You are on page 1of 3

‫د‪ :‬لطفي زغلول‬ ‫األغنـية المصورة العربية "الفيديو كليب"‬

‫األغنية المصورة هي الترجمة العربية لمصطلح " الفيديو كليب "‪ .‬وهي من نتاج الثقافة الغربية التي أصبح لها‬
‫سوق في الوطن العربي أفرزتها فضائيات عربية متخصصة ‪ .‬وتحتل األغنية المصورة مساحة من برامج البث‬
‫التلفزي آخذة في االتساع ‪ .‬ويمكن القول ان الغناء العربي الحديث الالهث وراء الحداثة والعولمة لم يعد يعتمد على‬
‫منظومة " الكلمة واللحن واالداء " بل انه تجاوزها الى المشاهد المصورة الزاخرة باللون والحركة والبهرجة الضوئية‬
‫والرقص وتقنية المؤثرات الصوتية والحركية األخرى ‪.‬‬

‫وبداية فان األغنية العربية واحدة من أسس المشهد الثقافي العربي الذي يفترض ان تكون له هويته الفنية التي‬
‫تشـكل جزءا ال يتجزأ من منظومة االنتماءات القومية واأليديولوجية ‪ .‬وفي ذات الوقت أن تعكس ما يعتمل داخل‬
‫الوطن العربي من تفاعالت ذات اتجاهات مختلفة ومتوازنة مصورة الواقع المعاش ‪ ،‬وطارحة الرؤى التي تجيش في‬
‫آفاقه ‪ ،‬ومعبرة عنها في اطار من حرية التعبير واالختيار واالنطالق الى آفاق جديدة دون أن يكون هناك انفالت أو‬
‫انقياد أو تسويق لثقافات بحد ذاتها ‪ ،‬أو التركيز على جانب معين ‪ ،‬أو تحكم أو هيمنة لجهة بمفردها أيا كانت على‬
‫الحياة اإلبداعية ‪.‬‬

‫إن استقراء واقع هذا النمط من الغناء العربي وهو األكثر شيوعا في هذه االيام ‪ ،‬وتأثيرا في شرائح عديدة من‬
‫المجتمع العربي ‪ ،‬والذي أصبح يشكل حلم معظم المغنين والمغنيات ‪ ،‬يفرز حقائق تخص هذا الشكل من اإلبداع الفني‬
‫ملقية بظاللها على مناح عديدة من الحياة الثقافية واالجتماعية العربية التي يفترض أن لها خصوصيتها وتميزها‬
‫ومعاييرها القيمية واألخالقية والسلوكية ‪ .‬وأنوه إلى أنني سأقتصر حديثي على تلك األغنيات المصورة التي استباحت‬
‫القيم واألخالق والمثل السائدة ‪ ،‬وانتهكت حرمات أجساد النساء ‪.‬‬

‫في إحصائية أجرتها إحدى الفضائيات العربية التي تشن حملة شعواء على المغنيات العربيات المتعريات ‪ ،‬وعلى‬
‫هذا النمط من األغنيات اإلباحية الخليعة الغارقة في اإليحاءات الجنسية المبتذلة ‪ ،‬تبين أن لبنان وحدها تنتج أسبوعيا‬
‫ما يقارب أربعة كليبات غنائية ‪ ،‬تتكلف ما يقدر بخمسة عشر مليون دوالر أميركي ‪ .‬وإ ذا ما أضيف إلى هذه‬
‫اإلحصائية ما تنتجه بقية األقطار العربية ‪ ،‬تتجلى لنا الصورة الحقيقية للهدر المادي ‪ ،‬وتردي المشهد الثقافي الهادم‬
‫للقيم والمثل واألخالق ‪.‬‬

‫ثمة الكثير من المالحظات والتحفظات على األغنية المصورة العربية ‪ .‬وأكثر من ذلك ثمة الكثير من الدوافع‬
‫الستهجان العديد منها وحتى رفضها على خلفيات متعددة ‪ .‬وأولى هذه التحفظات أن معظم هذه األغنيات المصورة‬
‫بطريقة " الفيديو كليب " تركز كما أسلفنا على جوانب فنية شكلية مرافقة ‪ ،‬وكل ذلك يأتي على حساب ثالثية " الكلمة‬
‫واللحن واالداء " التي يفترض أن تشكل العمود الفقري ألية أغنية ‪ .‬فالكلمات سطحية المعاني مكررة معادة وتدور في‬
‫إطار واحد هو الحب والغزل ‪ ،‬ويندر أن تتعداه ‪.‬‬
‫أما األلحان فهي إما تقليد للموسيقى الغربية أو أنها اقتباس مباشر لها ‪ .‬ويالحظ في هذا الصدد أن الموسيقى الغربية‬
‫تشـكل المرجعية الرئيسة لها وبخاصة االسبانية واليونانية منها ‪ ،‬ويحظى الطابع الموسيقي الهندي بنصيب هو اآلخر ‪.‬‬
‫أما االداء فهو ال يعتمد على صوت المطرب المؤدي أو المطربة المؤدية بقدر ما يعتمد على تقنية المؤثرات الصوتية‬
‫التي تتحكم بدرجات الصوت وألوانه وأشكاله وحدته وانخفاضه كيفما تشاء ‪.‬‬

