You are on page 1of 19

‫سلسلة دراسات وأبحاث‬

‫التعدد اللغوي بالمغرب وسؤال التنمية‬


‫**********‬
‫ذ‪ .‬جمال والزين‬
‫التأهيل‪ ،‬وباحث يف اللسانيات‪.‬‬
‫ي‬ ‫أستاذ اللغة العربية بالسلك الثانوي‬
‫مارس‪2020-‬‬

‫تعت بالضورة عن توجهات المركز‬ ‫ر‬


‫ون لمركز معارف ال ر‬
‫اآلراء الواردة يف الموقع االلكت ي‬

‫‪1‬‬
‫تقديم‪:‬‬
‫الحديث عن عالقة اللغة بالتنمية ينقلنا من مجال اللسانيات الوصفية التي تعنى باللغة‬
‫باعتبارها نسقا رمزيا‪ ،‬إىل مجال اللسانيات االجتامعية التي تعنى باللغة يف عالقتها باملجتمع‪.‬‬
‫وإذا كاد الباحثون يجمعون عىل أنه ال تنمية بدون لغة وطنية موحدة‪ ،‬فإن مثة إشكاال يواجه هاته‬
‫القناعة الراسخة‪ ،‬ويتمثل يف ظاهرة التعدد اللغوي التي تجتاح األوضاع اللغوية‪.‬‬
‫يعد التعدد اللغوي ظاهرة لسانية ال يكاد يسلم منها أي وضع لغوي يف أي بلد‪ ،‬وال يشكل‬
‫املغرب استثناء من هذه القاعدة‪ ،‬فالوضع اللغوي باملغرب يشهد تعددا يعكس التعدد الثقايف‬
‫ملكوناته‪ ،‬والتي امتزجت تاريخيا لتحدد سامت الشخصية املغربية املتفردة‪ .‬وقد احتدم النقاش‬
‫حول املسألة اللغوية وقضية التعدد بشكل كبري مع اإلصالحات الدستورية التي حملتها رياح‬
‫الربيع الدميقراطي‪ ،‬وحملت معها أيضا تغيريا يف عدد من املفاهيم منها مفهوم اللغة الوطنية‪.‬‬
‫وقد كان من نتائج هذا الحراك أن انتقلت املسألة اللغوية من حالة األحادية إىل حالة التعددية مع‬
‫ترسيم اللغة األمازيغية يف دستور ‪.2011‬‬
‫وعىل الرغم من أهمية دسرتة األمازيغية‪ ،‬إال أن النقاش اللغوي باملغرب ال يزال مفتقدا‬
‫لرؤية اسرتاتيجية نظرا لهيمنة الهاجسني اإليديولوجي والسيايس‪ ،‬وتراجع املعالجة العلمية‬
‫األكادميية‪ ،‬وغياب مقاربة شمولية للمسألة اللغوية‪ ،‬ناهيك عن تغول لوبيات الفرنكفونية التي‬
‫تريد التمكني للغة أجنبية عىل حساب اللغتني الوطنيتني‪.‬‬
‫وقد استأثر التعدد اللغوي باهتامم الباحثني يف مختلف الحقول املعرفية‪ ،‬وأصبح قضية‬
‫مركزية عند بعضهم ملا له من آثار إيجابية أو سلبية عىل وترية التنمية؛ فقد يكون وسيلة ملواكبة‬
‫التقدم العلمي الذي يشهده العرص‪ ،‬وقد يكون سببا يف التخلف عن الركب الحضاري‪.‬‬
‫يف ظل هذا الوضع القائم‪ ،‬تحاول هاته الورقة مقاربة قضية التعدد اللغوي وعالقته بالتنمية؛ من‬
‫خالل إشكاالت نصوغها كاآليت‪:‬‬
‫ـ ما العالقة بني التعدد اللغوي والتنمية؟‬
‫ـ هل التعدد اللغوي عامل مساعد عىل تحقيق التنمية أم عائق يحول دون تحققها؟‬
‫ـ وكيف ميكن تدبري مسألة التعدد اللغوي باملغرب بعيدا عن التقاطب الهويايت‪ ،‬ليكون عامل‬
‫ثراء‪ ،‬وعنرصا مساهام بفعالية يف قاطرة التنمية وليس معول هدم؟‬

‫‪2‬‬
‫تلكم إشكاالت وأخرى سنقاربها من خالل املحاور التالية‪:‬‬
‫‪1‬ـ التعدد اللغوي‪ :‬محاولة لضبط املفهوم‪.‬‬
‫‪2‬ـ التنمية‪ :‬املفهوم ورشوط التحقق‪.‬‬
‫‪3‬ـ التعدد اللغوي والتنمية‪ :‬أية عالقة؟‬
‫‪4‬ـ من أجل تدبري أفضل للتعدد اللغوي باملغرب‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪1‬ـ التعدد اللغوي‪ :‬محاولة لضبط املفهوم‪.‬‬
‫التعدد اللغوي أو تعدد اللغات هو املقابل العريب للفظ األجنبي ‪ .Plurilinguisme‬ويشري‬
‫هذا املفهوم يف األدبيات اللسانية عموما إىل استعامل أكرث من لغة يف وضعيات تواصلية‬
‫مختلفة‪ .‬وتخص هاته الوضعيات أفرادا أو جامعات‪ .‬وبهذا املعنى يعرفه جون ديبوا بقوله‪:‬‬
‫"عندما تجتمع أكرث من لغة يف مجتمع واحد‪ ،‬أو عند فرد واحد ليستخدمها يف مختلف أنواع‬
‫التواصل"‪ .1‬إنه بتعبري آخر الوضع اللغوي لشخص ما أو لجامعة برشية معينة تتقن لغتني أو أكرث‪.2‬‬
‫وقد يتسع مفهوم التعدد اللغوي ليشمل مجاالت أخرى؛ فنتحدث عن شخص متعدد اللغات‪ ،‬أو‬
‫مؤسسة متعددة اللغات‪ ،‬أو بلد متعدد اللغات‪ ،‬أو معجم متعدد اللغات‪ ...‬يقول عيل القاسمي‪:‬‬
‫"ميكن تعريف التعدد اللغوي بأنه (استعامل أكرث من لسان واحد) أي استعامل أكرث من لغة‬
‫واحدة‪ ،‬سواء كان هذا االستعامل يتعلق بالشخص‪ ،‬أو مؤسسة‪ ،‬أو نظام تعليمي‪ ،‬أو قطر من‬
‫األقطار‪ ،‬أو معجم‪ ،‬أو ما شابه ذلك‪ .‬فنقول‪ :‬شخص متعدد اللغة‪ ،‬أو بلد متعدد اللغة‪ ،‬أو معجم‬
‫متعدد اللغة (مع مالحظة أن اللغات التي تفرق بني بني املثنى والجمع تطلق (تعدد اللغة) عىل‬
‫استعامل أكرث من لغتني"‪ ،3‬لكن الذي يعنينا تحديدا يف هذه الدراسة هو التعدد اللغوي املتصل‬
‫ببلد ما‪ ،‬أو ما يصطلح عليه بالتعدد الرسمي‪ ،‬والذي تكون فيه للدولة سلطة ترسيم أكرث من لغة‬
‫وطنية يف دستورها‪ ،‬فنكون حينها أمام دولة متعددة اللغات‪ .‬واملثال املشهور كام يورد ذلك ديبوا‬
‫هو "دولة سويرسا حيث الفرنسية واإليطالية واألملانية هي لغات رسمية بها"‪.4‬‬
‫والتعدد اللغوي ظاهرة مشرتكة ال يكاد يخلو منها وضع لغوي عىل اإلطالق‪ .5‬ويفرتض ـ‬
‫أي التعدد اللغوي ـ وجود لغات تتعايش فيام بينها‪ ،‬لكن هذا ال يعني عدم تفاوتها يف الكفاءة‬
‫واالستعامل‪ .‬لهذا يرى الباحث املغريب محمد األوراغي أن التعدد اللغوي "يصدق عىل الوضعية‬
‫اللسانية املتميزة بتعايش لغات وطنية متباينة يف بلد واحد إما عىل سبيل التساوي إذا كانت‬
‫جميعها لغات عاملة كاألملانية والفرنسية واإليطالية يف الجمهورية السويرسية‪ ،‬وإما عىل سبيل‬

‫‪1‬‬ ‫‪Jean Dubois et autres, Dictionnaire de linguistique, Paris, Larousse, 1973, p 368.‬‬
‫‪ 2‬ميشال زكريا‪ ،‬قضايا ألسنة تطبيقية‪ :‬دراسات لغوية اجتماعية نفسية مع مقارنة تراثية‪ ،‬ص‪ ،35:‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬دار‬
‫للماليين‪ ،‬ط‪.1993 ،1‬‬
‫‪ 3‬علي القاسمي‪" ،‬التعدد اللغوي والتنمية البشرية" على الرابط االلكتروني‪:‬‬
‫‪http://revue.ummto.dz/index.php/pla/article/viewFile/831/671‬‬
‫‪4 J. Dubois et autres, p 368‬‬

