You are on page 1of 22

‫حسن سرحان جاسم الزلزيل‬

‫مقاالت‬
‫بعض مشاكل الرتمجة األدبية وصعوباتها‬
‫قصة املانيكان للكاتب الفرنسي أالن‬
‫ﺑﻌﺾ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ ﻭ ﺻﻌﻮﺑﺎﺗﻬﺎ ‪ :‬ﻗﺼﺔ ﺍﻟﻤﺎﻧﻴﻜﺎﻥ ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﺃﻻﻥ ﺭﻭﺏ‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪:‬‬
‫ا‬ ‫ﻏﺮﻳﻴﻪ ﻣﺜﺎﻻً‬

‫ﻟﺒﻨﺎﻥغرييه مثاال‬
‫روب ‪-‬‬‫ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ‪-‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‪:‬‬

‫(‪)‬‬ ‫ﺍﻟﺰﻟﺰﻟﻲ‪ ،‬ﺣﺴﻦ ﺳﺮﺣﺎﻥ ﺟﺎﺳﻢ‬ ‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪:‬‬


‫حسن سرحان جاسم الزلزيل‬
‫ﻣﺞ‪ ,5‬ﻉ‪16‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‪/‬ﺍﻟﻌﺪﺩ‪:‬‬
‫ﻧﻌﻢ‬ ‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‪:‬‬
‫مشاكل خاصة هبا‪ .‬ميكننا القول ابلتأكيد إن الشيء نفسه ينطبق على أي من‬ ‫ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‪:‬ح الرتمجة االدبية‬
‫‪2014‬‬ ‫تطر‬ ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‬
‫ﺷﺘﺎﺀ‬ ‫ﺍﻟﺸﻬﺮ‪:‬‬
‫جماالت الرتمجة األخرى‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الرتمجة يف ققل األد تنطوي على مشاكل ذات أبااد ال يشتمل‬
‫‪141 - 161‬‬ ‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‪:‬‬

‫‪ 718425‬تلك اخلصوصية هي أن عدة عوامل اجتماعية ولغوية وثقافية ومنهجية‬


‫ﺭﻗﻢ ‪:MD‬عليها غريها من امليادين وسبب‬
‫ﺑﺤﻮﺙ ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ‬ ‫ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‪:‬‬
‫‪ ACI,‬بنص أديب‪.‬‬
‫‪ AraBase‬األمر‬
‫تتداخل بينها عندما يتالق‬ ‫ﻗﻮﺍﻋﺪ ونظرية‬
‫ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪:‬‬

‫ﺭﻭﺏمسات فريدة‬ ‫ﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ‪ ،‬ﺍﻷﺩﺏ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ‪ ،‬ﻗﺼﺔ ﺍﻟﻤﺎﻧﻴﻜﺎﻥ‪ ،‬ﻏﺮﻳﻴﻪ‪ ،‬ﺃﻻﻥ‬
‫جمتمع‬ ‫وألن األد ‪ ،‬ابألساس‪ ،‬حمض ظاهرة لغوية ونتاج ثقافة ماينة فإنه يكتسب يف كل‬ ‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‪:‬‬
‫‪https://search.mandumah.com/Record/718425‬‬ ‫ﺭﺍﺑﻂ‪:‬‬
‫من نوعها قد ال جتد نظريا هلا يف جمتمع اخر‪ .‬ذلك أن لكل أمة لغة وثقافة مها أهم الاناصر اليت حتدد‬

‫األديب حيمل يف طياته بادا ثقافيا وهو ما يناكس‬ ‫شكل ومضمون النص االديب‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن اخلطا‬

‫ليس فقط يف األفكار واملشاعر‪ ،‬مجاية كانت أم ذاتية‪ ،‬والصور اليت يابئ الكاتب هبا نصوصه‪ ،‬ولكن أيضا‬

‫يف كيفية التابري عن كل ذلك‪ .‬رمبا هلذا السبب‪ ،‬دون غريه‪ ،‬ميتاز األد خباصية وجود عالقة وثيقة جدا له‬

‫مع اللغة اليت ينتشر هبا قىت إنه ميكن القول‪ ،‬وليس يف ذلك مبالغة بل إقرار حبقيقة واقاة‪ ،‬أن األد ما‬

‫كان له أن يوجد لوال اللغة‪ .‬يف هذه احلالة‪ ،‬فإن اللغة وسيط لكنه ليس كأي وسيط إذ بدون وساطته ال‬

‫ميكن تصور وجود مادي ألد رفيع ال سيما إذا كان األمر يتالق مبجتمع ذي ثقافة مكتوبة‪.‬‬

‫يف املرقلة االوىل من حبثنا‪ ،‬نقرتح أن نارض أفكاران خبصوص الرتمجة األدبية مبجملها وذلك عن طريق‬

‫طرح جمموعة من األسئلة ملخصها التايل ‪ :‬ما هي الرتمجة االدبية ؟ ما خصوصيتها؟ ما الذي جيال منها‬
‫© ‪ 2018‬ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ‬
‫بغداد‪.‬‬ ‫(‪)‬أستاذ يف كلية اللغات ‪ /‬جاماة‬
‫ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺩﺍﺭ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫حسن سرحان جاسم الزلزيل‬

‫مقاالت‬
‫بعض مشاكل الرتمجة األدبية وصعوباتها‬
‫قصة املانيكان للكاتب الفرنسي أالن‬
‫ا‬
‫روب ‪ -‬غرييه مثاال‬
‫(‪)‬‬
‫حسن سرحان جاسم الزلزيل‬

‫تطرح الرتمجة االدبية مشاكل خاصة هبا‪ .‬ميكننا القول ابلتأكيد إن الشيء نفسه ينطبق على أي من‬

‫جماالت الرتمجة األخرى‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن الرتمجة يف ققل األد تنطوي على مشاكل ذات أبااد ال يشتمل‬

‫عليها غريها من امليادين وسبب تلك اخلصوصية هي أن عدة عوامل اجتماعية ولغوية وثقافية ومنهجية‬

‫ونظرية تتداخل بينها عندما يتالق األمر بنص أديب‪.‬‬

‫وألن األد ‪ ،‬ابألساس‪ ،‬حمض ظاهرة لغوية ونتاج ثقافة ماينة فإنه يكتسب يف كل جمتمع مسات فريدة‬

‫من نوعها قد ال جتد نظريا هلا يف جمتمع اخر‪ .‬ذلك أن لكل أمة لغة وثقافة مها أهم الاناصر اليت حتدد‬

‫األديب حيمل يف طياته بادا ثقافيا وهو ما يناكس‬ ‫شكل ومضمون النص االديب‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن اخلطا‬

‫ليس فقط يف األفكار واملشاعر‪ ،‬مجاية كانت أم ذاتية‪ ،‬والصور اليت يابئ الكاتب هبا نصوصه‪ ،‬ولكن أيضا‬

‫يف كيفية التابري عن كل ذلك‪ .‬رمبا هلذا السبب‪ ،‬دون غريه‪ ،‬ميتاز األد خباصية وجود عالقة وثيقة جدا له‬

‫مع اللغة اليت ينتشر هبا قىت إنه ميكن القول‪ ،‬وليس يف ذلك مبالغة بل إقرار حبقيقة واقاة‪ ،‬أن األد ما‬

‫كان له أن يوجد لوال اللغة‪ .‬يف هذه احلالة‪ ،‬فإن اللغة وسيط لكنه ليس كأي وسيط إذ بدون وساطته ال‬

‫ميكن تصور وجود مادي ألد رفيع ال سيما إذا كان األمر يتالق مبجتمع ذي ثقافة مكتوبة‪.‬‬

‫يف املرقلة االوىل من حبثنا‪ ،‬نقرتح أن نارض أفكاران خبصوص الرتمجة األدبية مبجملها وذلك عن طريق‬

‫طرح جمموعة من األسئلة ملخصها التايل ‪ :‬ما هي الرتمجة االدبية ؟ ما خصوصيتها؟ ما الذي جيال منها‬

‫(‪)‬أستاذ يف كلية اللغات ‪ /‬جاماة بغداد‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫العربية والرتمجة ‪ /‬مقاالت‬

‫موضوعا للاديد من النظرايت ؟ من هو املرتجم االديب ؟ هل النص املرتجم عبارة عن إعادة كتابة‪ ،‬حماكاة‪،‬‬

‫أم نسخ للنص األصلي ؟ هل أن الرواية أو املسرقية أو القصيدة املرتمجة تكون ذات قيمة أقل من االصل ؟‬

‫هل من الصحيح القول إن ال شيء ياادل األصل؟ إذا كان األمر كذلك فما الداعي ألن نستمر ابلرتمجة ؟‬

‫هل إبمكان ترمجة سيئة قتل الامل ؟ وهل لرتمجة جيدة أن تايد باثه ؟ وأقريا هل نستطيع ترمجة كل شيء؟‬

‫مباىن اخر هل أن النص األديب عاملي اىل درجة أنه يقبل الرتمجة إىل كل اللغات ؟‬

‫اجلانب التطبيقي من حبثنا نارض فيه ترمجتنا إلقدى قصص الكاتب الفرنسي املاروف أالن رو ‪-‬‬

‫غرييه)‪ . (Alain Robbe- Grillet‬نطرح هذه املرة أسئلة من نوع اخر تتناول النص املرتجم وكاتبه مثل‪:‬‬

‫ما خصوصية كتاابت رو ‪ -‬غرييه ؟ مل تطرح حماولة ترمجة نصوصه اىل الاربية‪ ،‬مشاكل خاصة غري تلك‬

‫اليت تطرقها نصوص جمايليه من كتا الرواية اجلديدة ؟ ما أفضل طريقة ميكن ملرتجم بواسطتها نقل هذه‬

‫النصوص مع احلفاظ على عبقرية استخدام رو ‪ -‬غرييه للغة الفرنسية ؟ هل الرتمجة احلرة هي احلل ؟ هل‬

‫الرتمجة االلية ممكنة مع رو ‪ -‬غرييه ؟ ملاذا جيب على مرتجم هذا األخري أن يتمتع حبس نقدي وحتليلي‬

‫وأن يكون قارائ مثابرا؟ كل هذه األسئلة بدت لنا جوهرية وسنحاول اإلجابة عنها أبدق ما ميكن‪.‬‬

