‪.3‬‬
‫فيمــا اعتبــرت دوائــر أخرى أنّ إدخال الهيئة العليا املســتقلة لالنتخابات املركزية والقائمات‬
‫املعنيــة بالرفــض يعــد تعـ ٍـد علــى االختصــاص الترابــي للدائــرة املصــدرة للحكــم فــي املجال‬
‫االنتخابــي والتــي يقتصــر نظرهــا فحســب على القائمــة الراجعة إليها بالنظــر ترابيا ال غير‪.‬‬

‫‪ .III‬اختالف في تحديد سلطات قاضي الترشحات‬

‫خــال الطــور االبتدائــي لــم تكتــف بعــض الدوائــر املتعهــدة بإلغــاء قــرار الهيئــة‬
‫العليــا بإســقاط القائمــة الطاعنــة بــل تجاوزتــه إلــى ترتيــب األثــر القانونــي عــن قبــول‬
‫هــذه القائمــة بإســقاط القائمــة التــي تــم قبولهــا والتــي حلــت محلهــا الطاعنــة‪.‬‬
‫واعتبــرت أن لديهــا ســلطة واســعة مبينــة أن النظــر فــي النزاعــات االنتخابيــة ال يتوقــف‬
‫علــى االلغــاء فحســب بــل‪« :‬يتطلــب صالحيــات أوســع تخــول للقاضــي إعــادة النظــر فــي‬
‫صحــة الترشــح القائمــات املقبولــة ومــدى احترامهــا للشــروط واإلجــراءات املضمنــة‬
‫بالنصــوص القانونيــة التــي تنظــم العمليــة االنتخابيــة وإلغــاء ومراجعــة القائمــات‬
‫‪4‬‬
‫املترشــحة املصــرح بقبولهــا وبإعــادة ترتيبهــا أو حــذف البعــض منهــا عنــد االقتضــاء»‬
‫واتجــاه آخــر اكتفــى قاضــي البدايــة فــي أحــكام أخــرى إلــى االحتــكام إلــى معيــار‬

‫‪ .1‬الحكــم االبتدائــي عــدد ‪ 03900005‬بتاريــخ ‪ 15‬مــارس ‪ 2018‬رئيــس قائمــة حركــة مشــروع تونــس اوتيــك ‪/‬‬
‫الهيئــة الفرعيــة لإلنتخابــات بنــزرت – رئيــس قائمــة حركــة تونــس نابــل ‪ 2‬الهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات‬
‫‪ .2‬الحكم االبتدائي عدد ‪ 201810003‬بتاريخ ‪ 9‬مارس ‪2018‬‬
‫‪ .3‬الحكــم االســتئنافي عــدد ‪ 20182006‬بتاريــخ ‪ 26‬مــارس ‪ 2018‬الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات تونــس ‪ / 1‬رئيــس‬
‫ائتــاف االتحــاد املدنــي تونــس ‪ 1‬ورئيــس ائتــاف االتحــاد املدنــي منــزل تميــم ورئيــس ائتــاف االتحــاد املدنــي‬
‫ســيدي بوزيــد والهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات والهيئــة الفرعيــة نابــل ‪( 1‬إقــرار توجــه الدوائــر االبتدائيــة الجهويــة)‬
‫‪ .4‬الحكــم االبتدائــي عــدد ‪ 03900005‬بتاريــخ ‪ 15‬مــارس ‪ 2018‬رئيــس قائمــة حركــة مشــروع تونــس اوتيــك ‪/‬‬
‫الهيئــة الفرعيــة لإلنتخابــات بنــزرت – رئيــس قائمــة حركــة تونــس نابــل ‪ 2‬الهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات‬
‫‪247‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫االســبقية فــي الترشــح وأعــاد ترتيــب القائمــات املعنيــة ليستشــف منهــا فقــط أن‬
‫القائمــة الطاعنــة أمامــه مقبولــة ودون أن يواصــل النظــر فــي قائمــات أخــرى‪ .‬ولئــن‬
‫كان تمشــي الدائــرة فــي هــذا املجــال فــي حــدود التعهــد املســموح بــه قانونــا إلــى‬
‫أن منتهاهــا هــو إضافــة قائمــة بإحــدى الدوائــر لالنتــاف املعنــي بدعــوى خــرق‬
‫مبــدأ التناصــف االفقــي غيــر أنهــا أدت مــن حيــث النتيجــة إلــى خرقــه ألن عــدد‬
‫القائمــات التــي يترأســها رجــال ســتفوق عــدد القائمــات التــي تترأســها نســاء‪.‬‬
‫وبخصــوص الطــور االســتئنافي كان التوجــه هــو الحــ ّد مــن صالحيــات القاضــي‬
‫االنتخابــي واعتبــار أنهــا ال تتجــاوز رقابــة شــرعية القــرارات الهيئــة وفــي حــدود الطلبــات‬
‫املثــارة مــن قبــل األطــراف بمــا ال يخــول لهــا الحكــم بأكثــر ممــا يطلبــه الخصــوم‪ ،‬وهــذا‬
‫فــي إشــارة إلــى مــا انتهــى إليــه قاضــي البدايــة مــن إعــادة ترتيــب القائمــات املترشــحة‬
‫عــن نفــس الحــزب أو االئتــاف أو القائمــات املســتقلة وإســقاط قائمــات تــم قبولهــا‪.‬‬
‫ويعتبــر مــن الناحيــة العمليــة توجــه القاضــي إلــى اســقاط قائمــة مقبولــة وعــدم‬
‫تمثيلهــا فــي النــزاع وتمكينهــا مــن الدفــاع عــن نفســها خرقــا ملبــدأ التقاضــي‬
‫علــى درجتــن وكذلــك لألمــان القانونــي باعتبــار أن هــذه األخيــرة لــم تكــن لتطعــن‬
‫أمــام القضــاء ووضعيتهــا مســتقرة وهــي غيــر متضــررة مبدئيــا مــن اعمــال مبــدأ‬
‫التناصــف االفقــي‪ ،‬خاصــة وأن قبولهــا قــد تحصــن بفــوات اجــال الطعــن فيهــا‪.‬‬
‫وفــي املقابــل فــإن االكتفــاء بحــدود املجــال الترابــي ســيؤدي كذلــك إلــى خــرق مبــدأ‬
‫التناصــف االفقــي خاصــة أن الوقــوف علــى عــدم شــرعية قــرار االســقاط يســتوجب‬
‫اســتبدال قائمــة بقائمــة أخــرى‪.‬‬
‫ولــم يجــاري الطــور الثانــي مــن نزاعــات الترشــح اجتهــاد قاضــي البدايــة فــي‬
‫العمــل علــى إنفــاذ مبــدأ التناصــف األفقــي وكل تداعياتــه علــى الحــزب أو‬
‫االئتــاف املعنــي بــه‪ .‬ولئــن تــم االعتــراف للقاضــي االنتخابــي بســلطات إعــادة‬
‫الترتيــب والتثبــت مــن معيــار االســبقية فــي الترشــح‪ ،‬اال أنــه لــم يكفــل لــه إمكانيــة‬
‫اســتخالص النتائــج وترتيــب االثــار القانونيــة بخصــوص قائمــات تــم قبــول ترشــحها‪.‬‬
‫واســتندت الدائــرة االســتئنافية املتعهــدة‪ 1‬فــي ذلــك إلــى أن‪« :‬قاضــي الترشــحات يبقــى‬
‫مقيــدا مــن جهــة أولــى بطلبــات األطــراف وال يمكنــه القضــاء بأكثــر ممــا طلــب منــه ومــن‬
‫جهــة ثانيــة بحــدود اختصاصــه الترابــي‪ ،...‬وذلــك ضمانــا لحســن ســير القضــاء وتفاديــا‬

‫‪ .1‬الحكــم االســتئنافي عــدد ‪ 20182012‬بتاريــخ ‪ 2‬أفريــل ‪ 2018‬الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات بباجــة ‪/‬‬
‫رئيــس ائتــاف الجبهــة الشــعبية باجــة تونــس ‪ 1‬ورئيــس ائتــاف االتحــاد املدنــي منــزل تميــم ورئيــس‬
‫ائتــاف االتحــاد املدنــي ســيدي بوزيــد والهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات والهيئــة الفرعيــة نابــل ‪1‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪248‬‬

‫لصــدور أحــكام قضائيــة متضاربــة يصعــب تنفيذهــا‪ ،‬هــذا عــاوة عــن انقضــاء أجــل الطعن‬
‫فــي ذلــك القــرار مــن القائمــات األخــرى املعنيــة بالترتيــب» واملثيــر لالنتبــاه أن الدائــرة‬
‫االســتئنافية املتعهــدة بحكــم ابتدائــي انتهــت إلــى نقــض حكــم البدايــة لكــن منطوقهــا أعــاد‬
‫القائمــة الطاعنــة ابتدائيــا إلــى القائمــات املقبولــة وهــي قائمــة باجــة ولــم يقبــل إســقاط‬
‫قائمــة الجبهــة الشــعبية بالقصريــن وأرجعهــا كذلــك إلــى الســباق االنتخابــي البلــدي‪.‬‬
‫ومــن خــال مــا انتهــى إليــه النــزاع االنتخابي في مرحلة الترشــح وأخذا بعــن االعتبار مآل‬
‫االحــكام النهائيــة‪ ،‬يتبــن أنــه بقصــد او عــن غيــر قصــد قامت املحكمــة اإلدارية بخــرق مبدأ‬
‫التناصــف األفقــي وذلــك بإضافــة قائمــة يترأســها رجــل دون أن يتم تعويــض قائمة بأخرى‪،‬‬
‫مؤكديــن فــي هــذا املجــال على أنّ الخلل في احترام مبدأ التناصف الفقي ال تتحمله القائمة‬
‫الطاعنــة فــي قــرار رفــض ترشــحها كمــا أنهــا ال تتحمــل تبعــات عــدم شــرعية قــرار الهيئة‪.1‬‬

‫الجزء الرابع‪ :‬نزاعات التناصف على االفراد في‬


‫النتائج بني إقرار املبدأ وسطحية التعاطي معه‬

‫علــى خــاف االنتخابــات السياســية املتعلقــة باملجلــس الوطنــي التأسيســي واالنتخابــات‬


‫التشــريعية والبلديــة‪ ،‬فــإن مســألة التناصــف لــم تطــرح أثنــاء تقديــم الترشــحات النتخابــات‬
‫املجلــس األعلــى للقضــاء‪ ،‬ولــم يكــن واردا أن يتــم الطعــن فــي أحــد املترشــحني أو املترشــحات‬
‫اســتنادا إلــى هــذا املبــدأ باعتبــار أنّ الترشــح كان فرديــا وأن مراقبة احترامه تتــم عند اإلعالن‬
‫عــن النتائــج بالنســبة لــكل صنــف‪ ،‬وبالتالــي فــإن نزاعــات الترشــح امتــدت فقــط إلــى شــروط‬
‫الترشــح كيفمــا ضبطهــا القانــون عــدد ‪ 34‬لســنة ‪ 2016‬املتعلــق باملجلــس األعلــى للقضــاء‪.‬‬
‫وفــي املقابــل أثيــرت الطعــون القائمــة علــى مبــدأ التناصــف بعــد االعــان عــن النتائــج‬
‫األوليــة‪ .‬وانتهــت املحكمــة خــال الطــور االبتدائــي‪ 2‬إلــى إقــرار تمشــي هيئــة االنتخابــات‬
‫بخصــوص إعمــال هــذا املبــدأ‪ ،‬غيــر أنّ الحكمــن لــم يعتمــدا نقــس املقاربــة للتأســيس‬
‫إلــى أن مبــدأ التناصــف كشــرط لصحــة االنتخــاب وعــدم إلغــاء بطاقــة االقتــراع‪.‬‬
‫وتـ ّم الطعــن أمــام الدائــرة اإلبتدائيــة الثامنة باملحكمة اإلدارية في القضيــة عدد ‪/ 20163002‬‬

‫‪ .1‬الحكــم االســتئنافي عــدد ‪ 20182006‬بتاريــخ ‪ 26‬مــارس ‪ 2018‬الهيئــة الفرعيــة لالنتخابــات تونــس‬


‫‪ / 1‬رئيــس ائتــاف االتحــاد املدنــي تونــس ‪ 1‬ورئيــس ائتــاف االتحــاد املدنــي منــزل تميــم ورئيــس‬
‫ائتــاف االتحــاد املدنــي ســيدي بوزيــد والهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات والهيئــة الفرعيــة نابــل ‪1‬‬
‫‪ .2‬ت ّم رفض اإلستئناف شكال املوجه ض ّد الحكمني اإلبتدائني لتقديمه خارج األجال القانونية‪.‬‬
‫‪249‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫انتخابي الصادر فيها الحكم في ‪ 3‬نوفمبر ‪ 2016‬قصد إلغاء النتائج األول ّية النتخابات‬ ‫ّ‬ ‫نزاع‬
‫ّ‬
‫املجلــس األعلــى للقضــاء املصـ ّرح بهــا مــن قبــل الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات بتاريــخ‬
‫املالي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ 24‬أكتوبــر ‪ ،2016‬وذلــك بصفــة جزئ ّيــة فيمــا يتعلــق بنتائج انتخابات مجلــس القضاء‬
‫واســتند املدعــون إلــى أنّ تطبيــق مبــدأ التّناصــف يتــ ّم فــي مرحلــة اختيــار املترشــح‬
‫ـكل صنــف ورتبــة‬‫املخصصــة لـ ّ‬
‫ّ‬ ‫وليــس عنــد احتســاب النّتائــج وذلــك فــي حــدود املقاعــد‬
‫فــإذا كان عــدد املقاعــد ثالثــة فعلــى النّاخــب اختيــار رجلــن وامــرأة أو امرأتــن ورجــل‬
‫أو رجــل وامــرأة‪ ،‬والحــال أنّ هــذا التّأويــل ال يمكــن اعتمــاده ملخالفتــه القانــون واملبــادئ‬
‫العا ّمــة لالنتخابــات‪ .‬فضــا عــن أنّ التّناصــف املعتمــد ينطــوي علــى انتهــاك خطيــر للمبــادئ‬
‫املك ّرســة بال ّدســتور بفصلــه ‪ 34‬علــى غــرار تلــك املتع ّلقــة بحر ّيــة النّاخــب وباملســاواة بــن‬
‫ّ‬
‫املترشــحني والتــي تنــدرج ضمــن قائمــة املبــادئ الدول ّيــة فــي مــادة االنتخابــات وذلــك خالفــا‬
‫ـتوري وفــق الفصــل ‪ 34‬والتــي اقتضــت أن‬ ‫ّ‬
‫لقاعــدة التّناصــف التــي تمثــل مجـ ّرد هــدف دسـ ّ‬
‫«الفصــل ‪ – 34‬حقــوق االنتخابــات واالقتــراع والترشــح مضمونــة طبــق مــا يضبطــه القانون‪.‬‬
‫تعمــل الدولــة علــى ضمــان تمثيل ّيــة املــرأة فــي املجالــس املنتخبــة»‪ ،‬وتبعــا لذلــك فإنّــه‬
‫بــأي شــكل مــن األشــكال مــن نطــاق املبــادئ املذكــورة‪.‬‬ ‫ال يمكــن للتناصــف أن يحــ ّد ّ‬
‫وجوابــا علــى هــذا املطعــن لــم تناقــش املحكمــة تأويلهــا ملبــدأ التناصــف مكتفيــة بالرجــوع‬
‫إلــى وقائــع القضيــة أ ّنــه تــم تســجيل ترشــح خمــس (‪ )5‬رجــال وامرأتــن (‪ )2‬للتنافــس علــى‬
‫مقعديــن عــن صنــف املحامــن وهــو فــي صــورة الحــال عــدد كاف يم ّكــن مــن تطبيــق مبــدأ‬
‫التناصــف وال يــؤول إلــى اســتبعاده بالنظــر إلــى عــدد املقاعــد املتنافــس عليهــا وإلــى عــدد‬
‫املترشــحني‪ .‬ويســتخلص بصفــة ضمنيــة أنّ الدائــرة املتعهــدة تفتــرض ضــرورة وجــود عــدد‬
‫كاف أي أكثــر مــن مترشــحة مــع مقارنتهــا بعــدد الرجــال املترشــحني لضمــان كفايــة العدد‪.‬‬
‫كمــا لــم تجــب املحكمــة عــن جوهــر الطعــن الــذي أثيــر والــذي تعلــق بالتضــارب بــن املبــادئ‬
‫الدســتورية املتعلقــة بحريــة الناخــب واملســاواة بــن املترشــحني وإقــرار القانــون ملبــدأ‬
‫ـس مــن هذيــن املبدئــن‪.‬‬‫التناصــف الــذي أقــر تدابيــر فرضهــا علــى الناخــب أو الناخبــة تمـ ّ‬
‫وتعليقــا علــى مــا ســبق بيانــه ‪،‬فإ ّنــه لئــن أمكــن ‪،‬مــن الناحيــة النظريــة ‪،‬ملبــدأ التناصــف‬
‫أن يكــون ســببا فــي إقصــاء النســاء إذا كان هنــاك مترشــح وحيــد مــن الرجــال‪ ،‬فإنّــه‬
‫ومــن الناحيــة الواقعيــة كان دائمــا املتمســكون بضــرورة اســتبعاد هــذا املبــدأ هــم مــن‬
‫املدعــن مــن جنــس الذكــور‪ ،‬باعتبــار هــذا املبــدأ يعــد إكراهــا للناخــب الــذي ولئــن لــم‬
‫يؤمــن بــه فهــو مضطــر حتــى ال تلغــى بطاقتــه إلــى انتخــاب امــرأة مــن قائمــة املترشــحني‪.‬‬
‫وكان تفاعل املحكمة مع هذا الطعن باالكتفاء بالنظر في شرعية القائمة املترشحة وتطابقها‬
‫مــع الفصــل ‪ 26‬مــن القانــون املتعلــق باملجلــس األعلــى للقضــاء قاصــرا مــن جهــة التعليــل‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪250‬‬

‫وفــي املقابــل انتهجــت الدائــرة الخامســة منحــى أكثــر انفتاحــا بمناســبة تعهدهــا فــي‬
‫القضيــة عــدد ‪ / 2016001‬نــزاع انتخابــي والتــي صــدر فيهــا الحكــم بتاريــخ ‪ 3‬نوفمبــر‬
‫‪ 2016‬بطلــب إلغــاء النّتائــج األوليــة النتخابــات مجالــس القضــاء العدلــي واإلداري‬
‫واملالــي عــن صنــف املحامــن لــدى التعقيــب املصــ ّرح بهــا بتاريــخ ‪ 24‬أكتوبــر ‪.2016‬‬
‫واســتند املدعــون إلــى أنّ تطبيــق مبــدأ التناصــف فــي عــدد املترشــحني املخ ـ ّول للناخــب‬
‫اختيارهــم أ ّثــرت ســلبا علــى نتائــج االنتخابــات لعــدم تكافــؤ الفــرص بــن املترشــحني‬
‫ّ‬
‫واملترشــحات مــن املحامــن لــدى التعقيــب وخالفــت بذلــك مقتضيــات الفقــرة الثانيــة مــن‬
‫الفصــل ‪ 26‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 34‬لســنة ‪ 2016‬املــؤرخ فــي ‪ 24‬أفريــل ‪2016‬‬
‫املتعلــق باملجلــس األعلــى للقضــاء التــي تكـ ّرس اســتثناء ملبــدأ التناصــف فــي حالــة عــدم‬
‫ّ‬
‫املترشــحات مــن‬ ‫ترشــح عــدد كاف مــن املترشــحني مــن أحــد الجنســن ذلــك أنّ عــدد‬ ‫ّ‬
‫املحامــن لــدى التعقيــب بالنســبة ملجلــس القضــاء العدلــي لــم يكــن كافيــا مقارنــة بعــدد‬
‫ّ‬
‫مترشــحا‪.‬‬ ‫املترشــحني مــن الصنــف ذاتــه إذ بلــغ عــدد املترشــحات ‪ 4‬مــن جملــة ‪19‬‬
‫وفــي تأســيس املحكمــة لقضائهــا لــم تناقــش إن كانــت ترشــحات النســاء كافيــة أو غيــر‬
‫ّ‬
‫املترشــحني‬ ‫كافيــة مقارنــة بترشــح الرجــال‪ ،‬بــل اعتبــرت أن تأويــل عبــارة العــدد الكافي من‬
‫املنصــوص عليهــا بالفقــرة الثانيــة مــن الفصــل ‪ 26‬مــن القانــون املتعلــق باملجلــس األعلــى‬
‫للقضــاء يكــون فــي إطــار احتــرام أحــكام الفصلــن ‪ 34‬و‪ 46‬مــن الدســتور التــي ك ّرســت‬
‫مبــدأ التناصــف وضمــان تمثيليــة املــرأة فــي املجالــس املنتخبــة‪ ،‬ومــن ث ّمــة فــإنّ املقصــود‬
‫كل جنــس يســمح بتطبيــق مبــدأ التناصــف‪،‬‬ ‫املترشــحني مــن ّ‬
‫ّ‬ ‫بتلــك العبــارة أن يكــون عــدد‬
‫منتهيــة إلــى أنّ ترشــح امــرأة وحيــدة كاف إلعمــال التناصــف فــي مقعديــن أو أكثــر‪.‬‬
‫‪251‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫الخـاتمة‬

‫مــن خــال عــرض نزاعــات االنتخابــات ومبــدأ التناصــف تبــن أن املحكمــة اإلداريــة‬
‫لــم تكــن حاملــة لسياســة فقــه قضائيــة متجانســة حــول تطبيــق هــذا املبــدأ‪ ،‬وأن تأويــل‬
‫النصــوص التــي أرســته ســواء ذات الصبغــة الدســتورية أو التشــريعية أوالترتيبيــة‬
‫لــم تحمــل تشــبعا مســبق بمقاربــة حقوقيــة معمقــة ملبــدأ املســاواة وتكافــئ الفــرص‬
‫بــن الجنســن‪ .‬وبــرز هــذا النقــص فــي وجــود اختــاف ب ّيــن بــن الدرجــة األولــى مــن‬
‫التقاضــي التــي تتضمــن قضــاة وقاضيــات ممــن كانــوا أكثــر انفتاحــا بموجــب ربمــا‬
‫املشــاركة فــي ملتقيــات والنشــاط الجمعياتــي‪ ،‬واالســتئناف الــذي تغلــب عليــه الفكــر‬
‫املحافــظ التقنــي الــذي يــؤول القاعــدة طبــق املعاييــر املتعــارف عليهــا فــي فقــه القضــاء فــي‬
‫مجــاالت تختلــف عــن تلــك املتعلقــة باالنتخابــات والتدابيــر اإليجابيــة التــي نصــت عليهــا‪.‬‬
‫وفــي هــذا االطــار ولتحقيــق الهــدف الدســتوري والوصــول إلــى مجالــس منتخبــة‬
‫ومتناصفــة مــن جهــة النتائــج وليــس فقــط الترشــح فإنــه مــن املتجــه أن يلعــب القضــاء‬
‫اإلداري دوره كقاطــرة للتغييــر ليــس فقــط فــي املقاربــة الحقوقيــة بــل خاصــة فــي اعتبــار‬
‫أن حقــوق النســاء هــي جــزء ال يتجــزأ مــن حقــوق االنســان ومــن املقاربــة الحقوقيــة‪.‬‬
‫ولتحقيــق هــذا الهــدف فإ ّنــه ال بــد مــن املبــادرة بإصالحــات علــى مســتوى املحكمــة اإلدارية‬
‫وكذلــك علــى مســتوى القوانــن الناظمــة وذلــك عبــر مــا يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬ضرورة تكوين قضاة وقاضيات املحكمة اإلدارية في مجال‪:‬‬
‫• القانون الدستوري‬
‫• الحقوق اإلنسانية للنساء مثلما تضبطها املعاهدات الدولية والقوانني الوطنية‬
‫• مقاربة النوع االجتماعي‬
‫‪ .2‬ضرورة تنقيح إجراءات التقاضي أمام املحكمة اإلدارية وذلك بــــــ‪:‬‬
‫• إفــراد نــزاع الترشــحات حــول القائمــات بروزنامــة مســتقلة عــن روزنامــة التناصــف‬
‫ـس‬
‫االفقــي لفصــل املســارات ذلــك أن قبــول أو التشــطيب علــى قائمــة مــن شــأنه أن يمـ ّ‬
‫مــن بقيــة القائمــات املترشــحة عــن ذات الحــزب أو االئتــاف أو القائمــات املســتقلة ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ .1‬تضمــن القانــون اإلنتخابــي البلــدي مبــادئ جديــدة لــم يتضمنهــا القانــون االنتخابــي التشــريعي‬
‫وذلــك بعالقــة بــإدراج مبــدأ التناصــف األفقــي الــذي لــم يكــن مضمنــا بالقانــون اإلنتخابــي لســنة ‪2014‬‬
‫‪.‬و لــم تأخــذ الهيئــة فــي روزنامتهــا االنتخابيــة بهــذا املعطــى املهــم فــي الرزنامــة رغــم أن القانــون‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪252‬‬

‫• التنصيــص صراحــة علــى أن النزاعــات املتعلقــة بالتناصــف االفقــي توجــه ضــد الهيئــة‬
‫العليــا املســتقلة لالنتخابــات دون غيرهــا‬
‫• اعتمــاد آليــة االدخــال لــكل القائمــات املعنيــة منــذ الطــور االبتدائــي وتمكينهــا مــن الحــق‬
‫فــي الدفاع‬
‫• إسناد اختصاص النظر في نزاعات التناصف االفقي إلى الدوائر االبتدائية بالعاصمة‬
‫• التنصيــص علــى أنــه فــي صــورة اســتقالة امــرأة رئيســة قائمــة مــن منصبهــا وقبــل‬
‫انتخــاب رئيــس البلديــة تعــوض بالثالثــة فــي القائمــة وليــس الرجــل الــذي يليهــا‪.‬‬

‫حملهــا مســؤولية إجــراء انتخابــات تحتــرم مبــدأ التناصــف األفقــي عنــد اإلعــان عــن النتائــج النهائيــة ‪.‬‬
‫تبــن مــن خــال الرزنامــة املصــادق عليهــا أن الهيئــة قــد أدمجــت مراقبتهــا الحتــرام مبــدا التناصــف األفقــي فــي‬
‫نفــس الفتــرة التــي شــملت التثبــت مــن صحــة القائمــات والحــال أنّ التثبــت مــن احتــرام التناصــف األفقــي ال‬
‫يكــون إال بعــد التثبــت مــن صحــة القائمــات املترشــحة ‪.‬و فــي محصلــة اإلعــان عــن النتائــج النهائيــة يتضــح أن‬
‫هنــاك قائمــات مترشــحة لــم تحتــرم مبــدأ التناصــف االفقــي ألنّ هنــاك قائمــات مترشــحة تــم إســقاطها مــن قبــل‬
‫الهيئــة العليــا املســتقلة لإلنتخابــات ولــم يتــم احتســابها فــي مجمــوع القائمــات املقبولــة التــي ســيتم علــى أســاس‬
‫التثبــت مــن مــدى احترامهــا ملبــدأ التناصــف االفقــي‪ ،‬وهــو مــا انجــر عنــه خــرق لهــذا املبــدأ أل ّنــه عنــد طعــن بعــض‬
‫القائمــات أمــام املحكمــة اإلداريــة فــي قــرارات رفــض تــم إرجاعهــم إلــى التنافــس فــي الدوائــر االنتخابيــة املعنيــة ‪.‬‬
‫‪253‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫القاضي اإلداري ونزاع الحمالت االنتخابية‬

‫محمد سليم املزوغي‬


‫رئيس دائرة ابتدائية باملحكمة اإلدارية‬

‫مــن بــن أهــم املراحــل التــي تمــر بهــا العمليــة االنتخابيــة‪ 1‬هــي مرحلــة الحملــة‬
‫االنتخابيــة‪ ،‬والتــي تقتضــي التــزام األطــراف املتدخلــة فيهــا بمبــادئ وقواعــد‬
‫أساســية تضمــن املســاواة وتكافــؤ الفــرص بــن املترشــحني والقائمــات‬
‫املترشــحة وتحــول دون التأثيــر علــى إرادة الناخبــن بأســاليب غيــر شــرعية‪.‬‬
‫ويقصــد بالحملــة االنتخابيــة «مجمــوع األنشــطة التــي يقــوم بهــا املترشــحون‬
‫والقائمــات املترشــحة أو مســاندوهم أو األحــزاب خــال الفتــرة املحــددة قانونــا‬
‫للتعريــف بالبرنامــج االنتخابــي باعتمــاد مختلــف وســائل الدعايــة واألســاليب‬
‫املتاحــة قانونــا قصــد حــث الناخبــن علــى التصويــت لفائدتهــم يــوم االقتــراع»‪.2‬‬
‫وســائل الدعايــة هــذه التــي تُقــام بمناســبة الحمــات االنتخابيــة هــي عديــدة ومتنوعــة‬
‫يمكــن أن تتمثــل فــي تعليــق معلقــات‪ ،‬توزيــع مناشــير أو برامــج‪ ،‬عقــد اجتماعــات‬
‫عموميــة أو تنظيــم اســتعراضات أو مواكــب أو تجمعــات‪ ،‬القيــام بأنشــطة إعالنيــة‬
‫بمختلــف وســائل اإلعــام وباملواقــع االلكترونيــة ووســائل التواصــل االجتماعــي‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫توجيــه رســائل للعمــوم عبــر وســائط إلكترونيــة‪ ،‬أو غيــر ذلــك مــن وســائل الدعايــة‪.‬‬
‫الحملــة االنتخابيــة بهــذا املعنــى تقــوم علــى مبــادئ عامــة جــاء بهــا القانــون‬
‫االنتخابــي ولكــن أيضــا علــى شــروط خاصــة تحكــم ّ‬
‫كل فئــة مــن وســائل الدعايــة‪.‬‬

‫‪ .1‬تمــر العمليــة االنتخابيــة بأربعــة مراحــل‪ ،‬أوال مرحلــة الترســيم بقائمــات الناخبــن والتــي تضبــط خاللهــا هيئــة‬
‫االنتخابــات قائمــات الناخبــن‪ ،‬ثانيــا مرحلــة الترشــحات والتــي تبــت فيهــا الهيئــة فــي مطالــب الترشــح وتتخــذ قــرارات‬
‫بقبولهــا أو رفضهــا ‪ ،‬ثالثــا مرحلــة الحملــة االنتخابيــة والتــي تفتتــح قبــل يــوم االقتــراع باثنــن وعشــرين يومــا وتنتهــي‬
‫أربعــا وعشــرين ســاعة قبــل يــوم االقتــراع ويمــارس فيهــا املترشــحون والقائمــات املترشــحة أنشــطة دعائيــة للتعريــف‬
‫ببرنامجهــم االنتخابــي‪ ،‬وأخيــرا مرحلــة النتائــج األوليــة لالنتخابــات والتــي تعلــن فيهــا الهيئــة عــن النتائــج بعــد التثبــت‬
‫مــن وجــود اخــاالت جوهريــة وحاســمة شــابت عمليــة االقتــراع والفــرز ومــن احتــرام الفائزين ألحــكام الفتــرة االنتخابية‪.‬‬
‫‪ .2‬وهــو التعريــف الــوارد بالنقطــة الخامســة مــن الفصــل ‪ 3‬مــن القانــون عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ‬
‫فــي ‪ 26‬مــاي ‪ 2014‬واملتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء كمــا تــم تنقيحــه بالقانــون األساســي عــدد ‪ 7‬لســنة‬
‫‪ 2017‬املــؤرخ فــي ‪ 14‬فيفــري ‪ 2017‬والقانــون األساســي عــدد ‪ 76‬لســنة ‪ 2019‬املــؤرخ فــي ‪ 30‬أوت ‪.2019‬‬
‫‪ .3‬قائمــة وســائل الدعايــة وردت بالفصــل ‪ 59‬مــن القانــون عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املذكــور علــى ســبيل الذكــر ال الحصــر‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪254‬‬

‫أ ّمــا عــن املبــادئ العامــة للحملــة االنتخابيــة‪ 1‬كقاســم مشــترك بــن جميــع وســائل الدعايــة‬
‫فتتمثــل أساســا فــي حيــاد اإلدارة ودور العبــادة ووســائل اإلعــام الوطنيــة‪ ،‬شــفافية الحملة‬
‫مــن حيــث مصــادر تمويلهــا وطــرق صــرف األمــوال املرصــودة لهــا‪ ،‬املســاواة وضمــان‬
‫تكافــؤ الفــرص بــن جميــع املترشــحني‪ ،‬احتــرام الحرمــة الجســدية للمترشــحني والناخبــن‪،‬‬
‫احتــرام أعــراض وكرامــة املترشــحني والناخبــن‪ ،‬عــدم املســاس بحرمــة الحيــاة الخاصــة‬
‫واملعطيــات الشــخصية للمترشــحني‪ ،‬عــدم الدعــوة إلــى الكراهيــة والعنــف والتعصــب‬
‫والتمييــز‪ ،‬وعــدم تضمــن الدعايــة االنتخابيــة ملعلومــات خاطئة من شــأنها تضليــل الناخبني‪.‬‬
‫وأ ّمــا عــن الشــروط الخاصــة بممارســة وســائل الدعايــة فتختلــف باختــاف تلــك الوســائل‪.2‬‬
‫ولضمــان احتــرام مبــادئ الحملــة االنتخابيــة وقواعدهــا املضبوطــة بالتشــريع االنتخابــي‬
‫كان البــد علــى الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات أن تتدخــل عبــر مســتويني اثنــن‪:‬‬
‫• أوال مــن خــال تنظيــم الحملــة وضبط قواعدهــا وإجراءاتها بمقتضى قــرارات ترتيبية‪،‬‬
‫وهــذا االختصــاص تســتمده مــن قانونهــا األساســي‪ 3‬الــذي أوكل ملجلســها صالحيــة‬
‫«وضــع التراتيــب ال ّ‬
‫الزمــة لتنفيــذ التشــريع االنتخابــي وتنفيــذ املهــام املوكولــة للهيئــة»‪،4‬‬
‫• وثانيــا مــن خــال مراقبــة مــدى التــزام املترشــحني والقائمــات املترشــحة أو‬

‫‪ .1‬وهــي املبــادئ التــي نــص عليهــا الفصــل ‪ 52‬مــن القانــون عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء‪.‬‬
‫‪ .2‬بالنســبة للمعلقــات االنتخابيــة‪ ،‬تنظمهــا قواعــد خاصــة بهــا حيــث يجــب أن تحتــرم شــروطا شــكلية مــن حيــث‬
‫الحجــم واملحتــوى ويجــب التأشــير علــى نمــوذج منهــا مــن الهيئــة الفرعيــة املختصــة ترابيــا ويجــب تعليقهــا فــي‬
‫األماكــن مخصصــة للتعليــق ‪ -‬بالنســبة للتظاهــرات الجماهيريــة واملواكــب والتجمعــات‪ ،‬تخضــع كذلــك لشــروط خاصــة‬
‫بهــا‪ ،‬هــي حــرة مــن حيــث املبــدأ لكــن يجــب إعــام الهيئــة بهــا كتابيــا قبــل انعقادهــا بيومــن علــى األقــل ويجــب‬
‫علــى القائمــة املترشــحة تعيــن مكتــب اجتمــاع يتولــى حفــظ النظــام والحــرص علــى حســن ســير التظاهــرة ويتكــون‬
‫مــن شــخصني علــى األقــل يتوفــر فيهمــا صفــة الناخــب ‪ -‬الدعايــة فــي وســائل اإلعــام الوطنيــة‪ ،‬تخضــع بدورهــا‬
‫إلــى شــروط خاصــة‪ ،‬حيــث يمنــع عليهــا القيــام باإلشــهار السياســي أو بــث نتائــج ســبر اآلراء التــي لهــا صلــة‬
‫مباشــرة أو غيــر مباشــرة باالنتخابــات والدراســات والتعاليــق الصحفيــة الخاصــة بهــا أو اإلعــان عــن تخصيــص‬
‫رقــم هاتــف مجانــي أو مــوزع صوتــي أو مركــز نــداء لفائــدة مترشــح أو قائمــة مترشــحة أو حــزب‪ ،‬ويتحتــم عليهــا‬
‫توزيــع الحصــص والبرامــج علــى القائمــات املترشــحة واملترشــحني علــى أســاس احتــرام مبــادئ التعدديــة واإلنصــاف‬
‫والشــفافية‪ .‬الدعايــة فــي وســائل اإلعــام األجنبيــة‪ ،‬تنظمهــا كذلــك ضوابــط خاصــة بهــا ذلــك أنّ اســتعمال وســائل‬
‫اإلعــام األجنبيــة هــي إمكانيــة مخولــة فقــط للقائمــات املترشــحة عــن الدوائــر االنتخابيــة فــي الخــارج دون ســواها‬
‫ويجــب علــى تلــك القائمــات أن تلتــزم بإعــام الهيئــة الفرعيــة بالتغطيــة اإلعالميــة التــي شــاركت فيهــا وم ّدهــا بنســخة‬
‫منهــا فــي أجــل ال يتجــاوز ‪ 48‬ســاعة ‪ -‬الدعايــة فــي املواقــع االلكترونيــة ووســائل التواصــل االجتماعــي تخضــع كذلــك‬
‫لشــروط خاصــة حيــث يتعــن علــى املترشــحني والقائمــات املترشــحة واألحــزاب مـ ّد الهيئــة بقائمــة فــي املواقــع والوســائط‬
‫االلكترونيــة وحســابات التواصــل االجتماعــي التابعــة لهــا املســتخدمة فــي الحملــة وذلــك قبــل انطــاق الحملــة‪.‬‬
‫‪ .3‬القانــون األساســي عــدد ‪ 23‬لســنة ‪ 2012‬املــؤرخ فــي ‪ 20‬ديســمبر ‪ 2012‬واملتعلــق بالهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات‬
‫كمــا تــم تنقيحــه واتمامــه بالقانــون األساســي عــدد ‪ 44‬لســنة ‪ 2013‬املــؤرخ فــي ‪ 1‬نوفمبــر ‪ 2013‬وبالقانــون األساســي‬
‫عــدد ‪ 52‬لســنة ‪ 2013‬املــؤرخ فــي ‪ 28‬ديســمبر ‪.2013‬‬
‫‪ .4‬وهو ما نص عليه الفصل ‪ 19‬من القانون األساسي عدد ‪ 23‬لسنة ‪ 2012‬املذكور‪.‬‬
‫‪255‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫مســانديهم بقواعــد ومبــادئ الحملــة بمناســبة ممارســتهم ألنشــطتهم الدعائيــة وفــرض‬


‫احترامهــا طبــق القانــون‪ ،‬وهــذا الواجــب املحمــول علــى الهيئــة يجــد ســندا لــه فــي‬
‫القانــون االنتخابــي الــذي خــول لهــا اتخــاذ التدابيــر واإلجــراءات الكفيلــة بوضــع‬
‫‪1‬‬
‫ح ـ ّد للمخالفــات املرتكبــة مــن قبــل القائمــات املترشــحة واملترشــحني أو مســاندوهم‪.‬‬
‫هــذه الســلطة املخولــة لهيئــة االنتخابــات فــي ضبــط قواعــد الحملــة االنتخابيــة مــن جهــة‪،‬‬
‫وفــرض احترامهــا طبــق القانــون مــن جهــة أخــرى ال يمكــن أن تُؤخــذ علــى إطالقهــا‬
‫وإنمــا وجــب أن تكــون خاضعــة للرقابــة القضائيــة‪ ،‬رقابــة ترجــع للقاضــي اإلداري‬
‫باعتبــار أنــه يختــص ال فقــط بالنظــر فــي شــرعية القــرارات الصــادرة فــي املــادة اإلداريــة‪،2‬‬
‫وإنمــا يعتبــر فــي نفــس الوقــت قاضــي النــزاع االنتخابــي‪ ،‬حيــث ينظــر فــي جميــع‬
‫الطعــون االنتخابيــة عــدا بعــض االســتثناءات‪ 3‬التــي حافــظ عليهــا القانــون االنتخابــي‬
‫والتــي لــم يعــد لهــا مــا ُيب ّررهــا فــي ظــل تكريــس المركزيــة القضــاء اإلداري وإحــداث‬
‫دوائــر ابتدائيــة فــي الجهــات وذلــك فــي انتظــار مالئمــة قانــون املحكمــة اإلداريــة مــع‬
‫الدســتور التونســي وإحــداث محاكــم ابتدائيــة واســتئنافية إداريــة ومحكمــة إداريــة عليــا‪.‬‬
‫وتأخــذ الرقابــة التــي يمكــن للقاضــي اإلداري أن يمارســها فــي إطــار الحمــات‬
‫االنتخابيــة شــكلني مختلفــن‪ ،‬فهــي إ ّمــا أن تكــون رقابــة مباشــرة عــن طريــق الدعــوى‬
‫(الجــزء األول) أو أن تكــون رقابــة غيــر مباشــرة عــن طريــق الدفــع (الجــزء الثانــي)‪.‬‬

‫الجزء األول‪ :‬الرقابة عن طريق الدعوى‬

‫تُعــ ّرف الرقابــة عــن طريــق الدعــوى بأنهــا الطلــب الرامــي إلــى إلغــاء أو تعديــل‬
‫قــرار أو عقــد إداري‪ ،‬وبهــذا املعنــى فــإن هــذه الرقابــة ال تخــول للقاضــي اإلداري‬
‫ســوى النظــر فــي شــرعية التراتيــب املنظمــة للحمــات االنتخابيــة (فقــرة أولــى) دون‬
‫التدابيــر املتخــذة لفــرض احتــرام مبادئهــا وقواعدهــا طبــق القانــون (فقــرة ثانيــة)‪.‬‬

‫‪ .1‬وهــو مــا نصــت عليــه النقطــة ‪ 13‬مــن الفصــل ‪ 3‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 23‬لســنة ‪ 2012‬وكذلــك الفصــل ‪ 71‬مــن‬
‫القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء‪.‬‬
‫‪ .2‬ينــص الفصــل ‪ 17‬مــن القانــون عــدد ‪ 40‬لســنة ‪ 1972‬املتعلــق باملحكمــة االداريــة علــى أنــه تختــص الدوائــر‬
‫االبتدائيــة بالنظــر ابتدائيــا فــي دعــاوى تجــاوز الســلطة التــي ترفــع إللغــاء املقــررات الصــادرة فــي املــادة االداريــة‪.‬‬
‫‪ .3‬ونعنــي بذلــك النزاعــات املتعلقــة بالترســيم بقائمــات الناخبــن والتــي ترجــع بالنظــر للمحاكــم‬
‫العدليــة املختصــة ترابيــا فــي طوريهــا االبتدائــي واالســتئنافي (الفصــول ‪ 16‬و‪ 17‬و‪ 18‬مــن القانــون‬
‫االنتخابــي)‪ .‬والنزاعــات املتعلقــة بالترشــح لالنتخابــات التشــريعية والتــي ترجــع بالنظــر للمحاكــم‬
‫العدليــة املختصــة ترابيــا فــي طورهــا االبتدائــي فقــط (الفصلــن ‪ 27‬و‪ 28‬مــن القانــون االنتخابــي)‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪256‬‬

‫فقرة أولى‪ :‬التراتيب املنظمة للحمالت االنتخابية‬

‫باعتبارهــا الضامنــة النتخابــات نزيهــة وشــفافة والجهــة املخ ّولــة لوضــع التراتيــب ال ّ‬
‫الزمــة‬
‫لتنفيــذ التشــريع االنتخابــي‪ ،1‬تتخــذ هيئــة االنتخابــات قــرارات ترتيبيــة لتنظيــم الحمــات‬
‫االنتخابيــة‪ ،‬وقــد أصــدرت فــي هــذا اإلطــار ســتة قــرارات‪ :‬قرار يتعلــق بضبط قواعــد تنظيم‬
‫الحملــة االنتخابيــة وإجراءاتهــا‪ 2‬وآخــر يتعلــق بضبــط قواعــد تمويلهــا‪ 3‬وأربعــة قــرارات‬
‫تتعلــق بالقواعــد التــي يتعــن علــى وســائل اإلعــام التقيــد بهــا خــال الحملــة االنتخابيــة‬
‫وبشــروط اســتعمال القائمــات املترشــحة واملترشــحني لوســائل اإلعالم الوطنيــة واألجنبية‪.4‬‬
‫هــذه التراتيــب التــي يتخذهــا مجلــس الهيئــة لتنظيــم الحمــات االنتخابيــة تنــدرج ضمــن‬
‫مــا يســمى بالقــرارات التحضيريــة لالنتخابــات‪ 5‬وقــد نــص الفصــل ‪ 19‬مــن القانــون‬
‫األساســي املتعلــق بالهيئــة علــى أن تكــون تلــك التراتيــب «قابلــة للطعــن أمــام املحاكــم‬
‫املختصــة بحســب الشــروط واإلجــراءات التــي يضبطهــا القانــون»‪.‬‬
‫وال ريــب فــي أنّ املقصــود باملحاكــم املختصــة حســب الفصــل املذكــور هــو القاضــي‬
‫اإلداري دون ســواه وذلــك لســببني علــى األقــل‪:‬‬
‫• أوال ألنّ األمــر يتعلــق بقــرارات عامــة مجــردة وملزمــة صــادرة عــن هيئــة عموميــة‬

‫‪ .1‬ينــص الفصــل ‪ 19‬مــن القانــون املتعلــق بهيئــة االنتخابــات علــى أنــه «يتولــى مجلــس الهيئــة وضــع التراتيــب الالزمــة‬
‫لتنفيــذ التشــريع االنتخابــي‪»...‬‬
‫‪ .2‬القــرار الترتيبــي عــدد ‪ 22‬لســنة ‪ 2019‬املــؤرخ فــي ‪ 22‬أوت ‪ 2019‬واملتعلــق بضبــط قواعــد تنظيــم الحملــة االنتخابيــة‬
‫وحملــة االســتفتاء وإجراءاتهــا‪ .‬القــرار عــدد ‪ 20‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪ 8‬أوت ‪ 2014‬واملتعلــق بضبــط قواعــد تمويــل‬
‫الحملــة االنتخابيــة واجراءاتــه وطرقــه كمــا تــم تنقيحــه واتمامــه بالقــرار عــدد ‪ 17‬املــؤرخ فــي ‪ 23‬أكتوبــر ‪.2017‬‬
‫‪ .3‬القــرار عــدد ‪ 20‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪ 8‬أوت ‪ 2014‬واملتعلــق بضبــط قواعــد تمويــل الحملــة االنتخابيــة واجراءاتــه‬
‫وطرقــه كمــا تــم تنقيحــه واتمامــه بالقــرار عــدد ‪ 17‬املــؤرخ فــي ‪ 23‬أكتوبــر ‪.2017‬‬
‫‪ .4‬القــرار عــدد ‪ 8‬لســنة ‪ 2018‬املــؤرخ فــي ‪ 20‬فيفــري ‪ 2018‬واملتعلــق بضبــط القواعــد والشــروط التــي يتعــن‬
‫علــى وســائل االعــام التقيــد بهــا خــال الحملــة االنتخابيــة وحملــة االســتفتاء‪ .‬القــرار املشــترك بــن الهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات والهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي البصــري املــؤرخ فــي ‪ 21‬أوت ‪ 2019‬واملتعلــق‬
‫بضبــط القواعــد الخاصــة بتغطيــة الحملــة االنتخابيــة الرئاســية والتشــريعية بوســائل اإلعــام واالتصــال الســمعي‬
‫والبصــري واجراءاتهــا‪ .‬القــرار املشــترك بــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات والهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال‬
‫الســمعي والبصــري املــؤرخ فــي ‪ 14‬فيفــري ‪ 2018‬واملتعلــق بضبــط القواعــد الخاصــة بتغطيــة الحملــة االنتخابيــة‬
‫البلديــة والجهويــة بوســائل االعــام واالتصــال الســمعي والبصــري واجراءاتهــا كمــا تــم تنقيحــه بالقــرار املشــترك‬
‫بينهمــا املــؤرخ فــي ‪ 18‬أفريــل ‪ .2018‬القــرار عــدد ‪ 27‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪ 10‬ســبتمبر ‪ 2014‬واملتعلــق بضبــط‬
‫القواعــد الخاصــة باســتعمال القائمــات املترشــحة عــن الدوائــر االنتخابيــة فــي الخــارج لوســائل اإلعــام األجنبيــة‪.‬‬
‫»‪5. «Les actes préparatoires à l’élection‬‬
‫‪257‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫مســتقلة‪ ،‬وهــي تحــوز بصفتهــا تلــك مواصفــات املقــررات اإلداريــة االنفراديــة مــن حيــث‬
‫أنهــا آحاديــة تنفيذيــة ومؤثــرة فــي املراكــز القانونيــة‪.1‬‬
‫• وثانيــا ألنّ لهــا عالقــة مباشــرة باالنتخابــات‪ ،‬والخيــار الــذي ارتــآه املشــرع‬
‫التونســي هــو اســناد النــزاع االنتخابــي برمتــه إلــى املحكمــة اإلداريــة‪ 2‬بمــا‬
‫فــي ذلــك املتعلــق باالنتخابــات التشــريعية والرئاســية بالرغــم مــن طبيعتهــا‬
‫السياســية التــي ال تتــاءم بالضــرورة مــع اختصــاص القاضــي اإلداري‪ 3‬مثلمــا‬
‫رســم حــدوده دســتور ‪ 27‬جانفــي ‪ 4 2014‬والــذي ال يخــول لــه ســوى النظــر فــي‬
‫االنتخابــات ذات الصبغــة اإلداريــة علــى غــرار انتخابــات مجالــس األقســام العلميــة‬
‫وانتخابــات أعضــاء املجلــس األعلــى للقضــاء واالنتخابــات البلديــة والجهويــة‪.‬‬
‫وإذا كان القاضي اإلداري هو الذي يرجع إليه مراقبة التراتيب املنظمة للحمالت االنتخابية‬
‫فمــن هــو املقصــود بذلــك؟ هــل هــو قاضــي تجــاوز الســلطة املختــص بالنظــر فــي شــرعية‬
‫املقــررات اإلداريــة؟ أم هــو القاضــي االنتخابــي املنتصــب للبــت فــي الطعــون االنتخابيــة؟‬
‫تختلــف اإلجابــة علــى هــذا التســاؤل بمــدى اتصــال تلــك القــرارات بالعمليــة االنتخابيــة أو‬
‫بانفصالهــا عنهــا‪:‬‬
‫فــإذا اعتبرنــا أنهــا متصلــة بالعمليــة االنتخابيــة‪ 5‬تكــون الدعــاوى املرفوعــة فــي خصوصهــا‬
‫أمــام قاضــي تجــاوز الســلطة حريــة بعــدم القبــول نظــرا ألن النزاعــات املتعلقــة‬
‫بالعمليــات االنتخابيــة تتجــاوز نطــاق قضــاء اإللغــاء‪ ،‬باعتبــار أنّ النظــر فيهــا يقتضــي‬
‫عــدم التوقــف عنــد إلغائهــا وإنمــا يتطلــب صالحيــات أوســع ال يمكــن أن تنــدرج إال‬

‫‪ .1‬أحاديــة بمعنــى أنهــا تع ّبــر عــن إرادة اإلدارة دون ســواها‪ ،‬تنفيذيــة بمعنــى أنهــا قابلــة للتنفيــذ بذاتهــا دون‬
‫حاجــة التخــاذ إجــراء ثانــي أو اللجــوء إلــى ســلطة معينــة لتنفيذهــا وأخيــرا مؤثــرة فــي املراكــز القانونيــة‬
‫بمعنــى مغيــرة فــي الوضعيــة القانونيــة للمنظوريــن اإلداريــن ســواء باإللغــاء أو التعديــل أو التأييــد‪.‬‬
‫‪ .2‬عدا بعض االستثناءات التي تؤكد املبدأ‪.‬‬
‫‪ .3‬فهــل يمكــن أن نســتنتج مــن ذلــك عــدم دســتورية القانــون األساســي لالنتخابــات حــن اســند‬
‫للقاضــي االداري اختصــاص النظــر فــي النزاعــات املتعلقــة باالنتخابــات التشــريعية والرئاســية‬
‫؟ تبقــى املحكمــة الدســتورية املرتقــب احداثهــا هــي املخولــة لإلجابــة علــى هــذا التســاؤل‪.‬‬
‫‪ .4‬ينــص الفصــل ‪ 116‬مــن الدســتور علــى أن «‪ ...‬يختــص القضــاء اإلداري بالنظــر فــي تجــاوز االدارة ســلطتها وفــي‬
‫النزاعــات االداريــة ويمــارس وظيفــة استشــارية طبــق القانــون‪»...‬‬
‫‪ .5‬إلــى حــدود الســنوات األولــى مــن القــرن العشــرين كانــت تعتبــر القــرارات املنظمــة لالنتخابــات فــي فقــه قضــاء‬
‫مجلــس الدولــة الفرنســي جــزءا ال يتجــزأ مــن العمليــة االنتخابيــة التــي ال ينــدرج النظــر فيهــا إال فــي إطــار القضــاء‬
‫الكامل‪.‬يراجــع حــول هــذه املســألة‪:‬‬
‫‪CHAPUS (R.), Droit Du Contentieux Administratif, Montchrestien, 13 éd, p. 702‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪258‬‬

‫فــي نطــاق القضــاء الكامــل املوضوعــي‪ .1‬أ ّمــا إذا اعتبرنــا أنّ تلــك القــرارات منفصلــة‬
‫عــن العمليــة االنتخابيــة جــاز آنــذاك إقــرار اختصــاص قاضــي اإللغــاء بالنظــر فيهــا‪.‬‬
‫فــي هــذا اإلطــار اســتقر فقــه القضــاء املقــارن علــى اعتبــار أنّ القــرارات‬
‫الترتيبيــة املنظمــة لالنتخابــات التــي تتّصــف بصبغــة الــدوام واالســتمرارية وال‬
‫تســتنفذ آثارهــا بمجــرد التصريــح بنتائــج االنتخابــات إنمــا تنفصــل عــن العمليــة‬
‫االنتخابيــة ويجــوز الطعــن فيهــا أمــام قاضــي تجــاوز الســلطة‪ 2‬حتــى ولــو تعلقــت‬
‫بانتخابــات سياســية يرجــع البــت فــي صحــة نتائجهــا إلــى القاضــي الدســتوري‪.3‬‬
‫ويجد ذلك تبريرا له في أنّ عدم النظر في شرعية تلك القرارات في تاريخ صدورها وتأجيل‬
‫النظــر فيهــا إلــى مرحلــة الطعــون فــي نتائــج لالنتخابــات يضعنــا أمــام احتمالــن ممكنــن‪:‬‬
‫تفحص شرعيتها من قبل‬ ‫• إ ّما أن تكون تلك القرارات شرعية وفي هذه الصورة سيؤدي ّ‬
‫القاضي االنتخابي بمناســبة الدفع أمامه بذلك إلى تشـ ّعب كبير لعمله وهو ما سيتســبب‬
‫فــي إخــال خطيــر بنجاعــة الرقابــة التــي يمارســها علــى النتائــج األوليــة لالنتخابــات‪.‬‬
‫• وإ ّمــا أن تكــون تلــك القــرارات غيــر شــرعية وفــي هــذه الصــورة ســتكون العمليــة‬
‫االنتخابيــة برمتهــا باطلــة ألنهــا ُبنيــت بالنهايــة علــى باطــل‪.‬‬
‫إنّ خطــورة اآلثــار التــي ســتترتب عــن التصريــح بعــدم شــرعية التراتيــب املنظمــة‬
‫لالنتخابــات بمــا فــي ذلــك تلــك املتعلقــة بالحملــة االنتخابيــة بعــد اإلعــان علــى‬
‫نتائجهــا األوليــة ومــا ســيؤدي إليــه مــن بطــان العمليــة االنتخابيــة برمتهــا هــي‬
‫‪4‬‬
‫التــي بــ ّررت هــذا التوجــه القضائــي والــذي ع ّبــر عنــه املجلــس الدســتوري الفرنســي‬
‫بحيثيــة مبدئيــة جــاء فيهــا أنّ «عــدم قبولــه الطعــن فــي تلــك القــرارات مــن شــأنه أن‬

‫اإللغاء ‪le contentieux de l’annulation‬‬ ‫‪ .1‬ينقسم النزاع اإلداري إلى فرعني‪ :‬قضاء‬
‫والقضاء الكامل ‪،le plein contentieux ou le contentieux de pleine juridiction‬‬
‫أمــا قضــاء االلغــاء فهــو قضــاء موضوعــي يهــدف إلــى حمايــة الشــرعية القانونيــة وتكــون فيــه ســلطات القاضــي‬
‫محــدودة حيــث يكتفــي إ ّمــا بإلغــاء القــرار املطعــون فيــه أو برفــض الدعــوى وتقديــر شــرعية القــرار يكــون دائمــا فــي‬
‫تاريــخ اتخــاذه‪.‬‬
‫وأ ّما القضاء الكامل والذي ينقسم بدوره إلى قضاء كامل ذاتي‬
‫‪recours subjectif de plein contentieux‬‬
‫على غرار النزاعات املتعلقة باملسؤولية التعاقدية‪ ،‬وقضاء كامل موضوعي‬
‫‪recours objectif de plein contentieux‬‬
‫علــى غــرار النزاعــات االنتخابيــة والــذ يتكــون فيــه صالحيــات القاضــي أوســع حيــث يمكــن أن يعــدل القــرار املطعــون‬
‫فيــه أو أن يعوضــه بقــرار جديــد أو أن يحكــم بالتعويــض‪.‬‬
‫‪2. CE, 22 octobre 1979, union démocratique du travail, p.384, AJ 1980, p.19.‬‬

‫‪3. CE, 12 mars 1993, union nat. Ecologique et parti pour la défense des animaux, p.67.AJ 1993, p. 336.‬‬

‫‪4. CC, 16 et 20 avril 1982, Bernard et autres, rec, p.109.‬‬


‫‪259‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫يــؤدي إلــى اخــال خطيــر بنجاعــة الرقابــة املجــراة علــى العمليــات االنتخابيــة‬
‫وبمــآل املســار االنتخابــي برمتــه وبالنهايــة بالســير العــادي للســلط العموميــة»‪.1‬‬
‫مــن جهتهــا تســنى للمحكمــة اإلداريــة أن نظــرت فــي إشــكال كمثــل هــذا بمناســبة‬
‫انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي لســنة ‪ 2011‬حيــث طعــن حــزب االتحــاد‬
‫الوطنــي الحــر باإللغــاء أمامهــا فــي قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات املتعلــق‬
‫بضبــط قواعــد وإجــراءات الحملــة االنتخابيــة فــي مــا تضمنــه مــن منــع الدعايــة‬
‫االنتخابيــة فــي جميــع وســائل اإلعــام بمؤسســات اإلعــام العموميــة والخاصــة‬
‫فــي فتــرة مــا قبــل الحملــة‪ .‬وأرفــق عريضــة طعنــه بمطلــب فــي توقيــف التنفيــذ‪.‬‬
‫كمــا طعــن حــزب الحركــة اإلصالحيــة التونســية فــي قــرار هيئــة االنتخابــات املتعلــق بضبط‬
‫القواعــد التــي يتعــن علــى وســائل اإلعــام الســمعية والبصريــة التقيــد بهــا خــال الحملــة‬
‫حجــره علــى وســائل اإلعــام الوطنيــة الخاصــة مــن اســتعمال أســاليب‬ ‫االنتخابيــة فيمــا ّ‬
‫اإلشــهار التجــاري لغايــة دعايــة انتخابيــة لفائــدة املترشــحني‪ ،‬وطلــب كذلــك توقيــف تنفيــذه‪.‬‬
‫أ ّمــا عــن مطلــب توقيــف تنفيــذ قــرار ضبــط قواعــد الحملــة فقــد انتهــت رئاســة املحكمــة‬
‫إلــى رفضــه باالســتناد إلــى أنــه «ال ضــرر يصعــب تداركــه مــن تحجيــر محــدود للدعايــة‬
‫االنتخابيــة مــن حيــث الوســائل املســتعملة ولفتــرة وجيــزة»‪ .2‬وهــو نفــس املوقــف الــذي‬
‫انتهــت إليــه فــي خصــوص طلــب توقيــف تنفيــذ قــرار الهيئــة القاضــي بضبــط القواعــد‬
‫التــي يتعــن علــى وســائل اإلعــام الســمعية والبصريــة التقيــد بهــا خــال الحملــة‬
‫االنتخابيــة‪ ،‬معتبــرة أنّ «تحجيــر الهيئــة علــى وســائل اإلعــام الوطنيــة الخاصــة اســتعمال‬
‫أســاليب اإلشــهار التجــاري لغايــة دعايــة انتخابيــة لفائــدة املترشــحني‪ ...‬ينــدرج ضمــن‬
‫مــا أوكل إليهــا مــن مهمــة اإلعــداد النتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي واإلشــراف‬
‫عليهــا ومراقبــة ملختلــف العمليــات االنتخابيــة‪ ...‬وأنّ األســباب املســتند إليهــا ال تبــدو فــي‬
‫ظاهرهــا جديــة وأن مواصلــة تنفيــذ القــرار املنتقــد ليــس مــن شــأنه أن يتســبب للطالــب‬
‫فــي أضــرار يصعــب تداركهــا طاملــا أنــه بإمكانــه ممارســة وســائل دعايــة أخــرى غيــر تلــك‬

‫‪1. «L’irrecevabilité du recours risquerait de compromettre gravement l’efficacité du contrôle de l’élection,‬‬


‫‪vicierait le déroulement général des opérations électorales et ainsi pourrait porter atteinte au fonctionnement‬‬
‫‪normal des pouvoirs publics».‬‬
‫ولعلــه مــن املفيــد اإلشــارة فــي هــذا الصــدد إلــى أنّ املجلــس الدســتوري الفرنســي أقــر لنفســه هــذا االختصــاص‬
‫لســد الفــراغ الــذي تركــه مجلــس الدولــة الفرنســي عندمــا اســتقر فــي مرحلــة أولــى علــى التصريــح بعــدم‬
‫اختصاصــه بالنظــر فــي القــرارات التحضيريــة لالنتخابات التشــريعية والرئاســية التصالها بتلــك االنتخابات‬
‫والتــي يرجــع للقاضــي الدســتوري دون ســواه مراقبــة صحــة نتائجهــا لطبيعتهــا السياســية البحتــة‪.‬‬
‫‪ .2‬القرار عدد ‪ 413885‬الصادر بتاريخ ‪ 5‬أكتوبر ‪ ،2011‬غير منشور‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪260‬‬

‫التــي حجرتهــا أحــكام الفصــل ‪ 15‬مــن القــرار املــراد توقــف تنفيــذه»‪.1‬‬


‫ويفهــم مــن ذلــك أنّ املحكمــة أو باألحــرى رئاســتها األولــى اعتبــرت بصفــة ضمنيــة أنّ‬
‫قــراري هيئــة االنتخابــات املتعلقــن بتنظيــم الحملــة االنتخابيــة النتخابــات املجلــس الوطنــي‬
‫التأسيســي وضبــط القواعــد التــي يتعــن علــى وســائل اإلعــام الســمعية والبصريــة التقيــد‬
‫بهــا خــال الحملــة االنتخابيــة همــا قراريــن منفصلــن عــن العمليــة االنتخابية يجــوز الطعن‬
‫فيهمــا باإللغــاء أمــام قاضــي تجــاوز الســلطة ومــن بــاب أولــى طلــب توقيــف تنفيذهمــا‪.‬‬
‫أ ّمــا قاضــي األصــل فقــد انتهــى إلــى التصريــح بختــم القضيتــن النعــدام مــا يســتوجب‬
‫النظــر فيهمــا باالســتناد إلــى «أن الطعــن يغــدو غيــر ذي جــدوى اثــر التصريــح بالنتائــج‬
‫النهائيــة النتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي ضــرورة أنّ إلغــاء القــرار علــى فــرض‬
‫كل طعــن»‪.2‬‬‫التوصــل إليــه لــن يربــك نتائــج االنتخابــات بــأي حــال لتحصنهــا مــن ّ‬
‫ويطــرح موقــف قاضــي األصــل‪ ،‬الــذي خلــص إلــى انعدام ما يســتوجب النظر فــي الدعويني‬
‫املرفوعتــن إللغــاء قــراري هيئــة االنتخابــات املتعلقــن بضبــط قواعــد الحملــة االنتخابيــة‬
‫وبالشــروط التــي يتعــن علــى وســائل اإلعــام التقيــد بهــا خاللهــا‪ ،‬إشــكاال متعلقــا بعــدم‬
‫تــاؤم إجــراءات تقديــم دعــاوى تجــاوز الســلطة والتحقيــق فيهــا أمــام املحكمــة اإلداريــة مع‬
‫ـت فــي الطعــون املتعلقــة بنتائجهــا‪ ،‬ذلــك‬
‫اإلكراهــات الزمنيــة للعمليــة االنتخابيــة وآلجــال البـ ّ‬
‫أنــه مــن املفــروض أن يقــع البــت فــي شــرعية تلــك القــرارات حســب إجــراءات مبســطة وفــي‬
‫كل الحــاالت موعد اإلعالن عن النتائــج األولية لالنتخابات‪.‬‬ ‫آجــال مختصــرة ال تتجــاوز فــي ّ‬
‫ومــع ذلــك يبقــى مــا انتهــى إليــه قاضــي األصــل مــن عــدم جــدوى النظــر فــي قــراري‬
‫هيئــة االنتخابــات الترتيبيــن املنظمــن للحملــة االنتخابيــة النتخابــات املجلــس الوطنــي‬
‫التأسيســي بعــد اإلعــان عــن نتائجهــا النهائيــة ُمبــررا فقــط بالصبغــة الظرفيــة ألحكامهمــا‬
‫والتــي تخــص تلــك االنتخابــات دون ســواها‪ .‬أ ّمــا لــو كانــت أحكامهمــا متســمة بصفــة‬
‫الــدوام واالســتمرارية فــا نعتقــد أ ّنــه كان ســينتهي إلــى هــذا املوقــف‪ ،‬باعتبــار أنّ جــدوى‬
‫النظــر فــي شــرعيتها تبقــى قائمــة حتــى بعــد التصريــح بنتائــج االنتخابــات املعنيــة بالطعن‪.‬‬

‫‪ .1‬القــرار عــدد ‪ 413897‬الصــادر بتاريــخ ‪ 18‬أكتوبــر ‪ ،2011‬فقــه قضــاء املحكمــة االداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة‬
‫بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي‪ ،‬منشــورات املطبعــة الرســمية للجمهوريــة التونســية ‪ ،2013‬ص ‪.662‬‬
‫‪ .2‬الحكــم الصــادر فــي القضيــة عــدد ‪ 124694‬والحكــم الصــادر فــي القضيــة عــدد ‪ 124821‬بتاريــخ ‪ 10‬جويليــة ‪،2014‬‬
‫غيــر منشــوين‪.‬‬
‫‪261‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫فقرة ثانية‪ :‬التدابير املتخذة لفرض احترام قواعد‬


‫الحمالت االنتخابية‬

‫فــي إطــار مراقبتهــا ملــدى التــزام القائمــات املترشــحة واملترشــحني ومســانديهم‬


‫بقواعــد الحملــة االنتخابيــة ووســائلها وفــرض احترامهــا طبــق القانــون تتخــذ هيئــة‬
‫االنتخابــات التدابيــر واإلجــراءات الكفيلــة بوضــع حــ ّد للمخالفــات املرتكبــة‪ 1‬والتــي‬
‫عــادة مــا تتخــذ شــكل قــرارات فرديــة صــادرة عــن الهيئــات الفرعيــة املختصــة‬
‫ترابيــا‪ ،‬وهــذه القــرارات يمكــن أن تكــون قــرارات صريحــة أو قــرارات ضمنيــة‪.‬‬
‫أ ّمــا عــن القــرارات الصريحــة التــي يمكــن لهيئــة االنتخابــات أن تتخذهــا فــي إطــار فــرض‬
‫احتــرام قواعــد الحمــات االنتخابيــة فتتمثــل خاصــة في حجــز اإلعالنات االنتخابيــة‪ ،‬إزالة‬
‫فض االجتماعات واالستعراضات واملواكب‬ ‫املعلقات أو الوسائط اإلشهارية غير القانونية‪ّ ،‬‬
‫والتجمعــات‪ ،‬التصــدي للمخالفــات املرتكبــة عبــر املواقــع والوســائط االلكترونيــة وإزالتهــا‪.2‬‬
‫لكــن يحصــل لهيئــة االنتخابــات أن تُحجــم عــن اتخــاذ التدابيــر التــي يوجبهــا‬
‫القانــون لوضــع حــ ّد ملخالفــات ارتكبــت أثنــاء الحملــة االنتخابيــة إ ّمــا لعــدم‬
‫معاينتهــا مــن قبــل أعــوان الرقابــة التابعــن لهــا أو ألنهــا تعتبرهــا مــن قبيــل الدعايــة‬
‫املتاحــة قانونــا والتــي ال ترتقــي فــي تقديرهــا إلــى درجــة املخالفــات االنتخابيــة‪.‬‬
‫ومــا يمكــن التأكيــد عليــه فــي هــذا الخصــوص هــو أنّ قــرارات الهيئــة ســواء‬
‫كانــت صريحــة بوضــع حــ ّد للمخالفــة املرتكبــة أو ضمنيــة بعــدم اتخــاذ اإلجــراء‬
‫الــذي يوجبــه القانــون‪ ،‬تع ّبــر بالنهايــة عــن موقــف مع ّيــن لهــا‪ ،‬وهــذا املوقــف لــن‬
‫يتســنى للهيئــة أن تُبلــوره إ ّال بعــد إعطائهــا تكييفــا قانونيــا ســليما لوســيلة الدعايــة‬
‫موضــوع التشــكي أو التع ّهــد التلقائــي ومــدى تكوينهــا ملخالفــة انتخابيــة مــا‪.3‬‬
‫ذلــك أنّ الهيئــة سـتُعمِ ل ســلطتها فــي االجتهــاد والتقديــر‪ ،‬خاصة وأنّ بعــض املخالفات التي‬
‫نــص عليهــا القانــون االنتخابــي ليســت علــى قــدر كبيــر مــن البداهــة والوضــوح‪ ،‬علــى غــرار‬

‫‪ .1‬ينص الفصل ‪ 71‬من القانون األساســي عدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬على أنه «تتعهد الهيئة من تلقاء نفســها أو بطلب من أي‬
‫جهــة كانــت بمراقبــة احتــرام املترشــح أو القائمــة املترشــحة أو الحــزب ملبــادئ الحملــة والقواعــد واالجــراءات املنظمــة لها‬
‫وتتخــذ التدابيــر واالجــراءات الكفيلــة بوضــع حــد فــوري للمخالفــات ولهــا في ذلــك حجز االعالنــات االنتخابيــة أو املتعلقة‬
‫باالســتفتاء ويمكنهــا االســتعانة بالقــوة العامــة عنــد االقتضاء لفض االجتماعات واالســتعراضات واملواكــب والتجمعات»‪.‬‬
‫‪ .2‬وهــو مــا نــص عليــه الفصــل ‪ 31‬مــن قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات عــدد ‪ 22‬لســنة ‪2019‬‬
‫املــؤرخ فــي ‪ 22‬أوت ‪ 2019‬املتعلــق بضبــط قواعــد الحملــة االنتخابيــة وحملــة االســتفتاء وإجراءاتهــا‪.‬‬
‫‪ .3‬إشهار سياسي ‪ -‬استعمال موارد الدولة ‪ -‬دعوة إلى الكراهية وإلى التعصب والتمييز‪...‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪262‬‬

‫مخالفــة اإلشــهار السياســي‪ 1‬أو مخالفــة اســتعمل مــوارد الدولــة فــي الحملــة االنتخابيــة‪.2‬‬
‫بالنســبة لهــذه القــرارات الفرديــة ســواء كانــت صريحــة أو ضمنيــة‪ ،‬تجــدر اإلشــارة‬
‫إلــى أنّ القانــون األساســي املتعلــق باالنتخابــات لــم ينظــم إجــراءات تقاضــي فــي‬
‫‪3‬‬
‫خصوصهــا وذلــك علــى خــاف املرســوم املتعلــق بانتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي‬
‫والــذي أجــاز إمكانيــة الطعــن فــي القــرارات التــي تتخذهــا الهيئــة لوضــع حــد فــوري‬
‫لتجــاوزات الحملــة االنتخابيــة وذلــك أمــام الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة‪.4‬‬
‫فــي املقابــل اكتفــت هيئــة االنتخابــات ضمــن قرارهــا الترتيبــي عــدد ‪ 22‬لســنة ‪ 2019‬بتنظيــم‬
‫تظ ّلم إداري أمام مجلسها للنظر في قرارات الهيئات الفرعية وتوحيد مواقفها املتضاربة‪.5‬‬

‫‪ .1‬إنّ معيــار التمييــز بــن مــا هــو إعــام ‪ information‬أو دعايــة متاحــة قانونــا ‪ ،propagande licite‬وبــن مــا هــو إشــهار‬
‫‪ publicité‬ليــس بديهيــا‪ ،‬وأنّ الخيــط الفاصــل بــن املســألتني يبقــى رقيقــا ج ـ ّدا ويصعــب فــي بعــض الحــاالت تب ّينــه‬
‫ويمكــن فــي هــذا االطــار تقديــم مثالــن‪:‬‬
‫مثــال ‪ 1‬مأخــوذ مــن االنتخابــات الرئاســية لســنة ‪ :2014‬هنــاك أفعــال ك ّيفتهــا الهيئة على أنها من قبيل اإلشــهار السياســي‬
‫املق ّنــع متمثلــة فــي مــا عمــدت إليــه شــركة إشــهار خالل الفتــرة الفاصلة بــن اإلعالن عن نتائــج الدورة األولــى لالنتخابات‬
‫الرئاســية وقبــل انطــاق الحملــة االنتخابيــة للــدورة الثانيــة مــن نفــس االنتخابــات إلــى تركيــز معلقــات فــي العديــد مــن‬
‫الشــوارع الرئيســية للعاصمــة وضواحيهــا تضمنــت العبــارات التاليــة «الفقــر املؤقــت الوســخ املؤقــت والعنــف املؤقــت»‪.‬‬
‫الهيئــة قــ ّدرت أنّ مثــل هــذه العبــارات تتضمــن إشــارة ضمنيــة إلــى العهــدة الرئاســية للمترشــح للــدور‬
‫الثانــي محمــد املنصــف املرزوقــي الــذي كان يوصــف آنــذاك باملؤقــت ومــا تميــزت بــه مــن فقــر ووســخ‬
‫وعنــف‪ ،‬وتمثــل تبعــا لذلــك إشــهارا سياســيا مقنّعــا لفائــدة منافســه محمــد الباجــي قايــد السبســي الــذي‪،‬‬
‫بفــوزه فــي االنتخابــات‪ ،‬ســيضع حــ ّدا لجميــع تلــك املظاهــر‪ ،‬واتخــذت تبعــا لذلــك قــرارا بإزالــة املعلقــات‬
‫املذكــورة‪ ،‬وهــو موقــف يع ّبــر عــن اجتهــاد معــن للهيئــة وقــد تســ ّبب فــي جــدل كبيــر بــن مؤ ّيــد ومعــارض‪.‬‬
‫مثــال ‪ 2‬مأخــوذ مــن االنتخابــات التشــريعية لســنة ‪ :2019‬الهيئــة ك ّيفــت مــا قامــت بــه إذاعــة القــرآن الكريــم مــن بــثّ‬
‫برامــج دين ّيــة وتقديــم فتــاوى حــول بعــض املســائل ذات الصبغــة الدين ّيــة ورفــع األذان بصــوت صاحــب اإلذاعــة الــذي‬
‫هــو فــي نفــس الوقــت رئيــس قائمــة حــزب الرحمــة املترشــحة بالدائــرة االنتخابيــة بــن عــروس علــى أنــه إشــهار سياســي‪،‬‬
‫وهــذا املوقــف تس ـ ّبب كذلــك فــي جــدل كبيــر باعتبــار أنّ اإلشــهار السياســي كمــا ع ّرفــه القانــون االنتخابــي هــو ّ‬
‫«كل‬
‫عمليــة دعايــة تعتمــد أســاليب التســويق التجــاري تهــدف إلــى الترويــج لشــخص أو لبرنامــج أو لحــزب سياســي بهــدف‬
‫اســتمالة الناخبــن‪ ،»...‬فــي حــن أنّ بــثّ برامــج دينيــة ورفــع اآلذان ال ينــدرج ضمــن الترويــج لبرنامــج سياســي معــن‪.‬‬
‫‪ .2‬اعتبرت الهيئة بمناســبة االنتخابات الرئاســية لســنة ‪ 2014‬أنّ الحماية األمنية التي تمتّع بها املترشــح محمد املنصف‬
‫املرزوقــي عنــد قيامــه بحملتــه االنتخابيــة ومــا اقتضتــه آنــذاك مــن التن ّقــل في كامل تــراب الجمهوريــة بمرافقــة أمنية كبيرة‬
‫وباســتعمال أســطول مــن الســيارات املصفحــة‪ ،‬تُعتبــر مــن قبيل االســتعمال املتاح للمــوارد العمومية‪ ،‬وذلــك بالنظر ملركزه‬
‫تعســفه في اســتعمال تلك املوارد‪ ،‬وهذا املوقف تسـ ّبب كذلــك في جدل خاصة‬ ‫القانونــي مــن جهــة‪ ،‬واعتبــارا ألنــه لــم يثبت ّ‬
‫وأنّ مســألة التعســف فــي اســتعمال الحــق مــن عدمــه تبقــى مــن املســائل الذاتيــة الخاضعــة ملطلــق االجتهــاد والتقديــر‪.‬‬
‫‪ .3‬املرسوم عدد ‪ 35‬لسنة ‪ 2011‬املؤرخ في ‪ 10‬ماي ‪.2011‬‬
‫‪ .4‬يراجع الفصل ‪ 47‬منه‪.‬‬
‫‪ .5‬جــاء بالفصــل ‪ 32‬مــن القــرار املذكــور أنــه "يمكــن التظلــم أمــام مجلــس الهيئــة بخصــوص القــرارات‬
‫املتعلقــة بالحملــة االنتخابيــة الصــادرة عــن الهيئــات الفرعيــة ويمكــن ملجلــس الهيئــة عنــد االقتضــاء وخاصــة‬
‫فــي صــورة التضــارب فــي املواقــف بــن الهيئــات الفرعيــة التعهــد تلقائيــا ملراجعــة هــذه القــرارات"‪.‬‬
‫‪263‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫والســؤال املطــروح فــي هــذا اإلطــار هــو هــل يمكــن للمحكمــة اإلداريــة فــي‬
‫غيــاب نــص صريــح يخــول لهــا اختصــاص النظــر فــي الطعــون املوجهــة ضــ ّد‬
‫القــرارات الفرديــة املتخــذة فــي مجــال مراقبــة الحمــات االنتخابيــة أن تصــرح‬
‫بتوقيــف تنفيذهــا أو أن تــأذن اســتعجاليا بوضــع حــ ّد للتدابيــر املقــررة بموجبهــا‪.‬‬
‫فــي خصــوص الوســائل املجديــة التــي يمكــن للقاضــي اإلداري االســتعجالي أن يــأذن بها‪،‬‬
‫فــإن ذلــك يبقــى متوقفــا علــى توفــر ثالثة شــروط متالزمة هــي‪ :‬أوال وجود حالة تأكــد‪ ،‬وثانيا‬
‫أن ال تمــس الوســيلة املــأذون بهــا مــن القاضــي االســتعجالي مــن أصــل النزاع الــذي يمكن‬
‫أي قــرار إداري‪.1‬‬‫أن يتعهــد بــه قاضــي األصــل‪ ،‬وثالثــا أن ال تعطــل الوســيلة املذكورة تنفيذ ّ‬
‫وتطبيقــا للشــروط املذكــورة‪ ،‬فإنــه يتعــ ّذر علــى القاضــي اإلداري االســتعجالي أن‬
‫يــأذن بوضــع ح ـ ّد للتدابيــر املتخــذة مــن الهيئــة فــي إطــار مراقبــة الحمــات االنتخابيــة‬
‫ملســاس ذلــك بأصــل النــزاع مــن جهــة ولتعطيــل تنفيــذ قــرارات الهيئــة مــن جهــة أخــرى‪.‬‬
‫مؤسســة واألذون االســتعجالية مثلمــا وقــع تنظيمهــا‬
‫وهــذا يجعلنــا نتســاءل عــن جــدوى ّ‬
‫بقانــون املحكمــة اإلداريــة والتــي ح ّفهــا املشــرع بشــروط مجحفــة ض ّيقــت مــن مجــال ّ‬
‫تدخل‬
‫القاضــي االســتعجالي وجعلــت منهــا مؤسســة عاجــزة عــن أداء الوظيفــة التــي ُوجــدت‬
‫مــن أجلهــا واملتمثلــة فــي حمايــة الحقــوق وإيصالهــا إلــى أصحابهــا فــي وقــت وجيــز‪.‬‬
‫وســع مجــال ّ‬
‫تدخــل‬ ‫حــري بنــا أن نعــ ّرج علــى القانــون الفرنســي الــذي ّ‬
‫ّ‬ ‫وهنــا‬
‫القاضــي اإلداري االســتعجالي بــأن أقــر أنواعــا جديــدة مــن االســتعجالي‪،‬‬
‫‪2‬‬

