Professional Documents
Culture Documents
الأغنـية المصورة العربية
الأغنـية المصورة العربية
األغنية المصورة هي الترجمة العربية لمصطلح " الفيديو كليب " .وهي من نتاج الثقافة الغربية التي أصبح لها
سوق في الوطن العربي أفرزتها فضائيات عربية متخصصة .وتحتل األغنية المصورة مساحة من برامج البث
التلفزي آخذة في االتساع .ويمكن القول ان الغناء العربي الحديث الالهث وراء الحداثة والعولمة لم يعد يعتمد على
منظومة " الكلمة واللحن واالداء " بل انه تجاوزها الى المشاهد المصورة الزاخرة باللون والحركة والبهرجة الضوئية
والرقص وتقنية المؤثرات الصوتية والحركية األخرى .
وبداية فان األغنية العربية واحدة من أسس المشهد الثقافي العربي الذي يفترض ان تكون له هويته الفنية التي
تشـكل جزءا ال يتجزأ من منظومة االنتماءات القومية واأليديولوجية .وفي ذات الوقت أن تعكس ما يعتمل داخل
الوطن العربي من تفاعالت ذات اتجاهات مختلفة ومتوازنة مصورة الواقع المعاش ،وطارحة الرؤى التي تجيش في
آفاقه ،ومعبرة عنها في اطار من حرية التعبير واالختيار واالنطالق الى آفاق جديدة دون أن يكون هناك انفالت أو
انقياد أو تسويق لثقافات بحد ذاتها ،أو التركيز على جانب معين ،أو تحكم أو هيمنة لجهة بمفردها أيا كانت على
الحياة اإلبداعية .
إن استقراء واقع هذا النمط من الغناء العربي وهو األكثر شيوعا في هذه االيام ،وتأثيرا في شرائح عديدة من
المجتمع العربي ،والذي أصبح يشكل حلم معظم المغنين والمغنيات ،يفرز حقائق تخص هذا الشكل من اإلبداع الفني
ملقية بظاللها على مناح عديدة من الحياة الثقافية واالجتماعية العربية التي يفترض أن لها خصوصيتها وتميزها
ومعاييرها القيمية واألخالقية والسلوكية .وأنوه إلى أنني سأقتصر حديثي على تلك األغنيات المصورة التي استباحت
القيم واألخالق والمثل السائدة ،وانتهكت حرمات أجساد النساء .
في إحصائية أجرتها إحدى الفضائيات العربية التي تشن حملة شعواء على المغنيات العربيات المتعريات ،وعلى
هذا النمط من األغنيات اإلباحية الخليعة الغارقة في اإليحاءات الجنسية المبتذلة ،تبين أن لبنان وحدها تنتج أسبوعيا
ما يقارب أربعة كليبات غنائية ،تتكلف ما يقدر بخمسة عشر مليون دوالر أميركي .وإ ذا ما أضيف إلى هذه
اإلحصائية ما تنتجه بقية األقطار العربية ،تتجلى لنا الصورة الحقيقية للهدر المادي ،وتردي المشهد الثقافي الهادم
للقيم والمثل واألخالق .
ثمة الكثير من المالحظات والتحفظات على األغنية المصورة العربية .وأكثر من ذلك ثمة الكثير من الدوافع
الستهجان العديد منها وحتى رفضها على خلفيات متعددة .وأولى هذه التحفظات أن معظم هذه األغنيات المصورة
بطريقة " الفيديو كليب " تركز كما أسلفنا على جوانب فنية شكلية مرافقة ،وكل ذلك يأتي على حساب ثالثية " الكلمة
واللحن واالداء " التي يفترض أن تشكل العمود الفقري ألية أغنية .فالكلمات سطحية المعاني مكررة معادة وتدور في
إطار واحد هو الحب والغزل ،ويندر أن تتعداه .
أما األلحان فهي إما تقليد للموسيقى الغربية أو أنها اقتباس مباشر لها .ويالحظ في هذا الصدد أن الموسيقى الغربية
تشـكل المرجعية الرئيسة لها وبخاصة االسبانية واليونانية منها ،ويحظى الطابع الموسيقي الهندي بنصيب هو اآلخر .
أما االداء فهو ال يعتمد على صوت المطرب المؤدي أو المطربة المؤدية بقدر ما يعتمد على تقنية المؤثرات الصوتية
التي تتحكم بدرجات الصوت وألوانه وأشكاله وحدته وانخفاضه كيفما تشاء .
وهي بعامة يغلب عليها الصخب والسرعة والحركة السريعة وقصر النفس ،وهذه بمجموعها تشكل ما يسمى
باألغنية الشبابية الحديثة التي لبست الثوب الثقافي الغربي شكال ومضمونا وخرجت من ثوب الموسيقى العربية
الشرقية وتمردت عليه بدل أن ترقى بها أو تطـورها أو حتى تقوم .
وال تقف خطيئة األغنية المصورة العريية عند هذه الحدود من استيراد قوالبها من ثقافات الغرب ،ظانة بذلك
ومتوهمة أنها ترقى بها إلى سلم العالمية واالنتشار والرقي الحضاري واعتراف اآلخرين بالتالي .إن االنجرار وراء
التقليد والقوالب الثقافية المستوردة دون تبصر وتعقل وموازنة حالة من حاالت التخلي عن الشخصية والهوية
االنتمائيين ليس في مجال األغنية فحسب وانما في معظم مجاالت اإلبداع ،األمر الذي يدفع بالمقلدين "بفتح الالم" إلى
الشعور بالفوقية واالستعالء على المقلدين "بكسر الالم" .فالغرب المبدع المتحضر -والحال هذه – ال يبحث عن "
تجارته التي ردت إليه " .