‫أوال‪ :‬بعض املشاكل اخلاصة بالرتمجة األدبية‬

‫‪ .1‬من هو املرتجم األديب؟‬

‫إن ترمجة نص أديب مسامهة مثينة يف عملية التواصل ب ن اللغات واحلضارات‪ .‬فلوال الرتمجة ألصبحنا‪،‬‬

‫على مستوى ماتد به‪ ،‬أفرادا جاهل ن جبزء كبري مما حيدث يف أماكن أخرى من الاامل‪ .‬فالرتمجة تلاب دورا‬

‫يف قياة كل واقد منا سيما الرتمجة األدبية اليت تسمح لنا أن نتبادل االفكار وأن نبين جسورا مع الثقافات‬

‫األخرى‪ .‬تتطلب الرتمجة االدبية الكثري من الامل‪ ،‬واخليال الالحمدود‪ ،‬ومارفة ال تشوهبا شائبة ابملفاهيم‬

‫األسلوبية للغة املصدر‪ ،‬وثقافة واساة‪ .‬لذلك جيب أن يكون املرتجم على مستوى توقاات قراء اللغة اليت‬

‫يرتجم اليها‪ .‬إن علة كون الرتمجة األدبية ماقدة تكمن يف أهنا ليست فقط حماولة نقل كلمات ومفاهيم‬

‫‪141‬‬
‫حسن سرحان جاسم الزلزيل‬

‫جمردة‪ ،‬إمنا هي أيضا‪ ،‬بل وخصوصا‪ ،‬عملية انزايح ونقل ملشاعر ولاواطف حيتويها الامل األديب‪ .‬لذا فإن‬

‫الصرامة بنقل املاىن‪ ،‬وامتالك أسلو خاص تسنده خميلة كبرية هي صفات أساسية ال غىن عنها لكل‬

‫مرتجم أديب‪ .‬من انقية أخرى‪ ،‬ال بد من مارفة كبرية سوسيو ‪ -‬ثقافية تسمح للمرتجم بنقل الفكاهة‪،‬‬

‫والااطفة‪ ،‬واحلب أو أي مشاعر أخرى موجودة يف النص األصلي‪ .‬ومن هنا ميكن القول أن الرتمجة األدبية‬

‫ليست مهنة يتأتى لكل مرتجم‪ ،‬كيفما كان جميدا‪ ،‬إتقاهنا والتمكن منها‪ .‬إهنا‪ ،‬قصرا‪ ،‬مهنة من ميتلك‬

‫وقب الكتابة الذي ال بد أن يناكس‪ ،‬بصورة ما‪ ،‬يف النص‬ ‫احلس الفين والذوق الرفيع وعشق األد‬

‫املرتجم‪ .‬ورمبا هلذا السبب تشرتط باض دور النشر الااملية على من يريد الامل فيها بصفة مرتجم أديب أن‬

‫يكون قد مارس كتابة األد من قبل أو ما زال ميارسها‪ .‬أال ياين ذلك ضمنا أن املرتجم األديب وهو يرتجم‬

‫ميارس مهنة التأليف وابلتايل‪ ،‬إذا صح ذلك‪ ،‬له أن يطالب‪ ،‬أسوة مبؤلف النص األصلي‪ ،‬حبقوق ملكية‬

‫النص ؟ وهنا ال بد لنا من وقفة نناقش فيها‪ ،‬دمان على عجل‪ ،‬مسألة على درجة عالية من احلساسية‬

‫تتالق إبعادة تكوين الاالقة ب ن الرتمجة واألصل واملوؤف واملرتجم‪ .‬إن عدم قسم مكانة املرتجم االديب‬

‫ابلنسبة للنص الذي يرتمجه تاترب واقدة من أعقد مشاكل الرتمجة االدبية‪.‬‬

‫‪ .2‬املرتجم األديب والنص املرتجم ‪ :‬غموض العالقة وغياب املعاجلة‬

‫ال تزال قياتنا الثقافية حمكومة بتقييمات ابلية تضع املرتجم يف منزلة اثنوية مقارنة مبنزلة املؤلف وما زال‬

‫الكثري من مثقفينا ال يكف عن النظر اىل الرتمجة على أهنا نسخة متدنية عن األصل وأن املرتجم ليس أكثر‬

‫من عبد أو خادم للنص املصدر‪ .‬وكان من نتائج هذه النظرة أن خبس الناس‪ ،‬خواصهم قبل عوامهم‪ ،‬فضل‬

‫املرتجم وابلتايل دور الرتمجة يف التفاعل والتثاقف وعالقة الذات ابآلخر واالنفتاح على الغريب وجالها من‬

‫الغربة ألفة وجسرا وبنية تؤسس لتقريب البايد دون إلغاء املسافة اليت تفصل االان عن االخر‪ .‬رغم خطورة‬

‫هذا الدور‪ ،‬يكون املرتجم‪ ،‬يف األعم االغلب من احلاالت‪ ،‬شخصا منسيا وقد ال جيد انشرون ضريا كبريا‬

‫عندما ال يظهر امسه على صفحة الغالف االوىل‪ .‬قىت القانون الفرنسي‪ ،‬الذي تصرح باض فقراته اخلاصة‬

‫‪141‬‬
‫العربية والرتمجة ‪ /‬مقاالت‬

‫ابمللكية الفكرية أبن ملرتجم النص األديب ققوقا ليست أقل من تلك اليت للمؤلف األصلي‪ ،‬يبدو مرتاخيا‬

‫خبصوص التزامات الناشرين بذكر اسم املرتجم على الصفحة األوىل لغالف الكتا الذي ترمجه قاله يف‬

‫ذاك قال املؤلف‪ ،‬قيث إنه حيدد ببساطة "أن االطراف تتفق على أن اسم املرتجم الظاهر يف صفحة‬

‫الانوان‪ ،‬جيب أن يكتب بوضوح يف الصفحة االوىل لغالف الكتا أو‪ ،‬إذا ما تاذر ذلك‪ ،‬أن يوضع على‬

‫الصفحة الراباة للغالف "‪ .‬وهذا ياين أن إبمكان الناشر‪ ،‬إذا شاء‪ ،‬أن يدع‪ ،‬ألسبا جتارية‪ ،‬اسم املؤلف‬

‫حيتل لوقده صفحة الغالف االوىل مؤجال‪ ،‬اىل الصفحة األخرية‪ ،‬اإلعالن عن اسم املرتجم دون أن جيد يف‬

‫ذلك غضاضة مبا أن القانون اخلاص هبذه املسألة مرن لدرجة أنه يرتك له فسحة للمناورة جتنبه الوقوع يف‬

‫خمالفة قانونية‪.‬‬

‫مما سبق ميكن مالقظة أن غموضا وتناقضا يكتنف وضع املرتجم االديب‪ :‬فالى الورق هو مبدع‬

‫مستقل إذا ما نظران إىل أقكام املواد اخلاصة هبذا املوضوع من قانون امللكية الفكرية لباض النصوص‬

‫الرمسية‪ .‬لكن الواقع الاملي يقول خالف ذلك‪ :‬ففضال عن جتاوز ذكر امسه على غالف الكتا ‪ ،‬يامد‬

‫كثري من الناشرين اىل دفع أجر للمرتجم ال يتناسب وقجم الامل والوقت الذي يكرسه لنقل نص إىل اللغة‬

‫اهلدف حيمل كل ميزات النص االصلي‪ .‬وللتذكري نشري اىل أن دار املأمون مثال متنح املرتجم مبلغا متواضاا‬

‫عن كل كتا ومتنح ربع ذلك املبلغ اىل خبري الرتمجة الذي يقوم مبراجاة الكتا وليس للمرتجم قصة من‬

‫الذي ترمجه‪ .‬أما على املستوى االجتماعي‪ ،‬فإن املرتجم االديب يف بلدان ال يستطيع‬ ‫أرابح بيع الكتا‬

‫االعتماد على الرتمجة من أجل كسب قوت يومه عكس احلال يف الاديد من البلدان اليت متنح املرتمج ن‬

‫اعرتافا ماداي واعتباراي يليق هبم‪ .‬ففي أملانيا‪ ،‬مثال‪ ،‬يستلم املرتمجون عموما ققوقا ال أبس هبا من مبياات‬

‫األعمال اليت يرتمجوهنا‪ ،‬ويف فرنسا يتقاضى املرتمجون األدبيون أجورا أفضل من زمالئهم األجنلوسكسوني ن‪.‬‬

‫يف فرنسا وأملانيا والياابن وأماكن أخرى‪ ،‬رغم أنه يايش‪ ،‬عموما‪ ،‬حتت ظل املؤلف‪ ،‬فإن املرتجم االديب‪،‬‬

‫مستقال كان أم اتباا إلدارة ماينة‪ ،‬يستطيع حتت هذا الانوان أن جيين أرابقا متكنه من عيش قياة ميسورة‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫حسن سرحان جاسم الزلزيل‬

‫وأتسيسا على ما تقدم‪ ،‬ال بد من إعادة النظر مبكانة املرتجم األديب وال يكون ذلك إال عن طريق‬

‫االعرتاف‪ ،‬أوال أبن املرتجم األديب مبدع فين ال يقل إبداعا عن صاقب النص األصلي‪ .‬إذا كان هذا االخري‬

‫يدين بوجوده األول اىل مؤلفه‪ ،‬فإنه يدين بدميومته اىل مرتمجة ذلك أن الرتمجة متنح النص قياة أطول‬

‫وقابلية أكرب على البقاء واالستمرار‪ .‬إن الرتمجة يف ققيقتها هي عملية إعادة إنتاج وحتويل وتوليد للنص‬

‫الذي عليه‪ ،‬إن شاء البقاء ملدة أطول‪ ،‬أن يكون قابال للرتمجة‪ .‬إن هذه املسائل وغريها من األكثر بداهة‬

‫من تلك املتالقة ابحلقوق االعتبارية والقانونية للمرتجم األديب‪ ،‬واليت ال جيب أن تقل عن تلك اليت يقر هبا‬

‫القانون ملؤلف النص األصلي‪ ،‬ما زالت دون مااجلة جذرية يف بلدان والسبب يف ذلك ياود‪ ،‬ولو بشكل‬

