Professional Documents
Culture Documents
1
تقديم:
الحديث عن عالقة اللغة بالتنمية ينقلنا من مجال اللسانيات الوصفية التي تعنى باللغة
باعتبارها نسقا رمزيا ،إىل مجال اللسانيات االجتامعية التي تعنى باللغة يف عالقتها باملجتمع.
وإذا كاد الباحثون يجمعون عىل أنه ال تنمية بدون لغة وطنية موحدة ،فإن مثة إشكاال يواجه هاته
القناعة الراسخة ،ويتمثل يف ظاهرة التعدد اللغوي التي تجتاح األوضاع اللغوية.
يعد التعدد اللغوي ظاهرة لسانية ال يكاد يسلم منها أي وضع لغوي يف أي بلد ،وال يشكل
املغرب استثناء من هذه القاعدة ،فالوضع اللغوي باملغرب يشهد تعددا يعكس التعدد الثقايف
ملكوناته ،والتي امتزجت تاريخيا لتحدد سامت الشخصية املغربية املتفردة .وقد احتدم النقاش
حول املسألة اللغوية وقضية التعدد بشكل كبري مع اإلصالحات الدستورية التي حملتها رياح
الربيع الدميقراطي ،وحملت معها أيضا تغيريا يف عدد من املفاهيم منها مفهوم اللغة الوطنية.
وقد كان من نتائج هذا الحراك أن انتقلت املسألة اللغوية من حالة األحادية إىل حالة التعددية مع
ترسيم اللغة األمازيغية يف دستور .2011
وعىل الرغم من أهمية دسرتة األمازيغية ،إال أن النقاش اللغوي باملغرب ال يزال مفتقدا
لرؤية اسرتاتيجية نظرا لهيمنة الهاجسني اإليديولوجي والسيايس ،وتراجع املعالجة العلمية
األكادميية ،وغياب مقاربة شمولية للمسألة اللغوية ،ناهيك عن تغول لوبيات الفرنكفونية التي
تريد التمكني للغة أجنبية عىل حساب اللغتني الوطنيتني.
وقد استأثر التعدد اللغوي باهتامم الباحثني يف مختلف الحقول املعرفية ،وأصبح قضية
مركزية عند بعضهم ملا له من آثار إيجابية أو سلبية عىل وترية التنمية؛ فقد يكون وسيلة ملواكبة
التقدم العلمي الذي يشهده العرص ،وقد يكون سببا يف التخلف عن الركب الحضاري.
يف ظل هذا الوضع القائم ،تحاول هاته الورقة مقاربة قضية التعدد اللغوي وعالقته بالتنمية؛ من
خالل إشكاالت نصوغها كاآليت:
ـ ما العالقة بني التعدد اللغوي والتنمية؟
ـ هل التعدد اللغوي عامل مساعد عىل تحقيق التنمية أم عائق يحول دون تحققها؟
ـ وكيف ميكن تدبري مسألة التعدد اللغوي باملغرب بعيدا عن التقاطب الهويايت ،ليكون عامل
ثراء ،وعنرصا مساهام بفعالية يف قاطرة التنمية وليس معول هدم؟
2
تلكم إشكاالت وأخرى سنقاربها من خالل املحاور التالية:
1ـ التعدد اللغوي :محاولة لضبط املفهوم.
2ـ التنمية :املفهوم ورشوط التحقق.
3ـ التعدد اللغوي والتنمية :أية عالقة؟
4ـ من أجل تدبري أفضل للتعدد اللغوي باملغرب.
3
1ـ التعدد اللغوي :محاولة لضبط املفهوم.
التعدد اللغوي أو تعدد اللغات هو املقابل العريب للفظ األجنبي .Plurilinguismeويشري
هذا املفهوم يف األدبيات اللسانية عموما إىل استعامل أكرث من لغة يف وضعيات تواصلية
مختلفة .وتخص هاته الوضعيات أفرادا أو جامعات .وبهذا املعنى يعرفه جون ديبوا بقوله:
"عندما تجتمع أكرث من لغة يف مجتمع واحد ،أو عند فرد واحد ليستخدمها يف مختلف أنواع
التواصل" .1إنه بتعبري آخر الوضع اللغوي لشخص ما أو لجامعة برشية معينة تتقن لغتني أو أكرث.2
وقد يتسع مفهوم التعدد اللغوي ليشمل مجاالت أخرى؛ فنتحدث عن شخص متعدد اللغات ،أو
مؤسسة متعددة اللغات ،أو بلد متعدد اللغات ،أو معجم متعدد اللغات ...يقول عيل القاسمي:
"ميكن تعريف التعدد اللغوي بأنه (استعامل أكرث من لسان واحد) أي استعامل أكرث من لغة
واحدة ،سواء كان هذا االستعامل يتعلق بالشخص ،أو مؤسسة ،أو نظام تعليمي ،أو قطر من
األقطار ،أو معجم ،أو ما شابه ذلك .فنقول :شخص متعدد اللغة ،أو بلد متعدد اللغة ،أو معجم
متعدد اللغة (مع مالحظة أن اللغات التي تفرق بني بني املثنى والجمع تطلق (تعدد اللغة) عىل
استعامل أكرث من لغتني" ،3لكن الذي يعنينا تحديدا يف هذه الدراسة هو التعدد اللغوي املتصل
ببلد ما ،أو ما يصطلح عليه بالتعدد الرسمي ،والذي تكون فيه للدولة سلطة ترسيم أكرث من لغة
وطنية يف دستورها ،فنكون حينها أمام دولة متعددة اللغات .واملثال املشهور كام يورد ذلك ديبوا
هو "دولة سويرسا حيث الفرنسية واإليطالية واألملانية هي لغات رسمية بها".4
والتعدد اللغوي ظاهرة مشرتكة ال يكاد يخلو منها وضع لغوي عىل اإلطالق .5ويفرتض ـ
أي التعدد اللغوي ـ وجود لغات تتعايش فيام بينها ،لكن هذا ال يعني عدم تفاوتها يف الكفاءة
واالستعامل .لهذا يرى الباحث املغريب محمد األوراغي أن التعدد اللغوي "يصدق عىل الوضعية
اللسانية املتميزة بتعايش لغات وطنية متباينة يف بلد واحد إما عىل سبيل التساوي إذا كانت
جميعها لغات عاملة كاألملانية والفرنسية واإليطالية يف الجمهورية السويرسية ،وإما عىل سبيل
