You are on page 1of 52

‫جامعة األزهر‬

‫كلية الدراسات اإلسالمية‬


‫والعربية‬
‫للبنين‪ -‬بالقاهرة‬

‫سلوك التعامل مع نعمة الماء‬


‫في ضوء السنة النبوية‬
‫المطهرة‬

‫تأليف‬
‫د‪ .‬نادي عبد هللا محمد‬
‫أستاذ الحديث الشريف وعلومه المساعد‬
‫بكلية الدراسات االسالمية والعربية للبنين بالقاهرة‬

‫‪-427-‬‬
-428-
‫مقدمة‬
‫الحمد هلل والصالة والسالم على سيدنا رسول هللا وعلى آله وصحبه ومن‬
‫وااله‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فإن الماء هو أصل الحياة وعمادها‪ ،‬وبه تحيا جميع الكائنات‪ ،‬قال هللا تعالى‪:‬‬
‫َّللاُ َخ َلقَ‬ ‫" َو َجعَ ْلنَا ِمنَ ْال َم ِ‬
‫اء ُك َّل ش ْ‬
‫َيء َحي" (سورة األنبياء‪ ،)30 :‬وقال تعالى‪َ " :‬و َّ‬
‫ُك َّل َدابَّة ِمن َّماء" (سورة النور‪.)45 :‬‬
‫والماء مخلوق رباني‪ ،‬وهو النعمة الكبرى‪ ،‬والمنة العظمى التي أنعم هللا بها‬
‫على بني البشر‪ ،‬قال تعالى‪( :‬أَفَ َرأ َ ْيت ُ ُم ْال َما َء الَّذِي ت َ ْش َربُونَ (‪ )68‬أَأ َ ْنت ُ ْم أ َ ْنزَ ْلت ُ ُموهُ مِنَ‬
‫ْال ُم ْز ِن أ َ ْم نَحْ ُن ْال ُم ْن ِزلُونَ (‪())69‬سورة الواقعة‪68 :‬ـ‪.)69‬‬
‫وقد أورد هللا ذكر الماء في القرآن الكريم في آيات عديدة وفي مواضيع‬
‫متعددة‪ ،‬ولقد كرم هللا هذا المخلوق وشرفه‪ ،‬ومما يدل على تشريف القرآن الكريم‬
‫لهذا المخلوق أن نجده في آيات منه مقترنًا بعرش الرحمن‪.‬‬
‫ت َواأل َ ْر َ‬
‫ض‬ ‫كما جاء في سورة هود في قوله تعالى‪َ ":‬و ُه َو الَّذِي َخلَقَ ال َّ‬
‫س َم َوا ِ‬
‫ع َم ًال "(آية ‪.)7‬‬ ‫س ُن َ‬ ‫علَى ْال َم ِ‬
‫اء ِل َي ْبلُ َو ُك ْم أَيُّ ُك ْم أَحْ َ‬ ‫ِفي ِست َّ ِة أَيَّام َو َكانَ َ‬
‫ع ْر ُ‬
‫شهُ َ‬
‫في‬ ‫مسلم(‪)1‬‬ ‫وهذه منزلة وتشريف من هللا تعالى‪ ،‬وفي الحديث الذي رواه‬
‫س ْرح‬ ‫ع ْم ِرو ب ِْن َ‬ ‫ع ْب ِد َّ ِ‬
‫َّللا ب ِْن َ‬ ‫ع ْم ِرو ب ِْن َ‬ ‫صحيحه قال‪َ :‬ح َّدثَنِى أَبُو َّ‬
‫الطا ِه ِر أَحْ َم ُد ب ُْن َ‬
‫الرحْ َم ِن ْال ُحبُ ِل ِى َ‬
‫ع ْن َع ْب ِد‬ ‫ع ْن أ َ ِبى َ‬
‫ع ْب ِد َّ‬ ‫ى َ‬‫َح َّدثَنَا اب ُْن َو ْهب أ َ ْخبَ َرنِى أَبُو هَانِئ ْالخ َْوالَنِ ُّ‬
‫َّللاُ َمقَاد َ‬
‫ِير‬ ‫َب َّ‬ ‫َّللا ‪-‬ﷺ‪َ -‬يقُو ُل « َكت َ‬ ‫سو َل َّ ِ‬ ‫اص قَا َل َس ِم ْعتُ َر ُ‬ ‫ع ْم ِرو ب ِْن ْال َع ِ‬
‫َّللا ب ِْن َ‬ ‫َّ ِ‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم ك القدر باب حجاج آدم وموسي عليهما السالم (‪.)6919‬‬
‫‪-429-‬‬
‫علَى‬
‫شهُ َ‬ ‫سنَة ‪ -‬قَا َل ‪َ -‬و َ‬
‫ع ْر ُ‬ ‫ض بِخ َْمسِينَ أ َ ْل َ‬
‫ف َ‬ ‫ت َواأل َ ْر َ‬
‫س َم َوا ِ‬ ‫ْال َخالَئِ ِ‬
‫ق قَ ْب َل أ َ ْن يَ ْخلُقَ ال َّ‬
‫اء »‪.‬‬ ‫ْال َم ِ‬
‫ويؤيد هذا ما رواه البخاري(‪)1‬عن عمران بن حصين قال‪ :‬قال أهل اليمن‬
‫لرسول هللا ﷺ جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا األمر فقال‪" :‬كان هللا‬
‫ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء‪.‬‬
‫كما جعل هللا الماء أحد أنواع النعيم ألهل الجنة حيث يقول تعالى‪َ (:‬مث َ ُل ْال َجنَّ ِة‬
‫ط ْع ُمهُ‬ ‫الَّتِي ُو ِع َد ْال ُمتَّقُونَ فِي َها أ َ ْن َهار ِم ْن َماء َ‬
‫غي ِْر آ ِسن َوأ َ ْن َهار ِم ْن لَبَن لَ ْم يَتَغَي َّْر َ‬
‫ى َولَ ُه ْم ِفي َها ِم ْن ُك ِل الث َّ َم َرا ِ‬
‫ت‬ ‫صف ً‬‫سل ُم َ‬ ‫ع َ‬‫ار ِبينَ َوأ َ ْن َهار ِم ْن َ‬
‫ش ِ‬‫َوأ َ ْن َهار ِم ْن خ َْمر َل َّذة ِلل َّ‬
‫ط َع أ َ ْمعَا َء ُه ْم)(سورة‬ ‫سقُوا َما ًء َح ِمي ًما فَقَ َّ‬ ‫َو َم ْغ ِف َرة ِم ْن َربِ ِه ْم َك َم ْن ُه َو خَا ِلد فِي النَّ ِ‬
‫ار َو ُ‬
‫محمد آية‪.)15:‬‬
‫كما جعل سبحانه وتعالى الماء أحد أنواع العذاب في النار ألهل معصيته‬
‫سقُوا َما ًء َح ِمي ًما فَقَ َّ‬
‫ط َع أ َ ْم َعا َء ُه ْم (سورة محمد‪.)15:‬‬ ‫حيث يقول تعالى ( َو ُ‬
‫وزيادة في إبراز أهمية الماء من منظور اإلسالم‪ ،‬نبه الحق سبحانه إلى ما قد‬
‫يصيب اإلنسان والحياة من هالك‪ ،‬إذا هو لم ينزله‪ ،‬أو لو أنزله "أُجاجا" غير‬
‫صالح لالستعمال‪.‬‬
‫كما جعلت السنة النبوية ‪ -‬وعلي هدى من القرآن العظيم – الماء الطهور أداة‬
‫الطهارة األولى والرئيسية في التشريع اإلسالمي‪ ،‬وأعلت من شأن الطهارة‬
‫ور‬ ‫وحثت عليها إلى الدرجة التي ترقى إلى معادلة نصف اإليمان‪ ،‬قال ﷺ‪ُّ " :‬‬
‫الط ُه ُ‬
‫ان"(‪.)2‬‬
‫اإلي َم ِ‬ ‫ش ْ‬
‫َط ُر ِ‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري ك التوحيد باب وكان عرشه على الماء (‪.)6982‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم في صحيحه ك الطهارة باب فضل الوضوء (‪.)556‬‬
‫‪-430-‬‬
‫واذا كانت مشاكل المياه تنحصر في التلوث واإلسراف وسوء االستخدام‪ ،‬فان‬
‫هذه قضايا عالجها اإلسالم منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان بما قرره من آداب‬
‫وقواعد وأحكام للمحافظة على الماء وترشيد استهالكه‪ ،‬فالماء هو مصدر الحياة‪،‬‬
‫والمحافظة عليه تعني المحافظة على الحياة بأشكالها المختلفة‪.‬‬
‫وقد قرر اإلسالم مجموعة من القيم واآلداب واألسس والقواعد للمحافظة على‬
‫الماء وحمايته من التلوث‪.‬‬
‫وإننا في هذا البحث سنتناول الماء من زاوية أكثر أهمية وواقعية‪ ،‬إذ تتصل‬
‫بالسلوك اإلنساني وهي زاوية آداب التعامل واالستعمال‪ ،‬وهي غالبا ما تتحدت‬
‫عنها السنة النبوية المطهرة‪.‬‬
‫وقد جاء البحث في تمهيد وخمسة مباحث وذلك علي النحو التالي‪:‬‬
‫التمهيد‪ :‬ويتضمن كيف تعرضت السنة وتطرقت لكثير من المشاكل البيئية‬
‫التي يعاني منها عالم اليوم‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬األمن المائي في السنة النبوية وكيف أوصت االنسانية‬
‫باالعتراف بحق اإلنسان في الماء‪ ،‬ال يجوز منعه أو حبسه بأي شكل من‬
‫األشكال‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المحافظة على الماء‪ ،‬وذلك من جانبين‪:‬‬
‫الجانب األول‪ :‬تحذير السنة النبوية من تلويث الماء‪.‬‬
‫الجانب الثاني‪ :‬التحذير من االسراف في استعمال الماء‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬ترغيب السنة النبوية وحضها على توفير الماء وسقيه لمن‬
‫يحتاجه‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬آداب شرب الماء‪.‬‬

‫‪-431-‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬نعمة الماء بين السلب والعطاء‬
‫ثم الخاتمة والتوصيات‪.‬‬
‫صا لوجهه الكريم‪ ،‬وأن يحفظ أزهرنا‬
‫هذا‪ ،‬وهللا أسأل أن يجعل هذا العمل خال ً‬
‫منبرا لهداية البشرية‪ ،‬وتقديم الصورة الحضارية‬
‫ً‬ ‫الشريف‪ ،‬وأن يجعله دائ ًما‬
‫المشرقة إلسالمنا الحنيف‪.‬‬
‫د‪ .‬نادي عبد هللا محمد‬
‫أستاذ مساعد في قسم أصول الدين شعبة الحديث‬
‫وعلومه‬
‫بكلية الدراسات االسالمية والعربية للبنين بالقاهرة‬
‫جامعة األزهر الشريف‬

‫‪-432-‬‬
‫متهيد‬
‫تعرضت السنة النبوية للبيئة بوجه عام‪ ،‬وتطرق رسول هللا ﷺ لكثير من‬
‫المشاكل البيئية التي يعاني منها عالم اليوم‪ ،‬على الرغم من أن المشاكل البيئية في‬
‫زمنه ﷺ لم تكن معقدة بهذا الشكل الذي عليه العالم اليوم‪.‬‬
‫وال شك أن البيئة التي نعيش عليها نعمة من نعم هللا تعالى‪ ،‬التي سخرها هللا‬
‫ض ْال َم ْيتَةُ أَحْ يَ ْينَاهَا َوأ َ ْخ َرجْ نَا ِم ْن َها َحبا فَ ِم ْنهُ‬
‫لنا‪ ،‬قال تعالى‪َ ":‬وآيَة لَ ُه ُم ْاأل َ ْر ُ‬
‫ُون(‪)34‬‬ ‫َيأ ْ ُكلُونَ (‪َ )33‬و َج َع ْلنَا فِي َها َجنَّات ِم ْن ن َِخيل َوأ َ ْعنَاب َوفَ َّج ْرنَا فِي َها ِمنَ ْالعُي ِ‬
‫ِليَأ ْ ُكلُوا ِم ْن ث َ َم ِر ِه َو َما َ‬
‫ع ِملَتْهُ أ َ ْيدِي ِه ْم أَفَال يَ ْش ُك ُرونَ (‪( ")35‬سورة يس‪33:‬ـ‪.)35‬‬
‫ولما كان اإلنسان مستخلف في األرض وقائم على أمرها‪ ،‬كان من الواجب‬
‫ض‬‫عليه عمارتها وزينتها ورعايتها‪ ،‬قال هللا تعالى‪ُ ":‬ه َو أ َ ْنشَأ َ ُك ْم ِمنَ ْاأل َ ْر ِ‬
‫َوا ْست َ ْع َم َر ُك ْم فِي َها "(سورة هود‪.)61:‬‬
‫وحذره من من خرابها وإفسادها‪ ،‬قال هللا تعالى‪َ ":‬والَ ت ُ ْف ِسدُواْ فِي األ َ ْر ِ‬
‫ض بَ ْع َد‬
‫صالَ ِح َها "(سورة األعراف‪.)56:‬‬
‫ِإ ْ‬
‫وقد خلق هللا األرض بأحسن حال‪ ،‬وهي مسخرة لالنسان قال تعالى‪ ":‬أَلَ ْم‬
‫ظا ِه َرة ً‬ ‫ض َوأ َ ْسبَ َغ َ‬
‫علَ ْي ُك ْم نِ َع َمهُ َ‬ ‫ت َو َما فِي ْاأل َ ْر ِ‬ ‫س َّخ َر لَ ُك ْم َما ِفي ال َّ‬
‫س َم َاوا ِ‬ ‫ت ََر ْوا أ َ َّن َّ َ‬
‫َّللا َ‬
‫َّللاِ ِبغَي ِْر ِع ْلم َو َال ُهدًى َو َال ِكت َاب ُم ِنير"(سورة‬ ‫اطنَةً َو ِمنَ النَّ ِ‬
‫اس َم ْن يُ َجا ِد ُل ِفي َّ‬ ‫َو َب ِ‬
‫لقمان‪.)20:‬‬
‫وجعلها تفي بحاجات اإلنسان‪ ،‬وأي نقص أو خلل يصيبها فهو بفعل اإلنسان‪،‬‬
‫ض‬ ‫ت أ َ ْيدِي النَّ ِ‬
‫اس ِليُذِيقَ ُه ْم َب ْع َ‬ ‫سا ُد ِفي ْال َب ِر َو ْال َبحْ ِر ِب َما َك َ‬
‫سبَ ْ‬ ‫ظ َه َر ْالفَ َ‬
‫قال تعالى‪َ ":‬‬
‫ع ِملُوا لَعَلَّ ُه ْم يَ ْر ِجعُونَ " (سورة الروم‪.)41:‬‬
‫الَّذِي َ‬

‫‪-433-‬‬
‫عا من اإلفساد‪،‬‬
‫ومن ثم كان إلحاق الضرر ألي عنصر من عناصر البيئة نو ً‬
‫سواء كان باإلفراط في استخدامها‪ ،‬أو اإلساءة في استعمالها‪.‬‬
‫كما نجد رسولنا الكريم يدعونا في نصوص عديدة إلى إحياء األرض‪،‬‬
‫سا أ َ ْو‬ ‫وتعميرها‪ ،‬والقيام بزراعتها وإصالحها‪ ،‬فيقول ﷺ‪َ ":‬ما ِم ْن ُم ْس ِلم َي ْغ ِر ُ‬
‫س غ َْر ً‬
‫ص َدقَة"(‪.)1‬‬ ‫سان أ َ ْو بَ ِهي َمة ِإالَّ َكانَ لَهُ بِ ِه َ‬ ‫عا فَيَأ ْ ُك ُل ِم ْنهُ َ‬
‫طيْر أ َ ْو ِإ ْن َ‬ ‫يَ ْز َر ُ‬
‫ع زَ ْر ً‬
‫كما يحثنا ﷺ ويرغبنا في المحافظة على موارد البيئة‪ ،‬فيقول ﷺ‪َ ":‬م ْن أَحْ َيا‬
‫أ َ ْر ً‬
‫ضا َم ْيتَةً‪ ،‬فَ ِه َ‬
‫ي لَهُ "(‪.)2‬‬
‫وال أدل على الحض على استثمار األرض واغتنام الحياة من هذا الحديث عن‬
‫عةُ َوبِيَ ِد أ َ َح ِد ُك ْم فَ ِسيلَة فَإِ ْن‬
‫سا َ‬ ‫أنس رضي هللا عنه عن النبي ﷺ قال‪ ":‬إِ ْن قَا َم ْ‬
‫ت ال َّ‬
‫س َها فَ ْليَ ْف َع ْل"(‪.)3‬‬ ‫ع أ َ ْن َال يَقُ َ‬
‫وم َحتَّى يَ ْغ ِر َ‬ ‫ا ْست َ َ‬
‫طا َ‬
‫وفي البيئة التي كان يعيش فيها سيدنا رسول هللا ﷺ يُعد الماء مرادفًا للحياة‪،‬‬
‫فهو نعمة من هللا تعالى بل هو أصل الحياة‪.‬‬
‫صا عديدة للحديث عن الماء‪ ،‬وسلوك‬
‫ومن هنا أفردت السنة النبوية نصو ً‬
‫المسلم في التعامل مع هذه النعمة الربانية‪.‬‬
‫ولم يقتصر األمر عند هذا الحد بل عند مطالعتنا للسنة النبوية الكريمة نجد‬
‫اهتمام النبي ﷺ بكل ما يوجد في البيئة من حيوانات وأزهار وأشجار‪.‬‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري ك المزارعة باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه (‪ )2195‬ومسلم ك‬
‫المساقاة باب فضل الغرس والزرع (‪.)4055‬‬
‫(‪ )2‬سنده صحيح‪ :‬أخرجه أبو داود في سننه ك الخراج باب في إحياء الموات (‪ )3075‬من طريق‬
‫هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد مرفوعًا‪ ،‬وسنده رجاله ثقات‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنده صحيح‪ :‬أخرجه أحمد في مسنده (‪191/3‬ح‪ )13004‬من طريق حماد عن هشام بن زيد‬
‫عن أنس مرفوعًا‪ ،‬وسنده رجاله ثقات‪.‬‬
‫‪-434-‬‬
‫والحقيقة أن سيدنا رسول هللا ﷺ كانت تعاليمه شاملة للبيئة بكل جوانبها‬
‫ومكوناتها‪.‬‬
‫وهو بذلك يدعو أن ينسجم االنسان مع البيئة التي يعيش فيها‪ ،‬وحين تم‬
‫التجاهل بين هذه النصوص والواقع الذي نعيشه واجهتنا هذه المشكالت‪.‬‬
‫والحقيقة التي يجب أن يعرفها االنسان أن هللا تعالى وحده خالق الكون بكل‬
‫ما فيه ومالكه‪ ،‬وأن االنسان مسئول أمام هللا تعالى‪ ،‬ومن ثم كانت اإلساءة إلى أى‬
‫مصدرا من مصادر االحياة‪،‬‬
‫ً‬ ‫مخلوق من مخلوقاته تعالى‪ ،‬سواء كان كائنًا حيًا أو‬
‫َذ ْنبًا من الذنوب يجازَ ى اإلنسان عليه‪ ،‬وأن جميع مخلوقات هللا متساوية أمامه‬
‫سبحانه‪ ،‬وأن الحيوانات‪ ،‬وكذلك األرض والغابات وينابيع المياه‪ ،‬لها حقوق‬
‫تُحْ ت ََرم‪.‬‬
‫***‬

