You are on page 1of 23

‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫أمن اللبس بين النحو العربي ولسانيات النص‬


‫‪Avoidance of Ambiguity between Arabic Grammar and Text‬‬
‫‪linguistics‬‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد السالم حامد‬


‫قسم اللغة العربية ‪ -‬كلية اآلداب والعلوم‬
‫جامعة قطر‬
‫تاريخ القبول‪0808/40/05 :‬‬ ‫تاريخ اإلرسال‪0808/40/40 :‬‬

‫ملخص‪:‬‬
‫كبريا من حتديد‬
‫قدرا ً‬
‫النحو العريب ‪ -‬وهو حنو مجلة ‪ -‬فيه من الوسائل والقواعد ما يكفل ً‬
‫املعىن واإلسهام يف أمن اللبس‪ ،‬وذلك عن طريق القرائن اللفظية واملعنوية املختلفة‪ ،‬يضاف إىل‬
‫ذلك ما يف صور االستعمال وأدواته من طرق متكني املعىن واالحتياط له‪ .‬وليس اإلشكال هنا‬
‫فيما يتكفل السياق والقرائن ببيانه والداللة عليه من أقرب طريق‪ ،‬إّنا اإلشكال فيما جاوز‬
‫ذلك ‪ -‬كاإلحالة بصورها املختلفة ‪ -‬مما حيتاج إىل وسائل أعم ومبادئ داللية كلية‪.‬‬
‫ومما ال شك فيه أ ّن النظر إىل لسانيات النص يفضي إىل تطوير أدوات حنو اجلملة‬
‫الداللية وإجياد معابر وحماورات بينهما‪ ،‬مما يكون له أثر ملحوظ يف استنباط كثري من األسس‬
‫وحل كثري من إشكال اللبس‬ ‫واملبادئ اليت تؤدي إىل فهم أمثل للمعىن الكلي للنص ّ‬
‫مقصودا‬
‫ً‬ ‫وإبداعا فنيًا‬
‫ً‬ ‫متوخاة‬
‫والغموض فيه‪ ،‬ما مل يكن اللبس أو تعدد احتماالت املعىن مزيّة ّ‬
‫وإثراءً للمعىن‪ .‬ومن أمثلة ذلك‪ :‬أسس العالقات بني اجلمل وصور التتابع وتوايل الفقرات‬
‫ومبادئ تفسري النصوص واسرتاتيجيات التل ّقي والقراءة‪ ،‬والتكافؤ الداليل وعالقته باالختيار‬
‫األسلويب ومغزاه‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬أمن اللبس‪ ،‬حنو اجلملة‪ ،‬لسانيات النص‪ ،‬املعىن‪ ،‬اإلحالة‪ ،‬االنسجام‬
‫(السبك)‪.‬‬

‫‪010‬‬
0200 ‫ – جانفي‬01 :‫العدد‬ 02 :‫املجلد‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

Abstract:
Arabic syntax -which is about a sentence- contains the means and
rules that guarantee the determination of the meaning and contribute to
the security of confusion through different verbal and moral clues; in
addition to the methods and tools that enable understanding the
meaning. However, the problem is not with what the context and clues
guarantee to clarify and indicate; rather, it is concerned with what goes
beyond - such as reference in its various forms - which requires more
general means and overall semantic principles. Undoubtedly, the
consideration of the linguistics of the text leads to the development of
tools towards the semantic sentence and the creation of passages and
dialogues between them. This issue would have a noticeable effect on
devising many foundations and principles that lead to an optimal
understanding of the overall meaning of the text, and solving a lot of
ambiguities unless the ambiguity or multiplicity of the possibilities of
meaning is an intended quality, an intended artistic creation and an
enrichment of meaning. Examples on this issue include the foundations
of relationships between sentences and images of sequences of
paragraphs, principles of textual interpretation, receptive and reading
strategies, semantic equivalence and its relationship and significance to
the stylistic choice.
Keywords: Avoidance of Ambiguity, sentence grammar, text
linguistics, meaning, reference, coherence.
:‫مقدمة‬
‫اتساعا يف قضية املعىن وما يتعلق به من وضوح‬ ً ‫عندما نقارن بني نظرتني خمتلفتني ضي ًقا و‬
‫ وهو حنو‬،‫ ونظرة ما عداه‬،‫ نعين نظرة النحو العام الذي هو حنو اجلملة‬،‫أو غموض ولبس‬
‫ اإلحالة‬:‫ت تبدو كلية من أمهها‬ ٍ ‫ ومقوال‬،‫ فإن هذا يقود إىل نظرات أخرى أرحب‬،‫النص‬
‫ وال يعين ربط حدود املقابلة يف قضية البحث هنا بني حنو‬.‫ واملوضوع واحملمول‬،‫والعام واخلاص‬
‫ تقليل أمهية النظر إىل اإلمكانات األخرى للمقابلة‬،‫ وحنو النص‬- ‫ يف صورته العربية‬- ‫اجلملة‬
‫ كالنحو‬،‫ كاملقابلة يف موضوعنا بني حنو اجلملة على إطالقه واألحناء األخرى‬،‫أو نفيها‬
‫اختيارا حبثيًا‬
ً ‫ وإّنا يعين ذلك‬،‫ والنحو الوظيفي والنحو املضموين والعرفاين‬،‫التوليدي التحويلي‬
.‫جملالني مناسبني يصح املقابلة بينهما بصورة جلية ملا بينهما من تفاوت واضح أكثر من غريمها‬

011
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫ويف هذا اإلطار احملدد لقضية البحث‪ ،‬تبدو لنا إشكاالت تعرب عنها عدة أسئلة مهمة‪:‬‬
‫ما الذي قدمه حنو اجلملة يف قضية أمن اللبس؟ هل مثة شيء غري فكرة القرائن؟ وكيف‬
‫عوجلت مسألة اإلحالة وهي من أهم مسائل هذا املوضوع؟ أيكفي يف حنو النص معايري‬
‫النصية السبعة للوصول إىل املعىن وجتنب اللبس أم وراء ذلك إضافات وطائفة أخرى من‬
‫املبادئ والكليات؟ هل من املمكن أن تكون أطر اخلطاب اخلمسة عند شارول (من قال؟‬
‫وكيف قال؟ وماذا قال؟ ومىت قال؟ وأين قال؟) وما يتعلق بذلك من أكوان اعتقادية أو كامنة‬
‫أو متقاربة وغريها يف أن تكون من أهم األسس اليت يستند عليها يف الفهم وحتديد املعىن‬
‫واجتناب اللبس؟ هل من املمكن أن تكون املقارنة بني إسهام أصول الفقه قدميًا واللسانيات‬
‫القانونية حديثًا من جانب ‪ -‬ولسانيات النص من جانب آخر‪ ،‬مفيدةً يف دراسة قضية أمن‬
‫أّنوذجا‬
‫ً‬ ‫اللبس‪ ،‬على أساس أن اجلانب األول (أصول الفقه واللسانيات القانونية) يق ّدمان‬
‫لضبط الداللة‪ ،‬يقابل لسانيات النص اليت تقوم على انفتاح الداللة وتقدمي أولوية ما يساعد‬
‫على الفهم على ما يساعد على اجلزم وحتديد املعىن بصورة حامسة؟‬
‫ميكننا تقدمي حماولة لإلجابة عن مضمون هذه األسئلة من خالل النقاط اآلتية‪:‬‬
‫أوال ‪ -‬االصطالح والمفهوم‪:‬‬ ‫ً‬
‫من الصعب أن جند تعري ًفا للبس عند النحاة‪ ،‬إذ جاء حديثهم عنه ‪ -‬فيما راجعناه ‪-‬‬
‫مثال‪" :‬وال ي نبدأ مبا يكون فيه اللبس‪ ،‬وهو النكرة‪ .‬أنال ترى أنَّك‬ ‫ذا طابع عملي‪ ،‬كقول سيبويه ً‬
‫كنت تـْلبِس‪ ،‬ألنَّه ال يستن نكر أن يكو نن يف‬
‫لو قلت‪ :‬كان إنسان حليماً أو كان رجل منطلقاً‪ ،‬ن‬
‫وجيعلوا املعرفة خرباً ملا يكون فيه هذا‬ ‫الدنيا إنسا ٌن هكذا‪ ،‬فكرهوا أن ينـْب ندءوا مبا فيه الَّلبس ن‬
‫الكفوي من غري النحويني يف‬
‫ّ‬ ‫اللبس‪ .‬وقد جيوز يف الشعر ويف ضعف من الكالم"(‪ .)6‬لكن‬
‫اخلنْلط من بناب (ضرب) ‪ ،‬نوقد يْلزمه جعل‬ ‫كليّاته عرف "اللبس" بقوله‪ " :‬اللّْبس‪ :‬بِالْ نفْتح‪ْ :‬‬
‫َّيء مشتبها بِغنِْريهِ"(‪.)2‬‬
‫الش ْ‬
‫أما إذا رجعنا إىل املظان احلديثة هلذا املصطلح‪ ،‬فإننا جنده مقرتنًا مبصطلح آخر هو‬
‫مثال إىل أن الغموض (‪ )Ambiguity‬أو اللبس مسة عامة يف‬ ‫"الغموض"‪ .‬حيث يشار ً‬