1 Jean Dubois et autres, Dictionnaire de linguistique, Paris, Larousse, 1973, p 368.
2ميشال زكريا ،قضايا ألسنة تطبيقية :دراسات لغوية اجتماعية نفسية مع مقارنة تراثية ،ص ،35:بيروت -لبنان ،دار
للماليين ،ط.1993 ،1
3علي القاسمي" ،التعدد اللغوي والتنمية البشرية" على الرابط االلكتروني:
http://revue.ummto.dz/index.php/pla/article/viewFile/831/671
4 J. Dubois et autres, p 368
5باستثناء إيسلندة التي يعتبرها البعض االستثناء الوحيد الذي يؤكد القاعدة ،فجميع األقطار تضم جماعات لغوية مختلفة ما
يؤدي إلى التعدد اللغوي في كل قطر.
4
التفاضل إذا تواجدت لغات عاملة كالعربية بجانب عامية مثل الهوسا والغورناشمة والسوناي
زراما والتامشيق والفولفودة والتوبو يف جمهورية النيجر".1
ويزاحم التعدد اللغوي Plurilinguismeيف الداللة عىل الوضع اللغوي غري األحادي،
مصطلحان آخران هام :االزدواجية اللغوية Diglossieوالثنائية اللغوية .Bilinguismeوتستعمل
هاته املصطلحات الثالثة حتى لدى املختصني يف ما يشبه الرتادف ،ويرى أحد الباحثني أن
التمييز بينها ال يضيف جديدا للقارئ العريب خاصة ،ألن الوضع االزدواجي العريب تتعايش فيه
هاته املفاهيم الثالثة يف الوقت نفسه .فإذا كان التمييز بينها ممكن نظريا ،فإنه عمليا ليس باألمر
الهني.2
لقد تداخل مصطلحا االزدواجية والثنائية يف استعامل الباحثني تداخال كبريا" ،وأطلق
مصطلح االزدواجية عىل الثنائية والثنائية عىل االزدواجية .ونشأ عن هذا االختالط خلط يف
املفهومني ،واختالف واضح بشأن مكونات كل منهام" .3ويعزى ذلك حسب مارتينه إىل أن
حدود هاته املصطلحات غري واضحة املعامل بحكم أنها ظواهر ال تهم علامء اللغة وحدهم ،بل
يشرتك فيها كثري من العلامء عىل اختالف تخصصاتهم .4كام يعزى هذا االضطراب يف تحديد
مفهومي االزدواجية والثنائية يف البيئة العربية إىل اختالف مصادر الرتجمة بني فرنسية وإنجليزية،
"وقد أطلق عىل هذين التنوعني اللغويني ،ازدواجية اللغة Diglossiaوثنائية اللغة . Bilingualism
وعند ترجمة هذين املصطلحني نجد أنهام يحمالن نفس املعنى ،فمصطلح Diglossiaيتكون
من سابقة Diمعناها مثنى أو ثنايئ أو مضاعف ،و Glossومعناها لغة ،والحقة iaللحالة ،فحاصل
الرتجمة :صفة أو حالة لغة مثناة أو مضاعفة (الثنائية اللغوية) ،واملصطلح Bilingualismيتكون
من سابقة التنية Biمعناها مثنى أو مضاعف ،و Lingualلغوي ،والالحقة ismالدالة عىل
السلوك املميز أو الحالة أو الصفة ،فحاصل الرتجمة سلوك لغوي مثنى أو مضاعف (الثنائية
اللغوية) .فيظهر للوهلة األوىل أن املصطلحني يدالن عىل معنى واحد هو لغتان .إال أن الحقيقة
غري ذلك ،فاملصطلحان غري متطابقني ،بل يدل كل منهام عىل معنى مغاير ملا يدل عليه اآلخر".5
1محمد األوراغي ،التعدد اللغوي وانعكاسه على النسيج االجتماعي ،مطبعة النجاح الجديدة البيضاء ،منشورات كلية
اآلداب بالرباط ،ط ،2002 ،1ص .11
2الحبيب النصراوي ،في االزدواجية اللغوية والهوية العربية ،مجلة اإلذاعات العربية ،ع ( ،2013/3عدد خاص عن
وسائل اإلعالم واللغة العربية :مخاطر التحريف ..والعولمة) ،ص .11