‫‪-435-‬‬
‫املبحث األول‪ :‬األمن املائي‬
‫الماء هو شريان الحياة‪ ،‬ولذلك فهو حق للجميع‪ ،‬ال يجوز ألحد أن يمنعه عن‬
‫أحد أو يحتكره لنفسه‪ ،‬ألن الماء ليس من صنع أحد من البشر‪ ،‬إنما هو هبة من‬
‫هللا تعالى خالق البشر جميعًا‪ ،‬وإذا كان الناس يشتركون في حق اإلنسانية‪ ،‬فال‬
‫يجوز أن يكون االنسان سببًا في حرمان أخيه االنسان من هذه النعمة االلهية‪.‬‬
‫وإذا كانت القوانين الوضعية أوصت بضمان الماء لكل إنسان‪ ،‬ألن الماء حقه‬
‫في هذه الحياة‪ ،‬فإننا نرى السنة النبوية الكريمة قد سبقت الجميع بتوجيهاتها في‬
‫هذا الشأن‪ ،‬فيخاطب النبي ﷺ أتباعه‪ ،‬كما ورد في الحديث عن رجل من‬
‫المهاجرين من أصحاب رسول هللا ﷺ قال‪ :‬غزوت مع النبي ﷺ ثالث ًا أسمعه‬
‫ش َر َكا ُء ِفي ثَالَث فِي ْال َكالَ والماء َوالنَّ ِ‬
‫ار "(‪.)1‬‬ ‫يقول‪ْ ":‬ل ُم ْس ِل ُمونَ ُ‬
‫ثالث‪)2("........:‬‬ ‫وقد ورد الحديث في رواية أخرى بلفظ " الناس شركاء في‬
‫الحديث‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا ﷺ قال‪ ":‬ثَالَث الَ ي ُْمنَ ْعنَ ْال َما ُء‬
‫َو ْال َكالَ َوالنَّ ُ‬
‫ار "(‪.)3‬‬
‫وفي عون المعبود(‪ :)4‬المراد المياه التي لم تحدث باستنباط أحد وسعيه‪،‬‬

‫(‪ )1‬سنده صحيح‪ :‬أخرجه أبو داود في سننه ك االجارة باب في منع الماء (‪ )3479‬من طريق أبي‬
‫خداش عن رجل من المهاجرين مرفوعًا‪ ،‬وسنده رجاله ثقات‪ ،‬والجهالة بالصحابي ال يضر‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنده ضعيف‪ :‬أخرجه الحارث في مسنده (‪219/2‬ح‪ )243‬من طريق أبي إسحاق عن رجل من‬
‫أهل الشام عن أبي عثمان عن أبي خداش به‪ .‬وفي سنده رجل مجول‪ ،‬والصحيح ما قبله‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنده صحيح‪ :‬أخرجه ابن ماجة في سننه ك الرهون باب المسلمون شركاء في ثالث (‪)2473‬‬
‫من طريق أبي الزناد عن األعرج عن أبي هريرة مرفوعًا‪ ،‬وسنده رجاله ثقات‬
‫(‪ )4‬عون المعبود شرح سنن أبي داود (‪.)268/9‬‬
‫‪-436-‬‬
‫والقنى واآلبار‪ ،‬ولم يحرز في بركة أو جدول‪ ،‬مأخوذ من النهر‪.‬‬
‫وقال السندي(‪ :)1‬وقد ذهب قوم إلى ظاهره‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن هذه األمور الثالثة ال‬
‫تملك وال يصح بيعها‪ ،‬والمشهور بين العلماء أن المراد بالكأل هو المباح الذي ال‬
‫يختص بأحد‪ ،‬وبالماء ماء السماء والعيون واألنهار التي ال تملك‪ ،‬وبالنار الشجر‬
‫الذي يحتطبه الناس من المباح‪ ،‬فيوقدونه‪ ،‬فالماء إذا أحرزه االنسان في إنائه‬
‫وملكه يجوز بيعه‪ ،‬وكذا غيره‪.‬‬
‫وجاء في كتاب فقه السنة للسيد سابق(‪ :)2‬مياه البحار واألنهار وما يشابهها‬
‫مباحة للناس جميعًا‪ ،‬ال يختص بها أحد دون أحد‪ ،‬وال يجوز بيعها ما دامت في‬
‫مقارها‪.‬‬
‫أقول‪ :‬وهذه األحاديث فيها توجيه نبوي عظيم‪ ،‬يعلم اإلنسانية جميعًا أن ما كان‬
‫الناس محتاجين إليه فهو حق مشترك للجميع‪.‬‬
‫يعرف في شريعتنا الغراء بالملكية العامة‪ ،‬ومعنى الملكية العامة للشئ أن‬
‫يشترك الناس جميعًا في ملكية هذا الشئ‪ ،‬ومن ثم يكون من حق كل منهم أن‬
‫ينتفع به‪ ،‬فال يختص به فرد بعينه‪ ،‬يملكه ويمنع غيره من االنتفاع به‪.‬‬
‫والذي جعل الماء ملكية عامة وال يجوز احتكاره أو حبسه من قبل األفراد أو‬
‫الجماعات‪ ،‬إنما هو حاجة الناس جميعًا إليه‪ ،‬فهو من المرافق العامة التي ال‬
‫يستغنى عنها‪.‬‬
‫وحين غابت هذه المعاني السامية التي أقرها االسالم ودعا إليها‪ ،‬ظهرت‬
‫المشكالت واالختالفات بين الدول بسبب الماء‪ ،‬وكم من دول تمزقت‪ ،‬وهجر‬

‫(‪ )1‬نفسه (‪.)269/9‬‬


‫(‪ )2‬فقه السنة (‪)89/3‬‬
‫‪-437-‬‬
‫الناس قراهم‪ ،‬وتفرقوا في البالد بحث ًا عن هذه المرافق العامة بسبب نضوب الماء‬
‫أو هالك مصادره‪.‬‬
‫وقد قامت الكثير من الحروب والصراعات والنزاعات حول منابع المياه على‬
‫امتداد التاريخ‪.‬‬
‫ولو أدركت الشعوب والحكومات هذه التعاليم االسالمية النتهت الصراعات‬
‫التي تدور حول الماء‪.‬‬
‫وقد تنبهت البشرية اليوم إلى ضرورة المحافظة على الماء وكفالة وصوله‬
‫إلى الفرد العادي‪ ،‬كحق إنساني مؤكد‪.‬‬
‫وهذا ما أكدته السنة النبوية المطهرة حين جعلت الماء حقًا مشتر ًكا للجميع‪.‬‬
‫ومن ثم وردت األحاديث التي تنهى عن بيع الماء‪ ،‬فعن أَبي ْال ِم ْن َها ِل أنه َ‬
‫س ِم َع‬
‫ب النَّبِي ِ ﷺ قَا َل‪َ :‬ال تَبِيعُوا ْال َما َء فَإِنِي‬‫ص َحا ِ‬‫ي َو َكانَ ِم ْن أ َ ْ‬ ‫عبْد ْال ُمزَ نِ َّ‬
‫اس بْنَ َ‬
‫ِإيَ َ‬
‫اء (‪.)1‬‬‫ع ْن بَيْعِ ْال َم ِ‬
‫َّللا ﷺ نَ َهى َ‬ ‫سو َل َّ ِ‬
‫س ِم ْعتُ َر ُ‬
‫َ‬
‫قال الشافعي(‪ :)2‬معنى هذا الحديث ـ وهللا أعلم ـ أن يباع الماء في المواضع‬
‫التي جعله هللا فيها‪ ،‬وذلك أن يأتي الرجل الرجل له البئر أو العين أو النهر‬
‫ليشرب من مائه ذلك‪ ،‬وليسقي دابته‪ ،‬وما أشبه هذا‪ ،‬فيمنعه ذلك‪ ،‬فهذا هو المنهي‬
‫عنه‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد جاء التحذير عمو ًما عن منع فضل الماء عن الناس أو الحيوانات أو‬
‫الزروع‪ ،‬وبين رسولنا الكريم ﷺ في جملة من األحاديث عقاب من منع الماء‪:‬‬

‫(‪ )1‬سنده صحيح‪ :‬أخرجه أبو داود في سننه ك االجارة باب في بيع فضل الماء (‪ )3480‬والترمذي‬
‫في سننه ك البيوع باب بيع فضل الماء (‪ )1271‬وابن ماجة في سننه ك الرهون باب النهي عن‬
‫بيع الماء (‪ )2476‬من طريق أبي المنهال عن إياس بن عبد المزني به‪ ،‬وسنده رجاله ثقات‪.‬‬
‫(‪ )2‬التمهيد لما في الموطأ من المعاني واألسانيد (‪.)129/13‬‬
‫‪-438-‬‬
‫فروى البخاري(‪ )1‬بسنده عن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا‬
‫ع َذاب أ َ ِليم َر ُجل َ‬
‫ع َلى‬ ‫َّللاُ َو َال يَ ْن ُ‬
‫ظ ُر ِإلَ ْي ِه ْم َو َال يُزَ ِكي ِه ْم َولَ ُه ْم َ‬ ‫ﷺ‪ " :‬ث َ َالثَة َال يُ َك ِل ُم ُه ْم َّ‬
‫س ِبي ِل َو َر ُجل َبا َي َع َر ُج ًال َال يُ َبا ِيعُهُ ِإ َّال ِلل ُّد ْن َيا فَإِ ْن‬
‫ط ِريق َي ْمنَ ُع ِم ْنهُ ابْنَ ال َّ‬ ‫ض ِل َماء ِب َ‬ ‫فَ ْ‬
‫ف‬ ‫ص ِر َف َح َل َ‬ ‫س َاو َم َر ُج ًال بِ ِس ْلعَة بَ ْع َد ْالعَ ْ‬‫ف لَهُ َو َر ُجل َ‬ ‫طاهُ َما ي ُِري ُد َوفَى لَهُ َوإِ َّال لَ ْم يَ ِ‬ ‫أ َ ْع َ‬
‫طى بِ َها َك َذا َو َك َذا فَأ َ َخ َذهَا "‪.‬‬ ‫الِل لَقَ ْد أ َ ْع َ‬
‫بِ َّ ِ‬
‫وعند أبي داود(‪ )2‬من حديث أبي هريرة قال رسول هللا ﷺ‪ " :‬ث َ َالثَة َال يُ َك ِل ُم ُه ْم‬
‫س ِبي ِل‬ ‫ع َذاب أ َ ِليم َر ُجل َمنَ َع ابْنَ ال َّ‬ ‫َّللاُ يَ ْو َم ْال ِقيَا َم ِة َو َال يَ ْن ُ‬
‫ظ ُر ِإلَ ْي ِه ْم َو َال يُزَ ِكي ِه ْم َو َل ُه ْم َ‬ ‫َّ‬
‫ض َل َماء ِع ْن َدهُ‪."...‬‬ ‫َف ْ‬
‫عا‪":‬‬
‫ضا مرفو ً‬
‫من حديث أبي هريرة أي ً‬ ‫(‪)3‬‬ ‫وفي رواية أخرى عند البخاري‬
‫ض َل َماء‪ ،‬فَيَقُو ُل‬
‫ظ ُر إلَ ْي ِه ْم‪َ .....:‬و َر ُجل َم َن َع فَ ْ‬ ‫َّللاُ يَ ْو َم ال ِقيَام ِة‪َ ،‬وال يَ ْن ُ‬
‫ثَالثَة ال يُ َك ِل ُم ُه ُم َّ‬
‫ض َل َما لَ ْم ت َ ْع َم َل َي َد َ‬
‫اك "‪.‬‬ ‫ت فَ ْ‬ ‫ض ِلي َك َما َمنَ ْع َ‬ ‫َّللاُ‪ْ :‬اليَ ْو َم أ َ ْمنَعُ َك فَ ْ‬
‫َّ‬
‫ض َل َمائِ ِه‪ ،‬أ َ ْو فَ ْ‬
‫ض َل َكلَئِ ِه‪َ ،‬م ْن َعهُ‬ ‫عا‪َ ":‬م ْن َم َن َع فَ ْ‬ ‫وعن عبد هللا بن عمرو مرفو ً‬
‫ضلَهُ َي ْو َم ْال ِق َيا َم ِة "(‪.)4‬‬
‫َّللاُ فَ ْ‬
‫َّ‬
‫اء ِلي ُْمنَ َع بِ ِه ْال َكأل ُ "(‪ .)5‬وفي‬ ‫ض ُل ْال َم ِ‬
‫عا‪ ":‬الَ ي ُْم َن ُع فَ ْ‬
‫وعن أبي هريرة مرفو ً‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري ك الشهادات باب اليمين بعد العصر (‪.)25218‬‬


‫(‪ )2‬سنده صحيح‪ :‬أخرجه أبو داود في سننه ك االجارة باب في الماء (‪ )3476‬من طريق األعمش‬
‫عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا‪ ،‬وسنده رجاله ثقات‪.‬‬
‫(‪ )3‬صحيح البخاري ك المساقاة باب من رأى أن صاحب الحوض والقربة أحق (‪.)2249‬‬
‫(‪ )4‬حسن لغيره‪ :‬أخرجه أحمد في مسنده (‪179/2‬ح‪ )6673‬من طريق ليث عن عمرو بن شعيب‬
‫عن أبيه عن جده مرفوعًا‪ ،‬وفي سنده ليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف‪ .‬ولكن الحديث يرتقي‬
‫إلى الحسن لغيره بما قبله من حديث أبي هريرة عند البخاري‪.‬‬
‫(‪ )5‬سنده صحيح‪ :‬أخرجه أبو داود في سننه ك االجارة باب في منع الماء (‪ )4375‬وابن ماجة في‬
‫سننه ك الرهون باب النهي عن منع فضل الماء ليمنع به الكأل (‪ )2478‬من طريق أبي الزناد‬
‫‪-439-‬‬
‫ض َل ال َماء ليَ ْمن َع بِه ال َكالَء َمنَعهُ َّ ُ‬
‫َّللا فَ ْ‬
‫ض َل َرحْ َمته يَ ْو َم‬ ‫رواية " َم ْن َمنَ َع فَ ْ‬
‫ال ِقيَا َم ِة"(‪.)1‬‬
‫قال االمام الشافعي(‪ :)2‬في هذا الحديث ما دل على أنه ليس ألحد أن يمنع‬
‫فضل مائه‪ ،‬وإنما يمنع فضل رحمة هللا بمعصية هللا‪ ،‬فلما كان منع فضل هللا‬
‫معصية‪ ،‬لم يكن ألحد منع فضل الماء‪ ،‬وفي هذا الحديث داللة على أن مالك الماء‬
‫أولى أن يشرب به‪ ،‬ويسقي‪ ،‬وإنما يعطي فضله عما يحتاج إليه‪ ،‬ألن رسول هللا‬
‫ﷺ قال‪" :‬من منع فضل الماء ليمنع به الكأل منعه هللا فضل رحمته" وفضل الماء‪:‬‬
‫الفضل عن حاجة مالك الماء‪.‬‬
‫بل إن كثيرا من العلماء ذهب إلى أنه ال يمنع فضل الماء الجاري النابع مطلقًا‬
‫سواء قيل إن الماء ملك لمالك أم ال(‪.)3‬‬
‫ومما يجب أن نذكره في هذا الشأن أنه يجب على الجميع أن يعلم أن قضايا‬
‫الماء‪ ،‬قضايا إنسانية‪ ،‬وضرورات حياتية‪ ،‬يجب أن ينأى بها عن دائرة‬
‫الصراعات واالختالفات والحروب‪ ،‬ألن الماء نعمة مسداة من هللا لكل البشر قال‬
‫س َماء َماء فَأ َ ْخ َر َج بِ ِه ِمنَ‬
‫ض َوأَنزَ َل ِمنَ ال َّ‬
‫ت َواأل َ ْر َ‬ ‫تعالى‪َّ ":‬للاُ الَّذِي َخلَقَ ال َّ‬
‫س َم َاوا ِ‬
‫فِي ْالبَحْ ِر بِأ َ ْم ِر ِه َو َ‬
‫س َّخ َر َل ُك ُم‬ ‫ي‬‫ت ِر ْزقًا لَّ ُك ْم َو َس َّخ َر لَ ُك ُم ْالفُ ْل َك ِلتَجْ ِر َ‬ ‫الث َّ َم َرا ِ‬
‫ار(‪)33‬‬ ‫َو َس َّخ َر لَ ُك ُم اللَّ ْي َل َوالنَّ َه َ‬ ‫س َو ْال َق َم َر َدآئِبَينَ‬ ‫س َّخر َل ُك ُم ال َّ‬
‫ش ْم َ‬ ‫ار(‪َ )32‬و َ‬ ‫األ َ ْن َه َ‬
‫ظلُوم‬ ‫سانَ لَ َ‬ ‫صوهَا ِإ َّن ِ‬
‫اإلن َ‬ ‫الَ تُحْ ُ‬ ‫ت َّللاِ‬ ‫سأ َ ْلت ُ ُموهُ َو ِإن تَعُدُّواْ نِ ْع َم َ‬
‫َوآت َا ُكم ِمن ُك ِل َما َ‬