‫شبه املطلق ملؤسسات مستقلة ومهنية تدافع عن الرتمجة واملرتمج ن‪ .‬وما دام احلال‬ ‫جزئي‪ ،‬إىل الغيا‬

‫كذلك‪ ،‬جيب أن أنخذ على عاتقنا‪ ،‬كمرتمج ن‪ ،‬مهمة النضال من أجل أن يشمل قانون امللكية الفكرية‬

‫الرتمجات‪ .‬جيب أن يفهم النقاد االدبيون وغريهم وكذلك اجلمهور أن للمرتجم احلق وليس فقط االمتياز أبن‬

‫يربط امسه ابلكتا الذي ترمجه أو راجاه‪ .‬جيب أال نكتفي كمرتمج ن أبن يظهر امسنا على صفحة الانوان‬

‫أو قىت على الغالف بل أن يكون لنا قق ليس أقل من قق املؤلف يف إعادة النشر والتوزيع‪.‬‬

‫‪ .3‬حرية املرتجم وحرمة النص‬

‫يتهم الباض الرتمجة االدبية بكوهنا نسخة سيئة‪ ،‬والباض االخر ياتربها خائنة‪ ،‬ومثة من ال يرى فيها‬

‫أكثر من حماولة ابئسة حملاكاة النص االصلي‪ .‬فما ماىن االمانة يف الرتمجة االدبية ؟ ومىت تتحول إىل خيانة‬

‫؟ وعند أي قد تنتهي قرية املرتجم بقبال النص كي تبدأ قرمة هذا االخري؟ مربر طرح هذه اإلشكاالت ‪،‬‬

‫وغريها من تلك اليت عرفتها الرتمجة االدبية منذ نشأهتا وما زالت حمورا لنقاشات املاني ن‪ ،‬هو أن اخلاصية‬

‫الذاتية تطبع‪ ،‬إىل قد كبري‪ ،‬عمل املرتجم االديب‪ .‬أن ترتجم قصيدة أو رواية ياين‪ ،‬فيما يانيه‪ ،‬أن يتملكك‬

‫عشق استثنائي جتاه نص باينه جتد فيه اناكاسا ألشياء يف نفسك‪ .‬ولذا فإننا ناتقد أن املرتجم ال ياطي‬

‫للنص ققه إال إذا كانت الرتمجة صادرة عن مارفة وموهبة وحمبة ألدبية النص‪ .‬فمسألة الذوق والاشق‬

‫‪141‬‬
‫العربية والرتمجة ‪ /‬مقاالت‬

‫واملوهبة يف الرتمجة األدبية هي بورة الامل الرتمجي ونواته‪ .‬على أن قب النص والذوابن فيه ال ينبغي له أن‬

‫يلغي اقتفاظ املرتجم مبسافة بينه وب ن النص الذي يشتغل عليه‪ .‬مىت ما ألغيت هذه املسافة‪ ،‬ذهب قسن‬

‫الرتمجة ألهنا عندئذ ستتحول اىل حماولة خائبة‪ ،‬ليس يف ذلك شك‪ ،‬حملاكاة النص األصلي وهذا‪ ،‬لامري‪،‬‬

‫من أعظم األخطار اليت هتدد جودة الامل الرتمجي ألنه سيودي ابملرتجم الن يكون أسريا للنص والفاظه‪ .‬إن‬

‫مرتمجا من هذا النوع ليس له أن يطالب أبن يكون واملؤلف سواء ما دام ارتضى لنفسه منزلة الابد للنص‬

‫وترك هلذا األخري أن يقوده كيفما شاء‪.‬‬

‫يكمن قل هذه املشكلة‪ ،‬أي حماولة املرتجم حماكاة النص االصلي‪ ،‬أبقد طريق ن ‪ :‬أما أن يايد‬

‫املرتجم األديب نسخ النص كما هو من غري تدخل‪ ،‬كرب أم صغر‪ ،‬يف الصياغة والتحرير أو أن حياول‬

‫التصرف فيه‪ .‬إذا اقتصر عمل املرتجم االديب‪ ،‬برجاء أن يكون أمينا إزاء النص‪ ،‬على ترمجة كلمة من اللغة‬

‫)‪ )mot à mot‬ستكون النتيجة نسخة سيئة‬ ‫املصدر بكلمة من اللغة اهلدف (أي ما يارف ابلفرنسية‬

‫للغاية ال تباد كثريا عن تلك اليت كان سيقرتقها علينا موقع جوجل إذا ما كلفناه برتمجة نفس النص‪.‬‬

‫حيسن ابملرتجم‪ ،‬إذن‪ ،‬أن يتحاشى قدي الرتمجة احملاكية والرتمجة اللفظية ويتجه اىل الرتمجة بتصرف واليت‬

‫ستضمن له‪ ،‬شريطة عدم اإلسراف ابستغالل هامش احلرية الذي تكفله له الرتمجة بتصرف‪ ،‬أن يوجه اىل‬

‫القارئ عمال فنيا أجنبيا حيافظ على قد سواء على جوهره الشاري (مجاليته‪ ،‬أسلوبه‪ ،‬واللغة الشارية ‪...‬‬

‫إخل) ومشاهبته ابجلوانب اللغوية والثقافية للغة اهلدف‪ .‬عندها سيبدو النص االصلي واملرتجم على أهنما‬

‫توأمان بينهما فروق طفيفة لكن أصلهما واقد ما دام كال الامل ن يقدمان نفس الرسالة ويوفران نفس‬

‫املشاعر‪ .‬على الرغم من أن اللغة والثقافة ال ميكن نقلهما بصورة متطابقة ألن جمتمع القراء املستهدف ن‪،‬‬

‫واترخيهم ومتثيالهتم (الثقافية واللغوية ) ختتلف عن تلك اليت لقراء النص األصلي‪ ،‬يبقى أسلو الرتمجة‬

‫بتصرف واقدا من أجنع السبل اليت تكفل إنتاج نص مرتجم حيوي إبداعا مساواي لذلك الذي يتوفر عليه‬

‫‪141‬‬
‫حسن سرحان جاسم الزلزيل‬

‫النص األصلي‪ .‬إن الرتمجة بتصرف‪ ،‬فضال عن كوهنا عملية لغوية ابملقام األول‪ ،‬فهي ابلتأكيد عملية أدبية‬

‫وشارية‪ ،‬هي إذن إبداع فين من طراز خاص‪.‬‬

‫حنن نرى أن هذا النوع من الرتمجة‪ ،‬أي الرتمجة بتصرف‪ ،‬ممكنة ومستحيلة يف آن واقد‪ .‬هي ممكنة إن‬

‫أجاد مرتجم النص األديب التاامل مع ميزاهتا املتمثلة ابنفتاقها على آليات فنية تسمح للمرتجم‪ ،‬رغم‬

‫حمدوديتها‪ ،‬إبعادة إنشاء النص من أجل نقله اىل اللغة اهلدف ‪.‬إن التطبيق احلذر هلذه املنهجية األخرية يف‬

‫ترمجة النصوص األدبية ياين انتصار الرتمجة الفكرية على الرتمجة احلرفية إنتاج نصوص متتاز بتاادل املاىن‬

‫وتوازي الداللة ب ن روح اللغة املصدر واللغة اهلدف‪ .‬إن اقتكام املرتجم اىل فاالية التواصل مع اقرتام النص‬

‫االصلي بدال من إنفاق اجلهد يف الساي خلف تطابق لن يبلغه إال على قسا اجلانب اجلمايل للرتمجة‪،‬‬

‫ياين حتول الرتمجة من نسخ للنص اىل إبداعه واعادة صياغته‪.‬‬

‫‪ .4‬عدم ثبات معىن النص األديب‬

‫للنص األديب خصوصية متيزه عن غريه من النصوص‪ .‬فرتمجة مقالة علمية أو بيان سياسي أو نشرة‬

‫طبية ال حتتمل تنوعا كبريا يف تفسري حمتواها وان ابتادت حلظة ترمجة النص عن زمن كتابته‪ .‬غري أن األمر‬

‫خيتلف عند تالق األمر بنص شاري أو مسرقي أو روائي‪ .‬فالى الاكس من الكتاابت الالمية أو التجارية‪،‬‬

‫ينفرد النص األديب مبيزة أنه عامل متحرك حيتمل عشرات التفسريات املختلفة بل وقىت املتناقضة‪ .‬واختالف‬

‫التفسري له أسبابه واليت منها‪ :‬بلحاظ كونه ينتمي إىل زمن اترخيي حمدد‪ ،‬خيتلف أتويل النص وقت كتابته‬

‫عن أتويله باد ‪ 50‬عاما مثال‪ .‬واختالف التأويل يودي قتما إىل اختالف التلقي ‪.‬وإذا اختلف التلقي‬

‫اختلفت الرتمجة‪ .‬قاهلا قال النص األديب‪ ،‬تنتمي الرتمجة إىل عصرها ومكاهنا‪ .‬عدم الثبات اذن ثنائي‬

‫االجتاه فهو خيص النص بلغته األصلية كما خيص ترمجته‪ .‬من أجل أن تكون الرتمجة ممكنة‪ ،‬وأن يكون هلا‬

‫أتثري على القارئ‪ ،‬جيب أن تتناغم مع زمان ومكان حمددين ومناسب ن‪ ،‬قابل ن الستيااهبا وتلقيها‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫العربية والرتمجة ‪ /‬مقاالت‬

‫لنأخذ مثال رواية مدام بوفاري لـ ـ ـ ـ فلوبري)‪ . (Flaubert‬ال تفسر اليوم قراءة مدام بوفاري كما كان‬

‫األمر عند صدورها إذ مل ياد للنص نفس األثر الذي كان له على مستوى التلقي‪ .‬وقت صدورها‪ ،‬اعتربت‬

‫الرواية املذكورة فاقشة وخادشة للحياء وتارض بسببها مؤلفها للمحاكمة‪ .‬باد مرور زمن على صدورها‪ ،‬مل‬

‫تاد الرواية خطرا على اجملتمع وأصبح مؤلفها‪ ،‬الذي اهتم ابلفحش آنذاك‪ ،‬شاهدا على عصره‪ .‬وكذا أصبح‬