‫‪011‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫اللغات كلها‪ ،‬وقد يكون سببه احتمال اللفظ أو العبارة والرتكيب ألكثر من معىن‪ .‬وقد يكون‬
‫بسبب التعقيد اللفظي ‪ -‬وهو مستهجن ‪ -‬كما يف قول املتنيب‪:‬‬
‫حممد‬
‫وأبوك والثقالن أنت ّ‬ ‫آدم‬
‫أىن يك ــون أبا الب ـرية ٌ‬
‫ّ‬
‫واللسانيون مييزون بني نوعني من الغموض‪ :‬الغموض النحوي يف العبارات واجلمل (كما‬
‫يف إضافة املصادر وبعض بعارات النعت أو العطف)‪ ،‬والغموض املعجمي الذي ينشأ عن‬
‫وعني) أو‬
‫وسن ْ‬ ‫االشرتاك اللفظي بصوره املختلفة (كما يف مفردات‪ :‬خال وقال ووجد ّ‬
‫األضداد (كما يف‪ :‬جلل مبعىن عظيم أو حقري‪ ،‬ووراء مبعىن خلف وأمام)(‪ .)3‬وقد ذكر سابري "أن‬
‫الرمزيني أقروا حبتمية الغموض الرمزي‪ ،‬لكنهم عينوا درجته النسبية بالتمييز بني رموز "اإلشارة"‬
‫تفسريا)‪ ،‬والرموز "املكثفة" اليت‬
‫تقل فيها املسافة بني الرمز واملشار إليه وتتيح رخصة أقل ً‬
‫(اليت ّ‬
‫تتيح تفسريات متعددة مشحونة باالنفعاالت وغري متوافقة ومتزامنة يف كثري من األحيان"(‪.)1‬‬
‫وعلى مستوى اخلطاب ميكن أال يقبنل الغموض إذا تعارض مع التأويل املناسب‪ ،‬وهنا‬
‫ينبغي أن نتذكر قواعد مبدأ التعاون اخلاص باحلوار الفعال املتعلقة بوضوح املعىن‪ ،‬وبناء على‬
‫ذلك قد ينظر إىل الغموض على أنه خطأ يف األسلوب يساوي عدم الوضوح واإلهبام‪ ،‬كما‬
‫يرد يف بعض العناوين الرئيسة للجرائد‪ .‬ويف بعض االستعماالت اللغوية قد يكون الغموض أو‬
‫وخصوصا يف التالعب اللفظي كما يف األضاحيك‬ ‫ً‬ ‫مقصودا إلحداث تأثري هزيل‪،‬‬
‫ً‬ ‫اللبس‬
‫واألحاجي واإلعالنات‪.‬‬
‫مثال‬
‫ويف األدب يع ّد قصد اللبس (التلبيس) والغموض مسة أساسية أو جوهرية‪ ،‬والشعر ً‬
‫ال يقصيه بل يفضله أحيانًا‪ ،‬والقارئ ال يتوقع أن يضلَّل أو خيْ ندع بل هو ي ِ‬
‫عمل التأويل يف‬
‫ذهنه أمام االحتماالت املختلفة للمعىن‪ .‬وأهم كتاب عين بتطبيق اللبس أو ازدواج الداللة يف‬
‫اللبس األديب هو كتاب الناقد اإلجنليزي وليم إمبسون (سبعة أّناط من الغموض)‪ ،‬وهذه‬
‫األّناط هي‪:‬‬
‫حمتمال الحتماالت خمتلفة يف آن واحد‪.‬‬
‫أ‪ -‬أن تكون الكلمة أو الرتكيب اللفظي ً‬
‫ب‪ -‬قد تتألف داللة النص من داللتني أو أكثر‪.‬‬

‫‪011‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫ت‪ -‬قد يرجع األمر إىل التورية وهي تقوم على اجتماع معنيني‪.‬‬
‫جديدا‪ ،‬بل للكشف عن احلالة‬ ‫ً‬ ‫ث‪ -‬قد تتعدد معاين الكالم ال ألهنا تضيف معىن‬
‫املعقدة لعقل الكاتب‪.‬‬
‫ج‪ -‬قد يستقيم اجملاز أو الصورة البالغية ذهنيًا يف منتصف الطريق بني فكرتني‪.‬‬
‫ح‪ -‬قد يضطر القارئ إىل ابتداع تأويالت للتغلب على التناقض أو التضاد الظاهري‪.‬‬
‫فعال ويكشف ذلك عن انفصام يف ذهن‬ ‫خ‪ -‬قد يكون للكالم معنيان متناقضان ً‬
‫املؤلف(‪.)5‬‬
‫عرب عنه مبفهوم‬
‫بدال من انفتاحه عند إمبسون‪ ،‬ومن مث حيصر وي ّ‬ ‫الغموض أحيانًا يقيّد ً‬
‫األضدادية (‪( )Ambivalence‬أي كون الكلمة ض ّديّة ‪ ambivalent‬وهلا معنيان متقابالن‬
‫وج ْون وقـْرء) وهذا يرتبط بالتعبري عن مشاعر املتكلم‬‫ألهنا من األضداد‪ ،‬كما يف‪ :‬خمتار ن‬
‫ومواقفه املتناقضة اليت تستلزم الشك أو املواربة والرغبة يف اإللباس املتعمد إلخفاء احلقيقة‬
‫وبناء على ذلك ترد هذه األضدادية بشكل وظيفي يف التداولية حبيث يكون للكالم أكثر من‬
‫قوة إجنازية(‪.)1‬‬
‫وتذكر لنا موسوعة البالغة أ ّن الغموض يع ّد اسرتاتيجية ومبدأ من املبادئ اليت ارتبطت‬
‫هبا البالغة على مر العصور‪ ،‬كاللون وكتب األقوال املأثورة واخلطبة اإلقناعية واجلدلية‬
‫واحملسنات‪ .‬وتفصيل الكالم عن الغموض يتمثل يف اإلشارة إىل الغموض اخلربي والغموض‬
‫الرمزي‪ ،‬فالبالغة يف النظريات الكالسيكية هتدف إىل تيسري الوصول إىل اختيار ذي معىن‬
‫حىت ولو كان مؤقتًا وآنيًا من بني االجتاهات املختلفة اليت حيركها األمر احملتمل‪ ،‬وبناء على‬
‫هذا يصري الغموض اخلربي دعوة إىل العناية بالبالغة وتدريسها‪ .‬ومن الناحية الرمزية يراعى أن‬
‫الرموز بطبيعتها غامضة ألهنا ختضع ملفارقة اجلوهر‪ ،‬وألهنا غري ما حتيل إليه ومتثله‪ ،‬وقد ق ّدمت‬
‫إسهامات يف حبث الغموض وأثره يف هذا الشأن‪ ،‬من أمهها ما قدمه يف القرن العشرين كينيث‬
‫بريك (‪ )6993-6890‬بتحليل أمهية الغموض اخلربي والرمزي وبيان الطرق اليت تدعم هبا‬
‫الرموز الشبكة اللفظية املتوافقة داخليًا‪ ،‬واليت يفهم من خالهلا الناس األحداث الغامضة‬
‫وكذلك العالقة املبهمة بني الرموز واألشياء املعنوية واملادية املشار إليها(‪.)0‬‬

‫‪011‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫إ ّن الوصول إىل املعىن غاية حتليل مستويات اللغة‪ ،‬وال سيما عندما تتابع حلقات الكالم‬
‫جماال الحتمال أكثر من معىن ووجه للفهم أو تصل إىل درجة‬ ‫ودوائره وتتعقد أبنيته‪ ،‬وتصبح ً‬
‫الغموض واللبس‪ ،‬سواء أكان ذلك على مستوى التواصل العام أم عندما ننتقل من إطار‬
‫ونويل وجوهنا شطر النصوص للتطبيق عليها أو فهمها‬ ‫املعاجلة النظرية لنحو اللغة وظواهرها‪ّ ،‬‬
‫وتفسريها ‪ -‬حيث جند عقبات واحتماالت تعرتض هذا الطريق يف بعض املواضع؛ وإّنا‬
‫حيدث ذلك لتعلق األمر بالداللة وتغري حركة الرموز والتداول‪ ،‬واالنتقال من نسق عالقة‬
‫الرموز بعضها ببعض إىل نسق عالقة الرموز باملوضوع وما تشري إليه‪ِ ،‬‬
‫ونسق عالقة الرموز‬
‫باملستعمل أو املتلقي‪ ،‬حيث ترتاكب املعاين وتتعقد وتتعدد مرائيها‪ ،‬ويكون ذلك مظنة‬
‫لالختالف يف فهمها ووقوع اللبس الذي ميكن أن نتصور ‪ -‬على وجه العموم ‪ -‬أّناطًا‬
‫متعددة له ختتلف حبسب الطبيعة واحليّز والقصد‪ ،‬ويكون يف الداللة والتداول‪ ،‬كما قد يكون‬
‫يف البنية أو الرتكيب أو التنغيم‪ .‬وليس كل التباس يعد مصدر تشويش وإشكال يف الكالم‬
‫عنصرا من عناصر التواصل البليغ؛ ولذلك على كل نظرية أن تع ّد العدة لرصد‬
‫ألن منه ما يعد ً‬
‫(‪)8‬‬
‫هذه الظاهرة بأّناطها ومصادرها وأن توجد الوسائل الكفيلة بوصفها وتفسريها ‪.‬‬
‫ثانيًا ‪ -‬الدراسات السابقة‪:‬‬
‫اسعا للنظر يف حنو اجلملة‪ ،‬وميدانًا للحوار أحيانًا بني هذا‬
‫جماال و ً‬
‫مثّل هذا املوضوع ً‬
‫النحو وحنو النص أو دراسته على وجه العموم‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪ ‬تأكيد أن حتديد املعىن على وجه اليقني والقطع ليس مشغلة حنو النص؛ ألن مجيع‬
‫موضوعا للدرس يف حنو النص‪،‬‬
‫ً‬ ‫النصوص حمتملة املعىن أو غري حمتملة ميكن أن تكون‬
‫نوعا من النصوص قائم يف مجاله على احتمال تعدد املعىن‪ ،‬ومعيار القبول‬‫وألن هناك ً‬
‫يتوىل فحص االحتمال والتعدد ال هبدف نفيه وترشيح معىن واحد من بني املعاين‬
‫احملتملة‪ ،‬ولكن هبدف تشخيصه وحتليله(‪.)9‬‬

‫‪ ‬جهد متام حسان العام يف نظريته الشهرية يف القرائن(‪ ،)67‬مث جهده يف حماولة إبطال توهم‬
‫اللبس يف القرآن الكرمي‪ ،‬حيث أشار إىل أنه قد حيدث يف غري القرآن أن يأيت الكالم‬