‫عن األعرج عن أبي هريرة مرفوعًا‪ ،‬وسنده رجاله ثقات‪.‬‬


‫(‪ )1‬سنده صحيح‪ :‬أخرجه الشافعي في األم (‪ )49/4‬من طر يق أب الزناد عن األعرج عن أبي‬
‫هريرة مرفوعا‪ ،‬وسنده رجاله ثقات‪.‬‬
‫(‪.)49/4( )2‬‬
‫(‪ )3‬جامع العلوم والحكم البن رجب (‪)222/2‬‬
‫‪-440-‬‬
‫َكفَّار(‪(" )34‬سورة إبراهيم‪.)34-32:‬‬
‫كما يجب على األمة االسالمية أن تأخذ باألسباب في الحفاظ على أمنها‬
‫المائي‪ ،‬ألن الماء هو عماد اقتصاد الدول‪ ،‬ومصدر رخائها‪ ،‬وبتوافره تتقدم‬
‫وتزدهر‪.‬‬
‫وبخاصة أن أمة االسالم لها حضارتها في هذا الشأن‪ ،‬ولها السبق في العلوم‬
‫اإلنسانية جميعًا‪ ،‬ومنها علم استخراج المياه‪.‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬احملافظة على املاء‬
‫لقد ارتبط الماء بأبرز عبادات االسالم‪ ،‬حيث جعله الشرع وسيلة للطهارة‬
‫صالةِ‬ ‫والوضوء والغسل‪ ،‬قال هللا تعالى‪ ":‬يَا أَيُّ َها الَّذِينَ آ َمنُوا ِإ َذا قُ ْمت ُ ْم ِإلَى ال َّ‬
‫س ُحوا ِب ُرؤُ و ِس ُك ْم َوأ َ ْر ُجلَ ُك ْم ِإلَى ْال َك ْعبَي ِْن‬ ‫فَا ْغ ِسلُوا ُو ُجو َه ُك ْم َوأ َ ْي ِديَ ُك ْم ِإلَى ْال َم َرافِ ِ‬
‫ق َو ْام َ‬
‫َجا َء أ َ َحد ِم ْن ُك ْم ِمنَ‬ ‫سفَر أ َ ْو‬ ‫علَى َ‬ ‫ضى أ َ ْو َ‬ ‫َو ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم ُجنُبًا فَ َّ‬
‫اط َّه ُروا َو ِإ ْن ُك ْنت ُ ْم َم ْر َ‬
‫س ُحوا ِب ُو ُجو ِه ُك ْم‬ ‫فَ ْ‬
‫ام َ‬ ‫ص ِعي ًدا َ‬
‫ط ِيبًا‬ ‫سا َء َفلَ ْم ت َِجدُوا َما ًء فَت َ َي َّم ُموا َ‬ ‫ْالغَا ِئ ِط أ َ ْو ال َم ْست ُ ُم ِ‬
‫الن َ‬
‫علَ ْي ُك ْم ِم ْن َح َرج َولَ ِك ْن ي ُِري ُد ِليُ َ‬
‫ط ِه َر ُك ْم َو ِليُتِ َّم نِ ْع َمتَهُ‬ ‫َوأ َ ْيدِي ُك ْم ِم ْنهُ َما ي ُِري ُد َّ‬
‫َّللاُ ِل َيجْ عَ َل َ‬
‫علَ ْي ُك ْم لَعَلَّ ُك ْم ت َ ْش ُك ُرونَ "(سورة المائدة‪:‬آية‪.)6‬‬ ‫َ‬
‫ور ش ْ‬
‫َط ُر‬ ‫وقرنت السنة النبوية المطهرة بين اإليمان والطهارة فقال ﷺ‪ُّ ":‬‬
‫الط ُه ُ‬
‫ان "(‪.)1‬‬
‫اإلي َم ِ‬
‫ِ‬
‫ضا بطهارة الماء ونظافته‪ ،‬فلما سئل ﷺ عن ماء البحر‪،‬‬ ‫وصرحت السنة أي ً‬
‫ور َماؤُ هُ‪ْ ،‬ال ِح ُّل َم ْيتَتُهُ "(‪.)2‬‬ ‫قال‪ُ ":‬ه َو َّ‬
‫الط ُه ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في صحيحه ك الطهارة باب فضل الوضوء (‪ )556‬من حديث أبي مالك‬
‫األشعري‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنده صحيح‪ :‬أخرجه أبو داود في سننه ك الطهارة باب الوضوء باب ماء البحر (‪ )83‬من‬
‫‪-441-‬‬
‫مثال عظي ًما في شأن الماء وطهارته لإلنسان من األدران‪،‬‬ ‫وضرب النبي ﷺ ً‬
‫ب أ َ َح ِد ُك ْم يَ ْغت َ ِس ُل فِي ِه ُك َّل يَ ْوم خ َْم ً‬
‫سا‪َ ،‬ما تَقُو ُل ذ ِل َك‬ ‫فقال ﷺ‪ ":‬أَ َرأ َ ْيت ُ ْم لَ ْو أ َ َّن َن َه ًرا ِببَا ِ‬
‫ت ْالخ َْم ِس‬ ‫ش ْيئًا قَا َل‪ :‬فَذ ِل َك ِمثْ ُل ال َّ‬
‫ص َلوا ِ‬ ‫يُ ْب ِقي ِم ْن َد َرنِ ِه قالُوا‪ :‬الَ يُ ْب ِقي ِم ْن َد َرنِ ِه َ‬
‫يَ ْم ُحو هللاُ بِ ِه ْال َخ َ‬
‫طايَا "(‪.)1‬‬
‫وقد كان النبي ﷺ يأكل ما وجد وال يذم شيئ ًا‪ ،‬ولكنه لم يكن يشرب من كل‬
‫ماء‪ ،‬بل كان يستعذب له الماء من آبار السقيا‪.‬‬
‫ووضع البخاري بابًا في صحيحه سماه (باب استعذاب الماء) أي طلب الماء‬
‫العذب‪ ،‬والمراد به الحلو‪.‬‬
‫اال ِم ْن‬ ‫ار بِ ْال َمدِينَ ِة َم ً‬
‫ص ِ‬‫ط ْل َحةَ أ َ ْكث َ َر األ َ ْن َ‬
‫وذكر فيه حديث أنس(‪ )2‬قال‪َ :‬كانَ أَبُو َ‬
‫سو ُل هللاِ‬ ‫َت ُم ْست َ ْقبِلَةَ ْال َمس ِْجدِ‪َ ،‬و َكانَ َر ُ‬ ‫ن َْخل‪َ ،‬و َكانَ أ َ َحبَّ أَ ْم َوا ِل ِه ِإ َل ْي ِه بَي ُْر َحا َء‪َ ،‬و َكان ْ‬
‫ت ه ِذ ِه اآل َية (لَ ْن تَنَالُوا‬ ‫ط ِيب؛ قَا َل أَنَس‪ :‬فَلَ َّما أ ُ ْن ِزلَ ْ‬ ‫ب ِم ْن َماء ِفي َها َ‬ ‫ﷺ َي ْد ُخلُ َها َو َي ْش َر ُ‬
‫ط ْل َحةَ إِلَى َر ُ‬
‫سو ِل هللاِ ﷺ‪ ،‬فَقَا َل‪ :‬يَا َر ُ‬
‫سو َل هللاِ‬ ‫ْالبِ َّر َحتَّى ت ُ ْن ِفقُوا ِم َّما ت ُ ِحبُّونَ ) قَ َ‬
‫ام أَبُو َ‬
‫ار َك َوت َ َعالَى يَقُو ُل (لَ ْن تَنَالُوا ْالبِ َّر َحتَّى ت ُ ْن ِفقُوا ِم َّما ت ُ ِحبُّونَ ) َو ِإ َّن أ َ َحبَّ‬ ‫ِإ َّن َ‬
‫هللا تَبَ َ‬
‫ض ْع َها َيا‬‫ص َدقَة هللِ؛ أ َ ْر ُجو ِب َّرهَا َوذُ ْخ َرهَا ِع ْن َد هللاِ؛ َف َ‬ ‫ي َبي ُْر َحا ُء‪َ ،‬و ِإنَّ َها َ‬‫أ َ ْم َوا ِلي ِإلَ َّ‬
‫سو ُل هللاِ ﷺ‪ :‬بَ ْخ ذ ِل َك َمال َرابِح‪ ،‬ذ ِل َك َمال‬ ‫اك هللاُ قَا َل‪ :‬فَقَا َل َر ُ‬‫ْث أ َ َر َ‬
‫سو َل هللاِ َحي ُ‬ ‫َر ُ‬
‫ط ْل َحةَ‪:‬‬
‫ت‪َ ،‬و ِإنِي أ َ َرى أ َ ْن تَجْ َع َل َها ِفي األ َ ْق َر ِبينَ فَقَا َل أَبُو َ‬ ‫س ِم ْعتُ َما قُ ْل َ‬ ‫َرا ِبح‪َ ،‬وقَ ْد َ‬
‫ع ِم ِه‪.‬‬ ‫ط ْل َحةَ ِفي أ َ َق ِ‬
‫ار ِب ِه َو َب ِني َ‬ ‫س َم َها أَبُو َ‬ ‫أ َ ْف َع ُل َيا َر ُ‬
‫سو َل هللاِ فَ َق َ‬

‫طريق سعيد بن أبي سلمة عن المغيرة بن أبي بردة عن أبي هريرة مرفوعًا‪ ،‬وسنده رجاله‬
‫ثقات‪.‬‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخار ي في صحيحه ك مواقيت الصالة باب الصلوات الخمس كفارة (‪ )505‬ومسلم‬
‫ك المساجد باب المشي إلى الصالة تمحى به الخطايا (‪ )1554‬من حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري في صحيحه ك األشربة باب استعذاب الماء (‪)5288‬‬
‫‪-442-‬‬
‫وفي سنن أبي داود(‪ )1‬من حديث عائشة رضي هللا عنها َّن النَّبِ َّ‬
‫ي ﷺ َكانَ‬
‫س ْق َيا‪.‬‬ ‫عذب لَهُ ْال َما ُء ِم ْن بُيُو ِ‬
‫ت ال ُّ‬ ‫يُ ْست َ ُ‬
‫قال قتيبة‪ :‬السقيا عين بينها وبين المدينة يومان‪.‬‬
‫وقال في عون المعبود(‪ :)2‬يستعذب له الماء‪ :‬أي يجاء بالماء العذب وهو‬
‫الطيب الذي ال ملوحة فيه‪ ،‬ألن ماء المدينة كانت مالحة‪.‬‬
‫ولما كان الماء بهذه المنزلة السامية‪ ،‬والمكانة العالية‪ ،‬فإن السنة النبوية‬
‫طاهرا‪ ،‬ينتفع به الناس‪ ،‬وذلك من وجهين‪:‬‬
‫ً‬ ‫حرصت على نظافته‪ ،‬وبقائه نقيًا‬
‫الوجه األول‪ :‬التحذير من تلويث الماء‬
‫فقد نبهت السنة الكريمة وأكدت في نصوص عديدة على المحافظة على‬
‫الماء‪ ،‬وحذرت من تلويثه بأي شكل من األشكال‪.‬‬
‫فعن معاذ بن جبل رضي هللا تعالى عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ ":‬اتقوا‬
‫المالعن(‪ )3‬الثالث‪ :‬البراز في الموارد(‪ ،)4‬وقارعة الطريق‪ ،‬والظل(‪.")5‬‬

‫(‪ )1‬سنده صحيح‪ :‬أخرجه أبو داود في سننه ك األشربة باب إيكاء اآلنية (‪ )3737‬من طريق هشام‬
‫بن عروة عن أبيه عن عائشة‪ .‬وسنده رجاله ثقات‪.‬‬
‫(‪ )2‬عون المعبود (‪.)144/10‬‬
‫(‪ )3‬المالعن‪ :‬جمع ملعنة‪ ،‬وهي الفعلة التي يلعن فاعلها‪ ،‬كأنها مظنة للعن ومحل له‪ ،‬وهي أن يتغوط‬
‫االنسان على قارعة الطريق أو ظل الشجرة أو جانب النهر‪ ،‬فإذا مر بها الناس لعنوا فاعلها‪.‬‬
‫النهاية (‪.)511/4‬‬
‫(‪ )4‬البراز في الموارد‪ :‬الموارد‪:‬أي المجاري والطرق إلى الماء‪ ،‬واحدها مورد‪ .‬النهاية (‪.)381/5‬‬
‫(‪ )5‬سنده حسن لغيره‪ :‬أخرجه أبو داود في سننه ك الطهارة باب المواضع التي نهى النبي ﷺ عن‬
‫البول فيها (‪ )26‬وابن ماجة في سننه أول الكتاب (‪ )323‬من طريق حيوة بن شريح أن أبا‬
‫سعيد الحميري حدثه عن معاذ به‪ ،‬وفي سنده انقطاع بين معاذ والحميري‪ .‬ولكن الحديث له‬
‫شاهد عن ابن عباس بعده‪.‬‬
‫‪-443-‬‬
‫ث قِي َل َما‬‫عا‪ ":‬اتَّقُوا ْال َم َالعِنَ الث َّ َال َ‬‫وعن ابن عباس رضي هللا عنه مرفو ً‬
‫ط ِريق أ َ ْو ِفي‬
‫ظ ُّل فِي ِه أ َ ْو فِي َ‬
‫َّللا قَا َل أ َ ْن يَ ْقعُ َد أ َ َح ُد ُك ْم فِي ِظل يُ ْستَ َ‬ ‫ْال َم َال ِع ُن يَا َر ُ‬
‫سو َل َّ ِ‬
‫نَ ْقعِ َماء "(‪.)1‬‬
‫كما نجد النبي ﷺ يحذر مرة أخرى من التبول في الماء سواء كان راك ًدا أو‬
‫جاريًا‪.‬‬
‫فعن جابر بن عبد هللا رضي هللا تعالى عنه عن رسول هللا ﷺ أنه نَ َهى ْ‬
‫أن‬
‫الرا ِك ِد (‪.)2‬‬
‫اء َّ‬
‫يُبَا َل في ال َم ِ‬
‫ضا قال‪ :‬نهى رسول هللا ﷺ أن يبال في الماء‬
‫وفي حديث آخر عن جابر أي ً‬
‫الجاري(‪.)3‬‬
‫وعن ابن عمر رضي هللا عنهما قال‪ :‬نهى رسول هللا ﷺ أن يتخلى الرجل‬
‫تحت الشجرة‪ ،‬ونهى أن يتخلى على ضفة نهر جار(‪.)4‬‬
‫وفي الحكمة من النهي عن التبول في الماء الجاري‪:‬‬

‫(‪ )1‬سنده حسن لغيره‪ :‬أخرجه أحمد في مسنده (‪299/1‬ح‪ )2715‬من طريق ابن لهيعة عن ابن‬
‫هبيرة قال‪ :‬أخبرني من سمع ابن عباس مرفوعًا به‪ ،‬وفي سنده راو لم يسم‪ .‬ولكن الحديث تقدم‬
‫له شاهد من حديث معاذ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم في صحيحه ك الطهارة باب النهي عن البول في الماء الراكد (‪ )681‬من حديث‬
‫جابر‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الطبراني في األوسط (‪208/2‬ح‪ )1749‬من طريق الحارث بن عطية عن األوزاعي‬
‫عن أبي الزبير عن جابر‪ ،‬قال الطبراني‪ :‬لم يروه عن األوزاعي إال الحارث‪ .‬قال الهيثمي في‬
‫مجمع الزوائد (‪ :)204/1‬رواه الطبراني في األوسط ورجاله ثقات‪ .‬وقال المنذري في الترغيب‬
‫(‪ :)84/1‬رواه الطبراني في األوسط بإسناد جيد‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنده ضعيف‪ :‬أخرجه الطبراني في األوسط (‪36/3‬ح‪ )2392‬من طريق الفرات بن السائب عن‬
‫ميمون ابن مهران عن ابن عمر مرفوعًا‪ ،‬وفي سنده الفرات بن السائب وهو ضعيف‪.‬‬
‫‪-444-‬‬
‫قال ابن عابدين في حاشيته(‪:)1‬أنه يقذره‪ ،‬وربما أدى إلى تنجيسه‪.‬‬
‫فالتبرز أو التبول في الماء من السلوكيات الخاطئة التي يجب البعد عنها‪،‬‬
‫والمعروف أن تصريف مياه المجاري في المياه النقية ال يؤدي إلى تلويثها‬
‫بالطفيليات والروائح الكريهة فحسب‪ ،‬بل يتسبب في استهالك األكسجين الذائب‬
‫في المياه مما يؤثر على حياة الكائنات التي تعيش فيه‪ ،‬كما أن المواد العضوية‬
‫الموجودة في مياه المجاري تؤدى إلى ازدهار أنواع عديدة من البكتيريا‬
‫والطفيليات والكائنات األولية التي تسبب تلوث الماء‪.‬‬
‫ومما يؤسف له أن بعض المرافق الخدمية تقوم بتصريف مياه المجاري‬
‫الصحية دون معالجة إلى األنهار والبحيرات‪ ،‬وهذا يحدث ضررأ جسي ًما في حياة‬
‫الناس‪ ،‬حيث تساعد هذه السلوكيات الخاطئة على انتشار األمراض المعدية‪.‬‬
‫ومن ثم نجد السنة النبوية اهتمت بشأن الماء وعدم تلويثه ـحتى ال يقع الضرر‬
‫بمن يستخدمه بأكثر من ذلك بكثير‪ ،‬فنبهت على عدة أمور‪:‬‬
‫‪1‬ـ تغطية األواني‪:‬‬
‫وذلك لحماية الماء من الملوثات التي قد تنتقل إليه عن طريق الهواء أو‬
‫الحشرات الناقلة للجراثيم‪ ،‬بما يترتب عليه ضرر باإلنسان‪ ،‬فعن جابر بن عبد هللا‬
‫اإلنَا َء‪َ ،‬وأ َ ْو ُكوا ِ‬
‫السقَا َء‪ ،‬فَإ ِ َّن‬ ‫رضي هللا عهنما أنه سمع رسول هللا ﷺ يقول‪(":‬غ ُّ‬
‫َطوا ِ‬
‫علَ ْي ِه‬ ‫طاء‪ ،‬أ َ ْو ِسقَاء لَي َ‬
‫ْس َ‬ ‫علَ ْي ِه ِغ َ‬ ‫سنَ ِة لَ ْيلَةً يَ ْن ِز ُل فِي َها َوبَاء‪ ،‬ال يَ ُم ُّر ِبإِنَاء لَي َ‬
‫ْس َ‬ ‫فِي ال َّ‬
‫اء) "(‪.)2‬‬ ‫ِو َكاء‪ِ ،‬إ َّال نَزَ َل ِفي ِه ِم ْن َذ ِل َك ْال َو َب ِ‬