‫كاســتعجالي الحريــات‪ ،‬أصبــح بمقتضــاه القاضــي االســتعجالي يفــرغ النــزاع‬


‫ويبــت فــي أصلــه فــي آجــال مختصــرة‪ ،‬وذلــك كضمــان أمثــل للحقــوق والحريــات‪.3‬‬
‫ّ‬
‫‪4‬‬
‫ويعرف اســتعجالي الحريات في القضاء الفرنســي تطبيقا مزدهرا له في املادة االنتخابية‬
‫حيث يراقب من خالله القاضي اإلداري االستعجالي مدى احترام اإلدارة ملبادئ املساواة‬

‫‪ .1‬ينــص الفصــل ‪ 81‬مــن قانــون املحكمــة اإلداريــة علــى أنــه "يمكــن فــي جميــع حــاالت التأكــد لرئيــس الدائــرة االبتدائيــة‬
‫أو االســتئنافية أن يــأذن اســتعجاليا باتخــاذ الوســائل الوقتيــة املجديــة بــدون مســاس باألصــل وبشــرط أ ّال يفضــي ذلــك‬
‫إلــى تعطيــل تنفيــذ أي قــرار إداري"‪.‬‬
‫‪2. Loi n° 2000-597 du 30juin 2000 relative au référé devant les juridictions administratives et modifiant le‬‬
‫‪code de justice administrative.‬‬

‫‪ .3‬ولعــل ذلــك مــا جعــل البعــض يتحــدث عــن حصــول تحـُّـول جوهــري فــي وظيفــة القضــاء اإلداري مــن قضــاء موضوعــي‬
‫حامــي للشــرعية القانونيــة إلــى قضــاء ذاتــي حامــي للحقــوق والحريات‪.‬‬
‫‪PETIT(J.), «Les armes du juge administratif dans la protection des libertés fondamentales», revue générale du‬‬
‫‪droit, www.reuegeneraledudroit.eu.‬‬

‫‪4. MALIGNER(B.), Les Procédures D’urgence et le Contentieux Pré- Electoral, mélange Jean Pierre Machelon,‬‬
‫‪p.686-703.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪264‬‬

‫واإلنصــاف وتكافــؤ الفــرص بــن املترشــحني أثنــاء الحمــات االنتخابيــة ويقــوم بوضــع ح ّد‬
‫للتجــاوزات التــي مــن شــأنها أن تمــس باملبــادئ املذكــورة فــي أجــل ال يتعــدى ‪ 48‬ســاعة‪.1‬‬
‫وهــذا أمــر مســتبعد بالنســبة لنظيــره التونســي الــذي يجــد نفســه مكبــا بشــروط مجحفــة‬
‫تحــول دون امكانيــة االذن بالوســائل املجديــة لضمــان احتــرام قواعــد ومبــادئ الحمــات‬
‫االنتخابيــة‪ ،‬وهــو مــا يحتــم تدخــا تشــريعا عاجــا إلضفــاء مزيــد مــن الفاعليــة علــى عمــل‬
‫القاضــي اإلداري االســتعجالي وذلــك بتليــن شــروط قبــول املطالــب االســتعجالية مــن‬
‫جهــة‪ ،‬وإقــرار أنــواع جديــدة مــن األذون االســتعجالية علــى غــرار اســتعجالي الحمــات‬
‫االنتخابيــة والــذي مــن شــأنه أن يمكنــه مــن وضع ح ّد فــوري أو تعديل اإلجــراءات والتدابير‬
‫املتخــذة مــن هيئــة االنتخابــات أو إلزامهــا باتخــاذ التدابيــر واإلجــراءات الضروريــة لفــرض‬
‫احتــرام قواعــد الحمــات االنتخابيــة طبــق التشــريع والتراتيــب الجــاري بهــا العمــل‪.‬‬
‫وإذا كانــت مؤسســة األذون االســتعجالية ال تفــي باملطلــوب علــى نحــو مــا ســلف بيانــه‬
‫فــإن مؤسســة توقيــف التنفيــذ ال تشــذ بدورهــا عــن هــذه القاعــدة‪ ،‬ذلــك أنّ فقــه قضــاء‬
‫املحكمــة اإلداريــة مســتقر علــى أنّ القــرارات الفرديــة املتخــذة فــي إطــار العمليــات‬
‫االنتخابيــة هــي متصلــة بهــا وأنّ الدعــاوى املرفوعــة فــي خصوصهــا أمــام قاضــي‬
‫تجــاوز الســلطة تكــون حريــة بعــدم القبــول نظــرا ألن النزاعــات املتعلقــة بالعمليــات‬
‫االنتخابيــة تتجــاوز نطــاق قضــاء اإللغــاء وتنــدرج فــي إطــار القضــاء الكامــل‪ ،‬وطاملــا‬
‫أنّ توقيــف التنفيــذ هــو فــرع مرتبــط بدعــوى تجــاوز الســلطة فــإن املطالــب الراميــة إلــى‬
‫توقيــف تنفيــذ التدابيــر املتخــذة مــن الهيئــة فــي مجــال مراقبــة الحمــات االنتخابيــة أو‬
‫تلــك التــي تحجــم عــن اتخاذهــا‪ ،‬ســتعرف نفــس املــآل أي التصريــح بعــدم القبــول‪.2‬‬
‫إنّ عــدم تنظيــم التشــريع االنتخابــي النافــذ إلجــراءات تقاضــي فــي خصــوص التدابيــر‬
‫املتخــذة مــن الهيئــة فــي إطــار فــرض احتــرام قواعــد الحمــات االنتخابيــة مــن جهــة‪،‬‬
‫وعــدم نجاعــة القضــاء االســتعجالي مثلمــا وقــع تنظيمــه بقانــون املحكمــة اإلداريــة مــن‬
‫جهــة أخــرى‪ ،‬يــؤول إلــى تحصــن مرحلــة هامــة مــن العمليــة االنتخابيــة مــن الرقابــة‬
‫عــن طريــق الدعــوى وال يتســنى ممارســة تلــك الرقابــة إ ّال بصفــة الحقــة وغيــر مباشــرة‬
‫بمناســبة بــت قاضــي النتائــج فــي الطعــون املتعلقــة بالنتائــج األوليــة لالنتخابــات‪.‬‬

‫‪1. CE, 7 mars 2002, req. n 243833, M. Pierre Larrouturou.‬‬

‫‪ .2‬يمكــن أن نقــرأ فــي القــرار الصــادر فــي مــادة توقيــف التنفيــذ فــي القضيــة عــدد ‪ 2100/41‬بتاريــخ ‪ 20‬جويليــة‬
‫‪ ،2006‬مــا يلــي‪" :‬حيــث يــروم الطالــب اإلذن بتوقيــف تنفيــذ القـرار الضمنــي برفــض إدراج اســمه ضمــن قامئــة املرتشــحني لالنتخابــات‬
‫املتعلقــة باختيــار مديــر قســم الهندســة الكهربائيــة باملعهــد العــايل للدراســات التكنولوجيــة بنابــل وحيــث طاملــا تعلــق مطلــب‬
‫توقيــف التنفيــذ الراهــن بقــرار ال ميكــن الطعــن فيــه عــن طريــق دعــوى تجــاوز الســلطة فمــن املتجــه الترصيــح بعــدم قبولــه"‪.‬‬
‫‪265‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫الجزء الثاني‪ :‬الرقابة عن طريق الدفع‬

‫نتيجــة لعــدم تنظيــم القانــون االنتخابــي إلجــراءات تقاضــي عــن طريــق الدعــوى‬
‫بخصــوص التدابيــر املتخــذة مــن الهيئــة لفــرض احتــرام قواعــد الحمــات االنتخابيــة‬
‫أو تلــك التــي تحجــم عــن اتخاذهــا يبقــى لقاضــي النتائــج امكانيــة مراقبتهــا بصفــة‬
‫غيــر مباشــرة عــن طريــق الدفــع‪ 1‬بمناســبة نظــره فــي الطعــون املتعلقــة بالنتائــج‬
‫األوليــة لالنتخابــات‪ ،‬وتتجلــى رقابتــه املذكــورة مــن خــال التثبــت مــن ماديــة‬
‫االخــاالت املرتكبــة خــال الحملــة االنتخابيــة وصحــة وجودهــا (فقــرة أولــى) ومــدى‬
‫تأثيــر تلــك االخــاالت فــي صــورة ثبوتهــا علــى نتائــج االنتخابــات (فقــرة ثانيــة)‪.‬‬

‫فقرة أولى‪ :‬التثبت من مادية االخالالت وصحة وجودها‬

‫أوجــب القانــون االنتخابــي علــى هيئــة االنتخابــات االعــان عــن النتائــج األوليــة‬
‫لالنتخابــات فــي الثالثــة أيــام التــي تلــي االقتــراع والفــرز‪ ،2‬وأخضــع تلــك النتائــج‬
‫إلــى رقابــة املحكمــة االداريــة‪ 3‬بحيــث ال تصبــح نتائــج االنتخابــات نهائيــة إ ّال بعــد‬
‫توصــل الهيئــة بآخــر حكــم صــادر عــن املحكمــة أو بعــد انقضــاء آجــل الطعــن‪.4‬‬
‫هــذا االختصــاص املســند لقاضــي النتائــج ملراقبــة نتائــج االنتخابــات األوليــة يخــول لــه‬
‫مراقبــة جميــع املراحــل املتعلقــة بالعمليــة االنتخابيــة بمــا فــي ذلــك فتــرة الحملــة ويفحــص‬
‫مــدى تأثيــر االخــاالت املســجلة علــى امتــداد تلــك املرحلــة فــي صحــة النتائج املعلــن عنها‪.‬‬
‫وقــد أكــدت الجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة هــذا املعنــى بمناســبة نظرهــا فــي نتائــج‬
‫انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي‪ ،‬حيــث دفعــت الهيئــة بأنــه ال يجــوز التمســك أمــام‬
‫قاضــي النتائــج بمخالفــة قواعــد الحملــة االنتخابيــة بعــد انتهــاء فترتهــا‪ ،‬إ ّال أنّ املحكمــة‬
‫ردت علــى هــذا الدفــع بالقــول «أنّ القاضــي املتعهــد بالنظــر فــي النزاعــات املتعلقــة بنتائــج‬
‫االنتخابــات التــي تنــدرج فــي إطــار نزاعــات القضــاء الكامــل يتمتــع بصالحيــات واســعة‬

‫‪ .1‬يمثــل الدفــع بعــدم الشــرعية وســيلة قانونيــة تخــ ّول ألحــد أطــراف الدعــوى مطالبــة املحكمــة باســتبعاد تطبيــق‬
‫قــرار إدراي مــن املنازعــة املعروضــة علــى انظارهــا لعــدم شــرعيته دون أن يــؤدي ذلــك إلــى التصريــح بإلغائــه‪.‬‬
‫‪ .2‬الفصل ‪ 144‬من القانون االنتخابي‪.‬‬
‫‪ .3‬الفصول ‪ 145‬و‪ 146‬من القانون االنتخابي‪.‬‬
‫‪ .4‬الفصل ‪ 148‬من القانون االنتخابي‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪266‬‬

‫تمكنــه مــن بســط رقابتــه علــى جميــع املراحــل املكونــة للعمليــة االنتخابيــة ومراقبــة كل‬
‫االخــاالت التــي مــن شــأنها التأثيــر علــى نزاهــة وشــفافية االنتخابــات وال يمكــن اســتبعاد‬
‫رقابتــه فــي هــذا املجــال بمناســبة نظــره فــي الدعــاوى املتعلقــة بالنتائــج بدعوى وجــود طرق‬
‫طعــن خاصــة بتلــك املراحــل مــا لــم يثبــت صــدور حكــم نهائــي عــن املحكمــة املختصــة‪»1.‬‬
‫وفــي اطــار رقابتــه غيــر املباشــرة علــى مرحلــة الحملــة االنتخابيــة يتثبــت قاضــي النتائــج‬
‫مــن ماديــة االخــاالت املرتكبــة خــال تلــك الفتــرة وال يقــر بصحــة وجودهــا «ملجــرد شــكوك‬
‫أو إشــاعات أو حتــى وقائــع بســيطة أو محــدودة أو متفرقــة» وانمــا يجــب أن تكــون الحجــج‬
‫املقدمــة «قويــة وثابتــة‪ ،2»...‬بــل أنــه «يجــب أن يثبــت لــدى الهيئــة بصفــة قاطعــة ارتــكاب‬
‫الفائزيــن مخالفــات تتعلــق بالفتــرة االنتخابيــة وتمويلهــا وأن تبــن ذلــك فــي قرارهــا حتــى‬
‫‪3‬‬
‫يتمكــن قاضــي النتائــج مــن تســليط رقابتــه علــى صحــة األســباب التــي اســتندت إليهــا‪».‬‬
‫تفحصــه للحجــج واملؤيــدات املعروضــة علــى أنظــاره يجــد قاضــي النتائــج نفســه‬
‫وعنــد ّ‬
‫أمــام ثالثــة فرضيــات ممكنــة‪ ،‬إ ّمــا أن تكــون تلــك الحجــج غيــر ثابتــة‪ ،‬أو أن تكــون‬
‫ثابتــة فــي غيــاب عنصــر االســناد‪ ،‬أو أن تكــون ثابتــة مــع ثبــوت عنصــر االســناد‪.‬‬
‫‪ - 1‬أ ّمــا عــن عــدم ثبــوت ماديــة االخــاالت‪ ،‬فيســتخلصه قاضــي النتائــج ك ّلمــا أحجــم‬
‫الطاعــن عــن االدالء باملؤيــدات الالزمــة‪ ،‬ومثــال ذلــك مــا انتهــت إليــه املحكمــة االداريــة‬
‫فــي نزاعــات انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي‪ ،‬حيــث تمســك الطاعــن أمامهــا بــأن‬
‫الهيئــة خالفــت القانــون حــن توانــت عــن وضــع ح ـ ّد لتجــاوزات قائمــة مترشــحة بدائــرة‬
‫انتخابيــة بعــد أن تولــت اســتعمال قنــاة أجنبيــة فــي الدعايــة االنتخابيــة وبكلفــة تتجــاوز‬
‫الســقف االنتخابــي‪ .‬إ ّال أنّ املحكمــة اعتبــرت أنّ «امســاك القائــم بالطعــن عنــد تحريــر‬
‫الدعــوى عــن تقديــم جملــة مــن املعطيــات األوليــة واالثباتــات الالزمــة علــى اتيــان القائمــة‬
‫املدعــى عليهــا بهــذه املخالفــات مــن شــأنه أن يصيــر الطعــن مجــردا وحريــا بالرفــض»‪.4‬‬

‫‪ .1‬القضيــة عــدد ‪ 48‬بتاريــخ ‪ 7‬نوفمبــر ‪ ،2011‬فقــه قضــاء املحكمــة االداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب‬
‫املجلــس الوطنــي التأسيســي‪ ،‬منشــورات املطبعــة الرســمية للجمهوريــة التونســية ‪ ،2013‬الصفحــة ‪.506.‬‬
‫‪ .2‬الحكــم االســتئنافي الصــادر فــي القضيــة عدد ‪ 20042‬بتاريخ ‪ 8‬نوفمبر ‪ 2014‬فقــه قضاء املحكمة االدارية في النزاعات‬
‫املتعلقة باالنتخاب التشريعية والرئاسية لسنة ‪ :2014‬منشورات املطبعة الرسمية للجمهورية التونسية ‪ ،2016‬الصفحة ‪.494‬‬
‫‪ .3‬جلســة عامــة قضائيــة القــرار الصــادر فــي القضيتــن عــدد ‪ 201450002‬وعــدد ‪ 201450008‬بتاريــخ‬
‫‪ 18‬نوفمبــر ‪ ،2014‬فقــه قضــاء املحكمــة االداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة باالنتخابــات التشــريعية‬
‫والرئاســية لســنة ‪ :2014‬منشــورات املطبعــة الرســمية للجمهوريــة التونســية ‪ ،2016‬الصفحــة ‪.616‬‬
‫‪ .4‬القــرار عــدد ‪ 14‬الصــادر بتاريــخ ‪ 2‬نوفمبــر ‪ ،2011‬فقــه قضــاء املحكمــة االداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة‬
‫بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي‪ ،‬منشــورات املطبعــة الرســمية للجمهوريــة التونســية ‪ ،2013‬الصفحــة ‪.473.‬‬
‫‪267‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وهــو نفــس املوقــف الــذي انتهــت إليــه بمناســبة االنتخابــات التشــريعية لســنة ‪ 2019‬حــن‬
‫اعتبــرت أنّ «الوثيقــة املدلــى بهــا مــن طــرف الطاعــن إلثبــات املخالفــة املزعومــة‪ 1‬واملتمثلة في‬
‫نســخة مــن صــورة ضوئيــة ملوقــع الكترونــي دون تدعيمهــا بمحضــر معاينــة محــرر من قبل‬
‫عــدل منفــذ أو بتقريــر رســمي معد من أحــد املالحظني التابعني لهيئــة االنتخابات يجعلها ال‬
‫ترتقي إلى مرتبة الحجة التي يجوز للمحكمة اعتمادها والتي من شــأنها اثبات املخالفة»‪.2‬‬
‫كمــا يســتخلص قاضــي النتائــج عــدم ثبــوت ماديــة االخــاالت ك ّلمــا وقــع االدالء أمامــه‬
‫بمؤيــدات ناقصــة االركان‪ ،‬ففــي قضيــة عرضــت عليــه بمناســبة االنتخابــات التأسيســية‬
‫لســنة ‪ 2011‬أدلــت هيئــة االنتخابــات تأييــدا لقرارهــا القاضــي بإســقاط قائمــة مترشــحة‬
‫مــن أجــل االنتفــاع بتمويــل خــاص خــال الحملــة االنتخابيــة‪ ،‬بدليــل الزيــارات امليدانيــة‬
‫للقوائــم املســتقلة والــذي تضمــن حصــول القائمــة املعنيــة علــى عــدد مــن املطويــات بقيمــة‬
‫ماليــة معينــة مــن طــرف شــخص ال ينتمــي إليهــا‪ .‬املحكمــة وبعــد أن ذ ّكــرت بــأنّ عــبء‬
‫اثبــات املخالفــة بكامــل أركانهــا يحمــل علــى الهيئــة خلصــت إلــى أنــه «ولئــن ثبــت أن‬
‫املدعــي تســلم مجموعــة مــن املطويــات مــن قبــل شــخص ال ينتمــي إلــى القائمــة ّإل أنــه‬
‫ال شــيء يثبــت أنّ تلــك املطويــات تــم توزيعهــا خــال املــدة القانونيــة املخصصــة للحملــة‬
‫االنتخابيــة»‪ 3‬وانتهــت تبعــا لذلــك إلــى الغــاء القــرار املنتقــد وتعديــل نتائــج االنتخابــات‪.‬‬
‫ماديــة االخــاالت ال تثبــت أيضــا حــن يقــع االدالء أمــام قاضــي النتائــج بمؤيــدات‬
‫لــم يتســنى لــه االطــاع علــى مضمونهــا‪ ،‬مــن ذلــك مــا انتهــى إليــه مــن رفــض‬
‫الدعــوى الراميــة إلــى تعديــل نتائــج االنتخابيــات التشــريعية لســنة ‪ 2014‬بدائــرة‬
‫انتخابيــة اســتنادا إلــى أنــه «لــم يتســنى لــه بســط رقابتــه علــى القــرص املضغــوط‬
‫الــذي أدلــى بــه العــارض بعــد أن اســتحال فتحــه والتثبــت مــن محتــواه»‪.4‬‬
‫‪ - 2‬وأ ّمــا عــن ثبــوت الوقائــع فــي غيــاب عنصــر االســناد‪ ،‬فمفــاده أنّ حصــول املخالفــة‬
‫االنتخابيــة ال يكفــي فــي حـ ّد ذاتــه بــل إنــه يتعــن نســبة تلــك املخالفــة إلــى القائمــة املطعــون‬
‫فــي نتائجهــا‪ ،‬ومثــال ذلــك مــا انتهــت إليــه املحكمــة بمناســبة االنتخابــات التشــريعية لســنة‬

‫‪ .1‬تعلــق األمــر بمخالفــة القيــام بالدعايــة االنتخابيــة علــى صفحــة اشــهارية مدعمــة عبــر شــبكة التواصــل االجتماعــي‬
‫(اشــهار سياســي)‪.‬‬
‫‪ .2‬الحكــم الصــادر فــي القضيــة عــدد ‪ 20194032‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪ ،2019‬حاتــم املليكــي بوصفــه رئيــس قائمــة‬
‫حــزب قلــب تونــس املترشــحة عــن الدائــرة االنتخابيــة الــكاف ضــد الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ومختــار‬
‫اللموشــي بوصفــه رئيــس قائمــة حــزب حركــة النهضــة املترشــحة عــن نفــس الدائــرة االنتخابيــة‪ ،‬غيــر منشــور‪.‬‬
‫‪ .3‬القرار الصادر عن الجلسة العامة القضائية تحت عدد ‪ 80‬بتاريخ ‪ 8‬نوفمبر ‪ ،2011‬فقه قضاء املحكمة االدارية في النزاعات‬
‫املتعلقــة بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي‪ ،‬منشــورات املطبعة الرســمية للجمهوريــة التونســية ‪ ،2013‬الصفحة ‪.528.‬‬
‫‪ .4‬الحكم االستئنافي الصادر في القضية عدد ‪ 201420034‬بتاريخ ‪ 8‬نوفمبر ‪ 2014‬فقه قضاء املحكمة االدارية في النزاعات‬
‫املتعلقة باالنتخاب التشريعية والرئاسية لسنة ‪ :2014‬منشورات املطبعة الرسمية للجمهورية التونسية ‪ ،2016‬الصفحة ‪.392‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪268‬‬

‫‪ 2014‬مــن أنــه «ولئــن تمــت معاينــة مخالفــة تعليــق معلقــات والفتــات دعائيــة فــي اليــوم‬
‫املوافــق لفتــرة الصمــت االنتخابــي فإنــه لــم يثبــت مــن أوراق امللــف أن منتســبي الحــزب‬
‫املعنــي هــم الذيــن تولــوا تعليقهــا خــال فتــرة الصمــت املذكــورة»‪ .1‬أو أنّ «مــا أدلــى‬
‫بــه املدعــي مــن محضــر معاينــة بخصــوص تولــي القائمــة‪ ...‬توجيــه ارســاليات قصيــرة‬
‫تدعــو فيهــا املواطنــن للتصويــت لفائدتهــا خــال يــوم الصمــت االنتخابــي ال ينهــض‬
‫دليــا قاطعــا علــى نســبة رقــم الهاتــف الجــوال الصــادرة منــه االرســالية إلــى حــزب‪.2»...‬‬
‫ولــم تكتــف املحكمــة بعــدم األخــذ بمحاضــر املعاينــات التــي تفتقــر لعنصــر االســناد‬
‫واملدلــى بهــا مــن القائمــات الطاعنــة‪ ،‬بــل اســتبعدت حتــى املحاضــر املحــررة مــن طــرف‬
‫أعــوان الرقابــة التابعــن لهيئــة االنتخابــات والتــي ال تتضمــن تحديــدا لهويــة األشــخاص‬
‫الذيــن قامــوا باملخالفــة االنتخابيــة معتبــرة أنّ «عــدم تحديــد األشــخاص القائمــن‬
‫باألفعــال وتأكيــد انتســابهم للقائمــة املترشــحة يحــول دون اعتمادهــا‪ ،»3‬وفــي قضايــا‬
‫أخــرى ذهبــت إلــى أبعــد مــن ذلــك بــأن ط ّبقــت علــى املحاضــر املحــررة مــن أعــوان‬
‫الرقابــة التابعــن للهيئــة النظــام للقانونــي للفصــل ‪ 154‬مــن مجلــة االجــراءات الجزائيــة‪،‬‬
‫معتبــرة أنّ مــا يثبــت بتلــك املحاضــر مــن اســناد مخالفــة انتخابيــة مــا لحــزب أو لقائمــة‬
‫‪4‬‬
‫مترشــحة ال يعتــد بــه فــي صــورة ثبــوت مــا يخالفــه بالكتابــة أو بشــهادة الشــهود‪.‬‬
‫توجــه املحكمــة هــذا الــذي يجعــل مــن «عنصــر االســناد» ركنــا ال بديــل عنــه تفتقــد فــي‬
‫غيابــه املخالفــة االنتخابيــة ملقومــات وجودهــا قــد تأكــد وترســخ بمناســبة االنتخابــات‬
‫التشــريعية لســنة ‪ ،2019‬حيــث وقــع التمســك فــي عديــد القضايــا بقيــام أحــد األحــزاب‬
‫بالدعايــة االنتخابيــة بمواقــع إلكترونيــة وصفحــات اشــهارية مدعمــة عبــر شــبكات‬
‫التواصــل االجتماعــي وأنّ ذلــك يعتبــر اشــهارا سياســيا محجــرا بالقانــون االنتخابــي‪.‬‬
‫إ ّال أنّ املحكمــة وبعــد أن ذكــرت بالتعريــف التشــريعي لإلشــهار السياســي وأكــدت‬
‫علــى أنــه محجــر مــن حيــث املبــدأ خــال الفتــرة االنتخابيــة اعتبــرت أنّ «مــا أدلــى بــه‬

‫‪ .1‬الحكم االستئنافي الصادر في القضية عدد ‪ 201420043‬بتاريخ ‪ 8‬نوفمبر ‪ 2014‬فقه قضاء املحكمة االدارية في النزاعات‬
‫املتعلقة باالنتخاب التشريعية والرئاسية لسنة ‪ :2014‬منشورات املطبعة الرسمية للجمهورية التونسية ‪ ،2016‬الصفحة ‪.503‬‬
‫‪ .2‬الحكم االستئنافي الصادر في القضية عدد ‪ 201420018‬بتاريخ ‪ 8‬نوفمبر ‪ 2014‬فقه قضاء املحكمة االدارية في النزاعات‬
‫املتعلقة باالنتخاب التشريعية والرئاسية لسنة ‪ :2014‬منشورات املطبعة الرسمية للجمهورية التونسية ‪ ،2016‬الصفحة ‪.514‬‬
‫‪ .3‬الحكــم االســتئنافي الصــادر فــي القضيــة عــدد ‪ 201420005‬بتاريــخ ‪ 7‬نوفمبــر ‪ 2014‬قــرار الجلســة العامــة القضائيــة‬
‫عــدد ‪ 201450002‬و‪ 201450008‬بتاريــخ ‪ 18‬نوفمبــر ‪ ،2014‬فقــه قضــاء املحكمــة االداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة‬
‫باالنتخــاب التشــريعية والرئاســية لســنة ‪ :2014‬منشــورات املطبعــة الرســمية للجمهوريــة التونســية ‪ ،2016‬الصفحــة ‪.474‬‬
‫‪ .4‬قــرار الجلســة العامــة القضائيــة عــدد ‪ 201450002‬و‪ 201450008‬بتاريــخ ‪ 18‬نوفمبــر ‪ ،2014‬فقــه قضــاء املحكمــة‬
‫االداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة باالنتخــاب التشــريعية والرئاســية لســنة ‪ :2014‬منشــورات املطبعــة الرســمية للجمهوريــة‬
‫التونســية ‪ ،2016‬الصفحــة ‪.616‬‬
‫‪269‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫الطاعــن مــن حجــة متمثلــة فــي صــورة لصفحــة مــن موقــع الكترونــي تضمنــت شــعار‬
‫انتخــب الحــزب ‪ ...‬بــاش صوتــك مــا يمشــيش خســارة وعلــى فــرض أنــه يمثــل مخالفــة‬
‫انتخابيــة فــإن ركــن اســناد املخالفــة املذكــورة إلــى الحــزب املعنــي غيــر متوفــر»‪.1‬‬
‫ويبقى موقف املحكمة في تقديرنا قابال للنقد لسببني على األقل‪:‬‬
‫• أولهمــا هــو أنّ عنصــر االســناد ال يتــاءم ال مــع طبيعــة املخالفــة االنتخابيــة وال مــع‬
‫املنهجيــة املتبعــة مــن القاضــي االنتخابــي القائمــة علــى ضمــان صدقيــة التصويــت‬
‫واحتــرام اإلرادة العامــة للناخبــن وهــذه الغايــة تتحقــق بالبحــث عــن املســتفيد مــن‬
‫املخالفــة االنتخابيــة ال عــن شــخص مرتكبهــا‪ ،‬وال نجــد هــذا املعنــى إ ّال فــي حكــم‬
‫معــزول صــدر بمناســبة االنتخابــات التشــريعية لســنة ‪ 2019‬والــذي جــاء فيــه أنّ «عــدم‬
‫ثبــوت انتســاب مخالفــة اســتعمال موقــع إلكترونــي للدعايــة إلــى حركــة‪ ...‬ال ينفــي أنهــا‬
‫اســتفادت مــن الدعايــة االنتخابيــة املذكــورة ال ســيما وأنهــا لــم تثبــت اعتراضهــا علــى‬
‫يــروج لفائدتهــا مــن شــعارات علــى املوقــع االلكترونــي وبالتالــي تعتبــر الحركــة بمالزمتها‬
‫الصمــت واتخاذهــا موقفــا ســلبيا ازاء مــا ينشــر لفائدتهــا قــد انتفعــت مــن توظيــف املوقع‬
‫املذكــور وهومــا يعــد انتفاعــا بخدمــات اعالميــة واشــهارية خــال الحملــة االنتخابيــة»‪.2‬‬
‫• وثانيهمــا هــو أنّ أعــوان الرقابــة التابعــن لهيئــة االنتخابــات ال يمتلكــون ســلطة القــوة‬
‫العامــة حتــى تقــع مطالبتهــم بتحديــد هويــات مرتكبــي املخالفــات االنتخابيــة وتدويــن عــدد‬
‫بطاقــات تعريفهــم الوطنيــة‪ ،‬فضــا عــن أ ّنــه ال يجــوز فــي تقديرنــا اخضــاع املحاضر التي‬
‫يحررونهــا إلــى النظــام القانونــي للفصل ‪ 154‬من مجلة االجراءات الجزائية ألنها ســتحوز‬
‫بهــذا املعنــى حجيــة إلــى حني نقضها إ ّما بالكتابة أو بشــهادة الشــهود على معنى الفصل‬
‫ـجع األحــزاب علــى شــراء ذمــم الشــهود وذلــك بحثهــم‬ ‫املذكــور‪ ،‬وهــو مــا مــن شــأنه أن يشـ ّ‬
‫علــى التراجــع عــن أقوالهــم املضمنــة بمحاضــر أعــوان هيئــة االنتخابــات حتــى يتمكنــوا‬
‫مــن تغييــر مســار النــزاع املعــروض أمــام قاضــي النتائــج‪ ،‬لذلــك يكــون مــن األجــدى‬
‫اعطــاء تلــك املحاضــر قيمــة قانونيــة معــززة ال يمكــن دحضهــا إ ّال بالطعــن فيهــا بالــزور‪.‬‬
‫‪ - 3‬أخيــرا وبالنســبة للفرضيــة الثالثــة التــي قــد يجــد قاضــي النتائــج نفســه أمامهــا‬
‫فتتعلــق بثبــوت الوقائــع مــع ثبــوت عنصــر االســناد وفــي هــذه الصــورة يقــدر مــدى تأثيــر‬
‫ذلــك االخــال الثابــت واملنســوب إلــى قائمــة مــا علــى نتائــج فوزهــا‪.‬‬

‫‪ .1‬الحكم الصادر في مادة نتائج االنتخابات التشريعية لسنة ‪ 2019‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪ ،2019‬غير منشور‬
‫‪ .2‬الحكم الصادر في القضية عدد ‪ 20194023‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪ ،2019‬غير منشور‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪270‬‬

‫فقــرة ثانيــة‪ :‬التثبــت مــن مــدى تأثيــر االخــاالت علــى نتائــج‬


‫االنتخابــات‬

‫ال يقــرر إلغــاء نتائــج الفائزيــن فــي االنتخابــات لثبــوت املخالفــة االنتخابيــة‬
‫فــي جانبهــم وإنمــا يقــرر فقــط كلمــا آلــت املخالفــات املذكــورة إلــى تشــويه‬
‫ّ‬
‫ســطره التصويــت لهــا‪.1‬‬ ‫اإلرادة العامــة للناخبــن والزيــغ بهــا عــن الخــط الــذي‬
‫ويســتخلص القاضــي االنتخابــي هــذه النتيجــة باالحتــكام إلــى معيــار أساســي‬
‫هــو معيــار الفــارق الجملــي بــن األصــوات‪ ،‬ذلــك أنــه ال ينتهــي إلــى إلغــاء‬
‫النتائــج أو تعديلهــا إ ّال إذا ثبــت لديــة ارتــكاب مخالفــات مــن الفائــز أو مــن‬
‫مســانديه وكان فــارق األصــوات بينــه وبــن الــذي يليــه فــي الترتيــب ضئيــا‪.‬‬
‫ففــي انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي لســنة ‪ 2011‬لئــن ثبــت للمحكمــة مخالفــة‬
‫قائمــات مســتقلة ألحــكام الحملــة االنتخابيــة متمثلــة االنتفــاع بخدمــات اعالميــة وإشــهارية‬
‫وتوظيــف لقنــاة أجنبيــة وأن ذلــك يمثــل شــكال مــن أشــكال التمويــل األجنبــي غيــر املباشــر‬
‫املحجــر بالتشــريع النافــذ‪ ،‬إ ّال أنهــا اعتبــرت أنّ املخالفــة املذكــورة «كان لهــا تأثيــر محــدود‬
‫بالنظــر إلــى الفــارق الكبيــر فــي األصــوات التــي تحصلــت عليــه تلــك القائمــات وبــن عــدد‬
‫األصــوات التــي تحصلــت عليهــا آخــر قائمــة فــازت بمقعــد»‪ .2‬وفــي نفــس هــذا الســياق‬
‫اعتبــرت املحكمــة بمناســبة االنتخابــات التشــريعية لســنة ‪ 2014‬أنــه «بقطــع النظــر عــن‬
‫ثبــوت انتســاب مخالفــة توزيــع االمــوال علــى الناخبــن إلــى‪ ...‬فــإن الواقعــة وان كانــت‬
‫جزائيــة ليــس لهــا تأثيــر حاســم علــى نتيجــة االنتخابــات بالدائــرة االنتخابيــة‪ ...‬بالنظــر‬
‫إلــى الفــارق الكبيــر فــي عــدد األصــوات التــي تحصلــت عليهــا القائمــة‪ ...‬والقائمــة‪»3...‬‬
‫أ ّمــا إذا كان فــارق األصــوات ضئيــا بــن القائمــة الفائــزة والقائمــة التــي تليهــا‬
‫فــي الترتيــب فــإن قاضــي النتائــج يصــرح آنــذاك بإلغــاء نتائــج فوزهــا وإعــادة‬
‫توزيــع املقاعــد فــي الدائــرة االنتخابيــة املعنيــة‪ ،‬وهــو مــا انتهــت إليــه احــدى الدوائــر‬
‫االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة‪ 4‬مــن تعديــل نتائــج االنتخابــات التشــريعية لســنة‬

‫‪1. GHEVONTIAN (R.), «La notion de sincérité du scrutin», Cahiers du Conseil Constitutionnel, n°13.‬‬

‫‪ .2‬القضيــة عــدد ‪ 95‬بتاريــخ ‪ 7‬نوفمبــر ‪ ،2011‬فقــه قضــاء املحكمــة االداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب‬
‫املجلــس الوطنــي التأسيســي‪ ،‬منشــورات املطبعــة الرســمية للجمهوريــة التونســية ‪ ،2013‬الصفحــة ‪.451.‬‬
‫‪ .3‬قرار الجلسة العامة القضائية عدد ‪ 201450012‬بتاريخ ‪ 20‬نوفمبر ‪ ،2014‬فقه قضاء املحكمة االدارية في النزاعات املتعلقة‬
‫باالنتخاب التشــريعية والرئاســية لســنة ‪ :2014‬منشــورات املطبعة الرســمية للجمهورية التونســية ‪ ،2016‬الصفحة ‪...639‬‬
‫‪ .4‬الحكــم الصــادر فــي القضيــة عــدد ‪ 20194069‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪( 2019‬قائمــة حــزب حركــة الشــعب ض ـ ّد الهيئــة‬
‫‪271‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ 2019‬بالدائــرة االنتخابيــة القصريــن واعــادة توزيــع املقاعــد بهــا باالســتناد إلــى‬


‫«ثبــوت ارتــكاب قائمــة حــزب‪ ...‬ملخالفــة خــرق الصمــت االنتخابــي وإلــى الفــارق‬
‫الضئيــل فــي األصــوات (‪ 103‬صوتــا) بينهــا وبــن القائمــة التــي تليهــا فــي الترتيــب»‪.1‬‬
‫ويبــرز ممــا تقــدم أن قاضــي النتائــج يمــارس رقابــة غير مباشــرة علــى الحمــات االنتخابية‬
‫لكــن اإلشــكال هــو أنّ هــذه الرقابــة الالحقــة عــن طريق الدفــع واملؤجلة إلى مرحلــة البت في‬
‫الطعــون فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات تع ّقــد مــن مهمتــه وتحــد بشــكل كبيــر مــن نجاعــة‬
‫رقابتــه علــى العمليــة االنتخابيــة باعتبــار أنــه لــن يقتصــر على مراقبــة صحة النتائــج األولية‬
‫فقــط وإنمــا ســيكون مضطــرا إلــى الرجوع إلى مرحلة ســابقة هي مرحلــة الحملة االنتخابية‬
‫وســيراقب شــرعية مــا صــدر فــي إطارهــا عــن طريــق الدفــع وســيقدر مــدى تأثيرهــا علــى‬
‫النتائــج وهــذا يبقــى أمــرا ُمعقــدا للغايــة خاصــة فــي ظــل قصــر آجــال البــت فــي الطعــون‬
‫وخصوصيــة تركيبــة الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلدارية التي تتجــاوز ‪ 20‬عضوا‪.‬‬
‫فضــا عــن ذلــك‪ ،‬فــإنّ املنهجيــة املتّبعــة مــن قبــل قاضــي النتائــج واملعاييــر التــي يحتكــم‬
‫عليهــا عنــد بســط رقابتــه علــى العمليــة االنتخابيــة‪ ،‬والتــي ال تــؤول بــه إلــى تعديــل النتائــج‬
‫أو إلــى الغائهــا إ ّال إذا كانــت املخالفــات املرتكبــة مــن قبــل القائمــات املترشــحة فــي مــدة‬
‫الحملــة االنتخابيــة ُمؤ ّثــرة علــى صحتهــا بصفــة جوهريــة وحاســمة‪ ،‬واملقترنــة بفرضية عدم‬
‫التصــدي ملخالفــات الحملــة االنتخابيــة فــي تاريــخ وقوعهــا لغيــاب رقابــة قضائيــة مباشــرة‬
‫عليهــا تــؤدي إلــى تعميــق فــارق األصــوات بــن املخالفــن علــى حســاب امللتزمــن بقواعــد‬
‫الحملــة ومبادئهــا وهــو مــا مــن شــأنه أن يجعلهــم فــي مأمــن مــن عقوبــة قاضــي النتائــج‪.‬‬

‫العليا املستقلة لالنتخابات وقائمة حزب نداء تونس) غير منشور‪.‬‬


‫‪ .1‬لــم يتأيــد هــذا املوقــف فــي الطــور االســتئنافي حيــث انتهــت الجلســة العامــة القضائيــة إلــى نقــض الحكــم املطعــون‬
‫فيــه والقضــاء مــن جديــد بقبــول الطعــن شــكال ورفضــه أصــا (القــرار الصــادر فــي القضيتــن عــدد ‪20195022‬‬
‫و‪ 20195027‬بتاريــخ ‪ 4‬نوفمبــر ‪ - 2019‬غيــر منشــور‪.)-‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪272‬‬

‫قراءة في اإلشكاليات القانونية املتربطة بإلغاء نتائج‬


‫االنتخابات في القانون التونسي‬

‫محمد شفيق صرصار‬


‫أستاذ تعليم عال بجامعة تونس املنار‬
‫والرئيس السابق للهيئة العليا املستقلة لالنتخابات‪.‬‬

‫تمثــل مراقبــة نتائــج االنتخابــات ضمانــة جوهريــة لنزاهــة االنتخابــات‪ ،‬ولتجســيد‬


‫حــق املواطــن فــي اللجــوء إلــى الدفــاع عــن حقوقــه‪ .‬وقــد عرفــت أنظمــة رقابــة النتائــج‬
‫تط ـ ّورات كبيــرة‪ ،‬إذ أنــه فــي بدايــة التجــارب الديمقراطيــة‪ ،‬كان حــق النظــر فــي صحــة‬
‫انتخــاب النــواب يعــود إلــى املجالــس النيابيــة نفســها‪ ،‬اعتمــادا علــى فكــرة الفصــل‬
‫بــن الســلط‪ ،‬وســيادة البرملــان‪ .1‬لكــن تطــ ّورت العدالــة االنتخابيــة‪ ،‬وأصبحــت أغلــب‬
‫مختــص‬
‫ّ‬ ‫األنظمــة الديمقراطيــة تعهــد بمهمــة مراقبــة نتائــج االنتخابــات إلــى قضــاء‬
‫(القضــاء اإلداري أو القضــاء الدســتوري) أو إلــى قضــاء خــاص بإحــداث محاكــم‬
‫انتخابيــة‪ ،‬مثلمــا هــو الحــال فــي عديــد دول أمريــكا الالتينيــة‪ .‬وحتــى الــدول التــي‬
‫حافظــت علــى اختصــاص املجالــس النيابيــة فــي النظــر فــي صحــة انتخــاب أعضاءهــا‪،‬‬
‫أقــرت إمكانيــة الطعــن فــي القــرارات التــي تتخذهــا هــذه املجالــس أمــام القضــاء‪.2‬‬
‫وقــد بلــورت األنظمــة املقارنــة جملــة مــن الجــزاءات يمكــن للقاضــي االنتخابــي الحكــم بهــا‬
‫فــي حالــة الطعــن فــي نتيجــة االنتخابــات‪ ،‬ويتــم التمييــز بــن إلغــاء االنتخابات وإلغــاء نتيجة‬
‫االنتخابات من جهة‪ ،‬وبني إلغاء النتيجة‪ ،‬وتعديل النتيجة‪ ،‬أو كما نص على ذلك الفصل ‪143‬‬
‫مــن القانــون االنتخابــي «اإللغــاء الكلي لنتائــج الفائزين» أو «اإللغاء الجزئــي» لهذه النتائج‪.‬‬
‫وتجــدر اإلشــارة إلــى أن فقــه القضــاء بخصــوص تعديــل النتائــج يختلــف فــي فرنســا‬
‫باختــاف طبيعــة االنتخابــات واختــاف القاضــي‪ .‬فلئــن أســند الفصــل ‪ 41‬مــن مرســوم‬
‫‪ 7‬نوفمبــر ‪ 1958‬للمجلــس الدســتوري صالحيــة إلغــاء االنتخابــات املطعــون فيهــا أو‬
‫تعديــل نتائــج االنتخابــات املعلنــة مــن لحنــة التعــداد‪ ،‬وإعــان فــوز املترشــح الفائــز بشــكل‬
‫ســليم‪ 3‬فــإن املجلــس الفرنســي لــم يســتعمل صالحيــات التعديــل إلــى اآلن عكــس مجلــس‬

‫‪1. Jean Giquel. Le contentieux des élections parlementaires en droit comparé, Aperçu. Les nouveaux cahiers‬‬
‫‪du Conseil Constitutionnel, N41, Oct 2013. p et suiv.‬‬

‫‪2. Ibid, p 197.‬‬

‫‪3.Article 41 de l’ordonnance du 7 novembre 1958 «Lorsqu'il fait droit à une requête, le Conseil peut, selon‬‬
‫‪273‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫الدولــة الــذي لجــأ إلــى تعديــل نتائــج االنتخابــات فــي االنتخابــات البلديــة والجهويــة‪.1‬‬
‫وقــد عــرف نــزاع النتائــج فــي تونــس تطـ ّورات متســارعة خــال العشــر ســنوات األخيــرة‪.‬‬
‫فإلــى حــدود ســنة ‪ ،2011‬كانــت املجلــة االنتخابيــة الصــادرة بمقتضــى القانــون عــدد ‪25‬‬
‫لســنة ‪ 1969‬مــؤرخ فــي ‪ 8‬أفريــل ‪ 1969‬رغــم التعديــات التــي عرفتهــا الحقــا‪ ،‬محــدودة جـ ّدا‬
‫فــي تصورهــا لنــزاع النتائــج‪ ،‬فبالنســبة لالنتخابــات البلديــة‪ ،‬يمكــن ألي مواطــن «الطعــن‬
‫فــي‪ 2‬العمليــات االنتخابيــة بالبطــان»‪ ،‬أمــام لجنــة مع ّينــة تتكــون مــن قــاض وناخبــن اثنــن‪.‬‬
‫أمــا بالنســبة لالنتخابــات التشــريعية‪ ،‬أوكلــت املجلــة االنتخابيــة فــي صيغتهــا األصليــة‬
‫النظــر فــي الطعــون االنتخابيــة إلــى مجلــس األمــة‪ ،‬الــذي دأب فــي مفتتــح كل دورة نيابيــة‬
‫علــى انتخــاب «لجنــة تحقيــق النيابــات»‪ ،‬وهــي لجنــة تتولــى التحقيــق فــي عــدم وجــود‬
‫اعتراضــات علــى النتائــج‪ ،‬وقــد ســمح هــذا اإلجــراء مــرة وحيــدة باإلعــان عــن بطــان‬
‫االنتخابــات ســنة ‪ 1979‬فــي دائــرة القيــروان‪ ،3‬ثــم مــع تعديــل الدســتور فــي ‪ 1‬جــوان ‪،2002‬‬
‫أصبــح النظــر فــي طعون نتائج االنتخابات التشــريعية من اختصاص املجلس الدســتوري‪.4‬‬
‫ولــم يكــن الحــال أفضــل بالنســبة لالنتخابــات الرئاســية‪ ،‬إذ أن الرئاســة مــدى الحيــاة‪،‬‬
‫علقــت العمــل باالنتخابــات الرئاســية بــن ســنتي ‪ 1975‬و‪ ،1987‬وأصبــح الطعــن فــي‬
‫النتائــج يقــع وفــق تعديــل القانــون االنتخابــي ســنة ‪ 2003‬أمــام املجلــس الدســتوري‪ ،‬إال‬
‫أن طبيعــة النظــام الســلطوي‪ ،‬واإلدارة غيــر املســتقلة وغيــر املحايــدة لالنتخابــات جعلــت‬
‫النزاعــات االنتخابيــة غيــر ذات جــدوى‪ ،‬فقــد تــم الطعــن مــرة وحيــدة فــي انتخابــات‬
‫‪ 24‬أكتوبــر ‪ ،2004‬إذ طعــن مترشــح حركــة التجديــد فــي صحــة جميــع العمليــات‬
‫االنتخابيــة فــي كامــل تــراب الجمهوريــة‪ ،‬وقــد تــم قبــول الطعــن شــكال ورفضــه أصــا‪.5‬‬
‫ويمكــن القــول إن املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬مــؤرخ فــي ‪ 10‬مــاي ‪ 2011‬يتعلــق بانتخــاب‬
‫املجلــس الوطنــي الـــتأسيسي ح ّقــق قطيعــة فــي هــذا املســتوى‪ ،‬فبالرغــم مــن أن هــذا‬

‫‪les cas, annuler l'élection contestée ou réformer la proclamation faite par la commission de recensement et‬‬
‫‪proclamer le candidat qui a été régulièrement élu.».‬‬

‫‪1. Laurent Touvet et Yves-Marie Doublet. Droit des élections. Paris : Economica 2014 ,p619.‬‬

‫‪ .2‬الفصلني ‪ 155‬و‪ 156‬من املجلة االنتخابية‪.‬‬


‫‪ .3‬الفصل ‪ 106‬في نسختها األصلية‪.‬‬
‫‪ .4‬يراجع في هذا زهير مظفر‪ .‬النظام االنتخابي في تونس‪ .‬املطبعة الرسمية‪ :‬تونس ‪ ،2005‬ص ص ‪.209-211‬‬
‫وأيضــا أبراهيــم البرتاجــي‪ .‬قــراءة فــي قــرارات املحكمــة اإلداريــة املتعلقــة بنتائــج انتخابــات املجلــس الوطنــي‬
‫التأسيســي‪ .‬ضمــن‪:‬‬
‫‪Etudes en l’honneur du Professeur Rafaa Ben Achour : Mouvances du droit, Tpme II Tunis : Simpact 2015, pp 9-20.‬‬

‫‪ .5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.209‬‬


‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪274‬‬

‫املرســوم كان نصــا خاصــا بانتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي‪ ،‬ممــا يجعــل منــه‬
‫ـص مؤقــت‪ ،‬إال أنــه أرســى جملــة مــن القواعــد األساســية التــي م ّيزت نــزاع النتائج‪:‬‬
‫مجـ ّرد نـ ّ‬
‫فقــد نــص علــى اختصــاص الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات فــي التث ّبــت مــن احتــرام‬
‫الفائزيــن لألحــكام املتعلقــة بتمويــل الحملــة االنتخابيــة‪ ،‬ويمكــن أن تقــ ّرر إلغــاء نتائــج‬
‫‪1‬‬
‫الفائزيــن إذا تب ّيــن لهــا أنهــم خالفــوا هــذه األحــكام‪.‬‬
‫وأق ّر اختصاصا حصريا للقاضي اإلداري في نزاع النتائج‪.‬‬
‫وتــ ّم التمييــز بــن النتائــج األوليــة لالنتخابــات والنتائــج النهائيــة التــي يتــم اعتمادهــا‬
‫ـت فــي جميــع الطعــون أو بعــد انقضــاء أجــال الطعــن إذا لــم تقــدم أي طعــون‪.‬‬ ‫بعــد البـ ّ‬
‫لكــن املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ ،2011‬نــص علــى أن الطعــن فــي النتائــج األوليــة يكــون‬
‫أمــام الجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة فــي أجــل ثمــان وأربعــن ســاعة مــن اإلعــان‬
‫وتبــت املحكمــة فــي أجــل خمســة أيــام مــن يــوم تع ّهدهــا بهــا‪ .‬ويكــون قرارهــا‬
‫ّ‬ ‫عنهــا‪.‬‬
‫باتــا وال يقبــل أي وجــه مــن أوجــه الطعــن‪ ،‬وقــد تــم التخلــي الحقــا عــن هــذا الخيــار‬
‫لتناقضــه مــع أحــكام دســتور ‪ 27‬جانفــي ‪ 2014‬املتعلقــة بمبــدأ التقاضــي علــى درجتــن‪.‬‬
‫وقــد تــم تنقيــح الفصــل ‪ 72‬مــن املرســوم بمقتضــى املرســوم عــدد ‪ 72‬لســنة ‪ 2011‬مــؤرخ‬
‫فــي ‪ 3‬أوت ‪ 2011‬يتعلــق بتنقيــح وإتمــام املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪10‬‬
‫مــاي ‪ 2011‬املتعلــق بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي‪ .‬والــذي أدخــل تدقيقــات‬
‫فيمــا يتعلــق بإجــراءات الطعــن‪ ،‬إذ أوجــب علــى الطــرف الراغــب فــي ممارســة الطعــن‬
‫يوجــه إلــى الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات‬
‫فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات أن ّ‬
‫إعالمــا بالطعــن بواســطة عــدل تنفيــذ مــع نظيــر مــن عريضــة الطعــن ومؤيداتهــا‪.‬‬
‫ويرفــع الطعــن وجوبــا مــن قبــل رئيــس القائمــة أو مــن يمثلــه فــي خصــوص النتائــج األوليــة‬
‫مرســم لــدى التعقيــب‬
‫املصــرح بهــا بالدائــرة االنتخابيــة املرســم بهــا وذلــك بواســطة محــام ّ‬
‫وتكــون العريضــة مع ّللــة ومشــفوعة باملؤيــدات وبنســخة مــن محضــر اإلعــام بالطعــن‪.‬‬
‫بــت املحكمــة فــي الدعــوى عشــرة أيــام بعــد أن كان خمســة أيــام فــي‬
‫وأصبــح أجــل ّ‬
‫املرســوم عــدد ‪.35‬‬
‫وبعــد دخــول دســتور ‪ 27‬جانفــي ‪ 2014‬حيــز التنفيــذ‪ ،‬جاء القانون األساســي عدد ‪ 16‬لســنة‬
‫‪ 2014‬مــؤرخ فــي ‪ 26‬مــاي ‪ 2014‬يتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء‪ ،‬فأدخــل تعديــات علــى‬
‫نظــام نــزاع النتائــج‪ ،‬بالنســبة النتخابــات التشــريعية والرئاســية‪ ،‬ثــم ت ـ ّم تعديــل القانــون‬

‫‪ .1‬الفصل ‪ 70‬من املرسوم عدد ‪ 35‬لسنة ‪ 2011‬مؤرخ في ‪ 10‬ماي ‪ 2011‬يتعلق بانتخاب املجلس الوطني الـتأسيسي‪.‬‬
‫‪275‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫األساســي فــي ‪ 14‬فيفــري ‪ 2017‬ليشــمل االنتخابــات املحليــة‪ ،‬وكان التعديــل األخيــر فــي‬
‫ســنة ‪ ،2019‬والــذي تعلــق باختصــار آجــال الطعــون فــي حالــة االنتخابــات االســتثنائية‪.‬‬
‫موحد‪،‬‬
‫ويتم ّيــز اليــوم نــزاع النتائــج بجملة من الخصائص‪ ،‬أولهــا خضوعه إلى نظام تقاض ّ‬
‫يعتمــد نفــس مرجــع النظــر القضائــي‪ ،‬وبنفس اإلجــراءات‪ ،‬بالنســبة لالنتخابات التشــريعية‬
‫والرئاســية واالســتفتاءات‪ ،‬خالفــا لنزاعــات الترشــح‪ .‬وقــد وردت األحــكام الخاصــة بنظــام‬
‫التقاضــي فــي مــادة النتائــج ضمــن الفصــول ‪ 146 ،145‬و‪ 147‬مــن القانــون االنتخابــي‪.1‬‬
‫وبالرغم من أن اإلطار القانوني لنزاعات النتائج في تونس يعتبر متطورا‪ ،‬إال أنه أثار عديد‬
‫التســاؤالت بخصوص مدى ضمانه لحق التقاضي من جهة‪ ،‬وملدى تحقيقه لنزاهة النتائج‪.‬‬
‫فعلــى مــ ّر االنتخابــات املختلفــة التــي عرفتهــا تونــس ســواء ســنة ‪ 2011‬أو ‪ ،2014‬أو‬
‫‪ 2018‬أو ‪ ،2019‬كان عــدد الدعــاوى املرفوضــة شــكال مرتفعــا‪ ،‬إذ بلــغ فــي بعــض‬
‫االنتخابــات أكثــر مــن نصــف الدعــاوى‪ ،‬وبالرغــم مــن التجــاوزات التــي قــام بهــا‬
‫املترشــحون فــي مختلــف االنتخابــات‪ ،‬لــم تقــر املحكمــة اإلداريــة مــا ذهبــت إليــه الهيئــة‬
‫العليــا املســتقلة لالنتخابــات مــن «اســقاط القائمــات الفائــزة» علــى أســاس مخالفتهــا‬
‫ألحــكام الحملــة االنتخابيــة ســواء فــي انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي‪ 2‬أو فــي‬
‫انتخابــات ‪ ،3 2014‬أو انتخابــات ‪ 4 2019‬ممــا جعــل البعــض يشــكك فــي نجاعــة العدالــة‬
‫االنتخابيــة فــي تونــس فــي ضمــان حقــوق املترشــحني وفــي ضمــان نزاهــة االنتخابــات‪.‬‬

‫‪ .1‬يراجــع فــي هــذا‪ :‬نرجــس طاهــر‪ .‬مجموعــة دراســات حــول فقــه القضــاء املتعلــق بنزاعــات االنتخابــات التشــريعية‬
‫والرئاســية لســنة ‪ ،2014‬تونــس‪ :‬مــاي ‪2016‬‬
‫‪ .2‬م‪.‬إ الجلســة العامــة عــدد ‪ 8 ،77‬نوفمبــر ‪ 2011‬قائمــة العريضــة الشــعبية للحريــة والعدالــة والتنميــة بدائــرة تطاويــن‪،‬‬
‫فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي‬
‫م‪.‬إ الجلســة العامــة عــدد ‪ 8 ،77‬نوفمبــر ‪ 2011‬قائمــة العريضــة الشــعبية للحريــة والعدالــة والتنميــة بدائــرة ســيدي بوزيــد‪،‬‬
‫فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي‪ ،‬مرجــع ســابق‪ ،‬ص ‪.528‬‬
‫م‪.‬إ الجلســة العامــة عــدد ‪ 8 ،77‬نوفمبــر ‪ 2011‬قائمــة العريضــة الشــعبية للحريــة والعدالــة والتنميــة بدائــرة جندوبــة‪،‬‬
‫فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي‪ ،‬مرجــع ســابق‪ ،‬ص ‪،535‬‬
‫م‪.‬إ الجلســة العامــة عــدد ‪ 8 ،77‬نوفمبــر ‪ 2011‬قائمــة العريضــة الشــعبية للحريــة والعدالــة والتنميــة بدائــرة صفاقــس‬
‫‪ ،1‬فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي‪ ،‬املطبعــة الرســمية‬
‫للجمهوريــة التونســية‪ ،‬تونــس ‪ .2013‬ص ‪.551‬‬
‫م‪.‬إ الجلســة العامــة عــدد ‪ 8 ،77‬نوفمبــر ‪ 2011‬قائمــة العريضــة الشــعبية للحريــة والعدالــة والتنميــة بدائــرة القصريــن‪،‬‬
‫فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي‪ ،‬مرجــع ســابق‪ ،‬ص ‪.561‬‬
‫‪ .3‬قرار الجلسة العامة القضائية عدد ‪ 2014 50002‬و‪ 2014 50008‬بتاريخ ‪ 18‬نوفمبر ‪2014‬‬
‫‪ .4‬قرار الجلسة العامة القضائية عدد ‪ 20195023‬و‪ 20192029‬بتاريخ ‪ 4‬نوفمبر ‪2019‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪276‬‬

‫وهــذا مــا يدعــو اليــوم إلــى طــرح مجموعــة مــن التســاؤالت‪ :‬هــل أن إجــراءات الرقابــة‬
‫تكــرس حــق املترشــحني فــي التقاضــي وفــق املعاييــر الدوليــة؟ وهــل أن طبيعــة‬
‫الرقابــة التــي يضطلــع بهــا القاضــي اإلداري يمكــن أن تضمــن نزاهــة االنتخابــات؟‬
‫أال يمثــل إقــرار حــق القاضــي فــي تعديــل أو إلغــاء النتائــج دون ابطــال العمليــة‬
‫االنتخابيــة اعتــداء علــى ســلطة الناخــب؟ وهــل أن مراكمــة التجربــة التــي بــدأت‬
‫ســنة ‪ 2011‬مــن شــأنها أن تبلــور نظامــا إجرائيــا مناســبا لالنتقــال الديمقراطــي؟‬
‫ويمكــن أن نوجــز مختلــف التســاؤالت فــي إشــكالية مركزيــة تتمثــل فــي هــل‬
‫أن نظــام نزاعــات النتائــج يســمح برقابــة ناجعــة لنزاهــة العمليــة االنتخابيــة؟‬
‫إن مراجعــة فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة بخصــوص مراقبــة نتائــج االنتخابــات‬
‫يبــرز مــن جانــب أول تشــديدا مفرطــا إلجــراءات الطعــن وهــو مــا قــد ينــال‬
‫مــن حــقّ التقاضــي (مبحــث ‪ ،)1‬وهــو يعكــس مــن جانــب آخــر تحفظــا كبيــرا‬
‫مــن القاضــي اإلداري فــي اســتعمال صالحيــة إلغــاء النتائــج (مبحــث ‪.)2‬‬

‫‪ .II‬عقلنة مشددة لإلجراءات تض ّيق من الحق في التقاضي‬

‫إن التوفيــق بــن حــقّ التقاضــي علــى درجيتــن وبــن احتــرام اآلجــال الدســتورية املرتبطــة‬
‫بإعــان نتائــج االنتخابــات يقتضــي عقلنة لحقّ إثــارة الدعوى‪ ،‬وتضييقا لآلجال واشــتراطا‬
‫لبعــض الشــكليات لتقديــم الدعــوى‪ .‬لكــن هــذا ال يمكن أن يتم في غياب الوضوح والبســاطة‬
‫فــي األحــكام املتعلقــة بالفصــل فــي النزاعــات االنتخابيــة‪ ،‬وفــي توفــر جملــة مــن الشــروط‬
‫املتعلقــة بحــق التقاضــي الناجــع ســواء مــن حيــث إتاحــة النفــاذ إلــى الطعــن أمــام القضاء‪،‬‬
‫ومــدى ضمــان حقــوق الدفــاع‪ ،‬واآلجــال املعقولــة‪ ،‬وســرعة الحســم والكلفــة املحــدودة‪.1‬‬
‫ولئــن كانــت للقواعــد التــي جــاء بهــا املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬تأثيــرا فــي عــدد‬
‫الدعــاوى التــي رفضــت شــكال‪ ،‬فــإن القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬كــرس مبــدأ‬
‫التقاضــي علــى درجتــن فــي نزاعــات النتائــج‪ ،‬لكنــه ض ّيــق مــن حــق إثــارة الدعــوى وشــدد‬
‫فــي قواعــد تقديــم الدعــاوى‪ ،‬وقــد أ ّثــر هــذا علــى عــدد الدعــاوى املقدمــة فــي انتخابــات‬
‫‪ ،2014‬وكذلــك علــى عــدد الدعــاوى املرفوضــة شــكال‪ .‬لكــن هــذا لــم يمنــع املشــرع ســنة‬
‫‪ 2017‬بمناســبة تعديــل القانــون االنتخابــي مــن التشــديد أكثــر فــي قواعــد تقديــم الدعــاوى‬
‫ممــا أدى إلــى التضييــق مــن الحــق فــي التقاضــي وجعــل النظــام اإلجرائــي للطعــن فــي‬

‫‪ .1‬يراجــع فــي هــذا خبســوس أورثكــو وأخــرون‪ .‬العدالــة االنتخابيــة‪ ،‬دليــل املؤسســة الدوليــة للديمقراطيــة واالنتخابــات‪،‬‬
‫ســتوكهولم ‪ ،2012‬ص ‪.113‬‬
‫‪277‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫النتائــج ال يحقــق الهــدف مــن الرقابــة‪ ،‬أال وهــو ضمــان نزاهــة االنتخابــات‪ ،‬وذلــك ســواء فــي‬
‫مســتوى إقــرار حــق التقاضــي (فقــرة ‪ )1‬أو فــي مســتوى إجــراءات تقديــم الدعــوى (فقــرة ‪.)2‬‬

‫الفقــرة األولــى‪ :‬تحديــد الحق في الدعــوى ال يخدم الهدف من الرقابة‬

‫لئــن نــص املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬فــي فصلــه الفصــل ‪ :72‬علــى أنــه‬
‫«يمكــن الطعــن أمــام الجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة فــي النتائــج األوليــة‬
‫وتبــت املحكمــة‬
‫ّ‬ ‫لالنتخابــات‪ ،‬فــي أجــل ثمــان وأربعــن ســاعة مــن اإلعــان عنهــا‪.‬‬
‫فــي أجــل خمســة أيــام مــن يــوم تع ّهدهــا بهــا‪ .‬ويكــون قرارهــا باتــا وال يقبــل‬
‫أي وجــه مــن أوجــه الط ّعــن»‪ ،‬دون أن يحصــر الحــقّ فــي الطعــن فــي النتائــج‪.‬‬
‫فــإن املرســوم مرســوم عــدد ‪ 72‬لســنة ‪ 2011‬مــؤرخ فــي ‪ 3‬أوت ‪ 2011‬يتعلــق‬
‫بتنقيــح وإتمــام املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 10‬مــاي ‪ 2011‬املتعلــق‬
‫بانتخــاب املجلــس الوطنــي التأسيســي‪ ،‬وبطلــب مــن القضــاة اإلداريــن‪ ،‬ضيــق‬
‫مــن حــق إثــارة الدعــوى إذ جعلــه مقتصــرا علــى «رئيــس القائمــة أو مــن يمثلــه فــي‬
‫خصــوص النتائــج األوليــة املصــرح بهــا بالدائــرة االنتخابيــة املرســم بهــا»‪.1‬‬
‫وجــاء القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬ليعيــد تحديــد حــق الطعــن فــي النتائــج‬
‫ـص فــي الفقــرة الثالثــة مــن الفصــل ‪( 145‬جديــد) علــى أنــه « ُيرفــع الطعــن‬
‫األوليــة‪ ،‬فنـ ّ‬
‫وجوبــا بالنســبة لالنتخابــات التشــريعية والبلديــة والجهويــة مــن قبــل رئيــس‬
‫القائمــة املترشــحة أو أحــد أعضائهــا أو املمثــل القانونــي للحــزب فــي خصوص‬
‫النتائــج املصــ ّرح بهــا بالدائــرة االنتخابيــة املترشــحني بهــا‪ .‬وبالنســبة إلــى‬
‫مترشــح وبالنســبة إلى االســتفتاء من قبل ّ‬
‫كل‬ ‫ّ‬ ‫االنتخابات الرئاســية من قبل ّ‬
‫كل‬
‫ممثــل قانونــي لحــزب شــارك فيــه‪ ،‬ويكــون ذلــك بواســطة محــام لــدى التعقيــب»‪.‬‬
‫وقــد ربــط الفصــل ‪ 145‬بــن صفــة الطعــن وصفــة املترشــح‪ ،‬مــع الفــارق بــن االنتخابــات‬
‫التشــريعية والرئاســية فــي كــون صفــة القيــام فــي االنتخابــات الرئاســية ترتبــط باملترشــح‬
‫بذاتــه‪ ،‬دون املمثــل القانونــي للحــزب‪ ،‬أو االئتــاف االنتخابــي‪ ،‬فــي حــن أنــه بالنســبة‬
‫لالنتخابــات التشــريعية والبلديــة والجهويــة وكلهــا انتخابــات علــى القائمــات‪ ،‬يمكــن تقديــم‬
‫الطعــن مــن طــرف رئيــس القائمــة‪ ،‬أو أحــد أعضاءهــا أو املمثــل القانونــي للحــزب‪ .‬ولــم‬
‫يفتــح املشـ ّرع رغــم التوصيــات الصــادرة عــن منظمــات املجتمــع املدنــي وبعــض املنظمــات‬
‫الدوليــة لغيــر املعن ّيــن مباشــرة بنتائــج القائمــة‪ ،‬إذ اقتــرح البعــض فتــح حــق الطعــن إلــى‬

‫‪ .1‬الفصل ‪ 72‬من املرسوم عدد ‪ 72‬لسنة ‪.2011‬‬


‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪278‬‬

‫كل مــن لــه مصلحــة فــي الطعــن بمــا فــي ذلــك الناخبــن‪ ،1‬باعتبــار أن الغايــة مــن الطعــن‬
‫فــي النتائــج هــي ضمــان نزاهــة االنتخابــات وحمايــة اإلرادة الحقيقيــة للجســم االنتخابــي‬
‫وبالرغــم مــن وضــوح الفصــل ‪ 145‬فــي حصــر صفــة القيــام فــي املترشــحني النتخابــات‬
‫الرئاســية دون ســواهم‪ ،‬فــإن هــذا لــم يمنــع أحــد األشــخاص الذيــن ال تتوفــر فيهــم صفــة‬
‫القيــام‪ ،‬مــن الطعــن فــي نتائــج الدورة األولى‪ ،‬ثم قــام بالطعن مجددا في الحكم االســتئنافي‬
‫أمــام الجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة‪ .‬ورغــم عــدم جديــة الطعــن‪ ،‬فــإن القاضــي اإلداري‬
‫قــام باحتــرام كامــل اإلجــراءات ليقـ ّر فــي الحكــم االســتئنافي عــدد ‪ 201440009‬بتاريــخ ‪1‬‬
‫ديســمبر ‪« 2014‬أنــه حيــث يتبــن بالرجــوع إلــى قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابات‪...‬‬
‫أن املدعــي غيــر مــدرج ضمــن القائمــة النهائيــة للمترشــحني لالنتخابــات الرئاســية‪،‬‬
‫وحيــث طاملــا أن املدعــي لــم يترشــح لالنتخابــات الرئاســية املطعــون فــي نتائجهــا فــإن‬
‫الدعــوى املاثلــة تغــدو مقدمــة ممــن ليســت لهــم الصفــة‪ ،‬وتع ّيــن بالتالــي رفضهــا شــكال»‪.2‬‬
‫وقــام نفــس املدعــي‪ ،‬بالطعــن فــي نتائــج الــدورة الثانيــة‪ ،‬املجــراة فــي ‪ 21‬ديســمبر‬
‫‪ ،2014‬ولــم تتوقــف املحكمــة فــي حــدود انعــدام صفــة القيــام‪ ،‬بــل أضافــت أنــه «ثبــت‬
‫أن املدعــي تولــى تقديــم عريضــة دعــواه‪ ،‬دون أن يوجــه إلــى الهيئــة العليــا املســتقلة‬
‫لالنتخابــات اعالمــا بطعنــه بواســطة عــدل تنفيــذ مــع نظيــر مــن العريضــة واملؤيــدات‬
‫ودون أن يتولــى إنابــة محــام لــدى التعقيــب‪ ...‬ممــا يتجــه معــه رفــض الدعــوى شــكال»‪.3‬‬
‫وكان بإمــكان املدعــي الطعــن فــي الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية أمــام‬
‫الجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة‪ ،‬عندهــا كان مــن املســتحيل اإلعــان عــن النتائــج‬
‫النهائيــة لالنتخابــات الرئاســية قبــل موفــى ســنة ‪ ،2014‬وفــي هــذا مخالفــة ألحــكام‬
‫الدســتور‪ .‬وهــذا مــا يدعــو إلــى التفكيــر فــي إيجــاد اجــراء خــاص للتعامــل مــع‬
‫الدعــاوى غيــر الجديــة والتــي ال تحتــرم الحــ ّد األدنــى مــن الشــكليات واإلجــراءات‪.‬‬
‫يمــس مــن حــق التقاضــي‪ ،‬إال أنــه مــن املهــم‬
‫ّ‬ ‫وبالرغــم مــن أن تقييــد حــق الطعــن‪ ،‬قــد‬
‫العمــل علــى ضمــان جديــة الطعــون‪ ،‬وقــد يكــون اســتكمال تنظيــم القضــاء اإلداري‬
‫واعتمــاد مجلــة للقضــاء اإلداري فرصــة للتفكيــر فــي األليــات املناســبة فــي هــذا املجــال‪.‬‬
‫مــن جانــب أخــر‪ ،‬إذا كان القانــون االنتخابــي يســمح بترشــح القائمــات االئتالفيــة‪ ،‬يكــون‬

‫‪ .1‬يراجــع فــي هــذا التوصيــة عــدد ‪ 14‬فــي التقريــر النهائــي لبعثــة اإلتحــاد األوروبــي حــول انتخابــات املجلــس الوطنــي‬
‫التأسيســي‪ ،‬ص ‪46‬‬
‫ّ‬
‫وجــل"‪/‬م‪.‬ب‪.‬ب‪.‬ح‬ ‫‪ .2‬حكــم اســتئنافي ‪ 40009 2014‬بتاريــخ ‪ 1‬ديســمبر ‪ ،2014‬ع‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪ ،‬رئيــس حــزب اهلل عــ ّز‬
‫وس‪.‬ق‪.‬س‪.‬وم‪.‬م‪.‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬حكــم اســتئنافي عــدد ‪ 80001 2014‬بتاريــخ ‪ 26‬ديســمبر ‪ ،2014‬ع‪.‬م‪.‬م‪.‬ح‪ ،‬رئيــس حــزب اهلل عـ ّز ّ‬
‫وجل"‪/‬الهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات فــي ش‪.‬م‪.‬ق‪.‬‬
‫‪279‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫مــن املنطقــي أن يســمح ملمثلــي االئتــاف علــى غــرار ممثلــي األحــزاب السياســية بحــق‬
‫الطعــن فــي نتائــج االنتخابــات الخاصــة بالدوائــر التــي ترشــحت فيهــا قائمــات االئتــاف‪.‬‬
‫أمــا بالنســبة لالنتخابــات الرئاســية‪ ،‬فــإن تمييــز القاضــي االنتخابــي بــن صفــة القيــام‬
‫واملصلحــة للقيــام تكتســي أهميــة بالغــة‪ ،‬فلئــن كان الفصــل ‪ 145‬فــي فقرتــه الثالثــة يخــول‬
‫«لــكل مترشــح «الطعــن فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات دون تمييــز بــن الــدور األول‬
‫والــدور الثانــي‪ ،‬وأكــد الفصــل ‪ 147‬أنــه «ٍتفتــح الطعــون بالنســبة للــدورة الثانيــة مــن‬
‫ّ‬
‫للمترشــحني الذيــن شــاركوا فــي الــدورة األولــى»‪ ،‬فــإن املحكمــة‬ ‫االنتخابــات الرئاســية‬
‫اإلداريــة اعتمــدت علــى املصلحــة فــي الطعــن فــي الــدور األول مــن االنتخابــات الرئاســية‬
‫الــذي لــم يفــض إلــى اإلعــان عــن فائــز‪ ،‬لتقــر بــأن املصلحــة فــي الطعــن فــي هــذه‬
‫الحالــة «تكــون مســتمدة إ ّمــا مــن طلــب التصريــح بأحقيــة الطاعــن فــي املشــاركة فــي‬
‫الــدورة الثانيــة أو فــي أحقيتــه فــي اإلعــان عنــه كفائــز نهائــي»‪ ،1‬وبذلــك قضــت بانتفــاء‬
‫مصلحــة القيــام للمترشــح فــي الــدورة الثانيــة حــن يطالــب باإللغــاء الجزئــي للنتائــج‬
‫ملج ـ ّرد التقليــص فــي فــارق األصــوات بينــه وبــن املترشــح الــذي يســبقه فــي الترتيــب‪.‬‬
‫وبالرغــم مــن أن تحديــد حــق الطعــن جــاء لضمــان جديــة الطعــون‪ ،‬وتجنــب الطعــون غيــر‬
‫الواقعيــة التــي مــن شــأنها أثقــال كاهــل القاضــي االنتخابــي‪ ،‬أو ارجــاء موعــد الــدور‬
‫الثانــي لالنتخابــات‪ ،‬وقــد تــم اســتعمال حــق الطعــن فــي االنتخابــات الرئاســية لســنة ‪2014‬‬
‫ّ‬
‫املترشــحني بالرغــم مــن كونــه أحــد الفائزيــن فــي الــدور األول‪ ،‬ال لشــيء إال‬ ‫مــن طــرف أحــد‬
‫لتفــادي تنظيــم الــدور الثانــي يــوم ‪ 14‬ديســمبر ‪ ،2014‬فبعــد تقديــم مجموعــة مــن الدعــاوى‬
‫إللغــاء نتائــج التصويــت ببعــض مراكــز التصويــت وقــد تــم رفــض الدعــاوى جميعهــا‬
‫مــن املحاكــم اإلداريــة اإلســتئنافية‪ ،‬فقــام بالطعــن فــي األحــكام الصــادرة‪ .‬وكان تأثيــر‬
‫الطعــون علــى تحديــد موعــد الــدور الثانــي محــددا إذ تــم تنظيمــه يــوم ‪ 21‬ديســمبر ‪.2014‬‬
‫وقــد تكــ ّرر نفــس األمــر‪ ،‬مــع االنتخابــات الرئاســية لســنة ‪ ،2019‬فقــد قــام بعــض‬
‫املترشــحني بالطعــن فــي نتائــج الــدور األول بالرغــم مــن حصولهــم علــى نســب متناهيــة‬
‫فــي الضعــف‪ ،‬مــن ذلــك أن مترشــحني حصــل أحدهمــا علــى نســبة ‪ % 0.21‬مــن‬
‫األصــوات‪ ،‬وتحصــل اآلخــر علــى نســبة ‪ ،% 0,11‬قامــا بالطعــن فــي الحكــم اإلســتئنافي‬
‫أمــام الجلســة العامــة القضائيــة‪ ،‬وقــد يكــون ســبب قيامهمــا بالطعــن العمــل علــى تأجيــل‬
‫الــدور الثانــي للســماح ألحــد املترشــحني بمزيــد مــن الوقــت للقيــام بالحملــة االنتخابيــة‪.‬‬

‫‪ .1‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 2014400002‬صادر في ‪ 01‬ديسمبر ‪.2014‬‬


‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪280‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬إجراءات اقصائية‬

‫على عكس فقه قضاء املحكمة اإلدارية في مادة اإللغاء والذي تم ّيز بنوع من املرونة تدعيما‬
‫للحــق فــي التقاضــي‪ ،‬فــإن النظــام اإلجرائــي لنزاعــات النتائــج تميــز بالتعقيــد والصرامــة‪.‬‬
‫فبــدأ بصياغــة الفصلــن ‪ 145‬و‪ 146‬جديديــن‪ ،‬والذيــن يطرحــان مشــكال مــن ناحيــة جــودة‬
‫التشــريع‪ ،‬إذ أن كل فصــل منهمــا يســتغرق أكثــر مــن ‪ 26‬ســطرا‪ ،‬وصــوال إلــى اإلجــراءات‬
‫املعقــدة‪ ،‬يتبــن وجــود تخــوف مــن كثرة الدعاوى والتي يمكن أن تنعكس ســلبا على معقولية‬
‫الروزنامــة االنتخابيــة‪ ،‬وقــد تجعــل مــن الصعــب احترام اآلجــال الضيقة للنــزاع االنتخابي‪.‬‬
‫ففضــا علــى اآلجــال الضيقــة للطعــن‪ ،‬والتــي تجعــل مــن العســير علــى املتقاضــن‬
‫اعــداد مؤيــدات الدعــوى بالشــكل املطلــوب‪ ،‬فــإن اشــتراط ارفــاق عريضــة الدعــوى‬
‫ببعــض الوثائــق‪ ،‬وإدراج بعــض التنصيصــات الوجوب ّيــة ضمــن محضــر التنبيــه‬
‫علــى الطــرف أو األطــراف فــي القضيــة‪ ،‬ع ّقــد األمــر بالنســبة لبعــض املتقاضــن‪.‬‬
‫فبالنســبة للطعــن فــي النتائــج األوليــة لالنتخابات‪ ،‬على الطرف الراغب في ممارســة الطعن‪:‬‬
‫• توجيه اعالم إلى الهيئة بواسطة عدل تنفيذ مع نظير من العريضة واملؤيدات‪.‬‬
‫• ُيرفــع الطعــن بموجــب عريضــة يحررهــا وجوبــا محــام لــدى التعقيــب‪ ،‬ويتولــى‬
‫املترشــح أو مــن يمثلــه إيداعهــا بكتابــة املحكمــة‪ ،‬ويجــب أن تكــون العريضــة‬
‫معللــة ومصحوبــة بنســخة رقميــة منهــا وباملؤيــدات وبنســخة مــن‬
‫القــرار املطعــون فيــه ومحضــر اإلعــام بالطعــن‪ ،‬وإال ُرفــض طعنــه‪.‬‬
‫• يكــون مطلــب الطعــن مع ّلال ومحتو ًيا على أســماء األطراف ومق ّراتهم وعلى‬
‫عــرض موجــز للوقائع ويكون مشــفوعا باملؤيدات وبمحضــر اإلعالم بالطعن‬
‫وعلــى التنبيــه علــى األطــراف بضــرورة تقديــم ملحوظاتهــم مرفقــة بمــا يفيــد تبليغهــا‬
‫لألطــراف فــي أجــل أقصــاه يوم جلســة املرافعة املع ّين من املحكمة‪ ،‬وإال رفض شــكال‪.‬‬
‫وتجــدر اإلشــارة إلــى أن النظــام اإلجرائــي عــرف منــذ ســنة ‪ 2011‬خمــس صيــغ‬
‫مختلفــة‪ ،‬فبعــد الصيغــة األولــى التــي وردت فــي املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ ،2011‬جــاء‬
‫املرســوم عــدد ‪ 72‬لســنة ‪ 2011‬ليعــدل مــن بعــض العناصــر املتعلقــة بكيفيــة رفــع‬
‫الطعــن‪ ،‬ومــن قواعــد االختصــاص الحكمــي‪ ،‬ومــن اآلجــال‪ .‬ثــم جــاء القانــون األساســي‬
‫عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ ،2014‬ليعتمــد مبــدأ التقاضــي علــى درجتــن بالنســبة لــكل أصنــاف‬
‫النزاعــات االنتخابيــة‪ ،‬ولينظــم النزاعــات االنتخابيــة الخاصــة بــكل مــن االنتخابــات‬
‫التشــريعية والرئاســية واالســتفتاءات‪ .‬وجــاء القانــون األساســي عــدد ‪ 7‬لســنة ‪،2017‬‬
‫‪281‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫إلدراج القواعــد املتعلقــة باالنتخابــات املحليــة ضمــن القانــون االنتخابــي‪ ،‬وليعــدل‬