‫‪ 5‬باستثناء إيسلندة التي يعتبرها البعض االستثناء الوحيد الذي يؤكد القاعدة‪ ،‬فجميع األقطار تضم جماعات لغوية مختلفة ما‬
‫يؤدي إلى التعدد اللغوي في كل قطر‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫التفاضل إذا تواجدت لغات عاملة كالعربية بجانب عامية مثل الهوسا والغورناشمة والسوناي‬
‫زراما والتامشيق والفولفودة والتوبو يف جمهورية النيجر"‪.1‬‬
‫ويزاحم التعدد اللغوي ‪ Plurilinguisme‬يف الداللة عىل الوضع اللغوي غري األحادي‪،‬‬
‫مصطلحان آخران هام‪ :‬االزدواجية اللغوية ‪ Diglossie‬والثنائية اللغوية ‪ .Bilinguisme‬وتستعمل‬
‫هاته املصطلحات الثالثة حتى لدى املختصني يف ما يشبه الرتادف‪ ،‬ويرى أحد الباحثني أن‬
‫التمييز بينها ال يضيف جديدا للقارئ العريب خاصة‪ ،‬ألن الوضع االزدواجي العريب تتعايش فيه‬
‫هاته املفاهيم الثالثة يف الوقت نفسه‪ .‬فإذا كان التمييز بينها ممكن نظريا‪ ،‬فإنه عمليا ليس باألمر‬
‫الهني‪.2‬‬
‫لقد تداخل مصطلحا االزدواجية والثنائية يف استعامل الباحثني تداخال كبريا‪" ،‬وأطلق‬
‫مصطلح االزدواجية عىل الثنائية والثنائية عىل االزدواجية‪ .‬ونشأ عن هذا االختالط خلط يف‬
‫املفهومني‪ ،‬واختالف واضح بشأن مكونات كل منهام"‪ .3‬ويعزى ذلك حسب مارتينه إىل أن‬
‫حدود هاته املصطلحات غري واضحة املعامل بحكم أنها ظواهر ال تهم علامء اللغة وحدهم‪ ،‬بل‬
‫يشرتك فيها كثري من العلامء عىل اختالف تخصصاتهم‪ .4‬كام يعزى هذا االضطراب يف تحديد‬
‫مفهومي االزدواجية والثنائية يف البيئة العربية إىل اختالف مصادر الرتجمة بني فرنسية وإنجليزية‪،‬‬
‫"وقد أطلق عىل هذين التنوعني اللغويني‪ ،‬ازدواجية اللغة ‪ Diglossia‬وثنائية اللغة ‪. Bilingualism‬‬
‫وعند ترجمة هذين املصطلحني نجد أنهام يحمالن نفس املعنى‪ ،‬فمصطلح ‪ Diglossia‬يتكون‬
‫من سابقة ‪ Di‬معناها مثنى أو ثنايئ أو مضاعف‪ ،‬و‪ Gloss‬ومعناها لغة‪ ،‬والحقة ‪ ia‬للحالة‪ ،‬فحاصل‬
‫الرتجمة‪ :‬صفة أو حالة لغة مثناة أو مضاعفة (الثنائية اللغوية)‪ ،‬واملصطلح ‪ Bilingualism‬يتكون‬
‫من سابقة التنية ‪ Bi‬معناها مثنى أو مضاعف‪ ،‬و ‪ Lingual‬لغوي‪ ،‬والالحقة ‪ ism‬الدالة عىل‬
‫السلوك املميز أو الحالة أو الصفة‪ ،‬فحاصل الرتجمة سلوك لغوي مثنى أو مضاعف (الثنائية‬
‫اللغوية)‪ .‬فيظهر للوهلة األوىل أن املصطلحني يدالن عىل معنى واحد هو لغتان‪ .‬إال أن الحقيقة‬
‫غري ذلك‪ ،‬فاملصطلحان غري متطابقني‪ ،‬بل يدل كل منهام عىل معنى مغاير ملا يدل عليه اآلخر"‪.5‬‬

‫‪ 1‬محمد األوراغي‪ ،‬التعدد اللغوي وانعكاسه على النسيج االجتماعي‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة البيضاء‪ ،‬منشورات كلية‬
‫اآلداب بالرباط‪ ،‬ط‪ ،2002 ،1‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 2‬الحبيب النصراوي‪ ،‬في االزدواجية اللغوية والهوية العربية‪ ،‬مجلة اإلذاعات العربية‪ ،‬ع ‪( ،2013/3‬عدد خاص عن‬
‫وسائل اإلعالم واللغة العربية‪ :‬مخاطر التحريف‪ ..‬والعولمة)‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 3‬عباس المصري وعماد أبو الحسن‪ ،‬االزدواجية اللغوية في اللغة العربية‪ ،‬مجلة المجمع‪ ،‬ع ‪ ،2014 /8‬ص ‪.40‬‬
‫‪ 4‬ابراهيم كايد محمود‪ ،‬العربية الفصحى بين االزدواجية اللغوية والثنائية اللغوية‪ ،‬المجلة العلمية لجامعة الملك فيصل‬
‫(العلوم اإلنسانية واإلدارية)‪ ،‬مجلد ‪ ،1‬ع‪ ،3‬ذو الحجة ‪ /1422‬مارس ‪ ،2002‬ص ‪.59‬‬
‫‪ 5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪5‬‬
‫ويوظف مصطلح االزدواجية اللغوية يف اللسانيات االجتامعية لوصف األوضاع اللغوية‬
‫املشابهة للوضع اللغوي املزدوج الذي مرت به اليونانية‪ .1‬فقد أطلقه الباحث الفرنيس وليام‬
‫ماريس ‪ Wiluam Marçais‬سنة ‪ 1930‬عىل الوضع اللساين يف الجزائر يف كتاب سامه‬
‫"االزدواجية اللغوية العربية" » ‪ « Diglossie arabe‬حدد فيه االزدواجية اللغوية بحالة لغوية‬
‫يتعايش فيها نظامان لغويان يف مجتمع واحد‪ ،‬فيؤديان وظائف تواصلية مختلفة‪ .‬وهو ما ميكن أن‬
‫نعرب عنه يف جميع اللغات بوجود لغة مشرتكة‪ ،‬وقد تسمى فصيحة أو رسمية‪ ،‬ولغة خاصة‪ ،‬وقد‬
‫تسمى لهجة أو عامية‪ ،‬فينتج عن ذلك مستويني لغويني‪ :‬واحد رفيع واآلخر وضيع‪.2‬‬
‫وأخذ مفهوم االزدواجية اللغوية مع الباحث األمرييك شارل فريجسون معنى التقابل بني‬
‫رضبني من االستعامل اللغوي لدى جامعة لغوية واحدة‪ ،‬ترفع منزلة أحدهام فيصبح لغة للكتابة‬
‫والتعليم‪ ،‬ويعترب معيارا‪ ،‬وال يستعمل يف الخطاب إال مع الخاصة‪ ،‬وتحط منزلة اآلخر‪ ،‬فيظل لغة‬
‫للخطاب عند العامة‪ .3‬وبذلك نكون أمام مستويني اثنني للسان الواحد؛ أحدهام فصيح واآلخر‬
‫عامي‪ ،‬وتسند إىل كل منهام وظيفة اجتامعية ال يؤديها اآلخر‪ .‬فاالزدواجية بهذا املعنى عند‬
‫فرجيسون مبثابة تنافس بني تنوعني لغويني للغة واحدة‪ ،‬ولكل منهام وضع خاص من حيث‬
‫االستعامل داخل املجتمع‪.‬‬
‫ومل يسلم مصطلح الثنائية اللغوية هو أيضا من اضطراب يف حده؛ فقد عدهام البعض‬
‫مبعنى واحد‪ .‬وذهب فيشامن حني وسع مفهوم االزدواج اللغوي إىل اتخاذ االستعامل معيارا‬
‫للتفريق بينهام؛ فقد عد املصطلحني وجهان لعملة واحدة‪ ،‬وال فرق بينهام إال من حيث‬
‫االستعامل فقط عىل مستوى الفرد واملجتمع‪ .‬يقول‪":‬ثنائية اللغة صفة مميزة للترصف اللغوي‬
‫عىل املستوى الفردي‪ ،‬أما ازدواجية اللغة فإنها خاصية من خصائص التنظيم اللغوي عىل مستوى‬
‫املجتمع‪ ،‬ثنائية اللغة هي سمة االستخدام اللغوي من قبل األفراد‪ ،‬بينام ازدواجية اللغة وصف‬
‫لتخصيص املجتمع لوظائف معينة للغات أو لهجات مختلفة"‪ .4‬فالثنائية بهذا املعنى نشاط‬
‫فردي‪ ،‬بينام االزدواجية تتعلق بنشاط الجامعة اللسانية ككل‪.‬‬
‫يتضح إذن أن ملفهوم الثنائية كام هو الحال بالنسبة لالزدواجية تعقدا وأحيانا غموضا نشري‬
‫إليه بتعدد الوجوه التي ميكن أن يرد عليها يف الدراسات اللسانية االجتامعية‪ ،‬ومنها أن الثنائية‬