3عباس المصري وعماد أبو الحسن ،االزدواجية اللغوية في اللغة العربية ،مجلة المجمع ،ع ،2014 /8ص .40
4ابراهيم كايد محمود ،العربية الفصحى بين االزدواجية اللغوية والثنائية اللغوية ،المجلة العلمية لجامعة الملك فيصل
(العلوم اإلنسانية واإلدارية) ،مجلد ،1ع ،3ذو الحجة /1422مارس ،2002ص .59
5نفسه ،ص .55
5
ويوظف مصطلح االزدواجية اللغوية يف اللسانيات االجتامعية لوصف األوضاع اللغوية
املشابهة للوضع اللغوي املزدوج الذي مرت به اليونانية .1فقد أطلقه الباحث الفرنيس وليام
ماريس Wiluam Marçaisسنة 1930عىل الوضع اللساين يف الجزائر يف كتاب سامه
"االزدواجية اللغوية العربية" » « Diglossie arabeحدد فيه االزدواجية اللغوية بحالة لغوية
يتعايش فيها نظامان لغويان يف مجتمع واحد ،فيؤديان وظائف تواصلية مختلفة .وهو ما ميكن أن
نعرب عنه يف جميع اللغات بوجود لغة مشرتكة ،وقد تسمى فصيحة أو رسمية ،ولغة خاصة ،وقد
تسمى لهجة أو عامية ،فينتج عن ذلك مستويني لغويني :واحد رفيع واآلخر وضيع.2
وأخذ مفهوم االزدواجية اللغوية مع الباحث األمرييك شارل فريجسون معنى التقابل بني
رضبني من االستعامل اللغوي لدى جامعة لغوية واحدة ،ترفع منزلة أحدهام فيصبح لغة للكتابة
والتعليم ،ويعترب معيارا ،وال يستعمل يف الخطاب إال مع الخاصة ،وتحط منزلة اآلخر ،فيظل لغة
للخطاب عند العامة .3وبذلك نكون أمام مستويني اثنني للسان الواحد؛ أحدهام فصيح واآلخر
عامي ،وتسند إىل كل منهام وظيفة اجتامعية ال يؤديها اآلخر .فاالزدواجية بهذا املعنى عند
فرجيسون مبثابة تنافس بني تنوعني لغويني للغة واحدة ،ولكل منهام وضع خاص من حيث
االستعامل داخل املجتمع.
ومل يسلم مصطلح الثنائية اللغوية هو أيضا من اضطراب يف حده؛ فقد عدهام البعض
مبعنى واحد .وذهب فيشامن حني وسع مفهوم االزدواج اللغوي إىل اتخاذ االستعامل معيارا
للتفريق بينهام؛ فقد عد املصطلحني وجهان لعملة واحدة ،وال فرق بينهام إال من حيث
االستعامل فقط عىل مستوى الفرد واملجتمع .يقول":ثنائية اللغة صفة مميزة للترصف اللغوي
عىل املستوى الفردي ،أما ازدواجية اللغة فإنها خاصية من خصائص التنظيم اللغوي عىل مستوى
املجتمع ،ثنائية اللغة هي سمة االستخدام اللغوي من قبل األفراد ،بينام ازدواجية اللغة وصف
لتخصيص املجتمع لوظائف معينة للغات أو لهجات مختلفة" .4فالثنائية بهذا املعنى نشاط
فردي ،بينام االزدواجية تتعلق بنشاط الجامعة اللسانية ككل.
يتضح إذن أن ملفهوم الثنائية كام هو الحال بالنسبة لالزدواجية تعقدا وأحيانا غموضا نشري
إليه بتعدد الوجوه التي ميكن أن يرد عليها يف الدراسات اللسانية االجتامعية ،ومنها أن الثنائية
1كانت اليونانية تستخدم مصطلح Diglossiaللتمييز بين اللغة اليونانية النقية المعروفة ب (كاثاريفوسا)
( )Katharévousaوما ينافسها من استعماالت شعبية تسمى (ديموطيقية) ( ،)Démotiqueوهذا شأن لغوي عرفته كل
اللغات التي تأسست على مفهوم التوقيفية ،ولم تقر بمبدأ التطور الذي يسمح بظهور لهجات ،أو فصاحات جديدة .الحبيب
النصراوي ،ص.11-10
2نفسه ،ص.11
3نفسه.
