Professional Documents
Culture Documents
المانيكان جرييه
المانيكان جرييه
مقاالت
بعض مشاكل الرتمجة األدبية وصعوباتها
قصة املانيكان للكاتب الفرنسي أالن
ﺑﻌﺾ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ ﻭ ﺻﻌﻮﺑﺎﺗﻬﺎ :ﻗﺼﺔ ﺍﻟﻤﺎﻧﻴﻜﺎﻥ ﻟﻠﻜﺎﺗﺐ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﺃﻻﻥ ﺭﻭﺏ ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ:
ا ﻏﺮﻳﻴﻪ ﻣﺜﺎﻻً
ﻟﺒﻨﺎﻥغرييه مثاال
روب -ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔ - ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ:
ﺭﻭﺏمسات فريدة ﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔ ﺍﻷﺩﺑﻴﺔ ،ﺍﻷﺩﺏ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ،ﻗﺼﺔ ﺍﻟﻤﺎﻧﻴﻜﺎﻥ ،ﻏﺮﻳﻴﻪ ،ﺃﻻﻥ
جمتمع وألن األد ،ابألساس ،حمض ظاهرة لغوية ونتاج ثقافة ماينة فإنه يكتسب يف كل ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ:
https://search.mandumah.com/Record/718425 ﺭﺍﺑﻂ:
من نوعها قد ال جتد نظريا هلا يف جمتمع اخر .ذلك أن لكل أمة لغة وثقافة مها أهم الاناصر اليت حتدد
األديب حيمل يف طياته بادا ثقافيا وهو ما يناكس شكل ومضمون النص االديب .ولذلك ،فإن اخلطا
ليس فقط يف األفكار واملشاعر ،مجاية كانت أم ذاتية ،والصور اليت يابئ الكاتب هبا نصوصه ،ولكن أيضا
يف كيفية التابري عن كل ذلك .رمبا هلذا السبب ،دون غريه ،ميتاز األد خباصية وجود عالقة وثيقة جدا له
مع اللغة اليت ينتشر هبا قىت إنه ميكن القول ،وليس يف ذلك مبالغة بل إقرار حبقيقة واقاة ،أن األد ما
كان له أن يوجد لوال اللغة .يف هذه احلالة ،فإن اللغة وسيط لكنه ليس كأي وسيط إذ بدون وساطته ال
ميكن تصور وجود مادي ألد رفيع ال سيما إذا كان األمر يتالق مبجتمع ذي ثقافة مكتوبة.
يف املرقلة االوىل من حبثنا ،نقرتح أن نارض أفكاران خبصوص الرتمجة األدبية مبجملها وذلك عن طريق
طرح جمموعة من األسئلة ملخصها التايل :ما هي الرتمجة االدبية ؟ ما خصوصيتها؟ ما الذي جيال منها
© 2018ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ .ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ.
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ،ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ .ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ
بغداد. ()أستاذ يف كلية اللغات /جاماة
ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ ،ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺩﺍﺭ
ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ.
141
حسن سرحان جاسم الزلزيل
مقاالت
بعض مشاكل الرتمجة األدبية وصعوباتها
قصة املانيكان للكاتب الفرنسي أالن
ا
روب -غرييه مثاال
()
حسن سرحان جاسم الزلزيل
تطرح الرتمجة االدبية مشاكل خاصة هبا .ميكننا القول ابلتأكيد إن الشيء نفسه ينطبق على أي من
جماالت الرتمجة األخرى .ومع ذلك ،فإن الرتمجة يف ققل األد تنطوي على مشاكل ذات أبااد ال يشتمل
عليها غريها من امليادين وسبب تلك اخلصوصية هي أن عدة عوامل اجتماعية ولغوية وثقافية ومنهجية
وألن األد ،ابألساس ،حمض ظاهرة لغوية ونتاج ثقافة ماينة فإنه يكتسب يف كل جمتمع مسات فريدة
من نوعها قد ال جتد نظريا هلا يف جمتمع اخر .ذلك أن لكل أمة لغة وثقافة مها أهم الاناصر اليت حتدد
األديب حيمل يف طياته بادا ثقافيا وهو ما يناكس شكل ومضمون النص االديب .ولذلك ،فإن اخلطا
ليس فقط يف األفكار واملشاعر ،مجاية كانت أم ذاتية ،والصور اليت يابئ الكاتب هبا نصوصه ،ولكن أيضا
يف كيفية التابري عن كل ذلك .رمبا هلذا السبب ،دون غريه ،ميتاز األد خباصية وجود عالقة وثيقة جدا له
مع اللغة اليت ينتشر هبا قىت إنه ميكن القول ،وليس يف ذلك مبالغة بل إقرار حبقيقة واقاة ،أن األد ما
كان له أن يوجد لوال اللغة .يف هذه احلالة ،فإن اللغة وسيط لكنه ليس كأي وسيط إذ بدون وساطته ال
ميكن تصور وجود مادي ألد رفيع ال سيما إذا كان األمر يتالق مبجتمع ذي ثقافة مكتوبة.
يف املرقلة االوىل من حبثنا ،نقرتح أن نارض أفكاران خبصوص الرتمجة األدبية مبجملها وذلك عن طريق
طرح جمموعة من األسئلة ملخصها التايل :ما هي الرتمجة االدبية ؟ ما خصوصيتها؟ ما الذي جيال منها
141
العربية والرتمجة /مقاالت
موضوعا للاديد من النظرايت ؟ من هو املرتجم االديب ؟ هل النص املرتجم عبارة عن إعادة كتابة ،حماكاة،
أم نسخ للنص األصلي ؟ هل أن الرواية أو املسرقية أو القصيدة املرتمجة تكون ذات قيمة أقل من االصل ؟
هل من الصحيح القول إن ال شيء ياادل األصل؟ إذا كان األمر كذلك فما الداعي ألن نستمر ابلرتمجة ؟
هل إبمكان ترمجة سيئة قتل الامل ؟ وهل لرتمجة جيدة أن تايد باثه ؟ وأقريا هل نستطيع ترمجة كل شيء؟
مباىن اخر هل أن النص األديب عاملي اىل درجة أنه يقبل الرتمجة إىل كل اللغات ؟
اجلانب التطبيقي من حبثنا نارض فيه ترمجتنا إلقدى قصص الكاتب الفرنسي املاروف أالن رو -
غرييه) . (Alain Robbe- Grilletنطرح هذه املرة أسئلة من نوع اخر تتناول النص املرتجم وكاتبه مثل:
ما خصوصية كتاابت رو -غرييه ؟ مل تطرح حماولة ترمجة نصوصه اىل الاربية ،مشاكل خاصة غري تلك
اليت تطرقها نصوص جمايليه من كتا الرواية اجلديدة ؟ ما أفضل طريقة ميكن ملرتجم بواسطتها نقل هذه
النصوص مع احلفاظ على عبقرية استخدام رو -غرييه للغة الفرنسية ؟ هل الرتمجة احلرة هي احلل ؟ هل
الرتمجة االلية ممكنة مع رو -غرييه ؟ ملاذا جيب على مرتجم هذا األخري أن يتمتع حبس نقدي وحتليلي
وأن يكون قارائ مثابرا؟ كل هذه األسئلة بدت لنا جوهرية وسنحاول اإلجابة عنها أبدق ما ميكن.