‫قواعــد تقديــم مطلــب الطعــن فــي النتائــج‪ ،‬ويقــر إمكانيــة اإللغــاء الجزئــي للنتائــج‪.‬‬
‫وأخيــرا جــاء القانــون األساســي عــدد ‪ 76‬لســنة ‪ 2019‬مــؤرخ فــي ‪ 30‬أوت ‪ 2019‬يتعلــق‬
‫بتنقيــح وإتمــام القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪ 26‬مــاي ‪ 2014‬املتعلــق‬
‫باالنتخابــات واالســتفتاء‪ ،‬وقــد أقــر مــن جهــة أجــاال مختصــرة تســمح باحتــرام أجــل‬
‫التســعني يومــا بالنســبة لالنتخابــات الســابقة ألوانهــا‪ ،‬وليغيــر مكونــات مطلــب الطعــن‬
‫فــي النتائــج‪ ،‬علمــا أن هــذا القانــون األخيــر نشــر قبــل أيــام مــن موعــد االنتخابــات‪.‬‬
‫وال شــك أن التعقيــد وعــدم اســتقرار النظــام اإلجرائــي هــو أحــد أســباب العــدد املرتفــع‬
‫للدعــاوى املرفوضــة شــكال‪ ،‬هــذا باإلضافــة إلــى اعتمــاد قاضــي النتائــج تأويــا ضيقــا‬
‫للقواعــد املتعلقــة بشــكليات وإجــراءات الطعــن‪ ،‬فمنــذ ‪ ،2011‬طبقــت املحكمــة اإلداريــة‬
‫الشــروط اإلجرائيــة الواجــب اســتيفاؤها عنــد الطعــن فــي النتائــج «بكامــل الصرامــة ولــم‬
‫تبــد مرونــة فــي أي منهــا»‪ ،1‬ممــا جعلهــا تقضــي مباشــرة برفــض الدعــاوى التــي ال‬
‫تســتجيب ألحــد أو بعــض الشــروط اإلجرائيــة والشــكلية‪ ،‬ويحــد مــن إمكانيــة تصحيــح‬
‫إجــراءات القيــام بحصرهــا فــي فتــرة آجــال الطعــن وهــي آجــال جــ ّد مختصــرة‪.2‬‬
‫وقــد أدى كل هــذا إلــى ارتفــاع كبيــر للدعــاوى املرفوضــة شــكال‪ ،‬ففــي ســنة ‪ 2011‬كان عدد‬
‫الدعــاوى املرفوعــة للطعــن فــي النتائــج األوليــة النتخابــات املجلــس الوطني التأسيســي ‪104‬‬
‫دعــوى‪ ،‬تــم رفــض ‪ 52‬دعــوى شــكال‪ ،‬أي أن أكثــر مــن نصــف الدعــاوى‪ ،‬وهــذا ال بــد أن‬
‫يثيــر التســاؤل خاصــة مــع اشــتراط القانــون إنابــة محــام لــدى التعقيــب لنزاعــات النتائــج‪،‬‬
‫أ ّمــا فــي االنتخابــات التشــريعية لســنة ‪ ،2014‬فقــد بلــغ عــدد الدعــاوى املرفوضــة شــكال في‬
‫الطــور االبتدائــي ‪ 10‬مــن أصــل ‪ 44‬دعــوى‪ ،‬وفــي الطــور االســتئنافي ‪ 2‬من أصــل ‪ 19‬طعنا ‪.‬‬
‫أمــا بالنســبة لالنتخابــات الرئاســية لســنة ‪ ،2014‬تــم تقديــم ‪ 9‬طعــون بالنســبة لنتائــج الــدور‬
‫األول‪ ،‬رفضــت منهــا ‪ 8‬شــكال‪ ،‬فــي الطــور االبتدائــي‪ ،‬وأقــرت الجلســة العامــة القضائيــة‬
‫الرفــض شــكال فــي ‪ 7‬قضايــا‪ ،‬وقبلــت الدعــوى شــكال ورفضتهــا أصــا فــي دعويــن‪.‬‬
‫أمــا فــي انتخابــات ‪ ،2019‬فقــد ُقــ ّدم ‪ 102‬طعنــا فــي الطــور االبتدائــي ضــ ّد النتائــج‬
‫األ ّوليــة لالنتخابــات التشــريعية التــي أعلنتهــا الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات‬
‫يــوم ‪ 9‬أكتوبــر‪ ،‬وقــد قــررت املحكمــة اإلداريــة رفــض ‪ 40‬طعنــا مــن حيــث الشــكل‪،‬‬
‫وحكــم بتعديــل النتائــج‪.‬‬‫ورفــض ‪ 59‬طعنــا مــن حيــث األصــل‪ ،‬و ُقبلــت ‪ 3‬طعــون ُ‬

‫‪ .1‬إبراهيم البرتاجي‪ .‬قراءة في قرارات املحكمة اإلدارية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ .2‬يراجع في هذا‪ :‬نرجس طاهر‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪282‬‬

‫أمــا بالنســبة لالنتخابــات الرئاســية‪ُ ،‬ق ّدمــت ‪ 6‬طعــون فــي الطــور األول ُرفضــت كلهــا‪،‬‬
‫إذ ُرفضــت ‪ 3‬دعــاوى مــن حيــث الشــكل‪ ،‬و ُرفضــت األخــرى مــن حيــث األصــل‪.‬‬
‫ويمكــن الوقــوف بشــكل خــاص عنــد الدعــوى املقدمــة مــن مترشــح حـ ّـل فــي املرتبــة الرابعة‪،‬‬
‫والتــي لــو تــم البــت فيهــا مــن حيــث األصــل‪ ،‬كانــت ستســمح ببلــورة فقــه قضــاء خــاص‬
‫بتعديــل النتائــج فــي االنتخابــات الرئاســية‪ .‬فقــد طلــب الطاعــن «القضــاء بنقــض قــرار‬
‫الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات واملتعلــق بنتائــج الــدورة األولــى لالنتخابــات الرئاســية‬
‫وتعديلهــا فــي اتجــاه التصريــح بإســقاط املترشــحني الثانــي والثالــث وإعــادة الترتيــب‬
‫وصعــود الطاعــن إلــى املرتبــة الثانيــة ومــن ثمــة التصريــح بكــون املترشــحني للــدور الثانــي‬
‫الســيد عبــد الكريــم الزبيــدي والســيد قيــس ســعيد»‪ .‬إال أن املســائل الجوهريــة لــم يقــع‬
‫التطــرق إليهــا‪ ،‬إذ ذكــرت املحكمــة بأنــه» حيــث اســتقر فقــه قضــاء هــذه املحكمــة علــى‬
‫أن النــزاع االنتخابــي يخضــع إلــى إجــراءات خاصــة وأجــال مقتضبــة ومبــادئ قانونيــة‬
‫متميــزة تحــول دون االســتئناس باملبــادئ اإلجرائيــة املوضوعــة ألصنــاف أخــرى مــن‬
‫النزاعــات‪ ،‬وأنــه ال منــاص للقاضــي االنتخابــي مــن التقيــد بعبــارة النــص املنظــم للنــزاع‬
‫وتســليط الجــزاء الــوارد فيــه‪ ...‬وحيــث أن إجــراءات الطعــن مــن متعلقــات النظــام العــام‪،‬‬
‫والتــي تثيرهــا املحكمــة مــن تلقــاء نفســها‪ ،‬ولــو لــم يتمســك بهــا األطــراف‪ .‬وحيــث يتبــن‬
‫مــن االطــاع علــى محضــر اإلعــام بالطعــن‪ ...‬أنــه جــاء خاليــا مــن التنبيــه عليهــم بضرورة‬
‫تقديــم ملحوظاتهــم مرفقــة بمــا يفيــد تبليغهــا للطاعــن فــي أجــل أقصــاه جلســة املرافعــة‬
‫املعينــة مــن املحكمــة‪ ،‬وهــو مــا يشــكل أخــاال بشــكلية جوهريــة‪ ...‬وحيــث والحالــة علــى مــا‬
‫ذكــر‪ ،‬يكــون الطعــن غيــر مســتوف إلجــراءات القيــام األساســية وحريــا بالرفــض شــكال»‪.1‬‬

‫ماذا عن التوجه فقه القضائي للمحكمة اإلدارية كقاض للنتائج‪.‬‬

‫‪ .II‬مراقبة متحفظة من القاضي االنتخابي‬

‫صحــة‬
‫يتم ّيــز قاضــي النتائــج‪ ،‬عكــس قاضــي الترشــحات أو التســجيل بكونــه قاضــي ّ‬
‫االنتخابــات ونزاهتهــا أكثــر منــه قاضــي الشــرعية‪ ،‬وهــو يتمتــع بصالحيــات واســعة‬
‫فــي مراقبتــه للنتائــج‪ ،‬إذ يعتمــد فــي عملــه علــى مقاربــة واقعيــة وبراغماتيــة‪ .‬فــا يكفــي‬
‫وجــود تجــاوز أو خــرق للقانــون ليلغــي القاضــي النتيجــة أو يقضــي بتعديلهــا بــل يجــب‬
‫وفــق مقتضيــات الفصــل ‪( 143‬جديــد) مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪،2014‬‬

‫‪ .1‬حكــم فــي مــادة نزاعــات النتائــج عبــد الكريــم الزبيدي‪/‬الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات‪ ،‬قضيــة عــدد ‪،20194002‬‬
‫بتاريــخ ‪ 23‬ســبتمبر ‪2019‬‬
‫‪283‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫مراقبــة عمــل الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات فــي» التث ّبــت مــن احتــرام الفائزيــن‬
‫ألحــكام الفتــرة االنتخابيــة وتمويلهــا»‪ ،‬وفــي قرارهــا عنــد االقتضــاء بإلغــاء نتائــج‬
‫الفائزيــن بصفــة كليــة أو جزئيــة إذا تب ّيــن لهــا أن مخالفتهــم لهــذه األحــكام أ ّثــرت علــى‬
‫نتائــج االنتخابــات بصفــة جوهريــة وحاســمة‪ .‬وال شــك أن الحديــث عــن ســلطة قاضــي‬
‫النتائــج فــي إلغــاء أو تعديــل النتائــج‪ ،‬تطــرح إشــكاال يتعلــق بمشــروعية التصــرف فــي‬
‫أصــوات الناخبــن‪ ،‬إذ كيــف للقاضــي أن يوفــق بــن ضــرورة ضمــان نزاهــة االنتخابــات‪،‬‬
‫واحتــرام خيــارات الناخبــن‪ ،‬أو بتعبيــر آخــر‪ ،‬كيــف يمكــن إعــادة احتســاب النتائــج‪،‬‬
‫والتصــرف فــي أصــوات الناخبــن علــى اعتبــار أن املترشــحني قامــوا بتجــاوزات؟‬
‫وقــد اســتقر فقــه املحكمــة اإلداريــة فــي النظــر فــي النتائــج علــى اشــتراط اثبــات‬
‫الخروقــات ضــد املترشــح أو القائمــة املطعــون ضدهــا مــن جهــة (فقــرة ‪،)1‬‬
‫وفــي إثبــات التأثيــر الجوهــري والحاســم للمخالفــات علــى النتائــج (فقــرة ‪.)2‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اشتراط إثبات الحجج للربط بني الفعل واملستفيد‬

‫اعتمــد تمشــي القاضــي اإلداري فــي وضــع عبــئ اإلثبــات علــى الطاعــن‪ ،‬وقــد‬
‫تشــدد فــي وضــع شــروط لقبــول الحجــج املقدمــة مــن املتقاضــن للطعــن فــي‬
‫النتائــج‪ ،‬وقــد أدى هــذا املوقــف فــي أغلــب األحيــان إلــى تفــادي القاضــي‬
‫االنتخابــي الخــوض فــي مضمــون بعــض املطاعــن املثــارة مــن قبــل املتنافســن‪.‬‬
‫ولئــن كان موقــف قاضــي النتائــج ســنة ‪ ،2011‬مبــررا باعتبــار أن اإلطــار القانونــي‬
‫لالنتخابــات جــاء فــي وقــت متأخــر‪ ،‬وأن عديــد التجــاوزات املثــارة كانــت قبــل انطــاق‬
‫الحملــة‪ ،‬خاصــة أنــه ســنة ‪ 2011‬لــم يكــن هنــاك فتــرة مــا قبــل الحملــة‪ ،‬ولــم يتــم‬
‫منــع اإلشــهار السياســي إال بمقتضــى املرســوم عــدد ‪ 116‬لســنة ‪ 2011‬مــؤرخ فــي ‪2‬‬
‫نوفمبــر ‪ 2011‬يتعلــق بحريــة االتصــال الســمعي والبصــري وبإحــداث هيئــة عليــا‬
‫مســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري‪ ،‬فــإن الحفــاظ علــى نفــس التمشــي ســنة‬
‫‪ ،2014‬ليــس مــن شــأنه ضمــان نزاهــة االنتخابــات‪ ،‬وال تدعيــم ثقافــة التنافــس النزيــه‪.‬‬
‫ففــي انتخابــات التشــريعية لســنة ‪ ،2014‬اعتبــرت املحكمــة فــي أحــد األحــكام‬
‫أنــه «وحيــث لئــن أدلــت نائبــة املدعيــة بقــرص مضغــوط إلثبــات املخالفــة املتمســك‬
‫بهــا فإنــه لــم يتســن للمحكمــة اعتمــاده الســتحالة االطــاع عليــه بســبب عــدم‬
‫وضــوح فحــواه ممــا يجعلــه ال يرقــى إلــى مرتبــة املؤيــدات التــي يســوغ للمحكمــة‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪284‬‬

‫تقديــر حجيتهــا األمــر الــذي يجعــل هــذا املطعــن مجــردا ومتعــن الرفــض»‪.1‬‬
‫واعتبــرت املحكمــة فــي قــرار آخــر أنــه «(‪ )...‬خالفــا ملــا دفعــت بــه الهيئــة العليــا املســتقلة‬
‫لالنتخاباتفــإن إثبــات املخالفــات أو اإلخــاالت االنتخابيــة تكــون بجميــع وســائل اإلثبــات‬
‫وليــس فقــط بالرجــوع إلــى تقاريــر الهيئــة واملحاضــر التــي يحررهــا أعوانهــا املحلفــون وال‬
‫شــيء يحــول مــن حيــث املبــدأ دون نظــر القاضــي االنتخابــي التونســي فيمــا يقــدم لــه مــن‬
‫تقاريــر هيــاكل ومنظمــات املجتمــع املدنــي التــي أصبحــت جــزءا مــن املشــهد االنتخابــي‬
‫التونســي متــى اتســمت بالجديــة املطلوبــة وتعلقــت بصــورة واضحــة بمســائل مثــارة فــي‬
‫النــزاع وتناولــت وقائــع ومعطيــات دقيقــة ومعينــة بالذات وســواء كانت كافية بذاتها للحســم‬
‫فــي النــزاع أو منطلقــا ألبحــاث اســتقصائية إضافيــة‪ ...‬وحيــث لــم تتوفــر بامللــف ولــو بدايــة‬
‫حجــة علــى صحــة ادعــاءات العارضــة كمــا افتقــرت الوقائــع التــي تمســكت بها إلــى الدقة‪..‬‬
‫وحيــث أن عــبء إثبــات اإلخــاالت املتعلقــة بقواعــد االنتخابــات محمــول علــى مــن يدعيها»‪.2‬‬
‫وذهبــت املحكمــة فــي حكــم صــادر ســنة ‪ 2019‬إلــى أنــه «وحيــث ال جــدال فــي أن مــا‬
‫حصــل يــوم االقتــراع ‪ 6‬أكتوبــر ‪ 2019‬بمدرســة البلــد بمعتمديــة فريانــة هــو مخالفــة‬
‫جســيمة للقانــون االنتخابــي تتعلــق بخــرق الصمــت االنتخابــي طبــق أحــكام الفصلــن‬
‫‪ 128‬و‪ 69‬املشــار إليهمــا‪ ...‬لكــن لإلقــرار بوجــود املخالفــات وتقديرهــا مــن قبــل القاضــي‬
‫االنتخابــي يتوقــف علــى تضمــن تلــك اإلخــاالت بمحاضــر مكاتــب ومراكــز االقتــراع‬
‫وتقديــم املؤيــدات لذلــك وإال تــم رفــض اعتمادهــا»‪ .3‬وال يخفــى أن هــذه الحيثيــة تتضمــن‬
‫تضاربــا فــي املوقــف‪ ،‬إذ أن القاضــي أقــر مــن جهــة بــأن املخالفــة جســيمة دون أن‬
‫يبــن األســاس الــذي تــم بنــاء عليــه تقديــر جســامة املخالفــة‪ ،‬لكــن رغــم هــذا ق ـ ّرر عــدم‬
‫جــواز تقديــر املخالفــات إال متــى تــم تضمينهــا بمحاضــر مراكــز ومكاتــب اإلقتــراع‪.‬‬
‫واشــترط القاضــي اإلداري فــي قضايــا أخــرى قــدم فيهــا الطاعــن حججــا موثقــة‪،‬‬
‫شــروطا تتعلــق بجديــة وقــوة وســائل اإلثبــات بالرغــم مــن أنــه كمــا هــو معلــوم يصعــب‬
‫علــى املترشــحني أو ممثليهــم توثيقــا كامــا ملخالــف التجــاوزات فــي املــادة االنتخابيــة‪،‬‬
‫فقــد أكــد علــى أنــه «وحيــث ثبــت مــن أوراق امللــف أن األدلــة التــي تقــدم بهــا العــارض‬
‫واملتمثلــة فــي قــرص مضغــوط يتضمــن تســجيال للحديــث دار بــن ثالثــة ناخبــن تمــت‬
‫دعوتهــم للتصويــت للقائمــة مــا‪ ،‬وكذلــك تســجيل بالصــورة والصــوت إلمــرأة أمــام مركــز‬

‫‪ .1‬القضية عدد ‪ ،2014 20024‬بتاريخ ‪ 8‬نوفمبر ‪ 2014‬سنية ‪ /‬الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات‬
‫‪ .2‬القضيــة عــدد ‪ 2014 20027‬بتاريــخ ‪ 8‬نوفمبــر ‪ :2014‬ســميرة ‪ /‬الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب‬
‫اإلتحــاد الوطنــي الحــر بدائــرة مدنني‪.‬‬
‫‪ .3‬حكــم عــدد ‪ 20194069‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪ :2019‬رئيــس قائمــة حــزب حركــة الشــعب بالقصريــن ‪ /‬الهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات ورئيــس قائمــة حــزب تونــس بدائــرة القصريــن‪:‬‬
‫‪285‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫االقتــراع تحمــل بيدهــا بلونــة حمــراء مزوقــة بشــعار أحــد األحــزاب دون ذكــر األماكــن‬
‫التــي حصلــت بهــا تلــك اإلخــاالت وتحديــد هويــة أصحابهــا وانتماءاتهــم الحزبيــة‪.‬‬
‫يجعــل هــذه االدعــاءات مجــردة ضــرورة أنــه مــن املفــروض علــى القائــم بالطعــن أن يدلــي‬
‫للمحكمــة بالقــدر األدنــى مــن املعطيــات إلقامــة الدليــل علــى اكتســاء ادعائــه طابعــا جديــا»‪.‬‬
‫وحتــى فــي صــورة توثيــق التجــاوزات‪ ،‬يقــع علــى الطاعــن عبــئ اثبــات العالقــة بــن مرتكــب‬
‫التجــاوز واملترشــح‪ ،‬وهــذا قــد يكــون مســتحيال خاصــة مــع اللجــوء إلــى األطفــال فــي‬
‫الحمــات االنتخابيــة‪.‬‬
‫وفــي قضيــة أخــرى بمناســبة انتخابــات التشــريعية لســنة ‪ 2014‬اعتبــرت املحكمــة أنــه‬
‫بخصــوص مــا جــاء باملحضــر عــدد ‪ 0019582‬مــن معاينــة توزيــع نــداء تونــس لقصاصــات‬
‫داخــل مركــز االقتــراع القرقــارة حيــدرة تحمــل شــعار الحــزب فإن هــذه املعاينــة ولئن كانت‬
‫تؤكــد الثبــوت املــادي للمخالفــة االنتخابيــة فــإن عــدم تحديــد عــدد القصاصــات التــي تــم‬
‫توزيعهــا ومكانهــا والفتــرة التــي إســتغرقها التوزيــع وتحديــد مــا إذا تــم التصــدي للمخالفة‬
‫فــي نطــاق مــا يخولــه القانــون ألعــوان الهيئــة مــن صالحيــات ليــس مــن شــأنه التدليــل علــى‬
‫تأثيــر هــذه املخالفــة التــي حصلــت بمركــز االقتــراع املذكــور علــى نتائــج االنتخابــات»‪.1‬‬
‫ولئــن عمــل بعــض املتقاضــن ومنهــم هيئــة االنتخابــات علــى توثيــق التجــاوزات‬
‫عبــر أعــوان محلفــن‪ ،‬فــإن هــذا لــم يكــف التخــاذ قــرار فــي اتجــاه إلغــاء أو تعديــل‬
‫النتائــج‪ ،‬وهــو مــا يطــرح تســاؤال بخصــوص اعمــال الصالحيــات االســتقصائية‬
‫مــن قبــل القاضــي االنتخابــي إذ أن التعلــل بعــدم إدالء األطــراف بالحجــج‬
‫الكافيــة يعلــق دور القاضــي االســتقصائي فــي هــذا الصنــف مــن النزاعــات‬
‫ويتعــارض مــع فقــه القضــاء املســتقر علــى كفايــة إدالء األطــراف ببدايــة حجــة‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تقدير حجم التجاوزات مع طبيعة اإللغاء‬

‫تم ّيــز فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي نزاعــات النتائــج بتحفــظ كبيــر‪ ،‬أو علــى حــد‬
‫تعبيــر القاضــي مــراد بــن مولــي بتهــرب القاضــي االنتخابــي وتخفيــه وراء مفهــوم‬
‫النزاهــة‪ :‬يمثــل تخليــا منــه عــن وظيفــة رقابــة الشــرعية لفائــدة رقابــة النزاهــة‪.2...،‬‬
‫ففــي انتخابــات ‪ ،2011‬كان النقــص التشــريعي وراء عــدم معاقبــة التجــاوزات التــي ارتكبها‬
‫املترشــحون ســواء فــي تمويــل الحملــة أو فــي أنشــطة الحملــة‪.‬‬

‫‪ .1‬حكم استئنافي عدد ‪ 201420005‬بتاريخ ‪ 7‬نوفمبر ‪ ,2014‬حركة نداء تونس ‪ /‬الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات‪.‬‬
‫‪ .2‬براجع في هذا مراد بن مولي‪ .‬مفهوم نزاهة االنتخابات‪ ،‬تونس ‪.2019‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪286‬‬

‫أمــا فــي االنتخابــات التشــريعية لســنة ‪ ،2014‬لئــن اجتهــدت هيئــة االنتخابــات اســتنادا إلــى‬
‫أحــكام الفصــل ‪ 143‬قديــم مــن القانــون االنتخابــي‪ ،‬فــي اعتبــار أن املخالفــات التــي وقــع‬
‫ارتكابهــا مــن قائمــة مترشــحة والتــي تــم توثيقهــا فــي جملــة مــن محاضــر أعــوان الرقابــة‪،‬‬
‫كافيــة بتعددهــا وجســامتها للتأثيــر علــى فــوز قائمــة نــداء تونــس بالقصريــن باملقعــد الثالث‬
‫املســند إليهــا بموجــب أكبــر البقايــا نظــرا إلــى الفــارق الضئيــل فــي بقايــا األصــوات بينهــا‬
‫وبــن القائمــة التــي تليهــا مباشــرة فــي الترتيــب (‪ 134‬صوتــا)‪ ،‬وانتهــت إلــى إلغــاء املقعــد‬
‫الثالــث لقائمــة حركــة نــداء تونــس وإســناده إلــى قائمــة التكتــل مــن أجــل العمــل والحريات‪.‬‬
‫فــإن املحكمــة اإلداريــة اعتبــرت أن (‪ )...‬محضــر املعاينــة‪ ...‬تــم تحريــره مــن قبــل املراقبــن‪...‬‬
‫ولئــن تضمــن أن مــن قــام باملخالفــة هــو عضــو مكتــب نــداء تونــس إال أنــه لــم ينــص بدقة على‬
‫األفعــال التــي يرتكبهــا للتأثيــر علــى الناخبــن واقتصــر علــى وصفهــا القانونــي وهــو مــا ال‬
‫يتســنى معــه للمحكمــة مراقبــة مــدى صحــة الوصــف القانونــي املعتمــد نظــرا لغيــاب تدقيــق‬
‫األفعــال املاديــة‪ .‬وترتيبــا علــى ذلــك وبالنظــر إلــى غيــاب ثبــوت الركــن املــادي للمخالفــة‪ ،‬فإنــه‬
‫ال تثريــب علــى محكمــة البدايــة ملــا اســتبعدت املحضــر املذكــور القتصــاره علــى الوصــف‬
‫القانونــي لألفعــال املرتكبــة دون تحديدهــا ولكونــه ال يؤســس للثبــوت املــادي لألفعــال‪.‬‬
‫وحيــث أن الشــكاية املعــرف باإلمضــاء عليهــا بتاريــخ ‪ 31‬أكتوبــر ‪2014‬‬
‫واملتضمنــة تهديــد املتســاكنني وإجبارهــم تحــت التهديــد والوعيــد النتخــاب‬
‫حــزب معــن بقيــت معزولــة وغيــر مؤيــدة أو موثقــة بحجــج رســمية أو بشــهادات‪،‬‬
‫ممــا تكــون معــه محكمــة البدايــة محقــة فــي اعتبارهــا غيــر جديــرة االعتمــاد‪.‬‬
‫وحيــث وبخصــوص مذكــرات التحفظــات واملالحظــات‪ ،‬فإنــه لئــن كانــت األفعــال املضمنــة‬
‫باملذكــرة عــدد ‪ 0082461‬واملتمثلــة فــي قيــام مالحــظ تابــع لحــزب حركــة نــداء تونــس‬
‫باإلشــهار لحزبــه داخــل القاعــة والتأثيــر علــى الناخبــن تشــكل مخالفــة ثابتــة‪ ،‬غيــر أن‬
‫التدخــل الفــوري لرئيــس مكتــب االقتــراع وتصديــه‪ ،‬وضــع حــدا لهــا وفــق مــا ضمــن‬
‫بمحضــر االقتــراع ممــا يجعــل تأثيرهــا منعدمــا أو محــدودا‪ .‬وحيــث أن املخالفــات الثابتــة‬
‫فــي جانــب قائمــة حركــة نــداء تونــس بالقصريــن لــم تؤثــر بصفــة جوهريــة وحاســمة‬
‫فــي النتائــج املذكــورة بالنظــر إلــى الفــارق الشاســع بــن العــدد الجملــي لألصــوات‬
‫الــذي تحصلــت عليــه والعــدد الجملــي لألصــوات الــذي تحصلــت عليــه القائمــات املواليــة‬
‫لهــا فــي الترتيــب‪ ،‬ذلــك أن عــدد األصــوات الجملــي الــذي تحصلــت عليــه بلــغ ‪28362‬‬
‫وكان عــدد األصــوات الــذي تحصلــت عليــه قائمــة حركــة النهضــة‪ 23650 :‬وكان عــدد‬
‫األصــوات الــذي تحصلــت عليــه قائمــة الجبهــة الشــعبية ‪ 4591 :‬وكان عــدد األصــوات‬
‫الــذي تحصلــت عليــه قائمــة اإلتحــاد الوطنــي الحــر‪ 3441 :‬وكان عــدد األصــوات الــذي‬
‫تحصلــت عليــه قائمــة حــزب املؤتمــر‪ ،‬وهــي آخــر قائمــة فــازت‪ ،‬كان ‪ ،2938‬بينمــا‬
‫تحصلــت عليــه قائمــة حــزب التكتــل مــن أجــل العمــل والحريــات علــى ‪ 2180‬صــوت‪.‬‬
‫‪287‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وحيــث يكــون بنــاء علــى مــا تقــدم طلــب إلغــاء النتائــج بالدائــرة االنتخابيــة‬
‫بالقصريــن وإعــادة احتســابها دون اعتبــار نتائــج قائمــة حركــة نــداء تونــس فــي‬
‫غيــر طريقــه وتعــن لذلــك رفــض املطعــن املاثــل وإقــرار الحكــم املطعــون فيــه»‪.1‬‬
‫إن املنهجيــة املعتمــدة مــن القاضــي االنتخابــي بخصــوص ضــرورة تقديــر تأثيــر‬
‫املخالفــات علــى النتائــج بصــورة إجماليــة قبــل توزيــع املقاعــد يتعــارض مــن جهــة‬
‫مــع خصوصيــة نظــام االقتــراع القائــم علــى نظــام النســبية مــع اعتمــاد أكبــر البقايــا‪،‬‬
‫ومــع قــراءة القاضــي االنتخابــي ألحــكام الفصــل ‪ 134‬مــن القانــون االنتخابــي مــع تقنيــة‬
‫األثــر املجــدي املعتمــدة لتقديــر تأثيــر املخالفــات املنســوبة للقائمــة الفائــزة علــى نزاهــة‬
‫االنتخابــات والــذي يقــوم علــى احتســاب الفــارق فــي األصــوات بــن القائمــة الطاعنــة‬
‫والقائمــة الفائــزة املطعــون فــي نتائجهــا والــذي يعــد املعيــار الحاســم الــذي عــادة مــا‬
‫يلجــئ إليــه القاضــي االنتخابــي بشــكل شــبه آلــي حتــي فــي غيــاب مــا يفيــد ثبــوت وجــود‬
‫مخالفــة انتخابيــة علــى النحــو املبــن أعــاه‪ .‬فخصوصيــة التمثيــل النســبي مــع األخــذ‬
‫بأكبــر البقيــا تجعــل تأثيــر املخالفــات علــى النتائــج نســبيا‪ ،‬إذ قــد يكــون الفــارق فــي‬
‫األصــوات التــي تحصلــت عليهــا قائمتــن فرقــا كبيــرا علــى مســتوى الدائــرة فيكــون تأثيــر‬
‫املخالفــة علــى أســناد املقاعــد علــى أســاس الحاصــل االنتخابــي غيــر مؤثــر‪ ،‬لكــن الفــارق‬
‫فــي األصــوات بــن نفــس القائمتــن يكــون محــدد بالنســبة إلســناد مقعــد علــى أســاس‬
‫أكبــر البقايــا‪ ،‬إذ يمكــن أن يكــون مجمــوع إحــدى القائمــات متقــارب مــع بقايــا قائمــة فائــزة‬
‫بمقعــد أو أكثــر علــى أســاس الحاصــل‪ ،‬وهــو مــا يعني أن إســناد املقاعد في داخــل الدائرة‬
‫ال يخضــع إلــى نفــس القاعــدة العدديــة مــن األصــوات املصــرح بهــا بــن القائمــات‬
‫الفائــزة وحتــى بالنســبة إلــى مختلــف املقاعــد املســندة لــذات القائمــة داخــل نفــس الدائــرة‪.‬‬
‫فتقديــر الفــارق فــي األصــوات يتمثــل أساســا فــي تقديــر القاضــي ملــدى مســاهمة‬
‫املخالفــات املتمســك بهــا فــي الحصــول علــى النتائــج املســندة إلــى القائمــة الفائــزة والتــي‬
‫أفضــت إلــى حصولهــا علــى املقعــد املســند إليهــا ســواء بموجــب الحاصــل االنتخابــي أو‬
‫بموجــب أكبــر البقايــا وأن االنتهــاء إلــى إلغــاء نتائــج االنتخابــات األوليــة ال يتــم إال إذا مــا‬
‫تبــن للقاضــي االنتخابــي أن تأثيــر املخالفــات علــى أصــوات الناخبــن مأثــرة عنــد حذفهــا‬
‫مــن مجمــوع األصــوات املســندة للقائمــة الفائــزة واملخالفــة فــي الحصــول علــى مقعــد أو‬
‫عــدد مــن املقاعــد وفــي املقابــل‪ .‬فــإن تبــن للقاضــي االنتخابــي أن حــذف األصــوات املســندة‬
‫للقائمــة الفائــزة واملشــوبة بعــدد مــن املخالفــات لــن يفضــي فــي كل الحــاالت إلــى حرمانهــا‬
‫مــن املقعــد أو املقاعــد املتحصــل عليهــا بالنظــر إلــى الفــارق الهــام فــي األصــوات الــذي‬
‫يفصلهــا عــن بالقائمــة التــي تليهــا فــي الترتيــب فــإن ذلــك ال يفضــي إلــى إلغــاء النتائــج‪.2‬‬

‫‪ .1‬القضية عدد ‪ 20 ،2014 50013‬نوفمبر ‪ 2014‬وليد ‪ 1 /‬الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات و‪ 2‬محمد‬
‫‪ .2‬دليــل النزاعــات االنتخابيــة فــي تونــس‪ ،‬نســخة مح ّينــة ومثــراة بقــراءة تأليفيــة‪ ،‬البرنامــج اإلنمائــي لألمــم املتحــدة‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪288‬‬

‫وقــد جــاء تعديــل الفصــل ‪ 143‬للتوســيع مــن إمكانيــة الغــاء وتعديــل النتائــج عبــر‬
‫اعتمــاد اإللغــاء الجزئــي أو الكلــي‪ ،‬لكــن هــذا لــم يغيــر مــن التوجــه الحــذر للمحكمــة‪.‬‬
‫ويبــرز الحــذر املفــرط للقاضــي اإلداري فــي الحكــم االســتئنافي بتاريــخ ‪ 21‬أكتوبــر‬
‫‪ ،2019‬بمناســبة قضيــة ســعيد الجزيــري ضــد الهيئــة العليــا لالنتخابــات‪ ،‬إللغــاء قــرار‬
‫الهيئــة القاضــي باإللغــاء الكلــي لنتائــج قائمــة حــزب الرحمــة بالدائــرة االنتخابيــة بــن‬
‫عــروس‪ ،‬والــذي اســتند علــى ارتــكاب املدعــي بصفتــه رئيــس قائمــة حــزب الرحمــة‬
‫«لإلشــهار السياســي املكثــف‪ ،‬ولدعايــة انتخابيــة غيــر مباشــرة مكثفــة تمثلــت فــي‬
‫أخــذ الكلمــة فــي إذاعــة القــرآن الكريــم ملــدة ‪ 67‬ســاعة‪ ،‬و‪ 19‬دقيقــة‪ ،‬خــال الحملــة‬
‫االنتخابيــة التشــريعية‪ ،‬بمــا تضمــن ذلــك مــن الترويــج لبرنامجــه االنتخابــي‪ ،‬وذلــك‬
‫بمعــدل ‪ 3‬ســاعات و‪ 19‬دقيقــة يوميــا خــال كامــل الحملــة االنتخابيــة»‪ .‬ورغــم أن أثبــات‬
‫املخالفــة الجســيمة اســتند إلــى تقريــر متخصــص مــن الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي‬
‫البصــري التــي أحالــت تقريرهــا وفــق مــا يضبطــه القانــون إلــى هيئــة االنتخابــات‪ ،‬فــإن‬
‫القاضــي ذهــب إلــى أن «تكييــف الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري‬
‫للمخالفــات االنتخابيــة علــى النحــو الــوارد فــي تقريرهــا ال يقيــد القاضــي االنتخابــي‪،‬‬
‫الــذي لــه صالحيــة بســط رقابتــه علــى صحــة ذلــك التكييف‪..‬وحيــث إن تمكــن املدعــي‬
‫بصفتــه مترشــحا لالنتخابــات التشــريعية كمقــدم برامــج خــال الحملــة االنتخابيــة يع ـ ّد‬
‫مخالفــة تنســب إلــى اإلذاعــة املذكــورة ويعاقــب عليهــا وفقــا ألحــكام التشــريع املتعلــق‬
‫باالتصــال الســمعي والبصــري‪ ،‬إال أن ذلــك ال يكــون مبــررا إللغــاء نتيجــة االنتخابــات‬
‫التــي تحصــل عليهــا إال متــى اقتــرن ظهــوره باإلشــهار السياســي والدعايــة االنتخابيــة‬
‫بصــورة ثابتــة وأدى إلــى التأثيــر علــى إرادة الناخبــن تأثيــرا حاســما وجوهريــا‪ .‬وحيــث‬
‫يبــرز ممــا تقــدم أن املخالفــات التــي تبنتهــا الهيئــة وأسســت عليهــا قرارهــا املبــن أعــاه‬
‫واملتعلقــة بقيــام املدعــي ‪..‬باإلشــهار السياســي لــم تكــن مؤسســة علــى ســند ســليم»‪.‬‬
‫إن هــذا الحكــم الــذي يقــود مــن جهــة إلــى نســف عمــل الهيئــات املكلفــة بتعديــل املشــهد‬
‫الســمعي والبصــري‪ ،‬ويــؤدي إلــى اإلفــات مــن الجــزاء لــكل املخالفــات التــي ترتكــب مــن‬
‫أجــل التأثيــر علــى الناخبــن‪ ،‬ال يمكــن أن يســاهم فــي مراكمــة ممارســات ترمــي إلــى‬
‫انتخابــات نزيهــة وحــرة وشــفافة‪.‬‬
‫كما أن توســيع الســلطة التقديرية للقاضي االنتخابي‪ ،‬ســواء الســتبعاد محاضر أو تقارير‬
‫رســمية‪ ،‬وتغليــب مقاربــة األثــر الحاســم عبــر تقاطــع معاييــر ذاتيــة ومعاييــر كميــة‪ ،‬قــاد فــي‬
‫حصيلة النزاعات االنتخابية ملحدودية حاالت اإللغاء الكلي أو انعدامها‪ ،‬واللجوء في مرات‬
‫محــدودة إلــى الغــاء جزئــي أو تحويــر النتائــج‪ ،‬بمــا ال يــؤدي إلى تغييــر في النتيجــة العامة‪.‬‬

‫بتونس‪ ، 2019 ،‬ص ‪.247 - 246‬‬


‫‪289‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫الفقــرة الثالثــة‪ :‬آفــاق قضــاء النتائــج مــع الدفــع بعــدم دســتورية‬


‫القانــون االنتخابــي‬

‫إن مراقبــة نتائــج االنتخابــات قــد تكتســي بعــدا جديــدا مــع إرســاء املحكمــة الدســتورية‪،‬‬
‫وقــد نظــم املشــرع فــي القانــون األساســي عــدد ‪ 50‬لســنة ‪ 2015‬مــؤرخ فــي ‪ 3‬ديســمبر‬
‫‪ 2015‬يتعلــق باملحكمــة الدســتورية‪ ،‬الطعــن فــي دســتورية القوانــن االنتخابيــة‪ .‬وراعــى‬
‫خصوصيــة املــادة االنتخابيــة‪ ،‬فنــص علــى آجــال اســتثنائية للدفــع بعــدم الدســتورية فــي‬
‫املــادة االنتخابيــة‪ ،‬ونــص علــى أثــار خاصــة لقــرار املحكمة الدســتورية في املــادة االنتخابية‪.‬‬
‫فبالنســبة لإلجراءات‪ ،‬نص الفصل ‪ 60‬من القانون األساســي للمحكمة الدســتورية على أنه‬
‫«تبت املحكمة الدستورية في املطاعن خالل ثالثة أشهر قابلة للتمديد لنفس املدة مرة واحدة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ويق ّلــص األجــل املذكــور بالفقــرة الســابقة إلــى خمســة أيــام فــي صــورة الدفــع بعــدم‬
‫دســتورية تشــريع انتخابــي بمناســبة الطعــون االنتخابيــة»‪.‬‬
‫أمــا بالنســبة آلثــار الحكــم «فــي حالــة الدفــع بعــدم دســتورية القوانــن املتع ّلقــة‬
‫باالنتخابــات وأقــ ّرت املحكمــة بعــدم دســتوريتها يتوقــف العمــل باألحــكام موضــوع‬
‫الطعــن فــي حــق الطاعــن دون ســواه بدايــة مــن تاريــخ صــدور قــرار املحكمــة الدســتورية‪.‬‬
‫ويتوقــف العمــل بأحــكام القانــون التــي أق ـ ّرت املحكمــة عــدم دســتوريتها انطالقــا‬
‫مــن االنتخابــات املواليــة‪.‬‬
‫ويثيــر العمــل برقابــة الدســتورية عــن طريــق الدفــع مالحظتــن‪ ،‬األولــى‪ ،‬كيف ســيكون تأثير‬
‫نظــر املحكمــة الدســتورية على اآلجــال القانونية وعلى الروزنامة االنتخابية خاصة بالنســبة‬
‫لالنتخابــات الســابقة ألوانهــا والتــي يجــب أن تجــرى فــي أجــل أقصــاه تســعون يومــا‪.‬‬
‫أمــا املالحظــة الثانيــة فتتعلــق بعقالنيــة الحــل الــذي يحصــر أثــر الحكــم بعــدم الدســتورية‪،‬‬
‫بالنسبة ألطراف وبالنسبة ألطراف يتوقف العمل باألحكام موضوع الطعن في حق الطاعن‬
‫دون سواه بداية من تاريخ صدور قرار املحكمة الدستورية‪ ،‬وهذا يعني أن قاضي النتائج‬
‫سيســتأنف النظــر فــي الدعــوى‪ ،‬لكــن لــن يطبــق النــص املحكــوم بعــدم دســتوريته بالنســبة‬
‫للطاعــن املعنــي بحكــم املحكمــة الدســتورية‪ ،‬فــي حــن ســيطبقه بالنســبة لبقيــة األطــراف‪.‬‬
‫ولــن يتوقــف العمــل بالقانــون تجــاه الكافــة إال انطالقــا مــن االنتخابــات القادمــة‪ ،‬ممــا‬
‫يعنــي أن علــى املشــرع العمــل علــى تنقيــح القانــون االنتخابــي فــي األثنــاء‪ .‬ويمثــل‬
‫هــذا الحــل املتمثــل فــي التأثيــر اآلجــل لحكــم عــدم الدســتورية‪ ،‬حــا عقالنيــا لتفــادي‬
‫إلغــاء االنتخابــات التــي جــرت علــى أســاس قانــون غيــر دســتوري خاصــة فــي الــدول‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪290‬‬

‫التــي تعيــش انتقــاال ديمقراطيــا‪ ،‬ففــي بعــض الــدول ســارع القضــاء املختــص برقابــة‬
‫الدســتورية بإعــان عــدم دســتورية القانــون االنتخابــي‪ ،‬وعلــى هــذا األســاس بطــان‬
‫االنتخابــات التــي جــرت علــى أساســه‪ ،‬وهــو مــا أدى إلــى أزمــة سياســية حــادة‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫إن دراســة نظــام إلغــاء النتائــج فــي القانــون التونســي ب ّيــن مــن جانــب أ ّول أن‬
‫اإلجــراءات التــي اســتقر عليهــا القانــون التونســي ال تخــدم حقيقــة حــق التقاضــي‪،‬‬
‫إذ وكأنهــا امتحــان قاتــل ال يســمح ألغلــب املتقاضــن بالوصــول إلــى ممارســة حقهــم‬
‫فــي التقاضــي‪ ،‬وفــي الجانــب املقابــل‪ ،‬وحتــى فــي صــورة نجــاح الطاعــن فــي اســتيفاء‬
‫الشــكليات الضروريــة للطعــن‪ ،‬فــإن القاضــي اإلداري كان مبالغــا فــي الحــذر للحكــم‬
‫بإلغــاء أو بتعديــل النتائــج‪ .‬فمــن جانــب أول لــم يعــد عبــئ اإلثبــات يعنــي بالنســبة‬
‫للطاعــن مجــرد تقديــم حجــج وإثباتــات عــن وقــوع الخروقات‪ ،‬بــل إن القاضي يشــترط‬
‫أحيانــا بعــض الشــروط التــي تجعــل مــن اثبــات التجــاوزات التــي يمكــن أن تــؤدي إلى‬
‫إلغــاء النتائــج شــبه مســتحيل‪ .‬وحتــى فــي صــورة وجــود محاضــر وتقاريــر رســمية‪،‬‬
‫يلجــأ القاضــي إلــى الحجــة املتمثلــة فــي غيــاب التأثيــر الحاســم‪.‬‬
‫إن فقــه القضــاء فــي دولــة الزالــت فــي العقــد األول مــن تحولهــا الديمقراطــي‪ ،‬مــن‬
‫املفروض أن يكون أكثر صرامة في التعامل مع الغش االنتخابي‪ ،‬ألن الشــعور بغياب‬
‫الجــزاء ال يمكــن إال أن يرســي ممارســات تتناقــض مــع مبــادئ النزاهــة االنتخابيــة‪.‬‬
‫وال شــك أن العمــل علــى مراجعــة نظــام التقاضــي يمثــل أحــد العناصــر األساســية‬
‫إلصــاح املنظومــة االنتخابيــة‪ ،‬ويدفعنــا للتفكيــر فــي ضــرورة مراجعــة النمــوذج‬
‫‪ le paradigme‬الــذي تبنــاه القاضــي االنتخابــي‪ ،‬خاصــة بالربــط بــن ضمــان النزاهــة‬
‫وطريقــة االقتــراع املعتمدة‪.‬‬
‫‪291‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫رقابة املحكمة اإلدارية على نتائج االنتخابات‬

‫شويخة بوسكاية‬
‫رئيسة دائرة استئنافية باملحكمة اإلدارية‬

‫لئــن كان «التأســيس لنظــام رقابــة فعل ّيــة وناجعــة علــى أعمــال الســلطة التشــريعية مــن‬
‫شــأنه أن يم ّثــل ضمانــا حقيقيــا لعلويــة الدســتور»‪ ،1‬فــإن تركيــز رقابــة مماثلــة علــى مســار‬
‫الســلط املك ّونــة لنظــام الحكــم مــن تشــريعية وتنفيذيــة وقضائيــة ومح ّل ّيــة‬
‫إرســاء مختلــف ّ‬
‫الســلط وأعمالهــا بقرينــة الشــرعية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ـك‬‫ـ‬ ‫تل‬ ‫ـى‬
‫ـ‬ ‫لتحظ‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫توفره‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫يتع‬ ‫ـي‬‫ـ‬ ‫الت‬ ‫ـس‬‫يم ّثــل أولــى األسـ‬
‫لذلــك تكتســي العمليــة االنتخابيــة أهميــة بالغــة باعتبارهــا «األداة التــي تتبعهــا‬
‫الديمقراطيــة الحديثــة ملــلء املقاعــد فــي املجلــس التشــريعي والســلطة القائمــة‬
‫والحكــم املح ّلــي واإلقليمــي»‪ ،2‬إذ باالنتخــاب يختــار الشــعب صنــاع القــرار‪.‬‬
‫مــن هــذا املنطلــق‪ ،‬كانــت إحاطــة املســار االنتخابــي بمختلف مراحلــه بأشــكال رقابية متعدد‬
‫ومتداخلــة فــي بعــض األحيــان خيــارا اتبعتــه أنظمــة عديــدة حــول العالــم‪ .3‬أمــا مــن حيــث‬
‫أشــكال الرقابــة فقــد تكــون إداريــة يضطلــع بــه هيــكل معني‪ ،4‬وقــد تكون قضائية‪ ،‬تســند في‬
‫بعــض األنظمــة إلــى محاكــم انتخابيــة مختصــة تحــدث للغــرض‪ ،‬أو إلــى محاكــم قائمــة كمــا‬
‫املؤس َســة ومن بعدها املشــرع إســناد اختصاص‬ ‫هــو الشــأن فــي تونــس‪ ،‬اختــارت الســلطة ِ ّ‬
‫مراقبــة االنتخابــات إلــى الســلطة القضائية وتوزيعها بني القضــاء اإلداري والعدلي واملالي‪.‬‬
‫أجمــع الــرأي العــام القانونــي على أن اســناد اختصــاص البت في نزاعــات نتائج انتخابات‬
‫املجلــس الوطنــي التأسيســي بموجــب املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬املــؤ ّرخ فــي ‪ 10‬مــاي‬
‫‪ 2011‬املتعلــق بانتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي املنقــح واملتمــم باملرســوم عــدد ‪72‬‬

‫‪ .1‬عصام بنحسن‪ ،‬املحكمة الدستورية‪ ،‬مجلة القضاء والسياسة‪ ،‬ص ‪ ،273‬الجزائر‪.2019 ،‬‬
‫‪ .2‬رافــع بــن عاشــور‪ ،‬املعجــم الدســتوري‪ ،‬جامعــة قرطــاج‪ ،‬كليــة العلــوم القانونيــة والسياســية واالجتماعيــة بتونــس‪،‬‬
‫ص ‪.2011 ،14‬‬
‫‪ .3‬تــم إقــرار الرقابــة علــى االنتخابــات فــي دســتور الواليــات املتحــدة األمريكيــة لســنة ‪ 1787‬ثــم فــي فرنســا ســنة ‪1791‬‬
‫وفــي ثالثينــات القــرن املاضــي فــي بعــض دول أوروبــا‪.‬‬
‫‪ .4‬نصــت الفقــرة ‪ 5‬مــن دســتور ‪ 1‬جــوان ‪ 1959‬للجمهوريــة التونســية كمــا تــم تنقيحهــا بالقانــون الدســتوري‬
‫ّ‬
‫الترشــح ويعلــن‬ ‫صحــة‬
‫"يبــت املجلــس الدســتوري فــي ّ‬‫ّ‬ ‫عــدد ‪ 51‬لســنة ‪ 2002‬املــؤرخ فــي ‪ 1‬جــوان ‪ 2002‬علــى أن‬
‫عــن نتيجــة االنتخابــات وينظــر فــي ّ‬
‫الطعــون املق ّدمــة فــي هــذا الصــدد وفقــا ملــا يضبطــه القانــون االنتخابــي "‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪292‬‬

‫لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 3‬أوت ‪ ،2011‬إلــى املحكمــة اإلداريــة‪ 1‬يع ـ ّد «اختيــارا مالئمــا»‪.2‬‬
‫ويجــد هــذا اإلجمــاع ســنده فــي «محافظــة املحكمــة اإلداريــة علــى قــدر مــن املصداقيــة‬
‫فــي ظـ ّـل العهــد ّ‬
‫الســابق جعلهــا تتم ّتــع بثقــة واضعــي النّصــوص فــي الفتــرة االنتقاليــة»‪.3‬‬
‫أمــا اليــوم‪ ،‬وبمــرور مــا يناهــز العشــر ســنوات علــى تعهــد املحكمــة اإلداريــة بالنظــر‬
‫فــي النزاعــات املتعلقــة بنتائــج أ ّول انتخابــات ديمقراطيــة تعرفهــا البــاد‪ ،4‬وبمراكمــة‬
‫التجــارب الالحقــة املتم ّثلــة فــي االنتخابــات التشــريعية والرئاســية لســنة ‪ 5 2014‬ثــم‬
‫‪7‬‬
‫االنتخابــات البلديــة لســنة ‪ ،6 2018‬وأخيــرا وليــس آخــرا االنتخابــات الرئاســية املبكــرة‬
‫واالنتخابــات التشــريعية‪ 8‬لســنة ‪ ،2019‬فقــد قطــع اإلطــار التشــريعي وفقــه القضــاء‬
‫اإلداري فــي هــذه املــادة خطــوات هامــة تجعلــه حريــا بالدراســة والتمحيــص حتــى‬
‫نتعــرف علــى خصائــص النظــام اإلجرائــي للرقابــة القضائيــة علــى نتائــج االنتخابــات‬
‫(‪ )I‬وطبيعــة تلــك الرقابــة واآلليــات التــي تعتمدهــا (‪ )II‬واآلثــار التــي تترتــب عنهــا (‪.)III‬‬

‫‪ .1‬نــص الفصــل ‪ 72‬مــن املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬فــي فقرتــه األولــى علــى أ ّنــه "يمكــن الطعــن أمــام الجلســة العامــة‬
‫للمحكمــة اإلداريــة فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات"‪.‬‬
‫‪ .2‬مليــاء الفتــوي بوقديــدة‪" ،‬رقابــة املحكمــة اإلداريــة علــى نتائــج انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي"‪ ،‬مجلــة القانــون‬
‫والسياســة‪ ،‬عــدد ‪ ،2014 ،2‬ص ‪.166 - 143‬‬
‫‪ .3‬عصــام بنحســن‪" ،‬النزاعــات املتعلقــة بانتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي"‪ ،‬حوليــة فقــه القضــاء‪ ،‬منشــورات‬
‫مدرســة الدكتــوراه بصفاقــس‪ ،‬العــدد األول‪.2013 ،‬‬
‫‪ .4‬تــم إجــراء انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي بتاريــخ ‪ 23‬أكتوبــر ‪ 2011‬تلقــت بمناســبتها الجلســة العامــة‬
‫للمحكمــة اإلداريــة (‪ )104‬طعنــا‪.‬‬
‫‪ .5‬تــم إجــراء االنتخابــات التشــريعية لســنة ‪ 2014‬بتاريــخ ‪ 26‬أكتوبــر ‪ 2014‬وتلقــت املحكمــة بمناســبتها ‪ 44‬طعنــا أمــام‬
‫الدوائــر االســتئنافية ثــم ‪ 19‬طعنــا أمــام الجلســة العامــة‪ ،‬فــي حــن أجريــت الــدورة األولــى لالنتخابــات الرئاســية‬
‫بعنــوان نفــس الســنة بتاريــخ ‪ 23‬نوفمبــر ‪ 2014‬وقدمــت بشــأنها ‪ 9‬طعــون أمــام الدوائــر االســتئنافية و‪ 8‬طعــون أمــام‬
‫الجلســة العامــة‪ ،‬وأجريــت الــدورة الثانيــة بتاريــخ ‪ 21‬ديســمبر ‪ 2014‬وقــدم بشــأنها طعنــان أمــام الدوائــر االســتئنافية‪.‬‬
‫‪ .6‬أجريــت بتاريــخ ‪ 6‬مــاي ‪ 2018‬وقــدم بشــأن نتائجهــا ‪ 43‬طعنــا يهــم ‪ 28‬دائــرة بلديــة موزعــة بحســاب ‪ 31‬طعنــا أمــام‬
‫الدوائــر االســتئنافية و‪ 12‬طعنــا أمــام الجلســة العامــة‪.‬‬
‫‪ .7‬أجريــت الــدورة األولــى لالنتخابــات الرئاســية املبكــرة بتاريــخ ‪ 15‬ســبتمبر ‪ 2019‬وتلقــت املحكمــة بشــأنها ‪ 6‬طعــون‬
‫أمــام الدوائــر االســتئنافية و‪ 5‬طعــون أمــام الجلســة العامــة فــي حــن لــم يقــدم أي طعــن فــي نتائــج الــدورة الثانيــة التــي‬
‫أجريــت بتاريــخ ‪ 13‬أكتوبــر ‪.2019‬‬
‫‪ .8‬أجريــت بتاريــخ ‪ 6‬أكتوبــر ‪ 2019‬وقــدم بشــأنه ‪ 102‬طعنــا أمــام الدوائــر االســتئنافية و‪ 36‬طعنــا أمــام الجلســة العامــة‪.‬‬
‫‪293‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ .I‬خصائــص النظــام اإلجرائــي للرقابــة القضائيــة علــى نتائــج‬


‫االنتخابــات‬

‫تحــرص األنظمــة الديمقراطيــة الحديثــة علــى أن تحيــط العمليــة االنتخابيــة بأقصــى‬


‫حــ ّد مــن الضمانــات‪ ،‬وتُعــ ّد الرقابــة القضائيــة مــن أبــرز أشــكال الضمانــات الالحقــة‬
‫لعمليــة االنتخــاب‪ .‬وقــد شــهد اإلطــار القانونــي املنظــم لنزاعــات نتائــج االنتخابــات‬
‫تطــ ّورا منــذ ســنة ‪ 2011‬غيــر أن ذلــك لــم يحــل دون اســتقرار الخيــار التشــريعي‬
‫بشــأن الجهــة القضائيــة املختصــة (‪ )1‬وتكريــس صرامــة إجــراءات التقاضــي (‪.)2‬‬

‫‪ .1‬اســتقرار الخيــار التشــريعي بإســناد اختصــاص الرقابــة علــى‬


‫‪1‬‬
‫نتائــج االنتخابــات إلــى جهــاز القضــاء اإلداري‬

‫انتهجــت الســلطة املؤسســة بخصــوص املجلــس الوطنــي التأسيســي‪ ،‬خيــار توزيــع‬


‫‪2‬‬
‫االختصــاص الرقابــي للســلطة القضائيــة علــى النزاعــات االنتخابيــة بــن القضــاء العدلــي‬
‫والقضــاء اإلداري‪ ،‬غيــر أنّ الكلمــة الفصــل فــي خصــوص النزاعــات املتعلقــة بالنتائج كانت‬
‫دائمــا وال تــزال مــن أنظــار أعلــى هيئــة باملحكمــة اإلداريــة وهي الجلســة العامــة القضائية‪.3‬‬
‫ولئــن عكــس هــذا النهــج املتبــع فــي توزيــع اختصــاص البــت فــي النزاعــات االنتخابيــة‬
‫األهميــة التــي يكتســيها نــزاع النتائــج باعتبــاره يمثــل تتويجــا لعمليــة مركبــة وذات طابــع‬
‫تقنــي معقــد تقتضــي أن يبســط القاضــي املتعهــد بالبــت فــي هــذه الطعــون «رقابتــه‬
‫علــى جميــع املراحــل املكونــة للعمليــة االنتخابيــة ومراقبــة كل اإلخــاالت التــي مــن‬

‫تنــص الفقــرة األولــى مــن الفصــل ‪ 116‬مــن دســتور ‪ 27‬جانفــي ‪ 2014‬علــى أن " يتكــون القضــاء اإلداري‬ ‫ّ‬ ‫‪.1‬‬
‫مــن محكمــة إداريــة عليــا‪ ،‬ومحاكــم إداريــة اســتئنافية‪ ،‬ومحاكــم إداريــة ابتدائيــة‪ .‬يختــص القضــاء اإلداري‬
‫بالنظــر فــي تجــاوز اإلدارة ســلطتها‪ ،‬وفــي النزاعــات اإلداريــة‪ ،‬ويمــارس وظيفــة استشــارية طبــق القانــون‪".‬‬
‫‪ .2‬تختــص املحاكــم االبتدائيــة العدليــة بموجــب املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬بالنظــر اســتئنافيا في الطعــون املوجهة ض ّد‬
‫قــرارات الهيئــات الفرعيــة لالنتخابــات فيمــا يتعلــق بنزاعــات الترســيم بســجالت الناخبــن كمــا تختــص املحاكــم ذاتهــا‬
‫بالنظــر ابتدائيــا فــي الطعــون املتعلقة بالترشــحات على أن تســتأنف أحكامها أمام الدوائر االســتئنافية باملحكمة اإلدارية‪.‬‬
‫‪ .3‬ينــص الفصــل ‪ 20‬مــن القانــون عــدد ‪ 40‬لســنة ‪ 1972‬مــن املــؤرخ فــي ‪ 1‬جــوان ‪ 1972‬املتع ّلــق باملحكمــة اإلداريــة‬
‫كمــا ن ّقــح وتمــم بالنصــوص الالحقــة وآخرهــا القانــون األساســي عــدد ‪ 2‬لســنة ‪ 2011‬املــؤ ّرخ فــي ‪ 3‬جانفــي ‪2011‬‬
‫علــى أن "تتر ّكــب الجلســة العامــة القضائيــة مــن ال ّرئيــس األ ّول ورؤســاء الدوائــر التعقيبيــة واإلستشــارية‬
‫واإلســتئنافية ومستشــار عــن كل دائــرة تعقيبيــة يعينــه الرئيــس األول طبقــا للفصــل ‪ 14‬مــن هــذا القانــون"‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪294‬‬

‫شــانها التأثيــر علــى نزاهــة وشــفافية االنتخابــات»‪ ،1‬فإ ّنــه كان مشــوبا بنقــص جوهــري‬
‫يتمثــل فــي تعهــد الجلســة العامــة بنزاعــات نتائــج انتخابــات ‪ 2011‬ابتدائيــا نهائيــا‪.‬‬
‫وقــد ســعى املشــرع إلــى تــدارك ذلــك النقــص الحقــا بإقــرار مبــدأ التّقاضــي علــى‬
‫درجتــن فيمــا يتع ّلــق بنزاعــات نتائــج االنتخابــات عنــد ســنّ القانــون األساســي عــدد‬
‫‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املــؤ ّرخ يف ‪ 26‬مــاي ‪ 2014‬املتع ّلــق باالنتخابــات واالســتفتاء املنقــح‬
‫واملتمــم بالقانــون األساســي عــدد ‪ 7‬لســنة ‪ 2017‬املــؤ ّرخ فــي ‪ 14‬فيفــري ‪ 2017‬والقانــون‬
‫األساســي عــدد ‪ 76‬لســنة ‪ 2019‬املــؤ ّرخ فــي ‪ 30‬أوت ‪ ،2019‬بإســناد تلــك النزاعــات علــى‬
‫اختــاف أصنافهــا‪ ،‬ســواء تعلقــت باالنتخابــات الرئاســية أو التشــريعية أو املحليــة‬
‫أو االســتفتاء إلــى الدوائــر االســتئنافية اإلداريــة باملحكمــة اإلداريــة بمقتضــى الفقــرة‬
‫تنــص علــى أنّــه «يمكـــن الطعـــن‬
‫ّ‬ ‫األولــى مــن الفصــل ‪ 145‬مــن القانــون املذكــور التــي‬
‫أمـــام املحاكـــم اإلداريـــة اإلســـتئنافية فـــي النتائـــج األول ّيـــة لالنتخابـــات واالســـتفتاء فـــي‬
‫أجـــل أقصـــاه ثالثـــة أيـــام مـــن تاريـــخ تعليقهـــا بمقـــرات الهيئـــة»‪ ،‬على أن يتم استئناف‬
‫أحــكام تلــك الدوائــر أمــام الجلســة العامــة القضائيــة طبقــا ألحــكام الفقــرة األولــى مــن‬
‫الصــادرة‬
‫الطعــن فــي األحــكام ّ‬‫الفصــل ‪ 146‬مــن ذات القانــون التــي تقتضــي أ ّنــه «يمكــن ّ‬
‫ّ‬
‫املترشــحني املشــمولني بالحكــم‬ ‫عــن املحاكــم اإلداريــة االســتئنافية مــن الهيئــة أو مــن‬
‫أمــام املحكمــة اإلداريــة العليــا فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ اإلعــام بــه»‪.2‬‬
‫ويجــدر التأكيــد فــي هــذا الصــدد أنّ اإلبقــاء علــى اختصــاص الجلســة العامــة‬
‫يمثــل ضمانــا لجديــة الرقابــة القضائيــة علــى نتائــج االنتخابــات وحيــاد الهيئــة‬
‫القضائيــة املكلفــة بتلــك الرقابــة باعتبــار تركيبتهــا املوســعة وعــدد أعضائهــا‬
‫وصفاتهــم‪ 3‬بالرغــم مــن أن ســير املفاوضــات فيهــا قــد يكــون أمــرا شــاق ّا‪.‬‬
‫مــن جهــة أخــرى أســند الفصــل ‪ 246‬مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 29‬لســنة ‪2018‬‬
‫املــؤرخ فــي ‪ 9‬مــاي ‪ 2018‬املتع ّلــق بمجلــة الجماعــات املحليــة إلــى الدوائــر االســتئنافية‬
‫للمحكمــة اإلدار ّيــة ثــم الجلســة العامــة القضائيــة اختصــاص البــت فــي نزاعــات تركيــز‬

‫‪ .1‬القرار الصادر عن الجلسة العامة للمحكمة اإلدارية في القضية عدد‪ 48‬بتاريخ ‪ 7‬نوفمبر ‪.2011‬‬
‫‪ .2‬تراعــى فــي ذلــك مقتضيــات الفصــل ‪ 174‬مكــرر مــن القانــون عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬الــواردة باألحــكام‬
‫ـص علــى أ ّنــه "إلــــى حــــن صــــدور القانــــون املتعلــــق بتنظيــــم القضــــاء اإلداري واختصاصاتـــه‬ ‫االنتقاليــة والتــي تنـ ّ‬
‫واإلجـــراءات املتبعـــة لديـــه والنظـــام األساســـي الخـــاص بقضاتـــه‪ ،‬وتولـــّـي املحاكــم اإلداريــة االبتدائيــة املنصــوص‬
‫عليهــــا بهــــذا القانــــون مهامهــــا‪ ،‬تتعهــــد دوائــــر ابتدائيــــة بالجهــــات متفرعــــة عــــن املحكمــــة اإلداريــة يتــــم‬
‫إحداثهــــا طبـــق الفصـــل ‪( 15‬جديـــد) مـــن القانـــون املتع ّلــق باملحكمــة اإلدار ّيــة‪ ،‬باالختصــاص املســــند للمحاكــــم‬
‫املذكــــورة‪ .‬وتتولــــى كل مــــن الجلســــة العامــــة القضائيــــة والدوائــــر اإلســتئنافية باملحكمــة اإلداريــة االختصاصــات‬
‫املوكولــة بموجـــب هـــذا القانـــون لـــكل مـــن املحكمــة اإلدار ّيــة العليــــا وللمحاكــــم اإلداريــة االســتئناف ّية"‪.‬‬
‫‪ .3‬بالنسبة النتخابات ‪ ،2019‬تض ّم الجلسة العامة القضائية للمحكمة اإلدارية ‪ 21‬عضوا يتوزعون كاألتي‪ :‬الرئيس األول‬
‫للمحكمة اإلدارية و‪ 6‬رؤســاء دوائر تعقيبية واستشــارية و‪ 10‬رؤســاء دوائر اســتئنافية و‪ 4‬مستشــارين بالدوائر التعقيبية‪.‬‬
‫‪295‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫املجالــس البلديــة‪ .1‬وتطبيقــا لهــذا الفصــل يتعــن التمييــز بــن نزاعــات تركيــز املجالــس‬
‫البلديــة فــي جزئهــا املتع ّلــق بانتخــاب رئيــس املجلــس ومســاعديه والتــي تعـ ّد ذات صبغــة‬
‫انتخابيــة‪ ،2‬والنزاعــات املتعلقــة بتعيــن رؤســاء اللجــان البلديــة والتــي تنــدرج ضمــن‬
‫الواليــة العامــة للقضــاء اإلداري فــي مــادة تجــاوز الســلطة وتخــرج عــن املــادة االنتخابيــة‬
‫الصــدد إذ‬ ‫بمقتضــى القانــون‪ ،‬وهــو مــا أقــره فقــه قضــاء املحكمــة اإلدار ّيــة فــي هــذا ّ‬
‫انتهــى إلــى أنّ » اختصــاص ال ّدوائــر االســتئناف ّية فــي النّزاعــات املتع ّلقــة بتركيــز املجالــس‬
‫البلد ّيــة يعــ ّد اختصاصــا مســندا بموجــب الفصــل ‪ 246‬مــن مجلــة الجماعــات املحليــة»‬
‫الطعــون ال ّراميــة إلــى إلغــاء قــرارات تعيــن رؤســاء ال ّلجــان‬ ‫فــي حــن أنّ «النّظــر فــي ّ‬
‫البلد ّيــة ومق ّرريهــا يخــرج عــن اختصــاص ال ّدوائــر االســتئناف ّية باملحكمــة اإلدار ّيــة‬
‫ابتدائ ّيــا وينــدرج ضمــن الواليــة العا ّمــة الراجعــة لل ّدوائــر االبتدائ ّيــة بهــذه املحكمــة‬
‫علــى نحــو مــا ضبطهــا الفصــل ‪ 17‬املشــار إليــه وفــي حــدود مرجــع نظرهــا التّرابــي»‪.3‬‬

‫‪ .2‬تكريس صرامة إجراءات التقاضي‬

‫بلــغ عــدد الطعــون التــي انتهــت املحكمــة فيهــا إلــى الرفــض ألســباب شــكلية حالــت دون‬
‫الخــوض فــي األصــل بمناســبة البــت فــي نزاعــات نتائــج انتخابــات املجلــس الوطنــي‬
‫التأسيســي ‪ 66‬طعنــا بنســبة تناهــز ‪ % 63,5‬مــن جملــة ّ‬
‫الطعــون املقدمــة‪ ،‬ويمكــن أن‬
‫ُيبــ ّرر ذلــك بــأنّ تلــك االنتخابــات كانــت األولــى مــن نوعهــا التــي تعيشــها البــاد وأنّ‬
‫األطــراف املعنيــة بهــا مــن قائمــات مســتقلة وأحــزاب ومحامــن لــم يتســنى لهــم‬
‫التشــ ّبع باإلطــار القانونــي املنطبــق عليهــا والتعــ ّرف عليــه بالشــكل الكافــي‪ .‬غيــر أنّ‬
‫تلــك النســبة ظ ّلــت مرتفعــة حتــى بمناســبة النظــر فــي آخــر اســتحقاق انتخابــي عرفتــه‬
‫البــاد خــال ســنة ‪ 2019‬إذ بلــغ عــدد الطعــون املرفوضــة شــكال فــي الطــور األول مــن‬
‫التقاضــي بخصــوص نتائــج النتخابــات التشــريعية‪ ،‬علــى ســبيل الذكــر‪ 40 ،‬طعنــا وهــو‬
‫مــا يمثــل نســبة ‪ ،% 39,2‬األمــر الــذي ال منــاص معــه مــن اإلقــرار بــأنّ قاضــي نتائــج‬

‫صحــة انتخــاب‬
‫ّ‬ ‫‪ .1‬تنــص الفقــرة األخيــرة مــن الفصــل ‪ 246‬مــن املجلــة علــى أنّــه "يمكــن الطعــن فــي‬
‫الرئيــس واملســاعدين حســب الشــروط والصيــغ واآلجــال املعمــول بهــا فــي خصــوص االعتراضــات‬
‫ضــ ّد انتخابــات املجلــس البلــدي أمــام القضــاء اإلداري وذلــك فــي أجــل ‪ 15‬يومــا مــن تاريــخ االنتخــاب‬
‫‪" .2‬وحيــث أنّــه باإلســتناد إلــى مــا تقــ ّدم تتولــى الدوائــر االســتئنافية باملحكمــة اإلداريــة اختصــاص النّظــر فــي‬
‫نزاعــات انتخــاب املجلــس البلــدي ورئيســه ومســاعدي الرئيــس‪ ،‬م ّمــا يتّجــه معــه رفــض املطعــن املاثــل"‪ ،‬القــرار‬
‫الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 317411‬بتاريــخ ‪ 30‬أكتوبــر ‪.2018‬‬
‫‪ .3‬الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية السادســة فــي القضيــة عــدد ‪ 212482‬بتاريــخ ‪ 13‬جويليــة ‪( 2018‬نزاعــات‬
‫انتخــاب املجالــس بلديــة)‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪296‬‬

‫االنتخابــات يتعامــل بصرامــة وتشــدد عنــد مراقبــة شــكليات وإجــراءات القيــام‪ ،‬وتجــد‬
‫هــذه الصرامــة تفســيرها فــي ســببني أساســيني أحدهمــا تشــريعي والثانــي واقعــي‪.‬‬
‫أ ّمــا الســبب التشــريعي فيتم ّثــل فــي دقــة األحــكام املتع ّلقــة بإجــراءات تقديــم الطعــون‬
‫املتع ّلقــة بنتائــج االنتخابــات واملضمنــة خاصــة بالفصــل ‪ 145‬مــن القانــون االنتخابــي فيمــا‬
‫يتعلــق بالطــور األول الــذي تتعهــد بــه الدوائــر االســتئنافية‪ 1‬والفصــل ‪ 146‬فيمــا يتعلــق‬
‫بالطعــن باالســتئناف الــذي يقــ ّدم أمــام الجلســة العامــة‪ .2‬إذ يتبــن بمطالعــة األحــكام‬
‫املذكــورة أنّ نيــة املشـ ّرع اتجهــت إلــى تحميــل األطــراف مســؤولية تهيئــة املنازعــة للفصــل‪.‬‬
‫بنــاء علــى ذلــك «جــرى عمــل املحكمــة علــى أن اإلجــراءات املنصــوص عليهــا أعــاه‬
‫ال تتعلــق بمصلحــة الخصــوم وإنمــا بحســن ســير التقاضــي لــدى قاضــي النتائــج‬
‫وبضمــان انعقــاد النــزاع بصــورة ســليمة األمــر الــذي يجعلهــا مــن متع ّلقــات النظــام‬
‫العــام والتــي يتع ّيــن علــى القاضــي تســليط جــزاء الرفــض شــكال علــى اإلخــال‬
‫بهــا»‪ .3‬كمــا أكــدت املحكمــة صلــب عــدة أحــكام وقــرارات أنّ «النــزاع االنتخابــي‬
‫يخضــع إلــى إجــراءات خاصــة وآجــال مقتضبــة ومبــادئ قانونيــة متميــزة تحــول‬
‫دون االســتئناس باملبــادئ اإلجرائيــة العامــة التــي تســوس أصنافــا أخــرى مــن‬

‫ـص الفصــل ‪ 145‬مــن القانــون عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬علــى أ ّنــه " يمكــن الطعــن أمــام املحاكــم اإلداريــة االســتئنافية‬ ‫‪ .1‬ينـ ّ‬
‫فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات واالســتفتاء فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ تعليقهــا بمقــرات الهيئــة‪ .‬وعلــى‬
‫الطــرف الراغــب فــي ممارســة الطعــن فــي النتائــج األوليــة أن يوجــه إلــى الهيئــة إعالمــا بــه بواســطة عــدل تنفيــذ‬
‫مــع نظيــر مــن العريضــة واملؤيــدات‪ .‬ويرفــع الطعــن وجوبــا بالنســبة لالنتخابــات التشــريعية والبلديــة والجهويــة‬
‫مــن قبــل رئيــس القائمــة املترشــحة أو أحــد أعضائهــا أو املمثــل القانونــي للحــزب فــي خصــوص النتائــج املصــ ّرح‬
‫بهــا بالدائــرة االنتخابيــة املترشــحني بهــا‪ .‬وبالنســبة إلــى االنتخابــات الرئاســية مــن قبــل كل مترشــح وبالنســبة إلــى‬
‫االســتفتاء مــن قبــل كل ممثــل قانونــي لحــزب شــارك فيــه‪ .‬ويكــون ذلــك بواســطة محــام لــدى التعقيــب‪ .‬يجــب أن‬
‫يكــون مطلــب الطعــن معلــا ومحتويــا علــى أســماء األطــراف ومقراتهــم وعلــى عــرض موجــز للوقائــع ويكــون‬
‫مشــفوعا باملؤيــدات وبمحضــر اإلعــام بالطعــن وعلــى التنبيــه علــى األطــراف بضــرورة تقديــم ملحوظاتهــم مرفقــة‬
‫بمــا يفيــد تبليغهــا لألطــراف فــي أجــل أقصــاه يــوم جلســة املرافعــة املع ّيــن مــن املحكمــة‪ ،‬وإال رفــض شــكال"‪.‬‬
‫ينــص الفصــل ‪ 146‬مــن القانــون عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬علــى انّــه «يمكــن الطعــن فــي األحــكام الصــادرة عــن‬ ‫ّ‬ ‫‪.2‬‬
‫املحاكــم اإلداريــة االســتئنافية مــن الهيئــة أو املترشــحني املشــمولني بالحكــم أمــام املحكمــة اإلداريــة العليــا فــي‬
‫أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ اإلعــام بــه‪.‬و علــى الطــرف الراغــب فــي ممارســة الطعــن أن يوجــه إلــى الهيئــة‬
‫واألطــراف املشــمولة بالطعــن إعالمــا بــه بواســطة عــدل تنفيــذ مــع نظيــر مــن عريضــة الطعــن ومؤيداتهــا والتنبيــه‬
‫علــى األطــراف بضــرورة تقديــم ملحوظاتهــم مرفقــة بمــا يفيــد تبليغهــا لألطــراف األخــرى فــي أجــل أقصــاه جلســة‬
‫املرافعــة املعينــة مــن املحكمــة‪.‬و يرفــع الطعــن بموجــب عريضــة يتولــى املترشــح أو مــن يمثلــه أو القائمــة املترشــحة‬
‫أو مــن يمثلهــا إيداعهــا بكتابــة املحكمــة اإلداريــة العليــا‪ ،‬وذلــك بواســطة محــام لــدى التعقيب‪.‬وتكــون العريضــة معللــة‬
‫ومصحوبــة بنســخة رقميــة منهــا وبنســخة مــن الحكــم املطعــون فيــه ومحضــر اإلعــام بالطعــن وإال ُرفــض طعنــه»‪.‬‬

‫‪ .3‬قــرار صــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي مــادة النــزاع االنتخابــي (نتائــج االنتخابــات‬
‫البلديــة) فــي القضــة عــدد ‪ 20184001‬بتاريــخ ‪ 5‬جــوان ‪2018‬‬
‫‪297‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫النزاعــات وتبعــا لذلــك يتع ّيــن علــى القاضــي االنتخابــي التقيــد بعبــارة النــص املنظــم‬
‫للنــزاع االنتخابــي وتســليط الجــزاء الــوارد فيــه متــى ثبــت لــه اإلخــال بمقتضياتــه»‪.1‬‬
‫وقــد حصــر القاضــي اإلداري مجــال تدخلــه علــى املســتوى اإلجرائــي فــي نــزاع‬
‫النتائــج» فــي تعيــن جلســة املرافعــة واســتدعاء األطــراف وإعالمهــم بالحكــم‬
‫ويكــون بالتالــي واجــب تبليــغ عريضــة الطعــن إلــى الهيئــة واألطــراف والتنبيــه‬
‫عليهــم بــاإلدالء بملحوظاتهــم فــي األجــل القانونــي محمــوال علــى القائــم بالطعــن»‪.2‬‬
‫كل هــذه الضوابــط التشــريعية أفضــت إلــى صــدور عــدة أحــكام تقضــي‬ ‫ّ‬
‫برفــض الطعــون شــكال مــن أجــل تقديمهــا خــارج اآلجــال القانونيــة أو إخاللهــا‬
‫‪3‬‬

‫بمبــدأ املواجهــة‪ 4‬وشــروط التبليــغ‪ 5‬أو شــرط إنابــة محــام‪ 6‬أو بعــدم مــد املحكمــة‬
‫بنســخة رقميــة مــن عريضــة الطعــن‪ 7‬ومــا إلــى ذلــك مــن الشــروط الشــكلية‪.‬‬
‫أ ّمــا الســبب الواقعــي والــذي ال يعــدو أن يكــون إ ّال أثــرا مباشــرا للنظــام اإلجرائــي الــذي‬
‫وضعــه املشــرع فيتمثــل فــي قصــر اآلجــال املمنوحــة للمحكمــة لتعيــن جلســة املرافعــة‬
‫والتصريــح بالحكــم وتوجيــه نســخة منــه إلــى األطراف‪ .8‬ذلــك أنّ اآلجال املذكــورة ال تتجاوز‬

