You are on page 1of 30

See discussions, stats, and author profiles for this publication at: https://www.researchgate.

net/publication/348817575

‫ اﻟﺘﻀﺎﻓﺮ واﻟﺘﻨﺎﻓﺮ ﺑﻴﻦ اﻟﻌﺎﻣﻴﺔ واﻟﻔﺼﺤﻰ‬:‫اﻻزدواﺟﻴﺔ اﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ‬

Article · January 2016

CITATIONS READS
0 3,820

1 author:

‫ﻋﻠﻲ أﺳﻌﺪ وﻃﻔﺔ‬


Kuwait University
285 PUBLICATIONS 72 CITATIONS

SEE PROFILE

All content following this page was uploaded by ‫ ﻋﻠﻲ أﺳﻌﺪ وﻃﻔﺔ‬on 27 January 2021.

The user has requested enhancement of the downloaded file.


‫االزدواجية اللغوية يف العالم العربي‬
‫التضافر والتنافر ما بني العامية والفصحى‬

‫‪‬أ‪.‬د‪ .‬علي أسعد وطفة‬

‫كلية التربية ‪ -‬جامعة الكويت‬


‫‪‬أ‪ .‬د‪ .‬علي أسعد وطفة‬

‫" من أغرب املُ ْدهِشات أن تنبتَ تلك اللغةُ القوم ّيةُ وتصل إىل درجة الكمال وسط الصحاري عند أ ّمةٍ من الرُحّل‪،‬‬
‫تلك اللغة اليت فاقت أخواتها بكثرةِ مفرداتها ود ّقةِ معانيها وحس ِن نظامِ مبانيها‪ ،‬ومل يُعرف هلا يف كلّ أطوار‬
‫حياتها طفولةٌ وال شيخوخةٌ‪ ،‬وال نكاد نعلم من شأنها إالّ فتوحاتها وانتصاراتها اليت ال تُبارى‪ ،‬وال نعرف شبيهاً‬
‫بهذه اللغة اليت ظهرت للباحثني كاملةً من غري تدرّج وبقيت حافظةً لكيانها من كلّ شائبة "‪.‬‬
‫(املستشرق الفرنسي رينان)‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫فرضت االزدواجية يف اللغة العربية نفسها على حنو إشكالي يف صيغ وجتليات خمتلفة تباينت بتباين‬
‫العصور واملراحل التارخيية لألمة‪ .‬فاالزدواجية اللغوية بني العامية والفصحى يف العصر العباسي ليست‬
‫مثلها يف العهد العثماني‪ ،‬وليست كحالتها يف مرحلة الركود احلضاري الشامل الذي نعيشه اليوم‪ .‬ففي‬
‫مراحل االزدهار كانت االزدواجية اللسانية تعبريا عن حالة تقدم حضاري‪ ،‬حيث فرض حضور اللغة‬
‫العربية املظفر وتوسعها يف البلدان اإلسالمية ظهور مستويات لغوية تتباعد أو تتقارب من اللغة العربية‬
‫الفصيحة‪ .‬أما اليوم فإن هذه االزدواجية تبدو أكثر عمقا وخطورة‪ ،‬وهي تعرب عن حالة انكسار حضاري‬
‫شامل يفرض ثقله على األمة العربية ليشكل أحد أكرب التحديات املمانعة حلداثة األمة ونهضتها‪.‬‬

‫‪-2-‬‬
‫وإذا كانت االزدواجية اللغوية تشكل حالة طبيعية يف خمتلف لغات العامل فإن هذه االزدواجية تشكل‬
‫ظاهرة مرضية يف جمتمعاتنا العربية‪ ،‬وتعرب عن حالة الرتدي واهلزمية احلضارية اليت تعيشها هذه األمة يف‬
‫حاضرها نظرا الختالل العالقة بني الفصحى والعامية‪ .‬لقد فرض االنكسار احلضاري الذي تعيشه األمة‬
‫حالة من الرتدي اللساني‪ ،‬وأدى إىل اهتزاز العالقة بني اللغة واحلضارة‪ ،‬ففقدت العالقة بني الفصحى‬
‫والعامية ذلك التوازن اخلالق الذي كان يتميز بقوته وخصوبته‪ ،‬وحتولت تلك العالقة إىل ظاهرة مرضية‬
‫خانقة تفرض نفسها اجتماعيا وأخالقيا وسياسيا يف خمتلف طبقات احلياة والوجود يف اجملتمعات العربية‬
‫املعاصرة‪.‬‬
‫ونظرا خلطورة هذه القضية وعمق ارتباطها باإلشكالية احلضارية لألمة‪ ،‬تناول الباحثون واملفكرون‬
‫العرب هذه الظاهرة بالدراسة والبحث والتحليل‪ ،‬ويف سياق هذا التناول اختلفوا يف رؤيتهم هلذه القضية‪،‬‬
‫فعكست مواقفهم منظومة االجتاهات األيديولوجية والفكرية السائدة يف املنطقة العربية بني االجتاهات‬
‫الليربالية واألصولية والقومية والتغربيّة واالنفصالية‪.‬‬
‫وتشكل تلك املواقف واالجتاهات الفكرية من إشكالية الفصحى والعامية بدورها قضية تستحق االهتمام‬
‫والتفكري‪ ،‬فهذه التيارات األيديولوجية املتغالبة تعرب يف ذاتها عن واقع التخلف احلضاري الذي تعانيه‬
‫األمة‪ .‬فالبلدان اليت حققت حداثتها تركت خلفها ‪ -‬منذ أمد بعيد ‪ -‬مثل هذه الصراعات واخلالفات‬
‫األيديولوجية حول إشكاليات االزدواجية يف اللغة‪ ،‬وبدأت تتجه إىل خالفات من نوع جديد تتعلق‬
‫بالفاعلية احلضارية اللسانية هلذه األمم والدول‪ .‬وتتمثل هذه القضية يف الدول املتقدمة يف فرنسا وبريطانيا‬
‫وغريهما من البلدان يف اسرتاتيجيات لسانية تهدف إىل وضع اللغات القومية يف مركز املنافسة واهليمنة‬
‫والسيطرة‪ ،‬وحتقيق أكرب نفوذ لساني يف العامل املعاصر‪ .‬وحنن اليوم ما زلنا يف طور الصراع واالنقسام بني‬
‫مؤيد للفصحى ومنتصر للعامية‪ .‬ويدرك مجع املهتمني بقضايا اللغة العربية حاليا أن الصراع الفكري ما زال‬
‫على أشده بني فقهاء اللغة وعلماء اللسانيات حول طبيعة العالقة بني الفصحى والعامية‪ .‬فقد دأب علماء‬
‫األمة على افتعال الصراع يف كل صغرية وكبرية‪ ،‬وغفلوا عن املقاصد املوضوعية للبحث العقالني النقدي‬
‫الذي ال يرتك لأليديولوجيا مكانا يف هذا الصراع واخلالف الدائر‪.‬‬
‫وال تزال املواقف الفكرية من ازدواجية اللغة العربية متضاربة متداخلة مرتاكبة‪ ،‬تبدأ من التناقض‬
‫الكلي إىل التوافقات اجلزئية‪ ،‬فهناك من يرفض العامية رفضا مطلقا ويعلي شعار الفصحى والفصيحة‪،‬‬
‫‪-3-‬‬
‫وهناك من ينتصر للعامية ويدعو إىل إلغاء الفصحى ووضعها يف متاحف التاريخ‪ ،‬وهناك من يرى ضرورة‬
‫تفصيح العامية بتعميم الفصحى‪ ،‬أو تعميم الفصحى بتفصيح العامية‪ ،‬وهناك من يريد االرتقاء بالعامية‬
‫وتقعيدها على منوال الفصحى‪ .‬وهذه املواقف املتناقضة واملتضاربة تدل يف جوهرها على البعد األخالقي‬
‫واإلنساني والسياسي واحلضاري إلشكالية االزدواجية اللغوية يف ثقافتنا املعاصرة‪.‬‬

‫‪ -1‬االزدواجية يف اللغة العربية‪:‬‬

‫تعدّ ازدواجية اللغة العربية من أهم املشكالت اليت تواجه فقهاء اللغة وعلماء البيان‪ .‬وال ختتلف داللة‬
‫االزدواجية يف العربية عن غريها من اللغات من حيث املبدأ الذي يعتمد التقسيم العام بني لغة الكتابة ولغة‬
‫احملادثة‪ .‬فاالزدواجية يف اللغة العربية تعين " وجود العربية العامية (املنطوقة أساسا) إىل جانب العربية‬
‫الفصيحة (املكتوبة أساساً) اليت هي اللغة القومية والدينية واحلضارية لألمة" (عبيد وسويسي‪،1995 ،‬‬
‫‪.)123‬‬
‫ويرى بعض املفكرين أن وجود االزدواجية اللغوية أمر طبيعي وضروري يف كل اللغات‪ .‬ووفقا هلذا‬
‫التصور فإن لكل لغة رمسية فصحى لغة عامية تسري معها كظلها وال ضرر أو ضرار بني الشيء وظله أو بني‬
‫الروح وجسدها‪ ،‬فكل لغة فصحى مكتوبة ترافقها لغة حمكية شعبية عامة غري مكتوبة تضافرها وتناظرها‬
‫يف دورة من التفاعل اللغوي الضروري للحياة االجتماعية والفكرية‪.‬‬
‫ويؤكد العقاد يف هذا السياق أهمية التجاور والتضافر بني العامية والفصحى فيقول‪ ":‬يف كل أمة لغة‬
‫كتابة ولغة حديث‪ ،‬ويف كل أمة هلجة تهذيب وهلجة ابتذال‪ ،‬ويف كل أمة كالم له قواعد وأصول‪،‬‬
‫وكالم ال قواعد له وال أصول‪ .‬وسيظل احلال على هذا ما بقيت لغة‪ ،‬وما بقي ناس يتمايزون يف املدارك‬
‫واألذواق‪ .‬فلن يأتي اليوم الذي يُكتب فيه فردوس "ملتون" بلغة العامل اإلنكليزي‪ ،‬وفلسفة "كانت" بلغة‬
‫الزارع األملاني‪ ،‬ولن يأتي اليوم الذي تستوعب فيه قوالب السوق كل ما خيطر على قرائح العبقريني‪،‬‬
‫وخيتلج يف ضمائر النفوس‪ ،‬ويرتدد يف نوابغ األذهان‪ :‬فالفصيحة باقية والعامية باقية مدى الزمان !"‬
‫(الزغلول‪.)83 ،2000 ،‬‬