‫قال باض رواايت رو ‪ -‬غرييه‪ ،‬الكاتب الذي اخرتان دراسة صاوابت ترمجة النص األديب يف ضوء أقد‬

‫نصوصه‪ .‬عند أول ظهورها‪ ،‬قبل أكثر من نصف قرن‪ ،‬صنف النقد رواايت رو ‪ -‬غرييه على أهنا كتاابت‬

‫غامضة‪ ،‬عصية على الفهم أما اليوم تاترب نفس تلك الكتاابت من كالسيكيات األد الفرنسي‪.‬‬

‫النص األديب إذن متحرك وقركته مدعاة حلتمية القبول مببدأ تاددية الرتاجم لنص واقد‪ .‬فأن ترتجم‪،‬‬

‫حبسب كوه ن)‪ ، (Cohen‬ياين أن تاطي تابريين خمتلف ن ملضمون واقد‪ .‬ولال هذا ع ن ما عناه جاك‬

‫"وهم املاىن املستقر"‪ .‬إذ إن‬ ‫دريدا (‪ )Jacques Derrida‬عندما ألغى‪ ،‬يف نظريته التفكيكية‪ ،‬ما مساه‬

‫االعرتاف بادم وجود أساس اثبت ومستقر للماىن هو الذي يسوغ تادد الرتمجات للنص الواقد كما‬

‫يسوغ يف اللغة الواقدة القراءات املتاددة لنفس النص‪ .‬لذا فنحن ناتقد أنه جيب االلتزام ابلدفاع بشدة عن‬

‫مبدأ تاددية الرتاجم لنص واقد‪.‬‬

‫‪ .5‬املشاكل الثقافية‬

‫ليست الرتمجة االدبية جمرد نقل ألفاظ من قواميس ثنائية اللغة‪ .‬لو صح هذا االمر ملا كان أمام املرتجم‬

‫من خيار أفضل من الرتمجة االلية اليت تقرتقها مواقع الشبكة الااملية‪ .‬تستند الرتمجة االدبية على التحليل‬

‫الشكلي اللغوي والثقايف للنص فاملاىن ال يرتبط ابللغة فقط بل يرتبط ابلنص وابلثقافة اليت أنتجته وابملاارف‬

‫الاامة لزمن كتابته‪ .‬إن الثقافة‪ ،‬بوصفها نظاما كامال من الاادات والسلوك‪ ،‬ترتبط ارتباطا وثيقا ابللغة مع‬

‫إقراران أن اللغة ميكن أن تارب احلدود الثقافية املختلفة‪ .‬إن ماىن كلمة أو تابري مشتق‪ ،‬إىل قد كبري‪ ،‬من‬

‫الثقافة اليت أتى منها‪ .‬املاىن إذن عبارة عن صلة رئيسية ب ن الثقافة واللغة‪ ،‬ومبا أن الرتمجة ليست عملية‬

‫‪141‬‬
‫حسن سرحان جاسم الزلزيل‬

‫لغوية بسيطة‪ ،‬فإن الفهم الثقايف ضروري ألن من املفرتض أن املرتجم ينتج ماان متكافئة ويف قالة عدم‬

‫وجود تلك التكافؤات‪ ،‬ستكون هناك صاوابت ‪.‬‬

‫على سبيل املثال فإن املرتجم االديب غري الاارف خبصوصيات الثقافة الغربية سيجد من الصاب عليه‬

‫فهم باض الصور والابارات وسيستحيل عليه ابلتايل ترمجتها من اللغة املصدر إىل اللغة اهلدف‪ .‬جيب على‬

‫املرتجم األديب‪ ،‬وهو ينقل نصا‪ ،‬أن ياي مسألة أن االمر يتالق ابلتقاء ثقافت ن كما جيب عليه أن يلجأ اىل‬

‫إعادة إنتاج االنظمة الثقافية للاالمات اللغوية ومن أجل إكمال هذه املهمة‪ ،‬فإن إعادة بناء الدال ينبغي‬

‫أن يصحبها فهم للنظام القواعدي والبنائي للغة اهلدف ‪.‬بغية مواجهة مشكلة ثقافية فإنه ال مناص من‬

‫اللجوء إىل التصرف واىل املاادل اللغوي من أجل أن ياطي املرتجم النتيجة املناسبة يف النص املنقول ‪.‬‬

‫‪ .6‬املشاكل اللغوية‬

‫متتلك كل لغة تاقيدات خاصة هبا هي اليت حتدد‪ ،‬بشكل كبري‪ ،‬فكر األمة وماايري السلوك اللغوي‬

‫لألفراد‪ .‬ومبا أن الرتمجة ذات طابع لغوي ابألساس‪ ،‬كان ال بد هلا من إجياد قلول للمشاكل اللغوية اليت‬

‫تارتض املرتجم أثناء تصديه لرتمجة نص أديب‪ .‬السؤال الذي يطرح استنادا اىل هذه النظرية هو التايل ‪ :‬هل‬

‫إن قواعد اللغة هي اليت حتدد ميدان النشاط الذهين أم أهنا تؤثر فقط على أفكار الفرد ونشاطاته الاقلية ؟‬

‫يؤكد أهل الشأن أن اللغة تصيغ بشكل كبري طريقة تفكريان ولكي يكون املرتجم قريبا من تفكري املؤلف‬

‫جيب عليه أن يكون عارفا ابللغة املصدر ومقدار مارفته يوثر سلبا واجيااب يف نوعية الرتمجة‪ .‬ويف هذا الشأن‬

‫يوكد جورج موانن )‪ (Georges Mounin‬أن الرتمجة عملية صابة وصاوبتها تتجلى يف كون اللغات‬

‫ليست جداول كلمات تقابلها ققائق دائما هي وموجودة مسبقا‪ .‬لو كان األمر كذلك لكانت الرتمجة‬

‫االلية أفضل أنواع الرتمجات‪ .‬وهذا ماناه أن كل وقدة لغوية مرتبطة بلغتها‪ .‬ينتج عن هذه النظرة أن الرتمجة‬

‫اليت تتوخى استبدال نظام لغوي آبخر ستالقي يف سبيل ذلك باض الصاوابت‪ .‬لذا جيب على املرتجم أن‬

‫‪141‬‬
‫العربية والرتمجة ‪ /‬مقاالت‬

‫ينتبه إىل األسلو واملفردات وطريقة التابري يف اللغة اهلدف كي يستطيع إنتاج نص مفهوم للقارئ وويف ملراد‬

‫كاتبه‪.‬‬

‫‪ .7‬مشكلة التكافؤ‬

‫التكافؤ هي مشكلة لغوية حبتة تاين‪ ،‬ببساطة‪ ،‬إجياد ماادل تابريي ملفردة أو مصطلح يف لغة اهلدف‬

‫تكون له نفس قيمة او وظيفة تلك املفردة أو ذلك املصطلح يف لغة املصدر‪ .‬وعندما نقول لغة ناين قضارة‬

‫وثقافة وأتريخ‪ .‬من أجل ذلك‪ ،‬يشكل التكافؤ ماضلة ليست دائما ابهلينة يتطلب قلها أن يكون املرتجم‬

‫ابرعا يف اللغت ن‪ .‬تنشأ مشكلة التكافؤ خصوصا عندما يتالق االمر برتمجة الكليشيهات‪ ،‬والتاابري واالمثال‪.‬‬

‫تتجسد مشكلة التكافؤ عند استحالة إجياد املرادف املضبوط لكلمة ما يف لغة اخرى‪ .‬خذ على سبيل‬

‫املثال مرتمجا يريد ترمجة التابري الدارج (‪ )trop de cuisiniers gâtent la sauce‬والذي ياين‪ ،‬قرفيا‪،‬‬

‫بلغتنا أن "كثرة الطهاة تفسد احلساء"‪ .‬لن يفيد املرتجم أن ينقل املاىن قرفيا ألنه عند ذاك سوف يقع خبطأ‬

‫داليل وأسلويب‪ .‬ولذلك وجب هنا اللجوء إىل إجياد املاادل يف اللغة اهلدف‪ .‬ومالوم أن املشكلة هي يف‬

‫كيفية الاثور على ماىن ماادل يطابق داللة رسالة النص األصلي‪ .‬الفكرة اليت نريد إيصاهلا هي أن املفهوم‬

‫الاام للتابري أعاله موجود يف كل اللغات‪ ،‬ولكن طريقة متثيله اللغوية خمتلفة‪ .‬وهكذا فإن ( ‪trop de‬‬

‫"السفينة اليت يقودها أكثر من‬ ‫‪ )cuisiniers gâtent la sauce‬سيتم ترمجتها إىل اللغة الاربية‬

‫قبطان تغرق "‪ .‬عندما يكون األمر متالقا بنص أديب‪ ،‬تكون مشاكل الاثور على املاادل اللغوي أخطر‬

‫وذلك ألن اللغة األدبية رمزية واحيائية وهذا يسبب مشاكل للمرتمج ن األدبي ن‪ .‬وال حنسبنا مغال ن إذا ما‬

‫قلنا هبذا الصدد أن املشكلة الكربى يف الرتمجة هي مشكلة تاادل املاىن إذ من الصاوبة‪ ،‬إن مل يكن‬

‫االستحالة‪ ،‬الاثور على تاادل كامل ب ن وقدت ن متباينت ن من وقدات الشفرة اللغوية إذ ال توجد لغتان‬

‫متشاهبتان بصورة كلية مما ياين احلكم بادم وجود الرتادف التام‪ .‬يف هذه احلالة‪ ،‬جل ما يستطيع املرتجم‬

‫فاله هو الاثور على التاادل أي املاىن املوازي لكلمة من لغة خمتلفة داخل النظام البنيوي للغة اثنية‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫حسن سرحان جاسم الزلزيل‬

‫مبا أن استقرار الاالقة ب ن الدال واملدلول حمض وهم‪ ،‬كما سبق وأشران‪ ،‬جيب على املرتجم األديب‬

‫األخذ بنظر االعتبار عدم وجود اساس اثبت ومستقر للماىن وأن ال قركية ماىن الكلمة املكتوبة يف لغة‬