إن ترمجة نص أديب مسامهة مثينة يف عملية التواصل ب ن اللغات واحلضارات .فلوال الرتمجة ألصبحنا،
على مستوى ماتد به ،أفرادا جاهل ن جبزء كبري مما حيدث يف أماكن أخرى من الاامل .فالرتمجة تلاب دورا
يف قياة كل واقد منا سيما الرتمجة األدبية اليت تسمح لنا أن نتبادل االفكار وأن نبين جسورا مع الثقافات
األخرى .تتطلب الرتمجة االدبية الكثري من الامل ،واخليال الالحمدود ،ومارفة ال تشوهبا شائبة ابملفاهيم
األسلوبية للغة املصدر ،وثقافة واساة .لذلك جيب أن يكون املرتجم على مستوى توقاات قراء اللغة اليت
يرتجم اليها .إن علة كون الرتمجة األدبية ماقدة تكمن يف أهنا ليست فقط حماولة نقل كلمات ومفاهيم
141
حسن سرحان جاسم الزلزيل
جمردة ،إمنا هي أيضا ،بل وخصوصا ،عملية انزايح ونقل ملشاعر ولاواطف حيتويها الامل األديب .لذا فإن
الصرامة بنقل املاىن ،وامتالك أسلو خاص تسنده خميلة كبرية هي صفات أساسية ال غىن عنها لكل
مرتجم أديب .من انقية أخرى ،ال بد من مارفة كبرية سوسيو -ثقافية تسمح للمرتجم بنقل الفكاهة،
والااطفة ،واحلب أو أي مشاعر أخرى موجودة يف النص األصلي .ومن هنا ميكن القول أن الرتمجة األدبية
ليست مهنة يتأتى لكل مرتجم ،كيفما كان جميدا ،إتقاهنا والتمكن منها .إهنا ،قصرا ،مهنة من ميتلك
وقب الكتابة الذي ال بد أن يناكس ،بصورة ما ،يف النص احلس الفين والذوق الرفيع وعشق األد
املرتجم .ورمبا هلذا السبب تشرتط باض دور النشر الااملية على من يريد الامل فيها بصفة مرتجم أديب أن
يكون قد مارس كتابة األد من قبل أو ما زال ميارسها .أال ياين ذلك ضمنا أن املرتجم األديب وهو يرتجم
ميارس مهنة التأليف وابلتايل ،إذا صح ذلك ،له أن يطالب ،أسوة مبؤلف النص األصلي ،حبقوق ملكية
النص ؟ وهنا ال بد لنا من وقفة نناقش فيها ،دمان على عجل ،مسألة على درجة عالية من احلساسية
تتالق إبعادة تكوين الاالقة ب ن الرتمجة واألصل واملوؤف واملرتجم .إن عدم قسم مكانة املرتجم االديب
ابلنسبة للنص الذي يرتمجه تاترب واقدة من أعقد مشاكل الرتمجة االدبية.
ال تزال قياتنا الثقافية حمكومة بتقييمات ابلية تضع املرتجم يف منزلة اثنوية مقارنة مبنزلة املؤلف وما زال
الكثري من مثقفينا ال يكف عن النظر اىل الرتمجة على أهنا نسخة متدنية عن األصل وأن املرتجم ليس أكثر
من عبد أو خادم للنص املصدر .وكان من نتائج هذه النظرة أن خبس الناس ،خواصهم قبل عوامهم ،فضل
املرتجم وابلتايل دور الرتمجة يف التفاعل والتثاقف وعالقة الذات ابآلخر واالنفتاح على الغريب وجالها من
الغربة ألفة وجسرا وبنية تؤسس لتقريب البايد دون إلغاء املسافة اليت تفصل االان عن االخر .رغم خطورة
هذا الدور ،يكون املرتجم ،يف األعم االغلب من احلاالت ،شخصا منسيا وقد ال جيد انشرون ضريا كبريا
عندما ال يظهر امسه على صفحة الغالف االوىل .قىت القانون الفرنسي ،الذي تصرح باض فقراته اخلاصة
141
العربية والرتمجة /مقاالت
ابمللكية الفكرية أبن ملرتجم النص األديب ققوقا ليست أقل من تلك اليت للمؤلف األصلي ،يبدو مرتاخيا
خبصوص التزامات الناشرين بذكر اسم املرتجم على الصفحة األوىل لغالف الكتا الذي ترمجه قاله يف
ذاك قال املؤلف ،قيث إنه حيدد ببساطة "أن االطراف تتفق على أن اسم املرتجم الظاهر يف صفحة
الانوان ،جيب أن يكتب بوضوح يف الصفحة االوىل لغالف الكتا أو ،إذا ما تاذر ذلك ،أن يوضع على
الصفحة الراباة للغالف " .وهذا ياين أن إبمكان الناشر ،إذا شاء ،أن يدع ،ألسبا جتارية ،اسم املؤلف
حيتل لوقده صفحة الغالف االوىل مؤجال ،اىل الصفحة األخرية ،اإلعالن عن اسم املرتجم دون أن جيد يف
ذلك غضاضة مبا أن القانون اخلاص هبذه املسألة مرن لدرجة أنه يرتك له فسحة للمناورة جتنبه الوقوع يف
خمالفة قانونية.
مما سبق ميكن مالقظة أن غموضا وتناقضا يكتنف وضع املرتجم االديب :فالى الورق هو مبدع
مستقل إذا ما نظران إىل أقكام املواد اخلاصة هبذا املوضوع من قانون امللكية الفكرية لباض النصوص
الرمسية .لكن الواقع الاملي يقول خالف ذلك :ففضال عن جتاوز ذكر امسه على غالف الكتا ،يامد
كثري من الناشرين اىل دفع أجر للمرتجم ال يتناسب وقجم الامل والوقت الذي يكرسه لنقل نص إىل اللغة
اهلدف حيمل كل ميزات النص االصلي .وللتذكري نشري اىل أن دار املأمون مثال متنح املرتجم مبلغا متواضاا
عن كل كتا ومتنح ربع ذلك املبلغ اىل خبري الرتمجة الذي يقوم مبراجاة الكتا وليس للمرتجم قصة من
الذي ترمجه .أما على املستوى االجتماعي ،فإن املرتجم االديب يف بلدان ال يستطيع أرابح بيع الكتا
االعتماد على الرتمجة من أجل كسب قوت يومه عكس احلال يف الاديد من البلدان اليت متنح املرتمج ن
اعرتافا ماداي واعتباراي يليق هبم .ففي أملانيا ،مثال ،يستلم املرتمجون عموما ققوقا ال أبس هبا من مبياات
األعمال اليت يرتمجوهنا ،ويف فرنسا يتقاضى املرتمجون األدبيون أجورا أفضل من زمالئهم األجنلوسكسوني ن.
يف فرنسا وأملانيا والياابن وأماكن أخرى ،رغم أنه يايش ،عموما ،حتت ظل املؤلف ،فإن املرتجم االديب،
مستقال كان أم اتباا إلدارة ماينة ،يستطيع حتت هذا الانوان أن جيين أرابقا متكنه من عيش قياة ميسورة.
144
حسن سرحان جاسم الزلزيل
وأتسيسا على ما تقدم ،ال بد من إعادة النظر مبكانة املرتجم األديب وال يكون ذلك إال عن طريق
االعرتاف ،أوال أبن املرتجم األديب مبدع فين ال يقل إبداعا عن صاقب النص األصلي .إذا كان هذا االخري
يدين بوجوده األول اىل مؤلفه ،فإنه يدين بدميومته اىل مرتمجة ذلك أن الرتمجة متنح النص قياة أطول
وقابلية أكرب على البقاء واالستمرار .إن الرتمجة يف ققيقتها هي عملية إعادة إنتاج وحتويل وتوليد للنص
الذي عليه ،إن شاء البقاء ملدة أطول ،أن يكون قابال للرتمجة .إن هذه املسائل وغريها من األكثر بداهة
من تلك املتالقة ابحلقوق االعتبارية والقانونية للمرتجم األديب ،واليت ال جيب أن تقل عن تلك اليت يقر هبا
القانون ملؤلف النص األصلي ،ما زالت دون مااجلة جذرية يف بلدان والسبب يف ذلك ياود ،ولو بشكل
شبه املطلق ملؤسسات مستقلة ومهنية تدافع عن الرتمجة واملرتمج ن .وما دام احلال جزئي ،إىل الغيا
كذلك ،جيب أن أنخذ على عاتقنا ،كمرتمج ن ،مهمة النضال من أجل أن يشمل قانون امللكية الفكرية
الرتمجات .جيب أن يفهم النقاد االدبيون وغريهم وكذلك اجلمهور أن للمرتجم احلق وليس فقط االمتياز أبن
يربط امسه ابلكتا الذي ترمجه أو راجاه .جيب أال نكتفي كمرتمج ن أبن يظهر امسنا على صفحة الانوان
أو قىت على الغالف بل أن يكون لنا قق ليس أقل من قق املؤلف يف إعادة النشر والتوزيع.