‫‪ 1‬كانت اليونانية تستخدم مصطلح ‪ Diglossia‬للتمييز بين اللغة اليونانية النقية المعروفة ب (كاثاريفوسا)‬
‫(‪ )Katharévousa‬وما ينافسها من استعماالت شعبية تسمى (ديموطيقية) (‪ ،)Démotique‬وهذا شأن لغوي عرفته كل‬
‫اللغات التي تأسست على مفهوم التوقيفية‪ ،‬ولم تقر بمبدأ التطور الذي يسمح بظهور لهجات‪ ،‬أو فصاحات جديدة‪ .‬الحبيب‬
‫النصراوي‪ ،‬ص‪.11-10‬‬
‫‪ 2‬نفسه‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪.‬‬
‫‪ 4‬ابراهيم كايد محمود‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪6‬‬
‫اللغوية قد تأيت للتعبري عن‪ :‬املعنى الحريف للمصطلح؛ أي الوضع الذي يستعمل فيه املتكلم‬
‫لغتني مختلفتني؛ ولكن قد يأيت أيضا للداللة عىل الوضع الذي يستعمل فيه املتكلم لغات‬
‫متعددة؛ أو الوضع الذي تتجاور فيه لغات أو لهجات مختلفة خاصة يف املناطق الحدودية‪،‬‬
‫ويستعملها السكان بالتناوب حسب وجودهم يف كل منطقة؛ وأحيانا تستعمل الثنائية يف حالة‬
‫تأهيل لغتني فأكرث لتصبحا لغتني رسميتني قانونيتني متساويتني‪ ،‬يف كل األوضاع يف بلد واحد‪،‬‬
‫مثلام هو الشأن يف بلجيكا حيث تتعايش الفالمية الهولندية والفالونية الفرنسية‪ ،‬وحيث تتعايش‬
‫األملانية واإليطالية والفرنسية يف ثالث مناطق مختلفة من البالد‪ ،‬وقد يطلق مصطلح الثنائية‬
‫اللغوية كذلك يف حال إدراج لغة ثانية استعامرية أو عاملية مع اللغة الوطنية الرسمية‪ ،‬ألسباب‬
‫سياسية أو معرفية كتعلم اللغات الحية يف أغلب دول العامل يف مثل اإلنجليزية والفرنسية‪.1‬‬
‫وبالعودة إىل مفهوم التعدد اللغوي كام أوردناه سلفا عند ديبوا‪ ،‬فإنه ال يخالف مفهوم‬
‫الثنائية إال من حيث عدد اللغات الذي يصبح أكرث من لغتني‪ .‬ويؤكد الباحث التونيس الحبيب‬
‫النرصاوي أن التعريفات املقدمة للمفاهيم الثالثة عىل تنوعها ال تختلف جوهريا‪ ،‬فهي يف‬
‫االزدواجية اللغوية تحاول حرص الظاهرة اللغوية يف تعدد لغوي داخل نظام لغوي واحد‪ ،‬ولكنها‬
‫اضطرت إىل توسيعه إىل نظامني لغويني متميزين أو أكرث؛ وهي يف الثنائية اللغوية تبدو مرتبطة‬
‫باست خدام الفرد للغتني متميزتني أو أكرث‪ ،‬فالثنائية اللغوية فردية واالزدواج اللغوي جامعي‪ ،‬لكن‬
‫عمم مصطلح الثنائية اللغوية عىل الجامعة اللغوية أيضا ليقرتب من مصطلح االزدواجية اللغوية؛‬
‫وهي يف التعدد اللغوي استخدام الفرد داخل مجموعة لغوية واحدة لغتني فأكرث حسب طروف‬
‫الخطاب‪ ،‬ثم أطلق ذلك عىل الجامعة اللغوية‪ .2‬ويخلص الباحث إىل أن الحدود بني هاته‬
‫املصطلحات الثالثة تضعف‪ ،‬خاصة يف املستوى العميل‪ ،‬ونقصد به هنا الوضع العريب؛ ففيه‬
‫ميكن إطالق املصطلحات الثالثة فال فرق بينها‪ ،‬وسنجد دامئا يف الواقع العريب ما يدعمها‪.3‬‬

‫‪2‬ـ التنمية‪ :‬املفهوم ورشوط التحقق‪.‬‬


‫التنمية لغة النامء والزيادة‪ .‬جاء يف مقاييس اللغة‪" :‬مني‪ :‬النون وامليم والحرف املعتل‬
‫أصل واحد يدل عىل ارتفاع وزيادة"‪" 4‬ومنى املال ينمي‪ :‬زاد‪ ،‬ومنى الخضاب ينمي وينمو‪ ،‬إذا‬
‫‪6‬‬
‫زاد حمرة وسوادا‪ ،‬وتنمى اليشء ارتفع من مكان إىل مكان"‪".5‬وأمنيت اليشء ومنيته جعلته ناميا"‬

‫‪ 1‬الحمزاوي محمد رشاد‪ ،‬المعجمية‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس ‪ ،2014‬ص ‪173‬ـ‪.173‬‬
‫‪ 2‬الحبيب النصراوي‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪.‬‬
‫‪ 4‬ابن فارس‪ ،‬مقاييس اللغة‪ ،‬ج‪ ،2‬باب النون والميم وما يثلثهما‪ ،‬تحقيق ابراهيم شمس الدين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪.2008‬‬
‫‪ 5‬نفسه‪.‬‬
‫‪ 6‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج‪14‬ص ‪ ،297‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،3‬بيروت ‪.1999‬‬
‫‪7‬‬
‫ويقال‪" :‬ومنّيت النار تنمية إذا ألقيت عليها حطبا وذكيتها به‪ ،‬ومنيت النار رفعتها وأشبعت‬
‫وقودها"‪.1‬‬
‫وقد اصطحب مفهوم التنمية معنى الزيادة يف داللته االصطالحية‪ ،‬إال أنه أخذ يف بداية‬
‫ظهوره بعدا اقتصاديا‪ ،‬بحيث ارتبط باطراد النمو يف إنتاجية العمل‪ ،‬ويف تحقيق الزيادة يف الدخل‬
‫القومي‪ .‬لكنه ما فتئ أن تطور ليشمل الجوانب االجتامعية والثقافية والسياسية‪ ،‬فاكتست التنمية‬
‫بذلك طابع الشمولية مع ظهور ما اصطلح عليه بالتنمية البرشية أحيانا‪ ،‬وبالتنمية اإلنسانية أحيانا‬
‫أخرى‪ ،‬قبل أن يربز للوجود الجيل الجديد املصطلح عليه بالتنمية املستدامة‪ .‬فالتنمية إذن بهذا‬
‫املعنى الشامل "ال تقترص عىل عنرص من عنارص اإلنتاج‪ ،‬بل تشمل اإلنسان واألرض معا‪ ،‬وال‬
‫تكون لفائدة فئة من املواطنني دون غريهم‪ ،‬وال ملصلحة جهة دون أخرى‪ ،‬بل يشارك فيها الجميع‬
‫رجاال ونساء يف جميع أنحاء البالد‪ ،‬وتعم فائدتها جميع املواطنني‪ ،‬وهدفها تحسني نوعية الحياة‬
‫ليتمكن كل مواطن يف العيش بطريقة تليق بالكرامة اإلنسانية"‪.2‬‬
‫إنها تنمية ال ترتكز عىل جانب دون آخر‪ ،‬بل تنظر إىل املجتمع واإلنسان باعتباره كيانا‬
‫متكامال غري قابل للتجزئة‪" .‬من أجل هذا ميز كثري من الباحثني بني التنمية اإلنسانية ومفهوم‬
‫التنمية البرشية‪ ،‬واعتربوا التنمية اإلنسانية تعبريا أفضل من املفهوم الذي جاء به برنامج األمم‬
‫املتحدة اإلمنايئ‪ ،‬أي التنمية البرشية‪ ،‬إشارة إىل التفرقة الدقيقة بني البرشية كمجموعة من‬
‫املخلوقات أو الكائنات‪ ،‬وبني اإلنسانية كحالة راقية من الوجود البرشي"‪.3‬‬
‫إن تحقيق تنمية شاملة ومتوازنة يعم نفعها كل أفراد املجتمع وفئاته‪ ،‬وتستفيد منه كل جهات البالد‬
‫بشكل عادل‪ ،‬رهني بتوفر جملة رشوط أجملها الباحث عبد العايل الودغريي يف ما ييل‪:‬‬
‫أـ رأس مال برشي‪ :‬إذ ال بد لكل تنمية من طاقة برشية‪ ،‬وهاته الطاقة البرشية ينبغي أن تفعل‬
‫وتستثمر عىل أكمل وجه أفقيا وعموديا؛ أفقيا بتوسيع قاعدة مشاركتها‪ ،‬وعموديا بأن تنمى خربتها‬
‫ليكون إسهامها أكرث جدوى وفاعلية‪ .4‬ويخلص الباحث إىل أن هناك دافعني قويني لتفجري طاقات‬
‫املجتمع وتحريك آلة التنمية والحصول عىل قدر أكرب من الجودة والفاعلية‪ ،‬أال وهام‪:‬‬
‫ـ إتاحة فرصة املشاركة واملنافسة أمام الجميع دون تهميش أو إقصاء أو إهامل ألي عنرص أو فرد‬
‫أو فئة من املجتمع‪.‬‬