‫‪-4-‬‬
‫فاللهجات العامية كانت موجودة يف اجلاهلية واإلسالم من قبل‪ ،‬ثم جاء اإلسالم فوحدها يف البيان‬
‫القرآني‪ .‬وكانت هذه اللهجات حاضرة بقوة حتى يف أزهى عصور اللغة العربية‪ ،‬ومل تشكل خطرا حقيقيا‬
‫على الفصحى اليت أخذت مكانتها العالية يف خمتلف ميادين الفكر واملعرفة املتقدمة‪ .‬ويعرب الضبيب عن‬
‫هذا احلضور للهجات العربية العامية إىل جانب الفصحى بقوله‪ ":‬إن اللغة العامية كانت موجودة منذ‬
‫العصور التارخيية القدمية‪ ،‬يف صورة هلجات يستعملها العامة يف بيئات خمتلفة‪ ،‬وهم يعرفون أنهم‬
‫باستعماهلم إياها ال يبلغون املستوى الرفيع الذي يبلغونه بالفصحى‪ .‬ولذلك كانت العامية حمصورة يف‬
‫بيئات التخاطب الضيقة اليت كانت بيئات منعزلة‪ .‬مل تكن العامية ترقى لتكون لغة األدب أو الثقافة أو‬
‫الدواوين الرمسية‪ ،‬ومل تكن الدروس تلقى بها يف حلقات العلم‪ ،‬ولذلك مل يكن هلا خطر على الفصحى يف‬
‫تلك األيام (اجلهين‪.)2009 ،‬‬
‫ويف هذا املقام يؤكد عدد كبري من الباحثني اللغويني أن االزدواجية اللغوية ظاهرة طبيعية يف اللغة‪،‬‬
‫فريى حممد حسني أنها ليست حالة طارئة على اللغة العربية‪ ،‬وأنه اليضري اللغة العربية الفصحى كثريًا‬
‫قيام هلجات حملية أو لغة خطاب يومي دارجة‪ ،‬يتداوهلا العامة‪ ،‬وتقضى بها شؤون احلياة اليومية‪ ،‬وأن‬
‫هذه الظاهرة ظاهرة بشرية طبيعية تشمل كل اللغات‪ :‬قدميها وحديثها‪ ،‬فلها مجيعًا لغة متأنقة دقيقة‬
‫للفكر ولألدب‪ ،‬وهلا لغة أخرى أقل دقة ومجاال‪ ،‬وأدنى درجة ووقارًا‪ ،‬للتعامل اليومي‪ ،‬وهي لغة متحولة‬
‫متغرية‪ ،‬مل حتظ بعناية العلماء واألدباء إال يف أيامنا هذه‪ ،‬اليت كثر فيها التهريج يف التمسح باسم الشعب‪،‬‬
‫والتشدق بالفنون الشعبية(حسني‪.)214 ،1981 ،‬‬
‫وتبني احلياة الثقافية يف العامل العربي أن االزدواجية اللغوية تفرض نفسها بقوة يف خمتلف مناحي‬
‫احلياة االجتماعية‪ ،‬وضمن هذا الوجود " ما زالت الفصحى تستخدم يف خمتلف مظاهر احلياة األدبية‬
‫والعلمية والرمسية‪ ،‬كما هو احلال يف اإلدارة والقضاء والتعليم اخلطاب السياسي والديين والثقايف؛ فيما‬
‫تستعمل العامية‪ ،‬أو باألحرى العاميات واللهجات‪ ،‬يف خمتلف جتليات احلياة االجتماعية للحياة اليومية‬
‫العادية (بالو‪.)186 ،2000 ،‬‬
‫وهكذا جند أن الفصحى تفرض حضورها الفعلي والرمسي يف خمتلف أوجه احلياة الثقافية يف جمال‬
‫اآلداب والفنون والتعليم والعلوم واإلعالم‪ ،‬ويف املقابل جند العامية حتتكر جمال احلياة اليومية وامتداداتها‬
‫املباشرة وتنافس الفصحى منافسة تتباين قوتها من جمال إىل آخر‪ .‬وال يعين هذا حبال من األحوال أن‬
‫‪-5-‬‬
‫العامية أحرزت قصب السبق وصارت اللغة السائدة‪ .‬فاحلقيقة أن األيديولوجية السائدة ال تزال حتكم على‬
‫العامية بوضع اللغة املضطهدة‪ ،‬وضع لغة من الدرجة الثانية‪ ،‬تتسلل من النافذة وال تدخل من الباب‬
‫(كلفت‪.)2012 ،‬‬
‫وتتميز االزدواجية اللغوية يف اللغة العربية بالعمق والشمول‪ ،‬إذ تأخذ طابعا انفصاميا يهدد اللغة يف‬
‫كليتها‪ ،‬ويف هذا األمر يقول أحد الكتاب واصفا عمق هذا االنفصام بني جناحي اللغة‪ " :‬يصدمنا واقع‬
‫وعمق االزدواجية اللغوية العربية على كل مستوى ويف كل مكان‪ .‬وتتمثل هذه الظاهرة يف هذا الوجود‬
‫املتجاور أو املتزامن أو املتداخل أو املزدوج أو املنشطر بني اللغة املسماة بالعربية الفصحى واللغة أو اللغات‬
‫املسماة بالعامية أو العاميات العربية" (كلفت‪.)2012 ،‬‬
‫والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو‪ :‬إذا كانت ظاهرة االزدواجية اللغويية ظاهرة طبيعية يف مجيع لغات‬
‫العامل فلماذا تأخذ هذه الظاهرة طابعا مرضيا يف اللغة العربية؟ وهذا هو السؤال عينه الذي يطرحه حممد‬
‫راجي الزغلول إذ يقول‪ " :‬إذا كان وضع االزدواجية طبيعيا يف معظم لغات العامل‪ ،‬فلماذا يكون هذا الوضع‬
‫إشكاليا أو عائقا للتقدم يف البلدان العربية؟ " وعلى األثر يقدم الزغلول تصوره حول هذه املسألة فيقول‪:‬‬
‫"باعتقادي أن ذلك يعود لسببني رئيسيني‪ :‬أوهلما ازدياد الفجوة بني العامية والفصحى واللهجات نتيجة‬
‫لعوامل تارخيية حتى أصبحتا وكأنهما لغتان خمتلفتان يف أعني الكثري من الباحثني‪ .‬وثانيهما أنه رغم‬
‫استقالل الدول العربية وتبين اللغة العربية رمسيا وشعبيا‪ ،‬فإن االعتماد على اللغات األجنبية ما زال‬
‫واسعا وممتدا‪(" .‬الزغلول‪ .)78 ،2000 ،‬ويتابع الزغلول يف حتليل العالقة بني العامية والفصحى‬
‫فيقول‪ " :‬إن من أهم مسببات اتساع الفجوة بني العامية والفصحى‪ ،‬بل من أهم أسباب ازدياد العامية‪ ،‬هو‬
‫ارتفاع نسبة األمية يف جمتمع ما‪ ،‬والرقم يف جمتمعاتنا معيب إذ يقارب إن مل يتجاوز ‪ %70‬يف بعض‬
‫الدول‪ ،‬وبعكس ما اشار إليه بعض املستشرقني فإن ارتفاع نسبة األمية هو الذي زاد الفجوة اتساعا بني‬
‫العامية والفصحى‪(" .‬الزغلول‪ .)79 ،2000 ،‬ونعتقد أن الزغلول قد أصاب بعض احلق يف حتليله هذا‪،‬‬
‫ويبقى علينا أن حنلل عددا كبريا من املتغريات واألسباب املتداخلة يف هذه القضية‪.‬‬
‫وقد ترتب فعليا على وجود االزدواجية اللغوية يف العامل العربي والدة ازدواجية يف املوقف الفكري من‬
‫هذه الظاهرة؛ حيث انقسم الباحثون إىل فريقني‪ :‬فريق يرى يف االزدواجية أزمة لغوية وخطرا داهما‬

‫‪-6-‬‬
‫يتحدى اللغة العربية والسيما الفصحى يف وجودها وكيانها‪ ،‬وفريق آخر يرى أن هذه االزدواجية طبيعية‬
‫وهلا ما مياثلها يف مجيع لغات العامل وال خوف منها على اإلطالق‪.‬‬
‫واحلقيقة أننا ال نزال بعيدين عن التوصل إىل تصور ميكن االطمئنان إليه فيما يتعلق بإشكاليات هذه‬
‫االزدواجية‪ .‬وما برح اجلدل حمتدما بني الباحثني العرب يف طبيعة العالقة بني مفهومي الفصحى‬
‫والعامية‪ ،‬والسيما حول تأثري كل منهما يف األخرى سلبا وإجيابا‪ .‬وما زال البحث يف حدود هذه العالقة‬
‫يثري محاسة الباحثني للدرس والفحص والقياس والتعميم‪ .‬واألسئلة اليت تطرح نفسها يف هذه اخلصوص‬
‫كثرية متعددة منها‪ :‬هل تشكل العامية يف امتدادها وتوسعها خطرا حقيقيا على الفصيحة والفصحى؟ هل‬
‫ميكن تفصيح العامية وإثراء الفصحى بعاميتها؟ أم هل ميكن أن تكون العالقة بينهما عالقة تكامل وإثراء؟‬
‫هل ميكن للعامية يف املستقبل أن حتلّ مكان الفصحى وتقصيها؟ أم هل ميكن تقعيد العامية على صورة‬
‫الفصحى وتبنيها لغة وطنية؟ وهذه األسئلة مجيعها تطرح إشكاليات يف تضاريس خمتلفة للعالقة بني‬
‫الفصحى والعامية‪ .‬واملهم يف هذا كله أن الباحثني ما زالوا يف طور دراسة هذه القضية املعقدة الشائكة يدفعه‬
‫طموح كبري إىل إجياد احلدود الفاصلة بني املفهومني وحتديد طبيعة العالقة بينهما على حنو موضوعي‪.‬‬

‫‪ -2‬أيديولوجيا الصراع بني الفصحى والعامية‪:‬‬

‫حيتدم الصراع األيديولوجي بني أنصار الفصحى والعامية يوما بعد يوم‪ ،‬ويأخذ هذا الصراع مداه حتت‬
‫مظلة اهلجوم الذي غالبا ما يتجاوز حدود الطابع العقالني للصراع األيديولوجي‪ .‬ويأخذ هذا اخلالف‬
‫األيديولوجي طابع الصراع الفكري املتوتر بني املقدس والوضعي‪ .‬فأصحاب الفقه اللغوي ذوو التوجهات‬
‫اإلسالمية ينظرون إىل الفصحى بوصفها لغة دينية مقدسة اختارها اهلل ملخاطبة البشر‪ ،‬ويرون أنن هذه اللغة‬
‫بلغت كماهلا املقدس يف القرآن الكريم ويف احلديث النبوي‪ ،‬وينبين على ذلك أن أي حماولة لتطوير اللغة‬
‫والتغيري فيها يعدّ مبثابة التطاول على املقدس اللغوي‪ .‬ومن هذه الزاوية يهاجم أصحاب هذا التيار العامية‬
‫ويرون فيها تهديدا للمقدس اللغوي؛ فاللغة العربية ألصحاب هذا التيار ليست جمرد لغة عادية بل هي‬
‫لغة كونية قدسية إدراكية من حيث املضامني ومن حيث التجليات اإلنسانية‪.‬‬

‫‪-7-‬‬
‫ويتضافر رأي هؤالء املتشددون أصحاب املقدس مع تيار من الفقهاء القوميني الذين يضفون على اللغة‬
‫العربية طابعا قدسيا من منظور اهلوية القومية‪ ،‬فاللغة الفصحى كما ينظرون إهلا تشكل عمق اهلوية‬
‫والوجود‪ ،‬وأي تغيري أو تعديل ميكن أن يشكل خطرا على هذه اهلوية‪ .‬ومن هذا املنطلق يرون بضرورة‬
‫احملافظة على الفصحى بوصفها اللغة اليت متكن ناطقيها من اكتناه العامل والتعبري عن ماهية وجودهم‪.‬‬
‫وعلى خالف هذه الرؤية يرى فريق من الباحثني الوضعيني أن اللغة العربية لغة وضعية ختضع لقوانني‬
‫التطور والتجديد‪ ،‬وهم يعربون عن شكوكهم يف مصداقية الطابع الكوني للغة العربية‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫اعرتافهم يعرتفون بأهمية العربية وتقديرهم لعالقاتها السامية بالدين اإلسالمي‪ ،‬فإنه يصعب عليهم‬
‫االعتقاد باألهمية املطلقة اليت تنسب إليها‪.‬‬
‫ويوجد فريق اغرتابي أو حداثي آخر يرى أن اللغة العربية بأصوهلا الدينية أصبحت لغة جامدة تعاند‬
‫التطور وتناهض التغري وتقف يف وجه اإلبداع العلمي والفكري يف خمتلف أوجه احلياة والعمل‪ .‬وهم من هذا‬
‫املنطلق يرسلون الدعوة إىل تبين اللغة العامية ورفض اللغة الفصحى على حنو كلي ألنها غري صاحلة للعصر‬
‫مبا يتطلبه من نهوض حضاري شامل‪.‬‬
‫ومما ال شك فيه أن الساحة تشهد تيارات معتدلة ترى إمكانية تطوير العامية والفصحى يف اجتاه‬
‫حضاري جديد ميكنهما من تطوير احلالة احلضارية لألمة العربية وتفجري الطاقة اإلبداعية للشعوب‬
‫العربية‪ ،‬فالفصحى جيب أن خترج من دائرة مجودها وحتجرها‪ ،‬والعامية جيب أن تنطلق من أجل‬
‫تقليص املسافة البنيوية بينها وبني الفصحى‪ .‬ويرى أصحاب هذا التيار أن تطوير الفصحى والعامية باجتاه‬
‫التفاعل والتخاصب يشكل منطلقا للنهوض الفكري واإلبداعي يف العامل العربي‪ .‬ويبدو أن أصحاب التيار‬
‫املعتدل أقل أهمية وشأنا يف عملية الصراع الذي حيتدم بني املتشددين الداعني إىل إلغاء العامية وأولئك‬
‫الداعني إىل رفض الفصحى بقضها وقضيضها‪.‬‬
‫ومن البداهة مبكان أن هذا الصراع احملتدم بني أنصار العامية وأنصار الفصحى يفعل فعله يف إبقاء‬
‫حالة اجلمود يف اللغة العربية بصورة عامة‪ .‬فال الفصحى تشهد تغريا وال العامية تلقى قبوال‪ ،‬وتبقى‬
‫الوضعية أشبه حبالة انفصامية انشطارية متنع أي تطور أو تقدم يف مسألة اللغة العربية اليت تشهد حالة‬
‫من الرتدي واالحندار يف خمتلف مستويات الوجود والتفاعل الفكري والثقايف‪.‬‬