‫قية مستحيل‪ .‬لذا فإن الرتمجة اجليدة هي تلك اليت حيرص صاقبها على متاباة قركة الكلمات ومدلوالهتا‬

‫يف االجتاه ن‪ .‬ألجل إخراج نص حيمل املاىن املاادل للنص األصلي‪ ،‬ينبغي على املرتجم أن يساى اىل نقل‬

‫كامل قيمة النص األصلي‪ ،‬وليس كامل مفرداته‪ ،‬كي يكون مفهوما وحمسوسا بنفس الدرجة اليت هو عليها‬

‫يف لغته األصلية‪.‬‬

‫باد هذا اخلوض يف باض مشاكل الرتمجة األدبية ومهومها وشجوهنا‪ ،‬نارض الرتمجة اليت اقرتقناها‬

‫لقصة املانيكان أو متثال عرض املالبس للكاتب الفرنسي املاروف أالن رو ‪ -‬غرييه‪ .‬ال جند أبسا‪ ،‬بل‬

‫لاله من الواجب‪ ،‬أن نستبق ترمجة النص بتاريف موجز بكاتبه ومكانه يف أتريخ األد والتيار الفين الذي‬

‫ينتمي إليه‪ .‬ليس هذا فحسب‪ ،‬بل إننا‪ ،‬باد إقالة القارئ إىل النص بنسخته املرتمجة‪ ،‬سنقدم رؤيتنا النقدية‬

‫للامل الذي ترمجناه لال ذلك سيساعد‪ ،‬بصورة أو أبخرى‪ ،‬يف فهم النص وأجوائه اجلمالية وتلك‪ ،‬برأينا‪،‬‬

‫خطوة ال بد أن يقوم هبا كل مرتجم أديب يتوخى لرتمجته أن جتال القارئ ينسى أن ما يقرأه ليس سوى‬

‫ترمجة‪ .‬كي ياطي هذا االخري للنص ققه‪ ،‬ينبغي أن تكون ترمجته صادرة عن مارفة وفهم عميق ن ألدبية‬

‫النص فاملرتجم قبل كل شيء قارئ يفسر نصا‪ .‬إن األكيد الذي ال يقبل الشك أن املرتجم إذا قرأ النص‬

‫بلغة املصدر إىل قد أن تتكون لديه صورة واضحة عن الكاتب‪ ،‬عن اللغة املصدر وسياقها الثقايف‬

‫والتارخيي واالجتماعي‪ ،‬وكذلك عن السياق الثقايف الذي كتب فيه الامل والسياق الذي تنمو فيه‬

‫الشخصيات سيكون قادرا على أن يقدم لنا عمال من نفس عيار النص األصلي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬من هو أالن روب ‪ -‬غرييه؟‬

‫أالن رو ‪ -‬غرييه املولود يف ‪ 1922‬واملتوىف يف ‪ 2008‬هو أقد أهم كتا فرنسا املااصرين وأكثرهم‬

‫إاثرة للجدل على اإلطالق‪ .‬أطنب الباض يف تقديره قىت عدوه أعظم جمدد يف اتريخ الرواية املااصرة وغاىل‬

‫‪111‬‬
‫العربية والرتمجة ‪ /‬مقاالت‬

‫اخرون يف التقليل من شأنه والنيل منه اىل درجة أهنم ناتوه ابلدخيل على دنيا األد والفن ذلك أن رو‬

‫‪ -‬غرييه يف االصل مهندس زراعي متخصص بدراسة بيولوجيا النبات‪ .‬وذهب آخرون اىل أباد من ذلك‬

‫عندما وصفوه ابملارق الذي ينتمي إىل مجاعة إرهابية تساى إىل هتدمي التقاليد الرصينة يف الكتابة واليت‬

‫قرص الفرنسيون على احملافظة عليها وصوهنا جيال باد !جيل‪ .‬أصدر كاتبنا أول رواايته عام ‪1591‬‬

‫واخرها سنة ‪ 2007‬أي قبل وفاته بنحو الاام‪ .‬شكل هو وكلود سيمون)‪ ، (Claude Simon‬ميشال‬

‫بوتور)‪ ، (Michel Butor‬اناتيل ساروت )‪ (Natalie Sarout‬واخرون تيارا أدبيا يف بداية اخلمسينات‬

‫أطلق عليه النقاد تسمية تيار "الرواية اجلديدة " ورغم أن كتا هذه املدرسة ينتمون إىل مناخ فكري واقد‬

‫فإهنم كانوا خمتلف ن فيما بينهم اىل درجة كبرية ولال هذا االختالف كان من أهم أسبا تفرد تيارهم ومتيزه‬

‫عن غريه من تيارات األد والفن‪ .‬مع ذلك اتفق هؤالء املختلفون على جمموعة ثوابت تتمثل برفض الفكرة‬

‫التقليدية عن كتابة الرواية اليت مل تاد ابلنسبة هلم‪ ،‬والتوصيف ل ـ ـ ـ جان ريكاردو)‪، (Jean Ricardou‬‬

‫كتابة مغامرة بل مغامرة كتابة‪ .‬اتفقوا أيضا على نبذ الطريقة اليت كان يكتب هبا ابلزاك (‪ ،)Balzac‬رغم‬

‫القرن الاشرين الذين‬ ‫أن باضهم كان جيله‪ ،‬واليت مل تاد برأيهم تصلح ألن يكتب على منواهلا كتا‬

‫يايشون يف عامل خيتلف يف مظهره كما يف جوهره عن ذلك الذي كان يايشه روائيو القرن التاسع عشر‪ .‬ومبا‬

‫"الرواية‬ ‫ماارضة الروائي ن اجلدد ملا يسمى ب ن هالل ن‬ ‫ان مقامنا ليس مقام مقالة تتناول أسبا‬

‫الكالسيكية "‪ ،‬فلالنا حنسن صناا إن انتقلنا مباشرة اىل عرض ترمجتنا لقصة املانيكان لكاتبها أالن رو ‪-‬‬

‫غرييه على أن نتبع الرتمجة بتاليق نقدي يتضمن حتليال للقصة ونقاشا لباض املشاكل اليت أاثرهتا حماولة‬

‫ترمجتها‪ .‬قبل أن نبدأ‪ ،‬جيب التنويه أبننا مل نطلع على ترمجة سابقة هلذه القصة اليت نشرت يف عام ‪1954‬‬

‫وأعاد الكاتب نشرها عام ‪ 1962‬ضمن جمموعة قصصية بانوان حلظات مباشرة ‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫حسن سرحان جاسم الزلزيل‬

‫ثالثا‪ :‬املانيكان للكاتب الفرنسي أالن روب – غرييه‬

‫على املنضدة يوجد إبريق للقهوة‪ .‬إهنا منضدة مدورة الشكل هلا قوائم أربع يغطيها نسيج من قماش‬

‫مشمع تربز عليه أشكال مرباة ابألمحر والرمادي مرسومة على خلفية ذات لون أبيض مصفر لاله كان يف‬

‫األصل ماموال من الااج أو من نسيج قطين‪.‬‬

‫يف منتصف الطاولة‪ ،‬توجد بالطة من السرياميك تقوم مقام املفرش الذي يوضع عليه صحن الطاام‪.‬‬

‫إن إبريق القهوة املوضوع فوق املفرش ذاك يغطي بشكل كلي الرسم املوجود عليه أو على االقل جيال من‬

‫غري السهل التارف على مالحمه‪.‬‬

‫إلبريق القهوة‪ ،‬املصنوع من خزف ذي لون أمسر‪ ،‬رأس تالوه مصفاة اسطوانية هلا غطاء كأنه نبتة‬

‫الفطر‪ .‬أما عنق اإلبريق فهو على شكل قرف ‪ S‬ذو خطوط مقوسة لطيفة مستديرة قليال عند القاعدة‪.‬‬

‫ولإلبريق مقبض يشبه االذن أو ابألقرى يشبه صيوان األذن لكن الشكل املصنوع حبسبه ذلك املقبض‬

‫جياله يشبه أذان مصنوعة بغري مهارة مدورة أكثر مما ينبغي وبدون شحمة مما جيالها تبدو وكأهنا عروة إانء‪.‬‬

‫يكسو عنق اإلبريق ومقبضه وكذا غطاء رأسه لون سكري أما ابقي اإلبريق فلونه رمادي فاتح براق‪.‬‬

‫وما خال النسيج املشمع ومفرش الصحن وإبريق القهوة فليس على الطاولة مثة شيء اخر‪.‬‬

‫على اليم ن من الطاولة وأمام النافذة ينتصب متثال عرض املالبس‪ .‬أما خلف الطاولة فتوجد كوة‬

‫املدخنة مالقة عليها مرآة كبرية مستطيلة الشكل يرى فيها نصف النافذة (النصف األمين منها) وصورة‬

‫خزانة املالبس ذات املرآة واليت تبدو على اجلانب األيسر (أي على اجلانب األمين من النافذة )‪ .‬تاكس‬

‫مرآة خزانة املالبس من جديد نفس النافذة واليت تظهر بكاملها هذه املرة ومن جانبها األمامي (أي أن‬

‫املصراع األمين يظهر على اليم ن واأليسر يظهر على اجلانب األيسر)‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫العربية والرتمجة ‪ /‬مقاالت‬

‫وهكذا تظهر أعلى املدخنة ثالثة أنصاف للنافذة واليت تتتابع بشكل متصل تقريبا حبسب الرتتيب‬

‫اآليت (من اليسار إىل اليم ن )‪ :‬نصفان أيسر وأمين يرى كالمها من األمام ونصف أمين يشاهد منه جانبه‬

‫اخللفي‪.‬‬

‫وألن خزانة املالبس توجد ابلضبط يف زاوية الغرفة وتستطيل قىت الطرف االقصى للنافذة‪ ،‬فإن‬

‫النصف ن األمين ن هلذه األخرية ال يفصل بينهما سوى ركيزة رفياة قد تكون خشب وسط النافذة (الركيزة‬

‫اليمىن للمصراع األيسر ملتصقة ابلركيزة اليسرى للمصراع االمين )‪.‬‬

‫إن املصاريع الثالثة للنافذة تسمح‪ ،‬من أعلى السجف‪ ،‬برؤية أشجار احلديقة اخلالية من األوراق ‪.‬‬