يتهم الباض الرتمجة االدبية بكوهنا نسخة سيئة ،والباض االخر ياتربها خائنة ،ومثة من ال يرى فيها
أكثر من حماولة ابئسة حملاكاة النص االصلي .فما ماىن االمانة يف الرتمجة االدبية ؟ ومىت تتحول إىل خيانة
؟ وعند أي قد تنتهي قرية املرتجم بقبال النص كي تبدأ قرمة هذا االخري؟ مربر طرح هذه اإلشكاالت ،
وغريها من تلك اليت عرفتها الرتمجة االدبية منذ نشأهتا وما زالت حمورا لنقاشات املاني ن ،هو أن اخلاصية
الذاتية تطبع ،إىل قد كبري ،عمل املرتجم االديب .أن ترتجم قصيدة أو رواية ياين ،فيما يانيه ،أن يتملكك
عشق استثنائي جتاه نص باينه جتد فيه اناكاسا ألشياء يف نفسك .ولذا فإننا ناتقد أن املرتجم ال ياطي
للنص ققه إال إذا كانت الرتمجة صادرة عن مارفة وموهبة وحمبة ألدبية النص .فمسألة الذوق والاشق
141
العربية والرتمجة /مقاالت
واملوهبة يف الرتمجة األدبية هي بورة الامل الرتمجي ونواته .على أن قب النص والذوابن فيه ال ينبغي له أن
يلغي اقتفاظ املرتجم مبسافة بينه وب ن النص الذي يشتغل عليه .مىت ما ألغيت هذه املسافة ،ذهب قسن
الرتمجة ألهنا عندئذ ستتحول اىل حماولة خائبة ،ليس يف ذلك شك ،حملاكاة النص األصلي وهذا ،لامري،
من أعظم األخطار اليت هتدد جودة الامل الرتمجي ألنه سيودي ابملرتجم الن يكون أسريا للنص والفاظه .إن
مرتمجا من هذا النوع ليس له أن يطالب أبن يكون واملؤلف سواء ما دام ارتضى لنفسه منزلة الابد للنص
يكمن قل هذه املشكلة ،أي حماولة املرتجم حماكاة النص االصلي ،أبقد طريق ن :أما أن يايد
املرتجم األديب نسخ النص كما هو من غري تدخل ،كرب أم صغر ،يف الصياغة والتحرير أو أن حياول
التصرف فيه .إذا اقتصر عمل املرتجم االديب ،برجاء أن يكون أمينا إزاء النص ،على ترمجة كلمة من اللغة
) )mot à motستكون النتيجة نسخة سيئة املصدر بكلمة من اللغة اهلدف (أي ما يارف ابلفرنسية
للغاية ال تباد كثريا عن تلك اليت كان سيقرتقها علينا موقع جوجل إذا ما كلفناه برتمجة نفس النص.
حيسن ابملرتجم ،إذن ،أن يتحاشى قدي الرتمجة احملاكية والرتمجة اللفظية ويتجه اىل الرتمجة بتصرف واليت
ستضمن له ،شريطة عدم اإلسراف ابستغالل هامش احلرية الذي تكفله له الرتمجة بتصرف ،أن يوجه اىل
القارئ عمال فنيا أجنبيا حيافظ على قد سواء على جوهره الشاري (مجاليته ،أسلوبه ،واللغة الشارية ...
إخل) ومشاهبته ابجلوانب اللغوية والثقافية للغة اهلدف .عندها سيبدو النص االصلي واملرتجم على أهنما
توأمان بينهما فروق طفيفة لكن أصلهما واقد ما دام كال الامل ن يقدمان نفس الرسالة ويوفران نفس
املشاعر .على الرغم من أن اللغة والثقافة ال ميكن نقلهما بصورة متطابقة ألن جمتمع القراء املستهدف ن،
واترخيهم ومتثيالهتم (الثقافية واللغوية ) ختتلف عن تلك اليت لقراء النص األصلي ،يبقى أسلو الرتمجة
بتصرف واقدا من أجنع السبل اليت تكفل إنتاج نص مرتجم حيوي إبداعا مساواي لذلك الذي يتوفر عليه
141
حسن سرحان جاسم الزلزيل
النص األصلي .إن الرتمجة بتصرف ،فضال عن كوهنا عملية لغوية ابملقام األول ،فهي ابلتأكيد عملية أدبية
حنن نرى أن هذا النوع من الرتمجة ،أي الرتمجة بتصرف ،ممكنة ومستحيلة يف آن واقد .هي ممكنة إن
أجاد مرتجم النص األديب التاامل مع ميزاهتا املتمثلة ابنفتاقها على آليات فنية تسمح للمرتجم ،رغم
حمدوديتها ،إبعادة إنشاء النص من أجل نقله اىل اللغة اهلدف .إن التطبيق احلذر هلذه املنهجية األخرية يف
ترمجة النصوص األدبية ياين انتصار الرتمجة الفكرية على الرتمجة احلرفية إنتاج نصوص متتاز بتاادل املاىن
وتوازي الداللة ب ن روح اللغة املصدر واللغة اهلدف .إن اقتكام املرتجم اىل فاالية التواصل مع اقرتام النص
االصلي بدال من إنفاق اجلهد يف الساي خلف تطابق لن يبلغه إال على قسا اجلانب اجلمايل للرتمجة،
للنص األديب خصوصية متيزه عن غريه من النصوص .فرتمجة مقالة علمية أو بيان سياسي أو نشرة
طبية ال حتتمل تنوعا كبريا يف تفسري حمتواها وان ابتادت حلظة ترمجة النص عن زمن كتابته .غري أن األمر
خيتلف عند تالق األمر بنص شاري أو مسرقي أو روائي .فالى الاكس من الكتاابت الالمية أو التجارية،
ينفرد النص األديب مبيزة أنه عامل متحرك حيتمل عشرات التفسريات املختلفة بل وقىت املتناقضة .واختالف
التفسري له أسبابه واليت منها :بلحاظ كونه ينتمي إىل زمن اترخيي حمدد ،خيتلف أتويل النص وقت كتابته
عن أتويله باد 50عاما مثال .واختالف التأويل يودي قتما إىل اختالف التلقي .وإذا اختلف التلقي
اختلفت الرتمجة .قاهلا قال النص األديب ،تنتمي الرتمجة إىل عصرها ومكاهنا .عدم الثبات اذن ثنائي
االجتاه فهو خيص النص بلغته األصلية كما خيص ترمجته .من أجل أن تكون الرتمجة ممكنة ،وأن يكون هلا
أتثري على القارئ ،جيب أن تتناغم مع زمان ومكان حمددين ومناسب ن ،قابل ن الستيااهبا وتلقيها.
141
العربية والرتمجة /مقاالت
لنأخذ مثال رواية مدام بوفاري لـ ـ ـ ـ فلوبري) . (Flaubertال تفسر اليوم قراءة مدام بوفاري كما كان
األمر عند صدورها إذ مل ياد للنص نفس األثر الذي كان له على مستوى التلقي .وقت صدورها ،اعتربت
الرواية املذكورة فاقشة وخادشة للحياء وتارض بسببها مؤلفها للمحاكمة .باد مرور زمن على صدورها ،مل
تاد الرواية خطرا على اجملتمع وأصبح مؤلفها ،الذي اهتم ابلفحش آنذاك ،شاهدا على عصره .وكذا أصبح
قال باض رواايت رو -غرييه ،الكاتب الذي اخرتان دراسة صاوابت ترمجة النص األديب يف ضوء أقد
نصوصه .عند أول ظهورها ،قبل أكثر من نصف قرن ،صنف النقد رواايت رو -غرييه على أهنا كتاابت
غامضة ،عصية على الفهم أما اليوم تاترب نفس تلك الكتاابت من كالسيكيات األد الفرنسي.