‫‪ .1‬قــرار صــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي مــادة نزاعــات نتائــج االنتخابــات التشــريعية) فــي‬
‫القضيــة عــدد ‪ 20195028‬بتاريــخ ‪ 4‬نوفمبــر ‪2019‬‬
‫‪ .2‬الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية السادســة باملحكمــة اإلداريــة فــي مــادة نزاعــات نتائــج االنتخابــات‬
‫التشــريعية فــي القضيــة عــدد ‪ 20194066‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪2019‬‬
‫‪ .3‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي مــادة نزاعــات نتائــج االنتخابــات البلديــة فــي‬
‫القضيــة عــدد ‪ 20184002‬بتاريــخ ‪ 8‬جــوان ‪.2018‬‬
‫‪ .4‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي مــادة نزاعــات نتائــج االنتخابــات الرئاســية‬
‫فــي القضيــة عــدد ‪ 20195003‬بتاريــخ ‪ 30‬ســبتمبر ‪.2019‬‬
‫‪ .5‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي مــادة نزاعــات نتائــج االنتخابــات الرئاســية‬
‫فــي القضيــة عــدد ‪ 20195004‬بتاريــخ ‪ 30‬ســبتمبر ‪.2019‬‬
‫‪ .6‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي مــادة نزاعــات نتائــج االنتخابــات التشــريعية‬
‫فــي القضيــة عــدد ‪ 20195026‬بتاريــخ ‪ 4‬نوفمبــر ‪.2019‬‬
‫‪ .7‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي مــادة نزاعــات نتائــج االنتخابــات التشــريعية‬
‫فــي القضيــة عــدد ‪ 20195007‬بتاريــخ ‪ 4‬نوفمبــر ‪.2019‬‬
‫ـص الفصــل ‪ 145‬مــن القانــون االنتخابــي علــى أن» تولــى كتابــة املحكمــة اإلداريــة االســتئنافية تـــــرسيم العريضــة‬ ‫‪ .8‬ينـ ّ‬
‫وإحالتهــا فــورا إلــى رئيــس الدائــرة االســتئنافية الــذي يع ّيــن مقــررا يتولــى تحــت إشــرافه التحقيــق فــي القضية‪.‬ويتولــى‬
‫رئيــس الدائــرة املتعهــدة تعيــن جلســة مرافعــة فــي أجــل قــدره ثالثــة أيــام مــن تاريــخ تقديــم الطعــن واســتدعاء األطــراف‬
‫بــأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيا‪.‬وتتولــى الدائــرة إثــر املرافعــة حجــز القضيــة للمفاوضــة والتصريــح بالحكــم فــي أجــل‬
‫أقصــاه خمســة أيــام مــن تاريــخ جلســة املرافعــة‪ ،‬وتــأذن بالتنفيــذ علــى املسودة‪.‬وتـــــــعلم املحكمــة األطــراف بالحكــم بــأي‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪298‬‬

‫‪ 11‬يومــا بالنســبة للطــور األول أمــام الدوائــر االســتئنافية و‪ 13‬يومــا فــي الطور االســتئنافي‬
‫أمــام الجلســة العامــة كأجــل أقصــى يمت ـ ّد مــن تاريــخ تقديــم ّ‬
‫الطعــن إلــى تاريــخ توجيــه‬
‫الحكــم‪ ،‬ويتق ّلــص هــذا األجــل إلــى ‪ 6‬أيــام إذا مــا تعلــق األمــر بانتخابــات رئاســية مب ّكــرة ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫باإلضافــة إلــى هــذه اآلجــال املختصــرة‪ ،‬مثلــت صعوبــة التك ّهــن بعــدد الطعــون التــي‬
‫يمكــن تلقيهــا ومحدوديــة اإلمكانيــات البشــرية وال ّلوجيســتية أســبابا متضافــرة للدفــع‬
‫الصــارم لألحــكام املتع ّلقــة باإلجــراءات اســتنادا إلــى‬
‫تمســك املحكمــة بالتطبيــق ّ‬ ‫نحــو ّ‬
‫خصوصيــة املــادة التــي تتطلــب حــ ّدا أدنــى مــن الج ّديــة التــي ال تتــاءم مــع الــدور‬
‫التقليــدي الــذي اعتــاد القاضــي اإلداري أن يضطلــع بــه فــي بقيــة النزاعــات واملتم ّثــل‬
‫فــي توجيــه ال ّدعــوى وتمكــن املتقاضــن مــن تــدارك اإلخــاالت التــي تعتــري شــكليات‬
‫القيــام وذلــك بالرغــم مــن الصبغــة املوضوعيــة التــي يكتســيها النــزاع االنتخابــي‪.‬‬

‫‪ .II‬طبيعة رقابة القاضي على نتائج االنتخابات وآلياتها‬

‫تتمثــل الرقابــة القضائيــة فــي عمليــة التثبــت التــي يسـ ّلطها القاضــي علــى أعمــال وقــرارات‬
‫املتدخلــن فــي ســير االنتخابــات ومــدى مطابقتهــا للقانــون والتراتيــب الجاريــة‪ .‬وتختلــف‬ ‫ّ‬
‫هــذه الرقابــة عــن تلــك التــي تضطلــع بهــا اإلدارة االنتخابيــة فــي تونــس‪ ،‬مجســمة فــي الهيئــة‬
‫العليــا املســتقلة لالنتخابــات‪ ،2‬باعتبــار أنّ رقابــة الهيئــة هــي رقابــة تلقائيــة ووجوبية وشــاملة‪.‬‬
‫هــي رقابــة تلقائيــة باعتبــار أنّ ّ‬
‫تدخــل الهيئــة وتع ّهدهــا باإلخــاالت أو املخالفــات التــي‬
‫قــد تشــوب املســار االنتخابــي ال تتوقــف علــى مطالبــة طــرف آخــر بهــا‪ ،‬إذ اعتبــرت‬

‫وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ التصريــح بــه‪ .‬كمــا تقتضــي أحــكام الفصــل ‪146‬‬
‫أن «»تتولــى كتابــة املحكمــة حــال توصلهــا بالعريضــة ترســيمها وإحالتهــا فــورا إلــى الرئيــس األول للمحكمــة اإلداريــة‬
‫العليــا الــذي يتولــى تعيينهــا حــاال لــدى الهيئــة الحكميــة املعنيــة ليتــم التحقيــق فيهــا‪ .‬ويع ّيــن الرئيــس األول جلســة‬
‫مرافعــة فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام مــن تاريــخ تقديــم الطعــن واســتدعاء األطــراف بــأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا وذلــك‬
‫فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أيــام قبــل جلســة املرافعــة‪ .‬يتــم تمثيــل الهيئــة مــن قبــل رئيســها ويمكنــه تكليــف مــن يمثلــه فــي‬
‫الغــرض‪ .‬وتتولــى الهيئــة الحكميــة املتعهــدة حجــز القضيــة للمفاوضــة والتصريــح بالحكــم فــي أجــل أقصــاه أســبوع‬
‫مــن تاريــخ جلســة املرافعــة‪ ،‬وتــأذن بالتنفيــذ علــى املســودة‪ .‬وتعلــم املحكمــة األطــراف بالحكــم بــأي وســيلة تتــرك أثــرا‬
‫كتابيــا فــي أجــل أقصــاه يومــان مــن تاريــخ التصريــح بــه‪ .‬ويكــون القــرار باتــا وال يقبــل أي وجــه مــن أوجــه الطعــن‬
‫ولــو بالتعقيــب‪».‬‬
‫‪ .1‬طبقا ألحكام الفصل ‪ 148‬مكرر من القانون االنتخابي كما نقح بالقانون عدد ‪ 76‬لسنة ‪ 2019‬املؤرخ في ‪ 30‬أوت ‪.2019‬‬
‫‪ .2‬كمــا نظمهــا القانــون األساســي عــدد ‪ 23‬لســنة ‪ 2012‬املــؤ ّرخ فــي ‪ 20‬ديســمبر ‪ 2012‬املتع ّلــق بالهيئــة العليــا املســتقلة‬
‫لالنتخابــات املنقــح واملتمــم بالقانــون األساســي عــدد ‪ 44‬لســنة ‪ 2013‬املــؤ ّرخ فــي ‪ 1‬نوفمبــر ‪ 2013‬والقانــون األساســي‬
‫عــدد ‪ 52‬لســنة ‪ 2013‬املــؤ ّرخ فــي ‪ 28‬ديســمبر ‪.2013‬‬
‫‪299‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫املحكمــة أنّــه يحمــل علــى الهيئــة الســهر علــى تكافــؤ الفــرص وضمــان املســاواة‬
‫ّ‬
‫للمترشــحني العمــل‬ ‫املترشــحني لالنتخابــات وذاك بتوفيــر منــاخ يضمــن‬ ‫ّ‬ ‫بــن كا ّفــة‬
‫فــي نفــس الظــروف وبنفــس الحظــوظ ‪ .‬كمــا انّ هــذه الرقابــة تكتســي طابــع وجوبيــا‬
‫‪1‬‬

‫باعتبــار أنّ الهيئــة مكلفــة بموجــب الفصــل ‪ 126‬مــن الدســتور «بــإدارة االنتخابــات‬
‫واالســتفتاءات وتنظيمهــا‪ ،‬واإلشــراف عليهــا فــي جميــع مراحلهــا» كمــا أنّهــا «تضمــن‬
‫ســامة املســار االنتخابــي ونزاهتــه وشــفاف ّيته‪ ،‬وتصــ ّرح بالنتائــج»‪ .2‬كمــا تتم ّيــز هــذه‬
‫تغطــي «جميــع العمليــات املرتبطــة بتنظيــم االنتخابــات‬ ‫الرقابــة بأنهــا شــاملة باعتبارهــا ّ‬
‫واالســتفتاء وإدارتهــا واإلشــراف عليهــا» ‪ .‬وتتمتــع الهيئــة لهــذا الغــرض بســلطة‬
‫‪3‬‬

‫يتولــى تنفيــذ السياســة االنتخابيــة‪.‬‬‫ّ‬ ‫ترتيبيــة فــي مجــال عملهــا وبجهــاز تنفيــذي‬
‫كل مراحــل‬ ‫فــي املقابــل‪ ،‬فإ ّنــه ولئــن كان مــن املمكــن‪ ،‬نظر ّيــا أن تشــمل الرقابــة القضائيــة ّ‬
‫العمليــة االنتخابيــة وأن يتو ّلــى القاضــي االنتخابــي تســليط رقابتــه عليهــا فــإنّ هــذه الرقابــة‬
‫قــد ال تكــون شــاملة‪ ،‬فضــا عــن أنّهــا ليســت وجوب ّيــة‪ ،‬وال يمكــن بــأي حــال مــن األحــوال‬
‫أن تكــون تلقائيــة وذلــك لســببني أساســن‪:‬‬
‫تدخــل القاضــي لتســليط رقابتــه ال يتــ ّم إ ّال بنــاء علــى تقديــم‬ ‫• الســبب األ ّول‪ :‬إنّ ّ‬
‫ّ‬
‫املتدخلــة فــي العمليــة االنتخابيــة فــي إطــار حــق التقاضــي‬ ‫طعــن مــن أحــد األطــراف‬
‫املضمــون بموجــب الدســتور ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫ّ‬
‫• الســبب الثانــي‪ :‬يبقــى مــآل الطعــن متو ّقفــا علــى احتــرام املتقاضــن لشــكليات القيــام‬
‫مــن جهــة وعلــى جــدوى املطاعــن املثــارة أمــام القاضــي االنتخابــي وج ّديتهــا‪.‬‬
‫كل هــذه الحــدود ال يمكــن أن تق ّلــل مــن أهم ّيــة رقابــة القاضــي علــى نتائــج‬‫غيــر أن ّ‬
‫االنتخابــات التــي تبقــى رقابــة واســعة بالرغــم مــن الضوابــط املحيطــة بهــا (‪ )1‬وتعتمــد‬
‫آليــات مالئمــة لطبيعــة النــزاع (‪.)2‬‬

‫‪ .1‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي مــادة نزاعــات نتائــج االنتخابــات التشــريعية‬
‫فــي القضيــة عــدد ‪ 20195018‬بتاريــخ ‪ 4‬نوفمبــر ‪2019‬‬
‫‪ .2‬وقــد أورد الفصــل ‪ 3‬مــن القانــون عــدد ‪ 23‬لســنة ‪ 2012‬قائمــة للمهــام املوكولــة للهيئــة علــى ســبيل الذكــر ال الحصــر‬
‫ومنهــا وضــع آليــات التنظيــم واإلدارة والرقابــة الضامنــة لنزاهــة االنتخابــات واالســتفتاءات وشــفافيتها‪.‬‬
‫‪ .3‬الفقرة األولى من الفصل ‪ 3‬من القانون عدد ‪ 23‬لسنة ‪.2012‬‬
‫‪ .4‬انظــر بخصــوص الحــق فــي التقاضــي فــي إطــار النــزاع االنتخابي الحكــم الصادر عن الدائرة االســتئنافية السادســة‬
‫ّ‬
‫الترشــحات لالنتخابــات الجزئيــة املجالــس البلديــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20192001‬بتاريــخ ‪ 14‬جــوان ‪.2019‬‬ ‫فــي نزاعــات‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪300‬‬

‫‪ .1‬رقابة واسعة بضوابط محدّدة‬

‫لئــن أقــ ّر القاضــي االنتخابــي بمناســبة البــت فــي نزاعــات نتائــج انتخابــات املجلــس‬
‫الوطنــي التأسيســي ونزاعــات االنتخابــات التشــريعية والرئاســية لســنة ‪ 2014‬بــأنّ‬
‫رقابتــه علــى النتائــج هــي رقابــة دنيــا‪ 1‬فــإن ذلــك يجــد ســنده فــي التعامــل التقليــدي‬
‫الــذي اعتــاد القاضــي انتهاجــه فــي مراقبــة اإلدارة كلمــا تمتعــت بســلطة تقديريــة فــي‬
‫مجــال تدخلهــا كمــا هــو الحــال بالنســبة للهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات‪ ،‬ذلــك أنّ‬
‫«وجــود رقابــة قضائيــة علــى أعمــال اإلدارة بصفــة عامــة وســلطتها التقدير ّيــة بصفــة‬
‫خاصــة يعتبــر املظهــر العملــي والف ّعــال لحمايــة املشــروعية»‪ 2‬وهــي امله ّمــة األساســية‬
‫للقاضــي اإلداري‪ .‬غيــر أنّ قاضــي النتائــج باملحكمــة اإلداريــة ســرعان مــا تــدارك‬
‫تكييفــه لطبيعــة الرقابــة التــي يمارســها ليؤ ّكــد بمناســبة البــت فــي نتائــج االنتخابــات‬
‫التشــريعية لســنة ‪ 2014‬علــى أنّــه «يمتــاز عنــد التع ّهــد بالنظــر فــي النزاعــات املتع ّلقــة‬
‫بنتائــج االنتخابــات بصالحيــات واســعة تم ّكنــه مــن بســط رقابتــه علــى جميــع املراحــل‬
‫املك ّونــة للعمل ّيــة االنتخابيــة مــن الترشــحات إلــى النتائــج مــرورا بالحملــة اإلنتخابيــة‬
‫كل اإلخــاالت التــي مــن شــأنها التأثيــر علــى نزاهــة وشــفافية االنتخابــات»‪.3‬‬ ‫ومراقبــة ّ‬
‫وتجــد ّد هــذ التأكيــد بمناســبة انتخابــات ســنة ‪ 2019‬مــن خــال اتســاع مجــال رقابــة‬
‫القاضــي مــن الناحيــة الزمنيــة لتشــمل كل اإلخــاالت املثــارة بشــأن الفتــرة اإلنتخابيــة‬
‫وعــدم االقتصــار علــى يــوم االقتــراع‪ ،‬كمــا هــو الشــأن بالنســبة لعــدم التــوازن بــن‬
‫املترشــحة علــى مســتوى التغطيــة اإلعالميــة‪ 4‬وحرمــان الحــزب مــن معاضــدة‬ ‫ّ‬ ‫القائمــات‬
‫‪6‬‬
‫رئيســه‪ 5‬واإلخــال باملســاواة بــن املترشــحني والثلــب واملــس مــن كرامــة املترشــحني‬

‫‪ .1‬مــن ذلــك مــا ورد بالحكــم عــدد ‪ 2014420042‬بتاريــخ ‪ 8‬نوفمبــر ‪ « 2014‬لئــن خــول القانــون االنتخابــي للهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات ســلطة تقديــر مــدى تأثيــر املخالفــات‪ ،‬علــى فــرض ثبوتهــا علــى النتائــج‪ ،‬فــإن هــذه الســلطة‬
‫التقديريــة املمنوحــة للهيئــة تمــارس تحــت الرقابــة الدنيــا للقاضــي اإلداري املتعهــد بالنظــر فــي نزاعــات النتائــج"‪.‬‬
‫‪ .2‬ســامية نويــري‪ ،‬الرقابــة القضائيــة علــى الســلطة التقديريــة لــإدارة‪ ،‬مذ ّكــرة بحــث‪ ،‬كليــة الحقــوق والعلــوم السياســية‪،‬‬
‫جامعــة العربــي بــن مهيــدي‪ ،‬أم البواقــي‪ ،‬الجزائــر‪.2013 - 2012 ،‬‬
‫‪ .3‬حكم عدد ‪ 201420042‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪.2014‬‬

‫‪ .4‬الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثالثــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20194024‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪( 2019‬نتائــج‬
‫االنتخابــات التشــريعية)‬
‫‪ .5‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العا ّمــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20195016‬بتاريــخ ‪ 4‬نوفمبــر ‪( 2019‬نتائــج‬
‫االنتخابات التشــريعية)‪.‬‬
‫‪ .6‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العا ّمــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20195017‬بتاريــخ ‪ 4‬نوفمبــر ‪( 2019‬نتائــج‬
‫‪301‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫واإلشــهار السياســي‪ 1‬وتجــاوز ســقف التمويــل االنتخابــي‪ ،2‬كاتّســاع رقابتــه لتشــمل ّ‬


‫كل‬
‫املتدخلــن فــي املســار االنتخابــي ســواء تع ّلق األمــر بالهيئة العليــا املســتقلة لالنتخابات‪ 3‬أو‬
‫ّ‬
‫املترشــحة‪ 4‬أو برؤســاء األحــزاب‪ 5‬أو أعضــاء ورؤســاء مكاتب ومراكــز االقتراع‪.6‬‬ ‫ّ‬ ‫بالقائمــات‬
‫ومــع اتســاع مجــال رقابــة قاضــي النتائــج مــن الناحيــة املاد ّيــة‪ ،‬حرصــت مختلــف الهيئــات‬
‫القضائيــة علــى اإلفصــاح عــن الضوابــط التــي تتقيــد بهــا للبــت فــي نزاعــات النتائــج‬
‫انطالقــا مــن وعــي القاضــي االنتخابــي بشــكل عــام بأ ّنــه «يضطلــع بمناســبة نظــره فــي‬
‫هــذا الصنــف مــن النزاعــات بواجــب الحفــاظ علــى النظــام العــام االنتخابــي بمــا يقتضيــه‬
‫مــن نزاهــة وشــرعية وشــفافية باعتبــاره ركيــزة للنظــام الجمهــوري القائــم علــى التــداول‬
‫الســلمي علــى الســلطة عبــر االنتخابــات كيفمــا اقتضتــه توطئــة الدســتور وأحكامــه»‪.7‬‬
‫انطالقــا مــن فقــه القضــاء االنتخابــي‪ ،‬يمكــن أن ّ‬
‫تتلخــص هــذه الضوابــط فــي هدفــن اثنــن‬
‫وضعهمــا قاضــي النتائــج نصــب عينيــه بمناســبة مختلــف االســتحقاقات االنتخابيــة التــي‬
‫تعهــد بهــا وهمــا‪:‬‬
‫• الحفــاظ علــى إرادة الناخبــن وأصواتهــم‪ ،‬وهــو أ ّول هواجــس قاضــي النتائــج التــي‬
‫بــرزت منــذ ســنة ‪ 2011‬إذ صرحــت املحكمــة بـــأنّ «القاضــي االنتخابــي ال يســتجيب‬
‫لطلــب إلغــاء أو تعديــل نتائــج االنتخابــات إ ّال متــى ثبــت لديــه اإلخــال بقواعــد‬

‫االنتخابات التشريعية)‪.‬‬
‫‪ .1‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العا ّمــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيتتــن عــدد ‪ 20195023‬و‪ 20195029‬بتاريــخ ‪4‬‬
‫نوفمبــر ‪( 2019‬نتائــج االنتخابــات التشــريعية)‪.‬‬
‫‪ .2‬حكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الخامســة فــي القضيــة عــدد ‪ 20194105‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪( 2019‬نتائــج‬
‫االنتخابــات التشــريعية)‬
‫‪ .3‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20195013‬بتاريــخ ‪ 4‬نوفمبــر‬
‫‪( 2019‬نتائــج االنتخابــات التشــريعية)‬
‫‪ .4‬الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثالثــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20194069‬بتاريــخ ‪ 22‬اكتوبــر ‪( 2019‬نتائــج‬
‫االنتخابــات التشــريعية)‪.‬‬
‫‪ .5‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العا ّمــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20195011‬بتاريــخ ‪ 4‬نوفمبــر ‪( 2019‬نتائــج‬
‫االنتخابات التشــريعية)‪.‬‬
‫‪ .6‬الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثانيــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20194061‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪( 2019‬نتائــج‬
‫االنتخابــات التشــريعية)‬
‫ّ‬
‫الترشــحات لالنتخابــات الجزئيــة للمجالــس البلديــة‬ ‫‪ .7‬الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية السادســة فــي نزاعــات‬
‫فــي القضيــة عــدد ‪ 20192001‬بتاريــخ ‪ 14‬جــوان ‪.2019‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪302‬‬

‫إجرائهــا وكان ذلــك اإلخــال مؤثــرا بصفــة حاســمة علــى مــا أفضــت إليــه»‪ ،1‬وتبلــور‬
‫هــذا املوقــف بشــكل واضــح بمناســبة انتخابــات ‪ 2014‬بقــول املحكمــة أنّ » «قاضــي‬
‫النتائــج مســتأمن علــى أصــوات الناخبــن وال يقضــي بإلغائهــا ملجــ ّرد شــكوك أو‬
‫إشــاعات أو حتــى وقائــع بســيطة أو محــدودة أو متف ّرقــة»‪ 2‬ثــم بمناســبة االنتخابــات‬
‫البلديــة لســنة ‪ 3 2018‬وانتخابــات ســنة ‪ 4 2019‬باســتعمال نفــس العبــارات حرفيــا‪.‬‬
‫• الحفــاظ علــى نزاهــة االنتخابــات وشــرعيتها‪ ،‬مــن خــال تســليط الرقابــة علــى مــدى‬
‫‪5‬‬
‫وتفحــص مــدى نزاهــة مصــادر تمويــل الحملــة االنتخابيــة‬ ‫ّ‬ ‫احتــرام حرمــة املترشــحني‬
‫إذ اعتبــرت املحكمــة أ ّنــه «يؤخــذ مــن مقتضيــات الفصــل ‪ 143‬مــن القانــون االنتخابــي‬
‫أنّ املشــ ّرع ق ّيــد صالحيــة إلغــاء نتائــج الفائزيــن بشــرطني أساســيني أ ّولهمــا أن‬
‫يكــون ثبــت لــدى الهيئــة بصفــة قاطعــة ارتــكاب الفائزيــن مخالفــات تتعلــق بالفتــرة‬
‫االنتخابيــة وتمويلهــا وأنّ هــذه املخالفــات أ ّثــرت بصفــة جوهريــة وحاســمة علــى نتائــج‬
‫ومســت مــن اإلرادة العامــة للناخبــن‪ ،‬وثانيهمــا أن تب ّيــن ذلــك فــي قرارهــا‬
‫االنتخابــات ّ‬
‫حتــى يتم ّكــن قاضــي النتائــج مــن تســليط رقابتــه علــى صحــة األســباب التــي اســتندت‬
‫إليهــا وصحــة تأثيرهــا الجوهــري والحاســم علــى النتائــج ضمانــا لنزاهــة االنتخابــات‪.6‬‬

‫‪ .2‬آليات رقابة مالئمة لطبيعة النزاع‬

‫أســند املشــرع فيمــا يتعلــق بنزاعــات نتائــج االنتخابــات دورا رئيســيا ألطــراف‬
‫النــزاع فــي تهيئــة القضيــة للفصــل‪ ،‬غيــر أنّ هــذا ال يحــول دون لجــوء قاضــي‬
‫النتائــج‪ ،‬كلمــا اقتضــت مالبســات امللــف ذلــك‪ ،‬إلــى إعمــال ســلطاته االســتقصائية‬
‫التــي تبقــى محــدودة بفعــل ضيــق الحيــز الزمنــي املتــاح للتصريــح بالحكــم‪.‬‬

‫‪ .1‬قرار الجلسة العامة القضائية الصادر في القضية عدد ‪ 32‬بتاريخ ‪ 7‬نوفمبر ‪.2011‬‬
‫‪ .2‬الحكم إستئنافي عدد ‪ 201420042‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪2014‬‬
‫‪ .3‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 37411‬بتاريــخ ‪ 30‬اكتوبــر ‪2011‬‬
‫(انتخــاب املجالــس البلدية)‬
‫‪ .4‬الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الرابعــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20194009‬بتاريــخ ‪ 17‬أكتوبــر ‪( 2019‬نتائــج‬
‫االنتخابــات التشــريعية"‬
‫‪ .5‬الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثالثــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20194096‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪( 2019‬نتائــج‬
‫االنتخابــات التشــريعية"‬
‫‪ .6‬الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية السادســة فــي القضيــة عــدد ‪ 20194036‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪( 2019‬نتائــج‬
‫االنتخابــات التشــريعية)‬
‫‪303‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫أخــذا بعــن االعتبــار هــذا املعطــى‪ ،‬دأب قاضــي النتائــج علــى التذكيــر بــأنّ قــرارات الهيئــة‬
‫املتعلقــة بإلغــاء نتائــج الفائزيــن يجــب أن تكــون مع ّللــة‪ ،‬حتــى يتسـنّى لــه أن يبســط نظــره‬
‫ال فقــط علــى مــدى صحــة األســباب املســتند إليهــا مــن جهــة ســندها الواقعــي والقانونــي‪،‬‬
‫بــل وكذلــك مــن جهــة مــدى تأثيرهــا الجوهــري والحاســم فــي نتائــج اإلنتخابــات‪.1‬‬
‫لــذا‪ ،‬ســواء تع ّلــق األمــر بانتخابــات تشــريعية او رئاســية او مح ّليــة‪ ،‬ومنــذ ســنة‬
‫‪ ،2011‬ال يخلــو فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة مــن التصريــح بــأنّ القاضــي يتو ّلــى‬
‫وصحــة وجودهــا ثــ ّم يتو ّلــى‬
‫ّ‬ ‫فــي النزاعــات االنتخاب ّيــة التث ّبــت مــن ما ّديــة الوقائــع‬
‫تكييفهــا ثــ ّم تقديــر مــدى تأثيرهــا علــى النتائــج ونيلهــا مــن نزاهــة االنتخابــات‪،‬‬
‫وأن إلغــاء النتائــج ال يكــون ضروريــا إال متــى كانــت الحجــج املق ّدمــة قويــة‬
‫املحتــج بهــا التأثيــر بصــورة حاســمة فــي النتائــج‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وثابتــة ومــن شــأن اإلخــاالت‬
‫ومــن هــذا املنطلــق تبــرز أهميــة الــدور الــذي يضطلــع بــه قاضــي النتائــج مــن خــال تســليط‬
‫رقابتــه علــى القــرارات التــي تتخذهــا الهيئــة إ ّمــا بإلغــاء نتائــج الفائزيــن بصفــة كليــة أو‬
‫جزئيــة وتقديرهــا للمخالفــات املرتكبــة مــن املترشــحني ولتأثيرهــا علــى نتائــج االنتخابــات‬
‫بصفــة جوهريــة وحاســمة أو علــى قراراتهــا الرافضــة إلدخــال تلــك التعديــات والتــي تتــم‬
‫عبــر التثبــت مــن الوجــود املــا ّدي للوقائــع ثـ ّم تكييفهــا قانونيــا وتقديــر تأثيرهــا علــى النتائج‪.‬‬
‫مــا مــن شـ ّـك أنّ معاينــة الوجــود املــا ّدي للوقائــع امل ّدعــى بتأثيرهــا علــى نتائــج االنتخابــات‬
‫يقتضــي اســتقراء فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فيمــا يتع ّلــق بعــبء اإلثبــات مــن جهــة‬
‫وبوســائل اإلثبــات مــن جهــة أخــرى‪.‬‬
‫وقــد ك ـ ّرس القاضــي اإلداري بمناســبة البــت فــي نزاعــات نتائــج االنتخابــات التشــريعية‬
‫والرئاســية لســنة ‪ 2014‬القاعــدة األصوليــة التــي مفادهــا أنّ الب ّينــة علــى مــن ا ّدعــى‪،‬‬
‫وفــي ذلــك تغليــب لصبغــة النــزاع االنتخابــي بمــا هــو جــزء مــن القضــاء الكامــل‬
‫وتقليــص مــن صبغتــه املوضوعيــة التــي تقتضــي إعمــال الوظيفــة االســتقصائية‪.‬‬
‫وتطبيقــا لهــذا املبــدأ اعتبــرت املحكمــة أنّ «عــبء إثبــات اإلخــاالت املتع ّلقــة بعمليــة الفــرز‬
‫محمولــة علــى امل ّدعــي باعتبــار أنّ معاينتهــا تتــ ّم يــوم الفــرز مــن طــرف ممثــل القائمــة‬
‫أو الحــزب علــى أن يت ـ ّم تدوينهــا بمحضــر الفــرز حتــى تكتســي طابــع الجد ّيــة وتش ـ ّكل‬
‫صحــة اإلدعــاء بخصــوص‬ ‫حجــة علــى ذلــك»‪ ،2‬وأنّ «عــدم إدالء الطاعنــة بمــا يفيــد ّ‬‫بدايــة ّ‬
‫حرمــان عــدد هــام مــن الناخبــن مــن ممارســة ح ّقهــم فــي التصويــت بالدائــرة املعنيــة‬
‫بالســجل االنتخابــي بالدائــرة‬‫كاإلدالء ببيانــات فــي أســمائهم وعددهــم ومــا يفيــد ترســيمهم ّ‬

‫‪ .1‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 201420042‬بتاريخ ‪ 08‬نوفمبر ‪2014‬‬


‫‪ .2‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 201420009‬الصادر بتاريخ ‪ 7‬نوفمبر ‪2014‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪304‬‬

‫املذكــورة ومــا يفيــد كذلــك منعهــم مــن التصويــت يــوم االقتــراع‪ ،‬يجعــل مــن ادعائهــا مجـ ّردا‬
‫وفاقــدا لــكل دعامــة واقعيــة يمكــن للمحكمــة تفحصهــا وترتيــب اآلثــار القانونيــة عنهــا»‪.1‬‬
‫التوجه ذاته بمناســبة‬
‫ّ‬ ‫وقــد اتبعــت الدوائــر االســتئنافية والجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة‬
‫ـت فــي النزاعــات املتع ّلقــة بانتخابــات ســنة ‪ 2019‬برفــض ا ّدعــاءات الطاعــن باعتبــاره «لم‬
‫البـ ّ‬
‫يفلــح فــي اإلتيــان بمــا يقــوم حجــة قانونيــة على وجود املخالفــة املدعى بها ضــرورة أنّ ملف‬
‫قضيــة الحــال ورد خاليــا مــن معاينــات قانونيــة ومــن محاضــر األعــوان املوكول لهــم معاينة‬
‫املخالفــات االنتخابيــة»‪ ،2‬مؤ ّكــدة كذلــك أنّ «طلــب إعادة احتســاب األصــوات وتوزيع املقاعد‬
‫املترشــحة يقتضــي أن يتضمــن ملــف ال ّدعــوى حججــا جديــة ترســي قناعــة‬ ‫ّ‬ ‫علــى القائمــات‬
‫املحكمــة بوجــود إخــاالت فــي العمليــة االنتخابيــة وهــو مــا لــم يثبــت فــي قضيــة الحــال» ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫ظــل موقــف قاضــي النتائــج منســجما مــع مــا اســتق ّر عليــه فقــه‬ ‫مــن جهــة أخــرى‪ّ ،‬‬
‫القضــاء اإلداري بشــكل عــام مــن قبــول كل وســائل اإلثبــات املتاحــة بتأكيــده علــى أنّ‬
‫«إثبــات املخالفــات أو اإلخــاالت االنتخابيــة يكــون بجميــع وســائل اإلثبــات املمكنــة وليــس‬
‫فقــط بالرجــوع إلــى تقاريــر الهيئــة واملحاضــر التــي يح ّررهــا أعوانهــا املحلفــون‪ ،‬وال‬
‫شــيء يحــول‪ ،‬مــن حيــث املبــدأ‪ ،‬دون نظــر القاضــي االنتخابــي فيمــا يقــ ّدم إليــه مــن‬
‫تقاريــر هيــاكل ومنظمــات املجتمــع املدنــي التــي أصبحــت جــزءا مــن املشــهد اإلنتخابــي‬
‫التونســي متــى اتســمت بالجديــة املطلوبــة وتعلقــت بصــورة واضحــة بمســائل مثــارة‬
‫فــي النــزاع الــذي بــن يديــه وتناولــت وقائــع ومعطيــات دقيقــة ســواء كانــت كافيــة‬
‫بذاتهــا للحســم فــي النــزاع أو منطلقــا ألبحــاث اســتقصائية إضافيــة وينســحب‬
‫هــذا الواجــب كذلــك علــى الهيئــة عنــد نظرهــا فــي الشــكاوى التــي تقــ ّدم إليهــا»‪.4‬‬
‫وتجــدر اإلشــارة فــي هــذا الصــدد أ ّنــه بمناســبة انتخابــات ســنة ‪ ،2019‬ومــع اســتقرار‬
‫فقــه القضــاء بخصــوص قبــول كل وســائل اإلثبــات‪ ،‬فقــد تعــددت املؤ ّيــدات التــي‬
‫ســعى األطــراف بواســطتها إلــى إثبــات ا ّدعاءاتهــم علــى غــرار التقاريــر الصــادرة‬
‫عــن هيئــة االتصــال الســمعي البصــري‪ 5‬واألقــراص املضغوطــة املتضمنــة لتســجيالت‬

‫‪ .1‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 21040036‬الصادر بتاريخ ‪ 8‬نوفمبر ‪2014‬‬


‫الصادر عن ال ّدائرة االستئنافية السادسة في القض ّية عدد ‪ 20194036‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪.2019‬‬
‫‪ .2‬الحكم ّ‬
‫الصاد عن الدائرة االستئناف ّية األولى في القض ّية عدد ‪ 20194068‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪.2019‬‬
‫‪ .3‬الحكم ّ‬
‫‪ .4‬حكم استئنافي عدد ‪ 201420027‬بتاريخ ‪ 8‬نوفمبر ‪2014‬‬
‫‪ .5‬القرار الصادر عن الجلسة العامة القضائية للمحكمة اإلدارية في القضية عدد ‪ 20195011‬بتاريخ ‪ 4‬نوفمبر ‪.2019‬‬
‫‪305‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪2‬‬
‫صوتيــة ومرئيــة‪ 1‬واملحاضــر املحــررة مــن عــدول إشــهاد وأعــوان املراقبــة واملالحظــن‬
‫والصــور املأخــوذة مــن مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ 3‬والوثائــق املحــررة بلغــة أجنبيــة‪.4‬‬
‫غيــر أنــه مــع املرونــة الواضحــة فــي قبول مختلف وســائل اإلثبــات فقد اعتبــرت املحكمة في‬
‫املقابــل أنهــا تعتبــر قرائــن بســيطة قابلــة للدحــض بــأي وســيلة كانــت وال تكتســي الحجيــة‬
‫املطلوبة إال باستيفائها لعدة شروط‪ .‬لذا ومواصلة للمنهجية املتبعة في الرقابة على الوقائع‪،‬‬
‫ســعى قاضــي النتائــج إلــى تكييفهــا قانونيــا‪ .‬وتتمثــل عمليــة التكييــف فــي تحديــد الوصــف‬
‫القانونــي للوقائــع املدعــى بهــا وبيــان مــا إذا كانــت تمثــل إخــاالت أو مخالفــات انتخابيــة‪.‬‬
‫وقــد حــرص القاضــي اإلداري علــى التأكيــد علــى أنّــه ال يتق ّيــد البتــة بالتكييــف الــذي‬
‫تعتمــده الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات وال غيرهــا مــن الهيئــات اإلداريــة و ّانــه»‬
‫لئــن كانــت القــرارات الصــادرة عــن الهيئــات املســتقلة تتمتّــع بقرينــة الشــرعية‪ ،‬إ ّال‬
‫أنّ ذلــك ال يتنافــى وخضوعهــا إلــى رقابــة القاضــي اإلداري فــي خصــوص تكييــف‬
‫مــا تض ّمنتــه مــن معطيــات ووقائــع»‪« 5‬وأنّ تكييــف الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال‬
‫الســمعي والبصــري للمخالفــات االنتخابيــة علــى النحــو الــوارد فــي تقريرهــا ال يق ّيــد‬
‫صحــة ذلــك التكييــف»‪.6‬‬
‫القاضــي االنتخابــي الــذي لــه صالحيــة بســط رقابتــه علــى مــدى ّ‬
‫وقــد اعتبــرت الدوائــر االســتئنافية‪ ،‬وجارتهــا فــي ذلــك الجلســة العامــة بخصــوص جريمــة‬
‫املترشــح أنّ «العبــارات املصـ ّرح بها ال تم ّثــل ثلبا باملعنى الــوارد بالفصل‬
‫ّ‬ ‫ـس مــن شــرف‬ ‫املـ ّ‬
‫‪ 3‬مــن القــرار املشــترك املبــن أعــاه إذ لــم تســتهدف النيــل مــن شــرف أو اعتبــار شــخص‬
‫مع ّيــن بذاتــه وهــي ال تعــدو أن تكــون ســوى مجرد إيحــاءات عامة لم يفلــح الطاعن في إثبات‬
‫مــدى عالقتهــا بشــخص الطاعــن بوصفــه رئيــس القائمــة املترشــحة عــن الدائــرة االنتخابية‬
‫بقبلــي وال أثرهــا املباشــر على النتائج املص ّرح بها على مســتوى الدائــرة االنتخابية املعنية‪،‬‬
‫ألي أســاس ســليم مــن الواقــع والقانــون»‪.7‬‬ ‫األمــر الــذي يغــدو معــه املطعــن املاثــل فاقــدا ّ‬

‫‪ .1‬القرار الصادر عن الجلسة العامة القضائية للمحكمة اإلدارية في القضية عدد ‪ 20195015‬بتاريخ ‪ 4‬نوفمبر ‪2019‬‬
‫‪ .2‬الحكم الصادر في القضية عدد ‪.20194004‬‬
‫‪ .3‬الحكم الصادر عن الدائرة االستئنافية الثامنة في القضية عدد ‪ 20194053‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪2019‬‬
‫‪ .4‬الحكم الصادر عن الدائرة االستئنافية الثامنة في القضية عدد ‪ 20194053‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪2019‬‬
‫‪ .5‬الحكم الصادر عن الدائرة االستئنافية الثامنة في القضية عدد ‪ 20194053‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪2019‬‬
‫‪ .6‬الحكم الصادر عن الدائرة االستئنافية الثامنة في القضية عدد ‪ 20194053‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪2019‬‬
‫‪ .7‬الحكم الصادر عن الدائرة االستئنافية السادسة في القضية عدد ‪ 20194035‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪306‬‬

‫أمــا بخصــوص جريمــة اإلشــهار السياســي فقــد انتهــت املحكمــة إلــى عــدم‬
‫تو ّفرهــا مســتندة فــي ذلــك إلــى أنّــه «بالرجــوع إلــى تقريــر وحــدة ال ّرصــد الــذي‬
‫الصوت ّيــة املصنّفــة‬
‫اســتند إلــى تقريــر الهيئــة يتب ّيــن أنّ مضمــون التســجيالت ّ‬
‫ّ‬
‫للمترشــح‬ ‫حســب املوضــوع لــم يتض ّمــن أ ّيــة إشــارة إلــى توظيــف برامــج لل ّدعايــة‬
‫أو حزبــه أو ال ّدعايــة املضــا ّدة شــأنه فــي ذلــك شــأن الومضــة اإلعالنيــة‪.1»...‬‬
‫توصــل القاضــي إلــى تكييــف الوقائــع‪ ،‬فــي حــال ثبوتهــا‪ ،‬علــى أنهــا إخــاالت‬
‫غيــر أنّ ّ‬
‫ومخالفــات للقانــون االنتخــاب ال ينعكــس بالضــرورة علــى ســامة العمل ّيــة االنتخابيــة‬
‫باعتبــار أن ذلــك يتوقــف علــى تقديــر القاضــي لتأثيرهــا الحاســم والجوهــري‬
‫علــى نتائــج االنتخابــات عمــا بمقتضيــات الفصــل ‪ 143‬مــن القانــون االنتخابــي‪.2‬‬
‫ال نجــد تعريفــا محــددا لشــرط التأثيــر الجوهــري ضمــن األحــكام الصــادرة عــن املحكمــة‬
‫الصــادرة فــي‬
‫اإلداريــة‪ ،‬غيــر أنّ القاســم املشــترك بــن مختلــف األحــكام والقــرارات ّ‬
‫هــذا الشــأن يتمثــل فــي اعتمــاد القاضــي عنــد تقديــره لتأثيــر اإلخــاالت علــى النتائــج‬
‫علــى كل املعطيــات املســتمدة مــن املنــاخ العــام للعمليــة االنتخابيــة واســتدالله علــى‬
‫ـكل مــا يتوفــر لديــه مــن مالبســات ومؤشــرات‪ ،‬واســتخالصه للنتائــج بـ ّ‬
‫ـكل حــذر‪.‬‬ ‫ذلــك بـ ّ‬
‫هــذا التعامــل الحــذر جعــل القاضــي يذ ّكرنــا فــي كل مناســبة انتخابيــة بأنــه ال‬
‫يقضــي بإلغــاء النتائــج االنتخابيــة إال إذا تضافــرت أمامــه قرائــن جد ّيــة ووقائــع ثابتــة‬
‫واملــس مــن نزاهــة العمليــة االنتخابيــة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ومتواتــرة تفيــد التأثيــر علــى إرادة الناخبــن‬
‫ولئــن كرســت املحكمــة اإلداريــة هــذا التوجــه بمناســبة البــت فــي النزاعــات املتعلقــة‬
‫بنتائــج االنتخابــات لســنة ‪ 2019‬فإنــه مــن املالحــظ أنّهــا ســعت إلــى إرســاء بعــض املعاييــر‬
‫املوضوعيــة والعلميــة التــي تعتمــد فــي تقديــر تأثيــر املخالفــة وذلــك حرصــا منهــا عــن تنزيــه‬
‫أحكامهــا ع ّمــا قــد ترمــى بــه مــن اعتباطيــة أو خطــإ فــي التقديــر‪ ،‬مــن ذلــك مــا اتجهــت‬
‫إليــه املحكمــة مــن «أنّ تقديــر مــدى تأثيــر املخالفــة علــى اإلرادة الحقيق ّيــة للنّاخــب بواســطة‬
‫الســمعية والبصريــة واإللكترونيــة ال يقتصــر فقــط علــى التث ّبــت مــن معيــار‬ ‫وســائل اإلعــام ّ‬
‫األثــر املجــدي باحتســاب الفــارق فــي األصــوات املص ـ ّرح بهــا بــن القائمــات املتنافســة‬
‫تفحــص معاييــر تقنيــة للقيــس التــي تضبــط بد ّقــة عــدد األصــوات‬ ‫وإنّمــا يتعــ ّداه إلــى ّ‬
‫‪ .1‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20195023‬و‪ 20192029‬بتاريــخ‬
‫‪ 4‬نوفمبــر ‪2019‬‬
‫‪ .2‬ينــص الفصــل ‪ 143‬مــن القانــون عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬علــى أن " تتث ّبــت الهيئــة مــن احتــرام الفائزيــن ألحــكام الفتــرة‬
‫االنتخابيــة وتمويلهــا‪ .‬ويجــب أن تق ـ ّرر إلغــاء نتائــج الفائزيــن بصفــة كليــة أو جزئيــة إذا تب ّيــن لهــا أن مخالفتهــم لهــذه‬
‫األحــكام أ ّثــرت علــى نتائــج االنتخابــات بصفــة جوهريــة وحاســمة وتكــون قراراتهــا معللــة‪ .‬وفــي هــذه الحالــة يقــع‬
‫إعــادة احتســاب نتائــج االنتخابــات التشــريعية أو البلديــة أو الجهويــة دون األخــذ بعــن االعتبــار األصــوات التــي ت ـ ّم‬
‫إلغاؤهــا‪ ،‬وفــي االنتخابــات الرئاســية يتــم االقتصــار علــى إعــادة ترتيــب املترشــحني دون إعــادة احتســاب النتائــج‪".‬‬
‫‪307‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫الســليمة‬‫التــي فســدت بفعــل التّأثيــر فيهــا ومــن ث ـ ّم اســتئصالها مــن جملــة األصــوات ّ‬
‫ـي‪ ...،‬وأ ّنــه‬
‫املتحصــل عليهــا فــي النتّائــج حفاظــا علــى نزاهــة وســامة املســار االنتخابـ ّ‬
‫ّ‬
‫وفــي غيــاب اإلدالء بعناصــر قيــس التّأثيــر املشــار إليهــا بخصــوص ال ّدعايــة اإلشــهار ّية‬
‫‪1‬‬
‫املتنــازع بشــأنها‪ ،‬يكــون املطعــن املاثــل مج ـ ّردا ومتع ّيــن ال ّرفــض علــى ذلــك األســاس‪».‬‬
‫وعلــى صعيــد ثــان حســمت الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة االختــاف الــذي‬
‫طــرأ علــى مواقــف الدوائــر االســتئنافية بخصــوص عنصــر اإلســناد ومــا يتر ّتــب عنــه مــن‬
‫اعتــداد بهويــة الشــخص أو الجهــة املرتكبــة للمخالفــة عنــد تقديــر القاضــي لتأثيرهــا علــى‬
‫النتائــج‪ 2‬بــأن انتهــت إلــى أنّ ثبــوت املخالفــة يســتوجب تو ّفــر ركن إســناد الفعــل املخالف إلى‬
‫شــخص مرتكبــه ونســبته إلــى القائمــة املخالفــة وأنّ العبــرة فــي قيــام املخالفــة تكــون به ّويــة‬
‫الشــخص املرتكــب للمخالفــة وثبــوت عالقتــه بالقائمــة املخالفــة وليــس بهويــة املنتفــع بهــا‪.3‬‬

‫‪ .III‬آثار الرقابة القضائية على نتائج االنتخابات‬

‫اختــزل املشــرع الصالحيــات املخولة للهيئة العليا لالنتخابــات بخصوص نتائج االنتخابات‬
‫صلــب الفصــل ‪ 143‬مــن القانــون عــدد ‪ 46‬لســنة ‪ 2014‬بــأن م ّكنهــا مــن إلغــاء نتائــج الفائزين‬
‫بصفــة كليــة أو جزئيــة إذا تب ّيــن لهــا أن مخالفتهــم للقانــون أ ّثــرت علــى نتائــج االنتخابــات‬
‫بصفــة جوهريــة وحاســمة‪ .‬وعمــا بقاعــدة «مــن يمكنــه األكثــر يمكنــه األقـ ّـل» فإ ّنــه طاملا كان‬
‫بإمــكان الهيئــة أن تتخــذ القــرار الخطيــر القاضــي بإلغــاء نتائــج االنتخابــات فإنــه مــن بــاب‬
‫أولــى وأحــرى أنــه بإمكانهــا تعديلهــا جزئيــا علــى النحــو الــذي تراهــا مطابقــا للقانــون‪.‬‬
‫وفــي هــذا الصــدد وكغيرهــا مــن القــرارات الصــادرة علــى امتــداد العمليــة االنتخابيــة‪،‬‬
‫تخضــع القــرارات الصــادرة عــن الهيئــة العليا املســتقلة لالنتخابات في إطــار تطبيق أحكام‬
‫الفصــل ‪ 143‬ســالف الذكــر بمناســبة التصريــح بالنتائــج إلــى رقابــة القاضــي االنتخابــي‬
‫وبالتحديــد قاضــي النتائــج الــذي اعتبــر منــذ انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي لســنة‬
‫‪ 2011‬أنّ ســلطاته الرقابيــة ال يمكــن أن تكــون ّ‬
‫أقــل امتــدادا مــن تلــك املمنوحــة للهيئــة‪.‬‬

‫‪ .1‬الحكم الصادر عن الدائرة االستئنافية الثالثة في القضية عدد ‪ 20194024‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪2019‬‬
‫‪ .2‬يعتبــر التوجــه األول أن املخالفــة يجــب ان ترتكــب مــن رئيــس القائمــة او أحــد اعضائهــا حتــى تكــون مؤثــرة‪ ،‬مــن ذلــك‬
‫مــا انتهــى إليــه الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثالثــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20194017‬بتاريــخ ‪ 18‬أكتوبــر ‪،2019‬‬
‫فــي حــن يعتبــر التوجــه الثانــي أنّ العبــرة فــي تأثيــر املخالفــة تكــون باالســتفادة منهــا بصــرف النظــر عــن مرتكبهــا كمــا‬
‫اتجــه إلــى ذلــك الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثالثــة فــي القضيــة عــدد ‪ 2019069‬بتاريــخ ‪ 22‬اكتوبــر ‪.2019‬‬
‫‪ .3‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20195022‬و‪ 20195027‬بتاريــخ‬
‫‪ 4‬نوفمبــر ‪2019‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪308‬‬

‫بنــاء علــى ذلــك‪ ،‬واعتمــادا علــى فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة املتع ّلــق بنتائــج االنتخابــات‬
‫التشــريعية لســنة ‪ ،2019‬نتبــن أن آثــار الرقابــة التــي يســ ّلطها القاضــي علــى النتائــج‬
‫يمكــن ان تتبلــور فــي صــور ثــاث تتمثــل إ ّمــا فــي إلغــاء االنتخابــات برمتهــا واإلذن بإعــادة‬
‫إجرائهــا (‪ )1‬أو بإلغــاء قــرار الهيئــة القاضــي بســحب مقعــد مــن قائمــة مترشــحة وإســناده‬
‫إلــى قائمــة أخــرى (‪ )2‬أو بتعديــل نتائــج االنتخابــات املصـ ّرح بهــا بإعــادة توزيــع املقاعد (‪.)3‬‬

‫‪ .1‬صورة إلغاء االنتخابات برمتها واإلذن بإعادة إجرائها‬

‫تعهــدت الدائــرة االســتئنافية الثانيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي إطــار النزاعــات املتع ّلقــة‬
‫الطاعنــة خاصــة إلــى خــرق‬ ‫بنتائــج االنتخابــات التشــريعية بطعــن تســتند صلبــه القائمــة ّ‬
‫الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات لواجــب الحيــاد عنــد تعيينهــا لرئيــس للهيئــة الفرع ّيــة‬
‫لالنتخابــات بأملانيــا‪ .‬وفــي نطــاق مــا تتمتــع بــه املحكمــة مــن ســلطة فــي مراقبــة تقديــر‬
‫الهيئــة للخلــل الــذي شــاب العمليــة االنتخابيــة اعتبــرت الدائــرة أنّ «تشــ ّبث الهيئــة»‬
‫بتســمية رئيــس الهيئــة الفرعيــة املعنــي بالرغــم مــن ثبــوت خروجــه عــن الحيــاد وعــدم تق ّيــده‬
‫بالنزاهــة واالســتقالل ّية يم ّثــل خــرق واضحــا وصارخــا للمبــادئ الدســتور ّية وألحــكام‬
‫القانــون االنتخابــي لتأثيــره علــى نزاهــة العمل ّيــة االنتخاب ّيــة بر ّمتهــا وعلــى شــفاف ّية جميــع‬
‫النتائــج املصـ ّرح بهــا علــى نحــو يغنــي عــن البحــث فــي مــدى اقتــراف الشــخص املذكــور‬
‫لتجــاوزات خــال فتــرة إشــرافه علــى االنتخابــات موضــوع النــزاع وانتهــت بنــاء علــى‬
‫ا وإلغــاء قــرار الهيئــة العليــا املســتق ّلة‬‫ال وأص ـ ً‬ ‫ذلــك إلــى التصريــح ب َق ُبــول ّ‬
‫الطعــن شــك ً‬
‫الصــادر بتاريــخ ‪ 9‬أكتوبــر ‪ 2019‬واملتع ّلــق بالتّصريــح بالنّتائــج األ ّول ّيــة‬ ‫لالنتخابــات ّ‬
‫لالنتخابــات التّشــريع ّية لســنة ‪ 2019‬كل ّيــا بخصــوص النّتائــج املص ـ ّرح بهــا عــن ال ّدائــرة‬
‫االنتخاب ّيــة بأملانيــا وإعــادة االنتخابــات بهــا‪.1‬‬
‫ولئــن انتهــت الجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة إلــى نقــض الحكــم املذكــور والقضــاء مــن‬
‫جديــد بقبــول الطعــن شــكال ورفضــه أصــا‪ ،2‬فــإن ســندها فــي ذلــك لــم يكــن مؤاخــذة‬
‫محكمــة البدايــة مــن أجــل التوســع فــي ســلطاتها‪ ،‬بــل إنهــا أقــرت خالفــا لذلــك أنّ قاضــي‬
‫النتائــج يتمتــع بســلطات واســعة تمكنــه مــن بســط رقابتــه علــى كامــل مراحــل العمليــة‬
‫االنتخابيــة‪ ،‬إ ّال أنهــا اعتبــرت أنّ مــا قـ ّدم مــن مؤ ّيــدات إلــى املحكمــة ال ينهــض دليــا علــى‬
‫أنّ رئيــس الهيئــة الفرعيــة قــد أ ّثــر فــي إرادة الناخبــن او فــي نزاهــة العمليــة االنتخابيــة‪.‬‬

‫الصادر عن الدائرة االستئنافية الثانية باملحكمة اإلدارية في القض ّية عدد ‪ 20194061‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪.2019‬‬
‫‪ .1‬الحكم ّ‬
‫‪ .2‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة في القضية عــدد ‪ 20195025‬بتاريــخ ‪ 4‬نوفمبر ‪2019‬‬
‫‪309‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ .2‬صــورة إلغــاء قــرار الهيئــة القاضــي بســحب مقعــد مــن قائمــة‬


‫مترشــحة وإســناده إلــى قائمــة أخــرى‬

‫الصــورة الثانيــة التــي قــد تتجســم مــن خاللهــا صالحيــات قاضــي النتائــج تتمثــل فــي‬
‫إلغــاء قــرار الهيئــة جزئيــا فــي مــا انتهــى إليــه مــن إلغــاء لألصــوات التــي تحصلــت‬
‫عليهــا قائمــة مــا ومــا يترتــب عنــه مــن حرمانهــا مــن املقعــد أو املقاعــد املســتحقة بعنــوان‬
‫تلــك األصــوات علــى غــرار مــا انتهــت إليــه الدائــرة االســتئنافية الثامنــة باملحكمــة التــي‬
‫قضــت «بقبــول الدعــوى شــكال وفــي األصــل بإلغــاء القــرار املطعــون فيــه وتعديــل نتائــج‬
‫االنتخابــات التشــريعية لســنة ‪ 2019‬بالدائــرة االنتخابيــة الوحيــدة لواليــة بــن عــروس‬
‫وذلــك بإعــادة توزيــع املقاعــد علــى النحــو اآلتــي‪ :‬قائمــة حركــة النهضــة بــن عــروس‪:‬‬
‫مقعــدان (‪ ،)2‬قائمــة قلــب تونــس‪ :‬مقعــدان (‪ ،)2‬قائمــة الت ّيــار الديمقراطــي‪ :‬مقعــد وحيــد‬
‫(‪ ،)1‬قائمــة الحــزب الدســتوري الح ـ ّر‪ :‬مقعــد وحيــد (‪ ،)1‬قائمــة ائتــاف الكرامــة‪ :‬مقعــد‬
‫وحيــد (‪ ،)1‬قائمــة حــزب ال ّرحمــة‪ :‬مقعــد وحيــد (‪ ،)1‬قائمــة حركــة تحيــا تونــس‪ :‬مقعــد‬
‫وحيــد (‪ ،)1‬قائمــة االتحــاد الشــعبي الجمهــوري‪ :‬مقعــد وحيــد (‪ ،1»)1‬وبذلــك قضــت‬
‫املحكمــة بإرجــاع املقعــد املحــذوف بموجــب قــرار الهيئــة إلــى حــزب الرحمــة‪ ،‬وقــد تــم‬
‫إقــرار هــذا الحكــم مــن الجلســة العامــة للمحكمــة اإلداريــة اســتنادا إلــى عــدم ثبــوت‬
‫املخالفــة املدعــى بهــا واملتمثلــة فــي اإلشــهار السياســي باســتعمال وســيلة إعــام خاصــة‪.2‬‬

‫‪ .3‬صــورة إلغــاء قــرار الهيئــة جزئيــا بســحب مقعــد مســند إلــى‬


‫إحــدى القائمــات وإســناده إلــى القائمــة الطاعنــة‬

‫الصــورة بنتائــج االنتخابــات التشــريعية بالدائــرة االنتخابيــة بالقصريــن‪،‬‬ ‫تع ّلقــت هــذه ّ‬
‫الطعــن شــكالً‬‫إذ انتهــت الدائــرة االســتئنافية الثالثــة‪ 3‬باملحكمــة إلــى القضــاء «بقبــول ّ‬
‫وفــي األصــل بتعديــل نتائــج االنتخابــات التّشــريع ّية لســنة ‪ 2019‬بال ّدائــرة االنتخاب ّيــة‬
‫الوحيــدة لواليــة القصريــن‪ ،‬وذلــك بإعــادة توزيــع املقاعــد علــى النّحــو التّالــي‪:‬‬
‫قائمــة حركــة النّهضــة مقعــد واحــد (‪ ،)1‬قائمــة قلــب تونــس مقعــد واحــد (‪ ،)1‬قائمــة‬

‫‪ .1‬الحكم الصادر عن ال ّدائرة االســتئنافية الثامنة بال حكمة اإلدارية في القضية عدد ‪ 20194053‬بتاريخ ‪ 18‬أكتوبر ‪2019‬‬
‫‪ .2‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20195023‬و‪ 20192029‬بتاريــخ‬
‫‪ 4‬نوفمبــر ‪2019‬‬
‫الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية الثالثــة باملحكمــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20194069‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪2019‬‬
‫‪ .3‬الحكــم ّ‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪310‬‬

‫الشــعبي الجمهــوري مقعــد واحــد (‪ ،)1‬قائمــة الوفــاء بالعهــد مقعــد واحــد‬ ‫االتّحــاد ّ‬
‫(‪ ،)1‬قائمــة االمتيــاز مقعــد واحــد (‪،)1‬قائمــة الحــزب االشــتراكي ال ّدســتوري مقعــد‬
‫الشــعب مقعــد‬‫واحــد (‪ ،)1‬قائمــة حركــة تحيــا تونــس مقعــد واحــد (‪ ،)1‬قائمــة حركــة ّ‬
‫واحــد (‪ ،»)1‬غيــر أنّ الجلســة العامــة القضائيــة قــررت نقــض هــذا الحكــم وإقــرار‬
‫النتائــج األوليــة املعلنــة مــن قبــل الهيئــة العليــا لالنتخابــات‪ 1‬باالســتناد إلــى عــدم توفــر‬
‫عنصــر االســناد فــي املخالفــة التــي اســتند إليهــا قاضــي البدايــة لتعديــل النتائــج‪.‬‬
‫ويتبــن ممــا ســبق أنّ قاضــي النتائــج قــد واصــل النهــج الــذي اتبعــه منــذ انتخابــات‬
‫املجلــس الوطنــي التأسيســي بإعمــال ّ‬
‫كل الصالحيــات املخولــة لــه غيــر أنّــه يراعــي‬
‫عنــد تع ّهــده بهــا خصوصيــة هــذه النزاعــات بالنظــر إلــى صبغتهــا وموضوعهــا وملــا‬
‫قــد يكــون لألحــكام الصــادرة بشــأنها مــن أثــر مباشــر علــى الحقــوق األساســية»‪.2‬‬

‫‪ .1‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة للمحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20195022‬و‪ 20195027‬بتاريــخ‬
‫‪ 4‬نوفمبــر ‪2019‬‬
‫‪ .2‬الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية السادســة باملحكمــة اإلداريــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20192002‬بتاريــخ ‪14‬‬
‫جــوان ‪( .2019‬نزاعــات الترشــحات لالنتخابــات البلديــة الجزئيــة)‪.‬‬
‫‪311‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫تقنيات القاضي اإلداري االنتخابي في إلغاء النتائج‬


‫عماد غابري‬
‫رئيس دائرة استئنافية باملحكمة االدارية‬

‫اختــار املشــرع التونســي بعــد الثــورة نظــام تســيير وضبــط ورقابــة إداريــة علــى‬
‫االنتخابــات بــأن احــدث هيئــة عموميــة مســتق ّلة اســند لهــا الواليــة العامــة علــى‬
‫املــادة االنتخابيــة ورفعهــا إلــى منزلــة دســتورية وهــي الهيئــة العليــا املســتقلة‬
‫لالنتخابــات (احــكام الفصــل ‪ 126‬مــن الدســتور) والتــي اشــرفت منــذ ســنة ‪2011‬‬
‫علــى جميــع املحطــات االنتخابيــة التأسيســية والتشــريعية والرئاســية والبلديــة‪.‬‬
‫غير أنّ خيار نظام الوالية االدارية املســتقلة على االنتخابات لم يكن دون ضمانات حتى ال‬
‫يتح ّول إلى نظام مركزية إدارية للشأن االنتخابي يذ ّكر بالتجربة الديكتاتورية السابقة والتي‬
‫كانــت تقــوم على اســناد االدارة الحكوميــة (وزارة الداخلية) الوالية العامة على االنتخابات‪.‬‬
‫وتعــ ّد الرقابــة القضائيــة اهــم الضمانــات علــى شــرعية اعمــال الهيئــة العليــا املســتقلة‬
‫لالنتخابــات فــي كل مــا يتعلــق باملــادة االنتخابيــة‪.‬‬
‫هــي رقابــة بحكــم طبيعــة الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات كشــخص قانونــي عــام‬
‫تخضــع فــي تصرفاتهــا وقراراتهــا لواليــة القضــاء االداري طبــق قواعــد االختصــاص‬
‫املحــ ّدد بالقانــون عــدد ‪ 40‬لســنة ‪ 1972‬املتعلــق باملحكمــة االداريــة (علــى غــرار‬
‫القــرارات الترتيبيــة الصــادرة عــن الهيئــة فــي مجــاالت تنظيــم وضبــط االنتخابــات)‪.‬‬
‫وهــي كذلــك رقابــة تنــدرج فــي ســياق مفهــوم النــزاع االنتخابــي الــذي حــدده‬
‫القانــون االساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬وضبــط اصنــاف االنتخابــات املعن ّيــة‬
‫برقابــة القضــاء‪( :‬التشــريعية والرئاســية والبلديــة واالســتفتاء) كمــا حــ ّدد‬
‫العمليــات املعن ّيــة بالطعــون االنتخابيــة لــدى القضــاء وهــي‪ :‬نزاعــات الترســيم‬
‫بالســجل االنتخابــي ونزاعــات الترشــح لالنتخابــات ونزاعــات النتائــج االنتخابيــة‪.‬‬
‫كما أن املش ّرع اعتمد قاعدة توزيع النزاع االنتخابي بني مختلف أصناف القضاء‪:‬‬
‫• ففــي حــن أســند النــزاع املتعلــق بالترســيم فــي الســجل االنتخابــي للقضــاء العدلــي‬
‫علــى درجتــن بالنظــر إلــى حجــم هــذا النــزاع الــذي يتناســب مــع امتــداد القضــاء‬
‫العدلــي علــى كافــة االقليــم الوطنــي‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪312‬‬

‫• أســند املشــرع البــت فــي املخالفــات املتعلقــة بتمويــل الحمــات االنتخابيــة إلــى محكمة‬
‫املحاسبات ولها سلطة توقيع عقوبات مالية وحتى اسقاط عضوية بالقائمات املترشحة‪.‬‬
‫• واســند املشــرع فــي االخيــر للقضــاء االداري اختصــاص البــت فــي النزاعــات‬
‫املتع ّلقــة بالترشــحات وبالنتائــج االنتخابيــة‪.‬‬
‫مــا ينبغــي التأكيــد عليــه فــي هــذا املجــال هــو أنّ املنظومــة الرقابيــة علــى العمليــة االنتخابية‬
‫التــي جــاء بهــا املشــرع التونســي صلــب القانــون املذكــور تقــوم علــى ثــاث عناصــر مهمة‪:‬‬
‫• مــن جهــة اولــى‪ :‬اســناد الســلطة االداريــة (الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات)‬
‫البــت‬
‫ّ‬ ‫صالحيــات الرقابــة املباشــرة علــى العمل ّيــة االنتخابيــة بواســطة‬
‫مباشــرة وعــن طريــق القــرارات االداريــة فــي املجــاالت املحــددة بالقانــون‪.‬‬
‫• ومــن جهــة ثانيــة‪ :‬خضــوع القــرارات االداريــة الصــادرة فــي تلــك املجــاالت للرقابــة‬
‫القضائية عن طريق نظام طعن خاص على درجتني وطبق اجراءات وشكليات مضبوطة‪.‬‬
‫• ومــن جهــة ثالثــة‪ :‬جعــل القــرارات االداريــة الصــادرة فــي املواضيــع املذكــورة‬
‫قــرارات وقتيــة إلــى حــن إنقضــاء طــور التقاضــي بخصوصهــا وانصياعهــا‬
‫بعــد ذلــك لحجيــة االحــكام الصــادرة امــا بتأييدهــا أو بتعديلهــا أو بابطالهــا‪.‬‬
‫فمــا يم ّيــز التعهــد القضائــي بالطعــون االنتخابيــة علــى نحــو مــا ضبطــه القانــون عــدد ‪16‬‬
‫لســنة ‪ 2014‬وبخاصــة لــدى القضــاء االداري‪:‬‬
‫• نظــام شــكالني صــارم فــي القيــام بالطعــن ‪:‬ســواء بخصــوص تحديــد صاحــب‬
‫املصلحــة فــي القيــام بالطعــن أو االجــراءات املشــ ّددة الواجــب اتباعهــا فــي تكليــف‬
‫محــام او فــي اســتدعاء االطــراف أو فــي تحريــر العريضــة او بخصــوص اآلجــال املتبعــة‬
‫والتــي تتميــز باالختصــار والســرعة فــي البــت إلــى درجــة غيــر عاديــة (مثلمــا حــدث‬
‫فــي االنتخابــات الرئاســية الســابقة ألوانهــا وتزامــن الطعــون لديــه‪ :‬تشــريعية ورئاســية)‪.‬‬
‫• فــي مقابــل فــرض حياديــة جامــدة علــى القاضــي االداري االنتخابــي‪ :‬فالقاضــي‬
‫االنتخابــي طبــق أحــكام القانــون عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬لــه وضــع ســلبي ســواء تجــاه‬
‫ســير اإلجــراءات فــا يمكنــه اللجــوء إلــى الوظيفــة التوجيهيــة التــي يتمتــع بهــا كقاضــي‬
‫شــرعية تمكنــه مــن تصحيــح اجــراءات القيــام واضفــاء املرونــة علــى التشــدد الشــكالني‪.‬‬
‫كمــا أنّ للقاضــي االنتخابــي وضــع ســلبي تجــاه مســألة االثبــات ودوره التحقيقــي الواســع‬
‫الــذي يباشــره عــادة فــي إطــار دعــاوى تجــاوز الســلطة إال أ ّنــه فــي إطــار النــزاع االنتخابــي‬
‫يبقــى ســير الدعــوى خاضعــا للقاعــدة العموميــة للقانــون‪« :‬البينــة علــى مــن إدعــى»‪.‬‬
‫فــي هــذا الســياق ينــدرج نــزاع النتائــج االنتخابيــة الــذي يمثــل القاضــي االداري‬
‫صاحــب الواليــة العامــة علــى هــذا الصنــف مــن الطعــون فــي شــتى أنــواع االنتخابــات‪.‬‬
‫‪313‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫فبالنظــر إلــى أهميــة النتائــج االنتخابيــة التــي تعكــس إرادة الناخــب املعلنــة فــي خيــار‬
‫مرشــحيه لتولــي الوظائــف السياســية فــي الدولــة فــإن التعامــل معهــا يكــون علــى درجــة‬
‫مــن الحساســية‪.‬‬
‫• فاالعــان عــن النتائــج يفتــرض مقبوليتهــا مــن الكافــة حتــى يتــ ّم ختــم العمليــة‬
‫االنتخابيــة بتحقيــق اغراضهــا فــي تعيــن وتحديــد االشــخاص املؤهلــن لتولــي املقعــد‬
‫الرئاســي او النيابــي او البلــدي طيلــة الــدورات النيابيــة‪.‬‬
‫• غيــر أن االعــان عــن النتائــج ال يمثــل مجــرد عمليــة حســابية فــي الجمــع والطــرح‬
‫والقســمة وإنمــا هــو طــور تتولــى فيــه الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات التثبــت‬
‫االداري مــن ســامة وصحــة االصــوات املدلــى بهــا والتصريــح بنــاء علــى معطيــات‬
‫ووثائــق وتقاريــر بالنتائــج االوليــة ثــم فتــح املجــال امــام املعنيــن للطعــن فيهــا امــام‬
‫القضــاء االنتخابــي ليتــ ّم بعــد اســتنفاذ هــذا الطــور االعــان عــن النتائــج النهائيــة‪.‬‬
‫• وقــد أســند املشــرع كال مــن الجهــة االداريــة والجهــة القضائيــة صالحيــات وســلطات‬
‫فــي تعديــل والغــاء النتائــج االنتخابيــة‪:‬‬
‫فلئــن كانــت أحــكام الفصــول ‪ 142‬و‪ 143‬مــن القانــون االنتخابــي صريحــة فــي تحديــد‬
‫ســلطات تعديــل والغــاء نتائــج االنتخابــات وضبــط شــروطها وبيــان اآلثــار املترتبــة عنهــا‬
‫وذلــك باســناد هــذه الصالحيــة للهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات فــإن أحــكام الفصل‬
‫‪ 145‬مــن نفــس القانــون التــي أســندت للقاضــي االداري واليــة عامــة علــى نزاعــات‬
‫النتائــج االنتخابيــة لــم تذكــر أي تفصيــل بخصــوص مباشــرة ذلــك االختصــاص‪.‬‬
‫إال أنّ ذلــك اليمنــع فــي قــراءة تناســقية للنصــوص املســندة لنفــس االختصــاص‬
‫إقــرار مبــدأ التــوازي فــي صيــغ مباشــرة ســلطات تعديــل وإلغــاء نتائــج االنتخابــات‬
‫للقاضــي االداري االنتخابــي ‪ .‬وهــو نفــس االســاس والســند القانونــي الــذي يعتمــده‬
‫واعتمــده القاضــي االداري وأقـ ّره لنفســه عنــد نظــره فــي مختلــف املحطــات االنتخابيــة‪.‬‬
‫املالحــظ فــي هــذا الخصــوص أن االطــار التشــريعي فــي مقابــل تقييــد اعمــال صالحيــات‬
‫التعديــل وااللغــاء للنتائــج بشــرط حصــول تأثيــر جوهــري مــن وراء االخــاالت‬
‫واملخالفــات املرتكبــة إال أنــه لــم يضبــط معاييــر لقيــاس التأثيــر علــى الناخبــن‪.‬‬
‫فمــن خــال رقابتــه علــى نتائــج مختلــف االنتخابــات بلــور القاضــي االداري االنتخابــي‬
‫معيــارا احصائيــا فــي رصــد التاثيــر (املبحــث االول) كمــا اعتمــد معيــارا منطقيــا‬
‫(وهوالتناســب) عنــد اللجــوء لاللغــاء (املبحــث الثانــي)‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪314‬‬

‫املبحث االول‪ :‬اعتماد معيار احصائي لقياس درجة التأثير‬

‫القابلية للقيس هو شــرط رياضي يحقق جانب كبير من املوضوعية ويراعي االســاس الذي‬
‫تقوم عليه العملية االنتخابية برمتها وهي حماية ارادة الناخبني من وراء ادالءهم باصواتهم‪.‬‬
‫والعمليــة االنتخابيــة خاضعــة للقيــس فــي جميــع مراحلهــا وبخصــوص كافــة مكوناتهــا‪.‬‬
‫فــا ينبغــي فــي هــذا الخصــوص اغفــال أن هــذا الجفــاف والتجــرد الــذي يوحــي بــه اعمــال‬
‫الجانــب االحصائــي الرياضــي يت ـ ّم بمعــزل عــن غايــة أساســية فــي القانــون االنتخابــي‬
‫وهــي «حرمــة صــوت الناخــب»‪.‬‬
‫هــذه الحرمــة لصــوت الناخــب مــا فتــئ يذ ّكــر بهــا القاضــي االداري االنتخابــي فــي جـ ّـل‬
‫االحــكام لتمييــز وظيفتــه القضائيــة فــي الرقابــة علــى النتائــج وتمييزهــا عــن الوظيفــة‬
‫القضائيــة الشــكالنية فــي قضــاء الشــرعية‪.‬‬
‫فالقاضــي االداري تعامــل بــكل حــذر مــع اعمــال ســلطة الغــاء االصــوات منــذ‬
‫انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي‪ :‬ففــي قــرار الجلســة العامــة القضائيــة‬
‫باملحكمــة االداريــة عــدد ‪ 98‬بتاريــخ ‪ 7‬نوفمبــر ‪« :2011‬ال يســتجيب القاضــي االنتخابــي‬
‫لطلــب الغــاء أو تعديــل نتائــج االنتخابــات إال متــى ثبــت لديــه االخــال بقواعــد‬
‫اجراءهــا وكان ذلــك االخــال مؤثــرا بصفــة حاســمة علــى نتائــج االنتخابــات‪».‬‬
‫التوجــه بمناســبات انتخابــات ســنة ‪ 2014‬مــع إضافــة تخصيــص يتعلــق‬ ‫ّ‬ ‫وقــد أكــد هــذا‬
‫بحمايــة إرادة الناخبــن‪ :‬فقــد جــاء مثــا بقــرار الجلســة العامــة القضائيــة ‪201450002‬‬
‫بتاريــخ ‪ 18‬نوفمبــر ‪« :2014‬عمــا باحــكام الفصــل ‪ 143‬مــن القانــون االنتخابــي واســتنادا‬
‫إلــى مــا داب عليــه فقــه قضــاء هــذه املحكمــة فإنــه اليجــوز إلغــاء نتائــج الفائزيــن إال متــى‬
‫مســت املخالفــات املنســوبة لهــم مــن نزاهــة االنتخابــات واخ ّلــت بالتالــي بــاالرادة العامــة‪».‬‬
‫وفــي انتخابــات ســنة ‪ 2019‬طــ ّور القاضــي االنتخابــي هــذا االســاس لواليــة قاضــي‬
‫النتائــج نحــو مزيــد مــن التدقيــق وربطــه باملعيــار االحصائــي‪ :‬فقــد جــاء بالحكــم‬
‫االســتئنافي عــدد ‪ 20194106‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪« :2019‬إنّ قاضــي النتائــج مؤتمــن‬
‫علــى أصــوات الناخبــن وال يقضــي بالغاءهــا إال إذا تب ّيــن لديــه أنّ املخالفــة جســيمة‬
‫وفادحــة وكانــت مؤثــرة علــى أصــوات الناخبــن وبعــد أن يتفحــص معاييــر القيــس‬
‫املناســبة التــي تمكنــه بــكل دقــة مــن ضبــط عــدد االصــوات التــي فســدت بفعــل‬
‫املتحصــل‬
‫ّ‬ ‫التأثيــر فيهــا ومــن ثــ ّم اســتئصالها مــن جملــة االصــوات الســليمة‬
‫عليهــا املترشــح أو القائمــة املعنيــة حفاظــا علــى نزاهــة وســامة املســار االنتخابــي‪».‬‬
‫‪315‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫فاملعيــار االحصائــي يقــوم علــى ضبــط عــدد االصــوات التــي فســدت بفعــل التأثيــر فيهــا‬
‫بشــكل منــاف للضوابــط التــي يحددهــا القانــون االنتخابــي‪.‬‬
‫هــذا املعيــار العــددي كفيــل بــأن يحـ ّدد مــن خــال حجــم االصــوات الفاســدة مــدى جوهرية‬
‫املخالفــة ومــن ثمــة تغييــر النتيجــة املتحصــل عليها‪.‬‬
‫ولقــد بلــور القاضــي االنتخابــي مــن خــال املعيــار العــددي صنفــن مــن املقاييــس‬
‫لتحديــد مــدى التأثيــر فــي النتائــج االنتخابيــة‪ :‬مقيــاس عــددي عــام مســتقل عــن‬
‫املخالفــة االنتخابيــة ويعتمــد االصــوات املتحصــل عليهــا (الفقــرة االولــى) ومقيــاس‬
‫احصائــي خــاص فــي املخالفــات املتعلقــة باالشــهار السياســي (الفقــرة الثانيــة)‪.‬‬

‫الفقــرة األولــى‪ :‬اعمــال مقيــاس عــدد االصــوات املتحصــل عليهــا‬


‫بشــكل مســتقل عــن املخالفــة االنتخابيــة‬

‫اعتمــد القاضــي االنتخابــي لقيــاس التأثيــر قاعــدة الفــارق فــي االصــوات املتحصــل‬
‫عليهــا ومنهــج مقارنــة ك ّمــي للوصــول إلــى وجــود مخالفــة انتخابيــة أو نفيهــا‪.‬‬
‫وقــد اســتعمل القاضــي االنتخابــي هــذا املعيــار بطريقتــن ‪:‬طريقــة اولــى ذات صبغــة‬
‫افتراضيــة وطريقــة ثانيــة ذات صبغــة تحقيقيــة‪.‬‬

‫‪ .1‬معيار عددي ذو صبغة افتراضية‬

‫وقد بدأ بتطبيق هذا املقياس العددي منذ انتخابات ‪ 2011‬للمجلس التأسيسي‪:‬‬
‫• ففــي الحكــم الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة تحــت عــدد ‪ 47‬بتاريــخ ‪ 7‬نوفمبــر‬
‫‪ 2011‬اعتمــد القاضــي االنتخابــي بخصــوص رصــد مخالفــة تتعلــق بتغييــر رمــز قائمــة‬
‫حــال دون تصويــت فئــة مــن الناخبــن ‪ .‬وقــد انتهــت املحكمــة إلــى أنــه ‪« :‬لئــن كان‬
‫تغييــر الرمــز مــن «قلــة» إلــى «يــد مفتوحــة» مــن شــأنه أن يحــول دون تع ـ ّرف فئــة مــن‬
‫الناخبــن علــى القائمــة علــى النحــو املبــن أعــاه فــإن الفــارق بــن عــدد االصــوات التــي‬
‫تحصلــت عليهــا قائمــة «العدالــة واملصالحــة» والبالــغ (‪ )1007‬صوتــا وبــن عــدد االصوات‬
‫الراجــع آلخــر قائمــة فائــزة فــي االنتخابــات بدائــرة املنســتير والبالــغ (‪ )5219‬صوتــا‬
‫يــدل علــى أن االخــال الــذي اعتــرى الرمــز لــم يكــن لــه تأثيــر حاســم علــى النتائــج‪».‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪316‬‬