‫‪-8-‬‬
‫وشكل هذا اجلمود احلضاري األيديولوجي للغة العربية موضوعا جديدا للمفكرين والباحثني حبثا عن‬
‫خمرج حضاري يضع اللغة العربية يف مسارها احلضاري الصحيح‪.‬‬
‫وقد شكل هذا الفراق األيديولوجي والفكري مقدمة موضوعية يستند إليها كل فريق بالتناوب يف اهلجوم‬
‫على الفصحى تارة وعلى العامية تارة أخرى‪ ،‬فأصحاب النزعة اجلمودية يهامجون العامية وأصحاب‬
‫النزعة الوضعية يهامجون الفصحى‪ .‬فريق يريد أن حيافظ على الفصحى يف حلتها الدينية النقية‪ ،‬وفريق‬
‫يريد تغيري الفصحى باجتاه التجديد والتغيري مبا يتناسب مع معطيات احلضارة والعصر‪.‬‬

‫‪ -3‬اهلجوم على الفصحى ‪:‬‬

‫شكلت الفصحى هدفا كبريا للهجوم والنقد وما زالت تواجه ذلك‪ ،‬وتأرجحت فعاليات هذا اهلجوم بني‬
‫الدعوة إىل إصالحها والدعوة إىل نبذها وإقصائها وإحالل العامية بديال هلا‪ .‬ويالحظ يف هذا السياق أن‬
‫اهلجمة على اللغة العربية الفصحى وإضعافها جاءت بداية بإيعازات استشراقية غربية التوجه استعمارية‬
‫الطابع‪ .‬فالعربية عنوان قوة العرب وعنفوانهم يف جمموعهم القومي‪ ،‬أو يف توزعهم البشري مهما صغرت أو‬
‫كربت اجملموعات البشرية اليت ينتمون إليها‪ .‬واللغة العربية ‪ -‬كما يعلم أهل الفكر واالختصاص ‪ -‬تشكل‬
‫العمق االسرتاتيجي للهوية العربية من وجهة نظر حضارية‪ ،‬وهي القوة احليوية الكربى للتعبري عن هوية‬
‫العرب وانتمائهم احلضاري اإلسالمي‪ .‬وقد أدرك املستعمر الغربي ومن قبله الرتكي هذه احلقيقة‪ ،‬وعلموا‬
‫علم اليقني أن كسر شوكة العرب واهليمنة على مقدرات وجودهم ال يكون إال بتدمري لغتهم عنوان وحدتهم‬
‫وعرين هويتهم ومعني نظرتهم الثقافية إىل الكون والوجود‪.‬‬
‫وميكن لنا يف هذا السياق أن منيز بني ثالثة اجتاهات حنو الفصحى (ابن الرباء‪:)2004 ،‬‬
‫أ‪ -‬اجتاه يرى أصحابه أن الفصحى النموذجية قادرة على الوفاء باحتياجات أبنائها يف خمتلف‬
‫قطاعات احلياة االجتماعية والسياسية‪ ،‬وذلك ملا متتاز به من حيوية ومرونة‪ .‬ويطالب بالتشبث باللغة‬
‫العربية ألنها الضمان الوحيد للحفاظ على اهلوية‪.‬‬
‫ب‪ -‬يرى أصحاب االجتاه الثاني أن دور الفصحى جيب أن يقتصر على أمور الدين واملراسيم‬
‫االجتماعية ألنها ال تستطيع حبكم طبيعتها اجلامدة أن تفي باحتياجات العصر العلمية والتكنولوجية؛‬

‫‪-9-‬‬
‫والسيما يف جمال املصطلحات العلمية‪ .‬ويبالغ أصحاب هذا االجتاه يف موقفهم ضد الفصحى إذ يرون أن‬
‫استخدام الفصحى يف التعليم قد يؤدي إىل قطيعة بني الطالب وحتصيلهم العلمي احلديث وحيرمهم منإتقان‬
‫اللغات األجنبية‪ .‬ويشري أصحاب هذا االجتاه إىل عدم قدرة اللغة العربية على مواكبة التطور السريع للعلوم‬
‫وللمعارف‪ ،‬ويرون أن العربية جتعل الوفاء مبا حيتاجه الطالب واملدرس من مصطلحات أمراً غري ميسور‪،‬‬
‫وهم يغمزون من طرف عدم القدرة على تعريب املصطلحات العلمية نظرا لالختالف بني الباحثني العرب‬
‫وبني األقطار العربية يف عملية تعريب املصطلحات (ابن الرباء‪.)2004 ،‬‬
‫ج‪ -‬يرى أصحاب االجتاه الثالث أن العربية حتتاج إىل التطور والتنظيم والتخطيط‪ ،‬وهي تستطيع‬
‫عندما تطور نفسها أن تليب خمتلف التطلعات العلمية وأن تفي مبختلف احتياجات العصر احلضارية‬
‫والعلمية‪ .‬وهذا املوقف يتضمن كثريا من احلكمة واحلصافة واملوضوعية (ابن الرباء‪.)2004 ،‬‬
‫وقد تركّزت اهلجمات على العربية الفصحى املستعملة يف اجلرائد والرتمجات يف ثالثة حماور‪ :‬الدعوة‬
‫إىل العامية‪ ،‬ثم الدعوة إىل استبدال احلروف العربية من أجل التيسري‪ ،‬والدعوة إىل تيسري قواعد النحو‬
‫والبالغة والبيان‪.‬‬
‫وجيب علينا يف هذا املسار أن منيز بني الدعوة إىل إصالح اللغة العربية وتطويرها وتطوير أدائها وتفجري‬
‫إمكاناتها احلضارية وبني االجتاهات اليت تتجاوز هذه الدعوة إىل إبطال اللغة العربية الفصحى وإقصائها‬
‫وإحالل اللهجات احمللية أو األجنبية مكانها‪ .‬فطه حسني عميد األدب العربي كان قد دعا إىل تطوير‬
‫الفصحى وتطويع قواعدها ملعطيات العصر اجلديد مبتطلباته احلضارية اجلديدة‪ .‬ويف هذا يقول‪ " :‬من احلق‬
‫أن اللغة العربية عسرية‪ ،‬ألن حنوها ما زال قدميا عسريا‪ ،‬وألن كتابتها ما زالت قدمية عسرية‪ ،‬وألن‬
‫مناهجها ما زالت بعيدة عن مالءمة حاجة الصيب وطاقته‪ ،‬وألن معلمها مل يتهيأ بعد ليكون رفيقا بها‬
‫وبالتلميذ‪ ،‬قادرا عليها وعلى التلميذ "(حسني‪.)247 ،1973 ،‬‬
‫فطه حسني يف هذا املوقف يبدو عقالنيا وموضوعيا‪ ،‬وهو يريد خريا باللغة العربية كي تكون أكثر قدرة‬
‫على مواكبة العصر وتفجري الطاقات العربية يف جمال العطاء العلمي والفكري‪ .‬وما زالت الساحة العربية‬
‫تعج بعدد كبري من املفكرين واألدباء والباحثني وفقهاء اللغة الذين يريدون يف حقيقة األمر تطوير اللغة‬
‫العربية دون املساس جبوهرها وقوتها وهويتها وحنوها‪.‬‬

‫‪-10-‬‬
‫لقد أدركت الدول املستعمرة أبعاد هذه القوة احلضارية اهلائلة املكتنزة يف العربية الفصحى‪ ،‬وأدركت‬
‫أيضا أن السيطرة واهليمنة الثقافية والسياسية ال ميكن أن تكتمل ما بقيت اللغة العربية رابطة هوية وثقافة‬
‫ودين وشعور بالقوة واإلرادة‪ ،‬فالعربية الفصحى تشكل يف جوهر األمر الطاقة احليوية للكينونة احلضارية‬
‫العربية‪ ،‬فعمل على تفجري اللغة العربية الفصحى وتفكيك أواصر وجودها‪ ،‬وما انفك منذ بداية القرن‬
‫املاضي يعمل على تفكيك الفصحى وتهديم بنيتها وعزهلا عن متكلميها‪ .‬ومن أجل هذه الغاية فرض‬
‫املستعمر لغته فقام بفرنسة املغرب العربي وفرض اللغة اإلنكليزية يف املشرق العربي واإليطالية يف ليبيا‬
‫مقصيا اللغة العربية‪ ،‬ومبعدا إياها عن خمتلف امليادين الثقافية والفكرية‪ .‬ومن أجل إقصاء اللغة الفصحى‬
‫وكسر شوكتها وتفكيك مقومات وجودها عمل املستعمر على إحياء اللهجات احمللية منطلقا من الزعم‬
‫القائإلن الفصحى العربية لغة كالسيكية قدمية ضعيفة قاصرة عن األخذ بأسباب احلضارة‪ ،‬وإنها فقدت‬
‫مربرات وجودها التارخيي كقوة حضارية وثقافية‪.‬‬
‫يقول الزغلول بهذا الصدد‪ " :‬بعد ثورة ‪ 1919‬يف مصر برزت جمموعة من الكتاب يدعون ملا نسميه‬
‫الفرعونية املصرية‪ ،‬أو اإلقليمية الضيقة‪ .‬ومل يكن االستعمار الربيطاني مشجعا على الفكرة فحسب بل‬
‫متمنيا هلا‪ .‬وقد علق حممد حسني على هذه احلركة بأنها حركة استعمارية انفصالية كان وراءها اإلنكليز‪.‬‬
‫وقد دعت هذه احلركة إىل "مصرنة أو متصري " اللغة والفن واألدب‪ .‬واستعمال العامية املصرية بدال من‬
‫الفصحى‪ .‬ويف هذه الفرتة دعا أمحد لطفي السيد إىل ما أمساه التسامح اللغوي وما قصده بذلك هو إصالح‬
‫الفصحى باستعمال األلفاظ العامية "(الزغلول‪.)72 ،2000 ،‬‬
‫واختذ اهلجوم االستعماري على العربية الفصحى طابعا ثقافيا استشراقيا‪ ،‬حيث هاجم املستشرقون‬
‫الغربيون العربية الفصحى واتهموها بالضعف واالحنالل والتخلف ورموها بعدم قدرتها على مسايرة وجماراة‬
‫احلضارة احلديثة‪ .‬ومن أبرز املستشرقني الذين هامجوا اللغة العربية ميكن اإلشارة إىل املستشرق‬
‫االسكتلندي املعروف إلياس جون جب )‪)Elias John Wilkinson Gibb( (1857–1901‬‬
‫الذي كان له قصب السبق يف إدانته للعربية الفصحى‪ .‬ويف دائرة اهلجوم على العربية يرى "جب" أن‬
‫مشكلة العربية تكمن يف عدم قدرتها على التجاوب مع متطلبات احلضارة املدنية املعاصرة زاعما أن العربية‬
‫غري قادرة على الوفاء حباجات احلياة املدنية يف العلم‪ ،‬والفن‪ ،‬والصناعة‪ ،‬واالقتصاد"(بركات‪،2003 ،‬‬
‫‪ .)114‬وهكذا "اتهم املستشرقون الفصحى بضعف كفايتها العلمية؛ نظرًا لعدم قدرتها على " مسايرة‬
‫‪-11-‬‬
‫التطور العلمي احلديث‪ ،‬حبجة عدم وجود املراجع‪ ،‬والكتب العلمية باللغة العربية‪ ،‬حتى يستطيع كل من‬
‫املعلم‪ ،‬والتلميذ أن يتدارسوها "‪ ،‬كما ادعوا أنها " لغة كالسيكية ال تصلح للحياة العصرية‪ ،‬إنها لغة‬
‫معقدة صعبة‪ ،‬تضيق عن استيعاب العلوم واملبتكرات "‪ ،‬بسبب قلة ألفاظها‪ ،‬ومصطلحاتها‪ .‬فهذه املزاعم‬
‫وتلك االتهامات كانت هي السبب الرئيس يف الدعوة إىل العامية‪ ،‬بدال من الفصحى‪ ،‬واستبدال حروفها‬
‫حبروف أجنبية أخرى" (بركات‪.)114 ،2003 ،‬‬
‫وهناك نزعات للرتكيز على اللغات العامية وفصلها عن الفصحى "وتتماشى هذه الرؤية مع تلفيق لغة‬
‫مستقلة خاصة بهذا القطر أو ذاك‪ ،‬مثل الرتكيز من جانب واحد على "مصرية" ما يسمى بالعامية‬
‫املصرية‪ ،‬مع جتاهل أو حتدِّ أو التقليل من شأن كونها لغة عربية‪ ،‬أو حتى مع االعرتاف بعربية "العامية‬
‫املصرية" مع املبالغة يف حجم املكوِّن املصري أو الفرعوني أو القبطي يف هذه اللغة" (الرخاوي‪.)2003 ،‬‬
‫(‪(1852-( )William Willcocks‬‬ ‫وقد شهدت الفصحى أخطر هجوم على يد املستشرق وليم ولكوكس‬
‫‪ 1932‬مهندس الري اإلجنليزي يف مصر‪ .‬وظهرت مالمح هذا اهلجوم الكبري والصريح عندما ألقى‬
‫ولكوكس حماضرة يف نادي األزبكية مبصر عام ‪١٨٩٣‬يدعو فيها إىل رفض العربية واستبداهلا باللهجة‬
‫العامية املصرية‪ .‬وقد نشر حماضرته املشؤومة هذه يف جملة األزهر بعنوان " ملَ ملْ توجد قوة االخرتاع لدى‬
‫املصريني اآلن؟ "‪ ،‬وزعم ولكوكس يف هذه املقالة أن التأليف باللغة العربية الفصحى يعيق املصريني عن‬
‫االخرتاع واإلبداع‪ ،‬ويرى أن العامية املصرية هي األفضل واألقدر على تنمية ملكة اإلبداع واالبتكار والنهضة‬
‫العلمية‪ ،‬وانطالقا من هذه الرؤية دعا املصريني إىل نبذ الفصحى ورفضها واستخدام العامية بديال هلا‬
‫(بركات‪ .)113 ،2003 ،‬وشدد ولكوكس دعوته عرب جملته اليت مساه (األزهر) إىل عدم استخدام‬
‫الفصحى كلغة أساسية للتعليم يف املدارس ألنها تتناقض مع الفكر احلر لدى الطالب‪ ،‬وال تتجاوب مع‬
‫متطلبات العقل والتفكري النقدي؛ ويف كثري من إشاراته يعلن أن الطالب املصري يبذل جهدا كبريا ضائعا‬
‫لرتمجة ما يقرؤه من الفصحى إىل العامية‪ ،‬وعلى التوالي ترمجة ما يفهمه من العامية إىل الفصحى‪ ،‬عند‬
‫الكتابة مرة أخرى‪ ،‬وعلى هذا األساس اقرتح ولكوكس اعتماد العامية املصرية لغة التعليم والرتبية واحلياة‬
‫العلمية والفكرية على امتداد الديار املصرية‪ ،‬وكان يروج أنه ميكن ملثل هذه التجربة أن حتقق جناحا‬
‫خالل عشر سنوات ميكن خالهلا نشر العامية والتحرر من املعاناة احلضارية اليت تفرضها الفصحى‪.‬‬