النص األديب إذن متحرك وقركته مدعاة حلتمية القبول مببدأ تاددية الرتاجم لنص واقد .فأن ترتجم،
حبسب كوه ن) ، (Cohenياين أن تاطي تابريين خمتلف ن ملضمون واقد .ولال هذا ع ن ما عناه جاك
"وهم املاىن املستقر" .إذ إن دريدا ( )Jacques Derridaعندما ألغى ،يف نظريته التفكيكية ،ما مساه
االعرتاف بادم وجود أساس اثبت ومستقر للماىن هو الذي يسوغ تادد الرتمجات للنص الواقد كما
يسوغ يف اللغة الواقدة القراءات املتاددة لنفس النص .لذا فنحن ناتقد أنه جيب االلتزام ابلدفاع بشدة عن
.5املشاكل الثقافية
ليست الرتمجة االدبية جمرد نقل ألفاظ من قواميس ثنائية اللغة .لو صح هذا االمر ملا كان أمام املرتجم
من خيار أفضل من الرتمجة االلية اليت تقرتقها مواقع الشبكة الااملية .تستند الرتمجة االدبية على التحليل
الشكلي اللغوي والثقايف للنص فاملاىن ال يرتبط ابللغة فقط بل يرتبط ابلنص وابلثقافة اليت أنتجته وابملاارف
الاامة لزمن كتابته .إن الثقافة ،بوصفها نظاما كامال من الاادات والسلوك ،ترتبط ارتباطا وثيقا ابللغة مع
إقراران أن اللغة ميكن أن تارب احلدود الثقافية املختلفة .إن ماىن كلمة أو تابري مشتق ،إىل قد كبري ،من
الثقافة اليت أتى منها .املاىن إذن عبارة عن صلة رئيسية ب ن الثقافة واللغة ،ومبا أن الرتمجة ليست عملية
141
حسن سرحان جاسم الزلزيل
لغوية بسيطة ،فإن الفهم الثقايف ضروري ألن من املفرتض أن املرتجم ينتج ماان متكافئة ويف قالة عدم
على سبيل املثال فإن املرتجم االديب غري الاارف خبصوصيات الثقافة الغربية سيجد من الصاب عليه
فهم باض الصور والابارات وسيستحيل عليه ابلتايل ترمجتها من اللغة املصدر إىل اللغة اهلدف .جيب على
املرتجم األديب ،وهو ينقل نصا ،أن ياي مسألة أن االمر يتالق ابلتقاء ثقافت ن كما جيب عليه أن يلجأ اىل
إعادة إنتاج االنظمة الثقافية للاالمات اللغوية ومن أجل إكمال هذه املهمة ،فإن إعادة بناء الدال ينبغي
أن يصحبها فهم للنظام القواعدي والبنائي للغة اهلدف .بغية مواجهة مشكلة ثقافية فإنه ال مناص من
اللجوء إىل التصرف واىل املاادل اللغوي من أجل أن ياطي املرتجم النتيجة املناسبة يف النص املنقول .
.6املشاكل اللغوية
متتلك كل لغة تاقيدات خاصة هبا هي اليت حتدد ،بشكل كبري ،فكر األمة وماايري السلوك اللغوي
لألفراد .ومبا أن الرتمجة ذات طابع لغوي ابألساس ،كان ال بد هلا من إجياد قلول للمشاكل اللغوية اليت
تارتض املرتجم أثناء تصديه لرتمجة نص أديب .السؤال الذي يطرح استنادا اىل هذه النظرية هو التايل :هل
إن قواعد اللغة هي اليت حتدد ميدان النشاط الذهين أم أهنا تؤثر فقط على أفكار الفرد ونشاطاته الاقلية ؟
يؤكد أهل الشأن أن اللغة تصيغ بشكل كبري طريقة تفكريان ولكي يكون املرتجم قريبا من تفكري املؤلف
جيب عليه أن يكون عارفا ابللغة املصدر ومقدار مارفته يوثر سلبا واجيااب يف نوعية الرتمجة .ويف هذا الشأن
يوكد جورج موانن ) (Georges Mouninأن الرتمجة عملية صابة وصاوبتها تتجلى يف كون اللغات
ليست جداول كلمات تقابلها ققائق دائما هي وموجودة مسبقا .لو كان األمر كذلك لكانت الرتمجة
االلية أفضل أنواع الرتمجات .وهذا ماناه أن كل وقدة لغوية مرتبطة بلغتها .ينتج عن هذه النظرة أن الرتمجة
اليت تتوخى استبدال نظام لغوي آبخر ستالقي يف سبيل ذلك باض الصاوابت .لذا جيب على املرتجم أن
141
العربية والرتمجة /مقاالت
ينتبه إىل األسلو واملفردات وطريقة التابري يف اللغة اهلدف كي يستطيع إنتاج نص مفهوم للقارئ وويف ملراد
كاتبه.
.7مشكلة التكافؤ
التكافؤ هي مشكلة لغوية حبتة تاين ،ببساطة ،إجياد ماادل تابريي ملفردة أو مصطلح يف لغة اهلدف
تكون له نفس قيمة او وظيفة تلك املفردة أو ذلك املصطلح يف لغة املصدر .وعندما نقول لغة ناين قضارة
وثقافة وأتريخ .من أجل ذلك ،يشكل التكافؤ ماضلة ليست دائما ابهلينة يتطلب قلها أن يكون املرتجم
ابرعا يف اللغت ن .تنشأ مشكلة التكافؤ خصوصا عندما يتالق االمر برتمجة الكليشيهات ،والتاابري واالمثال.
تتجسد مشكلة التكافؤ عند استحالة إجياد املرادف املضبوط لكلمة ما يف لغة اخرى .خذ على سبيل
املثال مرتمجا يريد ترمجة التابري الدارج ( )trop de cuisiniers gâtent la sauceوالذي ياين ،قرفيا،
بلغتنا أن "كثرة الطهاة تفسد احلساء" .لن يفيد املرتجم أن ينقل املاىن قرفيا ألنه عند ذاك سوف يقع خبطأ
داليل وأسلويب .ولذلك وجب هنا اللجوء إىل إجياد املاادل يف اللغة اهلدف .ومالوم أن املشكلة هي يف
كيفية الاثور على ماىن ماادل يطابق داللة رسالة النص األصلي .الفكرة اليت نريد إيصاهلا هي أن املفهوم
الاام للتابري أعاله موجود يف كل اللغات ،ولكن طريقة متثيله اللغوية خمتلفة .وهكذا فإن ( trop de
"السفينة اليت يقودها أكثر من )cuisiniers gâtent la sauceسيتم ترمجتها إىل اللغة الاربية
قبطان تغرق " .عندما يكون األمر متالقا بنص أديب ،تكون مشاكل الاثور على املاادل اللغوي أخطر
وذلك ألن اللغة األدبية رمزية واحيائية وهذا يسبب مشاكل للمرتمج ن األدبي ن .وال حنسبنا مغال ن إذا ما
قلنا هبذا الصدد أن املشكلة الكربى يف الرتمجة هي مشكلة تاادل املاىن إذ من الصاوبة ،إن مل يكن
االستحالة ،الاثور على تاادل كامل ب ن وقدت ن متباينت ن من وقدات الشفرة اللغوية إذ ال توجد لغتان
متشاهبتان بصورة كلية مما ياين احلكم بادم وجود الرتادف التام .يف هذه احلالة ،جل ما يستطيع املرتجم
فاله هو الاثور على التاادل أي املاىن املوازي لكلمة من لغة خمتلفة داخل النظام البنيوي للغة اثنية.