‫• كمــا تواصــل لجــوء القاضــي االنتخابــي لهــذا املقيــاس العــددي فــي بقيــة املحطــات‬
‫االنتخابيــة التشــريعية والبلديــة الالحقــة‪.)2019 - 2018 - 2014( .‬‬
‫هــذا املقيــاس يقــوم علــى قرينــة بــأنّ الفــارق الكبيــر بــن عــدد االصــوات املتحصــل عليهــا‬
‫بــن القائمــة الطاعنــة والقائمــة املطعــون فيهــا ‪ -‬و بصــرف النظــر عــن ثبــوت املخالفــة مــن‬
‫عدمهــا ‪-‬يجعــل التأثيــر فــي االصــوات محــدود وال يغ ّيــر مــن النتائــج املتحصــل عليهــا‪.‬‬
‫وبالتالــي يعفــي القاضــي االنتخابــي مــن الخــوض فــي الوجود املــادي للمخالفــة االنتخابية‪.‬‬
‫جاء في الحكم االســتئنافي عدد ‪ 201420035‬املؤرخ في ‪ 2‬نوفمبر ‪« :2014‬وحيث أن الفارق‬
‫الكبيــر فــي عــدد االصوات بني القائمــة املدعية والقائمة الفائزة يجعل من املخالفة املفترضة‬
‫غير مؤثرة على نتائج االنتخابات بصفة جوهرية وحاسمة على معنى أحكام الفصل ‪».143‬‬
‫فهــذه القرينــة فــي اعمــال مقيــاس عــدد االصــوات املتحصــل عليهــا ال تنفــي‬
‫حــدوث تأثيــر فــي االصــوات لكــن تعتبــر أنّ الفــارق فــي االصــوات ال يغ ّيــر مــن‬
‫النتيجــة املتحصــل عليهــا‪ .‬وبالتالــي فمــن خــال فقــه القضــاء االنتخابــي فــي‬
‫هــذه املســألة هنالــك تمييــز بــن التأثيــر فــي االصــوات والتأثيــر فــي النتائــج‪.‬‬
‫غيــر انّ التســليم بهــذا املعطــى يبقــى غيــر كاف ويجعــل اعمــال هــذا املعيــار غيــر مكتمــل‬
‫طاملــا أنــه ال يحــدد بشــكل واضــح عــدد االصــوات التــي تـ ّم التأثيــر فيهــا ومقارنتهــا فــي‬
‫مرحلــة ثانيــة بالنتيجــة املتحصــل عليهــا‪.‬‬
‫فبالرجــوع الــى املثــال املتعلــق بالحالــة التــي نظــرت فيهــا املحكمــة فــي النــزاع‬
‫املتعلــق بتغييــر رمــز القائمــة فــي انتخابــات املجلــس التأسيســي بدائــرة املنســتير‬
‫املذكــورة اعــاه (الحكــم عــدد ‪ 47‬بتاريــخ ‪ 7‬نوفمبــر ‪ )2011‬فالــذي كان ينقــص هــو‬
‫بيــان أن عــدد الفئــة املعنيــة بالتصويــت للقائمــة وهــم االمنيــن املســجلني بالدائــرة‬
‫االنتخابيــة باملنســتير ال يتجــاوز عــدد معــن (اعطــاء العــدد بموجــب اجــراء تحقيــق)‬
‫وبالتالــي فــإن إضافتهــم لعــدد االصــوات املتحصــل عليهــا مــن القائمــة ومقارنتهــا‬
‫بالنتيجــة املتحصــل عليهــا بالدائــرة يعطــي فكــرة أوضــح فــي تطبيــق هــذا املقيــاس‪.‬‬
‫كمــا أنّ هــذا املعيــار احتــاج إلــى توضيــح مــن قبــل املحكمــة االداريــة بخصــوص املقصــود‬
‫بعــدد االصــوات املتحصــل عليهــا ‪.‬فقــد جــاء فــي الحكــم االســتئنافي عــدد ‪201420005‬‬
‫بتاريــخ ‪ 7‬نوفمبــر ‪« :2014‬وحيــث أن التطبيــق الســليم للفصــل ‪ 143‬مــن القانــون االنتخابــي‬
‫يقتضــي تقديــر جســامة التاثيــر علــى النتائــج بعــد إحصــاء عــدد االصــوات بالنســبة لــكل‬
‫القائمــات وقبــل توزيــع املقاعــد وبالنظــر للفــارق بــن عــدد االصــوات االجمالــي لــكل قائمــة‬
‫وليــس عــدد مــا تبقــى مــن االصــوات فــي مرحلــة توزيــع املقاعــد حســب بقايــا االصــوات‪».‬‬
‫‪317‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وتجــدر االشــارة إلــى أنّ قيــاس الفــارق فــي االصــوات املتحصــل عليهــا كان‬
‫معيــارا الثبــات حصــول التأثيــر كلمــا كان ضئيــا بــن القائمــات املتنافســة‪ .‬ففــي‬
‫الحكــم عــدد ‪ 20194069‬بتاريــخ ‪ 22‬اكتوبــر ‪ 2019‬اعتبــر القاضــي االنتخابــي أنــه‪:‬‬
‫«وحيــث مــن جهــة ثانيــة تب ّيــن أن الفــارق فــي عــدد االصــوات املتحصــل عليهــا بــن‬
‫القائمــة املدعيــة والقائمــة الفائــزة بالدائــرة االنتخابيــة بالقصريــن هــو ‪ 103‬صوتــا‬
‫وهــو فــارق ضئيــل ممــا يجعــل مــن املخالفــة مؤثــرة علــى النتائــج االنتخابيــة بصفــة‬
‫جوهريــة وحاســمة مثلمــا درج علــى اعمــال هــذا املعيــار قضــاء هــذه املحكمــة‪».‬‬
‫مــن جهــة أخــرى ط ّبــق القاضــي االنتخابــي معيــار الفــارق فــي االصــوات ومنهــج املقارنات‬
‫االحصائيــة فــي نطــاق اســلوب تحقيقي‪.‬‬

‫‪ .2‬معيار عددي ذو صبغة تحقيقية‬

‫طــ ّور القاضــي االنتخابــي منهــج التقصــي فــي اثبــات التأثيــر فــي االصــوات مــن‬
‫خــال اعتمــاد احصــاء االصــوات وتغ ّيرهــا ومقارنتهــا مــن مركــز اقتــراع إلــى آخــر‪.‬‬
‫وقــد أ ّكــد القاضــي االنتخابــي أنّ املنهــج االحصائــي هــو آليــة لتأييــد ثبــوت املخالفــة‬
‫وحصــول التأثيــر بواســطتها مــن عدمــه‪.‬‬
‫فقــد جــاء فــي الحكــم عــدد ‪ 20194069‬املــؤرخ فــي ‪ 22‬أكتوبــر ‪« :2019‬وحيــث يقتضــي‬
‫التقصــي فــي ثبــوت التأثيــر علــى أصــوات الناخبــن فــي وضعيــة الحــال إضافــة إلــى اقتناع‬
‫ّ‬
‫املحكمــة بثبــوت الواقعــة التــي حصلــت‪ ...‬ولتدعيــم تلــك القناعــة فــي تو ّفــر معاييــر أخــرى‬
‫ترتبط‪:‬مــن جهــة اولــى بعــدد االصــوات املتحصــل عليهــا مــن القائمــة املطعــون ضدهــا علــى‬
‫مســتوى مركــز االقتــراع أيــن حصلــت املخالفــة ومقارنتهــا بعــدد االصــوات التــي تحصلــت‬
‫عليهــا نفــس القائمــة ببقيــة مركــز االقتــراع فــي الدائــرة االنتخابيــة‪ ...‬ومــن جهــة ثانيــة‬
‫املتحصــل عليهــا بــن القائمــة (الفائــزة) والقائمــة (الطاعنــة)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الفــارق فــي عــدد االصــوات‬
‫وحيــث ومــن جهــة أولــى يتبــن مــن خــال تحريــات املحكمــة بخصــوص نتائــج جميــع‬
‫مراكــز االقتــراع بمكاتبهــا بمعتمديــة فريانــة أن قائمــة حركــة نــداء تونــس تحصلــت علــى‬
‫أكبــر عــدد أصــوات فــي مدرســة «البلــد» وأعلــى نســبة تصويــت بهــا ‪ 345 -‬صوتــا مــن‬
‫مجمــوع ‪ 925‬االمــر الــذي يدعــم حصــول التاثيــر علــى النتيجــة فــي املركــز املذكــور‪».‬‬
‫وهكــذا نالحــظ أنّ القاضــي االنتخابــي يعمــل املعيــار االحصائــي بعــد التثبــت مــن ثبــوت‬
‫املخالفــة االنتخابيــة وبالتالــي فلجــوؤه للمعيــار االحصائــي كان مكمــا ومدعمــا لثبوتهــا‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪318‬‬

‫ففــي النــزاع املذكــور تأكــدت املحكمة أوال من خالل جملة من املؤيــدات والقرائن واملحاضر‬
‫علــى حصــول مخالفــة خــرق الصمــت االنتخابــي يــوم االقتــراع امــام مركــز اقتــراع بالقيام‬
‫بالدعاية لفائدة قائمة‪ .‬ث ّم بعد ذلك تولت تدعيم حصول التأثير بواسطة املعيار االحصائي‪.‬‬
‫إلــى جانــب اســتعمال املعيــار االحصائــي بصفــة مســتقلة عــن املخالفــات االنتخابيــة تولــى‬
‫القاضــي اســتعماله فــي رصــد مخالفــات االشــهار السياســي‪.‬‬

‫الفقــرة الثانيــة‪ :‬اعمــال املقيــاس االحصائــي فــي عالقــة بصنــف‬


‫مخالفــات االشــهار السياســي‬

‫مثلــت االنتخابــات االخيــرة لســنة ‪ 2019‬مثــارا للجــدل حــول اســتعمال وســائل‬


‫االعــام الســمعية والبصريــة ووســائط التواصــل االجتماعــي فــي توجيــه الــراي‬
‫العــام والتأثيــر علــى أصــوات الناخبــن وبالتالــي التأثيــر علــى النتائــج االنتخابيــة‪.‬‬
‫جــدل تحــ ّول إلــى نزاعــات انتخابيــة طرحــت أمــام قاضــي النتائــج وم ّثلــت مناســبة‬
‫للوقــوف علــى قصــور االطــار التشــريعي والترتيبــي فــي مجــال رصــد التأثيــر بواســطة‬
‫الوســائط االعالميــة وقياســه فــي الفتــرة االنتخابيــة والتمييــز بــن مــا هــو دعايــة‬
‫مقبولــة ومــا هــو اشــهار سياســي مرفــوض وترتيــب النتائــج الالزمــة علــى ذلــك‪.‬‬
‫وقــد كان علــى القاضــي االنتخابــي حينئــذ تالفــي هــذا القصــور التشــريعي‬
‫والترتيبــي نحــو وضــع ضوابــط للجهــات املتداخلــة وبخاصــة الهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات والهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي والبصــري فــي‬
‫اطــار مباشــرة أعمــال الرقابــة والرصــد ملخالفــات االشــهار السياســي‪.‬‬
‫وأ ّول مــا انتبــه إليــه قاضــي النتائــج فــي الطعــون التــي طرحــت أمامــه هــو غيــاب عناصــر‬
‫موضوعيــة لقيــاس التأثيــر بواســطة وســائل االعــام فــي ســياق االشــهار السياســي‪.‬‬
‫لذلــك اعتبــر علــى غــرار الحكــم عــدد ‪ 20194106‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪« :2019‬وحيــث‬
‫يقتضــي التثبــت مــن التأثيــر علــى الناخبــن بواســطة وســائل االعــام الســمعية‬
‫والبصريــة بالنظــر إلــى صبغتــه التقنيــة االدالء لقاضــي النتائــج أوال بعناصــر قيــس‬
‫موضوعيــة بخصــوص املتابعــة وتصنيفهــا ورصــد مداهــا وضبــط كيفيــة تطورهــا‬
‫وتحديــد نســبها علــى أن يبقــى تقديــر املحتــوى واملضمــون االتصالــي للبرنامــج أو‬
‫للومضــة بخصــوص االشــهار السياســي مــن عدمــه راجعــا للقاضــي االنتخابــي‪».‬‬
‫‪319‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وفــي هــذا الســياق ذ ّكــر القاضــي االنتخابــي باالطــار التشــريعي والترتيبــي الــذي يســمح‬
‫باللجوء لقياس نســب املشــاهدة والجهات املخ ّول لها ذلك ‪.‬فأحكام الفصل ‪ 16‬من املرســوم‬
‫عــدد ‪ 116‬لســنة ‪ 2011‬وكذلــك أحــكام القــرار عــدد ‪ 1‬لســنة ‪ 2017‬املؤرخ فــي ‪ 12‬جوان ‪2017‬‬
‫الصــادر عــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي والبصري يمثالن الســند في ذلك‪.‬‬
‫وفــي عالقــة باثبــات التأثيــر فــي أصــوات الناخبــن بواســطة وســائل االعــام البصــري‬
‫والســمعي اعتبــرت املحكمــة فــي ذات الحكــم اعــاه أنّ ذلــك يختلــف باختــاف الطــرف‬
‫املعنــي باملوضــوع ســواء كانــت الهايــكا أو الهيئــة العليــا لالنتخابــات أو أحــد املترشــحني‬
‫لالنتخابــات ‪»:‬وحيــث يكــون إثبــات وقيــس نســب املشــاهدة واالســتماع وغيرهــا ذات‬
‫العالقــة ممكــن ومتــاح ومحمــول علــى االطــراف املشــاركة فــي املســار االنتخابــي ســواء‬
‫الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي والبصــري فــي إطــار مباشــرة مهــام الرقابــة والضبــط‬
‫علــى وســائل االعــام الســمعية والبصريــة طبــق املرســوم عــدد ‪ 116‬لســنة ‪ 2011‬أو الهيئــة‬
‫العليــا املســتقلة لالنتخابــات فــي إطــار تأســيس قراراتهــا بإلغــاء النتائــج طبــق أحــكام‬
‫كل صاحــب مصلحــة مــن املترشــحني‬ ‫الفصــل ‪ 143‬مــن القانــون االنتخابــي أو علــى ّ‬
‫والقائمــات املشــاركة فــي االنتخابــات وذلــك فــي إطــار تكويــن حججهــا ومؤيداتهــا عنــد‬
‫الدفــع بتضررهــا مــن االشــهار السياســي بالتأثيــر علــى الناخبــن بواســطة وســائل‬
‫االعــام الســمعية والبصريــة وذلــك أمــام هيئــة االنتخابــات أو أمــام قاضــي النتائــج‪».‬‬
‫وقــد حــ ّدد قاضــي النتائــج مضمــون املعيــار االحصائــي فــي رصــد مخالفــة االشــهار‬
‫السياســي بمناســبة النظــر فــي الطعــون املوجهــة ضــد مرشــحي قائمات حزب قلــب تونس‪.‬‬
‫وقــد اســتند االدعــاء فــي هــذه القضايــا إلــى انتفــاع القائمــات املذكــورة باشــهار‬
‫سياســي عبــر ومضــة اشــهارية تــ ّم عرضهــا علــى قنــاة نســمة التلفزيونيــة بتاريــخ ‪4‬‬
‫أكتوبــر ‪ 2019‬تــ ّم اعــادة بثهــا ‪ 8‬مــرات دعــت فيهــا زوجــة املترشــح لالنتخابــات‬
‫الرئاســية نبيــل القــروي عمــوم الناخبــن للتصويــت فــي االنتخابــات التشــريعية‬
‫واعتمــدت ترويجــا ودعايــة غيــر مباشــرة للمترشــحني وتوجيهــا للناخبــن‪.‬‬
‫وقــد اعتمــد االدعــاء فــي الطعــون املذكــورة صــدور قــرار عــن الهايــكا بتاريــخ ‪8‬‬
‫أكتوبــر ‪ 2019‬يقضــي بتســليط خطيــة ماليــة قدرهــا ‪ 320‬ألــف دينــار علــى قنــاة‬
‫نســمة بخصــوص نفــس الومضــة االشــهارية مــن أجــل االشــهار السياســي‪.‬‬
‫فــكان موقــف القاضــي االنتخابــي فــي الحكــم عــدد ‪ 20194106‬أن اثبــات حصــول‬
‫مخالفــة االشــهار السياســي ال يكــون انطباع ّيــا ذاتيــا بــل موضوعيــا وبنــاء علــى‬
‫معاييــر علميــة لقيــس للتأثيــر إذ جــاء بالحكــم‪« :‬وحيــث يقتضــي قيــس التأثيــر وضبــط‬
‫مــداه الكمــي والجغرافــي فــي النــزاع الراهــن بيــان عــدد متابعــي قنــاة «نســمة» فــي‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪320‬‬

‫فتــرات البــث العــادي وعددهــم فــي فتــرة االنتخابــات كاالدالء بعــدد متابعــي الومضــة‬
‫االشــهارية املشــار إليهــا فــي مختلــف فتــرات بثهــا وتصنيــف مختلــف املعطيــات‬
‫االحصائيــة املتعلقــة بهــا علــى مســتوى وطنــي وعلــى مســتوى جهــوي ومحلــي‪».‬‬
‫وانتهــى القاضــي االنتخابــي فــي غيــاب االدالء بعناصــر قيــس التأثيــر املشــار إليهــا‬
‫بخصــوص الومضــة االشــهارية املذكــورة أمــام قاضــي النتائــج يكــون املطعــن فــي حصــول‬
‫مخالفــة االشــهار السياســي مجــردا ومتع ّيــن الرفــض‪.‬‬
‫وقــد ط ّبــق قاضــي النتائــج نفــس هــذا املعيــار العــددي بخصــوص مواقــع النــات والتواصل‬
‫االجتماعــي فــي الحكــم عــدد ‪ 20194024‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪.2019‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬اعتماد معيار منطقي عند اللجوء إلى االلغاء‬

‫مــن ضمــن الصالحيــات الرقابيــة علــى االنتخابــات والتــي لهــا انعــكاس‬


‫مباشــر علــى املســار هــي الغــاء النتائــج فــي مختلــف أصنــاف االنتخابــات ‪.‬‬
‫فــي هــذا الســياق أســند املشــرع ضمــن القانــون االنتخابــي للهيئــة العليــا املســتقلة‬
‫لالنتخابــات هــذه الســلطة الخطيــرة مــن خــال أحــكام الفصــول ‪ 142‬و‪.143‬‬
‫حــ ّددت الفصــول املذكــورة املجــاالت املختلفــة اللغــاء النتائــج والتــي بامــكان‬
‫ونصــت علــى أنــه يمكــن أن يكــون علــى مســتوى مكتــب االقتــراع‬ ‫الهيئــة اقرارهــا ّ‬
‫ّ‬
‫أو علــى مســتوى دائــرة انتخابيــة كمــا يمكــن أن يكــون االلغــاء جزئيــا أو كليــا‪.‬‬
‫ولئــن حــددت االحــكام التشــريعية آليــة فــي طــرح االصــوات امللغــاة مــن النتائــج‬
‫االنتخابيــة فــي صــورة توفــر شــروط االلغــاء إ ّال أن عمــل الهيئــة العليــا املســتقلة‬
‫لالنتخابــات لــم يبــرز مضمــون هــذه التقنيــة التشــريعية فــي الغــاء النتائــج ومعاملهــا‪.‬‬
‫ففــي حــاالت االلغــاء التــي تــ ّم اقرارهــا فــي صــور ثبــوت املخالفــات املؤثــرة تــ ّم‬
‫محــو جميــع االصــوات املتحصــل عليهــا علــى مســتوى الدائــرة االنتخابيــة املعن ّيــة‪.‬‬
‫فــي املقابــل تعامــل قاضــي النتائــج ســواء فــي رقابتــه علــى ســلطة االلغــاء التــي‬
‫تباشــرها الهيئــة أو فــي صــورة إعمالــه هــو لســلطة االلغــاء القضائــي للنتائــج بشــكل‬
‫أعطــى مضمونــا متناســبا مــع املــادة االنتخابيــة وبلــور لذلــك آليــات وضمانــات‬
‫فــي اللجــوء إلــى إســتعمال تلــك الســلطة فــي حدودهــا ولتحقيــق اهدافهــا‪.‬‬
‫‪321‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫الفقرة االولى‪ :‬أسس استعمال سلطة إلغاء النتائج‬

‫بلــور قاضــي النتائــج فــي إطــار رقابتــه علــى ســلطة االلغــاء جملــة مــن االســس‬
‫التــي تحــ ّدد اســتعمالها فــي اطرهــا الالزمــة وذلــك علــى ثــاث مســتويات‪:‬‬
‫أوال‪ :‬يــكاد قاضــي النتائــج يذ ّكــر فــي جميــع االحــكام الصــادرة عنــه‬ ‫ّ‬
‫بمناســبة نظــره فــي الطعــون االنتخابيــة املندرجــة فــي هــذا الصنــف مــن‬
‫االنتخابــات أنّ التعامــل يكــون مــع إرادة الناخبــن الــذي هــو مؤتمــن عليهــا‪.‬‬
‫وبالتالــي فــإنّ اللجــوء إلــى هــذه الســلطة ينبغــي أن يكــون إســتثنائيا‬
‫ومحاطــا بجملــة مــن الضمانــات حمايــة لــارادة العامــة ولنزاهــة االنتخابــات‪.‬‬
‫فقاضــي النتائــج يذ ّكــر بــأنّ منــاط الرقابــة هــي املشــروعية االنتخابيــة القائمــة علــى القاعدة‬
‫الشــعبية والجســم االنتخابي‪.‬‬
‫جــاء بالحكــم االســتئنافي عــدد ‪« :20194024‬وحيــث أنّ قاضــي النتائــج مؤتمــن علــى‬
‫أصــوات الناخبــن وال يقضــي بالغاءهــا إال متــى كانــت املخالفــة جســيمة وفادحــة ومــن‬
‫شــأنها التأثيــر بصفــة حاســمة وبشــكل واضــح ومباشــر علــى نتائــج االنتخابــات وهــو‬
‫الشــرط االساســي إللغاءهــا‪».‬‬
‫ثانيــا‪ :‬يؤ ّكــد قاضــي النتائــج أنّ اســتعمال ســلطة االلغــاء ال ينبــغ أن يتحـ ّول إلــى إجــراء‬
‫«عقابــي انتقامــي» تجــاه املخالفــن لالنتخابــات مــن افــراد أو قائمات‪.‬مــن خــال التأكيــد‬
‫علــى خضــوع هــذه الســلطة إلــى الرقابــة القضائيــة وفــي الحــدود التــي تراعــي مــا قــد‬
‫يحــدث مــن تأثيــر علــى إرادة الناخبــن‪( .‬الحكــم عــدد ‪ 201420005‬بتاريــخ ‪ 7 :‬نوفمبــر ‪)2014‬‬
‫ويمكــن فــي هــذا الخصــوص التذكيــر بمــا حصــل لقائمــات حــزب العريضــة الشــعبية التــي‬
‫فــازت فــي انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي والتي كان اعمال ســلطة االلغــاء تجاهها‬
‫والتعســف فــي اســتعمال هــذه الســلطة مــن جانــب هيئــة االنتخابــات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فيــه كثيــر مــن الغلـ ّو‬
‫وقــد ّ‬
‫تدخــل القاضــي االنتخابــي إلرجــاع الوضــع إلــى نصابــه وتغليــب منطــق الشــرعية‬
‫واملشــروعية االنتخابيــة‪.‬‬
‫ثالثــا‪ :‬يؤكــد قاضــي النتائــج علــى تطبيــق قاعــدة اآلثــر النســبي فــي مفعــول التأثيــر فــي‬
‫االصــوات بواســطة املخالفــات الجوهريــة‪.‬‬
‫فالتأثيــر فــي اصــوات الناخبــن ينبغــي أن يراعــي التمييــز فــي نتائجــه بــن‬
‫املتحصــل عليهــا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫االصــوات التــي فســدت بفعــل ذلــك التأثيــر واالصــوات الســليمة‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪322‬‬

‫فــإذا كانــت الهيئــة فــي لجوئهــا لســلطة االلغــاء فــي حــال ثبــوت املخالفــة الجوهريــة‬
‫ّ‬
‫الغــش‬ ‫املتحصــل عليهــا اعمــاال لقاعــدة أن‬
‫ّ‬ ‫تســعى إلــى محــو جميــع االصــوات‬
‫يفســد كل شــيء فــإن القاضــي االنتخابــي فــي املقابــل يســعى إلــى تحديــد أثــر‬
‫املخالفــة فــي االصــوات التــي فســدت فقــط مراعــاة وحمايــة الرادة الناخبــن الســليمة‪.‬‬
‫جــاء فــي الحكــم عــدد ‪ 20194106‬بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪« :2019‬وحيــث أنّ قاضــي النتائــج‬
‫مؤتمــن علــى أصــوات الناخبــن وال يقضــي بإلغائهــا إال إذا تب ّيــن لديــه أنّ املخالفــة‬
‫جســيمة وفادحــة وكانــت مؤثــرة علــى أصــوات الناخبــن وبعــد أن يتفحــص معاييــر‬
‫بــكل دقــة مــن ضبــط عــدد االصــوات التــي فســدت‬ ‫ّ‬ ‫القيــس املناســبة التــي تمكنــه‬
‫فيهــا ومــن ثــم اســتئصالها مــن جملــة االصــوات الســليمة املتحصــل عليهــا مــن‬
‫قبــل املترشــح او القائمــة املعنيــة حفاظــا علــى نزاهــة وســامة املســار االنتخابــي‪».‬‬
‫التمشــي مــن شــأنه إلــى جانــب احتــرام إرادة االصــوات الســليمة‬ ‫ّ‬ ‫إن هــذا‬
‫التــي أســندت للقائمــة املخالفــة فإنّــه يضمــن كذلــك بعــض الحقــوق للقائمــات‬
‫املترشــحة (املخالفــة) بعــد االعــان عــن النتائــج النهائيــة وطــرح االصــوات امللغــاة‪.‬‬
‫فأحــكام الفصــل ‪ 78‬مــن القانــون االنتخابــي تق ّيــد االنتفــاع بالحصــول علــى منحــة التمويــل‬
‫العمومــي بالحصــول علــى عــدد أصــوات فــي الدائــرة االنتخابيــة ال يقـ ّـل عــن ‪ 3‬باملائــة‪.‬‬
‫وتطبيــق آليــة محــو جميــع االصــوات بفعــل املخالفــة قــد يــؤدي إلــى النــزول بعــدد االصوات‬
‫املتحصل عليها إلى دون ال‪ 3‬باملائة وبالتالي الحرمان من نصاب االنتفاع بالتمويل العمومي‪.‬‬ ‫ّ‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اعتماد قاعدة التناسب في الغاء النتائج‬

‫مــن خــال املنطلقــات واألســس املذكــورة أعــاه ح ـ ّدد القاضــي االنتخابــي ســلطة إلغــاء‬
‫النتائــج فــي االصــوات التــي فســدت وحذفهــا مــن إحصــاء االصــوات واســتئصالها مــن‬
‫إحصــاء االصــوات املتحصــل عليهــا‪.‬‬
‫لذلــك فــإنّ املنهــج املذكــور يوصــف بأنــه أقــرب للمضمــون «الجراحــي»‪ .‬إذ حتــى‬
‫ّ‬
‫وســجل التعامــل الطبــي‪.‬‬ ‫العبــارات واملصطلحــات املســتعملة تدرجــه فــي منطــق‬
‫وقد مثل الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194069‬املؤرخ في ‪ 22‬أكتوبر ‪ 2019‬سابقة قضائية في‬
‫التأسيس لتطبيق تقنيات االلغاء القضائي للنتائج التشريعية على مستوى دائرة إنتخابية‪.‬‬
‫‪323‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وقــد ط ّبــق فيــه القاضــي االنتخابــي قاعــدة التناســب فــي اللجــوء إلــى تقنيــة االلغــاء بنــاء‬
‫علــى أحــكام الفصــل ‪ 49‬مــن الدســتور الــذي مثــل تأصيــل الســتعمال تلــك الســلطة علــى‬
‫اعتبــار نيلــه مــن حقــوق التصويــت‪.‬‬
‫جــاء فــي الحكــم املذكــور‪« :‬وحيــث إعمــاال لقاعدتــي الضــرورة والتناســب عنــد‬
‫النيــل مــن الحقــوق مثلمــا وردت بأحــكام الفصــل ‪ 49‬مــن الدســتور يكــون‬
‫جــزء االصــوات الواقــع؟؟ التأثيــر عليــه والقابــل للحــذف فــي حــدود الفــارق‬
‫بــن القائمــة االخيــرة فــي الترتيــب والقائمــة التــي تليهــا زائــد صــوت‪».‬‬
‫وهكذا تتجلى القاعدة املنطقية الذي تأســس عليها التناســب في إلغاء االصوات في صورة‬
‫الطعــن فــي نتيجــة القائمــة االخيــرة الفائــزة وهــي‪ :‬حــذف عــدد االصــوات املتحصــل عليهــا‬
‫الــذي يمثــل الفــارق بــن القائمــة االخيــرة الفائــزة بمقعــد والقائمــة التــي تليهــا زائــد صوت‪.‬‬
‫ففــي الطعــن املضمــن بالحكــم االســتئنافي املذكور تحصلــت القائمة االخيــرة الفائزة بمقعد‬
‫بدائــرة القصريــن وهــي قائمــة حركــة نــداء تونــس علــى ‪ 2648‬صوتــا فــي حــن تحصلــت‬
‫قائمــة حركــة الشــعب التــي تليهــا فــي عــدد االصــوات املتحصــل عليهــا علــى ‪ 2545‬صوتــا‪.‬‬
‫فالنتيجــة املتحصــل عليهــا بــن القائمتــن أدت إلــى فــارق فــي االصــوات ب ‪ 103‬صــوت‪.‬‬
‫وقــد باشــرت املحكمــة ســلطة الغــاء االصــوات علــى النحــو التالــي‪« :‬وحيــث بثبــوت املخالفــة‬
‫املتحصل عليها لقائمة نداء تونس ‪ 104‬صوتا على‬ ‫ّ‬ ‫املؤثرة يكون طرح االصوات من النتيجة‬
‫النحــو الــذي يحــدث تعديــا جزئيــا فــي النتيجة املص ّرح بها على مســتوى دائــرة القصرين‬
‫بســحب املقعــد االخيــر الفائــز مــن حركــة نــداء تونــس وإســناده لحــزب حركــة الشــعب‪».‬‬
‫وتجــدر االشــارة إلــى أنــه لئــن تــ ّم نقــض الحكــم االســتئنافي فــإنّ أســباب النقــض‬
‫وأســانيده انبنــت علــى مطاعــن تتعلــق بثبــوت املخالفــة االنتخابيــة‪ .‬وبالتالــي فــإنّ مــا‬
‫تضمنــه الحكــم املذكــور بخصــوص تقنيــات الغــاء النتائــج يبقــى ســابقة قضائيــة يمكــن‬
‫أن تؤســس إلجتهــاد قضائــي فــي ضبــط معاييــر ومقاييــس وضوابــط الســتعمال ســلطة‬
‫إلغــاء النتائــج مــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات أو مــن قبــل قاضــي النتائــج‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪324‬‬

‫الخالصة‬

‫لقــد أثبــت قاضــي النتائــج فــي مختلــف املحطــات االنتخابيــة وخاصة االخيــرة املجراة‬
‫البــت االســتثنائية وتحقــق‬
‫ّ‬ ‫فــي ســنة ‪ 2019‬أنّ دوره الرقابــي ‪ -‬حتــى ضمــن آجــال‬
‫تزامــن بــن صنفــن مــن االنتخابــات (تشــريعية ورئاســية) – ال يقتصــر علــى وضــع‬
‫أختــام علــى النتائــج املصــ ّرح بهــا مــن قبــل الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات‪.‬‬
‫فرغمــا عــن قصــور االطــار التشــريعي والترتيبــي لالنتخابــات فــي تونــس‬
‫بلــور القضــاء االداري االنتخابــي جملــة مــن االليــات القضائيــة لضمــان‬
‫رقابــة ناجعــة علــى املســار االنتخابــي تحقيقــا للغــرض الديمقراطــي فــي‬
‫ســم ّو االرادة الشــعبية ونزاهــة االنتخابــات ومقبوليــة نتائجهــا لــدى الكافــة‪.‬‬
‫غيــر أنّ هــذا االجتهــاد واملجهــود الــذي يقــوم بــه القاضــي االنتخابــي خاصــة‬
‫فــي طــور الرقابــة علــى النتائــج وعلــى اعمــال ســلطة االلغــاء أو التعديــل‬
‫عليهــا ينبغــي أن يم ّثــل ســبيال يهتــدي علــى ضــوءه املشــرع فــي إدخــال‬
‫التعديــات الالزمــة علــى النصــوص ذات العالقــة باملســار االنتخابــي‪.‬‬
‫فــي هــذا الســياق ينبغــي توفيــر االطــار املناســب لرقابــة قضائيــة ناجعــة مــن خــال‬
‫إدراج إلــزام قانونــي تجــاه جميــع املتداخلــن فــي الشــان االنتخابــي لتوفيــر املعطيــات‬
‫وخاصــة تشــريكه فــي الولــوج‬
‫ّ‬ ‫الالزمــة وفــي الوقــت املناســب للقاضــي االنتخابــي‬
‫لقاعــدة البيانــات الخاصــة بــاالدارة االنتخابيــة مــن دون ان يتوقف ذلــك على طلب منه‪.‬‬
‫كمــا يتّجــه إتمــام النصــوص التشــريعية والترتيبيــة املتعلقــة بتوفيــر االطــار‬
‫املالئــم لقيــاس ورصــد التفاعــل مــع وســائل االعــام ووســائط التواصــل الرقمــي‪.‬‬
‫ومهمــا يكــن مــن أمــر فــإنّ مبــدأ عــدم كمــال التشــريع فــي االملــام باملحدثــات التــي‬
‫تطــرأ وقــد تطــرأ علــى املســار االنتخابــي لــن يمنــع القاضــي االداري االنتخابــي فــي‬
‫اســتعمال ملكــة االنشــاء لديــه فــي إيجــاد الشــفرات القضائيــة لفـ ّـك وحـ ّـل االشــكاالت‬
‫القانونيــة املســتج ّدة‪.‬‬
‫‪325‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫التوصيات‬

‫‪ .1‬يتجــه تطويــر التشــريعات النافــذة بخصــوص ايجــاد آليــات توضــح العالقــة‬


‫بــن عمــل «الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي والبصــري» والهيئــة العليــا املســتقلة‬
‫لالنتخابــات فــي مــا يتعلــق بحجيــة اعمــال الرصــد والتقييــم التــي تتوصــل اليهــا‬
‫هيئــة الســمعي البصــري علــى مباشــرة هيئــة االنتخابــات لصالحياتهــا الضبطيــة‬
‫عنــد مراقبــة الحملــة االنتخابيــة او صالحياتهــا االلغائيــة علــى النتائــج االنتخابيــة‪.‬‬
‫‪ .2‬يتجــه تالفــي النقــص فــي مســتوى ايجــاد هيــكل رصــد ورقابة على مســتوى شــبكات‬
‫التواصــل االجتماعــي‪ .‬وانشــاء جســر تواصلــي بينــه وبني الهيئــة املســتقلة لالنتخابات‪.‬‬
‫منصــة رقميــة مشــتركة بــن هيئــة الســمعي البصــري وهيئــة االنتخابات‬
‫‪ .3‬يتجــه انشــاء ّ‬
‫والقضــاء االداري االنتخابــي تضمــن الولــوج إلــى كافــة املعطيــات الكفيلــة بتيســير‬
‫عمــل كل متدخــل فــي املســار االنتخابــي وخاصــة علــى مســتوى الوظيفــة الرقابيــة‪.‬‬
‫‪ .4‬تنظيــم ورشــات عمــل ودورات تكوينيــة مــع هيئــة الســمعي والبصــري وكذلــك هيئــة‬
‫االنتخابــات حــول فقــه القضــاء االنتخابــي والرقابــة القضائيــة علــى االنتخابــات‪.‬‬
‫وفــي املقابــل تكويــن وتدريــب القضــاة االداريــن حــول آليــات العمــل امليدانــي فــي الرصــد‬
‫والرقابــة علــى الحملــة االنتخابيــة وخاصــة فــي تتبــع التأثيــر علــى الجســم االنتخابــي عبــر‬
‫وســائل االعــام ووســائل التواصــل االجتماعــي‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪326‬‬

‫اإلشهار السياسي على ضوء فقه قضاء املحكمة اإلدارية‪:‬‬


‫بني عدم وضوح القاعدة القانونية وصعوبات تطبيقها‬
‫سمية ڤنبرة‬
‫رئيسة قسم استشاري باملحكمة اإلدارية‬

‫ترتبــط الدعايــة االنتخابيــة ارتباطــا وثيقــا بممارســة حــق االنتخــاب واالقتــراع والترشــح‬
‫املكفولــة بالفصــل ‪ 34‬مــن الدســتور فمــن حــق املترشــح أن يســعى إلــى إقنــاع الناخــب‬
‫ببرنامجــه االنتخابــي وأفــكاره وآراءه كمــا يحــق للناخــب أن يطلــع علــى مختلــف‬
‫التوجهــات السياســية حتــى يتمكــن مــن ممارســة حقــه فــي االقتــراع واختيــار مــن‬
‫يم ّثلــه بصفــة ح ـ ّرة دون تأثيــر علــى إرادتــه وهــو مــا يعتبــر جوهــر العمليــة االنتخابيــة‪.‬‬
‫إ ّال أنّ الرغبــة املفرطــة فــي التأثيــر علــى إرادة الناخــب والتحكــم فــي نتيجــة االنتخابــات‬
‫أفضــت إلــى اســتعمال اإلشــهار والتســويق التجــاري للقيــام بالدعايــة السياســية‬
‫واالنتخابيــة وهــو مــا أصبــح يعــرف باإلشــهار السياســي‪ ،‬ويقــول أحــد املختصــن فــي‬
‫العلــوم السياســية أ ّنــه مــن بــن أهــم االنتقــادات التــي توجــه عــادة إلــى اإلشــهار السياســي‬
‫أ ّنــه يعطــي قيمــة للصــورة أكثــر مــن مناقشــة مشــاكل املواطنــن وهــو مــا يجعلــه قــادرا على‬
‫التالعــب والتأثيــر فــي الجمهــور أكثــر مــن إنارته حــول الخيــارات التي يمكن أن يقــوم بها‪.1‬‬
‫وفــي إطــار حرصــه علــى حمايــة إرادة الناخــب مــن كل تأثيــر وضمانــا لنزاهــة‬
‫العمليــة االنتخابيــة كان توجــه املشــرع التونســي‪ ،‬وخالفا لبعــض التجــارب‬
‫املقارنــة مثــل الواليــات املتحــدة األمريكيــة وبريطانيــا‪ ،2‬نحــو تحجيــر االشــهار‬
‫السياســي مــن ناحيــة املبــدأ ومقابــل إجازتــه فــي بعــض الحــاالت االســتثنائية‪.‬‬
‫وقــد ظهــر مفهــوم اإلشــهار السياســي ألول مــرة فــي املنظومــة القانونيــة فــي تونــس‬
‫بمناســبة انتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي لســنة ‪ ،2011‬إذ لــم تتضمــن املجلــة‬
‫االنتخابيــة لســنة ‪ 1969‬قواعــد تتعلــق باإلشــهار السياســي كمــا لــم يكــن منظمــا صلــب‬
‫املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 10‬مــاي ‪ 2011‬املتعلــق بانتخــاب املجلــس الوطني‬

‫‪1. LA PUBLICITÉ POLITIQUE : Quelques enseignements de l'expérience américaine, Jacques Gerstlé,‬‬


‫‪C.N.R.S. Editions « Hermès, La Revue » 1989/1 n° 4 pages 203 à 213 "L'une des critiques les plus‬‬
‫‪souvent adressées à la publicité politique est dirigée contre sa vocation apparente à mettre davantage‬‬
‫‪en valeur des images qu'à débattre des problèmes de la communauté des citoyens. Elle serait‬‬
‫‪plus susceptible de manipuler les audiences que d'éclairer les électeurs sur les choix à opérer".‬‬

‫‪ .2‬يراجع نفس املرجع السابق‪.‬‬


‫‪327‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫الـــتأسيسي‪ 1‬إنمــا بــرز األســاس القانونــي لتحجيــره مــع صــدور قــرار ترتيبــي عــن الهيئــة‬
‫العليــا املســتقلة لالنتخابــات ّ‬
‫ينظــم الحملــة االنتخابيــة وقــد ارتــأت الهيئــة فــي ذلــك الوقــت‬
‫حفاظــا علــى نزاهــة وشــفافية العمليــة االنتخابيــة منــع مــا أســمته بالدعايــة االنتخابيــة‬
‫وذلــك قبــل أيــام مــن بدايــة الحملــة االنتخابيــة‪ 2‬بعــد أن عاينــت اســتعمال بعــض القائمــات‬
‫املترشــحة النتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي لوســائط اشــهارية وهــو مــا آل إلــى‬
‫طلــب توقيــف تنفيــذ القــرار املذكــور أمــام املحكمــة اإلداريــة إ ّال أنّ املحكمــة رفضــت توقيــف‬
‫تنفيــذه مؤسســة قرارهــا علــى تمتــع الهيئــة بســلطة ترتيبيــة فــي مجــال اختصاصهــا‪.‬‬
‫وقــد اســتعمل مصطلــح االشــهار السياســي ألول مــرة ضمــن املرســوم عــدد ‪ 116‬لســنة‬
‫‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 2‬نوفمبــر ‪ 2011‬املتعلــق بحريــة االتصــال الســمعي والبصــري وبإحــداث‬
‫هيئــة عليــا مســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري‪.‬‬
‫وكان االشــهار السياســي منطلقــا للعديــد مــن النزاعــات القضائيــة مثــل النــزاع املتعلــق‬
‫باســتعمال بعــض القائمــات االئتالفيــة املترشــحة النتخابــات املجلــس الوطنــي التأسيســي‬
‫لقنــاة تلفزيــة قصــد الترويــج لقائماتهــا ومنــذ ذلــك الحــن بــدأ اإلشــهار السياســي يطــرح‬
‫العديــد مــن اإلشــكاالت القانونيــة فــي تونــس خاصــة فيمــا يتع ّلــق بتأثيــره علــى نزاهــة‬
‫العمليــة االنتخابيــة‪.‬‬
‫ومــع صــدور القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪ 26‬مــاي ‪ 2014‬املتعلــق‬
‫باالنتخابــات واالســتفتاء‪ 3‬وضــع املشــرع جملــة مــن القواعــد القانونيــة املنظمــة لإلشــهار‬
‫السياســي تمثلــت باألســاس فــي تحجيــر الفصــل ‪ 57‬مــن القانــون اإلشــهار السياســي فــي‬
‫جميــع الحــاالت خــال الفتــرة االنتخابيــة التــي تمتــد علــى فتــرة مــا قبــل الحملــة والحملــة‬
‫أي مــا يســاوي شــهرين وواحــد وعشــرون يومــا‪ 4‬وهــو مــا يعـ ّد فتــرة قصيــرة نســبيا مقارنة‬

‫‪ .1‬املرســوم عــدد ‪ 35‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 10‬مــاي ‪ 2011‬املتعلــق بانتخــاب املجلــس الوطنــي الـــتأسيسي كمــا ت ـ ّم‬
‫تنقيحــه باملرســوم عــدد ‪ 72‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ فــي ‪ 3‬أوت ‪.2011‬‬
‫‪ .2‬اقتضــي الفصــل ‪ 2‬مــن القــرار الصــادر عــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات املــؤرخ فــي ‪3‬‬
‫ســبتمبر ‪ 2011‬املتعلــق بضبــط قواعــد وإجــراءات الحملــة االنتخابيــة أنّــه «تمنــع الدعايــة االنتخابيــة‬
‫فــي جميــع وســائل اإلعــام بمؤسســات اإلعــام العموميــة والخاصــة ابتــداء مــن ‪ 12‬ســبتمبر ‪.2011‬‬
‫وتعــد دعايــة انتخابيــة اســتعمال املترشــحني أو األحــزاب وســائل اإلعــام أو الوســائط اإلشــهارية الخاصــة‬
‫والعامــة بمقابــل مــادي أو مجانــا قبــل تاريــخ انطــاق الحملــة االنتخابيــة لعــرض برامجهــم االنتخابيــة‬
‫أو تقديــم بعــض املترشــحني لفائــدة العمــوم‪ ».‬وقــد انطلقــت الحملــة االنتخابيــة يــوم ‪ 1‬أكتوبــر ‪.2011‬‬
‫‪ .3‬كمــا تــم تنقيحــه واتمامــه بالقانــون األساســي عــدد ‪ 7‬لســنة ‪ 2017‬املــؤرخ فــي ‪ 14‬فيفــري ‪ 2017‬والقانــون األساســي‬
‫عــدد ‪ 76‬لســنة ‪ 2019‬املــؤرخ فــي ‪ 30‬أوت ‪.2019‬‬
‫‪ .4‬ينــص الفصــل ‪ 50‬فقــرة أولــى (جديــدة) مــن القانــون أساســي عــدد ‪ 7‬لســنة ‪ 2017‬مــؤرخ فــي ‪14‬‬
‫فيفــري ‪ 2017‬املتعلــق بتنقيــح وإتمــام القانــون األساســي عــدد ‪ 16‬لســنة ‪ 2014‬املــؤرخ فــي ‪ 26‬مــاي ‪2014‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪328‬‬

‫بالقانــون االنتخابــي الفرنســي الــذي حجــر االشــهار السياســي قبــل ســتة أشــهر مــن يــوم‬
‫االقتــراع‪ ،‬واســتثنى املشــرع صراحــة مــن التحجيــر قيــام الصحــف الحزبيــة بإعالنــات‬
‫اشــهار لفائــدة الحــزب أو قائماتــه ومرشــحيه واســتعمال املترشــحني فــي االنتخابــات‬
‫الرئاســية وســائط إشــهارية‪ .‬كمــا س ـ ّلط املشــرع عقوبــة علــى مخالفــة قواعــد االشــهار‬
‫نــص الفصــل مــن ‪ 154‬مــن القانــون االنتخابــي أنّ كل مخالفــة ألحــكام‬ ‫السياســي إذ ّ‬
‫الفصــل ‪ 57‬مــن القانــون يترتــب عنهــا خطيــة ماليــة مــن ‪ 5‬آالف إلــى ‪ 10‬آالف دينــار‪.‬‬
‫اليــوم وبعــد قرابــة عشــر ســنوات علــى تحجيــر االشــهار السياســي فــي االنتخابــات‬
‫فــي تونــس حــري بنــا أن نقــوم بتقييــم هــذه الخيــارات التشــريعية والتوجهــات‬
‫الفقــه قضائيــة فــي هــذا الخصــوص‪ ،‬وفــي هــذا اإلطــار يمكــن أن نتســاءل إلــى‬
‫أي مــدى اتســمت القواعــد املنظمــة لإلشــهار السياســي بالنجاعــة الالزمــة التــي‬
‫مــن شــأنها أن تضمــن تحقيــق الهــدف األساســي مــن وضعهــا واملتمثــل فــي‬
‫ضمــان صدقيــة نتائــج االنتخابــات وتبــ ّرر املحافظــة علــى تلــك القواعــد أو تعديلهــا؟‬
‫فــي العمــوم يمكــن تقييــم نجاعــة القاعــدة القانونيــة مــن زاويتــن أوال مــن حيــث‬
‫وضــوح األحــكام املنظمــة لهــا ضــرورة أنّ مبــدأ وضــوح القاعــدة القانونيــة مــن بــن‬
‫أهــم املبــادئ القانونيــة التــي تضمــن نجاعــة القاعــدة القانونيــة وثانيــا مــن حيــث‬
‫القــدرة علــى تطبيقهــا وانفاذهــا علــى أرض الواقــع ذلــك أنّ غمــوض القاعــدة القانونيــة‬
‫مــن شــأنه أن يــؤدي إلــى صعوبــة تطبيقهــا وهنــا يأتــي هنــا دور االجتهــاد الفقــه‬
‫قضائــي لتوضيــح نيــة املشــ ّرع وضمــان حســن تطبيــق القاعــدة القانونيــة ونجاعتهــا‪.1‬‬
‫مــن خــال فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي املــا ّدة االنتخابيــة وخاصــة نزاعــات‬
‫االنتخابــات التشــريعية والرئاســية لســنة ‪ 2019‬يمكــن أن نالحــظ عــدم وضــوح علــى‬
‫مســتوى مفهــوم اإلشــهار السياســي (املبحــث األول) وهــو مــا أفضــى إلــى صعوبــة‬
‫علــى مســتوى انفــاذ وتطبيــق قاعــدة تحجيــر االشــهار السياســي (املبحــث الثانــي)‪.‬‬

‫املتعلــق باالنتخابــات واالســتفتاء أنّــه "تفتتــح الحملــة االنتخابيــة أو حملــة االســتفتاء قبــل يــوم االقتــراع‬
‫باثنــن وعشــرين يومــا‪ ،‬وتســبقها مرحلــة مــا قبــل الحملــة االنتخابيــة أو مــا قبــل حملــة االســتفتاء‪ ،‬وتمتــد‬
‫إلــى شــهرين"‪ .‬وقبــل تنقيــح القانــون االنتخابــي ســنة ‪ ،2017‬امتــدت فتــرة مــا قبــل الحملــة إلــى ‪ 3‬شــهور‪.‬‬
‫‪1. "L’efficacité des normes Réflexions sur l’émergence d’un nouvel impératif juridique" Frédéric RouviLLois‬‬
‫‪Politologue Professeur agrégé de droit public à l’université Paris-V, Working Paper, Novembre 2006,‬‬
‫‪Fondation pour l’innovation politique.‬‬
‫‪329‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫املبحث األول‪ :‬عدم وضوح على مستوى مفهوم‬


‫اإلشهار السياسي‬

‫يرتبــط مصطلــح االشــهار بامليــدان التجــاري‪ ،‬وللبحــث فــي مفهــوم االشــهار فــي‬
‫القانــون التونســي يجــب الرجــوع إلــى القانــون عــدد ‪ 22‬لســنة ‪ 1971‬املــؤرخ فــي ‪25‬‬
‫نــص الفصــل األول‬‫مــاي ‪ 1971‬املتعلــق بتنظيــم مهنــة عــون االشــهار التجــاري الــذي ّ‬
‫أ ّنــه « يعتبــر إعالنــا اشــهاريا علــى معنــى هــذا القانــون العمــل الــذي يتوجــه بواســطته‬
‫معلــن إلــى العمــوم عــن طريــق املســتندات االشــهارية ســواء مباشــرة أو بواســطة عــون‬
‫اشــهار للتعريــف بمؤسســته أو منتوجاتــه او خدماتــه قصــد تنميــة مبيعاتــه أو خدماتــه»‪.‬‬
‫كمــا يعــ ّرف الفصــل ‪ 35‬مــن القانــون عــدد ‪ 40‬لســنة ‪ 1998‬املــؤرخ فــي ‪ 2‬جــوان ‪1998‬‬
‫املتعلــق بطــرق البيــع واالشــهار التجــاري االشــهار بأنّــه» تعتبــر إشــهارا علــى معنــى‬
‫هــذا القانــون كل عمليــة اتصــال تهــدف بصفــة مباشــرة أو غيــر مباشــرة إلــى تنميــة‬
‫بيــع منتوجــات أو إســداء خدمــات مهمــا كان املــكان أو وســائل االتصــال املعتمــدة»‪.‬‬
‫وقــد تولــى املشــرع التونســي تنزيــل هــذا التعريــف فــي املــادة االنتخابيــة وقد بــرز مصطلح‬
‫االشــهار السياســي ألول مــرة فــي الفصــل ‪ 2‬مــن املرســوم عــدد ‪ 116‬لســنة ‪ 2011‬املــؤرخ‬
‫فــي ‪ 2‬نوفمبــر ‪ 2011‬واملتعلــق بحريــة االتصــال الســمعي والبصــري وبإحــداث هيئــة عليــا‬
‫مســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري الــذي عرّفــه بأنّه «كل عملية إشــهار تعتمد أســاليب‬
‫وتقنيــات التســويق التجــاري موجهــة للعمــوم تهــدف إلــى الترويــج لشــخص أو لفكــرة أو‬
‫لبرنامج أو لحزب أو منظمة سياســية بواســطة قناة إذاعية أو تلفزية حيث تخصص للجهة‬
‫املعلنــة جــزءا مــن وقــت البــث التلفــزي أو اإلذاعــي لتعــرض فيــه إعالنــات تســويق سياســي‬
‫بمقابــل أو بــدون مقابــل مالــي مــن أجــل اســتمالة أكثــر مــا يمكــن مــن املتلقــن إلــى تقبــل‬
‫أفكارهــا أو قادتهــا أو حزبهــا أو قضاياهــا والتأثيــر علــى ســلوك واختيــارات الناخبــن»‪.‬‬
‫وقــد اعتمــد املشــرع علــى نفــس التعريــف تقريبــا ضمــن الفصــل ‪ 2‬مــن القانــون‬
‫ـص بأ ّنــه « ّ‬
‫كل عمليــة إشهـــــار أو دعايــــــــة بمقابــل مـــادي أو مجــــانا‬ ‫االنتخابــي الــذي نـ ّ‬
‫تعتمــــد أســاليب وتقنيــات التسويــــق التجــــــاري‪ ،‬موجهــــة للعمـــــوم‪ ،‬وتهـــــــــــــدف‬
‫إلــى الترويــج لشــخص أو ملوقــف أو لبرنـــــامج أو لحــزب سياســــــــي‪ ،‬بغــرض‬
‫استمالــــــــة الناخبيــــــــن أو التأثيــــر فــي ســلوكهم واختياراتهــم عبــر وسائــــــل‬
‫اإلعـــــــــــام السمعيــــــة أو البصريــة أو املكتوبــة أو اإللكترونيــة‪ ،‬أو عبــر وســائط‬
‫إشــهارية ثابتــة أو متنقلــة‪ ،‬مركــزة باألماكــن أو الوســائل العموميــة أو الخاصــة»‪.1‬‬

‫‪ .1‬كما اعتمد القرار عدد ‪ 1‬لسنة ‪ 2018‬املؤرخ في ‪ 15‬فيفري ‪ 2018‬املتعلق بالقواعد السلوكية لإلشهار في وسائل االتصال‬
‫الســمعي والبصــري تعريفــا لإلشــهار السياســي يطابــق تقريبــا نفــس التعريــف الــوارد باملرســوم عــدد ‪ 116‬لســنة ‪.2011‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪330‬‬

‫وبمقارنة هذا التعريف بتعريف االشهار التجاري يالحظ أنّ املشرع ولئن اعتمد تعريفا يبدو‬
‫مفصــا إ ّال أنــه بقي متســما بعدم الوضوح وذلك بســبب تنوع وتطور تقنيات‬ ‫للوهلــة األولــى ّ‬
‫وأســاليب التســويق التجــاري املســتعملة فــي االشــهار السياســي مــن جهة (الفقــرة األولى)‬
‫فضــا عــن عــدم وضــوح مضمــون االشــهار السياســي مــن جهــة أخــرى (الفقــرة الثانيــة)‪.‬‬

‫الفقــرة األولــى‪ :‬تنــوع وتطــور أســاليب وتقنيــات التســويق‬


‫التجــاري املســتعملة فــي االشــهار السياســي‬

‫يمثــل اســتعمال أســاليب وتقنيــات التســويق التجــاري أهــم مك ـ ّون مــن مكونــات تعريــف‬
‫االشــهار السياســي‪ ،‬فــكل دعايــة انتخابيــة يســتعمل فيهــا آليــات التســويق التجــاري‬
‫يمكــن أن تك ّيــف علــى أنهــا اشــهار سياســي‪ ،‬ولئــن نــص علــى القانــون االنتخابــي‬
‫صراحــة علــى أنّ االشــهار السياســي يعتمــد أســاليب وتقنيــات التســويق التجــاري‬
‫إ ّال أنّ هــذا التعريــف ال يــزال غيــر دقيــق وواضــح س ـ ّيما فــي ظــل مــا تشــهده تقنيــات‬
‫التســويق التجــاري مــن تنــوع وتطــور خاصــة مــع اســتعمال االشــهار االلكترونــي‪.‬‬
‫وملحاولــة حصــر هــذه التقنيــات يمكــن الرجــوع إلــى القانــون عــدد ‪ 22‬لســنة‬
‫‪ 1971‬املــؤرخ فــي ‪ 25‬مــاي ‪ 1971‬املتعلــق بتنظيــم مهنــة عــون االشــهار التجــاري‬
‫نــص فــي الفصــل ‪ 2‬منــه أنّــه «تعتبــر خاصــة مســتندات اشــهارية‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫الــذي‬
‫‪ )1‬الصحافة‪.‬‬
‫‪ )2‬السينما‪.‬‬
‫‪ )3‬اإلذاعة والتلفزة‪.‬‬
‫‪ )4‬املعلقات املطبوعة أو الضوئية القارة أو املتحركة‪.‬‬
‫‪ )5‬الالفتات القارة او املتحركة أو امللتصقة بعربات عمومية أو خاصة‪.‬‬
‫‪ )6‬جميــع أدوات النهــوض بالبيوعــات كرســائل االشــهار وقائمــات البضائــع‬
‫والنشــريات فــي شــكل أســفار عاديــة أو مطبوعــة‪.‬‬
‫‪ )7‬كل األدوات ذات النفــع الحاملــة إلعــام اشــهاري واملوزعــة مجانــا مــن طــرف‬
‫التاجــر علــى حرفائــه‪.‬‬
‫‪ )8‬املســابقات واأللعــاب التــي ال يقــدم فيهــا املشــاركون مســاهمة ماليــة خاصــة غيــر‬
‫اشــتراء كميــة مــن منتوجــات املعلــن‪.‬‬
‫‪331‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ )9‬وبصــورة عامــة كل وســائل االتصــال والترويــج واألخبــار املعتبــرة كفيلــة بنشــر‬


‫اإلعــان االشــهاري»‪.‬‬
‫يتضــح مــن خــال تعــداد هــذه املســتندات االشــهارية تنــ ّوع أســاليب االشــهار‪ ،‬ولقــد‬
‫أشــار القانــون االنتخابــي إلــى أهــم وســائل التســويق التــي يمكــن اســتعمالها فــي الدعايــة‬
‫االنتخابيــة ويمكــن تقســيمها إلــى صنفني االشــهار السياســي عبر وسائــــــل اإلعـــــــــــام‬
‫(‪ )1‬واالشــهار السياســي عبــر الوســائط االشــهارية (‪.)2‬‬

‫‪ .1‬االشهار السياسي عبر وسائــــل اإلعـــــــــالم‬

‫يعـ ّد االشــهار السياســي عبــر وسائــــــل اإلعـــــــــــام مــن أهــم أســاليب االشــهار وذلــك‬
‫بالنظــر إلــى التأثيــر الكبيــر ملختلــف وســائل االعــام السمعيــــــة أو البصريــة أو املكتوبــة‬
‫أو اإللكترونيــة علــى الناخبــن‪.‬‬
‫• االشهار السياسي عبر وسائل االعالم السمعية والبصرية‬
‫حــري بالتذكيــر فــي البدايــة أنّ تحجيــر االشــهار السياســي عبــر وســائل االعــام‬
‫الســمعية والبصريــة ال يقتصــر علــى فتــرة االنتخابــات إنّمــا يعــ ّد قاعــدة عا ّمــة تلــزم‬
‫جميــع منشــآت االعــام الســمعي والبصــري‪ ،‬وقــد ك ّرســها املرســوم عــدد ‪ 116‬لســنة‬
‫«يحجــر علــى كافــة منشــآت اإلعــام الســمعي‬ ‫ّ‬ ‫ينــص الفصــل ‪ 45‬منــه أنّــه‬
‫ّ‬ ‫‪ 2011‬إذ‬
‫والبصــري بــث برامــج أو إعالنــات أو ومضــات إشــهار لفائــدة حــزب سياســي أو‬
‫قائمــات مترشــحني‪ ،‬بمقابــل أو مجانــا‪ .‬وتعاقــب كل مخالفــة لهــذا التحجيــر بخطيــة‬
‫ماليــة يكــون مقدارهــا مســاويا للمبلــغ املتحصــل عليــه مقابــل البــث علــى أن ال تقــل‬
‫فــي كل الحــاالت عــن عشــرة آالف دينــار‪ ،‬وتضاعــف الخطيــة فــي صــورة العــود»‪.‬‬
‫كمــا ينــص الفصــل ‪ - 5‬مطــة ‪ 14‬مــن كــراس الشــروط املتعلق بالحصول علــى إجازة احداث‬
‫واســتغالل قنــاة تلفزيــة خاصــة على ضــرورة التزام صاحب اإلجازة بعدم اســتعمال القناة‬
‫التلفزيــة لغــرض الدعايــة أو التســويق لصورتــه الخاصــة أو لصــورة غيــره أو لحــزب مــا‪.‬‬
‫وبمقارنــة تعريــف االشــهار السياســي الــوارد باملرســوم ‪ 116‬يتبــن أنــه يتقاطــع مــع‬
‫التعريــف املعتمــد فــي القانــون االنتخابــي إ ّال أنــه اعتمــد مصطلحــات تقنيــة وأكثــر وضوحا‬
‫تمثلــت فــي التنصيــص ضمــن الفصــل ‪ 2‬علــى تخصيــص جــزء مــن وقــت البــث اإلذاعــي أو‬
‫التلفــزي لعــرض إعالنــات تســويق سياســي كمــا أشــار ضمــن الفصــل ‪ 45‬املذكــور أعــاه‬
‫إلــى بعــض أشــكال االشــهار السياســي مثــل بــث برامــج أو إعالنــات أو ومضــات اشــهار‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪332‬‬

‫ولــو أنــه لــم يوضــح بدقــة مختلــف األشــكال التــي يمكــن أن يأخذهــا التســويق السياســي‪.1‬‬
‫وفــي إطــار ســعيها إلــى تنظيــم االشــهار فــي وســائل االعــام الســمعية والبصريــة أصــدرت‬
‫الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي البصــري القــرار عدد ‪ 1‬لســنة ‪ 2018‬املؤرخ فــي ‪ 15‬فيفري‬
‫‪ 2018‬املتعلــق بالقواعــد الســلوكية لإلشــهار فــي وســائل االتصــال الســمعي والبصــري‬
‫الــذي نــص الفصــل ‪ 2‬نقطــة ‪ 8‬منــه أ ّنــه يمنــع اإلشــهار السياســي ويحجــر علــى األحــزاب‬
‫السياســية رعايــة برامــج إذاعيــة وتلفزيــة‪ .‬وتتمثــل أهميــة هــذا القــرار فــي أ ّنــه عـ ّدد أشــكال‬
‫‪3‬‬
‫االتصــال التجــاري فــي وســائل االتصــال الســمعي والبصــري مــن رعايــة‪ 2‬ووضــع منتــج‬
‫واالشــهار عبــر تقاســم الشاشــة‪ 4‬والتســويق عبــر الشاشــة‪ 5‬والربورتــاج االشــهاري‪ ،6‬وهــو‬
‫مــا يمكــن أن يســهل تطبيــق أحــكام االشــهار السياســي مــن طــرف القاضــي االنتخابــي‪.‬‬
‫ويطــرح االشــهار السياســي عبــر وســائل االعــام إشــكاليات أخــرى نذكــر مــن بينهــا‬
‫التمييــز بينــه وبــن التغطيــة اإلعالميــة واشــكالية مــا يســمى بالتشــهير اإلعالمــي أو مــا‬
‫يســمى باإلشــهار الســلبي‪.‬‬
‫وبخصــوص التمييــز بــن االشــهار السياســي والتغطيــة اإلعالميــة فإنّــه يتجــه التأكيــد‬
‫علــى أنّ التغطيــة اإلعالميــة ال تعتبــر دعايــة انتخابيــة ومــن بــاب أولــى وأحــرى اشــهارا‬
‫سياســيا طاملــا أنهــا محكومــة بجملــة مــن الضوابــط التــي وضعهــا القانــون االنتخابــي‬
‫واملتمثلــة الحــق فــي النفــاذ إلــى وســائل االتصــال الســمعي والبصــري لــكل املجموعــات‬

‫‪ .1‬للتعــرف علــى املقصــود مــن «وقــت البــث فــي الحملــة االنتخابيــة» يمكــن الرجــوع إلــى دليــل الحملــة‬
‫االنتخابيــة الصــادر عــن املجلــس األعلــى للســمعي والبصــري واللجنــة الوطنيــة لإلعالميــة والحريــات بفرنســا‪.‬‬
‫‪« Le temps d’antenne comprend, par exemple, les éditoriaux, revues de presse, commentaires‬‬
‫‪politiques, débats entre experts et journalistes, reportages et analyses journalistiques. Ces propos, qui‬‬
‫‪participent incontestablement de la formation de l’opinion politique des citoyens, sont également soumis‬‬
‫‪au principe d’équité. » Le guide de la Campagnes électorales : tout savoir sur les règles CSA et CNIL .‬‬

‫‪ .2‬الرعايــة هــي كل مســاهمة فــي شــكل مــادي أو غيــره مــن قبــل مؤسســة عموميــة أو خاصــة فــي تمويــل خدمــات‬
‫أو برامــج وســائل اإلعــام الســمعي والبصــري بهــدف الترويــج الســمها أو عالمتهــا أو صورتهــا أو أنشــطتها‪.‬‬
‫‪ .3‬وضــع منتــج‪ :‬هــو أن تتــم اإلشــارة لــه مــن خــال هــذه العالمــة ويتمثــل فــي وضــع منتــوج أو‬
‫خدمــات أو إشــارة لهــذا املنتــوج أو لخدمــات أو لعالمــة ضمــن برنامــج بمقابــل مالــي أو غيــره‪.‬‬
‫‪ .4‬اإلشــهار عبــر تقاســم الشاشــة هــو كل عمليــة اتصــال تجــاري تبــث بالتــوازي مــع بــث برنامــج تلفــزي مــن خــال‬
‫تقاســم فضــاء الشاشــة‪.‬‬
‫‪ .5‬التســوق عبــر الشاشــة هــو عمليــة تســويقية مباشــرة عــن طريــق التلفــزة فــي شــكل برامــج تهــدف إلــى البيــع عــن بعــد‬
‫ملنتوجــات أو خدمــات بمقابــل مــادي أو غيــره‪.‬‬
‫‪ .6‬الربورتــاج اإلشــهاري هــو إشــهار يتخــذ شــكل مضمــون صحفــي يهــدف إلــى تمريــر معلومــات ونصائــح تثمــن‬
‫املنتــوج أو الخدمــة أو العالمــة‪.‬‬
‫‪333‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫السياســية خــال مرحلــة مــا قبــل الحملــة االنتخابيــة‪ ،‬وحــق النفــاذ إلــى وســائل االتصــال‬
‫الســمعي والبصــري علــى أســاس اإلنصــاف بــن جميــع املترشــحني أو القائمــات‬
‫املترشــحة أو األحــزاب خــال الحملــة االنتخابيــة‪ ،‬فضــا عــن حريــة وســائل االعــام‬
‫بتغطيــة الحملــة شــريطة االلتــزام بالحيــاد واملســاواة وتكافــئ الفــرص بــن املترشــحني‪.‬‬
‫وقــد اقتضــت الفقــرة الثانيــة مــن الفصــل ‪ 7‬مــن القــرار الصــادر عــن الهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات عــدد ‪ 8‬لســنة ‪ 2018‬املــؤرخ فــي ‪ 20‬فيفــري ‪ 2018‬واملتعلــق‬
‫بضبــط القواعــد والشــروط التــي يتعــن علــى وســائل االعــام التقيــد بهــا خــال‬
‫الحملــة االنتخابيــة وحملــة االســتفتاء أنّــه» يحجــر علــى وســائل االعــام بــث أو نشــر‬
‫كل تغطيــة إعالميــة تــؤدي إلــى أي شــكل مــن أشــكال الدعايــة للقائمــات املترشــحة أو‬
‫املترشــحني أو األحــزاب ســواء كانــت مباشــرة أو غيــر مباشــرة‪ ،‬إيجابيــة أو ســلبية»‪.‬‬
‫إ ّال أنّ التغطيــة اإلعالميــة يمكــن أن تطــرح إشــكاال مــن حيــث تكييــف االفــراط فــي‬
‫التغطيــة اإلعالميــة أو عــدم التــوازن فــي التغطيــة اإلعالميــة مــن طــرف وســيلة‬
‫اعــام لفائــدة حــزب أو مترشــح او قائمــة مترشــحة علــى حســاب متنافســن‬
‫آخرين‪،‬هــل يمكــن أن يعتبــر اشــهارا سياســيا علــى معنــى القانــون االنتخابــي؟‬
‫وبالرجــوع إلــى فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة نتبــن أنّ التغطيــة االعالميــة يمكــن‬
‫أن تتســم فــي بعــض الحــاالت بعــدم التــوازن أو تفــاوت كبيــر فــي التغطيــة إ ّال‬
‫أنّ ذلــك ال يــؤدي بالضــرورة وفــق القاضــي االنتخابــي إلــى االخــال بمبــدأ‬
‫املســاواة وتكافــئ الفــرص خــال تغطيــة الحملــة االنتخابيــة إذا مــا تبــن فــي‬
‫املقابــل تمتــع الحــزب املنافــس بنفــس االمتيــاز فــي وســيلة إعالميــة أخــرى‪ 1‬أو إذا‬
‫تع ّلــق االفــراط فــي التغطيــة بالحــزب مقابــل ضعــف التغطيــة بالنســبة لقائماتــه ‪.2‬‬
‫إلــى جانــب مســألة التغطيــة اإلعالميــة‪ ،‬طــرح اســتعمال وســائل االعــام فــي الحملــة‬
‫االنتخابيــة لالنتخابــات الرئاســية لســنة ‪ 2019‬إشــكالية أخــرى تمثلــت فــي التشــهير‬
‫االعالمــي ذلــك أنّ االشــهار السياســي يمكــن أن يكــون ســلبيا أو مضادا‪ ،‬وهــو مــا أشــار‬
‫لــه الفصــل ‪ 29‬مــن القــرار املشــترك الصــادر عــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات‬
‫والهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي والبصــري املــؤرخ فــي ‪ 21‬أوت ‪ 2019‬كمــا تضمــن‬
‫الفصــل ‪ 9‬مــن نفــس القــرار أن تلتــزم وســائل االعــام بتمكــن كل مترشــح تعــرض‬
‫للتشــويه أو الثلــب مــن حــق الــر ّد ومــن التصحيــح إن وردت فــي شــأنه معلومــات‬
‫خاطئــة مــن شــأنها تضليــل الناخبــن‪ ،‬ويتــم ذلــك فــي أجــل ال يتجــاوز ‪ 24‬ســاعة مــن‬

‫‪ .1‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194021‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪2019‬‬


‫‪ .2‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194022‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪2019‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪334‬‬

‫تاريــخ إيــداع املعنــي باألمــر لطلــب كتابــي فــي الغــرض لــدى وســيلة االعــام املعنيــة‪،‬‬
‫وقــد انتهــت املحكمــة اإلداريــة بهــذا الخصــوص أ ّنــه» وحيــث يتبــن مــن فحــوى املطعــن‬
‫الراهــن أنّ نائــب الطاعــن لــم يعــرض وقائــع محــددة ومدعمــة بأدلــة قاطعــة فيمــا ادعــاه‬
‫بخصــوص تعــرض من ّوبــه إلــى التشــهير االعالمــي الــذي نــال شــخصه وكرامتــه وحرمتــه‪،‬‬
‫وهــو مــا حــال دون بســط املحكمــة لرقابتهــا وإعمالهــا للنصــوص املنطبقــة‪ ،‬فضــا عــن‬
‫أنــه لــم ينســب للهيئــة املطعــون ض ّدهــا أي إخــال فــي هــذا املجــال القتصــار مآخــذه‬
‫علــى عــدم تدخــل الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي والبصــري حيــال االنتهــاكات‬
‫امل ّدعــى بهــا م ّمــا يجعــل مطعنــه مجــ ّردا وحريــا بالرفــض علــى هــذا األســاس»‪.1‬‬
‫إلــى جانــب االشــهار السياســي عبــر وســائل االعــام الســمعية والبصريــة‪ ،‬يمكــن أن‬
‫يكــون االشــهار السياســي عبــر وســائل االعــام املكتوبــة أو االلكترونيــة‪.‬‬
‫• االشهار السياسي عبر وسائل االعالم املكتوبة أو االلكترونية‬
‫أوكل الفصــل ‪ 13‬مــن القــرار عــدد ‪ 8‬لســنة ‪ 2018‬املــؤرخ فــي ‪ 20‬فيفــري ‪ 2018‬واملتعلــق‬
‫بضبــط القواعــد والشــروط التــي يتعــن علــى وســائل االعــام التقيــد بهــا خــال الحملــة‬
‫االنتخابيــة وحملــة االســتفتاء إلــى الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات مراقبة تغطية وســائل‬
‫االعــام املكتوبــة وااللكترونيــة للحملــة بصفــة تلقائيــة أو بنــاء علــى شــكايات تق ـ ّدم إليهــا‪.‬‬
‫ـص املشــرع الصحــف الحزبيــة بنظــام قانونــي خــاص حيــث خ ـ ّول‬ ‫وفــي هــذا اإلطــار خـ ّ‬
‫للصحــف الحزبيــة القيــام بالدعايــة خــال الحملــة االنتخابيــة فــي شــكل إعالنــات إشــهار‬
‫لفائــدة الحــزب التــي هــي ناطقــة باســمه واملترشــحني أو القائمــات املترشــحة باســم‬
‫الحــزب فقــط ويشــترط فــي هــذه الحالــة أن يتــم تقديــم اإلشــهار بشــكل بــارز يميــزه عــن‬
‫بقيــة األخبــار واملقــاالت‪ ،‬وأن تســبقه أو تعقبــه عبــارة «إشــهار» أو «إعــان» أو «بــاغ»‪،‬‬
‫فــي حــن تبقــى الصحــف الغيــر حزبيــة مشــمولة بقاعــدة تحجيــر االشــهار السياســي‪.‬‬
‫وقــد وضعــت الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات وحــدة لرصــد املخالفــات عبــر وســائل‬
‫االعــام املكتوبــة وااللكترونيــة‪.‬‬

‫‪ .2‬االشهار السياسي عبر الوسائط اإلشهارية‬

‫ـص القانــون االنتخابــي كذلــك علــى منــع اســتعمال الوســائط االشــهارية الثابتــة أو‬
‫لقــد نـ ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املتنقلة‪ ،‬املركزة باألماكن أو الوســائل العمومية أو الخاصة‪ ،‬إال أنّه مكن اســتثناء املترشــح‬
‫فــي االنتخابــات الرئاســية مــن اســتعمال وســائط إشــهارية‪ ،‬وفــق شــروط تضبطهــا الهيئــة‪.‬‬

‫‪ .1‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194006‬بتاريخ ‪ 23‬سبتمبر ‪2019‬‬


‫‪335‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وقد وضعت الهيئة العليا املســتقلة لالنتخابات ضوابط الســتعمال املترشــح في االنتخابات‬
‫ـص الفصــل ‪ 25‬مــن‬ ‫الرئاســية الوســائط اإلشــهارية الثابتــة أو املتنقلــة أو اإللكترونيــة إذ نـ ّ‬
‫قــرار الهيئــة العليــا املســتق ّلة لالنتخابــات عــدد ‪ 22‬لســنة ‪ 2019‬مــؤ ّرخ فــي ‪ 22‬أوت ‪2019‬‬
‫املتعلــق بضبــط قواعــد تنظيــم الحملــة االنتخابيــة وحملــة االســتفتاء وإجراءاتهــا علــى عــدم‬
‫اســتعمال علــم الجمهوريــة التونسـ ّية أو شــعارها‪ ،‬ومـ ّد الهيئــة بالبيانات املتعلقة بالوســائط‬
‫اإلشــهارية املزمــع اســتعمالها‪ ،‬مثــل حجمهــا وأماكــن تثبيتهــا أو جوالنهــا‪ ،‬أو عناوينهــا‬
‫اإللكترونيــة‪ ،‬وإزالــة تلــك الوســائط‪ ،‬أو إيقــاف العمــل بهــا‪ ،‬قبــل انطــاق فتــرة الصمــت‪.‬‬
‫كمــا اشــترط بالنســبة إلــى الوســائط اإلشــهارية الثابتــة احتــرام أحــكام القانــون عــدد ‪12‬‬
‫لســنة ‪ 2009‬املــؤرخ فــي ‪ 2‬مــارس ‪ 2009‬واملتع ّلــق باإلشــهار بامللــك العمومــي للطرقــات‬
‫وباألمــاك العقاريــة املجــاورة لــه التابعــة لألشــخاص‪ ،‬واألمــر عــدد ‪ 261‬لســنة ‪2010‬‬
‫املــؤ ّرخ فــي ‪ 15‬فيفــري ‪ 2010‬واملتع ّلــق بضبــط شــروط وإجــراءات الترخيــص فــي اإلشــهار‬
‫بامللــك العمومــي للطرقــات وباألمــاك العقاريــة املجــاورة لــه التابعــة لألشــخاص‪ ،‬كمــا‬
‫حجــر علــى الغيــر اســتعمال الوســائط اإلشــهارية لفائــدة املترشــحني بمقابــل أو دونــه‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وجديــر بالذكــر أنــه بمناســبة إحــدى القضايــا املطروحــة علــى املحكمــة اإلداريــة ســنة‬
‫وضــح القاضــي االنتخابــي املقصــود مــن الوســائط االشــهارية علــى معنــى‬ ‫‪ّ 2014‬‬
‫القانــون االنتخابــي وم ّيــز بــن االشــهار السياســي والدعايــة االنتخابيــة معتبــرا مثــا‬
‫أنّ إكســاء حافلــة بوضــع رقــم القائمــة املترشــحة وشــعار الحــزب املترشــحة باســمه‬
‫ال تتوفــر فيــه مقومــات االشــهار السياســي املع ـ ّرف قانونــا وبــأنّ تلــك الحافلــة ال تعــدو‬
‫أن تكــون ســوى إحــدى وســائل الدعايــة املســموح بهــا علــى معنــى الفصــل ‪ 59‬مــن‬
‫القانــون االنتخابــي‪ .1‬ومــا يالحــظ انّــه ولئــن تعتبــر الالفتــات القــارة أو املتحركــة او‬
‫امللتصقــة بعربــات عموميــة أو خاصــة مــن بــن وســائل االشــهار طبقــا للقانــون عــدد‬
‫‪ 22‬لســنة ‪ 1971‬املــؤرخ فــي ‪ 25‬مــاي ‪ 1971‬إ ّال أنّ هــذا لــم يمنــع املحكمــة اإلداريــة‬
‫مــن تكييفهــا كدعايــة االنتخابيــة رغــم اســتعمال وســائل التســويق التجــاري‪،‬‬
‫يمكــن أن يستشــف م ّمــا تقــ ّدم أنّ بعــض وســائل التســويق التجــاري مثــل املنشــورات‬
‫واألقــام والدفاتــر وغيرهــا مــن األدوات املوزعــة مجانــا مــن طــرف املترشــحني علــى‬
‫الناخبــن يمكــن أن يكــون اســتعمالها فــي الدعايــة االنتخابيــة مقبــوال إذا مــا كان الهــدف‬
‫منهــا التعريــف باملترشــح أو القائمــة مــن خــال اإلشــارة إلــى البرنامــج االنتخابــي ورمــز‬
‫القائمــة أو شــعار الحــزب واســمه وصــورة املترشــح والرقــم علــى ورقــة التصويــت‪ .‬فضــا‬
‫عــن ذلــك فــإنّ الســماح باســتعمال الوســائط االشــهارية فــي االنتخابــات الرئاســية دون‬
‫التشــريعية كمــا هــو الحــال فــي القانــون االنتخابــي ال يجــد مب ـ ّررا منطقيــا لــه وهــو مــا‬

‫‪ .1‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 201420036‬بتاريخ ‪ 8‬نوفمبر ‪2014‬‬


‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪336‬‬

‫يســتوجب إعــادة تقييــم هــذه األحــكام إمــا مــن خــال منــع الوســائط االشــهارية فــي جميــع‬
‫االنتخابــات إذا مــا كان اســتعمالها يــؤدي إلــى التأثيــر املفــرط علــى الناخــب وهــو مــا مــن‬
‫شــأنه التأثيــر علــى نزاهــة االنتخابــات فــي كل الحــاالت أو مــن خالل الســماح باســتعمالها‬
‫فــي جميــع االنتخابــات ولكــن مــع الحــرص علــى وضــع ضوابــط تضمــن املســاواة وتكافــئ‬
‫الفــرص عنــد اســتعمالها وتشــديد الرقابــة لضمــان احتســابها ضمــن النفقــات االنتخابيــة‪.‬‬
‫• االشــهار السياســي االلكترونــي‪ :‬االشــهار السياســي علــى املواقــع االلكترونية‬
‫وعلــى شــبكات التواصــل االجتماعي‬
‫لقــد مثــل االشــهار السياســي عبــر وســائط الكترونيــة مثــل االشــهار السياســي علــى‬
‫املواقــع االلكترونيــة وعلــى شــبكات التواصــل االجتماعــي أهــم وســائل الدعايــة وهــو مــا‬
‫م ّثــل أســلوبا جديــدا للدعايــة االنتخابيــة‪.‬‬
‫تجدر اإلشــارة إلى أنّ تخصيص موقع الكتروني أو صفحة رســمية على شــكات التواصل‬
‫االجتماعــي مــن قبــل مترشــح أو قائمــة مترشــحة للدعايــة االنتخابيــة وولوج الناخــب إراديا‬
‫إلــى املوقــع االلكترونــي أو الصفحــة الخاصــة بحــزب أو مترشــح أو قائمــة مترشــحة ال‬
‫يعـ ّد فــي حـ ّد ذاتــه تســويقا تجاريــا إنمــا يدخــل فــي بــاب الدعايــة االنتخابيــة املشــروعة‪.‬‬
‫إ ّال أنّ اســتعمال بعــض أســاليب التســويق االلكترونــي مثــل القيــام بعمليــة إشــهار املواقــع‬
‫باإلعالنــات حتــى تصــل إلى الصفحة األولى في محركات البحث األخرى‪ 1‬واشــهار املواقع‬
‫بالســيو‪ 2‬والقيــام بمــا يســمى البــاك لينــك للموقع ونشــره في املواقــع األخــرى واملنتديات أو‬
‫طريقــة “‪ ”Guest Post‬والتــي تتمثــل فــي التواصــل مــع مواقــع فــي نفس مجــال وتكتب مقا ًال‬
‫عــن موقعــك أو خدماتــك وتدفــع لهــذا املوقــع مقابــل نشــره لهــذا املقــال الــذي يحتــوي علــى‬
‫رابــط يشــير إلــى املوقــع وغيرهــا‪ ،‬كل هــذه الوســائل واألســاليب االلكترونيــة الحديثــة تمثــل‬
‫وســائل تســويق يمنــع اســتعمالها فــي الدعايــة أثنــاء الفتــرة االنتخابيــة ضــرورة أنهــا تؤثــر‬
‫بصفــة كبيــرة علــى إرادة الناخــب ممــا يمكــن يمــس مــن نزاهــة العمليــة االنتخابيــة ككل‪.3‬‬
‫أمــا بخصــوص اســتعمال وســائل التواصــل االجتماعــي فإنــه مــن املعلــوم أنّ ماليــن‬
‫بشــكل يومــي (فيــس بــوك‪ ،‬تويتــر‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫املســتخدمني يــزورون مواقع التواصــل االجتماعي‬
‫انســتجرام‪ ،‬ســناب شــات‪ ،‬يوتيــوب) وهــو مــا يعنــي أن هــذه املنصــات يمكــن أن تمثــل‬
‫وســيلة ناجعــة لجــذب الناخبــن إلــى موقــع الحــزب أو املترشــح أو القائمــة والتســويق لهــا‪.‬‬