‫‪011‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫مْلبِ ًسا مث ال ينتبه صاحبه إىل اللبس فيسري الكالم على صورته متعدد احتماالت املعىن‬
‫فإذا ظفر به النحوي مل جيد إال أن يقول‪ :‬فيه وجهان أو إعرابان‪ ،‬ومعىن ذلك أن فيه‬
‫لبسا لعدم وجود قرينة معينة ملعىن واحد‪ ،‬وقد ضرب على ذلك أمثلة تتشابه مع بعض ما‬ ‫ً‬
‫سبق‪ ،‬من أهم تصنيفاهتا ما يعود إىل‪ :‬وظيفة املصدر‪ ،‬ووظيفة حرف اجلر (اشرتيت مزرعة‬
‫لزيد ‪ -‬مات اجملاهد يف سبيل وطنه ‪ -‬رغب زيد أن يغىن)‪ ،‬واالتباع بعد املركب اإلضايف‬
‫(ذهبت إىل أبناء زيد وعمر ‪ -‬دار الكتب املصرية) والرتدد يف حتديد مرجع الضمري عند‬
‫عمرا أن أباه قادم)‬
‫أخرب زي ٌد ً‬
‫مقتنعا بذلك‪ ،‬أو غري ذلك‪ :‬ن‬ ‫احتمال صاحب احلال‪ :‬حاورته ً‬
‫مث عقب متام على مثل هذا بقوله‪" :‬ولكن األمر خمتلف يف أسلوب القرآن‪ ،‬إذ يعمد‬
‫النص القرآين إىل إيراد ما يؤمن به اللبس‪ ،‬فيتضح معه املعىن ويذهب تعدد االحتماالت‪.‬‬
‫احدا مما يأيت‪ :‬قرينة خارجية ‪ -‬آية قرآنية أخرى غري اليت يف‬
‫وقد يكون هذا اإليضاح و ً‬
‫الرتكيب ‪ -‬احرتاس بلفظ معني يف اآلية نفسها‪ :‬إما لبيان معىن حنوي ألحد األبواب‬
‫وإما لبيان معىن معجمي إلحدى املفردات‪ .‬ولقد استخرجت من القرآن الكرمي شواهد‬
‫هلذه الظاهرة من حيث وجدت الرتكيب النحوي يسمح بأكثر من احتمال للمعىن‬
‫لواحد‪ ،‬ولكن القرآن حيول دون اللبس بقرينة خارجية أو آية أخرى أو بلفظ معني كما‬
‫شرحت ‪ ...‬وكانت األسباب الداعية إىل اللبس (يف الرتكيب ال يف القرآن) تعود يف مجلتها‬
‫إىل تعدد املعىن الوظيفي للمبىن الواحد أو تعدد املعىن املعجمي للكلمة الواحدة"(‪.)66‬‬
‫ومن األمثلة اليت ذكرها لبيان اللبس الناشئ عن تعدد معىن الكلمة املفردة كلمة‬
‫وعن) أو مبعىن (سكن البادية)‪ ،‬وحني أراد‬ ‫(بدا) حيث ميكن أن تكون مبعىن (ظهر ّ‬
‫النص القرآين املعىن األول أتبعها مبا حيدد ذلك على النحو الذي يف قوله تعاىل‪﴿ :‬وما‬
‫نراك اتبعك إال الذين هم أراذلنا باديَ الرأي﴾[هود‪ ،]20:‬وحني أراد املعىن الثاين‪﴿ :‬وإن‬
‫يأت األحزاب يودّوا لو أنهم بادون يف األعراب﴾[األحزاب‪ .]27:‬ومثال االحتمال الناشئ عن‬
‫احتماالت الوظيفة النحوية ما رجحه من أن الواو قبل "الراسخون" لالستئناف يف قوله‬
‫تعاىل‪﴿ :‬وما يعلم تأويله إال اهلل والراسخون يف العلم يقولون آمنا به كلٌّ من عند ربنا وما يذكّر‬

‫‪011‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫أيضا للعطف على لفظ‬ ‫إال أولو األلباب﴾[آل عمران‪]0:‬؛ وذلك أنه حيتمل أن تكون ً‬
‫اجلاللة‪ ،‬لكن يشهد ‪ -‬يف رأي متام حسان ‪ -‬ملعىن االستئناف قوله تعاىل‪﴿ :‬وما يذكّر‬
‫إال أولو األلباب﴾ وهو أهل العلم‪ ،‬وإّنا كان يذ ّكرهم إمياهنم الذي اعرتفوا به(‪.)62‬‬
‫أيضا تفنيده ألكذوبة الغرانيق املتعلقة بفهم فعل "التمين" على أنه مبعىن‬
‫ومن ذلك ً‬
‫(قرأ) و(تال) يف قوله تعاىل‪﴿ :‬وما أرسلنا من رسول وال نيب إال إذا متنّى ألقى الشيطان يف‬
‫أمنيته فينسخ ما يُلقي الشيطانُ ثم يُحكم اهلل آياته واهلل علم حكيم﴾[احلج‪]52 :‬؛ وذلك بناء‬
‫على دفع اللبس الناتج عن األحاديث غري الصحيحة وإبقاء الفعل على معناه املشهور وهو‬
‫الرغبة يف إميان قوم كل نيب‪ ،‬ومن خالل االستناد إىل التناص مع آيات أخرى كثرية(‪.)63‬‬
‫‪ ‬ومن أمثلة معاجلة هذه املسألة على وجه العموم‪ ،‬معاجلتها يف نظرية اللسانيات الوظيفية‬
‫حيث جند اإلشارة إىل تنوع االلتباس ‪ -‬كما أمجلت من قبل ‪ -‬حبسب طبيعته وحيزه‬
‫ومقصوديته‪ .‬فهو من حيث الطبيعة إما أن يكون بنيويًا وإما تداوليًا وإما دالليًا‪ ،‬ومثال‬
‫ب هند! وأعجبت بأخت اجلارة الشقراء‪ .‬والتداويل يكون عندما‬ ‫أمجل ح ّ‬
‫البنيوي‪ :‬ما ن‬
‫"تفضل هند‬
‫يتعلق األمر باإلحالة أو القوة اإلجنازية أو الوظائف التداولية‪ .‬مثال اإلحالة‪ّ :‬‬
‫تفضل هند املعتنق لإلسالم على‬ ‫املسلم على غريه"‪ ،‬حيث حتتمل هذه اجلملة قراءتني‪ّ :‬‬
‫ن‬
‫الرجل املسلم على غريه‪ .‬ومثال‬ ‫وتفضل هي من بني جمموع الرجال‪ ،‬ن‬ ‫غريه من الناس‪ّ ،‬‬
‫اللبس التداويل املتعلق بالقوة اإلجنازية‪ :‬هل بإمكانك أن تغلق الباب؟ حيث حتتمل‬
‫معىن‪ :‬االستفهام احلقيقي ومعىن الطلب وااللتماس‪ .‬ومثال املتعلق بالوظيفة التداولية ما‬
‫حيدث عندما يوجد أكثر من حمور أو متحدَّث عنه كما يف‪( :‬دخل خالد القاعة فرأى‬
‫بكر فابتسم له وصافحه)‪ ،‬ومثال اللبس الداليل‪ :‬رأيت نعْيـ ن ْين هند؛ ألن‬
‫جالسا ورآه ٌ‬
‫بكرا ً‬‫ً‬
‫لفظ "عيين" حيتمل العينني احلقيقيتني ومعىن اجلاسوسني‪.‬‬

‫حملتملة‪ ،‬أما االلتباس الداليل فهو تعدد‬


‫تعددا يف البنيات ا ن‬
‫وااللتباس البنيوي يع ّد ً‬
‫يف املعىن‪ .‬والفرق بني اللبس الداليل واللبس اإلحايل أن الداليل يكمن يف املفهوم‪ ،‬أما‬
‫اإلحايل فهو يكمن يف املاصدق‪ .‬والفرق بني اللبس الداليل واللبس التداويل اإلجنازي‬

‫‪011‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫يتمثل يف أن الداليل يتعلق مبعىن العبارة أو فحواها‪ ،‬واللبس اإلجنازي يكمن يف القوة‬
‫اإلجنازية اليت تواكب التلفظ بالعبارة‪.‬‬
‫ومثال االلتباس يف احليز أ ّن اجلملة قد حتتمل أكثر من قضية واحدة‪ ،‬مثال ذلك‪:‬‬
‫(نافذة حجرة هند مغلقة) فهذه حتتمل معىن‪ :‬هند نائمة‪ ،‬ومعىن‪ :‬هند ليست يف‬
‫بكرا؛ ألن‬
‫حجرهتا‪ .‬وكذلك قد يكون اللبس يف احملمول (الفعل) مثل‪ :‬قذف خال ٌد ً‬
‫القذف قد يكون مبعىن الرمي أو الشتم(‪.)61‬‬
‫اضحا يف نظرية الوضع واالستعمال العربية من خالل معاجلة‬ ‫‪ ‬شغلت قضية اللبس حيّـًزا و ً‬
‫صفة اإلهبام بوصفها من اللوازم الوضعية لبعض األصناف االمسية (كالعلم واملعرف بأل‬
‫والضمائر بأنواعها املختلفة وبعض الظروف) والفعلية وكل احلروف (‪ ،)65‬وبناء على هذا‬
‫عقدت مقارنة كذلك بني العناصر املبهمة يف اخلطاب بني النحو العريب والتداولية(‪.)61‬‬
‫ثالثًا ‪ -‬عناية النحو العربي بأمن اللبس‪:‬‬
‫اجلملة العربية ما مل يكن هناك جماز نوعان‪ :‬قطعية الداللة‪ ،‬مثل‪ :‬سافر زيد‪ ،‬وحضر‬
‫عمرو‪ ،‬واحتمالية املعىن‪ ،‬كما يف‪ :‬اشرتيت قدح ماء‪ ،‬وطاب زي ٌد أبًا‪ .‬والسبب الرئيس يف ذلك‬
‫أن طبيعة النظام اللغوي أن يكون ذا وحدات متشابكة قليلة العدد "ولكنها واسعة‬
‫االحتماالت عند أداء املعىن بسبب تشابك العالقات‪ ،‬وهي يف اللغة نوعان‪" :‬عالقات وفاقية‬
‫تعرب عن اتفاق وحدتني من النظام يف أمر ما‪ ،‬وعالقات خالفية تتمثل يف الفروق بني وحدة‬
‫وأختها من وحدات النظام‪ ،‬سواء أكان هذا النظام نظام أصوات أم نظام الصرف أم نظام‬
‫النحو‪ .‬وواضح أن االتفاق يف أمر من األمور يؤدي إىل االطراد‪ ،‬ولكنه من جهة أخرى‬
‫مدعاة إىل عدم التمييز بني األمرين الذين حدث بينهما االتفاق ‪ ...‬أما الفروق فهي مناط‬
‫متييز وحدة من وحدة أخرى‪ .‬وميكن التعبري عن ذلك بعبارة بسيطة مثل‪" :‬االتفاق مدعاة‬
‫اللبس والفروق يؤمن معها اللبس"(‪.)60‬‬
‫ومن اجلهود يف إزالة أمن اللبس‪ ،‬ما ذكره ابن هشام يف اجلهات اليت يدخل االعرتاض‬
‫على املعرب من جهتها‪ ،‬من عدم تأمل املتشاهبات‪ ،‬قال‪" :‬ولذلك أمثلة‪ :‬أحدها‪ :‬حنو "زيد‬
‫ماال" فإن األول على أن أحصى اسم تفضيل‪ ،‬واملنصوب متييز‬‫أحصى ذهنًا‪ ،‬وعمر أحصى ً‬