‫‪-12-‬‬
‫ومل تقف دعوة ولكوكس عند حدود التوجهات الفكرية املشروعة يف أي قضية من القضايا الفكرية‬
‫والسياسية‪ ،‬بل جتاوز حدود األيديولوجيا إىل املمارسة الفعلية تطبيقا لدعوته نبذ الفصحى وإقصائها‪،‬‬
‫ومتثلت هذه املمارسة يف الوقت الذي أعلن فيه عن مسابقة جائزتها أربعة جنيهات إنكليزية ملن يرتجم‬
‫سورة من القرآن الكريم بالعامية املصرية‪ ،‬ثم جعل نفسه قدوة بأن ترجم جزءاً من اإلجنيل إىل العامية‪.‬‬
‫وسار على طريقة القاضي (سلدن وملور) وآخر أملاني يعمل يف دار الكتب‪ ،‬وحذت حذوهم جملة املقتطف‬
‫عندما كانت تصدر يف بريوت وأسهمت معهم بشيء من االعتدال جملة اهلالل»(اجلهين‪.)2009 ،‬‬
‫وكانت اللغة العربية إحدى القضايا اليت عاجلها اجملتمعون يف لقاء الدول الثماني عام ‪ 2004‬حيث‬
‫خصص هلا املشاركون بندا يتعرض ملسألة حتديث اللغة العربية وقرر اجملتمعون يف هذا اجملال ما يلي‬
‫(بن تنباك‪:)2005 ،‬‬
‫‪ .1‬إن عدم تطوير اللغة العربية وعدم حتررها من أشكاهلا القدمية اليت ظلت عليها منذ قرون‪ ،‬أدَّى‬
‫فعليّاً إىل صعوبة كربى يف استيعاب أهل احلضارات واألديان األخرى هلذه اللغة أو تعلمها أو االقرتاب‬
‫فكرياً ممن يتحدث بها‪.‬‬
‫‪ .2‬إن اإلرهابيني الذين يتحدثون اللغة العربية وتتم ترمجة كلماتهم إىل اإلنكليزية أو الفرنسية ال‬
‫نعرف شعورهم احلقيقي أو الدوافع الكامنة وراء ارتكابهم هلذه األحداث‪ ،‬ألن الرتمجة العربية إىل اللغات‬
‫األخرى يبدو أنها تواجه مشكالت حقيقية حنن غري قادرين على تصنيفها وتبيان أسبابها احلقيقية‪.‬‬
‫‪ .3‬إن العلوم الدولية ال تستطيع أن تعتمد هذه اللغة بسبب تعقد رموزها وصعوبة أشكاهلا يف الوقت‬
‫الذي يستطيع أهل اللغة العربية ومتحدثوها إتقان اللغات املشتقة من اللغة الالتينية مثل اإلنكليزية‬
‫والفرنسية‪.‬‬
‫‪ .4‬العرب يتحدثون اللغات األوروبية مثل أهلها متاماً مما يؤكد سهولة أشكال وحروف الالتينية‬
‫وقدرتها على التأقلم والتطوير حتت أي ظرف‪.‬‬
‫‪ .5‬ندرك أن هناك لغة مشرتكة ميكن أن جتمع كل سكان الكرة األرضية فيما عدا الذين يتحدثون‬
‫باللغة العربية وهو مما جيعل من الصعب بنا التواصل معهم أو معرفة دوافعهم النفسية‪.‬‬

‫‪-13-‬‬
‫‪ .6‬إن صعوبة التقاء اللغة العربية مع اللغة اإلنكليزية كانت الدافع الرئيسي وراء موجة الكره العربي‬
‫ألمريكا وإسرائيل والشعور بالبغض واالنتقام من الذين يتحدثون اإلنكليزية والفرنسية (بن تنباك‪،‬‬
‫‪.)2005‬‬
‫وتشكل هذه التصورات اليت اتفق عليها املؤمترون برهانا قطعيا على أن اللغة العربية تواجه حتديات‬
‫عدوانية من قبل الدول الغربية وأن هذه اللغة مستهدفة يف جوهرها ويف كيانها‪.‬‬
‫ومل يقتصر األمر على اتهام املستشرقني للغة العربية بقصورها وعدم كفايتها العلمية‪ ،‬إذ شهدت الساحة‬
‫الفكرية والدة تيار كبري من املستغربني العرب الداعني إىل نبذ الفصحى ورفضها لغةً للعلم واملعرفة‬
‫والرتبية‪ ،‬وذلك ألنها (حسب زعمهم) لغة قاصرة عاجزة عن أداء دورها احلضاري والتجاوب مع احلداثة‬
‫ومعطيات العصر‪ .‬ويشار يف هذا املضمار إىل حممد حسني هيكل (‪ 1)1956-1888‬بوصفه أكثر‬
‫املفكرين العرب عداوة للعربية الفصحى وأكثرهم محاسة واندفاعا يف الدعوة إىل العامية املصرية حتديدا‬
‫بديال للفصحى( انظر ويكيبديا املوسوعة احلرة اإللكرتونية)‪ .‬لقد رأى هيكل عدم مالءمة الفصحى للحضارة‬
‫احلديثة‪ ،‬وكان يدعو إىل متصري اللغة العربية وأنه جيب على الكتاب أن يستمدوا موادهم الكتابية من‬
‫احلاضر بألفاظه وتراكيبه ومعانيه وليس من املاضي‪ .‬ويقول هيكل بهذا الصدد‪ " :‬واحلق أن اللغة العربية‬
‫على ما خلفتها حضارة العرب كثريًا ما تستعصي على صور هذه احلضارات احلديثة‪ ،‬وليس عليها من‬
‫ذلك ذنب‪ ،‬وليس يف طبيعتها دون الوصول إليه عجز‪ ،‬ذلك بأن اللغة العربية أداة‪ ،‬وإن مل يدم صقلها‬
‫عالها الصدأ‪ ،‬ثم كان فيها تثاقل عن السري املطمئن إىل حيث حيتاج إليها الذهن الفياض مبعان وصور‬
‫جديرة‪ ،‬ولقد يبلغ من صدئها أن يقربها "(بركات‪ .)127-126 ،2003 ،‬وهكذا رأى هيكل أن‬
‫الفصحى ال تتماشى مع احلضارة احلديثة؛ ألنها صارت لغة عاجزة تعاني من الشيخوخة‪ ،‬وصار يعلوها‬
‫الصدأ‪ ،‬وإن مل تنهض بنفسها فستموت وتقرب وهو بهذا يردد نفس فكرةولكوكس"يف ضرورة تطور اللغة‬
‫وجتديدها؛ ألنها حبالتها تلك تعد متخلفة وعائقًا للتقدم(بركات‪.)127-126 ،2003 ،‬‬
‫ومل ينفرد هيكل يف دعوته هذه‪ ،‬إذ شهدت الساحة الفكرية تنامي تيار فكري كبري يدعو إىل رفض‬
‫الفصحى بوصفها عقبة حقيقية يف وجه التطور واحلياة واحلضارة‪ .‬وإىل هذا التيار ينتسب املفكر املصري‬

‫‪ - 1‬ال بد من التمييز بني الصحايف حممد حسنني هيكل وحممد حسني هيكل املشار إليه هنا‪.‬‬
‫‪-14-‬‬
‫يوسف السباعي (‪ )1978-1917‬الذي دعا إىل تبين العامية ورفض الفصحى إذ يقول مهامجا‬
‫الفصحى‪" :‬جيب أن نتحلل من هذه القيود السخيفة‪ ،‬ملاذا كل هذا التعب؟ أألن العرب منذ ألف سنة‬
‫رفعوا هذه ونصبوا تلك‪ .. ..‬ليكن‪ .. ..‬لنحافظ على تراثهم كما هو‪ .. ..‬على أن حنلل لغتنا من أثقاله‬
‫وقيوده‪ ،‬ونقوهلا بأبسط الطرق‪ ،‬لنسكن آخر كل كلمة‪ ،‬ولنبطل التنوين‪ ،‬ولنقل اجلمع بالياء فقط‪ ،‬ولنحرم‬
‫أدوات اجلزم والنصب من سلطاتها‪ ،‬لنتحلل من كل هذا‪ ،‬ولنصرف املمنوع من الصرف‪ ،‬ولنتحدث بلغتنا‬
‫دون خوف من حلن أو خطأ‪ ،‬جيب أن يزول احتكار اللغة بقيودها وقواعدها وحنوها وصرفها‪ ،‬وعلى أية‬
‫حال إن مل حنطمها اآلن فستحطمها األجيال القادمة فلنكن شجعانا ونرحيهم حنن منها " (إبراهيم‪،‬‬
‫‪.)2007‬‬
‫وقد مهد اهلجوم الشديد على الفصحى‪ ،‬واتهامها بالضعف والقصور‪ ،‬للدعوة إىل تبين العامية‬
‫واللهجات احمللية‪ .‬ويف هذه األجواء املعادية للعربية الفصحى تنامت الدعوة إىل التخلي عن العربية‬
‫الفصحى وتبين اللهجات العامية العربية يف كل قطر من أقطار العامل العربي‪ .‬ويؤخذ على املصلح الكبري‬
‫رفاعة الطهطاوي الذي ترك بصماته اإلجيابية على التعريب يف مصر أنه خصص فصال من كتابه «أنوار‬
‫توفيق اجلليل وتوثيق أخبار بنى إمساعيل» للحديث عن اللغة العربية ووجوب إحيائها‪ ،‬لكنه ضمنه دعوة‬
‫إىل استعمال اللهجة العامية ووضع قواعد هلا واالعتناء بها‪ ،‬ورأى أنه ال مانع من أن يكون للعامية قواعد‬
‫قريبة املأخذ تضبطها‪ ،‬وأصول على حسب اإلمكان تربطها‪ ،‬ليتعارفها أهل اإلقليم‪ ،‬حيث نفعها بالنسبة‬
‫إليهم عميم‪ ،‬وكان الطهطاوي أول من أدخل العامية إىل لغة الصحافة وذلك يف صحيفة الوقائع املصرية‬
‫اليت كان يشرف عليها (حسن‪.)2010 ،‬‬
‫ثم بدأت الدعوة إىل تبين العامية تأخذ مداها ويشتد عودها‪ ،‬وبدأ بعض املفكرين يؤلفون بالعامية‬
‫ويعملون على تقعيدها‪ ،‬وضمن هذا التوجه ألف املستشرق األملاني «وهللم سبيتا» ‪ -‬الذي كان مديرا لدار‬
‫الكتب املصرية يف أواخر القرن التاسع عشر‪ -‬كتابا مساه «قواعد اللغة العامية يف مصر» عام ‪ .1880‬وضمن‬
‫هذا الكتاب هجوما ربط فيه بني العربية الفصحى والتخلف‪ ،‬فقال‪ :‬إنه «بالتزام الكتابة بالعربية‬
‫الكالسيكية القدمية ال ميكن أن ينمو أدب حقيقي ويتطور‪ ،‬ألن الطبقة املتعلمة القليلة العدد هي وحدها‬
‫اليت ميكن أن يكون الكتاب يف متناول يدها»‪ .‬ثم يقول‪« :‬ملاذا ال ميكن تغيري هذه احلالة املؤسفة إىل ما هو‬