111
حسن سرحان جاسم الزلزيل
مبا أن استقرار الاالقة ب ن الدال واملدلول حمض وهم ،كما سبق وأشران ،جيب على املرتجم األديب
األخذ بنظر االعتبار عدم وجود اساس اثبت ومستقر للماىن وأن ال قركية ماىن الكلمة املكتوبة يف لغة
قية مستحيل .لذا فإن الرتمجة اجليدة هي تلك اليت حيرص صاقبها على متاباة قركة الكلمات ومدلوالهتا
يف االجتاه ن .ألجل إخراج نص حيمل املاىن املاادل للنص األصلي ،ينبغي على املرتجم أن يساى اىل نقل
كامل قيمة النص األصلي ،وليس كامل مفرداته ،كي يكون مفهوما وحمسوسا بنفس الدرجة اليت هو عليها
باد هذا اخلوض يف باض مشاكل الرتمجة األدبية ومهومها وشجوهنا ،نارض الرتمجة اليت اقرتقناها
لقصة املانيكان أو متثال عرض املالبس للكاتب الفرنسي املاروف أالن رو -غرييه .ال جند أبسا ،بل
لاله من الواجب ،أن نستبق ترمجة النص بتاريف موجز بكاتبه ومكانه يف أتريخ األد والتيار الفين الذي
ينتمي إليه .ليس هذا فحسب ،بل إننا ،باد إقالة القارئ إىل النص بنسخته املرتمجة ،سنقدم رؤيتنا النقدية
للامل الذي ترمجناه لال ذلك سيساعد ،بصورة أو أبخرى ،يف فهم النص وأجوائه اجلمالية وتلك ،برأينا،
خطوة ال بد أن يقوم هبا كل مرتجم أديب يتوخى لرتمجته أن جتال القارئ ينسى أن ما يقرأه ليس سوى
ترمجة .كي ياطي هذا االخري للنص ققه ،ينبغي أن تكون ترمجته صادرة عن مارفة وفهم عميق ن ألدبية
النص فاملرتجم قبل كل شيء قارئ يفسر نصا .إن األكيد الذي ال يقبل الشك أن املرتجم إذا قرأ النص
بلغة املصدر إىل قد أن تتكون لديه صورة واضحة عن الكاتب ،عن اللغة املصدر وسياقها الثقايف
والتارخيي واالجتماعي ،وكذلك عن السياق الثقايف الذي كتب فيه الامل والسياق الذي تنمو فيه
الشخصيات سيكون قادرا على أن يقدم لنا عمال من نفس عيار النص األصلي.
أالن رو -غرييه املولود يف 1922واملتوىف يف 2008هو أقد أهم كتا فرنسا املااصرين وأكثرهم
إاثرة للجدل على اإلطالق .أطنب الباض يف تقديره قىت عدوه أعظم جمدد يف اتريخ الرواية املااصرة وغاىل
111
العربية والرتمجة /مقاالت
اخرون يف التقليل من شأنه والنيل منه اىل درجة أهنم ناتوه ابلدخيل على دنيا األد والفن ذلك أن رو
-غرييه يف االصل مهندس زراعي متخصص بدراسة بيولوجيا النبات .وذهب آخرون اىل أباد من ذلك
عندما وصفوه ابملارق الذي ينتمي إىل مجاعة إرهابية تساى إىل هتدمي التقاليد الرصينة يف الكتابة واليت
قرص الفرنسيون على احملافظة عليها وصوهنا جيال باد !جيل .أصدر كاتبنا أول رواايته عام 1591
واخرها سنة 2007أي قبل وفاته بنحو الاام .شكل هو وكلود سيمون) ، (Claude Simonميشال
بوتور) ، (Michel Butorاناتيل ساروت ) (Natalie Saroutواخرون تيارا أدبيا يف بداية اخلمسينات
أطلق عليه النقاد تسمية تيار "الرواية اجلديدة " ورغم أن كتا هذه املدرسة ينتمون إىل مناخ فكري واقد
فإهنم كانوا خمتلف ن فيما بينهم اىل درجة كبرية ولال هذا االختالف كان من أهم أسبا تفرد تيارهم ومتيزه
عن غريه من تيارات األد والفن .مع ذلك اتفق هؤالء املختلفون على جمموعة ثوابت تتمثل برفض الفكرة
التقليدية عن كتابة الرواية اليت مل تاد ابلنسبة هلم ،والتوصيف ل ـ ـ ـ جان ريكاردو)، (Jean Ricardou
كتابة مغامرة بل مغامرة كتابة .اتفقوا أيضا على نبذ الطريقة اليت كان يكتب هبا ابلزاك ( ،)Balzacرغم
القرن الاشرين الذين أن باضهم كان جيله ،واليت مل تاد برأيهم تصلح ألن يكتب على منواهلا كتا
يايشون يف عامل خيتلف يف مظهره كما يف جوهره عن ذلك الذي كان يايشه روائيو القرن التاسع عشر .ومبا
"الرواية ماارضة الروائي ن اجلدد ملا يسمى ب ن هالل ن ان مقامنا ليس مقام مقالة تتناول أسبا
الكالسيكية " ،فلالنا حنسن صناا إن انتقلنا مباشرة اىل عرض ترمجتنا لقصة املانيكان لكاتبها أالن رو -
غرييه على أن نتبع الرتمجة بتاليق نقدي يتضمن حتليال للقصة ونقاشا لباض املشاكل اليت أاثرهتا حماولة
ترمجتها .قبل أن نبدأ ،جيب التنويه أبننا مل نطلع على ترمجة سابقة هلذه القصة اليت نشرت يف عام 1954
وأعاد الكاتب نشرها عام 1962ضمن جمموعة قصصية بانوان حلظات مباشرة .
111
حسن سرحان جاسم الزلزيل
على املنضدة يوجد إبريق للقهوة .إهنا منضدة مدورة الشكل هلا قوائم أربع يغطيها نسيج من قماش
مشمع تربز عليه أشكال مرباة ابألمحر والرمادي مرسومة على خلفية ذات لون أبيض مصفر لاله كان يف
يف منتصف الطاولة ،توجد بالطة من السرياميك تقوم مقام املفرش الذي يوضع عليه صحن الطاام.
إن إبريق القهوة املوضوع فوق املفرش ذاك يغطي بشكل كلي الرسم املوجود عليه أو على االقل جيال من
إلبريق القهوة ،املصنوع من خزف ذي لون أمسر ،رأس تالوه مصفاة اسطوانية هلا غطاء كأنه نبتة
الفطر .أما عنق اإلبريق فهو على شكل قرف Sذو خطوط مقوسة لطيفة مستديرة قليال عند القاعدة.
ولإلبريق مقبض يشبه االذن أو ابألقرى يشبه صيوان األذن لكن الشكل املصنوع حبسبه ذلك املقبض
جياله يشبه أذان مصنوعة بغري مهارة مدورة أكثر مما ينبغي وبدون شحمة مما جيالها تبدو وكأهنا عروة إانء.
يكسو عنق اإلبريق ومقبضه وكذا غطاء رأسه لون سكري أما ابقي اإلبريق فلونه رمادي فاتح براق.
وما خال النسيج املشمع ومفرش الصحن وإبريق القهوة فليس على الطاولة مثة شيء اخر.
على اليم ن من الطاولة وأمام النافذة ينتصب متثال عرض املالبس .أما خلف الطاولة فتوجد كوة
املدخنة مالقة عليها مرآة كبرية مستطيلة الشكل يرى فيها نصف النافذة (النصف األمين منها) وصورة
خزانة املالبس ذات املرآة واليت تبدو على اجلانب األيسر (أي على اجلانب األمين من النافذة ) .تاكس
مرآة خزانة املالبس من جديد نفس النافذة واليت تظهر بكاملها هذه املرة ومن جانبها األمامي (أي أن
املصراع األمين يظهر على اليم ن واأليسر يظهر على اجلانب األيسر).
111
العربية والرتمجة /مقاالت
وهكذا تظهر أعلى املدخنة ثالثة أنصاف للنافذة واليت تتتابع بشكل متصل تقريبا حبسب الرتتيب
اآليت (من اليسار إىل اليم ن ) :نصفان أيسر وأمين يرى كالمها من األمام ونصف أمين يشاهد منه جانبه
اخللفي.
وألن خزانة املالبس توجد ابلضبط يف زاوية الغرفة وتستطيل قىت الطرف االقصى للنافذة ،فإن
النصف ن األمين ن هلذه األخرية ال يفصل بينهما سوى ركيزة رفياة قد تكون خشب وسط النافذة (الركيزة
إن املصاريع الثالثة للنافذة تسمح ،من أعلى السجف ،برؤية أشجار احلديقة اخلالية من األوراق .
حتتل النافذة ،هكذا ،كل سطح املرآة ابستثناء اجلزء الالوي منها قيث تناكس فيه رقاة من سطح
الغرفة وأعلى اخلزانة ذات املرآة .يظهر أيضا يف املرآة ،فوق املدخنة ،متثاال عرض مالبس آخران .أوهلما أمام
املصراع األول للنافذة ،وهو األصغر من ب ن املصاريع ،على اليسار متاما واثنيهما أمام املصراع الثالث (ذلك
إن التمثال ن غري متقابل ن .إذ إن املوجود على اليم ن يظهر منه جزؤه األمين والذي على اليسار ،وهو
لكن من الصاب حتديد ذلك من النظرة األوىل قيث إن كلتا الصورت ن ،بسبب املوضع الذي وضع
فيه التمثاالن ،تبدوان وكأهنما تظهران نفس اجلانب -اجلانب األيسر على األرجح.