‫‪ 1‬نفسه‪ ،‬ص ‪.298‬‬


‫‪ 2‬علي القاسمي‪ ،‬ص‪.2‬‬
‫‪ 3‬رشيد بلحبيب‪ ،‬اللغة العربية وسيلة للتنمية‪ ،‬ندوة اللغة العربية والتنمية البشرية‪ :‬الواقع واآلفاق‪ ،‬ج‪ ،1‬مركز الدراسات‬
‫والبحوث اإلنسانية واالجتماعية وجدة‪ ،‬ط‪ ،2011 ،1‬ص‪.63‬‬
‫‪ 4‬عبد العالي الودغيري‪ ،‬دور اللغة الوطنية في التنمية وتحقيق األمن الثقافي واللغوي‪ ،‬اللسان العربي‪ ،‬ع ‪ ،69‬مطبعة‬
‫النجاح‪ ،‬يونيو ‪ ،2012‬ص ‪.14‬‬
‫‪8‬‬
‫ـ إتاحة فرصة االستفادة بشكل عادل ومضمون من كل اإلمكانات املتاحة لتقوية القدرات وتنمية‬
‫الخربات وشحذ املواهب واكتساب الخربات‪.1‬‬
‫ب ـ رأسامل معريف‪ :‬إذا كان العنرص البرشي صانع التنمية ومحركها ومحورها‪ ،‬فإن استثامر‬
‫الطاقة البرشية واالستفادة منها‪ ،‬أمر يحتاج إىل تعميم الوعي واملعرفة وتوزيعها بشكل واسع‪ ،‬أي‬
‫خلق مجتمع حقيقي للمعرفة‪ .‬وتحقيق مجتمع املعرفة رهني ـ حسب الودغريي ـ بتعميم التعليم‬
‫ومحو األمية والتمكني للمعرفة‪ ,‬وهذا يتوقف عىل وجود لغة وطنية مشرتكة قادرة من جهة عىل‬
‫إنتاج املعرفة وتوليدها‪ ،‬ونقلها من أمة إىل أمة‪ ،‬ومن حضارة إىل حضارة‪ .‬وقادرة من جهة أخرى‬
‫عىل تسهيل الولوج إىل التعليم‪ ،‬وتبسيط املعرفة وتطويعها وإيصالها إىل كل فرد من املجتمع‪،‬‬
‫وتعميق جذورها يف تربة املجتمع مع الحفاظ عىل هويته وأصالته‪.2‬‬
‫ج ـ توطني املعرفة‪ :‬ال ميكن ملجتمع يحرص عىل فرض وجوده‪ ،‬وصنع مستقبله بنفسه وسواعد‬
‫أبنائه وعقولهم‪ ،‬أن يعيش بصفة دامئة عىل وضعية استرياد املعرفة والتقانة‪ ،‬بل ال بد من استنبات‬
‫املعرفة وتوطينها يف تربة املجتمع الذي يريد بناء تنمية ميلك زمامها‪ ،‬ويتحكم يف توجيهها‬
‫وتكييفها حسب مناخه‪ ،‬وتطويعها لثقافته ولغته‪ .‬عىل أن استنبات املعرفة البد أن يسبقه طور من‬
‫النقل يجب أن يكون ملرحلة ال تطول كثريا‪.3‬‬
‫ويشرتط الودغريي أن تتم عملية نقل املعرفة عن طريق اللغة الوطنية‪ ،‬وليس باللغة‬
‫األجنبية األصل ملا لهذا املسلك من محاذير‪ .4‬والسبيل إىل ذلك تكثيف حركة الرتجمة وفق‬
‫برامج محكمة ومخططة تواكب حركة اإلنتاج املعريف يف العامل‪ ،‬وتعمل عىل نقل أهم ما فيه إىل‬
‫اللغة الوطنية‪ ،‬والرفع من عدد البعثات الطالبية والعلمية املوجهة للدراسة واالطالع عىل‬
‫املعارف يف مختلف بدان العامل‪ ،‬والعمل عىل نقل عصارة تجربتها إىل مجتمعاتها عن طريق‬
‫اللغة الوطنية املشرتكة‪.5‬‬
‫د ـ متاسك اجتامعي‪ :‬يشكل التامسك االجتامعي قوة رضورية وضامنة لنجاح التنمية‪ .‬وتسهم‬
‫يف هذا التامسك عنارص كثرية يف مقدمتها العنرص اللغوي‪ .6‬واالنسجام اللغوي يؤدي إىل‬
‫االنسجام الثقايف والفكري واالجتامعي‪ ،‬والتقريب بني اآلراء ووجهات النظر‪ ،‬ويقلل من حجم‬

‫‪ 1‬نفسه‪ ،‬ص ‪.15‬‬


‫‪ 2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.16 -15‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪ ،‬ص ‪.17-16‬‬
‫‪ 4‬نقل المعرفة باللغة األجنبية يوقع في محظورين‪ :‬أـ غزو أجنبي لغوي وثقافي وفكري بما يترتب عنه من مخاطرة‬
‫بمستقبل اللغة الوطنية‪ .‬ب ـ حصر منافذ المعرفة في مدخل واحد وإغالق بقية األبواب والمداخل‪ ،‬ألنك حين تحرص على‬
‫االقتصار في جلب المعرفة على لغة أجنبية وتجعلها نافذة وحيدة نحو العالم‪ ،‬فأنت تقصي المعارف الموزعة على أمم‬
‫وثقافات أخرى ذات لغات وألسنة مختلفة‪ .‬نفسه‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ 5‬نفسه‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ 6‬نفسه‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪9‬‬
‫االختالف واالنشقاق‪ ،‬ومن ثم يساعد عىل خلق جو من التعبئة الشاملة يف مواجهة األخطار‬
‫واآلفات االجتامعية واالقتصادية وغريها‪ .‬ومام ال شك فيه أنه كلام اقرتب مجتمع من تحقيق‬
‫وحدته اللغوية ارتفعت نسبة االنسجام والتامسك بني عنارصه‪.1‬‬
‫ويخلص الباحث إىل أن هناك حقيقتان ال ينبغي املكابرة بإنكارهام؛ األوىل‪ :‬هي أن‬
‫التامسك االجتامعي باعتباره أحد األسس الرضورية لنجاح التنمية الشاملة واملتوازنة يف أي بلد‬
‫من العامل‪ ،‬إمنا يتمنت حبله ويتقوى مع وحدة اللغة‪ ،‬ويضعف ويرتاخى ويخرم بقدر ما يف‬
‫املجتمع من تعدد لغوي يفتت جهده ويوهن عظمه ويهلهل نسيجه‪ .‬والثانية‪ :‬أنه من الصعب‬
‫تحقيق تنمية شمولية ونهضة علمية واقتصادية يف مجتمع متعدد اللغات‪ .2‬وهاته الخالصة تقودنا‬
‫إىل الحديث عن عالقة التعدد اللغوي بالتنمية‪.‬‬
‫‪3‬ـ التعدد اللغوي والتنمية‪ :‬أية عالقة؟‬
‫مل يعد الحديث عن أهمية اللغة مثار تساؤل‪ ،‬فقد أجمع املهتمون بقضايا التنمية عىل أنه‬
‫ال تنمية بدون لغة وطنية قادرة عىل إيجاد مجتمع املعرفة الذي تتأسس عليه التنمية البرشية‬
‫مبفهومها الحديث‪ .‬والشك أن "التنمية البرشية إذا كانت تبدأ باإلنسان وتنتهي به‪ ،‬فإنه ال ينبغي‬
‫أن تتجاهل أهم معطى تواصيل يربط اإلنسان مبحيطه‪ ،‬ويرسم له عالقاته ويحددها‪ ،‬بل ويختزن‬
‫خريطته عن العامل والوجود أال وهو اللغة"‪.3‬‬
‫ال أحد يجادل يف كون اللغة رافعة من رافعات التنمية‪ ،‬لكن هاته القناعة تنعكس أحيانا‬
‫حني يتعلق األمر بقضية التعدد اللغوي التي أصبحت واقعا لغويا ال ميكن تجاهله‪ .‬وها هنا يثار‬
‫السؤال التايل‪ :‬هل التعدد اللغوي يساهم يف تحقيق التنمية املنشودة أم يشكل عائقا حقيقيا‬
‫أمامها؟‬
‫عالقة التعدد اللغوي بالتنمية مل تكن محط اهتامم اللغويني فحسب‪ ،‬بل تناولها عدد من‬
‫علامء االجتامع‪ .‬وقد عقد عدد من الباحثني باختالف مشاربهم مقارنة بني الخرائط اللغوية‬
‫وخرائط الرثوة والتنمية‪ ،‬وخلصوا إىل أنه كلام اتجهنا صوب املناطق األكرث منوا وتطورا‪ ،‬وجدنا‬
‫أن تلك املناطق تتداول أقل عدد من اللغات‪ ،‬وكلام اتجهنا صوب املناطق األكرث فقرا وتخلفا‪،‬‬
‫الحظنا أن عدد اللغات املتداولة يتضاعف بشكل مذهل‪.‬‬