‫وهي بعامة يغلب عليها الصخب والسرعة والحركة السريعة وقصر النفس ‪ ،‬وهذه بمجموعها تشكل ما يسمى‬
‫باألغنية الشبابية الحديثة التي لبست الثوب الثقافي الغربي شكال ومضمونا وخرجت من ثوب الموسيقى العربية‬
‫الشرقية وتمردت عليه بدل أن ترقى بها أو تطـورها أو حتى تقوم ‪.‬‬

‫وال تقف خطيئة األغنية المصورة العريية عند هذه الحدود من استيراد قوالبها من ثقافات الغرب ‪ ،‬ظانة بذلك‬
‫ومتوهمة أنها ترقى بها إلى سلم العالمية واالنتشار والرقي الحضاري واعتراف اآلخرين بالتالي ‪ .‬إن االنجرار وراء‬
‫التقليد والقوالب الثقافية المستوردة دون تبصر وتعقل وموازنة حالة من حاالت التخلي عن الشخصية والهوية‬
‫االنتمائيين ليس في مجال األغنية فحسب وانما في معظم مجاالت اإلبداع ‪ ،‬األمر الذي يدفع بالمقلدين "بفتح الالم" إلى‬
‫الشعور بالفوقية واالستعالء على المقلدين "بكسر الالم" ‪ .‬فالغرب المبدع المتحضر ‪ -‬والحال هذه – ال يبحث عن "‬
‫تجارته التي ردت إليه " ‪.‬‬
‫وإ نما يبحث عن ما لدى الشعوب األخرى من خصوصيات وتميز وأصالة على أساسها تكون درجة االحترام‬
‫والتقدير‪ .‬وفي حالة األغنية المصورة العربية الحديثة فإنها لم تحظ بأي اهتمام أو تقدير لدى الغرب سواء في أسواقه‬
‫أو عبر فضائياته ‪.‬‬

‫وإ لى جانب هذا التقليد األعمى أدخلت هذه االغنية عنصر الرقص إليها ‪ .‬ونحن هنا لن نناقش الرقص باعتباره فنا‬
‫مقبوال أو غير مقبول ‪ .‬ولكننا في هذه العجالة ننوه إلى نوعية هذا الرقص الذي يعتمد على اثارة الغرائز الجنسية عبر‬
‫حركاته المثيرة والخليعة وتركيزه على جسد المرأة والكشف عن مساحة متزايدة من مفاتن جسدها وعوراته ‪ .‬وهذه‬
‫مسألة أخرى فيها نظر ويمكن أن يقال فيها الكثير ‪.‬‬

‫إنها دون أدنى شك خروج على األعراف والتقاليد والقيم ‪ ،‬وهي استباحة فاضحة لكل المحظورات والمحرمات ‪،‬‬
‫وانتهاك للعفة والطهارة ‪ ،‬وفي أحيان كثيرة فيها ما فيها من خدش للحياء وإ حراج لألسرة العربية المحافظة بطبيعتها ‪.‬‬
‫هذه األسر التي تسعى أن تربي بناتها وأبناءها على الشرف والفضيلة ‪ ،‬لتفاجأ دون سابق إنذار بمن يتعمد لغايات‬
‫خسيسة في نفسه تسويق اتجاهات شائنة ‪ ،‬أو توليدها في نفوس الناشئة ‪ ،‬هدفها إفساد أبنائهم ‪ ،‬والتعدي على قيمهم‬
‫ومثلهم ‪ ،‬وقلب مفاهيمهم ‪.‬‬