‫‪011‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫وجها‪ ،‬والثاين على أن أحصى فعل ماض‪ ،‬واملنصوب مفعول مثل‪( :‬أحصى كل‬ ‫مثل‪ :‬أحسن ً‬
‫أمدا)‪ :‬إنه من األول‪ ،‬فإن األمد‬‫عددا)‪ .‬ومن الوهم قول بعضهم يف (أحصى ملا لبثوا ً‬‫شيء ً‬
‫فاعال يف املعىن كـ(زي ٌد أكثر‬
‫صى‪ ،‬وشرط التمييز املنصوب بعد أفعل كونه ً‬ ‫ِ‬
‫ليس حمصيًا بل ْحم ً‬
‫مال)"(‪.)68‬‬ ‫ماال) خبالف (مال ز ٍ‬
‫يد أكثر ٍ‬ ‫ً‬
‫ومعىن ما سبق أن النحو العريب ‪ -‬وهو حنو مجلة ‪ -‬فيه من الوسائل والقواعد ما يكفل‬
‫كبريا من حتديد املعىن واإلسهام يف أمن اللبس‪ ،‬عن طريق القرائن اللفظية واملعنوية‬
‫قدرا ً‬
‫ً‬
‫املختلفة اليت تتضافر حىت إهنا لتسمح خبرق بعضها‪ ،‬بدليل بعض صور التأويل والرتخص‪.‬‬
‫ومثال ذلك‪:‬‬
‫كأ ّن لو نن ِ‬
‫أرضه مساهه‬ ‫غربةٍ أرج ـ ـ ـ ـ ــاهه‬ ‫ٍ‬
‫ومهمه م ّ‬
‫أي كأن لون مسائه لغربهتا لون أرضه‪ ،‬فعكس التشبيه مبالغة‪ .‬وكذلك قول القائل‪:‬‬
‫بنفس ِه نفسي ومايل وما ن‬
‫آلوك إال ما أطيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق‬ ‫فديت ِ‬

‫ومن هذا الباب التقارض‪ ،‬أي تقارض اللفظني يف األحكام‪ ،‬ومن أمثلة هذا‪ :‬إعطاء‬
‫املسمار‪ ،‬وقول القائل(‪:)69‬‬
‫ن‬ ‫الفاعل إعراب املفعول‪ ،‬مثل‪ :‬خرق الثوب‬
‫الشج نعما‬ ‫ِ‬
‫الشجاع ْ‬
‫ن‬ ‫القدما األفعوا نن و‬
‫احليات منه ن‬ ‫قد سا نملن‬
‫يضاف إىل ذلك ما يف صور االستعمال وأدواته من طرق متكني املعىن واالحتياط له‬
‫مثل‪ :‬التوكيد بأقسامه وصوره املختلفة‪ ،‬كاحلال يف قوله تعاىل‪﴿ :‬وأرسلناك للناس رسولًا﴾‬
‫[النساء‪ ،]09 :‬والظرف املؤكد مثل‪﴿ :‬سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا﴾[اإلسراء‪ ،]6 :‬وإضافة‬
‫الشيء إىل نفسه‪ ،‬مثل‪﴿ :‬وإنه حلقُّ اليقني﴾[احلاقة‪ ،]56:‬وإثبات الشيء ونفي ضده كما يف‪:‬‬
‫﴿أموات غريُ أحياءٍ﴾[النحل‪ ،]26:‬ووضع الظاهر موضع املضمر‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪﴿ :‬الذين‬
‫كذبوا شعيبًا كأنْ مل يغنوا فيها‪ .‬الذين كذبوا شعيبًا كانوا هم اخلاسرين﴾[األعراف‪ ،]92 :‬فلو مل يكرر‬
‫"شعيبًا" لقيل‪ :‬الذين كذبوا شعيبًا كأن مل يغنوا فيها وكانوا هم اخلاسرين" أي كأن مل يغنوا فيها‬
‫وكأن كانوا هم اخلاسرين وهذا يرتتب عليه إثبات الغناء هلم ونفى اخلسران‪ .‬وكذلك استعمال‬
‫ضمري الفصل بني النعت واخلرب‪ ،‬كما يف‪﴿ :‬إن هذا هلو القصص احلق﴾[آل عمران‪ ]12:‬واستعمال‬

‫‪111‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫"من" االستغراقية‪ ،‬وتكرار "ال" النافية أو الناهية إلثبات النفي أو النهي‬‫بعض األدوات مثل‪ِ :‬‬
‫على كل حال‪ ،‬مثل‪ :‬ما حضر زي ٌد وال خالد‪ ،‬واستعمال الالم الفارقة للتفريق بني (إن) النافية‬
‫أيضا‪ :‬التصريح بذكر مقتضى الكالم وعدم‬ ‫و(إن) املخففة من الثقيلة‪ .‬ومن هذا الباب ً‬
‫االكتفاء مبا تقدم‪ ،‬مثل‪﴿ :‬فال صدّق وال صلّى‪ .‬ولكن كذب وتوىل﴾[القيامة‪﴿ ]32 ،36:‬فمن مل جيد‬
‫فصيام ثالثة أيام يف احلج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة﴾[البقرة‪ .]691:‬كل ذلك باإلضافة إىل‬
‫ظواهر أخرى مثل‪ :‬أسلوب االختصاص‪ ،‬وضرب املثل واجلمل املفسرة‪ ،‬والبدل وعطف‬
‫البيان‪ ،‬حنو ﴿فأخرج هلم عجلًا جسدًا له خوار﴾[األعراف‪ ]618:‬وحنو‪﴿ :‬يسومونكم سوء العذاب‬
‫يُذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم﴾[البقرة‪.)27(]19 :‬‬
‫ورغم هذه الطرق املختلفة لالحتياط يف املعىن‪ ،‬تبقى مواضع تكون الداللة فيها‬
‫احتمالية‪ ،‬ويرتك ذلك للسياق ‪ -‬وللنحاة جهود ال تنكر يف هذا ‪ -‬لكي يوضحه ويزيل‬
‫لبسه‪ ،‬ومن أمثلة هذا يف مستوى املفردات‪ :‬اسم الفاعل واملفعول من حنو‪ :‬انقاد واختار‪،‬‬
‫وبعض صيغ غري الثالثي كاسم املفعول واملصدر امليمي‪ ،‬وبعض صيغ املفرد ومجع املذكر‬
‫قاضي‪ ،‬وجمري اخليل وراميها‪،‬‬
‫السامل من املقصور واملنقوص عند اإلضافة أو اجلر‪ ،‬كما يف‪َّ :‬‬
‫حي وحيّة وحياة وحيا‪ ،‬وكله (حيوي)‪ .‬ومن ذلك على مستوى النحو‪:‬‬
‫والنسب إىل مثل‪ّ :‬‬
‫وطمعا‪.‬‬
‫مفعوال له‪ ،‬مثل‪ :‬دعا ربه خوفًا ً‬ ‫‪ -‬ما ميكن أن يكون ً‬
‫حاال أو ً‬
‫‪ -‬ما ميكن أن يكون ح ًاال أو نعتًا‪ ،‬مثل‪ :‬ما رأيت ً‬
‫رجال راكبًا‪.‬‬
‫مصدرا مضافًا إىل الفاعل أو املفعول‪ ،‬مثل‪ :‬أعجبنيب إكرامك‪،‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬ما ميكن أن يكون‬
‫وساءين ضربك(‪.)26‬‬
‫واأللغاز النحوية ‪ -‬رغم ما فيها من صنعة بادية وتكلف ‪ -‬تعطينا صورة لبعض أسباب‬
‫اللبس والغموض اليت من املمكن أن تتحقق وتوجد يف تراكيب الكالم‪ ،‬ومن ذلك أن يكون‬
‫اجعا إىل الفصل والتقدمي والتأخري واإلخالل بالرتبة‪ ،‬أو غرابة املعىن املعجمي‪ ،‬مثل‬ ‫األمر ر ً‬
‫البيت األول فيما يأيت‪:‬‬
‫عـلــى نم ْشــويـّ ِـه وك ِل النه ـ ـ ـ ـ ـ ــار‬ ‫الصوم ِ‬
‫فافطْر‬ ‫إذا جاء شهر ِ‬
‫ن‬
‫ـت برمحت ـ ــه صغـ ـ ـ ــار‬ ‫إذا قرن ـ ْ‬ ‫ِ‬
‫فإ ّن كب ـ ـ ـ ـ ـ ـ نـار آث ــام الربايـ ـ ـ ــا‬

‫‪110‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫فـ"النهار" هو فرخ احلبارى‪ ،‬و"شهر" ظرف‪ ،‬والتقدير‪ :‬إذا جاء النهار الذي هو فرخ‬
‫احلبارى يف شهر رمضان فأفطر على مشويّه وكل(‪.)22‬‬
‫أيضا‪:‬‬
‫ومما يتضح فيه الفصل والتقدمي والتأخري ً‬
‫علي اإلخ ـ ـ ــاء‬ ‫ِ‬
‫ص ْل حبايل فقد سئمت اجلفاء يا قت ـ ــويل واح ـ ـ ـف ـ ْظ ّ‬
‫و"علي اإلخاء"‬
‫ّ‬ ‫فـ"يا" هنا دخلت على منادى حمذوف‪ ،‬والنداء فصل بني املبتدأ واخلرب‪،‬‬
‫خرب مقدم ومبتدأ مؤخر‪ .‬وتقدير البيت ومعناه‪ِ :‬ص ْل حبايل‪ ،‬فقد مسئت‪ ،‬اجلفاء قتويل يا فالن‬
‫فعلي إكرامك‪ .‬ويف اجلملة األخرية يتضح أمهية الوقف يف دفع التوهم واللبس‪.‬‬
‫فاصرب‪ّ ،‬‬
‫أيضا قول القائل‪:‬‬‫ومما يتضح فيه أمهية الوقف ً‬
‫ت سفهاهها حكماهها‬ ‫ِ‬
‫واستجهلن ْ‬ ‫ـهت أميّـ ـ ــة رأينها‬
‫ـات قـ ــد سف ـ ـ ـ ـ ْ‬
‫هيه ـ ـ ن‬
‫ت آب ـ ــاهها أبـ ــنه ـاهه ــا‬
‫قـ ـ ــد ك ـ ـ ّف نـر ْ‬ ‫ـرب تن ّردد بي ـ ـ ـ ـ ـ ــنهـم بتشـاج ٍر‬
‫حــــــــ ٌ‬
‫ففي البيت األول كالم تام ووقف عند "استجهلت" وما بعد ذلك مبتدأ وخرب‪ ،‬ويف‬
‫البيت الثاين الكالم مت عند "ك ّفرت" وهو من ال نك ْفر ومعناه التغطّي‪ ،‬أي قد لبِست أميّة‬
‫السالح‪ ،‬مث استؤنف الكالم بعد ذلك بقوله‪ :‬آباهها أبناهها(‪.)23‬‬
‫وليس اإلشكال هنا فيما يتكفل السياق والقرائن ببيانه والداللة عليه من أقرب طريق‬
‫‪-‬كما يف اللبس الناشئ عن بعض صور اإلضافة أو النعت وغريمها ‪ -‬إّنا اإلشكال فيما‬
‫جاوز ذلك واحتاج إىل وسائل أعم واسرتاجتيات كربى ومبادئ داللية كلية‪ ،‬كمعايري النص‬
‫األساسية اليت من أمهها التناص ورعاية املوقف واإلعالمية والقبول‪.‬‬
‫إن اإلحالة يف العربية ‪ -‬على سبيل املثال ‪ -‬قد تكون بالضمري أو باإلشارة أو املوصول‬
‫أو املعرف بأل‪ ،‬وقد عوجلت بوصفها من أهم وسائل السبك (‪ )cohesion‬يف النص‪ ،‬لكن‬
‫احمليل يف االستعمال والنص قد يكون أكثر من ذلك‪ ،‬وكل هذا تتعدد احتماالته أحيانًا حىت‬
‫مثال إىل اإلحالة بالضمري يف القرآن‬ ‫يصل األمر إىل درجة االلتباس يف الفهم‪ .‬وإذا نظرنا ً‬
‫مثال‪﴿ :‬واستعينوا بالصرب والصالة وإنها لكبرية إال على‬
‫الكرمي فسنجد أمثلة كثرية هلا‪ ،‬من ذلك ً‬