‫(‪ )1‬حاشية ابن عابدين (‪.)342/1‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه مسلم في صحيحه ك األشربة باب األمر بتغطية اإلناء وإيكاء السقاء وإغالق األبواب‬
‫(‪ )3574‬من حديث جابر‪.‬‬
‫‪-445-‬‬
‫وفي هذا الحديث إعجاز نبوي كريم يأمرنا ﷺ بتغطية األواني‪ ،‬وربط فوهات‬
‫القربة وذلك لحمايتها من التلوث واألوبئة‪.‬‬
‫قال ابن القيم(‪ :)1‬وهذا مما ال تناله علوم األطباء ومعارفهم‪ ،‬وقد عرفه من‬
‫عرفه من عقالء الناس بالتجربة‪.‬‬
‫قال الليث بن سعد ‪ -‬أحد رواة الحديث‪ :-‬األعاجم عندنا يتقون تلك الليلة في‬
‫السنة في كانون األول منها‪.‬‬
‫ضا أن الشياطين تجول عند غروب الشمس؛ لذا شرعت‬
‫وقد ثبت في السنة أي ً‬
‫تغطية األواني مع التسمية‪ ،‬وإغالق األبواب والقرب مع التسمية‪:‬‬
‫أخرج البخاري بسنده عن جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما قال‪ :‬قال رسول‬
‫اطينَ ت َ ْنت َ ِش ُر‬ ‫ص ْبيَانَ ُك ْم‪ ،‬فَإ ِ َّن ال َّ‬
‫شيَ ِ‬ ‫هللا ﷺ‪ِ « :‬إ َذا َكانَ ُج ْن ُح اللَّ ْي ِل‪ ،‬أ َ ْو أَ ْم َ‬
‫س ْيت ُ ْم‪ ،‬فَ ُكفُّوا ِ‬
‫اب‪َ ،‬وا ْذ ُك ُروا اس َْم َّ‬
‫َّللاِ‪ ،‬فَإِ َّن‬ ‫عة ِمنَ اللَّ ْي ِل فَخَلُّو ُه ْم‪َ ،‬وأ َ ْغ ِلقُوا األَب َْو َ‬ ‫سا َ‬ ‫ِحينَئِذ‪ ،‬فَإ ِ َذا َذه َ‬
‫َب َ‬
‫طانَ ال يَ ْفت َ ُح بَابًا ُم ْغ َلقًا‪َ ،‬وأ َ ْو ُكوا قِ َربَ ُك ْم‪َ ،‬وا ْذ ُك ُروا اس َْم َّ‬
‫َّللاِ‪َ ،‬وخ َِم ُروا آنِيَت َ ُك ْم‪،‬‬ ‫ش ْي َ‬ ‫ال َّ‬
‫صا ِبي َح ُك ْم»(‪.)2‬‬
‫ط ِفئُوا َم َ‬‫ش ْيئًا‪َ ،‬وأ َ ْ‬
‫علَ ْي ِه َ‬
‫ضوا َ‬ ‫َّللاِ‪َ ،‬ولَ ْو أ َ ْن ت َ ْع ُر ُ‬
‫َوا ْذ ُك ُروا اس َْم َّ‬
‫وذكر العلماء لألمر بالتغطية فوائد منها الفائدتان اللتان وردتا في هذه‬
‫األحاديث وهما صيانته من الشيطان فإن الشيطان ال يكشف غطاء وال يحل سقاء‬
‫و صيانته من الوباء الذي ينزل في ليلة من السنة والفائدة الثالثة صيانته من‬
‫النجاسة والقذرات والرابعة صيانته من الحشرات والهوام فربما وقع شيء منها‬
‫فشربه وهو غافل أو في الليل فيتضرر به‪.‬‬
‫وهذا الحديث فيه جمل من أنواع الخير واداب الجامعة لمصالح اآلخرة والدنيا‬

‫(‪ )1‬كتاب الطب النبوي البن القيم الجوزية (‪.)81‬‬


‫(‪ )2‬أرجه البخاري في صحيحه ك األشربة باب تغطية اإلناء (‪.)5300‬‬
‫‪-446-‬‬
‫فأمر ﷺ بهذه اآلداب التي هي سبب السالمة من ايذاء الشيطان وجعل هللا عز و‬
‫جل هذه األسباب اسبابا للسالمة من ايذائه فال يقدر على كشف اناء وال حل سقاء‬
‫وال فتح باب وال ايذاء صبي وغيره إذا وجدت هذه األسباب(‪.)1‬‬
‫‪ 2‬ـ النهي عن التنفس في الماء‪:‬‬
‫وذلك ألن التنفس في إناء الشرب يتسبب في تلوثه‪ ،‬وانتقال األمراض‪ ،‬ومن‬
‫ي‬ ‫ثم أرشدتنا السنة النبوية المطهرة إلى عدم التنفس في اإلناء‪ ،‬فعن قتادة َّ‬
‫أن النب َّ‬
‫ﷺ نَ َهى أن يُتنفس في اإلناء) (‪.)2‬‬
‫‪ 3‬ـ النهي عن الشرب من فم السقاء‪:‬‬
‫أخرج مسلم (‪.)3‬من حديث أبي سعيد الخدري رضي هللا عنه أنه قال‪ :‬نَ َهى‬
‫ب ِم ْن أ َ ْف َوا ِه َها‪.‬‬
‫ث األ َ ْس ِقيَ ِة(‪:)4‬أ َ ْن يُ ْش َر َ‬ ‫ع ِن ْ‬
‫اختِنَا ِ‬ ‫سو ُل َّ ِ‬
‫َّللا ‪-‬ﷺ‪َ -‬‬ ‫َر ُ‬
‫من أسباب النهي فقال‪ :‬ألنه يقذره على غيره‪ ،‬وقيل‪ :‬أنه‬ ‫النووي(‪)5‬‬ ‫وقد ذكر‬
‫ينتنه‪ ،‬أو ألنه مستقذر‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ نهي المستيقظ من النوم عن غمس يده في الماء‪:‬‬
‫ومن طرق وقاية الماء من التلوث نهى المستيقظ من وضع يده في اإلناء إال‬
‫بعد أن يغسلها ثالث ًا‪ ،‬فعن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ِ ":‬إ َذا‬
‫َاء َحتَّى يَ ْغ ِسلَ َها ث َ َالثًا فَإِنَّهُ َال يَد ِْري‬ ‫ظ أ َ َح ُد ُك ْم ِم ْن ن َْو ِم ِه َف َال يَ ْغ ِم ُ‬
‫س يَ َدهُ فِي ا َ ْ ِإلن ِ‬ ‫اِ ْست َ ْي َق َ‬

‫شرح ابن ماجة (‪)244/1‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫أخرجه البخاري في صحيحه ك األشربة باب النهي عن التنفس في اإلناء (‪ )5307‬من حديث‬ ‫(‪)2‬‬
‫جابر قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ ":‬إذا شرب أحدكم فال يتنفس في اإلناء‪."...‬‬
‫مسلم في صحيحه ك األشربة باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما (‪.)5391‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫اختناث األسقية‪ :‬خنث السقاء‪ :‬إذا تثنيت فمه إلى الخارج وشرب منه‪ .‬النهاية (‪.)82/2‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫شرح النووي على مسلم (‪.)164/13‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪-447-‬‬
‫أَيْنَ بَات ْ‬
‫َت يَ َدهُ "(‪.)1‬‬
‫ثانيًا ـ التحذير من االسراف في استخدام الماء‪:‬‬
‫من مظاهر المحافظة على الماء االقتصاد في استعماله‪ ،‬وعدم االسراف فيه‪،‬‬
‫وهي سنة نبوية‪.‬‬
‫ونجد أن اإلسالم كان له السبق في إقرار مبادئ ترشيد االستهالك لكل ما في‬
‫يد اإلنسان من نعم وثروات‪ ،‬باعتبار أن اإلسراف والتبذير من أهم عوامل الخلل‬
‫واالضطراب في منظومة التوازن البيئي المحكم الذي وهبه هللا ‪ -‬سبحانه ‪ -‬للحياة‬
‫واألحياء في هذا الكون‪.‬‬
‫وقد أقام اإلسالم منهجه في هذا الصدد على األمر بالتوسط واالعتدال في كل‬
‫تصرفات اإلنسان‪ ،‬وأقام بناءه كله على الوسطية والتوازن والقصد‪.‬‬
‫فاإلسراف يعتبر سببا من أسباب تدهور البيئة واستنزاف مواردها‪ ،‬مما يؤدي‬
‫إلى إهالك الحرث والنسل‪ ،‬وتدمير البيئة‪.‬‬
‫وقد نهى القرآن الكريم عن اإلسراف في أكثر من موضع‪ ،‬فقال تعالى‪{ :‬‬
‫و ُكلُواْ َوا ْش َربُواْ َوالَ تُس ِْرفُواْ ِإنَّهُ الَ ي ُِحبُّ ْال ُمس ِْرفِينَ } [األعراف‪ ،]31 :‬وقال‬
‫تعالى‪ُ { :‬كلُواْ ِمن ث َ َم ِر ِه إِ َذا أَثْ َم َر َوآتُواْ َحقَّهُ يَ ْو َم َح َ‬
‫صا ِد ِه َوالَ تُس ِْرفُواْ إِنَّهُ الَ ي ُِحبُّ‬
‫ْال ُمس ِْرفِينَ } [األنعام‪ ،]141 :‬وتوعد القرآن المسرفين بالهالك فقال تعالى‪ { :‬ث ُ َّم‬
‫ص َد ْقنَا ُه ُم ْال َو ْع َد فَأَن َج ْينَا ُه ْم َو َمن نَّشَاء َوأ َ ْهلَ ْكنَا ْال ُمس ِْرفِينَ } [األنبياء‪.]9 :‬‬
‫َ‬
‫ودعا اإلسالم إلى الوسطية واالعتدال فقال تعالى‪{ :‬وكذلك جعلناكم أمة‬
‫وسطا} [البقرة‪ ،]143 :‬وقال تعالى‪َ { :‬والَّذِينَ إِ َذا أَنفَقُوا لَ ْم يُس ِْرفُوا َولَ ْم يَ ْقت ُ ُروا‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في صحيحه ك الطهارة باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في‬
‫نجاستها في االإناء (‪.)665‬‬
‫‪-448-‬‬
‫َو َكانَ بَيْنَ َذ ِل َك قَ َوا ًما } [الفرقان‪.]67 :‬‬
‫فالوسطية الرشيدة هي مسلك المسلمين ودعوة اإلسالم ألتباعه في كل‬
‫األحوال وعموم األوقات‪ ،‬وهي خير ضمان لحماية التوازن البيئي فيما يتعلق‬
‫بالماء وغيره من الموارد الطبيعية‪.‬‬
‫وألهمية الماء وضرورته للحياة وقفت الشريعة اإلسالمية ضد اإلسراف في‬
‫استهالكه‪ ،‬سواء في أغراض الشرب أو الزراعة أو الصناعة‪ ،‬أو حتى في مجال‬
‫العبادات‪ ،‬ومن التعاليم واآلداب اإلسالمية التي وردت في هذا الشأن ما يلي‪:‬‬
‫غي ِْر ِإس َْراف‬ ‫ص َّدقُوا َو ْال َب ُ‬
‫سوا ِفي َ‬ ‫فقد قال الرسول ‪ -‬ﷺ ‪ُ ( :-‬كلُوا َوا ْش َربُوا َوت َ َ‬
‫َو َال َم ِخيلَة)(‪.)1‬‬
‫عا من االعتداء المنهي عنه‪ ،‬والذي‬
‫ولهذا كان االسراف في استخدام الماء نو ً‬
‫‪2‬‬
‫س ِم َع ابنَهُ يقولُ‪:‬‬‫نبأ به رسولنا الكريم ﷺ‪ ،‬فعن أبي نعامة( ) أن عبد هللا بن مغفل َ‬
‫َّللا‬
‫س ِل َّ َ‬
‫ي َ‬ ‫مين ال َجنَّ ِة إذا َدخلت ُ َها‪ ،‬فقال‪ْ :‬‬
‫أي بُن َّ‬ ‫ْض عن يَ ِ‬ ‫اللَّ ُه َّم إني أسألُ َك القَ ْ‬
‫ص َر األبَي َ‬
‫يكون في هذه‬ ‫س ُ‬ ‫ال َجنَّةَ‪ ،‬وت َ َع َّو ْذ ِب ِه من النا ِر‪ ،‬فَإِني سمعتُ رسو َل هللا ‪-‬ﷺ‪ -‬يقول‪َ :‬‬
‫اء "(‪.)3‬‬
‫ع ِ‬‫هور وال ُّد َ‬ ‫األ َّمة قَوم يَ ْعتَدُونَ في ُّ‬
‫الط ِ‬

‫(‪ )1‬سنده حسن‪ :‬أخرجه ابن ماجة في سننه ك اللباس باب لبس ما شئت ما أخطأك سرف أو مخيلة‬
‫(‪, )3605‬احمد في مسنده (‪181/2‬ح‪ )6695‬من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن‬
‫جدهمرفوعًا‪ .‬وعمرو بن شعيب عن أبيه حديثهما حسن‪.‬واللفظ ألحمد‪.‬‬
‫(‪ )2‬أبو نعامة‪ :‬هو قيس بن عباية بفتح أوله وتخفيف الموحدة ثم تحتانية ثقة من الثالثة مات بعد سنة‬
‫عشر ومائة‪ .‬تقريب التهذيب (‪457/1‬ت‪)5583‬‬
‫(‪ )3‬سنده صحيح‪ :‬أخرجه أبو داود في سننه ك الطهارة باب االسراف في الوضوء (‪ )96‬وابن‬
‫ماجة في سننه ك الدعاء باب كراهية االعتداء في الدعاء (‪ )3864‬وأحمد في مسنده‬
‫(‪87/4‬ح‪ )16847‬من طريق أبي نعامة به‪ .‬وليس عند ابن ماجة االعتداء في الطهور‪ ،‬وسنده‬
‫رجاله ثقات‪.‬‬
‫‪-449-‬‬
‫قال صاحب عون المعبود(‪ :)1‬االعتداء في الطهور‪ :‬بالزيادة على الثالث‪،‬‬
‫وإسراف الماء‪ ،‬والمبالغة في الغسل إلى حد الوسواس‪ ،‬وأجمع العلماء على النهي‬
‫عن االسراف في الماء ولو على شاطئ النهر‪.‬‬
‫وقال القاري(‪" :)2‬قوم يعتدون" بتخفيف الدال‪ :‬يتجاوزون الحد الشرعي‪....‬‬
‫واالعتداء في الدعاء يكون من وجوه كثيرة‪ ،‬واألصل فيه أن يتجاوز من موقف‬
‫االفتقار إلى بساط االنبساط‪ ،‬ويميل إلى حد طرفي االفراط والتفريط في خاصة‬
‫نفسه‪ ،‬وفي غيره إذا دعا له أو عليه‪.‬‬
‫واالعتداء في الطهور‪ :‬استعماله فوق الحاجة‪ ،‬والمبالغة في تحري طهوريته‬
‫حتى يفضي إلى الوساوس‪.‬‬
‫وقد كان النبي ﷺ‪ -‬وهو األسوة ال ُحسنى والقدوة ال ُمثلى ‪ -‬أنموذ ًجا فري ًدا في‬
‫هدرا‪ ،‬والحرص على ترشيده‪.‬‬
‫مجال المحافظة على الماء من الضياع ً‬
‫ولقد تعددت النماذج التربوية في السنة النبوية الشريفة التي تهدف إلى‬
‫المحافظة على الموارد البيئية وخاصة الماء‪ ،‬والدعوة المتكررة من خالل القدوة‬
‫والتوجيه النبوي للحفاظ على الماء وترشيد استهالكه‪.‬‬
‫َّللا ‪ -‬ﷺ ‪ -‬يَت ََوضَّأ ُ بِ ْال ُمدِ‪َ ,‬ويَ ْغت َ ِس ُل‬
‫سو ُل َ َّ ِ‬
‫فعن أنس رضي هللا عنه قال‪َ :‬كانَ َر ُ‬
‫س ِة أ َ ْم َداد (‪.)3‬‬
‫صاعِ ِإلَى خ َْم َ‬
‫بِال َّ‬
‫وقد نهى النبي ﷺ عن االسراف في الماء حتى في أغراض الوضوء‬
‫واالغتسال‪.‬‬

‫(‪ )1‬عون المعبود شرح سنن أبي داود (‪.)118/1‬‬


‫(‪ )2‬مرقاة المفاتيح (‪.)343/2‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري في صحيحه ك الوضوء باب الوضوء بالمد (‪ )198‬ومسلم في الحيض باب‬
‫القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة (‪. )763‬‬
‫‪-450-‬‬
‫فعن عبد هللا بن عمرو أن رسول هللا ﷺ مر بسعد بن أبي وقاص وهو‬
‫يتوضأ‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا اإلسراف؟ فقال‪ :‬أفي الوضوء إسراف؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬ولو كنت‬
‫على نهر جار(‪.)1‬‬
‫وقد ترجم النبي ﷺ ترجمة عملية ما نهى عنه على نفسه وأهل بيته‪.‬‬
‫ي بِ َماء فِي إِنَاء قَد َْر ثُلُث َ ْي ْال ُم ِد‬ ‫ُ‬
‫ي ﷺ ت ََوضَّأ َ فَأتِ َ‬
‫فعن أم عمارة بنت كعب أَ َّن النَّبِ َّ‬
‫(‪.)2‬‬
‫ى ‪-‬ﷺ‪-‬‬ ‫َت ت َ ْغت َ ِس ُل ِه َ‬
‫ى َوالنَّ ِب ُّ‬ ‫وعن أم المؤمنين عائشة رضي هللا عنها أنها َكان ْ‬
‫س ُع ثَالَث َةَ أ َ ْم َداد أ َ ْو َق ِريبًا ِم ْن َذ ِل َك‪.)3( .‬‬
‫احد َي َ‬
‫ِفى ِإنَاء َو ِ‬
‫واإلسراف يتحقق باستعمال الماء لغير فائدة شرعية‪ ،‬كأن يزيد في الغسل‬
‫على ثالث‪ ،‬ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‪َ :‬جا َء أَع َْرابِ ٌّ‬
‫ي إِلَى‬
‫ضو َء ث َ َالثًا ث َ َالثًا ث ُ َّم قَا َل َه َك َذا ْال ُو ُ‬
‫ضو ُء فَ َم ْن‬ ‫وء فَأ َ َراهُ ْال ُو ُ‬
‫ض ِ‬‫ع ْن ْال ُو ُ‬ ‫النَّبِي ِ ﷺ يَ ْسأَلُهُ َ‬
‫ظلَ َم (‪.)4‬‬ ‫علَى َه َذا فَ َق ْد أ َ َ‬
‫سا َء َوت َ َعدَّى َو َ‬ ‫زَ ا َد َ‬
‫فإذا كان هذا هدي النبي ﷺ وتعامله مع الماء في شئون العبادات من الطهارة‬
‫والوضوء والغسل‪ ،‬يحتاط في استعماله‪ ،‬ويقتصد فيه‪ ،‬ويحافظ عليه من الضياع‬