‫‪-15-‬‬
‫أحسن؟ ببساطة ألن هناك خوفا من تهمة التعدي على حرمة الدين إذا تركنا لغة القرآن تركا كليا (حسن‪،‬‬
‫‪.)2010‬‬
‫وفى نفس االجتاه صبت دعوة املستشرق اإلنكليزي «سلون وملور» ‪ -‬الذي توىل القضاء باحملاكم األهلية‬
‫بالقاهرة إبان االحتالل اإلنكليزى ملصر‪ -‬فأصدر كتابا بعنوان «العربية احمللية يف مصر» يف عام ‪1901‬‬
‫طالب فيه باختاذ العامية املصرية لغة أدبية بدال من الفصحى ووضع قواعد هلا‪ .‬ثم أيد دعوة سابقيه إىل‬
‫كتابتها باألحرف الالتينية‪ ،‬مهددا ــ يف حال عدم االستجابة لدعوته ــ بانقراض لغيت احلديث (العامية)‬
‫واألدب (الفصحى) نتيجة لزيادة االتصال باألمم‪( .‬حسن‪ .)2010 ،‬وكان "وملور" يدعو إىل استخدام‬
‫العامية يف وسائل ألن وسائل اإلعالم أفضل وسيلة إلعطاء العامية مشروعية وجودها وحضورها‪ .‬وكان يرى‬
‫أنه جيب على الصحف أن تتخذ اخلطوة األوىل لتعميم العامية وترويج استخدامها‪ ،‬وعلى هذا النحو فإن‬
‫النشر بالعامية سيؤدي إىل انتشار القراءة والكتابة يف خمتلف أحناء البالد ويف فرتة قصرية نسبيا‪ .‬وتزعم‬
‫عبد العزيز فهمي عضو جممع اللغة العربية الدعوة إىل العامية بديال للفصحى‪ ،‬فقدم إىل جممع اللغة‬
‫العربيّة ففي القاهرة يف عام ‪ 1943‬مشروعا تغريبيا يدعو فيه إىل «استبدال احلروف العربية باحلروف‬
‫الالتينية»‪ .‬وملا رفض تبنى «سالمة موسى» هذه الدعوة واصفا عملية تبين احلروف الالتينية بأنها "وثبة‬
‫املستقبل" وأن احلروف الالتينية ستكون مصدر إهلام حضاري وحداثي (حسن‪.)2010 ،‬‬
‫وفيلبنان تبنى الدعوة نفسها الشاعر سعيد عقل‪ ،‬الذي هاجم اللغة العربية بأصوهلا الدينية‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬
‫«إن من أراد لغة القرآن فليذهب إىل أرض القرآن (حسن‪ .)2010 ،‬وقد أنشأ عقل أول مطبعة لكتابة‬
‫احملكية اللبنانية باحلروف الالتينية مع إضافة بعض احلروف إليها‪ .‬ويف هذه املطبعة بالذات قام عقل‬
‫بطبع جمموعة من كتبه ودواوينه الشعرية‪ ،‬كما أصدر صحيفة يومية باللغة عينها (خري اهلل‪،2005 ،‬‬
‫‪.)54‬‬
‫ووجدت دعوة عقل صداها لدى «أنيس فرحية»‪ ،‬الذي كان من أبرز دعاة العامية واحلروف الالتينية‬
‫يف لبنان‪ .‬وكان فرحية يف دعوته هذه يعرتض على اعتماد اللغة العربية كلغة للجيل احلاضر‪ ،‬وكان يرى‬
‫أن الذين استنبطوا قواعد العربية وضبطوا أحكامها اعتمدوا الشعر اجلاهلي أوال ثم القرآن الكريم مادة‬
‫لغوية‪ .‬وهو يعرتض على ذلك بقوله‪":‬متى كانت لغة الشعر ولغة األدب والدين مرآة تعكس لغة الناس فى‬
‫معاشهم ومكاسبهم»؟ !(حسن‪.)2010 ،‬‬
‫‪-16-‬‬
‫وظهرت عدد من الكتب اليت عملت على النيل من العربية الفصحى وأهمها‪:‬‬
‫‪ -‬كتاب " لغة بريوت العامية" للمستشرق إمانويل مانسني‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب " لغة مراكش العامية وقواعدها" البن سحيل‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب " قواعد العامية الشرقية واملغربية" للمستشرق كوسان دويرسغال‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب " عامية دمشق" للمستشرق براغسرتاس‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب " قواعد العربية العامية يف مصر " للمستشرق األملاني وهللم بيتا‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب " قواعد اللهجة اللبنانية السورية " لرفائيل خنلة‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب " قواعد العربية العامية يف مصر " للمستشرق األملاني وهللم بيتا‪.‬‬
‫كما أُلفت العديد من املصنفات يف منطقة اخلليج العربي لتخدم الغرض عينه وخباصة بعد اكتشاف‬
‫النفط‪( .‬خري اهلل‪.)53 ،2005 ،‬‬
‫ومل يقتصر اهلجوم على اللغة العربية على ما رميت به من ضعف يف بنيتها وأدائها وفقدان قدرتها على‬
‫مواكبة العصر‪ ،‬بل تعرضت لنوع آخر من اهلجوم أكثر خطورة وتدمريا يرميها يف صميم جوهرها وتكوينها‪،‬‬
‫حيث اتهمت بأنها لغة دينية مغسولة الدماغ غري قادرة على استلهام احلضارة اإلنسانية‪ .‬ويظهر هذا‬
‫اهلجوم يف مقالة لعبد الرمحن عبد اهلادي بعنوان (الذهنية العربية‪ :‬منظور لغوي) شن فيها هجوما على‬
‫الفصحى يف صميم وجودها وهويتها وماهيتها احلضارية فيقول‪:‬‬
‫" فإن عدنا إىل اللغة العربية اليت هي أداة مشكلة ومتشكلة مثلها مثل اإلنسان العربي‪ ،‬لوجدنا أنها‬
‫أداة "مغسولة الدماغ" عاشت يف خمزون التبديد عدة قرون‪ ،‬فاللغة العربية انتشرت وسادت يف ظل سيطرة‬
‫دينية‪ ،‬وامتلكت سطوة إميانية جاهزة املفردات‪ ،‬مكتملة الصياغات ثابتة الدالالت عند حاجز علوي متسام‬
‫ال ميكن اخلوض يف أو التساؤل عنده‪ ،‬أي إننا نستطيع القول بأنها تشكلت يف إطار املطلق اليقيين‬
‫املتعالي‪ ،‬وبالتالي أخذت كما هي‪ ،‬ويتم تعليمها كما هي باملناهج نفسها منذ أكثر من عشرة قرون‪،‬‬
‫وتستطيع أن تفتح كتب اللغة العربية من االبتدائي إىل اجلامعة‪ ،‬لتجد أنها مل تتغري منذ مئات السنني‪،‬‬
‫املناهج نفسها والتعبريات نفسها‪ ،‬والنصوص نفسها‪ ،‬الروح نفسها وكأن العامل واقف مل يربح مظلة قريش‬
‫قبل اهلجرة وبعد اهلجرة‪ ،‬وهي حالة مذهلة قلما جند هلا نظريا يف أي لغة أخرى يف العامل‪ ،‬وقد أوحى‬
‫لنا هذا مبالحظة كثرة الشعراء يف وطننا العربي وغلبتهم على كل جماالت اإلبداع املختلفة‪ ،‬علمية وأدبية‪،‬‬
‫‪-17-‬‬
‫وكأنهم يكررون حالة العري القديم ساكن الصحراء املتغين مبجده التليد‪ ،‬أو كأن الشاعر اجلاهلي القديم‬
‫نفسه انبعث من جديد فمأل صحفنا ضجيجا وأوراقنا طبـاعةً ونشرا"(عبد اهلادي‪.)17 ،1993 ،‬‬
‫ويتابع عبد الرمحن عبد اهلادي هجومه على العربية متهما إياها بأنها لغة جمردة غري واقعية غري‬
‫قادرة على حتقيق فعل التواصل اإلبداعي الفلسفي فيقول‪ " :‬علينا أن نكشف الغطاء عن "البنية املفهومية"‬
‫العربية‪ ،‬فندعي أنها بنية "نظرية جتريدية" أكثر منها بنية "عملية"‪ ،‬وطابع اإلبداع فيها طابع كالمي‬
‫وليس طابعا علميا ملموسا يصل إىل حد الكالم اجملرد الذي يشبه لغة اجلنون باملعنى النفسي‪ ،‬أي توليد‬
‫ألفاظ من ألفاظ وصيغ‪ ،‬من ألفاظ وصيغ أخرى متتد ومتتد لتفرق ملة عن أخرى‪ ،‬وفرقة عن فرقة‪ ،‬ويكفي‬
‫أن تطلع على نصوص مذهبية لفرق مثل الباطنية أو املعتزلة أو األشاعرة وحتى الظاهرية والغزالية‪ ،‬لتدرك‬
‫أن العمل الفكري الذي متّ قام كليا على عمليات ذهنية وعلى حجج منطقية "( عبد اهلادي‪،1993 ،‬‬
‫‪ .)22‬فاإلعجاز العربي " العربي إعجاز لفظي‪ ،‬فالعربي ال يرى يف طلوع اإلنسان إىل القمر معجزة‪ ،‬بل‬
‫أحيانا ما جند بعض الناس ينكرها‪ ،‬والعربي ال يرى اهلاتف والتلفاز والسيارة والقطار والطائرة والصناعة‪،‬‬
‫أو أي أداة جلبها العلم احلديث(عبد اهلادي‪ .)25 ،1993 ،‬ويف هذا السياق يقول أبو علي ياسني‬
‫مؤكدا على الطابع النظري اللفظي للغة العربية وطابعها املطلق‪" :‬اجلملة العربية هي إما مجلة امسية أو‬
‫مجلة فعلية‪ ،‬أما اجلملة األوروبية فهي دائما مجلة فعلية‪ ،‬اجلملة االمسية توحي بإطالقية ال نلحظها يف‬
‫اجلملة الفعلية‪ ،‬ألن الفعل مرتهن بالزمان؛ هي بصورة ما سلوكية ال تعرب عن حدث بل عن حالة وعن‬
‫دميومة ظاهرية‪-‬مهما قصرت واقعيا‪ -‬ويقول أيضا "تبدأ اجلملة العربية الفعلية بالفعل يف حني تبدؤها‬
‫اللغات األوروبية عادة بالفاعل‪ ،‬هذا يعين أن العرب يهتمون أوال بالفعل ثم ينظرون إىل الفاعل (عبد‬
‫اهلادي‪.)21 ،1993 ،‬‬
‫ومن جديد يعود عبد اهلادي للتأكيد على الطابع النصي املقدس للغة العربية‪ ،‬فريى أن الفعل‬
‫احلضاري ّمت جتميده باملقدس النصي الذي سطا على الفكر والتفكري السائد حتى اآلن‪ .‬وتأسيسا على هذه‬
‫الرؤية ينادي عبد الرمحن باالبتعاد عن األصول اللغوية خللق دالالت جديدة لأللفاظ يوسع ويعمق مساحة‬
‫احلرية العقلية لإلنسان‪ ،‬ألن هذه املساحة نفسها تولد األلفاظ اجلديدة والدالالت اجلديدة‪ ،‬وهي بذاتها‪-‬‬
‫كتعبري عن هذه احلرية–توسع دائرتها ومداها كيفيا وكميا يف الوقت نفسه (عبد اهلادي‪.)19 ،1993 ،‬‬
‫ومن الواضح أن عبد الرمحن ينطلق من وجهة نظر حداثية يرى فيها أن تشبعات اللغة باملاضي والتيارات‬
‫‪-18-‬‬
‫السلفية اجلامدة قد أضعفت اللغة وجعلتها خارج مسارها احلضاري‪ .‬وال حنسب يف نهاية األمر إال أن نرى‬
‫يف آراء عبد الرمحن مقدمة رمبا للتفكري فيما علق باللغة العربية من شوائب املاضي وإجياد املخرج احليوي‬
‫من أجل تطوير األداء احلضاري للغة العربية‪.‬‬
‫وإىل هذا املذهب يذهب خلدون النقيب يف الكويت إذ يعلن قلقا منهجيا حول أوضاع اللغة العربية‬
‫ويوجه أصابع االتهام إىل طريق تدريس اللغة وبنيتها القواعدية اجلامدة فيقول متسائال‪" :‬بأي لغة يتم‬
‫توصيل املعلومات للطلبة؟ وهل تواكب اللغة العربية بوصفها لغة التواصل االجتماعي تطور اجملتمع وتطور‬
‫احلياة االجتماعية؟" ويف معرض تناوله هلذه املسألة يرى النقيب أن اللغة املستعملة يف التدريس تبقي يف‬
‫حدود املدرسة‪ ،‬وال تستعمل يف احلياة اليومية‪ ،‬وليس هلا صلة بالواقع املعاش‪ ،‬وإذا ما أردت التفكري‬
‫والكتابة بها البد أن ختضع عملييت التفكري والكتابة إىل مرجعية لغوية تعود إىل أكثر من اثين عشر قرنا‪،‬‬
‫والنص إذا مل يشكل سواء كان شعرا أو نثرا وجدت نفسك عرضة للحن واخلطأ يف فهم املعين‪ .‬فلم تكن‬
‫مشكلة طالبات األستاذ محام يف فيلم (غزل البنات) القدرة على القراءة وإمنا تتمثل يف عدم القدرة على‬
‫تشكيل الكالم ألنه غري موجود يف النص" (النقيب‪.)18 ،2002 ،‬‬
‫ثم يقرتح النقيب حال بقوله‪ ":‬وليس من حل هلذه املشكل الرتبوي إال يف جتاوز األطر الرتاثية‬
‫احلديدية اليت تقيد اللغة العربية إىل منطلقات رحبة من املعاني املستوردة من التجربة املتجددة‪ ،‬اليت‬
‫تعيننا على حتدي النخبة املهيمنة‪ ،‬سواء كانت حاكمة أو تراثية أو املكونة من النحاة التقليدين‪ ،‬ويف‬
‫حتدي القوالب املستجدة للسيطرة والرقابة على املفردات اللغوية يف لغة امليديا والقوالب املنطقية لوسائل‬
‫اإلعالم ولغة اآلالت والصور املتخيلة اليت تبثها األقمار الصناعية‪ .‬وكأن اجلنس البشري خيرج من العتمة‬
‫ليدخل كهف أفالطون الذي ال تُرى فيه األشياء احلقيقية ألنها جمرد خياالت يعكسها الضوء على جدران‬
‫الكهف األسطوري"‪.‬‬
‫وكذلك ينتسب رأي النقيب إىل االجتاهات النقدية يف التعاطي مع اللغة العربية الفصحى‪ ،‬حيث جند‬
‫توجها مركزيا يهدف إىل إخراج اللغة العربية من صومعتها التارخيية الكالسيكية والرتحيب بها قوة‬
‫حضارية جديدة لتمارس دورا حداثيا مميزا يف حياة العرب املعاصرة‪.‬‬