‫‪111‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫اخلاشعني﴾[البقرة‪ ]15 :‬فقد قيل إن الضمري يف (إهنا) إما أن يعود على الصالة أو االستعانة أو‬
‫أمورا كثرية منها ذكر النعمة والوفاء بالعهد‬
‫اخلطاب السابق املستغرق خلمس آيات ويتضمن ً‬
‫ورهبة اهلل‪.‬‬
‫ومثل ذلك جنده يف اإلحالة باسم اإلشارة كما يف قوله تعاىل‪﴿ :‬ثم قست قلوبكم من بعد‬
‫ذلك فهي كاحلجارة أو أشدُّ قسوة﴾[البقرة‪ ]01:‬فقد بني الزخمشري أ ّن "ذلك" إشارة إىل إحياء‬
‫القتيل أو إىل مجيع ما تقدم من األشياء املعدودة الواردة يف سبع آيات تدور حول ذبح البقرة‬
‫من اآلية ‪ 01‬إىل اآلية ‪ ،03‬وهذا معناه أننا أمام إحالة إىل خطاب عام ثاو خلف اإلشارة(‪.)21‬‬
‫ومن أشد أمثلة اإلحالة اختالفًا يف توجيهه قوله تعاىل يف سورة يوسف‪﴿ :‬قالت امرأة‬
‫العزيز اآلن حصحصَ احلق أنا راودته عن نفسه وإنه ملن الصادقني‪ .‬ذلك ليعل َم أني مل أخنه بالغيب‬
‫وأن اهلل ال يهدي كيد اخلائنني‪ .‬وما أبرّئ نفسي ‪[﴾...‬يوسف‪ .]52 ،56 :‬فقد اختلف العلماء‬
‫كثريا يف حتديد القائل الذي حييل إليه الكالم وما يتبع ذلك من مرجع الضمري يف‬ ‫واملفسرون ً‬
‫قوله (ذلك ليعلم ‪ ...‬وما أبرّئ نفسي) بني كونه يوسف عليه السالم أو امرأة العزيز‪.‬‬
‫احدا بل مثة أسئلة كثرية‪ ،‬من أمهها‪ :‬أيكفي حنو اجلملة‬ ‫والسؤال هنا ليس سؤ ًاال و ً‬
‫بقواعده ومبادئه اليت أشري إىل بعضها ليحل مثل هذا اإلشكال يف الداللة وبيان اإلحالة؟‬
‫أتكفي قاعدة أن الضمري يعود إىل أقرب مذكور ما مل توجد قرينة تصرف عن ذلك إىل غريه‬
‫كما يف الضمري يف "قالوا" يف قوله تعاىل‪﴿ :‬لقد كان يف يوسف وإخوته آيات للسائلني‪ .‬إذ قالوا‬
‫ليوسفُ وأخوه أحبُّ إىل أبينا منا وحنن عصبة﴾[يوسف‪.]8 ،0:‬‬
‫إننا ال ميكن أن نعاجل مسألة الغموض يف املعىن وأمن اللبس دون أن ننظر إىل بعض‬
‫اجملاالت الرتاثية األخرى اليت درست ذلك‪ ،‬وال سيما دراسة األصوليني ودراسة بعض النقاد‪.‬‬
‫فاألصوليون نظروا يف الداللة على وجه العموم‪ ،‬ومن أمهية نظرهم فيها ودقة معاجلتهم‬
‫هلا بالغ بعضهم ووصفها ووصف مباحث النحو عندهم بأهنا متثّل حنو الداللة‪ ،‬يف مقابل حنو‬
‫اإلعراب عند النحاة وحنو األسلوب عند البالغيني؛ وسبب ذلك أهنم حبثوا يف كثري من أوجه‬
‫الفصائل أو املعاين النحوية اليت تؤدي إىل ذلك‪ ،‬ومن ذلك ما يدل على العموم‪ ،‬مثل‪ :‬أمساء‬

‫‪111‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫الشرط واالستفهام واألمساء املوصولة‪ ،‬ولفظ كل وأمساء اجلموع املعرفة بأل غري العهدية أو‬
‫اإلضافة‪ ،‬واسم اجلنس املتصل بأل اجلنسية (كالرجل والسارق) والنكرة يف سياق النفي أو‬
‫الشرط أو النهي‪ .‬ومن ذلك فيما يدل على التخصيص‪ :‬االستثناء والشرط والصفة والغاية‬
‫وبدل البعض من الكل‪ .‬ومن أمثلة مسائل االستثناء يف هذا‪ :‬االستثناء بعد مجل متعاطفة‪،‬‬
‫كما يف قوله تعاىل‪﴿ :‬وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْ ُمحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَ ْر َبعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَا ِننيَ جَلْدَةً‬
‫وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ‪ .‬إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ‬
‫غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[النور‪ ،]5 -1 :‬فقد دار البحث والنظر هنا حول حتديد املستثىن منه من بني‬
‫اجلمل املتعاطفة الثالث‪ ،‬وهي مجلة "فاجلدوهم" ومجلة "وال تقبلوا هلم شهادة أبداً" ومجلة‬
‫"وأولئك هم الفاسقون"‪ ،‬واختلف يف ذلك العلماء(‪ .)25‬ومن أوضح أبواب حبث األصوليني‬
‫يف الداللة صلة بالوضوح والغموض وسائلهم يف حتديد املعىن اليت متثلت يف ثالث طرق‪ :‬مراعاة‬
‫املقاصد الشرعية لألحكام‪ ،‬ومراعاة السياق جبميع صوره‪ ،‬ومراعاة صور عالقة اللفظ باملعين‪.‬‬
‫ويف هذا ترد أقسام كثرية‪ ،‬منها تقسيم اللفظ باعتبار الوضوح واخلفاء إىل‪ :‬الواضح‬
‫اخلفي‪ .‬وعند اجلمهور طرق‬ ‫ِ‬
‫والغامض‪ ،‬وانقسام الغامض إىل‪ :‬املتشابه وامل ْشكل وامل ْج نمل و ّ‬
‫الداللة أربعة أقسام‪ :‬داللة عبارة وداللة إشارة وداللة فحوى وداللة اقتضاء‪ .‬ومن حيث طرق‬
‫الداللة عند الشافعية تنقسم الداللة إىل داللة املنطوق‪ ،‬وداللة املفهوم‪ ،‬وداللة املنطوق‬
‫قسمان‪ :‬داللة صرحية (داللة عبارة) وغري صرحية وهي قسمان‪ :‬داللة مقصودة باللفظ اقتضاءً‬
‫أو إمياءً‪ ،‬وداللة غري مقصودة باللفظ وتسمى داللة اإلشارة‪ .‬أما داللة املفهوم فهي تنقسم‬
‫إىل‪ :‬داللة موافقة (الفحوى)‪ ،‬وداللة خمالفة‪ ،‬وهي تشمل املخالفة باللقب أو الوصف أو‬
‫الشرط أو الغاية أو العدد(‪.)21‬‬
‫ومن اجلهود اليت ق ّدمت على قاعدة أصولية للتغلب على مشكل اإلحالة يف القرآن‬
‫الكرمي اقرتاح أربعة مرجحات كلّيّة ميكن أن يعتمد عليها يف حتليل ّناذج اإلحاالت‪ ،‬وهي‬
‫مبنية على أربع زوايا للنظر يف العالقة بني املحيل وقرينة إحالته أو احملال إليه‪ ،‬وهذه املرجحات‪:‬‬
‫‪ -‬من جهة املطابقة‪ :‬املطابِق أوىل من املخالف‪.‬‬
‫‪ -‬من جهة املسافة‪ :‬األقرب أوىل من األبعد‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫‪ -‬من جهة احتاد النسق واختالفه‪ :‬ما يؤدي إىل احتاده أوىل مما يؤدي إىل اختالفه‪.‬‬
‫‪ -‬من جهة العموم واخلصوص‪ :‬العام أوىل من اخلاص‪.‬‬
‫ومن املالحظ أ ّن هذه اجلهات ال ترد كلها مع كل إحالة‪ ،‬فبعضها يقتصر دوره على‬
‫الضمائر وأمساء اإلشارة كاملطابقة واملسافة‪ ،‬وبعضها يعمل مع القرينة الذكرية دون غريها‬
‫متغريا ال ميكن‬
‫عنصرا ً‬
‫كاملسافة‪ .‬وال ميكن أن تتصف هذه املرجحات بالضبط التام؛ ألن مثة ً‬
‫ضبطه هو مقتضى السياق‪ ،‬وألن هناك مرجحات أخرى مثل‪( :‬المحدَّث عنه أوىل بالضمري)‬
‫ادرا إىل‬
‫و(محل الضمري على غري الشأن أوىل) و(امللفوظ أوىل من امللحوظ) و(األسرع تب ً‬
‫الذهن أوىل)‪ ،‬و(املستنِد إىل رواية صحيحة أوىل)(‪.)20‬‬
‫ومن أمثلة إعمال هذه القواعد ترجيح توجيه اإلحالة إىل األقرب مراعاة للمسافة‪ ،‬كما‬
‫قوله تعاىل‪﴿ :‬ومن يُطع اهللَ والرسولَ فأولئك مع الذين أنعم اهلل عليهم من النبيني والصديقني‬
‫والشهداء والصاحلني وحَسُنَ أولئك رفيقًا﴾[النساء‪ .]19:‬فأولئك الثانية األ ْنوىل أن تعود إىل (النبيني‬
‫"من" يف‬ ‫بدال من العودة على ن‬ ‫والصديقني والشهداء والصاحلني)‪ ،‬وهذا هو الراجح لقربه‪ً ،‬‬
‫صدر اآلية‪ .‬والرتجيح بالقرب على كل حال ليس على درجة كافية من القوة كغريه من‬
‫معتمد احلديث‪.‬‬
‫املرجحات وال سيما ن‬
‫ومن أمثلة الرتجيح باحتاد النسق ما ورد يف قوله تعاىل‪﴿ :‬أن اقذفيه يف التابوت فاقذفيه يف‬
‫اليم فلْيُلْقه اليمُّ بالساحل يأخذْه عدوٌ لي وعدوّ له وألقيتُ عليك حمب ًة مين ولِتصنعَ على‬
‫توحيدا للنسق؛ حىت ال‬
‫عيين﴾[طه‪ ،]39:‬حيث األ ْنوىل يف الضمائر كلها أن تعود إىل موسى ً‬
‫يعود بعضها على موسى وبعضها على التابوت‪ ،‬حيث إن تفريق الضمائر ‪ -‬كما ذكر‬
‫الزخمشري ‪ -‬خم ٌل بالفصاحة وال جيوز محل نظم القرآن عليه(‪.)28‬‬
‫والنقاد منهم حازم القرطاجين الذي أشار إىل وضوح املعاين وغموضها‪ ،‬ورأى أن‬
‫مقصودا‪ ،‬وبناء على ذلك قسم داللة الكالم على املعىن‬
‫ً‬ ‫غرضا‬
‫الغموض قد يكون هو نفسه ً‬