‫(‪ )1‬سنده ضعيف‪ :‬أخرجه ابن ماجة في الطهارة باب ما جاء في القصد وكراهية التعدي (‪ )425‬من‬
‫طريق ابن لهيعة عن حيي بن عبد هللا المعافري عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد هللا بن‬
‫عمرو مرفوعًا‪ ،‬وفي سنده بن لهيعة وحيي بن عبد هللا وكالهما ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنده صحيح‪ :‬أخرجه أبو داود في سسننه ك الطهارة باب ما يجزئ من الماء في الوضوء‬
‫(‪ )94‬من حديث أم عمارة‪ ،‬وسنده رجاله ثقات‪.‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم في صحصحه ك الطهارة باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة (‪)756‬‬
‫من حديث عائشة‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنده حسن‪ :‬أخرجه النسائي في سننه ك الطهارة باب العتداء في الوضوء (‪ )140‬من طريق‬
‫عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده مرفوعا‪ ،‬وعمرو بن شعيب عن أبيه حديثهما حسن‪.‬‬
‫‪-451-‬‬
‫واالهدار‪ ،‬فاألحرى باألمة اليوم أن تغير من سلوكها مع الماء‪ ،‬وأال تهدره دون‬
‫وعي ومعرفة‪.‬‬
‫ونحن في عصرنا الحديث أحوج ما نكون إلى هذه التوجيهات النبوية‬
‫الكريمة‪ ،‬التي تنهى عن االسراف في استخدام الماء‪ ،‬أو عن تلويثه وإفساده‪،‬‬
‫نظرا لما تتسم به حياتنا المعاصرة من إسراف شديد في إستعمال الماء وإهدار‬
‫ً‬
‫قدر كبير منه دون فائدة‪.‬‬
‫ومثال نحتذي به‪ ،‬قال هللا تعالى‪َ ":‬ل َق ْد َكانَ لَ ُك ْم فِي‬ ‫ً‬ ‫وليكن من هديه ﷺ قدوة‬
‫َّللا َو ْال َي ْو َم ْاآل ِخ َر َو َذ َك َر َّ َ‬
‫َّللا َك ِث ً‬
‫يرا "‬ ‫َّللا أُس َْوة َح َ‬
‫سنَة ِل َم ْن َكانَ َي ْر ُجو َّ َ‬ ‫سو ِل َّ ِ‬
‫َر ُ‬
‫(األحزاب‪:‬آية‪.)21‬‬
‫وال شك أننا بامتثالنا لهذه التوجيهات النبوية الكريمة سنرتقي بأخالقنا‪ ،‬ونسمو‬
‫بمبادئنا وقيمنا‪ ،‬ونساهم في المحافظة على مجتمعاتنا‪ ،‬وعلى مقوماتها ومرافقها‬
‫العامة ـ ال سيما مرفق الماء ـ من كل تلوث يؤدي إلى األمراض واألسقام‪.‬‬

‫‪-452-‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬الرتغيب يف سقي املاء‬
‫يُعد سقي الماء من أفضل القربات التي يتقرب بها المرء إلى هللا عز وجل‪،‬‬
‫فهو سبب من أسباب النجاة‪ ،‬وباب من أبواب البر‪ ،‬ولقد أراد النبي ﷺ ورغب يوم‬
‫الحج األكبر أن يقوم بسقي الماء‪ ،‬لكنه تركه خشية أن يتنازع الناس‪.‬‬
‫َّللا ‪-‬ﷺ‪-‬‬ ‫سو ُل َّ ِ‬
‫ب َر ُ‬ ‫ففي حديث جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما‪ ....":‬ث ُ َّم َر ِك َ‬
‫علَى زَ ْمزَ َم‬ ‫ب َي ْسقُونَ َ‬ ‫ع ْب ِد ْال ُم َّ‬
‫ط ِل ِ‬ ‫صلَّى بِ َم َّكةَ ُّ‬
‫الظ ْه َر فَأَت َى َبنِى َ‬ ‫اض ِإلَى ْال َب ْي ِ‬
‫ت فَ َ‬ ‫فَأَفَ َ‬
‫علَى ِسقَا َي ِت ُك ْم لَنَزَ ْعتُ َم َع ُك ْم‬ ‫ب فَلَ ْوالَ أ َ ْن َي ْغ ِل َب ُك ُم النَّ ُ‬
‫اس َ‬ ‫ع ْب ِد ْال ُم َّ‬
‫ط ِل ِ‬ ‫عوا َب ِنى َ‬ ‫فَقَا َل « ا ْن ِز ُ‬
‫ب ِم ْنهُ"(‪.)1‬‬ ‫»‪ .‬فَن ََاولُوهُ َد ْل ًوا فَش َِر َ‬
‫وفي ضوء السنة النبوية الكريمة نرى أن سقي الماء وتبريد األكباد وإطفاء‬
‫حرارة الظمآن من أعظم األبواب التي تقود إلى الجنان‪ ،‬ومن أسباب تكفير‬
‫الذنوب واآلثام‪ ،‬كما هو باب عظيم إلذهاب األسقام‪ ،‬وبه تكون الصدقة الجارية‬
‫عن النفس والوالدين والولدان‪.‬‬
‫وسوف أسوق من النصوص النبوية الكريمة ما يرغب في هذا الشأن ويؤكد‬
‫هذا المعنى‪:‬‬
‫سقي الماء سبب لتكفير الذنوب‬
‫روى البخاري (‪ )2‬بسنده من حديث أبي هريرة رضي هللا عنه‪ :‬أن رسول هللا‬
‫ب ِم ْن َها‪ ،‬ث ُ َّم خ ََر َج؛‬
‫ش‪ ،‬فَنَزَ َل بِئْ ًرا‪ ،‬فَش َِر َ‬‫ط ُ‬‫علَ ْي ِه ْال َع َ‬
‫ﷺ قال‪َ (:‬ب ْينَا َر ُجل َي ْم ِشي فَا ْشت َ َّد َ‬
‫ث يَأ ْ ُك ُل الث َّ َرى ِمنَ ْالعَ َ‬
‫ط ِش فَقَا َل‪ :‬لَقَ ْد بَلَ َغ ه َذا ِمثْ ُل الَّذِي بَلَ َغ بِي‬ ‫فَإ ِ َذا ُه َو بِ َك ْلب يَ ْل َه ُ‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في صحيحه ك الحج باب حجة الوداع (‪ )3009‬من حديث جابر‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري في صحيحه ك المساقاة باب فضل سقي الماء (‪ .)2234‬من حديث أبي‬
‫هريرة‪.‬‬
‫‪-453-‬‬
‫سقَى ْال َك ْل َ‬
‫ب فَ َش َك َر هللاُ لَهُ فَغَ َف َر لَهُ قَالُوا‪ :‬يَا‬ ‫فَ َمأل َ ُخفَّهُ‪ ،‬ث ُ َّم أَ ْم َ‬
‫س َكهُ بِ ِفي ِه‪ ،‬ث ُ َّم َرقِ َ‬
‫ي‪ ،‬فَ َ‬
‫طبَة أَجْ ر)‪.‬‬ ‫كل َك ِبد َر ْ‬ ‫سو َل هللاِ َو ِإ َّن لَنَا فِي ْالبَ َهائِ ِم أَجْ ًرا قَا َل‪ :‬فِي ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ضا من حديث أبي هريرة‬ ‫بل األعجب من ذلك ما ورد في الصحيح (‪ )1‬أي ً‬
‫ش‪،‬‬ ‫يف بِ َر ِكيَّة(‪َ )2‬كا َد يَ ْقتُلُهُ ْالعَ َ‬
‫ط ُ‬ ‫رضي هللا عنه قال‪ :‬قال النبي ﷺ‪( :‬بَ ْينَ َما َك ْلب ي ُِط ُ‬
‫سقَتْهُ‪ ،‬فَغُ ِف َر َل َها بِ ِه)‪.‬‬
‫ت ُموقَ َها‪َ ،‬ف َ‬ ‫إِ ْذ َرأَتْهُ بَ ِغ ٌّ‬
‫ي ِم ْن بَغَايَا بَنِي إِس َْرائِي َل‪ ،‬فَـنَـزَ َع ْ‬
‫فإذا كان هذا شأن الرحمة بالحيوان في سقيها الماء تغفر ذنوب البغايا‪ ،‬فإن‬
‫الرحمة باالنسان تصنع ما ال يخطر على بال‪.‬‬
‫ولذا قال بعض التابعين‪( :‬من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء) (‪.)3‬‬
‫هذا هو االسالم في رقيه وإنسانيته ورحمته بكل الكائنات‪.‬‬
‫سقي الماء من أفضل الصدقات‪:‬‬
‫يعد سقي الماء من أفضل الصدقات‪ ،‬السيما لمن احتاج إلى ذلك سواء كان‬
‫إنسانًا أو حيوانًا‪.‬‬
‫سو َل‬ ‫روى أبو داود(‪ )4‬من حديث سعد بن عبادة رضي هللا عنه نَّهُ َقا َل َيا َر ُ‬
‫ض ُل قَا َل ْال َما ُء َقا َل فَ َحفَ َر ِبئْ ًرا َوقَا َل َه ِذ ِه ِأل ُ ِم‬
‫ص َدقَ ِة أ َ ْف َ‬ ‫َت فَأ َ ُّ‬
‫ي ال َّ‬ ‫َّللاِ إِ َّن أ ُ َّم َ‬
‫س ْعد َمات ْ‬ ‫َّ‬
‫س ْعد‪.‬‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في صحيحه ك االنبياء باب أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم (‪)3280‬‬
‫من حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬ركية‪ :‬بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد الياء آخر الحروف وهي البئر مطوية كانت أو غير‬
‫مطوية وغير المطوية يقال لها جب وقليب وقيل الركي البئر قبل أن تطوى فإذا طويت فهي‬
‫الطوى‪ .‬فتح الباري (‪)516/6‬‬
‫(‪ )3‬تفسير القرطبي (‪.)215/7‬‬
‫(‪ )4‬سنده ضعيف‪ :‬أخرجه أبو داود في سننه ك الزكاة باب في فضل سقي الماء (‪ )1683‬من طريق‬
‫أبي إسحاق عن رجل عن سعد بن عبادة‪ .‬وفي سنده رجل مجهول‪.‬‬
‫‪-454-‬‬
‫وعن أنس قال‪ :‬قال سعد‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬إن أم سعد كانت تحب الصدقة‪،‬‬
‫أفينفعها أن أتصدق عنها؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬وعليك بالماء(‪.)1‬‬
‫علَ ْينَا‬ ‫اب ْال َجنَّ ِة أ َ ْن أَفِي ُ‬
‫ضواْ َ‬ ‫ار أ َ ْ‬
‫ص َح َ‬ ‫اب النَّ ِ‬ ‫وفي قول هللا تعالى‪َ ":‬ونَا َدى أ َ ْ‬
‫ص َح ُ‬
‫ِمنَ ْال َماء أ َ ْو ِم َّما َرزَ َق ُك ُم َّللاُ " (األعراف‪ :‬آية‪.)50‬‬
‫قال القرطبي في تفسيرها‪ :‬هذه األية دليل على أن سقي الماء من أفضل‬
‫األعمال(‪.)2‬‬
‫وقد أدرك الصحابة الكرام رضي اله تعالى عنهم هذه المعاني السامية‪،‬‬
‫وعلموا أن سقي الماء من أعظم األبواب التي تكفر الذنوب‪ ،‬وترفع درجات‬
‫اإلنسان‪ ،‬فسابقوا إلى فعلها‪ ،‬فنرى هذا المشهد العظيم من سيدنا عثمان بن عفان‬
‫رضي هللا عنه حين اشترى بئر رومة‪ ،‬وتصدق بها على الناس‪.‬‬
‫ان‬‫عثْ َم ُ‬
‫علَ ْي ِه ْم ُ‬
‫ف َ‬ ‫َّار ِحينَ أ َ ْش َر َ‬ ‫شي ِْري ِ قَال‪َ َ :‬ش ِهدْتُ الد َ‬ ‫ف َع ْن ث ُ َما َمةَ ب ِْن َح ْزن ْالقُ َ‬
‫ْس بِ َها‬ ‫َّللا ﷺ قَد َِم ْال َمدِينَةَ َولَي َ‬
‫سو َل َّ ِ‬‫اإلس َْال ِم ه َْل ت َ ْعلَ ُمونَ أ َ َّن َر ُ‬
‫الِل َو ِب ْ ِ‬ ‫فَقَا َل‪ :‬أ َ ْن ُ‬
‫ش ُد ُك ْم ِب َّ ِ‬
‫غي َْر ِبئْ ِر ُرو َمةَ؟ فَقَا َل‪َ :‬م ْن َي ْشت َِري ِبئْ َر ُرو َمةَ فَ َيجْ َع ُل ِفي َها َد ْل َوهُ َم َع‬ ‫ب َ‬ ‫َماء يُ ْست َ ْع َذ ُ‬
‫ب َما ِلي فَ َج َع ْلتُ َد ْل ِوي‬
‫ص ْل ِ‬
‫د َِال ِء ْال ُم ْس ِل ِمينَ بِ َخيْر لَهُ ِم ْن َها فِي ْال َجنَّ ِة؟ فَا ْشت ََر ْيت ُ َها ِم ْن ُ‬
‫فِي َها َم َع د َِال ِء ْال ُم ْس ِل ِمينَ "(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬سنده صحيح‪ :‬أخرجه الطبراني في األوسط (‪45/5‬ح‪ )1790‬من طريق حميد الطويل عن أنس‬
‫مرفوعا‪ .‬ورجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬الجامع ألحكام القرآن (‪.)215/5‬‬
‫(‪ )3‬سنده حسن‪ :‬أخرجه الترمذي في مسنده ك المناقب باب في مناقب عثمان بن عفان (‪ )3703‬من‬
‫طريق يحيى بن أبي الحجاج عن أبي مسعود الجريري عن ثمامة بن حزن‪ .‬وفي سنده يحيى بن‬
‫أبي الحجاج وهو لين الحديث‪ ،‬ولكن لم ينفرد به‪ ،‬فقد تابعه هالل بن أبي حق كما عند أحمد في‬
‫مسنده (‪74/1‬ح‪ )555‬وهو مقبول‪ ،‬كما أن الحديث علقه البخاري (‪ )827/2‬بصيغة الجزم‪.‬‬
‫‪-455-‬‬
‫وكان الصحابة رضوان هللا عليهم يحفرون اآلبار لتوفير الماء‪ ،‬وذكر الفاكهي‬
‫قال‪ :‬ذكر اآلبار اإلسالمية‪ :‬بئر أبي موسى األشعري‬ ‫مكة(‪)1‬‬ ‫في كتاب أخبار‬
‫رضي هللا عنه‪ :‬على باب شعب أبي دب بالحجون‪ ،‬حفرها حين انصرف من‬
‫الحكمين‪ ،‬ثم اندملت(‪ ،)2‬فلم تزل مدمولة حتى نثلها(‪ )3‬بغا مولى أمير المؤمنين في‬
‫سنة اثنتين وأربعين ومائتين‪ ،‬على يد وكيله ابن شلقان‪ ،‬وبئر آل شوذب‪ :‬كانت‬
‫على باب المسجد عند باب آل شيبة‪ ،‬فدخلت في المسجد الحرام‪ ،‬حين وسعه‬
‫المهدي في خالفته‪ ،‬وهي في الزيادة األولى التي كان وليها جعفر بن سليمان في‬
‫سنة إحدى وستين ومائة‪ ،‬وشوذب مولى لمعاوية رضي هللا عنه‪ .‬والبرود‪ :‬بفخ‬
‫أسفل من شعب المبيضة‪ ،‬حفرها خراش بن أمية محرش‪ ،‬ويقال‪ :‬محرش الكعبي‬
‫فيما يقولون‪ ،‬ولها يقول الشاعر‪ :‬بين البرود وبين بلدح نلتقي وبئر بكار‪ :‬بذي‬
‫طوى‪ ،‬عند ممادر بكار‪ ،‬وبكار رجل من أهل العراق‪ ،‬كان يسكن مكة‪ .‬وبئر‬
‫وردان مولى المطلب بن أبي وداعة‪ :‬بذي طوى عند سقاية سراج بفخ‪ ،‬وسراج‬
‫مولى لبني هاشم‪ ،‬وفي هذا الموضع يقول بعض الشعراء‪ :‬إلى مبيت سراج‬
‫فالبرود فما حازت بالدح ذات النخل والسدر وبئر البن هشام ببئر ميمون تدعى‬
‫الهشامية‪ ،‬وراء الدار التي كانت ألم عيسى بنت سهيل‪ ،‬مقابلة دار محمد بن‬
‫داود‪ .‬وبئر لكثير بن الصلت في داره التي بالثنية‪ ،‬وهي دار طاقة‪ .‬وبئر عبد هللا‬
‫بن الزبير رضي هللا عنهما بقعيقعان‪ .‬وبئر لمعاوية رضي هللا عنه على حمامه‬
‫عند دار الحمام‪ .‬وبئر لعبد هللا بن عامر في شعب ابن عامر‪ .‬وبئر السقيا فوق‬