4ابراهيم كايد محمود ،ص .59
6
اللغوية قد تأيت للتعبري عن :املعنى الحريف للمصطلح؛ أي الوضع الذي يستعمل فيه املتكلم
لغتني مختلفتني؛ ولكن قد يأيت أيضا للداللة عىل الوضع الذي يستعمل فيه املتكلم لغات
متعددة؛ أو الوضع الذي تتجاور فيه لغات أو لهجات مختلفة خاصة يف املناطق الحدودية،
ويستعملها السكان بالتناوب حسب وجودهم يف كل منطقة؛ وأحيانا تستعمل الثنائية يف حالة
تأهيل لغتني فأكرث لتصبحا لغتني رسميتني قانونيتني متساويتني ،يف كل األوضاع يف بلد واحد،
مثلام هو الشأن يف بلجيكا حيث تتعايش الفالمية الهولندية والفالونية الفرنسية ،وحيث تتعايش
األملانية واإليطالية والفرنسية يف ثالث مناطق مختلفة من البالد ،وقد يطلق مصطلح الثنائية
اللغوية كذلك يف حال إدراج لغة ثانية استعامرية أو عاملية مع اللغة الوطنية الرسمية ،ألسباب
سياسية أو معرفية كتعلم اللغات الحية يف أغلب دول العامل يف مثل اإلنجليزية والفرنسية.1
وبالعودة إىل مفهوم التعدد اللغوي كام أوردناه سلفا عند ديبوا ،فإنه ال يخالف مفهوم
الثنائية إال من حيث عدد اللغات الذي يصبح أكرث من لغتني .ويؤكد الباحث التونيس الحبيب
النرصاوي أن التعريفات املقدمة للمفاهيم الثالثة عىل تنوعها ال تختلف جوهريا ،فهي يف
االزدواجية اللغوية تحاول حرص الظاهرة اللغوية يف تعدد لغوي داخل نظام لغوي واحد ،ولكنها
اضطرت إىل توسيعه إىل نظامني لغويني متميزين أو أكرث؛ وهي يف الثنائية اللغوية تبدو مرتبطة
باست خدام الفرد للغتني متميزتني أو أكرث ،فالثنائية اللغوية فردية واالزدواج اللغوي جامعي ،لكن
عمم مصطلح الثنائية اللغوية عىل الجامعة اللغوية أيضا ليقرتب من مصطلح االزدواجية اللغوية؛
وهي يف التعدد اللغوي استخدام الفرد داخل مجموعة لغوية واحدة لغتني فأكرث حسب طروف
الخطاب ،ثم أطلق ذلك عىل الجامعة اللغوية .2ويخلص الباحث إىل أن الحدود بني هاته
املصطلحات الثالثة تضعف ،خاصة يف املستوى العميل ،ونقصد به هنا الوضع العريب؛ ففيه
ميكن إطالق املصطلحات الثالثة فال فرق بينها ،وسنجد دامئا يف الواقع العريب ما يدعمها.3
1الحمزاوي محمد رشاد ،المعجمية ،مركز النشر الجامعي ،تونس ،2014ص 173ـ.173
2الحبيب النصراوي ،ص .12
3نفسه.
4ابن فارس ،مقاييس اللغة ،ج ،2باب النون والميم وما يثلثهما ،تحقيق ابراهيم شمس الدين ،دار الكتب العلمية ،ط،2
.2008
5نفسه.
6ابن منظور ،لسان العرب ،ج14ص ،297دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،ط ،3بيروت .1999
7
ويقال" :ومنّيت النار تنمية إذا ألقيت عليها حطبا وذكيتها به ،ومنيت النار رفعتها وأشبعت
وقودها".1
وقد اصطحب مفهوم التنمية معنى الزيادة يف داللته االصطالحية ،إال أنه أخذ يف بداية
ظهوره بعدا اقتصاديا ،بحيث ارتبط باطراد النمو يف إنتاجية العمل ،ويف تحقيق الزيادة يف الدخل
القومي .لكنه ما فتئ أن تطور ليشمل الجوانب االجتامعية والثقافية والسياسية ،فاكتست التنمية
بذلك طابع الشمولية مع ظهور ما اصطلح عليه بالتنمية البرشية أحيانا ،وبالتنمية اإلنسانية أحيانا
أخرى ،قبل أن يربز للوجود الجيل الجديد املصطلح عليه بالتنمية املستدامة .فالتنمية إذن بهذا
املعنى الشامل "ال تقترص عىل عنرص من عنارص اإلنتاج ،بل تشمل اإلنسان واألرض معا ،وال
تكون لفائدة فئة من املواطنني دون غريهم ،وال ملصلحة جهة دون أخرى ،بل يشارك فيها الجميع
رجاال ونساء يف جميع أنحاء البالد ،وتعم فائدتها جميع املواطنني ،وهدفها تحسني نوعية الحياة
ليتمكن كل مواطن يف العيش بطريقة تليق بالكرامة اإلنسانية".2
إنها تنمية ال ترتكز عىل جانب دون آخر ،بل تنظر إىل املجتمع واإلنسان باعتباره كيانا
متكامال غري قابل للتجزئة" .من أجل هذا ميز كثري من الباحثني بني التنمية اإلنسانية ومفهوم
التنمية البرشية ،واعتربوا التنمية اإلنسانية تعبريا أفضل من املفهوم الذي جاء به برنامج األمم
املتحدة اإلمنايئ ،أي التنمية البرشية ،إشارة إىل التفرقة الدقيقة بني البرشية كمجموعة من
املخلوقات أو الكائنات ،وبني اإلنسانية كحالة راقية من الوجود البرشي".3
إن تحقيق تنمية شاملة ومتوازنة يعم نفعها كل أفراد املجتمع وفئاته ،وتستفيد منه كل جهات البالد
بشكل عادل ،رهني بتوفر جملة رشوط أجملها الباحث عبد العايل الودغريي يف ما ييل:
أـ رأس مال برشي :إذ ال بد لكل تنمية من طاقة برشية ،وهاته الطاقة البرشية ينبغي أن تفعل
وتستثمر عىل أكمل وجه أفقيا وعموديا؛ أفقيا بتوسيع قاعدة مشاركتها ،وعموديا بأن تنمى خربتها
ليكون إسهامها أكرث جدوى وفاعلية .4ويخلص الباحث إىل أن هناك دافعني قويني لتفجري طاقات
املجتمع وتحريك آلة التنمية والحصول عىل قدر أكرب من الجودة والفاعلية ،أال وهام:
ـ إتاحة فرصة املشاركة واملنافسة أمام الجميع دون تهميش أو إقصاء أو إهامل ألي عنرص أو فرد
أو فئة من املجتمع.