‫‪-19-‬‬
‫‪ -4‬اهلجوم على العامية‪:‬‬

‫غالبا ما صورت العامية بأنها آفة لغوية تهدد اللغة وتدمر مقومات وجودها‪ .‬وإىل هذا األمر ذهب بعض‬
‫املفكرين يف اعتقادهم أن العامية أعشاب ضارة يف حقل اللغة‪ ،‬وأنه جيب على املعنيني باللغة اجتثاث هذه‬
‫األعشاب وتطهري احلقل اللغوي من مسومها وأضرارها‪ .‬ومن هذه الزاوية واجهت العامية موجة عدائية‬
‫كبرية تصدرها عدد من فرسان الكالم الذين قللوا من شأنها وانتقصوا من قيمتها وخبسوها حقها‪ .‬ويف هذا‬
‫املقام يورد الزغلول عددا من التوصيفات السلبية ضد العامية فيقول‪ " :‬وقد وصفت العامية بأقذع األلفاظ من‬
‫قبل األدباء والكتاب العرب‪ ،‬فهي "مصاحبة للجهل والسوقية"‪ ،‬كما قال زكي عبد امللك‪ ،‬و" لغة‬
‫السكارى واخلدم‪ . ..‬فوضوية وال قواعد هلا"‪ ،‬كما يقول مازن مبارك‪ " ،‬عالمة للجهل واألمربيالية "‪ ،‬كما‬
‫يقول علي ناصيف‪ " ،‬ال تستحق أن تسمى لغة‪ ،‬وال تالئم أهداف احلياة الثقافية كما يقول طه حسني‪" ،‬‬
‫ينشرها وحيبذها األميون" كما يقول مصطفى فهمي(الزغلول‪.)62 ،2000 ،‬‬

‫‪ -5‬ضرورة العامية‪:‬‬

‫وعلى خالف هذا التصور ينفرد عدد آخر من الباحثني بالقول بضرورة العامية وأهميتها ضمن حدود‬
‫احلقل الذي متارس فيه‪ ،‬وإىل هذه الفئة من املفكرين ينتمي الباحث اللغوي حييى الرخاوي الذي يقول‪:‬‬
‫"أما اللغة (اللغات) العامية فهي لغة ال شك يف ذلك‪ ،‬وهي لغة قادرة ومبدعة وفاعلة‪ ،‬وال يوجد ما ينقص‬
‫من أحقيتها يف ذلك‪ ،‬هلذا ال ينبغي إغفاهلا أو تهميشها‪ ،‬وإال كنا نفتعل مسرية ضد طبيعة التطور‪ ،‬وضد‬
‫حركية اللغة‪ ،‬وضد فرص اإلبداع‪ ،‬كما أن ما يسمّى "املعرفة احلكائية" إمنا يستلهم كثريا من مصادره من‬
‫لغة الناس يف احلياة اآلنية‪ ،‬أو فيما يرتتب عليه من تراكم عرب التاريخ يف شكل أمثال أو عادات‪ ،‬سواء‬
‫ظهر ذلك يف الفعل اليومي‪ ،‬أو يف اإلبداع املعريف أو غريه‪ ،‬كل ما يف األمر أن هذه اللغات (اللهجات)‬
‫العامية ال ينبغي‪ ،‬وال تقدر‪ ،‬أن حتل حمل العربية الفصحى‪ ،‬وإمنا هي تستطيع وينبغي أن جتاورها‬
‫وتتحاور معها وتثريها وتكملها" (الرخاوي‪.)2003 ،‬‬

‫‪-20-‬‬
‫‪-6‬متى تشكل العامية تهديدا للفصحى ؟‬

‫يرى بعض املفكرين القوميني واإلسالميني أن وجود العامية وانتشارها الواسع يهدد وجود اللغة‬
‫الفصحى ويقوض أركانها‪ ،‬وهذا بدوره يؤدي إىل تقويض اللغة يف صورتها الكلية‪ .‬وغالبا ما ينظر أصحاب‬
‫هذا االجتاه القومي اإلسالمي إىل "العامية" أو "العاميات" العربية على أنها خطر كبري يهدد األمة العربية‬
‫ككيان ثقايف‪ .‬وينطلق أصحاب هذا االجتاه من عصبية التمجيد املطلق للفصحى بوصفها لغة الدين واهلوية‬
‫القومية‪.‬‬
‫ويربط بعض الباحثني رؤيتهم لالزدواجية اللغوية مبدى انتشار العامية وبطبيعة التوازن الذي جيب أن‬
‫يكون بني اللغتني‪ ،‬فاللغة العامية " خطرية جدا إذا تُرك هلا العنان لتسود وتقود" (القرضاوي‪.)2004 ،‬‬
‫وهذا يعين أن خطر العامية يكون يف جوهر األمر عندما تتخطى احلدود واحلواجز الطبيعية لدورها‬
‫ووظيفتها احليوية وعندما تتوغل يف املناطق احليوية للفصحى كالتعليم واإلعالم ويف جمال املراسيم والطقوس‬
‫العلمية واألدبية ووسائل اإلعالم‪ ،‬ويف هذه احلالة فإنها تشكل تهديدا حقيقيا‪ ،‬ليس للغة الفصحى‬
‫فحسب‪ ،‬وإمنا للغة العربية يف صورتها الكلية‪.‬‬
‫وتكمن اخلطورة النامجة عن التوسع الكبري للعامية على حساب الفصحى يف احلسابات اليت تنجم عن‬
‫هذه الوضعية‪ .‬فعندما تأخذ العامية مكان الفصحى فإن كل هلجة كما يقول الضبيب‪ ":‬سوف تتحول مع‬
‫مرور الزمن إىل لغة كما حدث عند أمم أخرى‪ .‬ويف هذه احلالة تصبح كل بيئة هلجية كياناً مستقالً عن‬
‫البيئات األخرى‪ ،‬له لغته اليت ال تفهم يف البيئات األخرى‪ ،‬وال خيفى ما يف ذلك من خطر على وحدة‬
‫األمة‪ .‬كما أن هذه اللهجات إذا ما استقلت فسوف يكون هلا أدبها ولغتها الرمسية اليت تبتعد بها عن لغة‬
‫الرتاث العربي اإلسالمي املكتوب بالعربية الفصحى‪ .‬ويف ذلك انقطاع عن اإلرث احلضاري والتارخيي هلذه‬
‫األمة"( اجلهين‪.)2009 ،‬‬
‫ويف هذا االجتاه يذهب اجلهين بقوله‪ " :‬تبقى العامية أقل خطراً إذا بقيت يف حدود لغة الشارع (إن‬
‫صح التعبري)‪ ،‬لكنها تصبح خطراً حمدقاً مبستقبل الفصحى عندما تصبح مكتوبة أو مذاعة عرب وسائل‬
‫اإلعالم املختلفة‪ ،‬وهو األمر الذي بُلينا به حتى يف صحفنا احمللية هنا يف اجلزيرة العربية مهد الفصحى‬
‫ومنشؤها! (اجلنهي‪.)2009 ،‬‬
‫‪-21-‬‬
‫ويرى معظم الدارسني هلذه القضية أن اخلطر يكمن يف حدود املسافة الفاصلة بني شعبيت العامية‬
‫والفصحى‪ .‬فاملسافة بني العامية والفصحى يف اللغات األجنبية غالبا ما تتصف باالعتدال فيما يتعلق بالبنية‬
‫والرتاكيب والقواعد ونظام الداللة‪ ،‬ويف هذه املعادلة من التوازن تكون العامية ظال للفصحى وال يوجد مثة‬
‫تهديد للغة املعنية‪ .‬وهذه هي احلالة اليت يرصدها الباحثون يف اللغة اإلنكليزية والفرنسية‪.‬‬
‫ويف هذا األمر يقول خليل كلفت " إن املسافة بني الفصحى والعامية‪ ،‬إنْ جاز القول‪ ،‬يف اإلجنليزية‬
‫أقصر مبا ال يقاس منها فيما بني الفصحى والعامية يف العربية‪ .‬ففي اإلجنليزية يسود النسق اللغوي‪-‬‬
‫النحوي الواحد‪ ،‬وبالتالي االنسجام اللغوي‪ ،‬ووحدة اللغة بصرف النظر عن اختالفات اللهجات‬
‫ومستويات االستخدام‪ ،‬على حني يوجد يف قلب اللغة العربية نسقان حنويان متعارضان متاما‪ ،‬مرحلتان‬
‫حنويتان يف تطور اللغات‪ ،‬وهذا هو الفارق الكيفي الذي خيلق ظاهرة االزدواج اللغوي عندنا" (كلفت‪،‬‬
‫‪ .)2012‬وهنا تكمن اإلشكالية الكربى لعملية الصراع بني العامية والفصحى‪ ،‬ويف هذا الوضعية تكون‬
‫العامية خطرا على الفصحى كما هي خطر على اللغة برمتها‪ .‬وذلك ناجم عن حدّة التناقض واملسافة‬
‫املتباعدة بينهما‪.‬‬

‫‪ -7‬التضافر بني العامية والفصحى‪:‬‬

‫أخذت مسألة االزدواجية اللغوية طابعا أيديولوجيا وشكلت مادة خصبة للصراع األيديولوجي بني‬
‫فريقني‪ :‬أحدهما يدعو إىل نبذ الفصحى وتبين العامية‪ ،‬واآلخر يدعو إىل تبين الفصحى وحماربة العامية‪.‬‬
‫وبني هذه الفريقني ظهرت دعوات إىل عقلنة العالقة بني العامية والفصحى وحتديد مالمح وطبيعة العالقة‬
‫الوظيفية القائمة بينهما‪ .‬ولكل فريق من هذه الفرق الثالثة أسبابه ومنطلقاته الفكرية واأليديولوجية اليت ال‬
‫ختفى على أصحاب العلم واملعرفة‪.‬‬
‫ومما ال شك فيه أن الفريق الذي يدعو إىل حماربة الفصحى يتبنى نسقا فكريا تغريبيا معاديا للفكرة‬
‫القومية ونزعاتها العروبية‪ .‬أما أصحاب الفريق الذي يدعو إىل تبين الفصحى ونبذ العامية فيؤسسون‬
‫لرؤيتهم من منطلق قومي أو إسالمي يعظم الفصحى وينحو إليها بوصفها قوة حضارية عربية أو إسالمية‪.‬‬