‫حتتل النافذة‪ ،‬هكذا‪ ،‬كل سطح املرآة ابستثناء اجلزء الالوي منها قيث تناكس فيه رقاة من سطح‬

‫الغرفة وأعلى اخلزانة ذات املرآة‪ .‬يظهر أيضا يف املرآة‪ ،‬فوق املدخنة‪ ،‬متثاال عرض مالبس آخران‪ .‬أوهلما أمام‬

‫املصراع األول للنافذة‪ ،‬وهو األصغر من ب ن املصاريع‪ ،‬على اليسار متاما واثنيهما أمام املصراع الثالث (ذلك‬

‫املصراع الذي يقع اىل اليم ن أكثر من غريه )‪.‬‬

‫إن التمثال ن غري متقابل ن‪ .‬إذ إن املوجود على اليم ن يظهر منه جزؤه األمين والذي على اليسار‪ ،‬وهو‬

‫أصغر قليال من االخر‪ ،‬يبدو منه جزؤه األيسر‪.‬‬

‫لكن من الصاب حتديد ذلك من النظرة األوىل قيث إن كلتا الصورت ن‪ ،‬بسبب املوضع الذي وضع‬

‫فيه التمثاالن‪ ،‬تبدوان وكأهنما تظهران نفس اجلانب‪ -‬اجلانب األيسر على األرجح‪.‬‬

‫إن متاثيل عرض املالبس الثالثة مصفوفة على خط مستقيم‪ .‬يوجد التمثال االوسط من بينها‪ ،‬ذلك‬

‫املركون على اجلانب األمين من املرآة والذي يتوسط االثن ن اآلخرين من قيث الطول‪ ،‬يوجد ابلضبط بنفس‬

‫االجتاه الذي يقع فيه إبريق القهوة املوضوع على الطاولة‪.‬‬

‫يلمع على اجلزء الكروي من اإلبريق اناكاس مشوه للنافذة جيال صورهتا تبدو على سطح اإلبريق مثل‬

‫شكل رابعي أضالعه كأهنا أقواس دائرة ‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫حسن سرحان جاسم الزلزيل‬

‫إن اخلط الذي تصناه الركائز اخلشبية ب ن مصراعي النافذة يستطيل فجأة حنو األسفل على شكل‬

‫بقاة من الظل غري حمددة املاامل‪.‬‬

‫ما زال ذلك من دون شك ظل متثال عرض املالبس‪.‬‬

‫إن الغرفة مضيئة جدا ألن النافذة عريضة بشكل استثنائي مع أن هلا ليس سوى مصراع ن‪.‬‬

‫تنباث رائحة طيبة لقهوة قارة من اإلبريق الذي على الطاولة‪.‬‬

‫متثال عرض املالبس ليس يف مكانه إذ إنه يصف عادة يف زاوية النافذة على اجلانب املقابل للخزانة‬

‫ذات املرآة‪ .‬قىت هذه األخرية ليست يف مكاهنا فهي كانت قد وضات املوضع الذي هي فيه االن لغرض‬

‫تسهيل عملية قياس املالبس‪.‬‬

‫ميثل الرسم الذي حتت الصحن بومة هلا عينان واساتان خميفتان قليال‪.‬‬

‫لكن يف الوقت الراهن ليس من املمكن متييز شيء من ذلك الرسم ألن إبريق القهوة موضوع عليه‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬حتليل النص ومالحظات حول الرتمجة‬

‫ليس أالن رو ‪ -‬غرييه قاصا مواظبا على كتابة القصة القصرية‪ .‬ذلك أنه طيلة أكثر من نصف قرن‬

‫مل ينتج إال جمموعة واقدة هي حلظات مباشرة اصدرها عام ‪ 1591‬عن دار نشر مينوي يف ابريس‪ .‬وقد‬

‫اقتوت على عشر قصص قصرية كتبت ما ب ن عامي ‪ 1591‬و ‪.1591‬‬

‫جتمع هذه القصص رؤية فنية‪ ،‬متطورة نام‪ ،‬لكنها واقدة يف نسقها الاام من قيث اعتمادها بنية‬

‫سردية غاية يف البساطة حمورها االهتمام ابألشياء واملكان كمرتكزين أساسي ن من مرتكزات قداثة القص‪.‬‬

‫وسيتسع هذا االقتفاء ابلتجريب يف رواايت الكاتب الالققة واليت ستقوم بشكل جوهري على اقتطاع‬

‫قيز صغري وعادي للحظة زمنية تكثف قضورها ع ن قيادية تبحث بشراهة عن كل ما ميكن ان يرى‬

‫وتصفه وتايد وصفه قد أن تصل به اىل قافة اهلاوية يف انتقاالت سردية مفاجئة من النقيض إىل أقصى‬

‫النقيض‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫العربية والرتمجة ‪ /‬مقاالت‬

‫إذا سيكون حمور قديثنا يف هذ اجلزء األخري من الدراسة عن قاص وقصص شكلت مناطفات مهمة‬
‫الفرنسي يف نقطة التمفصل‬ ‫يف التجريب والتجديد‪ .‬فـ ـ ـ رو ‪ -‬غرييه الذي تضاه كتب اتريخ األد‬
‫الكائنة ما ب ن الواقاية والواقاية اجلديدة‪ ،‬واقد من أهم املواظب ن على جتديد فنية النص السردي‪ ،‬قصة‬
‫كان أم رواية‪ ،‬بل وأكثرهم اقتفاء ابلتجريب ‪.‬لكن رو ‪ -‬غرييه اذ يؤكد مشروعه التجديدي يف التكنيك‬
‫القصصي مبجموعة قصصية واقدة‪ ،‬تقوض املواضاات القصصية املتاارف عليها‪ ،‬يفصح عن رغبة دفينة‬
‫مفادها ان الكتابة القليلة املتسمة ابلكثافة واالقتصاد والدقة والبناء الفين احملكم هي اليت تفتح افاق‬
‫التجديد‪ .‬أفليس التجديد يف البداية بقاة ضوء لكنها تتسع وتكرب الققا ان مل يكن على يد الكاتب‬
‫صاقب املشروع فالى أيدي اخرين من جمايليه أو ممن أيتون باده ؟‬
‫يف جمموعته حلظات مباشرة تتجمع عدة مراقل قصصية للتجديد وتتجمع أيضا عدة فنيات ورؤى‬
‫أسلوبية لذا فهي جمموعة ال تنسجم مع نفسها فنيا إال بكوهنا قاضنة لفن القصة التجريبية وبكوهنا نتاج‬
‫رجل جمنون يركب رأسه شيطان التجريب وتتقمصه روح أدبية عبقرية مهووسة بتفضيل اإلدراك احلسي‬
‫والوصف واخليال والفنتازاي على الواقاية واحلبكة واإلاثرة الفنية‪.‬‬
‫بىن رو ‪ -‬غرييه عامل قصصه الفين على اقتصاد واضح يف كل مفردات القص من شخوص إىل أشياء‬
‫إىل أمكنة‪ .‬فأمكنته القصصية مثال هي‪ :‬غرفة‪ ،‬شباك‪ ،‬صالة درس‪ ،‬شاطن‪ ،‬زنزانة سجن‪ ،‬مقهى ‪ ...‬إخل‪.‬‬
‫ال حتتوي هذه االمكنة إال على أشياء جامدة ختلو من أي إقالة تلميحا أو تصرحيا إذ ال ماىن يكمن‬
‫خلف وجودها الظاهري البسيط‪ .‬لكنها هي‪ ،‬أي االشياء‪ ،‬اليت حتدد مباىن من املااين كل فضاء النص‬
‫وتفرض قضورها الطاغي فيه على ما سواها من مكوانت الاامل القصصي‪ .‬وقد الم الباض رو ‪ -‬غرييه‬
‫على ذلك ألنه ابلغ يف هذا االجتاه وقول الرواية إىل سرد يبحث عن متاسكه وسط فوضى عمادها األشياء‬
‫اليت تلغي وجود ما عداها‪ .‬فال غرابة أن تشار أقياان وأنت تقرأ نصا لـ ـ ـ ـ رو ‪ -‬غرييه أنه مثقل جبرودات‬
‫ال هناية هلا ألشياء املكان واستطرادات وشروقات علمية هندسية لالها من ترسبات تكوينه السابق على‬
‫دخوله مليدان االد ‪.‬‬
‫وميكن أن ناد قصة املانيكان وهي أوىل نصوص اجملموعة القصصية مدار البحث منوذجا ابهرا‬
‫ألسلو رو ‪ -‬غرييه القائم على إبراز هيمنة األشياء وسيادهتا على قسا الشخصية واحلبكة واحلكاية‬
‫اليت ليس هلا وجود يف قصص رو ‪ -‬غرييه ‪.‬املانيكان نص قصري ال يتجاوز عدد صفحاته الثالث كتبه‬
‫رو ‪ -‬غرييه عام ‪ . 1954‬ولتاريخ النشر دالالته سوف لن خنوض هبا يف حبثنا احلايل وسنرتكها ملقام اخر‬