‫‪111‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫من هذه الناحية إىل ثالثة أقسام‪ :‬داللة إيضاح‪ ،‬وداللة إهبام‪ ،‬وداللة إيضاح وإهبام‪ .‬وقد بني‬
‫أن الغموض يف املعاين راجع إىل أحد أسباب ثالثة‪:‬‬
‫أ‪ -‬غموض املعاين أنفسها بسبب دقة املعىن وعمقه أو أن يكون الكالم قد بين على مقدمة‬
‫صرف الفهم عن االلتفات إليها أو أن يكون الكالم فيه كناية أو تلويح‪ ،‬واضطراب‬
‫صور الرتكيب الذهين أو يكون املعىن متعدد االحتماالت‪.‬‬
‫ب‪ -‬رجوع الغموض إىل األلفاظ والعبارات‪ ،‬كأن يكون اللفظ حوشيًا أو غريبًا أو مشرتًكا أو‬
‫يكون الكالم فيه تقدمي وتأخري أو فصل‪ ،‬وكون العبارة مفرطة يف القصر أو الطول‪.‬‬
‫(‪)29‬‬
‫معا‪ ،‬كاألقاويل اليت يقصد هبا الكنايات واإللغاز ‪.‬‬ ‫ت‪ -‬رجوع الغموض إىل املعاين واأللفاظ ً‬
‫وإذا كنا من قبل أشرنا إىل العالقة بني أصول الفقه واللسانيات القانونية حيث إهنما‬
‫يتشاهبان يف مقصد الوصول إىل احلكم وفق ضوابط حمددة من منطلق حماولة ضبط الداللة‬
‫تأكيدا لذلك النظر إىل مباين التفكري اللغوي يف القانون‪ ،‬وسنجدها‬ ‫فمما ميكن أن نذكره ً‬
‫تتمثل يف املباين‪:‬‬
‫التصورية‪ ،‬والسببية‪ ،‬والتفسريية‪ ،‬والتعريفية‪ ،‬والشرطية‪ ،‬واالستداللية‪ ،‬والتبعية‪ ،‬والقطعية‬
‫(قرار‪ ،‬حكم‪ ،‬جيب‪ ،‬ال جيوز)‪ ،‬واالحتمالية(‪ ،)37‬واإللغائية‪ ،‬واإلحالية‪ ،‬واملطلقة‪ ،‬والتقييدية‪.‬‬
‫يضاف إىل هذا أن من أهم مسات اخلطاب القانوين‪ :‬الوضوح والعمق‪ ،‬واإلجياز والتفصيل‬
‫واملباشرة واإلخبار‪ ،‬والشرح ال التأويل‪ ،‬والتحديد والفصل‪ ،‬وعدم احلشو والتكرار(‪.)36‬‬
‫ابعا‪ :‬اعتناء لسانيات النص بأمن اللبس‪:‬‬
‫رً‬
‫مما ال شك فيه أن النظر إىل لسانيات النص يفضي إىل تطوير أدوات حنو اجلملة الداللية‬
‫وإجياد معابر وحماورات بينهما‪ ،‬مما يكون له أثر ملحوظ يف استنباط كثري من األسس واملبادئ‬
‫اليت تؤدي إىل فهم أمثل للمعىن الكلي للنص وحل كثري من إشكال اللبس والغموض فيه‪ ،‬ما‬
‫مقصودا وإثراءً للمعىن‪ .‬ومن‬
‫ً‬ ‫وإبداعا فنيًا‬
‫ً‬ ‫متوخاة‬
‫مل يكن اللبس أو تعدد احتماالت املعىن مزيّة ّ‬
‫أمثل هذه األسس واملبادئ‪:‬‬

‫‪111‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫‪ ‬العالقات بين الجمل وصور التتابع وتوالي الفقرات‪ ،‬مثل‪:‬‬


‫‪ -‬قيود الرتابط بني اجلمل واعتمادها على العالقات بني املعاين أو العالقات بني إحاالت‬
‫مجيال؛ لذا ذهبنا إىل‬
‫اجلمل‪ .‬فقد ّفرق فان دايك بني اجلملة املركبة حنو‪( :‬كان الطقس ً‬
‫مجيال‪ .‬ذهبنا إىل الشاطئ)‪ ،‬وأحيانًا أخرى ال‬
‫الشاطئ) والتتابع اجلملي مثل‪( :‬كان اجلو ً‬
‫مجيال‪ ،‬يدور القمر حول األرض‪.‬‬
‫يوجد ترابط داليل بني التتابعات‪ ،‬مثل‪ :‬ألن الطقس كان ً‬
‫‪ -‬طرق ربط جمموع اجلمل املفردة بكليات النص‪ ،‬كوحدة سياق املرجعية واإلحالة (اإلضمار‬
‫واختيار أداة التعريف‪ ،‬والعالقات اإلحالية واإلشارية)‪ ،‬وتتابع الوحدات املعجمية املرتابطة عن‬
‫طريق إعادة الذكر واإلعادة املبسطة‪ ،‬ووحدة البناء الزمين والرتابط الزمين بني العناصر األساسية‬
‫املكونة للنص الواحد‪ ،‬ووحدة منظور اخلرب االتصايل وحتديد املوضوع واحملمول‪.‬‬
‫‪ -‬اجلانبني املفهومي واملاصدقي وحاجتهما إىل اإلدراك واملعرفة‪ .‬فالنحو نظام جمرد نسبيًا وال‬
‫يتحقق إال يف إطار وصف متكلم مثايل‪ .‬وتقع العمليات النفسية الدقيقة واألبنية عند معاين‬
‫املنطوقات خارج نطاق النحو‪ ،‬سواء أكان ذلك يف التعبري أم يف الفهم‪ .‬وبناء على هذا‬
‫مجل‬
‫يصف علم الداللة كل تصورات املعىن املمكنة (األبنية املفهومية) اليت ميكن أن تعرب عنها ٌ‬
‫"نظاما قاعديًا يربط الصور الصوتية‬
‫أيضا يتجلى النحو يف صورته املبسطة باعتباره ً‬ ‫ما‪ .‬وهلذا ً‬
‫معان عامة ومفهومية للكلمات‬‫مبعان ما‪ .‬وال يشتمل علم الداللة على ٍ‬ ‫(عرب أشكال اجلملة) ٍ‬
‫أيضا على العالقات بني هذه املعاين و"الواقع اخلارجي"‪ ،‬وهذا‬
‫واملركبات فحسب‪ ،‬بل يشتمل ً‬
‫مثال ال يعرب فقط‬
‫هو ما يسمى بالعالقات اإلحالية‪ ،‬ومثال ذلك أن مركب "الرجل القصري" ً‬
‫أيضا يف سياق ما حييل إىل شخص خاص تتوفر فيه هذه القيود‬ ‫عن وحدة مفهومية‪ ،‬بل إنه ً‬
‫املفهومية‪ .‬والتفسري اإلحايل املتمثل يف ختصيص منطوقات معينة بوحدات الواقع (األشياء‬
‫والصفات والعالقات) يعتمد على الفهم‪ ،‬وعلم الداللة اللغوي له جانبان‪ :‬مفهومي‪ ،‬وما‬
‫صدقي‪ ،‬وهو حمتاج معه إىل علم إدراكي لوصف عملية تفسري النص‪ ،‬وهذا العلم تسهم فيه‬
‫‪ -‬إىل جانب غريه ‪ -‬معرفة مستعمل اللغة بالعامل بدور مهم‪[ .‬فان دايك‪ ،‬علم النص مدخل‬
‫متداخل‪.]55 - 13 :‬‬

‫‪111‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫فردا‬
‫‪ -‬مفهومي احملور والتفسري‪ .‬ومفهوم "احملور" يقصد به املعلومة املعروفة اليت قد تكون واقعة أو ً‬
‫أو مسة أو عالقة‪ ،‬وأما "التفسري" فهو املعلومة اجلديدة‪ ،‬ومن املمكن أن يتغري احملور باستمرار‬
‫يف التتابع‪ ،‬مثال ذلك هذه الفقرة‪ )...(" :‬أي بيرت‪ ،‬سافر بقطار املساء (ج‪ ،)6‬كانت مرحية‬
‫استجم بيرت يف مكان إجازته (ج‪ .)3‬أمطرت نبرًدا (ج‪ .)1‬وقع‬‫ّ‬ ‫(ج‪ .)2‬يف صباح اليوم التايل‬
‫أحس منذ البداية‬
‫منظر مجيل على اجلبل (ج‪ّ .)1‬‬ ‫الفندق على حافة القرية (ج‪ .)5‬وج ند ٌ‬
‫بتحسن (ج‪[ ... )0‬فان دايك‪ ،‬علم النص مدخل متداخل‪.]17 ،59 :‬‬