‫‪-22-‬‬
‫أما أصحاب االعتدال فغالبا ما يشكلون فئة من هؤالء الذين اختذوا العقالنية واملوضوعية منهجا أيديولوجيا‬
‫هلم يف احلياة والفكر دون أن يغلبوا الطابع األيديولوجي على منظورهم اللغوي‪.‬‬
‫وهكذا جند أنصارا للفصحى ال حييدون عنها‪ ،‬وأنصارا للعامية ال يقبلون بغريها‪ ،‬وبني هذين‬
‫االجتاهني جند بعض املفكرين الذي يرون بضرورة احلضور االزدواجي للفصحى والعامية على أن تكون كل‬
‫منهما يف جماهلا الطبيعي انطالقا من التسليم يف كل األحوال بأن االزدواج طبيعي بني الفصحى والعامية‬
‫وأن أحدهما ال يستقيم بغري اآلخر‪.‬‬
‫هذا ويعلن كثري من املفكرين ضرورة حتقيق التوازن واالنسجام اللغوي بني العامية والفصحى؛ ألن هذا‬
‫التوازن اخلالق يشكل طاقة كربى يف جتاوز االنشطارات الفكرية ويف حتقيق االنسيابية اللسانية خارج‬
‫دائرة التوتر والصراع األيديولوجي بني االجتاهات املتصلبة‪ .‬وهذا يعين أنه ال بد من سيادة النسق اللغوي‬
‫الواحد‪ ،‬وهذا عامل غائب يف حالة العرب واللغة العربية على مرّ القرون بسبب االزدواج اللغوي الطويل‬
‫األمد‪ ،‬الذي جعل االستثناء قاعدة‪ ،‬والذي يصل اآلن‪ ،‬يف العصر احلديث‪ ،‬إىل أقصى درجات التفاقم‬
‫واالستفحال واخلطورة‪ .‬وضمن هذا السياق فإن العامية ال تشكل خطرا على الفصحى عندما تتم عقلنة هذه‬
‫العالقة يف نسق إجيابي منظم‪ ،‬فالعالقة املتوازنة بني شقي اللغة ميكن أن تكون منطلقا إلثراء اللغة‬
‫الفصحى وتأصيل قدرتها احلضارية‪ .‬والعامية وفقا هلذا التصور ال تضري الفصحى وال تنتقص من قيمتها أو‬
‫أهميتها ووظيفتها‪ .‬ومن الالفت أن املركز العربي للتعريب يف اجلزائر يتبنى هذا التوجه‪ ،‬إذ يرى القائمون‬
‫على املركز أنه "ال يوجد تنافر بني اللغة العاملة الفصيحة وبني اللغات العامية الشعبية اليت متثل عامل‬
‫إثراء وغنى‪ ،‬إذا عرف اللغويون وعلماء النحو والبيان كيف يستثمرون هذه املادة اخلام إلدخاهلا يف النسيج‬
‫احلي للغة"(املركز العربي للتعريب والرتمجة والتأليف والنشر‪ .)23 ،2010‬فالعاميات املتداولة يف جمتمعاتنا‬
‫جيب أن نهذبها ونقاربها ال كظاهرة مرضية جيب القضاء عليها‪ ،‬ولكن كواقع ميكن االرتقاء به‪ ،‬من‬
‫خالل تقريب العربية وحتبيبها للناشئة وللناس بواسطة برامج مدروسة (املركز العربي للتعريب والرتمجة‬
‫والتأليف والنشر‪ .)24 ،2010 ،‬وبناء على هذه الرؤية جيب أن تقوم العالقة بني العامية والفصحى على‬
‫التوازن والتكامل والتفاعل‪ ،‬فالعامية ترفد الفصحى والفصحى تغتين بالعامية وتستلهم مصادرها‪ ،‬وكذلك‬
‫فإن العامية تتوازن بنيويا ومتنح أصالتها من الفصحى‪ .‬وهذه العالقة غالبا ما تشكل عالقة توازن خالق بني‬
‫املستويني‪ ،‬وقد أدت تارخييا إىل نوع من التخاصب اللغوي الذي لطاملا أمثر وأغنى اللغة يف مشوهلا‪ .‬وعلى‬
‫‪-23-‬‬
‫هذا األساس يدعو كثري من الباحثني اليوم إىل وضع كل واحدة منهما (العربية والفصحى) يف إطارها‬
‫الصحيح يف حياتنا‪ ،‬وذلك عن طريق تنظيم العالقة بهما حبيث ال تطغى أي واحدة منهما على األخرى‪،‬‬
‫أو تأخذ مكانها السيادي يف حياتنا‪.‬‬
‫ويف دائرة التخاصب بني العامية والفصحى يرى بعض املفكرين أنه ميكن تعميم الفصحى بتفصيح العامة‬
‫أو تفصيح العامية بتعميم الفصحى‪ .‬وهذا يعين العمل على االرتقاء باللغة العامية وتقعيدها على منوال‬
‫الفصحى أو إغراق العامية بقوة الفصحى إىل احلد الذي تتطابقان فيه من حيث اجلمال والقوة والقدرة‪.‬‬
‫ويبني أهل العلم والفصاحة أنه إذا تعرضت العالقة بني الفصحى والعامية للخلل‪ ،‬فإن ذلك قد يؤدي‬
‫إىل خلل يف بنية اللغة ككل‪ ،‬وهو ما قد يؤدي إىل طغيان العامية واحنسار الفصحى‪ .‬وهذا الطغيان يؤدي‬
‫إىل تدمري اللغة ذاتها وضياع مكونات هويتها ووجودها‪ .‬وغالبا ما تكون هذه العالقة نتاجا حيّا لطبيعة‬
‫التخلف الثقايف واالجتماعي الذي يعانيه جمتمع ما بعينه‪.‬‬
‫وتبني الدراسات اجلارية اليوم أن الفارق بني العامية والفصحى جيب أال يكون شديد االتساع والعمق‬
‫يف احلالة الطبيعية‪ ،‬وجيب أال يكون ذاك التباين بني املستويني حائال دون الفهم‪ .‬وعندما يصل الفرق بني‬
‫العامية والفصحى إىل حد امتناع الفهم بني أبناء األمة الواحدة فهذا يعين حالة مرضية‪ ،‬وأن اللغة قد‬
‫تعاني حالة احنسار وتراجع رمبا يصل إىل حدّ االنقراض‪ .‬وضمن هذه املقاربة يالحظ الباحثون اللغويون أن‬
‫الفارق بني اللهجات اإلنكليزية وبني اللغة اإلنكليزية الفصيحة‪ ،‬مثالً‪ ،‬هو فارق ضئيل جداً ال حيول دون‬
‫الفهم‪ ،‬على حني أن الفارق بني اللغة العربية الفصحى وهلجاتها فارق كبري جداً‪.‬‬
‫ويف هذا املقام يبني لنا علي القامسي يف حبث له حول احنسار اللغة العربية وتراجعها أن اللغات‬
‫األجنبية اعتمدت سياسات حكيمة من أجل احملافظة على لغاتها من تغوّل العامية‪ ،‬وتقوم " هذه‬
‫السياسات على استخدام اللغة الفصيحة املشرتكة يف التعليم واإلعالم واإلدارة والتجارة ومجيع جماالت‬
‫احلياة‪ ،‬فيعتاد املواطنون على مساعها وقراءتها‪ ،‬ويتمكنون منها وتقرتب لغتهم الدارجة من اللغة‬
‫الفصيحة"(القامسي‪ .)2007 ،‬فاللغة العربية الفصيحة نتاج حضاري تشكل عرب فعاليات حضارية ممتدة‬
‫لقرون خلت‪ ،‬وهي تشكل عصارة تطور تارخيي ثقايف مجالي‪ ،‬وإنه ملن اجلنون مبكان أن يتخلى العرب‬
‫عن لغتهم اليت متيزت بعنفوانها ورقيها عرب التاريخ واالنتكاس إىل وضعية لسانية تفتقر إىل مقومات اللغة‬
‫السليمة فكريا ومجاليا ومعرفيا‪ .‬فاللغة العامية لن تفي بأغراض الفصحى أبدا‪ ،‬وحتتاج فيما لو تطورت إىل‬
‫‪-24-‬‬
‫قرون مديدة من الزمن لتصل إىل ما حققه صنوها الفصيح من حضارة لسانية‪ .‬ومن هنا فإن تفصيح العامية‬
‫وتطويرها يف ضوء الفصحى ووفقا جلمالياتها النحوية واألدبية خري وسيلة لتطوير اللغة العربية واالرتقاء بها‬
‫وبقدرتها على التجاوب مع معطيات الواقع والعصر واحلضارة‪ .‬وقد أدرك الرخاوي هذه احلقيقة عندما‬
‫قال‪" :‬إن ما ينبغي علينا أن نبذل فيه قصارى اجلهد هو العمل على حتديث اجلاهز واملمكن والعام‪ ،‬لعلّنا‬
‫نلحق بالركب‪ ،‬بدال من اجلدل حول جتهيز الفروع الوليدة (اللهجات العامية) اليت قد جند مربرا‬
‫مستقبليا لتجهيزها مبا يناسب فيما بعد"(الرخاوي‪ .)2003 ،‬من املؤكد أن اجلاهز واملمكن واملتطور الذي‬
‫يقصده الرخاوي هو اللغة العربية الفصحى‪ ،‬وأن العامية جيب أن تبقى يف رعاية األصل الفصيح‪ ،‬وعلى‬
‫الفصيح أن يهتدي بواقع احلياة الذي ميثل عصب اللغة العامية أو احملكية اليت جيب أن تشكل معينه‬
‫يف رحلة البحث عن اهلوية والفكر واحلضارة‪.‬‬