‫وسوف أتطرق ‪ ..‬مثاال ال حصرا ‪ ..‬إلى بعض هذه األغنيات المصورة " الكليبات " ‪ ،‬وقراءة محتوياتها ‪ ،‬وما‬
‫يمكن أن تحدث هذه المحتويات من آثار سالبة خطيرة ‪ ،‬سواء على االتجاهات التربوية السليمة ‪ ،‬أو المفاهيم والقيم‬
‫السائدة في المجتمعات العربية ‪.‬‬
‫وهي الى جانب ذلك أيضا تشكل على ما يبدو عامل المنافسة الوحيد بين شركات انتاج هذه االشكال من االغنيات‬
‫بغية تحقيق كسب مادي أوفر ‪ .‬أما فيما يخص الفضائيات التي تعرض هذا النوع من االغنيات فهي االخرى تستهدف‬
‫كسب أكبر نسبة من المشاهدين ‪ ،‬وهذا بالتالي يدر عليها دخال عاليا من الدعايات واالعالنات التجارية ‪ .‬وثمة الذين‬
‫يعتقدون أن هناك غايات وأهدافا أخرى تكمن في تفكيك عناصر البنية التحتية للتربية األسرية العربية من جهة‬
‫وحرف الجيل الناشئ عن مسارات اجتماعية وثقافية وتربوية وسياسية يفترض أن يسير عليها ‪.‬‬

‫ويظل باب الحديث عن هذه االغنية مفتوحا على مصراعيه امام سيل من النقد لها والتحفظ عليها ‪ .‬ومثاال ال‬
‫حصرا فان مقدمات الجزء األكبر من هذه االغنيات المصورة تستخدم اللغة االنجليزية او الفرنسية وليس العربية رغم‬
‫أن سوقها هو في الوطن العربي ‪ .‬وعالوة على ذلك فان الشركات المنتجة لها تقوم بتصويرها في عواصم أجنبية أو‬
‫في بيئات غير عربية زيادة اغراق في " الفرنجة " ‪.‬‬

‫لكن األخطر من ذلك كله يتعلق بالبيئات واالجواء التي تخص هذه االغنيات ‪ .‬فهي ال تمت بصلة الى كثير من‬
‫مناحي الحياة العربية من حيث المالبس التاريخية والرقص واالدوات الموسيقية ‪ ،‬وفي أحيان اخرى ال تمت بصلة‬
‫الى األغنية نفسها‪.‬‬

‫وحقيقة األمر أن تأثيرات مثل هذه األغنيات المصورة العربية ‪ ،‬أو األجنبية التي تعرضها فضائيات عربية على‬
‫مدار اليوم والساعة سالبة للغاية ‪ ،‬وبخاصة على الفئات العمرية الفتية والشابة ‪ ،‬وحتى تلك التي في سن الطفولة‬
‫المبكرة ‪ .‬إن تأثيراتها مؤكدة في مجال غرس مفاهيم وقيم مادية جنسية ‪ ،‬وإ يجاد رموز على شاكلة هؤالء المغنيات‬
‫المتعريات العارضات أجسادهن ‪ ،‬والمستبيحات لها كيما يكن هن القدوة والمثال في المجتمعات العربية ‪ .‬وهذا ال‬
‫يحمل إال تفسيرا واحدا مفاده غزو ثقافي ‪ ،‬هدفه تدمير ما تبقى من منظومة قيم ومثل ومفاهيم شريفة وأصيلة ‪.‬‬

‫وخالصة القول ان االغنية العربية وهي الشكل الفني االبداعي األكثر شيوعا لدى المتلقي العربي واالكثر تأثيرا فيه‬
‫ال ينبغي ان يترك في مهب أيدي شركات تجارية ال هم لها اال الربح والمنافسة غير الشريفة ولو على حساب القيم‬
‫والتقاليد والعادات ‪ ،‬أو التخلي المقصود وغير المقصود عن االصالة والجذور ‪ .‬كما ال ينبغي أن تكون هذه االغنية‬
‫مقصورة على جانب واحد ‪ .‬فثمة جوانب اخرى كثيرة لألغنية ‪.‬‬

‫فهناك الجوانب الوطنية والدينية والتاريخية واالنسانية واالجتماعية وأغاني الطفولة بكل مراحلها ‪ ،‬وعلى ما يبدو‬
‫فان حظها ضئيل في بحر هذه االغنية المصورة العربية ‪ .‬ان دور الجهات الثقافية الرسمية وغير الرسمية في الوطن‬
‫العربي يتضاعف ازاء هذه الموجة من االغنيات وهذا التيار الجارف وراء التقليد والتخلي عن االصالة والجذور ‪.‬‬

You might also like