‫(‪)236/6( )1‬‬
‫(‪ )2‬اندملت‪ :‬أي جفت وطمست‪.‬‬
‫(‪ )3‬نثلها‪ :‬استخرج ما فيها‪.‬‬
‫‪-456-‬‬
‫مأزمي عرفة عند مسجد إبراهيم عليه الصالة والسالم من عرنة‪ ،‬كانت جاهلية‪،‬‬
‫حفرتها خالصة‪ .‬والياقوتة‪ :‬التي بمنى حفرها أبو بكر الصديق رضي هللا عنه في‬
‫خالفته‪ ،‬فعملها الحجاج بعد مقتل ابن الزبير رضي هللا عنهما فيما يزعمون‪،‬‬
‫وضرب فيها وأحكمها‪ .‬وآبار عمرو بن عثمان التي بمنى في شعب عمرو‪ ،‬ومنها‬
‫يشرب اليوم الناس بمنى‪،‬وبئر الشركاء بأجياد لبني مخزوم‪ ،‬وبئر عكرمة بأجياد‬
‫الصغير‪ ،‬في الشعب الذي يقال له األيسر‪ ،‬وبئر ابن المرتفع‪.‬‬
‫وعن جابر بن عبد هللا رضي هللا عنهما أن رسول هللا ﷺ قال‪ ":‬من حفر ماء‬
‫لم تشرب منه كبد حري من جن أو إنس وال طائر إال آجره هللا يوم القيامة"(‪.)1‬‬
‫وعن أنس رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ ":‬سبع يجري للعبد أجرهن‬
‫بئرا‪ ،‬أو‬ ‫للعبد من بعده وهو في قبره‪ :‬من علَم عل ًما‪ ،‬أو كرى ً‬
‫نهرا‪ ،‬أو حفر ً‬
‫ورث مصحفًا‪ ،‬أو ترك ول ًدا يستغفر له بعد‬ ‫غرس ً‬
‫نخال‪ ،‬أو بنى مسج ًدا‪ ،‬أو ً‬
‫موته"(‪.)2‬‬
‫وفي ضوء هذه األحاديث يتبين لنا مدى حرص االسالم على االهتمام‬
‫بالمرافق العامة التي يحتاجها الناس‪ ،‬كتوفير المياه ونحوها‪ ،‬وجعل هذه األعمال‬
‫من الصدقات الجارية التي ينتفع بها العبد بعد موته‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي هللا عنه قال‪ :‬قال رسول هللا ﷺ‪ِ ":‬إ َّن ِم َّما يَ ْل َح ُق‬
‫صا ِل ًحا ت ََر َكهُ‬ ‫سنَاتِ ِه بَ ْع َد َم ْوتِ ِه ِع ْل ًما َ‬
‫علَّ َمهُ َونَش ََرهُ َو َو َلدًا َ‬ ‫ْال ُمؤْ ِمنَ ِم ْن َ‬
‫ع َم ِل ِه َو َح َ‬

‫(‪ )1‬سنده صحيح‪ :‬أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (‪269/2‬ح‪ )1292‬من طريق عطاء بن أبي‬
‫رباح عن جابر مرفوعا‪ .‬وسنده رجاله ثقات‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنده ضعيف‪ :‬أخرجه البزار في مسنده (‪346/2‬ح‪ )7289‬وأبو نعيم في الحلية (‪)343/2‬‬
‫والبيهقي في شعب االيمان (‪248/3‬ح‪ )3449‬من طريق محمد بن عبيد هللا العرزمي وهو‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫‪-457-‬‬
‫سبِي ِل بَنَاهُ أ َ ْو نَ ْه ًرا أَجْ َراهُ أ َ ْو َ‬
‫ص َدقَةً‬ ‫ص َحفًا َو َّرثَهُ أ َ ْو َمس ِْجدًا بَنَاهُ أ َ ْو بَ ْيتًا ِالب ِْن ال َّ‬
‫َو ُم ْ‬
‫ص َّح ِت ِه َو َحيَاتِ ِه يَ ْل َحقُهُ ِم ْن بَ ْع ِد َم ْوتِ ِه "(‪.)1‬‬‫أ َ ْخ َر َج َها ِم ْن َما ِل ِه فِي ِ‬
‫ومن فضائل سقي الماء أي ً‬
‫ضا أن يكون جزاؤه أن يسقيه هللا من الرحيق‬
‫المختوم‪:‬‬
‫فعن أبي سعيد الخدري رضي هللا عنه عن النبي ﷺ قال‪(":‬أَيُّ َما ُم ْس ِلم َك َ‬
‫سا‬
‫ع َلى‬ ‫َّللاُ ِم ْن ُخض ِْر ا َ ْل َجنَّ ِة‪َ ,‬وأَيُّ َما ُم ْس ِلم أ َ ْ‬
‫ط َع َم ُم ْس ِل ًما َ‬ ‫علَى ُ‬
‫ع ْري َك َساهُ َ َّ‬ ‫ُم ْس ِل ًما ث َ ْوبًا َ‬
‫سقَاهُ َ َّ‬
‫َّللاُ ِم ْن‬ ‫علَى َ‬
‫ظ َمإ َ‬ ‫ار ا َ ْل َجنَّ ِة‪َ ,‬وأَيُّ َما ُم ْس ِلم َ‬
‫سقَى ُم ْس ِل ًما َ‬ ‫ط َع َمهُ َ َّ‬
‫َّللاُ ِم ْن ثِ َم ِ‬ ‫ُجوع أ َ ْ‬
‫وم)"(‪.)2‬‬ ‫ق ا َ ْل َم ْخت ُ ِ‬ ‫ا َ َّ‬
‫لر ِحي ِ‬
‫بل إن سقي الماء ينتفع به في الدنيا‪ ،‬فهو سبب لعالج األمراض‪ ،‬وشفاء‬
‫األسقام ـ بإذن هللا تعالى ـ‬
‫فعن بن الحسن بن شقيق قال‪ :‬سمعت ابن المبارك و سأله رجل يا أبا عبد‬
‫الرحمن قرحة خرجت في ركبتي منذ سبع سنين و قد عالجت بأنواع العالج و‬
‫سألت األطباء فلم أنتفع به فقال‪ :‬اذهب فانظر موضعا يحتاج الناس إلى الماء‬

‫(‪ )1‬سنده حسن‪ :‬أخرجه ابن ماجة في سننه في افتتاح الكتاب في االيمان وفضائل الصحابة باب‬
‫ثواب معلم الناس الخير (‪ )242‬وابن خزيمة في صحيحه (‪21/4‬ح‪ )2490‬من طريق مرزوق‬
‫بن أبي الهذيل عن الزهري عن أبي عبد هللا األغر عن أبي هريرة مرفوعًا‪ .‬وفي سنده مرزوق‬
‫الهذيل‪ ،‬قال ابن حجر في التقريب‪ :‬لين الحديث‪ .‬ولكن الحديث له شاهد‪ :‬أخرجه ابن ماجة نفس‬
‫الكتاب والباب (‪ )241‬من حديث أبي قتادة مرفوعًا‪ ،‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬سنده ضعيف‪ :‬أخرجه أبو داود في سننه ك الزكاة باب في فضل سقي الماء (‪ )1684‬من طريق‬
‫أبي خالد الذي كان ينزل في بني داالن عن نبيح عن أبي سعيد مرفوعًا‪ .‬وفي سنده أبو خالد‬
‫كثيرا ويدلس‪ .‬والحديث أخرجه الترمذي في الزكاة (‪ )2449‬من‬ ‫ً‬ ‫الداالني وهو صدوق يخطئ‬
‫طريق عطية العوفي عن أبي سعيد مرفوعًا‪ ،‬وعطية العوفي ضعيف‪ .‬قال الترمذي‪ :‬هذا حديث‬
‫غريب‪ ،‬وقد روي عن عطية عن أبي سعيد موقوف‪ ،‬وهو أصح عندنا وأشبه‪.‬‬
‫‪-458-‬‬
‫فاحفر هناك بئرا فإني أرجو أن تنبع هناك عين و يمسك عنك الدم ففعل الرجل‬
‫فبرأ (‪.)1‬‬
‫قال البيهقي(‪ :)2‬وفي هذا المعنى حكاية قرحة شيخنا الحاكم أبي عبد هللا رحمه‬
‫هللا فإنه قرح وجهه و عالجه بأنواع المعالجة فلم يذهب‪ ،‬و بقي فيه قريبًا من سنة‪،‬‬
‫فسأل األستاذ اإلمام أبو عثمان الصابوني أن يدعو له في مجلسه يوم الجمعة فدعا‬
‫له و أكثر الناس التأمين فلما كان من الجمعة األخرى ألقت امرأة رقعة في‬
‫المجلس بأنها عادت إلى بيتها و اجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبد هللا تلك الليلة‬
‫فرأت في منامها رسول هللا ﷺ كأنه يقول لها‪ :‬قولوا ألبي عبد هللا يوسع الماء‬
‫على المسلمين فجيئت بالرقعة إلى الحاكم أبي عبد هللا فأمر بسقاية الماء فيها و‬
‫في الماء و أخذ الناس في الماء فما مرت عليه أسبوع حتى ظهر‬ ‫الجمد(‪)3‬‬ ‫طرح‬
‫الشفاء وزالت تلك القروح و عاد وجهه إلى ما كان و عاش بعد ذلك سنين‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البيهقي في شعب االيمان (‪221/3‬ح‪ )3381‬من طريق حاتم بن الجراح عن علي بن‬
‫الحسن بن شقيق عن ابن المبارك به‪ .‬وفي سندها حاتم بن الجراح‪ ،‬لم أجد له ترجمة‪.‬‬
‫(‪ )2‬نفسه‪.‬‬
‫(‪ )3‬الجمد‪ :‬يعني الثلج‪.‬‬
‫‪-459-‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬آداب شرب املاء‬
‫جعلت الشريعة االسالمية آدابًا لمن أراد أن يشرب الماء‪ ،‬من أخذ بها نال‬
‫كثيرا‪ ،‬ومن تلك‬
‫ً‬ ‫خيرا‬
‫الخير الكثير في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومن تركها حرم نفسه ً‬
‫اآلداب‪:‬‬
‫‪1‬ـ تسمية هللا عند الشرب والحمد عند االنتهاء‬
‫من آداب شرب الماء البسملة في أول الشرب والحمدلة في آخره‪ ،‬فإذا أراد‬
‫المسلم أن يشرب شرع له أن يسمي هللا تعالى‪ ،‬وإذا انتهى حمد هللا‪ ،‬لما ورد من‬
‫حديث أبي هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا ﷺ كان يشرب في ثالثة أنفاس‪،‬‬
‫إذا أدنى اإلناء إلى فيه يسمي هللا‪ ،‬فإذا أخره حمد هللا‪ ،‬يفعل ثالث"(‪.)1‬‬
‫وقد دل هذا الحديث الشريف على أن المسلم يُشرع له إذا أراد الشرب أن‬
‫يسمي هللا‪ ،‬فإذا قطع الشرب للنفس حمد هللا‪ ،‬فإذا أراد الشرب ثانية سمى هللا‪ ،‬فإذا‬
‫مستحضرا نعمة هللا تعالى في‬
‫ً‬ ‫قطع حمد هللا‪،‬وهكذا حتى ينتهي من شربه‪،‬‬
‫تحصيل هذا الماء‪ ،‬وجعله عذبًا فرات ًا ولم يجعله مل ًحا أجا ًجا‪.‬‬
‫وهذا السلوك يستجلب رضا هللا تعالى‪ ،‬ويكون سببًا لدوام هذه النعمة وبقائها‪،‬‬
‫ع ِن ْال َع ْب ِد أ َ ْن َيأ ْ ُك َل‬ ‫َّللا لَ َي ْر َ‬
‫ضى َ‬ ‫َّللا ‪-‬ﷺ‪ِ " -‬إ َّن َّ َ‬ ‫ع ْن أَن َِس ب ِْن َما ِلك قَا َل قَا َل َر ُ‬
‫سو ُل َّ ِ‬ ‫َ‬
‫ش ْر َبةَ فَ َيحْ َم َدهُ َ‬
‫علَ ْي َها "(‪.)2‬‬ ‫علَ ْي َها أ َ ْو َي ْش َر َ‬
‫ب ال َّ‬ ‫األ َ ْكلَةَ فَ َيحْ َم َدهُ َ‬
‫كما أن للحمد بعد الشرب فلسفة أخرى‪ ،‬حيث يستحضر الشارب أن هللا تعالى‬

‫(‪ )1‬سنده حسن‪ :‬أخرجه الطبراني في األوسط (‪257/1‬ح‪ )840‬وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح‬
‫(‪ )96/10‬وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (‪ :)84/5‬فيه عتيق بن يعقوب ال بأس به وبقية‬
‫رجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم في صحيحه ك الذكر والدعاء والتوبة باب استحباب حمد هللا تعالى بعد األكل‬
‫والشرب (‪.)7108‬‬
‫‪-460-‬‬
‫جعل لهذا الماء ـ بعد أن يستعذبه ـ مخر ًجا‪ ،‬إذ لو انحبس في بطنه أو مثانته‬
‫لحدث بذلك أذى وضرر كبير‪.‬‬
‫ب‪ ،‬قَا َل‪:‬‬ ‫َّللا ﷺ ِإ َذا أ َ َك َل‪َ ،‬و َ‬
‫ش ِر َ‬ ‫سو ُل َّ ِ‬‫اريِ‪ ،‬قَا َل‪َ :‬كانَ َر ُ‬ ‫ص ِ‬ ‫ع ْن أ َ ِبي أَي َ‬
‫ُّوب األ َ ْن َ‬ ‫و َ‬
‫غهُ‪َ ،‬و َج َع َل لَهُ َم ْخ َر ًجا "(‪.)1‬‬ ‫لِل َّالذِي أ َ ْ‬
‫ط َع َمنَا‪َ ،‬و َسقَانَا‪َ ،‬و َ‬
‫س َّو َ‬ ‫ْال َح ْم ُد ِ َّ ِ‬
‫قال ابن القيم‪ :‬للتسمية في األول والحمد في اآلخر تأثير عجيب في نفع الطعام‬
‫والشراب ودفع مضرته قال اإلمام أحمد‪ :‬إذا جمع الطعام أربعًا فقد كمل إذا ذكر‬
‫هللا في أوله وحمده في آخره وكثرة األيدي عليه وكان من حل(‪.)2‬‬
‫‪2‬ـ استحباب الشرب في حال الجلوس‬
‫الر ُج ُل قَا ِئ ًما‪ .‬قَا َل‬
‫ب َّ‬‫فعن أنس رضي هللا عنه عن النبي ﷺ أنه نَهى أن َي ْش َر َ‬
‫قتادة‪ :‬فَقُ ْلنَا ألَنَس‪ :‬فاأل َ ْكلُ؟ قَا َل‪َ :‬ذ ِل َك أَش َُّر ‪ -‬أ َ ْو ْ‬
‫أخبَ ُ‬
‫ث (‪.)3‬‬
‫وقد ورد ما يعارض ظاهره هذا الحديث فعن ابن عباس رضي هللا عنهما‬
‫ب النَّبِ ُّ‬
‫ي ﷺ قَائِ ًما ِم ْن زَ ْمزَ َم (‪.)4‬‬ ‫قال‪ :‬ش َِر َ‬
‫بماء فشرب قائ ًما‪،‬‬ ‫الرحبة(‪)5‬‬ ‫وعن النزال قال‪ :‬أتى علي رضي هللا عنه باب‬
‫سا يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم‪ ،‬وإني رأيت رسول هللا ﷺ فعل‬
‫فقال‪ :‬إن أنا ً‬
‫كما رأيتموني فعلت(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬سنده صحيح‪ :‬أخرجه أبو داود في سننه ك األشربة باب ما يقول الرجل إذا طعم (‪.)3853‬‬
‫فيض القدير (‪.)281/5‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أخرجه مسلم في صحيحه ك األشربة باب كراهية الشرب قائما (‪)5394‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أخرجه البخاري في صحيحه ك األشربة باب الشرب قائما (‪)5294‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫باب الرحبة‪ :‬الرحبة بفتح الراء والمهملة والموحدة المكان المتسع‪ ،‬والمقصود‪ :‬رحبة الكوفة‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫فتح الباري (‪)81/10‬‬
‫أخرجه البخاري في صحيحه ك األشربة باب الشرب قائ ًما (‪.)5292‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫‪-461-‬‬
‫في الجمع بين الحديثين فقال‪ :‬ليس هناك تناقض‪ ،‬ألن‬ ‫قتيبة(‪)1‬‬ ‫وقد وفق ابن‬
‫الحديث األول نهى أن يشرب الرجل أو يأكل ماشيًا‪ ،‬يريد أن يكون شربه وأكله‬
‫ً‬
‫مستعجال في سفر أو حاجة وهو يمشي فيناله‬ ‫على طمأنينه‪ ،‬وأال يشرب إذا كان‬
‫من ذلك شرق أو تعقد الماء في صدره ـ والعرب تقول‪ :‬قم في حاجتنا ال يريدون‬
‫أن يقوم فحسب‪ ،‬وإنما يريدون امش في حاجتنا‪ ،‬اسع في حاجتنا‪ ...‬وفي الحديث‬
‫الثاني كان يشرب وهو قائم غير ماشي‪ ...‬وال بأس بذلك‪ ،‬ألنه يكون على‬
‫طمأنينة فهو بمنزلة القاعد‪.‬‬
‫قال اإلمام النووي(‪ :)2‬على أن هذه األحاديث أشكل معناها على بعض العلماء‬
‫ً‬
‫أقواال باطلة وزاد حتى تجاسر ورام أن يضعف بعضها وادعى‬ ‫حتى قال فيها‬
‫فيها دعاوى باطلة الغرض لنا فى ذكرها والوجه الشاعة األباطيل والغلطات في‬
‫تفسير السنن بل نذكر الصواب ويشار إلى التحذير من االغترار بما خالفه وليس‬
‫فى هذه األحاديث ـ بحمد هللا تعالى ـ اشكال والفيها ضعف بل كلها صحيحة‬
‫والصواب فيها أن النهى فيها محمول على كراهة التنزيه‪ ،‬وأما شربه ﷺ قائما‬
‫فبيان للجواز فال إشكال والتعارض‪ ،‬وهذا الذى ذكرناه يتعين المصير إليه‪ ،‬وأما‬
‫شا‪ ،‬وكيف يصار إلى النسخ مع إمكان‬ ‫من زعم نس ًخا أو غيره فقد غلط غل ً‬
‫طا فاح ً‬
‫الجمع بين األحاديث لو ثبت التاريخ وأنى له بذلك؟ وهللا أعلم‪.‬‬
‫فان قيل كيف يكون الشرب قائ ًما مكرو ًها وقد فعله النبى ﷺ؟ فالجواب‪ :‬أن‬
‫فعله ﷺ إذا كان بيانًا للجواز اليكون مكرو ًها بل البيان واجب عليه ﷺ‪ ،‬فكيف‬
‫يكون مكرو ًها؟ا وقد ثبت عنه أنه ﷺ توضأ مرة مرة وطاف على بعير‪ ،‬مع أن‬