‫‪ 1‬نفسه‪.‬‬
‫‪ 2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.24-23‬‬
‫‪ 3‬إدريس مقبول‪ ،‬اللغة العربية من سؤال الهوية إلى رهان التنمية‪ ،‬ندوة اللغة العربية والتنمية البشرية‪ ،‬ج‪ ،1‬سلسلة ندوات‬
‫ومؤتمرات‪ ،‬مركز الدراسات والبحوث اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬ط‪ ،1‬وجدة‪ ،2011 ،‬ص‪.153‬‬
‫‪10‬‬
‫ويستفاد من هذا الكالم أن اعتامد لغة وطنية مشرتكة هو أحد دعامات التنمية‪ ،‬ويف املقابل فإنه‬
‫من املستبعد ـ كام يقول فلوريان كوملاس ـ أن يكون املستوى املرتفع من النمو االجتامعي‬
‫واالقتصادي متوافقا مع التعدد اللغوي‪ .‬وهذا الرأي يعكس اعتقادا شائعا عند كثري من املخططني‬
‫اللغويني يستند إىل تلك الدرجة من التوافق بني األحادية اللغوية الفعلية‪ ،‬والتطور االقتصادي‬
‫الحاصل يف البالد املصنعة"‪ .1‬ولتأكيد رأيه‪ ،‬أورد الباحث جداول إحصائية أبرز من خاللها‬
‫التناسب الواضح بني عدد السكان ومستوى الدخل الفردي وعدد اللغات‪ .‬والحظ أن "عدد‬
‫اللغات يف الدول الصناعية يكون يف خانة اآلحاد‪ ،‬بينام يكون بالدول النامية يف خانة العرشات‬
‫واملئات"‪ .2‬ونبه كوملان إىل أنه "حتى يف البالد التي تتمتع فيها لغات عدة بالوضع الرسمي فإن‬
‫وضع الدولة القومية تجعل السيادة للغة واحدة عىل وجه العموم‪ ،‬بينام تختزل اللغات األخرى‬
‫بدرجة أكرب أو أصغر يف أداء وظائف ثانوية فولكلورية ذات أهمية رمزية غري عملية‪ ،‬والحكومة‬
‫بشكل خاص تستخدم لغة واحدة عىل العموم‪ ،‬وحيث ال يكون هذا الوضع قامئا‪ ،‬ينظر لألمر‬
‫باعتباره خلال"‪.3‬‬
‫إن اعتامد الدولة القومية ألكرث من لغة واحدة لغة رسمية هو وضع مختل حسب كوملان‪،‬‬
‫ألن التعدد اللغوي عادة مرتبط مبستوى منخفض من التنمية االقتصادية‪ ،‬وبشكل خاص يف البالد‬
‫التي تفتقر إىل لغة مشرتكة مسيطرة كام هو الشأن يف كثري من الدول اإلفريقية‪ .4‬وخلص الباحث‬
‫إىل أنه كلام قلت اللغات ارتفع الدخل الفردي من الناتج القومي اإلجاميل‪ 5‬ومثل لذلك باليابان‬
‫التي استطاعت سد فجوة التطور واللحاق بأكرب البالد الصناعية تقدما‪ ،‬والحظ أنه بلد متجانس‬
‫لغويا بدرجة عالية‪ .‬وأكد يف املقابل نقال عن جونثان بول يف دراسة له بعنوان "التنمية الوطنية‬
‫والتعدد اللغوي "أن البالد املجزأة لغويا بشكل كبري بالد فقرية دامئا"‪.6‬‬
‫إن عالقة التعدد اللغوي بالتخلف االقتصادي فكرة دافع عنها كثري من الباحثني‪ ،‬ومن‬
‫هؤالء اللغوي الفرنيس لويس جان كالفي الذي تساءل‪ :‬هل من قبيل املصادفة أم من قبيل‬
‫الرضورة أن نجد الدول أو القارات األكرث فقرا هي األكرث من حيث عدد اللغات‪ ،‬وأن الدول أو‬
‫القارات األكرث غنى هي األكرث ميال أو توجها نحو التوحد اللغوي؟ وهل نحن إذا ما لجأنا مثال‬
‫إىل كتابة كل اللغات اإلفريقية واستعاملها جميعا يف التعليم واالعرتاف بها رسميا‪ ،‬سوف يفيد‬

‫‪ 1‬فلوريان كولماس‪ ،‬اللغة واالقتصاد‪ ،‬ترجمة أحمد عوض‪ ،‬مراجعة عبد السالم رضوان‪ ،‬منشورات عالم المعرفة‪ ،‬ع‬
‫‪ ،263‬نونبر ‪ ،2000‬ص‪.34‬‬
‫‪ 2‬نفسه‪.‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫‪ 4‬نفسه‪.‬‬
‫‪ 5‬نفسه ص ‪.38-37‬‬
‫‪ 6‬نفسه‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪11‬‬
‫ذلك يف تحسني وضعية متكلمي هذه اللغات ويف التنمية الداخلية‪ ،‬ويف مكافحة العولة والحد‬
‫‪1‬‬
‫من موت أطفال وانتشار اإليدز؟‬
‫يف املقابل هناك رأي آخر ال يرى وجود عالقة سببية بني التعدد اللغوي والتخلف‪ ،‬كام ال‬
‫يؤمن باطراد القاعدة التي تربط بني التوحد اللغوي والتنمية والتطور‪ .‬وينطلق هذا التصور من‬
‫حقيقة مفادها استحالة وجود بلد أحادي اللغة‪ ،‬وهذا معناه أن مصري اإلنسان هو أن يكون يف‬
‫مواجهة اللغات املتعددة ال أن يكون يف مواجهة اللغة الواحدة‪ .2‬ويتأكد هذا الرأي بحقيقة أخرى‬
‫تتمثل يف أن السياسات اللغوية العاملية تتجه اليوم نحو تبني مسألة التعدد باعتباره مظهر قوة‬
‫برشط التحكم فيه وتوجيهه‪ .‬وأغلب الدول املتقدمة تسري يف اتجاه االعرتاف بتعدد اللغات حتى‬
‫يف املستوى الرسمي‪ ،‬وخاصة يف البلدان التي فيها مجموعات لغوية مختلفة‪.3‬‬
‫‪4‬ـ من أجل تدبري أفضل للتعدد اللغوي باملغرب‪:‬‬
‫ملا هبت رياح الربيع العريب عىل املغرب‪" ،‬أتيحت الفرصة للفاعل املجتمعي لجعل‬
‫السؤال اللغوي جوهر اإلصالح والبناء املنتظرين‪ .‬وانتقل السؤال اللغوي من النقاش النخبوي‬
‫نحو جعله حالة مجتمعية وجزءا رئيسا من التداول العمومي"‪ .4‬وأفرز الحراك الشبايب يف نسخته‬
‫املغربية دستورا جديدا كان من أهم مستجداته نقل الوضع اللغوي املغريب من وضع األحادية‬
‫إىل وضع التعددية باعرتافه باألمازيغية لغة رسمية إىل جانب العربية‪ .‬وقد نص الفصل الخامس‬
‫من الوثيقة الدستورية عىل ما ييل‪:‬‬
‫ـ تظل العربية اللغة الرسمية للدولة‪ ،‬وتعمل الدولة عىل حاميتها وتطويرها‪ ،‬وتنمية استعاملها‪.‬‬
‫ـ تعد األمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة‪ ،‬باعتبارها رصيدا مشرتكا لجميع املغاربة‪ ،‬بدون استثناء‪.‬‬
‫ـ يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي لألمازيغية‪ ،‬وكيفيات إدماجها يف مجال‬
‫التعليم‪ ،‬ويف مجاالت الحياة العامة ذات األولوية‪ ،‬وذلك ليك تتمكن من القيام مستقبال بوظيفتها‬
‫بصفتها لغة رسمية‪.‬‬
‫ـ صيانة الحسانية وحامية اللهجات والتعبريات الثقافية املستعملة يف املغرب‪.‬‬
‫ـ السهر عىل انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية‪ ،‬وعىل تعلم وإتقان اللغات األجنبية األكرث‬
‫تداوال يف العامل‪.‬‬

‫‪1‬‬‫‪Louis-Jean Calvet : Mondialisation, Langues et politiques linguistiques.‬‬


‫‪www.gerflint.fr/Base/Chili1/Calvet.pdf‬‬
‫الحبيب النصراوي‪ ،‬ص‪.9‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.10-9‬‬ ‫‪3‬‬