1نفسه.
2نفسه ،ص .24-23
3إدريس مقبول ،اللغة العربية من سؤال الهوية إلى رهان التنمية ،ندوة اللغة العربية والتنمية البشرية ،ج ،1سلسلة ندوات
ومؤتمرات ،مركز الدراسات والبحوث اإلنسانية واالجتماعية ،ط ،1وجدة ،2011 ،ص.153
10
ويستفاد من هذا الكالم أن اعتامد لغة وطنية مشرتكة هو أحد دعامات التنمية ،ويف املقابل فإنه
من املستبعد ـ كام يقول فلوريان كوملاس ـ أن يكون املستوى املرتفع من النمو االجتامعي
واالقتصادي متوافقا مع التعدد اللغوي .وهذا الرأي يعكس اعتقادا شائعا عند كثري من املخططني
اللغويني يستند إىل تلك الدرجة من التوافق بني األحادية اللغوية الفعلية ،والتطور االقتصادي
الحاصل يف البالد املصنعة" .1ولتأكيد رأيه ،أورد الباحث جداول إحصائية أبرز من خاللها
التناسب الواضح بني عدد السكان ومستوى الدخل الفردي وعدد اللغات .والحظ أن "عدد
اللغات يف الدول الصناعية يكون يف خانة اآلحاد ،بينام يكون بالدول النامية يف خانة العرشات
واملئات" .2ونبه كوملان إىل أنه "حتى يف البالد التي تتمتع فيها لغات عدة بالوضع الرسمي فإن
وضع الدولة القومية تجعل السيادة للغة واحدة عىل وجه العموم ،بينام تختزل اللغات األخرى
بدرجة أكرب أو أصغر يف أداء وظائف ثانوية فولكلورية ذات أهمية رمزية غري عملية ،والحكومة
بشكل خاص تستخدم لغة واحدة عىل العموم ،وحيث ال يكون هذا الوضع قامئا ،ينظر لألمر
باعتباره خلال".3
إن اعتامد الدولة القومية ألكرث من لغة واحدة لغة رسمية هو وضع مختل حسب كوملان،
ألن التعدد اللغوي عادة مرتبط مبستوى منخفض من التنمية االقتصادية ،وبشكل خاص يف البالد
التي تفتقر إىل لغة مشرتكة مسيطرة كام هو الشأن يف كثري من الدول اإلفريقية .4وخلص الباحث
إىل أنه كلام قلت اللغات ارتفع الدخل الفردي من الناتج القومي اإلجاميل 5ومثل لذلك باليابان
التي استطاعت سد فجوة التطور واللحاق بأكرب البالد الصناعية تقدما ،والحظ أنه بلد متجانس
لغويا بدرجة عالية .وأكد يف املقابل نقال عن جونثان بول يف دراسة له بعنوان "التنمية الوطنية
والتعدد اللغوي "أن البالد املجزأة لغويا بشكل كبري بالد فقرية دامئا".6
إن عالقة التعدد اللغوي بالتخلف االقتصادي فكرة دافع عنها كثري من الباحثني ،ومن
هؤالء اللغوي الفرنيس لويس جان كالفي الذي تساءل :هل من قبيل املصادفة أم من قبيل
الرضورة أن نجد الدول أو القارات األكرث فقرا هي األكرث من حيث عدد اللغات ،وأن الدول أو
القارات األكرث غنى هي األكرث ميال أو توجها نحو التوحد اللغوي؟ وهل نحن إذا ما لجأنا مثال
إىل كتابة كل اللغات اإلفريقية واستعاملها جميعا يف التعليم واالعرتاف بها رسميا ،سوف يفيد
1فلوريان كولماس ،اللغة واالقتصاد ،ترجمة أحمد عوض ،مراجعة عبد السالم رضوان ،منشورات عالم المعرفة ،ع
،263نونبر ،2000ص.34
2نفسه.
3نفسه ،ص.35
4نفسه.