‫(‪ )1‬تأويل مختلف الحديث (ص‪227‬ـ‪.)228‬‬


‫(‪ )2‬شرح النووي على مسلم (‪.)195/13‬‬
‫‪-462-‬‬
‫االجماع على أن الوضوء ثالث ًا والطواف ماشيًا أكمل‪ ،‬ونظائر هذا غير‬
‫منحصرة‪ ،‬فكان ﷺ ينبه على جواز الشئ مرة أو مرات ويواظب على األفضل‬
‫منه وهكذا كان أكثر وضوئه ﷺ ثالث ًا ثالث ًا وأكثر طوافه ماشيًا وأكثر شربه جال ً‬
‫سا‬
‫وهذا واضح اليتشكك فيه من له أدنى نسبة إلى علم‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫هذا وقد أثبتت األبحاث العلمية الحديثة أضرار الشرب واألكل قائ ًما‪ ،‬يقول‬
‫سا أصح وأسلم‬
‫الدكتور‪ /‬عبد الرازق الكيالني‪ :‬إن الشرب وتناول الطعام جال ً‬
‫وأهنأ وأمرأ‪ ،‬حيث تكون األعضاء ساكنة‪ ،‬والمعدة مستريحة‪ ،‬فيسيل الماء من‬
‫فمها على جدرانها بلطف وتؤدة‪ ،‬بينما إذا شرب واقفًا فإن الماء يتساقط من فمها‬
‫إلى قعرها فيصدمه صد ًما‪ ،‬وإذا استمر الحال على ذلك مدة طويلة تسترخي‬
‫المعدة وتهبط‪ ،‬فيسوء هضمها للطعام‪ ،‬وهناك أبحاث كثيرة في هذا الشأن(‪.)1‬‬
‫‪3‬ـ البدء باليمين في السقيا‬
‫كان النبي ﷺ يحب التيامن في كل األمور الفاضلة‪ ،‬في الوضوء واللبس‬
‫وسقي الماء‪ ....‬وغيره‪.‬‬
‫فإذا شرب المسلم وأراد دفع الماء إلى غيره فالسنة أن يبدأ بمن على يمينه‪،‬‬
‫فعن أنس رضي هللا عنه أن رسول هللا ﷺ أتي بلبن قد شيب بماء‪ ،‬وعن يمينه‬
‫أعرابي‪ ،‬وعن شماله أبو بكر‪ ،‬فشرب ثم أعطى األعرابي‪ ،‬وقال‪ " :‬األيمن‬
‫فاأليمن"(‪.)2‬‬
‫وعن سهل بن سعد الساعدي رضي هللا عنه‪ :‬أن رسول هللا ﷺ أتي بشراب‬

‫(‪ )1‬كتاب الحقائق الطبية في االسالم ص ‪154‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه البخاري في صحيحه ك األشربة باب األيمن فاأليمن في الشرب (‪ )5296‬ومسلم في‬
‫صحيحه ك األشربة باب استحباب إدارة الماء واللبن (‪.)5408‬‬
‫‪-463-‬‬
‫فشرب منه‪ ،‬وعن يمينه غالم وعن يساره األشياخ‪ ،‬فقال للغالم‪( :‬أتأذن لي أن‬
‫أعطي هؤالء)‪ .‬فقال الغالم‪ :‬وهللا يا رسول هللا ال أوثر بنصيبي منك أحدا‪ .‬قال‬
‫فتله(‪ )1‬رسول هللا ﷺ في يده (‪.)2‬‬
‫قال اإلمام النووي(‪ :)3‬في هذه األحاديث بيان هذه السنة الواضحة وهو موافق‬
‫لما تظاهرت عليه دالئل الشرع من استحباب التيامن فى كل ما كان من أنواع‬
‫ً‬
‫مفضوال ألن‬ ‫صغيرا أو‬
‫ً‬ ‫االكرام وفيه أن األيمن فى الشراب ونحوه يقدم وان كان‬
‫رسول هللا ﷺ ق َدم األعرابى والغالم على أبى بكر رضى هللا تعالى عنه‪ ،‬وأما‬
‫تقديم األفاضل والكبار فهو عند التساوى فى باقى األوصاف‪ ،‬ولهذا يقدم األعلم‬
‫واألقرأ على األسن النسيب فى اإلمامة فى الصالة‪.‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر(‪ :)4‬وفي الحديث أن سنة الشرب العامة تقديم األيمن‬
‫في كل موطن‪ ،‬وأن تقديم الذي على اليمين ليس لمعنى فيه‪ ،‬بل لمعنى في جهة‬
‫اليمين‪ ،‬وهو فضلها على جهة اليسار‪ ،‬فيؤخذ منه أن ذلك ليس ترجي ًحا لمن هو‬
‫على اليمين بل هو ترجيح لجهته‪.‬‬
‫أخيرا‬
‫ً‬ ‫‪4‬ـ الساقي يشرب‬
‫يستحب لمن يسقي الناس أن يشرب أخرهم لما ورد عن النبي ﷺ أن قال‪" :‬‬

‫فتله‪ :‬أي ألقاه‪ .‬النهاية (‪.)530/1‬‬ ‫(‪)1‬‬


‫أخرجه البخاري في صحيحه ك األشربة باب هل يستأذن الرجل من عن يمينه في الشرب‬ ‫(‪)2‬‬
‫ليعطي األكبر (‪ )5297‬ومسلم في صحيحه ك األشربة باب استحباب إدارة الماء واللبن‬
‫(‪.)5412‬‬
‫شرح النووي على مسلم (‪.)200/13‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫فتح الباري (‪)87/10‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪-464-‬‬
‫ش ْربًا"(‪.)1‬‬ ‫ى ْالقَ ْو ِم ِ‬
‫آخ ُر ُه ْم ُ‬ ‫ِإ َّن َ‬
‫ساقِ َ‬
‫قال النووي(‪ " :)2‬فيه هذا األدب من آداب شاربي الماء واللبن ونحوهما‬
‫وفي معناه ما يفرق على الجماعة من المأكول كلحم وفاكهة ومشموم وغير‬
‫ذلك‪ .‬وهللا أعلم‬
‫قال ابن رسالن(‪ :)3‬في الحديث إشارة إلى أن من ولي شيئ ًا من أمر األمة‬
‫فعليه السعي فيما ينفعهم ودفع ما يؤذيهم‪ ،‬وتقديم مصلحتهم على مصلحته‪ ،‬وكذا‬
‫في اإلطعام والسقي فيبدأ بكبير القوم ثم بمن يليه وهكذا ثم يشرب ما بقي منهم‪.‬‬
‫‪5‬ـ استحباب الشرب باليمين‬
‫يستحب للمسلم أن يشرب باليمين‪ ،‬ويكره الشرب بالشمال إذا لم يكن عذر؛‬
‫َّللا ‪-‬ﷺ‪ -‬قَال‪ِ ":‬إ َذا أ َ َك َل أ َ َح ُد ُك ْم فَ ْل َيأ ْ ُك ْل ِب َي ِمي ِن ِه َو ِإ َذا ش َِر َ‬
‫ب‬ ‫ع َم َر أ َ َّن َر ُ‬
‫سو َل َّ ِ‬ ‫فعن اب ِْن ُ‬
‫طانَ يَأ ْ ُك ُل بِ ِش َما ِل ِه َويَ ْش َر ُ‬
‫ب بِ ِش َما ِل ِه "(‪.)4‬‬ ‫فَ ْليَ ْش َربْ بِيَ ِمينِ ِه فَإ ِ َّن ال َّ‬
‫ش ْي َ‬
‫هللا ﷺ‪َ ،‬و َكان ْ‬
‫َت‬ ‫سو ِل ِ‬ ‫غالَ ًما فِي َحجْ ِر َر ُ‬ ‫سلَ َمةَ قَا َل‪ُ :‬ك ْنتُ ُ‬ ‫ع َم َر ب ِْن أ َ ِبي َ‬ ‫وعن ُ‬
‫هللا‪َ ،‬و ْ‬
‫كل بِيَ ِمينِ َك‪،‬‬ ‫س ِم َ‬ ‫غالَ ُم َ‬
‫سو ُل هللا ﷺ‪ :‬يَا ُ‬ ‫يش فِي الصَّحْ َف ِة‪َ ،‬ف َقا َل ِلي َر ُ‬ ‫يَدِي ت َِط ُ‬
‫ت تِ ْل َك ِط ْع َمتِي َب ْع ُد (‪.)5‬‬
‫يك فَ َما زَ ا َل ْ‬
‫َو ُك ْل ِم َّما َي ِل َ‬
‫فإن كان عذر يمنع الشرب باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك فال‬

‫(‪ )1‬أخرجه مسلم في صحيحه ك المساجد باب قضاء الصالة الفائته واسحباب تعجيل قضائها‬
‫(‪ .)1594‬من حديث قتادة‪.‬‬
‫شرح النووي على مسلم (‪.)189/5‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫دليل الفالحين (‪.)56/6‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أخرجه مسلم في صحيحه ك األشربة باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما (‪.)5384‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫أخرجه البخاري في صحيحه ك األطعمة باب التسمية على الطعام واألكل باليمين (‪)5061‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫ومسلم في صحيحه ك األشربة باب آداب الطعام والشراب (‪ )5388‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫‪-465-‬‬
‫كراهة في الشمال‪.‬‬
‫‪6‬ـ تحريم الشراب في آنية الذهب والفضة‬
‫دلت السنة النبوية الكريمة على عدم جواز استخدام آنية الذهب والفضة في‬
‫سوا‬ ‫الطعام والشراب لما صح من حديث حذيفة أن رسول هللا ﷺ قال‪ " :‬ال ت َْل َب ُ‬
‫ص َحافِ ِه َما‪،‬‬ ‫ض ِة َوال ت َأ ْ ُكلُوا فِي ِ‬
‫ب َو ْال ِف َّ‬ ‫ْال َح ِر َ‬
‫ير َوال الدِيبَا َج‪َ ,‬وال ت َ ْش َربُوا فِي آنِيَ ِة الذَّ َه ِ‬
‫فَإِنَّ َها لَ ُه ْم ِفي ال ُّد ْن َيا َولَ ُك ْم ِفي ِ‬
‫اآلخ َر ِة (‪.)1‬‬
‫َاء‬ ‫سو َل هللاِ ﷺ‪ ،‬قَا َل‪ :‬الَّذِي يَ ْش َر ُ‬
‫ب فِي إِن ِ‬ ‫وحديث أ ُ ِم َ‬
‫سلَ َمةَ‪ ،‬زَ ْوجِ النَّبِي ِ ﷺ‪ ،‬أ َ َّن َر ُ‬
‫َار َج َهنَّ َم"(‪.)2‬‬ ‫ض ِة ِإنَّ َما يُ َج ْر ِج ُر فِي َب ْ‬
‫طنِ ِه ن َ‬ ‫ْال ِف َّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري في صحيحه ك األشربة باب آنية الفضة (‪ )5310‬ومسلم في صحيحه ك‬
‫اللباس والزينة باب تحريم أواني الذهب والفضة في الشرب وغيره على الرجال والنساء‬
‫(‪.)5515‬‬
‫(‪ )2‬البخاري نفس الكتاب والباب (‪ )5311‬ومسلم (‪)5509‬‬
‫‪-466-‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬نعمة املاء بني السلب والعطاء‬
‫من المعلوم أن نعمة الماء هبة من هللا تعالى‪ ،‬يهبها من يشاء من عباده‬
‫برحمته‪ ،‬ويمنعها عمن يشاء بعدله‪ ،‬قال تعالى‪َ ":‬و ُه َو الَّذِي يُن َِز ُل ْالغَي َ‬
‫ْث ِم ْن بَ ْع ِد َما‬
‫ي ْال َح ِمي ُد " (سورة الشورى‪ .)28:‬وقال تعالى‪َّ ":‬‬
‫َّللاُ‬ ‫ش ُر َرحْ َمتَهُ َو ُه َو ْال َو ِل ُّ‬ ‫قَنَ ُ‬
‫طوا َو َي ْن ُ‬
‫ْف يَشَا ُء َويَجْ عَلُهُ ِك َ‬
‫سفًا فَت ََرى‬ ‫اء َكي َ‬ ‫س ُ‬
‫طهُ فِي ال َّ‬
‫س َم ِ‬ ‫ير َس َحابًا فَيَ ْب ُ‬ ‫الَّذِي ي ُْر ِس ُل ِ‬
‫الريَا َح فَتُثِ ُ‬
‫اب بِ ِه َم ْن يَشَا ُء ِم ْن ِعبَا ِد ِه ِإ َذا ُه ْم يَ ْست َ ْب ِش ُرونَ "‬ ‫ص َ‬‫ْال َو ْدقَ يَ ْخ ُر ُج ِم ْن ِخال ِل ِه فَإِ َذا أ َ َ‬
‫(سورة الروم‪ .)48:‬وقال تعالى‪َ ":‬و ِم ْن آ َيا ِت ِه أ َ ْن ي ُْر ِس َل ِ‬
‫الر َيا َح ُم َب ِش َرات َو ِليُذِيقَ ُك ْم‬
‫ي ْالفُ ْلكُ بِأ َ ْم ِر ِه َو ِلت َ ْبتَغُوا ِم ْن فَ ْ‬
‫ض ِل ِه َولَعَلَّ ُك ْم ت َ ْش ُك ُرونَ " (سورة‬ ‫ِم ْن َرحْ َمتِ ِه َو ِلتَجْ ِر َ‬
‫الروم‪.)46:‬‬
‫وإن من أعظم االبتالء الذي يوقعه هللا تعالى على عباده‪ ،‬جدب األرض‬
‫وانحباس القطر من السماء‪.‬‬
‫وقد بينت السنة النبوية المطهرة أهم أسباب منع القطر من السماء‪ ،‬والتي‬
‫منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ منع الزكاة‬
‫حيث بين النبي ﷺ أن من أعظم الذنوب التي تحبس المطر من السماء منع‬
‫الزكاة‪ ،‬وعدم إخراجها لمستحقيها‪.‬‬
‫فعن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما قال‪ :‬أقبل علينا رسول هللا ﷺ‪ .‬فقال‪َ :‬يا‬
‫الِلِ أ َ ْن تُد ِْر ُكو ُه َّن‪ ،‬لَ ْم ت َْظ َه ِر‬ ‫َم ْعش ََر ْال ُم َه ِ‬
‫اج ِرينَ ‪ ،‬خ َْمس إِ َذا ا ْبت ُ ِليت ُ ْم بِ ِه َّن‪َ ،‬وأ َ ُ‬
‫عوذُ ِب َّ‬
‫ون َو ْاأل َ ْو َجاعُ‪ ،‬الَّتِي َل ْم‬ ‫ع ُ‬ ‫الطا ُ‬ ‫ط‪َ ،‬حتَّى يُ ْع ِلنُوا‪ ،‬بِ َها ِإ َّال َفشَا فِي ِه ُم َّ‬‫شةُ فِي قَ ْوم قَ ُّ‬ ‫ْالفَ ِ‬
‫اح َ‬
‫صوا ْال ِم ْك َيا َل َو ْال ِميزَ انَ ‪ِ ،‬إ َّال أ ُ ِخ ُذوا‬
‫ض ْوا‪َ ،‬ولَ ْم َي ْنقُ ُ‬‫ت فِي أَس َْالفِ ِه ُم الَّذِينَ َم َ‬‫ض ْ‬‫ت َ ُك ْن َم َ‬

‫‪-467-‬‬
‫علَ ْي ِه ْم‪َ ،‬و َل ْم يَ ْمنَعُوا زَ َكاة َ أَ ْم َوا ِل ِه ْم ِإ َّال ُم ِنعُوا‬
‫ان َ‬
‫ط ِ‬‫س ْل َ‬
‫السنِينَ ‪َ ،‬و ِش َّدةِ ْال َمئُونَ ِة‪َ ،‬و َج ْو ِر ال ُّ‬ ‫ِب ِ‬
‫سو ِل ِه ِإ َّال‬
‫ع ْه َد َر ُ‬ ‫َّللاِ‪َ ،‬و َ‬ ‫ع ْه َد َّ‬
‫ضوا َ‬ ‫ط ُروا َو َل ْم َي ْنقُ ُ‬ ‫اء‪َ ،‬و َل ْو َال ْال َب َها ِئ ُم َل ْم ي ُْم َ‬
‫س َم ِ‬ ‫ْالقَ ْ‬
‫ط َر ِمنَ ال َّ‬
‫ض َما فِي أ َ ْيدِي ِه ْم َو َما لَ ْم تَحْ ُك ْم أَئِ َّمت ُ ُه ْم‬ ‫غي ِْر ِه ْم‪ ،‬فَأ َ َخ ُذوا بَ ْع َ‬
‫عدُوا ِم ْن َ‬ ‫علَ ْي ِه ْم َ‬ ‫َّللاُ َ‬
‫ط َّ‬‫سلَّ َ‬‫َ‬
‫َّللاُ َبأ ْ َس ُه ْم َب ْينَ ُه ْم)(‪.)1‬‬ ‫َّللاِ‪َ ،‬و َيت َ َخي َُّروا ِم َّما أ َ ْنزَ َل َّ‬
‫َّللاُ ِإ َّال َج َع َل َّ‬ ‫ب َّ‬ ‫ِب ِكت َا ِ‬
‫بينما نجد أهل الصدقة يسوق هللا إليهم الماء سوقًا‪ ،‬كما في حديث أبي هريرة‬
‫ق‬ ‫ص ْوتًا فِى َ‬
‫س َحابَة ا ْس ِ‬ ‫س ِم َع َ‬ ‫ض َف َ‬ ‫عن النبي ﷺ قال‪ ":‬بَ ْينَا َر ُجل بِ َفالَة ِمنَ األ َ ْر ِ‬
‫غ َما َءهُ ِفى َح َّرة فَإ ِ َذا ش َْر َجة ِم ْن ِت ْل َك ِ‬
‫الش َراجِ‬ ‫اب فَأ َ ْف َر َ‬ ‫َحدِيقَةَ فُالَن‪ ،‬فَتَنَ َّحى َذ ِل َك ال َّ‬
‫س َح ُ‬
‫ت َذ ِل َك ْال َما َء ُكلَّهُ فَتَتَبَّ َع ْال َما َء فَإِ َذا َر ُجل قَائِم فِى َحدِيقَتِ ِه يُ َح ِو ُل ْال َما َء‬ ‫عبَ ْ‬‫قَ ِد ا ْست َْو َ‬
‫س َحا َب ِة َف َقا َل‬ ‫الس ِْم الَّذِى َ‬
‫س ِم َع فِى ال َّ‬ ‫َّللا َما ا ْس ُم َك قَا َل فُالَن‪ِ .‬ل ِ‬ ‫ِب ِم ْس َحاتِ ِه فَقَا َل لَهُ َيا َ‬
‫ع ْب َد َّ ِ‬
‫ب الَّذِى َه َذا‬ ‫س َحا ِ‬ ‫ص ْوتًا فِى ال َّ‬ ‫س ِم ْعتُ َ‬ ‫ع ِن اس ِْمى فَقَا َل إِنِى َ‬ ‫َّللاِ ِل َم تَسْأَلُنِى َ‬ ‫لَهُ يَا َ‬
‫ع ْب َد َّ‬
‫ظ ُر‬‫ت َه َذا فَإِنِى أ َ ْن ُ‬ ‫صنَ ُع فِي َها قَا َل أ َ َّما ِإ َذا قُ ْل َ‬
‫ق َحدِيقَةَ فُالَن ِالس ِْم َك فَ َما ت َ ْ‬‫َماؤُ هُ يَقُو ُل ا ْس ِ‬
‫صد َُّق ِبثُلُ ِث ِه َوآ ُك ُل أَنَا َو ِع َيا ِلى ثُلُثًا َوأ َ ُر ُّد ِفي َها ثُلُثَهُ "(‪.)2‬‬
‫ِإلَى َما َي ْخ ُر ُج ِم ْن َها فَأَت َ َ‬
‫‪2‬ـ عموم الذنوب والمعاصي التي تقع من بني آدم‬
‫ً‬
‫رجال وهو يقول‪ :‬إن الظالم ال يضر إال‬ ‫فعن أبي سلمة‪ ،‬قال‪ :‬سمع أبو هريرة‬
‫لتموت في وكرها هزاال‬ ‫الحبارى(‪)3‬‬ ‫نفسه‪ ،‬قال‪ :‬فالتفت إليه فقال‪ :‬بلى‪ ،‬وهللا إن‬