‫‪111‬‬
‫حسن سرحان جاسم الزلزيل‬

‫أوسع من مقامنا هذا ‪.‬وعلى قصره فإن هذا النص من أكثر نصوص الكاتب راديكالية وأكثرها تضمينا‬
‫ملاان فلسفية‪.‬‬
‫يف هذا النص ال وجود لشخصيات قية مطلقا‪ .‬فقط متثال عرض مالبس واقد واناكاساته يف نظام‬
‫ما ن من املرااي املوجودة يف غرفة ضيقة حتتوي‪ ،‬إضافة اىل املنيكان‪ ،‬طاولة عليها إبريق قهوة وخزانة مالبس‬
‫ذات مرآة ومدخنة فوقها مرآة اثنية‪ .‬وهذا االقتصاد يف استحضار األشياء داخل مكان مازول عن قركة‬
‫احلياة والذي ليس ابلغريب على نصوص رو ‪ -‬غرييه يوفر للرائي فرصة السيطرة على قركة الا ن مما يتيح‬
‫يف وصف حمتوايته القليلة‪ .‬على أن‬ ‫هلذه األخرية إمكانية التجوال املسرتيح يف فضاء املكان واإلسها‬
‫الوصف يقتصر على سطوح االشياء دون أدىن حماولة للدخول إىل عمقها (أشياء رو ‪ -‬غرييه من دون‬
‫عمق أصال وختلو من كل إضافة عاطفية أو نفسية ) أو حماولة تفسري وجودها وربطه حبضور الشخصية‪.‬‬
‫أول ما ترينا إايه الا ن ‪ -‬الكامريا إبريق قهوة موضوع على طاولة ذات أربع قوائم يغطيها مفرش مرسوم‬
‫عليه شكل ما ن ال تستطيع الا ن أن تتب ن مالحمه بوضوح ألن إبريق القهوة حيجبه بشكل شبه اتم‪ .‬ومبا‬
‫أن تقنية رو – غرييه يف الوصف ألزمت نفسها مببدأ عدم التارض ملا ال تستطيع الا ن أن تراه فإن هذه‬
‫األخرية تنتقل من الطاولة إىل بقية االشياء اليت تقع يف مستوى النظر‪ .‬وكاادة رو ‪ -‬غرييه يف إعطاء دور‬
‫مميز جلزئية ما من املكان لتمارس دورا سرداي مهما فإن الا ن تطيل الوقوف بصورة خاصة أمام مرآة‬
‫مستطيلة كبريه تاكس صور االشياء املوجودة يف الغرفة واليت بضمنها مرآة اخرى يف مرآة خزانة املالبس‬
‫تناكس فيها كل األشياء مرة اثنية‪ .‬وهكذا فإن الكاتب‪ ،‬بواسطة نظام املرااي املاقد هذا‪ ،‬جيالنا نبحر وسط‬
‫كم من الصور املتضاعفة ووسط جمموعة من التغيريات والتشوهات الناكاسات صور األشياء‪ .‬هكذا تبدو‬
‫الغرفة للناظر بزواايها وسطوقها وخطوطها اليت تفرض نفسها على إدراكه احلسي والبصري ‪.‬‬
‫من الواضح أنه ابستثناء فال النظر فال شيء اخر حيدث يف تلك الغرفة‪ .‬وتنتهي القصة‪ ،‬باد أن‬
‫تشبع الا ن األشياء وصفا‪ ،‬ابلاودة إىل نقطة البداية قيث إن الرائي يااود يف السطر االخري من القصة‬
‫إخباران إن على الطاولة إبريقا للقهوة موضوعا على صورة لبومة ذات عين ن كبريت ن وخميفت ن قليال‪ .‬لكن‬
‫الرسم‪ ،‬بسبب اإلبريق‪ ،‬ال ميكن أن يرى بوضوح‪ .‬وهو إيذان ابستئناف وصف األشياء مرة اثنية‪ .‬وباودته‬
‫إىل مجلة االستهالل فإن النص جيال من هنايته بداية اثنية لرقلة وصف أخرى ينثال فيها السرد كي خيترب‬
‫قدرة الا ن على الوصف الدقيق‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫العربية والرتمجة ‪ /‬مقاالت‬

‫ومما تقدم ميكننا االستنتاج أن فال القص يولد عند رو ‪ -‬غرييه من فال النظر‪ .‬وأتسيسا على ذلك‬
‫فإن أية حماولة لتشريح نص ل ـ ـ ـ رو ‪ -‬غرييه جيب أن متر قتما عرب دراسة الوصف الذي يغرق فيه قارئه‪.‬‬
‫فإذا ما فهمنا الوصف فإن النص نفسه‪ ،‬ابعتباره إدراكا قسيا وماداي حمضا‪ ،‬يفك لنا شفراته وينفتح علينا‬
‫بكل ألغازه وإن بدت هذه األخرية عند مستوى القراءة االول مستغلقة ومبهمة‪.‬‬
‫إن النص حبسب مفهوم رو ‪ -‬غرييه هو صورة أو جمموعة ماقدة من صور جامدة تلتقطها الا ن‬
‫بدون أي تسلسل زمين أو استمرارية زمنية إذ ال وجود ملاىن مستمر عن رو ‪ -‬غرييه‪ .‬فأغلب نصوصه‬
‫بدون بناء أفقي مباىن أن ال زمن ميتد من املاضي إىل احلاضر عبورا إىل املستقبلي فهو زمن ال دميومة (الزمن‬
‫املستدام ال وجود له عند رو ‪ -‬غرييه )‪ .‬فال مكان عنده لغري زمن حلظوي مكثف مقتطع مما قبله‬
‫ومفصول عما باده تسوده وهتيمن عليه قاسة النظر‪ .‬وبوصفها آلة ادراكية فإن الا ن ال تنظر كي حتلل أو‬
‫كي تؤسس لاالئق من نوع ما بينها وب ن ما تراه كما هو احلال يف النصوص الكالسيكية قيث تتم‬
‫مالقظة االشياء ابلقلب ال ابلا ن (كما احلال يف نصوص ابلزاك من أجل تقريب الفكرة )‪.‬‬
‫إن هذا التشديد على قاسة النظر احملايدة ميثل‪ ،‬على رأي روالن ابرت )‪،(Roland Barthes‬‬
‫سلوكا تطهرياي ال شاوراي للنفس أي أنه يطهر األشياء من املاىن الذي منحه هلا اإلنسان على الدوام‪.‬‬
‫أضف إىل ذلك أن الا ن تنظر ألهنا حتاول إعادة اكتشاف األشياء ومن خلفها إعادة اكتشاف الاامل فال‬
‫ميكن أبي قالة من األقوال إنكار أن الا ن يبهرها النظر إىل املكان وكأهنا تراه ألول مرة‪ ،‬وهذا الفهم يتيح‬
‫لنا امكانية النظر إىل النص على أنه حمض ذاكرة تستايد رؤية ما كانت قد رأته يف حماولة خمبولة إلعادة‬
‫استكشافه عرب النظر إليه من زوااي عدة ووصفه بشكل هندسي وبدقة متناهية‪ .‬نقطة مهمة أخرى قبل أن‬
‫خنتم البحث هي أن املانيكان الذي ينظر اىل خارج النافذة ميثل‪ ،‬بوقدته ومجوده ومجاديته‪ ،‬صورة إلنسان‬
‫القرن الاشرين املستلب الروح واحمليد الاقل واملازول عن عامله بشكل يثري القليل من اخلوف ورمبا الكثري من‬
‫الراثء‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬مالحظات حول الرتمجة‬
‫ترمجة نص لـ ـ ـ ـ رو ‪ -‬غرييه‪ ،‬قصة كان أم رواية‪ ،‬جمازفة غري مأمونة الاواقب إطالقا‪ .‬ذلك أن االمر‬
‫يتالق أبرض متحركة ال تكف عن االضطرا وبكاتب خماتل يصاب‪ ،‬غالبا‪ ،‬اإلمساك برأس خيط أفكاره‪.‬‬
‫وألن عامل رو – غرييه اجلمايل هو يف الواقع عامل خاص جدا ونصوصه ال تشبه أي نتاج أديب عراقي أو‬
‫عريب‪ ،‬تتطلب ترمجة الرجل‪ ،‬قبل كل شيء‪ ،‬فهم نصوصه وتلك مراهنة نسبة قسم هنايتها‪ ،‬إجيااب‪ ،‬ليست‬

‫‪111‬‬
‫حسن سرحان جاسم الزلزيل‬

‫دائما مرتفاة‪ .‬ينتمي كاتبنا إىل مدرسة روائية جديدة خترج على املألوف الروائي وتصنع أدواهتا ونظمها‬
‫‪ -‬غرييه‬ ‫وقوالبها من خالل جتارهبا وزمنها ومنجزاته احلضارية وتراكماته النفسية تتسم كتاابت رو‬
‫ابستخدام تقنيات سردية ماقدة بنيتها األساسية التكرار املتنوع الذي يودي يف النهاية إىل ضياع القارئ يف‬
‫متاهات النص‪ .‬فكتاابت رو ‪ -‬غرييه بايدة عن ماقولية األقداث ومنطقيتها كما جتري يف احلياة اليومي‬
‫لذا فإهنا ليست فقط متاهة بل تقرت أقياان من كوهنا طالسم من الصاب فك شفرهتا وحتييد ألغازها‪.‬‬
‫وسط هذا التيه احلكائي الالحمدود‪ ،‬ترتاجع الشخصية‪ ،‬املكون الروائي احملوري للامل السردي‪ ،‬إىل أدىن‬
‫مستوايت قضورها مقارنة بباقي وقدات القص الذي حتتل فيه أشد األشياء عادية ويومية وألفة مكان‬
‫الصدارة وهذا ما متيزت به نصوص رو ‪ -‬غرييه منذ املماقي‪ ،‬أوىل رواايت الكاتب املنشورة ‪.‬‬
‫لوفرة وخصوصية قضور االشياء يف نصوص رو ‪ -‬غرييه‪ ،‬يف النص أعاله خصوصا‪ ،‬تفسري أترخيي‬
‫يتالق ابلفرتة اليت كتبت هبا تلك النصوص ‪ :‬ففي اخلمسينات‪ ،‬شهدت فرنسا قركة تصنيع كربى‪ ،‬أدت اىل‬
‫صاود مفهوم الشيء على قسا تراجع قوة مفهوم الفرد‪ .‬يبلغ هذا الرتاجع للفرد ذروته عندما ال ياود‬
‫النص يشري إىل وجود الفرد إال من خالل أشيائه‪ .‬هبذا املاىن‪ ،‬فـ ـ ـ املانيكان ليس جمرد عمل فين بل هو أيضا‬
‫شهادة اترخيية على جمموعة التغريات االجتماعية اليت عرفتها أورواب يف سنوات اخلمسينات‪ .‬جيب أن يكون‬
‫اجلانب التارخيي للنص وظروف كتابته قاضرين يف صميم تفكري املرتجم‪ .‬إن مارفة هذا األخري اجليدة‬
‫ابلنص وبفضائه االجتماعي والتارخيي والفين وبطبياة أولوايت الكاتب التقنية وزمن كتابة النص قبل الشروع‬
‫ابلرتمجة أمر ضروري إلنتاج ترمجة قريبة يف مشكلها وحمتواها من النص األصلي‪ .‬هذا االستياا خلصوصية‬
‫رو – غرييه ستجال املرتجم‪ ،‬وإن بصورة حمدودة‪ ،‬على ألفة مع النص ولن يتفاجأ بغرائبية الاامل الروائي‬
‫أو القصصي للكاتب‪.‬‬
‫إضافة اىل املشاكل ذات الطابع السردي‪ ،‬هناك مشاكل اخرى يصطدم هبا املرتجم األديب الذي يرغب‬
‫برتمجة رو ‪ -‬غرييه تتمثل بطبياة اللغة اليت يستخدمها هذا االخري‪ .‬ليس من اجلديد القول إن اللغة هي‬
‫مركز اهتمام رو ‪ -‬غرييه وأساس اسرتاتيجيته الفنية‪ .‬ولكونه يكتب ابللغة وعن اللغة‪ ،‬فإن اجلانب اللغوي‬
‫عنصر رئيسي يف كتاابته وال يستطيع املرتجم أبي قال من االقوال أن يتجاوزه‪ .‬تتأرجح لغة رو ‪ -‬غرييه‬
‫ب ن أكثر املواقف تناقضا‪ :‬فهي عويصة وإشكالية ومتصدعة وانقصة لكنها‪ ،‬رغم نفورها ومفارقتها‬
‫للمألوف‪ ،‬تضل مغرية وسليمة جدا حنواي وقواعداي‪ .‬يستامل رو ‪ -‬غرييه اللغة اجملردة من الااطفة كي‬
‫ياارض القوة التقليدية للرواية الكالسيكية اليت متتاز برقة لغتها وشاعريتها الاالية‪ .‬يف هذا اجملال‪ ،‬ميثل رو‬