‫خامتة‪:‬‬

‫ال بد للغة العربية أن ختلع رداءها املقدس كي ترى الشمس وتالمس اهلواء وختتمر يف بوتقة الواقع مبا‬
‫ينطوي عليه من خصوبة فكر وثراء حياة‪ .‬وجيب على العامية أيضا أن خترج من أوكارها ومن ظالم األرض‬
‫لتكون على موعد مع الفصحى يف ضوء الشمس وحرارة احلياة‪ .‬فقدر اللغة العربية أن تطري وترفرف‬
‫جبناحيها يف ميادين املعرفة‪ ،‬ثم حتلق يف ضوء الشمس وعلى جناح الرياح كقوة حضارية تدفع بالثقافة‬
‫العربية إىل قدر النهضة واملعرفة العلمية وأحضان املستقبل العربي الواعد‪.‬‬
‫اللغة العربية كيان حي متطور متدفق جيب أن تعارك احلياة‪ ،‬وأن تعرتك فيها قوة نهضوية حقيقية‬
‫ألهلها وأبنائها‪ .‬وجيب على أهل اللغة العربية إخراج الفصحى من صومعة التاريخ ومن متاحف الزمن‬
‫املغلقة‪ .‬وعلى أبناء األمة أن ينفضوا عنها غبار الزمن املاضي‪ ،‬وحيرروها من صدأ التقديس واحلرمان‪.‬‬
‫فاللغة ال تكون قوية يف غري املغامرة اللسانية اليت تدفع بها إىل التدفق اإلبداعي اخلالق‪ .‬وكنا يقول املثل‪:‬‬
‫البحر اهلادئ ال يصنع حبارا ماهرا‪ .‬وتلك هي حال العربية حتتاج إىل املغامرة يف عصر ال يعرف إال‬
‫ومضات التغري والتجديد والتبدل‪.‬‬
‫وقد حان الوقت الذي ييجب فيه على الباحثني العرب أن يغمدوا سيوفهم ويضعوا أسنتهم‬
‫األيديولوجية‪ ،‬وأن يفكروا بعيدا عن صولة األيديولوجيا وذهنية الفحولة والصراع‪ .‬وعليهم أيضا أن حيطموا‬
‫‪-25-‬‬
‫أصنامهم األيديولوجية ويكسروا ذهنية االنكسار حتت وقع األيديولوجيات العقيمة‪ .‬فاللغة العربية –‬
‫حاهلا كحال الثقافة ‪ -‬حتتاج إىل رؤية عقالنية موضوعية متحررة من أثقال املاضي بنماذجه املطلقة املغلقة‪.‬‬
‫فاللغة حياة وعراك وصراع‪ ،‬وسنن احلياة تستوجب التغري والتجدد‪ ،‬وما ال يتجدد يذوي وميوت ويتالشى‬
‫حتى وإن كانت اللغة العربية لغة الدين واإلميان واهلوية‪.‬‬
‫حان الزمن لكي نأخذ مبعطيات الواقع وحنرتم متغرياته ونأخذ بأسباب النظرة العلمية إىل التاريخ‬
‫والثقافة واحلضارة‪ .‬فاللغة العربية حتتاج إىل حركة جتديد‪ ،‬والعامية إىل تطوير‪ .‬واجلميع يدرك اليوم أن‬
‫تقليص املسافة بني الفصحى والعامية يشكل ضرورة حضارية ال مندوحة عنها أبدا‪ .‬فاحلل ليس يف اهلجوم‬
‫والتعنت واملغالبة والصراع‪ ،‬بل يف رؤية علمية عقالنية عن طبيعة اللغة ومشكالتها‪ .‬وهنا جيب علينا أن‬
‫نأخذ بتاريخ تطور اللغات والتجارب العاملية يف انتشارها والبحث يف عناصر قوتها وعظمتها‪.‬‬
‫وإنين لعلى يقني أن كل أشكال اهلجوم على الفصحى تارة‪ ،‬والعامية تارة أخرى‪ ،‬مل تكن ولن تكون‬
‫سوى تداعيات وقت ضائع على دروب اإلصالح اللساني‪ ،‬وحان الوقت لتعويض ما فات من زمن التغرب‬
‫والتهتك والصراع الذي يدل على عقم حضاري يتميز بعمقه ومشوله‪ .‬وعلينا قبل أن نهاجم دعاة العامية أن‬
‫ننظر يف أسبابهم املوضوعية‪ ،‬وأن نتفهمها كذلك‪ ،‬وعلينا أال نغض الطرف عن الظروف والعوامل اليت‬
‫جعلت من دعاة الفصحى يقعون يف دائرة التمجيد والتقديس لنماذجها التارخيية القدمية‪ .‬فاللغة صناعة‬
‫إبداعية‪ ،‬والشعوب هي اليت تصنع اللسان‪ ،‬ومن ينظر يف أصول التكوينات اللسانية للغةاإلنكليزية سيجد‬
‫أنها أكثر التكوينات هجانة‪ ،‬ومع ذلك فاللغة اإلنكليزية تلتهم العامل بقوتها وطاقتها وانتشارها‬
‫واتساعها‪ .،‬وهذا ليس ملزايا يف اللغة اإلنكليزية ذاتها بل ألن أهلها أصابوا التقدم العلمي ونالوا كل ضروب‬
‫القوة االقتصادية والعسكرية‪.‬‬
‫إن الضعف اللغوي الذي تشهده العربية اليوم ناجم عن ضعف يف قوة العرب ويف إمكاناتهم التارخيية‪.‬‬
‫ومن ثم فإن احنسار العربية وتراجعها مؤشر على تراجع الفعالية احلضارية للعرب‪ .‬ولن تكون اللغة‬
‫العربية قوية أبدا ما مل جتد القوة أسبابها يف حياتهم االقتصادية واالجتماعية‪ .‬ولو كان العرب أقوياء‬
‫لبلغت العربية أبراج السماء يف مستوى حضارتها وتقدمها‪.‬‬

‫‪-26-‬‬
‫نعم نريد القول مع القائلني إن العربية حتتاج اليوم إىل إصالح شامل خيرجها من دوائر مجودها‬
‫وانغالقها‪ ،‬حتتاج إىل إصالح حيطم جدران املمانعة ضد التجديد واالبتكار‪ .‬وهكذا فعل اإلنكليز واألمريكان‬
‫الذي طوروا لغتهم وطوعوها ملتطلبات العصر واحلداثة فكان من شأنها ما كان من قوة وانطالق وعزمية‪.‬‬
‫حنتاج اليوم إىل إصالح تربوي تتقاطع فيه السياسة مع االقتصاد‪ ،‬والثقافة مع املعرفة العلمية واحلاضر‬
‫مع املاضي من أجل إخراج اللغة العربية من عوامل انتكاستها وضعفها ومخوهلا‪ .‬وجيب علينا يف هذا‬
‫اإلصالح أن نستفيد من كل التجارب العاملية القدمية واجلديدة ومنها التجربة اليهودية يف إحياء العربية‬
‫اليت أصبحت لغة علم ومعرفة بني عشية وضحاها‪ ،‬وعلينا ايضا أن نضح الدماء اجلديدة يف اجلسد العمالق‬
‫للغة العربية لتكون شاهدا على العصر وفاعال فيه ومنتجا للمعرفة العلمية يف إطار نهضة فكرية وثقافية‬
‫شاملة‪.‬‬
‫ليس العيب يف لغتنا بل العيب والضعف يف أهلها الذين هجروا البحث العلمي وغادروا حمراب‬
‫احلضارة الفكرية منذ أمد بعيد‪ .‬والعيب كامن يف صراعاتنا اليت تبدو خمجلة وسخيفة‪ ،‬ويف‬
‫أنساقنا اآليديولوجية القاتلة كما هو العيب يف مترتسنا وراء حدود املاضي والنماذج القدمية اليت ال‬
‫ميكنها أن توفر أمنا أو استقرارا‪ ،‬أو تقدم لنا حصانة يف زمن الومضات والتموجات احلضارية اليت‬
‫تهتك النماذج وتدك احلصون‪.‬‬

‫‪-27-‬‬
‫مراجع الدراسة‬

‫‪:‬‬ ‫إبراهيم‪ ،‬أمحد عاشور (‪ِ .)2007‬لسَانٌ عَ َربِيٌّ ُّم ِبنيٌ‪..‬الفصحى والعامية‪ ،‬منتديات شبكة الساهر‬ ‫‪.1‬‬
‫‪.http://www.al-saher.net/vb/al-saher59910.html‬‬
‫بركات‪ ،‬مصطفى علي السيد (‪ .)2003‬اجتاهات أعضاء هيئة التدريس جبامعة املنوفية حنو تعريب تعليم‬ ‫‪.2‬‬
‫العلوم والتقنية كمدخل ملواجهة التحديات املعاصرة‪ :‬العوملة وتهديد اهلوية القومية – دراسة ميدانية‪،‬‬
‫مقدمة ملؤمتر العلمي اخلامس عشر(مناهج التعليم واإلعداد للحياة املعاصرة) ‪ -‬مصر‪ ،‬مج ‪)2003( 2‬‬
‫(صص ‪.)610 – 578‬‬
‫بركات‪ ،‬هاني حممد يونس (‪ .)2003‬االستشراق والرتبية‪ ،‬عمان‪ :‬دار الفكر للطباعة والنشر‬ ‫‪.3‬‬
‫والتوزيع‪.‬‬
‫بالو‪ ،‬جاشوا (‪ .)2000‬نشأة االزدواجية اللغوية يف العربية‪ :‬دراسة يف أصول اللهجات العربية‬ ‫‪.4‬‬
‫احلديثة‪ ،‬يف دراسات يف تأريخ اللغة العربية‪ ،‬ترمجة محزة بن قبالن املزيين‪ ،‬الرياض‪ :‬دار الفيصل‪،‬‬
‫(صص ‪.( 260 -185‬‬
‫بن الرباء‪ ،‬حييى (‪ .)2004‬اللغة واهلوية وآفاق التنمية‪ ،‬سلطنة عمان‪ :‬جملة التسامح‪ ،‬العدد ‪.5‬‬ ‫‪.5‬‬
‫بن تنباك‪ ،‬مرزوق بن صنيتان(‪ .)2005‬اللغة العربية يف القرن احلادي والعشرين‪ ،‬يف املؤسسات‬ ‫‪.6‬‬
‫التعليمية يف اململكة العربية السعودية‪ ،‬الواقع والتحديات واستشراف املستقبل‪ ،‬حماضرة ألقيت يف‬
‫جامعة امللك سعود‪ ،‬قسم اللغة العربية بتاريخ ‪ 17‬مايو‪/‬أيار ‪. 2005‬‬
‫اجلهين‪ ،‬حممد فاحل (‪ .)2009‬اللغـة العربيـة‪ :‬عقـبات حمـلية فـي طـريـق العـامليـة‪ ،‬جملة املعرفة‪ ،‬العدد‬ ‫‪.7‬‬
‫‪ ،65‬سبتمرب ‪ /‬أيلول‪،: http://www.almarefh.org‬‬
‫حسن‪ ،‬عزت (‪ .)2010‬هل الفصحى ضد التقدم؟‪ ..‬العامية تغزو ساحات كانت مقصورة على الفصحى‪،‬‬ ‫‪.8‬‬
‫شبكة منتديات الوطن املوريتانية ‪:‬‬
‫‪.http://www.alwatanrim.net/vb/showthread.php?t=7424.‬‬
‫حسني‪ ،‬طه (‪ .)1973‬مستقبل الثقافة يف مصر‪ ،‬بريوت دار الكتاب اللبناني‪ ،‬اجمللد التاسع‪ ،‬األعمال‬ ‫‪.9‬‬
‫الكاملة‪ .‬ص ‪. 247‬‬
‫‪ .10‬حسني‪ ،‬حممد حممد (‪ .)1981‬فقه اللغة بني األصالة والتغريب‪ ،‬جملة كلية اللغة العربية بالرياض‪،‬‬
‫عدد ‪.11‬‬

‫‪-28-‬‬
‫‪ .11‬خري اهلل‪ ،‬أسامة (‪ .)2005‬يف اهلجمة على لغتنا العربية اجلميلة‪ ،‬جملة حوار العرب‪ ،‬س‪ ،1‬ع ‪ ،5‬ابريل‬
‫نيسان‪( ،2005 ،‬صص ‪.)54 -53‬‬
‫‪ .12‬الرخاوي‪ ،‬حييى (‪ .)2003‬اللغـة العربيـة وتشكيـل الوعـي القومـي‪ ،‬شبكة العلوم النفسية العربية ‪:‬‬
‫‪http://www.arabpsynet.com/Archives/VP/VP.Rakkaoui.ArabLangag‬‬
‫‪e.htm‬‬
‫‪ .13‬الزغلول‪ ،‬حممد راجي ( ‪ )2000‬ازداوجية اللغة‪ :‬طبيعتها ومشكالتها يف سياق التعليم‪ ،‬ضمن‬
‫جمموعة مؤلفني‪ )2000( :‬اللغة والتعليم‪ -‬الكتاب السنوي الثاني ‪ -‬بريوت‪ :‬اهليئة اللبنانية للعلوم‬
‫الرتبوية‪.‬‬
‫‪ .14‬الزغلول‪ ،‬حممد راجحي (‪ .)1980‬ازدواجية اللغة‪ ،‬جملة جممع اللغة العربية األردني‪ ،‬العددان ‪،10/9‬‬
‫آب‪ /‬كانون األول ‪.‬‬
‫‪ .15‬عبد اهلادي‪ ،‬عبد الرمحن (‪ .)1993‬الذهنية العربية‪ :‬منظور لغوي‪ ،‬دراسات عربية‪ ،‬عدد ‪،4/3‬‬
‫كانون الثاني‪/‬شباط‪ ،‬صص(‪.)30 -11‬‬
‫‪ .16‬عبيد‪ ،‬عبد اللطيف وسويسي‪ ،‬رضا (‪ .)1995‬طرائق وأساليب تدريس اللغة العربية يف مرحلة التعليم‬
‫الثانوي يف الوطن العربي‪ ،‬تونس‪ :‬املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم ‪.‬‬
‫‪ .17‬القامسي‪ ،‬علي (‪ .)2007‬انقراض اللغة العربية خالل القَرن احلالي‪ ،‬الشركاء‪ ،‬مارس ‪ /‬آذار‪:‬‬
‫‪http://www.voltairenet.org/article145997.html‬‬
‫‪ .18‬القرضاوي‪ ،‬يوسف (‪ )2004‬اللغة العربية دين وهوية ولغة ( برنامج الشريعة واحلياة ‪ -‬قناة اجلزيرة‬
‫) مقدم احللقة‪ :‬ماهر عبد اهلل تاريخ احللقة‪. 2004/ 04/ 04 :‬‬
‫‪ .19‬كلفت‪ ،‬خليل (‪ .)2012‬االزدواج يف اللغة العربية بني الفصحى والعامية‪ ،‬احلوار املتمدن‪ ،‬العدد‪:‬‬
‫‪/: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=3055044/29 ،3712‬‬
‫‪ .20‬النقيب‪ ،‬خلدون حسن (‪ .)2002‬آراء يف فقه التخلف‪ :‬العرب والغرب يف عصر العوملة‪ ،‬بريوت‪ :‬دار‬
‫الساقي‪.‬‬

‫‪-29-‬‬

‫‪View publication stats‬‬

You might also like