5نفسه ص .38-37
6نفسه ،ص .34
11
ذلك يف تحسني وضعية متكلمي هذه اللغات ويف التنمية الداخلية ،ويف مكافحة العولة والحد
1
من موت أطفال وانتشار اإليدز؟
يف املقابل هناك رأي آخر ال يرى وجود عالقة سببية بني التعدد اللغوي والتخلف ،كام ال
يؤمن باطراد القاعدة التي تربط بني التوحد اللغوي والتنمية والتطور .وينطلق هذا التصور من
حقيقة مفادها استحالة وجود بلد أحادي اللغة ،وهذا معناه أن مصري اإلنسان هو أن يكون يف
مواجهة اللغات املتعددة ال أن يكون يف مواجهة اللغة الواحدة .2ويتأكد هذا الرأي بحقيقة أخرى
تتمثل يف أن السياسات اللغوية العاملية تتجه اليوم نحو تبني مسألة التعدد باعتباره مظهر قوة
برشط التحكم فيه وتوجيهه .وأغلب الدول املتقدمة تسري يف اتجاه االعرتاف بتعدد اللغات حتى
يف املستوى الرسمي ،وخاصة يف البلدان التي فيها مجموعات لغوية مختلفة.3
4ـ من أجل تدبري أفضل للتعدد اللغوي باملغرب:
ملا هبت رياح الربيع العريب عىل املغرب" ،أتيحت الفرصة للفاعل املجتمعي لجعل
السؤال اللغوي جوهر اإلصالح والبناء املنتظرين .وانتقل السؤال اللغوي من النقاش النخبوي
نحو جعله حالة مجتمعية وجزءا رئيسا من التداول العمومي" .4وأفرز الحراك الشبايب يف نسخته
املغربية دستورا جديدا كان من أهم مستجداته نقل الوضع اللغوي املغريب من وضع األحادية
إىل وضع التعددية باعرتافه باألمازيغية لغة رسمية إىل جانب العربية .وقد نص الفصل الخامس
من الوثيقة الدستورية عىل ما ييل:
ـ تظل العربية اللغة الرسمية للدولة ،وتعمل الدولة عىل حاميتها وتطويرها ،وتنمية استعاملها.
ـ تعد األمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة ،باعتبارها رصيدا مشرتكا لجميع املغاربة ،بدون استثناء.
ـ يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي لألمازيغية ،وكيفيات إدماجها يف مجال
التعليم ،ويف مجاالت الحياة العامة ذات األولوية ،وذلك ليك تتمكن من القيام مستقبال بوظيفتها
بصفتها لغة رسمية.
ـ صيانة الحسانية وحامية اللهجات والتعبريات الثقافية املستعملة يف املغرب.
ـ السهر عىل انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية ،وعىل تعلم وإتقان اللغات األجنبية األكرث
تداوال يف العامل.
12
ـ إحداث مجلس وطني للغات والثقافة املغربية ،مكلف بحامية وتنمية اللغتني العربية
واألمازيغية ،ومختلف التعبريات الثقافية املغربية .ويضم كل املؤسسات املعنية بهذه
املجاالت .ويحدد قانون تنظيمي صالحياته وتركيبته وكيفيات سريه.
نحن بهذا النص الدستوري أمام تعدد لغوي يتشكل من لغتني رسميتني هام العربية
واألمازيغية ،إىل جانب التعبريات اللهجية .وإىل جانب هذا التعدد الرسمي ،يشهد الواقع
املغريب منذ االستقالل تعددا لغويا مجحفا ،يربز يف اإلعالم واإلدارة والشأن العام من خالل
هيمنة مطلقة للغة الفرنسية باعتبارها لغة التداول األساسية عىل حساب اللغتني الرسميتني العربية
واألمازيغية .وهذا اإلجحاف يف حق اللغة الوطنية يجد له الباحث جيلرب غرانغيوم تفسريا يف
عالقة السلطة الحاكمة باللغة .فاألمر ـ حسب الباحث ـ يتعلق مبا أسامه ترميز الحكم؛ أي جعل
املؤسسة امللكية رمزا للوحدة الوطنية .وباملقابل يتيح هذا الرتكيز الرمزي للحكم تعددية معاشة
بشكل جيد وعىل جميع املستويات لغويا وإثنيا واجتامعيا .1وبهذا املنطق السيايس ال تشكل
اللغة محط إجامع أو وحدة وطنية ألنها نفسها متعددة األقطاب" .ويف هذا السياق تعد اللغة
العربية هي اللغة املقدسة ،كام أنها تحافظ عىل القيم إلسالمية التي تشكل دعامة العرش.
وميكن لهذه اللغة أن تستوعب الحداثة بشكل بطئ وجزيئ .لكن مبا أنه ليس هناك رضورة
سياسية مستعجلة لهذا االستيعاب ،فالفرنسية موجودة هنا لتؤدي هذه الوظيفة بكيفية مرضية جدا.