‫‪111‬‬
‫العربية والرتمجة ‪ /‬مقاالت‬

‫‪ -‬غرييه جتربة فنية جديدة كونه يساى اىل تقويض لغة الرواية الكالسيكية عن طريق استخدام لغة خترتع يف‬
‫كل مجلة شكلها اخلاص ‪.‬‬
‫عندما قرأت النص للمرة األوىل بلغته األصلية متلكتين رغبة برتمجته وبدأت أطرح على نفسي أسئلة من‬
‫قبيل ‪ :‬كيف ميكن ترمجة نص كهذا اىل الاربية ؟ ما الذي على املرتجم األديب فاله كي ينقل للقارئ الاريب‬
‫عوامل النص الغريبة عليه كليا واليت رمبا مل أيلفها يف نصوص الكتا الار والبايدة عن قياته اليومية وعن‬
‫متثالته الثقافية واالجتماعية اخلاصة ؟ اىل أي نوع من أنواع الرتمجة ينبغي أن يلجأ املرتجم ؟ إىل التصرف ؟‬
‫إىل الرتمجة احلرفية ؟ إىل تزويد القارئ بشروقات ؟ أي تكنيك يستخدم املرتجم عندما تبدو الرتمجة‬
‫مستحيلة؟‬
‫أول مشكلة فرضت نفسها علينا عند شروعنا برتمجة النص أعاله كانت الانوان‪ .‬ماروف أن الانوان‬
‫يشكل أول اتصال مباشر ب ن النص وقارئه‪ ،‬لذا فإن ترمجته تكتسب أمهية قصوى‪ .‬كنا‪ ،‬خبصوص نقل‬
‫الانوان اىل الاربية‪ ،‬أمام خيارين ‪ :‬أوالمها أن نرتجم كلمات الانوان مبا يقابلها ابلاربية وستكون الرتمجة‬
‫املقرتقة عندئذ‪ " :‬متثال عرض املالبس " وال نظن أن هناك إمكانية لرتمجة الانوان بصيغة اخرى‪ .‬أما اثين‬
‫اخليارات فكان اللجوء اىل التاريب أي أن نكتفي بنقل قروف املفردة ونكسوها صبغة عربية‪ .‬بسبب‬
‫الطول النسيب للانوان ابلاربية‪ ،‬اثران التاريب على الرتمجة سيما أن مفردة " املانيكان " مألوفة يف لغتنا الاربية‬
‫ودالالهتا‪ ،‬بسبب كثرة استاماهلا‪ ،‬مباشرة ‪.‬‬
‫خبالف الانوان‪ ،‬فرض النص حتدايت توزعت على قسم ن ‪ :‬الشكل واملاىن‪ .‬ابلنسبة للشكل‪ ،‬ونقصد‬
‫به طريقة ترتيب مجل النص‪ ،‬قاولنا‪ ،‬ما وسانا ذلك‪ ،‬احلفاظ على الرتتيب الذي إختاره الكاتب جلمله ظنا‬
‫منا أن طريقة ترتيب فقرات النص ليست عشوائية ابلنسبة لكاتب من مثل رو ‪ -‬غرييه‪ .‬فاجلمل القصرية‬
‫اليت يفضل الكاتب تركها حتتل السطر أبكمله والذي يكفي عادة جلملت ن أو ثالثة من نفس الطول‪ ،‬هي‬
‫يف احلقيقة تابري شكلي عن ال خطية تتابع أفكار املؤلف واشارة اىل عدم تناسق تلك األفكار أقياان‪.‬‬
‫وحبسب فهمنا لطريقة تفكري رو ‪ -‬غرييه‪ ،‬فإننا ناتقد أن هذا النوع من الرتاكيب مكتو بشكل مقصود‬
‫بوصفه جزءا من وظيفة تابريية للنص‪ .‬ومن هنا ارأتينا نقل وترمجة مثل هذه الرتاكيب أبقصى قد ممكن من‬
‫املطابقة مع شكل النص األصلي حبيث ترد كل مجلة يف مكاهنا الصحيح كما شاء هلا كاتبها دون أدىن‬
‫حماولة منا للتدخل‪ ،‬ما خال استثناءات اندرة أعدان فيها بناء تركيب باض الابارات عندما يكون التغيري‬

‫‪111‬‬
‫حسن سرحان جاسم الزلزيل‬

‫قتميا لتناسق اجلملة الاربية‪ .‬قىت يف هذه احلالة‪ ،‬قرصنا على أن أييت التحوير أبقر مدى ممكن من‬
‫الرتكيب األصلي حبيث ال يضاف أو يشوه التغيري الشكل الذي أراد الكاتب لنصه أن يكون عليه‪.‬‬
‫ما يسر علينا حماولتنا تلك هو أن النص‪ ،‬وال جيب أن يكون ذلك مدعاة لالستغرا طاملا أن األمر‬
‫يتالق بكاتب امسه رو ‪ -‬غرييه‪ ،‬ليس غنيا ابلقيم اجلمالية ذلك أن ليس من هنج املؤلف االعتناء ابلصناة‬
‫أو استخدام االستاارة والتشبيه‪ .‬وسبب ذلك أن رو ‪ -‬غرييه ال يبحث عن تدعيم فكرة أو زايدة أتثري‬
‫على قارئه عن طريق صب كلماته يف قالب مجايل يكثر فيه استخدام األساليب اجملازية واحملسنات البالغية‪.‬‬
‫ابلنسبة "للمضمون احلكائي "‪ ،‬وال نرتدد عن وضع هذه الابارة ب ن قوس ن كبريين وذلك خللو النص‪،‬‬
‫كما البد أن يكون القارئ قد القظ‪ ،‬من كل ثيمة قصصية‪ ،‬فإن الرتمجة مل حتاول التدخل مطلقا إلعادة‬
‫خلق " الاامل القصصي " للكاتب من خالل إقحام ثيمات ال حيتويها النص األصلي‪ .‬إن احلد الذي رمسناه‬
‫لرتمجتنا اقتضى منا التقيد مبحتوى النص األصلي من غري زايدة أو نقصان‪ .‬مع ذلك‪ ،‬مل تكن ترمجتنا قرفية‬
‫ابملطلق فقد أطلقنا الانان لقلمنا إبضافة أو قذف هنا وتقدمي أو أتخري هناك كلما رأينا ذلك ممكنا قىت‬
‫يناسب النص ذوق املتلقي الاريب من غري اإلخالل بسياق القصة أو املس الكبري بسمات أسلو الكاتب‬
‫انهيك عن عدم اإلخالل بشرط األمانة االدبية واليت هي الركيزة االساسية ألي مرتجم‪ .‬إن تكنيك الرتمجة‬
‫غري املباشرة الذي اعتمدانه أقياان يف ترمجة باض فقرات النص‪ ،‬أجربان على اللجوء إىل أسلو اإلبدال‬
‫والتطويع والتقابل يف كثري من احلاالت اليت رأينا فيها أن الرتمجة احلرفية قد ال تفي ابلغرض املطلو ‪ .‬وكان‬
‫ذلك بغية إجياد املقابل لصور النص االصلي يف النص اهلدف واقداث أتثري مماثل على متلقي هذا األخري‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فان النسخة الاربية لـ ـ ـ ـ املانيكان هي نص شارك يف كتابته رو ‪ -‬غرييه واملرتجم‪ .‬هذا األخري‬
‫ليس خائنا طاملا أن النسخة الاربية تقر ابهنا ترمجة ليس غري فهي اذن ال تدعي ما ليس هلا وبذلك تنصف‬
‫نفسها كما تنصف قراءها‪ .‬زايدة على ذلك‪ ،‬فإن الرتمجة ليست غري خملصة للنص ما دامت تضع نفسها‬
‫يف خدمته ويف خدمة القارئ ابللغة اهلدف‪ .‬وأخريا‪ ،‬فإن الرتمجة ليست مطابقة للنص متاما ألهنا ال تارف‬
‫نفسها ابلتفكيك أو احملو ولكن يف البحث عن األان الثقافية واللغوية لآلخر والتشارك يف مفهوم املزج ب ن‬
‫اللغات‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن جوابنا على األسئلة ‪ :‬الرتمجة األدبية هي عمل مستقل ؟ هل متاثل من قيث القدر‬
‫النص االصلي ؟ هو‪ :‬نام‪ ،‬شريطة أن حيسن املرتجم القيام بامله‪.‬‬

‫‪111‬‬

‫)‪Powered by TCPDF (www.tcpdf.org‬‬

You might also like