‫فؤاد أبو علي‪ ،‬ص ‪.20‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪12‬‬
‫ـ إحداث مجلس وطني للغات والثقافة املغربية‪ ،‬مكلف بحامية وتنمية اللغتني العربية‬
‫واألمازيغية‪ ،‬ومختلف التعبريات الثقافية املغربية‪ .‬ويضم كل املؤسسات املعنية بهذه‬
‫املجاالت‪ .‬ويحدد قانون تنظيمي صالحياته وتركيبته وكيفيات سريه‪.‬‬
‫نحن بهذا النص الدستوري أمام تعدد لغوي يتشكل من لغتني رسميتني هام العربية‬
‫واألمازيغية‪ ،‬إىل جانب التعبريات اللهجية‪ .‬وإىل جانب هذا التعدد الرسمي‪ ،‬يشهد الواقع‬
‫املغريب منذ االستقالل تعددا لغويا مجحفا‪ ،‬يربز يف اإلعالم واإلدارة والشأن العام من خالل‬
‫هيمنة مطلقة للغة الفرنسية باعتبارها لغة التداول األساسية عىل حساب اللغتني الرسميتني العربية‬
‫واألمازيغية‪ .‬وهذا اإلجحاف يف حق اللغة الوطنية يجد له الباحث جيلرب غرانغيوم تفسريا يف‬
‫عالقة السلطة الحاكمة باللغة‪ .‬فاألمر ـ حسب الباحث ـ يتعلق مبا أسامه ترميز الحكم؛ أي جعل‬
‫املؤسسة امللكية رمزا للوحدة الوطنية‪ .‬وباملقابل يتيح هذا الرتكيز الرمزي للحكم تعددية معاشة‬
‫بشكل جيد وعىل جميع املستويات لغويا وإثنيا واجتامعيا‪ .1‬وبهذا املنطق السيايس ال تشكل‬
‫اللغة محط إجامع أو وحدة وطنية ألنها نفسها متعددة األقطاب‪" .‬ويف هذا السياق تعد اللغة‬
‫العربية هي اللغة املقدسة‪ ،‬كام أنها تحافظ عىل القيم إلسالمية التي تشكل دعامة العرش‪.‬‬
‫وميكن لهذه اللغة أن تستوعب الحداثة بشكل بطئ وجزيئ‪ .‬لكن مبا أنه ليس هناك رضورة‬
‫سياسية مستعجلة لهذا االستيعاب‪ ،‬فالفرنسية موجودة هنا لتؤدي هذه الوظيفة بكيفية مرضية جدا‪.‬‬
‫ومبا أن امللكية تستفيد من هذه التعددية‪ ،‬فهي ليس لها أي مصلحة يف تحول اللغة العربية إىل‬
‫لغة وطنية موحدة ما دامت هي نفسها (أي امللكية) رمزا للوحدة الوطنية"‪.2‬‬
‫هذا التعامل املصلحي الرباغاميت للسلطة مع اللغة العربية هو نفسه املنطق الذي حكم‬
‫تعامل النخبة الحاكمة مع األمازيغية‪ ،‬فجاء ترسيم األمازيغية استجابة ملطالب الحركة األمازيغية‬
‫وتفاديا ألي اضطرابات محتملة‪ ،‬فكان الرتسيم بذلك جوابا سياسيا يروم امتصاص غضب فئات‬
‫اجتامعية شعرت بالغنب يف حقها اللغوي‪ ،‬وليس جوابا علميا للوضع اللغوي باملغرب‪ .‬وهكذا‬
‫"متيز تعامل الدولة مع القضية اللغوية عموما بالضبابية وعدم الوضوح يف كثري من األحيان‪ ،‬بل‬
‫اإلرصار عىل واقع "الفرنسة""‪.3‬‬
‫أمام هذا الوضع اللغوي يطرح سؤال التدبري بإلحاح؛ وهو سؤال يرتبط بسؤال السياسة‬
‫اللغوية‪ .‬فأي سياسة لغوية نريد لهذا الوطن؟ وكيف ميكن أن يدبر التعدد اللغوي ليكون عامل‬
‫ثراء بعيدا عن التقاطب الهويايت‪ ،‬وعنرصا مساهام بفعالية يف قاطرة التنمية‪ ،‬وليس معول هدم؟‬

‫جيلبير غرانغيوم‪ ،‬اللغة والسلطة والمجتمع في المغرب العربي‪ ،‬ترجمة محمد أسليم‪ ،‬إفريقيا الشرق‪ ،2011 ،‬ص‪.67‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص ‪.68‬‬ ‫‪2‬‬

‫فؤاد أبوعلي‪ ،‬ص ‪.29‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪13‬‬
‫ال شك أننا بحاجة إىل بلورة منوذج مغريب‪ ،‬يستوحي التجارب العاملية يف تدبري التعدد اللغوي‪،‬‬
‫ويستحرض الخصوصية املغربية‪ ،‬ويقوم عىل تدبري أمثل للتعدد اللغوي‪ ،‬ومقاربة شاملة تحافظ‬
‫للشخصية املغربية عىل تفردها واستقاللها‪ .‬وميكن أن نجمل أهم هاته املقاربة يف ما ييل‪:‬‬
‫أـ مبدأ صيانة الوحدة الوطنية‪:‬‬
‫إذ ال ميكن أن يفيض تدبري التعدد اللغوي إىل مشاريع التجزئة عىل أساس لغوي‪ ،‬بل ال‬
‫بد أن يتم هذا التدبري يف إطار الوحدة الوطنية‪ ،‬والحرص عىل صيانتها‪ ،‬واعتبار ذلك خطا أحمر‬
‫ال ميكن تجاوزه‪" .‬فالنقاش اللغوي ينبغي أن يكون مؤطرا بالحفاظ عىل السيادة الوطنية دون‬
‫استغالل لتنفيذ أجندات خارجية‪ ،‬أو الرهان عىل العالقات باآلخر من أجل فرض مصالح فئوية"‪.1‬‬
‫ومام ميكن أن يقوض دعائم هاته الوحدة الوطنية محاولة البعض افتعال الحرب بني‬
‫العربية واألمازيغية‪ ،‬والتسويق املغرض لفهم مغلوط لشعار تعريب التعليم الذي رفع غداة‬
‫االستقالل من أجل تخليص التعليم من هيمنة الفرنسية‪ ،‬حيث يحاول دعاة مشاريع التجزئة إقناع‬
‫أنصار الحركة الثقافية األمازيغية أن "التعريب" هو املقابل املوضوعي "للتمزيغ"‪ .‬والحقيقة أن أي‬
‫رصاع بني العربية واألمازيغية وراءه لويب فرنكفوين غايته التمكني للفرنسية عىل حساب اللغتني‬
‫الوطنيتني‪.‬‬
‫إن العربية واألمازيغية لغتان شقيقتان "تشرتكان يف األصول العريقة البعيدة يف التاريخ‪،‬‬
‫ويف املهد املحتد منطلقا ومستقرا‪ ،‬ويف أساليب التطور الطبيعي للغات تبعا لحركيتها وكمونها"‪.2‬‬
‫لقد كشفت األحداث املتتالية عن وجود تيار داخل الحركة الثقافية األمازيغية يريد تهريب‬
‫األمازيغية ورهنها بأجندات خارجية‪ ،‬إال أن الحس الوطني يقتيض أن تعود األمازيغية إىل "إرثها‬
‫الغني الذي مل تبتعد عنه يوما من األيام‪ ،‬وهو اشرتاكها مع تلك العائلة اللغوية التي ال يعجبنا أن‬
‫نسميها "حامية سامية" ألنها "عروبية أمازيغية" يف املعنى الحضاري الواسع‪ ..‬وقد عرف املغاربة‬
‫كلهم كيف يسبكون خالل كل تاريخهم‪ ،‬من تفرعات ذلكم األصل عىل مدى شساعته‪ ،‬وحدة‬
‫مرتاصة لصنيع اختاروه هم أنفسهم عندما تحدث العريب القح األمازيغية يف جبال الوطن ومل يعد‬
‫يعرف غريها‪ ،‬وعندما صار األمازيغي القح راوية لغريب اللغة العربية مل يتفوق عليه غريه فيها‪،‬‬
‫ورمبا مل يعرف غريها"‪.3‬‬