إن متاثيل عرض املالبس الثالثة مصفوفة على خط مستقيم .يوجد التمثال االوسط من بينها ،ذلك
املركون على اجلانب األمين من املرآة والذي يتوسط االثن ن اآلخرين من قيث الطول ،يوجد ابلضبط بنفس
يلمع على اجلزء الكروي من اإلبريق اناكاس مشوه للنافذة جيال صورهتا تبدو على سطح اإلبريق مثل
114
حسن سرحان جاسم الزلزيل
إن اخلط الذي تصناه الركائز اخلشبية ب ن مصراعي النافذة يستطيل فجأة حنو األسفل على شكل
إن الغرفة مضيئة جدا ألن النافذة عريضة بشكل استثنائي مع أن هلا ليس سوى مصراع ن.
متثال عرض املالبس ليس يف مكانه إذ إنه يصف عادة يف زاوية النافذة على اجلانب املقابل للخزانة
ذات املرآة .قىت هذه األخرية ليست يف مكاهنا فهي كانت قد وضات املوضع الذي هي فيه االن لغرض
ميثل الرسم الذي حتت الصحن بومة هلا عينان واساتان خميفتان قليال.
لكن يف الوقت الراهن ليس من املمكن متييز شيء من ذلك الرسم ألن إبريق القهوة موضوع عليه.
ليس أالن رو -غرييه قاصا مواظبا على كتابة القصة القصرية .ذلك أنه طيلة أكثر من نصف قرن
مل ينتج إال جمموعة واقدة هي حلظات مباشرة اصدرها عام 1591عن دار نشر مينوي يف ابريس .وقد
جتمع هذه القصص رؤية فنية ،متطورة نام ،لكنها واقدة يف نسقها الاام من قيث اعتمادها بنية
سردية غاية يف البساطة حمورها االهتمام ابألشياء واملكان كمرتكزين أساسي ن من مرتكزات قداثة القص.
وسيتسع هذا االقتفاء ابلتجريب يف رواايت الكاتب الالققة واليت ستقوم بشكل جوهري على اقتطاع
قيز صغري وعادي للحظة زمنية تكثف قضورها ع ن قيادية تبحث بشراهة عن كل ما ميكن ان يرى
وتصفه وتايد وصفه قد أن تصل به اىل قافة اهلاوية يف انتقاالت سردية مفاجئة من النقيض إىل أقصى
النقيض.
111
العربية والرتمجة /مقاالت
إذا سيكون حمور قديثنا يف هذ اجلزء األخري من الدراسة عن قاص وقصص شكلت مناطفات مهمة
الفرنسي يف نقطة التمفصل يف التجريب والتجديد .فـ ـ ـ رو -غرييه الذي تضاه كتب اتريخ األد
الكائنة ما ب ن الواقاية والواقاية اجلديدة ،واقد من أهم املواظب ن على جتديد فنية النص السردي ،قصة
كان أم رواية ،بل وأكثرهم اقتفاء ابلتجريب .لكن رو -غرييه اذ يؤكد مشروعه التجديدي يف التكنيك
القصصي مبجموعة قصصية واقدة ،تقوض املواضاات القصصية املتاارف عليها ،يفصح عن رغبة دفينة
مفادها ان الكتابة القليلة املتسمة ابلكثافة واالقتصاد والدقة والبناء الفين احملكم هي اليت تفتح افاق
التجديد .أفليس التجديد يف البداية بقاة ضوء لكنها تتسع وتكرب الققا ان مل يكن على يد الكاتب
صاقب املشروع فالى أيدي اخرين من جمايليه أو ممن أيتون باده ؟
يف جمموعته حلظات مباشرة تتجمع عدة مراقل قصصية للتجديد وتتجمع أيضا عدة فنيات ورؤى
أسلوبية لذا فهي جمموعة ال تنسجم مع نفسها فنيا إال بكوهنا قاضنة لفن القصة التجريبية وبكوهنا نتاج
رجل جمنون يركب رأسه شيطان التجريب وتتقمصه روح أدبية عبقرية مهووسة بتفضيل اإلدراك احلسي
والوصف واخليال والفنتازاي على الواقاية واحلبكة واإلاثرة الفنية.
بىن رو -غرييه عامل قصصه الفين على اقتصاد واضح يف كل مفردات القص من شخوص إىل أشياء
إىل أمكنة .فأمكنته القصصية مثال هي :غرفة ،شباك ،صالة درس ،شاطن ،زنزانة سجن ،مقهى ...إخل.
ال حتتوي هذه االمكنة إال على أشياء جامدة ختلو من أي إقالة تلميحا أو تصرحيا إذ ال ماىن يكمن
خلف وجودها الظاهري البسيط .لكنها هي ،أي االشياء ،اليت حتدد مباىن من املااين كل فضاء النص
وتفرض قضورها الطاغي فيه على ما سواها من مكوانت الاامل القصصي .وقد الم الباض رو -غرييه
على ذلك ألنه ابلغ يف هذا االجتاه وقول الرواية إىل سرد يبحث عن متاسكه وسط فوضى عمادها األشياء
اليت تلغي وجود ما عداها .فال غرابة أن تشار أقياان وأنت تقرأ نصا لـ ـ ـ ـ رو -غرييه أنه مثقل جبرودات
ال هناية هلا ألشياء املكان واستطرادات وشروقات علمية هندسية لالها من ترسبات تكوينه السابق على
دخوله مليدان االد .
وميكن أن ناد قصة املانيكان وهي أوىل نصوص اجملموعة القصصية مدار البحث منوذجا ابهرا
ألسلو رو -غرييه القائم على إبراز هيمنة األشياء وسيادهتا على قسا الشخصية واحلبكة واحلكاية
اليت ليس هلا وجود يف قصص رو -غرييه .املانيكان نص قصري ال يتجاوز عدد صفحاته الثالث كتبه
رو -غرييه عام . 1954ولتاريخ النشر دالالته سوف لن خنوض هبا يف حبثنا احلايل وسنرتكها ملقام اخر
111
حسن سرحان جاسم الزلزيل
أوسع من مقامنا هذا .وعلى قصره فإن هذا النص من أكثر نصوص الكاتب راديكالية وأكثرها تضمينا
ملاان فلسفية.
يف هذا النص ال وجود لشخصيات قية مطلقا .فقط متثال عرض مالبس واقد واناكاساته يف نظام
ما ن من املرااي املوجودة يف غرفة ضيقة حتتوي ،إضافة اىل املنيكان ،طاولة عليها إبريق قهوة وخزانة مالبس
ذات مرآة ومدخنة فوقها مرآة اثنية .وهذا االقتصاد يف استحضار األشياء داخل مكان مازول عن قركة
احلياة والذي ليس ابلغريب على نصوص رو -غرييه يوفر للرائي فرصة السيطرة على قركة الا ن مما يتيح
يف وصف حمتوايته القليلة .على أن هلذه األخرية إمكانية التجوال املسرتيح يف فضاء املكان واإلسها
الوصف يقتصر على سطوح االشياء دون أدىن حماولة للدخول إىل عمقها (أشياء رو -غرييه من دون
عمق أصال وختلو من كل إضافة عاطفية أو نفسية ) أو حماولة تفسري وجودها وربطه حبضور الشخصية.