‫(‪ )1‬سنده ضعيف‪ :‬أخرجه ابن ماجة في سننه ك الفتن باب العقوبات (‪ )4019‬من طريق ابن أبي‬
‫مالك عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح عن عبد هللا بن عمر مرفوعًا‪ .‬وفي سنده ابن أبي رباح‬
‫وهو خالد بن يزيد بن عبد الرحمن وهو ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم في صحيحه ك الزهد والرقائق باب الصدقة في المساكين (‪ )7664‬من حديث أبي‬
‫هريرة‪.‬‬
‫(‪ )3‬الحبارى‪ :‬طائر طويل العنق‪ ،‬رمادي اللون على شكل األوزة في منقاره طول‪ ،‬الذكر واألنثى‬
‫والجمع فيه سواء‪ .‬المعجم الوسيط (‪)151/1‬‬
‫‪-468-‬‬
‫بظلم الظالم(‪.)1‬‬
‫قال ابن األثير(‪ :)2‬يعني أن هللا يحبس عنها القطر بعقوبة ذنوبهم وإنما خصها‬
‫بالذكر ألنها أبعد الطير نجعة فربما تذبح بالبصرة ويوجد في حوصلتها الحبة‬
‫الخضراء وبين البصرة وبين منابتها مسيرة أيام‪.‬‬
‫وعن ابن أبي وائل قال‪ :‬قال عبد هللا‪ :‬إذا بخس الميزان حبس القطر"(‪.)3‬‬
‫العالج والوقاية‬
‫لما كان الماء نعمة من هللا تعالى‪ ،‬فإن ما عند هللا إنما ينال بطاعته وتقواه‪،‬‬
‫آء‬
‫س َم ِ‬
‫ت ِمنَ ال َّ‬ ‫قال تعالى‪َ { :‬و َل ْو أ َ َّن أَ ْه َل ْالقُ َر َ‬
‫ى َءا َمنُواْ َوات َّ ْقوا لَفَتَحْ نَا َ‬
‫ع َل ْي ِهم بَ َر َكا ِ‬
‫َواأل َ ْر ِ‬
‫ض} (سورة األعراف‪.)96:‬‬
‫ومن بركات السماء المطر‪ ،‬ومن بركات األرض النبات مما يأكل الناس‬
‫واألنعام‪.‬‬
‫فعلى األمة أن تتوب وترجع إلى هللا تعالى وأن تستغفره من ذنوبها فهذا هو‬
‫السبيل لمدد هللا تعالى ومعونته قال هللا تعالى " فَقُ ْلتُ ا ْست َ ْغ ِف ُروا َربَّ ُك ْم ِإنَّهُ َكانَ‬
‫ارا (‪َ )11‬ويُ ْم ِد ْد ُك ْم ِبأ َ ْم َوال َوبَنِينَ َويَجْ َع ْل َل ُك ْم‬
‫علَ ْي ُك ْم ِمد َْر ً‬
‫س َما َء َ‬ ‫غفَّ ً‬
‫ارا (‪ )10‬ي ُْر ِس ِل ال َّ‬ ‫َ‬
‫َجنَّات َويَجْ َع ْل َل ُك ْم أ َ ْن َه ً‬
‫ارا "(سورة نوح‪10 :‬ـ ‪.)12‬‬
‫وعن الشعبي قال‪ :‬خرج عمر بن الخطاب رضي هللا عنه يستسقي فلم يزد‬
‫على االستغفار‪ ،‬حتى رجع‪ ،‬فقيل له‪ :‬ما رأيناك استسقيت؟ فقال‪ :‬لقد طلبت المطر‬

‫(‪ )1‬أخرجه ابن جرير في تفسيره (‪)231/17‬‬


‫(‪ )2‬النهاية في غريب الحديث (‪)871/1‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه الحاكم في المستدرك ك الفتن والمالحم (‪549/4‬ح‪ )8536‬وقال‪ :‬هذا حديث على شرط‬
‫الشيخين ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫‪-469-‬‬
‫غفارا‬
‫ً‬ ‫بمجاديح(‪)1‬السماء الذي يستنزل به المطر‪ ،‬ثم قرأ " استغفروا ربكم إنه كان‬
‫مدرارا" و " ياقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء‬
‫ً‬ ‫يرسل السماء عليكم‬
‫مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم"(‪.)2‬‬
‫ً‬ ‫عليكم‬

‫(‪ )1‬مجاديح السماء‪ :‬المجاديح واحدها مجدح‪ ،‬والياء زائدة لالشباع‪ ،‬والقياس أن يكون واحدها‬
‫مجداح‪ ،‬فأما مجدح فجمعه مجادح‪ ،‬والمجدح نجم من النجوم‪ ،‬قيل‪ :‬هو البدران‪ .‬وقيل‪ :‬هو ثالثة‬
‫كواكب كاألثافي تشبيها بالمجدح الذي له ثالث شعب‪ ،‬وهو عند العرب من األنواء الدالة على‬
‫المطر‪ ،‬فجعل االستغفار مشبها باألنواء مخاطبة لهم بما يعرفونه‪ ،‬ال ً‬
‫قوال باألنواء‪ .‬النهاية‬
‫(‪)700/1‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ك الصالة باب االستسقاء (‪87/3‬ح‪ )4902‬وابن أبي شيبة في‬
‫مصنفه ك الدعاء باب ما يدعى به في االستسقاء (‪311/10‬ح‪ )30099‬والبيهقي في السنن‬
‫الكبرى ك صالة االستسقاء باب ما يستحب من كثرة االستغفار في خطبة االستسقاء‬
‫(‪352/3‬ح‪ )6217‬من طريق سفيان بن عيينة عن مطرف عن الشعبيعن عمر‪ .‬وسنده رجاله‬
‫ثقات‪.‬‬
‫‪-470-‬‬
‫خامتة‬
‫الحمد هلل وبه اإلعانة بد ًء وخت ًما‪ ،‬وصلى هللا علي سيدنا محمد وصفًا وذات ًا‬
‫واس ًما‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫فإن المتتبع للسنة النبوية المطهرة‪ ،‬والقارئ لنصوصها‪ ،‬يستطيع أن يجزم أن‬
‫ً‬
‫كامال ألهمية البيئة التي يعيش فيها بكل عناصرها‬ ‫صاحبها ﷺ كان يدرك إدرا ًكا‬
‫ومكوناتها من (التراب والماء والهواء والنار)‪.‬‬
‫بل كان رائ ًدا في هذا األمر الذي أصبح موضو ً‬
‫عا ها ًما‪ ،‬تنادي به كل‬
‫المؤسسات والحكومات اليوم‪.‬‬
‫فنرى السنة النبوية الكريمة تدعو االنسانية إلى حق المشاركة للجميع في‬
‫الموارد البيئية‪ ،‬وتؤكد على تأمين ذلك لألفراد والجماعات‪ ،‬فيقول ﷺ‪ ":‬المسلمون‬
‫شركاء في ثالث‪ :‬في الكأل والماء والنار"‪.‬‬
‫وليس الخطاب للمسلمين فحسب‪ ،‬بل ورد الحديث بلفظ‪ ":‬الناس شركاء في‬
‫ثالث‪ "....‬الحديث‪.‬‬
‫ونظرا لهذه األهمية القصوى للماء جعله هللا ‪ -‬سبحانه ‪ -‬حقا شائعا بين البشر‬
‫جميعا‪ ،‬فحق االنتفاع بالماء مكفول للجميع دون إسراف وال إفساد وال احتقار وال‬
‫تعطيل‪ ،‬وهذا يعنى أن مصادر الماء ال يجوز ألحد أن يحتكرها أو يمنعها عن‬
‫اآلخرين‪ ،‬ولو أدركت الشعوب والحكومات هذه التعاليم اإلسالمية النتهت‬
‫الصراعات التي تدور حول الماء وموارده المختلفة‪.‬‬
‫وال شك ان تصرفات البشر من سوء استخدام المياه العذبة واإلسراف فيها‬
‫وتلويثها قد يكون سببا لندرة المياه‪ ،‬واهدار هذه النعمة الربانية‪ ،‬وحدوث الفقر‬

‫‪-471-‬‬
‫المائي في بعض المناطق‪..‬‬
‫ولذلك فقد أصبحت مشكلة المياه تتصدر أولويات هموم سكان العالم خاصة‬
‫اليوم‪.‬‬
‫واذا كانت مشاكل المياه تنحصر في التلوث واإلسراف وسوء االستخدام‪ ،‬فان‬
‫هذه قضايا عالجها اإلسالم منذ ‪ 14‬قرنا من الزمان بما قرره من آداب وقواعد‬
‫وأحكام للمحافظة على الماء وترشيد استهالكه‪ ،‬فالماء هو مصدر الحياة‪،‬‬
‫والمحافظة عليه تعني المحافظة على الحياة بأشكالها المختلفة‪.‬‬
‫وقد أكدت السنة النبوية المطهرة على مجموعة من القيم واآلداب واألسس‬
‫طاهرا نقيًا‪ ،‬ينتفع به‬
‫ً‬ ‫والقواعد للمحافظة على الماء وحمايته من التلوث‪ ،‬وبقائه‬
‫االنسان كما خلقه هللا‪ ،‬وحذرت من تلويثه‪ ،‬بأي صورة من الصور‪ ،‬حتى ال‬
‫تتحول هذه النعمة االلهية العظيمة إلى مصدر لألمراض واألوبئة‪.‬‬
‫ومن النصوص الصريحة في ذلك قوله ﷺ‪ ":‬اتقوا المالعن الثالث‪ :‬البراز في‬
‫الموارد‪ ،‬وقارعة الطريق‪ ،‬والظل"‪.‬‬
‫وألهمية الماء في حياة الناس أكدت السنة النبوية على التعامل مع هذا المورد‬
‫العظيم بسلوك يتناسب مع االعتراف بهذه النعمة الربانية‪ ،‬فحذرتنا من االسراف‬
‫في استخدامه‪ ،‬حتى ولو كان االنسان على نهر جار‪ ،‬وبينت أن االسراف في‬
‫استخدام الماء نوع من االعتداء المنهي عنه فيقول ﷺ‪ ":‬إنه سيكون في هذه األمة‬
‫طهور"‪.‬‬‫قوم يعتدون في ال ُ‬
‫ولما كان الماء هو شريان الحياة‪ ،‬رغبت السنة النبوية الكريمة في سقيه‬
‫عا من الصدقة الجارية الباقية لإلنسان بعد‬
‫وحضت على توفيره‪ ،‬وجعلت ذلك نو ً‬
‫موته‪.‬‬

‫‪-472-‬‬
‫ولألسف فإن االنسجام الذى دعا إليه االسالم وأكدته السنة النبوية المطهرة‬
‫بين اإلنسان وبيئته قد تم تجاهله فى أيامنا هذه إلى حد بعيد‪.‬‬
‫وفى الوقت الذى نواجه فيه آثار التلوث واإلسراف فى استخدام موارد‬
‫الطبيعة والتصحير وشح الماء فى بعض األماكن فى العالم مع المعاناة من‬
‫الفيضانات والعواصف فى غيرها من األماكن‪ ،‬فإنه من المالئم لإلنسانية جميعا‬
‫أن تأخذ هذه التوجيهات النبوية الكريمة موضع إهتمام وتقدير‪ ،‬لمواجهة األزمة‬
‫بجد وحكمة‪.‬‬
‫البيئية الحالية ِ‬
‫نسأل هللا تعالى أن يعيد لهذه األمة ماضي عزها وغابر مجدها‬
‫وصلى هللا وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‬
‫***‬

‫‪-473-‬‬
‫فهرس املصادر‬
‫‪1‬ـ بغية الباحث عن مسند الحارث للهيثمى‪ .‬مركز خدمة السيرة النبوية‪/‬‬
‫المدينة المنورة‪.‬طبعة أولى‪.‬‬
‫‪2‬ـ التمهيد لما في الموطأ من المعاني واألسانيد‪ .‬مؤسسة قرطبة‪.‬‬
‫‪3‬ـ تأويل مختلف الحديث البن قتيبة‪ .‬دار الجيل‪ .‬بيروت‪.‬‬
‫‪4‬ـ تفسير ابن جرير‪ .‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫‪5‬ـ الحقائق الطبية في االسالم‪ .‬دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪6‬ـ حاشية ابن عابدين‪ .‬دار الفكر للطباعة والنشر‪ .‬بيروت‪.‬‬
‫‪7‬ـ حلية األولياء ألبي نعيم‪ .‬دار الكتاب العربي‪ .‬بيروت‪.‬‬
‫‪8‬ـ جامع العلوم والحكم البن رجب‪ .‬دار المعرفة‪ .‬بيروت‪.‬‬
‫‪9‬ـ الجامع ألحكام القرآن‪ .‬دار عالم الكتب‪ .‬الرياض‪ .‬المملكــة العربيـــة‬
‫السعودية‪.‬‬
‫‪10‬ـ تقريب التهذيب البن حجر‪ .‬مؤسسة الرسالة‬
‫‪11‬ـ دالئل النبوة للبيهقى‪ .‬دار الكتب العلمية‪ /‬بيروت‪.‬‬
‫‪12‬ـ سنن الترمذى‪ .‬دار الكتب العلمية‪/‬بيروت‪.‬‬
‫‪13‬ـ سنن أبو داود‪.‬دار الحديث القاهرة‪.‬‬
‫‪14‬ـ سنن ابن ماجة‪ .‬دار إحياء الكتب العربية‬
‫‪15‬ـ سنن النسائى‪ .‬دار الجيل ‪ /‬بيروت‬
‫‪16‬ـ سنن الدارمى‪.‬دار الكتب العلمية‪ /‬بيروت‪.‬‬

‫‪-474-‬‬
‫‪17‬ـ شرح السنة للبغوى‪.‬المكتب االسالمى‪.‬‬
‫‪18‬ـ شرح النووى على مسلم‪ .‬دار إحياء التراث العربي‪ .‬بيروت‪.‬‬
‫‪19‬ـ ـ شعب االيمان للبيهقى‪ .‬دار الكتب العلمية ‪ /‬بيروت‪.‬‬
‫‪20‬ـ صحيح البخاري‪ .‬دار الجيل‪ .‬بيروت‪.‬‬
‫‪21‬ـ صحيح مسلم‪ .‬دار ابن كثير‪ .‬اليمامة‪ .‬بيروت‪.‬‬
‫‪22‬ـ صحيح ابن حبان‪ .‬دار الكتب العلمية ‪ /‬بيروت‪.‬‬
‫‪23‬ـ صحيح ابن خزيمة‪ .‬المكتب االسالمي‪ .‬بيروت‪.‬‬
‫‪24‬ـ الطب النبوي البن القيم‪ .‬دار الكتاب العربي‪ .‬بيروت‪.‬‬
‫‪25‬ـ عون المعبود شرح سنن أبى داود‪ .‬دار الكتب العلمية‪ /‬بيروت‪.‬‬
‫‪26‬ـ فتح البارى‪ .‬دار المعرفة ـ بيروت‪.‬‬
‫‪27‬ـ فقه السنة‪ .‬موقع مكتبة المسجد النبوي الشريف‪.‬‬
‫‪28‬ـ كشف األستار عن زوائد البزارللهيثمى‪.‬مؤسسة الرسالة‬
‫‪29‬ـ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح‪ .‬موقع المشكاة االسالمية‪.‬‬
‫‪30‬ـ ـ مسند االمام أحمد‪ .‬مؤسسة قرطبة‪.‬‬
‫‪31‬ـ ـ مسند أبى يعلى‪ .‬دار المأمون للتراث‪ /‬دمشق‪.‬‬
‫‪ 32‬ـ معجم األوسط للطبرانى‪ .‬دار الحرمين ‪ /‬القاهرة‪.‬‬
‫‪33‬ـ مسند إسحاق بن راهوية‪ .‬مكتبة االيمان‪ /‬المدينة المنورة‪.‬‬
‫‪34‬ـ مصنف عبد الرزاق‪ .‬المكتب االسالمي‪ .‬بيروت‪.‬‬
‫‪35‬ـ مصنف ابن أبي شيبة‪ .‬طبعة الدار السلفية الهندية‪.‬‬

‫‪-475-‬‬
‫‪36‬ـ مجمع الزوائد للهيثمى‪ .‬دار الكتاب العربى‪ /‬بيروت‪.‬‬
‫‪37‬ـ موطأ مالك‪ .‬دار التراث العربى ‪ /‬بيروت‪.‬‬
‫‪38‬ـ مستدرك الحاكم‪ .‬دار المعرفة‪ /‬بيروت‪.‬‬
‫‪39‬ـ النهاية فى غريب الحديث البن األثير‪ .‬المكتبة العلمية ‪ /‬بيروت‪.‬‬
‫***‬

‫‪-476-‬‬
‫فهرس موضوعات البحث‬
‫الموضوع ‪...................................................................‬الصفحة‬
‫مقدمة ‪379 ...........................................................................‬‬
‫تمهيد ‪382 ...........................................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬األمن المائي ‪385 ..................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المحافظة على الماء ‪389 ..........................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الترغيب في سقي الماء ‪400 ......................................‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬آداب شرب الماء ‪406 .............................................‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬نعمة الماء بين السلب والعطاء ‪412 ............................‬‬
‫خاتمة ‪415 ...........................................................................‬‬
‫فهرس المصادر‪418 ................................................................‬‬
‫فهرس موضوعات البحث ‪421 .....................................................‬‬
‫***‬

‫‪-477-‬‬
-478-

You might also like