‫‪1. Le référencement payant ou SEA Search Engine Advertising‬‬

‫‪2. Le référencement naturel SEO Search Engine Optimisation‬‬

‫‪ .3‬تقريــر حــول مراقبــة الحمــات االنتخابيــة علــى وســائل التواصــل االجتماعــي االنتخابــات التشــريعية والرئاســية‬
‫‪ 2019‬جمعيــة عتيــد واملنظمــة الدوليــة للتقريــر عــن الديمقراطيــة‪.‬‬
‫‪337‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫هــذا فضــا عــن وجــود بعــض األدوات األخــرى التــي تمكــن مــن إدارة عــدة حســابات‬
‫مختلفــة علــى املنصــات االجتماعيــة وتعمــل علــى نشــر املنشــورات فــي مواعيــد محــددة‬
‫‪1‬‬

‫وتســهل مــن مهمــة ربــط املوقــع بشــبكات التواصــل االجتماعــي وتعــود بالتقاريــر التــي‬
‫تعكــس أداء املوقــع‪.‬‬
‫وفــي هــذا اإلطــار تجــدر اإلشــارة إلــى أنّ شــركة «فايســبوك» مثــا وفــي اطــار‬
‫الحــرص علــى احتــرام مبــدأ الشــفافية وعــدم التدخــل فــي االنتخابــات توفــر مكتبــة‬
‫إعالنــات‪ 2‬تشــمل سـ ً‬
‫ـجل لجميــع املنشــورات السياســية املروجــة الســابقة والحاليــة لــكل‬
‫صفحــة مــع إمكانيــة أن يقــدم تقري ـ ًرا مفصـ ًـا مت ًاحــا للعمــوم يســمح ألي شــخص مــن‬
‫«استكشــاف وفلتــرة وتنزيــل بيانــات اإلعالنــات ذات الصلــة بالقضايــا االجتماعيــة‬
‫واالنتخابــات والسياســة‪ ،‬واالطــاع علــى إجمالــي املبالــغ التــي تــم إنفاقهــا‪ ،‬وحجــم‬
‫اإلنفــاق حســب معلنــن محدديــن وبيانــات اإلنفــاق حســب املوقــع الجغرافــي‪ ،‬إ ّال أنّــه‬
‫علــى مــا يبــدو فــإنّ هــذه الخدمــة غيــر متوفــرة بصفــة مناســبة بالنســبة لتونــس‪.3‬‬
‫ـص الفصل ‪ 68‬منه أنّه «تســري‬ ‫وبالرجــوع إلــى القانــون االنتخابــي وفــي هــذا الخصوص نـ ّ‬
‫كافــة املبــادئ املنظمــة للحملــة علــى أي وســيلة إعــام إلكترونــي وأي رســالة موجهــة للعموم‬
‫عبر وســائط إلكترونية تهدف للدعاية االنتخابية أو املتعلقة باالســتفتاء‪ .‬وتســري أيض ًا على‬
‫املواقــع االلكترونيــة الرســمية ملنشــآت االتصــال الســمعي والبصــري وتقــوم الهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالتصال الســمعي والبصري بمراقبة ذلك‪ ».‬وهو ما يشــابه ما نصت عليه املجلة‬
‫االنتخابيــة الفرنســية‪ 4‬وقــد اشــترطت الهيئــة بالنســبة إلــى الوســائط اإلشــهارية اإللكترونية‬
‫مـ ّد الهيئــة بمــا ُيثبــت تح ّمــل املترشــح لنفقــات دعــم الصفحــات اإللكترونيــة أو الترويــج لها‪.‬‬
‫يالحــظ مــن خــال هــذ األحــكام أنّ املشــرع وكذلــك التراتيــب الصــادرة عــن الهيئــة لــم‬
‫تــول هــذه التقنيــات اإللكترونيــة لإلشــهار السياســي األهميــة الالزمــة‪ ،‬خاصــة حــن‬
‫يتعلــق األمــر بحمــات منظمــة وممنهجهــة علــى وســائل التواصــل االجتماعــي تشــمل‬
‫العديــد مــن الصفحــات حتــى غيــر السياســية منهــا فــي نفــس الوقــت وهــو مــا طــرح‬
‫العديــد مــن التســاؤالت‪ ،‬فــي االنتخابــات التشــريعية والرئاســية لســنة ‪ ،2019‬حــول‬

‫‪1. Buffer‬‬ ‫‪ Hootsuite‬و‬


‫? ‪2. Qu’est-ce que la bibliothèque publicitaire Facebook et comment y faire des recherches‬‬
‫‪https://www.facebook.com/ads/archive.‬‬

‫‪ .3‬انظــر التقريــر حــول مراقبــة الحمــات االنتخابيــة علــى وســائل التواصــل االجتماعــي االنتخابــات التشــريعية‬
‫والرئاســية ‪ ،2019‬جمعيــة عتيــد واملنظمــة الدوليــة للتقريــر عــن الديمقراطيــة‪.‬‬
‫‪4. Article L48-1du code électoral français " Les interdictions et restrictions prévues par le présent‬‬
‫‪code en matière de propagande électorale sont applicables à tout message ayant le caractère de‬‬
‫‪propagande électorale diffusé par tout moyen de communication au public par voie électronique ".‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪338‬‬

‫مــدى تمكــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات مــن مراقبــة هــذه التقنيــات الجديــدة‬
‫لإلشــهار السياســي ومــدى قــدرة القاضــي االنتخابــي علــى تطويــر فقــه قضائــه‬
‫تحجــر‬
‫للتــاؤم معهــا‪ .‬وهــو يتطلــب ادراج أحــكام جديــدة ضمــن القانــون االنتخابــي ّ‬
‫بصفــة صريحــة هــذه املمارســات وتم ّكــن الهيئــة مــن إحــكام الســيطرة علــى هــذا النــوع‬
‫مــن االشــهار السياســي‪ ،‬فضــا علــى ضــرورة ســعي الهيئــة ملراقبــة مواقــع التواصــل‬
‫االجتماعــي إلثبــات وقــوع املخالفــة أوال واتخــاذ التدابيــر الالزمــة مــع الشــركات‬
‫املعنيــة لحــذف الصفحــة عنــد االقتضــاء لوضــع حــ ّد لهــذا االشــهار السياســي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬عدم وضوح مضمون االشهار السياسي‬

‫إلــى جانــب اعتمــاد أســاليب وتقنيــات التســويق التجــاري فقــد ع ـ ّرف املشــرع االشــهار‬
‫السياســي خاصــة مــن خــال مضمونــه أو الهــدف منــه إذ ب ّيــن أ ّنــه يهـــــــــــــدف إلــى‬
‫الترويــج لشــخص أو ملوقــف أو لبرنـــــامج أو لحــزب سياســــــــي‪ ،‬بغــرض استمالــــــــة‬
‫الناخبيــــــــن أو التأثيــــر فــي ســلوكهم واختياراتهــم‪.‬‬
‫مــا يالحــظ مــن خــال هــذا التعريــف أنــه لــم ينصــص صراحــة علــى إمكانيــة أن يكــون‬
‫االشــهار السياســي غيــر مباشــر أو املقنــع (‪ )1‬وهــو مــا حــدا بالقاضــي االنتخابــي إلــى‬
‫اعتمــاد تأويــل مضيــق ملضمــون االشــهار السياســي(‪.)2‬‬

‫‪ .1‬افتقار املفهوم القانوني لإلشهار السياسي غير املباشر أو املقنع‬

‫بالرجــوع إلــى تعريــف االشــهار السياســي فــي القانــون االنتخابــي يتبــن أنــه لــم ينــص‬
‫صراحة على أن االشــهار السياســي يمكن أن يكون بصفة غير مباشــرة وذلك على خالف‬
‫تعريــف اإلشــهار التجــاري إذ يعــرف الفصــل ‪ 35‬مــن القانــون عــدد ‪ 40‬لســن ‪ 1998‬املــؤرخ‬
‫فــي ‪ 2‬جــوان ‪ 1998‬املتعلــق بطــرق البيــع واالشــهار التجــاري االشــهار بأ ّنــه» تعتبر إشــهارا‬
‫علــى معنــى هــذا القانــون كل عمليــة اتصــال تهــدف بصفــة مباشــرة أو غيــر مباشــرة إلــى‬
‫تنميــة بيــع منتوجــات أو إســداء خدمــات مهمــا كان املــكان أو وســائل االتصــال املعتمــدة»‪.‬‬
‫وبالرجــوع إلــى القــرار املــؤرخ فــي ‪ 3‬ســبتمبر ‪ 2011‬املتعلــق بضبــط قواعــد وإجــراءات‬
‫الحملــة االنتخابيــة يتبــن أنــه تع ـ ّرض إلــى الدعايــة االنتخابيــة املقنعــة واالشــهار املقنــع‬
‫نــص الفصــل ‪ 4‬علــى أنــه تعــ ّد دعايــة انتخابيــة مقنّعــة تمريــر قائمــة مترشــحة أو‬ ‫إذ ّ‬
‫‪339‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫مترشــح بصــورة متواتــرة مرتــن أو أكثــر فــي اليــوم الواحــد عبــر قنــاة تلفزيــة أو إذاعيــة‬
‫وذلــك ســواء ضمــن البرامــج الحواريــة ذات املضمــون السياســي أو ضمــن املســاحات‬
‫املخصصــة ملتابعــة نشــاط األحــزاب والفعاليــات السياســية أو أثنــاء النشــرات اإلخباريــة‪.‬‬‫ّ‬
‫كمــا اقتضــى الفصــل ‪ 5‬منــه أنــه يحجــر علــى وســائل اإلعــام العموميــة أو الخاصــة‬
‫اللجــوء إلــى اإلشــهار املقنــع خــال الحملــة االنتخابيــة أو خــال الفتــرة املمت ـ ّدة بــن ‪12‬‬
‫ســبتمبر وتاريــخ انطــاق الحملــة وذلــك مــن خــال التســويق لحــزب معــن أو ملترشــح‪.‬‬
‫وإنّ اعتمــاد املشــرع هــذا التوجــه املتمثــل فــي عــدم التنصيــص علــى االشــهار‬
‫السياســي غيــر املباشــر أو املقنــع فتــح البــاب أمــا التأويــل واالجتهــاد حــول انــدراج‬
‫بعــض املمارســات ضمــن االشــهار السياســي خاصــة فيمــا يتعلــق باإلشــهار‬
‫السياســي عبــر وســائل االعــام مثــل الظهــور املفــرط ملترشــحني فــي وســائل‬
‫االعــام للحديــث عــن مضمــون غيــر انتخابــي أو االشــهار السياســي للحــزب‪.‬‬
‫ويذكــر فــي هــذا اإلطــار أنــه بمناســبة االنتخابــات الرئاســية لســنة ‪ 2014‬عمــدت شــركة‬
‫إشــهار خــال الفتــرة الفاصلــة بــن اإلعــان عــن نتائــج الــدورة األولــى لالنتخابــات‬
‫الرئاســية وقبــل انطــاق الحملــة االنتخابيــة للــدورة الثانيــة من نفــس االنتخابــات إلى تركيز‬
‫معلقــات فــي العديــد مــن الشــوارع الرئيســية للعاصمــة وضواحيهــا تضمنــت العبــارات‬
‫التاليــة «الفقــر املؤقــت الوســخ املؤقــت والعنــف املؤقــت»‪ .‬وقــد الهيئــة قـ ّدرت أنّ مثــل هــذه‬
‫العبــارات تتضمــن إشــارة ضمنيــة إلــى املترشــح للــدور الثانــي وتمثــل تبعــا لذلــك إشــهارا‬
‫سياســيا واتخــذت تبعــا لذلــك قــرارا بإزالــة املعلقــات املذكــورة‪ ،‬كمــا يالحــظ أنّ الهيئــة‬
‫العليــا لالتصــال الســمعي والبصــري وفــي إطــار ممارســتها لصالحياتهــا الرقابيــة علــى‬
‫وســائل االعــام الســمعية والبصريــة اعتمــدت تأويــا موســعا لإلشــهار السياســي ومثــال‬
‫ذلــك أنهــا اســتندت فــي بعــض فــي قراراتهــا إلــى أنّ ثبــوت ارتــكاب مترشــح بصفتــه‬
‫رئيــس قائمــة حزبيــة لإلشــهار السياســي املكثــف «ولدعايــة انتخابيــة غيــر مباشــرة مكثفة»‬
‫تمثلــت فــي أخــذ الكلمــة فــي إذاعــة ملــدة ‪ 67‬ســاعة و‪ 16‬دقيقــة خــال الحملــة االنتخابيــة‬
‫التشــريعية يتضمــن دعايــة انتخابيــة غيــر مباشــرة ويضمــن الترويــج لبرنامجــه االنتخابي‪.1‬‬

‫‪ .1‬الحكــم االســتئنافي عــدد ‪ 20194017‬بتاريــخ ‪ 18‬أكتوبــر ‪« 2019‬وحيــث يتبــن بالرجــوع إلــى قــرار الهيئــة العليــا‬
‫املســتقلة لالنتخابــات املــؤرخ فــي ‪ 9‬أكتوبــر ‪ 2019‬والقاضــي باإللغــاء الكلــي لنتائــج قائمــة حــزب‪ ...‬فــي دائــرة بــن‬
‫عــروس االنتخابيــة أنــه اتخــذ باالســتناد إلــى ثبــوت ارتــكاب املترشــح‪ ...‬بصفتــه رئيــس قائمــة حــزب‪ ...‬املترشــحة‬
‫فــي تلــك الدائــرة لإلشــهار السياســي املكثــف ولدعايــة انتخابيــة غيــر مباشــرة مكثفــة تمثلــت فــي أخــذ الكلمــة فــي‬
‫إذاعــة القــران الكريــم ملــدة ‪ 67‬ســاعة و‪ 16‬دقيقــة خــال الحملــة االنتخابيــة التشــريعية بمــا تضمــن ذلــك مــن ترويــج‬
‫لبرنامجــه االنتخابــي وذلــك بمعــ ّدل ‪ 3‬ســاعات و‪ 19‬دقيقــة يوميــا خــال كامــل فتــرة الحملــة االنتخابيــة وفــق مــا‬
‫تضمنــه تقريــر الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي البصــري املتعلــق بالخروقــات الجســيمة املســجلة فــي تغطيــة الحملــة‬
‫االنتخابيــة مــن قبــل إذاعــة ‪ ...‬وتقريرهــا املتعلــق برصــد مخالفــات ضوابــط الصمــت االنتخابــي لالنتخابــات التشــريعية‬
‫ليومــي ‪ 5‬و‪ 6‬أكتوبــر ‪ 2019‬وتقريرهــا املتعلــق بمــدة البــث ومــدة أخــذ الكلمــة فــي إذاعــة‪ ...‬خــال الحملــة االنتخابيــة»‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪340‬‬

‫كمــا أصــدرت الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي البصــري قــرارات بمعاقبــة أحــد‬
‫املؤسســات اإلعالميــة مــن أجــل بــث روبورتاجــات تتضمــن دعايــة وتســويقا لصــورة‬
‫صاحبهــا‪ 1‬وهــو مــا يوضــح مفهــوم االشــهار بالنســبة لهــذه الهيئــة التعديليــة‪ ،‬إ ّال أنّ‬
‫قاضــي النتائــج لــم يســاير هــذا التوجــه واعتمــد تأويــا مضيقــا لإلشــهار السياســي‪.‬‬

‫‪ .2‬اعتمــاد القاضــي االنتخابــي تأويــا مضيقــا ملضمــون االشــهار‬


‫السياســي‬

‫اعتمــد القاضــي االنتخابــي مفهومــا ما ّديــا لإلشــهار السياســي وهــو مــا يتماشــى‬
‫والتعريــف املنصــوص عليــه بالقانــون االنتخابــي إذ اعتبــر أنّ «الدعايــة املحجــرة‪...‬‬
‫تتمثــل فــي كل نشــاط يهــدف للتعريــف بالحــزب وحــثّ الناخبــن علــى التصويــت لــه»‪.2‬‬
‫وباالطــاع علــى فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة يتبــن أنّ القاضــي االنتخابــي اعتمــد‬
‫تأويــا مضيقــا ملضمــون االشــهار السياســي فــي العديــد مــن الحــاالت ومــن بينهــا‪:‬‬
‫• توجيــه الدعــوة إلــى عمــوم الناخبــن لح ّثهــم للذهــاب إلــى صناديــق االقتــراع ال يع ـ ّد‬
‫إشــهارا سياســيا‪:‬‬
‫وعلــى هــذا األســاس اعتبــرت املحكمــة أنّ توجيــه الدعــوة إلــى عمــوم الناخبــن لح ّثهــم‬
‫للذهــاب إلــى صناديــق االقتــراع ال يعــ ّد إشــهارا سياســيا طاملــا لــم يتضمــن توجيهــا‬
‫للناخبــن للتصويــت لفائــدة املترشــح أو القائمــة الحــزب املترشــحة «وحيــث أنــه‬
‫بالتثبــت فــي مضمــون الومضــة التحسيســية التــي قامــت بهــا زوجــة رئيــس حــزب‪...‬‬
‫فــي ‪ 4‬أكتوبــر ‪ 2019‬أي قبــل يــوم الصمــت املوافــق ليــوم ‪ 5‬أكتوبــر ‪ 2019‬واملضمنــة‬
‫بقــرار هيئــة االتصــال الســمعي البصــري املنشــور بموقعهــا الرســمي‪ ،‬يتبــن أنهــا‬
‫دعــوة موجهــة إلــى عمــوم الناخبــن لح ّثهــم للذهــاب إلــى صناديــق االقتــراع ولــم تكــن‬
‫موجهــة لهــم للتصويــت لفائــدة قائمــة الحــزب املترشــحة بالدائــرة االنتخابيــة بالقيــروان»‪.3‬‬

‫‪ .1‬قرار مجلــس الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري عــدد ‪ 2020 18‬بتاريــخ ‪ 24‬جــوان ‪ ،2020‬تســليط‬
‫خطيــة ماليــة ضــد القنــاة التلفزيــة الخاصــة “‪ ”...‬قدرهــا أربعــون ألــف دينــار (‪ 40.000‬د) مــن أجل تواصــل بــث تقاريــر‬
‫تتضمــن دعايــة وتســويقا لصــورة صاحبهــا‪ ...،‬كمــا قــرر املجلــس عــدم إعــادة بــث هــذه املضامــن أو اســتغالل جــزء‬
‫منهـ�ا وسـ�حبها مـ�ن املوقـ�ع اإللكترونـ�ي الرسـ�مي للقنـ�اة ومـ�ن جميع صفحـ�ات التواصـ�ل االجتماعـ�ي التابعـ�ة لهـ�ا‪.‬‬

‫‪ .2‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194073‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪2019‬‬


‫‪ .3‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194009‬بتاريخ ‪ 17‬أكتوبر ‪2019‬‬
‫‪341‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫• عــدم حضــور عضــو القائمــة فــي وســيلة اإلعــام للدعايــة لشــخصه ولقائمته واملشــروع‬
‫الــذي يتبنــاه ينفــي عنــه القيام بإشــهار سياســي‪.‬‬
‫وقــد اســتندت املحكمــة إلــى عــدم ثبــوت حضــور املترشــح أو عضــو القائمــة بنفســه فــي‬
‫االعــام «وحيــث أنّ العقــاب املالــي الــذي تــم تســليطه علــى قنــاة «‪ »...‬مــن قبــل الهيئــة‬
‫العليــا لالتصــال الســمعي البصــري بســبب العــود فــي قيــام حــزب‪ ...‬باإلشــهار السياســي‬
‫ال يقــوم دليــا علــى ارتــكاب رئيــس قائمــة‪ ...‬بدائــرة القيــروان أو أحــد أعضائهــا ملخالفــة‬
‫انتخابيــة وذلــك لغيــاب عنصــر االســناد ضــرورة أنّــه لــم يثبــت حضــور أي منهــم فــي‬
‫تلــك الوســيلة اإلعالميــة أو أي وســيلة أخــرى للدعايــة لشــخصه ولقائمتــه واملشــروع‬
‫الــذي يتبنــاه خــارج الفتــرة والحيــز الزمنــي املســموح بهمــا فــي القانــون االنتخابــي»‪.1‬‬
‫• ظهــور منشــط مترشــح لالنتخابــات بصفــة مكثفــة فــي وســيلة إعالميــة ال يمثــل اشــهارا‬
‫سياســيا إ ّال إذا كان محتــوى تدخالتــه دعايــة انتخابيــة‪.‬‬
‫إلــى جانــب مــا تميــز بــه مفهــوم االشــهار السياســي مــن عــدم وضــوح فقــد بــرزت صعوبــة‬
‫علــى مســتوى تطبيــق القواعــد القانونيــة املتعلقــة بــه‪.‬‬

‫املبحــث الثانــي‪ :‬صعوبــة علــى مســتوى تطبيــق القواعــد‬


‫القانونيــة املتعلقة باإلشــهار السياســي‬

‫إنّ ضمــان نجاعــة القاعــدة القانونيــة ال يرتبــط فقــط بوضوحهــا ودقتهــا إنما يرتبــط ارتباطا‬
‫وثيقــا بكيفيــة تطبيــق القاعــدة القانونيــة وهــو أمــر موكــول للهيــاكل العموميــة املكلفــة قانونــا‬
‫بذلــك وهــي باألســاس فــي موضــوع الحــال الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات املكلفــة‬
‫بالســهر علــى حســن ســير كل العمليــة االنتخابيــة والهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي فيمــا‬
‫يتعلــق باإلشــهار السياســي فــي وســائل االعــام ولكــن ضمــان تطبيــق القاعــدة القانونيــة‬
‫مرتبــط أيضــا بالقاضــي االنتخابــي الذي يمثل الضمان األساســي لحســن تطبيــق القانون‪.‬‬
‫وفــي هــذا الصــدد جــرى فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة علــى أنّ الصالحيــة املخولــة‬
‫للهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات فــي إلغــاء نتائــج الفائزيــن ســواء بصفــة كليــة‬
‫أو جزئيــة تســتوجب ثبــوت ارتكابهــم ملخالفــات تتعلــق بالفتــرة االنتخابيــة ومــن‬
‫بينهــا االشــهار السياســي أو تمويــل الحملــة االنتخابيــة وتأثيــر هــذه املخالفــات‬

‫‪ .1‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194009‬بتاريخ ‪ 17‬أكتوبر ‪2019‬‬


‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪342‬‬

‫بصفــة جوهريــة وحاســمة علــى تلــك النتائــج ومساســها بــإرادة الناخبــن‪.1‬‬


‫ومــا نالحظــه مــن خــال االنتخابــات التشــريعية والرئاســية لســنة ‪ 2019‬مــن جهــة‬
‫وجــود صعوبــة علــى مســتوى اثبــات ارتــكاب مخالفــة االشــهار السياســي فــي‬
‫بعــض الحــاالت (الفقــرة األولــى) ومــن جهــة أخــرى صعوبــة تقديــر تأثيــر مخالفــة‬
‫االشــهار السياســي بصفــة جوهريــة وحاســمة علــى النتائــج (الفقــرة الثانيــة)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬صعوبة اثبات ارتكاب مخالفة االشهار‬


‫السياسي في بعض الحاالت‬

‫جــرى عمــل القاضــي االنتخابــي علــى التثبــت مــن ماد ّيــة االختــاالت امل ّدعــى بهــا وصحــة‬
‫وجودهــا وذلــك قبــل أن يتولــى تكييفهــا وتقديــر مــدى تأثيرهــا علــى نتائــج االنتخابــات‪.2‬‬
‫لقــد بــرز مــن خــال فقــه قضــاء املحكمة اإلداريــة الصــادر بمناســبة االنتخابات التشــريعية‬
‫والرئاســية لســنة ‪ 2019‬وجــود صعوبــات علــى مســتوى اثبــات ارتــكاب مخالفــة االشــهار‬
‫السياســي فــي بعــض الحــاالت ذلــك أنّ اثبــات مخالفــة االشــهار السياســي وكغيرهــا مــن‬
‫املخالفــات النتخابيــة يتطلــب فــي مرحلــة أولــى اثبــات صحــة الوقائــع التــي تأسســت عليهــا‬
‫املخالفــة (‪ )1‬ثــم تكييــف تلــك الوقائــع الثابتــة على انها إشــهار سياســي على معنــى القانون‬
‫االنتخابي‪ )2( .‬وأخيرا إثبات اســناد االشــهار السياســي لقائمة مترشــحة أو مترشــح (‪.)3‬‬

‫‪ .1‬اثبات صحة الوقائع التي تأسست عليها املخالفة‬

‫إنّ اثبــات ارتــكاب مخالفــة االشــهار السياســي يســتوجب بصفــة أوليــة إحــكام‬
‫مراقبــة الحملــة االنتخابيــة التــي يقــوم بهــا األحــزاب واملترشــحون أو القائمــات‬
‫املترشــحة بهــدف تكويــن وســائل اثبــات لهــا حجيــة يمكــن علــى أساســها اثبــات‬
‫صحــة الوقائــع التــي ســتكون أساســا لتســليط لعقوبــات القانونيــة علــى املخالفــن‪.‬‬
‫وتتميــز الرقابــة علــى مخالفــة أحــكام االشــهار السياســي بكــون الهيئــة العليــا لالتصــال‬
‫الســمعي البصــري هــي املختصــة بمراقبــة االشــهار السياســي عبــر وســائل االعــام فــي‬

‫‪ .1‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194017‬بتاريخ ‪ 18‬أكتوبر ‪2019‬‬


‫‪ .2‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194021‬بتاريخ ‪ 21‬أكتوبر ‪2019‬‬
‫‪343‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫حــن تختــص الهيئــة العليا املســتقلة لالنتخابات بمراقبة االشــهار السياســي عبر الوســائط‬
‫االشــهارية‪ ،‬وهــو مــا حــدى بالهيئــة العليا املســتقلة لالنتخابات إلى الر ّد فــي بعض القضايا‬
‫علــى املطعــن املتعلــق بعــدم اتخاذهــا لإلجــراءات القانونيــة الالزمــة بــأنّ إختصــاص مراقبة‬
‫وســائل االعالم وتســليط العقوبات عليها يرجع للهيئة العليا لالتصال الســمعي والبصري‪.1‬‬
‫إ ّال أنّ هــذه الرقابــة تطــرح كذلــك بعــض الصعوبــات األخــرى علــى مســتوى مراقبتهــا‬
‫واثبــات ارتــكاب املخالفــات مثــل اإلشــهار السياســي االلكترونــي إذ يتضــح باالطــاع‬
‫علــى بعــض األحــكام وجــود صعوبــة فــي مراقبــة واثبــات مخالفــة االشــهار السياســي‬
‫االلكترونــي فقــد اعتبــرت املحكمــة فــي إحــدى أحكامهــا أنّ توجيــه مراســلة للهيئــة للفــت‬
‫نظرهــا الرتــكاب اشــهار سياســي علــى موقــع الكترونــي ال يكفــي إلقامــة الدليــل علــى جدية‬
‫وجههــا حــزب‪ ...‬إلــى الهيئــة العليا املســتقلة لالنتخابات‬ ‫االدعــاء «وحيــث أنّ املراســلة التــي ّ‬
‫بتاريــخ ‪ 3‬أكتوبــر ‪ 2019‬للفــت نظرهــا إلــى املخالفــة املذكــورة أعــاه ال تكفــي إلقامــة الدليــل‬
‫علــى جديــة هــذا االدعــاء كمــا أنّ نائــب امل ّدعــي أدلــى أيضــا بصــورة لصفحــة مــن موقــع‬
‫الكترونــي تضمنــت شــعار «انتخــب‪ ...‬بــاش صوتــك مــا يمشــيش خســارة «دون ذكــر‬
‫عنــوان املوقــع اإللكترونــي الــذي وردت بــه أو تاريــخ نشــره أو تحديــد هويــة ناشــرها ومــدى‬
‫ارتباطهــا رســميا بالحــزب املطعــون فــي قائمتــه أو مــدى تأثيرهــا علــى إرادة الناخبــن‬
‫بالدائــرة االنتخابيــة الثانيــة لواليــة بــن عــروس بمــا يجعــل ادعاءاتــه مجــ ّردة وفاقــدة‬
‫لإلثباتــات الالزمــة ‪ ،‬ويكــون مــا تمســك نائــب امل ّدعــي بخــرق الهيئــة لألحــكام املتعلقــة‬
‫باإلشــهار السياســي فــي غيــر طريقــه‪ ،‬ويتّجــه لــذاك رفــض هــذا الفــرع مــن املطعــن»‪.2‬‬

‫‪ .2‬تكييــف الوقائــع الثابتــة علــى أنهــا اشــهار سياســي علــى معنــى‬


‫القانــون االنتخابــي‬

‫صحــة الوقائــع التــي تأسســت عليهــا مخالفــة االشــهار السياســي ال تكفــي‬ ‫إنّ اثبــات ّ‬
‫فــي حـ ّد ذاتهــا إلثبــات ارتــكاب مخالفــة االشــهار السياســي إذ يجــب تكييفهــا علــى ـــأنها‬
‫اشــهار سياســي علــى معنــى القانــون االنتخابــي‪.‬‬

‫‪ .1‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194006‬بتاريخ ‪ 23‬سبتمبر ‪2019‬‬


‫‪ .2‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194021‬بتاريخ ‪ 21‬أكتوبر ‪2019‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪344‬‬

‫مــا يالحــظ مــن خــال األحــكام املنظمــة للدعايــة بوســائل االعــام‪ 1‬أنّهــا تلــزم وســيلة‬
‫االعــام بتحجيــر االشــهار السياســي تلــزم الوســيلة اإلعالميــة دون بيــان تأثيرهــا علــى‬
‫نتائــج املترشــح‪ ،‬وهــو مــا قــد يبــدو مــن املفارقــات وقــد آل األمــر فــي بعــض الحــاالت‬
‫إلــى صــدور عقوبــة ض ـ ّد املؤسســة اإلعالميــة بســبب قيامهــا بإشــهار سياســي دون أن‬
‫تتخــذ الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات قــرارا بإلغــاء نتيجــة املترشــح املعنــي وذلــك بنــاء‬
‫علــى الســلطة التقديريــة التــي تتمتــع بهــا فــي مجــال تقديــر التأثيــر الحاســم والجوهــري‬
‫علــى النتائــج أو دون أن ينتهــي القاضــي االنتخابــي إلــى تكييفــه كإشــهار سياســي‪.‬‬
‫وقــد انتهــت املحكمــة االداريــة إلــى أنّ «تكييــف الهيئــة العليــا املســتقلة لالتصــال‬
‫الســمعي والبصــري للمخالفــات االنتخابيــة علــى النحــو الــوارد بتقريرهــا ال يقيــد‬
‫القاضــي االنتخابــي الــذي لــه صالحيــة بســط رقابتــه علــى مــدى صحــة ذلــك التكييــف»‪.2‬‬
‫وقــد ذ ّكــر القاضــي االنتخابــي فــي إحــدى القضايــا بــأنّ القــرارات الصــادرة عــن‬
‫الهيئــات املســتقلة تتمتــع بقرينــة الشــرعية‪ ،‬إ ّال أنّ ذلــك ال يتنافــى وخضوعهــا إلــى رقابــة‬
‫القاضــي اإلداري فــي خصــوص تكييــف مــا تضمنتــه مــن معطيــات ووقائــع‪ 3‬وهــو مــا‬
‫يحيلنــا إلــى التســاؤل حــول تأثيــر رقابــة الشــرعية التــي يمارســها القاضــي اإلداري‬
‫علــى طبيعــة الرقابــة التــي يمارســها القاضــي االنتخابــي فــي املــادّة االنتخابيــة‪.‬‬
‫بالرجــوع إلــى فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة يتبــن أنّ تســليط الهيئــة العليــا لالتصــال‬
‫الســمعي والبصــري لعقوبــة علــى الوســيلة اإلعالميــة التــي رصــدت مخالفتهــا لألحــكام‬
‫املتعلقــة بتحجيــر االشــهار السياســي لــم يمثــل بالنســبة للمحكمــة وســيلة اثبــات كافيــة‬
‫لقيــام املترشــح أو القائمــة املترشــحة املعنيــة بذلــك بمخالفة االشــهار السياســي إذ اعتبرت‬
‫املحكمــة «وحيــث أنّ العقــاب املالــي الــذي تــم تســليطه علــى قنــاة «‪ »...‬مــن قبــل الهيئــة‬
‫العليــا لالتصــال الســمعي البصــري بســبب العــود فــي قيــام حــزب‪ ...‬باإلشــهار السياســي‬
‫ال يقــوم دليــا علــى ارتــكاب رئيــس حــزب‪ ...‬بدائــرة القيــروان أو أحــد أعضائهــا ملخالفــة‬

‫‪ .1‬منع الفصل ‪ 29‬من القرار املشــترك بني الهيئة العليا املســتقلة لالنتخابات والهيئة العليا املســتقلة لالتصال الســمعي‬
‫والبصــري املــؤرخ فــي ‪ 2‬أوت ‪ 2019‬واملتعلــق بضبــط القواعــد الخاصــة بتغطيــة الحملــة االنتخابيــة الرئاســية والتشــريعية‬
‫بوســائل اإلعالم واالتصال الســمعي والبصري وإجراءاتها‪ ،‬توظيف املنشــآت اإلعالمية من قبل أصحابها أو املســاهمني‬
‫فيها أو من قبل ذوي العالقة الثابتة للدعاية املباشــرة أو غير املباشــرة للمترشــحني منهم أو للدعاية املضادة ملنافســيهم‪،‬‬
‫فــي حــن نـصّ الفصــل ‪ 30‬مــن نفــس القرار على التزام وســائل اإلعالم بمنع ظهور كل من ترشــح من املنشــطني ومحرري‬
‫األخبــار ومقدمــي البرامــج والصحفيــن واملســؤولني التابعــن لهــا‪ ،‬صــورة أو صوتــا‪ ،‬ببرامجهــا اإلذاعيــة والتلفزية خالل‬
‫املخصصــة للقائمــات املترشــحة‪ .‬كمــا تلتــزم بعــدم تكليــف أعوانهــا الذيــن‬
‫ّ‬ ‫الحملــة االنتخابيــة‪ ،‬وذلــك فــي غيــر املســاحات‬
‫يباشــرون مهامـ ًا تحرير ّيــة والذيــن ترشــحوا أو أعلنــوا ترشــحهم لالنتخابات بمهــام لها عالقة بالتغطيــة اإلعالمية للحملة‪.‬‬
‫‪ .2‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194053‬بتاريخ ‪ 21‬أكتوبر ‪2019‬‬
‫‪ .3‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194078‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪2019‬‬
‫‪345‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫انتخابيــة وذلــك لغيــاب عنصــر االســناد ضــرورة انّــه لــم يثبــت حضــور أي منهــم فــي‬
‫تلــك الوســيلة اإلعالميــة أو أي وســيلة أخــرى للدعايــة لشــخصه ولقائمتــه واملشــروع‬
‫الــذي يتبنــاه خــارج الفتــرة والحيــز الزمنــي املســموح بهمــا فــي القانــون االنتخابــي»‪.1‬‬
‫كمــا اعتبــرت فــي قضيــة أخــرى أ ّنــه «وحيــث يتبــن باالطــاع علــى املخالفــات التــي تـ ّم على‬
‫أساســها تســليط العقوبــات املذكــورة أعــاه أنهــا ال ترمــي إلــى التأثيــر علــى إرادة الناخبني‬
‫بحثهــم علــى التصويــت لفائــدة القائمــة املطعــون فــي نتائجهــا وهــي ال تعـ ّد بالتالي اشــهارا‬
‫سياســيا وال تقــع تحــت طائلــة التحجيــر املنصــوص عليــه باألحــكام الســالفة الذكــر»‪.2‬‬
‫ورغــم أنّ الفصــل ‪ 30‬مــن القــرار املشــترك بــن الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابات والهيئــة‬
‫العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري املــؤرخ فــي ‪ 2‬أوت ‪ 2019‬واملتعلــق بضبــط‬
‫القواعــد الخاصــة بتغطيــة الحملــة االنتخابيــة الرئاســية والتشــريعية بوســائل اإلعــام‬
‫نــص التــزام وســائل اإلعــام بمنــع‬‫واالتصــال الســمعي والبصــري وإجراءاتهــا علــى ّ‬
‫ظهــور كل مــن ترشــح مــن املنشــطني ومحــرري األخبــار ومقدمــي البرامــج والصحفيــن‬
‫واملســؤولني التابعــن لهــا‪ ،‬صــورة أو صوتــا‪ ،‬ببرامجهــا اإلذاعيــة والتلفزيــة خــال‬
‫املخصصــة للقائمــات املترشــحة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الحملــة االنتخابيــة‪ ،‬وذلــك فــي غيــر املســاحات‬
‫إ ّال أنّ املحكمــة اعتبــرت أنّ تمكــن امل ّدعــي بصفتــه مترشــحا لالنتخابــات التشــريعية‬
‫مــن الظهــور كمق ـ ّدم برامــج خــال الحملــة االنتخابيــة يع ـ ّد مخالفــة تنســب إلــى اإلذاعــة‬
‫املذكــورة ويعاقــب عليهــا وفقــا ألحــكام التشــريع املتعلــق باالتصــال الســمعي البصــري‪،‬‬
‫إ ّال أنّ ذلــك ال يكــون مبــررا إللغــاء نتيجــة االنتخابــات التــي تحصــل عليهــا إ ّال متــى اقتــرن‬
‫ظهــوره بالقيــام باإلشــهار السياســي والدعايــة االنتخابيــة بصــورة ثابتــة وأ ّدى ذلــك إلــى‬
‫التأثيــر علــى إرادة الناخبــن تأثيــرا حاســما وجوهريــا‪ .3‬ومــا يمكــن أن يعــاب علــى املحكمــة‬
‫فــي هــذا الحكــم اعتبارهــا أنّ ظهــور مقــدم برامــج يع ـ ّد مخالفــة وفقــا للتشــريع املتعلــق‬
‫باالتصــال الســمعي البصــري فــي حــن أنّــه يعــ ّد مخالفــة كذلــك علــى معنــى القواعــد‬
‫الخاصــة بتغطيــة الحملــة االنتخابيــة الرئاســية والتشــريعية بوســائل اإلعــام واالتصــال‬
‫الســمعي والبصــري املنصــوص عليهــا بالفصــل ‪ 30‬املذكــورة أعــاه‪ .‬وكأن باملحكمــة تعتبــر‬
‫املخالفــات املرتكبــة مــن وســائل االعــام منفصلــة وال تأثيــر لهــا علــى املخالفــات املرتكبــة‬
‫مــن املترشــحني بخصــوص الوقائــع ذاتهــا وهــو مــا يطــرح ســؤاال حــول الجــدوى مــن‬
‫منــع ظهــور مقــدم البرامــج املترشــح حتــى دون أن يكــون محتــوى تدخلــه دعايــة انتخابيــة‬
‫إن لــم يكــن خوفــا مــن تأثيــره علــى املشــاهد خاصــة إذا كان الظهــور بصفــة مكثفــة‪.‬‬

‫‪ .1‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194009‬بتاريخ ‪ 17‬أكتوبر ‪2019‬‬


‫‪ .2‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 2019064‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪2019‬‬
‫‪ .3‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194053‬بتاريخ ‪ 21‬أكتوبر ‪2019‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪346‬‬

‫وفــي نفــس الســياق انتهــت الجلســة العامــة القضائيــة إلــى أنّــه «بتفحــص تقريــر‬
‫الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي والبصــري يتبــن أنّ هــذه األخيــرة اســتخلصت‬
‫ارتــكاب املطعــون ض ـ ّده مخالفــة االشــهار السياســي مــن خــال توظيــف البرامــج ذات‬
‫الصبغــة الدينيــة للترويــج إلــى خيــاره السياســي والدعايــة املضــادة دون بيــان الصلــة‬
‫بــن املخالفــة املرتكبــة مــن ناحيــة والترويــج لشــخص املطعــون ض ـ ّده أو خيــارات حزبــه‬
‫أو برنامجــه الحزبــي ومضمــون الدعايــة املضــادة واألطــراف املعنيــة بهــا مــن ناحيــة‬
‫أخــرى خاصــة وأنــه بالرجــوع إلــى تقريــر وحــدة الرصــد الــذي اســتند إليــه تقريــر‬
‫الهيئــة يتبــن أنّ مضمــون التســجيالت الصوتيــة املصنفــة حســب املوضــوع لــم تتضمــن‬
‫أيــة إشــارة إلــى توظيــف برامــج للدعايــة للمترشــح أو حزبــه أو الدعايــة املضــادة‬
‫شــأنه فــي ذلــك شــأن مضمــون الومضــة االعالنيــة التــي تــم بثهــا يومــي ‪ 5‬و‪ 6‬أكتوبــر‬
‫‪ 2019‬بالتواتــر وملــدة ‪ 24‬مــرة طــوال الظهيــرة تحــت عنــوان «أيــن أنــت يــا شــعب»‪.1‬‬
‫مــن خــال األمثلــة التــي تــم اســتعراضها أعــاه يمكــن أن نســتنتج أنّ تكييــف‬
‫الوقائــع الثابتــة علــى أنهــا إشــهار السياســي علــى معنــى القانــون االنتخابــي يخضــع‬
‫للســلطة تقديريــة للهيئــة العليــا املســتقلة للســمعي والبصــري والهيئــة العليــا املســتقلة‬
‫لالنتخابــات إ ّال أنّ التكييــف الــذي يلــزم جميــع األطــراف هــو التكييــف الــذي يقــوم‬
‫بــه القاضــي االنتخابــي عنــد ممارســته الرقابــة القضائيــة علــى كل هــذه العمليــة‪.‬‬

‫‪ .3‬إثبات اسناد االشهار السياسي لقائمة مترشحة او مترشح‬

‫يمثــل اثبــات عنصــر االســناد أحــد اإلشــكاليات أو الصعوبــات التــي يطرحهــا االشــهار‬
‫السياســي فإلــى جانــب اثبــات الوقائــع وتكييفهــا علــى أنهــا اشــهار سياســي علــى معنــى‬
‫القانون االنتخابي فإنّه يجب اثبات أنّ هذا االشهار يسند إلى مترشح معني أو قائمة معينة‪.‬‬
‫وقــد بــرز هــذا الشــرط فــي فقــه القضــاء منــذ ســنة ‪ 2014‬إذ انتهــت املحكمــة إلــى رفــض‬
‫املطعــن بخصــوص تولــي قائمــة مترشــحة توجيــه ارســاليات قصيــرة تدعــو فيهــا املواطنــن‬
‫للتصويــت لفائدتهــا مســتندة إلــى «أنّ مــا تمســك بــه نائــب امل ّدعــي مــن ورود إرســالية‬
‫قصيــرة علــى الهاتــف الجــوال إلحــدى الناشــطات غيــر املنخرطــات بالحــزب مــن الهاتــف‬
‫الجــوال رقــم‪ ،...‬ال ينهــض دليــا قاطعــا علــى نســبة رقــم الهاتــف الجــوال الصــادرة‬
‫منــه االرســالية إلــى الحــزب ممــا يجعــل ادعــاءه مجــ ّردا وفاقــدا لإلثباتــات الالزمــة»‪.2‬‬

‫‪ .1‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي نزاعــات نتائــج االنتخابــات التشــريعية فــي‬
‫القضيتــن عــدد ‪ 20195023‬و‪ 20195929‬بتاريــخ ‪ 4‬نوفمبــر ‪2019‬‬
‫‪ .2‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 201420018‬بتاريخ ‪ 8‬نوفمبر ‪2014‬‬
‫‪347‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وقــد انتهــت املحكمــة لعــدم ثبــوت ارتــكاب قائمــة إلشــهار سياســي عبــر وســائل‬
‫االعــام رغــم ثبــوت قيــام الحــزب الــذي ترشــحت باســمه بتلــك املخالفــة وذلــك‬
‫لغيــاب عنصــر االســناد ضــرورة انّــه لــم يثبــت حضــور أي منهــم فــي تلــك الوســيلة‬
‫اإلعالميــة أو أي وســيلة أخــرى للدعايــة لشــخصه ولقائمتــه واملشــروع الــذي‬
‫يتبنــاه خــارج الفتــرة والحيــز الزمنــي املســموح بهمــا فــي القانــون االنتخابــي‪.1‬‬
‫كما اعتبرت الجلســة العامة القضائية بمناســبة نزاع طرح عليها في نزاعات نتائج الدورة‬
‫األولــى لالنتخابــات الرئاســية أنــه « بالرجــوع إلــى محضــر معاينــة الصفحــة املفتوحة على‬
‫مواقــع التواصــل االجتماعــي تحــت اســم «شــباب تونــس» املدلــى بــه مــن الطاعــن واملحــرر‬
‫مــن عــدل التنفيــذ‪ ،...‬أنهــا جــاءت بتاريــخ الحــق لإلعــان عــن النتائــج األوليــة لالنتخابــات‬
‫الرئاســية‪ ،‬عــاوة علــى أنــه لــم يثبــت مــن مضمــون املعاينــة وجود عالقــة بني املطعــون ض ّده‬
‫الثانــي والصفحــة االلكترونيــة املحتــج بهــا‪ ،‬بمــا يجعــل الحجــة املقدمــة واهيــة ومجـ ّردة»‪.2‬‬
‫وقــد طرحــت علــى املحكمــة االداريــة بمناســبة الطــور االبتدائــي لالنتخابــات التشــريعية‬
‫واقعــة تمثــل فــي تمســك امل ّدعــن فــي ع ـ ّدة قضايــا متشــابهة مــن حيــث الوقائــع تمثلــت‬
‫فــي قيــام حــزب بالدعايــة االنتخابيــة بعديــد الصفحــات االلكترونيــة مثــل موقــع الكترونــي‬
‫معــروف وكذلــك بالصفحــات االشــهارية املدعمــة عبــر شــبكات التواصــل االجتماعــي‬
‫وهــو مــا يع ـ ّد وفــق الجهــات امل ّدعيــة مــن قبيــل االشــهار السياســي‪ .‬وقــد دفعــت الهيئــة‬
‫العليــا املســتقلة لالنتخابــات فــي تلــك القضايــا بأنــه تـ ّم رصــد االشــهارات علــى صفحــات‬
‫التواصــل االجتماعــي واملوقــع االلكترونــي املذكــور وفــق مــا بينــه جــدول وحــدة الرصــد‬
‫التــي عاينــت تلــك املواقــع غيــر أنّ ركــن اســناد تلــك املخالفــة لحــزب‪ ...‬لــم يتوفــر األمــر‬
‫الــذي ال يم ّكــن الهيئــة مــن إعمــال مقتضيــات الفصــل ‪ 143‬مــن القانــون االنتخابــي ال سـ ّيما‬
‫وأنّ جملــة اإلخــاالت املثــارة لــم تؤثــر علــى النتائــج كمــا أنّ الطاعن لــم يبني أوجــه تأثيرها‪.‬‬
‫ومــا يســترعي االنتبــاه فــي القضايــا املذكــورة وجــود بعــض االختــاف فــي املواقــف بــن‬
‫الدوائــر االســتئنافية ويمكــن تقســيمها إلــى موقفــن‪:‬‬
‫إذ اســتند املوقــف األول علــى ضــرورة اثبــات اســناد مخالفــة االشــهار السياســي‪،‬‬
‫حيــث اشــترطت الدائــرة الثامنــة فــي القضيــة عــدد ‪ 20194021‬تحديــد هويــة ناشــر‬
‫الصفحــة االلكترونيــة ومــدى ارتباطــه رســميا بالحــزب املطعــون فــي قائمتــه وهــو مــا‬
‫يطــرح إشــكالية اثبــات هويــة الناشــر علــى صفحــات التواصــل االجتماعــي ومــدى‬
‫قــدرة الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات واملترشــحني املتنافســن علــى كشــفها‪.‬‬

‫‪ .1‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194009‬بتاريخ ‪ 17‬أكتوبر ‪.2019‬‬


‫‪ .2‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة فــي مــا ّدة نزاعــات الــدورة األولــى لالنتخابــات الرئاســية تحــت عــدد‬
‫‪ 20195001‬والقــرار عــدد ‪ 20195002‬بتاريــخ ‪ 30‬ســبتمبر ‪.2019‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪348‬‬

‫كمــا انتهــت الدائرتــان االســتئنافيتان التاســعة والعاشــرة فــي القضايــا عــدد ‪940251201‬‬
‫و‪ 94026201‬و‪ 20194027‬و‪ 20194028‬و‪ 94029201‬و‪ 20194030‬إلى أنّ توجيه مراسلة للهيئة‬
‫يعلمها بموجبها بالخروقات التي ارتكبها حزب منافس على شــبكات التواصل االجتماعي‬
‫والصفحــات االشــهارية املدعمــة دون تقديــم مــا يفيــد توصــل الهيئــة بــه فــي تاريــخ ثابــت‬
‫وصــورة تجســم شــعار الحــزب املذكــور دون بيان املوقــع االلكتروني املســتخرجة منه يفتقر‬
‫لإلثباتــات الالزمــة علــى إتيــان الحــزب باملخالفــات املذكــورة وال يرتقــي إلى الحجــج الجدية‬
‫حتــى يتســنى للمحكمــة بســط رقابتهــا علــى املخالفــات وتقديــر مــدى تأثيرهــا علــى النتائج‪.‬‬
‫كمــا اتخــذت الدائــرة االســتئنافية الثانيــة والرابعــة نفــس التوجــه فــي القضايــا عــدد‬
‫‪ 20194032‬و‪ 94033201‬و‪ 20194039‬و‪ 20194040‬و‪ 20194043‬مــع إضافــة أن الجهــة املدعيــة‬
‫لــم تدعــم طلباتهــا بمحضــر معاينــة محــرر مــن قبــل عــدل منفــذ يختــص بوصفــه مأمــورا‬
‫عموميــا بالقيــام بأعمــال املعاينــة والتبليــغ والتنفيــذ املناطــة بعهدتــه قانونــا أو بتقريــر‬
‫رســمي مع ـ ّد مــن أحــد املالحظــن‪.2‬‬
‫أمــا الدائــرة االســتئنافية السادســة فقــد اعتبــرت فــي القضيتــن عــدد ‪ 20194035‬وعــدد‬
‫‪ 20194036‬واملتعلقــة بنفــس الوقائــع بــأنّ املراســلة املذكــورة تع ـ ّد مــن قبــل الحجــج التــي‬
‫كونهــا بنفســه ولخاصــة نفســه وال يمكــن االعتــداد بهــا فــي ظــل خلــو أوراق امللــف م ّمــا‬
‫صحتهــا‪ ،‬كمــا أنّ الصــور مــن مقــاالت املســتخرجة مــن صفحــات الكترونيــة‬ ‫يدعــم ّ‬
‫غيــر ثابتــة املصــدر والتاريــخ وال شــيء بــأوراق امللــف يدعــم صدورهــا عــن صفحــات‬
‫رســمية لتكــون جديــرة باالعتمــاد مــن قبــل املحكمــة‪ ،‬وال تتضمــن أي إشــارة دالــة علــى‬
‫نســبتها إلــى حــزب قائمــة حركــة النهضــة وقائمتــه املطعــون فــي نتائجهــا ورئيســتها‬
‫واألعضــاء املنتســبني إليهــا أو اثبــات االســتفادة منهــا وال يمكــن ان ترتقــي بالتالــي‬
‫إلــى الحجــج التــي مــن شــأنها ان تقطــع بثبــوت املخالفــة االنتخابيــة املدعــى ارتكابهــا‪.‬‬
‫ولئــن اختلفــت الدوائــر االســتئنافية املذكــورة أعــاه جزئيــا فــي تعليــل موقفهــا إ ّال أنّ‬
‫موحــدا مــن حيــث اشــتراط اثبــات عنصــر االســناد‪.‬‬ ‫املوقــف يبقــى ّ‬
‫أمــا املوقــف الثانــي وهــو املوقــف الــذي انتهــت إليــه الدائــرة االســتئنافية الثالثــة فــي‬
‫القضايــا عــدد ‪ 94023201‬و‪ 20194024‬و‪ 20194042‬فيتمثــل فــي أنّ «عــدم ثبــوت‬
‫انتســاب مخالفــة اســتعمال موقــع الكترونــي للدعايــة علــى النحــو املبــن أعــاه‬
‫إلــى حــزب حركــة النهضــة‪ ،‬ال ينفــي عنهــا أنهــا اســتفادت مــن ال ّدعايــة االنتخابيــة‬
‫املذكــورة‪ ،‬ال س ـ ّيما وأنهــا لــم تثبــت اعتراضهــا علــى مــا يــر ّوج لفائدتهــا مــن شــعارات‬

‫‪ .1‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194025‬والحكم االستئنافي عدد ‪ 20194026‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪2019‬‬


‫‪ .2‬أضافــت املحكمــة فــي القضيتــن عــدد ‪ 20194039‬و‪« 20194040‬أو غيرهــم مــن املشــاركني فــي الحملــة االنتخابيــة»‪.‬‬
‫‪349‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫علــى املوقــع االلكترونــي «‪ »...‬وبالتالــي تعتبــر‪ ...‬بمالزمتهــا الصمــت واتخاذهــا‬


‫موقفــا ســلبيا إزاء مــا ينشــر لفائدتهــا‪ ،‬قــد انتفعــت مــن توظيــف املوقــع املذكــور‪،‬‬
‫وهــو مــا يعــ ّد انتفاعــا بخدمــات إعالميــة واشــهارية خــال الحملــة االنتخابيــة‪.‬‬
‫أسســت إحــدى‬ ‫ويبــدو أنّ الجلســة العامــة القضائيــة تبنــت املوقــف األول باعتبــار أنهــا ّ‬
‫قرارتهــا علــى أنــه «لــم يثبــت مــن مضمــون املعاينــة وجــود عالقــة بــن املطعــون ض ـ ّده‬
‫الثانــي والصفحــة االلكترونيــة املحتــج بهــا‪ ،‬بمــا يجعــل الحجــة املقدمــة واهيــة ومجـ ّردة»‪.1‬‬
‫وتبقــى مســألة اثبــات االســناد مثيــرة للعديــد من النقاشــات علــى املســتوى القانوني خاصة‬
‫مــع وجــود صعوبــة حقيقــة في اثباتهــا وهو ما يجعلنا نفكر في إمكانيــة اعتماد الحلول مثل‬
‫عدم اثبات االســناد في صورة توفر قرائن متضافرة تفضي إلى اثبات اســتعمال املترشــح‬
‫أو القائمــة لإلشــهار السياســي مثــل الحمــات املنظمــة على وســائل التواصــل االجتماعي‪.‬‬
‫إلــى جانــب صعوبــة اثبــات هــذه املخالفــة يطــرح االشــهار السياســي صعوبــة أخــرى علــى‬
‫مســتوى التطبيــق تتمثــل فــي تقديــر تأثيــر املخالفــة بصفــة جوهريــة وحاســمة علــى النتائج‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬صعوبة تقدير تأثير مخالفة االشهار السياسي‬


‫بصفة جوهرية وحاسمة على النتائج‬

‫إنّ ارتــكاب مخالفــة االشــهار السياســي مــن طــرف حــزب أو مترشــح او قائمــة مترشــحة‬
‫علــى فــرض ثبوتهــا ال تكفــي فــي ح ـ ّد ذاتهــا للتأثيــر علــى نتائــج االنتخابــات إذ اشــترط‬
‫الفصــل ‪ 143‬مــن القانــون االنتخابــي أنّــه ﻳﻤﻜﻦ للهيئــة أن ﺗﻘ ّﺮر إﻟﻐﺎء ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻟﻔﺎﺋﺰﻳﻦ إذا‬
‫ﺗﺒﻴﻦ ﻟﻬﺎ أن ﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻬﻢ ﻟﻬﺬه اﻷﺣﻜﺎم أ ّﺛﺮت ﻋﻠﻰ ﻧﺘﺎﺋﺞ اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت ﺑﺼﻔﺔ ﺟﻮﻫﺮﻳﺔ وﺣﺎﺳﻤﺔ‪.‬‬
‫وقــد اعتبــرت املحكمــة اإلداريــة أنّ تقديــر مــا ينجــ ّر عــن املخالفــات املتعلقــة بالعمليــة‬
‫االنتخابيــة مــن آثــار ومــدى انعــكاس ما يترتــب عنها على نتيجــة التصويت يعــود إلى تقدير‬
‫القاضــي الــذي يرجــع لــه وبحســب مــا تتوفــر لديــه من معطيــات وقرائــن اســتخالص اآلثار‬
‫القانونيــة منهــا والتــي يمكــن أن تطــال تعديــل النتائــج االنتخابيــة فــي صــورة التحقــق مــن‬
‫مــدى تأثيــر تلــك املخالفات وبشــكل حاســم علــى إرادة الناخــب وبالتبعية نتائــج التصويت‪.2‬‬

‫‪ .1‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة فــي مــا ّدة نزاعــات الــدورة األولــى لالنتخابــات الرئاســية تحــت عــدد‬
‫‪ 20195001‬والقــرار عــدد ‪ 20195002‬بتاريــخ ‪ 30‬ســبتمبر ‪.2019‬‬
‫‪ .2‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194078‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪2019‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪350‬‬

‫وأمــام مــا يســتوجه تقديــر التأثيــر الجوهــري والحاســم الرتــكاب مخالفــة االشــهار‬
‫السياســي علــى النتائــج حــرص القاضــي االنتخابــي علــى إعمــال معاييــر‬
‫موضوعيــة وهــو مــا حــدى بــه فــي بعــض الحــاالت إلــى البحــث عــن وســائل فنيــة‬
‫لقيــس تأثيــر االشــهار السياســي علــى الناخبــن (‪ )1‬كمــا طرحــت فــي بعــض‬
‫القضايــا صعوبــة مــن حيــث تقديــر تأثيــر االشــهار السياســي للحــزب علــى‬
‫نتيجــة بقيــة القائمــات املترشــحة عــن الحــزب فــي بقيــة الدوائــر االنتخابيــة (‪.)2‬‬

‫‪ .1‬حرص القاضي االنتخابي على إعمال معايير موضوعية‬

‫ال يختلــف تمشــي القاضــي االنتخابــي فــي تقدير تأثير االشــهار السياســي بصفة جوهرية‬
‫وحاســمة علــى نتائــج االنتخابــات عن التمشــي الذي يعتمده بالنســبة لتأثير بقيــة املخالفات‬
‫االنتخابية وهو ما يم ّر عبر توفر قرائن جدية وثابتة ومتواترة تفيد التأثير على إرادة الناخبني‪.‬‬
‫يعتبر قاضي النتائج في العديد من األحكام‪ 1‬أنه مستأمن على أصوات الناخبني ومن هذا‬
‫املنطلق فإنه ال يقضي بإلغاء النتائج االنتخابية إ ّال إذا تضافرت أمامه قرائن جد ّية ووقائع‬
‫ـس مــن نزاهــة العمليــة االنتخابيــة‪.‬‬
‫ثابتــة ومتواتــرة تفيــد التأثيــر علــى إرادة الناخبــن واملـ ّ‬
‫كمــا أ ّكــدت الجلســة العامــة القضائيــة بمناســبة بتّهــا فــي نزاعــات االنتخابــات‬
‫الرئاســية لســنة ‪ 2019‬علــى نفــس املوقــف «وحيــث أنّ قاضــي النتائــج مســتأمن علــى‬
‫أصــوات الناخبــن وال يقضــي بإلغائهــا ملجــ ّرد شــكوك أو وقائــع بســيطة أو محــدودة‬
‫أو متفرقــة وأنّ إلغــاء النتائــج ال يكــون ضروريــا إ ّال متــى كانــت الحجــج املقدمــة قويــة‬
‫وثابتــة ومــن شــأن االختــاالت املحتــج بهــا التأثيــر بصفــة حاســمة فــي النتائــج‪.2‬‬
‫ولتقديــر تأثيــر املخالفــات االنتخابيــة علــى النتائــج كـ ّرس فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي‬
‫املــادة االنتخابيــة جملــة مــن املعاييــر تمثلــت بالخصــوص فــي معيار فــارق األصــوات وكذلك‬
‫أهميــة وخطــورة املخالفــة وذلــك مــن خــال التثبــت مــن امتدادهــا فــي الزمــان واملــكان‪،‬‬
‫وهــي نفــس املعاييــر التــي حــرص القاضــي االنتخابــي علــى تطبيقهــا فيمــا يتعلــق بمخالفــة‬
‫االشــهار السياســي إ ّال انــه واجــه بعــض الصعوبــات املرتبطــة بطبيعــة هــذه املخالفــة‪.‬‬

‫‪ .1‬انظــر علــى ســبيل املثــال القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة فــي القضيــة عــدد ‪ 201450002‬وفــي القضيــة‬
‫عــدد ‪ 201450008‬بتاريــخ ‪ 18‬نوفمبــر ‪. 2014‬‬
‫‪ .2‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة فــي مــا ّدة نزاعــات الــدورة األولــى لالنتخابــات الرئاســية تحــت عــدد‬
‫‪ 20195001‬بتاريــخ ‪ 30‬ســبتمبر ‪.2019‬‬
‫‪351‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫ومــن املالحــظ مــن خــال فقــه القضــاء أنّ معيــار الفــارق فــي األصــوات يبقــى‬
‫املعيــار الحاســم فــي العديــد مــن القضايــا‪ ،‬إ ّال أنّــه وعلــى أهميتــه قــد يكــون قاصــرا‬
‫فــي بعــض الحــاالت عــن بيــان تأثيــر االشــهار السياســي علــى إرادة الناخــب ســ ّيما‬
‫مــع تأكيــد املختصــن علــى خطــورة االشــهار السياســي مــن حيــث التأثيــر علــى‬
‫الناخبــن مــن جهــة ومــن جهــة أخــرى اتجــاه قاضــي النتائــج إلــى إعمــال معيــار فــارق‬
‫األصــوات بصفــة تــكاد تكــون آليــة دون التركيــز علــى خطــورة املخالفــة‪ ،‬فالفــارق‬
‫الكبيــر فــي األصــوات يمكــن أن يكــون نتيجــة لإلشــهار السياســي‪ ،‬هــذا فضــا عــن‬
‫عــدم تحديــد القاضــي االنتخابــي نســبة ولــو تقريبيــة للفــارق املؤثــر فــي النتيجــة‪.‬‬
‫وقــد أدى الحــرص علــى إعمــال معاييــر موضوعيــة فــي بعــض الحــاالت إلى بحــث القاضي‬
‫عــن وســائل فنيــة لقيــس تأثيــر االشــهار السياســي عبر وســائل االعــام علــى الناخبني وقد‬
‫بــرزت مــن خــال فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة صعوبــات لقيــس تأثير االشــهار السياســي‬
‫عبر وســائل االعالم على الناخبني وهي صعوبة فنية لقيس نســبة املشــاهدة أو االســتماع‪.‬‬
‫وقــد اعتبــرت املحكمــة فــي الحكــم االســتئنافي عــدد ‪ 1 20194077‬بــأنّ قاضــي النتائــج‬
‫مؤتمــن علــى أصــوات الناخبــن وال يقضــي بإلغائهــا إ ّال إذا تبــن لديــه أنّ املخالفــة‬
‫يتفحــص معاييــر‬‫جســيمة فادحــة وكانــت مؤثــرة علــى أصــوات الناخبــن‪ ،‬وبعــد أن ّ‬
‫القيــس املناســبة الــذي تمكنــه بــكل دقــة مــن ضبــط عــدد األصــوات التــي فســدت‬
‫بفعــل التأثيــر فيهــا ومــن ثــم اســتئصالها مــن جملــة األصــوات الســليمة املتحصــل‬
‫عليهــا املترشــح أو القائمــة املعنيــة حفاظــا علــى نزاهــة وســامة املســار االنتخابــي‪.‬‬
‫كمــا وضحــت املحكمــة أنّ التثبــت مــن التأثيــر علــى الناخبــن بواســطة وســائل االعــام‬
‫الســمعية والبصريــة يقتضــي بالنظــر إلــى صبغتــه التقنيــة االدالء لقاضــي النتائــج أوال‬
‫بعناصــر قيــس موضوعيــة بخصــوص املتابعــة وتصنيفهــا ورصــد مداهــا وضبــط كيفيــة‬
‫تطورهــا وتحديــد نســبتها علــى أن يبقــى تقديــر املحتــوى واملضمــون االتصالــي للبرنامــج‬
‫أو للومضــة بخصــوص االشــهار السياســي مــن عدمــه راجعــا للقاضــي االنتخابــي‪.‬‬
‫وقــد انتهــت املحكمــة فــي القضيــة املطروحــة أمامهــا إلــى اعتبــار املطعــن مجـ ّردا ورفــض‬
‫القضيــة اســتنادا إلــى غيــاب االدالء بعناصــر قيــس التأثيــر معتبــرة أنّــه «يقتضــي‬
‫قيــس التأثيــر وضبــط مــداه الكمــي والجغرافــي فــي النــزاع الراهــن بيــان عــدد متابعــي‬
‫قنــاة‪ ...‬فــي فتــرات البــث العــادي وعددهــم فــي فتــرة االنتخابــات كاإلدالء بعــدد متابعــي‬
‫الومضــة االشــهارية املشــار إليهــا أعــاه فــي مختلــف فتــرات بث ّهــا وتصنيــف مختلــف‬
‫املعطيــات اإلحصائيــة املتعلقــة بهــا علــى مســتوى وطنــي وعلــى مســتوى جهــوي ومحلــي»‪.‬‬

‫‪ .1‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194077‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪2019‬‬


‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪352‬‬

‫املرجــح أنّ هــذا التوجــه الفقــه قضائــي أفضــى أو سـ ّرع فــي إصــدار قرار عــن الهيئة‬
‫ّ‬ ‫ومــن‬
‫العليــا املســتقلة لالتصــال الســمعي والبصــري عــدد ‪ 7‬لســنة ‪ 2020‬املــؤرخ فــي ‪ 13‬أفريــل‬
‫‪ 2020‬واملتعلــق بتنظيــم قيــاس نســب االســتماع واملشــاهدة فــي وســائل االتصــال الســمعي‬
‫البصــري‪ .1‬وقــد تــم بمقتضــى القــرار املذكــور التنصيــص علــى إحــداث هيــكل مهنــي‬
‫يتكــون مــن لجنــة فنيــة تتحقــق مــن مــدى االلتــزام بتنفيــذ االختيــارات العامــة وتدقــق فــي‬
‫نجاعــة الحلــول التقنيــة وموثوقيتهــا ومــدى مالءمتهــا للمنهجيــة املعتمــدة ولجنــة األخالقيات‬
‫التــي تتعهــد بضمــان احتــرام شــركة القيــاس والهيــكل املهنــي التزاماتهمــا التعاقديــة‬
‫وﻷحــكام القــرار وكــراس الشــروط‪ .‬وتتعهــد الشــركة التــي يتــم اختيارهــا بقيــاس متابعــة‬
‫البرامــج ملختلــف خدمــات اﻻتصــال الســمعي البصــري التــي تب ّثهــا وســائل اﻻتصــال‬
‫الســمعية البصريــة العموميــة والخاصــة فــي تونــس أو املوجهــة نحــو الجمهــور التونســي‪.‬‬
‫وحــري باإلشــارة كذلــك أنّ الفصـــل ‪ 21‬مــن القــرار املذكــور نــص علــى أنّ النتائــج‬
‫الصــادرة عــن منظومــة القيــاس املضبوطــة بهــذا القــرار تكتســي حجيــة النتائــج‬
‫املرجعيــة الحصريــة‪ ،‬ويمكــن اعتمادهــا لــدى الســلطة القضائيــة والهيئــات‬
‫واملؤسســات ذات النظــر‪ ،‬وهــي أحــكام ال يمكــن فــي تقديرنــا أن تكســب تلــك‬
‫النتائــج الحجيــة املطلوبــة أمــام القاضــي االنتخابــي لعــدم اكتســابها للقيمــة‬
‫االثباتيــة للحجــة الرســمية علــى معنــى الفصــل ‪ 442‬مــن مجلــة االلتزامــات والعقــود‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫• تقدير مدى انتشار االشهار على شبكات التواصل االجتماعي‬
‫يتّســم تقديــر انتشــار االشــهار السياســي علــى شــبكات التواصــل االجتماعــي ببعــض‬
‫الخصوصيــة وذلــك بالنظــر لســرعة انتشــار املعلومــة علــى شــبكات التواصــل االجتماعــي‬
‫وقــد اعتبــر القاضــي االنتخابــي بهــذا الخصوص أ ّنــه «وحيث يقتضي قيــس التأثير وضبط‬
‫مـ�داه الكمـ�ي والجغرافـ�ي فـ�ي النـ�زاع املاثـ�ل بيـ�ان عـ�دد متابعـ�ي املوقـ�ع االلكترونـ�ي « �‪Tuni‬‬
‫‪ » sie Annonce‬فــي فتــرات النشــر العــادي وعددهــم فــي فتــرة الحملــة االنتخابيــة‪ ،‬كاإلدالء‬
‫بعــدد زوار املوقــع املذكــور فــي تاريــخ وضع الدعايــة االنتخابية وفي مختلف فترات نشــرها‬
‫وتصنيفهــم علــى مســتوى وطنــي وعلــى مســتوى جهــوي ومحلــي وقــد انتهــت املحكمــة إلــى‬
‫رفــض املطعــن املتعلــق باإلشــهار السياســي علــى املواقــع االلكترونيــة اســتنادا إلــى غيــاب‬
‫‪3‬‬
‫االدالء بعناصر قيس التأثير املشــار إليها بخصوص الدعاية االشــهارية املتنازع بشــأنها»‬

‫‪ .1‬تجــدر اإلشــارة إلــى أنّ الهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي والبصــري كانــت أصــدرت القــرار عـــــــــــدد ‪ 1‬لســنة ‪2017‬‬
‫املــؤرخ فــي ‪ 12‬جــوان ‪ 2017‬املتعلــق بضبــط املعاييــر ذات الطابــع القانونــي والتقنــي لقيــاس عــدد املتابعــن لبرامــج‬
‫منشــآت اﻻتصــال الســمعي والبصــري‪.‬‬
‫‪2. Municipales 2020 : la campagne électorale et l’utilisation d’Internet. Par Valérie Farrugia, Avocat. Site‬‬
‫‪village de la justice la communauté des métiers du droit, septembre 2019.‬‬

‫‪ .3‬القضية عدد ‪ 20194923‬بتاريخ ‪ 22‬أكتوبر ‪. 2019‬‬


‫‪353‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫اعتمد القاضي االنتخابي الفرنســي لتقدير مدى انتشــار االشــهار على شــبكات التواصل‬
‫االجتماعــي علــى جملــة مــن القرائــن مثل عــدد أصدقاء متابعي مصــدر التدوينة وكذلك عدد‬
‫املــرات التــي تمــت فيهــا مشــاهدة التدوينــة‪ 1‬وإن كانــت خاصــة أو مفتوحة للعمــوم‪ 2‬وإمكانية‬
‫‪3‬‬
‫مشــاركتها مــع آخريــن علــى شــبكة التواصــل االجتماعــي وتاريــخ وتوقيــت نشــر التدوينــة‪.‬‬

‫‪ .2‬تأثيــر االشــهار السياســي للحــزب علــى نتيجــة بقيــة القائمــات‬


‫املترشــحة عــن الحــزب فــي بقيــة الدوائــر االنتخابيــة‬

‫لقد طرحت بمناســبة االنتخابات التشــريعية لســنة ‪ 2019‬إشــكالية تأثير االشــهار السياسي‬
‫للحــزب علــى نتيجــة بقيــة القائمــات املترشــحة عــن الحــزب فــي بقيــة الدوائــر االنتخابيــة‪.‬‬
‫وقــد اعتبــر قضــاة البدايــة أنّ اآلثــار القانونيــة التــي يمكــن أن تنجــر عــن مخالفــة االشــهار‬
‫السياســي فــي االنتخابــات التشــريعية إنّمــا تقتصــر علــى القائمــة املذكــورة وال تمتــ ّد‬
‫إلــى بقيــة القائمــات املترشــحة عــن الحــزب فــي بقيــة الدوائــر االنتخابيــة وقــد اســتندت‬
‫املحكمــة لتعليــل حكمهــا علــى أنّ قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات املتعلقــة باإللغاء‬
‫الكلــي لنتائــج قائمــة الرحمــة فــي دائــرة بــن عــروس اتخــذ باالســتناد إلــى ثبــوت ارتــكاب‬
‫املترشــح‪ ...‬بصفتــه رئيــس قائمــة حــزب‪ ...‬املترشــحة فــي تلــك الدائرة لإلشــهار السياســي‬
‫املكثــف ولدعايــة انتخابيــة غيــر مباشــرة مكثفــة مــن قبــل رئيــس الحــزب وأنّ اإلخــاالت‬
‫أسســت عليهــا الهيئــة قرارهــا تعلقــت بصفــة رئيــس القائمــة وليــس رئيــس الحــزب‪.‬‬ ‫التــي ّ‬
‫وأسست‬‫«وحيث يبرز م ّما تق ّدم أنّ االخالالت التي تبنّتها الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات ّ‬
‫عليهــا قرارهــا املبــن أعــاه تتع ّلــق بالســيد‪ ...‬بصفتــه رئيســا لقائمــة حــزب‪ ...‬املترشــحة‬

‫‪1. « ces publications, qui n’étaient accessibles qu’aux personnes ayant volontairement accompli une démarche‬‬
‫‪spécifique pour accéder au réseau dont s’agit, ont eu un écho significatif auprès de la population ; qu’il n’est‬‬
‫‪pas davantage établi que le bureau de vote a connu une affluence plus marquée dans l’après-midi qui a suivi la‬‬
‫‪publication des « selfies » ; que ces messages et les commentaires qui s’en sont suivis, dont le contenu était sans‬‬
‫‪lien réel avec le débat électoral » (TA Strasbourg, 20 mai 2014, Elect. Muni Vahl-les Faulquemont, req. n° 1401578).‬‬

‫‪2. En revanche, le Conseil d’Etat a annulé des élections municipales en raison de la création par un candidat et maire‬‬
‫‪sortant d’une page Facebook de statut « public » intitulée « Mairie d’Hermes » qui pouvait être confondue avec la‬‬
‫‪page officielle de la ville dénommée « Ville d’Hermes » (CE, 6 mai 2015, Elec. Mun. Hermes, req. n° 382518, Rec. T.).‬‬

‫‪3. « le requérant soutient que l’appel du maire de Fillinges, le 14 juin 2017, sur la page Facebook de la mairie, à‬‬
‫‪voter en faveur du candidat élu constitue une manœuvre de nature à avoir influencé le vote. Il résulte des pièces‬‬
‫‪versées au dossier que, pour regrettable qu’elle soit, cette diffusion de l’appel à voter en faveur du candidat‬‬
‫‪élu n’a pas revêtu un caractère massif et que, eu égard à l’écart de voix constaté, elle n’a pu altérer la sincérité‬‬
‫‪du scrutin. Dès lors, le grief doit être écarté. » (Cons. Constit., AN 3ème circ. Haute Savoie, n° 2017-5066).‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪354‬‬

‫فــي الدائــرة االنتخابيــة بــن عــروس الــذي ينســب إليــه القيــام بمخالفــات تتعلــق باإلشــهار‬
‫السياســي والدعايــة لشــخصه وللقائمــة التــي يرأســها فقــط ‪ ،‬ومــن ثــم فــإنّ االثــار القانونية‬
‫التــي يمكــن ان تنجــر عــن تلــك املخالفــات‪ ،‬علــى فــرض ثبوتهــا‪ ،‬إنّمــا تقتصــر علــى القائمــة‬
‫املذكــورة وال تمتـ ّد إلــى بقيــة القائمــات املترشــحة عــن الحــزب فــي بقيــة الدوائــر االنتخابية‪.‬‬
‫وحيــث عــاوة علــى ذلــك فــإنّ نائــب امل ّدعــي لــم يتمســك بارتــكاب قائمــة حــزب‪ ...‬بالدائــرة‬
‫االنتخابيــة بأريانــة أو رئيســها ملخالفــة االشــهار السياســي أو أليــة مخالفــة أخــرى‪ ،‬كمــا‬
‫لــم تتضمــن أوراق امللــف وجــود أيــة مخالفــة أخــرى بهــذا الخصــوص يمكــن نســبتها‬
‫إليهمــا فــي الدائــرة املذكــورة»‪.1‬‬
‫وقــد أ ّيــدت الجلســة العامــة القضائيــة الحكــم االبتدائــي‪ 2‬املذكــور إ ّال أنهــا اعتمــدت تعليــا‬
‫مختلفــا حــن اعتبــرت «أنّ نظــام االقتــراع لالنتخابــات التشــريعية قوامــه االقتــراع علــى‬
‫القائمــات وهــو مــا يفتــرض قيــام كل قائمــة مترشــحة بحملتهــا االنتخابيــة علــى حــدة بمــا‬
‫يقتضيــه ذلــك مــن تحملهــا تبعــات املخالفــات التــي قــد ترتكبهــا خــال الحملــة االنتخابيــة»‬
‫كمــا يالحــظ أنهــا فتحــت البــاب أمــام إمكانيــة تأثيــر االشــهار السياســي للحــزب علــى‬
‫القائمــة مقابــل وضــع شــروط إلثبــات تأثيــر االشــهار السياســي الــذي يقــوم بــه الحــزب‬
‫علــى نتائــج القائمــة «وحيــث وعلــى فــرض ثبــوت مــا نســب إلــى حــزب‪ ...‬املترشــح فــي‬
‫الدائــرة االنتخابيــة بــن عــروس مــن ارتــكاب مخالفــات تتعلــق باإلشــهار السياســي فإ ّنــه ال‬
‫يعنــي بالضــرورة أنّــه كان مؤثــرا علــى نتيجــة بقيــة القائمــات املترشــحة عــن الحــزب فــي‬
‫بقيــة الدوائــر االنتخابيــة ومنهــا قائمــة الحــزب بأريانــة طاملــا لــم يفلــح الطاعــن فــي تقديــم‬
‫معطيــات دقيقــة ومؤيــدات قاطعــة وكافيــة تبــن تأثيــر االشــهار السياســي الــذي ي ّدعــي‬
‫ارتكابــه رئيــس حــزب‪ ...‬فــي إرادة الناخبــن بالدائــرة االنتخابيــة بأريانــة كمــا لــم يــدل بأيــة‬
‫ادلــة يمكــن ان تدعــو علــى إعمــال املحكمــة ســلطات اســتقصائية إضافيــة في هــذا املجال»‪.‬‬
‫وفــي الختــام وبالرجــوع إلــى فكــرة مــدى نجاعــة القواعــد املنظمــة لإلشــهار السياســي فــي‬
‫تونــس فإ ّنــه يمكــن القــول أنه مع عدم وضوح مفهوم االشــهار السياســي في بعض الحاالت‬
‫لألســباب التــي بيناهــا أعــاه وصعوبــة تطبيقهــا فــي حــاالت أخــرى فــإنّ تحقيــق النجاعــة‬
‫املطلوبــة يتطلــب مزيــد توضيــح مفهــوم االشــهار السياســي مــن خــال توســيعه ليشــمل‬
‫بصفــة صريحــة االشــهار السياســي غيــر املباشــر أو املقنــع واالشــهار الســلبي‪ ،‬كالتمييــز‬
‫بصفــة واضحــة بــن وســائل الدعاية االنتخابية القانونية ووســائل االشــهار السياســي غير‬
‫القانونيــة‪ ،‬مــع الحــرص علــى وضــع قواعــد خاصــة تتعلــق بتحجيــر الحمــات االلكترونيــة‬