أول ما ترينا إايه الا ن -الكامريا إبريق قهوة موضوع على طاولة ذات أربع قوائم يغطيها مفرش مرسوم
عليه شكل ما ن ال تستطيع الا ن أن تتب ن مالحمه بوضوح ألن إبريق القهوة حيجبه بشكل شبه اتم .ومبا
أن تقنية رو – غرييه يف الوصف ألزمت نفسها مببدأ عدم التارض ملا ال تستطيع الا ن أن تراه فإن هذه
األخرية تنتقل من الطاولة إىل بقية االشياء اليت تقع يف مستوى النظر .وكاادة رو -غرييه يف إعطاء دور
مميز جلزئية ما من املكان لتمارس دورا سرداي مهما فإن الا ن تطيل الوقوف بصورة خاصة أمام مرآة
مستطيلة كبريه تاكس صور االشياء املوجودة يف الغرفة واليت بضمنها مرآة اخرى يف مرآة خزانة املالبس
تناكس فيها كل األشياء مرة اثنية .وهكذا فإن الكاتب ،بواسطة نظام املرااي املاقد هذا ،جيالنا نبحر وسط
كم من الصور املتضاعفة ووسط جمموعة من التغيريات والتشوهات الناكاسات صور األشياء .هكذا تبدو
الغرفة للناظر بزواايها وسطوقها وخطوطها اليت تفرض نفسها على إدراكه احلسي والبصري .
من الواضح أنه ابستثناء فال النظر فال شيء اخر حيدث يف تلك الغرفة .وتنتهي القصة ،باد أن
تشبع الا ن األشياء وصفا ،ابلاودة إىل نقطة البداية قيث إن الرائي يااود يف السطر االخري من القصة
إخباران إن على الطاولة إبريقا للقهوة موضوعا على صورة لبومة ذات عين ن كبريت ن وخميفت ن قليال .لكن
الرسم ،بسبب اإلبريق ،ال ميكن أن يرى بوضوح .وهو إيذان ابستئناف وصف األشياء مرة اثنية .وباودته
إىل مجلة االستهالل فإن النص جيال من هنايته بداية اثنية لرقلة وصف أخرى ينثال فيها السرد كي خيترب
قدرة الا ن على الوصف الدقيق.
111
العربية والرتمجة /مقاالت
ومما تقدم ميكننا االستنتاج أن فال القص يولد عند رو -غرييه من فال النظر .وأتسيسا على ذلك
فإن أية حماولة لتشريح نص ل ـ ـ ـ رو -غرييه جيب أن متر قتما عرب دراسة الوصف الذي يغرق فيه قارئه.
فإذا ما فهمنا الوصف فإن النص نفسه ،ابعتباره إدراكا قسيا وماداي حمضا ،يفك لنا شفراته وينفتح علينا
بكل ألغازه وإن بدت هذه األخرية عند مستوى القراءة االول مستغلقة ومبهمة.
إن النص حبسب مفهوم رو -غرييه هو صورة أو جمموعة ماقدة من صور جامدة تلتقطها الا ن
بدون أي تسلسل زمين أو استمرارية زمنية إذ ال وجود ملاىن مستمر عن رو -غرييه .فأغلب نصوصه
بدون بناء أفقي مباىن أن ال زمن ميتد من املاضي إىل احلاضر عبورا إىل املستقبلي فهو زمن ال دميومة (الزمن
املستدام ال وجود له عند رو -غرييه ) .فال مكان عنده لغري زمن حلظوي مكثف مقتطع مما قبله
ومفصول عما باده تسوده وهتيمن عليه قاسة النظر .وبوصفها آلة ادراكية فإن الا ن ال تنظر كي حتلل أو
كي تؤسس لاالئق من نوع ما بينها وب ن ما تراه كما هو احلال يف النصوص الكالسيكية قيث تتم
مالقظة االشياء ابلقلب ال ابلا ن (كما احلال يف نصوص ابلزاك من أجل تقريب الفكرة ).
إن هذا التشديد على قاسة النظر احملايدة ميثل ،على رأي روالن ابرت )،(Roland Barthes
سلوكا تطهرياي ال شاوراي للنفس أي أنه يطهر األشياء من املاىن الذي منحه هلا اإلنسان على الدوام.
أضف إىل ذلك أن الا ن تنظر ألهنا حتاول إعادة اكتشاف األشياء ومن خلفها إعادة اكتشاف الاامل فال
ميكن أبي قالة من األقوال إنكار أن الا ن يبهرها النظر إىل املكان وكأهنا تراه ألول مرة ،وهذا الفهم يتيح
لنا امكانية النظر إىل النص على أنه حمض ذاكرة تستايد رؤية ما كانت قد رأته يف حماولة خمبولة إلعادة
استكشافه عرب النظر إليه من زوااي عدة ووصفه بشكل هندسي وبدقة متناهية .نقطة مهمة أخرى قبل أن
خنتم البحث هي أن املانيكان الذي ينظر اىل خارج النافذة ميثل ،بوقدته ومجوده ومجاديته ،صورة إلنسان
القرن الاشرين املستلب الروح واحمليد الاقل واملازول عن عامله بشكل يثري القليل من اخلوف ورمبا الكثري من
الراثء.
خامسا :مالحظات حول الرتمجة
ترمجة نص لـ ـ ـ ـ رو -غرييه ،قصة كان أم رواية ،جمازفة غري مأمونة الاواقب إطالقا .ذلك أن االمر
يتالق أبرض متحركة ال تكف عن االضطرا وبكاتب خماتل يصاب ،غالبا ،اإلمساك برأس خيط أفكاره.
وألن عامل رو – غرييه اجلمايل هو يف الواقع عامل خاص جدا ونصوصه ال تشبه أي نتاج أديب عراقي أو
عريب ،تتطلب ترمجة الرجل ،قبل كل شيء ،فهم نصوصه وتلك مراهنة نسبة قسم هنايتها ،إجيااب ،ليست
111
حسن سرحان جاسم الزلزيل
دائما مرتفاة .ينتمي كاتبنا إىل مدرسة روائية جديدة خترج على املألوف الروائي وتصنع أدواهتا ونظمها
-غرييه وقوالبها من خالل جتارهبا وزمنها ومنجزاته احلضارية وتراكماته النفسية تتسم كتاابت رو
ابستخدام تقنيات سردية ماقدة بنيتها األساسية التكرار املتنوع الذي يودي يف النهاية إىل ضياع القارئ يف
متاهات النص .فكتاابت رو -غرييه بايدة عن ماقولية األقداث ومنطقيتها كما جتري يف احلياة اليومي
لذا فإهنا ليست فقط متاهة بل تقرت أقياان من كوهنا طالسم من الصاب فك شفرهتا وحتييد ألغازها.
وسط هذا التيه احلكائي الالحمدود ،ترتاجع الشخصية ،املكون الروائي احملوري للامل السردي ،إىل أدىن
مستوايت قضورها مقارنة بباقي وقدات القص الذي حتتل فيه أشد األشياء عادية ويومية وألفة مكان
الصدارة وهذا ما متيزت به نصوص رو -غرييه منذ املماقي ،أوىل رواايت الكاتب املنشورة .
لوفرة وخصوصية قضور االشياء يف نصوص رو -غرييه ،يف النص أعاله خصوصا ،تفسري أترخيي
يتالق ابلفرتة اليت كتبت هبا تلك النصوص :ففي اخلمسينات ،شهدت فرنسا قركة تصنيع كربى ،أدت اىل
صاود مفهوم الشيء على قسا تراجع قوة مفهوم الفرد .يبلغ هذا الرتاجع للفرد ذروته عندما ال ياود
النص يشري إىل وجود الفرد إال من خالل أشيائه .هبذا املاىن ،فـ ـ ـ املانيكان ليس جمرد عمل فين بل هو أيضا
شهادة اترخيية على جمموعة التغريات االجتماعية اليت عرفتها أورواب يف سنوات اخلمسينات .جيب أن يكون
اجلانب التارخيي للنص وظروف كتابته قاضرين يف صميم تفكري املرتجم .إن مارفة هذا األخري اجليدة
ابلنص وبفضائه االجتماعي والتارخيي والفين وبطبياة أولوايت الكاتب التقنية وزمن كتابة النص قبل الشروع
ابلرتمجة أمر ضروري إلنتاج ترمجة قريبة يف مشكلها وحمتواها من النص األصلي .هذا االستياا خلصوصية
رو – غرييه ستجال املرتجم ،وإن بصورة حمدودة ،على ألفة مع النص ولن يتفاجأ بغرائبية الاامل الروائي
أو القصصي للكاتب.