ومبا أن امللكية تستفيد من هذه التعددية ،فهي ليس لها أي مصلحة يف تحول اللغة العربية إىل
لغة وطنية موحدة ما دامت هي نفسها (أي امللكية) رمزا للوحدة الوطنية".2
هذا التعامل املصلحي الرباغاميت للسلطة مع اللغة العربية هو نفسه املنطق الذي حكم
تعامل النخبة الحاكمة مع األمازيغية ،فجاء ترسيم األمازيغية استجابة ملطالب الحركة األمازيغية
وتفاديا ألي اضطرابات محتملة ،فكان الرتسيم بذلك جوابا سياسيا يروم امتصاص غضب فئات
اجتامعية شعرت بالغنب يف حقها اللغوي ،وليس جوابا علميا للوضع اللغوي باملغرب .وهكذا
"متيز تعامل الدولة مع القضية اللغوية عموما بالضبابية وعدم الوضوح يف كثري من األحيان ،بل
اإلرصار عىل واقع "الفرنسة"".3
أمام هذا الوضع اللغوي يطرح سؤال التدبري بإلحاح؛ وهو سؤال يرتبط بسؤال السياسة
اللغوية .فأي سياسة لغوية نريد لهذا الوطن؟ وكيف ميكن أن يدبر التعدد اللغوي ليكون عامل
ثراء بعيدا عن التقاطب الهويايت ،وعنرصا مساهام بفعالية يف قاطرة التنمية ،وليس معول هدم؟
جيلبير غرانغيوم ،اللغة والسلطة والمجتمع في المغرب العربي ،ترجمة محمد أسليم ،إفريقيا الشرق ،2011 ،ص.67 1
13
ال شك أننا بحاجة إىل بلورة منوذج مغريب ،يستوحي التجارب العاملية يف تدبري التعدد اللغوي،
ويستحرض الخصوصية املغربية ،ويقوم عىل تدبري أمثل للتعدد اللغوي ،ومقاربة شاملة تحافظ
للشخصية املغربية عىل تفردها واستقاللها .وميكن أن نجمل أهم هاته املقاربة يف ما ييل:
أـ مبدأ صيانة الوحدة الوطنية:
إذ ال ميكن أن يفيض تدبري التعدد اللغوي إىل مشاريع التجزئة عىل أساس لغوي ،بل ال
بد أن يتم هذا التدبري يف إطار الوحدة الوطنية ،والحرص عىل صيانتها ،واعتبار ذلك خطا أحمر
ال ميكن تجاوزه" .فالنقاش اللغوي ينبغي أن يكون مؤطرا بالحفاظ عىل السيادة الوطنية دون
استغالل لتنفيذ أجندات خارجية ،أو الرهان عىل العالقات باآلخر من أجل فرض مصالح فئوية".1
ومام ميكن أن يقوض دعائم هاته الوحدة الوطنية محاولة البعض افتعال الحرب بني
العربية واألمازيغية ،والتسويق املغرض لفهم مغلوط لشعار تعريب التعليم الذي رفع غداة
االستقالل من أجل تخليص التعليم من هيمنة الفرنسية ،حيث يحاول دعاة مشاريع التجزئة إقناع
أنصار الحركة الثقافية األمازيغية أن "التعريب" هو املقابل املوضوعي "للتمزيغ" .والحقيقة أن أي
رصاع بني العربية واألمازيغية وراءه لويب فرنكفوين غايته التمكني للفرنسية عىل حساب اللغتني
الوطنيتني.
إن العربية واألمازيغية لغتان شقيقتان "تشرتكان يف األصول العريقة البعيدة يف التاريخ،
ويف املهد املحتد منطلقا ومستقرا ،ويف أساليب التطور الطبيعي للغات تبعا لحركيتها وكمونها".2
لقد كشفت األحداث املتتالية عن وجود تيار داخل الحركة الثقافية األمازيغية يريد تهريب
األمازيغية ورهنها بأجندات خارجية ،إال أن الحس الوطني يقتيض أن تعود األمازيغية إىل "إرثها
الغني الذي مل تبتعد عنه يوما من األيام ،وهو اشرتاكها مع تلك العائلة اللغوية التي ال يعجبنا أن
نسميها "حامية سامية" ألنها "عروبية أمازيغية" يف املعنى الحضاري الواسع ..وقد عرف املغاربة
كلهم كيف يسبكون خالل كل تاريخهم ،من تفرعات ذلكم األصل عىل مدى شساعته ،وحدة
مرتاصة لصنيع اختاروه هم أنفسهم عندما تحدث العريب القح األمازيغية يف جبال الوطن ومل يعد
يعرف غريها ،وعندما صار األمازيغي القح راوية لغريب اللغة العربية مل يتفوق عليه غريه فيها،
ورمبا مل يعرف غريها".3
15
يف النازا بالواليات املتحدة" .1نفس اليشء يقال عن األمازيغية التي هي ملك للمغاربة جميعا،
وال يحق ألحد أن يحتكر الدفاع عنها من منطلق عرقي ،ألن ذلك من دواعي إضعافها.