‫‪ .1‬الحكم االستئنافي عدد ‪ 20194017‬بتاريخ ‪ 18‬أكتوبر ‪.2019‬‬


‫‪ .2‬القــرار الصــادر عــن الجلســة العامــة القضائيــة فــي مــا ّدة نتائــج االنتخابــات التشــريعية عــدد ‪ 20195011‬بتاريــخ ‪4‬‬
‫نوفمبــر ‪2019‬‬
‫‪355‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫املنظمــة لغايــات انتخابيــة وتفعيــل اآلليــات الالزمــة ملراقبتهــا وردعهــا كتعزيــز وســائل‬
‫اثبــات االشــهار السياســي وكيفيــة اســناده للجهــة املنتفعــة منــه‪ ،‬وذلــك تحقيقــا للهــدف‬
‫األساســي املتمثــل فــي ضمــان انفــاذ قاعــدة تحجيــر االشــهار السياســي ضمانــا لنزاهــة‬
‫العمليــة االنتخابيــة وحتــى ال يكــون الناخــب ســلعة تبــاع وتشــري فــي ســوق االنتخابــات‪.‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪356‬‬

‫نزاعات تركيز املجالس البلدية بني غموض النص‬


‫واجتهاد القاضي اإلداري‬

‫هدى التوزري‬
‫رئيسة دائرة ابتدائية باملحكمة اإلدارية‬

‫شــهدت تونــس أول انتخابــات بلديــة فــي عهــد الحمايــة ثــم بعــد االســتقالل صــدر‬
‫األمــر املــؤرخ فــي ‪ 4‬مــارس ‪ 1957‬املتعلــق بالقانــون األساســي للبلديــات ثــم القانــون‬
‫األساســي عــدد ‪ 33‬لســنة ‪ 1975‬وقــد تــم تنظيــم ‪ 13‬انتخابــات بلديــة آخرهــا كان ســنة‬
‫‪ 2010‬أي مباشــرة قبــل الثــورة‪ .‬ولــم يكــن يشــهد انتخــاب املجالــس البلديــة وعملهــا‬
‫أي نزاعــات تذكــر وذلــك بالنظــر الــى ســيطرة نظــام الحــزب الواحــد وانتمــاء أعضــاء‬
‫املجلــس البلــدي فــي أغلــب األحيــان الــى الحــزب االشــتراكي الدســتوري ثــم الــى التجمــع‬
‫الدســتوري الديمقراطــي ‪،‬مــع بعــض االســتثناءات البســيطة‪ ،1‬وســاهم فــي ذلــك نظــام‬
‫االقتــراع املكــرس بمقتضــى املجلــة االنتخابيــة‪ .2‬ويرجــع عــدم اثــارة نزاعــات إلــى ســببني‬
‫أساســيني االنضبــاط الحزبــي فــي صلــب الحــزب األغلبــي الحاكــم ومنــاخ االســتبداد‬
‫الــذي كان ســائدا مــن جهــة‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى ضعــف نظــام النــزاع االنتخابــي‪.3‬‬

‫‪ .1‬فــي االنتخابــات البلديــة لســنة ‪ 1995‬فــاز التجمــع الدســتوري الديمقراطــي ب ‪ 4084‬مقعــدا مــن جملــة ‪ 4090‬مقعــدا‬
‫وفــازت بعــض االحــزاب املعارضــة وقائمــة مســتقلة ب‪ 6‬مقاعــد وكانــت هــذه االنتخابــات مــن األكثــر ديمقراطيــة فــي‬
‫تونــس قبــل ‪. 2011‬‬
‫‪ .2‬الفصــل ‪ 53‬مــن املجلــة االنتخابيــة "ينتخــب أعضــاء املجلــس البلــدي فــي دورة انتخابية واحدة باالقتــراع على القائمات‬
‫علــى أســاس التمثيــل النســبي مــع األفضليــة للقائمــة التــي تحصلت على أكثر األصوات ‪ .‬أعـــيد ترقـــيم الفصل بمقتضى‬
‫الفصــل الســادس مــن القانــون األساســي (‪ )1‬عــدد ‪ 58‬لســنة ‪ 2003‬املــؤرخ فــي ‪ 4‬أوت ‪ .2003‬يختــار الناخــب قائمــة‬
‫مــن بــن القائمــات املترشــحة دون تعويــض األســماء الــواردة بتلــك القائمــة ويضعهــا دون غيرهــا بالظــرف املعــد لذلــك"‬
‫‪ .3‬البــاب الســابع النزاعــات حــول العمليــات االنتخابيــة الفصــل ‪ :155‬كل ناخــب وقــع ترســيمه بصفــة قانونيــة‬
‫بالقائمــات االنتخابيــة النهائيــة للبلديــة لــه الحــق فــي أن يطعــن فــي العمليــات االنتخابيــة بالبطــان‪ .‬أعـــيد‬
‫ترقـــيم الفصــل بمقتضــى الفصــل الســادس مــن القانــون األساســي عــدد ‪ 58‬لســنة ‪ 2003‬املــؤرخ فــي ‪ 4‬أوت‬
‫‪ .2003‬ويجــب أن تضمــن الشــكايات بتقريــر العمليــات االنتخابيــة أو أن تقــدم فــي ظــرف الثمانيــة أيــام املواليــة‬
‫للتصويــت إلــى مكاتــب البلديــات املعنيــة باألمــر أو إلــى مركــز الواليــة الكائنــة بدائرتهــا البلديــة وإال فإنهــا تلغــى‪.‬‬
‫الفصــل ‪ - 1 :156‬تحــال الشــكايات حــاال للبــت فيهــا علــى لجنــة النزاعــات املتركبــة مــن ‪ :‬ـ حاكــم يعينــه كاتــب الدولــة‬
‫للعــدل بصفــة رئيــس ‪ .‬ـ ناخبــن يعينــان بقــرار مــن كاتــب الدولــة للداخليــة باقتــراح مــن الوالــي بصفــة عضويــن ‪.‬‬
‫صحــة انتخابهــم‬‫الفصــل ‪ :157‬تباشــر الســلطة املختصــة حــاال حســب الطــرق اإلداريــة إعــام األعضــاء املنــازع فــي ّ‬
‫بفحــوى الشــكاية املقدمــة فــي شــأنهم وتدعوهــم بــأن يدلــوا فــي ظــرف خمســة أيــام إلــى لجنــة النزاعــات بمــا‬
‫يعــن لهــم مــن مالحظــات ‪ .‬وتبــت لجنــة النزاعــات فــي الشــكايات فــي أجــل خمســة عشــر يومــا ابتــداء مــن تقديــم‬
‫القضيــة إليهــا ويقــع اســتدعاء العضــو الــذي نــوزع فــي انتخابــه والســلطة اإلداريــة بصفــة إجباريــة لــدى اللجنــة ‪.‬‬
‫‪357‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫ولقــد ظــل هــذا الوضــع قائمــا ليتغيــر مــع أول انتخابــات بلديــة بعــد ‪ 2011‬والتــي‬
‫اجريــت يــوم ‪ 6‬مــاي ‪ 2018‬يليهــا صــدور مجلــة الجماعــات املحليــة بمقتضــى‬
‫القانــون األساســي عــدد ‪ 29‬لســنة ‪ 2018‬املــؤرخ فــي ‪ 9‬مــاي ‪ 2018‬املتعلــق‬
‫بالجماعــات املحليــة حيــث ارســى كل مــن القانــون االنتخابــي ومجلــة الجماعــات‬
‫املحليــة نظــام منازعــات لالنتخابــات املتعلقــة بانتخابــات املجلــس البلــدي‪.‬‬
‫والــى جانــب النزاعــات املتعلقــة بالــدورة االنتخابيــة مــن التســجيل الــى يــوم النتائــج والــذي‬
‫تــم تكريســه بمقتضــى القانــون االنتخابــي‪ 1‬تضمنــت مجلــة الجماعــات االنتخابيــة فصــوال‬
‫تتعلــق بتنظيــم النزاعــات املتولــدة عــن املرحلــة التــي تلــي التصريــح بنتائــج االقتــراع العــام‬
‫النتخــاب أعضــاء املجالــس البلديــة وتتعلــق هــذه النزاعــات باألســاس بانتخابــات رئيــس‬
‫املجلــس البلــدي واملســاعدين وتشــكيل اللجــان البلديــة القــارة وتعيــن رؤســائها ومقرريها‪.‬‬
‫ولقــد اختلفــت اآلراء حــول تصنيــف هــذا النــوع مــن النزاعــات فقــد اعتبــرت الدائــرة‬
‫االســتئنافية الثانيــة أنهــا «نزاعــات انتخابــات املجالــس البلديــة»‪ 2‬والدائــرة االبتدائيــة‬
‫العاشــرة قضــت بانهــا « مــادة نــزاع انتخــاب رؤســاء املجالــس البلديــة»‪ 3‬أمــا الدائرتــان‬
‫الثالثــة والثامنــة فقــد صنفتهــا علــى أنهــا « مــادة نتائــج انتخابــات رؤســاء املجالــس البلديــة‬
‫ومســاعديهم»‪ ،4‬فــي حــن لــم تصنفــه الدائــرة االبتدائية بقفصــة واكتفت بالقضــاء بانه حكم‬
‫‪5‬‬
‫ابتدائــي أمــا الجلســة العامــة القضائيــة فقــد اعتبــرت أنهــا « مــادة النــزاع االنتخابــي»‬
‫وفــي القانــون املقــارن‪ ،‬فرنســا علــى ســبيل املثــال‪ ،‬ال يتــم تصنيــف هــذه النزاعــات ال‬
‫مــن قبــل املحاكــم االداريــة‪ 6‬وال مــن قبــل مجلــس الدولــة‪ 7‬وتســتعمل االدارة عبــارة جلســة‬
‫التنصيــب‪ ،8‬وقــد وردت عبــارة «تركيــز « املجلــس البلــدي بالفصــل ‪ 215‬مــن املجلــة‪ 9‬ثــم‬

‫الفصــل ‪158‬قــرارات لجنــة النزاعــات نهائيــة وغيــر قابلــة لالســتئناف وهــي معفــاة مــن معاليــم التامبــر والتســجيل ‪.‬‬
‫‪ .1‬ســمية قنبــرة وهــدى التــوزري دليــل النزاعــات االنتخابيــة فــي تونــس ‪ ،2017‬برنامــج األمــم املتحــدة االنمائــي‪ ،‬مشــروع‬
‫املســاعدة االنتخابيــة‪ ،‬ص ‪14‬‬
‫‪ .2‬حكم استئنافي عدد ‪ 212491‬بتاريخ ‪ 13‬جويلية ‪2018‬‬
‫‪ .3‬حكم استئنافي عدد ‪ 212521‬بتاريخ ‪ 28‬سبتمبر ‪2018‬‬
‫‪ .4‬الحكام االستئنافي عدد ‪ 22506‬بتاريخ ‪ 24‬سبتمبر ‪ 2018‬و‪ 212479‬بتاريخ ‪ 16‬جويلية ‪2018‬‬
‫‪ .5‬قرار عدد ‪ 317430‬بتاريخ ‪ 30‬أكتوبر ‪2018‬‬
‫‪6. Tribunal administratiif de Pau,n°1900522 du 11 avril 2019‬‬

‫‪7. CE ,n°429816, 27 décembre 2019, CE , n°81371 81567 du 29 avril 1988‬‬

‫‪8. Séance d’installation‬‬

‫‪« .9‬يصادق املجلس البلدي على نظامه الداخلي في أجل ال يتجاوز ثالثة أشهر من تركيزه»‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪358‬‬

‫بــرزت عبــارة «تركيــز املجالــس البلديــة» ألول مــرة فــي الوثيقــة التوضيحيــة الصــادرة عــن‬
‫وزارة الشــؤون املحليــة والبيئــة تحــت عنــوان «وثيقــة توضيحيــة حــول تركيــز املجالــس‬
‫البلديــة املنتخبــة (الجلســة االولــى)» فــي جــوان ‪ ،2018‬ونعتقــد أنــه يصــح اطــاق مصطلــح‬
‫نزاعــات تركيــز املجالــس البلديــة علــى املنازعــات التــي اثيــرت علــى اثــر انتخابــات‬
‫املجالــس البلديــة فــي ‪ 6‬مــاي ‪ 2018‬وذلــك بالنظــر الــى أنهــا االنتخابــات البلديــة األولــى‬
‫التــي أجريــت تطبيقــا لدســتور ‪ 24‬جانفــي ‪ 2014‬وللقانــون االنتخابــي‪ ،‬وبعــد ذلــك وفــي‬
‫االنتخابــات القادمــة ســيحتمل اســتعمال هــذا املصطلــح نقاشــا ذلــك أن انتخــاب الرئيــس‬
‫واملســاعدين ال يتعلــق بالتركيــز ألنــه يمكــن فــي أي وقــت خالل املــدة النيابية اعــادة انتخاب‬
‫الرئيــس أو احــد املســاعدين ألي ســبب كاالســتقالة أو الوفــاة أو فقــدان أحــد الشــروط‪.‬‬
‫ونظــرا لهــذا التنــوع فــي تصنيــف هــذه النزاعــات تولــدت صعوبــة فــي تنــاول‬
‫موضــوع نزاعــات تركيــز املجالــس البلديــة لصعوبــة تجميــع األحــكام الصــادرة‬
‫فيهــا فباســتثناء األحــكام الصــادرة عــن الجلســة العامــة القضائيــة التــي‬
‫يســهل تجميعهــا لقلــة األحــكام الصــادرة عــن هــذه الهيئــة القضائيــة فــإن بقيــة‬
‫األحــكام الصــادرة عــن الدوائــر االبتدائيــة الجهويــة واملركزيــة وكذلــك الدوائــر‬
‫االســتئنافية غيــر مج ّمعــة علــى غــرار األحــكام الصــادرة فــي املــادة االنتخابيــة‪.‬‬
‫ان االشــكاالت التــي طرحــت بمناســبة االنتخابــات البلديــة األولــى بعــد دســتور‬
‫‪ 2014‬تمثــل ســابقة والحلــول التــي انبثقــت عنهــا تمثــل فقــه قضــاء تأسيســي ومــن‬
‫هــذا املنطلــق تأتــي اهميــة املوضــوع الــذي يتجــه دراســته بالتطــرق الــى النظــام‬
‫االجرائــي لنزاعــات الجلســة األولــى مــن خــال التعــرض فــي القســم األول إلــى‬
‫االشــكاليات املتعلقــة بالغمــوض فــي توزيــع االختصــاص الحكمــي ثــم االســتقرار‬
‫الــذي تميــز بــه فقــه القضــاء مــن الناحيــة االجرائيــة واملوضوعيــة‪ .‬ثــم ســنتناول‬
‫النزاعــات املتعلقــة بتشــكيل اللجــان وتعيــن مقرريهــا مــن ناحيــة عــدم وضــوح‬
‫نظامهــا القانونــي وتميــز فقــه القضــاء املتعلــق بهــا فــي ارســاء القواعــد املوضوعيــة‪.‬‬
‫‪359‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫‪ .I‬نظام قانوني غير واضح لنزاعات الجلسة األولى‬

‫أفــردت مجلــة الجماعــات املحليــة الجلســة األولــى‪ 1‬بنظــام قانونــي خــاص‪ 2‬مــن حيــث‬
‫الجهــة الداعيــة للجلســة وأجــل الدعــوة وجــدول أعمــال هــذه الجلســة املحــدد بالقانــون‪.‬‬
‫ا ّال أن امللفــت لالنتبــاه هــو عــدم تنصيــص مجلــة الجماعــات املحليــة علــى أحــكام انتقاليــة‬
‫تتعلــق بتنظيــم الجلســة األولــى لالنتخابــات البلديــة األولــى بعــد الدســتور‪ .‬فيمــا عــدى‬
‫الجهــة الداعيــة للجلســة األولــى وأجــل الدعــوة والتــي تــم تحديدهــا بمقتضــى الفصــل ‪175‬‬
‫ثالثــا مــن القانــون االنتخابــي‪ ،3‬ولتالفــي هــذا الفــراغ تولــت وزارة الشــؤون املحليــة والبيئــة‬
‫اصــدار «وثيقــة توضيحيــة حــول تركيــز املجالــس البلديــة املنتخبــة»‪ّ 4‬إل أن هــذه الوثيقــة ال‬
‫يمكــن أن ترقــى إلــى مرتبــة األحــكام االنتقاليــة وتعتبــر وثيقــة توضيحيــة يمكــن للمجالــس‬
‫البلديــة مخالفتهــا‪ ،‬وقــد قضــت الدائــرة االبتدائيــة للمحكمــة اإلداريــة بقابــس «بــان الوثيقــة‬
‫التوضيحيــة حــول تركيــز املجالــس البلديــة املنتخبــة الصــادرة فــي جــوان ‪ 2018‬عــن وزارة‬
‫الشــؤون املحليــة والبيئــة‪ ،‬ال تعــدو أن تكــون ســوى وثيقــة ارشــادية‪ ،‬ال تكتســي قــوة الزامية‬
‫تجــاه املجالــس البلديــة املنتخبــة وغيــر منصــوص عليهــا صلــب مجلــة الجماعــات املحليــة‪،‬‬
‫فضــا عــن أن اكســائها صبغــة الزاميــة يتعــارض مــع حريــة املجالــس فــي تدبيــر شــؤونها‬
‫طبــق التشــريع الجــاري بــه العمــل»‪ 5‬وقــد ذهبــت الدائــرة االبتدائيــة بالــكاف الــى أبعــد مــن‬

‫ـص الفصــل ‪ 203‬مــن مجلــة الجماعــات املحليــة على أنه «يســير البلدية مجلس بلدي منتخب طبــق القانون االنتخابي‪.‬‬ ‫‪ .1‬ينـ ّ‬
‫ينتخــب املجلــس البلــدي فــي أول اجتمــاع لــه مــن بــن اعضائــه رئيســا ومســاعدين مــع اعتبــار أحــكام الفصــل ‪ 7‬مــن‬
‫هــذا القانــون ووفقــا ألحــكام القانــون االنتخابــي‪».‬‬
‫وينــص الفصــل ‪ 117‬خامســا مــن القانــون االنتخابــي فقــرة ‪ 6‬علــى أنه « يترشــح رؤســاء القائمــات الفائزة فــي االنتخابات‬
‫ملنصــب رئيــس املجلــس البلــدي‪ ...‬وذلــك فــي جلســته األولــى برئاســة أكبــر األعضــاء ســنا مــن دون املترشــحني‪.‬‬
‫ينتخــب رئيــس املجلــس مــن طــرف األعضــاء انتخابــا حــرا‪ ،‬ســريا‪ ،‬نزيهــا‪ ،‬وشــفافا‪ ،‬ويكــون رئيســا للمجلــس املترشــح‬
‫املتحصــل علــى األغلبيــة املطلقــة لألصــوات‪.‬‬
‫وفــي صــورة عــدم حصــول أي مــن املترشــحني علــى األغلبيــة املطلقــة تنظــم دورة ثانيــة‪ ،‬يتقــدم لهــا املترشــحان‬
‫املتحصــان علــى الرتبــة االولــى والثانيــة حســب عــدد األصــوات املتحصــل عليهــا فــي الــدورة األولــى‪.‬‬
‫‪ .2‬الفصــل ‪ 216‬مــن مجلــة الجماعــات املحليــة « تنعقــد الجلســة األولــى للمجلــس البلــدي املنتخــب فــي‬
‫أجــل ال يتجــاوز ثمانيــة أيــام عمــل مــن تاريــخ التصريــح بالنتائــج النهائيــة لإلنتخابــات مــن قبــل الهيئــة‬
‫العليــا املســتقلة لإلنتخابــات وذلــك بدعــوة مــن رئيــس املجلــس البلــدي املنقضيــة نيابتــه وعنــد التعــذر‬
‫مــن قبــل أكبــر أعضــاء املججلــس املنتخــب ســنا وينــص الفصــل ‪ 213‬علــى أن يــؤدي أعضــاء املجلــس‬
‫البلــدي القســم أثنــاء هــذه الجلســة وهــي كذلــك الجلســة التــي يتــم خاللهــا انتخــاب الرئيــس واملســاعدين‬
‫‪ .3‬الفصــل ‪ 175‬ثالثــا مــن القانــون االنتخابــي «بالنســبة ألول انتخابــات بلديــة وجهويــة بعــد صــدور هــذا القانــون‪ ،‬تتــم‬
‫دعــوة مــن قبــل والــي الجهــة ألول جلســة للمجلــس البلــدي أو الجهــوي املنتخــب وذلــك فــي أجــل أقصــاه ‪ 21‬يومــا مــن‬
‫تاريــخ اإلعــان عــن النتائــج النهائ ّيــة»‬
‫‪ .4‬ولئن تعرضت هذه الوثيقة لبعض الجوانب العملية واللوجستية املتعلقة‬
‫‪ .5‬حكــم ابتدائــي صــادر عــن الدائــرة االبتدائيــة للمحكمــة االداريــة بقابــس تحت عــدد ‪ 09100060‬بتاريــخ ‪ 27‬نوفمبر ‪2018‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪360‬‬

‫ذلــك بــان قضــت صراحــة باســتبعاد الوثيقــة فقــد جــاء فــي حكمهــا بانــه « مــن املســلم‬
‫بــه أن دور القاضــي يتمثــل فــي تطبيــق القاعــدة القانونيــة وتنزيــل حكمهــا علــى واقــع‬
‫الدعــوى‪ ،‬بمــا يتجــه معــه اســتبعاد الوثيقــة التوضيحيــة التــي تمســك بهــا نائــب الجهــة‬
‫‪1‬‬
‫املدعــى عليهــا حــال كونهــا ال تكتســي أي قــوة الزاميــة وال تلــزم القاضــي وال تقيــده»‬
‫وقــد تميــز النظــام االجرائــي لنزاعــات الجلســة األولــى بالغمــوض فــي مســتوى اســناد‬
‫االختصــاص الحكمــي وهــو مــا ســنتعرض اليــه فــي الفقــرة األولــى مــن هــذا البــاب‬
‫مــع محاولــة لتقديــم حلــول لتجــاوز هــذا اإلشــكال ملــا يمثلــه مــن تأثيــر علــى حقــوق‬
‫املتقاضــن ثــم فــي الفقــرة الثانيــة ســنبني كيــف كرســت املحكمــة اإلداريــة فقــه قضائهــا‬
‫االنتخابــي بخصــوص القواعــد االجرائيــة واملوضوعيــة علــى نزاعــات الجلســة األولــى‪.‬‬

‫أ‪ .‬غمــوض فــي اســناد االختصــاص الحكمــي لنزاعــات انتخــاب‬


‫رئيــس املجلــس البلــدي ومســاعديه‬

‫اقتضــت أحــكام الفصــل ‪ 245‬مــن مجلــة الجماعــات املحليــة أنــه «ينتخــب املجلــس البلــدي‬
‫رئيــس البلديــة ومســاعدي الرئيــس‪ ،‬وذلــك لكامــل املــ ّدة فــي أول جلســة يعقدهــا بعــد‬
‫االعــان عــن النتائــج النهائيــة لالنتخابــات‬
‫ويحــدد املجلــس البلــدي عــدد مســاعدي الرئيــس‪ ،‬علــى أ ّال يتجــاوز عددهــم األربعــة «كمــا‬
‫ينــص الفصــل ‪ 246‬فقــرة ‪ 2‬أنــه «ينتخــب الرئيــس ومســاعدوه مــن طــرف املجلــس البلــدي‬
‫باالقتــراع الســري وباألغلبيــة املطلقــة ألعضائــه مــع مراعــاة القانــون االنتخابــي وأحــكام‬
‫الفصــل ‪ 7‬مــن هــذا القانــون‬
‫يتــم اإلعــان عــن نتائــج انتخابــات الرئيــس واملســاعدين فــي ظــرف أربــع وعشــرين ســاعة‬
‫مــن تاريــخ اجرائهــا بواســطة التعليــق بمدخــل مقــر البلديــة وبــكل الوســائل األخــرى‬
‫يمكــن الطعــن فــي صحــة انتخــاب الرئيــس واملســاعدين حســب الشــروط والصيــغ واآلجال‬
‫واملعمــول بهــا فــي خصــوص االعتراضــات ضــد انتخــاب املجلــس البلــدي أمــام القضــاء‬
‫اإلداري وذلــك فــي أجــل ‪ 15‬يومــا مــن تاريــخ االنتخــاب»‬
‫ولئــن كانــت نيــة املشــرع واضحــة فــي اســناد كتلــة اختصــاص قضائــي فــي نزاعــات‬

‫‪ .1‬حكم ابتدائي صادر عن دائرة الكاف حتت عدد ‪ 04100140‬بتاريخ ‪ 15‬مارس ‪2019‬‬
‫‪361‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫الجماعــات املحليــة الــى القضــاء االداري فانــه لــم يكــن واضحــا فــي تحديــد االختصــاص‬
‫الحكمــي وقــد تباينــت اآلراء عنــد نشــر النزاعات بخصــوص تأويل عبارة «القضــاء اإلداري»‪.‬‬
‫وقضــى رئيــس الدائــرة االبتدائيــة بقابــس بمقتضــى الحكــم الفــردي «أن املقصــود‬
‫بالشــروط والصيــغ واآلجــال املعمــول بهــا فــي خصــوص االعتراضــات ضــ ّد انتخــاب‬
‫املجلــس البلــدي‪ ،‬هــي القواعــد املعمــول بهــا عنــد الطعــن فــي نتائــج انتخابــات املجالــس‬
‫البلديــة‪ ،‬ولــم يســتثن املشــرع مــن هــذه القواعــد ســوى آجــال رفــع الدعــوى‪ ...‬وحيــث أن‬
‫املختصــة بالنظــر فــي الطعــن فــي صحــة انتخــاب الرئيــس‬ ‫ّ‬ ‫املش ـ ّرع عنــد تحديــد الجهــة‬
‫واملســاعدين‪ ،‬إلــى القواعــد املعمــول بهــا بالنســبة لنزاعــات نتائــج االنتخابــات البليــة أمــام‬
‫القضــاء االداري ضمانــا لحســن ســير القضــاء ولوحــدة نــزاع النتائــج‪ ...‬وحيــث تكــون‬
‫الدوائــر االســتئنافية باملحكمــة اإلداريــة هــي املختصــة بالبــت ابتدائيــا ضمــن جهــاز‬
‫القضــاء االداري بالبــت فــي نتائــج انتخــاب الرئيــس واملســاعدين علــى غــرار اختصاصهــا‬
‫بالبــت فــي نتائــج انتخــاب املجلــس البلــدي»‪ 1‬ويثيــر هــذا الخيــار اشــكاليتني‪ ،‬األولــى‬
‫‪2‬‬
‫مــدى وجاهــة الحكــم فــي القضيــة بمقتضــى حكــم فــردي طبقــا للفصــل ‪( 43‬جديــد)‬
‫مــن قانــون املحكمــة اإلداريــة ضــرورة أن الفصــل ‪ 43‬يتيــح لرئيــس الدائــرة الحكــم فــي‬
‫القضيــة بمقتضــى حكــم فــردي فــي حالــة عــدم االختصــاص «الواضــح» والحقيقــة أن‬
‫حالــة نزاعــات انتخــاب رئيــس البلديــة ومســاعديه ال تســتجيب لشــرط عــدم االختصــاص‬
‫الواضــح فهــي تطــرح امــام القضــاء ألول مــرة وال تتعلــق بتطبيــق فقــه قضــاء مســتقر‬
‫فــي مــادة ســبق أن تــم الحكــم فيهــا بعــدم االختصــاص‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى فــان‬
‫الفصــل ‪ 246‬مــن مجلــة الجماعــات املحليــة قابــل للتأويــل وهــو وليــس بالوضــوح الــذي‬
‫يمكــن الجــزم معــه بتحديــد الهيئــة الحكميــة ضمــن جهــاز القضــاء االداري املختصــة‬
‫بالبــت فــي النــزاع‪ ،‬علــى ان ميــزة هــذا الحكــم تتمثــل‪ 3‬فــي ســرعة البــت ضــرورة أن‬

‫‪ .1‬حكــم ابتدائــي فــردي صــادر عــن رئيــس الدائــرة االبتدائيــة للمحكمــة اإلداريــة بقابــس تحــت عــدد ‪ 09100051‬بتاريــخ‬
‫‪ 26‬جــوان ‪2018‬‬
‫‪" .2‬إذا تبــن مــن عريضــة الدعــوى ومــن مؤيداتهــا أن الحــل القانونــي الــذي تتطلبــه القضيــة واضــح وإنهــا ال‬
‫تســتدعي التحقيــق يجــوز للمستشــار املقــرر إحالــة ملــف القضيــة مصحوبــا بتقريــره إلــى رئيــس الدائــرة الــذي يحيلــه‬
‫إلــى الرئيــس األول لتولــى اإلذن بتعيينهــا مباشــرة فــي جلســة املرافعــة دون ســبق عرضهــا علــى منــدوب الدولــة‪.‬‬
‫ويمكــن لرئيــس الدائــرة االبتدائيــة باملحكمــة اإلداريــة أن يقضــي مباشــرة فــي الدعــوى دون تحقيــق ودون ســابق مرافعــة‬
‫فــي الحــاالت التاليــة‪:‬‬
‫‪ -‬التخلي عن القضية أو طرحها‪.‬‬
‫‪ -‬عدم االختصاص الواضح‪.‬‬
‫‪ -‬انعدام ما يستوجب النظر‪.‬‬
‫‪ -‬عدم القبول أو الرفض شكال‪.‬‬
‫‪ .3‬تجــدر االشــارة إلــى أن موقــف رئيــس دائــرة قابــس القاضــي بعــدم االختصــاص بمقتضــى حكــم فــردي فــي نزاعــات‬
‫انتخــاب رئيــس البلديــة ومســاعديه تدعــم بمقتضــى الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االبتدائيــة بقابــس بمقتضــى الحكــم‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪362‬‬

‫الدعــوى نشــرت يــوم ‪ 25‬جــوان ‪ 2018‬وتــم الحكــم فيهــا يــوم ‪ 26‬جــوان ‪ 2018‬ممــا يمكــن‬
‫األطــراف‪ ،‬فــي حــال رغبــوا فــي ذلــك‪ ،‬مــن اعــادة نشــر دعواهــم أمــام القاضــي املختــص‪.‬‬
‫نفــس املوقــف اتخذتــه رئيســة الدائــرة االبتدائيــة باملنســتير اذ قضــت بحكــم فــردي‬
‫بالتخلــي عــن النظــر فــي الدعــوى لعــدم االختصــاص‪ 1‬ومــن ناحيــة أخــرى قبلــت رئيســة‬
‫الدائــرة االبتدائيــة االختصــاص فــي مــادة توقيــف التنفيــذ ورفضــت املطلــب املقــدم مــن‬
‫منظمــة أنــا يقــظ املتعلــق بطلــب تأجيــل وتوقيــف تنفيــذ «االعــان للعمــوم» الصــادر عــن‬
‫والــي املنســتير واملتعلــق بالدعــوة لعقــد الجلســة األولــى للمجلــس البلــدي املنتخــب ببلديــة‬
‫قصــر هــال يــوم ‪ 23‬جــوان ‪ 2018‬علــى الســاعة التاســعة صباحــا فــي جلســة مغلقــة‬
‫يقتصــر حضورهــا علــى أعضــاء املجلــس البلــدي الذيــن تــم التصريــح بفوزهــم‪ ،2‬واملعلــوم‬
‫أن قضــاء توقيــف التنفيــذ هــو فــرع مــن األصــل وفــي مــادة تجــاوز الســلطة‪ ،‬فــإذا قضــت‬
‫محكمــة املنســتير بــأن النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب رئيــس املجلــس البلــدي ومســاعديه‬
‫هــي مــن اختصــاص الدوائــر االســتئنافية للمحكمــة اإلداريــة ابتدائيــا واســتئنافيا مــن‬
‫اختصــاص الجلســة العامــة القضائيــة‪ ،‬وان الجلســة العامــة القضائيــة صنفــت هــذه‬
‫النزاعــات بانهــا نزاعــات انتخابيــة‪ ،‬أي ليســت نزاعــات تجــاوز ســلطة‪ ،‬فتطبيقــا لهــذا‬
‫التمشــي يكــون قــرار الوالــي بدعــوة املجلــس البلــدي لالنعقــاد فــي جلســته األولــى جــزء‬

‫عدد ‪ 09100056‬بتاريخ ‪ 27‬نوفمبر ‪2018‬‬


‫‪ .1‬حكــم ابتدائــي صــادر عــن رئيســة الدائــرة االبتدائيــة باملنســتير تحــت عــدد ‪ 6100087‬بتاريــخ ‪10‬‬
‫جويليــة ‪« 2018‬اقتضــت أحــكام الفقرتــن الســابعة والثامنــة مــن الفصــل ‪ 246‬مــن مج ّلــة الجماعــات‬
‫املحل ّيــة أنّــه «يتــ ّم اإلعــان عــن نتائــج إنتخــاب ال ّرئيــس واملســاعدين فــي ظــرف أربــع وعشــرين‬
‫وبــكل الوســائل األخــرى املتاحــة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ســاعة مــن تاريــخ إجرائهــا بواســطة التعليــق بمدخــل مقــ ّر البلد ّيــة‬
‫صحــة إنتخــاب ال ّرئيــس واملســاعدين حســب الشــروط والصيــغ واآلجــال املعمــول بهــا فــي خصــوص‬ ‫الطعــن فــي ّ‬ ‫يمكــن ّ‬
‫اإلعتراضــات ض ـ ّد إنتخــاب املجلــس البلــدي أمــام القضــاء اإلداري وذلــك فــي أجــل ‪ 15‬يومــا مــن تاريــخ اإلنتخــاب»‪.‬‬
‫صحــة انتخابــات‬ ‫ّ‬ ‫الطعــن فــي‬‫وحيــث يســتفاد مــن األحــكام املذكــورة‪ ،‬أنّ مقاصــد املشــ ّرع بخصــوص ّ‬
‫رئيــس البلد ّيــة ومســاعديه‪ ،‬إتّجهــت نحــو إعمــال القواعــد املنطبقــة بالنســبة لنزاعــات نتائــج اإلنتخابــات‬
‫املنظمــة بمقتضــى الفصــل ‪( 145‬جديــد) ومــا بعــده مــن القانــون األساســي لإلنتخابــات واإلســتفتاء‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫البلد ّيــة‬
‫نصــت أحــكام الفصــل ‪( 145‬جديــد) مــن القانــون املتع ّلــق باإلنتخابــات واإلســتفتاء أنّــه‪.»...‬‬ ‫وحيــث ّ‬
‫وحيث اقتضت أحكام الفصل ‪ 174‬مك ّرر من نفس القانون أنّه‪.»...‬‬
‫الطعــون املتع ّلقــة بانتخابــات‬ ‫وحيــث يســتخلص م ّمــا تقــ ّدم أنّ اإلختصــاص بالنّظــر إبتدائ ّيــا فــي ّ‬
‫رئيــس البلد ّيــة ومســاعديه إنّمــا يعــود إلــى الدوائــر اإلســتئناف ّية للمحكمــة اإلدار ّيــة التــي‬
‫تكــون أحكامهــا قابلــة للطعــن فيهــا أمــام الجلســة العا ّمــة القضائ ّيــة للمحكمــة اإلدار ّيــة‪.‬‬
‫وحيــث‪ ،‬بنــاء علــى ذلــك‪ ،‬يكــون ال ّنــزاع ال ّراهــن املتعلــق بطلــب إلغــاء نتائــج إنتخــاب رئيــس بلد ّيــة طــوزة مــن أنظــار‬
‫الدوائــر اإلســتئناف ّية للمحكمــة اإلدار ّيــة‪ ،‬بمــا يخرجــه عــن اختصــاص الدوائــر اإلبتدائ ّيــة للمحكمــة اإلدار ّيــة‪.‬‬
‫وحيــث أنّ مســألة اإلختصــاص الحكمــي تع ـ ّد مــن متع ّلقــات النّظــام العــام وتثيرهــا املحكمــة ولــو مــن تلقــاء نفســها‪.‬‬
‫وحيث اقتضت أحكام الفقرة ال ّثانية من الفصل ‪ 43‬من القانون املتع ّلق باملحكمة اإلدار ّية أنّه يمكن لرئيس الدائرة االبتدائ ّية‬
‫باملحكمة اإلدار ّية أن يقضي مباشرة في الدعوى دون تحقيق ودون سابق مرافعة في حاالت عدم اإلختصاص الواضح‪».‬‬
‫‪ .2‬قــرار توقيــف تنفيــذ صــادر عــن رئيســة الدائــرة االبتدائيــة باملنســتير تحــت عــدد ‪ 620018‬بتاريــخ ‪ 26‬جــوان ‪2018‬‬
‫‪363‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫خاصة‬‫ّ‬ ‫مــن عمليــة انتخــاب الرئيــس ومســاعديه وبالتالــي غيــر قابــل للطعــن بتوقــف التنفيــذ‬
‫أن الفصــل ‪ 175‬ثالثــا مــن القانــون االنتخابــي لــم ينــص علــى امكانيــة الطعــن بتوقيــف‬
‫التنفيــذ فــي قــرار الدعــوة الصــادر عــن الوالــي‪ ،‬ويبقــى لــكل مــن لــه مصلحــة الطعــن‬
‫فــي القــرارات املنبثقــة عــن محضــر الجلســة عنــد انعقــاده أمــام الدائــرة االســتئناف ّية‪.‬‬
‫أمــا الدائــرة االبتدائيــة بسوســة فقــد تعهــدت بالنــزاع وقضــت بالتخلــي عــن النظــر‬
‫فــي الدعــوى مســتندة علــى أحــكام الفصــول ‪ 264‬مــن مجلــة الجماعــات املحليــة و‪145‬‬
‫(جديــد) و‪ 174‬مكــرر مــن القانــون االنتخابــي اســتنادا إلــى أن «أنــه يســتفاد مــن‬
‫أحــكام الفقــرة األخيــرة مــن الفصــل ‪ 246‬مــن مجلــة الجماعــات املحليــة أن نيــة املشــرع‬
‫اتجهــت نحــو اســناد اختصــاص البــت فــي النزاعــات املتعلقــة بانتخــاب رئيــس البلديــة‬
‫ومســاعديه إلــى جهــاز القضــاء اإلداري طبقــا للشــروط والصيــغ واآلجــال املعمــول‬
‫بهــا بخصــوص الطعــون فــي نتائــج انتخــاب املجالــس البلد ّيــة‪ ،‬بمــا تكــون معــه واليــة‬
‫النظــر فيــه هــذه النزاعــات معقــودة ابتدائيــا لفائــدة الدوائــر االســتئناف ّية باملحكمــة‬
‫اإلداريــة واســتئنافيا لفائــدة الجلســة العامــة القضائ ّيــة وذلــك إلــى حــن إحــداث املحاكــم‬
‫اإلدار ّيــة االســتئناف ّية واملحكمــة اإلدار ّيــة العليــا عمــا بأحــكام الفصــول ‪( 145‬جديــد)‬
‫و‪( 146‬جديــد) و‪ 174‬مكــرر مــن القانــون االساســي املتعلــق باالنتخــاب واالســتفتاء»‪.1‬‬
‫ثــم قضــت الدائــرة االســتئنافية العاشــرة بانــه «يســتفاد مــن هــذه األحــكام‪ ،2‬أنّ‬
‫املش ـ ّرع خــول للمتقاضــن إمكان ّيــة الطعــن فــي نتائــج انتخــاب رئيــس املجلــس البلــدي‬
‫ومســاعديه علــى أن يتــم ذلــك وفقــا للشــروط والصيــغ واآلجــال املعمــول بهــا ضــد‬
‫انتخــاب املجلــس البلــدي بمــا يحيلنــا علــى الفصــل ‪ 145‬جديــد مــن القانــون االنتخابــي‪...‬‬
‫وحيــث تبعــا لذلــك‪ ،‬يتجلــى أنّ املشــرع أســند اختصــاص النظــر للطعــن فــي النتائــج‬
‫املتعلقــة بانتخــاب وتنصيــب رئيــس املجلــس البلــدي للدوائــر االســتئنافية» وانتهــت‬
‫الدائــرة الــى رفــض الدفــع املتعلــق بعــدم اختصــاص الدوائــر االســتئنافية مــن قبــل‬
‫املدعــى عليهمــا‪ 3‬كمــا أقــرت الدوائــر االســتئنافية الثامنــة والثالثــة االختصــاص وذلــك‬
‫ببتهــا فــي أصــل النــزاع ضــرورة أنــه لــم يتــم الدفــع بعــدم االختصــاص أمامهــا‪.4‬‬

‫‪ .1‬حكم ابتدائي صادر عن الدائرة االبتدائ ّية بسوسة تحت عدد ‪ 05900007‬بتاريخ ‪ 17‬جويلية ‪2018‬‬
‫‪ .2‬يقصد الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 246‬من مجلة الجماعات املحلية‬
‫‪ .3‬حكم استئنافي صادر عن الدائرة االستئنافية العاشرة عدد ‪ 212521‬بتاريخ ‪ 28‬سبتمبر ‪2018‬‬
‫‪ .4‬حكــم اســتئنافي صــادر عــن الدائــرة الثالثــة تحــت عــدد ‪ 212506‬بتاريــخ ‪ 24‬ســبتمبر ‪ 2018‬والحكــم الصــادر عــن‬
‫الدائــرة الثامنــة تحــت عــدد ‪ 212479‬بتاريــخ ‪ 16‬جويليــة ‪2018‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪364‬‬

‫وانفردت الدائرة االبتدائية الجهوية بقفصة بإقرار اختصاصها بالبت في نزاعات انتخاب‬
‫رئيــس البلديــة ومســاعديه‪ 1‬وقــد أصبــح الحكــم باتــا ضــرورة أنــه لــم يتــم اســتئنافه‪ .‬وإن لم‬
‫يتعــرض الحكــم الــى مســالة االختصــاص ألنــه لــم يتم الدفــع بعدم االختصــاص من أي من‬
‫األطــراف إ ّال أن تعهــد الدائــرة وبتهــا فــي أصــل النــزاع يعتبــر إقــرار منهــا باالختصــاص‪.‬‬
‫وامللفــت لالنتبــاه فــي فقــه قضــاء الدوائــر االســتئنافية والجلســة العامــة القضائيــة‬
‫املتعلــق بانتخــاب رئيــس البلديــة ومســاعديه هــو عــدم الوضــوح فــي تأويــل مقتضيــات‬
‫الفصلــن ‪ 246‬و‪ 145‬جديــد مــن القانــون االنتخابــي ذلــك أنــه تــم االعتمــاد فــي اإلقــرار‬
‫باختصــاص الدوائــر االســتئنافية ابتدائيــا والجلســة العامــة اســتئنافيا علــى تأويــل‬
‫مفــاده أن املقصــود بالفصــل ‪ 246‬الــذي اقتضــى أن «يمكــن الطعــن فــي صحــة‬
‫انتخــاب الرئيــس واملســاعدين حســب الشــروط والصيــغ واآلجــال املعمــول بهــا فــي‬
‫خصــوص االعتراضــات ضــد انتخــاب املجلــس البلــدي أمــام القضــاء اإلداري» أن‬
‫املشــرع اســند االختصــاص املنصــوص عليــه بالفصــل ‪ 145‬مــن القانــون االنتخابــي‬
‫الــذي اقتضــى أنــه «يمكــن الطعــن أمــام املحاكــم اإلداريــة االســتئنافية فــي النتائــج‬
‫الوليــة لالنتخابــات واالســتفتاء» إلــى الدوائــر االســتئنافية بنفــس الصيــغ واالجــراءات‪.‬‬
‫ورغــم ان النــص لــم يذكــر االختصــاص صراحــة فــان الدوائــر االســتئنافية والجلســة‬
‫العامــة اعتبــرت أن عبــارات «الشــروط والصيــغ واآلجــال» تشــمل االختصــاص‪.‬‬
‫ولكــن رغــم ذلــك فإنــه لــم يتــم تطبيــق االجــراءات املنصــوص عليهــا بالفصــل ‪145‬‬
‫(جديــد) ‪ 2‬خاصــة فيمــا تعلــق باإلجــراءات أمــام الدائــرة وهــي مفارقــة أن يتــم اقــرار‬

‫‪ .1‬حكم ابتدائي عدد ‪ 08900009‬بتاريخ ‪ 23‬جويلية ‪2018‬‬


‫‪ .2‬الفصــل ‪( 145‬جديــد)‪ :‬يمكــن الطعــن أمــام املحاكــم اإلداريــة االســتئنافية فــي النتائــج األوليــة لالنتخابــات واالســتفتاء‬
‫فــي أجــل أقصــاه ثالثــة أ ّيــام مــن تاريــخ تعليقهــا بمقــرات الهيئــة‪.‬‬
‫يوجــه إلــى الهيئــة إعالمــا بــه بواســطة عــدل تنفيــذ‬
‫وعلــى الطــرف الراغــب فــي ممارســة الطعــن فــي النتائــج األوليــة أن ّ‬
‫مــع نظيــر مــن العريضــة واملؤيــدات‪.‬‬
‫و ُيرفــع الطعــن وجوبــا بالنســبة لالنتخابــات التشــريعية والبلديــة والجهويــة مــن قبــل رئيــس القائمــة‬
‫املترشــحة أو أحــد أعضائهــا أو املمثــل القانونــي للحــزب فــي خصــوص النتائــج املصــ ّرح بهــا بالدائــرة‬
‫مترشــح وبالنســبة إلــى‬ ‫ّ‬ ‫االنتخابيــة املترشــحني بهــا‪ .‬وبالنســبة إلــى االنتخابــات الرئاســية مــن قبــل ّ‬
‫كل‬
‫كل ممثــل قانونــي لحــزب شــارك فيــه‪ ،‬ويكــون ذلــك بواســطة محــام لــدى التعقيــب‪.‬‬ ‫االســتفتاء مــن قبــل ّ‬
‫يجــب أن يكــون مطلــب الطعــن مع ّلــا ومحتو ًيــا علــى أســماء األطــراف ومق ّراتهــم وعلــى عــرض موجــز‬
‫للوقائــع ويكــون مشــفوعا باملؤيــدات وبمحضــر اإلعــام بالطعــن وعلــى التنبيــه علــى األطــراف بضــرورة‬
‫تقديــم ملحوظاتهــم مرفقــة بمــا يفيــد تبليغهــا لألطــراف فــي أجــل أقصــاه يــوم جلســة املرافعــة املع ّيــن مــن‬
‫املحكمــة‪ ،‬وإال رفــض شــكال‪ .‬يتــ ّم تمثيــل الهيئــة مــن قبــل رئيســها ويمكنــه تكليــف مــن يم ّثلــه فــي الغــرض‪.‬‬
‫تتولــى كتابــة املحكمــة اإلداريــة االســتئنافية ترســيم العريضــة وإحالتهــا فــورا إلــى رئيــس الدائــرة االســتئنافية الــذي‬
‫يع ّيــن مق ـ ّر ًرا يتولــى تحــت إشــرافه التحقيــق فــي القضيــة‪.‬‬
‫ويتولــى رئيــس الدائــرة املتعهــدة تعيــن جلســة مرافعــة فــي أجــل قــدره ثالثــة أيــام مــن تاريــخ تقديــم الطعــن واســتدعاء‬
‫ـأي وســيلة تتــرك أثــرا كتابيــا‪.‬‬
‫األطــراف بـ ّ‬
‫‪365‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫االختصــاص اســتنادا إلــى تأويــل معــن لعبــارة «الصيــغ واالجــراءات» ثــم ال يتــم‬
‫احتــرام الصيــغ واالجــراءات املذكــورة واملســتوجب اتباعهــا صراحــة دون تأويــل‪.‬‬
‫فطبقــا للفقــرات ‪ 3‬و‪ 4‬و‪ 5‬مــن الفصــل ‪( 145‬جديــد) تتولــى كتابــة املحكمــة ترســيم‬
‫العريضــة واحالتهــا فــورا إلــى رئيــس الدائــرة االســتئنافية ‪ ،1‬ويتولــى رئيــس الدائــرة‬
‫تعيــن جلســة مرافعــة فــي أجــل قــدره ثالثــة أيــام والحــال أن الدائــرة االســتئنافية‬
‫العاشــرة التــي أقــرت االختصــاص بمقتضــى الحكــم عــدد ‪ 212521‬عينــت القضيــة‬
‫لجلســة مرافعــة فــي ‪ 24‬ســبتمبر ‪ 2018‬وصــدر الحكــم يــوم ‪ 28‬ســبتمبر ‪ 2018‬والحــال‬
‫أن الدعــوى قدمــت يــوم ‪ 20‬جويليــة ‪ 2018‬أي أن القضيــة حكــم فيهــا فــي الطــور األول‬
‫فــي أجــل ‪ 70‬يومــا والحــال أن األجــل األقصــى طبقــا للفصــل ‪( 145‬جديــد) هــو ‪ 8‬أيــام‪.‬‬
‫وقــد تــم اســتئناف الحكــم أمــام الجلســة العامــة يــوم ‪ 5‬أكتوبــر ‪ 2018‬فتــم تعينيهــا‬
‫فــي جلســة مرافعــة يــوم ‪ 11‬أكتوبــر ‪ 2018‬والحــال أنــه طبقــا الجــراءات الفصــل ‪146‬‬
‫(جديــد) كان مــن املســتوجب تعيــن جلســة املرافعــة يــوم ‪ 8‬اكتوبــر علــى أقصــى تقديــر‬
‫وتولــت الجلســة العامــة القضائيــة الحكــم فــي القضيــة يــوم ‪ 30‬أكتوبــر ‪ 2018‬والحــال‬
‫أن أقصــى أجــل للحكــم هــو يــوم ‪ 18‬أكتوبــر ‪ 2018‬تطبيقــا للفقــرة ‪ 6‬مــن الفصــل‬
‫‪( 146‬جديــد) مــن القانــون االنتخابــي‪ .‬وعليــه فــان القضيــة بطوريهــا اســتغرقت‬
‫‪ 100‬يــوم أي ثالثــة أشــهر وعشــرة أيــام عوضــا عــن ‪ 21‬يومــا علــى أقصــى تقديــر‪.‬‬
‫أمــا فــي الحكــم الصــادر عــن الجلســة العامــة تحــت عــدد ‪ 317449‬بتاريــخ ‪ 13‬نوفمبــر‬
‫‪ 2018‬طعنــا فــي الحكــم االســتئنافي عــدد ‪ 212506‬بتاريــخ ‪ 28‬ســبتمبر ‪ ،2018‬تــم اســتئناف‬
‫الحكــم أمــام الجلســة العامــة فــي ‪ 29‬أكتوبــر ‪ 2018‬أي فــي أجــل شــهر مــن تاريــخ صــدور‬
‫الحكــم وعليــه فانــه امــا أن املحكمــة لــم تحتــرم اجــراء االعــام بالحكــم املنصــوص عليــه‬
‫فــي الفقــرة األخيــرة مــن الفصــل ‪( 145‬جديــد) مــن القانــون االنتخابــي واملحــدد بثالثــة‬
‫أيــام مــن تاريــخ صــدور الحكــم األمــر الــذي يعــد خرقــا مــن قبــل املحكمــة لإلجــراءات‬
‫القضائيــة أو ان االعــام تــم فــي اآلجــال وفــي هــذه الحالــة يكــون الطعــن باالســتئناف‬
‫أمــام الجلســة العامــة قــد تــم خــارج اآلجــال املحــددة بالفقــرة األولــى مــن الفصــل ‪146‬‬
‫(جديــد) بثالثــة أيــام مــن تاريــخ اإلعــام بالحكــم وبالتالــي كان علــى الجلســة العامــة‬
‫أن تقضــي برفــض الطعــن شــكال عوضــا عــن قبــول الطعــن شــكال ورفضــه أصــا‪.‬‬

‫وتتولــى الدائــرة إثــر املرافعــة حجــز القضيــة للمفاوضــة والتصريــح بالحكــم فــي أجــل أقصــاه خمســة أيــام مــن تاريــخ‬
‫جلســة املرافعــة‪ ،‬وتــأذن بالتنفيــذ علــى املســودة‪.‬‬
‫‪ .1‬يبقــى اجــراء احالــة القضيــة مــن قبــل الرئيــس األول إلــى الكتابــة والكتابــة الــى الدائــرة القضائيــة املتعهــدة اجــراء‬
‫داخليــا وغيــر معلــوم بــه مــن قبــل املتقاضــن رغــم تأثيــره علــى حقوقهــم فقــد يســتغرق تعيــن القضيــة فــي الدائــرة‬
‫أســابيع أو أشــهرا فــي بعــض األحيــان األمــر الــذي يكــون معــه ادراج مســألة ضبــط آجــال لتعيــن القضايــا مــع وجوبيــه‬
‫اعــام املتقاضــن بتاريــخ التعهيــد والدائــرة املتعهــد وكذلــك القضــاة‪ ،‬ضمــن مجلــة القضــاء االداري ضروريــا ملــا‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪366‬‬

‫ويســتنتج مــن اســتعراض فقــه قضــاء الدوائــر االبتدائيــة واالســتئنافية والجلســة العامــة‬
‫القضائيــة باملحكمــة اإلداريــة فــي البــت فــي نزاعــات انتخــاب رئيــس املجلــس البلــدي‬
‫ومســاعديه أن اللبــس الــذي شــاب الفصــل ‪ 246‬مــن مجلــة الجماعــات املحليــة قــد‬
‫وخاصــة‬
‫ّ‬ ‫تعمــق بفعــل فقــه القضــاء الــذي لــم يســاهم فــي توضيــح القواعــد االجرائيــة‬
‫فيمــا تعلــق باالختصــاص الحكمــي األمــر الــذي شــكل خرقــا ملبــدأ املحاكمــة العادلــة‬
‫املكرســة بالفصــل ‪ 108‬مــن الدســتور وذلــك لتعارضــه مــع أهــم مكونــات املحاكمــة‬
‫العادلــة وهــو «تيســير اللجــوء إلــى القضــاء» فتشــعب االجــراءات وعــدم وضوحهــا‬
‫يضعــف مــن حقــوق املتقاضــن فــي الوصــول إلــى القضــاء ويؤثــر ســلبيا علــى مبــدأ‬
‫األمــان القانونــي‪ 1‬كمــا يســاهم فــي خلــق حــاالت عــدم مســاواة بــن املتقاضــن‪.‬‬
‫ومــن مظاهــر هــذا التشــعب أن الكثيــر مــن النزاعــات التــي طرحــت بمناســبة تركيــز‬
‫املجالــس البلديــة كانــت تتعلــق فــي نفــس الوقــت بالطعــن فــي انتخــاب الرئيس واملســاعدين‬
‫وكذلــك تشــكيل اللجــان وتعيــن رؤســائها ومقرريهــا نظــرا لكونهــا تتــم فــي نفــس الجلســة‬
‫وبمقتضــى نفــس املحضــر‪ ،‬ممــا أدى ببعــض األحــكام الــى الحكــم بعــدم االختصــاص فــي‬
‫جــزء منهــا بخصــوص نزاعــات الرئيــس واملســاعدين فــي الطــور االبتدائــي والحكــم فــي‬
‫األصــل بخصــوص فــرع النــزاع املتعلــق بالطعن تعيني رؤســاء اللجــان ومقرريهــا‪ 2‬والعكس‬
‫تــم أمــام الدائــرة االســتئنافية التــي قضــت بعــدم اختصاصهــا فــي جــزء النــزاع املتعلــق‬
‫بالطعــن فــي تعيــن رؤســاء اللجــان ومقرريهــا وقضــت فــي أصــل الدعــوى بخصــوص‬
‫الطعــن فــي انتخــاب رئيــس املجلــس واملســاعدين‪ ،‬وذهــب األمــر حــد الحكــم» بشــطب‬
‫القضيــة عــدد ‪ 212489‬مــن دفاتــر القضايــا االســتئنافية وإحالتهــا إلــى الرئيــس األول‬
‫للمحكمــة اإلداريــة لترســيمها بســجل املحكمــة الخــاص بالقضايــا االبتدائيــة باملحكمــة‬
‫اإلداريــة»‪ 3‬اســتنادا إلــى أن اختصــاص الدوائــر االســتئنافية مســند بمقتضــى الفصــل‬
‫‪ 246‬الــذي لــم يتضمــن نزاعــات تشــكيل اللجــان وتعيــن املقرريــن والرؤســاء‪ ،‬والغريــب أن‬
‫املدعــن فــي هــذه القضيــة قامــوا برفــع قضيــة أمــام الدائــرة االبتدائيــة للمحكمــة اإلداريــة‬
‫بالــكاف فــي ‪ 21‬ســبتمبر ‪ 2018‬أي بعــد ‪ 70‬يومــا‪ 4‬مــن صــدور الحكــم االســتئنافي وقــد‬
‫تــم الدفــع باســبقية القيــام أمــام الدوائــر االســتئنافية ولــم تتــول املحكمــة اثــارة القيــام‬
‫خــارج اآلجــال والحــال ان آجــال القيــام مــن متعلقــات النظــام العــام‪ .‬هــذا التشــتت فــي‬
‫نزاعــات تتعلــق بنفــس الجلســة غيــر مستســاغ ويمــس ســلبيا مــن مبــدا املحاكمــة العادلــة‪.‬‬

‫‪ .1‬عرف مجلس الدولة الفرنسي مبدأ األمان القانوني بأنه‬


‫‪«implique que les citoyens soient, sans que cela appelle de leur part des efforts insurmontables, en mesure‬‬
‫‪de déterminer ce qui est permis et ce qui est défendu par le droit applicable ». Rapport public 2006‬‬

‫‪ .2‬حكم ابتدائي صادر عن دائرة قابس تحت عدد ‪ 09100056‬بتاريخ ‪ 27‬نوفمبر ‪2018‬‬
‫‪ .3‬حكم استئنافي عدد ‪ 212489‬بتاريخ ‪ 12‬جويلية ‪. 2018‬‬
‫‪367‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫وأمــام هــذا اللبــس الكبيــر الــذي اعتــرى تأويــل الفصــل ‪ 246‬مــن مجلــة الجماعــات املحليــة‬
‫يتجــه تقديــم محاولــة لتأويلــه‪ ،‬وفــي هــذا الســياق مــن املجــدي بيــان أن عبــارة «القضــاء‬
‫اإلداري» وردت ضمــن البــاب األول الكتــاب الثانــي فــي ثــاث مواضــع الفصــل ‪ 246‬و‪1266‬‬
‫و‪ 2922‬وبالتمعــن فــي كل مــن الفصلــن ‪ 266‬و‪ 292‬يتبــن أن التأويــل األقرب هو أن املقصود‬
‫بعبــارة «القضــاء اإلداري» هــو املحكمــة االداريــة االبتدائيــة‪ ،‬ألنــه فــي حالــة الفصــل ‪266‬‬
‫يتعلــق األمــر بطعــن رئيــس البلديــة فــي قــرار الســلطة املركزيــة تنفيــذ القــرارات البلديــة‬
‫وفــي حالــة الفصــل ‪ 292‬يتعلــق األمــر بالنزاعــات املترتبــة عــن االنســحاب مــن مؤسســة‬
‫التعــاون بــن البلديــات وطاملــا ان «الجميــع» متفقــون علــى ان القاضــي اإلداري هــو‬
‫قاضــي الجماعــة املحليــة وأن القاضــي االبتدائــي هــو األقــرب إلــى الجماعــة املحليــة فــان‬
‫األقــرب هــو أن االختصــاص معقــود إلــى القاضــي االبتدائــي‪ ،‬ولــكل ذلــك فمــن املنطقــي‬
‫أن يتــم تأويــل نفــس العبــارة بنفــس الطريقــة فــي الفصــول ‪ 246‬و‪ 266‬و‪ 292‬مــن املجلــة‪.‬‬
‫مــن جهــة اخــرى تعتبــر الدائــرة االبتدائيــة هــي القاضــي صاحــب االختصــاص‬
‫العــام‪ 3‬أو الواليــة العامــة‪ 4‬فــي القضــاء اإلداري‪ ،‬علــى غــرار املحكمــة االبتدائيــة‬
‫فــي القضــاء العدلــي‪ ،‬وعليــه يرجــع الــى الدائــرة االبتدائيــة كل النزاعــات اإلداريــة‬
‫التــي ال يتــم اســنادها صراحــة الــى هيئــة حكميــة معينــة فــي القضــاء اإلداري‬
‫ولهــذا الســبب فــإن عبــارة «القضــاء اإلداري» يقصــد بهــا املحكمــة االبتدائيــة‪.‬‬
‫باإلضافــة الــى ذلــك يجــب أن ال نغفــل عــن أن عبــارة «القضــاء اإلداري» هــي عبــارة‬
‫دســتورية ولذلــك فــإن كل تأويــل لهــا البــد أن يتطابــق مــع مــا قصــده الدســتور بهــا‪،‬‬
‫نــص الفصــل ‪ 116‬مــن الدســتور علــى أن «يتكــون القضــاء اإلداري مــن محكمــة‬ ‫وقــد ّ‬
‫إداريــة عليــا‪ ،‬ومحاكــم إداريــة اســتئنافية‪ ،‬ومحاكــم إداريــة ابتدائيــة‪ .‬يختــص القضــاء‬
‫اإلداري بالنظــر فــي تجــاوز اإلدارة ســلطتها‪ ،‬وفــي النزاعــات اإلداريــة‪ ،‬ويمــارس‬
‫وظيفــة استشــارية طبــق القانــون»‪ ،‬ويتبــن أن املقصــود بعبــارة القضــاء اإلداري فــي‬
‫الدســتور هــو املحكمــة اإلداريــة العليــا واملحاكــم اإلداريــة االســتئنافية واملحاكــم االداريــة‬
‫االبتدائيــة أي القضــاء اإلداري بأطــواره الثالثــة وعليــه كلمــا أســند اختصــاص «للقضــاء‬
‫اإلداري» فإنــه وتطبيقــا للدســتور تتــم ممارســة هــذا االختصــاص مــن قبــل املحاكــم‬
‫االداريــة االبتدائيــة ثــم املحاكــم االداريــة االســتئنافية ثــم املحكمــة اإلداريــة العليــا‪.‬‬

‫‪ ...« .1‬لرئيس البلدية الطعن في في رفض السلطة املركزية تنفيذ القرارات البلدية أمام القضاء اإلداري»‬
‫‪« .2‬تعرض النزاعات املتعلقة باالنسحاب وآثاره على القضاء اإلداري»‬
‫‪3. Juge de droit commun‬‬

‫‪ .4‬حكــم اســتئنافي عــدد ‪ 212489‬بتاريــخ ‪ 12‬جويليــة ‪« 2018‬وحيــث بنــاء عليــه تكــون الدوائــر االبتدائيــة باملحكمــة‬
‫أي نــزاع إداري»‬ ‫املختصــة فــي النــزاع املاثــل باعتبارهــا صاحبــة الواليــة العامــة بالنظــر ابتدائيــا فــي ّ‬
‫ّ‬ ‫اإلداريــة هــي‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪368‬‬

‫ثــم أنــه مــا مــن شــك أن عبارة «القضــاء االداري» اقتضــت تأويال من قبل الهيئــات الحكمية‬
‫املنتصبــة للحكــم فــي النزاعــات التــي طرحــت بمناســبة انتخــاب رئيــس البلديــة ومســاعديه‬
‫وان املنظومــة القانونيــة التشــريعية التونســية تضمنت بكل دقة قواعــد التأويل‪ 1‬فقد اقتضى‬
‫الفصــل ‪ 532‬مــن مجلــة االلتزامــات والعقــود بــأن «نــص القانــون ال يحتمــل إال املعنــى‬
‫الــذي تقتضيــه عبارتــه بحســب وضــع اللغــة وعــرف االســتعمال ومــراد واضــع القانــون»‬
‫فبالنســبة لوضــع اللغــة اقتضــى الفصــل ‪ 533‬مــن مجلــة االلتزامــات والعقود أنــه «إذا كانت‬
‫عبــارة القانــون مطلقــة جــرت علــى إطالقهــا» وتطبيقــا لهــذه القاعــدة فقــد وردت عبــارة‬
‫«القضــاء اإلداري» مطلقــة ولــم يخــص القانــون هيئــة حكميــة ضمــن القضــاء اإلداري‬
‫وبالتالي فان التأويل الســليم يقتضي أن يســند االختصاص للقضاء اإلداري بكل أطواره‪.‬‬
‫أمــا بخصــوص «مــراد واضــع القانــون» فيتبــن بالرجــوع إلــى تقريــر اللجنــة التأسيســية‬
‫للقضــاء العدلــي واملالــي والدســتوري اجمــاع كل االطــراف الذيــن اســتمعت إليهــم اللجنــة‬
‫علــى ضــرورة إقــرار ال مركزيــة القضــاء اإلداري‪ 2‬وقــد انتهت اللجنة التأسيســية في رؤيتها‬
‫للقضــاء اإلداري مــن الناحيــة الهيكليــة إلــى ضــرورة اعتمــاد هيكلــة هرميــة متكاملــة فقــد‬
‫«أجمعــت اللجنــة علــى اعتمــاد التقاضــي علــى درجتــن ضمــن تركيبــة ثالثيــة تضــم محاكم‬
‫ابتدائيــة ومحاكــم اســتئناف ومحكمــة عليــا كمــا تطــرق النقــاش إلــى ال مركزيــة القضــاء‬
‫اإلداري ووقــف النــواب علــى دورهــا فــي تقريــب القضــاء مــن املواطــن واســتعرضوا‬
‫فــي املقابــل مــا يمكــن أن تطرحــه مــن اشــكال بخصــوص تشــتيت النــزاع اإلداري»‪.3‬‬
‫كمــا تبــن باالطــاع تقريــر اللجنــة التأسيســية للجماعــات العموميــة الجهويــة واملحليــة‬
‫أنهــا انتهــت إلــى ان ضمــان اســتقالل الجماعــات املحليــة يكــون عبــر اخــراج الرقابــة‬
‫الالحقــة ألعمالهــا مــن ســلطة االشــراف واســنادها إلــى «القضــاء اإلداري‪ ...‬وهــذا يتطلــب‬
‫علــى مســتوى التطبيــق اعــادة هيكلــة القضــاء اإلداري وذلــك باحــداث فــروع للمحكمــة‬
‫اإلداريــة‪ 4»...‬ومــن هنــا يبــرز أن املشــرع التأسيســي يقصــد بعبــارة القضــاء اإلداري عامــة‬
‫وفــي مــادة نزاعــات الجماعــات املحليــة علــى وجــه الخصــوص القضــاء اإلداري بــكل‬
‫أطــواره مشــددا علــى القاضــي االبتدائــي بصفتــه القاضــي األقــرب للجماعــة املحليــة‪.‬‬
‫ومــن جهــة «عــرف االســتعمال « ال يفوتنــا أن نبــن أن الفقــرة األخيــر مــن الفصــل ‪ 246‬مــن‬

‫‪ .1‬مجلــة االلتزامــات والعقــود البــاب الثانــي فــي تفســير العقــود وبعــض القواعــد القانونيــة العامــة الفــرع الثانــي فــي‬
‫بعــض القواعــد العامــة تتعلــق بالقانــون الفصــول مــن ‪ 532‬إلــى ‪563‬‬
‫‪ .2‬تقرير اللجنة التأسيسية للقضاء العدلي واإلداري واملالي والدستوري حول مشروع باب السلطة القضائية‪ ،‬ص ص ‪.12 - 9‬‬
‫‪ .3‬تقرير اللجنة التأسيســية للقضاء العدلي واإلداري واملالي والدســتوري حول مشــروع باب الســلطة القضائية ص ‪27‬‬
‫‪ .4‬تقرير للجنة للجماعات العمومية الجهوية واملحلية ص ‪.15‬‬
‫‪369‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫مجلــة الجماعــات املحليــة ماهــي ا ّال ترجمة حرف ّيــة للفصل‪:‬‬


‫‪L2122-13 Du code général de collectivités territoriales CGCT1‬‬

‫وفــي فرنســا وتطبيقــا للفصــل املذكــور تمــارس املحاكــم اإلداريــة االبتدائيــة اختصــاص‬
‫البــت فــي نزاعــات انتخــاب رؤســاء املجلــس البلديــة ومســاعديهم‪ .2‬كمــا تختــص املحاكــم‬
‫االداريــة االبتدائيــة فــي املغــرب بالبــت فــي نزاعــات انتخــاب رؤســاء املجالــس الحضريــة‬
‫والقرويــة طبقــا للمــادة ‪ 26‬مــن الظهير الشــريف عدد ‪ 41.90‬مطة أولــى‪« 3‬ويتوزع اختصاص‬
‫املحاكــم اإلداريــة فــي املنازعــات االنتخابيــة بــن مــا هــو صريــح منصــوص عليــه فــي مــادة‬
‫مــن قانــون عــدد ‪ 41.90‬ومــا هــو ضمنــي بالنظــر إلــى طبيعــة املــادة االنتخابيــة»‪ .4‬وكذلــك‬
‫الشــأن فــي مصــر أيــن تختــص املحاكــم االداريــة االبتدائيــة «بالطعــون الخاصــة بانتخــاب‬
‫الهيئــات املحليــة طبــق نــص القانــون عــدد ‪ 47‬لســنة ‪ .1972‬وقــد عــددت املــادة ‪ 10‬مــن‬
‫القانــون اختصاصــات املحاكــم االداريــة علــى ســبيل الحصــر «كانــت املحكمــة االبتدائيــة‬
‫تختــص بالطعــون فــي انتخــاب الهيئــات املحليــة قبــل انشــاء مجلــس الدولــة فــي مصــر‬
‫وكانــت تفصــل فــي الطعــن علــى ســبيل االســتعجال بأحــكام غيــر قابلــة للطعــن فيهــا‬

‫‪1. Article L2122-13 L'élection du maire et des adjoints peut être arguée de nullité dans les‬‬
‫‪conditions, formes et délais prescrits pour les réclamations contre les élections du conseil municipal‬‬

‫‪2. Aux termes de l'article L. 2122-13 du code général des collectivités territoriales (CGCT), l'élection‬‬
‫‪du maire et des adjoints peut être contestée dans les mêmes conditions, formes et délais que l'élection‬‬
‫‪des conseillers municipaux. Les recours contre l'élection du maire et des adjoints peuvent ainsi être‬‬
‫‪formés par tout électeur de la commune ou toute personne éligible au conseil municipal soit par requête‬‬
‫‪déposée ou parvenue au tribunal administratif au plus tard à dix-huit heures le cinquième jour suivant‬‬
‫‪la proclamation des résultats, soit par consignation des moyens d'annulation au procès-verbal des‬‬
‫‪opérations électorales ou par requête déposée à la sous-préfecture ou à la préfecture au plus tard à dix-‬‬
‫‪huit heures le cinquième jour suivant la proclamation des résultats ; ce procès-verbal ou cette requête‬‬
‫‪doit être transmis par le préfet, dès sa réception, au greffe du tribunal administratif. L'article D. 2122-2 du‬‬
‫‪CGCT précise que le délai de cinq jours dans lequel l'élection du maire et des adjoints peut être arguée‬‬
‫)‪de nullité court à partir de vingt-quatre heures après l'élection (CE 21 février 2000, Blachère, n° 206581‬‬

‫‪ .3‬في الطعون املرفوعة إلى املحاكم اإلدارية فيما يتعلق باالنتخابات املادة ‪26‬‬
‫تختص املحاكم اإلدارية ‪:‬‬
‫• بالنظر‪ ،‬بدال من املحاكم االبتدائية‪ ،‬في الطعون املنصوص عليها في‪:‬‬
‫‪ -‬الظهيــر الشــريف رقــم ‪ 1.59.161‬بتاريــخ ‪ 27‬مــن صفــر ‪( 1379‬فاتــح ســبتمبر ‪ )1959‬املتعلــق بانتخــاب مجالــس‬
‫الجماعــات الحضريــة والقرويــة‪ ،‬وتحــل نتيجــة لذلــك عبــارة "املحكمــة اإلداريــة" وعبــارة "رئيــس املحكمــة اإلداريــة"‪،‬‬
‫محــل عبــارة " املحكمــة االبتدائيــة" وعبــارة "رئيــس املحكمــة االبتدائيــة " فــي الفصــول ‪( 13‬الفقــرة الثالثــة) و‪17‬‬
‫(الفقــرة السادســة) و‪( 19‬الفقــرة األخيــرة) و‪( 30‬الفقــرة الثانيــة) و‪ 33‬و‪ 34‬و‪ 35‬و‪ 37‬و‪ 39‬مــن الظهيــر الشــريف املذكــور ؛‬
‫‪ -‬الظهير الشريف رقم ‪ 1.63.273‬بتاريخ ‪ 22‬من ربيع اآلخر ‪ 12( 1383‬سبتمبـر ‪ )1963‬املتعلق بتنظيم العماالت واألقـاليم‬
‫ومجالســها‪ ،‬وتحــل نتيجــة لذلــك عبــارة "املحكمــة اإلداريــة" وعبــارة "رئيــس املحكمــة اإلداريــة" محــل عبــارة "املحكمــة‬
‫االبتدائية" وعبارة "رئيس املحكمة االبتدائية" في الفصول ‪ 10‬و‪ 21‬و‪ 22‬و‪ 27‬و‪ 28‬و‪ 29‬و‪ 30‬من الظهير الشريف املذكور‬
‫‪ .4‬محمــد قصــري ومحمــد األعــرج الطعــون االنتخابيــة بــن أحــكام التشــريع وقــرارات القضــاء املغربــي‪ ،‬دار قرطبــة‬
‫للنشــر‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،2007 ،‬ص ‪12‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪370‬‬

‫باملعارضــة وال باالســتئناف‪ ،‬وفــي املقابــل قضــت املــادة ‪ 13‬مــن القانون رقم ‪ 47‬لســنة ‪1972‬‬
‫باختصــاص محكمــة القضــاء االداري بالفصــل فــي الطعــون االنتخابيــة بالهيئــات املحليــة‪،‬‬
‫واصبــح الختصــاص القضــاء اإلداري فائــدة عمليــة فــي النظــر بالطعــون املحليــة‪ ...‬وطبقــا‬
‫لنــص املــادة األولــى مــن قانــون االدارة املحليــة لســنة ‪ 1979‬رقــم ‪ 43‬املقصــود بالهيئــات‬
‫ـخصية االعتباريــة وهــي‬ ‫املحليــة «هــي مجالــس ووحــدات الحكــم املحلــي التــي تتمتــع بالشـ ّ‬
‫املحافظــات واملراكــز واملــدن واألحيــاء والقرى»‪...‬والدعــوى هنــا هــي دعــوى قضــاء كامــل»‪.1‬‬
‫ولتجــاوز هــذا الغمــوض التشــريعي الــذي لــم يتــم تجــاوزه او تالفيــه بفعــل االجتهــادات‬
‫القضائيــة فانــه مــن املجــدي تدخل املشــرع بتنقيح الفصل ‪ 246‬من مجلــة الجماعات املحلية‬
‫واســناد اختصــاص نزاعــات انتخاب الرئيس واملســاعدين صراحــة الى هيئة حكمية ضمن‬
‫القضــاء االداري‪ ،‬وتجــدر االشــارة الــى انــه صــدرت توصيــة عــن امللتقى العلمــي املنظم من‬
‫قبــل الفــرع الجهــوي للمحامــن باملنســتير ومركــز التكويــن ودعــم الالمركزيــة وبمشــاركة‬
‫الفرعــن الجهويــن للمحامــن بــكل مــن املهديــة والقيــروان املنظــم فــي ‪ 24‬و‪ 25‬جانفــي ‪2020‬‬
‫تحــت عنــوان «نزاعــات الجماعــات املحليــة» باســناد اختصــاص البــت فــي نزاعــات رئيــس‬
‫البلديــة ومســاعديه إلــى املحاكــم االداريــة االبتدائيــة‪ .‬وهــو الخيــار األنســب واملتالئــم مــع‬
‫نصهــا املتجــه إلــى جعــل املحكمــة االداريــة‬ ‫روح مجلــة الجماعــات املحليــة واألقــرب إلــى ّ‬
‫االبتدائيــة هــي قاضــي الجماعــة املحل ّيــة لكونــه قاضــي املــادة االدار ّيــة األقــرب اليهــا‪ ،‬وال‬
‫يجــب أن ننســى أن احــداث الدوائــر االبتدائيــة الجهويــة بمقتضــى األمــر الحكومــي عــدد‬
‫‪ 620‬لســنة ‪ 2017‬مــؤرخ فــي ‪ 25‬مــاي ‪ 2017‬املتعلــق بإحــداث دوائــر ابتدائيــة متفرعــة عــن‬
‫املحكمــة اإلداريــة بالجهــات وبضبــط نطاقهــا الترابــي‪ ،‬بمناســبة االنتخابــات البلديــة األولــى‬
‫بعــد دســتور ‪ 2014‬لكــي يتصــدى للنزاعــات املتعلقــة بانتخــاب الجمعــات املحليــة وبســيرها‪.‬‬

‫ب‪ .‬تكريــس فقــه قضــاء املحكمــة االداريــة فــي املــادة االنتخاب ّيــة على‬
‫نزاعات الجلســة األولى‬

‫إن املطلــع علــى فقــه قضــاء املحكمــة اإلداريــة فــي املــادة االنتخابيــة منــذ ‪ 2011‬مــرورا‬
‫بانتخابــات ‪ 2014‬يمكنــه أن يســتنتج أن األحــكام الصــادرة فــي هــذه املــادة تميزت بالتشــدد‬
‫والصرامــة فــي تطبيــق النظــام االجرائــي فــي النــزاع االنتخابــي وهــو النظــام الــذي تــم‬
‫تطبيقــه مــن قبــل الهيئــات الحكميــة فــي نزاعــات انتخــاب رئيــس البلديــة ومســاعديه‪.‬‬

‫‪ .1‬شــتي صديــق محمــد‪ ،‬القضــاء اإلداري وتنــازع اختصاصاتــه مــع القضــاء العــادي‪ ،‬دراســة تحليليــة مقارنــة‪ ،‬املركــز‬
‫القومــي لإلصــدرات القانونيــة‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،2016 ،‬ص ‪. 80‬‬
‫‪371‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫فقــد كرســت املحكمــة فقــه قضاءهــا املعلــق بوجوبيــة تبليــغ العريضــة فقضــت الدائــرة‬
‫االســتئنافية العاشــرة بمقتضــى حكمهــا عــدد ‪ 212484‬بتاريــخ ‪ 18‬جويليــة ‪ 2018‬إلــى‬
‫أنــه تطبيقــا للفصــل ‪ 145‬مــن القانــون االنتخابــي فانــه «يتعــن علــى القائــم بالطعــن أن‬
‫يبلــغ عريضــة الطعــن إلــى الهيئــة وإلــى جميــع األطــراف املشــمولة بالطعــن والتنبيــه‬
‫عليهــم بضــرورة االدالء بملحوظاتهــم فــي األجــل القانونــي وهــو إجــراء وجوبــي رتــب‬
‫املشــرع عــن مخالفتــه رفــض الطعــن شــكال‪ »...‬وهــو نفــس املوقــف الــذي أجمعــت‪ 1‬عليــه‬
‫الدوائــر االســتئنافية ســنة ‪ .2 2014‬كمــا حافظــت املحكمــة علــى نفــس املوقــف بخصــوص‬
‫تبيــغ التقاريــر فــي الــرد علــى عريضــة الدعــوى فقــد قضــت الجلســة العامــة القضائيــة‬
‫باإلعــراض عــن التقريــر املقــدم جلســة دون االدالء بمــا يفيــد تبليغــه لألطــراف‪.3‬‬
‫وبخصــوص انابــة املحامــي انتهــت الدائــرة االســتئنافية الثانيــة إلــى أن مــا اقتضــاه‬
‫الفصــل ‪ 145‬مــن القانــون االنتخابــي بخصــوص أن يقــدم الطعــن عــن طريــق‬
‫«محــام لــدى التعقيــب مــن االجــراءات األساســية التــي ينجــر عــن مخالفتهــا‬
‫خلــل فــي اجــراءات الطعــن يــؤول الــى رفضــه شــكال»‪ 4‬وأن انابــة محامــي مرســم‬
‫لــدى االســتئناف يعــد خلــا وهــو املوقــف الــذي تــم اقــراره منــذ ســنة ‪.5 2014‬‬
‫ومــن جهــة أخــرى تــم التأكيــد علــى أن تضمــن محضــر االعــام بالطعــن التنبيــه علــى‬
‫املدعــى عليــه بتقديــم ملحوظاتــه فــي أجــل أقصــاه يــوم جلســة املرافعــة «وحيــث اســتقر‬
‫فقــه القضــاء علــى أن النــزاع االنتخابــي يخضــع إلجــراءات خاصــة وآجــال مقتضبــة‬
‫ومبــادئ قانونيــة متميــزة تحــول دون االســتئناس باملبــادئ االجرائيــة املوضوعيــة‬
‫ألصنــاف أخــرى مــن النزاعــات‪ ،‬وأنــه ال منــاص للقاضــي االنتخابــي مــن التقيــد بعبــارة‬
‫ـص املنظــم للنــزاع وتســليط الجــزاء الــوارد فيــه متــى تبــن لــه االخــال بمقتضياتــه‬‫النـ ّ‬
‫ضــرورة أن اإلجــراءات املنصــوص عليهــا بالفصــل ‪ 146‬املشــار إليهــا أعــاه ال تتعلــق‬
‫بمصلحــة الخصــوم وإنمــا بحســن ســير التقاضــي وضمــان انعقــاد النــزاع بصــورة‬
‫ســليمة‪...‬وحيث تبــن مــن أوراق امللــف أن محضــر اإلعــام بالطعــن املدلــى بــه مــن‬
‫الطاعــن لــم يتضمــن التنبيــه علــى املطعــون ضــده بضــرورة تقديــم ملحوظاتــه مرفقــة‬
‫بمــا يفيــد تبليغهــا للطاعــن فــي أجــل أقصــاه جلســة املرافعــة املعينــة مــن املحكمــة فــي‬