‫‪ ‬مبادئ تفسير النصوص واستراتيجيات التل ّقي والقراءة‪ ،‬مثل‪:‬‬


‫‪ -6‬القواعد األربع لتحديد األبنية الداللية الكربى للنصوص (احلذف‪ ،‬واالختيار‪ ،‬والتعميم‪،‬‬
‫والرتكيب واإلدماج)‪ ،‬وذلك أن أهم ما تعىن به األبنية الكربى للنصوص هو حتديد‬
‫اهلدف منها واملوضوع الوارد فيها‪ .‬واحلذف واالختيار إلغاء وحذف‪ ،‬والتعميم والرتكيب‬
‫واإلدماج إحالل واستبدال‪[ .‬فان دايك‪ ،‬علم النص مدخل متداخل‪.]81-87 :‬‬
‫عرف برينكر بناء املوضوع يف النص على أنه‬ ‫ويتعلق بذلك هرميات موضوع النص‪ ،‬وقد ّ‬
‫ضم معلومات متفرقة إىل املعلومة األساسية (أي إىل موضوع النص)"(‪.)32‬‬
‫‪ -2‬مفاهيم تداولية مثل‪ :‬الفائدة واألمهية واملناسبة(‪.)33‬‬
‫‪ -3‬علم داللة اإلحالة وما يتيحه من إعادة البناء اجملرد للواقع وتصور فئات موجوداته‬
‫وعالقاهتا‪ ،‬فالعامل "جمموعة من الوقائع‪ ،‬وتتكون الوقائع من أشياء ذات عالقة حمددة‬
‫وعالقات متبادلة‪ ،‬وترتبط العوامل املمكنة بعضها ببعض بصورة متبادلة‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل عالقة التبادل واالنفتاح‪ .‬ونرى أن علم داللة اإلحالة يتيح إعادة بناء جمرد للواقع‬
‫حبيث ميكننا ربط وحدات جمردة يف اللغة (كلمات ومقوالت وعالقات) بوحدات جمردة‬
‫يف الواقع اخلارجي؛ وذلك من خالل املعاين املفهومية لوحدات اللغة‪ .‬وهكذا ّنلك‬
‫العناصر التالية لبنية الواقع‪:‬‬
‫أ‪ -‬فئة عامل ممكن (م)‪.‬‬
‫ب‪ -‬عالقة (ثنائية) حتدد بالنسبة لعناصر (م) وهي التبادل واالنفتاح (ق)‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫ت‪ -‬فئة "أشياء" ميكن أن يتحدَّث عنها‪ ،‬وهي اجملال ‪( )domain( ...‬ل)‪.‬‬
‫نفرق بني ل‪6‬‬
‫ويف حالة وقوع جماالت العوامل املختلفة متباينة ميكن أن ّ‬
‫معا اجملال الكلي (ل)‪.‬‬
‫ول‪ ... 2‬وهي فئات تش ّكل ً‬
‫ث‪ -‬فئة السمات والعالمات (س)‪.‬‬
‫ج‪ -‬فئة الوقائع (و)‪[ ".‬فان دايك‪ ،‬علم النص مدخل متداخل‪.]56 ،57 :‬‬
‫معاجلة املضمون على أنه جمموعة من القضايا املتكاملة املرتابطة أفقيًا ورأسيًا‪ ،‬ومبدأ‬ ‫‪-1‬‬
‫النزول (‪()top-down‬مصاحبة النص نفسه وحتليله) ومبدأ الصعود (‪)bottom-up‬‬
‫(مصاحبة العلم بالنص أي املعرفة واملعلومات املرتبطة به)(‪.)31‬‬

‫‪ ‬التكافؤ الداللي وعالقته باالختيار األسلوبي ومغزاه‪:‬‬


‫مما ال يلتفت إليه رغم أمهيته أن فهم املعىن وحماولة حتقيق أمن اللبس يتوقفان أحيانًا‬
‫تعرف األسلوب‪ ،‬ومن مقتضيات ذلك‪:‬‬ ‫على ّ‬
‫‪ -‬أنه عند وجود التكافؤ الداليل يكون من الضروري التمييز بني البدائل املعجمية‬
‫جيدا‪.‬‬
‫والبدائل الرتكيبية حىت يدرك املراد ً‬
‫‪ -‬أن مثة فرقًا جوهريًا بني التداولية واألسلوبية يتمثل يف أن التداولية تعىن يف األساس بأن‬
‫ومالئما للسياق‪ ،‬واألسلوبية تتجاوز ذلك حيث تعىن بأن‬ ‫ً‬ ‫يكون املنطوق مناسبًا‬
‫مؤثرا‪[ .‬فان دايك‪ ،‬علم النص مدخل متداخل‪.]601 :‬‬ ‫يكون املنطوق ً‬
‫‪ -‬من األمهية مبكان معرفة المحددات األسلوبية‪ ،‬ومنها‪ :‬حالة املتكلم اخلاصة وموقفه‬
‫بالنظر إىل السامع‪ ،‬وخصائص املتكلم الثابتة ومساته االجتماعية وطبيعة املوقف‬
‫االجتماعي‪ ،‬وعلى هذا ميكن يف بعض املواقف أن يصري التفسري األسلويب أكثر أمهية‬
‫من التفسري الداليل ‪ -‬الربامجايت‪ :‬أي ليس ما قيل‪ ،‬بل "كيف قيل" هو الذي يكون له‬
‫األمهية‪ ،‬أي ليس ما يريد املتكلم أن يعرب عنه أو ما يقصد إليه مبنطوقه‪ ،‬بل اخلصائص‬
‫أو السمات األولية األخرى للمتكلم اليت تنبه إىل األمهية اخلاصة للسامع(‪.)35‬‬

‫‪111‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫كشف البحث يف مباحثه وثناياه مجلة من النتائج من أمهها‪:‬‬
‫‪ -6‬إذا كان أمن اللبس غاية حنو اجلملة وأمارة ذلك حتقيق الفائدة‪ ،‬فإن لسانيات النص‬
‫واخلطاب ‪ -‬فيما يبدو ‪ -‬غايتها حتقيق الرتابط واالنسجام (السبك واحلبك)‪ ،‬ومن أهم‬
‫وسائل الوصول إىل ذلك النظر يف أمور من أمهها ‪ -‬إىل جانب الفائدة ‪ -‬اإلحالة واملناسبة‬
‫واألمهية‪.‬‬
‫‪ -2‬إذا كان حتديد املعىن على وجه اليقني ليس مشغلة حنو النص؛ لكونه مقصوًدا يف بعض‬
‫السياقات ووجوه االستعمال‪ ،‬أو اسرتاتيجية مهمة أحيانًا وال يع ّد مصدر تشويش وإشكال‬
‫بل إنه من عناصر التواصل البليغ ‪ -‬فإن هذا ينبغي أن يقيّد بالنص األديب أو سياقات‬
‫معينة؛ ألن مستوى النص العام أو اخلطاب األصل فيه جتنب اللبس والسعي إىل فهم املعىن‬
‫مثال يشتمل على إيراد ما يؤمن معه اللبس‬ ‫بكل سبيل‪ .‬وأما القول بأن أسلوب القرآن ً‬
‫اجتهادا مقيّ ًدا ال ميكن إطالقه‪.‬‬
‫ً‬ ‫خاصة عند االستئناس بالتناص‪ ،‬فإن هذا يظل‬
‫‪ -3‬من عناية النحو العريب بأمن اللبس تناول ضوابط األبواب النحوية وقواعد التوجيه واإلشارة‬
‫إىل ما يسمح بالرتخص يف بعض االستعماالت‪ ،‬وبيان طرق متكني املعىن واالحتياط وأثر‬
‫السياق‪ .‬ويف رأينا أن بقاء بعض الوظائف النحوية حمتملة للتداخل بينها يف االستعمال‬
‫وعند التوجيه ال يعد من اللبس‪ ،‬وأن األلغاز النحوية باب من أبواب قصد التلبيس‬
‫والغموض للتعليم والرياضية الذهنية‪.‬‬
‫‪ -1‬اإلحالة بصورها املختلفة من أهم مواطن اللبس والغموض‪ ،‬وال يكفي يف حل إشكاالهتا‬
‫إسهام حنو اجلملة العريب‪ ،‬بل ال بد من طرق أبواب أخرى ‪ -‬كجهود األصوليني ‪-‬‬
‫واإلكمال عليها‪ ،‬وقد ق ّدمت اقرتاحات تطبيقية جيدة يف هذا السياق تقوم على مراعاة‬
‫املطابقة واملسافة واحتاد النسق والعموم واخلصوص‪.‬‬
‫‪ -5‬لسانيات النص من أهم اجملاالت احلديثة اليت ينبغي أن يفاد منها يف حل مشكل أمن‬
‫اللبس‪ .‬ومما تقدمه هذه اللسانيات يف ذلك ثالثة أسس عامة‪ ،‬األول‪ :‬بيان عالقات اجلمل‬
‫وصور التتابع وتوايل الفقرات وطرق ربط جمموع اجلمل بكليات النص‪ ،‬وما يتعلق ببعض‬

‫‪101‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫املفاهيم مثل‪" :‬املفهوم" واملاصدق وثنائية احملور والتفسري‪ .‬والثاين‪ :‬مبادئ تفسري النصوص‬
‫واسرتاتيجيات التلقي والقراءة‪ ،‬مثل‪ :‬قواعد حتديد األبنية الداللية الكربى للنصوص‪ ،‬وعلم‬
‫داللة اإلحالة وما يتيحه من إعادة بناء الواقع وتصور املوجودات وعالقاهتا‪ .‬والثالث‪ :‬توقف‬
‫فهم املعىن وحماولة حتقيق أمن اللبس أحيانًا على تعرف األسلوب‪.‬‬