إضافة اىل املشاكل ذات الطابع السردي ،هناك مشاكل اخرى يصطدم هبا املرتجم األديب الذي يرغب
برتمجة رو -غرييه تتمثل بطبياة اللغة اليت يستخدمها هذا االخري .ليس من اجلديد القول إن اللغة هي
مركز اهتمام رو -غرييه وأساس اسرتاتيجيته الفنية .ولكونه يكتب ابللغة وعن اللغة ،فإن اجلانب اللغوي
عنصر رئيسي يف كتاابته وال يستطيع املرتجم أبي قال من االقوال أن يتجاوزه .تتأرجح لغة رو -غرييه
ب ن أكثر املواقف تناقضا :فهي عويصة وإشكالية ومتصدعة وانقصة لكنها ،رغم نفورها ومفارقتها
للمألوف ،تضل مغرية وسليمة جدا حنواي وقواعداي .يستامل رو -غرييه اللغة اجملردة من الااطفة كي
ياارض القوة التقليدية للرواية الكالسيكية اليت متتاز برقة لغتها وشاعريتها الاالية .يف هذا اجملال ،ميثل رو
111
العربية والرتمجة /مقاالت
-غرييه جتربة فنية جديدة كونه يساى اىل تقويض لغة الرواية الكالسيكية عن طريق استخدام لغة خترتع يف
كل مجلة شكلها اخلاص .
عندما قرأت النص للمرة األوىل بلغته األصلية متلكتين رغبة برتمجته وبدأت أطرح على نفسي أسئلة من
قبيل :كيف ميكن ترمجة نص كهذا اىل الاربية ؟ ما الذي على املرتجم األديب فاله كي ينقل للقارئ الاريب
عوامل النص الغريبة عليه كليا واليت رمبا مل أيلفها يف نصوص الكتا الار والبايدة عن قياته اليومية وعن
متثالته الثقافية واالجتماعية اخلاصة ؟ اىل أي نوع من أنواع الرتمجة ينبغي أن يلجأ املرتجم ؟ إىل التصرف ؟
إىل الرتمجة احلرفية ؟ إىل تزويد القارئ بشروقات ؟ أي تكنيك يستخدم املرتجم عندما تبدو الرتمجة
مستحيلة؟
أول مشكلة فرضت نفسها علينا عند شروعنا برتمجة النص أعاله كانت الانوان .ماروف أن الانوان
يشكل أول اتصال مباشر ب ن النص وقارئه ،لذا فإن ترمجته تكتسب أمهية قصوى .كنا ،خبصوص نقل
الانوان اىل الاربية ،أمام خيارين :أوالمها أن نرتجم كلمات الانوان مبا يقابلها ابلاربية وستكون الرتمجة
املقرتقة عندئذ " :متثال عرض املالبس " وال نظن أن هناك إمكانية لرتمجة الانوان بصيغة اخرى .أما اثين
اخليارات فكان اللجوء اىل التاريب أي أن نكتفي بنقل قروف املفردة ونكسوها صبغة عربية .بسبب
الطول النسيب للانوان ابلاربية ،اثران التاريب على الرتمجة سيما أن مفردة " املانيكان " مألوفة يف لغتنا الاربية
ودالالهتا ،بسبب كثرة استاماهلا ،مباشرة .
خبالف الانوان ،فرض النص حتدايت توزعت على قسم ن :الشكل واملاىن .ابلنسبة للشكل ،ونقصد
به طريقة ترتيب مجل النص ،قاولنا ،ما وسانا ذلك ،احلفاظ على الرتتيب الذي إختاره الكاتب جلمله ظنا
منا أن طريقة ترتيب فقرات النص ليست عشوائية ابلنسبة لكاتب من مثل رو -غرييه .فاجلمل القصرية
اليت يفضل الكاتب تركها حتتل السطر أبكمله والذي يكفي عادة جلملت ن أو ثالثة من نفس الطول ،هي
يف احلقيقة تابري شكلي عن ال خطية تتابع أفكار املؤلف واشارة اىل عدم تناسق تلك األفكار أقياان.
وحبسب فهمنا لطريقة تفكري رو -غرييه ،فإننا ناتقد أن هذا النوع من الرتاكيب مكتو بشكل مقصود
بوصفه جزءا من وظيفة تابريية للنص .ومن هنا ارأتينا نقل وترمجة مثل هذه الرتاكيب أبقصى قد ممكن من
املطابقة مع شكل النص األصلي حبيث ترد كل مجلة يف مكاهنا الصحيح كما شاء هلا كاتبها دون أدىن
حماولة منا للتدخل ،ما خال استثناءات اندرة أعدان فيها بناء تركيب باض الابارات عندما يكون التغيري
111
حسن سرحان جاسم الزلزيل
قتميا لتناسق اجلملة الاربية .قىت يف هذه احلالة ،قرصنا على أن أييت التحوير أبقر مدى ممكن من
الرتكيب األصلي حبيث ال يضاف أو يشوه التغيري الشكل الذي أراد الكاتب لنصه أن يكون عليه.
ما يسر علينا حماولتنا تلك هو أن النص ،وال جيب أن يكون ذلك مدعاة لالستغرا طاملا أن األمر
يتالق بكاتب امسه رو -غرييه ،ليس غنيا ابلقيم اجلمالية ذلك أن ليس من هنج املؤلف االعتناء ابلصناة
أو استخدام االستاارة والتشبيه .وسبب ذلك أن رو -غرييه ال يبحث عن تدعيم فكرة أو زايدة أتثري
على قارئه عن طريق صب كلماته يف قالب مجايل يكثر فيه استخدام األساليب اجملازية واحملسنات البالغية.
ابلنسبة "للمضمون احلكائي " ،وال نرتدد عن وضع هذه الابارة ب ن قوس ن كبريين وذلك خللو النص،
كما البد أن يكون القارئ قد القظ ،من كل ثيمة قصصية ،فإن الرتمجة مل حتاول التدخل مطلقا إلعادة
خلق " الاامل القصصي " للكاتب من خالل إقحام ثيمات ال حيتويها النص األصلي .إن احلد الذي رمسناه
لرتمجتنا اقتضى منا التقيد مبحتوى النص األصلي من غري زايدة أو نقصان .مع ذلك ،مل تكن ترمجتنا قرفية
ابملطلق فقد أطلقنا الانان لقلمنا إبضافة أو قذف هنا وتقدمي أو أتخري هناك كلما رأينا ذلك ممكنا قىت
يناسب النص ذوق املتلقي الاريب من غري اإلخالل بسياق القصة أو املس الكبري بسمات أسلو الكاتب
انهيك عن عدم اإلخالل بشرط األمانة االدبية واليت هي الركيزة االساسية ألي مرتجم .إن تكنيك الرتمجة
غري املباشرة الذي اعتمدانه أقياان يف ترمجة باض فقرات النص ،أجربان على اللجوء إىل أسلو اإلبدال
والتطويع والتقابل يف كثري من احلاالت اليت رأينا فيها أن الرتمجة احلرفية قد ال تفي ابلغرض املطلو .وكان
ذلك بغية إجياد املقابل لصور النص االصلي يف النص اهلدف واقداث أتثري مماثل على متلقي هذا األخري.
وهكذا ،فان النسخة الاربية لـ ـ ـ ـ املانيكان هي نص شارك يف كتابته رو -غرييه واملرتجم .هذا األخري
ليس خائنا طاملا أن النسخة الاربية تقر ابهنا ترمجة ليس غري فهي اذن ال تدعي ما ليس هلا وبذلك تنصف
نفسها كما تنصف قراءها .زايدة على ذلك ،فإن الرتمجة ليست غري خملصة للنص ما دامت تضع نفسها
يف خدمته ويف خدمة القارئ ابللغة اهلدف .وأخريا ،فإن الرتمجة ليست مطابقة للنص متاما ألهنا ال تارف
نفسها ابلتفكيك أو احملو ولكن يف البحث عن األان الثقافية واللغوية لآلخر والتشارك يف مفهوم املزج ب ن
اللغات .وهكذا ،فإن جوابنا على األسئلة :الرتمجة األدبية هي عمل مستقل ؟ هل متاثل من قيث القدر
النص االصلي ؟ هو :نام ،شريطة أن حيسن املرتجم القيام بامله.
111