‫‪ .1‬دليل النزاعات االنتخابية في تونس‪ ،‬سمية قنبرة وهدى التوزري‪ ،‬برنامج األمم املتحدة االنمائي‪ 2017 ،‬ص ‪78‬‬
‫‪ .2‬نذكر على سبيل املثال األحكام عدد ‪ 201410019‬بتاريخ ‪ 18‬سبتمبر ‪ 2014‬و‪ 20141006‬بتاريخ ‪ 17‬سبتمبر ‪2014‬‬
‫‪ .3‬قرار عدد ‪ 317402‬بتاريخ ‪ 4‬أكتوبر ‪. 2018‬‬
‫‪ .4‬الحكم عدد ‪ 212491‬بتاريخ ‪ 13‬جويلية ‪2018‬‬
‫‪ .5‬حكم استئنافي عدد ‪ 201420006‬بتاريخ ‪ 7‬نوفمبر ‪2014‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪372‬‬

‫مخالفــة للفصــل ‪ 146‬املبــن أعــاه‪ ،‬األمــر الــذي يتعــن معــه رفــض الطعــن شــكال»‪.1‬‬
‫ان هــذا االســتقرار فــي فقــه القضــاء املحكمــة اإلداريــة بخصــوص اجــراءات التقاضــي‬
‫فــي املــادة االنتخابيــة ايجابــي ذلــك أنــه يشــكل ضمانــة للمتقاضــن ويكــرس مبــدأ األمــان‬
‫القانونــي الــذي يعتبــر مــن املبــادئ العامــة للقانــون والــذي يهــدف إلــى جعــل املراكــز‬
‫القانونيــة واضحــة وغيــر معرضــة لتغييــر املفاجــئ وغيــر اآلمــن‪ .‬ويمكــن التأكــد مــن ذلــك‬
‫مــن خــال النقــص الحاصــل فــي عــدد القضايــا املرفوضــة شــكال فــي الطــور االبتدائــي‬
‫أمــام الدوائــر االســتئنافية وكذلــك فــي الطــور االســتئنافي أمــام الجلســة العامــة‪.2‬‬
‫علــى أن فقــه القضــاء لــم يخل‪ ،‬من الناحية االجرائية‪ ،‬من بعض األحكام الفريدة على غرار‬
‫الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االســتئنافية األولــى والــذي خــاض مباشــرة فــي األصــل دون‬
‫البــت فــي صحــة قيــام الدعــوى مــن جهــة الشــكل وهو موقــف وحيــد‪ ،‬وكان املنطــوق «رفض‬
‫الطعــن أصــا»‪ 3‬ويبــدو أنــه ليــس خطــأ بــل أن الدائــرة تعمــدت عــدم التعــرض إلــى مقومات‬
‫الدعــوى مــن جهــة الشــكل والقضــاء مباشــرة فــي أصــل الدعــوى وهــو موقــف غيــر مفهوم‪،‬‬
‫كمــا تضمــن أحــد األحــكام ادراج الدفــع بعــدم االختصــاص الحكمــي دون الــرد عليــه‪. 4‬‬
‫أمــا مــن ناحيــة األصــل فقــد تميــز فقــه قضــاء الدوائر االســتئنافية بدقــة في تطبيــق القانون‬
‫وتأولــه مــع حــرص علــى تكريــس املبــادئ الهامــة التــي كرســها فقــه قضــاء املحكمــة فــي‬
‫املــادة االنتخابيــة فــي ‪ 2011‬و‪ 2014‬وأهمهــا علــى اإلطــاق مبــدأ صدقيــة االقتــراع‪ 5‬فقــد‬
‫قضــت الدائــرة االســتئنافية «بــأن القاضــي اإلداري املنتصــب للبــت فــي نزاعــات انتخــاب‬
‫رؤســاء البلديــات مســتأمن علــى أصــوات الناخبــن وال يقضــي بإلغــاء النتائــج االنتخابيــة‬
‫ـس مــن صحــة ونزاهــة‬ ‫إ ّال إذا تظافــرت أمامــه قرائــن جد ّيــة ووقائــع ثابتــة ومتواتــرة تفيــد املـ ّ‬
‫وشــفافية العمليــة االنتخاب ّيــة وأن مــا اســتند إليــه نائــب امل ّدعــن ال يخـ ّول إبطــال العمليــة‬
‫االنتخابيــة ناهيــك وأنّ رئيــس البلديــة املطعــون فــي نتائــج انتخابــه لــه شــرعية تســتمد‬
‫قوتهــا مــن إرادة الناخبــن وال تأثيــر ملــا تمســك بــه محامــي امل ّدعــن علــى صحــة العمليــة‬
‫االنتخابيــة‪ ،‬األمــر الــذي يتجــه معــه رفــض املطعــن املاثــل كرفــض الدعــوى برمتهــا»‪.6‬‬
‫وقــد قضــت الدائــرة االبتدائيــة بقفصــة بأنــه رغــم ثبــوت خــرق القانــون فــإن النتيجــة‬

‫‪ .1‬قرار عدد ‪ 317279‬بتاريخ ‪ 21‬سبتمبر ‪ .2018‬والقرار عدد ‪ 317285‬بتاريخ ‪ 21‬سبتمبر ‪2018‬‬


‫‪ .2‬تم نشر ‪ 13‬قضية أمام الجلسة العامة القضائية قضت في ‪ 5‬منها بالرفض شكال و‪ 7‬بالرفض أصال‬
‫‪ 12 212461 .3‬جويلية ‪2018‬‬
‫‪ .4‬حكم استئنافي عدد ‪ 18 212492‬جويلية ‪2018‬‬
‫‪5. Sincérité de scrutin‬‬

‫‪ .6‬حكم استئنافي عدد ‪ 212492‬بتاريخ ‪ 18‬جويلية ‪2018‬‬


‫‪373‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫كانــت صحيحــة لذلــك لــم تنتــه املحكمــة إلــى الغــاء نتيجــة انتخــاب مســاعد رئيــس‬
‫بلديــة اللــة‪ 1‬حمايــة إلرادة الناخبــن كمــا قضــت الدائــرة االســتئنافية «بأنــه ولئــن‬
‫كان عــدم احتــرام مقتضيــات الفصــول املذكــورة يمثــل مخالفــة للقانــون فــإن ذلــك ال‬
‫يترتــب عنــه بالضــرورة وبصفــة آليــة التصريــح بإلغــاء قــرار التصريــح بفــوز الســيد ع‬
‫ع برئاســة املجلــس البلــدي ضــرورة أن أحــكام هــذه الفصــول لــم ترتــب جــزاء معينــا‬
‫منجــرا عــن هــذه املخالفــة والتــي لــم يثبــت أنــه ترتــب عنهــا مــن جهــة أخــرى أي تأثيــر‬
‫علــى ســير االنتخابــات أو علــى إرادة األعضــاء الذيــن شــاركوا فــي االقتــراع»‪.2‬‬
‫كمــا قضــت الدائــرة االســتئنافية السادســة بــأن الفصــل ‪ 246‬مــن مجلــة الجماعــات‬
‫ينــص علــى صيغــة معينــة يترتــب عــن مخالفتهــا بطــان عمليــة االنتخــاب‬ ‫ّ‬ ‫املحليــة لــم‬
‫وعليــه قبلــت الترشــح لرئاســة املجلــس برفــع األيــدي وليــس بمطلــب كتابــي‪ ،‬اعمــاال ملبــدأ‬
‫صدقيــة االقتــراع وحمايــة ارادة الناخبــن الــذي يقتضــي أنــه طاملــا ان ارادة الناخبــن‬
‫واضحــة ولــم يتــم تحريفهــا أو املــس منهــا فــا موجــب إللغــاء العمليــة االنتخابيــة‪.‬‬
‫كمــا تميــزت األحــكام بالجــرأة فلــم تقــف األحــكام عنــد إلغــاء محاضــر الجلســات بــل‬
‫تصــرف القاضــي كقاضــي نتائــج بصالحيــات كاملــة تســلطت علــى رقابــة كامــل العمليــة‬
‫االنتخابيــة ورتبــت كل اآلثــار الالزمــة لتكريــس إرادة الناخبــن‪ .‬فقامت الدائرة االســتئنافية‬
‫بالغــاء جلســة انتخابيــة أجريــت بطريقــة غيــر شــرعية فجــاء بحكمهــا «وحيــث طاملــا ثبــت أن‬
‫الجلســة االنتخابيــة ليــوم ‪ 26‬جــوان ‪ 2018‬قــد أفضــت إلــى انتخــاب رئيــس لــم يتــم الطعــن‬
‫فــي شــرع ّيته طبقــا للفصــل ‪ 246‬مــن مجلــة الجماعــات املحل ّيــة‪ ،‬أو تقديــم مــا يفيــد أنــه‬
‫تــم الغــاء تلــك االنتخابــات أو أن الرئيــس قــد تخلــى طبقــا للفصــل ‪ 247‬مــن نفــس املجلــة‪،‬‬
‫فــإن محضــر جلســة تنصيــب املجلــس البلــدي بتاريــخ ‪ 6‬جويليــة ‪ 2018‬ومــا تمخــض عنهــا‬
‫مــن قــرارات تكــون باطلــة وعلــى خــاف الصيــغ القانونيــة فضــا عــن تضمنهــا بيانــات‬
‫مخالفــة ملــا ورد بجلســة ‪ 26‬جــوان ‪« 2018‬وقضــى الحكــم ببطــان محضــر الجلســة املــؤرخ‬
‫فــي ‪ 6‬و‪ 8‬والقضــاء صراحــة بالتصريــح بفــوز «خ ف» بمنصــب رئيــس بلديــة الصخيــرة‪.3‬‬
‫وفــي نفــس االتجــاه قضــت كل مــن الدائــرة االســتئنافية الثالثــة والدائــرة االســتئنافية‬
‫الخامســة بإلــزام املجلــس البلــدي باجــراء دورة ثانيــة النتخــاب رئيــس البلديــة وحــددت‬
‫الدائــرة الثالثــة العضويــن الذيــن ســتجرى بينهمــا الــدور الثانــي وهمــا املترشــحان اللــذان‬
‫تحصــا علــى أكبــر عــدد مــن األصــوات‪ ،‬ولعلــه كان مــن املجــدي إلــى جانــب ذلــك تحديــد‬
‫أجــل أقصــى تجــرى خــااله هــذه االنتخابــات حمايــة للمســار االنتخابــي وإلرادة الناخبني‪.‬‬

‫‪ .1‬الحكم الصادر عن دائرة قفصة تحت عدد ‪ 08900009‬بتاريخ ‪ 23‬جويلية ‪2018‬‬


‫‪ .2‬حكم استئنافي عدد ‪ 212483‬بتاريخ ‪ 13‬جويلية ‪2020‬‬
‫‪ .3‬حكم استئنافي عدد ‪ 212521‬بتاريخ ‪ 28‬سبتمبر ‪2018‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪374‬‬

‫وقــد امتــدت جــرأة القاضــي إلــى التحقيــق أيضــا باعتمــاده وســائل إثبــات جديــدة‬
‫ومســتحدثة مثــل القــرص الليــزري كمــا أقــر بصحــة تصويــر العمليــة االنتخابيــة‬
‫طاملــا أن ال شــيء فــي القانــون يمنــع ذلــك‪ ،1‬وســعت الدوائــر االســتئنافية إلــى القيــام‬
‫بأعمــال التحقيــق فطلبــت الدائــرة االســتئنافية الخامســة فــي اطــار التحقيــق بــأوراق‬
‫التصويــت بغــرض التثبــت مــن صحــة تكييــف أحــدى األوراق «كورقــة ملغــاة»‪ ،2‬وفــي‬
‫نفــس الســياق قامــت الجلســة العامــة القضائيــة بإحالــة القــرص الليــزري إلــى األطــراف‬
‫تقصــي‬
‫ضمانــة لحــق الدفــاع وجــاء فــي قرارهــا أنــه « ثبــت لــدى هــذه املحكمــة عــدم ّ‬
‫اطــاع الطــرف املقابــل علــى مؤيــدات الطعــن‬ ‫قضــاة الطــور األول بخصــوص مــدى ّ‬
‫خاصــة تلــك التــي لهــا تأثيــر جوهــري علــى وجــه الفصــل‪ ،‬وعمــا باملفعــول االنتقالــي‬
‫ّ‬
‫لالســتئناف تولــت الجلســة العامــة القضائيــة بموجــب حكــم تحضيــري إحالــة القــرص‬
‫الليــزري علــى الطاعنــن لالطــاع عليــه وابــداء ملحوظاتهــم بخصوصــه وهــو مــا‬
‫تــم بموجــب التقريريــن املدلــى بهمــا مــن نائبــي الطاعنــن بتاريــخ ‪ 22‬أكتوبــر ‪.3»2018‬‬
‫علــى أن هــذا التميــز شــابته بعــض النقائــص الطفيفــة علــى غــرار قلــة الدقــة فــي‬
‫بعــض املصطلحــات علــى ســبيل املثــال مصطلــح «نســبة التصويــت»‪ 4‬والحــال األمــر‬
‫يتعلــق باملترشــحني اللذيــن «تحصــا علــى أكبــر عــدد مــن األصــوات» واملعلــوم‬
‫أن هنــاك فرقــا بــن نســبة التصويــت وعــدد األصــوات‪ ،‬لذلــك مــن املفيــد تكويــن‬
‫القضــاة علــى هــذا النــوع املســتجد مــن النزاعــات وكذلــك تنظيــم حلقــات نقــاش‬
‫بــن القضــاة بهــدف تنســيق املواقــف وتوحيــد اآلراء حــول املســائل الخالفيــة‪.‬‬
‫إن عــدم وضــوح االجــراءات القضائيــة وتشــعبها بمــا يمكــن أن يــؤدي إلــى تطبيــق مختلــف‬
‫مــن قبــل الهيئــات الحكميــة املتعهــدة بخصــوص االختصــاص وشــروط قبــول الدعــوى مــن‬
‫شــأنه االخــال بمبــادئ املحاكمــة العادلــة لــذا يجــب تالفــي هــذا اإلخــال‪ ،‬بطــرق قانونيــة‬
‫وأخــرى شــبه قانونيــة‪.‬‬
‫وتتمثــل الطــرق القانونيــة فــي تدخــل املشــرع وذلــك بإدخــال التعديــات الضروريــة علــى‬
‫القانــون االنتخابــي ومجلــة الجماعــات املحليــة لتوضيــح االجــراءات بــكل دقــة‪ ،‬وكذلــك مــن‬
‫قبــل القضــاة وذلــك بإعمــال اآلليــات القانونيــة لضمــان حســن تأويــل النصــوص القانونيــة‪.‬‬

‫‪ .1‬نفس الحكم‬
‫‪ .2‬الحكم عدد ‪212496‬‬
‫‪ .3‬الجلسة العامة القضائية ‪ 30 317411‬أكتوبر ‪. 2018‬‬
‫‪« .4‬وحيــث يســتفاد مــن األحــكام ســالفة الذكــر أن انتخــاب رئيــس املجلــس البلــدي يكــون باألغلبيــة‬
‫املطلقــة ألعضائــه وفــي صــورة عــدم حصــول أي مــن املترشــحني علــى األغلبيــة املطلوبــة يقــع اللجــوء إلــى‬
‫دورة ثانيــة بــن املترشــحني املتحصلــن علــى أعلــى نســبة تصويــت» الحكــم االســتئنافي عــدد ‪212496‬‬
‫‪375‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫أمــا الطــرق شــبه القانونيــة فتتمثــل فــي خلــق آليــات علميــة للتواصل بــن القضــاة والهيئات‬
‫الحكميــة لتتمكــن مــن التنســيق فيمــا بينها في أطر مؤسســاتية بغرض توحيــد فقه القضاء‪.‬‬

‫‪ .II‬نزاعــات تشــكيل اللجــان البلد ّيــة القــا ّرة وتعيــن رؤســاالئها‬


‫ومقررها‬

‫اقتضــى الفصــل ‪ 210‬مــن مجلــة الجماعــات املحلية «أن يشــكل املجلس البلــدي إثر تنصيبه‬
‫عــددا مالئمــا مــن اللجــان القــارة ال يقــل عددهــا عــن أربعة لجــان لدرس املســائل املعروضة‬
‫علــى املجلــس البلــدي»‪ 1‬وتأتــي عمليــة تشــكيل اللجــان زمنيــا مباشــرة بعد انتخــاب الرئيس‬
‫واملســاعدين الــذي اقتضــت املجلــة أن يكــون وجوبــا خــال الجلســة األولــى واثــر تنصيــب‬
‫املجلــس يتــم املــرور إلــى تشــكيل اللجان وتعيــن رؤســائها ومقرريها ولم تتضمــن املجلة ما‬
‫يفيــد أن انتخــاب الرئيــس واملســاعدين وتشــكيل اللجــان يجــب أن يتــم خالل نفس الجلســة‬
‫بــل نصــت علــى ذلــك الوثيقــة التوضيحيــة الصــادرة عــن وزارة البيئــة والشــؤون املحليــة‪.‬‬
‫ولــم تتضمــن مجلــة الجمعــات املحليــة نظامــا اجرائيــا خاصــا لنزاعــات تشــكيل‬
‫اللجــان وتعيــن رؤســائها ومقرريهــا األمــر الــذي جعــل فقــه القضــاء يجتهــد لتجــاوز‬
‫هــذا الســكوت (أ) فضــا عــن اجتهــاد القاضــي االداري فــي ارســاء قواعــد موضوعيــة‬
‫لهــذا الصنــف مــن النزاعــات الــذي يثــار ألول مــرة أمــام القضــاء اإلداري (ب)‬

‫‪ .1‬كمــا اقتضــى الفصــل ‪ 210‬أن تشــمل اللجــان وجوبــا املجــاالت املتعلقــة بالشــؤون املاليــة ومتابعــة‬
‫التصــرف‪ ،‬والنظافــة والصحــة البيئــة‪ ،‬وشــؤون املــرأة واألســرة‪ ،‬األشــغال والتهيئــة العمرانيــة‪ ،‬الشــؤون‬
‫اإلداريــة واســداء الخدمــات‪ ،‬الفنــون والثقافــة والتربيــة والتعليــم‪ ،‬الطفولــة والشــباب والرياضــة‪ ،‬الشــؤون‬
‫االجتماعيــة والشــغل وفاقــدي الســند وحاملــي االعاقــة‪ ،‬املســاواة وتكافــؤ الفــرص بــن الجنســن‪،‬‬
‫الديمقراطيــة التشــاركية والحوكمــة املفتوحــة‪ ،‬اإلعــام والتواصــل والتقييــم‪ ،‬التعــاون الالمركــزي‪،‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ 376

‫ ســكوت مجلــة الجماعــات املحليــة عــن النظــام القانونــي لنزاعــات‬.‫أ‬


‫تشــكيل اللجــان البلديــة وتعيــن رؤســائها ومقرريهــا‬

‫ مهمتهــا مســاعدة الجهــاز التشــريعي للبلديــة‬1‫تعتبــر اللجــان البلديــة هيــاكل استشــارية‬


‫وهــو املجلــس البلــدي والجهــاز التنفيــذي وهــو رئيــس البلديــة علــى اتخــاذ القــرارات‬
‫ الــذي اقتضــى أن دور اللجــان البلديــة هــو «درس‬210 ‫وفــق مــا هــو مبــن بالفصــل‬
‫» وعلــى الرغــم مــن أنهــا هيــاكل ال تتمتــع‬2‫املســائل املعروضــة علــى املجلــس البلــدي‬
‫ إ ّال أنــه لــم يتــم افــراد هــذه‬.‫بســلطة تقريريــة فقــد أثيــرت حولهــا العديــد مــن النزاعــات‬
‫النزاعــات بنظــام قانونــي خــاص علــى غــرار نزاعــات انتخــاب رئيــس املجلــس البلــدي‬
‫ومســاعديه ولذلــك فقــد كان لزامــا علــى الهيئــات الحكميــة املتعهــدة تصنيــف هــذه‬
‫النزاعــات ضمــن أحــد األصنــاف النزاعــات الراجعــة الختصــاص املحكمــة اإلداريــة ولــم‬
.‫يخــل هــذا الخيــار كســابقيه مــن اتفــاق فــي بعــض جوانبــه وتبايــن فــي جوانــب أخــرى‬

‫ وال‬،‫ـص علــى أنــه «ليــس للجــان ســلطة تقريريــة‬


ّ ‫ مــن مجلــة الجماعــات املحليــة تنـ‬212 ‫ الفقــرة األخيــرة مــن الفصــل‬.1
»‫يمكنهــا ممارســة أي صالحيــة مــن صالحيــات املجلــس البلــدي ولــو بتفويــض منــه‬
:‫ هذا الفصل يعتبر تقريبا ترجمة للفصل‬.2
L.2121-22 du Code général des Collectivités (CGCT)
:‫وفي هذا اإلطار تم تحديد سلطاتها وطريقة عملها على النحو التالي‬
Réponse du Ministère chargé des collectivités territoriales publiée dans le JO Sénat du 29/03/2012 - page 785
L’article L. 2121-22 du code général des collectivités territoriales (CGCT) prévoit la possibilité pour les conseils
municipaux de créer en leur sein des commissions municipales destinées à améliorer le fonctionnement du
conseil municipal dans le cadre de la préparation des délibérations. Elles sont constituées en règle générale
pour la durée du mandat municipal mais peuvent être créées pour une durée limitée pour l’examen d’une
question particulière. Leur rôle se limite à l’examen préparatoire des affaires et questions qui doivent être
soumises au conseil municipal. Ces commissions municipales sont des commissions d’étude. Elles émettent
de simples avis et peuvent formuler des propositions mais ne disposent d’aucun pouvoir propre, le conseil
municipal étant le seul compétent pour régler, par ses délibérations, les affaires de la commune. Aucune
disposition législative ou réglementaire n’apporte de précisions sur l’organisation de leurs travaux. Il
revient au conseil municipal de fixer, le cas échéant dans le règlement intérieur du conseil, les règles de
fonctionnement des commissions municipales. Sans que la consultation de ces commissions ne puisse
lier le conseil municipal dans ses décisions, le règlement intérieur peut ainsi prévoir une consultation
préalable obligatoire sauf décision contraire du conseil municipal, les conditions de transmission aux
membres de la commission des informations nécessaires permettant d’éclairer leurs travaux, ou encore
la nécessité de la remise d’un rapport qui sera communiqué au conseil municipal. Aucune disposition
n’exclut à cet égard la possibilité de désignation d’un rapporteur, étant précisé qu’en application de
l’article L. 2122-22 précité, le maire préside ces commissions qui désignent elles-mêmes un vice-président
qui peut les convoquer et les présider si le maire est absent ou empêché. En tout état de cause, dès lors
que le règlement intérieur prévoit des dispositions particulières sur le fonctionnement des commissions
municipales, la méconnaissance de ces dispositions, comme pour toutes les autres, constitue une irrégularité
substantielle (Conseil d’État, n° 132541, 31 juillet 1996, Tête). Il en est ainsi en cas de non-respect des
articles du règlement intérieur prévoyant l’adoption des délibérations du conseil municipal après avis d’une
commission permanente (Tribunal administratif de Nancy, n° 0291, 11 juin 2002, Mlle Jacquet).
‫‪377‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫فمــن حيــث املبــدأ اجمــاع الكافــة قضــاة ومتقاضــن علــى أن اختصــاص البــت فــي‬
‫النزاعــات املتعلقــة باللجــان البلديــة يعــود للقضــاء اإلداري فلــم تتــم اثــارة دفــع بعــدم‬
‫أي مــن الدعــاوى املرفوعــة‪ 1‬ويعتبــر هــذا التمشــي أو التأويــل‬ ‫االختصــاص القضائــي فــي ّ‬
‫الضمنــي ســليما ومتطابقــا مــع الدســتور ذلــك أنــه حتــى لــو لــم يتــم اســناد هــذا النــوع‬
‫مــن النزاعــات إلــى القضــاء اإلداري فإنــه تطبيقــا للفصــل ‪ 116‬مــن الدســتور الــذي ينــص‬
‫علــى أن «يختــص القضــاء اإلداري بالنظــر فــي تجــاوز اإلدارة ســلطتها‪ ،‬وفــي النزاعــات‬
‫اإلداريــة‪ »...‬فــإن النزاعــات املتعلقــة باللجــان تعتبــر نزاعــات فــي «املــادة اإلداريــة» طاملــا‬
‫أن أحــد أطرافهــا جهــة إداريــة‪ 2‬فضــا عــن تعلقهــا بصحــة انتخــاب أعضــاء منتخبــن‬
‫ضمــن هيــكل عمومــي وهــو املجلــس البلــدي‪ .‬كمــا حصــل إجمــاع حــول الهيئــة الحكميــة‬
‫املختصــة صلــب القضــاء اإلداري بالبــت فــي هــذه النزاعــات وهــي الدائــرة االبتدائيــة‬
‫ويجــد هــذا التمشــي أو التأويــل أساســه فــي أن الدائــرة االبتدائيــة‪ ،‬وكمــا ســبق أن‬
‫بينــاه‪ ،‬هــي املحكمــة ذات االختصــاص العــام فــي القضــاء اإلداري واملختصــة بصفــة‬
‫طبيعيــة فــي كل النزاعــات فــي املــادة اإلداريــة والتــي ال يتــم اســنادها إلــى هيئــة حكميــة‬
‫معينــة صلــب القضــاء اإلداري‪ ،‬فلــم تدفــع أي جهــة‪ 3‬بعــدم اختصــاص الدائــرة االبتدائيــة‪.‬‬
‫وقــد ارتــأت الدائــرة االبتدائيــة األولــى إثــارة مســألة االختصــاص تلقائيــا وانتهــت‬
‫الــى اقــرار اختصاصهــا وهــو تمــش جديــد ومســتحدث فــي فقــه قضــاء املحكمــة‬
‫اإلداريــة الــذي جــرى علــى أن الهيئــات الحكميــة تثيــر مســألة االختصــاص‬
‫تلقائيــا عندمــا تنتهــي إلــى الحكــم بعــدم االختصــاص أمــا إذا انتهــت إلــى إقــرار‬
‫اختصاصهــا فإنــه ال يتــم ادراج مســألة االختصــاص بالحكــم‪ ،‬رغــم أن البــت فــي‬
‫‪4‬‬
‫مســألة االختصــاص يمكــن أن يســتغرق مــن الهيئــة جهــدا كبيــرا للحســم فيــه‪.‬‬

‫‪ .1‬ال توجــد احصائيــات تتعلــق بهــذا الصنــف مــن النزاعــات ولــم يتــم تجميعهــا فــي كتــاب خــاص بهــا علــى‬
‫غــرار األحــكام املتعلقــة بالنــزاع االنتخابــي لذلــك حاولنــا أن نقــوم بتجميــع أحــكام يمكــن أن تمثــل عينــات عــن‬
‫هــذا الصنــف مــن املنازعــات وتمكنــا مــن االطــاع علــى ‪ 25‬حكمــا صــادرا عــن الدوائــر الجهويــة بقابــس والــكاف‬
‫والقيــروان ونابــل وقفصــة ومدنــن وسوســة وبنــزرت واملنســتير وبعــض األحــكام الصــادرة عــن الدوائــر املركزيــة ‪.‬‬
‫‪ .2‬فــي كل األحــكام التــي اطلعنــا عليهــا كان املدعــى عليــه إمــا البلديــة أو رئيــس املجلــس البلــدي علــى الســبيل الذكــر‬
‫الحكــم الصــادر عــن بتاريــخ ‪ 15‬جويليــة ‪ 2019‬تحــت عــدد ‪ 04100212‬عــن دائــرة الــكاف الحكــم الصــادر عــن دائــرة‬
‫قابــس تحــت عــدد ‪ 09100233‬بتاريــخ ‪ 31‬ديســمبر ‪ 2019‬أو الحكــم الصــادر عــن دائــر قفصــة تحــت عــدد ‪08100202‬‬
‫بتاريــخ ‪ 31‬ديســمبر ‪. 2019‬‬
‫‪ .3‬في األحكام التي أمكننا اإلطالع عليها‬
‫‪ .4‬الحكــم الصــادر عــن الدائــرة االبتدائيــة األولــى تحــت عــدد ‪ 155754‬بتاريــخ ‪ 30‬أكتوبــر ‪" 2018‬حيــث تهــدف‬
‫الدعــوى إلــى الطعــن فــي القــرار الصــادر عــن املجلــس البلــدي فــي جلســته املنعقــدة بتاريــخ ‪ 7‬جويليــة ‪2018‬‬
‫والقاضــي باملصادقــة علــى نتائــج الجلســة املذكــورة املتع ّلقــة بتوزيــع اللجــان وتعيــن رؤســائها ومقرريهــا‪...‬‬
‫بالطعــن فــي قــرارات املجالــس البلد ّيــة‬‫خاصــة تتع ّلــق ّ‬
‫ّ‬ ‫وحيــثُ لــم تتض ّمــن مج ّلــة الجماعــات املح ّليــة أ ّيــة أحــكام‬
‫املختصــة وال مــن جهــة االجــراءات املتّبعــة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املتع ّلقــة بتوزيــع اللجــان وتعيــن رؤســائها ومق ّرريهــا ال مــن جهــة املحكمــة‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪378‬‬

‫وأمــا مــن جهــة تكييــف الدعــوى او تصنيفهــا فــإن أغلبيــة الهيئــات الحكميــة‪ 1‬أقــرت بأنهــا‬
‫مندرجــة فــي إطــار قضــاء تجــاوز الســلطة وأخضعتهــا إلجــراءات التقاضــي املنطبقــة علــى‬
‫‪2‬‬
‫دعــوى تجــاوز الســلطة املنصــوص عليهــا بقانــون املحكمــة اإلداريــة من شــكليات العريضة‬
‫‪5‬‬
‫والطــرح أو التخلــي عــن الدعــوى‪ 3‬واآلجــال‪ ،‬بتطبيق الفصل ‪( 37‬جديــد) في اإلعالم‪ 4‬والعلم‬
‫واالجــراءات املتبعــة مــن قبــل الدائرة فــي التحقيق وختمه ومعطالته‪ 6‬وفــي املرافعة والحكم‪.7‬‬
‫والحقيقــة أن النظــام اإلجرائــي لدعــوى لتجــاوز الســلطة ومــا يتصــف بــه مــن بــطء ال يتــاءم‬
‫مــع طبيعــة النزاعــات حــول تشــكيل اللجــان البلديــة لســبني‪ .‬الســبب األول فــي عالقــة بنيــة‬
‫املشــرع فــي جعــل اللجــان أداة مســاعدة علــى اتخــاذ القــرار للمجلــس البلــدي‪ 8‬فــي اتخــاذ‬
‫القــرارات فــي الجماعــة املحليــة‪ ،‬ولذلــك أقــر املشــرع بضــرورة ســرعة تركيــز اللجــان‬
‫وا ّال ملــا اســتعمل عبــارة «إثــر تنصيبــه»‪ ،‬لذلــك فــان اخضــاع هــذه النزاعــات إلــى نظــام‬
‫تنازعــي غيــر مضبــوط بآجــال ويمكــن أن يتجــاوز زمــن الفصــل فــي ملــف فــي الطــور‬
‫االبتدائــي املــدة النيابيــة للمجلــس البلــدي‪ .‬أمــا الســبب الثانــي ففــي عالقــة بمــا اقتضــاه‬
‫الفصــل ‪ 212‬مــن اعتبــار اللجــان آليــة للديمقراطيــة التشــاركية‪ 9‬ولذلــك فإنــه مــن املتعــن‬

‫الطعــون ال ّراميــة إلــى إلغــاء قــرارات املجالــس البلد ّيــة املتع ّلقــة بتوزيــع‬ ‫وحيــثُ يغــدو اختصــاص النظــر فــي ّ‬
‫اللجــان وتعيــن رؤســائها ومق ّرريهــا مندرجــا ضمــن الواليــة العا ّمــة الراجعــة لل ّدوائــر االبتدائ ّيــة التابعــة للمحكمــة‬
‫اإلداريــة علــى نحــو مــا ضبطــه الفصــل ‪ 17‬مــن قانــون غــرة جــوان ‪ 1972‬وفــي حــدود مرجــع نظرهــا التّرابــي‪.‬‬
‫وحيــثُ تأسيســا علــى مــا ســبق بســطه يتع ّيــن إقــرار اختصــاص ال ّدائــرة اإلبتدائيــة املتعهــدة بامللــف للنّظــر فــي الدعــوى‬
‫الراهنــة ابتدائ ّيا‪".‬‬
‫‪ .1‬كل الدوائر االبتدائية الجهوية‬
‫‪ .2‬الفصل ‪( 35‬جديد) من قانون املحكمة اإلدارية‬
‫‪ .3‬الحكــم الصــادر عــن دائــرة قابــس تحــت عــدد ‪ 09100233‬بتاريــخ ‪ 31‬ديســمبر ‪ 2019‬حكــم صــادر عــن الدائــرة‬
‫االبتدائيــة بقفصــة تحــت عــدد ‪ 08100135‬بتاريــخ ‪ 30‬مــارس ‪2020‬‬
‫‪ .4‬الحكم الصادر عن دائرة القيروان تحت ‪ 1310182‬بتاريخ ‪ 17‬أفريل ‪2019‬‬
‫‪ .5‬حكــم دائــرة قفصــة عــدد ‪ 08100400‬بتاريــخ ‪ 4‬نوفمبــر ‪ « 2019‬وحيــث ثبــت مــن أوراق امللــف أن املدعــي علــى علــم‬
‫بالقــرارات املطعــون فيهــا واملتعلقــة بنتائــج تشــكيل وتوزيــع اللجــان البلديــة القــارة منــذ تاريــخ انعقــاد جلســة تركيــز‬
‫املجلــس البلــدي فــي ‪ 11‬جويليــة ‪ 2018‬والتــي تبــن أن امل ّدعــي تولــى افتتاحهــا مثلمــا هــو ثابــت مــن مضمــون محضــر‬
‫الجلســة وحضــر بهــا وأمضــى علــى محضرهــا‪ ...‬وحيــث قدمــت الدعــوى املاثلــة فــي ‪ 19‬مــارس ‪ ،2019‬أي خــارج‬
‫اآلجــال القانونيــة للطعــن املقــررة بالفصــل ‪( 37‬جديــد) مــن قانــون املحكمــة االداريــة ممــا يتعــن معــه رفضهــا شــكال»‬
‫‪ .6‬الفصول من ‪( 42‬جديد) إلى ‪( 49‬جديد)‬
‫‪ .7‬الفصول ‪( 50‬جديد) إلى ‪( 58‬جديد)‬
‫‪ .8‬الفقــرة الثانيــة مــن الفصــل ‪ 212‬مــن مجلــة الجماعــة املحليــة «تعــد اللجــان تقاريــر حــول املواضيــع التــي تتعهــد بهــا‬
‫أو التــي يعهــد بهــا إليهــا مــن قبــل املجلــس البلــدي أو رئيــس البلديــة»‬
‫‪ .9‬الفقــرة الثالثــة مــن الفصــل ‪" 212‬تعتمــد اللجــان آليــات الديمقراطيــة التشــاركية‪ ،‬ويمكــن للجنــة أن تدعــو‬
‫‪379‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫ضمــان اســتقرار الوضــع القانــون لهــذه اللجــان وذلــك بفــض املنازعــات املتعلقــة بهــا فــي‬
‫آجــال مقتضبــة وقصيــرة حتــى يتســنى لهــذه الهيــاكل القيــام بدورهــا فــي ايصــال صــوت‬
‫املتســاكنني واملجتمــع املدنــي وهــو هــدف ال يتــاءم مــع اخضــاع هــذه النزاعــات للنظــام‬
‫العــادي لدعــوى تجــاوز الســلطة لألســباب املبينــة اعــاه واملتعلقــة بالخصــوص بطــول آجال‬
‫البــت فيهــا ومــا يمكــن أن يحدثــه مــن حالــة عــدم اســتقرار فــي عمــل املجلــس البلــدي‪.‬‬
‫وفضــا عــن عــدم تــاؤم هــذا التصنيــف مــع طبيعــة اللجــان فــإن هــذا التصنيــف ال‬
‫يــؤول الــى فــض املنازعــات مــن جهــة أن قاضــي تجــاوز الســلطة يقتصــر فــي أحكامــه‬
‫علــى التصريــح وفــي حالــة قبــول الدعــوى‪ ،‬علــى الغــاء القــرار املطعــون فيــه‪ .‬وذلــك ال‬
‫يحقــق النتيجــة املطلوبــة فــي نزاعــات اللجــان ألن الغــاء قــرار اســناد لجنــة بلديــة او‬
‫عــدم اســنادها الــى عضــو معــن كرئيــس أو كمقــرر‪ 1‬ســينقل النــزاع بطريقــة أخــرى‬
‫إلــى املجلــس البلــدي كأن يتباطــأ رئيــس البلديــة فــي دعــوة املجلــس البلــدي لالنعقــاد‬
‫إلعــادة توزيــع اللجــان ممــا يســاهم فــي خلــق حالــة مــن عــدم االســتقرار داخــل املجلــس‪.‬‬
‫وقــد جــاءت محاولــة تجــاوز هــذا العائــق مــن الدائــرة االبتدائيــة األولــى والتــي‬
‫‪2‬‬
‫تولــت تصنيــف هــذا النــوع مــن النزاعــات ضمــن القضــاء الكامــل املوضوعــي‬
‫فقــد تضمــن الحكــم أن ينــدرج «الطعــن فــي القــرارات الصــادرة عــن املجالــس‬
‫البلديــة واملتعلقــة بتوزيــع اللجــان وتعيــن رؤســائها ومقرريهــا ضمــن دعــاوى‬
‫القضــاء الكامــل املوضوعــي‪ 3‬التــي تســتوجب مــن املحكمــة اتبــاع إجــراءات‬
‫‪4‬‬
‫كل جــدوى»‬‫ســريعة ومســتعجلة حتــى ال تفقــد األحــكام الصــادرة بخصوصهــا ّ‬
‫واملعــروف أن امليــزة األساســية للقضــاء الكامــل املوضوعــي باملقارنــة مــع قضــاء تجــاوز‬
‫الســلطة تتمثــل فــي ســلطات القاضــي‪ ،‬فــإذا كان قاضــي تجــاوز الســلطة يقــف عنــد الغــاء‬

‫للمشــاركة فــي أعمالهــا أعــوان الدولــة أو املؤسســات أو املنشــآت العموميــة مــن ذوي الخبــرة‪ .‬ولهــا أن تدعــو‬
‫املتســاكنني أو مكونــات املجتمــع املدنــي أو األشــخاص الذيــن يمكــن أن يفيــدوا برأيهــم بحكــم نشــاطهم أو خبرتهــم"‬
‫‪ .1‬حكــم ابتدائــي صــادر عــن دائــرة الــكاف تحــت عــدد ‪ 04100186‬بتاريــخ ‪ 15‬مــارس ‪ 2019‬والحكــم الصــادر عــن دائــرة‬
‫نابــل تحــت عــدد ‪ 021000098‬بتاريــخ ‪ 30‬جانفــي ‪2019‬‬
‫‪2. Plein contentieux objectif‬‬

‫‪3. Plein contentieux objectif est qu’y est avant tout en cause la légalité d’un acte administratif unilatéral ou‬‬
‫‪d’une opération administrative. Le juge y contrôle donc, comme en matière d’excès de pouvoir, la légalité d’un‬‬
‫‪acte administratif (d’où leur qualificatif de recours objectifs) mais il dispose alors de pouvoir plus étendus,‬‬
‫‪pouvant non seulement annuler l’acte litigieux mais aussi le réformer, le modifier et ainsi vider entièrement‬‬
‫‪le litige. S’interroger sur « l’élargissement du domaine du recours de plein contentieux par rapport à celui‬‬
‫‪du recours pour excès de pouvoir » n’a évidemment de sens qu’à propos des recours de plein contentieux‬‬
‫‪objectif. Portant sur des actes et des objets différents, le recours pour excès de pouvoir et les recours de plein‬‬
‫)‪contentieux subjectifs ne peuvent être substitués les uns aux autres (tout au plus peuvent-ils se superposer‬‬

‫‪ .4‬حكم ابتدائي عدد ‪ 155754‬بتاريخ ‪ 30‬أكتوبر ‪2018‬‬


‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪380‬‬

‫القــرار املطعــون فيــه أو رفــض الدعــوى فانــه للقاضــي فــي القضــاء الكامــل املوضوعــي‬
‫ســلطة الغــاء القــرار وتعديلــه والــزام اإلدارة بالقيــام بعمــل اداري إلرجــاع حالــة الشــرعية‪.‬‬
‫ورغــم تصنيــف النــزاع مــن قبــل الدائــرة االبتدائيــة األولــى ضمــن نزاعــات القضــاء‬
‫الكامــل املوضوعــي‪ ،‬وهــو التمشــي األســلم باملقارنــة مــع بقيــة الدوائــر االبتدائيــة‪ ،‬ا ّال‬
‫أن الدائــرة اكتفــت بالحكــم «بقبــول الدعــوى شــكال وفــي األصــل بإلغــاء القــرار املطعــون‬
‫فيــه» فحكمــت كقاضــي تجــاوز الســلطة ولــم تســتعمل الدائــرة ســلطات القاضــي فــي‬
‫القضــاء الكامــل املوضوعــي بالــزام رئيــس البلديــة بالدعــوة للجلســة يتــم فيهــا تشــكيل‬
‫اللجــان البلديــة وتعــن رؤســائها ومقرريهــا وفــق قاعــدة التمثيــل النســبي فــي أجــل معــن‪.‬‬
‫إن تجــاوز هــذا الغمــوض واالشــكال الــذي يمكــن أن يمثــل عائقــا لعمــل الجماعــات‬
‫املحليــة يقتضــي تدخــل املشــرع بإدخــال تعديــل علــى الفصــل ‪ 211‬مــن مجلــة‬
‫خاصــة‬
‫ّ‬ ‫الجماعــات املحليــة أو بإضافــة فصــل جديــد يتــم فيــه تحديــد اجــراءات‬
‫بالبــت فــي نزاعــات اللجــان البلديــة علــى أن تتميــز هــذه االجــراءات بالســرعة والدقــة‬
‫بتحديــد مــن لــه الحــق فــي القيــام وشــكل العريضــة وإنابــة املحامــي والــزم األطــراف‬
‫باإلعــام بالطعــن واملذكــرات عــن طريــق عــدل منفــذ‪ ،‬وغيرهــا مــن االجــراءات املقــررة‬
‫فــي املــادة االنتخابيــة بالنظــر الــى الطبيعــة االنتخابيــة لهــذا النــوع مــن النزاعــات‪.‬‬
‫كمــا يمكــن ان يتــم هــذا التعديــل بمناســبة اصــدار مجلــة القضــاء اإلداري‪.‬‬

‫ب‪ .‬ارســاء القواعــد املوضوعيــة لنزاعــات تركيــز اللجــان البلد ّيــة‬


‫القــا ّرة وتعيــن رؤســائها ومقرريهــا‬

‫تكمــن أهميــة األحــكام الصــادرة فــي النزاعــات املتعلقــة بتشــكيل اللجــان البلديــة‬
‫وتعيــن رؤســائها ومقرريهــا فــي أنهــا تمثــل منطلــق فقــه القضــاء فــي هــذه املــادة‬
‫بالنظــر الــى أنهــا املــرة األولــى التــي يطــرح فيهــا هــذا الصنــف مــن النزاعــات علــى‬
‫القاضــي اإلداري لذلــك فــان الخيــارات الفقــه قضائيــة التــي تــم ارســاؤها ســتكون‬
‫محــددة فــي املســتقبل فاألحــكام التــي ســتصدر فــي هــذه النزاعــات فــي االنتخابــات‬
‫البلديــة املقبلــة ســتوصف بانهــا امــا تأييــد لفقــه القضــاء أو تراجــع عنــه‪ .‬واملطلــع علــى‬
‫األحــكام يتبــن ســمة جامعــة لهــا وهــي نضــج القاضــي اإلداري فــي التعامــل مــع املــادة‬
‫االنتخابيــة رغــم الصعوبــة املتمثلــة باألســاس فــي عــدم وضــوح القواعــد وحداثــة املــادة‪.‬‬
‫فقــد أجمعــت كل األحــكام علــى أن تعيــن رؤســاء ومقــرري اللجــان يتــم بطريقــة‬
‫‪381‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫التمثيــل النســبي واقصــاء اي طريقــة أخــرى بمــا فيهــا االنتخــاب رغــم أن أكثــر املجالــس‬
‫البلديــة اعتمــدت‪ ،‬خطــأ‪ ،‬طريقــة االنتخــاب فقــد قضــت الدائــرة االبتدائيــة بالــكاف‬
‫بانــه «اتجهــت ارادة املشــرع صلــب مجلــة الجماعــات املحليــة نحــو اعتمــاد قاعــدة‬
‫التمثيــل النســبي بوصفهــا اآلليــة الوحيــدة لتعيــن رؤســاء جميــع اللجــان ومقرريهــا‬
‫دون اســتثناء‪ ،‬فانــه ال مجــال الســتبدالها بآليــات التصويــت أو االنتخــاب أو التوافــق‪،‬‬
‫ضــرورة أن اعتمــاد هــذه اآلليــات يتعــارض مــع مقتضيــات قاعــدة التمثيــل النســبي» ‪.1‬‬
‫وفــي اطــار دورهــا البيداغوجــي التعليمــي لــم تكتــف املحكمــة بتطبيــق القاعــدة القانونيــة‬
‫الواضحــة والــواردة بالفصــل ‪ 211‬مــن مجلــة الجماعــات املحليــة بــل بينــت الغايــة مــن‬
‫اقــرار قاعــدة التمثيــل النســبي فقــد قضــت «أن الغايــة األساســية مــن اعمــال قاعــدة‬
‫التمثيــل النســبي هــي تحقيــق إرادة الناخــب والتــي يجــب أن تجســدها القائمــات الفائــزة‬
‫فــي االنتخابــات علــى مســتوى تركيبــة اللجــان داخــل املجلــس البلــدي‪ ،‬على اعتبــار أن هذه‬
‫القاعــدة ســتفضي بالضــرورة إلــى تحصــل القائمــات علــى رئاســة وعضوية عــدد معني من‬
‫اللجــان طبقــا لعــدد املقاعــد التــي فــازت بهــا فــي االنتخابــات البلديــة»‪ 2‬وفــي نفــس الســياق‬
‫قضــت املحكمــة بــأن «التصويــت أو االنتخــاب ال يضمنــان احتــرام قاعــدة التمثيــل النســبي‬
‫ويؤديــان إلــى هيمنــة األغلبيــة علــى املجلــس واقصــاء القائمــات األخــرى وذلــك إما مباشــرة‬
‫مــن خــال اســتبعادها مــن رئاســة الجــان أو بصــورة غيــر مباشــرة مــن خــال توزيــع‬
‫اللجــان حســب اختيــار هــذه األغلبيــة‪ ،‬وهــو مــا يتعــارض مــع قاعــدة التمثيــل النســبي التــي‬
‫ترمــي فــي جوهرهــا إلــى ضمــان تمثيــل كافــة القائمــات املوجــودة باملجلــس ك ّمــا وكيفــا‬
‫بحســب حجمهــا االنتخابــي وفــي حــدود عــدد اللجــان التــي تــم تشــكيلها»‪ .‬كمــا قضــت‬
‫الدائــرة االبتدائيــة باملنســتير بــأنّ «التصويــت او االنتخــاب ال يضمنــان احتــرام قاعــدة‬
‫التمثيــل النســبي املنصــوص عليهــا بالفصلــن ‪ 210‬و‪ 211‬مــن مج ّلــة الجماعــات املحليــة‬
‫ويؤديــان إلــى هيمنــة األغلبيــة علــى املجلــس مــن خــال توزيــع اللجــان حســب اختيــار‬
‫هــذه األغلبيــة‪ ،‬وهــو مــا يتعــارض مــع قاعــدة التمثيــل النســبي التــي ترمــي فــي جوهرهــا‬
‫‪3‬‬
‫إلــى ضمــان تمثيــل كافــة القائمــات املوجــودة باملجلــس طبــق مــا أفرزتــه االنتخابــات»‬
‫وفــي نفــس االتجــاه قضــى كل مــن رئيــس الدائــرة االبتدائيــة بسوســة «بــأن املشــرع‬
‫اعتمــد صراحــة آليــة التعيــن علــى أســاس قاعــدة التمثيــل النســبي فــي تســمية رؤســاء‬
‫اللجــان ومقرريهــا‪ ،‬وعليــه يكــون لجــوء املجلــس البلــدي بأكــودة إلى آليــة االنتخــاب الختيار‬

‫‪ .1‬الدائرة االبتدائية بالكاف حكم عدد ‪ 04100139‬بتاريخ ‪ 15‬مارس ‪2019‬‬


‫‪ .2‬نفس الحكم‬
‫‪ .3‬الحكم الصادر عن دائرة املنستير تحت عدد ‪ 6100179‬بتاريخ ‪ 27‬فيفري ‪2019‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪382‬‬

‫رؤســاء اللجــان ومقرريهــا مخالفــا ألحــكام الفصلــن ‪ 210‬و‪ 1»... 211‬وقضــى الرئيــس‬
‫األول للمحكمــة اإلداريــة بأنــه «يســتروح مــن خــال مراجعــة األحــكام التشــريعية‪...‬‬
‫أن رؤســاء اللجــان ومقرريهــا يتــم تعيينهــم مــن قبــل املجلــس البلــدي مــع مراعــاة‬
‫قاعــدة التمثيــل النســبي ملختلــف القائمــات الفائــزة ولــم تقتــض تلــك األحــكام اعتمــاد‬
‫االنتخــاب كآليــة يتــم بموجبهــا اســناد رئاســة اللجــان البلديــة مثلمــا تــم عنــد تنصيــب‬
‫‪2‬‬
‫اللجــان القــارة لبلديــة بومهــل البســاتني بمقتضــى القــرارات املطلــوب توقيــف تنفيذهــا»‬
‫كمــا تولــت املحكمــة التدخــل لتصحيــح خطــأ ورد ضمــن الوثيقــة التوضيحيــة الصــادرة‬
‫عــن وزارة الشــؤون املحليــة بخصــوص تعيــن رئيــس الجنــة املكلفــة باملاليــة والشــؤون‬
‫االقتصاديــة ومتابعــة التصــرف والتــي تضمنــت أنــه « يتــم اللجــوء عنــد االقتضــاء‬
‫النتخــاب رئيــس اللجنــة املكلفــة باملاليــة والشــؤون االقتصاديــة ومتابعــة التصــرف بنفــس‬
‫الطريقــة املعتمــدة النتخــاب رئيــس املجلــس البلــدي دون أن ينحصــر الترشــح لرئاســة‬
‫اللجنــة علــى رؤســاء القائمــات»‪ ،‬ولــم يتضمــن الفصــل ‪ 3 210‬أي اســتثناء بخصــوص‬
‫الطريقــة املقــررة لتعيــن رئيــس لجنــة املاليــة عــدى عــدم امكانيــة الجمــع بينهــا وبــن‬
‫منصــب رئيــس املجلــس أو مســاعده األول ولــم يتــم التنصيــص علــى امكانيــة اجــراء‬
‫انتخــاب لتعيــن رئيــس لجنــة املاليــة وعلــى هــذا األســاس قضــت دائــرة قفصــة بــان‬
‫مجلــة الجماعــات املحليــة لــم تســتثن لجنــة املاليــة مــن التوزيــع علــى قاعــدة التمثيــل‬
‫النســبي «وأنّ اللجــوء إلــى التصويــت عنــد توزيــع اللجــان بمــا فيهــا لجنــة الشــؤون‬
‫املاليــة واالقتصاديــة ومتابعــة التصــرف يتعــارض مــع أحــكام الفصلــن ‪ 210‬و‪ 211‬مــن‬
‫مجلــة الجماعــات املحليــة»‪ 4‬وأن االســتثناء الوحيــد يتمثــل فــي عــدم امكانيــة الجمــع بــن‬
‫منصــب رئيــس املجلــس ومســاعده األول ورئيــس اللجنــة‪ .5‬وفــي نفــس الســياق قضــت‬

‫‪ .1‬قــرار توقيــف التنفيــذ الصــادر عــن رئيــس الدائــرة االبتدائيــة بسوســة تحــت عــدد ‪ 05200034‬بتاريــخ ‪ 28‬ســبتمبر ‪2018‬‬
‫‪ .2‬قرار توقيف التنفيذ الصادر عن الرئيس األول للمحكمة اإلدارية تحت عدد ‪ 4102573‬بتاريخ ‪ 3‬أكتوبر ‪2018‬‬
‫‪ .3‬الفقــرة ‪ 4‬واألخيــرة مــن الفصــل ‪« 210‬باســتثناء حالــة عــدم وجــود قوائــم انتخابيــة أخــرى‪ ،‬تســند رئاســة اللجنــة‬
‫املكلفــة باملاليــة والشــؤون االقتصاديــة ومتابعــة التصــرف إلــى أحــد أعضــاء املجلــس البلديــة مــن غيــر القائمــات التــي‬
‫تــم مــن ضمنهــا انتخــاب الرئيــس ومســاعده األول»‬
‫‪ .4‬الحكم االبتدائي الصادر عن دائرة قابس تحت عدد ‪ 09100054‬بتاريخ ‪ 27‬نوفمبر ‪2018‬‬
‫‪ .5‬جــاء بالحكــم االبتدائــي عــدد ‪ 08100042‬بتاريــخ ‪ 30‬ســبتمبر ‪" 2019‬وحيــث أنّ املشــ ّرع تدخــل بصــورة‬
‫اســتثنائ ّية فــي تعيــن رئيــس لجنــة املال ّيــة والشــؤون االقتصاد ّيــة والتصــ ّرف مشــترطا أن تســند الجنــة املذكــورة‬
‫إلــى أحــد أعضــاء املجلــس البلــدي مــن غيــر القائمــات التــي تــ ّم مــن ضمنهــا انتخــاب الرئيــس ومســاعده األ ّول‪.‬‬
‫وحيــث ينــدرج إســناد رئاســة لجنــة الشــؤون املاليــة واإلقتصاديــة ومتابعــة التصــرف والشــؤون اإلداريــة الــى‬
‫قائمــة مــن غيــر القائمــات التــي تــ ّم مــن ضمنهــا انتخــاب الرئيــس مســاعه األول‪ ،‬فــي إطــار خلــق تــوازن داخــل‬
‫املجلــس البلــدي وتوفيــر آليــة رقابــة داخليــة‪ ،‬والحــد بالتالــي مــن هيمنــة إحــدى القائمــات علــى املجلــس البلــدي‪.‬‬
‫وحيــث اســتعمل املشــرع عبــارة "تســند رئاســة اللجنــة املكلفــة باملاليــة والشــؤون االقتصاديــة ومتابعــة التصــرف" صلــب‬
‫الفصــل ‪ 210‬املذكــور‪ ،‬وهــو مــا يــؤول إلــى اســتبعاد آليــة التصويــت أو االنتخابــات بخصــوص تعيــن رئيــس لجنــة املاليــة‬
‫‪383‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫الدائــرة االبتدائيــة ببنــزرت بانــه وعلــى خــاف مــا تضمنتــه الوثيقــة التوضيحيــة مــن‬
‫إمكانيــة اللجــوء إلــى التصويــت فــي صــورة عــدم االتفــاق « يتحصــر اإلطــار القانــون‬
‫املنظــم لتكويــن اللجــان البلديــة القــارة وتوزيــع املســؤوليات صلبهــا فــي تاريــخ صــدور‬
‫القــرار املطعــون فيــه فــي أحــكام القانــون األساســي عــدد ‪ 29‬لســنة ‪ 2018‬املتعلــق بمجلــة‬
‫الجماعــات املحليــة والــذي علــى ضوئــه يتــم تقديــر شــرعية قــرارات تكويــن اللجــان البلديــة‬
‫القــارة علــى نحــو القــرار املطعــون فيــه دون غيــره ممــا يكــون قــد صــدر عــن اإلدارة مــن‬
‫مذكــرات يقتصــر دورهــا علــى تفســير النــص القانونــي ســالف الذكــر والتــي يعــرض‬
‫‪1‬‬
‫القاضــي عــن اعتمادهــا متــى تجــاوزت حــدود التفســير نحــو اســتحداث قواعــد جديــدة»‬
‫وتجــدر اإلشــارة إلــى أنــه ولئــن اجمعــت الهيئــات الحكمــة علــى وجوبيــة تطبيــق قاعــدة‬
‫التمثيــل النســبي عنــد تعيــن الرؤســاء واملقرريــن فــي اللجــان‪ ،‬فقــد تبايــن املوقــف‬
‫بخصــوص طريقــة تطبيــق هــذه القاعــدة ذلــك أن الفصلــن ‪ 210‬و‪ 211‬اقــرا القاعــدة دون‬
‫بيــان طريقــة اعتمادهــا ثــم تضمــن الفصــل ‪ 215‬فقــرة ثالثــة أن» يضبــط النظــام الداخلــي‬
‫طريقــة توزيــع املســؤوليات داخــل اللجــان وفقــا لقاعــدة التمثيــل النســبي» وعليــه وطاملــا‬
‫أن انتخابــات مــاي ‪ 2018‬كانــت االنتخابــات البلديــة األولــى لــم تكــن املجالــس البلديــة قــد‬
‫صوتــت علــى نظامهــا الداخلــي‪ .‬وعلــى هــذا األســاس ذهبــت بعــض األحــكام فــي أنــه‬
‫ال يمكــن تشــكيل اللجــان وتعيــن رؤســائها ومقرريهــا اال عنــد التصويــت علــى النظــام‬
‫الداخلــي فقــد قضــت الدائــرة االبتدائيــة بنابــل بانــه» يبــرز مــن أوراق امللــف أن توزيــع‬
‫املســؤوليات داخــل اللجــان القــارة لبلديــة نابــل املجــرى خــال الجلســتني املنعقدتــن يــوم‬
‫‪ 26‬و‪ 29‬جويليــة ‪ 2018‬لــم يتــم وفــق قاعــدة التمثيــل النســبي ‪...‬باعتبــار أن تطبيــق هــذه‬
‫القاعــدة يفتــرض وجــود نظــام داخلــي يبــن كيفيــة تجســيدها علــى أرض الواقــع حســب‬
‫عــدد املقاعــد التــي تحصلــت عليهــا كل قائمــة فائــزة فــي االنتخابــات البلديــة»‪ 2‬بينمــا قضت‬

‫والشؤون االقتصادية ومتابعة التصرف‪.‬‬


‫وحيــث منــح القانــون األوليــة فــي إســناد رئاســة اللجنــة املكلفــة باملاليــة والشــؤون االقتصاديــة ومتابعــة‬
‫التصــرف الــى القائمــة املتحصلــة علــى أكبــر عــدد مــن املقاعــد مــن غيــر قائمــة الرئيــس وقائمــة مســاعده‬
‫األول‪ ،‬كمــا ال يمكــن إســناد اللجنــة املذكــورة إلــى غيرهــا مــن القائمــات إال فــي صــورة التنــازل عنهــا صراحــة‪.‬‬
‫وحيــث ثبــت مــن أوراق امللــف‪ ،‬أنّ املدعــن ينتمــون إلــى قائمــة حركــة النهضــة املتحصلــة علــى ‪ 4‬مقاعــد حســب عــدد‬
‫األصــوات املصـ ّرح بهــا خــال االنتخابــات البلديــة كما لم يقع انتخاب الرئيس أو املســاعد األول مــن بني أعضاء قائمتها‪.‬‬
‫وحيــث تب ّيــن مــن خــال محضــر الجلســة املنعقــدة بتاريــخ ‪ 29‬جــوان ‪ ،2018‬أنّ املجلــس البلــدي بــأم العرائــس‬
‫إعتمــد طريقــة التصويــت واالقتــراع إلختيــار رئيــس لجنــة الشــؤون املاليــة واالقتصاديــة ومتابعــة التصــرف‪.‬‬
‫وحيــث وترتيبــا علــى مــا ســبق بيانــه‪ ،‬فــإن لجــوء املجلــس البلــدي بــأم العرائــس إلــى آليــة التوافــق والتصويــت‬
‫عنــد توزيــع اللجــان يتعــارض مــع مقتضيــات الفصلــن ‪ 210‬و‪ 211‬مــن مجلــة الجماعــات املحليــة‪ ،‬النطوائــه‬
‫علــى خــرق واضــح للقانــون‪ ،‬األمــر الــذي يتعــن معــه قبــول املطعــن املاثــل كقبــول الدعــوى بر ّمتهــا‪".‬‬
‫‪ .1‬حكم ابتدائي صادر عن دائرة بنزرت تحت عدد ‪ 03100074‬بتاريخ ‪ 31‬ديسمبر ‪2018‬‬
‫‪ .2‬الحكم االبتدائي الصادر عن الدائرة االبتدائية بنابل تحت عدد ‪ 02100098‬بتاريخ ‪ 30‬جانفي ‪2019‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪384‬‬

‫الدائــرة االبتدائيــة باملنســتير « بــأن عمليــة توزيــع اللجــان تتــم خــال الجلســة للمجلــس‬
‫البلــدي كمــا أن تركيــز اللجــان وتوزيــع املســؤوليات علــى أعضائهــا ال يســتوجب ضــرورة‬
‫املصادقــة علــى النظــام الداخلــي بمــا أن الفصــل ‪ 215‬املذكــور قــد منــح للمجالــس البلديــة‬
‫‪1‬‬
‫مــ ّدة ‪ 3‬أشــهر مــن تاريــخ تركيــزه كأجــل أقصــى للمصادقــة علــى نظامــه الداخلــي»‬
‫فــي حــن أن دائــرة قابــس فــي غيــاب نظــام داخلــي تصــدت إلــى هــذا الفــراغ بــأن‬
‫بينــت طريقــة تطبيــق قاعــدة التمثيــل النســبي فقضــت بــأن «تعيــن رؤســاء اللجــان‬
‫ومقرريهــا طبــق قاعــدة التمثيــل النســبي يقتضــي اعتمــاد التنــاوب مــع منــح األولويــة‬
‫فــي االختيــار إلــى القائمــة ذات التمثيــل النســبي األكبــر فــي تركيبــة املجلــس ثــم القائمــة‬
‫التــي تليهــا إلــى حــن اســتنفاذ كل قائمــة ممثلــة باملجلــس نصيبهــا مــن الرئاســات‬
‫ثــم مــن املقرريــن‪ ،‬مــع مراعــاة أن يكــون رئيــس اللجنــة املكلفــة باملاليــة والشــؤون‬
‫االقتصاديــة مــن غيــر القائمــات التــي تـ ّم مــن ضمنهــا تعيــن الرئيــس ومســاعده األول»‪. 2‬‬
‫وكان التميــز‪ 3‬للدائــرة االبتدائيــة ببنــزرت التــي ذهبــت إلــى حــد احتســاب النســب‬
‫وتطبيــق قاعــدة التمثيــل النســبي بمقتضــى الحكــم فقــد قضــت بأنــه «أن قائمــة حركــة‬
‫النهضــة فــازت بســبعة مقاعــد باملجلــس البلــدي بــرأس الجبــل مــن أربعــة وعشــرين أي‬
‫بنســبة مئويــة قدرهــا ‪ % 29,16‬ممــا يجعــل أحقيتهــا فــي الحصــول علــى عــدد لجــان‬
‫قــارة بنســبة قدرهــا ‪ % 3,49992‬وان القائمــة املســتقلة رأس الجبــل متاعنــا الــكل فــازت‬
‫بخمســة مقاعــد أي نســبة مئويــة قدرهــا ‪ % 20,83‬ممــا يجعــل أحقيتهــا فــي الحصــول علــى‬
‫عــدد لجــان بنســبة ‪ % 2,49996‬وأنّ قائمــة حــراك تونــس اإلرادة فــازت بأربعــة مقاعــد أي‬
‫بنســبة مائويــة قدرهــا ‪ % 16,66‬وبأحقيــة فــي الحصــول عــدد لجــان بنســبة ‪ % 1,99‬وأنّ‬
‫قائمــة نــداء تونــس فــازت بثالثــة مقاعــد أي بنســبة مئويــة قدرهــا ‪ % 12,5‬وبأحقيــة فــي‬
‫الحصــول عــدد لجــان بنســبة ‪ ،% 1,5‬وأن قائمــة مشــروع تونــس فــازت بثالثــة مقاعــد‬
‫أي بنســبة مئويــة قدرهــا ‪ % 12,5‬وبأحقيــة فــي الحصــول علــى عــدد لجــان بنســبة ‪1,5‬‬
‫‪ ،%‬وأن قائمتــي آفــاق تونــس والجبهــة الشــعبية فازتــا بمقعــد لــكل واحــدة منهمــا أي‬

‫‪ .1‬حكم ابتدائي صادر عن دائرة املنستير تحت عدد ‪ 6100095‬بتاريخ ‪ 27‬فيفري ‪2019‬‬
‫‪ .2‬حكم ابتدائي صادر عن دائرة قابس تحت عدد ‪ 09100076‬بتاريخ ‪ 27‬نوفمبر ‪2018‬‬
‫‪ .3‬جوابــا علــى نفــس املطعــن املتعلــق بعــدم احتــرام قاعــدة التمثيــل النســبي قضــت الدائــرة االبتدائيــة باملنســتير‬
‫بمقتضــى حكمهــا عــدد ‪ 6100094‬بتاريــخ ‪ 27‬فيفــري ‪ 2019‬بأنــه «حيــث يعيــب نائــب املدعيــة علــى الجهــة املدعــى عليهــا‬
‫عــدم احتــرام قاعــدة التمثيــل النســبي عنــد توزيــع اللجــان‪.‬‬
‫وحيــث دفــع رئيــس بلديــة ملولــش بأنــه تــم تعيــن اللجــان باحتــرام قاعــدة التمثيــل النســبي للقائمــات وبإجمــاع جميــع‬
‫الحاضريــن بجلســة ‪ 13‬جويليــة ‪.2018‬‬
‫نص الفصل ‪ 210‬من مجلة الجماعات املحلية ‪...‬‬ ‫وحيث ّ‬
‫نص الفصل ‪ 211‬من مجلة الجماعات املحل ّية‪...‬‬ ‫وحيث ّ‬
‫وحيث أن املدعي لم يق ّدم ما يثبت ادعاءه مما يجعل املطعن الراهن مجردا واتجه لذلك رفضه»‬
‫‪385‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫بنســبة مئويــة قــدر ‪ % 4,16‬وبأحقيــة فــي الحصــول علــى عــدد لجــان بنســبة ‪»% 0,4992‬‬
‫‪1‬‬

‫وقــد صــدر النظــام الداخلــي النموذجــي بمقتضــى األمــر الحكومــي عــدد ‪ 744‬لســنة ‪2018‬‬
‫ـص الفصــل ‪ 70‬منــه علــى أ ّنــه «يعــن املجلــس البلــدي رؤســاء‬ ‫املــؤرخ فــي ‪ 23‬أوت ‪ 2018‬ونـ ّ‬
‫اللجــان البلديــة القــارة بنــاء علــى قاعــدة التمثيــل النســبي‪ .‬ويتــم اســناد رئاســة عــدد‬
‫مــن اللجــان حســب عــدد القائمــات املعنيــة بالتوزيــع مــع إعطــاء األولويــة فــي االختيــار‬
‫للقائمــة ذات التمثيــل النســبي األكبــر فــي تركيبــة املجلــس ثــم القائمــة التــي تليهــا إلــى‬
‫حــن اســتنفاذ عــدد ال ّلجــان املوزعــة‪ .‬يتــم إجــراء دورات لتوزيــع اللجــان القــارة إلــى‬
‫حــن اســتنفاذ عــدد اللجــان القــارة املصــادق عليــه مــن قبــل املجلــس البلــدي واملنصــوص‬
‫عليــه بهــذا النظــام الداخلــي»‪ .‬ويتبــن أن الفصــل ‪ 70‬مــن النظــام الداخلــي النموذجــي أكــد‬
‫صحــة التمشــي الــذي أقرتــه املحكمــة اإلداريــة مــن جهــة اســتبعاد واقصــاء أي طريقــة‬
‫أخــرى لتعيــن رؤســاء اللجــان ومقرريهــا علــى قاعــدة التمثيــل النســبي كمــا تبــن أن‬
‫مــا اقرتــه دائــرة قابــس مــن تأويــل بخصــوص طريقــة تطبيــق القاعــدة كان فــي طريقــه‪.‬‬
‫كمــا تولــى القاضــي اإلداري ســد الفــراغ التشــريعي املتولــد عــن صمــت النظــام‬
‫الداخلــي النموذجــي ازاء وضعيــة التســاوي فــي التمثيــل النســبي فقضــت الدائــرة‬
‫االبتدائيــة باملنســتير « بــأن قاعــدة التمثيــل النســبي تقتضــي مراعــاة التنــاوب عنــد‬
‫توزيــع اللجــان حتــى فــي صــورة التســاوي فــي عــدد املقاعــد وذلــك لضمــان تمثيليــة‬
‫ـي‪...‬‬
‫حقيق ّيــة لــكل قائمــة فائــزة فــي االنتخابــات بمــا يعكــس فعل ّيــا ارادة الناخــب املحلـ ّ‬
‫ويتبــن مــن قــرار الهيئــة العليــا املســتقلة لالنتخابــات ‪...‬ـــأن كال مــن قائمتــي طــوزة‬
‫والنهضــة تحصلــت علــى مقعــد واحــد فــي املجلــس البلــدي ّإال أن عــدد األصــوات‬
‫التــي تحصلــت عليهــا قائمــة طــوزة يفــوق عــدد األصــوات التــي تحصلــت عليهــا قائمــة‬
‫النهضــة‪ ،‬ممــا يــؤول إلــى أحق ّيــة قائمــة طــوزة فــي الحصــول علــى اللجنــة الخامســة‬
‫‪2‬‬
‫خاصــة وأنــه لــم يثبــت مــن أوراق امللــف أن املدعــي تنــازل عــن رئاســة اللجنــة املذكــورة»‬
‫ّ‬
‫لكــن لــم يتعــرض النظــام الداخلــي ولــم ينظــم عــدة مســائل مــن شــأنها أن تثيــر نزاعــات‬
‫بمناســبة االنتخابــات البلديــة القادمــة علــى غــرار تحديــد العــدد األقصــى ألعضــاء اللجنــة‬
‫وطريقــة العضويــة والزمــن األقصــى الســتكمال تركيبــة اللجنــة وهــي مســائل تنبــه إليهــا‬
‫القاضــي اإلداري بمناســبة البــت فــي نزاعــات االنتخابــات البلدية األولى بعد دســتور ‪2014‬‬
‫فقــد قضــت الدائــرة االبتدائيــة بقابــس فــي هــذا الســياق بانــه «‪...‬ان اشــتراط املشــرع أن‬
‫تكــون تركيبــة اللجــان وفقــا للتمثيــل النســبي‪ ...‬يقتضي ضــرورة ضبطها وتعيــن أعضائها‬
‫وفقــا للقاعــدة املذكــورة وذلــك بالتزامــن مــع تعيــن رؤســاء اللجــان ومقرريهــا وكل ذلــك اثــر‬

‫‪ .1‬حكم صادر عن الدائرة االبتدائية ببنزرت تحت عدد ‪ 03100074‬بتاريخ ‪ 31‬ديسمبر ‪2018‬‬
‫‪ .2‬حكم ابتدائي صادر عن دائرة املنستير تحت عدد ‪ 6100130‬بتاريخ ‪ 27‬فيفري ‪2019‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪386‬‬

‫تنصيــب املجلــس البلــدي طبقــا ألحــكام الفصــل ‪ 210‬فقــرة أولــى‪ ...‬يــؤدي عــدم اســتكمال‬
‫تركيبــة اللجــان مباشــرة إثــر انتخــاب رؤســائها ومقرريهــا وتــرك العضويــة مفتوحــة إلــى‬
‫انخــرام قاعــدة التمثيــل النســبي التــي تقتضــي أن تكــون جميــع القائمــات ممثلــة فــي جميع‬
‫اللجــان بحســب حجمهــا داخــل املجلــس مثلمــا افرزتــه نتائــج االنتخابــات ‪...‬فــإن تعمــد‬
‫املجلــس البلــدي تــرك اللجــان البلديــة مفتوحــة‪ ،‬دون ضبــط تركيبتهــا ودون تحديــد أجــل‬
‫لذلــك واكتفائــه بتعيــن رؤســاء اللجــان ومقرريهــا‪ ،‬مــن شــأنه أن يــؤدي إلــى تعطيــل عملهــا‬
‫‪1‬‬
‫إمــا بســبب حضــور عــدد كبيــر مــن األعضــاء أو بســبب عــزوف األعضــاء عــن الحضــور»‬
‫كمــا لــم يتــم تحديــد مــن يقــوم بتعيــن ممثلــي القائمــة فــي اللجنــة فــي حــال تغيــب رئيــس‬
‫القائمــة أو تغيبــه مثــا فقــد نــص الفصــل ‪ 72‬مــن النظــام الداخلــي النموذجــي علــى أن‬
‫«يقــدم رئيــس كل قائمــة إلــى رئيــس املجلــس ممثلــي قائمتــه فــي اللجنــة املعنيــة» دون‬
‫التعــرض الــى الفرضيــة املشــار اليهــا وهــي مســألة بــت فيهــا القضــاء «ولئــن يتمتــع رئيــس‬
‫القائمــة بســلطة اختيــار مــن يمثلها على مســتوى رئاســة اللجــان أو مقرريهــا أو عضويتها‪،‬‬
‫فــإن ثبــوت مغــادرة رئيــس القائمــة لقاعــة الجلســة يمنــح هــذه الســلطة إلــى مــن يليــه فــي‬
‫‪2‬‬
‫ترتيــب القائمــة وذلــك تجنبــا لتعطيــل أعمــال املجلــس أو ارتهانــه لرغبــات بعــض أعضائــه»‬
‫الــى جانــب ذلــك لــم يتعــرض النظــام الداخلــي الــى تغييــر قاعــدة التمثيــل النســبي عنــد‬
‫اســتقالة بعــض أعضــاء املجلــس أو فقــدان أحــد أعضــاء اللجــان لشــرط عضويــة علــى‬
‫غــرار لجنــة املاليــة‪ ،‬وقــد قضــت الدائــرة االبتدائيــة بقفصة في هذا الســياق بأنــه «ولئن كان‬
‫امل ّدعــي عنــد قيامــه بال ّدعــوى يســتجيب لشــروط تولــي خطــة رئيس لجنــة املاليــة إال أنه طاملا‬
‫ثبــت أنــه تــم انتخابــه رئيســا للمجلــس البلــدي بالقصــر فإنــه ال يمكنــه الجمــع بــن رئاســة‬
‫املجلس ورئاســة لجنة املالية تطبيقا للفصل ‪ 210‬من مجلة الجماعات املحلية»‪.3‬وإلى جانب‬
‫النقائــص فــي النظــام الداخلــي النموذجــي‪ ،‬أثــارت املصادقــة علــى النظام الداخلــي من قبل‬
‫املجالــس البلديــة عديــد النزاعــات أمــام القضــاء اإلداري والتــي تســتحق بدورها الدراســة‪.‬‬
‫وتجــدر االشــارة إلــى أن تدخــل رئيــس الحكومــة لتنقيــح األمــر عــدد ‪ 744‬لســنة ‪2018‬‬
‫املــؤرخ فــي ‪ 23‬أوت ‪ 2018‬املتعلــق بنظــام الداخلــي النموذجــي للمجالــس البلديــة علــى‬
‫ضــوء كل املســائل التــي تــم التفطــن اليهــا بعــد تطبيقــه مــن شــأنه أن يقلــص مــن‬
‫النزاعــات ويســهل عمــل املجالــس البلديــة كمــا أن تكويــن أعضــاء املجالــس البلديــة‬
‫بخصــوص تطبيــق األمــر املذكــور وتمكينهــم مــن اكتســاب املهــارات الالزمــة لتعديــل‬
‫األمــر أو إعــداد نظــام داخلــي خــاص بهــا واملصادقــة عليــه ســيمكن هــذه املجالــس مــن‬

‫‪ .1‬حكم ابتدائي صادر عن دائرة قابس تحت عدد ‪ 09100060‬بتاريخ ‪ 27‬نوفمبر ‪2018‬‬
‫‪ .2‬حكم ابتدائي صادر عن دائرة قابس تحت عدد ‪ 09100076‬بتاريخ ‪ 27‬نوفمبر ‪2018‬‬
‫‪ .3‬حكم ابتدائي صادر عن الدائرة االبتدائية بقفصة تحت عدد ‪ 08100202‬بتاريخ ‪ 31‬ديسمبر ‪2019‬‬
‫‪387‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬

‫امتــاك آليــة عمــل تحظــى بقــدر أكبــر مــن املقبوليــة وتســاهم فــي خلــق التوافــق داخلهــا‪.‬‬
‫إن التجربــة الفتيــة للســلطة املحل ّيــة‪ 1‬فــي تونــس تســتحق التعمــق والدراســة مــن عــدة‬
‫جوانــب قانونيــة وسياســية وحتــى سيســيولوجية ويبقــى تنــاول املســألة بالــدرس مــن جهــة‬
‫عالقــة القاضــي اإلداري بالجماعــة املحليــة علــى درجــة عاليــة مــن األهميــة فالقاضــي‬
‫ويختــص‬
‫ّ‬ ‫اإلداري هــو قاضــي الجماعــة املحليــة بامتيــاز يواكــب انتخاباتهــا وتركيزهــا‬
‫بالرقابــة الالحقــة علــى أعمالهــا‪ ،‬و»تُمــا َرس الرقابــة انطالقـ ًا مــن مبــدأ وحــدة الدولــة؛ إذ‬
‫تخضــع تلــك األخيــرة الجماعــات املح ّليــة إلــى الرقابــة كــي ال تتح ـ ّول اســتقالل ّيتها إلــى‬ ‫ِ‬
‫ـوح فــي الفصــل ‪ .14‬أمــا‬ ‫ٍ‬ ‫ـ‬ ‫بوض‬ ‫ـق‬‫ـ‬ ‫املنط‬ ‫ـذا‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫‪2014‬‬ ‫ـتور‬ ‫ـ‬ ‫دس‬ ‫ـى‬ ‫ـ‬‫ن‬‫ّ‬ ‫يتب‬ ‫ـا‪.‬‬
‫ـ‬ ‫لوحدته‬ ‫ـد‬
‫ٍ‬ ‫ـ‬ ‫تهدي‬ ‫ـدر‬
‫ـ‬ ‫مص‬
‫ّ‬
‫الفصــل ‪ ،138‬فهــو يحـ ّد مــن طبيعــة الرقابــة التــي تخضــع لهــا الجماعــات املحليــة؛ حيــث‬
‫‪2‬‬
‫تخضــع للرقابــة الالحقــة فيمــا يتع ّلــق بشــرعية أعمالهــا‪ ،‬ويقــوم بهــا القاضــي اإلداري‪»...‬‬

‫‪ .1‬عبارة الفصل ‪ 131‬من الدستور‬


‫‪ .2‬التجربــة التونســية فــي ارســاء الالمركزيــة منــذ ‪ ،2014‬العميــد لطفــي طرشــونة‪ ،‬ورقــات بحثيــة‪ ،‬مبــادرة االصــاح‬
‫العربــي‪ ،‬جــوان ‪ ،2019‬ص ‪5‬‬
‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬ ‫‪388‬‬
‫‪389‬‬ ‫قراءات في فقه القضاء االنتخابي للمحكمة اإلدارية‬
:‫بدعم من‬

Union eUropéenne

2020

You might also like