‫‪ 1‬نفسه‪ ،‬ص ‪.83‬‬


‫‪ 2‬محمد شحالن‪ ،‬العربية واألمازيغية بديهيات البد منها‪ ،‬مجلة الفرقان‪ ،‬ع ‪ ،73‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدارالبيضاء‪،‬‬
‫‪ ،2014‬ص ‪.27‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫لقد توطدت أوارص الوحدة بني العرب واألمازيغ‪ ،‬فاختلطت أحسابهم وأنسابهم‪ ،‬وبلغ‬
‫التأثري والتأثر بينهام ذروته حني تحولت قبائل برمتها من عربية إىل أمازيغية أو العكس‪ ،‬حتى روي‬
‫عن املغاربة قولهم "سبحان من عرب دكالة وشلح مسيوة"‪ .‬هذا التالحم املجتمعي الذي شكل‬
‫عىل الدوام صامم أمان الوحدة الوطنية يراد له أن يتفكك‪ ،‬واملدخل هو الرصاع اللغوي املفتعل‬
‫بني العربية واألمازيغية‪ ،‬يف محاولة إلعادة إحياء نفس اآللة االستعامرية التي حاول بها املستعمر‬
‫الفرنيس تفكيك لحمة املجتمع املغريب حني أصدر الظهري الرببري‪ .‬لكن "يف املغرب أمازيغ‬
‫وعرب تكلموا كلهم لغة واحدة سنة ‪ 1930‬عندما أراد االستعامر أن يصنع من اللغة واألصول‬
‫أقفاصا يحبس فيها هؤالء وهؤالء‪ .‬وكانوا أقدر عىل استعامل لغة البيان التي يتألف كلمها من‬
‫حب الوطن والرتبة واألصول املشرتكة املوثقة بالتاريخ والدين ولحمة األنساب املندمجة‬
‫املتوحدة"‪ .1‬هؤالء هم املغاربة الذين سيفشلون كل محاوالت التجزئة حارضا ومستقبال كام‬
‫أفشلوها يف املايض‪.‬‬
‫ب ـ مبدأ االعرتاف بالتعددية اللغوية‪:‬‬
‫إن تدبري التعدد اللغوي تحت سقف الوحدة الوطنية يقتيض االعرتاف بالتعددية اللغوية‪،‬‬
‫إذ ال يجوز بأي حال من األحوال‪ ،‬إقصاء أي مكون من مكونات الشخصية الوطنية‪ .‬وقد أحسن‬
‫املرشع صنعا حني اعرتف مبختلف الحساسيات املشكلة للهوية املغربية‪" .‬لكن التعدد ال يعني‬
‫اإلقليمية الضيقة أو الجهوية املؤدية لالنفصال‪ ،‬متى غدا التعدد عنوانا للتضخم الهويايت‪ ،‬سيغدو‬
‫عنوانا لالنفصال"‪.2‬‬
‫وهنا البد من التأكيد عىل أن العربية ليست لغة العرب وحدهم‪ ،‬كام ليست األمازيغية‬
‫ملكا لألمازيغيني وحدهم‪ ،‬بل هام معا ملك للمغاربة جميعا؛ فالعربية منذ أن أصبحت لغة‬
‫اإلسالم الذي اعتنقته أمم وأعراق مختلفة‪ ،‬أصبحت لغة كل تلك األمم واألعراق‪" ،‬أي أصبحت‬
‫لغة أجناس وقارات‪ ،‬بعد أن دون قوانينها علامء ال ينتسبون إىل العرق العريب أبدا"‪ .3‬وهكذا‬
‫وجدنا أن مختلف التآليف النحوية واألدبية التي أسهمت يف الحفاظ عىل اللغة العربية وتطورها‬
‫مل يكن مؤلفوها عربا‪ ،‬بل معظمهم من أجناس مختلفة‪ ،‬ويف مقدمتهم شيخ النحاة الفاريس عمرو‬
‫بن برش املعروف بسيبويه‪ ،‬ويف املغرب تعد "األجرومية" التي ألفها األمازيغي ابن أجروم من أهم‬
‫املؤلفات النحوية‪" .‬وبهذا يجب أال تعترب اللغة العربية "عربية" فهي لغة العلم يف القديم‪ ،‬ولغة‬
‫إسالم مل مينع صنع القنبلة الذرية يف باكستان‪ ،‬وال إسهام السيد فاروق الباز يف الربامج الحساسة‬

‫نفسه‪ ،‬ص‪.28-27‬‬ ‫‪1‬‬

‫فؤاد أبو علي‪ ،‬ص ‪.84‬‬ ‫‪2‬‬

‫محمد شحالن‪ ،‬ص ‪.23‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪15‬‬
‫يف النازا بالواليات املتحدة"‪ .1‬نفس اليشء يقال عن األمازيغية التي هي ملك للمغاربة جميعا‪،‬‬
‫وال يحق ألحد أن يحتكر الدفاع عنها من منطلق عرقي‪ ،‬ألن ذلك من دواعي إضعافها‪.‬‬
‫ج ـ مبدأ التوزيع الوظيفي للغات‪:‬‬
‫يشدد عدد من العلامء عىل أن اللغات ليست كلها متساوية من حيث الوظائف التي تقوم‬
‫بها رغم كونها متساوية من الناحية اللسانية‪ .‬يقول لويس جان كالفي‪" :‬ليست كل األلسنة‬
‫املتواجدة يف هذا العامل املتعدد اللغات ذات وظيفة واحدة‪ ،‬وليس لها نفس الدور وال نفس‬
‫االنتشار"‪ .‬ثم يضيف قائال‪":‬مهام بدت اللغات يف نظر اللسانيني متساوية‪ ..‬فإن الحقيقة هي أن‬
‫اللغات يف األساس ليست متساوية"‪ .2‬واملتأمل يف كالم الباحث يجده مييز بني تصورين للغة‪ :‬ـ‬
‫تصور اللسانيات الوصفية‪ :‬والتي تنظر للغة باعتبارها نسقا رمزيا‪ ،‬واللغات بهذا املنظور متساوية‪،‬‬
‫وال ميكن االدعاء أن لغة أفضل من أخرى يف نسقها اللساين‪ ،‬وهي جميعها جديرة بالدراسة‬
‫والتحليل‪ .‬ـ وتصور اللسانيات االجتامعية‪ :‬التي ينصب اهتاممها عىل عالقة اللغة باملجتمع‪،‬‬
‫والوظيفة التي تقوم بها اللغة يف مختلف مجاالت الحياة اإلنسانية‪ .‬وهنا ال ميكن أن نسوي بني‬
‫األلسنة‪ ،‬إذ "ليست األلسنة كلها متساوية القيمة‪ ..‬والقول بعكس هذا إمنا هو نوع من العمى أو‬
‫الدمياغوجة التي تعطي نفس القيمة واألهمية لكل من الدبابة والفيل‪ .‬ومن املستحيل أن تضع‬
‫هاته وتلك يف مستوى واحد إال يف حالة النظر إليها من زاوية العلم الذي يصفها‪ .‬أما القول بأن‬
‫كال من اللغة الفيل (‪ )la langue éléphant‬واللغة البعوض (‪ )la langue moustique‬هام يف‬
‫النهاية لغة من اللغات‪ ،‬فذلك مجرد رضب من الحشو‪ .‬وسيكون إذن من باب الالواقعية أن نقول‬
‫إن كل الخمسة آالف لغة املوجودة يف العامل لها وزن واحد وقيمة واحدة يف سوق اللغات‪ ،‬ولها‬
‫نفس االستعامل ومستقبلها واحد"‪.3‬‬
‫إن الناظر إىل اللغات من موقع العلم الواصف لها‪ ،‬أي اللسانيات‪ ،‬يجدها متساوية يف‬
‫مجمل الظواهر اللسانية التي تستحق الدراسة والتحليل‪ ،‬لكن الناظر إليها من زاوية وظيفتها‬
‫وأهليتها يف توطني مجتمع املعرفة‪ ،‬واملساهمة الفعالة يف قاطرة التنمية‪ ،‬يتساءل‪" :‬كيف تسوي‬
‫بني لغة تجر تاريخا وراءها طويال من املامرسة العلمية والفكرية والتقنية‪ ،‬وتتوفر عىل مكتبة‬
‫ضخمة وتجربة طويلة وخربة قرون عديدة يف التأليف والكتابة يف كل املجاالت‪ ،‬وأخرى ما تزال‬
‫يف مرحلة الطفولة أو الطور الشفوي‪ ،‬ومل تدخل طور الكتابة بعد؟ ومن ثم فإنه ال يستطيع أي بلد‬

‫‪ 1‬محمد شحالن‪ ،‬ص ‪.23‬‬


‫‪2‬‬ ‫‪Louis-Jean Calvet, Pour une écologie des langues du monde, Palon, 1999, p 12.‬‬
‫نقال عن الودغيري‪ ،‬الهامش رقم ‪ ،5‬ص ‪48‬ـ‪.49‬‬
‫‪ 3‬نفسه‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫أن يستعمل كل اللغات واللهجات التي يتوفر عليها استعامال واحدا بوظائف متساوية ووزن‬
‫واحد"‪ .1‬فاللغات بهذا االعتبار ليست عىل درجة واحدة من الكفاءة واألهلية ألداء جميع‬
‫الوظائف‪" .‬ويرتتب عىل هاته الحقيقة أن البلد الذي تكرث فيه اللغات واللهجات يكون مضطرا‬
‫ليك يأخذ من بينها أقواها وأقدرها عىل القيام بوظيفة التامسك الداخيل والخارجي‪ ،‬والتفاهم بني‬
‫كل فئات املجتمع‪ ،‬وأكرثها تجربة وتأهيال لتكون لغة العلم والثقافة العامة وبسط النفوذ اإلداري‬
‫والقانوين للدولة والتنمية الشمولية‪ ،‬ويبوأها مكان الصدارة لتصبح لغته املوحدة والرسمية‬
‫األوىل‪ ،‬حتى ولو كانت هناك لغات رسمية أخرى أعطيت هذه الصفة الرسمية ألسباب سياسية أو‬
‫اعتبارات معينة‪ .‬أما بقية األلسنة واللهجات الوطنية األخرى فيعهد إليها بوظائف أخرى تتناسب‬
‫مع دورها وحجمها وأهليتها وطاقتها"‪.2‬‬
‫د ـ مبدأ املقاربة العلمية للتعدد اللغوي واحرتام السيادة‪:‬‬
‫إن تدبري قضية التعدد اللغوي باملغرب ينبغي أن يتأسس عىل مقاربة علمية تضمن تأهيل‬
‫اللغتني الوطنيتني للقيام بوظائفهام املنوطة بهام‪ ،‬بعيدا عن أي تجاذب هويايت أو اعتبار سيايس‬
‫أو إيديولولجي‪ .‬كام أن التوزيع الوظيفي للغات ليس عملية تقنية‪ ،‬بل هو من صلب السياسة‬
‫اللغوية ألي بلد‪ ،‬لذا ال يتم تدبريها مبنطق الهوى اإليديولوجي أو املصلحة السياسية‪ ،‬بل يعهد‬
‫بهاته العملية لهيآت ومؤسسات علمية ذات الصلة بالوضع اللغوي‪ ،‬تكون قادرة عىل التدبري‬
‫السليم للتعدد اللغوي من جهة‪ ،‬وعىل الحفاظ عىل السيادة اللغوية للغتني الرسميتني من جهة‬
‫ثانية‪ .‬ويشرتط لذلك أن توكل مهمة اإلرشاف عىل هاته املؤسسات‪ ،‬ووضع برامجها إىل الخرباء‬
‫واملختصني بالشأن اللغوي‪.‬‬
‫وقد عمل املرشع املغريب عىل إحداث هيأة دستورية سامها املجلس الوطني للغات‬
‫والثقافة املغربية‪ ،‬وهي "مؤسسة دستورية وطنية مرجعية يف مجال السياسات اللغوية"‪ 3‬ويضطلع‬
‫املجلس الوطني حسب القانون التنظيمي املنظم له " مبهمة اقرتاح التوجهات االسرتاتيجية‬
‫للدولة يف مجال السياسات اللغوية والثقافية‪ ،‬والسهر عىل انسجامها وتكاملها‪ ،‬وال سيام ما يتعلق‬
‫بحامية وتنمية اللغتني الرسميتني العربية واألمازيغية‪ ،‬وكذا الحسانية واللهجات ومختلف‬
‫التعبريات الثقافية املغربية‪ ،‬وبتنمية الثقافة الوطنية والنهوض بها يف مختلف تجلياتها‪ ،‬وحفظ‬