ج ـ مبدأ التوزيع الوظيفي للغات:
يشدد عدد من العلامء عىل أن اللغات ليست كلها متساوية من حيث الوظائف التي تقوم
بها رغم كونها متساوية من الناحية اللسانية .يقول لويس جان كالفي" :ليست كل األلسنة
املتواجدة يف هذا العامل املتعدد اللغات ذات وظيفة واحدة ،وليس لها نفس الدور وال نفس
االنتشار" .ثم يضيف قائال":مهام بدت اللغات يف نظر اللسانيني متساوية ..فإن الحقيقة هي أن
اللغات يف األساس ليست متساوية" .2واملتأمل يف كالم الباحث يجده مييز بني تصورين للغة :ـ
تصور اللسانيات الوصفية :والتي تنظر للغة باعتبارها نسقا رمزيا ،واللغات بهذا املنظور متساوية،
وال ميكن االدعاء أن لغة أفضل من أخرى يف نسقها اللساين ،وهي جميعها جديرة بالدراسة
والتحليل .ـ وتصور اللسانيات االجتامعية :التي ينصب اهتاممها عىل عالقة اللغة باملجتمع،
والوظيفة التي تقوم بها اللغة يف مختلف مجاالت الحياة اإلنسانية .وهنا ال ميكن أن نسوي بني
األلسنة ،إذ "ليست األلسنة كلها متساوية القيمة ..والقول بعكس هذا إمنا هو نوع من العمى أو
الدمياغوجة التي تعطي نفس القيمة واألهمية لكل من الدبابة والفيل .ومن املستحيل أن تضع
هاته وتلك يف مستوى واحد إال يف حالة النظر إليها من زاوية العلم الذي يصفها .أما القول بأن
كال من اللغة الفيل ( )la langue éléphantواللغة البعوض ( )la langue moustiqueهام يف
النهاية لغة من اللغات ،فذلك مجرد رضب من الحشو .وسيكون إذن من باب الالواقعية أن نقول
إن كل الخمسة آالف لغة املوجودة يف العامل لها وزن واحد وقيمة واحدة يف سوق اللغات ،ولها
نفس االستعامل ومستقبلها واحد".3
إن الناظر إىل اللغات من موقع العلم الواصف لها ،أي اللسانيات ،يجدها متساوية يف
مجمل الظواهر اللسانية التي تستحق الدراسة والتحليل ،لكن الناظر إليها من زاوية وظيفتها
وأهليتها يف توطني مجتمع املعرفة ،واملساهمة الفعالة يف قاطرة التنمية ،يتساءل" :كيف تسوي
بني لغة تجر تاريخا وراءها طويال من املامرسة العلمية والفكرية والتقنية ،وتتوفر عىل مكتبة
ضخمة وتجربة طويلة وخربة قرون عديدة يف التأليف والكتابة يف كل املجاالت ،وأخرى ما تزال
يف مرحلة الطفولة أو الطور الشفوي ،ومل تدخل طور الكتابة بعد؟ ومن ثم فإنه ال يستطيع أي بلد
نفسه ،المادة 10من الباب الرابع المتعلق بمؤسسات وهيأت المجلس الوطني. 2
18
تتبوأ الفرنسية هاته املكانة دون حامية دستورية ،فيام يتم تهميش اللغتني الوطنيتني وهام
محميتان دستوريا؟
إن مهمة املجلس الوطني للغات جسيمة بالنظر لجسامة املسؤولية امللقاة عىل عاتقه يف
وضع السياسات اللغوية .وال شك أن هاته املهمة لن تتحقق عىل الشكل املطلوب إال إذا كانت
املقاربة العلمية هي الحكم يف تدبري التعدد اللغوي قصد "ضبط الفوىض اللغوية والرصاعات
الهوياتية من خالل فتح حوار حقيقي وجدي وعلمي يروم التنسيق بني الكيانات اللسانية،
والتوزيع العادل لها بشكل يجنبنا التجاذب والرصاع الذي لن يستفيد منه املغريب التائه بني واقع
هيمنة اللغات األجنبية وحديث البعض عن لغات الهوية .واألجمل من ذلك هو وعي الدولة
برضورة تدخلها عرب إرشاك األكادمييني واملؤسسات املختصة".1
خامتة:
لقد حاولنا من خالل هاته الورقة مقاربة ظاهرة التعدد اللغوي باملغرب وعالقته بسؤال
التنمية؛ وتوقفنا بداية عند تعريف املفاهيم املركزية ،وتحديدا مفهومي التعدد اللغوي والتنمية،
ثم بسطنا قول العلامء يف التأثري السلبي للتعدد اللغوي عىل مسار التنمية ،وأبدينا رأينا بخصوص
الوضع اللغوي باملغريب ،وخلصنا إىل رضورة اعتامد مجموعة من املبادئ األساسية يف وضع
السياسة اللغوية.
وختاما نقول :إن ما جاءت به الوثيقة الدستورية والقوانني التنظيمية بخصوص املسألة
اللغوية مهم لكنه يبقى دون املستوى املطلوب ،فتدبري التعدد اللغوي يحتاج إىل فتح حوار
وطني علمي رصني ،ومقاربة املوضوع مقاربة شاملة تتأسس عىل املبادئ املشار إليها سلفا،
وتتجاوز اختزال القضية يف ترسيم هذه اللغة أو تلك ،إىل رضورة وضع آليات لتأهيل اللغتني
الوطنيتني ملواكبة مشاريع التنمية ،وتحقيق األمن اللغوي عرب توزيع وظيفي للغات من خالل
املجال التداويل الذي تنتمي إليه .وال شك أن ذلك لن يتحقق ما مل يتمتع كل الفاعلني يف
الحقل اللغوي بحس وطني يجعل املصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.
19