‫الهوامش واإلحاالت‬
‫(‪ -)6‬انظر‪ :‬سيبويه‪ ،6988 ،‬الكتاب‪ .‬تح‪ :‬عبد السالم هارون‪( ،‬ج‪ )6‬ط‪ ،3‬مكتبة اخلاجني‪ ،‬القاهرة‪18 .‬‬
‫(‪ -)2‬انظر‪ :‬الكفوي‪ ،‬أبو البقاء‪ ،‬الكليات‪ .‬تح‪ :‬عدنان درويش‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪877 .‬‬
‫(‪ -)3‬انظر‪ :‬اخلويل‪ ،‬حممد‪ ،2776 ،‬علم الداللة (علم املعىن)‪ .‬دار الفالح‪ ،‬األردن‪.615-612 .‬‬
‫(‪ -)1‬انظر‪ :‬توماس أ‪ .‬سلوان‪ ،2761 ،‬موسوعة البالغة‪ ،‬ترمجة خنبة بإشراف عماد عبد اللطيف‪ ،‬ط‪6‬‬
‫املركز القومي للرتمجة‪ ،‬القاهرة‪.99 .‬‬
‫(‪ -)5‬انظر‪ :‬وهبة‪ ،‬جمدي وكامل املهندس‪ ،6981 ،‬معجم املصطلحات العربية يف اللغة واألدب وهبة‬
‫ط‪ ،2‬مكتبة لبنان‪ ،‬بريوت‪.361 ،365 .‬‬
‫(‪ -)1‬انظر‪ :‬وايلز‪ ،‬كايت‪ ،2761 ،‬معجم األسلوبيات‪ ،‬ترمجة خالد األشهب‪ ،‬ط‪ ،6‬املنظمة العربية للرتمجة‬
‫بريوت‪ ،52-57 .‬وبعلبكي‪ ،‬رمزي‪ ،6997 ،‬معجم املصطلحات اللغوية‪ .‬ط‪ ،6‬دار العلم‬
‫للماليني‪ ،‬بريوت‪.12 .‬‬
‫(‪ -)0‬انظر‪ :‬توماس أ‪ .‬سلوان‪ ،‬موسوعة البالغة‪ ،‬ترمجة خنبة بإشراف عماد عبد اللطيف‪ ،‬ج‪91/6‬‬
‫‪ ،675‬ج‪.858/3‬‬
‫(‪ -)8‬انظر‪ :‬املتوكل‪ ،‬أمحد‪ ،2763 ،‬قضايا اللغة العربية يف اللسانيات الوظيفية‪ ،‬ط‪ ،6‬منشورات ضفاف‬
‫(بريوت) واالختالف (اجلزائر)‪.629 .‬‬
‫(‪ -)9‬انظر‪ :‬مصلوح‪ ،‬سعد‪ ،2771 ،‬يف اللسانيات املعاصرة‪ ،‬دراسات ومثاقفات‪ ،‬ط‪ ،6‬عامل الكتب‬
‫القاهرة‪.239-235 .‬‬
‫(‪ -)67‬يعد حبث متام حسان "أمن اللبس ووسائل الوصول إليه يف اللغة العربية"(حوليات كلية دار العلوم‬
‫جامعة القاهرة‪ ،‬العام اجلامعي ‪ )19-18‬هو األصل األوضح املنشور لنظريته يف القرائن واألساس‬
‫األسبق – يف الوقت نفسه ‪ -‬للدراسات الكثرية اليت أعقبت ذلك يف دراسة هذا املوضوع‪ .‬انظر‪:‬‬
‫حسان‪ ،‬متام‪ ،6903 ،‬اللغة العربية معناها ومبناها‪ ،‬ط‪ ،6‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫ص‪ ،9 ،8‬وخورشيد‪ ،‬بكر عبد اهلل خورشيد‪ ،2771 ،‬أمن اللبس يف النحو العريب دراسة يف القرائن‬

‫‪100‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫ص ‪ 22‬وما بعدها‪ ،‬وقد ذن نكر عشر دراسات يف هذا الشأن بعضها فيه تكرار وكلها ال عالقة له‬
‫بلسانيات النص‪.‬‬
‫(‪ -)66‬حسان‪ ،‬متام‪ ،2771 ،‬مفاهيم ومواقف يف اللغة والقرآن‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪322 ،326 .‬‬
‫(‪ -)62‬انظر‪ :‬السابق ‪.321 ،323‬‬
‫(‪ -)63‬انظر‪ :‬حسان‪ ،‬متام‪ ،2777 ،‬البيان يف روائع القرآن‪ ،‬ط‪ ،2‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪338-323 .‬‬
‫(‪ -)61‬انظر‪ :‬املتوكل‪ ،‬أمحد‪ ،‬قضايا اللغة العربية يف اللسانيات الوظيفية‪.638-637 ،‬‬
‫(‪)65‬‬
‫أيضا‪ :‬الفصل الثالث (أثر إهبام املعىن) يف‪ :‬حامد‪ ،‬عبد السالم‪ ،‬الشكل والداللة دراسة‬‫‪ -‬انظر يف هذا ً‬
‫عمان‪ .‬ص ‪ 615‬وما بعدها‪.‬‬‫حنوية للفظ واملعىن‪ ،2761 .‬ط‪ ،6‬دار كنوز املعرفة‪ّ ،‬‬
‫(‪ -)61‬انظر‪ :‬صاحل‪ ،‬عبد الرمحن احلاج‪ ،2762 ،‬اخلطاب والتخاطب يف نظرية الوضع واالستعمال العربية‬
‫املؤسسة الوطنية للفنون املطبعية‪ ،‬اجلزائر‪ .‬ص‪ ،678-05‬وص‪ 225‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ -)60‬انظر‪ :‬حسان‪ ،‬متام‪ ،‬مفاهيم ومواقف يف اللغة والقرآن ‪.369‬‬
‫(‪ -)68‬انظر‪ :‬ابن هشام‪ ،‬مغين اللبيب‪ ،‬حتقيق حممد حميي الدين عبد احلميد‪ ،‬مكتبة ومطبعة حممد علي صبيح‬
‫القاهرة ‪.599-598/2‬‬
‫(‪ -)69‬انظر‪ :‬السابق ‪.199-195/2‬‬
‫(‪ -)27‬انظر‪ :‬السامرائي‪ ،‬فاضل‪ ،2777 ،‬اجلملة العربية واملعىن‪ .‬ط‪ ،6‬دار ابن حزم‪ ،‬بريوت‪.651 612 .‬‬
‫وانظر‪ :‬ابن هشام‪ ،‬مغين اللبيب ‪.107/2‬‬
‫(‪ -)26‬انظر‪ :‬السامرائي‪ ،‬فاضل‪ ،‬اجلملة العربية واملعىن‪.87-08 .‬‬
‫(‪ -)22‬معىن ذلك أن "النهار" هنا مشرتك لفظي وأن املشرتك اللفظي من أسباب اللبس الذي يزول من‬
‫مشهورا كما يف كلمة (جلل) مبعىن (يسري) أو (عظيم)‪ .‬انظر‪ :‬صاحل‬ ‫ً‬ ‫خالل السياق إذا كان‬
‫عبد الرمحن احلاج‪ ،‬اخلطاب والتخاطب يف نظرية الوضع واالستعمال ‪.670‬‬
‫(‪ -)23‬ابن هشام‪ ،‬األلغاز النحوية‪ ،6990 ،‬حتقيق موفق فوزي اجلرب‪ ،‬ط‪ ،6‬دار الفكر العريب دمشق‬
‫والقاهرة‪.661 ،663 ،10 – 13 .‬‬
‫(‪ -)21‬انظر‪ :‬خطّايب‪ ،‬حممد‪ ،2762 ،‬لسانيات النص‪ ،‬مدخل إىل انسجام اخلطاب‪ ،‬املركز الثقايف العريب‬
‫بريوت‪ ،‬الدار البيضاء‪.600-603 .‬‬
‫(‪ -)25‬محوده‪ ،‬طاهر سليمان‪ ،6983 ،‬دراسة املعىن عند األصوليني‪.53-13 ،63 ،62 ،‬‬
‫(‪ -)21‬انظر‪ :‬السابق‪ ،‬ص‪.615-613‬‬
‫(‪ -)20‬انظر‪ :‬أنيس‪ ،‬تامر‪ ،2778 ،‬اإلحالة يف القرآن الكرمي‪ :‬دراسة حنوية نصية‪ .‬ط‪ ،6‬مكتبة اإلمام‬
‫البخاري للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪.123 ،122 .‬‬
‫(‪ -)28‬انظر‪ :‬السابق‪.130 – 135 ،‬‬

‫‪101‬‬
‫العدد‪ – 01 :‬جانفي ‪0200‬‬ ‫املجلد‪02 :‬‬ ‫مجلة "إلابراهيمي لآلداب والعلوم إلانسانية" – جامعة برج بوعريريج‬

‫(‪ -)29‬انظر‪ :‬القرطاجين‪ ،‬حازم‪ ،‬منهاج البلغاء‪ ،‬القرطاجين‪ ،‬حازم‪ ،‬د‪.‬ت ‪ -‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪.‬‬
‫تقدمي وحتقيق حممد احلبيب بن اخلوجة‪ ،‬دار الكتب الشرقية‪.608-602 .‬‬
‫(‪ -)37‬على سبيل املثال يشتمل الدستور األمريكي على قدر من الغموض لتوفري املرونة دون التضحية‬
‫بالوحدة‪ .‬توماس‪ .‬أ‪ .‬سلوان‪ ،‬موسوعة البالغة ‪.671/6‬‬
‫(‪ -)36‬مسري إستيتية‪ ،‬مسري‪ ،2778 ،‬اللسانيات‪ :‬اجملال والوظيفة واملنهج‪ ،‬ط‪ ،2‬عامل الكتب احلديث‬
‫عمان‪.521 - 190 ،‬‬ ‫إربد‪ ،‬وجدارا للكتاب العاملي‪ّ ،‬‬
‫(‪ -)32‬فولفجانج هاينه من وديرت فيهفيج‪ ،6999 ،‬مدخل إىل علم اللغة النصي‪ ،‬ترمجة د‪ .‬فاحل‬
‫بن العجمي‪ ،‬جامعة امللك سعود‪ ،‬الرياض‪ .52 .‬ومن اجلدير بالذكر هنا االلتفات إىل أن من‬
‫األبنية الكربى اليت تسهم يف التأويل والفهم مفهوم "اإلطار"‪ .‬انظر‪ :‬فان ديك‪ 2763 ،‬النص‬
‫والسياق ‪ ،‬استقصاء البحث يف اخلطاب الداليل والتداويل‪ .‬ترمجة عبد القادر قنيين أفريقيا الشرق‬
‫الدار البيضاء‪.281-283 .‬‬
‫(‪ -)33‬انظر‪ :‬فان ديك‪ ،‬النص والسياق‪ ،‬استقصاء البحث يف اخلطاب الداليل والتداويل‪.232 ،‬‬
‫(‪ -)31‬انظر‪ :‬فولفجانج هاينه من وديرت فيهفيجر‪ ،‬مدخل إىل علم اللغة النصي‪.611 – 651 ،‬‬
‫(‪ -)35‬انظر‪ :‬فان دايك‪ ،‬علم النص مدخل متداخل االختصاصات‪ .2776 ،‬ترمجة سعيد حبريي‪ ،‬ط‪6‬‬
‫دار القاهرة للكتاب‪.686 ،687 .‬‬

‫‪101‬‬

You might also like