وإ نما يبحث عن ما لدى الشعوب األخرى من خصوصيات وتميز وأصالة على أساسها تكون درجة االحترام
والتقدير .وفي حالة األغنية المصورة العربية الحديثة فإنها لم تحظ بأي اهتمام أو تقدير لدى الغرب سواء في أسواقه
أو عبر فضائياته .
وإ لى جانب هذا التقليد األعمى أدخلت هذه االغنية عنصر الرقص إليها .ونحن هنا لن نناقش الرقص باعتباره فنا
مقبوال أو غير مقبول .ولكننا في هذه العجالة ننوه إلى نوعية هذا الرقص الذي يعتمد على اثارة الغرائز الجنسية عبر
حركاته المثيرة والخليعة وتركيزه على جسد المرأة والكشف عن مساحة متزايدة من مفاتن جسدها وعوراته .وهذه
مسألة أخرى فيها نظر ويمكن أن يقال فيها الكثير .
إنها دون أدنى شك خروج على األعراف والتقاليد والقيم ،وهي استباحة فاضحة لكل المحظورات والمحرمات ،
وانتهاك للعفة والطهارة ،وفي أحيان كثيرة فيها ما فيها من خدش للحياء وإ حراج لألسرة العربية المحافظة بطبيعتها .
هذه األسر التي تسعى أن تربي بناتها وأبناءها على الشرف والفضيلة ،لتفاجأ دون سابق إنذار بمن يتعمد لغايات
خسيسة في نفسه تسويق اتجاهات شائنة ،أو توليدها في نفوس الناشئة ،هدفها إفساد أبنائهم ،والتعدي على قيمهم
ومثلهم ،وقلب مفاهيمهم .
وسوف أتطرق ..مثاال ال حصرا ..إلى بعض هذه األغنيات المصورة " الكليبات " ،وقراءة محتوياتها ،وما
يمكن أن تحدث هذه المحتويات من آثار سالبة خطيرة ،سواء على االتجاهات التربوية السليمة ،أو المفاهيم والقيم
السائدة في المجتمعات العربية .
وهي الى جانب ذلك أيضا تشكل على ما يبدو عامل المنافسة الوحيد بين شركات انتاج هذه االشكال من االغنيات
بغية تحقيق كسب مادي أوفر .أما فيما يخص الفضائيات التي تعرض هذا النوع من االغنيات فهي االخرى تستهدف
كسب أكبر نسبة من المشاهدين ،وهذا بالتالي يدر عليها دخال عاليا من الدعايات واالعالنات التجارية .وثمة الذين
يعتقدون أن هناك غايات وأهدافا أخرى تكمن في تفكيك عناصر البنية التحتية للتربية األسرية العربية من جهة
وحرف الجيل الناشئ عن مسارات اجتماعية وثقافية وتربوية وسياسية يفترض أن يسير عليها .
ويظل باب الحديث عن هذه االغنية مفتوحا على مصراعيه امام سيل من النقد لها والتحفظ عليها .ومثاال ال
حصرا فان مقدمات الجزء األكبر من هذه االغنيات المصورة تستخدم اللغة االنجليزية او الفرنسية وليس العربية رغم
أن سوقها هو في الوطن العربي .وعالوة على ذلك فان الشركات المنتجة لها تقوم بتصويرها في عواصم أجنبية أو
في بيئات غير عربية زيادة اغراق في " الفرنجة " .
لكن األخطر من ذلك كله يتعلق بالبيئات واالجواء التي تخص هذه االغنيات .فهي ال تمت بصلة الى كثير من
مناحي الحياة العربية من حيث المالبس التاريخية والرقص واالدوات الموسيقية ،وفي أحيان اخرى ال تمت بصلة
الى األغنية نفسها.
وحقيقة األمر أن تأثيرات مثل هذه األغنيات المصورة العربية ،أو األجنبية التي تعرضها فضائيات عربية على
مدار اليوم والساعة سالبة للغاية ،وبخاصة على الفئات العمرية الفتية والشابة ،وحتى تلك التي في سن الطفولة
المبكرة .إن تأثيراتها مؤكدة في مجال غرس مفاهيم وقيم مادية جنسية ،وإ يجاد رموز على شاكلة هؤالء المغنيات
المتعريات العارضات أجسادهن ،والمستبيحات لها كيما يكن هن القدوة والمثال في المجتمعات العربية .وهذا ال
يحمل إال تفسيرا واحدا مفاده غزو ثقافي ،هدفه تدمير ما تبقى من منظومة قيم ومثل ومفاهيم شريفة وأصيلة .
وخالصة القول ان االغنية العربية وهي الشكل الفني االبداعي األكثر شيوعا لدى المتلقي العربي واالكثر تأثيرا فيه
ال ينبغي ان يترك في مهب أيدي شركات تجارية ال هم لها اال الربح والمنافسة غير الشريفة ولو على حساب القيم
والتقاليد والعادات ،أو التخلي المقصود وغير المقصود عن االصالة والجذور .كما ال ينبغي أن تكون هذه االغنية
مقصورة على جانب واحد .فثمة جوانب اخرى كثيرة لألغنية .
فهناك الجوانب الوطنية والدينية والتاريخية واالنسانية واالجتماعية وأغاني الطفولة بكل مراحلها ،وعلى ما يبدو
فان حظها ضئيل في بحر هذه االغنية المصورة العربية .ان دور الجهات الثقافية الرسمية وغير الرسمية في الوطن
العربي يتضاعف ازاء هذه الموجة من االغنيات وهذا التيار الجارف وراء التقليد والتخلي عن االصالة والجذور .