‫‪ 1‬الودغيري‪ ،‬ص ‪.24‬‬


‫‪ 2‬نفسه‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪ 3‬مشروع قانون تنظيمي رقم ‪ 04.16‬المتلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة العامة‪ ،‬المادة ‪ 2‬من أحكام عامة من الباب‬
‫األول‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫وصون الرتاث الثقايف املغريب‪ ،‬وتيسري تعلم وإتقان اللغات األجنبية األكرث تداوال يف العامل ويف‬
‫املغرب‪ ،‬واملساهمة يف تتبع تنفيذ هاته التوجهات‪ ،‬بتنسيق مع السلطات والهيئات املعنية"‪.1‬‬
‫ويضم املجلس الوطني أكادميية محمد السادس للغة العربية‪ ،‬واملعهد املليك للثقافة‬
‫األمازيغية‪ ،‬كام نص القانون التنظيمي عىل إحداث هيئة خاصة بالحسانية واللهجات والتعبريات‬
‫الثقافية املغربية األخرى‪ ،‬وأخرى خاصة بالتنمية الثقافية وحفظ الرتاث‪ ،‬وهيئة ثالثة خاصة بتنمية‬
‫استعامل اللغات األجنبية‪ .2‬وأسند املرشع لهاته املؤسسات مهام محددة‪ .‬فقد أسند القانون‬
‫التنظيمي ألكادميية محمد السادس للغة العربية مهمة إعداد التوجهات االسرتاتيجية للدولة يف‬
‫مجال لنهوض باللغة العربية وضامن حاميتها وتطويرها وتنمية استعاملها‪ ،‬وتتبع تنفيذ هاته‬
‫التوجهات بتنسيق مع السلطات والهيئات العمومية املختصة‪ ،‬بعد دراستها واملصادقة عليها طبقا‬
‫ألحكام هذا القانون التنظيمي‪ .3‬كام أسند القانون لألكادميية اختصاصات مهمة ستساهم ال‬
‫محال‪ ،‬يف حال تفعيلها‪ ،‬يف إعطاء العربية املكانة الالئقة بها باعتبارها لغة رسمية‪ .‬لكن الواقع‬
‫اللغوي يشهد بأن األكادميية ظلت منذ اثنتي عرشة سنة من تأسيسها مجرد حرب عىل ورق‪ ،‬مام‬
‫يجعل املهتمني متخوفني من تعطيل دور هاته املؤسسة تحت ضغط لوبيات الفرنكفونية‪.‬‬
‫كام أسندت للمعهد املليك للثقافة األمازيغية مهمه إعداد التوجيهات االسرتاتيجية للدولة‬
‫يف مجال النهوض باللغة األمازيغية‪ ،‬وضامن حاميتها وتطويرها‪ ،‬واقرتاح التدابري التي يتعني‬
‫اتخاذها من أجل تفعيل الطابع الرسمي يف مجال التعليم ومجاالت الحياة العامة ذات األولوية‪.4‬‬
‫وتجدر اإلشارة إىل أن املجلس الحكومي أصدر مؤخرا القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع‬
‫ال رسمي للغة األمازيغية‪ ،‬وقد عرف هذا القانون ردود فعل رافضة من قبل بعض الفاعلني األمازيغ‬
‫مام يكرس هاجس التقاطب الهويايت عىل حساب املعالجة العلمية‪.‬‬
‫وأسند املرشع للهيئة الخاصة بتنمية استعامل اللغات األجنبية مهمة إعداد التوجهات‬
‫االسرتاتيجية لسياسة الدولة الواجب اعتامدها يف مجال تعلم وإتقان اللغات األجنبية األكرث‬
‫تداوال يف العامل ويف املغرب‪ .5‬وهنا البد من التأكيد عىل رضورة االنفتاح عىل اللغات العاملية‬
‫دون املساس مببدأ السيادة‪ ،‬ذلك أن الوضع اللغوي باملغرب يعرف انتهاكا للسيادة اللغوية‪،‬‬
‫واستعامرا لغويا لصالح لغة أجنبية (الفرنسية) تتوسع هيمنتها يف مختلف القطاعات عىل حساب‬
‫اللغتني الوطنيتني اللتني تعيشان قهرا لغويا‪ ،‬مام تولد عنه وضع لغوي غري سليم؛ إذ كيف يعقل أن‬

‫نفسه‪ ،‬المادة ‪ 3‬من الباب الثاني المتعلق باختصاصات المجلس‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫نفسه‪ ،‬المادة ‪ 10‬من الباب الرابع المتعلق بمؤسسات وهيأت المجلس الوطني‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫نفسه‪ ،‬المادة ‪.12‬‬ ‫‪3‬‬

‫نفسه‪ ،‬المادة ‪.13‬‬ ‫‪4‬‬

‫نفسه‪ ،‬المادة ‪.17‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪18‬‬
‫تتبوأ الفرنسية هاته املكانة دون حامية دستورية‪ ،‬فيام يتم تهميش اللغتني الوطنيتني وهام‬
‫محميتان دستوريا؟‬
‫إن مهمة املجلس الوطني للغات جسيمة بالنظر لجسامة املسؤولية امللقاة عىل عاتقه يف‬
‫وضع السياسات اللغوية‪ .‬وال شك أن هاته املهمة لن تتحقق عىل الشكل املطلوب إال إذا كانت‬
‫املقاربة العلمية هي الحكم يف تدبري التعدد اللغوي قصد "ضبط الفوىض اللغوية والرصاعات‬
‫الهوياتية من خالل فتح حوار حقيقي وجدي وعلمي يروم التنسيق بني الكيانات اللسانية‪،‬‬
‫والتوزيع العادل لها بشكل يجنبنا التجاذب والرصاع الذي لن يستفيد منه املغريب التائه بني واقع‬
‫هيمنة اللغات األجنبية وحديث البعض عن لغات الهوية‪ .‬واألجمل من ذلك هو وعي الدولة‬
‫برضورة تدخلها عرب إرشاك األكادمييني واملؤسسات املختصة"‪.1‬‬

‫خامتة‪:‬‬
‫لقد حاولنا من خالل هاته الورقة مقاربة ظاهرة التعدد اللغوي باملغرب وعالقته بسؤال‬
‫التنمية؛ وتوقفنا بداية عند تعريف املفاهيم املركزية‪ ،‬وتحديدا مفهومي التعدد اللغوي والتنمية‪،‬‬
‫ثم بسطنا قول العلامء يف التأثري السلبي للتعدد اللغوي عىل مسار التنمية‪ ،‬وأبدينا رأينا بخصوص‬
‫الوضع اللغوي باملغريب‪ ،‬وخلصنا إىل رضورة اعتامد مجموعة من املبادئ األساسية يف وضع‬
‫السياسة اللغوية‪.‬‬
‫وختاما نقول‪ :‬إن ما جاءت به الوثيقة الدستورية والقوانني التنظيمية بخصوص املسألة‬
‫اللغوية مهم لكنه يبقى دون املستوى املطلوب‪ ،‬فتدبري التعدد اللغوي يحتاج إىل فتح حوار‬
‫وطني علمي رصني‪ ،‬ومقاربة املوضوع مقاربة شاملة تتأسس عىل املبادئ املشار إليها سلفا‪،‬‬
‫وتتجاوز اختزال القضية يف ترسيم هذه اللغة أو تلك‪ ،‬إىل رضورة وضع آليات لتأهيل اللغتني‬
‫الوطنيتني ملواكبة مشاريع التنمية‪ ،‬وتحقيق األمن اللغوي عرب توزيع وظيفي للغات من خالل‬
‫املجال التداويل الذي تنتمي إليه‪ .‬وال شك أن ذلك لن يتحقق ما مل يتمتع كل الفاعلني يف‬
‫الحقل اللغوي بحس وطني يجعل املصلحة الوطنية فوق كل اعتبار‪.‬‬

‫فؤاد أبو علي‪ ،‬ص ‪.76‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪19‬‬

You might also like